مجاني الأدب في حدائق العرب

لويس شيخو

الجزء الأول

الجزء الأول مجاني الأدب في حدائق العرب الباب الأول في التدين والتقوى اعتقاد وجود الله 1 إعلم أيها الإنسان أنك مخلوق ولك خالق. وهو خالق العالم وجميع ما في العالم. وأنه واحد. كان في الأزل وليس لكونه زوال. ويكون مع الأبد وليس لبقائه فناء. وجوده في الأزل والأبد واجب وما للعدم إليه سبيل. وهو موجود بذاته. وكل أحد إليه محتاج وليس له إلى أحد احتياج. وجوده به ووجود كل شيء به (للغزالي) قدرة الله 2 إنه تعالى على كل شيء قدير. وإن قدرته وملكه في نهاية الكمال ولا سبيل إليه للعجز والنقصان. وإن السماوات السبع في قبضته وقدرته وتحت قهره وتسخيره ومشيئته. وهو مالك الملك لا ملك إلا ملكه (وله) . علم الله 3 إنه تعالى عالم بكل معلوم وعلمه محيط بكل شيء. وليس شيء من العلى إلى الثرى إلا وقد أحاط به علمه. لأن الأشياء بعلمه ظهرت وبقدرته انتشرت. وإنه تعالى يعلم عدد رمال القفار وقطرات الأمطار وورق الأشجار وغوامض الأفكار. وإن ذرات

حكمة الله وتدبيره

الرياح والهواء في علمه ظاهرة مثل عدد نجوم السماء (وله) قال البرعي: يرى حركات النمل في ظلم الدجى ... ولم يخف إعلان عليه وإسرار ويحصي عديد النمل والقطر والحصى ... وما اشتملت بحر عليه وأنهار حكمة الله وتدبيره 4 ليس من شيء قليل أو كثير صغير أو كبير زيادة أو نقصان راحة أو نصب صحة أو وصب إلا بحكمته وتدبيره ومشيئته. ولو اجتمع البشر والملائكة والشياطين على أن يحركوا في العالم ذرة أو يسكنوها أو ينقصوا منها أو يزيدوا فيها بغير إرادته وحوله وقوته لعجزوا عن ذلك ولم يقدروا. ما شاء كان وما لا يشاء لا يكون. ولا يرد مشيئته شيء. ومهما كان ويكون فإنه بتدبيره وأمره وتسخيره (للغزالي) تقوى الله 5 قال البستي: واشدد يديك بحبل الله معتصماً ... فإنه الركن إن خانتك أركان وقال ابن الوردي: واتق الله فتقوى الله ما ... جاورت قلب امرئ إلا وصل

حمد الله تعالى

ليس من يقطع طرقاً بطلاً ... إنما من يتقي الله البطل 6 قال ابن عمران: وسل الإله ولذ به لا تنسه ... فالله يذكر عبده إذ يذكره وقال غيره: لا تجعلن المال كسبك مفردا ... وتقى إلهك فاجعلن ما تكسب ما أحسن ما قال أبو نواس لهارون الرشيد وقد أراد عقابه: قد كنت خفتك ثم أمنني ... من أن أخافك خوفك الله حمد الله تعالى 7 لك الحمد حمداً نستلذ به ذكرا=وإن كنت لا أحصي ثناءً ولا شكرا لك الحمد حمداً طيباً يملأ السما ... وأقطارها والأرض والبر والبحرا لك الحمد مقروناً بشكرك دائماً ... لك الحمد في الأولى لك الحمد في الأخرى (للبرعي) ملازمة الصلاة 8 ذكر أبو بكر الصلاة يوماً فقال: من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة من النار. وكتب عمر إلى عماله: إن أهم أموركم عندي الصلاة. من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه. ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع (للشريشي) .

ذكر الآخرة

ذكر الآخرة 9 إنه تعالى خلق الإنسان من نوعين من شخص وروح. وجعل الجسد منزلاً للروح لتأخذ زاداً لآخرتها من هذا العالم. وجعل لكل روح مدة مقدرة تكون في الجسد. وآخر تلك المدة هو أجل تلك الروح من غير زيادة ولا نقصان. فإذا جاء الأجل فرق بين الروح والجسد (للغزالي) 10 قال الإمام علي: لا دار للمرء بعد الموت يسكنها ... إلا التي هو قبل الموت بانيها وقال آخر: وما من كاتب إلا سيفنى ... ويبقى الدهر ما كتبت يداه فلا تكتب بكفك غير شيءٍ ... يسرك في القيامة أن تراه (ألف ليلة وليلة) 11 عش ما شئت فإنك ميت. وأحبب ما شئت فإنك مفارقه. واعمل ما شئت فإنك مجزي به (للغزالي) . قال أبو محفوظ الكرخي: موت التقي حياة لا نفاد لها ... قد مات قوم وهم في الناس أحياء وقال الشبرواي: إذا ما تحيرت في حالة ... ولم تدر فيها الخطأ والصواب فخالف هواك فإن الهوى ... يقود النفوس إلى ما يعاب

ذلة الدنيا

12 حكي أن رجلاً حاسب نفسه. فحسب عمره فإذا هو ستون عاماً. فحسب أيامها فإذا هي أحد وعشرون ألف يوم وتسعمائة يوم. فصاح: يا ويلاه. إذا كان لي كل يوم ذنب فكيف ألقى الله بهذا العدد منها. فخر مغشياً عليه. فلما أفاق أعاد على نفسه ذلك وقال: فكيف بمن له في كل يوم عشرة آلاف ذنب. فخر مغشياً عليه. فحركوه فإذا هو قد مات (للقليوبي) 13 سئل عمر بن عبد العزيز: ما كان بدء توبتك. فقال: كنت يوماً أضرب غلاماً لي فقال: اذكر تلك الليلة التي تكون صبيحتها القيامة. فعمل ذلك الكلام في قلبي (للغزالي) ذلة الدنيا 14 قال بعضهم: إن إبليس يعرض الدنيا كل يوم على الناس فيقول: من يشتري شيئاً يضره ولا ينفعه ويهمه ولا يسره. فيقول أصحابها وعشاقها: نحن. فيقول إنما ثمنها ليس دراهم ولا دنانير. وإنما هو نصيبكم من الجنة. فإني اشتريتها بأربعة أشياء بلعنة الله وغضبه وسخطه وعذابه وبعت الجنة بها. فيقولون: رضينا بذلك. فيقول: أريد أن أربح عليكم فيها. فيقولون: نعم. فيبيعهم إياها ثم يقول: بئست التجارة (له) 15 قال بعضهم: وما أهل الحياة لنا بأهل ... ولا دار الفناء لنا بدار

زهد إبراهيم بن أدهم في الدنيا

وما أموالنا إلا عوار ... سيأخذها المعير من المعار وقال الفقيه الباجي: فإن كنت أعلم علماً يقيناً ... بأن جميع حياتي كساعه فلم لا أكون ضنيناً بها ... وأجعلها في صلاح وطاعه قال آخر: لا أسعد الله أياماً عززت بها ... دهراً وفي طي ذاك العز إذلال زهد إبراهيم بن أدهم في الدنيا 16 حدث إبراهيم بن بشار قال: صحبت إبرهيم بن أدهم بن منصور بن إسحق البلخي بالشام. فقلت له: يا أبا إسحق خبرني عن بدء أمرك كيف كان فقال: كان أبي من ملوك خراسان وكنت شاباً. فركبت يوماً على دابة ومعي كلب. وخرجت إلى الصيد فأثرت ثعلباً. فبينما أنا في طلبه إذ هتف بي هاتفٌ: ألهذا خلقت أم بهذا أمرت. ففزعت ووقفت. ثم عدت فركضت الثانية ففعل مثل ذلك ثلاث مرات. ففكرت بنفسي: لا والله ما لهذا خلقت ولا بهذا أمرت. ثم نزلت وصادفت راعياً لأبي فأخذت منه جبةً من صوفٍ. فلبستها وأعطيته الفرس وما كان معي ثم دخلت البادية (للشريشي) 17 قال لقمان الحكيم: من يبيع الآخرة بالدنيا يخسرهما جميعاً (للثعالبي) 18 قيل: إن مثال الدنيا كمسافر طريق. أوله المهد وآخره اللحد.

وفيما بينهما منازل معدودة. وإن كل سنة كمنزلة. وكل شهر كفرسخ. وكل يوم كميل. وكل نفس كخطوة. وهو يسير دائماً. فيبقى لواحد من طريقه فرسخ. ولآخر أقل أو أكثر (للغزالي) 19 قال أبو عبد الرحمان الخليل: الدنيا أمد والآخرة أبد. وقال أيضاً: الدنيا أضداد متجاورة وأشباه متباينة. وأقارب متباعدة وأباعد متقاربة (للشريشي) قال بعضهم: إنما الدنيا فناء ... ليس للدنيا ثبوت إنما الدنيا كبيت ... نسجته العنكبوت كل ما فيها لعمري ... عن قليل سيفوت ولقد يكفيك منها ... أيها العاقل قوت 20 قال أبو العتاهية: فلو كان هول الموت لا شيء بعده لهان علينا الأمر واحتقر الأمر ولكنه حشر ونشر وجنة ونار وما قد يستطيل به الخبر 21 سئل بعض الفلاسفة: من الذي لا عيب فيه. فقال: الذي لا يموت (للمستعصمي) قال الميداني: العمر مثل الضيف أو ... كالطيف ليس له إقامة وأخوالحجا في سائر ال ... أحوال مرتقب حمامه والجاهل المغتر من ... لم يجعل التقوى اغتنامه

الباب الثاني في الحكم

الباب الثاني في الحكم 22 ما اكتسب أحد أفضل من عقل يهديه إلى هدى. ويرده عن ردى (للمستعصمي) 23 المهلب بن أبي صفرة قال: عجبت لمن يشتري العبيد بماله ولا يشتري الأحرار بفعاله. قيل: السخي قريب من الله قريب من الناس. قريب من الجنة. والبخيل بعيد من الله بعيد من الناس قريب من النار (للمستعصمي) 24 من ظريف كلام نصر بن سيار: كل شيء يبدو صغيراً ثم يكبر إلا المصيبة فإنها تبدو كبيرة ثم تصغر. وكل شيء يرخص إذا كثر إلا الأدب فإذا كثر غلا (من لطائف الملوك) 25 قال أنو شروان: المروة أن لا تعمل عملاً في السر تستحي منه في العلانية (للشريشي) 26 قال بعض السلف: العلوم أربعة: الفقه للأديان. والطب للأبدان. والنجوم للأزمان. والبلاغة للسان (للابشيهي) 27 قال بعض الحكماء: إن العلماء سرج الأزمنة. كل عالم سراج زمانه يستضيء به أهل عصره (وله) 28 قال علي بن أبي طالب: ما آتى الله تعالى عالماً علماً إلا أخذ

عليه الميثاق أن لا يكتمه. وقال أيضاً: ما أخذ الله على الجهال أن يتعلموا حتى أخذ على العلماء أن يعلموا (للشريشي) 29 قيل لأفلاطون: ما هو الشيء الذي لا يحسن أن يقال وإن كان حقاً. قال: مدح الإنسان نفسه (للابشيهي) 30 قال ابن قرة: راحة الجسم في قلة الطعام. وراحة النفس في قلة الآثام. وراحة القلب في قلة الاهتمام. وراحة اللسان في قلة الكلام (من لطائف الوزراء) 31 قال أفلاطون الحكيم: لا تطلب سرعة العمل واطلب تجويده. فإن الناس لا يسألون في كم فرغ. وإنما ينظرون إلى إتقانه وجودة صنعته (أمثال العرب) 32 مثل الذي يعلم الناس الخير ولا يعمل به كمثل أعمى بيده سراج يستضئ به غيره وهو لا يراه (أمثال العرب) 33 قال عامر بن عبد القيس إذا خرجت الكلمة من القلب دخلت في القلب. وإذا خرجت من اللسان لم تتجاوز الآذان 34 قال الأصمعي: سمعت بعض العرب يقول: الفقر في الوطن غربة. والغنى في الغربة وطن. وقال آخر: اختر وطناً ما أرضاك. فإن الحر يضيع في بلده ولا يعرف قدره (للشريشي) 35 قيل: عشرة تقبح في عشرة. ضيق الصدر في الملوك. والعذر في الأشراف. والكذب في القضاة. والخديعة في العلماء.

والغضب في الأبرار. والحرص في الأغنياء. والسفه في الشيوخ. والمرض في الأطباء. والتهزؤ في الفقراء. والفخر في من لا آل له 36 نظر فيلسوف إلى غلام حسن الوجه يتعلم العلم فقال: أحسنت إن قرنت بحسن خلقك حسن خلقك (للثعالبي) 37 قالت العرب: ليس على وجه الأرض قبيح إلا ووجهه أحسن شيء فيه (وله) 38 أضعف الناس من ضعف عن كتمان سره. وأقواهم من قوي على غضبه. وأصبرهم من ستر فاقته. وأغناهم من قنع بما تيسر له (أمثال العرب) 39 قيل: كان قس بن ساعدة يفد على قيصر زائراً فيكرمه ويعظمه. فقال له قيصر: ما أفضل العلم. قال: معرفة الإنسان نفسه. قال: وما أفضل العقل. قال: وقوف المرء عند علمه. قال: فما المال. قال: ما قضي بحقٍ (للأصبهاني) 40 قال حكيم: من ذا الذي بلغ مقاماً جسيماً فلم يبطر. واتبع الهوى فلم يعطب. وطلب إلى اللئام فلم يهن. وواصل الأشرار فلم يندم. وصحب السلطان فدامت سلامته (للمستعصمي) 41 قال حكيم لآخر: يا أخي كيف أصبحت. قال: أصبحت وبنا من نعم الله ما لا تحصيه مع كثير ما نعصيه. فما ندري أيهما نشكر. أجميل ما ينشر أو قبيح ما يستر (أمثال العرب)

42 لا تحمل على يومك هم سنتك. كفاك كل يوم ما قدر لك فيه. فإن تكن السنة من عمرك فإن الله سبحانه سيأتيك في كل غدٍ جديد بما قسم لك. وإن لم تكن من عمرك فما همك بما ليس لك 43 قال علي: من استطاع أن يمنع نفسه من أربع خصال فهو خليق أن لا ينزل به مكروه: أللجاج والعجلة والتواني والعجب. فثمرة اللجاج الحيرة. وثمرة العجلة الندامة. وثمرة التواني الذلة. وثمرة العجب البغضة (للمستعصمي) 44 ذو الشرف لا تبطره منزلة نالها وإن عظمت كالجبل الذي لا تزعزعه الرياح. والدنئ تبطره أدنى منزلة كالكلإ الذي يحركه مر النسيم (أمثال العرب) 45 قال الحكيم: ثمانية تجلب الذلة على أصحابها وهي جلوس الرجل على مائدة لم يدع إليها. والتأمر على صاحب البيت. والطمع في الإحسان من الأعداء. ومضي المرء إلى حديث اثنين لم يدخلاه بينهما. واحتقار السلطان. وجلوس المرء فوق مرتبته. والتكلم عند من لا يستمع الكلام. ومصادقة من ليس بأهل (للغزالي) 46 قال الرشيد لحاجبه: احجب عني إذا قعد أطال وإذا سأل أحال. ولا تستخفن بذي الحرمة. وقدم أبناء الدعوة (للثعالبي) 47 أشد الناس عذاباً يوم القيامة إمام جائر ومن يري الناس أن فيه خيراً ولا خير فيه (للسيوطي)

48 لا تحمدن المرء حتى تجربه=ولا تذمنه من غير تجريب إن الرجال صناديق مقفلة ... وما مفاتيحها غير التجاريب (للشبراوي) 49 قد قيل: إن الكتاب هو الجليس الذي لا ينافق ولا يمل. ولا يعاتبك إذا جفوته ولا يفشي سرك (لابن الطقطقي) 50 قال ابن الأحوص يذم من نفع الأباعد دون الأقارب: من الناس من يغشى الأباعد نفعه ... ويشقى به حتى الممات أقاربه وما خير من لا ينفع الأهل عيشه ... وإن مات لم يجزع عليه قرائبه 51 قيل: من لانت كلمته. وجبت محبته. وطلاقة الوجه عنوان الضمير. وشرك الآمل البصير. وقيل: حسن البشر اكتساب الذكر. والبشاشة مصيدة المودة. قال سفيان بن عيينة: بُنَيَّ إن البِرَّ شيء هين ... وجه طليق وكلام لين (للثعالبي) 52 قيل: ثلاثةٌ تورث ثلاثة: النشاط يورث الغنى. والكسل يورث الفقر. والشراهة تورث المرض صاحب الشهوة عبد فإذا ... غلب الشهوة صار الملكا 53 العلم شجرة والعمل ثمرتها. لو قرأت العلم مائة سنة وجمعت ألف كتاب لا أكون مستعداً لرحمة الله تعالى إلا بالعمل. لأن ليس للإنسان إلا ما سعى. فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل

عملاً صالحاً لأن من عمل عملاً صالحاً فأولئك هم يدخلون الجنة لا يظلمون شيئاً (للغزالي) 54 قال معاوية: عجبت لمن يطلب أمراً بالغلبة وهو يقدر عليه بالحجة. ولمن يطلبه بخرق وهو يقدر عليه برفق. 55 وكان جعفر بن سليمان عثر برجل سرق درة فباعها فلما بصر بالرجل استحيا. فقال له: ألم تكن طلبت هذه الدرة مني فوهبتها لك. فقال الرجل: نعم. فخلى سبيله 56 جنب كرامتك اللئام فإنك إن أحسنت إليهم لم يشكروا. وإن أنزلت بهم شديدة لم يصبروا (للثعالبي) أنشد بعضهم: إن قل مالي فلا خلٌّ يصاحبني ... أو زاد مالي فكل الناس خلاني فكم عدوٍّ لبذل المال صاحبني ... وصاحبٍ عند فقد المال خلاني (ألف ليلة وليلة) 57 قال أبو العتاهية ذاكراً الموت: ليت شعري فإنني لست أدري ... أي يوم يكون آخر عمري وبأي البلاد تقبض روحي ... وبأي البقاع يُحفر قبري 58 قال شمس الدين النواجي: خلوة الإنسان خيرٌ ... من جليس السوء عنده وجليس الخير خيرٌ ... من جلوس المرء وحده

59 قالوا: المملكة تخصب بالسخاء وتعمر بالعدل وتثبت بالعقل وتحرس بالشجاعة وتساس بالرئاسة. وقالوا: الشجاعة لصاحب الدولة (عن الفخري) إذا ملك لم يكن ذا هبة ... فدعه فدولته ذاهبة 60 قال إبليس: إذا ظفرت من ابن آدم بثلاثة لم أطالبه بغيرها. إذا أعجب بنفسه واستكثر عمله ونسي ذنبه (للثعالبي) 61 سأل الإسكندر أرسطاطاليس: أيهما أفضل للملوك الشجاعة أم العدل. فقال أرسطاطاليس: إذا عدل السلطان لم يحتج إلى الشجاعة (للغزالي) 62 قال الشافعي: أنفع الأشياء أن يعرف الرجل قدر منزلته ومبلغ عقله ثم يعمل بحسبه (للثعالبي) 63 قال عمر بن الخطاب: يا أيها الناس إياكم والبطنة فإنها مكسلة عن الصلاة ومفسدة للقلب ومورثة للسقم. وقال علي بن أبي طالب: إذا كنت بطناً فَعُدَّ نفسك زَمِناً. 64 قال لقمان لابنه: يا بني لا تجالس الفجار ولا تماشهم. إتق أن ينزل عليهم عذاب من السماء فيصيبك معهم. وجالس الفضلاء والعلماء فإن الله تعالى يحيي القلوب الميتة بالفضيلة والعلم كما يحيي الأرض بوابل المطر (للشريشي) 65 قيل للإسكندر: ما بالك تعظم مؤدبك أكثر من تعظيمك

لأبيك. فقال: إن أبي سبب حياتي الفانية ومؤدبي سبب حياتي الباقية. ولله در من قال: أقدم أستاذي على نفس والدي ... وإن نالني من والدي الفضل والشرف فذاك مربي الروح والروح جوهر ... وهذا مربي الجسم والجسم من صدف وقال الإمام علي: كن ابن من شئت واكتسب أدباً ... يغنيك محموده عن النسب إن الفتى من يقول ها أنا ذا ... ليس الفتى من يقول كان أبي 66 سمع معاوية رجلاً يقول: غريب. فقال له: كلا الغريب من لا أدب له 67 قيل: المرء من حيث يثبت. لا من حيث ينبت. ومن حيث يوجد. لا من حيث يولد (للابشيهي) قال الشاعر: لكل شيء زينة في الورى ... وزينة المرء تمام الأدب قد يشرف المرء بآدابه ... فينا وإن كان وضيع النسب 68 وقيل: الفضل بالعقل والأدب. لا بالأصل والحسب. وقيل: المرء بفضيلته لا بفصيلته. وبكماله لا بجماله. وبآدابه لا بثيابه (للابشيهي)

قال الإمام علي: ليس الجمال بأثواب تزيننا ... إن الجمال جمال العلم والأدب ليس اليتيم الذي قد مات والده ... بل اليتيم يتيم العلم والحسب 69 قال أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه: الأدب حلي في الغنى. كنز عند الحاجة. عون على المروءة. صاحب في المجلس. مؤنس في الوحدة. تعمر به القلوب الواهية. وتحيا به الألباب الميتة. وتنفذ به الأبصار الكليلة. ويدرك به الطالبون ما يحاولون (أمثال العرب) 70 قال الشبراوي في أدب الأحداث: قد ينفع الأدب الأطفال في صغرٍ ... وليس ينفعهم من بعده أدب إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ... ولا يلين ولو قومته الخشب وقال الإمام علي يفاخر الأغنياء الجهال: رضينا قسمة الجبار فينا ... لنا علمٌ وللجهال مال فإن المال يفنى عن قريب ... وإن العلم ليس له زوال ولله ما قال الآخر: العلم في الصدر مثل الشمس في الفلك ... والعقل للمرء مثل التاج للملك فاشدد يديك بحبل العلم معتصماً ... فالعلم للمرء مثل الماء للسمك

وقال الحلي في حفظ اللغات: بقدر لغات المرء يكثر نفعه ... وتلك له عند الشدائد أعوان فبادر إلى حفظ اللغات مسارعاً ... فكل لسان بالحقيقة إنسان 71 سأل الإسكندر يوماً جماعة من حكمائه. وكان قد عزم على سفر. فقال: أوضحوا لي سبيلاً من الحكمة أحكم فيه أعمالي وأتقن به أشغالي. فقال كبير الحكماء: أيها الملك لا تدخل قلبك محبة شيء ولا بغضته. لأن القلب خاصيته كاسمه وإنما سمي قلباً لتقلبه. وأعمل الفكر واتخذه وزيراً. واجعل العقل صاحباً ومشيراً. واجتهد أن تكون في ليلك متيقظاً ولا تشرع في أمر بغير مشورة. وتجنب الميل والمحاباة في وقت العدل والإنصاف. فإذا فعلت ذلك جرت الأمور على إيثارك. وتصرفت باختيارك (للغزالي) قال بعضهم: سرور المرء في الدنيا غرور ... غرور المرء في الدنيا سرور خليل المرء فهو دليل عقل ... وعقل المرء مصباح ينير 72 ألعلم خليل المؤمن. والحلم وزيره. والعقل دليله. والعمل قائده. والرفق والده. والصبر أمير جنوده. فناهيك بخصلة تتأمر على هذه الخصلة الشريفة (للشبراوي)

الباب الثالث في الأمثال السائرة

الباب الثالث في الأمثال السائرة 73 إثنان لا يشبعان طالب علم وطالب مال. أخوك من صدقك. إذا أردت أن تطاع فسل ما يستطاع. إذا بالغت في النصيحة هجمت بك على الفضيحة. إذا ضافك مكروه فاقره صبراً. إذا قدمت من سفر فأهد لأهلك ولو حجراً. آفة العلم النسيان. آفة المروءة خلف الوعد. إن الجواد قد يعثر. إن الحديد بالحديد يفلح. إن خيراً من الخير فاعله. إنك لا تجني من الشوك العنب. إن لم تغض على القذى لم ترض أبداً. إن لم يكن وفاق ففراق. إن يكن الشغل مجهدة فإن الفراغ مفسدة. أول الغضب جنون وآخره ندمٌ. أحسن إن أردت أن يحسن إليك. الحر حر وإن مسه الضر. الحكمة ضالة المؤمن. حال الأجل دون الأمل. حافظ على الصديق ولو في الحريق. حفظك لسرك أوجب من حفظ غيرك له. خير الأمور أوسطها دواء الدهر الصبر عليه رأس الحكمة مخافة الله. رب حرب شبت من لفظة. رب

ضنك أفضى إلى ساحة وتعب إلى راحة. رب فرجة تعود ترحة. رب كلمة سلبت نعمة. ربما كان السكوت جواباً سلطان غشوم خير من فتنة تدوم. سوء الخلق يعدي الشر قليله كثير. شر الناس من لا يبالي أن يراه الناس. شهادات الفعال خير من شهادات الرجال أصعب ما على الإنسان معرفة نفسه طول التجارب زيادة في العقل ظاهر العتاب خير من باطن الحقد عثرة القدم أسلم من عثرة اللسان. عند الامتحان يكرم المرء أو يهان الغائب حجته معه في العجلة الندامة وفي التأني السلامة أقلل من طعامك تحمد منامك. قد ضل من كانت العميان تهديه. كثرة الضحك تذهب الهيبة. كل ممنوع متبوع. لا رسول كالدرهم. قلب الأحمق في فيه ولسان العاقل في قلبه. لا تنه عن خلق وتأتي مثله. لا تكن رطباً فتعصر ولا يابساً فتكسر. ليس من عادة الكرام تأخير الإنعام. ليس من عادة الأشراف تعجيل الانتقام. المرء بأصغريه قلبه ولسانه مثل الأغنياء البخلاء كمثل البغال والحمير تحمل الذهب

والفضة وتعتلف بالتبن والشعير. من محضك مودته. فقد خولك مهجته. من طلب شيئاً وَجَدَّ وَجَدَ. من استحسن قبيحاً فقد عمله. من كتم سره بلغ مراده. من أعجب برأيه ضل. من تأنى نال ما تمنى. من أحب شيئاً أكثر من ذكره. من لانت كلمته وجبت محبته. من سلمت سريرته صلحت علانيته. من لم يركب الأهوال لم ينل الرغائب. نم آمناً تكن في أمهد الفرش. نِعمَ المؤدب الدهر. وَضعُ الإحسان في غير موضعه ظلمٌ. وعد الكريم دينٌ. ويلٌ أهون من ويلين. يعمل النمام في ساعة فتنة شهر. يوم واحد للعالم خيرٌ من الحياة كلها للجاهل. 74 هذه أبيات تتمثل بها العرب وهي لشعراء مختلفين: أحق دار بأن تدعى مباركة ... دار مباركٌ الملك الذي فيها إذا ثارت خطوب الدهر يوماًَ ... عليك فكن لها ثبت الجنان إذا لم تستطع أمراً فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيع إذا مر بي يوم ولم أتخذ يداً ... ولم أستفد علماً فما ذاك من عمري العلم ينهض بالخسيس إلى العلى ... والجهل يقعد بالفتى المنسوب الكفر بالنعمة يدعو إلى ... زوالها والشكر أبقى لها الماء يغسل ما بالثوب من درن ... وليس يغسل قلب المذنب الماء

ألا بن ينشا على ما كان والده ... إن العروق عليها ينبت الشجر إن العدو وإن أبدى مسالمة ... إذا رأى منك يوماً غرة وثبا بالملح تصلح ما تخشى تغيره ... فكيف بالملح إن حلت به الغير بلوت الرجال وأفعالهم ... فكل يعود إلى عنصره تباً لمن يمسى ويصبح لاهياً ... ومرامه المأكول والمشروب تعود فعال الخير دأباً فكل ما ... تعوده الإنسان كان له طبعاً تلجي الضرورات في الأمور إلى ... سلوك ما لا يليق بالأدب جزى الله الشدائد كل خير ... عرفت بها عدوي من صديقي جراحات السنان لها التئام ... ولا يلتام ما جرح اللسان حياك من لك تكن ترجو تحيته ... لولا الدراهم ما حياك إنسان خاطر بنفسك كي تصيب غنيمة ... إن الجلوس مع العيال قبيح خفض الجأش واصبرن رويداً ... فالرزايا إذا توالت تولت دخولك من باب الهوى إن أردته ... يسير ولكن الخروج عسير دعوى الصداقة في الرخاء كثيرة ... بل في الشدائد يعرف الإخوان ذهب الشباب فأين تذهب بعده ... نزل المشيب وحان منك رحيل رب من ترجو به دفع الأذى ... عنك يأتيك الأذى من قبله رب يوم بكيت منه فلما ... صرت في غيره بكيت عليه زيادة المرء في دنياه نقصان ... وشغله غير فعل الخير خسران ستذكرني إذا جربت غيري ... وتعلم أنني نعم الصديق

سكت عن السفيه فظن أني ... عييت عن الجواب وما عييت صديقك حين تستغني كثير ... وما لك عند فقرك من صديق صن العلم وارفع قدره وارع حقه ... ولا تلقه إلا إلى كل منصف ضدان لما استجمعا حسنا ... والضد يظهر حسنه الضد ظاهري دون باطني مستجاد ... ليت حالي يكون بالمقلوب عتبت على عمرو فلما فقدته ... وجربت أقواماً بكيت على عمرو عجبت لمن يشري العبيد بماله ... ولا يشتري حراً بلين مقاله عليك نفسك فتش عن معايبها ... وخل عن عثرات الناس للناس فإن كانت الأجسام منا تباعدت ... فإن المدى بين القلوب قريب فتىً إن يرض لم ينفعك شيئاً ... وإن يغضب عليك فلا تبال فلم أر كالأيام للمرء واعظاً ... ولا كصروف الدهر للمرء هاديا فما أكثر الأصحاب حين تعدهم ... ولكنهم في النائبات قليل قد يجمع المال غير آكله ... ويأكل المال غير من جمعه قد زال ملك سليمان فغادره ... والشمس تنحط في المجرى وترتفع قنع النفي بالكفاف وإلا ... طلبت منك فوق ما يكفيها كانوا بني أم ففرق شملهم ... عدم العقول وخفة الأحلام كأنك من كل النفوس مركب ... فأنت إلى كل الأنام حبيب كل المصائب قد تمر على الفتى ... فتهون غير شماتة الأعداء كل من أحوجك الدهر إليه ... وتعرضت له هنت عليه

كم مات قوم وما ماتت مكارمهم ... وعاش قوم وهم في الناس أموات لعمري ما ضاقت بلاد بأهلها ... ولكن أخلاق الرجال تضيق لعمرك ما الأيام إلا معارة ... فما اسطعت من معروفها فتزود لكل داء دواء يستطب به ... إلا الحماقة أعيت من يداويها لكل شيء حسن زينة ... وزينة العقل حسن الأدب للموت فينا سهام وهي صائبة ... من فاته اليوم سهم لم يفته غدا ليس السعيد الذي دنياه تسعده ... إن السعيد الذي ينجو من النار ما أحسن الصدق في الدنيا لقائله ... وأقبح الكذب عند الله والناس ما بقومي شرفت بل شرفوا بي ... وبنفسي ارتفعت لا بجدودي ما حك جلدك مثل ظفرك ... فتول أم أنت جميع أمرك ما كل ما يتمنى المرء يدركه ... تجري الرياح بما لا تشتهي السفن متى يبلغ البنيان يوماً تمامه ... إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم من يصنع الخير مع من ليس يعرفه ... كواقد الشمع في بيت لعميان من يحمد الناس يحمدوه ... والناس من عابهم يعاب من كان فوق محل الشمس رتبته ... فليس يرفعه شيء ولا يضع نحن بنو الموتى فما بالنا ... نعاف ما لا بد من شربه ندمت ندامة الكسعي لما ... رأت عيناه ما صنعت يداه هب الدنيا تقاد إليك عفواً ... أليس مصير ذاك إلى الزوال وإذا أتتك مذمتي من ناقص ... فهي الشهادة لي بأني كامل

قط

وجانب صغار الذنب لا تركبنها ... فإن صغار الذنب يوماً تجمع وكان رجائي أن أعود ممتعاً ... فصار رجائي أن أعود مسلما ولا خير فيمن لا يوطن نفسه ... على نائبات الدهر حين تنوب ولرب نازلة يضيق بها الفتى ... ذرعاً وعند الله منها المخرج وليس أخي إلا الصحيح وداده ... ومن هو في وصلي وقربي راغب ولم أر كالمعروف أما مذاقه ... فحلو وأما وجهه فجميل ومن عاش في الدنيا فلا بد أن يرى ... من العيش ما يصفو وما يتكدر لا تقل أصلي وفصلي أبدا ... إنما أصل الفتى ما قد حصل لا تسأل المرء عن خلائقه ... في وجهه شاهد من الخبر لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم لا تنظرن إلى امرئ ما أصله ... وانظر إلى أفعاله ثم احكم لا تذلك الفقير علك أن تس ... قط يوماً والدهر قد رفعه يريك البشاشة عند اللقا ... ويبريك في السر بري القلم يفارقني من لا أطيق فراقه ... ويصحبني في الناس من لا أريده يموت الفتى من عثرة من لسانه ... وليس يموت المرء من عثرة الرجل ينال الفتى بالعلم كل غنيمة ... ويعلو مقاماً بالتواضع والأدب يهون علينا أن تصاب جسومنا ... وتسلم أعراض لنا وعقول يهمهم للشعير إذا رآه ... ويعبس إن رأى وجه اللجام

الباب الرابع في أمثال عن ألسنة الحيوانات

الباب الرابع في أمثال عن ألسنة الحيوانات كلاب وثعلب 75 كلاب مرة أصابوا جلد سبع. فأقبلوا عليه ينهشونه. فبصر بهم الثعلب فقال لهم: أما أنه لو كان حياً لرأيتم مخالبه كأنيابكم وأطول (مغزاه) النهي عن الشماتة بالموتى الوز والخطاف 76 ألوز والخطاف تشاركا في المعيشة. فكان مرعاهما كليهما في محل واحد. فمر بهما الصيادون يوماً. فما كان من الخطاف إلا أن طار وسلم. فأما الوز فأدرك وذبح (مغزاه) من عاشر من لا يشاكله أحاق به السوء قطُ 77 قطٌ مرة دخل دكان حداد. فأصاب المبرد. فأقبل يلحسه بلسانه والدم يسيل منه وهو يبلعه ويظنه من المبرد إلى أن فني لسانه فمات (مغزاه) أن الجاهل لا يفيق من جهله ما دام الطمع غالباً عليه. صبي وعقرب 78 صبي مرة ً كان يصيد الجراد. فنظر عقرباً فظنها جرادةً. فمد

النموس والدجاج

يده ليأخذها ثم تباعد عنها. فقالت له: لو أنك قبضتني بيدك لتخليت عن صيد الجراد (مغزاه) أن سبيل الإنسان أن يميز بين الخير والشر. ويدبر لكل شيء تدبيراً على حدته النموس والدجاج 79 بلغ ألنموس أن الدجاج قد مرضوا. فلبسوا جلود طواويس وأتوا ليزوروهم. فقالوا لهم: السلام عليكم أيها الدجاج. كيف أنتم وكيف أحوالكم. فقالوا: إنّا بخير يوم لا نرى وجوهكم (مغزاه) أن كثيراً يظهرون المحبة ويبطنون البغضاء إنسان وصنم 80 إنسان كان له صنم في بيته يعبده ويذبح له كل يوم ذبيحة حتى أفنى عليه جميع ما كان يملكه. فشخص له الصنم أخيراً وقال له: لا تفن مالك علي ثم تلمني عند إله آخر (مغزاه) ينبغي للإنسان أن لا ينفق ماله في الخطيئة ثم يحتج أن الله أفقره إنسان والموت 81 إنسان مرةً حمل جرزة حطب. فثقلت عليه. فلما أعيا وضجر من حملها رمى بها عن كتفه ودعا على روحه بالموت. فشخص له الموت قائلاً: ها أنا ذا. لم دعوتني. فقال له الإنسان: دعوتك لتحول هذه جرزة الحطب على كتفي (مغزاه) أن العالم بأسره يحب الدنيا وإنما يمل من الضعف والشقاء (للقمان)

قطتان وقرد

قطتان وقرد 82 قطتان اختطفتا جبنة وذهبتا بها إلى القرد لكي يقسمها بينهما. فقسمها إلى قسمين أحدهما أكبر من الآخر ووضعهما في ميزانه. فرجح الأكبر. فأخذ منه شيئاً بأسنانه وهو يظهر أنه يريد مساواته بالأصغر. ولكن إذ كان ما أخذه منه هو أكثر من اللازم رجح الأصغر. ففعل بهذا ما فعله بذاك ثم فعل بذاك ما فعله بهذا حتى كاد يذهب بالجبنة. فقالت له القطتان: نحن رضينا بهذه القسمة فأعطنا الجبنة. فقال إذا كنتما رضيتما فإن العدل لا يرضى. وما زال يقضم القسم الراجح منهما كذلك حتى أتى عليهما جميعاً. فرجعت القطتان بحزن وخيبة وهما تقولان: وما من يد إلا يد الله فوقها ... ولا ظالم إلا سيبلى بأظلم صائد وعصفور 83 كان صائد يصيد العصافير في يوم بارد. فكان يذبحها والدموع تسيل. فقال عصفور لصاحبه: لا بأس عليك من الرجل أما تراه يبكي. فقال له الآخر: لا تنظر إلى دموعه بل إلى ما تصنع يداه (للشريشي) أسوَدُ 84 أسوَدُ في فصل الشتاء أقبل يأخذ الثلج ويفرك به بدنه. فقيل له: لماذا ذلك. فقال: لعلي أبيض. فقال له حكيم: يا هذا لا

ثعلب وطبل

تتعب نفسك فربما اسودَّ الثلج من جسمك وهو باق على حاله (مغزاه) أن الشرير يقدر أن يفسد الخير وقليلاً ما يصلحه الخير (للقمان) ثعلب وطبل وهو مثل من يستكبر الشيء حتى يجربه فيستصغره 85 زعموا أن ثعلباً أتى أجمة فيها طبل معلق على شجرة. وكلما هبت الريح على قضبان الشجرة حركتها فضربت الطبل فسمع له صوت عظيم فتوجه الثعلب نحوه لما سمع من عظم صوته. فلما وصل إليه وجده ضخماً فأيقن في نفسه بكثرة الشحم واللحم فعالجه حتى شقه. فلما رآه أجوف لا شيء فيه قال: لا أدري لعل أفشل الأشياء أجهرها صوتاً وأعظمها جثة. أسد وثعلب وذئب وهو مثل من اتعظ بغيره واعتبر به 86 أسد وثعلب وذئب اصطحبوا فخرجوا يتصيدون. فصادوا حماراً وأرنباً وظبياً. فقال الأسد للذئب: أقسم بيننا. فقال: الأمر بين. الحمار للأسد والأرنب للثعلب والظبي لي. فخبطه الأسد فأطاح رأسه. ثم أقبل على الثعلب وقال: ما كان أجهل صاحبك بالقسمة هات أنت. فقال: يا أبا الحارث الأمر واضح. الحمار لغدائك والظبي لعشائك وتخلل بالأرنب فيما بين ذلك. فقال له الأسد: ما أقضاك. من علمك هذا الفقه. فقال:

مثل فأرة البيت وفأرة الصحراء

رأس الذئب الطائر من جثته (للقليوبي) مثل فأرة البيت وفأرة الصحراء 87 قيل إن فأرة البيوت رأت فأرة الصحراء في شدة ومحنة فقالت لها: ما تصنعين ههنا اذهبي معي إلى البيوت التي فيها أنواع النعيم والخصب. فذهبت معها. وإذا صاحب البيت الذي كانت تسكنه قد هيأ لها الرصد لبنة تحتها شحمة. فاقتحمت لتأخذ الشحمة فوقعت عليها اللبنة فحطمتها. فهربت الفأرة البرية وهزت رأسها متعجبة وقالت: أرى نعمة كثيرة وبلاء شديداً. إن العافية والفقر أحب إلى من غنى يكون فيه الموت. ثم فرت إلى البرية (للابشيهي) خنفسة ونحلة 88 خنفسة قالت مرة لنحلة: لو أخذتني معك لعسلت مثلك وأكثر. فأجابتها النحلة إلى ذلك. فلما لم تقدر على وفاء ما قالت ضربتها النحلة بحمتها. وفيما هي تموت قالت في نفسها: لقد استوجبت ما نالني من السوء. فإني لا أحسن الزفت فكيف العسل (مغزاه) أن أناساً كثيرين يدعون ما لاينبغي لهم فتنفضح عاقبتهم (للقمان) مثل الخنزير والأتان 89 كان عند رومي خنزير فربطه إلى أسطوانة ووضع العلف

كلب وشوحة

بين يديه ليسمنه. وكان بجنبه أتان لها جحش. وكان ذلك الجحش يلتقط من العلف ما يتناثر فقال لأمه: يا أماه ما أطيب هذا العلف لو دام. فقالت له: يا بني لا تقربه فإن وراءه الطامة الكبرى. فلما أراد الرومي أن يذبح الخنزير ووضع السكين على حلقه جعل يضطرب وينفح. فهرب الجحش وأتى إلى أمه وأخرج لها أسنانه وقال: ويحك يا أماه انظري هل بقي في خلال أسناني شيء من ذلك العلف فاقلعيه. فما أحسن القنع مع السلامة (للابشيهي) كلب وشوحة 90 كلب مرةً خطف بضعة لحم من المسلخ ونزل يخوض في النهر. فنظر ظلها في الماء وإذا هي أكبر من التي معه. فرمى التي معه فانحدرت شوحة فأخذتها. وجعل الكلب يجري في طلب الكبيرة فلم يجد شيئاً. فرجع في طلب التي كانت معه فلم يصبها. فقال: ويحي أنا الذي ألقيت نفسي في الغرور. لأني ضيعت ما كان تحت يدي. وسعيت في طلب ما ليس هو تحت يدي ولا يصلح لي (مغزاه) لا ينبغي للإنسان أن يترك شيئاً قليلاً موجوداً ويطلب شيئاً كبيراً مفقوداً أرانب وثعالب 91 ألنسور مرة وقعت بينهم وبين الأرانب حربٌ. فمضت الأرانب إلى الثعالب يسومون منهم الحلف والمعاضدة على

غزال وثعلب

النسور. فقالوا لهم: لولا عرفناكم ونعلم لمن تحاربون لفعلنا ذلك (معناه) أن سبيل الإنسان ألا يحارب من هو أشد بأساً منه غزال وثعلب 92 غزالٌ مرة عطش فجاء إلى عين ماء يشرب وكان الماء في جب عميق. ثم إنه لما حاول الطلوع لم يقدر فنظره الثعلب فقال له: يا أخي أسأت في فعلك إذ لم تميز طلوعك قبل نزولك أسد وثور 93 أسد مرة أراد أن يفترس ثوراً فلم يجسر عليه لشدته. فمضى إليه متملقاً قائلاً: قد ذبحت خروفاً سميناً وأشتهي أن تأكل عندي هذه الليلة منه. فأجاب الثور إلى ذلك. فلما وصل إلى العرين ونظره فإذا الأسد قد أعد حطباً كثيراً وخلاقين كباراً فولى هارباً. فقال له الأسد: ما لك وليت بعد مجيئك إلى هنا. فقال له الثور: لأني علمت أن هذا الاستعداد لما هو أكبر من الخروف (معناه) أنه ينبغي للعاقل أن لا يصدق عدوه (للقمان) كلبان 94 كلب مرةً كان في دار أصحابه دعوة. فخرج إلى السوق فلقي كلباً آخر. فقال له: اعلم أن عندنا اليوم دعوةً. فامض بنا لنقصف اليوم جميعاً. فمضى معه. فدخل به إلى المطبخ. فلما نظره الخدام قبض أحدهم على ذنبه ورمى به من الحائط إلى

ناسك ومحتالون

خارج الدار فوقع مغشياً عليه. فلما أفاق انتفض من التراب فرآه أصحابه فقالوا: أين كنت اليوم. أكنت تقصف. فإننا نراك خرجت اليوم لا تدري كيف الطريق (معناه) أن كثيرين يتطفلون فيخرجون مطرودين بعد الاستخفاف بهم والهوان ناسك ومحتالون وهو مثل من صدق الكذوب المحتال فكان من الخاسرين 95 زعموا أن ناسكاً اشترى عربضاً ضخماً ليجعله قرباناً وانطلق به يقوده. فبصر به قوم من المكرة فائتمروا بينهم أن يأخذوه منه. فعرض له أحدهم فقال: ما هذا الكلب الذي معك. ثم عرض له آخر فقال لصاحبه: ما هذا ناسكاً لأن الناسك لا يقود كلباً. فلم يزالوا معه على هذا ومثله حتى لم يشك أن الذي يقوده كلب وأن الذي باعه له سحر عينيه. فأطلقه من يده فأخذه المحتالون ومضوا به (كليلة ودمنة) إنسان وأسد ودب في بئر 96 حُكي أن إنساناً هرب من أسد فوقع في بئر. وجد فيه دباً ثم وقع بعدهما الأسد. فقال للدب: كم لك ههنا. فقال له: منذ أيام وقد قتلني الجوع. فقال له: دعنا نأكل هذا الإنسان وقد كفينا الجوع. فقال له: وإذا عاودنا الجوع مرةً أخرى فماذا نصنع. ولكن الأولى أننا نحلف له أن لا نؤذيه فيحتال في

ثعلب وضبع

خلاصنا لأنه أقدر منا على الحيلة. فحلفا له فاحتال حتى خلص وخلصهما. فكان نظر الدب أكمل من نظر الأسد (للقليوبي) ثعلب وضبع 97 حكي أن الثعلب اطلع في بئر وهو عطش وعليها رشاء في طرفيه دلوان. فقعد في الدلو العليا فانحدرت فشرب. فجاءت الضبع فاطلعت في البئر فأبصرت القمر في الماء منتصفاً والثعلب قاعداً في قعر البئر. فقالت له: ما تصنع ههنا. فقال لها: إني أكلت نصف هذه الجبنة وبقي نصفها لك فانزلي فكليها. فقالت وكيف أنزل. قال تقعدين في الدلو. فقعدت فيها فانحدرت وارتفع الثعلب في الدلو الأخرى فلما التقيا في وسط البئر. قالت له: ما هذا. قال النجار يختلف. فضربت العرب بهما المثل في المختلفين (للشريشي) إنسان وأسد ودب 98 حكي أن إنساناً هرب من أسد فالتجأ إلى شجرة فصعد عليها. وإذا فوقها دب يلقط ثمرها. فجاء الأسد تحت الشجرة ثم افترش ينتظر نزول الإنسان. فالتفت الرجل إلى الدب فإذا هو يشير إليه بإصبعه على فمه أن: اسكت لئلا يشعر الأسد أني ههنا. فتحير الرجل وكان معه سكين لطيف فأخذ يقطع الغصن الذي عليه الدب حتى أنهاه. فوقع الدب على الأرض فوثب عليه الأسد فتصارعا فافترس

حمار وثور

الأسد الدب وكر راجعاً ونجا الرجل بإذن الله تعالى (للقليوبي) حمار وثور 99 زعموا أنه كان لبعضهم حمار قد أبطرته الراحة وثور قد أذله التعب. فشكا الثور أمره يوماً إلى الحمار وقال له: هل لك يا أخي أن تنصحني بما يريحني من تعبي هذا الشديد. فقال له الحمار: تمارض ولا تأكل علفك فإذا كان الصباح ورآك صاحبنا هكذا تركك ولم يأخذك للحراثة فتستريح. قالوا: وكان صاحبهما يفهم بلسان الحيوانات ففهم ما دار بينهما من الحديث. ثم إن الثور أخذ بنصيحة الحمار وعمل بموجبها. ولما أقبل الصباح حضر صاحبهما فرأى الثور غير آكل علقه فتركه وأخذ الحمار بدله. وحرث عليه كل ذلك اليوم. حتى كاد يموت تعباً. فندم على نصيحته للثور. ولما رجع عند المساء قال له الثور: كيف حالك يا أخي. فقال: بخير غير أني سمعت اليوم ما قد هالني عليك. فقال له الثور: وما ذاك. قال الحمار: سمعت صاحبنا يقول إذا بقي الثور هكذا مريضاً يجب ذبحه لئلا نخسر ثمنه. فالرأي الآن أن ترجع إلى عادتك وتأكل علفك خوفاً من أن يحل بك هذا الأمر العظيم. فقال له الثور: صدقت. وقام للحال إلى علفه فأكله. فعند ذلك ضحك صاحبهما (مغزاه) من كان قليل الرأي عمل ما كانت عاقبته وبالاً عليه (ألف ليلة وليلة)

الباب الخامس في الفضائل والنقائص

ذ الباب الخامس في الفضائل والنقائص النصيحة والمشورة 100 إن الحكيم إذا أراد أمراً شاور فيه الرجال وإن كان عالماً خبيراً. لأن من أعجب برأيه ضل. ومن استغنى بعقله زل. قال الحسن: الناس ثلاثة. فرجل رجل. ورجل نصف رجل. ورجل لا رجل. فأما الرجل الرجل فذو الرأي والمشورة. وأما الرجل الذي هو نصف رجل فالذي له رأي ولا يشاور. وأما الرجل الذي ليس برجل فالذي ليس له رأي ولا يشاور 101 وقال المنصور لولده: خذ عني ثنتين. لا تقل في غير تفكير. ولا تعمل بغير تدبير. وقال الفضل: المشورة فيها بركة. وقال أعرابي: لا مال أوفر من العقل. ولا فقر أعظم من الجهل. ولا ظهر أقوى من المشورة. وقيل: الرأي السديد أحمى من البطل الشديد. قال أزدشير: لا تستحقر الرأي الحزيل من الرجل الحقير فإن الدرة لا يستهان بها لهوان غائصها 102 قال بعض الخلفاء لجرير بن يزيد: إني قد أعددتك لأمر. قال: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قد أعد لك مني قلباً معقوداً بنصيحتك. ويداً مبسوطة لطاعتك. وسيفاً مجرداً على عدوك

المودة والصداقة

أنشد الأصمعي: النصح أرخص ما باع الرجال فلا ... تردد على ناصح نصحا ولا تلم إن النصائح لا تخفى مناهلها ... على الرجال ذوي الألباب والفهم (للابشيهي) المودة والصداقة 103 قال لقمان لابنه: يا بني ليكن أول شيء تكسبه بعد الإيمان خليلاً صالحاً. فإنما مثل الخليل كمثل النخلة. إن قعدت في ظلها أظلتك. وإن احتطبت من حطبها نفعك. وإن أكلت من ثمرها وجدته طيباً (أمثال العرب) 104 قد جاء في كتاب ألف ليلة وليلة: المرء في زمن الإقبال كالشجرة ... والناس من حولها ما دامت الثمره حتى إذا راح عنها حملها انصرفوا ... وخلفوها تقاسي الحر والغبره قال زهير: الود لا يخفى وإن أخفيته ... والبغض تبديه لك العينان قال آخر: إحذر عدوك مرةً ... واحذر صديقك ألف مرة فلربما انقلب الصديق ... فكان أعلم بالمضرة أسباب العداوة 105 قيل للشيب بن شيبة: ما بال فلان يعاديك. فقال: لأنه

حفظ اللسان

شقيقي في النسب. وجاري في البلد ورفيقي في الصناعة. وقال رجل لآخر: إني أخلص لك المودة. فقال: قد علمت. قال: وكيف علمت وليس معي من الشاهد إلا قولي. قال: لأنك لست بجار قريب. ولا بابن عم نسيب. ولا بمشاكل في صناعة (للثعالبي) حفظ اللسان 106 قد قالت العلماء: الزم السكوت فإن فيه سلامة. وتجنب الكلام الفارغ فإن عاقبته الندامة (كليلة ودمنة) ومما أنشدوه في هذا الباب: إحفظ لسانك أيها الإنسان ... لا يلدغنك إنه ثعبان كم في المقابر من قتيل لسانه ... كانت تهاب لقاءه الشجعان 107 قال لقمان لولده: يا بني إذا افتخر الناس بحسن كلامهم. فافتخر أنت بحسن صمتك (للابشيهي) قال الشبرواي: الصمت زين والسكوت سلامة ... فإذا نطقت فلا تكن مكثارا ما إن ندمت على سكوتي مرة ... ولقد ندمت على الكلام مرارا 108 بلغنا أن قُسَّ بن ساعدة وأكثم بن صيفي اجتمعا فقال أحدهما لصاحبه: كم وجدت في ابن آدم من العيوب. فقال: هي أكثر من أن تحصر. وقد وجدت خصلة إن استعملها الإنسان

كتمان السر

سترت العيوب كلها. قال: ما هي. قال: حفظ اللسان (للابشيهي) كتمان السر 109 قال علي كرم الله وجهه: سرك أسيرك فإذا تكلمت به صرت أسيره. وقال عمر بن عبد العزيز: القلوب أوعية والشفاه أقفالها والألسن مفاتيحها. فليحفظ كل إنسان مفتاح سره 110 قال الشاعر: صن السر عن كل مستصحب ... وحاذر فما الرأي إلا الحذر أسيرك سرك إن صنته ... وأنت أسيرله إن ظهر قال غيره: كل علم ليس في القرطاس ضاع ... كل سر جاوز الإثنين شاع 111 أسر بعض الناس إلى رجل حديثاً وأمره بكتمانه. فلما انقضى الحديث قال له: أفهمت. قال بل جهلت. ثم قال له: أحفظت. قال: بل نسيت. وقال عمرو بن العاص: إذا أفشيت سري إلى صديقي فأذاعه كان اللوم علي لا عليه. قيل له: وكيف ذلك. قال: لأني أنا كنت أولى بصيانته منه (للثعالبي) جاء في الفخري: إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه ... فصدر الذي يستودع السر أضيق

الصدق والكذب

الصدق والكذب 112 إن الصدق عمود الدين وركن الأدب وأصل المروءة. فلا تتم هذه الثلاثة إلا به. وقال أرسطاطاليس: أحسن الكلام ما صدق فيه قائله وانتفع به سامعه. وإن الموت مع الصدق خير من الحياة مع الكذب. ومما جاء في هذا الباب قول محمود الوراق: الصدق منجاة لأربابه ... وقربة تدني من الرب (للابشيهي) 113 وخطب الحجاج فأطال فقام رجل فقال: الصلاة. فإن الوقت لا ينتظرك والرب لا يعذرك. فأمر بحبسه. فأتاه قومه وزعموا أنه مجنون وسألوه أن يخلي سبيله. فقال: إن أقر بالجنون خليته. فقال: معاذ الله لا أزعم أن الله ابتلاني وقد عافاني. فبلغ ذلك الحجاج فعفا عنه لصدقه (للثعالبي) 114 قال بعض الحكماء: إن الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار. وإن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة. وما أحسن ما قال الشاعر: إذا عُرِفَ الإنسان بالكذب لم يزل ... لدى الناس كذاباً ولو كان صادقا فإن قال لا تصغي له جلساؤه ... ولم يسمعوا منه ولو كان ناطقا

مذمة الحسود

وقال محمود بن أبي الجنود: لي حيلة في من ينمُّ ... م وليس في الكذاب حيلة من كان يخلق ما يقو ... ل فحيلتي فيه قليلة مذمة الحسود 115 وقف الأحنف على قبر الحارث بن معاوية. فقال: رحمك الله كنت لا تحقر ضعيفاً. ولا تحسد شريفاً قال بعض الشعراء: إصبر على كيد الحسو ... د فإن صبرك قاتله كالنار تأكل بعضها ... إن لم تجد ما تأكله 116 قال أرسطاطاليس: الحسد حسدان محمود ومذموم. فالمحمود أن ترى عالماً فتشتهي أن تكون مثله. أو زاهداً فتشتهي مثل فعله. والمذموم أن ترى عالماً أو فاضلاً فتشتهي أن يموت (للثعالبي) قال منصور الفقيه: ألا قل لمن كان لي حاسداً ... أتدري على من أسأت الأدب أسأت على الله في فضله=إذا أنت لم ترض ما قد وهب ذم سوء الخلق 117 قال عمرو بن معدي كرب: الكلام اللين يلين القلوب التي هي أقسى من الصخور. والكلام يخشن القلوب التي هي أنعم من الحرير (للغزالي)

ذم الغضب

118 قيل: سوء الخلق يعدي لأنه يدعو إلى أن يقابل بمثله. وروي عن بعض السلف: الحسن الخلق ذو قرابة عند الأجانب والسيء الخلق أجنبي عند أهله (للابشيهي) 119 صحب رجل رجلاً بسوء الخلق. فلما فارقه قال: قد فارقته وخلقه لم يفارقه. ونظر فيلسوف إلى رجل حسن الوجه خبيث النفس فقال: بيت حسن وفيه ساكن نذل ذم الغضب 120 قيل لحكيم: أي الأحمال أثقل. فقال: الغضب. وروي أن إبليس قال: مهما أعجزني ابن آدم فلن يعجزني إذا غضب لأنه ينقاد لي فيما أبتغيه ويعمل بما أريده وأرتضيه. وقيل لأبي عباد: من أبعد من الرشاد السكران أم الغضبان. فقال: الغضبان لا يعذره أحد في مأثم يجترحه. وما أكثر من يعذر السكران مدح التواضع وذم الكبر 121 قيل: من وضع نفسه دون قدره رفعه الناس فوق قدره. ومن رفعها عن حده وضعه الناس دون حده. وقيل لبزرجمهر: هل تعرف نعمة لا يحسد عليها. قال: نعم التواضع. قيل: فهل تعرف بلاءً لا يرحم صاحبه عليه. قال: نعم الكبر 122 قال عمر رضي الله عنه: أريد رجلاً إذا كان في القوم وهو أميرهم كان كبعضهم. وإذا لم يكن أميرهم فكأنه أميرهم.

قال أبو تمام في هذا المعنى: متبذل في القوم وهو مبجل ... متواضع في الحي وهو معظم وقال آخر: متواضع والنبل يحرس قدره ... وأخو التواضع بالنباهة ينبل وقال الخوارزمي: عجبت له لم يلبس الكبر حلة ... وفينا لأن جزنا على بابه كبر (للثعالبي) 123 من أراد الدخول في مجلس العلماء يجب عليه أن يأتي بالتواضع والذل والخشوع والانكسار. فمن أتى بهذه الصفات ينال المغفرة من الملك الجبار. ومن أتى مثل قارون بالكبر والإكثار يجد القطيعة والعقوبة من الواحد القهار (للسيوطي) 124 قالت الحكماء: كل ذي نعمة محسود عليه إلا المتواضع. وقال عبد الملك: أفضل الرجال من تواشع عن رفعة وعفا عن قدرة وأنصف عن قوة. وقال رجل لبكر بن عبد الله: علمني التواضع. فقال له: إذا رأيت من هو أكبر منك فقل: سبقنى إلى العمل الصالح فهو خير مني. وإذا رأيت أصغر منك فقل: سبقته إلى الذنوب فهو خير مني وقال أبو العتاهية: يا من تشرف في الدنيا ولذتها ... ليس التشرف رفع الطين بالطين إذا أردت شريف القوم كلهم ... فانظر إلى ملك في زي مسكين

ذم من اعتذر فأساء

وقال أبو الفتح البستي: من شاء عيشاً رغيداً يستفيد به ... في دينه ثم في دنياه إقبالا فلينظرن إلى من فوقه أدبا ... ولينظرن إلى من دونه مالا (للشريشي) 125 وقيل: ده الكبر. متى كنت من أهل النبل لم يضرك التبذل ومتى لم تكن من أهله لم ينفعك التنبل. قال المأمون: ما تكبر أحد إلا لنقص وجده في نفسه. ولا تطاول إلا لوهن أحس من نفسه. قال بزرجمهر: وجدنا التواضع مع الجهل والبخل أحمد عند الحكماء من الكبر مع الأدب والسخاء. قال منصور الفقيه: يا قريب العهد بالمخرج لم لا تتواضع (للثعالبي) ذم من اعتذر فأساء 126 قيل في المثل: عذره أشد من جرمه. رب إصرار أحسن من اعتذار. وقيل: تب من عذرك ثم من ذنبك قال الخبزري: وكم مذنب لما أتى باعتذاره ... جنى عذره ذنباً من الذنب أعظما (للثعالبي) ذم الخمر 127 كان العباس بن علي المنصور يأخذ الكأس بيده ثم يقول لها: أما المال فتبلعين. وأما المروءة فتخلعين. وأما الدين فتفسدين

مدح الكرم

قال أحمد بن الفضل: تركت النبيذ وشرابه ... وصرت صديقاً لمن عابه شارب يضل طريق الهدى ... ويفتح للشر أبوابه قال أبو علي: تركت النبيذ لأهل النبيذ ... وأصبحت أشرب عذباً قراحا قال ابن الوردي: أترك الخمرة إن كنت فتى ... كيف يسعى بجنون من عقل (للشريشي) مدح الكرم 128 قال بعض الحكماء: أصل المحاسن كلها الكرم. وأصل الكرم نزاهة النفس عن الحرام وسخاؤها بما تملك على الخاص والعام. وإن الجاهل السخي أحب إلى الله من العابد البخيل. قال أكثم بن صيفي: صاحب المعروف لا يقع وإن وقع يجد له متكأ. وقيل للحسن بن سهل: لا خير في السرف. فقال: لا سرف في الخير. فقلب اللفظ واستوفى المعنى 129 سأل معاوية الأحنف بن قيس. فقال: يا أبا يحيى كيف الزمان. قال: الزمان أنت يا أمير المؤمنين. إن صلحت صلح الزمان. وإن فسدت فسد (للغزالي)

مدح العدل

مدح العدل 130 قال أنو شروان: العدل سور لا يغرقه ماء ولا يحرقه نار ولا يهدمه منجنيق. وقيل: عدل قائم خير من عطاء دائم. وقيل أيضاً: لا يكون العمران حيث لا يعدل السلطان وقيل لحكيم: ما قيمة العدل. قال: ملك الأبد. فقيل: فقيمة الجور. قال: ذل الحياة 131 قيل: بئس الزاد إلى المعاد ظلم العباد. وقيل: الظلم مرتعه وخيم. كتب عمر بن عبد العزيز إلى عامل: إذا دعتك قدرتك إلى ظلم الناس فاذكر قدرة الله عليك. وكان حفص بن غياث لقيه الرشيد فأقبل عليه يسأله. فقال في أثناء كلامه: نامت عيونك والمظلوم منتصب يدعو عليك وعين الله لم تنم (للثعالبي) قال أبو العباس السفاح: لأعملن اللين حتى لا ينفع إلا الشدة. ولأكرمن الخاصة ما أمنتهم على العامة. ولأغمدن سيفي حتى يسله الحق. ولأعطين حتى لا أرى للعطية موضعاً (للشبرواي) مدح الصفح 132 قال ابن طباطبا: كان جرى بيني وبين رجل كلام احتملته عنه ثم ندمت. فرأيت في المنام كأن شيخاً أتاني فأنشدني: أندمت حين صفحت عم ... ن قد أساء وقد ظلم

ذم المماراة

لا تندمن فشرنا ... من أتبع الخير الندم (للثعالبي) قال الشبراوي: لا تنتقم إن كنت ذا قدرة ... فالصفح من ذي قدرة أصلح وأصفح إذا إذنب خل عسى ... تلقى إذا أذنبت من يصفح 133 قيل لذة العفو أطيب من لذة التشفي. لأن لذة العفو يلحقها حمد العاقبة ولذة التشفى يلحقها غم الندامة. وقيل: العفو عن المذنب زكاة النفس. وقيل: ومن كرم الأخلاق أن يغفر الذنب. وقيل: الاحتمال قبر العيوب (للطرطوشي) قال البحتري: إذا لم تضرب عن الحقد لم تفز ... بشكر ولم تسعد بتقريظ مادح ذم المماراة 134 قال ميمون بن مهران: لا تمار من هو أعلم منك. فإنه يختزن عنك علمه ولم تضره شيئاً. وقال لقمان لابنه: من لا يملك لسانه يندم. ومن يكثر المراء يشتم. ومن يدخل مداخل السوء يتهم. يا بني لا تمار العلماء فيمقتوك. ألمراء يقسي القلوب ويورث الضغائن. إذا رأيت الرجل لجوجاً ممارياً معجباً بنفسه فقد تمت خسارته 135 قال مسعر بن كدام يخاطب ابنه:

ذم المزاحة

إني منحتك يا كدام نصيحتي ... فاسمع لقول أبٍ عليك شفيق أما المزاحة والمراء فدعهما ... خلقان لا أرضاهما لصديق إني بلوتهما فلم أخترهما ... لمجاور جاراً ولا لرفيق مر حكيم بقوم فقالوا له شراً فقال خيراً. فقيل له في ذلك. فقال: كل ينفق مما عنده (للشريشي) ذم المزاحة 136 سأل الحجاج ابن القرية عن المزح فقال: أوله فرح وآخره ترح. قال عمر بن عبد العزيز: لا يكون المزح إلا من سخف أو بطر. روي عن بعض الأدباء: إياكم والمزاح فإنه يذهب بهاء المؤمن ويسقط مروءته. وقيل: المزاح مجلبة للبغضاء مسلبة للبهاء مقطعة للإخاء. وقيل: إذا كان المزاح أول الكلام كان آخره الشتم واللطام (للثعالبي) قيل لرجل: كيف وجدت فلاناً: قال: طويل اللسان في اللوم والمزح قصير الباع في الكرم وثاباً على الشر مناعاً للخير. وكان نقش خاتم رستم وهو أحد ملوك الفرس: الهزل مبغضة والكذب منقصة والجور مفسدة (للطرطوشي) وصية نزار لبنيه 137 لما حان ارتحال نزال من دار الدنيا إلى دار الآخرة أحضر أولاده الأربعة بين يديه وقال لهم: اعلموا يا أولادي أني راحل

عنكم إلى دار الآخرة. وما أحضرتكم إلا لأشرح لكم وصيتي. فاحفظوا ما أقول لكم ولا تخالفوا وصيتي فيحل بكم الوبال في مخالفتي. قالوا: ما هي وصيتك يا أبانا. قال: وصيتي لكم هي أن يوقر صغيركم كبيركم. يا أولادي إياكم والتكبر فإنه مهلك الجبابرة ما ولع به أحد إلا هلك وفي غير طريق الحق سلك. يا أولادي إياكم والحسد فإنه يقلل الرزق ويذيب الجسد. والحسود لا يسود ولا يموت إلا وهو مكمود. وإياكم والطمع فإنه يرمي صاحبه في البلاء والعذاب. والقناعة غناء. يا أولادي إياكم والبخل فيبعدكم من الله ومن الخلق. ومن هان عليه ماله حسنت حاله وسمع مقاله. يا أولادي آسوا الناس بالطعام وأكثروا البشاشة وأفشوا السلام. وصلوا بالليل والناس نيام. يا أولادي إياكم والكسل فإنه يورث الفشل. يا أولادي إياكم والغضب فإنه يورث السخط. والبشاشة في الوجه تورث المحبة وهي خير من القرى. ومن لانت كلمته. وجبت محبته. يا أولادي لا تخالفوا وصيتي. واعلموا أني قد قسمت أموالي بينكم بالسوية. وجعلت قسم كل واحد منكم في كتابي هذا. فإذا وضعتموني في حفرتي وغابت عنكم جثتي وأتت العرب لعزاءي فاذبحوا لهم من نعمي. وإذا تفرقت العرب عنكم فاعتمدوا على كتابي ووصيتي ولا تثيروا الحرب بينكم (للاصمعي)

الباب السادس في الحكايات واللطائف

الباب السادس في الحكايات واللطائف 138 قيل لمجنون: عد لنا المجانين. قال: هذا يطول بي. ولكن أعد العقلاء (للمستعصمي) 139 قيل للقمان: ما أقبح وجهك. قال: أتعيب هذا النقش علي أم على النقاش (للشريشي) 140 جلس الاسكندر يوماً فما رفع إليه حاجة فقال: لا أعد هذا اليوم من أيام ملكي (للابشيهي) 141 روي أن أبا العتاهية مر بدكان وراق فإذا كتاب فيه بيت من الشعر لن ترجع الأنفس عن غيها ... ما لم يكن منها لها زاجر فقال: لمن هذا. فقيل لأبي نواس. فقال: وددت أنه لي بنصف شعري (للطرطوشي) 142 قال رجل لأقليدس الحكيم: لا أستريح أو أتلف روحك. فقال: وأنا لا أستريح حتى أخرج الحقد من قلبك (للغزالي) 143 دخل ذو ذنب على سلطان فقال له: بأي وجه تلقاني. فقال: بالوجه الذي ألقى به الله وذنوبي إليه أعظم وعقابه أكبر. فعفا عنه (للمستعصمي)

144 رأى الإسكندر رجلاً حسن الاسم قبيح السيرة فقال له: إما أن تغير اسمك أو سيرتك (للغزالي) 145 تكلم رجل عند عبد الملك بكلام ذهب فيه كل مذهب فقال له وقد أعجبه: ابن من أنت يا غلام. فقال: ابن نفسي يا أمير المؤمنين التي نلت بها هذا المقعد منك؟ قال: صدقت. أخذ هذا المعنى ابن دريد فقال: كن ابن من شئت وكن مؤدباً ... فإنما المرء بفضل حسه وليس من تكرمه لغيره ... مثل الذي تكرمه لنفسه (للشريشي) 146 رجل غضب عليه مولاه فقال: أسألك بالله إن علمت أني لك أطوع منك لله فاعف عني عفا الله عنك. فعفا عنه (للمستعصمي) 147 كان الإسكندر يوماً على تخت مملكته وقد رفع الحجاب. فقدم بين يديه لص فأمر بصلبه فقال: أيها الملك إني سرقت ولم يكن شهوة في السرقة ولم يطلبها قلبي. فقال الإسكندر: لا جرم أنك تصلب ولا يطلب قلبك الصلب ولا يريده (للغزالي) 148 كان إبراهيم بن أدهم يوماً يحفظ كرماً فمر به جندي فقال: أعطنا من هذا العنب. فقال: ما أمرني صاحبه. فأخذ يضربه بالسوط. فطأطأ رأسه وقال: اضرب رأساً طالما عصى الله.

فانحجز الرجل ومضى (للطرطوشي) 149 عاد الخليفة المعتصم خاقان عند مرضه وكان لخاقان إذ ذاك ابن اسمه الفتح. فقال له المعتصم: داري أحسن أم دار أبيك. فقال: ما دام أمير المؤمنين في دار أبي فهي أحسن (لطائف الملوك) 150 وقال المعتصم للفتح وعلى يده خاتم ياقوت أحمر في غاية الحسن: أرأيت أحسن من هذا الخاتم. فقال: نعم اليد التي فيها (للغزالي) 151 قال الحسن والحسين لعبد الله بن جعفر: إنك قد أسرفت ببذل المال. فقال: بأبي أنتما وأمي. إن الله عودني أن يتفضل علي وعودته أن أتفضل على عبيده. فأخاف أن أقطع العادة فيقطع عني عادته (للشريشي) 152 حكي أن رجلاً تكلم بين يدي المأمون فأحسن. فقال: ابن من أنت. قال: ابن الأدب يا أمير المؤمنين. قال: نعم النسب انتسبت إليه (للابشيهي) 153 لقي هارون الرشيد الكسائي في بعض طرقه فوقف عليه وتحفى بسؤاله عن حاله. فقال: أنا بخير يا أمير المؤمنين. ولو لم أجد من ثمرة الأدب إلا ما وهب الله تعالى لي من وقوف أمير المؤمنين لكان ذلك كافياً محتسباً (للشريشي) 154 لطم رجل قيس بن عاصم في جامع البصرة فقال له:

الاعرابي والقمر

لعلك خاطرت أن تلطم سيد بني تميم. قال: نعم. فقال: ارجع فلست به (للطرطوشي) 155 قال رجل لابن عيينة: المزاح سبة. فقال: سنة ولكن لمن يحسنه (للثعالبي) 156 أبو العيناء قال له المتوكل: كيف ترى دارنا هذه. فقال: يا أمير المؤمنين رأيت الناس يبنون الدور في الدنيا وأنت تبني الدنيا في دارك. وقد نظم بعض الأدباء في هذا المعنى: ولي مسئلة بعد ... فعاجلني بإخباري بنيت الدار في دنيا ... ك أم دنياك في الدار (من لطائف الوزراء) الاعرابي والقمر 157 حكي أن أعرابياً ضل الطريق. فمات جزعاً وأيقن بالهلاك. فلما طلع القمر اهتدى ووجد الطريق. فرفع إليه رأسه ليشكره فقال له: والله ما أدري ما أقول لك ولا ما أقول فيك. أقول رفعك الله فالله قد رفعك. أم أقول نورك الله فالله قد نورك. أم أقول حسنك الله فالله قد حسنك. ولكن ما بقي إلا الدعاء أن ينسئ الله في أجلك. وإن يجعلني من السوء فداك الاعرابي والناقة المفقودة 158 ضلت ناقة الأعرابي في ليلة مظلمة. فأكثر في طلبها فلم

يجدها. فلما طلع القمر وانبسط نوره وجدها إلى جانبه ببعض الأودية. وقد كان اجتاز بموضعاً مراراً فلم يرها لشدة الظلام. فرفع رأسه إلى القمر وقال: ماذا أقول وقولي فيك ذو حصر ... وقد كفيتني التفصيل والجملا إن قلت لا زلت مرفوعاً فأنت كذا ... أو قلت زانك ربي فهو قد فعلا (للشريشي) 159 غنى يوماً إبراهيم مغني الرشيد بين يديه فقال له: أحسنت أحسن الله إليك. فقال له: يا أمير المؤمنين إنما يحسن الله إلي بك. فأمر له بمائة ألف درهم 160 كان بهرام جالساً ذات ليلة تحت شجرة. فسمع منها صوت طائر فرماه فأصابه وقال: ما أحسن حفظ اللسان بالطائر والإنسان. لو حفظ هذا لسانه لما هلك (للأصبهاني) 161 أبو عبد الله الفارسي كان يتقلد قضاء بلخ. وكان صديق أبي يحيى الحمادي. فكتب هذا إليه يعاتبه على ترك المهاداة بما يجلب من بلخ. فأجابه أبو عبد الله: قد أهديت للشيخ عدل صابون ليغسل به طمعه والسلام (من لطائف الوزراء) 162 يقال إن أنو شروان ركب في بعض الأيام في الربيع

لقمان والعبيد

على سبيل الفرجة. فجعل يسير في الرياض المخضرة ويشاهد الشجر المثمرة وينظر إلى الكروم ألف مرة. فنزل عن فرسه شكراً لربه وخر ساجداً واضعاً خده على التراب زماناً طويلاً. فلما رفع رأسه قال لأصحابه: إن خصب السنين من الملوك والسلاطين وحسن نيتهم وإحسانهم إلى رعيتهم. فالمنة لله الذي قد أظهر حسن نيتنا في سائر الأشياء (للغزالي) لقمان والعبيد 163 روي عن لقمان أن مولاه سكر يوماً فخاطر قوماً أن يشرب ماء بحيرة. فلما أفاق عرف ما وقع فيه. فدعا لقمان وقال له: لمثل هذا كنت أختبئك. فقال لمولاه: أخرج أباريقك ثم اجمعهم. فلما اجتمعوا قال: على أي شيء خاطرتموه. قالوا: على أن يشرب ماء هذه البحيرة. قال: فإن لها مواد فاحبسوا عنها موادها. قالوا: وكيف نستطيع ذلك. قال لقمان: وكيف يستطيع هو أن يشربها ولها مواد 164 وحكى أبو إسحق الثعلبي قال: كان لقمان من أهون مماليك سيده عليه. فبعثه مولاه مع عبيد له إلى بستانه يأتونه بشيء من ثمر. فجاؤوه وما معهم شيء وقد أكلوا الثمر وأحالوا على لقمان. فقال لقمان لمولاه: ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيهاً. فاسقني وإياهم ماءً حميماً ثم أرسلنا لنعدو. ففعل فجعلوا يتقيؤون تلك الفاكهة ولقمان يتقيأ ماءً. فعرف مولاه صدقه وكذبهم (للشريشي)

الحاج والوديعة

الحاج والوديعة 165 وصل بعض المسافرين لقصد الحج مدينة ونزل عند صاحب له. فلما تمت مدة الإقامة وعزم على الرحيل أخبر صاحبه أن عنده أمانة وهي جملة من النقود والجواهر ويريد أن يودعها مؤتمناً إلى أن يرجع. فلما سمع منه صاحبه ذلك استحى أن يقول له ضعها عندي خوفاً من أن يظن أنه طامع فيها فأشار عليه أن يضعها عند القاضي. فأخذها وذهب إلى القاضي وقال له: إني رجل غريب وأريد الحج وعندي أمانة قدرها كذا من النقود والجواهر وأريد أن أسلمها إلى مولانا القاضي ليحفظها إلى أن أعود من الحج وأستلمها. فقال له القاضي: نعم. خذ هذا المفتاح وافتح هذا الصندوق وضعها فيه وأغلق الصندوق جيداً. ففعل وسلم المفتاح إلى القاضي وسلم عليه وتوجه. فلما قضى حجه ورجع ذهب إلى القاضي ليطلب الأمانة. فقال له: إني لا أعرفك وأنا عندي أمانات كثيرة فمن أين أعرف أن لك أمانة عندي. وأطال المحاولة معه فانصرف الرجل إلى صاحبه وأعلمه بذلك وغابه في هذه المشورة. فأخذه وذهب إلى بعض الأمراء المقربين إلى الملك وأخبره بتلك القضية. فوعدهما أنه في غد يذهب إلى القاضي ويجلس عنده ويخبره بقصة أخرى تخصه ويدخل ذاك الشخص صاحب الأمانة عليهما ويطلب أمانته من القاضي. فلما كان الغد

ذهب ذلك الأمير إلى القاضي وجلس بجانبه. فلما انتهى تعظيمه وإجلاله من القاضي على حسب مقامه. قال له: لعل السبب الذي أوجبك إلى تشريفنا بقدومك خير. فقال له: نعم هو خير لك إن شاء الله تعالى. فقال: ما هو. قال الأمير: إني في ليلة أمس طلبني الملك فذهبت إليه. فلما انتهى المجلس وانصرف الناس وأردت أن أنصرف إذا هو أمرني أن أتخلف عنده. فلما اختلينا أسر إلي أنه يريد الحج في العام القابل ويريد أن يسلم المملكة جميعها لمن يعتمد ويؤتمن في ذلك إلى أن يعود بالسلامة. فاستشارني في الأمر فأشرت عليه أن يسلمها لجنابك لما نعهد عندك من الأمانة والعفة والصداقة أولى من تسليمها لبعض الذوات فربما يعمل محالفة أو تطمع نفسه في المملكة فيثير فتنة أو نحو ذلك. فأعجبه هذا الرأي وأجمع أنه بعد يومين يعقد مجلساً عاماً ويفعل ما أشرت به عليه. ففرح القاضي بذلك فرحاً شديداً وأثنى عليه. وإذا بصاحب الأمانة داخل عليهما فتمثل أمام القاضي وسلم. وقال: يا حضرة مولانا القاضي إن لي أمانة عندك وهي كذا وكذا سلمتها إليك في وقت كذا وكذا. فما أتم كلامه حتى قال له القاضي: نعم يا ولدي وأنا تذكرتك الليلة عند النوم وعرفتك وعرفت أمانتك فخذ هذا المفتاح واستلم أمانتك. فأخذها وسلم وانصرف. وانصرف ذلك الأمير أيضاً

أمير بلخ وكلبه

فلما مضى الميعاد الذي وعده القاضي ذهب إلى الأمير وسأله في شأن المملكة والملك. فقال له: أيها القاضي نحن لم نخلص منك أمانة الرجل الغريب الحاج إلا لما ملكناك الدنيا بأجمعها. فإذا ملكتها بأي شيء نخلصها. فعرف أنها حيلة وعاد خائباً. 166 حكي عن حاتم الطائي أنه مر يوماً بحلة بني عنزة. فاجتاز بأسير عندهم وكان الأسير صعلوكاً لا يملك الفدى. فلما رأى حاتماً صاح: أغثني يا أبا سفانة. ولم يكن مع حاتم ما يفديه به فضمن الفداء لأمير الحلة فأبى إلا أن يقبضه قبل إطلاق الأسير. فأقام حاتم مكانه في الأسر وأرسل الأعرابي إلى قومه في أحياء طيئ بعلامة منه حتى أتى بالفدى. فدفعه إلى القوم وأطلق نفسه من أسرهم (للحموي) أمير بلخ وكلبه 167 حكى حاتم الأصم أن علي بن عيسى بن ماهان كان أمير بلخ. وكان يحب كلاب الصيد. ففقد كلب من كلابه يوما فاتهم به جار شقيق فاستجار به. فدخل شقيق على الأمير وقال: خلوا سبيله فإني أرد لكم كلبكم إلى ثلاثة أيام. فخلوا سبيله فانصرف شقيق مهتما لما صنع. فلما كان اليوم الثالث كان رجل من أهل بلخ غائباً وكان من رفقاء شقيق. وكان لشقيق فتى وهو رفيقه رأى في الصحراء كلباً في رقبته قلادة فقال: أهديه إلى شقيق. فحمله إليه فإذا هو كلب الأمير فسلمه إليه (القزويني)

أبو دلف وجاره

أبو دلف وجاره 168 يروى أن رجلاً كان جاراً لأبي دلف ببغداد. فأدركته حاجة وركبه دين فادح حتى أحتاج إلى بيع داره. فساوموه فيها فسمى لهم ألف دينار. فقالوا له: إن دارك تساوي خمسمائة دينار. فقال: أبيع داري بخمسمائة وجوار أبي دلف بخمسمائة. فبلغ أبا دلف الخبر فأمر بقضاء دينة ووصله وقال: لا تنتقل من جوارنا. فانظر كيف صار الجوار يباع كما يباع العقار. وقال الشاعر: يلومونني أن بعت بالرخص منزلي ... ولم يعلموا جاراً هناك ينغص فقلت لهم كفوا الملام فإنما ... بجيرانها تغلو الدار وترخص (للشريشي) أبو العلاء المعري والغلام 169 حكي أن غلاماً لقي أبا العلاء المعري فقال: من أنت يا شيخ. قال: فلان. قال: أنت القائل في شعرك: وإني وإن كنت الأخير زمانة ... لآت بما لم تستطعه الأوائل قال: نعم. قال: يا عماه إن الأوائل قد رتبوا ثمانية وعشرين حرفاً للهجاء فهل لك أن تزيد عليها حرفاً. (قال) فدهش المعري من ذلك وقال: إن هذا الغلام لا يعيش لشدة حذقه وتوقد فؤاده (للقليوبي) يزيد وبدوية 170 كان يزيد بن المهلب عند خروجه من سجن عم بن عبد

العفو

العزيز يسافر في البرية مع ابنه معاوية. فمر بامرأة بدوية فذبحت لهما عنزةً. فلما أكلا قال يزيد لابنه: ما يكون معك من النفقة. قال: مائة دينار. قال: أعطها إياها. هذه فقيرة يرضيها القليل وهي ما تعرفك. قال: إن كان يرضيها القليل فأنا لا يرضيني إلا الكثير وإن كانت لا تعرفني فأنا أعرف نفسي (لابن قتيبة) العفو 171 وقعت دماء بين حيين من قريش. فأقبل أبو سفيان فما بقي أحد واضع رأسه إلا رفعه فقال: يا معشر قريش هل لكم في الحق أو في ما هو أفضل من الحق. قالوا: وهل شيء أفضل من الحق. قال: نعم. العفو. فبادر القوم فاصطلحوا (للشريشي) الرشيد وحميد 172 غضب الرشيد على حميد الطوسي فدعا له بالنطع والسيف فبكى. فقال له: ما يبكيك. فقال: والله يا أمير المؤمنين ما أفزع من الموت لأنه لا بد منه وإنما بكيت أسفاً على خروجي من الدنيا وأمير المؤمنين ساخط علي. فضحك وعفا عنه (للابشيهي) المصور المسروق 173 حكى عن أهل الروم أن مصوراً دخل بلداً ليلاً ونزل بقوم. فضيفوه فلما سكر قال: إني صاحب مال ومعي كذا وكذا ديناراً. فسقوه حتى طفح وأخذوا ما كان معه وحملوه إلى موضع

النديم والجام

بعيد منهم. فلما أصبح وكان غريباً لم يعرف القوم ولا المكان ذهب إلى والي المدينة وشكا. فقال له الوالي: هل تعرف القوم. قال: لا. قال: هل تعرف المكان. قال: لا. فكيف السبيل إلى ذلك. فقال الرجل: إني أصور صورة الرجل وصورة أهله فأعرضها على الناس لعل أحداً يعرفهم. ففعل ذلك وعرضها الوالي على الناس فقالوا: إنها صورة فلان الحمامي وأهله. فأمر بإحضاره فإذا هو صاحبه فاسترد من المال (آثار البلاد للقزويني) النديم والجام 174 يقال إنه كان لأنو شروان نديم. وكان في مجلس الشراب جام من ذهب مرصع بالجوهر فسرقه النديم. ونظر إليه أنو شروان ورآه وهو يخفيه. فجاء الشرابي وطلب الجام فلم يجده. فنادى يا أهل المجلس قد ضاع لنا جام من ذهب مرصع بالجوهر. فلا يخرجن أحد حتى يرد الجام. فقال أنو شروان للشرابي: مكنهم من الخروج فإن الذي سرق ما يعيده. والذي رآه ما يغمز عليه (للطرطوشي) الكنز والسياح 174 كان في غابر الزمان ثلاثة سائرين فوجدوا كنزاً فقالوا: قد جعنا فليمض واحد منا وليبتع لنا طعاماً. فمضى ليأتيهم بطعام فقال: الصواب أن أجعل لهما في الطعام سماً قاتلاً ليأكلاه فيموتا وانفرد أنا بالكنز دونهما. ففعل ذلك وسم الطعام. واتفق

الجارية والقصعة

الرجلان الآخران أنهما إذا وصل إليهما بالطعام قتلاه وانفردا بالكنز دونه. فلما وصل إليهما بالطعام المسموم قتلاه وأكلا من الطعام فماتا. فاجتاز بعض الحكماء بذلك المكان فقال لأصحابه: هذه الدنيا. فانظروا كيف قتلت هؤلاء الثلاثة وبقيت بعدهم. ويل لطلاب الدنيا من الديان (للغزالي) الجارية والقصعة 176 جاءت جارية لأبي عبد الله جعفر بقصعة من ثريد تقدمها إليه وعنده قوم. فأسرعت بها فسقطت من يدها فانكسرت فأصابه وأصحابه مما كان فيها. فارتاعت الجارية عند ذلك. فقال لها: أنت حرة لوجه الله تعالى. لعله أن يكون كفارة للروع الذي أصابك (للطرطوشي) هارون الرشيد وأبو معاوية 177 كان هارون الرشيد يتواضع للعلماء. قال أبو معاوية الضرير وكان من علماء الناس: أكلت مع الرشيد يوماً. فصب على يدي الماء رجل فقال لي: يا أبا معاوية أتدري من صب الماء على يدك. فقلت: لا يا أمير المؤمنين. قال: أنا. فقلت: يا أمير المؤمنين أنت تفعل هذا إجلالاً للعلم. قال: نعم (الفخري) 178 لما مرض قيس بن سعد بن عبادة استبطأ إخوانه في العيادة فسأل عنهم. فقيل له: إنهم يستحيون مما لك عليهم

من الدين. فقال: أخزى الله ما لا يمنع الإخوان من الزيارة. ثم أمر من ينادي: من كان لقيس عنده مال فهو منه في حل. فكسرت عتبة بابه بالعشي لكثرة العواد (للطرطوشي)

عفو عبد الملك

عفو عبد الملك 182 تغيظ عبد الملك بن مروان على رجاء بن حياة فقال: والله لئن أمكننى الله منه لأفعلن به كذا وكذا. فلما صار بين يديه قال له رجاء بن حياة: يا أمير المؤمنين قد صنع الله ما أحببت فاصنع ما أحب الله. فعفا عنه وأمر له بصلة. جعفر وغلامه 183 حكي عن جعفر الصادق أن غلاماً له وقف يصب الماء على يديه. فوقع الإبريق من يد الغلام في الطست فطار الرشاش في وجهه. فنظر جعفر إليه نظر مغضب. فقال: يا مولاي الله يأمر بكظم الغيظ. قال: قد عفوت عنك. قال: والله يحب المحسنين. قال: اذهب فأنت حر لوجه الله تعالى (للابشيهي) المهدي وأبو العتاهية 184 لما حبس المهدي أبا العتاهية تكلم فيه يزيد بن منصور الحميري حتى أطلقه. فقال فيه أبو العتاهية: ما قلت في فضله شيئاً لأمدحه ... إلا وفضل يزيد فوق ما قلت

الموبذ وأنو شروان

ما زلت من ريب دهري خائفاً وجلاً ... فقد كفاني بعد الله ما خفت (للأصبهاني) الموبذ وأنو شروان 185 سمع المؤبذ في مجلس أنو شروان ضحك الخدم فقال: أما يهاب هؤلاء الغلمان. فقال أنو شروان: إنما يهابنا أعداؤنا (للثعالبي) الإيثار 186 من عجائب ما ذكر في الإيثار ما حكاه أبو محمد الأزدي. قال: لما احترق المسجد بمرو ظن المسلمون أن النصارى أحرقوه فأحرقوا خاناتهم. فقبض السلطان على جماعة من الذين أحرقوا الخانات. وكتب رقاعاً فيها القطع والجلد والقتل ونثرها عليهم فمن وقع عليه رقعة فعل به ما فيها. فوقعت رقعة فيها القتل بيد رجل فقال: والله ما كنت أبالي لولا أم لي. وكان بجنبه بعض الفتيان فقال له: في رقعتي الجلد وليس لي أم. فخذ أنت رقعتي وأعطني رقعتك. ففعل فقتل ذلك الفتى وتخلص هذا الرجل (للطرطوشي) الاعرابي والجراد 187 قال الأصمعي: حضرت البادية فإذا أعرابي زرع براً له.

عبد الرحمان بن عوف وعمر بن الخطاب

فلما قام على سوقه وجاد سنبله أتت عليه رجل جراد. فجعل الرجل ينظر إليه ولا يدري كيف الحيلة فيه فأنشأ يقول: مر الجراد على زرعي فقلت له ... إلزم طريقك لا تولع بإفساد فقام منهم خطيب فوق سنبلة ... إنا على سفرٍ لا بد من زاد (للدميري) 188 قيل لبعض السلاطين: لم لا تغلق الباب وتقعد عليه الحجاب. فقال: إنما ينبغي أن أحفظ أنا رعيتي لا أن يحفظوني (للثعالبي) عبد الرحمان بن عوف وعمر بن الخطاب 189 قال عبد الرحمان بن عوف: دعاني عمر بن الخطاب ذات ليلة وقال: قد نزل بباب المدينة قافلة وأخاف عليهم إذا ناموا أن يُسرق شيئاً من متاعهم. فمضيت معه فلما وصلنا قال لي: نم أنت. ثم إنه جعل يحرس القافلة طول ليلته (للغزالي) راكب البغل 190 حدث شبيب بن منصور قال: كنت في الموقف واقفاً على باب الرشيد فإذا رجل بشع الهيئة على بغل قد جاء فوقف وجعل الناس يسلمون عليه ويسائلونه ويضاحكونه. ثم وقف في الموقف فأقبل الناس يشكون إليه أحوالهم. فواحد يقول: كنت منقطعاً إلى فلان فلم يصنع بي خيراً. ويقول آخر: أملت فلاناً

يحيى وأبو جعفر

فخاب أملي وفعل بي. ويشكو آخر من حاله. فقال الرجل: فتشت ذي الدنيا فليس بها ... أحد أراه لآخر حامد حتى كأن الناس كلهم ... قد أفرغوا في قالب واحد فسألت عنه فقيل: هو أبو العتاهية (للأصبهاني) يحيى وأبو جعفر 191 كان يحيى بن سعيد خفيف الحال فاستقضاه أبو جعفر فلم يتغير. فقيل له في ذلك فقال: من كانت نفسه واحدة لم يغيره المال (للثعالبي) عمر والسكران 192 روي أن عمر رأى سكران فأراد أن يأخذه ليعزره. فشتمه السكران فرجع عنه فقيل له: يا أمير المؤمنين لما شتمك تركته. قال: إنما تركته لأنه أغضبني. فلو عزرته لكنت قد انتصرت لنفسي فلا أحب أن أضرب مسلماً لحمية نفسي (للشريشي) عروة وعبد الملك 193 دخل عروة بن الزبير مع عبد الملك بن مروان إلى بستان. وكان عروة معرضاً عن الدنيا. فحين رأى في البستان ما رأى قال: ما أحسن هذا البستان. فقال له عبد الملك: أنت والله أحسن منه لأنه يؤتي أكله كل عام وأنت تؤتي أكلك كل يوم (للشريشي)

الفيلسوف والحسن الوجه

الفيلسوف والحسن الوجه 194 نظر فيلسوف إلى رجل حسن الوجه خبيث النفس فقال: بيت حسن وفيه ساكن نذل. ورأى آخر شاباً جميلاً فقال: سلبت محاسن وجهك فضائل نفسك. قال الموسوي: لا تجعلن دليل المرء صورته ... كم مخبر سمج من منظر حسن (للثعالبي) عمر والغلام 195 يقال إن عمر بن عبد العزيز كان ينظر ليلاً في قصص الرعية في ضوء السراج. فجاء غلام له فحدثه في معنى سبب كان يتعلق ببيته فقال له عمر: أطفئ السراج ثم حدثني. لأن هذا الدهن من بيت مال المسلمين ولا يجوز استعماله إلا في أشغال المسلمين (للغزالي) صلاح الدين والمرأة المفقودة الولد 196 كان صلاح الدين إماماً كاملاً لم يَلِ مصر بعد الصحابة مثله لا قبله ولا بعده. وكان رقيق القلب جداً والناس يأمنون ظلمه لعدله. ومن صنائعه ما أخبر العماد قال: قد كان للمسلمين لصوص يدخلون ليلاًَ خيام الفرنج فيسرقون. فاتفق أن بعضهم أخذ صبياً رضيعاً من مهده ابن ثلاثة أشهر. فوجدت أمه عليه وجداً شديداً واشتكت إلى ملوكهم. فقالوا لها:

الربيع والإجانة

إن سلطان المسلمين رحيم القلب فاذهبي إليه. فجاءت إلى السلطان صلاح الدين. فبكت وشكت أمر ولدها. فرق لها رقة شديدة ودمعت عيناه. فأمر بإحضار ولدها فإذا هو بيع في السوق. فرسم بدفع ثمنه إلى المشتري. ولم يزل واقفاً حتى جيء بالغلام فدفعه إلى أمه وحملها على فرسٍ إلى قومها مكرمة (حسن المحاضرة في أخبار القاهرة للسيوطي) الربيع والإجانة 197 روي أن الربيع الجيزي صاحب الإمام الشافعي مر يوماً في أزقة مصر وإذا إجانة مملؤة رماداً طرحت على رأسه. فنزل عن دابته وأخذ ينفض ثيابه فقيل له: ألا تزجرهم. فقال: من استحق النار وصولح بالرماد فليس له أن يغضب (للقليوبي) 198 حضر رجل بين يدي بعض الملوك فأغلظ له السلطان. فقال له الرجل: إنما أنت كالسماء إذا أرعدت وأبرقت فقد قرب خيرها. فسكن غضبه وأحسن إليه (للطرطوشي) غلام وعمه 199 غلام هاشمي أراد عمه أن يجازيه بسهو منه. فقال: يا عم إني قد أسأت وليس لي عقل فلا تسيء ومعك عقلك (للثعالبي) الجار السوء 200 عرض على أبي مسلم الخولاني حصان جواد مضمر فقال

السليك بن السلكة

لقواده: لماذا يصلح هذا. فقالوا له: للجهاد في سبيل الله. فقال: لا. فقالوا: للقاء العدو. فقال: لا. فقالوا له: فلماذا يصلح أصلحك الله. فقال: أن يركبه الرجل ويهرب من الجار السوء (للقليوبي) 201 لما أتي عمر بالهرمزان أراد قتله فاستسقى ماءً فأتاه بقدح فأمسكه بيده فاضطرب وقال: لا تقتلني حتى أشرب هذا الماء. فقال: نعم. فألفى القدح من يده. فأمر عمر بأن يقتل فقال: أو لم تؤمني وقلت: لا أقتلك حتى تشرب هذا الماء. فقال عمر: قاتله الله أخذ أماناً ولم نشعر به (للثعالبي) السليك بن السلكة 202 روي عن أبي عبيدة أن السليك بن السلكة نزل على جماعة من كنانة ضيفاً. فأكرموه وجمعوا له إبلاً كثيرة وأعطوه إياها. وكان قد كبر وشاخ وذهبت قوته وانتقص عدوه فقالوا له: إن رأيت أن ترينا ما بقي من عدوك. قال: نعم. ألقوا إلي أربعين شاباً. وأتوني بدرع عظيمة. فأتوه بها واختاروا من شبابهم أربعين أقوياء عدائين. فلبس سليك الدرع. ثم قال للشبان: الحقوني. ثم عدا عدواً وسطاً وعدا الشبان وراءه جهدهم فلم يلحقوه حتى غاب عنهم. ثم كر راجعاً حتى عاد إلى القوم وحده يخطر والدرع عليه وسبق الشبان (للشريشي)

صباح أبو العتاهية

صباح أبو العتاهية 203 قيل لأبي العاهية: كيف أصبحت. قال: على غير ما يحب الله وعلى غير ما أحب وعلى غير ما يحب إبليس. فقيل له في ذلك. فقال: لأن الله يحب أن أطيعه وأنا لست كذلك. وأنا أحب أن يكون لي ثروة ولست كذلك. وإبليس يحب مني المعصية ولست كذلك (للقليوبي) يحيى بن أكثم والمأمون 204 حكي عن يحيى بن أكثم قال: بت ليلة عند المأمون فانتبه في بعض الليل فظن أني نائم. فعطش ولم يدع الغلام لئلا أنتبه. وقام متسللاً خائفاً هادئاً في خطاه. حتى البرادة فشرب ثم رجع وهو يخفي صوته كأنه لص حتى اضطجع. وأخذه سعال فرأيته يجمع كمه في فمه كيلا أسمع سعاله. وطلع الفجر فأراد القيام وقد تناومت فصبر إلى أن كادت تفوت الصلاة فتحركت فقال: الله أكبر يا غلام نبه أبا محمد. فقلت: يا أمير المؤمنين رأيت بعيني جميع ما كان الليلة من صنيعك. وكذلك جعلنا الله لكم عبيداً وجعلكم لنا أرباباً (لشمس الدين النواجي) يحيى البرمكي وسائله 205 يقال أن يحيى بن خالد البرمكي خرج من دار الخلافة راكباً إلى داره فرأى على باب الدار رجلاً. فلما قرب منه يحيى نهض قائماً

الأطيبان الأخبثان

وسلم عليه وقال: يا أبا علي إلي ما بيديك وقد جعلت الله وسيلتي إليك. فأمر يحيى أن يفرد له موضع في داره وأن يحمل إليه في كل يوم ألف درهم وأن يكون طعامه من خاص طعامه. فبقي على ذلك شهراً كاملاً. فلما انقضى الشهر كان قد وصل إليه ثلاثون ألف درهم. فأخذ الرجل الدراهم وانصرف فقيل ليحيى فقال: والله لو أقام عندي مدة عمري وطول دهره لما منعته صلتي ولا قطعت عنه ضيافتي (للغزالي) الأطيبان الأخبثان 206 ذكر أن لقمان النوبي الحكيم بن عنقاء بن بروق من أهل الله أعطاه سيده شاة وأمره أن يذبحها ويأتيه بأخبث ما فيها. فذبحها وأتاه بقلبها ولسانها. ثم أعطاه شاة أخرى وأمره بذبحها ويأتيه بأطيب ما فيها. فذبحها وأتاه بقلبها ولسانها. فسأله عن ذلك فقال له: يا سيدي لا أخبث منهما إذا خبثا. ولا أطيب منهما إذا طابا (للقليوبي) حكاية أدهم 207 يذكر أن أدهم مر ذات يوم ببساتين مدينة بخارى. وتوضأ من بعض الأنهار التي تخللها فإذا بتفاحة يحملها ماء النهر فقال: هذه لا خطر لها. فأكلها ثم وقع في خاطره من ذلك وسواس فعزم على أن يستحل من صاحب البستان. فقرع باب

حكاية عبد العزيز

البستان فخرجت إليه جارية فقال لها: ادعي لي صاحب المنزل. فقالت: إنه لامرأة فقال: استأذني عليها. ففعلت. فأخبر المرأة بخبر التفاحة فقالت له: إن هذا البستان نصفه لي ونصفه للسلطان والسلطان يومئذ ببلخ وهي مسير عشر من بخارى. وأحلته المرأة من نصفها. وذهب إلى بلخ فاعترضه السلطان في موكبه فأخبره الخبر واستحله. فانذهل السلطان من أمره وأعطاه ألف دينار (لابن بطوطة) حكاية عبد العزيز 208 كان عبد العزيز بن مروان أميراً بمصر. فركب يوماً بموضع وإذا رجل ينادي ولده يا عبد العزيز. فسمع الأمير نداءه فأمر له بعشرة آلاف درهم لينفقها على ذلك الولد الذي هو سميه. ففشا الخبر بمدينة مصر فكل من ولد له في تلك السنة ولد سماه عبد العزيز. وبضد ذلك كان الحاجب تاش الأمير الحاجب الكبير بخراسان مجتازاً يوماً بصيارف بخارى ورجل ينادي غلامه وكان اسم الغلام تاشاً. فأمر بإزالة الصيارف ومصادرتهم. قال: إنما أردتم الاستخفاف باسمي. فانظر الآن الفرق بين الحر القرشي وبين المملوك المسترق بالدرهم (للغزالي) لقمان والناسك 209 قال لقمان الحكيم: كنت أسير في طريق فرأيت رجلاً

المتوكل وابو العيناء

على مسح فقلت: ما أنت أيها الرجل. فقال: آدمي. قلت: ما اسمك. قال: حتى أنظر بماذا أسمي نفسي. فقلت له. من أين يعطيك. فقال: من حيث يشاء. فقلت: طوبى لك وقرة عين. فقال: ومن الذي يمنعك عن هذه الطوبى وقرة العين (للأصبهاني) المتوكل وابو العيناء 210 سأل المتوكل أبا العيناء: ما أشد ما عليك في ذهاب بصرك. قال: ما حرمته يا أمير المؤمنين من رؤيتك. مع إجماع الناس على جمالك (للشريشي) السفيه والحليم 211 شتم سفيه حليماً وهو ساكت. فقال: إياك أعني. فقال: وعنك أغضي. قال الشاعر: شاتمني عبد بني مسمع ... فصنت عنه النفس والعرضا ولم أجبه لاحتقاري له ... من ذا يعض الكلب إن عضا (للثعالبي) قد روي أن بعض الحكماء رأى شيخاً يطلب العلم ويحب النظر فيه ويستحي فقال: يا هذا أتستحي أن تكون في آخر عمرك أفضل مما كنت في أوله. ولآن الصغر أعذر وإن لم يكن في الجهل عذر (للطرطوشي)

الرازي وصبيان

الرازي وصبيان 212 حكى أبو علي الرازي قال: مررت بصبيان في طريق الشام يلعبون بالتراب وقد ارتفع الغبار فقلت: مهلاً قد غبرتم. فقال صبي منهم: يا شيخ أين تفر إذا هيل عليك التراب في القبر فغشي علي فأفقت والصبي قاعد عند رأس مع الصبيان يبكون. فقلت له: أعندك حيلة في الفرار من التراب. قال: أنا لا أعلم ولكن سل غيري. فقلت: ومن غيرك. قال: عقلك (للشريشي) الحاج والعجوز 213 يقال إنه انقطع رجل من قافلة الحج وغلط الطريق ووقع في الرمل. فجعل يسير إلى أن وصل إلى خيمة فرأى في الخيمة امرأةً عجوزاً وعلى باب الخيمة كلباً نائماً. فسلم الحاج على العجوز وطلب منها طعاماً. فقالت العجوز: امض إلى ذلك الوادي. واصطد من الحيات بقدر كفايتك لأشوي لك منها وأطعمك. فقال الرجل: أنا لا أجسر أن أصطاد الحيات. فقالت العجوز: أنا أصطاد معك فلا تخف. فمضيا وتبعهما الكلب فأخذا من الحيات بقدر حاجتهما. فأتت العجوز وجعلت تشوي الحيات فلم ير الحاج بداً من الأكل وخاف أن يموت من الجوع والهزال فأكل. ثم إنه عطش فطلب منها الماء فقالت: دونك العين فاشرب. فمضى إلى العين فوجد الماء مراً مالحاً ولم يجد من شربه

حكاية أبي يعقوب يوسف

بداً. فشرب وعاد إلى العجوز وقال: أعجب منك أيتها العجوز ومن مقامك في هذا المكان واغتذائك بهذا الطعام. فقالت العجوز: كيف تكون بلادكم. فقال: في بلادنا الدور الرحبة الواسعة والفواكه اليانعة والمياه العذبة والأطعمة الطيبة واللحوم السمينة والنعم الكثيرة والعيون الغزيرة. فقالت العجوز: قد سمعت هذا كله فقل لي هل تكونون تحت يدي سلطان يجور عليكم وإذا كان لكم ذنب أخذ أموالكم واستأصل أحوالكم وأخرجكم من بيوتكم وأملاككم. فقال: قد يكون ذلك. فقالت: إذا يعود ذلك الطعام اللطيف. والعيش الظريف. والحلوى العجيبة مع الجور والظلم سماً ناقعاً. وتعود أطعمتنا مع الأمن درياقاً نافعاً. أما سمعت أن أجل النعم بعد نعمة الهدى الصحة والأمن (للغزالي) حكاية أبي يعقوب يوسف 214 قصدنا من مدينة بيروت زيارة قبر أبي يعقوب يوسف الذي يزعمون أنه من ملوك المغرب. وهو بموضع يعرف بكرك نوع من بقاع العزيز. ويذكر أنه كان ينسج الحصر ويقتات بثمنها. وحكي عنه أنه دخل مدينة دمشق فمرض بها مرضاً شديداً وأقام مطروحاً بالأسواق. فلما برئ من مرضه خرج إلى ظاهر دمشق ليلتمس بستاناً يكون حارساً له. فاستؤجر

المنصور والمعتدى عليه

لحراسة بستان للملك نور الدين وأقام في حراسته ستة أشهر. فلما كان في أوان الفاكهة أتى السلطان إلى ذلك البستان فأمر وكيل البستان أبا يعقوب أن يأتي برمان يأكل منه السلطان. فأتاه برمان فوجده حامضاً. فقال له الوكيل: أتكون في حراسة البستان منذ ستة أشهر ولا تعرف الحلو من الحامض. فقال: إنما استأجرتني على الحراسة لا على الأكل. فأتى الوكيل إلى الملك فأعلمه بذلك. فبعث الملك إليه وكان قد رأى في المنام إنه يجتمع مع أبي يعقوب فتفرس أنه هو. فقال له: أنت أبو يعقوب. قال: نعم. فقام إليه وعانقه وأجلسه إلى جانبه. ثم احتمله إلى مجلسه فأضافه بضيافة من الحلال المكتسب بكد يمينه. وقام عنده أياماً ثم خرج من دمشق فاراً بنفسه في أوان البرد الشديد (لابن بطوطة) المنصور والمعتدى عليه 215 روي أن رجلاً من العقلاء غصبه بعض الولاة ضيعة له واعتدى عليه. فذهب إلى المنصور فقال له: أصلحك الله أذكر لك حاجتي أم أضرب لك قبلها مثلاً. فقال له: بل اضرب لي قبلها مثلاً. فقال أصلحك الله إن الطفل الصغير إذا نابه أمر يكرهه فإنه يفر إلى أمه لنصرته إذ لا يعرف غيرها ظناً منه أنه لا ناصر له فوقها. فإذا ترعرع واشتد كان فراره وشكواه

النجاة بعون الله

إلى أبيه لعلمه بأن أباه أقوى من أمه على نصرته. فإذا بلغ وصار رجلاً وحزبه أمر شكا إلى الوالي لعلمه بأنه أقوى من أبيه. فإن زاد عقله واشتدت شكيمته شكا إلى السلطان لعلمه بأنه أقوى ممن سواه. فإن لم ينصفه السلطان شكا إلى الله تعالى لعلمه بأنه أقوى من السلطان. وقد نزلت بي نازلة وليس فوقك أحد أقوى منك إلا الله تعالى. فإن أنصفتني وإلا رفعت أمرها إلى الله تعالى. قال: بل ننصفك. وأمر بأن يكتب إلى واليه برد ضيعته إليه. النجاة بعون الله 216 روي أن سلطان صقلية أرق ذات ليلة ومنع النوم. فأرسل إلى قائد البحر وقال: أنفذ الآن مركباً إلى أفريقية يأتوني بأخبارها. فعمر القائد المركب وأرسله لحينه. فلما أصبحوا إذا بالمركب في موضعه لم يبرح فقال له الملك: أليس قد فعلت ما أمرتك به. قال: نعم امتثلت أمرك وأنفذت المركب ورجع بعد ساعة وسيحدثك مقدم المركب. فجاء مقدم المركب ومعه رجل فقال الملك: ما منعك أن تذهب حيث أمرت. قال: ذهبت في المركب فبينما أنا في جوف الليل والبحارون يجذفون فإذا أنا بصوت يقول: يا الله يا الله يا غياث المستغيثين يكررها مراراً. فلما استقر صوته في أسماعنا

الجندي والمحتال

ناديناه مراراً: لبيك لبيك. وهو ينادي: يا الله يا الله يا غياث المستغيثين. ونحن نجيبه: لبيك لبيك. وتوجهنا نحو الصوت فألفينا هذا الرجل غريقاً في آخر رمق من الحياة. فأخرجناه من البحر وسألناه عن حاله فقال: كنا مقلعين من أفريقية فغرقت سفينتنا منذ أيام وما زلت أسبح حتى وجدت الموت فلم أشعر بالغوث إلا من ناحيتكم. فسبحان من أسهر سلطاناً وأرق جباراً في قصره لغريق في البحر وظلمة الوحشة حتى استخرجه من تلك الظلمات الثلاث ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة الوحشة. لا إله إلا أنت سبحانك يا أرحم الراحمين (للطرطوشي) الجندي والمحتال 217 إنه كان بثغر الاسكندرية والٍ يقال له حسام الدين. فبينما هو جالس في دسته ذات ليلة إذ أقبل عليه رجل جندي وقال له: اعلم يا مولانا الوالي أني دخلت هذه المدينة في هذه الليلة ونزلت في خان كذا. فنمت فيه إلى ثلث الليل فلما انتبهت وجدت خرجي مشروطاً وقد سرق منه كيس فيه ألف دينار. فلم يتم كلامه حتى أرسل الوالي وأحضر المقدمين وأمرهم بإحضار جميع من في الخان وأمر بسجنهم إلى الصباح. فلما جاء الصبح أمر بإحضار آلة العقوبة وأحضر هؤلاء الناس بحضرة الجندي صاحب الدراهم وأراد عقابهم. وإذا برجل

أقبل وشق الناس حتى وقف بين يدي الوالي والجندي فقال: أيها الأمير أطلق هؤلاء الناس كلهم فإنهم مظلومون. وأنا الذي أخذت مال هذا الجندي وها هو الكيس الذي أخذته من خرجه. ثن لأخرجه من كمه ووضعه بين يدي الوالي والجندي. فقال الوالي للجندي: خذ مالك وتسلمه فما بقي لك على الناس سبيل. وصار الناس وجميع الحاضرين يثنون على ذلك الرجل ويدعون له. ثم إن الرجل قال: أيها الأمير ما الشطارة أني جئت إليك بنفسي وأحضرت هذا الكيس وإنما الشطارة في أخذ هذا الكيس ثانياً من هذا الجندي. فقال له الوالي: وكيف فعلت يا شاطر حين أخذته. فقال: أيها الأمير إني كنت في مصر في سوق الصيارف إذ رأيت هذا الجندي لما صرف هذا الذهب ووضعه في هذا الكيس فتبعته من زقاق إلى زقاق فلم أجد لي إلى أخذ المال منه سبيلاً. ثم إنه سافر فتبعته من بلد إلى بلد وصرت احتال عليه في أثناء الطريق فما قدرت على أخذه منه. فلما دخل هذه المدينة تبعته حتى دخل في هذا الخان. فنزلت إلى جانبه ورصدته حتى نام وسمعت غطيطه. فمشيت إليه قليلاً قليلاً وقطعت الخرج بهذه السكين وأخذت الكيس هكذا. ومد يده وأخذ الكيس من بين أيادي الوالي والجندي وتأخر إلى خلف الوالي والجندي والناس ينظرون

المأمون والصائغ

إليه ويعتقدون أنه يريهم كيف أخذ الكيس من الخرج. وإذا به قد جرى ورمى نفسه في بركة. فصاح الوالي على حاشيته وقال: ألحقوه وانزلوا خلفه. فما نزعوا ثيابهم ونزلوا في الدرج حتى كان الشاطر مضى إلى حال سبيله وفتشوا عليه فلم يجدوه. وذلك لأن أزقة الإسكندرية كلها تنفذ إلى بعضها. ورجع الناس ولم يحصلوا الشاطر. فقال الوالي للجندي: لم يبق لك عند الناس حق لأنك عرفت غريمك وتسلمت مالك وما حفظته. فقام الجندي وقد ضاع ماله وخلصت الناس من أيدي الجندي والوالي (ألف ليلة وليلة) المأمون والصائغ 218 حدث سليمان الوراق قال: ما رأيت أعظم حلماً من المأمون. دخلت عليه يوماً وفي يده فص مستطيل من ياقوت أحمر له شعاع قد أضاء له المجلس وهو يقلبه بيده ويستحسنه. ثم دعا برجل صائغ وقال له: اصنع بهذا الفص كذا وكذا وأحلل فيه كذا وكذا. وعرفه كيف يعمل به. فأخذه الصائغ وانصرف. ثم عدت إلى المأمون بعد ثلاث فتذكره فاستدعى بالصائغ. فأتي به وهو يرعد وقد انتقع لونه. فقال المأمون: ما فعلت بالفص. فتلجلج الرجل ولم ينطق بكلام. ففهم المأمون بالفراسة أنه حصل فيه خلل. فولى وجهه عنه حتى

حكاية نظام الملك وأبي سعيد الصوفي

سكن جأشه ثم التفت إليه وأعاد القول. فقال: الأمان يا أمير المؤمنين. قال: لك الأمان. فأخرج الفص أربع قطع وقال: يا أمير المؤمنين سقط من يدي على السندان فصار كما ترى. فقال المأمون: لا بأس عليك اصنع به أربع خواتم. وألطف له في الكلام حتى ظننت أنه كان يشتهى الفص على أربع قطع. فلما خرج الرجل من عنده قال: أتدرون كم قيمة هذا الفص. قلنا: لا. قال: اشتراه الرشيد بمائة ألف وعشرين ألفاً (للاتليدي) حكاية نظام الملك وأبي سعيد الصوفي 219 حكى أن رجلاً يقال له أبو سعيد قصد نظام الملك فقال له: يا أمير المؤمنين أنا أبني لك مدرسة ببغداد مدينة السلام لا يكون في معمور الأرض مثلها يخلد بها ذكرك إلى أن تقوم الساعة. قال: فافعل. فكتب إلى وكلائه ببغداد أن يمكنوه من الأموال. فابتاع بقعة على شاطئ دجلة وخط المدرسة النظامية وبناها أحسن بنيان وكتب عليها اسم نظام الملك. وبنى حولها أسواقاً تكون محبسة عليها وابتاع ضياعاً وخانات وحمامات وقفت عليها. فكملت لنظام الملك بذلك رئاسة وسؤود وذكر جميل طبق الأرض خبره. وعم المشارق والمغارب أثره. وكان ذلك في سنى عشر الخمسين وأربعمائة من الهجرة.

ثم رفع حساب النفقات إلى نظام الملك فبلغ ما يقارب ستين ألف دينار. ثم نمى الخبر إلى نظام الملك من الكتاب وأهل الحساب أن جميع ما أنفق نحو تسعة آلاف دينار وأن سائر الأموال احتجبها لنفسه وخانك فيها. فدعاه نظام الملك إلى أصبهان للحساب. فلما أحس أبو سعيد بذلك أرسل إلى الخليفة أبي العباس يقول له: هل لك في أن أطبق الأرض بذكرك وأنشر لك فخراً لا تمحوه الأيام. قال: وما هو. قال: أن تمحو اسم نظام الملك عن هذه المدرسة وتكتب اسمك عليها وتزن له ستين ألف دينار. فأرسل إليه الخليفة يقول: أنفذ من يقبض المال. فلما استوثق منه مضى إلى أصبهان فقال له نظام الملك: إنك رفعت لنا نحواً من ستين ألف دينار وأحب أن تخرج الحساب. فقال له أبو سعيد: لا تطل الخطاب إن رضيت فيها وإلا محوت اسمك المكتوب عليها وكتبت عليها اسم غيرك فأرسل معي من يقبض المال. فلما أحس نظام الملك بذلك قال: يا شيخ قد سوغنا لك جميع ذلك ولا تمح اسمنا. ثم إن أبا سعيد بنى بتلك الأموال الرباطات للصوفية واشترى الضياع والخانات والبساتين والدور ووقف جميع ذلك على الصوفية (للطرطوشي)

الباب السابع في الفكاهات

الباب السابع في الفكاهات 220 نظر بعض الحكماء إلى أحمق على حجر فقال: حجر على حجر (للابشيهي) 221 نظر رجل إلى فيلسوف يؤدب شيخاً فقال له: ما تصنع. قال: أغسل حبشياً لعله يبيض (للمستعصمي) 222 قال الحاجري يهجو طبيباً: يمشي وعزرائيل من خلفه ... يشمر الأردان للقبض 223 قيل إن رجلاً ادعى النبوءة في أيام أحد الملوك. فلما حضر بين يديه قال له: أنت نبي. قال: نعم. قال: وإلى من بعثت. قال: إليك. قال: أشهد أنك سفيه أحمق. قال: إنما يبعث لكل قوم مثلهم. فضحك الملك وأمر له بشيء (للابشيهي) 224 ترك رجل النبيذ فقيل له: لم تركته وهو رسول السرور إلى القلب. فقال: ولكنه بئس الرسول. يبعث إلى الجوف فيذهب إلى الرأس (للشريشي) 225 تنبأ إنسان فطالبوه بحضرة المأمون بمعجزة. فقال: إني أطرح لكم حصاة في الماء فتذوب. قالوا: رضينا. فأخرج حصاة من جيبه وطرحها في الماء فذابت. فقالوا: هذه حيلة. نعطيك

حصاةً من عندنا ودعها تذوب. فقال: لستم أجل من فرعون ولا أعظم كرامة من موسى. فلم يقل فرعون لموسى: لم أرض بما تفعله بعصاك حتى أعطيك عصاً من عندي تجعلها ثعباناً. فضحك المأمون وأجازه (للابشيهي) 226 سرق رجل صرة من الدراهم ومضى حتى أتى إلى المسجد فدخل يصلي. فقرأ الإمام: وما تلك بيمينك يا موسى. وكان اسم الأعرابي. فقال: لا شك أنك ساحر. ثم رمى الصرة وخرج هارباً (للقليوبي) 227 قال بعض الملوك لصاحب خيله: قدم لي الفرس الأبيض. فقال له وزيره: أيها الملك لا تقل الفرس الأبيض. فإنه عيب يخل بهيبة الملوك ولكن الفرس الأشهب. فلما أحضر الطعام قال لصاحب السماط: قدم الصحن الأشهب. فقال الوزير: قل ما شئت فما لي حيلة في تقويمك (للابشيهي) 228 نظر أشعب إلى رجل يعمل طبقاً. فقال له الرجل: ما معنى ذلك. قال: لعله أن يهدي إلي يوماً فيه شيءٌ (للشريشي) 229 كان الشيخ المعروف بالشيخ الكرماني شاعراً على زي الفقراء عليل العينين وكان يصنع الأكحال ويبيع الطالبين. فاشترى منه أحد يوماً كحلاً بدرهم ورأى المشتري أن عينه عليلة فأعطاه

الحجاج والشيخ

درهمين وقال: هذا ثمن كحلك وهذا الآخر لك. اشتر به أنت أيضاً كحلاً وكحل عينيك. فاستحسن الشيخ ذلك (لابن طقطقي) الحجاج والشيخ 230 حكي أن الحجاج خرج في بعض الأيام للتنزه فصرف عنه أصحابه وانفرد بنفسه فلاقى شيخاً من بني عجل فقال له: من أين أنت يا شيخ. قال: من هذه القرية. قال: ما رأيكم بحكام البلاد. قال: كلهم أشرار يظلمون الناس ويختلسون أموالهم. قال: وما قولك في الحجاج. قال: أنجس الكل سود الله وجهه ووجه من استعمله على هذه البلاد. فقال الحجاج: تعرف من أنا. قال: لا والله. قال: أنا الحجاج. قال: أنا فداك وأنت تعرف من أنا. قال: لا. قال: أنا زيد بن عامر مجنون بني عجل أصرع كل يوم مرة في مثل هذه الساعة. فضحك الحجاج وأجازه (لابن قتيبة) الرشيد ومدعي النبوة 231 إدعى رجل النبوءة في زمان الرشيد. فلما أحضروه قدام أمير المؤمنين قال له: لكل نبي بينة تدل على نبوءته. فأي شي من دلائلك. قال: اسأل ما تريد. قال: أريد أن تصير هؤلاء المماليك المرد كلهم بلحى. فأطرق إلى الأرض ساعة ثم رفع رأسه وقال: كيف يحل أن أصير هؤلاء المرد بلحي وأغير هذه الصورة الحسنة ولكن أصير هؤلاء الذي هم بلحى مرداً في لحظة واحدة.

المعتصم وابن الجنيد

فاستحسن الرشيد جوابه وعفا عنه (لابن طقطقي) 232 يقال إن هبنقة كان يرعى غنم أهله فيرعى السمان في العشب وينحي المهازيل. فقيل له: ويحك ما تصنع. فقال: لا أصلح ما أفسد الله ولا أفسد ما أصلح الله (لطائف العرب) المعتصم وابن الجنيد 233 كان المعتصم يأنس بعلي بن الجنيد الإسكافي. وكان عجيب الصورة والحديث. فقال المعتصم لابن حماد: اذهب على ابن الجنيد وقل له أن يتهيأ ليزاملني. فأتاه فقال له: تهيأ لمزاملة أمير المؤمنين فإن مزاملة الخلفاء كبيرة. فقال: كيف أتهيأ لها. أصيب رأساً غير رأسي. اشتري لحية غير لحيتي. قال ابن حماد: شروطها الإمتاع بالحديث والمذاكرة والمنادمة. وأن لا تبصق ولا تسعل ولا تمخط ولا تتنحنح. وأن تتقدم في الركوب إشفاقاً عليه من الميل وأن يتقدمك في النزول. فمتى لم يفعل هذا المعادل كان ومثقلة الرصاص التي يعدل بها القبة واحداً. فقال لابن حماد: اذهب قل له: لا يزاملك إلا من كان دنئ الأصل. فرجع إلى المعتصم وأعلمه فضحك وقال: علي به. فلما جاء قال: يا علي أبعث إليك أن تزاملني فلا تفعل. فقال له: إن رسولك هذا الأرعن جاء إلى بشروط حسان السامي وخالويه الحاكمي. فقال: لا تبصق ولا تعطس وجعل يفرقع بصاداته وهذا لا أقدر عليه. فإن رضيت أن أزاملك إذا أتتني

الضيف الضجر الممل

العطسة عطست وإلا فليس بيني وبينك عمل. فضحك المعتصم حتى فحص برجليه وقال: نعم زاملني على هذه الشروط (للشريشي) الضيف الضجر الممل 234 أضاف رجل رجلاً فأطال المقام حتى كرهه. فقال الرجل لامرأته: كيف لنا أن نعلم مقدار مقامه. فقالت له: ألق بيننا شراً حتى نتحاكم إليه. ففعل. فقالت المرأة للضيف: بالذي يبارك لك في غدوك غداً أينا أظلم. فقال: والذي يبارك لي في قيامي عندكم شهراً ما أعلم. البصري والدنيء 235 نزل بصري على مدني وكان صديقاً له. فألح عليه في الجلوس فقال المدني لامرأته: إذا كان يوم غد فإني أقول لضيفنا: كم ذراع يقفز فأقفز. فإذا قفز فأغلقي الباب خلفه. فلما كان الغد قال المدني: كم قفزك يا أبا فلان. قال: جيد. فعرض عليه أن يقفز معه فأجابه. فوثب المدني من داره إلى خارج أذرعا. وقال للضيف ثب أنت. فوثب الضيف إلى داخل الدار ذراعين. فقال له وثبت أنا إلى خارج الدار أذرعاً وأنت إلى داخلها ذراعين. فقال الضيف: ذراعان في الدار خير من أربع إلى خارج (للمبرد) الشاعر والمأمون 236 أتى شاعر المأمون فقال: لقد قلت فيك شعرا. فقال:

هارون الرشيد وجعفر مع الشيخ البدوي

أنشدنيه. فقال: حياك رب الناس حياكا ... إذ بجمال الوجه رقاكا بغداد من نورك قد أشرقت ... وأورق العود بجدواكا (قال) فأطرق المأمون ساعة وقال: يا أعرابي وأنا قد قلت فيك شعراً وأنشد يقول: حياك رب الناس حياكا ... إن الذي أملت أخطاكا أتيت شخصاً قد خلا كيسه ... ولو حوى شيئاً لأعطاكا فقال يا أمير المؤمنين الشعر بالشعر حرامٌ. فاجعل بينهما شيئاً يستطاب. فضحك المأمون وأمر له بمال (للاتليدي) هارون الرشيد وجعفر مع الشيخ البدوي 237 مما يحكى أن أمير المؤمنين هارون الرشيد خرج يوماً من الأيام هو وأبو يعقوب النديم وجعفر البرمكي وأبو نواس وساروا في الصحراء. فرأوا شيخاً متكئاً على حمار له فقال هارون الرشيد لجعفر: اسأل هذا الشيخ من أين هو. فقال له جعفر: من أين جئت. قال: من البصرة. قال له جعفر: وإلى أين سيرك. قال: إلى بغداد. قال له: وما تصنع فيها. قال: ألتمس دواء لعيني. فقال هارون الرشيد: يا جعفر مازحه. فقال: إذا مازحته أسمع منه ما أكره. فقال: بحقي عليك أن تمازحه. فقال جعفر للشيخ: إن وصفت لك دواء ينفعك فما الذي تكافئني به. فقال له: الله تعالى

يكافئك عني بما هو خير لك من مكافأتي. فقال: أنصت إلي حتى أصف لك هذا الدواء الذي لا أصفه لأحد غيرك. فقال له: وما هو. فقال جعفر: خذ لك ثلاث أواق من هبوب الريح وثلاث أواق من شعاع الشمس وثلاث أواق من زهر القمر وثلاث أواق من نور السراج. واجمع الجميع وضعها في الريح ثلاثة أشهر. ثم بعد ذلك ضعها في هاون بلا قعر ودقها ثلاثة أشهر. فإذا دققتها فضعها في جفنة مشقوقة وضع الجفنة في الريح ثلاثة أشهر. ثم استعمل هذا الدواء في كل يوم ثلاثة دراهم عند النوم. واستمر على ذلك ثلاثة أشهر فإنك تعافى بإذن الله تعالى. فلما سمع الشيخ كلام جعفر قال: لا عافاك الله يا صاقع الذقن. خذ مني هذه اللطمة مكافأة لك على وصفك هذا الدواء. وبادره بضربة على أم رأسه. فضحك هارون الرشيد حتى استلقى وأمر لذلك الرجل بثلاثة آلاف درهم (ألف ليلة وليلة) 238 قيل لغلام: أما يكسوك معلمك. فأجاب: إن معلمي لو كان له بيت مملوء إبراً وجاء يعقوب ومعه الأنبياء شفعاء والملائكة ضمناء يستعير منه إبرة ليخيط بها ثوب ابنه يوسف الذي قد ما أعاره إياها فكيف يكسوني. وقد نظم ذلك من قال: لو أن دارك أنبتت لك واحتشت ... إبراً يضيق بها فناء المنزل وأتاك يوسف يستعير إبرة ... ليخيط قد قميصه لم تفعل

العليل والناسك

العليل والناسك 239 نزل رجل بصومعة ناسك فقدم إليه الناسك أربعة أرغفة وذهب ليحضر إليه عدساً. فحمله وجاء فوجده قد أكل الخبز فذهب فأتى بغيره فوجده قد أكل العدس. ففعل معه ذلك عشر مرات. فسأله الناسك عن مقصده. قال: إلى الأردن. قال: لماذا. قال: بلغني أن بها طبيباً حاذقاً أسأله عما يصلح معدتي. فإني قليل الشهوة للطعام. فقال له الناسك: إن لي إليك حاجة. قال: وما هي. قال: إذا ذهبت وأصلحت معدتك فلا تجعل رجوعك عليّ وقال: يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا ... نحن الضيوف وأنت رب المنزل الأعرابيان 240 قيل خرج أعرابي قد ولاه الحجاج بعض النواحي فأقام بها مدة طويلة. فلما كان في بعض الأيام ورد عليه أعرابي من حيه. فقدم إليه الطعام وكان إذ ذاك جائعاً فسأله عن أهله وقال: ما حال ابني عمير. قال: على ما تحب قد ملأ الأرض والحي رجالاً ونساءً. قال: فما حال أم عمير. قال: صالحة أيضاً. قال: فما حال الدار. قال: عامرة بأهلها. قال: وكلبنا إيقاع. قال: قد ملأ الحي نبحاً. قال: فما حال جملي زريق. قال: على ما يسرك. (قال) فالتفت إلى خادمه وقال: ارفع الطعام. فرفعه ولم يشبع الأعرابي. ثم

قصة أبي دلامة والخليفة السفاح

أقبل عليه يسأله وقال: يا مبارك الناصية أعد على ما ذكرت قال: سل عما بدا لك. قال: فما حال كلبي إيقاع. قال: مات. قال: وما الذي أماته. قال: اختنق بعظمة من عظام جملك زريق فمات. قال: أو مات جملي زريق. قال: نعم. قال: وما الذي أماته. قال: كثر نقل الماء إلى قبر أم عمير. قال: أو ماتت أم عمير. قال: نعم. قال: وما الذي أماتها. قال: كثرة بكائها على عمير. قال: أو مات عمير. قال: نعم. قال: وما الذي أماته. قال: سقطت عليه الدار. قال: أو سقطت الدار. قال: نعم. فقام له بالعصا ضارباً. فولى من بين يديه هارباً (للابشيهي) قصة أبي دلامة والخليفة السفاح 241 قيل إن أبا دلامة الشاعر كان واقفاً بين يدي السفاح في بعض الأيام فقال له الخليفة: سلني حاجتك. فقال له أبو دلامة: أريد كلب صيد. فقال: أعطوه إياه. فقال: وأريد دابة أتصيد عليها. قال: أعطوه إياها. قال: وغلاماً يقود الكلب ويصيد به. قال: أعطوه غلاماً قال: وجارية تصلح الصيد وتطعمنا منه. قال: أعطوه جارية. قال: هؤلاء يا أمير المؤمنين عبيدك. فلا بد لهم من دار يسكنونها. فقال: أعطوه داراً تجمعهم. قال: وإن لم يكن لهم ضيعة فمن أين يعيشون. قال: قد أقطعتك عشر ضياع عامرة وعشر ضياع غامرة. قال: وما الغامرة يا أمير

المأمون والطفيلي

المؤمنين. قال: ما لا نبات فيها. قال: قد أقطعتك يا أمير المؤمنين مائة ضيعة غامرة من فيافي بني أسدٍ. فضحك منه وقال: اجعلوها كلها عامرة (للاتليدي) 242 يحكى أنه قيل لبعض البخلاء: إن لكل رئيس علامة ينصرف بها ندماؤه. فما علامتك. قال: إذا قلت: يا غلام هات الطعام (للنواجي) المأمون والطفيلي 243 روى ابن عامر الفهري عن أشياخه قال: أمر المأمون أن يحمل إليه من أهل البصرة عشرة رجال كانوا قد رموا عنده بالزندقة فحملوا إليه. فمر بهم طفيلي فرآهم مجتمعين فظن خيراً ومضى معهم إلى الساحل وقال: ما اجتمع هؤلاء إلا لوليمة. فانسل ودخل الزورق وقال: لا شك أنها نزهة. فلم يكن إلا يسير حتى قيدوا القوم وقيد معهم. فعلم أنه وقع فيما لا طاقة له به ورام الخلاص فلم يقدر. وساروا إلى أن وصلوا إلى بغداد وأدخلوا على المأمون. فاستدعى بهم بأسمائهم واحداً بعد واحد. وجعل يذكره بفعله وبقوله ويضرب عنقه حتى لم يبق إلا الطفيلي. وفرغت العشرة فقال المأمون للمتوكل: من هذا. فقال: لا أعلم يا أمير المؤمنين غير أننا رأيناه معهم فجئنا به. فقال: يا أمير المؤمنين لم أعرف من أحوالهم شيئاً وإنما رأيتهم مجتمعين فظننت أنها وليمة

اللصان والحمار

يدعون إليها فلحقت بهم. فضحك المأمون وقال: أو قد بلغ من شؤم التطفل أن يحل بصاحبه هذا المحل. لقد سلم هذا الجاهل من القتل ولكن يؤدب حتى لا يعود إلى مثلها (للاتليدي) اللصان والحمار 244 قيل إن لصين سرقا حماراً ومضى أحدهما ليبيعه. فقابله رجل معه طبق فيه سمك فقال له: أتبيع هذا الحمار. قال: نعم. قال له: أمسك هذا الطبق حتى أركبه وأجربه فإن أعجبني اشتريته بثمن يعجبك. فأمسك اللص الطبق وركب الرجل الحمار يردده ويجربه ذهاباً وإياباً حتى ابتعد عن اللص كثيراً. فدخل بعض الأزقة ومازال يقطع به من زقاق إلى آخر حتى اختفى عنه بالكلية. فأخذت اللص الحيرة من ذلك وعرف أخيراً أنها حيلة عليه. فرجع بالطبق فالتقاه رفيقه فقال: ما فعلت بالحمار هل بعته. قال: نعم. قال: بكم. قال برأس ماله وهذا الطبق ربح. فقال متمثلاً: ولكم من سعى ليصطاد فاصطيد ولم يلق غير خفي حنين القاضي والتاجر 245 كان القاضي ابن حديد ناظر الديوان بالإسكندرية وقاضيها. فبينما هو جالس في الديوان أحضر الترجمان بعض تجار الفرنج الواصلين ولحيته محلوقة وشواربه سالمة. وكان ابن حديد له لحية طويلة وشواربه خفيفة لا تكاد أن تتبين

إلا من قرب. فسأل ابن حديد التاجر عن بضاعته وبلده والترجمان يفسر له. ثم قال للترجمان: قل له لأي معنى حلقت لحيتك وتركت شواربك. فسأله الترجمان عن ذلك. فقال الفرنجي: قل للقاضي إن الأسد بشوارب بلا لحية. والتيس بلحية بلا شوارب. فخجل القاضي وانقطع عن رد الجواب (للقليوبي) 246 كان أبو دلامة مع أبي مسلم في بعض حروبه. فدعا رجل من الأعداء إلى البراز. قال أبو مسلم لأبي دلامة: اخرج إليه. فأنشد يقول: ألا لا تلمني إن فررت فإنني ... أخاف على فخارتي أن تحطما فلو أنني في السوق أبتاع مثلها ... وجدك ما باليت أن أتقدما فضحك أبو مسلم وأعفاه (للأصبهاني) 247 كان للفرزدق نديم يسمى زياداً الأقطع. فأتى بابه فخرج ابن له صغير فقال له: ابن من أنت. قال: ابن الفرزدق. قال: فما بالك حبشياً. قال: فما بال يدك مقطوعة. قال: قطعت في حرب الحرورية. قال: بل قطعت في اللصوصية. فقال: عليك وعلى أبيك لعنة الله. ثم أخبر الفرزدق بالخبر. فقال: أشهد أنه ابني حقاً 248 قدم لأعرابي كامخٌ (وهو أكلة مصنوعة من الحنطة واللبن) فلم يستطبه. وأكل منه شيئاً وخرج ودخل المسجد والإمام في الصلاة يقرأ: حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير. فقال:

المتشوق إلى الحرب

الأعرابي: والكامخ لا تنسه أصلحك الله 249 مر ابن حمامة بابن هرمة وهو جالس بفناء بيته. فقال: السلام عليكم. فقال: قد قلت ما لا ينكر. قال: خرجت من أهلي بغير زادٍ. قال: ما ضمنت لأهلك قراك. قال: أفتأذن لي أن آتي ظل بيتك. قال: دونك الجبل يفيء عليك. قال: أنا ابن حمامة. قال: انصرف وكن ابن أي طائر شئت المتشوق إلى الحرب 250 قال أفلح التركي: خرجنا مرة إلى حرب لنا ومعنا رجل كان يقول: أنا أتمنى أن أرى الحرب كيف هي. فأخرجناه معنا فأول سهم جاء وقع في رأسه. فلما انصرفنا دعونا له معالجاً فنظر إليه وقال: إن خرج الزج وفيه شيء من دماغه مات. وإن لم يخرج عليه شيء من دماغه لم يكن عليه بأس. فسبق فقبل رأسه وقال: بشرك الله بخير انزعه فما في رأسي دماغ. فقال الطبيب: وكيف ذلك. قال: لو كان فيَّ ذرة من دماغ ما كنت ههنا (للشريشي) 251 اختلف أعرابيان في رجل فقال الأول: من بني راسب. وقال الثاني: بل من بني طفاوة. فمر بهما باقل الربعي. فتحاكما إليه. فقال: ألقوه في الماء فإن رسب فهو من بني راسب. وإن طفا فمن بني طفاوة. فضرب المثل في حكمه (للقليوبي) 252 أعرابي لقي آخر فقال: ما اسمك. قال: فيض. فقال:

الراعي والجرة

ابن من. قال: ابن الفرات. قال: أبو من. قال: أبو بحر. قال: ليس لنا أن نكلمك إلا في زورق (للشريشي) الراعي والجرة 253 قيل إنه كان لأحد الأغنياء راعٍ يرعى غنماً في إحدى البراري. وكان قد عين له معاشاً فيه شيء من السمن. فكان الراعي يبقى السمن ويذخره في جرة له كانت معلقة في كوخه. فبينما هو ذات يوم جالس في كوخه عند غروب الشمس. وهو متكئ على عصاه. أخذ يفكر بما يعمله فيما اجتمع عنده من السمن. فقال في نفسه: إني سأذهب به غداً على السوق وأبيعه وأشتري بثمنه نعجةً حاملاً فتضع لي نعجةً أخرى. ثم تكبر هذه وتلد لي مع أمها نعاجاً أخر وهكذا إلى أن يصير عندي قطيع كبير. فأرد ما عندي من الغنم إلى صاحبه واتخذ لي أجيراً يرعى غنمي. وأبتني لي قصراً عظيماً فأزينه بالمفروشات الحسنة والأواني المرصعة والمنقوشات البهجة. ومتى بلغ رشد ولدي أحضر له معلماً أديباً حكيماً يعلمه الأدب والحكمة وآمره بطاعتي واحترامي. فإن امتثل وإلا ضربته بهذه العصا. ورفع يده بعصاه فأصابت الجرة فكسرتها. فسقط السمن على رأسه ولحيته وثيابه متبدداً في كل جهة. فحزن لذلك حزناً عظيماُ قائلاً: هذا جزاء من يصغي إلى تخيلاته 254 حكى أن جُحى قال ذات يوم لرجل وهذا الرجل جاره:

المنصور وابن هرمة

هل سمعت يا أخي البارحة صراخنا. فقال له: نعم. وأي شيءٍ نزل بكم. قال له: سقط ثوبي من أعلى السطح إلى الأرض. فقال له: وإذا سقط ما الذي يضره. قال له: يا أحمق لو كنت فيه ألست كنت أتكسر وأموت (للقليوبي) المنصور وابن هرمة 255 دخل ابن هرمة على المنصور وامتدحه. فقال له المنصور: سل حاجتك. قال: تكتب إلى عاملك بالمدينة أنه إذا وجدني سكران لا يحدني. فقال له المنصور: هذا حد لا سبيل إلى تركه. فقال: ما لي حاجة غيرها. فقال لكاتبه: اكتب إلى عاملنا بالمدينة. من أتاك بابن هرمة وهو سكران فاجلده ثمانين جلدة واجلد الذي جاء به مائة. فكان الشرطة يمرون عليه وهو سكران ويقولون من يشتري ثمانين بمائة. فيمرون عليه ويتركونه (للاتليدي) 256 قال هلال الرائي وهو هلال بن عطية لبشار الشاعر وكان له صديقاً يمازحه: إن الله لم يذهب بصر أحدٍ إلا عوضه بشيء. فما عوضك. قال: الطويل العريض. قال: وما هذا. قال: أن لا أراك ولا أمثالك من الثقلاء (للأصبهاني) حكاية بشار الطفيلي 257 حكي عن بشار الطفيلي أنه قال: رحلت يوماً إلى البصرة فلما دخلتها قيل لي: إن هنا عريفاً للطفيليين يبرهم ويكسوهم

كرم معن بن زائدة

ويرشدهم على الأعمال ويقاسمهم. فسرت إليه فبرني وكساني وأقمت عنده ثلاثة أيام. وله جماعة يصيرون إليه بالزلات فيأخذ النصف ويعطيهم النصف. فوجهني معهم في اليوم الرابع فحصلت في وليمة فأكلت وأزللت معي شيئاً كثيراً. وجئته به فأخذ النصف وأعطاني النصف فبعت ما وقع لي بدراهم. فلم أزل على هذه الحالة أياماً. ثم دخلت يوماً عرس جليل فأكلت وخرجت بزلة حسنة. فلقيني إنسان فاشتراها بدينار فأخذته وكتمته وكتمت أمرها. فدعا جماعة من الطفيليين فقال: إن هذا البغدادي قد خان. فظن إني لا أعلم ما فعل. فاصفعوه وعرفوه ما كتمنا. فأجلسوني شئت أم أبيت وما زالوا يصفعوني واحداً بعد واحد. فيصفعني الأول منهم ويشم يدي ويقول: أكل مضيرة. ويصفعني الآخر ويشم يدي ويقول: أكل كذا. ويصفعني الآخر. حتى ذكروا كل شيء أكلته ما غلطوا بشيء منه. ثم صفعني شيخ منهم صفعة عظيمة وقال: باع الزلة بدينار. وصفعني آخر وقال: هات الدينار. فدفعته إليه وجردني من الثياب التي أعطانيها وقال: أخرج يا خائن في غير حفظ الله. فخرجت إلى بغداد وحلفت أن لا أقيم ببلد فيه طفيلية يعلمون الغيب. كرم معن بن زائدة 258 حكي في أخبار معن بن زائدة أن رجلاً قال له: احملني

طفيلي ومسافر

أيها الأمير. فأمر له بناقة وفرس وبغلة وحمار. ثم قال له: لو علمت أن الله خلق مركوباً غير هذا لحملتك عليه. وقد أمرنا لك من الخز بجبة وقميص ودراعة وسراويل وعمامة ومنديل ومطرف ورداء ومساء وجورب وكيس. ولو علمنا لباساً غير هذا من الخز لأعطيناكه. ثم أمر بإدخاله إلى الخزانة وصب تلك الخلع عليه طفيلي ومسافر 259 صحب طفيلي رجلاً في سفر. فلما نزلوا ببعض المنازل قال له الرجل: خذ درهماً وامض اشتر لنا لحماً. فقال له الطفيلي: قم أنت والله إني لتعب فاشتر أنت. فمضى الرجل فاشتراه. ثم قال له الرجل: قم فاطبخه. فقال: لا أحسن. فقام الرجل فطبخه. ثم قال الرجل للطفيلي: قم فاثرد. فقال: والله إني لكسلان. فثرد ثم قال له: قم فاغترف. قال: أخشى أن ينقلب على ثيابي. فغرف الرجل حتى ارتوى الثريد. فقال له: قم الآن فكل. قال: نعم إلى متى هذا الخلاف قد والله استحييت من كثرة خلافك. وتقدم فأكل (للشريشي) المهدي والاعرابي 260 يحكى أن المهدي خرج يتصيد. فغار به فرسه حتى دخل إلى خباء أعرابي فقال: يا أعرابي هل من قرى. قال: نعم. فأخرج له قرص شعير فأكله. ثم أخرج له فضلة من لبن

أبو سلمة الطفيلي

فسقاه. ثم أتاه بنبيذ في ركوة فسقاه قعبا. فلما شرب قال: يا أخا العرب أتدري من أنا. قال: لا والله. قال: أنا من خدم أمير المؤمنين الخاصة. قال له: بارك الله في موضعك. ثم سقاه قعباً آخر فشربه فقال: يا أعرابي أتدري من أنا. قال: زعمت أنك من خدم أمير المؤمنين الخاصة. قال: لا بل أنا من قواد أمير المؤمنين. قال: رحبت بلادك وطاب مرادك. ثم سقاه ثالثاً فلما فرغ منه قال: يا أعرابي أتدري من أنا. قال: زعمت أنك من قواد أمير المؤمنين. قال: لا ولكني أمير المؤمنين. فأخذ الأعرابي الركوة وأوكاها وقال: والله لو شربت الرابع لأدعيت أنك رسول الله. فضحك المهدي حتى غشي عليه. وأحاطت به الخيل ونزلت إليه الملوك والأشراف فطار قلب الأعرابي فقال له المهدي: لا بأس عليك ولا خوف. ثم أمر له بكسوة ومال (للاتليدي) أبو سلمة الطفيلي 261 كان بالبصرة طفيلي يكنى أبا سلمة. وكان إذا بلغه خبر وليمة لبس لبس القضاة وأخذ ابنيه معه وعليهما القلانس الطوال والطيالسة. فتقدم أحدهما فيدق الباب ويقول: افتح يا غلام لأبي سلمة. ثم لا يلبث حتى يلحقه الآخر فيقول: افتح ويلك قد جاء أبو سلمة. ويتلوهما فإن لم يعرفهم البواب فتح لهم وإن عرفهم لم يلتفت إليهم. ومع كل واحد منهم فهر مدور يسمونه كيسان

حكاية باقل

فينتظرون من دعي فإذا جاء وفتح له طرحوا الفهر في العتبة حيث يدور الباب فلا يقدرون على إغلاقه فيهجمون ويدخلون. فأكل أبو سلمة يوماً على بعض الموائد لقمة حارة من فالوذج وبلغها بشدة حرارتها. فتجمعت أحشاؤه فمات على المائدة (للشريشي) حكاية باقل 263 ألعرب تقول: أعيا من باقل. ومن عيه أنه اشترى ظبياً فحمله على عنقه فسئل عن ثمنه فحل عنه يديه وفتح أصابعه وأشار بها. وأخرج لسانه يريد أنه بأحد عشر درهماً. فهرب الظبي. ولم يلهم أن يخبر عن سومه بلسانه. ولما عير باقل بفعله قال: يلومون في عيه باقلاً ... كأن الحماقة لم تخلق فلا تكثروا العتب في عيه ... فللعي أجمل بالأموق خروج اللسان وفتح البنان ... أخف علينا من المنطق سحاق الموصلي وكلثوم العتابي 263 من طرف إسحاق أن كلثوماً العتابي كان من العلم وغزارة الأدب وكثرة الحفظ والترسل والنظم على ما لم يكن عليه أحد. فحضر مجلس المأمون فوضع بين يديه ألف دينار وغمز إسحاق بالعبث به فأقبل إسحاق يعارضه في كل باب ويزيد عليه وهو لا يعرف إسحاق. فقال: أيأذن أمير المؤمنين في نسبة هذا الرجل

جعفر والرشيد

والسؤال عن اسمه. فقال: افعل. فقال له العتابي: ما اسمك ومن أنت. فقال: أنا من الناس واسمي كل بصل. فقال له العتابي: أما النسبة فمعروفة وأما الاسم فمنكور. فقال له إسحق: ما أقل إنصافك أو ما كل ثوم من الأسماء. فالبصل أطيب من الثوم. فقال له العتابي: قاتلك الله ما أملحك. ما رأيت كالرجل حلاوة. أيأذن أمير المؤمنين في صلته بما وصلني فقد والله غلبني. فقال المأمون: بل ذلك موفور عليك. وأمر له بمثله. فانصرف إسحاق إلى منزله ونادمه العتابي بقية يومه (الأغاني) 264 ذكر أحمد بن دليل: مررت بمعلم يضرب صبياً ويقول: والله لأضربنك حتى تقول لي من حفر البحر. فقال: أعزك الله والله لا أدري أنا من حفر البحر فقل لي حتى أتعلم أنا. فقال: حفر البحر كردم أبو آدم عليه السلام (للشريشي) جعفر والرشيد 265 حكى أن الرشيد أرق ذات ليلة أرقاً شديداً. فاستدعى جعفراً وقال: أريد منك أن تزيل ما بقلبي من الضجر. فقال الوزير: يا أمير المؤمنين كيف يكون على قلبك ضجر وقد خلق الله أشياء كثيرة تزيل الهم عن المهموم والغم عن المغموم وأنت قادر عليها. فقال الرشيد: وما هي يا جعفر. فقال له: قم بنا الآن حتى نطلع إلى فوق سطح هذا القصر فنتفرج على النجوم واشتباكها

الشيخ المحتال والمرأة

وارتفاعها والقمر وحسن طلعته. فقال الرشيد: يا جعفر ما تهم نفسي إلى شيء من ذلك. فقال: يا أمير المؤمنين افتح شباك القصر الذي يطلع على البستان وتفرج على حسن تلك الأشجار. واسمع صوت تغريد الأطيار. وانظر إلى هدير الأنهار. وشم روائح تلك الأزهار. فقال: يا جعفر ما تهم نفسي إلى شيء من ذلك. فقال يا أمير المؤمنين: افتح الشباك الذي يطلع على دجلة حتى نتفرج على تلك المراكب والملاحين. فهذا يصفق وهذا ينشد موالي. فقال الرشيد: ما تهم نفسي إلى شيء من ذلك. قال جعفر: قم يا أمير المؤمنين حتى ننزل إلى الإصطبل الخاص وننظر الخيل العربيات. ونتفرج على حسن ألوانها ما بين أدهم كالليل إذا أظلم وأشقر وأشهب وكميت وأحمر وأبيض وأخضر وأبلق وأصفر وألوان تحير العقول. فقال الرشيد: ما تهم نفسي إلى شيء من ذلك. فقال جعفر: يا أمير المؤمنين ما بقي إلا ضرب عنق مملوكك جعفر فإني والله قد عجزت عن إزالة هم مولانا. فضحك الرشيد وطابت نفسه وزال عنه كربه (للاتليدي) الشيخ المحتال والمرأة 266 حكي أن بعض المجاورين كان لا يعرف الخط ولا القراءة وإنما كان يحتال على الناس بحيل يأكل منها الخبز. فخطر بباله يوماً من الأيام أن يفتح له مكتباً. ويقرئ فيه الصبيان فجمع ألواحاً

وأوراقاً مكتوبة وعلقها في مكان وكبر عمامته وجلس على باب المكتب. فصار الناس ينظرون إلى عمامته وإلى الألواح والأوراق فيظنون أنه فقيه جيد فيأتون إليه بأولادهم. فصار يقول لهذا: اكتب. ولهذا: اقرأ. فصار الأولاد يعلم بعضهم بعضاً. فبينما هو ذات يوم جالس في باب المكتب على عادته وإذا بامرأة مقبلة من بعيد وبيدها مكتوب. فقال في باله: لا بد أن هذه المرأة تقصدني لأقرأ لها المكتوب الذي معها فكيف يكون عملي معها وأنا لا أعرف قراءة الخط. وهم بالنزول ليهرب منها. فلحقته قبل أن ينزل وقالت له: إلى أين. فقال لها: أريد أن أصلي الظهر وأعود. فقالت له: الظهر بعيد فاقرأ لي هذا الكتاب. فأخذه منها وجعل أعلاه أسفله وصار ينظر إليه ويهز عمامته تارة ويرقص حواجبه تارة أخرى ويظهر غيظاً. وكان زوج المرأة غائباً والكتاب مرسل إليها من عنده. فلما رأت الفقيه على تلك الحالة قالت في نفسها: لا شك أن زوجي مات وهذا الفقيه يستحي أن يقول لي أنه مات. فقالت له: يا سيدي إن كان مات فقل لي. فهز رأسه وسكت. فقالت له المرأة: هل أشق ثيابي. فقال لها: شقي. فقالت له: هل ألطم وجهي. فقال لها: الطمي. فأخذت الكتاب من يده وعادت إلى منزلها وصارت تبكي هي وأولادها. فسمع بعض جيرانها البكاء فسألوا عن حالها فقيل لهم: إنه جاءها

المغفل والشاطر

كتاب بموت زوجها. فقال رجل: إن هذا كلام كذب لأن زوجها أرسل لي مكتوباً بالأمس يخبر فيه أنه طيب بخير وعافية وأنه بعد عشرة أيام يكون عندها. فقام من ساعته وجاء إلى المرأة وقال لها: أين الكتاب الذي جاءك فجاءت به إليه. فأخذه منها وقرأه وإذا فيه: أما بعد فإني طيب بخير وعافية وبعد عشرة أيام أكون عندكم وقد أرسلت إليكم ملحفة ومرطاً. فأخذت الكتاب وعادت به إلى الفقيه وقالت له: ما حملك على الذي فعلته معي. وأخبرته بما قال جارها من سلامة زوجها وإنه أرسل إليها ملحفة ومرطاً. فقال لها: صدقت ولكن يا حرمة اعذريني فإني كنت في تلك الساعة مغتاظاً مشغول الخاطر ورأيت المرط ملفوفاً في الملحفة فظننت أنه مات وكفنوه. وكان المرأة لا تعرف الحيلة فقالت له: أنت معذور. وأخذت الكتاب وانصرفت عنه المغفل والشاطر 267 إن بعض المغفلين كان سائراً وبيده مقود حماره وهو يجره خلفه. فنظره رجلان من الشطار فقال واحد منهما لصاحبه: أنا آخذ هذا الحمار من هذا الرجل. فقال له: كيف تأخذه. فقال له: اتبعني وأنا أريك. فتبعه. فتقدم ذلك الشاطر إلى الحمار وقك منه المقود وأعطاه لصاحبه وجعل المقود في رأسه. ومشى خلف المغفل حتى علم أن صاحبه ذهب بالحمار ثم وقف فجره المغفل

بالمقود فلم يمش. فالتفت إليه فرأى المقود في رأس رجل. فقال له: أي شيء أنت. فقال له: أنا حمارك ولي حديث عجيب. وهو أنه كان لي والدة عجوز صالحة جئت إليها في بعض الأيام وأنا سكران فقالت لي: يا ولدي تب إلى الله تعالى من هذه المعاصي. فأخذت العصا وضربتها بها فدعت علي فمسخني الله تعالى حماراً وأوقعني في يدك. فمكثت عندك هذا الزمان كله فلما كان هذا اليوم تذكرتني أمي وحن قلبها علي فدعت لي فأعادني الله آدمياً كما كنت. فقال الرجل: لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم. بالله عليك يا أخي أن تجعلني في حل مما فعلت بك من الركوب وغيره. ثم خلى سبيله فمضى ورجع صاحب الحمار إلى داره وهو سكران من الهم والغم فقالت له زوجته: ما الذي دهاك وأين الحمار. فقال لها: أنت ما عندك خبر بأمر الحمار فأنا أخبرك به. ثم حكى لها الحكاية. فقالت: يا ويلتنا من الله تعالى كيف مضى لنا هذا الزمان كله ونحن نستخدم ابن آدم. ثم تصدقت واستغفرت وجلس الرجل في الدار مدة من غير شغل. فقالت له زوجته: إلى متى هذا القعود في البيت من غير شغل امض إلى السوق واشتر حماراً واشتغل عليه. فمضى إلى السوق ووقف ينظر إلى الحمير فإذا هو بحماره يباع. فلما عرفه تقدم إليه ووضع فمه على أذنه وقال له: ويلك يا مشؤوم ألعلك رجعت إلى السكر وضربت أمك. والله لن أشتريك أبداً (ألف ليلة وليلة)

الباب الثامن في النوادر

الباب الثامن في النوادر 268 كان عمر يقول: لو كنت تاجراً لما اخترت على العطر فإن فاتني ربحه لم يفتني ريحه (من لطائف الصحابة) 269 قيل: في التفاحة الصفرة الدرية. والحمرة الذهبية. وبياض الفضة. ونور القمر. يلتذ بها من الحواس ثلاث: العين بلونها. والأنف بعرفها. والفم بطعمها (للمستعصمي) قوة المستعصم 270 كان الخليفة المستعصم بطلاً شجاعاً وفارساً صنديداً. لم يكن في بني العباس أشجع منه ولا أشد قلباً. قال ابن أبي دؤاد: كان المستعصم يقول لي: يا أبا عبد الله عض على ساعدي بأكثر قوتك. فأقول: والله يا أمير المؤمنين ما تطيب نفسي بذلك. فيقول: ما يضرني فأروم ذلك. فإذا هو لا تعمل فيه الأسنة فكيف تعمل فيه الأسنان. ويقال إنه طعنه بعض الخوارج وعليه درع. فأقام المستعصم ظهره. فقصم الرمح نصفين. وكان يشد يده على كتابة الدينار فيمحوها. ويأخذ عمود الحديد فيلويه حتى يصير طوقاً في العنق (للابشيهي)

المعتصم والحمار

271 ذكر أن أهل أصفهان موصفون بالشح. نقل عن رجل أنه تصدق برغيف على ضرير بأصفهان فقال الضرير: أحسن الله غربتك. فقال الرجل: كيف عرفت غربتي. قال: لأني منذ ثلاثين سنة ما أعطاني أحد رغيفاً صحيحاً (للقزويني) المعتصم والحمار 272 حكي أن المعتصم بينما هو يسير وحده وقد انقطع عن أصحابه في يوم مطرٍ إذ رأى شيخاً معه حمار عليه شوك وقد زلق الحمار وسقط في الأرض والشيخ قائم. فنزل عن دابته ليخلص الحمار. فقال له الشيخ: بأبي أنت وأمي لا تهلك ثيابك. فقال له: لا عليك. ثم إنه خلص الحمار وجعل الشوك عليه وغسل يده ثم ركب. فقال له الشيخ: غفر الله لك يا شاب. ثم لحقه أصحابه فأمر له بأربعة آلاف درهم. وهذا دليل على غاية ما يمكن أن يكون من طيب أعراق الملوك وسعة أخلاقهم (لابي الفرج المطي) السلطان وناصر الدولة 273 أخبرني أبو الفضل المعتز بمصر قال: كان بمصر ملوك آل حمدان. وكان الرئيس ناصر الدولة. وكان يشكو دملة فأعيا الأطباء ولم يجد له شفاء. ثم إن السلطان دس على قتله فأرصد له رجلاً معه خنجر. فلما جاء في بعض دهاليز القصر وثب عليه الرجل وضربه بالخنجر. فجاءت الضربة أسفل من خاصرته فأصاب

المعتصم والطبيب سلمويه

طرف الخنجر الدملة. فخرج ما فيها من الخلط ثم عافاه الله تعالى وصح وبرئ كأحسن ما كان (للطرطوشي) المعتصم والطبيب سلمويه 274 حكى حنين قال: إن سلمويه النصراني كان عالماً بصناعة الطب فاضلاً في وقته. ولما مرض عاده المعتصم وبكى عنده وقال له: أشر على بعدك بما يصلحني. فقال: عليك بهذا الفضولي يوحنا ابن ماسويه وإذا وصف شيئاً فخذه. ولما مات سلمويه قال المعتصم: سألحق به لأنه كان يمسك حياتي ويدبر جسمي. وامتنع عن الأكل في ذلك اليوم وأمر بإحضار جنازته إلى الدار. وأن يصلى عليها بالشمع والبخور على رأي النصارى ففعل ذلك وهو يراهم (لأبي الفرج) البخيل والدينار 275 كان بعض البخلاء إذا وقع الدرهم في يده يخاطبه ويقول له: أنت عقلي وديني. وصلاتي وصيامي. وجامع شملي وقرة عيني. وأنسي وقوتي. وعدتي وعمادي. ثم يقول له: أهلاً وسهلاً بك من زائر ... كنت إلى وجهك مشتاقاً ثم يقول: يا نور عيني وحبيب قلبي. قد صرت إلى من يصونك. ويعرف قدرك. ويعظم حقك. ويرعى قيمتك. ويشفق عليك. وكيف لا تكون كذلك وأنت تعظم الأقدار. وتعمر الديار. وتسمو على الأشراف. وترفع الذكر. وتعلي القدر. وتؤنس من

ذكر وفاة سليمان بن عبد الملك

الوحشة. ثم يطرحه في الكيس ويقول: بنفسي محجوب عن العين شخصه ... ومن ليس يخلو من لساني ولا قلبي فانظر يا عاقل إلى هذه الخساسة (للشريشي) ذكر وفاة سليمان بن عبد الملك 276 كان سليمان بن عبد الملك كثير الأكل. حج مرة وكان الحر في الحجاز إذ ذاك شديداً فتوجه إلى الطائف طلباً للبرودة. وأتى برمان فأكل سبعين رمانة. ثم أتي بجدي وست دجاجات فأكلها. ثم أتي بزبيب من زبيب الطائف فأكل منه كثيراً. ونعس فنام ثم انتبه. فأتوه بالغداء فأكل على عادته. وقيل: كان سبب موته أنه أتاه نصراني وهو نازل على دابق بزنبيلين مملوءين تيناً وبيضاً. فأمر من يقشر له البيض وجعل يأكل بيضة وتينة حتى أتى على الزنبيلين. ثم أتوه بمخ وسكر فأكله فأتخم ومرض ومات (لأبي الفداء) طباع الهنود 277 إن أهل الهند يعيبون الملاهي ولا يتخذونها. ولا يشربون الشراب ولا يتناولون الخل لأنه من الشراب وليس ذلك ديناً ولكن أنفة. ويقولون أي ملك شرب الشراب فليس بملك. وذلك أن حولهم ملوكاً يقاتلونهم فيقولون كيف يدبر أمر ملكه وهو سكران

ملبوس ملوك الهند

ملبوس ملوك الهند 278 إن ملوك الهند تلبس في آذانهم الأقراط من الجوهر النفيس المركب في الذهب. وتضع في أعناقهم القلائد النفيسة المشتملة على فاخر الجوهر الأحمر والأخضر واللؤلؤ مما يعظم قيمته. وهي اليوم كنوزهم وذخائرهم وتلبسه قوادهم ووجوههم. والرئيس منهم يركب على عنق رجل منهم وفي يده شيء يعرف بالجترة وهي مظلة من ريش الطواويس يأخذها بيده فيتقي بها الشمس وأصحابه محدقون به (سلسلة التواريخ) ذكر عمود السواري في الاسكندرية 279 من غرائب مدينة الإسكندرية عمود الرخام الهائل الذي بخارجها المسمى عندهم بعمود السواري. وهو متوسط في غابة نخل وقد امتاز عن شجراتها سمواً وارتفاعاً. وهو قطعة واحدة محكمة النحت قد أقيم على قواعد حجارة مربعة أمثال الدكاكين العظيمة. ولا تعرف كيفية وضعه هنالك ولا يتحقق من وضعه (لابن بطوطة) سبب موت الوليد بن عبد الملك 280 وقع بين الوليد بن عبد الملك و (بين) أخيه سليمان كلام. فعجل عليه سليمان بأمر يلحق بأمه. ففتح فاه ليجيبه. وإذا بجنبه عمر بن عبد العزيز فأمسك على فيه ورد كلمته وقال: يا ابن عبد الملك. أخوك وابن أمك وله السبق عليك. فقال:

دير سمعان

يا أبا حفص قتلتني. قال: وما صنعت بك. قال: رددت في صدري أحر من الجمر. ومال لجنبه فمات (للطرطوشي) دير سمعان 281 دير سمعان بناحية دمشق في موضع نزه محدقة به البساتين والدور والقصور. وكان فيه حبيس مشهور منقطع عن الخلق جداً. وكان يخرج رأسه من كوة في كل سنة يوماً معلوماً فكل من وقع عليه بصره من المرضى والزمنى عوفي. فسمع به إبراهيم إبن أدهم فذهب إليه حتى يشاهد ذلك. قال: رأيت عند الدير خلقاً كثيراً من الواقفين عند الكوة يترقبون خروج رأس الحبيس. فلما كان ذلك اليوم أخرج رأسه ونظر إليهم يميناً وشمالاً. فكل من وقع نظره عليه قام سليماً معافى (للقزويني) ذكر موتى أهل الصين 282 إذا مات رجل من أهل الصين لم يدفن إلا في اليوم الذي مات في مثله من قابلٍ. يجعلونه في تابوت ويخلونه في منازلهم ويجعلون عليه النورة. وأما الملوك فيجعلونهم في الصبر والكافور سنين. ومن لم يبك ضرب بالخشب كذلك النساء والرجال (سلسلة التواريخ) محمد بن مروان وملك النوبة 283 ذكر محمد بن مروان للمهدي قال: لما شتت شمل بني

الطبيب والميت

مروان وقعت أنا بأرض النوبة. فأحببت أن يمكنني ملكهم من المقام عنده زماناً. فجاءني زائراً وهو رجل طويل أسود اللون. فخرجت إليه من قبتي وسألته أن يدخلها. فأبى أن يجلس إلا خارج القبة على التراب. فسألته عن ذلك فقال: إن الله تعالى أعطاني الملك فحق علي أن أقابله بالتواضع (للقزويني) الطبيب والميت 284 حدث بعض الشاميين أن رجلاً خبازاً بينما هو يخبز في تنوره بمدينة دمشق إذ عبر عليه رجل يبيع المشمش. (قال) فاشترى منه وجعل يأكله بالخبز الحار. فلما فرغ سقط مغشياً عيه فنظروه فإذا هو ميت. فجعلوا يتربصون به ويحملون إليه الأطباء فيلتمسون دلائله ومواضع الحياة منه فقضوا بأنه ميت. فغسل وكفن وحمل إلى الجبانة. فلما خرجوا به من باب المدينة استقبلهم رجل طبيب يقال له اليبرودي وكان طبيباً ماهراً حاذقاً بالطب فسمع الناس يلهجون بقصته فقال لهم: حطوه حتى أبصره. فحطوه وجعل يقلبه وينظر في أمارات الحياة التي يعرفها. ثم فتح فمه وسقاه شيئاً وإذا الرجل قد فتح عينيه وتكلم عاد كما كان إلى دكانه (للطرطوشي) المستحسن من أفعال السودان 285 من أفعالهم الحسنة قلة الظلم. فهم أبعد الناس عنه

غناء ابراهيم بن المهدي

وسلطانهم لا يسامح أحداً في في شيء منه. ومنها شمول الأمن في بلادهم فلا يخاف المسافر فيها ولا المقيم من سارق ولا غاصب. ومنها عدم تعرضهم لمال من يموت ببلادهم من البيضان ولو كان القناطير المقنطرة. إنما يتركونه بيد ثقة من البيضان حتى يأخذه مستحقه. ومنها مواظبتهم للصلوات والتزامهم لها في الجماعات وضربهم أولادهم عليها. وإذا كان يوم الجمعة إن لم يبكر الإنسان إلى المسجد لم يجد أين يصلي لكثرة الزحام (لابن بطوطة) غناء ابراهيم بن المهدي 286 حكى المنجم قال: حكى لي أن إبراهيم بن المهدي كان أحسن الناس غناءً. وذلك أني كنت أراه في مجالس الخلفاء مثل المأمون والمعتصم يغني المغنون فإذا ابتدأ هو لم يبق أحد من الغلمان والمتصرفين وأصحاب الصناعات والمهن الصغار والكبار إلا وقد ترك ما في يده وصار بأقرب موضع يمكنه أن يسمعه. فلا يزال مصغياً إليه لاهياً عما كان فيه ما دام يغني فإذا أمسك وغنى غيره رجعوا إلى أشغالهم. وقد رأيت منه شيئاً عجيباً لو حدثت به ما صدق. كان إذا ابتدأ يغني أصغت الوحش ومدت أعناقها ولم تزل تدنو منه حتى تضع رؤوسها على الدكان الذي كنا عليه. فإذا سكت نفرت عنا حتى تنتهي إلى أبعد غاية يمكنها التباعد فيها عنا 287 قد جاء في النوادر عن ليلى الأخيلية أن قال الحجاج: يا غلام

إنصاف هرمز لرعيته

اذهب إلى فلان فقل له يقطع لسانها. فأمر بإحضار الحجام فقالت: ثكلتك أمك. إنما أن تقطع لساني بالصلة. وهي لفظة مستعملة عند من له أمر ونهي. فتعجب من ذكائها (للشريشي) إنصاف هرمز لرعيته 288 كان هرمز أنو شروان عادلاً يأخذ للأدنى من الشريف. وبالغ في ذلك حتى أبغضه خواصه واقام الحق على بنيه ومحبيه. وأفرط في العدل والتشديد على الأكابر وقصر أيديهم عن الضعفاء إلى الغاية. ووضع صندوقاً في أعلاق خرق وأمر أن يلقي المتظلم قصته فيه والصندوق مختوم بخاتمه. وكان يفتح الصندوق وينظر في المظالم خوفاً من أن لا توصل إليه الشكاوى على بطانته وأهله. ثم طلب أن يعلم بظلم المتظلم ساعة فساعة فأمر باتخاذ سلسلة من الطريق وخرق لها في داره إلى موضع جلوسه وقت خلوته وجعل فيها حرساً. فكان المتظلم يجيء من ظاهر الدار فيحرك السلسلة فيعلم به فيتقد بإحضاره وإزالة ظلامته. شهادة جالينوس للنصارى 289 قد أدرك جالينوس عهد قوموذوس وكان دين النصارى قد ظهر في أيامه. وقد ذكرهم جالينوس في كتابه في جوامع كتاب أفلاطون في سياسة المدن فقال: إن جمهور الناس لا يمكنهم أن يفهموا سياقة الأقاويل البرهانية ولذلك صاروا محتاجين إلى

محمد الزيات

رموز ينتفعون بها. (يعني بالرموز الإخبار عن الثواب العقاب في الدار الآخرة) . من ذلك أنا نرى الآن القوم الذين يدعون نصارى إنما أخذوا إيمانهم عن الرموز. وقد يظهر منهم أفعال مثل أفعال من تفلسف بالحقيقة. وذاك أن عدم جزعهم من الموت أمر قد نراه كلنا. وكذلك أيضاً عفافهم فإن منهم قوماً رجالاً ونساءً أيضاً قد أقاموا جميع أيامهم ممتنعين عن المآثم. ومنهم قوم قد بلغ من ضبطهم لأنفسهم في التدبير وشدة حرصهم على العدل أن صاروا غير مقصرين عن الذين يتفلسفون بالحقيقة. انتهى كلام جالينوس (لأبي الفداء) محمد الزيات 290 قيل إن محمد بن عبد الملك الزيات عمل تنوراً من حديد. ووضع مسامير في داخله ليعذب من يريد عذابه. فكان هو أول من جعل فيه وقيل له: ذق ما رمت أن تذيق الناس (لابن طقطقي) ظلم أبي رغال 291 كان أبو رغال ملكاً بالطائف وكان يظلم رعيته. فمر بامرأة ترضع صبياً يتيماً بلبن عنز لها فأخذها منها. وكانت سنة مجدبة فبقي الصبي بلا مرضعة فمات. فرمى الله أبا رغال بقارعة فأهلكه فرجمت العرب قبره وهو بين مكة والطائف (للأصبهاني)

المتظلمون في بلاد الصين

المتظلمون في بلاد الصين 292 في كل مدينة من مدن الصين شيء يدعى الدرا. وهو جرس على رأس ملك تلك المدينة. مربوط بخيط مار على ظهر الطريق للعامة كافة. وبين الملك وبينه نحو من فرسخ. فإذا حرك الخيط الممدود أدنى حركة تحرك الجرس. فمن كانت له ظلامة حرك هذا الخيط فيتحرك الجرس منه على رأس الملك. فيؤذن له في الدخول حتى ينهي حاله بنفسه ويشرح ظلامته وجميع البلاد فيها مثل ذلك (سلسلة التواريخ) نظام الملك والشيخ الفقير 293 كان نظام الملك إذا دخل عليه الأئمة الأكابر يقوم لهم ويجلس في مسنده. وكان له شيخ فقير إذا دخل إليه يقوم له ويجلسه في مكانه ويجلس بين يديه. فقيل له في ذلك فقال: إن أولئك إذا دخلوا علي يثنون علي بما ليس في فيزيدني كلامهم عجباً وتيهاً. وهذا يذكرني عيوب نفسي وما أنا فيه من الظلم. فتنكسر نفسي لذلك فأرجع عن كثير مما أنا فيه (لأبي الفرج) قيس بن سعد والأعرابي 294 قيل لقيس بعد سعد: هل رأيت قط أسخى منك. قال: نعم. نزلنا بالبادية على امرأة فحضر زوجها فقالت: إنه نزل بك ضيفان. فجاء بناقة فنحرها وقال: شأنكم. فلما جاء الغد جاء بأخرى

قلعة ماردين

ونحرها وقال: شأنكم. فقلت: ما أكلنا من التي نحرت البارحة إلا اليسير. فقال: إني لا أطعم أضيافي الغاب. فأقمنا عنده أياماً والسماء تمطر وهو يفعل كذلك. فلما أردنا الرحيل وضعنا في بيته مائة دينار وقلنا للمرأة: اعتذري لنا منه ومضينا. فلما متع النهار إذا رجل يصيح خلفنا: قفوا أيها الركب اللئام أعطيتمونا ثمن القرى، لتأخذنها وإلا طعنتكم برمحي فأخذناها وانصرف (للطرطوشي) قلعة ماردين 295 قال القزويني: هي قلعة مشهورة على قلة جبل بالجزيرة ليس على وجه الأرض قلعة أحسن منها ولا أحكم ولا أعظم. وهي مشرفة على دنيسر ودارا ونصيبين وقدامها ربض عظيم فيه أسواق وفنادق ومدارس وربط. وضعها وضع عجيب ليس في شيء من البلدان مثلها. وذلك أن دورهم كالدرج كل دار فوق أخرى. وجل شربهم من الصهاريج المعدة في دورهم. وقال بعض الظرفاء في ماردين حماها الله لي سكن ... لولا الضرورة ما فارقتها نفسا موت ملوك السودان 296 إذا مات ملك السودان عقدوا له قبة عظيمة من خشب الساج ووضعوها في موضع قبره. ثم أتوا به على سرير قليل الفرش والوطاء فأدخلوه في تلك القبة. ووضعوا معه حليته وسلاحه وآنيته التي كان يأكل فيها ويشرب وأدخلوا فيها الأطعمة والأشربة

ضعف رأي الخليفة الأمين

وأدخلوا معها رجالاً ممن كان يخدم طعامه وشرابه. وأغلقوا عليهم باب القبة وجعلوا فوق القبة الحصر والأمتعة. ثم اجتمع الناس فردموا فوقها بالتراب حتى تأتي كالجبل الضخم. ثم يخندقون حولها حتى لا يوصل إلى ذلك الكوم إلا من موضع واحد. وهم يذبحون لموتاهم الذبائح (لابن عبد العزيز البكري) ضعف رأي الخليفة الأمين 297 مما يحكى من تفريط الأمين وجهله أنه كان قد أرسل على حرب أخيه رجلاً من أصحاب أبيه يقال له علي بن عيسى بن ماهان. وأرسل معه خمسين ألفاً. وكان أول من بعث بعثه إلى أخيه. فمضى على ابن عيسى بن ماهان في ذلك العسكر الكثيف. وكان شيخاً من شيوخ الدولة جليلاً ومهيباً. فالتقى بطاهر بن الحسين ظاهر الري وعسكر طاهر نحو أربعة آلاف فارس. فاقتتلوا اقتتالاً شديداً كانت الغلبة فيه لطاهر. وقتل علي بن عيسى فأرسل طاهر رأسه إلى المأمون. وكتب إليه كتاباً نسخته: أما بعد فهذا كتابي إلى أمير المؤمنين أطال الله بقاءه ورأس علي بن عيسى بين يدي وخاتمه في يدي وجنده تحت أمري والسلام. وأرسل الكتاب على البريد فوصل إلى المأمون في ثلاثة أيام وبينهما مسير مائتين وخمسين فرسخاً. ثم إن خبر علي بن عيسى ورد إلى الأمين وهو يصطاد السمك فقال للذي أخبره بذلك: دعني فإن كوثراً قد اصطاد

موت ملوك بلاد سرنديب

سمكتين وأنا إلى الآن ما اصطدت شيئاً. وكان كوثر خادماً له وكان يحبه (للفخري) موت ملوك بلاد سرنديب 298 إذا مات الملك ببلاد سرنديب صير على عجلة قريباً من الأرض وعلق في مؤخرها مستلقياً على ظهره يجر شعر رأسه التراب عن الأرض. وامرأة بيدها مكنسة تحثو التراب على رأسه وتنادي: أيها الناس هذا ملككم بالأمس قد ملككم وكان أمره نافذاً فيكم وقد صار إلى ما ترون من ترك الدنيا وأخذ روحه ملاك الموت فلا تغتروا بالحياة بعده. وكلام نحو هذا ثلاثة أيام. ثم يهياً له الصندل والكافور والزعفران فيحرق به ثم يرمى برماده في الريح. والهند كلهم يحرقون موتاهم بالنار. وسرنديب آخر الجزائر. وهي من بلاد الهند. وربما أحرق الملك فتدخل نساؤه النار فيحترقن معه. حذاقة أهل الصين 299 أهل الصين من أحذق خلق الله كفاً بنقش وصناعة وكل عمل لا يقدمهم فيه أحد من سائر الأمم. والرجل منهم يصنع بيده ما يقدر أن غيره يعجز عنه فيقصد به باب الملك يلتمس الجزاء على لطيف ما ابتدع. فأمر الملك بنصبه على بابه من وقته ذلك إلى سنة. فإن لم يخرج أحد فيه عيباً جازاه وأدخله في جملة صناعه وإن أخرج فيه عيب أطرحه ولم يجازه. وإن رجلاً منهم صور سنبلةً

عليها عصفور في ثوب حرير لايشك الناظر إليها أنها سنبلة وأن عصفوراً عليها. فبقيت مدة ثم اجتاز بها رجل أحدب فعابها. فأدخل إلى ملك ذلك البلد وحضر صانعها. فسئل الأحدب عن العيب فقال: المتعارف عند الناس جميعاً أنه لا يقع عصفور على سنبلة إلا أمالها. وإن هذا المصور صور السنبلة قائمة لا ميل لها وأثبت العصفور فوقها منتصباً فأخطأ. فصدق ولم يثب الملك صانعها بشيْ (سلسلة التواريخ) 300 حدث ابن بطوطة بهذا الشأن قال: وأهل الصين أعظم الأمم إحكاماً للصناعات وأشدهم إتقاناً فيها. وذلك مشهور من حالهم قد وصفه الناس في تصانيفهم فأطنبوا فيه. وأما التصوير فلا يجاريهم أحد في إحكامه فإن لهم فيه اقتداراً عظيماً. ومن عجيب ما شاهدت لهم من ذلك أني ما دخلت قط مدينة من مدنهم ثم عدت إليها إلا ورأيت صورتي وصور أصحابي منقوشة في الحيطان والكواغد موضوعة في الأسواق. ولقد دخلت إلى مدينة السلطان فمررت على سوق النقاشين ووصلت إلى قصر السلطان مع أصحابي ونحن على زي العراقيين. فلما عدت من القصر عشياً مررت بالسوق المذكورة فرأيت صورتي وصورة أصحابي منقوشة في كاغد قد ألصقوه بالحائط. فجعل كل واحد منا ينظر إلى صورة صاحبه لا تخطئ شيئاً من شبهه. وذكر لي أن السلطان

عدل نور الدين

أمرهم بذلك وأنهم أتوا إلى القصر ونحن به فجعلوا ينظرون إلينا ويصورون صورنا ونحن لم نشعر بذلك. وتلك عادة لهم في تصوير كل من يمر بهم. وتنتهي حالهم في ذلك إلى أن الغريب إذا فعل ما يوجب فراره عنهم بعثوا صورته إلى البلاد وبحث عنه فحيثما وجد شبه تلك الصورة أخذ (لابن بطوطة) عدل نور الدين 301 لم يكن في سير الملوك أحسن من سيرة نور الدين ولا أكثر تحرياً للعدل منه. وكان لا يأكل ولا يلبس ولا يتصرف قي الذي يخصه إلا من ملك كان له. قد اشتراه من سهمه من الغنيمة. ولقد شكا إليه زوجته من الضيقة. فأعطاها ثلاثة دكاكين في حمص كانت له يحصل منها في السنة نحو العشرين ديناراً. فلما استقلتها قال: ليس لي إلا هذا. وجميع ما في يدي أنا خازن فيه للمسلمين لا أخونهم فيه ولا أخوض نار جهنم لأجلك (لأبي الفرج) الشيخ أبو عبد الله والفيلة 302 يحكى أن الشيخ أبا عبد الله بن خفيف قصد مرةً جبل سرنديب ومعه نحو ثلاثين من الفقراء. فأصابتهم مجاعة في طريق الجبل حيث لا عمارة وتاهوا عن الطريق. وطلبوا من الشيخ أن يأذن لهم في القبض على بعض الفيلة الصغار وهي في ذلك المحل كثيرة جداً ومنه تحمل إلى حضرة ملك الهند. فنهاهم الشيخ عن

موت المنصور

ذلك فغلب عليهم الجوع فتعدوا قول الشيخ وقبضوا على فيل صغير منها وذكوه وأكلوا لحمه وامتنع الشيخ من أكله. فلما ناموا تلك الليلة اجتمعت الفيلة من كل ناحية وأتت إليهم. فكانت تشم الرجل منهم وتقتله حتى أتت على جميعهم. وشمت الشيخ ولم تتعرض له وأخذه فيل منها ولف عليه خرطومه ورمى به على ظهره وأتى به الموضع الذي به العمارة. فلما رآه أهل تلك الناحية عجبوا منه واستقبلوه ليتعرفوا أمره. فلما قرب منهم أمسكه الفيل بخرطومه ووضعه عن ظهره إلى الأرض بحيث يرونه فجاؤوا إليه وذهبوا به إلى ملكهم فعرفوه خبره وهم كفار وأقام عندهم أياماً (لابن بطوطة) موت المنصور 303 أخبر الفضل بن الربيع قال: كنت مع المنصور في السفر الذي مات فيه. فنزلنا بعض المنازل فدعا بي وهو في قبته إلى حائط وقال: ألم أنهكم أن تدعوا العامة تدخل هذه المنازل فيكتبون فيها ما لا خير فيه. قلت: وما هو. قال: ألا ترى ما على الحائط مكتوباً: أبا جعفر حانت وفاتك وانقضت ... سنوك وأمر الله لا بد نازل أبا جعفر هل كاهن أو منجم ... يرد قضاء الله أم أنت جاهل

يحيى بن خالد والفص

فقلت: والله ما على الحائط شيء وإنه لنقي أبيض. قال: إنها والله نفسي نعيت إلى الرحيل. فرحلنا وثقل حتى بلغ بئر ميمون. فقلت له: قد دخلت الحرم. قال: الحمد لله. وقبض من يومه. ولما حضرته الوفاة قال: السلطان من لا يموت (للشريشي) يحيى بن خالد والفص 304 قيل ليحيى بن خالد بن برمك: أيها الوزير أخبرنا بأحسن ما رأيت في أيام سعادتك. قال: ركبت يوماً في بعض الأيام في سفينة أريد التنزه. فلما خرجت برجلي لأصعد اتكأت على لوح من ألواحها. وكان بإصبعي خاتم فطار فصه من يدي وكان ياقوتاً أحمر قيمته ألف مثقال من الذهب. فتطيرت من ذلك ثم عدت إلى منزلي وإذا بالطباخ قد أتى بذلك الفص بعينه وقال: أيها الوزير لقيت هذا الفص في بطن حوت وذلك لأني اشتريت حيتاناً للمطبخ فشققت بطنها فرأيت هذا الفص فقلت: لا يصلح هذا إلا للوزير أعزه الله تعالى. فقلت: الحمد لله هذا بلوغ الغاية الذل بعد العزة 305 وقيل ليحيى: أخبرنا ببعض ما لقيت من المحن. قال: اشتهيت لحماً في قدر طباخ وأنا في السجن. فغرمت ألف دينار في شهوتي حتى أتيت بقدر ولحم مقطع في قصبة فارسية. والخل وسائر حوائجها في قصبة أخرى. وتركوا عندي ما أحتاج إليه. وأتيت

الخطيب والتلميذ

بنار فأوقدت تحت القدر ونفخت ولحيتي في الأرض حتى كادت روحي تخرج. فلما نضجت تركتها تفور وتغلي وفتت الخبز. وعمدت لأنزلها فانفلتت من يدي وانكسرت القدر على الأرض فبقيت ألتقط اللحم. وأمسح منه التراب وآكله وذهب المرق الذي كنت اشتهيته وهذا أعظم ما مر بي (للاتليدي) الخطيب والتلميذ 306 اشتهر في جزيرة صقلية أرخيلوخوس الخطيب الملقب بالغراب. وسار إليه الطلبة لاستفادة الخطابة منه. وكان من جملة قاصديه فتى من اليونان يقال له ثيسياس ورغب إليه في تعليم هذا الفن وضمن له عن ذلك مالاً معيناً فأجابه برغبته وعلمه. فلما أتقنها حاول الغدر به ورام فسخ ما وافقه عليه فقال له: يا معلم ما حد الخطابة. فقال: إنها المفيدة للإقناع. قال: إني أناظرك الآن في الأجرة. فإن أقنعتك بأنني لا أدفعها إليك لم أدفعها إذ قد أقنعتك بذلك. وإن لم أقدر على ذلك فلست أعطيك شيئاً لأنني لم أتعلم منك الخطابة التي هي مفيدة للإقناع. فأجابه المعلم وقال: وأنا أيضا أناظرك فإن أقنعتك بأنه يجب لي أخذ حقي منك أخذته أخذ من أقنع. وإن لم أقنعك فيجب أيضاً أخذه منك إذ قد نشأت تلميذاً يستظهر على معلمه. قد قيل في المثل: بيض رديء لغراب رديء (لابي الفرج)

صفة مسجد البصرة وذكر خطيبها

صفة مسجد البصرة وذكر خطيبها 307 مسجد البصرة من أحسن المساجد. وصحنه متناهي الانفساح مفروش بالحصباء الحمراء التي يؤتى بها من وادي السباع. شهدت مرةً بهذا المسجد صلاة الجمعة. فلما قام الخطيب به إلى الخطبة وسردها لحن فيها لحناً كثيراً جلياً فعجبت من أمره وذكرت ذلك للقاضي حجة الدين فقال لي: إن هذا البلد لم يبق به من يعرف شيئاً من علم النحو. وهذه عبرة لم تفكر فيها. سبحان مغير الأشياء ومقلب الأمور. هذه البصرة التي إلى أهلها انتهت رئاسة النحو وفيها أصله وفرعه ومن أهلها إمامه الذي لا ينكر سبقه لا يقيم خطيبها خطبة الجمعة على دوبه عليها (لابن بطوطة) حلم المأمون 308 إنه كان للمأمون خادم يسرق طاساته التي يشرب فيها. فقال له المأمون: إذا سرقت شيئاً فأتني بما تسرقه فأشتريه منك. فقال له الخادم: اشتر مني هذه. وأشار إلى التي بين يديه. فقال: بكم. قال: بدينارين. قال: على شرط أنك لا تسرقها. قال: نعم. فأعطاه دينارين. فلم يعد الخادم يسرق بعدها شيئاً لما رأى من حلمه (للاتليدي) ذكر العجلات التي يسافر عليها ببلاد الروم 309 ألروم يسمون العجلة عربة. وهي عجلات تكون للواحدة

كرم حسن بن سهل

منهن أربع بكرات كبار ومنها ما يجره فرسان ومنها ما يجره أكثر من ذلك وتجرها أيضاً البقر والجمال على حال العربة في ثقلها أو خفتها. والذي يخدم العربة يركب أحد الأفراس التي تجرها ويكون عليه سرج وفي يده سوط يحركها للمشي وعود كبير يصوبها به إذا عاجت عن القصد. ويجعل على العربة شبه قبة من قضبان خشب مربوط بعضها إلى بعض بسيور جلد رقيق وهي خفيفة الحمل وتكسى باللبد أو بالملف. ويكون فيها طيقان مشبكة ويرى الذي بداخلها الناس ولا يرونه ويتقلب فيها كما يحب وينام ويأكل ويقرأ ويكتب وهو في حال سيره. والتي تحمل الأثقال والأزواد وخزائن الأطعمة من هذه العربات يكون عليها شبه البيت كما ذكرنا وعليه قفل (لابن بطوطة) كرم حسن بن سهل 310 كان الحسن بن سهل وزيراً للمأمون. وتزوج المأمون ابنته بوران وانحدر في أهله وأصحابه وعساكره وأمرائه إلى فم الصلح بواسط. فقام الحسن بن سهل في إنزالهم قياماً عظيماً وبذل من الأموال ونثر من الدرر ما يفوت حد الكثرة حتى أنه عمل بطاطيخ من عنبر وجعل في وسط كل واحدة منها رقعةً بضيعة من ضياعه ونثرها فمن وقعت في يده بطيخة منها فتحها وتسلم الضيعة التي فيها. وكانت دعوةً عظيمةً تتجاوز حد

ملك الروم وحاتم الطائي

الكثرة حتى أن المأمون نسب وزيره في ذلك إلى السرف. وقالوا: جملة ما أخرج على دعوة فم الصلح خمسون ألف ألف درهم. وكان الحسن بن سهل قد فرش للمأمون حصيرا ًمنسوجاً من ذهب ونثر عليه ألف لؤلؤة من كبار اللؤلؤ (الفخري) ملك الروم وحاتم الطائي 311 من أعجب ما حكي عن حاتم الطائي هو أن أحد قياصرة الروم بلغته أخبار حاتم فاستغرب ذلك. وكان قد بلغه أن لحاتم فرساً من كرام الخيل عزيزة عنده فأرسل إليه بعض حجابه يطلب منه الفرس هدية إليه وهو يريد أن يمتحن سماحته بذلك. فلما دخل الحاجب ديار طيء سأل عن أبيات حاتم حتى دخل عليه. فاستقبله ورحب به وهو لا يعلم أنه حاجب الملك. وكانت المواشي حينئذ في المراعي فلم يجد إليها سبيلاً لقرى ضيفه فنحر الفرس وأضرم النار. ثم دخل إلى ضيفه يحادثه فأعلمه أنه رسول قيصر وقد حضر يستميحه الفرس فساء ذلك حاتماً وقال: هلا أعلمتني قبل الآن فإني قد نحرتها لك إذ لم أجد جزوراً غيرها بين يدي. فعجب الرسول من سخائه وقال: والله لقد رأينا منك أكثر مما سمعنا (لابن عبد ربهً) وفاة نجل ملك إيذج 312 لما دخلت مدينة إيذج أردت رؤية السلطان فلم يتأت لي

ذلك بسبب أنه لا يخرج إلا يوم الجمعة. وكان له ابن هو ولي عهده وليس له سواه فمرض في تلك الأيام ولما انتصف الليل في إحدى الليالي سمعنا الصراخ والنواح وقد مات المريض المذكور. ولما كان من الغد دخل علي شيخ الزاوية وأهل البلد وقالوا: إن كبراء المدينة من القضاة والفقهاء والأشراف والأمراء قد ذهبوا إلى دار السلطان للعزاء فينبغي لك أن تذهب في جملتهم. فأنفت من ذلك. فعزموا علي فلم يكن لي بد من المسير فسرت معهم. فوجدت مشور دار السلطان ممتلئاً رجالاً وصبياناً من المماليك وأبناء الملوك والوزراء والأجناد وقد لبسوا التلاليس وجلال الدواب وجعلوا فوق رؤوسهم التراب والتبن وبعضهم قد جز ناصيته. وانقسموا فرقتين فرقة بأعلى المشور وفرقة بأسفله. وتزحف كل فرقة إلى جهة الأخرى وهم ضاربون بأيديهم على صدورهم قائلون: مولانا. فرأيت من ذلك أمراً هائلاً ومنظراً فظيعاً لم أعهد مثله. ولما دخلت رأيت جهات المشور غاصةً بالناس. . . ونظرت يميناً وشمالاً لأرتاد موضعاً لجلوسي. فرأيت هنالك سقيفة مرتفعة عن الأرض بمقدار شبر وفي إحدى زواياها رجل منفرد عن الناس قاعد عليه ثوب صوف شبه اللبد يلبسه بتلك البلاد ضعفاء الناس أيام المطر والثلج وفي الأسفار. فتقدمت إلى حيث الرجل وانقطع عني أصحابي لما رأوا إقدامي نحوه

وعجبوا مني وأنا لا علم عندي بشيء من حاله. فصعدت السقيفة وسلمت على الرجل فرد السلام وارتفع عن الأرض كأنه يريد القيام وهم يسمون ذلك نصف القيام. وقعدت في الركن المقابل له. ثم نظرت إلى الناس وقد رموني بأبصارهم جميعاً. فعجبت منهم ورأيت الفقهاء والمشايخ والأشراف مستندين إلى الحائط تحت السقيفة. وأشار إلي أحد القضاة أن أنحط إلى جانبه. فلم أفعل. وحينئذ استشعرت أنه السلطان. فلما كان بعد ساعة أتى شيخ المشايخ نور الدين الكرماني فصعد إلى السقيفة وسلم على الرجل. فقام إليه وجلس فيما بيني وبينه فحينئذ علمت أن الرجل هو السلطان. ثم جيء بالجنازة وهي بين أشجار الأترج والليمون والنارنج وقد ملأوا أغصانها بثمارها والأشجار بأيدي الرجال. فكأن الجنازة تمشي في بستان والمشاعل في رماح طوال بين يديها والشمع كذلك. فصلي عليها وذهب الناس معها إلى مدفن الملوك وهو بموضع يقال له هلا فيحان على أربعة أميال من المدينة. وهنالك مدرسة عظيمة يشقها النهر وبداخلها مسجد تقام فيه الجمعة وبخارجها حمام ويحف بها بستان عظيم وبها الطعام للوارد والصادر. ولم أستطع أن أذهب معهم إلى مدفن الجنازة لبعد الموضع فعدت إلى المدرسة (لابن بطوطة)

الباب التاسع في الأسفار

الباب التاسع في الأسفار سفر ابن بطوطة إلى مدينة بلغار 313 قال ابن بطوطة: كنت سمعت بمدينة بلغار فأردت التوجه إليها لأرى ما ذكر عنها من انتهاء قصر الليل بها وقصر النهار أيضاً في عكس ذلك الفصل. وكان بينها وبين محلة السلطان أوزبك خان سلطان الأتراك مسيرة عشر. فطلبت منه من يوصلني إليها فبعث معي من أوصلني إليها وردني إليه. ووصلتها في رمضان. فلما صلينا المغرب أفطرنا وأذن بالعشاء في أثناء إفطارنا فصليناها وأتممنا باقي الصلوات فطلع الفجر في إثر ذلك. ويقصر كذلك النهار بها في فصل قصره أيضاً وأقمت بها ثلاثاً. وكنت أردت الدخول إلى أرض الظلمة والدخول إليها من بلغار وبينهما مسيرة أربعين يوماً. ثم أضربت عن ذلك لعظم المؤونة فيه وقلة الجدوى. والسفر إليها لا يكون إلا في عجلات صغار تجرها كلاب كبار. فإن تلك المفازة فيها الجليد فلا تثبت قدم الآدمي ولا حافر الدابة فيها والكلاب لها الأظفار فتثبت أقدامها في الجليد. ولا يدخلها إلا الأقوياء من التجار الذين يكون لأحدهم مائة عجلة أو نحوها موقرة بطعامه وشرابه وحطبه. فإنها لا شجر فيها ولا حجر ولا مدر. والدليل

رحلة ابن بطوطة إلى الصين ومحنته بالأسر

بتلك الأرض هو الكلب الذي قد سار فيها مراراً كثيرة وتنتهي قيمته إلى ألف دينار ونحوها. وتربط العربة إلى عنقه ويقرن معه ثلاثة من الكلاب ويكون هو المقدم وتتبعه سائر الكلاب بالعربات فإذا وقف وقفت. وإذا كملت للمسافرين بهذه الفلاة أربعون مرحلة نزلوا عند الظلمة. وترك كل واحد منهم ما جاء به من المتاع هنالك. وعادوا إلى منزلهم المعتاد. فإذا كان الغد عادوا لتفقد متاقهم فيجدون بإزائه من السمور والسنجاب والقاقم. فإن رضي صاحب المتاع ما وجده إزاء متاعه أخذه وإن لم يرضه تركه. رحلة ابن بطوطة إلى الصين ومحنته بالأسر أحب ملك الهند أن يبعث هدايا نفيسة لملك الصين. فعين السلطان للسفر معي الأمير ظهير الدين الزنجاني وهو من فضلاء أهل العلم. والفتى كافوراً وإليه سلمت الهدية. وبعث معها الأمير محمد الهروي في ألف فارس ليوصلنا إلى الموضع الذي نركب منه البحر. وكان سفرنا في السابع عشر لشهر صفر سنة سبعمائة وثلاث وأربعين. وكان نزولنا في أول مرحلة بمنزل تلبت. ورحلنا منه إلى منزل أو ثم إلى بيانة. ثم سرنا منها إلى مدينة كول. ولما انتهينا إليها بلغنا أن بعض كفار الهنود حاصروا بلدة الجلالي وأحاطوا بها وهي على مسافة سبعة أميال من كول. فقصدناها والكفار يقاتلون

أهلها وقد أشرفوا على التلف. ولم يعلم الكفار بنا حتى صدفنا الحملة عليهم وهم في نحو ألف فارس وثلاثة آلاف راجل فقتلناهم عن آخرهم واحتوينا على خيلهم وأسلحتهم. واستشهد من أصحابنا ثلاثة وعشرون فارساً وخمسة وخمسون راجلاً واستشهد الفتى كافور الساقي الذي كانت الهدية مسلمة بيده. فكتبنا إلى السلطان بخبره وأقمنا في انتظار الجواب. وكان الكفار في أثناء ذلك ينزلون من جبل هنالك منيع. فيغيرون على نواحي بلدة الجلالي. وكان أصحابنا يركبون كل يوم مع أمير تلكالناحية ليعينوه على مدافعتهم. وفي بعض تلك الأيام ركبت في جماعة من أصحابي ودخلنا بستاناً نقيل فيه وذلك فصل القيظ. فسمعنا الصياح فركبنا ولحقنا كفاراً أغاروا على قرية من قرى الجلالي فاتبعناهم. فتفرقوا وتفرق أصحابنا في طلبهم وانفردت في خمسة من أصحابي. فخرج عليهنا جملة من الفرسان والرجال من غيضة هنالك ففررنا منهم لكثرتهم. واتبعني نحو عشرة منهم ثم انقطعوا عني إلا ثلاثة منهم. ولا طريق بين يدي. وتلك الأرض كثيرة الحجارة. فنشبت يدا فرسي بين الحجارة فنزلت عنه واقتلعت يده وعدت إلى ركوبه. والعادة بالهند أن يكون مع الإنسان سيفان أحدهما معلق بالسرج ويسمى الركابي والآخر في التركش. فسقط سيفي الركابي من غمده وكانت حليته ذهباً فنزلت فأخذته وتقلدته وركبت

وهم في أثري. ثم وصلت إلى خندق عظيم فنزلت ودخلت في جوفه فكان آخر عهدي بهم. ثم خرجت إلى واد في وسط شعراء ملتفة في وسطها طريق فمشيت عليه ولا أعرف منتهاه. فبينما أنا في ذلك خرج علي نحو أربعين رجلاً من الكفار بأيديهم القسي. فأحدقوا بي وخفت أن يرموني رمية رجل واحد إن فررت منهم. وكنت غير متدرع فألقيت بنفسي إلى الأرض واستأسرت وهم لا يقتلون من فعل ذلك. فأخذوني وسلبوني جميع ما علي غير جبة وقميض وسروال ودخلوا بي إلى تلك الغابة. فانتهوا بي إلى موضع جلوسهم منها على حوض ماء بين تلك الأشجار. وأتوني بخبز ماش وهو الجلبان فأكلت منه وشربت من الماء. وكان معهم مسلمان كلماني بالفارسية وسألاني عن شأني. فأخبرتهما ببعضه وكتمتهما أني من جهة السلطان فقالا لي: لا بد أن يقتلك هؤلاء أو غيرهم ولكن هذا مقدمهم. وأشارا إلى رجل منهم فكلمته بترجمة المسلمين وتلطفت له. فوكل بي ثلاثة منهم أحدهم شيخ ومعه ابنه والآخر أسود خبيث. وكلمني أولئك الثلاثة ففهمت منهم أنهم أمروا بقتلي. واحتملوني عشي النهار إلى كهف وسلط الله على الأسود منهم حمى مرعدة فوضع رجليه علي ونام الشيخ وابنه. فلما أصبح تكلموا فيما بينهم وأشاروا إلي بالنزول معهم إلى الحوض وفهمت أنهم يريدون قتلي. فكلمت الشيخ

وتلطفت إليه فرق لي. وقطعت كمي قميصي وأعطيته إياهما لكي لا يأخذه أصحابه في إن فررت. ولما كان عند الظهر سمعنا كلاماً عند الحوض فظنوا أنهم أصحابهم. فأشاروا إلي بالنزول معهم فنزلنا ووجدنا قوماً آخرين. فأشاروا عليهم أن يذهبوا في صحبتهم فأبوا. وجلس ثلاثتهم أمامي وأنا مواجه لهم ووضعوا حبل قنب كان معهم بالأرض وأنا أنظر إليهم وأقول في نفسي: بهذا الحبل يربطونني عند القتل. وأقمت كذلك ساعة ثم جاء ثلاثة من أصحابهم الذين أخذوني فتكلموا معهم وفهمت أنهم قالوا لهم: لأي شيءٍ ما قتلمتموه. فأشار الشيخ إلى الأسود كأنه اعتذر بمرضه. وكان أحد هؤلاء الثلاثة شاباً حسن الوجه فقال لي: أتريد أن أسرحك. فقلت: نعم. فقال: اذهب. فأخذت الجبة التي كانت علي فأعطيته إياها وأعطاني منيرة بالية عنده وأراني الطريق فذهبت وخفت أن يبدو لهم فيدركوني. فدخلت غيضة قصب واختفيت فيها إلى أن غابت الشمس. ثم خرجت وسلكت الطريق التي أرانيها الشاب فأفضت بي إلى ماءٍ فشربت منه وسرت إلى ثلث الليل فوصلت إلى جبل فنمت تحته. فلما أصبحت سلكت الطريق فوصلت ضحىً إلى جبل من الصخر عالٍ فيه شجر أم غيلان والسدر. فكنت أجني النبق فآكله حتى أثر الشوك في ذراعي آثاراً هي باقية به حتى الآن. ثم نزلت من ذلك الجبل إلى أرض مزدرعةٍ

قطناً وبها أشجار الخروع. وهنالك بائن والبائن عندهم بئر متسعة جداً مطوية بالحجارة لها درج ينزل عليها إلى ورد الماء. وبعضها يكون في وسطه وجوانبه القباب من الحجر والسقائف والمجالس ويتفاخر ملوك البلاد وأمراؤها بعمارتها في الطرقات التي لا ماء بها. وسنذكر بعض ما رأيناه منها فيما بعد. ولما وصلت إلى البائن شربت منه ووجدت عليه شيئاً من عساليج الخردل قد سقطت لمن غسلها. فأكلت منها وادخرت باقيها ونمت تحت شجرة خروع. فبينما أنا كذلك إذ ورد البائن نحو أربعين فارساً مدرعين فدخل بعضهم إلى المزرعة ثم ذهبوا وطمس الله أبصارهم دوني. ثم جاء بعدهم نحو خمسين في السلاح ونزلوا إلى البائن وأتى أحدهم إلى شجرة إزاء الشجرة التي كنت تحتها فلم يشعر بي. ودخلت إذ ذاك في مزرعة القطن وأقمت بها بقية نهاري وأقاموا على البائن يغسلون ثيابهم ويلعبون. فلما كان الليل هدأت أصواتهم فعلمت أنهم قد مروا أو ناموا. فخرجت حينئذٍ وأتبعت أثر الخيل والليل مقمر وسرت حتى انتهيت إلى بائن آخرٍ عليه قبة. فنزلت إليه وشربت من مائه وأكلت من عساليج الخردل التي كانت عندي. ودخلت القبة فوجدتها مملوءة بالعشب مما يجمعه الطير فنمت بها وكنت أحس حركة حيوان في تلك العشب أظنه حية فلا أبالي بها لما بي من الجهد. فلما أصبحت سلكت طريقاً واسعةً

تفضي على قرية خربة. وسلكت سواها فكانت كمثلها وأقمت كذلك أياماً. وفي بعضها وصلت إلى أشجارٍ ملتفة بينها حوض ماءٍ وداخلها شبه بيت وعلى جوانب الحوض نبات الأرض كالنجيل وغيره. فأردت أن أقعد هنالك حتى يبعث الله من يوصلني إلى العمارة. ثم إني وجدت يسير قوةٍ فنهضت على طريق وجدت بها أثر البقر. ووجدت ثوراً عليه بردعة ومنجل فإذا تلك الطريق تفضي إلى قرى الكفار. فاتبعت طريقاً أخرى فأفضت بي إلى قرية خربة ورأيت بها أسودين فخفتهما وأقمت تحت أشجار هنالك. فلما كان الليل دخلت القرية ووجدت داراً في بيت من بيوتها شبه خابية كبيرة يصنعونها لاختزان الزرع وفي أسفلها نقب يسع الرجل. فدخلتها ووجدت داخلها مفروشاً بالتبن وفيه حجرٌ جعلت رأسي عليه ونمت. وكان فوقها طائر يرفرف بجناحه أكثر الليل وأظنه كان يخاف فاجتمعنا خائفين. وأقمت على تلك الحال سبعة أيام من يوم أسرت وهو يوم السبت. وفي السابع منها وصلت إلى قرية للكفار عامرة وفيها حوض ماء ومنابت خضر فسألتهم الطعام فأبوا أن يعطوني. فوجدت حول بئر بها أوراق فجل فأكلتها. وجئت القرية فوجدت جماعة كفارٍ لهم طليعة فدعاني طليعتهم فلم أجبه. وقعدت إلى الأرض فأتى أحدهم بسيف مسلول ورفعه ليضربني به فلم ألتفت إليه لعظيم ما بي من

الجهد. ففتشني فلم يجد عندي شيئاً فأخذ القميص الذي كنت أعطيت كميه للشيخ الموكل بي. ولما كان اليوم الثامن اشتد بي العطش وعدمت الماء ووصلت إلى قرية خراب فلم أجد بها حوضاً. وعادتهم بتلك القرى أن يصنعوا أحواضاً يجتمع بها ماء المطر فيشربون منه جميع السنة. فاتبعت طريقاً فأفضت بي إلى بئر غير مطوية عليها حبل مصنوع من نبات الأرض وليس فيه آنية يستقى بها فربطت خرقة كانت على رأسي في الحبل وامتصصت ما تعلق بها من الماء فلم يروني. فربطجت خفي واستقيت به فلم يروني. فاستقيت به ثانياً فانقطع الحبل ووقع الخف في البئر. فربطت الخف الآخر وشربت حتى رويت. ثم قطعته فربطت أعلاه في رجلي بحبل البئر وبخرق وجدتها هنالك. فبينما أنا أربطها وأفكر في حالي إذ لاح لي شخص فنظرت إليه فإذا رجل أسود اللون بيده إبريق وعكاز وعلى كاهله جراب. فقال لي: سلام عليكم. فقلت له: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته. فقال لي بالفارسية: من أنت. فقلت له: أنا تائه. فقال لي: وأنا كذلك. ثم ربط إبريقه بحبل كان معه واستقى ماء. فأردت أن أشرب فقال لي: اصبر. ثم فتح جرابه فأخرج منه غرفة حمص أسود مقلو مع قليل أرز فأكلت منه وشربت وسألني عن اسمي. فقلت: محمد. وسألته عن اسمه. فقال لي: القلب الفارح. فتفاءلت بذلك

وسررت به. ثم قال لي: بسم الله ترافقني. فقلت: نعم. فمشيت معه قليلاً ثم وجدت فتوراً في أعضائي ولم أستطع النهوض فقعدت. فقال: ما شأنك. فقلت له: كنت قادراً على المشي قبل أن ألقاك فلما لقيتك عجزت. فقال: سبحان الله. اركب فوق عنقي. فقلت له: إنك ضعيف ولا تستطيع ذلك. فقال: يقويني الله. لا بد لك من ذلك. فركبت على عنقه وقال لي: قل حسبنا الله ونعم الوكيل. فأكثرت من ذلك. وغلبتني عيني فلم أفق إلا لسقوطي على الأرض. فاستيقظت ولم أر للرجل أثراً وإذا أنا في قرية عامرة. فدخلتها فوجدتها لرعية الهنود وحاكمها من المسلمين فأعلموه بي فجاء إلي. فقلت له: ما اسم هذه القرية. فقال لي: تاج بوره. وبينها وبين مدينة كول حيث أصحابنا فرسخان. وحملني ذلك الحاكم إلى بيته فأطعمني طعاماً سخناً واغتسلت وقال لي: عندي ثوب وعمامة أودعهما عندي رجل عربي مصري من أهل المحلة التي بكول. فقلت له: هاتهما ألبسهما إلى أن أصل إلى المحلة. فأتى بهما فوجدتهما من ثيابي كنت قد وهبتهما لذلك العربي لما قدمنا كول. فطال تعجبي من ذلك. وفكرت في الرجل الذي حملني على عنقه. فتذكرت ما أخبرني به ولي الله أبو عبد الله المرشدي حسبما ذكرناه في السفر الأول إذ قال لي: ستدخل أرض الهند وتلقى بها أخي دلشاد ويخلصك من شدة تقع فيها. وتذكرت قوله

نبذة من كتاب مروج الذهب للمسعودي (باختصار)

لما سألته عن اسمه فقال القلب الفارح. وتفسيره بالفارسية دلشاد. فعلمت أنه هو الذي أخبرني بلقائه وأنه من الأولياء. ولم يحصل لي من صحبته إلى المقدار الذي ذكرته. وكتبت تلك الليلة إلى أصحابي بكول معلماً لهم بسلامتي فجاؤوا إلي بفرس وثياب واستبشروا بي. ووجدت جواب السلطان قد وصلهم وبعث بفتىً يسمى بسنبل الجامدار عوضاً عن كافور المستشهد وأمرنا أن نتمادى على سفرنا ووجدتهم أيضاً قد كتبوا للسلطان بما كان من أمري وتشاءموا بهذه السفرة لما جرى فيها وعلي وعلى كافور وهم يريدون أن يرجعوا. فلما رأيت تأكيد السلطان في السفر أكدت عليهم وقوي عزمي فقالوا: ألا ترى ما اتفق لها في بداية هذه السفرة والسلطان يعذرك فلنرجع إليه أو نقم حتى يصل جوابه. فقلت لهم: لا يمكن المقام وحيثما كنا أدركنا الجواب. فرحلنا عن كول وأتممنا سفرنا إلى الصين حتى انتهينا إليها (لابن بطوطة) نبذة من كتاب مروج الذهب للمسعودي (باختصار) 315 إننا نذكر في هذا الباب جملاً من أخبار ما اتصل بنا من البحر الحبشي والممالك والملوك وجملاً من ترتيبها وغير ذلك من أنواع العجائب فنقول: إن بحر الصين والهند وفارس واليمن متصلة مياهها غير منفصلة. إلا أن هيجانها وركودها يختلف لاختلاف

مهاب رياحها وإبان ثورانها وغير ذلك. فبحر فارس تكثر أمواجه ويصعب ركوبه عند لين بحر الهند واستقامة الركوب فيه وقلة أمواجه. ويلين بحر فارس وتقل أمواجه ويسهل ركوبه عند ارتجاج بحر الهند واضطراب أمواجه وظلمته وصعوبته عند ركوبه. . . . والغوص على اللؤلؤ في بحر فارس إنما يكون في أول نيسان إلى آخر أيلول وما عدا ذلك من شهور السنة فلا غوص فيها. وتطلق المراكب من بحر فارس إلى البحر الثاني وهو المعروف بلاروي. لا يدرك قعره ولا يحصر كثرة من نهاياته ولا تضبط غاياته لغزر مائه واتساع فضائه. وكثير من البحريين يزعمون أن الوصف لا يحيط بأقطاره لما ذكرنا من تشعبه. وربما تقطعه السفن في الشهرين والثلاثة وفي الشهر على قدر مهاب الرياح والسلامة. وليس في هذه البحار (أعني ما اشتمل عليه البحر الحبشي) أكبر من هذا البحر لاروي ولا أشد. وفي عرضه بحر الزنج وبلادهم. وعنبر هذا البحر قليل. وذلك أن العنبر أكثره يقع إلى بلاد الزنج وساحل الشحر من أرض العرب. وأهل الشحر أناس من قضاعة بن حمير وغيرهم من العرب. ويدعى من سكن هذا البلد من العرب المهرة. أصحاب شعور وجمم ولغتهم بخلاف لغة العرب. وذلك أنهم يجعلون الشين بدلاً من الكاف وغير ذلك في خطابهم ونوادر كلامهم وهم ذوو فقر وفاقة. ولهم نجب يركبونها بالليل تعرف

بالنجب المهرية تشبه في السرعة النجب البجاوية. بل عند جماعة أنها أسرع منها. يسيرون عليها على ساحل بحرهم. وأجود العنبر ما وقع إلى هذه الناحية وإلى جزائر الزنج وساحله. وهو المدور الأزرق. وأهل جزائر الزنج متفقو الكلمة لا يحصرهم العدد لكثرتهم ولا تحصى جيوش المرأة المتملكة عليهم. وبين الجزيرة والجزيرة نحو الميل والفرسخ والفرسخين والثلاثة. وليس يوجد في جزائر البحر ألطف صنعة من أهل هذه الجزائر في سائر المهن والصنائع من الثياب والآلات وغير ذلك. وبيوت أموال هذه الملكة الودع. وهذه الجزائر تعرف جميعاً بالدبجات. ومنها يحمل أكثر النارجيل. وآخر هذه الجزائر جزيرة سرنديب. ويلي سرنديب جزائر أخر نحو من ألف فرسخ. تعرف بالرامني معمورة فيها ملوك وفيها معادن ذهب كثيرة ويليها بلاد قيصور وإليها يضاف الكافور القيصوري. وأكثر ما ذكرنا من هذه الجزائر غذاؤهم النارجيل. ويحمل من هذه الجزائر خشب البقم والخيزران والذهب. وفيلتها كثيرة ومن أهلها من يأكل لحوم الناس. وتتصل هذه الجزائر بجزائر النجمالوس. وهم أمم عجيبة يخرجون في القوارب عند اجتياز المراكب بهم معهم العنبر والنارجيل وغير ذلك. فيتعاوضون بالحديد وشيء من الثياب ولا يبيعون ذلك بالدراهم والدنانير. ويليهم جزائر يقال لها أبرامان فيها أناس سود عجيبو الصور والمناظر

مفلفلو الشعور لا مراكب لهم فإذا وقع غريق إليهم ممن كسر المركب به في البحر أكلوه وكذلك فعلهم بالمراكب إذا وقعت إليهم. وذكر لي جماعة من النواخذة أنهم ربما رأوا في هذا البحر سحاباً أبيض قطعاً صغاراً يخرج منه لسان طويل أبيض حتى يتصل بماء البحر فإذا اتصل به غلا لذلك وارتفعت منه زوابع عظيمة لا تمر زوبعة منها بشيء إلا أتلفته. وأما البحر الرابع فهو بحر كله وهو قليل الماء كثير الجزائر والصرائر. وذلك أن أهل المراكب يسمون ما بين الخليجين إذا كان طريقهم فيه الصر. ولهذا البحر أنواع من الجزائر والجبال عجيبة وإنما غرضنا التلويح بلمع من الأخبار عنها لا البسط. وكذلك البحر الخامس المعروف بكردنج كثير الجبال والجزائر فيه الكافور وماء الكافور. وفيه أجناس من الأمم منهم جنس يقال لهم الفنجب شعورهم مفلفلة وصورهم عجيبة يعرضون في قوارب لهم لطاف للمراكب إذا اجتازت بهم ويرمون بنوع من السهام عجيب قد أسقي السم. ثم يليه بحر الصنف وفيه مملكة المهراج ملك الجزائر وملكه لا يضبط لكثرته ولا تحصى جنوده. وقد حاز هذا الملك أنواع الأفاويه والطيب وليس أحد من الملوك ما له. ومما يجهز به من بلاده ويحمل من أرضه الكافور والعود والقرنفل والصندل والبسباسة والقافلة والكبابة وغير ذلك مما لم نذكره. وجزائره تصل ببحر لا يدرك غايته ولا يعرف منتهاه. وهو مما يلي بحر

الصين. وفي أطراف جزائره جبال كثيرة فيها الناس مخرمو الآذان بيض الوجوه يجزون شعورهم. وتظهر من جبالهم النار بالليل والنهار. بنهارها نار حمراء وبالليل تسود وتلحق بأعنان السماء لعلوها وذهابها في الجو تقذف بأشد ما يكون من صوت الرعود والصواعق. ثم يليه بحر الصين وهو بحر خبيث كثير الموج والخب. وتفسير الخب الشدة العظيمة في البحر. وفيها جبال كثيرة لا بد للمراكب من النفوذ بينها. وليس بعد بلاد الصين مما يلي البحر ممالك تعرف ولا بلاد توصف إلا بلاد السيلى وجزائرها. ولم يصل إليها من الغرباء أحد من العراق ولا غيرها فخرج عنها لصحة هوائها ورقة مائها وجودة تربتها ولكثرة خيرها إلا النادر من الناس. وأهلها مهادنون لأهل الصين وملوكها. والهدايا بينهم لا تكاد تنقطع. وقد قيل إنهم شعب من ولد عامور سكنوا هنالك على حسب ما ذكرنا من سكنى أهل الصين في بلادهم. وللصين أنهار كبار مثل دجلة والفرات تجري من بلاد الترك والتبت والصغد. وهم بين بخارى وسمرقند. وهنالك جبال النوشادر. فإذا كان الصيف رأيت في الليل نيراناً قد ارتفعت من تلك الجبال من نحو مائة فرسخ. وبالنهار يظهر منها الدخان لغلبة شعاع الشمس وضوءها وضوء النهار. ومن هنالك يحمل النوشادر. فإذا كان أول الشتاء من أراد من بلاد خراسان أن يسلك إلى بلاد الصين صار إلى ما هنالك.

وهنالك واد بين تلك الجبال طوله أربعون ميلاً أو خمسون ميلاً. فيأتي إلى أناس هنالك على فم الوادي فيرغبهم في الأجرة النفيسة فيحملون ما معه على أكتافهم. وبأيديهم العصي يضربون جنبيه خوفاً أن يثلج ويقف فيموت من كرب الوادي. وهو يحضر أمامهم حتى يخرجوا إلى ذلك الرأس من الوادي. وهنالك غابات ومستنقعات للماء فيطرحون أنفسهم في ذلك الماء لما قد نالهم من شدة الكرب وحر النوشادر. ولا يسلك ذلك الطريق شيء من البهائم لأن النوشادر يلتهب ناراً في الصيف. فلا يسلك ذلك الوادي داعٍ ولا مجيب. فإذا كان الشتاء وكثرت الثلوج والأنداء وقع ذلك على الموضع فأطفأ حر النوشادر ولهيبه فيسلك الناس حينئذ ذلك الوادي. والبهائم لا صبر لها على ما ذكرناه من حره. وكذلك من ورد من بلاد الصين فعل به من الضرب ما فعل بالمار. والمسافة بين بلاد خراسان على الموضع الذي ذكرنا إلى بلاد الصين نحو من أربعين يوماً. بين عامر وغامر ودهاس ورمال. وفي غير هذا الطريق مما يسلكه البهائم نحو من أربعة أشهر إلا أن ذلك في خفارات أنواع من الترك. وقد رأيت ببلخ شيخاً جميلاً ذا رأي وفهم قد دخل الصين مراراً كثيرة ولم يركب البحر قط. وقد رأيت عدة من الناس ممن سلك من بلاد الصغد على جبال النوشادر إلى أرض التبت والصين ببلاد خراسان. وبلاد الهند متصلة ببلاد

السفرة الثانية من سفرات السندباد البحري

خراسان والسند مما يلي المنصورة والمولتان. والقوافل متصلة من السند إلى خراسان. وكذلك إلى الهند إلى أن تتصل هذه الديار ببلاد زابلستان. السفرة الثانية من سفرات السندباد البحري 316 قال السندباد البحري إني لما انهمكت في اللذات وانتهاب المسرات خطر ببالي السفر واشتاقت نفسي للمتجر ونسيت ما لقيت من الشدات. فأخذت في الأهبة واشتريت متاعاً مليحاً وشددت الأحمال وسافرت مع تجار مرافقين ورفاق موافقين. حتى وصلنا إلى ساحل البحر وركبنا في مركب مكين ونحن بالله نستعين. وما زلنا نسير من جزيرة إلى جزيرة ونحن نبيع ونشتري ونتعوض حتى نزلنا ذات يوم على جزيرة كثيرة الأشجار والأثمار. خالية من الناس ما فيها ديار ولا نافخ نار. فرسا المركب عليها. وطلع التجار إليها. وتنزهوا على رياضها وأنهارها. وجمعوا من أزهارها وأثمارها. وأنا قد أخذت السفرة والمدام وجلست على ساقية جارية بين أشجار مثمرة فأكلت وشربت وطاب لي المنام. فرقدت مكاني بين الأشجار. فما استيقظت إلا والمركب قد أقلع وسار وسافر وغاص في البحر. فقمت ولم أجد عندي أنيساً ولا جليساً. والمركب

قد أبعد عني وما بقيت أنظره. فصرخت ولطمت على رأسي وانقطع رجاي من الحياة والدنيا وكادت مرارتي تنفطر من الندم. ووقعت على الأرض مغشياً علي زماناً طويلاً وبكيت ولمت روحي حيث لم أنته عن السفر. وندمت حيث لا تنفع الندم وقلت: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وبقيت كالمجنون لا أقدر على السكوت فصعدت على شجرة عالية ونظرت يميناً وشمالاً. فلم أر غير الماء والسماء فنظرت وإذا شيء أبيض قد لاح لي من البعد فنزلت من الشجرة. وأخذت السفرة وكان فيها زاد كثير. ثم إني قصدت ذلك البياض وإذا هي قبة كبيرة شاهقة ملسة ناعمة. فدنوت منها ودرت حولها فلم أجد لها باباً ولم أطق الصعود إليها من ملاستها. وكانت استدارتها خمسين خطوة فبقيت متحيراُ في ذلك وكانت الشمس قد قاربت الغروب. وإذا الجو قد أظلم وظهرت غيمة كبيرة فتأملتها وإذا هي طير. فتذكرت ما أخبر البحريون عن طير الرخ الذي هو بقدر الغيمة وتلك القبة هي بيضته. وإذا بالطير قد نزل عليها وأنا في جانبها. فوقع أحد مخالبه قدامي كأنه سكة حديد كبيرة. فحللت عمامتي من رأسي وشددت نفسي في طرف العمامة وفي المخلب شداً وثيقاً. وقلت لعل هذا الطير يخرجني من هذه الجزيرة إلى مكان عامر. فلما أصبح الصباح أقلع الرخ وطار في الفضاء وأنا مربوط في مخلبه ربطاً وثيقاً والسفرة معي. ولم يزل

مرتفعاً وأنا متعلق بمخلبه فطار وعلا إلى الجو حتى ظننت أنه قد احتك بالسماء. ثم نكس رأسه وطلب الأرض فلم أحس بنفسي إلا وأنا على وجه الأرض. فحللت العمامة من مخالبه وإذا به ضرب على حية كأنها جمل وأخذها وطار. وبقيت أنا في وادٍ عميق لا يبلغ النظر إلى ارتفاعه ولا سبيل للنزول إليه ولا الصعود فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون. كل نائبة تأتيني أصعب من الأخرى. ثم إني تمشيت في ذلك الوادي وإذا أرضه جميعها من حجر الألماس. وهو من أفخر الجواهر الغالية الثمن. وفي ذلك الوادي حيات كل واحدة تبلع الفيل وهي كثيرة جداً. وتختفي بالنهار من هذا الطير الذي ذكرناه وتسعى بالليل. فبقيت متحيراً ذلك اليوم إلى أن أمسى المساء. ثم إنني عمدت إلى مغارة في كهف صغير ودخلت إليه وسددت بابه بحجر كبير وأخرجت ما بقي معي من الزاد في السفرة. فأكلت كفايتي وأنا أرتعد من الخوف. وإذا بالحيات خرجت تسعى بعضها كالأفيال وبعضها كالجمال. وعاينت ما هالني منها حتى طلع الفجر وقد اختفت الحيات. فخرجت أمشي في الوادي وأنا في حيرة عظيمة. وبينما أنا واقف في الوادي إذ وقع بجانبي شقة لحم طري. فالتفت وإذا بشقق كثيرة قد تساقطت من أعلى الجبال. فتذكرت ما أخبر به البحريون أنه وادي الألماس الذي يقصده التجار ويشرحون اللحم ويرمونه

فيه فيلتصق فيه بعض الألماس فتنزل النسور وتصعده إلى الجبل حتى تطعمه أفراخها. فيأتي التجار ويأخذون ما لصق به من الأحجار كل تاجر من شقته وليس أحد يقدر أن يأخذ منه شيئاً إلا بهذه الحيلة. فطار قلبي بذلك وجمعت من الوادي ما قدرت من أفخر الألماس المليح وملأت السفرة. وأتيت إلى شقة كبيرة تجللت فيها وربطتها في العمامة ربطاً وثيقاً والسفرة معي. وبعد قليل أتت النسور وكل منها حمل شقة وارتفع بها إلى أعلى الجبل. وشقتي حملها نسر كبير ووضعها فوق الجبل أيضاً. وإذا بصيحات قد علت على النسور فأجفلت وتركت اللحوم وطارت. فأتى التجار كل واحد إلى شقته فنهض صاحب شقتي ليأخذ ما لصق بها. فوجدني وارتعد مني فقلت له: لا تخف أنا إنسان مثلك. فصرخ وبكى وقال: يا خيبة تجارتي فيك. فقلت له: لا بأس عليك. أنا معي شيء أعطيك أكثر مما حصل لرفاقك. ثم إنه تقدم وحل الشقة والعمامة وأخرجني. وإذا بالتجار قد اجتمعوا إلي وسألوني عن حالي وعرفوني. فحكيت لهم ما جرى فتعجبوا عجباً عظيماً وقالوا: الحمد لله على سلامتك. ثم مضوا وأنا معهم إلى مجمع التجار. ثم أخرجت من السفرة التي معي وأعطيت صاحب شقتي نصيبه وكنت قد ملأتها من الجواهر الثمينة. ونمت تلك الليلة عندهم وهم يسألوني عن عمري وأنا لا أعي من فرحي وأظن أني في المنام.

ثم قمنا في الغد وسرنا في جبال عالية حتى أتينا على جزية عظيمة وفيها شجرة الكافور كل شجرة منها تظلل مائة رجل وأكثر. وهو أنهم يثقبون أعلى الشجرة فيسيل منها ماء الكافور ويملأ جراراً عديدة. وبعد ذلك يظهر قطر الكافور كالصمغ ثم يبطل وتجف الشجرة. وفي هذه الجزيرة وحش يسمى الكركدن. وهو كرعايا البقر دون الفيل وأكبر من الجاموس ومأكوله نبات الأرض. وله قرن واحد في وسط رأسه طوله ذراع وعرضه قبضة وفيه صورة من أوله إلى آخره. فإذا انشق رأيت الصورة بياضاً في سواد يشبه صورة إنسان وبعض الحيوان. وذكروا أن هذا القرن يتخذ منه كل منطقة تساوي ألف دينار. وهذا الحيوان هو الكركدن يشك الفيل بقرنه يحمله على رأسه فيسيل دهنه على عيني الكركدن فيعميه ويبقى ملقى على الأرض. فيأتي الطير الذي هو الرخ ويأخذ الاثنين في مخالبه ويطير في الجو ويمضي يطعمهما فراخه. ورأيت في تلك الجزيرة عجائب كثيرة تحير العقل. ثم إني بعت من الألماس الذي معي وتعوضت شيئاً كثيراً ومازلت أسير من جزيرة إلى جزيرة ومن بلاد إلى بلاد حتى وصلت إلى البصرة. ومنها إلى بغداد ودخلت داري ومعي من المال ما لا يوصف ولا يعد. فتصدقت وأعطيت الفقراء والمحتاجين. وبقيت على هذا الحال أقضي الأوقات بالهناء والمسرات. ونسيت ما لاقيت من المشقات.

السفرة الثالثة

السفرة الثالثة 317 ولما أصبح صباح اليوم الثاني جلس السادات لاستماع حكاية ما أصابه في السفرة الثالثة. فقال السندباد البحري: فلما انهمكت في اللذات وغرقت في الهناء والمسرات ونسيت ما لقيت من العناء والمشقات وبقيت كذلك برهة من الأوقات خطر ببالي السفر واشتاقت نفسي للمتجر. فشددت الأحمال الثقال والأمتعة الغوالي. وسافرت من بغداد إلى بعض البلاد حتى وصلت إلى ساحل البحر مع تجار مرافقين ورفاق موافقين ومعي من البضائع ما يسر المشتري والبائع. فنزلنا في البحر العجاج المتلاطم بالأمواج الواسع الفجاج الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود. فسرنا أياماً وليالي مدة من الزمان ونحن نبيع ونشتري. ونأخذ ونعطي من جزيرة إلى جزيرة ومن مكان إلى مكان. فلما كان بعض الأيام ونحن على وجه المياه وإذا بالبحر قد هاج وماج وتلاطم بالأمواج والمركب قد بقي في أقصى البعد البعيد ونحن بقينا في حال سوء وأمر شديد ولم ندر أي مكان نريد. فما كان إلا القليل حتى حط الرئيس الشراع وأبطل الحديث والنزاع وأوقف المركب ونادى بالويل والثبور وعظائم الأمور وقال لنا: اعلموا أننا قد وقعنا في جزائر الزغب الوحشيين. وقد أحاطوا بنا وليس لنا سبيل إلى قتل واحد منهم لأنهم أكثر من الجراد. وإن قتلنا واحداً منهم

فإنهم يقتلون كل من في المركب. وبينا نحن في هذا الكلام إذ أحاط بنا أناس شنيعو الخلقة زغب حمر لا يفهم لهم كلام. وهم صغار وحشيون طول كل واحد أربعة أشبار يتسلقون الأخشاب بأيديهم من غير أن يصعدوا بأرجلهم. ففزعنا منهم ولم نتكلم بكلمة. فنصبوا الشراع كما أرادوا وساروا وأخذوا المركب بجميع من كان فيه. ومضوا وبقينا نحن في الجزيرة لا نعلم في أي أرض ولا أي مكان. فحزنا على ما نابنا وما أصابنا وليس في اليد حيلة. ثم إننا صبرنا على ذلك وأقمنا في الجزيرة وحصلنا من النبات ما يرد الرمق. فبينما نحن كذلك إذ بان لنا بيت في الجزيرة من بعيد فقصدناه وإذا هو قصر عظيم وشاهق وله بابان من الأبنوس وهو مغلق. فدفعناه فانفتح ودخلنا فيه فنظرنا في صدره إيواناً عالياً وسدة منصوبة قدام الإيوان وآثار طبيخ ونار وعظام وسفافيد حديد كباراً. فتعجبنا من ذلك وفزعنا فزعاً عظيماً. وكانت الشمس قد قاربت الغروب وإذا بالأرض قد ارتجت وتزعزت ودخل من الباب صورة إنسان لونه أسود وطوله أعلى من نخلة وعينه تلمع كالجمر وأنيابه كالسياخ الغليظة وفمه أوسع من فم بعير كبير وشفته السفلى إلى صدره وآذانه كآذان الفيل منبسطة على كتفه وأظافيره كمخالب أعظم الوحوش. فلما نظرناه غبنا عن صوابنا وبقينا مطروحين كالموتى بعضنا على بعض. ثم دخل وجلس في

السدة وبعد قليل قام وأتى إلينا. فمد يده فوقعت علي دون الكل فصرت كالميت. فأخذني إلى قبال وجهه وجعل يقلبني كما يقلب القصاب رأس الغنم. فلما رآني ضعيفاً قليل اللحم ألقاني من يده. وبدأ يقلبنا واحداً واحداً حتى وقعت يده على رئيس المركب. فرآه سميناً وعريض الأكتاف فقبضه كما يقبض العصفور. وأخذ سفوداً من تلك سفافيد الحديد. ثم أوقد ناراً عظيمة وشواه حتى استوى على الجمر ثم جلس في ذلك الإيوان ومزقه بأظافيره وأكله جميعه وانطرح على السرير في الإيوان ونام وغط. فلما عاينا ما فعل من الأهوال قلنا: إنا لله وإنا إليه راجعون فما هذه إلا ميتة شنيعة. وما زلنا نرتعد من المساء إلى الفجر حتى أنه قام وفتح الباب ومضى. فلما بعد عنا قمنا ونحن بأسوأ حال وسعينا في الجزيرة لعلنا نرى مكاناً نلجأ فيه منه فلم نجد. ولم نقدر أن نتخلف بعضنا عن بعض. فلما أدركنا المساء رجعنا إلى القصر من خوفنا وإذا بالأسود قد جاء أيضاً وفعل بنا مثل العادة ونقى الأسمن فينا وأخذه وشواه وأكله ودخل إلى مكانه ونام ونخر إلى الصباح. ثم قام ومضى ونحن لا نعي من الفزع فقلنا: نلقى أرواحنا في البحر ونموت غرقاً خير من هذه الميتة الشنيعة. فقال بعضنا: تعالوا حتى نعمل على هلاكه ونستريح من شره. فقلت لهم: تعالوا نعمل لنا كلكات من هذه الأخشاب تسع كل واحدة ثلاثة رجال ونتركها على

شاطئ البحر مشدودة وندبر الحيلة في هلاكه. فإذا أهلكناه أقمنا إلى أن يجوز بنا مركب. وإذا لم نقدر أن نهلكه ننزل في الكلكات ونسير في البحر ودعونا نغرق. فأجابوا إلى مشورتي وصنعنا كما قلت لهم وتركنا الكلكات مشدودة على شاطئ البحر. ولما كان المساء دخلنا إلى القصر واختفينا. فأتى الأسود إلينا ونقى السمين فينا وشواه وأكله ونام كعادته وبدأ ينخر. فقمنا وأخذنا سفافيد الحديد وأوقدنا النار وأحميناها حتى صارت مثل النار. ثم أخذ عشرة رجال منا أعنى عشرة أقوياء عشرة سفافيد ودنوا من الأسود. ونحن نعرف أنه لا يفيق إلا الصباح. وكان نائماً على ظهره ينخر كالرعد. فوضعنا السفافيد في عينيه. فصرخ صرخة عظيمة وقعنا منها جميعاً على الأرض وقد أيسنا من الحياة. ثم إنه نهض قائماً وأخذ الباب في وجهه وخرج. فلما طلع الفجر وأضاء النهرا قمنا ونحن نرجف من الخوف وجعلنا ندور في الجزيرة ونأكل بعض النبات والحشيش إلى أن جاء المساء. فأتينا إلى جانب البحر وجلسنا وقلنا: إن غابت الشمس ولم يجئ يكون قد هلك. فبينما نحن في هذا الكلام وإذا بالأسود قد أقبل واثنان يقودانه ومعه جماعة طوال مثله أيضاً. فلما رأيناهم نزلنا في الكلكات وقذفناها في البحر. فلما أن نظرونا أتوا إلينا وأدركونا وصرخوا فينا ورمونا بحجارة كبار. فأهلكوا أكثرنا في البحر فنجوت ورفيقي الاثنين. ولم نزل

نقذف ونجتهد والريح تلعب بنا يميناً وشمالاً ولا ندري أين نحن. وبقينا كذلك الليل كله. فلما طلع الفجر ألقتنا الريح إلى الساحل فطلعنا ونحن في حال العدم وتلك الجزيرة كثيرة الأشجار والأثمار ففرحنا بخلاصنا من الموت واسترحنا قليلاً وأكلنا كفايتنا من الأثمار وبقينا كذلك إلى المساء. ونمنا على جانب البحر وإذا صوت دبيب عظيم وصل إلينا. فإذا هي حية عظيمة كأنها نخلة فدنت منا وجذبت الواحد منا وبلعته. وبعد ساعة قذفت عظامه ومضت. وبقيت أنا ورفيقي نرتعد إلى الصباح من الخوف وقد أشرفنا على الهلاك وقلنا: إننا قد فرحنا من خلاصنا من الأسود والبحر ووقعنا في أنحس من ذلك وأصعب من الغرق والحريق. فمنا ندور في الجزيرة فرأينا شجرة عالية جداً. فأكلنا من بعض الأثمار ونحن في غم شديد من الخوف حتى أدركنا المساء فطلعنا إلى شجرة عالية حتى نخلص من الحية. فلما جاء الليل والظلام إذا بالحية قد أتت وأدارت بين الأشجار حتى انتهت إلينا وتعلقت في الشجرة وجذبت رفيقي وابتلعته وكان أسفل منى وبقيت وحدي أرتعد حتى إلى الصباح فنزلت من الشجرة كالميت وقد أيقنت أنها المساء تبلعني أيضاً كما بلعت رفاقي. فأردت أن أرمي روحي في البحر ولكن الروح حلوه. وإني توكلت على الله ودرت وطفت في الجزيرة وأنا محتار في أمري فرأيت أخشاباً مقطوعة فشددت بعضها إلى بعض. ولما جاء المساء

ربطت الأخشاب في يدي ورجلي وواحدة في ظهري وواحدة في جنبي وشددتها بليف الشجر وانطرحت انتظر الموت. فلما كان المساء أتت الحية تسري إلى أن وصلت إلي. فجعلت تقلبني يميناً وشمالاً وتجذبني وأنا أبعد عنها ولا تقدر على ابتلاعي من تلك الأخشاب التي أنا مشدود بها. ولم تزل تلعب بي كما تلعب القطة بالفارة حتى أضاء الفجر ومضت عني. فلما أشرقت الشمس حللت الأخشاب عني وأنا مثل الميت من عظم ما قاسيت من نفسها الكريه. وكان الموت أهون علي مما قاسيته تلك الليلة. ثم أتيت إلى جانب البحر وأردت أن ألقي نفسي في الماء وإذا بمركب من بعد وهو كأنه قطعة من الجبل في البحر. فناديته بأعلى صوتي ورفعت عمامتي إلى فوق فرآني أصحاب المركب فأتوا إلي وأخذوني في زورق إلى المركب وسألوني عن حالي. فحكيت لهم حكايتي من الأول إلى الآخر فتعجبوا عجباً عظيماً. وقال كل مشايخ المركب: إن الأسود الكبير قد ذكره البحريون وهم كثيرون ذوو خلقة عظيمة يشبهون بني آدم ويأكلون الناس بالحياة ومطبوخين وأما الحية التي ذكرتها تختفي في النهار وتظهر بالليل ولا يخلص منها أحد فالحمد لله الذي خلصك منها. ثم إنهم فرحوا بي وأطعموني من زادهم وأعطاني رئيس المركب ثياباً وكسوة وسرت معهم في المركب وأنا لا أصدق ذلك وأظن أني في المنام. وما زلنا نسير

من جزيرة إلى جزيرة حتى أشرفنا على جزيرة السلاهط. وفيها الصندل الكثير. فرسا المركب هناك. وخرج التجار إلى الجزيرة ونقلوا بضائعهم وبدؤوا يبيعون ويشترون مع أهلها. فقال لي الرئيس: يا أخي. قلت: نعم يا سيدي. فقال لي: معنا وديعة لرجل تاجر كان معنا من مدة زمان وعدم ونحن نتاجر له فيها حتى ننظر أحداً من أهله نعطيه إياها. وأنا أريد أن تحرسها فأعطيك أجرتك. ثم إنه أحضر حمالين ونقلوها إلى باقي الأحمال. وابتدأ الكاتب يكتب الأحمال باسم أصحابها. فقال الكاتب للرئيس: وهذه الأحمال باسم من اكتبها. قال: السندباد البحري. فلما سمعت ذلك الكلام انزعجت وخفق قلبي ثم إني صبرت حتى انتقلت الأحمال إلى أماكنها وجلس التجار في راحتهم. فتقدمت إلى الرئيس وقلت له: يا مولاي أين صاحب هذه الوديعة وكيف أمره وحاله. فقال لي: كان معنا من مدة سنتين تاجر رجل تاجر بغدادي اسمه السندباد البحري. فنزلنا ذات يوم على جزيرة في البحر كثيرة الأشجار والأثمار فخرج التجار إليها ليستريحوا ويتنزهوا على أشجارها وأثمارها. فلما كان آخر النهار اجتمع جميع التجار إلى المركب والسندباد ليس هو معهم فنسيناه في الجزيرة وسرنا لا ندري ما جرى له. وهذا ماله وسأقر له به وقد كسب شيئاً كثيراً. ونحن ندور على واحد من أهله أو من بلده حتى نرسل له رزقه فما وجدنا. فقلت له: أنا

السندباد البحري وهذا مالي ورزقي. فلما سمع الرئيس كلامي قال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ما بقي أحد يخاف الله. يا سبحان الله أنت رجل غريق وقد خلصك الله من هذه الشدائد والأهوال ونجاك من الموت الشنيع وبعد هذا تدعي بمال رجل ميت حتى تأخذه. أما تخاف من الله تعالى. فقلت له: يا سيدي والله العظيم الذي هو خلصني من جميع الأهوال الصعبة إني أنا السندباد البحري وأنا الذي نسوني في الجزيرة وكنت قد رقدت على بعض سواقيها فلما انتبهت ما وجدت أحداً. ثم إني حكيت له جميع حكايتي وقلت له: إن التجار المترددين إلى وادي الألماس يشهدون لي وهم يعرفوني. فبهت الرئيس والجماعة من كلامي وبقي أناس تصدق وأناس تكذب. وإذا بتاجر تقدم إلي وعانقني وقبلني وقال: يا جماعة أما حكيت لكم أني وجدت في شقتي في بعض أسفاري في وادي الألماس لما رمينا شقق اللحم رجلاً ملتفاً فلم تصدقوني. والله العظيم إن هذا هو الرجل الذي وجدته في شقتي وأعطاني من أفخر الألماس الغالي وهذا هو السندباد البحري بالحقيقة. وحينئذ لما حققني الرئيس عرفني أيضاًَ فنهض وعانقني بوداد وقبلني وسلم علي وباقي التجار أيضاً وقالوا لي: الحمد لله على سلامتك. والله العظيم إن حكايتك من أعجب العجب ويجب أن تكتب بماء الذهب. ثم إني تسلمت مالي جميعه

وشكرت الله تعالى. ودعوت للرئيس. بما صنع معي من الجميل. ثم إننا بعنا واشترينا وتعوضنا من هناك إلى بلاد أخر ومعي من الأموال شيء لا يوصف. وأخذنا السنبل والقرنفل والدارصيني وسرنا في سواحل الهند. ورأينا سمكاً في حد جانب البحر تبلغ الواحدة عشرين ذراعاً. ورأيت سلحفاة عرضها عشرون ذراعاً. وما زلنا نسير من ساحل إلى ساحل ومن بلاد إلى بلاد حتى أتيت بلدي بغداد. ومعي الأموال والأحمال والبضائع الغالية ودخلت أوطاني. واجتمعت بأهلي وإخواني. وتصدقت على المحتاجين. وأعطيت الفقراء والمساكين. وأخذت في الهناء والمسرات وانتهاب الفرصات. ونسيت ما لاقيت من الشدائد المرات والمشقات الصعاب. ونويت أن أترك السفر. فلما سمع السادات كلامه تعجبوا عجباً عظيماً وسبحوا الله الكريم. وانصرفوا إلى منازلهم بغاية التكريم (ألف ليلة وليلة)

الباب العاشر في غرائب الموجودات

الباب العاشر في غرائب الموجودات المعدنيات 318 قال القزويني: الجواهر المعدنية كثيرة لا يعرف الإنسان منها إلا القليل. فمن الحكماء من كان له عناية بالبحث عنها فاستخرج خاصية بعضها. وعددها نحو من سبعمائة صنف. فأوردنا طرفاً منها. وما فيها من الخواص العجيبة. فمن المعادن ما هو صلب لا يذوب بالنار البتة. بل ينكسر بالفاس كأصناف اليواقيت. ومنها ما هو تراب رخو يذوب في الماء كالأملاح والزاجات. ومنها ما هو نبات كالمرجان. ومنها ما هو من الحيوان كالدر واللآلئ. ومنها ما هو متولد في الهواء كالرجوم. ومنها ما ينعقد في الماء. ومنها ما بينهما ألفة كالذهب والألماس. ومنها ما بينهما مجاذبة شديدة كالحديد والمغناطيس فإن بين هذين الحجرين ميلاً شديداً. فإذا شم الحديد رائحة المغناطيس يذهب حتى يلتزق به ويمسكه. ومنها ما بينهما مخالفة كالسنباذج وسائر الأحجار فإنه يحكها ويجعلها ملساء. وكالألماس وبقية المعادن فإن الألماس يقهر سائر الأحجار. ومنها ما فيه قوة منظفة كالنوشادر فإنه ينظف سائر الأحجار من الوسخ. وليس هذا القول الذي ذكرناه جامعاً لخواص الأحجار

كلها بل أوردناه على سبيل التعجب والمثال. ولنذكر الآن بعض الأحجار وشيئاً من خواصها مرتبة على حروف المعجم 319 (الإثمد) . قال أرسطو: هو حجر معروف له معادن كثيرة وأغلبه في أكناف المشرق وأجوده الأصبهاني. وهو حجر يخالطه الرصاص. يحد البصر وينفع العيون اكتحالاً ويحسنها ويدفع عنها نزول الماء ويقوي أعصابها ويدفع عنها كثيراً من الآفات والأوجاع لا سيما العجائز والمشايخ الذين ضعفت أبصارهم (عجائب المخلوقات للقزويني) 320 (الرجوم) . لما كنت في مدينة بركي سألني يوماً سلطانها في المجلس فقال لي: هل رأيت قط حجر أنزل من السماء. فقلت: ما رأيت ذلك ولا سمعت به. فقال لي: إنه قد نزل بخارج بلدنا هذا حجر من السماء. ثم دعا رجالاً وأمرهم أن يأتوا بالحجر. فأتوا بحجر أسود أصم شديد الصلابة له بريق قدرت أن زنته قنطاراً. وأمر السلطان بإحضار القطاعين فحضر أربعة منهم فأمرهم أن يضربوه فضربوا عليه ضربة رجل واحد أربع مرات بمطارق الحديد فلم يؤثر فيه شيئاً. فعجبت من أمره. وأمر برده إلى حيث كان 321 (القار) . نزلنا مع القافلة موضعاً يعرف بالقيارة. والقرى والعمارة متصلة بينه وبين الموصل وهو بمقربة من دجلة. وهنالك أرض سوداء فيها عيون تنبع بالقار ويصنع له أحواض

يجتمع فيها. فتراه شبه الصلصال على وجه الأرض حالك اللون صقيلاً رطباً وله رائحة طيبة. وحول تلك العيون بركة كبيرة سوداء يعلوها شبه الطحلب الرقيق فتقذفه إلى جوانبها فيصير أيضاً قاراً. وبمقربة من هذا الموضع عين كبيرة فإذا أرادوا نقل القار منها أوقدوا عليها النار فتنشف النار ما هنالك من رطوبة مائية. ثم يقطعونه قطعاً وينقلونه. وقد تقدم لنا ذكر العين التي بين الكوفة والبصرة على هذا النحو (لابن بطوطة) 322 (ألعنبر) . ما يقع من العنبر إلى سواحل بحر فارس هو شيء تقذفه الأمواج إليه. ومبدأه من بحر الهند. على أنه لا يعرف مخرجه. غير أن أجوده ما وقع إلى بلاد بربر أو حدود بلاد الزنج وما والاها. وهو الأبيض المدور والأزرق النادر كبيض النعام أو دون ذلك. وذلك أن البحر إذا اشتد هيجانه قذف من قعره العنبر. ومنه ما يوجد فوق البحر ويزن وزناً كثيراً. فإذا رآه الحوت المعروف بالتال ابتلعه. فإذا حصل في جوفه قتله. وطفا الحوت فوق الماء. وله قوم يرصدونه في قوارب. قد عرفوا الأوقات التي توجد فيها هذه الحيتان المبتلعة العنبر. فإذا عاينوا منها شيئاً اجتذبوه إلى الأرض بكلاليب حديد فيها حبال متينة تنشب في ظهر الحوت. فيشقون عنه ويخرجون العنبر منه (مروج الذهب للمسعودي)

ذكر معدن الياقوت في جزيرة سيلان

323 (النحاس) . وفي مدينة تكدا من أعمال أفريقية معدن النحاس. وهو بخارجها يحفرون عليه في الأرض. ويأتون به إلى البلد فيسبكونه في دورهم. يفعل ذلك عبيدهم وخدمهم. فإذا سبكوه نحاساً احمر صنعوا منه قضباناً في طول شبر ونصف. بعضها رقاق وبعضها غلاظ. فتباع الغلاظ منها بحساب أربع مائة قضيب بمثقال ذهب. وتباع الرقاق بحساب ستمائة وسبع مائة بمثقال. وهي صرفهم. يشترون برقاقها اللحم والحطب. ويشترون بغلاظها العبيد والخدم والذرة والسمن والقمح. ويحمل النحاس منها إلى مدينة كوبر من بلاد الكفار (لابن بطوطة) 324 (ألياقوت) . حجر صلب شديد اليبس رزين صاف شفاف مختلف الألوان أحمر وأصفر وأخضر. أما الأحمر فأشرفها وأنفسها. وهو حجر إذا نفخ عليه النار ازداد حسناً وحمرةً. ومعدنه البلدان الجنوبية عند خط الاستواء. وهو قليل الوجود عزيز (للقزويني) ذكر معدن الياقوت في جزيرة سيلان 325 ألياقوت العجيب البهرمان إنما يكون ببلدة كنكار في جزيرة سيلان. فمنه ما يخرج من الخور وهو عزيز عندهم. ومنه ما يحفر عنه. وجزيرة سيلان يوجد الياقوت في جميع مواضعها. وهي متملكة فيشتري الإنسان القطعة منها. ويحفر عن الياقوت فيجد أحجاراً بيضاء مشعبة وهي التي يتكون الياقوت في أجوافها.

النبات

فيعطيها الحكاكين فيحكونها حتى تنفلق أحجار الياقوت. فمنه الأحمر ومنه الأصفر ومنه الأزرق ويسمونه النيلم. وعادتهم أن ما بلغ ثمنه من أحجار الياقوت إلى مائة فنم فهو للسلطان يعطى ثمنه ويأخذه وما نقص عن تلك القيمة فهو لأصحابه. وصرف مائة فنم ستة دنانير من الذهب. وجميع النساء بجزيرة سيلان لهن القلائد من الياقوت الملون ويجعلنه في أيديهن وأرجلهن عوضاً من الأسورة والخلاخيل. ويصنعن منه شبكة يجعلنها على رؤوسهن. ولقد رأيت على جبهة الفيل الأبيض سبعة أحجار منه كل حجر أعظم من بيضة الدجاجة. ورأيت عند السلطان سكرجة على مقدار الكف من الياقوت فيها دهن العود. فجعلت أعجب منها فقال: إن عندنا ما هو أضخم من ذلك (لابن بطوطة) النبات 326 ألنبات متوسط بين المعادن والحيوان. بمعنى أنه خارج عن نقصان الجمادية الصرفة التي للمعادن وغير واصل إلى كمال الحس والحركة اللتين اختص بهما الحيوان لكنه يشارك الحيوان في بعض الأمور. لأن البارئ تعالى يخلق لكل شيء من الآلات ما يحتاج إليها في بقاء ذاته ونوعه وما زاد عليها يكون ثقلاً وكلأ عليه لا يخلقه. ولا حاجة للنبات إلى الحس والحركة بخلاف الحيوان. ومن عجيب صنع الله تعالى أن الحب والنوى إذا حصلا في تربة

ندية وأصابهما حر الشمس انشقا وجدبا بقوة خلقها الله تعالى فيهما الأجزاء اللطيفة الأرضية من الأرض والمائية من الماء. ثم إن تلك الأجزاء يتراكم بعضها على بعض بواسطة قوى خلقها الله تعالى فيها. حتى يصير الحب نجماً بالغاً ذا عرق وقضبان وأوراق وأزهار. وحب النوى شجراً عظيماً ذا عروق وساق وأغصان وأوراق وثمرة (للقزويني) 327 (بطيخ خوارزم) . لا نظير له في بلاد الدنيا شرقاً ولا غرباً. إلا ما كان من بطيخ بخارى. ويليه بطيخ أصفهان. وقشره أخضر وباطنه أحمر. وهو صادق الحلاوة وفيه صلابة. ومن العجائب أنه يقدد وييبس في الشمس. ويجعل في القواصر. كما يصنع عندنا بالشريحة وبالتين المالقي. ويحمل من خوارزم إلى أقصى بلاد الهند والصين. وليس في جميع الفواكه اليابسة أطيب منه. وكنت أيام إقامتي بدهلي من بلاد الهند متى قدم المسافرون بعثت من يشتري لي منهم قديد البطيخ. وكان ملك الهند إذا أتي إليه بشيء منه بعث إلي به لما يعلم من محبتي له. ومن عادته أنه يطرف الغرباء بفواكه بلادهم ويتفقدهم بذلك (لابن بطوطة) 328 (ألتورزي) . ومن غرائب بلاد السودان شجرة طويلة الساق دقيقتها تسمى تورزي تنبت في الرمال. ولها ثمر كبير منتفخ داخله صوف أبيض. تصنع منه الثياب والأكسية. ولا

تؤثر النار فيما صنع من ذلك الصوف من الثياب ولو أوقدت عليه الدهر. وأخبر الفقيه عبد الملك أن أخل اللامس بلد هناك ليس لهم ليس إلا من هذا الصنف. وقد حدث جماعة أنهم رأوا منه أهداب منديل عند أبي الفضل البغدادي تحمى عليه النار فيزداد بياضاً. ويكون له النار غسلاً وهو كثوب الكتان. (للبكري) 329 (ألتنبول) . شجر يغرس كما نغرس دوالي العنب ويصنع له معرشات من القصب كما يصنع لدوالي العنب. أو يغرس في مجاورة النارجيل فيصعد فيها كما تصعد الدوالي وكما يصعد الفلفل. ولا ثمر للتنبول وإنما المقصود منه ورقه وهو يشبه ورق العليق وأطيبه الأصفر. وتجتنى أوراقه في كل يوم وأهل الهند يعظمون التنبول تعظيماً شديداً. وإذا أتى الرجل دار صاحبه وأعطاه خمس ورقات منه فكأنما أعطاه الدنيا وما فيها لا سيما إن كان أميراً أو كبيراً. وإعطاؤه عندهم أعظم شأناً وأدل على الكرامة من إعطاء الفضة والذهب. وكيفية استعماله أن يؤخذ قبله الفوفل وهو يشبه جوز الطيب. فيكسر حتى يصير أطرافاً صغاراً ويجعله الإنسان في فيه ويعلكه. ثم يأخذ ورق التنبول فيجعل عليه شيئاً من النورة ويمضغها مع الفوفل. وخاصيته أنه يطيب النكهة ويذهب بروائح الفم ويهضم الطعام. ويقطع ضرر شرب الماء على الريق. 330 (ألعود الهندي) . شجره يشبه شجر البلوط إلا أن قشره

دقيق وأوراقه كأوراق البلوط سواء ولا ثمر له. وشجرته لا تعظم كل العظم وعروقه طويلة ممتدة وفيها الرائحة العطرة. وأما عيدان شجرته وورقها فلا عطرية فيها. وكل ما ببلاد المسلمين من شجره فهو متملك وأما الذي في بلاد الكفار فأكثره غير متملك. والمتملك منه ما كان بقافلة. وهو أطيب العود. وكذلك القماري هو أطيب أنواع العود ويبيعونه لأهل الجاوة بالأثواب. ومن القماري صنف يطبع عليه كالشمع. وأما العطاس فإنه يقطع العرق منه ويدفن في التراب أشهراً فتبقى فيه قوته. وهو من أعجب ألوانه. 331 (ألقرنفل) . أشجار عادية ضخمة وهي ببلاد الكفار أكثر منها ببلاد الإسلام. وليست بممتلكة لكثرتها. والمجلوب إلى بلادنا منها هو العيدان. والذي يسميه أهل بلادنا نوار القرنفل هو الذي يسقط من زهره وهو شبيه بزهر النارنج. وثمر القرنفل هو جوز بوا المعروفة في بلادنا بجوزة الطيب. والزهر المتكون فيها هو البسباسة. رأيت ذلك كله وشاهدته 332 (ألكافور) . شجرة قصب كقصب بلادنا إلا أن الأنابيب منها أطول وأغلظ. ويكون الكافور في داخل الأنابيب وإذا كسرت القصبة وجد في داخل الأنبوب مثل شكله من الكافور. قال القزويني: الكافور شجرة كبيرة هندية تظل خلقاً كثيراً تألفها

النسور. فلا يصل إليها الناس إلا في الوقت المعلوم من السنة. وهي سفحية بحرية. خشبها خشبة بيضاء هشة خفيفة. ربما احتبس في خللها شيء من الكافور فينقب أعلى الشجرة فيسيل منها ماء الكافور عدة جرار. ثم ينقب أسفل من ذلك وسط الشجرة فينساب منها قطع الكافور 333 (أللبان) . شجرة اللبان صغيرة تكون بقدر قامة الإنسان إلى ما دون ذلك. وأغصانها كأغصان الخرشف. وأوراقها صغار رقاق. وربما سقطت فبقيت الشجرة منها دون ورقة. واللبان صمغية تكون في أغصانها. وهي في بلاد المسلمين أكثر منها في بلاد غيرهم (لابن بطوطة) قال القزويني: وشجرة اللبان تسمى الكندر. وهي شجرة ذات شوك لا تسمو أكثر من ذراعين تنبت في الجبال بشحر عمان. ورقها كورق الآس وهو رقيق. وإذا شرطت الورقة منه فطر منها ماء شبه اللبن ثم عاد صمغاً. وذلك الصمغ هو اللبان 334 (ألمصطكى) . هو من شجرة تنبت بجزيرة مصطكى سميت به. تشبه شجر الفستق الصغار. وفي فصل الربيع تشرط تلك الشجر بمشاريط فيسيل منها المصطكى ثم يجمد على الشجر وهو الجيد. والذي يقطر على الأرض يكون دون ذلك. وجزيرة مصطكى جنوبي قسطنطينية بالقرب من فم الخليج القسطنطيني (لابي الفداء)

335 (ألنارجيل) . وهو جوز الهند. من أغرب الأشجار شأناً وأعجبها أمراً. وشجره شبه شجر النخل لا فرق بينهما إلا أن هذه تثمر جوزاً وتلك تثمر ثمراً. وجوزها يشبه رأس ابن آدم لأن فيها شبه العينين والفم وداخلها شبه الدماغ إذا كانت خضراء وعليها ليف شبه الشعر. وهم يصنعون منه الحبال للمراكب. والجوزة منها وخصوصاً التي بجزائر ذئبة المهل تكون بمقدار رأس الآدمي. ومن خواص هذا الجوز تقوية البدن وإسراع السمن والزيادة في حمرة الوجه ففعله فيها عجيب. ومن عجائبه أنه يكون في ابتداء أمره أخضر فمن قطع بالسكين قطعة من قشره وفتح رأس الجوزة شرب منها ماءً في النهاية من الحلاوة والبرودة. ومزاجه حار 336 (ألمهوا) . من أثمار بلاد الهند المهوا. وأشجاره عادية وأوراقه كأوراق الجوز إلا أن فيها حمرة وصفرة. وثمره مثل الأجاص الصغير شديد الحلاوة. وفي أعلى كل حبة منه حبة صغيرة بمقدار حبة العنب مجوفة. وطعمها كطعم العنب إلا أن الإكثار من أكلها يحدث في الرأس صداعاً. ومن العجب أن هذه الحبوب إذا يبست في الشمس كان مطعمها كمطعم التين. وكنت آكلها عوضاً من التين إذ لا يوجد ببلاد الهند. وهم يسمون هذه الحبة الأنكور. وتفسيره بلسانهم العنب. والعنب بأرض الهند عزيز

الحيوان

جداً. ولا يكون بها إلا في مواضع بحاضرة دهلي وببلاد أخر. ويثمر مرتين في السنة. ونوى هذا الثمر يصنعون منه الزيت ويستصبحون به (لابن بطوطة) الحيوان 337 أما الحيوان ففي المرتبة الثالثة من الكائنات وأبعد المولدات عن الأمهات. لأن المرتبة الأولى للمعادن. وهي باقية على الجمادية لقربها من البسائط. والمرتبة الثانية للنبات. فإنها متوسطة بين المعادن والحيوان لحصول النشوء والنمو وفوات الحس والحركة. والمرتبة الثالثة للحيوان. وهو قد جمع بين النشوء والنمو والحس والحركة. وهذه قوى موجودة في جميع أفراد الحيوان حتى في الذباب والبعوض والديدان (للقزويني) نوع النعم 338ٍ (ألإبل) . قيل: ما خلق الله شيئاً من الدواب خيراً من الإبل. إن حملت أثقلت وإن سارت أبعدت وإن حلبت أروت وإن نحرت أشبعت. ولما أراد الله أن تكون الإبل سفائن البر صبرها على احتمال العطش. وجعلها ترعى كل شيء نابت في البراري والمغاور مما لا يرعاه سائر البهائم. والإبل من الحيوانات العجيبة وإن كان عجبها سقط من أعين الناس بكثرة رؤيتهم لها. وذاك أنه حيوان عظيم الجسم سريع الانقياد. ينهض بالحمل

نوع السباع

الثقيل ويبرك به بصوت واحد. ويأخذ زمامه صبي فيذهب به حيث شاء. ويتخذ على ظهره بيت فيجعل فيه الإنسان مأكوله ومشروبه وملبوسه وظروفه ووسائده كما في بيته. ويتخذ للبيت سقفاً وهو يمشي بكل ذلك. (للدميري) 339ٍ (ألزرافة) . حيوان غريب الخلقة. رأسه كرأس الإبل. وقرنه كقرون البقر. وجلده كجلد النمر. وقوائمه وأظلافه كالبقر. وذنبه كذنب الظبي. ولما كان مأكولها ورق الشجر خلق الله تعالى يديها أطول من رجليها وهي ألوان عجيبة. وقال القزويني: الزراقة طويلة العنق. وصورتها بالبعير أقرب. وجلدها بالببر أشبه. وهي من الخلق العجيب ليس عندها إلا ظرافة الصورة نوع السباع 340 (ألثعلب) . وهو معروف. ذو مكر وخديعة. وله حيل في طلب الرزق. فمن ذلك أنه يتماوت وينفخ بطنه ويرفع قوائمه حتى يظن أنه مات فإذا قرب منه حيوان وثب عليه وصاده. وحيلته هذه لا تتم على كلب الصيد. ومن لطيف أمره أنه إذا تسلطت عليه البراغيث حملها وجاء إلى الماء وقطع قطعة من صوفه وجعلها في فيه ونزل في الماء. والبراغيث تطير قليلاً حتى تجتمع في تلك الصوفة فيلقيها في الماء ويخرج. وفروه أدفأ الفراء وفيه الأبيض والرمادي وغير ذلك (للابشيهي)

341 (خيل البحر) . ولما وصلنا خليج النيل رأيت على ضفته ست عشرة دابة ضخمة الخلقة. فعجبت منها وظننتها فيلة لكثرتها هنالك. ثم إني رأيتها دخلت في النهر فقلت لأبي بكر بن يعقوب: ما هذه الدواب. فقال: هي خيل البحر خرجت ترعى في البر. وهي أغلظ من الخيل ولها أعراف وأذناب ورؤوسها كرؤوس الخيل وأرجلها كأرجل الفيلة. ورأيت هذه الخيل مرة أخرى لما ركبنا النيل من تنبكتو إلى كوكو وهي تعوم في الماء وترفع رؤوسها وتنفخ. وخاف منها أهل المركب فقربوا من البر لئلا تغرقهم. ولهم حيلة في صيدها حسنة وذلك أن لهم رماحاً مثقوبة قد جعل في ثقبها شرائط وثيقة فيضربون الفرس منها. فإن صادفت الضربة رجله أو عنقه أنفذته وجذبوه بالحبل حتى يصل إلى الساحل فيقتلونه ويأكلون لحمه. ومن عظامها بالساحل كثير (لابن بطوطة) 342 (ألدب) . حيوان جسيم يحب العزلة. فإذا جاء الشتاء يدخل وجاره الذي اتخذه في الغيران ولا يخرج حتى يطيب الهواء. فإذا جاع يمص يديه ورجليه. فيدفع بذلك جوعه ويخرج من وجاره فصل الربيع كأسمن ما يكون. ويخاصمه البقر فإذا نطحه البقر استلقى. ويأخذ بيديه قرنيه ويعضه عضاً شديداً ويقهره. وقال بعضهم: إذا ولدت أنثاه جرواً تصعد به إلى أعلى شجرة خوفاً عليه من النمل لأنها تضعه قطعة لحم. ثم لا تزال تلحسه وترفعه في الهواء

أياماً حتى تنفرج أعضاؤه وتخشن ويصير له جلد. وقيل إن الدب يقيم أولاده تحت شجرة الجوز ثم يصعد فيرمي بالجوز إليها إلى أن تشبع. وربما قطع من الشجرة الغصن العتل الضخم الذي لا يقطع إلا بالفأس والجهد ثم يشد به على الفارس فلا يضرب أحداً إلا قتله (للدميري والقزويني) 343 (ألفيل) . حيوان يوجد بأرض الهند. وهو أضخم الحيوان وأعظمه جرماً. وما ظنك بخلق ربما كان نابه أكثر من ثلاث مائة منٍ. وهو مع ذلك أملح وأظرف من كل نحيف الجسم رشيق. وأهل الهند يزعمون أن أنياب الفيل قرناه يخرجان مستبطنين حتى يخرقان. وخرطوم الفيل أنفه ويده. وبه يتناول الطعام إلى جوفه وبه يقاتل وبه يصيح. وصياحه ليس في مقدار جرمه. وله أذنان كل واحدة كترس متحركتان دائماً يدفع بهما الذباب والبق عن فيه. لأن فمه مفتوح دائماً فلو دخل من الذباب أو البق في فمه أو أذنه لهلك. والفيل يعادي الحية إذا رآها فسخها تحت رجليه. والحية تلسع ولده فتهلكه. وقيل إن الفيل جيد السباحة. وإذا سبح رفع خرطومه كما يغيب الجاموس جميع بدنه إلا منخريه. ويقوم خرطومه مقام عنقه. والخرق الذي في خرطومه لا ينفذ وإنما هو وعاء إذا ملأه من طعام أو ماء أو لجه في فيه لأنه قصير العنق لا ينال ماء ولا مرعى. وأهل الهند تجعله في القتال. وفيه من الفهم

ما يقبل به التأديب ويفعل ما يأمره به سائسه من السجود للملك وغير ذلك من الخير والشر في حالتي السلم والحرب. وفيه من الأخلاق أنه يقاتل بعضه بعضاً والمقهور منهما يخضع للقاهر. وربما مر بالإنسان فلا يشعر به لحسن خطوه واستقامته. وذكر في كتاب كليلة ودمنة أن الفيل لا يأكل علفه إلا أن يتلمق (للابشيهي والدميري) 344 (ألقاقم والسمور) . ألقاقم هو أحسن أنواع الفراء. وتساوي ألفروة منه ببلاد الهند ألف دينار. وهي شديدة البياض من جلد حيوان صغير في طول الشبر. وذنبه طويل يتركونه في الفروة على حاله. والسمور دون ذلك. تساوي الفروة منه أربعمائة دينار فما دونها. ومن خاصية هذه الجلود أنه لا يدخلها القمل. وأمراء الصين وكبارها يجعلون منه الجلد الواحد متصلاً بفرواتهم عند العنق. وكذلك تجار فارس والعراقين (لابن بطوطة) 345 (ألقرد) . حيوان قبيح مليح. يضحك ويطرب ويفهم سريعاً. ويتعلم الصناعات الدقيقة كالنسيج. فإن الثياب العريضة لا يحوكها صائغ واحد فيعلم الصانع قرداً ويرمي المحوك إلى جانب القرد والقرد يرمي إليه. وأهدى ملك النوبة إلى المتوكل قردين أحدهما خياط والآخر صانع. وأهل اليمن يعلمون القرود قضاء حوائجهم. حتى البقال والقصاب إذا غاب سلم دكانه إلى القرد

يحفظه أشد الحفظ حتى يرجع صاحبه (للابشيهي والقزويني) 346 (ألكركدن) . في بلاد الهند البشان وهو الكركدن. له في جبهته قرن واحد. وهو أسود في وسطه صورة بيضاء. وهذا الكركدن دون الفيل في الخلقة إلى السواد ما هو يشبه الجاموس قوي ليس كقوته شيء من الحيوان. وليس له مفصل في ركبتيه ولا في يده. وهو من لدن رجله إلى إبطه قطعة واحدة. والفيل يهرب منه. وهو يجتر كما تجتر البقر والإبل. ولحمه حلال قد أكلناه. وهو في مملكة سرنديب كثير في غياضهم وهو في سائر بلاد الهند. غير أن قرون هذا أجود. فربما كان في القرن صورة رجل. وصورة طاووس وصورة سمكة وسائر الصور. وأهل الصين يتخذون منها المناطق وتبلغ المنطقة ببلاد الصين ألفي دينار وثلاثة آلاف وأكثر على قدر حسن الصورة. وهذا كله يشترى من بلاد رهمني بالودع وهو عين البلاد (سلسلة التواريخ) 347 (ألكلب) . حيوان كثير الرياضة شديد المجاهدة كثير الوفاء دائم الجوع والسهر. يخدم بأدنى مراعاة خدمة كثيرة من الملازمة والحراسة ودفع اللص. حكى أبو عبيدة قال: خرج رجل إلى الجبانة ومعه أخوه وجاره لينظروا إلى الناس. فتبعه كلب له فضربه ورماه بحجر فلم ينته ولم يرجع. فلما قعد ربض الكلب بين يديه. فجاء عدو له في طلبه فلما رآه خاف على نفسه. فإذ بئر

هناك قريبة القعر فنزل فيها وأمر أخاه وجاره أن يهيلا عليه التراب. ثم ذهب أخوه وجاره إلى سبيلهما وصار الكلب ينبح حوله. فلما انصرف العدو أتاه الكلب فما زال يبحث في التراب إلى أن كشفه عن رأسه فتنفس الرجل ومر به أناس فتناولوه وردوه إلى أهله. فلما مات ذلك الكلب عمل له قبراً ودفنه فيه. وجعل عليه قبة وسمي ذلك قبر الكلب وفي ذلك قيل: تفرق عنه جاره وشقيقه ... وما حاد عنه كلبه وهو ضاربه ومن ذلك ما حكي أن رجلاً قتل ودفن. وكان معه كلب فصار يأتي كل يوم إلى الموضع الذي دفن فيه وينبح وينبش ويتعلق برجل هناك. فقال الناس: إن لهذا الكلب شأناً فكشفوا عن ذلك وحفروا ذلك الموضع فوجدوا قتيلاً. فقبضوا على ذلك الرجل الذي ينبح عليه الكلب وضربوه فأقر بقتله فقتل والكلب من الحيوان الذي يعرف الحسنة. ويعيش الكلب في الغالب عشر سنين. وربما بلغ العشرين سنة. ووصف للمتوكل كلب بأرمينية يفترس الأسد. فأرسل من جاء به إليه. فجوع أسداً وأطلقه عليه فتهارشا وتواثبا حتى وقعا ميتين. وقيل: كلب الصياد يشبه به الفقير المجاور للغني. لأنه يرى من نعمته وبؤس نفسه ما يفتت كبده. والكلب نوعان أهلي وسلوقي نسبة إلى سلوق مدينة باليمن تنسب إليها الكلاب السلوقية وكلا النوعين في الطبع سواء

نوع الطيور

نوع الطيور 348 (ألباز) . وكنيته أبو الأشعث. هو من أشد الحيوان تكبراً وأضيقها خلقاً. تختلف ألوانه وهو أصناف. منها البازي والباشق والشاهين والبيدق والصقر. والبازي أحرها مزاجاً لأنه لا يصبر على العطش. فلذلك لا يفارق الماء والأشجار المتسعة والظل الظليل. وهو خفيف الجناح سريع الطيران تكثر أمراضه من كثرة طيرانه. لأنه كلما طار انحط لحمه وهزل. وأحسن أنواعه ما قل ريشه واحمرت عيناه مع حدة ودونه الأزرق الأحمر العينين. والأصفر دونهما. ومن صفاته أنه طويل العنق عريض الصدر (للابشيهي) 349 (ألحمام) . هو أنواع كثيرة. والكلام في الذي ألف البيوت وهو قسمان أحدهما بري. وه الذي يوجد في القرى والآخر أهلي وهو أنواع وأشكال. فمنه الرواعب والمراعيش والشداد والغلاب والمنسوب. ومن طبعه أنه يطلب وكره ولو كان في مسافة بعيدة. ولأجل ذلك يحمل الأخبار. ومنه من يقطع عشرة فراسخ في يوم واحد. وربما صيد وغاب عن وطنه عشر سنين. وهو على ثبات عقله وقوة حفظه حتى يجد فرصة فيطير ويعود إلى وطنه. وسباع الطير تطلبه أشد الطلب. وخوفه من الشاهين أشد من غيره. وهو أطير منه لكن إذا أبصره يعتريه ما يعتري الحمار إذا رأى الأسد. والشاة إذا رأت الذئب. والفأر إذا رأى الهر

350 (ألخطاف) . أنواع كثيرة. فمنه نوع دون العصفور رمادي اللون يسكن ساحل البحر. ومنه ما لونه أخضر وتسميه أهل مصر الخطار, ونوع طويل الأجنحة رقيق يألف الجبال. ونوع أصغر منه يألف المساجد يسميه الناس السنونو لا يفارق البيوت. وهي تبني بيتها في أعلى مكان بالبيت. وتحكم بنيانه وتطينه. فإن لم تجد الطين ذهبت إلى البحر فتمرغت بالتراب والماء وأتت فطينته. وهي لا تربل داخله بل على حافته أو خارجاً عنه. وعنده ورع كثير لأنه وإن ألف البيوت لا يشارك أهلها في أقواتهم ولا يلتمس منهم شيئاً. ولقد أحسن واصفه حيث يقول: كن زاهداً فيما حوته يد الورى ... تبقى إلى كل الأنام حبيباً وانظر إلى الخطاف حرم زادهم ... أضحى مقيماً في البيوت ربيبا ومن شأنه أنه لا يفرخ في عش عتيق بل يجدد له عشاً 351 (ألخفاش) . طير يوجد في الأماكن المظلمة. وذلك بعد الغروب وقبل العشاء. لأنه لا يبصر نهاراً ولا في ضوء القمر. وقوته البعوض وهذا الوقت هو الذي يخرج فيه البعوض أيضاً لطلب رزقه. فيأكله الخفاش. فيتسلط طالب رزق على طالب رزق. وهو من الحيوان الشديد الطيران. قيل إنه يطير الفرسخين في ساعة. وهو يعمر مثل النسر وتعاديه الطيور فتقتله 352 (ألزنبور) . حيوان فوق النحل له ألوان. وقد أودعه الله

حكمة في بنيانه بيته. وذلك أنه يبنيه مربعاً. له أربعة أبواب كل باب مستقبل جهة من الرياح الأربع. فإذا جاء الشتاء دخل تحت الأرض وبقي إلى أيام الربيع. فينفخ الله تعالى فيه الروح فيخرج ويطير. وفي طبعه التهافت على الدم واللحم. ومن خاصيته أنه إذا وضع في الزيت مات. وفي الخل عاش. ولسعته تزال بعصارة الملوخية (للابشيهي) 353 (ألعلق الطيار) . رأينا في بلاد الهند العلق الطيار. ويكون بالأشجار والحشائش التي تقرب من الماء. فإذا قرب الإنسان منه وثب عليه. فحيثما وقع في جسده خرج منه الدم الكثير. والناس يعدون له الليمون يعصرونه عليه. فيسقط عنهم. ويجردون الموضع الذي يقع عليه بسكين خشب معد لذلك. ويذكر أنبعض الزوار مر بذلك الموضع فتعلقت به العلق. فأظهر الجلد ولم يعصر عليها الليمون. فنزف دمه ومات (لابن بطوطة) 354 (ألكركي) . طير محبوب للملوك. وله مشتى ومصيف. فمشتاه بأرض مصر ومصيفه بأرض العراق. وهو من الحيوان الرئيس. قيل إنه إذا نزل بمكان اجتمع حلقةً ونام وقام عليه واحد يحرسه. وهو يصوت تصويتاً لطيفاً حتى يفهم أنه يقظان. فإذا تمت نوبته أيقظ غيره لنوبته. وإذا مشى وطئ الأرض بإحدى رجليه وبالأخرى قليلاً خوفاً من أن يحس به. وإذا طار سار سطراً

غرائب مائية

يقدمه واحد كهيئة الدليل. ثم تتبعه البقية (للقزويني) غرائب مائية 355 (ألجوهر) . أصل الجوهر وهو الدر على ما قيل أن حيواناً يصعد من البحر على ساحله وقت المطر ويفتح أذنه يلتقط بها المطر. ويضمها ويرجع إلى البحر فينزل في قراره. ولا يزال مطبقاً أذنه على ما فيها خوف أن يختلط بأجزاء البحر. حتى ينضج ما فيها ويصير دراً (للابشيهي) ذكر مغاص الجوهر 356 رأينا مغاص الجوهر فيما بين سيراف والبحرين في خور راكد مثل الوادي العظيم. فإذا كان شهر أبريل وشهر مايه تأتي إليه القوارب الكثيرة فيها الغواصون وتجار فارس والبحرين والقطيف. ويجعل الغواص على وجهه مهما أراد أن يغوص شيئاً يكسوه من عظم الغيلم وهي السلحفاة. ويصنع من هذا العظم أيضاً شكلاً شبه المقراض يشده على أنفه. ثم يربط حبلاً في وسطه ويغوص. ويتفاوتون في الصبر في الماء فمنهم من يصبر الساعة. فإذا وصل إلى قعر البحر يجد الصدف هنالك فيما بين الأحجار الصغار مثبتاً في الرمل فيقتلعه بيده أو يقطعه بحديدة عنده معدة لذلك

ويجعلها في مخلاة جلد منوطة بعنقه. فإذا ضاق نفسه حرك الحبل فيحس به الرجل الممسك للحبل على الساحل فيرفعه إلى القارب فتؤخذ منه المخلاة. ويفتح الصدف فيوجد في أجوافها قطع لحم تقطع بحديدة فإذا باشرت الهواء جمدت فصارت جواهر. فيجمع جميعها من صغير وكبير فيأخذ السلطان خمسه والباقي يشتريه التجار الحاضرون بتلك القوارب. وأكثرهم يكون له الدين على الغواصين فيأخذ الجوهر في دينه أو ما وجب له منه (لابن بطوطة) 357 (ألرعاد) . إن في البحر سمكاً يسمى الرعاد. إذا دخل في شبكة فكل من جر تلك الشبكة أو وضع يده عليها أو على حبل من حبالها. تأخذه الرعدة حتى لا يملك من نفسه شيئاً كما يرعد صاحب الحمى. فإذا رفع يده زالت عنه الرعدة. فإن أعادها عادت إليه الرعدة. وهذا أيضاً من العجائب. فسبحان الله جلت قدرته 358 (ألمرجان) . هو واسطة بين النبات والمعدن. لأنه بتشجره يشبه النبات. وبتحجره يشبه المعدن. ولا يزال ليناً في معدنه. فإذا فارقه تحجر ويبس. (خواصه النظر فيه يشرح الصدر ويبسط النفس ويفرج القلب. وأنواعه كثيرة أحمر وأزرق وأبيض. وأصله من البحر قيل إنه شجر ينبت. وقيل إنه من حيوانه (للابشيهي)

الباب الحادي عشر في أوصاف البلاد

الباب الحادي عشر في أوصاف البلاد آثار آسية 359 (ألأردن) . ألأردن ناحية بأرض الشام في غربي الغوطة وشماليها. وقصبتها طبرية بينها وبين بيت المقدس ثلاثة أيام. بها البحيرة المنتنة التي يقال لها بحيرة لوط. ودورة البحيرة ثلاثة أيام. والجبال تكنفها. فلا ينتفع بهذه البحيرة ولا يتولد فيها حيوان. وقد تهيج في بعض الأعوام فيهلك أهل القرى الذين هم حولها كلهم حتى تبقى خالية مدة. ثم يأتي يسكنها من لا رغبة له في الحياة. وإن وقع في هذه البحيرة شيء لا يبقى منتفعاً به. حتى الحطب إذا وقع فيها لا تعمل النار فيه البتة. وذكر ابن الفقيه أن الغريق فيها لا يغوص بل يبقى طافياً إلى أن يموت (للقزويني) 360 (إربل) . مدينة محدثة وقي قاعدة بلاد شهر زور في عراق العجم. وقال ياقوت في المشترك: وإربل مدينة بين الزابين. وهما نهران كبيران. ومنها إلى الموصل يومان خفيفان. وإربل أيضاً اسم لمدينة صيدا من سواحل الشام. وعن بعض أهلها: إربل مدينة كبيرة وقد خرب غالبها. ولها قلعة على تلٍ عالٍ في داخل السور مع جانب المدينة. وهي في مستوٍ من الأرض. والجبال منها على

أكثر من مسيرة يوم. ولها قني كثيرة تدخل منها اثنتان إلى المدينة للجامع ودار السلطنة. وهي فيما بين الشرق والجنوب عن الموصل (لابي الفداء) 361 (أصبهان) . من عراق العجم في نهاية الجبال من جهة الجنوب. وأصبهان مدينتان إحداهما تعرف باليهودية وسميت اليهودية لأن بخت نصر لما خرب بيت المقدس نقل أهلها إلى أصبهان فبنوا لهم بها منازل. فتطاولت المدة فخربت حي مدينة أصبهان وعمرت محلة اليهود. ثم خالطهم المسلمون فيها فوسعوها وبقي اسم اليهود عليها فقيل لها اليهودية. وأصبهان من أخصب البلاد وأوسعها خطة. وبأصبهان معدن الكحل مصاقب لفارس. ويسير الإنسان من أصبهان إلى الري مشرقاً وليس بالنصب (عراقي العجم لابن حوقل) 362 (أقصرا) . في بلاد الروم. وهي ذات أشجار وفواكه كثيرة. ولها نهر كبير داخل في وسط البلد. ويدخل الماء إلى بعض بيوتها من نهر آخر. ولها قلعة كبيرة حصينة في وسط البلد. قال ابن سعيد: وهي التي تعمل فيها البسط الملاح وهي في عرض أقشار وأطول منها. وهي كثيرة الفواكه تحمل منها إلى قونية على العجل في بسيط كله مراع وأودية. ويقول أهل تلك البلاد إن مسافة هذه الطريق ثمانية وأربعون فرسخاً. وكذلك من أقصرا إلى مدينة قيسارية. وبين أقصرا وقونية ثلاث مراحل

363 (أماسيا) . قال فيها بعض من رآها. هي بلدة كبيرة من الروم بسور وقلعةٍ. ولها بساتين ونهر كبير ونواعير يسقى بها. قال ابن سعيد: وفي شرقي فرضة سنوب بميلة إلى الجنوب مدينة أماسيا. وهي من مدن الحكماء. وهي مشهورة بالحسن وكثرة المياه وكروم وبساتين. وبينها وبين سنوب ستة أيام. ونهر أماسيا يمر على أماسيا ويصب في بحر سنوب. وعن بعض من رآها أن بها معدن الفضة 364 (أنطاكية) . قاعدة بلاد الشام. وهي بلدة كبيرة ذات أعين وسور عظيم. داخله خمسة أجبل وقلعة ويمر بظاهرها نهر العاصي والنهر الأسود مجموعين. قال ابن حوقل: أنطاكية أنزه بلد الشام بعد دمشق. عليها سور من صخر يحيط بها وبجبل مشرف عليها. وتجري المياه في دورهم وسككهم ومسجد جامعهم. ولها ضياع وقرى ونواحٍ خصبة جداً. قال في العزيزي: ومساحة دور السور اثنا عشر ميلاً (لابي الفداء) 365 (أنطاليا) . مدينة من بلاد الروم مشهورة. وميناها غير مأمونة في الأنواء. وبها أسطول صاحب الدروب. وكانت بها الروم فاستولى عليها المسلمون في عصرنا. قال من رآها: هي ذات أشجار وبساتين ومحمضات كثيرة. ولها قلعة حصينة. قال ابن حوقل: وأنطاليا حصن للروم على شط البحر منيع واسع الرستاق

كثير الأهل. ومما نقلناه عن ثابت بن الحميد المستولي على أنطاليا في زماننا قال: وأنطاليا بلدة صغيرة وهي أكبر من العلايا وهي في غاية الحصانة لعلو سورها. ولها بابان إلى البحر وإلى البر. وداخل البلد وبخارجه المياه جارية. ولها بساتين كثيرة من المحمضات وأنواع الفواكه. وهي في الغرب عن قونية على مسيرة عشرة أيام (لابن سعيد) 366 (أوال) . جزيرة بالقرب من القطيف وهي في بحر فارس على مسيرة يوم للريح الطيبة من القطيف. وبها مغاص مفضل على غيره. وقطر هذه الجزيرة مسيرة يومين من كل جهة. وبها تقدير ثلاثمائة ضيعة وما يزيد. وبها كروم كثيرة إلى الغاية ونخيل وأترج. وبها صحراء ومراعٍ ومزدرعها على عيون بها. وهي حارة جداً (لابي الفداء) 367 (أيا سلوق) . إن مدينة أيا سلوق. هي مدينة كبيرة قديمة معظمة عند الروم. وفيها كنيسة كبيرة مبنية بالحجارة الضخمة. ويكون طول الحجر منها عشر أذرع فما دونها منحوتة أبدع نحتٍ. والمسجد الجامع بهذه المدينة من أبدع مساجد الدنيا لا نظير له في الحسن. وكان كنيسة للروم معظمة عندهم يقصدونها من البلاد. فلما فتحت هذه المدينة جعلها المسلمون مسجداً جامعاً. وحيطانه من الرخام الملون وفرشه الرخام الأبيض وهو مسقف بالرصاص.

وفيه إحدى عشر قبة منوعة. وفي وسط كل قبة صهريج ماء والنهر يشقه. وعن جانبي النهر الأشجار المختلفة الأجناس. ودوالي العنب ومعرشات الياسمين. وله خمسة عشر باباً (لابن بطوطة) 368 (إيلاق) . قال ابن حوقل: وإيلاق إقليم يقارب إقليم الشاش بنواحي بخارى في بلاد ما وراء النهر. وقصبته مدينة تسمى بنكث. وهي مدينة عليها سور ولها عدة أبوابٍ. وتجري في المدينة المياه. ولها بساتين كثيرة. ولها حائط يمتد من جبل اسمه سابلغ حتى ينتهي إلى وادي الشاش لمنع الترك من الدخول إلى بلادها. ولإيلاق نهر يعرف بنهر إيلاق. وإقليم إيلاق متصل بإقليم الشاش لا فصل بينهما. وهي من أنزه بلاد الله (لابي الفداء) 369 (بارين) . من أعمال حماة. وهي بلدة صغيرة ذات قلعة قد دثرت. ولها أعين وبساتين. وهي على مرحلة من حماة. وهي غربي حماة بميلة يسيرة إلى الجنوب وبها آثار عمارة قديمة تسمى الرفنية ولها ذكر شهير في كتب التاريخ. وحصن بارين هو حصن أحدثه الفرنج في سنة بضع وثمانين وأربع مائة. ثم ملكه المسلمون وبقي مدة ثم أخربوه 370 (بانياس) . من أعمال دمشق بانياس. اسم لبلدة صغيرة ذات أشجار ومحمضات وغيرها وأنهار. وهي على مرحلة ونصف من دمشق من جهة الغرب بميلة إلى الجنوب. والصبيبة اسم لقلعتها وهي من

الحصون المنيعة. قال في العزيزي: ومدينة بانياس في لحف جبل الثلج. وهو مطل عليها والثلج على رأسه كالغمامة لا يعدم منه صيفاً ولا شتاءً 371 (بدليس) . روي عن بعض أهل تلك البلاد: وبدليس في أرمينية بين ميا فارقين وبين خلاط. وهي مدينة مسورة وقد خرب نصف سورها. والمياه تخترق المدينة من عيون في ظاهرها. ولها بساتين في واد. وهي دون حماة في القدر. وهي بين جبال تحف بها. وبردها وشتاؤها شديد وثلوجها كثيرة. قال ابن حوقل: وهي بلد صغير عامر كثير الخير خصب. قال في العزيزي: وبينها وبين خلاط سبعة فراسخ (لابي الفداء) 372 (بردعة) . قاعدة مملكة أران. وهي مدينة كبيرة من أران في أقصى أذربيجان. كثيرة الخصب نزهة. وعلى أقل من فرسخ منها موضع يسمى الأندراب. يكون مسيرة يوم في يوم بساتين مشتبكة. وجميعها فواكه ومنها البندق والشاهبلوط. وعلى بابها سوق تسمى الكركي يجتمع الناس فيه كل يوم أحد. وهو مجمع عظيم. وهي في مستو من الأرض ولها بساتين ومياه كثيرة. وهي قريبة من نهر الكر (لابن حوقل) 373 (بعلبك) . من أعمال دمشق في الجبل هي بلدة قديمة ذات أسوار. ولها قلعة حصينة عظيمة البناء. وهي ذات أشجار وأنهار

وأعين. وهي كثيرة الخير. قال ابن بطوطة: مدينة بعلبك هي حسنة قديمة من أطيب مدن الشام. تحدق بها البساتين الشريفة. والجنات المنيفة. وتخترق أرضها الأنهار الجارية. وتضاهي دمشق في خيراتها المتناهية. ومن بعلبك إلى الزبداني ثمانية عشر ميلاً. والزبداني مدينة ليس لها أسوار. وهي على طرف وادي بردى. والبساتين متصلة من هناك إلى دمشق. وهي بلد حسن كثير المنازه والخصب. ومنه إلى دمشق ثمانية عشر ميلاً 374 (بلخ) . مدينة بلخ في مستو من الأرض وبينها وبين أقرب جبل إليها أربعة فراسخ. والمدينة نحو نصف فرسخ في مثله. ولها نهر يسمى دهاس يجري في ربضها. وهو نهر يدير عشر أرحية. والبساتين في جميع جهات بلخ تحتف بها. وببلخ الأترج وقصب السكر ويقع في نواحيها الثلوج. وقال في اللباب: بلخ من خراسان فتحها الأحنف بن قيس التميمي زمن عثمان. وخرج من بلخ عالم لا يحصى من الأئمة والعلماء والصلحاء (لابي الفداء) 375 (بيت المقدس) . هي المدينة المشهورة التي كانت محل الأنبياء وقبلة الشرائط ومهبط الوحي. بناها داود وفرغ منها سليمان فأوحى الله تعالى إليه أن سلني حاجتك. فقال: يا رب أسألك أن تغفر لي ذنبي. فقال: لك ذلك. قال: وأسألك أن تغفر لمن جاء إلى هذا البيت يريد الصلاة فيه. فقال: لك ذلك. ثم ضرب

الدهر ضرباته واستولت عليها الأمم وخربوها. وقد عمرها أحد ملوك الفرس. فصارت أعمر مما كانت وأكثر أهلاً. والتي عليها الآن أرضها وضياعها جبال شاهقة. وليس بقربها أرض وطيئة. وزروعها على أطراف الجبال. وأما نفس المدينة ففي فضاء في وسط ذلك وأرضها كلها حجر. وفيها عمارات كثيرة حسنة وشرب أهلها من ماء المطر ليس فيها دار إلا وفيها صهريج. مياهها تجتمع من الدروب. ودروبها حجرية ليست كثيرة الدنس. لكن مياهها رديئة. وفيها ثلاث برك بركة بني اسرائيل وبركة سليمان وبركة عياض. قال محمد بن أحمد البشاري المقدسي: إنها متوسطة الحر والبرد وقل ما يقع فيها من ثلج. ولا ترى أحسن من بنيانها ولا أنظف. ولا أنزه من مساجدها. وقد جمع الله فيها فواكه الغور والسهل والجبل. والأشياء المتضادة كالأترج واللوز. والرطب والجوز. والتين والموز (للقزويني) 376 (بيت لحم) . سرت من بيت المقدس إلى مدينة بيت لحم فوجدت على طريقي عين سلوان. وهي العين التي أبرأ فيها السيد المسيح الضرير الأعمى ولم تكن له قبل ذلك عينان. وبقربها بيوت كثيرة منقورة في الصخر. وفيها رجال قد حبسوا أنفسهم فيها عبادة. وأما بيت لحم وهو الموضع الذي ولد فيه السيد المسيح فبينه وبين المقدس ستة أميال. وفي وسط الطريق قبر راحيل أم

يوسف وأم ابن يامن ولدي يعقوب. وهو قبر عليه اثنا عشر حجراً. وفوقه قبة معقودة بالصخر. وبيت لحم هناك وفيها كنيسة حسنة البناء متقنة الوضع فسيحة مزينة إلى أبعد غاية. حتى أنه ما أبصر في جميع الكنائس مثلها بناءً. وهي في وطاء من الأرض ولها باب من جهة المغرب وبها من أعمدة الرخام كل مليحة. وفي ركن الهيكل في جهة الشمال المغارة التي ولد بها السيد المسيح وهي تحت الهيكل. وداخل المغارة المذود الذي وجد به. وإذا خرجت من بيت لحم نظرت في الشرق منه كنيسة الملائكة الذين بشروا الرعاة بمولد السيد المسيح (للادريسي) 377 (ألبيرة) . من جند قيسرين في بلاد الشام قلعة حصينة مرتفعة على حافة الفرات في البر الشرقي الشمالي لا ترام. ولها واد يعرف بوادي الزيتون به أشجار وأعين. وهي بلدة ذات سوق وعمل. قال ابن سعيد: وقلعتها على صخرة وهي الآن ثغر الإسلام في وجوه التتر. وهي فرضة على الفرات. وهي في الشرق عن قلعة الروم على نحو مرحلة. وهي في الغرب عن قلعة نجم وفي الجنوب والغرب عن سروج (لابي الفداء) 378 (بيروت) . مدينة على ضفة البحر عليها سور حجارة كبيرة واسعة. ولها بمقربة منها جبل فيه معدن حديد جيد. يقطع ويستخرج منه الكثير ويحمل إلى بلاد الشام. وبها غيضة أشجار

صنوبر مما يلي جنوبها تتصل إلى جبل لبنان. وتكسير هذه الغيضة اثنا عشر ميلاً في مثلها. وشرب أهلها من الآبار. ومنها إلى دمشق يومان. قال ابن بطوطة: ومدينة بيروت حسنة الأسواق. وجامعها بديع الحسن. وتجلب منها إلى ديار مصر الفواكه والحديد. قال أبو الفداء: وهي على ساحل البحر وهي ذات برجين ولها بساتين ونهر وهي خصبة. وكان بها مقام الأوزاعي الفقيه. ولها ميناء جليل. وبينها وبين مدينة جبيل ثمانية عشر ميلاً (للادريسي) 379 (تبت) . بلاد متاخمة للصين من إحدى جهاته وللهند من أخرى. مقدار مسافتها مسيرة شهر. بها مدن وعمارات كثيرة ولها خواص عجيبة في هوائها ومائها وأرضها من سهلها وجبلها. ولا تحصى عجائب أنهارها وثمارها وآبارها. وهي بلاد تقوى بها طبيعة الدم فلهذا الغالب على أهلها الفرح والسرور (للقزويني) 380 (تدمر) . بليدة ببادية الشام من أعمال حمص وهي في شرقي حمص. وأرض تدمر غالبها سباخ وبها نخيل وزيتون. وبها آثار عظيمة أولية من الأعمدة والصخور. وهي عن حمص على نحو ثلاث مراحل. وبينها وبين دمشق تسعة وخمسون ميلاً (لابي الفداء) 381 (تفليس) . من إقليم أران قصبة كرجستان. عليها سوران ولها ثلاثة أبواب. وهي خصبة جداً كثيرة الفواكه. وبها حمامات

مثل حمامات طبرية ماؤها ينبع سخناً بغير نار. وقال في اللباب: وتفليس آخر بلدة من أذربيجان مما يلي الثغرة قال ابن سعيد: وكان المسلمون قد فتحوها وسكنوها مدة طويلة. وخرج منها علماء. ثم استرجعها الكرج وهم نصارى (لابن حوقل) 382 (ألتيه) . هو الموضع الذي ضل فيه موسى مع بني إسرائيل بين أيلة ومصر وبحر القلزم وجبال السراة أربعون فرسخاً في أربعين فرسخاً. لما امتنعوا من دخول الأراضي المقدسة حبسهم الله تعالى هذا التيه أربعين سنة. كانوا يسيرون في طول نهارهم فإذا انتهى مسيرهم إلى آخر التيه رجعوا من حيث جاؤوا. وكان مأكولهم المن والسلوى. ولما أعوزهم الماء ضرب موسى الصخرة فتفجر منها الماء. وكان يبعث الله تعالى سحابة تظلهم بالنهار وعموداً من النور يستضيئون به بالليل. هذا نعمة الله عليهم. وهم عصاة مسخوطون. فسبحان من عمت رحمته البر والفاجر (للقزويني) 383 (حلب) . من عواصم الشام بلدة عظيمة قديمة ذات قلعة مرتفعة حصينة. ولها بساتين قلائل ويمر بها نهر قويق. وهي على مدرج طريق العراق إلى الثغور وسائر الشامات. قال في العزيزي: وهي مدينة جليلة عامرة حسنة المنازل عليها سور من حجر وفي وسطها قلعة على تل لا ترام 384 (حلوان) . آخر مدن العراق. ومنها يصعد إلى بلاد الجبال.

وأكثر ثمارها التين وليس بالعراق مدينة بالقرب من الجبل غيرها. ويسقط على جبلها الثلج دائماً. قال ابن حوقل: وحلوان مدينة في سفح جبل مطل على العراق. وبها النخيل والتين الموصوف. والثلج منها على مرحلة. وقال في المشترك: حلوان آخر حد العراق من جهة الجبال وبينها وبين بغداد خمس مراحل 385 (حماة) . مدينة أولية وبلدة قديمة وهي من أنزه البلاد الشامية. والعاصي يستدير على غالبها من شرقيها وشماليها. ولها قلعة حسنة البناء مرتفعة. وفي داخلها الأرحية على الماء. وبها نواعير على العاصي تسقي أكبر بساتينها. ويدخل منها الماء إلى كثير من دورها. ونهر حماة يسمى نهر الأرنط والنهر المقلوب لجريه من الجنوب إلى الشمال. ويسمى العاصي لأن غالب الأنهر تسقي الأراضي بغير دواليب ولا نواعير بل بأنفسها تركب البلاد ونهر حماة لا يسقى إلا بنواعي تنزع منه الماء. وهو يجري بكليته من الجنوب إلى الشمال وأوله نهر صغير من ضيعة قريبة من بعلبك تسمى الرأس في الشمال عن بعلبك على نحو مرحلة عنها. ويسير من الرأس شمالاً حتى يصل إلى مكان يقال قائم الهرمل بين جوسية والراس. ويمر في واد هناك وينبع من هناك غالب النهر المذكور من موضع يقال له مغارة الراهب. ويستدير النهر المذكور ويرجع ويسير جنوباً ومغرباً ويمر على سور أنطاكية حتى

يصب في بحر الروم عند السويدية (لابي الفداء) 386 (حمص) . مدينة أولية وهي إحدى قواعد الشام. وهي ذات بساتين شربها من نهر العاصي وهي في مستوٍ من الأرض خصبة جداً أصح بلدان الشام تربة. وليس بها عقارب ولا حيات. وأكثر زروع رساتيقها عذي. قال العزيزي: مدينة حمص هي قصبة الجند وهي من أصح بلدان الشام هواءً. وبظاهر حمص على بعض ميل يجري النهر المقلوب وهو نهر الأرنط. ولهم عليه جنان حسنة وكروم. (لابن حوقل) 387 (دمشق) . مدينة من أجل بلاد الشام وأحسنها مكاناً وأعدلها هواءً وأطيبها ثرى وأكثرها مياهاً وأغزرها فواكه وأعمها خصباً وأوفرها مالاً وأكثرها جنداً وأشمخها بناءً. ولها جبال ومزارع تعرف بالغوطة وطول الغوطة مرحلتان في عرض مرحلة بها ضياع كالمدن. ومدينة دمشق جامعة لصنوف من محاسن وضروب من الصناعات وأنواع من الثياب الحرير كالخز والديباج النفيس الثمين العجيب الصفة والقديم المثال الذي يحمل منها إلى كل بلد ويتجر به منها إلى كل الآفاق والأمصار المصاقبة لها والمتباعدة عنها. ولدمشق في داخلها على أوديتها أرحاء كثيرة. وأما الحلاوات فبها منها ما لا يوجد بغيرها ولا يوصف كثرة وطيباً وجودة. وصناعاتها نافقة وتجاراتها رابحة

وهي من أغنى البلاد الشامية. ومنها إلى مدينة بعلبك في جهة الشرق مرحلتان (للادريسي) 388 (دلي) . مدينة كبيرة في الهند. وسورها من آجر وهو أكبر من سور حماة. وهي في مستو من الأرض وتربتها مختلطة بالحجر والرمل ويمر على فرسخ منها نهر كبير دون الفرات. وغالب أهلها مسلمون وسلطانها مسلم والسوقة كفرة. ولها بساتين قليلة وليس بها عنب وتمطر في الصيف وهي بعيدة عن البحر. وبجامعها مأذنة لم يعمل في الدنيا مثلها وهي من حجر أحمر ودرجها نحو ثلاث مائة وستين درجة. وليست مربعة بل كثيرة الأضلاع عظيمة الارتفاع واسعة من تحتها وارتفاعها يقارب منارة إسكندرية (لابي الفداء) 389 (دير باعربا) . هو بين الموصل والحديثة على شاطئ دجلة. والحديثة بين تكريت والموصل. والنصارى يعظمونه جداً وله حائط مرتفع نحو مائة ذراع في السماء. وفيه رهبان كثيرون وفلاحون وله مزارع. وفيه بيت ضيافة ينزله المجتازون فيضافون فيه 390 (دير باعنتل) . من جوسية على أقل من ميل. وجوسية من أعمال حمص على مرحلة منها من طريق دمشق. وهو على يسار القاصد دمشق. وفيه عجائب منها صور الأنبياء عليهم السلام

وقصصهم محفورة منقوشة. وبه هيكل مفروش بالمرمر لا تستقر عليه القدم. وصورة مريم في حائط منتصبة كلما ملت إلى ناحية كانت عينها إليك 391 (دير الروم) . هو بيعة كبيرة حسنة البناء محكمة الصنعة للنسطورية خاصة وهي ببغداد في الجانب الشرقي منها. وللجاثليق فلاية إلى جانبها وبينه وبينها باب يخرج منه إليها في أوقات صلواتهم وقربانهم. وهي حسنة المنظر عجيبة البناء مقصودة لما فيها من عجائب الصور وحسن العمل. والأصل في هذا الاسم أن أسرى من الروم قدم بهم إلى المهدي فأسكنوا داراً في هذا الموضع فسميت بهم. وبنيت البيعة هناك وبقي الاسم عليها (معجم البلدان لياقوت) 392 (رأس العين) . إن رأس العين في مستو من الأرض في الجزيرة. ويخرج منها فوق ثلاثمائة عين كلها صافية ويصير من هذه الأعين نهر الخابور. قال في العزيزي: ورأس عين تسمى عين وردة وهي أول مدن ديار ربيعة من جهة ديار مضر. وهي رأس ماء الخابور (لابن حوقل) 393 (ألراوندان) . من جند قنسرين في بلاد الشام قلعة حصينة عالية على جبل مرتفع أبيض. ولها أعين وبساتين وفواكه وواد حسن ويمر تحتها نهر عفرين بلدة صغيرة محفوفة بالرمان. وهي في

الغرب والشمال عن حلب. وبينهما نحو مرحلتين. وهي في الشمال عن حارم ويجري نهر عفرين من الشمال إلى الجنوب على الراوندان إلى عمق حارم في واد متسع بين جبال وبذلك الوادي قرايا وزيتون كثير. وهي كورة من بلاد حلب 394 (ألرملة) . بلدة بفلسطين اختطها سليمان بن عبد الملك الأموي وهي مشهورة. قال العزيزي: والرملة قصبة فلسطين وهي محدثة وبينها وبين بيت المقدس مسيرة يوم. وقال: الرملة لم تكن مدينة قديمة وإنما كانت المدينة لد. فأخربها سليمان بن عبد الملك وبنى مدينة الرملة. وبينهما نحو ثلاثة فراسخ. ولد في ناحية المشرق. وكان لعبد الملك دار بالرملة. وجر إلى الرملة قناة ضعيفة للشرب وأكثر شربهم الآن من آبار عذبة ومن صهاريج يجتمع فيها مياه المطر. وهي في سهل من الأرض 395 (ألرها) . من ديار مضر في الجزيرة. قال في العزيزي: والرها مدينة رومية عظيمة فيها آثار عجيبة. وهي بالقرب من قلعة الروم من الجانب الشرقي الشمالي عن الفرات. وكانت الرها مدينة كبيرة وبها كنيسة عظيمة وفيها أكثر من ثلاثمائة دير للنصارى. وهي اليوم خراب 396 (رودس) . جزيرة في بحر الروم فتحها المسلمون في زمن معاوية. وامتداد هذه الجزيرة من الشمال إلى الجنوب بانحراف

نحو خمسين ميلاً وعرضها نصف ذلك. وبين هذه الجزيرة وذنب أقريطش مجرى واحد. وبعض رودس للفرنج وبعضها لصاحب اصطنبول. ورودس في الغرب عنقبرس بإنحراف إلى الشمال. وهي بين جزيرة المصطكى وجزيرة أقريطش 397 (زيتون) . فرضة الصين وهي مدينة مشهورة على ألسن التجار المسافرين إلى تلك البلاد وهي مدينة على خور من البحر. والمراكب تدخل إليها من بحر الصين في الخور المذكور وقدره نحو خمسة عشر ميلاً ولها نهر هي عند رأسه. وعن بعض من رآها أنها تمتد. وهي على نصف يوم من البحر. ولها خور حلو تدخل فيه المراكب من البحر إليها. وهي دون حماة في القدر. ولها سور خراب خربة التتر. وشرب أهلها من الخور المذكور ومن آبارها 398 (سعرت) . من ديار ربيعة في الجزيرة على جبيل وهي أكبر من المعرة. ويحيط بها الوطأة وهي بالقرب من شط دجلة في شمالي دجلة وشرق. وهي عن ميا فارقين على مسيرة يوم ونصف وميا فارقين في الشمال عن سعرت وسعرت في الجنوب عنها. وشرب أهل سعرت من مياه نبع قريبة من وجه الأرض ويحيط بسعرت الجبال والشعرة. ولها الأشجار الكثيرة من التين والرمان والكروم جميع ذلك عذي لا يسقى. وسعرت عن الموصل على خمسة أيام

399 (سنجار) . من الجزيرة في جنوبي نصبين. وهي من أحسن المدن وجبلها من أخصب الجبال. ومن كتاب ابن حوقل: وسنجار مدينة في وسط برية ديار ربيعة بالقرب من الجبال. وليس بالجزيرة بلد فيه نخل غير سنجار. وعن بعض أهلها: وسنجار عن الموصل على ثلاث مراحل. سنجار في جهة الغرب والموصل في جهة الشرق. وسنجار مسورة وهي في ذيل جبل وهي قدر المعرة. ولها قلعة ولها بساتين ومياه كثيرة من القني. والجبل في شماليها (لابي الفداء) 400 (السند) . ناحية بين الهند وكرمان وسجستان. وبها بيت الذهب المشهور. وهو معبد تعظمة الهند والمجوس. حكى أن الإسكندر لما فتح تلك البلاد دخل هذا المعبد فأعجبه فكتب إلى أرسطاطاليس وأطنب في وصف قبة هذا البيت. فأجابه أرسطو إني رأيتك تتعجب من قبة عملها الآدميون وتدع التعجب من هذه القبة المرفوعة فوقك وما زينت به من الكواكب وأنوار الليل والنهار 401 (سيلان) . جزيرة عظيمة بين الصين والهند دورتها ثمان مائة فرسخ وسرنديب داخل فيها. وبها قرى ومدن كثيرة وعدة ملوك لا يدين بعضهم لبعض. ويجلب منها الأشياء العجيبة. وفيها الصندل والسنبل والدارصيني والقرنفل والبقم وسائر العقاقير. وقد يوجد فيها من العقاقير ما لا يوجد في غيرها. وقيل بها معادن الجواهر وإنها جزيرة كثيرة الخير (للقزويني)

402 (ألشوبك) . من الشراة في بلاد الشام بلد صغير كثير البساتين. وغالب ساكنيه النصارى. وهو شرقي الغور وهو على طرف الشام من جهة الحجاز. وينبع من ذيل قلعتها عينان إحداهما عن يمين القلعة والأخرى عن يسارها كالعينين للوجه. وتخترقان بلدتها ومنهما شرب بساتينها. وهي في واد من غربي البلد. وفواكهها من المشمش وغيره مفضلة وتنقل إلى ديار مصر. وقلعتها مبنية بالحجر الأبيض وهي على تل مرتفع أبيض مطل على الغور من شرقيه (لأبي الفداء) 403 (شيراز) . مدينة في بلاد فارس إسلامية محدثة بناها محمد ابن القسم بن أبي عقيل وهو ابن عم الحجاج بن يوسف الثقفي. وسميت بشيراز تشبيهاً بجوف الأسد. وذلك أن عامة المير بتلك النواحي تحمل إلى شيراز ولا يحمل منها شيء إلى غيرها. وبها قبر سيبويه. قال في العزيزي: مدينة شيراز جليلة واسعة بها منازل واسعة سرية كثيرة المياه. وشربهم من عيون تتخرق البلد وتجري من دورهم. وليس يكاد يخلو دار بشيراز من بستان حسن ومياه تجري. وأسواقها عامرة جليلة. ومنها إلى أصبهان اثنان وسبعون فرسخاً. (لابن حوقل) 404 (شيلا) . بلدة من أواخر بلاد الصين في غاية الطيب لا يرى بها ذو عاهة من صحة هوائها وعذوبة مائها وطيب تربتها. أهلها

أحسن الناس صورة وأقلها أمراضاً. وذكر أن الماء إذا رش في بيتها تفوح منه رائحة العنبر. وهي قليلة الآفات والعلل قليلة الذباب والهوام. إذا اعتل أحد الناس في غيرها ونقل إليها زالت علته. قال محمد بن زكرياء الرازي: من دخلها استوطنها ولا يخرج عنها لطيبها ووفور خيراتها وكثرة ذهبها والله الموفق (للقزويني) 405 (صنعاء) . من أعظم مدن اليمن تشبه دمشق لكثرة مياهها وأشجارها. وهي شرقي عدن بشمال في الجبال وهي معتلة الهواء ويتقارب فيها ساعات الشتاء والصيف. وهي كانت كرسي ملوك اليمن في القديم. وبها تل عظيم يعرف بغمدان كان قصر ملوك اليمن. وبينها وبين عدن مدينة جبلة. قال في العزيزي: مدينة صنعاء مدينة جليلة وهي قصبة اليمن وبها أسواق جليلة ومتاجر كثيرة. 406 (صهيون) . مدينة من جند قنسرين بلدة ذات قلعة حصينة لا ترام من مشاهير معاقل الشام. وبقلعتها المياه كثيرة متيسرة من الأمطار. وهي على صخر أصم. وبالقرب منها واد به من المحمضات ما لا يوجد مثله في تلك البلاد. وهي في ذيل الجبل من غربيه. وتظهر من عند اللاذقية وبينهما نحو مرحلة وهي في الشرق بميلة إلى الجنوب عن اللاذقية (لأبي الفداء) 407 (صور) . مدينة صور هي التي يضرب بها المثل في الحصانة

الشرق وليس وراءه غير المحيط. ومدينته العظمى يقال لها السيلا وأخبارها منقطعة عنا 410 (طبرية) كانت فيما مضى مدينة كبيرة ضخمة ولم يبق منها إلا رسوم تنبىء على ضخامتها وعظم شأنها. وهي في الغور على ضفة بحيرة لها طولها اثنا عشر ميلاً وعرضها ستة أميال. والجبال من غربي المدينة والبحيرة من شرقيها والجبال تدور بها. وكانت طبريا قديماً قاعدة الأردن. وهي مدينة خراب فتحها صلاح الدين من الفرنج وخربت. وقد اشتق اسمها من اسم طبريوس أحد ملوك الروم الأوائل. وبطبرية عيون ماء في غاية الحرارة وعليها حمام يغتسل الناس فيها 411 (عسقلان) . بلدة بها آثار قديمة على جانب البحر. بينها وبين غزة نحو ثلاثة فراسخ. وهي من جملة ثغور الإسلام الشامية. ومدينة عسقلان هي على ضفة البحر على تلعة. وهي من أجل مدن الساحل وليس لها ميناء. وشرب أهلها من آبار حلوة. وبينها وبين غزة اثنا عشر ميلاً وبينها وبين الرملة ثمانية عشر ميلاً. وهي في زماننا خراب ليس بها ساكن. قال القزويني: عسقلان مدينة على ساحل بحر الروم كان يقال لها عروس الشام. افتتحت في أيام عمر بن الخطاب على يد معاوية بن أبي سفيان. ولم تزل في يد المسلمين إلى أن استولى الفرنج عليها سنة ثمان وأربعين وخمسمائة. حكى

بعض التجار أن الفرنج اتخذوا مركباً علوه قدر سور عسقلان. وأشحنوه رجالا ًوسلاحاً وأجروه حتى لصق بسور عسقلان. ووثبوا على السور وملكوها قهراً. وبقيت في يدهم خمساً وثلاثين سنة إلى أن استنقذها صلاح الدين. ثم عاد الفرنج وفتحوا عكة فخربها في سنة سبع وثمانين وخمسمائة (لأبي الفداء) 412 (عمان) . في بلاد العرب مدينة كبيرة على ساحل البحر مرساها فرسخ في فرسخ. وبلاد عمان ثلاثون فرسخاً وما ولي البحر سهول ورمال وما تباعد عنه حزون وجبال. وهي مدن منها مدينة عمان وهي حصينة على الساحل. ومن الجانب الآخر مياه تجري إلى المدينة. وفيها دكاكين التجار مفروشة بالنحاس مكان الآجر. وهي كثيرة النخل والبساتين وضروب الفواكه والحنطة والشعير والأرز وقصب السكر. وفي الأمثال من تعذر عليه الرزق فعليه بعمان. وفي أحوازها مغاص اللؤلؤ. وعمان من أحواز اليمن سميت بعمان ابن سباء (للشريشي) 413 (غزة) . أول بلاد الشام مما يلي مصر متسعة الأقطار كثيرة العمارة حسنة الأسواق بها المساجد العديدة ولا سور عليها. وكان بها مسجد جامع حسن أنيق البناء محكم الصنعة ومنبره من الرخام الأبيض. قال أبو الفداء: غزة متوسطة في العظم ذات بساتين

على ساحل البحر وبها قليل نخيل وكروم خصبة. وبينها وبين البحر أكوام رمال تلي بساتينها ولها قلعة صغيرة (لابن بطوطة) 414 (قبرس) جزيرة بقرب طرسوس دورها مسيرة ستة عشر يوماً. قال ابن عمر العذري: يجلب منها اللاذن الجيد ولا يجمع في غيرها. والذي يجمع من الشجر يحمل إلى القسطنطينية لأنه يعادل عود الطيب. وسائر ما يجمع هو الذي يستعمله الناس على وجه الأرض. والزاج القبرسي مشهور كثير المنافع جداً عزيز الوجود أفضل الزاجات كلها. وعن ابن سعيد: طول جزيرة قبرس مائتا ميل من الغرب إلى الشرق. ولها ذنب دقيق في شرقيها ويقرب إلى ساحل الشام. وقال الشريف الإدريسي: دور جزيرة قبرس مائتان وخمسون ميلاً. 415 (قزوين) . بالقرب من أرمينية وهي في فضاءٍ من الأرض. وهي طيبة الهواء كثيرة البساتين وهي مدينتان إحداهما في وسط الأخرى. وهذه المدينة أنشأها سابور ذو الأكتاف وجدد بها هارون الرشيد سوراً مانعاً وجامعاً كبيراً وذلك في سنة أربع وخمسين ومائة. ومن العجائب أن مقصورة هذا الجامع في غاية الارتفاع. وهي على شكل بطيخة ليس لها مثال في الدنيا. ومن العجائب أن بساتين هذه المدينة لا تسقى في السنة إلا مرة واحدة. وإليها ينسب الشيخ زكريا: بن محمد بن محمود القزويني

وصاحب كتاب عجائب المخلوقات وغيره من العلماء. قال ابن حوقل: وقزوين مدينة لها حصن وماؤها من السماء والآبار. ولها قناة صغيرة للشرب ولا تفضل عن ذلك. وهي مدينة خصبة وهي ثغر الديلم (عجائب الأقطار لمحمد بن إياس) 416 (ألكرك) . بلد مشهور من البلقاء. وله حصن عالي المكان وهو أحد المعاقل بالشام التي لا ترام. وعلى بعض مرحلة منه موتة. وتحت الكرك وادٍ فيه حمام وبساتين كثيرة وفواكهها مفضلة من المشمش والرمان والكمثرى وغير ذلك. وهو على أطراف الشام من جهة الحجاز وبين الكرك والشوبك نحو ثلاث مراحل (لابي الفداء) 417 (أللاذقية) مدينة من سواحل بحر الشام عتيقة سميت باسم بانيها (وهي لفظة رومية) . وفيها أبنية قديمة ولها مرفأ جيد وقلعتان متصلتان على تلٍ مشرفٍ على ربضها. ملكها الفرنج فيما ملكوه من بلاد الساحل في صدور سنة خمسمائة. وللمسلمين بها جامع وقاض وخطيب. قال بعضهم: اللاذقية أجل مدينة بالساحل منعةً وعمارةً ولها ميناء حسنة مفضلة على غيرها. وهي بلدة ذات صهاريج. وبها دير مسكون يعرف بالفاروس حسن البناء. ومنها إلى أنطاكية ثمانية وأربعون ميلاً (للقزويني) 418 (ملطية) . بلدة من بلاد الروم ذات أشجار وفواكه

وأنهار ويحتف بها جبال كثيرة الجوز. وجميع الثمار مباحة لا مالك بها. وهي قاعدة الثغور وهي شمالي الجبل الدائر الذي سيس في غربيه. وهي بلدة ميسورة في بسيطٍ والجبال تحف بها من بعدٍ. ولها نهر صغير عليه بساتين كثيرة يسقيها ويمر بسور البلد. وهي شديدة البرد وهي في الجنوب عن سيواس. ولملطية أيضاً قني تدخل البلد وتجري في دروره وسككه. والجبال محيطة بها على بعد منها (لابن سعيد) 419 (مليبار) . ناحية واسعة بأرض الهند تشتمل على مدنٍ كثيرة بها شجرة الفلفل وهي شجرة عالية لا يزول الماء من تحتها وثمرتها عناقيد إذا ارتفعت الشمس واشتد حرها تنضم على عناقيدها أوراقها وإلا أحرقتها الشمس قبل إدراكها. وشجر الفلفل مباح إذا هبت الريح سقطت عناقيدها على وجه الماء فيجمعها الناس. ويحمل الفلفل من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب وأكثر الناس انتفاعاً به الفرنج يحملونه في بحر الشام إلى أقصى المغرب (للقزويني) 420 (ألموصل) . قاعدة ديار الجزيرة وهي على دجلة في جانبها الغربي. وقبالة الموصل من البر الآخر الشرقي في مدينة نينوى الخراب. وفي جنوبي الموصل يصب الزاب الأصغر إلى دجلة عند مدينة أثور الخراب. وعن بعض أهلها الموصل في مستو من الأرض ولها سوران قد خرب بعضهما ومسورها أكبر من مسور دمشق.

والعامر في زماننا نحو ثلثيها ولها قلعة من جملة الخراب. والطريق من الموصل إلى ميا فارقين على حصن كيفا ستة أيام. وعلى ماردين ثمانية أيام ومدينة نينوى هذه هي البلدة التي أرسل إليها يونس النبي 421 (نصيبين) . قاعدة ديار ربيعة قال ابن سعيد: وهي مخصوصة بالورد الأبيض ولا يوجد فيها وردة حمراء. قال: وفي شماليها جبل كبير منه ينزل نهرها المعروف بنهر الهرماس ويمر على سور نصيبين والبساتين عليه ونصيبين شمالي سنجار. وجبل نصيبين هو الحودي. قال في العزيزي: ونصيبين قصبة ديار ربيعة ونهرها نهر الهرماس. وبها عقارب قاتلة يضرب بها المثل. قال القزويني: ونصيبين مدينة عامرة من بلاد الجزيرة. وظاهرها في غاية النزاهة وباطنها يضاد ظاهرها. وهي وخمة لكثرة مياهها وأشجارها مضرة سيما بالغرباء. وحكي أن بعض التجار أراد دخول نصيبين وكان به عقابيل المرض وصفرة اللون. فتمسك بكمه بعض ظرفاء نصيبين وقال: ما أخليك تدخل حتى تشهد على نفسك شاهدين عدلين أنك ما دخلت نصيبين إلا على هذه الصفة كيلا يقال أمرضته نصيبين (لابي الفداء) 422 (هراة) . من خراسان ولها أعمال وداخل هراة مياه جارية. والجبل منها على نحو فرسخين وليس بحبلها محتطب ولا مرعى. ومنه

حجارة الأرحية وغيرها. وعلى رأس هذا الجبل بيت نار يسمى سرشك وخارج هراة المياه والبساتين. وقال في المشترك: هراة كانت مدينة عظيمة مشهورة بخراسان خربها التتر. وهراة فتحت في زمان عثمان رضي الله عنه والنسبة إليها هروي (لابن حوقل) 423 (همذان) مدينة كبيرة ولها أربعة أبواب ولها مياه وبساتين وزروع كثيرة وهي من بلاد الجبل على طريق. وقال في الأنساب: همذان مدينة من الجبال على طريق الحاج والقوافل. وقد قال بعض فضلاء همذان: همذان لي بلد أقول بفضله ... لكنه من أقبح البلدان صبيانه في القبح مثل شيوخه ... وشيوخه في العقل كالصبيان 424 (يافا) . بلدة صغيرة في فلسطين. كثيرة الرخاء ساحلية من الفرض المشهورة. ومدينة يافا كانت حصناً كبيراً فيه أسواق عامرة ووكلاء التجار وميناء كبير فيه مرسى المراكب الواردة إلى فلسطين والمقلعة منها إلى كل بلد. وبينها وبين الرملة ستة أميال وهي في الغرب عن رملة 425 (يزمير) . مدينة كبيرة على ساحل البحر معظمها خراب ولها قلعة متصلة بأعلاها. وأمير هذه المدينة عمر ابن السلطان محمد بن آبدين. وكان هذا الأمير كريماً صالحاً كثير الجهاد له أجفان غزوية يضرب بها على نواحي القسطنطينية العظمى فيسبي

ذكر الشام

ويغنم ويفني ذلك كرماً وجوداً. ثم يعود إلى الجهاد إلى أن اشتدت على الروم وطأته. فرفعوا أمرهم إلى البابا فأمر نصارى جنوة وإفرنسة بغزوه فغزوه. وجهز جيشاً من رومة وطرقوا مدينته ليلاً في عدد كثير من الأجفان وملكوا المرسى والمدينة. ونزل إليهم الأمير عمر من القلعة فقاتلهم فاستشهد هو وجماعة من ناسه. واستقر النصارى بالبلد ولم يقدروا على القلعة لمنعتها (للادريسي) ذكر الشام (من كتاب زبدة كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك لخليل بن شاهين الظاهري) 426 قسم الأوائل الشام خمسة أقسام. الأول فلسطين وأول حدودها من طريق مصر رفح وهي العريش. ثم يليها غزة. ثم رملة وفلسطين. فمن مدنها إيلياء وهي بيت المقدس. وعسقلان ورملة ونابلس ومدينة حبرون المعروفة بالخليل. ومسيرة فلسطين طولاً أربعة أيام من رفح إلى اللجون. وعرضها من يافا إلى أريحا. والثاني حوران ومدينتها العظمى طبرية. ومن مدنها الغور واليرموك وبيسان. والثالث الغوطة ومدينتها العظمى دمشق وطرابلس. وقيل إنها من الأرض المقدسة. وصفد وبعلبك وما تشتمل عليه تلك الأماكن من المدن. والرابع حمص ومن أعمالها مدينة سلمية. وفيها مزار علي بين أبي طالب والخامس قنسرين ومدينتها العظمى حلب وحماة وسرمين وأنطاكية

وأما المملكة الغزاوية ففيها مدينة غزة وهي مدينة حسنة بأرض مستوية وهي كثيرة الفواكه. وفيها من الجوامع والمدارس والعمارات الحسنة ما يورث العجب. وتسمى دهليز الملك. وبها معاملات وقرى وهي مملكة متسعة. وأما مدينة الرملة فليست هي مملكة. وإنما هي إقليم يشتمل على قرى عديدة. وهي مدينة حسنة بها جوامع ومدارس ومزارات. من جملتها الجامع الأبيض عجب من العجائب وأما المملكة الكركية فليست هي من الشام. وهي مملكة بمفردها وتسمى مآب. وهي مدينة حصينة معقل من معاقل الإسلام. بها قلعة ليس لها نظير في الإسلام ولا في الفرنج تسمى حصن الغراب لم تكن فتحت عنوة قط. وإنما فتحها صلاح الدين يوسف بن أيوب بعد فتح القدس في سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة. وكانت بيد البرنس أرناط. وكان يتعرض للحجاج والحكاية في ذلك تطول. وملخصها أنه نزل بعسكره نجدة إلى الفرنج على وقعة حطين. وأمكن الله صلاح الدين من جميع ملوك الفرنج وكان من جملتهم البرنس أرناط صاحب الكرك. فحصل الفتوح بواسطة ذلك واستمرت الشوبك مدة بيد الفرنج إلى أن قدر الله فتحها بسبب عجيب. وذلك أن والدة أرناط تسببت في فتح ذلك لخلاص ولدها وفتح الحصنان وقتل أرناط. والشوبك مضافة إلى الكرك

وهي حصينة أيضاً. ومسيرة معاملة الكرك من العلى إلى زيزاء مقدار عشرين يوماً بسير الإبل. وهي بلد عذبة بها قرى كثيرة ومعاملات والمسلك إليها صعب في منقطعات قليلة الماء حتى إنه إذا وقف أحد على درب من دروبها يمنع الفارس عن المسير. وأوصافها كثيرة اخترتها خوف الإطالة وأما المملكة الصفدية فإنها مملكة متسعة قيل إنها تشتمل على ألف ومائتي قرية ولها عدة معاملات. وأعظم مدنها صفد وهي مدينة متفرقة ثلاث قطع وهي عذية. وبها جوامع ومدارس ومزارات وأماكن حسنة وحمامات وأسواق. وبها قلعة حصينة يقال إنها لا يوجد نظيرها عشر قلاع قد فتحت من قريب. ومدينة عكة كانت حصينة جداً فلما فتحها الملك صلاح الدين أيوب هدم أسوارها. وهي الآن ميناء المملكة الصفدية. ولما هدمها جهز قفلها بمفتاحه وهو حمل فرس إلى سجن قلعة الكرك. وهو بها الآن عجيب من عجائب الدنيا. ومدينة صور وهي الآن خراب. وبالمملكة الصفدية قرى كبار نظيرة المدن كالمينة والناصرة والمعرك وما أشبه ذلك. وقيل إن بالمملكة الصفدية الشقيف وكابول وغيرها سبع قلاع غالبها خراب الآن. وبها المزارات والأماكن المباركة وأما المملكة الشامية فإنها مملكة متسعة جداً وهي عدة أقاليم ومدن وقلاع. وقد تقدم أن مدينتها العظمى دمشق وهي مدينة حسنة إلى الغاية بها تخت المملكة وهو مغطى ولا يكشف غطاؤه إلا إذا جلس السلطان عليه. وفضائل الشام كثيرة وبها جوامع حسنة ومدارس وأماكن مباركة وشوارع وأسواق وحمامات وبساتين وأنهر وعمائر يتحير الواصف فيها. وبها بيمارستان لم ير مثله في الدنيا قط. وقيل إن البيمارستان المذكور منذ عمر لم تنطفئ فيه النار. وأما جامع بني أمية فهو إحدى العجائب الثلاث. ولقد رأيت في بعض التواريخ أن عجائب الدنيا ثلاث. منارة الإسكندرية وجامع بني أمية وحمام طبرية. وأما الميدان الأخضر وما به من القصور الحسنة فعجيب من العجائب. وأما غرائب دمشق فيعجز الواصف عن حصرها. من جملتها الجبهة والربوة والصالحية والسبعة والعنابة. وبها قبر نور الدين محمود بن زنكي وقبر صلاح الدين يوسف بن أيوب. وبدمشق المحروسة سبعة أنهر إذا اجتمعت صارت مثل النيل. وأما ما بها من الفواكه الرطبة والرياحين والأقمشة فمما يطول شرحه. وبها الثلج لا يزال على الجبال صيفاً وشتاءً وجميع أهلها يشربون منه وينقل منه إلى السلطان وأركان الدولة الشريفة. وأما مدينة حسبان فيها قلعة خربة وإقليمها البلقاء تشتمل على نيف وثلاثمائة قرية بأرض مستوية وهي أيضاً ن معاملة دمشق. وأما صرخد فإنها مدينة عجيبة لصعوبتها ولها قلعة حصينة. وأما بانياس فهي مدينة لطيفة يزرع بها الأرز يجلب منها إلى دمشق وغيرها. ولها إقليم بعضه

يعرف بالحولة. تشتمل على مائتي قرية وهي أيضاً من معاملات دمشق. وأما حوران فقيل إن بها عدة أقاليم والمستفيض بين الناس أنه نيف عن ألف قرية. بها مدينة اللجإ ومدن صغار متفرقة. وهي أيضاً من معاملة دمشق. وأما إقليم الغوطة فقيل إنه نيف عن ثلاثمائة قرية وبه مدن صغار وبلدان تشابه المدن. وهي أيضاً من معاملة دمشق. وأما إقليم نجران فهو عجيب لكثرة أوعاره. وبه عدة بلدان قيل إنها نيف عن مائة وستين قرية. وهي أيضاً من معاملة دمشق. وأما الزبداني فهو مقارب مدينة. وله إقليم نيف وخمسون قرية وبه أنهر كثيرة وهو أيضاً من معاملة دمشق. وأما السويدية فأصلها مدينة كبيرة وهي الآن غالبها خراب. ولها إقليم يشتمل على ما ينيف عن مائتي قرية وهي أيضاً من معاملة دمشق. وأما مدينة بعلبك فإنها مدينة حسنة لها قلعة حصينة بها عمد قيل إن سليمان أمر بعمارتها. وببعلبك جوامع ومدارس وأماكن مباركة وأسواق وحمامات وبساتين وأنهر ما يطول شرحه. ولها إقليم حسن يشتمل على ثلاثمائة وستين قرية. وهي أيضاً من معاملة دمشق. وأما حمص فإنها مدينة حسنة وهي تشتمل على سور وقلعة. وقيل إنها مدينة فوق مدينة. وهي عجيبة من العجائب. وبها قبر خالد بن الوليد. وبها جوامع ومدارس وأسواق وحمامات. وأما مدينة صيدا فهي ميناء دمشق وهي مدينة لطيفة على شاطئ البحر المحيط ترد

إليها المراكب. ولها إقليم به ما ينيف عن مائتي قرية. وهي أيضاً من معاملة دمشق. وأما مدينة بيروت فهي ميناء أيضاً ولها إقليم به عدة قرى. وهي أيضاً من معاملة دمشق وأما المملكة الطرابلسية فإنها مملكة جيدة أعظم مدنها طرابلس وهي حسنة بها جوامع ومدارس وعمائر وهي على شاطئ البحر المحيط. وأما اللاذقية فإنها مدينة متسعة وغالبها خراب. وهي قريبة من البحر المحيط ولها معاملة بها قرى كثيرة. وهي أيضاً من معاملة طرابلس وأما المملكة الحموية فإنها مملكة متسعة تشتمل على مدن وقلاع وأقاليم وقرى وأعظم مدنها حماة. وهي مدينة

حسنة إلى الغاية تشتمل على سور محكم وأبراج عديدة. ولها قلعة أخربها تيمورلنك وبها نهر العاصي محيط وبه نواعير كثيرة. وبها منتزهات كثيرة وبها جوامع ومدارس ومساجد وأماكن ومزارات مما يطول شرحه وأما المملكة الحلبية فإنها مملكة متسعة إلى الغاية تشتمل على مدن وقلاع ومعاملات وقرى عديدة. وأعظم مدنها حلب. وهي عذية تشتمل على سور محكم وقلعة محكمة. وبها جوامع ومدارس ومساجد ومزارات وعمائر حسنة وأسواق وحمامات يطول وصفها وهي باب الملك. وأما مدينة أنطاكية فمتسعة جداً بها قبر حبيب النجار. ولها إقليم به عدة قرى. وهي من معاملة حلب. ومن توابع حلب أيضاً مدينة جعبر ومدينة الرحبة وسيجر

وسرمين وإقليم الباب وإقليم كلس وعزاز وسيس بالقرب من البحر المحيط والرمضانية ومدينة قلعة المسلمين وهي لطيفة بها قلعة حصينة إلى الغاية. وهي على شط الفرات. وأما مدينة عين تاب فهي مدينة حسنة. قال فيها أبو الفداء: عين تاب قاعدة ناحيتها. ولها أسواق جليلة وهي مقصودة للتجار والمسافرين. وهي عن حلب في جهة الشمال على ثلاث مراحل وبالقرب من عين تاب دلوك وهو حصن خراب له ذكر في فتوح صلاح الدين ونور الدين. وأما مدينة البيرة فهي مدينة حسنة. ولها قلعة محكمة لطيفة وهي أيضاً على شط الفرات. وهنالك جسر موضوع على مراكب تجوز به الركبان على نهر الفرات. ولها قرى عديدة وهي أيضاً من توابع حلب. وأما مدينة الرها فهي مدينة كبيرة تشتمل على سور وغالبها الآن خراب وبها قلعة حصينة وأهلها من ديار بكر. وبها عدة قرى وهي الآن خراب وأما مملكة ملطية فإنها مدينة حسنة كثيرة المياه والفواكه في أرض مستوية. تشتمل على سور محكم وسبع قلاع وتشتمل على سبعة أقاليم وعلى قرى كثيرة وأهلها من الروم. كانت تحت السلطان علاء الدين حتى فتحها الناصر محمد بن قلاوون وجعلها مملكة بمفردها وكثير من الناس يظن أنها من المملكة الحلبية. ولو أردنا وصف جميع ما يتعلق بملك الشام من المدن لطال المقال وحصل الملال

آثار أوروبا

آثار أوروبا 427 (إفرنجة) . أرض واسعة في آخر غربي الإقليم السادس. ذكر المسعودي أن بها نحو مائة وخمسين مدينة قاعدتها بريزة وأن طولها مسيرة شهر وعرضها أكثر. وأن أهلها الإفرنج وهم نصارى أهل حرب في البر والبحر. ولهم صبر وشدة في حروبهم لا يرون الفرار أصلاً لأن القتل عندهم أسهل من الهزيمة. ومعاشهم على التجارات والصناعات (للقزويني) 428 (برطانية) . أول ما يلقاك إذا ابتدأت من الغرب من العمائر التي خلف الإقليم السابع إلى جهة الشمال جزيرة برطانية. وهي في البحر المحيط. ويقال للبحر الخارج من البحر المحيط بحر برطانية وبحر برديل. وهو محدق بهذه الجزيرة من سائر جهاتها. وبقي لها مدخل إلى الأندلس من الجهة الشرقية الجنوبية. ومسافة هذه الجزيرة في الطول ثمانية عشر يوماً من الجانب الجنوبي. واتساعها نحو أحد عشر يوماً في الوسط. ولها ملك منفرد (لابن سعيد) 429 (بلنسية) . على بحيرة يصب فيها نهر يمر على شمالي بلنسية وهي من شرق الأندلس. وبلنسية في أحسن مكان وقد حفت بالأنهار الجنان فلا ترى إلا مياهاً تتفرع ولا تسمع إلا أطياراً تسجع. ولها بحيرة حسنة وهي على القرب من بحر الزقاق. وحيث خرجت منها لا تلقى إلا منازه. وهي شرقي مرسية وغربي طوطرشة. ومن

مشاهير منازهها الرصافة ومنية ابن عامرٍ. ومن أعمالها مدينة شاطبة وهي حصينة. قال ابن سعيد: ويقال إن ضوء مدينة بلنسية يزيد على ضوء بلاد الأندلس. وجوها صقيل أبداً لا يرى فيه ما يكدره أبداً (لابي الفداء) 430 (جنوة) . وهي على غربي خور عظيم من البحر أعني بحر الروم. والبحر فيما بينها وبين الأندلس يدخل في الشمال. وبالقرب من جنوة جبل الأنبردية. وبلاد جنوة غربي بلاد البيازية. قال الشريف الإدريسي: وجنوة لها جنات وأودية وبها مرسى جيد مأمون ومدخله من الغرب. وعن بعض أهلها أن جنوة في ذيل جبل عظيم وهي على حافة البحر ولها ميناء عليه سور. وهي مدينة كبيرة إلى الغاية. ولها بساتين فيها أنواع الفواكه. ودور أهلها عظيمة كل دار بمنزلة قلعة. ولذلك اغتنوا عن عمل سور على جنوة. ولها عيون ماءٍ منها شربهم وشرب بساتينهم (لابن سعيد) 431 (جيان) . في الأندلس في نهاية من المنعة والحصانة. وهي عن قرطبة في الشرق وبينهما خمسة أيام وبلاد جيان جمعت كثرة العيون والثمار مع طيبة الأرض وبها الحرير الكثير. وجيان من أعظم مدن الأندلس وأكثرها خصباً وحصانة. ولم يقدر النصارى عليها إلا بعد حصار طويل. فسلمها إليهم ابن الأحمر صاحب غرناطة. وكان من أعمال جيان مدينة قجاظة. وهي مدينة نزهة

كثيرة الخصب أخذها النصارى بالسيف (لابي الفداء) 432 (رومة) . هي على جانبي نهر الصفر (أي التيبر) وهي مدينة مشهورة ومقر خليفة النصارى المسمى بالبابا وهي على جنوبي خور البنادقة. وبلاد رومة غربي قلقزية. دور سورها أربعة وعشرون ميلاً وهو مبني بالآجر ولها واد يشق وسط المدينة وعليه قناطر يجاز عليها من الجهة الشرقية إلى الجهة الغربية. وامتداد كنيسة رومة ستمائة ذراع في مثله وهي مسقفة بالرصاص ومفروشة بالرخام وفيها أعمدة كثيرة عظيمة وعلى يمين الداخل من آخر أبوابها حوض رخام عظيم للمعمودية وفيه ماءٍ جار أبدا. وفي صدر الكنيسة كرسي من ذهب يجلس عليه البابا. وتحته باب مصفح بالفضة يدخل منه إلى أربعة أبواب واحد بعد آخر يفضي إلى سرداب فيه مدفون بطرس حواري عيسى. ولهذه المدينة كنيسة أخرى مدفون فيها بولس. وبحذاء قبر بطرس حوض رخام منقوش عظيم فيه فرش الكنيسة وستورها التي تزين بها أعيادهم (للادريسي) 433 (صقلية) . جزيرة بين جزيرة جربة وتونس. ومن مدنها مدينة مسينة. ومسينة في الزاوية الشمالية من جزيرة صقلي. وهي مدينة مشهورة بكثرة العنب والخمر. وهي في جانب الجزيرة المقابل لقلقرية. وجزيرة صقلية كثيرة الزلازل بحيث تكثر تهدم أبنيتها منها. وبالجزيرة أكثر من مائة حصن. ودور جزيرة صقلية

سبعة عشر يوماً وطولها على الاستقامة خمسة أيام. وأكبر مدنها وقاعدتهامدينة بلرم. ولها مدن كثيرة لكن أشهرها هاتان المدينتان أعني بلرم ومسينة. وكانت للمسلمين فخرجت عنهم وهي اليوم للنصارى. قال الشريف الإدريسي: ودور صقلية خمس مائة ميل (لابي الفداء) 434 (طلوزة) . في شرقي بردال مدينة طلوزة من أعمال إفرنجة. يقال إن لصاحبها الفرنجي في الجبال التي في شماليه وشرقيه نيفاً على ألف حصن. وهو قريب من صاحب فرنسة. والنهر في جنوبيها تصعد منه مراكب البحر المحيط إليها بالقصدير والنحاس اللذين يجلبان من جزيرة انكلطرة وجزيرة إرلندة. وتحمل على الظهر إلى نربونة. ومنها تحمل في مراكب الفرنج إلى الإسكندرية (لابن سعيد) 435 (طليطة) . قاعدة الأندلس. وهي في شرقي مدينة وليد على جبل عالٍ. وهي من أمنع البلاد وأحصنها. ولها نهر يمر بأكثرها وهي مدينة أولية ومعنى اسمها أنت فارح. ومنها إلى نهاية الأندلس الشرقية عند الحاجز نحو نصف شهر. وكذلك إلى البحر المحيط بجهة شلب. وهو نهاية الأندلس الغربية وتحدق الأشجار بطليطلة من كل جهة ويصير بها الجلنار في قدر الرمانة من غيرها. ويكون بها الشجرة فيها أنواع من الثمر. ونهر طليطلة ينحدر إليها من عند

حصن هناك يقال له باجة. ويعرف نهر طليطلة به فيقال نهر باجة 436 (قسطنطينية) . قال في العزيزي: وارتفاع سور القسطنطينية أحد وعشرون ذراعاً. ولها أربع عشرة معاملة وحكى لي بعض من سافر إليها قال: سورها كبير وكنيستها مستطيلة ودار الملك تسمى بلاط الملك وليست قريبة من الكنيسة وداخل سورها مزدرع وبساتين. وبالمدينة خراب كثير وأكثر عمارتها بالجانب الشرقي الشمالي. وإلى جانب الكنيسة عمود عال دوره أكثر من ثلاث باعات وعلى رأسه فارس وفرس من نحاس وفي إحدى يدي الفارس كرة وقد فتح أصابع يده الأخرى وهو يشير بها. قيل إن ذلك صورة قسطنطين باني هذه المدينة. قال ابن سعيد: وقسطنطينية بناها قسطنطين رافع دين النصرانية. وبين قسطنطينية وسنوب نحو ستة أيام في البر 437 (لاردة) . من أعمال الأندلس على شرقي نهر يصب في نهر سرقسطة. وفي شرقي لاردة جبل البرت الفاصل بين الأندلس والأرض الكبيرة. وهي مدينة أولية وكانت من قواعد شرق الأندلس. ولها ماء مجلوب في قني قد أعجزت صنعته جميع العالم. قال ابن سعيد: ومدينة لاردة من المدن الجليلة بالجهة المشهورة بالثغر من شرق الأندلس 438 (مرسية) . مدينة محدثة إسلامية بنيت في أيام الأمويين

آثار إفريقية

الأندلسيين. ومرسية في شرق الأندلس تشبه إشبيلية التي في غرب الأندلس بكثرة المنازه والبساتين. وهي على الذراع الشرقي الخارج من عين نهر إشبيلية ومرسية من قواعد شرق الأندلس ولها عدة منتزهات منها الرشاقة وجبل إيل وهو جبل تحته البساتين وبسيط تسرح فيه العيون (لابي الفداء) آثار إفريقية 439 (أجدابية) . مدينة في المغرب وهي مدينة كبيرة في صحراء. أرضها صفاً وأبارها منقورة في الصفا طيبة الماء وبها عين ماء عذبة. ولها بساتين لطاف ونخل يسير وليس بها من الأشجار إلا الأراك. وبها جامع حسن البناء بناه أبو القاسم بن عبيد الله له صومعة مثمنة بديعة العمل وحمامات وفنادق كثيرة وأسواق حافلة مقصودة. وأهلها ذوو يسار أكثرهم أقباط. ولها مرسى على البحر يعرف بالماحور لها ثلاثة قصور بينه وبينها ثمانية عشر ميلاً. وليس لمباني مدينة أجدابية سقوف خشب. إنما هي أقباء طوب لكثرة رياحها ودوام هبوبها. وهي راخية الأسعار كثيرة التمر يأتيها من مدينة أوجلة أصناف التمر (للبكري) 440 (أغمات) . في مكان أفيح طيب التراب كثير النبات والأعشاب. والمياه تخترقه شمالاً ويميناً وحولها جنات محدقة

وبساتين وأشجار ملتفة. وهي طيبة المقام صحيحة الهواء. وبها نهر ليس بالكبير يشق المدينة ويأتيها من جنوبها ويخرج من شماليها وربما جمد بها النهر في الشتاء حتى يجتاز الأطفال عليه. قال: وهذا شيء عايناه غير مرة. وتسمى هذه أغمات وريكة. قال ابن سعيد: ومدينة أغمات في شمالي جبل درن وهي كانت حاضرة البلاد قبل بنيان مراكش. وهي ذات مياه وفواكه كثيرة. وهي في الجنوب بميلة إلى الشرق عن مراكش وهي من أقصى المغرب. قال ابن سعيد أيضاً: كانت كرسي ملك أمير المسلمين يوسف بن تاشفين قبل أن يختط مدينة مراكش ويبنيها وهي مدينة قديمة (للادريسي) 441 (الإسكندرية) . على شط بحر الروم وبها المنارة المشهورة. وبها عمود السواري وطوله نحو ثلاث وأربعين ذراعاً. والمنارة في وسط الماء والبحر محيط بها وهي من بناء الإسكندر ولذلك نسبت إليه وهي موضوعة على رقعة الشطرنج. وهي من أجل المدن وأزقتها كالصلبان لا يضيع فيها الغريب. ولها جزيرة فيها بساتين ومنازه. والحنطة تجلب إلى الإسكندرية ولذلك لا تكون مرخصة لأن أرضها سبخة. ولها سور من الحجر. ولها أربعة أبواب. باب رشيد وباب سدرة وباب البحر وباب رابع لا يفتح إلا يوم الجمعة (لابي الفداء)

442 (بونة) . في ساحل إفريقية على آخر سلطنة بجاية أول سلطنة أفريقية. ولها نهر متوسط يصب في البحر من جهة الغرب عنها. قال في العزيزي: ومدينة بونة هذه مدينة جليلة عامرة على البحر خصبة الزرع كثيرة الفواكه رخية. وبظاهرها معادن الحديد ويزرع بها كتان كثير. وحدث بها عن قريب مغاص على المرجان ليس كمرجان مرسى الخزر. قال الإدريسي: وبونة وسطة ليست بالكبيرة ولا بالصغيرة. وهي على نحر البحر. وكانت لها أسواق حسنة وبساتين قليلةوأكثر فواكهها من باديتها (لابن سعيد) 443 (تهوذا) . من المغرب الأقصى مدينة آهلة كثيرة الثمار والنخيل والزروع. وهي مدينة أولية بنيانها بالحجر. ولها أموال كثيرة وحولها ربض قد خندق على جميعه واستدار بالمدينة. وبها جامع جليل ومساجد كثيرة وأسواق وفنادق ونهر ينصب في جوفها من جبل أوراس. سكانها العرب وقوم من قريش. وإن كانت بينهم وبين من يجاورهم حرب أرسلوا ماء النهر في الخندق المحيط بمدينتهم فشربوا منه وامتنعوا من عدوهم به. وفي المدينة بئر لا تنزح أولية وآبار كثيرة طيبة. وأعداؤهم هوارة ومكناسة. وأهل تهوذا على مذاهب أهل العراق. وحولها بساتين كثيرة من صنوف الثمار وضروب البزر يجود بها البزور وحواليها أزيد من عشرين قرية (للبكري)

444 (تونس) . قاعدة أفريقية وهي على بحيرة مالحة خارجة من البحر. وبين ساحل البحيرة عند تونس وبين فمها عند البحر عشرة أميال. وهو مسافة البحر عن تونس. ودور هذه البحيرة نحو أربعة وعشرين ميلاً. قال في العزيزي: ومدينة تونس مدينة جليلة قديمة البناء. ولها مياه ضعيفة جارية يزرع عليها. وهي كثيرة الغلات خصبة. وجبل زغوان بالقرب منها. وهو عنها في جهة الغرب بميلة إلى الجنوب على مسيرة يومين (لابي الفداء) 445 (تيهرت) . مدينة مسورة من الغرب الأوسط لها ثلاثة أبواب. وهي في سفح جبل يقال له جزول. ولها قصبة مشرفة على السوق تسمى المعصومة. وهي على نهر يأتيها من جهة القبلة يسمى مينة. وهو في قبلها. ونهر آخر يجري من عيون تجتمع تسمى تاتش ومن تاتش شرب أهلها وبساتينها وهو في شرقيها وفيها جميع الثمار وسفرجلها يفوق سفرجل الآفاق حسناً وطعماً ومشماً. وسفرجلها يسمى بالفارس. وهي شديدة البرد كثيرة الغيوم والثلج 446 (دمياط) . مدينة فسيحة الأقطار. متنوعة الثمار عجيبة الترتيب أخذت من كل حسن بنصيب. وهي على شاطئ النيل وأهل الدور الموالية له يستقون منه الماء بالدلاء. وكثير من دورها بها دركات ينزل فيها إلى النيل. وشجر الموز بها كثير يحمل إلى مصر في المركب وغنمها سائمة هملاً بالليل والنهار. ولهذا يقال في دمياط

سورها حلواء وكلابها غنم. وإذا دخلها أحد لم يكن له سبيل إلى الخروج عنها إلا بطابع الوالي. فمن كان من الناس معتبراً طبع له في قطعة كاغد يستظهر به لحراس بابها. وغيرهم يطبع على ذراعه فيستظهر به (لابن بطوطة) قال أبو الفداء: وخربت دمياط في سنة ثمان وأربعين وستمائة. وكانت أسوارها من عمارة المتوكل الخليفة العباسي. وكان سبب تخريبها ما قاساه المسلمون عليها من الشدة مرة بعد أخرى بسبب قصد الفرنج إياها بجموعهم مرة أخرى 447 (مراكش) . من المغرب الأقصى محدثة بناها يوسف بن تاشفين في أرض صحراوية. وجلب إليها المياه وأكثر الناس فيها البساتين فكثر وخمها. ولا يكاد الغريب يسلم فيها من الحمى. وجنوبي مملكة مراكش جبل درن وشماليها مملكة سلا وغربيها البحر المحيط. وشرقيها الجهات التي بين سجلماسة وفاس. ودور مراكش سبعة أميال ولها سبعة عشر باباً. وحرها شديد وهي في شمالي أغمات بميلة يسيرة إلى الغرب وبينهما نحو خمسة عشر ميلاً (لابن سعيد)

الباب الثاني عشر في التاريخ

الباب الثاني عشر في التاريخ خلق العالم والابوين وسقوطهما 448 آدم أبو البشر خلق بعد أن خلق الله تعالى السماء العليا أي الفلك التاسع المتحرك بالحركة الأولى من المشرق إلى المغرب. والأرض وتسع مراتب الملائكة والنور والأركان الأربعة. وخلق تعالى في اليوم الثاني الرقيع وهو سماء الدنيا أي الفلك الثامن وما ضمنه من الأرقعة السبع وفي اليوم الثالث أمر الله تعالى الماء فاجتمع إلى مكان واحد صائراً بحراً. وأظهرت الأرض منبتة عشباً وأشجاراً مثمرة وغير مثمرة. وفي اليوم الرابع قال عز من قائل: لتكن مصابيح أي كواكب في علو الرقيع للفصل بين النهار والليل ولدلالات الأوقات والأيام والأعوام. فرصعت الثوابت بالفلك الثامن والنيران والخمسة المتحيرة كل بفلكه. واستولت الشمس على سلطان النهار. واستولى القمر على سلطان الليل. وبقي الفلك التاسع وحده متطلساً. وفي اليوم الخامس خلق الله تعالى التنانين

أبناء آدم

العظام وكل نفس متحركة في الماء وكل طائر ذي جناح. وفي اليوم السادس خلق الله تعالى الأرض فأخرجت أنفساً حيوانية بهائم وسباعاً وحشرات. قال الكتاب المقدس: إن الرب الإله جبل الإنسان تراباً من الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة فصار الإنسان نفساً حية. وأوقع الرب الإله سباتاً على آدم فنام فاستل إحدى أضلاعه وسد مكانها بلحم. وبنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة فأتى بها آدم. وأسكنهما فردوس عدن وهو الجنة. ومستقرها نحو المشرق. وأباحهما الأكل من جميع ثمار الجنة خلا شجرة معرفة الخير والشر. وأردف ذلك يوم السبت فلم يخلق فيه شيئاً. . . ثم دخل الشيطان في الحية وخدعت حواء فأكلت من الثمرة التي نهاهما الله تعالى عن الأكل منها. وأعطت أيضاً آدم بعلها فأكل. فانفتحت أعين قلبيهما. وأهبط بهما من جنة عدن إلى الأرض. وقد اختلفت علماؤنا في أمر الثمرة المنهي عنها فقال قوم إنها البر. وقال آخر إنها العنب. وقال الأكثرون إنها التين أبناء آدم 449 ثم بعد ستين سنة لانتفاء من الجنة ولدت حواء قايين ثم هابيل. وقرب قايين قرباناً من ثمار أرضه لكونه فلاحاً. فلم يقبل لفساد طريقته. ورفع هابيل قرباناً من أبكار غنمه لكونه راعياً فقبل لحسن سيرته. فأسر قايين عداوة أخيه فقتله غيلة

ذكر الطوفان

ومن بني آدم شيت يقال أنه أول من ابتدع الكتابة وشوق ولده إلى الحياة السعيدة التي كانت لأبيه في الجنة. فانقطعوا إلى جبل حرمون منعكفين على العبادة والنسك والعفة. فسموا لذلك بني ألوهيم أي الإله. وولد شيت أنوش ويقال إنه أول من دعا اسم الرب. ومنحه الله تعالى معرفة الأكوان ومسير الكواكب وولد لأنوش قينان ولقينان مهلليل ولمهلليل يارد وليارد أخنون. وتمسك أخنون هذا بوصايا الله الطاهرة وعمل بها. وتتبع الخير وصدف عن الشر مواظباً على العبادة ثلاثمائة سنة. فنقله الله إلى حيث شاء حياً وقيل إلى الفردوس. وأخنون ولد له لامك ولامك ولد له نوح (لابي الفرج الملطي باختصار) ذكر الطوفان 450 ذكر أهل الأخبار أن نوحاً أول نبي بعث وأن قومه كانوا أهل أوثان يعبدونها من دون الله. فبعث لهم نوح فدعاهم إلى الله فكانوا يبطشون به ويستخفون به. وهو يقول لهم: أللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون. فلما كثر استخفافهم به أوحى الله إليه أن اصنع الفلك فإنهم مغرقون. فأقبل على قطع الخشب وضرب الحديد وتهيئة العود بالقارب وغيره. فصنعه من خشب الساج وجعل طوله ثلاث مائة ذراع. وعرضه خمسين ذراعاً. وطوله في السماء ثلاثين ذراعاً. وكان قومه في خلال صنعه السفينة يأتونه أفواجاً يستخفون

عقله. ويعدون فعله من جنونه ويقولون له: عملت سفينة في البر. فيقول لهم: سوف تعلمون. فلما اطمأنوا في الفلك فتحت أبواب السماء بماء منهمر وتفجرت الأرض عيوناً. فكان بين إرسال الماء وارتفاعه أربعون يوماً. فلما بلغ الماء إليهم أووا إلى الجبال فكانت الجبال تستقبلهم بالحجارة وتغرقهم في الماء فماتوا غرقى. وارتفع الفلك وجعل يجري في موج كالجبال ودار الأرض ولم يبق شيء من الخلائق ولا من الشجر إلا نوح ومن معه. وانتهت الفلك أخيراً إلى جبل عال فنزلت عليه (للشريشي باختصار) 451 وقسم نوح المسكونة بين بنيه عرضاً من الجنوب إلى الشمال. فأعطى بلاد السودان حاماً وبلاد السمر ساماً وبلاد الشقر يافت. ثم مات وله تسعمائة وخمسون سنة. فمن خلق العالم إلى ورود الطوفان على الرأي السبعيني ألفان ومائتان واثنتان وأربعون سنة وسام بن نوح ولد له أرفخشاد وقيل عن نوحاً أوصى إلى سام ابنه وقال له: إني إذا مت فأخرج تابوت أبينا آدم من الفلك وخذ معك من أولادك ملكيصاداق وسيرا معاً بالتابوت إلى حيث يهديكما ملاك الرب. فعملا بهذه الوصية

برج بابل وتبلبل الألسنة

وهداهما الملاك إلى جبل بيت المقدس ووضعا التابوت على قلة هناك فغاص فيها. فعاد سام إلى أهله ولم يعد ملكيصادق لكنه بنى ثم مدينة اسمها أورشليم أي قرية السلام. وسكنها باقي أيامه لهجاً بالعبادة وما أراق دماً. وكان قربانه خبزاً وخمراً فقط. . . وقد ضرب مثلاً للمسيح في نبوءة داود حيث قال: أنت الكاهن إلى الأبد بهيئة ملكيصادق. وعلى تلك القلة التي فيها قبر آدم صلب السيد المسيح برج بابل وتبلبل الألسنة 452 ثم بعد ذلك قال الناس بعضهم لبعض هلموا نضرب لبناً ونحرق آجراً ونبن صرحاً شامخاً في علو السماء يكون لنا ذكراً كيلا نتبدد على وجه الأرض. فلما جدوا بذلك في أرض شنعار ونمرود بن كوش قات راصفي الصرح بصيده. وهو أول ملك قام بأرض بابل. قال الله: هذا ابتداء علمهم ولا يعجزون عن شيء يهتمون به. سوف أفرق لغاتهم لئلا يعرف أحدهم ما يقول الآخر. فبدد الله شملهم على وجه الأرض. وأرسل رياحاً عاصفةً فهدم الصرح ومات فيه نمرود الجبار. وتبلبلت لغات الآدميين فدعي اسم الموضع بابل ذكر ابراهيم 453 تارح بن ناحور ولد إبراهيم. وبنى مورفوس ملك فلسطين مدينة دمشق قبل ميلاد إبراهيم بعشرين سنة. ولما بلغ عمره ستين

ذكر إسحق وولديه

سنة أحرق إبراهيم هيكل الأصنام بقرية الكلدانيين ودخل هاران أخوه ليطفئ النار فاحترق ولذلك فر إبراهيم وعمره ستون سنة مع أبيه تارح وناحور أخيه ولوط بن هاران أخيه المحترق إلى مدينة حران وسكنها أربع عشرة سنة. ثم خاطبه الله قائلاً: انتقل عن هذه الأرض التي هي ديار آبائك إلى حيث آمرك. فأخذ سارا امرأته ولوط ابن أخيه. وصعد إلى أرض كنعان. وحارب ملوك كدر لا عومر وقهرهم. وفي سنة خمس وثمانين من عمره وعده الله أن يجعل نسله كعدد الكواكب التي في السماء وذريته كرمل البحار. فوثق إبراهيم بالله حق الثقة. وبعد مائة سنة مضت من عمر إبراهيم ولد له إسحاق من سارا. ولما حصل لإسحاق تسع عشرة سنة أصعده إبراهيم لجبل نابو (والصحيح جبل موريا) ليضحي به ضحية لله تعالى. ففداه الله بحمل مأخوذ من الشجرة وأنقذه. ولما بلغ إسحاق أربعين سنة نزل إليعازر وليد بيت إبراهيم إلى حران وجاء برفقا زوجة إسحاق. ولما توفي إبراهيم دفن إلى جانب سارا زوجته في المغارة المضاعفة التي ابتاعها من عفرون الحثي ذكر إسحق وولديه 454 وإسحاق بن إبراهيم ولد له توأمان يعقوب وعيسو. وكان يعقوب الأصغر. وفي سبع وسبعين سنة من عمره أخذ من عيسو

أخيه البكورة ومن إسحاق أخيه تبريك البكورة بالحيلة المذكورة في التوراة. وهي أن إسحاق لما طعن في السن ذهب بصره. وكان عيسو أزب ويعقوب أجرد. فألبسته أمه مسك جدي وقدمته إلى إسحاق فقال يعقوب: هذا عيسو ابنك أعطه بركة بكورته فجسه إسحاق وقال: مجسة عيسو وشمائل يعقوب. ومع ارتيابه فيه لم يأب تبريكه. ولما حنق عليه عيسو أوه هرب من قدامه إلى حران. ورأى يعقوب في أول ليلة خرج من بيت أبيه فاراً من أخيه في منامه سلماً منصوباً في الأرض رأسه إلى السماء والملائكة يصعدون وينزلون عليه وعظمة الله ظاهرة في أعلاه. فانتبه يعقوب وقال: لا ريب أن هذا بيت الله. فأخذ الحجر الذي كان تحت رأسه ونصبه مذبحاً. وسكب عليه دهناً رمزاً إلى دهن الميرون الذي به تتقدس هياكل الله عندنا. ووصل يعقوب إلى بيت لابان واختطب راحيل وليا ابنتيه. وولدت له ليا روبيل أي العظيم لله ثم شمعون أي الطائع ثم لاوي أي التام ثم يهوذا أي الشاكر. ومن ذريته ظهر الملك المسيح المدعو ابن داود بالجسد. ثم إياخر أي حاضر الرجاء ثم زبولون أي النجاة من هول الليل. وولدت بلهة أمة راحيل داناً أي الحكم ونفتالي أي المتضرع. وولدت راحيل ابنين يوسف أي الزيادة ثم بنيامين. وولدت زلقا أمة ليا جاد أي الحظ ثم أشير أي المجد. وجملة بني يعقوب اثنا عشر وهم الأسباط

ذكر اسر يوسف

أي قبائل بني إسرائيل. وبعد ميلاد لاوي بثلاث سنين ولدت راحيل يوسف وبيع ابن سبع عشرة سنة (لابي الفرج الملطي باختصار) ذكر اسر يوسف 455 لما كان يوسف من الحسن ومن حب أبيه على ما اشتهر حسدته إخوته وألقوه في الجب. وأقام يوسف في الجب حتى مرت بإخوته السيارة. فأخرجوا يوسف من الجب وباعوه للعرب بثمن بخس. قيل عشرون درهماً. وذهبوا به إلى مصر فباعه أستاذه فاشتراه الذي على خزائن مصر. قال ابن إسحاق: اشتراه عزيز مصر وهو وزيرها أو صاحب شرطتها واسمه إطفير وقيل فوطيفار. وكان فرعون مصر حينئذ الريان بن الوليد رجلاً من العماليق. ولما اشترى العزيز يوسف راودته امرأته عن نفسها فأبى وهرب منها. ووصل أمرها إلى زوجها. وما زالت تشكو إليه من يوسف حتى حبسه ودام في السجن. ثم عبر الرؤيا للمحبوسين من أصحاب الملك والرؤيا التي أريها فرعون. ثم استعمله ملك مصر عندما خشي السنة والغلاء على خزائن الزرع في سائر مملكته بقدر جمعها وتصريف الأرزاق منها وأطلق يده بذلك في جميع أعماله وألبسه خاتمه وحمله على مركبته. ويسف لذلك العهد ابن ثلاثين سنة. وكان ذلك سبباً لانتظام شمله بأبيه وإخوته لما أسابتهم السنة بأرض كنعان. وجاء

ولادة موسى

بعضهم للميرة وكال لهم يوسف ورد عليهم بضاعتهم وطالبهم بحضور أخيهم. فكان ذلك كله سبباً لاجتماعه بأبيه يعقوب بعد أن كبر وعمي. ولما وصل يعقوب إلى بلبيس قريباً من مصر خرج يوسف ليلقاه. وأطلق لهم فرعون أرض بلبيس يسكنون بها وينتفعون. وعاش يعقوب مجتمعاً ببنيه سبع سنين وأوصى يوسف قبل وفاته أن يدفنه مع أبيه إسحاق. ففعل يوسف ذلك. فسار به إلى أرض فلسطين وخرج معه أكابر مصر وشيوخها بإذن من فرعون. وانتهوا إلى مدفن إبراهيم وإسحق فدفنوه في المغارة عندهما. وانتقلوا إلى مصر على أن أدركته الوفاة فقبض لمائة وعشرين من عمره. وأدرج في تابوت وختم عليه ودفن. وكان أوصى أن يحمل عند خروج بني إسرائيل إلى أرض فلسطين فيدفن هنالك. ولم تزل وصيته محفوظة إلى أن حمله موسى عند خروجه ببني إسرائيل من مصر (لابي الفداء وابن الأثير وغيرهما) ولادة موسى 456 وبعد وفاة يوسف أقام الأسباط بمصر وتناسلوا وكثروا حتى ارتاب القبط بكثرتهم واستعبدوهم. وفي التوراة أن ملكاً من الفراعنة جاء بعد يوسف لم يعرف شأنه ولا مقامه في دولة آبائه. فاسترق ببني إسرائيل واستعبدهم. فعمد الفراعنة إلى قطع نسلهم بذبح الذكور من ذريتهم. فلم يزالوا على ذلك مدة من الزمان

بعثة موسى

حتى ولد موسى وهو موسى بن عمران بن لاوي من القادمين إلى مصر مع يعقوب. وولد عمران بمصر ولد هارون لثلاث وسبعين من عمره وموسى لثمانين فجعلته أمه في تابوت. وألقته في ضحضاح اليم وأرصدت أخته على بعد لتنظر من يلتقطه فتعرفه. فجاءت ابنة فرعون إلى البحر مع جواريها فرأته واستخرجته من التابوت. فرحمته وقالت: هذا من العبرانيين فمن لنا بظئر ترضعه. فقالت لها أخته: أنا آتيكم بها. وجاءت بأمه فاسترضعتها له ابنة فرعون إلى أن فصل. فأتت به إلى ابنة فرعون وسمته موسى وسلمته لها. فنشأ عندها ثم شب وخرج يوماً يمشي في الناس وله صولة بما كان له في بيت فرعون من المربى والرضاع فهم لذلك أخواله. فرأى عبرانياً يضربه مصري فقتل المصري الذي ضربه ودفنه. وخرج يوماً آخر فإذا هو برجلين من بني إسرائيل وقد سطا أحدهما على الآخر فزجره فقال له: ومن جعل لك هذا أتريد أن تقتلني كما قتلت الآخر بالأمس. ونمى الخبر إلى فرعون فطلبه وهرب موسى إلى أرض مدين عند عقبة إيلة. وبنو مدين أمة عظيمة من بني إبراهيم عليه السلام كانوا ساكنين هنالك. وكان ذلك لأربعين سنة من عمره (لابن خلدون) بعثة موسى 457 ولما بلغ موسى ثمانين سنة وكان يرعى غنم يثرون حميه.

خروج آل اسرائيل من مصر

تراءى له ملاك الرب في جبل حوريب وهو طور سينا بلهيب النار في العوسج والعوسج لا يحترق فدعاه الله من العوسج قائلاً: يا موسى. فقال: ها أنا. فقال له: حل نعليك من قدميك لأن المكان الذي أنت قائم عليه مقدس. ثم قال له الرب: قد سمعت استغاثة شعبي من المصريين ونزلت لخلاصهم على يدك. فقال موسى: من أنا حتى أمضي إلى فرعون رسولا. فقال له الله: أنا أكون معك. قال موسى: فإن قالوا لي ما اسم ربك فماذا أقول لهم. قال: قل الأزلي الذي لا يزال. فقال موسى: إن لساني ألثغ ثقيل النطق كيف يقبل مني فرعون. قال الله له: إني قد جعلتك إلها لفرعون وهارون أخاك نبياً بين يديك يقول لفرعون ما نقص عليه فيرسل ابني بكري إسرائيل. وأنا أقسي قلب فرعون فلا يطيعكما فأظهر آياتي بأرض مصر. فلما مضى موسى وهارون إلى فرعون بالرسالة. قال لهما: اصنعا لي آية. فألقى موسى عصاه فإذا هي تنين. فدعا فرعون السحرة ففعلوا كذلك. فابتلعت عصا موسى عصيهم. ومع هذا أبى فرعون أن يرسلهم. فصنع الرب بمصر من الآيات ما قد شرح في التوراة (لابي الفرج الملطي) خروج آل اسرائيل من مصر 458 ثم تمادى فرعون في تكذيب موسى ومناصبته. واشتد جوره على بني إسرائيل واستعبادهم واتخاذهم سخرياً في مهنة الأعمال

فأصابت فرعون وقومه الجوائح العشرة واحدة بعد أخرى. يسالمهم عند وقوعها ويتضرع إلى موسى في الدعاء بانجلائها إلى أن أوحى الله إلى موسى بخروج بني إسرائيل من مصر. ففي التوراة أنهم أمروا عند خروجهم أن يذبح أهل كل بيت حملاً من الغنم إن كان كفايتهم أو يشتركوا مع جيرانهم إن كان أكثر. وإن ينضحوا دمه على أبوابهم لتكون علامة. وأن يأكلوه سواء برأسه وأطرافه. ومعناه لا يكسرون منه عظماً ولا يدعون شيئاً خارج البيوت. وليكن خبزهم فطيراً ذلك اليوم وسبعة أيام بعده. وذلك في اليوم الرابع عشر من فصل الربيع وليأكلوا بسرعة وأوساطهم مشدودة وخفافهم في أرجلهم وعصيهم في أيديهم ويخرجوا ليلاً. وما فضل من عشائهم ذلك يحرقوه بالنار. وشرع هذا عيداً لهم ولأعقابهم ويسمى عيد الفصح. وفي التوراة أيضاً أنه قتل في تلك الليلة أبكار النساء من القبط ودوابهم ومواشيهم. ليكون لهم بذلك شغل عن بني إسرائيل. وأنهم أمروا أن يستعيروا منهم حلياً كثيراً يخرجون به فاستعاروه. وخرجوا في تلك الليلة بما معهم من الدواب والأنعام وكانوا ستمائة ألف أو يزيدون. وشغل القبط عنهم بالمآتم التي كانوا فيها على موتاهم. وأخرجوا معهم تابوت يوسف استخرجه موسى من المدفن الذي كان به بإلهام من الله تعالى. وساروا لوجههم حتى انتهوا إلى ساحل البحر بجانب الطور.

وأدركهم فرعون وجنوده وأمر موسى بأن يضرب البحر بعصاه ويقتحمه. فضربه فانفلق وسار فيه بنو إسرائيل وفرعون وجنوده في اتباعه فهلكوا. ونزل بنو إسرائيل بجانب الطور وسبحوا مع موسى بالتسبيح المنقول عندهم. وهو نسبح الرب البهي الذي قهر الجنود ونبذ فرسانها في البحر المنيع المحمود إلى آخره. قالوا وكانت مريم أخت موسى وهارون تأخذ الدف بيدها ونساء بني إسرائيل في أثرها بالدفوف والطبول وهي ترتل لهن التسبيح: سبحان الرب القهار الذي قهر الخيول وركبانها ألقاها في البحر وهو معنى الأول

السير في البرية

السير في البرية 459 ثم ارتحل بنو إسرائيل من بحر القلزم إلى برية شور ثم إلى برية سين. وشكوا الجوع فبعث الله لهم المن حباتٍ بيضاً منتشرة على الأرض مثل ذرير الكزبرة. فكانوا يطحنونه ويتخذون منه الخبز لأكلهم. ثم قرموا إلى اللحم فبعث لهم السلوى طيراً يخرج من البحر وهو طير السماني فيأكلون منه ويدخرون. ثم طلبوا الماء فأمر أن يضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه المياه (لابن خلدون) اعطاء الوصايا 460 ثم قال الله لموسى: اصعد إلي أنت وهارون وناداب وأبيهو ولداه وسبعون شيخاً. ففعلوا ذلك ودنا موسى وحده والباقون وقفوا أسفل الجبل. وعرفهم موسى وصايا الله. ثم نزلوا وأقام موسى بالجبل أربعين يوماً صائماً. وتقدم الله إليه بالفرائض مكتوبة في لوحين من حجر. ولما استبطأ بنو إسرائيل مجيء موسى قالوا لهارون: قم اعمل لنا إلهاً يمضي أمامنا لأن أخاك ما نعلم ما كان منه. وأحضروه حلي الذهب التي لنسائهم وأولادهم وأحدثوا العجل. ولما عاد موسى عرف فعلهم غضب غضباً شديداً وضرب باللوحين سفح الجبل وكسرهما. وألقى على العجل المبارد وطرح سحالته في النار ورمى رماده في الماء وأمر بني إسرائيل أن يشربوا منه جميعهم. وقال لبني لاوي:

التيه

الرب يأمركم أن يقتل الرجل منكم أخاه ونسيبه فقتل منهم ثلاثة آلاف رجل 461 ثم رقي موسى إلى الجبل ومعه لوحان من حجرٍ. وأقام فيه أربعين يوماً صائماً طاوياً لياليها وعاد نازلاً وبيده اللوحان مكتوبة فيهما العشر وصايا وهي: الرب إلهك واحد. فِ بيمينك. إحفظ يوم السبت. أكرم والديك. لا تقتل. لا تزن. لا تسرق. لا تشهد بالزور. لا تتمن منزل أخيك. لا تتمن قنية رفيقك. وقال الله: ملعون من يشتم والديه. ملعون من يظلم جاره. ملعون من يضل الأعمى عن السبيل. ملعونن من يحيف في القضاء على اليتيم والمسكين ومن يضرب صاحبه غيلة ومن يرشو في قتل نفس. ملعون من لا يثبت على هذه السنن. فإن أنتم خالفتموها تزرعون ويأكل زرعكم أعداؤكم. وتنهزمون من غير أن يطردكم أحد. وأرسل عليكم الوحوش فتفنيكم. ولا تشبعون طعاماً ولا تروون ماءً. ولا تقبل لكم صلاة وأخرب أرضكم وأبددكم بين الأمم المبغضة لكم وأختس قدركم (لابي الفرج) التيه 462 ولما دخل بنو إسرائيل البرية بعثوا منهم اثني عشر نقيباً من جميع الأسباط فأتوهم بالخبر عن الجبارين. فاستطابوا البلاد واستعظموا العدو من الكنعانيين والعمالقة. ورجعوا إلى قومهم

يخبرونهم الخبر وخذلوهم إلا يوشع وكالب. فقالا لهم ما قالا. وهما الرجلان اللذان أنعم الله عليهما. وخام بنو إسرائيل عن اللقاء وأبوا من السير إلى عدوهم والأرض التي ملكهم الله إلى أن يهلك الله عدوهم على غير أيديهم. فسخط الله ذلك منهم. وعاقبهم بأن لا يدخل الأرض المقدسة أحد من ذلك الجبل إلا كالب ويوشع. وإنما يدخلها أبناؤهم والجيل الذي بعدهم 463 وأقاموا على ذلك ثم ارتاب واحد منهم اسمه قورح بن بصهار ابن قهات وهو ابن عم موسى فارتاب هو وجماعة منهم من بني إسرائيل بشأن موسى. واعتمدوا مناصبته فأصابتهم قارعة وخسفت بهم وبه الأرض. وأصبحوا عبرة للمعتبرين. واعتزم بنو إسرائيل على الاستقالة مما فعلوه والزحف إلى العدو. ونهاهم موسى عن ذلك فلم ينتهوا وصعدوا جبل العمالقة فحاربهم أهل ذلك الجبل فهزموهم وقتلوهم في كل وجه. فأمسكوا وأقام موسى على الاستغفار لهم. فأرسل إلى ملك أدوم يطلب الجواز عليه إلى الأرض المقدسة فمنعهم وحال دون ذلك 464 ثم قبض هارون لمائة وثلاث وعشرين سنة من عمره ولأربعين سنة من يوم خروجهم من مصر. وحزن له بنو إسرائيل لأنه كان شديد الشفقة عليهم. وقام بأمره الذي كان يقوم به ابنه ألعازار. ثم زحف بنو إسرائيل إلى بعض ملوك كنعان فهزموهم

وقتلوهم وغنموا ما أصابوا معهم. وبعثوا إلى سيحون ملك الأموريين من كنعان في الجواز في أرضه إلى الأرض المقدسة فمنعهم. وجمع قومه وغزا بني إسرائيل في البرية فحاربوه وهزموه وملكوا بلاده إلى حد بني عمون. ونزلوا مدينته وكانت لبني موآب وتغلب عليها سيحون. ثم قاتلوا عوجاً وقومه من كنعان وهو المشهور بعوج بن عنق وكان شديد البأس فهزموه وقاتلوه وبنيه وأثخنوا في أرضه وورثوا أرضهم إلى الأردن بناحية أريحا. وخشي ملك بني موآب من بني إسرائيل واستجاش بمن يجاوره من بني مدين وجمعهم. ثم أرسل إلى بلعام بن بعور وكان ينزل في التخم. بين بلاد بني عمون وبني موآب وكان مجاب الدعوة معبراً للأحلام. واستدعاه ليستعين بدعائه فأتاه الوحي بالنهي عن الدعاء. وألح عليه ذلك الملك وأصعده إلى الأماكن الشاهقة وأراه معسكر بني إسرائيل منها فدعا لهم وأنطقه الله بظهورهم وأنهم يملكون إلى الموصل. فغضب الملك وانصرف بلعام إلى بلده. وفشا في بني إسرائيل الفساد فهلك منهم أربعة وعشرون ألفاً. ثم أقاموا كذلك أربعين سنة في برية سينا وفاران يترددون حوالي جبال الشراة وأرض ساعير وأرض بلاد الكرك والشوبك وموسى بين ظهرانيهم يسأل الله لطفه بهم ومغفرته ويدفع عنهم مهالك سخطه. حتى ارتحل بنو إسرائيل ونزلوا شاطئ الأردن. وقال الله: قد ملكتكم ما بين الأردن

قضاة اسرائيل

والفرات كما وعدت آباءكم. وأكمل الله الشريعة والأحكام والوصايا لموسى وقبضه إليه لمائة وعشرين سنة من عمره بعد أن عهد إلى فتاه يشوع أن يدخل ببني إسرائيل إلى الأرض المقدسة ليسكنوها. ويعملوا بالشريعة التي فرضت عليهم فيها. ودفن بالوادي في أرض موآب ولم يعرف قبره لهذا العهد (لابن خلدون) قضاة اسرائيل يشوع بن نون 465 ولما مات موسى قام بتدبر بني إسرائيل يشوع بن نون وأقام بهم في التيه ثلاثة أيام. ثم ارتحل بهم إلى الشريعة بالغور واسمه الأردن. فلم يجد سبيلاً للعبور فأمر يشوع حاملي صندوق الشهادة الذي فيه الألواح بأن ينزلوا إلى حافة الشريعة. فوقفت حتى انكشفت أرضها وعبر بنو إسرائيل ثم عادت الشريعة كما كانت. ونزل يشوع بهم على أريحا محاصراً لها ثم أمر بني إسرائيل أن يطوفوا حول أريحا سبع مرات وأن يصوتوا بالقرون. فعندما فعلوا هبطت الأسوار ورسخت وتساوت بالخنادق بها. ودخل بنو إسرائيل أريحا بالسيف وقتلوا أهلها. وبعدها سار إلى نابلس إلى المكان الذي بيع فيه يوسف فدفن عظام يوسف هناك. وكان

دبورة وبارق

موسى قد استخرج يوسف من مصر واستصحبه إلى التيه. وبقي معهم أربعين سنة. وتسلمه يشوع إلى أن دفنه بعد فراغه من أريحا. وملك يشوع الشام وفرق فيه عماله ودبر بني إسرائيل نحو ثمان وعشرين سنة. ثم توفي يشوع ودفن في كفر حارس (تمنة سارح) (لابن الوردي) دبورة وبارق 466 وبعد وفاة يشوع تغلب يابين ملك حاصور على أمة إسرائيل عشرين سنة. وكان لقائد جيشه رجل اسمه سيسرا تسع مائة مركبة من حديد يجر كل واحدة منها أربعة أفراس تحمل نفراً من الرجال المقاتلين. وكانت الأمة معه في ضنك شديد فاستغاثوا إلى الله فأنشأ لهم امرأة نبية اسمها دبورة فأنقذتهم منه. ولما تولت دبورة النبية وهي من سبط أفرائيم أمر بني إسرائيل أشركت معها في التدبير رجلاً اسمه بارق من سبط نفتالي. ووليا الأمر أربعين سنة وجيش بارق من بني إسرائيل عشرة آلاف رجل مقاتل. والتقى عساكر سيسرا الجمة فانكسر الكنعانيون. ونزل سيسرا عن فرسه ملتجئاً إلى امرأة من بني إسرائيل اسمها ياعيل. فعرفته وآوته في منزلها وسقته عوض الماء الذي طلبه لبناً ودثرته فنام وحيث ثقل في نومه أخذت سكة من حديد وسمرتها في صماخه حتى مات. ثم خرجت إلى باب منزلها فرأت بارق مجداً في طلب سيسرا فقالت له:

المديانيون وجدعون

هلم أريك من تريد. فدخل ورأى سيسرا ملقى ميتاً والسكة في أذنه. وما زال بارق في طلب يابين ملك حاصور حتى ظفر به فقتله المديانيون وجدعون 467 وبعد موت دبورة وبارق توثن بنو إسرائيل كعادتهم وأسلموا في يدي بني مدين فاستعبدوهم سبع سنين. وهرب بنو إسرائيل من شدة ما قاسوا من المديانيين واتخذوا لهم بيوتاً الكهوف والمغارات وسكنوها. وصار كلما زرعوا زرعاً صعدت العمالقة والمديانيون ورعوه وقرضوه وأقلحوا وجه الأرض من كل نبات بكثرة أنعامهم وماشيتهم وأغنامهم. ولما رأى الله ذل بني إسرائيل رحمهم وأرسل ملاكاً إلى رجل اسمه جدعون بن يوآش. وأمره أن يتولى خلاص الإسرائيليين. فولي تدبيرهم أربعين سنة. وقتل ملوك الأعراب مضطهديهم يفتاح 468 ثم ولي تدبير بني إسرائيل أبيملك بن جدعون ثم تولع ثم يائير الجلعادي ثم يفتاح. وفي زمانه طغا بنو إسرائيل في عبادة الأوثان فأسلمهم الله في أيدي بني عمون فنكد بهم عيش الأمة ثماني عشرة سنة. ويفتاح هذا قتل ملك بني عمون وهم بنو لوط وكان قد نذر على نفسه أنه إن ظفر بالعدو وكر منتصراً أول من لمح من ذوي قرابته قربه لله تعالى قرباناً. فلما انتصر وعاد دانياً من منزله

شمشون

أقبلت عليه ابنته العذراء تهنئه بالنصر فقال لها: كبت لوجهي كبتاً يا ابنتي وأنا اليوم اكببت على وجهي بك. فعلمت ما به واستمهلته شهرين أن تنوح على بكارتها مع أترابها دائرة في الصحارى. فأذن لها في ذلك وعند تمام المدة ضحى بها ضحية بموجب ندره المكروه. وكان مدة ولايته ست سنين (لابي الفرج) شمشون 469 ثم بعد ذلك عبد بنو إسرائيل الأصنام وسلط الله عليهم بني فلسطين فقهروهم أربعين سنة. ثم خلصهم من أيديهم شمشون ابن مانوح من سبط دان ويعرف بشمشون القوي لفضل قوة كانت في يده ويعرف أيضاً بالجبار. وكان عظيم سبطه ودبر بني إسرائيل عشر سنين بل عشرين سنة. وكثرت حروبه مع بني فلسطين وأثخن فيهم وأتيح لهم عليه في بعض الأيام فأسروه ثم حملوه وحبسوه. واستدعاه ملكهم يوماً إلى بيت آلهتهم. فأمسك عمود البيت وهزه بيده فسقط البيت على من فيه وماتوا جميعاً عالي الكاهن 470 ولما هلك شمشون وقعت الفتنة بين بني إسرائيل ففني فيها سبط بنيامين عن آخرهم. ثم سكنت الفتنة وكان الكاهن فيهم لذلك العهد عالي. فلما سكنت الفتنة كانوا يرجعون إليه في أحكامهم وحروبهم. وكان له ابنان عاصيان لم يحسن تربيتهما. وكثر

صموئيل

لعهده قتال بني فلسطين. وفشا المنكر من ولديه وأمر بدفعهما عن ذلك فلم يزدادا إلا عتواً وطغياناً. وأنذره الأنبياء بذهاب الأمر عنه وعن ولده. ثم هزمهم بنو فلسطين في بعض أيامهم وأصابوا منهم. فتذامر بنو إسرائيل واحتشدوا وحملوا معهم تابوت العهد ولقيهم بنو فلسطين فانهزم بنو إسرائيل أمامهم وقتلوا ابني عالي الكاهن كما أنذر به أبوهما وصموئيل. وبلغ أباهما الكاهن خبر مقتلهما فمات أسفاً لعشرين سنة من دولته. وغنم بنو فلسطين التابوت فيما غنموه واحتملوه إلى بلادهم بعسقلان وغزة وضربوا الجزية على بني إسرائيل. ولما مضى القوم بالتابوت وضعوه عند آلهتهم فقلاها مراراً. فأخرجوه إلى ناحية من القرية فأصيبوا. فتبادروا بإخراجه وحملوه على بقرتين لهما تبيعان فوضعتاه عند أرض بني إسرائيل. وأقبل إليه بنو إسرائيل فكان لا يدنو منه أحد إلا مات. حتى أذن صموئيل لرجلين منهم حملاه إلى بيتهما فكان هنالك حتى ملك طالوت (لابن العميد النصراني بتصرف) صموئيل 471 وكان عالي الكاهن قد كفل صموئيل. وكانت أم صموئيل نذرت أن تجعله خادماً في المسجد. وألقته هنالك فكفله عالي. وأوصى له بالكهونية. ثم أكرمه الله بالنبوءة. وولاه بنو إسرائيل أحكامهم فدبرهم عشر سنين. وقال جرجيس بن العميد: عشرين

ملوك اسرائيل

سنة. ونهاهم عن عبادة الأوثان فانتهوا. وحاربوا أهل فلسطين واستردوا ما كانوا أخذوا لهم من القرى والبلاد واستقام أمرهم. ثم دفع الأمر إلى ابنيه يوآل وأبيا وكانت سيرتهما سيئة. فاجتمع بنو إسرائيل إلى صموئيل وطلبوه أن يسأل الله في ولاية ملك عليهم. فجاء الوحي بولاية طالوت فولاه. وصار أمر بني إسرائيل ملكاً بعد أن كان مشيخة والله معقب الأمر بحكمته لا رب غيره (لابن خلدون) ملوك اسرائيل تملك شاول 472 كان شاول من سبط بنيامين وتسميه العرب طالوت. كان شاباً لم يكن في بني إسرائيل أتم منه خلقة. فخرج يوماً مع غلام له طائفين على أتن ضلت لهما. وانتهيا إلى القرية التي فيها صموئيل النبي. وقال الغلام لشاول: ههنا رجل عظيم نذهب إليه لعله يدلنا على الأتن. وعندما هما بذلك خرج إليهما صموئيل. فقالا له: دلنا على بيت النظار. لأن في ذلك الزمان كانت تسمى الأنبياء نظارة. فقال لهما: أنا النظار ادخلا منزلي وكلا معي طعاماً فأنبئكما عن بغيتكما. فلما دخلا معه البيت. قال لهما: لا تهتما بأمر الأتن فقد وجدت. ولم تكن لذة بني إسرائيل إلا لك يا شاول ولآل أبيك. فقال له شاول مستعفياً: قبيلتي أقل سبط بنيامين.

مسيح داود

وأخذ صموئيل قرن الدهن وأفاضه على رأس شاول قائلاً: إن الله اصطفاك لتكون ملكاً لميراثه (لابي الفرج) 473 وكان لطالوت من الولد يوناثان وملكيشوع وإشبوشت وأبيناداب. وقام طالوت بملك بني إسرائيل. وحارب أعداءهم من بني فلسطين وعمون وموآب والعمالقة ومدين. فغلب جميعهم ونصر بنو إسرائيل نصر الأكفاء له. وأول من زحف إليهم ملك بني عمون ونازل قرية بلقاء فهجم عليهم طالوت وهو في ثلاثمائة ألف من بني إسرائيل فهزمهم واستلحمهم. ثم أغزى ابنه في عساكر بني إسرائيل إلى فلسطين فنال منهم. واجتمعوا لحرب بني إسرائيل فزحف إليهم طالوت وصموئيل فانهزموا واستلحمهم بنو إسرائيل. وأمر شاول أن يسير إلى العمالقة وأن يقتلهم ودوابهم ففعل واستبقى ملكهم أجاج مع بعض الأنعام. فجاء الوحي إلى صموئيل بأنَّ الله قد سخطه وسلبه الملك فخبره بذلك. وهجره صموئيل فلم يره بعد. وأمر صموئيل أن يقدس داود (لابن خلدون) مسيح داود 474 فأوحى الله إلى صموئيل: قم وانطلق إلى شخص اسمه يسي من قرية بيت لحم فقد ارتضيت من بنيه ملكاً. فمضى إليه صموئيل وقال: أريد أن أمسح أحد أولادك ملكاً. فقال له يسي: أنى لي بذلك. وأحضر ابنه الكبير فأعجبه حسنه فأوحى الله إليه أن:

جليات وداود

نظري ليس كنظر البشر. فأعرض عنه ووقف صموئيل حتى عرض عليه سبعة من بنيه. فلم يفض على أحدهم. فقال ليسى: هل بقي من بنيك أحد. قال: بقي غلام وهو أصغرهم سناً يرعى الغنم. فقال: ائتني به. فأحضره يسى وأفاض عليه القرن ومسح ملكاً ومضى إلى منزله جليات وداود 475 وفي تلك الأيام ظهر علج من الفلسطينيين اسمه جليات والعرب تسميه جالوت. وكان يسب بني إسرائيل ويستهين بهم. فدنا منه داود قائلاً: أنت أتيتني بالسيف والدرقة وأنا أتيتك باسم الرب الذي عيرت صفوفه. وتناول داود حجراً من خريطته فوضعه في مقلاعه. ثم رماه فغيبه في جبهة العلج فوقع على وجهه. فسل داود سيفاً وقطع به رأسه 476 وكان شاول قد أصابه ريح سوءٍ فقيل له: ليكن عندك إنسان جيد الضرب بالصنج ذي الأوتار ليلهيك عما بك. ووصف له داود أنه ماهر في ذلك. فطلبه من أبيه وكان يلهيه. وكانت بنات إسرائيل بعد قتل داود جليات يغنين ويصرخن ويقلن: قتل شاول ألوفاً وداود عشرات ألوف. فحسد شاول داود وزج يوماً برمح لطيف كان عنده بيده نحوه. فارتاع لذلك داود. فخافه شاول ورأسه على ألف رجل وقال يوماً: من آتاني برأس مائتي فلسطيني

موت شاول

زوجته ابنتي ميكال. فخرج داود وقتل منهم مائتي رجل وأتاه برؤوسهم فزوجه إياها فأحبت داود حباً شديداً. وكذلك أخوها يوناثان وجميع بني إسرائيل. وحذر يوناثان داود من أبيه وهربه إلى بعض الجبال. وخرج شاول في طلبه حتى أتى مع أصحابه إلى مغارة في ذلك الجبل وباتوا فيها. فسار داود ليلاً وأتى إلى المغارة وصادف شاول نائماً فقطع قطعة من ردائه ورجع إلى أصحابه. ولما أصبح النهار وخرج شاول من المغارة ناداه داود وقبل الأرض بين يديه وقال له: لا تسمع في سيدي قول واشٍ فقد أسلمك الله في يدي اليوم ولم يدركك مني سوء وهذا طرف ردائك معي. قال له شاول: جزاك الله خيراً إنك ستملك. فاحلف لي أنك لا تهلك ذريتي. فحلف له ومضى شاول إلى منزله. ومات صموئيل النبي. وخرج شاول في طلب داود مرة ثانية ونام في بعض الطريق ليلاً مع أصحابه. فأتاه داود وهو نائم ورام أصحاب داود قتله. فمنعهم قائلاً: لا يحل لأحد أن يمد يده إلى مسيح الرب اتركوه ليومه. ثم أخذ رمحه وكوز الماء وانطلق فعلم شاول وقال: خطئت في طلبك يا داود ولست بعائد موت شاول 477 وقاتل بعد ذلك الفلسطينيون بني إسرائيل وقتل يوناثان وإخوته. وهرب شاول وخاف أن يدركوه فتحامل على سيفه حتى

ملك داود بن يسى

خرج من ظهره. وأدركه القوم فقطعوا رأسه وأنفذوه إلى بيوت أصنامهم وصلبوا جسده على سور مدينتهم. وجاء شخص من بني إسرائيل وادعى أنه قتل شاول. فقال له داود: كيف طاوعتك نفسك أن تقتل مسيح الله. فقتله وناح داود وأصحابه على شاول ويوناثان ابنه. ورثاهما قائلاً: إن حجفة شاول مصبوغة بدم القتلى وقوس يوناثان لم تكن تنكص إلى ورائها وحربة شاول لم تكن تنثني. لقد كان أخف من النسور سيراً وأشجع من الأسد بطشاً. يا بنات إسرائيل ابكينان شاول الذي كان يكسوكن الأرجوان والبهرمان. وكان مدة ملكه على رأي أوسا بيوس أربعين سنة ملك داود بن يسى 478 لما قتل شاول استقام داود في ملكه وقال لناثان النبي يومئذ: أنا ساكن في بيوت الأرز وسكينة الرب يعني مسكن الزمان في الخيم أفلا أبني له بيتاً فأوحى الله إلى ناثان النبي وقال له: قل لعبدي داود لا تبني لي بيتاً لأن ابنك الذي أقيمه مكانك هو يبني بيتاً على اسمي. ثم تقدم داود إلى يوآب قائد جيشه ليحصي عدد مقاتلة بني إسرائيل. فغاب يوآب عنه في مدن بني إسرائيل وقراهم تسعة أشهر وعشرين يوماً. ثم أتاه وقال له: وجدت عدة مقاتلة بني إسرائيل ثمانمائة ألف رجل وبني يهوذا خمسمائة ألف نفس. فأوحى الله إلى جاد النبي قائلاً: قل لداود قد رأيت الغلبة بكثرة

جيوشك ولم تعلم أني الناصر فها أنا مبتليك عن ذلك بإحدى ثلاث فاختر واحدة منهن: إما قحط سبع سنين. وإما استيلاء عدو ثلاثة أشهر. وإما موتان ثلاثة أيام. فقال داود: أن تكون يد الله مؤدبتنا خير لنا. فاختار الموت. فمات من الصبح إلى ثلاث ساعات من النهار سبعون ألفاً من رجال بني إسرائيل. فقال داود: إلهي وسيدي إن كنت خطئت فما ذنب هذه الغنم. أحلل عقوبتك بي وببيت أبي. فرفع الله الموت عنهم. وآتاه مع الملك النبوة وتلا الزبور. وانتخب من سبط لاوي مائة وثمانية وثمانين شيخاً يرتلون المزامير ترتيلاً كل أسبوع أربعة وعشرون منهم اثنا عشر في صف واثنا عشر في آخر (لابي الفرج) 479 وقاتل داود بني كنعان فغلبهم. ثم طالت حروبه مع بني فلسطين واستولى على كثير من بلادهم ورتب عليهم الخراج. ثم حارب أهل موآب وأمون وأهل أدوم وظفر بهم وضرب عليهم الجزية ثم خرب بلادهم. واختط مدينة صهيون وسكنها. ثم انتفض عليه ابنه أيشالوم وقتل أخاه أمون غيرة منه وهرب. ثم استماله داود ورده وأهدر دم أخيه وصير له الحكم بين الناس. ثم رجع ثانياً لأربع سنين بعدها وخرج معه سائر الأسباط. فهزمه داود وأدركه يوآب وزير داود وقد تعلق بشجرة فقتله. وقتل في الهزيمة عشرون ألفاً من بني إسرائيل. وسيق رأس أبشالوم لولي

ملك سليمان بن داود

أبيه داود فبكى عليه وحزن طويلاً. واستألف الأسباط ورضي عنهم ورضوا عنه. ثم عهد عند تمام أربعين سنة من دولته لابنه سليمان. ومسحه ناثان النبي وصادوق الحبر مسحة التقديس (لابن خلدون) ملك سليمان بن داود 480 ولي الملك سليمان وهو ابن اثنتي عشرة سنة. وعند ذلك أوحى الله إليه في المنام وقال له: سلني ما أحببت حتى أعطيكه. فقال سليمان: يا ربي قوتي تعجز عن التدبير ولا علم لي بالقضاء بين شعبك فامنحني قلباً فهماً وعقلاً رزيناً. فقال له: سأعطيك ما لم يكن لأحد من الملوك. وإن سلكت سبيلي أطلت عمرك ولا أزيل الملك عن بنيك. فأصبح سليمان مسروراً وجلس على كرسي الملك. فأتته امرأتان تختصمان إليه في صبي تدعي كل واحدة منهما أنه ولدها. فقال سليمان لسيافه: اقطع الصبي بنصفين وأعط لكل واحدة نصفه. فقالت الواحدة: نعم حتى لا يكون لي ولا لها. وقالت الأخرى: ادفعه إليها أيها الملك ولا تقتله. فعلم سليمان أنه ابنها فدفعه إليها. فرأى بنو إسرائيل ذلك وتحققوا أن الله قد آتى سليمان حكمة وعلماً. وخضع الملوك له وهادنوه. . . وفي رابع سنة لملكه شرع في بنيان بيت المقدس وهو المعروف بالمسجد الأقصى في جبل الأموريين في أندر أران اليبوسي وطوله ستون ذراعاً وعرضه عشرون ذراعاً وعلوه ثلاثون ذراعاً. وتممه في سبع

سنين. وبنى سبع مدن من جملتها تدمر. ولما شيد سليمان بيت الرب شكر الله ودعا لبني إسرائيل بالبركة. وجثا على ركبتيه وبسط يديه إلى السماء وقال: اللهم إله إسرائيل ليس مثلك في السماوات العلى ولا في الأرضين السفلى. وقد وفيت لعبدك داود بالوعد الذي وعدته. فأسألك أنه إن أثم بنو إسرائيل وانهزموا من أعدائهم ودعوك في هذا البيت فاستجب لهم واغفر خطاياهم وانصرهم على أعدائهم. وإذا أثموا فاحتبس عنهم المطر فأتوا هذا البيت فأهطل لهم مطراً وأروا أرضهم بغيثك وإذا كان في الأرض جوع أو جراد أو موت أو مرض فاستغاثوا إليك فاستجب لهم. إذا أتى أحد من الأمم الغريبة إلى هذا البيت ودعاك فاستجب له لتعلم شعوب الأرض أنك أنت وحدك فيخافوك. ثم قرب قرابين كثيرة من الذبائح وجعل ذلك عيداً لله سبعة أيام. فكان الملوك يقصدونه ليسمعوا حكمته ويأتونه بالهدايا النفيسة. وأتته ملكة التيمن وقدمت له مائة وعشرين قنطاراً من الذهب وطيباً وجواهر ثمينة وقالت له: يا سليمان لقد زاد خبرك على خبرك طوبى عبيدك السامعين حكمتك يكون الرب إلهك مباركاً. وأعطاها سليمان من جميع الألطاف أحسنها وعادت إلى بلدها. ولسليمان كتاب الأمثال في الحكمة العملية ناهيك من كتاب. وكان مدة ملكه أربعين سنة ومات ودفن في تربة أبيه داود. وكان ارتفاع مملكته

رحبعام وافتراق العشرة أسباط

التي هي أربعون فرسخاً في مثلها في العام ستمائة ألف وستمائة وستين قنطاراً ذهباً سوى الهدايا وأرباح المتاجر. وكان ما يحتاج إليه سليمان لمائدته في كل يوم من الدقيق مائة كر ومن الثيران ثلثين رأساً ومن الغنم مائة رأس سوى الظباء والأيائل وأنواع الطيور (لابي الفرج بتصرف) رحبعام وافتراق العشرة أسباط 481 وملك بعد سليمان ابنه رحبعام. وكان رديء الشكل شنيع المنظر فأظهر الصلابة على بني إسرائيل وقال لهم: أنا خنصري أغلظ من ظهر أبي. ومهما كنتم تخشون من أبي فإني أعاقبكم بأشد منه. فخرج عن طاعته عشرة أسباط لم يبق معه غير سبطي يهوذا وبنيامين. وتملك على العشرة أسباط ياربعام عبد سليمان وكان جاحداً وأظهر الكفر وعبادة الأوثان. واستقر لولد داود الملك على السبطين فقط. وصار للأسباط العشرة ملوك بعد ياربعام تعرف بملوك الأسباط نحو مائتين وإحدى وستين سنة. (ونحن نكتفي بذكر بني داود) 482 رحبعام استمر ملكاً للسبطين (ببيت المقدس وعسقلان وغزة ودمشق وحلب وحمص وحماة وما ولي ذلك إلى أرض الحجاز) إلى دخول السنة الخامسة من ملكه. فغزاه فرعون مصر واسمه شيشاق. ونهب المال المخلف عن سليمان. وزاد رحبعام في عمارة

ملك يوشافاط ويورام

بيت لحم وغزة وصور وغيرها. وملك سبع عشرة سنة (لابن الوردي) ملك يوشافاط ويورام 483 ثم ملك بعده أبيام ثم آسا. ثم ملك يوشافاط وكان رجلاً صالحاً كثير العناية بعلماء بني إسرائيل. وخرج عليه عدو من ولد العيس وجاؤوا في جمع عظيم. وخرج يوشافاط لقتالهم فألقى الله بين أعدائه الفتنة. واقتتلوا فيما بينهم حتى انمحقوا وولوا منهزمين. فجمع يوشافاط منهم غنائم كثيرة وعاد بها إلى القدس مؤيداً منصوراً واستمر في ملكه خمساً وعشرين سنة. ثم ملك بعده ابنه يورام ثماني سنين. وتزوج ابنة أحآب ملك العشرة الأسباط وقتل إخوته كلهم. فنزلت عليه البلوى ومات مبطوناً. وملك بعده ابنه أحزيا سنة واحدة عتليا ويوآش 484 عتليا أم أحزيا ملكت سبع سنين. وأباحت للرجال السجود للأصنام في مدينة القدس. وأبادت ذرية المملكة لتستبد وحدها بها ولا يبقى من ينافسها عليها. ولم ينج سوى يوآش حافدها أي ابن أحزيا ابنها الذي سرقته عمته يوشابع امرأة يوياداع رئيس الكهنة وربته سراً. ثم ملك يوآش بن أحزيا أربعين سنة. ولي الملك وله يومئذ سبع سنين. وذلك لأن يوياداع رئيس الكهنة قتل عتليا الباغية

امصيا وعزيا

جدته وقلده الملك. ولم يعترف له بجميله لكنه بعد وفاة يوياداع قتل جميع أولاده ثم اغتاله مماليكه (لابي الفرج) امصيا وعزيا 485 ثم ولوا مكانه ابنه أمصيا. فسار إلى أدوم وظفر بهم وقتل منهم نحواً من عشرين ألفاً. ثم زحف إليه ملك الأسباط بالسامرة. ولقيه فهزمه وحصل أمصيا في أسره. . . وكان لعهده من الأنبياء يونان وناحوم وتنبأ لعصره عاموص. ولما قتل أمصيا ولوا ابنه عزيا وطالت مدته ثلاثة وخمسين سنة. ولعهده كان من الأنبياء يوشع وعزيا وأشعيا ويونس. وانتهت عساكر عزيا إلى ثلاثمائة ألف. وأصابه البرص بدعاء الكاهن لما أراد أن يخالف التوراة في استعمال البخور وهو محرم إلا على سبط لاوي. فبرص ولزم بيته سنة. وصار ابنه يوتام ينظر في أمر الملك إلى أن خلف أباه وكان صالحاً تقياً (لابن العميد باختصار) آحاز وانتهاء ملك اسرائيل 486 وهلك يوتام لست عشرة من ملكه. وملك ابنه آحاز فخالف سنة آبائه وعبد بنو إسرائيل الأوثان في زمانه. وحاربه فقحيا ملك السامرة مستنجداً برصين ملك الشام. وأهلك من آل يهوذا مائة وعشرين ألفاً. وفي سنة ثمان لملك أحاز غزاه شلمنآسر ملك بابل وكتب آحاز نفسه عبداً له وأخذ جميع ما وجد في بيت الرب والملك

ملك حزقيا

من الذهب والفضة والآنية. وحاصر مدينة شمرين (وهي السامرة) ثلاث سنين وفتحها. وقتل هوشع وسبى العشرة الأسباط وفرقهم في جبال آشور وأراضي بابل وبلاد الفرس. ومن أفلت من هذا السبي انضاف إلى ملك السبطين يهوذا وبنيامين. وبطل بذلك ملك العشرة الأسباط ملك حزقيا 487 حزقيا بن آحاز ملك تسعاً وعشرين سنة. وأطاع الله وأزال الأصنام فظفره الله بأعدائه تظفيراً. وفي السنة الرابعة من ملكه صعد شلمنآسر ملك بابل إلى أرض السامرة مرة ثانية وسبى جميع من تبقى من العشرة الأسباط. وفي السنة العاشرة من ملك حزقيا غزا سنحاريب ملك آشور ديار القدس وبصلاة حزقيا خلصت أورشليم. ومرض حزقيا ليموت فبكى بكاءً شديداً وناح قائلاً: إن البركة التي جعلها الله في ذرية داود انقطعت مني وعندي تنقضي سلالة ملك ابن يسى. فزاد الله في حياته خمسة عشرة سنة وولد له ابن فسماه منسى هلاك جيش سنحاريب 488 ونزل سنحاريب على أورشليم وأرسل إلى حزقيا يقول له: لا تغتر بربك فسأهلكك. فذعر منه حزقيا وأنفذ إلى أشعيا النبي يقول له: هذا يوم بلاء فادع إلى ربك. فأوحى الله إلى أشعيا

ملك منسى واسره وتوبته

قائلاً: قل لحزقيا لا تخف من سنحاريب فإني راده في الطريق الذي جاء فيه. وبعث الله ملاكاً فقتل في معسكر سنحاريب مائة ألف وخمسة وثمانين ألفاً من الجند. فعاد منهزماً إلى أشور وهنالك قتله ابناه وهو ساجد في بيت صنمه. وفي زمان حزقيا كان طوبيا الصديق من جالية بني إسرائيل قاطنا بنينوى. وقصة مناولة ملاك الرب إياه مرارة داوى بها عينيه وبرئه من عماه مذكورة في كتابه ملك منسى واسره وتوبته 489 ثم ملك بعده ابنه منسى واجتمع له ملك الأسباط الاثني عشر. وارتكب كل محظور ومحرم. وعمل صنماً ذا أربعة أوجه وأمر بالسجود له. ونشر أشعيا النبي ناهيه عن المنكر. فرذل الله منسى وأسلمه إلى الأشوريين فأسروه وأخذوه مسلسلاً إلى أشور وسجنوه في برج النحاس بمدينة نينوى. وعند ذلك تاب إلى الله ودعا ودعاؤه مشهور فتاب الله عليه ورده إلى ملكه. وحال وصوله إلى أورشليم أخرج الصنم ذا الوجوه الأربعة من الهيكل وطهره وبنى سور أروشليم الجنوبي ملك آمون ويوشيا 490 ثم ملك ابنه آمون سنتين واغتاله عبيده وقتلوه وأقيم يوشيا مكانه ولما ملك أحسن السيرة وهدم الأوثان وكان صالح

ملك يوآحاز ويوياقيم ابني يوشيا

الطريقة مستقيم الدين وقتل كهنة الأصنام وهدم البيوت والمذابح التي بناها ياربعام وتنبأ لعهده إرميا وأخبرهم بالجلاء سبعين سنة. ثم خرج يوشيا لحرب الملك فرعون وانهزم يوشيا. وهلك بسهم أصابه لسنتين وثلاثين من مكة (لابن خلدون) ملك يوآحاز ويوياقيم ابني يوشيا 491 ملك يوآحاز ثلاثة أشهر وكان فاسد الطريقة. فسباه فرعون الأعرج وأوثقه بالحديد وأنفذه إلى مصر ومات هناك ونصب يوياقيم أخاه مكانه. وملك بعده يوياقيم إحدى عشرة سنة وكان قبيح المذهب مذموم الطريقة وقبل عليه الجزية لملك مصر كل سنة مائة قنطار ذهباً. وفي السنة الثالثة لملكه صعد بخت نصر ملك بابل إلى بيت المقدس وسباها وجلا أكثر أهلها إلى بابل ومعهم دانيال النبي ووضع الجزية على يوياقيم نزل بخت نصر نزولاً على أورشليم وأخذ مالاً من يوياقيم وعاد وبعد ثلاث سنين مات يوياقيم 492 ثم ملك بعده ابنه يوياكين ويسمى يكنيا. ولما مضت عليه ثلاثة أشهر من ملكه قصده ملك بابل وحاصر بيت المقدس. فخرج بكنيا إليه مستأمناً مع أمه وحشمه وعبيده فجلاهم كلهم إلى بابل ولم يترك في أورشليم إلا شيخاً مسناً وعجوزاً ضعيفة.

ملك صدقيا بن يوشيا

وولى على من تخلف بأورشليم صدقياً بن يوشيا عم يكنيا وبقي يكنيا معتقلاً في بابل سبعاً وثلاثين سنة ملك صدقيا بن يوشيا 493 كان اسمه مثنيا وبخت نصر سماه صدقيا ملك إحدى عشرة سنة. ثم عصى ومنع الجزية التي كان يؤديها إلى بخت نصر فعاد إليه وأسره وذبح أولاده بين يديه وسمل عينيه وسار به إلى أشور وجعله يدير الرحى مثل الحمار وكان عمره اثنتين وثلاثين سنة. ولما مات رميت جثته وراء السور فأكلته الكلاب. وفي هذه المرة دخل بخت نصر إلى مصر وجزائر البحر وهدم مدناً كثيرة وأحرق مدينة صور وقتل حيرام ملكها. وبعث بخت نصر نبوزردن إلى أورشليم فدعثر سورها وأحرق الهيكل. وكان لإرميا عند هذا القائد منزلة فسأله في أمر كتب الوحي فلم يحرقها فجمعها ووضعها مع لوحي الناموس وعصا موسى ومجمرة البخور وباقي آلات القدس في تابوت العهد ورمى بها في بعض الآبار ولم يعرف مكانها إلى الآن. وجلس إرميا النبي ينوح على أورشليم عشرين سنة ثم انتقل إلى مصر فقبض عليه قوم من اليهود وحبسوه في جب ثم أخرجوه ورجموه فمات ودفن في مصر. ثم في زمان الإسكندر نقل تابوته إلى الإسكندرية فدفن هناك. وكان حزقيال النبي في جملة من سبي إلى بابل فقتله اليهود لأجل توبيخه لهم. فمن السنة الرابعة من ملك

رؤيا بخت نصر

سليمان التي كان فيها الشروع في بنيان هيكل الرب إلى خرابه الكلي وحريقه أربعمائة واثنتان وأربعون سنة. وعلى رأي من جعل مدة ملك صدقيا تسعاً وستين سنة تكون مدة الهيكل عامراً خمسمائة سنة (لابي الفرج) رؤيا بخت نصر 494 رأى بخت نصر صنماً رأسه من ذهب وصدره وذراعاه منفضة وبطنه وفخذاه من نحاس وساقاه من حديد وقدماه بعضهما حديد وبعضهما خزف. وأن حجراً انقطع من الجبل من غير يد قاطعة له وصك الصنم فاندق الحديد والنحاس وغيره وصار جميع ذلك مثل الغبار وألوت به ريح عاصفة ثم صار الحجر الذي صك الصنم جبلاً عظيماً امتلأت منه الأرض كلها. فقال بخت نصر: لا أصدق تعبير ما رأيته إلا ممن يخبر بما رأيت. وكتم بخت نصر ذلك وسأل العلماء والسحرة والكهنة عن ذلك فلم يطق أحد أن ينبئه بذلك حتى سأل دانيال. فخبره دانيال بصورة رؤياه كما رآها بخت نصر ولم يخل منها بشيء. ثم عبرها له دانيال فقال: الرأس ملكك وأنت بين الملوك بمنزلة رأس الصنم الذهب. والذي يقوم بعدك دونك بمنزلة الفضة من الذهب. ثم يكون كل متأخر أقل ممن قبله مثلما النحاس دون الفضة والحديد دون النحاس. وأما القدمان والأصابع التي بعضها حديد وبعضها خزف فإن المملكة

الفتيان الثلاثة في أتون النار

تصير آخر الوقت مختلطة مختلفة بعضها قوي وبعضها ضعيف. ثم إن الله يقيم بعد ذلك مملكة لاتبيد إلى آخر الدهر. هذا تعبير رؤياك. فخر بخت نصر ساجداً لدانيال وأمر له بالخلع وأن يقرب له القرابين (لابي الفداء) الفتيان الثلاثة في أتون النار 495 ورأس بخت نصر دانيال على جميع حكماء بابل وولى أعمامه حننيا وعزريا وميشائيل أمر مدينة بابل. وسماهم بأسماء نبطية شدرك وميشك وعبدنجو. ثم اتخذ بخت نصر صنماً من ذهب طوله ستون ذراعا ًفي عرض ستة أذرع. وتقدم إلى جميع عظماء دولته أن يوافوا عيد الصنم وأنهم إذا سمعوا صوت القرن وباقي أنواع الزمر يخرون سجداً للصنم. فامتثل الجميع أمره ما عدا حننيا وعزريا وميشائيل فسعى بهم قوم إلى بخت نصر أنهم لايعتدون بأمره. فاستشاط من ذلك غضباً وأمر أن يسجر الأتون فوق ماكان يسجر سبعة أضعاف الوقود وأن يزجوا بسراويلهم وقلانيسهم وباقي ثيابهم في أتون النار. فلما فعل بهم ذلك أحرقت النار الذين سعوا بهم وأما هم فمكثوا في النار ممجدين لله. وملاك الطل نزل عليهم وأمال عنهم لهيب النار فلم تنك فيهم ولا في ثيابهم ولا في لباسهم. فلما شاهد الملك ذلك بهت تعجبا ًوقال: أرى الرابع منهم شبيه المنظر ببني الآلهة يعني الملاك. وناداهم بأسمائهم قائلاً:

وليمة بلشصر بن بخت نصر

ياعباد الله العلي اخرجوا. فخرجوا من النار ولم يشط شيء من ثيابهم ولاشعورهم. فرفع بخت نصر درجاتهم وليمة بلشصر بن بخت نصر 496 وملك بعد بخت نصر ابنه بلشصر وعمل هذا وليمة عظيمة لألف رجل من أكابر دولته. وكان يشرب الخمر بإزائهم وأمر وهو يشرب أن يؤتى بآنية هيكل الرب التي سباها أبوه من أورشليم. وشرب فيها مع عظمائه فظهرت قبالته كف يد كاتبة عقابه في ضوء المصباح على الحائط. فرابته الكتابة وأحضر حكماء بابل ليترجموا الكتابة فعجزوا عن حلها. فامتعض لذلك امتعاضاً شديداً. فأخبرته أمه عن دانيال النبي أنه دراك غيب وحلال عقد فاستدعاه وضمن له أن يلبسه الأرجوان وأن يوليه ثلث الملك إن أول الكتابة. فقال دانيال: لتكن مواهبك لك واجعل ذخائر بيتك لغيري. أما الكتابة فقراءتها: أحصي إحصاءً وزن وأعري. وتأويلها أن الله أحصى ملكك وسلبه ووزنك زنة فوجدك شائلاً فلذا أعراك من ملكك فأنت عار عريةً. وفي تلك الليلة اغتاله داريوس المادي وقتله دانيال في جب الأسد 497 داريوس المادي استولى على الملك وهو من أبناء اثنتين وستين سنة وحسنت منزلة دانيال النبي عنده وأقام في ولايته مائة

انتهاء جلاء بابل

وعشرين قائداً. ورأس عليهم ثلاثة رجال أحدهم دانيال وكان يرجع في سرائره إليه. فساء ذلك أرباب الدولة وجعلوا يطلبون عليه حجة يوقعونه بها عن مرتبته. فلم يظفروا منه بهفوة غير أنه يدين بغير دين الملك. فساروا إلى الملك وقالوا: عن دانيال يعبد إلهاً غريباً. وفي سنتنا أن من دان في أرضنا بدين غير ديننا وتعدى سنة أهل ماداي وفارس قذف به في جب الأسد. فلما لم يقدر الملك على إبطال شريعة قومه تقدم بقذف دانيال في جب الأسد وقال له: إلهك ينجيك. وانصرف إلى منزله وبات طاوياً وطار عنه نومه إشفاقاً على دانيال. وجاء الملك داريوس في صباح اليوم الثاني ليبكي على دانيال لكثرة اغتمامه له. فلما دنا من الجب ناداه: يا دانيال هل قدر معبودك أن ينجيك من السباع. أجابه دانيال قائلاً: أيها الملك عش خالداً إن إلهي بعث لي ملاكه وسد أفواه الأسد فلم تهلكني. فحسن موقع ذلك من الملك جداً وأخرج دانيال من الجب وألقى وشاته فيه مع نسائهم وبنيهم وذريتهم. فما استقروا في قرار الجب إلا ومزقتهم الأسد ورضت عظامهم رضاً انتهاء جلاء بابل 498 ثم ولي داريوس كورش الفارسي وأذن لبني اسرائيل في عمارة أورشليم. فجمعهم كورش الملك وخيرهم قائلاً: من اختار الصعود فليصعد ومن أباه فليقم. فكان عدد مؤثري الصعود خمسين

احشوروش واستر

ألفاً من الرجال غير النساء والأولاد زربابل ملكهم ويشوع كاهنهم. وعنهما قال ملاك الرب لزكريا النبي إن هذين ابنا الدلال وهما يقومان بين يدي رب العالمين. فصعدت هذه الشرذمة من بني إسرائيل في السنة الأولى من ملك كورش إلى أورشليم وهموا بعمارتها. ولأن الفلسطينيين مجاوريهم أعنتوهم كان تشييدهم الهيكل على التراخي في ست وأربعين سنة. وعظم كورش أيضاً شأن دانيال وفوض إليه سياسة ملكه. فغار لله غيرة وكسر الصنم المسمى بيلا وقتل التنين معبود البابليين. فمقت ورمي في جب فيه سبعة أسد. وكان حبقوق النبي في الشام قد طبخ طبيخاً ومضى يطعم الحواصيد. فأخذه ملاك الرب بشعر رأسه ووضعه في بابل على فم الجب فقال: دانيال دانيال قم خذ الطعام الذي أنفذ لك ربك. فقال دانيال: ذكرني الله ولم يهملني. وأخذ الملاك بحبقوق ووضعه في موضعه. ونجا دانيال من الجب بعد سبعة أيام وهلك مبغضوه. ثم رأى الرؤيا على نهر الفرات وعرفه ملاك الرب مدة السنين التي بقين من السبي ومن ظهور السيد المسيح وآلامه وموته. ومات دانيال ودفن في قصر شوشن أعني مدينة تستر احشوروش واستر 499 وجرى ملوك الفرس على سنة كورش في تكريم بني إسرائيل إلا قليلاً في أيام أحشروش منهم. كان وزيره هامان وكان من

ملك ارتحششتا

العمالقة. . . فكان هامان يعاديهم لذلك وعظمت سعايته فيهم وحمل أحشروش على قتلهم. وكان مردخاي من رؤسائهم قد زوج أخته من الرضاع (وكانت ابنة عمه) لأحشروش. فدس إليها مردخاي أن تشفع إلى الملك في قومها. فقبلها وعطف عليهم وأعادهم إلى أن انقرضت دولة الفرس بمهلك دارا ملك ارتحششتا 500 ارتحششتا الطويل اليدين ملك إحدى وأربعين سنة. وفي سنة سبع من ملكه أمرعزرا الحبر وهو الذي تسميه العرب العزير أن يصعد إلى أورشليم ويجتهد في عمارتها. وفي سنة عشرين من ملكه أرسل نحميا الساقي الخصي أيضاً ليجد في ترميمها. وفي هذا الزمان لم يكن لليهود نار قدس لأنهم رموها في بئر وقت جلائهم. فأتوا بحمأة منها ووضعوها على حطب القربان فاشتعلت بأمر الله بعد أن طفئت مائة سنة وأربعين سنة بالتقريب (لابي الفرج) يهوديت واليفانا 501 قمباسوس بن كورش ملك ثماني سنين. وفي أيامه كانت يهوديت المرأة العبرية التي احتالت على أليفانا الماجوجي صاحب جيش قمباسوس. وقطعت رأسه وأمنت اليهود بأسه

الاسكندر في بيت المقدس

الاسكندر في بيت المقدس 502 واستولى بنو يونان بمهلك دارا على ملك فارس وملك الإسكندر بن فيلبس ودوخ الأرض وفتح سواحل الشام وسار إلى بيت المقدس. لأنها من طاعة دارا. وخاف الكهنة من وصوله إليهم. ورأى في بعض تمثال رجلاً فقال: أنا رجل أرسلت لمعونتك ونهاه عن أذية المقدس وأوصاهم بامتثال إشارتهم. فلما وصل إلى البيت لقيه الكاهن فبالغ في تعظيمه ودخل معه إلى الهيكل وبارك عليه. ورغب إليه الإسكندر أن يضع هنالك تمثاله من الذهب ليذكر به. فقال: هذا حرام لكن تصرف همتك في مصالح الكهنة والمصلين ويجعل لك من الذكر دعاؤهم لك وأن يسمى كل مولود لبني إسرائيل في هذه السنة بالإسكندر. فرضي الإسكندر وحمل لهم المال وأجزل عطية الكاهن. وسأله أن يستخبر الله في حرب دارا. فقال له: امض والله مظفرك. وقرأ له سفر دانيال. وقص عليه الإسكندر رؤيا رآها فأولها له بأنه يظفر بدارا ثم انصرف الإسكندر (لابن خلدون) ذكر نقل التوراة 503 لما ملك الإسكندر وعظم ملك اليونان وقهروا الفرس أطاعهم بنو إسرائيل وغيرهم. وتولت ملوك اليونان بعد الإسكندر

اضطهاد أنطيوخوس الشهير

وكان يقال لكل واحد منهم بطليموس. وذلك أن الإسكندر مات فملك بعده بطليموس بن لاغوس عشرين سنة. ثم ملك بعده بطليموس محب أخيه فوجد ثلاثين ألف أسير من اليهود فأعتقهم وأمرهم بالعود إلى بلادهم. ففرح بنو إسرائيل بذلك. وأرسل رسولاً إلى بني إسرائيل المقيمين بالقدس وطلب منهم أن يرسلوا إليه عدة من علمائهم لنقل التوراة وغيرها إلى اللغة اليونانية. فسارعوا إلى أمره وازدحموا على الرواح إليه. ثم اتفقوا أن يبعثوا من كل سبط من أسباطهم ستة نفر فبلغوا اثنين وسبعين رجلاًَ. فلما وصلوا إلى بطليموس أحسن قراهم وصيرهم ستاً وثلاثين فرقة وخالف بين أسباطهم وأمرهم فترجموا له ستة وثلاثين نسخة من التوراة وقابل بطليموس بعضها ببعض فوجدها مستوية لم تختلف اختلافاً يعتد به. وفرق النسخ المذكورة في بلاده. وبعد فراغهم من الترجمة وصلهم وجهزهم إلى بلدهم. وسأله المذكورون نسخة من تلك النسخ فأسعفهم بنسخة. وعادوا إلى بيت المقدس. فنسخة التوراة المنقولة لبطليموس حينئذ أصح التوراة وأثبتها (لابن الوردي) اضطهاد أنطيوخوس الشهير 504 ولما ملك أنطيوخوس الصغير الملقب بأبيفانس أي الشهير ورد بيت المقدس ونجس الهيكل بنصبه صنم زاوس وهو المشتري فيه. وألزم أليعازر الكاهن أن يضحي للصنم الأضحية ولأنه أبى

اخبار متتيا ويهوذا ابنه المكالي

أماته بالعقاب. ثم سعى إليه بامرأة اسمها إشموني مع سبعة بنيها أنهم يسبون الأصنام. فأحضرهم بين يديه وأمر بقطع لسان الأول وأطراف جميع أعضائه وإلقائه في الطاجن. وسلخ جلدة رأس الثاني. وكذلك أمات الباقين وبعدهم أمهم بأنواع العذاب ودفنوا في أورشليم. ثم بعد مجيء المخلص نقل مؤمنو النصارى أجسادهم إلى مدينة أنطاكية وبنوا عليها كنيسة (لابي الفرج) اخبار متتيا ويهوذا ابنه المكالي 505 ثم فر اليهود إلى الجبال والبراري وكان في من هرب منهم متتيا ابن يوحنا بن شمعون الكاهن الأعظم ويعرف بحشمناي من نسل هارون. وكان رجلاً صالحاً خيراً شجاعاً وأقام بالبرية. وحزن لما نزل بقومه. فلما أبعد أنطيوخوس الرحلة عن القدس بعث متتيا إلى اليهود يعرفهم بمكانه ويتمعض لهم ويحرضهم على الثورة على اليونانيين. فأجابوه وتراسلوا في ذلك وبلغ الخبر أفلنيوس قائد أنطيوخوس فسار في عسكره إلى البرية طالباً متتيا وأصحابه. فلما وصل إليهم حاربهم فغلبوه وانهزم في عساكره. وقوي اليهود على الخلاف. وهلك متتيا خلال ذلك وقام بأمره ابنه يهوذا فهزم عساكر أفلنيوس ثانية. وشغل أنطيوخوس بحروب الفرس فزحف إليهم من مقدونية واستخلف عليهم ابنه أوباتير وضم إليه عظيماً من قومه اسمه ليسياس. وأمرهم أن يبعثوا العساكر إلى اليهود فبعثوا

ثلاثة من قوادهم وهم نيقانور وبطليموس وجرجياس وعهد إليهم بإبادة اليهود حيث كانوا. فسارت العساكر واستنفروا سائر الأرمن من نواحي دمشق وحلب وأعداء اليهود من فلسطين وغيرهم. وزحف يهوذا بن متييا مقدم اليهود للقائهم. بعد أن تضرعوا إلى الله وطافوا بالبيت وتمسحوا به. ولقيهم عسكر نيقانور فهزموه وأثخنوا فيه بالقتل وغنموا ما معهم. وقبضوا على أفلنيوس القائد الأول لأنطيوخوس فأحرقوه بالنار. ورجع نيقانور إلى مقدونية فدخلها وخبر ليسياس وأوباتير ابن الملك بالهزيمة فجزعوا لها. قم جاءهم الخبر بهزيمة أنطيوخوس أمام الفرس. ثم وصل إلى مقدونية واشتد غيظه على اليهود وجمع لغزوهم فهلك دون ذلك بطاعون في جسده ودفن في طريقه. وملك أوباتير وسموه أنطيوخوس باسم أبيه. ورجع يهوذا بن متتيا إلى القدس فهدم جميع ما بناه أنطيوخوس من المذابح وأزال ما نصبه من الأصنام وطهر المسجد وبنى مذبحاً جديداً للقربان وأصعد المحرقات وأشعل النار ولم تنطفئ إلى الخراب الثاني أيام الجلوة. واتخذوا ذلك اليوم عيداً سموه عيد العساكر. ونازلهم ليسياس فزحف إليه يهوذا بن متتيا في عسكر اليهود وثبت عسكر ليسياس فزحف فانهزموا ولجأ إلى بعض الحصون. وطلب النزول على الأمان على أن لا يعود إلى حربهم. فأجابه يهوذا على أن يدخل أوباتير معه في العقد وكان ذلك وتم

ولاية يوناتان وشمعون اخوي يهوذا

الصلح. وعاهد أوباتير اليهود على أن لا يسير إليهم. وشغل يهوذا بالنظر في مصالح قومه ولاية يوناتان وشمعون اخوي يهوذا 506 ثم خرج ديمتريوس في ثلاثين ألفاً من الروم لمحاربة اليهود. وخرجت عساكرهم من القدس وفروا عن قائدهم يهوذا وافترقوا في الشعاب. وأقام معه منهم فل قليل واتبعهم ديمتريوس. فلقيه يهوذا وأكمن له. فانهزم اليهود وخرج عليهم كمين الروم فقتل يهوذا في كثير من ولاته ودفن إلى جانب أبيه متتيا. ولحق أخوه يوناتان في من بقي من اليهود بنواحي الأردن وتحصنوا ببيت حجلة في البرية فحاصرهم قائد ديمتريوس هنالك أياماً. ثم بيتوه فهزموه وخرج يوناتان واليهود في أتباعه فقبضوا عليه. ثم أطلقوه على مسالمة اليهود وأن لا يسير إلى حربهم. فهلك يوناثان إثر ذلك وقام بأمر اليهود أخوهما الثالث شمعون. فاجتمع إليه اليهود من كل ناحية وعظمت عساكره وغزا جميع أعدائهم ومن ظاهر عليهم من سائر الأمم. وزحف إليه ديمتريوس قائد الروم بأنطاكية فهزمه شمعون وقتل غالب عسكره ولم تعاودهم الروم بعدها بالحرب إلى أن هلك شمعون (لابن خلدون بتصرف) ذكر ملك هرقانس وابنه 507 ثم ولي أمر اليهود بعد شمعون هرقانس ابنه وجمع الملك

ملك يوحنا الاسكندر وولديه

والكهنوت. وحاصر في ولايته أنطيوخوس أغريبوس أورشليم ففتح هرقانس قبر داود النبي ووجد فيه ثلاثة آلاف قنطار من الذهب كان قد خزنها القدماء هناك. فأعطى منها ثلاثمائة قنطار لأغريبوس ورحل عنه. وفي هذا الزمان أخرب هرقانس مدينة شمرين وهي نابلس. وقام بعد هرقانس ملك اليهود أرسطابولس ابن يوناتان سنة واحدة متتوجاً ملك يوحنا الاسكندر وولديه 508 ثم اغتاله أخوه أنطيغونيس واغتيل من يوحنا أخيه الآخر الذي سمي الإسكندر. وولي سبعاً وعشرين سنة وكان ذا بأس. ثم مات يوحنا الإسكندر ملك اليهود وخلف ولدين هرقانس وأرسطابولس مسميين باسمي عميهما. وكانت أمهما سيلينا أي القمر ذات سطو. فنصبت هرقانس ابنها رئيس الكهنة وأرسطابولس ابنها الآخر ملكاً. وبعد قليل جلاه بمبيوس قائد جيش قيصر إلى رومية. واستمر هرقانس أخوه ملكاً لليهود أربعاً وثلاثين سنة. وفي سنة ست من ملك أوغسطس قيصر سبي هرقانس ملك اليهود إلى فارس ووليهم هيرودس بن أنطقطروس العسقلاني من قبل قيصر وهدم سوري أورشليم واحاجز على تركة الكهنوت ولم يترك أحداً يتولى رئاسة الكهنة إلا سنة واحدة وفي أيامه ظهر المسيح (لابي الفرج)

العذراء في الهيكل

العذراء في الهيكل 509 قال الطبري: وكانت حنة أم مريم لا تحبل فنذرت لله إن حملت لتجعلن ولدها حبيساً ببيت المقدس على خدمته على عاداتهم في ندر مثله. فلما حملت ووضعتها لفتها في خرقتها وجاءت بها إلى المسجد. فدفعتها إلى عباده وهي ابنة إمامهم فتنازعوا في كفالتها. وأراد زكرياء أن يستبد بها لأن زوجه إيشاع (أليصابات) خالتها. ونازعوه في ذلك لمكان أبيها من إمامتهم. فاقترعوا فخرجت قرعة زكرياء عليها. فكفلها ووضعها في مكان شريف من المسجد لا يدخله سواها وهو المحراب في ما قيل. والظاهر أنها دفعتها إليهم بعد مدة إرضاعها. فأقامت في المسجد تعبد الله وتقوم بسدانة البيت في نوبتها حتى كان يضرب بها المثل في عبادتها. وظهرت عليها الأحوال الشريفة والكرامات ذكر يوحنا المعمدان 510 وكانت خالتها إيشاع زوج زكرياء. أيضاً عاقراً. وطلب زكرياء من الله ولداً فبشره بيحيى (يوحنا) نبياً كما طلب لأنه قال: يرثني. فكان كذلك. وكان حاله في نشوئه وصباه عجباً وولد في دولة هيرودس ملك بني إسرائيل. وكان يسكن القفار ويقتات الجراد ويلبس الصوف من وبر الإبل. وولاه اليهود الكهنوتية ببيت المقدس. ثم أكرمه الله بالنبوءة وكان لعهده على اليهود بالقدس

خطبة العذراء مريم

(والصحيح بالجليل) أنتيباس بن هيرودس يسمى هيرودس باسم أبيه وكان شريراً فاسقاً واغتصب امرأة أخيه وتزوجها. ولم يكن ذلك في شرعهم مباحاً فنكر ذلك عليه العلماء والكهنوتية وفيهم يحيى بن زكرياء المعروف بيوحنان ويعرفه النصارى بالمعمدان. فقتل جميع من نكر عليه ذلك وقتل فيهم يحيى خطبة العذراء مريم 511 وأما مريم سلام الله عليها فكانت بالمسجد على حالها من العبادة إلى أن أكرمها الله بالولاية. وفي كتاب أن أمها حنة توفيت لثمان سنين من عمر مريم. وكان من سنتهم أنها إن لم تقبل التزويج يفرض لها من أرزاق الهيكل. فأوحى الله إلى زكرياء أن يجمع أولاد هارون (والصحيح يهوذا) ويردها إليهم فمن ظهرت من عصاه آية يدفعها إليه تكون له شبه زوجة ولا يقربها. وحضر الجمع يوسف النجار فخرج من عصاه حمامة بيضاء ووقفت على رأسه. فقال له زكرياء: يا يوسف هذه عذراء الرب تكون لك شبه زوجة ولا تردها. فاحتملها وهي بنت ثنتي عشرة سنة إلى ناصرة بشارة الملاك لمريم 512 فأقامت معه إلى أن خرجت يوماً تستسقى من العين. فعرض لها الملك أولاً وكلمها ثم عاودها وبشرها بولادة عيسى فحملت وذهبت إلى زكرياء. ثم رجعت إلى ناصرة. ووقع في إنجيل متى أن

ميلاد المسيح

يوسف خطب مريم ووجدها حاملاً قبل أن يجتمعا فعزم على فراقها خوفاً من الفضيحة. فأمر في نومه أن يقبلها وأخبره الملك بأن المولود من روح القدس. وكان يوسف صديقاً وولد على فراشه يسوع (لابن خلدون باختصار) ميلاد المسيح 513 أوغسطس قيصر ملك ستاً وخمسين سنة وباسمه سمي شهر آب أوغسطس. وفي أيامه جدد هيرودس مدينة نابلس وعظم قصر أسطراطون وسماها قيصرية. وهي المعروفة بفيلبس وبنى أيضاً مدينة جبلة. وفي السنة الثالثة والأربعين من ملك أوغسطس قيصر وهي سنة تسع وثلاثمائة من تاريخ الإسكندر ولد السيد المسيح من مريم العذراء ليلة الثلاثاء في الخامس والعشرين من كانون الأول. وفي تلك السنة كان قد أرسل قيصر الملك كيرينوس القاضي مع أصحاب الجزية إلى أورشليم. فصعد يوسف خطيب مريم من الناصرة مدينته إلى أورشليم ليثبت اسمه. وعند موافاتهم بيت لحم ولدت مريم. وأتى المجوس بألطافهم من المشرق فأهدوها إلى المسيح. وهي ذهب ومر ولبان. وكانوا قد مروا أولاً بهيرودس وسألهم عن أمرهم فقالوا له: إن عظيماً كان لنا وهو أنبأنا بكتاب وضعه ذاكراً فيه: سيولد في فلسطين مولود أصله من لاسماء ويتعبد له أكثر العالم. وآية ظهوره أنكم ترون نجماً غريباً وهو يهديكم إلى حيدث هو.

فإذا رأيتموه فاحملوا ذهباً ومراً ولباناً وانطلقوا إليه وألطفوه بها واسجدوا له. والآن قد ظهر النجم وأتينا ليتم ما أمرنا به. فقال لهم هيرودس: قد أصبتم الرأي فانطلقوا وابحثوا عن الصبي نعما. فإذا وجدتموه فأعلموني لأنطلق أنا أيضاً فأسجد له. فمضوا ولم يعودوا إليه فغضب غضباً شديداً. وأمر بذبح جميع أطفال بيت لحم من ابن سنتين وما دون لعدم علمه بوقت ولادة المخلص. وكانت مريم يومئذ ابنة ثلاثة عشرة سنة وعمرت إحدى وخمسين سنة. وكتب لنغينوس الفيلسوف إلى قيصر يعلمه عن مجيء المجوس قائلاً في رسالته: إن فرس المشرق دخلوا سلطانك وقربوا القرابين لصبي ولد بأرض يهوذا فأما من هو وابن من هو فلم يبلغنا بعد. فأجابه قيصر: إن هيرودس عاملنا على اليهود هو يعلمنا ما أمر هذا المولود وقضيته. وكتب قيصر إلى هيرودس يستعلمه الخبر. فكتب إليه وعرفه قول المجوس له وأنه ذبح أطفال بيت لحم أجمعين ليكون قد أتى على نفس الصبي معهم. وفي تلك الليلة التي أتت المجوس هرب يوسف مع مريم والمولود إلى مصر ولبثوا بها سنتين. ولما بلغهم موت هيرودس عادوا إلى الناصرة مدينتهم. وقبل أن يموت هيرودس قتل امرأته مريم التي كانت ابنة يوحنا الإسكندر ملك اليهود وأخاها وأمها بالجملة وكل من وجد من نسل الملوك. ثم حدث له استسقاء زقي ونقرس شديد. وبقي في عذاب أليم

ملك طيباريوس قيصر

مدة سنتين. ثم مات وولي مكانه أرخيلاوس ابنه تسع سنين. ثم اعتقله أوغسطس وجعل ملك اليهود أرباعاً وولي في الثلاثة أرباع ثلاثة من إخوة أرخيلاوس وهم هيرودس وأنطفطرس وفيلبس وفي الربع الرابع لوسانيا ملك طيباريوس قيصر 514 طيباريوس قيصر ملك اثنتين وعشرين سنة. وفي السنة الأولى من ملكه عرضت زلزلة عظيمة وسقط فيها مواضع كثيرة ومات خلق من الناس والمواشي. وفي السنة السابعة بنى هيرودس ابن هيرودس مدينة طبرية على اسم طيباريوس الملك. وفي السنة الرابعة عشرة ولي بيلاطس القضاء على اليهود ونصب تمثال قيصر في الهيكل. واضطرب لذلك اليهود وبعد ثلاث سنين اعتمد المسيح من يوحنا بن زكرياء يوم الأربعاء وقيل يوم الأحد لست خلون من كانون الأخير. وكان ابن ثلاثين سنة ومن ههنا بدأ بإظهار الآيات الباهرة وإفشاء سر ملكوت الله والحث على العمل بسنة الفضيلة فضلاً عن سنة العدالة ابجر ملك الرها والمسيح 515 وفي السنة التاسعة عشرة من ملك طيباريوس وهي سنة ثلاثمائة واثنتين وأربعين أرسل أبجر ملك الرها رسولاً اسمه حنان إلى المسيح بكتاب يقول فيه: من أبجر الأسود على يسوع المتطبب

كرازة المسيح

الظاهر بأورشليم. أما بعد فإنه بلغني عنك وعن طبك الروحاني وأنك تبرئ الأسقام من غير أدوية. فأنا أسألك أن تصير إلي لعلك تشفي ما بي من السقم. وقد بلغني أن اليهود يرومون قتلك. ولي مدينة واحدة نزهة وهي تكفيني وإياك نسكن فيها في هدوء والسلام. فأجابه المسيح بكتاب قائلاً: طوباك أنك آمنت بي ولم ترني. وأما ما سألتني من المصير إليك فإنه يجب أن أتمم ما أرسلت له وأصعد إلى أبي. ثم أرسل إليك تلميذاً لي يبرئ سقمك ويمنحك ومن معك حياة الأبد. فلما أخذ حنان الجواب من المسيح جعل ينظر إليه ويصور صورته في منديل لأنه كان مصوراً وأتى به إلى الرها ودفعه إلى أبجر الأسود. وقيل إن المسيح تمندل بذلك المنديل ماسحاً به وجهه فانتقشت فيه صورته. وبعد صعود المسيح إلى السماء أرسل أدي أحد الاثنين والسبعين إلى الرها وأبرأه من سقامه (لابي الفرج باختصار) كرازة المسيح 516 ثم جاء يوحنا المعمدان من البرية وهو يحيى بن زكرياء ونادى بالتوبة والدعاء إلى الدين. وقد كان أشعيا أخبر أنه يخرج أيام المسيح وجاء المسيح من الناصرة ولقيه بالأردن فعمده يوحنا وهو ابن ثلاثين سنة. ثم خرج إلى البرية واجتهد في العبادة والصلاة

والرهبانية واختار تلامذته الاثني عشر. سمعان بطرس وأخوه أندراوس ويعقوب بن زبدى واخوه يوحنا وفيلبس وبرتلماوس وتوما ومتى العشار ويعقوب بن حلفا وتداوس وسمعان القانوي ويهوذا الإسخريوطي. وشرع في إظهار المعجزات. ثم قبض هيرودس الصغير على يوحنا وهو يحيى بن زكرياء لتكبره عليه في زوجة أخيه فقتله. ثم شرع المسيح الشرائع من الصلاة والصوم وسائر القربات وحلل وحرم. وظهرت على يديه الخوارق والعجائب وشاع ذكره في النواحي. واتبعه الكثير من بني إسرائيل وخافه رؤساء اليهود على دينهم وتآمروا في قتله 517 وجمع عيسى الحواريين فباتوا عنده ليلتين يطعمهم ويبالغ في خدمتهم بما استعظموه. قال: وإنما فعلته لتتأسوا به. وقال يعظهم: ليكفرن بي بعضكم قبل أن يصيح الديك ثلاثاً ويبيعني أحدكم بثمن بخس وتأكلوا ثمني. ثم افترقوا وكان اليهود بعثوا العيون عليهم. فأخذوا واحداً من الحواريين فتبرأ منهم وتركوه. وجاء يهوذا الإسخريوطي وبايعهم على الدلالة عليه بثلاثين درهماً. وأراهم مكانه الذي كان يبيت فيه وأصبحوا به إلى فلاطس (بيلاطس) البنطي قائد قيصر على اليهود. وحضر جماعة الكهنة وقالوا: هذا يفسد ديننا ويحل نواميسنا ويدعي الملك فاقتله. وتوقف فصاحوا به وتوعدوه بإبلاغ الأمر إلى قيصر فأمر بقتله (لابن خلدون)

موت المسيح وصعوده إلى السماء

موت المسيح وصعوده إلى السماء 518 وفي هذه السنة تمت الأربعة والسبعون سبة التي أوحى الله إلى دانيا النبي أن سبعين أسبوعاً تطمئن أمتك ثم يأتي الملك المسيح ويقتل. هذا إذا ابتدأنا بتعديدها من آخر سنة عشرين لملك أرتحششتا الطويل البدين. وهي السنة التي أرسل فيها نحميا الساقي إلى أورشليم وجدد العهد بتقريب القرابين وكتب عزرا كتب الوحي. وفي هذه السنة أعني التاسعة عشرة من ملك طيباريوس قيصر صلب المسيح يوم الجمعة الثالث عشر من آذار. وكان فصح اليهود يوم السبت وإنما أكله المسيح مع تلاميذه يوم الجمعة لتعذر إتمامه في وقته بسبب صلبه نهار الجمعة. وكان الصعود يوم الخميس لثلاث خلون من أيار. وصار القنطيقوسطي يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت من أيار. وفي هذا اليوم سمع كهنة اليهود من داخل الهيكل صوت هاتف يهتف بهم قائلاً: قد أزمعنا على الانتقال من ههنا فراعهم ذلك جداً (لابي الفرج) ابتداء النصرانية 519 ثم ظهر عيسى لتلاميذه بعد صلبه وأمرهم بتبليغ رسالته في النواحي كما عين لهم من قبل. وعند علماء النصارى أن الذي بعث من الحواريين إلى رومة بطرس ومعه بولس من الأتباع ولم يكن حوارياً. وإلى أرض السودان والحبشة ويعبرون عن هذه

الناحية بالأرض التي تأكل أهلها والناس متى العشار. وأندرواس إلى أرض بابل. وإلى المشرق توما. وإلى أرض إفريقية فيلبس. وإلى أفسس قرية أصحاب الكهف يوحنا. وإلى أورشليم وهي بيت المقدس يعقوب. وإلى أرض العرب والحجاز برتلماوس. وإلى أرض برقة والبربر سمعان القانوي. قال ابن إسحاق: ثم وثب اليهود على بقية الحواريين يعذبونهم ويفتنونهم. وسمع قيصر ذلك وكتب إليه فلاطس (بيلاطس) البنطي قائده بأخباره ومعجزاته وبغي اليهود عليه وعلى يوحنا قبله فأمرهم بالكف عن ذلك. ويقال قتل بعضهم. وانطلق الحواريون إلى لجهات التي بعثهم إليها عيسى فآمن به بعض وكذب بعض. . . وأما بطرس كبير الحواريين وبولس اللذان بعثهما عيسى إلى رومة فإنهما مكثا هنالك يقيمان دين النصرانية. ثم كتب بطرس الإنجيل بالرومية ونسبه إلى مرقس تلميذه. وكتب متى إنجيله بالعبرانية في بيت المقدس. وكتب لوقا إنجيله بالرومية وبعثه إلى بعض أكابر الروم. وكتب يوحنا بن زبدى إنجيله برومة (والصواب بأفسس) . ثم اجتمع الرسل الحواريون برومة (والصحيح بالقدس) ووضعوا القوانين الشرعية لدينهم وصيروها (بعد موت بطرس) بيد إقليمطس (إكلمنضس) تلميذ بطرس. وكتبوا فيها عدة الكتب التي يجب قبولها. فمن القديمة التوراة خمسة أسفار وكتاب يشوع بن نون وكتاب القضاة وكتاب راعوث وكتاب

ولاية هيرودس اغريباس

يهوذا وأسفار الملوك أربعة كتب وسفر المقابيين ثلاثة كتب وكتاب عزرا الإمام وكتاب قصة هامان وكتاب أيوب الصديق ومزامير داود النبي وكتب ولده سليمان خمسة. ونبوات الأنبياء الصغار والكبار ستة عشر كتاباً وكتاب يشوع بن شارخ (سيراخ) . ومن الحديثة كتب الإنجيل الأربعة وكتب القتاليقون سبع رسائل وكتاب بولس أربع عشرة رسالة والأبركسيس وهو قصص الرسل تشتمل على كلام الرسل وما أمروا به ونهوا عنه (لابن خلدون) ولاية هيرودس اغريباس 520 وفي السنة الأولى من ملك غايوس قيصر ولي هيرودس أغريباس على اليهود سبع سنين. وفي هذه السنة قتل بيلاطس البنطي نفسه وأرسل فيلكس قاضياً إلى أورشليم وملأ محارب اليهود أصناماً. فأرسلوا رسولين حكيمين هما فيلون ويوسيفوس العبريان إلى قيصر يتضورون من صنيع الناظر. فمضيا واستعطفاه متقدماً بإزالة ما كره اليهود عنهم. وفي السنة الرابعة ورد فطرنيوس الناظر من رومة إلى أورشليم ونصب صورة زاوس أي المشتري في هيكل الرب. وتمت نبوءة دانيال النبي الذي قال: علامة نجسة قائمة حيث لا ينبغي ملك قلوذيوس قيصر 521 ثم ملك بعد غايوس قيصر قلوذيوس. وفي السنة الثانية من

ملكه ظهر رجل مصري بأرض يهوذا وادعى النبوءة وأفسد خلقاً من الناس. وأراد أن يكبس أورشليم قهراً فتوجه إليه فيلكس البطريق فقتله وقتل عامة أتباعه. وظهر أيضاً رجل يسمى قورنثوس وكان يقول: إن في ملكوت الله أكلاً وشرباً. وفي هذا الزمان أمر قلوذيوس قيصر بإحصاء اليهود الذين في سلطانه فبلغ عددهم ستمائة وأربعاً وتسعين ربوة وأربعة آلاف نفس. وفي يوم عيد الفصح وقع اليهود في الخليطى. وضغط الناس بعضهم بعضاً فمات في الزحام ثلاثون ألف نفس. وكان اليهود متفرقين على سبع فرق. الأولى الربانيون وهم كتاب الناموس ومعلموه. والثانية اللاويون الذين لم يفارقوا خدمة الهيكل. والثالثة المعتزلة الذين يؤمنون بقيامة الموتى ويقولون بوجود الملائكة ويصومون يومين في الأسبوع. والرابعة الزنادقة الذين يجحدون القيامة والملائكة. والخامسة المغتسلون الذين يقولون لايثاب الإنسان إن لم يغتسل كل يوم. والسادسة النساك الذين لا يأكلون شيئاً فيه روح. والسابعة السمرة الذين لا يقبلون من الكتب إلا التوراة وهي المجسمة ملك نيرون وعصيان اليهود 522 نيرون قيصر ملك أربع عشرة سنة. وفي السنة الثالثة عشرة من ملكه اضطهد النصارى وضرب عنق بولس وصلب بطرس منعكساً. وعصى اليهود عليه فغزاهم إسفسيانوس القائد مع جيوش

حصار اورشليم وانقراض دولة اليهود

كثيرة. وحاصر أورشليم زماناً طويلاً فما دنا من فتحها أتاه الخبر بموت نيرون. فنصب إسفسيانوس ابنه طيطش مكانه في محاربة اليهود. ونهض راجعاً إلى رومة. وغزا الإسكندرية وفتحها وركب في البحر وسار إلى رومة وملكها (لابي الفرج) حصار اورشليم وانقراض دولة اليهود 523 وعظمت الفتن والحروب بين اليهود داخل القدس وكثر القتل وسالت الدماء في الطرقات وقتل الكهنة على المذبح. وهم لا يقربون الصلاة في المسجد لكثرة الدماء. وتعذر المشي في الطرقات من سقوط حجارة الرمي ومواقد النيران بالليل. وكان يوحنان أخبث القوم وشرهم. ولما انسلخ الشتاء زحف طيطش في عساكرالروم إلى أن نزل على القدس. وركب إلى باب البلد يتخير المكان لمعسكره ويدعوهم إلى السلم فصموا عنه واكمنوا له بعض الخوارج في الطريق فقاتلوه وخلص منهم بشدته. فعبي عسكره من الغد ونزل بجبل الزيتون شرقي المدينة ورتب العساكر والآلات للحصار. واتفق اليهود داخل المدينة ورفعوا الحرب بينهم وبرزوا إلى الروم فانهزموا. ثم عاودوا فظهروا. ثم انتفضوا بينهم وتحاربوا ودخل يوحنان إلى القدس يوم الفطر فقتل جماعة من الكهنة وقتل جماعة أخرى خارج المسجد. وزحف طيطش وبرزوا إليه فردوه إلى قرب معسكره. وبعث إليهم قائده نقانور في الصلح فأصابه سهم

فقتله. فغضب طيطش وصنع كبشاً وأبراجاً من الحديد توازي السور وشحنها بالمقاتلة. فأحرق اليهود تلك الآلات ودفنوها وعادوا إلى الحرب بينهم. وكان يوحنان قد ملك القدس ومعه ستة آلاف أو يزيدون من المقاتلة ومع شمعون عشرةآلاف من اليهود وخمسة آلاف من أدوم. وبقية اليهود بالمدينة مع ألعازر. وأعاد طيطش الزحف بالآلات وثلم السور الأول وملكه إلى الثاني فاصطلح اليهود بينهم وتذامروا واشتدت الحرب وباشرها طيطش بنفسه. ثم زحف بالآلات إلى السور الثاني فثلمه. وتذامر اليهود فمنعوهم عنه ومكثوا كذلك أربعة أيام. وجاء المدد من الجهات إلى طيطش ولاذ اليهود بالأسوار وأغلقوا الأبواب ورفع طيطش الحرب ودعاهم إلى المسالمة فامتنعوا. فجاء بنفسه في اليوم الخامس وخاطبهم ودعاهم وجاء معه يوسف بن كريون فوعظهم ورغبهم في أمنه الروم ووعدهم وأطلق طيطش أسراهم فجنح الكثير من اليهود إلى المسالمة. ومنعهم هؤلاء الرؤساء الخوارج وقتلوا من يروم الخروج إلى الروم. ولم يبق من المدينة ما يعصمهم إلا السور الثالث. وطال الحصار واشتد الجوع عليهم والقتل ومن وجد خارج المدينة لرعي العشب قتله الروم وصلبوه حتى رحمهم طيطش ورفع القتل عمن يخرج في ابتغاء العشب. ثم زحف طيطش إلى السور الثالث من أربع جهاته ونصب الآلات وصبر اليهود على الحرب وتذامر

اليهود وصعب الحرب وبلغ الجوع في الشدة غايته. واستأمن مناي الكاهن إلى الروم وهو الذي خرج في استدعاء شمعون فقتله شمعون. وقتل بنيه وقتل جماعة من الكهنة والعلماء والأئمة ممن حذر منه أن يستأمن. ونكر ذلك ألعازر بن عناني ولم يقدرعلى أكثر من الخروج عن بيت المقدس. وعظمت المجاعة فمات أكثر اليهود. وأكلوا الجلود والخشاش والميتة. ثم أكل بعضهم بعضاً. وعثر على امرأة تأكل ابنها فأصابت رؤساءهم لذلك رحمة وآذنوا في الناس بالخروج فخرجت منهم أمم. وهلك أكثرهم حين أكلوا الطعام. وابتلع بعضهم في خروجه ما كان له من ذهب أو جوهر ضنةً به. وشعر بهم الروم فكانوا يقتلونهم ويشقون عنها بطونهم وشاع ذلك في توابع العسكر من العرب والأرمن فطردهم طيطش. وطمع الروم في فتح المدينة وزحفوا إلى سورها الثالث بالآلات. ولم يكن لليهود طاقة بدفعها وإحراقها فثلموا السور. وبنى اليهود خلف الثلمة فأصبحت منسدة. وصدمها الروم بالكبش فسقطت من الجدة. واستماتوا في تلك الحال إلى الليل. ثم بيت الروم المدينة وملكوا الأسوار عليهم. وقاتلوهم من الغد فانهزموا إلى المسجد وقاتلوا في الحصن. وهدم طيطش البناء ما بين الأسوار إلى المسجد ليتسع المجال. ووقف ابن كربون يدعوهم إلى الطاعة فلم يجيبوا وخرج جماعة من الكهنة فأمنهم ومنع الرؤساء بقيتهم. ثم باكرهم طيطش

بالقتال من الغد فانهزموا إلى الأقداس وملك الروم المسجد وصحنه. واتصلت الحرب أياماً وهدمت الأسوار كلها. وثلم سور الهيكل وأحاط العساكر بالمدينة حتى مات أكثرهم وفر كثير. ثم اقتحم عليهم الحصن فملكه ونصب الأصنام في الهيكل ومنع من تخريبه. ونكر رؤساء الروم ذلك ودسوا من أضرم النار في أبوابه وسقفه. وألقى الكهنة أنفسهم جزعاً على دينهم وحرقوا. واختفى شمعون ويوحنان في جبل صهيون. وبعث إليهم طيطش بالأمان فامتنعوا وطرقوا القدس في بعض الليالي فقتلوا قائداً من قواد العسكر ورجعوا إلى مكان اختفائهم. ثم هرب عنهم أتباعهم وجاء يوحنان ملقياً بيده إلى طيطش فقيده. وخرج إليه يوشع الكاهن بآلات من الذهب الخالص من آلات المسجد فيها منارتان ومائدتان. ثم قبض على فنحاس خازن الهيكل فأطلعه على خزائن كثيرة مملوءة دنانير ودراهم وطيباً فامتلأت يده منها. ورحل عن بيت المقدس بالغنائم والأموال والأسرى. وأحصي الموتى في هذه الوقعة فكان عددهم ألف ألف ومائة ألف والسبي والأسارى مائة ألف. وكان طيطش في كل منزلة يلقي منهم إلى السباع إلى أن فرغوا. وكان في من هلك شمعون أحد الخوارج الثلاثة. . . . وانقضت دولة اليهود أجمع. والبقاء لله سبحانه وتعالى لا انقضاء لملكه (لابن خلدون باختصار)

نخبة من كتاب دخول قبط مصر في النصرانية لتقي الدين المقريزي في تعريف النصارى

نخبة من كتاب دخول قبط مصر في النصرانية لتقي الدين المقريزي في تعريف النصارى والمسيح عيسى كلمة الله 524 إعلم أن النصارى أتباع عيسى بن مريم عليه السلام سموا نصارى لأنهم ينتسبون إلى قرية الناصرة من جبل الجليل. ويعرف هذا الجبل بجبل كنعان. وهو الآن في زماننا من جملة معاملة صفد. والأصل في تسميتهم نصارى أن عيسى لما نشأ بقرية الناصرة قيل له يسوع الناصري. ثم تلاعبت العرب بهذه الكلمة وقالوا لمن آمنوا بعيسى نصارى. والتنصر الدخول في دينهم 525 واعلم أن المسيح روح الله وكلمته التي ألقاها إلى مريم هو عيسى. وأصل اسمه بالعبرانية التي هي لغة أمه إنما هو يشوع وسمته النصارى يسوع. ومعنى يسوع في اللغة الربانية المخلص. ونعت بالمسيح وهو الصديق وقيل لأنه كان لا يمسح بيده صاحب عاهة إلا برأ. وقيل المسيح اسم مشتق من المسح أي الدهن لأن الروح القدس قام لجسد عيسى مقام الدهن الذي كان عند بني إسرائيل يمسح به الملك ويمسح به الكهنوت. وقيل لأنه مسح بالبركة. وقيل هي كلمة عبرانية أصلها ماشيح وتلاعبت بها العرب وقالت مسيح. وكان من خبره عليه السلام أن مريم بينما هي في محرابها بشرها الله تعالى بعيسى. فحملت بعيسى كما تحمل النساء لكن من

غير ذكر. ثم وضعت بعد تسعة أشهر بقرية بيت لحم من عمل مدينة القدس في خامس عشرين كانون الأول. وقدمت رسل ملك فارس في طلبه ومعهم هدية له فيها ذهب ومر ولبان. فتطلبه هيرودس ملك اليهود بالقدس ليقتله وقد أنذر به. فسارت به مريم وهو طفل على حمار ومعها يوسف النجار حتى قدموا أرض مصر فسكنوها مدة أربع سنين وقيل سبع سنين. ثم عادوا فنزلت به مريم قرية الناصرة من جبل الجليل واستوطنتها فنشأ بها عيسى حتى بلغ ثلاثين سنة. فصار هو ويحيى (يوحنا) ابن زكرياء على نهر الأردن فاغتسل عيسى فيه ومضى إلى البرية وأقام بها أربعين يوماً لا يتناول طعاماً ولا شراباً. ثم طاف القرى ودعا إلى الله تعالى وأبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى بإذن الله. وبكت اليهود وأمرهم بالزهد في الدنيا والتوبة من المعاصي. فآمن به الحواريون وكانوا قوماً صيادين وعددهم اثنا عشر رجلاً. وكذب عيسى عامة اليهود وضللوه واتهموه بما هو بريء منه وكانت له ولهم عدة مناظرات آلت بهم إلى أن اتفق أحبارهم على قتله وطرقوه ليلة الجمعة. وأخذوه وأتوا به إلى بيلاطس البنطي شحنة القدس من قبل الملك طيباريوس قيصر. وراودوه على قتله وهو يدافعهم عنه. حتى غلبوه على رأيه بأن دينهم اقتضى قتله فأمكنهم منه

526 ثم اجتمعوا بعد رفعه بعشرة أيام في علية صيون التي يقال لها اليوم صهيون خارج القدس. وظهرت لهم حوارق فتكلموا بجميع الألسن. فأمن بهم فيما يذكر عند ذلك زيادة على ثلاثة آلاف إنسان. فأخذهم اليهود وحبسوهم فظهرت كرامتهم وفتح الله لهم باب السجن ليلاً. فخرجوا إلى الهيكل وطفقوا يدعون الناس. فهمت اليهود بقتلهم وقد آمن بهم نحو الخمسة آلاف إنسان فلم يتمكنوا من قتلهم. وتفرق الحواريون في أقطار الأرض يدعون إلى دين المسيح. فسار بطرس رأس الحواريون واسمه شمعون الصفا إلى أنطاكة ورومة. فاستجاب له بشر كثير وقتل في خامس أبيب وسار أندراوس أخوه إلى نيقية وما حولها فآمن به كثير. وسار يعقوب بن زبدي أخو يوحنا الإنجيلي إلى الأندلس فتبعه جماعة وقتل. وسار يوحنا الإنجيلي إلى بلد آسيا وأفسس فكتب إنجيله باليوناني بعد ما كتب متى ومرقس ولوقا أناجيلهم فوجدهم قد قصروا في أمور فتكلم عليها. وكان ذلك بعد رفع المسيح بثلاثين سنة. وكتب ثلاثة رسائل ومات وقد أناف على مائة سنة. وسار فيلبس إلى قيسارية وما حولها وقتل بها وقد اتبعه جماعة من الناس. وسار برثولوماوس إلى أرميينية وبلاد البربر وواحات مصر فآمن به كثير وقتل. وسار توما إلى الهند وقتل هناك. وسار متى العشار إلى

فلسطين وصور وصيدا ومدينة بصرى. وكتب إنجيله بالعبراني بعد رفع المسيح بتسع سنين وقتل بعد ما استجاب له بشر كثير. وقتل يعقوب بن حلفا في القدس. وسار يهوذا من أنطاكية على الجزيرة فآمن به كثير من الناس. وسار شمعون إلى سميساط وحلب ومنبج وبزنطية فقتل. وسار متياس إلى بلاد الشرق وسار بولس الطرسوسي إلى دمشق وبلاد الروم ورومة فقتل في خامس أبيب 527 وتفرق أيضاً سبعون رسولا أخر في البلاد فآمن بهم الخلائق. ومن هؤلاء السبعين مرقس الإنجيلي. ومضى إلى بطرس برومة وصحبه وكتب الإنجيل عنده بالفرنجية بعد رفع المسيح باثنتي عشرة سنة. ودعا الناس برومة ومصر والحبشة والنوبة. وأقام حنانيا أسقفاً على الإسكندرية وخرج إلى برقة وكثرت النصارى في أيامه وقتل في ثاني عيد الفصح بالإسكندرية (62 للمسيح) ومن السبعين أيضاً لوقا الإنجيلي الطبيب تلميذ بولس (والأصح أنه ليس من السبعين) . كتب الإنجيل باليونانية بعد رفع المسيح بعشرين سنة ثم قتل (75) 528 وكان بطرس لما نزل بأنطاكية أقام بها داريوس (أفوديوس) بطركا وأنطاكية إحدى الكراسي الأربعة التي للنصارى وهي رومية والإسكندرية والقدس وأنطاكية فأقام داريوس بطرك أنطاكية سبعاً وعشرين سنة وهو أول بطاركتها وتوارث من بعده البطاركة بها البطركية واحداً بعد واحد ودعا شمعون الصفا برومية

بطاركة الاسكندرية والاضطهادات العشرة

خمساً وعشرين سنة فآمنت به بطركية وسارت إلى القدس وكشفت عن خشبات الصليب وسلمتها إلى يعقوب الأسقف وبنت هناك كنيسة وعادت إلى رومية وقد اشتدت على دين النصرانية فآمن معها عدة من أهلها. ولما قتل الملك نيرون قيصر بطرس رأس الحواريين برومة أقيم من بعده لينوس بطرك رومة. وهو أول بطرك صار على رومة. وقام من البطاركة بها واحداً بعد واحد إلى يومنا هذا الذي نحن فيه. ولما قتل يعقوب أسقف القدس على يد اليهود هدموا بعده البيعة وأخذوا خشبة الصليب والخشبتين معها ودفنوها والقوا على موضعها تورباً كثيراً فصار كوماً عظيماً حتى أخرجتها هيلاني أم قسطنطين. وأقيم بعد قتل يعقوب سمعان ابن عمه. فمكث اثنتين وأربعين سنة أسقفاً ومات فتداول الأساقفة بعده الأسقفية بالقدس واحداً بعد الآخر بطاركة الاسكندرية والاضطهادات العشرة 529 ولما أقام مرقس حنانيا بطرك الإسكندرية جعل معه اثني عشر قساً وأمرهم إذا مات البطرك أن يجعلوا عوضه واحداً منهم. ويقيموا بدل ذلك القس واحداً من النصارى حتى لا يزالوا أبداً اثني عشر قساً. فلم تزل البطاركة تعمل من القسوس على أن اجتمع الثلاثمائة والثمانية عشر كما ستراه إن شاء الله تعالى. وكان بطرك الإسكندرية يقال له البابا من عهد حنانيا هذا أول بطاركة

الإسكندرية إلى أن أقيم ديمتريوس وهو الثاني عشر من بطاركة الإسكندرية. ولم يكن بأرض مصر أساقفة فنصب الأساقفة بها وكثروا بقراها. وصار الأساقفة يسمون البطرك الأب. والقسوس وسائر النصارى يسمون الأسقف الأب ويجعلون لفظة البابا تختص ببطرك الإسكندرية ومعناها أب الآباء. ثم انتقل هذا الاسم عن كرسي الاسكندرية إلى كرسي رومة من أجل أنه كرسي بطرس رأس الحواريين فصار بطرك رومة يقال له البابا. واستمر على ذلك إلى زمننا الذي نحن فيه. وأقام حنانيا في بطركية الإسكندرية اثنتين وعشرين سنة. فأقيم بعده ميليو (ميليوس أو ابيليوس 84) فأقام ثنتي عشرة سنة وتسعة أشهر ومات. وفي أثناء ذلك ثار اليهود على النصارى وأخرجوهم من القدس فعبروا الأردن وسكنوا تلك الأماكن. وكان بعد هذا بقليل خراب القدس وجلوة اليهود وقتلهم على يد طيطش بعد رفع المسيح بنحو أربع وأربعين سنة. فكثرت النصارى في أيام بطركية ميليو وعاد كثير منهم إلى القدس بعد تخريب طيطش لها. وبنوا بها كنيسة وأقاموا سمعان أسقفاً 530 ثم أقيم بعد ميليو بالإسكندرية في البطركية كرتيانو (كردو 87) وفي أيام الملك تريانوس قيصر أصاب النصارى منه بلاء كبير وقتل منهم جماعة كثيرة واستعبد باقيهم. فنزل بهم بلاء لا يوصف في العبودية حتى رحمهم الوزراء وأكابر الروم وشفعوا

فيهم. فمن عليهم قيصر وأعتقهم. ومات كرتيانو بطرك الإسكندرية (107) وكان جيد السيرة. فقدم بعده أبريمو (أفرام) فأقام اثنتي عشرة سنة. واشتد الأمر على النصارى في أيام الملك أدريانوس قيصر وقتل منهم خلائق لا يحصى عددهم. وقدم مصر فأفنى من بها من النصارى. وخرب ما بني في مدينة القدس من كنيسة النصارى. ومنع اليهود من التردد إليها وأنزل عوضهم بالقدس اليونانيين وسمى القدس إيليا. فلم يتجاسر اليهود أن يدنوا من القدس. وأقيم بعد موت أبريمو بطرك الإسكندرية بسطس (119) فأقام إحدى عشرة سنة. فخلفه أومينيو (130) فأقام ثلاث عشرة سنة. ثم أقيم بعده مرقيانو (43) بطرك الإسكندرية وأقام تسع سنين وستة أشهر. فقدم بعده على الإسكندرية كلوتيانو (153) فاقام أربعة عشرة سنة. وفي أيامه اشتد الملك أراليانوس (اوريليوس) قيصر على النصارى وقتل منهم خلقاً كثيراً. وقدم على كرسي الإسكندرية بعد كلونيا وأغريبو (أغريبينوس) بطركاً أقام اثنتي عشرة سنة. وفي أيام بطركيته اتفق رأي البطاركة بجميع الأمصار على حساب فصح النصارى ووقت صومهم ورتبوا كيف يستخرج ووضعوا الحساب الإبقطي وبه يستخرجون معرفة وقت صومهم وفصحهم واستمروا على ما رتبوه فميا بعد. وكانوا قبل ذلك يصومون بعد الغطاس أربعين يوماً كما صام المسيح ويفطرون في عيد الفصح لأن عيد الفصح كانت

فيه قيامة المسيح من الأموات بقولهم. وكانالحواريون قد أمروا أن لايغير عن وقته وأن يعملوه كل سنة في ذلك الوقت. ثم أقيم بكرسي الإسكندرية بعد أغريبو في البطركية يوليانوس (179) فأقام عشر سنين. واستخلف بعده ديمتريوس (189) فأقام في البطركية ثلاثاً وأربعين سنة ومات وكان فلاحاً أمياً وله زوجة لم يعرفها قط. وفي أيامه أثار الملك سوريانوس قيصر على النصارى بلاءً كبيراً في جميع مملكته وقتل منهم خلقاً كثيراً. وقدم مصر وقتل جميع من فيها من النصارى وهدم كنائسهم وبنى بالإسكندرية هيكلاً لأصنامه 531 ثم أقيم بعده في بطركية الإسكندرية تاوكلا (ويسمى هيركلاس) فأقام بعده ست عشرة سنة. فلقي النصارى من الملك مكسيمينوس قيصر شدة عظيمة وقتل منهم خلقاً كثيراً. فلما ملك فيلبس قيصر أكرم النصارى. وقدم على بطركية الإسكندرية ديونيسيوس (247) فأقام تسع عشرة سنة. وفي أيامه كان الراهب أنطونيوس المصري وهو أول من ابتدأ بلبس الصوف وابتدأ بعمارة الديارات في البراري. وأنزل بها الرهبان. ولقي النصارى من الملك دقيوس قيصر شدة فإنه أمرهم أن يسجدوا لأصنامه فأبوا من السجود لها فقتلهم أبرح قتل. وفر منه الفتية أصحاب الكهف من مدينة أفسس واختفوا بمغارة في جبل شرقي المدينة وناموا. فضرب الله على آذانهم فلم يزالوا نائمين ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعاً. وقام من

تنصر قسطنطين وبدعة آريوس وحرمه

بعده بالإسكندرية مكسيموس (265) فأقام بطركاً اثنتي عشرة سنة. فأقيم بعده تاونا (287) بطركاً مدة ثلاث عشرة سنة ومات. وكانت النصارى قبله تصلي بالإسكندرية خفية من الروم خوفاً من القتل. فلاطف تاونا الروم وأهدى إليهم تحفاً جليلة حتى بنى كنيسة مريم بالإسكندرية فصلى بها النصارى جهاراً. واشتد الأمر على النصارى في أيام الملك أوريليانوس قيصر وقتل منهم خلقاً كثيراً. ولما كانت أيام دقلطيانوس قيصر خالف عليه أهل مصر والإسكندرية فقتل منهم خلقاً كثيراً. وكتب بغلق كنائس النصارى وأمر بعبادة الأصنام وقتل من امتنع منها. فاستشهد خلائق كثيرة جداً. وأقيم في البطركية بعد تاونا بطرس (300) فأقام إحدى عشرة سنة وقتل بالإسكندرية بالسيف لامتناعه من السجود للأصنام. فقام بعده تلميذه أرشلاوس (أشيلاس 311) فأقام سنتين ومات. وبدقلطيانوس هذا وقتله نصارى مصر يؤرخ قبط مصر إلى يومنا هذا. ثم قام بعده مكسميانوس قيصر فاشتد على النصارى وقتل منهم خلقاً كثيراً حتى كانت القتلى منهم تحمل على العجل وتلقى في البحر تنصر قسطنطين وبدعة آريوس وحرمه ثم قام بعد أرشلاوس في بطركية الإسمندرية إسكندروس تلميذ بطرس الشهيد فأقام ثلاثاً وعشرين سنة ومات في ثاني عشرين برموده. وفي بطركيته كان مجمع النصارى بمدينة نيقية. وفي أيامه

كتب النصارى وغيرهم من أهل رومة على قسطنطين وكان على مدينة بيزنطية يحثونه على أن ينقذهم من جور مكسنطيس وشكوا إليه عتوه فأجمع على المسير لذلك. وكانت أمه هيلاني من أهل قرى مدينة الرها قد تنصرت على يد أسقف الرها وتعلمت الكتب. فلما مر بقريتها قسطس صاحب شرطة دقلطيانوس رآها فأعجبته فتزوجها وحملها إلى بزنطية مدينته فولدت له قسطنطين وكان جميلاً. فأنذر دقلطيانوس منجموه بأن هذا الغلام قسطنطين سيملك الروم ويبدل دينهم فأراد قتله ففر منه إلى الرها وتعلم بها الحكمة اليونانية حتى مات دقليطانوس فعاد إلى بزنطية فسلمها له أبوه قسطس ومات فقام بأمرها بعد أبيه إلى أن استدعاه أهل رومة. فأخذ يدبر في مسيره فرأى في منامه كواكب في السماء على هيئة الصليب وصوت من السماء يقول له: احمل هذه العلامة تنتصر على عدوك فقص رؤياه على أعوانه. وعمل شكل الصليب على أعلامه وبنوده وسار لحرب مكسنطيس برومة. فبرز إليه وحاربه فانتصر قسطنطين عليه وملك رومة. وتحول منها فجعل دار ملكه قسطنطينية. وكان هذا ابتداء رفع الصليب وظهوره في الناس فاتخذه النصارى وعظموه. وأكرم قسطنطين النصارى ودخل في دينهم في السنة الثانية عشرة من ملكه على الروم. وأمر ببناء الكنائس في جميع ممالكه وكسر الأصنام وهدم بيوتها وعمل الجمع بمدينة نيقية.

وسببه أن الإسكندروس بطرك الإسكندرية منع آريوس من دخول الكنيسة وحرمه لمقالته ونقل عن بطرس الشهيد بطرك الإسكندرية أنه قال عن آريوس إن إيمانه فاسد وكتب بذلك على جميع البطاركة. فمضى آريوس إلى قسطنطين ومعه أسقفان فاستغاثوا به وشكوا الإسكندروس فأمر بإحضاره من الإسكندرية فحضر هو وآريوس. وجمع له الأعيان من النصارى ليناظروه. فاستحسن الملك قسطنطين كلام إسكندروس وأمره أن يحرم آريوس فحرمه. وسأل الإسكندروس الملك أن يحضر الأساقفة. فأمره بهم فأتوه من جميع ممالكه واجتمعوا بعد ستة أشهر بمدينة نيقية وعددهم ثلاثمائة وثمانية عشر. فمال قسطنطين إلى قولهم وأعرض عما سواه. وأقبل على الثلاثمائة والثمانية عشر وأمر لهم بكراسي وأجلسهم عليها. ودفع إليهم سيفه وخاتمه وبسط أيديهم في جميع مملكته. فباركوا عليه ووضعوا له كتاب قوانين الملوك وقوانين الكنيسة وفيه ما يتعلق بالمحاكمات والمعاملات وكتبوا بذلك إلى سائر الممالك. وكان رئيس هذا المجمع الإسكندروس وأسطاس بطرك أنطاكية ومقاريوس أسقف القدس. ووجه سلطوس (سلوسترس) بطرك رومة بقسيسين اتفقا معهم على حرم آريوس فحرموه ونفوه. ووضع الثلاثمائة والثمانية عشر الأمانة المشهورة عندهم وأوجبوا أن يكون الصوم متصلاً بعيد الفصح على ما رتبه البطاركة في أيام الملك

وجدان الصليب وانتشار شيعة آريوس

أوراليوس قيصر كما تقدم. وانصرفوا من مجلس قسطنطين بكرامة جليلة. والإسكندروس هذا هو الذي كسر الصنم النحاس الذي كان في هيكل زحل بالإسكندرية وكانوا يعبدونه ويجعلون له عيداً في ثاني عشر هتور ويذبحون له الذبائح الكبيرة. فأراد الإسكندروس كسر هذا الصنم فمنعه أهل الإسكندرية. فاحتال عليهم وتلطف في حيلته إلى أن قرب العيد. فجمع الناس ووعظهم وقبح عندهم عبادة الصنم وحثهم على تركه وأن يعمل هذا العيد لميكائيل رئيس الملائكة الذي يشفع فيهم عند الإله فإن ذلك خير من عمل العيد للصنم فلا يتغير عمل العيد الذي جرت عادة أهل البلد لعمله. فرضي الناس بهذا ووافقوه على كسر الصنم فكسروه وأحرقوه وعمل بيته كنيسة على اسم ميكائيل فلم تزل هذه الكنيسة بالإسكندرية إلى أن حرقها جيوش الإمام المعز لدين الله لما قدموا في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة واستمر عيد ميكائيل عند النصارى باقياً يعمل في كل سنة وجدان الصليب وانتشار شيعة آريوس 533 وفي السنة الثانية العشرين من ملك قسطنطين سارت أمه هيلاني إلى القدس وبنت بها كنائس للنصارى. فدلها مقاريوس الأسقف على الصليب وعرفها ما عملته اليهود. ثم دلوها على الموضع فحفرته فإذا قبر وثلاث خشبات. زعموا أنهم لم يعرفوا الصليب المطلوب من الخشبات الثلاث إلا بأن وضعت كل واحدة منها على

ميت قد بلي. فقام حياً عندما وضعت عليه خشبا منها. فعملوا لذلك عيداً عرف عندهم بعيد الصليب. وعملت له هيلاني غلافاً من ذهب وبنت كنيسة القيامة وأقامت مقاريوس على بناء بقية الكنيسة. وكانت مدة ما بين ولادة المسيح وظهور الصليب ثلاثمائة وثماني وعشرين سنة 534 ثم قام في بطركية الإسكندرية بعد الإسكندروس تلميذه أثاناسيوس الرسولي (336) . فأقام ستاً وأربعين سنة ومات بعد ما ابتلي بشدائد وغاب عن كرسيه ثلاث مرات. وفي أيامه جرت مناظرات طويلة مع أوسابيوس الأسقف آلت إلى حرمه وفراره. فإنه تعصب لآريوس وقال: إن الإنجيل لم يقل إن المسيح خلق الأشياء وإنما قال: به خلق كل شيء لأنه كلمة الله التي بها خلق السماء والأرض وإنما خلق الله تعالى جميع الأشياء بكلمته فالأشياء به كونت لا أنه كونها. وإنما الثلاثمائة والثمانية عشر تعدوا على آريوس وفي أيامه بعثت هيلاني بمال عظيم إلى مدينة الرها فبني بها كنائسها العظيمة 535 فلما قام قسطنطين (قسطنس) بن قسطنطين في الملك بعد أبيه غلبت مقالة آريوس على القسطنطينية وأنطاكية والإسكندرية وصار أكثر أهل مصر آريوسيين واستولوا على ما بها من الكنائس ومال الملك إلى رأيهم وحمل الناس عليه. وأخبر كيرلس أسقف القدس أنه ظهر من السماء على القبر الذي بكنيسة القيامة شبه صليب من نور في يوم عيد العنصرة بعشرة أيام من شهر أيار في الساعة الثالثة

اضطهاد يوليانوس الجاحد وشيعة مقدونيوس

من النهار حتى غلب نوره على نور الشمس. ورآه جميع أهل القدس عياناً. فأقام فوق القبر عدة ساعات فآمن من اليهود وغيرهم عدة آلاف اضطهاد يوليانوس الجاحد وشيعة مقدونيوس 536 ثم لما ملك يوليانوس ابن عم قسطنطين اشتدت نكايته بالنصارى وقتل منهم خلقاً كثيراً ومنعهم من النظر في شيء من الكتب. وأقفل الكنائس والديارات ونصب مائدة كبيرة عليها أطعمة مما ذبحه لأصنامه ونادى: من أراد المال فليضع البخور على النار وليأكل من ذبائح الحنفاء ويأخذ ما يريد من المال. فامتنع كثير من الروم وقالوا: نحن نصارى. فقتل منهم خلائق ومحا الصليب من أعلامه وبنوده. وفي أيامه سكن القديس أناريون (إلاريون) برية الأردن وبنى بها الديارات. وهو أول من سكن برية الأردن من النصارى. ولما ملك يونيانوس على الروم وكان متنصراً أعاد كل من فر من الأساقفة إلى كرسيه. وكتب إلى أثاناسيوس بطرك الإسكندرية أن يشرح له الأمانة المستقيمة. فجمع الأساقفة وكتبوا له يلزم أمانة الثلاثمائة والثمانية عشر. فثار أهل الإسكندرية على أثاناسيوس ليقتلوه. ففر فأقاموا بدله لوقيوس وكان آريوسياً. فاجتمع الأساقفة بعد خمسة أشهر وحرموه وأعادوا أثاناسيوس إلى كرسيه فأقام بطركاً إلى موته 537 فخلفه بطرس (373) ثم وثب الآريوسيون عليه بعد سنتين ففر منهم واستجار ببطرك رومة وأعادوا لوقيوس فأقام ثلاث سنين

القديس كيرلس وهرطقة نسطوريس

ووثب عليه أعداؤه ففر منهم فردوا بطرس فأقام إلى موته. وكان في أيامه والنس ملك الروم وكان آريوسياً. ونفى سائر الأساقفة لمخالفتهم لرأيه وقام في بطركية الإسكندرية طيماتاوس (380) فأقام خمسة سنين ومات. وفي أيامه كان المجمع الثاني من مجامع النصارى بقسطنطينية (381) . فاجتمع مائة وخمسون أسقفاً وحرموا مقدونيوس عدو روح القدس وكل من قال بقوله. وسبب ذلك أنه قال بأن روح القدس مخلوق. وحرموا معه غير واحد لعقائد شنيعة تظاهروا بها في المسيح. وزاد الأساقفة في الأمانة التي رتبها الثلاثمائة والثمانية عشر. ونؤمن بالروح القدس الرب المحيي المنبثق من الآب. وحرموا أن يزاد فيها بعد ذلك شيء أو ينقص منها شيء. وفي أيامه بنيت عدة كنائس بالإسكندرية واستتيب جماعة كثيرة من مقالة آريوس. ورد الملك أغرديانوس كل من نفاه والنس من الأساقفة. وأمر أن يلزم كل واحد دينه ما خلا المنانية 537 ثم أقيم بكرسي الإسكندرية تاوفيلا (385 - 412) واشتد الملك تاودلسيوس على الآريوسيين وأمر فأخذت منهم كنائس النصارى. وأسقط من جيشه من كان آريوسياً وطرد من كان في ديوانه وخدمه منهم. وهدم بيوت الأصنام. وفي أيامه بنيت كنيسة مريم بالقدس القديس كيرلس وهرطقة نسطوريس 538 ثم أقيم على بطركية الإسكندرية كيرلس (412) فأقام

أوطاخي وديوسقوروس وحرمهما في مجمع الخلقيدوني

اثنتين وثلاثين سنة ومات وفي أيامه كان المجمع الثالث من مجامع النصارى بسبب نسطوريس بطرك قسطنطينة. فإنه منع أن تكون مريم أم عيسى. وقال: إنما ولدت مريم إنساناً اتحد بمشية الله يعني عيسى فصار بالاتحاد بالمشية خاصة لا بالذات وإن إطلاق الإله على عيسى ليس هو بالحقيقة بل بالهيئة والكرامة. وقال في خطبة الميلاد: إن مريم ولدت إنساناً وأنا لا أعتقد في ابن شهرين أو ثلاثة الإلهية ولا أسجد له سجودي للإله. فلما بلغ كيرلس بطرك الإسكندرية مقالة نسطوريس كتب إليه يرجعه عنها فلم يرجع. فكتب إلى بطرك رومة وإلى يوحنا بطرك أنطاكية وإلى يوناليوس أسقف القدس يعرفهم بذلك. فكتبوا بأجمعهم إلى نسطوريس ليرجع عن مقالته فلم يرجع. فتواعد البطاركة على الاجتماع بمدينة أفسس فاجتمع بها مائتا أسقف وامتنع نسطوريس من المجيء إليهم بعد ما كرروا الإرسال في طلبه غير مرة. فنظروا في مقالته وحرموه (431) . ونفي إلى الصعيد فنزل مدينة إخميم وأقام بها سبع سنين ومات فدفن بها. وظهرت مقالته فقبلها برصوما أسقف نصيبين ودان بها نصارى أرض فارس والعراق والموصل والجزيرة إلى الفرات وعرفوا إلى اليوم بالنسطورية أوطاخي وديوسقوروس وحرمهما في مجمع الخلقيدوني 539 ثم قدم تاودلسيوس الصغير ملك الروم في الثانية من ملكه ديوسقورس بطركا بالإسكندرية (444) . فظهر في أيامه مذهب

أوطاخي أحد القسوس بالقسطنطينية. وزعم أن جسد المسيح لطيف غير مساوٍ لأجسادنا وأن الابن لم يأخذ من مريم شيئاً. فاجتمع عليه مائة وثلاثون أسقفاً وحرموه. ثم صار المجمع الرابع من مجامع النصارى بمدينة خلقدونية (451) وسببه أن ديوسقورس بطرك الإسكندرية قال: إن المسيح جوهر من جوهر وطبيعة من طبيعتين ومشية من مشيتين. وكان رأي مرقيان والنصارى أنه جوهران وطبيعتان ومشيتان وأقنومٌ واحدٌ فوافقه الأساقفة على رأيه ما خلا ديوسقورس وستة أساقفة فإنهم لم يوافقوا الملك. فحرم ديوسقورس ونفي وأقيم عوضه برطارس (451) وأما ديوسقورس فإنه توجه في نفيه فعبر على القدس وفلسطين وعرفهم مقالته فتبعوه وقالوا بقوله. وقدم عدة أساقفة يعقوبية ومات وهو منفي. وسبب تسمية اليعقوبية بهذا أن ديوسقورس كان له تلميذ اسمه يعقوب وكان يرسله وهو منفي إلى أصحابه فنسبوا إليه. وفي أيامه ظهر الفتية أهل الكهف. وفي أيام مرقيان وثب أهل الإسكندرية على برطارس البطرط وقتلوه في الكنيسة وحملوا جسده إلى الملعب الذي بناه بطليموس وأحرقوه بالنار من أجل أنه ملكي الاعتقاد (457) وملك زينون وأكرم اليعقوبية وأعزهم لأنه كان يعقوبياً. وفي أيامه اخترق الملعب الذي بناه بطليموس. ولما ملك نسطاس أغراق ساويرسوس على تأثير اعتقاد اليعقوبية فأمر أن يكتب إلى جميع مملكته بقبول قول ديوسقورس وترك المجمع

الخلقيدوني. فبعث إليه بطرك أنطاكية بأن هذا الذي فعلته غير واجب وأن المجمع الخلقيدوني هو الحق. فغضب الملك ونفاه وأقام بدله. وفي أيام يسطانوس أقيم استيريوس في بطركية الإسكندرية فجد برجوع النصارى إلى رأي الملكية فقبل نصارى مصر الأمانة ووافقه رهبان ديارات بومقار. وفي أيام يوسطينيانوس ثارت السامرة على فلسطين وهدموا كنائس النصارى وقتلوا جماعة منهم. فبعث الملك جيشاً قتلوا من السامرة خلقاً كثيراً وجدد بناء الكنائس وأنشأ مارستاناً ببيت المقدس للمرضى ووسع في بناء كنيسة بيت لحم وبنى ديراً بطور سيناء. وعمل فيها حصناً حوله عدة قلال ورتب فيها حرشاً لحفظ الرهبان. وفي أيامه كان المجمع الخامس من مجامع النصارى وفيه حرم أريجانس لقوله بتناسخ الأرواح (553) . وفي أيام فوقا ملك الروم بعث كسرى ملك فارس جيشه إلى بلاد الشام ومصر فخربوا كنائس القدس وفلسطين وقتلوا النصارى وسبوا منهم سبياً وأخذوا قطعة من عود الصليب. فسار هرقل إلى بلاد فارس وغلب الفرس ودارت رحى الحرب على كسرى ورجع هرقل ظافراً. ثم دخل القدس وقد تلقاه النصارى بالأناجيل والصلبان والبخور والشموع. ثم رمم الكنائس وجددها ولم يلبث أن ظهر الإسلام في أيامه وخرج ملك مصر والشام من يد النصارى ذمة للمسلمين (تم بحوله تعالى)

الجزء الثاني

الجزء الثاني الباب الأول في التدين في الإخلاص لله تعالى والثناء عليه 1 إن الله تعالى واحد لا أول لوجوده ولا آخر لأبديته. قيوم لا يفنيه الأبد. ولا يغيره الأمد. بل هو الأول والآخر والظاهر والباطن. منزه عن الجسمية ليس كمثله شيء. وهو فوق كل شيءٍ. فوقيته لا تزيده بعداً عن عباده وهو أقرب إلى العبيد من حبل الوريد. وهو على كل شيءٍ شهيدٌ. وهو معكم أينما كنتم. لا يشابه قربه قرب الأجسام. كما لا يشابه ذاته ذوات الأجرام. منزهٌ عن أن يجده زمان. مقدسٌ عن أن يحيط به مكانٌ. تراه أبصار الأبرار. في دار القرار. على ما دلت عليه الآيات والأخبار. حي قادرٌ. جبارٌ قاهرٌ. لا يعتريه عجزٌ ولا قصورٌ. ولا تأخذه سنةٌ ولا نومٌ. له الملك والملكوت. والعزة والجبروت. خلق الخلق وقدر أرزاقهم وآجالهم. لا تحصى مقدوراته. ولا تتناهى معلوماته. عالمٌ بجميع المعلومات. لا يعزب عنه مثقال ذرةٍ في الأرض ولا في السماوات. يعلم السر والخفي ويطلع على هواجس الضمائر. وخفيات السرائر. مريدٌ للكائنات. مدبرٌ للحادثات. لا يجري في ملكه قليلٌ ولا كثيرٌ. جليلٌ ولا حقيرٌ. نفعٌ أو ضرٌ إلا بقضائه وقدره وحكمه. فما شاءً كان وما لم

تنزيه الخالق تعالى

يشأ لم يكن. فهو المبدئ المعيد. الفاعل لما يريد. لا معقب لحكمه. ولا راد لقضائه. ولا مهرب لعبدٍ عن معصيته. إلا بتوفيقه ورحمته. ولا قوة له على طاعته. إلا بمحبته وإرادته. سميعٌ بصيرٌ متكلمٌ بكلام لا يشبه كلام خلقه. وكل ما سواه سبحانه وتعالى فهو حادثٌ أو جده بقدرته. وما من حركةٍ وسكونٍ إلا وله في ذلك حكمة دالةٌ على وحدانيته. قال أبو العتاهية: فيا عجبا كيف يعصي الإله ... أم كيف يجحده الجاحد وفي كل شيءٍ له آيةٌ ... تدل على أنه الواحد ولله في كل تحريكةٍ ... وتسكينةٍ في الورى شاهد وقال غيره: كل ما ترتقي إليه بوهمٍ ... من جلالٍ وقدرةٍ وسناء فالذي أبدع البرية أعلى ... منه سبحان مبدع الأشياء (مستقطف الابشيهي) تنزيه الخالق تعالى 2 اعلم أن البارئ تعالى ليس له صورةٌ ولا قالبٌ. وأنه تعالى ليس له صورةٌ ولا قالبٌ. وأنه تعالى لا ينزل ولا يحل في قالبٍ. وأنه منزهٌ عن الكيف والكم. وعن لماذا ولم. وأنه لا يشبهه شيءٌ. وكلما يخطر في الوهم والخيال والفكر من التكيف والتمثل. فإنه منزهٌ عن ذلك. لأن تلك من صفات المخلوقين وهو خالقها فلا يوصف بها. وأنه تعالى جده ليس

عظمة الخالق

في مكان ولا على مكان. فإن المكان لا يحصره وكل ما في العالم فإنه تحت عرشه وعرشه تحت قدرته وتسخيره فإنه قبل خلق العالم كان منزهاً عن المكان. وليس العرش بحامل له بل العرش وحملته يحملهم لطفه وقدرته. وأنه تقدس عن الحاجة إلى المكان قل خلقه العالم وبعد خلقه وأنه متصفٌ بالصفة التي كان عليها في الأزل. ولا سبيل للتغير والانقلاب إلى صفاته. وهو سبحانه متقدسٌ عن صفات المخلوقين منزهٌ. وهو في الآخرة مرئيٌ كما نعلمه في الدنيا بلا مثل ولا شبهٍ. كذلك نراه في الآخرة بلا مثلٍ ولا شبهٍ. لأن تلك الرؤية لا تشابه رؤية الدنيا. ليس كمثله شيءٌ. (التبر المسبوك للغزالي) عظمة الخالق 3 قال الإمام عليٌ: كيفية المرء ليس المرء يدركها ... فكيف كيفية الجبار بالقدم هو الذي أنشأ الأشياء مبتدعا ... فكيف يدركه مستحدث النسم قال آخر: تبارك الله في علياء عزته ... فكل كل لسانٍ عن تعاليه لا كون يحصره لا عين تنظره ... لا كشف يظهره لا جهر يبديه حارت جميع الورى في كنه قدرته ... فليس يدرك معنى من معانيه سبحانه وتعالى في جلالته ... وجل عزاً ولطفاً في تساميه

رحمة الله

4 قال حكيمٌ: أشهد أن السماوات والأرض آياتٌ دالاتٌ. وشواهد قائماتٌ. كل يؤدي عنه الحجة ويشهد له بالربوبية. وقال آخر: سل الأرض من غرس أشجارك. وشق أنهارك. وجنى ثمارك. فإن لم تجبك إخباراً. أجابتك اعتباراً. وقال الشاعر: لقد جئت أبغي لنفسي مجيراً ... فجئت الجبال وجئت البحوراً فقال لي البحر إذ جئته ... فكيف يجير ضريرٌ ضريرا رحمة الله 5 سمع الفضيل بن عياض رجلاً يشكو بلاءً نزل به فقال: يا هذا أتشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك.. (العقد الفريد لابن عبد ربه) أبياتٌ عن فم الرحمان: فكم لبيت عبدي إذ دعاني ... وراعيت الوداد وما رعاني أنا المرخي السور على المعاصي ... على العبد الجسور إذا عصاني وأصفح للأثيم إذا أتاني ... وعاتب نفسه عما جفاني وإن ناداني الخاطي بصدق ... وإخلاصٍ حوى كل المعاني فمن يأتي إلي ينال عزاً ... ويحظى بالمسرة والأماني (في الخبر) إن الله تعالى خلق جهنم من فضل رحمته سوطاً يسوق به عباده إلى الجنة.. (وفي الخبر أيضاً) إن الله تعالى يقول: إنما خلقت الخلق ليربحوا علي ولم أخلقهم لأربح عليهم (الكشكول لبهاء الدين العاملي)

محبة الخالق

محبة الخالق 6 كل فعل يقرب صاحبه من الله تعالى فهو برٌ. ولا يحصل التقرب إليه إلا بالتبرئ ممن سواه. فمن أحب شيئاً فقد حجبٍ عن الله تعالى وأشرك شركاً خفياً لتعلق محبته بغير الله سبحانه.. (للقاشاني) دخل هارون على بعض النساك فسلم عليه. فقال: وعليك السلام أيها الملك أتحب الله. قال: نعم. قال: فتعصيه. قال: نعم. قال: كذبت والله في حبك إياه إنك لو أحببته لما عصيته. ثم أنشد يقول: تعصي الإله وأنت تظهر حبه ... هذا لعمري في الفعال بديع لو كان حبك صادقاً لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع في كل يوم يبتديك بنعمةٍ ... منه وأنت لشكر ذاك مضيع (سراج الملوك للطرطوشي) قال عز الدين المقسي في الهيام بحبه تعالى وحده: قبيحٌ على قلبٍ يذوب صبابةً ... وتنظر عيناه لمن ليس هو الله أيجمل أن تهوى هواه وتدعي ... سواه وما في الكون يعشق إلا هو فإن كان من تهواه في الحسن واحداً ... فكن واحداً في الحبٌ إن كنت نهواه

حمد الله

7 من كلام ابن زهرة الأندلسي: لا يكون العبد محباً لخالقه حتى يبذل نفسه في مرضاته سراً وعلانيةً. فيعلم الله من قلبه أنه لا يريد إلاه. وسئل ما علامة العارف فقال: عدم الفتور عن ذكره وعدم الملال من حقه وعدم الأنس بغيره. وقال: ليس العجب من حبي لك وأنا عبدٌ فقيرٌ. ولكن العجب من حبك لي وأنت ملكٌ قديرٌ. (لبهاء الدين العاملي) حمد الله 8 قال بعضهم: ألحمد لله بقدر الله ... لا قدر وسع العبد ذي التناهي قال محمودٌ الوراق: إلهي لك الحمد الذي أنت أهله ... على نعم ما كنت قط لها أهلا أزيدك تقصيراً تزدني تفضلاً ... كأني بالتقصير أستوجب الفضلا وله أيضاً: أيا رب قد أحسنت عوداً وبدأةً ... إلي فلم ينهض بإحسانك الشكر فمن كان ذا عذرٍ إليك وحجةٍ ... فعذري إقراري بأن ليس لي عذر قال أبو الأسود الدولي: وإذا طلبت من الحوائج حاجةً ... فادع الإله وأحسن الأعمالا إن العباد وشأنهم وأمورهم ... بيد الإله يقلب الأحوالا فدع العباد ولا تكن بطلابهم ... لهجاً تضعضع للعباد سؤالا

الرجاء بالله والتوكل عليه

ومما أورده الأصبهاني عن أبي محمدٍ التيمي قوله: لا تخضعن لمخلوقٍ على طمعٍ ... فإن ذاك مضرٌ منك بالدين وارغب إلى الله مما في خزائنه ... فإنما هو بين الكاف والنون أما ترى كل من ترجو وتأمله ... من الخلائق مسكين ابن مسكين (الأغاني) الرجاء بالله والتوكل عليه 9 لما حضر بشر بن المنصور الموت فرح فقيل له: أتفرح بالموت فقال: أتجعلون قدومي على خالقٍ أرجوه كمقامي مع مخلوقٍ أخافه قال الشيخ شهابٌ: توكل على الرحمان في الأمر كله ... فما خاب حقاً من عليه توكلا وكن واثقاً بالله واصبر لحكمه ... تفز بالذي ترجوه منه تفضلا ولله الشافعي حيث يقول: ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلت رجائي نحو عفوك سلما تعاظمني ذنبي فلما قرنته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما قيل لأعرابي وقد مرض: إنك تموت. قال: وإذا مت فإلى أين يذهب بي. قالوا: إلى الله. قال: فما كراهتي أن يذهب بي إلى من لم أر الخير إلا منه. الدعاء إلى الله 10 قال الأصمعي: سمعت أعرابياً وهو يقول في دعائه: اللهم إني

العفو من الله

أسألك عمل الخائفين وخوف العاملين حتى أتنعم بترك النعيم طمعاً فيما وعدت وخوفاً مما أوعدت. اللهم أعذني من سطواتك وأجرني من نقماتك. سبقت لي ذنوبٌ وأنت تغفر لمن يحوب إليك بل أتوسل وأفر منك إليك. العفو من الله 11 قال الإمام عليٌ: إلهي لا تعذبني فإني ... مقرٌ بالذي قد كان مني فما لي حيلةٌ إلا رجائي ... بعفوك إن عفوت وحسن ظني فكم من زلة لي في الخطايا ... عضضت أناملي وقرعت سني يظن الناس بي خيراً وإني ... لشر الخلق إن لم تعف عني (دعاءٌ) اللهم إن مغفرتك أرجى من عملي وإن رحمتك أوسع من ذنبي. اللهم إن لم أكن أهلاً أن أبلغ رحمتك فرحمتك أهلٌ أن تبلغني لأنها وسعت كل شيءٍ يا أرحم الراحمين 12. (دعاءٌ آخر) . اللهم إني أسألك باسمك العظيم الأعظم الأعز الأجل الأكرم الذي إذا دعيت به على مغالق أبواب السماء للفتح بالرحمة انفتحت. وإذا دعيت به على مضايق أبواب الأرض للفرج انفرجت. وإذا دعيت به على مضايق أبواب الأرض للفرج انفرجت. وإذا دعيت به على العسر لليسر تيسرت. وإذا دعيت به على الأموات للنشور انتشرت. وإذا دعيت به على كشف البأساء والضراء انكشفت. وبجلال وجهك الكريم أكرم الوجوه.

إغراء بإيثار الدين

وأعز الوجوه. الذي عنت له الوجوه. وخضعت له الرقاب. وخشعت له الأصوات. ووجلت له القلوب. من مخافتك. وبقوتك التي تمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنك. وتمسك السماوات والأرض أن تزولا. وبمشيتك التي دان لها العالمون وبكلمتك التي خلقت بها السماوات والأرض. وبحكمتك التي صنعت بها العجائب وخلقت بها الظلمة وجعلتها ليلاً. وجعلت الليل سكناً. وخلقت بها النور وجعلته نهاراً. وجعلت النهار نشوراً مبصراً. وخلقت بها الشمس وجعلت الشمس ضياءٌ. وخلقت بها القمر وجعلت القمر نوراً. وخلقت بها الكواكب وجعلتها نجوماً وبروجاً ومصابيح وزينةً ورجوماً. وجعلت لها مشارق ومغارب. وجعلت لها مطالع ومجاري. وجعلت لهاً فلكاً ومسابح وقدرتها في السماء منازل. فأحسنت تقديرها. وصورتها فأحسنت تصويرها. وأحصيتها بأسمائك إحصاءً. ودبرتها بحكمتك تدبيراً. فأحسنت تدبيرها. وسخرتها بسلطان الليل وسلطان النهار والساعات وعدد السنين والحساب. وجعلت رؤيتها لجميع الناس مرأى واحداً (لبهاء الدين) إغراء بإيثار الدين 13 قال لقمان لابنه: إن الدنيا بحرٌ عريضٌ قد هلك فيه الأولون والآخرون. فإن استطعت أن تجعل سفينتك تقوى الله وعدتك

التوكل على الله وزادك العمل الصالح فإن نجوت فبرحمةٍ الله وإن هلكت فبذنوبك. (لابن عبد ربه) أرى رجالاً بأدنى الدين قد قنعوا ... ولا أراهم رضوا في العيش بالدون فاستغن بالدين عن دنيا الملوك كما م ... استغنى الملوك بدنياهم عن الدين من الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين: أبني إن من الرجال بهيمةً ... في صورة الرجل السميع المبصر فطن لكل رزيةٍ في ماله ... فإذا أصيب بدينه لم يشعر قال الرافعي: أقيما على باب الرحيم أقيما ... ولا تنيا في ذكره فتهيما هو الباب من يقرع على الصدق بابه ... يجده رؤوفاً بالعباد رحيماً (لبهاء الدين) قال أبو العتاهية: حتى متى ذو التيه في تيهه ... أصلحه الله وعافاه يتيه أهل التيه من جهلهم ... وهم يموتون وإن تاهوا من طلب العز ليبقى به ... فإن عز المرء تقواه

ذكر فروع شجرة الإيمان أي الأعمال

ذكر فروع شجرة الإيمان أي الأعمال 14 الأعمال التي هي فروع الإيمان هي تجنب المحارم وأداء الفرائض. وهي قسمان أحدهما بينك وبين الله تعالى مثل الصوم والصلاة والزكاة والعفة عن الحرام. والأخرى ما بينك وبين الخلق وهي العدل في الرعية والكف عن الظلم. والأصل في ذلك أن تعمل فيما بينك وبين الخالق تعالى من طاعة أمره والإزدجار بزجره ما تختار أن يعتمده عبدك في حقك. وأن تعمل فيما بينك وبين الناس ما تريد أن يعمل معك من سواك إذا كان غير السلطان وكنت من رعيته. واعلم أنه ما كان بينك وبين الخالق تعالى فإن عفوه قريبٌ وإنه غفورٌ رحيمٌ. أما ما يتعلق بمظالم الخلق فإنه لا يتجاوز به عنك على كل حال يوم القيامة. وخطره عظيمٌ ولا يسلم من هذا الخطر أحدٌ من الملوك إلا ملكٌ عمل بالعدل في رعيته. (للغزالي) قال المعري: لو يعلم الإنسان مقداره ... لم يفخر المولى على عبده لولا سجاياه وأخلاقه ... لكان كالمعدوم في وجده ومجده أفعاله لا الذي ... من قبله كان ولا بعده 15 كان يزيد الرقاشي يقول: يا يزيد من يقوم عنك أو يصلي لك أو يترضى لك ربك إذا مت. وكان خالد بن معدان يقول:

إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصداً ... ندمت على التفريط في زمن البذر مما ينسب لحضرة الإمام الشافعي: إن لله عباداً فطنا ... طلقوا الدنيا وخافوا لفتنا نظروا فيها فلما علموا ... أنها ليست لحيٍ وطنا جعلوها لجةً واتخذوا ... صالح الأعمال فيها سفنا من كلام بعض الأكابر: ليس العيد. لمن لبس الجديد. إنما العيد لمن أمن الوعيد. سئل بعض الرهبان متى عيدكم. فقال: يوم لا نعصي الله سبحانه وتعالى فذلك عيدنا. ليس العيد لمن لبس الملابس الفاخرة. إنما العيد لمن أمن عذاب الآخرة. ليس العيد لمن لبس الرقيق. إنما العيد لمن عرف الطريق. (لبهاء الدين) 16 قال أبو العتاهية: ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ... إن السفينة لا تجري على اليبس وقال الآخر: إعمل وأنت من الدنيا على حذرٍ ... وأعلم بأنك بعد الموت مبعوث واعلم بأنك ما قدمت من عملٍ ... يحصى عليك وما خلفت موروث وقال غيره: إحزن على أنك لا تحزن ... ولا تسئ إن كنت لا تحسن وأضعف عن الشر كما تدعي ... ضعفاً عن الخير وقد يمكن

العجاج والأعرابي

قال الحسن: بادروا بالعمل الصالح قبل حلول الأجل. فإن لكم ما أمضيتم لا ما أبقيتم العجاج والأعرابي 17 خرج الحجاج ذات يومٍ فأصحر وحضر غداؤه. فقال: اطلبوا من يتغدى معنا. فطلبوا فلم يجدوا إلا أعرابياً في شملةٍ فأتوه به. قال له: هلم. قال له: قد دعاني من هو أكرم منك فأجبته. قال: ومن هو. قال: الله تبارك وتعالى دعاني إلى الصيام فأنا صائمٌ. قال: صومٌ في مثل هذا اليوم على حرٍ. قال: صمت ليومٍ هو أحر منه. قال: فافطر اليوم وتصوم غداً. قال: أو يضمن لي الأمير أن أعيش إلى غدٍ. قال: ليس ذلك إلي. قال: فكيف تسألني عاجلاً بآجل ليس لي إليه سبيلٌ. قال: إنه طعامٌ طيبٌ. قال: والله ما طيبه خبازك ولا طباخك ولكن طيبته العافية. قال الحجاج: تالله ما رأيت كاليوم. (لابن عبد ربه) الصلاة 18 إن الصلاة عماد الدين وعصام اليقين ورأس القربات وغرةً الطاعات. قال بعضهم: إن الصلاة تمسكن وتواضعٌ وتضرعٌ وتأوه وتنادمٌ. ورؤى عن الله سبحانه في الكتب السالفة أنه قال: ليس كل مصل أتقبل صلاته. إنما أقبل صلاة من تواضع لعظمتي ولم يتكبر على عبادي وأطعم الفقير الجائع لوجهي. (أحياء علوم الدين للغزالي) .

تفقد هشامٌ بعض ولده لم يخضر الجمعة فقال: ما منعك من الصلاة. قال: نفقة دابتي. قال: أفعجزت عن المشي. فمنعه الدابا سنةً. (لأبي الفرج) خسر الذي ترك الصلاة وخابا ... وأبى معاداً صالحاً ومآبا إن كان يجحدها فحسبك أنه ... أضحى بربك كافراً مرتابا أو كان يتركها لنوع تكاسلٍ ... غطى على وجه الصواب حجابا 19 (بيان اختلاف الخلق في لذاتهم) . أنظر إلى الصبي في أول حركته وتميزه فإنه يظهر فيه غريزةٌ بها يستلذ اللعب حتى يكون ذلك عنده ألذ من سائر الأشياء. ثم يظهر فيه بعد ذلك استلذاذ اللهو ولبس الثياب الملونة وركوب الدواب الفارهة فيستخف معه اللعب بل يستهجنه. ثم يظهر فيه بعد ذلك لذة الزينة والمنزل والخدم فيحتقر ما سواها لها. ثم يظهر فيه بعد ذلك لذة الجاه والرئاسة والتكاثر من المال والتفاخر بالأعوان والأتباع والأولاد وهذا آخر لذات الدنيا. وإلى هذه المراتب أشار القائل: إنما حياة الدنيا لعب ولهوٌ وزينةٌ وتفاخرٌ. ثم بعد ذلك فقد تظهر لذة العلم بالله تعالى والقرب منه والمحبة له والقيام بوظائف عباداته وترويح الروح بمناجاته فيستحقر معها جميع اللذات السابقة ويتعجب من المنهمكين فيها. وكما أن طالب الجاه والمال يضحك من لذة الصبي باللعب بالجوز مثلا كذلك صاحب المعرفة والمحبة يضحك من لذة

لذات الجنة

الطالب الجاه والمال. وانتهى بوصوله إلى ذلك. لذات الجنة 20 جاء في الحديث إن في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشرٍ. (لبهاء الدين) قال بعضهم: ألا قل لسكان وادي الحمى ... هنيئاً لكم في الجنان الخلود أفيضوا علينا من الماء فيضاً ... فنحن عطاشٌ وأنتم ورود الباب الثاني في الزهد حد الزهد 21 قيل للزهري ما الزهد. قال: أما أنه ليس تشعيث اللمة ولا قشف الهيئة. ولكنه صرف النفس عن الشهوة. وقيل لآخر: ما الزهد في الدنيا قال: أن لا يغلب الحرام صبرك. ولا الحلال شكرك وقيل لمحمد بن واسعٍ: من أزهد الناس في الدنيا. قال: من لا يبالي بيد من كانت الدنيا. وقيل للخليل بن أحمد: من أزهد الناس في الدنيا. قال: من لم يطلب المفقود حتى يفقد الموجود. (لابن عبد ربه)

ذلة الدنيا

ذلة الدنيا 22 قال بعض الحكماء: الدنيا كالماء المالح كلما ازداد صاحبه شرباً ازداد عطشاً. وكالكأس من العسل في أسفله السم فللذائق منه حلاوةٌ عاجلةٌ وفي أسفله الموت الذعاف. وكأحلام النائم التي تفرحه في منامه فإذا استيقظ انقطع الفرح. وكالبرق الذي يضيء قليلاً ويذهب وشيكاً ويبقى راجيه في الظلام مقيماً. وكدودة الإبريسم التي لا يزداد الإبريسم على نفسها لفاً إلا ازدادت من الخروج بعداً وفيه قيل: كدودٌ كدود القز ينسج دائماً ... ويهلك غماً وسط ما هو ناسجه الراهب والمسافر 23 قال وهب بن منبهٍ: صحب رجلٌ بعض الرهبان سبعة أيام ليستفيد منه شيئاً فوجده مشغولاً عنه بذكر الله تعالى والفكر لا يفتر. فالتفت إليه في اليوم السابع فقال: يا هذا قد علمت ما تريد. حب الدنيا رأس كل خطيئةٍ والزهد في الدنيا رأس كل خيرٍ. فاحذر رأس كل خطيةٍ وارغب في رأس كل خيرٍ. وتضرع إلى ربك أن يهب لك تاج كل خيرٍ. قال: فكيف أعرف ذلك. قال: كان جدي رجلاً من الحكماء قد شبه الدنيا بسبعة أشياء فشبهها بالماء الملح يغر ولا يروي. ويضر ولا ينفع. وبالبرق الخلب يغر ولا ينفع. وبسحاب الصيف يمر ولا ينفع. وبظل الغمام يغر ويخذل.

وبزهر الربيع ينضر. ثم يصفر فتراه هشيماً. وبأحلام النائم يرى السرور في منامه فإذا استيقظ لم يكن في يده إلا الحسرة. وبالعسل المشوب بالسم الزعاف يغر ويقتل 24 كتب علي بن أبي طالب إلى سليمان إنما مثل الدنيا كمثل الحية لينٌ لمسها ويقتل سمها. فأعرض عنها وعما يعجبك منها لقلة ما يصحبك منها. ودع عنك همومها لما تيقنت من فراقها. وكن أسر ما تكون فيها أحذر ما تكره منها. فإن صاحبها كلما اطمأن فيها إلى سرورٍ أشخص منها إلى مكروهٍ. وقال أبو العتاهية: هي الدار دار الأذى والقذى ... ودار الغرور ودار الغير فلو نلتها بحذافيرها ... لمت ولم تقض منها الوطر أيا من يؤمل طول الحياة ... وطول الحياة عليه خطر إذا ما كبرت وبان الشباب ... فلا خير في العيش بعد الكبر من الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين: حلاوة دنياك مسمومةٌ ... فما تأكل الشهد إلا بسم فكن موسراً شئت أو معسراً ... فما تقطع الدهر إلا بهم إذا تم أمرٌ بدا نقصه ... توقع زوالاً إذا قيل تم 25 قال حكيمٌ لبعض أصحابه: تريد أن أريك الدنيا. فقال: نعم. فأخذ بيده وانطلق حتى وقف به على مزبلةٍ فيها رؤوس الآدميين ملقاةٌ. وبقايا عظام نخرةٍ وخرقٍ قد تمزقت وتلوثت بنجاساتٍ. فقال:

هذه رؤوس الناس التي تراها كانت مثل رؤوسكم كانت مملؤةً من الحرص والاجتهاد على جمع الدنيا. وكانوا يرجون من طول الأعمار ما ترجون. وكانوا يجدون في جمع المال وعمارة الدنيا كما تجدون. فاليوم نعرت عظامهم وتلاشت أجسامهم كما ترى. وهذه الخرق كانت أثوابهم التي كانوا يتزينون بها عند التجمل وقت الرعونة والتجمل والتزين. فاليوم قد ألقتها الريح في النجاسات. وهذه عظام دوابهم التي كانوا يطوفون أقطار الأرض على ظهورها. وهذه النجاسات كانت أطعمتهم اللذيذة التي كانوا يحتالون في تحصيلها لا يقربها أحد من نتنها. فهذه جملة أحوال الدنيا كما تشاهد وترى. فمن أراد أن يبكي على الدنيا فلبيك فإنها موضع البكاء.. (قال) فبكى جماعة الحاضرين ولله الحريري حيث قال: يا طالب الدنيا الدنية إنها ... شرك الردى وقرارة الأكدار دار متى ما أضحكت في يومها ... أبكت عداً تباً لها من دار غاراتها لا تنقضي وأسيرها ... لا يفتدى بجلائل الأخطار فأقطع علائق حبها وطلابها ... تلق الهدى ورفاهة الأسرار 26 مثل أهل الدنيا واشتغالهم واهتمامهم بأحوالها ونسيان الآخرة وإهمالها كمثل قوم ركبوا مركباً في البحر فعدلوا إلى جزيرةٍ لأجل قضاء الحاجة. فنزلوا إلى الجزيرة والملاح يناديهم لا تطيلوا المكث

لئلا يفوت الوقت ولا تشتغلوا بغير الصلاة فإن المركب سائرٌ. فمضوا وتفرقوا في الجزيرة وانتشروا في نواحيها فالعقلاء منهم لم يمكثوا وعادوا إلى المركب. فوجدوا الأماكن خاليةً فجلسوا في أطهر أماكنه وأوفقها. وأطيب مواضعه وأرفقها. ومنهم قوم نظروا إلى عجائب تلك الجزيرة. ووقفوا يتنزهون في زهرها وأثمارها. وروضها وأشجارها. ويسمعون ترنم أطيارها. ويتعجبون من حصبائها الملونة وأحجارها. فلما عادوا إلى المركب لم يجدوا فيه موضعاً ولا رأوا متسعاً. فقعدوا في أضيق مواضعه وأظلمها. ومنهم قومٌ وقفوا مع عجائب تلك الجزيرة فتحيروا. وفي الرجوع لم يتفكروا. حتى سار المركب فبعدوا عنه وانقطعوا وفي أماكنهم تخلفوا. إذ لم يصغوا إلى المنادي ولم يسمعوا فمنهم من هلك من الجوع ومنهم من أكلته السباع. ونهشته الضباع. فالقوم المتقدمون هم المؤمنون المتقون. والقوم المتخلفون الهالكون هم الذين نسوا الله ونسوا الآخرة وسلموا كليتهم إلى الدنيا وركنوا إليها واستحبوا الحياة الدنيا على الآخرة. وأما الجماعة المتوسطون فهم العصاة الذين حفظوا أصل الإيمان ولكنهم لم يكفوا يدهم عن الدنيا. فمنهم من تمتع بغناه ونعمته. ومنهم من تمتع مع فقره وحاجته. إلى أن ثقلت أوزارهم. وكثرت أوساخهم وآصارهم (للغزالي) 27 لما حضرت هشام بن عبد الملك الوفاة نظر إلى أهله يبكون

زوال الدنيا

حوله فقال: جاد لكم هشام بالدنيا وجدتم له بالبكاء. وترك لكم ما جمع وتركتم عليه ما حمل. ما أعظم منقلب هشام إن لم يغفر الله له قال أبو العتاهية: أيا من عاش في الدنيا طويلاً ... وأفنى العمر في قبل وفال وأتعب نفسه فيما سيفنى ... وجمع من حرامٍ أو حلال هب الدنيا تقاد إليك عفواً ... أليس مصير ذلك للزوال (للطرطوشي) زوال الدنيا 28 إعلم أن الدنيا منزلة وليست بدار قرارٍ والإنسان فيها على صورة مسافرٍ. فأول منازله بطن أمه وآخر منازله لحد قبره. وإنما وطنه وقراره ومكئه واستقراره بعدها. فكل سنةٍ تنقضي من عمر الإنسان كالمرحلة. وكل شهرٍ ينقضي منه كاستراحة المسافر في سفره. وكل أسبوع فكقريةٍ تلقاه في طريقه. وكل يوم فكفرع يقطعه. وكل نفسٍ فكخطوةٍ يخطوها. وبقدر كل نفس يتنفسه يقرب من الآخرة. وهذه الدنيا قنطرة فمن عبر القنطرة واشتغل بعمارتها فني فيها زمانه. وأنسي المنزلة التي إليها مصيره وهي مكانه. وكان جاهلاً غير عاقلٍ. وإنما العاقل الذي لا يشتغل في دنياه إلا بإعداد زاده لمعاده. ويكتفي منها بقدر حاجته. ومهما جمعه منها فوق كفايته كان سماً قاتلاً. وتمنى أن تكون جميع خزائنه وسائر

ذخائره فانيةً رماداً وتراباً لا فضةً وذهباً. ولو جمع مهما جمع فإنما يصيبه ما يأكله ويلبسه لا سواه. وجميع ما يخلفه يكون حسرةً وندامةً ويصعب عليه نزعه عند موته. فحلالها حسابٌ. وحرامها عذابٌ. إن كان قد جمع المال من حلال طلب منه الحساب. وإن كان قد جمعه من حرام أو وجب عليه العقاب. وكان أشد عليه من حسرة حلول العذاب به في حفرته وآخرته. واعلم أن راحة الدنيا أيام قلائل وأكثرها منغص بالتعب. ومشوبٌ بالنصب. وبسببها تفوت راحة الدنيا الآخرة التي هي الدائمة الباقية والملك الذي لا يفنى ولا نهاية له. فسهل على العاقل أن يصبر في هذه الأيام القلائل لينال راحة دائمة بلا انقضاء. والدنيا ليست بشيء في جنب الآخرة ولا نسبة بينهما لأن الآخرة لا نهاية لها ولا يدرك الوهم طولها. (للغزالي) 29 لما بنى المأمون بن ذي النون وكان من ملوك الأندلس قصره وأنفق في بنائه بيوت أمواله فجاء على أكمل بنيان في الأرض. وكان من عجائبه أنه صنع فيه بركة ماءٍ كأنه بحيرةٌ. وبنى في وسطها قبة وسيق الماء من تحت الأرض حتى علا إلى رأس القبة على تدبير قد أحكمه المهندسون. وكان الماء ينزل من أعلى القبة حواليها محيطاً بها متصلاً بعضه ببعض. فكانت القبة في غلالةٍ من ماء سكباً لا يفتر والمأمون قاعدٌ فيها. فروي عنه أنه بينما هو نائمٌ إذ سمع منشداً ينشد هذه الأبيات:

خطبة أبي الدرداء في أهل الشام

أتبني بناء الخالدين وإنما ... مقامك فيها لو عقلت قليل قد كان في ظل الأراك كفايةٌ ... لمن كان يوماً يقتضيه رحيل فلم يلبث بعدها إلا يسيراً حتى قضى نحبه. (للطرطوشي) قال بعض الأكابر في مرض موته من قصيدةٍ: نمضي كما مضت القبائل قبلنا ... لسنا بأول من دعاه الداعي تبقى النجوم دوائر أفلاكها ... والأرض فيها كل يومٍ ناع وزخارف الدنيا يجوز خداعها ... أبداً على الأبصار والأسماع خطبة أبي الدرداء في أهل الشام 30 لما دخل أبو الدرداء الشام قال: يا أهل الشام اسمعوا قول أخٍ لكم ناصحٍ. فاجتمعوا عليه فقال: مالي أراكم تبنون ما لا تسكنون. وتجمعون ما لا تأكلون. وتقولون ما لا تدركون. إن الذين كانوا قبلكم بنوا مشيداً. أملوا بعيداً. وجمعوا كثيراً. فأصبح أملهم غروراً. وجمعهم بوراً. ومساكنهم قبوراً وروى الجاحظ قال: وجد مكتوباً على حجرٍ: ابن آدم. لو رأيت يسير ما بقي من أجلك. لزهدت في طول ما ترجو من أملك. ولرغبت في الزيادة من عملك ولقصرت عن حرصك وميلك. وإنما يلقاك غداً ندمك. وقد زلت بك قدمك. وأسلمك أهلك وحشمك. وتبرأ منك القريب. وانصرف عنك الحبيب. فلا أنت في عملك زائدٌ. ولا إلى أهلك عائدٌ. (للطرطوشي)

قال فخر الدين البكري: نهاية إقدام العقول عقال ... وأكثر سعي العالمين ضلال وأرواحنا في وحشةٍ من جسومنا ... وحامل دنيانا أذى ووبال ولم نستفد عن بحثنا طول عمرنا ... سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا وكم قد رأينا من رجالٍ ودولةٍ ... فبادوا جميعاً مسرعين وزالوا قال علي بن أبي طالبٍ: لكل اجتماع من خليلين فرقةٌ ... وإن الذي دون الفراق قليل أرى علل الدنيا علي كثيرةً ... وصاحبها حتى الممات عليل وإن افتقادي واحداً بعد واحدٍ ... دليلٌ على أن لا يدوم خليل وقال أيضاً: ألا أيها الموت الذي ليس تاركي ... أرحني فقد أفنيت كل خليل أراك بصيراً بالذين أحبهم ... كأنك تنحو نحوهم بدليل وقال بعض بني ضبة: أقول وقد فاضت دموعي حرةً ... أرى الأرض تبقى والأخلاء تذهب أخلا بي لو غير الحمام أصابكم ... عتبت ولكن ما على الموت معتب (للطرطوشي) 31 الدنيا لا تصفو لشارب. ولا تبقى لصاحب. يقال كان على قبر

يعقوب بنٍ ليثٍ مكتوبٌ. هذه الأبيات عملها قبل موتهٍ وأمر أن تكتب على قبره وهي هذه: سلامٌ على أهل القبور الدوارس ... كأنهم لم يجلسوا في المجالس ولم يشربوا من بارد الماء شربةً ... ولم يأكلوا ما بين رطبٍ ويابس فقد جاءني الموت المهول بكسرةٍ ... فلم تنجني منه ألوف فوارس فيا زائر القبر اتعظ واعتبر بنا ... ولاتك في الدنيا هديت بآنس (للغزالي) قال ابن سادة: بنو الدنيا بجهل عظموها ... فجلت عندهم وهي الحقيرة يهارش بعضهم بعضاً عليها ... مهارشة الكلاب على العقيرة قال الإمام عليٌ: إذا عاش الفتى ستين عاماً ... فنصف العمر تمحقه الليالي ونصف النصف يذهب ليس يدري ... لغفلته يميناً عن شمال وثلث النصف آمالٌ وحرصٌ ... وشغلٌ بالمكاسب والعيال وباقي العمر أسقامٌ وشيبٌ ... وهمٌ بارتحال وانتقال فحب المرء طول العمر جهلٌ ... وقسمته على هذا المثال 32 يا أيها الرجل لا تخدعن كما خدع من قبلك. فإن الذي أصبحت فيه من النعم إنما صار إليك بموت من كان قبلك وهو خارج من يدك مثل ما صار إليك. فلو بقيت الدنيا للعالم لم تصر للجاهل. ولو

بقيت للأول لم تنتقل للآخر. يا أيها الرجل لو كانت الدنيا كلها ذهباً وفضةً ثم سلمت عليك بالخلافة وألقت إليك مقاليدها وأفلاذ كبدها ثم كنت طريدة للموت ما كان ينبغي لك أن تتهنأ بعيشٍ. لا فخر فيما يزول ولا غنى فيما يفنى. 33 قال مالك بن أنسٍ: ركب ملكٌ يوماً في ري عظيم فتشرف له الناس ينظرون إليه أفواجاً حتى مر برجل يعمل شيئاً مكباً عليه لا يلتفت إليه ولا يرفع رأسه. فوقف الملك عليه وقال: كل الناس ينظرون إلي إلا أنت. فقال الرجل: إني رأيت ملكا مثلك وكان على هذه القرية فمات هو ومسكينٌ فدفن إلى جانبه في يوم واحدٍ وكنا نعرفهما في الدنيا بأجسادهما. ثم كنا نعرفهما بقبريهما. ثم نسفت الريح قبريهما وكشفت عنهما فاختلطت عظامهما فلم أعرف الملك من المسكين. فلذلك أقبلت على عملي وتركت النظر إليك. وقد قيل في المعنى: وحقك لو كشفت الترب عنهم ... لما عرف الغني من الفقير ولا من كان يلبس ثوب شعرٍ ... ولا البدن المنعم بالحرير قال التهامي: وإنا لفي الدنيا كركب سفينةٍ ... نظن وقوفاً والزمان بنا يجري وقال الآخر: لا تخدعنك بعد طول تجارب ... دنيا تغر بوصلها وستقطع

أحلام نومٍ أو كظل زائل ... إن اللبيب بمثلها لا يخدع 34 إن سليمان بن عبد الملك لبس أفخر ثيابه ومس أطيب طيبه ونظر في مرآة فأعجبته نفسه وقال: أنا الملك الشاب. وخرج إلى الجمعة وقال لجاريته: كيف ترين. فقالت: أنت نعم المتاع لو كنت تبقى ... غير أن لا بقاء للإنسان ليس فيما بدا لنا منك عيبٌ ... عابه الناس غير أنك فان فأعرض بوجهه ثم خرج وصعد النبر وصوته يسمع آخر المسجد. ثم ركبته الحمى فلم يزل صوته ينقص حتى لم يسمعه من حوله. فصلى ورجع فلم تدر عليه الجمعة الأخرى إلا وهو في قبره. أنشد القاضي أبو العباس الجرجاني هذه الأبيات: بالله ربك كم قصر مررت به ... قد كان يعمر بالذات والطرب طارت عقاب المنايا في جوانبه ... فصاح من بعده بالويل والحرب اعمل وكن طالباً للرزق في دعةٍ ... فلا وربك ما الأرزاق بالطلب وأنشد أيضاً: أيها الرابع البناء رويداً ... لن تذود المنون عنك المباني إن هذا البناء يبقى وتفنى ... كل شيءٍ أبقى من الإنسان قال بعض الحكماء: أيها الناس إن الأيام تطوى. والأعمار تفنى. والأبدان في الثرى تبلى. وإن الليل والنهار يتراكضان تراكض البريد. يقربان كل بيعدٍ. ويخلقان كل جديد. (للطرطوشي)

35 قال حكيمٌ: وجدت مثل الدنيا والمغرور بالدنيا المملوءة آفات مثل رجل ألجأه خوفٌ إلى نئرٍ تدلى فيها وتعلق بغصنين نابتين على شفير البئر. ووقعت رجلاه على شيءٍ فمدهما فنظر فإذا بحيات أربع قد أطلعن رؤوسهن من جحورهن. ونظر إلى أسفل البئر فإذا بثعبان فاغرٍ فاه نحوه. فرفع بصره إلى الغصن الذي يتعلق به فإذا في أصله جرذان أبيض وأسود يقرضان الغصن دائبين لا يفتران. فبينماً هو مهتمٌ بنفسه ابتغاء الحيلة في نجاته إذ نظر فإذا بجانبٍ منه حجر نحلٍ قد وضعن شيئاً عن عسلٍ فتطاعم منه فوجد حلاوته. فشغلته عن الفكر في أمره والتماس النجاة لنفسه. ولم يذكر أن رجليه فوق أربع حيات لا يدري من تساوره منهن وأن الجرذين دائبان في قرض الغصن الذي يتعلق به وأنهما إذا أوقعاه وقع في لهوات التنين. ولم يزال لاهياً غافلاً حتى هلك. قال الحكيم: فشبهت الدنيا المملوءة آفات وشروراً ومخاوف بالبئر. وشبهت الحياة الأربع بالأخلاط الأربع التي في جسد الإنسان من المرتين والبلغم والدم. وشبهت الغصن الذي تعلق به بالحياة. وشبهت الجرذين الأبيض والأسود الذين يقرضان الغصن دائبين لا يفنران بالليل والنهار ودورانهما في إفناء الأيام والآجال. وشبهت الثعبان الفاغر فاه بالموت الذي لا بد منه. وشبهت العسلة التي تطاعمها بالذي يرى الإنسان ويسمع ويلبس فيلهيه ذلك عن عاقبة أمره. (لابن عبد ربه) .

نوائب الدهر

36 جاذب رجلٌ من كنانة أبا العتاهية في شيءٍ ففخر عليه الكناني واستطال بقوم من أهله فقال أبو العتاهية: دعني من ذكر أبٍ وجد ... ونسبٍ يعليك سوء المجد ما الفخر إلا في التقى والزهد ... وطاعةٍ تعطي جنان الخلد (للأصبهاني) 37 قال غانمٌ الوراق: دخلت على أبي نواس قبل وفاته بيومٍ فقال لي: أمعك ألواحك. قلت: نعم. قال اكتب: دب في السقام سفلاً وعلوا ... وأراني أموت غضواً فعضوا ليس تمضي من لحظةٍ لي إلا ... نقصتني بمرها بي جزوا ذهبت حدتي بطاعة نفسي ... وتذكرت طاعة الله نضوا لهف نفسي على ليالٍ وأيا ... م تجاوزتهن لعباً ولهوا قد أسأنا كل الإساءة فاللهم ... صفحاً عنا وغفراً وعفوا (للشريشي) نوائب الدهر 38 لما نزل سعد بن أبي وقاص الحيرة قيل له: ههنا عجوزٌ من بنات الملوك يقال لها الحرقة بنت النعمان بن المنذر. وكانت من أجل عقائل العرب. وكانت إذا خرجت إلى بيعتها نشرت عليها ألف قطيفة خزٍ وديباج ومعها ألف وصيفٍ. فأرسل إليها سعد فجاءت كالشن البالي. فقالت: يا سعد كنا ملوك هذا المصر قبلك. يجبى

إلينا خراجه ويطيعنا أهله مدةً من المدد. حتى صار بنا صائح الدهر فشتت ملأنا. والدهر ذو نوائب وصروفٍ. فلو رأيتنا في أيامنا لأرعدت فرائصك فرقاً منا. فقال لها سعدٌ: ما أنعم ما تنعمتم به. قال: سعة الدنيا علينا وكثرة الأصوات إذا دعونا. ثم أنشأت تقول: وبينا نسوس الناس والأمر أمرنا ... إذا نحن فيهم سوقةٌ ليس ننصف فتباً لدنيا لا يدوم نعيمها ... تقلب تاراتٍ بنا وتصرف ثم قالت: يا سعد إنه لم يكن أهل بيتٍ بخيرٍ إلا والدهر يعقبهم حسرةً حتى أمر الله على الفريقين. فأكرمها سعد وأمر بردها (للطرطوشي) قال بعضهم: يعاندني دهري كأني عدوه ... وفي كل يوم بالكريهة يلقاني وإن رمت خيراً جاء دهري بضده ... وإن يصف لي يوماً تكدر في الثاني 39 قال ابن المعتز: يا دهر ويحك قد أكثرت فجعاتي ... شغلت أيام دهري بالمصيبات ملأت ألحاظ عيني كلها مزناً ... فأين لهوي وأحبابي ولذاتي حمداً لربي وذماً للزمان فما ... أقل في هذه الدنيا ملذاتي قال غيره: ألا إنما الدنيا كظل سحابةٍ ... أظلتك يوماً ثم عنك اضمحلت

قال غيره: ألا إنما الدنيا كظل سحابةٍ ... أظلتك يوماً ثم عنك اضمحلت فلا تك فرحاناً بها حين أقبلت ... ولا تك جزعاناً بها حين ولت وقال آخر: عريت من الشباب وكنت غصناً ... كما يعرى من الورق القضيب ونحت على الشباب بدمع عيني ... فما نفع البكاء ولا النحيب فيا ليت الشباب يعود يوماً=فأخبره بما فعل المشيب وأنشد آخر: ما الناس إلا مع الدنيا وصاحبها ... فكيفما انقلبت يوماً به انقلبوا يعظمون أخا الدنيا فإن وثبت ... عليه يوماً بما لا يشتهي وثبوا 40 قال ذو الكلاح الحميري في الدنيا: إن صفا عيش امرئ في صبحها ... جرعته ممسياً كأس الردى ولقد كنت إذا ما قيل من ... أنعم العالم عيشاً قيل ذا قال أبو بكر الأرجاني: يقصد أهل الفضل دون الورى ... مصائب الدنيا وآفاتها كالطير لا يحبس من بينها ... إلا التي تطرب أصواتها كتب البحتري إلى أحد أصحابه وكان معتقلاً في السجن: وما هذه الأيام إلا منازلٌ ... فمن منزل رحبٍ إلى منزلٍ ضنك وقد هذبتك النائبات وإنما ... صفا الذهب الإبريز قبلك بالسبك أما في رسول الله يوسف أسوةٌ ... لمثلك محبوساً على الظلم والإفك أقام جميل الصبر في السجن برهةً ... فآل به الصبر الجميل إلى الملك

ذكر الموت

قال محمد بن الفضل: هانت الدنيا على الل ... هـ فأعطاها اللئاما فهم فيها يعيشو ... ن ويلحون الكراما ذكر الموت 41 كان في بلاد الروم مما يلي أرض الأندلس رجلٌ نصرانيٌ قد بلغ في التخلي من الدنيا مبلغاً عظيماً. واعتزل الخلق ولزم قلل الجبال والسياحة في الأرض إلى الغاية القصوى. فورد على المستعين بن هودٍ في بعض الأمر فأكرمه ابن هود. ثم أخذ بيده وجعل يعرض عليه ذخائر ملكه وخزائن أمواله وما حوته من البيضاء والحمراء وأحجار الياقوت والجواهر وأمثالها ونفائس الأعلاق والجواري والحشم والأجناد والكراع والسلاح. فأقام على ذلك أياماً فلما انقضى قال له: كيف رأيت ملكي. قال: رأيت ملكك ولكنه تعوزك فيه خصلةٌ إن أنت قدرت عليها تم انتظام ملكك. وإن لم تقدر عليها فهذا الملك شبه لا شيءٍ. قال: وما هي الخصلة. قال: تعمد فتصنع غطاءً عظيماً حصيناً قوياً وتكون مساحته قدر البلد. ثم تركبه على البلد حتى لا يجد ملك الموت مدخلاً إليك. فقال المستعين: سبحان الله أو يقدر البسر على مثل هذا. فقال العلج: يا هذا أفتفتخر بأمر تتركه غداً. ومثال من يفتخر بما يفنى كمن يفتخر بما يراه في النوم.. (سراج الملوك للطرطوشي)

قال المتنبي: نحن بنو الموتى فما بالنا ... نعاف ما لا بد من شربه يموت راعي الضأن في جهله ... ميتة جالينوس في طبه قال أبو العتاهية: وأرى الطبيب بطبه ودوائه ... لا يستطيع دفاع مكروهٍ أتى ما للطبيب يموت بالداء الذي ... قد كان يبرئ منه فيما قد مضى ذهب المداوي والمداوى والذي ... جلب الدواء وباعه ومن اشترى قال ابن العربي وتذكر الأحبة في القبور: ضمت لنا آرامنا الآراما ... فكأن ذاك العيش كان مناما يا واقفين على القبور تعجبوا ... من قائمين كيف صاروا نياما تحت التراب موسدين اكفهم ... قد عاينوا الحسنات والآثاما لا يوقظون فيخبرون بما رأوا ... لا بد من يومٍ يكون قياما وجد على قبرٍ: قف واعتبر يا من ترى ... قبري وما بي قد جرى بالأمس كنت نظيركم ... واليوم أبراني البرى قل ربنا ألطف بنا ... وأرحم عظاماً في الثرى قال أبو العتاهية: تعلقت بآمال ... طوالٍ أي آمال وأقبلت على الدنيا ... ملحاً أي إقبال

أيا هذا تجهز ... لفراق الأهل والمال فلا بد من الموت ... على حال من الحال 43 قال الأصمعي: صنع الرشيد طعاماً وزخرف مجالسه وأحضر أبا العتاهية وقال له: صف لنا ما نحن فيه من نعيم هذه الدنيا. فقال أبو العتاهية: عش ما بدا لك سالماً ... في ظل شاهقة الفضور فقال الرشيد: أحسنت ثم ماذا. فقال: يسعى عليك بما اشتهيت ... لدى الرواح أو البكور فقال: حسنٌ ثم ماذا. فقال: فإذا النفوس تقعقعت ... في ظل حشرجة الصدور فهناك تعلم موقناً ... ما كنت إلا في غرور فبكى الرشيد. فقال الفضل بن يحيى: بعث إليك أمير المؤمنين لتسيره فحزنته. فقال الرشيد. دعه فإنه رآنا في عمى فكره أن يزيدنا بنه.. (للفخري) 44 أنشد أبو العتاهية: الموت بين الخلق مشترك ... لا سوقةٌ يبقى ولا ملك ما ضر أصحاب القليل وما ... أغنى عن الأملاك ما ملكوا وقال أيضاً: لا تأمن الموت في طرفٍ ولا نفس ... إذا تسترت بالأبواب والحرس

واعلم بأن سهام الموت قاصدةٌ ... لكل مدرع منا ومترس ولله در من قال: أتعمى عن الدنيا وأنت بصير ... وتجهل ما فيها وأنت خبير وتصبح تبنيها كأنك خالدٌ ... وأنت غداً عما بنيت تسير وترفع في الدنيا بناء مفاخر ... ومثواك بيتٌ في القبور صغير ودونك فاصنع كلما أنت صانعٌ ... فإن بيوت الميتين قبور قال عمر بن عبدٍ العزيز: أنظر لنفسكٍ يا مسكين في مهلٍ ... ما دام ينفعك التفكير والنظر قف بالمقابر وانظر إن وقفت بها ... لله درك ماذا تستر الحفر 45 قال محمد بن بشير: ويلٌ لمن لم يرحم الله ... ومن تكون النار مثواه والويل لي من كل يوم أتى ... يذكرني الموت وأنساه كأنه قد قيل في مجلسٍ ... قد كنت آتية وأغشاه سار البشيري إلى ربه ... يرحمنا الله وإياه قال ابن عبد ربه: أصبح القبر مضجعي ... ومحلي وموضعي صرعتني الحتوف في الت ... رب يا ذل مصرعي أين إخواني الذي ... ن إليهم تطلعي

مت وحدي فلم يمت ... واحدٌ منهم معي قال بديع الزمان: إنما الدنيا غرورٌ ... ولمن أصغى نصيح ولسان الدهر بالوع ... ظ لواعيه فصيح ونحن لاهون وآجا ... ل المنايا لا تريح 46 قال رجلٌ لأبي الدرداء: ما لنا نكره الموت. فقال: لأنكم أخربتم آخرتكم وعمرتم دنياكم. فكرهتم أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب. (لبهاء الدين) مما وجد على قبرٍ: تناجيك أجداثٌ وهن سكوت ... وسكانها تحت التراب خفوت أيا جامع الدنيا لغير بلاغةٍ ... لمن تجمع الدنيا وأنت تموت قال بعضهم: يا خالط الدين بالدنيا وباطلها ... ترضى بدنياك شيئاً ليس يسواه حتى متى أنت في لهوٍ وفي لعبٍ ... والموت نحوك يهوي فاتحاً فاه قال آخر: تروى من الدنيا فإنك راحل ... واعلم بأن الموت لا شك نازل نعيمك في الدنيا غرورٌ وحسرةٌ ... وعيشك في الدنيا محالٌ وباطل ألا إنما الدنيا كمنزل راكبٍ ... أناخ عشياً وهو في الصبح راحل

47 وقال بعض الشعراء: جزى الله عنا الموت خيراً فإنه ... أبر بنا من كل برٍ وأرأف يعجل تخليص النفوس من الأذى ... ويدني من الدار التي هي أشرف دخل العتبي المقابر فأنشأ يقول: سقياً ورعياً لإخوان لنا سلفوا ... أفناهم حدثان الدهر والأبد نمدهم كل يومٍ من بقيتنا ... ولا يؤوب إلينا منهم أحد 48 كان علي بن أبي طالبٍ إذا دخل المقبرة قال: السلام عليكم يا أهل الديار الموحشة. والمحال المقفرة. من المؤمنين والمؤمنات. اللهم اغفر لنا ولهم وتجاوز بعفوك عنا وعنهم. ثم يقول: الحمد لله الذي جعل لنا الأرض كفاتاً أحياءً وأمواتاً. والحمد لله الذي منها خلقنا وإليها معادنا وعليها محشرنا. طوبي لمن ذكر المعاد وعمل الحسنات وقنع بالكفاف ورضي عن الله عز وجل. (لابن عبد ربه) 49 الأيام خمسةٌ يومٌ مفقودٌ. ويومٌ مشهودٌ. ويومٌ مورودٌ. ويومٌ موعودٌ. ويومٌ ممدودٌ. فالمفقود أمسك الذي فاتك مع ما فرطت فيه. والمشهود يومك الذي أنت فيه فتزود فيه من الطاعات. والمورود هو غدك لا تدري هل هو من أيامك أم لا. والموعود هو آخر أيامك من أيام الدنيا فاجعله نصب عينك. والممدود هو آخرتك وهو يومٌ لا انقضاء له. فاهتم له غاية اهتمامك فإنه إما نعيم دائم أو عذابٌ مخلدٌ.

في الخوف

50 جاء في النهج: أيها الناس إنما الدنيا دار مجازٍ والآخرة دار قرار فخذوا من ممر كم لمقركم. ولا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم. وأخرجوا من الدنيا قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم. ففيها اختبرتم ولغيرها خلقتم.. (لبهاء الدين) كم من ليالٍ أحييتها بتكرار العلم ومطالعة الكتب. وحرمت على نفسك النوم. لا أعلم ما كان الباعث فيه. فإن كان نيتك غرض الدنيا وجذب حطامها وتحصيل مناصبها والمباهاة في الأقران والأمثال فويلٌ لك ثم ويل لك. وإن كان قصدك فيه تهذيب أخلاقك وكسر النفس الأمارة بالسوء فطوبى لك ثم طوبى لك. ولقد صدق من قال: سهر العيون لغير وجهك ضائعٌ ... وبكاؤهن لغير فقدك باطل (أيها الولد للغزالي) وكان آخر ما قاله ذو الرمة: يا رب قد أشرفت نفسي وقد علمت ... علما يقيناً لقد أحصيت آثاري يا مخرج الروح من جسمي إذا احتضرت=وفارج الكرب زحزحني عن النار في الخوف سئل ابن عباسٍ عن الخائفين لله. فقال: هم الذين صدقوا

في التوبة

الله في مخافة وعيده. قلوبهم بالخوف قرحةٌ وأعينهم على أنفسهم باكيةٌ. ودموعهم على خدودهم جاريةٌ. يقولون كيف نفرح والموت من ورائنا. والقبور من أمامنا. والقيامة موعدنا. وعلى جهنم طريقنا. وبين يدي ربنا موقفنا. وقال عليٌ: ألا إن عباد الله المخلصين لمن رأى أهل الجنة فاكهين وأهل النار في النار معذبين. شرورهم مأمونةٌ. وقلوبهم محزونةٌ. وأنفسهم عفيفةٌ. وحوائجهم خفيفةٌ. صبروا أياماً قليلةً لعقبى راحةٍ طويلةٍ. قال الحسن: عجباً لمن خاف العقاب ولم يكف. ولم رجا الثواب ولم يعمل. (لابن عبد ربه) في التوبة 52 لما حضرت عمر بن عبد العزيز الوفاة قال: اللهم إنك أمرتني فقصرت. ونهيتني فعصيت. وأنعمت علي فأفضلت. فإن عفوت فقد مننت. وإن عاقبت. فما ظلمت. قال بعضهم: إنك في دارٍ لها مدةٌ ... يقبل فيها عمل العامل أما ترى الموت محيطاً بها ... يقطع فيها أمل الآمل تعجل الذنب بما تشتهي ... وتأمل التوبة من قابل والموت يأتي بعد ذا غفلة ... ماذا يفعل الحازم العاقل قال لقمان لابنه: يا بني اجعل خطايا بين عينيك إلى آن

تموت. وأما حسناتك فاله عنها فإنه قد أحصاها من لا ينساها 53 حكى أنه حاك بعض العارفين ثوباً وتأنق في صنعته. فلما باعه رد عليه بعيوبٍ فيه فبكى. فقال المشتري: يا هذا لا تبك فقد رضيت به. فقال: ما بكائي لذلك بل لأني بالغت في صنعته وتأنقت في جهدي فرد علي بعيوب كانت خفيةً علي. فأخاف أن يرد علي عملي الذي أنا عملته منذ أربعين سنة. (لبهاء الدين) 54 إسمع مني كلاماً تفكر فيه حتى تجد خلاصاً. لو أنك أخبرت أن السلطان بعد الأسبوع يجيئك زائراً فأنا أعلم أنك في تلك المدة لا تشتغل إلا بإصلاح ما علمت أن نظر السلطان سيقع عليه من الثياب والبدن والدارٍ والفراش وغيرها. والآن تفكر إلى ما أشرت به فإنك فهم ذكي والكلام الفرد يكفي الكيس والعاقل تكفيه الإشارة. إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم ونياتكم. (أيها الولد للغزالي) 55 من خطب علي بن أبي طالبٍ: أيها الناس لا تكونوا ممن خدعته الدنيا العاجلة وغرته الأمنية واستهوته البدعة فركن إلى دارٍ سريعة الزوال وشيكة الانتقال. إنه لم يبق من دنياكم هذه في جنب ما مضى إلا كإناخة راكبٍ أو صرة حالب فعلام تعرجون وماذا تنتظرون. فكأنكم وبما أصبحتم فيه من الدنيا لم يكن وبما تصيرون إليه من الآخرة لم يزل. فخذوا الأهبة لأزوف النقلة

وأعدوا الزاد لقرب الرحلة. واعلموا أن كل امرئٍ على قدمٍ قادمٌ. وعلى ما خلف نادمٌ. 56 (ومن خطبةٍ له) . أيها الناس حلوا أنفسكم بالطاعة. وألبسوا قناع المخافة. واجعلوا آخرتكم لأنفسكم. وسعيكم لمستقركم. وأعلموا أنكم عن قليل راحلون. وإلى الله صائرون. ولا يغني عنكم هنا لك إلا صالح عملٍ قد متموه. أو حسن ثوابٍ حزتموه. إنكم إنما تقدمون على ما قدمتم. وتجازون على ما أسلفتم. فلا تخدعنكم زخارف دنيا دنيةٍ. عن مراتب جنانٍ عليهٍ. فكأن قد انكشف القناع وارتفع الأرتياب. ولاقى كل امرئٍ مستقره وعرف مثواه ومنقلبه قال بعضهم: آن يا ذلي ويا خجلي ... إن يكن مني دنا أجلي لو بذلت الروح مجتهداً ... ونفيت النوم من مقلي كنت بالتقصير معترفاً ... خائفاً عن خيبة الأمل فعلى الرحمان متكلي ... لا على علمي ولا عملي 57 قال بعض العارفين: إذا كان أبونا آدم بعد ما قيل له: أسكن أنت وزوجك الجنة. صدر منه ذنب واحد فأمر بالخروج من الجنة. فكيف نرجو نحن دخولها مع ما نحن مقيمون عليه من الذنوب المتابعة والخطايا المتواترة. (لبهاء الدين) اجعل الهمة في الروح والهزيمة في النفس والموت في البدن لأن

دعاء

منزلك القبر. فأهل المقابر ينظرونك في كل لحظةٍ حتى تصل إليهم. إياك إياك أن تصل إليهم بلا زادٍ. قال شاعرٌ: يا ذا الذي ولدتك أمك باكياً ... والناس حولك يضحكون سرورا احرص على عملٍ تكون به متى ... يبكون حولك ضاحكا مسرورا 58 روي أن الحسن البصري أعطي شربة ماءٍ باردٍ. فلما أخذ القدح غشيٍ على عقله وسقط من يده. فلما أفاق قيل له: ما بالك يا أبا سعيدٍ. قال: إني ذكرت أمنية أهل النار حين يقولون لأهل الجنة: أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله. قالوا: إن الله حرمهما على الكافرين. روي في وصايا لقمان الحكيم لابنه أنه قال: يا بني لا يكونن الديك أكيس منك. ينادي وقت السحر وأنت نائمٌ. لقد أحسن من قال: لقد هتفت في جنح ليلٍ حمامةٌ ... على فننٍ وهناً وإني لنائم كذبت وبيت الله لو كنت عاشقاً ... لما سبقتني بالبكاء الحمائم وأزعم أني هائمٌ ذو صبابةٍ ... لربي ولا أبكي وتبكي البهائم دعاء 59 اللهم إني أسألك من النعمة تمامها. ومن العصمة دوامها. ومن الرحمة شمولها. ومن العافية حصولها. ومن العيش أرغده. ومن

المراثي

العمر أسعده. ومن الإحسان أتمه. ومن الإنعام أعمه. ومن الفضل أعذبه. ومن اللطف أنفعه. اللهم كن لنا ولا تكن علينا. اللهم اختم بالسعادة آجالنا. وحقق بالزيادة آمالنا. وأقرن بالعافية غدونا وآصالنا. واجعل إلى رحمتك مصيرنا ومرجعنا. وصب سجال عفوك على ذنوبنا. ومن علينا بإصلاح عيوبنا. وأجعل التقوى زادنا. وفي دينك اجتهادنا. وعليك توكلنا واعتمادنا. ثبتنا على نهج الاستقامة. وأعذنا في الدنيا من موجبات الندامة. يوم القيامة. وخفف عنا ثقل الأوزار. وارزقنا عيشة الأبرار. واكفنا وأصرف عنا شر الأشرار. وأعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا وعشيرتنا من عذاب القبر ومن النيران. برحمتك يا أرحم الراحمين. (أيها الولد للغزالي) المراثي 60 قال الأصبهاني في الأغاني: لما رأى الفلاسفة تابوت الإسكندر وقد أخرج ليدفن قال بعضهم: كان الملك أمس أهيب منه اليوم. وهو اليوم أوعظ منه أمس. وقال آخر: سكنت حركة الملك في لذاته. وقد حركنا اليوم في سكونه جزعاً لفقده. وهذان المعنيان أخذهما أبو العتاهية برثاء ابنه عليٍ قال: بكيتك يا علي بدمع عيني ... فما أغنى البكاء عليك شيئاً وكانت في حياتك لي عظاتٌ ... وأنت اليوم أوعظ منك حيا قال ابن عبد ربه في ولدٍ مات له:

بليت عظامك والأسى يتجدد ... والصبر ينفد والبكا لا ينفد يا غائباً لا يرتحى لإيابه ... ولقائه دون القيامة موعد ما كان أحسن ملحداً ضمنته ... لو كان ضم أباك ذاك الملحد باليأس أسلو عنك لا بتجلدي ... هيهات أين من الحزين تجلد 67 قال ابن الأحنف يرثي ابنه: ولما دعوت الصبر بعدك والأسى ... أجاب الأسى طوعاً ولم يجب الصبر فإن ينقطع منك الرجاء فإنه ... سيبقى عليك الحزن ما بقي الدهر وقالت أعربيةٌ ترثي ولدها: يا قرحة القلب والأحشاء والكبد ... يا ليت أمك لم تحبل ولم تلد لما رأيتك قد أدرجت في كفنٍ ... مطيباً للمنايا آخر الأبد أيقنت بعدك أني غير باقيةٍ ... وكيف يبقى ذراعٌ زال عن عضد قال أعرابي يرثي ابنه: بني لئن ضننت جفونٌ بمائها ... لقد قرحت مني عليك جفون دفنت بكفي بعض نفسي فأصبحت ... وللنفس منها دافنٌ ودفين قال العتبي يرثي بعض أولاده: أصبحت بخدي للدموع رسوم ... أسفاً عليك وفي الفؤاد كلوم والصبر يحمد في المواطن كلها ... إلا عليك فإنه مذموم

الباب الثالث

الباب الثالث في الحكم 62 قال الحكماء: لا يطلب الرجل حكمةً إلا بحكمةٍ عنده. وقالوا: إذا وجدتم الحكمة مطروحةً على السكك فخذوها. وقال زيادٌ: أيها الناس لا يمنعنكم سوء ما تعلمون منا أن تنتفعوا بأحسن ما تسمعون منا فإن الشاعر يقول: إعمل بعلمي وإن قصرت في عملي ... ينفعك قولي ولا يضرك تقصيري 63 قال الرياحي في خطبته بالمربد: يا بني رياح لا تحقروا صغيراً تأخذون عنه. فإني أخذت من الليث بسالته. ومن الحمار صبره. ومن الخنزير حرصه. ومن الغراب حرره. ومن الثعلب روغانه. ومن السنور ضرعه. ومن القرد حكايته. ومن الكلب نصرته. ومن ابن آوى حذره. ولقد تعلمت من القمر سير الليل. ومن الشمس ظهور الحين بعد الحين. (لابن عبد ربه) 64 قال كعبٌ: استحيوا من الله في سرائركم كما يستحيون من الناس في علانيتكم. وقيل: من يستحي من الناس ولا يستحي من نفسه فلا قدر لنفسه عنده. وقال رجل للنعمان. أوصني. فقال: استحي من الله كما تستحي من رجلٍ من عشيرتك

65 قال الأحنف بن قيسٍ: لا صديق لمتلون. ولا وفاء لكذوبٍ. ولا راحة لحسوٍ. ولا مرؤة لدنيءٍ. ولا زعامة ليسيءٍ الخلق. (مؤنس الوحيد للثعالبي) 66 قيل: تجنب من أربعة أشياء لتخلص من أربعة أشياء. تجنب من الحسد لتخلص من الحزن. ولا تجالس جليس السوء وقد تخلصت من الملامة. ولا تركب المعاصي وقد خلصت من النار. ولا تجمع المال وقد استرحت من عداوة الخلق. (للغزالي) 67 قال بعض الشعراء: بقدر الكد تكتسب المعالي ... ومن طلب العلى شهر الليالي يغوص البحر من طلب اللآلي ... ويحظى بالسيادة والنوال ومن طلب العلى من غير كدٍ ... أضاع العمر في طلب المحال 68 قال بعضهم: دخلت على سفيان الثوري بمكة فوجدته مريضاً وقد شرب دواءً. فقلت له: إني أريد أن أسألك عن أشياء. فقال لي: قل ما بدا لك. فقلت له: أخبرني من الناس. قال: الفقهاء. قلت له: فمن الملوك. قال: الزهاد. قلت له: فمن الأشراف. قال: الأتقياء. قلت: فمن الغوغاء. قال: من يكتب الحديث ويأكل به أموال الناس. قلت فمن السفلة. قال: الظلمة أولئك هم أصحاب النار. روي أن سعيد بن عمر بن حذيم وعظ عمر بن الخطاب يوماً. فقال

له عمر: ومن يطيق ذلك. قال: أنت يا أمير المؤمنين. ما هو إلا أن تقول فتطاع. فلا يجسر أحدٌ على مخالفتك. (نوادر القليوبي) 69 قال أبو عمرو: ولما احتضر ذو الإصبع دعا ابنه أسيداً. فقال له: يا بني إن أباك قد فني وهو حيٌ وعاش حتى سئم العيش. وإني موصيك بما إن حفظته بلغت في قومك ما بلغته. فأحفظ عني ألن جانبك لقومك يحبوك. وتواضع لهم يرفعوك. وأبسط لهم وجهك يطيعوك. ولا تستأثر عليهم بشيءٍ يسودك. وأكرم صغارهم كما تكرم كبارهم يكرمك كبارهم. ويكبر على مودتك صغارهم. وأسمح بما لك. وأعزز جارك. وأعن من استعان بك. وأكرم ضيفك. وأسرع النهضة في الصريخ فإن لك أجلاً لا يعدوك. وصن وجهك عن مسئلة أحدٍ شيئاً فبذلك يتم سؤددك. (للأصبهاني) 70 سئل بعض الحكماء: أي الأمور أشد تأبيداً للعقل وأيها أشد إضراراً به. فقال: أشدها تأييداً له ثلاثة أشياء: مشاورة العلماء. وتجربة الأمور. وحسن التثبت. وأشدها إضراراً به ثلاثة أشياء: الاستبداد. والتهاون. والعجلة. (لابن عبد ربه) 71 قال الشاعر: إن المكارم أخلاقٌ مطهرةٌ ... فالدين أولها والعقل ثانيها والعلم ثالثها والحلم رابعها ... والجود خامسها والعرف ساديها والبر سابعها والصبر ثامنها ... والشكر تاسعها واللين عاشيها

والعين تعلم من عيني محدثها ... إن كان من حزبها أو من أعاديها والنفس تعلم أني لا أصدقها ... ولست أرشد إلا حين أعصيها 72 قالوا: ثلاثةٌ لا يندم على ما سلف إليهم. الله في عملٍ له والمولى الشكور فيما أسدي إليه. والأرض الكريمة فيما بذر فيها. وقالوا: ثلاثةٌ لا بقاء لها. ظل الغمام. وصحبة الأشرار. والثناء الكاذب. وقالوا: ثلاثةٌ لا تكون إلا في ثلاثةٍ. الغنى في النفس. والشرف في التواضع. والكرم في التقوى. وقالوا: ثلاثة لا تعرف إلا في ثلاثةٍ. ذو البأس لا يعرف إلا عند اللقاء. وذو الأمانة لا يعرف إلا عند الأخذ والعطاء. والإخوان لا يعرفون إلا عند النوائب. 73 قال أبرويز لكاتبه: اعلم أن دعائم المقالات أربعٌ. إن التمس لها خامسٌ لم يوجد. وإن نقص منها واحدٌ لم تتم. وهي سؤالك الشيء. وأمرك بالشيء. وإخبارك عن الشيء. وسؤالك عن الشيء. فإذا طلبت فأسجح. وإذا سألت فأوضح. وإذا أمرت فاحكم. وإذا أخبرت فحقق. واجمع الكثير مما تريد في القليل مما تقول. (يريد الكلام الذي تقل حروفه وتكثر معانيه) 74 قالت الحكماء: الإخوان ثلاثةٌ. أخٌ يخلص لك وده. ويبذل لك رفده. ويستفرغ في مهمك جهده. وأخ ذو نيةٍ يقتصر بك على حسن نيته. دون رفده ومعونته. وأخٌ يتملق لك بلسانه.

ويتشاغل عنك بشأنه. ويوسعك من كذبه وأيمانه. 75 قال بعض الحكماء لابنه: يا بني تعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الحديث. وليعلم الناس أنك أحرص على أن تسمع منك على أن تقول. فأحذر أن تسرع في القول فيما يجب عنه الرجوع بالفعل. حتى يعلم الناس أنك على فعل ما لم تقل أقرب منك إلى قول ما لم تفعل. (لابن عبد ربه) 76 أنشد بعض الشعراء: يا أيها الرجل المعلم غيره ... هلا لنفسك كان ذا التعليم تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى ... كيما يصح به وأنت سقيم ونراك تصلح بالرشاد عقولنا ... أبداً وأنت من الرشاد عديم فأبدأ بنفسك وأنهما عن غيها ... فإذا انتهت عنه فأنت حكيم فهناك يقبل ما تقول ويهتدي ... بالقول منك وينفع التعليم لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عارٌ عليك إذا فعلت عظيم 77 قال أرسطاطا ليس للإسكندر: إن الناس إذا قدروا أن يقولوا قدروا أن يفعلوا. فاحترس من أن يقولوا تسلم من أن يفعلوا. 78 قال العتي: اجتمعت العرب والعجم على أربع كلمات. قالوا: لا تحملن على قلبك ما لا تطيق. ولا تعملن عملاً ليس لك فيه منفعةٌ. ولا تثق بامرأة. ولا تغتر بمالٍ وإن كثر.

79 قال لقمان لابنه: لا تركن إلى الدنيا ولا تشغل قلبك بها فإنك لم تخلق لها. وما خلق الله خلقاً أهون عليه منها فإنه لم يجعل نعيمها ثواباً للمطيعين. ولا بلاءها عقوبةً للعاصين. يا بني لا تضحك من غير عجب. ولا تمش في غير أربٍ. ولا تسأل عما لا يعنيك. يا بني لا تضع مالك وتصلح مال غيرك. فإن مالك ما قدمت. ومال غيرك ما تركت. يا بني إنه من يرحم يرحم. ومن يصمت يسلم. ومن يقل الخير يغنم. ومن يقل الباطل يأثم. ومن لا يملك لسانه يندم. يا بني زاحم العلماء بركبتيك. وأنصت إليهم بأذنبك. فإن القلب يحيا بنور العلماء. كما تحيا الأرض الميتة بمطر السماء. 80 قال عمر بن عتبة: لما بلغت خمس عشرة سنة قال لي أبي: يا بني قد تقطعت عنك شرائع الصبا. فألزم ألحياء تكن من أهله. ولا تزايله فتبين منه. ولا يغرنك من مدحك بما تعلم خلافه من نفسك. فإنه من قال فيك من الخير ما لم يعلم إذا رضي. قال فيك من الشر مثله إذا سخط. فأستأنس بالوحدة من جلساء السوء تسلم من غب عواقبهم. (لابن عبد ربه) 81 قال أبو العيناء: إذا أعجبتك خصال امرئٍ ... فكنه يكن منك ما يعجبك فليس على المجد والمكرمات ... حجابٌ إذا جئته يحجبك 82 من كلام أوميرس: إتهم أخلاقك السيئة فإنها إذا وصلت

إلى حاجاتها من الدنيا كانت كالحطب للنار والماء للسمك. وإذا عزلتها عن مآربها وحلت بينها وبين ما تهوى انطفأت كانطفاء النار عند فقدان الحطب. وهلكت كهلاك السمك عند فقدان الماء 83 قال أبو الفتح البستي: إذا طالبتك النفس يوماً بشهوةٍ ... وكان إليها في الخلاف طريق فخالف هواها ما استطعت فإنما ... هواها عدوٌ والخلاف صديق 84 ومن كلام أمير المؤمنين نقله الشيخ المفيد في الإرشاد: كل قول ليس لله فيه ذكرٌ فهو لغوٌ. وكل صمتٍ ليس فيه فكرٌ فسهوٌ. وكل نظرٍ ليس فيه اعتبارٌ فلهوٌ. 85 ومن كلام الحكماء: إن مرتكب الصغيرة ومرتكب الكبيرة سيان. فقيل: وكيف ذلك. فقالوا: الجرأة واحدةٌ. وما عف عن الدرة. من يسرق الذرة. 86 (سانحةٌ) غفلة القلب عن الحق من أعظم العيوب. وأكبر الذنوب. ولو كانت آنا من الآنات أو لمحةً من اللمحات. حتى إن أهل القلوب عدوا الغافل في آن الغفلة من جملة الكفار. وكما يعاقب العوام على سيئاته. كذلك يعاقب الخواص على غفلاتهم. فاجتنب الاختلاط بأصحاب الغفلة على كل حالٍ. إن أردت أن تكون من زمرة أهل الكمال. 87 أوصى بعض الحكماء ابنه فقال: ليكن عقلك دون دينك.

وقولك دون فعلك. ولباسك دون قدرك 88 عن أمير المؤمنين: أربع من خصال الجهل. من غضب على من لا يرضيه. وجلس إلى من لا يدنيه. وتفاقر إلى من لا يغنيه. وتكلم بما لا يعنيه. 89 قيل لحكيم: إن الذي قلته لأهل مدينة كذا لم يقبلوه. فقال: لا يلزمني أن يقبل بل يلزمني أن يكون صواباً. قال حكيم: لا يكون الرجل عاقلاً حتى يكون عنده تعنيف الناصح ألطف موقعاً من ملق الكاشح. (لبهاء الدين) 90 قال أبو الفتح البستي: إذا صحبت الملوك فالبس ... من التوقي أعز ملبس وأدخل إذا ما دخلت أعمى ... وأخرج إذا ما خرجت أخرس 91 قال بعضهم: عشيرتك من أحسن عشرتك. وعمك من عمك خيره. وقريبك من قرب منك نفعه. 92 قال سقراط وهو تلميذ فيثاغورس الحكيم: إذا أقبلت الحكمة خدمت الشهوات العقول. وإذا أدبرت خدمت العقول الشهوات. 93 من كلام الحكماء: لا تكن ممن يرى القذى في عين أخيه ولا يرى الجذع المعترض في حدق نفسه. 94 ومن كلام بعض الحكماء: ثلاثةٌ لا يستخف بهم. السلطان

والعالم والصديق. فمن استخف بالسلطان ذهبت دنياه. ومن أستخف بالعالم ذهب دينه. ومن أستخف بالصديق ذهبت مودته. (لبهاء الدين) 95 أنشد بعض الشعراء: ثلاثةٌ يجهل مقدارها ... ألأمن والصحة والقوت فلا تثق بالمال من غيرها ... لو أنه در وياقوت قيل: لا ينبغي للعاقل أن يسكن بلدا ليس فيه خمسة أشياء. سلطانٌ حازمٌ. وقاضٍ عادلٌ. وطبيبٌ عالمٌ. ونهرٌ جارٍ. وسوقٌ قائمٌ قال بعض الحكماء: ثلاثٌ مهلكاتٌ وثلاثٌ منجياتٌ. فأما المهلكات. فشحٌ مطاعٌ. وهوىً متبعٌ. وإعجاب المرء بنفسه. وأما المنجيات. فخشية الله في السر والعلانية. والقصد في الغنى والفقر. والعدل في الرضاء والغضب. (لطائف العرب) 96 قيل: إذا أقبلت الدنيا على إنسانٍ أعارته محاسن غيره. وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه. (رسالة آداب للمستعصمي) 97 قيل: ما من خصلةٍ تكون للغني مدحاً إلا وتكون للفقير ذماً. فإن كان حليماً قيل ذليلٌ. وإن كان شجاعاً قيل: أهوج. وإن كان لسناً قيل: مهذارٌ. قال بعضهم: إذا كنت لا ترجى لدفع ملمةٍ ... ولم يك في المعروف عنك مطمع

ولا أنت ممن يستعان بجاهه ... ولا أنت يوم الحشر ممن يشفع فعيشك في الدنيا وموتك واحدٌ ... وعود خلالٍ من وصالك أنفع قال عمر للأحنف بن قيس: من كثر ضحكة قلت هيبته. ومن أكثر من شيءٍ عرف به. ومن كثر مزاحه. كثر سقطه. ومن كثر سقطه. قل ورعه. ومن قل ورعه. قل حياؤه. ومن ذهب حياؤه. مات قلبه. 98 قال الحسن: أيها الناس نافسوا في الكارم. وسارعوا في المغانم. ولا تحتسبوا بمعروفٍ لم تعجلوه. ولا تكسبوا بالمطل ذماً. واعلموا أن حوائج الناس من نعم الله عليكم. فلا تملوا النعم فتحول نقماً. وأن أجود الناس من أعطى من لا يرجوه. وأن أعفى الناس من عفا عن قدرةٍ. ومن أحسن أحسنَ الله إليه. والله يحب المحسنين. وقال أيضاً: لا تتكلف ما لا تطيق. ولا تتعرض لما لا تدرك. ولا تعد بما لا تقدر عليه. ولا تنفق إلا بقدر ما تستفيد. ولا تطلب من الجزاء إلا بقدر ما صنعت. ولا تفرح إلا بما نلت من طاعة الله تعالى. ولا تتناول إلا ما رأيت نفسك أهلاً له. 99 قال ابن عباسٍ: لجليسي على ثلاثٌ. أن أرميه بطرفي إذا أقبل. وأن أوسع له إذا جلس. وأصغي إليه إذا حدث. 100 أوصى عبد الله بن عباسٍ رجلاً. فقال: لا تتكلم بما لا يعنيك. حتى تجد له موضعاً. ولا تمادين

حليماً ولا سفيهاً. فإن الحليم يطغيك. والسفيه يؤذيك. واذكر أخاك إذا توارى عنك بما تحب أن يذكرك إذا تواريت عنه. ودعه مما تحب أن يدعك منه فإن ذلك العدل. واعمل عمل امرئٍ يعلم أنه مجزي بالإحسان مأخوذ بالإجرام. 101 قال عبد الله بن جعفر: كمال المرء في خلال ثلاثٍ. معاشرة أهل الرأي والفطنة. ومداراة الناس بالمعاشرة الجميلة. والاقتصاد من بخل وإسرافٍ. قال يزرجمهر لكسرى وعنده أولاده: أي أولادك أحب إليك. قال: أرغبهم في الآداب. وأجزعهم من العار. وأنظرهم إلى الطبقة التي فوقهم. 102 قال بهرام جور: ينبغي للملك أن لا يضيع التثبت عندما يقول وما يفعل. فإن الرجوع عن الصمت أحسن من الرجوع عن الكلام. والعطية بعد المنع خيرٌ من المنع بعد العطية. والإقدام على العمل بعد التأني خيرٌ من الإمساك عنه بعد الإقدام عليه. 103 وقال كسرى لحكماء الفرس وقد اجتمعوا إليه: ليتكلم كل واحد منكم بكلمات ولا يكثرها. فقال أحدهم: هير الملوك أرحبهم ذرعا عند الضيق. وأعدلهم حكماً عند الغضب. وأرحمهم إذا سلط. وأبعدهم من الظلم عند القدرة. وأطلبهم لرضاء الرعية. وأبسطهم وجهاً عند المسألة. فقال كسرى: حسبي هذا لا أريد عليه مزيداً.

104 قال بعض ملوك الفرس لمرازبته: أوصيكم بخمسة أشياء فيها راحة أنفسكم. واستقامة أموركم. أوصيكم بترك المراء. واجتناب التفاخر. والاصطبار على القناعة. والرضاء بالحظوظ. وأوصيكم بكل ما لم أقل مما يجمل. وأنها كم عن كل ما لم أقل مما يقبح. قال ابن السماك: الكمال في خمسٍ. أن لا يعيب الرجل أحداً بعيبٍ فيه مثله. حتى يصلح ذلك العيب من نفسه. فإنه لا يفرغ من إصلاح عيبٍ حتى يهجم على آخر. فتشغله عيوبه عن عيوب الناس. والثانية أن لا يطلق لسانه ويده حتى يعلم أوفي طاعةٍ ذلك أم في معصيةٍ. والثالثة أن لا يلتمس من الناس إلا ما يعلم أنه يعطيهم من نفسه مثله. والرابعة أن يسلم من الناس باستشعار مداراته وتوفيتهم حقوقهم. والخامسة أن ينفق الفضل من ماله. ويمسك لفضل من لسانه. 105 قال حاتمٌ الزاهد: إذا رأيت من أخيك عيباً فإن كتمته عنه فقد خنته. وإن قلته لغيره فقد اغتبته. وإن واجهته فقد أوحشته. فقال له إنسانٌ: فما الذي أصنع. قال: تكني عنه وتعرض به. وتجعله في جملةٍ الحديث. 106 قال ابن وهبٍ: لا يكون الرجل عاقلاً حتى يكون فيه عشر خصال: الكبر منه مأموناً. والخير فيه مأمولاً. ويقتدي بأهل الأدب من قبله فيكون إماماً لمن بعده. وحتى يكون الذل في طاعة الله أحب

إليه من العز في معصية الله. وحتى يكون الفقر في الحلال أحب إليه من الغنى في الحرام. وحتى يكون عيشة القوت وحتى يستقل الكثير من عمله ويستكثره من غيره. ولا يتبرم بطلب الحوائج قبله. وأن يخرج من بيته فلا يستقبل أحداً إلا رأى أنه دونه. (للمستعصمي) 107 قال بعض الشعراء: لا تحقرن عدواً في مخاصمةٍ ... ولو يكون ضعيف البطش والجلد فللبعوضة في الجرح المديد يدٌ ... تنال ما قصرت عنه يد الأسد 108 (من النهج) . كتب أمير المؤمنين إلى الحارث الهمداني: تمسك بحبل الدين. وانتصحه وأحل حلاله. وحرم حرامه. وصدق بما سلف من الحق واعتبر بما مضى من الدنيا ما بقي منها. فإن بعضها يشبه بعضاً وآخرها لاحقٌ بأولها. وكلها حائلٌ مفارقٌ. وعظم اسم الله أن تذكره إلا على حقٍ. وأكثر ذكر الموت وما بعد الموت. ولا تتمن الموت إلا بشرطٍ وثيقٍ. وأحذر كل عملٍ يرضاه صاحبه لنفسه. ويكرهه لعامة المؤمنين. وأحذر كل عملٍ يعمل في السر ويستحيا منه في العلانية. وأحذر كل عملٍ إذا سئل صاحبه عنه أنكر وأعتذر منه. ولا تجعل عرضك غرضا لنبال القوم. ولا تحدث بكل ما سمعت فكفى بذلك كذباً. ولا ترد على الناس كل ما حدثوك به فكفى بذلك جهلاً. واكظم الغيظ. وأحلم عند الغضب.

نخبة من أرجورة ابن مكانس

وتجاوز عند القذرة. وأصفح عن الزلة تكن لك العاقبة. وأستصلح كل نعمةٍ أنعم الله بها عليك. ولا تصنع نعمةٌ من نعم الله عندك. وليبن عليك أثر ما أنعم الله به عليك. وأعلم أن أفضل المؤمنين أفضلهم تقدمةً من نفسه وأهله وماله. وأنك ما تقدم من خيرٍ يبق لك ذخره. وما تؤخر يكن لغيرك خيره. وأحذر صحبة من يقبل رأيه وينكر عمله. فإن الصاحب معتبرٌ بصاحبه. وأحذر منازل الغفلة والجفاء وقلة الأعوان على طاعة الله. وأقصر رأيك على ما يعنيك. وإياك ومقاعد الأسواق فإنها محاضر الشيطان ومعاريض الفتن. وأطع الله في كل أمورك فإن طاعة الله تعالى فاضلةٌ على ما سواها. وإياك أن ينزل بك الموت وأنت آبق من ربك في طلب الدنيا. وإياك ومصاحبة الأشرار فإن الشر بالشر ملحقٌ. وفر إلى الله وأحب أحباءه. وأحذر الغضب فإنه جندٌ من جنود إبليس والسلام. (لبهاء الدين العاملي) نخبة من أرجورة ابن مكانس 109 هل من فتى ظريف. معاشر لطيف. يسمع من مقالي. ما يرخص اللآلي. أمنحه وصيه. ساريةً سرية. تنير في الدياجي. كلمة السراج. رشيقة الألفاظ. تسهل للحفاظ. جادت بها القريحة. في معرض النصيحة. أنا الشفيق الناصح. أنا المجد المازح. إن تبتغ الكرامة وتطلب السلامة. أسلك مع الناس الأدب. ترى من الدهر العجب.

لن لهم الخطايا. واعتمد الآدابا. تنل بها الطلابا. وتسحر الألبابا. ولا تطاول بنشب. ولا تفاخر بنسب. فالمرء ابن اليوم. والعقل زين القوم. ما أروض السياسة. لصاحب الرئاسة. إن شئت تلغى محسنا. فلا تقل يوماً أنا. ألعز في الأمانة. والكيس في الفطانه. ألقصد باب البركه. والخرق داعي الهلكه. لا تغضب الجليسا. لا توحش الأنيسا. لا تصحب الخسيسا. لا تسخط الرئيسا. لا تكثر العتابا. تنفر الأصحابا. فكثرة المعاتبه. تدعو إلى المجانبة. وإن حللت مجلسا. بين سراةٍ رؤوسا. إقصد رضا الجماعة. وكن غلام الطاعة. ودارهم باللطف. وأحذر وبال السخف. واختصر السؤالا. وقلل المقالا. ولا تكن معربدا. ولا بغيضاً نكدا. لا تحمل الطعاما. والنقل والمداما. فذاك في الوليمة. شناعةٌ عظيمه. لا يرتضيها آدمي. غير مقل عادم. وقل من الكلام. ما لاق بالمدام. كرائق الأشعار. وطيب الأخبار. وأترك كلام السفلة. والنكت المبتذلة. إياك والتطفيلا. شؤمه الوبيلا. ولا تكن مبذولا. ولا تكن ملولا. ألبخل لا تألفه. والخل لا تصدفه. ولا تقل لمن تحب. ضيف الكرام يصطحب. ولا تكن ملحاحا. وأجتنب المزاحا. فكثرة المجون. نوعٌ من الجنون. فالشؤم في اللجاج. والحر لا يداجي. وهذه الوصية. للأنفس الأبية. أختارها لنفسي. وإخوتي وجنسي. فهاكها وصيه تصحبها التحية. تحملها الكرام. إليك والسلام.

110 إني ناصحك ببعض نصائح أقبلها مني ليلاً يكون عملك خصماً عليك يوم القيامة. تعمل منها وتدع منها. وأما ما تدع فالأول أن لا تناظر أحداً في مسئلةٍ ما استطعت. لأن فيها آفةً كثيرةً وإثمها أكبر سن نفعها إذ هي منبع كل خلق ذميم كالرثاء والحسد والكبر والحقد والعداوة والمباهاة وغيرها. نعم لو وقع مسئلةٌ بينك وبين شخص أو قومٍ وكان إرادتك فيها أن يظهر الحق جاز لك البحث لكن لتلك الإرادة علامتان. إحداهما أن لا تفرق بين أن ينكشف الحق على لسانك أو على لسان غيرك. وثانيتهما أن يكون البحث في الخلاء أحب إليك من أن يكون في الملإ. والثاني مما تدع وهو أن تحذر وتحترز من أن تكون واعظاً ومذكراً لأن آفته كثيرةٌ إلا أن تعمل بما تقول أولاً ثم تعظ به الناس فتفكر فيما قيل لبعضهم: عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس وإلا فاستحي ربك إن ابتليت بهذا العمل. وأما ما ينبغي لك أن تفعله. فالأول أن تجعل معاملتك مع الله تعالى. بحيث لو عمل معك بها عبدك ترضى بها منه. ولا يضيق خاطرك عليه ولا تغضب. وما لا ترضى لنفسك من عبدك المجازي فلا ترض به لله تعالى وهو سيدك الحقيقي. والثاني كلما عملت بالناس اجعله كما ترضى لنفسك منهم. لأنه لا يكمل إيمان العبد حتى يحب لسائر الناس ما يحب لنفسه. والثالث إذا قرأت العلم

(من كلام موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف البغدادي)

أو طالعته ينبغي أن يكون علماً يصلح قلبك ويزكي نفسك. (ليها الولد للغزالي بتصرف) (من كلام موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف البغدادي) 111 (قال) ينبغي أن تحاسب نفسك كل ليلةٍ إذا أويت إلى منامك. وتنظر ما اكتسبت في يومك من حسنةٍ فتشكر الله عليها. وما اكتسبت من سيئة فتستغفر الله منها وتقلع عنها. وترتب في نفسك ما تعمله في غدك من الحسنات. وتسأل الله الإعانة على ذلك. (وقال) أوصيك ألا تأخذ العلوم من الكتب وإن وثقت من نفسك بقوة الفم. وعليك بالأستاذين في كل علمٍ تطلب اكتسابه. ولو كان الأستاذ ناقصاً فخذ عنه ما عنده حتى تجد أكمل منه. وعليك بتعظيمه وترحيبه وإن قدرت أن تفيده من دنياك فأفعل. وإلا فبلسانك وثنائك. وإذا قرأت كتاباً فأحرص كل الحرص على أن تستظهره وتملك معناه. وتوهم أن الكتاب قد عدم وأنك مستغن عنه لا تحزن لفقده. وإذا كنت مكباً على دراسة كتاب وتفهمه فإياك أن تشتغل بآخر معه. وأصرف الزمان الذي تريد صرفه في غيره إليه. وإياك أن تشتغل بعلمين دفعة واحدةً. وواظب على العلم الواحد سنة أو سنتين أو ما شاء الله. وإذا قضيت منه وطرك. فانتقل إلى علمٍ آخر.

ولا تظن أنك إذا حصلت علما فقد اكتفيت. بل تحتاج إلى مراعاته لينمي ولا ينقص. ومراعاته تكون بالمذاكرة والتفكر واشتغال المبتدئ بالتحفظ والتعلم ومباحثة الأفران واشتغال العالم بالتعليم والتصنيف. وإذا تصديت لتعليم علم أو للمناظرة فيه فلا تمزج به غيره من العلوم. فإن كل علم مكتفٍ بنفسه مستغنٍ عن غيره. فإن استعانتك في علم بعلم عجز عن استيفاء أقسامه كمن يستعين بلغة في لغةٍ أخرى إذا ضاقت عليه أو جهل بعضها. (قال) وينبغي للإنسان أن يقرأ التواريخ وأن يطلع على لسير وتجارب الأمم. فيصير بذلك كأنه في عمره القصير قد أدرك الأمم الخالية وعاصرهم وعاشرهم وعرف خيرهم وشرهم. (قال) وينبغي أن يكثر اتهامك لنفسك ولا تحسن الظن بها وتعرض خواطرك على العلماء وعلى تصانيفهم. وتتثبت ولا تعجل ولا تعجب. فمع العجب العثار ومع الاستبداد الزلل. ومن لم يعرق جبينه إلى أبواب العلماء لم يعرق في الفضيلة. ومن لم يخجلوه لم يبجله الناس. ومن لم يبكتوه. لم يسود. ومن لم يحتمل ألم التعلم والتفكر فحرك لسانك بذكر الله تعالى وبتسابيحه. وخاصةً عند النوم فيتشربه لبك ويتعجن في خيالك. وتتكلم به في منامك. وإذا حدث لك فرح وسرورٌ ببعض أمور الدنيا فاذكر الموت وسرعة

الزوال وأصاف المنغصات. وإذا أحزنك أمرٌ فاسترجع. وإذا اعترتك غفلةٌ فاستغفر. فأجعل الموت نصب عينك والعلم والتقى زادك إلى الآخرة. وإذا أردت أن تعصي الله تعالى فاطلب مكان لا يراك فيه. واعلم أن الناس عيون الله على العبد يريهم خيره وإن أخفاه. وشره وإن ستره. فباطنه مكشوف لله. والله يكشفه لعباده. فعليك أن تجعل باطنك خيراً من ظاهرك. وسرك أصح من علانيتك. ولا تتألم إذا أعرضت عنك الدنيا. ولو عرضت لك لشغلتك عن كسب الفضائل. وقلما يتعلق في العلم ذو الثروة إلا أن يكون شريف الهمة جداً. وأن يثري بعد تحصيل العلم. وإني لا أقول: إن الدنيا تعرض عن طالب العلم بل هو الذي يعرض عنها. لأن همته مصروفة إلى العلم فلا يبقى له التفات إلى الدنيا. والدنيا إنما تحصل بحرصٍ وفكر في وجوهها. فإذا غفل عن أسبابها لم تأته. وأيضاً فإن طالب العلم تشرف نفسه عن الصنائع الرذلة والمكاسب الدنية. وعن أصناف التجارات. وعن التذلل لأرباب الدنيا. والوقوف على أبوابهم. ولبعض إخواننا بيت: من جد في طلب العلوم أفاته ... شرف العلوم دناءة التحصيل وجميع طرق مكاسب الدنيا تحتاج إلى فراغ لها. وحذق فيها وصرف الزمان إليها. والمشتغل بالعلم لا يسعه شيء من ذلك.

وإنما ينتظر أن تأتيه الدنيا بلا سبب. وتطلبه من غير أن يطلبها طلب مثلها. وهذا ظلمٌ منه وعدوان. ولكن إذا تمكن الرجل في العلم وشهرته خطب من كل جهةٍ. وعرضت عليه المناصب وجاءته الدنيا صاغرة فأخذ ما أهدته وماء وجهه موفورٌ. وعرضه ودينه مصونٌ. واعلم أن للعلم عبقة وعزفاً ينادي على صاحبه. ونوراً وضياءٌ يشرق عليه ويدل عليه. كتاجر مسكٍ لا يخفى مكانه. ولا تجهل بضاعته. وكمن يمشي بمشعل في ليلٍ مدلهم. والعالم مع هذا محبوب أين ما كان. وكيف ما كان لا يجد إلا من يميل إليه. ويؤثر قربه ويأنس به. ويرتاح بمداناته. واعلم أن العلوم تغور. ثم تفور. تغور في زمانٍ. وتفور في زمان. بمنزلة النبات أو عيون المياه. وتنتقل من قومٍ إلى قومٍ. ومن موضع إلى موضعٍ. (قال) اجعل كلامك في الغالب بصفات أن يكون وجيزاً فصيحاً في معنى مهم أو مستحسن. فيه إلغازٌ ما وإيهام كثيرٌ أو قليلٌ. ولا تجعله مهملا ككلام الجمهور بل رفعه عنهم ولا تباعده عليهم جداً. (وقال) إياك والهذر والكلام فيما لا يعني. وإياك والسكوت في محل الحاجة ورجوع النوبة إليك. إما لاستخراج حق. أو اجتلاب مودةٍ. أو تنبيهٍ على فضيلة. وإياك والضحك مع كلامك. وكثرة الكلام. وتبتير الكلام. بل اجعل كلامك سرداً بسكونٍ ووقارٍ.

بحيث يستشعر منك أن وراءه أكثر منه. وأنه عن خميرةٍ سابقةٍ. ونظر متقدم. (وقال) إياك الغلظة في الخطاب. والجفاء في المناظرة فإن ذلك يذهب ببهجة الكلام ويسقط فائدته. ويعدم حلاوته. ويجلب الضغائن. ويمحق المودات. ويصير القائل مستثقلاً. سكوته أشهى إلى السامع من كلامه. ويثير النفوس على معاندته ويبسط الألسن بمخاشنته وإذهاب حرمته. (وقال) لا تترفع بحيث تستثقل. ولا تتنازل بحيث تستحسن وتستحقر. (وقال) اجعل كلامك كله جدلاً. وأجب من حيث تعقل. لا من حيث تعتاد وتألف. (وقال) انتزح عن عادات الصبا. وتجرد عن مألوفات الطبيعة. واجعل كلامك لاهوتياً في الغالب لا ينفك من خبر أو قول حكيم. أو بيتٍ نادرٍ. أو مثل سائرٍ. (وقال) تجنب الوقيعة في الناس. وثلب الملوك والغلظة على المعاشر. وكثرة الغضب. وتجاوز الحد فيه. (وقال) استكثر من حفظ الأشعار الأمثالية. والنوادر الحكمية. والمعاني المستغربةٍ.

الباب الرابع في الأمثال السائرة

الباب الرابع في الأمثال السائرة من نثر اللآلي لعلي بن أبي طالب 112 (أ) . إيمان المرء يعرف بأيمانه. أدب المرء خير من ذهبه. أداء الدين من الدين. أحسن إلى المسيء تسد. إخوان هذا الزمان جواسيس العيوب. أخوك من واساك بنشبٍ لا من واساك بنسب. (ب) . بشر نفسك بالظفر بعد الصبر. بركة المال في أداء الزكاة. بع الدنيا بالآخرة تربح. بكاء المرء من خشية الله تعالى قرة العين. باكر تسعد. بطن المرء عدوه. بركة العمر حسن العمل. بلاء الإنسان من اللسان. بشاشة الوجه عطيةٌ ثانيةٌ. (ت) . توكل على الله يكفك. تدارك في آخر العمر ما فاتك في أوله. تكاسل المرء في الصلاة من ضعف الإيمان. تغافل عن المكروه توقر. (ث) . ثلمة الدين موت العلماء. ثبات الملك بالعدل. ثواب الآخرة خيرٌ من نعيم الدنيا. ثناء الرجل على معطيه مستزيد. (ج) . جد بما تجد. جولة الباطل ساعةٌ وجولة الحق إلى قيام الساعة. جودة الكلام في الاختصار. جليس المرء مثله. جليس المرء غنيمة. جالس الفقراء تزد شكراً. جل من لا يموت. (ح) . حياء المرء ستره. حموضات للطعام. خيرٌ من حموضات الكلام. (خ) . خف الله تأمن من غيره.

خالف نفسك تسترح. خير الأصحاب من يدلك على الخير. خليل المرء دليل عقله. خوف الله يجلو القلب. خلو القلب خيرٌ من ملء الكيس. هير المال ما أنفق في سبيل الله. (د) . دليل عقل المرء فعله ودليل علمه قوله. دوام السرور برؤية الإخوان. دولة الأرذال آفة الرجال. دين الرجل حديثه. دولة الملوك في العدل. دار من جفاك تخجيلاً. دم على كظم الغيظ تحمد عواقبك. (ذ) ذنبٌ واحدٌ كثيرٌ وذكرٌ وألف طاعة قليلٌ. ذكر الأولياء ينزل الرحمة. ذليل الخلق عزيزٌ عند الله. ذكر الموت جلاء القلب. ذكر الشباب حسرة. (ر) رؤية الحبيب جلاء العين. رفاهية العيش في الأمن. رسول الموت الولادة. (ز) . زيارة الحبيب إطراء المحبة. زوايا الدنيا مشحونة بالرزايا. زيارة الضعفاء من التواضع. زينة الباطن خير من زينة الظاهر. (س) . سيرة المرء تنبئ عن سريرته. سمو المرء التواضع. (ش) . شين العلم الصلف. شمروا في طلب الجنة. شيبك ناعيك. شحيح غني أفقر من فقير سخيٍ. (ص) . صدق المرء نجاته. صحة البدن في الصوم. الصبر يورث الظفر. صلاة الليل بهاء النهار. صلاح الإنسان في حفظ اللسان. صاحب الأخيار تأمن الأشرار. صمت الجاهل ستره. صلاح الدين في الورع وفساده في الطمع. (ض) . ضل سعي من رجا غير الله تعالى. ضرب الحبيب أوجع. ضل من ركن إلى الأشرار. (ط) . طاب من وثق بالله. طلب

نبذة

الأدب أولى من طلب الذهب. (ظ) . ظلم المرء يصرعه. ظلامة المظلوم لا تضيع. ظمأ المال أشد من ظمأ الماء. ظل عمر الظالم قصيرٌ وظل عمر الكريم فسيح. (ع) . عش قنعاً تكن ملكاً. عيب الكلام تطويله. عاقبة الظالم وخيمةٌ. (غ) . غدرك من دلك على الإساءة. (ف) . فاز من ظفر بالدين. فخر المرء بفضله. أولى من فخره بأصله. فاز من سلم من شر نفسه. فسدت نعمة من كفرها. (ق) . قبول الحق من الدين. (ك) . كلام الله دواء القلب. كفران النعمة مزيلها. كفى بالشيب داء. كمال العلم في الحلم. (ل) . لين الكلام قيد القلوب. (م) . من كثر كلامه كثر ملامه. مجلس العلم روضة من رياض الجنة. مصاحبة الأشرار ركوب البحر. (ن) . نسيان الموت صدأ القلب. نم آمنا تكن في أمهد الفرش. نضرة الوجه في الصدق. (و) . ولاية الأحمق سريعة الزوال. وحدة المرء خيرٌ من جليس السوء. (هـ) . هم السعيد آخرته وهم الشقي دنياه. هلاك المرء في العجب. هربك من نفسك أنفع من هربك من الأسد. (لا) . لا دين لمن لا مروءة له. لا فقر للعاقل. (ي) . يعمل النمام في ساعةٍ فتنة أشهرٍ. يسود المرء قومه بالإحسان إليهم. نبذةٌ من كتاب غرر الحكم ودرر الكلم جمعه عبد الواحد بن محمد بن كلام علي بن أبي طالب 113 (أ) . الدين يعصم. الدنيا تسلم. الصيانة رأس المرؤة. أحلق

سيف قاطعٌ. العجب عنوان الحماقة. البشاشة حبل المودة. الارتقاء إلى الفضائل صعبٌ. الانحطاط إلى الرذائل سهلٌ. السكوت عن الأحمق جوابه. إمام عادلٌ خيرٌ من مطر وابلٍ. المحسن حي وإن نقل إلى منازل الأموات. العاقل إذا سكت فكر وإذا انطق ذكر وإذا نظر اعتبر. الداعي بلا عمل كالقوس بلا وترٍ. إعجاب الرجل بنفسه عنوان ضعف عقله. أحسن الجود عفو بعد مقدرةٍ. (ب) . بركوب الأهوال تكسب الأموال. بالسخاء يستر العيوب. (ت) . تكلموا تعرفوا فإن المرء مخبوءٌ تحت لسانه. (ث) . ثوب التقى أشرق الملابس. ثوب الآخرة ينسي مشقة الدنيا. ثروة العاقل في علمه وثروة الجاهل في ماله. ثلاثٌ يوجبن المحبة الدين والتواضع والسخاء. (ج) . جهاد النفس أفضل الجهاد. (ح) . حسن الأدب يستر قبح النسب. حلاوة الظفر تمحو مرارة الصبر. حد اللسان يقطع الأوصال. (خ) . خير الثناء ما جرى على ألسنة الأخبار. (د) . دوام الفتن من أعظم المحن. (ر) . رب سكوتٍ أبلغ من كلامٍ. (ز) . زلت العالم كانكسار السفينة تغرق وتغرق معها غيرها. زخارف الدنيا تفسد العقول الضعيفة. (س) . سلاح اللئام قبح الكلام. سمع الأذن لا ينفع مع غفلة القلب. (ش) . شر الناس من لا يبالي أن يراه الناس مسيئاً. شيئان لا يعرف فضلهما إلا من فقدهما الشباب والعافية. (ص) . ضمتك حتى تستنطق أجمل من

نطقك حتى تسكت. صوم النفس عن لذات الدنيا أفضل الصيام صدر العاقل صندوق سره. (ض) . ضع فخرك واحطط كبرك وكما تزرع تحصد وكما تدين تدان. ضعف البصر لا يضر مع استنارة البصيرة. (ط) . طوبى لمن غلب نفسه ولم تغلبه ومن ملك هواه ولم يملكه. طلب الثناء بغير استحقاق خرقٌ. (ظ) . ظن العاقل أصبح من يقين الجاهل. ظرف الرجل تنزهه عن المحارم ومبادرته إلى المكارم. (ع) . عليك بالآخرة تأتك الدنيا صاغرة. عند الامتحان يكرم المرء أو يهان. عجبت لعامر دار الفناء وتارك دار البقاء. عجبت لمن يجهل نفسه كيف يعرف ربه. عبد الشهوة أذل من عبد الرق. عبد المطامع أسيرٌ لا يفك أسره. عاشر أهل الفضائل تنبل. عداوة الأقارب أمس من لسع العقارب. (غ) . غاية المعرفة أن يعرف المرء نفسه. غنى المؤمن بالله. غنى العاقل في حكمته. غنى الجاهل في قنيته. (ف) . في الذكر حياة القلوب. في رضا الله نيل المطلوب. في الدنيا عمل ولا حساب. في الآخرة الحساب ولا عملٌ. في الاستشارة عين الهداية. فقد البصر أهون من فقد البصيرة. (ق) . قد يبعد القريب. قد يلين الصليب. قلة الأكل تمنع كثيراً الباطل كما أن قليل النار يحرق كثير الحطب. (ك) . كل طير يأوي لي شكله. كل شيءٍ من الدنيا سماعه أعظم من عيانه. كل

نخبة أمثال انتقاها الأبشتهي

وعاءٍ يضيق بما جعل فيه إلا العلم فإنه يتسع. كم يفتح بالصبر من غلقٍ. كيف ينجو من الله هاربه. كيف يسلم من الموت طالبه. كن عالماً ناطقاً أو مستمعاً واعياً. كلام الرجل ميزان عقله. كلما قاربت أجلاً فأحسن عملاً. (ل) . ليس من عادةٍ الكرام تأخير الإنعام. للشدائد تذخر الرجال. (م) . من توقر وقر. ومن تكبر حقر. من استشار العاقل ملك. من استبد برأيه هلك. ما حقر نفسه إلا عاقلٌ. ما أعجب برأيه إلا جاهلٌ. (ن) . نعم الإدام الجوع. (هـ) . هدي من أطاع ربه. وخاف ذنبه. هلك امرؤٌ لا يعرف قدره. هانت عليه نفسه من أمر عليه لسانه. (و) . وقروا كباركم توقركم صغاركم. وقار الشيب أجمل من نضارة الشباب. (لا) . لا تثقن بعهد من لا دين له. لا تعد ما تعجز عن الوفاء به. لا تثق بمن يذيع سرك. لا يسترقك الطمع فقد جعلك الله حراً. (ي) . يستدل على الكريم بحسنٍ بشره وبذل خيره. يستدل على إدبار الدول بأربعٍ تضيع الأصول والتمسك بالفروع وتقديم الأرذال وتأخير الأفاضل. يبلغ الصادق بصدقه ما لا يبلغه الكاذب باحتياله. نخبة أمثال انتقاها الأبشتهي 114 (أ) . إذا ذهب الحياء حل البلاء. إذا اصطنعت المعروف فاستره وإذا اصطنع إليك فانشره. أفضل الناس من لم تفسد الشهوة دينه. أفضل المعروف إغاثة الملهوف. أظهر الناس محبةً

أحسنهم لقاءً. إياك وفضول الكلام فإنه يظهر من عيوبك ما بطن ويحرك من عدوك ما سكن. (ب) . بالتأني تسهل المطالب. بخفض الجانب تأنس النفوس. (ث) . ثمرة العلوم العمل بالمعلوم. (ح) . ألحازم من حفظ ما في يده ولم يؤخر شغل يومه لغده. حق يضر خيرٌ من باطل يسر. (خ) . خير الناس من أخرج الحرص من قلبه وعصى هواه في طاعة ربه. خير المال ما أخذ من الحلال وصرف في النوال. (ر) . ألرفق مفتاح الرزق. (ش) . شر الناس من ينصر الظلوم ويخذل المظلوم. (ص) . صاحب العقل مغبوطٌ. صداقة الجاهل تعبٌ. (ع) علمٌ لا ينفع كدواءٍ لا ينجع. عظ المسيء بحسن أفعالك ودل على الجميل بجميل خلالك. عثرة الرجل تزيل القدم وعثرة اللسان تزيل النعم. ألعجلة أخت الندامة. (ق) . قد خاطر من استبد برأيه. (ك) . كلام المرء بيان فضله وترجمان عقله. كل يفر من ضده ويميل إلى جنسه. (ل) . لا تفتح باباً يعييك سده. أللسان سيفٌ قاطعٌ لا يؤمن حده والكلام سهم نافذٌ لا يمكن رده. لا يجد العجول فرحاً ولا الغضوب سروراً ولا الملول صديقاً. لا يخلو المرء من ودودٍ يمدح وعدوٍ الورع. من قرب السفلة واطرح ذوي الأحساب والمروءات استحق الخذلان. من عفا تفضل. من كظم غيظه فقد حلم. ومن حلم فقد صبر. من صبر فقد ظفر. من

نخبة أمثال أوردها بهاء الدين العاملي في كتابه الكشكول

أكثر من مقاله سئم ومن سؤاله حرم. من أعجب بعمله حبط أجره. من رجع في هبته بالغ في خسته. من جاد بماله جل ومن جاد بمرضه ذل. من حفر حفيراً لأخيه كان حتفه فيه. من قال مالا ينبغي سمع مالا يشتهي. من لزم الرقاد عدم المراد. من نظر في العواقب سلم من النوائب. من أسرع في الجواب أخطأ في الصواب. من حسنت خصاله طالب وصاله. من عرف بشيءٍ نسب إليه. (ن) . نصرة الحق شرفٌ ونصرة الباطل سرفٌ. نخبة أمثال أوردها بهاء الدين العاملي في كتابه الكشكول 115 (أ) . إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون. إذا هرب الزاهد من الناس فاطلبه. إذا ذكر جليسك عندك أحداً بالسوء فاعلم أنك ثانية. أفضل الزاد ما تزود للمعاد. إن سلمت من الأسد فلا تطمع في صيده. أول المعرفة الاختبار. أيسر شيءٍ الدخول في العداوة وأصعب شيءٍ الخروج منها. (ب) . بعض الكلام أقطع من الحسام. (ت) . التقى ملجمٌ. (خ) . خير أهلك من كفاك. خير سلاحك ما وقاك. (د) . الدال على الخير كفاعله. (ر) . رب أكلهٍ تمنع أكلاتٍ. ألرفق يمنٌ والخرق شومٌ. (س) . ألسعيد من وعظ بغيره. (ص) . صغير الشر يوشك أن يكبر. (ع) . عند الغاية يعرف السبق. (ق) . قبل الرماية تملأ الكنائن. ألقريب من قرب نفعه. القول ينفذ ما لا ينفذ الإبر. قيدوا النعم بالشكر. (ك) . كلبٌ

جوالٌ خيرٌ من أسدٍ رابضٍ. كل مبذول. مملولٌ. كل ممنوعٍ مرغوبٌ فيه. كل وعاءٍ يضيق بما جعل فيه إلا وعاء العلم فإنه يتسع. (ل) . لا تبلغ الغايات بالأماني. لكل عملٍ ثوابٌ. لكل زمانٍ رجالٌ. لكل سرٍ مستودعٌ. ليس منك من غشك. (م) . ما حك جلدك مثل ظفرك. من أفسد بين اثنين فعلى يديهما هلاكه. من جرى في عنان أمله عثرت رجله بأجله. من رفعك فوق قدرك فاتقه. من لان عوده كثفت أغصانه. من لم تصلحه الكرامة أصلحه الهوان. من يزرع المعروف يحصد الشكر 116 أبيات تتمثل بها العرب لشعراء مختلفين: إذا جاء موسى وألقى العصا ... فقد بطل السحر والساحر إذا كان رب البيت بالدف مولعاً ... فشيمة أهل البيت كلهم الرقص إذا ما أراد الله إنقاذ نملةٍ ... سمت بجناحيها إلى الجو تصعد أحب شيءٍ إلى الإنسان ما منعا ... والشيء يرغب فيه حين يمتنع أقلب طرفي لا أرى غير صاحبٍ ... يميل مع النعماء حيث تميل ألا كل شيءٍ ما خلا الله باطلٌ ... وكل نعيمٍ لا محالة زائل إن الفساد ضده الصلاح ... ورب جدٍ جره المزاح أتمنى على الزمان محالاً ... أن ترى مقلتاي طلعة حر إذا ضاع شيءٌ بين أم وبنتها ... فإحداهما يا صاح لا شك آخذه ألم تر أن المرء تدوى يمينه ... فيقطعها عمداً ليسلم سائره

إنك لو تستنشق الشحيحا ... وجدته أنتن شيءٍ ريحا انتهز الفرصة في حينها ... والتقط الجوز إذا ينثر أيها السائل عما قد مضى ... هل جديدٌ مثل ملبوسٍ خلق أقرر بذنبك ثم اطلب تجاوزنا ... عنه فإن جحود الذنب ذنبان إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ... له عن عدوٍ في ثياب صديق جربت دهري وأهليه فما تركت ... لي التجارب في ود أمري غرضا حسبك مما تبتغيه القوت ... ما أكثر القوت لمن يموت حياك من لم تكن ترجو تحيته ... لولا الدراهم ما حياك إنسان ألخير لا يأتيك متصلا ... والشر يسبق سيله المطر رب مهزولٍ سمينٌ عرضه ... وسمين الجسم مهزول الحسب ألرزق يخطى باب عاقل قومه ... ويبيت بواباً بباب الأحمق ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ... ويأتيك بالإخبار من لم تزود ضاقت ولو لم تضق لما انفرجت ... والعسر مفتاح كل ميسور العنز لا يسمن إلا بالعلف ... لا يسمن العنز بقولٍ ذي لطف فإن تك في صديق أو عدوٍ ... تخبرك العيون عن الضمير فأقطع حبائل خلٍ لا تلائمه ... فربما ضاقت الدنيا باثنين ألفقر فيما جاوز الكفافا ... من أتقى الله رجا وخافا في كل مستحسن عيبٌ بلا ريب ... ما يسلم الذهب الإبريز من عيب فلو كان حمدٌ يخلد المرء لم تمت ... ولكن حمد المرء غير مخلد

قدر لرجلك قبل الخطو موضعها ... فمن علا زلقاً عن غرىٍ زلجا قد يدرك المتأني حسن حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ... ويبتلي الله بعض القوم بالنعم قد يدرك الشرف الفتى ورداؤه ... خلقٌ وحبيب قميصه مرقوع كان يقال من أتى خوانا ... من غير أن يدعى إليه هانا كذا قضى الله فكيف أصنع ... ألصمت إن ضاق الكلام أوسع ألكلب لا يذكر في مجلسٍ ... إلا تراه عندما يذكر كنت في كربتي أفر إليهم ... فهم كربتي فأين الفرار لكل إنسانٍ طبيعتان ... خيرٌ وشرٌ وهما ضدان لكل شيءٍ معدنٌ وجوهر ... وأوسطٌ وأصغرٌ وأكبر لكل ما يؤذي وإن قل ألم ... ما أطول الليل على من لم ينم ليس من مات فاستراح بميتٍ ... إنما الميت ميت الأحياء ما انتفع المرء بمثل عقله ... وخير ذخر المرء حسن فعله ما زالت الدنيا لنا دار أذى ... ممزوجة الصفو بألوان القذى ما كنت لو أكرمت أستعصي ... لا يهرب الكلب من القرص ما بال من ليست له حاجةٌ ... يكون أنفاً بين عينين ما عاش من عاش مذموماً خصائله ... ولم يمت من يكن بالخير مذكورا ما كلف الله نفساً فوق طاقتها ... ولا تجود يدٌ إلا بما تجد من لم يكن في بيته طعام ... فما له في بيته مقام

من يفعل الخير لم يعدم جوائزه ... لا يذهب العرف بين الله والناس من يزرع الخير يحصد ما يسر به ... وزارع الشر مكنوس على الرأس هناكم الله بالدنيا ومتعكم ... بما نحب لكم منها ونرضاه واقنع بما أوتيته تنل المنى ... وإذا دهتك ملمةٌ فتصبر وإذا سخطت لضر حالك مرةً ... ورأيت نفسك قد عدت فتبصر والله أرحم بالعباد فلا تسل ... بشراً تعش عيش الكرام وتؤجر وأحسن فإن المرء لا بد ميتٌ ... وإنك مجزي بما كنت ساعيا وما للمرء خيرٌ في حياةٍ ... إذا ما عد من سقط المتاع وما المرء إلا كالهلال وضوئه ... يوافي تمام الشهر ثم يغيب وقد تسلب الأيام حالات أهلها ... وتعدو على أسد الرجال الثعالب وما لامرئٍ طول الخلود وإنما ... يخلده طول الثناء فيخلد والمرء يفرح بالأيام يقطعها ... وكل يومٍ مضى يدني من الأجل وإذا نزعت عن العواية فليكن ... لله ذاك النزع لا للناس والنفس راغبةٌ إذا رغبتها ... وإذا ترد إلى قليلٍ تقنع وما الدهر والأيام إلا كما ترى ... رزية مال أو فراق حبيب وما المرء إلا الأصغران لسانه ... ومعقوله والجسم خلقٌ مصور وكيف تريد أن تدعى حكيماً ... وأنت لكل ما تهوى تبوع وترى الناس كثيراً فإذا ... عد أهل العقل قلوا في العدد وكم من فتى يمسي ويصبح آمناً ... وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري

الباب الخامس

ومن يك ذا فم مرٍ مريضٍ ... يجد مراً به الماء الزلالا ولكل شيءٍ آفة من جنسه ... حتى الحديد سطا عليه المبرد ومن سره أن لا يرى ما يسؤه ... فلا يتخذ شيئاً يخاف له فقداً يزيد تفضلاً وأزيد شكراً ... وذلك دأبه أبداً ودأبي ويطلب الإنسان من فعله ... ففعله عن أصله يخبر الباب الخامس في الأمثال عن السنة الحيوانات الثعلب والديك 117 حكى أن الثعلب مر في السحر بشجرةٍ فرأى فوقها ديكاً. فقال له: أما تنزل نصلي جماعةً. فقال: إن الإمام نائمٌ خلف الشجرة فأيقظه. فنظر الثعلب فرأى الكلب وولى هارباً. فناداه الديك ما تأتي لنصلي. فقال: قد انتقض وضوئي فأصبر حتى أجدد لي وضوءً وأرجع الأسد والثعلب والذئب النمام 118 ذكر ابن الجوزي في آخر كتاب الأذكياء. قال: مرض الأسد فعادته السباع والوحوش ما خلا الثعلب فنم عليه الذئب. فقال الأسد: إذا حضر فأعلمني. فلما حضر الثعلب أعلمه الذئب

رجل وقبرة

بذلك. وكان قد أخبر بما قاله الذئب. فقال الأسد: أين كنت يا أبا الفوارسٍ. فقال: كنت أطلب لك الدواء. قال: وأي شيءٍ أصبت. قال: قيل لي: خرزةٌ في عرقوب أبي جعدة. قال: فضرب الأسد بيده في ساق الذئب فأدماه. ولم يجد شيئاً. وخرج دمه يسيل على رجله. وأنسل الثعلب. فمر به الذئب فناداه: يا صاحب الخف الأحمر إذا قعدت عند الملوك فأنظر ما يخرج منك. فإن المجالس بالأمانات. رجل وقبرة وهو مثل من يكون وابصة سمعٍ ينخدع لكل شيءٍ 119 رجلٌ صاد قبرة. فقالت له: ما تريد أن تصنع بي. قال: أذبحك وآكلك. قالت: والله إني لا أسمن ولا أغني من جوع. ولا أشفي من قرمٍ. ولكني أعلمك ثلاث خصالٍ هي خير لك من أكلي: أما الواحدة فأعلمك إياها وأنا على يدك. والثانية إذا صرت على الشجرة. والثالثة إذا صرت على الجبل. قال: نعم. فقالت وهي على يده: لا تأسفن على ما فاتك. فخلى عنها. فلما صارت على الشجرة قالت له: لا تصدق بما لا يكون. فلما صارت على الجبل قالت: يا شقي لو ذبحتني لوجدت في حوصلتي درةً وزنها عشرون مثقالاً. (قال) فعض على شفتيه وتلهف ثم قال: هاتي الثالثة. قالت: قد نسيت الثنتين الأوليين فكيف أعلمك الثالثة.

الكلب والطبل

قال: وكيف ذلك. قالت: ألم أقل لك: لا تأسفن على ما فاتك. وقد تأسفت علي وأنا فتك. وقلت لك: لا تصدق بما لا يكون وقد صدقت. فإنك لو جمعت عظامي ولحمي وريشي لم تبلغ عشرين مثقالاً. فكيف يكون في حوصلتي درة وزنها كذلك (للشريشي) الكلب والطبل 120 حكي أن كلباً كان من عادته إذا سمع صوت طبل في مكان ذهب إليه يظن أن فيه عرساً أو وليمةً. فعمل الناس حيلةً على ذلك الكلب وتواطئوا بأن يضربوا الطبل في قريتين كلما أتى الكلب إلى مضرب الطبل يسكت ويضرب في القرية الأخرى. ففعلوا ذلك. فجعل الكلب يجري بين القريتين كلما جاء قريةً منهما أسكتوا الطبل وضرب في القرية الأخرى. ولم يزل كذلك حتى مات الكلب جائعاً عطشاناً. (أنيس الجليس للسيوطي) الصياد والصدفة وهو مثل من لا يميز بين الأمور 121 حكي أن صياداً كان في بعض الخلجان يصيد فيه السمك في زورق. فرأى ذات يومٍ في عقيق الماء صدفة تتلألأ حسناً. فتوهمها جوهراً له قيمةٌ. وكان قد ألقى شبكته في البحر فاشتملت على سمكةٍ كانت قوت يومه فخلاها وقذف نفسه في الماء ليأخذ الصدفة. فلما أخرجها وجدها فارغة لا شيء فيها مما ظن. فندم على ترك ما في يده

العصفور والفخ

للطمع وتأسف على ما فاته. فلما كان في اليوم الثاني تنحى عن ذلك المكان وألقى شبكته فأصاب حوتاً صغيراً. ورأى أيضاً صدفة سنيةً فلم يلتفت إليها وساء ظنه بها فتركها. فاجتاز بها بعض الصيادين فأخذها فوجد فيها درةً تساوي أموالاً. (كليلة ودمنة) العصفور والفخ 122 حكى أن عصفوراً مر بفخ. فقال العصفور: ما لي أراك متباعداً عن الطريق. فقال الفخ: أردت العزلة عن الناس لآمن منهم ويأمنوا مني. فقال العصفور: فما لي أراك مقيماً في التراب. فقال: تواضعاً. فقال العصفور: فما لي أراك ناحل الجسم. فقال نهكتني العبادة. فقال العصفور: فما هذا الحبل الذي على عاتقك. قال: هو ملبس النساك. فقال العصفور: فما هذه العصا. قال: أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي. فقال العصفور: فما هذا القمح الذي عندك. قال: هو فضل قوتي أعددته لفقير جائع أو ابن سبيل منقطعٍ. فقال العصفور: إني ابن سبيل وجائع فهل لك أن تطعمني. قال: نعم دونك. فلما ألقى منقاره أمسك الفخ بعنقه. فقال العصفور: بئس ما اخترت لنفسك من الغدر والخديعة. والأخلاق الشنيعة. ولم يشعر العصفور إلا وصاحب الفخ قد قبض عليه. فقال العصفور في نفسه: بحق قالت الحكماء: من تهور ندم. ومن حذر سلم. وكيف لي بالخلاص. ولات حين مناص. (للشبراوي)

الغراب والسنور والنمر

الغراب والسنور والنمر 123 إن غراباً وسنوراً كانا متآخيين. فبينما هما تحت شجرة على تلك الحالة إذ رأيا نمراً مقبلاً على تلك الشجرة التي كانا تحتها. ولم يعلما به حتى صار قريباً من الشجرة. فطار الغراب إلى أعلى الشجرة وبقي السنور متحيراً. فقال للغراب: يا خليلي هل عندك حيلةٌ في خلاصي كما هو الرجاء فيك. فقال له الغراب: إنما تلتمس الإخوان عند الحاجة إليهم في الحيلة عند نزول المكروه بهم. وما أحسن قول الشاعر: إن صديق الحق من كان معك ... ومن يضر نفسه لينفعك ومن إذا ريب الزمان صدعك ... شتت فيك نفسه ليجمعك وكان قريباً من الشجرة رعاة معهم كلابٌ. فذهب الغراب حتى ضرب بجناحه وجه الأرض ونعق وصاح. ثم تقدم إليهم وضرب بجناحه وجه الكلاب. وارتفع قليلاً وتبعته الكلاب. وصارت في أثره فرفع الراعي رأسه فرأى طائراً يطير قريباً من الأرض ويقع فتبعه. وصار الغراب لا يطير إلا بقدر النجاة والخلاص من الكلاب. ويطمعها في أن تفترسه. ثم ارتفع قليلاً. وتبعه الكلاب حتى انتهى إلى الشجرة التي تحتها النمر. فلما رأت الكلاب النمر وثبت عليه فولى هارباً. وكان يظن أنه يأكل القط فنجا منه ذلك القط بحيلة صاحبه الغراب. (ألف ليلة وليلة)

العابد والدرتان

العابد والدرتان 124 حكى أنه كان في بني إسرائيل عابدٌ ضاقت عليه معيشته. فخرج إلى الصحراء يعبد الله ويسأله أن يعطيه شيئاً. فنودي ذات يوم: أيها العابد مد يك وخد. فمد يده فوضع عليها درتان كأنهما كوكبان ضياءٌ. فجاء بهما إلى منزله وقال لامرأته: قد أمنا من الفقر. ثم إنه رأى ذات ليلةٍ في منامه أنه في الجنة فرأى فيها قصراً. فقيل له: هذا قصرك. فرأى فيه أريكتين متقابلتين إحداهما من الذهب الأحمر والأخرى من الفضة. وسقفهما من اللؤلؤ وقيل له: إحداهما مقعدك والأخرى مقعد امرأتك. فنظر إلى سقفهما فإذا فيه موضعٌ خال مقدار درتين. فقال: ما بال هذا الموضع خالياً. فقيل: لم يكن خالياً وإنما أنت تعجلت في الدنيا الدرتين وهذا موضعهما. فانتبه من منامه باكياً وأخبر امرأته بذلك. فقالت له زوجته: أن أدع الله واسأله حتى يردهما إلى مكانهما. فخرج إلى الصحراء وهما في كفه وصار يدعو الله ويتضرع إليه أن يردهما. ولم يزل كذلك حتى أخذتا من كفه ونودي أن: رددناهما إلى مكانهما. (للقليوبي) بطتان وسلحفاة 125 قيل: كان في الزمان الأول غديرٌ عظيمٌ وقد سكنت فيا بطتان وسلحفاةٌ. ووقعت الألفة بينهم. واستأنس بعضهم ببعض

فأتفق أن غيض الماء فيبس الغدير. فجاءت البطتان لوداع السلحفاة وقالتا: اعلمي أيتها الصديقة المشفقة أن حال الدنيا الدنية آخرها الفرقة والقطيعة. وقد يبس ماء الغدير الذي هو سبب حياة المخلوقات وقد آن الرحيل ووقع الشتت بيننا. فلم نجد إلا الانتقال إلى غدير آخر. فلما سمعت السلحفاة هذا الكلام بكت ونادت بالويل والثبور وقالت: أيتها الصديقتان المشفقتان فما حيلتي أن أذهب معكما، وما سبب أن أكون معكما. قالت البطتان: نأخذك معنا ولكننا نخاف أن تتكلمي لأنك لم تملكي لسانك. قالت السلحفاة: الآن عهدت أن لا أنطق. فقالت البطتان: إذا رأى الخلق أننا حملناك وطرنا بك وتعجب كلهم على طيراننا بك وأخبر بعضهم بعضاً فعليك أن تصبري ولا تتكلمي بشيءٍ. ولا تنسى قول الفضلاء: إنه من صمت نجا. وقولهم: البلاء موكلٌ بالمنطق. وإن لم تصبري وتكلمت بشيءٍ فلا تلومن إلا نفسك. ويكون ذنبك عليك. فلما سمعت السلحفاة كلامهما قالت: لا أتكلم أبداً بل أتمسك بذكر الله فلن أكلم اليوم إنسياً. فلما أخذت البطتان عهداً على السلحفاة أتتا بقضيبٍ وقالتا للسلحفاة: أمسكي وسط القضيب بفمك وضمي شفتيك محكماً. ففعلت السلحفاة ما قالتا. ثم أخذت البطتان بطرفي القضيب على عنقهما. ثم طارتا في الهواء مع السلحفاة. فرأى بعض الناس ذلك وأخبر بعضهم بعضاً. ونادوا: يا عجباه. انظروا كيف

أعمى ومقعد

حملت البطتان السلحفاة. ثم إن السلحفاة سمعت كلام الناس. فصبرت ساعةً فلم تقدر على الصبر من كثرة تعجب الخلق. فأجابتهم: لم تعجبون من أمرنا أفلا ترون كيف حملتني البطتان. وما كان بعد أن تكلمت إلا أن وقعت على الحضيض فهلكت. (للسيوطي) أعمى ومقعد 126 (قالوا) إن أعمى ومقعداً كانا في قرية بفقرٍ وضرٍ لا قائد للأعمى ولا حامل للمقعد. وكان في القرية رجلٌ يطعمهما في كل يوم احتساباً قوتهما من الطعام والشراب. فلم يزالا في عافية إلى أن هلك المحتسب. فأقاما بعده أياماً فاشتد جوعهما وبلغ الضور منهما جهده. فأجمعا رأيهما على أن يحمل الأعمى المقعد. فيدله المقعد على الطريق ببصره. ويستقل الأعمى بحمل المقعد ويدوران في القرية يستطعمان أهلها. ففعلا فنجمع أمرهما. ولو لم يفعلا هلكا. (للطرطوشي) الحمامتان 127 زعموا أن حمامتين ذكراً وأنثى ملأا عشهما من الحنطة والشعير. فقال الذكر للأنثى: إنا إذا وجدنا في الصحاري ما نعيش به فلسنا نأكل مما ههنا شيئاً. فإذا جاء الشتاء ولم يكن في الصحاري شيءٌ رجعنا إلى ما في عشنا فأكلناه. فرضيت الأنثى بذلك وقالت له: نعم ما رأيت. وكان ذلك الحب ندياً حين وضعاه في عشهما. فانطلق

العابد والكلب

الذكر فغاب. فلما جاء الصيف يبس الحب وضمر. فلما رجع الذكر رأى الحب ناقصاً. فقال: أما كنا أجمعنا رأينا على أن لا نأكل منه شيئاً فلم أكلته. فجعلت تحلف أنها ما أكلت منه شيئاً وجعلت تعتذر إليه. فلم يصدقها وجعل ينقرها حتى ماتت. فلما جاءت الأمطار ودخل الشتاء تندى الحب وامتلأ العش كما كان. فلما رأى الذكر ذلك تندم. ثم اضطجع إلى جانب حمامته وقال: ما ينفعني الحب والعيش بعدك. إذ طلبتك فلم أجدك ولم أقدر عليك. وإذا فكرت في أمرك وعلمت أني قد ظلمتك ولا أقدر على تدارك ما فات. ثم استمر على حزنه. فلم يطعم طعاماً ولا شراباً حتى مات إلى جانبها. (كليلة ودمنة) العابد والكلب 128 إنه كان في جبل لبنان رجلٌ من العباد منزوياً عن الناس في غارٍ في ذلك الجبل. وكان يصوم النهار ويأتيه كل ليلةٍ رغيفٌ يفطر على نصفه ويتسحر بالنصف الآخر. وكان على ذلك مدة طويلةً لا ينزل من دلك الجبل أصلاً. فأتفق أن انقطع عنه الرغيف ليلةً من الليالي فاشتد جوعه وقل هجوعه. فصلى العشاءين وبات تلك الليلة في انتظار شيءٍ يدفع به الجوع فلم يتيسر له شيءٌ. وكان في أسفل ذلك الجبل قريةٌ سكانها نصارى. فعندما أصبح العابد نزل إليهم واستطعم شيخاً منهم فأعطاه رغيفين من خبز الشعير فأخذهما

وتوجه إلى الجبل. وكان في دار ذلك الشيخ النصراني كلبٌ جربٌ مهزول فلحق العابد ونبح عليه وتعلق بأذياله. فألقى إليه العابد رغيفاً من ذينك الرغيفين ليشتغل به عنه. فأكل الكلب ذلك الرغيف. ولحق العابد مرةً أخرى وأخذ في النباح والهرير. فألقى إليه العابد الرغيف الآخر فأكله. ولحقه تارةً أخرى واشتد هريره وتشبث بذيل العابد ومزقه. فقال العابد: سبحان الله إني لم أر كلباً أقل حياءً منك. إن صاحبك لم يعطني إلا رغيفين وقد أخذنهما مني. ماذا تطلب بهريرك وتمزيق ثيابي. فأنطق الله تعالى ذلك الكلب فقال: لست أنا قليل الحياء. اعلم أني ربيت في دار ذلك النصراني أحرس غنمه وأحفظ داره. وأقنع بما يدفعه لي من عظام أو خبز. وربما نسيني فأبقى أياماً لا آكل شيئاً. بل ربما يمضي علينا أيامٌ لا يجد هو لنفسه شيئاً ولا لي. مع ذلك لم أفارق داره منذ عرفت نفسي ولا توجهت إلى باب غيره. بل كان دأبي أنه إن حصل شيءٌ شكرت وإلا صبرت. وأما أنت فبانقطاع الرغيف عنك ليلةً واحدةً لم يكن عندك صبرٌ ولا كان منك تحملٌ حتى توجهت من باب رازق العباد إلى باب إنسانٍ. فأينا أقل حياءً أنا أم أنت. فلما سمع العابد ذلك ضرب بيده على رأسه وخر مغشياً عليه. (لبهاء الدين)

تاجر ومستودع عنده

تاجر ومستودع عنده وهو مثل من أخذ بثأره بمثل ما ثئر به 129 زعموا أنه كان بأرض كذا تاجرٌ. وأنه أراد الخروج يوماً إلى بعض الوجوه ابتغاء الرزق. وكان عنده مئة من حديداً. فأودعها رجلاً من إخوانه وذهب في وجهه. ثم قدم بعد ذلك بمدةٍ. فجاء والتمس الحديد. فقال له صاحبه: قد أكلته الجرذان. فقال: قد سمعت أنه لا شيء أقطع من أنيابها للحديد. ففرح الرجل بتصديقه ما قال وادعى. ثم إن التاجر خرج فلقي ولداً للرجل. فأخذه وذهب به إلى منزله. فجاء الرجل من الغد. فقال: هل عندك علم بابني. قال: لما خرجت من عندك بالأمس رأيت بازياً قد اختطف صبياً. فلعله ابنك. فلطم الرجل على رأسه وقال يا قوم: هل سمعتم أو رأيتم أن البزاة تختطف الصبيان. فقال: نعم إن أرضا تأكل جرذانها مئة من حديدٍ ليس بعجب أن تختطف بزاتها الفيلة. قال الرجل: أكلت حديدك وهذا ثمنه. فاردد علي ابني. براعةٌ وقرودٌ وهو مثل من لا يتعظ بكلام غيره فيغامر بنفسه فيعطب 130 زعموا أن جماعةً من القردة كانوا سكاناً في جبل. فالتمسوا في ليلةٍ باردةٍ ذات رياح وأمطار ناراً فلم يجدوا. فرأوا يراعةً تطير كأنها شرارة نارٍ فظنوها ناراً. فجمعوا حطباً كثيراً وألقوه عليها.

شريكان

وجعلوا ينفخون طمع أن يوقدوا ناراً يصطلون بها. وكان قريباً منهم طائرٌ على شجرةٍ ينظرون إليه وينظر إليهم وقد رأى ما صنعوا. فجعل يناديهم ويقول: لا تتعبوا. فإن الذي رأيتموه ليس بنارٍ فلما طال ذلك عليه. عزم على القرب منهم لينهاهم عما هم فيه. فمر به رجلٌ فعرف ما عمد إليه. فقال له: لا تلتمس تقويم مالا يستقيم. فإن الحجر الصلب الذي لا ينقطع لا تجرب عليه السيوف. والعود الذي لا ينحني لا يعمل منه القوس. فلا تتعب. فأبى الطائر أن يطيعه. وتقدم إلى الفردة ليعرفهم أن اليراعة ليست بنارٍ. وإذا بأحدهم تناوله وضرب به الأرض فمات. شريكان وهو مثل من التمس صلاح نفسه بفساد غيره 131 زعموا أنه كان لتاجر شريكٌ. فاستأجرا حانوتاً وجعلاً متاعهما فيه. وكان أحدهما قريب المنزل من الحانوت. فأضمر في نفسه أن يسرق عدلاً من أعدال رفيقه. وفكر في الحيلة لذلك وقال: إن أتيت ليلاً لم آمن أن أحمل أحد أعدالي أو إحدى رزمي وأنا لا أعرفها. فيذهب عنائي وتعبي باطلاً. فأخذ رداءه وألقاه على ما أضمر أخذه من أعدال شريكه وانصرف إلى منزله. وجاء رفيقه بعد ذلك ليصلح الأعدال فوجد رداء شريكه على بعض أعداله. فقال: هذا رداء صاحبي ولا أحسبه إلا قد نسيه. وما الرأي أن أدعه ههنا.

رجل وابن عرس

ولكن أجعله على رزمه فلعله يسبقني إلى الحانوت فيجده حيث يحب. ثم أخذ الرداء وألقاه على أحد أعدال رفيقه وأقفل الحانوت ومضى إلى منزله. فلما هجم الليل أتى رفيقه ومعه رجلٌ قد واطأه على ما عزم عليه. وضمن له جعلاً على حمله. فصار إلى الحانوت والتمس الرداء في الظلمة. حتى إذا حس به احتمل العدل الذي تحته وأخرجه هو والرجل. وجعلا يتراوحان على حمله حتى أتى منزله وهو ينحط تعباً فرزح. فلما أصبح افتقده وإذا به بعض متاعه. فندم أشد الندم. ثم انطلق إلى الحانوت فوجد شريكه قد سبقه إليه وفقد العدل وجلس مغتماً يقول: سوءتا من رفيق صالحٍ قد ائتمنني على ماله وخلفني فيه. ماذا تكون حالي عنده ولست أشك في تهمته إياي. ولكن قد وطنت نفسي على غرامته. فقال له الخائن: يا أخي لا تغتم. فإن الخيانة شر ما عمل الإنسان والمكر والخديعة لا يؤديان إلى خير. وصاحبهما مغرورٌ أبداً. وما عاد وبال البغي إلا على صاحبه. وأنا أحد من مكر وخدع. فقال له صاحبه: كيف كان ذلك. فأخبره بخبره. فأضرب الرجل عن توبيخه وقبل معذرته. وندم هو غاية الندامة. رجل وابن عرس وهو مثل من لا يتثبت في أمره بل يهجم على أعماله بالعجلة 132 زعموا أن رجلاً كان له غلامٌ. واتفق يوماً أن امرأته قالت

فيلة وأرنب

له: اقعد عند ابنك حتى أذهب إلى الحمام فأغتسل وأسرع العودة. ثم انطلقت وخلفت زوجها والغلام. فلم يلبث أن جاءه رسول الملك يستدعيه. ولم يجد من يخلفه عند ابنه غير ابن عرس. وكان داجناً عنده وقد رباه صغيراً. فهو عنده عديل ولده. فتركه الرجل عند الصبي وأغلق عليهما البيت وذهب مع الرسول. فنحرج من بعض أحجار البيت حيةٌ سوداء. فدنت من الغلام فضربها ابن عرسٍ فقتلها. ثم قطعها وامتلأ فمه من دمها. ثم جاء الرجل وفتح الباب. فاستقبله ابن عرسٍ كالمشير له بما صنع. فلما رآه ملوثاً بالدم طار عقله. وظن أنه قد خنق ولده. ولم يتثبت في أمره ولم يترو فيه حتى يعلم حقيقة ما جرى. ولكن عجل على ابن عرسٍ المسكين بضربة عكازٍ كان في يده على أم رأسه فوقع ميتاً. ثم لما دخل رأى الغلام سليماً حياً وعنده أسود مقطعٌ. ففهم القصة وتبين له سوء فعله في العجلة. فلطم على رأسه وقال: ليتني لم أرزق هذا الولد. ولم أغدر هذا الغدر. ثم دخلت زوجته فوجدته على تلك الحال. فقالت له: ما شأنك. فأخبرها الخبر وحسن فعل ابن عرسٍ وسوء مكافأته له. فقالت: هذا ثمرة العجلة. فيلةٌ وأرنبٌ وهو مثل من صرف الأذى عن قومه بحيلته 133 زعموا أن أرضاً من أراضي الفيلة تتابعت عليها السنون

وأجدبت. وقل ماؤها وغارت عيونها. وذوى نباتها ويبس شجرها. فأصاب الفيلة عطشٌ شديدٌ. فشكون ذلك إلى ملكهن فأرسل الملك رسله ورواده في طلب الماء في كل ناحيةٍ. فرجع إليه بعض الرسل فأخبره قائلاً: قد وجدت بمكان كذا عيناً يقال لها عين القمر كثيرة الماء فتوجه ملك الفيلة بأصحابه إلى تلك العين ليشرب منها هو وفيلته. وكانت العين في أرض لأرانب فوطئنهن وهن في أحجارهن فهلك منهن كثيرٌ. فاجتمعن إلى ملكهن فقلن له: قد علمت ما أصابنا من الفيلة. فقال: ليحضر كل ذي رأيٍ رأيه. فتقدمت واحدةٌ من الأرانب يقال لها فيروز. وكان الملك يعرفها بحسن الرأي والأدب. فقالت: إن رأى الملك أن يبعثني إلى الفيلة ويرسل معي أميناً ليرى ويسمع ما أقول ويرفعه إلى الملك. فقال لها الملك: أنت أمينةٌ ونرضى بقولك. فأنطلقي إلى الفيلة وبلغي عنا ما تريدين. واعلمي أن الرسول برأيه وعقله ولينه وفضله يخبر عن عقل المرسل. فعليك باللين والمؤاتاة. فإن الرسول هو الذي يلين الصدور إذا رفق. ويخشن الصدور إذا خرق. ثم إن الأرنب انطلقت في ليلةٍ قمراء حتى انتهت إلى الفيلة. وكرهت أن تدنو منهن مخافة على الجبل بأرجلهن. فيقتلنها وإن كن غير متعمداتٍ. ثم أشرفت على الجبل ونادت ملك الفيلة وقالت له: إن القمر أرسلني إليك والرسول غير ملومٍ فيما يبلغ وإن أغلظ في القول. قال ملك الفيلة: فما الرسالة.

أرنب وأسد

قالت: يقول لك. إنه من عرف قوته على الضعفاء فاغتر لذلك بالأقوياء كانت قوته وبالاً عليه. وأنت قد عرفت فضل قوتك على الدواب فغرك ذلك. فعمدت إلى العين التي تسمى باسمي فوردتها وكدرتها. فأرسلني إليك لأنذرك أن لا تعود إلى مثل ذلك. وإنك إن فعلت يغشي بصرك ويتلف نفسك. وإن كنت في شكٍ من رسالتي. فهلم إلى العين من ساعتك فإنه موافيك إليها. فعجب ملك الفيلة من قول الأرنب فانطلق إلى العين مع فيروز الرسول. فلما نظر إليها رأى ضوء القمر فيها. فقالت له فيروز الرسول: خذ بخرطومك من الماء فاغسل به وجهك واسجد للقمر. فأدخل الفيل خرطومه في الماء فتحرك. فنحيل له أن القمر ارتعد. فقال: ما شأن القمر ارتعد. أتراه غضب من إدخالي جحفلتي في الماء. قالت الأرنب: نعم. فسجد الفيل للقمر مرة أخرى. وتاب إليه مما صنع وشرط أن لا يعود إلى مثل ذلك هو ولا أحدٌ من الفيلة. أرنبٌ وأسد وهو مثل من دفع المكروه برأيه وأحسن تدبيره وحيلته 134 زعموا أن أسداً كان في أرض أريضةٍ كثيرة المياه والعشب. وكان فيها من الوحوش في سعة المياه والمرعي كثيرٌ إلا أنه لم يكن ينفعها ذلك لخوفها من أسد كان مستبداً بالأمر فيها. فاجتمعت إليه وقالت له: إنك تصيب منا الدابة بعد الجهد والتعب. وقد رأينا

لك رأيا فيه صلاح لك وأمن لنا. فإن أنت أمنتنا ولم تخفناً فلك علينا في كل يومٍ دابةٌ نبعث بها إليك في وقت غدائك. فرضي الأسد بذلك وصالح الوحوش عليه. ووفين بها له إلى أن أصابت القرعة أرنبا. فقالت للوحوش: إن أنتن رفقتن بي فيما لا يضركن رجوت أن أريحكن من الأسد. فقلن: وما الذي تكفيننا من الأمور. قالت: تأمرن الذي ينطلق بي إلى الأسد أن يمهلني ريثما أبطئ عليه. بعض الإبطاء. فقلن لها: ذلك لك. فانطلقت الأرنب متباطئةً حتى جاوزت الوقت الذي كان يتغدى فيه الأسد. ثم تقدمت إليه وحدها رويداً وقد جاع وغضب. فقام من مكانه نحوها. فقال: من أين أقبلت. قالت: أنا رسول الوحوش إليك بعثني ومعي أرنب لك فتبعني أسدٌ في بعض تلك الطريق فأخذها مني غصباً. وقال: أنا أولى بهذه الأرض وما فيها من الوحوش. فقلت: إن هذا غداء الملك أرسلت به الوحوش معي إليه فلا تغصبنيه. فسبك وشتمك. فأقبلت مسرعةً إليك لأخبرك. فقال الأسد: أو في زمني غاصبٌ انطلقي معي فأريني موضع هذا الأسد. فانطلقت إلى جبٍ فيه ماءٌ غامرٌ صافٍ. فاطلعت فيه وقالت: هذا المكان. فتطلع الأسد فرأى ظله وظل الأرنب في الماء فلم يشك في قولها. ثم وثب عليه ليقاتله فغرق في الجب. فانقلبت الأرنب إلى الوحوش فأعلمتهن صنيعها بالأسد. (كليلة ودمنة)

الباب السادس في الفضائل والنقائص

الباب السادس في الفضائل والنقائص الصبر 135 قال بعض العلماء: الصبر عشرة أقسامٍ: الصبر عن شهوة البطن يسمى قناعةً وضده الشره. والصبر عن شهوة الجسد يسمى عفة وضده الشبق. والصبر على المعصية يسمى صبراً وضده الجزع. والصبر على الغناء يسمى ضبط النفس وضده البطر. والصبر عند القتال يسمى الشجاعة وضده الجبن. والصبر عند الغضب يسمى حلماً وضده الحمق. والصبر عند النوائب يسمى سعة الصدر وضده الضجر. والصبر حفظ السر يسمى الكتمان وضده الخرق. والصبر عن فضول المعيشة يسمى الزهد وضده الحرص. والصبر عند توقع الأمور يسمى التؤدة وضده الطيش. (للقليوبي) ومن أحسن ما جاء في باب الصبر قول بعضهم: بنى الله للأخيار بيتاً سماؤه ... همومٌ وأحزانٌ وحيطانه الضر وأدخلهم فيه وأغلق بابه ... وقال لهم مفتاح بابكم الصبر قال آخر: إصبر قليلاً وكن بالله معتصماً ... ولا تعاجل فإن العجز بالعجل ألصبر مثل اسمه في نائبةٍ ... لكن عواقبه أحلى من العسل

136 قال بعض الحكماء: الصبر صبران. صبرٌ على ما تكره وصبرٌ عما تحب. والثاني أشدهما على النفس. (لبهاء الدين) من الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين: إني رأيت وفي الأيام تجربةٌ ... للصبر عاقبةً محمودة الأثر لا تضجرن ولا يدخلك معجزةٌ ... فالنجح يهلك بين العجز والضجر لامرأة من العرب أيها الإنسان صبراً ... إن بعد العسر يسرا إشرب الصبر وإن كا ... ن من الصبر أمرا 137 شكا رجلٌ إلى جعفر الصادق أذية جاره. فقال له: اصبر عليه. قال: ينسبني إلى الذل. قال: إنما الذليل من ظلم. (للمستعصمي) قال علي بن أبي طالبٍ: إصبر قليلاً فبعد العسر تيسير ... وكل أمر له وقتٌ وتدبير وللمهيمن في حالاتنا نظرٌ ... وفوق تدبيرنا لله تدبير قال بعضهم: إذا ما أتاك الدهر يوماً بنكبةٍ ... فأفرغ لها صبراً وأوسع لها صدرا فإن تصاريف الزمان عجيبةٌ ... فيوماً ترى يسراً ويوماً ترى عسرا قال آخر: وكم غمرةٍ هاجت بأمواج غمرةٍ ... تلقيتها بالصبر حتى تجلت

وكانت على الأيام نفسي عزيزةً ... فلما رأت صبري على الذل ذلت 138 قال الفضيل بن عياض: ألا ترون كيف يزوي الله الدنيا عمن يحب ويمررها عليهم تارةً بالجوع ومرةً بالحاجة. كما تصنع الأم الشفيقة بولدها تفطمه بالصبر مرة وبالحضض أخرى وإنما تريد صلاحه. (لبهاء الدين) أنشد بعضهم: وإذا بليت بعسرةٍ فالبس لها ... صبر الكريم فإن ذلك أحزم لا تشكون إلى العباد فإنما ... تشكو الرحيم إلى الذي لا يرجم وقال آخر: واصبر إذا ما شئت إكليل الهنا ... فبغير حسن الصبر لن تتكللا فإذا كرهت الصبر فاعلم أنما ... حقاً كرهت بأن تكون مكللا قال بعض الشعراء: ما أحسن الصبر في الدنيا وأجمله ... عند الإله وأنجاه من الجزع من شد بالصبر كفا عند مؤلمةٍ ... ألوت يداه بحبل غير منقطع قال آخر أما والذي لا يعلم الغيب غيره ... ومن ليس في كل الأمور له كفو لئن كان بدء الصبر مرا مذاقه ... لقد يجتنى من بعده الثمر الحلو قال محمد الأبيوردي: تنكر لي دهري ولم يدر أنني ... أعز وأهوال الزمان تهون

وظل يريني الخطب كيف اعتداؤه ... وبت أريه الصبر كيف يكونه 139 قال علي بن أبي طالبٍ: اعلموا أن الصبر من الأمور بمنزلة الرأس من الجسد. إذا فارق الرأس الجسد فسد الجسد. وإذا فارق الصبر الأمور فسدت الأمور. ولله من قال: على قدر فضل المرء تأتي خطوبه ... ويجمد منه الصبر مما يصيبه فمن قل فيما يلتقيه اصطباره ... فقد قل فيما يلتقيه نصيبه قال الشبراوي: وإذا مسك الزمان بضرٍ ... عظمت دونه الخطوب وجلت وأتت بعده نوائب أخرى ... سئمت نفسك الحياة وملت فاصطبر وانتظر بلوغ الأماني ... فالرزايا إذا تواليت تولت قال محمود الوراق: ألدهر لا يبقى على حالةٍ ... لكنه يقبل أو يدبر فإن تلقاك بمكروهه ... فاصبر فإن الدهر لا يصبر 140 (من كتاب أنيس العقلاء) . اعلم أن النصر مع الصبر. والفرج مع الكرب. واليسر مع العسر. قال بعض الحكماء: بمفتاح عزيمة الصبر تعالج مغاليق الأمور. وقال بعضهم: عند انسداد الفرج. تبدو مطالع الفرج. (لبهاء الدين) ولله در من قال: ألصبر مفتاح ما يرجى ... وكل صعبٍ به يهون

الحلم

فاصبروا وإن طالت الليالي ... فربما أمكن الحرون وربما نيل باصطبارٍ ... ما قيل هيهات لا يكون قال أبو الفتح البستي: تحمل أخاك على ما به ... فما في استقامته مطمع وأنى له خلقٌ واحدٌ ... وفيه طبائعه الأربع قال غيره: دع الأيام تفعل ما تشاء ... وطيب نفساً إذا نزل البلاء ولا تجزع لحادثة الليالي ... فما لحوادث الدنيا بقاء إذا ما كنت ذا قلبٍ قنوعٍ ... فأنت ومالك الدنيا سواء قال آخر: إدفع بصبرك حادث الأيام ... وترج لطف الواحد العلام لا تيأسن وإن تضايق كربها ... ورماك ريب صروفها بسهام فله تعالى بين ذلك فرجةٌ ... تخفى على الأبصار والأوهام كم من نحيٍ بين أطراف القنا ... وفريسةٍ سلمت من الضرغام الحلم 141 قيل لقيس بن عاصمٍ: ما الحلم. قال: أن تصل من قطعك. وتعطي من حرمك. وتعفو عمن ظلمك. قال علي بن أبي طالبٍ: حلمك على السفيه يكثر أنصارك عليه. (قالوا) لا يظهر الحلم إلا مع الانتصار. كما لا يظهر العفو إلا مع الاقتدار. (وقالوا) ما قرن

شيءٌ إلى شيءٍ أزين من حلمٍ إلى علمٍ. ومن عفو إلى قدرةٍ. قال معاوية: إني لأستحي من ربي أن يكون ذنبٌ أعظم من عفوي. أو جهلٌ أكبر من حلمي. أو عورةٌ لا أواريها بستري. وقال المورق العجلي: ما تكلمت في الغضب بكلمةٍ ندمت عليها في الرضا. (لابن عبد ربه) قال النواجي: يخاطبني السفيه بكل قبحٍ ... وأكره أن أكون له مجيبا يزيد سفاهةً وأزيد حلماً ... كعودٍ زاده الإحراق طيبا 142 قالت الحكماء: يدرك بالرفق مالا يدرك بالعنف. ألا ترى أن الماء على ليئه يقطع الحجر على شدته. وقال أشجع السلمي لجعفر بن يحيى: ما كاد يدرك بالرجال ولا بالمال ما أدركت بالرفق. وقال النابغة. ألرفق يمنٌ والأناة سعادةٌ ... فاستأن في رفق تلاق نجاحا قال الشعبي لعبد الملك: إنك على إيقاع ما لم توقع أقدر منك على رد ما أوقعت. وأخذ ذلك الشاعر فقال: فداويته بالحلم والمرء قادرٌ ... على سهمه ما دام في كفه السهم (للثعالبي) قيل لهشام بن عبد الملك: تطمع في الخلافة وأنت بخيل جبانٌ. قال: ولم لا أطمع فيها وأنا حليم عفيفٌ. (لأبي الفرج)

العدل

143 قال البحتري: تناس ذنوب قومك إن حفظ الذم نوب إذا قدمن من الذنوب (قيل) الاعتراف. يزول به الاقتراف. لا عتب مع إقرار. ولا ذنب مع استغفار. ألمعترف بالجريرة مستحق للغفيرة. قال محمد بن حازمٍ: إذا ما امرؤٌ من ذنبه جاء تائبا ... إليك فلم تغفر له فلك الذنب قال عمرو بن كلثومٍ لصديقٍ له أنكر ذنباً: إما أن تقر بذنبك فيكون إقرارك حجةً لنا في العفو. وإلا فطب نفساً بالانتصار منك أقرر بذنبك ثم اطلب تجاوزنا ... عنه فإن حجود الذنب ذنبان قال أبو بكر الصولي: وكنت إذا الصديق أراد غيظي ... وأشرقني على شرق بريق غفرت ذنوبه وصفحت عنه ... مخافة أن أعيش بلا صديق 144 أتى المنصور برجل أذنب. فقال: إن الله يأمر ب العدل والإحسان. فإن أخذت في غيري بالعدل فخذ في بالإحسان. فعفا عنه. قال أبو فراس: إن لم تجاف عن الذنو ... ب وجدتها فينا كثيرة لكن عادتك الجمي ... لة أن تغض على الجريرة (للثعالبي) دخل ابن حزيم على المهدي وقد عتب على بعض أهل الشام

وأراد أن يغزوهم جيشاً. فقال: يا أمير المؤمنين عليك بالعفو عن المذنب والتجاوز عن المسيء. فلأن يطيعك العرب طاعة محبةٍ خير لك من أن تطيعك طاعة خوفٍ. (لابن عبد ربه) لما ظفر المأمون بإبراهيم بن المهدي شاور فيه أحمد بن أبي خالد الأحول الوزير. فقال: يا أمير المؤمنين إن قتلته فلك نظراء. وإن عفوت فما لك نظيرٌ. (وفيات الأعيان لابن خلكان) العدل 145 اعلم أن العدل ميزان الله تعالى في الأرض الذي يؤخذ به للضعيف من القوي والمحق من المبطل. واعلم أن عدل الملك يوجب محبته وجوره يوجب الافتراق عنه. قيل: دعوة المظلوم تحمل على الغمام وتفتح لها أبواب السماء. وسأل الإسكندر حكماء أهل بابل: أيما أبلغ عندكم الشجاعة أم العدل. قالوا إذا استعملنا العدل استغنينا به عن الشجاعة. ويقال: عدل السلطان. أنفع من خصب الزمان. (للابشيهي) 146 إن السلطان إذا عدل انتشر العدل في رعيته. وأقاموا الوزن بالقسط وتعاطوا الحق فيما بينهم. ولزموا قوانين العدل. فمات الباطل وذهبت رسوم الجور. وانتعشت قوانين الحق. فأرسلت السماء غياثها وأخرجت الأرض بركاتها. وتمت تجارتهم. وزكت زروعهم. وتناسلت أنعامهم. ودرت أرزاقهم. ورخصت أسعارهم.

الوفاء

وامتلأت أوعيتهم. فواسى البخيل. وأفضل الكريم. وقضيت الحقوق. وإذا جار السلطان انتشر الجور في البلاد وعم العباد. فرقت أديانهم. واضمحلت مروآتهم. وفشت فيهم المعاصي. وذهبت أماناتهم. وتضعضعت النفوس. وقنطت القلوب. فمنعوا الحقوق. وتعاطوا الباطل. وبخسوا المكيال والميزان. فرفعت منهم البركة. وأمسكت السماء غياثها. ولم تخرج الأرض زرعها ونباتها. وقل في أيديهم الحطام. وقنطوا وأمسكوا الفضل الموجود. وتناجزوا على المفقود. فمنعوا الزكوات المفروضة. وبخلوا بالمؤاساة المسنونة. وقبضوا أيديهم عن المكارم. وتنازعوا المقدار اللطيف وتجاحدوا القدر الخسيس. ففشت فيهم الأيمان الكاذبة. والحيل في البيع. والخداع في المعاملة. والمكر والحيلة في القضاء والاقتضاء. ومن عاش كذلك فبطن الأرض خيرٌ له من ظهرها. (للطرطوشي) قال أزدشير لابنه: يا بني إن الملك والعدل أخوان لا غنى بأحدهما عن صاحبه. فالملك أسٌ والعدل حارسٌ. فما لم يكن له أس فمهدومٌ. وما لم يكن له حارسٌ فضائعٌ. (لابن عبد ربه) الوفاء 147 قال الحجاج بن يوسف الثقفي: ما خلقت إلا فريت. وما وعدت إلا وفيت. (للقزويني) (قالوا) من تحلى بالوفاء. وتخلى عن الجفاء. فذلك من إخوان

الصداقة والخلة

الصفاء. (وقالوا) الوفاء ضالةٌ كثيرٌ ناشدها. قليلٌ واجدها. كما قيل: الوفاء من شيم الكرام. والغدر من خلائق اللئام. (الكنز المدفون للسيوطي) قال بعض الشعراء في أهل زمانه: ذهب الوفاء ذهاب أمس الذاهب ... فالناس بين محالفٍ وموارب يفشون بينهم المودة والصفا ... وقلوبهم محشوةٌ بعقارب 148 (قالوا) وعد الكريم نقدٌ. ووعد اللئيم تسويفٌ. قال عمر ابن الحارث: كانوا في قديم الزمان يفعلون ولا يقولون. ثم صاروا يقولون يفعلون. ثم صاروا يقولون ولا يفعلون قال زيادٌ الأعجم: لله درك من فتىً ... لو كنت تفعل ما تقول لا خير في كذب الجوا ... د وحبذا صدق البخيل الصداقة والخلة 149 (قيل) المرس كثير بأخيه. قال الأحنف بن قيسٍ: خير الإخوان من إن استغنيت عنه لم يزدك في المودة. وإن احتجت إليه لم ينقصك. وإن كوثرت عضك. وإن استرفدت رفدك. وأنشد أحمد بن أبان: إذا أنا لم اصبر على الذنب من أخٍ ... وكنت أجازيه فأين الفاضل ولكن أداويه فإن صح سرني ... وإن هو أعيا كان فيه تحامل

قال آخر: وليس أخي من دني بلسانه ... ولكن أخي من ودني وهو غائب ومن ماله مالي إذا كنت معدماً ... وما لي له إن أعوزته النوائب قال أبو العتاهية: إصحب ذوي الفضل وأهل الدين ... فالمرء منسوبٌ إلى القرين قال طرفة بن العبد: إذا كنت في قومٍ فصاحب خيارهم ... ولا تصحب الأردا فتردى مع الردي عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن يقتدي 150 قيل لبزرجمهر: من أحب إليك أخوك أم صديقك. فقال: ما أحب أخي إلا إذا كان لي صديقاً. وقال عبد الله بن عباسٍ: ألقرابة تقطع. والمعروف يكفر. وما رأيت كتقارب القلوب قال بعض الأكابر: ينبغي أن تستنبط لزلة أخيك سبعين عذراً. فإن لم يقبله قلبك فقل لقلبك: ما أقساك. يعتذر إليك أخوك سبعين عذراً فلا تقبل عذره فأنت المعتوب لا هو قال المبرد. ما القرب إلا لمن صحت مودته ... ولم يخنك وليس القرب للنسب

كم من قريبٍ دوي الصدر مضطغنٍ ... ومن بعيدٍ سليمٍ غير مقترب قال المغيرة بن شعبة: وليس الذي يلقاك بالبشر والرضا ... وإن غبت عنه آلمتك عقاربه قال بشارٌ: تود عدوي ثم تزعم أنني ... صديقك إن الرأي منك لعازب وليس أخي من ودني رأي عينه ... ولكن أخي من ودني وهو غائب 151 مما أوصى به أمير المؤمنين أولاده: يا بني عاشروا الناس عشرةً إن غبتم حنوا إليكم. وإن فقدتم بكوا عليكم. يا بني: إن القلوب جنودٌ مجندة تتلاحظ بالمودة وتتناجى بها وكذلك هي في البغض. فإذا أحببتم الرجل من غير خيرٍ سبق منه إليكم فأرجوه. وإذا أبغضتم الرجل من غير سوءٍ سبق منه إليكم فاحذروه. قال الطغرائي: أخاك أخاك فهو أجل ذخرٍ ... إذا نابتك نائبة الزمان وإن بانت إساءته فهبها ... لما فيه من الشيم الحسان تريد مهذبا لا عيب فيه ... وهل عودٌ يفوح بلا دخان قال العطوي: صن الود إلا عن الأكرمين ... ومن بمؤاخاته تشرف ولا تغترر من ذوي خلةٍ ... وإن موهوا لك أو زخرفوا

152 قال بزرجنهر: من لم يكن له أخ يرجع إليه في أموره ويبذل نفسه وماله في شدته فلا يعدن نفسه من الأحياء. من كلام بعض العارفين: ألأخ الصالح خيرٌ من نفسك. لأن النفس أمارةٌ بالسوء والأخ الصالح لا يأمر إلا بالخير. في الخبر: المرء كثيرٌ بأخيه. ويقال: الرجل بلا إخوان كالشمال بلا يمينٍ. ويقال: من اتخذ إخواناً. كانوا له أعواناً. وقال المغيرة بن شعبة: ألتارك للإخوان متروكٌ. وقال شبيب بن شبة: عليك بالإخوان فإنهم زينةٌ في الرخاء. وعدةٌ عند البلاء. (لبهاء الدين) قال الشاعر: تكثر من الإخوان ما اسطعت إنهم ... عمادٌ إذا استنجدتهم وظهير وما بكثير ألف خل وصاحب ... وإن عدوا واحداً لكثير 153 وقال العتبي: لقاء الإخوان نزهة القلوب. وقال ابن عائشة القرشي: مجالسة الإخوان مسلاةٌ للأحزان. وقال سعيد بن مسلمٍ: إن في لقاء الإخوان لغنماً وإن قل. (ظرائف اللطائف لأبي نصر المقدسي) وقيل لعلي بن الهيثم: ما تحب للصديق. فقال: ثلاث خلالٍ. كتمان حديث الخلوة. والمواساة عند الشدة. وإقالة العثرة. (للمستعصمي) 154 قال عبد الله بن جعفرٍ: عليك بصحبة من إن صحبته زانك.

للشورة

وإن عبت عنه صانك. وإن احتجت إليه مانك. وإن رأى منك خلة سدها. أو حسنةً عدها. وقال الحسن بن وهبٍ: من حقوق المودة أخذ عفو الإخوان. والإغضاء عن تقصير إن كان. (وقيل) خير الإخوان من إذا نسيت ذنبك لم يقرعك به. ومعروفه عندك لم يمن عليك به. (للشريشي) قال الإسكندر: انتفعت بأعدائي اكثر مما انتفعت بأصدقائي لأن أعدائي كانوا يعيروني ويكشفون لي عيوبي وينبهوني بذلك على الخطأ فأستدركه. وكان أصدقائي يزينون لي الخطأ ويشجعوني عليه. (الآداب السلطانية للفخري) . ولله در أبي حيان الأندلسي إذ أنشد: عداي لهم فضل علي ومنهٌ ... فلا أذهب الرحمان عني الأعاديا هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها ... وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا للشورة 155 سئل بعض الحكماء: أي الأمور أشد تأييداً للعقل وأيها اشد إضراراً به. فقال: أشدها تأييداً له ثلاثة أشياء. مشاورة العلماء. وتجربة الأمور. وحسن التثبت. وأشدها إضراراً به ثلاثة أشياء. الاستبداد. والتهاون. والعجلة. كان علي بن أبي طالب يقول: رأي الشيخ أحسن من جلد الغلام. قال العتبي: قيل لرجلٍ من عبسٍ ما أكثر صوابكم. قال: نحن ألف رجلٍ وفينا حازمٌ واحدٌ.

كتمان السر

فنحن نشاوره فكأنا ألف حازمٍ. قال الشاعر: ألرأي كالليل مسوداً جوانبه ... والليل لا ينجلي إلا بإصباح فاضمم مصابيح آراء الرجال إلى ... مصباح رأيك تزدد ضوء مصباح قال الأرجائي إقرن برأيك رأي غيرك واستشر ... فالحق لا يخفى على الاثنين للمرء مرآةٌ تريه وجهه ... ويرى قفاه بجمع مرآتين 156 قال حكيمٌ: إذا شاورت العاقل صار عقله لك. وقال العتابي: المشورة عين الهداية. وقد خاطر من استغنى برأيه. وقال ابن المعتز: المشورة راحةٌ لك وتعب لغيرك. ومن أكثر المشورة لم يعدم عند الصواب مادحاً وعند الخطأ عاذراً. (لأبي نصر المقدسي) كتمان السر 157 قال أنوشروان: من حصن سره فله بتحصينه خصلتان. الظفر بحاجته. والسلامة من السطوات. وقيل: كلما كثرت خزان الأسرار زادت ضياعاً. وقيل انفرد بسرك لا تودعه حازماً فيزل. ولا جاهلاً فيخون. (للابشيهي) وقال كعب بن سعدٍ الغنوي. ولست بمبدٍ للرجال سريرتي ... ولا أنا عن أسرارهم بمسائل وقال آخر: يا ذا الذي أودعني سره ... لا ترج أن تسمعه مني

الصمت وحفظ اللسان

لم أجره قط على فكرتي ... كأنه لم يجر في أذني قال ابن الخطير: لا يكتم السر إلا كل ذي ثقةٍ ... والسر عند خيار الناس مكتوم فالسر عندي في بيتٍ له غلقٌ ... ضاعت مفاتيحه والباب مختوم قال أبو المحاسن الشواء في شخص لا يكتم السر وقد أجاد فيه: لي صديقٌ إذا وإن كان لا ينطق ... إلا بغيبة أو محال أشبه الناس بالصدى إن تحدثه ... حديثاً أعاده في الحال الصمت وحفظ اللسان 158 سئل سولون: أي شيءٍ أصعب على الإنسان. قال: الإمساك عن الكلام بما لا يعنيه. شتم رجلٌ سخنيس الحكيم فأمسك عنه. فقيل له في ذلك. فقال: لا أدخل حرباً الغالب فيها أشر من المغلوب. ومن كلام بعض الحكماء. لاتبع هيبة السكوت بالرخيص من الكلام. قال أرسطاطا ليس: اختصار الكلام طي المعاني. وقيل له: ما أحسن ما حمله الإنسان. قال: السكوت. ومن كلام الحكماء: يستدل على عقل الرجل بقلة مقاله. وعلى فضله بكثرة احتماله. (لبهاء الدين) 159 اجتمع أربعة ملوكٍ فتكلموا. فقال ملك الفرس: ما ندمت على ما لم أقل مرةً وندمت على ما قلت مراراً. وقال قيصر: أنا على رد ما لم أقل أقدر مني على رد ما قلت. وقال ملك الصين: ما لم

أتكلم بكلمةٍ ملكتها فإذا تكلمت بها ملكتني. وقال ملك الهند: العجب ممن يتكلم بكلمةٍ إن رفعت ضرت وإن لم ترفع لم تنفع. (كليلة ودمنة) 160 ذكر ابن خلكان أن رجلاً كان يجالس الشعبي ويطيل الصمت. فقال له الشعبي يوماً: ألا تتكلم. فقال: أصمت فأسلم. وأسمع فأعلم. إن حظ المرء في أذنه له وفي لسانه لغيره (للدميري) قال ابن السكيت: يصاب الفتى من عثرة بلسانه ... وليس يصاب المرء من عثرة الرجل فعثرته بالقول تذهب رأسه ... وعثرته بالرجل تبرا على مهل 161 قال بعض السلف: ألندم على الصمت خيرٌ من الندم على القول. ومن فصول ابن المعتز: من أخافه الكلام أجاره الصمت. وقال أيضاً: الخطأ بالصمت يختم. والخطل بمثله لا يكتم وقال آخر: ألصمت يكسب أهله ... صدق المودة والمحبة والقول يستدعي لصا ... حبه المذمة والمسبه فأرغب عن القول ولا ... يهتاج منك إليه رغبه 162 ويقال: من علامات العاقل حسن سمته. وطول صمته. وقال

بعض الحكماء: أول العلم الصمت. والثاني حسن الاستماع. والثالث الحفظ. والرابع العمل به. والخامس نشره. كان يقال: مقتل الرجل بين فكيه. وقال بعض البلغاء: اللسان. أجرح جوارح الإنسان. وقال آخر: اللسان سبعٌ صغير الجرم. (لأبي نصر المقدسي) سمعت بعض الشيوخ يقول: أشد الناس بلاءً وأكثرهم عناءً. من له لسانٌ مطلقٌ. وقلبٌ مطبقٌ. فهو لا يستطيع أن يسكت ولا يحسن أن يتكلم. (الكنزل المدفون) قال نضر بن شميل: وإذا بليت بجاهل متحكم ... يجد المحال من الأمور صوابا أوليته مني السكوت وربما ... كان السكوت عن الجواب جوابا قال فيلسوفٌ: كما أن الآنية تمتحن بإطنانها فيعرف صحيحها أو مكسورها. كذلك الإنسان يعرف حاله بمنطقه. (لبهاء الدين) 163 شاور معاوية الأحنف بن قيس في استخلافه يزيد. فسكت عنه فقال: مالك لا تقول. فقال: إن صدقناك أسخطناك. وإن كذبناك أسخطنا الله. فسخط أمير المؤمنين أهون علينا من سخط الله. فقال له: صدقت قال الحسن البصري: لسان العاقل من وراء قلبه فإذا أراد الكلام تفكر. فإن كان له قال. وإن كان عليه سكت. وقلب

الكذب

الأحمق من وراء لسانه. فإذا أراد أن يقول قال. (لابن عبد ربه) قال زهيرٌ: كأين ترى من معجبٍ لك صامتٍ ... زيادته أو نقصه في التكلم لسان الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤاده ... فلم يبق إلا صورة اللحم والدم الكذب 164 ألكذب هو الإخبار على خلاف الواقع. قال بعضهم: لو لم أدع الكذب تورعاً. تركته تصنعاً. (الكنز المدفون للسيوطي) قال عمر: عليك بالصدق وإن قتلك. وما أحسن ما قيل في ذلك: عليك بالصدق ولو أنه ... أحرقك الصدق بنار الوعيد وأبغ رضا المولى فأغبى الورى ... من أسخط المولى وأرضى العبيد وقيل: لكل شيءٍ حليةٌ وحلية النطق الصدق. (للابشيهي) 165 قال علي بن عبيدة: الصدق ربيع القلب. وزكاة الخلقة. وثمرة المروءة. وشعاع الضمير. وعن جلالة القدر عبارته. وإلى اعتدال وزن العقل ينسب صاحبه. قال بعض الفلاسفة: الكذاب والميت سواء. لأن فضيلة الحي النطق فإذا لم يوثق بكلامه فقد بطلت حياته. قال الحسن بن سهلٍ: الكذاب لصٌ. لأن اللص يسرق مالك. والكذاب يسرق عقلك. ولا تأمن من كاذبٍ لك أن يكذب عليك. ومن اغتاب غيرك عندك فلا تأمن أن يغتابك عند غيرك.

التواضع والكبر

حسب الكذوب من المها ... نة بعض ما يحكى عليه ما إن سمعت بكذبةٍ ... من غيره نسبت إليه (زهر الآداب للقيرواني) التواضع والكبر 166 قيل لبعضهم: ما التواضع. فقال: اجتلاب المجد واكتساب الود. فقيل: ما الكبر. فقال: اكتساب البغض. (وقيل) التواشع أحد مصايد الشف. من لم يتضع عند نفسه. لم يرتفع عند غيره. نظر مطرفٌ إلى المهلب وعليه حلةٌ يسحبها. فقال: ما هذه المشية التي يبغضها الله تعالى. فقال: أو ما تعرفني. قال: بلى أولك مادةٌ مذرةٌ وآخرك جيفةٌ قذرةٌ. فلم يعد إلى تلك المشية بعد ذلك. ونظر الحسن إلى رجل يخطر في ناحية المسجد. فقال: انظروا إلى هذا ليس منه عضو إلا والله عليه فيه نقمةٌ وللشيطان فيه لعبةٌ. واشترى رجلٌ شيئاً فمر بسلمان وهو أمير المدائن فلم يعرفه. فقال: أحمل معي هذا يا علج فحمله فكان من يتلقاه يقول: أدفعه إلي أيها الأمير. فقال: والله لا يحمله إلا العلج. والرجل يعتذر إليه ويسأله أن يرده عليه. فأبى حتى حمله إلى مقره. (للثعالبي) قال بعضهم: مثل المجد الذي تطلبه ... مثل الظل الذي يمشي معك أنت لا تدركه متبعاً ... فإذا وليت عنه تبعك

167 قال بعض الحكماء لبعض الوزراء: إن تواضعك في شرفك أشرف لك من شرفك. قال بعضهم: ومن البولى التي لي ... س لها في الناس كنه أن من يعرف شيئاً ... يدعي أكثر منه (لبهاء الدين) قال أبو العتاهية: عجبت للإنسان في فخره ... وهو غداً في قبره يقبر أصبح لا يملك تقديم ما ... يرجو ولا تأخير ما يحذر حكى أن المنصور كان جالساً فألح عليه الذباب حتى أضجره. فقال: انظروا من بالباب من العلماء. فقالوا: مقاتل بن سليمان. فدعا به ثم قال له: هل تعلم لأي حكمةٍ خلق الله الذباب. قال: ليذل به الجبابرة. قال: صدقت. ثم أجازه. (للابشيهي) 168 قال بعض الحكماء: أحق من كان للكبر مجانباً. وللإعجاب مبايناً. من جل في الدنيا قدره. وعظم فيها خطره. لأنه يستقل بعالي همته كل كثير. ويستصغر معها كل كبير ورد في بعض الكتب السماوية: عجباً لمن قيل فيه من الخيرٍ ما ليس فيه ففرح. وقيل فيه من الشر ما هو فيه فغضب. (للعاملي)

الحسد

الحسد 169 (قيل) الحسد أن تتمنى زوال نعمة غيرك. ألحسد أول ذنبٍ عصي الله به في السماء والرض. قال ابن المقفع: الحسد والحرص دعامتا الذنوب. فالحرص أخرج آدم من الجنة. والحسد نقل إبليس عن جوار الله. وقال أيضاً: لله در الحسد ما أعدله يقتل الحاسد قبل أن يصل إلى المحسود. وقيل: الحسود لا يسود. (للثعالبي) قال ابن المعتز: ألمجد والحساد مق ... رونان إن ذهبوا فذاهب ولئن ملكت المجد لم ... تملك مودات الأقارب 170 قال بعضهم: أعظم الذنوب عند الله الحسد والحاسد مضادٌ لنعمة الله. خارج عن أمر الله. تارك لعهد الله. وقال معاوية: كل إنسان أقدر أن أرضيه إلا حاسد نعمةٍ فلا يرضيه إلا زوالها. وكان يقال: الحقد داءٌ دويٌ. ويقال: من كثر حقده دوي قلبه. ويقال: الحقد مفتاح كل شرٍ. ويقال: حل عقد الحقد. ينتظم لك عقد الود. (لأبي نصر المقدسي) قال أبو تمامٍ: وإذا أراد الله نشر فضيلةٍ ... طويت أتاح لها لسان حسود لولا اشتعال النار فيما جاورت ... ما كان يعرف طيب عرف العود

ذم الغيبة

ذم الغيبة 171 اعلم أن الغيبة من أقبح القبائح وأكثرها انتشاراً في الناس حتى لا يسلم منها إلا القيل من الناس. وهي ذكرك الإنسان بما يكره ولو بما فيه. سواءٌ كان في دينه أو بدنه أو نفسه أو خلقه أو خلقه أو ماله أو غير ذلك مما يتعلق به. سواءٌ ذكرته بلفظك أو بكتابك أو رمزت إليه بعينك أو يدك أو رأسك أو نحو ذلك. وقيل للربيع ابن خثيمٍ: ما نراك تغيب أحداً. فقال: لست عن نفسي راضياً فأتفرغ لذم الناس. وأنشد: لنفسي أبكي ليس أبكي لغيرها ... لنفسي من نفسي عن الناس شاغل 172 إستح من ذم من لو كان حاضراً لبالغت في مدحه. ومدح من لو كان غائباً لسارعت إلى ذمه. ومن كلامهم: كما أن الذباب يتبع مواضع الجروح فينكيها ويجتنب المواضع الصحيحة. كذلك الأشرار يتبعون المعايب فيذكرونها ويدفنون المحاسن. (لبهاء الدين) 173 إعلم أنه كما يحرم على المغتاب ذكر الغيبة كذلك يحرم على السامع استماعها. فيجب على من يستمع إنساناً يبتدئ بغيبةٍ أن ينهاه إن لم يخف ضرراً. فإن خافه وجب عليه الإنكار بقلبه ومفارقة ذلك المجلس إن تمكن من مفارقته. (للابشيهي) سمع علي رجلاً يغتاب آخر عند ابنه الحسن فقال: يا بني نزه

المزاح

سمعك عنه فإنه نظر إلى أخبث ما في وعائه فأفرغه في وعائك. (للمستعصمي) قال الشبراوي: وسمعك صن عن سماع القبح ... كصون اللسان عن النطق به فإنك عند سماع القبيح ... شريكٌ لقائله فانتبه المزاح 174 قال بعض حكماء العرب: المزاح يذهب المهابة ويورث الضغينة أو المهانة. وقال ابن المعتز: المزاح يا كل الهيبة كما تأكل النار الحطب. ومن كثر مزاحه لم يزل في استخفاف به وحقدٍ عليه. قال ناصح الدين ابن الدهان: لا تجعل الهزل دأبا فهو منقصةٌ ... والجد تعلو به بين الورى القيم ولا يغرنك من ملك تبسمه ... ما سحت السحب إلا حين تبتسم 175 كان يقال: الإفراط في المزح مجون والاقتصاد فيه ظرافة. ويقال: المزح في الكلام. كالملح في الطعام. وقد نظمه أبو الفتح ألبستي فقال: أقد طبعك المكدود بالهم راحةً ... قليلاً وعلله بشيٍ من المزح ولكن إذا أعطيته المزح فليكن ... بمقدار ما تعطي الطعام من الملح (لأبي نصر المقدسي)

الكرم

الكرم 176 ألجود سهولة البذل وسقوط شح النفس. وقد قيل في كريمٍ: يا واحد العرب الذي ... أضحى وليس له نظير لو كان مثلك آخر ... ما كان في الدنيا فقير (الكنز المدفون) قال أكثم بن صيفيٍ حكيم العرب: ذللوا أخلاقكم للمطالب. وقودوها إلى المحامد. وعلموها المكارم. وصلوا من رغب إليكم. وتحلوا بالجود يلبسكم المحبة. ولا تعتقدوا البخل فتتعجلوا الفقر. (لابن عبد ربه) قال أبو تمام يصف الخليفة المعتصم: تعود بسط الكف حتى لو أنه ... أراد انقباضاً لم تطعه أنامله هو البحر من أي النواحي أتينه ... فلجته المعروف والجو ساحله ولو لم يكن في كفه غير روحه ... لجاد بها فليتق الله سائله 177 (قالوا) السخي من كان مسروراً ببذله متبرعاً بعطائه. لا يلتمس عرض دنيا فيحبط عمله. ولا طلب مكافأة فيسقط شكره. ويكون مثله فيما أعطى مثل الصائد الذي يلقي الحب للطائر لا يريد نفعه ولكن نفع نفسه. وقيل لبعض الحكماء: من أجود الناس. قال: من جاد من قلةٍ. وصان وجه السائل عن المذلة (لبهاء الدين) قال أبو الحسين الجزار في الحث على الإنفاق:

إذا كان لي مالٌ علام أصونه ... وما ساد في الدنيا من البخل دينه ومن كان يوماً ذا يسار فإنه ... خليق لعمري أن تجود يمينه 178 قال بعضهم: الجود أشرف الأخلاق. وأنفس الأعلاق. وقال ابن المعتز: الجود حارس النفس من الذم. وقال آخر: الأسخياء يعبدهم المال. والبخلاء يعبدونه. وقال بعض السلف: لو كان شيءٌ يشبه الربوبية لقلت: الجود. ويقال: من جاد ساد. ومن بخل رذل. وقال عمر: السيد الجواد حين يأل. وقال أبو نواس: أنت للمال إذا أمسكته ... فإذا أنفقته فالمال لك قال شاعر يمدح بعض الخلفاء: بنت المكارم وسط كفك منزلاً ... وجعلت مالك للأنام مباحا فإذا المكارم أغلقت أبوابها ... كانت يداك لقفلها مفتاحا 179 كتب كسرى إلى هرمز استقلل كثير ما تعطي. واستكثر قليل ما تأخذ. فإن قرة عين الكريم فيما يعطي. وقرة عين اللئيم فيما يأخذ. ولا تجعل الشحيح لك معيناً. ولا الكذاب أميناً. فإنه لا إعانة من شح ولا أمانة مع كذبٍ. والسلام. (للمستعصمي) وأنشد أعرابيٌ: وكم وقد رأينا من فروع كثيرةٍ ... تموت إذا لم تحيهن أصول ولم أر كالمعروف أما مذاقه ... فحلو وأما وجهه فجميل

الشكر

الشكر 180 ألشكر الثناء على المحسن بذكر إحسانه. وقال إبراهيم الشيباني: كنت أرى رجلاً من وجوه أهل الكوفة لا يجف لبه. ولا يستريح قلبه. في طلب حوائج الناس وإدخال المرافق على الضعيف. فقلت له: أخبرني عن الحال التي هونت عليك هذا التعب في القيام بحوائج الناس ما هي. قال: قد والله سمعت تغريد الأطيار بالأسحار. في فروع الأشجار. سمعت خفوق أوتار العيدان. وترجيع أصوات القيان. فما طربت من صوتٍ قط طربي من ثناء حسن بلسانٍ حسنٍ على رجلٍ قد أحسن. وما سمعت أحسن من شكر حرٍ لرجل حرٍ. (للشريشي) 181 قال سليمان التيمي: إن الله أنعم على عباده بقدر قدرته. وكلفهم من الشكر بقدر طاقتهم. (قيل) الشكر أفضل من النعم لأنه يبقى والنعم تفنى. (وقيل) الشكر زيادةٌ في النعم. وأمانٌ من النقم. (وقالوا) كفر النعمة يوجب زوالها. وشكرها يوجب المزيد فيها. (وقالوا) من حمدك فقد وفاك حق نعمتك. (وقالوا) إذا قصرت يداك عن المكافأة فليطل لسانك بالشكر. وقال محمد بن صالحٍ الواقدي: دخلت على يحيى بن خالد البرمكي فقلت: إن ههنا قوماً يشكرون لك معروفاً. فقال: يا محمد هؤلاء يشكرون معروفاً فكيف لنا شكر شكرهم. (لابن عبد ربه)

182 ألقناعة الاكتفاء بالموجود. وترك التشوق إلى المفقود قال بعض الحكماء لابنه: يا بني العبد حر إذا قنع. والجر عبدٌ إذا طمع. وقال بعضهم: من لم يقنع بالقليل لم يكتف بالكثير ومن فصول ابن المعتز: أعرف الناس بالله من رضي بما قسم له. وقال أبو العتاهية: إن كان لا يغنيك ما يكفيكا ... فكل ما في الأرض لا يغنيكا قال غيره: إذا شئت أن تحيا سعيداً فلا تكن ... على حالةٍ إلا رضيت بدونها ومن طلب العليا من العيش لم يزل ... حقيراً وفي الدنيا أسير غبونها 183 (قالوا) الغني من استغنى بالله. والفقير من أفتقر إلى الناس (وقالوا) لا غني إلا غني النفس. (لابن عبد ربه) قال النووي: وجدت القناعة أصل الغنى ... فصرت بأذيالها ممتسك فلا ذا يراني على بابه ... ولا ذا يراني به منهمك وعشت غنياً بلا درهم ... أمر على الناس شبه الملك نظر عبد الملك بن مروان عند موته وهو في قصره إلى قصار يضرب بالثوب المغسلة. فقال: يا ليتني كنت قصاراً ولم أتقلد الخلافة. فبلغ كلامه أبا حاتم. فقال: الحمد لله الذي جعلهم إذا

البطنة

حضرهم الموت يتمنون ما نحن فيه. وإذا حضرنا الموت لم نتمن ما هم فيه. قال بعضهم: بقدر الصعود يكون الهبوط ... فإياك والرتب العالية وكن في مكانٍ إذا ما سقطت ... تقوم ورجلاك في عافيه 184 كان أنوشروان يمسك عن الطعام وهو يشتهيه ويقول: نترك ما نحب لئلا نقع فيما نكره. كان سقراط الحكيم قليل الأكل خشن اللباس. فكتب إليه بعض الفلاسفة: أنت تحسب أن الرحمة لكل ذي روحٍ واجبةٌ وأنت ذو روحٍ فلا ترحمها. فكتب له سقراط في جوابه: إنما أريد أن آكل لأعيش. وأنت تريد أن تعيش لتأكل. والسلام. 185 من كلام بعض الحكماء: إذا طلبت العز فاطلبه بالطاعة. وإذا أردت الغنى فأطلبه بالقناعة. فمن أطاع الله عز نصره. ومن لزم القناعة زال فقره. قال أرسطو: القنية ينبوع الأحزان. نظمه أبو الفتح البستي بقوله: يقولون مالك لا تقتني ... من المال ذخراً يفيد الغنى فقلت وأفحمتهم في الجواب ... لئلا أخاف ولا أحزنا (لبهاء الدين) البطنة 186 (قالوا) البطنة تذهب الفطنة. رأى أبو الأسود الدولي

ذم النبيذ

رجلاً يلقم لقماً منكراً. فقال: كيف أسمك. قال: لقمان. قال: صدق الذي سماك. ورأى أعرابيٌ رجلاً سميناً. فقال له: ارى عليك قطفيةً من نسج أضراسك. قيل لبزرجمهر: أي وقتٍ فيه الطعام أصلح. قال: أما لمن قدر فإذا جاع. ولمن لم يقدر فإذا وجد. قيل لبعضهم: ما أفضل الدواء. قال: أن ترفع يدك عن الطعام وأنت تشتهيه. (قالوا) أحذروا البطنة فإن أكثر العلل إنما تتولد من فضول الطعام. (لابن عبد ربه) ذم النبيذ 187 جاء في المبهج: الخمر مصباح السرور. ولكنها مفتاح الشرور. وقيل لبعض الحكماء: أشرب معنا. فقال: أنا لا أشرب ما يشرب عقلي. وقيل لبعضهم: النبيذ كيمياء الطرب. فقال: نعم ولكنه داعية الحرب. قال يزيد المهلبي: لعمرك ما يحصى على الناس شرها ... وإن كان فيها لذةٌ وهناء مراراً تريك الغي رشداً وتارةً ... تخيل أن المحسنين أساؤوا وأن الصديق الماحض الود مبغضٌ ... وأن مديح المادحين هجاء وجربت إخوان النبيذ فقلما ... يدوم لإخوان النبيذ إخاء العزلة 188 (يقال) العزلة عن الناس توقي العرض. وتبقي الجلالة. وتستر الفاقة. وقال مكحولٌ: إن كان الفضل في الجماعة. فإن

السلامة في الوحدة والعزلة. قال الجرجاني: ما تطعمت لذة العيش حتى ... صرت في وحدتي لكتبي جليسا إنما الذل في مداخلة النا ... س فدعها ولكن كريماً رئيسا ليس عندي شيءٌ أجل من العل ... م فلا أبتغي سواه أنيسا (لأبي نصر المقدسي) 189 ألعزلة عن الخلق هي الطريق الأقوم الأسد. ففر من الخلق فرارك من الأسد. فطوبى لمن لا يعرفونه بشيءٍ من الفضائل والمزايا. لأنه سالمٌ من الآلام والرزايا. فاحبس نفسك في زاوية العزلة. فإن عزلة المرء عزله. قيل لبعض الزهاد: إلى أي شيءٍ أفضت بكم الخلوة. فقال: إلى الأنس بالله تعالى ولله در من قال: أنست بوحدتي ولزمت بيتي ... فطاب الأنس لي وصفا السرور وأدبني الزمان فلا أبالي ... بأني لا أزار ولا أزور ولست بسائل ما عشت يوماً ... أسار الجند أم ركب الأمير قيل لدعبل الشاعر: ما الوحشة عندك. فقال: النظر إلى الناس ثم أنشد: ما أكثر الناس لا بل أقلهم ... ألله يعلم أني لم أقل فندا إني لأفتح عيني حين أفتحها ... على كثيرٍ ولكن لا أدرى أحدا (لبهاء الدين)

الباب السابع

الباب السابع في الذكاء والأدب العقل 190 قال حكيمٌ: العقل أشرف الأحساب. وأحصن معقلٍ. قال آخر: أشد الفاقة عدم العقل. وقال آخر: كل شيءٍ إذا كثر رخص إلا العقل فإنه كلما كثر غلا. قال الشاعر: يعد رفيع القوم من كان عاقلاً ... وإن لم يكن في قومه بحسيب إذا حل أرضاً عاش فيها بعقله ... وما عاقلٌ في بلدةٍ بغريب (لأني نصر المقدسي) 191 افتخر بعض الأغنياء عند بعض الحكماء بالآباء والأجداد. وبزخارف المال المستفاد. فقال له ذلك الحكيم: إن كان في هذه فخرٌ فينبغي أن يكون الفخر لها لا لك. وإن كان آباؤك كما ذكرت أشرافاً فالفخر لهم لا لك (للفخري) 192 اعلموا أن العاقل من أطاع الله. وإن كان دميم المنظر حقير الخطر دني المنزلة رث الهيئة. وأن الجاهل من عصى الله تعالى. وإن كان جميل المنظر عظيم الخطر شريف المنزلة حسن الهيئة فصيحاً نطوقاً. فالقردة والخنازير أعقل عند الله تعالى ممن عصاه. ولا تغتروا بتعظيم أهل الدنيا إياكم فإنهم من الخاسرين. (أحباء علوم الدين)

العلم وشرفه

193 قال أنوشروان: إن العاقل أقرب إلى الله تعالى عز وجل. والعقل كالشمس في الدنيا. وهو قلب الحسنات. والعقل حسنٌ في كل أحدٍ وهو في الأكابر والزعماء أحسن. والعقل في جسد الإنسان كالرطوبة في الشجرة. لأن الشجرة ما دامت رطبةً طريةً كان الخلق من رائحتها ونشر أزهارها وطيب ثمارها ونضارتها وطراءتها فلا تصلح حينئذ لسوى القطع والإحراق والقلع. قال أيضاً: ليس لملك ولا لرعيةٍ خيرٌ من العقل. فإن بضيائه يفرق بين القبيح والمليح. والجيد والرديء. والحق والباطل. والصدق والكذب. (التبر المسبوك للغزالي) العلم وشرفه 194 قيل: العلماء في الأرض كالنجوم في السماء. لولا العلم لكان الناس كالبهائم. وقال بعض الحكماء: العلم حياة القلوب ومصباح الأبصار. وقال ابن المعتز في فصوله: الجاهل صغيرٌ وإن كان شيخاً. والعالم كبيرٌ وإن كان حدثاً. وقال أيضاً: ما مات من أحياء العلوم. قال بعض الحكماء لابنه: يا بني خذ العلم من أفواه الرجال فإنهم يكتبون أحسن ما يسمعون. ويحفظون أحسن ما يكتبون. ويقولون أحسن ما يحفظون. (لأبي نصر المقدسي) 195 لما ولي عمر بن عبد العزيز وفد عليه الوفود من كل بلدٍ.

فوفد عليه الحجازيون فتقدم منهم غلامٌ للكلام. وكان حديث السن. فقال عمر: لينطق من هو أسن منك. فقال الغلام: أصلح الله أمير المؤمنين. إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه. فإذا منح الله العبد لساناً لافظاً وقلباً حافظاً فقد استحق الكلام. ولو أن الأمر يا أمير المؤمنين بالسن لكان في الأمة من هو أحق منك بمجلسك هذا فتعجب عمر من كلامه. وسأل عن سنه فإذا هو ابن إحدى عشرة سنة. فتمثل عمر عند ذلك بقول الشاعر: تعلم فليس المرء يولد عالما ... وليس أخو علمٍ كمن هو جاهل وإن كبر القوم لا علم عنده ... صغيرٌ إذا التفت عليه المحافل 196 قيل لبزرجمهر: أي الاكتساب أفضل. قال: العلم والأدب كنزان لا ينفدان. وسراجان لا يطفآن وحلتان لا تبليان. من نالهما أصاب الرشاد. وعرف طريق المعاد. وعاش رفيعاً بين العباد. (للقيرواني) قال الشبراوي: ألعلم أنفس ذخرٍ أنت ذاخره ... من يدرس العلم لم تدرس مفاخره أقبل على العلم واستقبل مقاصده ... فأول العلم إقبالٌ وآخره 197 قيل للخليل بن أحمد: أيهما أفضل ألعلم أو المال. قال: العلم.

شرائط العلم

قيل له: فما بال العلماء يزدحمون على أبواب الملوك. والملوك لا يزدحمون على أبواب العلماء. قال: ذلك لمعرفة العلماء بحق الملوك وجهل الملوك بحق العلماء. قال بعضهم: ألعلم يحيى قلوب الميتين كما ... تحيا البلاد إذا ما مسها المطر والعلم يجلو العمى عن قلب صاحبه ... كما يجلي سواد الظلمة القمر (لابن عبد ربه) 198 قال الجاحظ: دخلت على محمد بن إسحاق أمير بغداد في أيام ولايته وهو جالسٌ في الديوان والناس مثلٌ بين يديه كأن على رؤوسهم الطير. ثم دخلت إليه بعد مدةٍ وهو معزولٌ وهو جالسٌ في خزانة كتبه وحواليه الكتب والدفاتر والمحابر والمساطر فما رأيته أهيب منه في تلك الحال. (للفخري) قال بعض الشعراء: من يعدم العلم يظلم عقله أبداً ... نراه أشبه ما نلقاه بالنعم كم من نفوس غدت لله مخلصةً ... بالعلم في صفحة القرطاس والقلم والعقل شمسٌ ونور العلم منبثقٌ ... منها ومنها ثمار الفضل فاقتهم. شرائط العلم 199 (قالوا) لا يكون العالم عالماً حتى تكون فيه ثلاث خصالٍ. لا

آفات العلم

يحتقر من دونه. ولا يحسد من فوقه. ولا يأخذ على العلم ثمناً. ومدح خالد بن صفوان رجلاً فقال: كان بديع المنطق. جزل الألفاظ. عربي اللسان. قليل الحركات. حسن الإشارات. حلو الشمائل. كثير الطلاوة وصموتا وقوراً. قال الشافعي: أخي لا تنال العلم إلا بستةٍ ... سأنبيك عن تفصيلها ببيان ذكاءٌ وحرصٌ واجتهاد وبلغةٌ ... وصحبة أستاذٍ وطول زمان 200 كان حمزة من خطباء العرب ومن علماء زمانه. ضرب به المثل في الفصاحة وطول العمر. سأله معاوية يوماً عن أشياء فأجابه عنها. فقال له: بم نلت العلم. قال: بلسانٍ سؤول. وقلبٍ عقول. ثم قال يا أمير المؤمنين: إن للعلم آفة وإضاعة ونكداً واستجاعةً. فآفته النسيان. وإضاعته أن تحدث به غير أهله. ونكده الكذب فيه واستجاعته أن صاحبه منهوم لا يشبع أبداً. (للدميري) آفات العلم 201 من كلام بعض الأعلام: من ازداد في العلم رشداً. ولم يزدد في الدنيا زهداً. فقد ازداد من الله بعداً. ومن كلام بعض الأكابر: إذا لم يكن العالم زاهداً في الدنيا فهو عقوبةٌ لأهل زمانه. قال بعض الحكماء: إذا أوتيت علماً فلا تطفئ نور العلم بظلمة الذنوب فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم بنور عليهم. في بعض الحكماء: لست منتفعاً بما تعلم ما لم تعمل بما تعلم. فإن

زدت في علمك فأنت مثل رجلٍ حزم حزمةً من حطبٍ وأراد حملها فلم يطق فوضعها وزاد عليها. (لبهاء الدين) (قالوا) لو أن أهل العلم صانوا علمهم لسادوا أهل الدنيا. لكن وضعوه غير موضعه فقصر في حقهم أهل الدنيا. قال حكيمٌ: ألا أخبركم بشر الناس. قالوا: بلى. قال: العلماء إذا فسدوا. (لابن عبد ربه) 202 قال ابن المعتز: العلم جمالٌ لا يخفى. ونسبٌ لا يجفى. وقال أيضاً: زلة العلم كانكسار سفينةٍ تغرق ويغرق معها خلقٌ كثيرٌ. قال غيره: إذا زل العالم. زل بزلته عالمٌ. قال ابن المعتز: المتواضع في طلاب العلم أكثرهم علما كما أن المكان المنخفض أكثر البقاع ماءً. إذا علمت فلا تذكر من دونك من الجهال. واذكر من فوقك من العلماء. وقال أيضاً: مات خزنة الأموال وهم أحياء وعاش خزان العلم وهم أمواتٌ. مثل علمٍ لا ينفع ككنزٍ لا ينفق منه. (للقيرواني) قال أبو محمدٍ البطلوسي النحوي: أخو العلم حيٌ خالدٌ بعد موته ... وأوصاله تحت التراب رميم وذو الجهل ميت وهو ماش على الثرى ... يظن من الأحياء وهو عديم

الأدب

الأدب 203 قال شبيب بن شبة: اطلبوا الأدب فإنه مادة العقل ودليلٌ على المروءة. وصاحب في الغربة. ومؤنس في الوحشة. وصلةٌ في المجلس. قال عبد الملك بن مروان لبنيه: عليكم بطلب الأدب فإنكم إن احتجتم إليه كان لكم مالاً. وإن استغنيتم عنه كان لكم جمالاً. وقال ابن المقفع: إذا أكرمك الناس لمال أو لسلطان فلا يعجبك ذلك. فإن الكرامة تزول بزوالهما. ليعجبك إذا كرموك لدينٍ أو أدبٍ قال الشافعي: علمي معي حيثما يممت ينفعني ... قلبي وعاءٌ له لا بطن صندوقي إن كنت في البيت كان العلم فيه معي ... أو كنت في السوق كان العلم في السوق 204 قال بزرجمهر: الجهل هو الموت الأكبر. والعلم هو الحياة الشريفة. من أكثر أدبه شرف وإن كان وضيعاً. وساد إن كان غريباً. وارتفع صيته وإن كان خاملاً. وكثرت حوائج الناس إليه وإن كان فقيراً. (للسيوطي) قال بعضهم: ألسبع سبعٌ ولو كلت مخالبه ... والكلب كلب ولو بين السباع ربي وهكذا الذهب الإبريز خالطه ... صفر النحاس فكان الفضل للذهب

لا تنظرن لأثوابٍ على أحدٍ ... إن رمت تعرفه فانظر إلى الأدب فالعود لو لم تفح منه روائحه ... لم يفرق الناس بين العود والحطب دخل أبو العالية على ابن عباسٍ فأقعده معه على السرير وأقعد رجالاً من قريش تحته. فرأى سوء نظرهم إليه وجهومة وجوههم. فقال: مالكم تنظرون إلي نظر الشحيح إلى الغريم المفلس. هكذا الأدب يشرف الصغير على الكبير. ويرفع المملوك على المولى. ويقعد العبيد على الأسرة. قال الشاعر: مالي عقلي وهمتي حسبي ... ما أنا مولى ولا أنا عربي إذا انتمى منتمٍ إلى أحدٍ ... فإنني منتم إلى أدبي (للابشيهي) 205 دخل سالم بن مخزومٍ على عمر بن عبد العزيز فتخلى له عن الصدر. فقيل له في ذلك. فقال: إذا دخل عليك من لا ترى لك عليه فضلاً فلا تأخذ عليه شرف المنزلة. قال بعضهم: أيها الفاخر جهلاً بالحسب ... إنما الناس لأم ولأب إنما الفخر بعقلٍ راحجٍ ... وبأخلاقٍ حسانٍ وأدب قال آخر: لا تذخر غير العلو ... م فإنها تعم الذاخائر فالمرء لو ربح البقا ... ء مع الجهالة كان خاسر دخل محمد بن زيادٍ مؤدب الواثق على الواثق. فأظهر إكرامه

تأديب الصغير

وأكثر إعظامه. فقيل له: من هذا يا أمير المؤمنين. قال: هذا أول من فتق لساني بذكر الله. وأدناني من رحمة الله تأديب الصغير 206 قالت الحكماء: من أدب ولده صغيراً سر به كبيراً. وقالوا: أطبع الطين ما كان رطباً. وأعدل العود ما كان لدنا. وقال صالح ابن عبد القدوس: وإن من أدبته في الصبا ... كالعود يسقي الماء في غرسه حتى تراه مورقاً ناضراً ... بعد الذي أبصرت من يبسه والشيخ لا يترك أخلاقه ... حتى يوارى في ثرى رمسه إذا ارعوى عاد له جهله ... كذي الضنى عاد إلى نكسه ما تبلغ الأعداء من جاهلٍ ... ما يبلغ الجاهل من نفسه قال بعضهم في سوء تربية صغير: فيا عجباً لمن ربيت طفلاً ... ألقمه بأطراف البنان أعلمه الرماية كل يومٍ ... فلما أشتد ساعده رماني أعلمه الفتوة كل وقتٍ ... فلما طر شاربه جفاني وكم علمته نظم القوافي ... فلما قال قافيةً هجاني قال بعض الحكماء: الحياء في الصبي خيرٌ من الخوف. لأن الحياء يدل على العقل. والخوف يدل على الجبن. (لابن عبد ربه)

ما ينبغي للوالد في تربية ابنه

ما ينبغي للوالد في تربية ابنه 207 ينبغي للوالد أن لا يسهو من تأديب ولده. ويحسن عنده الحسن. ويقبح عنده القبيح. ويحثه على المكارم وعلى تعلم العلم والأدب. ويضربه على ذلك. قال بعضهم: لا تسه عن أدب الصغير ... وإن شكا ألم التعب ودع الكبير وشأنه ... كبر الكبير عن الأدب 208 قال ابن عتبة يوصي مؤدب ولده: ليكن أول إصلاحك بني إصلاحك لنفسك. فإن عيوبهم معقودة بعيبك. فالحسن عندهم ما فعلت. والقبيح ما تركت. علمهم الدين ولا تملهم فيه فيتركوه. ولا تتركهم منه فيجروه. وروهم من الشعر أعفه. ومن الكلام أشرفه. ولا تخرجهم من علم إلى علم حتى يحكموه. فإن ازدحام الكلام في السمع مضلةٌ للفهم. تهددهم بي وأدبهم دوني. وكن كالطبيب الذي لا يعجل بالدواء قبل معرفة الداء. وجنبهم محادثة السفهاء. وروهم سير الحكماء (كتاب الدراري لكمال الدين الحلبي) 209 أوصى الرشيد مؤدب ولده الأمين فقال: إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه وثمرة قلبه. فصير يدك عليه مبسوطة وطاعتك عليه واجبةً. أقرئه كتب الدين. وعرفه الآثار. وروه الأشعار. وعلمه السنن وبصره مواقع الكلام. وأمنعه الضحك إلا في أوقاته. ولا تمرر بك ساعةٌ إلا وأنت مغتنم فيها فائدةً تفيده

رقة الأدب في الظاهر

إياها من غير أن تخرق به فتميت ذهنه. ولا تمعن في مساحته فيستحلي الفراغ ويألفه. وقومه ما استطعت بالقرب والملانية. فإن أباهما فعليك بالشدة والغلظة. (للشريشي) رقة الأدب في الظاهر 210 قال أبو حفصٍ: حسن الأدب في الظاهر عنوان حسن الأدب في الباطن. قيل لأبي وائل: أيكما أكبر أنت أم الربيع ابن خثيمٍ. قال: أنا أكبر منه سناً. وهو أكبر مني عقلاً. قال رجاء بن حياةٍ لعبد العزيز: ما رأيت أكرم أدباً ولا أكرم عشيرة من أبيك. سمرت عنده ليلةً فبينا نحن كذلك إذ عشي المصباح ونام الغلام. فقلت: يا أمير المؤمنين قد عشي المصباح ونام الغلام فلو أذنت لي أصلحته. فقال: إنه ليس من مروءة الرجل أن يستخدم ضيفه. ثم حط رداءه عن منكبيه. وقام إلى الدبة. فصب من الزيت في المصباح وأشخص الفتيلة. ثم رجع فلم يقم أحدٌ. قال بعضهم في معاشرة الأدباء: فكم من جاهل أمسى أديباً ... بصحبة عاقل. وغدا إماما كما البحر من ثم تحلو ... مذاقته إذا صحب الغماما الأدب في الحديث والاستماع 211 قالت الحكماء: رأس الأدب كله حسن الفهم والتفهم.

الأدب في المجالسة

والإصغاء للمتكلم. قال بعض الحكماء لابنه: يا بني تعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الحديث. وليعلم الناس أنك أحرص على أن تسمع منك على أن تقول. فاحذر أن تسرع في القول فيما يجب عنه الرجوع بالفعل. قالوا: من حسن الأدب أن لا تغالب أحداً على كلامه. وإذا سئل غيرك فلا تجب عنه. وإذا حدث بحديثٍ فلا تنازعه إياه. ولا تقتحم عليه فيه. ولا تره أنك تعلمه. يقال إن هشاماً كتب إلى ملك الروم: من هشام أمير المؤمنين إلى الملك الطاغية. فكتب إليه: ما ظنت أن الملوك تسب. وما الذي يؤمنك أن أجيبك: من ملك الروم إلى الملك المذموم. الأدب في المجالسة 212 قال إبراهيم النخعي: إذا دخل أحدكم بيتاً فليجلس حيث أجلسه أهله. قال سعيد بن العاص: ما مددت رجلي قط بين يدي جليسي. ولا قمت حتى يقوم. وقال أيضاً: لجليسي على ثلاثُ. إذا دنا رحبت به. وإذا جلس وسعت له. وإذا حدث أقبلت عليه. قال زيادٌ: إياك وصدور المجالس وإن صدرك صاحبها فإنها مجلس قلعةٍ. ولأن أدعى من بعد إلى قربٍ أحب إلي من أن أقصى من قرب إلى بعدٍ. قال ابن المعتز: لا تسرع إلى أرفع موضع في المجلس فالموضع الذي تحط إليه خيرٌ من الموضع الذي تحط منه. (لابن عبد ربه)

213 قال محمد بن عبيد الله: بعثني أبي إلى المعتمد في شيءٍ. فقال لي: اجلس. فاستعظمت ذلك. فأعاد. فاعتذرت بأن ذلك لا يجوز. فقال: يا محمد إن ترك أدبك في القبول مني خيرٌ من أدبك في خلاقي. دخل رجلٌ من أهل الشام على أبي جعفرٍ المنصور فاستحسن لفظه وأدبه. فقال له: سل حاجتك. فقال: يبقيك الله يا أمير المؤمنين ويزيد في سلطانك. فقال: سل حاجتك فليس في كل وقتٍ يمكن أن يؤمر لك بذلك. فقال: ولم يا أمير المؤمنين فو الله ما أخاف بخلك. ولا أستقصر أجلك. ولا أغتنم مالك. وإن عطاءك لزينٌ. وما بامرئٍ بذل وجهه إليك نقصٌ ولا شينٌ. فأعجب المنصور كلامه. وأثنى عليه في أدبه ووصله. 214 وقف الأحنف بن قيسٍ ومحمد بن الأشعث بباب معاوية فأذن للأحنف ثم لمحمد بن أشعث. فأسرع محمدٌ في مشية حتى دخل قبل الأحنف. فلما رآه معاوية. قال له: إني والله ما أذنت له قبلك وأنا أريد أن تدخل قبله. وإنا كما نلي أموركم كذلك نلي أدبكم. وما تزيد متزيدٌ إلا لنقص يجده من نفسه (للمستعصمي) ومن الأدب ألا تنتاب صاحباً فتثقل عليه. قال الثعالبي: عليك بإقلال الزيارة إنها ... إذا كثرت كانت إلى الهجر مسكا

الأدب في المماشاة

فإني رأيت الغيث يسأم دائماً ... ويسأل بالأيدي إذا هو أمسكا الأدب في المماشاة 215 قال يحيى بن أكثم: ما شيت المأمون يوماً من الأيام في بستان مؤنسة بنت المهدي. فكنت من الجانب الذي يستره من الشمس. فلما انتهى إلى آخره وأراد الرجوع أردت أن أدور إلى الجانب الذي يستره من الشمس. فقال: لا تفعل ولكن كن بحالك حتى أسترك كما سترتني. فقلت: يا أمير المؤمنين لو قدرت أن أقيك حر النار لفعلت فيكيف الشمس. فقال: ليس هذا من كرم الصحبة ومشى ساتراً لي من الشمس كما سترته. (لابن عبد ربه) الأدب في الأكل 216 قال الغزالي: إذا حضر الطعام فلا ينبغي لأحدٍ أن يبتدئ في الأكل ومعه من يستحق التقدم عليه لكبر سنٍ أو زيادة فضل. إلا أن يكون هو المتبوع المقتدى به. فحينئذٍ ينبغي أن لا يطول عليهم الانتظار إذا اجتمعوا للأكل. وينبغي أن لا يسكت على الطعام. ولكن يتكلم عليه بالمعروف وبالحديث عن الصالحين وأهل الأدب في الأطعمة. قال بعض الأدباء: أحسن الآكلين من لا يحوج صاحبه إلى تفقده في الأكل. وينبغي لمن قدم له أخوه الطست أن يقبله ولا يرده. (للمستعصمي)

الكتاب والقلم

الكتاب والقلم 217 قال بعض الحكماء: القلم صائغ الكلام مفرغ ما يجمعه القلب. ويصوغ ما يسكبه اللب. (الكنز المدفون) قال بعضهم ملغزاً في قلمٍ: وساكن رمسٍ طعمه عند رأسه ... إذا ذاق من ذاك الطعام تكلما يقوم ويمشي صامتاً متكلماً ... ويرجع من في القبر منه مقوما وليس بحيٍ يستحق كرامةً ... وليس بميتٍ يستحق الترحما قال بالعتابي: ببكاء القلم تبتسم الكتب. والأقلام مطايا الفطن. قال أرسطاطا ليس: عقول الرجال تحت سن أقلامهم. قال ثمامة ابن أشرس: ما أثرته الأقلام. لم تطمع في دراسته الأيام. 218 قيل في الكتاب: إنه الجليس الذي لا ينافق ولا يمل. ولا يعاتبك إذا جفوته ولا يفشي سرك. قال بعضهم في فضيلته: جليس الأنيس يأمن الناس شره ... ويذكر أنواع المكارم والنهى ويأمر بالإحسان والبر والتقى ... وينهى عن الطغيان والشر والأذى الشعر 219 قال عمر بن الخطاب: رووا أولادكم الشعر تعذب ألسنتهم. فإن أفضل صناعات الرجل الأبيات من الشعر. يقدمها في حاجته يستعطف بها قلب الكريم. ويستميل بها قلت اللئيم. وقال أيضاً: الشعر جزلٌ من كلام العرب يسكن به الغيظ. وتطفأ به النائرة.

الباب الثامن في اللطائف

ويبغ له القوم من ناديهم. ويعطى به السائل. وقال ابن عباسٍ: الشعر علم العرب وديوانها فتعلموه كان بنو أنف الناقة يعيبون بهذا الاسم في الجاهلية حتى قال فيهم الحطيئة: قومٌ هم الأنف والأذناب غيرهم ... ومن يساوي بأنف الناقة الذنبا فعاد هذا الاسم فخراً لهم وشرفاً فيهم. (لابن عبد ربه) 220 قيل لبعض الشعراء: من أشعر الناس. قال: النابغة إذا رهب وزهير إذا رغب. وحريرٌ إذا غضب. وعنترة إذا ركب قال عبد الملك للفرزدق: من أشعر الناس في الإسلام. قال: كفاك بابن النصرانية إذا مدح. (يريد الأخطل شاعر بني أمية النصراني) (الأغاني) الباب الثامن في اللطائف 221 رأى الإسكندر سمياً له لا يزال ينهزم في الحروبٍ فقال له: يا هذا إما أن تغير فعلك أن تغير اسمك 222 بعث ملكٌ إلى عبدٍ له: مالك لا تخدمني وأنت عبدي. فأجابه: لو اعتبرت لعلمت أنك عبد عبدي. لأنك تتبع الهوى فأنت عبده وأنا أملكه فهو عبدي (للمستعصمي)

الأعرابي والسنور

223 قالت بنو تميم لسلامة بن جندلٍ: مجدنا بشعرك. قال: افعلوا حتى أقول (لابن عبد ربه) 224 سأل حكيمٌ غلاماً معه سراجٌ: من أين تجيء النار بعد ما تنطفئ. فقال: إن أخبرتني إلى أين تذهب أخبرتك من أين تجيء. 225 قال ابن الرومي في أعمى أغلظ في كلامه: كيف يرجو الحياء منه صديقٌ ... ومكان الحياء منه خرابٌ 226 مروان بن أبي محمدٍ الجعدي آخر ملوك بني أمية كتب إلى عامل له أهدى إليه غلاماً أسود فقال: لو علمت عدداً أقل من واحد ولونا شراً من السوادٍ لأهديته والسلام. 227 وصيفٌ التركي والي السام أصابته مصيبةٌ فركب إليه محمد ابن عبد الملك الزيات فعزاه بأخبار وأمثال. ثم أصيب محمدٌ بمصيبةٍ فركب إليه وصيف فقال له: يا أبا جعفر أنا رجلٌ أعجمي لا أدري ما أقول لك. ولكن انظر ما عزيتني به ذاك اليوم فعز به نفسك الآن. فاستظرف الناس كلامه. (لطائف الوزراء) الأعرابي والسنور 228 صاد أعرابي سنوراً ولم يكن يعرفه. فلقيه رجل فقال له: ما هذا السنور. ولقيه آخر فقال: ما هذا القط. ثم لقيه آخر فقال: ما هذا الهر. ثم لقيه آخر فقال: ما هذا الضيون. ثم لقيه آخر فقال: ما هذا الخيدع. ثم لقيه آخر فقال: ما هذا الخيطل. ثم لقيه

آخر فقال: ما هذا الدم. فقال الأعرابي في نفسه: أجمله وأبيعه فيجعل الله لي فيه مالاً كثيراً. فلما أتى السوق قيل له: بكم هذا. قال: بمائتي درهم. فقيل له: إنه يساوي نصف درهم. فرمى به ثم قال: ما أكثر أسماءه وأقل ثمنه. (للدميري) 229 حكي أن الحجاج اشترى غلامين أحدهما أسود والثاني أبيض. فقال لهما في بعض الأيام: كل واحدٍ يمدح نفسه ويذم رفيقه. فقال الأسود: ألم تر أن المسك لا شيء مثله ... وأن بياض اللفت حملٌ بدرهم وأن سواد العين لا شك نورها ... وأن بياض العين لا شيء فأعلم وقال الأبيض: ألم تر أن البدر لاشيء مثله ... وأن سواد الفحم حملٌ بدرهم وأن رجال الله بيضٌ وجوههم ... ولا شك أن السود أهل جهنم فضحك صاحبهما وأجازهما (ألف ليلةٍ وليلة) 230 حكى أن هارون الرشيد لما حضر بين يديه بعض أهل المغرب قال له: يقال إن الدنيا بمثابة طائر ذنبه المغرب. فقال الرجل: صدقوا يا أمير المؤمنين وإنه طاووس. فضحك الرشيد وتعجب من سرعة جواب الرجل وانتصاره لقطره. (نفح الطيب للمقري) 231 قال بعضهم ملغزاً في ميزانٍ:

دعوة أكثم بن صيفي لأولاده

وقاض قد قضى في الأرض عدلاً ... له كفٌ وليس له بنان رأيت الناس قد قبلوا قضاه ... ولا نطقٌ لديه ولا بيان وقد أحسن أبو سرفٍ ملغزاً في إبرةٍ: ضئيلة الجسم لها ... فعلٌ متين السبب حافرها في رأسها ... وعينها في الذنب 232 أعتق عمر بن عتبة غلاماً له كبيراً. فقام إليه عبدٌ صغيرٌ. فقال: اذكرني يا مولاي ذكرك الله بخيرٍ. فقال: إنك لم تحترف. فقال: إن النخلة قد تجتنى زهواً. قبل أن تصير معواً. فقال: قاتلك الله لقد استعتقت وأحسنت. وقد وهبتك لواهبك. كنت أمس لي واليوم مني. دعوة أكثم بن صيفي لأولاده 233 دعا أكثم بن صيفيٍ أولاده عند موتهٍ. فاستدعى إضمامةً من الهام. فتقدم إلى كل واحدٍ منهم أن يكسرها. فلم يقدر أحدٌ على كسرها. ثم بددها فتقدم إليهم أن يكسروها. فاستسهلوا كسرها. فقال: كونوا مجتمعين ليعجز من ناوأكم عن كسركم كعجزكم عن كسرها مجتمعةً. فإنكم إن تفرقتهم سهل كسركم وأنشد: كونوا جميعاً يا بني إذا اعترى ... خطبٌ ولا تتفرقوا آحاداً تأبى القداح إذا اجتمعن تكسراً ... وإذا افترقن تكسرت أفراداً 234 قال الشعبي: وجهني عبد الملك إلى ملك الروم فلما انصرفت

الأعرابي الشاعر والخليفة

دفع إلي كتاناً مختوماً. فلما قرأه عبد الملك رأيته تغير. فقال: يا شعبي أعلمت ما كتب هذا النذل. قلت: لا. قال: إنه كتب: ينبغي للعرب أن لا تملك إلا من أرسلت به إلي. فقلت: يا أمير المؤمنين إنه لم يرك فكان يعرف فضلك. وإنه حساك على استخدامك مثلي. فسري عنه. (للثعالبي) 235 لما علا أمر يعقوب بن ليثٍ ارتفع قدره. وظهر اسمه وذكره. وملك كرمان وسجستان. وكان الخليفة في ذلك الزمان المعتمد. فكتب إلى يعقوب. إنك كنت رجلاً صفاراً فمن أين تعلمت تدبير الممالك. فرد يعقوب إليه جواباً وقال: إن المولى الذي أعطاني الدولة أعطاني التدبير. (للغزالي) الأعرابي الشاعر والخليفة 236 استدعى بعض الخلفاء شعراء مصر. فصادفهم شاعر فقيرٌ بيده جرةٌ فارغةٌ ذاهباً بها إلى البحر ليملأها ماءً. فتبعهم إلى أن وصلوا إلى دار الخلافة. فبالغ الخليفة في إكرامهم والإنعام عليهم. ورأى ذلك الرجل والجرة على كتفه ونظر إلى ثيابه الرئة وقال: من أنت وما حاجتك. فأنشد: ولما رأيت القوم شدوا رحالهم ... إلى بحرك الطامي أتيت بجرتي فقال الخليفة: املأوا له الجرة ذهباً وفضةً. فحسده بعض الحاصرين وقال: هذا فقيرٌ مجنونٌ لا يعرف قيمة هذا المال وربما

شقيق والبطيحة

أتلفه وضيعه. فقال الخليفة: هو ماله يفعل به ما شاء. فملست له ذهباً وخرج إلى الباب ففرق الجميع. وبلغ الخليفة ذلك فاستدعاه وعاتبه على ذلك. فقال: يجود علينا الخيرون بما لهم ... ونحن بمال الخيرين نجود فأعجبه ذلك. وأمر أن تملأ له عشر مراتٍ وقال: الحسنة بعشرة أمثالها. (حلبة الكميت للنواجي) 237 ألح رجلٌ على الأحنف بالشتم. فلما فرغ قال له: هل لك في الغداء. فإنك مذ اليوم تحدو بجمال ثقالٍ. وقال له رجلٌ: إن قلت واحدة لتسمعن عشراً. فقال: وأنت إن قلت عشراً لم تسمع واحدةً. (للابشيهى) 238 قال شرف الدولة بن منقذٍ ملغزاً في الزنبور والنحل: ومغر دين ترنماً في مجلسٍ ... فنفاهما لأذاهما الأقوام هذا يجود بما يجود بعكسه ... هذا فيحمد ذا وذاك يلام 239 جاءت امرأة إلى قيس بن سعد بن عبادة فقالت له: مشت جرذان بيتي على العفاء. فقال: سأدعهم يثبون وثوب الأسود. ثم أرسل لها ما ملأ البيت من سائر الحبوب والأطعمة. (والعفاء التراب. ومرادها أنه لم يبق في بيتها شيءٌ يأكله الفار) شقيق والبطيحة 245 اشترى شقيق البلخي بطيخة لامرأته. فوجدتها غير طيبةٍ

إسحاق الموصلي عند البرامكة

فغضبت. فقال لها: على من تغضبين. أعلى البائع. أم على المشتري. أم على الزارع. أم على الخالق. فأما البائع فلو كان منه لكان أطيب شيءٍ يرغب فيه. وأما المشتري فلو كان منه لاشترى أحسن الأشياء. وأما الزارع فلو كان منه لأنبت أحسن الأشياء. فلم يبق إلا غضبك على الخالق فاتقي الله وارضي بقضائه. (للقليوبي) إسحاق الموصلي عند البرامكة 241 قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي: دعاني يحيى بن خالدٍ فدخلت عليه فوجدت الفضل وجعفراً وولديه جالسين بين يديه. فقال إسحاق: أصبحت اليوم مهموماً فأردت الصبوح لأتسلى فغني صوتاً لعلي أرتاح له فغنيته: إذا نزلوا بطحاء مكة أشرقت ... بيحيى وبالفضل بن يحيى وجعفر فما خلقت إلا لجودٍ أكفهم ... وأرجلهم إلا لأعواد منبر فسر وأمر لي بمائة ألف درهم. وأمر لي كل واحدٍ من ولديه بمائة ألف درهم. فتحملت المال وانصرفت (للنواجي) الروم بموت أحد الخلفاء 242 لما مات بعض الخلفاء تجيشت الروم واحتشدت واجتمعت ملوكها وقالوا: الآن يستقل المسلمون بعضهم ببعض فتمكننا الغرة فيهم والوثبة عليهم. وضربوا في ذلك مشاورات. وتراجعوا فيه بالمناظرات. وأجمعوا على أنه فرصة الدهر. وثغرة النحر. وكان رجلٌ

الرشيد والذكي

منهم من ذوي الرأي والمعرفة غائباً عنهم فقالوا: من الحزم عرض الرأي عليه. فلما أخبروه بما أجمعوا عليه قال: لا أرى ذلك صواباً. فسألوه عن علة ذلك. فقال: غداً أخبركم إن شاء الله. فلما أصبحوا غدوا عليه للوعد وقالوا: لقد وعدتنا. قال: نعم. فأمر فإحضار كلبين عظيمين قد أعدهما. ثم حرش بينهما وألب كل واحدٍ منهما على الآخر فتواثبا وتهارشا حتى سالت دماؤهما. فلما بلغ الغاية فتح باب بيتٍ عنده وأرسل منه الكلبين ذئباً عنده قد أعده. فلما أبصراه تركا ما كانا عليه وتألفت قلوبهما. ووثبا جميعاً على الذئب فنالا منه ما أرادا. ثم أقبل الرجل على أهل الجمع فقال لهم: مثلكم مع المسلمين مثل هذا الذئب مع الكلاب لا يزال الهرج والقتال بينهم وتألفوا على العدو. فاستحسنوا قوله وتفرقوا عن رأيه. الرشيد والذكي 243 يحكى أن رجلاً استأذن هارون الرشيد فقال: إني أصنع ما تعجز الخلائق عنه. فقال الرشيد: هات. فأخرج أنبوبةً فصب منها إبرا عدةً. ثم وضع واحدةً في الأرض. وقام على قدميه وجعل يرمي إبرةً إبرةً من قامته فتقع كل إبرةٍ في عين الإبرة الموضوعة حتى فرغ دسته. فأمر الرشيد بضربه مائة سوطٍ ثم أمر له بمائة دينار فسئل عن جمعه بين الكرامة والهوان فقال: وصلته لجودة ذكائه. وأدبته لكي لا يصرف فرط ذكائه في الفضول.

الملك وسائق الحمار

الملك وسائق الحمار 244 مر بعض الملوك بغلام يسوق حماراً غير منبعثٍ وقد عنف عليه في السوق فقال: يا غلام أرفق به. فقال الغلام: أيها الملك في الرفق به مضرةٌ عليه. قال: وما مضرته. قال: يطول طريقه ويشتد جوعه. وفي العنف به إحسانٌ إليه. قال: وما الإحسان إليه. قال يخف حمله ويطول أكله. قال: فأعجب الملك بكلامه وقال له: قد أمرت لك بألف درهمٍ. فقال: رزقٌ مقدورٌ. وواهبٌ مأجورٌ. قال: وقد أمرت بإثبات اسمك في جيشي. فقال: كفيت مؤونةً. ورزقت بها معونةً. قال: لولا أنك حديث السن لاستوزرتك. قال: لن يعدم الفضل من رزق العقل. قال: فهل تصلح لذلك. قال: إنما يكون المدح والذم بعد التجربة. ولا يعرف الإنسان نفسه حتى يبلوها. قال: فاستوزره فوجده ذا رأيٍ صائبٍ وفهمٍ رحيبٍ ومشورةٍ تقع مواقع التوفيق. (للطرطوشي) 245 فر حماسٌ عن العدو منهزماً يوم الخندمة. فلامته امرأته. فقال: أنك لو شاهدت يوم الخندمه ... إذ فر صفوانٌ وفر عكرمة إذ لحقونا بالسيوف المسلمه ... يفلقن كل ساعدٍ وجمجمة ضرباً فلا تسمع إلا غمغمه ... لم تنطقي في اللوم أدنى كلمه

عمر بن الخطاب والصمصامة

عمر بن الخطاب والصمصامة 246 بعث عمر بن الخطاب إلى عمرو بن معدي كرب أن يبعث إليه بسيفه المعروف بالصمصامة. فبعث به إليه. فلما ضرب به وجده دون ما كان يبلغه عنه. فكتب غليه في ذلك. فرد عليه: إنما بعثت إلى أمير المؤمنين بالسيف ولم أبعث بالساعد الذي يضرب به. إبراهيم الموصلي عند الرشيد 247 قال الأصمعي: كنت عند الرشيد إذ دخل عليه إبراهيم الموصلي فأنشده: وآمرة بالبخل قلت لها اقصري ... فليس إلى ما تأمرين سبيل فعالي فعال المكثرين تجملا ... ومالي كما قد تعلمين قليل فكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى ... ورأي أمي المؤمنين جميل فقال: لله أبيات تأتينا بها ما أحسن أصولها. وأبين فصولها. وأقل فضولها. يا غلام أعطه عشرين ألفاً. قال: والله لا أخذت منه درهماً. قال: ولم. قال: لأن كلامك يا أمير المؤمنين خيرٌ من شعري. قال: أعطوه أربعين ألفاً. قال الأصمعي: فعلمت أنه أصيد لدراهم الملوك مني. 248 كتب أبو دلامة إلى بعض ولاة الكوفة رقعةً فيها هذه الأبيات: إذا جئت الأمير فقل سلامٌ ... عليك ورحمة الله الرحيم

أزهر وأبو جعفر المنصور

فأما بعد ذاك فلي غريمٌ ... من الأنصار قبح من غريم لزومٌ ما علمت لباب داري ... لزوم الكلب أصحاب الرقيم له مائةٌ علي ونصف أخرى ... ونصف النصف في صكٍ قديم دراهم ما انتفعت بها ولكن ... وصلت بها شيوخ بني تميم قال فبعث إليه بمائة ألف درهمٍ. (للشريشي) أزهر وأبو جعفر المنصور 249 روى الشيباني قال: كان أبو جعفرٍ المنصور أيام بني أمية إذا دخل دخلَ مستتراً. فكان يجلس في حلقه أزهر السمان المحدث. فلما أفضت الخلافة إليه قدم عليه أزهر فرحب به وقربه وقال له: ما حاجتك يا أزهر. قال: داري منهدمةٌ. وعلي أربعة آلاف درهم. فوصله باثني عشر ألفاً وقال: قد قضينا حاجتك يا أزهر فلا تأتنا طالباً. فأخذها وارتحل فلما كان بعد سنةٍ أتاه فلما رآه أبو جعفر قال: ما جاء بك يا أزهر. قال: جئتك مسلماً. قال: قد أمرنا لك باثني عشر ألفاً واذهب فلا تأتنا طالباً ولا مسلما. فأخذها ومضى. فلما كان بعد سنةٍ أتاه. فقال: ما جاء بك يا أزهر. قال: أتيت عائداً. قال: إنه يقع في خلدي أنك جئت طالباً. قال: ما جئت إلا عائداً. قال: قد أمرنا لك بأثني عشر ألفاً. واذهب فلا تأتنا طالباً ولا مسلماً ولا عائداً. فأخذها وانصرف. فلما مضت السنة أقبل. فقال له: ما جاء بك يا أزهر.

المستعطي بالحلم

قال: دعاءٌ كنت أسمعك تدعو به يا أمير المؤمنين جئت لأكتبه. فضحك أبو جعفر وقال: إنه دعاءٌ غير مستجابٍ. وذلك أني قد دعوت الله به أن لا أراك فلم يستجب لي وقد أمرنا لك باثني عشر ألفاً. وتعالى متى شئت فقد أعيتني فيك الحيلة. 250 أبطأ عبيد الله بن يحيى عن الديوان فأرسل إليه المتوكل يتعرف خبره فكتب إليه: عليلٌ من مكانين ... من الإفلاس والدين ففي هذين لي شغلٌ ... وسحبي شغل هذين فبعث إليه بألف دينار المستعطي بالحلم 251 قال العتبي: دخل ابن دعبلٍ على بشر بن مروان لما ولي الكوفة فقعد بين السماطين ثم قال: أيها الأمير إني رأيت رؤيا فأذن لي في قصصها. فقال: قل. فقال: أغفيت قبل الصبح نوم مسهدٍ ... في ساعةٍ ما كنت قبل أنامها فرأيت أنك جدت لي بوصيفة ... موسومةٍ حسنٌ علي قيامها وببدرةٍ حملت إلي وبغلةٍ ... شهباء ناحيةٍ يصر لجامها قال له بشر بن مروان: كل شيءٍ رأيت فهو عندي إلا البغلة فإنها دهماء فارهةٌ. قال: برئت من نسبي إن كنت رأيتها إلا دهماء إلا أني غلطت.

السائل وعبيد الله بن عباس

252 قال البطين الشاعر: قدمت على ابن يحيى الأرميني فكتبت إليه. رأيت في النوم أني راكب فرساً ... ولي وصيفٌ وفي كفي دنانير فقال قومٌ لهم حذقٌ ومعرفةٌ ... رأيت خيراً وللأحلام تعبير رؤياك فسر غداً عند الأمير تجد ... تعبير ذاك وفي الفال التباشير فجئت مستبشراً مستشعراً فرحاً ... وعند مثلك لي بالفعل تبشير (قال) فوقع لي في أسفل كتابي: أضغاث أحلامٍ وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين. ثم أمر لي بكل شيءٍ ذكرته في أبياتي ورأيته في منامي. 253 مدح بعض الشعراء أميراً فنحيبه. فأنشده: لئن أخطأت في مدحي ... ك ما أخطأت في منعي لقد أحللت آمالي ... بوادٍ غير ذي زرع السائل وعبيد الله بن عباس 254 من جود عبيد الله بن عباسٍ أنه أتاه سائلٌ وهو لا يعرف فقال له: صدق فإني نبئت أن عبيد الله بن عباس أعطى سائلاً ألف درهمٍ فاعتذر إليه. فقال له: وأين أنا من عبيد الله. قال: أين أنت منه في الحسب أم في كثرة المال. قال: فيهما. قال: أما الحسب في الرجل فمروءته وفعله. وإذا شئت فعلت. وإذا فعلت كنت حسيباً. فأعطاه ألفي درهم وأعتذر إليه من ضيق الحال. فقال له السائل:

إن لم تكن عبيد الله بن عباسٍ فأنت خير منه. وإن كنت هو فأنت اليوم خيرٌ منك أمس. فأعطاه ألفاً أخرى. فقال السائل: هذه هزة كريمٍ حسيبٍ. والله لقد نقرت حبة قلبي فأفرغتها في قلبك فما أخطأت إلا باعتراض الشد من جوانحي. 255 قال أحمد بن مطير: أنشدت عبد الله بن طاهرٍ أبياتاً كنت مدحت بها بعض الولاة وهي: له يوم بؤسٍ فيه للناس أبؤسٌ ... ويوم نعيمٍ فيه للناس أنعم فيقطر يوم الجود من كفه الندى ... ويقطر يوم البؤس منه كفه الدم فلو أن يوم البؤس لم يثن كفه ... عن الناس لم يصبح على الأرض مجرم ولو أن يوم الجود فرغ كفه ... لبذل الندى ما كان بالأرض معدم فقال لي عبد الله: كم أعطاك. قلت: خمسة آلافٍ. قال: فقبلتها. قلت: نعم. قال لي: أخطأت. ما ثمن هذه إلا مائة ألفٍ. 256 قال العتبي: سمعت عمي ينشد لأبي عباس الزبيري: وكل خليفة وولي عهدٍ ... لكم يا آل مروان الفداء إمارتكم شفاءٌ حيث كانت ... وبعض إمارة الأقوام داء فأنتم تحسنون إذا ملكتم ... وبعض القوم إن ملكوا أساؤوا أأجعلكم وغيركم سواءً ... وبينكم وبينهم الهواء

هم أرض لأرجلكم وأنتم ... لأيديهم وأرجلهم سماء فقلت له: كم أعطى عليها. قال: عشرين ألفاً 257 دخل معن بن زائدة على أبي جعفر فقال له: كبرت يا معن. قال: في طاعتك يا أمير المؤمنين. قال: وإنك لتتجلد. قال: على أعدائك يا أمير المؤمنين. قال: وإن فيك لبقيةً. قال: هي لك يا أمير المؤمنين. قال: أي الدولتين أحب إليك أو أبغض. أدولتنا أم دولة بني أمية. قال: ذلك إليك يا أمير المؤمنين. إن زاد برك على برهم كانت دولتك أحب إلي. وإن زاد برهم على برك كانت دولتهم أحب إلي. قال: صدقت 258 دخل المأمون يوماً بيت الديوان فرأى غلاماً جميلاً على أذنه قلم فقال: من أنت يا غلام. قال: أنا الناشئ في دولتك. والمتقلب في نعمتك. والمؤمل لخمتك الحسن بن رجاءٍ. قال المأمون: بالإحسان في البديهة تفاضلت العقول. ارفعوا هذا الغلام فوق مرتبته. 259 كتب رجلٌ من أهل الأدب إلى عليلٍ: نبئت أنك معتلٌ فقلت لهم ... نفسي الفداء له من كل محذور يا ليت علته بي ثم كان له ... أجر العليل وإني غير مأجور 260 دخل محمد بن عبد الله على المتوكل في شكاة له يعوده فقال: ألله يدفع عن نفس الإمام لنا ... وكلنا للمنايا دونه عرض

الدجاجة المدفونة في بقعة مباركة

فليت أن الذي يعروه من مرضٍ ... بالعائدين جميعاً لا به المرض فبالإمام لنا من غيرنا عوضٌ=وليس في غيره منه لنا عوض فما أبالي إذا ما نفسه سلمت ... لو باد كل عباد الله وانقرضوا (لابن عبد ربه) 261 لما قدم نصر بن منيع بين يدي المأمون وكان قد أمر بضرب عنقه قال يا أمير المؤمنين: أسمع مني كلماتٍ أقولها. قال: قل. فأنشأ يقول: زعموا بأن الصقر صادف مرةً ... عصفور برٍ ساقه التقدير فتكلم العصفور تحت جناحه ... والصقر منقض عليه يطير إني لمثلك لا أتمم لقمةً ... ولئن شويت فإنني لحقير فتهاون الصفر المدل بصيده ... كرماً وأفلت ذلك العصفور فعفا عنه (لابن خلكان) الدجاجة المدفونة في بقعة مباركة 262 قال الشيباني: نزل عبد الله بن جعفر إلى خيمة أعرابية ولها دجاجةٌ وقد دجنت عندها. فذبحتها وجاءت بها إليه. فقالت: يا أبا جعفر هذه دجاجةٌ لي كنت أدجنها وأعلفها من قوتي وألمسها في آناء الليل فكأنما ألمس بنتي زلت عن كبدي. فنذرت لله أن أدفنها في أكرم بقعةٍ تكون. فلم أجد تلك البقعة المباركة إلا بطنك. فأردت أن أدفنها فيه. فضحك عبد الله بن جعفرٍ وأمر لها بخمسمائة درهم.

263 دخل عقيلٌ على معاوية وقد كف بصره. فأجلسه معاوية على سريره ثم قال له: أنتم معشر بني هاشم تصابون في أبصاركم. قال: وأنتم معشر بني أمية تصابون في بصائركم. 264 كان بطلميوس الأخير ملك الروم يقول: ينبغي للعاقل إذا أصبح أن ينظر في المرآة فإن رأى وجهه حسناً لم يشنه بقبحٍ. وإن رآه قبيحاً لم يجمع بين قبيحين. (ثمرات الأوراق للحموي) . 265 قال حسانٌ: خرجنا مع ابن المبارك مرابطين إلى الشام. فبينما هو يمشي وأنا معه في أزقة المصيصة إذ لقي سكران قد رفع عقيرته يتغنى. فأخرج ابن المبارك برنامجاً من كمه فكتب البيت. فقلنا له: أتكتب بيت شعرٍ سمعته من سكران. قال: أما سمعتم المثل. رب جوهرة في مزبلة: قلنا: نعم. قال: فهذه جوهرةٌ في مزبلةٍ. 266 استأذن نصيب بن رياحٍ على عمر بن عبد العزيز فلم يأذن له فقال: أعلموا أمير المؤمنين أني قلت شعراً أوله الحمد لله. فأعلموه فأذن له. فأدخل عليه وهو يقول: ألحمد لله أما بعد يا عمر ... فقد أتتنا بك الحاجات والقدر فأنت رأس قريش وابن سيدها ... والرأس فيه يكون السمع والبصر فأمر له بحلية سيفه. (لابن عبد ربه) 267 حدث محمد بن يزيد قال: كان ثابت قطنة قد ولي عملاً من أعمال خراسان. فلما صعد المنبر يوم الجمعة رام الكلام فتعذر

عليه وحصر فقال: سيجعل الله بعد عسر يسراً وبعد عيٍ بياناً. وأنتم إلى أميرٍ فعال أحوج منكم إلى أميرٍ قوالٍ وإلا أكن فيكم خطيباً فإنني ... بسيفي إذا جد الوغى لخطيب فبلغت كلماته خالد بن صفوان. (ويقال الأحنف بن قيسٍ) فقال: والله ما علا ذلك المنبر أخطب منه (الأغاني) 268 نظر جعفر بن محمدٍ إلى فتى على ثيابه أثر مدادٍ. فونبه على ذلك فقال: لا تجز عن من المداد فإنه ... عطر الرجال وحلية الكتاب فأجابه: حمارٌ في الكتابة يدعيها ... كدعوى آل حربٍ في زياد فدع عنك الكتابة لست منها ... ولو لطخت نفسك بالسواد 269 حدث الغلابي قال: تهدد عبد الله بن معنٍ أبا العتاهية وخوفه. فقال أبو العتاهية يهجوه: ألا قل لابن عمنٍ والذي م في الودٌ قد حالا لقد بلغت ما قال ... فما باليت ما قالا ولو كان من الأسد ... لما راع ولا هالا فصغ ما كنت حليت ... به سيفك خلخالا فما تصنع بالسيف ... إذا لم تك قتالا أرى قومك أبطالاً ... وقد أصبحت بطالا

وعد عرقوب

(قال) فقال عبد الله: ما لبست السيف قط فلمحني إنسانٌ إلا قلت: إنه يحفظ شعر أبي العتاهية في فينظر إلي بسببه. (للشريشي) 270 حدث المدائني قال: عير زيادٌ الأعجم المغيرة بن جناء في مجلس المهلب بالبرص. فقال له المغيرة: إن عتاق الخيل لا تشينها الأوضاح ولا تعير بالغرر والحجول. وقد قال صاحبنا بلعا بن قيسٍ لرجل عيره بالبرص: إنما أنا سيف الله جلاه وأستله على أعدائه. (الأغاني) 271 قيل لبعض المجانين وقد اقبل من المقبرة: من أين جئت فقال: من هذه القافلة النازلة. قيل: ماذا قلت لهم. قال: قلت لهم متى ترحلون. فقالوا: حين علينا تقدمون. (لبهاء الدين) 272 قال بعض الشعراء: لكل فتى خرجٌ من العيب ممتلٍ ... على كتفه منه ومن أهل دهره فعين عيوب الناس نصب عيونه ... وعين عيوب النفس من خلف ظهره وعد عرقوب 273 كان عرقوبٌ وعد رجلاً ثمر نخلةٍ فلما أطلعت أتاه فقال: دعها حتى تبلح. فلما أبلحت قال: دعها حتى تزهي. فلما أزهت أتاه. فقال:

دعها حتى ترطب. ثم أتاه فقال: دعها حتى تتمر. فلما أتمرت عدا عليها البلاء فجدها فضرب به المثل في الخلف. قال الشاعر: من كان خلف الوعد شيمته ... والغدر عرقوبٌ له مثل 274 حدث أبو العالية قال: دخل التيمي إلى الفضل بن الربيع في يوم عيدٍ فأنشده: لعمرك ما الأشراف في كل بلدةٍ ... وإن عظموا للفضل إلا صنائع ترى عظماء الناس للفضل خشعاً ... إذا ما بدا والفضل لله خاشع تواضع لما زاده الله رفعةً ... وكل جليلٍ عنده متواضع فأمر له بعشرة آلاف درهم. (الأغاني) 275 قال بعضهم ملغزاً في اسم عليٍ: اسم الذي تيمني ... أوله ناظره إن فاتني أوله ... فإن لي آخره 276 لجير الدين في زهر اللوز: أزهر اللوز أنت لكل زهرٍ ... من الأزهار يأتينا إمام لقد حسنت بك الأيام حتى ... كأنك في فم الدنيا ابتسام 277 كتب بعضهم على هديةٍ وأرسلها: يا أيها المولى الذي ... عمت أياديه الجليلة إقبل هدية من يرى ... في حقك الدنيا قليله 278 قال بعضهم لابن سيناء: هلا تسافر بحراً. فقال:

لا أركب البحر أخشى ... علي منه المعاطب طينٌ أنا وهو ماءٌ ... والطين في الماء ذائب 279 سمع رجلٌ رجلاً يقول: أين الزاهدون في الدنيا. الراغبون في الآخرة. فقال له: يا هذا أقلب كلامك وضع يدك على من شئت. 280 قال بعض أصحاب القلوب: إن الناس يقولون: افتحوا أعينكم حتى تبصروا. وأنا أقول: غمضوا أعينكم حتى تبصروا. 281 كان في زمان ديوجانس الحكيم رجلٌ مصورٌ فترك التصوير وصار طبيباً فقال له: أحسنت إنك لما رأيت خطأ التصوير ظاهراً للعين وخطأ الطب يواريه التراب تركت التصوير ودخلت في الطب. 282 قال أبو تمام يمدح قوماً يجودون بأنفسهم: يستعذبون مناياهم كأنهم ... لا يأسون من الدنيا إذا قتلوا 283 وفد حاجب بن زرارة على أنوشروان فأستأذن عليه. فقال للحاجب: سله من هو. فقال: رجلٌ من العرب. فلما مثل بين يديه قال له أنوشروان: من أنت. فقال: سيد العرب. قال: أليس زعمت أنك واحدٌ منهم. فقال: إني كنت كذلك. فلما أكرمني الملك بمكالمته صرت سيدهم. فأمر بحشو فيه درا (للعاملي) 284 قيل: إن جريراً أفخر العرب حيث يقول: ترى الناس إن سرنا يسيرون خلفنا ... وإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا

عين أبصرت بقلعها

عين أبصرت بقلعها 285 حكي عن بعض الشعراء أنه دخل على أحد الخلفاء فوجده جالساً وإلى جانبه جاريةُ سوداء تدعى خالصة. وعليها من الحلي وأنواع الجواهر واللآلئ مالا يوصف. فصار الشاعر يمتدحه وهو يسهو عن استماعه. فلما خرج كتب على الباب: لقد ضاع شعري على بابكم ... كما ضاع درٌ على خالصه فقرأه بعض حاشية الخليفة وأخبره به. فغضب لذلك وأمره بإحضار الشاعر. فلما وصل إلى الباب مسح العينين اللتين في لفظة ضاع. وأحضر بين يديه. فقال له: ما كتبت على الباب. قال: كتبت. لقد ضاء شعري على بابكم ... كما ضاء درٌ على خالصه فأعجبه ذلك وأنعم عليه. وخرج الشاعر وهو يقول: لله درك من شعر قلعت عيناه فأبصر (للنواحي) 286 تفاخر بعضهم على أحد الشعراء. فقال فيه الشاعر: دهرٌ علا قدر الوضيع به ... وترى الشريف يحطه شرفه كالبحر يرسب فيه لؤلؤه ... سفلاً وتعلو فوقه جيفه قال آخر في هذا المعنى: لا غرو أن فاق الدنيء أخا العلا ... في ذا الزمان وهل لذلك جاحد فالدهر كالميزان يرفع كل ما ... هو ناقصٌ ويحط ما هو زائد

الفلاح الحكيم

الفلاح الحكيم 287 قيل: وقف كسرى على فلاح يغرس نخلاً وقد طعن في السن. فقال له كسرى متعجباً منه: أيها الشيخ أتؤمل أن تأكل من تمر هذا النخل وهو لا يحمل إلا بعد سنين كثيرةٍ. وأنت قد فني عمرك. فقال: أيها الملك غرسوا وأكلنا وغرسنا فيأكلون. فقال متعجباً من كلامه: زه. وأعطي الفلاح ألف دينار فأخذها وقال: أيها الملك ما أعجل ما أتمر هذا النخل. فاستحسن كسرى ذلك وقال: زه. فأعطاه ألف دينار أخرى. فأخذها وقال: أيها الملك وأعجب من كل شيءٍ أن النخل أتمر السنة مرتين. فاستحسن كسرى ذلك وقال: زه. فأعطاه ألف دينارٍ أخرى ثم تركه وانصرف. (للاتليدي) عفو معن بن زائدة عن أسراه 288 قيل: إن معناً قبض على عدةٍ من الأسرى فعرضهم على السيف. فالتفت إليه بعضهم وقال له: أصلح الله الأمير لا تجمع علينا بين الجوع والعطش ثم القتل. فو الله إن كر الأمير يبعد عن ذلك. فأمر لهم حينئذ بطعام وشراب. فأكلوا وشربوا ومعن ينظر إليهم. فلما فرغوا من أكلهم قالوا له: أيها الأمير أطال الله بقاءك إننا قد كنا أسراك والآن صرنا ضيوفك. فانظر كيف تصنع بضيوفك. فعند ذلك قال لهم معنٌ: قد عفوت عنكم. فقال له أحدهم: والله أيها الأمير إن عندنا عفوك عنا أشرف من يوم

المتنبي والكتاب

ظفرك بنا. فسر معنا هذا الكلام وأمر لكل منهم بكسوةٍ ومالٍ. (لابن عبد ربه) 289 لما قتل الوزير نظام الملك أكثر الشعراء من المراثي فيه. فمن ذلك قول شبل الدولة مقاتل بن عطية: كان الوزير نظام الملك جوهرةً ... مكنونةً صاغها الباري من الشرف جاءت فلم تعرف الأيام قيمتها ... فردَّها غيرةً منه إلى الصدف المتنبي والكتاب 290 من أرق ما حكي أن المتنبي امتدح بعض أعداء صاحب مملكته. فبلغه ذلك فتوعد المتنبي بالقتل. فخرج هارباً ثم اختفى مدة. فأخبر الملك أنه ببلدة كذا. فقال الملك لكاتبه: اكتب للمتنبي كتاباً ولطف له العبارة. واستعطف خاطره وأخبره أني رضيت عنه. ومره بالرجوع إلينا. فإذا جاء إلينا فعلنا به ما نريد. وكان بين الكاتب والمتنبي مصادقة في السر. فلم يسع الكاتب إلا الامتثال. فكتب كتاباً ولم يقدر أن يدس فيه شيئاً خوفاً من الملك أن يقرأه قبل ختمه. غير أنه لما انتهى إلى آخره وكتب إن شاء الله تعالى شدد النون (إنَّ) . وقرأه السلطان وختمه وبعث به إلى المتنبي. فلما وصل إليه ورأى تشديد النون ارتحل من تلك البلدة على الفور. فقيل له

في ذلك. فقال: اشار الكاتب بتشديد النون إلى ما جاء في القرآن: إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك. فأخرج إني لك من الناصحين. فأنظر إلى بلوغ هذا الغرض بألطف عبارة. ويحكى أن المتنبي كتب الجواب وزاد ألفاً في آخر لفظة إن إشارة إلى ما قيل: إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها. (للنواجي) 291 قال بعضهم ملغزاً في النار: وآكلةٍ بغير فهم وبطٍ ... لها الأشجار والحيوان قوت فما أطعمتها انتعشت وعاشت ... ولو أسقيتها ماءً تموت 292 وقال آخر ملغزاً في بجمع: ما طائرٌ في قلبه ... يلوح للناس عجب منقاره في رأسه ... والعين منه في الذنب 293 رأى أبو المعمار أميراً جائراً يصلي فقال: قد بلينا بأميرٍ ... ظلم الناس وسبح فهو كالجزار فيهم ... يذكر الله ويذبح 294 قال عبد الحكم بن أبي إسحاق في رجل وجب عليه القتل. فرماه مستوفي القصاص بسهم فأصاب كبده فقتله. فقال عبد الحكم. أخرجت من كبد القوس ابنها فغدت ... تئن والأم قد تحنو على الولد

ذكاء المأمون

وما درت أنه لما رميت به ... ما سار من كبدٍ إلا إلى كبد 295 كان الوزير صفي الدين المعروف بابن شكر وزير الملك العادل ابن أيوب بمصر. فعزل عبد الحكم المذكور عن خطابة جامع مصر. فكتب إليه: فلأي بابٍ غير بابك أرجع ... وبأي جودٍ غير جودك أطمع سدت على مسالكي ومذاهبي ... إلا إليك فدلني ما أصنع فكأنما الأبواب بابك وحده ... وكأنما أنت الخليقة أجمع ذكاء المأمون 296 حكى أن أم جعفرٍ عاتبت الرشيد في تقريظه للمأمون دون الأمين ولدها. فدعا خادماً وقال له: وجه إلى الأمين والمأمون خادماً يقول لكل واحدٍ منهما على الخلوة: ما تفعل بي إذا أفضت الخلافة إليك. فأما الأمين فقال للخادم: أقطعك وأعطيك. وأما المأمون فإنه قام إلى الخادم بدواةٍ كانت بين يديه وقال: أتسألني عما أفعل بك يوم يموت أمير المؤمنين. وخليفة رب العالمين إني لأرجو أن نكون جميعاً فداءً له. فقال الرشيد لأم جعفر: كيف ترين. فسكتت عن الجواب. (لابن خلكان) 297 لما قتل ذو الرئاستين دخل المأمون على أمه فقال: لا تجزعي فإني ابنك بعد ابنك. فقالت: أفلا أبكي على ابن اكسبني ابناً مثلك.

عبد الملك بن مروان والحجاج

298 نظر رجل من الحذاق إلى رجل من جهال الناس عليه ثياب حسنةٌ ويتكلم ويلحن. فقال له: تكلم على قدر ثيابك. أو ألبس على قدر كلامك. (للقيرواني) 299 وصف بعض النبلاء بخيلاً فقال: هو جلمٌ أي مقصٌ. من حيث جئته وجدت لا. (الكنز المدفون) 300 دخل طبيبٌ على عليلٍ فقال له: أنا وأنت والعلة ثلاثةٌ فإن أعنتني عليها بالقبول مني صرنا أثنين وانفردت العلة فقوينا عليها. (الملل والنحل للشهر ساني) 301 كان الملك الكامل قد تغير على بعض إخوته. فكتب إليه الصلاح وزيره مستشفعاً: من شرط صاحب مصر أن يكون كما ... قد كان يوسف في الحسنى لإخوته ساؤوا فقابلهم بالعفو وافتقروا ... فبرهم وتولاهم برحمته عبد الملك بن مروان والحجاج 302 أمر عبد الملك بن مروان أن يعمل باب بينت المقدس فيكتب عليه اسمه. وسأله الحجاج أن يعمل له باباً. فأذن له فاتفق أن صاعقةً وقعت فاحترق منها باب عبد الملك. وبقي باب الحجاج فعظم ذلك على عبد الملك. فكتب الحجاج إليه: بلغني أن ناراً نزلت من السماء

فأحرقت باب أمير المؤمنين ولم تحرق باب الحجاج. وما مثلنا في ذلك إلا كمثل ابني آدم إذ قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر. فسري عنه لما وقف عليه. 303 روى الحافظ الحميدي لأبي محمد علي الأموي في الافتراق: إن كانت الأبدان نائيةً ... فنفوس أهل الظرف تأتلف يا رب مفترقين قد جمعت ... قلبهما الأقلام والصحف 304 من شعر ابن مسهرٍ كتبه إلى بعض الرؤساء في علةٍ: ولما اشتكيت اشتكى كل ما ... على الأرض واعتل شرقٌ وغرب لأنك قلبٌ لجسم الزمان ... وما صح جسمٌ إذا اعتل قلب 305 قال أبو الميمون المبارك الكناني في البراغيث: ومعشرٍ يستحل الناس قتلهم ... كما استحلوا دم الحجاج في الحرم إذا سفكت دماً منها فما سفكت ... يداي من دمها المسفوك غير دمي 306 كلم الشعبي عمر بن هبيرة الفزاري أمير العراقين في قومٍ حبسهم ليطلقهم فأبى. فقال له: أيها الأمير إن حبستهم بالباطل فالحق يخرجهم. وإن حبستهم بالحق فالعفو يسعهم. فأطلقهم. (لابن خلكان) 307 لما بنى محمد بن عمران قصره حيال قصر المأمون قيل له: يا أمير المؤمنين باراك وباهاك. فدعاه وقال: لم بنيت هذا القصر حذاءي. قال: يا أمير المؤمنين أحببت أن ترى نعمتك علي فجعلته نصب

أن للعالم خالقا

عينك. فأستحسن المأمون جوابه وعفا عنه. (للمستعصمي) أن للعالم خالقاً 308 حكى أن دهرياً جاء إلى هارون الرشيد وقال: يا أمير المؤمنين قد أتفق علماء عصرك مثل أبي حنيفة على أن للعالم صانعاً فمن كان فاضلاً من هؤلاء فمره أن يحضر ههنا حتى أبحث معه بين يديك وأثبت أنه ليس للعالم صانعٌ. فأرسل هارون الرشيد إلى أبي حنيفة لأنه كان أفضل العلماء. وقال: يا إمام المسلمين اعلم أنه قد جاء إلينا دهريٌ وهو يدعي نفي الصانع ويدعوك إلى المناظرة. فقال أبو حنيفة: أذهب بعد الظهر. فجاء رسول الخليفة وأخبر بما قال أبو حنيفة. فأرسل ثانياً. فقام أبو حنيفة وأتى إلى هارون الرشيد. فاستقبله هارون وجاء به وأجلسه في الصدر وقد أجتمع الأكابر والأعيان. فقال الدهري: يا أبا حنيفة لم أبطأت في مجيئك. فقال أبو حنيفة: قد حصل لي أمرٌ عجيب فلذلك أبطأت. وذلك أن بيتي وراء دجلة. فخرجت من منزلي وجئت إلى جنب دجلة حتى أعبرها فرأيت بجنب دجلة سفينةً عتيقةً مقطعةً قد افترق ألواحها. فلما وقع بصري عليها اضطربت الألواح وتحركت واجتمعت وتوصل بعضها ببعض وصارت السفينة صحيحةً بلا نجار ولا عمل عامل. فقعدت عليها وعبر الماء وجئت ههنا. فقال الدهري: أسمعوا أيها الأعيان ما يقول إمامكم وأفضل زمانكم.

الباب التاسع في الحكايات

فهل سمعتم كلاماً أكذب من هذا كيف تحصل السفينة المكسورة بلا عمل نجارٍ فهو كذبٌ محضٌ قد ظهر من أفضل علمائكم. فقال أبو حنيفة: أيها الكافر المطلق إذا لم تحصل السفينة بلا صائعٍ ونجار فكيف يجوز أن يحصل هذا العالم من غير صانعٍ أم كيف تقول بعدم الصانع. فعند ذلك أمر الرشيد بضرب عنق الدهري فقتلوه. (أنيس الجليس للسوطي) الباب التاسع في الحكايات 309 قال بعض أصحاب الإسكندر إنه دعاهم فلكي ليلةً ليريهم النجوم ويعرفهم خواصها وأحوال سيرها. فأدخلهم إلى بستانٍ وجعل يمشي معهم ويشير بيده إليها حتى سقط في بئرٍ هناك. فقال: من تعاطى علم ما فوقه بلي بجهل ما تحته. (لبهاء الدين) 310 حكي أن رجلاً انكسرت به السفينة في البحر فوقع إلى جزيرةٍ فعمل شكلاً هندسياً على الأرض فرآه بعض أهل تلك الجزيرة فذهبوا به إلى الملك فأحسن إليه وأكرم مثواه وكتب الملك إلى سائر ممالكه: أيها الناس اقتنوا ما إذا كسرتم في البحر صار معكم. (تاريخ الحكماء للشهر زوري)

بزرجمهر في حبسه

بزرجمهر في حبسه 311 سخط كسرى على بزرجمهر فحبسه في بيتٍ مظلمٍ وأمر أن يصفد بالحديد فبقي أياماً على تلك الحالة. فأرسل إليه من يسأله عن حاله فإذا هو مشروح الصدر مطمئن النفس فقالوا له: أنت في هذه الحالة من الضيق ونراك ناعم البال. فقال: اصطنعت ستة أخلاطٍ وعجنتها واستعملتها فهي التي أبقتني على ما ترون. قالوا: صف لنا هذه الأخلاط لعلنا ننتفع بها عند البلوى. فقال: نعم. أما الخلط الأول فالثقة بالله عز وجل. وأما الثاني فكل ما شاءه الله كائنٌ. وأما الثالث فالصبر خير ما ستعمله الممتحن. وأما الرابع فإذا لم أصبر فماذا أصنع ولا أعين نفسي بالجزع. وأما الخامس فقد يكون أشد مما أنا فيه. وأما السادس فمن ساعةٍ إلى ساعةٍ فرج. فبلغ ما قاله كسرى. فأطلقه وأعزه. 312 كان عمر بن عبد العزيز واقفاً مع سليمان بن عبد الملك أيام خلافته فسمع صوت رعدٍ ففزع سليمان منه ووضع صدره على مقدم رحله. فقال له عمر: هذا صوت رحمته فكيف صوت عذابه. المدعو إلى الوليمة والسائل 313 دعا رجلٌ آخر إلى منزله وقال: لنأكل معك خبزاً وملحاً فظن الرجل أن ذلك كنايةٌ عن طعام لطيف لذيذ أعده صاحب المنزل. فمضى معه فلم يزد على الخبز والملح. فبينا هما يأكلان إذ وقف

علي بن أبي رافع وابنة علي بن أبي طالب

بالباب سائلٌ. فنهره صاحب المنزل مراراً فلم ينزجر. فقال له: اذهب وإلا خرجت وكسر رأسك. فقال المدعو: يا هذا انصرف فإنك لو عرفت من صدق وعيده ما عرفت من صدق وعده ما تعرضت له. علي بن أبي رافع وابنة علي بن أبي طالب 314 عن علي بن أبي رافع. قال: كنت على بيت مال علي بن أبي طالب وكاتبه. فكان في بيت ماله عقد لؤلؤٍ كان أصابه يوم البصرة فأرسلت إلي بنت علي بن أبي طالب فقالت لي: إنه قد بلغني أن في بيت مال أمير المؤمنين عقد لؤلؤ. وهو في يدك وأنا أحب أن تعيرنيه أجمل به في يوم الأضحى. فأرسلت إليها: عاريةٌ مضمونة مردودة بعد ثلاثة أيامٍ يا بنت أمير المؤمنين. فقالت: نعم عاريةٌ مضمونةٌ مردودة بعد ثلاثة أيام. فدفعته إليها وإذا أمير المؤمنين رآه عليها فعرفه. فقال لها: من أين جاء إليك هذا العقد. فقالت: استعرته من ابن أبي رافع خازن بيت مال أمير المؤمنين لأتزين به في العيد ثم أرده. فبعث إلي أمير المؤمنين فجئته فقال لي: أتخون المسلمين يا ابن أبي رافع. فقلت: معاذ الله أن أخون المسلمين. فقال: كيف أعرت بنت أمير المؤمنين العقد الذي في بيت مال المسلمين بغير إذني ورضاهم. فقلت: يا أمير المؤمنين إنها بنتك وسألتني أن أعيرها تتزين به. فأعرتها إياه عاريةً مضمونةً مردودة

الحلاوة المدخرة

على أن ترده سالماً إلى موضعه. فقال: رده من يومك وإياك أن تعود إلى مثله فتنالك عقوبتي. ثم قال: ويل لابنتي. لو كانت أخذت العقد على غير عاريةٍ مردودةٍ مضمونةٍ لكانت إذن أول هاشميةٍ قطعت يدها في سرقةٍ. فبلغت مقالته ابنته فقالت له: يا أمير المؤمنين أنا ابنتك وبضعةٌ منك فمن أحق بلبسه مني. فقال لها: يا بنت ابن أبي طالب لا تذهبي بنفسك عن الحق. أكل نساء المهاجرين والأنصار يتزين في مثل هذا العيد بمثل هذا. فقبضته منها ورددته إلى موضعه. (لبهاء الدين) الحلاوة المدخرة 315 حدث عن الوزير مؤيد الدين القمي مملوكه بدر الدين أيار قال: طلب ليلةً من الليالي حلاوة النبات فعمل في الحال منها صحونٌ كثيرة وأحضرت بين يديه في تلك الليلة. فقال لي: يا أياز أتقدر أن تذخر هذه الحلاوة لي موفرة إلى يوم القيامة. فقلت: يا مولانا وكيف يكون ذلك وهل يمكن هذا. قال: نعم. تمضي في هذه الساعة إلى مشهد موسى والجواد. تضع هذه الأصحن قدام أيتام العلويين فإنها تدخر لي موفرة إلى يوم القيامة. قال أياز: فقلت: السمع والطاعة ومضيت وكان نصف الليل إلى المشهد وفتحت الأبواب ونبهت الصبيان الأيتام ووضعت الأصحن بين أيديهم ورجعت. (للفخري)

بهرام جور والراعي

بهرام جور والراعي 316 حكى أن املك بهرام جور خرج يوماً للصيد فظهر له حمار وحش فاتبعه حتى خفي عن عسكره. فظفر به فمسكه. ونزل عن فرسه يريد أن يذبحه. فرأى راعياً أقبل من البرية فقال له يا راعي أمسك فرسي هذا حتى أذبح هذا الحمار فمسكه ثم تشاغل بذبح الحمار. فلاحت منه التفاتةٌ فرأى الراعي يقطع جوهرة في عذار فرسه. فأعرض الملك عنه حتى أخذها وقال: إن النظر إلى العيب من العيب. ثم ركب فرسه ولحق بعسكره. فقال له الوزير: أيها الملك السعيد أين جوهرة عذار فرسك. فتبسم الملك ثم قال: أخذها من لا يردها وأبصر من لا ينم عليه فمن رآها منكم مع أحدٍ فلا يعارضه بشيءٍ بسبب ذلك. (للقليوبي) الملك المتعظ بمجنون 317 من الحكايات اللطيفة أن بعض الملوك قصد التفرج على المجانين. فلما دخل عليهم رأى فيهم شاباً حسن الهيئة نظيف الصورة يرى عليه آثار اللطف. وتلوح عليه شمائل الفطنة. فدنا منه وسأله مسائل فأجابه عن جميعها بأحسن جوابٍ. فتعجب منه عجباً شديداً ثم إن المجنون قال للملك: قد سألتني عن أشياء فأجبتك وإني سأسألك سؤالاً واحداً. قال: وما هو. قال: متى يجد النائم لذة النوم. ففكر الملك ساعةً ثم قال: يجد لذة النوم حال نومه. فقال

الشاب السارق

المجنون: حالة النوم ليس له إحساسٌ. فقال الملك: قبل الدخول في النوم. فقال المجنون: كيف توجد لذته قبل وجوده. فقال الملك: بعد النوم. فقال المجنون: توجد لذته وقد انقضى. فتحير الملك وزاد إعجابه. وقال: لعمري إن هذا لا يحصل من عقلاء كثيرةٍ فأولى أن يكون نديمي في مثل هذا اليوم وأمر أن ينصب له تختٌ بإزاء شباك المجنون. ثم استدعى بالشراب فحضر. فتناول الكأس وشرب ثم ناول المجنون فقال: أيها الملك أنت شربت هذا لتصير مثلي فأنا أشربه لأصير مثل من. فأتعظ الملك بكلامه ورمى القدح من يده وتاب من ساعته. (للاتليدي) الشاب السارق 318 سرق شابٌ سرقةً فأتى به إلى المأمون. فأمر بقطع يده فتقدم لتقطع يده فأنسد الشاب يقول: يدي يا أمير المؤمنين أعيذها ... بعفوك أن تلقى نكالاً يشينها فلا خير في الدنيا ولا حاجةٌ بها ... إذا ما شمالٌ فارقتها يمينها وكانت أم الشاب واقفة على رأسه فبكت وقالت: يا أمير المؤمنين إنه ولدي وواحدي. ناشدتك الله إلا رحمتني وهدأت لوعتي. وجدت بالعفو عما استحق العقوبة. فقال المأمون: هذا حدٌ من حدود الله تعالى. فقالت: يا أمير المؤمنين اجعل عفوك عن هذا الحد ذنباً من الذنوب التي تستغفر منها. فرق لها المأمون وعفا عنه.

المأمون والفقير

المأمون والفقير 319 حكى أن المأمون أشرف يوماً على فصره فرأى رجلاً يكتب بفحمةٍ على حائط قصره. فقال المأمون لبعض خدمه: اذهب إلى ذلك الرجل فانظر ما كتب وأتني به. فبادر الخادم إلى الرجل مسرعاً وقبض عليه وقال: ما كتبت. فإذا هو كتب هذين البيتين: يا قصر جمع فيك الشؤم واللوم ... متى تعشش في أركانك البوم يوماً يعشش فيك البوم من فرحي ... أكون أول من ينعاك مرغوم ثم إن الخادم قال له: أجب أمير المؤمنين. فقال الرجل: سألتك بالله لا تذهب بي إليه. فقال الخادم: لا بد من ذلك. ثم ذهب به. فلما مثل بين يدي أمير المؤمنين وأعلم بما كتب. فقال له المأمون: ويلك ما حملك على هذا. فقال: يا أمير المؤمنين إنه لا يخفى عليك ما حواه قصرك هذا من خزائن الأموال والحلي والحلل والطعام والشرابٍ والفرش والأواني والأمتعة والجواري والخدم وغير ذلك مما يقصر عنه وصفي. ويعجز عنه فهمي. وإني قد مررت عليه الآن وأنا في غاية من الجوع والفاقة. فوقفت مفكراً في أمري وقلت في نفسي: هذا القصر عامر عالٍ. وأنا جائعٌ ولا فائدة لي فيه. فلو كان خراباً ومررت به لم أعدم رخامه أو خشبةً أو مسماراً أبيعه وأتقوت بثمنه. أو ما علم أمير المؤمنين رعاه الله قول الشاعر: إذا لم يكن للمرء في دولة امرئٍ ... نصيب ولا حظٌ تمنى زوالها

الأدب يرفع الخامل

وما ذاك من بغض له غير أنه ... يرجي سواها فهو يهوى انتقالها فقال المأمون: يا غلام أعطه ألف درهم. ثم قال: هي لك في كل سنةٍ ما دام قصرنا عامر بأهله مسروراً بدولته وأنشدوا في معنى ذلك: إذا كنت في أمرٍ فكن فيه محسناً ... فعما قليلٍ أنت ماضٍ وتاركه (إعلام الناس للاتليدي) الأدب يرفع الخامل 320 روي أن المأمون لم يكن من خلفاء بني العباس خليفةٌ أعلم منه في جميع العلوم. وكان له في كل أسبوعٍ يومان يجلس فيهما لمناظرة العلماء. فيجلس المناظرون من الفقهاء والمتكلمين بحضرته على طبقاتهم ومراتبهم. فبينما هو جالسٌ معهم إذ دخل في مجلسه رجلٌ غريبٌ وعليه ثيابٌ بيضٌ رثةٌ. فجلس في آخر الناس وقعد من وراء الفقهاء في مكانٍ مجهول. ثم ابتدأوا في الكلام وشرعوا في معضلات المسائل. وكان من عادتهم أنهم يديرون المسألة على أهل المجلس واحداً بعد واحدٍ. فكل من وجد زيادةً لطيفة أو نكتةً غريبةً ذكرها. فدارت المسألة إلى أن وصلت إلى ذلك الرجل الغريب. فتكلم وأجاب بجوابٍ أحسن من أجوبة الفقهاء كلهم. فأستحسن الخليفة كلامه وأمر أن يرفع من ذلك المكان إلى أعلى منه. فلما وصلت إليه المسألة الثانية أجاب بجوابٍ أحسن من الجواب الأول.

فأمر المأمون أن يرفع إلى أعلى من تلك الرتبة. فلما دارت المسألة الثالثة أجاب بجوابٍ أحسن وأصوب من الجوابين الأولين. فأمر المأمون أن يجلس قريباً منه. فلما انقضت المناظرة أحضر والماء وغسلوا أيديهم وأحضروا الطعام فأكلوا. ثم نهض الفقهاء فخرجوا ومنع المأمون ذلك الشخص من الخروج معهم وأدناه منه ولاطفه ووعده بالإحسان إليه والإنعام عليه. ثم تهيأ مجلس الشراب وحضر الندماء الملاح ودارت الراح. فلما وصل الدور إلى ذلك الرجل وشب قائماً على قدميه وقال: إن أذن لي أمير المؤمنين تكلمت كلمة واحدةً. قال له: قل ما تشاء. فقال: قد علم الرأي العالي زاده الله علوا أن العبد كان اليوم في هذا المجلس الشريف من مجاهيل الناس ووضعاء الجلاس. وأن أمير المؤمنين قربه وأدناه بيسير من العقل الذي أبداه وجعله مرفوعاً على درجة غيره. وبلغ به الغاية التي لم تسم إليها همته. والآن يريد أن يفرق بينه وبين ذلك القدر اليسير من العقل الذي أعزه بعد الذلة وكثره بعد القلة. وحاشا وكلا أن يحسده أمير المؤمنين على هذا القدر الذي معه من العقل والنباهة والفضل. لأن العبد إذا شرب الشراب تباعد عنه العقل وقرب منه الجهل وسلب أدبه. وعاد إلى تلك الدرجة الحقيرة كما كان وصار في أعين الناس حقيراً مجهولاً. فأرجو من الرأي العالي أنه لا يسلب منه هذه الجوهرة بفضله وكرمه وسيادته وحسن شيمته.

عدالة أنوشروان في بناية الإيوان

فلما سمع الخليفة المأمون منه القول مدحه وشكره وأجلسه في رتبته ووقره. وأمر له بمائة ألف درهم وحمله على فرسٍ وأعطاه ثياباً فاخرةً. وكان في كل مجلس يرفعه ويقربه إلى جماعة الفقهاء حتى صار أرفع منهم درجة وأعلى مرتبةً. (ألف ليلة وليلة) عدالة أنوشروان في بناية الإيوان 321 حكى أن قيصر ملك الروم أرسل رسولاً إلى ملك فارس أنوشروان صاحب الإيوان. فلما وصل ورأى عظمة الإيوان وظرافته وعظمة مجلس كسرى على كرسيه والملوك في خدمته ميز الإيوان فرأى في بعض جوانبه اعوجاجاً. فسأل الترجمان عن ذلك. فقال له: إن هناك بيتا لعجوزٍ كرهت بيعه عند عمارة الإيوان. ولم ير الملك إكراهها على البيع فأبقى بيتها في جانب الإيوان. فذلك ما رأيت وسألت. فقال الرومي: وحق رأسه إن هذا الاعوجاج أحسن من الاستقامة وإن ما فعله ملك الزمان لم يؤرخ فيما مضى لملكٍ ولا يؤرخ فيما بقي لملكٍ. فأعجب كسرى كلامه ورده مسروراً محبوراً. (للابشيهي) الغلام والثعلب 322 كان لرجلٍ من أغنياء التجار ولد نجيبٌ صرفه من صغر سنه في التجارة ببلده حتى رضي بخبرته فيها. فلما بلغ أشده أراد أن يعوده على الأسفار في تجارة الأقطار. فجهزه تجهيزاً يليق بأمثاله وأصحابه ومضى الغلام. فلما كان على مسيرة أيام من المدينة نزل

الثوب المبيع

ذات ليلةٍ في بعض المروج. وكانت الليلة مقمرةً. فقام يتمشى وقد مضى جزءٌ من الليلٍ. فبصر بثعلب طريحٍ وقد أخذه الهرم والإعياء وضعف عن الحركة. فوقف عنده وأخذ يتفكر في أمره ويقول: يكف يرزق هذا الحيوان المسكين وما أظن إلا أنه يموت جوعاً. فبينما هو كذلك إذا هو بأسدٍ مقبل قد افترس فريسةً فجاء حتى قرب من الثعلب. فتناول منها حتى شبع وترك بقيتها ومضى. فعند ذلك تحامل الثعلب على نفسه وأخذ يتحرك قليلاً قليلاً حتى انتهى إلى ما تركه الأسد. فأكل حتى شبع والغلام يتعجب من صنع الله في خلقه. وما ساق لهذا الحيوان العاجز من رزقه. وقال فيه نفسه: إذا كان سبحانه قد تكفل بالأرزاق فلأي شيءٍ احتمال المشاق وركوب الأسفار واقتحام الأخطار. ثم انثنى راجعاً إلى والده فأخبره الخبر وشرح له ما ثنى عزمه عن السفر. فقال له: يا بني قد أخطأت النظر إنما أردت بك أن تكون أسداً تأوي إليك الثعالب الجياع. لا أن تكون ثعلباً جائعاً تنتظر فضلة السباع. فقبل نصيحة أبيه ورجع لما كان فيه. الثوب المبيع 323 قال ابن الخريف: حدثني والدي قال: أعطيت أحمد بن حسب الدلال ثوباً وقلت: بعه لي وبين هذا العيب الذي فيه. وأريته خرقاً في الثواب. فمضى وجاء في آخرٍ النهار فدفع إلى ثمنه

كسرى أنوشروان والمؤدب

وقال: بعته على رجلٍ أعجميٍ غريبٍ بهذه الدنانير. قلت له: وأريته العيب وأعلمته به. فقال: لا وإنني نسيت ذلك. فقلت: لا جزاك الله خيراً امض معي إليه. وذهبت معه وقصدنا مكانه فلم نجده. فسألنا عنه فقيل: إنه رحل إلى مكة مع قافلة الحجاج. فأخذت صفة الرجل من الدلال واكتريت دابة ولحقت القافلة. وسألت عن الرجل فدللت عليه فقلت له: إن الثوب الفلاني الذي اشتريته أمس من الدلال فلانٍ بكذا وكذا فيه عيب فهاته وخذ ذهبك. فقام وأخرج الثوب وطاف على العيب حتى وجده. فلما وجده قال: يا شيخ أخرج ذهبي حتى أراه وكنت لما قبضته لم أميزه ولم أنتقده. فأخرجته فلما رآه قال: هذا ذهبي انتقده يا شيخ. فنظرت إليه وإذا هو مغشوشٌ لا يساوي شيئاً. فأخذه ورمى به وقال لي: قد اشتريت منك هذا الثوب على عيبه بهذا الذهب. ودفع إلي بمقدار ذلك الذهب المغشوش ذهباً جيداً وعدت به. كسرى أنوشروان والمؤدب 324 روي أن كسرى أنوشروان كان له معلمٌ حسن التأديب يعلمه حتى فاق في العلوم. فضربه المعلم يوماً من غير ذنبٍ فأوجعه. فحقد أنوشروان عليه. فلما ولي الملك قال للمعلم. ما حملك على ضربي يوم كذا وكذا. فقال له: لما رأيتك ترغب في العلم رجوت

الهادي والخارجي

لك الملك بعد أبيك. فأحببت أن أذيقك طعم الظلم لئلا تظلم. فقال أنوشروان: زه زه ورفع قدره. (للابشيهي) الهادي والخارجي 325 ذكر صاحب السكردان أن الهادي كان يوماً في بستانٍ يتنزه على حمارٍ ولا سلاح معه. وبحضرته جماعةٌ من خواصه وأهل بيته. فدخل عليه حاجبه وأخبره أن بالباب بعض الخوارج له بأسٌ ومكايد وقد ظفر به بعض القواد. فأمر الهادي بإدخاله. فدخل عليه بين رجلين قد قبضا على يديه. فلما أبصر الخارجي الهادي جذب يديه من الرجلين واختطف سيف أحدهما وقصد الهادي. ففر كل من كان حوله وبقي وحده وهو ثابتٌ على حماره. حتى إذا دنا منه الخارجي وهم أن يعلوه بالسيف أومأ إلى وراء الخارجي وأوهمه أن غلاماً وراءه وقال: يا غلام اضرب عنقه. فظن الخارجي أن غلاماً وراءه. فالتفت الخارجي فنزل الهادي مسرعاً عن حماره فقبض على عنق الخارجي وذبحه بالسيف الذي كان معه. ثم عاد إلى ظهر حماره من فوره. والخدم ينظرون إليه ويتسللون عليه وقد ملئوا منه حياءً ورعباً. فما عاتبهم ولا خاطبهم في ذلك بكلمةٍ. ولم يفارق السلاح بعد ذلك اليوم. (إعلام الناس للاتليدي) المنصور وأبو عبد الله 326 قال المنصور للربيع: علي بجعفر. قتلني الله إن لم أقتل أبا عبد

القاضي والنصراني المحسن

الله. فلما مثل بين يديه حرك شفتيه ثم قرب وسلم. فقال: لا سلام الله عليك يا عدو الله تعمل علي الغوائل في ملكي. قتلني الله إن لم أقتلك. فقال: يا أمير المؤمنين إن سليمان أعطي فشكر. وإن أيوب ابتلى فصبر. وإن يوسف ظلم فغفر. وأنت على أثر منهم وأحق من تأسى بهم. فنكس المنصور رأسه ملياً ثم رفع رأسه وقال: إلي أبا عبد الله فأنت القريب القرابة. وأنت ذو الرحم الواشجة. والسليم الناحية. القليل الغائلة. ثم صافحه بيمينه وعانقه بشماله. وأجلسه معه على فراشه وأقبل يسائله ويحادثه. ثم قال: عجلوا لأبي عبد الله إذنه وجائزته وكسوته. فلما خرج أمسكه الربيع وقال له: رأيتك قد حركت شفتيك فانجلى الأمر وأنا خادم السلطان ولا غنى لي عنه فعلمني إياه. فقال: نعم. قلت: اللهم احرسني بعينك التي لا تنام. واكنفني بحفظك الذي لا يرام. لا أهلك وأنت رجائي فكم من نعمةٍ أنعمتها علي قل عندها شكري فلم تحرمني. وكم من بليةٍ ابتليت بها قل عندها صبري فلم تخذلني. اللهم بك أدرأ في نحره وأعوذ بك من شره. (للشريشي) القاضي والنصراني المحسن 327 حكي أن فقيراً جاء إلى قاضٍ في ويوم عاشوراء وقال له: أعز الله القاضي وإني رجل فقيرٌ وذو عيالٍ وقد جئتك مستشفعاً بهذا اليوم أن تعطيني عشرة أمنانٍ لحماً ودرهمين لأشبع أطفالي في هذا

اليوم ولك الجزاء على الله. فوعده إلى الظهر. فلما جاء الظهر عاد إليه. فوعده إلى العصر. فلما جاء العصر عاد إليه وأولاده في منزله ذابت أكبادهم من الجوع فوعده إلى المغرب. فعاد إليه عند الغروب. فقال له: ما عندي شيءٌ أعطيكه. فرجع الفقير منكسر القلب باكي العين خائفاً من أطفاله كيف جوابه لهم. فمر وهو يبكي بنصرانيٍ جالس على بابه. فرآه باكياً فقال له: لم بكاؤك يا هذا. فقال له: لا تسأل عن حالي. فقال له: سألتك بالله أن أعلمني بحالك. فأخبره بحاله مع القاضي. فقال له النصراني: ما هذا اليوم عندكم. فقال له: هو يوم عاشوراء. فرق له النصراني وأعطاه أكثر مما ذكر من الخبز واللحم وأعطاه عشرين درهماً فوق الدرهمين. فقال له: خذ هذا وهو لك ولعيالك علي في كل شهرٍ. فذهب به الفقير لأطفاله فرحاً مسروراً. فلما رآه أطفاله فرحوا فرحاً شديداً. ثم نادوا بأعلى أصواتهم: اللهم من أدخل علينا السرور فأدخل عليه الفرح عاجلاً. فلما كان الليل ونام القاضي سمع هاتفاً يقول له: ارفع رأسك. فرفعه وإذا هو ينظر قصرين مبنيين لبنهٌ من ذهبٍ ولبنهٌ من فضةٍ. فقال: إلهي لمن هذا القصران. فأجب إنهما كانا لك لو قضيت حاجة الفقير فلما رددته صارا للنصراني فلانٍ. فانتبه القاضي مرعوباً ينادي بالويل والثبور. ثم سار إلى النصراني وقال له: ما فعلت البارحة من الخير. فقال له: ولم ذا سؤالك. فأخبره بما

إجارة معن لرجل استغاث به وكان المنصور قد أهدر دمه

رأى. ثم قال له: بعني هذا الجميل الذي فعلته البارحة مع الفقير بمائة ألف درهمٍ. فقال له النصراني: إني لا أبيع ذلك بملء الأرض ذهباً. فرحم الله ثراه وجعل الجنة مثواه. (للقليوبي) إجارة معن لرجل استغاث به وكان المنصور قد أهدر دمه 328 روي أن أمير المؤمنين المنصور أهدر دم رجلٍ كان يسعى بفساد دولته مع الخوارج من أهل الكوفة. وجعل لمن دل عليه أو جاء به مائة ألف درهمٍ. ثم إن الرجل ظهر في بغداد. فبينما هو يمشي مختفياً في بعض نواحيها إذ بصر به رجلٌ من أهل الكوفة فعرفه فأخذ بمجامع ثيابه وقال: هذا بغية أمير المؤمنين. فبينما الرجل على هذه الحالة إذ سمع وقع حوافر الخيل. فالتفت فإذا فعن إلى الرجل المتعلق به وقال له: ما شأنك وهذا. فقال له: إنه بغية أمير المؤمنين الذي أهدر دمه وجعل لمن دل عليه مائة ألف درهمٍ. فقال: دعه. وقال لغلامه: أنزل عن دابتك وأحمل الرجل عليها. فصاح الرجل المتعلق به وصرخ واستجار بالناس وقال: أيحال بيني وبين بغية أمير المؤمنين. فقال له معنٌ: اذهب فقل لأمير المؤمنين وأخبره أنه عندي. فأنطلق الرجل إلى المنصور وأخبره. فأمر المنصور بإحضار معنٍ في الساعة. فلما وصل أمر المنصور إلى معن دعا جميع أهل بيته ومواليه وأولاده وأقاربه وحاشيته وجميع من يلوذ به وقال لهم:

أقسم عليكم بأن لا يصل إلى هذا الرجل مكروه أبداً وفيكم عينٌ تطرف. ثم إنه سار إلى المنصور فدخل وسلم عليه فلم يرد عليه المنصور السلام. ثم إن المنصور قال له: يا معن أتتجرأ علي. قال: نعم يا أمير المؤمنين. فقال المنصور: ونعم أيضاً. وقد اشتد غضبه. فقال معنٌ: يا أمير المؤمنين كم من مرةٍ تقدم في دولتكم بلائي وحسن عنائي. وكم من مرةٍ خاطرت بدمي. أفما رأيتموني أهلاً بأن يوهب لي رجلٌ واحدٌ استجار بي بين الناس بوهمه أني عبدٌ من عبيد أمير المؤمنين وكذلك هو. فمر بما شئت ها أنا بين يديك. قال: فأطرق المنصور ساعةً ثم رقع رأسه وقد سكن ما به من الغضب وقال له: قد أجرناه لك يا معن. فقال له معنٌ: إن رأى أمير المؤمنين أن يجمع بين الأجرين فيأمر له بصلةٍ فيكون قد أحياه وأغناه. فقال المنصور: قد أمرنا له بخمسين ألف درهمٍ. فقال له معنٌ: يا أمير المؤمنين إن صلات الخلفاء على قدر جنايات الرعية. وإن ذنب الرجل عظيمٌ فأجزل صلته. قال: قد أمر ناله بمائة ألف درهم. فقال له معنٌ: عجلها يا أمير المؤمنين فإن خير البر عاجله. فأمر بتعجيلها فحملها وانصرف وأتى منزله وقال للرجل: يا رجل خذ صلتك والحق بأهلك وإياك ومخالفة الخلفاء في أمورهم بعد هذه. (للابشيهي) 329 كان ملكٌ من ملوك الفرس عظيم المملكة شديد النقمة.

الرشيد والدمشقي

وكان له صاحب مطبخ. فلما قرب إليه طعامه في بعض الأيام سقطت نقطةٌ من الطعام على يديه. فزوى لها الملك وجهه وعلم صاحب المطبخ أنه قاتله. فكفأ الصحفة على رأسه. فقال الملك: علي به. فلما أتاه قال له: قد علمت أن سقوط النقطة أخطأت بها يدك. فما عذرك في الثانية. قال: استحيت للملك أن يقتل مثلي في سني وقديم حرمتي في نقطةٍ فأردت أن أعظم ذنبي ليحسن به قتلى ولئلا ينسبك الناس إلى الظلم والجور. فقال له الملك: إن لطف الاعتذار ينجيك من القتل فأنت حر لوجه الله. (لابن عبد ربه) الرشيد والدمشقي 330 رفع إلى هارون الرشيد أن رجلاً بدمشق من بقايا بني أمية عظيم المال كثير الجاه مطاعٌ في البلد له جماعةٌ وأولادٌ ومماليك يركبون الخيل ويحملون السلاح ويغزون الروم. وأنه سمحٌ جوادٌ كثير البذل والضيافة وأنه لا يؤمن منه. فعظم ذلك على الرشيد. قال منارة: وكان وقوف الرشيد على هذا وهو بالكوفة في بعض حججه في سنه ستٍ وثمانين ومائةٍ وقد عاد من الموسم. وقد بايع للأمين والمأمون والمعتصم أولاده فدعاني وهو خال. وقال: إني دعوتك لأمر يهمني وقد منعني النوم فأنظر كيف تعمل. ثم قص على خبر الأموي وقال: أخرج الساعة فقد أعددت لك الخيول وأزحت علتك في الزاد والنفقة والآلة. وتضم إليك مائة

غلامٍ وأسلك البرية وهذا كتابي إلى نائب دمشق وهذه قيودٌ فأبدأ بالرجل فإن سمع وأطاع فقيده وجني به. وإن عصى فتوكل به أنت ومن معك لئلا يهرب. وأنفذ الكتاب إلى أمير دمشق ليكون مساعداً واقبضا عليه وجني به وأجلتك لذهابك ستاً ولإيابك ستاً ويوماً لمقامك. وهذا محملٌ تجعله في شقةٍ منه إذا قيدته وتقعد أنت في الشقة الأخرى. ولا تكل حفظه إلى غيرك حتى تأتيني به في الثالث عشر يوماً من خروجك. فإذا دخلت داره فتفقدها وجميع ما فيها من أهله وولده وغلمانه وقدر نعمته والحال والمحال. واحفظ ما يقوله الرجل حرفاً بحرفٍ من ألفاظه منذ يقع طرفك عليه حتى تأتيني به. وإياك أن يشذ عنك شيءٌ من أمره. انطلق. قال منارة: فودعته وانطلقت وخرجت فركبت الإبل وسرت أطوي المنازل أسير الليل والنهار إلى أن وصلت إلى دمشق في أول الليلة السابعة وأبواب البلد مغلقةٌ. فكرهت طروقها ليلاً فبت بظاهر البلد إلى أن فتح بابها من غدٍ. فدخلت على هيئتي ثم أتيت باب الرجل وعليه صف عظيمٌ وحاشيةٌ كثيرةٌ فلم أستأذن ودخلت بغير إذنٍ. فلما رأى القوم ذلك سألوا بعض من معي عني. قال: هذا منارة رسول أمير المؤمنين إلى صاحبكم. (قال) فلما صرت في صحن الدار نزلت ودخلت مجلساً رأيت فيه قوماً جلوساً فظنت أن الرجل فيهم. فقاموا ورحبوا بي. فقلت: أفيكم

فلانٌ. قالوا: لا. نحن أولاده وهو في الحمام. فقلت: استعجلوه. فمضى بعضهم يستعجله وأنا أتفقد الدار والأحوال والحاشية فوجدتها ماجت بأهلها موجاً كثيراً. فلم أزل كذلك حتى خرج الرجل بعد أن أطال مكثه. واستربت به وأشد قلقي وخوفي من أن يتوارى إلى أن رأيت شيخاً بزي الحمام يمشي في صحن الدار وحواليه جماعةٌ كهولٌ وأحداثٌ وصبيانٌ. وهم أولاده وغلمانه فعلمت أنه الرجل. فجاء وجلس وسلم على سلاماً خفيفاً. وسألني عن أمير المؤمنين واستقامة أمر حضرته فأخبرته بما وجب. وما قضى كلامه حتى جاؤوا بأطباق فاكهةٍ فقال: تقدم يا منارة وكل معنا. فقلت: ما لي إلى ذلك من سبيل. فلم يعاودني فأكل هو ومن معه. ثم غسل يديه ودعا بالطعام فجاؤوا إليه بمائدةٍ حسنةٍ لم أر مثلها إلا للخليفة. فقال: يا منارة ساعدنا على الأكل. لا يزيدني على أن يدعوني باسمي كما يدعوني الخليفة. فامتنعت عليه فما عاودني. فأكل ومن معه وكانوا تسعةً من أولاده. فتأملت أكله في نفسه فوجدته يأكل أكل الملوك. ووجدت ذلك الاضطراب الذي كان في داره قد سكن ووجدتهم لا يرفعون شيئاً من بين يديه قد وضع على المائدة إلا تهيأ غيره حالاً أعظم وأحسن منه. وقد كان غلمانه أخذوا لما نزلت إلى الدار مالي وغلماني وعدلوا بهم إلى دار أخرى. فما أطاقوا مما نعتهم وبقيت وحدي وليس بين يدي إلا خمسة أو ستة غلمان وقوفٍ على رأسي.

فقلت في نفسي: هذا جبارٌ عنيدٌ فإن امتنع من الشخوص لم أطق إشخاصه بنفسي ولا بمن معي ولا حفظه إلا أن يلحقني أمير البلد. وجزعت جزعاً شديداً ورابني منه استخفافه وتهاونه بأمري. يدعوني باسمي ولا يفكر في امتناعي من الأكل. ولا يسأل عما جئت به ويأكل مطمئناً وأنا مفكرٌ في ذلك. فلما فرغ من أكله وغسل يديه دعا بالنجور فتنجر وقام إلى الصلاة فصلى الظهر وأكثر من الدعاء والابتهال. ورأيت صلاته حسنةً. فلما انتقل من المحراب أقبل علي وقال: ما أقدمك يا منارة. فأخرجت كتاب أمير المؤمنين ودفعته إليه ففضه وقرأه. فلما أستتم قراءته دعا أولاده وحاشيته فأجتمع منهم خلقٌ كثيرٌ. فلم أشك أنه يريد أن يوقع بي. فلما تكاملوا ابتدأ فحلف أيماناً غليظةً فيها الطلاق والعتاق والحج والصدقة والوقف أن لا يجتمع اثنان في موضع واحدٍ. وأمرهم أن ينصرفوا ويدخلوا منازلهم ولا يظهروا إلى أن يكشف لهم أمرٌ يعتمدون عليه وقال: هذا كتاب أمير المؤمنين بالمضي إليه ولست أقيم بعد نظري فيه ساعةً واحدةً. فاستوصوا بمن ورائي من الحريم خيراً. وما لي حاجةٌ أن يصحبني أحدٌ. هات قيودك يا منارة. فدعوت بها وكانت في سفطٍ ومد رجليه فقيدته وأمرت غلماني بحمله حتى صار في المحمل وركبت في الشق الآخر وسرت من وقتي. ولم ألق أمير ولا غيره. وسرت بالرجل وليس معه أحدٌ إلى أن

صرنا بظاهر دمشق. فابتدأ يحدثني بانبساط حتى انتهينا إلى بستانٍ حسنٍ في الغوطة فقال لي: أترى هذا. قلت: نعم. قال: إنه لي. وفيه من غرائب الأشجار كيت وكيت. ثم انتهى إلى آخر فقال مثل ذلك. ثم انتهى إلى مزارع حسانٍ وقرى فقال مثل ذلك: هذا لي. فأشتد غيظي منه. وقلت: ألست تعلم أن أمير المؤمنين أهمه أمرك حتى أرسل إليك من انتزعك من بين أهلك ومالك وولدك وأخرجك فريداً مقيداً مغلولاًُ ما تدري إلى ما يصير إليه أمرك ولا كيف يكون. وأنت فارغ القلب من هذا حتى تصف ضياعك وبساتينك بعد أن جئتك. وأنت لا تفكر فيم جئت به. وأنت ساكن القلب قليل التفكر لقد كنت عندي شيخاً فاضلاً. فقال لي مجيباً: إنا لله وإنا إليه راجعون. أخطأت فراستي فيك. لقد ظننت أنك رجلٌ كامل العقل وأنك ما حللت من الخلفاء هذا المحل إلا لما عرفوك بذلك. فإذا كلامه يشبه كلام العوام. والله المستعان. أما قولك في أمير المؤمنين وإزعاجه وإخراجه إياي إلى بابه على صورتي هذه فإني على ثقةٍ من الله عز وجل الذي بيده ناصية أمير المؤمنين. ولا يملك أمير المؤمنين لنفسه نفعاً ولا ضراً إلا بإذن الله عز وجل. ولا ذنب لي عند أمير المؤمنين أخافه. وبعد فإذا عرف أمير المؤمنين أمري وعرف سلامتي وصلاح ناحيتي سرحني مكرماً. فإن الحسدة والأعداء رموني عنده بما ليس في

وتقولوا علي الأقاويل فلا يستحل دمي ويخرج من إيذائي وإزعاجي. ويردني مكرماً ويقيمني ببلاده معظماً مبجلاً. وإن كان قد سبق في علم الله عز وجل أنه يبدر إلي منه بادرة سوءٍ وقد حضر أجلي وكان سفك دمي على يده. فإني أحسن الظن بالله الذي خلق ورزق وأحيا وأمات. وإن الصبر والرضا والتسليم إلى من يملك الدنيا والآخرة. وقد كنت أحسب أنك تعرف هذا فإذن قد عرفت مبلغ فهمك. فإني لا أكلمك بكلمةٍ واحدةٍ حتى يفرق بيننا أمير المؤمنين إن شاء الله تعالى. ثم أعرض عني فما سمعت منه لفظة غير التسبيح أو طلب ماءٍ أو حاجةٍ حتى شارفنا الكوفة في اليوم الثالث عشر بعد الظهر والنجب قد استقبلتني قبل ستة فراسخ من الكوفة يتجسون خبري. فحين رأوني رجعوا عني متقدمين بالخبر إلى أمير المؤمنين. فانتهيت إلى الباب في آخر النهار فحططت رحلي. ودخلت على الرشيد وقبلت الأرض بين يديه ووقفت. فقال: هات ما عندك يا منارة وإياك أن تغفل منه عن لفظةٍ واحدةٍ. فسقت الحديث من أوله إلى آخره حتى انتهيت إلى ذكر الفاكهة والطعام والغسل والبخور وما حدثتني به نفسي من امتناعه. والغضب يظهر في وجه أمير المؤمنين ويتزايد. حتى انتهيت إلى فراغ الأموي من الصلاة والتفاته إلي وسؤاله عن سبب قدومي ودفعي الكتاب إليه ومبادرته إلى إحضار ولده وأهله وأصحابه وحلفه عليهم أن لا يتبعه أحدٌ

وصرفه إياهم ومد رجليه فقيدته. فما زال وجه الرشيد يسفر حتى انتهيت إلى ما خاطبني به عند توبيخي له لما ركبنا في المحمل فقال: صدق والله ما هذا الرجل إلا محسود على النعمة مكذوب عليه. ولعمري لقد أزعجناه وآذيناه ورعنا أهله. فبادر بنزع قيوده وأتني به. (قال) فخرجت ونزعت قيوده وأدخلته إلى الرشيد. فما هو إلا أن رآه حتى رأيت ماء الحياء يجول في وجه الرشيد. فدنا الأموي وسلم بالخلافة ووقف. فرد عليه الرشيد رداً جميلاً وأمره بالجلوس. فجلس وأقبل عليه الرشيد فسأله عن حاله. ثم قال له: بلغنا عنك فضل هيئةٍ وأمور أحببنا معها أن نراك ونسمع كلامك ونحسن إليك فاذكر حاجتك. فأجاب الأموي جواباً جميلاً وشكر ودعا ثم قال: ليس لي عند أمير المؤمنين إلا حاجةٌ واحدةٌ. فقال: مقضيةٌ فما هي. قال: يا أمير المؤمنين تردني إلى بلدي وأهلي وولدي. قال: نفعل ذلك. ولكن سل ما تحتاج إليه في مصالح جاهك ومعاشك فإن مثلك لا يخلو أن يحتاج إلى شيء من هذا. فقال: يا أمير المؤمنين عما لك منصفون وقد واستغنيت بعدلهم عن مسألتي. فأموري مستقيمةٌ وكذلك أهل بلدي بالعدل الشامل في ظل أمير المؤمنين. فقال الرشيد: أنصرف محفوظاً إلى بلدك واكتب إلينا بأمر إن عرض لك. فودعه الأموي. فلما ولي خارجاً قال الرشيد: يا منارة أحمله من وقتك وسر به رجعاً كما جئت به حتى إذا وصلت إلى مجلسه

استقامة رجل اشتكي عليه ظلما

الذي أخذته منه فودعه وانصرف. قال منارة: فما زلت معه حتى انتهى إلى محله ففرحت به أهله وأعطاني عطاء جزيلاً وانصرفت. (للاتليدي) استقامة رجل اشتكي عليه ظلماً 331 نقل عن الربيع حاجب أبي جعفرٍ المنصور قال: ما رأيت رجلاً أحضر جناناً ولا أربط جأشاً من رجل سعي به إلى المنصور أن عنده ودائع وأموالاً لبني أمية. فأمرني بإحضاره فأحضرته ودخلت به إليه. فقال له المنصور: قد رفع إلينا خبر الودائع والأموال التي عندك لبني أمية فأخرجها لنا. فقال: يا أمير المؤمنين أوارثٌ أنت لبني أمية. قال: لا. قال: أفأنت لهم وصيٌ. قال: لا. فقال له الرجل: إذا فما سبب سؤالك عما في يدي في ذلك. فأطرق المنصور ساعةً ثم رفع رأسه وقال للرجل: إن بني أمية ظلموا المسلمين في هذه الأموال وأنا وكيلهم في حقهم فأريد أن آخذ هذه الودائع وأردها إلى بيت المال. فقال الرجل: يا أمير المؤمنين يلزم في ذلك إقامة البينة العادلة على أن الذي في يدي هو لبني أمية ولنهم قد خانوا به واغتصبوه ظلماً من أموال المسلمين. فإن بني أمية كان لهم أموال غير أموال المسلمين. فعاد المنصور وأطرق إلى الأرض ساعةً ثم رفع رأسه والتفت إلي وقال لي: يا ربيع ما وجب على الرجل عند ناشئٌ. ثم إن المنصور ألتفت إلى الرجل وبشر به

مبتسماً في وجهه وقال له: هل لك من حاجةٍ فأقضيها لك. فقال: نعم يا أمير المؤمنين حاجتي أن تنفذ كتابي على البريد إلى أهلي في الشام ليسكنوا إلى سلامتي فقد راعهم إشخاصي من عندهم. ثم أسألك حاجةً أخرى يا أمير المؤمنين. فقال له: وما هي. فقال: أريد من كرم أمير المؤمنين أن يجمع بيني وبين من سعى بي إليه فو الله ما عندي لبني أمية شيءٌ. ولا في يدي مالٌ ولا وديعةٌ ولا في معرفتي أن لهم عند أحدٍ شيئاً. ولكني لما مثلت بين يديك وسألتني رأيت ما قلته أقرب إلى الخلاص والنجاة. فألتفت أمير المؤمنين المنصور إلي وقال لي: يا ربيع اجمع بينه وبين من سعى به. قال الربيع: فأخذت الرجل وجمعته بالذي سعى به. فحين رآه الرجل قال: هذا غلامي ضرب على ثلاثة آلاف دينار من مالي وأبق بها مني. فلما سمع المنصور ذلك هدده وشدد عليه وأمر بتعذيبه. فأقر عند ذلك الغلام بصدق كلام الرجل وأنه غلامه. وأنه أخذ المال الذي ذكره مولاه وأبق به. وسعى بمولاه ليجري عليه أمر الله ويسلم هو من الوقوع في يده. فالتفت المنصور إلى الرجل وقال: نسألك الصفح عنه. فقال الرجل: يا أمير المؤمنين صفحت عن جرمه وأبرأت ذمته من المال وأعطيته ثلاثة آلاف دينار أخرى. فقال المنصور: ما على ما فعلت من الكرم مزيدٌ. فقال: بلى يا أمير المؤمنين هو كلامك لي وعفوك عني. ثم استأذن

غيلان بن سلمة عند كسرى

وانصرف. وكان المنصور بعد ذلك يذكره يتعجب ويقول لي: ما رأيت قط مثل هذا الرجل يا ربيع. (للاتليدي) غيلان بن سلمة عند كسرى 332 خرج أبو سفيان في جماعةٍ من قريش يريدون العراق بتجارةٍ. فلما ساروا ثلاثاً جمعهم أبو سفيان فقال لهم: إنا من مسيرنا هذا لعلى خطر ما. قدومنا على ملكٍ جبار لم يأذن لنا في القدوم عليه وليست بلاده لنا بمتجرٍ. ولكن أيكم يذهب بالعير فإن أصيب فنحن براء من دمه وإن غنم فله نصف الربح. فقال غيلان بن سلمة: دعوني إذاً فأنا لها ... فلما قدم بلاد كسرى تخلق ولبس ثوبين أصفرين. وشهر أمره وجلس بباب كسرى حتى أذن له فدخل عليه وبينهما شباك من ذهب. فخرج إليه الترجمان وقال له: يقول لك الملك: ما أدخلك بلادي بغير إذني. فقال: قل له: لست من أهل عداوة لك ولا أتيتك جاسوساً لضدٍ من أضدادك. وإنما جئت بتجارة تستمتع بها. فإن أردتها فهي لك. وإن لم تردها وأذنت في بيعها لرعيتك بعتها. وإن لم تأذن في ذلك رددتها. (قال) فجعل يتكلم فإذا سمع صوت كسرى سجد. فقال له الترجمان: يقول لك الملك: لم سجدت. فقال: سمعت صوتاً عالياً حيث لا ينبغي لأحدٍ أن يعلو صوته إجلالاً للملك فعلمت أنه لم يقدم على رفع الصوت هناك غير الملك فسجدت إعظاماً له. (قال) فاستحسن كسرى ما فعل وأمر له بمرفقةٍ

المأمون وراثي البرامكة

توضع تحته. فلما أتى بها رأى عليها صورة الملك فوضعها على رأسه فأستجهله كسرى وأستحمقه. وقال للترجمان: قل له: إنما بعثنا بهذه لتجلس عليها. قال: قد علمت ولكني لما أتيت بها رأيت عليها صورة الملك فلم يكن حق صورته على مثلي أن يجلس عليها. ولكن كان حقها التعظيم فوضعتها على رأسي لأنه أشرف أعضائي وأكرمها علي. فأستحسن فعله جداً. ثم قال له: ألك ولدٌ. قال: نعم. قال: فأيهم أحب إليك. قال: الصغير حتى يكبر. والمريض حتى يبرأ. والغائب حتى يؤوب. فقال كسرى: زه. ما أدخلك علي ودلك على هذا القول والفعل إلا حظك. فهذا فعل الحكماء وكلامهم وأنت من قوم جفاةٍ لا حكمة فيهم. فما غذاؤك. قال: خبز البر. قال: هذا العقل من البر لا من اللبن والتمر. ثم اشترى منه التجارة بأضعاف ثمنها وكساه وبعث معه من الفرس من بني له أطماً بالطائف فكان أول أطمٍ بني بها. (للأصبهاني) المأمون وراثي البرامكة 333 قال خادم المأمون: طلبني أمير المؤمنين ليلةً وقد مضى من الليل ثلثه. فقال لي: خذ معك فلاناً وفلاناً وسماها لي أحدهما علي ابن محمد والآخر دينار الخادم. واذهب مسرعاً لما أقول لك. فإنه بلغني أن شيخاً يحضر ليلاً إلى آثار دور البرامكة وينشد شعراً ويذكرهم ذكراً كثيراً ويندبهم ويبكي عليهم ثم ينصرف. فأمض أنت وعلى

ودينارٌ حتى تردوا تلك الخرابات فاستتروا خلف بعض الجدر. فإذا رأيتم الشيخ قد جاء وبكى وندب وأنشد أبياتاً فأتوني به. (قال) فأخذتهما ومضينا حتى أتينا الخرابات فإذا نحن بغلام قد أتى ومعه بساطٌ وكرسيُ جديدٌ. وإذا شيخٌ قد جاء وله جمالٌ وعليه مهابةٌ ولطفٌ فجلس على الكرسي وجعل يبكي وينتحب ويقول هذه الأبيات: ولما رأيت السيف جندل جعفراً ... ونادى منادٍ للخليفة في يحيى بكيت على الدنيا وزاد تأسفي ... عليهم وقلت الآن لا تنفع الدنيا مع أبياتٍ أطالها. فلما فرغ قبضنا عليه وقلنا له: أحب أمير المؤمنين ففرع فزعاً شديداً وقال: دعوني حتى أوصي بوصية فإني لا أوقن بعدها بحياةٍ. ثم تقدم إلى بعض الدكاكين فأستفتح وأخذ ورقةً وكتب فيها وصية وسلمها إلى غلامه. ثم سرنا به فلما مثل بين يدي أمير المؤمنين فقال حين رآه: من أنت وبم استوجب منك البرامكة ما تفعله في خرائب دورهم. قال الشيخ: يا أمير المؤمنين إن للبرامكة أيادي خطيرة عندي أفتأذن لي أن أحدثك بحالي معهم. قال: قل. فقال: يا أمير المؤمنين أنا المنذر بن المغيرة من أولاد الملوك. وقد زالت عني نعمتي كما تزول عن الرجال. فلما ركبني الدين واحتجت إلى بيع مسقط رأسي ورؤوس أهلي وبيتي الذي ولدت فيه أشاروا علي بالخروج إلى البرامكة فخرجت من

دمشق ومعي نيفٌ وثلاثون رجلاً من أهلي وولدي وليس معنا ما يباع ولا ما يوهب. حتى دخلنا بغداد ونزلنا في بعض المساجد. فدعوت ببعض ثيابٍ كنت أعددتها لأستر بها فلبستها وخرجت. وتركتهم جياعاً لا شيء عندهم. ودخلت شوارع بغداد سائلاً عن البرامكة. فإذا أنا بمسجدٍ مزخرف وفي جانبه شيخٌ بأحسن زيٍ وزينهٍ. وعلى الباب خادمان وفي الجامع جماعةٌ جلوسٌ. فطمعت في القوم ودخلت المسجد وجلست بين أيديهم. وأنا أقدم رجلاً وأؤخر أخرى. والعرق يسيل مني لأنها لم تكن صناعتي. وإذا الخادم قد أقبل ودعا القوم فقاموا وأنا معهم. فدخلوا دار يحيى بن خالدٍ فدخلت معهم وإذا بيحيى جالس على دكةٍ له وسط بستانٍ. فسلمنا وهو يعدنا مائةً وواحداً. وبين يديه عشرةٌ من ولده. وإذا بمائةٍ واثنا عشر خادماً قد أقبلوا ومع كل خادم صينيةٌ من فضةٍ على كل صينيةٍ ألف دينار. فوضعوا بين يدي كل رجلٍ منا صينيةً. فرأت القاضي والمشايخ يصبون الدنانير في أكمامهم ويجعلون الصواني تحت آباطهم ويقول الأول فالأول حتى بقيت وحدي لا أجسر على أخذ الصينية. فغمزني الخادم فجسرت وأخذتها وجعلت الذهب في كمي والصينية في يدي. وقمت وجعلت أتلفت إلى وراءي مخافة أن أمنع من الذهاب. فوصلت وأنا كذلك إلى صحن الدار ويحيى يلاحظني. فقال للخادم: ائتني بهذا الرجل.

فأتى بي. فقال: مالي أراك تتلفت يميناً وشمالاً. فقصصت عليه قصتي فقال للخادم: ائتني بولدي موسى. فأتاه به. فقال له: يا بني هذا رجلٌ غريب فخذه إليك واحفظه بنفسك ونعمتك. فقبض موسى ولده على يدي وأدخلني إلى دار من دوره. فأكرمني غاية الإكرام وأقمت عنده يومي وليلتي في ألذ عيشٍ وأتم سرورٍ. فلما أصبح دعا بأخيه العباس وقال له: الوزير أمرني بالعطف على هذا الفتى وقد علمت اشتغالي في بيت أمير المؤمنين. فأقبضه إليك وأكرمه. ففعل ذلك وأكرمني غاية الإكرام. ثم لما كان من الغد تسلمني أخوه أحمد. ثم لم أزل في أيدي القوم يتداولونني على مدة عشرة أيام لا أعرف خبر عيالي وصبياني أفي الأموات هم أم في الأحياء. فلما كان اليوم الحادي عشر جاءني خادمٌ ومعه جماعةٌ من الخدم. فقالوا: قم فأخرج إلى عيالك بسلام. فقلت: وا ويلاه سلبت الدنانير والصينية وأخرج على هذه الحالة. إنّا لله وإنّا إليه راجعون. فرفع الستر الأول ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع. فلما رفع الخادم الستر الأخير. قال لي: مهما كان لك من الحوائج فأرفعها إلي. فإني مأمورٌ بقضاء جميع ما تأمرني به. فلما رفع الستر الأخير رأيت حجرةً كالشمس حسناً ونوراً. استقبلني منها رائحة الند والعود ونفحات المسك. وإذا بصبياني وعيالي يتقلبون في الحرير والديباج وحمل إلي ألف ألف درهمٍ وعشرة آلاف دينارٍ. ومنشوراً بضيعتين

وتلك الصينية التي كنت أخذتها بما فيها من الدنانير والبنادق. وأقمت يا أمير المؤمنين مع البرامكة في دورهم ثلاث عشرة سنةً لا يعلم الناس أمن البرامكة أنا أم رجلٌ غريبٌ. فلما جاءتهم البلية ونزل بهم يا أمير المؤمنين من الرشيد ما نزل أجحفني عمرو بن مسعدة وألزمني في هاتين الضيعتين من الخراج مالا يفي دخلهما به. فلما تحامل على الدهر كنت في آخر الليل أقصد خرابات دورهم فأندبهم وأذكر حسن صنعهم إلي وأبكي على إحسانهم. فقال المأمون: علي بعمرو بن مسعدة. فلما أتى به قال له: تعرف هذا الرجل. قال: يا أمير المؤمنين هو بعض صنائع البرامكة. قال: كم ألزمته في ضيعتيه. قال: كذا وكذا. فقال له: رد إليه كل ما أخذته منه في مدته وأفرغهما له ليكونا له ولعقبه من بعده. (قال) فعلا نحيب الرجل. فلما رأى المأمون كثرة بكائه قال له: يا هذا قد أحسنا إليك فما يبكيك. قال: يا أمير المؤمنين وهذا أيضاً من صنيع البرامكة. لو لم آت خراباتهم فأبكيهم وأندبهم حتى أتصل خبري إلى أمير المؤمنين ففعل بي ما فعل من أين كنت أصل إلى أمير المؤمنين. قال إبراهيم بن ميمون: فرأيت المأمون وقد دمعت عيناه وظهر عليه حزنه وقال: لعمري هذا من صنائع البرامكة فعليهم فابك وإياهم فاشكر ولهم فأوف ولإحسانهم فاذكر. (للاتليدي)

الباب العاشر

الباب العاشر في الفكاهات 334 قرع قوم على الجاحظ الباب فخرج صبي له. فسألوه ما يصنع. فقال: هو يكذب على الله. قيل: كيف. قال: نظر في المرآة فقال: الحمد لله الذي خلقني فأحسن صورتي. (لكمال الدين الحلبي) 335 تحاكم إلى أبي يوسف القاضي الرشيد وزبيدة في الفالوذج واللوذنيج أيهما أطيب. فقال: أنا لا أحكم على الغائب. فأمر باتخاذهما وتقديمها إليه. فجعل يأكل من هذا مرةً ومن ذاك أخرى حتى نصف الجام. ثم قال: يا أمير المؤمنين ما رأيت أعدل منهما كلما أردت أن أسجل لأحدهما أدلى الآخر بحجته. (للابشيهي) العائد والمريض 336 مرض صديقٌ لحامد بن العباس فأراد أن ينفذ إليه ابنه يعوده. فأوصاه وقال: إذا دخلت فاجلس في أربع الموضع وقل للمريض: ما تشكو. فإذا قال: كذا وكذا فقيل: سليمٌ إن شاء الله. وقل له: ما يجيئك من الأطباء. فإذا قال: فلانٌ. فقل: مباركٌ ميمونٌ. وقل له: ما غذاؤك. فإذا قال: كذا وكذا. فقل طعامٌ محمودٌ. فذهب الابن فدخل على العليل. وكانت بين يديه منارةٌ فجلس عليها لارتفاعها. فسقطت على صدر العليل فأوجعته. ثم جلس فقال

الطبخ المفضل

للعليل: ما تشكو. فقال بضجرة: أشكو علة الموت. فقال: سليمٌ إن شاء الله. قال: فمن يجيئك من الأطباء. قال: ملك الموت. قال: مباركٌ ميمونٌ. قال: فما غذاؤك. فقال: سم الموت. قال طعامٌ طيبٌ محمودٌ. (لكمال الدين الحلبي) الطبخ المفضل 337 من ظريف ما اتفق لأبي الرقعمق قال: كان لي إخوانٌ أربعةٌ وكنت أناديهم في أيام الأستاذ كافور. فأتى إلي رسولهم في يوم باردٍ وليست لي كسوةٌ تحصنني من البرد. فقال الرسول: إخوانك يقرأون عليك السلام ويقولون لك: اصطبحنا اليوم وذبحنا شاةً سمينةً فاشته ما نطبخه لك وأتنا عاجلاً. فكتبت إليهم: إخواننا قصدوا الصبوح بسحرة ... فأتى رسولهم إلي خصيصا قالوا اقترح شيئاً نجد لك طبخه ... قلت اطبخوا لي جبةً وقميصا. فذهب الرسول إليهم بالرقعة. فما شعرت حتى عاد ومعه أربع خلعٍ وأربع صررٍ في كل صرةٍ عشرة دنانير فلبست إحداها وسرت إليهم. 338 وحكى أنه أتى برجل مدني سكران إلى بعض الولاة فأمر بإقامة الحد عليه. وكان الرجل طويلاً والجلاد قصيراً فلم يتمكن من ضربه. فقال الجلاد تقاصر لينالك الضرب. فقال له: ويلك إلى أكل الفالوذج تدعوني. ولقد وددت لو أني أطول من

الأعرابي وجرو الذئب

عوج ابن عنق وأنت أقصر من يأجوج ومأجوج. (للنواجي) الأعرابي وجرو الذئب 339 حكي أن أعرابياً أخذ جرو ذئبٍ فرباه بلبن شاة فقال: إذا ربيته مع الشاة يأنس بها فيذب عنها ويكون أشد من الكلب. فلا يعرف طبع أجناسه. فلما قوي وثب على شاته فافترسها. فقال الأعرابي: بقرت شويهتي وفجعت قلبي ... وأنت لشاتنا ولد ربيب غذيت بدرها وربيت فينا ... فمن أنباك أن أباك ذيب عدل غريب 340 جاءت امرأةٌ إلى قاض فقالت: مات زوجي وترك أبويه وولداً وامرأةً وأهلاً وله مالٌ. فقال لأبويه الثكل. ولولده اليتم. ولامرأته الخلف. ولأهله القلة والذلة. والمال يحمل إلينا حتى لا يقع فيه بينكم خصومةٌ. (للثعالبي) أبو دلامة وابن سليمان في الصيد 341 روي أن أبا دلامة كان منحرفاً على علي بن سليمان فاتفق أن خرج المهدي إلى الصيد ومعه علي وأبو دلامة. فرمى المهدي ظبياً عن له فأنفذ مقاتله. ورمى علي بن سليمان فاصطاد كلباً من كلاب الصيد فارتجل أبو دلامة: قد رمى المهدي ظبياً ... شك بالسهم فؤاده

الفتى والحمار

وعلي بن سليما ... ن رمى كلباً فصاده فهنيئاً لهما ك ... ل فتى يأكل زاده فضحك المهدي حتى كاد يسقط (بدائع البدائة للازدي) 342 يحكى أن أعرابياً استضاف حاتماً فلم ينزله. فبات جائعاً مقروراً. فلما كان في السحر ركب راحلته وانصرف. فتقدمه حاتمٌ. فلما خرج من بين البيوت لقيه متنكراً فقال له: من كان أبا مثواك البارحة. قال: حاتمٌ. قال: فكيف كان مبيتك عنده. قال: خير مبيتٍ. نحر لي ناقةً فأطعمني لحماً عبيطاً وأسقاني الخمر. وعلف راحلتي وسرت من عندهٍ بخير حالٍ. فقال له: أنا حاتمٌ. وإنك لا تبرح حتى ترى ما وصفت فرده. وقال له: ما حملك على الكذب. فقال له الأعرابي: إن الناس كلهم يثنون عليك بالجود. ولو ذكرت شراً كنت أكذب. فرجعت مضطر إلى قولهم إبقاء على نفسي لا عليك. (للشريشي) الفتى والحمار 343 قيل مضى فتىً في طريق على حمارٍ له حتى أمسى فنزل في منزلٍ بالطريق. وإذا برجل قد أقبل على مهرٍ فاستقبله الفتى وحياه فأنس به. وجلساً يتحادثان برهةً فاستلطفه الرجل. ثم دعا بطعام فحضر. ودعا بعلفٍ لمهرة فقدم إليه. وجلس يأكل والفتى. ولم يكن معه نفقةٌ لعلف حماره فنظر إلى الرجل وقال:

أبو دلامة في بيت الدجاج

يا سيدي نظمي يعاب بنثركا ... فلذاك شعري لا يقاس بشعركا أوليتني فضلاً وإني عاجزٌ ... ما طال عمري أن أقوم بشكركا أنا في ضيافتك العشية كلها ... فاجعل حماري في ضيافة مهركا فضحك الرجل. وقال: ما هي إلا غفلةٌ مني. ودعا بعلفٍ للحمار كعلف المهر فقدم إليه. (لابن خلكان) 344 قيل لرجل جبانٍ في بعض الوقائع: تقدم. فأنشأ يقول: وقالوا تقدم قلت لست بفاعلٍ ... أخاف على فخارتي أن تحطما فلو كان لي رأسان أتلفت واحداً ... ولكنه رأسٌ إذا راح أعقما ولو كان مبتاعاً لدى السوق مثله ... فعلت ولم أحقل بأن أتقدما فأوتم أولاداً وأرمل نسوةً ... فكيف على هذا ترون التقدما أبو دلامة في بيت الدجاج 345 كان المهدي قد كسا أبا دلامة ساجاً فأخذ به وهو سكران. فأتى به إلى المهدي فأمر بتمزيق الساج عليه وأن يحبس في بيت الدجاج. فلما كان في بعض الليل وصحا أبو دلامة من سكره ورأى نفسه بين الدجاج صاح: يا صاحب البيت. فاستجاب له السجان وقال: ما لك يا عدو الله. قال: ويلك من أدخلني مع الدجاج. قال: أعمالك الخبيثة. أتي بك أمير المؤمنين وأنت سكران. فأمر بتمزيق ساجك وحبسك مع الدجاج. قال له: ويلك ارقب لي سراجاً وجني بدواةٍ وورقٍ. فكتب أبو دلامة إلى المهدي:

في أي الاثنين أغلب على الرجل الأدب أو الطبع

أمير المؤمنين فدتك نفسي ... علام حبستني وخرقت ساجي أقاد إلى السجون بغير ذنبٍ ... كأني بعض عمال الخراج ولو معهم حبست لهان ذاكم ... ولكني حبست مع الدجاج دجاجاتٌ يطيف بهن ديكٌ ... ينادي بالصياح إذا يناجي وقد كانت تخبرني دنوبي ... بأني من عذابك غير ناجي على أني وإن لاقيت شراً ... لخيرك بعد ذاك الشر راجي ثم قال أوصلها إلى أمير المؤمنين فأوصلها إليه السجان. فلما قرأها أمر بإطلاقه وأدخله عليه فقال له: أين بت الليلة أبا دلامة. قال: في بيت الدجاج يا أمير المؤمنين. قال: فما كنت تصنع. قال: كنت أقوقي معهن حتى أصبحت. فضحك المهدي وأمر له بصلةٍ جزيلةٍ وخلع عليه كسوةً شريفةً. في أي الاثنين أغلب على الرجل الأدب أو الطبع 346 قيل إن ملكا من ملوك فارس كان له وزيرٌ حازمٌ مجربٌ فكان يصدر عن رأيه ويتعرف اليمن في مشورته. ثم إنه هلك ذلك الملك وقام بعده ولده فأعجب بنفسه مستبداً برأيه ومشورته. فقيل له: إن أباك كان لا يقطع أمراً دونه. فقال: كان يغلط فيه وسأمتحنه بنفس. فأرسل إليه فقال له: أيهما أغلب على الرجل الأدب أو الطبيعة. فقال له الوزير: الطبيعة أغلب لأنها أصلٌ والأدب فرعٌ. وكل فرعٍ يرجع إلى أصله. فدعا بسفرته فلما وضعت أقبلت سنانير

المستخبر عن وفاة أبيه

بأيديهما الشمع فوقفت حول السفرة فقال للوزير: اعتبر خطأ وضعت مذهبك متى كان أبو هذه السنانير شماعاً. فسكت عنه الوزير وقال: أمهلني في الجواب إلى الليلة المقبلة. فقال: ذلك لك. فخرج الوزير فدعا بغلام له فقال: التمس لي فأراً واربطه في خيطٍ وجني به. فأتاه به الغلام فعقده في سبنيته وطرحه في كمه. ثم راح من الغد إلى الملك فلما حضرت سفرته أقبلت السنانير بالشمع حتى حفت بها فحل الوزير الفأر من سبنيته ثم ألقاه إليها. فاستبقت السنانير إليه ورمت بالشمع حتى كاد البيت يضطرم ناراً. فقال الوزير: كيف رأيت غلبة الطبع على الأدب ورجوع الفرع إلى أصله. قال: صدقت. ورجع إلى ما كان أبوه عليه معه. فإنما مدار كل شيءٍ على طبعه والتكلف مذمومٌ من كل وجهٍ. (لابن عبد ربه) المستخبر عن وفاة أبيه 347 بينا قومٌ جلوس عند رجلٍ من أهل المدينة يأكلون عنده حيتاناً. إذا استأذن عليهم أشعب. فقال أحدهم إن من شأن أشعب البسط إلى أجل الطعام. فاجعلوا كبار هذه الحيتان في قصعةٍ بناحيةٍ ويأكل معنا الصغر. ففعلوا وأذن له. فقالوا له كيف رأيك في الحيتان. فقال إن لي عليها لحرداً شديداً وحنقاً لأن أبي مات في البحر وأكلته الحيتان. قالوا له فدونك خذ بثأر أبيك. فجلس ومديده إلى حوتٍ منها صغيرٍ. ثم وضعه عند أذنه وقد نظر إلى

المحب الإيجاز

القصعة التي فيها الحيتان في زاوية المجلس فقال أتدرون ما يقول لي هذا الحوت. قالوا لا. قال إن يقول إنه لم يحضر موت أبي ولا أدركه لأن سنه يصغر عن ذلك. ولكن قال لي عليك بتلك الكبار التي في زاوية البيت فهي أدركت أباك وأكلته. المحب الإيجاز 348 اصطحب نحويٌ ورجلٌ في سفرٍ. فمرض النحوي. وأراد الرجل أن يرجع إلى بلده. فأراد النحوي أن يحمله رسالةً إلى أهله فقال له: قل لأهلي: لقد أصابه صدعٌ في رأسه. وبلى بوجع أضراسه. ووقعت الخمدة في أنفاسه. وقد فترت يداه. وتورمت رجلاه. وشخصت عيناه. وانحلت ركبتاه. وأصابه وجع في ظهره. وضربانٌ في صدره. وهزالٌ في طحاله. وتقطعٌ في أوصاله. وخفقان في قلبه. وألم في صلبه وماءٌ في عينيه. وريحٌ في ساقيه. وارتخاءٌ في حنكه. ونبضانٌ في صدغيه. وسكونٌ في نبضه من تواتر غشيانه وسكتةٌ في لسانه. فقال الرجل: يا سيدي الشيخ أنا أكره أن أطيل الكلام ولكن أقول لهم: مات والسلام. البقرة الغارقة 349 حكى في الإحياء أن شخصاً كان له بقرةٌ وكان يشوب لبنها بالماء ويبيعه. فجاء السيل في بعض الأودية وهي واقفةٌ ترى فمر عليها فعرقها. فجلس صاحبها ليندبها. فقال له بعض بنيه: يا أبت لا

السائل والبخيل

تندبها فإن المياه التي كنا نخلطها بلبنها اجتمعت فغرقتها. (للابشيهي) السائل والبخيل 350 قيل إن سائلاً أتى إلى باب رجل من أغنياء أصفهان فسأل شيئاً لله. فسمعه الرجل فقال لعبده: يا مبارك قل لعنبر: يقول لجوهرٍ وجوهرٌ يقول لياقوتٍ وياقوتٌ يقول لألماس وألماس يقول لفيروز وفيروزٌ يقول لمرجان ومرجان يقول لهذا السائل: يفتح الله عليك. فسمعه السائل فرفع يديه إلى السماء وقال: يا رب قل لجبرائيل يقول لميكائيل وميكائيل يقول لدردائيل ودردائيل يقول لكيكائيل وكيكائيل يقول لإسرافيل وإسرافيل يقول لعزرائيل أن يزور هذا البخيل. فخجل التاجر ومضى السائل الحال سبيله. (لليمني) 351 قال بعض الشعراء يصف بخيلاً لا يخرج الزئبق من كفه ... ولو ثقبناها بمسمار يحاسب الديك على نقده ... ويطرد الهر من الدار يكتب في كل رغيفٍ له ... يحرسك الله من الفار 352 قال عبد الله بن سالمٍ الخياط في رجل كثير الكلام: لي صاحبٌ في حديثه البركة ... يزيد عند السكون والحكيه لو قال لا في قيل أحرفها ... لردها بالحروف مشتبكة 353 حكى دعبلٌ قال: كنا عند سهل بن هارون يوماً فوجدناه يتضور جوعاً. ثم إنه نادى غلاماً له وقال: ويحك أين الغداء. فجاء

الإصبع المقطوعة

بقعةٍ فيها ديكٌ مطبوخ. فتأمله ثم قال: أين الرأس. فقال الغلام: رميته. قال: إني لأكره أن يرمى برجله فكيف برأسه. ويحك أما علمت أن الرأس رئيس الأعضاء ومنه يصرخ الديك. ولولا صوته ما أريد. وفيه فرقه الذي يتبرك به. وعينه التي يضرب بها المثل. فيقال شراب كعين الديك. ودماغه مفييدٌ لوجع البطن. ولم أر عظماً أهش تحت الأسنان من عظم رأسه. وهبك ظننت أني لا آكله أما قلت عنده من يأكله. انظر في أي مكانٍ رميته فأتني به. فقال: بحياتك ما أدري أين رميته. قال: لكني أدري وأعرف. رميته في بطنط الله حسبك. نعوذ بالله من البخل وأهله. (للقيرواني) الإصبع المقطوعة 354 قال الشيباني: بلغني أن أعرابيين ظريفين من شاطين العرب حطمتهما سنةٌ فانحدرا إلى العراق. فبينما هما يتماشيان في السوق وأسم أحدهما خندان إذا فارسٌ قد أوطأ دابته رجل خندان فقطع إصبعاً من أصابعه. فتعلقا به حتى أخذ أرش الإصبع. وكانا جائعين مقرورين. فلما صار المال بأيديهما قصد إلى بعض الكرابج فابتاعا من الطعام ما اشتهيا. فلما شبع صاحب خندان أنشأ يقول: فلا غرثٌ ما دام في الناس كربجٌ ... وما بقيت في رجل خندان إصبع السفط المقفل 355 أتي الحجاج بسفطٍ قد أصيب في بعض خزائن كسرى مقفلٍ:

فأمر بالقفل فكسر فإذا فيه سقط آخر مقفل. فقال الحجاج: من يشتري مني هذا السفط بما فيه فتزايد فيه أصحابه حتى بلغ خمسة آلاف دينارٍ. فأخذه الحجاج ونظر فيه فقال: ما عسى أن يكون فيه إلا حماقةً من حماقات العجم. ثم أنفذ البيع وعزم على المشتري أن يفتحه ويريد ما فيه. ففتحه بين يديه فإذا فيه رقعةٌ مكتوب فيها: من أراد أن تطول لحيته فليمشطها من أسفل. (لابن عبد ربه) 356 دخل بشارٌ الضرير على المهدي وعنده خاله يزيد بن منصورٍ الحميري فأنشده قصيدةً يمدحه بها. فلما أتمها قال له يزيد: ما صناعتك أيها الشيخ. فقال له: أثقب اللؤلؤ. فقال له المهدي: أتهزأ بخالي. فقال: يا أمير المؤمنين ما يكون جوابي له وهو يراني شيخاً أعمى أنشد شعراً. فضحك المهدي وأجازه. 357 كان أبو الشمقمق الشاعر الظريف المشهور قد لزم بيته لأطمارٍ رثةٍ كان يستحي أن يخرج بها إلى الناس. فقال له بعض إخوانه يسليه عما رأى من سوء حاله: أبشر يا أبا الشمقمق فقد روي أن العارين في الدنيا هم الكاسون يوم القيامة. فقال له: إن كان ذلك حقاً فإني لأكونن بزازاً يوم القيامة (لبهاء الدين) 358 قال ابن سكرة الهاشمي في صاحب يعرف بابن البرغوث: بليت ولا أقول بمن لأني ... متى ما قلت من هو يصحبوه خليلٌ قد نفى عني رقادي ... فإن أغمضت أيقظني أبوه

الحمار المحبوس

الحمار المحبوس 359 كان على المدينة طائف يقال له صفوان. فجاء الحزين الديلي إلى شيخ من أهل المدينة فاستعاره حماره وذهب إلى العقيق فشرب. وأقبل على الحمار وقد سكر. فجاء الحمار حتى وقف به على باب المسجد كما كان صاحبه عوده إياه. فمر به صفوان فأخذه فحبسه وحبس الحمار فأصبح الحمار محبوساً معه فأنشأ يقول: أيا أهل المدينة خبروني ... بأي جريرةٍ حبس الحمار فما للعير من جرم إليكم ... وما بالعير إن ظلم انتصار فردوا الحمار على صاحبه وضربوا الحزين الحد. (الأغاني) البرهان القاطع 360 ادعى رجلٌ في أيام المأمون أنه إبراهيم الخليل. فقال له المأمون: إن معجزة الخليل الإلقاء في النار. فنحن نلقيك فيها لنرى حالك. قال: أريد واحدةً أخف من هذه. قال: فبرهان موسى إذا ألقى العصا فصارت ثعباناً. قال: هذه أصعب علي من الأولى. قال: فبرهان عيسى وهو إحياء الموتى. قال: مكانك وصلت. أنا أضرب رقبة القاضي يحيى بن أكثم وأحييه لكم في هذه الساعة. فقال يحيى: أنا أول من آمن بك وصدق. فضحك المأمون وأعطاه جائزة. المتظلم من خصمه 361 بينما عبد الله بن جعفر راكب إذ تعرض له رجل في الطريق

سليمان بن عبد الملك والأعرابي

فمسك بعنان فرسه وقال: سألتك بالله أيها الأمير أن تضرب عنقي. فبهت فيه عبد الله وقال: أمعتوهٌ أنت. قال: لا ورأس الأمير. قال: فما الخبر. قال: لي خصم ألد قد لزمني وألح وضيق علي وليس لي به طاقةٌ. قال: ومن خصمك. قال: الفقر. فالتفت عبد الله لفتاه وقال: أدفع له ألف دينار. ثم قال له: يا أخا العرب خذها ونحن سائرون. ولكن إذا عاد إليك خصمك متغشماً فأتنا متظلماً. فإنا منصفوك منه إن شاء الله. فقال الأعرابي: إن معي من جودك ما أدحض به حجة خصمي بقية عمري. ثم أخذ المال وأنصرف. سليمان بن عبد الملك والأعرابي 362 ذكر أن سليمان بن عبد الملك خرج ذات يوم إلى الصيد وكان كثير التطير. فبينا هو في بعض الطريق إذ لقيه رجلٌ أعور. فقال: أو ثقوه. فأوثقوه ومروا به على بئر خرابٍ قد تهجم. فقال سليمان: ألقوه في هذه البئر فإن صدنا في يومنا هذا أطلقناه وإلا قتلناه لتعرضه لنا مع علمه بتطيرنا. فألقوه في تلك البئر فما رأى سليمان في عمره صيداً أكثر من ذلك اليوم. فلما رجعوا ومروا على الرجلٍ أمر بإخراجه. فلما وقف بين يديه قال: يا شيخ ما رأيت أسر وأبر من طلعتك. قال الشيخ: صدقت ولكني أنا ما رأيت أشأم من طلعتك علي. فضحك سليمان وأحسن إليه وأمر بإطلاقه. 363 اعترض بعض الأعراب المأمون فقال: يا أمير المؤمنين

أنا رجلٌ من الأعراب. قال: لا عجب. قال: إني أريد الحج. قال: الطريق واسعةٌ. قال: ليس معي نفقةٌ. قال: قد سقط عنك الحج. قال: أيها الأمير جئتك مستجدياً لا مستفتياً. فضحك المأمون وأمر له بجائزة. (لليمني) 364 كان العماد بن جبريل المعروف بابن أخي العلم صاحب ديوان بيت المال بمصر. وكان قد وقع فانكسرت يده. فقال فيه ابن المسلم العراقي: إن العماد بن جبريل أخي علمٍ ... له يدٌ أصبحت مذمومة الأثر تأخر القطع عنها وهي سارقةٌ ... فجاءها الكسر يستقصي عن الخبر 365 دخل العبسي على بعض الرؤساء فمنعه البواب فقال: حمدت بوابك إذ ردني ... وذمه غيري على رده لأنه قلدني نعمةً ... تستوجب الإغراق في حمده أراحني من قبح ملقاك لي ... وكبرك الزائد في حده 366 كتب سبط بن التعاويذي قصيدةً وسيرها إلى مجاهد الدين الزيني فأجازه جائزة سنيةً. وسير معها بغلةً فوصلت إليه وقد هزلت من تعب الطريق فكتب إليه: مجاهد الدين دمت ذخراً ... لكل ذي فاقة وكنزا بعثت لي بغلة ولكن ... قد مسخت في الطريق عنزا 367 ذكر بعض أصحاب الجزولي اليزدكنتي أنه حضر عنده

الباهلي والأعرابي

ليقرأ عليه قراءة أبي عمرو. فقال بعض الحاضرين: أتريد أن تقرأ على الشيخ النحو. قال: فقلت: لا. فسألني آخر كذلك: فقلت: لا. فأنشد الشيخ وقال: قل لهم: لست للنحو جئتكم ... لا ولا فيه أرغب خل زيداً لشأنه ... أينما شاء يذهب أنا ما لي ولامرئٍ ... أبد الدهر يضرب الباهلي والأعرابي 368 كانت العرب تسنكف الانتساب إلى قبيلة باهلة وتضرب بها المثل في الحمق والجهل. ويحكى أن أعرابياً لقي شخصاً في الطريق فسأله: من أنت. فقال: من باهلة. فرثى له الأعرابي. فقال ذلك الشخص: وأزيدك أني لست من صميمهم ولكن من مواليهم. فأقبل الأعرابي عليه يقبل يديه ورجليه. فقال له: ولم هذا. فقال: لأن الله تبارك وتعالى ما ابتلاك بهذه الرزية في الدنيا إلا ويعوضك الجنة في الآخرة. (لابن خلكان) أبان بن عثمان والأعرابي 369 حدثنا ابن زبنجٍ قال: كان أبان بن عثمان من أهزل الناس وأعبثهم. فبينا نحن ذات يوم عنده وعنده أشعب إذا أقبل أعرابيٌ ومعه جمل له. والأعرابي أشقر أزرق أزعر غضوب يتلظى كأنه أفعى ويتبين الشر في وجهه. ما يدنو منه أحدٌ إلا شتمه ونهره. فقال

فكاد يدخل بعضه في بعضٍ غيظاً. ولم يقدر على الكلام. ثم قال: هات قلنسوتي فأخرج قلنسوةً طويلةً خلقةً قد علاها الوسخ والدهن وتخرقت تساوي نصف درهمٍ. فقال: قوم. قال: قلنسوة الأمير تعلو هامته ويصلي فيها الصلوات الخمس ويجلس للحكم ثلاثون ديناراً. قال: أثبت. فأثبت ذلك ووضعت القلنسوة بين يدي الأعرابي. فتربد وجهه وجحظت عيناه وهم بالوثوب ثم تماسك وهو متقلقلٌ. ثم قال لأشعب: هات ما عندك. فأخرج خفين خلقين قد نقبا وتقشرا وتفتقا. فقال: قوم. قال: خفا الأمير يطأ بهما الروضة ويعلو بهما المنبر أربعون ديناراً. فقال: ضعهما بين يديه. فوضعهما ثم قال للأعرابي: اضمم إليك متاعك وقال لبعض الأعوانٍ: اذهب فخذ الجمل. وقال لآخر: امض مع الأعرابي فاقبض منه ما بقي لنا عليه من ثمن المتاع وهو عشرون ديناراً. فوثب الأعرابي فأخذ القماش فضرب به وجوه القوم لا يألو في شدة الرمي به. ثم قال للأمير: أتدري أصلحك الله من أي شيءٍ أموت. قال: لا. قال: لم أدرك أباك عثمان فأشترك والله في دمه إذ ولد مثلك. ثم نهض مثل المجنون حتى أخذ برأس بعيره. وضحك أبانٌ حتى سقط وضحك كل من كان معه. وكان الأعرابي بعد ذلك إذا لقي أشعب يقول له: يا ابن الخبيثة حتى أكافئك على تقويمك المتاع يوم قوم. فيهرب أشعب منه. (الأغاني)

الباب الحادي عشر

الباب الحادي عشر في النوادر 370 أمسك على النابغة الجعدي الشعر أربعين يوماً فلم ينطق. ثم إن بني جعدة غزوا قوماً فظفروا فلما سمع فرح وطرب فاستحثه الشعر فذل له ما استصعب عليه. فقال له قومه: بحياتك لنحن بإطلاق لسان شاعرنا أسر من الظفر بعدونا. (لبهاء الدين) وضع الشطرنج 371 لما افتخر ملوك فارس على ملوك الهند بوضع الملك نردشير لنفسه النرد وضع صصّه الحكيم الشطرنج وعرضها على الملك وأظهر خفي أمرها ومكنون سرها. فقال له: اقترح ما تشتهي. قال: أن تضع حبة من البر في البيت الأول ولا تزال تضاعفها حتى تنتهي إلى آخر البيوت فمهما بلغ تعطيني. فاستخف الملك عقله واحتقر ما طلب وقال له: كنت أظنك برجاحة عقلك وتوقد فكرك تطلب شيئاً نفيساً. فقال: أيها الملك إنك لما أمرتني بالتمني لم يخطر ببالي غير ذلك ولا سبيل إلى الرجوع عنه. فأمر له الملك لما سأل وتقدم بإحضار الحساب وأمرهم بحساب ذلك. فأعملوا في بلوغ قصده مطايا الأفكار. حتى لاح لهم نجم صدقه فعرفوه بعد

المريض والخنفساء

الإنكار. فلم يجدوا في بلاد الدنيا ما يفي له مراده من البر ولو كانت الرمال من أمداده. (للقليوبي) المريض والخنفساء 372 حكى القزويني أن رجلاً رأى خنفساء فقال: ماذا يريد الله تعالى من خلق هذه. أحسن شكلها أو طيب ريحها. فابتلاه الله تعالى بقرحة عجز عنها الأطباء حتى ترك علاجها. فسمع يوماً صوت طبيب من الطرقيين ينادي في الدرب. فقال: هاتوه حتى ينظر في أمري. فقالوا: وما تصنع بطرقي وقد عجز عنك حذاق الأطباء. فقال: لابد لي منه. فلما أحضروه ورأى القرحة استدعى بخنفساء. فضحك الحاضرون منه. فتذكر العليل القول الذي سبق منه. فقال: أحضروا له ما طلب فإن الرجل على بصيرة من أمره، فأحضروها له فأحرقها وذر رمادها على قرحته فبرئ بإذن الله تعالى. فقال للحاضرين: إن الله تبارك وتعالى أراد أن يعرفني أن أخس المخلوقات أعز الأدوية. (للدميري) النعمان وسنمار 373 بنى النعمان بن امرئ القيس قصراً بظاهر الحيرة في ستين سنة أسمه الخورنق. بناه رجل من الروم يقال له سنمار. وكان يبني على وضع عجيب لم يعرف أحد أن يبني مثله. فلما فرغ من بنائه كان قصراً عجيباً لم يكن للملوك مثله. ففرح به النعمان. فقال

الوزير الحاسد

له سنمار: إني لأعلم موضع آجرة لو زالت لسقط القصر كله. فقال له النعمان: هل يعرفها أحد غيرك. قال: لا. فأمر به فقذف من أعلى القصر إلى أسفله فتقطعت أوصاله. فاشتهر ذلك حتى ضرب به المثل فقال الشاعر: جزاني جزاه الله شر جزائه ... جزاء سنمار وما كان ذا ذنب سوى رصه البنيان ستين حجة ... يعل عليه بالقراميد والسكب فلما رأى البنيان تم شهوقه ... وآض كمثل الطود والشامخ الصعب وظن سنمار به كل حبوة=وفاز لديه بالمودة والقرب فقال اقذفوا بالعلج من فوق رأسه=فهذا لعمر الله من أعجب الخطب فصعد النعمان قلته ونظر إلى البحر تجاهه وإلى البر خلفه والبساتين حوله. ورأى الظبي والحوت والنخل فقال لوزيره: ما رأيت أحسن من هذا البناء قط. فقال له وزيره: له عيب عظيم. قال: وما ذلك. قال: إنه غير باق. قال النعمان: وما الشيء الذي هو باق. قال: ملك الآخرة. قال: فكيف تحصيل ذلك. قال: بترك الدنيا. قال: فهل لك أن تساعدني في طلب ذلك. قال: نعم. فترك الملك وتزهد هو ووزيره. (للقزويني) الوزير الحاسد 374 حكي أن رجلاً من العرب دخل على المعتصم فقربه وأدناه وجعله نديمه. وكان له وزير حاسد فغار من البدوي وحسده وقال

في نفسه: إن لم أحتل على هذا البدوي في قتله أخذ بقلب أمير المؤمنين وأبعدني منه. فصار يتلطف بالبدوي حتى أتى به إلى منزله فطبخ له طعاماً وأكثر فيه من الثوم. فلما أكل البدوي منه قال لك احذر أن تقرب من أمير المؤمنين فيشم منك رائحة الثوم فيتأذى من ذلك فإنه يكره رائحته. ثم ذهب الوزير إلى أمير المؤمنين فخلا به. وقال: يا أمير المؤمنين إن البدوي يقول عنك للناس: إن أمير المؤمنين أبخر وهلكت من رائحة فمه. فلما دخل البدوي على أمير المؤمنين جعل كمه على فمه مخافة أن يشم منه رائحة لثوم. فلما رآه أمير المؤمنين وهو يستر فمه بكمه قال: إن الذي قاله الوزير عن هذا البدوي صحيح. فكتب أمير المؤمنين كتاباً إلى بعض عماله يقول له فيه: إذا وصل إليك كتابي هذا فاضرب رقبة حامله. ثم دعا بالبدوي ودفع إليه الكتاب وقال له: امض به إلى فلان وأتني بالجواب. فامتثل البدوي ما رسم به أمير المؤمنين وأخذ الكتاب وخرج به من عنده فبينما هو بالباب إذ لقيه الوزير فقال: أين تريد. قال: أتوجه بكتاب أمير المؤمنين إلى عامله فلان. فقال الوزير في نفسه: إن هذا البدوي يحصل له من هذا التقليد مال جزيل. فقال له: يا بدوي ما تقول فيمن يريحك من هذا التعب الذي يلحقك في سفرك ويعطيك ألفي دينار. فقال: أنت الكبير وأنت الحاكم ومهما رأيته من الرأي أفل. قال: أعطني الكتاب.

كلب جاد بنفسه

فدفعه إليه وأعطاه الوزير ألفي دينار وسار بالكتاب إلى المكان الذي هو قاصده. فلما قرأ العامل الكتاب أمر بضرب رقبة الوزير. فبعد أيام تذكر الخليفة في أمر البدوي وسأل عن الوزير من أولها إلى آخرها. فقال له: أنت قلت عني للناس إني أبخر. فقال: معاذ الله يا أمير المؤمنين أن أتحدث بما ليس لي به علم وإنما كان ذلك مكراً منه وحسداً. وأعلمه كيف دخل به بيته وأطعمه الثوم وما جرى له معه. فقال أمير المؤمنين: قاتل الله الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله. ثم خلع على البدوي واتخذه وزيراً الوزير بحسده. (اللابشيهي) كلب جاد بنفسه 375 كان ملك عظيم الشأن يحب التنزه والصيد. وكان له كلب قد ربّاه لا يفارقه. فخرج يوماً إلى بعض منتزهاته وقال لبعض غلمانه: قل للطباخ يصلح لنا ثردة بلبن. فجاءوا باللبن إلى الطبّاخ ونسي أن يغطيه بشيء واستغل بالطبخ. فخر من بعض الشقوق أفعى فكرع في ذلك اللبن ونفث في الثردة من سمه. والكب رابض يرى ذلك ولم يجد حيلة تصل بها إلى الأفعى. وكان هناك جارية خرساء زمني قد رأت ما صنع الأفعى. ووافى الملك من الصيد في

إبراهيم الخواص والسبع

آخر النهار فقال: يا غلمان أدركوني بالثردة فلما وضعت بين يديه أومأت الخرساء إليه فلم يفهم ما تقول. ونج الكلب وصاح فلم يلتفت إليه ولج في الصياد فلم يعلم مراده. فقال للغلمان. نحوه عني. ومد يده إلى اللبن بعد ما رمى إلى الكلب ما كان يرمي إليه. فلم يلتفت الكلب إلى شيء من ذلك ولم يلتفت إلى غير الملك. فلما رآه يريد أن يضع اللقمة من اللبن في فمه ظفر إلى وسط المائدة وأدخل فمه وكرع من اللبن وسقط ميتاً وتنثر لحمه وبقي الملك متعجباً من الكلب ومن فعله. فأومأت الخرساء إليهم فعرفوا مرادها وما صنع الكلب. فقال الملك: لحاشيته هذا الكلب قد فداني بنفسه وقد وجب أن نكافئه. وما يحمله ويدفنه غيرّي. فدفنه وبنى عليه قبة في ظاهر المدينة. (للحموي) . إبراهيم الخواص والسبع 376 حكى إبراهيم الخواص قال: في بعض أسفاري انتهيت إلى شجرة قعدت تحتها فإذا سبع هائل يأتي نحوي. فلما دنا مني رأيته يعرج. فإذا يده منتفخة وفيها فتخٌ فهمهم وتركها في حجري. وعرفت أنه يقول: عالج هذه. فأخذت خشبة فتحت بها الفتخ ثم شددتها بخرقة خرقتها من ثوبي. فغاب ثم جاءني ومعه شبلان يبصبصان ورغيف تركه عندي ومشى. (للقزويني)

المطيب أسم الله

المطيب أسم الله 377 كان سبب توبة بشر بن الحارث أنه أصاب في الطريق ورقة وفيها اسم الله تعالى مكتوب. وقد وطئتها الأقدام فأخذها واشترى بدراهم كانت معه غالية. فطيب بها الورقة وجعلها في شق حائط فرأى في النوم كأن قائلاً يقول له: يا بشر طيبت اسمي لأطيبن اسمك في الدنيا والآخرة. فلما تنبه من نومه تاب. (لابن خانكان) الدواء الشافي 378 قال بعض الأبدال مررت ببلاد المغرب على طبيب والمرضى بين يديه وهو يصف لهم علاجهم. فتقدمت إليه وقلت: عالج مرضي يرحمك الله. فتأمل في وجعي ساعة ثم قال: خذ عروق الفقر وورق الصبر مع إهليلج التواضع. واجمع الكل في إناء اليقين وصب عليه ماء الخشية وأوقد تحته نار الحزن. ثم صفّه بمصفاة المراقبة في جام الرضا. وامزجه بشراب التوكل. وتناوله بكف الصدق. واشربه بكأس الاستغفار. وتمضمض بعده بماء الورع. واحتم عن الحرص والطمع فتشفى إن شاء الله تعالى. (لبهاء الدين العاملي) ذكر الأمم التي دخلت في دين النصارى 379 من الأمم المنتصرة أمة الروم. على كثرتها وعظم ملوكها واتساع بلادها. (ومن الكامل وغيره) أن الروم كانت تدين بدين الصابئة ويعبدون أصناماً على أسماء الكواكب. ومازالت الروم

ملوكها ورعيتها كذلك حتى تنصر قسطنطين وحملهم على دين النصارى فتنصروا عن آخرهم. ومن أمم النصارى (الأرمن) كانوا بأرمينية. وقاعدة ملكها خلاط. ولما ملكناها صاروا فيها رعية. ثم تغلبوا وملكوا منا طرسوس والمصيصة وبلاد سيس مدينة بقلعة حصينة هي كرسي ملكهم في زماننا هذا. ومنها (الكرج) بلادهم مجاورة لبلاد خلاط إلى الخليج القسطنطيني وإلى نحو الشمال. ولهم جبال منيعة وقلاع حصينة. والغالب عليهم النصرانية. يلي ملكهم الرجال والنساء بالوراثة. وهم خلق كثير في صلح التتار اليوم. ومنها (الجركس) على شرقي بحر نيطش في شظف من العيش غالبهم نصارى. ومنها (الروس) لهم جزائر في بحر نيطش وبحر القسطنطينية ولهم بلاد شمالي البحر. ومنها (البلغار) نسبة إلى مدينة بسكنونها شمالي نيطش كان غالبهم نصارى فأسلم بعضهم. ومنها (الألمان) أكبر أمم النصارى غربي القسطنطينية إلى الشمال جنودهم كثيرة. قصد ملكهم في مائة ألف مقاتلة صلاح الدين بن أيوب فهلك هو وغالب عسكره في الطريق. ومنها (البرجان أمة بل أمم طاغية مثلثون. بلادهم متوغلة في الشمال. سيرهم منقطعة لبعدهم عناء وجفاء طباعهم. ومنها (الفرنج) أمم أصل بلادهم فرنجة ويقال فرنسة جوار جزيرة الأندلس شمالها يقال لملكهم الفرنسيس. قصد ديار مصر وأخذ دمياط. ثم أسره المسلمون

ذكر أمم الهنود وتقاسيهم وعوائدهم

واستنقذوا دمياط منه بعد موت الملك الصالح أيوب ابن الكامل. وقد غلب الفرنج على معظم الأندلس. ولهم في بحر الروم جزائر مشهورة مثل ثقلية وقبرس وأقريطش. ومنهم (الجنوية) نسبة إلى جنوة مدينة عظيمة. وبلادهم كبيرة غربي القسطنطينية على بحر الروم. ومنهم (البنادقة) مدينتهم البندقية على خليج من بحر الروم تمتد نحو سبعمائة ميل في جهة الشمال والغرب. وهي قريبة من جنوة في البر. بينهما ثمانية أيام. (لابن الوردي) ذكر أمم الهنود وتقاسيهم وعوائدهم 380 أم الهند فرق منهم (الباسوية) . زعموا أن لهم رسولاً ملكاً روحانياً نزل بصورة البشر أمرهم بتعظيم النار والتقرب إليها بالطيب والذبائح. ونهاهم عن القتل والذبح لغير النار. وسن لهم أن يتوشحوا بخيط يعقدونه من مناكبهم الأيامن إلى تحت شمائلهم. وعظم البقر وأمر بالسجود لها حيث رأوها. ومنهم (اليهودية) يقولون: الأشياء كلها صنع الخالق فلا يعافون شيئاً. ويتقلدون بعظام الناس ويمسحون رؤوسهم وأجسادهم بالرماد. ومنهم (عبدة الشمس وعبدة القمر) . ومنهم (عبدة الأصنام) وهم كالصابئة ولكل طائفة صنم. وأشكال الأصنام مختلفة. ومنهم (عباد الماء الجلهكينية) . يزعمون أن الماء ملك وهو أصل كل شيء إذا الرجل عبادة الماء تجرد ودخل الماء إلى وسطه.

ويقيم ساعتين أو أكثر ومعه رياحين يقطعها صغاراً ويليها فيه. وهو يسبح ويقرأ. وإذا أراد الانصراف حرك الماء بيده. ثم نقط منه على رأسه ووجهه وسجد وانصرف. ومنهم (عباد النار والأكنواطرية) . عبادتهم أن يحفروا أخدود مربعاً ويؤججوا به النار ثم لا يدعون طعاماً لذيذاً ولا ثوباً ولا شراباً لطيفاً ولا عطراً فائحاً ولا جوهراً نفيساً إلا طرحوه في تلك النار تقرباً إليها. وحرموا إلقاء النفوس فيها خلافاً لطائفة أخرى. ومنهم (البراهمة) أصحاب فكرة وعلم بالفلك والنجوم. وتخالف طريقتهم منجمي الروم والعجم. لأن أكثر أحكامهم باتصالات الثوابت دون السيارات. يعظمون أمر الفكر ويقولون: هو المتوسط بين المحسوس والمعقول. ويجتهدون في صرف الفكر عن المحسوسات ليتجرد الفكر عن هذا العالم ويتجلى له ذلك العالم. فربما يخبر عن المغيبات. (للشهرستاني باختصار) 381 ومن عوائد أمم الهند إقامة عيد كبير على رأس كل مائة سنة. فيخرج أهل البلد جميعاً من شيخ وشاب وكبير وصغير إلى صحراء خارج البلد فيها حجر كبير منصوب. فينادي منادي الملك لا يصعد على هذا الحجر غلا من حضر العيد السابق قبل هذا. فربما جاء الشيخ الهرم الذي ذهبت قوته وعمي بصره أو العجوز الشوهاء وهي تربض من الكبر. فيصعدان على ذلك الحجر أو أحدهما وربما لا يجيء أحد ويكون قد فني ذلك القرن بأسره. فمن صعد على ذلك

الحجر نادى بأعلى صوت: قد حضرت العيد السابق وأنا طفل صغير وكان ملكنا فلاناً ووزيرنا فلاناً. ثم يصف الأمة السابقة من ذلك القرن كيف طحنهم الموت وأهلكهم البلاء وصاروا تحت الثرى. ثم يقوم خطيبهم فيعظ الناس ويذكرهم بالموت وغرور الدنيا وتقلبها بأهلها. فيكثر في ذلك اليوم البكاء وذكر الموت والتأسف على صدور الذنوب والغفلة عن ذهاب العمر. ثم يتوبون ويكثرون الصدقات ويخرجون من التبعات. (لبهاء الدين العاملي) 382 ومن عوائدهم في مملكة بلهرا وغيره من ملوك الهند من يحرف نفسه بالنار. وذلك لقولهم بالتناسخ وتمكنه في قلوبهم وزوال الشك فيه عنهم. وفي ملوكهم من إذا قعد للملك طبخ له أرز ثم وضع بين يديه على ورق الموز وينتدب من أصحابه الثلاثمائة والأربعمائة باختيارهم لأنفسهم لا بإكراه من الملك لهم. فيعطيهم الملك من ذلك الأرز بعد أن يأكل منه. ويتقرب رجل رجلٌ منهم فيأخذ منه شيئاً يسيراً فيأكله. فيلزم كل من أكل من هذا الأرز إذا مات الملك أو قتل أو يحرقوا أنفسهم بالنار عن آخرهم في اليوم الذي يموت فيه. لا يتأخرون عنه حتى لا يبقى منهم عين ولا إثر. وإذا عزم الرجل على إحراق نفسه صار على باب الملك فاستأذن. ثم دار في الأسواق وقد أججت له النار في حطب جزل كثير. عليها رجال يقومون بإيقادها حتى تصير كالعقيق حرارة والتهاباً. ثم يعدو

نبذة من عوائد السودان

وبين يديه الصنوج دائراً في الأسواق وقد احتوشه أهله وذوو قرابته. وبعضهم يضع على رأسه إكليلاً من الريحان يملأه جمراً ويصب عليه السندروس وهو مع النار كالنفط. ويمشي وهامته تحترق وروائح لحم رأسه تفوح وهو لا يتغير في مشيته. ولا يظهر منه جزع حتى يأتي النار فيثب فيها فيصير رماداً. فذكر بعض من حضر أن رجلاً منهم أراد دخول النار فلما أشرف عليها أخذ الخنجر فوضعه على رأس فؤاده فشقه بيده. ثم أدخل يده اليسرى فقبض على كبده فجذب منها ما تهيأ له وهو يتكلم. ثم قطع بالخنجر منها قطعة فدفعها إلى أخيه استهانة بالموت. وصبر على الألم ثم زج بنفسه في النار إلى لعنة الله. ومن عوائدهم القمار بالديكة والنرد والديكة عندهم عظيمة الأجسام وافرة الصياصي. يستعملون لها من الخناجر الصغار المرهفة ما يشد على صياصيها ثم ترسل. وقمارهم في الذهب والفضة والأرضين والنبات وغير ذلك. فيبلغ الديك الغالب جملة من الذهب. (كتاب سلسلة التواريخ) نبذة من عوائد السودان 383 إن عاصمة ملك السودان تسمى بالغابة ويكتنفها الحدائق والمساكن وبناء بيوتهم بالحجارة وخشب السنط. وللملك قصر وقباب وقد أحاط بذلك كله حائط كالسور. وحول مدينة الملك غابات وشعراء يسكن فيها سحرتهم وهم الذين يقيمون دينهم. وفيها

دكاكيرهم وقبور ملوكهم. ولتلك الغابات حرس ولا يمكن أحداً دخولها ولا معرفة ما فيها. وهناك سجون الملك فإذا سجن فيها أحداً انقطع عن الناس خبرة. وتراجمة الملك من المسلمين وكذلك صاحب بيت ماله وأكثر وزرائه. ولا يلبس المخيط من أهل دين الملك غيره وغير ولي عهده. ويلبس سائر الناس ملاحف القطن والحرير والديباج على قدر أحوالهم. وهم أجمع يحلقون لحاهم. وملكهم يتحلى بحلي النساء في العنق والذراعين. ويجعل على رأسه الطراطير المذهبة عليها عمائم القطن الرفيعة. وهو يجلس للناس والمظالم في قبة. ويكون حوالي القبة عشرة أفراس بثياب مذهبة. ووراء الملك عشرة من الغلمان يحملون الجحف والسيوف المحلاة بالذهب. وعن يمينه أولاد ملوك بلده قد ضفروا على رؤوسهم الذهب وعليهم الثياب الرفيعة. ووالي المدينة بين يدي الملك جالس في الأرض وحواليه الوزراء. وعلى باب القبة كلاب منسوبة لا تكاد تفارق موضع الملك تحرسه. في أعناقها سواجير الذهب والفضة يكون في الساجور عدد رمانات ذهب وفضة. وهم ينذرون بجلوسه بطبل وهو خشبة طويلة منقورة فيجتمع الناس. فإذا دنا أهل دينه منه جثوا على ركبهم ونثروا التراب على رؤوسهم فتلك تحيتهم له. وديانتهم المجوسية وعبادة الدكاكير وإذا مات ملكهم عقدوا له قبة عظيمة من خشب الساج ووضعوها في موضع قبره. ثم أتوا به

فائدة فيما خصت به كل بلدة

على سرير قليل الفرش والوطاء فأدخلوه في تلك القبة. ووضعوا معه حليته وسلاحه وآنيته التي كان يأكل فيها ويشرب. وأدخلوا فيها الأطعمة والأشربة وأدخلوا معه رجالاً ممن كان يخدم طعامه وشرابه. وأغلقوا عليهم باب القبة وجعلوا فوق القبة الحصر والأمتعة. ثم اجتمع الناس فردموا فوقها بالتراب حتى تأتي كالجبل الضخم. ثم يخندقون حولها حتى لا يوصل إلى ذلك إلا من موضع واحد. وهم يذبحون لموتاهم الذبائح ويقربون لهم الخمور. المسالك والممالك للبكري) فائدة فيما خصت به كل بلدة 384 يقال: أفاعي سجستان. وثعابين مصر. وذباب تل قافل. وأوز غيلة. ويقال: برود اليمن. وقباطي مصر. وديباج الروم. وخز السوس. وحرير الصين. وملح مرو. وأكسية فارس. وحلل أصبهان. وسقلاطوني بغداد. وعمائم الأبلة. ويقال: سنجاب خرخيز. وسمور بلغار. وثعالب الخزر. وفنك كاشغر. وحواصل هراة. وقاقم التغرغز. ويقال: عتاق البادية. ونجائب الحجاز. وحمير مصر. وبراذين طخارستان. وبغال برذعة. ويقال: سكر الأهواز. وعسل أصفهان. وقصب مصر. ودبس أرجان. ورطب العراق. وعناب جرجان. وتمر كرمان. وإجاص بست. وسفرجل نيسابور. وتفاح الشام. ومشمش طوس. وكمثر نهاوند. ونارنج البصرة. وفشوش

هراة. وأترج طبرستان. وتين حلوان. وعنب بغداد. وموز اليمن وورد جور. ونيلوفر شروان. وزعفران قم. وتمر حناء مكة. ويقال: طواعين الشام. وطحال البحرين. وحمى خيبر. ودمامل الجزيرة. وعرق مكة. ووباء مصر. وبرسام العراق. وقروح بلح. والنار الفارسية. ويقال: شتاء أرمية. ومصيف مصر. وصواعق تهامة. وزلزال الديبل. ويقالك شقرة الروم. وسواد الزنج. وغلظ الترك. وجفاء الختل. ودمامة الصين. ولطافة بغداد. وقصر يأجوج. وطول مأجوج. وذكاء مصر. وبلادة الشام. وحماقة الحبش. ويقال: رطب توت. ورمان بابه. وموز هتور. وسمك كهيك. ولبن.............. ونبق بشنس. (الكنز المدفون)

العقعق السارق

العقعق السارق 385 حدث حماد بن إسحاق عن أبيه قال: كان لي وأنا صبي عقعق قد بيته وكان يتكلم بكل شيء سمعه. فسرق خاتم ياقوت كان أبي واضعه على حجز ليتوضأ ثم رجع فلم يجده. فطلبه وضرب غلامه الذي كان واقفاً فلم يقف له على خبر. فبينا أنا ذات يوم في دارنا إذ أبصرت العقعق قد نبش تراباً. فأخرج الخاتم منه ولعب به طويلاً ثم رده فيه ودفنه. فأخذته وجئت به إلى أبي فسر بذلك وقال يهجو العقعق:

قصة أصحاب الكهف (سنة 251 للمسيح)

إذا بارك الله في طائر ... فلا بارك الله في العقعق طويل الذنابي قصير الجناح ... متى ما يجد غفلة يسرق يقلب عينيه في رأسه=كأنهما قطرتا زئبق (الأغاني) قصة أصحاب الكهف (سنة 251 للمسيح) 386 كان للروم ملك اسمه دقيانوس (دسيوس) وكان يعبد الأصنام ويذبح للطواغيت. وكان ينزل قرى الروم ولا يترك فيها أحداً مؤمناً إلا فتنه حتى يعبد الأصنام. فنزل يوماً مدينة أصحاب الكهف وهي أفسوس وكان فيها بقايا على دين عيسى بن مريم يعبدون الله. فهرب منه أهل الإيمان. وكان حين قدم المدينة اتخذ شرطة من الكفار من أهلها يتتبعون أهل الإيمان في أماكنهم. فمن وقع به الملك خيره بين القتل وعبادة الأصنام. فمنهم من يرغب ومنهم من يأبى فيقتل. ثم يؤمر بأجسادهم أن تعلق على سور المدينة وعلى كل باب. فاتفق أن سبعة فتيان من أولاد البطارقة من أشراف القوم خرجوا ذات يوم لينظروا إلى المعذبين من إخوتهم. ففتح الله أبصارهم فكانوا يرون الرجل إذا قتل هبطت إليه الملائكة من السماء وعرجوا بروحه. فآمنوا وتضرعوا إلى الله وجعلوا يقولون: ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلهاً لقد قلنا إذا شططنا. اللهم اكشف عن عبادك المؤمنين هذه الفتنة وادفع البلاء والغم عن

الذين آمنوا بك. فبينما هم على ذلك إذ أدركهم الشرطة وكانوا قد دخلوا في مصلى لهم فوجدوهم سجدوا على وجوههم يبكون ويتضرعون إلى الله تعالى فلما عثروا عليهم الملك قال لهم: ما منعكم أن تعبدوا آلهتنا فاختاروا إما أن تذبحوا لآلهتنا وإما أن أقتلكم. فقال مكسلمينا وهو أكبرهم: إن لنا إلهاً ملأت السماوات والأرض عظمته لن ندعو من دونه إلهاً. أما الطواغيت وعبادتها فلن نعبدها أبداً فاصنع ما بدا لك. فلما قال ذلك أمر الملك فنزع منهم الملبوس الذي كان عليهم من لبوس عظمائهم وقال: إن فعلتم ما فعلتم فإني سأؤخركم وأفرغ لكم وأنجزكم ما وعدتكم من العقوبة. وما يمنعني أن أعجل ذلك إلا أني أراكم شباباً حديثة أسنانكم. فلا أحب أن أهلككم حتى أجعل لكم أجلاً تتذاكرون فيه وتراجعون عقولكم. ثم أمر هم فأخرجوا من عنده. وانطلق دقيانوس إلى مدينة سوى مدينتهم لبعض أموره. فلما علم الفتية أن دقيانوس خرج من مدينتهم ائتمروا أن يأخذ كل رجل منهم نفقة من بيت أبيه فيتصدقوا منها ثم يتزدوا بما بقي. ثم ينطلقوا إلى كهف قريب من المدينة فيمكثون فيه ويعبدون الله تعالى. حتى إذا جاء دقيانوس أتوه فقاموا بين يديه فيصنع بهم ما شاء. فلما جنهم الليل خرجوا إلى الجبل وجعلوا نفقتهم إلى فتى منهم يقال له تمليخا. فكان يبتاع لهم طعامهم من المدينة. وكان

من أجملهم وأجلدهم. وكان إذا دخل المدينة لبس ثياب المساكين واشترى طعامهم وتجسس لهم الأخبار. فلبثوا كذلك زماناً. ثم أخبرهم أن الملك يتطلبهم. فبينما هم كذلك عند غروب الشمس يتحدثون ويتدارسون إذ ضرب الله على آذانهم في الكهف. فوقف الملك على أمرهم فألقى إبليس في نفسه أن يأمر بالكهف فيسد عليهم حتى يموتوا جوعاً وعطشاً. وقد توفى الله أرواحهم وفاة النوم. ثم عمد رجلان مؤمنان كانا في بيت الملك فكتبا شأن الفتية وأسماءهم وأنسابهم في رقيم. وجعلاه في تابوت من نحاس وجعلاه في البنيان. وناموا ثلاثمائة سنة وازداد واتسعا وفقدهم الملك وقومهم قال محمد بن إسحاق: وتحزب الناس في ملكه أحزاباً فمنهم من يؤمن بالله ويعلم أن الساعة حق ومنهم من يكذب. فحزن حزناً شديداً لما رأى أهل الباطل. يزيدون ويظهرون على أهل الحق ويقولون: لا حياة إلا الحياة الدنيا. وإنما تبعث الأرواح ولا تبعث الأجساد. ثم إن الرحمان الرحيم أراد أن يظهر الفتية أصحاب الكهف ويبين للناس شأنهم ويجعلهم آية ليعلموا بها أن الساعة آتية لا ريب فيها. فألقى الله في نفس رجل من ذلك الجبل أن يبني فيه حظيرة لغنمه. فاستأجر عاملين فجعلا ينزعان تلك الأحجار ويبنيان بها تلك الحظيرة. حتى فرغ ما على فهم الكهف. فلما فتح عليهم

الباب أذن الله ذو القدرة والعظمة والسلطان محبي الموتى أن يقوم الفتية. فجلسوا فرحين مستبشرة وجوههم طيبة أنفسهم. فسلم بعضهم على بعض. حتى كأنما استيقظوا من ساعتهم التي كانوا يستيقظون فيها إذا أصبحوا من ليتهم التي يبيتون فيها. ثم قاموا إلى الصلاة فصلوا كما كانوا يفعلون لا يرى في وجوههم ولاشك في أبشارهم ولا ألوانهم شيء يكرهونه. إنما هم كهيئتهم حيد رقدوا. وهم يرون أن ملكهم دقيانوس الجبار في طلبهم. فلما قضوا صلاتهم قال لهم مكسلمينا: يا إخوتاه اعلموا أنكم ملاقو الله فلا تكفروا بعد إيمانكم إذا دعاكم غداً. ثم قال لتمليخا: انطلق على المدينة فاسمع ما يقوله الناس في شأننا. فتلطف ولا تشعرن بنا أحداً وابتع لنا طعاماً وأتنا به فإنه قد نالنا الجوع. فأخذ تمليخا الثياب التي كان يتنكر فيها وأخذ ورقاً من نفقتهم التي كانت معهم التي ضربت بطابع دقيانوس. فانطلق تمليخا خارجاً فلما مر بباب الكهف رأى الحجارة منزوعة عن باب الكهف. فعجب منها ثم مر فلم يبال بها. حتى أتى باب المدينة مستخفياً يصد عن الطريق تخوفاً من أن يراه أحد من أهلها فيعرفه فيذهب به إلى دقيانوس الجبار. ولم يسعر أن دقيانوس وأهله قد هلكوا قبل ذلك بثلاثمائة سنة. فلما رأى تمليخا باب المدينة رفع رأسه فرأى فوق ظهر الباب علامة تكون لأهل الإيمان. فلما رآها عجب وجعل ينظر إليها مستخفياً. فنظر يميناً وشمالاً فلم ير أحداً ممن يعرفه.

ثم ترك ذلك الباب وتحول إلى باب آخر من أبوابها فرأى مثل ذلك. فجعل يخيل إليه أن المدنية ليست بالتي كان يعرفها. ورأى ناساً كثيرين محدثين فلم يعرفهم قبل ذلك. فجعل يمشي ويتعجب منهم ومن نفسه ويخيل إليه أنه حيران. ثم رجع إلى الباب الذي منه. فجعل يتعجب منه ومن نفسه ويخيل له فيقول: يا ليت شعري أما هذه عشية أمس كان المؤمنون يخفون هذه العلامة العلامة ويستخفون بها. فأما اليوم فأنها ظاهرة لعلي حالم. ثم يرى انه ليس بنائم فأخذ كساءه وجعله على رأسه. ثم دخل المدنية فجعل يمشي بين ظهراني سوقها فيسمع ناساً كثيرين يذكرون الله ثم عيسى بن مريم. فزاده عجباً ورأى كأنه حيران. فقام مسنداً ظهره إلى جدار من جدران المدينة ويقول في نفسه: ما أدري ما هذا أما عشية أمس فما كان على وجه الأرض إنسان يذكر عيسى بن مريم إلا قتل. وأما الغداة فأسمع كل إنسان يذكر أمر عيسى بن مريم ولا يخاف. ثم قال في نفسه: لعل هذه ليست المدنية التي أعرفها أسمع كلام أهلها ولا أعرف أحداً لكني ما أعلم مدنية أقرب من مدينتنا ثم قام كالحيران لا يتوجه وجهاً. ثم لقي فتى من أهل المدينة. فقال: يا فتى ما اسم هذه المدينة. فقال: أفسوس. فقال في نفسه: لعل بي مساً أو أمراً أذهب عقلي. ثم إنه أفاق فقال: لو عجلت الخروج من المدينة قبل أن يفطن بي لكان

أكيس بي. فدنا من الذين يبيعون الطعام فأخرج الورق التي كانت معه فأعطاها رجلاً منهم فقال: يا عبد الله بعني بهذه الورق طعاماً. فأخذها الرجل ونظر إلى ضرب الورق ونقشها وعجب منها. ثم طرحها إلى رجل من أصحابه فنظر إليها. ثم جعلوا يتطارحونها بينهم من رجل إلى رجل وهم يعجبون منها. ثم جعلوا يتشاورون من أجله ويقول بعضهم: إن هذا الرجل قد أصاب كنزاً خبيئاً في الأرض منذ زمان ودهر طويل. فلما رآهم يتشاورون من أجله فرق فرقاً شديداً وحزن حزناً عظيماً. وجعل يرتعد ويظن أنهم فطنوا به وعرفوه وإنما يريدون أن يحملوه إلى ملكهم دقيانوس. وجعل أناس آخرون يأتونه فيتعرفونه فقال لهم وهو شديد الفرق: اقضوا لي حاجتي فقد أخذتم ورقي وإلا فأمسكوا طعامكم فلا حاجة لي فيه. فقالوا له: من أنت يا فتى وما شأنك. إنك لقد وجدت كنزاً من كنوز الأولين وأنت تريد أن تخفيه عنا فانطلق معنا وشاركنا فيه يخف عليك ما وجدت. فإنك إن لم تفعل نأت بك السلطان فنسلمك إليه فيقتلك. فلما سمع قولهم عجب في نفسه وقال قد وقعت في كل شيء أحذر منه. ثم قالوا: يا فتى إنك لا تستطيع أن تكتم شيئاً وجدته ولا تظن في نفسك أن سنخفي عليك فأطرق تمليخا لا يدري ما يقول وما يرجع إليه وفرق حتى لم يحر إليهم جواباً. فلما رأوه لا يتكلم أخذوا كساءه فطوقوه في عنقه. ثم جعلوا يقودونه في سكك المدينة مكبلاً

حتى سمع به كل من فيها فقيل: أخذ رجل عنده كنز. واجتمع عليه أهل المدينة صغيرهم وكبيرهم فجعلوا ينظرون إليه ويقولون: ما هذا الفتى من أهل هذه المدينة وما رأيناه فيها قط وما نعرفه. فجعل تمليخا ما يدري ما يقول لهم مع ما سمع منهم. فلما اجتمع عليه أهل المدينة فرق وسكت ولم يتكلم. ولو قال إنه من أهل المدينة لم يصدق. وكان مستيقناً أن أباه وإخوته بالمدينة وأن حسبه من أهل المدينة من عظماء أهلها وأنهم سيأتونه إذا سمعوا. وقد استيقن أنه عشية أمس كان يعرف كثيراً من أهلها وأنه لا يعرف اليوم من أهلها أحداً. فبينما هو قائم كالحيران ينتظر من يأتيه من بعض أهله إما أبوه أو بعض إخوته فيخلصه من أيديهم إذ اختطفوه فانطلقوا به إلى رئيسي المدينة ومدبريها اللذين يدبران أمرها. وهما رجلان صالحان اسم أحدهما أرموس والآخر إصطفوس. فلما انطلق به إليهما ظن تمليخا إنما ينطلق به إلى دقيانوس الجبار ملكهم الذي هربوا منه. فجعل يلتفت يميناً وشمالاً وجعل الناس يسخرون به كما يسخرون من المجنون والحيران. وجعل تمليخا يبكي ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم إله السماء وإله الأرض أفرغ علي اليوم صبراً وأولج معي روحاً منك تؤيدني به عند هذا الجبار. وجعل يبكي ويقول في نفسه: فرق بيني وبين إخوتي يا ليتهم يعلمون ما لقيت وأين يذهب بي. فلو أنهم يعلمون فيأتون فنقوم جميعاً بين يدي هذا الجبار. فإنا كنا

توافقنا لنكونن معاً لا نكفر بالله ولا نعبد الطواغيت من دون الله عز وجل. فرق بيني وبينهم فلم أرهم ولم يروني. وقد كنا توافقنا أن لا نفترق في حياة ولا موت أبداً. يا ليت شعري ما هو فاعل بي أقاتلي أم لا. ثم انتهى به إلى الرجلين الصالحين أرموس وإصطفوس فلما رأى تمليخا أنه لم يذهب به إلى دقيانوس أفاق وسكن عنه البكاء فأخذ أرموس وإصطفوس الورق فنظرا إليها وعجبا منها. ثم قال له أحدهما: أين الكنز الذي وجدته يا فتى. لهذا الورق يشهد عليك أنك قد وجدت كنزاً. فقال له تمليخا: ما وجدت كنزاً ولن هذا الورق ورق آبائي ونقش هذه المدينة وضربها. ولكني ما أدري ما أقول لكم. قال أحدهما: من أنت. فقال له تمليخا: أما ما أرى فإني كنت أرى أني من أهل هذه المدينة. فقالوا له: من أبوك ومن يعرفك بها. فأنباهم باسم أبيه فلم يجدوا أحداً يعرفه ولا أباه. فقال له أحدهما: أنت رجل كذاب لا تخبر بالحق. فلم يدر تمليخا ما يقول لهم غير أنه نكس رأسه إلى الأرض. فقال بعض من حوله: هذا الرجل مجنون. وقال بعضهم: ليس بمجنون ولكنه يحمق نفسه عمداً لكي يفلت منكم. فقال له أحدهما ونظر إليه نظراً شديداً: أتظن أنا نرسلك ونصدقك أن هذا مال أبيك. ولنقش هذه الورق وضربها أكثر من ثلاثمائة سنة. وأنت غلام شاب تظن أنك تأفكنا وتسخر

بنا ونحن شمط كما ترى. وحولك سراة أهل المدينة وولاة أمرها وخزائن هذه البلدة بأيدينا. وليس عندنا من هذا الضرب درهم ولا دينار. وإني لأظنني سآمر بك فتضرب وتعذب عذاباً شديداً ثم أوثقك حتى تقر بهذا الكنز الذي وجدت. فلما قال له ذلك قال لن تمليخا: أنبئوني عن شيء أسألكم عنه فإن فعلتم صدقتكم ما عندي. قالوا: سل لا نكتمك شيئاً. قال فما فعل الملك دقيانوس. فقالوا له: ليس نعرف اليوم على وجه الأرض ملكاً يسمى دقيانوس. ولم يكن إلا ملكاً قد هلك منذ زمان ودهر طويل وقد هلكت بعده قرون كثيرة. فقال لهم تمليخا: فوالله ما يصدقني أحد من الناس بما أقول. لقد كنا فتية الملك وإنه أكرهنا على عبادة الأوثان والذبح للطواغيت فهربنا منه عشية أمس فنمنا. فلما انتبهنا خرجت لأشتري لأصحابي طعاماً وأتجسس لهم الأخبار فإذا أنا كما ترون. فلما سمع أرموس وإصطفوس ما يقول تمليخا قالا: يا قوم لعل هذه آية من آيات الله عز وجل جعلها الله لكم على يدي هذا الفتى. فانطلقوا بنا معه ليرينا أصحابه كما قال. فانطلق معه أرموس وإصطفوس وانطلق معهما أهل المدينة كبيرهم وصغيرهم نحو أصحاب الكهف لينظروا إليهم. ولما رأى الفتية أصحاب الكهف تمليخا قد احتبس عنهم بطعامهم

وشرابهم عن القدر الذي كان يأتيهم فيه ظنوا أنه قد أخذ وذهب به إلى ملكهم دقيانوس الذي هربوا منه. فبينما هم يظنون ذلك ويتخوفونه إذ سمعوا الأصوات وجلبة الخيل مصعدة نحوهم. فظنوا أنهم رسل الجبار دقيانوس بعث غليهم ليؤتى بهم. فقاموا حين سمعوا ذلك على الصلاة وسلم بعضهم على بعض وقالوا: انطلقوا بنا إلى أخينا تمليخا فإنه الآن بين يدي الجبار دقيانوس ينتظر متى نأتيه. فبينما هم يقولون ذلك وهم جلوس بين ظهراني الكهف فلم يروا إلا أرموس وأصحابه وقوماً وقوفاً على باب الكهف وقد سبقهم تمليخا. فدخل عليهم وهو يبكي فلما رأوه يبكي بكوا معه. ثم سألوه عن شأنه فأخبرهم بخبره وقص عليهم المسألة. فعرفوا عند ذلك أنهم كانوا نياماً بإذن الله تعالى ذلك الزمان كله. وإنما أوقظوا ليكونوا آية للناس وتصديقاً للبعث وليعلموا أن الساعة آتية لا ريب فيها. ثم دخل على أثر تمليخا أرموس فرأى تابوتاً من نحاس مختوماً بخاتم من فضة. فقام بباب الكهف ودعا رجالاً من عظماء أهل المدينة وفتح التابوت عندهم. فوجدوا فيه لوحين من رصاص مكتوباً فيهما عن مكسلمينا وتمليخا ومرطوكش ونوالس وسانيوس وبطنيوس وكشفوطط كانوا فتية هربوا من ملكهم دقيانوس الجبار مخافة أن يفتنهم عن دينهم فدخلوا في هذا الكهف. فلما أخبر بمكانهم أمر بهذا الكهف فسد عليهم بالحجارة. وإنا كتبنا شأنهم وخبرهم ليعلم من بعدهم إن عثروا عليهم. فلما قرؤوه عجبوا وحمدوا الله عز وجل الذي أراهم آية البعث فيهم. ثم رفعوا أصواتهم بحمد الله وتسبيحه. ثم دخلوا على الفتية الكهف فوجدوهم جلوساً بين ظهرانيه ووجوههم مشرقة ولم تبل ثيابهم. فخر أرموس وأصحابه سجداً لله تعالى وحمدوا الله الذي أراهم آية من آياته. ثم كلم بعضهم بعضاً وأنبأهم الفتية عن الذي لقوا من ملكهم دقيانوس

الجبار. ثم إن أرموس وأصحابه بعثوا بريداً على ملكهم الصالح تاودسيوس أن عجل لعلك تنظر على آية من آيات الله تعالى جعلها الله آية على ملكك. وجعلها أية للعالمين ليكون ذلك نوراً وضياءً وتصديقاً بالبعث. فأعجل على فتية بعثهم الله وكان قد توفاهم منذ أكثر من ثلاثمائة سنة. فلما أتى الملك الخبر قام من السدة التي كان عليها وذهب عنه همه. وقال: أحمد الله رب العالمين رب السماوات والأرض وأعبدك وأسج لك. تطولت علي ورحمتني برحمتك فلم تطفئ النور الذي كنت جعلته لآبائي. فلما أنبئ به أهل المدينة ركبوا إليه وساروا معه حتى صعدوا نحو الكهف وأتوه فلما أرى الفتية تادوسيوس فرحوا به وخروا سجداً على وجوههم. وقام تاودوسيوس قدامهم ثم اعتنقهم وبكى.

الباب الثاني عشر في الأسفار

وهم جلوس بين يديه على الأرض يسجون الله تعالى ويحمدونه. ثم قال الفتية لتادودسيوس: نستودعك الله ونقرأ عليك السلام حفظك الله ومد ملكك ونعيذك بالله من شر الجن والإنس. فبينما الملك قائم رجعوا إلى مضاجعهم فناموا وتوفى الله أرواحهم. وقام الملك فجعل ثيابه عليهم. وأمر أن يجعل لكل واحد تابوت من ذهب. فلما أمسوا ونام أتوه في المنام وقالوا: إنا لم نخلق من ذهب ولا فضة ولكنا خلقنا من التراب وإلى التراب نصير. فاتركنا كما كنا في الكهف على التراب حتى يبعنا الله. فأمر الملك حينئذ بتابوت من ساج فجعلوا فيه. وحجبهم الله حين خرجوا من عندهم بالرعب فلم يقدر أحد أن يطلع عليهم. وأمر الملك فجعل على باب الكهف مسجداً يصلى فيه. وجعل لهم عيداً عظيماً. (للدميري بتلخيص) الباب الثاني عشر في الأسفار 387 السفر أحد أساب المعاش التي بها قوامه ونظامه لأن الله تعالى لم يجمع منافع الدنيا في أرض بل فرقها وأحوج بعضها إلى بعض. ومن فضله أن صاحبها يرى من عجائب الأمصار. وبدائع الأقطار.

ومحاسن الآثار. ما يزيده علماً. ويفيده فهماً. بقدرة الله وحكمته. ويدعوه إلى شكر نعمته. ويسمع العجائب. ويكسب التجارب. ويفتح المذاهب. ويجلب المكاسب. ويشد الأبدان. وينشط الكسلان. ويسلي الأحزان. ويطرد الأسقام. ويشهي الطعام. ويحط سورة الكبر. ويبعث على طلب الذكر. وقال حاتم طيء: إذا لزم البيوت رأيتهم عماة عن الأخبار خرق المكاسب. 388 وفي المبهج: من آثر السفر على العقود. فلا يبعد أن يبعد أن يعود مورق العود. وربما أسفر السفر عن الظفر. وتعذر في الوطن قضاء الوطر. وتقول العامة: كلب جوال خير من أسد رابض. (للمقدسي) قال علي بن أبي طالب: تغرب عن الأوطان في طلب العلى ... وسافر ففي الأسفار خمس فوائد تفرج هم واكتساب معيشة ... وعلم وآداب وصحبة ماجد فإن قيل في الأسفار ذل ومحنة ... وقطع الفيافي وارتكاب الشدائد فموت الفتى خير له من مقامة ... بدار موان بين واش وحاسد 389 قال المأمون: لا شيء ألذ من السفر في كفاية لأنك تحل كل يوم في محلة لم تحلها وتعاشر قوماً لم تعاشرهم. وفي كتاب الهند: من لم يركب الأهوال لم ينل الرغائب. قال الشاعر: لا يمنعنك خفض العيس في دعة ... من أن تبدل أوطاناً بأوطان تلقى بكل بلاد إن حللت بها ... أهلاً بأهل وإخواناً بإخوان

وقال أيضاً: بلاد الله واسعة فضاء ... ورزق الله في الدنيا فسيح فقل للقاعدين على هوان ... إذا ضاقت بكم أرض فسيحوا قال غيره: اشد من فاقه الزمان ... مقام حر على هوان فاسترزق الله واستعنه ... فإنه خير مستعان وإن نبا منزل بحر ... فمن مكان إلى مكان قال آخر: سافر تجد عوضاً عمن تفارقه ... وانصب فإن لذيذ العيش في النصب ما في المقام لذي لب وذي أدب ... معزة فاترك الأوطان واغترب إني رأيت وقوف الماء يفسده ... إن ساح طاب وإن لم يجر يطب والبدر لولا أفول منه ما نظرت ... إليه في كل حين عين مرتقب والأسد لولا فراق الغاب ما قنصت=والسهم لولا فراق القوي لم يصب والتبر كالترب ملقى في معادنه ...

والعود في أرضه نوع من الحطب فإن تغرب هذا عز مطلبه ... وإن أقام فلا يعلو إلى الرتب 390 أوصى بعض الحكماء صديقاً له وقد أراد سفراً فقال: إنك تدخل بلداً لا تعرفه ولا يعرفك أهله فتمسك بوصيتي تنفق بها فيه. عليك بنظافة البزة فإنها تنبئ عن النشء في النعمة. والأدب الجميل فإنه يكسب المحبة. وليكن عقلك دون دينك وقولك دون فعلك ولباسك دون قدرك. والزم الحياء والأنفة فإنك إن استحيت من الفظاظة اجتنبت الخساسة. وإن أنفت عن الغلبة لم يتقدمك نظير في مرتبة. قال أو الفتح البستي: لئن تنقلت من دار إلى دار ... وصرت بعد ثواء رهن أسفار فالحرُّ حرٌّ عزيز النفس حيث ثوى ... والشمس في كل برج ذات أنوار 391 أوصت أعرابية ابنها في سفر فقالت: يا بني إنك تجاور الغرباء، وترحل عن الأصدقاء. ولعلك لا تلقى غير الأعداء. فخالط الناس بجميل البشر. واتق الله في العلانية والسر. مثل بنفسك مثال ما استحسنت من غيرك فاعمل به. وما استقبحت من غيرك فاجتنبه. فإن المرء لا يرى عيب نفسه. (للقيرواني) 392 قال بعض الحكماء: الغريب كالغرس الذي زايل أرضه

سفر ابن بطوطة إلى القسطنطينية (سنة 1334 م)

وفقد شربه ذاو لا يزهر. وذابل لا يثمر. ويقال: الغريب كالوحش النائي عن وطنه فهو لكل رام رمية ولك سبع فريسة. وقال آخر: الغريب كاليتيم الفطيم الذي ثكل أبويه فلا أم ترأمه ولا أب يرأف به. ويقال: عسرك في بلدك خير من يسرك في غربتك. قال بعضهم: يا نفس ويحك في التغرب ذلة ... فتجرعي كأس الأذى وهوان وإذا نزلت بدار قوم دارهم ... فلهم عليك تعزز الأوطان قال الطريفي: أرى وطني كعش لي وكن ... أسافر عنه في طلب المعاش ولولا أن كسب القوت فرض ... لما برح الفراخ من العشاشا (للمقدسي) سفر ابن بطوطة إلى القسطنطينية (سنة 1334 م) 393 رغبت الخاتون بيلون ابنة ملك الروم من السلطان أوزبك زوجها أن يأذن لها في زيارة أبيها. فسافرنا في العاشر من شوال في صحبة الخاتون بيلون وتحت حرمتها. ورحل السلطان في تشييعها مرحلة ورجع هو والملكة وولي عهده. وسافر سائر الخواتين في صحبتها مرحلة ثانية ثم رجعن. وسافر صحبتها الأمير بيدرة في خمسة آلاف من عسكره. وكان عسكر الخاتون نحو خمسمائة فارس. منهم خدامها من المماليك والروم نحو مائتين والباقون من الترك.

وكان معها من الجواري نحو مائتين أكثرهم روميات وكان لها من العربات نحو أربعمائة عربة ونحو ألفي فرس لجرها وللركوب. وكان معها من الفتيان الروميين عشرة ومن الهنديين مثلهم وقائدهم الأكبر يسمى بسنبل الهندي وقائد الروميين يسمى بميخائيل. ويقول له الأتراك لؤلؤاً. وهو من الشجعان الكبار. وتركت أكثر جواريها وأثقالها بمحلة السلطان غذ كانت قد توجهت برسم الزيارة. وتوجهنا إلى مدينة أكك وهي مدينة متوسطة حسنة العمارة كثيرة الخيرات شديدة البرد. وعلى مسيرة يوم من هذه المدينة جبال الروس. وهم شقر الشعور زرق العيون قباح الصور أهل غدر وعندهم معادن الفضة ومن بلادهم يؤتى بسبائك الفضة التي بها يباع ويشترى في هذه البلاد ووزن السبيكة منها خمس أواق. ثم وصلنا بعد عشر من هذه المدينة إلى مدينة سرداق وهي على ساحل البحر ومرساها من أعظم المراسي وأحسنها. وبخارجها البساتين والمياه وينزلها الترك وطائفة من الروم تحت ذمتهم. وهم أهل الصنائع وأكثر بيوتها خشب. وكانت هذه المدينة كبيرة فخرب معظمها بسبب فتنة وقعت بين الروم والترك. وكانت الضيافة تحمل إلى الخاتون في كل منزل من تلك البلاد من الخيل والغنم والبقر وألبان البقر والغنم. والسفر في هذه البلاد مضحى ومعشى. وكل أمير بتلك البلاد يصحب الخاتون بعساكره إلى آخر حد بلاده

تعظيماً لها لا خوفاً عليها. لأن تلك البلاد آمنة. ثم وصلنا إلى البلدة المعروفة باسم سلطوق وبينها وبين أول عمالة الروم ثمانية عشر يوماً في برية غير معمورة. منها ثمانية أيام لا ماء ها يتزود لها الماء ويحمل في الروايا والقرب على العربات. وكان دخولنا إليها في أيام البرد في منتصف ذي القعدة قلم نحتج إلى كثير من الماء. ورحلنا في هذه البرية ثمانية عشر يوماً مضحى ومعشى. وما رأينا إلا خيراً. ثم وصلنا بعد ذك إلى حضن مهتولي وهو أول عمالة الروم. وكانت الروم قد سمعت بقدوم هذه الخاتون على بلادها فوصلها على هذا الحصن كفالي نقوله الرومي في عسكر عظيم وضيافة عظيمة. وجاءت الخواتين من دار أبيها ملك القسطنطينية. وبين مهتولي والقسطنطينية مسيرة اثنين وعشرين يوماً منها ستة عشر يوماً على الخليج وستة منه إلى القسطنطينية ولا يسافر من هذا الحصن إلا بالخيل والبغال. وتترك العربات به لأجل الوعر والجبال. وجاء كفالي المذكور ببغال كثيرة وبعثت إلي الخاتون بستة منها وأوصت أمير ذلك الحصن بمن تركته من أصحابي وغلماني مع العربات والأثقال فأمر لهم بدار. ورجع الأمير بيدرة بعساكره ولم يسافر مع الخاتون إلا ناسها. ثم وصلنا حصن مسلمة بن عبد الملك وهو بسفح جبل على نهر زخار يقال له إصطفيلي. ولم يبق من هذا الحصن إلا آثاره وبخارجه قرية كبيرة. ثم سرنا يومين ووصلنا إلى الخليج

وعلى ساحله قرية كبيرة فوجدنا فيه المد فأقمنا حتى كان الجزر. وخضناه وعرضه نحو ميلين. ومشينا أربعة أميال في رمال. ووصلنا الخليج الثاني فخضناه وعرضه نحو ثلاثة أميال. ثم مشينا نحو ميلين في حجارة ورمل ووصلنا الخليج الثالث وقد ابتدأ المد. فتعبنا فيه وعرضه ميل واحد. فعرض الخليج كله مائيه ويابسه اثنا عشر ميلاً. وتصير ماء كلها في أيام المطر فلا تخاض إلا في القوارب. وعلى ساحل هذا الخليج الثالث مدينة الفنيكة وهي صغيرة لكنها حسنة مانعة. وكنائسها وديارها حسان والأنهار تخرقها والبساتين تحفها ويدخر بها العنب والأجاص والتفاح والسفرجل من السنة إلى الأخرى. وأقمنا بهذه المدينة ثلاثةً والخاتون في قصر لأبيها هنالك. ثم قدم أخوها شقيقها واسمه كفالي قراس في خمسة آلاف فارس شاكين في السلاح. ولما أرادوا لقاء الخاتون ركب أخوها المذكور فرساً أشهب ولبس ثياباً بيضاً وجعل على رأسه مظللاً بالجواهر. وجعل على يمينه خمسة من أبناء لملوك وعن يساره مثلهم لابسين البياض أيضاً. وعليهم مظلات مزركشة بالذهب. وجعل بين يديه مائة من المشاءين ومائة فارس قد أسبغوا الدروع على أنفسهم وخيلهم. وكل واحد منهم يقود فرسا مسرجاً مدرعاً عليه شكة فارس من البيضة المجوهرة والدروع والقوس والسيف. وبيده رمح في طرف رأسه راية. وأكثر تلك الرماح مكسوة بصفائح الذهب والفضة.

وتلك الخيل المقودة هي مراكب ابن السلطان وقسم فرسانه على أفواج كل فوج فيه مائتا فارس. ولهم أمير قد قدم أمامه عشرة من الفرسان شاكين في السلاح وكل واحد منهم يقود فرساً. وخلفه عشرة من العلامات ملونة بأيدي عشرة من الفرسان. وعشرة أطبال يتقلدها عشرة من الفرسان. ومعهم ستة يضربون الأبواق والأنفار والصرنايات وهي الغيطات. وركبت الخاتون في مماليكها وجواريها وفتيانها وخدامها. وهم نحو خمسمائة عليهم ثياب الحرير المزركشة بالذهب المرصعة. وعلى الخاتون حلة يقال لها النخ أو النسيج مرصعة بالجوهر. وعلى رأسها تاج مرصع وفرسها مجلل بجل حرير مزركش بالذهب. وفي يديه ورجليه خلاخل الذهب وفي عنقه قلائد مرصعة. وعظم السرج مكسو ذهباً مكلل جوهراً. وكان التقاؤهما في بسيط من الأرض على نحو ميل من البلد. وترجل لها أخوها لأنه أصغر سناً منها وقبل ركابها وقبلت رأسه. وترجل الأمراء وأولاد الملوك وقبلوا جميعاً ركابها وانصرفت مع أخيها. وفي غد ذلك اليوم وصلنا إلى مدينة كبيرة على ساحل البحر لا أثبت الآن اسمها ذات أنهار وأشجار نزلنا بخارجها. ووصل أخو الخاتون ولي العهد في ترتيب عظيم وعسكر ضخم من عشرة آلاف مدرع. وعلى رأسه تاج وعن يمينه نحو عشرين من أبناء الملوك وعن يساره مثلهم. وقد رتب فرساه على ترتيب خيه سواء إلا أن الحفل أعظم والجمع أكثر.

وتلاقت معه أخته في مثل زيها الأول وترجلا جميعاً. وأوتي بخباء حرير فدخلا فيه. ونزلنا على عشرة أميال من القسطنطينية. فلما كان الغد خرج أهلها من رجال ونساء وصبيان ركباناً ومشاة في أحسن زي وأجمل لباس وضربت عند الصبح الأطبال والأبواق والأنفار وركبت العساكر. وخرج السلطان وزوجته أم هذه الخاتون وأرباب الدولة والخواص. وعلى رأس الملك رواق يحمله جملة من الفرسان ورجال بأيديهم عصي طوال في أعلى كل عصا سبه كرة من جلد يرفعون بها الرواق. وفي وسط الرواق مثل القبة يرفعها الفرسان بالعصي. ولما أقبل السلطان اختلطت العساكر وكثر العجاج. ولم أقدر على الدخول فيما بيتهم فلزمت أثقال الخاتون وأصحابها خوفاً على نفسي وذكر لي أنها لمّا قربت من أبويها ترجلت وقبلت الأرض بين أيديهما. ثم قبلت حافري فرسيهما. وفعل كبار أصحابها مثل فعلها في ذلك. وكان دخولنا عند الزوال أو بعده إلى القسطنطينية العظمى. وقد ضربوا نواقيسهم حتى ارتجت الآفاق لاختلاط أصواتها. ولما وصلنا الباب الأول من أبواب قصر الملك وجدنا به نحو مائة رجل معهم قائد لهم فوق دكانه وسمعتهم يقولون: سراكنو سراكنو ومعناه المسلمون. ومنعونا من الدخول. فقال لهم أصحاب الخاتون، إنهم من جهتنا. فقالوا: لا يدخلون إلا الإذن. فأقمنا بالباب وذهب بعض أصحاب

الخاتون فبعث من أعلمها بذلك وهي بين يدي والدها. فذكرت له شأننا فأمر بدخولنا وعين لنا داراً بمقربة من دار الخاتون. وكتب لنا أمراً بأن لا نعترض حيث نذهب من المدينة ونودي بذلك في الأسواق. وأقمنا بالدار ثلاثاً تبعث إلينا الضيافة من الغنم والفاكهة والدراهم والفرش وفي اليوم الرابع دخلنا على السلطان. 394 (ذكر سلطان القسطنطينية) واسمه نكفور ابن السلطان جرجيس وأبوه السلطان جرجيس بقيد الحياة لكنه تزهد وترهب وانقطع للعبادة في الكنائس وترك الملك لوده وسنذكره. في اليوم الرابع من وصولنا إلى القسطنطينية بعثت إلى الخاتون الفتة سنبل الهندي وأخذ بيدي وادخلي إلى القصر فجزنا أربعة أبواب في كل باب سقائف بها رجال وأسلحتهم وقائدهم على دكانة مفروشة. فلما وصلنا إلى الباب الخامس تركني الفتى سنبل ودخل ثم أتى ومعه أربعة من الفتيان الروميين ففتشوني لئلا يكون معي سكين وقال لي القائد: تلك عادة لهم لابد من تفتيش كل من يدخل على الملك من خاص أو عام غريب أو بلدي وكذلك الفعل بأرض الهند. ثم لما فتشوني قام الموكل بالباب فأخذ بيدي وفتح الباب وأحاط بي أربعة من الرجال أمسك اثنان بكمي واثنان من وراءي فدخلوا بي إلى مشور كبير. حيطانه بالفسيفساء قد نقش فيها صور المخلوقات من الحيوانات والجماد. وفي وسطه ساقية ماء

ومن جهتيها الأشجار. والناي واقفون يميناً ويساراً سكوتاً لا يتكلم أحد منهم. وفي وسط المشور ثلاثة رجال وقوف أسلمني أولئك الأربعة إليهم. فأمسكوا بثيابي كما فعل الآخرون وأشار إليهم رجل فتقدموا بي وكان أحدهم يهودياً. فقال لي بالعربي: لا تخف فهكذا عادتهم أن يفعلوا بالوارد. وأنا الترجمان وأصلي من بلاد الشام. فسألته كيف أسلم. فقال: قل: السلام عليكم. ثم وصلت إلى قبة عظيمة والسلطان على سريره وزوجته أم هذه الخاتون بين يديه. وأسفل السرير الخاتون وإخوتها. وعن يمينه ستة رجال وعن يساره أربعة وعلى رأسه أربعة وكلهم بالسلاح فأشار إلي قبل السلام والوصول إليه بالجلوس هنية ليسكن روعي. ففعلت ذلك ثم وصلت إليه فسلمت عليه وأشار إلي أن أجلس فلم أفعل وسألني عن بيت المقدس وعن الصخرة المقدسة وعن القمامة وعن مهد عيسى وعن بيت لحم وعن مدينة الخليل. ثم عن دمشق ومصر والعراق وبلاد الروم فأجبته عن ذلك كله واليهودي يترجم بيني وبينه فأعجبه كلامي وقال لأولاده: أكرموا هذا الرجل وأمنوه. ثم خلع علي خلعة وأمر لي بفرس مسرج ملجم ومظلة من التي يجعلها الملك فوق رأسه وهي علامة الأمان. وطلبت منه أن يعين من يركب معي بالمدينة في كل يوم حتى أشاهد عجائبها وغرائبها وأذكرها في بلادي. فعين لي ذلك. ومن العوائد عندهم أن الذي

يلبس خلعة الملك ويركب فرسه يطاف به بالأبواق والأنفا والأطبال ليراه الناس لئلا يؤذوه. فطافوا بي في الأسواق. 395 (دكر المدينة) . وهي متناهية في الكبر منقسمة بقسمين بينهما نهر عظيم فيه المد والجزر. وكانت عليه فيما تقدم قنطرة مبنية فخربت وهو الآن يعبر في القوارب. واسم هذا النهر أبسمي. وأحد القسمين من المدينة يسمى اصطنبول وهو بالعدوة الشرقية من النهر. وفيه سكنى السلطان وأرباب دولته وسائر الناس. وأسواقه وشوارعه مفروشة بالصفاح متسعة. وأهل كل صناعة على حدة لا يشاركهم سواهم. وعلى كل سوق أبواب تسد عليه بالليل وأكثر الصناع والباعة بها النساء. والمدينة في سفح جبل داخل في البحر نحو تسعة أميال وعرضه مثل ذلك أو أكثر. وفي أعلاه قلعة صغيرة وقصر السلطان. والسور يحيط بهذا الجبل وهو مانع لا سبيل لأحد إليه من جهة البحر. وفيه نحو ثلاث عشرة قرية عامرة. والكنيسة العظمى هي في وسط هذا القسم من المدينة. وأما القسم الثاني منها فيسمى الغلطة وهو بالعدوة الغربية من النهر شبيه برباط الفتح في قرية من النهر. وهذا القسم خاص بنصارى الإفرنج يسكنونه. وهم أصناف فمنهم الجنويون والبنادقة وأهل رومة وأهل إفرنسة وحكمهم إلى ملك القسطنيطينية يقدم عليهم منهم من يرتضونه ويسمونه القمص. وعليهم وظيفة في كل عام لملك القسطنطينية

وربما استعصوا عليه فيحاربهم حتى يصلح بينهم البابا. وجميعهم أهل تجارة. ومرساهم من أعظم المراسي رأيت به نحو مائة جفن من القراقر وسواها من السفن الكبار. وأما الصغار فلا تحصى كثرة. وأسواق هذا القسم حسنة يشقها نهر صغير قذر. 396 (ذكر الكنيسة العظمى) وإنما نذكر خارجها وأما داخلها فلم أشاهده. وهي تسمى عندهم أيا صوفيا. وهي من أعظم كنائس الروم وعليها سور يطيف بها فكأنها مدينة. وأبوابها ثلاثة عشر باباً. ولها حرم هو نحو ميل عليه باب كبير ولا يمنع أحد من دخوله وقد دخلته مع والد الملك. وهو شبه مشور مسطح بالرخام وتشقه ساقية تخرج من الكنيسة. لها حائطان مرتفعان نحو ذراع منتظمة عن جهتي الساقية. ومن باب الكنيسة على باب هذا المشور معرش من الخشب مرتفع عليه دوالي العنب وفي أسفله الياسمين والرياحين. وخارج باب هذا المشور قبة خشب كبيرة فيها طبلات خشب يجلس عليها خدام ذلك الباب. وعن يمين القبة مصاطب وحوانيت أكثرها من الخشب يجلس بها قضاتهم وكتاب دواوينهم. وفي وسط تلك الحوانيت قبة خشب يصعد إليها على درج خشب. وفيها كرسي كبير مطبق بالملف يجلس فوقه قاضيهم. وعن يسار القبة التي على باب هذا المشور سوق العطارين. والساقية التي ذكرناها تنقسم

قسمين أحدهما يمر بسوق العطارين والآخر يمر بالسوق حيث القضاة والكتاب. وعلى باب الكنيسة سقائف يجلس بها خدامها الذين يقمون طرقها ويوقدون سرجها ويغلقون أبوابها. ولا يدعون أحد يدخلها حتى يسجد للصليب الأعظم عندهم الذي يزعمون أنه بقية من الخشبة التي صلب عليها عيسى. وهو على باب الكنيسة مجعول في جعبة ذهب طولها نحو عشرة أذرع. وقد عرضوا عليها جعبة ذهب مثلها حتى صارت صليبا. وهذا الباب مصفح بصفائح الفضة والذهب وحلقتاه من الذهب الخالص وذكر لي أن عدد من بهذه الكنيسة من الرهبان والقسيسين ينتهي إلى مئات. وأن بعضهم من ذرية الحواريين وأن بداخلها كنيسة مختصة بالنساء. ومن عادة الملك وأرباب دولته أن يأتوا كل يوم صباحاً إلى زيارة هذه الكنيسة. 397 (ذكر المانستارات بقسطنطينية) والمانستار عندهم شبه الزاوية عند المسلمين. وهذه المانستارات بها كثيرة فمنها مانستار عمره الملك جرجيس. ومنها مانستاران خارج الكنيسة العظمى عن يمين الداخل إليها وهما في داخل بستان يشقهما نهر ماء وأحدهما للرجال والآخر للنساء وفي كل واحد منهما كنيسة ويدور بهما البيوت للمتعبدين والمتعبدات وقد حبس على كل واحد منهما أحباس لكسوة المتعبدين ونفقتهم. ومنها مانستاران عن يسار الداخل إلى الكنيسة العظمى على مثل هذين الآخرين ويطيف بهما

بيوت. وأحدهما يسكنه العميان والثاني يسكنه الشيوخ الذين لا يستطيعون الخدمة ممن بلغ الستين أو نحوهما. ولكل واحد منهم كسوته ونفقته من أوقاف معينة لذلك. وفي داخل كل مانستار منها دويرة لتعبد الملك الذي بناه وأكثر هؤلاء الملوك إذا بلغ الستين أو السبعين بنى مانستاراً ولبس المسوح وهي ثياب الشعر وقلد ولده الملك واشتغل بالعبادة حتى يموت. وهم يحتفلون في بناء هذه المانستارات ويعملونها بالرخام والفسيفساء وهي كثيرة بهذه المدينة. ودخلت مع الرومي الذي عينه الملك للركوب معي إلى مانستار يشقه نهر وفيه كنيسة فيها كثير من الأبكار عليهن المسوح ورؤوسهن محلوقة فيها قلانيس اللبد وعليهن أثر العبادة. وقال لي الرومي: إن هؤلاء البنات من نبات الملوك وهبن أنفسهم لخدمة هذه الكنيسة. ودخلت معه إلى كنائس فيها الرهبان يكون في الكنيسة منها مائة رجل وأكثر وأقل وكثير من أهل المدينة متعبدون وقسيسون وكنائسها لا تحصى كثرة. وأهل المدينة من جندي وغيره صغير وكبير يجعلون على رؤوسهم المظلات الكبار شتاء وصيفاً. والنساء لهن عمائم كبار. 398 (ذكر الملك المترهب جرجيس) وهذا الملك ولى الملك لابنه وانقطع للعبادة وبنى مانستارا كما ذكرنا خارج المدينة على ساحلها. وكنت يوماً مع الرومي المعين للركوب معي فإذا بهذا الملك ماشياً على قدميه. وعليه المسوح وعلى رأسه قلنسوة لبدٍ وله لحية بيضاء طويلة

ووجه حين عليه أثر العبادة وخلفه وأمامه جماعة من الرهبان وبيده عكاز وفي عنقه سبحة. فلما رآه الرومي نزل وقال لي: أنزل فهذا والد الملك فلما سلم عليه الرومي سأله عني. ثم وقف وبعث عني فجئت إليه فأخذ بيدي وقال لذلك الرومي وكان يعرف اللسان العربي: قل لهذا السراكنو يعني المسلم أنا أصافح اليد التي دخلت بين المقدس والرجل التي مشت داخل الصخرة والكنيسة العظمى التي تسمى قمامة وبيت لحم وجعل يده على قدمي ومسح بها وجهه فعجبت من اعتقادهم فيمن دخل تلك المواضيع من غير ملتهم. ثم أخذ بيدي ومشيت معه فسألني عن بيت المقدس ومن فيه من النصارى وأطال السؤال ودخلت معه إلى حرم الكنيسة الذي وصفناه آنفاً. ولما قارب الباب الأعظم خرجت جماعة من القسيسين والرهبان للسلام عليه وهو من كبارهم في الرهبانية. ولما رآهم أرسل يدي فقلت له أريد الدخول معك إلى الكنيسة. فقال للترجمان: قل له لا بد لداخلها من السجود للصليب الأعظم فإن هذا مما سنته الأوائل ولا يمكن خلافه فتركته ودخل وحده ولم أره بعدها ... ولما ظهر لمن كان في صحبة الخاتون من الأتراك أنها راغبة في المقام مع أبيها طلبوا منها الإذن في العودة على بلادهم فأذنت لهم. وأعطتهم عطاء جزيلاً وأجزلت علي العطاء وأوصت بي أحد أمرائها قودعتها وانصرفت. فكان مدة مقامي عندهم شهراً وستة أيام. (تحفة النظار في عجائب الأسفار)

الباب الثالث عشر في عجائب المخلوقات

الباب الثالث عشر في عجائب المخلوقات في سكان السماوات وهم الملائكة 399 اعلم أن الملائكة جواهر مقدسة عن ظلمة الشهوة وكدورة الغضب. لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. طعامهم التسبيح وشرابهم التقديس. وأنسهم بذكر الله تعالى. وفرحه بعبادته. وقال بعض الحكماء: إن لم يكن في فضاء الأفلاك وسعة السماوات خلائق فكيف يليق بحكمة الباري تعالى تركها فارغة خاوية مع شرف جوهرها. وإنه لم يترك قعر البحار المالحة المظلمة فارغاً حتى خلق فيه أجناس الحيوانات وغيرها. ولم يترك جو الهواء الرقيق حتى خلق له أنواع الطير تسبح فيه كما تسبح السمك في الماء. ولم يترك البراري اليابسة والآجام الوحلة والجبال الراسية الصلبة حتى خلق فيها أجناس السباع والوحوش. ولم يترك ظلمات التراب حتى خلق فيه أجناس الهوام والحشرات. الملائكة أصناف منهم الكروبيون وهم العاكفون في حضرة القدس لا التفات لهم إلى نمير الله تعالى لاستغراقهم بجمال الحضرة الربوبية وجلالها يسبحون الليل والنهار لا يفترون. ومنهم ملائكة السماوات السبع مداومون على التسبيح والتهليل في القيام والقعود

في حقيقة العناصر وطباعها وترتيبها

والركوع والسجود يسبحون الليل والنهار لا يفترون. ومنهم المعقبات. وهم الملائكة الذين ينزلون بالبركات ويصعدون بأرواح بني آدم وأعمالهم بالليل والنهار. ومنهم الملائكة والموكلون بالكائنات هم ملائكة شأنهم إصلاح الكائنات ودفع الفساد عنها. وقد وكل بكل فرد من أفرادها من الملائكة ما شاء الله. في حقيقة العناصر وطباعها وترتيبها 400 ذهبوا إلى أن العنصر هو الأصل في الموضوعات والمراد منه الأجسام التي دون فلك القمر. وتلك الأجسام أمهات والمولدات المعادن والنبات والحيوان ويقال للأمهات الأركان. والأركان أربعة النار والهواء والماء والأرض. فالنار حارة يابسة موضعها الطبيعي تحت الفلك وفوق الهواء. والماء بارد رطب موضعه الطبيعي تحت الهواء وفوق الأرض. والأرض باردة يابسة موضعها الطبيعي الوسط. فصل في فوائد الجبال وعجائبها 401 أما فائدتها العظمى فما قال بعضهم: لو لم تكن الجبال لكان وجه الأرض مستديراً أملس. وكانت مياه البحار تغطيها من جميع جهاتها وتحيط بها إحاطة كرة الهواء بالماء فتبطل الحكمة المودعة في المعادن والنبات والحيوان. فاقتضت الحكمة الإلهية وجود الجبال لما ذكرنا من الحكمة. وقال بعضهم: إن الحبال سبب لوجود الماء العذب السائح على وجه الأرض الذي هو مادة حياة

المعدنيات

النبات والحيوان وذلك لأن سبب هذا الماء إنما هو انعقاد البخار في الجو أعني السحاب. والجبال الشامخة الطوال على بسيط الأرض شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً تمنع الرياح أن تسوق البخار بل تجعلها منحصرة بينها حتى يلحقها البرد فتصير مطراً وثلجاً. فلو فرضت الجبال مرتفعة عن وجه الأرض لكانت الأرض كرة لا غور فيها ولا نتوء فالبخار المرتفع لا يبقى في الجو منحصراً إلى وقت يضربه البرد بل يتخلل ويستحيل هواء فلا يجري الماء على وجه الأرض إلا قد ما ينزل من المطر ثم تنشفه الأرض. فكان يعرض من ذلك أن يكون النبات والحيوان يعدم الماء في الصيف كما في البوادي البعيدة. فاقتضى التدبير الإلهي وجود الجبال لتحصر البخار المرتفع من الأرض بين أغوارها وتمنعه من السيلان وتمنع الرياح أن تسوقه. المعدنيات 402 المعادن لا تكاد تحصى لكن منها ما يعرفه الناس ومنها مالا يعرفونه وهي مقسومة إلى ما يذوب وإلى ما لا يذوب. والذي اشتهر بين الناس من المعادن سبعة وهي الذهب والفضة والنحاس والحديد والقصدير والأسرب والخارصيني. 403 (الذهب) . طبعه حار لطيف لا يحترق بالنار لأن النار لا تقدر على تفريق أجزائه. ولا يبلى ولا يصدأ على طل

الشجر

الزمان. وهو لين أصفر براق طيب الرائحة ثقيل رزين. فصفرة لونه من ناريته. ولينه من دهنيته. وبريقه من صفاء مائيته. وثقله من ترابيته. وهو أشرف نعمه الله على عبادة إذ به قوام أمور الدنيا ونظام أحوال الخلق لاضطرارهم إليه في حاجاتهم. فإن كل إنسان محتاج إلى أعيان كثيرة من مطعمه وملبسه ومسكنه وسائر حاجاته. ولعله يملك ما يستغني عنه كمن يملك الثياب وهو محتاج إلى البر. ولعل صاحب البر لا يحتاج إلى الثياب فلابد من متوسط يرغب فيه كل أحد. فخلق الله تعالى الدراهم والدنانير متوسطين بين الأحشاء حتى يبذلا في مقابلة كل شيء ويبذل في مقابلتها كل شيء. وهما كالقاضيين بين جميع الناس يقضيان حوائج كل من لقيهما. 404 (الحديد (. جسم (بسيط) كدر المادة أسود اللهو. وهو أكثر فائدة من سائر الفلزات وإن كان أقل ثمناً. فيه بأس شديد ومنافع للناس. فالبأس في النصول المتخذة منه. والمنافع في الآلات والأدوات حتى قيل: ما من صنعة إلا وللحديد فيها في أدواتها مدخل. الشجر 405 (الشجر) . هو كل ما له ساق من النبات. والأشجار العظام بمثابة الحيوانات العظام والنجوم بمثابة الحيوانات الصغار. والأشجار

العظام لا ثمر لها كالساج والدلب والعرعر لأن المادة كلها صرفت إلى نفس الشجرة. ولا كذلك الأشجار المثمرة فإن مادتها صرفت إلى الشجرة والثمرة. وقد يشارك النبات الحيوان في أمر التغذية. فإن الغذاء كما يسري في بدن الحيوان لا تبقى شعرة إلا أخذت منها قسطها فكذلك الماء الذي صب في أسفل الشجرة فإنه يعلو إلى الأغصان في داخل تجاويف الأشجار شيئاً فشيئاً حتى ينشر في جميع أوراق الأشجار وفي جميع أطراف الأوراق ويغذي كل جزء من كل ورقة ويجري من تجاويف عروق شعرية صغار ترى في أصل الورق وكأن العرق الكبير نهر. وما يتشعب عنه جداول في جميع عرض الورق فيصل الماء إلى سائر أجزاء الورقة. وكذلك إلى سائر أجزاء الفواكه. ومن عجيب صنع الباري تعالى خلق الأوراق على الأشجار زينة لها ووقاية لثمارها من نكاية الشمس والهواء. ثم إنه تعالى خلقها مرتفعة عن الثمار متفرقة بعض التفريق لا متكاثفة عليها بعيدة عنها لتأخذ الثمار من النسيم تارة ومن الشمس تارة أخرى. ولو تكاثفت عليها حتى منعتها إصابة النسيم وشعاع الشمس لبقيت على فجاجتها غليظة الجلد قليلة المائية. وإذا

سقط عنها بعض الورق أصابتها الشمس وأحرقتها كما ترى في الرمانة التي احترق منها أحد الجوانب. ثم إذا فرغت الثمرة تناثرت الأوراق حتى لا تجذب مائية الشجرة فتضعف قوتها. (القزويني) 406 (البلسان) . لا يوجد اليوم منه إلا بمصر بعين شمس في موضع محاط عليه محتفظ به مساحته نحو سبعة أفدنة. وارتفاع شجرته نحو ذراع وأكثر من ذلك وعليها قشران الأعلى أحمر خفيف والأسفل أخضر ثخين. وإذا مضغ ظهر في الفم منه دهنية ورائحة عطرة. وورقة شبيه بورق السذاب ويجتنى دهنه عند طلوع الشعري بأن تشدخ السوق بعد ما يحت عنها جميع ورقها. وشدخها يكون بحجرة تتخذ محددة ويفتقر شدخها إلى صناعة بحيث يقطع القشر الأعلى ويشق الأسفل شقاً لا ينفذ إلى الخشب. فإن نفذ إلى الخشب لم يخرج منه شيء. فإذا شدخه كما وصفنا أمله ريثما يسيل لثاه على العود فيجمعه بإصبعه مسحاً إلى قرن. فإذا أمتلأ صبه في قناني زجاج ولا يزال كذلك حتى ينتهي جناه وينقطع لثاه. كلما كثر الندى في الجو كان لثاه أكثر وأغزر. وفي الجدب وقلة الندى يكون اللثى أنزر. ثم تؤخذ القناني فتدفن إلى القيظ وحمارة الحر وتخرج من الدفن وتجعل في الشمس. ثم تتفقد كل يوم فيوجد الدهن وقد طفا فوق رطوبة مائية وأثقال أرضية فيقطف الدهن ثم تعاد إلى الشمس. ولا يزال يشمسها ويقطف دهنها حتى لا يبقى

فيها دهن. فيخذ ذلك الدهن ويطبخه قيمه. ثم يرفعه إلى خزانة الملك ومقدار الدهن الخالص من اللثى بالترويق ونحو عشر الجملة. 407 (الجميز) . كأنه تين بري وتخرج ثمرته في الخشب لا تحت الورق. ويخلف في السنة سبعة بطون. ويؤكل أربعة أشهر ويحمل وقراً عظيماً. وقبل أن يجنى بأيام يصعد رجل إلى الشجرة ومعه حديدة يسم بها حبة حبة من الثمرة فيجري منها لبن أبيض. ثم يسود الموضع وتحلو الثمرة بذلك الفعل. وقد يوجد منه شيء شديد الحلاوة أحلى من التين لكنه لا ينفك في آخر مضغة من طعم خشبية ما. وشجرته كبيرة كشجرة الجوز العاتية ويخرج من ثمره وغصنته إذا فصدت لبن أبيض إذا طلي على ثوب أو غيره صبغة وأحمر. وخشبة تعمر به المساكن وتتخذ منه الأبواب وغيرها من الآلات الجافية. وله بقاء على الدهر وصبر على الماء والشمس. وقلما يتأكل هذا مع أنه خشب خفيف قليل اللدونة. ويتخذ من ثمرته خل حاذق ونبيذ حاد. (من كتاب الإفادة الاعتبار من ثمرته) . 408 (العنبة) . وهي شجرة تسبه أشجار النارنج إلا أنها أعظم أجراماً وأكثر أوراقاً. وظلها أكثر الظلال غير أنه قيل فمن نام تحته وعك. وثمرها على قدر الأجاص الكبير. فإذا كان أخضر قبل تمام نضجه أخذوا ما سقط منه وجعلوا عليه الملح وصيروه كما يصير الليم والليمون ببلادنا وكذلك يصيرون أيضاً الزنجبيل الأخضر وعناقيه

الفلفل ويأكلون ذلك مع الطعام يأخذون بإثر كل لقمة يسيراً من هذه المملوحات. فإذا نضجت العنبة في أوان الخريف اصفرت حباتها فأكلوها كالتفاح. فبعضهم يقطعها بالسكين وبعضهم يمصها مصاً. وهي حلوة يمازج حلاوتها يسير حموضة ولها نواة كبيرة يزرعونها فتنبت منها الأشجار كما تزرع نوى النارنج وغيرها. (لابن بطوطة) 409 (الموز) . معادنه عمان. وتنبت الموزة نبات البردية لها عنقرة غليظة وورقة طويلة عريضة نحو ثلاث أذرع في ذراعين. ليست بمنخرطة على نبات السعف لكن شبه المربعة. وترتفع الموزة قامة باسطة. ولا تزال فراخها تنبت حولها واحدة أصغر من الأخرى. فإذا أجرت وذلك إدراك موزها قطعت الأم حينئذ كم أصلها ويؤخذ قنوها. ويطلع أكبر فراخها فيصير هو الأم وتبقى البواقي فراخاً لها ولا تزال على هذا أبد الهر. ولذلك قال أشعب لإبنه فيما يروي عنه الأصمعي: يا بني لم لا تكون مثلي. فقال: أنا مثل الموزة لا تصلح حتى تموت أمها. (لأبي حنيفة الدينوري) 410 (الفلفل) . شجرة الفلفل شبيهة بدوالي العنب وأهل الهند يغرسونها إزاء النارجيل. فتصعد فيها كصعود الدوالي إلا أنها ليس لها عسلوج وهو الغزل كما للدوالي. وأوراق شجرة تشبه أوراق الخيل. وبعضها يشبه أوراق العليق. ويثمر عناقيد صغاراً حبها كحب أبي قنينة إذا كانت خضراً. وإذا كان أوان الخريف قطفوه وفرشوه على الحصر

النجوم

في الشمس كما يصنع بالعنب عند تزبيبه. ولا يزالون يقلبونه حتى يستحكم يبسه ويسود. ثم يبيعونه من التجار. ولقد رأيته بمدينة قالقوط يصب للكيل كالذرة ببلادنا. (لابن بطوطة) . النجوم 411 (النجوم) كل نبت ليس له ساق صلب مرتفع كالزروع والبقول والرياحين والحشائش البرية. وقد أجرى الله عادته في كل سنة أنه يحي الأرض بعد موتها فيجري يابس أنهارها وينشر رفات نباتها حتى ترى من الأوراق مخضرة. ومن الأزهار محمرة ومصفرة. ليستدل به ذو الطبع السليم والفهم المستقيم. على إحياء الأموات. وإعادة العظام الرفات. ومن الأمور العجيبة القوة التي خلقها الله تعالى في نفس الحب فإنها إذا وقعت في بطن الأرض جذبت بواسطة تلك القوة الرطوبة التي تصلح أن تكون لها غذاء من نفس الأرض مما حواليها. كشعلة نار السراج فإنها تجذب الرطوبة التي في السراج بواسطة قوة خلقها الله تعالى فيها. ثم إن تلك الرطوبة إذا حصلت في نفس الحب صارت غذاء لها وتعمل فيها القوى الطبيعية حتى تبلغ كمالها. والنجوم في جنس النبات كالحيوانات الصغار في جنس الحيوان والأشجار الكبار كالحيوانات فكما أن عند شدة البرد لا يبقى من الحيوانات التي لا عظم لها شيء كذلك لا يبقى من النبات شيء ليس له خشب صلب.

وأما الحيوانات الكبار فإنها تصبر على البرد وكذلك الأشجار. ثم إن عقول العقلاء متحيرة في أمر الحشائش وعجائبها. وأفهام الأذكياء قاصرة عن ضبط خواصها وفوائدها. وكيف لامه ما يشاهد من تنوع صور قضبانها واختلاف أشكال أوراقها وعجيب ألوان أزهارها وتنوع كل لون منها ثم عجاب أشكال حبوبها. فإن لكل حب وورق وزهر وعرق شكلاً ولوناً وطعماً ورائحة وخاصية بل خاصيات لا يعرفها إلا الله. والتي عرفها الإنسان بالنسبة إلى ما مل يعرفه قطرة من بحر. (للقزويني) 412 (البامية) . وهي ثمر بقدر إبهام اليد كأنه جراء القثاء شديد الخضرة إلا أن عليه زئبراً مشوكاً وهو مخمس الشكل يحيط به خمسة أضلاع فإذا شق انشق عن خمسة أبيات بينها حواجز. وفي تلك الأبيات حب مصطف مستدير أبيض أصغر من اللوبياء هش يضرب إلى الحلاوة. وفيه اللعابية كثيرة. يطبخ أهل مصر به اللحم بأن يقطع مع قشوره صغاراً ويكون طعاماً لا بأس به. الغالب على طبعه الحرارة والرطوبة ولا يظهر في طبيخه قبض بل لزوجة. 413 (القلقاس) . وهو أصول بقدر الخيار. ومنه صغار كالأصابع

جنس الحيوان

يضرب إلى حمرة خفيفة يقشر ثم يشقق على مثل السلجم. وهو كثيف مكتنز يشابه الموز الأخضر الفج في طعمه. وفيه قبض يسير مع حرافة قوية وهذا دليل على حرارته ويبسه. فإذا سلق زالت حرافته جملة وحدث له معما فيه من القبض اليسير لزوجة مغرية كانت فيه بالقوة. إلا أن حرافته كانت تخفيها وتسترها ولذلك صار غذاؤه غليظاً بطيء الهضم ثقيلاً في المعدة. إلا أنه لما فيه من القبض والعفوصة صار قوياً للمعدة. (لعبد اللطيف) جنس الحيوان 414 الحيوان ما فيه حياة. قال الجاحظ: الحيوان على أربعة أقسام. شيء يمشي وشيء يطير وشيء يعوم وشيء ينساح في الأرض إلا أن كل شيء يطير يمشي وليس كل شيء يمشي يطير. فإما النوع الذي يمشي فهو على ثلاثة أقسام: ناس وبهائم وسباع. والطير كله سبع وبهيمة وهمج. والخشاش ما لطف جرمه وصغر جسمه وكان عديم السلاح. والهمج ليس من الطيور ولكنه يطير. وهو فيما يطير كالحشرات فيما يمشي. والسبع من الطير ما أكل اللحم خالصاً. والبهيمة ما آكل الحب خالصاً. والمشترك كالعصفورة فإنه ليس بذي مخلب ولا منسر وهو يلقط الحب ومع ذلك يصيد النمل ويصيد الجراد ويأكل اللحم ولا يزق فراخه كما يزق الحمام فهو مشترك الطبيعة. وأشباه العصافير من المشترك كثيرة وليس كل ما طار بجناحين من

الإنسان

الطير فقد يطير الجعلان والذاب والزنابير والجراد والنمل والفراش والبعوض والأرضة وغير ذلك ولا تسمى طيوراً. (للدميري) الإنسان 415 (إنسان) . قال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي الإمام العلامة: ليس لله تعالى خلق أحس من الإنسان. فإن الله تعالى خلقه حياً عالماً متكلماً سميعاً بصيراً مدبراً حكيماً وهذه صفات الرب جل وعلا. قال تعالى: لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم وهو اعتداله وتسوية أعضائه لأنه خلق كل شيء منكباً على وجهه وخلقه سوياً. وله لسان ذلق ينطق به ويد وأصابع يقبض بها. مؤدباً بالأمر مهذباً بالتمييز. يتناول مأكوله ومشروبه بيده. وأفتتح ابن بختيشوع الطبيب النصراني كتابه في الحيوان بالإنسان وقال: إنه أعدل الحيوان مزاجاً وأكمله أفعالاً وألطفه حساً وأنفذه رأياً. فهو كالملك المسلط القاهر لسائر الخليقة والآمر لهاز وذلك بما وهب الله تعالى له من العقل الذي به يميز على كل الحيوان البهيمي فهو بالحقيقة ملك العالم. ولذلك سماه قوم من الأقدمين العالم الأصغر. النعم 416 النعم وهي تشمل الإبل والبقر والغنم هي كثيرة الفائدة سهلة الانقياد. ليس لها شراسة الدواب ولا نفرة السباع. ولشدة حاجة الناس إليها يخلق الله سبحانه وتعالى لها سلاحاً شديداً كأنياب

السباع

السباع وبراثنها وأنياب الحشرات وإبرها. وجعل من شأنها الثبات والصبر على التعب والجوع والعطش. وخلقها ذلولاً تقاد بالأيدي فمنها كروبهم ومنها يأكلون. وجعل الله قرنها سلاحاً لتأمن به من الأعداء. ولما كان مأكلها الحشيش اقتضت الحكمة الإلهية أن تجعل لها أفواهاً واسعة وأسنانا حداداً وأضراساً صلاباً لتطحن بها الحب والنوى. 417 (ألجاموس) . هو حيوان عنده شجاعة وشدة وبأس. وهو مع ذلك أجزع خلق الله يفرض من عض بعوضة ويهرب منها إلى الماء. والأسد يخافه. وهو مع شدته وغلظه ذكي. ويقال إنه لا ينام أصلاً لكثرة حراسته لنفسه وأولاده. وإذا اجتمعت ضربت دائرة وتجعل رؤسها خارج الدائرة وأذنابها إلى داخلها والرعاة وأولادها من داخل. فتكون الدائرة كأنها مدينة مسورة من صياصيها. والذكر منها يناطح ذكراً آخر. فإذا قوي فيخرج ويطلب ذلك الفحل الذي غلبه فيناطحه حتى يغلبه ويطرده. وهو يتغمس في الماء غالباً إلى خرطومه. والجاموس يقتل التمساح مع عظم بدنه وهول جثته. يمشي إلى الأسد رخي البال ثابت الجنان رابط الجأش. وليس في قرنه حدة كما في قرن البقر فضلاً عن حدة أطراف مخاليب الأسد وأنيابه. (للدميري) 418 (بقر) . حيوان كثير المنفعة شديد القوة خلقه الله ذلولاً منقاداً للناس. وإنما لم يخلق له سلاح شديد مثل السباع وغيرها لأنه

في رعاية الإنسان. فالإنسان يدفع عنه عدوه بخلاف السباع. ولأن حاجة الإنسان إليه ماسة فلو كان له سلاح في رأسه فيستعمل محل القرن كما ترى من العجاجيل قبل نبات القرن تنطح برؤوسها. وذلك لمعنى خلق لطبيعتها فيعمل ذلك بالطبع. ولم يخلق للبقر الثنايا الفوقانية فيقلع الحشيش بالسفلانية. (للقزويني) 419 (ظبي المسك) . وهو كسائر الظباء عندنا في القد واللون ودقة القوائم وافتراق الأظلاف وانتصاب القرون وانعطافها. وله نابان دقيقان أبيضان في الفكين قائمان في وجه الظبي. طول كل واحد منهما مقدار فتر ودونه على هيئة ناب الفيل فهو الفرق بينها وبين سائر الظباء. وأجود المسك كله ما حكه الظبي على أحجار الجبال إذ كان مادة تصير في سرته ويجتمع دماً عبيطاً كاجتماع الدم فيما يعرض من الدمامل. فإذا أدرك حكه وأجره فيفرع إلى الحجارة حتى يخرقه فيسيل ما فيه فإذا خرج عنه جف واندمل وعادت المادة تجتمع فيه كمن ذي قبل. وبالتبت رجال يخرجون في طلب هذا ولهم به معرفة. فإذا وجدوه التقطوه وجمعوه وأودعوه النوافج وحملوه إلى ملوكهم. وهو نهاية المسك إذ كان قد أدرك على حيوانه. وصار له فضل على غيره من المسك كفضل ما يدرك من الثمار في شجرة على سائر ما ينزع منه قبل إدراكه. (للمسعودي)

420 (فرس) . من أحسن الحيوانات بعد الإنسان صورة وأشد الدواب عدواً وذكاء. وله خصال حميدة وأخلاق مرضية. من ذلك حسن صورته وتناسب أجزائه وأعضائه وصفاء لونه وسرعة عدوه وحسن طاعته لفارسه كيف صرفه انقاد له. ومنها ما يلعب الفارس على ظهره بالكرة يعدو خلفها. ومن الفرس ما يعرف صاحبه فلا يمكن غيره من ركوبه. ومن الخيل ما يلحق الظبي حتى يضرب راكبه الظبي بالسيف. السباع 421 (ابن آوى) . جمعه بنات آوى وسمي ابن آوى لأنه يأوي إلى عواء أبناء جنسه ولا يعوي إلا ليلاً. وذلك إذا استوحش وبقي وحده. وصياحه يشبه صياح الصبيان. وهو طويل المخالب والأظفار يعدو على غيره ويأكل مما يصيد من الطيور وغيرها. وخوف الدجاج منه أشد من خوفها من الثعلب لأنه إذا مر تحتها وهي على الشجرة أو الجدار تساقطت وإن كانت عدداً كثيراً. وابن آوى يفسد الكروم والثمار وإذا أراد صيد طير الماء جمع حزمه من الحشيش ويرميها في الماء ويتركها حتى يستأنس الطير بها ويقع عليها. فإذا رأى استئناس الطير بها جعل يمشي خلفها ويصطاد ما قدر عليه. 422 (الخنزير) . حيوان سمج الشكل صعب له نابان كنابي

الفيل يضرب بهما. ورأسه كرأس الجاموس. وله ظلف كلما للبقر يلطخ بدنه بالطين والأشياء اللزجة حتى يصير جلده كالجوشن لا تعمل فيه أنياب الخنازير عند الخصومه. وأنثاه أنسل الحيوانات لأنها تضع عشرين خنوصاً. فالخنزير يأكل الحية أكلاً ذريعاً وسم الحية لا يعمل في الخنزير. وهو أروغ من الثعلب. يهرب من الفارس حتى يطمع فيه الفارس ويعدو خلفه ويتعب ثم يكر عليه ويضرب الفرس أو الفارس ضربة شديدة بنابه فيقتله. (للقزويني) 423 (الذئب) . حيوان كثير الخبث ذو غارات وخصومات ومكابرة وختل شديد. وقلما يخطى في وثبته. وعند اجتماعها لا ينفرد أحد منها إذ لا يأمن على نفسه. وإذا أصاب أحدها جرحة أو ضربة علمت أنه ضعيف فاجتمعت وأكلته. وإذا نامت الذئاب واجه بعضها بعضاً ولا ينام خلفه حتى ينظر أحدهما إلى الآخر وقيل إنه ينام بإحدى عينيه ويفتح الأخرى. وقال حميد الهلاي: ينام بإحدى مقلتيه ويتقي المناسا بأخرى فهو يقظان هاجع وإذا عجز عن غلبة من يقاومه يعوي حتى يأتي ما يسمع عواءه من الذئاب يعاونه. وإذا مرض انفرد عن الذئاب ويعلم أنها إن أحست بمرضه أكلته. وفيه من قوة حاسة الشم أنه يدرك المشموم من فرسخ. وأكثر ما يتعرض للغنم في الصبح وإنما يتوقع فترة الكلب ونومه وكلاله لأنه يظل طول ليله حارساً متيقظاً. ومن غريب

أمره أنه إذا كده الجوع عوى فتجتمع له الذئاب ويقف بعضها إلى بعض فمن ولى وثب إليه الباقون وأكلوه. وإذا عرض للإنسان وخاف العجز عنه عوى عواء استغاثة فتسمعه الذئاب فتقبل على الإنسان إقبالاً واحداً وهم سواء في الحرص على أكله. فإن أدمى الإنسان واحداً منها وثب الباقون على المدمى فمزقوه وتركوا الإنسان. وقال بعض الشعراء يعاتب صديقاً مال عنه: وكنت كذئب السوء لما رأى دماً ... بصاحبه يوماً أحال على الدم 424 (السنور) . حيوان ألوف متملق خلقه الله تعالى لدفع الفأر. وهو يحب النظافة فيمسح وجهه بلعابه. وإذا تلطخ شيء من بدنه لا يلبث حتى ينظفه. وإذا ألف السنور منزلاً منع غيره من السنانير الدخول إلى ذلك المنزل وحاربه أشد محارة وهو من جنسه علماً منه بأن أربابه ربما استحسنوه وقدموه عليه أو شاركوا بينه وبينه في المطعم وإن أخذ شيئاً مما يخزنه أصحاب المنزل عنه هرب علماً منه بما يناله منهم من الضرب. وإذا طردوه تملقهم وتمسح بهم علماً منه بأنه يخلصه التملق ويحصل له العفو والإحسان. وإذا مرّ الفأر على السقف استلقى يحرك يديه ورجليه ليراه الفأر فيسقط من السقف فزعاً. وإذا صاد شيئاً من الفأر يلعب بها زماناً فربما يخليها حتى تمعن في الهرب وظنت أنها نجت. ثم يثب عليها ويأخذها. فلا يزال يخدعها بالسلامة ويورثها الحسرة والأسف ويلتذ بتعذيبها ثم

الطيور

يأكلها. والسنور ثلاثة أنواع. أهلي ووحشي وسنور الزباد. وكل من الأهلي والوحشي له نفس غضوبة ويفترس ويأكل اللحم الحي. وأما سنور الزباد فهو كالسنور الأهلي لكنه أطول منه ذنباً وأكبر جثة ووبره إلى السواد أميل وربما كان أنمر. ويجلب من بلاد الهند والسند. والزباد فيه شبيه بالوسخ الأسود اللزج وهو ذفر الرائحة يخالطه طيب كطيب المسك. (للدميري) 425 (النمر) . ضرب من السباع فيه شبه من الأسد إلا أنه أصغر منه. وهو ذو قوة وقهر وسطوة صادقة ووثبات شديدة وهو أعدى عدو للحيوانات. وهو ذو وشيء وألوان حسنة لا يردعه سطوة أحد ولا ينصرف عن العسكر الدهم. وخلقه في غاية الضيق لا يستأنس البتة وعنده كبر وعجب بنفسه إذا شبع نام أياماً فإذا انتبه جائعاً خرخر شديداً يعرف ما حوله من الحيوان أنه يريد الصيد. والنمر يتعرض لكل حيوان رآه في جوعه وشبعه بخلاف الأسد فإنه لا يتعرض للحيوان إلا عند جوعه. الطيور 426 (أبو براقش) . طائر حسن الصورة طويل الرقبة والرجلين أحمر المنقار في حجم اللقلق. يتلون كل شاعة بلون آخر من أحمر وأصفر واخضر يضرب به المثل في التنقل والتحول. قال الشاعر: كأبي براقش كل يو ... م لونه يتقلب

على لون هذا الطائر نسجت ثياب تسمى أبا قلمون تجلب من الروم. وعجب هذا الطائر في لونه وشكله (للقزويني) 427 (الديك) . أكثر الطيور عجباً بنفسه وهو أبله الطبيعة وعلامته حمرة العرف وغلظ الرقبة وضيق العين وسوادها وحدة المخالب ورفع الصوت. وأعظم ما فيه من العجائب معرفة الأوقات الليلية. فيقسط أصواته عليها تقسيطاً لا يكاد يغادر منه شيئاً سواء طال أو قصر. ويوالي صياحه قبل الفجر وبعده فسبحان من هداه لذلك. قال ابن المعتز يصف ديكاً: بشر بالصبح طائر هتفا ... هاج من الليل بعدما انتصفا مذكراً بالصباح صاح بنا ... كخاطب فوق منبر وقفا صفق إما ارتياحة لسنا الفجر وإما على الدجى أسفا 428 (الصقر) . أحد أنواع الجوارح الأربعة وهي الصقر والشاهين والعقاب والبازي وتنعت أيضاً بالسباع. وهو أصبر على الشدة وأحمل لغليظ الغذاء والأذى وأحسن ألفة وأشد إقداماً على جملة الطير من الكركي وغيره. وصده أعجب من جميع الجوارح فإذا أرس صقران على ظبية أو بقر وحش ينزل أحدهما على رأسه ويضرب بجناحه عينه ثم يقوم وينزل الآخر ويفعل مثل ذلك ويشغلانه عن المشي حتى يدركه من يبطش به. ومن العجب أن الصقر مع صغر جثته يثب على الكركي مع ضخامته. (للدميري)

الهوام والحشرات

429 (القبرة) . الطائر ذو الأصوات المطربة والنغمات اللذيذة على رأسه قنزعة شبيهة بما للطاووس. وهو شديد الاحتياط إذا وقع على شيء ينظر يمينه وشماله ووراءه. ومع كثرة احتياطه كثير الوقوع في الفخ. يتخذ عشاً عجيباً له تأليف معجب. وهو أنه يعمد إلى ثلاثة أعواد من شجرة الكرم أو شجرة مثلها عريضة الأوراق. ويأتي حشيش في غاية اللطافة وينسج بين تلك الأعواد سليلة لطيفة عجيبة التأليف لا يمكن للبشر أن يأتي بمثلها. ويدع البيضة فيها وتكون السليلة مستترة بأوراق الشجر لا يراها شيء من جوارح الطير. حكى بعضهم قال: كان طرفة مع عمه في سفر وهو ابن سبع سنين فنزلوا على ماء فذهب طرفة بفخ له إلى مكان فنصبه للقنابر وبقي عامة يومه لم يصد شيئاً. ثم حمل فخه وعاد إلى عمه فرحلوا من ذلك المكان فرأى القنابر يلقطن ما نثر لهن من الحب فقال: يا لك من قبرة بمعمر ... خلا لك اجو فبيضي واصفري قد رفع الفخ فماذا تحذري ... ونقري ما شئت أن تنقري قد ذهب الصياد عنك فابشري ... لابد من أخذك يوما فاحذري الهوام والحشرات 430 (حية) إنها من أعظم الحيوانات خلقة وأشدها بأساً وأقلها غذاءً وأطولها عمراً. قالوا ليس في حيوانات البر شيء يقتل نهشه أسرع من الحية ولا شيء يغتذي بالتراب غيرها. ومن عجاب الحية

أنها إذا عرفت أنها مقتولة أحرزت رأسها ببدنها وجعلت بدنها وقاية لرأسها ولا تزال تنطوي لئلا تقع الضربة على رأسها ملاك الحياة. وليس شيء في الأرض مثل الحية إلا وحسم الحية أقوى منه. ولذلك إذا أدخلت صدرها في حجر أو صدع لم يستطع أقوى الناس إخراجها منه وربما تقطعت ولا تخرج. وليس لها قوائم ولا أظفار تتشبث بها وإنما قوي على بطنها فتتدافع أجزاؤها وتسعى بذلك الدفع الشديد. ولسانها مشقوق فيظن بعض الناس أن ها لسانين. وتوصف بالنهم والشره لأنها تبتلع الفراخ من غير مضغ. كما يفعل الأسد. ومن شأنها إنها إذا ابتلعت شيئاً له عظم أتت شجرة أو نحوها فتلتوي عليها التواء شديداً حتى يتكسر ذلك في جوفها. والحية من الأمم التي تكثر أصنافها في الصغر والكبر والتعرض للناس والهرب منهم. فمنها ما لا يؤذي إلا إذا وطئه واطئ ومنها ما لا يؤذي إلا إذا آذاه الناس مرة. ومنها الأسود الذي يحقد ويتمكن حتى يدرك طالبه. وشر الحياة الأفاعي ومساكنها الرمال والأفعى حية رقشاء دقيقة العنق عريضة الرأس. والبقر الوحشي يأكلها أكلاً ذريعاً وهي أعدى عدو للإنسان. قال الحاجز: الأفعى تظهر الصيف في أول الليل إذا سكن وهج ظاهر الأرض فتأتي قارعة وتستدير كأنها رحاً ويلصق بدنها بالأرض ويشخص رأسها متعرضة لأن يطأ

إنسان أو دابة لتنهشه وسمها موت سريع. 431 (السنجاب) . حيوان على حد اليربوع. أكبر من الفأر وشعره في غاية النعومة يتخذ من جلده الفراء يلبسه المتنعمون. وهو شديد الحيل إذا أبصر الإنسان صعد الشجرة العالية وفيها يأوي ومنها يأكل. وهو كثير ببلاد الصقالبة والترك ومزاجه حار رطب لسرعة حركته عن حركة الإنسان. وأحسن جلوده الأزرق الأملس. 432 (عقرب) . أخبث الحشرات. تلدغ كل شيء تلقاه ولها ثمانية أرجل وعينها على بطنها. وإذا لدغت هربت في الحال. وإذا خرجت من بيتها أول الليل تلدغ كل شيء تلقاه من حيوان أو جماد وربما ضربت الحجر والمدر. ومن أحس ما قيل في ذلك: رأيت على صخرة عقربا ... وقد جعلت ضربها ديدنا فقلت لها إنها صخرة ... وطبعك من طبعها ألينا فقالت صدقت ولكنني ... أريد أعرفها من أنا ومن عجيب أمرها أنها لا تضرب الميت ولا النائم حتى يتحرك بشيء من بدنه فإنها عند ذلك تضربه. ومن شأنها أنها إذا لسعت الإنسان فرت فرار مسيء يخشى العقاب. (للدميري) 433 (قنفذ) . الحيوان الذي سلاحه على ظهره وهو الشوك الذي عليه ويقبع بحيث لا يتبين من أطرافه شيء. ويستطيب الهواء ويتخذ لمسكنه بابين أحدهما مستقبل الشمال والآخر مستقبل الجنوب

ويعادي الحية فإن ظفر بقفاها أكلها بأسهل طريق وإن ظفر بذنبها عض ذنبها وقبع. ويعطي الحية ظهره فالحية تضرب نفسها على شوكه حتى تهلك. ويصعد الكرم ويرمي حباب العناقيد إلى الأرض ثم يتمرغ في الحبات ليدخل شوكة في الحبات ويحملها إلى أولاده. ومنها صنف يقال له الدلدل وهو أكبر جسماً من القنفذ وأطول شوكاً. نسبته إلى القنفذ كنسبة الجاموس إلى البقر. قالوا إذا أراد أن يرمي بشوكة حيواناً أو جماداً أو عدواً يرميه كرمي النشاب ولا يخطى فتمر الشوكة كمر النشاب وتثبت فيه. 434 (نمل) . حيوان حريص على جمع الغذاء وهو عظيم الحيلة في طلب الرزق فإذا وجد شيئاً أنذر الباقين ليأتوا إليه. ويقال إنما يفعل ذلك منها رؤساؤها. ومن طبعه أن يحتكر قوته من زمن الصيف لزمن الشتاء. وله في الاحتكار من الحيل ما إنه إذا احتكر ما يخاف إنباته قسمه نصفين ما خلا الكسبرة فإنه يقسمها أرباعاً لما ألهم من أن كل نصف منها ينبت وإذا خاف العفن على الحب أخرجه إلى ظاهر الأرض ونشره وإذا أحست بالغيم ردته إلى مكانها خوفاً من المطر. فإن ابتل شيء منها تبسطه يوم الصحو في الشمس. ومن عجائبه اتخاذه القرية تحت الأرض وفيها منازل ودهاليز وغرف وطبقات منعطفات يملأها حبوباً وذخائرها للشتاء. وتجعل بعض بيوتها منخفضاً لينصب أليه الماء وبعضها مرتفعاً للحب. ومنها أيضاً أنه مع لطافة

السمك

شخصية وخفة وزنه له شم ليس لشيء من الحيوان مثل ذلك. فإذا وقع شيء من يد الإنسان في موضع لا ترى فيه شيئاً من النمل فلا يلبث أن يقبل كالخيط الأسود الممدود إلى ذلك الشيء. ويشم رائحة الشيء الذي لو وضعته على أنفك ما وجدت له رائحة. (للقزويني) السمك 435 السمك من خلق الماء وهو أنواع كثيرة ومنه كبار. وما لا يدركه الطرف لصغره وكله يأوي الماء ويستنشقه كما يستنشق بنو آدم وحيوان البر الهواء إلا أن حيوان البر يستنشق الهواء بالأنف ويصل بذلك إلى قصبة الرئة. والسمك يستنشق الهواء بالأنف ويصل بذلك على قصبة الرئة. والسمك يستنشق بأصداغه فيقوم له الماء في تولد الروح الحيواني في قلبه مقام الهواء. وإنما استغنى عن الهواء في إقامة الحياة ولم نستغن نحن وما أشبهنا من الحيوان عنه لأنه من عالم الماء ونحن من عالم الأرض. وصغار السمك تحترس من كباره ولذلك تطلب ماء الشطوط والماء القليل الذي لا يحمل الكبير. وهو شديد الحركة لأن قوته المحركة للإرادة تجري في مسلك واحد لا ينقسم في عضو خاص. وهذا بعينه موجود في الحياة. ومن جملة أنواعه السقنفور والدلفين والخرشفلي والتمساح. ومن أصنافه ما هو على شكل الحياة وغير ذلك. 436 (الدلفين) . دابة من البحر تنجي الغريق تمكنه من ظهرها ليستعين به على السباحة. وهو كثير بأواخر نيل مصر من جهة البحر

الباب الرابع عشر في التاريخ

الملح لأنه يقذف به البحر إلى النيل. وصفته كصفة الزق المنفوخ وله رأس صغير جداً وليس في دواب البحر ماله رئة سواه فلذلك يسمع منه النفخ والنفس. وهو إذا ظفر بالغريق كان أقوى الأسباب في نجاته لأنه لا يزال يدفعه إلى البر حتى ينجيه. ولا يؤذي أحداً ولا يأكل إلا السمك. وربما ظهر على وجه الماء كأنه ميت وهو يلد ويرضع. وأولاده تتبعه حيث ذهب ولا يلد إلا في الصيف. ومن طبعه الأنس بالناس وإذا صيد جاءت دلافين كثيرة لقتال صائده. وإذا لبث في العمق حيناً حبس نفسه. ثم صعد مسرعاً مثل السهم لطلب النفس فإن كانت بين يديه سفينة وثب وثبة ارتفع بها السفينة. (للدميري) الباب الرابع عشر في التاريخ ذكر دولة الكلدانيين (من 1900 إلى 538 قبل المسيح) 437 الكلدانيون أمة قديمة الرئاسة نبيهة الملوك. كان منهم النماردة الجبابرة الذين كان أولهم نمرود من بني حام باني المجدل. وكان من ولد نمرود بخت نصر الذي غزا بني إسرائيل وقتل منهم خلقاً كثيراً وسبى بقيتهم. وغزا مصر وافتتحها ودوخ كثيراً من البلاد (606) . ولم يزل ملك الكلدانيين ببابل إلى أن ظهر عليهم الفرس

ذكر الفرس ودولهم ومن اشتهر من ملوكهم

وغلبوهم على مملكتهم وأبادوا كثيراً منهم فدرست أخبارهم وطمست آثارهم (538) . وكانت لهم عناية بأرصاد الكواكب وتحقق بعلم أسرار الفلك ومعرفة مشهورة بطبائع النجوم وأحكامها. وهم نهجوا لأهل الشق الغربي من معمور الأرض الطريق إلى تدبير الهياكل لإظهار طبائع الكواكب بضروب التدابير المخصوصة بها. ولم يصل إلينا من مذاهب الكلدانيين في حركات النجوم ولا من أرصادهم غير الأرصاد التي نقلها عنهم بطليموس في كتاب المجسطي. ذكر الفرس ودولهم ومن اشتهر من ملوكهم 348 أما الفرس فأهل الشرق الشامخ والعز الباذخ وأوسط الأمم داراً وأشرفهم إقليماً وأسوسهم ملوكاً تجمعهم وتدفع ظالمهم عن مظلومهم. وتحملهم من الأمور على ما فيه حظهم. على اتصال ودوام. وأحسن التئام وانتظام. وخواص الفرس عناية بالغة بصناعة الطب ومعرفة ثاقبة بأحكام النجوم. وكانت لهم أرصاد قديمة وقال بعض علماء العجم: أول من ملك بعد الطوفان كيومرت من بني سام. وكان ينزل فارس واتخذ الآلات لإصلاح الطرف وحفر الأنهار وذبح ما يؤكل من الحيوان وقتل السباع. ومازال الملك في ولده إلى أن ملك دارا الذي غزاه الإسكندر وقتل في المعركة (333) . ثم ملكت الدولة الأشكانية وأولهم أشك (266 قبل المسيح) وتسمى خلفاؤه بالشاهية. ودام الملك فيهم إلى أن ظهرت المملكة

الساسانية (226 للمسيح) أولهم أزدشير بن بابك من بني كشتاساب فأحسن السبرة وبسط العدل. (لأبي الفرج) 439 واشتهر في الدولة الساسانية (سابور بن أزدشير 241-272) وكان جميل الصورة حازماً شخص إلى نصيبين فملكها عنوة. فقتل وسبى وأفتتح من الشام مدناً وأسر والأريانس وحمله إلى جنديسابور ويقال جدع أنفه بل قتله. ويقال في زمانه استخرجت العود وهي الملهاة التي يغنى بها. ومنهم (بهرام بن هرمز 276) وكان حليماً وقوراً وأحسن السيرة واقتدى بآبائه وكان ماني صاحب القول بالنور والظلمة في أيامه فجمع بهرام العلماء لامتحانه فأشاروا بكفره فقتله. ومنهم (سابور بن هرمز 310-380) . وظهر منه نجابة عظيمة من صباه ولما بلغ من العمر ست عشرة سنة أنتخب فرسان عسكره عدة وسار بهم إلى العرب وقتل من وجده منهم. وكان ينزع أكتاف الأسرى فسمي سابور ذا الأكتاف. ولم ينزل بماء للعرب إلا وغوره ولا بئر إلا وطمها ثم عطف على بلاد الروم فقتل منهم وسبى حتى هادئة قسطنطين. واستمر على ذلك حتى توفي قسطنطين وبنوه. ثم ملك على الروم يليانس وارتد إلى عبادة الأصنام وقتل النصارى وأخرب الكنائس وأحرق الإنجيل. وسار إلى قتال سابور فأصابه سهم في بعض حروبه غرب في فؤاده فقتله (363) . وأنتظم الصلح والمودة بين الفرس والروم. ومنهم (أنوشروان 531) هذا

نظر في دولة اليونانيين وفلاسفتهم (من 884 إلى 146 قبل المسيح)

قوي بعد ضعفه بإدامة النظر وهجر الملاذ وترك اللهو. وقوى جنده بالأسلحة والكراع وعمر البلاد ورد إلى ملكه كثيراً من الأطراف التي غلبت عليها الأمم بعلل وأسباب شتى منها السند وطخارستان ودورستان وغيرها وبنى المعاقل والحصون. ومنهم (هرمز بن أنوشروان 579) وكان عادلاً يأخذ للأدنى من الشريف وبالغ في ذلك حتى أبغضه خواصه وأقام الحق على بنيه ومحبيه وأفرط في العدل. ثم توارث بنوه الملك إلى أن ملك يزدجرد بن شهريار العادل وهو آخر ملوك الفرس. فلما ملك انتفضت عليه الدولة وتفاقمت أمورها وطلعت أعلام الإسلام بالنصر (641) . (لأبي الفداء) نظر في دولة اليونانيين وفلاسفتهم (من 884 إلى 146 قبل المسيح) 440 أما اليونانيون فكانوا أمة عظيمة القدر في الأمم. طائرة الذكر في الآفاق فخمة الملوك. منهم الإسكندر بن فيليفوس المقدوني (336) الذي أجمع ملوك الأرض طرا على الطاعة لسلطانه. وكان من بعده من ملوك اليونانيين البطالسة (301-30) دامت لهم الممالك وذلت لهم الرقاب. ولم يزل ملكهم متصلاً إلى أن غلب عليهم الروم. وكانت البلاد اليونانيين في الربع الغربي الشمالي من الأرض ... والقسم الأعظم منها في حيز المشرق والقسم الأصغر منها في حيز المغرب. ولغة اليونانيين أوسع اللغات وأجلها. وكانت عامة اليونانيين صابئة معظمة للكواكب دائنة بعبادة الأصنام. والفلاسفة

منهم من أرفع الناس طبقة وأجل أهل العلم منزلة لما ظهر منهم من الاعتناء بفنون الحكمة ومعارف السياسات المنزلية. (لأبي الفرج) 441 وجميع العلوم العقلية مأخوذة عن اليونانيين مثل العلوم المنطقية والطبيعية والإلهية والرياضية. والعلم الرياضي مشتمل على علم الهيئة والهندسة والحساب واللحون والإيقاع وغير ذلك. وكان العالم بهذه العلوم يسمى فيلسوفاً وتفسيره محب الحكمة. ومن فلاسفتهم (ثاليس الملطي 639) . (وفيثاغورس 480) من كبار الحكماء والفلكيين. كان يقول: ما سمعت شيئاً ألذ من حركات الأفلاك ولا رأيت شيئاً ألهى من صورتها. ومنهم بقراط الحكيم الطبيب المشهور. ومنهم (سقراط 470) وكان حكيماً فاضلاً زاهداً اشتغل بالرياضة وأعرض عن ملاذ الدنيا. ونهى الناس عن عبادة الأصنام فثارت عليه العامة وألجأوا ملكهم إلى قتله فحبسه ثم سقاه سماً فمات. ومنهم (أفلاطون الإلهي 430) وكان تلميذاً لسقراط. ولما اغتيل سقراط بالسم قام أفلاطون مقامه وجلس على كرسيه. ومنهم أرسطو الشهير (384) وكان تلميذاً لأفلاطون ولما صار عمر أرسطو المذكور سبع عشرة سنة أسلمه أبوه إلى أفلاطون فمكث عنده نيفاً وعشرين سنة ثم صار حكيماً مبرزاً يشتغل عليه. ومن جملة تلامذة أرسطو الملك إسكندر الذي ملك غالب المعمور من الغرب إلى الشرق وأقام الإسكندر يتعلم على أرسطو خمس سنين وبلغ فيها

ملك اسكندر ذي القرنين (من 336 إلى 323)

أحسن المبالغ ونال من الفلسفة ما لم ينل سائر تلاميذ أرسطو. ومنهم إقليدس (320) كتاب الاستقطاب المسمى باسمه وكان في أيام ملوك اليونان البطالسة. فلم يكن بعد أرسطو ببعيد. وأما بطليموس وجالينوس فإن زمانهما متأخر عن زمن بطليموس وبطليموس هو المصنف المجسطي. ومنهم فرفوريوس (260 للمسيح) وكان من أهل مدينة صور على البحر الرومي بالشام وكان بعد زمن جالينوس. وكان عالماً بكلام أرسطو وقد فسر كتبه لما شكا إليه الناس غموضها وعجزهم عن فهم كلامه. (لابن الأثير) ملك اسكندر ذي القرنين (من 336 إلى 323) 442 ومن جملة ملوك اليونانيين الإسكندر بن فيليفوس المقدوني الذي أجمع ملوك الأرض طرا على الطاعة لسلطانه وملك ست سنين بعد قتله داريوش. وكان قد ملك قبل ذلك ستاً أخرى وفتح بلاداً كثيرة حتى بلغ ملكه إلى أقصى الهند وأوائل حدود الصين وسمي ذا القرنين لبلوغه قرني الشمس وهما المشرق والمغرب. وقتل خمسة وثلاثين ملكاً وبنى اثنتي عشرة مدينة منها اثنتان في بلد خراسان وهما هراة ومرة وواحدة في بلد الصغد وهي سمرقند. وأخرى في بلد القبط وهي الإسكندرية. وفي عودته من الهند ووصوله إلى بابل مات مسموماً ووضع في تابوت ذهب وحمل على أكتاف الملوك

ذكر الرومانيين ومبادىء دولتهم إلى زمان المشيخة (من 754 إلى 510 قبل المسيح)

والأشراف إلى الإسكندرية القبط ودفن بها. وبد موت الإسكندر تقاسم الممالك أربعة من عبيده وهم بطليموس بن لاغوس وأزيذاوس وأنطيوخوس وسلوقوس. (لأبي الفرج) ذكر الرومانيين ومبادىء دولتهم إلى زمان المشيخة (من 754 إلى 510 قبل المسيح) 443 هذه الأمة من أشهر أمم العالم ومواطنهم من الناحية الغربية من خليج القسطنيطنية إلى بلاد الإفرنجة فيما بين البحر المحيط والبحر الرومي من شماليه. وكان مقر ملوكهم رومة الكبرى قبل غلبتهم على اليونان. وكان الروم يدينون بدين الصابئين ولهم أصنام على أسماء الكواكب السبعة يعبدونها. وكان مبدأ أمرهم أن برقاش ملك اللطينيين بعد وفاته أجاز الملك إلى حافديه وهما روملس وراماش واشتق روملس أسم رومة من اسمه (754) . وكانت من أحفل مدن العالم لم تزل دار مملكة اللطينيين والقياصرة حتى أصبحهم الإسلام وهي في ملكهم. ثم بعد ابتناء رومة وثب روملس على أخيه فقتله وملك بعد قتله ثمانياً وثلاثين سنة وحده واتخذ روملس برومة معلباً عجيباً. وعدّ بعد روملس خمسة من الملوك (والصحيح ستة) اغتصب ابن آخرهم رجلاً في زوجة فقتلت نفسها، فسئم اللطينيون ولاية الملوك وأجمعوا أن لا يولوا عليهم ملكاً وقدموا شيوخاً ثلاث مائة وعشرين يدبرون ملكهم. وصار هكذا أمرهم شورى بين الوزراء (510) . وكان للروم حروب مع الأمم المجاورة لهم من كل

الخبر عن تخريب قرطاجنة (من264 إلى 146 قبل المسيح)

جهة فأجازوا إلى أفريقية فملكوها وخربوا قرطاجنة ثم ملكوا جزيرة صقلية (241) ثم جزيرة الأندلس (202) ثم حاربوا اليونانيين (146) ثم حاربوا الفرس من بعدهم واستولوا على الشام (64) ومصر (30) . الخبر عن تخريب قرطاجنة (من264 إلى 146 قبل المسيح) 444 كان بناء قرطاجنة قبل بناء رومة بثنتين وسبعين سنة (والصحيح بمائة وثلاث سنين) على يدي ديدن. وكان بها أمير يسمى ملكون وهو الذي بعث إلى الإسكندر بطاعته عند استيلائه على طرسون. ثم صار ملك أفريقية إلى أملقار من ملوكهم فافتتح صقلية وهاجت الحرب بينه وبين الرومانيين بسبب أهل سردانية. ثم وقعت السلم بينهم ثم ولى بقرطاجنة أملقار ابنه أنيبل فأجاز إلى بلاد الإفرنج وغلبهم على بلادهم وزحف إليه قواد رومة فوالى عليهم الهزائم وبعث أخاه أشدربال إلى الأندلس فملكها وخالفه قواد الرومانيين إلى أفريقية بعد أن ملكوا من حصون صقلية أربعين أو نحوها ثم أجازوا إلى أفريقية فملكوها وقتلوا خليفة أنيبل فيها وافتتحوا مدينة جردا. وخرج آخرون من قواد رومة إلى الأندلس فهزموا أشدربال وأتبعوه إلى أن قتلوه (207) . وفرّ أخوه أنيبل عن بلادهم بعد ثلاث عشر سنة من إجازته إليهم وبعد أن حاصر رومة وأثخن في نواحيها. فلحق بأفريقية ولقيه قواد أهل رومة الذين أجازوا إلى أفريقية فهزموه. وحاصروه بقرطاجنة حتى سأل الصلح

حال اللطينيين إلى وفاة أغسطس (من 146 قبل المسيح إلى 14 بعد المسيح)

على أن يغرم لهم ثلاثة آلاف قنطار من الفضة فأجابوه إليه وسكنت الحرب بينهم. ثم ظاهر بعد ذلك أيبل صاحب أفريقية ملوك السريانيين على حرب أهل رومة فهلك في حربهم مسموماً (183) . وبعد أن تخلص أهل رومة من تلك الحروب رجعوا إلى الأندلس فملكوها ثم أجازوا الحر إلى قرطاجنة ففتحوها وقتلوا ملكها وخربوها (146) . (لابن خلدون) حال اللطينيين إلى وفاة أغسطس (من 146 قبل المسيح إلى 14 بعد المسيح) 445 ولم يزل أمر هؤلاء اللطينيين راجعاً إلى الوزراء منذ سبع مائة سنة من عهد رومة تقترع الوزراء في لك سنة فيخرج قائد منهم إلى كل ناحية كما توجبه القرعة فيحاربون أمم الطوائف يفتحون الممالك. حتى إذا هلك الإسكندر وافترق أمر اليونانيين وفشلت ريحهم وقعت فتنة هؤلاء اللطينيين مع أهل افريقية واستولوا عليها. وملكوا الأندلس وملكوا الشام وأرض الحجاز وقهروا العرب بالحجاز. وافتتحوا بيت المقدس وأسروا ملكها يومئذ من اليهود وهو أرسطابولس ثامن ملوك بني حشمناي وغربوه إلى رومة. إلى أن خرج يولس قيصر ومعناه شق عنه لأن أمه ماتت قبل أن تلده فشقوا بطنها وأخرجوه فلقب قيصر وصار لقباً لملوك الروم. فسار إلى جهة الأندلس وحارب من كان بها من الإفرنج إلى أن ملك برطانية وإشبونة ورجع إلى رومة. واستخلف على الأندلس

دولة القياصرة بني أغسطس (14-69) .

أكتبيان أغسطس ابن أخيه. وكان للشيوخ نائب بناحية الشرق يقال له فمفيوس. فلما بلغه ذلك زحف بعساكره إليه. فخرج إليه يولس فهزمه (48) ثم رجع إلى رومة وشعر الوزراء أنه يروم الاستبداد عليهم فقتلوه (44) . فزحف أكتبيان أبن أخيه من الأندلس فأخذ بثأره وملك برومة (42) . ثم عصى أنطونيوس على أغسطس وانهزم إلى مصر بسبب عشقه قلاوفطرا. فخرج أغسطس في السنة الثانية عشرة من ملكه من رومة بعساكر عظيمة في البر والبحر وسار إلى الديار المصرية وأسر ولدي قلاوفطرا المسمى أحدهما شمساً والآخر قمراً وقتلهما. ولما سمع أنطونيوس وقلاوفطرا بقتل الولدين وكانا محاصرين في بعض الحصون شربا سماً وماتا (30) . ولما ملك أغسطس ديار مصر والشام دخل بنو إسرائيل تحت طاعته كما كانوا تحت طاعة البطالسة فولى أغسطس ببيت المقدس على اليهود والياً منهم وكان يلقب بهيرودس. وفي أيام أغسطس ولد المسيح لثنتين وأربعين من ملكه (لابن العميد بتصرف) دولة القياصرة بني أغسطس (14-69) . 446 ثم ولي من بعد أغسطس طباريوش قيصر وكان جائراً واستولى على النواحي. على عهده كان شأن المسيح وبغى اليهود عليه وأقام الحواريون من بعده واليهود يحبسونهم ويضطهدونهم. ثم افترقوا في الآفاق لإقامة الدين وحمل الأمم على عبادة الله. ومات طباريوش

لثلاث وعشرين من ملكه (37) ثم ملك غايس قيصر (37-41) وأمر أن تنصب الأصنام في محاريب اليهود ووثب عليه بعض قواده فقتله وملك من بعده قلوديوش (41-54) ووقعت في أيامه شدة على النصارى وقتل يعقوب أخو يوحنا من الحواريين وحبس شمعون الصفا ثم خلص وسار إلى أنطاكية وأقام بها ودعا إلى النصرانية. ثم توجه إلى رومة ودبرها ونصب فيها الأساقفة. وتنصرت امرأة من بيت الملك فعضت النصارى. ولقي الذين بالقدي شدائد من اليهود وكان عليهم يومئذ يعقوب بن حلفا من الحواريين فثار اليهود على من كان المقدس من النصارى وقتلوا أسقفهم وهدموا البيعة. وأخذوا الصليب والخشبتين ودفنوها إلى أن استخرجتها هيلانة أم قسطنطين. وملك من بعد قلوديوش أبنه نيرون وهو خامس القياصرة وكان غشوماً فاسقاً وفي أيامه كان سيمون الساحر بورمة. وبلغه أن كثيراً من أهل رومة أخذوا بدين المسيح فنكر ذلك وقتلهم حيث وجدوا. وقتل بطرس من بعد خمس وعشين سنة مضت لبطرس في كرسيها وهو رأس الحواريين ورسول المسيح على رومة (66) . وقتل مرقس الإنجيلي بالإسكندرية لثنتي عشرة من ملك نيرون وبعث نيرون قائده إسباشيانوس وأمر بقتل اليهود وخراب القدس. ثم إن نيرون قيصر وانتفض عليه أهل مملكه. فرجع أهل أرمينية إلى طاعة الفرس وخرج عن طاعته أهل برطانية

دولة فلابيوس إسباشيانوس وبنيه الفلابيين (69-96)

من جهة الجوف. فبعث شواطيانس فسار إليهم في العساكر وغلبهم على أمرهم. ثم ثار بنيرون جماعة من قواده فقتلوه (68) وملكوا غلبان فأقام عليهم أشهراً وقتلوه غيلة وقدموا عوضه أتون ثلاثة أشهر ثم خلعوه وملكوا بطالس وكان رديء السيرة. وبلغ إسباشيانوس موت نيرون وهو يحاصر القدس فأشار عليه أصحابه بالانصراف إلى رومة وبشره يوسف بن كربون وكان أسيراً عند بالملك فانطلق إلى رومة وخلف ابنه طيطش على حصار القدسز. وانقطع ملك آل يولش قيصر لمائة وست عشرة سنة من مبدأ دولتهم واستقام ملك إسباشيانوس في جميع ممالك الروم وتسمى قيصر كما كان من قبل (69) . (لابن خلدون بتصرف واختصار) دولة فلابيوس إسباشيانوس وبنيه الفلابيين (69-96) 447 وملك إسباشيانوس عشر سنين وهو بنى قولس أي منارة الإسكندرية طولها مائة وخمس وعشرون خطوة. وفي السنة الثانية من ملكه أفتتح طيطش ابنه مدينة أورشليم وقتل فيها زهاء ستين ألف نفس وسبى نيفاً ومائة ألف نفس ومات فيها من الجوع خلق كثير والباقون تشتتوا في البلاد ودعثرها وأخرب هيكلها. وتمت نبوءة يعقول حيث قال: لن تفقد هراوة الملك من يهوذا ولا المنذر أي النبي من ذريته حتى يأتي من له الغلبة وإياه تتوقع الشعوب. وتم أيضاً أنذر به المخلص مخاطباً لأورشليم. أنه سيأتي أيام تحيط

بك أعداؤك ويكبسونك وبنيك فيك. وكان ذلك بعد أربعين سنة من صلب المسيح (70) . وذكر يوسيفوس العبري أنه ظهر قبل خراب أورشليم علاقات فظيعة وذلك أنه ظهر فوق المدينة نجم طويل كثيف من نار يلمع. وأبواب النحاس التي كانت على باب الهيكل ولم تكن تغلق وتفتح دون اجتماع عشرين رجلاً وجدت نصف الليل مفتوحة من غير علة. وكانوا عامة السنة يسمعون في الهيكل أصواتاً مختلفة تقول: إنا سننتقل من هنا. ولما ملك طيطش بيت المقدس رجع النصارى الذين كانوا عبروا إلى الإردن فبنوا كنيسة بالمقدس وسكنوا وكان الأسقف فيهم شمعان بن كلاوفا وهو الثاني من أساقفة المقدس. ثم هلك إسباشيانوس لتسع سنين من ملكه وملك بعده ابنه طيطش قيصر سنتين وكان مفتنناً في العلوم ملتزماً للخير عارفاً باللسان الغريقي واللطينني. وفي السنة الثانية لملكه انشق جبل بالروم وخرج منه شهب نار أحرقت مدناً كثيرة ووقع برومة حريق كثير. ثم ملك دومطيانوس قيصر (81-96) ونفى من رومة المنجمين وأصحاب الزجر والفأل والعيافة والطيرة وأمر أن لا يغرس برومة كرم البتة. ثم اضطهد النصارى اضطهاداً شديداً ومع هذا كان الناس يدخلوا في دين المسيح أفواجاً ويتمسكون به تمسكاً أشد. واستنار

دولة الانطونيين (96-193)

فطروفيلس المحصل واختار أتباع النصارى السيرة الحسنة وترك الدنيا وملاذها يفيدهم الأيد بالقول والعمل. وفي هذا الزمان عرف أفولونيس الطلسماطيقي وكان يضاد التلاميذ بأفاعيله المخالفة لأفاعيل المسيح ويقول: الويل لي إن سبقني ابن مريم. ونفى دومطيانوس يوحنا الإنجيلي إلى بعض الجزائر وكتب إليه ديونوسيوس أسقف أثينا كتاباً يقول فيه: لا يعترينك الضجر والملل فإنه لا يطول سجنك فالله يعمل لك الخلاص فألهم نفسك بالصبر. وبعد قليل قتل دومطيانوس قيصر على بساطه في مجلسه. (لابن العبري وابن العميد بتصرف) دولة الانطونيين (96-193) 448 وملك بعده نرواس وأحسن السيرة وأرم برد من كان منفياً من النصارى وخلاهم ودينهم فرجع يوحنا الإنجيلي على أفسس بعد ست سنين. ولم يكن له ولد فعهد بالملك إلى طريانس من عظماء قواده فولي بعده (98) وتسمى قيصر وقتل شمعان بن كلاوفا أسقف بيت المقدس. وإغناطيوس أسقف أنطاكية رمي للسباع (107) . وتتبع أئمتهم بالقتل واستعبد عامتهم وفيلينوس صاحب الشرط لما عجز من قتل النصارى لكثرتهم طالع قيصر أن أهل هذا المذهب عاملون بجميع سنن الفلاسفة غير أنهم لا يكرمون الأصنام. فأمر قيصر أن لا يجد في أذاهم إلا إذا وجد منهم من يتفوه بسبب الآلهة فليدن.

ثم خرج على طريانوس خارجي ببابل فهلك في حروبه. 449 ثم ولي من بعده أدريانوس (117) وفي الرابعة من ملكه بطل الملك من الرها وتداولتها القضاة من الروم. وبنى أدريانوس بمدينة أثينا بيتاً ورتب فيه جماعة من الحكماء المدارسة العلوم. وبلغ أدريانوس أن اليهود يرومون الانتقاض وأنهم ملكوا عليهم رجلاً يقال له ابن الكوكب أضل اليهود مدعياً أنه نزل من السماء كالكواكب ليخلصهم من عبودية الروم. فبعث إليهم العساكر وتتبعهم بالقتل وخرب مدينتهم حتى عادت صحراء. وأمر أن لا يسكنها يهودي وأسكن اليونان بيت المقدس. وكان هذا الخراب لخمس وستين سنة من خراب طيطش الذي هو الجلوة الكبرى. وامتلأ القدس من اليونان. وكانت النصارى يترددون إلى موضع القبر والصليب. فمنعهم اليونان من الصلاة وبنوا هنالك هيكلاً على أسم الزهرة. وخلف أدريانوس طيطوس أنطنيانس قيصر المسمى باراً وأبا البلد (138) وأزال عن النصارى الاضطهاد وأباح للناس أن يتدينوا بأي دين شاءوا. وفي هذا الزمن نبغ في البيعة من المخالفين شخص أسمه والنطيانوس. وكان يقول إن المسيح أنزل معه جسداً من السماء واجتازه بمريم كاجتياز الماء بالميزاب أي لم يأخذ منها شيئاً. وظهر رجل يسمى مرقيون وقال إن الآلهة ثلاثة عادل وصالح وشرير ولما رأى الصالح العالم قد انجذب إلى جهة الشرير. أرسل ابنه ليدعو

دولة القياصرة السوريين (192-235)

الناس إلى عبادة أبيه الصالح فأتى ونسخ التوراة المتضمنة سنة العدل بالإنجيل الذي هو متضمن سنة الفضل. فلما أظهر مرقيون هذه الخزعبلة وعظته الأساقفة زماناً طويلاً فلم يرجع عن خزعبلته وتمادى في أباطيله فنفوه عن الجماعة وصار لعنة. (لهما بتصرف) 450 لما هلك أنطونيوس لثنتين وعشرين من ملكه ملك من بعده مرقوس أورالش (161) . وكانت له حروب مع أهل فارس وبعد غلبوا على أرمينية وسورية من ممالكه فدفعهم عنهما وغلبهم في حروب طويلة. وأصاب الأرض على عهده وباء عظيم وقحط الناس واستسقى لهم النصارى فأمطروا وارتفع الوباء والقحط بعد أن كان اشتد على النصارى (والصحيح أن ذلك وقع في بعض حروب اوريليوس) ومع كل هذا قتل منهم خلقاً كثيراً وهي الشدة الرابعة من بعد نيرون. وولي مكانه قومذوس ابنه ومات مختنقاً (180-192) . وفي هذا الوقت ظهر في بلاد آسيا منطانس القائل عن نفسه إنه الفارقليط الذي وعد المسيح أن يوجهه إلى العالم. (لابن خلدون) دولة القياصرة السوريين (192-235) 451 ثم ولي من بعده فرطينخوس وملكه باتفاق المؤرخين شهران وقتله بعض قواده. ثم ولي سوريانوس (293-262) واشتد على النصارى الشدة الخامسة وفتك فيهم. واعتسفهم بالسجود للأصنام والأكل من ذبائحهم. ثم قتل بعد غزو الصقالبة وفي أيامه بحثت

الحكم الفوضوي (235-268)

الاساقفة عن أمر الفصح وأصلحوا رأس الصوم. ثم ملك بعده ابنه أنطونيش (كركلا) فقتل لست سنين لملكه ما بين حران والرها. (218) ثم ملك اليوغالي أربع سنين. ثم مقرين وقتله قواد رومة لسنة من ملكه. وملك من بعده الإسكندروس (222-235) وكانت أمه ماما نصرانية وكانت النصارى معه في سعة من أمرهم. وفي السنة الثالثة من ملك هذا الإسكندروس قيصر ابتدأت مملكة الفرس الأخيرة المعروفة ببيت ساسان. ثم ثار أهل رومة عليه وقتلوه. الحكم الفوضوي (235-268) 452 وملك من بعده مخشميان (235) ولم يكن من بيت الملك وإنما ولّوه لأجل حرب الإفرنج. واشتد على النصارى الشدة السادسة من بعد نيرون. وقتل الشهيدين سرجيوس في سلمية وباخوس في بالس على الفرات وقوفريانس الأسقف مع جماعة من المؤمنين. ثم هلك مخشميان وملك بعده غرديانوس قيصر (238) وطالت حروبه مع الفرس وكان ظافراً عليهم وقتله أصحابه على نهر الفرات. ثم ملك فيلبوس قيصر ست سنين وآمن بالمسيح وهو أول من تنصر من ملوك الروم فأحسن إلى النصارى ثم رام الاجتماع مع المؤمنين فقال له الأسقف: لا يمكنك الدخول إلى البيعة حتى تنتهي عن المحارم وتقتصر على زوجة واحدة من غير ذوات القربى. فكان يحضر وقت الصلاة ويقف خارج البيعة مع الذين ألفوا الدين ولم يكملوا فيه بعد.

دولة القياصرة الإليريين إلى قسطنطين الملك (268-307)

وفي السنة الثالثة لملكه ظهر قوم من أصحاب البدع قائلين إن من كفر بلسانه وأضمر الإيمان بقلبه فليس بكافر. وفي هذا الزمان بدأت أعمال الرهبان على يدي أنطونيوس وفولي المصريين. وهما أول من أظهر لبس الصوف والتخلي في البراري. ثم ملك ذوقيوس قيصر (249) ولبغضه فيلبوس قيصر المحسن إلى النصارى عاداهم وشدد عليهم جداً وهي الشدة السابعة. فكفر كثيرون من المؤمنين إلى أن قتل فقدموا التوبة. وكان ناباطيس القسيس لا يقبل توبتهم قائلاً: إنه لا مغفرة لمن أخطأ فزيف الأساقفة تعليمه. وفي زمان ذوقيوس كان الفتية أصحاب الكهف فألقى الله عليهم سباتاً إلى يوم انبعاثهم من رقادهم في أيام تاوداسيوس. وفي أيامه خرج القوط من بلادهم وتغلبوا على بلاد الغريقيين ثم ولي والريانوس وكان يعبد الأصنام ولقي النصارى منه شدة. ثم سار في عساكر الروم لغزو الفرس فانهزم وحمل أسيراً إلى كسرى بهرام فقتله. فولي ابنه غلينوس (260) وأزال الاضطهاد عن النصارى خوفاً مما نزل بأبيه من العقوبة. دولة القياصرة الإليريين إلى قسطنطين الملك (268-307) 453 قم ملك اقلوذيوس سنة وتسعة أشهر (268) وفي ملكه ظهرت بدعة بولس الصميصاصي. وكان ينكر أن المسيح كلمة الله وأنه قد (ولد) من عذراء. وذكر أوسابيوس المؤرخ عن هذا بولس أنه استعان بامرأة يهودية اسمها زينب رأسها قيصر على الشام. وكانت تستحسن

علمه وكلامه وفوضت إليه بطركية أنطاكية. فاجتمع الأساقفة وردوا مقالته وحرموه وأتباعه ثم ملك بعده أوريليانش (270-275) وحارب القوط فظفر بهم وجدد بناء رومة. واشتد على النصارى تاسعة بعد نيرون وهم بالتضييق عليهم. وفي هذا الزمان عرف ماني الثنوي هذا كان يظهر النصرانية ثم مرق من الدين وسمى نفسه مسيحاً. وكان يقول بعلم الثنوية. وهو أن للعالم إلهين أحدهما خير وهو معدن النور والآخر شر وهو معدن الظلمة. فقتله سابور وسلخ جلده وحشاه تبناً وصلبه على سور المدينة لأنه كان يدعي الدعاوي العظيمة وعجز عن إبراء ابنه من مرض عرض له. ثم ملك بعد أورليانش قاروش ثم فروفش وقتل بسرمين ثم قاروش. وفي السنة الثانية لملكه قتل قزما ودمياني الشهيدان ثم أبرق فاستظلمه ومات. ثم استبد ديوقلاسيانوس بالملك (284-305) وأشرك معه في الأمر مخشميان وكان مقيماً رومة. ولثلاث عشرة سنة مضت من ملكه عصى عليه أهل مصر والإسكندرية فسار إليهم من رومة وغلبهم وأنكى فيهم. وانتفض على ديوقلاسيانوس أهل ممالكه وثار الثوار ببلاد الإفرنجة والأندلس وأفريقية. فدفع ديوقلاسيانوس إلى هذه الحروب كلها مخشميان هركوليس وصيره قيصر. ثم استعمل مخشميان صهره قسطنطش فمضى إلى الألمانيين في ناحية بلاد الإفرنج فظفر بهم بعد حروب طويلة. ثم أمر ديوقلاسيانوس بغلق كنائس

ملك قسطنطين (306-337)

النصارى بإغراء مخشميان وكان أشد كفراً منه. ولقي النصارى منهما شدة وقتل ماري جرجس وكان من أكابر أبناء البطارقة. وفي عاشرة ملكه قدم ماري بطرس بطركاً بالإسكندرية. ثم قام بعد موته تلميذه إسكندروس وكان كبير تلامذته آريوش كثير المخالفة له. وفي أيام ديوقلاسيانوس رأى قسطنطش هيلانة وكانت تنصرت على يد أسقف الرها فأعجبته وتزوجها. وولدت له قسطنطين فأجمع ديوقلاسيانوس على قتله فهرب إلى الرها. ثم جاء بعد موت ديوقلاسيانوس فوجد أباه قسطنطش قد ملك على الروم فتسلم الملك من يده (لابن العميد) ملك قسطنطين (306-337) 454 ثم استعد قسطنطينوس لغزو مكسنطيس بن مخشميان لأنه عصى ولم يبايعه على رومة. وكان قسطنطينوس يتفكر إلى أي الآلهة يلجي أمره في هذا الغزو. فبينما هو في هذا الفكر رفع رأسه إلى السماء نصف النهار فرى راية الصليب في السماء مثال النور وكان فيه مكتوب: أن بهذا الكل تغلب. فصاغ له صليباً من ذهب وكان يرفعه في حروبه على رأس الرمح. ثم إنه غزا رومة فخرج إليه مكسنطيس ووقع في نهر فاختنق. فافتتح قسطنطينوس مدينة رومة واعتمد في هذا الوقت برومة من اليهود وعبدة الأصنام زهاء اثني عشر ألف نفس خلا النساء والصبيان (312) . ثم حصل لقسطنطينوس برص. فأشار عليه خدم الأصنام أن يذبح أطفال

مجمع نيقية (325)

المدينة ويغتسل بدمائنهم فيبرا من مرضه. فأخذ جماعة من الأطفال ليذبحهم فصارت مناحة عظيمة في المدينة فأحجم عن قتلهم. وفي تلك الليلة رأى في منامه بطرس وبولس يقولان له: وجه إلى سلوسطرس أسقف رومة فجيء به فهو يبرئ مرضك. فلما أصبح وجه في طلبه فأتوه به ووعظ الملك وأوضح له سر النصرانية فتعتمد وذهب مرضه وأمر ببناء كنائس النصارى المهدومة (313) . وفي السنة الثالثة لملكه أمر فبني لبوزنطية سور فزاد في ساحتها أربعة أميال وسماها قسطنطينية ونقل الملك إليها. (لأبي الفرج) ثم شخصت هيلانة أم قسطنطين لزيارة بيت المقدس. فسألت عن موضع الصليب فأخبرها مقاريوس الأسقف أن اليهود أهالوا عليه التراب والزبل. ثم استخرجت ثلاثة من الخشب وسألت أيتها خشبة المسيح. فقال لها الأسقف: علامتها أن الميت يحيا بمسيسها فصدقت ذلك بتجربتها. وأتخذ النصارى ذلك اليوم عيداً لوجود الصليب. وبنت على الموضع كنيسة القمامة وأمرت مقاريوس الأسقف ببناء الكنائس. (رواه ابن خلدون عن ابن الراهب) مجمع نيقية (325) 455 وفي هذا الزمان كان بالإسكندرية إسكندروس البطرك وكان بعهده آريوش. وكان يذهب إلى حدوث الابن وأنه إنما خلق الخلق بتفويض الآب إليه في ذلك. فمنعه إسكندروس

قسطنطين في مجمع نيقية

الدخول إلى الكنيسة وأعلم أن إيمانه فاسد. وكتب بذلك إلى سائر الأساقفة والبطاركة في النواحي وفعل ذلك بأسقفين آخرين على مثل رأي آيوش. فرفعوا أمرهم إلى قسطنطين وأحضرهم جميعاً لتسع عشرة من دولته وتناظروا. ولما قال آريوش إن الإبن حادث وإن الآب فوّض إليه بالخلق. وقال الإسكندروس الخلق استحق الألوهية فاستحسن قسطنطين قوله وأذن له أن يشيد بكفر آريوش. وطلب الإسكندروس اجتماع النصرانية لتحرير المعتقد الإيماني. فجمعهم قسطنطين وكانوا ثلاث مائة وثمانية عشرة أسقفاً وذلك في مدينة نيقية فسمي المجتمع مجتمع نيقية. وكان رئيسهم الإسكندروس بطرك إسكندرية ومقاريوس أسقف بيت المقدس. وبعث سلطوس (سلوسطروس) بطرك رومة بقسيس حضر معهم لذلك نيابة عنه. فتفاوضوا وتناظروا واتفقوا على رأس واحد. فصار قسطنطين إلى قولهم وأعطى سيفه وخاتمه وباركوا عليه ووضعوا له قوانين الدين والملك. ونفى آريوش. وكتبوا العقيدة التي اتفق عليها أهل ذلك المجمع. (لابن خلدون) قسطنطين في مجمع نيقية 456 وكان في المجمع أسقف رأي ناباطيس. فقال له الملك: لم لا توافق الجمهور في قبول من تاب عن معاصيه منيباً إلى الله. فأجابه الأسقف: إنه لا مغفرة لمن فرطت منه كبيرة بعد الإيمان

موت قسطنطين وتملك بنيه

والعماد بدليل قول فولس الرسول حيث يقول: لا يستطيع الذين ذاقوا كلمة الله أن يدنسوا بالخطيئة ليطهروا بالتوبة ثانية. فقال له الملك هازئاً به: إن كان الأمر كما تزعم فانصب لك سلماً لترقى فيه وحدك إلى السماء. ونهض بعض الأساقفة فرفع إلى الملك كتاباً فيه سعاية ببعض الأساقفة. فلما قرأه الملك أمر أن يحرق الكتاب بالنار وقال: لو وجدت أحداً من الكهنة في ريبة لسترته بأرجوانيتي. موت قسطنطين وتملك بنيه 457 ولم يزل دين النصرانية يظهر ويقوى إلى أن دخل فيه أكثر الأمم المجاورة للروم من الجلالقة والصقالبة والروس واللاّن والأرمن والكرج وجميع أهل مصر من القبط وغيرهم وجمهور أصناف السودان من الحبشة والنوبة وسواهم. وآمن بعد هؤلاء أصناف من الترك أيضاً. وبنى قسطنطينوس بيعة عظيمة بالقسطنطينية وسماها أجيا صوفيا أي حكمة القدوس. وبيعة أخرى على أسم السليحين. وبنى بيعة بمدنة بعلبك. وبنى بأنطاكية هيكلاً ذا ثماني زوايا على اسم السيدة. وفي أيامه غزا سابور بلاد الروم فنهض قسطنطينوس لمحاربته. وعند وصوله إلى نيقومذيا أدركته المنية وفي مرضه قسم الملك على أولاده الثلاثة وملك الكبير المسمى باسمه قسطنطينوس على بلاد إفرنجية. ورتب الآخر المسمى قسطنسيوس على مصر والشام وما بين النهرين وأرمينية. ورتب الصغير المسمى

قسطنطس على رومة وإسبانيا وما يليها من ناحية المغرب. ثم إن قسطنسيوس صار إلى نيقوموذيا فأخذ جسد أبيه فحنطه. ووضعه في صندوق ذهب وحمله إلى قسطنطينية ووضعه في هيكل السليحين. وفي هذه السنة صعد سابور ملك الفرس فغزا نصيبين لما بلغه وفاة قسطنطينوس القاهر فحاصرها ثلاثين يوماً ورجع عنها إلى مملكته خائباً وذلك بدعاء ماري يعقوب أسقفها وماري إفرام تلميذه. فإن الله استجاب دعاءه وأرسل على جيش الفرس بقّاً وهمجاً هزم فيلتهم. ثم إن سابور اضطهد النصارى الذين في سلطانه جداً. أما قسطنطينوس وهو الأخ الكبير فقتل في حرب وقع بينه وبين أخيه الصغير قسطنطس صاحب رومة وخلف ابنين غالوس ويوليانوس. ثم بعد قليل قتل قسطنطس صاحب رومة. وأما الأخ الأوسط قسطنسيوس صاحب مصر والشام فنصب غالوس ملكاً على قسطنطينية مكان أبيه. فعصى على عمه فسير عمه عليه جيشاً وقتله غيلة. ثم مات أيضاً قسطنسيوس واستقل يوليانس بالملك. (لأبي الفرج) 458ثم ملك يوليانس قيصر (361) وسمي المارق لأنه خلع ربقة النصرانية من عنقه وعبد الأصنام. ولذلك وثب الوثنيون على النصارى ووقع بينهم بلاء عظيم بالإسكندرية وقتل من المكانين خلق كثير. ثم إن يوليانوس الملك منع النصارى من الاشتغال في شيء من كتب الفلسفة. وسلب آنية الكنائس والديورة واستصفى

مال من لم يطعه من النصارى في أكل ذبائح الأصنام وأهلك كثيرين منهم. ثم إنه عزم على غزو الفرس ودخل على أفولون الحبر الخادم للصنم ليستعلم منه هل ينجح في غزوه أم لا. فحكم له أنه يقهر أعداءه على نهر دجلة فاستكبر لذلك يوليانوس وصال جداً. وجمع جيوشه وغزا الفرس. فلما وصل إلى حران وأراد الخروج منها نكس رأسه ساجداً الآلهة الحرانيين فسقط تاجه عن رأسه وصرع فرسه الذي كان تحته فقال له خادم الصنم: إن النصارى الذين معك ألف رجل. وسار حتى وافى المدائن ولما نشب الحرب بينه وبين الفرس على الدجلة صار يسير فأصاب جنبه فسقط عن دابته. وبينما هو يتعذب أخذ ملء حفنتيه دماً من دمه فرشه في الجو نحو السماء وقال: إنك غلبتني يا ابن مريم فرض مع ملك السماء ملك الأرض ?ملك يوفيانس (363) وولنطنيانس ووالنس (364) 459 ملا قتل يوليانوس المارق بقي عسكر الروم بغير ملك وكان مقدم العساكر يوفيانوس فاجتمعوا إليه وبايعوه واشترط عليهم الدخول في النصرانية وجرى الصلح بينهم وبين الفرس. ولما ولي نزل للفرس عن نصيبين ونقل الروم الذين بها إلى آمد. ورجع إلى كرسي مملكتهم فرد الأساقفة على الكنائس ورجع فيمن رجع أثناسيوس

بطرك إسكندرية وطلب منه أن يكتب له أمانة أهل مجمع نيقية. فجمع الأساقفة وكتبوها وأشار عليه بلزومها ثم إن يوفيانس (459) هلك بالفالج لسنة واحدة من ملكه. وافترق القوط في أيامه فرقتين على مذهب آريوش وأمانة نيقية. وفي أيامه ولي داماش بطركا برومة. ولنطنيان ملك ثماني عشرة سنة وولى والنش أخاه على المشرق وكان شريكه في الملك. ثم ثار عليه بعضهم بأهل أفريقية فأجاز إليهم البحر وحاربهم فظفر بالثائر وقتله بقرطاجنة ورجع إلى قسطنطينية. فحارب القوط والأمم من ورائهم وهلك في حروبهم فاستقل والنش. وحده بالملك. وكان ولنطنيان يدين بالأمانة ووالنش يدين بمذهب آريوش. فاشتد على أهل الأمانة وقتلهم. وبعد وفاته عقد المجمع الثاني بقسطنطينية (381) . (لابن العميد) ?تتمة تاريخ الروم إلى ظهور الملّة الإسلامية ?ملك اغراتيانوس (375) وتاوداسيوس (379) 460 ثم ملك بعده أغرايتانوس قيصر سنة واحدة وأشرك معه في ملكه رجلاً اسمه تاوداسيوسو واستعمله على المشرق فملك الكثير منها ثم هم خارجي على أغراتيانوس فقتله. فاستقل تاوداسيوس بملك القياصرة سبع عشرة سنة وردَّ جميع ما نفاه والنش قبله من الأساقفة إلى كرسيهم وخلَّى كل واحد مكانه. وفي السنة الخامس لملكه خرج عليه مكسيموس الخارحي فوجه إليه جيوشاً فقتل. وكان لتاوداسيوس ولدان أرقاذيوس وأونوريوس. ولما كبرا وضعهما تحت تدبير أرسانيوس. ثم هرب أرسانيوس إلى مصر وترهب. فرغوه بالمال فأبى وأقام في مغارة بالجبل المقطم حتى مات. فبنى أرقاذيوس على قبره كنيسة. ثم ولى تاوداسيوس قبل وفاته أرقاذيوس علىالقسطنطينية وأونوريوس على رومة (395) . (للمسيحي)

ملك أرقاذيوس (395-408) وأنوريوس (395-423)

ملك أرقاذيوس (395-408) وأنوريوس (395-423) 461 أرقاذيوس قيصر ملك ثلاث عشرة سنة وفي أيامه قام يوحنا فم الذهب بطركاً على قسطنطينية. ووضع تفسير الإنجيل وهو ابن ثماني وعشرين سنة. ومنع الكهنة من أمور كثيرة من الفساد فحسدوه وجعلوا يطلبون عليه عثرة. ونهى الملكة أودكسيا امرأة أرقاذيوس عن اختلاسها كرم امرأة أرملة. ولأنها أبت رشقها في بعض خطبه ذات يوم وشبهها بإيزبل امرأة آحاب ملك إسرائيل التي أخذت كرماً أيضاً من أرملة. فركبت يوماً من الأيام وأخذت معها تسعة وعشرين أسقفاً ممن عادى يوحنا فم الذهب واجتمعوا بمدينة خلقيدونية. وحرموه وأسقطوه من مرتبته بحجة أنه لم يدع النظر في كتب أوريغانيس فاضطرب أهل القسطنطينية لذلك وهموا بإحراق دار الملك فخافهم الملك وبعث إلى فم الذهب وردّه إلى مرتبته. فلما رجع رفع تمثالاً كان للملكة بالقرب من الكنيسة. وخطب ذات يوم وسمّى الملكة هيروذيا أي الملكة التي قتلت يحيى بن ذكريا المعمدان. فغضبت غضباً شديداً ووجّهت إلى بعض الأساقفة فجمعتهم إلى قسطنطينية فحرموه ثانياً ونفوه. وكان ذلك في السنة الثامنة لأرقاذيوس. فنفي على بلدة بعيدة فتوفي هناك لثماني وأربعين سنة من عمره. وثارت الفتن بين الروم والمصريين بسبب عظام يوحنا قم (الذهب حتى أتوا بها بعد ثلاث وثلاثين سنة لموته. فدفنوها بقسطنطينية وأثبتوا اسمه في سفر الحياة مع باقي الآباء القديسين. ثم أن أرقاذيوس مات وهو ابن ثلاثين سنة وخلّف ابنه تاودسيوس ابن ثماني سنين. (لأبي الفرج) تاودوسيوس الأصغر (408-450) ومرقيان (450-457) 462 وملك من بعده تاودوسيوس الأصغر وفي زمانه كثر النصارى في سلطان الفرس وظهرت النصرانية جداً على يدي مروثا أسقف ميّافارقين الذي أرسل من تاودوسيوس الذي أرسل من تاودوسيوس الصغير على الفرس. وفي السنة العاشرة لتاودوسيوس الصغير عرف شمعون صاحب العمود بأنطاكية وكان يظهر الآيات والعجائب. وكان في هذا الزمان مار إسحاق تلميذ مار إفرام صاحب الميامر المنظومة. وفي هذا الزمان انبعث أصحاب الكهف من رقدتهم التي رقدوا على عهد ديقيانوس الملك. فخرج تاودوسيوس الملك مع أساقفة وقسيسسين وبطارقة فنظر إليهم وكلموهم فلما انصرفوا من عندهم ماتوا في مواضعهم. وانتقض لعهده قومس أفريقية وخالف طاعة القياصرة فحدثت بأفريقية فتنة لذلك. ثم زحف القوط إلى رومة وفرّ عنها أنوريوس فحاربوها ودخلوها عنوة واستباحوا ثلاثاً وتجافوا عن أموال الكنائس. ثم صالحوا الروم على أن يكون لهم الأندلس فانقلبوا إليها وتركوا رومة. وفي السابعة عشرة من ملك تاودوسيوس قدم نسطوريس بطركاً بالقسطنطينية فأقام أربع سنين وظهرت عنه العقيدة التي دان بها. وكان يقول باتحاد المشية دون نفس الكلمة فبلغت مقالته إلى كيرلوس بطرك الإسكندرية فخاطب

ملك انسطاس (491) ويوسطينوس (518) ويوسطينيانس (527)

في ذلك بطرك رومة وأنطاكية وبيت المقدس ثم اجتمعوا بمدينة أفسس في مائتي أسقف وأجمعوا على كفر نسطوريس ونفوه (431) . وأخذ بمقالته نصارى الجزيرة والموصل إلى الفرات ثم العراق وفارس إلى المرق. ثم ملك مرقيان بعده ست سنين وتزوج أخت تاودوسيوس الصغير. وكان في أيامه المجمع الرابع بخلقيدونية. وأنه كان بسبب ديسقرس بطرك الإسكندرية وما أحدث من البدعة في الأمة. فقالوا بالطبيعتين والأقنوم الواحد وأجمعوا على نفيه. وافترقت النصارى إلى ملكية. وهم أهل الأمانة فنسبوا إلى مرقيان قيصر الملك. وإلى يعقوبية وهم أهل مذهب ديسقرس. وإنما دعوا يعاقبة نسبة إلى بعض تلامذة ديسقرس اسمه يعقول كان يطوف البلاد داعياً إلى مقالة ديسقرس. وإلى نسطورية وهم نصارى المشرق. ثم ملك بعد مرقيان لاون الكبير (457) ثم لاونطيوس (475) ثم زينون (476) وكان يعقوبياً ملك انسطاس (491) ويوسطينوس (518) ويوسطينيانس (527) 463 أنسطاس قيصر ملك سبعاً وعشرين سنة. وفي أول ملكه قتل كثيرين من صبيان المكتب لأنهم هجوه. وأجاز البربر من المغرب إلى رومة وغلبوا عليها. وفي السنة الثالثة له بنيت دار التي فوق نصيبينز ثم إن أنسطاس الملك أراد أن يوضع في البيعة قول المؤمنين في صلواتهم. إنك صلبت من أجلنا. فاضطرب أهل القسطنطينية كلهم وأخذوا الحجارة ليرجموه بها. فهاله أمرهم وجبن عنهم. فوع تاجه عن رأسه قائلاً: إني أنتهي إلى أمركم فيما تريدون. فكف الشعب عنهم. ثم ملك يوسطينوس قيصر تسع سنين وكان أصله من رومة. هذا أصلح جميع البيع وردّ كل من نفاه الملوك قبله. وفي السنة السابعة لملكه اقتتل الروم والفرس على شاطىء الفرات وغرق من الروم خلق كثير. وفي هذه السنة سقط ثلج كثير وجليد وأفسد عامة الأشجار مع الكروم. وبعد سنة قلت الأمطار وعزت الغلات ونقس الماء في الينابيع ثم تبع ذلك حر قوي ووباء شديد ودام ست سنين. وفي السنة التاسعة من ملكه أشرك معه في الملك يوسطينيانس الصغير وكان ابن أخته وبعد ثلاثة أشهر مات وفي هذا الوقت غزا كسرى ملك الفرس مدينة الرها وقتل فيها خلقاً كثيراً. ثم ملك بعده يوسطينيانس قيصر ثماني وثلاثين سنة. وفي ثالثة ملكه غزا الفرس بلاد الروم فوقعت بين الفرس والروم حروب كثيرة. وزحف كسرى في آخرها لثماني من ملك يوسطينيانس ومعه المنذر ملك العرب فبلغ الرها وغلب الروم وغرق من الفريقين في الفرات خلق كثير. وحمل الفرس أسارى الروم وسباياهم ثم وقع الصلح بينهما. وفي خمس وثلاثين من ملك يوسطينيانس عهد بأن يتخذ عيد الميلاد في خامس وعشرين من كانون الأول وعيد الدنح لستة أيام من كانون الأخير. فامتثلوا أمره خلا الأرمن فإنهم داومو على تعييد العيدين في يوم واحد. وكانت كنيسة بيت لحم صغيرة فأمر أن يوسع فيها فبنيت كما هي لهذا العهد. وفي عهده كان المجمع الخامس بقسطنطينية (553)

موريقي (582) وفوقاس (602) وهرقل (610-641)

ثم ملك بعده يوسطينوس قيصر (465) ثم طياريوس (578) موريقي (582) وفوقاس (602) وهرقل (610-641) 464 موريقي قيصر ملك عشرين سنة. وكان حسن السيرة سهل المعاملة كثير الصدقة. وكان في كل سنة يهيء طعاماً للفقراء والمساكين ستين مرة ويقوم هو وزوجته من ملكهما فيتوليان خدمتهم وإطعامهم وإسقاهم. وفي السنة الرابعة لموريقي عرض وباء شديد بقسطنطينية ومات من أهلها زهاء أربع مائة ألف نس. ولعهده انتفض على هرمز كسرى قريبه بهرام وخلعه واستولى علىملكه وقتله. وسار ابنه أبرويز إلى موريقي قيصر صريخاً، فبعث معه العساكر ورد أبرويز إلى ملكه وقتل بهرام الخارج عليه. وبعث إليه بالهدايا والتحف كما فعل أبوه من قبله مع القياصرة وخطب أبرويز من موريقي قيصر ابنته مريم فزوجه إياها وبعث معها من الجهاز والأمتعة والأقمشة ما يضيق عنه الحصر. ثم وثب على موريقي بعض مماليكه بمداخلة قريبه البطريق فوقاس فدسّه عليه فقتله وملك على الروم وتسمى قيصر. وقتل أولاد موريقي. وبلغ أبرويز كسرى ما جرى على موريقي وأولاده. فجمع عساكره وقصد بلاد الروم ليأخذ ثار صهره وبعث عساكره مع مرزبانه خزرويه إلى القدس وعهد إليه بقتل أهلها وخراب البلد. وجاء بنفسه في عساكر الفرس إلى القسطنطينية وحاصرها وضيق عليها. وأما خزرويه المرزبات فسار إلى الشام وخرب البلاد. واجتمع يهود طبرية والخليل وناصرة وصور وأعانوا الفرس على قتل النصارى وخراب الكنائس. فنهبوا الأموال وأخذوا قطعة من الصليب وعادوا إلى كسرى بالسبي وفيهم زخريا بطرك المقدس. ولما انتهى أبرويز في حصار القسطنطينية نهايته وضيق عليها اجتمع البطارقة بعلوقيا وبعثوا السفن مشحونة بالأقوات مع سرقل أحد بطارقة الروم ففرحوا به ومالوا إليه وداخلهم في الملك. وثاروا على قوقاس سبب هذه الفتنة وقتلوه. وملكوا هرقل فارتحل أبرويز عن القسطنطينية راجعاً إلى بلاده. وملك هرقل بعد ذلك إحدى وثلاثين سنة وكان ملكه أول سنة من الهجرة. وفي السابعة للهجرة بعث عساكر الفرس ومقدمهم مرزبانه شهريار فدوّخ بلاد الروم وحاصر القسطنطينية ثم تغير له. فكتب إلى المرازية معه بالقبض عليه واتفق وقوع الكتاب بيد هرقل فبعث به إلى شهريار فانتفض ومن معه وطلبوا هرقل في المدد فخرج معهم بنفسه بنفسه في ثلاث مائة ألف من الروم وأربعين ألفاً من التركمان وسار إلى بلاد الشام والجزيرة وافتتح مدائنهم التي كان ملكها كسرى من قبل وفيما افتتح أرمينية. ثم سار إلى الموصل فلقيه جموع الفرس وقائدهم المرزبان فانهزموا. وقتل وأجفل أبرويز عن المدائن واستولى هرقل على ذخائر ملكهم. وكان شيرويه بن كسرى محبوساً فأخرجه شهريار وأصحابه وملكوه وعقدوا مع هرقل الصلح واسترجع الصليب. (لابن العميد) تمّ بحوله تعالى

الجزء الثالث

مجاني الأدب في حدائق العرب للأب لويس شيخو اليسوعي الجزء الثالث

الباب الأول في التدين

الباب الأول في التديّن في كمالاته تعالى 1 إن الله عز وجل لم يزل ولا يزال. هو الكبير المتعال. خالق الأعيان والآثار. ومكور النهار على الليل والليل على النهار. العالم بالخفيات. وما تنطوي عليه الأرضون والسماوات. سواءٌ عنده الجهر والإسرار. ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار. ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير خلق الخلْق بقدرته. وأحكمهم بعلمه وخصهم بمشيئته. ودبّرهم بحكمته. لم يكن له في خلقهم معين. ولا في تدبيرهم مشيرٌ ولا ظهير. وكيف يستعين من لم يزل بمن لم يكن. لا تلزمه لم. ولا يجاوره أين. ولا تلاصقه حيث. ولا تعده كم. ولا تحصره متى. ولا تحيط به كيف. ولا تظهره قبل. ولم تفته بعد. ولم تجمعه كل. وصفه لا صفة له. وكونه لا أمد له. ولا تخالطه الأشكال والصور. ولا تغيّره الآثار والغِيَر. ولا تجوز عليه المماسة والمقاربة. ويستحيل عليه المحاذاة والمقابلة. إن قلتَ: أين هو. فقد سبق المكان وجوده. لم يفتقر وجوده إلى أين. هو بعد خلق المكان غني بنفسه كما كان قبل خلق المكان. وكيف يحل في ما منه بدا. وإن قلتَ: ما هو. فلا ماهية له (ما موضوعة للسؤال عن الجنس. والقديم

الدعاء لله

تعالى لا جنس له) وإن قلتَ كم هو. فهو واحد في ذاته. متفردٌ بصفاته. وإن قلتَ: متى كان فقد سبق الوقت كونه وإن قلت: كيف هو. فمن كيّف الكيفية لا يقال له كيف. ومن جازت عليه الكيفية جاز عليه التغيير وإن قلت هو. فالهاء والواو خلقه. فما تصور في الأوهام. فهو بخلافه. ولا تمثله العيون. ولا تخالطه الظنون. ولا تتصوره الأوهام. ولا يحيط به الأفهام. ولا تقدر قدرة الأيام. ولا يحويه مكان. ولا يقارنه زمان. ولا يحصره أمد. ولا يجمعه عدد. قربه كرامته. وبعده إهانته. علوه من غير توقلٍ. ومجيئه من غير تنقل. هو الأول والآخر. والظاهر والباطن. القريب البعيد. الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وأشهد له بالربوبية وبما شهد به لنفسه من الأسماء الحسنى والصفات العلى. (سراج الملوك للطرطوشي) الدعاء لله 2 دعا أعرابي فقال: يا عماد من لا عماد له. ويا ركن من لا ركن له. ويا مجير الضعفى يا منقذ الهلكى. ويا عظيم الرجاء أنت الذي سبح لك سواد الليل وبياض النهار. وضوء القمر وشعاع الشمس. وحفيف الشجر ودوي الماء. يا محسن يا مجمل. اللهم إنك آنس المؤنسين للمتكلين عليك أنت شاهدهم وغائبهم والمطلع على ضمائرهم وسري لك مكشوف. وأنا إليك ملهوف. إذا أوحشتني الغربة

آنسني ذكرك. وإذا أكبت علي الغموم لجأت إلى الاستجارة بك. علماً بأن أزمة الأمور كلها بيدك ومصدرها عن قضائك. فأقلني إليك مغفوراً لي معصوماً بطاعتك باقي عمري يا أرحم الراحمين 3 لما ولي أبو بكر الخلافة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس إني داع فأمنوا. اللهم إني غليظ فليّني لأهل طاعتك بموافقة الحق ابتغاء وجهك والدار الآخرة. وارزقني الغلطة والشدة على أعدائك وأهل الدعارة والنفاق من غير ظلم مني لهم ولا اعتداء عليهم. الله إني شحيح فسنحني في نوائب المعروف قصداً من غير سرف ولا تبذير ولا رئاء ولا سمعة. واجعلني أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة. اللهم ارزقني خفض الجناح ولين الجانب للمؤمنين. اللهم إني كثير الغفلة والنسيان فألهمني ذكرك على كل حال وذكر الموت في كل حين. اللهم إني ضعيف عند العمل بطاعتك فارزقني النشاط فيها والقوة عليها بالنية الحسنة التي لا تكون إلا بعزتك وتوفيقك. اللهم ثبتني باليقين والبر والتقوى وذكر المقام بين يديك والحياء منك. وارزقني الخشوع فيما يرضيك عني والمحاسبة لنفسي وإصلاح الساعات والحذر من الشبهات (العقد الفريد لابن عبد ربه) 4 دعا بعضهم فقال: اللهم إن أسألك يا من احتجب بشعاع نوره عن نواظر خلقه. يا من تسربل بالجلال والكبرياء واشتهر بالتجبر في قدسه. يا من تعالى بالجلال والكبرياء واشتهر بالتجبر في قدسه. يا من تعالى بالجلال والكبرياء في تفرد مجده. يا من انقادت

الأمور بأزمّتها طوعاً لأمره. يا من قامت السماوات والأرض من مجيبات لدعوته. يا من زين السماء بالنجوم الطالعة وجعلها هاديةً لخلقه. يا من أنار القمر المنير في سواد الليل المظلم بلطفه. يا من أنار الشمس المنيرة وجعلها معاشاً لخلقه. وجعلها مفرقة بين الليل والنهار لعظمته. يا من استوجب الشكر بنشره سحائب نعمه. أسألك بمعاقد العز من عرشك وبكل اسم هو لك سميت به نفسك واستأثرت به في علم الغيب عندك وبك اسم هو لك أثبته في قلوب الحافين حول عرشك وأسألك بالأسماء التي تجليت بها للكليم موسى على الجبل العظيم. فلما بدا شعاع نور الحجب من بهاء العظمة خرت الجبال متدكدكة لعظمتك وجلالك وهيبتك وخوفاً من سطوتك راهبة منك. أنت الله فلا إله إلا أنت. وأسألك بالاسم الذي فتقت به رتق عظيم جفون العيون للناظرين. الذي به تدبرت حكمتك وشواهد حجج أنبيائك. يعرفونك بنظر القلوب. وأنت في غوامض سوائد القلوب. أسألك أن تصرف عني وأهل حزانتي وجميع المؤمنين والمؤمنات جميع الآفات والعاهات والأعراض والأمراض والخطايا والذنوب. والشك والكفر والنفاق والشقاق والضلالة والجهل والمقت والغضب والعسر والضيق وفساد الضمير وحلول النقمة وشماتة الأعداء وغلبة الرجال إنك سميع الدعاء لطيف (الكشكول لبهاء الدين العاملي)

منتخب من قصيدة علي بن أبي طالب في المناداة

منتخب من قصيدة علي بن أبي طالب في المناداة 5 يا من سمع الدعاء. يا رافع السماء. يا دائم البقاء. يا واسع العطاء. يا عالم الغيوب. يا غافر الذنوب. يا ساتر العيوب. يا كاشف الكروب. يا فائق الصفات. يا مخرج النبات. يا جامع الشتات. يا منشر الرفات. يا فالق الصباح. يا مرسل الرياح. فجراً مع الرواح. يجلن في النواح. يا هادي الرشاد. يا ملهم السداد. يا رازق العباد. يا محيي البلاد. يا مطلق الأسير. يا جائر الكبير. يا مغني الفقير. يا غاذي الصغير. يا مالك النواصي. من طائع وعاص. ما عنه من مناص. للعبد أو خلاص. أجِرْ من الجحيم. من هولها العظيم. من عيشها الذميم. من حرها المقيم. أسكني الجنانا. بلغني الأمانا. في منزل تعالى. بالحق قد توالى. بالنور قد تلالا. تلقى به الجلالا (ديوان علي) 6 قال الأصمعي سمعت غلاماً يمجد ربه بأبياتٍ من الشعر وهي هذه: يا فاطر الخلق البديع وكافلا ... زرق الجميع سحاب جودك هاطل يا مسبع البر الجزيل ومسبل الستر الجميل عميم طولك طائل يا عالم السر الخفي ومنجز الوعد الوفي قضاء حكمك عادل عظمت صفاتك يا عظيم فجل أن ... يحصي الثناء عليك فيها قائل الذنب أنت له بمنك غافر ... ولتوبة العاصي بحلمك قابل رب يربي العالمين ببره ... ونواله أبدا إليهم واصل

تقصيه وهو يسوق نحوك دائماً ... ما لا تكون لبعضه تستاهل متفضل أبدا وأنت لجوده ... بقبائح العصيان منك تقابل وإذا دجا ليل الخطوب وأظلمت ... سبل الخلاص وخاب فيها الآمل وأيست من وجه النجاة فما لها ... سبب ولا يدنو له متناول يأتيك من ألطافه الفرج الذي ... لم تحتسبه وأنت عنه غافل يا موجد الأشياء من ألقى إلى ... أبواب غيرك فهو غر جاهل ومن استراح بغير ذكرك أو رجا ... أحداً سواك فذاك ظل زائل رأي يلم إذا عرته ملمة ... بسوى جنابك فهو رأي مائل عمل أريد به سواك فإنه ... عمل وإن زعم المرائي باطل وإذا رضيت فكل شيء هين ... وإذا حصلت فكل شيء حاصل أنا عبد سوء آبق كل على ... مولاه أوزار الكبائر حامل قد أثقلت ظهري الذنوب وسوت ... صحفي العيوب وستر عفوك شامل ها قد أتيت وحسن ظني شافعي ... ووسائلي ندم ودمع سائل فاغفر لعبدك ما مضى وارزقه تو ... فيقاً لما ترضى ففضلك كامل وافعل به ما أنت أهل جميلة ... والظن كل الظن أنك فاعل 7 قال الشيخ إسماعيل الزمزمي: يا من تحل بذكره ... عقد النوائب والشدائد يا من إليه المشتكى ... وإليه أمر الخلق عائد يا حي يا قيوم يا ... صمداً تنزه عن مضادد

محبة الله والثقة به

أنت الرقيب على العبا ... د وأنت في الملكوت واحد أنت العليم بما ابتليت به وأنت علي شاهد إن الهموم جيوشها ... قد أصبحت قلبي تطارد فرج بحولك كربتي ... يا من له حسن العوائد فخفي لطفك يستعا ... ن به على الزمن المعاند أنت الميسر والمسبب والمسهل والمساعد سبب لنا فرجاً قريباً يا إلاهي لا تباعد كن راحمي فلقد يئست من الأقارب والأباعد وعلى العدى كن ناصري ... لا تشمتن بي الحواسد يا ذا الجلال وعافني=مما من البلوى أكابد وعن الورى كن ساتراً ... عيبي بفضل منك وارد يا رب قد ضاقت بي ال ... أحوال واغتال المعاند فامنن بنصرك عاجلاً ... فضلاً على كيد الحواسد هذي يدي وبشدتي ... قد جئت يا رباه قاصد فلكم إلهي قد شهد ... ت لفيض لطفك من عوائد محبة الله والثقة به 8 أخبرني يحيى بن بسطام قال: دخلت يوماً مع نفر من أصحابنا على عفيرة العابدة الضرير وكانت قد تعبدت وبكت خوفاً من الله جل شأنه حتى عميت. فقال بعض أصحابنا لرجل إلى جنبه: ما أشد العمى على من

كان بصيراً. فسمعت عفيرة قوله فقالت يا عبد الله عمى القلب عن الله أشد من عمى العين عن الدنيا. وإني لوددت أن الله وهب لي كنه محبته وأن لم يبق مني جارحة إلا أخذها: (لليمني) قال بعض الزاهدين متغزلاً في حبه تعالى: هجرت الخلق طراً في رضاكا ... ويتمت العيال لكي أراكا فلو قطعتني في الحب إربا ... لما حن الفؤاد إلى سواكا قال غيره: إذا أمسى وسادي من تراب ... وبت مجاور الرب الرحيم فهنوني أصيحابي وقولوا ... لك البشرى قدمت على كريم قال آخر: ما زال يحتقر الدنيا بهمته ... حتى ترقت إلى الأخرى به هممه رث اللباس جديد القلب مستتر ... في الأرض مشتهر فوق السما نسمه طوبى لعبد بحبل الله معتصم ... على صراط سوي ثابت قدمه قال ابن الصيفي: يا طالب الطب من داء أصيب به ... إن الطبيب الذي أبلاك بالداء هو الطبيب الذي يرجى لعافية ... لا من يذيب لك الترياق في الماء قال علي بن أبي طالب: لبيك لبيك أنت مولاه ... فارحم عبيداً فأنت منجاه يا ذا المعالي إليك معتمدي ... طوبى لمن كنت أنت مولاه

طوبى لمن كان نادماً أرقاً ... يشكو إلى ذي الجلال بلواه وما به علة ولا سقم ... أكثر من حبه لمولاه إذا خلا في الظلام مبتهلاً ... أجابه الله ثم لباه سألت عبدي وأنت في كنفي ... وكل ما قلت قد سمعناه صوتك تشتاقه ملائكة ... فذنبك الآن قد غفرناه في جنة الخلد ما تمناه ... طوباه طوباه ثم طوباه سلني بلا خشية ولا رهب ... ولا تخف إنني أنا الله 10 أول مقامات الانتباه هو اليقظة من سنة الغفلة. ثم التوبة وهي الرجوع إلى الله بعد الإباق. ثم الورع والتقوى لكن ورع أهل الشريعة عن المحرمات وورع أهل الطريقة عن الشبهات. ثم المحاسبة وهي تعداد ما صدر عن الإنسان بينه وبين نفسه وبينه وبين بني نوعه. ثم الإرادة وهي الرغبة في نيل المراد مع الكد. ثم الزهد وهو ترك الدنيا وحقيقته التبرؤ عن غير المولى. ثم الفقر وهو تخلية القلب عما خلت عنه اليد. والفقير من عرف أنه لا يقدر على شيء. ثم الصدق وهو استواء الظاهر والباطن. ثم التصبر وهو حمل النفس على المكاره. ثم الصبر وهو ترك الشكوى وقمع النفس. ثم الرضاء وهو التلذذ بالبلوى. ثم الإخلاص وهو إخراج الخلق عن معاملة الحق. ثم التوكل وهو الاعتماد في كل أموره على الله سبحانه وتعالى مع العلم بأن الخير فيما اختاره (لبهاء الدين العاملي)

الاستغفار إلى الله

قال بعض الشعراء: يا رب هيئ لنا من أمرنا رشدا ... واجعل معونتك في عمرنا مددا ولا تكلنا إلى تدبير أنفسنا ... فالنفس تعجز عن إصلاح ما فسدا الاستغفار إلى الله 11 قال أبو حاتم: أملى علينا أعرابي يقال له مرشد: اللهم اغفر لي قبل أن لا أقدر على استغفارك حتى يفنى الأجل. وينقطع العمل. أعني على الموت وكربته وعلى القبر وغمته. وعلى الميزان وخفته وعلى الصراط وزلته وعلى يوم القيامة وروعته. اغفر لي مغفرة عز لا تغادر ذنباً ولا تدع كرباً. اغفر لي جميع ما تبت إليك منه. ثم عدت فيه يا رب تظاهرت علي منك النعم. وتداركت عندك مني الذنوب. فلك الحمد على النعم التي تظاهرت وأستغفرك للذنوب التي تداركت. وأمسيت عن عذابي غنياً وأصبحت إلى رحمتك فقيراً. اللهم إني أسألك نجاح الأمل عند انقطاع الأجل. اللهم اجعل خير عملي ما ولي أجلي. اللهم اجعلني من الذين إذا أعطيتهم شكروا. وإذا ابتليتهم صبروا. وإذا أذكرتهم ذكروا. واجعل لي قلباً تواباً أواباً. لا فاجراً ولا مرتاباً. اجعلني من الذين إذا أحسنوا ازدادوا وإذا اساؤوا استغفروا. اللهم لا تحقق علي العذاب. ولا تقطع بي الأسباب واحفظني في كل ما تحيط به شفقتي. وتأتي من ورائه سبحتي. وتعجز عنه قوتي. أدعوك دعاء ضعيف عمله. متظاهرة ذنوبه. ضنين على نفسه. دعاء من بدنه

ضعيف ومنته عاجزة. قد انتهت عدته. وخلقت جدته. ومن ثم ظمؤه. اللهم لا تخيبني وأنا أرجوك. ولا تعذبني وأنا أدعوك. الحمد لله على طول النسيئة. وحسن التباعة وتشنج العروق وإساغة الريق وتأخر الشدائد. والحمد لله على حلمه بعد علمه. وعلى عفوه بعد قدرته. اللهم إني لا أعوذ بك من الفقر إلا إليك ومن الذل الذي إلا لك. وأعوذ بك أن أقول زوراً أو أغشى فجوراً. أو أكون بك مغروراً. وأعوذ بك من شماتة الأعداء. وعضال الداء وخيبة الرجاء (لابن عبد ربه) 12 قال أحمد بن الأقليشي مستعطفاً: أسير الخطايا عند بابك واقف ... له عن طريق الحق قلب مخالف قديماً عصى عمداً وجهلاً وغرةً ... ولم ينهه قلب من الله خائف تزيد سنوه وهو يزداد ضلةً ... فها هو في ليل الضلالة عاكف تطلع صبح الشيب والقلب مظلم ... فما طاف منه من سنى الحق طائف ثلاثون عاماً قد تولت كأنها ... حلومٌ تقضت أو بروق خواطف وجاء المشيب المنذر المرء أنه ... إذا رحلت عنه الشبيبة تالف فيا أحمد الخوان قد أدبر الصبا ... وناداك من سن الكهولة هاتف فهل أرق الطرف الزمان الذي مضى ... وأبكاه ذنب قد تقدم سالف فجُد بالدموع الحمر حزناً وحسرةً ... فدمعك ينبئ أن قلبك آسف قال آخر: إله الخلق قد عظمت ذنوبي ... فسامح ما لعفوك من مشارك

أجر يا سيدي عبداً فقيراً ... أناخ ببابك العالي ودارك قال غيره: وإني لأدعو الله أسأل عفوه ... وأعلم أن الله يعفو ويغفر لئن أعظم الناس الذنوب فإنها=وإن عظمت في رحمة الله تصغر 13 قال أبو القاسم بن الخطيب مستغفراً: يا من يرى ما في الضمير ويسمع ... أنت المعد لكل ما يتوقع يا من يرجى للشدائد كلها ... يا من إليه المشتكى والمفزع يا من خزائن رزقه في قول كن ... أمنن فإن الخير عندك أجمع ما لي سوى فقري إليك وسيلةٌ ... فبالإفقار إليك فقري أدفع ما لي سوى قرعي لبابك حيلةٌ ... فلئن رددت فأي باب أقرع ومن الذي أدعو وأهتف باسمه ... إن كان فضلك عن فقير يمنع حاشا لجودك أن يقنط عاصياً ... الفضل أجزل والمواهب أوسع 14 قال ابن الفرضي: أسير الخطايا عند بابك واقف ... على وجل مما به أنت عارف يخاف ذنوباً لم يغب عنك عيبها ... ويرجوك فيها فهو راجٍ وخائف فيا سيدي لا تخزني في صحيفتي ... إذا نشرت يوم الحساب الصحائف فكن مؤنسي في ظلمة القبر عندما ... يصد ذوو القربى ويجفو المؤالف لئن ضاق عني عفوك الواسع الذي ... أرجي لإسرافي فإني لتالف

العالم العقلي

العالم العقلي 15 من التلويحات عن أفلاطون الإلهي أنه قال: ربما خلوت بنفسي كثيراً عند الرياضيات. وتأملت أحوال الموجودات المجردة عن الماديات. وخلعت بدني جانباً وصرت كأني مجردٌ بلا بدن عارٍ عن الملابس الطبيعية. فأكون داخلاً في ذاتي لا أعقل غيرها ولا أنظر فيما عداها وخارجاً عن سائر الأشياء فحينئذ أرى في نفسي من الحسن والبهاء والسناء والضياء والمحاسن الغريبة العجيبة الأنيقة ما أبقى معه متعجباً حيراناً باهتاً. فأعلم أني جزءٌ من أجزاء العالم الأعلى الروحاني الكريم الشريف. وأني ذو حياة فعالة. ثم ترقيت بذهني من ذلك العالم إلى العوالم الإلهية والحضرة الربوبية. فصرت كأني موضوع فيها معلق بها فوق العوالم العقلية النورية. فأرى كأني واقف في ذلك الموقف الشريف وأرى هناك من البهاء والنور ما لا تقدر الألسن على وصفه ولا الأسماع على قبول نقشه. فإذا استغرقني ذلك الشأن وقلبني ذلك النور والبهاء ولم أقو على احتماله هبطت من هناك إلى عالم الفكرة. فحينئذ حجبت الفكرة عني ذلك النور فأبقى متعجباً أني كيف انحدرت من ذلك العالم. وعجبت كيف رأيت نفسي ممتلئة نوراً وهي مع البدن كهيئتها. فعندما تذكرت قول مطريوس حيث أمرنا بالطلب والبحث عن جوهر النفس الشريف والارتقاء إلى العالم العقلي (لبهاء الدين)

الباب الثاني في الزهد

الباب الثاني في الزهد في الخوف 16 قال علي: ألا إن عباد الله المخلصين لمن رأى أهل الجنة في الجنة فاكهين. وأهل النار في النار معذبين شرورهم مأمونة. وقلوبهم محزونة. وأنفسهم عفيفة. وحوائجهم خفيفة. صبروا أياماً قليلةً. لعقبى راحة طويلة. أما بالليل فصفوا أقدامهم في صلاتهم تجري دموعهم على خدودهم يجأرون إلى ربهم: ربنا ربنا. يطلبون فكاك رقابهم. وأما بالنهار فعلماء خلماء بررة أتقياء كأنهم القداح (القداح السهام يريد في ضمرتها) . ينظر إليها الناظر فيقول: مرضى وما بالقوم من مرض. (وقال منصور بن عمار) في مجلس الزهد إن لله عباداً جعلوا ما كتب عليهم من الموت مثالاً بين أعينهم وقطعوا الأسباب المتصلة بقلوبهم من علائق الدنيا. فهم أنضاء عبادته. حلفاء طاعته. قد نضحوا خدودهم بوابل دموعهم وافترشوا جباههم في محاريبهم. يناجون ذا الكبرياء والعظمة في فكاك رقابهم زهد النعمان بن امرئ القيس 17 إن النعمان بن امرئ القيس الأكبر الذي بنى الخورنق والسدير أشرف على الخورنق يوماً فأعجبه ما أوتي من الملك والسعة ونفوذ

عدي بن زيد والنعمان

الأمر وإقبال الوجوه عليه فقال لأصحابه: هل أوتي أحدٌ مثل ما أوتيت. فقال له حكيم من حكماء أصحابه: هذا الذي أوتيت شيء لم يزل ولا يزول أم شيء كان لمن قبلك زال عنه وصار إليك. قال: بك شيء كان لمن قبلي زال عنه وصار إليّ وسيزول عني. قال: فسررت بشيء تذهب عنك لذته وتبقى تبعته. قال: فأين المهرب. قال: إما أن تقيم وتعمل بطاعة الله أو تلبس أمساحاً وتلحق بجبل تعبد ربك فيه وتفر من الناس حتى يأتيك أجلك. قال: فإذا فعلت ذلك فما لي. قال: حياة لا تموت. وشباب لا يهرم. وصحة لا تسقم. وملك جديد لا يبلى. قال: فأي خير فيما يفنى والله لأطلبن عيشاً لا يزول أبداً. فانخلع من ملكه ولبس الأمساح وساح في الأرض. وتبعه الحكيم وجعلا يسبحان ويعبدان الله تعالى حتى ماتا. وفيه يقول عدي بن زيد: وتفكر رب الخورنق إذ أشرف يوماً وللهدى تفكير سره ماله وكثرة ما يملك والبحر معرضاً والسدير فارعوى قلبه وقال فما غبطة حي إلى الممات يصير ثم بعد الفلاح والملك والنعمة ... وارتهم هناك القبور ثم صاروا كأنهم ورق جفّ ... م فألوت به الصبا والدبور عدي بن زيد والنعمان 18 روي أن النعمان بن المنذر خرج متصيداً ومعه عدي بن زيد

ذلة الدنيا وزوالها

فمرا بشجرة. فقال عدي بن زيد: أيها الملك أتدري ما تقول هذه الشجرة. قال: لا. قال فإنها تقول: من رآنا فليحدث نفسه ... أنه موفٍ على قرب زوال فصروف الدهر لا تبقى لها ... ولما تأتي به صم الجبال رب ركبٍ قد أناخوا حولنا ... يشربون الخمر بالماء الزلال والأباريق عليها فدمٌ ... وجياد الخيل تجري بالجلال عمروا الدهر بعيش حسن ... أمنى دهرهم غير عجال عصف الدهر بهم فانقرضوا ... وكذاك الدهر حالاً بعد حال قال) ثم جاوزوا الشجرة فمرا بمقبرة. فقال له عدي: أتدري ما تقول هذه المقبرة. قال: لا. قال: فإنها تقول: أيها الركب المخبو ... ن على الأرض المجدونا كما أنتم كذا كنا ... وكما نحن تكونونا فقال النعمان: قد علمت أن الشجرة والمقبرة لا تتكلمان. وقد علمت أنك إنما أردت عظتي فجزاك الله عني خيراً فما السبيل الذي تدرك به النجاة. قال: تدع عبادة الأوثان وتعبد الله وحده قال: وفي هذا النجاة. قال: نعم. قال فترك عباة الأوثان وتنصّر حينئذ وأخذ في العبادة والاجتهاد (للطرطوشي) ذلّة الدنيا وزوالها 19 (من المنهج) أما بعد فإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع. وإن

الراهب الجرجاني مع الشيخ عمر الصيني

الآخرة قد أقبلت وأشرفت باطلاع. ألا وإن اليوم المضمار. وغداً السباق والسبقة الجنة والغاية النار. أفلا تائب من خطيئته. قبل منيته. ألا عامل لنفسه. قبل يوم بؤسه. ألا وإنكم في أيام أمل من ورائه أجل. فمن عمل في أيام أمله. قبل حصول أجله. نفعه عمله. ولم يضره أجله. ومن قصّر في أيام عمله قبل حصول أجله. فقد خسر عمله. وضر أجله. ألا فاعملوا في الرغبة. كما تعملون في الرهبة. ألا وإني لم أر كالجنة نام طالبها. ولا كالنار نام هاربها. ألا وإنه من لا ينفعه الحق يضره الباطل. ومن لا يستقيم به الهدى. يجذبه الضلال إلى الردى. ألا وإنكم قد أمرتم بالظعن ودللتم على الزاد. وإن أخوف ما أخاف عليكم إتباع الهوى وطول الأمل. ترودوا في الدنيا من الدنيا ما تحرزون به أنفسكم غدا 20 (عن نوفٍ البكالي) قال: رأيت أمير المؤمنين علياً كرم الله وجهه ذات ليلةٍ وقد خرج من فراشه فنظر إلى النجوم فقال: يا نوف أراقد أنت أم رامق. قلت: بل رامق يا أمير المؤمنين. قال: يا نوف طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة أولئك قوم اتخذوا الأرض بساطاً وترابها فراشاً وماءها طيباً والدين شعاراً والدعاء دثاراً. ثم قرضوا الدنيا قرضاً على منهاج المسيح (لبهاء الدين) الراهب الجرجاني مع الشيخ عمر الصيني 21 قال الشيخ عمر: مررت براهب وهو في صومعته فجرى بيني

وبينه مؤانسة. فقلت له: يا راهب لمن تعبد. فقال: أعبد الله الذي خلق العالم بقدرته. وألّف نظامه بحكمته. وقد حوت عظمته كل شيء. لا تبلغ الألسن وصف قدرته. ولا العقول لج رحمته. له الشكر على نتقلب فيه من نعمته التي صحت بها الأبصار. ورعت بها الأسماع. ونطقت بها الألسن. وسكنت بها العروق وامتزجت بها الطبائع. فقلت: يا راهب ما أفضل الحكمة. فقال: خوف الله. فقلت: وما أكمل العقل. قال: معرفة الإنسان بقدرته. قلت: ما يعين على التخلص من الدنيا. قال: أن تجعل بقية يومك انقضاء أملك. فقلت: وما حملك على أن عقلت على نفسك في هذه الصومعة. فقال: لأحبس هذا السبع عن الناس (وأومأ بيد إلى لسانه) . قلت: من أين تعيش. قال: من تدبير اللطيف الخبير الذي خلق الرحى وهو يأتيها بالطحين. قلت: لم لا تنزل إلينا وتخالطنا. فقال: لأن الأشياء الموبقة بأسرها بينكم والسلامة من ذلك إنما تكون في الوحدة. قلت: وكيف صبرت على الوحدة. فقال: لو ذقت حلاوة الوحدة لاستوحشت إليها من نفسك. قلت: كيف لبست السواد. فقال: لأن الدنيا دار مأتم وأهلها في حداد. وإذا حزنت لبست السواد. فقلت: كيف تذكر الموت. فقال: ما أطرف طرفة عين إلا ظننت أني مت. قلت: ما لنا نحن نكره الموت. فقال: لأنكم عمرتم دنياكم وأخربتم آخرتكم. فأنتم تكرهون النقلة من العمران

إلى الخراب. قلت: يا راهب عظني. فقال: أبلغ العظات النظر إلى محلة الأموات. وفي تغيير الساعات والآجلات. وإن شيعت جنازة فكن كأنك المحمول مثل ذلك. ولا تنس من لا ينساك. وأحسن سريرتك. يحسن الله علانيتك. واعلم أن من خاف الله أخاف منه كل شيء. ومن لم يخف الله خاف من كل شيء. اطلب العلم لتعمل به ولا تطلبه للتباهي أو تماري به السفهاء. وإياك والأهواء فإنها موبقة. والهرب الهرب من الجهل. والهرب الهرب ممن يمدح الحسنات فيتجنبها ويذم السيئات فيرتكبها. ولا تشرب المسكر فإن عاجلته غرامة. وعاقبته ندامة. ولا تجالس من يشغلك بالكلام ويزين لك الخطأ ويوقعك في هذه الغموم. ويتبرأ منك وينقلب عليك. ولا تتشبه في طعامك وشرابك ولباسك بالعظماء ولا في مشيك بالجبابرة. وكن ممن يرجى خيره. ولا تكن ممن يخاف شره. واعلم أن من أحبه الله ابتلاه. ومن صبر رضي الله عنه. وإذا اعتللت فأكثر من ذكر الله وحمده وشكره. وإياك والنميمة فإنه تزرع في القلوب الضغائن وتفرق بين المحبين. وانظر ما استحسنته من غيرك فامتثله لنفسك. وما أنكرته من غيرك فتجنبه. وارض للناس ما ترضاه لنفسك. فإنه كمال الوصال والصلاح في الدين والدنيا. وقال: إني أستودعك الله وأقرأ عليك السلام. ثم إنه نهض إلى صلاته فسمعته يقول: إلهنا تقدس اسمك يأتي ملكوتك. تكون

مشيئتك في السماء كذلك على الأرض. ارزقنا الكفاف يوماً بيوم. اغفر لنا خطايانا وآثامنا. ولا تدخلنا في التجارب وخلصنا من إبليس لنسبحك ونقدسك ونمجدك إلى دهر الداهرين. ثم جعل يقول أيضاً: اللهم إن رحمتك كعظمتك. اللهم إن نعمتك أعظم من رجائنا. فصنعك أفضل من آمالنا. اللهم اجعلنا شاكرين لنعمائك حتى تشتغل بذكرك جوارحنا. وتمتلئ قلوبنا. اللهم أعنا على أن نحذر من سخطك ونبتغي طاعتك ورضاك. اللهم وفقنا للعمل بما نفوز به من ملكوتك. من أجل أنه ينبغي لك العز والسلطان والقدرة. قال الشيخ: فاستحسنت ذلك منه. وسألته أن يدعو لنا وانصرفت وأنا متعجب من حسن مقاله. 22 قال قثم الزاهد: رأيت راهباً على باب بيت المقدس. فقلت له: أوصني فقال: نا أناأناأنا كن كرجل احتوشته السباع فهو خائف مذعور يخاف أن يسهو فتفترسه أو يلهو فتنهشه. فليله ليل مخافة إذا أمن فيه المغترون. ونهاره نهار حزن إذا فرح فيه البطالون. ثم إنه ولى وتركني فقلت: زدني. فقال: إن الظمآن يقنع بيسير الماء 23 إن الحاسة الجليدية إذا كانت مؤفة برمد ونحوه فهي محرومة من الأشعة الفائضة من الشمس. كذلك البصيرة إذا كانت مؤفة بالهوى واتباع الشهوات والاختلاط بأبناء الدنيا فهي محرومة من إدراك الأنوار القدسية محجوبة عن ذوق اللذات الإنسية. ولله در من قال:

ذا مرتفع ذا منتصب ... ذا منخفض ذا منجزم لا يفتكرون لما وجدوا ... لا يعتبرون لما عدموا أهواء نفوسهم عبدوا ... والنفس لعابدها صنم (لبهاء الدين) قال محمد بن الحسن الحميري: عجبت لمبتاع الضلالة بالهدى ... وللمشتري دنياه بالدين أعجب وأعجب من هذين من باع دينه ... بدنيا سواه فهو من ذين أخيب 24 قال الحسن ابن آدم: أنت أسير الدنيا رضيت من لذاتها بما ينقضي. ومن نعيمها بما يمضي. ومن ملكها بما ينفد. تجمع لنفسك الأوزار ولأهلك الأموال. فإذا مت حملت أوزارك إلى قبرك وتركت أموالك لأهلك. أخذه أبو العتاهية فقال: أبقيت ما لك ميراثا لوارثه ... يا ليت شعري ما أبقى لك المال القوم بعدك في حال تسرهم ... فكيف بعدهم دارت بك الحال ملوا البكاء فما يبكيك من أحد ... واستحكم القيل في الميراث والقال قال ابن عبد ربه: ألا إنما الدنيا غضارة أيكة ... إذا اخضر منها جانب جف جانب هي الدار ما الآمال إلا فجائع ... عليها ولا اللذات إلا مصائب فكم سخنت بالأمس عيناً قريرة ... وقرت عيوناً دمعها الآن ساكب فلا تكتحل عيناك فيها بعبرة ... على ذاهب منها فإنك ذاهب

وقال ابن عمران: أف لدنيا قد شغفنا بها ... جهلاً وعقلاً للهوى متبع فتانةٌ تخدع طلابها ... فلا تكن ممن بها ينخدع أضغاث أحلام إذا حصلت ... أو كوميض البرق مهما لمع 25 (من خطبة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب) أيها الناس إنما أنتم خلف ماضين وبقية المتقدمين. كانوا أكثر منك بسطة وأعظم سطوة. أزعجوا عنها أسكن ما كانوا إليها فغدرت بهم أوثق ما كانوا بها. فلم تغن عنهم قوة عشيرة ولا قبل منهم بذل فدية. فارحلوا نفوسكم بزاد مبلغ قبل أن تؤخذوا على فجأة. فقد غفلتم عن الاستعداد وجف القلم بما هو كائن. فحاسبوا أنفسكم قبل أن يحاسبوا. ومهدوا لها قبل أن تعذبوا. وتزودوا للرحيل قبل أن تزعجوا. فإنما هو موقف عدل وقضاء حق. ولقد أبلغ في الإعذار. من تقدم في الإنذار. 26 (من كلامه) الدنيا دار بلاء. ومنزل قلعة وعناء. قد نزعت منها نفوس السعداء. وانتزعت بالكره من أيدي الأشقياء. فأسعد الناس فيها أرغبهم عنها. وأشقاهم بها أرغبهم فيها هي الغاشة لمن انتصحها والمغوية لمن أطاعها. والهالك من هوى فيها. طوبى لعبد اتقى فيها ربه ونصح نفسه وقدم توبته وأخر شهوته من قبل أن تلفظه الدنيا إلى الآخرة. فيصبح في دمن غبراء. مدلهمة ظلماء. لا يستطيع أن يزيد في حسنة. ولا أن ينقص من سيئة. ثم ينشر فيحشر إما إلى

جنة يدوم نعيمها أو نار لا ينفد عذابها 27 من كلام بعض البلغاء: الدنيا إن أقبلت بلت. وإن أدبرت برت. أو أطنبت نبت. أو أركبت كبت. أو أبهجت هجت. أو أسعفت عفت. أو أينعت عنت. أو أكرمت رمت. أو عاونت ونت. أو ماجنت جنت. أو سامحت محت. أو صالحت لحت. أو وصلت صلت. أو بالغت لغت. أو وفرت فرت. أو زوجت وجت. أو نوهت وهت. أو ولهت لهت. أو بسطت سطت (لبهاء الدين) قال علي بن أبي طالب: ذهب الذين عليهم وجدي ... وبقيت بعد فراقهم وحدي من كان بينك في التراب وبينه ... شبران فهو بغاية البعد لو بعثرت للخلق أطباق الثرى ... لم يعرف المولى من العبد من كان لا يطأ التراب برجله ... يطأ التراب بناعم الخد 28 وقد روي أن علياً كتب إلى معاوية هذه الأبيات: أما ولله إن الظلم شوم ... ولا زال المسيء هو المظلوم إلى الديان يوم الدين نمضي ... وعند الله تجتمع الخصوم ستعلم في الحساب إذا التقينا ... غداً عند المليك من الظلوم ستنقطع اللذاذة عن أناس ... من الدنيا وتنقطع الهموم لأمر ما تصرفت الليالي ... لأمر ما تحركت النجوم سل الأيام عن أمم تقضت ... ستخبرك المعالم والرسوم

تروم الخلد في دار المنايا ... فكم قد رام مثلك ما تروم تنام ولم تنم عنك المنايا ... تنبه للمنية يا نؤوم لهوت عن الفناء وأنت تفنى ... فما شيء من الدنيا يدوم قال بعضهم: عجبت لمن جد في شأنه ... لحر الرجاء ونار الأمل يؤمل ما لم يقدر له ... ويضحك منه دنو الأجل يقول سأفعل هذا غداً=ودون غد للمنايا عمل قال آخر: عجبت لمفتون يخلف بعده ... لوارثه ما كان يجمع من كسب حووا ماله ثم استهلوا لقبره ... ببادي بكاء تحت ضحك القلب قال غيره: والله لو كانت الدنيا بأجمعها ... تبقى علينا ويأتي رزقها رغدا ما كان من حق حران أن يذل لها ... فكيف وهي متاع يضمحل غدا قال آخر: إنما هذه الحياة متاع ... فالجهول الجهول من يصطفيها ما مضى فات والمؤمل غيب ... ولك الساعة التي أنت فيها أورد ابن خلكان للحسن بن علي الخازن: عنت الدنيا لطالبها ... واستراح الزاهد الفطن كل ملك نال رخرفها ... حسبه مما حوى كفن

يقتني مالاً ويتركه ... في كلا الحالين مفتتن أملي كوني على ثقة ... من لقاء الله مرتهن أكره الدنيا وكيف بها ... والذي تنحو به وسن لم تدم قبلي على أحد ... فلماذا الهم والحزن وأنشد عدي بن زيد: أين كسرى كسرى الملوك أنوشر ... وان أم أين قبله سابور وبنو الأصفر الكرام ملوك الروم لم يبق منهم مذكور وأخو الحصن إذ بناه وإذ دجلة تجبى إليه في ذراه وكور شاده مرمراً وجلله كلساً فللطير في ذراه وكور لم يهبه رب المنون فباد الملك عنه فبابه مهجور قال غيره: تأمل في الوجود بعين فكر ... ترى الدنيا الدنية كالخيال ومن فيها جميعاً سوف يفنى ... ويبقى وجه ربك ذي الجلال قال آخر: دنباك شيئان فانظر ... ما ذلك الشيئان ما فات منها فحلم ... وما بقي فأماني 30 استنشد المتوكل أبا الحسن علي بن محمد. فقال: إني لقليل الرواية في الشعر. فقال: لا بد. فأنشده: باتوا على قلل الأجبال تحرسهم ... غلب الرجال فلم تنفعهم القلل

واستنزلوا بعد عز عن معاقلهم ... وأودعوا حفراً با بئس ما نزلوا ناداهم صارخ من بعد ما دفنوا ... أين الأسرة والتيجان والحلل أين الوجوه التي كانت منعمة ... من دونها تضرب الأستار والكلل فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم ... تلك الوجوه عليها الدود يقتتل قد طللا أكلوا دهراً وما شربوا ... فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا وطالما أكثروا الأموال وادخروا ... فخلفوها على الأعداء وارتحلوا وطالما شيدوا دوراً لتحصنهم ... ففارقوا الدور والأهلين وانتقلوا أضحت مساكنهم وحشاً معطلة ... وساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا سل الخليفة إذ وافت منيته ... أين الجنود وأين الخيل والخول أين الكنوز التي كانت مفاتحها ... تنوء بالعصبة المقوين لو حملوا أين العبيد الألى أرصدتهم عدداً ... أين العديد وأين البيض والأسل أين الفوارس والغلمان ما صنعوا ... أين الصوارم والخطية الذبل أين الكفاة ألم يكفوا خليفتهم ... لما رأوه صريعاً وهو يبتهل أين الكماة أما حاموا أما غضبوا ... أين الحماة التي يحمى بها الدول أين الرماة ألم تمنع بأسهمهم ... لما أتتك سهام الموت تنتصل هيهات ما منعوا ضيماً ولا دفعوا ... عنك المنية إذ وافى بها الأجل ولا الرشى دفعتها صاح وبذلوا ... ولا الرقى نفعت شيئاً ولا الحيل ما ساعدوك ولا واساك أقربهم ... بل أسلموك لها بئس ما فعلوا ما بال قبرك لا ينشى به أحد ... ولا يطور به من بينهم رجل

حفظ الحواس

ما بال قصرك وحشاً لا أنيس به ... يغشاك من كنفيه الروع والوهل ما بال ذكرك منسياً ومطرحاً ... وكلهم باقتسام المال قد شغلوا لا تنكرن فما دامت على ملك ... ولا أناخ عليه الموت والوجل وكيف يرجو دوام العيش متصلاً ... وروحه بحبال الموت متصل وجسمه للبانات الردى غرض ... وملكه زائل عنه ومنتقل (وتروى هذه القصيدة في ديوان علي بن أبي طالب) حفظ الحواس 31 قال المعلى الصوفي: شكوت إلى بعض الزهاد فساداً أجده في قلبي. فقال: هل نظرت إلى شيء فتاقت إليه نفسك. قلت: نعم. قال: احفظ عينيك فإنك إن أطلقتهما أوقعتاك في مكروه. وإن ملكتهما ملكت سائر جوارحك. (قال) مسلم الخواص لمحمد بن علي الصوفي: أوصيني. فقال: أوصيك بتقوى الله في أمرك كله. وإيثار ما يجب على محبتك. وإياك والنظر إلى كل ما دعاك إليه طرفك وشوقك إليه قلبك. فإنهم إن ملكاك لم تملك شيئاً من جوارحك حتى تبلغ بهما ما يطالبانك به. وإن ملكتهما كنت الداعي لهما إلى ما أردت. فلم يعصيا لك أمراً ولا يردا لك قولاً. (قال بعض الحكماء) : إن الله عز وجل جعل القلب أمير الجسد وملك الأعضاء. فجميع الجوارح تنقاد له وكل الحواس تطيعه وهو مدبرها ومصرفها وقائدها وسائقها وبإرادته تنبعث وفي طاعته تتقلب. ووزيره العقل. وعاضده

الدهر وحوادثه

الفهم. ورائده العينان. وطليعته الأذنان. وهما في النقل سواء لا يكتمانه أمراً ولا يطويان دونه سراً (يريد العين والأذن) الدهر وحوادثه 32 لقي رجل حكيماً فقال: كيف ترى الدهر قال يخلق الأبدان ويجدد الآمال ويقرب المنية. ويباعد الأمنية قال: فما حال أهله. قال: من ظفر منهم لغب. ومن فاته نصب. قال: فما يغني عنه. قال: قطع الرجاء منه. قال: فأي الأصحاب أبر وأوقى. قال: العمل الصالح والتقوى. قال أيهم أضر وأردى. قال: النفس والهوى. قال: فأين المخرج. قال: سلوك المنهج. (زهر الآداب للقيرواني) 33 قال بعض الحكماء: أف للدهر ما أكدر صافيه وأخيب راجيه. وأعدى أيامه ولياليه. وقيل: يسار الدهر في الأخذ أسرع من يمينه في البذل. لا يعطى بهذه إلا ارتجع بتلك. وقال آخر: الدهر لا يؤمن يومه. ويخاف غده. يرضع ثديه وتجرح يده. وقيل: الدهر يغر ويمر. ويسوء من حيث يسر. وقال آخر الدهر لا تنتهي فيه المواهب. حتى تتخللها المصائب. ولا تصفو فيه المشارب. حتى تكدرها الشوائب. (وفي فصل ابن المعتز) : هذا زمان متلون الأخلاق متداعي البنيان. موقظ الشر منيم الخبر. مطلق أعنة الظلم. حابس روح العدل. قريب الأخذ من الإعطاء والكآبة من البهج والقطوب من الشر. مر الثمرة بعيد المجتنى. قابض على النفوس

بكربته. منيخ على الأجسام بوحشته. لا ينطق إلا البشكوى. ولا يسكت إلى على غصص وبلوى. (ومثله فصل للصاحب) : الزمان حديد الظفر. لئيم الظفر. حلو المورد مر المصدر. أثره عند المرء كأثر السيف في الضريبة والليث في الفريسة. (ولشمس المعالي قابوس) : الدهر شر كله. مفصله ومجمله. إن أضحك ساعة أبكى سنة. وإن أتى بسيئة جعلها سنة. ومن أراد منه غير هذا سيرة. أراد من الأعمى عيناً بصيرة. ومن ابتغى منه الرعاية. ابتغى من الغول الهداية. (طرائف اللطائف للمقدسي) قال بعضهم: يا طالما طال حرص الناس في حذر ... على الحياة فضاع الحرص والحذر قد غرهم زخرف الدنيا وبهجتها ... نعم الغصون ولكن بئسما الثمر قال آخر: ما أنت إلا كزرع عند خضرته ... بكل شيء من الآفات مقصود فإن سلمت من الآفات أجمعها ... فأنت عند كمال الأمر محصود قال بعضهم يذكر فجائع الدهر: وأصبحت كالبازي المنتف ريشه ... يرى حسرات كلما طار طائر يرى خرقات الجو يخرقن في الهوا ... فيذكر ريشاً من جناحيه وافر وقد كان دهرا في الرياض منعما ... على كل ما يهوى من الصيد قادر إلى أن أصابته من الدهر نكبة ... فأصبح مقصوص الجناحين خاسر

ذكر الموت

قال غيره: في الدهر تحيرت الأمم ... والحاصل منه لهم ألم بعجائبه ومصائبه ... أمواج زواخر تلتطم والعمر يسير مسير الشمس فليس تقر له قدم قدمان له يسعى بهما ... فضحى ودجى ضوء ظلم والناس بحلم جهالتهم ... فإذا ذهبوا ذهب الحلم صم بكم عمى بهم ... نعم قسمت لهم نعم فرقوا فرقاً فرقوا فرقا ... ومضوا طرقاً لا تلتئم قال آخر: وما الدهر إلا سلم فبقدر ما ... يكون صعود المرء فيه هبوطه وهيهات ما فيه يزول وإنما ... شروط الذي يرقى إليه سقوطه فمن كان أعلى كان أوفى تهشماً ... وفاء بما قامت عليه شروطه ذكر الموت 34 قال ابن المعتز: نسير إلى الآجال في كل ساعة ... وأيامنا تطوى وهن مراحل ولم أر مثل الموت حقاً فإنه ... إذا ما تخطته الأماني باطل فما أصبح التفريط في زمن الصبا ... فكيف به والشيب في الرأس شاعل ترحل من الدنيا بزاد من التقى ... فعمرك أيام تعد قلائل

كأن الأرض قد طويت عليا ... وقد أخرجت مما في يديا كأني صرت منفرداً وحيداً ... ومرتهناً لديك بما عليا كأن الباكيات علي يوماً ... ولا يغني البكاء علي شيا ذكرن منيتي فنعيت نفسي ... ألا أسعد أخيك يا أخيا وقال ابن عبد ربه: أتلهو بين باطية وزير ... وأنت من الهلاك على شفير فيا من غره أمل طويل ... يؤديه إلى أجل قصير أتفرح والمنية كل يوم ... تريك مكان قبرك في القبور هي الدنيا فإن سرتك يوما ... فإن الحزن عاقبة السرور ستسلب كل ما جمعت منها ... كعارية ترد إلى المعير 35 وقال بعضهم على لسان ميت: ضعوا خدي على لحدي ضعوه ... ومن عفر التراب فوسدوه وشقوا عنه أكفاناً رقاقاً ... وفي الرمس البعيد فغيبوه فلو أبصرتموه إذا تقضت ... صبيحة ثالث أنكرتموه ولو سالت نواظر مقلتيه ... على وجناته لرفضتموه وقد نادى البلى هذا فلان ... هلموا فانظروا هل تعرفوه خليلكم وجاركم المفدى ... تقادم عهده فنسيتموه قال بعضهم: من كان يعلم أن الموت مدركه ... والقبر مسكنه والبعث مخرجه

وأنه بين جنات ستبهجه ... يوم القيامة أو نار ستنضجه فكل شيء سوى التقوى به سمج ... وما أقام عليه منه اسمجه ترى الذي اتخذ الدنيا له سكنا ... لم يدر أن المنايا سوف تزعجه وقال آخر متشوقاً إلى الموت: جزى الله عنا الموت خيراً فإنه ... أبر بنا من كل بر وأرأف يعجل تخليص النفوس من الأذى ... ويدني من الدار التي هي أشرف وقال غيره: من كان يرجو أن يعيش فإنني ... أصبحت أرجو أن أموت فأعتقا في الموت ألف فضيلة لو أنها ... عرفت لكان سبيله أن يعشقا وقال بعضهم: ما لي مررت على القبور مسلماً ... على الرميم فلم يرد جوابي يا صاح مالك لا تجيب منادياً ... أنكرت بعدي خلة الأصحاب قال الرميم وكيف لي بجوابكم ... وأنا رهين جنادل وتراب أكل التراب محاسني فنسيتكم ... وحجبت عن أهلي وعن أحبابي 36 وقال آخر: استعدي يا نفس للموت واسعي ... لنجاة فالحازم المستعد قد تبينت أنه ليس للحي خلود وما من الموت بد إنما أنت مستعيرة ما سو ... ف تردين والعواري ترد أنت تسهين والحوادث لا تسهو ... وتلهين والمنايا تجد

التوبة إلى الله

أي ملك في الأرض أو أي حظ ... لامرئ حظه من الأرض لحد لا ترجي البقاء في معدن المو ... ت ودار حتوفها لك ورد التوبة إلى الله 37 قال غيره: سلوت عن الأحبة والمدام ... وملت عن التهتك والهيام وسلمت الأمور إلى إلهي ... وودعت الغواية بالسلام وملت إلى اكتساب ثواب ربي ... وقدما طال غرمي بالغرام وما أنا بعدها معطي عناني ... الهوى لكن ترى بيدي زمامي أبعد الشيب وهو أخو سكون ... يليق بأن أميل إلى الغرام فشرب الراح نقص بعد هذا ... ولو من راحتي بدر التمام فكم أجريت في ميدان لهو ... خيول هوى وكم ضربت خيامي سأوتي الكأس تعبيساً وصدا ... وإن جاءت تقابل بابتسام عزمت على الرجوع عن المناهي ... ومثلي من يدوم على اعتزام 38 صعد الوليد بن يزيد المنبر فخطب القوم بالشعر فقال: الحمد لله ولي الحمد ... أحمده في يسرنا والجهد من يطع الله فقد أصابا ... أو يعصه أو الضمير خابا كأنه لما بقي لديكم ... حي صحيح لا يزال فيكم إنكم من بعد أن تزلوا ... عن قصده أو نهجه تضلوا لا تتركن نصحي فإني ناصح ... إن الطريق فاعلمن واضح

من يتقي الله يجد غب التقى ... يوم الحساب صائراً إلى الهدى إن التقى أفضل شيء في العمل ... أرى جماع البر فيه قد دخل خافوا الجحيم إخوتي لعلكم ... يوم اللقاء تعرفوا ما سركم قد قيل في الأمثال لو علمتم ... فانتفعوا بذاك إن عقلتم ما يزرع الزارع يوماً يحصده ... وما يقدم من صلاح يحمده فاستغفروا ربكم وتوبوا ... فالموت منكم فاعلموا قريب (الأغاني) 39 قال بعضهم: حتام أنت بما يلهيك مشتغل ... عن نجح قصدك من خمر الهوى ثمل تمضي من الدهر بالعيش الذميم إلى ... كم ذا التواني وكم يغري بك الأمل وتدعي بطريق القوم معرفة ... وأنت منقطع والقوم قد وصلوا فانهض إلى ذروة العلياء مبتدراً ... عزماً لترقى مكاناً دونه زحل إن ظفرت فقد جاوزت مكرمة ... بقاؤها ببقاء الله متصل وإن قضيت بهم وجداً فأحسن ما ... يقال عنك قضى من وجده الرجل 40 قال بهاء الدين العاملي في كتاب رياض الأرواح: ألا يا خائضاً بحر الأماني ... هداك الله ما هذا التواني أضعت العمر عصياناً وجهلاً ... فمهلاً أيها المغرور مهلا مضى عصر الشباب وأنت غافل ... وفي ثوب العمى والغي رافل إلى كم كالبهائم أنت هائم ... وفي وقت الغنائم أنت نائم

وطرفك لا يرى إلا طموحاً ... ونفسك لم تزل أبدا جموحا وقلبك لا يفيق عن المعاصي ... فويلك يوم يؤخذ بالنواصي بلال الشيب نادى في المفارق ... بحي على الذهاب وأنت غارق ببحر الإثم لا تصغي لواعظ ... وإن أطرى وأطنب في المواعظ وقلبك هائم في كل واد ... وجهلك كل يوم في ازدياد على تحصيل دنياك الدنية ... مجداً في الصباح وفي العشية وجهد المرء في الدنيا شديد ... وليس ينال منها ما يريد وكيف ينال في الأخرى مرامه ... ولم يجهد لمطلبها قلامه 41 قال بهاء الدين زهير: نزل المشيب وإنه ... في مفرقي لأعز نازل وبكيت إذ رحل الشبا ... ب فآه آه عليه راحل بالله قل لي يا فلا ... ن ولي أقول ولي سائل أتريد في السبعين ما ... قد كنت في العشرين فاعل هيهات لا والله ما ... هذا الحديث حديث عاقل قد كنت تعذر بالصبا ... واليوم ذات العذر زائل منيت نفسك باطلا ... وإلى متى ترضى بباطل قد صار من دون الذي ... ترجوه من مرح مراحل ضيعت ذا الزمن الطويل ... ولم تفز فيه بطائل

الباب الثالث في المراثي

الباب الثالث في المراثي رثاء داود الطائي 42 لما مات داود الطائي تكلم ابن السماك مثنياً عليه فقال: إن داود نظر إلى ما بين يديه من آخرته فأغشى بصر القلب بصر العين فكأنه لم ينظر إلى ما إليه تنظرون. وكأنكم لم تنظروا إلى ما إليه نظر. وأنتم منه تعجبون وهو منكم يعجب. فلما رآكم مفتونين مغرورين قد أذهلت الدنيا عقولكم وأماتت بحبها قلوبكم استوحش منكم. فكنت إذا نظرت إليه حسبته حياً وسط أموات. ويا داود ما أعجب شأنك بين أهل زمانك أهنت نفسك وإنما تريد إكرامها وأتعبتها وإنما تريد راحتها. أخشنت المطعم وإنما تريد طيبه. وخشنت الملبس وإنما تريد لينه. ثم أمت نفسك قبل أن تموت وقبرتها قبل أن تقبر. وعذبتها قبل أن تعذب سجنت نفسك في بيتك ولا محدث لها لولا جليس معها. ولا فراش تحتك ولا ستر على بابك. ولا قلة تبرد فيها ماءك ولا صحفة يكون فيها غداؤك وعشاؤك. يا داود ما تشتهي من الماء بارده ولا من الطعام طيبه ولا من اللباس لينه بلى ولكن زهدت فيه لما بين يديك. فما أصغر ما بذلت وما أحقر ما تركت في جنب ما رغبت وأملت. لم تقبل من الناس عطية ولا من

رثاء الإسكندر

الإخوان هدية فلما شهرك ربك بفضلك وألبسك رداء عملك، فلو رأيت من حضرك علمت أن ربك قد أكرمك (لابن عبد ربه) رثاء الإسكندر 43 مختار من قول الحكماء عند وفاة الإسكندر لما جعل في تابوت من ذهب تقدم إليه أحدهم فقال: كأن الملك يخبأ الذهب وقد صار الآن ذهب يخبأه. وتقدم إليه آخر فقال: قد طاف الأرضين وتملكها ثم جعل منها في أربعة أذرع. (ووقف عليه آخر) فقال: انظر إلى حلم النائم كيف انقضى إلى ظل الغمام وقد انجلى. (ووقف عليه آخر) فقال: ما لك لا تقل عضواً من أعضائك وقد كنت تستقل ملك العباد. (وقال آخر) : ما لك لا ترغب بنفسك عن ضيق المكان وقد كنت ترغب بها عن رحب البلاد (وقال آخر) : أمات هذا الميت كثيراً من الناس لئلا يموت وقد مات الآن. (وقال آخر:) ما كان أقبح إفراطك في التجبر أمس مع شدة خضوعك اليوم. (قالت بنت دارا) : ما علمت أن غالب أبي يغلب. (وقال رئيس الطباخين) : قد نضدت النضائد وألقيت الوسائد ونصبت الموائد ولست أرى عميد المجلس (للقيرواني) 44 قال ابن عبد ربه يرثي ولده: وا كبدا قد تقطعت كبدي ... قد حرقتها لواعج الكمد ما مات حي لميت أسفا ... أعذر من والد على ولد

يا رحمة الله جاوري جدثا ... دفنت فيه حشاشتي بيدي ونوري ظلمة القبور على ... من لم يصل ظلمه إلى أحد من كان خلوا من كل بائقة ... وطيب الروح طاهر الجسد يا موت يحيى لقد ذهبت به ... ليس بزميلة ولا نكد يا موته لو أقلت عثرته ... يا يومه لو تركته لغد يا موت لو لم تكن تعاجله ... لكان لا شك بيضة البلد أو كنت راخيت في العنان له ... حاز العلا واحتوى على الأمد أي حسام سلبت رونقه ... وأي روح سللت من جسد وأي ساق قطعت من قدم ... وأي كف أزلت من عضد يا قمرا أحجف الخسوف به ... قبل بلوغ السواء في العدد أي حشا لم يذب له أسفاً ... وأي عين عليه لم تجد لا صبر لي بعده ولا جلد ... فجعت يا صبر فيه والجلد لو لم أمت عند موته كمداً ... لحق لي أن أموت من كمدي يا لوعة لا يزال لاعجها ... يقدح نار الأسى على كبدي 45 وقال فيه أيضاً: لا بيت يسكن إلا فارق السكنا ... ولا امتلأ فرحاً إلا امتلأ حزنا لهفي على ميت مات السرور به ... لو كان حياً لأحيا الدين والسننا إذا ذكرتك يوماً قلت وا حزناً ... وما يرد عليك القول وا حزنا يا سيدي ومراح الروح في جسدي ... هلا دنا الموت مني حين منك دنا

حتى يمر بنا في قعر مظلمة ... لحد ويلبسنا في واحد كفنا يا أطيب الناس روحاً ضمه بدن ... أستودع الله ذاك الروح والبدنا لو كنت أعطى به الدنيا معاوضة ... منه لما كانت الدنيا له ثمنا 46 قال الحسن بن هانئ في الأمين: طوى الموت ما بيني وبين محمد ... وليس لما تطوي المنية ناشر وكنت عليه أحذر الموت وحده ... فلم يبق لي شيء عليه أحاذر لئن عمرت دور بمن لا أحبه ... لقد عمرت ممن أحب المقابر ومات ابن لأعرابي فاشتد حزنه عليه وكان الأعرابي يكنى به فقيل له لو صبرت لكان أعظم لثوابك. فقال: بأبي وأمي من عبأت حنوطه ... بيدي وفارقني بماء شبابه كيف السلو وكيف أنسى ذكره ... وإذا دعيت فإنما أدعى به وقال آخر يرثي أخاه: أخ طالما سرني ذكره ... فقد صرت أشجى إلى ذكره وقد كنت أغدو إلى قصره ... فقد صرت أغدو إلى قبره 47 قالت الخنساء ترثي أخاها: أعيني جودا ولا تجمدا ... ألا تبكيان لصخر الندى ألا تبكيان الجري الجوادا ... ألا تبكيان الفتى السيدا طويل النجاد رفيع العما ... د ساد عشيرته أمردا يحمله القوم ما غالهم ... وإن كان أصغرهم مولدا

جموع الضيوف إلى بابه ... يرى أفضل الكسب أن يحمدا وقالت أخت الوليد ابن طريف ترثي أخاها المذكور: أيا شجر الخابور مالك مورقا ... كأنك لم تجزع على ابن طريف فتى لا يريد العز إلا من التقى ... ولا المال إلا من قناً وسيوف فقدناه فقدان الربيع فليتنا ... قديناه من ساداتنا بألوف خفيف على ظهر الجواد إذا عدا ... وليس على أعدائه بخفيف عليك سلام الله وقفاً فإنني ... أرى الموت وقاعاً بكل شريف قال ابن معتوق يرثي الحسين بن علي بن أبي طالب: حزني عليه دائم لا ينقضي ... وتصبري مني علي تعذرا وا رحمتاه لصارخات حوله ... تبكي له ولوجهها لن تسترا ملقى على وجه التراب تظنه ... داود في المحراب حين تسورا لهفي على الهاوي الصريع كأنه ... قمر هوى من أوجه فتكورا لهفي على تلك البنان تقطعت ... لو أنها اتصلت لكانت أبحرا لهفي على العباس وهو مجندل ... عرضت منيته له فتعثرا لحق الغبار جبينه ولطالما ... في شأوه لحق الكرام وغبرا 48 وقال الأصمعي: لعمرك ما الرزية فقد مال ... ولا فرس يموت ولا بعير ولكن الرزية فقد حر ... يموت لموته خلق كثير وقال الصفدي:

يا غائباً في الثرى تبلى محاسنه ... الله يوليك غفرانا وإحسانا إن كنت جرعت كأس الموت واحدة ... في كل يوم أذوق الموت أحيانا رثى بعض الشعراء القاضي الباقلاني البصري: انظر إلى جبل تمشي الرجال به ... لقد خفت أن أبقى بغير خليل ولا بد يوماً أن تجيء منيتي ... ويفرد مني صاحبي ودخيلي قال آخر يرثي أخاه: كأني يوم فارقني حبيب ... رزئت ذوي المودة أجمعينا وكان على الزمان يا أخي حبيب ... يميناً لي وكنت له يمينا فإن يفرح بمصرعه الأعادي ... فما نلقى لهم متخشعينا قال إبراهيم الصولي يرثي ابناً له مات يافعاً مترعرعاً: كنت السواد لمقلتي ... فبكى عليك الناظر من شاء بعدك فليمت ... فعليك كنت أحاذر 49 كان ابن بسام يرثي علي بن يحيى المنجم: قد زرت قبرك يا علي مسلماً ... ولك الزيارة من أقل الواجب ولو استطعت حملت عنك ترابه ... فلطالما عني حملت نوائبي قال العتيبي في ابن له توفي صغيراً:

إن يكن مات صغيراً ... فالأسى غير صغير كان ريحاني فأمسى ... وهو ريحان القبور غرسته في بساتين البلى أيدي الدهور قال متمم بن نويرة يرثي أخاه مالكاً: لقد لامني عند القبور على البكا ... رفيقي لتذراف الدموع السوافك فقال أتبكي كل قبر رأيته ... لقبر ثوى بين اللوى فالدكادك فقلت له إن الشجا يبعث الشجا ... فدعني فهذا كله قبر مالك قال آخر: لكل أناس مقبر بفنائهم ... فهم ينقصون والقبور تزيد وما إن يزال رسم دار قد أخلقت ... وبيت لميت بالفناء جديد هم جيرة الأحياء أما جوارهم ... فدان وأما الملتقى فبعيد 50 قال الغطمش الضبي: إلى الله أشكو لا إلى الناس أنني ... أرى الأرض تبقى والأخلاء تذهب أخلاء لو غير الحمام أصابكم ... عتبت ولكن ما على الموت معتب قال آخر: أجاري ما أزداد إلا صبابةً ... إليك وما تزداد إلا تنائيا أجاري لو نفس فدت نفس ميت ... فديتك مسروراً بنفسي وماليا وقد كنت أرجو أن أملاك حقبة ... فحال قضاء الله دون رجائيا ألا فليمت من شاء بعدك إنما ... عليك من الأقدار كان حذاريا

51 قال أبو الشغب العبسي في خالد القسري وهو أسير: ألا إن خير الناس حياً وهالكاً ... أسير ثقيف عندهم في السلاسل لعمري لئن عمرتم السجن خالدا ... وأوطأتموه وطأة المتثاقل لقد كان يبني المكرمات لقومه ... ويعطي اللهى في كل حق وباطل فإن تسجنوا القسري لا تسجنوا اسمه ... ولا تسجنوا معروفه في القبائل قالت صفية الباهلية: كنا كغصنين في جرثومة سمقا ... حيناً بأحسن ما يسمو له الشجر حتى إذا قيل قد طالت فروعهما ... وطاب فيآهما واستنظر الثمر أخنى على واحدي ريب الزمان وما ... يبقي الزمان على شيء ولا يذر كنا كأنجم ليل بينها قمر ... يجلو الدجى فهوى من بينها القمر 52 وقال التيمي في منصور: لهفي عليك من حائف ... يبغي جوارك حين ليس مجير أما القبور فإنهن أوانس ... بجوار قبرك والديار قبور عمت فواضله فعم مصابه ... فالناس فيه كلهم مأجور يثني عليك لسان من لم توله ... خيراً لأنك بالثناء جدير ردت صنائعه إليه حياته ... فكأنه من نشرها منشور فالناس مأتمهم عليه واحد ... في كل دار رنة وزفير عجباً لأربع أذرع في خمسة ... في جوفها جبل أشم كبير (الحماسة لأبي تمام)

الباب الرابع في الحكم

الباب الرابع في الحكم 53 قيل: لا تستصغرن أمر عدوك إذا حاربته. لأنك إن ظفرت به لم تحمد وإن ظفر بك لم تعذر. والضعيف المحترس من العدو القوي أقرب إلى السلامة من القوي المغتر بالعدو الضعيف. وقيل: العدو المحتقر ربما اشتد. كالغصن النضر ربما صار شوكاً. وقيل: لا تأمنن العدو الضعيف أن يورطك. فالرمح قد يقتل به وإن عدم السنان والزج. قال الموسوي: الفيل يضجر وهو أعظم ما رأيت من البعوض 54 يقال إن ابن القرية دخل على الحجاج وقال له: ما الكفر. فقال: البطر بالنعمة واليأس من الرحمة. فقال: ما الرضا. فقال: القنوع بعطاء الله تعالى والصبر على المكاثرة. فقال: ما الصبر. فقال: كظم الغيظ والاحتمال لما لا يراد. فقال: ما الحلم. فقال: إظهار الرحمة عند القدرة والرضاء عند الغضب. فقال: ما الكرم. فقال: حفظ الصديق وقضاء الحقوق. فقال: ما الحمية. فقال: الوقوف على رأس من هو دونك. فقال: ما الشجاعة. فقال: الحملة في وجوه الأعداء والكفار. والثبات في موضع الفرار. وإرضاء الرجال. قال: ما العدل. قال: ترك المراد. وصحة السيرة والاعتقاد. فقال:

ما الإنصاف. قال: المساواة عند الدعاوى بين الناس. فقال: ما الذل. قال: المرض عند خلو اليد والانكسار من قلة الرزق. فقال: ما الحرص. قال: حدة الشهوة عند الرجاء. فقال: ما الأمانة. قال: قضاء الواجب. فقال: ما الخيانة. قال: التراخي مع القدرة. فقال: ما الفهم. قال: التفكر وإدراك الأشياء على حقائقها (للغزالي) 55 (فائدة جامعة ولمعة ساطعة ومقالة نافعة عن علي بن أبي طالب) قال: للمؤمن على أخيه المؤمن ثلاثون حقاً لا براءة له منها إلا بالأداء أو العفو. يغفر زلته. ويرحم عبرته. ويستر عورته. ويقيل عثرته. ويقبل معذرته. ويرد غيبته. ويديم نصيحته. ويحفظ خلته. ويرعى ذمته. ويعود مرضته. ويشهد ميتته. ويجيب دعوته. ويقبل هديته. ويكافئ صلته. ويشكر نعمته. ويحسن نصرته. ويحفظ حرمته. ويقضي حاجته. ويقبل شفاعته. ولا يخيب مقصده. ويشمت عطسته. ويرشد ضالته. ويرد سلامه. ويطيب كلامه. ويبر إنعامه. ويصدق أقسامه. وينظر ظالماً يرده عن طلمه ومظلوماً بإعانته على وفاء حقه. ويواليه ولا يعاديه. ولا يخذله ولا يشتمه. ويحب له من الخير ما يحب لنفسه. ويكره له من الشر ما يكره لنفسه فلا يترك واحداً منها إلا طالبه بها يوم القيامة (الترغيب للأصبهاني) 56 قال حكيم: المؤمن شريف طريف لطيف لا لعان ولا نمام. ولا مغتاب ولا قتات. ولا حسود ولا حقود. ولا بخيل ولا مختال. يطلب

من الخيرات أعلاها. ومن الأخلاق أسناها. إن سلك مع أهل الآخرة كان أورعهم. غضيض الطرف سخي الكف. لا يرد سائل. ولا يبخل بنائل. متواصل الأحزان مترادف الإحسان. يزن كلامه ويحرس لسانه. ويحسن عمله ويكثر في الحق أمله. متأسف على ما فاته من تضييع أوقاته. كأنه ناظر إلى ربه مراقب لما خلق له. لا يرد الحق على عدوه. ولا يقبل الباطل من صديقه. كثير المعونة قليل المؤنة. يعطف على أخيه عند عشرته لما مضى من قديم صحبته. فهذه صفات المؤمنين الخالصين (للدميري) 57 (من كلام الملوك الجاري مجرى الأمثال) : قال أزدشير إذا رغبت الملوك عن العدل رغبت الرعية عن الطاعة. (أفردون) الأيام صحائف آجالكم فخلدوها أحسن أعمالكم. (أنوشروان الملك) إذا كثر ماله مما يأخذ من رعيته كان كمن يعمر سطح نيته بما يقتلعه من قواعد بنيانه. (أبرويز) أطع من فوقك يطعك من دونك. قال ابن المعتز: كم فرصة ذهبت فعادت غصة ... تشجي بطول تلهف وتندم لما عزم المنصور على الفتك بأبي مسلم فزع من ذلك عيسى بن موسى فكتب إليه: إذا كنت ذا رأي فكن ذا تدبر ... فإن فساد الرأي أن تتعجلا فأجابه المنصور:

إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة ... فإن فساد الرأي أن تترددا ولا تمهل الأعداء يوما بغدوة ... وبادرهم أن يملكوا مثلها غدا (المعتصم) إذا نصر الهوى بطل الرأي (للقيرواني) 58 (قال أيوب بن القرية) : الناس ثلاثة عاقل وأحمق وفاجر. فالعاقل الدين شريعته والحلم طبيعته والرأي الحسن سجيته. إن سئل أجاب. وإن نطق أصاب. وإن سمع العلم وعى. وإن حدث روى. وأما الأحمق فإن تكلم عجل. وإن حدث وهل. وإن استنزل عن رأيه نزل. فإن حمل على القبيح حمل. وأما الفاجر فإن ائتمنته خانك. وإن حدثته شانك. وإن وثفت به لم يرعك. وإن استكتم لم يكتم. وإن علم لم يعلم. وإن حدث لم يفهم. وإن فقه لم يفقه. 59 دخل رجل على هشام فقال: يا أمير المؤمنين احفظ عني أربع كلمات فيهن صلاح ملكك واستقامة رعيتك. قال: ما هن. قال: لا تعد عدة لا تثق من نفسك بإنجازها. ولا يغرنك المرتقى وإن كان سهلاً إذا كان المنحدر وعراً. واعلم أن للأعمال جزاء فاتق العواقب. وأن للأمور بغتات فكن على حذر. قال عيسى بن دات: فحدثت بهذا الحديث المهدي وفي يده لقمة قد رفعها إلى فيه. فأمسكها وقال: ويحك أعد علي فقلت: يا أمير المؤمنين اسغ لقمتك. فقال: حديثك أعجب إلي (للقزويني) أربعة أشياء سم قاتل وأربعة أشياء درياقها. الدنيا سم قاتل

والزهد فيها درياقه. والمال سم قاتل والزكاة درياقه. والكلام سم قاتل وذكر الله درياقه. وملك الدنيا سم قاتل والعدل درياقه. 60 قال بعضهم: الصوم ثلاث درجات. صوم العموم وصوم الخصوص وصوم خصوص الخصوص. فأما صوم العموم فهو كف البطن عن الشهوة. وأما صوم الخصوص فهو كف السماع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام. وأما صوم خصوص الخصوص فصون القلب عن الهموم الدنية والأفكار الدنيوية وكفه عما سوى الله بالكلية (الكنز المدفون) 61 (فصل) من نوادر بزرجمهر حكيم الفرس (قال) : نصحني النصحاء ووعظني الوعاظ شفقة ونصيحة وتأديباً فلم يعظني أحد مثل شيبي ولا نصحني مثل فكري. ولقد استضأت بنور الشمس وضوء القمر فلم أستضئ بضياء أضوأ من نور قلبي. وملكت الأحرار والعبيد فلم يملكني أحد ولا قهرني غير هواي. وعاداني الأعداء فلم أر أعدى إلي من نفسي إذا جهلت واحتزرت لنفسي بنفس من الخلق كلهم حذراً عليها وشفقة فوجدتها شر الأنفس لنفسها. ورأيت أنه لا يأتيها الفساد إلا من قبلها وزاحمتني المضايق فلم يزحمني مثل الخلق السوء ووقعت من أبعد البعد وأطول الطول فلم أقع في شيء أضر علي من لساني. ومشيت على الجمر ووطئت على الرمضاء فلم أر ناراً أحر علي من غضبي. إذا تمكن مني وطالبتني الطلاب فلم

يدركني مدرك مثل إساءتي. ونظرت ما الداء القاتل ومن أين يأتيني فوجدته من معصية ربي سبحانه. والتمست الراحة لنفسي فلم أجد شيئاً أروح لها من تركها ما لا يعنيها. وركبت البحار ورأيت الأهوال فلم أر هولاً مثل الوقوف على باب سلطان جائر. وتوحشت في البرية والجبال فلم أر أوحش من قرين السوء. وعالجت السباع والضباع والذئاب وعاشرتها وعاشرتني وغلبتها فغلبني صاحب الخلق السوء وأكلت الطيب وشربت المسكر فلم أجد شيئاً ألذ من العافية والأمن. وتوسطت الشياطين والجبال فلم أجزع إلا من الإنسان السوء. وأكلت الصبر وشربت المر فلم أر شيئاً أمر من الفقر. وشهدت الحروب ولقيت الجيوش وباشرت السيوف وصارعت الأقران فلم أر قرناً أغلب من المرأة السوء. وعالجت الحديد ونقلت الصخر فمل أر حملاً أثقل من الدين. ونظرت فيما يذل العزيز ويكسر القوي ويضع الشريف فلم أر أذل من ذوي فاقة وحاجة. ورشقت بالنشاب ورجمت بالحجارة فلم أر أنفذ من الكلام السوء يخرج من فم مطالب بحق. عمرت السجن وشددت في الوثاق وضربت بعمد. الحديد فلم يهدمني شيء مثل ما هدمني الغم والهم والحزن. واصطنعت الإخوان وانتخبت الأقوام للعدة والشدة والنائبة فلم أر شيئاً أخير من الكرم عندهم. وطلبت الغنى من وجوهه فلم أر أغنى من القنوع. وتصدقت بالذخائر فلم أر صدقة أنفع من رد ذي

ضلالة إلى هدى. ورأيت الوحدة والغربة والمذلة فمل أر أذل من مقاساة الجار السوء. وشيدت البنيان لأعز به وأذكر فلم أر شرفاً أرفع من اصطناع المعروف. ولبست الكسى الفاخرة فلم ألبس شيئاً مثل الصلاح. وطلبت أحسن الأشياء عند الناس فلم أر شيئاً أحسن من حسن الخلق. 62 (فصل) من حكم شاتاق الهندي من كتابه الذي سماه منتحل الجواهر للملك ابن قمابص الهندي: يا أيها الوالي اتق عثرات الزمان واخش تسلط الأيام ولؤم غلبة الدهر. واعلم أن للأعمال جزاء فاتق العواقب وللأيام غدرات فكن على حذر والزمان متقلب متول فاحذر تقلبه. لئيم الكرة فخف سطوته. سريع الغيرة فلا تأمن دولته. والعم أن من لم يداو نفسه من سقام الآثام في أيام حياته فما أبعده من الشفاء في دار لا دواء له فيها. ومن أذل حواسه واستعبدها فيما يقدم من خير نفسه بأن فضله وظهر نبله. ومن لم يضبط نفسه وهي واحدة لم يضبط حواسه وهي خمس. وإذا لم يضبط حواسه مع قلتها وذلتها صعب عليه ضبط الأعوان مع كثرتهم وخشونة جانبهم. فكانت عامة الرعية في نواحي البلاد وأطراف المملكة أبعد من الضبط. فليبدأ الملك بسلطانه على نفسه فليس من عدو أحق من أن يبدأه بالقهر من نفسه. ثم يشرع في قهر حواسه الخمس. لأن قوة الواحدة منهن دون صويحباتها قد تأتي على النفس

القوية الحذرة فكيف إذا اجتمعت خمس أنفس على واحدة. وعلم أن لكل واحدة منهم شراً ليس للأخرى فاقهرها تسلم من شرها. وإنما يهلك الحيوان بالشهوات. ألا ترى أن الفراش يكره الشمس فيستكن من حرها ويعجبه ضياء النار فيدنو منها فتحرقه. والظبي على نفار قلبه وشدة حرصه ينصب لسماع الملاهي فيمكن القانص من نفسه. والسمك في البحر تحمله لذة الطعم أن يبتلعه فتحصل السنارة في جوفه فيكون فيه حتفه 63 يحسن بالملك أن يشبه تصاريف تدبيره بطباع ثمانية أشياء: الغيث والشمس والقمر والريح والنار والأرض والماء والموت. فأما شبه (الغيث) فتواتره في أربعة أشهر من السنة ومنفعته لجميع السنة كذلك ينبغي للملك أن يعطي جنده وأعوانه أربعة أشهر تقديراً لتتمة السنة. فيجعل رفيعهم ووضيعهم في الحق الذي يستوجبونه بمنزلة واحدة كما يسري المطر بين كل أكمة وشرف وغائط مستفل. ويغمر كلا من مائه بقدر حاجته. ثم يستجبي الملك في الثمانية أشهراً حقوقه من غلاتهم وخراجهم كما تجبي الشمس بحرها وحدة فعلها نداوة الغيث في أربعة أشهر الإمطار. وأما شبه (الريح) فإن الريح لطيفة المداخل تسرح في جميع المنافذ حتى لا يفوتها مكان كذلك الملك ينبغي أن يتولج في قلوب الناس بجواسيسه وعيونه لا يخفقون عنه شيئاً حتى يعرف ما يأتمرون به في بيوتهم وأسواقهم.

أشعار حكيمة

(وكالقمر) إذا استهل تمامه فأضاء واعتدل نوره على الخلق وسر الناس بضوئه. ينبغي أن يكون ببهجته وزينته وإشراقه في مجلسه وإيناسه رعيته ببشره فلا يخص شريفاً دون وضيع بعدله. (وكالنار) على أهل الدعارة والفساد. (وكالأرض) على كتمان السر والاحتمال والصبر والأمانة. (وكعاقبة الموت) في الثواب والعقاب يكون ثوابه لا يقتصر عن إقامة حد ولا يتجاوزه. (وكالماء) في لينه لمن لا ينه. وهدمه واقتلاعه عظيم الشجر لمن جاذبه (للطرطوشي) أشعار حكيمة 64 قال بان عربشاه: السيل يقلع ما يلقاه من شجر ... بين الجبال ومنه الصخر ينفطر حتى يوافي عباب البحر تنظره ... قد اضمحل فلا يبقى له أثر وقال أيضاً: والشر كالنار تبدو حين تقدحه ... شرارة فإذا بادرته حمدا وإن توانيت عن إطفائه كسلا ... أورى قبائل تشوي القلب والكبدا فلو تجمع أهل الأرض كلهم ... لما أفادوك في إخمادها أبدا وقال أيضاً: أرى الناس يولون الغني كرامة ... وإن لم يكن أهلاً لرفعة مقدار ويلوون عن وجه الفقير وجوههم ... وإن كان أهلا أن يلاقي بإكبار بنو الدهر جاءتهم أحاديث جمة ... فما صححوا إلا حديث ابن دينار

65 قال غيره: لا تعامل ما عشت غيرك إلا ... بالذي أنت ترتضيه لنفسك ذاك عين الصواب فالزمه فيما ... تبتغيه في كل أبناء جنسك قال آخر: لا يعجبنك حسن القصر منزله ... فضيلة الشمس ليست في منازلها لو زيدت الشمس في أبراجها مئة ... ما زاد ذلك شيئاً في فضائلها قال غيره: إن الكبير إذا هوى وأطاعه ... قوم هووا معه فضاع وضيعا مثل السفينة إن هوت في لجة ... غرقت ويغرق كل من فيها معا قال آخر: إزرع جميلاً ولو في غير موضعه ... فلا يضيع جميل أينما زرعا إن الجميل وإن طال الزمان به ... فليس يحصده إلا الذي زرعا قال أبو أحمد بن ماهان الخزاعي: إقض الحوائج ما استطع ... ت وكن لهم أخيك فارج فلخير أيام الفتى ... يوم قضى فيه الحوائج 66 قال القطامي الشاعر النصراني: قد يدرك المتأني بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل وقد تفوف على قوم حوائجهم ... مع التراخي وكان الرأي لو عجلوا وقال آخر:

وإياك والأمر الذي إن توسعت ... موارده ضاقت عليك المصادر فما حسن أن يعذر المرء نفسه ... وليس له من سائر الناس عاذر وقال محمد بن بشير: لأن أزجي عند العري بالخلق ... وأجتزي من كثير الزاد بالعلق خير وأكرم لي من أن أرى مننا=معقودة للئام الناس في عنقي إني وإن قصرت عن همتي جدتي ... وكان ما لي لا يقوى على خلقي لتارك كل أمر كان يلزمني ... عاراً ويشرعني في المنهل الرنق 67 وقال أيضاً: ماذا يكلفك الروحات والدلجا ... ألبر طوراً وطوراً تركب اللججا كم من فتى قصرت في الرزق خطوته ... ألفيته بسهام الرزق قد فلجا إن الأمور إذا انسدت مسالكها ... فالصبر يفتق منها كل ما ارتتجا لا تيأسن وإن طالت مطالبة ... إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا أحلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ... ومدمن القرع للأبواب أن يلجا قدر لرجلك قبل الخطو موضعها ... فمن علا زلقاً عن غرة زلجا ولا يغرنك صفو أنت شاربه ... فربما كان بالتكدير ممتزجا 68 قال المتنبي: على قدر أهل العزم تأتي العزائم ... وتأتي على قدر الكرم المكارم وتعظم في عين الصغير صغارها ... وتصغر في عين العظيم العظائم قال آخر:

فقر الفتى يذهب أنواره ... كما اصفرار الشمس عند المغيب إن غاب لا يذكر بين الورى ... وما له في قومه من نصيب يجول في الأسواق مستخفياً ... وفي الفلا يبكي بدمع صبيب والله ما الإنسان في أهله ... إذا بلي بالفقر إلا غريب قال ناهض الكلابي: ألم تر أن جمع القوم يخشى ... وأن حريم واحدهم مباح وأن القدح حين يكون فردا ... فيهصر لا يكون له اقتداح قال آخر: ما من الحزم أن تقارب أمراً ... تطلب البعد منه بعد قليل فإذا ما هممت بالشيء فانظر ... كيف منه الخروج بعد الدخول 69 كتب علي إلى ابنه حسين أحسين إني واعظ ومؤدب ... فافهم فإن العاقل المتأدب واحفظ وصية والد متحنن ... يغذوك بالآداب كيلا تعطب أبني إن الرزق مكفول به ... فعليك بالإجمال فيما تطلب لا تجعلن المال كسبك مفردا ... وتقى إلهك فاجعلن ما تكسب كفل الإله برزق كل برية=والمال عارية تجيء وتذهب والرزق أسرع ما تلفت ناظر ... سبباً إلى الإنسان حين يسبب ومن السيول إلى مقر قرارها ... والطير للأوكار حين تصوب أبني إن الذكر فيه مواعظ ... فمن الذي بعظاته يتأدب

واعبد إلهك ذا المعارج مخلصاً ... وانصت إلى الأمثال فيما تضرب وإذا مررت بآية مخشية ... تصف العذاب ودمع عينك يسكب يا من يعذب من يشاء بعدله ... لا تجعلني في الدين تعذب إني أبوء بعثرتي وخطيئتي ... هذا وهل إلا إليك المهرب وإذا مررت بآية في ذكرها ... وصف الوسيلة والنعيم المعجب فاسأل إلهك بالإنابة مخلصاً ... دار الخلود سؤال من يتقرب واجهد لعلك أن تحل بأرضها ... وتنال ملك كرامة لا تسلب بادر هواك إذا هممت بصالح ... خوف الغوالب إذ تجيء وتغلب وإذا هممت بسيئ فاغمض له ... كأب على أولاده يتحدب والضيف أكرم ما استطعت جواره ... حتى يعدك وارثاً يتنسب واجعل صديقك من إذا آخيته ... حفظ الإخاء وكان دونك يقرب واطلبهم طلب المريض شفاءه ... ودع الكذوب فليس ممن يصحب يعطيك ما فوق المنى بلسانه ... ويروغ عنك كما يروغ الثعلب واحذر ذوي الملق اللئام فإنهم ... في النائبات عليك ممن يحطب يسعون حول الماء ما طمعوا به ... وإذا نبا دهر جفوا وتغيبوا ولقد نصحتك إن قبلت نصيحتي ... والنصح أرخص ما يباع ويوهب 70 وكتب له أيضاً: عليك ببر الوالدين كليهما ... وبر ذوي القربى وبر الأباعد فلا تصحبن إلا تقياً مهذبا ... عفيفاً زكياً منجزاً للمواعد

وكف الأذى واحفظ لسانك واتقي ... فديتك في ود الخليل المساعد ونافس ببذل المال في طلب العلى ... بهمة محمود الخلائق ماجد وكن واثقاً بالله في كل حادث ... يصنك مدى الأيام من عين حاسد وبالله فاستعصم ولا ترج غيره ... ولا تك في النعماء عنه بجاحد وغض عن المكروه طرفك واجتنب ... أذى الجار واستمسك بحبل المحامد ولا تبن في الدنيا بناء مؤمل ... خلودا فما حي عيها بخالد وكل صديق ليس في الله وده ... فناد عليه هل به من مزايد 71 وقال أيضاً: قدم نفسك في الحياة تزودا ... فلقد تفارقها وأنت مودع واهتم للسفر القريب فإنه ... أنأى من السفر البعيد وأشنع واجعل تزودك المخافة والتقى ... فلعل حتفك في مسائك أسرع واقنع بقوتك فالقناع هو الغنى ... والفقر مقرون بمن لا يقنع واحذر مصاحبة اللئام فإنهم ... منعوك صفو ودادهم وتصنعوا أهل المودة ما أنلتهم الرضا ... وإذا منعت فسمهم لك منقع لا تفش سراً ما استطعت إلى امرئ ... يفشي إليك سرائرا يستودع فكما تراه بسر غيرك صانعا ... فكذا بسرك لا محالة يصنع لا تبدأن بمنطق في مجلس ... قبل السؤال فإن ذلك يشنع فالصمت يحسن كل ظن بالفتى ... ولعله خرق سفيه أرقع ودع المزاح فرب لفظة مازح ... جلبت إليك بلابلا لا تدفع

الباب الخامس في الأمثال

الباب الخامس في الأمثال 75 (من حكم أكثم بن صيفي) وهذا رجل كان له عقل وحلم ومعرفة وتجربة. وقد علقوا عنه حكماً لطيفة وألفوا فيها تصانيف. فمن حكمه قال: من فسدت بطانته كان كمن غص بالماء. أفضل من السؤال ركوب الأهوال. من حسد الناس بدأ بمضرة نفسه. العديم من احتاج إلى لئيم. من لم يعتبر فقد خسر. ما كل عثرة تقال. ولا كل فرصة تنال. قد يشهر السلاح. في بعض المزاح. رب عتق. شر من رق. أنت مزر بنفسك إن صبحت من هو دونك. ليس من خادن الجهول. بذي معقول. من جالس الجهال فليستعد قليل وقال. المزاح يورث الضغائن. غثك خير من سمين غيرك. من ج المسير أدرك المقيل. جار الرجل الجواد كمجاور البحر لا يخاف العطش. من طلب من اللئيم حاجة. كان كمن طلب السمك في المفازة. عدة الكريم نقد وعدة اللئيم تسويف. الأنام فرائس الأيام. قد تكس اليواقيت في بعض المواقيت. من أعز نفسه. أذل فلسه. من سلك الجدد أمن العثار (للطرطوشي)

نبذ من كلام الزمخشري والبستي

نبذ من كلام الزمخشري والبستي 76 من بلغ غاية ما يحب فليتوقع غاية ما يكره. لا تشرب السم اتكالاً على ما عندك من الترياق. لا تكن ممن يلعن إبليس في العلانية ويواليه في السر. عادات السادات سادات العادات. اللطف رشوة من لا رشوة له. من تاجر الله لم يوكس بيعه. ولم يبخس ريعه. أدوية الدنيا تقصر عن سمومها. ونسيمها لا يفي بسمومها. من زرع الإحن. حصد المحن. لا بد للفرس من سوط. وإن كان بعيد الشوط. شعاع الشمس لا يخفى. ونور الحق لا يطفى. أعمالك نية. إن لم نصحبها بنية. لا يجد الأحمق لذة الحكمة. كما لا يلتذ بالورد صاحب الزكمة. طوبى لمن كانت خاتمة عمره كفاتحته. وليست أعماله بفاضحته. أفضل ما ادخرت التقوى. وأجمل ما لبست الورع. وأحسن ما اكتسبت الحسنات. كفى بالظفر شفيعاً بالذنب. أحق الناس بالزياة في النعم أشكرهم لما أوتي منها. ظهر العتاب خير من مكنون الحقد. قال الجدار للوتد: لم تشقني. قال: سل من يدقني. من نصر الحق قهر الخلق. ربما كان حتف امرئ في ما تمنى ما ضرب به المثل من الحيوان وغيره 77 إنما كانت العرب أكثر أمثالها مضروبة بالبهائم فلا يكادون يذمون ولا يمدحون إلا بذلك لأنهم جعلوا مساكنهم بين السباع والأحناش والحشات فاستعملوا التمثيل بها. قالوا: أشجع من أسد.

وأجبن من الصافر. وأمضى من ليث عفرين. وأحذر من غراب. وأبصر من عقاب. وأزهى من ذباب. وأذل من قراد. وأسمع من فرس. وأنوم من فهد. وأعق من ضب. وأجبن من صفرد. وأضرع من سنور. واسرق من زبابة. وأصبر من عود. وأظلم من حية. وأحن من ناب. وأكذب من فاختة. وأعز من بيض الأتوق. وأجوع من كلبة حومل. وأعز من الأبلق العقوق. (الصافر الصغير من الطير. والعود المسن من الجمال. والأنوق طير يقال إنه يبيض في الهواء. والزبابة الفأرة تسرق دود الحرير. وفاختة طير يطير بالرطب في غير أيامه) (ما ضرب به المثل من غير الحيوان) . قالوا: أهدى من النجم. وأجود من الديم. وأصبح من الصبح. وأمنح من البحر. وأنور من النهار. وأمضى من السيل. وأحمق من رجلة. وأحسن من دمية. وأنزه من روضة. وأوسع من الدهناء. وآنس من جدول. وأضيق من قرار حافر. وأوحش من مفازة. وأثقل من جبل. وأبقى من الوحي في صم الصلاب. وأخف من ريش الحزاصل (لابن عبد ربه) 78 أشعار جارية مجرى المثل وهي لشعراء مختلفين: أخاك أخاك إن من لا أخاله ... كساع إلى الهيجا بغير سلاح إذا كان غير الله للمرء عدة ... أتته الرزايا من وجوه المكاسب إذا ما أتيت الأمر من غير بابه ... ضللت وإن تقصد إلى الباب تهتدي

إذا لم يكن عندي نوال هجرتني ... وإن كان لي مال فأنت صديقي إذا أنت لم تعلم طبيبك كل ما ... يسوؤك أبعدت الدواء عن السقم إن اختفى ما في الزمان الآتي ... فقس على الماضي من الأوقات إذا لم يعن قول النصيح قبول ... فإن معاريض الكلام فضول أرى ماء وبي عطش شديد ... ولكن لا سبيل إلى الورود إذا رمت أن تصفي لنفسك صاحبا ... فمن قبل أن تصفي له الود أغضبه ألم تر أن السيف يزرى بقدره ... إذا قيل هذا السيف أمضى من العصا إن الأمور إذا بدت لزوالها ... فعلامة الإدبار فيها تظهر إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه ... وصدق ما يعتاده من توهم إن تجد عيباً فسد الخللا ... جل من لا عيب فيه وعلا تفرقت غنمي يوماً فقلت لها ... يا رب سلط عليها الذئب والضبعا ترقب جزا الحسنى إذا كنت محسناً ... ولا تخش من سوء إذا أنت لا تسي الخير لا يأتيك متصلا ... والشر يسبق سيله المطر ذكر الفتى عمه الثاني وحاجته ... ما قاته وفضول العيش أشغال ذو الفضل لا يسلم من قدح ... وإن غدا أقوم من قدح الرأي يصدأ كالحسام لعارض ... يطرا عليه وصقله التذكير سكناه ونحسبه لجبنا ... فأبدى الكير عن خبث الحديد عفافك غي إنما عفة الفتى ... إذا عف من لذاته وهو قادر غلام أتاه اللؤم من شطر نفسه ... ولم يأته من شطر أم ولا أب

فقال قم قلت رجلي لا تطاوعني ... فقال خذ قلت كفي لا تؤاتيني فلا تجعل الحسن الدليل على الفتى ... فما كل مصقول الحديد يماني فالدر وهو أجل شيء يقتنى ... ما حط قيمته هوان الغائص قد قيل ذلك إن صدقا وإن كذبا ... فما احتيالك في شيء وقد قيلا لا يعجبن مضيما حسن بزته ... وهل تروق دفيناً جودة الكفن لا ترج شيئاً خالصاً نفعه ... فالغيث لا يخلو من الغث لا تغرنك هذه الأوجه الغر ... م فيا رب حية في رياض لا تحسب المجد رطباً أنت آكله ... لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ... حتى يراق على جوانبه الدم لا تحقرن شأن العدو وكيده ... ولربما صرع الأسود الثعلب لعل عتبك محمود عواقبه ... وربما صحت الأجساد بالعلل ماذا لقيت من الدنيا وأعجبها=أني بما أنا باك منه محسود ما لقوي عن ضعيف غنى ... لا بد للسهم من الريش من ليس يخشى أسود الغاب إن زأرت ... فكيف يخشى كلاب الحي إن نبحت لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب ... ولا ينال العلى من طبعه الغضب المرء يحيا بلا ساق ولا عضد=ولا يعيش بلا قلب ولا أدب نبني كما كانت أوائلنا ... تبني ونفعل مثلما فعلوا وقد يكسف المرء من دونه ... كما يكسف الشمس جرم القمر ولا تقرب الأمر الحرام فإنه ... حلاوته تفنى ويبقى مريرها

ولو لبس الحمار ثياب خز ... لقال الناس يا لك من حمار وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد ... ذخراً يكون كصالح الأعمال وإني أرى في عينك الجذع معرضاً ... وتعجب إن أبصرت في عيني القذى وما أقبح التفريط في زمن الصبا ... فكيف به والشيب للرأس شامل وتشتت الأعداء في آرائهم ... سبب لجمع خواطر الأحباب وكل جديد قد يؤول إلى بلى ... وكل امرئ يوماً يصير إلى كانا وإذا كانت النفوس كباراً ... تعبت في مرادها الأجسام وماذا أرجي من حياة تكدرت ... ولو قد صفت كانت كأحلام نائم ولم أر مثل الشكر جنة غارس ... ولا مثل حسن الصبر جبة لابس وفي السماء نجوم ما لها عدد ... وليس يكسف إلا الشمس والقمر ونار إن نفخت بها أضاءت ... ولكن أنت تنفخ في رماد وإني رأيت الحزن للحزن ماحياً ... كما خط في القرطاس سطر على سطر ويمكن وصل الحبل بعد انقطاعه ... ولكنه يبقى به عقدة الربط وعين الرضا عن كل عيل كليلة ... كما أن عين السخط تبدي المساويا وإذا كان منتهى العمر موتاً ... فسواء طويله والقصير وإذا أراد الله نصرة عبده ... فكانت له أعداؤه أنصارا ومن يتشبث في العداوة كفة ... بأكبر منه فهو لا شك هالك يهوى الثناء مبرز ومقصر ... حب الثناء طبيعة الإنسان يقولون لي أهلاً وسهلاً ومرحباً=ولو ظفروا بي ساعة قتلوني

الباب السادس في أمثال عن ألسنة الحيوانات

الباب السادس في أمثال عن ألسنة الحيوانات البازي والديك 79 باز وديك تناظرا. فقال البازي للديك: ما أعرف أقل وفاء منك لأصحابك. قال: وكيف. قال: تؤخذ بيضة وتحضنك أهلك وتخرج على أيديهم فيطعمونك بأيديهم. حتى إذا كبرت صرت لا يدنو منك أحد إلا طردت من هنا إلى هنا وصحت. وعلوت على حائط دار كنت فيها سنين طرت منها على غيرها. وأما أنا فأوخذ من الجبال وقد كبر سني فتخاط عيني. وأطعم الشيء اليسير وأساهر فأمنع من النوم وأنسى اليوم واليومين. ثم أطلق على الصيد وحدي فأطير إليه وآخذه وأجيء به إلى صاحبي. فقال له الديك: ذهبت عنك الحجة أما لو رأيت بازيين في سفود النار ما عدت لهم. وأنا في كل وقت أرى السفافيد مملوءة ديوكاً. فلا تكن حليماً عن غضب غيرك (لبهاء الدين) برغوث وبعوضة 80 حكي أنه اجتمع برغوث وبعوضة. فقالت البعوضة للبرغوث: إني لأعجب من حالي وحالك. أنا أفصح منك لساناً. وأوضح بياناً. وأرجح ميزاناً. واكبر شأناً. وأكثر طيراناً. ومع هذا فقد أضر بي

اللبؤة والغزال والقرد

الجوع. وحرمني الهجوع. ولا أزال عليلة مجهودة. مبعدة عن الطريق مطرودة. وأنت تأكل وتشبع. وفي نواعم الأبدان ترتع. فقال لها البرغوث: أنت بين العالم مطنطنة. وعلى رؤوسهم مدندنة. وأنا قد توصلت إلى قوتي بسبب سكوتي اللبؤة والغزال والقرد 81 حكي أن لبؤة كانت ساكنة بغابة. وبجوارها غزال وقرد قد ألفت جوارهما واستحسنت عشرتهما. وكان لتلك اللبؤة شبل صغير قد شغفت به حباً وقرت به عيناً. وطابت به قلباً. وكان لجارها الغزال أولاد صغار. وكانت اللبؤة تذهب كل يوم تبتغي قوتاً لشبلها من النبات وصغار الحيوان. وكانت تمر في طريقها على أولاد الغزال. وهن يلعبن بباب حجرهن. فحدثت نفسها يوماً باقتناص واحد فتجعله قوت ذلك اليوم وتستريح فيه من الذهاب. ثم أقلعت عن هذا العزم لحرمة الجوار ثم عاودها الشره ثانياً مع ما تجد من القوة والعظم. وأكد ذلك ضعف الغزال واستلامه لأمر اللبؤة. فأخذت ظبياً منهم ومضت فلما علم الغزال داخله الحزن والقلق ولم يقدر على إظهار ذلك وشكا لجاره القرد. فقال له: هون عليك فلعلها تقلع عن هذا ونحن لا نستطيع مكاشفتها ولعلي أن أذكرها عاقبة العدوان وحرمة الجيران. فلما كان الغد أخذت ظبياً ثانياً فلقيها القرد في طريقها فسلم عليه وحياها وقال لها: إني لا آمن

عليك عاقبة البغي وإساءة الجوار. فقالت له: وهل اقتناصي لأولاد الغزال. إلا كاقتناصي من أطراف الجبال. وما أنا تاركة قوتي وقد ساقه القدر إلى باب بيتي. فقال لها القرد: هكذا اغتر الفيل بعظيم جثته. ووفور قوته فبحث عن حتفه بظلفه. وأوبقه البغي رغم أنفه. فقالت اللبؤة: كيف كان ذلك. قال القرد: ذكروا أن قنبرة كان لها عش فباضت وفرخت فيه وكان في نواحي تلك الأرض فيل وكان له مشرب يتردد إليه. وكان يمر في بعض الأيام على عش القنبرة. ففي ذات يوم أراد مشربه فعمد إلى ذلك العش ووطئه وهشم ركنه. وأتلف بيضها وأهلك فراخها. فلما نظرت القنبرة إلى ما حل بعشها ساءها ذلك وعلمت أنه من الفيل. فطارت حتى وقعت على رأسه باكية وقالت له: أيها الملك ما الذي حملك على أن وطئت عشي وهشمت بيضي وقتلت أفراخي وإننا في جوارك. أفعلت ذلك استضعافاً بحالي وقلة مبالاة بأمري. قال الفيل: هو كذلك فانصرفت القنبرة إلى جماعة الطيور فشكت إليهم ما نالها من الفيل فقالت لها الطيور: وما عسانا أن نبلغ من الفيل ونحن طيور. فقالت للعقاعق والغربان: إني أريد منكم أن تسيروا معي إليه فتفقؤوا عينيه. فأنا بعد ذلك أحتال عليه بحيلة أخرى. فأجابوها إلى ذلك ومضوا إلى الفيل. ولم يزالوا به يتجاذبونه بينهم وينقرون عينيه إلى أن فقؤوهما وبقي لا يهتدي إلى طريق مطعمه ولا مشربه. فلما علمت

ذلك جاءت إلى نهر فيه ضفادع فشكت ما نالها من الفيل. فقالت الضفادع: ما حيلتنا مع الفيل ولسنا كفأه وأين نبلغ منه. قالت القنبرة: أحب منكن أن تذهبن معي إلى وهدة بالقرب منه فتقفن تضججن بها. فإذا سمع أصواتكن لم يشك أن بها ماء فيكب نفسه فيها. فأجابها الضفادع إلى ذلك فلما سمع الفيل أصواتهن في قعر الحفرة توهم أن بهاء ماء. وكان على جهد من العطش فجاء مكباً على طلب الماء فسقط في الوهدة ولم يجد مخرجاً منها. فجاءت القنبرة ترفرف على رأسه وقالت له: أيها المغتر بقوته الصائل على ضعفي كيف رأيت عظيم حيلتي مع صغر جثتي. وبلادة فهمك مع كبر جسمك. وكيف رأيت عاقبة البغي والعدوان. ومسالمة الزمان. فلم يجد الفيل مسلكاً لجوابها. ولا طريقاً لخطابها. فلما انتهى القرد في غاية ما شربه للبؤة من المثل أوسعته انتهاراً وأعرضت عنه استكباراً. ثم إن الغزال انتقلت بما بقي من أولادها تبتغي لها جحراً آخر. وإن اللبؤة خرجت ذات يوم تطلب صيداً وتركت شبلها. فمر بها فارس فلما رآه حمل عليه فقتله وسلخ جلده وأخذه وترك لحمه وذهب فلما رجعت اللبؤة ورأت شبلها مقتولاً مسلوخاً رأت أمراً فظيعاً. فامتلأت غيظاً وناحت نوحاً عالياً وداخلها هم شديد. فلما سمع القرد صوتها أقبل عليها مسرعاً فقال لها: وما دهاك. فقالت اللبؤة: مر صياد بشبلي ففعل به ما ترى. فقال لها: لا تجزعي ولا تحزني وأنصفي من نفسك واصبري عن غيرك

ساعة

كما صبر غيرك عنك. فكما يدين الفتى يدان. وجزاء الدهر بميزان. ومن بذر حباً في أرض فبقدر بذره يكون الثمر. والجاهل لا يبصر من أين تأتيه سهام الدهر. وإن حقاً عليك أن لا تجزعي من هذا الأمر. وأن تتدرعي له بالرضا والصبر. فقالت اللبؤة: كيف لا أجزع وهو قرة العين وواحد القلب ونزهة الفكر. وأي حياة تطيب لي بعده. فقال لها القرد: أيتها للبؤة ما الذي كان يغديك ويعشيك. قالت: لحوم الوحوش. قال القرد: أما كان لتلك الوحوش التي كنت تأكليها آباء وأمهات. قالت: بلى. قال القرد: فما بالنا لا نسمع لتلك الآباء ولا الأمهات صياحاً وصراخاً كما سمع منك ولقد أنزل بك هذا الأمر جهلك بالعواقب وعدم تفكرك فيها. وقد نصحتك حين حقرت حق الجوار. وألحقت بنفسك العار. وجاوزت بقوتك حد الإنصاف. وسطوت على الظباء الضعاف. فكيف وجدت طعم مخالفة الصديق الناصح.. قالت اللبؤة: وجدته مر المذاق. ولما علمت اللبؤة أن ذلك بما كسبت يدها من ظلم الوحوش رجعت عن صيدها ورمت نفسها باللوم. وصات تتقنع بأكل النبات وحشيش الفوات (بستان الاذهان للشبراوي) ساعة وهو مثل من يمنعه التفكر في مستقبل الأمر عن الانتفاع بالحاضر 82 حكي أن ساعة قديمة كانت مركوزة في مطبخ أحد الدهاقنة

مدة خمسين سنة من دون أن يبدو منها أدنى سبب يكدره. غير أنها في صبيحة ذات يوم من أيام الصيف. وقفت عن الحركة قبل أن يستيقظ أصحاب المحل. فتغير منظر وجهها بسبب ذلك ودهش. وبذلك العقارب جهدها وودت لو تبقى على حالة سيرها الأولى. وغدت الدواليب عديمة الحركة لما شملها من التعجب. وأصبح الثقل واقفاً لا يبدي ولا يعيد. ورامت كل آلة أن تحيل الذنب على أختها وطفق الوجه يبحث عن هذا الوقوف. وبينما كانت الدواليب والعقارب تبرئ نفسه باليمين إذا بصوت خفي سمع من الدقاق بأسفل الساعة يقول هكذا: إني أقر على نفسي بأني أنا كنت علة هذا الوقوف. وسأبين لك سبب ذلك لسكوتكم وإقناعكم أجمعين. والحق أقول إني مللت من الدق. فلما سمعت الساعة مقالته كادت تتميز من الغيظ. وقال له الوجه وهو رافع يديه: تباً لك من سلك ذي كسل. فأجابه الدقاق: لا بأس بذلك يا سيدي الوجه: لا جرم أنك ترضيك هذه الحال. إذ قد رفعت على نفسك كما هو معلوم لدى الجميع. وأنه يسهل عليك أن تدعو غيرك كسلاً وتنسبه إلى التواني. فإنك قد قضيت عمرك كله بغير شغل ولم يكن لك فيه من عمل إلا التحديق في وجوه الناس والانشراح برؤية ما يحدث في المطبخ. أرأيتك لو كنت مثلي في موضع ضنك مظلم كهذا. وتجيز حياتك كلها بين مجيء وذهاب يوماً بعد يوم

وعاماً بعد عام. وقال له الوجه: أوليس في موضعك طاقة تنظر منها. فقال الدقاق: بلى. ولكنها مظلمة. على أنه وإن تكن لي طاقة فلا أتجاسر على التطلع منها. حيث لا يمكن لي الوقوف ولو طرفة عين. والحاصل أن مللت هذا الحال. وإن استزدتني شرحاً. فإني أخبرك بما سبب لي الضجر من شغلي. وذلك أني حسبت في صباح هذا اليوم كمية المرار التي أغدو وأروح فيها مدة أربع وعشرين ساعة. فعظم ذلك علي. وقد يمكن تحقيق ذلك بمعرفة أحد الجلوس الذين فوق. فبادر عقرب الدقائق إلى العدد وقال بديهاً: إن عدة المرار التي ينبغي لك فيها المجيء والذهاب في هذه المدة الوجيزة. إنما تبلغ ستاً وثمانين ألفاً وأربع مئة مرة. فقال الدقاق: هو هكذا. فهل (والحالة هذه وقصتي قد رفعت لكم) يخال أن مجرد التفكير في هذا العمل لا يوجب عناء وتعباً لمن يعانيه. على أني حين شرعت في ضرب دقائق ذلك اليوم في مستقبل الشهور والأعوام زالت مني قوتي ووهن عظمي وعزمي. وما ذلك بغريب. وبعد تخيلات شتى عمدت إلى الوقوف كما ترونني. فكاد الوجه في أثناء هذه المكالمة أن لا يتمالك عنه. ولكنه كظم غيظه وخاطبه بحلم وقال: يا سيدي الدقاق العزيز إني لفي تعجب عظيم من انقلاب شخص فاضل نظيرك لمثل هذه الوساوس بغتة. نعم إنك وليت عمرك أعمالاً جسيمة كما عملنا نحن كلنا أيضاً. وإن

لتفكر في هذه الأشغال وحده يوجب العناء غير أني أظن مباشرتها ليست كذلك. فألتمس منك أن تسدي إلي معروفك بأن تدق الآن ست دقات ليتضح مصداق ما قلت. فرضي الدقاق بهذا ودق ست دقات جرياً على عادته. فقال له الوجه حينئذ: ناشدتك الله هل أبدى لك ما باشرته الآن نصباً وتعباً. فقال الدقاق: كلا فإن مللي وتضجري لم ينشأ عن ست دقات. ولا عن ستين دقة. بل عن ألوف وألوف ألوف. فقال له الوجه: صدقت. ولكنه ينبغي لك أن تعلم هذا الأمر الضروري. وهو أنك حين تفكر في هذه الألوف بلحظة واحدة. فإن الذي يجب عليك منها إنما هو مباشرة دقة واحدة لا غير. ثم مهما لزمك بعده من الدق يفسح الله لك في أجل لإتمامه فقال الدقاق: أشهد أن كلامك هذا حاك في وأمالني. فقال الوجه: عسى بعد ذلك أن نعود بأجمعنا إلى ما كنا عليه من العمل. لأنا إذا بقينا كذلك يظل أهل المنزل مستغرقين في النوم إلى الظهر. ثم إن الأثقال التي لم تكن وصفت قط بالخفة ما برحت تغري الدقاق على الشغل حتى أخذ في مباشرة خدمته كما كان. وحينئذ شرعت الدواليب في الدوران. وطفقت العقارب تسير. حتى إذا ظهر شعاع الشمس في المطبخ المغلق من كوة فيه امتلأ الوجه ضياء وانجلى تعبيسه. كأن لم يكن شيء مما كان. فأما صاحب المنزل فلما نزل إلى المطبخ ليفطر فيه. نظر إلى الساعة المركوزة فقال: إن

قرد وغيلم

الساعة التي بجيبي تأخرت في السير ليلاً بنحو ثلاثين دقيقة قرد وغيلم 83 زعموا أن قرداً يقال له ماهر كان ملك القردة وكان قد كبر وهرم. فوثب عليه قرد شاب من بيت المملكة فتغلب عليه وأخذ مكانه. فخرج هارباً على وجهه حتى انتهى إلى الساحل. فوجد شجرة تين فارتقى إليها واتخذها له مقاماً. فبينما هو ذات يوم يأكل من ثمرها. إذ سقطت من يده تينة في الماء فسمع لها صوتاً وإيقاعاً. فجعل يأكل ويرمي في الماء فأطربه ذلك فأكثر من تطريح التين فيه. وكان ثم غيلم كلما وقعت تينة أكلها. فلما أكثر ذلك ظن أن القرد إنما يفعل ذلك لأجله فرغب في مصادقته وأنس إليه وكلمه. وألف كل واحد منهما صاحبه. وطالت غيبة الغيلم على زوجته. فجزعت عليه وشكت ذلك إلى جارة لها وقالت: قد خفت أن يكون عرض له عارض سوء فاغتاله. فقالت لها: إن زوجك بالساحل قد أبلف قرداً وألفه القرد. فهو مؤاكله ومشاربه ومجالسه. ثم إن الغيلم انطلق بعد مدة إلى منزله. فوجد زوجته سيئة الحال مهمومة. فقال لها: ما لي أراك هكذا فأجابته جارتها: إن قرينتك مريضة مسكينة. وقد وصفت لها الأطباء قلب قرد وليس لها دواء سواه. فقال: هذا أمر عسير من أين لنا قلب قرد ونحن في الماء ولكن سأشاور صديقي. ثم

انطلق إلى ساحل البحر فقال له القرد: يا أخي ما حبسك عني. قال له الغيلم: ما ثبطني عنك إلا حيائي. كيف أجازيك على إحسانك إلي وإنما أريد الآن أن تتم هذا الإحسان بزيارتك لي في منزلي. فإني ساكن في جزيرة طيبة الفاكهة كثيرة الأثمار. فاركب ظهري لأسبح بك. فرغب القرد في ذلك ونزل فامتطى مطا الغيلم. حتى إذا سبح به ما سبح عرض له قبح ما أضمر في نفسه من الغدر فنكس رأسه. فقال هل القرد: مالي أراك مهتماً. فقال الغيلم: إنما همي لأني ذكرت أن قرينتي شديدة المرض. وذلك يمنعني عن كثير مما أريد أن أبلغكه من الإكرام والإلطاف. قال القرد: إن الذي أعتقد من حرصك على كرامتي يكفيك مؤونة التكلف. قال الغيلم: أجل. ومضى بالقرد ساعة ثم توقف به ثانية. فساء ظن القرجد وقال في نفسه: ما احتباس الغيلم وبطؤه إلا لأمر. ولست آمناً أن يكون قلبه قد تغير علي وحال عن مودتي فأراد بي سوءاً. فإن لا شيء أخف وأسرع تقلباً من القلب. ويقال: ينبغي للعاقل أن لا يغفل عن التماس ما في نفسه أهله وولده وإخوانه وصديقه عند كل أمر وفي كل لحظة وكلمة. وعند القيام والعقود وعلى كل حال. وإنه إذا دخل قلب الصديق من صديقه ريبة. فليأخذ بالحزم في التحفظ منه ويتفقد ذلك في لحظاته وحالاته. فإن كان ما يظن حقاً ظفر بالسلامة. وإن كان باطلاً ظفر بالحزم ولم يضره. ثم قال للغيلم: ما الذي

يحبسك ومالي أراك مهتماً كأنك تحدث نفسك مرة أخرى. قال: يهمني أنك تأتي منزلي فلا تلقى أمري كما أحب لأن زوجتي مريضة. قال القرد: لا تهتم. فإن الهم لا يغني عنك شيئاً. ولكن التمس ما يصلح زوجتك من الأدوية والأغذية. فإنه يقال: يبذل ذو المال ماله في ثلاثة مواضع: في الصدقة. وفي وقت الحاجة. وعلى الزوجة. قال الغيلم: صدقت. وإنما قالت الأطباء: إنه لا دواء لها إلا قلب قرد. فقال القرد في نفسه: وا سوءتاه لقد أدركني الحرص والشره على كبر سني حتى وقعت في شر مورط. ولقد صدق الذي قال: يعيش القانع الراضي مستريحاً مطمئناً. وذو الحرص والشره يعيش ما عاش في تعب ونصب. وإني قد احتجت الآن إلى عقلي في التماس المخرج مما وقعت فيه. ثم قال للغيلم: وما منعك أن تعلمني حتى كنت أحمل قلبي معي. وهذه سنة فينا معاشر القردة إذا خرج أحدنا لزيارة صديق له خلف قلبه عند أهله أو في موضعه. لننظر إذا نظرنا إلى حرم المزور وما قلوبنا معنا. قال الغيلم: وأين قلبك الآن. قال: خلفته في الشجرة فإن شئت فارجع بي إليها حتى آتيك به. ففرح الغيلم بذلك ورجع بالقرد إلى مانه. فلما قارب الساحل وثب القرد عن ظهره فارتقى الشجرة. فلما أبطأ على الغيلم ناداه يا خليلي احمل قلبك وانزل فقد عقتني. فقال القرد. هيهات ولكنك احتلت علي وخدعتني بمثل خديعتك. واستدركت

الضبعة والرجل

فارط أمري. وقد قيل: الذي يفسده الحلم. لا يصلحه إلا العلم. قال الغيلم: صدقت. إلا أن الرجل الصالح يعترف بزلته. وإذا أذنب ذنباً لم يستحي أن يؤدب. وإن وقع في ورطة أمكنه التخلص منها. كالرجل الذي يعثر على الأرض وعلى الأرض ينهض ويعتمد. فهذا مثل الرجل الذي يطلب الحاجة فإذا ظفر بها أضاعها (كليلة ودمنة) الضبعة والرجل 84 قال المدائني: خرج فتيان في صيد لهم. فأثاروا ضبعة فنفرت ومرت فاتبعوها. فلجأت إلى بيت رجل فخرج إليه بالسيف مسلولا. فقالوا له: يا عبد الله لم تمنعنا من صيدنا. فقال: إنها استجارت بي فخلوا بينها وبينه. فنظر إليها فإذا هي مهزولة مضرورة. فجعل يسقيها اللبن صبوحاً ومقيلاً وغبوقاً حتى سمنت وحسنت حالها. فبينا هو ذات يوم راقداً عدت عليه فشقت بطنه وشربت دمه. فقال ابن عم له: ومن يصنع المعروف في غير أهله ... يلاقي الذي لاقى مجير أم عامر أعد لها لما استجارت بقربه ... مع الأمن ألبان اللقاح الدرائر فأشبعها حتى إذا ما تمكنت ... فرته بأنياب لها وأظافر فقل لذوي المعروف هذا جزاء من ... يوجه معروفاً إلى غير شاكر أسد وذئب وغراب وابن آوى وجمل وهو مثل من يعاشر من لا يشاركه حتى يهلك نفسه 85 زعموا أن أسداً كان في أجمة مجاوراً لأحد الطرق المسلوكة. وكان

له أصحاب ثلاثة: ذئب وغراب وابن آوى. وإن رعاة مروا بذلك الطريق ومعهم جمال. فتخلف منها جمل فدخل تلك الأجمة حتى انتهى إلى الأسد. فقال له أبو فراس: من أين أقبلت. قال: من موضع كذا. قال: فما حاجتك. قال: ما يأمرني به الملك. قال: تقيم عندنا في السعة والأمن والخصب. فلبث عنده زماناً طويلاً ثم إن الأسد مضى في بعض الأيام لطلب الصيد فلقي فيلاً عظيماً. فقالته قتالاً شديداً وأفلت منه مثقلاً مثخناً بالجراح يسيل منه الدم. وقد أنشب الفيل فيه أنيابه. فلم يكد يصل إلى مكانه. حتى رزح لا يستطيع حراكاً وحرم طلب الصيد. فلبث الذئب والغراب وابن آوى أياماً لا يجدون طعاماً. لأنهم كانوا يأكلون من فضلات الأسد وفواضله. فأجهدهم الجوع والهزال. وعرف الأسد ذلك منهم فقال: لقد جهدتم واحتجتم إلى ما تأكلون. فقالوا: إنه لا يهمنا أنفسنا. لكنا نرى الملك على ما نراه فليتنا نجد ما يأكله ويصلح به. قال الأسد: ما أشك في نصيحتكم. ولكن انتشبوا لعلكم تصيبون صيداً فأكسبكم ونفسي منه. فخرج الذئب والغراب وابن آوى من عند الأسد. فتنحوا ناحية وائتمروا فيما بينهم وقالوا: ما لنا ولهذا الآكل العشب الذي ليس شأنه من شأننا. ولا رأيه من رأينا. ألا نزين للأسد فيأكله ويطعمنا من لحمه. قال ابن آوى: هذا مما لا نستطيع ذكره للأسد. لأنه قد أمن الجمل وجعل له من ذمته.

قال الغراب: أنا أكفيكم الأسد. ثم انطلق فدخل على الأسد فقال له: هل أصبتم شيئاً. قال الغراب: إنما يصيب من يسعى ويبصر. ونحن فلا سعي لنا ولا بصر لما بنا من الجوع. ولكن قد وفقنا لرأي واجتمعنا عليه. فإن وافقنا الملك فنحن له مجيبون. قال الأسد: وما ذاك. قال الغراب: هذا الجمل آكل العشب المتمرغ بيننا من غير منفعة لنا منه ولا رد عائدة. ولا عمل يعقب مصلحة. فلما سمع الأسد ذلك. غضب وقال: ما أخطأ رأيك. وما أعجز مقالك وأبعدك من الوفاء والرحمة. وما كنت حقيقاً أن تجترئ علي بهذه المقالة وتستقبلني بهذا الخطاب. مما علمت أني قد أمنت الجمل وجعلت له من ذمتي. أو لم يبلغك أنه لم يتصدق متصدق بصدقة هي أعظم أجراً ممن أمن نفساً خائفاً وحقن دماً مهدوراً. وقد أمنته ولست بالغادر به. قال الغراب: إني لأعرف ما يقول الملك. ولكن النفس الواحدة يفتدى بها أهل المصر. وأهل المصر فدى الملك. وقد نزلت بالملك الحاجة. وأنا أجعل له من ذمته مخرجاً على أن لا يتكلف ذلك ولا يليه بنفسه ولا يأمر به أحداً. ولكنا نحتال عليه بحيلة لنا وللملك فيها صلاح وظفر. فسكت الأسد عن جواب الغراب عن هذا الخطاب. فلما عرف الغراب إقرار الأسد أتى أصحابه فقال لهم: قد كلمت الأسد في أكلة الجمل: على أن نجتمع نحن والجمل لدى حضرته.

فنذكر ما أصابه ونتوجع له اهتماماً منا بأمره وحرصاً على صلاحه. ويعرض كل واحد منا نفسه عليه. فيرده الآخران ويسفه رأيه ويبين الضرر في أكله. فإذا فعلنا ذلك سلمنا كلنا ورضي الأسد عنا ففعلوا ذلك وتقدموا إلى الأسد فقال: الغراب: قد احتجت أيها الملك إلى ما يقويك. ونحن أحق أن نهب أنفسنا لك فإنا بك نعيش. فإذا هلكت فليس لأحد منا بقاء بعدك. ولا لنا في الحياة من خيرة. فليأكلني الملك فقد طبت بذلك نفساً. فأجابه الذئب وابن آوى أن اسكت. فلا خير للملك في أكلك وليس فيك شبع. قال ابن آوى: لكن أنا أشبع الملك. فليأكلني فقد رضيت بذلك وطبت عنه نفساً. فرد الذئب والغراب بقولهما له: إنك منتن قذر. قال الذئب: أنا لست كذلك. فليأكلني الملك عن طيب نفس مني وإخلاص طوية. فاعترضه الغراب وابن آوى وقالا: قد قالت الأطباء: من أراد قتل نفسه. فليأكل لحم ذئب. فظن الجمل أنه إذا عرض نفسه على الأكل التمسوا له عذراً كما التمس بعضهم لبعض فيسلم ويرضى عنه الأسد. فقال: لكن أنا في للملك شبع وري. ولحمي طيب هني وبطني نظيف. فليأكلني الملك ويطعم أصحابه وحشمه. فقد سمحت بذلك طوعاً ورضا. فقال الذئب والغراب وابن آوى: لقد صدق الجمل وتكرم وقال ما درى. ثم إنهم وثبوا عليه ومزقوه (كليلة ودمنة)

الجدي السالم والذئب النادم

الجدي السالم والذئب النادم 86 حكي أنه كان في بعض الغياض لذئب وجار. وأهل وجار. فخرج يوماً لطلب صيد. ونصب لذلك شباك الكيد. وصار يجول ويصول. ولا يقع على محصول. فأثر فيه الجوع واللغوب. وأذنت الشمس للغروب. فصادف بعض الرعيان. يسوق قطيعاً من الضان. وفيها بعض جديان. فهم عليها لشدة الجوع بالهجوم. ثم أدركه من خوف الراعي الوجوم. لأنه كان متيقظاً. ومن الذئب على ماشيته متحفظاً. فجعل يراقبه من بعيد. والحرص والشره يزيد. والراعي سائق. وللذئب عائق. فتخلف جدي غبي. وغفل عنه الراعي الذكي. فأدركه الذيب النشيط. وأقطعه بأمل بسيط. وبشر نفسه بالظفر. وطار بالفرح واستبشر. فلما رأى الجدي الذيب. علم أنه أصيب بيوم عصيب. وظفر قصاب البلاء من قصبه بأوفر نصيب. فتدارك نفسه بنفسه. واستحضر حيلة جاشه وحدسه. وعلم أنه لا ينجيه من تلك الورطة الوبيلة. إلا مغيث الخداع والحيلة. وأذكره مذكر الخاطر. ما قال الشاعر: ولكن أخو الحزم الذي ليس نازلا ... به الخطب إلا وهو للقصد مبصر فتقدم بجأش صليب. وقبل الأرض بين يدي الذيب. وقال له محبك الراعي. لجنابك داعي. يسلم عليك. وقد أرسلني إليك. يشكر صداقتك وشفقتك. وحشمتك ومرافقتك. ويقول قد تركت بحسن

إبائك عادة أجدادك وآبائك. فلم تتعرض لمواشيه. وحفظت بنظرك ضعاف حواشيه. وقد حصل لضعافها الشبع. وأمنت بجوارك الجوع والفزع. وحصل الأمن من الجزع. فسيجعل جوارك وغياضك أحسن مستنجع. لأن ضعاف ماشيته شبعت ورويت. وانتعشت وقويت. فأراد مكافأتك. وطلب مصادقتك ومصافاتك. فأرسلني إليك لتأكلني. وأوصاني أن أطربك بما أغني. فإني حسن الصوت في الغناء. وصوتي يزيد شهوة الغذاء. فإن اقتضى رأيك الأسعد. غنيتك غناء ينسي أبا إسحاق ومعبد. وهو شيء لم يظفر به آباؤك وأجدادك. وما يناله أعقابك وأولادك. يقوي كزمك. وشهوتك وقرمك. ويطيب مأكلك. ويسني مأملك. وإن صوتي اللذيذ. ألذ للجائع من جدي حنيذ. وخبز سميذ. وللعطشان من قدح نبيذ. فرأيك أعلى. وامتثالك أولى. فقال الذئب: لا بأس والك. فغني ما بدا لك. فرفع الجدي عقيرته. ورأى في الصراخ خيرته. وأنشد: وعصفور الحشا يهوى جراده ... كما عشق الخروف أبو جعاده فاهتز الذئب طرباً. وتمايل عجباً وعجبا. وقال: أحسنت يا زين الغنم. ولكن هذا الصوت في اليم. فارفع صوتك في الزير. فقد أخجلت البلابل والزرازير. وزدني يا مغني. وغن لي. ما يلي قولي: أقر هذا الزمان عيني ... بالجمع بين المنى وبيني

فأرة وهر

وليكن هذا يا سيد الجداء في أوج الحسيني. فاغتنم الجدي الفرصة وأزاح بعياطه الغصة. وصرخ صرخ أخرى. أذكر الطامة الكبرى. ورفع الصوت. كمن عاين الموت. وخرج من دائرة الحجاز إلى العراق. وكاد يحصل له من ذلك الانفتاق. وقال: قفوا ثم انظروا حالي ... أبو مذقة أكالي فسمعه الراعي يشدو. فأقبل بالمطرق يعدو. فلم يشعر الذئب الذاهل. وهو بحسن السماع غافل. إلا والراعي بالعصا على قفاه نازل. فرأى الذئب الغنيمة في النجاة. وأخذ في طريق الحياة. وترك الجدي وأفلت. ونجا من سيف الموت المصلت. وصعد إلى تل يتلفت. إذ تفلت. وأقعى يعض يديه ندامة. ويخاطب نفسه بالملامة. ويقول: أيها الغافل الذاهل. الأحمق الجاهل. متى كان على سماط السرحان. القبز والأوزان. وأي جد لك فان. أو أب مفسد جان. كان لا يأكل إلا بالمغاني. وعلى صوت المثالث والمثاني. فلولا أنك عدلت عن طريقة آبائك. ما فاتك لذيذ عشائك. ولا أمسيت جائعاً تتلوى. وبجمرة فوات الفرصة تتكوى. ثم بات يحرق ضرسه ونابه. ويخاطب نفسه لما نابه: وعاجز الرأي مضياع لفرصته ... حتى إذا فات عاتب القدرا فأرة وهر 87 كان رجل فقير عنده هر رباه. وأحسن مأواه. وكان القط قد

عرف منه الشفقة. وألف منه المودة والمقة. فكان لا يبرح من مبيته. ولا يسعى لطلب قوته. فحصل له الهزال. وتغير حاله من أمر وحال. فلا عند صاحبه ما يغذيه. ولا له قوة على الاصطبار تغنيه. إلى أن عجز عن الصيد. وصار يسخر به من أراذل الفار عمرو وزيد. وكان في ذلك المكان. مأوى لرئيس الجرذان. وبجواره مخزن سمان. فاجترأ الجرذ لضعف أبي غزوان. وتمكن من نقل ما يحتاج إليه. وصار يمر على القط آمناً ويضحك عليه. إلى أن امتلأ وكره من أنواع المطاعم. وحصل له الفراغ من المخاوف والمزاحم. فاستطال على الجيران. واستعان بطوائف الفار على العدوان. وافتكر يوماً في نفسه. فكراً أداه إلى حلول رمسه. وهو أن هذا القط وإن كان عدواً قديماً. ومهلكاً عظيماً. ولكنه قد وقع في الانتحال. وضعف عن الصيد والاغتيال. وقوتي إنما هي لسبب ضعفه. وهذا الفتح إنما هو حاصل بحتفه. ولكن الدهر الغدار. ليس له على حالة استمرار. فربما يعود الدهر إليه. ويعيد صحته وعافيته عليه. فإن الزمان الدوار ينهب ويهب. ويعطي ما سلب. ويرجع فيما وهب. كل ذلك من غير موجب ولا سبب. وإذا عاد القط إلى ما كان عليه. يتذكر من غير شك إساءتي إليه فيثور قلقه. ويفور حنقه. ويأخذه للانتقام مني أرقه. فلا يقر لي معه قرار. فأضطر على التحول عن هذه الدار. والخروج عن الوطن المألوف. ومفارقة

السكن المعروف. فلا بد من الاهتمام قبل حلول هذا الغرام. والأخذ في طريقة الخلاص. قبل الوقوع في شرك الاقتناص. ثم إنه ضرب أخماساً لأسداس. في كيفية الخلاص من هذا اللباس. فأداه الفكر إلى إصلاح المعاش. بينه وبين أبي حراش. ليدوم له هذا النشاط. ويستمر بواسطة الصلح بساط الانبساط. فرأى أنه لا يفيده إلا أن يزرع الجميل. من كثير وقليل. خصوصاً في وقت الفاقة. فإنه أجلب للصداقة. وأبقى في الوثاقة. ثم بعد ذلك يترتب عليها العهود. ويتأكد ما يقع عليه الاتفاق من العقود. وهو أن يلتزم كبير الجرذان في كل غداة. ما يكفيه من طيب الغذاء صباحه ومساه. لأن الشيخ قال في الدرس: خير المال ما وقيت به النفس. إلى أن يصح جسده. ويرد عليه من عيشه رغده. ويكون ذلك سبباً لعقود الصداقة وترك العداوة القديمة. فجمع له من الخبز والجبن واللحم القديد. ما قدر على حمله. ونهضت قوته بنقله. وقدم مقام الهر وسلم عليه سلام مكرم مبر. وقدم ما لديه إليه. وترامى بكثرة الاشتياق والتودد عليه. وقال: يعز علي. ويعظم لدي. أن أراك يا خير جار. في هذا الاضطرار. وسيكفيك الله هذا الجهد والضير. ولكن العاقبة إن شاء الله خير. فتناول القط من تلك السرقة. ما سد رمقه. وشكر له تلك الصدقة. ثم قال: إن لي عليك من الحقوق. مثل ما للجار الصدوق. على الجار الشفوق.

وأردت أن يتأكد الجوار بالمصادقة. وتثبت المحبة المواثقة. وإن كانت بيننا عداوة قديمة. فنترك من الجانبين تلك الخصلة الذميمة. ونستأنف العهود. على خلاف الخلق المعهود. وها أنا أذكر لك سبباً يحملك على ترك خلقك القديم. ويرشدك في طريق الإخاء إلى الصراط المستقيم. وهو أن أكلي مثلاً. ما يغذي منك بدناً. فضلاً عن أن يظهر فيك صحة وسمناً. فإن أمنتني مكرك ورغبت في صحبتي. وعاهدتني على سلوك طريق مودتي. وأكدت ذلك لي بمغلظات الأيمان حتى أستوثق باستصحابك. وأبيت آمناً في مجيئك وذهابك. ولو كنت بين مخاليبك وأنيابك. فإني ألتزم لك كل يوم. عندما تستيقظ من النوم. بما يسد خلتك. ويبقي مهجتك. صباحاً ومساء وغداء وعشاء. فلما رأى الهر. هذا البر. أعجبته هذه النعم. وأطربه هذا النغم. وأقسم طائعاً مختاراً. لا إكراهاً ولا إجبارا. أنه لا يسلك مع الجرذان. إلا طريق الأمان والإحسان. فرجع الجرذ وهو بهذه الحركة جذلان. وصار يأتي القط واستوى. وسلمت خلوات بدنه من الخواء. وقد كان لهذا القط ديك صاحب قديم. وصديق نديم. كل منهما يأنس صاحبه. ويحفظ خاطره بمراعاة جانبه. فحصل للديك تعويق عن زيارة صديقه. فلم يتفق لهما لقاء. إلا بعد أن زال عن القط ذالك الشقاء. وحاز تمام الشفاء. فسأله

الديك: بماذا زال ذلك الهزال. فأخبره بخبر الجرذ وأنه صار عنده من أعز الأصدقاء الخيرين الأمناء. فضحك الديك مستغرباً. وطفق يصفق بجناحيه متعجباً. فقال له: مم تضحك. قال: من سلامة بطنك. وانقيادك لمداهنك. وحسن صنائعك. على غشاك ومخادعك. ومن يأمن لهذا البرم. الواجب قتله في الحل والحرم. المفسد الفاسق. المؤذي المنافق. الذي خدعك حتى أمن على نفسه. وأوقعك في حبائل كيده ونحسه. مع أنك لست عنده بمشكور. ولا بالخير مذكور. وإنما الذي شاع. وملأ الأسماع. أنك تحل عقده. وتنقض عهده. وتنكث الأيمان. وتجازي بالسيئة الإحسان. فإنه لما لم ير منك ما يسره. أصبح متوقعاً ما يضره. وأعظم من هذا أنه حشر ونادى. وجاهرك بالشر وعادى وقال: إنه أحياك بعد الموت. وردك بعد الفوت. وإنه لولا فضله عليك. وبره الواصل إليك. لمت هزالاً وجوعاً. ولما عشت أسبوعاً. وإنه شفاك وعافاك. وصفا لك وصافاك. وهل سمعت أن جرذاً صادق هرة. أو اتفق بينهما مرافقة. فمناصحة القط والفار. كمصادقة الماء والنار. فلما سمع القط هذا الكلام. تألم خاطره بعض إيلام وقال للديك: جزاك الله عني خيرا. ولكن من أخبرك بهذا الخبر. وصدقك ما أثر. فقال: لقد غرك الجرذ بلقيمات من الحرام. والسحت المنغمس في الآثام. وجعلها لك بمنزلة حبة الفخ. فلا تشعر بها إلا وأنت في المسلخ. حيث لا رفيق يتشفع فيك

ولا أخ. وهناك يعرف تحقيق هذا الكلام. وما أطلعنك على ما قلت إلا من فرط الشفقة والسلام. فترجح جانب صدق الديك عند القط فقال في خاطره. بعدما أجال قدح ضمائره: إن هذا الديك من حين انفلقت عنه البيضة. وسرحت معه من الصداقة في روضة. ما وقفت له على كذب. ولا سمعن أنه لشيء من الزور مرتكب. فهو أبعد من أن يخدع. وأجل من أن يغش ويتصنع. ثم قال له: كيف أعرف صدق هذا الخبر. وهل على سوء طويته دلالة تنتظر. قال: نعم. ورب الحرم علامة ذلك أنه إذا دخل عليك. ونظر إليك. يكون منخفض الرأس. مجتمع الأنفاس. متوقعاً حلول نائبة. أو نزول مصيبة صائبة. متلفتاً يميناً وشمالاً. متخوفاً نكالاً ووبالاً. طائفاً يتنقب. خائفاً يترقب. وذلك لأنه خائن. والخائن خائف وهذا أمر بائن. وبينما هما في المحاورة. والمناظرة والمشاورة. دخل أبو جوال. وهو غافل عن هذه الأحوال. فرأى أبا يقظان. يخاطب أبا غزوان. فخنس وقهقر. وتوقف وتفكر. وهو غافل عما قضى الله وقدر. فاشمأز لرؤيته الديك واشمعل. وانتفض وابرأل. فارتعد الجرذ من شيخ الديكة. لما رأى منه هذه الحركة. لما رأى منه هذه الحركة. وانتفش وانروى. وتقبض وذوى. والتفت يميناً وشمالاً. كالطالب للفرار مجالا. والقط يراقب أحواله. ويتميز حركاته وأفعاله. فتحقق ما قيل له فيه ونظر إليه نظر المنتقم. وهم واكفهر. ورقصت شواربه وازبأر.

الهدهد الغير المتروي

ونسي العهود والأيمان. ونبض فيه عرق العداوة القديمة والعدوان. فوثب عليه وأدخله في خبر كان. وأخلى منه الزمان والمكان الهدهد الغير المتروي 88 ذكروا أن الله مجري الخير. علم بعض عبيده الصلحاء منطق الطير. فصاحب منها هدهداً. وازداد ما بينهما تودداً. ففي بعض الأيام. مر بالهدهد ذلك الإمام. وهو في مكان عال. ملتفت إلى ناحية الشمال. وهو مشغول بالتسبيح يسبح الله بلسانه الفصيح فناداه: يا صاحب التاج والقباء والديباج لا تقعد في هذا المكان فإنه طريق كل فتان. ومطروق كل صائد شيطان. ومقعد أرباب البنادق ومرصد أصحاب الجلاهق. فقال الهدهد: إني عرفت ذلك وإنه مسلك المهالك قال: فلأي شيء عزمت على القعود فيه. مع علمك بما فيه من دواهيه. قال: أرى صبياً وأظنه غوياً نصب لي فخاً. يروم لي فيه زخاً. وقد وقفت على مكايده. ومناصب مصايده. وعرفت مكيدته أين هي. وإلى ماذا تنتهي. وأنا أتفرج عليه. وأتقدم للضحك إلي. وأتعجب من تضييع أوقاته. وتعطيل ساعاته. فيما لا يعود عليه منه نفع. ولا يفيده في قفاه سوى الصفع. وأسخر من حركاته. وأنبه من يمر على خزعبلاته. فتركه الرجل وذهب. وقضى حاجاته وانقلب. فرأى الهدهد في يد الصبي ولسان حاله يلهج بمقاله:

مالك الحزين والسمكة

كعصفورة في يد طفل يهينها ... تقاسي عذاب الموت والطفل يلعب فلا الطفل ذو عقل يرق لحالها ... ولا الطير منفك الجناح فيهرب فناداه وقال: يا أبا عباد كيف وقعت في شرك الصياد وقلت لي إنك وعيت. ورأيت ما رأيت. فقال: أما سمعت أن الهدهد إذا نقر الأرض يعرف مسافة ما بينه وبين الماء. ولا يبصر شعرة الفخ ولا ماور. وناهيك قضية آدم أبي البشر. كيف خذل لما غوي واغتر وبطر. وكذلك غيره ممن اشتهر أمرهم وانتشر. وأنا لما اغتررت بحدة بصري. ذهلت عما يجول في فكري. فتغطب حدة استبصاري فوقعت في فخ اغتراري مالك الحزين والسمكة 89 كان في مكان مكين. مأوى لمالك الحزين. وفي ذلك المكان غياض وغدران تضاهي رياض الجنان. وفي مياهه من السماك. ما يفوق سابحات السماك. فكان ذلك الطير. في دعة وخير. يزجي الأوقات. بطيب الأقوات. وكلما تحرك بحركة. كان فيها بركة. حتى لو غاص في تلك البحار والغدران لم يخرج إلا وفي منقاره سمكة. فاتفق أنه في بعض الآناء. تعسر عليه أسباب الغذاء. وارتج لفوت قوته أبواب العشاء. فكان يطير بين عالم الملك والملكوت. يطلب ما يسد الرمق من القوت. فلم يفتح عليه بشيء من أعلى السماك إلى أسفل الحوت. وامتد هذا الحال. عدة أيام

وليال. فخاض يوماً في الرقراق. يطلب شيئاً من الأرزاق. فصادف سمكة صغيرة قد عارضت مسيره فاختطفها. ومن بين رجليه التقفها. ثم بعد اقتلاعها. قصد إلى ابتلاعها. فتداركت زاهق نفسها. قبل استقرارها في رمسها. فنادت بعد أن كادت أن تكون بادت: ما البرغوث ودمه. والعصفور ودسمه. اسمع يا جار الرضا. ومن عمرنا في صونه انقضى. لا تعجل في ابتلاعي. ولا تسرع في ضياعي. ففي بقائي فوائد وعوائد. عليك عوائد. وهو أن أبي قد ملك هذا السمك فالكل عبيده ورعيته. وواجب عليهم طاعته ومشيئته. ثم إني واحد أبوي. وأريد منك الإبقاء علي. فإن أبي نذر النذور. حتى حصل له بوجودي السرور. فما في ابتلاعي كبير فائدة. ولا أسد لك رمقاً. ولا أشغل لك معدة فتصير مع أبي كما قيل: فأفقرني فيمن أحب ولا استغنى فالأولى أن أقر عينك. وأعرف ما بين أبي وبينك. فأكون سبباً لعقود المصادقة. وفاتحاً لإغلاق المحبة والمرافقة. ويتحمل لك الجميلة. والمنة التامة والفضيلة. وأما أنا فأعاهدك إن أعتقتني. ومننت علي وأطلقتني. أن أتكفل لك كل يوم بعشر سمكات بيض سمان ودكات. تأتيك مرفوعة. غير ممنوعة ولا مقطوعة يرسلها إليك أبي مكافأة لما فعلت بي من غير نصب منك ولا وصب. ولا كد تتحمله ولا تعب. فلما سمع البلشون. هذا المجون. أغراه الطمع. فما ابتلع. بل سها ولها. ثم قال لها: أعيدي هذه الرمزة

الديك والثعلب

فبمجرد ما فتح فاه بالهمزة. انملصت السمكة منه بجمزة. وغاصت في الماء. وتخلصت من بين فكي البلاء. ولم يحصل ذلك الطماع. إلا قطع الأطماع. وإنما أوردت يا ذا الدراية. هذه الحكاية. لتتأمل عقبى أمرك قبل الشروع فيه. وتتدبر منتهى أواخره في مباديه. فقد قيل: أول الفكر. آخر العمل الديك والثعلب 90 كان في بعض القرى للرئيس ديك. حسن الخلق وديك. مرت به التجارب. وقرأ تواريخ المشارق والمغارب. ومضى عليه من العمر سنون. واطلع من حوادث الزمان على فنون. وقاسى حلوه ومره. وعانى حره وقره. وقطع للثعالب شباك مصايد. وتخلص لابن آوى من ورطات مكايد. ورأى من الزمان وبينه نوائب وشدائد. وحفظ وقائع لبنات آوى وثعالب. وطالع من كتب حيلها طلائع كتائب. وأحكم من طرائقها عجائب غرائب. فاتفق له في بعض الأحيان. أنه وقف على بعض الجدران. فنظر في عطفيه. وتأمل في نقش برديه. فرأى خيال تاجه العقيقي. ونظر إلى خده الشقيقي. ونفض برائله المنفش. وسراويله المنقش. والثوب الذي رقمه نقاش القدرة من المقطع المبرقش. فأعجبته نفسه. وأذن فأطربه حسه.... فصار يتيه ويتبختر. ويتقصف ويتخطر. فاستهواه التمشي سويعة. حتى أبعد عن الضيعة. فصعد

إلى جدار. وكان قد انتصف النهار. فرفع صوته بالآذان. فأنسى صوته الكتاني والدهان. فسمعه ثعلب. فقال: مطلب. وسارع من وكره. وحمل شبكة مكره. وتوجه إليه. فرآه فسلم عليه. فلما حس به أبو اليقظان. طفر إلى أعلى الجدران. ثم حياه تحية الخلان. وترامى لديه ترامي الإخوان. وقال: أنعش الله بدنك وروحك. وروى من كاسات الحياة غبوفك وصبوحك. فإنك أحييت الأرواح والأبدان. بطيب النغم والصياح في الآذان. فإن لي زماناً لم أسمع بمثل هذا الصوت. وقاه الله نوائب الفوت. ومصائب الموت. وقد جئت لأسلم عليك. وأذكرك ما أسدى من النعم إليك. وأبشرك ببشارة. وهي أربح تجارة. وأنجح من الولاية والإمارة. ولم يتفق مثلها في سالف الدهر. ولا يقع نظيرها إلى آخر العصر. وهي أن السلطان أيد الله بدولته أركان الإيمان. أمر منادياً فنادى بالأمان والاطمئنان. وإجراء مياه العدل والإحسان. من حدائق الصحبة والصداقة في كل بستان. وأن تشمل الصداقة كل حيوان. من الطير والوحش والحيتان. ولا يقتصر فيها على جنس الإنسان. فيتشارك فيها الوحوش والسباع. والبهائم والضباع. والأروى والنعام. والصقر والحمام. والضب والنون. والذباب وأبو قلمون. ويتعاملون بالعدل والإنصاف. والإسعاف دون الإعساف. ولا يجري بينهم إلا المصادقة. وحسن

المعاشرة والمرافقة. فتمحى من لوح صدورهم نقوش العداوة والمنافقة. فيطير القطا مع العقاب. ويبيت العصفور مع الغراب. ويرعى الذئب مع الأرنب. ويتآخى الديك والثعلب. وفي الجملة لا يتعد أحد على أحد. فتأمن الفأرة من الهرة. والخروف من الأسد. وإذا كان الأمر كذا. فقد ارتفع الشر والأذى. فلا بد أن يمتثل هذا المرسوم. ويترك ما بيننا من العداوة والخلق المذموم. ويجري بيننا بعد اليوم المصادقة. وتنفتح أبواب المحبة والمرافقة. ولا ينفر أحد منا من صاحبه. بل يراعي مودته ويبالغ في حفظ جانبه. وجعل الثعلب يقرر هذا المقال. والديك يتلفت إلى هذا الهذيان والخبال. فقال الثعلب: يا أخي. ما لك عن سماع كلامي مرتخي. أنا أبشرك ببشائر عظيمة. لم تتفق في الأعصر القديمة. وإنما برزت بها مراسيم مولانا السلطان الجسيمة. وأراك لا تلتفت إلى هذا الكلام. ولا تسر بهذا اللطف العام. ولا تلتفت إلي. ولا تعول علي. وتستشرف على بعد شيء. فهلا أخبرتني بما أضمرت ونويت. وتطلعني فيما تتطاول إليه على ما رأيت. حتى أعرف في أي شيء أنت. وهل ركنت إلى أخباري وسكنت. فقال: أرى عجاجاً ثائراً. ونقعاً إلى العنان فائراً. وحيواناً جارياً. كأنه البرق سارياً. وما عرفت ما هو. ولكنه أجرى من الهواء. فقال: أبو الحصين. وقد نسي المكر والمين. بالله يا أبا نبهان. حقق لي

الجمل والملح

هذا الحيوان. فقال: حيوان رشيق. له آذان طوال وخصر دقيق. لا الخيل تلحقه. ولا الريح تسبقه. فرجفت قوائم الثعلب. وطلب المهرب. فقال أبو المنذر: تلبث يا أبا الحصين واصبر حتى أحقق رؤيته. وأتبين ماهيته. فإنه يا أبا الحصين. يسبق طرف العين. ويكاد يا أبا النجم. يخلف النجم في الرجم. فقال: أخذني فؤادي. وما هذا وقت التمادي. ثم ولى وهو يصدح بقوله: لابس التاج العقيقي ... لا تقف لي في طريقي إن يكن ذا الوصف حقا ... فهو الله السلوقي فقال الديك: وإذا كان وقد قلت إن السلطان. رسم بالصلح بين سائر الحيوان. فلا بأس منه عليك. فتلبث حتى يجيء ويقبل يديك. ونعقد بيننا عقود المصادقة. ويصير رفيقنا ونصير رفاقه. فقال: ما لي برؤيته حاجة. فدع عنك المحاجة واللجاجة. فقال: أو ما زعمت يا أبا وثاب. أن السلطان رسم للأعداء والأصحاب. أن يسلكوا طرائق الأصدقاء والأحباب. فلو خالف المرسوم هذا الكلب. لما قابله الملك إلا بالقتل والصلب. قال: لعل هذا المشؤم. لم يبلغه المرسوم. ثم ولى هارباًَ. وقصد للخلاص جانباً. الجمل والملح 91 كان جمال فقير ذو عيال له جمل يتعيش عليه. ويتقوت هو وعياله بما يصل منه إليه. فرأى صلاحه في نقل ملح من الملاحة.

فجد في تثقيل الأحمال. وملازمته بأثقال الأثقال. إلى أن آل حال الجمل إلى الهزال. وزال نشاطه وحال. والجمال لا يرق له بحال. ويجد في كده بالاشتغال. ففي بعض الأيام. أرسله مع السوام. فتوجه إلى المرعى. وهو ساقط القوة عن المسعى. وكان له أرنب صديق. فتوجه إليه في ذلك المضيق. ودعاه وسلم عليه. وبث عظيم اشتياقه. فلما رأى الخزز هزاله. تألم له وسأله أحواله. فأخبره بحاله. وما يقاسيه من غذائه ونكاله. وأن الملح قد قرحه. وجب سنامه وجرحه. وأنه قد أعيته الحيلة. وأضل إلى الخلاص سبيله. فتألم الأرنب وتأمل. وتفكر في كيفية عصر هذا الدمل. ثم قال: يا أبا أيوب. لقد فزت بالمطلوب. وقد ظهر وجه الخلاص. من شرك هذا الاقتناص. والنجاة من الارتهاص والاتصاص. تحت حمل كالرصاص. فهل يعترضك يا ذا الرياضة. في طريق الملاحة مخاضة. فقال: كثير وكم من نهر وغدير. فقال: إذا مررت في خوض ولو أنه روض أو حوض. فابرك فيه وتمرغ. وتنصل من حملك وتفرغ. واستمر فيه يا أبا أيوب. فإن الملح في الماء يذوب. وكرر هذه الحركة. فإنك ترى فيها البركة. فإما أنهم يغيرون حملك أو يخففوه. أو تستريح بذوبه من الذي أضعفوه. فتحمل الجمل للأرنب المنة. وشنف لدر هذه الفائدة أذنه. فلما حمله صاحبه الحمل المعهود. ودخل به في طريقه المورود. ووصل المخاضة

البستاني والأربعة العابثون بجبته

برك. فضربوه وما احترك. وتحمل ضربة وعسفه. حتى أذاب من الحمل نصفه. ثم نهض انتهاضة. وخرج من المخاضة. ولازم هذه العادة. إلى أن أفقر صاحبه وأباده. فأدرك الجمال هذه الحيلة. فافتكر له في داهية وبيلة. وعمد إلى عهن منفوش. وغير في مقامرته شكل النقوش. وأوسق للجمل حملاً. وبالغ فيه تعبية وثقلا. وسلط عليه الظماء. ثم دخل به إلى الماء. فلما توسط الماء برك. وتغافل عنه صاحبه وترك. فتشرب الصوف من الماء ما يملأ البرك. ثم أراد النهوض. فناء به الربوض. فقاسى من المشاق. ما لا يطاق. ورجع هذا الفكر الوبيل. على الجمل المسكين بأضعاف الثقيل. فساء مصيره. وكان في تدبيره تدميره. وما استفاد إلا زيادة النصب. وأمثال ما كان يجده في التعب والوصب. وإنما أوردت هذا المثل عن الجمل ليعلم الملك والحضار. أن العدو الغدار. والحسود المكار. يفتكر في أنواع الدواهي. ويفرغ أنواع البلايا والرزايا كما هي. ويبذل في ذلك جده وجهده. ولا يقصر فيما تصل إليه من ذلك يده. فتارة تدرك مكايده. وتعرف مصايده. وتارة يغفل عن دواهيها. فلا يشعر الخصم إلا وقد تورط فيها. وعلى كل حال. لا بد للشخص له وعليه من الاحتيال البستاني والأربعة العابثون بجبته 92 كان من تكريت رجل مسكين. ينظر البساتين. ففي

بعض السنين. قدم قرية منين. وسكن في بستان. كأنه قطعة من الجنان. فيه فاكهة ونخل ورمان. ففي بعض الأعوام. أقبلت الفواكه بالإنعام. ونثرت الثمار ملابس الأشجار من الأذيال والأكمام. فألجأت الضرورة ذلك الإنسان. أن خرج من البستان. ثم رجع في الحال فرأى فيه أربعة رجال. أحدهم جندي والآخر شريف. الثالث فقيه والرابع تاجر ظريف. قد أكلوا وسقوا. وناموا واتفقوا. وتصرفوا في ذاك تصرف الملاك. وأفسدوا فساداً فاحشاً خادشاً. ومارشاً وناوشاً وناكشاً. فأضر ذلك بحاله. ورأى العجز في أفعاله. إذ هو وحيد. وهم أربعة وكل عنيد. فسارع إلى التأخيذ. وعزم على التفخيد. فابتدأ بالترحيب والبشاشة. والإكرام والهشاشة. وأحضر لهم من أطايب الفاكهة. وطايبهم بالمفاكهة. وسامح بالممازحة. ومازح بالمسامحة. إلى أن اطمأنوا واستكانوا واستكنوا. ودخلوا في اللعب. ولاعبوه بما يجب. فقال في أثناء الكلام: أيها السادة الكرام لقد حزتم أطراف المعارف والطرف. فأي شيء تعانون من الحرف. فقال أحدهم: أنا جندي. وقال الآخر: أنا شيخ القضاة جدي. وقال الثالث: أنا فقيه. وقال الرابع: أنا تاجر نبيه. فقال: والله لست نبيه. ولكن تاجر سفيه. وقبيح الشكل كريه. أما الجندي فإنه مالك رقابنا. وحارس حجابنا. يحفظنا بصولته. ويصون أنفسنا وأموالنا وأولادنا بسيف دولته. ويجعل نفسه لنا

وقاية. وينكي في أعدائنا أشد نكاية. فلو مد يده إلى كل منا ورزقه. فهو بعض استحقاقه ودون حقه. وأما الشريف فقد تشرف به اليوم مكاني. وحلت به البركة علي وعلى بستاني. وأما سيدنا العالم فهو مرشد العالم. وهو سراج ديننا. الهادي إلى يقيننا. فإذا شرفونا بأقدامهم. ورضوا أن نكون من خدامهم. فلهم الفضل علينا. والمنة الواصلة إلينا. وأما أنت يا رابعهم. وشر جان تابعهم. بأي طريق تدخل إلى بستاني. وتتناول سفرجلي ورماني. هل بايعتني بمسامحة. وتركت لي المرابحة. أو لك علي دين. أو عاملتني نسيئة دون عين. ألك علي جميلة. وهل بيني وبينك وسيلة. تقتضي تناول مالي. والهجوم على ملكي ومنالي. ثم مد يده إليه. فلم يعترض من رفقائه أحد عليه. لأنه أرضاهم بالكلام. واعتذر عما يتطرق إليه من ملام. فأوثقه وثاقاً محكماً. وتركه مغرماً. ثم مكث ساعة. وهو على الخلاعة مع الجماعة. وغامز الجندي والشريف على الفقيه الظريف. فقال: أيها العالم الفقيه. والفاضل النبيه. أنت مفتي المسلمين. وعالم بمنهاج الدين. على فتواك مدار الإسلام. وكلمتك الفارقة بين الحلال والحرام. بفتواك تستباح الدماء فمن أفتاك بالدخول في هذا. أفتني يا عالم الزمان. محمد بن إدريس أفتاك بهذا أم النعمان. أم أحمد بن حنبل أم مالك. فبح لنا بذلك. وإلا فما بالك تعوث وتعبث بما ليس لك. ولا عتب على الأجناد والأشراف. ولا على

الجهلاء والأجلاف. إذا ارتكب مثلك هذا المحظور. وتعاطى العلماء والمفتون أقبح الأمور. ثم مد يده إلى جلابيبه. وأوثقه بتلابيبه. فأحكمه وثاقاً. وآلمه ربافاً. فاستنجد بصاحبيه إلى جانبيه فما أنجداه ولا رفداه. ثم جلس يلاهي. الجندي الساهي. وغامزه على الشريف. ذي النسب الظريف. ثم قال: أيها السيد الأصيل النجيب الجيد الحسيب. لا تعتب على كلامي. ولا تستثقل ملامي. أما الأمير فإنه رجل كبير. ذو قدر خطير. له الجميلة التامة. والفضيلة اللامة. وأنت يا ذا النسب الطاهر. والأصل الباهر. والفضل الزاهر سلفك الطيب أذن لك في الدخول إلى ما لا يحل لك. وإذا كنت يا طاهر الأسلاف لا تتبع سنة آبائك الأشراف. من الزهد والعفاف. فلا عتب على الأوباش والأطراف. ثم وثب إليه وكتف يديه. ولم يعطف الجندي عليه. ولم يبق إلا الجندي وهو وحيد. فانتصف منه البستاني كما يريد. وأوثقه رباطاً. وزاد لنفسه احتياطاً. ثم أوجعهم ضرباً وأشبعهم لعناً وسباً. وجمع عليهم الجيران. واستعان بالجلاوزة وأصحاب الديوان. وحملهم برباطهم وعملتهم تحت آباطهم إلى باب الوالي. وأخذ منهم ثمن ما أخذوه من رخيص وغالي. وإنما أوردت ما جرى لتعلموا أيها الوزراء أن التفخيذ. بين الأعداء بالتأخيذ. أمر من السهام في تنفيذ الأحكام وأحكام التنفيذ (فاكهة الخلفاء لابن عربشاه)

الباب السابع في الفضائل والرذائل

الباب السابع في الفضائل والرذائل الصبر 93 يقال أوكد الأسباب للظفر والصبر. وقال بعض العلماء: الصبر جنة المؤمن وعزيمة المتوكل وسبب درك النجح في الحوائج. فمن وطن نفسه على الصبر لم يجد للأذى مسا. ومن استعف بالله عفه. ومن استعان به يعنه ولن تجدوا حظاً خيراً من الصبر. جاء في المبهج: الصبر أحجى بذي الحجج. وقال حكيم: تابع الصبر متبوع النصر (للمقدسي) 94 قال أبو تمام: إذا اشتملت على اليأس القلوب ... وضاق لما به الصدر الرحيب وأوطنت المكاره واطمأنت ... وأرست في مكامنها الخطوب فلم تر لانشكاف الضر وجها ... ولا أغنى بحيلته الأريب أتاك على قنوط منه غوث ... يمن به اللطيف المستجيب فكل الحادثات وإن تناهت ... فموصول بها فرج قريب 95 من الديوان والمنسوب إلى أمير المؤمنين علي: هي حالان شدة ورخاء ... وسجالان نعمة وبلاء والفتى الحاذق الأديب إذا ما ... خانه الدهر لم يخنه العزاء

إن ألمت ملمة بي فإني ... في الملمات صخرة صماء حائز في البلاد علماً بأن ليس ... يدوم النعيم والبلواء وأنشد أعرابي: وإني لأغضي مقلتي على القذى ... وألبس ثوب الصبر أبيض أبلجا وإني لأدعو الله والأمر ضيق ... علي فما ينفك أن يتفرجا وكم من فتى ضاقت عليه وجوهه ... أصاب لها في دعوة الله مخرجا 96 قال غيره: تصبر ولا تبد التضعضع للعدى ... ولو قطعت في الجسم منك البواتر سرور الأعادي أن تراك بذلة ... ولكنها تغتم إذ أنت صابر إني وجدت وخير القول أصدقه ... للصبر عاقبة محمودة الأثر وقل من جد في أمر يحاوله ... فاستصحب الصبر إلا فاز بالظفر قال آخر: عليك بالصبر فيما قد منيت به ... فالصبر يذهب ما في الصدر من حرج كم ليلة من هموم الدهر مظلمة ... قد ضاء من بعدها صبح من الفرج وما أحسن ما قال الشيخ حسن بن محمد البوريني: صبراً على نوب الزمان فإنها ... مخلوقة لنكاية الأحرار لا يكسف النجم الضعيف وإنما ... يسري الكسوف لرفعة الأقمار 97 قال إبراهيم العمادي: لا تخش من شدة ولا نصب ... وثق بفضل الإله وابتهج

القناعة

وارج إذا اشتد هم نازلة ... فآخر الهم أول الفرج وقال غيره وأجاد: تصبر ففي اللأواء قد يحمد الصبر ... ولولا صروف الدهر لم يعرف الحر وإن الذي أبلى هو العون فانتدب ... جميل الضا يبقى لك الذكر والأجر وثق بالذي أعطى ولاتك جازعاً ... فليس بحزم أن يروعك الضر فلا نعم تبقى ولا نقم ولا ... يدوم كلا الحالين عسر ولا يسر تقلب هذا الأمر ليس بدائم ... لديه مع الأيام حلو ولا مر قال آخر: إن الأمور إذا اشتدت مسالكها ... فالصبر يفتح منها كل ما رتجا لا تيأسن وإن طالت مطالبه ... إذ استعنت بصبر أن ترى فرجا وقال آخر: على قدر فضل المرء تأتي خطوبه ... ويعرف عند الصبر فضل نهاه ومن قل في ما يتقيه اصطباره ... فقد قل في ما يرتجيه مناه قال المرار بن سعيد: إذا شئت يوماً أن تسود عشيرة ... فبالحلم سد لا بالتسرع والشتم وللحلم خير فاعلمن مغبة ... من الجهل إلا أن تشمس من ظلم القناعة 98 اعلم أن مما يتحققه العاقل ولا يذهل عنه إلا الأبله أن الدنيا دار الأكدار ومحل الهموم والغموم والحسرات. وأن أخف الخلق

بلاء وألماً الفقراء. وأعظم الناس تعباً وهماً هم الملوك والأمراء والكبراء. ويقال: لكل شبر قامة من الهم. وقيل: لقد قنعت همتي بالخمول ... وصدت عن الرتب العاليه وما جهلت طيب طعم العلى ... ولكنها تؤثر العافيه وطالما رضيت الملوك والسلاطين. بحال الفقراء والصعفاء والمساكين. في كل بيت كربة ومصيبة ... ولعل بيتك إن رأيت أقلها فارض بحال فقرك. واشكر الله الله تعالى على خفة ظهرك. ولا تتعد طورك. وقف عند قدرك. تجد ذلك نعمة خفية ساقها الله تعالى إليك. ورأفة ورحمة أفاضها الله تعالى من خزائن لطفه عليك. فاعتبر بهذه الكلمات. وخذ لنفسك حظاً وافراً من هذه العظات. ومن ذلك أن هارون الرشيد من أعقل الخلفاء العباسيين وأكملهم رأياً وتدبيراً وفطنة وقوة واتساع مملكة وكثرة خزائن بحيث كان يقول للسحابة: أمطري حيث شئت فإن خراج الأرض التي تمطرين فيها يجيء إلي. ومع ذلك كان أتعبهم خاطراً وأشتهم فكراً وأشغلهم قلباً (الأعلام لقطب الدين النهروالي) 99 ولله من قال: أرى الدنيا لمن هي في يديه ... عذاباً كلما كثرت لديه إذا استغنيت عني شيء فدعه ... وخذ ما كنت محتاجاً إليه قال آخر:

العدل

أفادتني القناعة كل عز ... وهل عز أعز من القناعة فاجعلها لنفسك رأس مال ... واشتر بعدها التقوى بضاعة قال أبو العتاهية: غنى النفس ما يكفيك من سد فاقة ... فإن زاد شيئاً عاد ذاك الغنى فقرا قال غيره: يا أحمد اقنع بالذي أوتيته ... إن كنت لا ترضى لنفسك ذلها واعلم بأن الله جل جلاله ... لم يخلق الدنيا لأجلك كلها العدل 100 يحكى عن إسماعيل الساماني في كتاب سير الملوك أنه كان إذا احتل مدينة يجلس للناس وكان يرفع الحجاب. ويبعد الحجاب. ويريح الأبواب. ليجيء كل من له ظلامة ويقف على جانب البساط ويخاطبه ويعود مقضي الحاجة. وكان يقضي بين الخصوم مثل الحكام إلى أن يفنى الدعاوي. ثم يقوم من موضعه ويقبض على محاسنه بيده. ويوجه وجهه نحو السماء ويقول: إلهي هذا جهدي وطاقتي قد بذلته وأنت عالم الأسرار وتعلم علانيتي. ولا أعلم على أي عبد من عبيدي أجنفت أو لأي عبد ظلمت وما أنصفت. أنا واحد من أصحابي. فاغفر لي من ذلك ما لا أعلم. فلما كان تقي النية جميل الطوية لا جرم علا أمره وارتفع قدره. وكان عسكره

ألف فارس معتدين بالسلاح مقنعين بالحديد وببركة ذلك العدل والإنصاف ظفره الله بأعدائه (للغزالي) قال شاعر: العدل روح به تحيا البلاد كما ... دمارها أبداً بالجور ينحتم الجور شين به التعسير ممتنع ... والعدل زين به التمهيد ينتظم 101 لما ظلم أحمد بن طولون قبل أن يعدل. استغاثت الناس من ظلمه وتوجهوا إلى السيدة نفيسة واشتكوه إليها. فقالت لهم: متى يركب. فقالوا: في غد فكتبت رقعة ووقفت في طريقه. وقالت: يا أحمد بن طولون. فلما رآها عرفها وترجل عن فرسه وأخذها منها وقرأها. فإذا فيها مكتوب ملكتم فأسرتم. وقدرتم فقهرتم. وخولتم فعسفتم. ودرت عليكم الأرزاق فقطعتم. هذا وقد علمتم أن سهام الأسحار نافذة لاسيما في قلوب أجعتموها. وأجساد أعريتموها. اعملوا ما شئتم فإنا صابرون. وجوروا فإنا بالله مستجيرون. واظلموا فإنا منكم متظلمون. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. فعدل من وقته وساعته (لبهاء الدين) 102 أخبر الثعالبي قال: استشهد محمد بن الفرات أيام وزارته علي بن عيسى صاحبه بغير حق فلم يشهد له. فلما عاد إلى بيته كتب إليه: لا تلمني على نكوصي عن نصرتك شهادة زور. فإنه لا إنفاق على نفاق. ولا وفاء لذي مين واختلاق. وأحر بمن تعد الحق في

الكرم

مسرتك إذا رضي أن يتعدى الباطل في مساءتك إذا غضب. وكأن المتنبي أشار إلى هذا المعنى بقوله: لقد أباحك غشاً في معاملة ... من كنت منه بغير الصدق تنتفع الكرم 103 كان خالد بن عبد الله القسري يقول تنافسوا في المغانم وسارعوا إلى المكارم. واكتسبوا بالجود حمداً ولا تكتسبوا بالمال ذماً. ولا تعدوا بمعروف ولم تعجلوه. واعلموا أن حوائج الناس نعمة من الله عليكم فلا تملوها فتعود نقماً. وقال الشاعر: مات الكرام وولوا وانقضوا ومضوا ... ومات في إثرهم تلك الكرامات وخلفوني في قوم ذوي سفه ... لو عاينوا طيف ضيف في الكرى ماتوا 104 قال آخر: إني وإن لم ينل مالي مدى خلقي ... فياض ما ملكت كفاي من مال لا أحبس المال إلا ريث أتلفه ... ولا تغيرني حال إلى حال وقال سوادة اليربوعي ألا بكرت مي علي تلومني ... تقول ألا أهلكت من أنت عائله ذريني فإن البخل لا يخلد الفتى ... ولا يهلك المعروف من هو فاعله قال آخر: يفني البخيل بجمع المال مدته ... وللحوادث والأيام ما يدع كدودة القز ما تبنيه يهديها ... وغيرها بالذي تبنيه ينتفع

الوفاء

قال غيره في المعنى: ألم ترى أن المرء طول حياته ... معنى بأمر لا يزال يعالجه كذلك دود القز ينسج دائماً ... ويهلك غماً بالذي هو ناسجه الوفاء 105 يعجبني قول بعضهم: أما بعد فإن شجر وعدك قد أورقت فليكن ثمرها سالماً من جوائح المطل والسلام (للحموي) قال أبو تمام: إذا قلت في شيء نعم فأتمه ... فإن نعم دين على الحر واجب وإلا فقل لا تسترح وترح بها ... لئلا يقول الناس إنك كاذب وقال آخر: ولقد وعدت وأنت أكرم واعد ... لا خير في وعد بغير تمام أنعم علي بما وعدت تكرما ... فالمطل يذهب بهجة الإنعام وقال غيره: لئن جمع الآفات فالبخل شرها ... وشر من البخل المواعيد والمطل ولا خير في وعد إذا كان كاذباً ... ولا خير في قول إذا لم يكن فعل الرأي والمشورة 106 قيل: من بدأ بالاستخارة وثنى بالاستشارة فحقيق أن لا يخيب رأيه. وقيل: الرأي السديد أحمى من البطل الشديد. وقيل: من بذل

نصحه واجتهاده لمن لا يشكر فهو كمن بذر في السباخ. قال الشاعر يمدح من له رأي وبصيرة: بصير بأعقاب الأمور كأنما ... يخاطبه من كل أمر عواقبه وقال بعضهم: خمير الرأي خير من فطيره. وتقديمه خير من تأخيره (للابشيهي) وما يعرف أحسن من قول ابن الرومي في ذلك: نار الروية نار جد منضجة ... وللبديهة نار ذات تلويح وقد يفضلها قوم لعاجلها ... لكنه عاجل يمضي مع الريح قال أبو الطيب المتنبي: الرأي قبل شجاعة الشجعان ... هو أول وهي المحل الثاني فإذا هما اجتمعا لنفس حرة ... بلغت من العلياء كل مكان ولربما طعن الفتى أقرانه ... بالرأي قبل تطاعن الأقران لولا العقول لكان أدنى ضيغم ... أدنى إلى شرف من الإنسان 107 قال بعضهم: وشاور الناس في الأمر إذ أن الإنسان لا يستغني عن مشورة نصيح له. كما أن القوادم من ريش الجناح تستعين بالخوافي منه. قال بشار: إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن ... بحزم نصيح أو نصاحة حازم ولا تجعل الشورى عليك غضاضة ... فريش الخوافي تابع للقوادم وما خير كف أمسك الغل أختها ... وما خير سيف لم يؤيد بقائم

قال الأصمعي: قلت لبشار: رأيت رجال الرأي يتعجبون من أبياتك في المشورة. فقال: أو ما علمت أن المشاور بين إحدى الحسنيين. صواب يفوز بثمرته. أو خطاء يشارك في مكروهه. فقلت له: أنت في هذا الكلام أشعر منك في شعرك. وقال الجاحظ: المشورة لقاح العقول ورائد الصواب والمستشير على طرف النجاح. واستشارة المرء برأي أخيه من عزم الأمور وحزم التدبير. وقال عبد الملك بن مروان: لأن أخطئ وقد استشرت أحب إلي من أن أصيب وقد استبددت برأيي من غير مشورة (لأبي نصر المقدسي) ولقد أحسن من قال: لا تحقرن الرأي وهو موافق ... حكم الصواب إذا أتى من ناقص فالدر وهو أجل شيء يقتنى ... ما حط قيمته هوان الغائص قال الأرجاني وأجاد: شاور سواك إذا نابتك نائبة ... يوماً وإن كنت من أهل المشورات فالعين تنظر منها ما دنا ونأى ... ولا ترى نفسها إلا بمرآة وقال أيضاً: خصائص من تشاوره ثلاث ... فخذ منها جميعاً بالوثيقة وداد خالص ووفور عقل=ومعرفة بحالك والحقيقة فمن حصلت له هذي المعاني=فتابع رأيه والزم طريقه

الحسد

ولأبي الأسود الدؤلي: فما كل ذي نصح بمؤتيك نصحه ... ولا كل مؤت نصحه بلبيب ولكن إذا ما استجمعا عند واحد ... فحق له من طاعة بنصيب الحسد 108 قال أحد الحكماء: ما أمحق للإيمان ولا أهتك للستر من الحسد. وذلك أن الحاسد مفنذ لحكم الله. باغ على عباده. عات على ربه. يعتد نعم الله نقماً ومزيده غبراً. وعدل قضائه حيفاً للناس حال وله حال. ليس يهدأ باله. ولا ينام جشعه. ولا ينفعه عيشه. محتقر لنعم الله عليه. متسخط ما جرت به أقداره. ولا يبرد غليله. ولا تؤمن غوائله. إن سالمته وترك. وإن واصلته قطعك. وإن صرمته سبقك. ذكر حاسد عند بعض الحكماء فقال: يا عجباً لرجل أسلكه الشيطان مهاوي الضلالة. وأورده قحم الهلكة. فصار لنعم الله تعالى المرصاد إن أنالها من أحب من عباده. أشعر قلبه الأسف على ما لم يقدر له. وأغاره الكلف بما لم يكن ليناله. قال سليمان التميمي: الحسد يضعف اليقين ويسهر العين ويكثر الهم. ولأبي العتاهية: أيا رب إن الناس لا ينصفوني ... وكيف ولو أنصفتهم ظلموني وإن كان لي شيء تصدوا لأخذه ... وإن جئت منهم منعوني وإن نالهم بذلي فلا شكر عندهم ... وإن أنا لم أبذل لهم شتموني

حفظ اللسان

وإن طرقتني نقمة فرحوا بها ... وإن صحبتني نعمة حسدوني سأمنع قلبي أن يحن إليهم ... وأحجب عنهم ناظري وجفوني كتب ابن بشر المروزي إلى ابن المبارك هذه الأبيات: كل العداوة قد ترجى إماتتها ... إلا عداوة من عاداك من حسد فإن في القلب منها عقدة عقدت ... وليس يفتحها راق إلى الأبد قال بعضهم: يا طالب العيش في أمن وفي دعة ... رغداً بلا قتر صواً بلا رتق خلص فؤادك من غل ومن حسد ... فالغل في القلب مثل الغل في العنق (لابن عبد ربه) وقال آخر: إياك والحسد الذي هو آفة ... فتوقه وتوق غرة من حسد إن الحسود إذا أراك مودة ... بالقول فهو لك العدو المجتهد ولبعض الأدباء ينصح الحسود: لا يحزننك فقر إن عراك ولا ... تتبع أخا لك في مال له حسدا فإنه في رخاء معيشته ... وأنت تلقى بذاك الهم والنكدا حفظ اللسان 109 اعلم أنه ينبغي للعاقل المكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاماً تظهر المصلحة فيه. ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة فالسنة الإمساك عنه. لأنه قد يجر الكلام المباح إلى

حرام أو مكروه. بل هذا كثير وغالب في العادة. والسلامة لا يعادلها شيء. قال وهيب بن الورد: بلغنا أن الحكمة عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت والعاشرة في عزلة الناس. ومن كلام الحكماء: من نطق من غير خير فقد لغا. ومن نظر في غير اعتبار فقد سها. ومن سكت في غير فكر فقد لها. وقيل: لو قرأت صحيفتك. لأغمدت صفيحتك. ولو رأيت ما في ميزانك. لختمت عن لسانك. وقيل: الكلمة أسيرة في وثاق الرجل. فإذا تكلم بها صار في وثاقها. يقول اللسان كل صباح وكل مساء للجوارح: كيف أنتن. فيقلن بخير إن تركتنا (للابشيهي) قال علي بن أبي طالب: إن القليل من الكلام بأهله ... حسن وإن كثيره ممقوت ما زل ذو صمت وما من مكثر ... إلا يزل وما يعاب صموت إن كان ينطق ناطق من فضله ... فالصمت در زانه ياقوت 110 قال بعض الحكماء: إذا قلت فأوجز. فإذا بلغت حاجتك فلا تتكلف. وقال أيضاً: أنت سالم ما سكت. فإذا تكلمت فلك أو عليك. وقال عمرو بن العاص: الكلام كالدواء إن أقللت منه نفع. وإن أكثرت منه صدع. وقال لقمان لابنه: يا بني إن من الكلام ما هو أشد من الحجر. وأنفذ من وخز الإبر. وأمر من الصبر. وأحر من الجمر. وإن القلوب مزارع فازرع فيها طيب

كتمان السر

الكلام. فإن لم ينبت فيها كله نبت بعضه. وقال علي: ما حبس الله جارحة في حصن أوثق من اللسان. الأسنان أماه والشفتان من وراء ذلك. واللهاة مطبقة عليه والقلب من وراء ذلك. فاتق الله ولا تطلق هذا المحبوس من حبسه إلا إذا أمنت شره. وقال بعض الأدباء: احبس لسانك قبل أن يطيل حبسك (للشبراوي) قال الشاعر: واحفظ لسانك واحترز من لفظه ... فالمرء يسلم باللسان ويعطب وزن الكلام إذا نطقت ولا تكن ... ثرثارة في كل ناد تخطب قال أبو بكر بن سعدون: سجن اللسان هو السلامة للفتى ... من كل نازلة لها استئصال إن اللسان إذا حللت عقاله ... ألقاك في شنعاء ليس تقال قال أبو عثمان بن لئون التجيبي: نزه لسانك عن قول تعاب به ... وارغب بسمعك عن قيل وعن قال لا تبغ غير الذي يعنيك واطرح الفضول ... تحي قرير العين والبال كتمان السر 111 قال حكيم: كما أنه لا خير في آنية لا تمسك ما فيها. كذلك لا خير في صدر لا يكتم سره. قال آخر: من كتم سره سره. وأمن الناس شره. ومن حكم لسانه شانه. وافسد شانه. وقال بعضهم: من زعم أنه يجد راحة في إفشاء سره إلى غيره فقد اتهم عقله.

الغيبة

لأن مشقة الاستبداد بالسر أقل من مشقة إفشائه بسبب المشاركة (للشبراوي) قال القاضي الأسعد أبو المكارم المصري الكاتب: واكتم السر حتى عن إعادته ... إلى المسر به من غير نسيان وذاك أن لساني ليس يعلمه ... سمعي بسر الذي قد كان ناجاني 112 (في التاج) : إن بعض ملوك العجم استشار وزيريه. فقال أحدهما: لا ينبغي للملك أن يستشير منا أحداً إلا خالياً. فإنه أموت للسر وأحزم للرأي وأجدر بالسلامة وأعفى لبعضنا من غائلة بعض. فإن إفشاء السر لرجل واحد أوثق من إفشاءه إلى اثنين. وإفشاءه إلى ثلاثة كإفشائه إلى جماعة. فإذا كان السر عند واحد كان أحرى أن لا يظهر رغبة ورهبة. وإن كان عند اثنين دخلت على الملك الشبهة واتسعت على الرجلين المعاريض فإن عاقبهما عاقب اثنين بذنب واحد. وإن اتهمها اتهم بريئاً بخيانة مجرم. وإن عفا عنهما كان العفو عن أحدهما ولا ذنب له وعن الآخر ولا حجة معه الغيبة 113 عاب رجل رجلاً عند بعض الأشراف فقال له: فد استدللت على كثرة عيوبك بما تكثر من عيوب الناس. لأن طالب العيوب إنما يطلبها بقدر ما فيه منها. أما سمعت قول الشاعر: لا تهتكن من مساوي الناس ما ستروا ... فيهتك الله ستراً من مساويكا

واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا ... ولا تعب أحداً منهم بما فيكا (لابن عبد ربه) قال ابن الحاج الدلفقي: إن الكريم الذي تبقى مودته ... ويحفظ السر إن صافى وإن صرما ليس الكريم الذي إن غاب صاحبه ... بث الذي كان من أسراره علما وقال أيضاً: إذا ما كتمت السر عمن أوده ... توهم أن الود غير حقيق ولم أخف عنه السر من ضنة به ... ولكنني أخشى صديق صديقي قال بعض الحكماء: لا تطع كل حلاف مهين هماز غياب مشاء بنميم. وحسبك بالنمام خسة ورذيلة سقوطه وضعته (والهماز المغتاب الذي يأكل لحوم الناس الطاعن فيهم) . قال حكيم: ألا أخبركم بشراركم. قالوا: بلى. قال: شراركم المشاؤن بالنميمات المفسدون بين الأحبة بالعون العيوب. وقيل ملعون ذو الوجهين. ملعون ذو اللسانين. ملعون كل شغاز. ملعون كل قتات. ملعون كل نمام. ملعون كل منان (والشغاز المحرش بين الناس يلقي بينهم العداوة. والقتات النمام. والمنان الذي يعمل الخير ويمن به) . قال آخر: احذروا أعداء العقول ولصوص المودات. وهم السعاة والنمامون. وإذا سرق اللصوص المتاع سرقوا هم المودات. وفي المثل السائر: من أطاع الواشي ضيع الصديق وقد تقطع الشجرة فتنبت

الصدق والكذب

ويقطع اللحم السيف فيندمل. واللسان لا يندمل جرحه. قال صالح ابن عبد القدوس: قل للذي لست أدري من تلونه ... أناصح أم على غش يناجيني إني لأكثر مما سمتني عجباً ... يد تشج وأخرى منك تأسوني تغتابني عند أقوام وتمدحني ... في آخرين وكل عنك يأتيني هذان شيئان قد نافيت بينهما ... فاكفف لسانك عن شتمي وتزييني 114 وقال المأمون: النميمة لا تقرب مودة إلا أفسدتها. ولا عداوة إلا جددتها ولا جماعة إلا بددتها. ثم لا بد لمن عرف بها ونسب إليها أن يجتنب ويخاف من معرفته ولا يوثق بمكانه. وأنشد بعضهم: من نم في الناس لم تؤمن عقاربه ... على الصديق ولم تؤمن أفاعيه كالسيل بالليل لا يدري به أحد ... من أين جاء ولا من أين يأتيه الويل للعهد منه كيف ينقضه ... والويل للود منه كيف يفنيه (للابشيهي) الصدق والكذب 115 قال علي بن عبيدة: الكذب شعار الخيانة وتحريف العلم وخواطر الزور وتسوبل أضغاث النفس واعوجاج التركيب واحتلاف البنية. وعن خمول الذكر ما يكون صاحبه قال أعرابي لابنه وسمعه يكذب: يا بني عجبت من الكذاب المشيد بكذبه وإنما يدل على عيبه ويتعرض للعقاب من ربه. فالآثام له عادة. والأخبار عنه

المزاح

متضادة. إن قال لم يصدق. وإن أراد خيراً لم يوفق. فهو الجاني على نفسه بفعاله. والدال على فضيحته بمقاله. فما صح من صدقه نسب إلى غيه وما صح من كذب غيره نسب إليه (لابن عبد ربه) قال بعضهم: إياك من كذب الكذوب وإفكه ... فلربما مزج اليقين بشكه ولربما ضحك الكذوب تفكها ... وبكى من الشيء الذي لم يبكه ولربما صمت الكذوب تخلقا ... وشكا من الشيء الذي لم يشكه ولربما كذب امرؤ بكلامه ... وبصمته وبكائه وبضحكه المزاح 116 قال الحجاج بن يوسف لابن القربة: ما زالت الحماء تكره المزاح وتنهى عنه. فقال: المزاح من أدنى منزلته إلى أقصاها عشرة أبواب. المزاح أوله فرح وآخره ترح. المزاح نقائض السفهاء كالشعر نقائض الشعراء. والمزاح يوغر صدر الصديق. وينفر الرفيق. والمزاح يبدي السرائر. لأنه يظهر المعاير. والمزاح يسقط المروءة. ويبدي الخنى. لم يجر المزاح خيراً. وكثيرا ما جر شراً. الغالب بالمزاح واتر. والمغلوب به ثائر. والمزاح يجلب الشتم صغيره. والحرب كبيره. وليس بعد الحرب إلا عفو بعد قدرة. فقال الحجاج: حسبك الموت خير من عفو معه قدرة. وذكر المزاح بحضرة خالد بن صفوان فقال: ينشق أحدكم أخاه مثل الخردل. ويفرغ عليه مثل

الصداقة وخلوص المودة

المرجل. ويرميه مثل الجندل. ثم يقول: إنما كنت أمزح. أخذ هذا المعنى محمود بن الحسن الوراق فقال: تلقى الفتى يلقى أخاه وخدنه ... في لحن منطقه بما لا يغفر ويقول كنت مازحاً وملاعباً ... هيهات نارك في الحشى تتسعر أو ما علمت وكان جهلك غالباً ... أن المزاح هو السباب الأصغر (للقيرواني) الصداقة وخلوص المودة 117 (قيل في المبهج) : الصديق الصدوق ثاني النفس وثالث العينين. (ومنه) الصديق الصدوق. كالشقيق الشفوق. (ومنه) الصديق عمدة الصديق وعدته. ونصرته وعقدته. وربيعه وزهرته. ومشتريه وزهرته. ومنه لقاء الخليل شفاء الغليل. وليس للصديق إذا حضر عديل. ولا عنه إذا غاب بديل. ومثل الصديقين كاليد تستعين باليد والعين بالعين. (ومنه) لقاء الصديق روح الحياة. وفراقه سم الممات. (ومنه) لا تساغ مرارة الأوقات. إلا بحلاوة الإخوان الثقات. فاستروح من غمة الزمان بمؤانسة الخلان. (ومنه) الحاجة إلى الأخ المعين. كالحاجة إلى الماء المعين. ولبعضهم في معنى هذا الباب: ما ضاع من كان له صاحب ... يقدر أن يصلح من شانه فإنما الدنيا بسكانها ... وإنما المرء بإخوانه

118 قال أبو تمام: ذو الود مني وذو القربى بمنزلة ... وإخوتي أسوة عندي وإخواني عصابة جاورت آدابهم أدبي ... فهم وإن فرقوا في الأرض جيراني أرواحنا في مكان واحد وغدت ... أبداننا بشآم أو خراسان قال غيره: إن الصداقة أولاها السلام ومن ... بعد السلام طعام ثم ترحيب وبعد ذاك كلام في ملاطفة ... وضحك ثغر وإحسان وتقريب وأصل ذلك إن تبغى شمائلها ... بين الأحبة تأييد وتأديب لم تنس غيباً ولم تملل إذا حضروا ... قد زان ذلك تهذيب وترتيب إن الكرام إذا ما صادقوا صدقوا ... لم يثنهم عنه ترغيب وترهيب قال أبو إسحق ظهير الدين الموصلي: لا تنسبوني يا ثقاتي إلى ... غدر فليس الغدر من شيمي أقسمت بالذهاب من عيشنا ... وبالمسرات التي ولت إني على عهدهم لم أحل ... وعقدة الميثاق ما حلت 119 ذكر صاحب كتاب الأغاني في أخبار علوية المجنون أنه دخل يوماً على المأمون وهو يرقص ويصفق بيديه ويغني بهذين البيتين: عذيري من الإنسان لا إن جفوته ... صفا لي ولا إن صرت طوع يديه وإني لمشتاق إلى ظل صاحب ... يروق ويصفو إن كدرت عليه فسمع المأمون وجميع من حضر المجلس من المغنين وغيرهم ما لم يعرفوا

واستظرفه المأمون. وقال: ادن يا علوية ورددها. فرددها عليه سبع مرات. فقال المأمون: يا علوية خذ الخلافة وأعطني هذا الصاحب (لبهاء الدين) 120 قال بشار بن برد: خير إخوانك المشارك في المر وأين الشريك في المر أينا الذي إن شهدت سرك في الحي وإن غبت كان سمعا وعينا أنت في معشر إذا غبت عنهم ... بدلوا كل ما يزينك شينا وإذا ما رأوك قالوا جميعاً ... أن من أكرم البرايا علينا ما أرى للأنام وداً صحيحاً ... صار كل الوداد زوراً ومينا قال بشار أيضاً: إذا كنت في كل الأمور معاتباً ... صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه وإن أنت لم تشرب مراراً على القذى ... ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه فعش واحداً أو صل أخاك فإنه ... مقارف ذنب مرة ومجانبه 121 كان لمحمد بن حازم الباهلي صديق على طول الأيام. فنال مرتبة من السلطان وعلا قدره فجفا محمداً وتغير له. فقال في ذلك محمد بن حازم: وصل الملوك إلى التعالي ... ووفا الملوك من المحال ما لي رأيتك لا تدو ... م على المودة للرجال إن كان ذا أدب وظر ... ف قلت ذاك أخو ضلال

أو كان ذا نسك ودين ... قلت ذاك من الثقال أو كان في وسط من الأمرين قلت يريع مالي فبمثل ذا ثكلتك أمك تبتغي رتب المعالي 122 قال العنزي وأنشدني بعض أصحابنا لحماد: كم من أخ لك لست تنكره ... ما دمت من دنياك في يسر متصنع لك في مودته ... يلقاك بالترحيب والبشر يطري الوفاء وذا الوفاء ويلحي الغدر مجتهداً وذا الغدر فإذا عدا والدهر ذو غير ... دهر عليك عدا مع الدهر فارفض بإجمال مودة من ... يقلي المقل ويعشق المثري وعليك من حالاه واحدة ... في العسر إما كنت واليسر لا تخلطنهم بغيرهم ... من يخلط العقيان بالصقر قال القاضي عبد الجواد المنوفي: أتزعم أنك الخدن المفدى ... وأنت مصادق أعداي حقا إلي إلي فاجعلني صديقا ... وصادق من أصادقه محقا وجانب من أعاديه إذا ما ... أردت تكون لي خدناً وتبقى قال أوس بن حجر: وليس أخوك الدائم العهد بالذي ... يذمك إن ولى ويرضيك مقبلا ولكن أخوك النائي ما دمت آمناً ... وصاحب الأدنى إذا الأمر أعضلا 123 قال العتابي: ألإخوان ثلاثة أصناف. فرع بائن من أصله

وأصل متصل بفرعه. وفرع ليس له أصل. فأما الفرع البائن من أصله فإخاء بني على مودة ثم انقطعت على زمام الصحبة. وأما الأصل المتصل بفرعه فإخاء أصله الكرم وأعصابه التقوى. وأما الفرع الذي لا أصل له فالمموه الظاهر الذي ليس له باطن (لابن عبد ربه) 124 قال البكري: وخليل لم أخنه ساعة ... في دمي كفيه ظلماً قد غمس كان في سري وجهري ثقتي ... لست عنه في مهم أحترس ستر البغض بألفاظ الهوى ... وادعى الود بغش ودلس إن رآني قال لي خيراً وإن ... غبت عنه قال شراً ودحس ثم لما أمكته فرصة ... حمل السيف على مجرى النفس وأراد الروح لكن خانه ... قدر أيقظ من كان نعس وقال ابن أبي حازم: وصاحب كان لي وكنت له ... أشفق من والد على ولد كنا كساق تسعى بها قدم ... أو كذراع نيطت إلى عضد حتى إذا دبت الحوادث في ... عظمي وحل الزمان من عقدي إحول عني وكان ينظر من ... طرفي ويرمي بساعدي ويدي 125 قال بعض الحكماء: الإخاء جوهرة رقيقة. وهي ما لم ترقها وتحرسها معرضة للآفات فرض الأبي بالجداء له حتى تصل إلى قربه. وبالكظم حتى يعتذر إليك من ظلمك. والرضا حتى لا

تستكثر من نفسك بالفضل ولا من أخيك بالتقصير. (ولمحمود الوراق) : لا بر أعظم من مساعدة ... فاشكر أخاك على مساعدته وإذا هفا فأقله هفوته ... حتى يعود إليك كعادته فالصفح عن زلل الصديق وإن ... أعياك خير من معاندته 126 قال ابن طاهر في حسن العشرة: أواصل من هويت على خلال ... أذود بهن ليآت المقال وأحفظ سره والغيب منه ... وأرعى عهده في كل حال وفاء لا يحول به انتكاث ... وود لا تخونه الليالي وأوثره على عسر ويسر ... وينفذ حكمه في سر مالي وأغفر نبوة الإدلال منه ... إذا ما لم يكن غير الدلال وما أنا بالملول ولا بجاف ... ولا الغدر المذمم من فعالي قال بعضهم يصف خداع الناس ونفاقهم: وإخوان تخذتهم دروعاً ... فكانوها ولكن للأعادي وخلتهم سهاماً صائبات ... فكانوها ولكن في فؤادي وقالوا قد صفت منا قلوب ... لقد صدقوا ولكن عن ودادي وقالوا قد سعينا كل سعي ... لقد صدقوا ولكن في فساد 127 وأنشد علي بن أبي طالب: فلا تصحب أخا السوء ... وإياك وإياه

المطل في الوعد

فكم من جاهل أودى ... حليماً حين آخاه يقاس المرء بالمرء ... إذا ما المرء ما شاه وفي الناس من الناس ... مقاييس وأشباه وفي العين على العين ... إذا تنطق أفواه وللقلب على القلب ... دليل حين يلقاه كتب المعتصم صاحب المرية إلى ابن عمار: وزهدني في الناس معرفتي بهم ... وطول اختباري صاحباً بعد صاحب فلم ترني الأيام خلا تسرني ... مباديه إلا ساءني في العواقب ولا كنت أرجوه لدفع ملمة ... من الدهر إلا كان إحدى المصائب المطل في الوعد 128 قال عبد الرحمن ابن أم الحكم لعبد الملك بن مروان في مواعد وعدها إياه فمطله بها: نحن إلى الفعل أحوج منا إلى القول. وأنت بالإنجاز أولى منك من المطل. واعلم أنك لا تستحق الشكر إلا بإنجازك الوعد واستتمامك المعروف. قال أبو مسلم الخولاني: إن أوقع المعروف في القلوب وأبرده على الأكباد معروف منتظر بوعد لا يكدره المطل. كتب العتابي إلى بعض أهل السلطان: أما بعد فإن سحاب وعدك قد أبرقت فليكن وبلها سالماً من علل المطل. والسلام (لابن عبد ربه)

في التواضع والكبر

في التواضع والكبر 129 اعلم أن الكبر والإعجاب يسلبان الفضائل. ويكسبان الرذائل. وحسبك من رذيلة تمنع من سماع النصح وقبول التأديب. وتسلب الرئاسة والسيادة. والكبر يكسب المقت ويمنع من التآلف. ولم تزل الحكماء تتحامى الكبر وتأنف منه. ونظر أفلاطون إلى رجل جاهل معجب بنفسه فقال: وددت أني مثلك في ظنك وأن أعدائي مثلك في الحقيقة. ورأى رجل رجلاً يختال في مشيه فقال: جعلني الله مثلك في نفسك ولا جعلني مثلك في نفسي (للابشيهي) قال بعضهم: قل للذي تاه في دنياه مفتخراً ... ضاع افتخارك بين الماء والطين إذا تفقدت في الأجداث معتبراً ... هناك تنظر تيجان السلاطين وأحسن من هذا القول قول القائل: يا صاح لا تك بالعلياء مفتخراً ... إن كنت لم تول نفعاً قط بل ضررا إني أرى شجر الصفصاف مرتفعاً ... إلى العلو ولكن لا أرى ثمرا قال آخر: اتضع للناس إن رمت العلا ... واكظم الغيظ ولا تبدي الضجر واجعل المعروف ذخراً إنه ... للفتى أفضل شيء يدخر احمل الناس على أخلاقهم ... فبه تملك أعناق البشر

الباب الثامن في الذكاء والأدب

الباب الثامن في الذكاء والأدب في العقل وماهيته 130 قال سهل التستري: العقل أن تستغني به عن كل شيء دونه جل جلاله. أما ذاته فقال بعضهم: العقل ذاته جوهر مضيء ونور مجرد وليس بعرض. خلقه الله وجعل نوره في القلب يدرك به المعقولات بالوسائط والمحسوسات بالمشاهدة. وهو منال إلى الدنيا والآخرة وإلى العلوم الشرعية والعقلية. آلة للمؤمن يعمل به. والعقل ذاته شيء واحد وله وجهان. أحدهما العقل المشترك بين المؤمن والكافر ويعبر عنه بعقل المعاش. والوجه الثاني العقل الخاص بالمؤمن وهو المعبر عنه بعقل الهداية. فمن رزقه الله الهداية فهو المؤمن العاقل (الكنز المدفون) ما أحسن ما قال بعضهم: إني لآمن من عدو عاقل ... وأخاف خلاً يعتريه جنون والعقل فن واحد وطريقه ... أدرى وأرصد والجنون فنون في شرف العقل 131 العقل أحسن حلية. والعلم أفضل قنية. لا سيف كالحق. ولا عدل كالصدق. الجهل مطية سوء من ركبها ذل. ومن صحبها

ضل. من الجهل صحبة الجهال. ومن الذل عشرة ذوي الضلال. خير المواهب العقل. وشر المصائب الجهل. من صاحب العلماء وقر. ومن عاشر السفهاء حقر. من لم يتعلم في صغره. لم يتقدم في كبره. وقيل: أصل العلم الرغبة وثمرته العبادة. وأصل الزهد الرهبة وثمرته السعادة. وأصل المروءة الحياة وثمرتها العفة. العقل أقوى أساس. والتقوى أفضل لباس. الجاهل يطلب المال. والعاقل يطلب الكمال. لم يدرك العلم من لا يطيل درسه. ولا يكد نفسه. كم من ذليل أعزه عقله. وعزيز أذله جهله (للشبراوي) 132 حكى الكسائي أنه دخل على الرشيد يوماً فأمر بإحضار الأمين والمأمون لديه. وقال: فلم يلبث قليلاً أن أقبلا ككوكبي أفق يزينهما هداهما ووقارهما. وقد غضا أبصارهما وقاربا خطوهما حتى وقفا في مجلسه. فسلما عليه بالخلافة ودعوا له بأحسن الدعاء. فاستدناهما وأسند محمداً عن يمينه وعبد الله عن يساره. ثم أمرني أن ألقي عليهما أبواباً من النحو. فما سألتهما شيئاً إلا أحسنا الجواب عنه. فسره ذلك سروراً عظيماً وقال: كيف تراهما. فقلت: أرى قمري أفق وفرعي بشامة ... يزينهما عرق كريم ومحتد سليلي أمير المؤمنين وحائزي ... مواريث ما أبقى النبيه المؤيد يسدان أنفاق النفاق بشيمة ... يزينهما حزم وغضب مهند ثم قلت: ما رأيت أعز الله أمير المؤمنين أحداً من أبناء الخلافة

وأغصان هذه الشجرة الزلالية آدب منهما السنا. ولا أحسن ألفاظاً. ولا اشد اقتداراً منهما على تأدية ما حفظا ورويا. أسأل الله تعالى أن يزيد بهما الحق تأييداً وعزا. ويدخل بهما إلى أهل الضلال ذلا وقمعا. فأمن الرشيد على دعائي. ثم ضمهما إليه وجمع عليهما يديه. فلم يبسطهما حتى رأيت الدموع تتحدر على صدره. ثم أمرهما بالخروج (كتاب الدراري للحلبي) قال علي بن أبي طالب: الناس من جهة التمثال أكفاء ... أبوهم آدم والأم حواء فإن يكن لهم في أصلهم شرف ... يفاخرون به فالطين والماء ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم ... على الهدى لمن استهدى أدلاء وقدر كل امرئ ما كان يحسنه ... والجاهلون لأهل العلم أعداء وإن أتيت بجود في ذوي نسب ... فإن نسبتنا جود وعلياء ففز بعلم تعش حياً به أبداً ... الناس موتى وأهل العلم أحياء 133 اعلم أن العلم شرف للإنسان. وفخر له في جميع الأزمان. وهو العز الذي لا يبلى جديده. والكنز الذي لا يفنى مزيده. وقدره عظيم. وفضله جسيم. ولقد أحسن من قال: ما أحسن العقل والمحمود من عقلا ... وأقبح الجهل والمذموم من جهلا فليس يصلح نطق المرء في جدل ... والجهل يفسده يوماً إذا سئلا 134 ثم اعلم أن الدنيا ربما أقبلت على الجاهل بالاتفاق. وأدبرت

عن العالم بالاستحقاق. فإن أتاك منها ملمة مع جهل. أو فاتك منها بغية مع عقل. فلا يحملنك ذلك على الرغبة في الجهل. فدولة الجاهل من الممكنات. ودولة العاقل من الواجبات. وليس من أمكنه شيء في ذاته. كمن استوجبه بآدابه وآلاته. وأيضاً فدولة الجاهل كالغريب الذي يحن إلى النقلة. ودولة العاقل كالنسيب المتمكن الوصلة. لا تيأسن إذا ما كنت ذا أدب ... على خمولك أن ترقى إلى الفلك فبينما الذهب الإبريز مختلط ... بالترب إذ صار إكليلاً على الملك 135 وقال حكيم: ينبغي للمرء أن لا يفرح بمرتبة ترقاها بغير عقل. ولا بمنزلة رفيعة حلها بغير فضل. فلا بد أن يزيله الجهل عنها. ويسله منها. فينحط إلى رتبته. ويرجع إلى قيمته. بعد أن تظهر عيوبه. وتكثر ذنوبه. ويصير مادحه هاجياً. وصديقه معادياً لا تقعدن عن اكتساب فضيلة ... أبداً وإن أدت إلى الإعدام جهل الفتى عار عليه لذاته ... وخموله عار على الأيام (للشبراوي) 136 سئل الأحنف بن قيس عن العقل فقال: رأس الأشياء فيه قوامها وبه تمامها لأنه سراج ما بطن. وملاك ما علن. وسائس الحد. وزينة كل أحد. لا تستقيم الحياة إلا به. ولا تدو الأمور إلا عليه

في العلم وشرفه

قال الخضراوي: وأفضل قسم الله للمرء عقله ... فليس من الخيرات شيء يقاربه يزين الفتى في الناس صحة عقله ... وإن كان محظوراً عليه مكاسبه وشين الفتى في الناس قلة عقله ... وإن كرمت أعراقه ومناسبه إذا أكمل الرحمان للمرء عقله ... فقد كملت أخلاقه ومآربه وقال آخر: العقل حلة فخر من تسربلها ... كانت له نسياً تغني عن النسب والعقل أفضل ما في الناس كلهم ... بالعقل ينجو الفتى من حومة الطلب 137 قيل: إن العميان أذكى من غيرهم. وقيل لقتادة: ما بال العميان نجدهم أذكى من البصراء. فقال: لأن القوة الباصرة منهم انقلبت إلى باطنهم قال ابن عباس لما كف بصره: إن يأخذ الله من عيني نورهما ... ففي لساني وقلبي منهما نور قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخل ... وفي فمي صارم كالسيف مشهور (لابن عبد ربه) في العلم وشرفه 138 قال بعض الحكماء: العلم خليل والحلم وزيره. والعقل دليله. والعمل قائده والوفق والده. والبر أخوه والصبر أمير جنوده. وقال بعض الحكماء: لمثقال ذرة من العلم أفضل من جهاد الجاهل

ألف عام. وقال الإمام الشافعي: ليس بعد الفرائض أفضل من طلب العلم فهو نور يهتدي به الحائر (لأبي المقدسي) قال بعض الأدباء: والعلم أشرف شيء قاله رجل ... من لم يكن فيه علم لم يكن رجلا تعلم العلم واعمل يا أخي به ... فالعلم زين لمن بالعلم قد عملا وفي معناه أنشدوا: بالعلم تحيا نفوس قط ما عرفت ... من قبل ما الفرق بين الصدق والمين العلم للنفس نور يستدل به ... على الحقائق مثل النور للعين 139 وقال الزبير بن أبي بكر: كتب إلي أبي من العراق: يا بني عليك بالعلم فإنك إن افتقرت إليه كان مالاً. وإن استغنيت به كان جمالاً. وأنشد في معناه: العلم مبلغ قوم ذروة الشرف ... وصاحب العلم محفوظ من التلف يا صاحب العلم مهلا لا تدنسه ... بالموبقات فما للعلم من خلف العلم يرفع بيتاً لا عماد له ... والجهل يهدم بيت العز والشرف 140 وقال بعض الفضلاء: ينبغي لكل عاقل أن يبالغ في تعظيم العلماء ما أمكن ولا يعد غيرهم من الأحياء. وقد أجاد الحريري بقوله: ومن الجهالة أن تعظم جاهلا ... لصقال ملبسه ورونق نقشه واعلم بأن التبر في بطن الثرى ... خاف إلى أن يستبين بنبشه وفضيلة الدينار يظهر سرها ... من حكه لا من ملاحة نقشه

وقيل في معنى ذلك: عاب التعلم قوم لا عقول لهم ... وما عليه إذا عابوه من ضرر ما ضر شمس الضحى والشمس طالعة ... أن لا يرى ضوءها من ليس ذا بصر 141 وقال علي: العلم خير من المال. العلم يحرسك وأنت تحرس المال. والعلم حاكم والمال محكوم عليه. والعلم يزيد بالإنفاق والمال ينقص بالنفقة. وعن ابن عباس أنه قال: خير سليمان بن داود بين العلم والملك والمال. فاختار العلم فأعطي الملك والمال معه. وقال الإمام مالك بن أنس: ليس العلم بكثره الرواية إنما العلم نور يجعله في قلب من يشاء. وما أحسن ما قيل: (مع) فقيه جلاء للقلوب من العمى ... وعون على الدين الذي أمره غنم فخالط رواة العلم واصحب خيارهم ... فصحبتهم زين وخلطتهم غنم ولا تعدون عيناك عنهم فإنهم ... نجوم هدى إن غاب نجم بدا نجم فوالله لولا العلم ما اتضح الهدى ... ولا لاح من غيب الأمور لنا رسم 142 وعن ابن المبارك أنه قال: لا يزال المرء عالماً ما طلب العلم فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل. وعن عثمان بن أبي شيبة قال: سمعت وكيعاً يقول: لا يكون الرجل عالماً حتى يسمع ممن هو أسن منه. وممن هو مثله. وممن هو دونه. وعن أبي مسعود أنه قال: منهومان لا يشبعان طالب العلم (طالب الدنيا وهما لا يستويان) أما طالب العلم فيزداد رضا الرحمان. وأما طالب الدنيا فيزداد في الطغيان.

وقال بعضهم: لو كان نور العلم يدرك بالمنى ... ما كان يبقى في البرية جاهل إجهد ولا تكسل ولا تك غافلا ... فندامة العقبى لمن يتكاسل قال غيره: مفتاح رزقك تقوى الله فاتقه ... وليس مفتاحه حرصاً ولا طعما والعلم أجمل ثوب أنت لابسه ... فاختر له عملين الدين والورعا قال غيره: وفي الجهل قبل الموت موت لأهله ... وأجسادهم دون القبور قبور وإن أمراً لم يحي بالعلم قلبه ... فليس له حتى النشور نشور قيل أيضاً: لكل مجد في الورى نفع فاضل ... وليس يفيد العلم من دون عامل يسابق بعض الناس بعضاً يجهدهم ... وما كل كر بالهوى كر باسل إذا لم يكن نفع لذي العلم والحجى ... فما هو بين الناس إلا كجاهل كذاك إذا لم ينفع المرء غيره ... يعد كشوك بين زهر الخمائل وقيل أيضاً: المال يفنى مع الأيام إن قلبت ... لكن ذا يصحب الإنسان للترب اغنم جنى ثمرة تحظ بنيل منى ... وتعل بالقدر فوق السبعة الشهب 143 قال الماهياباذي مغرياً على تأثير العلم: يا ساعياً وطلاب المال همته ... إني أراك ضعيف العقل والدين

عليك بالعلم لا تطلب له بدلاً ... واعلم بأنك فيه غير مغبون العلم يجدي ويبقى للفتى أبدا ... والمال يفنى وإن أجدى إلى حين هذاك عز وذاك ذل لصاحبه ... ما زال بالبعد بني العز والهون قال أبو بكر بن دريد: لا تحقرن عالماً وإن خلقت ... أثوابه في عيون رامقه وانظر إليه بعين ذي خطر ... مهذب الرأي في طرائقه فالمسك مهما تراه ممتهناً ... بفهر عطاره وساحقه حتى تراه يعارضني ملك ... وموضع التاج من مفارقه قال أبو الأسود الدؤلي: العلم زين وتشريف لصاحبه ... فاطلب هديت فنون العلم والأدبا كم سيد بطل آباؤه نجب ... كانوا الرؤوس فأمسى بعدهم ذنبا ومقرف خامل الآباء ذي أدب ... نال المعالي بالآداب والرتبا العلم كنز وذخر لا فناء له ... نعم القرين إذا ما صاحب صحبا قد يجمع المال شخص ثم يحرمه ... عما قليل فيلقى الذل والحربا وجامع العلم مغبوط به أبداً ... ولا يحاذر منه الفوت والسلبا يا جامع العلم نعم الذخر تجمعه ... لا تعدلن به درا ولا ذهبا 144 قال غيره: بالعلم والعقل لا بالمال والذهب ... يزداد رفع الفتى قدراً بلا طلب فالعلم طوق النهى يزهو به شرفا ... والجهل قيد له يبليه باللغب

وصف الكتاب

كم يرفع العلم أشخاصاً إلى رتب ... ويخفض الجهل أشرافاً بلا أدب العلم كنز لا تفنى ذخائره ... والمرء ما زاد علماً زاد بالرتب فالعلم فاطلب لكي يجديك جوهره ... كالقوت للجسم لا تطلب غنى الذهب قال آخر: ما حوى العلم جميعاً أحد ... لا ولو مارسه ألف سنه إنما العلم بعيد غوره ... فخذوا من كل شيء أحسنه قال بعضهم: تعلم ما استطعت بحيث تسعى ... فإن العلم زين للرجال لأن العلم في الدنيا جمال ... وفي العقبى تنال به المعالي قال آخر: العلم زين فكن للعلم مكتسبا ... وكن له طالباً ما عشت مقتبسا اركن إليه وثق بالله واغن به ... وكن حليماً رزين العقل محترسا وكن فتى ماسكاً محض التقى ورعا ... للدين مغنماً في العلم منغمسا فمن تخلق بالآداب ظل بها ... رئيس قوم إذا ما فارق الرؤسا وصف الكتاب 145 الكتاب نعم الأنيس في ساعة الوحدة. ونعم المعرفة في دار الغربة. ونعم القرين والدخيل. ونعم الزائر والنزيل. وعاء مليء علماً وظرفاً. وإناء مليء مزحاً وجداً. وحبذا بستان يحمل في خرج وروض يقلب في حجر. هل سمعت بشجرة تؤتي أكلها كل حين

بأوان مختلفة وطعوم متباينة. هل سمعت بشجرة لا تذوي. وزهر لا ينوي. وثمر لا يفنى. ومن لك بجليس يفيد الشيء وخلافه والجنس وضده. ينطق عن الموتى ويترجم عن الأحياء. إن غضبت لم يغضب. وإن عربدت لم يصخب. أكتم من الأرض. وأنم من الريح. وأهوى من الهوى. وأخدع من المنى وأمتع من الضحى. وأنطق من سحبن وائل وأعيا من باقل. هل سمعت بمعلم تحلى بخلال كثيرة وجمع أوصافاً عديدة. عربي فارسي يوناني هندي سندي رومي. إن وعظ أسمع. وإن ألهى أمتع. وإن أبكى أدمع. وإن ضرب أوجع. يفيدك ولا يستفيد منك. ويزيدك ولا يستزيد منك. إن وجد فعبرة. وإن مزح فنزهة. قبر الأسرار ومخزن الودائع قيد العلوم. وينبوع الحكم ومعدن المكارم. ومؤنس لا ينام. يفيدك علم الأولين. ويخبرك عن كثير من أخبار المتأخرين. هل سمعت في الأولين أو بلغك أن أحداً من السالفين جمع هذه الأوصاف مع قلة مؤونته وخفة محمله. لا يرزؤك شيئاً من دنياك. نعم المدخر والعدة. والمشتغل والحرفة. جليس لا يطريك ورفيق لا يملك. يطيعك في الليل طاعته في النهار. ويطيعك في السفر طاعته في الحضر. إن أطلب النظر إليه أطال إمتاعك. وشحذ طباعك. وبسط لسانك. وجود بيانك. وفخم ألفاظك. إن ألفته خلد على الأيام ذكرك. وإن درسته رفع في الخلق قدرك. وإن نعنه نوه عندهم باسمك. يقعد العبيد في مقاعد السادات. ويجلس السوقة في مجالس

الملوك فأكرم به من صاحب. وأعزز به من موافق (الكنز المدفون) 146 أرسل بعض الخلفاء في طلب بعض العلماء ليسامره. فلما جاء الخادم إليه وجده جالساً وحواليه كتب وهو يطالع فيها. فقال له: إن أمير المؤمنين يستدعيك. فقال: قل عندي قوم من الحكماء أحادثهم فإذا فرغت منهم حضرت. فلما عاد الخادم إلى الخليفة وأخبره بذلك قال له: ويحك من هؤلاء الحكماء الذين كانوا عنده. قال: والله يا أمير المؤمنين ما كان عنده أحد. قال: فأحضره الساعة كيف كان. فلما حضر ذلك العالم. قال له الخليفة: من هؤلاء الحكماء الذين كانوا عندك. قال: يا أمير المؤمنين لنا جلساء ما نمل حديثهم ... ألباء مأمونون غيباً ومشهداً يفيدوننا من علمهم علم ما مضى ... ورأياً وتأديباً ومجداً وسؤددا فإن قلت أموات فلم تعد أمرهم ... وإن قلت أحياء فلست مفندا فعلم الخليفة أنه يشير بذلك إلى الكتب ولم ينكر عليه تأخره 147 طلب المكفي من وزيره كتباً يلهو بها ويقطع بمطالعتها زمانه. فتقدم الوزير إلى النواب بتحصيل ذلك وعرضه عليه قبل حمله إلى الخليفة. فحصلوا شيئاً من كتب التاريخ فيه شيء مما جرى في الأيام السالفة من وقائع الملوك وأخبار الوزراء ومعرفة التحيل في استخراج الأموال. فلما رآه الوزير قال لنوابه: إنكم أشد الناس عداوة لي. أنا قلت لكم حصلوا له كتباً يلهو بها ويشتغل بها

في البيان والبلاغة والفصاحة

عني وعن غيري. فقد حصلتم له ما يعرفه مصارع الوزراء ويوجده الطريق إلى استخراج المال ويعرفه خراب البلاد من عمارتها. ردوها وحصلوا له كتباً فيها حكايات تلهيه وأشعار تطربه (لفخري) قال ابن دوست في الحفظ والاستظهار: عليك بالحفظ دون الجمع في الكتب ... فإن للكتب آفات تفرقها الماء يغرقها والنار تحرقها ... والفار يخرقها واللص يسرقها في البيان والبلاغة والفصاحة 148 قال ابن المعتز: البيان ترجمان القلوب وصقيل العقول. وأما حده فقد قال الجاحظ: البيان اسم جامع لكل ما كشف لك عن المعنى. وقال اليوناني: البلاغة وضوح الدلالة وانتهاز الفرصة وحسن الإشارة. وقال الهندي: البلاغة تصحيح الأقسام. واختيار الكلام. وقال الكندي: يجب للبليغ أن يكون قليل اللفظ كثير المعاني وقيل: إن معاوية سأل عمرو بن العاص: من أبلغ الناس. فقال: أقلهم لفظاً وأسهلهم معنى وأحسنهم بديهة. وقال أبو عبد الله وزير المهدي: البلاغة ما فهمته العامة ورضيت به الخاصة. وقال البحتري: خير الكلام ما قل. وجل. ودل. ولم يمل. وقالوا: البلاغة ميدان لا يقطع إلا بسوابق الأذهان. ولا يسلك إلا ببصائر البيان. قال الشاعر: لك البلاغة ميدان نشأت به ... وكلنا بقصور عنك نعترف

في الشعر

مهد لي العذر في نظم بعثت به ... من عنده الدر لا يهدى له الصدف 149 وقال الثعالبي: البليغ ما كان لفظه فحلاً ومعنا بكراً. وقال الإمام فخر الدين الرازي في حد البلاغة: إنها بلوغ الرجل بعبارته كنه ما في قلبه مع الاحتراز عن الإيجاز المخل. والتطويل الممل. وأما الفصاحة فقد قال الإمام فخر الدين الرازي عنها: اعلم أن الفصاحة خلوص الكلام من التعقيد. وأصلها من قولهم أفصح اللبن إذا أخذت عنه الرغوة. وأكثر البلغاء لا يكادون يفرقون بين البلاغة والفصاحة. بل يستعملونها استعمال الشيئين المترادفين على معنى واحد في تسوية الحكم بينهما. ويزعم بعضهم أن البلاغة في المعاني والفصاحة في الألفاظ. ويستدل بقولهم معنى بليغ ولفظ فصيح وقال يحيى بن خالد: ما رأيت رجلاً قط إلا هبته حتى يتكلم. فإن كان فصيحاً عظم في صدري. وإن قصر سقط من عيني (اللابشيهي) في الشعر 150 كان يقال: الشعر ديوان العرب ومعدن حكمتها وكنز أدبها. ويقال: الشعر لسان الزمان. والشعراء للكلام أمراء. وقال بعض السلف: الشعر جزل من كلام العرب تقام به المجالس وتستنجح به الحوائج وتشفى به السخائم. ويقال: المدح مهره الكرام. وإعطاء الشعراء من بر الوالدين. وقال بعضهم: أنصف الشعراء فإن ظلامتهم تبقى وعقابهم لا يفنى. وهم الحاكمون على الحكام. وقال

آخر: الشعر الجيد هو السحر الحلال. والعذب الزلال. إن من الشعر لحكمة وإن من البيان لسحراً. وكان يقال: النثر يتطاير تطاير الشرر. والشعر يبقى بقاء النقش في الحجر. وقيل لحمزة بن بيص: من أشعر الناس. قال: من إذا قال أسرع. وإذا وصف أبدع. وإذا مدح رفع. وإذا هجا وضع. وقال دعبل في كتابه الموضوع في مدح الشعراء: إنه لا يكذب أحد إلا اجترأه الناس فقالوا: كذاب. إلا الشاعر فإن يكذب يستحسن كذبه. ويحتمل ذلك له ولا يكون ذلك عيباً عليه. ثم لا يلبث أن يقال: أحسنت. (وفيه) أن الرجل الملك أو السوقة إذا صير ابنه في الكتاب أمر معلمه أن يعلمه الشعر. لأنه توصل به المجالس. وتضرب فيه الأمثال وتعرف به محاسن الأخلاق ومشاينها فتذم وتحمد وتهجى وتمدح. وأي شرف أبقى من شرف يبقى بالشعر. (وفيه) أن امرئ القيس كان من أبناء الملوك. وكان من أهل بيته وبني أبيه أكثر من ثلاثين ملكاً فبادوا وباد ذكرهم. وبقي ذكره إلى القيامة. وإنما أمسك ذكره شعره. وقال: أحسن ما مدح به الشعر قول أبي تمام حيث يقول: ولولا خلال سنها الشعر ما درى ... بغاة المعالي كيف تبنى المكارم وأحسن منه: أرى الشعر يحيي الجود والبأس بالذي ... تبقيه أرواح له عطرات وما المجد لولا الشعر إلا معاهد ... وما الناس إلا أعظم نخرات

في الأدب

151 (فصل لأبي بكر الخوارزمي جامع لمدح الشعراء) ما ظنك بقوم الاقتصار محمود إلا منهم. والكذب مذموم ومردود إلا فيهم. إذا ذموا ثلموا. وإذا مدحوا سلبوا. وإذا رضوا رفعوا الوضيع. وإذا غضبوا وضعوا الرفيع. وإذا أقروا على أنفسهم بالكبائر. لم يلزم حد. ولم تمتد إليهم بالعقوبة يد. غنيهم لا يصادر. وفقيرهم لا يستحقر. وشيخم يوقر. وشلبهم لا يستصغر. سهامهم تنفذ في الأعراض. وشهادتهم مقبولة وإن لم ينطق بها سجل ولم يشهد بها عدل. بل ما ظنك بقوم صيارفة أخلاق الرجال. وسماسرة النقص والكمال. بل ما ظنك بقوم اسمهم ناطق بالفضل. وباسم صناعتهم مشتق من العقل. بل ما ظنك بقوم هم أمراء الكلام. يقصرون طويله. ويطولون قصيره. يقصرون ممدوده. ويخفقون ثقيله. ولم لا أقول: ما ظنك بقوم يتبعهم الغاوون. وفي كل واد يهيمون (لأبي نصر المقدسي) في الأدب 152 قال العلاء بن أيوب كان يقال: مثل الأديب ذي القريحة مثل دائرة تدار من خارجها. فهي في كل دارة تدار تتسع وتزداد عظماً. ومثل الأديب غير ذي القريحة مثل دائرة تدار من داخلها فهي عن قليل تبلغ إلى باطنها. أوصى بعض الحكماء بنيه فقال لهم: الأدب أكرم الجواهر طبيعة وأنفسها قيمة. يرفع الأحساب الوضيعة.

ويفيد الرغائب الجليلة. ويغني من غير عشيرة. ويكثر الأنصار من غير رزية. فألبسوه حلة. وتزينوا به حلية. يؤانسكم في الوحشة. ويجمع القلوب المختلفة. وأنشد الأصمعي: إن كان للعقل مولود فلست أرى ... ذا العقل مستوحشاً من حادث الأدب إني رأيتهما كالماء مختلطاً ... بالترب تظهر عنه زهرة العشب 153 وقال بزرجمهر: ما ورثت الآباء الأبناء خيراً من الأدب. لأنهم به يكسبون المال وبالجهل يتلفونه: وقال: حسن الخلق خير قرين والأدب خير ميراث والتقوى خير زاد. وقال أيضاً: ليت شعري أي شيء أدرك من فاته الأدب. وأي شيء فات من أدرك الأدب. وقال ابن عائشة القرشي: هل الأدب هم الأكثرون وإن قلوا. ومحل الأنس أين حلوا. وقال خالد بن صفوان لابنه: يا بني الأدب بهاء الملوك ورياش السوقة والناس بين هاتين فتعلمه تجده حيث تحب. وقال بعض الظاهرية: لو علم الجاهلون ما الأدب. لأيقنوا أنه الطرب. وقال حكيم لابنه: يا بني عز السلطان يوم لك يوم عليك. وعز المال وشيك ذهابه. جدير انقطاعه وانقلابه. وعز الحسب إلى خمول ودثور وذبول. وعز الأدب راتب واصب. لا يزول بزوال المال ولا يتحول بتحول السلطان. ويقال: من قعد به حسبه. نهض به أدبه. وقال ابن المعتز: حلية الأدب لا تخفى. وحرمته لا تجفى. والأدب صورة العقل فحسن عقلك كيف

شئت. قال بزرجمهر: من كثر أدبه. كثر شرفه وإن كان قبل وضيعاً وبعد صيته وإن كان خاملاً. وساد وإن كان غريباً. وكثرت الحاجة إليه وإن كان فقيراً. وقالوا: الأدب أدبان أدب الغريزة وهو الأصل وأدب الرواية وهو الفرع. ولا يتفرع الشيء إلا عن أصله. ولا ينمو الأصل إلا باتصال المادة (للشريشي) 154 وقال حبيب فأحسن: وما السيف إلا زبرة لو تركته ... على الخلقة الأولى لما كان يقطع وقال آخر: ما وهب الله لامرئ هبة ... أفضل من عقله ومن أدبه هما كمال الفتى فإن فقدا ... ففقده للحياة أحسن به وقيل: إذا كان الرجل ظاهر الأدب طاهر النبت تأدب بأدبه وصلح بصلاحه أهله وولده. وقال الشاعر: رأيت صلاح المرء يصلح أهله ... ويعديهم عند الفساد إذا فسد يعظم في الدنيا لأجل صلاحه ... ويحفظ بعد الموت في الأهل والولد قال غيره: لعمرك ما الإنسان إلا ابن يومه ... على ما تجلى يومه لا ابن أمسه وما الفخر بالعظم الرميم وإنما ... فخار الذي يبغى الفخار بنفسه 155 الأدب مال. واستعماله كمال. بالعقل يصلح كل أمر. وبالحلم ينقطع كل شر (للشبراوي)

الآداب الطاهرة

قال علي بن أبي طالب: حرص بنيك على الآداب في الصغر ... كيما تقر بهم عيناك في الكبر وإنما مثل الآداب تجمعها ... في عنفوان الصبا كالنقش في الحجر هي الكنوز التي تنمو ذخائرها ... ولا يخاف عليها حادث العبر إن الأديب إذا زلت به قدم ... يهوي على فرش الديباج والسرر قال غيره: من لم ير التأديب في صغر الصبا ... شمخ الفلاح عليه في وقت الكبر الآداب الطاهرة 156 (الآداب في الأكل) . قال بعضهم: إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله في أول أكله وآخره. وعلى من يأكل أن يلحق بالآداب والرسوم المستحسنة. منها أن يأكل بيمينه ويشرب بيمينه. وألا يأكل ويشرب قائماً. وأوصى رجل من خدم الملوك ابنه فقال: إذا أكلت فضم شفتيك ولا تلتفنن يميناً ولا شمالاً وتلقمن بسكين. ولا تجلس فوق من هو أشرف منك وأرفع منزلاً. ولا تبصق في الأماكن النظيفة. ومن حسن الآداب أن يعرض عن البطنة. قال بعضهم: من قل طعامه صح جسمه وصفا قلبه. من كثر طعامه سقم جسمه وقسا قلبه. قال آخر: لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب. فإن القلب كالزرع. إذا كثر عليه الماء مات. قال ابن المقفع: كانت ملوك الأعاجم إذا رأت الرجل نهماً شرهاً

أخرجوه من طبقة الجد إلى باب الهزل ومن باب التعظيم إلى باب الاحتقار (للابشيهي) 157 (وأما أدب المضيف) فهو أن يخدم أضيافه ويظهر لهم الغنى وبسط الوجه فقد قيل: البشاشة في الوجه خير من القرى. قالوا: فكيف بمن يأتي بها وهو ضاحك. وقد ضمن الشيخ شمس الدين البديوي هذا الكلام بأبيات فقال: إذا المرء وافى منزلاً منك قاصدا ... قراك وأرمته لديك المسالك فكن باسماً في وجهه متهللا ... وقل مرحبا أهلاً ويوم مبارك وقدم له ما تستطيع من القرى ... عجولاً ولا تبخل بما هو هالك فقد قيل بيت سالف متقدم ... تداوله زيد وعمر ومالك بشاشة وجه المرء خير من القرى=فكيف بمن يأتي به وهو ضاحك قال العرب: تمام الضيافة الطلاقة عند أول وهلة وإطالة الحديث عند المؤاكلة. ولله در من قال: الله يعلم أنه ما سرني ... شيء كطارقة الضيوف النزل ما زلت بالترحيب حتى خلتني ... ضيفاً له والضيف رب المنزل وما أحسن ما قال سيف الدولة بن حمدان: منزلنا رحب لمن زاره ... نحن سواء فيه والطارق وكل ما فيه حلال له ... إلا الذي حرمه الخالق قال عاصم بن وائل:

وإنا لنقري الضيف قبل نزوله ... ونشبعه بالبشر من وجه ضاحك 158 ومن آداب المضيف أن يحدث أضيافه بما تميل إليه نفوسهم. ولا ينام قبلهم. ولا يشكو الزمان بحضورهم. ويبش عند قدومهم ويتألم عند وداعهم. وأن لا يحدث بما يروعهم به. ويجب على المضيف أن يراعي خواطر أضيافه كيفما أمكن. ولا يغضب على أحد بحضورهم. ولا ينغص عيشهم بما يكرهونه. ولا يعبس بوجهه. ولا يظهر نكداً. ولا ينهر أحداً ولا يشتمه بحضرتهم بل يدخل على قلوبهم السرور بكل ما أمكن. وعليه أن يسهر مع أضيافه ويؤانسهم بلذيذ المحادثة وغريب الحكايات. وأن يستميل قلوبهم بالبذل لهم من غرائب الطرف إن كان من أهل ذلك. وعلى المضيف إذا قدم الطعام إلى أضيافه أن لا ينتظر من يحضر من عشيرته. فقد قيل: ثلاثة تضني سراج لا يضيء ورسول بطيء ومائدة ينتظر لها من يجيء. ومن السنة أن يشيع المضيف الضيف إلى باب الدار. 159 قال بعض السلف: ما استكمل عقل امرئ حتى يكون فيه عشر خصال. الرشد منه مأمولا. والكبر منه مأمونا. نصيبه من الدنيا القوت. والذي أحب إليه من العز. والفقر أحب إليه من الغنى ويستقل كثير المعروف من نفسه. ويستكثر قليل المعروف من غيره. ولا يسأم من طلب العلم طول عمره. ولا يتبرم من طلب الحوائج قلبه. والعاشرة أن يرى الناس كلهم خيراً منه (لابن المعتز)

الباب التاسع في اللطائف

الباب التاسع في اللطائف الحداد الأمير 16 حكى القاضي أبو عبد الله الآمدي النائب قال: دخلت على الأمير سعيد بن المظفر أيام ولايته فوجدته يقطر دهناًَ على خنصره. فسألته عن سببه فذكر ضيق خاتمة وأنه ورم بسببه. فقلت له: الرأي قطع حلقته قبل أن يتفاقم الأمر. فقال: من يصلح لذلك. فاستدعيت ظافراً الحداد الشاعر فقطع الحلقة وأنشد بديها: قصر عن أوصافك العالم ... وكثر الناثر والناظم من يكن البحر له راحة ... يضيق عن خنصره الخاتم فاستحسنه الأمير ووهب له الحلقة. وكانت من ذهب وكان بين يدي غزال مستأنس وقد ربض وجعل رأسه في حجره. فقال ظافر بديها: عجبت لجرأة هذا الغزال ... وأمر تخطى له واعتمد وأعجب به إذ بدا جاثماً ... وكيف اطمأن وأنت أسد فزاد الأمير والحاضرون في الاستحسان (بدائع البدائة للازري) 161 قال بعض الشعراء يصف الفقير والغني: من كان يملك درهمين تعلمت ... شفتاه أنواع الكلام فقالا

الحجاج والفتية

وتقدم الإخوان فاستمعوا له ... ورأيته بين الورى مختالا لولا دراهمه التي يزهو بها ... لوجدته في الناس أسوأ حالا إن الغني إذا تكلم بالخطا ... قالوا صدقت وما نطقت محالا أما الفقير إذا تكلم صادقاً ... قالوا كذبت وأبطلوا ما قالا إن الدراهم في المواطن كلها ... تكسو الرجال مهابة وجمالا فهي اللسان لمن أراد فصاحة ... وهي السلاح لمن أراد قتالا الحجاج والفتية 162 أمر الحجاج صاحب صاحب حرسه أن يطوف بالليل فمن رآه بعد العشاء سكران ضرب عنقه. فطاحت ليلة من الليالي فوجد ثلاثة فتيان يتميلون وعليهم أمارات السكر. فأحاطت بهم الغلمان. وقال لهم صاحب الحرس: من أنتم خالفتم أمر المؤمنين وخرجتم في مثل هذا الوقت. فقال احدهم: أنا من دانت الرقاب له ... ما بين مخزومها وهاشمها تأتيه بالرغم وهي صاغرة ... يأخذ من مالها ومن دمها فأمسك عنه وقال: لعله من أقارب أمير المؤمنين. ثم قال للآخر: وأنت من تكون. فقال: أنا ابن من لا تنزل الدهر قدره ... وإن نزلت يوماً فسوف تعود ترى الناس أفواجاً إلى ضوء النار ... فمنهم قيام حولها. وقعود فأمسك عنه وقال: لعله ابن أشرف العرب. ثم قال للآخر:

أبو العلاء وكتاب الفصوص

وأنت من تكون. فأنشد على البديهة: أنا ابن من خاض الصفوف بعزمه ... وقومها بالسيف حتى استقامت وركباه لا نفك رجلاه منهما ... إذا الخيل في يوم الكريهة ولت فأمسك عن الآخر وقال: لعله ابن أشجع العرب واحتفظ عليهم. فما كان الصباح رفع أمرهم إلى أمير المؤمنين فأحضرهم وكشف عن حالهم. فإذا الأول ابن حجام. والثاني ابن فوال. والثالث ابن حاثك. فتعجب من فصاحتهم وقال لجلسائه: علموا أولادكم الأدب فوا لله لولا فصاحتهم لضربت أعناقهم (للنواجي) أبو العلاء وكتاب الفصوص 163 ألف أبو العلاء كتباً منها كتاب الفصوص. واتفق لهذا الكتاب من عجائب الاتفاق أن أبا العلاء دفعه حين كمل لغلام له يحمله بين يديه. وعبر النهر قرطبة. فحانت الغلام رجلة فسقط في النهر هو والكتاب. فقال في ذلك بعض الشعراء وهو العريف بيتاً مطبوعاً بحضرة المنصور وهو: قد غاص في البحر كتاب الفصوص ... وهكذا كل ثقيل يغوص فضحك المنصور والحاضرون. فلم يرع ذلك صاعدا ولا هال. وقال مرتجلاً مجيباً لابن العريف: عاد إلى معدنه إنما ... توجد في قعر الفصوص (كتاب المعجب لعبد الواحد المراكش)

فتى فصيح

164 قال ابن شرف يصف داراًً ويتشكى بعوضها: لم منزل كملت ستارته لنا ... للهو لكن تحت ذاك حديث غنى الذباب وظل يزمر حوله ... فيه البعوض ويرقص البرغوث قال آخر في هذا المعنى: ليل البراغيث والبعوض ... ليل طويل بلا غموض فذاك ينزو بغير رقص ... وذا يغني بلا عروض فتى فصيح 165 دخل محمد بن عبد الملك بن صالح على المأمون حين قبضت ضياعهم وهو غلام صغير. فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين. محمد بن عبد الملك سليل نعمتك وابن دولتك وغصن من أغصان دوحتك. أفتأذن لي في الكلام. قال: نعم. فحمد اله تعالى وشكره ثم قال: أمتعنا الله بحياطة ديننا ودنيانا. ورعاية أقصانا وأدنانا. ببقائك يا أمير المؤمنين. ونسأله أن يزيد في عمرك من أعمارنا. وفي أثرك من آثارنا. ويقيك الأذى بأسماعنا وأبصارنا. هذا مقام العائد بظلك. الهارب إلى كنفط وفضلك. الفقير إلى رجمتك وعدلك. ثم سأل حوائجه فقضاها (للشربشي) علي بن الجهم 166 سخط المتوكل على علي بن الجهم فنفاه إلى خراسان. وكتب أن يصلب إذا وردها يوماً إلى الليل. فلما وصل الشاذياخ حبسه

درواس بن حبيب وهشام

طاهر بن عبد الله ثم أخرجه. فصلبه إلى الليل مجرداً. فقال: لم يصلبوا بالشاذياخ عيشه ال ... اثنين مسبوقاً ولا مجهولا نصبوا بحمد الله ملء عيونهم ... شرقاً وملء صدورهم تبجيلا ما ازداد إلا رفعة وسعادة ... وازدادت الأعداء عنه نكولا هل كان إلا الليث فارق غيله ... فرأيته في محمل محمولا ما عابه أن قد نزعت لباسه ... كالسيف أفضل ما يرى مسلولا وقال في الحبس: قالوا حبست فقلت ليس بضائر ... حبسي وأي مهند لا يغمد أو ما رأيت الليث يألف غيله ... كبراً وأوباش السباع تصيد فالشمس لولا أنها محجوبة ... عن ناظريك لما أضاء الفرقد والنار في أحجارها مخبوءة ... لا نصطلي إن لم نثرها الأزند والحبس إن لم نغشه لدنيه ... شنعاء نعم المنزل المتورد درواس بن حبيب وهشام 167 قحطت البادية أيام هشام بن عبد الملك. فوفد عليه رؤوس القبائل. فجلس لهم وفيهم صبي ابن أربع عشرة سنة يسمى درواس ابن حبيب. في رأسه ذؤابة وعليه بردة يمانية فاستصغره هشام وقال لحاجبه: ما يشاء أحد أن يصل إلينا إلا وصل حتى الصبيان. فقال درواس: يا أمير المؤمنين عن دخولي لم يخل بك ولا انتقصك ولكنه شرفني. وإن هؤلاء قدموا فهابوك دونه. وإن الكلام

الشاعر المتروي

نشر والسكوت طي لا يعرف إلا بنشره. فأعجبه كلامه وقال: انشر لا أم لك. فقال: إنا أصابتنا سنون ثلاث. فسنه أكلت اللحم. وسنة أذابت الشحم. وسنة أنقت العظم. وفي يديكم فضول أموال فإن أنت لله عز وجل ففرقوها على عباده. وإن كانت لهم فلا تحبسوها عنهم. وإن كانت لكم فتصدقوا بها عليهم فإن الله يجزي المتصدقين لا يضيع أجر المحسنين. وإن الوالي من الرعية كالروح من الجسد لا حياة له إلا به. فقال هشام ما ترك الغلام في واحدة من الثلاث عذراً. وأمر بمائه ألف دينار ففرقت في أهل البادية. وأمر له بمائة ألف درهم فقال: أرددها في جائزة العرب فما لي حاجة في خاصة نفسي دون عامة الناس (للشريشي) الشاعر المتروي 168 يحكى أن بعض الأعراب امتدح بعض الرؤساء بقصيدة بديعة. فلما قراها عليه استكثرها عليه بعض الحاضرين ونسبه إلى سرقتها. فأراد الممدوح أن يعرف حقيقة الحال. فرسم له بمدٍ من الشعير وقال في نفسه: إن كان له بديهة في النظم فلا بد أن يقول شيئاً في شرح حاله. فأخذ المد الشعير في ردائه وخرج فقال الممدوح للبوابين سراً: لا تمكنوه من الخروج. فوقف الأعرابي في الدهليز حائراً. فبعث إليه الممدوح من سأله وقال له: ما شأنك يا أعرابي. فقال: إني امتدحت الأمير بقصيدة. قال: ما أجازك

المنصور وابن هبيرة

عليها. قال: هذا المد الشعير. فقال له: هل قلت في ذلك شيئاً. قال نعم. قال: ما هو. فأنشد بديها: يقولون لي أرخصت شعرك في الورى ... فقلت لهم من عدم أهل المكارم أجزت على شعري الشعير وإنه ... كثير إذا خلصته من بهائم فلما بلغ الممدوح هذان البيتان أعجب بهما. وعلم أن القصيدة من نظمه. فرسم له بجائزة سنية المنصور وابن هبيرة 169 لما حاضر المنصور ابن هبيرة بعث إليه ابن خبيرة وقال: بارزني. فقال: لا أفعل. فقال ابن هبيرة لأشهرن امتناعك ولأعيرنك به. فقال المنصور ما قيل: إن خنزيراً بعث إلى الأسد وقال: قاتلني. فقال الأسد: لست بكفؤي. فإني إن قتلتك لم يكن لي فخر. وإن قتلتني لحقني وصم عظيم. فقال لأخبرن السباع بنكولك. فقال الأسد: احتمال العار في ذلك أيسر من التلطخ بدمك. فخجل ابن هبيرة وكف عنه (للنواجي) 170 ما أرق وأجود ما قال بعضهم في الفراق: ما الدار في غبتم يا سادتي دار ... كلا ولا الجار مذ غبتم لنا جار غبتم فأوحشتم الدنيا ببعدكم=وأظلمت بعدكم رحب وأقطار ليت الغراب الذي نادى بفرقتنا ... يعري من الريش لا تحويه أوكار ترى تعود ليالينا التي سلفت ... كما عهدنا وتجمع بيننا الدار

171 أرسل شاعر هدية إلى ملك وشفعها بهذه الأبيات: أتت سليمان يوم العرض قنبرة ... تبدى إليه جرداً كان في فيها وأنشدت في لسان الحال قائلة ... إن الهدية من مقدار مهديها لو أن يهدى إلى الإنسان قيمته ... لكان تهدى إليك الدنيا وما فيها فاستحسنها الملك وأجازه (طرائف اللطائف) 172 قال الأصمعي في تغريد البلبل: أيها البلبل المغرد في النخل ... غريباً من أهله حيرانا أفراقاً تشكوه أم دمت تدعو ... فوق أفنان نخلة ورشانا هاج لي صوتك المغرد شجوا ... رب صوت يهيج الأحزانا 173 وقال نصر بن سيار في من لا يتصدى إلى صغائر الشرور: أرى بين الرماد وميض نار ... ويوشك أن يكون لها ضرام فإن لم تطفها عقلاء قوم ... يكون وقودها جثث وهام فإن النار بالعودين تذكى ... وإن الحرب أولها كلام 174 اجتمع يوماً آل الصحابة فقال أبو بكر: الموت باب وكل الناس تدخله ... يا ليت شعري بعد الباب ما الدار فقال عمر: الدار دار نعيم إن عملت بما ... يرضي الإله وغن خالفت فالنار فأجازه عثمان: هما محلان ما للناس غيرهما ... فانظر لنفسك أي الدار تختار

فأجازه علي بقوله: ماللعباد سوى الفردوس إن عملوا ... وإن هفوا هفوة فالرب غفار 175: قال أعرابي يتشوق إلى بلده: ذكرت بلادي فاستهلت مدامعي ... بشوق إلى عهد الصبا المتقادم حننت إلى ربع به أخضر شاربي ... وقطع عني فيه عقد التمائم 176 قال ابن علاء مودعاً: لأودعنك ثم تدمع مقلتي ... إن الدموع هي الوداع الثاني في فرقة الأحباب شغل شاغل ... والموت صدقاً فرقة الإخوان 177 قال شمس المعالي قابوس وكانت أصحابه قد خرجت عن طاعته: قل للذي بصروف الدهر عيرنا ... هل عاند الدهر إلا من له خطر ففي السماء نجوم ما لها عدد ... وليس يكسف إلا الشمس والقمر 178 حدث إسحاق الموصلي قال: كنت عند الفضل بن الربيع يوماً فدخل إليه ابن عبد الله بن العباس بن الفضل وهو طفل. وكان يرق عليه لأن أباه مات في حياته. فأجلسه في حجره وضمه إليه ودمعت عيناه. فأنشأت أقوال: مد لك الله الحياة مداً ... حتى يكون ابنك هذا جدا مؤزراً بمجده مرمى ... ثم يفدى مثل ما تفدى أشبه منك سنه وجدا ... وشيعاً مرضية ومجدا كأنه أنت إذا تبدى ... شمائلاً محمودةً وقدا

قال: فتبسم الفضل وقال: أمتعني الله بك يا أبا محمد. فقد عوضت من الحزن سروراً وتسليت بقولك. وكذلك يكون إن شاء الله 179 أخبر الصولي قال: عتب المأمون على إسحاق في شيء فكتب إليه رقعه وأوصلها إليه من يده. ففتحها المأمون فإذا فيها قوله: لاشيء أعظم من جرمي سوى أملي ... لحسن عفوك عن ذنبي وعن زللي فإن يكن ذا وذا في القدر قد عظما ... فأنت أعظم من جرمي ومن أملي فضحك ثم قال: يا إسحاق عذرك أعلى قدراً من جرمك. وما جال بفكري ولا أحضرته بعد انقضائه على ذكري (الأغاني) 180 تعذر بعضهم للحرب فقال: قامت تشجعني هند فقلت لها ... إن الشجاعة مقرون بها العطب لا والذي منع الأبصار رؤيته ... ما يشتهي الموت عندي من له أدب للحرب قوم أضل الله سعيهم ... إذا دعتهم إلى نيرانها وثبوا ولست منهم ولا أهوى فعالهم ... لا القتل يعجبني منهم ولا السلب 181 قال محمود الوراق في هذا المعنى: أيها الفارس المشيح المغير ... عن قلبي من السلاح يطير ليس لي قوة على رهج الخيل ... إذا ثور الغبار مثير واستدرت رحى الحروب بقوم ... فقتيل وهارب وأسير حيث لا ينطق الجبان من الذعر ويعلو الصياح والتكبير أنا في مثل هذا بليد ... ولبيب في غيره نحرير

أبو عبادة البحتري عند المتوكل

182 مثل دعبل بين يدي بعض أمراء الرقة فقال أصلح الله الأمير: ماذا أقول إذا أتيت معاشري ... صفرا يدي من عند أروم مجزل إن قلت أعطاني كذبت وإن أقل ... ضن الأمير بماله لم يجمل ولأنت أعلم بالمكارم والعلى ... من أن أقول فعلت ما لم تفعل فأختر لنفسك ما أقول فإنني ... لا بد مخبرهم وغن لم أسأل قال له. قاتلك الله: وأمر له بعشرة آلاف درهم (لابن عبد ربه) 183 وصف بعض الشعراء رجلاً يحمي خبيثاً: رأيت منافقاً يحمي خبيثاً ... وكل منهما بالظلم يسعى قد اتفقا ولكن في فساد ... كمقرب راكب للشر أفعى أبو عبادة البحتري عند المتوكل 184 حدث عبادة البحتري الشاعر وكان المتوكل أدخله في ندمائه قال: دخلت على المتوكل يوماً فرأيت في يديه درتين ما رأيت أشرف من نورهما. ولا أنقى بياضاً ولا أكبر. فأدمت النظر إليهما ولم أصرف طرفي عنهما. ورآني المتوكل فرمى إلي التي كانت في يده اليمنى. فقبلت الأرض وجعلت أفكر فيما يضحكه طمعاً في الأخرى. فعن لي أن قلت: بسر مرا لنا غمام ... تغرف من كفه البحار خليفة يرتجى ويخشى ... كأنه جنة ونار الملك فيه وفي بينه ... ما اختلف الليل والنهار

يداه في الجود ضرتان ... هذي على هذه تغار وليس تأتي اليمن شيئاً ... إلا أتت مثلها اليسار فرمى بالدرة التي كانت في يساره وقال: خذها يا عيار (للازدي) 185 مرض ابن عنين فكتب إلى السلطان هذين البيتين: أنظر إلي بعين مولى لم يزل ... يولي الندى وتلاف قبل تلاقي أنا كالذي أحتاج ما يحتاجه ... فاغنم دعائي والثناء الوافي فحضر السلطان إلى عيادته. واتى إليه بألف دينار وقال له: أنت الذي. وهذه الصلة. وانأ العائد (لبهاء الدين) 186 كان الإمام فخر الدين الرازي في مجلس درسه إذ أقبلت حمامة خلفها صقر يريد صيدها. فألقت نفسها في حجره كالمستجيرة به فأنشد شرف الدين عنين أبياتاً في هذا المعنى. منها: جاءت سليمان الزمان حمامه ... والموت يلمع من جناحي خاطف من أنبأ الورقاء أن محلك=حرم وانك ملجأ للخائف (تاريخ الذهبي) 187 ركب طاهر بن الحسين يوماً ببغداد في حراقته فاعترضه مقدس ابن صيفي الخلوقي الشاعر. وقد أدنيت من الشط ليخرج. فقال: أيها الأمير إن رأيت أن تسمع مني أبياتاً فقال: قل. فأنشأ يقول. عجبت لحراقة ابن الحسين ... لا غرقت كيف لا تغرق وبحران من فوقها واحد ... وآخر من تحتها مطبق

جرير والفرزدق والأخطل في مجلس عبد الملك

وأعجب من ذاك أعوادها ... وقد مسها كيف لا تورق فقال طاهر: أعطوه ثلاثة آلاف دينار (لابن خلكان) جرير والفرزدق والأخطل في مجلس عبد الملك 188 اجتمع جرير والفرزدق والأخطل في مجلس عبد الملك. فأحضر بين يديه كيساً فيه خمس مائه دينار. وقال لهم: ليقل كل منكم بيتاً في مدح نفسه فأيكم غلب فله الكيس. فبدر الفرزدق فقال: أنا القطران والشعراء جربى ... وفي القطران لجربى شفاء فقال الأخطل: فإن تك زق زاملة فإني ... أنا الطاعون ليس له دواء فقال جرير: أنا الموت الذي آتي عليكم ... فليس لهارب مني نجاه فقال: خذ الكيس فلعمري إن الموت يأتي على كل شيء (طبقات الشعراء لابن سلام) الركاض والرشيد 189 أدخل الركاض وهو ابن أربع سنين إلى الرشيد ليتعجب من فطنته. فقال له: ما تحب أن أهب لك. قال جميل رأيك. فإني أفوز به في الدنيا والآخرة. فأمر بدنانير ودراهم فصبت بين يديه. فال له: اختر الأحب إليك فقال: الأحب إلي أمير المؤمنين. وهذا من هذين وضرب بيده إلى الدنانير. فضحك الرشيد وأمر

بضمة إلى ولده والإجراء عليه (لكمال الدين الحلبي) 190 كتب البستي إلى بعض أصحابه وكان معتقلاً: فديتك يا روح المكارم والعلا ... بأنفس ما عندي من الروح والنفس حبست فمن بعد الكسوف تبلج ... تضيء به الآفاق كالبدر والشمس فلا تعتقد للحبس هماً وحشة=فقبلك قدماً كان يوسف في الحبس 191 قال ابن عربشاه يغري على طلب المجد: لا يؤيسنك من مجد تباعده ... فإن للمجد تدريجاً وترتيبا غن القناة التي شاهدت رفعتها ... تنمو فتنبت أنبوباً فأنبوبا 192 كان ابن أبي صقر طعن في السن وضعف عن المشي. فصار يتوكأ على عصا فقال في ذلك: كل مرءٍ إذا تفكرت فيه ... وتأملته رأيت ظريفاً كنت امشي على اثنتين قوياً ... صرت امشي على ثلاث ضعيفا 193 زلّت بالأتابك صاحب الموصل بغلبته فانشد ابن الأثير: إن زلت البغلة من تحته ... فإن في زلتها عذرا حملها من علمه شاهقاً ... ومن ندى راحته بحرا 194 قال ابن السراج الوراق يعتب على نفسه: يا خجلتي وصحائفي قد سودت ... وصحائف الأبرار في إشراق وموبخ لي في القيامة قائل ... أكذا تكون صحائف الوراق 195 حضر ابن الحجاج في دعوة رجلٍ فأخر الطعام إلى المساء فقال:

الأعمى واعور

يا صاحب البيت الذي ... ضيفانه ماتوا جميعاً أدعوتنا حتى نمو ... ت بدرانا عطشاً وجوعا مالي أرى فلك الرغيف ... لديك مشترفاً رفيعاً كالبدر لا نرجوا إلى ... وقت المساء له طلوعا 196 قال ابن حمديس يتشوق إلى صقلية وهي مكان منشاه: ذكرت صقلية والأسى ... يجدد للنفس تذكارها فإن كنت أخرجت من جنة ... فإني أحدث أخبارها ولولا ملوحة ماء البكا ... حسبت دموعي أنهارها 197 حكي أن جمهور شعراء مصر كان من عادتهم أن يأتوا الوالي كل سنة في العيد فيهنونه بالنشائد وينالون منه الجوائز. فبينما كانوا لديه ذات سنةٍ يعيدونه بالأشعار حديث زلزله شديدة ارتجت منها ديار مصر. فالتفت الوالي إلى الشعراء وقال لهم: هل منكم من يطرفنا بديها ببيت مضمونه هذه الزلزلة فقال بعضهم: يا حاكم الفضل إن الحق متضح ... لدى الكرام أيا ابن السادة النجبا مازلت مصر من كيد ألم بها ... لكنها رقصت من عدلكم طربا الأعمى واعور 198 سمعت مرة قائلاً=يا قوم ما أصعب فقد البصر أجابه أعور من خلفه ... عندي من ذلك نصف الخبر 199 قال ابن الدهان في غلام لسبته نحلة في شفته:

بأبي من لسبتة نحلة ... آلمت أكرم شيء واجل حسبت أن بقية بيتها ... إذ رأت ريقته مثل العسل 200 انشد صردر الشاعر ابن جهير لنا عاد إلى الوزارة بعد العزل: قد رجع الحق إلى نصابه ... وأنت من كل الورى أولى به ما كنت إلا السيف سلته يد ... ثم أعادته إلى قرابه هزته حتى بصرته صارما ... رونقه يغنيه عن ضرابه 201 قال حمد بن فارس الرازي اللغوي يصيف ما كان عليه: وقالوا كيف حالك قلت خبر ... تقضى حاجة وتفوت حاج إذا ازدحمت هموم الصدر قلنا ... عسى يوماً يكون لها انفراج نديمي هرتي وأنيس نفسي ... دفاتر لي ومعشوقي السراج 202 أرسل البديع الأسطر لأبي هدية لبعض الأمراء فأنشد: أهدي لمجلسه الكريم وإنما=اهدي له ما حزت من نعمائه كالبحر يمطره السحاب وماله ... فضل عليه لأنه من مائه 203 كان الخليل بن أحمد يقطع العروض. فدخل عليه ولده في تلك الحالة فخرج إلى الناس وقال: إن أبي قد جن. فدخل الناس عليه وهو يقطع العروض. فأخبروه بما قاله ابنه. فقال له: لو كنت تعلم ما أقول عذرتني ... أو كنت تعلم ما تقول عذلتكا لكن جهلت مقالتي فعذلتني ... وعلمت أنك جاهل فعذرتكا (نزهة الألباء في طبقات الأدباء لأبي بركات الأنباري)

أولاد نزار عند الأفعى

أولاد نزار عند الأفعى 204 شخص مضر وربيعة وإياد وأنمار أولاد نزار إلى أرض نجران. فبينما هم يسيرون إذ رأى مضر كلأ قد رعي فقال: البعير الذي رعى هذا أعور. فقال ربيعة: وهو أزور. قال إياد: وهو أبتر. وقال أنمار: وهو شرود. فلم يسيروا إلا قليلاً حتى لقيهم رجل على راحلةٍ فسألهم عن البعير. فقال مضر: أهو اعور. قال: نعم قال ربيعة أهو أزور. قال: نعم قال إياد أهو ابتر: قال: نعم. قال أنمار: أهو شرود. قال: نعم. فقال: هذه والله صفات بعيري دلوني عليه. فحلفوا أنهم ما رأوه. فلزمهم وقال: كيف أصدقكم وأنتم تصفون بعيري بصفته. فساروا حتى قربوا نجران فنزلوا بالأفعى الجرهمي. فنادى صاحب البعير: هؤلاء القوم وصفوا لي بعيراً بصفته ثم أنكروه. فقال الجرهمي: كيف وصفتموه ولم تروه. فقال مضر: رأيته يرعى جانباً ويدع جانباً فعلمت انه أعور. وقال ربيعة: رأيت إحدى يديه ثابتة الأثر والأخرى فاسدة الأثر فعلمت أنه أفسدها بشدة وطئه لازوراره. وقال إياد: عرفت بتره بإجماع بعره ولو كان ذالاً لتفرق. وقال أنمار عرفت أنه شرود لكون أنه كان يرعى في المكان الملتف نبته ثم يجوز إلى مكان أرق منه وأخبث. فقال الأفعى: ليسوا بأصحاب بعيرك. ثم سألهم من هم فأخبروه. فرحب وأضافهم وبالغ في إكرامهم (ثمرات الأوراق للحموي)

الباب العاشر في المديح

الباب العاشر في المديح 205 أقبل أعرابي إلى داود بن المهلب فقال له: إني مدحتك فاستمع. قال: على رسلك. ثم دخل بيته وتقلد سيفه وخرج فقال: قل فإن أحسنت حكمناك وإن أسأت قتلناك. فأنشأ يقول: أمنت بداودٍ وجود يمينه ... من الحدث المخشي واليأس والفقر فأصبحت لا أخشى بداود نبوة ... من الحدثان إذ شددت به أزري له حكم لقمان وصورة يوسف ... وحكم سليمان وعدل أبي بكر فتى تفرق الأموال من وجود كفه ... كما يفرق الشيطان من ليلة القدر فقال له: قد حكمناك فإن شئت على قدرك وإن شئت على قدري. فقال: على قدري. فأعطاه خمسين ألفاً. فقال له جلساؤه: هلا احتكمت على قدر الأمير. قال: لم يك في ماله ما يفي بقدره. قال له داود: أنت في هذه أشعر منك في شعرك وأمر بمثل ما أعطاه. 206 قال ابن عبد ربه دخلت على أبي العباس القائد فأنشدته: الله جرد للندى والباس ... سيفاً فقلده أبا العباس ملك إذا استقبلت غرة وجهه ... قبض الرجاء إليك روح الياس وبه عليك من الحياة سكينة ... ومحبة تجري من الأنفاس وإذا أحب الله يوماً عبده ... ألقى عليه محبة للناس

ثم سألته حاجة فيها بعض الغلظ. فتلكأ علي. فوقعت في سحاءة: ما ضر عندك حاجتي ما هزها ... عذراً إذا أعطيت نفسك قدرها أنظر إلى عرض البلاد وطولها ... أو لست أكرم أهلها وأبرها حاشى لجودك أن يوعر حاجتي ... ثقتي بجودك سهلت لي وعرها لا يجتني حلو المحامد ماجد ... حتى يذوب من المطالب مرها فقضى الحاجة وسارع إليها (لابن عبد ربه) 207 وصف مروان بن أبي حفصة بني مطر فقال: بنو مطر يوم اللقاء كأنهم ... أسود لها في غيل خفان أشبل هم يمنعون الجار حتى كأنما ... لجارهم بين السماكين منزل هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا=أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا وما يستطيع الفاعلون فعالهم ... وإن أحسنوا في النائبات واحملوا 208 حدث محمد الرواية قال: دخلت على الرشيد وعنده الفضل ابن الربيع ويزيد بن مزيد. وبين يديه خوان لطيف عليه جرمان ورغيفان سميذاً ودجاجتان. فقال لي: أنشدني. فأنشدته قصيدة النمري العينية فلما بلغت إلى قوله: إن المكارم والمعروف أودية ... أحلك الله منها حيث يتسع إذا رفعت أمراً فالله يرفعه=ومن وضعت من الأقوام متضع نفسي فداؤك والأبطال معلمة ... يوم الوغى والمنايا صلبها فزع قال فرمى بالخوان بين يديه وصاح وقال: هذا والله أطيب

من كل طعام وكل شي. وبعث إليه بسبعة آلاف دينار. 209 حكى المنصور النمري قال: دخلت على الرشيد يوماً ولم أكن أعددت له مدحاً. فوجدته نشيطاً طيب النفس فرمت شيئاً فما جاءني. ونظر إلي مستنطقاً فقلت: إذا اعتاص المديح عليك فامدح ... أمير المؤمنين تجد مقالا وعذ بفنائه واجنح إليه ... تنل عرفاً ولم تذللك سؤالا فناء لا تزال به ركاب ... وضعن مدائحاً وحملن مالا فقال: لله درك لئن قصرت القول لقد أطلت المعنى وأمر لي بصلةٍ سنيةٍ 210 لما تولى ابن زياد أعمال الأهواز فقصده عجرد إليها وقال فيه: يحي امرؤ زينه ربه ... بفعله الأقدام والأحداث إن قال لم يكذب وإن ود لم ... يقطع وإن عاهد لم ينكث أصبح في أخلاقه كلها ... موكلاً بالأسهل الأدمث طبيعة منه عليها جرى ... في خلق ليس بمستحدث ورثه ذاك أبوه فيا ... طيب ثناء الوارث المورث فوصله يحي بصلة سنية وحمله وكساه. وأقام عنده مدة ثم انصرف 211 امتدح ربيعة الرقي العباس بن محمد بقصيدة لم يسبق إليها حسناً وهي طويلة يقول فيها: لو قيل للعباس يا ابن محمد ... قل لا أنت مخلد ما قالها ما إن أعد من المكارم خصلة ... إلا وجدتك عمها أو خالها

وإذا الملوك تسايروا في بلدةٍ ... كانوا كواكبها وكنت هلالها إن المكارم لم تزل معقولة ... حتى حللت براحتيك عقالها 212 أنشد أبو إسحاق ابن إبراهيم الفضل بن يحي البرمكي: عند الملوك مضرة ومنافع ... وأرى البرامك لا تضر وتنفع إن العروق إذا استسر بها الثرى ... أشر النبات بها وطاب المزرع فإذا نكرن من امرئ أعرفه ... وقديمه فأنظر إلى ما يضع قال فأعجبه الشعر فقال: يا أبا محمد كأني أسمع هذا القول إلا الساعة. وما له عندي إلا أني لم أكافئه عليه. فقلتك وكيف ذلك أصلحك الله وقد وهبت له ثلاثين ألف درهم فقال: لا ما ثلاثون ألف دينار بمكافئة له فكيف ثلاثون ألف درهم (الأغاني) قال أبو الشيص الخزاعي يمدح بعض الأمراء: تكلمت فيك أوصاف خصصتها=فكلنا بك مسرور ومغتبط ألسن ضاحكة والكف مانحة=والنفس واسعة والوجه منبسط 231 قال القسم بن عبيد: لفضل بن سهل يد تقاصر عنها المثل. فظاهرها للقبل. وبسطها للغنى. وسطوتها للأجل. أخذه ابن الرومي فقال لإبراهيم بن المدبر: أصبحت بين ضراعة وتحمل ... والمرء بينهما يموت هزيلا فامدد إلي يداً تعود بطنها ... بذل النوال وظهرها التقبيلا 214 قال ابن المولى ليزيد بن قبيصة بن المهلب

وإذ تباع كريمة أو تشترى ... فسواك بائعها وأنت المتشري وإذا توعرت المسالك لم بكن ... منها السبيل إلى نداك بأوعر وإذا صنعت صنيع أتممتها ... بيدين ليس نداهما بمكدر يا واحد العرب الذي ما إن لهم ... من ذهب عنه ولا من مقصر 215 قال أمية بن أبي الصلت الشاعر النصراني: أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك إن شيمتك الحياء وعلمك بالحقوق وأنت فرع ... لك الحسب والمهذب والسناء خليل لا يغيره صباح ... عن الخلق الجميل ولا مساء وأرضك كل مكرمةٍ بنتها ... بنو تيم وأنت لها سماء إذا أثنى عليك المرء يوماً ... كفاه من تعرضه الثناء تباري الريح مكرمة ومجدا ... إذا ما الكلب أجحره الشتاء 216 قال آخر يمدح آل المهلب: آل المهلب قوم خولوا شرفا ... ما ناله عربي لا ولا كادا لو قيل للمجد حد عنهم وخلهم=بما احتكمت من الدنيا لما حادا إن المكارم أرواح يون لها ... آل المهلب دون الناس أجسادا 217 قالت امرأة من إياد ألخيل تعلم يوم الروع إن هزمت ... أن ابن عمر ولدى الهيجاء يحميها لم يبد فحشاً ولم يهدد لمعظمه ... وكل مكرمة يلقى يساميها ألمستشار لأمر القوم يحزبهم ... إذا الهنات أهم القوم ما فيها

لا يره بالجار منه غدره أبداً ... وإن ألمت أمور فهو كافيها 218 قال ابن الرومي يمدح بعضهم: كل الخلال التي فيكم محاسنكم=تشابهت منكم الأخلاق والخلق كأنكم شجر الأترج طاب معاً ... حملاً ونشراً وطاب العود والورق 219 قال شاعر يمدح قوماً بالكرم: نصبوا بقارعة الطريق خيامهم ... يتسابقون على قرى الضيفان ويكاد موقدهم يجود بنفسه حب القرى حطبا على النيران 220 غنى يوماً احمد بن يحي المكي الأمين: تعش عمر في سرور وغبطة ... وفي خفض عيش ليس في طوله إثم تساعدك الأقدار فيه وتثني ... إليك وترعى فضلك العرب والعجم 221 ومن جميل ما جاء في باب المديح قول بعضهم: يا دهر بع رتب المعالي بعده ... بيع السماح ربحت أم لم تربح قدم وأخر من تريد فإنه ... مات الذي قد كنت منه تستحي 222 وقال آخر: كريم يغض الطرف فضل حيائه ... ويدنو وأطراف الرماح دوان وكالسيف إن لا ينته لان مسه ... واحدة إن خاشنته خشنان 223 مدح بعضهم أميراً فقال: علم الله كيف أنت فأعطا ... ك المحل الجليل من سلطانه 224 قال آخر:

من قاس جدواك بالغمام فماً ... أنصف في الحكم بين شكلين أنت إذا جدت ضاحك أبداً وهو إذا جاد دامع العين 225 قال غيره: ما نوال الغمام وقت ربيع ... كنوال الأمير يوم سخاء فنوال الأمير بدرة مال ... ونوال الغمام قطرة ماء 226 قال يزيد المهلي في المنتصر بعد أن ولي الخلافة: ليهنك ملك بالسعادة طائرة ... موارده محمودة ومصادرة فأنت الذي كنا نرجي فلم نخب ... كما يرتجى من واقع الغيث باكره بمنتصر بالله تمت أمورنا ... ومن ينتصر بالله فالله ناصره 227 دخل النابغة على النعمان بن المنذر فحياه تحية الملوك ثم قال: أيفاخرك ذو فاش وأنت سائس العرب. وغرة الحسب. واللات لأمسك أيمن من يومه. ولعبدك أكرم من قومهز ولقفاك أحسن من وجهه. وليسارك أجود من يمينه. ولظنك أصدق من يقينه. ولوعدك أبلج من رفده. ولخالك أشرف من جده. ولنفسك أمنع من جنده وليومك أزهر من زهره. ولفترك أبسط من شبره وأنشد: أخلاق مجدك جلت ما لها خطر ... في الباس والجود بين الحلم والحفر متوج بالمعالي فوق مفرقه ... وفي الوغى ضيغم في صورة القمر إذا دجا الخطب جلاه بصارمه ... كما يجلى زمان المحل بالمطر فتهلل وجه النعمان سروراً. ثم أمر أن يملأ فوه دراً ويكسى

أثواب الرضا (وهي جباب أطواقها الذهب في قضب الزمرد) . ثم قال: هكذا فلتمدح الملوك= (ألف باء لأبي الحجاج البلوي) 228 دخل ابن الخياط المكي على المهدي وامتدحه فأمر له بخمسين ألف درهم. فسأله أن يأذن له في تقبيل يده فأذن فقبلها وخرج. فما انتهى إلى الباب حتى فرق المال بأسره. فعوتب على ذلك فاعتذر وأنشد يوقل: لمست بكفي كفه ابتغي الغنى ... ولم أدر أن الجود من كفه يعدي فلا أنا منه ما أفاد ذوو الغنى ... أفدت واعداني فأتلفت ما عندي فعجب بهما المهدي وعنى بهما وأمر له بخمسين ألف دينار 229 دخل أعرابي على خالد بن عبد الله القسري فقال: أخالد إني لم أزرك لحاجة ... سوى أنني عافٍ وأنت جواد أخالد بين الحمد ولأجر حاجتي ... فأيهما تأتي فأنت عماد فقال له خالد: سل حاجتك. قال مائة ألف درهم. قال خالد أسرفت فأحططنا منها. قال: حططتك ألفا. فقال خالد: ما أعجب ما سألت وما حططت. فقال: لا يعجب الأمير. سألته على قدره وحططته على قدري. فضحك منه وأمر له بصلةٍ. 230 حبس الحجاج يزيد بن المهلب لباق عليه كان بخراسان. وأقسم ليستأذنه كل يوم مائة ألف درهم. فبينما هو قد جباها له ذات يوم إذ دخل عليه الأخطل فانشده:

أبا خالد خراسان بعدكم ... وقال ذوو الحاجات أين يزيد وما قطرت بالشرق بعدك قطرة ... ولا أخضر بالمرين بعدك عود وما لسرير بعد بعدك بهجة ... وما لجواد بعد جودك جود فقال: يا غلام أعطه المائة ألف درهم فإنا نصبر على عذاب الحجاج ولا نخيب الأخطل. فبلغت الحجاج فقال: لله درر يزيد لو كان تاركاً للسخاء يوماً لتركه اليوم وهو يتوقع الموت (لليمني) 231 ومن رقيق شعر أبي العباس الصولي قوله في المديح والشكر: فلو كان للشكر شخص يبين ... إذا ما تأمله الناظر لمثلته لك حتى تراه ... فتعلم أني امرؤ شاكر 232 كتب بديع الزمان لأحد الخلفاء: يا سيد الأمرا فخراً فما ملك ... إلا تمناك ولي واشتهاك أبا وكاد يحكيك صوب الغيث منسكبا ... لو كان طلق المحيا يمطر الذهبا والدهر لو لم يخن والشمس لو نطقت ... والليث لو لم يصل والبحر لو عذبا 233 وللبحتري في المديح: لا تنظرن إلى العباس عن صغر ... في السن وانظر إلى المجد الذي شادا إن النجوم الجو أحقرها ... في العين أكثرها في الجو إصعادا 234 قال أبو نواس يمدح بني حمدان: لئن الأنام لحب كاس ... ومزمار وطنبور وعود فلم يخلق بنو حمدان إلا ... لباس أو لمجد أو لجود

الباب الحادي عشر

الباب الحادي عشر في الفخر والحماسة والهجو 235 كان أبو سفيان من أشعر قريش وهو القائل عن قبيلته مفتخراً: لقد علمت قريش غير فخر ... بأنا نحن أجودهم حصانا وأكثرهم دروعا سابغات ... وأمضاهم إذا طعنوا سنانا وأدفعهم عن الضراء عنهم ... وأبينهم إذا نطقوا لسانا 236 قال السيد علي بت إسماعيل بن القاسم: إنا من قوم إذا ما غضبوا ... أطعموا الأرماح حبات القلوب وهم في السلم كالماء صفا ... لصديق وحميم وقريب فيهم فخري وفيهم قدوتي ... وبهم نلت من العليا نصيب وبفضل الله ربي لم أزل ... في مراقي العز والعيش الرطيب ليس لي إلا المعالي أرب ... فعلى كاهلها صار الركوب إن دعا داع إلى غير العلا ... لا تراني لدعاه من مجيب 237 مر ابن بشير بأبي عثمان المازني فجلس إليه ساعة فرأى من في مجلسه يتعجبون من نعل كانت في رجله خلقة فأخذ ورقة وكتب: كم أرى ذا تعجب من نعالي ... ورضائي منها بلبس البوالي من يغالي من الرجال بنعل ... فسواي إذا بهن يغالي لو حداهن للجمال فإني ... في سواهن زينتي وجمالي

في إخاء وفي وفاء رائي ... ولساني ومنطقي وفعالي ما وقاني وبلغني الحاجة منها فإني لا أبالي 238 قال الحريش بن هلال القريعي: نعرض للسيوف إذا التقينا ... وجوها لا تعرض للطام ولست بخالع عني ثيابي ... إذا هر الكماة ولا أرامي ولكني يجول المهر تحتي ... إلى الغارات بالعضب الحسام 239 قال أو الحسن المعروف بجحظة البرمكي: أنا ابن أناس مول الناس جودهم ... فأضحوا حديثاً للنوال المشهر فلم يخل من إحسانهم لفظ مخبر ... فلم يخل من تقريظهم بطن دفتر 240 قال رجل من الفزاريين: وإلا يكن عظمي طويلاً فإنني ... له بالخصال الصالحات وصول ولا خير في حسن الجسوم ونبلها ... إذا لم تزن حسن الجسوم عقول إذا كنت في القوم الطول علوتهم ... بعارفة حتى يقال طويل وكم قد رأينا من فروع كثيرة ... تموت إذا لم تحيهن أصول ولم أر كالمعروف أما مذاقه ... فحلو وأما وجهه فجميل 241 قال امرؤ القيس: فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة ... كفاني ولم اطلب قليلاً من المال ولكنما أسعى لمجد مؤثل ... وقد يدرك المجد الموثل أمثالي 242 قال حاتم الطائي:

الهجو

أيا ابنة عبد الله وابنة مالك ... ويا ابنة ذي البردين والفرس الورد إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له ... أكيلا فإني لست أكله وحدي أخا طارقا أو جار بيت فإنني ... أخاف مذمات الأحاديث من بعدي وإني لعبد الضيف ما دام ثاوياً وما في تلك من شيمة العبد 243 قال حسان بن ثابت: أصون عرضي بمالي لا أدنسه ... لا بارك الله بعد العرض في المال أحتال للمال إن أودى فأجمعه ... ولست للعرض إن أودى بمحتال 244 قال أبو دلف العجلي: أجود بنفسي دون قومي دافعاً ... لما نابهم وأغشى الدواهيا واقتحم الأمر المخوف اقتحامه ... لأدرك مجداً أو أعاود ثاويا (الأغاني والحماسة) الهجو 245 قال أبو نواس في بخيل: سيان كسر رغيفه ... أو كسر عظم من عظامه فأرفق بكسر رغيفه ... إن كنت ترغب في كلامه وتراه من خوف النزو ... ل به يروع في منامه وقال أيضاً: خان عهدي عمرو وما خنت عهده ... وجفاني وما تغيرت بعده ليس لي مذ حييت ذنب إليه ... غير أني يوماً تغديت عنده

وله أيضاً: أبو جعفر رجل عالم ... بما يصلح المعدة الفاسدة تخوف تخمة ... فعودها أكله واحده 246 قال الخوارزمي في طبيب: أبو سعيد راحل للكرام ... ومنسف ينسف عمر الأنام لم أره إلا خشيت الردى ... وقلت يا روحي عليك السلام يبقى ويفنى الناس من شومه ... قوموا انظروا كيف نجاه اللئام ثم تراه آمنا سالماً ... يا ملك الموت إلى كم تنام 247 يحكى أن الوزير أبا علي الخاقاني كان ضجوراً كثير التقلب. فكان يولي العمل الواحد عدة من العمال في الأيام القليلة. حتى إنه ولى الكوفة في عشرين يوماً سبعة من العمال فقيل فيه: وزير قد تكامل في الرقاعة ... يولي ثم يعزل بعد ساعة إذا أهل الرشى اجتمعوا عليه ... فخير القوم أوفرهم بضاعة 248 قال بعضهم يهجو بخيلا: رأى الصيف مكتوباً على باب داره=فصحفه ضيفاً فقام إلى السيف وقلنا له خيراً فظن بأننا ... نقول له خبرا فمات من الخوف 249 هجا آخر طبيبا فقال: قال حمار الطبيب موسى ... لو أنصفوني لكنت أركب لأنني جاهل بسيط ... وراكبي جاهل مركب

250 قال ابن عبد ربه يهجو رجلاً جباناً: إذا صوت العصفور طار فؤاده ... وليث حديد الناب عند الثرائد قال آخر: لو أن خفة عقله في رجله ... سبق الغزال ولم يفته الأرنب 251 قال بعضهم يهجو المبرد محمد بن يزيد النحوي: سألنا عن ثماله كل حي ... فقال القائلون ومن ثماله فقلت محمد بن يزيد منهم ... فقالوا الآن زدت بهم جهالة 252 قال غيره: يا قبح الله أقواماً إذا ذكروا ... بني عميرة رهط اللؤم والعار قوم إذا خرجوا من سوءة ولجوا ... في سوءةٍ لم يجنوها بأستار 253 قالت كنزة أم شملة المنقري في مية صاحبة ذي الرمة: ألا حبذا أهل الملا غير أنه ... إذا ذكرت في فلا حبذا هيا على وجه في مسحة من ملاحة ... وفي القلب منها الخزي لو كان بادياً ألم تر أن الماء يخلف طعمه=وإن كان لون الماء أبيض صافيا إذا ما أتاه وارد من ضرورة ... تولى بأضعاف الذي جاء ظامياً 254 قيل: غنه أفتخر رجل على ابن الدهان الشاعر فأجابه: لا تحسين أن بالشعر ... مثلنا ستصير فللدجاجة ريش ... لكنها لا تطير

ابن كلده عند كسرى

ابن كلده عند كسرى 255 وفقد ابن كلدة الثقفي على كسرى فانتصب بين يديه. فقال له كسرى: من أنت. قال: أنا الحارث بن كلدة. قال: أعربي أنت. قال: نعم ومن صميمها قال: فما صناعتك. قال: طيب. قال: وما تصنع العرب بالطيب مع جهلها وضعف عقولها وقله قبولها وسوء غذلئها. فقال: ذلك أجدر أيها الملك إذا كانت بهذه الصفة أن تحتاج إلى ما يصلح جهلها ويقيم عوجها. ويسوس أبدانها. ويعدل أسنادها. قال الملك: كيف لها بان تعرف ما تعهده عليها. لو عرفت الحق لم تنسب إلى الجهل. قال الحارث: أيها الملك إن الله جل اسمه قسم العقول بين العباد كما قسم الأرزاق وأخذ القوم نصيبهم. ففيهم ما في الناس من جاهل وعالم وعاجز وحازم. قال الملك: فما الذي تجد في أخلاقهم. وتحفظ من مذاهبهم. قال الحارث: لهم أنفس سخية. وقلوب جرية. وعقول صحية مرضية. وأحساب نقية. فيمرق الكلام من أفواههم مروق السهم من الوتر. ألين من الماء. وأعذب من الهواء. يطعمون الطعام. ويضربون الهام. وعزهم لا يرام. وجارهم لا يضام. ولا يروع إذا نام. لا يقرون بفضل أحد من الأقوام. ما خلا الملك الهمام الذي لا يقاس به أحد من الأنام. قال كسرى: لله درك من عربي لقد أصبت علماً وخصصت به من بين الحمق فطنة وفهماً. ثم أمر بإعطائه وصلته وقضى حوائجه (لابن عبد ربه)

الباب الثاني عشر في الألغاز

الباب الثاني عشر في الألغاز 256 قد ألغز بعضهم في القلم: وأرقش مرهوف الشباة مهفهف ... يشتت شمل الخطب وهو جميع تدين له الآفاق شرقاً ومغرباً ... وتعنو له ملاكها وتطيع حمى الملك مفطوماً كما كان تحتمي ... به الأسد في الآجام وهو رضيع 257 وقال آخر فيه: وذي خضوع راكع ساجد ... ودمعة من جفنه جاري مواظب الخمس لأوقاتها ... منقطع في خدمة الباري 258 وقال غيره فيه: فلا هو يمشي لا ولا هو مقعد ... وما إن له رأس ولا كف لامس ولا هو حي لا ولا هو ميت ... ولكنه شخص يرى في المجالس يزيد على سم الأفاعي لعابه ... يدب دبيباً في الدجى والحنادس يفرق أوصالا بصمت يجنبه ... وتفرى به الأوداج تحت القلانس إذا ما رأته تحقر شانه ... وهيهات يبدو النقس عند الكرادس 256 وقيل أيضاً فيه: وأهيف مذبوح على صدر غيره ... يترجم عن ذي منطق وهو أبكم تراه قصيراً كلما طال عمره ... ويضحي بليغاً وهو لا يتكلم

وجاء أيضاً فيه: يصير بما يوحي إليه وما له ... لسان ولا قلب ولا هو سامع كأن ضمير القلب باح بسره ... إليه إذا ما حركته الأصابع 260 وجاء أيضاً في معناه: وأخرس ينطق بالمحكات ... وجثمانه صامت أجوف بمكة ينطق في خفية ... وبالشام منطقه يعرف 261 قال آخر ملغزا في دواة: ومرضعة أولادها بعد ذبحهم ... لها لبن ما لذ يوماً لشارب وفي بطنها السكين والثدي رأسها ... وأولادها مذخورة للنوائب 262 وألغز أبو الحسن بن التلميذ الطيب النصراني في الميزان: ما واحد مختلف الأسماء ... يعدل في الأرض وفي السماء يحكم بالقسط بلا رياء ... أعمى يري الإرشاد كل راء اخرس لا من عله وداء ... يغني عن التصريح بالإيماء يجيب إن ناداه ذو امتراء ... أبا رفع والخفض عن النداء يفصح إن علق في الهواء 263 قال آخر في البيضة: ألا قل لأهل الرأي والعلم والأدب ... وكل بصير بالأمور لدى أرب ألا خبروني أي شيء رأيتم ... من الطير في أرض الأعاجم والعرب قديم حديث قد بدا وهو حاضر ... يصاد بلا صيد وإن وجد في الطلب

ويوكل أحياناً طبيخاً وتارة ... قلياً ومشوياً إذا دس في اللهب وليس له لحم وليس له دم ... له عظم وليس له عصب وليس له رجل وليس له يد ... وليس له رأس وليس له ذنب ولا هو حي لا ولا هو ميت ... ألا خبروني إن هذا هو العجب 264 ألغز أبو محمد بت الخشاب البغدادي في كتاب: وذي أوجه لكنه غير بائح ... بسر وذو الوجهين للسر مظهر تناجيك بالأسرار وجهه ... فتسمعها بالعين مادمت تنظر 265 قلع لأسامة بن المنقذ ضرس فقال فيه ملغزاً. وصاحب لا أمل الدهر صحبته ... يشقى ويسعى سعي مجتهد لم ألقه مذ تصاحبنا فحين بدا ... لناظري افترفنا فرقة الأبد 266 ألغز ابن زكريا بن سلامة الحصكفي في نعش الموتى: أتعرف شيئاً في السماء نظيره ... إذا سار صاح الناس حيث يسير فتلقاه مركوياً وتلقته راكباً ... وكل أمير يعتليه أسير يحض على التقوى ويكره قربه ... وينفر منه النفس وهو نذير ولم يستزر عن رغبة في زيارة ... ولكن على رغم المزور يرور 267 وقد أحسن الصاحب بهاء الدين زهير وزير الملك الصالح ملغزاً في قفل: وأسود عار انحل البرد جسمه ... وما زال من أوصافه الحرص والمنع وأعجب شيء كونه الدهر حارساً ... وليس له عين وليس له سمع

268 لغز في طاحونة: ومسرعة في سيرها طول دهرها ... تراها مدى الأيام تمشي ولا تعب وفي سيرها ما تقطع الأكل كل ساعة ... وتأكل مع طول المدى وهي لا تشرب وما قطعت في السير خمسة اذرع ... ولا ثلث ثمن من ذراع ولا أقرب 269 قال بعضهم في حذاء: مطية فارسها راجل ... تحمله وهو لها حامل واقفة في الباب مرذولة ... لا تشرب الدهر ولا تأكل 270 قال غيره في الموز: ما اسم شيء حسن شكله ... تلقاه عند الناس موزونا تراه معدوداً فإن زدته ... واواً ونوناً صار موزونا 271 قال آخر في النار: أي صغير ينمو على عجل ... يعيش بالريح وهي تهلكه يغلب أقوى جسم ويغلبه ... أضعف جسم بحيث يدركه 272 ألغز آخر في يد الهاون: خبروني أي شيء ... أوسع ما فيه فمه وابنه في بطنه ... يرفسه ويلكمه وقد علا صياحه ... ولم يجد من يرحمه 273 وقال آخر ففي الإبرة: وذات ذوائب تنجر طولاً ... وراها في المجيء وفي الذهاب

بعين لم تذق للنوم طعماً ... ولا ذرفت لدمع ذي انسكاب وما لبست مدى الأيام ثوباً ... وتكسو الناس أنواع الثياب 274 ألغز الصلاح الصفدي في عيد: يا كاتباً بفضله ... كل أديب يشهد ما اسم عليل قلبه ... وفضله لا يجحد ليس بذي جسم يرى ... وفيه عين ويد 275 قال آخر في غزال: اسمُ من هاج خاطري ... أربع في صنوفه فإذا زل ربعه ... زال باقي حروفه 276 قال آخر في الماء: يميت ويحي وهو ميت بنفسه ... ويمشي بلا رجل إلى كل جانب يرى في حضيض الأرض طوراً أو تارة ... تراه تسامى فوق طور السحاب 277 قال آخر في مصراع الباب: عجبت لمحرومين من كل لذة ... يبيتان طول الليل يعتنقان إذا أمسيا كانا على الناس مرصدا ... وعند طلوع الفجر يفترقان 278 قال غيره في نار: ما اسم ثلاثي له النفع والضرر ... له طلعة تغني عن الشمس والقمر وليس له وجه وليس له قفا ... وليس له سمع وليس له بصر

الباب الثالث عشر

الباب الثالث عشر في الوصف 279 وصف اليوسفي غلاما فقال: يعرف المراد بالحظ. كما يفهمه باللفظ. ويعاين في الناظر. ما يجري في الخاطر. يرى النصح فرضاً يحب أداؤه. والإحسان حتما يلزم قضاءه. إن استفرغ في الخدمة جهده. خيل إليه انه بذل عفوة. أثبت من الجدار إذا استمهل. وأسرع من البرق إذا استعجل. (للثعالبي) 280 تظلم رجل للمأمون من عامل له فقال له: يا أمير المؤمنين ما ترك لنا فضة إلا فضها. ولا ذهب به. ولا ماشية إلا مشى بها. ولا غلية غلا غلها. ولا ضيعة إلا أضاعها. ولا عقلا إلا عقله ولا عرضاً إلا عرض له. ولا جليلاً إلا أجله. ولا دقيقاً إلا أدقه. فعجب المأمون من فصاحته وقضى حاجته (للشريشي) 381 حدث أبن الأعرابي قال: أجرى هارون الرشيد الخيل فجاء فرس يقال له المشمر سابقا. وكان الرشيد معجباً بذلك الفرس. فأمر الشعراء أن يقولوا فيه. فبدرهم أبو العتاهية فقال: جاء المشمر والأفراس يقدمها ... هوناً على رسله منها وما انبهرا خلف الريح حسري وهي جاهدة ... ومر يختطف الأبصار والنظرا فأجزل صلته وما جسر أحد أن يجيز أبا العتاهية (الأغاني)

282 لقي الحجاج إعرابياً فقال له: ما بيدك فقال: عصاي أركزها لصلاتي. وأعدها لعداتي. وأسوق بها دابتي. وأقوى بها على سفري. واعتمد عليها في مشيتي يتسع خطوي. وأثب بها على النهر، وتؤمنني العثر. وألقي عليها كسائي. فيقيني الحر. ويجنبني القر. وتدني إلي ما بعد عني. وهي محمل سفرتي. وعلاقة أدواتي. أفزع بها الأبواب وألقي بها عقور الكلاب. وتنوب عن الرمح الطعان. وعن السيف عند منازلة الأقران. ورثتها عن أبي وسأورثها ابني من بعدي وأهش بها على غنمي. ولي فيها مآرب أخرى. فبهت الحجاج وأنصرف (لبهاء الدين) 283 ذم أعرابي رجلاً فقال: إن سأل الحف. وإن سئل سوف. وإن حدث حلف. وإذا وعد اخلف. وإذا صنع اتلف. وإذا طبخ أقرف. وإذا سامر نشف. وإذا نام خوف. وإذا هم بالفعل الجميل توقف. ينظر نظر الحسود. ويعرض إعراض الحقود. بينما هو خل ودود. إذا هو خل ودود. فناؤه شاسع. وضيفه جائع. وشره شائع. وسره ذائع ولونه فاقع. وجفنه دامع ودياره بلاقع. رديء المنظر شيء المخبر. يخبل إذا أيس. ويهلع إذا أعسر. ويكذب إذا اخبره ويكفر إذا كبر عن عاهد غدر وإن خاصم فجر. وغن حمل أوقر وإن خوطب نفر. 284 سئل سناقدس عن المركب فكتب: بيت بلا أساس قبلا مؤلف.

وسئل عن الله سبحانه فكتب: معقول مجهول. واحد لا نظير له مطلوب غير مدرك سبحانه لا إله إلا هو. وسئل عن الموت فكتب: نوم لا انتباه معه راحة المرضى. نقيض البنية. انفصال الاتصال. الرجوع إلى العنصر. شهوة الفقراء. فزع الأغنياء. سفر البدن. فقدان الإخوان. وسئل عن الهرم فكتب: شر يتمنى. مرض الأصحاء. موت الحياة. صاحبه ميت يتحرك. وسئل عن المال فكتب: خادم الشهوات. هم في كل يوم. شر محبوب. وسئل عن الحسن فكتب: تصويري طبيهي. زهرة تذبل. وسئل عن الشمس فكتب: عين الفلك النهاري. عله العورات. وسبب الثمرات. وعن القمر. فكتب: عقيب الشمس سراج ليلي. وسل عن الإنسان فكتب: ملعبه البخت. مطلوب السنين. أمنية الأرض. وسئل عن الأرض فكتب: قاعدة الفلك. (على زعم الأقدمين) أصل ثابت في الهواء. أم الثمرات. وسئل عن الفلاح فكتب: خادم الغداء وسئل عن العداء فكتب: إني بليت بأربع لم يخلقوا ... إلا لشدة شقوتي وعنائي إبليس والدنيا ونفسي والهوى ... كيف الخلاص وكلهم أعدائي 285 وصف الكاتب محمود كاتباً فقال: وهذا فلان آتاه الله الحكمة وفصل الخطاب. ومكنه من أزمة جياد المعاني فهي تجري بأمره رخاء حيث أصاب. ومنحة فضيلتي العلم والعمل. فإذا كتب

أخذت الأرض زخرها وازينت (الكنز المدفون) 286 وقد أحسن الشاعر في وصف الطاووس حيث قال: سبحان من من خلقه الطاووس ... طير على أشكاله رئيس تشرق في دارته شموس ... في الرأس منه شجر مغروس كانه بنفسج يميس ... أو هو زهر حرم يبيس 287 قال بعضهم في وصف الفستق: كأنما الفستق المملوح حين بدا ... مشققاً في لطيفات الطيافير واللب ما بين قشرته به يلوح لنا ... كألسن الطير ما بين المناقير 288 وقيل في الفستق أيضاً: تفكرت في معنى الثمار فلم احد ... لها ثمراً يبدو بحسن مجرد سوى الفستق الرطب الجني فإنه ... زها بمعان زينت بتجرد غلاله مرجان على جسم فضة ... وأحشاء ياقوت وقلب زبرجد 289 قال ابن الموري يصف الجلنار: بدا لنا الجلنار في القضب ... والطل يبدو عليه كالحبب كأنما أكوس العقيق به ... قد ملئت من برادة الذهب 290 ومما جاء في وصف الأزهار والربيع قول بعضهم: غدونا على الروض الذي طله الندى ... سحيراً وأوداج الأباريق تسفك فلم نر شيئاً كأن أحسن منظراً ... من النور يجري دمعه وهو يضحك 291 قال بعض الشعراء يصف الربيع:

مرحباً بالربيع في آذار ... وبإشراق بهجة الأنوار من شقيق وأقحوان ورد ... وخزام ونرجس وبهار 292 قال غيره: أما ترى الأرض قد أعطتك زهرتها ... بخضرة واكتسى بالنور عاريها فالسماء بكاء في جوانبها ... وللربيع ابتسام في نواحيها 293 قال آخر في الغمام: إن السماء إذا لم تبك مقلتها ... لن تضحك الأرض عن شيء من الزهر والأرض لا تنجلي أنوارها أبداً ... إلا إذا رمدت من شدة المطر 294 قال أبو الحزم بن جهور في الورد: الورد أحسن ما رأت عيني وأذ ... كى ما سقى ماء السحاب الجامد خضعت نواوير الرياض لحسنه ... فتذللت تنقاد وهي شوارد وإذا تبدى الغض في أغصانه ... يزهو فذا ميت وهذا حاسد وإذا أتى وفد الربيع مبشراً ... بطلوع وفدته فنعم الوافد ليس المبشر كالمبشر باسمه ... خبر عليه من النبوة شاهد وإذا تعرى الورد من أوراقه ... بقيت عوارفه فهن خوالد 295 قال آخر في الياسمين: والأرض تبسم عن ثغور رياضها ... والأفق يسفر تارة ويقطب وكان مخضر الرياض ملاءة ... والياسمين لها طراز مذهب 296 قال الأخطل الأهوازي في السوسن:

سقيا الأرض إذا ما نمت نبهني ... بعد الهدوء بها قرع النواقيس كأن سوسنها في كل شارفةٍ ... على الميادين أذناب الطواويس 297 وقيل في السفرجل: حاز السفرجل لذات الورى فغدا ... على الفواكه بالتفضيل مشهورا كالراح طعماً وشم المسك رائحة ... والتبر لوناً وشكل البدر تدويرا 298 قيل في الخوخ: ورماح بغير طعنٍ وضرب ... بل لأكلٍ ومص لبٍ ورشف كملت في استوائها واستقامت ... باعتدال وحسن قدٍ ولطف 29 قال آخر يصف ناعورة: وناعورة قالت وقد حال لونها ... وأضلعها كادت تعد من السقم أدور على قلبي لأني فقدته ... وأما دموعي فهي تجري على جسمي 300 قال البحتري يصف الشام: عنيت بشرق الأرض قدما وغربها ... أجوب إلى آفاقها وأسرها فلم أر مثل الشام دار إقامة ... لراح أغاديها وكأس أديرها مصحة أبدان ونزهة أعين ... ولهو لنفس دائم لي سرورها مقدسة جاد الربيع بلادها ... ففي كل ارضٍ روضة وغديرها 301 أحسن ما قيل في وصف الشطرنج قول ابن المعتز: يا عائب الشطرنج من جهله ... وليس في الشطرنج من باس في فهمها علم وفي لعبها ... شغل عن الغيبة للناس

وتشغل العائم عن جزئه ... وصاحب الكاس عن الكاس وصاحب الحرب بتدبيرها ... يزداد في الشدة والباس وأهلها في حسن آدابهم ... من خير أصحاب وجلاس 302 وقد أحسن ابن دقيق العيد في وصف وزير كثير التلون: مقبل مدبر بعيد قريب ... محسن مذنب عدو حبيب عجب من عجائب البر والبحر ... ونوع فرد وشكل غريب 303 قال إسحاق بن خلف البهراني في وصف النحو: ألنحو يصلح من لسان الألكن ... والمرء تعظمه إذا لم يلحن فإذا طلبت من العلوم أجلها ... فأجلها منها مقيم الألسن 304 وصف ابن شيرويه الحمى قال: وزائرة تزور بلا رقيب ... وتنزل بالفتى من غير حبه وما أحد حب القرب منها ... ولا تحلو زيارتها بقلبه تبيت بباطن الأحشاء منه ... فيطلب بعدها من عظم كربه وتمنعه لذيذ العيش حتى ... تنغصه بمأكله وشربه أتت لزيارتي من غير وعدٍ ... وكم من زائر لا مرحبا به قال بعض الشعراء يصف فراق الخلان: القلب من فرقة الخلان يحترق ... والدمع كالدر في الخدين يستبق إن فاض ماء دموعي لم يكن عجباً ... ألعود يقطر ماء وهو محترق

الباب الرابع عشر

الباب الرابع عشر في الحكايات ابن الزبيري ومعاوية 305 كان لعبد الله ابن الزبيري أرض وكان له فيها عبيد يعملون فيها. وغلى جانبها أرض لمعاوية وفيها أيضاً عبيد يعملون فيها. فدخل عبيد معاوية في أرض عبد الله بن الزبير فكتب عبد الله كتاباً إلى معاوية يقول له فيه: أما بعد يا معاوية فإن عبيدك قد دخلوا في أرضي. فأنههم عن ذلك وإلا كان لي ولك شان والسلام. فلما وقف معاوية على كتابه وقرأه دفعه إلى ولده يزيد. فلما قرأه قال له معاوية: يا بني ما تراه. قال: أرى أن تبعث إليه جيشاً يكون أوله عنده وآخره عندك يأتونك برأسه. فقال: بل عير ذلك خير منه يا بني. ثم اخذ ورقة وكتب فيها جواب كتاب عبد اله بن الزبير يقول فيه: أما بعد فقد وقفت على كتاب ولد حواري وساءني ما أساءه. والدنيا بأسرها هينة عندي في جنب رضاه. نزلت عن أرضي لك فأضفها إلى أرضك بما فيها من العبيد والأموال والسلام. فلما وقف عبد الله بن الزبير على كتاب معاوية كتب إليه: قد وقفت على كتاب أمير المؤمنين أطال الله بقاءه ولا أعدمه الرأي الذي أحله من قريش هذا المحل والسلام. فلما وقف معاوية على كتاب عبد الله بن

المنصور ومحمد بن جعفر

الزبير وقرأه تهلل وجهه وأسفر فقال له أبوه: يا بني من عفا ساد. ومن حلم عظم. ومن تجاوز استمال إليه قلوب. فإذا ابتليت بشيء من هذه الأدواء. فداوه بمثل هذا الدواء. المنصور ومحمد بن جعفر 306 قيل: كان المنصور معجباً بمحادثة محمد بن جعفر ولعظم قدره يفزعون إليه في الشفاعات. فثقل ذلك على المنصور فعجبه مدة. ثم لم يصبر عنه فأمر الربيع أن يكلمه في ذلك فكلمه وقال: أعف أمير المؤمنين لا تثقل عليه في الشفاعات، فقبل ذلك منه. فلما توجه إلى الباب اعترضه قوم من قريش معهم رقاع فسألوه إيصالها إلى المنصور. فقص عليهم القصة فأبوا إلا أن يأخذها. فقال: اقذفوها في كمي. ثم دخل عليه وهو في الخضراء مسرف على مدينة السلام ما حولها من البساتين. فقال له: أما ترى إلى حسنها يا أبا عبد الله. فقال له: يا أمير المؤمنين بارك الله لك فيما أتاك وهناك بإتمام نعمته عليك فيما أعطاك. فما بنت العرب في دولة الإسلام ولا العجم في سالف الأيام أحصن ولا أحسن من مدينتك ولكن سمجتها في عيني خصلة. قال: ما هي. قال: ليس في فيها ضيعة. فبتسم وقال: قد حسنتها في عينك بثلاث ضياع قد أقطعتكها فقال: لله درك يا أمير المؤمنين إنك شريف الموارد كريم المصادر فجعل الله تعالى

عدل عمر بمن الخطاب بما أداه العجوز من فقراء رعيته

باقي عمرك أكثر من ماضيه. ثم قام معه يومه ذلك. فلما نهض ليقوم بدت الرقاع من كمه فجعل يردهن ويقول: أرجعن خائبات خاسرات فضحك المنصور وقال: بحقي عليك إلا أخبرتني وأعلمتني بخبر هذه الرقاع فأعلمه وقال: ما أتيت يا ابن معلم الخير إلا كريما وتمثل بقول عبد الله بن معاوية: لسنا وإن أحسابنا كرمت ... يوماً على الحساب تتكل نبني كما كانت أوائلنا ... تبني ونفعل مثل ما فعلوا ثم تصفح الرقاع وقضى حوائجهم عن آخرها (للابشيهي) عدل عمر بمن الخطاب بما أداه العجوز من فقراء رعيته 307 ذكر في كتاب المغازي عن عبد الله بن العباس عن أبيه قال: خرجت ليلة حالكة قاصداً دار أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فما وصلت إلى نصف الطريق إلا ورأيت شخصاً أعرابياً جذبني بثوبي وقال: ألزمني يا عباس. فتأملت الأعرابي فإذا هو أمير المؤمنين عمر وهو متنكر. فتقدمت إليه وسلمت عليه وقلت له: إلى أين يا أمير المؤمنين. قال: أريد جولة بين أحياء العرب في هذا الليل الدامس. وكانت ليلة قرٍ. فتبعته فسار وأنا وراءه وجعل يجول بين خيام الأعراب وبيوتهم ويتأملها إلى أن أتينا على جميعها وأوشكنا أن نخرج منها. فنظرنا وإذا هناك خيمة وفيها امرأة عجوز وحولها صبية يعولون عليها ويبكون ... وأمامها أثافي عليها قدر وتحتها النار تشتعل.

وهي تقول للصبية: رويداً سبني قليلا وينضج الطعام فتأكلون فوقفنا بعيداً من هناك وجعل عمر يتأمل العجوز تارة وينظر إلى الأولاد أخرى. فطال الوقوف. فقلت له: يا أمير المؤمنين ما الذي يوقفك سر بنا. فقال: والله لا أبرح حتى أراها قد صبت للصبية فأكلوا واكتفوا. فوقفنا وقد طال وقوفنا جداً ومللنا المكان خوفاً أن تستريب بنا العيون. والصبية لا يزالون يصرخون ويبكون والعجوز تقول لهم مقالته: رويداً رويداً بني قليلاً وينضج الطعام فتأكلون: فقال لي عمر: ادخل بنا عندها لنسألها. فدخل ودخلت وراءه فقال لها عمر: السلام عليك يا خالة. فدرت عليه السلام أحسن ردٍ فقال لها: ما بال هؤلاء الصبية يتصارخون ويبكون. فقالت له: لما هم في من الجوع. فقال لها: ولم لم تطعميهم مما في القدر فقالت له: وماذا في القدر لأطعمهم ليس هو إلا علالة فقط إلى أن يضجروا من العويل فيغلبهم النوم. وليس لي شيء لأطعمهم. فتقدم عمر إلى القدر ونظرها فإذا فيها حصباء وعليها الماء يغلي. فتعجب من ذلك وقال لها: ما المراد بذلك فقالت: أوهمهم أن فيها شيئاً يطبخ فيؤكل فأعللهم به حتى إذا ضجروا وغلب النوم عيونهم ناموا فقال لها عمر: ولماذا أنت هكذا فقالت له: أنا مقطوعة لا أخ لي ولا أب ولا زوج ولا قرابة فقال لها: لم لم تعرضي أمرك على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فيجعل لك شيئاً من بيت المال فقالت له: لا

حيا الله عمر ونكس أعلامه والله إنه ظلمني. فلما سمع عمر مقالتها ارتاح من ذلك وقال لها: يا خالة بماذا ظلمك عمر بن الخطاب. قالت له: نعم والله ظلمنا عن الراعي عليه أن يفتش على حال كل من رعيته. لعله يوجد فيها من هو مثلي ضيق اليد كثير الصبية ولا معين ولا مساعد له فيتولى لوازمه ويسمح له من بيت المال بما يقوته وعياله أو صبيته فقال لها عمر: ومن أين يعلم بحالك وما أنت به من الفاقة مع كثرة الصبية كان يجب عليك أن تتقدمي وتعلميه بأمرك. فقالت: لا والله إن الراعي الحر يجب عليه أن يفتش على احتياجات رعيته خصوصاً وعموماً فلعل ذلك الشخص الفقير الحال الضيق اليد غلبه حياؤه ومنعه من التقدم إلى راعيه ليعلمه بحاله. فعلى عمر السؤال عن حال الفقراء في رعيته أكثر من تقدم الفقير إلى مولاه لإعلامه بحاله. الراعي الحر إذا أهمل ذلك فيكون هذا ظلماً منه وهذه سنة الله ومن تعداها فقد ظلم. فعند ذلك قال لها عمر: صدقت يا خالة ولكن عللي الصبية والساعة آتيك: ثم خرج وخرجت معه وكان قد بقي من الليل ثلثه الأخير. فمشينا والكلاب تنبحنا وأنا أطردها أذبها عني وعنه إلى أن انتهينا إلى بيت الذخيرة ففتحه وحده ودخل وأمرني فدخلت معه. فنظر يميناً وشمالاً فعمد إلى كيس من الدقيق يحتوي على مائة رطل وينيف فقال لي: يا عباس حول على كتفي فحملته إياه ثم قال لي: أحمل أنت هاتيك جرة السمن. وأشار إلى جرة هناك

فحملتها وخرجنا وأقفل الباب وسرنا وقد انهار من الدقيق على لحيته وعينيه وجبينه. فمشينا إلى أن أنصفنا وقد أتعبه الحمل لأن المكان كان بعيد المسافة. فعرضت نفسي عليه وقلت له: بأبي وأمي يا أمير المؤمنين حول الكيس عنك ودعني احمله فقال: لا والله أنت لا تحمل عني جرائمي وظلمي يوم الدين. واعلم يا عباس إن حمل جبال الحديد وثقلها خير من حمل ظلامةٍ كبرت أو صغرت. ولاسيما هذه العجوز تعلل أولادها بالحصى. يا له من ذنب عظيم عند الله سر بنا وأسرع يا عباس قبل أن تضجر الصبية من العويل فيناموا كما قالت. فسار وأسرع وأنا معه وهو يلهث لهث الثور من التعب إلى أن وصلنا خيمة العجوز فعند ذلك حول كيس الدقيق عن كتفه ووضعت جرة السمن أمامه فتقدم هو بذاته وأخذ القدر وكب ما فيها ووضع فيها السمن وجعل بجانبه الدقيق ثم نظر فإذا النار قد كادت تطفأ فقال للعجوز: أعندك حطب قالت: نعم يا ابني. وأشارت له إليه فقام وجاء بقليل منه وكان الحطب أخضر فوضع منه في النار ووضع القدر على الأثافي وجعل ينكس رأسه إلى الأرض وينفخ بفمه تحت القدر. فوالله إني رأيت دخان الحطب يخرج من خلال لحيته وقد كنس بها الأرض إذ كان يطأطئ رأسه ليتمكن من النفخ. ولم يزل هكذا حتى اشتعلت النار وذاب السمن وابتدأ غليانه فجهل يحرك السمن بعود في يده الواحدة ويخلط من الدقيق مع السمن في يده الأخرى

معاوية والزرقاء

إلى أن انضج والصبية حوله يتصارخون فلما طاب الطعام طلب من العجوز إناء فاتته به فجعل يصب الطبيخ في الإناء وينفخه بفمه ليبرده ويلقم الصغار. ولم يزل يفعل هكذا معهم واحداً واحداً بعد واحد حتى أتى جميعهم وشبعوا واكتفوا. وقاموا يلعبون ويضحكون مع بعضهم إلى أن غلب عليهم النوم فناموا فألتفت عمر عند ذلك إلى العجوز وقال لها يا خالة أنا من قرابة أمير المؤمنين عمر وسأذكر له حالك. فائتيني غداً صباحاً في دار الإمارة فتجديني هناك فارجي خيراً. ثم ودعها عمر وخرج وخرجت معه فقال لي: يا عباس والله إني حين رأيت العجوز تعلل صبيتها بحصى حسست أن الجبال قد زلزلت واستقرت على ظهري. حتى إذا جئت بما جئت وأطعمتهم ما طبخته لهم واكتفوا وجلسوا يلعبون ويضحكون فحينئذ شعرت أن تلك الجبال قد سقطت عن ظهري. ثم أتى عمر داره أمرني فدخلت معه وبتنا ليلتنا ولما كان الصباح أتت العجوز فاستغفرها وجعل لها ولصبيتها راتباً من بيت المال تستوفيه شهراً فشهراً (للاتليدي) معاوية والزرقاء 308 حكي عن معاوية انه لما ولي الخلافة وانتظمت إليه الأمور، وامتلأت منه الصدور. وأذعن لأمره الجمهور. وساعده الله في مراده. استحضر ليلة خواص أصحاب وذا كرهم وقائع أيام صفين ومن كان يتولى كبر الكريهة من المعروفين فانهمكوا في القول الصحيح

والمريض. وآل حديثهم إلى من كان يجتهد في إيقاد نار الحرب عليهم بزيادة التحريض فقالوا: امرأة من أهل الكوفة تسمى الزرقاء بنت عدي كانت تعتمد الوقوف بين الصفوف. وترفع صوتها صارخة: يا أصحاب علي. تسمعهم كلاما كالصوارم. مستحثة لهم بقول لو سمعه الجبان لقاتل والمدبر لأقبل. والمسالم لحارب. والفار لكر. والمتزلزل لاستقر. فقال لهم معاوية: أيكم يحفظ كلامها قالوا: كلنا نحفظه. قال: فما تشيرون علي فيها. قالوا: نشير بقتلها فإنها أهل لذلك فاقل لهم معاوية: بئس ما أشرتم به وقبحا لما قلتم. أيحسن أن يشتهر عني أنني بعدما ظفرت وقدرت قتلت امرأة قد وفت لصاحبها. إني إذاً للئيم لا والله لا فعلت ذلك أبداً ثم دعا بكاتبه فكتب كتاباً إلى واليه بالكوفة أن: أنفذ إلى الزرقاء بنت عدي مع نفرٍ من عشيرتها وفرسان من قومها. ومهد لها وطاء ليناً ومركباً ذلولاً. فلما ورد عليه الكتاب ركب إليها وقرأه عليها. فقالت بعد قراءة الكتاب: ما أنا بزائغةٍ عن الطاعة. فحملها في هودج وجعل غشاءه خزا مبطناً. ثم أحسن صحبتها فلما قدمت على معاوية قال لها: مرحباً وأهلاً خير مقدم قدمه وافد. كيف حالك يا خالة وكيف رأيت سيرك. قالت: خير مسير فقال. هل تعلمين لم بعثن إليك. قالت: لا يعلم الغيب إلا الله سبحانه وتعالى. قال: الست راكبة الجمل الحمر يوم صفين. وأنت بين الصفوف توقدين نار الحرب

وتحرضين على القتال: قالت نعم. قال: فما حملك على ذلك قالت: يا أمير المؤمنين إنه قد مات الرأس وبتر الذنب. والدهر ذو غير ومن تفكر أبصر. والأمر يحدث بعده الأمر. فقال: صدقت فهل تعرفين كلامك وتحفظين ما قلت. قالت: لا والله قال: لله أبوك فلقد سمعتك تقولين: أيها الناس إن المصباح لا يضيء في الشمس وغن الكواكب لا تضيء مع القمر. وإن البغل لا يسبق الفرس. ولا يقطع الحديد إلا بالحديد. ألا من استرشدنا أرشدناه. ومن سألنا أخبرناه. إن الحق كان يطلب ضالة فأصابها. فصبراً يا معشر المهاجرين والأنصار. فكأنكم وقد التأم شمل الشتات وظهرت كلمة العدل وغلب الحق على باطله. فغنه لا يستوي المحق والمبطل أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا سيتوون فالنزال والصبر الصبر. ألا وإن خضاب النساء الحناء وخضاب الرجال الدماء. والصبر خير الأمور عاقبة. إئتوا الحرب غير ناكصين فهذا يوم لع ما بعده يا زرقاء أليس هذا قولك وتحريضك. قالت: لقد كان ذلك. قال: لقد شاركت علياً في كل دمٍ سفكه فقالت: أحسن الله بشارتك يا أمير المؤمنين ادام سلامتك. مثلك من يبشر بخير ويسر جليه. فقال معاوية: أوقد سرك ذلك قالت: نعم والله لد سرني قولك وأنى لي بتصديقه. فقال لها معاوية: والله لوفائكم له بعد موته أعجب إلي من حبكم له في حياته فاذكري حوائجك تقض. فقالت:

رجلان كريمان حصلا على الإمارة بكرمهما

يا أمير المؤمنين بن إني آليت على نفسي أن لا أسأل أحداً بعد علي حاجة. فقال: قد أشار علي بعض من عرفك بقتلك. فقالت: لؤم من المشير ولو أطعته لشاركته. قال: كلا بل نعفو عنك ونجسن إليك ونرعاك فقالت: يا أمير المؤمنين كرم منك ومثلك من قدر فعفا وتجاوز عمن أساء وأعطى من غير مسألة. فأعطاها كسوة ودراهم وأقطعها ضيعة تغل لها في كل سنة عشرة آلاف درهم. وأعادها إلى وطنها سالمة وكتب إلى والي الكوفة بالوصية بها وبعشيرتها (للابشيهي) رجلان كريمان حصلا على الإمارة بكرمهما 309 كان في أيام خلافة سليمان بن عبد الملك رجل يقال له حزيمة بن بشر من بني أسدٍ مشهور بالمروءة والكرم والمواساة وكانت نعمته وافرة. فلم يزل على تلك الحالة من الكرم حتى احتاج إلى إخوانه الذين كان يؤاسيهم ويتفضل عليهم. فآسوه حيناً ثم إنهم ملوه. فلما لاح منهم ذلك أتى امرأته وكانت ابنة عمه. فقال لها: يا ابنة العم رأيت من إخواني تغيراً عما عهدت منهم. وقد عزمت على لزوم بيتي إلى أن يأتيني الموت. ثم إنه أغلق بابه وأقام يتقوت بما عنده حتى نفذ جميعه وبقي حائراً في أمره. وكان يومئذ عكرمة القياض والياً على الجزيرة فبينما هو جالس في ديوانه وعنده جماعة من أهل البلد من معارفه إذ جرى ذكر خزيمة بن بشر. فسألهم عكرمة عن حاله

فقالوا له: إنه في أشقى حال من الفقر وقد أغلق بابه ولزم بيته. فقال عكرمة الفياض: أفما وجد خزيمة بن بشر مؤاسياً أو مكافيا. فقالوا له: لا. فامسك عكرمة عن ذلك وكان عكرمة في الكرم بالمنزلة العظيمة وقد سمي الفياض لزيادة كرمه وجوده ثم إن عكرمة انتظر إلى أن دخل الليل فعمد إلى أربعة دينار فجعلها في كيس وأمر بإسراج دابته فركبها وخرج سرا من عند أهله وسار ومعه غلام واحد يحمل المال. وكان الليل قد أنصف فلم يزل سائراً حتى وقف على باب خزيمة فنزل عن دابته بعيداً عن الباب وأمسكها لغلامه وأخذ منه الكيس وأتى به وحده إلى الباب وقرعه. فخرج خزيمة فقال له عكرمة وقد نكر صوته: خذ هذا أصلح به شانك. فتناوله خزيمة فرآه ثقيلاً فوضعه وقبض على ذيل عكرمة وقال له: أخبرني من أنت جعلت فداك فقال له عكرمة: ما جئتك في مثل هذا الوقت وأريد أن تعرفني فقال له خزيمة والله لا أقبله ألم تخبرني من أنت. فقال له عكرمة أنا جابر عثرات الكرام. فقال خزيمة: زدني إيضاحاً فقال له عكرمة لا والله وانصرف فدخل خزيمة بالكيس إلى امرأته وقال لها: أبشري فقد أتى الله بالفرج فقومي أسرجي. فقالت: لا سبيل إلى السراج لأنه ليس لنا زيت. فبات خزيمة يلمس الكيس فيجد خشونة الدنانير. ولما رجع عكرمة إلى منزله سألته امرأته فيم خرج بعد هدأة الليل منفرداً فأجابها: ما كنت لأخرج في وقت كذا

وأريد أن يعلم احد بما خرجت إليه إلا الله فقط. فقالت له: لا بد لي أن أعلم ذلك وصاحت وناحت وألحت عليه بالطلب. فلما رأى أنه ليس له بد قال لها: أخبرك بالأمر فاكتميه إذاً. قالته: قل ولا تبال بذلك. فاخبرها بالقصة على وجهز أماما كان من خزيمة فإنه لما أصبح صالح غر ماءه وأصلح شأنه وتجهز للسفر يؤيد الخليفة سليمان ابن عبد الملك. فدخل الحاجب وأخبر سليمان بوصول خزيمة بن بشر. وكان سليمان يعرفه جيداً بالمروءة والكرم فإذن له. فما دخل خزيمة وسلم عليه بالخلافة قال له سليمان: يا خزيمة ما أبطأك عنا. قال: سوء الحال يا أمير المؤمنين. قال فما منعك النهضة إلينا. قال خزيمة: ضعفي يا أمير المؤمنين وقلة ما بيدي. قال: فمن أنهضك الآن. الخزيمة: لم أشعر يا أمير المؤمنين بعد هدأة من الليل إلا والباب يطرق فخرجت فرأيت شخصاً وكان منه كيت وكيت. واخبره بقصته من أولها إلى آخرها. فقال له: أما عرفته. فقال خزيمة: ما سمعت منه يا أمير المؤمنين إلا حين سألته عن اسمه قال: أنا جابر عثرات الكرام. قال: فتلهف سليمان بن عبد الملك على معرفته وقال: لو عرفناه لكافيناه على مروءته. ثم قال: علي بالكاتب فحضر إليه. فكتب لخزيمة الولاية على الجزيرة وجميع عمل عكرمة وأجزل له العطاء وأحسن ضيافته وأمره بالتوجه من وقته إلى الولاية فقبل الأرض خزيمة وتوجه من ساعته إلى الجزيرة فلما قرب منها خرج عكرمة وكان قد بلغه عزله وأقبل لملاقاة خزيمة

مع جميع أعيان البلد. وسلموا عليه وساروا جميعاً إلى أن دخلوا به البلد. فنزل خزيمة في دار الإمارة وأمر أن يؤخذ عكرمة ويحاسب. فحوسب ففضل عليه مال كثير فطلبه خزيمة منه. فقال له عكرمة: والله ما إلى درهم منه سبيل ولا عندي منه دينار. فأمر خزيمة بحبسه وأرسل يطالبه بالمال. فأرسل عكرمة يقول له: إني لست ممن يصون ماله بعرضه فأصنع ما شئت. فأمر خزيمة بقيده وضربه فكبل بالحديد وضرب وضيق عليه فأقام كذلك شهراً فأضناه ذلك وأضر به فبلغ امرأته ضره فجزعت عليه واغتنمت لذلك غماً شديدا فدعت جارية لها ذات عقل وقالت لها: امضي الساعة إلى باب خزيمة وقولي للحاجب إن عندي نصيحة للأمير. فإذا طلبها منك فقولي: لا أولها إلا للأمير خزيمة. فإذا دخلت عليه فسليه الخلوة فإذا فعل فقولي له: ما كان هذا جزاء جابر عثرات الكرام منك بمكافأتك له بالضيق والجبس والحديد ثم بالضرب قال: ففعلت جاريتها ذلك فلما سمع خزيمة قولها قال: وا سؤتاه جابر عثرات الكرام غريمي قالت: نعم فأمر لوقته بدابته فسرجها وركب إلى وجوه أهل البلد فجمعهم وسار بهم إلى باب الحبس ففتحه ودخل فرأى عكرمة الفياض في قاع الحبس متغيراً قد أضناه الضر. فلما نظر عكرمة على خزيمة ووجوه أهل البلد معه أحشمه ذلك فنكس رأسه. فأقبل خزيمة واكب على رأسه فقبله. فرفع عكرمة رأسه وقال: ما أعقب هذا منك. قال خزيمة: كريم فعالك

وسوء مكافأتي. فقال له عكرمة: يغفر الله لنا ولك. ثم إن خزيمة أمر بقيده أن تفك وان توضع في رجليه نفسه فقال له عكرمة ما مرادك بذلك قال مرادي أن ينالني من الضر ما نالك فقال له عكرمة أقسم عليك بالله أن لا تفعل. وبعد ذلك خرجا جميعاً وجاءا إلى دار خزيمة فودعه عكرمة وأراد الانصراف فلم يمكنه من ذلك. ثم أمر خزيمة بالحمام فأخلى ودخلا جميعاً. وقام خزيمة نفسه وتولى خدمة عكرمة. ثم خرج فخلع عليه وحمل إليه مالا كثيرا وسأله أن يسير معه إلى أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك وكان يومئذ مقيماً في الرملة. فسار معه حتى قدما على سليمان. فدخل الحاجب وأخبره بقدوم خزيمة بن بشر. فراعه ذلك وقال في نفسه: والي الجزيرة يقدم علينا بغير أمنا مع قرب العهد به. ما هذا إلا لحادث عظيم. فلما دخل عليه قال: ما وراءك يا خزيمة قال: خير يا أمير المؤمنين قال: فما أقدمك قال: يا أمير المؤمنين إني ظفرت بجابر عثرات الكرام فأحببت أن أسرك لما رأيت من شوقك إلى رؤيته. قال: ومن هو قال: عكرمة الفياض فإذن له في الدخول فدخل وسلم عليه بالخلافة فرحب به وأدناه من مجلسه وقال له: يا عكرمة قد كان خيرك له وبالا عليك ثم إن الخليفة قال له: اكتب حوائجك وما تختاره في رقعة. فكتبها فقضيت على أتم وجهٍ. ثم أمر له بعشرة آلاف دينار وأضاف له شيئاً كثيراً من التحف والظرف وولاه على الجزيرة وأرمينية

يزيد بن المهلب عند سليمان بن عبد الملك

وأذربيجان وقال له: أمر خزيمة بيدك إن شئت أبقيه وإن شئت عزلته. قال: بل رده إلى عمله مكرماً يا أمير المؤمنين ثم إنهما انصرفا جميعاً ولم يزالا عاملين لسليمان مدة خلافته (ثمرات الأوراق للحموي) . يزيد بن المهلب عند سليمان بن عبد الملك 310 قيل أن الحجاج بن يوسف أخذ يزيد بن المهلب بن أبي صفرة وعذبه واستأصله واستأصل موجوده وسجنه. فاحتال يزيد بحسن تلطفه وأرغب السجان واستماله. وهرب هو السجان وقصد الشام إلى سليمان بن عبد الملك. وكان الخليفة في ذلك الوقت الوليد بن عبد الملك. فلما وصل يزيد بن المهلب إلى سليمان بن عبد الملك أكرمه وأحسن إليه وأقام عنده فكتب الحجاج إلى الوليد يعلمه أن يزيد هرب من السجن وأنه عند سليمان بن عبدا لملك أخي أمير المؤمنين وولي عهد المسلمين. وأمير المؤمنين أعلى رأياً فكتب الوليد إلى أخيه سليمان بذلك فكتب سليمان: يا أمير المؤمنين إني أجرت يزيد بن المهلب لأنه هو وأباه وإخوته أحباء لنا من عهد أبينا. ولم اجر عدوا لأمير المؤمنين. وقد كان الحجاج عذبه وغرمه دراهم كثيرة ظلما. ثم طلب منه بعدها مثل ما طلب أولا. فإن رأى أمير المؤمنين أن لا يخزيني في ضيفي فإنه أهل الفضل والكرم فكتب إليه الوليد إنه لا بد من أن ترسل إلي يزيد مقيداً مغلولاً فلما ورد ذلك على سليمان أحضر ولده أيوب فقيده. ثم دعا بيزيد بن المهلب وقيده.

هو كريم وإحسانه إلى من قتل أباه

ثم شد قيد هذا إلى قيد هذا بسلسة وغلهما جميعاً بغلين رحملهما إلى أخيه الوليد وكتب إليه: أما بعد يا أمير المؤمنين فقد وجهت إليك يزيد وابن أخيك أيوب بن سليمان. وقد هممت أن أكون ثالثهما. فغن هممت يا أمير المؤمنين بقتل يزيد فبالله عليك فأبدأ بقتل أيوب. ثم أجعل يزيد ثانياً. واجعلني إن شئت ثالثاً والسلام. فلما دخل يزيد ابن المهلب وأيوب بن سليمان على الوليد وهما في سلسلة أطراق الوليد استحياء وقال: لقد أسانا إلى أبي أيوب إذ بلغنا به هذا المبلغ. فأخذ يزيد يتكلم ويحتج لنفسه فقال له الوليد: ما نحتاج ما نحتاج إلى الكلام قد قبلنا عذرك وعلمنا ظلم الحجاج. ثم استحضر حداداً فأزال عنهما الحديد وأحسن إليهما ووصل أيوب ابن أخيه بثلاثين ألف درهم ووصل يزيد بن المهل بعشرين ألف درهم وردهما إلى سليمان. وكتب كتاباً للحجاج مضمونه: لا سبيل لك على يزيد بن المهلب فإياك أن تعاودني فيه بعد اليوم. فسار بن المهلب إلى سليمان بن عبد الملك. وأقام عنده في أعلى المراتب وأفضل المنازل (للابشيهي) هو كريم وإحسانه إلى من قتل أباه 311 حكي أنه لما أفضت الخلافة إلى بني العباس اختفت منهم جميع رجال بني أمية وكان منهم إبراهيم بن سليمان بن عبد الملك. وكان إبراهيم هذا رجلاً عالماً كاملاً أديباً وهو مع ذلك في سن الشبيبة فأخذوا له أماناً من السفاح فأعطاه أبو العباس السفاح أماناً

وأكرمه وقال له: الزم مجلسي فذات يوم قال له أبو العباس السفاح: يا إبراهيم حدثني عما مر بك في استخفائك من العدو. فقال سمعاً وطاعة يا أمير المؤمنين. كنت مختفياً في الحيرة بمنزل في شارع على الصحراء فبينما كنت يوماً على ظهر ذلك البيت إذ بصرت بإعلام سود قد خرجت من الكوفة تريد الحيرة. فتخيلت أنها تريدني فخرجت مسرعاً من الدار متنكراً حتى أتيت الكوفة وأنا لا اعرف أحدا اختفى عنده فبقيت في حيرة فنظرت وإذا أنا بباب كبير واسع الرحبة فدخلت فيه فرأيت رجلاً وسيما حسن الهيئة مقبلاً على الرحبة ومعه أتباعه فنزل عن فرسه والتفت فراني فقال لي: من أنت وما حاجتك فقلت رجل خائف على دمه وجاء يستجير في منزلك فأدخلني منزله وصيرني في حجرة تلي حرمة وكنت عنده في كل ما أحبه من طعام وشراب ولباس وهو لا يسألني عن شيء من حالي. إلا أنه كان يركب في كل يوم من الفجر ويمضي ولا يرجع إلا قريب الظهر فقلت له يوماً أراك تدمن الركوب كل يوم ففي م ذلك فقال لي: عن إبراهيم بن سليمان بن عبد الملك كان قد قتل أبي ظلما وقد بلغني أنه مختف في الحيرة فأنا أطلبه يومياً لعلي أجده وأدرك منه ثأري قال: فلما سمعت ذلك يا أمير المؤمنين كثر تعجبي وقلت في نفسي إن القدر ساقني إلى حتفي في منزل من يطلب دمي فوالله يا أمير المؤمنين إني كرهت الحياة: ثم إني سألت الرجل

جودة معن بن زائدة

عن أبيه فأخبرني فعلمت في كلامه حق وأني أنا الذي قتل أباه. فقلت له: يا هذا إنه قد وجب على حقك ولمعروفك لي يلزمني أن أدلك على خصمك الذي قتل أباك وأقرب عليك الخطوة. فقال: وما ذاك فقلت له: أنا إبراهيم بن عبد الملك وأنا قاتل أبيك فخذ بثارك. فتبسم مني وقال: هل أضجرك الاختفاء والبعد عن منزلك واهلك فأحببت الموت. فقلت: لا والله ولكني أقول لك الحق وإني قتلته في يوم كذا من اجل كذا. فلما سمع الرجل كلامي هذا وعلم صدقي تغير لونه واحمرت عيناه ثم فكر طويلاً والتفت إلي وقال: أنا أنت فسوف تلقى أبي عند حاكم عادل فيأخذ بثأره منك وأما أنا فلا احفر ذمتي ولكني أريد أن تخرج عني فإني لست آمن عليك من نفسي. ثم إنه أعطاني ألف دينار فأبيت أخذها وانصرفت عنه. فهذا يا أمير المؤمنين أكرم رجل رأيته وسمعت عنه في عمري بعد أمير المؤمنين (للاتليدي) جودة معن بن زائدة 312 حكي عن معن بن زائدة أن شاعراً من الشعراء قصده فأقام مدة يريد الدخول عليه فلم يتهيأ له ذلك. فلما أعياه الأمر سأل بعض خدمه وقال له: أرجوك إذا دخل الأمير إلى البستان أن تعرفني. فلما دخل معن إلى بستانه ليتنزه جاء الخادم وأخبر الشاعر فكتب الشاعر بيتاً من الشعر على خشبة وألقاها في الماء الجاري إلى داخل

إبراهيم الموصلي والمهدي

البستان فاتفق أن معناً كان جالساً في ذلك الوقت على جانب الماء فمرت عليه الخشبة فنظر فيها كتابة فأخذها وقرأها فوجد فيها أيا جود معن ناج معناً بحاجتي ... فمالي إلى معن سواك سبيل فلما قرأها معن قال لخادمه: أحضر الرجل صاحب هذه الكتابة فخرج وجاء به فقال له: ماذا كتبت. فانشده البيت فلما تحققه أمر له بألف درهم. ثم عن معناً وضع تلك الخشبة تحت البساط مكان جلوسه. فلما كان اليوم الثاني جاء فجلس في مجلسه فألمته الخشبة فقام لينظر ما ألمه فرأى الخشبة فأمر خادمه أن يدعو الرجل. فمضى وجاء به فأمر له بألف درهم ثانية. ثم إنه في الثالث خرج إلى مجلسه فألمته الخشبة فدعا الشاعر وأعطاه ألف درهم أيضاً. فلما رأى الشاعر هذه العطاء الزائد لأجل بيت واحد من الشعر خاف أم معناً يراجعه عقله ويأخذ المال منه فهرب. ثم إن معناً خرج إلى مجلسه في اليوم الرابع فخطر الشاعر بباله فأمر خادمه أن يحضره ويعطيه ألف درهم. فمضى الخادم وسأل عنه فقيل له إنه سافر. فرجع وأخبر مولاه. فلما بلغه أنه سافر اغتم جداً وقال: وددت والله لو أنه مكث وأعطيته كل يوم ألفا حتى لا يبقى في بيتي درهم إبراهيم الموصلي والمهدي 313 حدث إبراهيم الموصلي قال: كان المهدي لا يشرب الخمر فأرادني على ملازمته وترك الشرب فأبيت فحبسني. ثم دعاني

يوماً فعاتبني على شربي الخمر في منازل الناس وقال: لا تدخل على موسى وهارون البتة. ولن دخلت عليهما لأفعلن بك ولأصنعن فقلت: نعم ثم بلغه أني دخلت عليهما في نزهة لهما. فسعي بهما وبي إلى المهدي. فدعاني فسألني فأنكرت. فأمر بي فجردت فضربت ثلاثمائة وستين سوطاً. فقلت له وهو يضربني: إن جرمي ليس من الأجرام التي يحل لك بها سفك دمي. فلما قلت له هذا: ضربني بالسيف في جفنه فشجني به وسقطت مغشياً علي ساعة. ثم فتحت عيني فوقعتا على عيني المهدي. فرأيتهما عيني نادم وقال لابن مالك: خذه إليك قال فأخرجني إلى داره وأنا أرى الدنيا في عيني صفراء وخضراء من حر السياط. وأمره أن يتخذ لي شبيهاً بالقبر فيصيرني فيه. فدعا بكبش وسلخه. فألبسني جلده ليسكن الضرب. ودفعني إلى خادمةٍ له فصيرتني في ذلك القبر. فتأذيت بالنز وبالبق في ذلك القبر. وكان فيه خلاء أستريح إليه فقلت للأمة: اطلبي لي أجرةً عليها فحم وكندر يذهب عني هذا البق. فأتتني بذلك. فلما دخنت أظلم القبر علي وكادت تخرج من الفم. فاسترحت من أذاه إلى النز فألصقت به أنفي حتى خف الدخان. فلما ظننت أني قد استرحت مما كنت فيه إذا حيتان مقلبتان نحوي من شق القبر تدوران حولي بخفيف شديدٍ. فهممت أن آخذ واحدة بيدي اليمنى والأخرى بيدي اليسرى فإما علي وإما لي. ثم كفيتهما فدخلتا من الثقب الذي

المرأة المتظلمة وابن المأمون

حرجتا منه. فمكثت في ذلك القبر ما شاء الله وقلت في الحبس: ألا طال ليلي أراعي النجوم ... أعالج في الساق كبلاً ثقيلا بدار الهوان وشر الديار ... أسام بها الخسف صبراً جميلا كثير الأخلاء عند الرخاء ... فلما حبست أراهم قليلا لطول بلائي مل الصديق ... فلا يأمنن خليل خليلا ثم أخرجني المهدي وأحلفني (بكل يمين لا فسحة لي فيها) أن لا أدخل على موسى وهارون أبداً ولا أغنيهما وخلي سبيلي (الأغاني) المرأة المتظلمة وابن المأمون 314 حدث الشيباني قال: جلس المأمون يوما للمظالم. فكان آخر من تقدم إليه وقد هم بالقيام امرأة عليها هيئة السفر وعليها ثياب رثة. فوقفت بين يديه فقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمه الله وبركاته. فنظر المأمون إلى يحي بن اكثم فقال لها يحي: وعليك السلام يا أمة الله تكلمي في حاجتك. فقالت: يا خير منتصفٍ يهدي له الرشد ... ويا إماماً به قد أشرق البلد تشكو إليك عميد القوم أرملة ... عدا عليها فلم يترك لها سيد وابتز مني ضياعي بعد منعتها ... ظلماً وفرق مني الأهل والولد فأطرق المأمون حيناً ثم رفع رأسه إليها وهو يقول: في دون ما قلت زال الصبر والجلد ... عني وقرع مني القلب والكبد هذا أذان الصلاة العصر فانصرفي ... وأحضري الخصم في اليوم الذي اعد

المرأة الكريمة

والمجلس السبت إن يقض الجلوس لنا ... ننصفك منه وإلا المجلس الأحد فما كان اليوم الأحد جلس فكان أول من تقدم إليه تلك المرأة فقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. فقال: وعليك السلام أين الخصم. فقالت: الواقف على رأسك يا أمير المؤمنين. وأومأت إلى العباس ابنه. فقال: يا أحمد بن أبي خالد خذ بيده وأجلسه معها فجلس الخصوم. فجعل كلامها يعلو كلام العباس فقال لها أحمد بن أبي خالد: يا أمة الله إنك بين يدي أمير المؤمنين. وإنك تكلمين الأمير فاخفضي من صوتك. فقال المأمون: دعها يا أحمد فإن الحق أنطقها وأخرسه. ثم قضي لها برد ضيعتها إليها. وظلم العباس بظلمه لها. وأمر بالكتاب لها إلى العامل ببلدها أن يوغر لها ضيعتها ويحسن معاونتها وأمر لها بنفقةٍ (لابن عبد ربه) المرأة الكريمة 315 حكي أن عبد الله بن عباس كان من أكابر الأجواد الكرام فنزل منزلاً. وكان منصرفاً من الشام إلى الحجاز. فطلب من غلمانه طعاما فلم يجدوا. فقال لوكيله: اذهب في هذه البرية فلعلك تجد راعياً أو حياً فيه لبن أو طعام. فمضى بالغلمان فوقعوا على عجوز في حيٍ. فقالوا لها: عندك طعام ابتاعه قالت: أما طعام البيعة فلا ولكن عندي ما به حاجة لي ولأبنائي. قالوا: فأين بنوك قالت: في رعي لهم وهذا أوان أوبتهم. قالوا: فما أعددت لك ولهم قالت: خبزة تحت

ملتها. قالوا: وما غير ذلك. قالت: لاشيء قالوا: فجزدي لنا بشطرها. فقالت: أما الشطر فلا أجود به وأما الكل فخذوه. فقالوا لها: تمنعين النصف وتجودين بالكل. فقالت: نعم لن إعطاء الشطر نقيصة. وإعطاء الكل كمال وفضيلة. فانا امنع ما يضعني وأمنح ما يرفعني. فأخذوها ولم تسألهم من هم ولا من أين جاؤوا. فلما جاءوا إلى عبد الله وأخبروه بخبرها عجب من ذلك. ثم قال لهم: احملوها إلي الساعة فرجعوا إليها. وقالوا لها: انطلقي معنا على صاحبنا فإنه يريدك. فقالت ومن صاحبكم. قالوا: عبد الله بن عباس. قالت: وأبيكم هذا هو الشرف العالي وذروته الرفيهة. وماذا يريد مني قالوا: مكافأتك وبرك. فقالت: أواه والله لو كان ما فعلت معروفاً ما أخذت له بدلاً. فكيف وهو شيء يجب على الخلق أن يشارك فيه بعضهم بعضاً. فلم يزالوا بها إلى أن أخذوها إليه. فلما وصلت إليه سلمت عليه فرد عليها السلام. وقرب مجلسها. ثم قال لها: ممن أنت. قالت: من بني كلبٍ. قال: فكيف حالك. قالت: أسهر اليسير وأهجع أكثر الليل وأرى قرة العين في شي. فلم يك من الدنيا شيء إلا وقد وجدته. قال: فما ادخرت لبنيك إذا احضروا. قالت: أدخر لهم ما قاله حاتم طيء حيث قال: ولقد أبيت على الطوى وأظله ... حتى أنال به كريم المأكل فازداد عبد الله منها تعجباً. ثم قال لها: لو جاء بنوك وهم جياع ما

كنت تصنعين. فقال: يا هذا لقد عظمت عندك هذه الخبزة حتى أكثرت فيها مقالك. وأشغلت بها بالك. إله عن هذا فإنه يفسد النفس ويؤثر في الخسة. فقال عبد الله: أحضر والي أولادها فأحضروهم فلما دنوا منه رأوا أمهم وسلموا. فأدناهم إليه وقال: إني لم أطلبكم وأمكم لمكروه وإنما أحب أن أصلح من شأنكم وألم شعثكم. فقالوا: إن هذا قل أن يكون إلا عن سؤال أو مكافأة لفعل قديم قال: ليس شيء من ذلك ولكن جاورتكم في هذه الليلة فأحببت أن أضع بعض مالي فيكم. قالوا: يا هذا نحن في خفض عيش وكفاف من الرزق فوجهه نحو من يستحقه. وإن أردت النوال مبتدأ من غير سؤال فتقدم فمعروفك مشكور وبرك مقبول. فقال: نعم هو ذاك. وأم لهم بعشرة آلاف درهم وعشرين ناقة. فقالت العجوز لأولادها: ليقل كل واحد منكم شيئاً من الشعر وأنا أتبعكم في شيء منه. فقال الأكبر: شهدت عليك بطيب الكلام ... وطيب الفعال وطيب الخبر وقال الأوسط: تبرعت بالجود قبل السؤال ... فعال عظيم كريم الخطر وقال الأصغر: وحق لمن كان ذا فعله ... بأن يسترق رقاب البشر وقالت العجوز:

الأعرابي ومالك بن طوق

فعمرك الله من ماجد ... ووقيت كل الردى والحذر الأعرابي ومالك بن طوق 316 وفد أعربي على مالك بن طوق وكان زري الحال رث الهيئة فمنع من الدخول إليه. فأقام بالرحبة أياماً. فخرج مالك ذات يوم يريد نزهة حول الرحبة. فعارضة الأعرابي فمنعه الشرطة ازدراء به. فلم ينثن عنه حتى أخذ بعنان فرسه ثم قال: أيها الأمير أنا عائذ بك من شرطك. فنهاهم عنه وأبعدهم منه ثم قال له: هل من حاجةٍ. قال: نعم أصلح الله الأمير. قال: وما هي. قال: أن تصغي إلي بسمعك. وتنظر إلي بطرفك. وتقبل علي بوجهك. ثم أنشد: ببابك دون الناس أنزلت حاجتي ... وأقبلت أسعى نحوه وأطوف ويمنعني الحجاب والليل مسبل ... وأنت بعيد والرجال صفوف يطوفون حولي بالقلوب كأنهم ... ذئاب جياع بينهن خروف فأما وقد أبصرت وجهك مقبلاً ... واصرف عنه إنني لضعيف وما لي من الدنيا سواك وما لمن ... تركت ورائي مربع ومصيف وقد علم الحيان قيس وخندق ... ومن هو فيها مازال وحليف تخطيت أعناق الملوك ورحلتي ... إليك وقد أخنت علي صروف فجئتك أبغي الخير منك فهزني ... ببابك من ضرب العبيد صنوف فلا تجعلن لي نحو بابك عودة ... فقلبي من ضرب العبيد مخوف فاستضحك مالك حتى كاد يسقط عن فرسه. ثم قال لمن

الخارجي والمعتصم

حوله: من يعطيه درهما بدرهمين وثوباً بثوبين. فنثرت الدراهم وقعت الثياب عليه من كل جانب حتى تحير الأعرابي واختلط عقله لكثرة ما أعطي. فقال له مالك: هل بقيت لك حاجة يا أخا العرب. قال: أما إليك فلا. قال: فإلى من. قال: إلى الله أن يبقيك للعرب فإنها لا تزال بخير ما بقيت لها (للقليوبي) الخارجي والمعتصم 317 أخبر بعضهم قال: ما رأيت لاجً عرض عليه الموت فلم يكترث به إلا تميم بن جميل الخارجي. كان قد خرج على المعتصم ورأيته قد جيء به أسيراً. فدخل عليه في يوم موكب وقد جلس المعتصم للناس مجلسا عاماً ودعا بالسيف والنطع. فلما مثل بين يديه نظر إليه المعتصم فأعجبه شكله وقده ومشيته إلى الموت غير مكترث به. فأطال الفكرة فيه ثم استنطقه في عقله وبلاغته فقال: يا تميم إن كان لك عذر فات به. فقال: أما إذا إذن أمير المؤمنين (جبر الله به صدع الدين. ولم شعث المسلمين. واخمد ثهاب الباطل. وأنار سبل الحق) . فالذنوب يا أمير المؤمنين تخرس الألسنة وتصدع الأفئدة. أيم الله لقد عظمت الجريرة وانقطعت الحجة. وساء الظن ولم يبق إلا العفو أو الانتقام. وأمير المؤمنين أقرب إلى العفو وهو أليق شيمة الظاهرة. ثم أنشد: أرى الموت بين السيف والنطع كلمنا ... يلاحظني من حيث ما أتلفت

قصة رجل أجار رجلا استغاث به وكان خائفا على دمه فجوزي على إحسانه

وأكبر ظني أنك اليوم قاتلي ... وأي أمريء مما قضى الله يفلت ومن ذا الذي يأتي بعذر وحجةٍ ... وسيف المنايا بين عينيه مصلت وما جزعي من أن أموت وإني ... لأعلم أن الموت شيء موقت ولكن خلفي صبية قد تركتهم ... وأكبادهم من حسرة تتفتت وكأني أراهم حين أنعي إليهم ... وقد لطموا تلك الخدود وصوتوا فإن عشت عاشوا سالمين بغبطةٍ ... أذد الردى عنهم وإن مت موتوا قال فبكي المعتصم وقال: إن من البيان لسحراً. ثم قال: كاد والله يا تميم أن يسبق السيف العذل وقد وهبتك لله ولصبيتك وأعطاه خمسين ألف درهم (ثمرات الأوراق للحموي) قصة رجل أجار رجلاً استغاث به وكان خائفاً على دمه فجوزي على إحسانه 318 حكى العباس حاجب المنصور قال: لما ملك العباس السفاح البلاد من بني أمية واستولى على الخلافة قطع آثار بني أمية من جميع البلاد. فبعد مدةٍ قليلة تراجع المتعصبون لبني أمية وأثاروا فتنه عظيمة في الشام. وكان ذلك بعد موت أمير المؤمنين العباس السفاح وتوليه الخلافة لأخيه أبي جعفر المنصور. فقال الأمويون على العباسيين وقتلوا جميع من وقع منهم في أيديهم. وبلغني الخبر وأنا ماش في شارع وماض لابتاع شيئاً أنهم طلبوني وأدركوني. فهربت ودخلت داراً وجدت بابها مفتوحاً فلقيت في ساحتها شيخا مهيباً جالساً فقال: من الرجل. فقلت: خائف على دمه وقد أدركه الطلب. فقال:

مرحباً لا بأس عليك أدخل هذه المقصورة. وأشار لي إلى باب فدخلته ومضى مسرعاً وأقفل الباب ودخل حرمه وأتاني من ثيابهن وقال لي: قم أشلح ما عليك والبس هذه الثياب لأني رأيت الطلب عليك شديداً. فلبست ثياب النساء ثم أدخلني إلى مقصورة حرمه وجعلني بينهن. فما لبثت قليلاً أن طرق باب الدار وقد حضرت الرجال في طلبي. فدخل الرجل عندي وقال لي: لا تخف بل كن مستقراً في حرمي. ثم نزل وفتح الباب للناس فطلبوني منه فأنكرني وقال: إنه لم يرني. فقالوا له: نفتش بيتك فقال لهم: دونكم ذلك. فدخل القوم وفتشوا جميع دار الرجل إلا مقصورة التي فيها حرمه فلم يجدوا شيئاً. فذهبوا وأقفل الرجل باب داره ودخل علي وقال: الحمد لله على سلامتك وجعل لا يبرح من بأنيسي ومجالستي وإكرامي مدة ثلاثة أيام فقلت له يوماً: يا مولاي لقد طال مقامي وأنا أريد اللحاق بولي نعمتي. فقال: أما إذا شئت فامض معافى. ثم إنه احضر لي زاداً كثيراً وركوبةً وأعطاني صرة فها خمسمائة دينار وقال لي: كل احتياج سفرك معد إلا أنني أخاف عليك أن تمضي وتخرج من المدينة نهاراً فتعرف فأمهل إلى بعد الغروب قبل قفل أبواب المدينة. فقلت له: إن الرأي رأيك. فصبرت إلى أن أظلمت ثم قمت وقام معي وأخرجني من باب الشام وسار معي مسافة طويلة فأقسمت عليه أن لا يزيد على ذلك. فودعني ورجع وسرت شاكراً للرجل

ومتعجباً من غزارة إحسانه إلى أن بلغت بغداد ولحقت بأبي جعفر المنصور. فذات يوم لما قمت صباحاً على عادتي الفجر العميق وخرجت من داري قاصداً دار أمير المؤمنين وجدت رسوله في الطريق وهو آت من عنده يدعوني له. فانطلقت مسرعاً إلى أن دخلت عليه فنظر إلي وقال: يا عباس. فقلت لبيك يا أمير المؤمنين. قال خذ هذا الرجل واحتفظ به وغداً أتني به وأعلم أنه إن فقد منك فلن أرضى إلا بعنقك. فقلت سمعاً وطاعة يا أمير المؤمنين. فنظرت فوجدت أمامه في ناحية المكان شيخاً مقيداً في عنقه ويديه ورجليه فأخذته وخرجت به فأكبته وأتيت به إلى بيتي. ولكثرة حرصي عليه من أجل وصية المنصور لي دعوت غلماني وأمرتهم ففرشوا لنا مقصورة وأجلست الرجل فيها وجلست إلى جانبه وضعت طرف قيده في رجلي وطبقت عليها. كل ذلك حرصاً إلى الرجل لئلا يهرب فيروح عنقي. فلما مضى النهار وجاء المغرب أمرت غلماني فجاءوا بالمائدة وعليها الطعام والشراب. فجلست أنا والرجل فأكلنا ثم غسلنا أيدينا وجلسنا وقد ضجرت من السكون لن الرجل مهموم ويفكر في شأنه فسألته من أين هو فقال: من الشام. فقلت أتعرف فلان الفلاني في الشام. فقال: ما أحد أعرف به مني لماذا تسأل عنه. فقلت له: لأني أسير معروفه وعبد إحسانه. وأخبرته بما عمله معي في زمان فتنة الشام. فتبسم الرجل فلما تبسم تفرست فيه فإذا هو هو. فطار عقلي من

رأسي فرحاً به فجعلت أسأله إلى أن تحققته فقمت حينئذ وكسرت أقفال قيوده وهو يمتنع من ذلك. ثم أمرت الغلمان فأحضروا له ثياباً فأبى فأقسمت عليه فلبسها. ثم قال لي: ما مرادك أن تعمل بي. قلت: والله أنقذك حتى تصير بعيداً عن بغداد بمراحل وتذهب في حال سبيلك. فقال: اسمع هذا ليس هو الرأي الصائب لأنك إذا مضيت إلى أمير المؤمنين من غيري يغضب عليك فيقتلك وأنا معاذ الله أن اشتري سلامتي بموتك فهذا لا يمكن. فقلت له: وما ذنبك أنت عند أمير المؤمنين. فقال: اتهموني زراً بأني أنا الذي حركت الفتن في الشام وأن لبني أمية عندي ودائع. فقلت: حيث إن هذا فقط جرمك والله إني أهربك وأنالا أبالي من أمير المؤمنين إن قتلني وإن عفا عني. فإن إحسانك السالف علي عظيم جداً. فقال لي: لا تظن أني أطاوعك على ذلك ولكن عندي رأي أصوب وهو: دعني محفوظاً في مكان وامض قل لأمير المؤمنين ما شئت من هربي. فإن عفا عنك فعد إلي وأطلقني فأهرب وإن أمر بقتلك فعد ذلك أكون أنا في أمرك فتحضرني وتفتدي نفسك. وعدا هذا لا أرتضي معك بشيء (قال) فلما رأيت الرجل أبى إلا هذا وضعته في مقصورة خفية في داري وأصبحت وأبكرت إلى دار الخلافة. فدخلت فوجدت المنصور جالساً ينتظرني. فلما رآني وحدي قام عرق الغضب بين عينيه ورأيت عينيه قد صارتا مثل النار غيظاً علي وقال لي: هيه

يا عباس أين الرجل. فقلت له مهلاً يا أمير المؤمنين فإن العفو أقرب للتقوى وهذا رجل حرى لي معه كيت وكيت وفعل معي كذا وكذا من الإحسان العظيم فالتزمت لحق إحسانه أن أطلقه أملا بحلمك واتكالا على كرمك. قال: فرأيت وجه المنصور قد تهلل وقال لي لحاك الله يا عباس. أيفعل هذا الرجل معك هذا للإحسان العظيم في زمن الفتنة وتطلقه من غير أن تخبرنا بإحسانه لنقم بإكرامه ونجزيه عما فعله معك من الخير. وجعل المنصور يتأسف ويفرك يديه تحسراً ويقول: أيذهب منا إنسان له علينا إحسان فلا نوفيه بعض ما استوجب عندنا من عظيم معروفه والله إنها لكبرى. فقلت له: يا أمير المؤمنين بأبي وأمي إن الرجل موجود عندي وقد أبى أن يهرب لخوفه على عنقي منك. فقال لي أن أجعله محفوظاً في مكان وآتيك فأخبرك أنه هرب فإن عفوت وإلا رجعت فأحضرته. فاستبشر وجه المنصور وضرب برجله الأرض وقال: هذا والله يساوي مقدار سالف معروف الرجل إليك. فامض مسرعاً وائتني به مكرماً موقراً. فمضيت وأتيت داري ودخلت على الرجل فقبل الأرض شكراً لله تعالى وقام وجاء معيي حتى دخلنا على أمير المؤمنين المصور فحين رآه رحب به وأجلسه بجانبه وأكرمه وخلع عليه خلعاً نفيسة وقال له: هذا جزاء إحسانك. وسأله إن شاء أن يوليه الشام فأبى وشكره. وأطلقه المنصور موقراً وأرسل معه الكتب لولاته يأمرهم بإكرامه والقيام بحوائجه (للاتليدي)

الباب الخامس عشر في الفكاهات

الباب الخامس عشر في الفكاهات 319 أرسل ابن خروف الشاعر إلى ابن شداد بحلب يطلب منه فروةً: بهاء الدين والدنيا ... ونور المجد والحسب طلبت مخافة الأنوا ... ء من جدواك جلد أبي وفضلك عالم أني ... خروف بارع الأدب حلبت الدهر أشطره ... وفي حلبٍ صفا حلبي 320 دخل أبو دلامة على المنصور فأنشده: رأيتك في المنام كسوت جلدي ... ثياباً جمة وقضيت ديني فكان بنفسجي الحز فيها=وسياج ناعم فأتم زيني فصدق يا فدتك الناس رؤيا ... رأتها في المنام كذاك عيني فأمر له بذلك وقال: لا تعد فتحلم فأجعل حلمك أضغاثاً (للأزدي) سيد العرب 321 قال الأصمعي: رأيت بالبادية أعرابية تبكي على قبر وتقول: فمن لسؤال ومن للنوال ... ومن للمعالي ومن للخطب ومن للحماة ومن للكماة ... إذا ما الكماة جثوا للركب إذا قيل مات أبو مالك ... فتى المكرمات فريد العرب فقلت لها: من هذا الذي مات هؤلاء كلهم بموته. فبكت

ابن المغازلي عند المعتضد

وقالت: هذا أبو مالك الحجام ختن أبي منصور الحائك. فقلت: لا جازاك الله خيراً. والله ظننت إلا انه سيد من سادات العرب. ابن المغازلي عند المعتضد 322 كان ابن المغازلي رجلاً يتكلم ببغداد على الطرق بأخبار ونوادر منوعةٍ. وكان نهاية في الحذق لا يستطيع من سمعه أن لا يضحك. قال: وقفت يوماً على باب الخاصة أضحك الناس واتنادر فحضر حلفي بعض خدام المعتضد. فأخذت في نوادر الخدم فأعجب بذلك وانصرف. ثم عاد فأخذ بيدي وقال: دخلت فوقفت بين يدي سيدي فتذكرت حكايتك فضحكت. فانك علي وقال: مالك ويلك. فقلت: على الباب رجل يعرف بابن المغازلي يتكلم بحكايات ونوادر تضحك الثكول. فأمر بإحضارك ولي نصف جائزتك. فطمعت في الجائزة وقلت: يا سيدي أنا ضعيف وعلي عيله فلو أخذت سدسها أو ربعها. فأبى وأخلني. فسلمت فرد السلام وهو ينظر في كتاب. فنظر في أكثره وأنا واقف ثم أطبقه ورفع رأسه إلي وقال: أنت ابن المغازلي. قلتك نعم يا مولاي. قال: بلغني أك تحكي وتضحك بنوادر عجيبة. فقلت: يا أمير المؤمنين الحاجة تفتق الحيلة. اجمع للناس حكايات أتقرب بها إلى قلوبهم فالتمس برهم. فقال: هات ما عندك فإن أضحكتني أجزتك بخمسمائة درهم وإن أنا لم أضحك بذلك الحراب عشر صفعاتٍ. فقلت في

نفسيك ملك لا يصف إلا بشيء لين خفيف. والتفت فإذا بجراب من ادم معلق في زاوية البيت. فقلت: ما أخطأ ظني عسى فيه ريح. إن أضحكته ربحت وأخذت الجائزة وإلا فعشر صفعات بجراب منفوخ شيء هين. ثم أخذت في النوادر والحكايات والنفاسة والعبارة. فلم أدع حكاية أعرابي ولا نحوي ولا مخنث ولا قاض ولا نبطي ولا سندي ولا زنجي ولا خادم ولا تركي ولا شاطر ولا عيار ولا نادرة ولا حكاية إلا وأحضرتها حتى نفذ كل ما عندي وتصدع رأسي. وفترت وبردت ولم يبق ورائي خادم ولا غلام إلا وقد ماتوا من الضحك. وهو مقطب لا يبتسم. فقلت: قد نفذ ما عندي ووالله ما رأيت مثلك قط. فقال لي: هيه ما عندك. فقلت مابقي لي سوى نادرة واحدةٍ. قال: هاتها. قلت: وعدتني أن تجعل جائزتي عشر صفعات وأسألك أن تضعفها لي وتضيف إليها عشر صفعات أخرى. فأراد أن يضحك ثم تماسك وقال: نفعل. يا غلام خذ بيده. ثم مددت ظهري فصفعت بالجراب صفعة فكأنما سقطت قطعة من جبل. وإذا هو مملوء حصا مدوراً فصفعت عشراً فكادت أن تنفصل رقبتي وطنت أذناي وانقدح الشعاع من عيني. فصحت: يا سيدي نصيحة. فرفع الصفع بعد أنعزم على العشرين. فقال: قل نصيحتك. فقلت يا سيدي إنه ليس في الديانة. أحسن من الأمانة وأقبح من الخيانة. وقد ضمنت للخادم الذي أدخلني نصف الجائزة على قلها وكثرها.

إبراهيم الموصلي وإبراهيم المهدي عند الرشد

وأمير المؤمنين بفضله كرمه قد أضعفها. وقد استوفيت نصفي وبقي نصفه. فضحك حتى استلقى واستفزه ما كان سمع. فتحامل له فما زال يضرب بيديه الأرض ويفحص برجليه ويمسك بمراق بطنه حتى إذا سكن قال: علي به فأتى به. وأمر بصفعه وكان طويلاً. فقال: وما جنايتي. فقلت له: هذه جائزتي وأنت شريكي فيها. وقد استوفيت نصيبي منها وبقي نصيبك. فلما أخذه الصفع وطرق قفاه الوقع أقبلت ألومه وأقول له: قلت لك إني ضعيف معيل وشكوت إليك الحاجة والمسكنة وأقول لك: خذ ربعها أو سدسها وأنت تقول لا آخذ إلا نصفها. ولو علمت أن أمير المؤمنين أطال الله بقاءه جائزته الصفع وهبتها لك كلها. فعاد إلى الضحك من عتابي للخادم. فلما استوفى نصيبه اخرج صرة فيها خمسمائة درهم وقال: هذه كنت أعددتها لك فلم يدعك فضولك حتى أحضرت شريكاً لك. فقلت: وأين الأمانة. فقسمها بيننا وانصرفت (للشريشي) إبراهيم الموصلي وإبراهيم المهدي عند الرشد 323 قال الرشيد لإبراهيم بن المهدي وإبراهيم الموصلي وابن جامع: باكروني غدا وليكن كل واحد قد قال شعراً إن كان يقدر أن يقوله وغنى فيه لحناً. وإن لم يكن شاعراً عنى في شعر غيره. قال إبراهيم بن المهدي: فقمت في السحر وجهدت أن أقدر على شيء أصنعه فلم يتفق لي. فلما خفت طلوع الفجر دعوت بغلماني وقلت لهم:

إني أريد أن أمضي إلى موضع لا يشعر بي احد حتى أصير إليه. وكانوا في زبيديات لي يبيتون فيها على باب داري. فقمت فركبت في إحداها وقصدت دار إبراهيم الموصلي. وكان قد حدثني أنه إذا أراد الصنعة لم ينم حتى يدبر ما يحتاج إليه. واعتمد على خشبةٍ له فلم يزل يقرع عليها حتى يفرغ من الصوت ويرسخ في قلبه. فجئت حتى وقفت تحت داره فإذا هو يردد صوتاً أعده. فمازلت واقفاً أستمع منه الصوت حتى أخذته. ثم عدونا إلى الرشيد فلما جلسنا للشرب خرج الخادم إلى فقال: يقول لك أمير المؤمنين يا ابن أم غنني. فاندفعت فغنيت هذا الصوت والموصلي في الموت حتى فرغت منه. فشرب عليه وأمر لي بثلاثمائة ألف درهم. فوثب إبراهيم الموصلي فحلف بالطلاق وحياة الرشيد أن الشعر له قاله البارحة وغنى فيه. ما سبقه إليه أحد. فقال ابن المهدي: ياسيد فمن أين هو لي أنا لولا كذبه وبهته. وإبراهيم يضطرب ويضج. فلما قضيت أرباً من العبث به قلت للرشيد: الحق أحق أن يتبع وصدقته. فقال للموصلي: أما أخي فقد أخذ المال ولا سبيل إلى رده. وقد أمرت لك بمائة ألف درهم عوضاً مما جرى عليه. فأمر له بها فحملت إليه. (الأغاني) 324 ذكر المبرد أن المهلب بن أبي صفرة قال يوماً وقد اشتدت الحرب بينه وبين الخوارج لأبي علقمة اليحمدي: امددنا بخيل اليحمد. وقال لهم: أعيرونا جماجمكم ساعة. فقال: أيها الأمير إن

ثقيل وظريف

جماجمهم ليست بفخار فتعار. وأعناقهم ليست بكراثٍ فتنبت. وقال: يقول لي الأمير بغير جرمٍ ... تقدم حين جد بنا المراس فما لي إن أطعنك من حياة ... مال لي غير هذا الرأس راس ثقيل وظريف 325 أهدى رجل من الثقلاء إلى رجل من الظرفاء جملاً ثم نزل عليه حتى أبرمه. فقال فيه: يامبرماً أهدى جمل ... خذ وانصرف ألفي جمل قال وما أوقارها ... قلت زبيب وعسل قال ومن يقودها ... قلت له ألفا رجل قال ومن يسوقها ... قلت له ألفا بطل قال وما لباسهم ... قلت حلي وحلل قال وما سلاحهم ... قلت سيوف وأسل قال عبيد لي إذا ... قلت نعم ثم خول قال بهذا فاكتبوا ... إذن عليكم لي سجل قلت له ألفي سجل ... فأضمن لنا أن ترتحل قال وقد أضجرتكم ... قلت أجل ثم أجل قال وقد أبرمتكم ... قلت له الأمر جلل قال وقد أثقلتكم ... قلت له فوق الثقل قال فإني راحل ... قلت العجل ثم العجل

سنان بن ثابت والطبي القروي

يا كوكب الشؤم ومن ... أربى على تحس زحل يا جبلاً من جبل ... في جبل فوق جبل سنان بن ثابت والطبي القروي 326من ظريف ما جرى لسنان بن ثابت في الطب في امتحان الأطباء عند تقدم الخليفة إليه بذلك أنه احضر إليه رجل مليح البشرة والهيئة وقار. فأكرمه سنان على موجب منظره ورفعته. ثم التفت إليه سنان فقال: قد اشتهيت أن أسمع من الشيخ شيئاً أحفظه عنه وان يذكر شيخه في الصناعة. فأخرج الشيخ من كمه قرطاساً فيه دنانير صالحة ووضعها بين يدي سنان وقال: والله ما أحسن أن أكتب ولا أقرأ شيئاً جملة. ولي عيال ومعاشي دار دائره وأسألك أن لا تقطعه عني. فضحك سنان وقال: على شريطة أنك لا تهجم على مريض بما لا تعلم ولا تشير بنفصدٍ ولا بدواء مسهل إلا بما قرب من الأمراض. قال الشيخ: هذا مذهبي مذ كنت ما تعديت السكنجبين والجلاب. وانصرف. ولما كان من الغد حضر إليه غلام شاب حسن البزة مليح الوجه ذكي فنظر إليه سنان فقال له: هلي من قرأت قال: على أبي. قال: ومن يكون أبوك. قال: الشيخ الذي كان عندك بالأمس. قال: نعم الشيخ. وأنت على مذهبه. قال: نعم. قال: لا تتجاوزه. وانصرف مصاحبا (لأبي الفرج)

حذاء أبي القاسم الطنبوري

حذاء أبي القاسم الطنبوري 327 حكي أنه كان في بغداد رجل أسمه أبو القاسم الطنبوري وكان له مداس صار له وهو يلبسه سبع سنين. وكان كلما تقطع منه موضع جعل مكانه رقعه إلى أن صار إلى غاية الثقيل وصار الناس يضربون به المثل. فأتفق انه دخل يوماً سوق الزجاج. فقال له سمسار: يا أبا القاسم قد قدم إلينا اليوم تاجر من حلب ومعه حمل زجاج مذهب قد كسد فاشتره منه. وأنا أبيعه لك بعد هذه المدة فتكسب به المثل مثلين. فمضى واشتراه بستين ديناراً. ثم إنه دخل على سوق العطارين فصادفة سمسار آخر وقال له: يا أبا القاسم قد قدم إلينا اليوم من نصيبين ومعه ماء وردٍ في غاية الطيبة ومراده أن يسافر. فلعجلة سفره يمكن أن تشتريه منه رخيصا وأنا أبيعه لك فيما بعد بأقرب مدةٍ فتكسب به المثل مثلين. فمضى أبو القاسم واشتراه أيضاً بستين ديناراً أخرى وملأه في الزجاج المذهب وحمله وجاء به فوضعه على رفٍ من رفوف بيته في الصدر. ثم إن أبا القاسم دخل الحمام يغتسل. فقال له بعض أصدقائه يا أبا القاسم أشتهي أن تغير مداسك فإنه في غاية الشناعة وأنت ذو مال من حمد الله. فقال له أبو القاسم: الحق معك فالسمع والطاعة. ثم لأنه لما خرج من الحمام ولبس ثيابه رأى بجانب مداسه مداساً جديداً فطن أن الرجل من كرمه اشتراه له فلبسه

ومضى إلى بيته. وكان ذلك المداس الجديد مداس القاضي جاء في ذلك اليوم إلى الحمام وضع مداسه هناك ودخل استحم. فلما خرج فتش على مداسه فلم يجده فقال: أبا إخوانا أترون أن الذي لبس مداس أبي القاسم الطنبوري فعرفوه لأنه كان يضرب به المثل. فأرسل القاضي خدمه فكبسوا بيته فوجوا مداس القاضي عنده. فاحضره القاضي وأخذ منه المداس وضربه تأديباً وحبسه مدة وغرمه بعض المال وأطلقه. فخرج أبو القاسم من الحبس وأخذ مداسه وهو غضبان عليه ومضى إلى دجلة فألقاه فيها فغاص في الماء. فأتى بعض الصيادين ورمى شبكته فطلع فيها المداس. فلا رآه الصياد عرفه وقال: هذا مداس أبي القاسم الطنبوري فالظاهر انه وقع منه في دجلة. فحمله وأتى به بيت أبي القاسم فلم يجده. فنظر فرأى طاقة نافذةً إلى صدر البيت فرماه منها إلى البيت فسقط على الرف الذي فيه الزجاج وماء الورد. فوقع الزجاج وتكسر وتبدد ماء الورد. فجاء أبو القاسم ونظر ذلك فعرف الأمر فلطم على وجهه وصاح وبكى وقال: وافقره أفقرني هذا المداس الملعون. ثم إنه قام ليحفر له في الليل حفرة ويدفنه فيها ويرتاح منه. فسمع الجيران حس الحفر فظنوا أن أحداً ينقب عليهم. فرفعوا المر إلى الحاكم فأرسل إليه واحضره واعتقله وقال له: كيف نستحل

أن تنقب على جيرانك حائطهم وحبسه ولم يطلقه حتى غرم بعض المال. ثم خرج من السجن ومضى وهو حردان من المداس وحملة إلى كنيف الخان ورماه فيه فسد قصبة الكنيف ففاض وضجر الناس من الرائحة الكريهة. ففتشوا على السبب فوجوا مداساً فتأملوه فإذا هو مداس أبي القاسم. فحملوه إلى الوالي واخبروه بما وقع. فاحضر الوالي أبا القاسم ووبخه وحبسه وقال له عليك تصليح الكنيف فغرم جملة مالٍ. وأخذ منه الوالي مقدار ما غرم تأديباً له وأطلقه. فخرج أبو القاسم والمداس معه وقال وهو مغتاظ منه: والله ما عدت أفارق هذا المداس. ثم إنه غسله وجعله على سطح بيته حتى يجف. فرآه كلب فظنه دمة فحملة وعبر به إلى سطح آخر فسقط من الكلب على رأس رجل فألمه وجرحه جرحاً بليغاً. فنظروا وفتشوا لمن المداس فعرفوه أنه مداس أبي القاسم. فرفعوا الأمر إلى الحاكم فألزمه بالعوض والقيام بلوازم المجروح مدة مرضه. فنفد عند ذلك جميع ما كان له ولم يبق عنده شيء. ثم إن أبا القاسم أخذ المداس ومضى به إلى القاضي وقال له: أريد من حضرة مولانا القاضي أن يكتب بيني وبين هذا المداس مبارأة شرعية على أنه ليس مني وأني لست منه. وان كلا منا بريء من صاحبه. وانه مهما يفعله هذا المداس لا أؤخذ به أنا. واخبره بجميع ما جرى عليه منه. فضحك القاضي منه ووصله ومضى (لطائف العرب)

الباب السادس عشر

الباب السادس عشر في النوادر 328 حكي أن بعض الحسدة وشى بالوزير الكاتب ابن مقلة الذي انفرد في زمانه بعلو الخط وحسنه: وادعى انه غدر الملك في بعض الأمور فأمر الملك بقطع يده فلما فعل به هذا الأمر لزم بيته وانصرفت عنه الأصدقاء المحبون ولم يأته أحد إلى نصف النهار. فتبين للملك أن الكلام عليه باطل. فأمر بقتل الذي وشى بابن مقلة ورده إلى ما كان. فلما رأى إخوانه أن نعمته عادت إليه عادوا له يهنونه وأقبلوا إليه يعتذرون. فانشد: تحال الناس والزمان ... فحيث كان الزمان كانوا عاداني الدهر نصف يومٍ ... فانكشف الناس لي وبانوا ومكث يكتب بيده اليسرى بقية عمره. ولم يتغير خطة حتى مات معجزة ظهرت في حصار مدينة وبذ 329 خرج أمير المؤمنين أبو يعقوب من إشبيلية قاصداً بلاد الأدفنش. فنزل على مدينة له عظيمة تسمى وبذ. وذلك أنه بلغه أن أعيان دولة الأدفنش ووجوه أجناده في تلك المدينة. فأقام محاصراً لها أشهراً إلى أن اشتد الحصار وبرح بهم العطش. فأرسلوا إلى أمير

مشهد الحسين

المؤمنين يطلبون الأمان على أنفسهم على أن يخرجوا له من المدينة. فأبى ذلك عليهم وأطعمه فيهم ما نقل إليه من شدة عطشهم وكثرة من يموت منهم. فلما يئسوا مما عنده سمع لهم بعض الليالي لغط عظيم وجلبة أصوات. وذلك أنهم أخرجوا أناجيلهم واجتمع قسيسوهم ورهبانهم يدعون ويؤمن باقيهم. فجاء مطر عظيم كأنه القرب ملأ ما كان عندهم من الصهاريج فشربوا وارتو وتقووا على المسلمين. فانصرف عنهم الخليفة راجعاً إلى اشبيلية بعد أن هادن الأدفنش (المراكشي) مشهد الحسين 330 ومن عجائب مشاهد مصر المشهد العظيم الشأن الذي بالقاهرة حيث رأس الحسين. وهو في تابوت من فضة مدفون قد بني عليه بنيان يقصر الوصف عنه. مجلل بأنواع الديباج محفوف بأمثال العمد الكبار شمعاً بيضاء أكثرها موضوع في أنار الفضة. وحف أعلاه كله بأمثال التفافيح ذهباً في مصنع شبه الروضة. يبهر الأبصار حسناً وجمالاً. وفيه أنواع الرخام المجزع الغريب الصنعه البديع الترصيع مالا يتخيله المتخيلون. والمدخل إليها من مسجد على مثالها في التأنق. حيطانه كلها رخام. واغرب ما فيه حجر موضوع في الجدار الذي يستقبله الداخل شديد السواد والبصيص يصف الأشخاص كلها كأنه المرآة الهندية. ولتزاحم الناس على القبر وانكبابهم عليه وتمسحهم به وبالكسوة التي عليه مرأى هائل (لشربشي)

مروءة إسماعيل الهزرجي

331 نسخة مبايعة ملك كتبها الشيخ عمر بن الوردي نظماً: باسم إله الخلق هذا ما اشتره ... محمد بن يونس بن سنقرا من أحمد بن مالك بن الأزرق ... كلاهما قد عرفا من جلق فباعه قطعه أرض واقعة ... بكورة الغوطة وهي جامعة لشجر مختلف الجناس ... والأرض في البيع مع الغراس وذرع هذي الأرض بالذراع ... عشرون في الطول بلا نزاع ذرعا في العرض منها عشرة ... وهو ذراع باليد المعتبره وحدها من قبلهٍ ملك التقي ... وحائز الرومي حد المشرق ومن الشمال ملك أولاد علي ... والغرب ملك عامر بن حنبل بيعاً صحيحاً لزماً شرعيا ... ثم شراء قاطعاً مرعياً لا شرط فيه فاسد فيبطله ... ولا خيار لهما يداخله ثمن مبلغه من فضة ... درهم جيدة مبيضة قبضها البائع منه وافيه ... وعادت الذمة منها خالية وسلم الأرض إلى من اشترى ... فقبض الفضة منه وجرى بينهما بالبدن التفرق ... وما بقي لأحد تعلق وأشهدا عليهما بذاك في ... سابه عشر رمضان الأشرف من عام سبعمائةٍ للهجرة ... من بعد خمسةٍ تلي وعشره مروءة إسماعيل الهزرجي 332 نازع الخليفة عبد المؤمن في أمرة قوم من قرابة ابن تومرت. وانتهوا

في ذلك إلى أن أجمع رأيهم ورأى من وافقهم على سوء صنيعهم على أن يدخلوا على عبد المؤمن خباءه ليلاً فيقتلوه. وظنوا أن ذلك يخفي من أمرهم. وأن عبد المؤمن إذا فقد ولم يعلم من قتله صار الأمر إليهم. لأنهم أحق به إذ كانوا أهل الإمام وقرابته وأولى الناس به. فأعلم بما أرادوه من ذلك رجل من أصحاب ابن تومرت من خيارهم اسمه إسماعيل بن يحي الهزرجي. فأتى عبد المؤمن فقال له: يا أمير المؤمنين لي إليك حاجة. قال: وما هي يا أبا إبراهيم فجميع حوائجك عندنا مقضية. قال: أن تخرج عن هذا الخباء وتدعني أبيت فيه ولم يعلمه بمراد القوم. فظن عبد المؤمن أنه إنما يستوهبه الخباء لأنه أعجبه فخرج عنه وتركه له. فبات فيه إسماعيل المذكور فدخل عليه أولئك القوم فتوله بالحديد حتى برد. فلما أصبحوا ورأوا أنهم لم يصيبوا عبد المؤمن فروا بأنفسهم حتى أتوا مراكش وراموا القيام بها. فاتوا البوابين الذين على القصور فطلبوا منهم المفاتيح فأبوا عليهم. فضربوا عنق احدهم وفر باقيهم وكادوا يغلبون على تلك القصور. ثم إن الناس اجتمعوا عليهم من الجند وخاصة العبيد فقاتلوهم قتالاً شديداً من لدن طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. ثم إن العبيد غلبوهم على أمره. ولم يزل الناس يتكاثرون عليهم إلى أن أخذا قبضاً باليد فقيدوا وجعلوا في السجن إلى أن وصل أبو محمدٍ عبد المؤمن إلى مراكش فقتلهم صبرا. وقتل معهم جماعة من أعيان هرغة بلغه أنهم

جود حاتم الطائي

قادحون في ملكه متربصون به. ولما أصبح أبو إبراهيم إسماعيل المتقدم الذكر في الخباء مقتولا على الحال التي ذكرنا أعظم ذلك عبد المؤمن ووجد عليه وجدا مفرطاً أخرجه عن حد التماسك إلى حيز الجزع. فأمر بغسله وتكفينه وصلى عليه بنفسه ودفن (لعبدا لواحد المراكشي) جود حاتم الطائي 333 قالت نوار امرأة حاتم: أصابتنا سنة اقشعرت لها الأرض واغبر أفق السماء. وراحت الأيل حدباء حدابير. وضعت المراضع إلى أولادها تبض بقطرةٍ وأيقنا بالهلاك. فوالله إنا لفي ليلة ضنبرٍ بعيدة مابين الطرفين إذ تضاعى صبيتنا جوعاً عبد الله وعدي وسفانة. فقام حاتم على الصبيين وقمت أنا إلى الصبية فوالله ما سكتوا إلا بعد هدأةٍ من الليل. وأقبل يعللني بالحديث فعرفت. ما يريد فتناومت. فلما تهورت النجوم إذا شيء قد رفع كسر البيت ثم عاد. فقال: من هذا. قالت: جارتك فلانة أتيتك من عند صبية يتعاوون عواء الذئاب فما وجدت معولاً إلا عليك يا أبا عدي. فقال: أعجليهم فقد أشبعك الله وإياهم. فأقبلت المرأة تحمل اثنين ويمشي جنائبها أربعة كأنها نعامة حولها رئالها. فقام إلى فرسه فوجأ لبته بمديةٍ فخر. ثم كشطه عن جلده ودفع المدية إلى المرأة فقال لها: شأنك. فاجتمعنا على اللحم نشوي ونأكل. ثم جعل يمشي في الحي يأتيهم بيتاً بيتاً فيقول: هبوا أيها القوم عليكم بالنار. فاجتمعوا والتفع في ثوبه

إيثار ابن مامة الأيادي

ناحية ينظر إلينا. فلا والله إن ذاق منه مزعة وإنه لأحوج إليه منا. فأصبحنا ما على الأرض من الفرس إلا عظم وحافر. فانشأ حاتم يقول: مهلاً نوار أقلي اللوم والعذلا ... ولا تقولي لشيء فات ما فعلا ولا تقولي لمال كنت مهلكه ... مهلاً وإن كنت أعطي الإنس والجبلا يرى البخيل سبيل المال واحدةً ... إن الجواد يرى في ماله سبلا إيثار ابن مامة الأيادي 334 خرج بن مامة الإيادي في قفل معهم رجل من بني النمر. وكان ذلك في حر الصيف فضلوا وشح ماؤهم فكانوا يتصافنون الماء. وذلك أن يطرح في القعب حصاة ثم يصب فيه من الماء بقدر ما يغمر الحصاة. فيشرب كل واحد قدر ما يشرب الآخر. ولما نزلوا للشرب ودار القعب بينهم حتى انتهى إلى كعبٍ رأى الرجل النمري يحد نظره إليه. فآثره بمائة وقال للساقي: أسق أخاك النمري فشرب النمري نصيب كعبٍ من الماء ذلك اليوم. ثم نزلوا من الغد منزلهم الآخر فتصافنوا بقية مائهم. فنظر إليه كنظره أمس. وقال كعب كقوله أمس. وارتحل القوم وقالوا: يا كعب ارتحل. فلم يكن له قوة للنهوض وكانوا قد قربوا من الماء. فقالوا له: رد يا كعب إنك وارد. فعجز عن الجواب. ولما أيسوا منه خيموا عليه بثوب يمنعه من السبع أن يأكله. وتركوه مكانه فمات. فذهب ذلك مثلاً يمنعه من السبع أن يأكله. وتركوه مكانه فمات. فذهب ذلك مثلاً في تفضيل الرجل صاحبه على نفسه (أخبار العرب لابن قتيبة)

صنم سومناة

صنم سومناة 335 من عجائب مدينة سومناة هيكل فيه صنم كان واقفاً في وسط البيت. لا بقائمة من أسفله تدعمه ولا بعلاقةٍ من أعلاه تمسكه. وكان أمر هذا الصنم عظيماً عند الهند من رآه واقفاً في الهواء تعجب. وكانت الند يحجون إليه ويحملون إليه من الهدايا كل شيءٍ نفيس وكان له من الوقوف ما يزيد على عشرة آلاف قريةٍ. وكانت سدنته ألف رجل من البراهمة لعبادته وخدمة الوفود. وأما البيت فكان مبنياً على ستٍ وخمسين سارية من الساج المصفح بالرصاص. وكانت قبة الصنم مظلمة وضوءها من قناديل الجوهر الفائق. وعنده سلسلة ذهب كلما مضت طائفة من الليل حركت فتصوت الأجراس فيقوم طائفة من البراهمة للعبادة. حكي أن السلطان يمين الدولة لما غزا بلاد الهند ورأى ذلك الصنم أعجبه أمره وقال لأصحابه: ماذا تقولون في أمر هذا الصنم ووقوفه في الهواء بلا عمادٍ وعلاقةٍ. فقال بعضهم: إنه بعلاقةٍ وأخفيت العلاقة عن النظر. وقال بعض الحاضرين: إني أظن أن القبة من حجر المغناطيس والصنم من الحديد. والصانع بالغ في تدقيق صنعته وراعى تكافؤ قوة المغناطيس من الجوانب. فوافقه قوم وخالفه آخرون. فلما رفع حجرين من رأس القبة مال الصنم إلى أحد الجوانب. فلم يزل يرفع الحجار والصنم ينزل حتى على الأرض (للقزويني) .

الباب السابع عشر

الباب السابع عشر في الأسفار مدح السفر 336 قال أبو قاسم الصاحب: ليس بينك وبين بلد نسب فخير البلاد ما حملك. السفر يسفر عن أخلاق الرجال فأوحش أهلك إذا كان في أبحاثهم أنسك. وأهجر وطنك إذا نبت عنه نفسك. ربما أسفر السفر عن الظفر. وتعذر في الوطن قضاء الوطر (اليواقيت للثعالبي) أنشد شكر العلوي: قوض خيامك عن أرض تهان بها ... وجانب الذل إن الذل يجتنب واحل إذا كان في الأوطان منقصة ... فالمندل الرطب في أوطانه حطب قال آخر: ارحل بنفسك من أرض تضام بها ... ولا تكن بفراق الأهل في حرق من ذل بين أهاليه ببلدته فالاغتراب له من أحسن الخلق ألكحل نوع من الحجار منطرحاً ... في أرضه كالثرى يبدو على الطرق لما تغرب نال العز أجمعه ... وصار يحمل بين الجفن والحدث قال غبره: إذا ما ضاق صدرك من بلاد ... ترحل طالباً أرصاً سواها عجبت لمن يقيم بدار ذلٍ ... وأرض الله متسع فضاها

فذاك من الرجال قليل عقل ... بليد ليس يعلم ما طحاها فنفسك فر بها إن خفت ضيماً ... وخل الدار تنعى من بناها فإنك واجد أرضاً بأرض ... ونفسك لم تجد نفساً سواها 337 كتب بعض الكتاب: جزى الله الفراق خيراً فما هو إلا زفرة وعبرة. ثم اعتصام وتوكل. ثم تأميل وتوقع. وقبح الله التلاق. فإنما هو مسرة لحظة ومساءة أيام. وابتهاج ساعةٍ واكتساب زمان. وإني لأكره إسعاف بتأمل الأوبة والرجعى. ومع الاجتماع محاذرة الفراق وقصور السرور. قال بعض الظرفاء: لو قلت إني لم أجد للرحيل ألما وللبين حرقة لقلت حقاً. لأني نلت به من العناق وأنس اللقاء ما كان معدماً أيام الاجتماع وبه مصافحة التسليم. ورجاء الأوبة. وعمارة القلب بالشوق. والأنس بالمكاتبة (للمقدسي) قال أبو تمام: وليست فرحة الأوبات إلا ... بموقوفٍ على ترح الوداع قال ابن النطروني: بات تصدعن عن النوى ... وتقول كم تتغرب إن الحياة مع القنا ... عة للمقام الأطيب فأجبتها يا هذه ... غيري بقولك خلب إن الكريم مفارق ... أوطانه إذ تجاب

ذم السفر

والبدر حين يشينه ... نقصانه يتغيب ذم السفر 338 كان يقال: فراق الأحباب. سقام الألباب. حق الفراق أن تطير له القلوب. وتطيش معه العقول. ويطيح عليه النفوس. وفراق الحبيب يشيب الوليد ويذيب الحديد. وهول السياق. أهون من الفراق. وقال النظام: لو كانت للفراق صورة لراعت القلوب وهدت الجبال. ولجمر الغضا أهون توهجاً من ناره. قال بعضهم: ومن ينأ عن دار العشيرة لم يزل ... عليه رعود جمة وبروق قال ابن الهبارية: قالوا أقمت وما رزقت وإنما ... بالسير يكتسب اللبيب ويرزق فأجبتهم ما كل سيرٍ نافعًا ... ألحظ ينفع لا الرحيل المقلق كم سفرةٍ نفعت وأخرى مثلها ... ضرت ويكتسب الحريص ويخفق البدر يكتسب الكمال بسيره ... وبه إذا حرم السعادة يمحق سفرة ابن جبير إلى جزيرة صقيلية (سنة 581 هجرية و 1187 مسيحية) ذكر مدينة مسينة من جزيرة صقيلية 339 هذه المدينة موسم التجار. ومقصد جواري البحر من جميع الأقطار. كثيرة الإرفاق برخاء الأسعار. لا يقر فيها لمسلم قرار. مشحونة بعبدة الصلبان تغص بقاطنيها. وتكاد تضيق ذرعاً بساكنيها. أسواقها نافعة حفيلة. وأرزاقها واسعة بإرغاد العيش كفيلة. لا تزال

بها ليلك ونهارك في أمانٍ. وإن كنت غريب الوجه واليد واللسان. مستندة إلى جبال قد انتظمت حضيضها وخنادقها. والبحر يعترض أمامها في الجهة الجنوبية منها. ومرساها أعجب مراسي البلاد البحرية لأن المراكب الكبار تدنو من البر حتى تكاد تمسكه وينصب منها إلى البر خشبة ينصرف عليها. والحمال يصعد بحمله إليها ولا يحتاج إلى زواريقٍ في وسقها ولا في تفريغها إلا ما كان مرسياً على البعد منها يسيراً. فتراها مصطفة من البر كاصطفاف الجياد في مرابطها وإصطبلاتها وذلك لإفراط عمق البحر فيها. وهو زقاق معترض بينها وبين الأرض الكبيرة بمقدار ثلاثة أميال. ويقابلها منه بلدة تعرف بريئة وهي عمالة كبيرة. وهذه المدينة مسينة رأس جزيرة صقيلية وهي كثيرة المدن والعمائر والضياع. وطول هذه الجزيرة صقيلية سبعة أيامٍ. وعرضها مسيرة خمسة أيام. وبها جبل البركان. وهو يأتزر بالسحب لإفراط سموه ويعتم بالثلج شتاء وصيفاً دائماً. وخصب هذه الجزيرة أكثر من أن يوصف. وكفى بأنها ابنة الأندلس في سعة العمارة وكصرة الخصب والرفاهة. مشحونة بالأرزاق على اختلافها. مملوءة بأنواع الفواكه وأصنافها. وجبالها كلها بساتين مثمرة بالتفاح والشاة بلوط والبندق والإجاص وغيرها من الفواكه. وليس في مسينة هذه من المسلمين إلا نفر يسير من ذوي المهن ولذلك لا يستوحش بها المسلم الغريب.

وأحسن مدنها قاعدة ملكها. والمسلمون يعرفونها بالمدينة والنصارى يعرفونا ببرمة. وفيها سكنى الحضر بين من المسلمين. وبلرمة هذه مسكين ملكهم غليام. وهي احفل مدن صقيلية وبعدها سينة وشأن ملكهم هذا عجيب في حسن السيرة. وهو كثير الثقة بالمسلمين هم اهل دولته والمرتسمون بخاصته وعليهم يلوح رونق مملكته. لأنهم متسعون في الملابس الفاخرة والمراكب الفارهة ومامنهم إلا من له الحاشية والخول والتباع. ولهذا الملك القصور المشيدة والبساتين الأنيقة ولاسيما بحاضرة ملكة المدينة المذكورة وله بمسينة قصر أبيض كالحمامة مطل على ساحل البحر. وليس في ملوك النصارى أترف في الملك ولا انعم ولا أرفه منه. وهو يتشبه في ترتيب قوانينه ووضع أساليبه وتقسيم مراتب رجاله وتفخيم أبهة الملك وإظهار زينته بملوك المسلمين. ولملكه عظيم جداً وله الأطباء والفقهاء وهو كثير الاعتناء بهم شديد الحرص عليهم. حتى إنه متى ذكر له أن طبيباً أو فقيهاً اجتاز ببلده أمر بإمساكه وأدر له أرزاق معيشته. ومن عجيب شأنه المتحدث به أنه يقرأ أو يكتب بالعربية وعلامته على ما أعلمنا به أحد خدمته المختصين به: ألحمد لله حق حمده وبمدينة مسينة المذكورة دار صنعةٍ تحتوي من الأساطيل على ما لا يحصى عدد مراكبه. فكان نزولنا في أحد الفنادق وأقمنا بها تسعة أيام فلما كان ليلة الثلاثاء الثاني عشر لرمضان ركبنا في زورقٍ

متوجهين إلى مدينة بلرمة. وسرنا قريباً من الساحل بحيث يبصره رأي العين. وأرسل الله علينا ريحاً شرقية رخاء طيبة زجت الزورق أهنا تزجيةٍ. وسرنا نسرح اللحظ في عمائر وقرى متصلة وحصون ومعاقل في فتن الجبال مشرقةٍ. وأبصرنا عن يميننا في البحر تسع جزائر قد قامت خيالاً مرتفعة على مقربة من بر الجزيرة اثنان منها تخرج منهما النار دائماً. وأبصرنا الدخان صاعداً منهما ويظهر بالليل ناراً حمراء ذات ألسن تصعد في الجو. وهو البر كان المشهور خبرة. وأعلمنا أن خروجها من منافس في الجبلين المذكورين يصعد منها نفس ناري بقوة شديدة يكون عنه النار. وربما قذف فيها الحجر الكبير فتلقي به إلى الهواء بقوة ذلك النفس وتمنعه من الاستقرار والانتهاء إلى القعر. وهذا من أعجب السموعات الصحيحة. وأما الجبل الشامخ الذي بالجزيرة المعروف بجبل النار فشانه عجيب. وذلك أن ناراً تخرج منه كالسيل العرم. فلا تمر بشيء إلا أحرقته حتى تنتهي إلى البحر. فتركب ثبجه على صفحة حتى تغوص فيه. فسبحان المبدع في عجائب مخلوقاته وحللنا هشي يوم الأربعاء مرسى مدينة شلفودى. (ومدينة شلفودى) هي مدينة ساحلية كثيرة الخطب واسعة المرافق منتظمة أشجار الأعناب وغيرها. مرتبة الأسواق تسكنها طائفة من المسلمين. وعليها قنة جبل واسعة مستديرة فيها قلعة لم ير أمنع منها اتخذوها عدةً لأسطول يفاجأهم من جهة البحر من جهة

المسلمين. وكان لإقلاعنا منها نصف الليل فجئنا مدينة ثرمة صحوة يوم الخميس بسيرٍ رويدٍ. وبين المدينتين خمسة وعشرون ميلاً. فانتقلنا منها من ذلك الزورق إلى زورقٍ ثانٍ اكترينا لكون البحرين صحبونا فيه من أهلها. وثرمة هذه أحسن وضعاً من التي تقدم ذكرها. وهي حصينة تركب البحر وتشرف عليه. وللمسلمين فيها ربض كبير لهم فيه المساجد. ولها قلعة سامية منيعة. وفي أسفل البلدة أجمة قد أغنت أهلها عن اتخاذ حمام. وهذه البلدة من الخصب وسعة الرزق على غايةٍ. والجزيرة بأسرها من أعجب بلاد الله في الخصب وسعة الأرزاق. فأقمنا بها يوم الخميس الرابع عشر للشهر المذكور ونحن قد أرسينا في وادٍ بأسفلها. ويطلع فيه المد من البحر ثمين حسر عنه. وبتنا بها ليلة الجمعة. ثم انقلب الهواء غريباً فلم نجد للإقلاع سبيلاً. وبيننا وبين المدينة المقصودة المعروفة عند النصارى ببلرمة خمسة وعشرون ميلاً فخشينا طول المقام وحمدنا الله تعالى على ما أنعم بع من التسهيل في قطع المسافة في يومين. وقد تلبث الزوارق في قطعها على ما أعلمنا به العشرين يوماً والثلاثين ونيفاً على ذلك. فأصبحنا يوم الجمعة منتصف الشهر المبارك على نيةٍ من المسير في البر على أقدامنا. فتحملنا بعض أسبابنا وخلفنا بعض الأصحاب على الأسباب الباقية في الزورق. وسرنا في طريق كأنها السوق عمارة وكثيرة صادر وواردٍ. وطوائف النصارى يتلقوننا فيبادرون بالسلام علينا

ويؤنسوننا. فرأينا من سياسيتهم ولين مقصدهم مع السلمية ما يوقع العجب. حتى انتهينا إلى قصر سعدٍ على فرسخ من المدينة وقد أخذ بنا الإعياء فملنا إليه وبتنا فيه. وهذا القصر على ساحل البحر مشيد البناء عتيقة قديم الوضع من عهد ملكة المسلمين للجزيرة. وبإزائه عين تعرف بعين المجنونة. وله باب وثيق من الحديد. وداخله مساكن وعلالي مشرفة وبيوت منتظمة. وهو كامل مرافق السكنى وفي أعلاه مسجد من أحسن مساجد الدنيا بهاء. مستطيل ذو حنايا مفروشة بحصرٍ تطيفه لم ير أحسن منها صنيعة. وقد علق فيه نحو الأربعين قنديلا من أنواع الصفر والزجاج. وأمامه شارع واسع مستدير بأعلى القصر وفي أسفل القصر بئر عذبة. فبتنا في هذا المسجد أحسن مبيت وأطيبه. وبمقربة من هذا القصر نحو الميل إلى جهة المدينة قصر آخر على صفته يعرف بقصر جعفر. وداخله سقاية تفور بماء عذب. وأبصرنا للنصارى في هذه الطريق كنائس معدة لمرضى النصارى. ولهم في مدنهم مثل ذلك في صفة مارستانات المسلمين. وأبصرنا لهم بعكة وبصور مثل ذلك. فعجبنا من اعتنائهم بهذا القدر. فلما صلينا الصبح توجهنا إلى المدينة فجئنا لندخل فمنعنا وحملنا إلى الباب المتصل بقصور الملك الإفرنجي غليام وأدينا إلى المستخلف ليسألنا عن مقصدنا. وكذلك فعلهم بكل غريب فسرنا في سكك رحاب وأبواب وساحات ملوكية. وأبصرنا من القصور المشرفة

والميادين المنتظمة والبساتين والمراتب المتخذة لأهل الخدمة ما راع أبصارنا. وأذهل أفكارنا وأبصرنا فيما أبصرنا مجلسنا في ساحةٍ فسيحة قد أحدق بها بستان وانتظمت بجوانبها بلاطات. والمجلس قد اخذ استطالة تلك الساحة كلها. فعجبنا من طوله وإشراف مناظره. فأعلمنا أنه موضع غذاء الملك مع أصحابه. وتلك البلاطات والمراتب حيث تقعد حكامه وأهل الخدمة والعمالة أمامه. فخرج إلينا ذلك المستخلف يتهادى بين خديمين يحفان به ويرفعان أذياله. فأبصرنا شيخاً طويل السبلة أبيضها ذا أبهة. فسألنا عن مقصدنا وعن بلدنا بكلامٍ عربي لينٍ فأعلمناه. فأظهر الإشفاق علينا وأمر بانصرافنا بعد أن أحفى في السلام والدعاء فعجبنا من شانه. وكان أول سؤاله لنا عن خبر القسطنطينية العظمى وما عندنا منه فلم يكن عندنا ما نعلمه به. وخرجنا إلى احد الفنادق فنزلنا فيه وذلك يوم السبت الثاني والعشرين لدجنبر. وفي خروجنا من القصر المذكور سلكنا بلاطاً متصلاً مشينا فيه مسافة طويلة وهو مسقف حتى انتهينا إلى كنيسة عظيمة البناء. فأعلمنا أن ذلك البلاط ممشى الملك إلى هذه الكنيسة (ذكر بلرمة) هي بهذه الجزائر أم الحضارة والجامعة بين الحسنين غضارةٍ. فما شئت بها من جمال مخبر ومنظر. ومراد عيش يانعة خضر. عتيقة أنيقة. مشرقة مؤنقة. تتطلع بمرأى فتان. وتتخايل بين ساحات وبسائط كلها بستان. فسيحة السكك والشوارع. تروق

الأبصار بحسن منظرها البارع عجيبة الشأن. قرطبية البنيان. مبانيها كلها بمنجوت الحجر المعروف بالكذان. يشقها نهر معين ويطرد في جنباتها أربع عيون قد زخرفت منها لملكها كنياه فاتخذها حاضرة ملكة الإفرنجي. تنتظم بلبتها قصوره انتظام العقود في نحور الكواعب. ويتقلب من بساتينها وميادينها بين نزهةٍ وملاعب. فكم له فيها من مقاصير ومصانع. ومناظر ومطالع. وكم له بجهاتها من ديارات قد زخرف بنيانها. ورفه بالإقطاعيات الواسعة رهبانها. وكنائس قد صيغ من الذهب والفضة صلبانها. للمسلمين في هذه المدينة أرباض قد انفردوا فيها بسكناهم عن النصارى والأسواق معمورة بهم وهم التجار فيها ويصلون الأعياد بخطبةٍ ودعاؤهم فيها للعباسيين. ولهم بها قاص يرتفعون إليه في أحكامهم. ولهذه المدينة شبه بقرطبة أن لها مدينة قديمة تعرف بالقصر القديم هي في وسط المدينة الحديثة وعلى هذا المثال موضع قرطبة. وبهذا القصر ديار كأنها القصور المشيدة. لها مناظر في الجو مظلمة تحار الأبصار في حسنها (كنيسة بلرمة) ومن أعجب ما شاهدناه بها من أمور النصارى كنيسة تعرف بكنيسة الأنطاكي فأبصرناها يوم الميلاد وهو يوم عيد لهم عظيم وقد احتفلوا لها رجالاً ونساءً فأبصرنا من بنيانها مرأى يعجز الوصف عنه ويقع القطع بأنه أعجب مصانع الدنيا المزخرفة. جدرها الداخلة ذهب كلها وفيها من ألواح الرخام الملون ما لم ير

مثله قط قد رصعت كلها بفصوص الذهب وكللت بأشجار الفصوص الخضر ونظم أعلاها بالشمسيات المذهبات من الزجاج. فتخطف الأبصار بساطع شعاعها وتحدث في النفوس فتنةٍ. وأعلمنا أن بانيها الذي تنسب إليه انفق فيها قناطير من الذهب وكان ويزر لجد هذا الملك ولهذه الكنيسة صومعة قد قامت على أعمدة سوارٍ من الرخام وعليها قبة على أخرى سوارٍ كلها فتعرف بصومعة السواري وهي من أعجب ما يبصر من البنيان. وزي النصرانيات في هذه المدينة زي نساء المسلمي. فصيحات الألسن متحفات متنقبات. خرجن في هذا العيد المذكور وقد لبسن ثياب الحرير المذهب والتحفن اللحف الرائقة وانتقبن بالنقب الملونة. وانتعلن الأخفاف المذهبة. وبرزن لكنائسه من حاملات جميع زينة نساء المسلمين من التحلي والتخضب والتعطر. وكان مقامنا بهذه المدينة سبعة أيام. ونزلنا بها في أحد فنادقها التي يسكنها المسلمون ... وخرجنا منها صبيحة يوم الجمعة الثاني والعشرين لهذا الشهر المبارك والثامن والعشرين لشهر دجنبر إلى مدينة أطرابنش بسبب مركب بها أحدهما يتوجه إلى الأندلس والثاني إلى سبتة. فسلكنا على قرى متصلةٍ وضياع متجاورة وأبصرنا محارث ومزارع لم نر تربتها طيباً وكرماً واتساعاً. فشبهناها بقنبانية قرطبة أو هذه أطيب وامتن. وبتنا في الطريق ليلة واحدة في بلدةٍ تعرف بعلقمة. وهي كبيرة متسعة فيها السوق والمساجد وسكانها وسكان هذه الضياع التي في هذه الطريق كلها مسلمون وقمنا منها سحر يوم السبت فاجتزنا بمقربة منها على حصن يعرف بحصن الحنة وهو بلد كبير فيه حمامات. وقد فجرها الله ينابيع في الأرض وأسالها عناصر لا يكاد البدن يحتملها لإفراط حرها. فأجزنا منها واحدة على الطريق. فنزلنا إليها عن الدواب وأرحنا الأبدان بالاستحمام فيها. وصلنا إلى اطرابنش عصر ذلك اليوم فنزلنا فيها في دار اكتريناها (مدينة اطرابنش) وهي مدينة صغيرة ساحلية. غير كبيرة المساحة مسورة بيضاء كالحمامة. مرساها من أحسن المراسي وأوفقها للمراكب ولذلك كثيراً ما يقصد الروم إليها ولاسيما المقلعون إلى بر العدوة. فإن بينها وبين تونس مسيرة يوم وليلة. فالسفر منها إليها لا يتعطل شتاء ولا صيفاً إلا ريثما تهب الريح الموافقة. فمجراها في ذلك مجرى المجاز القريب وبهذه المدينة سوق والحمام وجميع ما يحتاج إليه من مرافق المدن. لكنها في لهوات البحر لإحاطته بها من ثلاث جهات واتصال البر بها من جهة واحدة ضيقة والبحر فاغرفاه لها من سائر الجهات فأهلها يرون أنه لا بد له من الاستيلاء عليها وإن تراخى مدى أيامها وهي موافقة لرخاء السعر لكنها على محرث عظيم. وسكانها

المسلمون والنصارى ولكلا الفريقين فيها المساجد والكنائس. وبركنها من جهة الشرق مائلا إلى الشمال على مقربة منها جبل عظيم مفرط السمو متسع في

أعلاه قنة تنقطع عنه وفيها معقل للروم. وبينه وبين الجبل قنطرة ويتصل به في الجبل للروم بلد كبير. وبهذا الجبل الكروم والمزارع. وأعلمنا أن به نحو أربعمائة عين متفجرة. وهو يعرف بجبل حامد والصعود إليه هين من إحدى جهاته. وهم يرون أن منه يكون فتح هذه الجزيرة ولا سبيل أن يتركوا مسلماً يصعد إليه. ولذلك اعدوا فيه ذلك المعقل الحصين. فلو أحسوا بحادثة حصنوا حريمهم فيه وقطعوا القنطرة. واعترض بينهم وبين الذي في أعلاه خندق كبير. وشأن هذا البلد عجيب فمن العجب أن يكون فيه من العيون المتفجرة ما تقدم ذكره. وأطرابنش في هذا البسيط ولا ماء إلا من بئر على البعد منها. وفي ديارها آبار قصيرة الأرشية ماؤها كلها شريب لا يساغ. وألقينا المركبين اللذين يرومان الإقلاع إلى المغرب بها. ونحن إن شاء الله تؤمل ركوب أحدهما وهو القاصد إلى بر الندلس. والله بمعهود صنعه الجميل كفيل بمنعه. وفي غربي هذه البلدة اطرابنش ثلاث جزائر في البحر على نحو فرسخين منها. وهي صغار متجاورة. إحداهما تعرف بمليطة والأخرى بيابسة والثالثة تعرف بالراهب نسبن إلى راهب يسكنها في بناء أعلاها كأنه الحصن وهو مكمن للعدو. والجزيرتان لا عمارة فيهما ولا يعمر الثالثة سوى الراهب المذكور. ثم اتفق كراؤنا في المركب المتوجه إلى بر الأندلس ونظرنا في الزاد والله المتكفل بالتيسير والتسهيل. (لابن جبير) .

الباب الثامن عشر في عجائب المخلوقات

الباب الثامن عشر في عجائب المخلوقات في شرح عجب الموجودات 340 قال القزويني: العجب حيرة تعرض للإنسان لقصوره عن معرفة سبب الشيء أو عن معرفة كيفية تأثيره فيه. مثاله أن الإنسان إذا رأى خلية النحل ولم يكن شاهده قبل تعتريه حيرة لعدم معرفة فاعله. فلو عرف أنه من عمل النحل لتحير أيضاً. من حيث إن ذلك الحيوان الضعيف كيف أحدث هذه المسدسات المتساوية الأضلاع التي عجز عن مثلها المهندس الحاذق مع الفرجار والطرة. ومن أين لها هذا الشمع الذي اتخذت منه بيوتها المتساوية التي لا يخالف بعضها بعضاً كأنها أفرغت في قالب واحد. ومن أين لها هذا العسل الذي أودعته فيها ذخيرة للشتاء. وكيف عرفت أن الشتاء يأتيها وأنها تفقد فيه الغذاء. وكيف اهتدت إلى تغطية خزانة العسل بغشاء رقيق ليكون الشمع محيطاً بالعسل من جميع جوانبه فلا ينشفه الهواء ولا يصيبه الغبار. وتبقى كالبرنية المضممة الرأس بالكاغد. فهذا معنى العجب. وكل ما في العالم بهذه المثابة إلا أن الإنسان يدركه في صباه عند فقد التجربة. ثم تبدو فيه غريزة العقل قليلا قليلاً وهو مستغرق الهم في قضاء حوائجه وتحصيل شهواته وقد انس بمدركاته

ومحسوساته فسقط عن نظره بطول الأنس بها. فإذا رأى بغتة حيواناً غريباً أو نباتاً نادراً أو فعلاً خارقاً للعادات انطلق لسانه بالتسبيح فقال: سبحان الله. وهو يرى طول عمره أشياء تحير فيها عقول العقلاء وتدهش فيها نفوس الأذكياء. فمن أراد صدق هذا القول فلينتظر بعين البصيرة إلى هذه الأجسام الرفيعة وسعتها وصلابتها وحفظها عن التغير والفساد فإن الأرض والهواء والبحار بالإضافة إليها كحلقة ملقاةٍ في فلاةٍ. ثم ينظر إلى دورانها مختلفاً فإن بعضها يدور بالنسبة إلينا رحوية وبعضها حمائلية وبعضها دولابية. وبعضها يدور سريعاً. وبعضها يدور بطيئاً. ثم إلى دوام حركاتها من غير فتور. ثم إلى إمساكها من غير عمدٍ تتعمد به أو علاقة تتدلى بها. ثم لينظر إلى كواكبها وشمسها وقمرها واختلاف مشارقها ومغاربها لاختلاف الأوقات التي هي سبب نشوء الحيوان والنبات. ثم إلى سير كواكبها وكثرتها واختلاف ألوانها. فإن بعضها يميل إلى الحمرة وبعضها إلى البياض وبعضها إلى لون الرصاص. ثم إلى مسيرة في فلكها مدة سنةٍ وطلوعها وغروبها كل يوم. لاختلاف الليل والنهار ومعرفة الأوقات وتمييز وقت المعاش عن وقت الاستراحة. ثم إلى إمالتها عن وسط السماء إلى الجنوب وإلى الشمال حتى وقع الصيف والشتاء والربيع والخريف. ثم لينظر إلى جرم القمر وكيفية اكتسابه النور من الشمس لينوب

عنها بالليل ثم إلى امتلاكه وانمحاقه. ثم إلى كسوف الشمس وخسوف القمر وإلى المجرة وهو البياض الذي يقال له سرج السماء. وهو على فلك يدور بالنسبة إلينا رحوية وعجائب السماوات لا مطمع في إحصاء عشر عشرها وفيما ذكرناه تبصره لكل عبد منيب ثم لينظر إلى ما بين السماء والأرض من انقضاض الشهب والغيوم والرعود والبروق والصواعق والأمطار والثلوج والرياح المختلفة المهاب. وليتأمل الثقيل الكثيف المظلم كيف اجتمع في جو صاف لا كدورة فيه وكيف حمل الماء. وتسخير الرياح فإنها تتلاعب به وتسوقه إلى المواضيع التي أرادها الله سبحانه فترش بالماء وجه الأرض وترسله قطرات متفاصلةً. لا تدرك قطرة منها قطرة ليصيب وجه الأرض برفق. فلو صبه صباً لأفسد الزرع بخدشه وجه الأرض. ويرسلها مقداراً كافياً لا كثيراً زائد عن الحاجة فيعفن النبات. ولا ناقصاً فلا يتم به النمو. ثم إلى اختلاف الرياح فإن منها ما يسوق السحب ومنها ما ينشرها ومنها ما يجمعها ومنها ما يعصرها ومنها ما يلقح الأشجار. ومنها ما يربي الزرع والثمار ومنها ما يجففها ثم لينظر إلى الأرض وجعلها وقوراً لتكون فراشاً ومهاداً ثم إلى سعة أكنافها وبعد أقطارها حتى عجز الآدميون عن بلوغ جميع جوانبها. ثم إلى جعل ظهرها محلاً للأحياء وبطنها مقراً للأموات. فتراها وهي ميتة فإذا أنزل عليها الماء اهتزت وربت وأظهرت

أجناس المعادن وأنبتت انواع النبات وأخرجت أصناف الحيوان ثم إلى إحكام أطرافها بالجبال الشامخة كأوتادها لمنعها من أن تميد ثم إلى إيداع المياه في أوشالها كالخزانات لتخرج منها قليلا فتتفجر منها العيون وتجري منها الأنهار. فيحيا بها الحيوان والنبات إلى وقت نزول الأمطار من السنة القابلة. وينصب إلى البحار دائماً ثم لينظر إلى البحار العميقة التي هي خلجان من البحر الأعظم المحيط بجميع الأرض حتى إن جميع المكشوف من البوادي والجبال بالإضافة إلى الماء كجزيرة صغيرة في بحر عظيم وبقية الأرض مستورة بالماء ثم لينظر إلى ما فيها من الحيوان والجوهر ثم لينظر إلى خلق اللؤلؤ في صدفة تحت الماء. ثم إلى إنبات المرجان في صميم الصخر تحت الماء وهو نبات على هيئة شجرة ينبت من الحجر ثم إلى ما عداه من العنبر وأصناف النفائس التي يقذفها البحر وتستخرج منه. ثم إلى السفن كيف سيرت في البحار وسرعة جريها بالرياح وإلى اتخاذ آلاتها ومعرفة النواتي موارد الرياح ومهلبها وموافيتها وعجائب البحار كثيرة لا مطمع في إحصائها. ثم لينظر إلى أنواع المعادن المودعة تحت الجبال فمنها ما ينطبع كالذهب والفضة والنحاس والرصاص والحديد. ومنها ما لا ينطبع كالفيروزج والياقوت والزبرجد. ثم إلى كيفية استخراجها وتنقيتها واتخاذ الحلي والآلات والأواني منها. ثم إلى معادن الأرض كالنفط

في جرم الشمس ووضعها

والكبريت والقير وغيرها وأجلها الملح فلو خلت منه بلدة لتسارع الفساد إلى أهلها. ثم لينظر إلى أنواع النبات وأصناف الفواكه المختلفة الأشكال والألوان والطعوم والأرايج تسقى بماء واحد ويفضل بعضها على بعض في الأكل مع اتحاد الأرض والهواء والماء. فتخرج من نواةٍ نخلة بعناقيد الرطب ومن حبه سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة. ثم لينظر إلى أرض البوادي وتشابه أجزائها فإنها إذا نزل القطر عليها اهتزت وربت وانبتت من كل زوج بهيج ثم إلى أشكالها وألوانها وطعومها وروائحها واختلاف طبائعها وكثرة منافعها فلم تنبت من الأرض ورقة إلا وفيها منفعة أو منافع يقف فهم البشر دون إدراكها ثم لينظر إلى أصناف الحيوان وانقسامها إلى ما يطير ويسبح ويمشي وإلى أشكالها وصورها وأخلاقها ليرى عجائب تدهش منها العقول بل في البقة أو النمل أو العنكبوت أو النحل فإنها من ضعاف الحيوانات ليرى ما يتحير منه من بنائها البيت وجمعها الغذاء وادخارها لوقت الشتاء وحذقها في هندستها ونصبها الشبكة للصيد وما من حيوان إلا وفيه من العجائب ما لا يحصى وغنما سقط التعجب منها للأنس بها بكثرة المشاهدة. في جرم الشمس ووضعها 341 وأما الشمس فأعظم الكواكب جرماً وأشدها ضوءاً ومكانها

الطبيعي الكرة الرابعة زعم المنجمون أن الشمس بين الكواكب كالملك وسائر الكواكب كالأعوان والجنود. والقمر كالوزير وولي العهد وعطارد كالكاتب والمريخ كصاحب الشرطة والمشتري كالقاضي وزحل كصاحب الخزائن والزهرة كالخدم والجواري والأفلاك كالأقاليم والبروج كالبلدان. والدرجات كالعساكر. والدقائق كالمحال والثواني كالمنازل وهذا تشبيه جيد. ومن عجائب لطف الله تعالى جعل الشمس في وسط الكواكب السبعة لتبقى الطبائع والمطبوعات في نظم العالم بحركاتها على حدها الاعتدالي إذ لو كانت في فلك الثوابت لفسدت الطبائع بشدة البرد ولو أنها انحدرت إلى فلك القمر لاخترق هذا العالم بالكلية ولطف آخر من الله تعالى أن خلقها سائرة غير مواقفة وإلا لاشتدت السخونة في موضع واشتد البرد في غيره فلا يخفى فسادهما لكن تطلع كل يوم من المشرق ولا تزال تغشى موضعاً بعد موضع حتى تنتهي إلى المغرب فلا يبقى موضع مكشوف مؤاز لها إلا ويأخذ خطاً من شعاعها وتميل في كل سنة مرة إلى الجنوب ومرة إلى الشمال لتعم فائدتها أما إلى الجهة

في كسوف الشمس وبعض خواصها

الجنوبية فتميل حتى تنتهي إلى قريب من مطلع قلب العقرب. وهو مطلع أقصر يوم في السنة وأما إلى الجهة الشمالية فتميل حتى تنتهي على قريب من مطلع السماك الرامح وهو مطلع أطول يوم في السنة ثم ترجع تميل إلى الجنوب. في كسوف الشمس وبعض خواصها 342 وسببه كون القمر حائلاً بين الشمس وبين أبصارنا لأن جرم القمر كمدٍ فيحجب ما وراءه عن الأبصار فإذا قارن الشمس وكان في إحدى نقطتي الرأس والذنب أو قريبا منه فإنه يمر تحت الشمس فيصير حائلاً بينها وبين الأبصار ثم الشمس إذا انكسفت لا يكون لكسوفها مكث لأن قاعدة مخروط الشعاع إذا انطبق على صفحة القمر انحرف عنه في الحال فتبتدئ الشمس بالانجلاء لكن يختلف قدر الكسوف باختلاف أوضاع المساكن بسبب اختلاف المنظر وقد لا ينكسف في بعض البلاد أصلا. وأما تأثيرات الشمس في العلويات والسفليات فعجيبة أما في العلويات فإخفاؤها جميع الكواكب بكمال شعاعها وإعطاؤها للقمر النور وأما في السفليات فمنها تأثيرها في البحار فإنها إذا بلغ البخار إلى الهواء البارد تكاثف من البرد وانعقد سحاباً ثم تذهب به الرياح إلى الأماكن البعيدة عن البحار فينزل الله قطراً يحيي به الأرض بعد

فصل في القمر وخسوفه وتأثيراته

موتها. وتظهر منه الأنهار والعيون فيصير سبباً لبقاء الحيوان وخروج النبات. ومنها أمر النبات فغن الزروع والأشجار والنبات لا تثبت بنمو إلا في المواضيع التي تطلع عليها الشمس. ولذلك لا ينبت تحت الخيل والأشجار العظام التي لها ظلال واسعة شيء من الزروع لأنها تمنع شعاع الشمس عما تحتها وحسبك ما ترى من تأثير الشمس بحسب الحركة اليومية في النيلوفر والآذريون وورق الخزوع فغنها تنمو وتزداد عند أخذ الشمس في الارتفاع ولا صعود. فإذا زالت الشمس أخذت في الذبول حتى إذا غابت الشمس ضعفت وذبلت ثم عادت اليوم الثاني إلى حالها. ومنها تأثيرها في الحيوانات فإنا نرى الحيوان إذا طلع نور الصبح خلق الله تعالى في أبدانها قوة فتظهر فيها فراهة وانتعاش قوةٍ. وكلما كان طلوع نور الشمس أكثر كان ظهور قوة الحيوان في أبدانها أكثر إلى أن وصلت إلى وسط سمائها فإذا مالت عن وسط سمائهم أخذت حركاتهم وقواهم في الضعف ولا تزال تزداد ضعفاً إلى زمان غيوبها. فإذا غابت الشمس رجعت الحيوانات إلى أماكنها ولزمتها كالموتى فإذا طلعت عليها الشمس في اليوم الثاني عاودوا إلى الحالي الأولى (للقزويني) فصل في القمر وخسوفه وتأثيراته 343 وأما القمر فهو كوكب مكانه الطبيعي الفلك الأسفل وهو جرم كثيف مظلم قابل للضياء إلا القليل منه على ما يرى في ظاهره.

فالنصف الذي يواجه الشمس مضيء أبداً فإذا قارنت الشمس كان النصف المظلم مواجهاً للأرض. فإذا بعد عن الشمس إلى المشرق ومال النصف المظلم من الجانب الذي يلي المغرب إلى الأرض فيظهر من النصف المضيء قطعة هي الهلال. ثم يتزايد الانحراف ويزداد بتزايده القطعة من النصف المضيء حتى إذا كان في مقابلة الشمس كان النصف المواجه للشمس هو النصف المواجه لنا. فنراه ثم يقرب من الشمس فينقص الضياء من الجانب الذي بدأته على الترتيب الأول. حتى إذا صار في مقارنة الشمس ينمحق نوره ويعود إلى الموضع الأول وسبب خسوفه توسط الأرض بينه وبين الشمس فإذا كان القمر في إحدى نقطتي الرأس والذنب أو قريباً منه عند الاستقبال توسط الأرض بينه وبين الشمس فيقع في ظل الأرض ويبقى على سواده الأصلي فيرى منخسفاً. وتأثيراته عجيبة زعموا أن تأثيراته كلها بواسطة الرطوبة كما أن تأثيرات الشمس بواسطة الحرارة. ويدل عليها اعتبار أهل التجارب منها أمر البحار فغن القمر إذا صار في أفق من آفاق البحر أخذ ماؤه في المد مقبلا مع القمر ولا يزال كذلك إلى أن يصير القمر في وسط سماء ذلك الموضع فإذا صار هناك انتهى المد منتهاه فإذا انحط القمر من وسط سمائه جزر الماء. ولا يزال الجزر منتهاه. ومن كان في لجة البحر وقت ابتداء المد

في مجرة والكواكب الثوابت

أحس للماء حركة من أسفلة إلى أعلاه ويرى له انتفاخاً وتهيج فيها رياح عواصف وأمواج. وإذا كان وقت الجزر ينقص جميع ذلك ومن كان في الشطوط والسواحل فإنه يرى للماء زيادة وانتفاخاً وجرياً وعلوا ولا يزال كذلك إلى أن يجزر ويرجع الماء إلى البحر. وابتداء قوة المد في البحار إنما يكون في كل موضع عميق واسع كثير الماء في مجرة والكواكب الثوابت 344 وهي البياض الذي يرى في السماء يقال له سرج السماء إلى زمانا هذا لم يسمع في حقيقتها قول شافٍ زعموا أنها كواكب صغار متقاربة بعضها من بعض والعرب تسميها أم النجوم لاجتماع النجوم فيها. وزعموا أن النجوم تقاربت من المجرة فطمس بعضها بعضاً وصارت كأنها سحاب. وهي ترى في الشتاء أول الليل في ناحية من السماء. وفي الصيف أول الليل في وسط السماء ممتدة من الشمال إلى الجنوب وبالنسبة إلينا تدور دوراً رحوياً فتراها نصف الليل ممتدة من المشرق إلى المغرب وفي آخر الليل من الجنوب إلى الشمال.. وأما الكواكب الثوابت فإن عددها مما يقصر ذهن الإنسان عن ضبطها لكن الأولين قد ضبطوا منها ألفاً واثنين وعشرين كوكباً. ثم وجدوا من هذا المجموع تسعمائة وسبعة عشر كوكباً ينتظم منها ثمان وأربعون صورة كل صورة منها تشتمل على كوكبها وهي الصورة التي أثبتها بطليموس في كتاب المجسطي بعضها في النصف

فصل في أرباع السنة

الشمالي من الكرة وبعضها على منطقة فلك البروج التي هي طريقة السيارات وبعضها في النصف الجنوبي فسمى كل صورة باسم الشيء المشبه بها فوجد بعضها على صورة الإنسان كالجوزاء. وبعضها على صورة الحيوانات البحرية كالسرطان. وبعضها على صورة الحيوانات البرية كالحمل. وبعضها على صورة الطير كالعقاب. وبعضها خارجاً عن شبه الحيوانات كالميزان والسفينة. ووجد من هذه الصور ما لم يكن تام الخلقة مثل الفرس ومنها ما بعضه من صورة حيوان والبعض الآخر من صورة حيوان آخر كالرامي ... وإنما ألفوا هذه الصور وسموها بهذه الأسماء ليكون لكل كوكب اسم يعرف به متى أشاروا إليه وذكروا موقعه من الصورة. وموقعه من فلك البروج وبعده من الشمال أو الجنوب عن الدائرة التي تمر بأوساط البروج لمعرفة أوقات الليل والطالع في كل وقت. فصل في أرباع السنة 345 من جملة لطف الله بعبادة أن أعطى لكل فصل طبعاً مغايراً لما قبله في كيفية أخرى ليكون ورود الفصول على الأبدان بالتدريج فلو انتقل من إلي صيف إلى الشتاء دفعة لأدى ذلك على تغيير عظيم في الأبدان فحسبك ما ترى من تغيير الهواء في يوم واحد من الحر إلى البرد كيف يظهر مقتضاه في الأبدان فكيف إذا كان مثل هذا التغيير في الفصول. فسبحانه ما أعظم شانه أكثر امتنانه.

أما الربيع فهو وقت نزول الشمس أول برج الحمل. فعند ذلك استوى الليل والنهار في الأقاليم واعتدل الزمان وطاب الهواء وهب النسيم وذابت الثلوج وسالت الأودية. ومدت الأنهار ونبعت العيون. ارتفعت الرطوبات إلى أعلى فروع الأشجار ونبت العشب وطال الزرع وتلألأ الزهر. وأورق الشجر وانفتح النور وأخضر وجها لأرض وطاب عيش أهل الزمان. وتكونت الحيوانات ودب الدبيب ونبحت البهائم ودرت الضروع وانتشر الحيوان في البلاد عن أوطانه وصارت الدنيا كأنها جارية شابه تجللت وتزينت للناظرين ولا يزال كذلك دأبها ودأب أهلها إلى أن تبلغ الشمس لآخر الجوزاء فحينئذ انتهى الربيع وأقبل الصيف وأما الصيف فهو وقت نزول الشمس أول السرطان فعند ذلك تناهى طول النهار ثم أخذ الليل في الزيادة ودخل الصيف واشتد الحر وسخن الهواء وتقوى أكثر النبات والحيوان وأدركت الثمار وجفت الحبوب وقلت الأنداء. وأضاءت الدنيا وسمنت البهائم. واشتدت قوة الأبدان وكثر الريف وانتشرت الحيوانات على وجه الأرض لهموم الخير وكثرت الدبيب وطاب عيش أهل الزمان وكثرت السموم ونقصت الأنهار ونضبت المياه ويبست العشب وأدرك الحصاد ودرت الأخلاف واتسع للناس القوت وللطير الحب وللبهائم العلف. وتكامل زخرف الأرض وصارت

الدنيا كأنها عروس منعمة بالغة كاملة ذات جمال ورونق فلا يزال الأمر كذلك أن تبلغ الشمس آخر السنبلة فحينئذ أقبل الخريف وأما الخريف فهو وقت نزول الشمس الميزان فعند ذلك استوى الليل والنهار مرة أخرى. ثم ابتدأ الليل بالزيادة وكما ذكرنا أن الربيع زمن نشوء الأشجار وبدء النبات وظهور الأزهار فالخريف زمان ذبول النبات وتغيير الأشجار وسقوط أوراقها فحينئذ برد الماء وهبت الشمال. وتغير الزمان ونقصت المياه. وجفت النهار وغارت العيون ويبست أنواع النبات وفنيت الثمار وأحرز الناس الحب وأثمر وعري وجه الأرض من دبيبها. وماتت الهوام وانجحرت الحشرات وانصرف الطير ويطلب الوحش البلدان الدافئة وأحرز الناس قوت الشتاء ودخلوا البيوت ولبسوا الجلود الغليظة من الثياب وتغير الهواء وصارت الدنيا كأنها كهلة قد ولت أيام شبلها إلى أن تبلغ الشمس آخر القوس وقد انتهى الخريف وأقبل الشتاء وأما الشتاء فهو وقت نزول الشمس أول الجدي فعند ذلك تناهى طول الليل وقصر النهار. ثم أخذ النهار في الزيادة واشتد البرد. وخشن الهواء وتعرى الأشجار عن الأوراق. وفنيت بطونها وفات أكثر النبات وانجحرت الحيوانات في أطراف الأرض وكهوف الجبال من شدة البرد وكثرة الأنداء. ونشأت الغيوم واظلم الجو وكلح وجه الزمان. وهزلت البهائم وضعفت قوى الأبدان. ومنع

فصل في تولد الأنهار

البرد الناس عن التصرف ومر عيش أكثر الحيوان. وطال الليل الذي جعله الله سكناً ولباساً وبرد الماء الذي هو مادة الحياة. وانقطع الذباب والبعوض وعدم ذوات السموم من الهوام. ويطيب فيه الأكل والشرب. وهو زمان الراحة والاستمتاع كما أن الصيف زمان الكد والتعب حتى قيل: من لم يغل دماغه صائفاً لم تغل قدره شاتياً وصارت الدنيا كأنها عجوز هرمة دنا منها الموت. فلا يزال كذلك إلى أن تبلغ الشمس آخر الحوت وقد انتهى الشتاء وأقبل الربيع مرة أخرى. فصل في تولد الأنهار 346 إذا وقعت الأمطار والثلوج على الجبل تنصب الأمطار إلى المغارات وتذوب الثلوج وتفيض إلى الأهوية التي في الجبال. فتبقى مخزونة فيها وتمتلئ الأوشال منها في الشتاء فإذا كان في أسافل الجبال منافذ ضيقة تخرج المياه من الأوشال في تلك المنافذ فيحصل منها جداول. ويجتمع بعضها إلى البعض فيحصل منها أودية وأنهار فإن كانت الخزانات في أعالي الجبال يستمر جريانها أدباً لن مياهها تنصب إلى سفح الجبال ولا تنقطع مادتها لوصول مددها من المطار وإن كانت الخزانات في أسافل الجبال فتجري منها النهار عند وصول مددها وتنقطع عند انقطاع المدد وتبقى المياه فيها واقفة كما ترى في الأودية التي تجري في بعض الأيام ثم

جسم الأرض ودورانها وهيئتها

تنقطع عند انقطاع مادتها وكل هذه النهار تبتدئ من الجبال وتنتهي إلى البحار أو البطائح. وفي ممرها تسقي المدن والقرى وما فضل ينصب إلى البحار. ثم يرق ويلطف ويتصاعد في الهواء بخاراً ويتراكم منه الغيوم وتسوقه الرياح إلى الجبال والبراري ويمطر هناك ويجري في الأودية والأنهار ويسقي البلاد ويرجع فاضله إلى البحر. ولا يزال هذا دأبه ويدور كالرحا في الصيف والشتاء. جسم الأرض ودورانها وهيئتها 347 الأرض جسم بسيط طباعه أن يكون بارداً يابساً. وإنما خلقت باردة يابسة لأجل الغلظ والتماسك إذ لولاها لما أمكن قرار الحيوان على ظهرها والهواء والماء محيطان بها من جميع جهاتها إلا المقدار البارد الذي جعله الله تعالى مقراً للحيوان. ثم إن الإنسان في أي موضع وقف على سطح الأرض يكون رأسه أبداً مما يلي السماء. ورجله مما يلي الأرض وهو يرى من السماء نصفها وإذا انتقل إلى موضع آخر ظهر له من السماء مقدار ما خفي له من الجانب الآخر. ثم إن البحر المحيط الأعظم أحاط بأكثر وجه الأرض والمكشوف منها قليل ناتئ على الماء على مثال بيضة غائصة في الماء يخرج من الماء محدبها وليست هي مستديرة من الجبال والتلال والودية والأودية والكهوف والمغارات ولها منافذ وخلجان وكلها

في السحاب والمطر وما يتعلق بهما

ممتلئة مياها وبخارات ورطوبات دهنية وما في الأرض موضع شبر إلا وهناك معدن أو نبات أو حيوان باختلاف أجناسها وأنواعها وصورها ومزاجها وألوانها لا يعلم تفصيلها غير الله تعالى وهو صانعها ومديرها ما يسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا يابس إلا في كتاب مبين. وأما هيئة الأرض فقد اختلف آراء القدماء فيها قال بعضهم: إنها مبسوطة في السطيح وقال بعضهم هي على شكل الترس ولولا ذلك لما ثبت عليها بناء ولا مشى عليها حيوان. والذي يعتمد عليه جماهيرهم أن الأرض مدورة كالكرة. ومن القدماء من أصحاب فثاغورس من قال: إن الأرض متحركة دائماً على الاستدارة والذي يرى من دوران الكواكب إنما هو دور الأرض لا دور الكواكب في السحاب والمطر وما يتعلق بهما 348 زعموا أن الشمس إذا أشرقت على الماء حللت من الماء أجزاء لطيفة مائية تسمى بخاراً ومن الأرض أجزاء لطيفة أرضية تسمى دخاناً. فإذا ارتفع البخار والدخان في الهواء وتدافعهما الهواء إلى الجهات وتكون من قدامهما جبال شامخة مانعة ومن فوقها برد الزمهرير ومن أسفلها مادة البخار متصلة فلا يزال البخار والدخان يكثران ويغلظان في الهواء وتتداخل بعضها في بعض حتى يثخن فيتكون منها سحاب مؤلف متراكم ثم إن السحاب كلما ارتفع انضمت أجزاء البخار

في الرعد والبرق وما يتعلق بذلك

ثم تلتئم تلك الأجزاء المائية بعضها إلى بعض فتصير قطرا فثقلت وأخذت راجعة إلى أسفل فإن كان صعود ذلك البخار بالليل والهواء شديد البرد منعه من الصعود وأجمده أولا فصار سحاباً رقيقاً. وإن كان البرد مفرطاً أجمد في الغيم وكان ذلك ثلجاً لأن البرد يجمد الأجزاء المائية وتختلط بالأجزاء الهوائية وينزل بالرفق فلذلك لا يكون له في الأرض وقع شديد كما المطر ولا برد. وإن كان الهواء دافئاً ارتفع البخار في الغيوم وتراكم السحب طبقات بعضها فوق بعض كما ترى في أيام الربيع والخريف كأنها جبال من قطن مندوفٍ. فإذا عرض لا برد الزمهرير من فوق غلظ البخار وصار ماءً من فوق غلظ البخار وصار ماءً وانضمت أجزاؤها قطراً. وعرض لها الثقل فأخذت تهوي من سمك السحاب ومن تراكمها تلك القطرات الصغار بعضها إلى بعض حتى إذا خرجت من أسفلها صار تقطراً كثيراً. فإن عرض لها برد مفر من طريقها جمدت وصارت برداً قبل أن تبلغ الأرض وإن لم تبلغ الأبخرة إلى الهواء البارد فإن كانت كثيرة صارت باباً وإن كانت قليلة وتكاثفت فإن لم يتجمد نزل طلاً وإن أنجمد نزل صقيعاً في الرعد والبرق وما يتعلق بذلك 349 زعموا أن الشمس إذا أشرقت على الأرض حللت منها أجزاء نارية تخالطها أجزاء أرضية ويسمى ذلك المجموع دخاناً ثم الدخان يمازجه البخار ويرتفعان معاً إلى الطبقة الباردة من الهواء. فينعقد

البخار سحاباً ويحتبس الدخان فيه. فإن بقي على حرارته قصد الصعود وإن صار بارداً قصد النزول. وأما ما كان يمزق السحاب تمزيقاً عنيفاً فيحدث منه الرعد وربما يشتعل ناراً لشدة المحاكة فيحدث منه البرق إن كان لطيفاً والصاعقة إن كان غليظاً كثيراً فتحرق كل شيء أصابته فربما تذوب الحديد على الباب ولا تضر الخشبة وربما تذوب الذهب في الخزنة ولا تضر الخرقة وقد تقع على الجبل فتشقه وقد تقع على الماء فيحرق فيه حيوانه. واعلم أن الرعد والبرق كلاهما يحدثان معاً لكن ترى البرق قبل أن تسمع الرعد وذلك لأن الرؤية تحصل لمحاداة النظر وأما السمع فيتوقف على وصل الصوت إلى الصماخ وذلك يتوقف على تموج الهواء. وذهاب النظر أسرع من وصول الصوت. ألا ترى أن القصار إذا ضرب الثوب على الحجر فإن النظر يرى ضرب الثوب على الحجر ثم السمع يسمع صوته بعد ذلك بزمان. والرعد والبرق لا يكونان في الشتاء لقلة البخار الدخاني ولهذا لا يوجدان في البلاد الباردة ولا عند نزول الثلج لأن البرد يطفئ البخار الدخاني والبرق الكثير يقع عنده مطر كثير لتكاثف أجزاء الغمام. فإنها إذا تكاثفت انحصر الماء فإذا نزل بشدة كما إذا احتبس الماء ثم انطلق فإنه يجري جرياً شديداً (كله من عجائب المخلوقات للقزويني)

الباب التاسع عشر في المراسلات

الباب التاسع عشر في المراسلات فصل في المراسلات بين الملوك والأمراء كتاب المحق الطوسي إلى صاحب حلب بعد فتح بغداد سنة 655 هـ (1252 م) 350 أما بعد فقد نزلنا بغداد فساء صباح المنذرين فدعونا مالكها إلى طاعتنا فأبى فحق القول عليه فاخناه أخذاً وبيلاً وقد دعوناك إلى طاعتنا فإن أتيت فروح وريحان وجنة نعيم. وإن أبيت فلا سلطن منك عليك. فلا تكن كالباحث عن حتفه بظلهٍ. والجادع مارن أنفه بكفه والسلام ذكر مراسلة تيمور سلطان عراق العجم أبا الفوارس شاه شجاع 351 عن الله تعالى سلطني عليكم وعلى ظلمة الحكام والجائرين من ملوك الأنام ورفعني على من ناوأني ونصرني لى من خالفني وقد رأيت وسمعت فإن أحببت وأطعت فيها ونعمت. وإلا فاعلم أن قدام قدمي ثلاثة أشياء الخراب والقحط والوباء وإثم كل ذلك عائد عليك ومنسوب إليك (أخبار تيمور لابن عربشاه) كتاب الحسن بن زكرويه إلى بعض عماله) 352 بسم الله الرحمان الرحيم من عند المهدي المنصور الناصر لدين الله القائم بأمر الله إلى جعفر بن حميد الكردي سلام علك. فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فقد أنهى إلينا ما حدث قبلك من أخبار أعداء الله الكفرة وما فعلوه بناحيتك من

كتاب سلطان مراكش إلى سلطان فرنسة لويس الرابع عشر

الظلم والعبث والفساد في الأرض فأعظمنا ذلك ورأينا أن ننفذ إلى ما هناك من جيوشنا من ينتقم لنا الله به من أعدائنا الظالمين الذين يسعون في الأرض فساداً. فأنقذنا جماعة من المؤمنين إلى مدينة حمص ونحن في إثرهم وقد أوعزنا إليهم في المصير إلى ناحيتك لطلب أعداء الله حيث كانوا. ونحن نرجو أن يجرينا الله فيهم على أحسن عوائده عندنا في أمثالكم. فينبغي أن يكون قلبك وقلوب من اتبعك من أوليائنا وثيقاً بالله وبنصره الذي لم يزل يعودنا في كل من مرق من الطاعة وانحرف عن الإيمان وتبادر إلينا بإخبار الناحية وما يحدث فيها ولا تخف عنا شيئاً من أمرها. سبحانك اللهم والحمد لله رب العالمين (تاريخ حلب لكمال الدين) كتاب سلطان مراكش إلى سلطان فرنسة لويس الرابع عشر 353 صدر هذا المكتوب العلي الإمامي عن الأمر العلوي الذي دانت لطاعته الكريمة ممالكه الإسلامية وانقادت لدعوته الشريفة الأقطار المغربية وخضعت لأوامره العلية جبابرة الملوك السودانية. وأقطارها القاصية والدانية إلى الملك الذي له بين ملوك النصرانية والملل المسيحية الرتبة العالية والمنزلة الرفيعة السامية. سلطان فرائصة لويز ابن السلاطين الذين لهم المكانة السامية المنار أما بعد حمد الله مولى الحمد ومستحقه فكتابنا هذا إليكم من حضرتنا العلية مدينة مراكش ولا زائد إلا ما سناه لأيالتنا الشريفة من عوائد

النصر والإقبال وصنائع الله الجميلة المفعمة السجال المنثالة في البكر والآصال لله المنة والشكر هذا موجبه إليكم التعريف أنه لما ورد خديمكم المرعي الملحوظ الرزيلي على مرسى ثغر أسفي المحروس بالله وأسلم كتابكم المصحوب معه لخدامنا الذين بالثغر بادروا بوصوله إلينا في الفور فوقفنا منه على جميع ما أودعتم فيه من تقرير المحبة وتأسيس الهدنة بين الجانبين. إلى ما أشرتم إليه في شأن الأسارى الفرانصيين الذين رغبت من مقامنا العلي تسريحهم فأخذنا في ذلك أتم الأخذ وأكمله إلى أن استوفى ذلك على أحسن وجه وأجمله وأجبناكم عن فصول كتابكم كلها فوجهنا به وبالنصارى المذكورين صحبة خديمنا الوجيه الأثير النبيل النبيه القائد يحي بن محمد الجناتي قصد أن يلتقي مع خديمكن المذكور إن تأتي له الاجتماع معه في البر وإن تعذر عليه ذلك يبعث لخديمنا من يقوم مقامه ممن هو مثله وبمثابته في أعراضكم ليسلم له النصارى المذورين ويتكلم معه في أغراض الجانبين ثم إن خديمنا المذكور لما بلغ ثغر أسف فقد خديمكم من المرسى فسأل عنه فقيل له. قد اقلع منذ أربعة أيام. فاقتص بعض الخدام أثره في البحر فلم يجد له أثراً هذا وقد كان خديمكم على علم ويقين أن خديمنا المذكور قادم إليه وفي أثناء الطريق فقلق قبل وصوله والخديم الذي يكون بصدد أغراض ضيفه لا يستفزه شيء عن قضائها ولا ينبغي له الانزعاج قبل استيفائها فعرفناكم بالواقع

كتاب سلطان مراكش إلى لويس السادس عشر سلطان فرنسة

لتوقنوا أننا لم نقصر في أغراضكم المتلقاة لدينا بالقبول وبه وجب الكتب إليكم في 26 من ربيع النبوي سنة 1040 (1630) كتاب سلطان مراكش إلى لويس السادس عشر سلطان فرنسة 354 بسم اله الرحمان الرحيم لا حول ولا قوة إلا بالله عن أمر السلطان الأعظم سلطان مراكش وفاس وكافة الأقاليم المغربية خلد الله نصره وأعز أمره وأدام سموه وفخره وأشرق في فلك السعادة شمسه وبدره. إلى عظيم جنس الإفرنصيص المتولي أمرهم الري لوزير السادس عشر من أسمه سلام على من اتبع الهدى أما بعد فقد ورد على حضرتنا العلية بالله كتابك الذي تأريخه ثاني عشر من ماية عام أربعة وسبعين وسبعمائة وألف المتضمن الإخبار بموت جدك الري لوزير الخامس عشر على يد نائب قونصوكم برطلمي دبطنير. وبقي في خاطرنا جدك لويز كثيراً حيث كانت له محبة في جانبنا العلي وكان ممن يحسن السياسة في قومه وله حنانة في رعيته وحفظ عهدٍ مع أصحابه وفرحنا حيث كان باق من ذريته من يخلفه في المملكة والجلوس على سرير الملك من بعده وما زالت تسعد بك رعيتك أكثر مما كانت في حياة جدك ونحن معك على المهادنة والصلح ما كان مع جدك ثم فاعلم أن سفناً من سفن الفرنصيص حرثوا بأقصى أيالتنا المباركة في الصحراء وتفرق جميع من سلم من الغرق من النصارى في أيدي العرب. وحيث بلغنا ذلك سيرنا بعض

في الأشواق وحسن التواصل

خدامنا للصحراء لنوجههم إليكم بعد الإنعام عليهم رعياً للمهادنة والصلح الذي بينا وبينكم ويصلك ستة من الخيل من عتاق خيلنا صلة منا إليكم وخديمنا المذكور لا تبطؤوه عندكم ووجهوه إلينا عزماً بعد قضاء الغرض الذي وجهناه إليه ونحن معكم على المهادنة والصلح. انتهى صدر الأمر بكتبه من حاضرة مكناسة الزيتون في عاشر جمادي الثانية عام 1188 للهجرة (1775 للمسيح) في الأشواق وحسن التواصل فصل لسعيد بن عبد الملك 355 أناصب إليك سامي الطرف نحوك وذكرك ملصق بلساني. وأسمك حلو على لهواتي وشخصك ماثل بين عيني. وأنت أقرب الناس من قلبي وآخذهم بمجامع هواي. صادقت منك جوهر نفسي فانا غير محمود على الانقياد لك بغير زمام لأن النفس يقود يعضها بعضاً وقال أبو العتاهية: وللقلب على القلب ... دليل حين يلقاه وللناس من الناس ... مقاييس وأشباه كتاب الحسين بن سهل إلى صديق له يدعوه إلى مأدبةٍ 356 نحن في مأدبة لنا تشرف على روضةٍ تضاحك الشمس حسناً قد باتت السماء تعلها فهي مشرقة بمائها حالية بنوارها فرأيك فينا لنكون على سواء من استمتاع بعضنا ببعضٍ

كتاب إسحاق بن إبراهيم الموصلي إلى أحمد بن يوسف

(فكتب إليه) : هذه صفة لو أنت في أقاصي الأطراف لوجب انتجاعها وحث المطي في ابتغائها. فكيف في موضع أنت تسكنه وتجمع إلى أنيق منظره حسن وجهك وطيب شمائلك وأنا الجواب 357 كتب إبراهيم بن العباس إلى بعض أصحابه: ألمودة تجمعنا محبتها والصناعة تؤلفنا أسبابها وما بين ذلك من تراخٍ في لقاء أو تخلف في مكاتبةٍ بيننا يوجب العذر فيه. كتاب إسحاق بن إبراهيم الموصلي إلى أحمد بن يوسف 358 ألشوق إليك وإلى عهد أيامنا التي حسنت كأنها أعياد وقصرت كأنها ساعات لفوت الصفاء. ومما يجدده ويكثر دواعيه تصاقب الديار وقرب الجوار. تمم الله لنا النعمة المجددة فيك بالنظر إلى الغرة المباركة التي لا وحشة معها ولا أنس بعدها (لابن عبد ربه) 359 (كتب بعض الكتاب إلى أخ له) : أما بعد فإنه من عانى الظمأ بفرقتك استوجب الري من رؤيتك وإن رأيت أن تجرد لي ميعاداً بزيارتك أتوق به إلى وقت رؤيتك ويؤنسني إلى حين لقائك فعلت. (فأجابه) : أخاف أن أعدك عداً يعترض دون الوفاء به ما لا أقدر على دفعه فتكون الحسرة أعظم من الفرقة 260 (وكتب في بابه) : يومنا طاب أوله وحسن مستقبله واتت السماء بقطارها فحلت الأرض بأنوارها وبك تطيب الشمول ويشفى الغليل فإن تأخرت فرقت شملنا وإن تعجلت إلينا نظمت أمرنا

كتاب زبيدة إلى المأمون بعد قتله ابنها الأمين

361 كتب بعضهم إلى أمير: ضعني أكرمك الله من نفسك حيث وضعت نفسي من رجائك أصاب الله بمعروفك مواضعه وبسط بكل خير يدك (للقيرواني) كتاب زبيدة إلى المأمون بعد قتله ابنها الأمين 362 كل ذنبٍ يا أمير المؤمنين وإن عظم صغير في جنب عفوك. وكل زلل وإن جل حقير عند صفحك وذلك الذي عودك الله فأطال مدتك وتمم نعمتك. وأدام بك الخير ودفع بك الشر. هذه رقعة الواله التي ترجوك في الحياة لوائب الدهر. وفي الممات لجميل الذكر فإن رأيت أن ترحم ضعفي واستكانتي وقلة حبلتي وأن تصل رحمي وتحتسب فيما جعلك اله له طالباً وفيه راغباً فأفعل. وتذكر من لو كان حياً لكان شفيعي إليك. (فلما وقف المأمون عليها بكى على أخيه الأمين ورق لها وكتب إليها الجواب:) 363 وصلت رقعتك يا أماه (حاطك الله وتولاك بالرعاية) ووقفت عليها ساءني شهد الله جميع ما أوضحته فيها لكن الأقدار نافذة والأحكام جارية والأمور متصرفة والمخلوقون في قبضتها لا يقدرون على دفاعها. والدنيا كلها إلى شتات. وكل حي إلى ممات والغدر والبغي حتف الإنسان والمكر راجع على صاحبه. وقد أمرت برد جميع ما أخذ لك. ولم تفقدي ممن مضى على رحمة الله إلا وجهه وأنا بعد ذلك لك على أكثر مما تختارين والسلام.

فصول في الهدايا

ثم أمر برد ضياعها وجميع ما أخذ منها واقطعها ما كان في يدها وأعادها إلى حالتها الأولى في الكرامة والحشمة (حديقة الأقزاح لليمني) فصول في الهدايا كتب رجل إلى المتوكل وقد أهدى إليه قارورة من دهن الأتزج 364 إن الهدية إذا كانت من الصغير إلى الكبير كلما لطفت ودقت كانت أبهى وأحسن. وكلما كانت من الكبير إلى الصغير كلما عظمت وجلت كانت انفع وأوقع. وأرجو أن لا يكون قصرت بي همة أصارتني إليك ولا أحري إرشاد دلني عليك وأقول: ما قصرت همة بلغت بها ... بابك ياذا النداء والكرم حسبي بودك أن ظفرت به ... ذخراً وعزاً يا واحد الأمم 365 كتب أحمد أبي طاهر مع هديةٍ: من سنة الأملاك فيما مضى ... من سالف الدهر وإقباله هدية العبد إلى ربه ... في جدة الدهر وإجلاله فقلت ما اهدي إلى سيدي ... حالي وما خولت من حاله إن أهد نفسي فهي من نفسه ... أو أهد مالي فهو من ماله فليس إلا الحمد والشكر والمدح ... الذي يبقى لمثاله أهدت جارية من جواري المأمون تفاحة له وكتبت إليه 366 إني يا أمير المؤمنين لما رأيت تنافس الرعية في الهدايا إليك وتواتر ألطافهم عليك فكرت في هديةٍ تخف مؤونتها وتهون كلفتها ويعظم خطرها ويجل موقعها. فلم أجد ما يجتمع فيه هذا النعت

فصول في التهنئة

ويكمل فيه هذا الوصف إلا التفاح فأهديت إليك منها واحدةً في العدد كثيرةً في التقرب. وأحببت يا أمير المؤمنين أن أعرب لك عن فضلها واكشف لك عن محاسنها وشرح لك لطيف معانيها. وما قالت الأطباء فيها تفنن الشعراء في أوصافها حتى ترمقها بعين الجلالة وتلحظها بمقلة الصيانة. فقد قال أبوك الرشيد: أحسن الفاكهة التفاح اجتمع فيه بياض الفضة ولون التبر. يلذ بها من الحواس العين ببهجتها والأنف بريحها والفم بطعمها. فصول في التهنئة كتب بعض الشعراء إلى بعض أهل السلطان في المهرجان 367 هذه أيام جرت فيها العادة بإلطاف العبيد للسادة. وإن كانت الصناعة تقصر عما تبلغه الهمة فكرهت أن أهدي فلا أبلغ مقدار الواجب فجعلت هديتي هذه الأبيات وهي: ولما أن رأيت ذوي التصابي ... تباروا في هدايا المهرجان جعلت هديتي وداً مقيماً ... على مر الحوادث والزمان وعبداً حين تكرمه ذليلاً ... ولكن لا يعز على الهوان نريدك حين تعطيه خضوعاً ... ويرضي من نوالك بالأماني كتب السلطان العزيز إلى ابن مقشر الطبيب النصراني يهنئه ببرئه من مرضه 368 بسم الله الرحمن الرحيم إلى طبيب سلمه الله السلام الله الطيب وأتم النعمة عليه. وصلت إلينا البشارة بما وهبه الله من عافية الطبيب

في التوصية

وبرئه والله العظيم لقد عدل عندنا ما رزقناه نحن من الصحة في جسمنا أقاتلك الله العثرة. وأعادك إلى أفضل ما عودك من صحة الجسم وطيبة النفس وخفض العيش بحوله وقوته (لأبي الفرج) في التوصية كتاب أبي بكر إلى يزيد ابن أبي سفيان 369 إذا سرت فلا تعنف على أصحابك في السير ولا تغضب قومك وشاورهم في الأمر. واستعمل العدل وباعد عنك الظلم والجور. فإنه ما أفلح قوم ظلموا ولا نصروا على عدوهم. وإذا لقيتم الذين كفرو ازحفا فلا تولوهم الأدبار. ومن ويلهم يومئذ دبره إلا منحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله. وإذا نصرتم على عدوكم فلا تقتلوا وليدا ولا شيخاً ولا امرأة ولا طفلاً. ولا تقربوا نخلاً ولا تحرقوا زرعاً ولا تقطعوا شجراً مثمراً. ولا تعقروا بهيمة إلا بهيمة المأكول. ولا تغدروا إذ عاهدتم ولا تنقضوا إذا صالحتم. وستمرون على أقوام في الصوامع رهبان ترهبوا لله فدعوهم وما انفردوا إليه وارتضوه لأنفسهم فلا تهدموا صوامعكم ولا تقتلوهم والسلام (تاريخ الشام للواقدي) كتاب عمر بن الخطاب لأبنه عبد الله 370 ما بعد فإنه من اتقى الله وقاه. ومن توكل عليه كفاه ومن شكر له زاده ومن أقرضه جزاه. فاجعل التقوى عماد قلبك وجلاء

كتاب عمر بن الخطاب إلى عتبة بن غزوان عاملة على البصرة

بصرك فإنه لا عمل لمن لا نية له. ولا أجر لمن لا حسنة له. ولا جديد لمن لا خلق له. (للقيرواني) كتاب عمر بن الخطاب إلى عتبة بن غزوان عاملة على البصرة 371 أما بعد فقد أصبحت أميرا تقول فيسمع لك وتأمر فينفذ أمرك. فيا لها نعمة إن لم ترفعك فوق قدرك وتطغيك على من دونك فاحترس من النعمة أشد من احتراسك من المصيبة. وإياك أن تسقط سقطة لا شوى لها وتعثر عثرة لا لعالها (أي لا إفالة) . والسلام كتاب عمر إلى سعد بن أبي وقاص ومن معه من الأجناد 372 أما بعد فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال. فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو وأقوى المكيدة في الحرب. وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراساً من المعاصي منكم من عدوكم. فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم. ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة لن عددنا ليس كعددهم ولا عدتنا كعدتهم. فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة. وإلا ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا. فأعلموا أن عليكم في سيركم حفظةٍ من الله يعلمون ما تفعلون فاستحيوا منهم واسألوا اله العون على أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوكم أسأل الله ذلك لنا ولكم وترفق بالمسلمين في مسيرهم ولا تجشمهم مسيراً يتعبهم ولا تقصر بهم عن منزل يرفق بهم حتى يبلغوا عدوهم. والسفر لم ينقص

فصول في الذم

قوتهم فإنهم سايرون إلى عدو مقيم حامي النفس والكراع. وأقم بمن معك في كل جمعة يوما وليلة. حتى تكون لهم راحة يحيون فيها أنفسهم ويرمون أسلحتم وأمتعتهم. ونح منازلهم عن قرى أهل الصلح والذمة فلا يدخلها من أصحابك إلا من تثق بدينه. وليكن عندك من العرب أو من أهل الأرض من تطمئن إلى نصحه وصدقه. فإن الكذوب لا ينفعك خبره وإن صدقك في بعضه. وليكن منهك عند دنوك من أرض العدو أن تكثر الطلائع وتبث السرايا بينك وبينهم. ثم أذك أحراسك على عسكرك وتيقظ من البيات جهدك. والله ولي أمرك ومن معك وولي النصر لكم على عدوكم والله المستعان فصول في الذم فصل لأحمد بن يوسف 373 أما بعد فإني لا أعرف للمعروف طريقاً أوعر من طريقه ليك. فالمعروف لديك ضائع والشكر عندك مهجور. وإنما غايتك في المعروف أن تحقره وفي وليه أن تكفره. كتاب أبي العتاهية إلى الفضل بن معن بن زائدة 374 أما بعد فإني توسلت إليك في طلب نائلك بأسباب الأمل وذرائع الحمد فراراً من الفقر ورجاء للغنى وازددت بهما بعداً مما فيه تقربت وقرباً مما فيه تبعدت. وقد قسمت اللائمة بيني وبينك لأني أخطأت في سؤالك وأخطأت في منعي. أمرت باليأس من

فصل لإبراهيم بن المهدي

أهل البخل فسألهم ونهيت عن منع أهل الرعبة فمنعتهم فصل لإبراهيم بن المهدي 375 إن مودة الأشرار متصلة بالذلة والصغار تميل معهما وتصرف في آثارهما. وقد كنت احل مودتك بالمحل النفيس وأنزلها بالمنزل الرفيع حتى رأيت ذلتك عند الضعة وضرعتك عند الحاجة وتغيرك عند الاستغناء وإطراحك لإخوان الصفاء. فكان ذلك أقوى أسباب عذري في قطيعتك عند من يتصفح أمري وأمرك بعين عدلٍ لا تميل إلى هوى ولا ترى القبيح حسناً. فصل في العتاب لعبد الله بن معاوية ذي الجناحين 376 أما بعد فقد عاقني اشك في أمرك عن عزيمة الرأي فيك. ابتدأتني بلطف عن غير خبرةٍ وأعقبته جفاء من غير ذنب. فأطمعني أو لك في إخائك وآيسني من وفائك فسبحان من لو شاء لكشف من أمرك عن عزيمة الرأي فيك. فأقمنا على ائتلافٍ. وافترقنا على اختلاف. وله أيضاً في هذا الباب 377 لو كانت الشكوك تختلجني في صحة مودتك وكريم إخائك ودوام عهدك لطال عتبي عليك في تواتر كتبي واحتباس جواباتها عني ولكن الثقة بما تقدم عندي تعذرك وتحسن ما يقبحه جفاؤك. والله يديم نعمته لك ولنا بك.

فصل لأبن المدبر

فصل لأبن المدبر 378 وصل كتابك المفتتح بالعتاب الجميل والتقريع اللطيف فلولا ما غلب علي من السرور بسلامتك لتقطعت غماً بعتابك الذي لطف حتى كاد يخفى عن أهل الرقة والفطنة. وغلظ حتى كاد يفهمه أهل الجهل والبله. فلا أعدمني الله رضاك مجازياً به على ما استحقه عتبك فأنت ظالم فيه وعتابك لي المخرج منه (لابن عبد ربه) كتاب صاحب البريد بخراسان إلى الرشيد ويحي جالس بين يديه 379 عن الفضل بن يحي متشاغل بالصيد وإدمان اللذات عن النظر في أمور الرعية فلما قراه الرشيد رمى به إلى يحي وقال له: يا أبي اقرأ هذا الكتاب واكتب إليه بما يردعه عن هذا: فكتب يحي على ظهر كتاب صاحب البريد: حفظك الله يا بني وأمتع بك قد انتهى إلى أمير المؤمنين مما أنت عليه من التشاغل بالصيد ومداومة اللذات عن النظر في أمور الرعية ما أنكره فعاود ما هو أزين بك. فإنه من عاد إلى ما يزينه أو يشينه لم يعرفه دهره إلا به والسلام (لابن خلكان) كتاب طاهر بن الحسين حين أخذ بغداد إلى إبراهيم بن المهدي 380 أما بعد فإنه عزيز عليّ أن اكتب إلى أحدٍ من بيت الخلافة بغير كلام الإمرة وسلامها. غير انه بلغني عنك انك مائل الهوى والرأي للناكث المخلوع. فإن كان كلما بلغني فقليل ما كتبت به لك. وإن يكن غير ذلك فالسلام علك أيها الأمير ورحمة الله

فصول في المدح والشكر

وبركاته. وقد كتبت في أسفل كتابي أبياتاً فتدبرها: ركوبك الهول ما لم تلق فرصته ... جهل رمى بك بالإقحام تعزير أهون بدنيا يصيب المخطئون بها ... حظ المصيبين والمغرور مغرور فازرع صوابا وخذ بالحزم حيطته ... فلن يذم لأهل الحزم تدبير فإن ظفرت مصيباً أو هلكت به ... فأنت عند ذوي الألباب معذور وإن ظفرت على جهل ففزت به ... فألوا جهول أعانته المقادير فصول في المدح والشكر فصل لمحمد بن الجهم 381 إنك لزمت من الوفاء طريقةً محمودةً وعرفت مناقبها وشهرت بمحاسنها. فتنافس الإخوان فيك يبتدرون ودك ويتمسكون بحبلك. فمن أثبت له عندك وداً وضع حلته موضع حرزها كتاب ابن مكرم إلى احمد بن المدبر 382 إن جميع أكفائك ونظرائك يتنازعون الفضل فإذا انتهوا إليك أقروا لك. ويتنافسون المنازل فإذ بلغوك وقفوا دونك. فزادك الله وزادنا بك وفيك. وجعلنا ممن يقبله رأيك. ويقدمه اختيارك ويقع من الأمور بموقعٍ بموافقتك. ويجري فيها على سبيل طاعتك. (وله) . إن مما يطمعني في بقاء النعمة عندك ويزيدني بصيرة في العلم بدوامها لديك أنك أخذتها بحقها واستوجبتها بما فيك من أسبابها. ومن شان الأجناس أن تتألف. وشأن الأشكال

فصل له أيضا

أن تتقاوم. وكل شيء يتفلقل إلى معدنه ويحن إلى عنصره. فإذا صادف منبته ونزل في مغرسه ضرب بعرقه وسبق بفرعه وتمكن تمكن الإقامة وتفتك الطبيعة فصل له أيضاً 383 ألسيف العتيق إذا أصابه الصدأ استغنى بالقليل من الجلاء حتى تعود جدته ويظهر فرنده للين طبيعته وكرم جوهره. ولم أصف نفسي لك عجباً بل شكراً. (وله) زاد معروفك عندي عظماً أنه عندك مستور حقير. وعند الناس مشهور كبير. (أخذه الشاعر) فقال: زاد معروفك عندي عظيماً ... انه عندك مستور حقير تتناساه كأن لم تأته ... وهو عند الناس مشهور كبير فصل للعتابي 384 أنت أيها الأمير وارث سلقك وبقية أعلام أهل بيتك المسدود به ثلمهم المجدد به قديم شرفهم والمحيا به أيام سعيهم. وإنه لم يخمل من كنت وارثه. ولا درست آثار من كنت سالك سبيله ولا انمحت أعلام من خلفته في رتبته. فصول في التعازي فصل لعمرو بن بحر الحاحظ 385 أما بعد فإن الماضي قبلك الباقي لك والباقي بعدك المأجور فيك. وإنما يوفى الصابرين أجرهم بغير حساب (وله) : أما بعد فإن

كتب ابن السماك إلى هارون الرشيد يعزيه بولد

في اله العزاء من كل هالك والخلف من كل مصاب. وإنه من لم يتغز بعزاء الله تنقطع نفسه عن الدنيا حسرةً. (وله) أما بعد فإن الصبر يعقبه الأجر والجزع يعقبه الهلع. فتمسك بحظك من الصبر تنل به الذي تطلب وتدرك به الذي تأمل (لابن عبد ربه) كتب ابن السماك إلى هارون الرشيد يعزيه بولدٍ 386 أما بعد فإن استطعت أن يكون لله شكرك حيث وهبه لك فافعل. فإنه حيث قبضة منك أحرز لك هبته. ولو بقي لم تسلم من فتنته. أرأيت جزعك على ذهابه وتلهفك على فراقه. أرضيت الدار لنفسك فترضاها لابنك. أما هو فقد خلص من الكدر وبقيت أنت متعلقاً بالخطر ولا سلام (الكنز المدفون للسيوطي) عزى شبيب بن شبة المنصور على أخيه أبي العباس فقال 387 جعل الله ثواب مارزئت به لك أجراً وأعقبك عليه صبراً. وختم ذلك لك بعافية تامةٍ ونعمة عامةٍ. فثواب الله خير لك منه وما عند اله خير له منك. وأحق ماصبر عليه ما ليس إلى تغييره سبيل رسائل إلى عليل 388 ليست حالي أكرامك الله في الاغتمام بعلتك حال المشارك فيها بان ينالني نصيب منها وأسلم من أكثرها. بل اجتمع علي منها أني مخصوص بها دونك مؤلم منها بما يؤلمك. فانا عليل مصروف العناية إلى عليل كأني سليم. فانا أسأل الله الذي جعل عافيتي في عافيتك

فصول في وصاة

أن يخصني بما فيك فإنها شاملة لي ولك. (وفي هذا الباب) : إن الذي يعلم حاجتي إلى بقائك قادر على المدافعة عن حوابائك. فلو قلت إن الحق قد سقط عني في عيادتك لأني عليل بعلتك لقام بذلك شاهد عدل في ضميرك واثر بار في حالي لغيبتك وأصدق الخبر ما حققه الأثر وأفضل القول ما كان عليه دليل. فصول في وصاة كتب الحسن بن وهب إلى مالك بن طوقٍ يوصي بابن أبي الشيص 389 كتابي إليك خططته بيميني وفرغت له ذهني فما ظنك بحاجة هذا موقعها مني. أتراني أقبل العذر فيها أو أقصر في الشكر عليها وابن أبي الشيص قد عرفته ونسبه وصفاته ولو كانت أيدينا تنبسط ببره ما عدانا إلى غيرنا فاكتف بهذا منا (وله) : كتابي إليك كتاب معني بمن كتب له واثقٍ بمن كتب إليه. ولن يضيع بين الثقة والعناية حامله فصل للحسن بن سهل 390 فلان قد استغنى باصطناعك إياه عن تحريكي إياك في أمره. فغن الصنيعة حرمة للمصنوع إليه وسيلة إلى مصطنعه فبسط الله يدك بالخيرات وجعلك من أهلها ووصل بك أسبابها. (وله) : موصل كتابي إليك أنا فكن له أنا. وتأمله بعين. مشاهدتي وخلتي. فلسانه أشك ما أتيت إليه وأذم ما قصرت فيه (لابن عبد ربه) .

الباب العشرون

الباب العشرون في تاريخ العرب نظر في أمة العرب وطباعهم وسكناهم 391 اعلم أن العرب مهم الأمة الراحلة الناجمة. ألخيام لسكناهم والخيل لركوبهم والأنعام لكسبهم. يقومون عليها ويقتاتون من ألبانها ويتخذون الدفء والأثاث من أوبارها وأشعارها ويحملون أثقالهم على ظهورها. يتنازلون حلالا مفترقة ويبتغون الرزق في غالب أحوالهم من القنص وتخطف الناس من السبل. ويتقلبون دائماً في المجالات فراراً من حمارة القيظ تارة وصبارة البرد أخرى. وانتجاعاً لمراعي غنمهم. ارتياداً لمصالح إبلهم الكفيلة بمعاشهم وحمل أثقالهم ودفئهم ومنافعهم فاختصوا لذلك بسكنى الإقليم الثالث. فعمروا اليمن والحجار ونجداً وتهامة وما وراء ذلك لاختصاص هذه البلاد بالرمال والقفار المحيطة بالأرياف الأهلة بمن سواهم من الأمم في فصل الربيع وزخرف الأرض لرعي الكلاْ والعشب في منابتها والتنقل في نواحيها إلى فصل الصيف لمدة الأقوات في سنتهم من حبوبها. وربما يلحق أهل العمران أثناء ذلك ممرات من ضرارهم بإفساد السابلة ورعي الزرع مخضراً أو انتهابه قائماً وحصيداً. لاما حاطته الدولة وذادت عنه الحامية في الممالك التي للسلطان عليهم

ذكر نسب العرب وتقاسمهم

فيها. ثم ينحدرون في فصل الخريف إلى القفار لرعي شجرها ونتاج إبلهم في رمالها وما أحاط به عملهم من مصالحها. وفرارا بأنفسهم وظعائنهم من أذى البرد إلى دفء مشاتيها. فلا يزالون في كل عام مترددين بين الريف والصحراء ما بين الإقليم الثالث والرابع صاعدين ومنحدرين على ممر الأيام. شعارهم لبس المخيط في الغالب ولبس العمائم تيجاناً على رؤوسهم لقنوا من أمم البربر في حمل السلاح اعتقال الرماح وهجروا تنكب القسي (تاريخ ابن خلدون) ذكر نسب العرب وتقاسمهم 392 قال المطرزي: اختلف في نسبتهم وقيل إن اسمهم اشتق من الإبانة لقولهم أعرب الرجل عما في ضميره إذا أبان عنه. والأصح أنهم نسبوا إلى عربة فهي من تهامة ودعي جيلهم جيل الجاهلية لما كان عليه العرب من الجهل بالله وشرائع الدين والكبر والتجبر وقد قسم المؤرخون العرب إلى ثلاث أقسام عاربةٍ ومتعربة ومستعربة. أما العاربة فهم العرب الأول الذين ذهبت عنا تفاصيل أخبارهم لتقادم عهدهم وأما العرب المتعربة فهم عرب اليمن من ولد قحطان. وأما العرب المستعربة فهم ولد إسماعيل (نهاية الأرب للنويري) أخبار العرب العارية أو البائدة وهم القسم الأول 393 هم شعوب كثيرة منم عاد وثمود وطسم وجديس وجرهم الأولى. وقد نسمى هذا الجيل العرب البائدة بمعنى الهالكة لأنه لم

يبق على وجه الأرض أحد من نسلهم وقد سمي أهل هذا الجيل العاربة إما بمعنى الرساخة بالعروبية كما يقال ليل أليل وصوم صائم أو بمعنى الفاعلة للعروبية والمبتدعة لها بما كانت أول أجبالها وأما بنو عادٍ فكانت مواطنهم اللوى بأحقاف الرمل بين اليمن وعمان إلى حضرموت والشجر وكان أبوهم عاد أول ملك من العرب. وذكر المسعودي: أن الذي ملك منهم من بعد عادٍ شداد. وهو الذي سار في الممالك واستولى على كثير من بلاد الشام والهند والعراق. ولما اتصل ملك عادٍ وعظم طغيانهم وعنوهم انتحلوا عبادة الأصنام والأوثان أبادهم الله وهلكوا عن أقصاهم وأما ثمود فكانت ديارهم بالحجر ووادي القرى فيما بين الحجاز والشام وكانوا ينحتون بيوتهم في الجبال وكانوا أهل كفرٍ وبغي. فانذرهم بعض الأنبياء فلم يصيخوا إلى دعائه. فهلك جميعهم حيث كانوا من الأرض ودرجوا في الغابرين. وأما جديس وطسم فكانت ديارهم اليمامة وهي إذ ذاك من أخصب البلاد وأعمرها وأكثرها ثماراً وحدائق وقصورا وكان ملك طسم غشوماً مصاراً لجديس مستذلاً لهم حتى قام الأسود وقتله غيلة وأما جرهم الأولى فكانت ديارهم باليمن وكانوا يتكلمون بالعبرانية فكانوا على عهد عادٍ ولتقادم انقراضهم ذهبت عنا حقائق أخبارهم وانقطعت عنا أسابا العلم بآثارهم وأما جرهم الثانية

العرب المتعرية بنو قطحان وهم القسم الثاني

فليسوا من البائدة بل عن من ولد قحطان وبهم اتصل إسماعيل بن إبراهيم العرب المتعرية بنو قطحان وهم القسم الثاني 394 وسمي هذا الجيل العرب المتعربه لنزلوهم بالبادية مع العرب العاربة وتخلقهم بأخلاقهم. وهم بنو قحطان بن عابر بن شالح بن أرفخشد بن سام. وقحطان هذا معرب يقطان وكان أول من ملك أرض اليمن ولبس التاج (2030 قبل المسيح) وكان بنو قطحان معاصرين لإخوانهم من العرب العاربة ومظاهرين لهم على أمورهم. ولم يزالوا مجتمعين في مجالات البادية مبعدين عن رتبة الملك وترفهه الذي كان لأولئك فأصبحوا بمنجاةٍ من الهرم الذي يسوق إليه الترف والنضارة فتشعبت في أرض الفضاء فصائلهم وتعدد في جو الفقر أفخاذهم وعشائرهم. ونمى عددهم وكثرت إخوانهم من العمالة في آخر جيلهم. وزاحموا بمناكبهم واستجدوا خلق الدولة بما استأنفوه من عزهم وكانت الدولة لبني قحطان متصلة فيهم (لابن خلدون) ملك يعرب ويشجب وسبا بني قحطان 395 وكان يعرب بن قحطان من أعاظم ملوك العرب ويسمى يمناً وبه سميت اليمن وهو أول من حياه بالتحية: أبيت اللعن وأنعم صباحاً. وقيل إنه أول من نطق بالعربية. قال حسان بن ثابت الأنصاري: تعلمتم من منطق الشيخ يعربٍ ... أببنا فصرتم ذوي نفر وكنتم قديماً ما لكم غير عجمةٍ ... كلام وكنتم كالبهائم في القفر

سد مأرب وتفرع بني سبا

وملك بعد يعرب ابنه يشجب. وكان واهي العزيمة واستبد أعمامه بما في أيديهم من الممالك. وملك من بعده ابنه عبد الشمس وأكثر الغزو في أقطار البلاد قسمي سبأ. وكانت قاعدة ملكة مدينة صنعاء ومن مدنه مأرب على ثلاث مراحل منها (للنوري وابن الأثير) سد مأرب وتفرع بني سبا 396 فبنى سبأ في مأرب سداً مابين جبلين بالصخر والقار فحقن به ماء العيون والمطار وساق إليه سبعين وادياً وترك فيه خروفاً على قدر ما يحتاجون إليه في سقيهم. وهو الذي يسمى العرم ومات قبل إتمامه فأتمه ملوم حمير من بعده فأقاموا في جناته عن اليمين والشمال. ودولتهم يومئذ أوفر مما كانت وأترف وأبذخ وعلى يداً وأظهر. فلما طغوا أجحفهم السيل وأغرق جناتهم وخرجت أرضهم وتمزق ملكهم وصاروا أحاديث وكان هؤلاء التبابعة ملوكاً عدة في عصور متعاقبة وأحقاب متطاولة لم يضبطهم الحصر ولا تقيدت منهم الشوارد. وربما كانوا يتجاوزن ملك اليمن إلى ما بعد عنهم من العراق والهند والمغرب. فاختلفت أحوالهم ووقع اللبس في نقل أيامهم. فلنأت منها متحرياً جهد الاستطاعة عن طموس من الفكر واقتفاء التقاييد المرجوع إليها والأصول المعتمد على نقلها وعدم الوقوف على أخبارهم مدونة في كتاب واحدٍ. وكان لسبأ من الولد كثير أشهرهم حمير وعمرو وكهلان فيعزى التبايعة إلى حمير والمناذرة إلى عمرٍ وينتمي

ملك التبابعة بني حمير في اليمن

الغساسنة إلى كهلان. وسنورد بالتلخيص أخبارهم (لابن خلدون) ملك التبابعة بني حمير في اليمن (ذكر حمير وشداد وتبع الأول) 397 قال المسعودي: قيل لملوك اليمن تبابعة لأنه يتبع بعضهم بعضاً كلما هلك قام آخر. ولم يكونوا يسمون الملك منهم بتبع حتى يملك اليمن والشحر وحضرموت ومن لم يكن له شيء من هذا قيسمى ملكاً ولا يقال له تبع. وأما حمير فقد يعرف أيضاً بالعرنجج (1430 ق. م) . وقيل هو أول من تتوج بالذهب واخرج ثمود من اليمن إلى الحجاز. ثم ملك بعده ابنه وائل. ولم يزل ملكهم على اليمن حتى مضت قرون وصار الأمر إلى شداد فغزا البلاد إلى أن بلغ أقصى المغرب وبنى المدائن والمصانع وأبقى الآثار العظيمة. ثم اضطربت أحوال حمير وصار ملكهم طوائف إلى أن استقر في الحارث وهو تبع الأول وفي بنية التبابعة. وقد لقب الحارث بالرائش لأنه راش الناس بالعطاء مما كان أصابه في غزواته من السلب والغنائم (لحمزة الأصفهاني) ملك افريقس وذي الاذعار وشرجبيل 398 ثم ملك أبرهة ذو المنار ثم أفريقس (1098 ق. م) وذهب بقبائل العرب إلى افريقية وبه سميت وساق البرير إليها من أرض كنعان فأنزلهم ويقال إنه الذي سمي البرابرة بهذا الاسم لأنه لما افتتح المغرب وسمع رطانتهم قال: ما أكثر بربرتهم فسموا البرابرة.

ملك بلقيس وناشر النعم وشمر مرعش ومزيقيا

ثم ملك بعد أفريقس أخوه عمرو ذو الأذعار ولم يحسن السيرة في الرعية ولما يعبأ بوصاة أبيه أبرهة وكان أنشده عند وفاته: يا عمرو إنك ما جهلت وصيتي ... إياك فاحفظه فإنك ترشد يا عمر ولا والله ما ساد الورى ... فيما مضى إلا المعين المرفد يا عمر من يشري العلي بنواله ... كرماً يقال له الجواد السيد كل امرئٍٍ يا عمر حاصد زرعه ... والزرع شيء لا محالة يحصد ولما ذعرت حمير من جوره خلعت طاعته وقلدت الملك شرحبيل. فجرى بين شرحبيل وذي الأذعار قتال شديد قتل فيه خلق كثير. واستقل شرحبيل بالملك بعده ابنه الهدهاد. (1065 ق. م) ملك بلقيس وناشر النعم وشمر مرعش ومزيقيا 399 ثم ملكت بلقيس ابنه الهدهاد وكانت على عهد سليمان ووفدت عليه بنفيس الهدايا وبقيت في ملك اليمن عشرين سنة. ثم قام بعدها بالملك مالك ناشر النعم. لأنه قلد أعناق رعته أطواق الإنعام المنن وسار غازياً إلى المغرب فبلغ وادي الرمل ولم يجد فيه مجازاً كثرة الرمل وعبر بعض أصحابه فلم يرجعوا فأمر بصنم من نحاس نصب على شفير الوادي وكتب في صدره بالخط المسند: هذا الصنم لناشر النعم الحميري ليس وراءه مذهب فلا يتكف أحد ذلك فيعطب. ثم ملك بعد ناشر هذا ابنه شمر مرعش سمي بذلك لارتعاش كان به وهذا هو تبع الآخر. وهو المشهور من ملوك التبابعة ذو المغازي

والآثار البعيدة فكان من أشد ملوك العرب نكاية في العداء وأبعدهم مغاراً (850 قبل المسيح) ويقال إنه وطئ أرض العراق وفارس وخراسان افتتح مدائنهم وخرب مدينة الصفد وراء جيحون فقالت العجم شمر كند أي شمر خرب. وبنى مدينة هنالك فسميت باسمه هذا وعربته العرب فصار سمرقند. وشخص من اليمن غازياً بالحيرة فتحير عسكره. ثم رجع إلى اليمن وهابته الملوك وهادنوه وأخذ بدين اليهودية بإغراء بعض أحبار اليهود من بني قريظة ثم عاد إلى غزو بلاد فارس فوطأ الممالك وذللها وعمد إلى الصين قال النويري: وكان لملك الصين في ذلك الزمان وزير شديد البأس سامي اهمة فلما بلغه مسر ملك اليمن جدع انفه ولحق بأبي كرب وسعى إليه بأمره وتشكى من ملك الصين وتظاهر أنه يدل أبا كرب على خلل يمكنه الفرصة لإلقاء بلادهم بالقياد وفتحها فسر به تبع وبالغ في إكرامه وأصاخ لقوله. فنهض الوزير بجيشه وهو يقدمهم حتى انتهى بهم إلى أرض سبخة. فتوغلوا في فلواتٍ سحيقة لا ماء فيها فأجهدهم العطش فهلكوا. ثم قام بعده ابنه أبو مالك وهلك في بعض غزواته ثم انتقل الملك مدة إلى بني كهلان حتى ملك عمرو بن عامر الأزدي وقيل له مزيقيا لأنه كان يلبس كل يوم بدلة فإذا أراد الدخول إلى مجلسه رمى بها فمزقت لئلا يجد أحد فيها ما يلبسة. وقيل إنه على عهده صار سيل العرم (102 ب م) .

ذكر ذي نواس وشهداء النصرانية في نجران

فانفجرت مياه سد مأرب احتمل السيل أنعامهم وخرب ديارهم فتفرقت القبائل المجاورة له أيدي سبا (لابن الأثير والمسعودي) ذكر ذي نواس وشهداء النصرانية في نجران 400 ولم تزل تتوالى الملوك على حمير حتى صار الملك إلى ذي نواس (490 ب م) واتفق أهل الأخبار كلهم أن ذا نواس هو ابن تبان أسعد واسمه زرعة. وأنه لما تغلب على ملك آبائه التبابعة تسمى يوسف وتعصب لدين اليهودية وحمل عليه قبائل اليمن. فاستجمعت معه حمير على ذلك وأراد أهل نجران عليها وكانوا من بين العرب يدينون بالنصرانية ولهم فضل في الدين واستقامة على حكم أهل الإنجيل. ولهم رأس يقال له عبد الله بن ثامر. وكان هذا الدين وقع إليهم قديماً من بقية أصحاب الحواريين من رجل سقط لهم من ملك التبعية يقال له فيمون. وكان رجلا صالحاً مجتهداً في العبادة مجاب الدعوة وظهرت على يده الكرامات في شفاء المرضى. وكان يطلب الخفاء عن الناس جهده وكان لا يأكل إلا من كسب يده ويعظم يوم الأحد فلا يعمل فيه شيئاً ففطن لشأنه رجل من أهل الشام اسمه صالح فلزمه وخرجا فارين بأنفسهما حتى طأ بلاد العرب. فاختطفتهما سيارة فباعوهما بنجران. وأهل نجران يومئذ على دين العرب يعبون نخله لهم طويلة ويعلقون عليها في الأعياد من حليهم وثيابهم ويعكفون عليها أياماً وكان قد ابتاع فيمون رجل من أشرافهم وابتاع

صالح آخر. فكان فيمون إذا قام في الليل في بيت له أسكنه إياه سيده استسرج له البيت نوراً وهو في غير مصباح حتى يصبح الصباح. فأعجب سيده ما رأى منه فسأله عندينه فأخبره به وقال له: إنما أنتم على باطل وهذه الشجرة لا تضر ولا تنفع. ولو دعوت عليها إلهي الذي أعبده لأهلكها وهو وحده لا ند له. فقال له سيده: افعل فإنك إذا فعلت هذا دخلنا في دينك وتركنا ما نحن عليه. فدعا فيمون فأرسل الله ريحاً فجعفت النخلة من أصلها. وأطبق أهل نجران على أتباع دين عيسى فمن هناك كانت النصرانية بنجران. وأما عبد الله بن ثامر فكان يجلس إلى فيمون كل يوم ويسمع منه شرائع النصرانية حتى فقه فيها وظهرت على يده الخوارق والمعجزات ودان الكل بدينه. فسار إليهم ذو نواسٍ واستدعى رأسهم عبد الله ابن تامر فأحذره وقال له: أفسدت علي أهل بلدي وخالفت ديني ودين آبائي. ثم أمر به فقتل وعرض على أهل نجران القتل فلم يزدهم إلا جماحاً. فخدد لهم الأخاديد وأوقد لهم ناراً ثم أمتحنهم. فجعل يقول للرجل والمرأة: إما أن تترك دينك وإما أن نقذفك في النار فيقول: ما أنا تارك ديني لشيء فيقذف فيها فيحرق. فبقيت امرأة ومعها صبي رضيع عمره سبعة أشهر فجزعت وتهيبت. فقال لها الغلام: يا أماه لا تنافقي فإنك على الحق ولم يكن يتكلم من ذي قبلٍ. فاحترقت وقتل وحرق ذو نواسٍ حتى اهلك منهم فيما قال ابن إسحاق

استيلاء الحبشة على ملك اليمن

عشرين ألفاً أو يزيدون وأفلت منهم رجل من سبأ يقال له دوس ذو ثعلبان فسلك الرمل على فرسه فأعجزهم. فقدم على قيصر صاحب الروم يستنصره على ذي نواس (معجم البلدان لياقوت) استيلاء الحبشة على ملك اليمن 401 فبعث قيصر إلى ملك الحبشة يأمره بنصره. فجاءته السفن وأجاز فيها العساكر من الحبشة وأمر عليهم أرياط رجلاً منهم. وعهد إليه بقتلهم وسبيهم وخراب بلادهم. فركبوا البحر ونزلوا ساحل اليمن فلقيهم ذو نواس فيمن معه فانهزم فلما رأى ذو نواس ما نزل به وبقومه وجه بقرسه إلى البحر وخاض ضحضاحة. ثم أفضى به إلى غمرةٍ فأقحمه فيها فكان آخر العهد به وانقرض أمر التبابعة. (529 ب م) ووطئ من ثم أرياط اليمن بالحبشة وأذل رجالات حمير وهدم حصون المك. ثم انتفض على أرياط أبرهة احد رؤساء جيشه وجذب معه رعاع الحبشة وعصى أرياط ودعاة للحرب فانحاز إلى أرياط عظماء الحبشة وغطاريفهم فاقتتلوا. فحمل أرياط على أبرهة وعلا وجهه بالحرية فشرم انفه وبذلك لقب بالأشرم وحمل أبرهة على أرياط بالسيف وعلا به رأسه فأسرع السيف في دماغه وسقط عن جواده. فمالوا حينئذِ جميعاً وصاروا مع أبرهة وأقاموه ملكاً. وكان أبرهة رجلاً قصيراً حادراً لحمياً دحداحاً ذا دين في النصرانية. فبنى بصنعاء إلى جانب غمدان كنيسة محكمة العمل وسماها

أخبار سيف بن ذي يزن

القليس فانتشر خبر بناء هذا البيت في العرب. ولما هلك أبرهة) 571) ملك مكانة ابنه يكسوم وبه كان يكنى واستفحل ملكه وأذل حمير وقبائل اليمن. فقتل رجالهم واستخدم أبناءهم. ثم هلك يكسوم فملك مكانه أخوه مسروق وساءت سيرته وكثر عسفه (للازرقي) أخبار سيف بن ذي يزن 402 ولما طال بلاء الحبشة على أهل اليمن خرج سيف بن ذي يزن الحميري من الأذواء بقية ذلك السلف وعقب أولئك الملوك. وديال الدولة الموفض للخمود. وقدم على قيصر (موريقي) يستنجده على الحبشة. فأبى وقال: الحبشة على دين النصارى. فرجع إلى كسرى وقدم الحيرة على النعمان بن المنذر عامل فارس على الحيرة وما يليها من أرض العرب فشكا إليه. واستمهله النعمان إلى حين وفادته على كسرى وأوفد معه وسأله النصر على الحبشة وشاور أهل دولته. فقالوا: في سجونك رجال حبستهم للقتل. ابعثهم معه فإن هلكوا كان

الذي أردت بهم وإن ملكوا كان ملكا ازددته إلى ملكك فأحصوا بثمانمائة وقدم عليهم أفضلهم وأعظمهم بيتاً وأكبرهم نسباً وكان وهزر الديلمي. فتواقفوا للحرب وأمر وهزر ابنه أن يناوشهم القتال فقتلوه وأحفظه ذلك. وقال: أروني ملكهم فأروه إياه على فيل عليه تاجه وبين عينية ياقوته حمراء. فرماه بسهم فصك الياقوتة بين عينيه وتغلغل في دماغه وتنكس عن دابته وداروا به فحمل القوم عليهم وانهزم الحبشة في كل وجهٍ. وفني ملكهم في اليمن بعد أن توارثه منهم أربعة في ثنتين وسبعين سنة. (601) وانصرف وهزر إلى كسرى بعد أن خلف سيفاً على اليمن في جماعةٍ من الفرس ضمهم إليه على فريضة يؤديها كل عامٍ. وجعلهم لنظر ابن ذي يزن وانزله بصنعاء. وانفرد ابن ذي يزن بسلطانه ونزل قصر الملك وهو رأس غمدان. يقال إن الضحاك بناه على اسم الزهرة وهو أحد البيوت السبعة الموضوعة على أسماء الكواكب وروحانيتها. خرب في خلافة عثمان. ولما استوثق لذي يزن الملك جعل يعتسف الحبشة ويقتلهم حتى إذا لم يبق إلا القليل جعلهم خولاً واتخذ منهم طوابير يسعون بين يديه بالحراب. فخرج يوماً وهم يسعون بين يديه. فلما افردوا به عن الناس رموه بالحراب فقتلوه. فأرسل كسرى عاملاً على اليمن واستمرت عماله إلى أن كان آخرهم بإذن فأسلم وصارت اليمن للإسلام (لابن خلدون)

2 خبر الملوك المناذرة بني كهلان في العراق

2 خبر الملوك المناذرة بني كهلان في العراق تملك ملك بن فهم وجذيمة الأبرش 403 أما أخبار العرب بالعراق في الجيل الأول فلم يصل إلينا تفاصيلها وشرح حالها. إلا لما حدث سيل العرم تمزقت عرب اليمن من مدينة مأرب إلى العراق والشام. فكانت تنوخ وقضاعة وهما حيأن من أحياء الأزد من بني كهلان ممن تمزق إلى العراق. فقال ملك بن فهم الأزدي لمالك بن القضاعي: نقيم بالبحرين ونتحالف على من نوانا فتحالفوا. فسموا تنوخ وذلك في أيام ملوك الطوائف فنظروا إلى العراق وعليها طائفة من ملوكها وهي شاعرغ فخرجوا عن البحرين وسارت الأزد إلى العراق مع ملك بن فهم الأزدي وسارت قضاعة إلى الشام مع مالك القضاعي. 404 وأول من تملك على تنوخ في العراق ملك بن فهم (195 للمسيح) وكان منزلة بالأنبار فبقي بها إلى أن رماه سليمة بن مالك رمية بالليل وهو لا يعرفه فلما علم أن سليمة رامية قال: جزاني لا جزاه الله خيرا ... سليمة غنه شراً جزاني أعلمه الرماية كل يومٍ ... فلما اشتد ساعده رماني فلما قال هذين البيتين فاظ وهرب سليمة ثم ملك من بعد ملك جذيمة الأبرش. (215 ب م) وكان ثاقب الرأي بعيد المغار شديد النكاية ظاهر الحزم. وهو أول من غزا بالجيوش وشن الغارات على

ملك عمرو بن عدي

قبائل العرب وكان به برص فأكبرته العرب على أن تنعته به إعظاماً فسمته جذيمة الأبرش وجذيمة الوضاح. واستولى على السواد ما بين الحيرة والأنبار وسائر القرى المجاورة لبادية العرب وكان يجبي أموالها. وغزا طسماً وجديساً في منازلها من اليمامة. وفيه قال الشاعر: أضحى جذيمة في الأنبار منزلة ... قد حاز ما جمعت في عصرها عاد فطال ملكه إلى أن أدرك ملك سابور بن أشك. وكان جذيمة ملك معدٍ وبعض اليمن وغزا في آخر عمره الشام فقتل عمرو بن حسان ابن أذين والد الزباء ملكة الطوائف فانطوت له الزباء على طلب الثأر حتى قتلته. وكان ملك جذيمة نحو ستين سنة بالتقريب (لحمزة الاصفهاني) . ملك عمرو بن عدي 405 فورث الملك من بعده ابن أخيه عمر بن عدي (268) وأمه رقاش وهو أول من اتخذ الحيرة منزلاً من ملوك العرب. وأول ملك يعده الحيريون في كتبهم من ملوك عرب العراق وملوك العراق إليه ينتسبون وهم عمرو بطلب الثأر من الزباء بخاله جذيمة. فلما أحست الزباء بنيته تحصنت في معقل فصارت أمنع من عقاب فعمد عمر إلى قصير وزيره فجدع انفه بمواطأةٍ منه على ذلك فلحق بالزباء يشكوها ما أصابه من عمر وانه اتهمه بمداخلة الزباء في أمر خاله جذيمة فقال: وما رأيت بعد ما فعل بي أنكى له من أن يكون معك. فأكرمته وقربته حتى إذا رضي منها من الوثوق بع غرها واسلم حصنها إلى عمرو. فلحمها

ملك امرئ القيس البدء والمحرق والنعمان الأعور السائح

بالسيف وأصاب ما أصاب من المدينة وانكفأ راجعاً. فبقي مدة عمره منفرداً بملكه مستبداً بأمره يغزو المغازي ويصيب الغنائم وتجبى إليه الموال وتفد عليه الوفود دهره الأطول. لا يدين لملوك الطوائف بالعراق حتى قدم أزدشير بن بابك في أهل فارس أرض العراق. فضبطها وقهر من كان له بها مناوئاً حتى حملهم على ما أراد مما يوافقهم ومما لا يوافقهم. فكره كثير من تنوخ مجاورة العراق على الصغار. فخرج من كان منهم من قبائل قضاعة. فكان أناس من العرب يحدثون أحداثاً في قلومهم أو تضيق معيشتهم فيخرجون إلى ريف العراق وينزلون الحيرة فكان ذلك على أكثرهم هجنةً. فصار أهل الحيرة ثلاثة أثلاث. ألثلث الأول تنوخ وهم من كان يسكن المظال وبيوت الشعر والوبر في غربي الفرات ما بين الحيرة إلى الأنبار فما فوقها. والثلث الثاني العباد وهم الذين سكنوا رقعة الحيرة فابتنوا بها. والثلث الأحلاف وعمرت الحيرة أيام ملك عمر وبن عدي باتخاذه منزلاً إياها. وعظم شأنها إلى أن وضعت الكوفة ونزلها عرب الإسلام. (للنويري وحمزة الأصفهاني) ملك امرئ القيس البدء والمحرق والنعمان الأعور السائح 406 ثم ملك من بعد عمرو بن عدي امرؤ القيس البدء وهو الأول في كلامهم (288- 338 ب م) وهو أول من تنصر من ملوك آل

نصر وعمال الفرس. ثم ولي مكانه ابنه عمرو (338 - 363) ثم عقبة أوس بن قلام العمليقي خمس سنين. ثم ثار به حججبا أحد بني فازان فقتله. (368 ب م) وولي مكانه مدة ثم ولي من بعده امرؤ القيس (الثاني) . (368 - 390 ب م) ويعرف امرؤ القيس هذا بالمنذر والمحرق لأنه أول من عاقب بالنار وهو الذي ذكره الأسود ابن يعفر في قوله: ماذا أؤمل بعد آل محرق. ثم ملك بعده ابنه النعمان الأعور السائح وهو باني الخوانق والسدير وكان النعمان هذا في أيام يزدجرد فدفع إليه ابنه بهرام ليربيه وأمر ببناء الخوانق مسكناً لأبنه فأسكنه إياه. وأحسن تربيته وتأديبه. وجاءه بمن يلقنه الخلال من العلوم والآداب والفروسية حتى اشمل على ذلك بما رضيه. وكان النعمان من أشد ملوك العرب: نكايةً في الأعداء وأبعدهم مغاراً قد أتى الشام مراراً كثيرةً وأكثر المصائب في أهلها وسبى وغنم. وكان ملك فارس ينفذ معه كتيبين الشهباء وأهلها الفرس ودوسر وأهلها تنوخ. فكان يغزو بهما من لا يدين له من العرب. وكان صارماً حازماً ضابطاً لملكه قد اجتمع له من الأموال والخول والرقيق ما لم يملكه أحد من ملوك الحيرة. والحيرة يومئذ ساحل الفرات. ولما أتى على النعمان ثلاثون سنةً تنصر على يد بعض وزرائه ثم زهد وترك الملك ولبس المسوح وذهب فلم يوجد له أثر.

ملك المنذر الأول والنعمان الثاني والأسود وامرؤ القيس الثالث

ملك المنذر الأول والنعمان الثاني والأسود وامرؤ القيس الثالث 407 ولما تزهد النعمان تولى الأمر ابنه المنذر الأول (420 ب م) وكان أهل فارس ولوا عليهم شخصاً من ولد أزدشير وعدلوا عن بهرام لنشئه بين العرب وخلوه من آداب العجم. واستنجدوا بهرام بالعرب فجز المنذر العساكر لبهرام لطلب ملكه. وحاصر مدينة الملك فأذعن له فارس وأطاعوه. واستوهب المنذر ذنوبهم من بهرام فعفا عنهم واجتمع أمره. ورجع المنذر إلى بلاده وشغل باللهو إلى موته. (462) ب م وملك مكانه النعمان الثاني وكان وزيره عدي بن زيدٍ النصراني فتزهدا (469) . وملك مكانه أخوه الأسود وهو الذي انتصر على عساكر عرب الشام وأسر عدةً من ملوكهم ثم هلك (491) . وملك أخوه منذر الثاني سبع سنين ثم ابن أخيه (498) نعمان الثالث. ثم استخلف أبو يعفر بن علقمة الذميلي (503) وذميل بطن من لخمٍ. ثم ملك امرؤ القيس الثالث (506) هذا هو الذي غزا بكراً يوم أوراة في دارها فكانت قبله تقيم أود ملوك الحيرة وتعضدهم. وهو أيضاً باني العذيب والصنبر وفيهما يقول جبير بن بلوغ: ليت شعري متى تخب بنا النا ... قة نحو العذيب والضبر ملك المنذر الثالث والنعمان قابوس 408 ولما هلك امرؤ القيس الثالث ابنه وهو ذو

خبر تنصر النعمان

القرنين لضفير تين كانتا له من شعره وأمه ماء السماء. قال الجنابي: وكان هذا القبا لأبي عامر الأزدي لأنه كان يقيم ماله مقام القطر أي عطاءً وجوداً فغلبت على نديه لأنهم خلف منه. وذكر أن مرة بن كلثوم قتله لخمسين سنة من ملكه. (562 ب م) ثم ملك بعده ابنه عمرو بن هندٍ الملقب بالمحرق وهند أمه. وكان شديد السلطان غزا تميماً في دارها فقتل من بني دارم مائة يوم أوارة الثاني بأخيه أسعد بن المنذر وكان ملكه ست عشرة سنة. (578) ثم ولي شقيقه قابوس أربع سنين في زمن أنوشروان. وكان فيه لين وكان ضعيفاً مهيناً قتله رجل من يشكر وسلبه. (582) ثم ملك المنذر الرابع أخوه سنة واحدة ثم النعمان الرابع أبو قابوس (582 - 604) وهو صاحب النابغة الذبياني الذي بنى الغريين وتنصر (للنويري والمسعودي) خبر تنصر النعمان 409 كان النعمان بن ماء السماء الملقب بأبي قابوس قد نادمه رجلان من بني أسد احدهما خالد بن المضلل والآخر عمرو بن مسعودٍ فأغضباه في بعض المنطق. فأمر بأن يحفر لكل واحد حفيرة بظهر الحيرة ثم يجعلا في تابوتين ويدفنا في الحفرتين. ففعل ذلك بهما حتى إذا أصبح سأل عنهما فأخبر بهلاكهما. فندم على ذلك وغمه وفي عمرو بن مسعود وخالد بن المضلل يقول شاعر بني أسدٍ: يا قبر بين بيوت آل محرق ... جادت عليك رواعد وبروق

أما البكاء فقل عنك كثيره ... ولئن بكيت فللبكاء خليق ثم ركب النعمان حتى نظر إليهما فأمر ببناء الغريين عليهما. فبنيا وجعل لنفسه يومين في السنة يجلس فيهما عند الغريين يسمى احدهما يوم نعيم والآخر يوم بؤس. فأول من يطلع عليه يوم نعيمه يعطيه مائه من الإبل شوماً أي سوداً. وأول من يطلع عليه يوم بؤسه يعطيه رأس ظربان أسود ثم يأمر به فيذبح ويغرى بدمه الغربان. فلبث بذلك برهة من دهره حتى مر به رجل من طيء يقال له حنظلة بن أبي عفراء. كان آوى النعمان في خبائه يوم خرج إلى الصيد وانفرد عنه أصحاب بسبب المطر. فرجت به حنظله وهو لا يعرفه وذبح له شاةً فأطعمه من لحمها وسقاه لبنا. فلما نظر إليه النعمان وافداً إليه ساءه ذلك وقال له: يا حنظلة هلا أتيت في غير هذا اليوم. فقال: أبيت اللعن لم يكن لي علم بما أنت فيه. فقال له: أبشر بقتلك. فقال له: والله قد أتيتك زائراً ولأهلي من خيرك مائراً فلا تكن ميرتهم قتلي. فقال: لا بد من ذلك فأسأل حاجة أقضيها لك فقال تؤجلني سنةً أرجع فيها إلى أهلي واحكم من أمرهم ما أريد ثم أصير إليك فأنفذ في حكمك. فقال: ومن يكفل بك حتى تعود فنظر في وجوه جلسائه فعرف منهم شريك بن عمرٍٍو فانشد يا شريك يا ابن عمرٍ ... يا أخا من لا أخا له يا أخا شيبان فك اليوم ... رهناً قد أناله

يا أخا كل مصاب ... وحيا من لا حيا له إن شيبان قبيل ... أكرم الله رجاله وأبوك الخير عمرو ... وشراحيل الحمال رقياك اليوم في المجد ... وفي حسن المقالة فوثب شريك وقال: أبيت اللعن بيدي بيده ودمي بدمه وأمر للطائي مائة ناقةٍ. وقد جعل الجل عاما كاملا من ذلك اليوم إلى مثله من القابل. فلما حال الحول وقد بقي من الجل يوم واحد قال النعمان لشريك: ما أراك إلا هالكاً غداً فداء الحنظلة. فقال شريك: فإن بك صدر هذا اليوم فإن غداً لناظره قريب. فذهب قوله مثلاُ. ولما أصبح وقف النعمان بين قبري نديميه وأمر بقتل شريك. فقال له وزراؤه: ليس لك أن تقتله حتى تستوفي يومه. فتركه النعمان وكان يشتهي أن يقتله لينحي الطائي. فلما كادت الشمس تغيب قام شريك مجردا في إزاء على النطع والسياف إلى جانبه. وكان النعمان أمر بقتله فلم يشعر إلا براكب قد ظهر فإذا هو حنظلة الطائي قد تكفن وتحنط وجاء بنادبته. فلما رآه النعمان قال: ما الذي جاء بك وقد أفلت من القتل قال: الوفاء. قال وما دعاك إلى الوفاء. قال: إن لي ديناً يمنعني من الغدر قال: وما دينك قال: النصرانية قال: فاعرضها علي. فعرضها فتنصر النعمان. وتركت لك السنة من ذلك اليوم وعفا عن شريك والطائي.

3 الغساسنة ملوك الشام بنو كهلان

وقال: ما أدري أيكما أكرم وأوفى أهذا الذي نجا من السيف فعاد إليه أم هذا الذي ضمنه. وأنا لا أكون ألأم الثلاثة. قال الميداني: وتنصر مع النعمان أهل الحيرة أجمعون وبنى النعمان في حاضره ملكة الكنائس العظيمة. وقتله كسرى بن هرمز أبرويز (604 ب م) وانقطع الملك عن لخمٍ. ولم يلبث أن ظهر الإسلام بعد زمانٍ (الأغاني) 3 الغساسنة ملوك الشام بنو كهلان 410 كان آل جفنة عمال القياصرة على عرب الشام كما كان المناذرة آل نصرٍ في آخر أمرهم عمالاً للأكاسرة على عرب العراق. وأصلهم من اليمن من الأزد بني كهلان لأن الأزد لما أحست بمأرب انتقاض العرم وخشيت السيل تفرقت. فتشاءم قوم فنزلوا على ماءٍ يقال له غسان فصيروه شربهم فسموا غسان. ثم أنزلهم ثعلبه ابن عمروٍ والغساني ببادية الشام والملوك بها من قبل القياصرة. وكانوا يدينون بالنصرانية ولما نزلت غسان في أرض الشام كان بها قوم من سليح فضربوا على الغساسنة الإتاوة وكان الذي يلي جبايتها سبيطاً منهم فاستبطأهم. فقد سبيط ثعلبه رأسهم وقال: لتعجلن لي الإتاوة أو لآخذن اهلك. وكان ثعلبه حليماً فقال هل لك في من يزيح علتك بالإتاوة قال: نعم. قال: عيك بأخي جذع بن عمرٍ وكان جذع فاتكاً فاتاه سبيط وخاطبه بما كان خاطب به ثعلبة فخرج عليه ومعه سيف مذهب وقال فيه عوض من حقك إلى أن أجمع لك الإتاوة قال

نعم قال: فخذه فتناول سبيط جفن السيف واستل جذع نصله وضربه به. فقيل: خذ من جذع ما أعطاك فذهبت مثلاً فوقعت الحرب بين سليح وغسان فأخرجت غسان سليحا من الشام وصاروا ملوكاً واستقر ملك الغساسنة 400 سنة ونيف (لحمزة الأصفهاني)

ذكر العرب المستعربة بين إسماعيل وهم القسم الثالث

ذكر العرب المستعربة بين إسماعيل وهم القسم الثالث 411 وهم بنو عدنان بن إسماعيل ونزلوا الحجاز وتولوا سدانة الكعبة. وغنما الحجاز وتهامة كانا ديار العمالقة. وكان لهم ملك هنالك وكانت جرهم من تلك الطبقة. وكانت ديارهم اليمن مع إخوانهم من حضرموت. وأصاب اليمن قحط ففروا نحو تهامة يطلبون الماء والمرعى عثروا في طريقهم بإسماعيل مع أمه هاجر. فاحتلوا أسفل مكة اقتتلوا مع العمالقة فأبادوهم. ونشأ إسماعيل بين جرهم وتكلم بلغتهم وتزوج منهم ودعاهم إلى التوحيد وتوفي لمائة وثلاثين سنة من عمره. ولم يزل أمر جرهم يعظم بملكة ويستفحل حتى ولوا البيت الحرام. وكانوا ولاته وحجابه وولاة الأحكام بمكة. ولما طالت ولاية جرهم استحلوا من الحرم أمورا عظاماً واستخلفوا بحرمة البيت العتيق قطع الله دابرهم لأنه لما خرب سد مأرب سر عمرو ابن عامر وقومه من بلد إلى بلدٍ لا يطئون بلداً إلا غلبوا عليه. فلما قاربوا مكة أبت جرهم أن تفسح لهم واستكبروا في أنفسهم وقالوا: ما نحب أن تنزلوا فتضيقوا علينا مراتعنا ومواردنا فارحلوا عنا حيث

أحببتن فلا حاجة لنا بجواركم. فاقتتلوا ثلاثة أيام وانهزم جرهم فلم يفلت منهم غلا الشريد فهدد دمه (207 م) . ثم تفرقت قبائل اليمن وانخزعت خزاعة بمكة وفولا أمر مكة وحجابة الكعبة. وسأل بنو إسماعيل السكنى معهم فأذنوا لهم. وتملك عليهم لحي وهو ربيعة ابن حارثة وكان فيهم شريفاً سيداً مطاعاً وبلغ بمكة من الشرف ما لم يبلغ عربي قبله. وكان قد ذهب اسمه في العرب كل مذهب وقوله فيهم دينا متبعاُ. وكان أول من أطعم الحاج بمكة سدائف الإبل ولحملنها على الثريد. وعم في تلك السنة جميع حاج العرب بثلاثة أثواب من برود اليمن وهو الذي بحر البحيرة ووصل الوصيلة وحمى الحسام وسيب السائبة ونصب الأصنام حول الكعبة. فكانت قريش والعرب تستقسم عنده بالأزلام. وهو أول من غير الحنيفية دين إبراهيم. وأقامت خزاعة ثلاث مائة سنة في سدانة البيت حتى قام قصي القرشي من بني إسماعيل. وعظم شرفه فرأى انه أحق بالكعبة وبأمر مكة. وكانت ولاية الكعبة لأبي غبشان الخزاعي فباعها من قصي بزق خمرٍ فقيل فيه أخسر من صفقة أبي غبشان. ثم دعا قصي إليه رجالات قريش واجمع لحرب خزاعة فتناجزوا وكثر القتيل ثم صالحوه على أن يحكموه الكعبة (507 ب م) . فصار لقصي لواء الحرب وحجاجة البيت وتيمنت قريش برأيه وصرفوا مشورتهم إليه في قليل أمورهم وكثيرها. فاتخذوا دار الندوة إزاء

(ملحق بتاريخ العرب)

الكعبة فكانت مجتمع الملإ من قريش في مشاوراتهم ومعاقدهم. ثم تصدى فطعام الحاج وفرض على قريش خراجاً يؤدونه. ثم هلك قصي وقام بأمره بنوه من بعده بالقيادة في كل موسم حتى جاء الاسم. (ملخص عن كتاب أخبار مكة للأزرقي) (ملحق بتاريخ العرب) 1 أديان العرب 412 كانت العرب في أول أمرها على دين إبراهيم وإسماعيل حتى قدم عمرو بن لحي بصنم يقال له هبل. وكان من أعظم أصنام قريش عندها فكان الرجل إذا قدم من سفرٍ بدا به على أهله بعد وافه بالبيت وحلق رأسه عنده. وكان هبل من خرز العقيق على صورة إنسان وكانت يده اليمنى مكسورة فأدركته قريش فجعلت له يداً من ذهب. وكانت له خزانة للقربان. وكانت له سبعة قداح يضربون بها إذا مستهم الحاجة ويقولون: إنا اختلفنا فهب السراحا. إن لم تقله فمر القداحا. وكان بالكعبة على يمينها حجر أسود وما زال هذا الحجر معظماً في الجاهلية والإسلام. تتبرك الناس به وتمر دونه وتقبله. وكان بأسفل مكة قد نصب صنم يعرف بالخلصة فكانوا عليها بيض النعام. وكان لهم أصنام نصبوها على اسم السيارات من الكواكب. وهي المشتري وقيل أن أصل اسمه ذو شراء أي ساطع النور. والزهرة وزحل والمريخ وغيرها من الثوابت. ومن معبوداتهم أيضاً المناة واللات وغزى. وكانت المناة على ساحل البحر مما يلي قديد. وكانت صخرة تراق عليها دماء الذبائح ويلتمسون منها المطر في الجدب. وكانت اللات أيضاً صخرةً صنماً للشمس إذا مر عليها الحاج يلتونها بالسويق. وقيل أصلها من لاه أي علا وعظم ومنه اسم الجلالة. وأما العزى فكانت شجرة يعظمها قريش وبنو كنانة. ويطوفون بها بعد طوافهم بالكعبة ويعكفون عندها يوماً. قال الكلبي: وكانت اللات والعزى ومناة في كل واحدة منهن شيطان يكلمهم وتراءى للسدنة وهم الحجبة وذلك من صنيع إبليس وأمره. وكان بنو حنيفة في الجاهلية اتخذوا إلهاً عبدوه دهراً طويلاً ثم أصابهم مجاعة فأكلوه. فقيل في ذلك أكلت حنيفة ربها ... زمن التقحم والمجاعة لم يحذروا من ربهم ... سوء العقوبة والتباعه

2 علوم العرب وآدابهم

ومن أديانهم المجوسية أو الصابئة ونصبوا بحسب تلك الآراء الصابئية أصنام الذهب للشمس وأصنام الفضة للقمر. وقسموا المعادن والأقاليم للكواكب. وزعموا عن قوى الكوكب تفيض على تلك الأصنام. فتتكلم تلك الأصنام وتفهم وتوحي للناس اعني الأصنام وتعلم الناس منافعهم وكذلك قالوا في الأشجار التي هي من قسمة تلك الكواكب إذا أفردت تلك الشجرة لذلك الكوكب وغرست له وفعل لها كذا فاضت روحانية ذلك الكوكب على تلك الشجرة وتوحي للناس وتكلمهم في النوم. ومن أديانهم اليهودية في حمير وكنانة وبني الحارث ابن كعب وكندة وأما النصرانية فكانت انتشرت فيهم. قال الفيروزأبادي إن قبائل شتى من بطون العرب اجتمعوا على النصرانية بالحيرة وهم العباد. وإن كثيراً من ملوك اليمن والحيرة تنصروا. وأما ملوك غسان فكانوا كلهم نصارى وكانت النصرانية في ربيعة وقضاعة وبهرا وتنوخ وتغلب وبعض طي. وكانت قريش نصبت في جملة أصنامها في الكعبة تمثال مريم مزوقاً وابنها عيسى في حجرها قاعداً مزوقاً. وذلك في العمود الذي يلي باب الكعبة ولم تطمس صورتهما بل بقيا إلى عهد ابن زبير فهلكا في الحريق (للنويري والأزرقي) 2 علوم العرب وآدابهم 413 فأما علم العرب الذي كانوا يتفاخرون به فعلم لسانهم وإحكام لغتهم ونظم الأشعار وتأليف الخطب. وكانوا مرسومين بين الأمم بالبيان في الكلام والفصاحة في المنطق والذلاقة في اللسان وكان لهم مع هذا معرفة بأوقات مطالع النجوم ومغاربها وعلم بأنواء الكواكب وأمطارها. على حسب ما أدركوه بفرط العناية وطول الجربة لاحتياجهم إلى معرفة ذلك في أسباب المعيشة لا على طريق تعلم الحقائق وأما علم الفلسفة فلم يمنحهم الله شيئاً منه ولا هيأ طبائعهم للعناية به. وكان الشعر ديوان خاصة العرب ومنتهى حكمتها والمنظوم من كلامها والمقيد لأيامها والشاهد على حكامها. به يأخذون وإليه يصيرون. وكانوا لا يهنئون إلا بغلام يولد أو شاعر ينبغ فيهم أو فرس تنتج. قال الصفدي: بل ما كان للعرب ما تفخر به إلا السيف والضيف والبلاغة, وكانوا كل حول يتقاطرون إلى سوق عكاظ ويتبايعون ويتناشدون ويتفاخرون ويتعاكظون. ولقد بلغ من كلف العرب بالشعر ونفضيلها له أن عمدت إلى سبع قصائد من الشعر القديم فكتبتها بماء الذهب في القباطي المدرجة. فقيل لها مذهبات وقد يقال لها معلقات لأنها علقت في أستار الكعبة. أما الكتابة فحكموا أن ثلاثة نفر من طيء كانوا على دين عيسى فوضعوا الخط وقاسوا هجاء العربية على هجاء السريانية. فتعلمه قوم من الأنبار وجاء الإسلام وليس أحد يكتب بالعربية غير بضعة عشر إنساناً ولقلة القراطيس عندهم عمدوا إلى كتف الحيوان فكتبوا عليها. وكان الناس فرقتين أهل الكتاب والأميون والأمي من كان لا يعرف الكتابة. فكانت اليهود والنصارى بالمدينة والأميون بمكة. (لأبي الفرج والجوهري) تم بحوله تعالى

الجزء الرابع

مجاني الأدب في حدائق العرب للأب لويس شيخو اليسوعي الجزء الرابع

الباب الأول في التدين

الباب الأول في التدين عظمة الخالق وجبروته سبحان من تقدست سبحات جماله عن سمة الحدوث والزوال. وتنزهت سرادقات جلاله عن وصمة التغير والانتقال. تلألأت على صفحات الموجودات أنوار جبروته وسلطانه. وتهللت على وجنات الكائنات آثار ملكوته وإحسانه. تحيرت العقول والأفهام في كبرياء ذاته. وتولهت الأذهان والأوهام في بيداء عظمة صفاته. دل على ذاته بذاته. وشهد بوحدانيته نظام مصنوعاته. (شرح مواقف الأيجي للجرجاني) العظمة لك والكبرياء لجلالك يا قائم الذات. ومفيض الخيرات. وواجب الوجود وواهب العقول وفاطر الأرض والسماوات. ومبدي الحركة والزمان. ومبدع الحين والمكان. وفاعل الأرواح والأشباح وجاعل النور والظلمات. وتحرك الأفلاك المدبرات. ومزينها بالنجوم الثوابت والسيارات. ومقرر الأرض وممهدها لأنواع الحيوان وأصناف المعادن والنبات. دام حمدك وجل ثناؤك. وتعالى ذكرك وتقدست أسماؤك. لا إله إلا أنت وسعت رحمتك. وكثرت آلاؤك ونعماؤك. أفض علينا أنوار معرفتك. وطهر نفوسنا عن

متن الشيبانية في التوحيد

كدورات معصيتك. وأمطر علينا سحاب فضلك ومرحمتك واضرب علينا سرادقات عفوك ومغفرتك. وأدخلنا في حفظ عنايتك ومكرمتك. (عجائب المخلوقات للقزويني) متن الشيبانية في التوحيد سأحمد ربي طاعة وتعبدا ... وأنظم عقداً في العقيدة أوحدا وأشهد أن الله لا رب غيره ... تعزز قدماً بالبقا وتفردا هو الأول المبدي بغير بداية ... وآخر من يبقى مقيماً مؤبدا سميع بصير عالم متكلم ... قدير يعيد العالمين كما بدا مريد أراد الكائنات لوقتها ... قديم فأنشأ ما أراد وأوجدا إلهٌ على عرش السماء قد استوى ... وباين مخلوقاته وتوحدا فلا جهة تحوي الإله ولا له ... مكان تعالى عنهما وتمجدا إذ الكون مخلوق وربي خالق ... لقد كان قبل الكون رباً وسيدا ولا حل في شيء تعالى ولم يزل ... ملياً غنياً دائم العز سرمدا وليس كمثل الله شيء ولا له ... شبيه تعالى ربنا أن يحددا ومن قال في الدنيا يراه بعينه ... فذلك زنديق طغا وتمردا ولكن يراه في الجنان عباده ... كما صح في الأخبار نرويه مسندا روي أن الزمخشري سأل الإمام الغزالي عن قول القائل: الرحمان على العرش استوى. فأجاب: قل لمن يفهم عني ما أقول ... أترك البحث فذا شرح يطول

قصيدة لأحمد البرعي في الاستدلال على الحق تعالى

ثم سر غامض من دونه ... ضربت بالسيف أعناق الفحول أنت لا تعرف إياك ولم ... تدر من أنت ولا كيف الوصول لا ولا تدري صفات ركبت ... فيك حارت في خفاياها العقول أين منك الروح في جوهرها ... هل تراها أو ترى كيف تجول أنت أكل الخبز لا تعرفه ... كيف يجري فيك أم كيف يؤول فإذا كانت طواياك التي ... بين جنبيك بها أنت جهول كيف تدري من على العرش استوى ... لا تقل كيف استوى كيف الوصول فهو لا كيف ولا أين له ... هو رب الكيف والكيف يحول وهو فوق الفوق لا فوق له ... وهو في كل النواحي لا يزول جل ذاتاً وصفات وعلا ... وتعالى ربنا عما نقول قصيدة لأحمد البرعي في الاستدلال على الحق تعالى كل شيء منكم عليكم دليل ... وضح الحق واستبان السبيل أحدث الخلق بين كاف ونون ... من يكون المراد حين يقول من أقام السماء سقفاً رفيعاً ... يرجع الطرف عنه وهو كليل ودحا الأرض فهي بحر وبر ... ووعود مجهولة وسهول وجبال منيفة شامخات ... وعيون معينة وسيول ورياح تهب في كل جو ... وسحاب يسقي الجهات ثقيل ودرار بكم وشمس وبدر ... ونجوم طوالع وأفول حكمته تاهت البصائر فيها ... واعتراها دون الذهول ذهول

نخبة من متن بدء الأمالي في التوحيد

فالسماوات السبع والعرش والكر ... سي والحجب ذكرها التهليل ممسك الطير في الهواء ومحيي ال ... حوت في الماء فهو كاف كفيل سرمدي البقا أخيرٌ قديمٌ ... قصرت عن مدى علاه العقول حيث لم يشتمل عليه مكان ... يحتويه أو غدوة وأصيل من له الملك والملوك عبيد ... وله العز والعزيز ذليل كل شيء سواه يفنى ويبلى ... وهو حي سبحانه لا يزول ألفت بره البرايا فهم في ... رحمة ظلها عليهم ظليل سيدي أنت مقصدي ومرادي ... أنت حسبي وأنت نعم الوكيل أحي قلبي بموت نفسي وصلني ... وأنلني إن الكريم ينيل وأجرني من كل خطب جليل ... قبل قول الوشاة صبر جميل وافتقدني برحمة وأقلني ... من عثاري فإنني مستقيل كيف يظمأ قلبي وعفوك بحر ... زاخر طافح عريض طويل رب صفحاً فإن ذنبي كبير ... واصطباري على العذاب قليل والرجا فيك والرضا منك فضل ... ولك المنُّ والعطاء الجزيل نخبة من متن بدء الأمالي في التوحيد يقول العبد في بدء الأمالي ... لتوحيد بنظم كاللآلي إله الخلق مولانا قديم ... وموصوف بأوصاف الكمال هو الحي المدبر كل أمر ... هو الحق المقدر ذو الجلال صفات الله ليست عين ذات ... ولا غيراً سواه ذا انفصال

قصيدة للبرعي في الحق سبحانه

صفات الذات والأفعال طراً ... قديماتٌ مصونات الزوال نسمي الله شيئاً لا كالأشيا ... وذاتاً عن جهات الست خال وليس الاسم غيراً للمسمى ... لدى أهل البصيرة خير آل وما إن جوهر ربي وجسم ... ولا كل وبعض ذو اشتمال ورب العرش فوق العرش لكن ... بلا وصف التمكن واتصال وما التشبيه للرحمن وجهاً ... فصن عن ذاك أصناف الأهالي ولا يمضي على الديان وقت ... وأحوال وأزمان بحال ومستغن إلهي عن عباد ... تفرد ذو الجلال وذو المعاني يميت الخلق طراً ثم يحيي ... فيجزيهم على وفق الخصال لأهل الخير جنات ونعمى ... وللكفار إدراك النكال ولا يفنى الجحيم ولا الجنان ... ولا أهلوهما أهل انتقال يراه المؤمنون بغير كيف ... وإدراك وضرب من مثال فينسون النعيم إذا رأوه ... فيا خسران أهل الاعتزال قصيدة للبرعي في الحق سبحانه أغيب وذو اللطائف لا يغيب ... وأرجوه رجاء لا يخيب وأسأله السلامة من زمان ... بليت به نوائبه تشيب وأنزل حاجتي في كل حال ... إلى من تطمئن به القلوب ولا أرجو سواه إذا دهاني ... زمان الجور والجار المريب فكم لله من تدبير أمر ... طوته عن المشاهدة الغيوب

وكم في الغيب من تيسير عسر ... ومن تفريج نائبة تنوب ومن كرم ومن لطف خفي ... ومن فرج تزول به الكروب وما لي غير باب الله باب ... ولا مولى سواه ولا حبيب كريم منعم بر لطيف ... جميل الستر للداعي مجيب حليم لا يعاجل بالخطايا ... رحيم غيم رحمته يصوب فيا ملك الملوك أقل عثاري ... فإني عنك أنأتني الذنوب وأمرضني الهوى لهوان حظي ... ولكن ليس غيرك لي طبيب وعاندني الزمان وقل صبري ... وضاق بعبدك البلد الرحيب وعد النائبات إلى عدوي ... فإن النائبات لها نيوب وآنسني بأولادي وأهلي ... فقد يستوحش الرجل الغريب ولكني نبذت زمام أمري ... لمن تدبيره فيه عجيب هو الرحمان حولي واعتصامي ... به وإليه مبتهلاً أنيب إلهي أنت تعلم كيف حالي ... فهل يا سيدي فرج قريب وكم متملق يخفي عناداً ... وأنت على سريرته رقيب وحافر حفرة لي هار فيها ... وسهم البغي يدري من يصيب وممتنع القوى مستضعف بي ... قصمت قواه عني يا حسيب وذي عصبية بالمكر يسعى ... إلى سعي به يوم عصيب فيا ديان يوم الدين فرج ... هموماً في الفؤاد لها دبيب وصل حبلي بحبل رضاك وانظر ... إلي وتب علي عسى أتوب

قصيدة له في الابتهال إلى الله تعالى

وراع حمايتي ونول نصري ... وشد عراي إن عرت الخطوب وأفن عداي واقرن نجم حظي ... بسعد ما لطالعه غروب وألهمني لذكرك طول عمري ... فإن بذكرك الدنيا تطيب فظني فيك يا سندي جميل ... ومرعى ذود آمالي خصيب قصيدة له في الابتهال إلى الله تعالى قف بالخضوع وناد ربك يا هو ... إن الكريم يجيب من ناداه واطلب بطاعته رضاه فلم يزل ... بالجود يرضي طالبين رضاه واسأله مسألةً وفضلاً إنه ... مبسوطتان لسائله يداه واقصده منقطعاً إليه فكل من ... يرجوه منقطعاً إليه كفاه شملت لطائفه الخلائق كلها ... ما للخلائق كافل إلا هو فعزيزها وذليلها وغنيها ... وفقيرها لا يرتجون سواه ملك تدين له الملوك ويلتجي ... يوم القيامة فقرهم بغناه هو أول هو آخر هو ظاهر ... هو باطن ليس العيون تراه حجبته أسرار الجلال فدونه ... تقف الظنون وتخرس الأفواه صمد بلا كف ولا كيفية ... أبداً فما النظراء والأشباه شهدت غرائب صنعه بوجوده ... لولاه ما شهدت به لولاه وإليه أذعنت العقول فآمنت ... بالغيب تؤثر حبها إياه سبحان من عنت الوجوه لوجهه ... وله سجود أوجه وجباه طوعاً وكرهاً خاشعين لعزه ... وله عليها الطوع والإكراه

وللبرعي في حمد الله

سل عنه دارات الوجود فإنها ... تدعوه معبوداً لها رباه ما كان يعبد من إله غيره ... والكل تحت القهر وهو إله أبدى بمحكم صنعه من نطفة ... بشراً سوياً جل من سواه وبنى السماوات العلى والعرش وال ... كرسي ثم علا الجميع علاه ودحا بسيط الأرض فرشاً مثبتاً ... بالراسيات وبالنبات حلاه تجري الرياح على اختلاف هبوبها ... عن إذنه والفلك والأمواه رب رحيم مشفق متعطف ... لا ينتهي بالحصر ما أعطاه كم نعمة أولى وكم من كربة ... أجلى وكم من مبتلى عافاه فإذا بليت بغربة أو كربة ... فادع الإله وقل سريعاً يا هو لا محسن الظن الجميل به يرى ... سوءاً ولا راجيه خاب رجاه ولحلمه سبحانه يعصى فلم ... يعجل على عبد عصى مولاه يأتيه معتذراً فيقبل عذره ... كرماً ويغفر عمده وخطاه وللبرعي في حمد الله لك الحمد يا مستوجب الحمد دائماً ... على كل حال حمد فان لدائم وسبحانك اللهم تسبيح شاكر ... لمعروفك المعروف يا ذا المراحم فكم لك من ستر على كل خاطئ ... وكم لك من بر على كل ظالم وجودك موجود وفضلك فائض ... وأنت الذي ترجى لكشف العظائم وبابك مفتوح لكل مؤمل ... وبرك ممنوح لكل مصادم فيا فالق الأصاح والحب والنوى ... ويا قاسم الأرزاق بين العوالم

وله أيضا من قصيدة في الرجاء بالله

ويا كافل الحيتان في لج بحرها ... ومؤنس في الآفاق وحش البهائم ويا محصي الأوراق والنبت والحصى ... ورمل القلا عداً وقطر الغمائم إليك توسلنا بك اغفر ذنوبنا ... وخفف عن العاصين ثقل المظالم وحبب إلينا الحق واعصم قلوبنا ... من الزيغ والأهواء يا خير عاصم ودمر أعادينا بسلطانك الذي ... أذل وأفنى كل عاث وغاشم ومن علينا يوم ينكشف الغطا ... بستر خطايانا ومحو الجرائم وله أيضاً من قصيدة في الرجاء بالله لكل خطب مهم حسبي الله ... أرجو به الأمن مما كنت أخشاه وأستغيث به في كل نائبة ... وما ملاذي في الدارين إلا هو ذو المن والمجد والفضل العظيم ومن ... يدعوه سائله رباه رباه له المواهب والآلاء والمثل ال ... أعلى الذي لا يحيط الوهم علياه القادر الآمر الناهي المدبر لا ... يرضى لنا الكفر والإيمان يرضاه من لا يقال بحال عنه كيف ولا ... لفضله كم تعالى ربنا الله ولا يغيره مر الدهور ولا ... كر العصور ولا الأحداث تغشاه ولا يعبر عنه بالحلول ولا ... بالانتقال دنا أو ناء حاشاه أنشأ العوالم أعلاماً بقدرته ... وأغرق الكل منهم بحر نعماه قال علي بن أبي طالب لبست توب الرجا والناس قد رقدوا ... فقمت أشكو إلى مولاي ما أجد فقلت يا عدتي في كل نائبة ... ومن عليه لدفع الضر أعتمد

قصيدة لعبد الغني النابلسي في الثقة بالله

لقد مددت يدي والضر مشتمل ... إليك يا خير من مدت إليه يد قصيدة لعبد الغني النابلسي في الثقة بالله كن مع الله تر الله معك ... واترك الكل وحاذر طمعك والزم القنع بمن أنت له ... في جميع الكون حتى يسعك بالصفا عن كدر الحس فغب ... واطرح الأغيار واترك خدعك لا تموه بك واطلب منك ما ... فر من يوم بشأن ضيعك نورك الله به كن مشرقاً ... واحذر الأضداد تطفئ شمعك واعبد الله بكشف واصطبر ... وعلى الكشف توق جزعك لا تقل لم يفتح الله ولا ... تطلب الفتح وحرر ورعك كيفما شاء فكن في يده ... لك إن فرق أو إن جمعك في الورى إن شاء خفضاً ذقته ... وإذا شاء عليهم رفعك وإذا ضرك لا نافع من ... دونه والضر لا إن نفعك وإذا أعطاك من يمنعه ... ثم من يعطي إذا ما منعك ليس يوقيك أذاه أحد ... وإن استنصرت فيه شيع إنما أنت له عبد فكن ... جاعلاً بالقرب منه ولعك كلما نابك أمر ثق به ... واحترز للغير تشكو وجعك لا تؤمل من سواه أملاً ... إنما يسقيك من قد زرعك ليت لو تشعر ما كنت من ... قبل ما مولى الموالي اخترعك كنت لا شيء وأصبحت به ... خير شيء بشراً قد طبعك

قال إبراهيم بن جعمان في هذا المعنى

تابعاً كن دائماً أنت ولا ... تتمن أنه لو تبعك ودع التدبير في الأمر له ... واصنع المعروف مع من صنعك واحتفظ حرمة من يبصر إن ... رمت فعلاً أو تنادي سمعك كن به معتصماً واخضع له ... لا تعاند فيه واهجر بدعك قال إبراهيم بن جعمان في هذا المعنى قصدي رضاك لكل وجه أمكنا ... فامنن علي بذاك من قبل الفنا ولئن رضيت فذاك غاية مطلبي ... والقصد كل القصد بل كل المنى لو أبذلن روحي فدى لرأيتها ... أمراً حقيراً في جنابك هينا وبقيت في خجل كعبد قد جنى ... والكل ملككم فما مني أنا ولقد تفضلتم بإيجادي كما ... أنعمتم أيضاً بكوني مؤمنا لولا تطولكم علي وفضلكم ... ما كنت موجوداً ولا مني ثنا من ذا الذي يسعى ويشكو فضلكم ... لو عمر الأبدين يشكر معلنا وأنا المسيكين الذي قد جاءكم ... للعفو منكم طالباً ولقد جنى فباسمكم وبعزكم وبجاهكم ... منوا علي واذهبوا عني العنا قال ابن دقيق العيد لم يبق لي أمل سواك فإن يفت ... ودعت أيام الحياة وداعا لا أستلذ بغير وجهك منظراً ... وسوى حديثك لا أريد سماعا قصيدة للبابي في التوسل والاستعطاف هوت المشاعر والمدا ... رك عن معارج كبريائك

قال أبو الأسود الدؤلي

يا حي يا قيوم قد ... بهر العقول سنا بهائك أثني عليك بما علم ... ت وأين علمي من ثنائك متحجب في غيبك ال ... أحمى منيع في علائك وظهرت بالآثار وال ... أفعال باد في جلائك عجباً خفاؤك من ظهو ... رك أم ظهورك من خفائك ما الكون إلا ظلمة ... قبس الأشعة من ضيائك بل كل ما فيه فق ... ير مستميح من عطائك ما في العوالم ذرة ... في جنب أرضك أو سمائك إلا وجهتها إلي ... ك بالافتقار إلى غنائك فانظر إلى من يستغي ... ثك عائذاً بك من بلائك قذفت به من شاهق ... أيدي امتحانك وابتلائك وسطت عليه لوازم ال ... أمكان صداً عن فنائك ورمته في ظلم العنا ... صر والطبائعه في شبائك فإذا ارعوى أو كاد نا ... دته القيود إلى ورائك فالطف به فيما جرى ... في طي علمك من قضائك واسلك به سنن الهدا ... ية في معارج أصفيائك قال أبو الأسود الدؤلي وإذا طلبت من الحوائج حاجة ... فادع الإله وأحسن الأعمالا فليعطينك ما أراد بقدرة ... فهو اللطيف لما أراد فعالا

قال أبو الفتح البستي

إن العباد وشأنهم وأمورهم ... بيد الإله يقلب الأحوالا فدع العباد ولا تكن بطلابهم ... لهجاً تضعضع للعباد سؤالا قال أبو الفتح البستي تقى الله والزم هدى دينه ... ومن بعد ذا فالزم الفلسفه ولا تغترر بأناس رضوا ... من الدين بالزور والسفسفه ودع عنك قوماً يعيبونها ... ففلسفة المرء فل السفه لما حضرت الوفاة أبا الحسن الهمداني أنشد لنفسه قالوا غداً نأتي ديار الحمى ... وينزل الركب بمغناهم وكل من كان مطيعاً لهم ... أصبح مسروراً بلقياهم فقلت لي ذنب فما حيلتي ... بأي وجه أتلقاهم قالوا أليس العفو شأنهم ... لاسيما عمن ترجاهم الباب الثاني في الزهد الزهد في الدنيا والانقطاع إلى الله (من النهج) خلق الله الخلق حين خلقهم غنياً عن طاعتهم آمناً من معصيتهم. لأنه لا تضره معصية من عصاه ولا تنفعه طاعة من أطاعه. فقسم بينهم معايشهم ووضعهم في الدنيا مواضعهم. فالمتقون فيها هم أهل الفضائل. منطقهم الصواب وملبسهم الاقتصاد ومشيهم

التواضع. غضوا أبصارهم عما حرم عليهم ووقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم. نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت في الرخاء. لولا الأجل الذي كتب الله لهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقاً إلى الثواب. وخوفاً من العقاب. عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم فهم والجنة كمن قدر رآها فهم فيها منعمون. وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها خالدون معذبون. أرادتهم الدنيا فلم يريدوها وأسرتهم ففدوا أنفسهم منها. لا يرضون من أعمالهم القليل ولا يستكثرون الكثير. فهم لأنفسهم متهمون. ومن أعمالهم مشفقون. إذا زكي أحدهم خاف مما يقال له فيقول: أنا أعلم بنفسي من غيري وربي أعلم بنفسي مني. اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني أفضل مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون. فمن علامة أحدهم أنك ترى له قوة في الدين. وحزماً في لين. وإيماناً في يقين. وحرصاً في علم. وعملاً في حلم. وقصداً في غنى. وخشوعاً في عبادة. وتجملاً في فاقة. وصبراً في شدة. وطلباً في حلال. ونشاطاً في هدى. وتحرجاً عن طمع. يعمل الأعمال الصالحة وهو على وجل. يمسي وهمه الشكر. ويصبح وهمه الذكر. يبيت حذراً ويصبح فرحاً. حذراً لما حذر من الغفلة. وفرحاً بما أصاب من الفضل والرحمة. إذا استصعبت عليه نفسه فيما تكره لم يعطها سؤلها فيما تحب. قرة عينه فيما لا يزول وزهادته فيما لا يبقى. يمزج الحلم بالعلم والقول بالعمل.

قصيدة للبرعي في الزهد

تراه قريباً أمله. قليلاً زلله. خاشعاً قلبه. قانعة نفسه. منزوراً أكله. سهلاً أمره. حريزاً دينه. ميتة شهوته. مكظوماً غيظه. إن كان في الغافلين كتب في الذاكرين. وإن كان في الذاكرين لم يكتب من الغافلين. يعفو عمن ظلمه. ويعطي من حرمه. ويصل من قطعه. بعيداً فحشه. ليناً قوله. غائباً منكره. حاضراً معروفه. مقبلاً خيره. مدبراً شره. في الزلازل وقور. وفي المكاره صبور. وفي الرخاء شكور. لا يحيف على من يبغض. ولا يأثم فيمن يحب. يعترف بالحق قبل أن يشهد عليه. لا يضيع ما استحفظ. ولا ينسى ما ذكر. ولا ينابز بالألقاب. ولا يضار بالجار. ولا يشمت بالمصائب. ولا يدخل في الباطل. ولا يخرج من الحق. إن صمت لم يغمه صمته. وإن ضحك لم يعل صوته. وإن بغي عليه صبر حتى يكون الله هو الذي ينتقم له. نفسه منه في عناء والناس منه في راحة أتعب نفسه لآخرته وأراح الناس من نفسه. بعده عمن تباعد عنه زهد ونزاهة. ودنوه ممن دنا منه لين ورحمة. ليس تباعده بكبر وعظمة ولا دنوه بمكر وخديعة. (الكشكول لبهاء الدين العاملي) . قصيدة للبرعي في الزهد أحباب قلبي مضى زماني ... ونغصت عيشي الهموم وفرق الموت أهل عصري ... فلا صديق ولا حميم وأخلف الدهر خلف سوء ... كأنني بينهم يتيم

قال أمير المؤمنين لرجل يسأله أن يعظه. لا تكن ممن يرجو الآخرة بلا عمل. ويرجي

والآن حان الرحيل مني ... وهذه الدار لا تدوم وما تزودت غير ذنب ... عذابه دائم أليم يصرح الوعظ بي وقلبي ... كأنه صخرة صميم أبارز الله بالخطايا ... والله سبحانه حليم فكم خلعت العذار جهلاً ... ولمت في الغي من يلوم وكم تعاميت عن رشادي ... ومنهج الحق مستقيم لا أنتهي عن قبيح فعلي ... ولا أصلي ولا أصوم عصيت طفلاً وصرت أعصى ... والشيب في مفرقي يحوم شيب وعيب وحمل ذنب ... والذنب بعد المشيب شوم يا جامع المال من حرام ... سيقتضي مالك الغريم وتقتضي وزره وتلقى ... في النار يغلي بها الحميم وكيف يهنيك صفو عيش ... ختامه علقم عقيم يا واسع اللطف جد بفضل ... ورحمة منك يا كريم إن قال عبد الرحيم ذنبي ... فقل أنا المشفق الرحيم وإن شكا من خصوم سوء ... فحل ما تعقد الخصوم وسامح الكل في ذنوب ... أنت بها سيدي عليم قال أمير المؤمنين لرجل يسأله أن يعظه. لا تكن ممن يرجو الآخرة بلا عمل. ويرجي التوبة بطول الأمل. يقول في الدنيا بقول الزاهدين. ويعمل فيها بقول الراغبين. إن أعطي منها لم يشبع. وإن

منع لم يقنع. ينهى ولا ينتهي. ويأمر بما لا يأتي. يحب الصالحين ولا يعمل عملهم. ويبغض المذنبين وهو أحدهم. ويكره الموت لكثرة ذنوبه ويقيم على ما يكره الموت له. إن سقم ظل نادماً وإن صح أمن لاهياً. يعجب بنفسه إذا عوفي ويقنط إذا ابتلي. إن أصابه بلاء دعا مضطراً. وإن ناله رخاء أعرض مغتراً. تغلبه نفسه على ما تظن ولا يغلبها على ما يستيقن. يخاف على غيره بأدنى من ذنبه ويرجو لنفسه بأكثر من عمله. إن استغنى بطر وفتن. وإن افتقر قنط ووهن. يقصر إذا عمل. ويبالغ إذا سأل. إن عرضت له شهوة أسلف المعصية وسوَّف التوبة. وإن عرته محنة انفرج عن شرائط الملة. يصف العبر ولا يعتبر. ويبالغ في الموعظة ولا يتعظ. بهو بالقول مدل. ومن العمل مقل. ينافس فيما يفنى ويسامح فيما يبقى. يرى الغنم مغرماً. والغرم مغنماً. يخشى الموت. ولا يبادر القوت. يستعظم من معصية غيره ما يستقل أكثر منه من نفسه. ويستكثر من طاعته ما يحتقر من طاعة غيره. فهو على الناس طاعن. ولنفسه مداهن. اللهو مع الأغنياء أحب إليه من الذكر مع الفقراء. يحكم على غيره لنفسه ولا يحكم عليها لغيره. يرشد غيره ويغوي نفسه. فهو يطاع ويعصي. ويستوفي ولا يوفي. ويخشى الخلق على غير ربه ولا يخشى ربه في خلقه. قال جامع النهج كفى بهذا الكلام موعظة ناجعة وحكمة بالغة وبصيرة لمبصر وعبرة لناظر مفكر. (لبهاء الدين) .

زهد رجل من بني عباس

زهد رجل من بني عباس قال عبد الله بن المعلم خرجنا من المدينة حجاجاً فإذا أنا برجل من بني هاشم من بني العباس بن عبد المطلب قد رفض الدنيا وأقبل على الآخرة. فجمعتني وإياه الطريق ف، ست به وقلت له: هل لك أن تعادلني فإن معي فضلاً من راحلتي. فجزاني خيراً. ثم أنس إلي فجعل يحدثني فقال: أنا رجل من ولد العباس كنت أسكن البصرة وكنت ذا كبر شديد ونعمة طائلة ومال كثير وبذخ زائد. فأمرت يوماً خادماً لي أن يحشو لي فراشاً من حرير ومخدة بورد نثير. ففعل. فإني لنائم إذا بقمع وردة قد نسيه الخادم فقمت إليه فأوجعته ضرباً. ثم عدت إلى مضجعي بعد إخراج القمع من المخدة. فأتاني آت في منامي في صورة فظيعة فهزني وقال: أفق من غشيتك وانتبه من رقدتك. ثم أنشأ يقول: يا خل إنك إن توسد ليناً ... وسدت بعد اليوم صم الجندل فامهد لنفسك صالحاً تسعد به ... فلتندمن غداً إذا لم تفعل فانتبهت مرعوباً. وخرجت من ساعتي هارباً إلى ربي (مستقطف المستظرف للأبشيهي) . قال أبو محمد البكري الشنتريني في الزهد يا من يصيح إلى داعي السقاة وقد ... نادى به الناعيان الشيب والكبر إن كنت لا تسمع الذكرى ففيم ثوى ... في رأسك الواعيان السمع والذكر

قال ابن جبير الكناني أحد الراحلين إلى المشرق

ليس الأصم ولا الأعمى سوى رجل ... لم يهده الهاديان العين والأثر لا الدهر يبقى ولا الدنيا ولا الفلك ال ... أعلى ولا النيران الشمس والقمر ليرحلن عن الدنيا وإن كرها ... فراقها الثاويان البدو والحضر قال ابن جبير الكناني أحد الراحلين إلى المشرق عجبت للمرء في دنياه تطمعه ... في العيش ولأجل المحتوم يقطعه يمسي ويصبح في عشواء يخبطها ... أعمى البصيرة والآمال تخدعه يغتر بالدهر مسروراً بصحبته ... وقد تيقن أن الدهر يصرعه ويجمع المال حرصاً لا يفارقه ... وقد درى أنه للغير يجمعه تراه يشفق من تضييع درهمه ... وليس يشفق من دين يضيعه وأسوأ الناس تدبيراً لعاقبة ... من أنفق العمر في ما ليس ينفعه قال محمد بن الحسن الحميري من قصيدة فؤاد بأيدي النائبات مصاب ... وجفن لفيض الدمع فيه مصاب تناءت ديار قد ألفت وجيرة ... فهل لي إلى عهد الوصال إياب وفارقت أوطاني ولم أبلغ المنى ... ودون مرادي أبحر وهضاب مضى زمني والشيب حل بمفرقي ... وأبعد شيء أن يرد شباب إذا مر عمر المرء ليس براجع ... وإن حل شيب لم يفده خضاب ذو النون والزاهدة قال ذو النون بينا أنا أسير على ساحل البحر إذ أبصرت بجارية عليها أطمار شَعرٍ. فإذا هي ناحلة ذابلة. فدنوت منها لأسمع ما تقول.

ذلة الدنيا

فرأيتها متصلة الأحزان بالأشجان. وعصفت الرياح واضطربت الأمواج وظهرت الحيتان. فصرخت ثم سقطت إلى الأرض. فلما قامت نحبت ثم قالت: سيدي بك تقرب المتقربون في الخلوات. ولعظمتك سبحت النينان في البحار الزاخرات. ولجلال قدسك تصافقت الأمواج المتلاطمات. أنت الذي سجد لك سواد الليل وضوء النهار. والفلك الدوار والبحر الزخار. والقمر النوار والنجم الزهار. وكل شيء عندك بمقدار لأنك العلي القهار. ثم أنشدت: يا مؤنس الأبرار في خلواتهم ... يا خير من حطت به النزال من ذاق حبك لا يزال متيماً ... قرح الفؤاد متيماً بلبال فقلت لها: عسى أن تزيديني من هذا. فقالت: إليك عني. ثم رفعت طرفها نحو السماء فقالت: أحبك حبين حب الوداد ... وحباً لأنك أهل لذاكا فأما الذي هو حب الوداد ... فحب شغلت به عن سواكا وأما الذي أنت له ... فكشفك الحجب حتى أراكا فما الحمد في ذا ولا ذاك لي ... ولكن لك الحمد في ذا وذاكا ثم شهقت شهقة فإذا هي قد فارقت الحياة (أسواق الأشواق للبقاعي) . ذلة الدنيا قيل لبعض الحكماء: صف لنا الدنيا فقال: أمل بين يديك. وأجل مطل عليك. وشيطان فتان. وأماني جرارة العنان. تدعوك

زوال الدنيا

فتستجيب. وتزجرها فتخيب. ناقضة للعزيمة مرتجعة للعطية. كل من فيها يجري. إلى ما لا يدري. وقال أبو العرب الصقلي: ولا يغررك منها حسن برد ... له علمان من علم الذهاب فأوله رجاء من سراب ... وآخره رداء من تراب قال ابن قاضي ميلة: لدنياك نور ولكنه ... ظلام يحار به المبصر فإن عشت فيها على أنها ... كما قيل فنظرة تعبر فلا تعمرن بها منزلاً ... فإن الخراب لما تعمر ولا تذخرن خلاف التقى ... فتفنى ويبقى الذي تذخر ومن جيد شعر أبي العتاهية قوله: وا عجبا للناس لو فكروا ... وحاسبوا أنفسهم أبصروا وعبروا الدنيا إلى غيرها ... فإنما الدنيا لهم معبر الخير مما ليس يخفى هو ال ... معروف والشر هو المنكر والموعد الموت وما بعده ال ... حشر فذاك الموعد الأكبر لا فخر إلا فخر أهل التقى ... غداً إذا ضمهم المحشر ليعلمن الناس أن التقى ... والبر كانا خير ما يذخر زوال الدنيا (من النهج) واتقوا الله عباد الله وبادروا آجالكم بأعمالكم. وابتاعوا ما يبقى لكم بما يزول عنكم. وترحلوا فقد جد بكم السير.

واستعدوا للموت فقد أظلكم. وكونوا قوماً صيح بهم فانتبهوا. وعلموا أن الدنيا ليست لهم بدار فاستبدلوا. فإن الله لم يخلقكم عبثاً ولم يترككم سدى. وما بين أحدكم وبين الجنة والنار إلا الموت أن ينزل به. وإن غاية تنقصها اللحظة وتهدمها الساعة لجديرة بقصر المدة. وإن غائباً يحدوه الجديدان الليل والنهار لحري بسرعة الأوبة. وإن قادماً يقدم بالفوز أو الشقوة لمستحق لأفضل العدة. فتزودوا في الدنيا من الدنيا ما تحرزون به نفوسكم غداً. فاتقى عبد من نصح نفسه وقدم توبته وغلب شهوته. فإن أجله مستور عنه وأمله خادع له. والشيطان موكل به يزين له المعصية ليركبها. ويمنيه التوبة ليسوفها. حتى تهجم منيته عليه أغفل ما يكون عنها. فيا لها حسرة على كل ذي عقل أن يكون عمره عليه حجة. وأن تؤديه أيامه إلى شقوة. نسأل الله سبحانه أن يجعلنا وإياكم ممن لا تبطره نعمة. ولا تقصر به عن طاعة ربه غاية. ولا تحل به بعد الموت ندامة ولا كآبة. (لبهاء الدين) . قال أبو العتاهية: عليكم سلام الله إني ومودع ... وعيناي من مض التفرق تدمع فإن نحن عشنا يجمع الله بيننا ... وإن نحن متنا فالقيامة تجمع ألم تر ريب الدهر في كل ساعة ... له عارض فيه المنية تلمع أيا باني الدنيا لغيرك تبتني ... ويا جامع الدنيا لغيرك تجمع

أرى المرء وثاباً على كل فرصة ... وللمرء يوماً لا محالة مصرع تبارك من لا يملك الملك غيره ... من تنقضي حاجات من ليس يشبع وأي امرئ في غاية ليس نفسه ... إلى غاية أخرى سواها تطلع قال أيضاً: طول التعاشر بين الناس مملول ... ما لابن آدم إن فتشت معقول يا راعي الشاء لا تغفل رعايتها ... فأنت عن كل ما استرعيت مسؤول إني لفي منزل ما زلت أعمره ... على يقيني بأني عنه منقول وليس من موضع يأتيه ذو نفس ... إلا وللموت سيف فيه مسلول لم يشغل الموت عنا مذ أعد لنا ... وكلنا عنه باللذات مشغول ومن يمت فهو مقطوع ومجتنب ... والحي ما عاش مغشي وموصول كل ما بدا لك فالآكال فانيةٌ ... وكل ذي أكل لا بد مأكول قال الأسود الدارمي بعد نكبة الأكاسرة لآل المحرق: ماذا نؤمل بعد آل محرق ... تركوا منازلهم وبعد إياد أهل الخورنق والسدير وبارق ... والقصر ذي الشرفات من سنداد نزلوا بأنقرة تسيل عليهم ... ماء الفرات يجيء من أطواد جرت الرياح على رسوم ديارهم ... فكأنهم كانوا على ميعاد ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة ... في ظل ملك ثابت الأوتاد فإذا النعيم وكل ما يلهى به ... يوماً يصير إلى بلى ونفاد ومن رقيق ما جاء في الزهد قول أبي العتاهية:

تعالى الله يا سلم بن عمرو ... أذل الحرص أعناق الرجال هب الدنيا تساق إليك عفواً ... أليس مصير ذلك للزوال نعى نفسي إلي من الليالي ... تصرفهن حالاً بعد حال فما لي لست مشغولاً بنفسي ... وما لي لا أخاف الموت ما لي أما في السالفين لي اعتبار ... وما لاقوه لم يخطر ببالي كأني بالمنية أزعجتني ... ونعشي بين أربعة عجال وخلفي نسوة يبكين بعدي ... كأن قلوبهن على المقالي وحقك كل ذا يفنى سريعاً ... ولا شيء يدوم مع الليالي قال علي بن أبي طالب: إنما نعمة دنيا متعة ... وحياة المرء ثوب مستعار وصروف الدهر في أطباقه ... حلقة فيها ارتفاع وانحدار بينما الإنسان في عليائها ... إذ هوى في هوة منها فغار قد شبه بعضهم الدنيا بخيال الظل فقال: رأيت خيال الظل أعظم عبرة ... لمن كان في علم الحقائق راقي شخوصاً وأشباحاً يخالف بعضها ... لبعض وأشكالاً بغير وفاق تجيء وتمضي بابة بعد بابهٍ ... وتفنى جميعاً والمحرك باق وقال شرف بن أسد في معناه: يا من تملك ملكاً لا بقاء له ... حملت نفساً آثاماً وأوزارا هل الحياة بذي الدنيا وإن عذبت ... إلا كطيف في الكرى زارا

ذكر المنية والعواقب

وقال بعضهم: وغاية هذي الدار لذة ساعة ... ويعقبها الأحزان والهم والندم وهاتيك دار الأمن والعز والتقى ... ورحمة رب الناس والجود والكرم قال البستي: أقول لمن لاح المشيب بفوده ... وألفيته عن غيه ليس يقصر عذلتك إن أضللت رشدك خاطئاً ... وليل الشباب الوحف داج فمعذر فهل لك في سن الكهولة عاذر ... إذا زغت عن قصدٍ وليلك مقمر قال ابن حاجب يذكر إيوان كسرى: يا من بنى بشاهق البنيان ... أنسيت صنع الدهر بالإيوان هذي المصانع والدساكر والبنا ... وقصور كسرانا أنوشروان كتب الليالي في ذراها أسطراً ... بيد البلى وأنامل الحدثان إن الحوادث والخطوب إذا سطت ... أودت بكل موثق الأزكان ذكر المنية والعواقب قال مالك بن دينار: أتيت القبور فناديتها ... فأين المعظم والمحتقر وأين المذل بسلطانه ... وأين المذكى إذا ما افتخر فنوديت من بينهم لا أرى ... شخوصاً لهم ولا من أثر تفانوا جميعاً فلا مخبر ... وماتوا ومات الخبر فيا سائلي عن أناس مضوا ... أما لك فيما ترى معتبر

تروح وتغدو بنات الثرى ... وتمحى محاسن تلك الصور قال سابق البربري وأجاد: تلهو وتأمل أياماً تعد لنا ... سريعة المر تطوينا وتطويها كم من عزيز سيلقى بعد عزته ... ذلاً وضاحكة يوماً ستبكيها وللحتوف تربي كل مرضعة ... وللحساب برى الأرواح باريها لا تبرح النفس تنعى وهي سالمة ... حتى يقوم بنادي القوم ناعيها أموالنا لذوي الميراث نجمعها ... ودورنا لخراب الدهر نبنيها ولأبي العتاهية: خانك الطرف الطموح ... أيها القلب الجموح لدواعي الخير والشر ... دنو ونزوح هل لمطلوب بذنب ... توبة منه نصوح كيف إصلاح قلوب ... إنما هن جروح أحسن الله بنا أن ... الخطايا لا تفوح فإذا المستور منا ... بين ثوبيه فضوح كم رأينا من عزيز ... طويت عنه الكشوح صاح منه برحيل ... صائح الدهر الصدوح موت بعض الناس في الأر ... ض على قوم فتوح سيصير المرء يوماً ... جسداً ما فيه روح بين عيني كل حي ... علم الموت يلوح

كلنا في غفلة وال ... موت يغدو ويروح لبني الدنيا في الدن ... يا غبوق وصبوح رحن في الوشي وأصبح ... ن عليهن المسوح كل نطاح من الده ... ر له يوم نطوح نح على نفسك يا مس ... كين إن كنت تنوح لتموتن وإن عم ... رت ما عمر نوح قال بهاء الدين زهير: ليت شعري ليت شعري ... أي أرض هي قبري ضاع عمري في اغتراب ... ورحيل مستمر ومتى يوم وفاتي ... ليتني لو كنت أدري ليس لي في كل أرض ... جئتها من مستقر بعد هذا ليتني أع ... رف ما آخر عمري ومتى أخلص مما ... أنا فيه ليت شعري ولقد آن بأن أص ... حو فمالي طال سكري أترى يستدرك الفا ... رط من تضييع عمري قال آخر: قدم لنفسك خيراً ... وأنت مالك مالك من قبل أن تتفانى ... ولن حالك حالك لم تدر نفسك حقاً ... أي المسالك سالك

لجنة أم لنار ... إلى ممالك مالك وأنت لا بد يوماً ... بعد التكاهل هالك قال أبو العتاهية في وصف الموت: كأن الأرض قد طويت علياً ... وقد أخرجت مما في يديا كأني صرت منفرداً وحيداً ... ومرتهناً لديك بما عليا كأن الباكيات علي يوماً ... ولا يغني البكاء علي شيا ذكرت منيتي فنعين نفسي ... ألا أسعد أخيك يا أخيا قال ابن المعتز عند موته: يا نفس صبراً لعل الخير عقباك ... خانتك بعد طول الأمن دنياك مرت بنا سحراً طير فقلت لها ... طوباك يا ليتني إياك طوباك إن كان قصدك شرقاً بالسلام على ... شاطئ الفرات أبلغي إن كان مثواك من موثق بالمنايا لا فكاك له ... يبكي الدماء على إلف له باكي أظنه آخر الأيام من عمري ... وأوشك اليوم أن يبكي له باكي وما أجود قول ابن أبي زمنين: الموت في كل حين ينشر الكفنا ... ونحن في غفلة عما يراد بنا لا تطمئن إلى الدنيا وبهجتها ... وإن توشحت من أبوابها الحسنا أين الأحبة والجيران ما فعلوا ... أين الذين هم كانوا لنا سكنا سقاهم الموت كأساً غير صافية ... فصيرتهم لأطباق الثرى رهنا تبكي المنازل منهم كل منسجم ... بالمكرمات وترثي البر والمننا

حسب الحمام لو أبقاهم وأمهلهم ... ألا يظن على معلومه حسنا دخل عبد الله بن الفضل على أبي حفص الشطرنجي يعوده في علته التي مات فيها. فأنشده قوله: نعى لك ظل الشباب المشيب ... ونادتك باسم سواك الخطوب فكن مستعداً لداعي الفناء ... فإن الذي هو آت قريب ألسنا نرى شهوات النفو ... س تفنى وتبقى عليها الذنوب وقبلك داوى المريض الطبيب ... فعاش المريض ومات الطبيب يخاف على نفسه من يتوب ... فكيف ترى حال من لا يتوب ولأبي العتاهية: لدوا للموت وابنوا للخراب ... فكلكم يصير إلى الذهاب ألا يا موت لم أر منك بداً ... أتيت وما تحيف وما تحابي كأنك قد هجمت على مشيبي ... كما هجم المشيب على شبابي وجاء في قلائد العقيان: أين الملوك ومن بالأرض قد عمروا ... قد فارقوا ما بنوا فيها وما عمروا وأصبحوا رهن قبر بالذي عملوا ... عادوا رميماً به من بعد ما دثروا أين العساكر ما ردت وما نفعت ... وأين ما جمعوا فيها وما اذخروا أتاهم أمر رب العرش في عجل ... لم ينجهم منه لا مال ولا وزر قال أبو العتاهية وله اليد الطولى في معاني الزهد: إعمد لنفسك واذكر ساعة الأجل ... ولا تغرن في دنياك بالأمل

سابق حتوف الردى واعمل على مهل ... ما دمت في هذه الدنيا على مهل واعلم بأنك مسؤول ومفتحصٌ ... عما عملت ومعروض على العمل لا تلعبن بك الدنيا وزخرفها ... فإنها قرنت في الظل بالمثل لا يحذر النفس إلا ذو مراقبة ... يمسي ويصبح في الدنيا على وجل ما أقرب الموت من أهل الحياة وما ... أحجى اللبيب بحسن القول والعمل ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا ... وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل وله أيضاً: قد سمعنا الوعظ لو ينفعنا ... وقرأنا جل آيات الكتب كل نفس ستوافي سعيها ... ولها ميقات يوم قد وجب جفت الأقلام من قبل بما ... حتم الله علينا وكتب يهرب المرء من الموت وهل ... ينفع المرء من الموت الهرب كل نفس ستقاسي عاجلاً ... كرب الموت فللموت كرب أيها ذا الناس ما حل بكم ... عجباً من سهوكم كل العجب وسقام ثم موت نازل ... ثم قبر ونزول وجلب وحساب وكتاب حافظ ... وموازين ونار تلتهب وصراط من يزل عن حده ... فإلى خزي طويل ونصب قال بعضهم: تلاحظني المنية من قريب ... وتلحظني ملاحظة الرقيب وتنشر لي كتاباً فيه طي ... بخط الدهر أسطره مشيبي

في الدهر ونوائبه

كتاب في معانيه غموض ... تلوح لكل أوات منيب أزال الله يا صاحي شبابي ... فعوضت البغيض من الحبيب وبدلت التكاسل من نشاطي ... ومن حسن النضارة بالشحوب كذاك الشمس يعلوها اصفرار ... إذا جنحت ومالت للغروب قال الإلبيري: كأني بنفسي وهمي في السكرات ... تعالج أن ترقى إلى اللهوات وقد زم رحلي واستقلت ركائبي ... وقد آذتني بالرحيل حداتي إلى منزل فيه عذاب ورحمة ... وكم فيه من زجر لنا وعظات ومن أعين سالت على وجناتها ... ومن أوجه في الترب منعفرات وكم وارد فيه على ما يسره ... وكم وارد فيه على الحسرات في الدهر ونوائبه أنشد الخليفة المعتضد لما حضرته الوفاة قصيدة منها: ولا تأمنن الدهر إني أمنته ... فلم يبق لي خلاً ولم يرع لي حقا قتلت صناديد الرجال ولم أدع ... عدواً ولم أمهل على طغيه خلقا وأخليت دار الملك من كل نازع ... فشردتهم غرباً ومزقتهم شرقا فما بلغت النجم عزاً ورفعة ... وصارت رقاب الخلق أجمع لي رقا رماني الردى سهماً فأخمد جمرتي ... فها أنا ذا في حفرتي عاجلاً ألقى قال الإمام أبو مظفر الأبيوردي: يا من يؤمل أن يعيش مسلماً ... جذلان لا يدهى بخطب يحزن

قصيدة لإسماعيل المقري في التوبة

أفرطت في شطط الأماني فاقتصد ... واعلم بأن من المنى ما يفتن ليس الأمان من الزمان بممكن ... ومن المحال وجود ما لا يمكن معنى الزمان على الحقيقة كاسمه ... فعلام نرجو أنه لا يزمن قصيدة لإسماعيل المقري في التوبة إلى كم تمادى في غرور وغفلة ... وكم هكذا نوم إلى غير يقظة لقد ضاع عمر ساعة منه تشترى ... بملء السماء والأرض أية شيعة أترضى من العيش الرغيد وعيشة ... مع الملأ الأعلى بعيش البهيمة فيا درة بين المزابل ألقيت ... وجوهرة بيعت بأبخس قيمة أفان بباق تشتريه سفاهة ... وسخطاً برضوان وناراً بجنة أأنت صديق أم عدو لنفسه ... فإنك ترميها بكل مصيبة ولو فعل الأعدا بنفسك بعض ما ... فعلت لمستهم لها بعض رحمة لقد بعتها هوناً عليك رخيصة ... وكانت بهذا منك غير حقيقة كلفت بها دنيا كثير غرورها ... تقابلنا في نصحها بالخديعة عليك بما يجدي عليك من التقى ... فإنك في سهو عظيم وغفلة تصلي بلا قلب صلاة بمثلها ... يصير الفتى مستوجباً للعقوبة تخاطبه إياك نعبد مقبلاً ... على غيره فيها لغير ضرورة ولو رد من ناجاك للغير طرفه ... تميزت من غيظ عليه وغيره فويلك تدري من تناجيه معرضاً ... وبين يدي من تنحني غير مخبت تقول مع العصيان ربي غافر ... صدقت ولكن غافر بالمشيئة

للبرعي في الإغراء بالتوبة

وربك رزاق كما هو غافر ... فلم لم تصدق فيهما بالسوية فكيف ترجي العفو من غير توبة ... ولست ترجي الرزق إلا بحيلة وها هو بالأرزاق كفل نفسه ... ولم يتكفل للأنام بجنة وما زلت تسعى في الذي قد كفيته ... وتهمل ما كلفته من وظيفة تسيء به ظناً وتحسن تارة ... على حسب ما يقضي الهوى بالقضية للبرعي في الإغراء بالتوبة يا محسناً بالزمان ظناً ... لم تدر ما يفعل الزمان لا تتبع النفس في هواها ... إن أتباع الهوى هوان واخجلتي من عتاب ربي ... إن قال أسرفت يا فلان إلى متى أنت في المعاصي ... تسير مرخى لك العنان لو خوفتك الجحيم بطشي ... لشوقت قلبك الجنان أنت شجاع على المعاصي ... وأنت عن طاعتي جبان عندي لك الصلح وهو بري ... وعندك السيف والسنان فاستحي من شيبة تراها ... في النار مسجونة تهان أي أوان تتوب فيه ... هل بعد قطع الرجا أوان يا سيدي هذه عيوبي ... وأنت في الخطب مستعان يا من له في العصاة شأن ... وشأنه العطف والحنان يا من ملا بره النواحي ... لم يخل من بره مكان عفواً فإني رهين ذنبٍ ... حاشاك أن يغلق الرهان

قال حريث بن جبلة العذري وقيل عثير بن لبيد العذري: يا قلب إنك في الأحياء مغرور ... فاذكر وهل ينفعك اليوم تذكير تريد أمراً فما تدري أعاجله ... خير لنفسك أم ما فيه تأخير فاستقدر الله خيراً وارضين به ... فبينما العسر إذا دارت مياسير وبينما المرء في الأحياء مغتبط ... إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير حتى كأن لم يكن إلا توهمه ... والدهر في كل حاليه دهارير يبكي الغريب عليه ليس يعرفه ... وذو قرابته في الحي مسرور قال آخر: ويلي إذا كان الجحيم جزائي ... ماذا يحل بمهجتي وبهائي يبلي العذاب محاسني ويشينها ... ويطول مني في الجحيم بكائي ويقول لي الجبار جل جلاله ... يا عبد سوء أنت من أعدائي بارزتني وعصيت أمري جاهلاً ... ونسيت وعدي ما تخاف لقائي وترى وجوه الطائعين كأنها ... بدر بدا في ليلة ظلماء كشفوا الحجاب فشاهدوه وأدهشوا ... وكسوا نعيماً دائماً بضياء قال أبو جعفر بن خاتمة مستغيثاً به تعالى: يا من يغيث الورى من بعدما قنطوا ... ارحم عباداً أكف الفقر قد بسطوا عودتهم بسط أرزاق بلا سبب ... سوى جميل رجاء نحوه انبسطوا وعدت بالفضل في ورد وفي صدر ... بالجود إن أقسطوا والحلم إن قسطوا عوارف ارتبطت شم الأنوف بها ... وكل صعب بقيد الجود يرتبط

يا من تعرف بالمعروف فاعترفت ... بجم إنعامه الأطراف والواسط وعالماً بخفيات الأمور فلا ... وهم يجوز عليه لا ولا غلط عبد فقير بباب الجود منكسر ... من شأنه أن يوافي حين ينضغط مهما أتى ليمد الكف أخجله ... قبائح وخطايا أمرها فرط يا واسعاً ضاق خطو الخلق عن نعم ... منه إذا خطبوا في شكرها خبطوا وناشراً بيد الإجمال رحمته ... فليس يحلق منه مسرفاً قنط ارحم عبادك بضنك العيش ما لهم ... غير الدجنة لحف الثرى بسط لكنهم من ذرى علياك في نمط ... سام رفيع الذرى ما فوقه نمط ومن يكن بالذي يهواه مجتمعاً ... فما يبالي أقام الحي أم شحطوا نحن العبيد وأنت الملك ليس سوى ... وكل شيء يرجى يعد ذا شطط قال آخر: أقصرت عن طلب البطالة والصبا ... لما علاني للمشيب قناع لله أيام الشباب وأهله ... لو أن أيام الشباب تباع فدع الصبا يا قلب واله عن الهوى ... ما فيك بعد مشيبك استمتاع وانظر إلى الدنيا بعين مودع ... فلقد دنا سفر وحان وداع والحادثات موكلات بالفتى ... والناس بعد الحادثات سماع قال بشر بن المعتمر: تعاف القذى في الماء لا تستطيعه ... وتكرع في حوض الذنوب فتشرب وتوثر من أكل الطعام ألذه ... ولا تذكر المسكين من أين يكسب

ما كتب على القبور

وترقد يا مسكين فوق نمارق ... وفي حشوها نار عليك تلهب فحتى متى لا تستفيق جهالة ... وأنت ابن سبعين بذلك تلعب قال أبو العتاهية: فيا من بات ينمو بالخطايا ... وعين الله ساهرة تراه أما تخشى من الديان طرداً ... بجرم دائماً أبداً تراه أتعصي الله وهو يراك جهراً ... وتنسى في غد حقاً تراه وتخلو بالمعاصي وهو دان ... إليك وليس تخشى من لقاه وتنكر فعلها ولها شهود ... بمكتوب عليك وقد حواه فيا حزن المسيء لشؤم ذنب ... وبعد الحزن يكفيه حماه فيندب حسرة من بعد موت ... ويبكي حيث لا يجدي بكاه يعض يديه من ندم وحزن ... ويندب حسرة ما قد عراه فبادر بالصلاح وأنت حي ... لعلك أن تنال به رضاه ما كتب على القبور توفي رجل من كندة فكتب على قبره هذه الأبيات: يا واقفين ألم تكونوا تعلموا ... أن الحمام بكم علينا قادم لو تنزلون بشعبنا لعرفتم ... أن المفرط في التزود نادم لا تستغروا بالحياة فإنكم ... تبنون والموت المفرق هادم ساوى الردى ما بيننا في حفرة ... حيث المخدم واحد والخادم ومما وجد على قبر:

إن الحبيب من الأحباب مختلس ... لا يمنع الموت بواب ولا حرس فكيف تفرح بالدنيا ولذتها ... يا من يعد عليه اللفظ والنفس لا يرحم الموت ذا جاه لعزته ... ولا الذي كان منه العلم يقتبس قد كان قصرك معموراً له شرف ... فقبرك اليوم في الأجداث مندرس قال ابن الزقاق هذه الأبيات وأوصى أن تكتب على قبره: أإخواننا والموت قد حال دوننا ... وللموت حكم نافذ في الخلائق سبقتكم للموت والعمر طيه ... وأعلم أن الكل لا بد لاحقي بعيشكم أو باضطجاعي في الثرى ... ألم نك في صفو من العيش رائق فمن مر بي فليمض بي مترحماً ... ولا يك منسياً وفاء الأصادق أمر أبو الصلت الإشبيلي أن تكتب هذه الأبيات على قبره: سكنتك يا دار الفناء مصدقاً ... بأني إلى دار البقاء أصير وأعظم ما في الأمر أني صائر ... إلى عادل في الحكم ليس يجور فيا ليت شعري كيف ألقاه عندها ... وزادي قليل والذنوب كثير فإن أك مجزياً بذنبي فإنني ... بشر عقاب المذنبين جدير وإن يك عفو ثم عني ورحمة ... فثم نعيم زائد وسرور حفرت هذه الأبيات على قبر ابن باق وهي من تصنيفه: ترحم على قبر ابن باق وحيه ... فمن حق ميت الحي تسليم حيه وقل أمن الرحمان روعة خائف ... لتفريطه في الواجبات وغيه وإني بفضل الله أوثق واثق ... وحسبي وإن أذنبت حسب صفيه

قال أبو محمد المقري الخياط على لسان ميت: أيها الزائرون بعد وفاتي ... جدثاً ضمني ولحداً عميقا سترون الذي رأيت من المو ... ت عياناً وتسلكون طريقا نظم أسعد مصطفى اللقيمي قبل موته تاريخاً لقبره: قبر به من أوثقته ذنوبه ... وغدا لسوء فعاله متخوفا قد ضاع منه عمره ببطالة ... والعيش منه بالتكدر ما صفا ماذا طوى قبر اللقيمي أرخوا ... مستمنح للعفو أسعد مصطفى لما قتل سيف بن ذي يزن الحميري دفن في صنعاء بمقبرة ووضع في سريره عند رأسه لوح قد كتبت فيه هذا الأبيات: أنا ابن ذي يزن من فرع ذي يمن ... ملكت من حد صنعاء إلى عدن جلبت من فارس جيشاً على عجل ... في البحر أحملهم فيه على السفن حتى غزوت بهم قوماً مهاجرة ... في البر جاسوا خلال الحي من يمن بالخسف والذل حتى قال قائلهم ... ذوقوا ثمار ذوات الحقد والإحن فأوقعوا بهم والدهر ذو دول ... حتى كأن مغار القوم لم يكن حتى إذا ظفرت نفسي بما طلبت ... وزال ما كان في قلبي من الحزن ونلت أكثر مما كنت آمله ... من قتلي الحبش حتى طاب لي وطني جاء القضاء بما لا يستطاع له ... دفع ولا يشترى يا قوم بالثمن من بعد ما جبت أحوالاً مصرمة ... قطر البلاد فلم أعجز ولم أهن قد صرت مرتهناً في قاع مظلمة ... لله دري من ثاو ومرتهن

الباب الثالث في المراثي

الباب الثالث في المراثي رثاء أعرابية لابنها قال الأصمعي: حجت أعرابية ومعها ابن لها فأصيبت به. فلما دفن قامت على قبره وهي موجعة فقالت: والله يا بني لقد غذوتك رضيعاً. وفقدتك سريعاً. وكأنه لم يكن بين الحالين مدة ألتذ بعيشك فيها. فأصبحت بعد النضارة والغضارة ورونق الحياة والتنسم في طيب روائحها تحت أطباق الثرى جسداً هامداً ورفاً سحيقاً وصعيداً جرزاً. أي بني قد سحبت الدنيا عليك أذيال الفنا وأسكنتك دار البلى. ورمتني بعدك نكبة الردى. أي بني لقد أسفر لي عن وجه الدنيا صباح داح ظلامه. (ثم قالت) : أي رب منك العدل ومن خلقك الجور. وهبته لي قرة عين فلم تمتعني به كثيراً بل سلبتنيه وشيكاً. ثم أمرتني بالصبر ووعدتني عليه بالأجر فصدقت وعدك ورضيت قضاءك. فرحم الله من ترحم على من استودعته الردم ووسدته الثرى. اللهم ارحم غربته وآنس وحشته واستر سوءته يوم تنكشف السوءات. (فلما أرادت الرجوع إلى أهلها وقفت على قبره فقالت) : أي بني إني قد تزودت لسفري فليت شعري ما زادك لبعد طريقك ويوم معادك. اللهم إني

الأحنف بن قيس والراثية

أسألك له الرضا برضاي منه. قم قالت: استودعتك من استودعنيك في أحشائي جنيناً. وأثكل الوالدات ما أمض حرارة قلوبهن وأقلق مضاجعهن وأطول ليلهن وأقصر نهارهن وأقل أنسهن وأشد وحشتهن. وأبعدهن من السرور وأقربهن من الأحزان. فلم تزل تقول هذا ونحوه حتى أبكت كل من سمعها. وحمدت الله وصلت ركعات عند قبره وانطلقت. الأحنف بن قيس والراثية لما دفن الأحنف بن قيس بالكوفة قامت امرأة على قبره فقالت: لله درك من مجن في جنن. ومدرج في كفن. نسأل الذي فجعنا بموتك. وابتلانا بفقدك. أن يجعل سبيل الخير سبيلك. ودليل الرشد دليلك. وأن يوسع لك في قبرك. ويغفر لك في حشرك. فلقد كنت في المحافل شريفاً. وعلى الأرامل عطوفاً. ولقد كنت في الحي مسوداً. وإلى الخليفة موفداً. ولقد كانوا لقولك مستمعين. ولرأيك متبعين. وأنت أهل لحسن الثناء وطيب البقاء. أما والذي كنت من أجله في عدة. ومن الحياء إلى مدة. ومن المقدار إلى غاية. ومن الآثار إلى نهاية. الذي رفع عملك لما قضى أجلك. لقد عشت حميداً مودوداً. ومت سعيداً مفقوداً. ثم انصرفت وهي تقول: لله درك يا أبا بحر ... ماذا تغيب منك في القبر لله درك أي حشو ثرى ... أصبحت من عرف ومن نكر

إن كان دهر فيك جد لنا ... حدثاً به وهنت قوى الصبر فلكم يد أسديتها ويد ... كانت ترد جرائر الدهر ثم انصرفت. فقال الناس: ما سمعنا كلام امرأة قط أبلغ ولا اصدق منه. فسئل عنها فإذا هي امرأته (زهر الآداب للقيرواني) . قال أبو حبال البراء بن ربعي الفقعسي يرثي إخوته: أبعد بني أمية الذين تتابعوا ... أرجي حياة أم من الموت أجزع ثمانية كانوا ذؤابة قومهم ... بهم كنت أعطي ما أشاء وأمنع أولئك إخوان الصفا رزئتهم ... وما الكف إلا إصبع ثم إصبع لعمرك إني بالخليل الذي له ... علي دلال واجب لمفجع وإني بالمولى الذي ليس نافعي ... ولا ضائري لممتع وقال أشجع بن عمرو السلمي في ابن سعيد: مضى ابن سعيد حين لم يبق مشرق ... ولا مغرب إلا له فيه مادح وما كنت أدري ما فواضل كفه ... على الناس حتى غيبته الصفائح فأصبح في لحد من الأرض ميتاً ... وكانت به حياً تضيق الصحاصح سأبكيك ما فاضت دموعي فإن تغض ... فحسبك مني ما تجن الجوانح فما أنا من رزء وإن جل جازع ... ولا بسرور بعد موتك فارح كأن لم يمت حي سواك ولم تقم ... على أحد إلا عليك النوائح لئن حسنت فيك المراثي وذكرها ... لقد حسنت من قبل فيك المدائح وقال مويلك المزموم يرثي امرأته أم العلاء:

أمرر على الجدث الذي حلت به ... أم العلاء فنادها لم تسمع أني حللت وكنت جد فروقة ... بلداً يمر به الشجاع فيفزع صلى عليك الله من مفقودة ... إذ لا يلائمك المكان البلقع فلقد تركت صغيرة مرحومة ... لم تدر ما جزع عليك فتجزع فقدت شمائل من لزامك حلوة ... فتبيت تسهر أهلها وتفجع وإذا سمعت أنينها في ليلها ... طفقت عليك شؤون عيني تدمع وقال أعرابي يرثي بنيه: أسكان بطن الأرض لو يقبل الفدا ... فدينا وأعطيناكم ساكني الظهر فيا ليت من فيها عليها وليت من ... عليها ثوى فيها مقيماً إلى الحشر وقاسمني دهري بني مشاطراً ... فلما تقضى شطره مال في شطري فصاروا ديوناً للمنايا ولم يكن ... عليهم لها دين قضوه على عسر كأنهم لم يعرف الموت غيرهم ... فثكل على ثكل وقبر إلى قبر وقد كنت حي الخوف قبل وفاتهم ... فلما توفوا مات خوفي من الدهر فلله ما أعطى ولله ما حوى ... وليس لأيام الرزية كالصبر رثى ذو الوزارتين ابن عبد البر رجلاً مات مجذوماً: مات من كنا نراه أبداً ... سالم العقل سقيم الجسد كان مثل السيف إلا أنه ... حسد الدهر عليه فصدي قال ابن عبد ربه يرثي ولداً له: قصد المنون له فمات فقيداً ... ومضى على صرف الخطوب حميدا

بأبي وأمي هالكاً أفردته ... قد كان في كل العلوم فريدا سود المقابر أصبحت بيضاً به ... وغدت له بيض الضمائر سودا لم نرزه لما رزينا وحده ... وإن استقل به المنون وحيدا لكن رزينا القاسم بن محمد ... في فضله والأسود بن يزيدا وابن المبارك في الرقائق معمراً ... وابن المسيب في الحديث سعيدا والأخفشين فصاحة وبلاغة ... والأعشيين رواية ونشيدا كان الوصي إذا أردت وصية ... والمستفاد إذا طلبت مفيدا ولى حفيظاً في الأزمة حافظاً ... ومضى ودوداً في الورى مودودا ما كان مثلي في الرزية والداً ... ظفرت يداه بمثله مولودا حتى إذا بدأ السوابق في العلى ... والعلم ضمن شلوه ملحودا يا من يفند من البكاء مولهاً ... ما كان يسمع في البكا تفنيدا تأبى القلوب المستكنة للأسى ... من أن تكون حجارة وحديدا إن الذي باد السرور بموته ... ما كان حزني بعده ليبيدا الآن لما أن حويت مآثراً ... أعيت عدواً في الورى وحسودا ورأيت فيك من الصلاح شمائلاً ... ومن السماح دلائلاً وشهودا أبكي عليك إذا الحمامة أطربت ... وجه الصباح وغردت تغريدا لولا الحيا إني أزن ببدعة ... مما يعده الورى تعديدا لجعلت يومي في الملاحة مأتماً ... وجعلت يومك في الموالد عيدا قال الشمردل يرثي أخاه حكماً:

يقولون احتسب حكماً وراحوا ... بأبيض لا يراه ولا يراني وقبل فراقه أيقنت أني ... وكل بني أب متفارقان أخ لو دعوت أجاب صوتي ... وكنت مجيبه أنى دعاني فقد أفنى البكاء عليه دمعي ... ولو أني الفقيد إذاً بكاني مضى لسبيله لم يعط ضيماً ... ولم ترهب غوائله الأداني قتلنا عنه قاتله وكنا ... نصول به لدى الحرب العوان قتيلاً ليس مثل أخي إذا ما ... بدا الخفرات مذهول الجنان وكنت سنان رمحي من قناتي ... وليس الرمح إلا بالسنان وكنت بنان كفي من يميني ... وكيف صلاحها بعد البنان وكان يهابك الأعداء فينا ... ولا أخشى وراءك من رماني فقد أبدوا ضغائنهم وشدوا ... إلي الطرف واغتمزوا لياني فداك أخ نبا عنه غناه ... ومولى لا تصول له يدان ومن رقيق مراثي لبيد: بلينا وما تبلى النجوم الطوالع ... وتبقى الجبال بعدنا والمصانع وقد كنت في أكناف دار مضنة ... ففارقني جار بأربد نافع فلا جزع إن فرق الدهر بيننا ... فكل امرئ يوماً به الدهر فاجع وما الناس إلا كالديار وأهلها ... بها يوم حلوها وعدوا بلاقع ويمضون أرسالاً وتخلف بعدهم ... كما ضم أخرى التاليات المشائع وما المرء إلا كالشهاب وضوئه ... يجور رماداً بعد إذ هو ساطع

وما البر إلا مضمرات من التقى ... وما المال إلا عاريات ودائع أليس ورائي إن تراخت منيتي ... لزوم العصا تحنى عليها الأصابع أخبر أخبار القرون التي مضت ... أدب كأني كلما قمت راكع فأصبحت مثل السيف أخلق جفنه ... تقادم عهد اليقين والنصل قاطع فلا تبعدن إن المنية موعد ... علينا فدان للطلوع وطالع أعاذل ما يدريك إلا تظنياً ... إذا رحل الفتيان من هو راجع أتجزع مما أحدث الدهر بالفتى ... وأي كريم لم تصبه القوارع لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى ... ولا زاجرات الطير ما الله صانع لما توفي محمد بن صالح قال سعيد بن حميد يرثيه: بأي يد أسطو على الدهر بعدما ... أبان يدي غضب الذبابين قاضب وهاض جناحي حادث جل خطبه ... وسدت عن الصبر الجميل المذاهب ومن عادة الأيام أن صروفها ... إذا سر منها جانب ساء جانب لعمري لقد غال التجلد أننا ... فقدناك فقد الغيث والعام جادب فما أعرف الأيام إلا ذميمة ... ولا الدهر إلا وهو بالثأر طالب ولا لي من الإخوان إلا مكاشر ... فوجه له راض ووجه مغاضب فقدت فتى قد كان للأرض زينة ... كما زينت وجه السماء الكواكب لعمري لئن كان الردى بك فاتني ... وكل امرئ يوماً إلى الله ذاهب لقد أخذت مني النوائب حكمها ... فما تركت حقاً علي النوائب ولا تركتني أرهب الدهر بعده ... لقد كل عني نابه والمخالب

سقى جدثاً أمسى الكريم ابن صالح ... يحل به دان من المزن ساكب إذا بشر الرواد بالغيث برقة ... مرته الصبا واستجلبته الجنائب فغادر باقي الدهر تأثير صوبه ... ربيعاً زهت منه الربى والمذانب قال بكر بن النطاح يرثي مالك بن علي الخزاعي وخرج على الشراة ليقاتلهم فأصيب بسهم: يا عين جودي بالدموع السجام ... على الأمير اليمني الهمام على فتى الدنيا وصنديدها ... وفارس الدين وسيف الإمام لا تذخري الدمع على هالك ... أيتم إذ أودى جميع الأنام طاب ثرى حلوان إذا ضمنت ... عظامه سقياً لها من عظام أغلقت الخيرات أبوابها ... وامتنعت بعدك يا ابن الكرام وأصبحت خليك بعد الوجى ... والقر تشكو منك طول الحمام ارحل بنا نقرب إلى مالك ... كيما نحيي قبره بالسلام كان لأهل الأرض في كفه ... غنى عن البحر وصوب الغمام وكان في الصبح كشمس الضحى ... وكان في الليل كبدر الظلام وسائل يعجب من موته ... وقد رآه وهو صعب المرام قلت له عهدي به معلماً ... يضربهم عند ارتفاع القتام والحرب من طار لها لم يكد ... يفلت من وقع صقيل الحسام لم ينظر الدهر لنا إذا عدا ... على ربيع الناس في كل عام لن يستقيلوا أبداً فقده ... ما هيج الشجو دعاء الحمام

وقال أيضاً يرثيه: يا حفرة ضمت محاسن مالك ... ما فيك من كرم ومن إحسان لهفي على البطل المعرض خده ... وجبينه لأسنة الفرسان خرق الكتيبة معلماً متنكباً ... والمرهفات عليه كالنيران ذهبت بشاشة كل شيء بعده ... فالأرض موحشة بلا عمران هدم الشراة غداة مصرع مالك ... شرف العلا ومكارم البنيان قتلوا فتى العرب الذي كانت به ... تقوى على اللزبات في الأزمان حرموا معداً ما لديه وأوقعوا ... عصبية في قلب كل يمان هوت الجدود عن السعود لفقده ... وتمسكت بالنحس والدبران لا يبعدن أخو خزاعة إذ ثوى ... مستشهداً في طاعة الرحمان عز الغواة به وذلت أمة ... محبوةٌ بحقائق الإيمان وبكاه مصحفه وصدر حسامه ... والمسلمون ودولة السلطان وغدت تعقر خيله وتقسمت ... أذراعه وسوابغ الأبدان أفتحمد الدنيا وقد ذهبت بمن ... كان المجير لنا من الحدثان قال بهاء الدين العاملي يرثي والده:

نوع فضل يضاهي التبر تربتها ... ودار أنس يحاكي الدر حصباها عدا كل جيرة حلوا بساحتها ... صرف الزمان فأبلاهم وأبلاها بدور تم غمام الموت جلها ... شموس فضل سحاب الترب غشاها فالمجد يبكي عليها أسفاً ... والدين يندبها والفضل ينعاها يا حبذا أزمن في ظلهم سلفت ... ما كان أقصرها عمراً وأحلاها أوقات أنس قضيناها فما ذكرت ... إلا وقطع قلب الصب ذكراها يا سادة هجروا واستوطنوا هجراً ... واهاً لقلب المعنى بعدكم واها رعياً لليلات وصل بالحمى سلفت ... سقياً لأيامنا بالخيف سقياها لفقدكم شق جيب المجد وانصدعت ... أركانه وبكم ما كان أقواها وخر من شامخات العلم أرفعها ... وأنهد من باذخات الحلم أرساها يا ثاوياً بالمصلى من قرى هجر ... كسيت من حلل الرضوان أرضاها أقمت يا بحر بالبحرين فاجتمعت ... ثلاثة كن أمثالاً وأشبابها ثلاثة أنت أسداها وأغزرها ... جوداً وأعذبها طعماً وأحلاها حويت من درر الحلياء ما حويا ... لكن درك أعلاها وأغلاها يا أخمصاً وطئت هام السهى شرفاً ... سقاك من ديم الوسمي أسماها ويا ضريحاً علا فوق السماك علا ... عليك من صلوات الله أزكاها فيك انطوى من شموس الفضل آخرها ... ومن معالم دين الله أسناها ومن شوامخ أطواد الفتوة أر ... ساها وأرفعها قدراً وأنهاها فاسحب على الفلك العلوي ذيل علا ... فقد حويت من العلياء أعلاها

عليك مني سلام الله ما صدحت ... على غصون أراك الدوح ورقاها قال أبو فراس الحمداني يرثي جابر بن ناصر الدين: الفكر فيك مقصر الآمال ... والحرص بعدك غاية الجهال لو كان يخلد بالفضائل فاضل ... وصلت لك الآجال بالآجال لو كنت تفدى لافتدتك سراتنا ... بنفائس الأرواح والأموال أو كان يدفع عنك بأس أقبلت ... صرعاً تكدس بالقنا العسال أعزز على سادات قومك أن ترى ... فوق الفراش مقلب الأوصال والسمر عندك لم ترق صدورها ... والخيل واقفة على الأطلال والسابغات مصونة لم تبتذل ... والبيض سالمة مع الأبطال وإذا المنية أقبلت لم يثنها ... حرص الحريص وحيلة المحتال ما للخطوب وما لأحداث النوى ... أعجلن جابر غاية الإعجال لما تسربل بالفضائل وارتدى ... برد العلى واعتم بالإقبال وتشاهدت صيد الملوك لفضله ... وأرى المكارم من مكان عال أأبا المرجي غير حزني دارس ... أبداً عليك وغير قلبي سال ولئن هلكت فما الوفاء بهالك ... ولئن بليت فما الوداد ببال لا زلت مغدوق الثرى مطروقه ... بسحابة مجرورة الأذيال وحجبن عنك السيئات ولم يزل ... لك صاحب من صالح الأعمال قالت هند بنت معبد ترثي خالد بن نضلة: أأميم هيهات الصبا ذهب الصبا ... وأطار عني الحلم جهل غرابي

أين الألى بالأمس كانوا جيرة ... أمسوا دفين جنادل وتراب ماتوا ولو أني قدرت بحيلة ... لأحدث صرف الموت عن أحبابي ما حيلتي إلا البكاء عليهم ... إن البكاء سلاح كل مصاب وقال يحيى بن زياد يرثي أخاه عمراً: ألا نوه الداعي بليل فأسمعا ... بخرق كريم كان في الناس أروعا مضى صاحبي واستقبل الدهر صرعتي ... ولا بد أن ألقى حمامي فأصرعا كأن لم نكن يا عمرو في دار غبطة ... جميعاً ولم نشرع إلى موعد معا دفعنا بك الأيام حتى إذا أتت ... تريدك لم نسطع لها عنك مدفعا فلم يبل ذكر منك كنت تجده ... جميل ولكن البلى فيك أسرعا وما دنس الثوب الذي زودوكه ... وإن خانه ريب البلى فتقطعا وطاب ثرى أصبحت فيه وإنما ... يطيب إذا كان الثرى لك مضجعا أنشد محرز بن علقمة يرثي أخاه شريكاً: لقد وارى المقابر من شريك ... كثير تكرم وقليل عاب به كنا نصول على الأعادي ... وندفع مرة القوم الغضاب صموت في المجالس غير عي ... جدير حين ينطق بالصواب كريم الخلق لا طبع غبين ... ولا فحاشة نزق السباب كريم مواطن الأحساب عف ... إذا الضليل مال به التصابي دلوف بالقرى والليل قر ... إلى المتسنمين ذرى الركاب وقال الأبيرد اليربوعي يرثي أخاه بريداً وتروى لسلمة الجعفي:

أقول لنفسي في الخلاء ألومها ... لك الويل ما هذا التجلد والصبر أما تعلمين الخبر أن لست لاقياً ... أخي إذ أتى من دون أثوابه القبر فتى كان يدنيه الغنى من صديقه ... إذا ما هو استغنى ويبعده الفقر فتى كان يعطي السيف في الحرب حقه ... إذا هتف الداعي ويشقى به الجزر وسخىَّ بنفسي أنني سوف أغتدي ... على إثره يوماً وإن نفس العمر وقال أيضاً فيه: تطاول ليلي لم أنمه تقلباً ... كأن فراشي حال من دونه الجمر فإن تكن الأيام فرقن بيننا ... فقد بان مني في تذكره العذر أحقاً عباد الله أن لست لاقياً ... بريداً طوال الدهر ما لألأ العفر فتى إن هوى استغنى يخرق في الغنى ... فإن قل مالاً لا يؤدبه الفقر فليتك كنت الحي في الناس باقياً ... وكنت أنا الميت الذي غيب القبر فتى يشتري حسن الثناء بماله ... إذا السنة الشهباء قل بها القطر كأن لم يصاحبنا بريد بغبطة ... ولم تأتنا يوماً بأخباره السفر ولما نعى الناعي بريداً تغولت ... بي الأرض فرط الحزن وانقطع الظهر عساكر تغشى النفس حتى كأنني ... أخو سكرة دارت بهامته الخمر إلى الله أشكو في بريد مصيبتي ... وبثي أحزاناً تضمنها الصدر قالت الخنساء ترثي أخاها صخراً: قذى بعينك أم بالعين عوار ... أم أقفرت إذ خلت من أهلها الدار كأن عيني لذكراه إذا خطرت ... فيض يسيل على الخدين مدرار

تبكي خناس على صخر وحق لها ... إذ رابها الدهر إن الدهر ضرار لا بد من ميتة في صرفها غير ... والدهر في صرفه حول وأطوار يا صخر وارد ماء قد توارده ... أهل الموارد ما في ورده عار وإن صخراً لحامينا وسيدنا ... وإن صخراً إذا نشتو لنحار وإن صخراً لتأتم الهداة به ... كأنه علم في رأسه نار لم تره جارة يمشي بساحتها ... لريبة حين يخلي بيته الجار مثل الرديني لم تنفد شبيبته ... كأنه تحت طي البرد أسوار طلق اليدين بفعل الخير معتمد ... ضخم الدسيعة بالخيرات أمار وقالت أيضاً: يذكرني طلوع الشمس صخراً ... وأذكره لكل غروب شمس ولولا كثرة الباكين حولي ... إلى إخوانهم لقتلت نفسي وما يبكون مثل أخي ولكن ... أعزي النفس عنه بالتأسي قال المتمم يرثي أخاه مالكاً: أعيني جودي بالدموع لمالك ... إذا ذرت الريح الكنيف المربعا فتى كان مقداماً إلى الروع ركضه ... سريعاً إلى الداعي إذا هو أفزعا أبى الصبر آيات أراها وإنني ... أرى كل حبل دون حبلك أقطعا وإني متى ما أدع باسمك لا تجب ... وكنت جديراً أن تجيب وتسمعا سقى اله أرضاً حلها قبر مالك ... ذهاب الغوادي المدجنات فأمرعا فإن تكن الأيام فرقن بيننا ... فقد بان محموداً أخي يوم ودعا

وعشنا بخير في الحياة وقبلنا ... أصاب المنايا رهط كسرى وتبعا فتى كان أحيا من فتاة حيية ... وأشجع من ليث إذا ما تمنعا تقول ابنة العمري مالك بعدما ... أراك قديماً ناعم الوجه أفرعا فقلت لها طول الإساءة ساءني ... ولوعة حزن تترك الوجه أسفعا قال زهير يرثي بعض من يعز عليه: أراك هجرتني هجراً طويلاً ... وما عودتني من قبل ذاكا عهدتك لا تطيق الصبر عني ... وتعصي في ودادي من نهاكا فكيف تغيرت تلك السجايا ... ومن هذا الذي عني ثناكا فلا والله ما حاولت غدراً ... فكل الناس يغدر ما خلاكا وما فارقتني طوعاً ولكن ... دهاك من المنية ما دهاكا فيا من غاب عني وهو روحي ... وكيف أطيق من روحي انفكاكا وليتك لو بقيت لضعف حالي ... وكان الناس كلهم فداكا يعز علي حين أدير عيني ... أفتش في مكانك لا أراكا ختمت على ودادك في ضميري ... وليس يزال مختوماً هناكا لقد عجلت عليك يد المنايا ... وما استوفيت حظك من صباكا فوا أسفي لجسمك كيف يبلى ... ويذهب بعد بهجته سناكا وما لي أدعي أني وفي ... ولست مشاركاً لك في بلاكا تموت وما أموت عليك حزناً ... وحق هواك خنتك في هواكا ويا خجلي إذا قالوا محب ... ولم أنفعك في خطب أتاكا

أرى الباكين فيك معي كثيراً ... وليس كمن بكى من قد تباكى ويا من نوى سفراً بعيداً ... متى قل لي رجوعك من نواكا جزاك الله عني كل خير ... وأعلم أنه عني جزاكا فيا قبر الحبيب وددت أني ... حملت ولو على عيني ثراكا سقاك الغيث تهتاناً وإلا ... فحسبك من دموعي ما سقاكا ولا زال السلام عليك مني ... يزف على النسيم إلى ذراكا قال أبو سعيد من رثاء في بني أمية: بكيت وماذا يرد البكا ... وقل البكاء لقتلى كدا أصيبوا معاً فتولوا معاً ... كذلك كانوا معاً في بجا بكت لهم الأرض من بعدهم ... وناحت عليهم نجوم السما وكانوا ضيائي فلما انقضى ... زماني بقومي تولى الضيا وقال فيهم أيضاً وتروى هذه الأبيات للعبلي: أفاض المدامع قتلى كدا ... وقتلى بكثوة لم ترمس وقتلى بوج وباللابتين ... بيثرب هم خير ما أنفس وبالزابيين نفوس ثوت ... وأخرى بنهر أبي فطرس أولئك قوم أناخت بهم ... نوائب من زمن متعس إذا ركبوا زينوا الراكبين ... وإن جلسوا زينة المجلس هم أضرعوني لريب الزمان ... وهم ألصقوا الرغم بالمعطس فما أنس لا أنس قتلاهم ... ولا عاش بعدهم من نسي

كان لابن عمار ابن يقال معن فمات فقال يرثيه: يا موت مالك مولعاً بضراري ... إني عيك وإن صبرت لزاري تعدو علي كأنني لك واتر ... وأؤل منك كما يؤل فراري نفس البعيد إذا أرادت قريبة ... ليست بناجية مع الأقدار والمرء سوف وإن تطاول عمره ... يوماً يصير لحفرة الحفار لما علا عظمي به فكأنه ... من حسن بنيته قضيب نضار فجعتني بأعز أهلي كلهم ... تعدو عليه عدوة الجبار هلا بنفسي أو ببعض قرابتي ... أوقعت أو ما كنت بالمختار قالت هند بنت عتبة ترثي أبها وأخويها: من حس لي الأخوين كال ... غصنين أو من راهما قرمان لا يتظالما ... ن ولا يرام حماهما ويلي على أبوي وال ... قبر الذي واراهما لا مثل كهلي في الكهو ... ل ولا فتى كفتاهما قال أعرابي يرثي ابنه وكان وقع صريعاً في الحرب: حسين لا خير في الدنيا ومن فيها ... إذا أنت خليتها في من يخليها نعى النعاة حسيناً لي فقلت لهم ... مالت بنا الأرض أو زالت رواسيها الحزم والعزم كانا من صنيعته ... ما كل آلائه يا قوم أحصيها نروي الرماح بأيدينا فنوردها ... بيضاً ونصدرها حمراً أعاليها

رثاء مشاهير العرب

ليت السماء على من تحتها وقعت ... وانشقت الأرض فانجابت بمن فيها لا أصلح الله منا من يصالحكم ... ما لاحت الشمس في أعلى مجاريها رثاء مشاهير العرب قال الحسين بن مطير الأسدي في معن بن زائدة: ألما على معن وقولا لقبره ... سقتك الغوادي مربعاً ثم مربعا فيا قبر معن أنت أول حفرة ... من الأرض خطت للسماحة مضجعا ويا قبر معن كيف واريت جوده ... وقد كان منه البر والبحر مترعا بلى قد وسعت الجود ميت ... ولو كان حياً ضقت حتى تصدعا فتى عيش في معروفه بعد موته ... كما كان بعد السيل مجراه مرتعا ولما مضى معن مضى الجود فانقضى ... وأصبح عرنين المكارم أجدعا قال ثابت بن هارون الرقي النصراني يرثي أبا الطيب المتنبي: الدهر أخبث والليالي أنكد ... من أن تعيش لأهلها يا أحمد قصدتك لما أن رأتك نفيسها ... بخلاً بمثلك والنفائس تقصد ذقت الكريهة بغتة وفقدتها ... وكريه فقدك في الورى لا يفقد قل لي إن استطعت الخطاب فإنني ... صب الفؤاد إلى خطابك مكمد أتركت بعدك شاعراً والله لا ... لم يبق بعدك في الورى من ينشد أما العلوم فإنها يا ربها ... تبكي عليك بأدمع لا تجمد ورثاه أيضاً أبو القاسم المظفر بن علي الكاتب: لا رعى الله سرب هذا الزمان ... إذ دهانا في مثل ذاك اللسان

ما رأى الناس ثاني المتنبي ... أي ثان يرى لبكر الزمان كان من نفسه الكبيرة في جي ... ش وفي كبرياء ذي سلطان كان في لفظه نبياً ولكن ... ظهرت معجزاته في المعاني لأبي عبد الرحمان العطوي من المرقص في رثاء ابن أبي داؤد: وليس صرير النعش ما تسمعونه ... ولكنه أصلاب قوم تقصف وليس فتيق المسك ما تجدونه ... ولكنه ذاك الثناء المخلف وقال غيره فيه: اليوم مات نظام الملك واللسن ... ومات من كان يستعدى على الزمن وأظلمت سبل الآداب واحتجبت ... شمس المكارم في غيم من الكفن قال جرير يرثي الوليد بن عبد الملك: يا عين جودي بدمع هاجه الذكر ... فما لدمعك بعد اليوم مدخر إن الخليفة قد وارى شمائله ... غبراء ملحودة في جولها زور أمسى ينوه وقد جلت مصيبته ... مثل النجوم هوى من بينها القمر كانوا شهوداً فلم يدفع منيته ... عبد العزيز ولا روح ولا عمر وخالد لو أراد الدهر فديته ... أغلوا مخاطرة لو ينفع الخطر قد شفني روعة العباس من فزع ... لما أتاه بدير القسطل الخبر قال الشبراوي يرثي العلامة العبادي: با طالباً راحة من دهره عبثاً ... أقصر فما الدهر إلا بالهموم ملي كم منظر رائق أفنت جمالته ... يد المنون وأعيته عن الحيل

وكم همام وكم قوم وكم ملك ... تحت التراب وكم شهم وكم بطل وكم إمام إليه تنتهي دول ... قد صار بالموت معزولاً عن الدول وكم عزيز أذلته المنون وما ... إن صدها عنه من مال ولا خول يا عارفاً دهره يكفيك معرفة ... وإن جهلت تصاريف الزمان سل هل في زمانك أو من قبله سمعت ... أذناك أن ابن أنثى غير منتقل وهل رأيت أناساً قد علوا وغلوا ... في الفضل زادوا بما نالوا عن الأجل أو هل نسيت لدوا للموت أو عميت ... عيناك عن واضع نعشاً ومحتمل وهل رعى الموت ذا عز لعزته ... أو هل خلا أحد دهراً بلا خلل الموت باب وكل الناس داخله ... لكن ذا الفضل محمول على عجل وليس فقد إمام عالم علم ... كفقد من ليس ذا علم ولا عمل وليس موت الذي ماتت له أمم ... كموت شخص من الأوغاد والسفل لأجل ذا طال منا النوح وانحدرت ... منا الدموع كسيل وابل هطل على إمام همام فاضل فطن ... حبر لبيب ملاذ للعلوم ولي له يد وردت بحر الهدى وروت ... حديثه عن فنون السادة الأول وكم له من تآليفٍ بجوهرها ... جلت وما احتاج معناها إلى حلل قال اليزيدي بن مغيرة المقري يرثي الكسائي ومحمد بن الحسن وكانا قد خرجا مع الرشيد إلى خراسان فماتا في الطريق: تصرمت الدنيا فليس خلود ... وما قد ترى من بهجة سيبيد سيفنيك ما أفنى القرون التي خلت ... فكن مستعداً فالفناء عتيد

أسيت على قاضي القضاة محمد ... فأذريت دمعي والفؤاد عميد وقلت إذا ما الخطب أشكل من لنا ... بإيضاحه يوماً وأنت فقيد وأقلقني موت الكسائي بعده ... وكادت بي الأرض الفضاء تميد وأذهلني عن كل عيش ولذة ... وأرق عيني والعيون هجود هما عالمان أوديا وتخرما ... وما لهما في العالمين نديد فحزني إن تخطر على القلب خطرة ... بذكرهما حتى الممات جديد قال محمد بن أبي العتاهية يرثي الأصمعي: أسفت لفقد الأصمعي لقد مضى ... حميداً له في كل صالحة سهم تقضت بشاشات المجالس بعده ... وودعنا إذا ودع الأنس والعلم وقد كان نجم العلم فينا حياته ... فلما انقضت أيامه أفل النجم قال المعتمد يرثي أحمد بن طولون: إلى الله أشكو أسى ... عراني كوقع الأسل على رجل أروع ... يرى منه فضل الوجل شهاب خبا وقده ... وعارض غيث أفل شكت دولتي فقده ... وكان يزين الدول قال الشهاب المنصوري يرثي الإمام كمال الدين السيوطي: مات الكمال فقالوا ... ولى الحجى والجلال فللعيون بكاءٌ ... وللدموع انهمال وفي فؤادي حزن ... ولوعة لا تزال

لله علم وحلم ... وارته تلك الرمال بكى الرشاد عليه ... دماً ومسر الضلال قد لاح في الخير نقص ... لما مضى واختلال وكيف لم نر نقصاً ... وقد تولى الكمال علومه راسخات ... تزول منها الجبال يقبره العلم ثاوٍ ... والفضل والإفضال قال سليمان بن معبد يرثي يحيى بن معين: لقد عظمت في المسلمين رزية ... غداة نعى الناعون يحيى فاسمعوا فقالوا وإنا قد دفناه في الثرى ... فكاد فؤادي حسرة يتصدع فقلت ولم أملك لعيني عبرة ... ولا جزعاً إنا إلى الله نرجع ألا في سبيل الله عظم رزيتي ... بيحيى إلى من نستريح ونفزع ومن ذا الذي يؤتى فيسأل بعده ... إذا لم يكن للناس في العلم مقنع لقد كان يحيى في الحديث بقية ... من السلف الماضين حين تقشعوا فلما مضى مات الحديث بموته ... وأدرج في أكفانه العلم أجمع وصرنا حيارى بعد يحيى كأننا ... رعية راع بثهم فتصدعوا وليس بمغن عنك دمع سفحته ... ولكن إليه يستريح المفجع لعمرك ما للناس في الموت حيلة ... ولا لقضاء الله في الخلق مدفع ولكنما أبكي على العلم إذ مضى ... فما بعد يحيى فيه للناس مفزع فقد ترك الدنيا وفر بدينه ... إلى الله حتى مات وهو ممتع

وقال إسحاق الموصلي يرثي أباه إبراهيم المغني: أقول له لما وقفت بقبره ... عليك سلام الله يا صاحب العبر ويا قبر إبراهيم حييت حفرة ... ولا زلت تسقى الغيث من سبل القطر لقد عزني وجدي عليك فلم يدع ... لقلبي نصيباً من عزاء ولا صبر وقد كنت أبكي من فراقك ليلة ... فكيف وقد صار الفراق إلى الحشر لما مات أبو إسحاق الصابي رثاه الشريف الرضي الموسوي بقوله: أعلمت من حملوا على الأعواد ... أرأيت كيف خبا ضياء النادي جبل هوى لو خرَّ في البحر اغتدى ... من وقعه متتابع الأزباد ما كنت أعلم قبل حطك في الثرى ... أن الثرى يعلو على الأطواد قال الشهاب المنصوري يرثي العلامة محيي الدين الكافيحي: بكت على الشيخ محيي الدين كافيحي ... عيوننا بدموع من دم المهج كانت أسارير هذا الدهر من درر ... تزهى فبدل ذاك الدر بالسج فكم نفى بسماح من مكارمه ... فقراً وقوم بالإعطاء من عوج يا نور علم أراه اليوم منطفئاًُ ... وكانت الناس تمشي منه في سرج فلو رأيت الفتاوى وهي باكية ... رأيتها في نجيع الدمع في لجج ولو سرت بثناء عنه ريح صبا ... لاستنشقوا من شذاها أطيب الأرج يا وحشة العلم من فيه إذا اعتركت ... أبطاله فتوارت في دجى الرهج لم يلحقوا شأو علم من خصائصه ... أني ورتبته في أرفع الدرج قد طال ما كان يقرينا ويقرونا ... في حالتيه بوجه منه مبتهج

سقياً له وكساه الله نور سنا ... من سندس بيد الغفران منتسج وقال أيضاً يرثي الحجازي أبا الطيب الخزرجي: لهف قلبي على أفول الشهاب ... تحفة القوم نزهة الأصحاب كان في مطلع البلاغة يسري ... فتوارى من الثرى بحجاب فقدت بره أيامي المعاني ... ويتامى جواهر الآداب هطلت أدمع السحاب عليه ... وقليل فيه دموع السحاب وذوو الجمع أصبحوا حين ولى ... كلهم جامعاً بلا محراب يا شهاباً طلوعه في سما الفضل ... ولمن أفوله في التراب لك فيما ألفت تذكرة من ... ما انتقى دره أولو الألباب روضة أينعت بفاكهة من ... حسن لفظ كثيرة وشراب فسقى تربها الرباب لته ... تز وتربو على سماع الرباب ورأى كسره فقابله الل ... هـ تعالى بالجبر يوم الحساب قال عماد الكاتب يرثي صلاح الدين: شمل الهدى والملك عم شتاته ... والدهر ساء وأقلعت حسناته بالله أين الناصر الملك الذي ... لله خالصة صفت نياته أين الذي ما زال سلطاناً لنا ... يرجى نداه وتتقى سطواته أين الذي شرف الزمان بفضله ... وسمت على الفضلاء تشريفاته أين الذي عنت الفرنج لبأسه ... ذلاً ومنها أدركت ثاراته أغلال أعناق العدى أسيافه ... أطواق أجياد الورى حسناته

الباب الرابع في الحكم

الباب الرابع في الحكم قال العسجدي لبعض أصحاب ابن العميد ذي الكفايتين: كيف رأيت الوزير. فقال: رأيته يابس العود ذميم العهود سيء الظن بالمعبود. فقال العسجدي: أما رأيت تلك الأبهة والصيت والمواكب والتجمل الظاهر والدار الجليلة والفرش السني والحاشية الجميلة. فقال ذلك الرجل: الدولة غير السؤدد. والسلطنة غير الكرم. والحظ غير المجد. أين الزوار والمنتجعون. وأين الآملون والشاكرون. وأين الواصفون الصادقون. وأين المنصرفون الراضون. وأين الهبات وأين التفضلات وأين الخلع والتشريفات. وأين الهدايا وأين الضيافات. هيهات هيهات لا تجيء الرئاسة بالترهات. ولا يحصل الشرف بالخزعبلات. أما سمعت قول الشاعر: أبا جعفر ليس فضل الفتى ... إذا راح في فرط إعجابه ولا في فراهة برذونه ... ولا في ملاحة أثوابه ولكنه في الفعال الجمي ... ل والكرم الأشرف النابه اجتمع عامر بن الظرب العدواني وحممة بن رافع الدوسي عند ملك من ملوك حمير. فقال: لا تسألا حتى أسمع ما تقولان. فقال عامر لحممة: أين تحب أن تكون أياديك. قال: عند ذي الرتبة

العديم وعند ذي الخلة الكريم. والمعسر الغريم والمستضعف الحليم. قال: من أحث الناس بالمقت. قال: الفقير المحتال. والضعيف الصوال. والغني القوال. قال: فمن أحق الناس بالمنع. قال: الحريص الكاند والمستميد الحاسد. والمخلف الواجد. قال: من أجدر الناس بالصنيعة. قال: من إذا أعطي شكر. وإذا منع عذر. وإذا مطل صبر. وإذا قدم العهد ذكر. قال: من أكرم الناس عشرة. قال: من إذا قرب منح. وإذا ظلم صفح. وإن ضويق سمح. قال: من ألأم الناس. قال: من إذا سأل خضع. وإذا سئل منع. وإذا ملك كنع. ظاهره جشع. وباطنه طبع. قال: فمن أجلُّ الناس. قال: من عفا إذا قدر. وأجمل إذا انتصر. ولم تطغه عزة الظفر. قال: فمن أحزم الناس. قال: من أخذ رقاب الأسود بيديه. وجعل العواقب نصب عينيه. ونبذ التهيب دبر أذنيه. قال: فمن أخرق الناس. قال: من ركب الخطار. واعتسف الثمار. وأسرع في البدار قبل الاقتدار. قال: من أبلغ الناس. قال: من حلَّى المعنى المزيز باللفظ الوجيز. وطبق المفصل قبل التحزيز. قال: من أنعم الناس عيشاً. قال: من تحلى بالعفاف ورضي بالكفاف. وتجاوز ما يخاف إلى ما لا يخاف. قال: فمن أشقى الناس. قال: من حسد على النعم. وسخط على القسم. واستشعر الندم على ما انحتم. قال: من أغنى الناس. قال: من استشعر

نخبة من وصية ابن سعيد المغربي لابنه وقد أراد السفر

اليأس. وأظهر التجمل للناس واستكثر قليل النعم. ولم يسخط على القسم. قال: فمن أحكم الناس. قال: من صمت فادَّكر. ونظر فاعتبر ووعظ فازدجر. قال: من أجهل الناس. قال: من رأى الخرق مغنماً. والتجاوز مغرماً. (لابن عبد ربه) . قال علي بن أبي طالب: أعجب ما في الإنسان قلبه وله مواد من الحكمة وأضداد من خلافها. فإن سنح له الرجاء أذله الطمع. وإن هاجه الطمع أهلكه الحرص. وإن ملكه اليأس قتله الأسف. وإن عرض له الغضب اشتد به الغيظ. وإن أسعد بالرضا نسي التحفظ. وإن أتاه الخوف شغله الحذر. وإن اتسع له الأمن استلبته الغرة. وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع. وإن استفاد مالاً أطغاه الغنى. وإن عضته فاقة بلغ به البلاء. وإن جهد به الجوع قعد به الضعف. وإن أفرط في الشبع كظته البطنة. فكل تقصير به مضر وكل إفراط له قاتل. نخبة من وصية ابن سعيد المغربي لابنه وقد أراد السفر أودعك الرحمان في غربتك ... مرتقباً رحماه في أوبتك فلا تطل حبل النوى إنني ... والله أشتاق إلى طلعتك واختصر التوديع أخذاً فما ... لي ناظر يقوى على فرقتك واجعل وصاتي نصب عين ولا ... تبرح مدى الأيام من فكرتك خلاصة العمر التي حنكت ... في ساعة زفت إلى فطنتك

فللتجاريب أمور إذا ... طالعتها تشحذ من غفلتك فلا تنم عن وعيها ساعة ... فإنها عون إلى يقظتك وكل ما كابدته في النوى ... إياك أن يكسر من همتك فليس يدري أصل ذي غربة ... وإنما تعرف من شيمتك وامش الهوينا مظهراً عفة ... وابغ رضا الأعين عن هيئتك وانطق بحيث العي مستقبح ... واصمت بحيث الخير في سكتتك ولج على رزقك من بابه ... واقصد له ما عشت في بكرتك ووف كلاً حقه ولتكن ... تكسر عند الفخر من حدتك وحيثما خيمت فاقصد إلى ... صحبة من ترجوه في نصرتك وللرزايا وثبة ما لها ... إلا الذي تذخر من عدتك ولا تقل أسلم لي وحدتي ... فقد تقاسي الذل في وحدتك والتزم الأحوال وزناً ولا ... ترجع إلى ما قام في شهوتك ولتجعل العقل محكاً وخذ ... كلاً بما يظهر في نقدتك واعتبر الناس بألفاظهم ... واصحب أخاً يرغب في صحبتك كم من صديق مظهر نصحه ... وفكره وقف على عثرتك إياك أن تقربه إنه ... عون مع الدهر على كربتك وانمُ نمو النبت قد زاره ... غب الندى واسم إلى قدرتك ولا تضيع زمناً ممكناً ... تذكاره يذكي لظى حسرتك والشر مهما اسطعت لا تأته ... فإنه حوز على مهجتك

يا بني الذي لا ناصح له مثلي ولا منصوح لي مثله. قدمت لك في هذا النظم ما إن أخطرته بخاطرك في كل أوان رجوت لك حسن العافية إن شاء الله تعالى. وإن أخف منه للحفظ وأعلق بالفكر وأحق بالتقدم قول الأول: يزين الغريب إذا ما اغترب ... ثلاث فمنهن حسن الأدب وثانية حسن أخلاقه ... وثالثة اجتناب الريب واصغ يا بني إلى البيت الذي هو يتيمة الدهر وسلم الكرم والصبر: ولو أن أوطان الديار نبت بكم ... لسكنتم الأخلاق والآدابا إذ حسن الخلق أكرم نزيل. والأدب أرحب منزل. ولتكن كما قال بعضهم في أديب متغرب: وكان كلما طرأ على ملك فكأنه معه ولد وإليه قصد. غير مستريب بدهره. ولا منكر شيئاً من أمره. وإذا دعاك قلبك إلى صحبة من أخذ بمجامع هواه فاجعل التكلف له سلماً وهب في روض أخلاقه هبوب النسيم. وحل بطرفه حلول الوسن. وانزل بقلبه نزول المسرة حتى يتمكن لك وداده. ويخلص فيك اعتقاده. وطهر من الوقوع فيه لسانك. وأغلق سمعك ولا ترخص في جانبه لحسود لك منه يريد إبعادك عنه لمنفعته. أو حسود له يغار لتجمله بصحبتك. ومع هذا فلا تغتر بطول صحبته ولا تتمهد بدوام رقدته. فقد ينبهه الزمان. ويتغير منه القلب واللسان. وإنما العاقل من جعل عقله معياراً وكان كالمرآة يلقى كل وجه بمثاله.

وفي أمثال العامة: من سبقك بيوم فقد سبقك بعقل. فاحتذ بأمثلة من جرب. واستمع إلى ما خلد الماضون بعد جهدهم وتعبهم من الأقوال. فإنها خلاصة عمرهم وزبدة تجاربهم. ولا تتكل على عقلك فإن النظر في ما تعب فيه الناس طول أعمارهم وابتاعوه غالباً بتجاربهم يربحك ويقع عليك رخيصاً. وإن رأيت من له عقل ومروءة وتجربة فاستفد منه ولا تضيع قوله ولا فعله. فإن في ما تلقاه تلقيحاً لعقلك وحثاً لك واهتداء. وليس كل ما تسمع من أقوال الشعراء يحسن بك أن تتبعه حتى تتدبره. فإن كان موافقاً لعقلك مصلحاً لحالك فراع ذلك عندك وإلا فانبذه نبذ النواة. فليس لكل أحد يبتسم. ولا كل شخص يكلم. ولا الجود مما يعم به. ولا حسن الظن وطيب النفس مما يعامل به كل أحد. ولله در القائل: وما لي لا أوفي البرية قسطها ... على ما قدر ما يعطي وعقلي ميزان وإياك أن تعطي من نفسك إلا بقدر. فلا تعامل الدون بمعاملة الكفؤ. ولا الكفؤ بمعاملة الأعلى. ولا تضيع عمرك في من يعاملك بالمطامع ويثيبك على مصلحة حاضرة عاجلة بغائبة آجلة. ولا تجف الناس بالجملة ولكن يكون ذلك بحيث لا يلحق منه ملل ولا ضجر ولا جفاء. فمتى فارقت أحداً فعلى حسنى في القول والفعل فإنك لا تدري هل أنت راجع إليه. فلذلك قال الأول: ولما مضى سلم بكيت على سلم. وإياك والبيت السائر:

وكنت إذا حللت بدار قوم ... رحلت بخزية وتركت عارا واحرص على ما جمع قول القائل: ثلاثة تبقي لك الود في صدر أخيك. أن تبدأه بالسلام وتوسع له في المجلس وتدعوه بأحب الأسماء إليه. واحذر كل ما بينه لك القائل: كل ما تغرسه تجنيه إلا ابن آدم. فإذا غرسته يقلعك. وقول الآخر: ابن آدم ذئب مع الضعف أسد مع القوة. وإياك أن تثبت على صحبة أحد قبل أن تطيل اختباره. (ويحكى) أن ابن المقفع خطب في الخليل صحبته. فجاوبه أن الصحبة رق ولا أضع رقي في يديك حتى أعرف ملكتك. واستمل من عين من تعاشره وتفقد في فلتات الألسن وصفحات الأوجه. ولا يحملك الحياء على السكوت عما يضرك أن لا تبينه. فإن الكلام سلاح السلم. وبالأنين يعرف ألم الجرح واجعل لكل أمر أخذت فيه غاية تجعلها نهاية لك. واقبل من الدهر ما أتاك. من قرَّ عيناً بعيشه نفعه إذ الأفكار تجلب الهموم. وتضاعف الغموم. وملازمة القطوب. عنوان المصائب والخطوب. يستريب به الصاحب. ويشمت العدو والمجانب. ولا تضر بالوساوس إلا نفسك لأنك تنصر بها الدهر عليك. ولله در القائل: إذا ما كنت للأحزان عوناً ... عليك مع الزمان فمن تلوم مع أنه لا يرد عليك الغائب الحزن. ولا يرعوي بطول عنك الزمن. ولقد شاهدت بغرناطة شخصاً قد ألفته الهموم. وعشقته

الغموم. ومن صغره إلى كبره لا تراه أبداً خلياً من فكرة حتى لقب بصدر الهم. ومن أعجب ما رأيته منه أنه يتنكد في الشدة ولا يتعلل بأن يكون بعدها فرج ويتنكد في الرخاء خوفاً من أن لا يدوم (وينشد) : توقع زوالاً إذا قيل تم. (وينشد) : وعند التناهي يقصر المتطاول. وله من الحكايات في هذا الشأن عجائب. ومثل هذا عمره مخسور يمر ضياعاً. ومتى رفعك الزمان إلى قوم يذمون من العلم ما تحسنه حسداً لك وقصداً لتصغير قدرك عندك وتزهيداً لك فيه فلا يحملك ذلك على أن تزهد في علمك وتركن إلى العلم الذي مدحوه. فتكون مثل الغراب الذي أعجبه مشي الحجلة فرام أن يتعلمه فصعب عليه. ثم أراد أن يرجع إلى مشيه فنسيه فبقي مخبل المشي كما قيل: إن الغراب وكان يمشي مشية ... في ما مضى من سالف الأجيال حسد القطا وأراد يمشي مشيها ... فأصابه ضرب من العقال فأضل مشيته وأخطأ مشيها ... فلذاك كنوه أبا مرقال ولا يفسد خاطرك من جعل يذم الزمان وأهله فيقول: ما بقي في الدنيا كريم ولا فاضل ولا مكان يرتاح فيه. فإن الذين تراهم على هذه الصفة أكثر ما يكونون ممن صحبه الزمان. واستخفت طلعته للهوان. وأبرموا على الناس بالسؤال فمقتوهم وعجزوا عن طلب الأمور لأنفسهم بقطع أسبابهم. ولا تزل هذين البيتين من فكرك:

طرفة من وصية ابن طاهر لابنه

لِنْ إذا ما نلت عزاً ... فأخ العز يلين فإذا نابك دهر ... فكما كنت تكون والأمثال تضرب لذي اللب الحكيم. وذو البصر يمشي على الصراط المستقيم. والفطن يقنع بالقليل ويستدل باليسير. والله سبحانه خليفتي عليك لا رب سواه (ملخص عن المقري) . طرفة من وصية ابن طاهر لابنه أما بعد فعليك بتقوى الله وحده وخشيته ومراقبته عز وجل ومزايلة سخطه وحفظ رعيتك في الليل والنهار. والزم ما ألبسك من العافية بالذكر لمعادك. وما أنت صائر إليه وموقوف عليه ومسؤول عنه والعمل في ذلك كله بما يعصمك الله عز وجل وينجيك يوم القيامة من عقابه وأليم عذابه. فإن الله سبحانه وتعالى قد أحسن إليك وأوجب عليك الرأفة بمن استرعاك أمرهم من عباده. وألزمك العدل عليهم والقيام بحقه وحدوده فيهم. والذب عنهم والدفع عن حريمهم وبيوتهم. والحقن لدمائهم والأمن لسبيلهم. وإدخال الراحة عليهم. ومؤاخذك بما فرض عليك وموقفك عليه ومسائلك عنه مثيبك عليه بما قدمت وأخرت. ففرغ لذلك فهمك وعقلك ونظرك ولا يشغلك عنه شاغل وأنه رأس أمرك وملاك شأنك وأول ما يوفقك الله عز وجل به لرشدك. وليكن أول ما تلزم نفسك وتنسب إليه أفعالك المواظبة على ما افترض

الله عليك من الصلوات. وإذا ورد عليك أمر فاستعن عليه باستخارة الله وتقواه. وآثر الفقه وأهله والدين وحملته فإن أفضل ما تزين به المرء الفقه في الدين والطلب له والحث عليه. والمعرفة بما يتقرب به إلى الله. فإنه الدليل على الخير كله والقائد إليه والآمر به والناهي عن المعاصي والموبقات كلها. ومع توفيق الله يزداد العبد معرفة له ودركاً للدرجات العلى في المعاد. مع ما في ظهوره للناس من التوقير لأمرك وا هيبة لسلطانك والأنسة بك والثقة بعدلك. وعليك بالاقتصاد في الأمور كلها. فليس شيء أبين نفعاً ولا أحضر أمناً ولا أجمع فضلاً منه. والقصد داعية إلى الرشد والرشد دليل على التوفيق والتوفيق قائد إلى السعادة وقوام الدين والسنن الهادية بالاقتصاد. فآثره في دنياك كلها ولا تقصر في طلب الآخرة والأجر والأعمال الصالحة والسنن المعروفة ومعالم الرشد. ولا غاية للاستكثار في البر والسعي له. إذا كان يطلب به وجه الله تعالى ومرضاته ومرافقة أوليائه في دار كرامته. واعلم أن القصد في شأن الدنيا يورث العز ويحصن من الذنوب وأنه لن تحوط نفسك ومن يليك ولا تستصلح أمورك بأفضل منه. فأته واهتد به تتم أمورك وتزد مقدرتك وتصلح خاصتك وعامتك. ولا تتهمن أحداً من الناس فيما توليه من عملك قبل أن تكشف أمره فإن إيقاع التهم بالبراء والظنون السيئة بهم مأثم. ولا يجدن عدو الله الشيطان في أمرك مغمزاً فإنه

إنما يكتفي بالقليل من وهنك ويدخل عليك من الغم في سوء الظن ما ينغصك لذاذة عيشك. واعلم أنك تجد بحسن الظن قوة وراحة وتكتفي به ما أحببت كفايته من أمورك وتدعو به الناس إلى محبتك والاستقامة في الأمور كلها.. وتفرد بتقويم نفسك تفرد من يعلم أنه مسؤول عما صنع ومجزي بما أحسن ومأخوذ بما أساء. فإن الله عز وجل جعل الدين حرزاً وعزاً ورفع من اتبعه وعززه. فاسلك بمن تسوسه وترعاه نهج الدين وطريقة الهدى. وأقم حدود الله في أصحاب الجرائم على قدر منازلهم وما استحقوه. ولا تعطل ذلك ولا تتهاون به. ولا تؤخر عقوبة أهل العقوبة فإن في تفريطك في ذلك ما يفسد عليك حسن ظنك. واعتزم على أمرك في ذلك بالسنن المعروفة وجانب البدع والشبهات يسلم لك دينك وتقم لك مروءتك. وإذا عاهدت عهداً فف به وإذا وعدت خيراً فأنجزه واقبل الحسنة وادفع بها وأغمض عن عيب كل ذي عيب من رعيتك واسدد لسانك عن قول الكذب والزور وابغض أهله وأقص النميمة. فإن أول فساد أمورك في عاجلها وآجلها تقريب الكذوب لأن الكذب رأس المآثم. والزور والنميمة خاتمتها لأن النميمة لا يسلم صاحبها. ولا يستتم لمطيعها أمر. وأحبب أهل الصلاح والصدق وأعن الأشراف بالحق. وواس الضعفاء وصل الرحم وابتغ بذلك وجه الله تعالى وإعزاز أمره. والتمس فيه

ثوابه والدار الآخرة واجتنب سوء الأهواء والجور واصرف عنهما رأيك. واملك نفسك عن الغضب وآثر الوقار والحلم. وإياك والحدة والطيش والغرور في ما أنت بسبيله. وإياك أن تقول أنا مسلط أفعل ما أشاء فإن ذلك سريع إلى نقص الرأي وقلة اليقين بالله وأخلص لله وحده النية فيه واليقين به. واعلم أن الملك لله سبحانه وتعالى يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء. ولن تجد تغير النعمة وحلول النقمة على أحد أسرع منه على جهله النعمة من أصحاب السلطان والمبسوط لهم في الدولة إذا كفروا نعم الله وإحسانه. واستطالوا بما آتاهم من فضله. ودع عنك شره نفسك. ولتكن ذخائرك وكنوزك التي تذخر وتكثر البر والتقوى والمعدلة واستصلاح الرعية وعمارة بلادهم والتفقد لأمورهم والإغاثة لملهوفهم. واعلم أن الأموال إذا كانت في صلاح الرعية وإعطاء حقوقهم وكف المؤونة عنهم سمت وزكت ونمت وصلحت بها العامة وتزينت بها الولاة وطلب بها الزمان واعتقد فيها العز والمنعة. فأوف رعيتك من ذلك حصصهم وتعهد ما يصلح أمورهم. فتقر النعمة عليك وتستوجب المزيد من الله وكنت بذلك على جباية خراجك وجمع أموال رعيتك وعملك أقدر. وكان الجميع لما شملهم من عدلك وإحسانك أسكن لطاعتك وأطيب نفساً بكل ما أردت. وأجهد نفسك فيما حددت لك في هذا الباب ولتعظم خشيتك فيه وإنما يبقى من المال ما أنفق في سبيل الله.

وإياك أن تنسيك الدنيا وغرورها أهل الآخرة فتتهاون بما يحق عليك. فإن التهاون يورث التفريط والتفريط يورث البوار. ولا تحقرن ذنباً ولا تمالئن حاسداً ولا ترحمن فاجراً. ولا تداهنن عدواً ولا تصدقن نماماً ولا تأمنن غداراً. ولا تأتين مدحاً ولا تمشين مرحاً. ولا تغمضن عن ظالم رهبة منه أو محاباة ولا تطلبن ثواب الآخرة في الدنيا.. واعلم أنك جعلت بولايتك خازناً وحافظاً وراعياً. وإنما سمي أهل عملك رعيتك لأنك راعيهم وقيمهم. تأخذ منهم ما أعطوك من عفوهم ومقدرتهم وتنفذه في قوام أمرهم وصلاحهم وتقويم أودهم. فاستعمل عليهم ذا الرأي والتدبير والتجربة والخبرة بالعمل والعلم بالسياسة والعفاف. ووسع عليهم في الرزق فإن ذلك من الحقوق اللازمة لك فيما تقلدت وأسند إليك. ولا يشغلك عنه شاغل ولا يصرفك عنه صارف. فإنك متى آثرته وقمت فيه بالواجب استدعيت به زيادة النعمة من ربك. وحسن الأحدوثة في عملك. وأحرزت به المحبة من رعيتك وأعنت على الصلاح. وفشت العمارة بناحيتك وظهر الخصب في كورك. وكثر خراجك وتوفرت أموالك. وقويت بذلك على ارتباط جندك وإرضاء العامة بإفاضة العطاء فيهم من نفسك. وكنت محمد السياسة مرضي العدل في ذلك عند عدوك. وكنت في أمورك كلها ذا عدل وآلة وقوة وعدة. فنافس في ذلك ولا تقدم عليه شيئاً تحمد فيه مغبة أمرك. واجعل

في كل كورة من عملك أميناً يخبرك أخبار عمالك ويكتب إليك بسيرتهم وأعمالهم حتى كأنك مع كل عامل في عمله معاين لأموره كلها. فإن أردت أن تأمرهم بأمر فانظر في عواقب ما أردت من ذلك. فإن رأيت السلامة فيه والعافية ورجوت فليه حسن الدفاع والصنع فأمضه. وإلا فتوقف عنه وراجع أهل البصر والعلم به. ثم خذ فيه عدته. فإنه ربما نظر الرجل في أمر من أموره وقد أتاه على ما يهوى فأغواه ذلك وأعجبه. فإن لم ينظر في عواقبه أهلكه ونقض عليه أمره. فاستعمل الحزم في كل ما أردت وباشره بعد عون الله عز وجل بالقوة وأكثر من استخارة ربك في جميع أمورك. وافرغ من عمل يومك ولا تؤخره لغدك وأكثر مباشرته بنفسك. فإن للغد أموراً وحوادث تلهيك عن عمل يومك الذي أخرت. واعلم أن اليوم إذا مضى ذهب بما فيه وإذا أخرت عمله اجتمع عليك أمور يومين فيثقلك ذلك حتى تعرض عنه. وإذا أمضيت لكل يوم عمله أرحت نفسك وبدنك وأحكمت أمور سلطانك. وانظر أحرار الناس وذوي السن منهم ممن تستيقن صفاء طويتهم وشهدت مودتهم لك ومظاهرتهم بالنصح والمخالطة على أمرك. فاستخلصهم وأحسن إليهم. وتعاهد أهل البيوتات ممن قد دخلت عليهم الحاجة فاحتمل مؤونتهم وأصلح حالهم حتى يجدوا لخلتهم مساً. وأفرد نفسك بالنظر في أمور الفقراء والمساكين

ومن لا يقدر على رفع مظلمة إليك والمحتقر الذي لا علم له بطلب حقه. فسل عنه أحفى مسألة ووكل بأمثاله أهل الصلاح من رعيتك. ومرهم برفع حوائجهم وحالاتهم إليك لتنظر فيها بما يصلح الله به أمرهم. وتعاهد ذوي البأساء وأيتامهم وأراملهم واجعل لهم أرزاقاً من بيت المال اقتدار بأمير المؤمنين أعزه الله في العطف عليهم والصلة لهم. ليصلح الله بذلك عيشهم ويرزقك به بركة وزيادة وأجر للأضراء من بيت المال. واعرف ما تجمع عمالك من الأموال وينفقون منها ولا تجمع حراماً ولا تنفق إسرافاً. وأكثر مجالسة العلماء ومشاورتهم ومخالطتهم. وليكن هواك إتباع السنن وإقامتها وإيثار مكارم الأمور ومعاليها. وليكن أكرم دخلائك وخاصتك عليك من إذا رأى عيباً فيك لم تمنعه هيبتك عن إنهاء ذلك إليك في سرك وإعلانك ما فيه من النقص. فإن أولئك أنصح أوليائك ومظاهرون لك. وانظر عمالك الذين بحضرتك وكتابك فوقت لكل رجل منهم في كل يوم وقتاً يدخل فيه عليك بكتبه ومؤامراته وما عنده من حوائج عمالك وأمور كورك ورعيتك. ثم فرغ لما يورده عليك من ذلك سمعك وبصرك وفهمك وعقلك. وكرر النظر فيه والتدبير له. فما كان موافقاً للحق والحزم فأمضه. وما كان مخالفاً لك فاصرفه إلى التثبت فيه والمسألة عنه. ولا تمتن على رعيتك ولا غيرهم بمعروف تؤتيه إليهم ولا تقبل من أحد منهم إلا الوفاء والاستقامة والعون في

وصية محمد الدكدجي لابنه

أمور أمير المؤمنين. ولا تضعن المعروف إلا على ذلك. وتفهم كتابي إليك وأكثر النظر فيه والعمل به. وليكن أعظم سيرتك وأفضل رغبتك ما كان لله رضى ولدينه نظاماً ولأهله عزاً وتمكيناً وللذمة وللملة عدلاً وصلاحاً. وأنا أسأل الله أن يحسن عونك وتوفيقك ورشدك وكلاءتك. والسلام. (لابن الأثير) . وصية محمد الدكدجي لابنه زر والديك وقف على قبريهما ... فكأنني لك قد نقلت إليهما لو كنت حيث هما وكانا بالبقا ... زاراك حبواً لا على قدميهما ما كان ذنبهما إليك فطالما ... منحاك نفس الود من نفسيهما كانا إذا ما أبصرا بك علة ... جزعا لما تشكو وشق عليهما كانا إذا سمعا أنبنك أسبلا ... دمعيهما أسفاً على خديهما وتمنيا لو صادفا بك راحة ... بجميع ما يحويه ملك يديهما فنسيت حقهما عشية أسكنا ... دار البقاء وسكنت في داريهما فلتلحقهما غداً أو بعده ... حتماً كما لحقا هما أبويهما ولتندمن على فعالك مثل ما ... ندما هما قدماً على فعليهما بشراك لو قدمت فعلاً صالحاً ... وقضيت بعض الحق من حقيهما فاحفظ حفظت وصيتي واعمل بها ... فعسى تنال الفوز من ربيهما من شعر المثقب العبدي لا تقولن إذا ما لم ترد ... أن تتم الوعد في شيء نعم

حسن قول نعم من بعد لا ... وقبيح قول لا من بعد نعم إن لا بعد نعم فاحشة ... فبلا فابدأ إذا خفت الندم وإذا قلت نعم فاصبر لها ... بنجاز الوعد إن الخلف ذم أكرم الجار وراعي حقه ... إن عرفان الفتى الحق كرم إن شر الناس من يمدحني ... حين يلقاني وإن غبت شتم قال يزيد بن الحكم الثقفي يعظ ابنه بدراً: يا بدر والأمثال يض ... ربها لذي اللب الحكيم دم للخليل بوده ... ما خير ود لا يدوم واعرف لجارك حقه ... والحق يعرفه الكريم واعلم بأن الضيف يو ... ماً سوف يحمد أو يلوم والناس مبتنيان مح ... مود البناية أو ذميم واعلم بني فإنه ... بالعلم ينتفع العليم أن الأمور دقيقها ... مما يهيج له العظيم والتبل مثل الدين تق ... ضاه وقد يلوى الغريم والبغي يصرع أهله ... واظلم مرتعه وخيم ولقد يكون لك البعيد ... أخاً ويقطعك الحميم والمرء يكرم للغنى ... ويهان للعدم العديم يملأ لذاك ويبتلى ... هذا فأيهما المضيم

نخبة من حكم أبي عثمان لن لئون التجيبي

والمرء يبخل في الحقو ... ق وللكلالة ما يسيم ما بخل من هو للمنو ... ن وريبها غرض رجيم ويرى القرون أمامه ... همدوا كما همد الهشيم وتخرب الدنيا فلا ... بؤس يدوم ولا نعيم نخبة من حكم أبي عثمان لن لئون التجيبي زاحم أولي العلم حتى ... تعد منهم حقيقه ولا يردك عجز ... عن أخذ أعلى طريقه فإن من جد يعطى ... فيما يجب لحوقه -- الدرس رأس العلم فاحرص عليه ... فكل ذي علم فقير إليه من ضيع الدرس يرى هاذياً ... عند اعتبار الناس ما في يديه فعزة العالم من حفظه ... كعزة المنفق في ما عليه -- ثلاث مهلكات لا محالة ... هوى نفس يقود إلى البطالة وشح لا يزال يطاع دأباً ... وعجب ظاهر في كل حاله -- أخوك الذي يحميك في الغيب جاهداً ... ويستر ما تأتي من السوء والقبح وينشر ما يرضيك في الناس معلناً ... ويغضي ولا تألو من البر والنصح -- حبيبك من يغار إذا زللتا ... ويغلظ في الكلام متى أسأتا يسر إن اتصفت بكل فضل ... ويحزن إن نقصت أو انتقصتا ومن لا يكترث بك لا يبالي ... أحدت عن الصواب أم اعتدلتا

-- من تناسى ذنوبه قتلته ... وأبانت عنه الولي الحميما ذكرك الذنب نفرة عنه تبقي ... لك إنكار فعله مستديما -- ليس التفضل يا أخي أن تحسنا ... لأخ يجازي بالجميل من الثنا إن التفضل أن تجازي من أسا ... لك بالجميل وأنت عنه في غنى -- من عيني المرء يبدو ما يكتمه ... حتى يكون الذي يرعاه يفهمه ما يضمر المرء يبدو من شمائله ... لناظر فيه يهديه توسمه -- تعظيمك للناس تعظيم لنفسك في ... قلوب الأعداء طراً والأداء من عظم الناس يعظم في النفوس بلا ... مؤونة وينل عز الأعزاء -- ومستقبح من أخ خلة ... وفيه معايب تسترذل كأعمى يخاف على أعور ... عثاراً وعن نفسه يغفل -- خذ الأمور برفق واتد أبداً ... إياك من عجل يدعو إلى وصب الرفق أحسن ما تؤتى الأمور به ... يصيب ذو الرفق أو ينجو من العطب -- إن المسيء إذا جازيته أبداً ... بفعله زدته في غيه شططا العفو أحسن ما يجزى المسيء به ... يهينه أو يريه أنه سقطا -- سريرة المرء تبديها شمائله ... حتى يرى الناس ما يخفيه إعلانا فاجعل سريرتك التقوى ترى أملاً ... في كل ما تبغيه وبرهانا

نخبة من حكم أوردها البستي في ديوانه

-- تثبت بالأمور ولا تبادر ... لشيء دون ما نظر وفكر قبيح أن تبادر ثم تخطي ... وترجع للتثبت دون عذر نخبة من حكم أوردها البستي في ديوانه يا من يسامي العلى عفواً بلا تعب ... هيهات نيل العلى عفواً بلا تعب عليك بالجد إني لم أجد أحداً ... حوى نصيب العلى من غير ما نصب -- الحر في التحقيق معتق ذاته ... من رق شهوته ومن غفلاته ومن اقتنى ما ليس يمكن غصبه ... منه ووفر جاهداً حسناته فأصخ لوعظي وانتفع بنصائحي ... وابخل بباقي العمر قبل فواته وأمت بجهدك قوة الغضب الذي ... تحيا البصيرة والتقى بمماته وعليك بالعدل الذي هو للفتى ... إن عدت الأوصاف خير صفاته واعلم بأن مرارة العيش الذي ... إلا لوهن دب في عزماته أنى يخاف الموت حي عالم ... يعتده فصلاً مقوم ذاته لاسيما ووراء ذلك للفتى ... عيش رخاء العيش في لذاته من ظن أن فناءه من موته ... فاعلم بأن فناءه بحياته -- قل للفقيه مقالاً ليس يعدم من ... حلو العتاب ومر العتب تمزيجا إذا فطمت امرءاً عن عادة قدمت ... فاجعل له يا عقيد الفضل تدريجا ولا تعنف إذا قومت ذا عوج ... فربما أعقب التقويم تعويجا

نخبة من أراجيز الشيخ السابوري

-- تكثرت بالأموال جهلاً وإنما ... تكثرت باللائي تروح وتغتدي فأنت عليها خائف غصب غاصب ... وحيلة محتال خؤون ومرصد إذا نامت الأجفان بت مكابداً ... دجى الليل إشفاقاً بطرف مسهد فهلا اقتنيت الباقيات التي لها ... دوام على طول الزمان المؤبد فضائل نفسانية ليس يهتدي ... إلى سلبها من أهلها كيد معتدي هي العلم والتقوى هي البأس والحجى ... هي الجود بالموجود والفكر في الغد -- وللمرء أضداد يرومون قسره ... وليس له منهم على حالة بد فإن كان ذا خير جفاه شرارهم ... وإن كان شراً فالخيار له ضد -- من صادم الدهر مغتراً بقوته ... فاحكم عليه بأن الدهر قد صدمه ومن يبح قرناء السوء عشرته ... يكن قصاراه من إيناسهم ندمه كم من وجود إذا استوضحت صورته ... رأيت أشرف من محصوله عدمه وكل ذي شرف لولا خصائصه ... من الفضائل ساوى رأسه قدمه -- نخبة من أراجيز الشيخ السابوري الحمد لله العلي القاهر ... الواحد الفرد المليك القادر مدبر الخلق ومنشي الرزق ... ذي المن والطول إله الخلق هذا كتاب جامع الآداب ... مفصل منتظم الأبواب حبرته بمنطقي تحبيراً ... لم آل فيه النصح والتيسيرا أودعته محاسن المذاهب ... في الرأي والعقل وفي التجارب

وكل قول حسن منتخب ... يؤثر عن أهل الحجى والأدب وما أتى من مثل مضروب ... مستملح مستطرف غريب يزداد ذو العلم إذا رواه ... علماً إلى محمود ما أنشاه ويحكم المغفل المغمورا ... حتى تراه أرباً نحريرا لكنه يزداد في الأيام ... علماً بنقض الأمر والإبرام وإنه يزداد يوماً يوماً ... في دهره تجربة وعلما التجارب وافطن لصرف الدهر والعجائب ... فإنه لا علم كالتجارب كفاك من عاشرت من إخوان ... معرفة بصورة الزمان لا تحمدن قبل اختبار أحدا ... بخلب من برقه إذا بدا فربما أخلفك الطرير ... بلامع أنت به غرير إن خفت من عاقبة الندامة ... فارض من النوال بالسلامة ندامة المرء على التقصير ... أيسر من ندامة التعزير وطالب الفضل من الأعداء ... كذي غليل شرق بماء وانتهز الفرصة إما مرت ... فربما طلبتها ففرت والأمر إن أعيا عليك من عل ... فاطلبه قبل فوته من أسفل من لم يعظه الدهر بالتجارب ... لم يتعظ يوماً بقول صاحب رُبَّ رحاً دارت بمن يليها ... تطحن في الحروب مركبيها

الصمت وحفظ اللسان

من جالس الأعداء والحسادا ... لم يعدم الخبال والفسادا ووحدة المرء بلا أنيس ... خير له من سيء الجليس ناصح أخاك في الملمات الخير ... وكن إذا ناصحته على حذر إذا لقيت الناس بالنصيحة ... فوطن النفس على الفضيحة من صدق الصاحب والرفيقا ... لم يدع الصدق له صديقا من سلك القصد إذا ما سارا ... في كل وجه أمن العثارا الصمت وحفظ اللسان الصمت للمرء حليف السلم ... وشاهد له بفضل الحكم وحارس من زلل اللسان ... في القول إن عي عن البيان فعذ به معتصماً من الخطا ... أو سقط يفرط في ما فرطا إن السكوت يعقب السلامة ... فرب قول يورث الندامة استبدل الخيفة من أمانه ... من لم يكن يحذر من لسانه يظل مكروباً طويلاً سقمه ... من لا يزم قوله ويخطمه من لم يكن لسانه من همه ... يفرح به ويسترح من غمه من أحمد الأشياء في الإنسان ... زيادة العقل على اللسان إسراف ذي الإطناب في المقال ... أضر من إسرافه في المال لا شيء من جوارح الإنسان ... أحق بالسجن من اللسان إن اللسان سبع عقور ... إن لم يسسه الرأي والتدبير لا تطلقن القول في غير بصر ... إن اللسان غير مأمون الضرر

الصبر

فالقول ما أرسلته على عجل ... موكل به العثار والزلل يا رب محقور من المقال ... يهيج شراً غير مستقال ولفظة زائغة سبيلها ... قد سلبت نعمة من يقولها لا تطلقن في مجلس مقاله ... إذا مضت ليس لها إقاله الصبر والصبر فاعلم من أعد العدد ... على صروف النائبات العود فاجعله إن هم ألم معقلا ... واجعله عند النائبات موئلا فالدهر لا يبقى على مضمار ... مختلف الإقبال والإدبار من لم يكن عند البلايا صابرا ... سلا كما يسلو البهيم صاغرا فاصبر إذا ما عضك الزمان ... فكل يوم للمليك شان من يعتصم بالصبر عند الحادث ... فالحبل في يديه غير ناكث إذا أتى ما لا تطيق دفعه ... فالصبر أولى ما اقتنيت نفعه حلول ما حل من البلاء ... كالضيف يوماً حل في الفناء فاصبر لضيف بك يوماً نزلا ... لا يلبث النازل أن يرتحلا صدق النطق وأكرم الآداب صدق النطق ... أكرم به أكرم به من خلق أعدل شاهد على الصلاح ... أقرب منهاج إلى الفلاح شرف به أخلاقك الكريمة ... أستر به حالاتك الذميمة من صدق الحديث من المقال ... شاركه المثرون في الأموال

المكارم

والكذب فاعلم أفظع المساوي ... صاحبه مشف على المهاوي من يشتهر يوماً بكذب المنطق ... ثم أتى بالصدق لم يصدق من عذب الكذب على لسانه ... فالصدق ليس كائناً من شانه ولكنه المنطق بالصواب ... خير من الإفصاح بالكذاب لا تعصين قول ذوي التجارب ... لا تستعن في عمل بكاذب المكارم وانزع إلى مكارم الأخلاق ... فإنها من أنفس الأعلاق تحميك من قوارع الملامة ... تمنحك الإعزاز والكرامة أزين حلية على الإنسان ... وأشجع الأنصار والأعوان فارحل إليها طالباً لفضلها ... واسم إليها راغباً في نيلها فإنها تنحلك الفضائلا ... حمداً من الناس وذخراً آجلا عليك ما يحمد من مقال ... فرض عليه النفس في الفعال فكل ما استحييت أن يقالا ... فيك فلا تجتته فعالا عليك حسن البشر في اللقاء ... فإنه من سبب الإخاء يري على صاحبه قبولا ... من الورى ومنظراً جميلا يهدي لك الإجلال والإعظاما ... يذود عنك الهم والملاما القصيدة الزينبية لصالح بن عبد القدوس وقيل لعلي بن أبي طالب صرمت حبالك بعد وصلك زينب ... والدهر فيه تصرم وتقلب

وكذاك وصل الغانيات فإنه ... آل ببلقعةٍ وبرق خلب فدع الصبا فلقد عداك زمانه ... وازهد فعمرك مر منه الأطيب ذهب الشباب فما له من عودة ... وأتى المشيب فأين منه المهرب دع عنك ما قد فات في زمن الصبا ... واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب واخش مناقشة الحساب فإنه ... لا بد يحصى ما جنيت ويكتب والليل فاعلم والنهار كلاهما ... أنفاسنا بهما تعد وتحسب لم ينسه الملكان حين نسيته ... بل أثبتاه وأنت لاه تلعب والروح فيك وديعة أودعتها ... ستردها بالرغم منك وتسلب وعرور دنياك التي تسعى لها ... دار حقيقتها متاع يذهب وجميع ما حصلته وجمعته ... حقاً يقيناً بعد موتك ينهب تباً لدار لا يدوم نعيمها ... ومشيدها عما قليل يخرب فاسمع هديت نصائحاً أولاكها ... بر نصوح للأنام مجرب أهدى النصيحة فاتعظ بمقاله ... فهو التقي اللوذعي الأدرب لا تأمن الدهر الخؤون لأنه ... ما زال قدماً للرجال يؤدب وعواقب الأيام في غصاتها ... مضض يذل له الأعز الأنجب ويفوز بالمال الحقير مكانة ... فتراه يرجى ما لديه ويرغب ويبش بالترحيب عند قدومه ... ويقام عند سلامه ويقرب فاقنع ففي بعض القناعة راحة ... ولقد كسي ثوب المذلة أشعب لا تحرصن فالحرص ليس بزائد ... في الرزق بل يشقي الحريص ويتعب

كم عاجز في الناس يأتي رزقه ... رغداً ويحرم كيس ويخيب فعليك تقوى الله فالزمها تفز ... إن التقي هو البهي الأهيب واعمل بطاعتك تنل منه الرضا ... إن المطيع لربه لمقرب وارع الأمانة والخيانة فاجتنب ... واعدل ولا تظلم يطيب لك مكسب واحذر من المظلوم سهماً صائباً ... واعلم بأن دعاءه لا يحجب واخفض جناحك للأقارب كلهم ... بتذلل واسمح لهم إن أذنبوا وإذا بليت بنكبة فاصبر لها ... من ذا رأيت مسلماً لا ينكب وإذا أصابك في زمانك شدة ... أو نالك الخطب الكريه الأصعب فادع لربك إنه أدنى لمن ... يدعوه من حبل الوريد وأقرب واحذر مؤاخاة الدني لأنه ... يعدي كما يعدي الصحيح الأجرب واختر صديقك واصطفيه تفاخراً ... إن القرين إلى المقارن ينسب ودع الكذوب فلا يكن لك صاحباً ... وإن الكذوب يشين حراً يصحب وذر الحقود ولو صفا لك مرة ... وأبعده عن رؤياك لا يستجلب إن الحقود وإن تقادم عهده ... فالحقد باق في الصدور مغيب واحفظ لسانك واحترز من لفظه ... فالمرء يسلم باللسان ويعطب وزن الكلام إذا نطقت ولا تكن ... ثرثارة في كل ناد تخطب والسر فاكتمه ولا تنطق به ... فهو الأسير لديك إذ لا ينشب واحرص على حفظ القلوب من الأذى ... فرجوعها بعد التنافر يصعب إن القلوب إذا تنافر ودها ... شبه الزجاجة كسرها لا يشعب

لامية ابن الوردي

واحذر عدوك إذ تراه باسماً ... فالليث يبدو نابه إذ يغضب وإذا الصديق رأيته متملقاً ... فهو العدو وحقه يتجنب لا خير في ود امرئ متملق ... حلو اللسان وقلبه يتقلب يعطيك من طرف اللسان حلاوة ... ويروغ منك كما يروغ الثعلب يلقاك يحلف أنه بك واثق ... وإذا توارى عنك فهو العقرب وإذا رأيت الرزق عز ببلدة ... وخشيت فيها أن يضيق المكسب فارحل فأرض الله واسعة الفضا ... طولاً وعرضاً شرقها والمغرب فلقد نصحتك إن قبلت نصيحتي ... فالنصح أغلى ما يباع ويوهب خذها إليك قصيدة منظومة ... جاءت كنظم الدار بل هي أعجب حكم وآداب وجل مواعظ ... أمثالها لذوي البصائر تكتب فاصغ لوعظ قصيدة أولاكها ... طود العلوم الشامخات الأهيب لامية ابن الوردي اعتزل ذكر الأغاني والغزل ... وقل الفصل وجانب من هزل ودع الذكرى لأيام الصبا ... فلأيام الصبا نجم أفل واترك الغادة لا تحفل بها ... تمس في عز رفيع وتجل وافتكر في منتهى حسن الذي ... أنت تهواه تجد أمراً جلل واهجر الخمرة إن كنت فتى ... كيف يسعى في جنون من عقل واتق الله فتقوى الله ما ... جاورت قلب امرئ إلا وصل ليس من يقطع طرقاً بطلاً ... إنما من يتقي الله البطل

كتب الموت على الخلق فكم ... فل من جيش وأفنى من دول أين نمرود وكنعان ومن ... ملك الأرض وولى وعزل أين من سادوا وشادوا وبنوا ... هلك الكل ولم تغن القلل أين أرباب الحجى أهل النهي ... أين أهل العلم والقوم الأول سيعيد الله كلاً منهم ... وسيجزي فاعلاً ما قد فعل أي بني اسمع وصايا جمعت ... حكماً خصت بها خير الملل اطلب العلم ولا تكسل فما ... أبعد الخير على أهل الكسل واحتفل بالفقه في الدين ولا ... تشتغل عنه بمال وخول واهجر النوم وحصله فمن ... يعرف المطلوب يحقر ما بذل لا تقل قد ذهبت أيامه ... كل من سار على الدرب وصل في ازدياد العلم إرغام العدى ... وجمال العلم إصلاح العمل جمل المنطق بالنحو فمن ... يحرم الإعراب بالنطق اختبل انظم الشعر ولازم مذهبي ... في إطراح الرفد لا تبغ النحل فهو عنوان على الفضل وما ... أحسن الشعر إذا لم يبتذل ملك كسرى عنه تغني كسرة ... وعن البحر اجتزاء بالوشل إطرح الدنيا فمن عاداتها ... تخفض العالي وتعلي من سفل عيشة الراغب في تحصيلها ... عيشة الجاهل فيها أو أقل كم جهول بات فيها مكثراً ... وعليم مات منها بعلل كم شجاع لم ينل فيها المنى ... وجبان نال غايات الأمل

نونية أبي الفتح البستي

فاترك الحيلة فيها واتكل ... إنما الحيلة في ترك الحيل لا تقل أصلي وفصلي أبداً ... إنما أصل الفتى ما قد حصل قد يسود المرء من دون أب ... وبحسن السبك قد ينفى الزغل إنما الورد من الشوك وما ... ينبت النرجس إلا من بصل قيمة الإنسان ما يحسنه ... أكثر الإنسان منه أم أقل بين تبذير وبخل رتبة ... وكلا هذين إن زاد قتل ليس يخلو المرء من ضد ولو ... حاول العزلة في رأس جبل دار جار السوء بالصبر وإن ... لم تجد صبراً فما أحلى النقل جانب السلطان واحذر بطشه ... لا تعاند من إذا قال فعل لا تل الأحكام إن هم سألوا ... رغبة فيك وخالف من عذل إن نصف الناس أعداء لمن ... ولي الأحكام هذا إن عدل قصر الآمال في الدنيا تفز ... فدليل العقل تقصير الأمل غب وزر غباً تزد حباً فمن ... أكثر الترداد أضناه الملل لا يضر الفضل إقلال كما ... لا يضر الشمس إطباق الطفل خذ بنصل السيف واترك غمده ... واعتبر فضل الفتى دون الحلل حبك الأوطان عجز ظاهر ... فاغترب تلق عن الأهل بدل فبمكث الماء يبقى آسناً ... وسرى البدر به البدر اكتمل نونية أبي الفتح البستي زيادة المرء في دنياه نقصان ... وربحه غير محض الخير خسران

وكل وجدان حظ لا ثبات له ... فإن معناه في التحقيق فقدان يا عامراً لخراب الدهر مجتهداً ... بالله هل لخراب العمر عمران ويا حريصاً على الأموال تجمعها ... أنسيت أن سرور المال أحزان زع الفؤاد عن الدنيا وزخرفها ... فصفوها كدر والوصل هجران وأرع سمعك أمثالاً أفصلها ... كما يفصل ياقوت ومرجان أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم ... فطالما استعبد الإنسان إحسان يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته ... أتطلب الربح في ما فيه خسران أقبل على النفس واستكمل فضائلها ... فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان وكن على الدهر معواناً لذي أمل ... يرجو نداك فإن الحر معوان واشدد يديك بحبل الله معتصماً ... فإنه الركن إن خانتك أركان من يتق الله يحمد في عواقبه ... ويكفه شر من عزوا ومن هانوا من استعان بغير الله في طلب ... فإن ناصره عجز وخذلان من كان للخير مناعاً فليس له ... على الحقيقة إخوان وجذلان من جاد بالمال مال الناس قاطبة ... إليه والمال للإنسان فتان من سالم الناس يسلم من غوائلهم ... وعاش وهو قرير العين جذلان من كان للعقل سلطان عليه غدا ... وما على نفسه للحرص سلطان من مد طرفاً بفرط الجهل نحو هوى ... أغضى على الحق يوماً وهو خزيان من استشار صروف الدهر قام له ... على حقيقة طبع الدهر برهان من يزرع الشر يحصد في عواقبه ... ندامة ولحصد الزرع إبان

من استنام إلى الأشرار نام وفي ... قميصه منهم صل وثعبان كن ريق البشر إلى الحر همته ... صحيفة وعليها البشر عنوان ورافق الرفق في كل الأمور فلم ... يندم رفيق ولم يذممه إنسان ولا يغرك حظ جره خرق ... فالخرق هدم ورفق المرء بنيان أحسن إذا كان إمكان ومقدرة ... فلن يدوم على الإحسان إمكان فالروض يزدان بالأنوار فاغمة ... والحر بالعدل والإحسان يزدان صن حر وجهك لا تهتك غلالته ... فكل حر لحر الوجه صوان دع التكاسل في الخيرات تطلبها ... فليس يسعد بالخيرات كسلان لا ظل للمرء يعرى من نهي وتقى ... وإن أظلته أوراق وأفنان والناس أعوان من والته دولته ... وهم عليه إذا عادته أعوان سحبان من غير مال باقل حصر ... وباقل في ثراء المال سحبان لا تودع السر وشَّاء به مذلاً ... فما رعى غنماً في الدو سرحان لا تحسب الناس طبعاً واحداً فلهم ... غرائز لست تحصيهن ألوان ما كل ماء كصداء لوارده ... نعم ولا كل نبت فهو سعدان لا تستشر غير ندب حازم يقظ ... قد استوى منه أسرار وإعلان فللتدابير فرسان إذا ركضوا ... فيها أبروا كل للحرب فرسان وللأمور مواقيت مقدرة ... وكل أمر له حد وميزان فلا تكن عجلاً في الأمر تطلبه ... فليس يحمد قبل النضج بحران

كفى من العيش ما قد سد من عوز ... ففيه للحر قنيان وغنيان وذو القناعة راض من معيشته ... وصاحب الحرص إن أثرى فغضبان إذا جفاك خليل كنت تألفه ... فاطلب سواه فكل الناس إخوان حسب الفتى عقله خلاً يعاشره ... إذا تحاماه إخوان وخلان هما رضيعا لبان حكمة وتقى ... وساكنا وطن مال وطغيان إذا نبا بكريم موطن فله ... وراءه في بسيط الأرض أوطان يا ظالماً فرحاً بالعز ساعده ... إن كنت في سنة فالدهر يقظان ما استمرأ الظلم لو أنصفت آكله ... وهل يلذ مذاق المرء خطبان يا أيها العالم المرضي سيرته ... أبشر وأنت بغير الماء ريان ويا أخا الجهل وقد أصبحت في لجج ... وأنت ما بينها لا شك ظمآن لا تحسبن سروراً دائماً أبداً ... من سره زمن ساءته أزمان يا رافلاً في الشباب الوحف منتشياً ... من كأسه هل أصاب الرشد نشوان لا تغترر بشباب رائق خضل ... فكم تقدم قبل الشيب شبان ويا أخا الشيب لو ناصحت نفسك لم ... يكن لمثلك في الإسراف إمعان هب الشبيبة تبلي عذر صاحبها ... ما عذر أشيب يستهويه شيطان كل الذنوب فإن الله يغفرها ... إن شيع المرء إخلاص وإيمان وكل كسر فإن الدين يجبره ... وما لكسر قناة الدين جبران خذها سوائر أمثال مهذبة ... فيها لمن يبتغي التبيان تبيان ما ضر حسانها والطبع صائغها ... أن لم يصغها قريع الدهر حسان

الباب الخامس في الأمثال

الباب الخامس في الأمثال أمصال في معان مختلفة جمعها ابن عبد ربه في العقد الفريد (في الصمت) * الصمت حكم وقليل فاعله * عي صامت خير من عي ناطق * الصمت يكسب أهله المحبة * استكثر من الهيبة الصموت * الندم على السكوت خير من الندم على الكلام * (من أصاب مرة وأخطأ مرة) * شخب في الإناء وشخب في الأرض * يشج مرة ويأسو أخرى * سهم لك وسهم عليك * أطرقي وميشي * (انكشاف الأمر بعد اكتتامه) * حصحص الحق * أبدى الصريح عن الرغوة * صرح المحض عن الزبدة* أفرخ القوم بيضتهم* برح الخفاء وكشف الغطاء* (الدعاء بالخير) للقادم من سفره: خير جاء ورد في أهل ومال* بلغ الله بك أكلأ العمر * نعم عوفك* في الزواج: على يد الخير واليمن* بالرفاء والبنين* هنئت ولا تنكد* هوت أمه وهبلت

أمه * (الدعاء بالشر) * خوى نجمه وركدت ريحه* باخ ميسمه وكبا جواده* خمد ضرامه ونضب ماؤه* إنثلم ركنه وانهار جرفه * نقب خفه ودمن ظلفه* رغم أنفه وخر سقفه* غار ماؤه وسقط بهاؤه* قرع فناؤه وصفر إناؤه* (رمي الرجل غيره بالمعضلات) * رماه بأقحاف رأسه* ورماه بثالثة الأثافي* العصبية والأفيكة* كأنما أفرغ عليه ذنوباً* (المكر والخلابة) * فتل في ذروته* ضرب أخماساً لأسداس* ومنه قولهم: الذئب يأدو للغزال* (في الرجل المبرز في الفضل* ما يشق غباره* 'ذا جرى المذكي حسرت عنه الحمر* جري المذكيات غلاء أو غلاب* ليست له همة دون الغاية القصوى* (الرجل النبيه الذكر) * ما يحجر فلان في العكم* ما يوم حليمة بسر* أشهر من الأبلق* وهل

يخفى على الناس النهار* ومثله: وهل يخفى على الناظر الصبح* وهل يجهل فلاناً إلا من يجهل القمر* (الرجل العزيز يعز به الذليل) * إن البغاث بأرضنا يستنسر* لا جر بوادي عوف* تمرد مارد وعز الأبلق* من عزَّ بزَّ* من قل ذل* من أمر فل (أمر أي كثر) * الرجل الصعب) * فلان ألوى بعيد المستمر* ما بللت منه بأفوق ناصل* ما يقعقع لي بالشنان* وما يصطلى بناره* ما تقرن به الصعبة* (الرجل العالم النحرير) * إنه لنقاب وإنه لعض* أنا جذلها المحكك وعذيقها المرجب* ومثله: إنه لجذل حكاك* عنيته تشفي الجرب* لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا* إنه لألمعي* ما حككت قرحة إلا أدميتها* الأمور تشابه مقبلة وتظهر مدبرة* ولا يعرفها مقبلة إلا العالم النحرير* فإذا أدبرت عرفها الجاهل والعالم* (الرجل المجرب) * إنه لشراب

بأنقع* إنه لخراج ولاج* حلب الدهر أشطره وشرب أفاويقه* رجل منجذ* أزل لغز وأخرق* لا تغز إلا بغلام قد غزا* زاحم بعود أودع* (الانتقال من ذل إلى عز) * كنت كراعاً فصرت ذراعاً* كنت عنزاً فاستتيست* كنت بغاثاً فاستنسرت* (إعجاب الرجل بأهله) * كل فتاة بابنها معجبة* القرنبى في عين أمها حسنة* زين في عين والده ولده* حسن في كل عين من تود* (تشبيه الرجل بأبيه) * من أشبه أباه فما ظلم* العصية من العصا* ما أشبه حجل الجبال بألوان صخرها* ما أشبه الحول بالقبل* وما أشبه الليلة بالمبارحة* شنشنة أعرفها من أخزم* قال زهير: وهل نبت الخطي إلا وشيجه ... وتغرس إلا في منابتها النخل ومنه قول العامة: لا تلد الذئبة إلا ذئباً* حذو النعل بالنعل وحذو القذة بالقذة* (الحلم) * إذا نزا الشر اقعد* ومنه. الحليم مطية الجهول* لا ينتصف حليم من جاهل* أخر الشر فإن شئت تعجلته* وقولهم في الحليم: إنه كواقع الطير وكساكن

الريح* كأنما على رؤوسهم الطير* ربما أسمع فأذر* حلمي أصم وأذني غير صماء* (مداراة الناس) * إذا لم تغلب فاخلب* وقولهم: إلا حظية فلا ألية* سوء الاستمساك خير من حسن الصرعة* ومنه قول أبي الدرداء: إنا لنبش في وجوه قوم وإن قلوبنا لتنفر عنهم* ومن قوله: شرار الناس من داراه الناس لشره* ومنه قول شبيب بن شيبة في خالد بن صفوان: ليس له صديق في السر ولا عدو في العلانية* يريد أن الناس يدارونه لشره وقلوب الناس تبغضه* (الاستعداد للأمر قبل نزوله) * قبل الرمي يراش السهم* قبل الرماية تملأ الكنائن* خذ الأمر بقوابله* شر الرأي الدبري* المحاجزة قبل المناجزة* التقدم قبل النزول* يا عاقد اذكر حلاً* خير الأمور أحمدها مغبة* ليس الدهر بصاحب من لم ينظر في العواقب* (حسن التدبير والنهي عن الخرق) * الرفق يمن والحرق شؤم* رب أكلة تحرم أكلات* قلب الأمر ظهراً لبطن* وجه الحجر وجهة ما* ول حارها من تولى قارها* (الأمر الشديد المعضل) * أظلم عليه يومه* وأين يضع المخنوق يده* لو كان ذا حيلة تحول* رأى الكواكب ظهراً* قال طرفة: وتريه النجم يجري بالظهر* (هلاك القوم) * طارت به العنقاء* وطارت

بهمة عقاب ملاع* والمنايا على الحوايا* أتتهم الدهيم ترمي بالرضف* وهذا أمر لا ينادى وليده* التقت حلقتا البطان* وبلغ السيل الزبى* وجاوز الحزام الطبيبن* وتقول العامة: بلغ السكين الغظم* (اليأس والخيبة) * من لي بالسانح بعد البارح* جاء بخفي حنين* أطال الغيبة وجاء بالخيبة* ونظيره: سكت ألفاً ونطق خلفاً* (الظلم ترجع عاقبته على صاحبه) * من حفر مغواة وقع فيها* يعدو على كل امرئ ما يأتمر* عاد الرمي على النزعة* وتقول العامة: كالباحث عن مدية* رمي بحجره وقتل بسلاحه* (نفي المال عن الرجل) * ما له سعنة ولا معنة* ما له هلع ولا هلعة* ما له هارب ولا قارب* ما له عافطة ولا نافطة*

هذه أبيات ذهبت مذهب الأمثال وأكثرها للمتنبي وللحريري

ما به نبض ولا حبض* ما له سبد ولا لبد* (إذا لم يكن في الدار أحد) * ما بالدار دعوي ولا بها دبي* وما بها من غريب. ولا بها دوري ولا طوري. وما بها واتر وما بها صافر. وما بها ديار وما بها نافخ ضرمة. وما بها إرم* (استجهال الرجل ونفي العلم) * ما يعرف الحو من اللو. وما يعرف الحي من اللي. ولا هريراً من غرير. ولا قبيلاً من دبير* وما يعرف أي طرفيه أطول وأكبر* وما يعرف من يهره ممن يبره* وأي طرفيه أطول أنسب أبيه أم نسب أمه. هذه أبيات ذهبت مذهب الأمثال وأكثرها للمتنبي وللحريري إنعم ولذ فللأمور أواخر ... أبداً كما كانت لهن أوائل إذا غامرت في شرف مروم ... فلا تقنع بما دون النجوم إذا اعتاد الفتى خوض المنايا ... فأهون ما يمر به الوحول إن السلاح جميع الناس تحمله ... وليس كل ذوات المخلب السبع العبد ليس لحر صالح بأخ ... لو أنه في ثياب الحر مولود إذا اشتبكت دموع في خدود ... تبين من بكى ممن تباكى إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا ... من كان يألفهم في المنزل الخشن

إن الزرازير لما قام قائمها ... توهمت أنها صارت شواهينا إن كنت تطلب عزاً فاردع تعباً ... أو فاوض بالذل واختر راحة البدن أيا حجر الشحذ حتى متى ... تسن الحديد ولا تقطع إذا لم يعن قول النصيح قبول ... فكل معاريض الكلام فضول إذا ما الجرح رم على فساد ... تبين فيه تفريط الطبيب إذا الله لم يحرسك مما تخافه ... فلا السيف قطاع ولا الدرع مانع إذا ندبوا للقول قالوا فأحسنوا ... ولكن حسن لقول خالفه الفعل إن السماء إذا لم تبك مقلتها ... لم تضحك الأرض عن شيء من الزهر بذا قضت الأيام ما بين أهلها ... مصائب قوم عند قوم فوائد تريدين إدراك المعاني رخيصة ... ولا بد دون الشهد من إبر النحل صديق عدوي داخل في عداوتي ... وإني لمن ود الصديق ودود فلا حديقتهم يجنى لها ثمر ... ولا سماؤهم تنهل بالديم قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد ... وينكر الفم طعم الماء من سقم كريشة بمهب الريح ساقطة ... لا تستقر على حال من القلق كبر بلا نسب تيه بلا حسب ... فخر بلا أدب هذا من العجب لم أرد الطير عن شجر ... قد بلوت المر من ثمره لا خير في حسن الجسم وطولها ... إن لم يزن حسن الجسوم عقول لا تقطعن ذنب الأفعى وترسلها ... إن كنت شهماً فاتبع رأسها الذنبا له خلائق بيض لا يغيرها ... صرف الزمان كما لا يصدأ الذهب

ما كل من طلب المعالي نافذاً ... فيها ولا كل الرجال فحولا ما الذي عنده تدار المنايا ... كالذي عنده تدار الشمول ما أنت أول ساو غره قمر ... ورائد أعجبته خضرة الدمن ما إن يضر العضب كون قرابه ... خلقاً ولا البازي حقارة عشه وكيف يبيت مضطجعاً جبان ... فرشت لجنبه شوك القتاد وما الحسن في وجه الفتى شرف له ... إذا لم يكن في فعله والخلائق وما في سطوة الأرباب عيب ... ولا في زلة العبدان عار وما الحداثة عن حلم بمانعة ... قد يوجد الحلم في الشبان والشيب وما منزل اللذات عندي بمنزل ... إذا لم أبجل عنده وأكرم وما كل ناو للجميل بفاعل ... ولا كل فعال لم بمتمم وما الخيل إلا كالصديق قليلة ... وإن كثرت في عين من لا يجرب وكل امرئ يولي الجميل محبب ... وكل مكان ينبت العز طيب ومن يجد الطريق إلى المعالي ... فلا يذر المطي بلا سام واستكبر الأخبار قبل لقائه ... فلما التقينا صغر الخبر الخبر ومن نكد الدنيا على الحران يرى ... عدواً له ما من صداقته بد ومن البلية عذل من لا يرعوي ... عن جهله وخطاب من لا يفهم ومن العداوة ما ينالك نفعه ... ومن الصداقة ما يضر ويؤلم وكل يرى طرق الشجاعة والندى ... ولكن طبع النفس للنفس قائد ورب كئيب ليس تندى جفونه ... ورب كثير الدمع غير كئيب

وفي تعب من يجحد الشمس ضوءها ... ويجهد أن يأتي لها بضريب وإن كان ذنبي كل ذنب فإنه ... محا الذنب كل المحو من جاء تائبا وإطراق طرف العين ليس بنافع ... إذا كان طرف القلب ليس بمطرق وكل امرئ يوماً سيعرف سعيه ... إذا حصلت عند الإله الحصائل وقد نبح الكلب السحاب ودونها ... مهامه تغشى نظرة المتأمل ومن يأمن الدنيا يكن مثل قابض ... على الماء خانته فروج الأصابع ووضع الندى في موضع السيف العلى ... مضر كوضع السيف في موضع الندى وما انتفاع أخي الدنيا بناظره ... إذا استوت عنده الأنوار والظلم وهل يدعي الليل الدجوجي أنه ... تضيء ضياء الشمس شهب ظلامه ولا تشم كل خال لاح بارقه ... ولو تراءى هتون السكب ثجاحا والنار في أحجارها مخبوءة ... لا تلتظي إن لم تثرها الأزند والهم يخترم الجسيم نحافة ... ويشيب ناصية الصبي ويهرم ومن ينشد الركبان عن كل غالب ... فلا بد أن يلفي بشيراً وناعيا وأول ما يكون الليث شبلاً ... ومبدأ طلعة القمر الهلال والنجم تستصغر الأبصار صورته ... والذنب للطرف لا للنجم في الصغر وكم مضمر بغضاً يريك محبة ... وفي الزند نار وهو في اللمس بارد وما كل أزهار الرياض أريجه ... ولا كل أطيار الفلا تترنم وما كل من هز الحسام بضارب ... وملا كل من أجرى اليراع بكاتب وما كل وحش ترى ضيغماً ... ولا كل عود يسمى عفارا

نخبة من تغريد الصادح لابن حجة الحموي

يخفي العداوة وهي غير خفية ... نظر العدو بما أسر يبوح يا جل ما بعدت عليك بلادنا ... وطلابنا فارعد بأرضك وأبرق يمر وعيد الظالمين بسمعه ... كما طن في لوح اللجين ذباب يلقاك والعسل المصفى يجتنى ... من قوله ومن الفعال العلقم نخبة من تغريد الصادح لابن حجة الحموي من عرف الله أزال التهمة ... وقال كل فعله للحكمة ومن أغاث البائس الملهوفاً ... أغاثه الله إذا أخيفا فإن من خلائق الكرام ... رحمة ذي البلاء والأسقام وإن من شرائط العلو ... العطف في البؤس على العدو لا تغترر بالحفظ والسلامة ... فإنما الحياة كالمدامة والعمر مثل الكأس والدهر القذر ... والصفو لا بد له من الكدر فإنما الرجال بالإخوان ... واليد بالساعد والبنان وموجب الصداقة المساعدة ... ومقتضى المودة المعاضده وإن رأيت النصر قد لاح لكا ... فلا تقصر واحترز أن تهلكا وأضعف الملوك طراً عقدا ... من غره السلم فأقصى الجندا لا تيأسن من فرج ولطف ... وقوة تظهر بعد ضعف تنال بالرفق وبالتأني ... ما لم تنل بالحرص والتعني لا خير في جسامة الأجسام ... بل هو في العقول والأفهام لا تحتقر شيئاً صغيراً محتقر ... فربما أسالت الدم الإبر

من قصيدة أبي العتاهية المثلية

كم حسن ظاهره قبيح ... وسمج عنوانه مليح فالعاقل الكامل في الرجال ... لا ينثني لزخرف المقال ما طاب فرع أصله خبيث ... ولا زكا من مجده حديث والبغي فاحذره وخيم المرتع ... والعجب فاتركه شديد المصرع والغدر بالعهد قبيح جداً ... شر الورى من ليس يرى العهدا من قصيدة أبي العتاهية المثلية إن الشباب والفراغ والجده ... مفسدة للمرء أي مفسده يغنيك عن كل قبيح تركه ... يرتهن الرأي الأصيل شكه ما عيش من آفته بقاؤه ... نغص عيشاً كله فناؤه يا رب من أسخطنا بجهده ... قد سرنا الله بغير حمده ما تطلع الشمس ولا تغيب ... إلا لأمر شأنه عجيب لكل شيء معدن وجوهر ... وأوسط وأصغر وأكبر وكل شيء لاحق بجوهره ... أصغره متصل بأكبره من لك بالمحض وكل ممتزج ... وساوس في الصدر منه تختلج الخير والشر هما أزواج ... لذا نتاج ولذا نتاج من لك بالمحض وليس محض ... يخبث بعض ويطيب بعض والخير والشر إذا ما عدا ... بينهما بون بعيد جدا عجبت حتى غمني السكوت ... صرت كأني حائر مبهوت كذا قضى الله فكيف أصنع ... الصمت إن ضاق الكلام أوسع

الباب السادس في الأمثال والإشارات

الباب السادس في الأمثال والإشارات الملك المتروي ذكر الحكماء. وذوو الفضل من العلماء. أنه كان في بعض الأمصار. تاجر من أعيان التجار. وكان له غلام مخايل السعادة من جبينه لائحة. وروائح النجابة من أذيال شمائله فائحة. فأوسق له أبوه مركباً من المتاجر والمنافع. وأخذ في تعبية البضائع. وسلمه إلى الهواء والماء. بعد أن توكل على رب السماء. فسار بعض أيام. وهو في أهنأ مرام. وأطيب عيش ومقام. الماء رائق. والهواء موافق. والنكد مفارق. والسرور مرافق. وبينما السفينة من نسف العواصف أمينة. تجاري السهم والطير. وتباري الدهم في السير. وإذا بالرياح هاجت. والأمواج ماجت. وأثباج البحر تصادمت. وأطواد الأمواج على العرفاء تلاطمت. فعجز ذلك الملاح وترك شيمة الوقار والسكينة. ورقم نقش الحروف في ألواح السفينة. فشاهدوا من الهواء الأهوال. وغدا قاع البحر كالجبال. وصار طائر ذلك الغراب بمن فيه من الأصحاب. كأحوال الدنيا بين صعود وهبوط. وقيام وسقوط. طوراً يسامون الأفلاك

وبما مرقوا منه من تحت الزور. فلم يزالوا عاجزين حيارى سكارى وما هم بسكارى يتناشدون: وفلك ركبناه والبحر ذو ... هواء فثار وحار ومارا فطوراً علونا السماء وطوراً ... رمينا إلى الأرض منها انحدارا وآخر الأمر نسفت السفينة الرياح وأوعر الله سهلها. وخرقها فأغرقها وأهلها. وذهب البحر بأموالها وأرواحها. وتعلق الغلام بلوح من ألواحها. واستمر تقذفه الأمواج. وتصطدم به أثباج البحر الهياج. إلى أن وصل إلى ساحل. فخرج وهو كئيب ناحل. وصعد إلى جزيرة. فجعل يمشي في جناتها إلى أن أداه التوفيق. إلى فم طريق. فسار في تلك الجادة. وهداية الله له مادة. فانتهى به المسير إلى أن تراءى له سواد كبير. وبلغ مملكة عظيمة. وولاية جسيمة. ورأى على بعد مدينة مسورة حصينة. فعمد إلى ذلك البلد. وتوجه نحوه وقصد. فاستقبله طائفة من الرعال. نساء ورجال. يتبعهم جنود مجندة. وطوائف محشدة. من طبول تضرب. وفوارس تلعب. وزمور تزعق. وألسنة بالثناء تنطق. حتى إذا وصلوا إليه تراموا عليه. وأكبوا بين يديه. يقبلون يديه ورجليه. مستبشرين برؤيته. متبركين بطلعته. ثم ألبسوه الخلع السنية. وقدموا له فرساً علية. بكنبوش ذهب. وشرج مغرق. ووضعوا

له التاج على المفرق. ومشوا في الخدمة بين يديه. والجنائب في المواكب تجر لديه. ينادون: حاشاك وإليك. سلطان الناس قادم عليك. حتى وصلوا إلى المدينة. ودخلوا قلعتها الحصينة. ففرشوا شقق الحرير. ونثروا النثار الكثير. وأجلسوه على السرير. وأطلقوا مجامر الند والعبير. ووقف في خدمته الصغير والكبير. والمأمور والأمير والدستور والوزير. وأنشدوه: قدمت قدوم البدر بيت سعوده ... وأمرك فينا صاعد كصعوده (قالوا) : إعلم يا مولانا أنك صرت لنا سلطاناً ونحن كلنا عبيدك. وتابع مرادك ومريدك. فافعل ما تختار. وتحكم في الكبار منا والصغار. وأمر فامتثال أمرك علينا محتوم. وما منا إلا له في خدمتك مقام معلوم. فجعل يتفكر في أمره ومبداه. ويتأمل ما صار إليه ويتدبر في منتهاه. فقال: إن هذا الأمر لا بد له من سبب. ولا بد له من آخر ومنقلب. فإنه لم يصدر في عالم الكون سدى. وإن لهذا اليوم من غير شك غداً. وإن الصانع القديم القادر الحكيم. السميع العليم البصير الحي المدير الكريم. لم يقدر هذه الأفعال. على سبيل الإهمال. ولم يحدث حدثاً لعباً ولا عبثاً. وجعل يلازم هذه الأفكار. آناء الليل وأطراف النهار. وهو مع ذلك قائم بشكر النعمة. ملازم باب مولاه بالطاعة والخدمة. واضع الأشياء في محلها. والمناصب في يد أهلها. ملتفت إلى أحوال الرعية عامل بينهم بالعدل

والسوية. متعهد أمور الكبار والصغار. بأنواع الإحسان وأصناف المبار. مؤسس قواعد المملكة والسلطنة على أركان العقل والعدل مهما أمكنه. متفحص عن مصالح المملكة. سالك مع كل من أرباب الوظائف ما يقتضي مسلكه. ثم وقع اختياره بين أولئك الجماعة على شاب جليل البراعة. له في سوق الفضل والوفاء أوفر بضاعة. متصف بأنواع الكمال متحل بزينة الأدب والجمال. فاتخذه وزيراً. وفي أموره ناصحاً ومشيراً. فجعل يلاطفه ويرضيه. ويكرم ويدنيه. ويفيض عليه من ملابس الإنعام. وخلع الأفضال والإكرام. ما ملك به حبه قلبه. واستصفى خالص وده ولبه. وسكن في سويدائه. وتمكن به من ضمير أحشائه. إلى أن اختلى به وتلطف في خطابه. واستنصحه في جوابه. وسأله عن أمر إمرته وموجب رفعته وسلطته من غير معرفة الرفاق. ولا أهلية ولا استحقاق. ولا هو من بيت الملك. ولا في حر السلطة له فلك. ولا معه مال ولا خيل يهديها. ولا رجال ولا معرفة يدلي بها. ولا شجاعة وفضيلة يهتدي بتهذيبها. فقال ذلك الشاب في الجواب: اعلم أيها الملك الأعظم أن هذه البلدة وعساكر إقليمها وجنده قد اخترعوا أمراً. واصطلحوا على عادة تجرى. سألوا الرحمان أن يقبض لهم على أوان. شخصاً من جنس الإنسان. يكون عليهم ذا سلطان. فأجابهم إلى ذلك. فسلكوا في أمره هذه الممالك. وذاك أنهم في اليوم الذي قدمت عليهم. يرسل الله تعالى

رجلاً من عالم الغيب إليهم. فيستقبلونه كما استقبلوك. ويسلكون معه طريقة الملوك. من غير نقص ولا زيادة. صارت هذه لهم عادة. فيستمر عليهم سنة. في هذه المرتبة الحسنة. فإذا انقضى الأجل المعدود. وجاء ذلك اليوم الموعود. عمدوا إلى ذلك السلطان وقد صار فيهم ذا إمكان ومكان وعلقة ونشب. وإخاء ونسب. وثبتت له أوتاد. وصار له أهل وأولاد. جروه برجله من التخت. وسلبوه ثوب العزة والرخت. وألبسوه ثوب الذل والنكال. وأوثقوه بالسلاسل والأغلال. وحمله الأهل والأقارب. وأتوا به إلى بحر قريب فوضعوه في قارب. وسلموه إلى موكلين ليوصلوه إلى ذلك الجانب. فيوصلوه إلى ذلك البر. وهو قفر أغبر. ليس به أنيس ولا رفيق. ولا جليس ولا صديق. ولا زاد ولا ماء. ونشوء ولا نماء. ولا مغيث ولا معين. ولا قريب ولا قرين. ولا قدرة ولا إمكان. على الوصول إلى العمران. ولا ظل ولا ظليل. ولا إلى الخلاص سبيل. ولا إلى طريق النجاة دليل. فيستمر هناك فريداً طريداً إلى أن يهلك عطشاً وجوعاً. لا يملك إقامة ولا يستطيع رجوعاً. ثم يستأنف أهل هذه البلاد. ما لهم من فعل معتاد. فيخرجون بالأهبة الكاملة. إلى تلك الطريق السابلة. فيقبض الله تعالى لهم رجلاً. فيفعلون معه مثل ما فعلوا مع غيره قولاً وعملاً. وهذا دأبهم وديدنهم. وقد ظهر لك ظاهرهم وباطنهم. فقال ذلك الغلام المفلح لذلك

لوزير المصلح: فهل اطلع أحد ممن تقدم على عاقبة هذا المأثم. قال: كل عرف ذلك. وتحقق أنه عن قريب هالك. لكن غرور السلطة يلهيه. وسرور التحكم والتسلط يطغيه. وحضور اللذة الحاصلة لسوء العاقبة ينسيه. ولا يفيق من غفلته ويستيقظ من رقدته. إلا وعامه قد مضى. والأجل المضروب قد انقضى. وقد أحاطت به نوازل البلاء. وهجم عليه بوازل القضاء. فيستغيث ولا مغيث. وينادي الخلاص ولات حين مناص. فلما سمع الغلام هذا الكلام. أطرق مفكراً. وبقي متحيراً. وعلم أنه إن لم يتدارك أمره ويتلاف خيره وشره ويتدبر حاله. ومصيره ومآله. هلك هلاك الأبد. ولم يشعر به أحد. فأخذ يفكر في وجه الخلاص. والتفصي من شرك الاقتناص. ثم قال للوزير الناصح الخبير: أيها الرفيق الشفيق. والنصوح الصديق. جزاك الله خيراً. وكفاك ضيماً وضيراً. إني قد فكرت في شيء ينفع نفسي ويحييها. ويدفع شر هذه البلية التي وقعت فيها. ولم يبق جهة مخلص. من هذا المقنص. إلا طريق واحد. وسبيل غير متعاهد. وهو أن تأخذ طائفة من البنائين وجماعة من المهندسين والنجارين. فتأمرهم أن يبنوا لنا هناك مدينة. ويشيدوا لنا فيها أماكن مكينة. ومخازن وحواصل. وتملأها من الزاد المتواصل. من المآكل الطيبة. والأطعمة والأشربة اللذيذة المستعذبة. ولا تغفل عن الإرسال. ولا تجيز الإمهال والإهمال. في الظهيرة والأسحار والغدو والآصال. إذ

أوقاتنا محدودة. وأنفاسنا معدودة. وساعة تمضي منها غير مردودة. بحيث إذا نقلنا من هذه الأديار. وطرحنا في تلك المهامة والقفار. وجفانا الأصحاب. وتخلى الأخلاء عنا والأحباب. وأنكرنا المعارف والأوداء. واحتوشتنا في تلك البيداء. فنون الداء. نجد ما نستعين به على إقامة الأود. مدة إقامتنا في ذلك البلد. فأجاب بالسمع الطاعة. واختار من البنائين جماعة. وأحضر المراكب. وقطع البحر إلى ذلك الجانب. وجعل الملك يمدهم بالآلات والأدوات. على عدد الأنفاس ومدى الساعات. إلى أن أنهى البناؤون العمارة. وأكملوا حواصل الملك وداره. وأجروا فيها الأنهار. وغرسوا فيها الأشجار. فصارت تأوي إليها الأطيار. ويترنم فيها البلبل والهزار. وغدت من أحسن الأمصار. وبنوا حواليها الضياع والقرى. وزرعوا منها الوهاد والثرى. ثم أرسل إليها ما كان عنده من الخزائن. ونفائس الجواهر والمعادن. وجهز الخدم والحشم. وصنوف الاستعدادات من النعم. فما انقضت مدة ملكه. ودنت أوقات هلكه. إلا ونفسه إلى مدينته تاقت. وروحه إلى مشاهدتها اشتاقت. وهو مستوفز للرحيل. ورابض للنهوض والتحويل. فلما تكامل له في الملك العام. لم يشعر إلا وقد أحاط به الخاص والعام. ممن كان يفديه بروحه. من خادمه ونصوحه. ومن كان سامعاً لكلمته. من أعيان خدمه وحشمه. وقد تجردوا لجذبه من السرير. ونزع ما عليه من لباس الحرير ومشوا على عادتهم القديمة.

نخبة من كشف الأسرار عن حكم الطيور والأزهار لابن غانم المقدسي

وسلبوه مملكته العظيمة. وزالت الحشمة. والكلمة والحرمة. وشدوا وثاقه وذهبوا به إلى الحراقة ووضعوه. وقد ربطوه في المركب الذي هيأوه. وأوصلوه إلى ذلك البر من البحر. فما وصل إليه إلا وقد أقبلت خدمه عليه. وتمثلت طوائف الحشم والناس لديه. ودقت البشائر لمقدمه. وحل في سروره المقيم ونعمه. واستمر في أتم سرور. واستقر في أوفر حبور (ملخص عن فاكهة الخلفاء لابن عربشاه) . نخبة من كشف الأسرار عن حكم الطيور والأزهار لابن غانم المقدسي المقدمة لقد أخرجني الفكر يوماً لأنظر ما أحدثته أيدي القدم في الحدث. وأوجدته الحكمة البالغة لا للعبث. فانتهيت إلى روضة قد رق أديمها. وراق نسيمها. ونم طيبها. وغنى عندليبها. وتحركت عيدانها. وتمايلت أغصانها. وتبلبلت بلابلها. وتسلسلت جداولها. وتسرحت أنهارها. وتضوعت أقطارها. وتنمقت أزهارها. وصوت هزارها. فقلت: يا لها من روضة ما أهناها. وخلوة ما أصفاها. فيا ليتني استصحبت صديقاً حميماً. يكون لطيب حضرتي نديماً. فناداني لسان الحال. في الحال. أتريد نديماً أحسن مني. أو مجيباً أفصح مني. وليس في حضرتك شيء إلا وهو ناطق بلسان حاله. مناد على نفسه بدنو ارتحاله. فاسمع له إن كنت من رجاله.

إشارة النسيم

ألم تر أن نسيم الصبا ... له نفس نشره صاعد فطوراً ينوح وطوراً يفوح ... كما يفعل الفاقد الواجد وسكب الغمام وندب الحمام ... إذا ما شكا غصنه المائد ونور الصباح ونور الأقاح ... وقد هزه البارق الراعد ووافى الربيع بمعنى بديع ... يترجمه ورده الوارد وكل لأجلك مستنبط ... لما فيه نفعك يا جاحد وكل لآلائه ذاكر ... مقر له شاكر حامد وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد إشارة النسيم فأول ما سمعت همهمة النسيم. يترنم بصوته الرخيم. يقول بلسان حاله. مفصحاً عن سقمه وانتحاله: أنا لين الأعطاف. هين الانعطاف. سريع الائتلاف. يعترف بلطفي ذوو الألطاف. ولولا وجودي في الجو لجاف. ولا تظن أن اختلاف أهوائي. سبب إغوائي. بل اختلف في الفصول الأربع. لما هو أصلح لك وأنفع. فأهب في الربيع شمالاً فألقح الأشجار. وأعدل فصل الليل والنهار. وأهب في الصيف صباً فأنمي الثمار. وأصفي الأشجار. وأهب في الخريف جنوباً فتأخذ كل ثمرة حد طيبها. وتستوفي حق تركيبها. وأهب في الشتاء دبوراً ليخف عن كل شجرة حملها. ويجف ورقها ويبقى أصلها. فأنا الذي تنمو بي الثمار. وتزهو بي الأزهار.

إشارة الورد

وتسلسل بي الأنهار. وتلقح الأشجار. إشارة الورد ثم سمعت إشارة الشحارير بأفنانها. والأزاهير في تلون ألوانها. إذ قام الورد يخبر عن طيب وروده. ويعرف بعرفه عن شهوده. ويقول أنا الضيف الوارد بين الشتاء والصيف. أزور زيادة الطيف. فاغتنموا وقتي فالوقت سيف. فأنا الزائر وأنت المزور. والطمع في بقائي زور. ثم من علامة الدهر المكدور. والعيش الممرور. أنني حيث ما نبت دائر الأشواك تزاحمني. وتجاورني. فأنا بين الأدغال مطروح. وبنبال شوكي مجروح. وهذا دمي على ما عندي يلوح. فهذا حالي وأنا أشرف الوراد. وألطف الأوراد. فمن ذا الذي سلم من الأنكاد. ومن صبر على مرارة الدنيا فقد بلغ المراد. فبينما أنا أرفل في حلل النضارة. إذ اقتطفتني أيدي النظارة. فأسلمتني من بين الأزاهير. إلى ضيق القوارير. فيذاب جسدي. وتحرق كبدي. ويمزق جلدي. ويقطر دمعي الندي. فلا يقام بأودي: فإن غبت جسماً كنت بالروح حاضراً ... فقربي سواء إن تأملت والبعد وبالله من أضحى من الناس قائلاً ... كأنك ماء الورد إذ ذهب الورد إشارة المرسين فلما سمع المرسين كلام الورد. قال قد باح النسيم بسره. ونشر السحاب عقود دره. وتضوع البهار بذخره. وتبهرج الربيع

إشارة النرجس

بقلائد فخره. وخلع الورد عذاره. وسحب عن الروض الأنيق أزهاره. فقم بنا نتفرج. ونتيه بحسننا ونتبهرج. فأيام السرور نختلس. وأوقاته نحتبس. فلما سمع الورد كلام المرسين. قال له: يا أمير الرياحين. بئس ما قلت. ولو جمع بك الغضب ما صلت. فقد نزلت عن شيم الأمراء بعدم تأملك الصواب من الآراء. فمن المصيب إذا زللت. ومن الهادي إذا ضللت. تأمر باللهو عندك. وتحرض على النزه جندك. وأمير الرعية. صاحب الفكرة الردية. فلا يعجبك حسنك. إذا تمايل غصنك. واخضر أوراقك. وأكرم أعراقك. فأيام الشباب سريعة الزوال. دارسة الطلال. كالطيف الطارق. والخيال المارق. وكذلك الشباب. أخضر الجلباب والثياب. مختلف الأجناس. كاختلاف الحيوان بين الناس. فمنها ما يشم ويذبل. ويحول خطابه وينقل. وتطرقه حوادث الأيام. ويعود مطروحاً على الأكوام. ومنها ما يؤكل ثماره. وتجد في الناس آثاره. والسالم من النار أقله. وإياك والاغترار. في هذه الدار. فإنما أنت فريسة لأسد الحمام. وبعد فقد نصحتك والسلام. إشارة النرجس فأجابه النرجس من خاطره. وهو ناظر لمناظره. فقال: أنا رقيب القوم وشاهدهم. وسميرهم ومنادمهم. وسيد القوم خادمهم. أعلم من له همة. كيف تكون شروط الخدمة. أشد للخدمة وسطي.

إشارة البان

وأوثق بالعزيمة شرطي. ولا أزال واقفاً على قدم. وكذلك وظيفة من خدم. لا أجلس بين جلاسي. ولا أرفع إلى النديم راسي. ولا أمنع الطالب طيب أنفاسي. ولست لعهد من وصلني بناسي. ولا على من قطعني قاسي. وكاسي بصفوه لي كاسي. بني على قضب الزمرد أساسي. وجعل من اللجين والعسجد لباسي. أتلمح تقصيري فأطرق إطراق الخجل. وأفكر في مصيري فأحدق لهجوم الأجل. فإطراقي اعتراف بتقصيري. وإطلاقي نظر إلى ما فيه مصيري: قمت من ذل على قدمي ... مطرقاً بالراس من زللي لم يكن في القادمين غداً ... نافعي علمي ولا عملي مقلتي إنسانها أبداً ... قط لا يرتد من وجلي عجلاً في خيفة وكذا ... خلق الإنسان من عجل إشارة البان فلما نظر الأشجار إلى طرب البان بينهم. وتمايله دونهم. لامه على كثرة تمايله. وعنفوه على إعجابه بشمائله. فتمايل هنالك البان. وقال: قد ظهر عذري وبان. فمن ذا يلومني على تمايل أغصاني. واهتزاز أركاني. وأنا الذي بسطت لي الأرض مطارقها. وأظهرت لي الرياض زخارفها. وأهدت لي نسمات الأسحار لطائفها وظرائفها. فإذا رأيت ساعة نشور أموات النبات قد اقتربت. ورأيت الأرض قد اهتزت وربت. وحان ورود وردي. فأنظر إلى الورد وقد ورد.

إشارة البنفسج

وإلى الورد وقد شرد. وإلى الزهر وقد اتقد. وإلى الحب وقد انعقد. وإلى الغصن اليابس وقد كسي بعدما انجرد. وإلى اختلاف المطاعم والمشارب وقد اتحد. فأعلم أن صانعها واحد أحد. وصاحبها صمد. وموجدها بالقدرة قد انفرد. فلا يفتقر إلى أحد. ولا يستغني عنه أحد. ولا يشاركه في ملكه أحد. فهنالك تمايلت قدودي. طرباً بطيب شهودي. وتبلبلت بلابل سعودي. على تحريك عودي. ثم تدركني عناية معبودي. فأفكر في عدم وجودي. وفوات مقصودي. فأنعطف على الورد فأخبره بورودي. وأخلع عليه من برودي. وأستخبره ابن مقصدي وورودي. فقال لي: وجودك كوجودي. وركوعك كسجودي. أنت بخضرة قدودك. وأنا بحمرة خدودي. فهلم نجعل في النار وقودك ووقودي. قبل نار خلودك وخلودي. فقلت له: إذا صح الائتلاف. ورضيت لنفسك بالتلاف. فليس للخلاف خلاف. فنقتطف على حكم الوفاق. ونختطف من بين الرفاق. فتصعد أنفاسنا بالاحتراق. وتقطر دموعنا بلا إشفاق. فإذا فنينا على صور أشباحنا. بقينا بمعاني أرواحنا. فشتان بين غدونا ورواحنا. إشارة البنفسج فتنفس البنفسج الصعداء. وتأوه تأوه البعداء. وقال: طوبى لمن عاش عيش السعداء. ومات موت الشهداء. إلى كم أذوب بالذبول كمداً. وأكتسي بالنحول أثواباً جدداً. أفنتني

إشارة الخزام

الأيام فما أطالت لي أمداً. وغيرتني الأحكام فما أبقت لي جلداً ولا جلداً. فما أقصر ما قضيت هيشاً رغداً. وما أطول ما بقيت يابساً مجرداً. وجملة خصولي. أنني أؤخذ أيام حصولي. فأقطع من أصولي. وأمنع من وصولي. وكم ممن يتقوى على ضيفي. ويعسف بي مع ترفي ولطفي وظرفي. فيتنعم من حضرتي ويستحليني من نظرتي. ثم لا ألبث إلا يوماً أو بعض يوم. حتى أسأم بأبخس سوم. ويعاد علي بعد الثناء باللوم. فأمسي مما لقيت ممعوكاً. وبأيدي الحوادث معروكاً. فإذا أصبحت يابساً. ومن النضارة آئساً. أخذني أهل المعاني. من هو للحكم يعاني. فتفشش بي الأورام الفاشية. وتلين الآلام القاسية. وتلطف بي الطبائع العاتية. وتدفع بدوائي الأدواء العادية. فالناس ممتعون بيابسي ورطبي. جاهلون بعظم خطبي. غافلون عما أودع بي من حكم ربي. وإني لمن يتدبرني عبرةٌ لمن اعتبر. وتذكرة لمن اذكر. وفي مزدجر لمن ازدجر: ولقد عجبت من البنفسج إذ غدا ... يحكي بأوراق على أغصانه جيشاً طوارفه الزبرجد رصعت ... أحجار ياقوت على خرصانه فكأنما أعداؤه بجلادة ... شيلت رؤوسهم على عيدانه إشارة الخزام فلما رأى الخزام. ما يكابده الزهر من القيد والالتزام. فمنها ما يضام. وينثر بعد النظام. وبالثمن البخس يسام. قال:

إشارة الشقيق

ما لي والزحام. لا أعاشر اللئام. ولا أسمع قول اللوام. وألزمت من بين الأزهار. أن لا أجاور الأنهار. ولا أقف على شفا جرف هار. أرافق الوحش في النفار. وأسكن البراري والقفار. أحب الخلوات. وأستوطن الفلوات. فلا أزاحم في المحافل. ولا تقطفني أيدي الأسافل. ولا أحمل إلى اللاعب والهازل. لكنني بعيد عن المنازل. تجدني في أرض نجد نازل. رضيت بالبر الفسيح. وقنعت بمجاورة الغار والشيح. تعبق بنشري الريح. فتحملني إلى ذوي التقديس والتسبيح. لا ينشقني إلا من له ذوق صحيح. وشوق صريح. وهو على زهد المسيح. وصبر الذبيح. فأنا رفيق السياح في الغدو والرواح. فلا أحضر على منكر. ولا أجلس عند من يشرب ويسكر. فأنا الحر الذي لا يباع في الأسواق. ولا ينادى علي بالنفاق في سوق النفاق. ولا ينظرني إلا من شمر عن ساق. وركب جواد العزيمة وساق. فلو رأيتني في البوادي. والنسيم يهيم بي في كل وادي أعطر البادي. بعطري البادي. وأروح النادي. بنشري النادي. إن عرض بذكري الحادي. حن إلي كل رائح وغادي. إشارة الشقيق فتنفس الشقيق بين ندمائه. وهو مضرج بدمائه. واستوى على ساقه ووثب. وقال: يا لله العجب. ما بال لوني باهي. وحسني زاهي. وقدري بين الرياحين واهي. فلا أحد بي يباهي. ولا ناظر

إشارة السحاب

إلي شاهي. فليت شعري ما الذي أسقط جاهي. أرفل في ثوبي القاني. وأنا مدحوض عند من يلقاني. فلا أنا في الحضرة حاضر. ولا يشار إلي بالنواظر. ولا أصافح بالمناخر. وما برحت في عدد الرياحين آخر. فأنا طريد عن صحبي. بعيد عن قربي. وما أظن ذلك إلا من سواد قلبي. فلما رأيت باطني محشواً بالذنوب. وقلبي مسوداً بالعيوب. علمت أن الله تعالى لا ينظر إلى الصور. ولكن ينظر إلى القلوب. فكان إعجابي بأثوابي سبباً لحجابي عن ثوابي. فكنت كالرجل المنافق الذي حسنت سيرته. وقبحت سريرته. وراق في المنظر سيمته. وقل في المخبر قيمته. ولو صلح قلبي لصلح أمري. ولو شاء ربي لطاب بين الخلائق ذكري. وفاح بين الأزاهير نشري. لكن الطيب لا يفوح إلا ممن يطيب. وعلامات القبول لا تلوح إلا على من رضي عنه الحبيب: أنا قلبي قد سودته ذنوبي ... وقضى لي معذبي بشقائي من رآني يظن خيراً ولكن ... خالقي عالم بأني مرائي قد تحسنت منظراً ولباساً ... ورزايا محشوة بحشائي وإحيائي إذا سئلت وما لي ... من جواب واخجلتي وإحيائي لو كشفت الستور عن سوء حالي ... لرأيت السرور للأعداء إشارة السحاب فلما حسن العتاب. وطاب فصل الخطاب. دمع السحاب.

إشارة الهزار

فانبسط وساح في فسيح الرحاب: سبحان الله أينكر فضلي عليكم. وأنا الباعث طلي ووبلي إليكم. وهل أنتم إلا أطفال جودي. ونسل وجودي. كم ملأت البر براً ببري. والبحر دراً بدري. فلم يزل ثدي دري عليه دراراً. ومزيد بري إليه مدراراً. فإذا انقضت أيام الرضاع ولم يبق إلا الفطام. أقطع ثديي عنه فيصبح لأهل الدنيا حطام. فكأن بعثه في انسكاب عبراتي. ونشوره في بعث قطراتي. فالكل في الحقيقة أطفالي. ولو اعترفوا بحقي لكانوا من الجو أطفالي. إشارة الهزار (قال) : فبينما أنا مصغ لمنادمة أزهارها. على حافات أنهارها. إذ صاحت فصاحة أطيارها من أوكارها. فأول ما صوت الهزار. ونادى على نفسه بخلع العذار. وباح بما يكاتمه من الأسرار. وقال بلسان حاله: أنا الهائم اللهفان. الصادي الظمآن. إذا رأيت فصل الربيع قد حان. ومنظره البديع قد آن. تجدني في الرياض فرحان. وفي الغياض أردد الألحان. أغني وأطرب فأنا بنغمتي طربان. ومن نشوتي سركان. فإذا زمزم النسيم وصفقت أوراق الأغصان. أرقص على العيدان. فكأنما الزهر والنهر لي عيدان. وأنت تحسبني في ذلك عابثاً. لا والله ولست باليمين حانثاً. وإنما أنوح حرباً لا طرباً. وأبوح ترحاً لا فرحاً. لأني ما وجدت روضة.

إشارة الباز

إلا تبلبلت على بلبالها. ولا نزهة إلا نحت على اضمحلالها. ولا خضرة إلا بكيت على زوالها. لأني ما رأيت صفوة إلا تكدرت. ولا عيشة حلوة إلا تمررت. فقرأت في مثال العرفان. كل من عليها فان. فكيف لا أنوح. على حال يحول. ووقت يدول. وعيش يزول. ووصل عن قريب مفصول. وهذه الجملة من شرح حالي تغني عن الفصول: حديث ذاك لحمى روحي وريحاني ... فلا تلمني إذا كررت ألحاني روض به الراح والريحان قد جمعا ... وحضرة ما لها في حسنها ثاني من أبيض يققٍ أو أصفر فقع ... أو أخضر رقق أو أحمر قاني والأنس دان وشمل الوصل مجتمع ... هذا هو العيش إلا أنه فاني إشارة الباز فنادى الباز. وهو في ميدان البراز. ويحك لقد صغر جرمك. وكبر جرمك. وقد أقلقت بتغريدك الطير. وإطلاق لسانك يجلب إليك الضير. وما يفضي بك إلى خير. أوَ ما علمت أن ما يهلك الإنسان إلا عثرات اللسان. فلولا لقلقة لسانك. ما أخذت من بين أقرانك. وحبست في ضيق الأقفاص. وسد عليك باب الخلاص. وهل ذلك إلا ما جناه عليك لسانك. فافتضح به بيانك. فلو اهتديت بسمتي. واقتديت بصمتي. لبرئت من الملامة. وعلمت أن الصمت رفيق السلامة. ألم ترني لزمت الصموت. وألفت

إشارة الحمام

السكوت. فكان الصمت جمالي. ولزوم الأدب كمالي. أقتنصت من البرية جبراً. وجلبت إلى بلاد الغربة قهراً. فلا بالسريرة بحت. ولا على الأطلال نحت. بل دأبت حين غربت. وقربت حين جربت. وامتنحت حين امتحنت. وعند الامتحان. يكرم المرء أو يهان. فلما رأى مؤدبي تخليط الوقت. خاف علي من المقت. فكم بصري بكمة: لا تمدن عينيك. وعقد لساني بعقدة: لا تحرك به لسانك. وقيدني بقيد: لا تمش في الأرض مرحاً. فأنا في وثاقي لا أتألم. ومما ألاقي لا أتكلم. فلما كممت وأدبت. وجربت وهذبت. استصلحني مؤدبي لإرسالي إلى الصيد. وزال عني ذلك القيد. فأطلقت وأرسلت. فما رفعت الكمة عن عيني. حتى أصلحت ما بينه وبيني فوجدت الملوك خدامي. وأكفهم تحت أقدامي: أمسكت عن فضل الكلام لساني ... وكففت عن نظر الدنا لساني ما ذاك إلا أن قرب منيتي ... لزخارف اللذات قد أنساني أدبت آداب الملوك وعلمت ... روحي هناك ضنائع الإحسان أرسلت من كف الملوك مجرداً ... وجعلت ما أبغيه نصب عياني حتى ظفرت ونلت ما أملته ... ثم استجبت إليه حين دعاني هذا لعمري رسم كل مكلف ... بوظائف التسليم للإيمان إشارة الحمام (قال) : فبينما أنا مستغرق في لذة كلامه. معتبر بحكمه

وأحكامه. إذ رأيت أمامه حمامة. قد جعلت طوق العبودية في عنقها علامة. فقلت لها: حدثيني عن ذوقك وشوقك. وأوضحي لي ما الحكمة في تطويس طوقك. فقالت: أنا المطوقة بطوق الأمانة. المقلدة بتقليد الصيانة. ندبت لحمل الرسائل. وتبليغ الوسائل للسائل. ولكني أخبرك عن القصة الصحيحة. فإن الدين النصيحة. ما كل طائر أمين. ولا كل حالف يصدق في اليمين. ولا كل سالك من أصحاب اليمين. وإنما المخصوص بحمل الأمانة جنسي. فيشترى بالتحريج. ويعرف الطريق بالتدريج. فأقول: حملوني فأحمل كتب الأسرار. ولطائف الرسائل والأخبار. فأطير وعقلي مستطير. خائفاً من جارح جارح. حاذراً من سائح سابح. جازعاً من صائد ذابح. فأهاجر. وأكابد الظمأ في الهواجر. وأطوي على الطوى في المحاجر. فلو رأيت حبة قمح مع شدة جوعي رجعت عنها. فأرتفع خشية من كمين فخ مدفون. أو شرك يعيقني عن تبليغ الرسالة. فأنقلب بصفقة المغبون. فإذا وصلت. وفي مأمني حصلت. أديت ما حملت. وعملت ما علمت. فهنالك طوقت. وبالبشارة خلقت. وأنقلب إلى شكر الله على ما وفقت. أيا ربي وصلتم أو هجرتم ... فعبدكم على حفظ الأمانة مقيم لا يزحزحه عذول ... ولا يثني معنفه عنانه حملت لأجلكم ما ليس تقوى ال ... جبال الشم تحمله رزانة

إشارة الخطاف

وحفظ العهد وفاه حر ... وطوقه فتى إلا وزانه إشارة الخطاف (قال) : فبينما نحن نتذاكر أوصاف الأشراف. وأشراف الأوصاف. إذ نظرت إلى خطاف. وهو بالبيت قد طاف. فقلت: ما لي أراك للبيت لازماً. وعلى مؤانسة الإنس عازماً. فلو كنت في أمرك حازماً. لما فارقت أبناء جنسك. ورضيت في البيوت بحبسك. ثم إنك لا تنزل إلا في المنازل العامرة. والمساكن التي هي بأهلها عامرة. فقال: يا كثيف الطبع. يا ثقيل السمع. إسمع ترجمة حالي. وكيف عن الطير ارتحالي. إنما فارقت أمثالي. وعاشرت غير أشكالي. واستوطنت السقوف. دون الشعاب والكهوف. لفضيلة الغربة. ولزوماً لآداب الصحبة. صحبت من ليس مني لأكون غريباً. وجاورت خيراً مني لأحرز بينهم نصيباً. فأعيش عيش الغرباء. وأفوز بحصبة الأدباء. والغريب مرحوم في غربته. ملطوف به في صحبته. فقصدت المنازل غير مضر بالنازل. أبتني بيتي من حافات الأنهار. وأكتسب قوتي من ساحات القفار. فلست للجار كمن جار. ولا لأهل الدار كالغدار. بل أحسن جواري مع جاري. وليس منهم رسم جاري. أكثر سوادهم. ولا أستطعم زادهم. فزهدي فيما في أيديهم. هو الذي حببني إليهم. فلو شاركتهم في قوتهم لما بقيت معهم في بيوتهم. فأنا شريكهم في أنديتهم. لا في أغذيتهم. مزاحمهم

إشارة البوم

في أوقاتهم. لا في أقواتهم. مكتسب من أخلاقهم. لا من أرزاقهم. منتهب من حالهم. لا من مالهم. مقتبس من برهم لا من برهم. راغب في حبهم. لا في حبهم. مقتدياً بقوله: ازهد في الدنيا يحبك الله. وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس. قال فقلت: لله درك لقد عشت سعيداً. وسرت سيراً حميداً. ووفقت أمراً رشيداً. وقلت قولاً سديداً. فلا أطلب على موعظتك مزيداً. إشارة البوم (قال) : فناداني البوم. وهو منفرد في الخراب مهموم. أيها الصديق الصادق. والخل الرافق. لا تكن بمقالة الخطاف واثقاً. ولا لفعله موافقاً. فإنه إن سلم من شبه زادهم. فما سلم من نزه فرحهم وأعيادهم. وتكثير سوادهم. وقد علمت أن من كثر سواد قوم فهو منهم. ولو صحبهم ساعة كان مسؤولاً عنهم. وقد فهمت أن مبتدأ التفريط من آفات التخليط. والخلطة غلطة. وأول السيل نقطة. واعلم أن السلامة في العزلة. فمن وليها فلا يخاف عزلة. فهلا استسن بسنتي. وتأسى بوحدتي. واعتزل المنازل والنازل. وزهد في المأكل والآكل. ألا تراني لا أشاركهم في منازلهم. ولا أجالسهم في مجالسهم. ولا أساكنهم في مساكنهم. ولا أزاحمهم في أماكنهم. بل اخترت الداثر من الجدران. ورضيت بالخراب عن العمران. فسلمت من الأنكاد. وأمنت شر الحساد. ولم أزل عن الأحباب وحيداً.

إشارة الدرة

ومن القرناء فريداً. وعن الأتراب بعيداً شريداً. فمن كان مسكنه التراب. كيف يساكن الأتراب. من علم بأن العمر وإن طاب قصير. وأن كلاً إلى الفناء يصير. بات على خشن الحصير. وأفطر على قرص الشعير. ورضي من الدنيا باليسير. وعلم أن فريقاً في الجنة وفريقاً في السعير. أنا نظرت إلى الدنيا وخرابها. وإلى الآخرة واقترابها. وإلى القيامة وحسابها. وإلى النفس واكتسابها. فشغلني التفكر في حالي عن منزلي الخالي. وأذهلني ما علي وما لي. وأذهبني عن أهلي ومالي. وأهمني صحتي واعتلالي. عن القصور العوالي. فجلا اليقين عن بصر بصيرتي كل شبهة. فعلمت أن لا فرصة تدوم ولا نزهة. وأنه كل شيء هالك إلا وجهه. فعرفت من هو. وما عرفت ما هو. وحيث كنت فلا أرى إلا هو. فإذا نطقت فلا أقول إلا هو. (قال) : فأخذت موعظته بمجامع قلبي. وخلعت عني ملابس عجبي. إشارة الدرة (قال) : وبينما أنا في هذه الحال إذ صاحت الدرة من عمل عملي فهو مسعود. ومن حذا حذوي فهو موعود بدار الخلود. ألا تراني لما علت همتي وسمت عزيمتي. كيف غلت قيمتي. فلم أرض لنفسي. ما يرتضيه أبناء جنسي. لكني نظرت إلى الوجود. وما فيه فرأيت آدم وبنيه من دون الكل هو المقصود. خلق الله الكائنات من أجلهم وخلقهم من أجله. فوصل حبلهم بحبله. وفعل معهم ما هو من أهله.

إشارة الديك

فلذلك زاحمتهم في كلامهم. وشاركتهم في طعامهم. فأتشبه بهم وإن لم أكن منهم. وأتخلق بهم وأخاطبهم لا أرغب عنهم. فغلت قيمتي. إذ علت همتي. فأحلوني محل النديم. وألف بيني وبينهم السميع العليم. فأذكر كما يذكرون. وأشكر كما يشكرون: اختبر حالي تجدني ... من أصح الناس مخبر أنا قد أحببت قوماً ... شرفوا معنى ومنظر كبروا قدراً وذكراً ... فهم أزكى وأطهر (قال) : فلما سام نفسه بهذا السوم. وجلس في صدر مجالس القوم. قلت ما رأيت كاليوم. البهائم في اليقظة وأنا في النوم. فمالي لا أزاحم على أبواب ذي المراحم. لعله يوهب مرحوم لراحم. ويقال: مرحباً بالقادم. ها قد وهبنا الجناية للنادم. إشارة الديك (قال) : فقلت: تالله لقد فاز أهل الخلوات. وامتاز أهل الصلوات. ومنع من الجوار أهل الغفلات. فعند ذلك نادى الديك. كم أناديك. وأنت في تعاميك وتغاشيك. جعلت الأذان لي وظيفة. أوقظ به من كان نائماً كالجيفة. وأبشر الذين يدعون ربهم تضرعاً وخيفة. وفي إشارة لطيفة. أصفق بجناحي بشراً للقيام. وأعلن بالصياح تنبيهاً للنيام. فتصفيق الجناح. بشرى بالنجاح. وترديد الصياح. دعاء للفلاح. لا أخل بوظيفتي ليلاً ولا نهاراً. ولا أغفل عن

إشارة البط

وردي سراً ولا إجهاراً. قسمت وظائف الطاعات. على جميع الساعات. فما تمر ساعة. إلا ولي فيها وظيفة طاعة. فبي تعرف المواقيت. ولا تغلو قيمتي ولو اشتريت باليواقيت. فهذا حالي. مع قيامي على عيالي. وإشفاقي على أطفالي. فأنا بين الدجاج. أقنع بالأجاج. ولا أختص دونهم بحبة. ولا أتجرع دونهم بشربة. وهذه حقيقة المحبة. إن رأيت حبة دعوتهم إليها. ودللتهم عليها. فمن شأني الإيثار. إذا حصل القتار. ثم إني طوع لأهل الدار. أصبر لهم على سوء الجوار. يذبحون أفراخي. وأنا لهم كالخل المؤاخي. وينتهبون أتباعي. وأنا في نفعهم ساعي. فهذه شيمة أوصافي. وسجية إنصافي. والله لي كافي: بذكر الله يدفع كل خوف ... ويدنو الخير ممن يرتجيه ولكن أين من يصغي ويدري ... معاني ما أقول ومن يعيه إشارة البط (قال) : فنادى البط. وهو في الماء ينغط. وقال: يا من بدني همته انحط. لا أنت مع الطير فترقى. ولا تسلم من الضير فتبقى. فأنت كالميت لا أرضاً تقطع ولا لزومك في مكان واحد ينفع. سقوط نفسك ألقاك على المزابل. ووقوفك عند الطل حجبك عن الوابل. وما ربح في المتاجر من لم يقطع المراحل. ولا يظفر بالجواهر من هو واقف بالساحل. فلو ثبت تمكينك. وقوي يقينك لطرت في الهواء. ومشيت على الماء. ألم ترني كيف ملكت هواي. فملكت

عالمي الماء والهواء. فأنا في البر سائح وفي البحر سابح. وفي الهواء سارح. وقد جعلت البحر مركز عزي. ومعدن كنزي. فأغوص في صفاء تلاليه. فأجتلي جواهر لآليه. وأطلع فيه على حكمه ومعانيه. ولا يعرف ذلك إلا من يعانيه. فمن وقف على ساحله. لم يظفر إلا بزبده وأجاجه. ومن لم يحذر من دواخله ولجاجه. غرق في متلاطم لججه وأمواجه. فالسعيد من ركب قارب قرباته. ورفع قلوع تضرعاته. متعرضاً لنسمات نفحاته. ماداً لبان رجائه بجذباته. ثم قطع كثائف ظلماته. فوصل إلى مجمع بحري ذاته وصفاته. فهنالك يقع على عين حياته فيرد من عذبه وفراته: يا طالباً للمعالي ... مهر المعالي غالي قدم فأول نقد ... معجل الآجال ما استعذب الموت إلا ... من ذاق ذوق الرجال حماه دون الوصال ... حماة حد النصال كذا القصور العوالي ... حفت بسمر العوالي والشهد دون جناه ... لدغ كحد النبال قد طاف حول حماه ... ذوو الجدود العوالي وصابروا في هواه ... عليه مر النكال صاموا وبالذكر قاموا ... في مظلمات الليالي إن كنت بطال فاترك ... منازل الأبطال

إشارة النحل

إشارة النحل (قال) : فنادت النحلة: يا لها من نحلة. ما صح في روايتها رحلة. فالعارف من ظهر معناه. وقبل دعواه. وعلم صفاء سره من نجواه. ومن محا حقيقة دعواه. ثبتت حقيقة معناه. فلا تقل قولاً يبطله فعلك. ولا ترب فرعاً ينقضه أصلك. ألا تراني لما طاب مطعمي وصفا مشربي. طيف رفعت رتبتي. وعلا منصبي. وكمل أدبي. لولا أني أكلت الحلال. ولزمت أشرف الخلال. حتى صرت كالخلال. أسلك سبل ربي ذللاً. وأشكر من نهمه فصولاً وجملاً. أبتغي المباح. الذي ليس على أكله من جناح. فأجعل في الجبال بيوتي. ومن مباح الأشجار قوتي. أبتني بيوتاً يعجز كل صانع عن تأسيسها. ويتحير إقليدس في حل شكل تسديسها. ثم أسقط على الزهر والثمر. فلا آكل ثمرة. ولا أهشم زهرة. بل أتناول منها شيئاً على هيئة الطل. فأتغدى به قانعة وإن قل. ثم أعود إلى عشي. وقد صفا كدر عيشي. فأشتغل في وكري بفكري وذكري. وأخلص لمولاي شكري. ولا أفتر عن الذكر. ولا أغفل عن الشكر. قد أنتج علمي وعملي. شمعي وعسلي. فالشمع ثمرة العلم المنقول. والعسل ثمرة العمل المقبول. فالشمع للضياء والعسل للشفاء. فإذا أتاني قاصد يستضيء بضيائي. وإن أتاني عليل يستشفي بشفائي. فلا أذيقه حلاوة نفعي. حتى أجرعه مرارة لسعي. ولا أنيله شهدي. إلا بعد مكابدة جهدي. فإن اقتنصه

إشارة الشمع

مني قهراً. أحامي عنه جهراً. وأدافع عنه بروحي. وأقول يا روح روحي. ثم أقول لمن جناني. واستخرجني من جناني. أنت يا جاني علي جاني. فإن كنت للرموز تعاني. فقد رمزت لك في معاني. إنك لا تصل إلى وصالي. حتى تصبر على حد نصالي: اصبر على مر هجري ... إن رمت مني وصالا واترك لأجل هواي ... من صد جهلاً وصالا ومت إذا شئت تحيا ... واستعجل الآجالا إن كنت معنى تمعنى ... فقد ضربت مثالا فإن فهمت رموزي ... إقدم وإلا فلالا إشارة الشمع (قال) : فسمع النحل استغاثة شمعه. فأصغى إليه بسمعه. فإذا هو يحترق بالنار. ويبكي بأدمع غزار. ويقول: أيها النحل أما يكفيني. أن رميت منك ببيني. وفرق الدهر ما بينك وبيني. فأنت في الوجود أبي. وفي الاتحاد سببي. فأفردت عنك بتحريقي. أنا والعسل شقيقي. وهو أخي ورفيقي. فبينما نحن مجتمعان. وفي قرارنا ملتئمان. إذ فرقت بيننا يد النار ورمتنا ببعد الدار. وشط ما بيننا المزار. فأفردت عنه وأفرد عني. وبنت منه وبان مني. ثم سلطت علي النار. ولم أكن من أهل الأوزار. فكبدي تحترق. وجسدي تحت رق. وأهل المعرفة يستضيئون بنور إشراقي. فأنا في إشراق وإحراق.

إشارة الغراب

ودمع مهراق. قائم في الخدمة على ساق. أحمل ضرري وضيري. وأحرق نفسي لأشرق على غيري. فأنا معذب بشري. وغيري متمتع بخيري. فكيف ألام على اصفراري. ودموعي الجواري. ثم تقصدني الأوباش. من الفراش. يريدون إطفائي. وإذهاب أضوائي. فأحرقه مكافأة لفعله. ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله. فلو ملئت الأرض فراشاً لكنت منهم بأمان. ولو ملئت أوباشاً لما أطفئوا نور الإيمان. يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الرحمان. وهذا رمز لمن تمعناه بيان: قد أتى يا نور عيني ... منك نور أي نور فهداي وضلالي ... بك يا كل سروري لم يطق كل عذول ... فيك يرميني بزوري وكذا كل هواء ... لم يطق إطفاء نوري إشارة الغراب (قال) : فبينما أنا في نشوة هذا العتاب. ولذة هذا الشراب. إذ سمعت صوت غراب. ينعق بتفريق الأتراب. وينوح نوح المصاب. ويبوح ما يجده من أليم العذاب. وقد لبس من الحداد جلباب. ورضي من بين العباد بتسويد الثياب. فقلت: أيها النادب لقد كدرت ما كان صافياً. ومررت ما كان حلواً شافياً. فما لك لم تزل في البكور ساعياً. وعلى الربوع ناعياً. وإلى البين داعياً. إن رأيت شملاً

مجتمعاً أنذرته بشتاته. وإن شاهدت قصراً عالياً بشرت بدروس عرصاته. فأنت لدى الخليط المعاشر أشأم من قاشر. وعند اللبيب الحاذر ألأم من جاذر. فناداني بلسان زجره الفصيح. وأشار بعنوان حاله الصريح ويحك أنت لا تفرق بين الحسن والقبيح. وقد تساوى لديك العدو والنصيح. لا بالكناية تفهم ولا بالتصريح. كأن المواعظ في أذنيك ريح وكلام المواعظ في سمع هواك كالنبيح. أما تذكر رحيلك من هذا الفيح الفسيح. إلى ظلمة القبر وضيق الضريح. أما بلغك ما جرى على أبيك آدم وهو ينادي على نفسه ويصيح. أما تعتبر بنوح نوح. وهو يبكي وينوح. على دار ليس بها أحد مستريح. أما تقتدي بصبر الذبيح. أما يكفيك ما تم على داود حتى بكى بقلبه القريح. أما تهتدي بزهد المسيح. أي جمع لم يتفرق. أي شمل لم يتمزق. أي صفو لم يتكدر. أي حلو لم يتمرر. أي أمل لم يقطعه الأجل. أي تدبير لم يبطله التقدير. أي بشير لم يعقبه نذير. أي يسير ما عاد عسير. أي حال ما حال. أي مقيم ما زال. أي مال عن صاحبه ما مال. أين ذوو العمر الطويل. أين ذوو المال الجزيل. أين ذوو الوجه الجميل. أما قرضهم الموت جيلاً بعد جيل. أما سوى في الثرى بين العبد الذليل والمولى الجليل. أما هتف بالمتمتع في دنياه قل: متاع الدنيا قليل. فكيف تلومني على نواحي. وتستشئم بصياحي. في مسائي وصباحي. ولو علمت أيها

اللاحي. بما فيه صلاحك وصلاحي لاتشحت بوشاحي. ووافقتني في سواد جناحي. وأجبتني بالنواح. من سائر النواحي. لكن ألهاك لهوك. وحجبك عجبك وزهوك. وها أنا أعرف النازل. بخراب المنازل. وأحذر الآكل غصة المآكل. وأبشر الراحل. بقرب المراحل. وصديقك من صدقك. لا من صدقك. ومن عذلك لا من عذرك. ومن بصرك لا من نصرك. ومن وعظك. فقد أيقظك ومن أنذرك فقد حذرك. ولقد أنذرتك بسوادي. وحذرتك بتردادي. وأسمعتك ندائي في النادي. ولكن لا حياة لمن تنادي: أنوح على ذهاب العمر مني ... وحقي أن أنوح وأن أنادي وأندب كلما عاينت ركباً ... حدا بهم لوشك المبين حادي يعنفني الجهول إذا رآني ... وقد ألبست أثواب الحداد فقلت له اتعظ بلسان حالي ... فإني قد نصحتك باجتهادي وها أنا كالخطيب وليس بدعاً ... على الخطباء أثواب السواد ألم ترني إذا عاينت ربعاً ... أنادي بالنوى في كل وادي أنوع على الطلول فلم يجبني ... بساحتها سوى خرس الجماد وأكثر في نواحيها نواحي ... من البين المفتت للفؤاد تيقظ يا ثقيل السمع وافهم ... إشارة ما تشير به الغوادي فما من شاهد في الكون إلا ... عليه من شهود الغيب بادي فكم من رائح فيها وغاد ... ينادي من دنو أو بعاد

إشارة الهدهد

لقد أسمعت لو ناديت حياً ... ولكن لا حياة لمن أنادي إشارة الهدهد (قال) : فلما كدر علي الغراب وقتي. وحذرني مقتي. انصرفت من حضرتي. إلى خلوة فكرتي. فهتف بي هاتف من سماء فطرتي. أيها السامع منطق الطير. المتأسف على فوات الخير. تالله لو صغت الضمائر. لنفذت البصائر. واهتدى السائر. وما ضل الحائر. ولو طابت الخواطر. لبانت الأمائر. ولو شرحت السرائر. لظهرت البشائر. ولو انشرحت الصدور. لظهر لك النور. ولو ارتفعت الستور. لانكشف المستور. ولو طهرت القلوب. لظهرت سرائر الغيوب. ولو خلعت ثياب الإعجاب. لرفع لك الحجاب. ولو غبت عن عالم العيب. لشاهدت عالم الغيب. ولو قطعت العلائق. لانكشفت لك الحقائق. ولو خالفت العادة. لما انقطعت عنك المادة. ولو تجردت عن الإرادة. لوصلت إلى رتبة السيادة. ولو ملت عن هواك لمال بك إليه. ولو فارقت أباك لجمعك عليه. ولو بعد عنك لوجدت الزلفى لديه. ولكنك مسجون في سجن طبعك. مقيد بقيد مألوفك. متشاغل بشواغل نفسك. متعلق بحبال خيال حسك. قد أزمنتك برودة عزمك وأحرقتك حرارة حرصك. وأثقلتك تخمة بطرك. واستعمتك عفونة رعونتك. وبرسمتك وساوس شهوتك. فأنت بارد الهمة. مقعد العزمة. جامد الفكرة. فاسد الفطرة. كثير

إشارة الكلب

الحيرة. قد انعكس ذوق فهمك. فرأيت الحسن قبيحاً. والقبيح حسناً. ألا ترى إلى الهدهد حين حسنت سيرته. وصت سريرته. كيف نفذت بصيرته. فتراه يشاهد بالنظر. ما تحجبه الأرض عن سائر البشر. فيرى في بطنها الماء الثجاج. كما تراه أنت في الزجاج. ويقول بصحة ذوقه وصدقه: هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج. ويقول: أنا الذي أوتيت مع صغر الجثمان. ما لم يؤته سليمان. فإن كنت ممن يقبل نصحي. فحسن سيرتك. وأصف سريرتك. وطيب أخلاقك. وراقب خلاقك. وتأدب بأحسن الآداب. ولو أنها من الدواب. فإنه من لم يأخذ إشارته من صرير الباب وطنين الذباب. ونبيح الكلاب. وحشرات التراب. ويفهم ما يشير به مسير السحاب. ولمع السراب. وضياء الضباب. فليس من ذوي الألباب. إشارة الكلب (قال) : فبينما أنا مستغرق في لذة الخطاب. منصت للجواب. إذ ناداني كلب على الباب. يلقط من المزابل ما يسقط من اللباب. فقال: يا من هو من وراء الحجاب. يا محجوباً عن المسبب بالأسباب. يا مسبلاً ثياب الإعجاب. تأدب بآدابي. فإن فعل الجميل دابي. وسس نفسك بسياستي. واسمع ما أقول لك من فراستي. وما عليك من خساستي. فإني إن كنت في الصورة حقيراً. تجدني في المعنى فقيراً. لا أزال واقفاً على أبواب سادتي. غير راغب في سيادتي. فلا

أتغير عن عادتي. ولا أقطع عنهم مادتي. أطرد فأعود. وأضرب ولست بالحقود. وأنا حافظ للود باق على العهود. أقوم إذا كان الأنام رقود. وأصوم والخوان ممدود. وليس لي مال معدود. ولا سماط ممدود. ولا رباط معهود. ولا مقام محمود. إن أعطيت شكرت. وإن منعت صبرت. لا أرى في الآفاق شاكياً. ولا على ما فات باكياً. إن مرضت فلا أعاد. وإن مت فلا أحمل على أعواد. وإن غبت فلا يقال ليته عاد. وإن فقدت فلا تبكيني الأولاد. وإن سافرت فلا أستصحب الزاد. لا مال لي يورث. ولا عقار فيحرث. إن فقدت فلا يبكى علي. وإن وجدت فلا ينظر إلي. وأنا مع ذلك أحوم حول حماهم. وأدوم على وفاهم. عاكف على مزابلهم. قانع بطلهم دون وابلهم. فإن أعجبك خلالي فتمسك بأذيالي. وتعلق بحبالي. وإن أردت وفاقي. فتخلق بأخلاقي: وتعلم حفظ المودة مني ... وتمسك إلى العلى بحبالي أنا كلب حقير قدر ولكن ... لي قلب خال من الإدغال أحفظ الجار في الجوار ودأبي ... أن أحامي عليهم في الليالي وتراني في كل عسر ويسر ... صابراً شاكراً على كل حال لا يبالى علي إن مت جوعاً ... أو سقتني الأيام مر النكال لا يراني الإله أشكو لخلق ... إذ على الله في الأمور اتكالي أحمل الضيم فيه صوناً لعرضي ... وفراراً من مر ذل السؤال

إشارة الجمل

فخلالي على خساسة قدري ... في المعالي يفقن كل خلال إشارة الجمل فقال الجمل: أيها الراغب في السلوك. إلى منازل الملوك. إن كنت تعلمت من الكلب زهداً وفقراً. فتعلم مني جلداً وصبراً. فإن من توسد الفقر. وجب عليه معانقة الصبر. فإن الفقير الصابر. معدود من الأكابر. ها أنا أحمل الأحمال الثقال. وأقطع المراحل الطوال. وأكابد الأهوال. وأصبر على مر النكال. ولا يعتريني في ذلك ملال. ولا أصول صولة الأرذال. بل أنقاد للطفل الصغير. ولو شئت لاستصعبت على الأمير الكبير. فأنا الذلول. الذي للأثقال حمول. وفي الأحمال ذمول. ولست بالخائن ولا بالملول. ولا بالصائل عن المصول. ولا بالمائل عن القفول. أقطع في الوحول. ما تعجز عنه الصناديد الفول. وأصابر في ظمأ الهواجر وفي الحاجر لا أحول. فإذا قضيت حق صاحبي. وبلغت مأربي. ألقيت حبلي على غاربي. وذهبت في البوادي. أكتسب من المباح زادي. وإن سمعت صوت الحادي. سلمت إليه قيادي. وأوصلت فيه سهادي. ومددت عنقي لبلوغ مرادي. فإن ضللت فالدليل هادي. وإن زللت أخذ بيدي من إليه انقيادي. فأنا المسخر لكم بإشارة وتحمل أثقالكم. فلا أزال بين رحلة ومقام. حتى أصل إلى ذلك المقام.

إشارة الفرس

إشارة الفرس فقال الفرس: أيها الفقير الصابر. الطالب سبل المآثر. تعلم مني حسن الأدب. وصدق الطلب. لبلوغ الأرب. ها أنا أحمل مباهلي. على كاهلي. فأجتهد في السير. وأنطلق به كالطير. أهجم هجوم الليل. وأقتحم اقتحام السيل. فإذا كان طالباً أدرك بي طلبه. وبلغ بي أربه. وإن كان مطلوباً قطعت عن طالبه سببه. وجعلت أسباب الردى عنه محجبة. فلا يدرك مني إلا الغبار. ولا يسمع عني إلا الأخبار. فإن كان الجمل هو الصابر المجرب. فأنا الشاكر المقرب. وإن كان هو المقتصد اللاحق. فأنا المجتهد السابق. فإذا كان يوم اللقا. وأوان الملتقى. أقدمت إقدام الواله. وسبقت ضرب نباله. وذاك متخلف لثقل أحماله. معاق لتفتيش ما في رحاله. ورأيت ثم حقوقاً لا يستوفيها إلا كل موف. وطريقاً ر يقطعها إلا كل مخف. فلذلك شمرت عن ساق. وتضمرت ليوم السباق. وقلت لمن أسكره الطيش فما أفاق. وغره العيش الذي قد راق: ما عندكم ينفد وما عند الله باق. فيا من هو عن المراد مردود. وفي الطراد مطرود. هلا نظرت إلى الوجود. وفهمت المقصود. وأقمت على نفسك الحدود. وأوثقت جوارحك بالقيود. وذكرت الأجل المحدود. والنفس المعدود. وخشيت اليوم الموعود. ها أنا لما أوثق سائسي قيدي. أمن قائدي كيدي. فكم أكل سائقي من صيدي.

إشارة دود القز

وكم لي على مسابقي من أيدي. أوثقت بشكالي. كيلا أصول على أشكالي. وأخذت بعناني. كيلا أذهب إلى غير ما عناني. وألجمت بلجامي. لئلا يفسد علي نظامي. وألزمت بحزامي. خشية من غفلتي عن قيامي. ونعلت بالحديد أقدامي. كيلا أكل عند إقدامي. فأنا الموعود بالنجاة. المعدود للجاه. المشدود للسلامة. المقصود بالكرامة. والخير معقود بنواصي إلى يوم القيامة. خلقت من الريح. وألهمت التقديس والتسبيح. وما برح ظهري عزاً. وبطني كنزاً. وصحبتي حرزاً. وكم حززت أهل النفاق حزاً. فكم أخليت منهم الآفاق فهل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً. (فجاوبته) تالله لقد حويت من الخلال أجملها. ومن الفعال أكملها. إشارة دود القز فقالت دودة القز: تالله ليست الفحولية بالصور والهياكل. ولا الرجولية بترك المشارب والمآكل. ولا الإيثار ببذل النثار. إنما الجود لمن جاد بموجوده. وآثر بحياته ووجوده. فإن كانت خصال الخير معدودة. فأجلها مع دودة. أنا في الدود كدودة. ولأهل الود ودودة. أنا المتوالدة من غير والد ولا مولودة. أؤخذ في البداية بزراً. كما يأخذ الزارع بذراً. فإذا تمت أيام حملي. وآذنت القدرة بجمع شملي. انفصل عن ذلك الحمل

نسلي. وحصل من ذلك الفصل وصلي. فأنظر في يوم ميلادي. فلا أرى لي أباً ولا أماً. ولا خالاً ولا عماً. فتكتنفني أيدي الرجال والنساء. بالتربية في الصباح والمساء. وأحمى عن تخاليط الأغذية حائداً. ولا أطعم إلا غذاء واحداً. فإذا تم حولي. وبدت قوتي وحولي. بادرت إلى شكر من أنعم علي. ومكافأة من أحسن إلي. فأشرع في عملي ما يصلح للإنسان. قياماً بمأمور: هل جزاء الإحسان إلا الإحسان. فأبتدر من غير دعوى. ولا إظهار شكوى. فأنسج بإلهام التقدير. ما يعجز عنه أهل التدبير. فأسبل من لعابي ما أشكر عليه بعد ذهابي. وأستخرج من صنعة صانعي ملابس. تزين اللابس. فالملوك تفتخر بخزي. والسلاطين تتنافس في أردية قزي. فأنا أجمل المطارف. وأرهج الزخارف. فإذا كافيت من أحسن إلي. وأديت شكر ما وجب له علي. جعلت بيتي المنسوج قبري. وفي طية نشري. فأضيق علي حبسي. وأهلك نفسي بنفسي. وأمضي إلى رمسي. كمضي أمسي. فأنا الذي أجود بخيري. وأبالغ في نفع غيري. وأنا المعذبة بضيري. ثم من نكد هذه الدار المجبولة على الأكدار. أنني ابتليت بحريق النار وحسد الجار. وقد اعتدى علي ظلماً وجار. وهو هذه العنكبوت. المخصوصة بأوهن البيوت. تجاورني وتجاوزني. وتقول: لي نسج ولك نسيج. وأمري وأمرك مزيج. فقلت لها: ويحك أنت نسجك شبكة الذباب. ومجمع

إشارة العنكبوت

للتراب. وأنا نسجي زينة الكواعب الأتراب. أما قد ضرب بضعفك المثل. وأين الكحل من الكحل. وأين البدر من النجم إذا أفل. إشارة العنكبوت فقالت العنكبوت: إن كان بيتي أوهن البيوت. وحبلي مبتوت. فإن فضلي عليك في سجل الذكر مثبوت. أما أنا فما لأحد علي منة. ولا لأم علي حنة. من حين أولد أنسج لنفسي أبيات. في جميع الأوقات. فأول ما أقصد زاوية البيت. وإن كان خراباً فهو أحسن ما أويت. فأقصد الزوايا. لما فيها من الخبايا ولما في سرها من النكت الخفايا. فألقي لعابي على حافلتها. حذراً من الخلطة وآفاتها. ثم أفرد من طافا غزلي خيطاً دقيقاً. منكساً في الهواء رقيقاً. فأتعلق به مسبلة يدي. ممسكة برجلي. فيظن الغر بتلك الحالة. أنني ميت لا محالة. فتمر الذبابة فأختطفها بحبائل كيدي. وأودعها شبكة صيدي. وأنت أيها الغدارة. التي بزخرفها غرارة. إنما جعلت زينة لناقصات العقول. ولهو للصبيان الذين ليس لهم معقول. وقد حرمت على الرجال الفحول. لأن حسنك عن قريب يحول. وما لك في الحقيقة محصول. ولا إلى الطريقة وصول. فيا ويح محروم حرم السؤال: أيها المعجب فخراً ... بمقاصير البيوت فارض في الدنيا بثوب ... ومن العيش بقوت واتخذ بيتاً ضعيفاً ... مثل بيت العنكبوت

إشارة النملة

3 ثم قل يا نفس هذا ... بيت مثواك فموتي إشارة النملة فقالت النملة: إذا ما رماك الدهر بمرمى فنم له. وتعلم مني قوة الاستعداد. وتحصيل الزاد. ليوم المعاد. وانظر إلى غرة عزمي. وصحة حزمي. وتأكل كيف شدت يد القدرة للخدمة وسطي. فأول ما فتحت عيني من العدم. رأيتني واقفة على القدم. لأكون من جملة الخدم. ثم كلفت بجمع المؤونة. بتيسير المعونة. ثم أعطيت قوة الشم من بعد الفراسخ. ما لا يدركه العالم الراسخ. فأدبر ما أذخره من الحب لقوتي. في بيوتي. فيلهمني فالق الحب والنوى. أن أقسم الحبة نصفين بالسوى. فإن كانت الحبة كزبرة. فلها حكمة مدبرة. وهو أن أفلقها أربع فلق فإنها إذا انفلقت نصفين نبتت. وإن قطعت أربعاً انقطعت. وإن خفت عليها في الشتاء عفونة الأرض أن تضرها. أخرجتها في يوم شامس فتجففه الشمس بحرها. فلا يزال ذلك دابي. وأنت تظن أنه أردى بي. وتعتقده في نقصاً. وانهماكاً على الدنيا وحرصاً. كلا كلا لو علمت حقيقة أمري. لأقمت في ذلك عذري. ولارتفع عندك قدري. فكل نملة تجتهد في سيرها. وتحصيل خيرها. لنفع غيرها. متعرضة للهلاك. ومصايد الأشراك. فإما أن تهلك عطشاً أو جوعاً. أو تقع في مفازة فلا تجد رجوعاً. تختطفها ذبابة. أو تطأها دابة. فتلقي ما في أيديها بين

إشارة العنقاء

أيديهن. فتقسمه بالسوية عليهن من غير خصوص. ولا حظ منقوص. إشارة العنقاء (قال الشيخ) : لكم البشارة. يا أهل البشارة. إن فهمتم رمز هذه العبارة. فأنصتوا بضرب هذه الأمثال المستعارة. (قيل) اجتمع الطيور وقالوا: لا بد لنا من ملك نعترف له ونعرف به. فهلموا ننطلق في طلبه. ونستمسك بسببه. ونعش في ظله. ونعتصم بحبله. وقد بلغنا أن بجزائر البحر ملكاً يقال له عنقاء مغرب. قد نفذ حكمه في المشرق والمغرب. فهلموا بنا إليه. متوكلين عليه. فقيل لهم إن البحر عميق والطريق مضيق. والسبيل سحيق. وبين أيديكم جبال شاهقة. وبحار مغرقة. ونيران محرقة. ولا سبيل لكم إلى الاتصال. ولو تقطعت الأوصال. فدون وصاله حد النصال. فأقمن في أوكاركن. فإن العجز من شانكن. والملك غني عنكن. وإن الله لغني عن العالمين. قالوا: صدقت ولكن منادي الطلب ينادي. ففروا إلى الله. فطاروا بأجنحة ويتفكرون في خلق السماوات والأرض. صابرين على ظمأ الهواجر. بإشارة: ومن يخرج من بيته مهاجراً. فسلكن سبيلاً عدلاً. إن أخذن ذات اليمين أرمتهن برودة الرجاء. وإن عدلن ذات الشمال أحرقتهن حرارة الخوف. فهم بين سباق. ولحاق ومحاق. وتلاش واحتراق. وتغاش واستغراق. وبعد وافتراق. حتى وصل كل منهم إلى جزيرة الملك وقد سقط ريشه. وتكدر عيشه.

وتضاعف نحوله. وتزايد ذبوله. فوصلوا إليه خماصاً. بعدما كن بطاناً. وجئنه فرادى بعد أن فارقن أوطاناً. فلما أن وصلوا إلى جزيرة الملك وجدوا فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين. قم قالوا: نحن لا نريد إلا الملك الذي خرجنا من أجله على المحاجر. وقطعنا إليه كل حاجر. وصبرنا على ظمأ الهواجر. ثم لا نشتغل بالملابس والمفاخر. فو الذي لا إله إلا هو. لا نريد إلا هو. ثم قال لهم الملك: ويحكم لأي شيء جئتم. وبأي شيء أتيتم. قالوا: أتيناك بذلة العبيد. وإنك لتعلم ما نريد. فقال لهم: ارجعوا من حيث جئتم. فأنا الملك شئتم أو أبيتم. وإن الله لغني عنكم. قالوا: سيدي أنت الغني ونحن الفقراء. وأنت العزيز ونحن الأذلاء. وأنت القوي ونحن الضعفاء. فبأي قوة نرجع وقد ذهب قوانا. ونحل عرانا. واضمحل وجودنا مما اعترانا. فقال هم الملك: وعزتي وجلالي إذا صح افتقادكم. وثبت انكساركم. فعلي انجباركم. انطلقوا فداووا العليل. في ظلي الظليل. وقيلوا في خير مقيل. فحصلوا حيث وصلوا. فلما حضروا نظروا. فإذا الحجب قد رفعت. والأحباب قد جمعت. وشاهدوا ما لا عين رأت ولا أذن سمعت: يا قلب بشراك أيام الرضا رجعت ... وهذه الدار للأحباب قد جمعت أما ترى نفحات الحي قد عبقت ... أنفاسها وبروق القرب قد لمعت فعش هنيئاً بوصل غير منفصل ... مع من تحب وحجب الهجر قد رفعت وانظر جمال الذي من أجل رؤيته ... قلوب عباده في حبه انصدعت

الباب السابع في الذكاء والأدب

الباب السابع في الذكاء والأدب مدح مختلف العلوم قد مدح أبو عثمان الجاحظ أنواع العلوم وذمها بأعيانها معرباً عن قدرته على الكلام وبعد شأوه في البلاغة. وحين سئل عن الأثر فقال: هو أخبار الماضين. وأنباء الغابرين. وقصص المرسلين. وآداب الدنيا والدين. ومعرفة الفرض والنافلة والشريعة والسنة. والمصلحة والمفسدة والنار والجنة. إلى صاحبه تشد الرحال. وحوله يعتكف الرجال. ويسير به ذكره في البلدان. ويبقى اسمه على ممر الزمان. قيل: فالفقه. قال: فيه علم الحلال والحرام. وبه تعرف الشرائع وتقام الحدود والأحكام. وهو عصمة في الدنيا وزينة في الآخرة. يخطب لصاحبه فضل الأعمال ويخلع عليه ثوب الجمال. ويلبسه الغنى ويبلغه مرتبة القضاء. قيل: فالكلام. قال: عيار كل صناعة. وزمام كل عبارة. وقسطاس يعرف به الفضل والرجحان. وميزان يعلم به الزيادة والنقصان. وكير تميز به الخاص والعام. والخالص والمشوب. ويعرف به الإبريز والستوق. وينظر به الصفو والكدر. وسلم يرتقي به إلى معرفة الصغير والكبير. ويوصل به إلى الحقير والخطير. وأدلة للتفصيل والتحصيل. وإدراك الدقيق والجليل. وآلة

لإظهار الغامض المشتبه. وأداة لكشف الخفي والملتبس. وبه تعرف ربوبية الرب وحجة الرسل. ويحترز به من شبهات المقالات. وفساد التأويلات. وبه تدفع مضلات الأهواء والنحل. وتبطل تأويلات الأديان والملل. وينزه عن غباوة التقليد وغمة الترديد. قيل: فالفلسفة. قال: أداة الضمائر وآلة الخواطر. ونتائج العقل وأدلة لمعرفة الأجناس والعناصر. وعلم الأعراض والجواهر. وعلل الأشخاص والصور. واختلاف الأخلاق والطبائع والسجايا والغرائز. قيل: فالنجوم. قال: معرفة الأهلة ومقادير الأظلة. وسموت البلدان. وإقدام الزوال في كل وقت وزمان. وعلم ساعات الليل والنهار في الزيادة والنقصان. وأمارات الغيوث والأمطار. وأوقات سلامة الزرع والثمار. قيل: فالطب. قال: سائس الأبدان. والمنبه على طبائع الحيوان. وبه يكون حفظ الصحة. ومرمة العلة. والوقوف على المنافع والمضار. والإبانة عن خبايا الأسرار. وعلم يضطر إليه الخاص والعام. ويفتقر إليه الناس والأنعام. ولا يستغني عنه الصغير والكبير. ويحتاج إليه الحقير والخطير. قيل: فالنحو. قال: يبسط من العيي اللسان. ويجري من الحصر البيان. وبه يسلم من هجنه اللحن وتحريف القول. وهو آلة الصواب المنطق وتسديد كلام العرب. قيل: فالحساب. قال: علم طبيعي لا خلاف عليه. واضطراري لا مطعن فيه. ثابت الدلالة صائب المقالة. واضح البرهان شديد البنيان.

أبو تمام والمتنبي وأبو عبادة البحتري

سالم من المناقضة. خال من المعارضة. حاكم يقطع الخلاف. مؤد إلى الإنصاف والانتصاف. وبه حفظ الأعمال. ونظام الأموال. وقوام أمور الملوك والتجار. وثبات قوانين البلاد والأمصار. قيل: فالعروض. قال: ميزان الشعر وعيار النظم. ورائض الطبع وسائس الفهم. وبه يعرف الصحيح من المريض. وفلك عليه مدار القريض. قيل: فالخط. قال: لسان اليد ولهجة الضمير. ووحي الفكر وناقل الخبر. وحافظ الأثر. وعمدة الدين والدنيا. ولقاح اللفظ والمعنى. فهذا آخر ما حكي عن الجاحظ في مدح العلوم (طرائف اللطائف) . أبو تمام والمتنبي وأبو عبادة البحتري قال ابن الأثير: لقد وقفت من الشعر على كل ديوان ومجموع. وأنفدت شطراً من العمر في المحفوظ منه والمسموع. فألفيته بحر لا يوقف على ساحله. وكيف ينتهي إحصاء قول لم تحص أسماء قائله. فعند ذلك اقتصرت منه على ما تكثر فوائده. وتتشعب مقاصده. ولم أكن ممن أخذ بالتقليد والتسليم. في إتباع من قصر نظره على الشعر القديم. إذ المراد من الشعر إنما هو إبداع المعنى الشريف. في اللفظ الجزل اللطيف. فمتى وجدت ذلك فكل مكان خيمت فهو بابل. وقد اكتفيت من هذا بشعر أبي تمام حبيب بن أوس وأبي عبادة الوليد وأبي الطيب المتنبئ. وهؤلاء الثلاثة عن لات الشعر وعزاه ومناته. الذين ظهرت على أيديهم حسناته ومستحسناته. وقد حوت أشعارهم

غرابة المحدثين وفصاحة القدماء. وجمعت بين الأمثال السائرة وحكمة الحكماء. أما أبو تمام فإنه رب معان. وصيقل ألباب وأذهان. قد شهد له بكل معنى مبتكر. لم يمش فيه على أثر. فهو غير مدافع عن مقام الإغراب. الذي برز فيه على الإضراب. ولقد مارست من الشعر كل أول وأخير. ولم أقل ما أقوله إلا بتنقير. فمن حفظ شعر الرجل وكشف عن غامضه. وراض فكره برائضه. أطاعته أعنة الكلام. وكان قوله في البلاغة ما قالته حذام. فخذ مني في ذلك قول حكيم. وتعلم ففوق كل ذي علم عليم. وأما أبو عبادة البحتري فإنه أحسن في سبك اللفظ على المعنى. وأراد أن يشعر فغنى. ولقد حاز طرفي الرقة والجزالة على الإطلاق. فبينا يكون في شظف نجد حتى يتشبث بريف العراق. وسئل أبو الطيب المتنبئ عنه وعن أبي تمام وعن نفسه فقال: أنا وأبو تمام حكيمان. والشاعر البحتري ولعمري إنه أنصف في حكمه. وأعرب في قوله هذا عن متانة علمه. فإن أبا عبادة أتى في شعره بالمعنى المقدود من الصخرة الصماء. في اللفظ المصوغ من سلاسة الماء. فأدرك بذلك بعد المرام. مع قربه إلى الأفهام. وما أقول إلا أنه أتى في معانيه بأخلاط الغالية. ورقي في ديباجه لفظه إلى الدرجة العالية. وأما أبو الطيب المتنبئ فإنه أراد أن يسلك مسلك أبي تمام فقصرت عنه خطاه. ولم يغطه الشعر من قياده ما أعطاه. ولكنه حظي في شعره بالحكم والأمثال. واختص

بالإبداع في وصف مواقف القتال. وأنا أقول قولاً لست فيه متأثماً. ولا منه متلثماً. وذلك أنه إذا خاض في وصف معركة كان لسانه أمضى من نصالها. وأشجع من أبطالها. وقامت أقواله السامع مقام أفعالها. حتى نظن الفريقين قد تقابلا. والسلاحين قد تواصلا. وطريقه في ذلك تضل بسالكه. وتقوم بعذر تاركه. ولا شك أنه كان يشهد الحروب مع سيف الدولة فيصف لسنه ما أداه إليه عيانه. ومع هذا فإني رأيت الناس عادلين فيه عن السنن المتوسط. فإما مفرط في وصفه وإما مفرط. وهو وإن انفرد بطريق صار أبا عذره. فإن سعادة الرجل كانت أكثر من شعره. وعلى الحقيقة فإنه خاتم الشعراء. ومهما وصف به فهو فوق الوصف وفوق الإطراء. ولقد صدق في قوله من أبيات يمدح بها سيف الدولة: لا تطلبن كريماً بعد رؤيته ... إن الكرام بأسخاهم يداً ختموا ولا تبال بشعر بعد شاعره ... قد أفسد القول حتى أحمد الصمم ولما تأملت شعره بعين المعدلة البعيدة عن الهوى. وعين المعرفة التي ما ضل صاحبها وما غوى. وجدته أقساماً خمسة. خمس منها في الغاية التي انفرد بها. وخمس من جيد الشعر الذي يشاركه فيه غيره. وخمس منه من متوسط الشعر. وخمس دون ذلك. وخمس في الغاية المتقهقرة التي لا يعبأ بها. وعدمها خير من وجودها. ولو لم يقلها أبو الطيب لوفاه الله شرها. فإنها هي التي ألبسته لباس

وصف القلم

الملام. وجعلت عرضه شارة لسهام الأقوام. ولسائل هنا أن يسأل ويقول: لم عدلت إلى شعر هؤلاء الثلاثة دون غيرهم. فأقول: إني لم أعدل إليهم اتفاقاً وإنما عدلت نظراً واجتهاداً. وذلك أني وقفت على أشعار الشعراء قديمها وحديثها حتى لم يبق ديوان شاعر مفلق يثبت شعره على المحك إلا وعرضته على نظري. فلم أجد أجمع من ديوان أبي تمام وأبي الطيب للمعاني الدقيقة ولا أكثر استخراجاً للطيف الأغراض والمقاصد. ولم أجد أحسن تهذيباً للألفاظ من أبي عبادة ولا أنفس ديباجة ولا أبهج سبكاً. فاخترت دواوينهم لاشتمالها على محاسن الطرفين من المعاني والألفاظ. ولما حفظتها ألقيت ما سواها ما ما بقي على خاطري من غيرها (المثل السائر لابن الأثير) . وصف القلم قالوا: القلم أحد اللسانين وهو المخاطب للغيوب. بسراير القلوب. على لغات مختلفة من معان معقولة. بحروف معلولة. متباينات الصور مختلفات الجهات. لقاحها التفكير ونتاجها التدبير. تخرس منفردات. وتنطق مزدوجات. بلا أصوات مسموعة ولا ألسن محدودة ولا حركات ظاهرة. خلا قلم حرف باريه. قطته ليتعلق المداد فيه وأرهف جانبيه ليرد ما انتشر عنه إليه وشف رأسه ليحتبس المداد عليه. فهنالك استمد القلم بشقه ونثر في القرطاس بخطه حروفاً أحكمها التفكر وأولى الأسماع بها الكلام الذي سداه العقل وألحمه

وصف الخط

اللسان ونهسته اللهوات وقطعته الأسنان ولفظته الشفاه ورعته الأسماع عن أنحاء شتى من صفات وأسماء. قال البحتري: طعان بأطراف القوافي كأنه ... طعان بأطراف القنا المتكسر قال بعض الكتاب يصف محبرة: ولقد مضيت إلى المحدث آنفاً ... وإذا بحضرته ظباء رتع وإذا ظباء الإنس تكتب كل ما ... يملي وتحفظ ما يقول وتسمع يتجاذبون الحبر من ملمومة ... بيضاء تحملها علائق أربع من خالص البلور غير لونها ... فكأنها سبج يلوح ويلمع إن نكسوها لم تسل ومليكها ... فيما حوته عاجلاً لا يطمع ومتى أمالوها لرشف رضابها ... أداه فوها وهي لا تتمنع وكأنها قلبي يضن بسره ... أبداً ويكتم كل ما يستودع وصف الخط سئل بعض الكتاب عن الخط متى يستحق أن يوصف بالجودة. قال: إذا اعتدلت أقسامه. وطالت ألفه ولامه. واستقامت سطوره وضاهى صعوده حدوره. وتفتحت عيونه. ولم تشتبه راؤه ونونه. وأشرق قرطاسه وأظلمت أنقاسه. ولم تختلف فصوله. وأسرع إلى العيون تصوره. وإلى العقول تثمره. وقدرت فصوله. واندمجت أصوله. وتناسب دقيقه وجليله. وخرج من نمط الوراقين. وبعد عن تصنع المحبرين. وقام لصاحبه مقام النسبة والحلية (للقيراوني) .

قصيدة ابن البواب في وصف صناعة الخط

قصيدة ابن البواب في وصف صناعة الخط يا من يريد إجادة التحرير ... ويروم حسن الخط والتصوير إن كان عزمك في الكتابة صادقاً ... فارغب إلى مولاك في التيسير أعدد من الأقلام كل مثقف ... صلب يصوغ صياغة التحبير وإذا عمدت لبريه فتوخه ... عند القياس بأوسط التقدير أنظر إلى طرفيه فاجعل بريه ... من جانب التدقيق والتخصير واجعل لجلفته قواماً عادلاً ... يخلو عن التطويل والتقصير حتى إذا أتقنت ذلك كله ... إتقان طب بالمراد خبير فاصرف لرأي القط عزمك كله ... فالقط فيه جملة التدبير لا تطمعن في أن أبوح بسره ... إني أضن بسره المستور لكن جملة ما أقول بأنه ... ما بين تحريف إلى تدوير وألق دواتك بالدخان مدبراً ... بالخل أو بالحصرم المعصور وأضف إليه مغرة قد صولت ... مع أصفر الزرنيخ والكافور حتى إذا ما خمرت إلى ال ... ورق النقي الناعم المخبور فاكبسه بعد القطع بالمعصار كي ... ينأى عن التشعيث والتغبير ثم اجعل التمثيل دأبك صابراً ... ما أدرك المأمول مثل صبور إبدأ به في اللوح منتضياً له ... عزماً تجرده عن التشمير لا تخجلن من الردي تخطه ... في أول التمثيل والتسطير

في الأدب وتربية الصغار

فالأمر يصعب ثم يرجع هيناً ... ولرب سهل جاء بعد عسير حتى إذا أدركت ما أملته ... أضحيت رب مسرة وحبور فاشكر إلهك واتبع رضوانه ... إن الإله يحب كل شكور وارغب لكفك أن تخط بنانها ... خيراً تخلفه بدار غرور فجميع فعل المرء يلقاه غداً ... عند التقاء كتابه المنشور في الأدب وتربية الصغار كتب أبو الفضل هبة الله إلى أبي علي مدرس ابنه: أبا علي هو الدهر الخؤون وما ... يحظى بجدواه إلا الجاهل الغمر إني لأشكر ما أوليت من حسن ... حتى أرى وبه أسمو وأفتخر ولو أردت مكافأة على منن ... أسديتها لتقضى دونها العمر عهدت فضلك لا يحتاج تذكرة ... وحسن رأيك ما في نفعه ضرر راجع سدادك فيه فهو إن سمحت ... به الليالي على أحداثها وزر واحفظ له حق آباء ومعرفة ... مضت بتأكيدها الأيام والعصر وأوله منك قسطاً من ملاحظة ... فما يرى لك في إهماله عذر فإن نبعة طابت منابته ... صلب على العجم ما في عوده خور مغرى بما زاد في قدر ونزلة ... وما تبدى له في خلده شعر دلائل مخبرات عن نجابته ... كالنار تخبر عن ضوضائها الشرر من معشر حلت العلياء بينهم ... يعد شكرهم فخراً إذا شكروا قال لسان الدين في تربية الولد أحسن آدابهم. واجعل

الخير دابهم. وخف عليهم من إشفاقك وحنانك. أكثر من غلظة جنابك. واكتم عنهم ميلك. وأفض فيهم جودك ونيلك. وأثبهم على حسن الجواب. وسبق لهم خوف الجزاء على رجاء الثواب. وعلمهم الصبر على الضرار. والمهلة عند استحقاق الجرائر. وخذهم بحسن السرائر. وحبب إليهم مراس الأمور الصعبة المراس. وحسن الاصطناع والاحتراس. والاستكثار من أولي المراتب والعلوم. والسياسات والحلوم. والمقام المعلوم. وكره إليهم مجالسة الملهين. ومصاحبة الساهين. جاهد أهواءهم عن عقولهم. وحذر الكذب على مقولهم. ورشحهم إذا آنست منهم رشداً أو هدياً. وأرضعهم من المؤازرة والمشاورة ثدياً. لتمرنهم على الاعتياد وتحملهم على الازدياد. ورضهم رياضة الجياد. واحذر عليهم الشهوات فهي داؤهم. وأعداؤك في الحقيقة وأعداؤهم. وتدارك الخلق الذميمة كل ما نجمت. وأقذعها إذا هجمت. قبل أن يظهر تضعيفها. ويقوى ضعيفها إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ... ولن تلين إذا قومتها الخشب وإذا قدروا على التدبير. وتشوفوا للمحل الكبير. فإياك أن توطنهم في مكانك جهد إمكانك. وفرقهم في بلدانك تفريق عبدانك. واستعملهم في بعوث جهادك. والنيابة عنك في سبيل اجتهادك. وانظر إليهم بأعين الثقات. فإن عين الثقة تبصر ما لا تبصر عين المحبة والمقة (للمقري) .

الباب الثامن في السيف والقلم

الباب الثامن في السيف والقلم فاخر صاحب سيف صاحب قلم فقال صاحب القلم: أنا أقتل بلا غرر. وأنت تقتل على خطر. وصرير الأقلام أشد من صليل الحسام. فقال صاحب السيف: القلم خادم السيف إن تم مراده وإلا فإلى السيف معاده. أما سمعت قول أبي تمام: السيف أصدق أنباء من الكتب ... في حده الحد بين الجد اللعب بيض الصفائح لا سود الصحائف في ... متونهن جلاء الشك والريب قال أبو الطيب المتنبئ: حتى رجعت وأقلامي قوائل لي ... المجد للسيف ليس المجد للقلم اكتب بنا أبداً بعد الكتاب به ... فإننا نحن للأسياف كالخدم وقال ابن الرومي في تفضيل القلم على السيف: لعمرك ما السيف سيف الكمي ... بأخوف من قلم الكاتب له شاهد إن تأملته ... ظهرت على سره الغائب أداة المنية في جانبيه ... فمن مثله رهبة الراهب سنان المنية في جانب ... وحد المنية في جانب ألم تر في صدره كالسنان ... وفي الردف كالمرهف القاضب قال الصولي أنشدني طلحة بن عبيد الله في القلم:

فصل في التفاوت بين مراتب السيف والقلم في الدول

وإذا أمر على المهارق كفه ... بأنامل يحملن شختاً مرهفا متقاصراً متطاولاً ومفصلاً ... وموصلاً ومشتتاً ومؤلفا ترك العداة رواجفاً أحشاؤها ... وقلاعها قلعاً هنالك رجفا كالحية الرقشاء إلا أنه ... يستنزل الأروى إليه تلطفا يرمي به قلماً يمج لعابه ... فيعود سيفاً صارماً ومثقفا وقال فيه أيضاً محمود بن أحمد الأصبهاني: أخرس ينبيك بإطراقه ... عن كل ما شئت من الأمر يذري على قرطاسه دمعة ... يبدي بها السر وما يدري يرى أسيراً في دواة وقد ... أطلق أقواماً من الأسر أخرق لو لم تبره لم يكن ... يرشق أقواماً ولم يبري كالبحر إذ يجري وكالليل إذ ... يغشى وكالصارم إذ يفري وقال أحمد بن جرار: أهيف ممشوق بتحريكه ... يحل عقد السر إعلان له لسان مرهف حده ... من ريقه الكرسف ريان ترى بسيط الفكر في نظمه ... شخصاً له حد وجثمان كأنما يسحب في إثره ... ذيلاً من الحكمة سحبان لولاه ما قام منار الهدى ... ولا سما للملك ديوان فصل في التفاوت بين مراتب السيف والقلم في الدول اعلم أن السيف والقلم كلاهما آلة لصاحب الدولة يستعين

بها على أمره. إلا أن الحاجة إلى السيف في أول الدولة ما دام أهلها في تمهيد أمرهم أشد من الحاجة إلى القلم إذ القلم في تلك الحال فقط منفذ للحكم السلطاني. والسيف شريك في المعونة. وكذلك في آخر الدولة حيث تضعف عصبيتها ويقل أهلها بما ينالهم من الهرم. فتحتاج الدولة إلى الاستظهار بأرباب السيوف وتقوى الحاجة إليهم في حماية الدولة والمدافعة عنها. كما كان الشأن أول الأمر في تمهيدها. فتكون للسيف مزية في الحالتين على القلم. ويكون أرباب السيف حينئذ أوسع جاهاً وأكثر نعمة وأسنى إقطاعاً. وأما في وسط الدولة فيستغني صاحبها بعض الشيء عن السيف. لأنه قد تمهد أمره ولم يبق همه إلا في تحصيل ثمرات الملك من الجباية والضبط ومباهاة الدول وتنفيذ الأحكام. والقلم هو المعين له في ذلك فتعظم الحاجة إلى تصريفه وتكون السيوف مهملة في مضاجع غمودها. إلا إذا نابت نائبة أودعت إلى سد فرجة وما سوى ذلك فلا حاجة إليها. فيكون أرباب الأقلام في هذه الحالة أوسع جاهاً وأعلى مرتبة وأعظم نعمة وثروة. وأقرب إلى السلطان مجلساً وأكثر إليه تردداً. وفي خلواته نجياً. لأنه حينئذ آلته التي بها يستظهر على تحصيل ثمرات ملكه والنظر في أعطافه وتثقيف أطرافه والمباهاة بأحواله. ويكون الوزراء حينئذ وأهل السيوف مستغنى عنهم مبعدين عن ناظر السلطان حذرين على أنفسهم من بوادره. وفي معنى ذلك ما كتب به أبو مسلم

للمنصور حين أمره بالقدوم: أما بعد فإنه مما حفظناه من وصايا الفرس: أخوف ما يكون الوزراء إذا سكنت الدهماء. سنة الله في عباده والسلام (مقدمة ابن خلدون) . قال ابن الرومي: إن يخدم القلم السيف الذي خضعت ... له الرقاب ودانت خوفه الأمم فالموت والموت لا شيء يقابله ... ما زال يتبع ما يجري به القلم بذا قضى الله للأقلام مذ بريت ... أن السيوف لها مذ أرهفت خدم قال حبيب في قلم ابن عبد الملك الزيات وأحسن: لك القلم الأعلى الذي بسنانه ... تصاب من المرء الكلى والمفاصل له الجلوات اللاء لولا نجيها ... لما احتفلت للملك تلك المحافل لعاب الأفاعي القاتلات لعابه ... وأرى الجنى اشتارته أيد عواسل له ديمة طل ولكن وقعها ... بآثاره في الشرق والغرب وابل فصيح إن استنطقته وهو راكب ... وأعجم إن خاطبته وهو راجل إذا ما امتطى الخمس اللطاف وأفرغت ... عليه شعاب الفكر وهي حوافل أطاعته أطراف القنا وتقوضت ... لنجواه تقويض الخيام الجحافل إذا استعذر الذهن الذكي وأقبلت ... أعاليه في القرطاس وهي أسافل وقد رفدته الخنصران وسددت ... ثلاث نواحيه الثلاث الأنامل رأيت جليلاً شأنه وهو مرهف ... ضنى وسميناً خطبه وهو ناحل قال أبو الفتح البستي:

في شرف الكتاب

إذا افتخر الأبطال يوماً بسيفهم ... وعدوه مما يكسب المجد والكرم كفى قلم الكتاب فخراً ورفعة ... مدى الدهر أن الله أقسم بالقلم لأبي الفرج بن الدهان قوم إذا أخذوا الأقلام من قصب ... ثم استمدوا بها ماء المنيات نالوا بها من أعاديهم وإن بعدوا ... ما لا ينال بحد المشرفيات في شرف الكتاب الكتاب عماد الملك وأركانه. وعيونه المبصرة وأعوانه. وبهاء الدول ونظامها. ورؤوس الرئاسة وقوامها. ملابسهم فاخرة. ومحاسنهم باهرة. وشمائلهم لطيفة. ونفوسهم شريفة. مدار الحل والعقد عليهم. ومرجع التصرف والتدبير إليهم. يهم تحلى العواطل. وتبتسم ثغور المعاقل. مجالسهم بالفضائل معمورة. وبنداهم أندية القصاد مغمورة. يهدون إلى الأسماع أنواع البديع. وينزهون الأحداق في حدائق التوشج والتوشيع. هم أهل البراعة واللسن. وشيمتهم لف القبيح ونشر الحسن. يميلون إلى القول بموجب المدح. ولا يملون من مراجعة الراغبين في المنح. دأبهم استخدام الناس بالمعروف. وعدم التورية عن العاني والملهوف. يجلون الكبير ويبجلون الصغير. ولا يخلون بمراعاة النظير. لهم إلى الخير رجوع والتفات. وبالجملة فقد حازوا جميع جميل الصفات: كتبت فلولا أن هذا محلل ... وذاك حرام قست خطك بالسحر

فإن كان زهراً فهو صنع سحابة ... وإن كان دراً فهو من لجة البحر بأيديهم أقلام. تختلس بلطفها الأحلام. صافية الجواهر. زاهية الأزاهر. لينة الأعطاف. ناعمة الأطراف. تبكي وهي مبتسمة. وتسكت وهي بما يطرب السمع متكلمة. قد اعتدلت قدودها. واشرقت في سماء البراعة سعودها. أسنتها مرهفة. ومطارفها مفوفة. تجتهد في خدمة الباري. وتبدي من دررها ما يفضح الدراري. تميس في وشي أبرادها. وتشرح الصدور بعذوبة إيرادها. نشأت على شطوط الأنهار. وتعلمت اللحن من إعراب الأطيار. طويلة الأنابيب. تسلب القلوب بحسن الأساليب. تدهش الناظر وتخجل العامل. ولا ترضى بامتطاء غير الأنامل. الشجاعة كامنة في مهجتها. والفصاحة جارية على لهجتها. تبهر بالنضارة نواظر البهار. وتطرز بالليل أردية النهار. إن قالت لم تترك مقالاً لقائل. وإن صالت رجعت السيوف مستترة بأذيال الحمائل. سجدت للطرس فرفعت إلى أعلى الرتب. وحلت وسبقت فسميت بالقصب (لكمال الدين الحلبي) . اعتمد ابن وهب بقلم صلب فصر القلم في يده فأنشد: إذا ما التقينا وانتضينا صوارماً ... يكاد يصم السامعين صريرها تساقط في القرطاس منها بدائع ... كمثل اللآلي نظمها ونثيرها تقود أبيات البيان بفطنة ... ويكشف عن وجه البلاغة نورها تظل المنايا والعطايا شوارعاً ... تدور بما شئنا وتمضي أمورها

الباب التاسع في اللطائف

الباب التاسع في اللطائف وزير المأمون والشاعر كان أبو عباد الرازي وزير المأمون شديد الحدة سريع الغضب. ربما اغتاظ من بعض من يكون بين يديه فرماه بدواته أو شتمه فأفحش. فدخل إليه الغالبي الشاعر وأنشده: لما أنخنا بالوزير ركابنا ... مستعصمين بجوده أعطانا ثبتت رحا ملك الإمام بثابت ... وأفاض فينا العدل والإحسانا يقري الوفود طلاقة وسماحة ... والناكثين مهنداً وسنانا من لم يزل للناس غيثاً ممرعاً ... متخرقاً في جوده معوانا فلما وصل إلى قوله في جوده وقف وأرتج عليه. وصار يكرر في جوده مراراً. حتى ضجر أبو عباد وغلبت عليه السوداء فقال: يا شيخ فقل: قرنانا أو صفعانا وخلصنا. فضحك جميع من كان بالمجلس وذهب غيظه هو أيضاً فضحك مع الناس. وأتم الغالبي قافيته بقوله معوانا. ثم وصله الوزير (لابن الطقطقي) . قال بعض الشعراء في ظلم الدنيا: عتبت على الدنيا بتقديم جاهل ... وتأخير ذي لب فأبدت لي العذرا بنو الجهل أبنائي وأما ألوا النهي ... فإنهم أبناء ضرتي الأخرى

مروان بن أبي حفصة وجعفر البرمكي

قال آخر في الشكر: لقد أضحت خلال أبي حصين ... حصوناً في الملمات الصعاب كساني طل وابله وآوى ... غرائب منطقي بعد اغتراب وكنت كروضة سقيت سحاباً ... فأثلت بالنسيم على السحاب قال أبو تمام: إذا كنت من كل الطباع مركباً ... فأنت إلى كل القلوب حبيب قال آخر في قلة المروءة: مررت على المروءة وهي تبكي ... فقلت لها لما تبكي الفتاة فقالت كيف لا أبكي وأهلي ... جميعاً دون خلق الله ماتوا قال البهاء زهير في المودة: حفظت لكم ذاك الوداد وصنته ... فها هو مختوم لكم بختام فلا تنكروا طيب النسيم إذا سرى ... إليكم فذاك الطيب فيه سلامي مروان بن أبي حفصة وجعفر البرمكي دخل مروان بن أبي حفصة على جعفر بن يحيى فأنشده: أبر فما ترجو الجياد لحاقه ... أبو الفضل سباق الأضاميم جعفر وزير إذا ناب الخلافة حادث ... أشار بما عنه الخلافة تصدر فقال جعفر: أنشدني مرثيتك في معن بن زائدة فأنشده: أقمنا باليمامة أو نسينا ... مقاماً لا نريد به زوالا وقلنا أين نذهب بعد معن ... وقد ذهب النوال فلا نوالا

الصلات والصلاة

وكان الناس كلهم لمعن ... إلى أن زار حفرته عيالا حتى فرغ من القصيدة وجعفر يرسل دموعه على خديه. فقال: هل أثابك على هذه المرثية أحد من أهل بيته وولده. قال: لا. قال: فلو كان معن حياً ثم سمعها منك كان يثيبك عليها. قال: أربعمائة دينار. قال: فإنا كنا نظن أنه لا يرضى لك بذلك وقد أمرنا لك عن معن رحمه الله بالضعف مما ظننته وزدناك مثل ذلك. فأقبض من الخازن ألفاً وستمائة دينار قبل أن تخرج. فقال مروان يذكر جعفراً وما سمح به عن معن: نفحت مكافئاً عن جود معن ... لنا فيما تجود به سجالا فعجلت العطية يا ابن يحيى ... لنادبه ولم ترد المطالا فكافأ عن صدى معن جواد ... بأجود راحة بذلت نوالا بنى لك خالد وأبوك يحيى ... بناء في المكارم لن ينالا كان البرمكي لكل مال ... تجود به يداه يفاد مالا الصلات والصلاة ومما يستحسن من تجنيس الصلات والصلاة حكاية أحمد بن المدير. وكان إذا مدحه شاعر ولم يرض شعره قال لغلامه: امض به إلى المسجد فلا تفارقه حتى يصلي مائة ركعة ثم خله. فتحاماه الشعراء إلا الأفراد المجيدون. فجاء الحسين بن عبد الرحمان البصري فاستأذنه في النشيد. فقال: أعرفت الشرط. قال: نعم وأنشد:

معن بن زائدة والثلاث جوار

أردنا في أبي حسن مديحاً ... كما بالمدح تنتجع الولاة فقلنا أكرم الثقلين طراً ... ومن كفاه دجلة والفرات فقالوا يقبل المدحات لكن ... جوائزه على المدح الصلاة فقلت لهم وما تغني صلاتي ... عيالي إنما تغني الزكاة فأما إذ أبى إلا صلاتي ... وعاقتني الهموم الشاغلات فيأمر لي بكسر الصاد منها ... لعلي أن تنشطني الصلات فتصلح لي على هذا حياتي ... ويصلح لي على هذا الممات فضحك واستظرفه وأمر له بمائة دينار (للشريشي) . حدث الصولي قال: ولد للهادي ولد في أول يوم ولي الخلافة فدخل أبو العتاهية فأنشده: أكثر موسى غيظ حساده ... وزين الأرض بأولاده وجاءنا من صلبه سيد ... أصيد في تقطيع أجداده فاكتست الأرض به بهجة ... واستبشر الملك ميلاده وابتسم المنبر عن فرحة علت بها ذروة أعواده كأنني بعد قليل به ... بين مواليه وقواده في محفل تخفق راياته ... قد طبق الأرض بأجناده فأمر له موسى بألف دينار وكان ساخطاً عليه فرضي عنه (الأغاني) . معن بن زائدة والثلاث جوار كان معن بن زائدة في بعض صيوده فعطش فلم يجد مع

الحسين بن الضحاك عند المتوكل

غلمانه ماء. فبينما هو كذلك وإذا بثلاث جوار قد أقبلن حاملات ثلاث قرب فسقينه. فطلب شيئاً من المال مع غلمانه فلم يجده. فدفع لكل واحدة منهن عشرة أسهم من كنانته نصولها من ذهب. فقالت إحداهن: ويلكن لم تكن هذه الشمائل إلا لمعن بن زائدة. فلتقل كل واحدة منكن شيئاً من الأبيات. فقالت الأولى: يركب في السهام نصول تبر ... ويرمي للعدى كرماً وجودا فللمرضى علاج من جراح ... وأكفان لمن سكن اللحودا وقالت الثانية: ومحارب من فرط جود بنانه ... عمت مكارمه الأقارب والعدى صيغت نصول سهامه من عسجد ... كي لا يفوته التقارب والندى وقالت الثالثة: ومن جوده يرمي العداة بأسهم ... من الذهب الإبريز صيغت نصولها لينفقها المجروح عند دوائه ... ويشتري الأكفان منها قتيلها الحسين بن الضحاك عند المتوكل حدث الصولي قال: كان للحسين بن الضحاك ابن يسمى محمداً له أرزاق فمات فقطعت أرزاقه. فقال يخاطب المتوكل ويسأله أن يجعل أرزاق ابنه المتوفى لزوجته وأولاده: إني أتيتك شافعاً ... بولي عهد المسلمينا وشبيهك المعتز أو ... جه شافع في العالمينا

الباهلي والرشيد

يا ابن الخلائف الأول ... ين ويا أبا المتأخرينا إن ابن عبدك مات وال ... أيام تخترم القرينا ومضى خلف صبية ... بعراصه متلددينا ومهيرة عبرى خلا ... ف أقارب مستعبرينا أصبحن في ريب الحوا ... دث يحسنون بك الظنونا قطع الولاة جراية ... كانوا بها مستمسكينا فامنن برد جميع ما ... قطعوه غير مراقبينا أعطاك أفضل ما تؤم ... ل أفضل المتفضلينا (قال) : فأمر المتوكل له بما سأل فقال يشكره: يا خير مستخلف من آل عباس ... إسلم وليس على الأيام من باس أحييت من أملي نضواً تعاوره ... تعاقب اليأس حتى مات بالياس الباهلي والرشيد قدم على الرشيد أعرابي من باهلة وعليه جبة حبرة ورداء يمان قد شده على وسطه ثم ثناه على عاتقه. وعمامة قد عصبها على فوديه. وأرخى لها عذبة من خلفه فمثل بين يدي الرشيد. فقال: سعيداً يا أعرابي خذ في شرف أمير المؤمنين. فاندفع في شعره. فقال الرشيد: يا أعرابي أسمعك مستحسناً وأنكرك متهماً. فقل لنا بيتين في هذين يعني محمداً الأمين وعبد الله المأمون ابنيه وهما حفافاه. فقال: يا أمير المؤمنين حملتني على الوعر القردد. وأرجعتني

على السهل الحدرد روعة الخلافة وبهر الدرجة ونفور القوافي على البديهة. فأوردني تتألف لي نوافرها ويسكن روعي. قال: قد فعلت وجعلت اعتذارك بدلاً من امتحانك. قال: يا أمير المؤمنين نفست الخناق. وسهلت ميدان السباق. فأنشأ يقول: بنيت لعبد الله ثم محمداً ... ذرى قبة الإسلام فاخضر عودها هما طنباها بارك الله فيهما ... وأنت أمير المؤمنين عمودها فقال الرشيد: بارك الله فيك فسل ولا تكن مسألتك دون إحسانك. قال: الهنيدة. فأمر له بمائة ناقة وسبع خلع (لابن عبد ربه) . قال البستي يعتذر: أسأت إلى نفسي وطأمنت من قدري ... فحكم غنى أخلاقك الغر في فقري فما العقل إلا خاتم أنت فصه ... وعفوك نقش الفص فاختم به عذري وقال أيضاً في رسالة أتته من بعض أصحابه: ما إن سمعت بنوار له ثمر ... في الوقت يمتع سمع المرء والبصرا حتى أتاني كتاب منك مبتسماً ... عن كل لفظ ومعنى أشبه الدررا فكان لفظك في آلائه زهراً ... وكان معناك في أثنائه ثمرا تسابقا فأصابا القصد في طلق ... الله من ثمر قد سابق الزهرا وقال وهو من أجمل ما قيل في باب الشكر: أقول وخير القول ما لا يشوبه ... رثاء وخير الناس من هو صادق تركب من شكري وبرك صورة ... فبرك بي حي وشكري ناطق

علي بن الخليل ويزيد بن المزيد

وقال يعتذر إلى ابن أبي محمد الموصلي وقد حجب عن بابه: قد جئت معتذراً والعفو من شيمك ... فامهد لعذري مقيلاً في ذرى كرمك وإن أردت جعلت الخد واسطة ... حتى يكون شفيعاً لي إلى قدمك علي بن الخليل ويزيد بن المزيد ولد ليزيد بن مزيد ابن فأتاه علي بن الخليل فقال: اسمع أيها الأمير تهنئة بالفارس الوارد. فتبسم وقال: هات. فأنشده: يزيد يا ابن الصيد من وائل ... أهل الرئاسات وأهل المعال يا خير من أنجبه والد ... ليهنك الفارس ليث النزال جاءت به غراء ميمونة ... والسعد يبدو في طلوع الهلال عليه من معن ومن وائل ... سيما تباشير وسيما جلال والله يبقيه لنا سيداً ... مدافعاً عنا صروف الليالي حتى نراه قد علا منبراً ... وفاض في سؤاله بالنوال وسد ثغراً فكفى شره ... وقارع الأبطال تحت العوال كما كفانا ذاك آباؤه ... فيحتذي أفعالهم عن مثال فأمر له عن كل بيت بألف دينار (الأغاني) . قال علي بن ظافر: خرج المعتصم بن صمادح صاحب المرية يوماً على بعض منتزهاته. فحل بروضة قد سفرت عن وجهها البهيج. وتنفست عن مسكها الأريج. وماست معاطف أغصانها. وتكللت بلآلئ الطل أجياد قضبانها. فتشوق إلى الوزير أبي طالب بن غانم

أحد وزراء دولته وسيوف صولته. فكتب إليه بديهاً في وريقة كرنب بعود من شجرة: أقبل أبا طالب إلينا ... واسقط سقوط الندى علينا فنحن عقد بغير وسطى ... ما لم تكن حاضراً لدينا أخبر أمية بن عبد العزيز قال: كنت مع الحسن بن باديس بالمهدية في الميدان وقد رمى بالنشاب فصنعت فيه بديهاً: يا مليكاً قد خلقت كفه ... لم تدر إلا الجود والباسا إن النجوم الزهر مع بعدها ... قد حسدت في قربك الناسا كما تمنى البدر لو أنه ... أضحى لنشابك برجاسا سخط الفضل بن الربيع على ابن سيابة فاسترضاه فامتنع. فكتب إليه ابن سيابة بهذه الأبيات: إن كان جرمي قد أحاط بحرمتي ... فأحط بجرمي عفوك المأمولا فكم ارتجيتك في التي لا يرتجى ... في مثلها أحد فنلت السؤلا وضللت عنك فلم أجد لي مذهباً ... ووجدت حلمك لي عليك دليلا هبني أسأت وما أسأت أقر كي ... يزداد عفوك بعد طولك طولا فالعفو أجمل والتفضل بامرئ ... لم يعدم الراجون منه جملا فلما قرأها الفضل دمعت عيناه ورضي عنه (بدائع البدائه للأزدي) . وشي بابن سيد عند أبي جعفر فجافاه فكتب إليه: ولا غرو أن تعفو وأنت ابن من غدا ... يعود عفواً من كبار الجرائم

لكم آل عمار بيوت رفيعة ... تشيد من كسب الثنا بدعائم إذا نحن أذنبنا رجونا ثوابكم ... ولم نقتنع بالعفو دون المكارم وإنك فرع من أصول كريمة ... ولا تلد الأزهار غير الكمائم وإني مظلوم لزور سمعته ... وقد جئت أرجو العفو في زي ظالم فعفا عنه وقربه إليه ووصله (الذخيرة لابن بسام) . كتب ابن خروف لبعض الرؤساء: يا من حوى كل مجد ... بجده وبجده أتاك نجل خروف ... فامنن عليه بجده كتب آخر إلى بعض الوجوه: تبسم الثغر عن أوصافكم فسرى ... من طيب عرفكم ريح فأحيانا فمن هناك عشقناكم ولم نركم ... والأذن تعشق قبل العين أحيانا لأبي الوليد مما يكتب على قوس: إني إذا رفعت سماء عجاجتي ... والحرب تقعد بالردى وتقوم وتمر والأبطال في جنباتها ... والموت من فوق النفوس يحوم مرقت لهم منا الحتوف كأنما ... نحن إلهلة والسهام نجوم قال أبو عبد الله محمد بن زرقون: يا معدن الفضل وطود الحجى ... لا زلت في بحر العلى تغترف عبدك بالباب فقل منعماً ... يدخل أو يصبر أو ينصرف كتب ابن هذيل الفزاري للغني بالله سلطان ابن الخطيب:

ليس يا مولاي لي من جابر ... إذ غدا قلبي من البلوى جذاذا غير صك أحمر تكتب لي ... فيه يمناك اعتناء صح لهذا سلم على المتنبئ بعض أصحابه فلم يرد. فقال معتذراً: إذ كنت حين لقيتني ... متوجعاً لتغيبك فشغلت عن رد السلا ... م وكان شغلي عنك بك سأل الحجاج ابن القرية قال: أخبرني عن أول من نطق بالشعر. فقال: آدم وهو حين قتل قاين أخاه هابيل فأنشد: تغيرت البلاد ومن عليها ... فوجه الأرض مغبر قبيح تغير كل ذي طعم ولون ... ولم ير في الدنى شيء مليح بكت عيني وحق لها التباكي ... وجفني بعد أحبابي قريح فأجابه إبليس على قوله: فأجابه إبليس على قوله: تنوح على البلاد وما عليها ... وبالفردوس ضاق بك الفسيح وكنت به وعرسك في نعيم ... من الدنيا وقلبك مستريح فما زالت مكايدتي ومكري ... إلى أن فاتك الثمن الربيح للأمير أبي الفتح المعري في المرقص: أبا صالح أشكو إليك نوائباً ... عرتني كما يشكو النبات إلى القطر لتنظر نحوي نظرة لو نظرتها ... إلى الصخر فجرت العيون من الصخر وفي الدار خلفي صبية قد تركتهم ... يطلون إطلال الفراخ إلى الوكر جنيت على روحي بروحي جناية ... فأثقلت ظهري بالذي خف من ظهري

لتاج الدين بن أبي الحواري في المرقص

لتاج الدين بن أبي الحواري في المرقص ووالله ما أخرت عنك مدائحي ... لأمر سوى أني عجزت عن الشكر وقد رضت فكري مرة بعد مرة ... فما ساغ أن أهدي إلى مثلكم شعري فإن لم يكن فتلك نقيصة ... وإن كان دراً كيف يهدى إلى البحر كتب ابن وضاح المرسي لرئيس قطع عنه إحسانه فقطع مدحه: هل كنت إلا طائراً بثنائكم ... في دوح مجدكم أقوم وأقعد إن تسلبوني ريشكم وتقلصوا ... عني ظلالكم فكيف أغرد كتب الحمداني إلى القاضي أبي حصين عند مسيره إلى الرقة: يا طول شوقي إن كان الرحيل غداً ... لا فرق الله فيما بيننا أبدا يا من أصافيه في قرب وفي بعد ... ومن أخالصه إن غاب أو شهدا راع الفراق فؤاداً كنت تؤنسه ... وزاد بين الجفون الدمع والسهدا لا يبعد الله شخصاً لا أرى أنساً ... ولا تطيب لي الدنيا إذا بعدا أضحى وأضحيت في سر وفي علن ... أعده والداً إذ عدني ولدا ما زال ينظم في الشعر مجتهداً ... فضلاً وأنظم فيه الشعر مجتهدا حتى اعترفت وعزتني فضائله ... وفات سبقاً وحاز الفضل منفردا إن قصر الجهد عن إدراك غايته ... فأعذر الناس من أعطاك ما وجدا لا يطرق النازل المحدور ساحته ... ولا تمد إليه الحادثات يدا أبقى لنا الله مولانا ولا برحت ... أيامنا أبداً في ظله جددا

الباب العاشر في المديح

الباب العاشر في المديح بلعة بن قيس وبنو هاشم قال بلعاء بن قيس: العرب كالبدن وقريش روحها. وقريش روح بني هاشم سرها ولبها. وموضع غاية الدين والدنيا منها. وهاشم ملح الأرض وزينة الدنيا. وحي العالم والسنام الأضخم. والكاهل الأعظم. ولباب كل جوهر كريم وسر كل عنصر شريف. والطينة البيضاء والمغرس المبارك والنصاب الوثيق ومعدن الفهم وينبوع العلم. وثهلان ذو الهضاب في الحلم والسيف. الحسام في العزم مع الأناة والحزم والصفح عن الجرم والقصد بعد المعرفة والصفح بعد المقدرة. وهم الأنف المقدم. والسنام الأكرم. وكالماء الذي لا ينجسه شيء. وكالشمس التي لا تخفى بكل مكان. وكالذهب لا يعرف بالنقصان. وكالنجم للحيران والبارد للظمآن (للقيرواني) . مديح المأمون قال ابن أبي طاهر: دخل المأمون بغداد فتلقاه وجوه أهلها. فقال له رجل منهم: يا أمير المؤمنين بارك الله لك في مقدمك. وزاد في نعمتك وشكرك عن رعيتك. تقدمت من قبلك. وأتعبت من بعدك. وآيست أن يعاين مثلك. أما فيما مضى فلا نعرفه. وأما

مدح مقامات الحريري

فيما بقي فلا نرجوه. فنحن جميعاً ندعو لك ونثني عليك. خصب لنا جنابك وعذب ثوابك. وحسنت نظرتك. وكرمت مقدرتك. جبرت الفقير. وفككت الأسير. والخير بفنائك. والشر بساحة أعدائك. والنصر منوط بلوائك. والخذلان مع ألوية حسادك. والبر فعلك. قد طحطح عدوك غضبك. وهزم مقانبهم قوارع الأعداء ظفرك. الذهب عطاؤك. والدواة رمزك. والأوراق لحظك وأطرافك (لابن عبد ربه) . مدح مقامات الحريري إني لم أر في كتب العربية والأدب. ولا في تصانيف العجم والعرب. كتاباً أحسن تأليفاً. وأعجب تصنيفاً. وأغرب ترصيفاً. وأشمل للعجائب العربية. وأجمع للغرائب الأدبية. وأكثر تضمناً لأمثال العرب. ونكت الأدب. من المقامات التي أنشأها الإمام جمال العصر. وكمال الدهر. أبو محمد القاسم بن علي الحريري البصري برد الله مضجعه. وطيب مهجعه. إنشاء فاخراً. وكتاباً باهراً. وتصنيفاً عجيباً معجزاً. وتأليفاً عزيزاً معوزاً. نعم كتاب بديع. له قدر رفيع. قد تمت حسناته. ودلت على الإعجاز آياته. هذا ولما خرج مقبول النظام. متداولاً فيما بين الأنام. أكب أبناء زماننا على تحصيله. وواظبوا على تفهم جمله وتفصيله. غير أن أكثرهم ربما

خبطوا فيه خبط عشواء. إذ وقعوا منه في معضلة عمياء. ولا يهتدون إلى سواء السبيل. بل يترددون في تيه بلا دليل (للمطرزي) . قال البرعي في إبراهيم بم محمد الحكمي: إلى صارم الدين الفتى ابن محمد ... رمت بي مقادير جرت وخطوب وحطت بي الآمال في خير منزل ... لدى خير من يلوي إليه أديب فوافيت أعلى الناس نفساً ومنصباً ... وأخصب ربعاً والزمان جدب هو الكوثر الفياض في آل فارح ... به العيش يحلو والزمان يطيب غمام يعم الخلق ظلاً فنائلاً ... لكل من الراجين فيه نصيب عليك سلام الله جئتك زائراً ... وشأني وقيت الشائنين عجيب أؤمل منك البر والبر واسع ... وأرجو نداك الجم وهو قريب فقم بي وعاملني بما أنت أهله ... فإن رجاني فيك ليس يخيب وصن ماء وجهي عن زمان معاند ... وصل حبل أنسي فالغريب غريب ودمت منار الدين ما لاح بارق ... وما اهتز غصن في الأراك رطيب ولا زلت مأمولي وعوني ونصرتي ... على نائبات الدهر حين تنوب حدث إبراهيم بن المدبر قال: مرض المتوكل مرضة خيف عليه منها. ثم عوفي وأذن للناس في الوصول إليه فدخلوا على طبقاتهم كافة. ودخلت معهم فلما رآني استدناني حتى قمت وراء الفتح ونظر إلي مستنطقاً فأنشدته: يوم أتانا بالسرور ... بالحمد لله الكبير

أخلصت فيه شكره ... ووفيت فيه بالنذور لما اعتللت تصدعت ... شعب القلوب من الصدور من بين ملتهب الفؤا ... د وبين مكتئب الضمير يا عدتي للدين وال ... دنيا وللخطب الخطير كانت جفوني ثرة ال ... آماق بالدمع الغزير لو لم أمت جزعاً لعم ... رك إنني عين الصبور يومي هنالك كالسني ... ن وساعتي مثل الشهور يا جعفر المتوكل ال ... عالي على البدر المنير اليوم عاد الدين غض ... العود ذا ورق نضير واليوم أصبحت الخلا ... فة وهي أرسى من ثبير قد حالفتك وعاقدت ... ك على مطاولة الدهور فقال المتوكل للفتح: إن إبراهيم ينطق عن نية خالصة وود محض وما قضينا حقه. فتقدم بأن يحمل إليه الساعة خمسون ألف درهم. مدح مطيع بن إياس معن بن زائدة بقصيدته التي أولها: أهلاً وسهلاً بسيد العرب ... ذي الغرر الواضحات والنجب فتى نزار وكهلها وأخي ال ... جود حوى عانيه من كثب جاء الذي تفرج الهموم به ... حين يلز الوضين بالحقب شهم إذا الحرب شب دائرها ... أعاده عودة على القطب يطفئ نيرانها ويوقدها ... إذا خبت نارها بلا حطب

ليث بخفان قد حمى أجماً ... فصار منها في منزل أشب شبلاه قد أزيا به فهما ... شبهاه في جده وفي لعب قد ومقا شكله وسيرته ... وأحكما منه أكرم الأدب نعم الفتى تقرن الصعاب به ... عند تجاثي الخصوم للركب ترى له الحلم والنهى خلقاً ... في صولة مثل جاحم اللهب سيف الإمامين ذاك وذا إذا ... قل بناة الوفاء والحسب ذا هوادة لا يخاف نبوتها ... ودينه لا يشاب بالريب فلما سمعها معن قال له: إن شئت مدحناك كما مدحتنا. وإن شئت أثبناك. فاستحيا مطيع من اختيار الثواب على المديح وهو محتاج إلى الثواب فأنشأ: ثناء من أمير خير كسب ... لصاحب نعمة وأخي ثراء ولكن الزمان برى عظامي ... وما مثل الدراهم من دواء فضحك معن حتى استلقى. وقال: لقد لطفت حتى تخلصت منها. صدقت لعمري ما مثل الدراهم من دواء. وأمر له بثلاثين ألف درهم وخلع عليه وحمله (الأغاني) . قال البستي يمدح آل فريعون: بنو فريعون قوم في وجوههم ... نور الهدى وضياء السؤدد العالي كأنما خلقوا من سؤدد وعلا ... وسائر الناس من طين وصلصال من تلق منهم تقل هذا أجلهم ... شأناً وأسمحهم بالنفس والمال

يا سائلي ما الذي حصلت عندهم ... دع السؤال وقم فانظر إلى حالي أفادني الملك الميمون طائره ... عزاً وألبسني سربال إقبال واشتق من حقه بحراً طغى وطما ... حبابه فوق أفكاري وآمالي فإن أكن ساكتاً عن شكر أنعمه ... فإن ذاك لعجزي لا لإغفالي وقال في أبي نصر: أبا نصر نصرت على الأعادي ... وصرت لكل ذي فضل إماما برأي يهزم الجيش اللهاما ... وعزم يخجل السيف الحساما قال أبو تمام يمدح أبا الحسن موسى بن عبد الملك: إن يكن في الأرض شيء حسن ... فهو في دور بني عبد الملك ما يبالون إذا ما أفضلوا ... ما بقي من مالهم أو ما هلك عقلت ألسنهم عن قول لا ... فهي لا تعرف إلا هو لك منهم موسى جواد ماجد ... لا يرى ما لم يهب مما ملك زينوا الأرض كما قد زينت ... بنجوم الليل آفاق الفلك قال خالد بن جعفر يمدح أبا عمرو أحيحة بن الجلاح: إذا ما أردت لعز من آل يثرب ... فناد أبا عمرو أحيحة يسمع بنى في العلى والفخر والمجد منزلاً ... له فوق أكناف السماكين موضع وإن هز في يوم الكريهة سيفه ... رأيت شعاع الموت في السيف يلمع وإن وهبت كفاه والغيث هاطل ... يدوم عطاه والسحائب تقلع ويأمن في أبياته كل خائف ... ويشبع من نعماه من ليس يشبع

مناقب في الجلاح كانت قديمة ... فسار عليها وابنه يتتبع قال بعض الشعراء يمدح ابن أبي داود: ترك المنابر والسرير تواضعاً ... وله منابر لو يشا وسرير ولغيره يجبى الخراج وإنما ... يجبى إليه محامد وأجور قال أبو العباس الكوراني يمدح الأمير يوسف بن عبد المؤمن: إن الإمام هو الطبيب وقد شفى ... علل البرايا ظاهراً ودخيلا حمل البسيطة وهي تحمل شخصه ... كالروح يوجد حاملاً محمولا قال أبو بكر بن عبد العزيز في المدح: قد هززناك في المكارم غصنا ... واستلمناك في النوائب ركنا ووجدنا الزمان في لان عطفاً ... وتأتى فعلاً وأشرق حسنا فإذا ما سألته كان سمحاً ... وإذا ما هززته كان لدنا أنت ماء السماء أخصب وادي ... هـ ورقت رياضه فانتجعنا نزعت بي إلى ودادك نفس ... قلما استصحبت سوى الفضل خدنا قال ابن النبيه يمدح صلاح الدين يوسف بن أيوب: هو العادل الظلام للمال والعدى ... خزائنه قد أقفرت وديارها كريم له نفس تجود بما حوت ... وأعجب شيء بعد ذاك اعتذارها حسام له حد يروع مضاؤه ... وصفحة صفح للذنوب اغتفارها له راحة في السلم تجنى جنانها ... ويوم هياج الحرب توقد نارها أنامله طوراً غصون نواضر ... وطوراً سيوف داميات شفارها

قال النابغة يمدح غسان حين ارتحل من عندهم راجعاً: لا يبعد الله جيراناً تركتهم ... مثل المصابيح تجلو ليلة الظلم هم الملوك وأبناء الملوك لهم ... فضل على الناس في اللأواء والنعم أحلام عاد وأجساد مطهرة ... من المعقة والآفات والآثم دخل شاعر على الملك الواثق وقال له: إني رأيتك سيدي في مجلس ... قعد الملوك بحافته وقاموا فكأنك الدهر الصؤول عليهم ... وكأنهم من حولك الأيام فقال: أحسنت كم أملت اطلب ما تشاء. قال: يا مولاي يدك بالعطية أوسع من لساني بالمسلة. فوهبه ألف دينار وخلع عليه. قال ابن نباتة في الملك المؤيد صاحب حماة: لنا ملك قد قاسمتنا هباته ... فنثر العطا منه ونظم الثنا منا يذكرنا أخبار معن بجوده ... وننشي له لفظاً فينشي لنا معنى وأحسن ما سمع في القسم على المدح قول الشاعر: حلفت بمن سوى السماء وشادها ... ومن مرج البحرين يلتقيان ومن قام في المعقول من غير رؤية ... بأثبت من إدراك كل عيان لما خلقت كفاك إلا لأربع ... عقائل لم تعقل لهن ثواني لتقبيل أفواه وإعطاء نائل ... وتقليب هندي وحبس عنان قال شرف الدين القيرواني: جاور علياً ولا تحفل بحادثة ... إذا ادرعت فلا تسأل عن السل

سل عنه وانطق به وانظر إليه تجد ... ملء المسامع والأفواه والمقل قالت الخنساء في أخيها وقد أرادت مساواته بأبيه مع مراعاة حق الوالد بزيادة مدح لا ينقص به حق الوالد: جارى أباه فأقبلا وهما ... يتعاوران ملاءة الفخر وهما قد برزا كأنهما ... صقران قد حطا على وكر برقت صفيحة وجه والده ... ومضى على غلوائه يجري أولى فأولى أن يساويه ... لولا جلال السن والكبر قال زهير بن أبي سلمى في بني سنان: قوم أبوهم سنان حين تنسبهم ... طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا لو كان يقعد فوق الشمس من كرم ... قوم بآبائهم أو مجدهم قعدوا وقال يمدح هرم بن سنان: وأبيض فياض يداه غمامة ... على معتفيه ما تقب فواضله تراه إذا ما جئته متهللاً ... كأنك تعطيه الذي أنت سائله أخو ثقة لا تتلف الخمر ماله ... ولكنه قد يتلف المال نائله قال أعشى قيس يمدح الأسود بن المنذر أخا النعمان: أنت خير من ألف ألف من النا ... س إذا ما كبت وجوه الرجال فرع نبع يهتز في غصن المج ... د غزير اللهي عظيم الجمال فإذا من عصاك أصبح محزو ... ناً وكعب الذي يطيعك عال قال عروة بن الورد:

لو كانت الريح حقاً تحمل الخبرا ... حملت ريح الصبا أنفاسنا سحرا إلى الشجاع الذي ما سل صارمه ... إلا ودم العدى فوق الصعيد جرى ليث يلاقي رجال ارحب مقتدراً ... وطعنه في حشاها وافق القدرا يا حامياً عبس قد بتنا على وجل ... من فارس لا يخاف البؤس والضررا لقد رجوناك عند الخطب تدركنا ... ومن دماهم تروي الصارم الذكرا قال علي بن جبلة يمدح أبا دلف وكان قتل قرقور في الحرب: امتدح من وائل رجلاً ... عصر الآفاق في عصره المنايا في مناقبه ... والعطايا في ذرا حجره ملك تندى أنامله ... كانبلاج النوء عن مطره مستهل عن مواهبه ... كابتسام الروض عن زهره إنما الدنيا أبو دلف ... بين باديه ومختصره فإذا ولى أبو دلف ... ولت الدنيا على أثره يا دواء الأرض إن فسدت ... ومديل اليسر من عسره كل من في الأرض من عرب ... بين باديه إلى حضره مستعير منك مكرمة ... يكتسيها يوم مفتخره وزحوف في صواهله ... كصياح الحشر في أثره قدته والموت مكتمن ... في مذاكيه ومستجره زرته والخيل عابسة ... تحمل البؤس على عقره خارجات تحت راياتها ... كخروج الطير من وكره

ولقرقور أدرت رحاً ... لم تكن ترتد في فكره قد تأنيت البقاء له ... فأبى المحتوم من قدره فلما أنشد علي بن أبي جبلة هذه القصيدة استحسنها أبو دلف وسر بها وأمر له بمائة ألف درهم. أخبر علي بن سليمان الأخفش قال: بينا أبو دلف يسير مع أخيه معقل وهما إذ ذاك بالعراق إذ مر بامرأتين تتماشيان. فقالت إحداهما لصاحبتها: هذا أبو دلف. قالت: من أبو دلف. قالت الذي يقول فيه الشاعر (إنما الدنيا أبو دلف) . (قال) : فاستعبر أبو دلف حتى جرى دمعه. قال له معقل: مالك يا أخي تبكي. قال: لأني لم أقض حق علي بن جبلة (الأغاني) . قال آخر في المدح: أهل بأن يسعى إليه ويرتجى ... ويزار من أقصى البلاد على الرجا فلقد غدا بالمكرمات مقلداً ... وموشحاً ومختماً ومتوجا قال المتنبئ يمدح سيف الدولة: ضاق الزمان ووجه الأرض عن ملك ... ملء الزمان وملء السهل والجبل ونحن في جذل والروم في وجل ... والبر في شغل والبحر في خجل وقال أيضاً: يا أكرم الناس أخلاقاً وأوفرهم ... عقلاً وأسبقهم فيه إلى الأمد أصبحت أفضل من يمشي على قدم ... بالرأي والعقل لا بالبطش والجلد

لئن ضعفت وأضناك السقام فلم ... يضعف قوى عقلك الصافي ولم يمد لو كان أفضل ما في الخلق بطشهم ... دون العقول لكان الفضل للأسد قال عمارة اليمني: (ابن خلكان) يا لسان الزمان لفظاً ومعنى ... وربيع الأنام كفاً ومغنى تعتلي كوكباً وتشرق شمساً ... وتحامي ليثاً وتنهل مزنا قال آخر: إذا حللت بأرض وهي مجدبة ... قليلة الغيث لم يخطر بها الساري فليس ترحل إلا وهي معشبة ... كأنما أنت فيها رحمة الباري قال أبو الفرج الببغاء في سيف الدولة بن حمدان: نداك إذا ضن الغمام غمام ... وعزمك إن فل الحسام حسام فهذا ينيل الرزق وهو ممنع ... وذاك يرد الجيش وهو لهام ومن طلب الأعداء بالمال والظبى ... وبالسعد لم يبعد عليه مرام قال أبو الفتح البستي في نجل بعض الأمراء: فتى جمع العلياء علماً وعفة ... وجوداً وبأساً لا يفيق فواقا كما جمع التفاح شكلاً وبهجة ... ورائحة محبوبة ومذاقا قال عمار بن الحسن يمدح عبد الله بن لهيمة: إذا سار عبد الله من مرو ليلة ... فقد سار منها نورها وجمالها إذا ذكر الأحبار من كل بلدة ... فهم أنجم فيها وأنت هلالها أنشد محمد بن هانئ في جعفر بن علي بن غلبون:

لو خلد الدهر ذا عز لعزته ... كنت الأحق بتعمير وتخليد تبلى الكرام وآثار الكرام وما ... تزداد في كل عصر غير تجديد لأبي الشيص الخزاعي: عشق المكارم فهو مشتغل بها ... والمكرمات قليلة العشاق وأقام سوقاً للثناء ولم تكن ... سوق الثناء تعد في الأسواق بث الصنائع في البلاد فأصبحت ... تجبى إليه محامد الآفاق قال أبو حوثة: قوم إذا اقتحموا العجاج رأيتهم ... أسداً وخلت وجوههم أقمارا لا يعدلون يرفدهم عن سائل ... عدل الزمان عليهم أو جارا وإذا الصريح دعاهم لملمة ... بذلوا النفوس وفارقوا الأعمارا وإذا زناد الحرب أخمد نارها ... قدحوا بأطراف الأسنة نارا قال العرندس يمدح قوماً: هينون لينون أيسار ذوو كرم ... سواس مكرمة أبناء أيسار فيهم ومنهم يعد المجد متلداً ... ولا يعد نثا خزي ولا عار لا ينطقون عن الفحشاء إن نطقوا ... ولا يمارون إن ماروا بإكثار من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم ... مثل النجوم التي يسري بها الساري قال الحزين الليثي في علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم إذا رأته قريش قال قائلها ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

الباب الحادي عشر

الباب الحادي عشر في الفخر والحماسة قال أبو بكر الأرجاني في باب الفخر: أنا أشعر الفقهاء غير مدافع ... في العصر أو أنا أفقه الشعراء شعري إذا ما قلت دونه الورى ... بالطبع لا يتكلف الإلقاء كالصوت في قلل الجبال إذا علا ... للسمع هاج تجاوب الأصداء قال القاضي الرشيد أبو الحسين الغساني الأسواني: جلت لدي الرزايا بل جلت همتي ... وهل يضر جلاء الصارم الذكر غيري يغيره عن حسن شيمته ... صرف الزمان وما يأتي من الغير لو كانت النار الياقوت محرقة ... لكان يشتبه الياقوت بالحجر فلا تغرنك أطماري وقيمتها ... فإنما هي أصداف على درر ولا تظن خفاء النجم عن صغر ... فالذنب من ذاك محمول على البصر قال عنتر يتهدد هوازن وجشم وكانا قد أغارا على ديار عبس: سكت فغر أعدائي السكوت ... وظنوني لأهلي قد نسيت وكيف أنام عن سادات قوم ... أنا في فضل نعمتهم ربيت وإن دارت بهم خيل الأعادي ... ونادوني أجبت متى دعيت بسيف حده موج المنايا ... ورمح صدره الحتف المميت خلقت من الحديد أشد قلباً ... وقد بلي الحديد وما بليت

وإني قد شربت دم الأعادي ... بأقحاف الرؤوس وما رويت وفي الحرب العوان ولدت طفلاً ... ومن لبن المعامع قد سقيت فما للريح في جسمي نصيب ... ولا للسيف في أعضاي قوت ولي بيت علا فلك الثريا ... تخر لعظم هيبته البيوت وقال أيضاً يفتخر: أعادي صرف الدهر لا يعادى ... وأحتمل القطيعة والبعادا وأظهر نصح قوم ضيعوني ... وإن خانت قلوبهم الودادا أعلل بالمنى قلباً عليلاً ... وبالصبر الجميل وإن تمادى تعيرني العدى بسواد جلدي ... وبيض خصائلي تمحو السوادا وردت الحرب والأبطال حولي ... تهز أكفها السمر الصعادا وخضت بمهجتي بحر المنايا ... ونار الحرب تتقد اتقادا وعدت مخضباً بدم الأعادي ... وكرب الركض قد خضب الجوادا وسيفي مرهف الحدين ماض ... تقد شفاره الصخر الجمادا ورمحي لما طعنت به طعيناً ... فعاد بعينه نظر الرشادا ولولا صارمي وسنان رمحي ... لما رفعت بنو عبس عمادا قال عمرو بن معدي كرب: ليس الجمال بمئزر ... فاعلم وإن رديت بردا إن الجمال معادن ... ومناقب أورثن مجدا أعددت للحدثان سا ... بغة وعداء علندا

نهداً وذا شطب يق ... د البيض والأبدان قدا وعلمت أني يوم ذا ... ك منازل كعباً ونهدا قوم إذا لبسوا الحدي ... د تنمروا حلقاً وقدا كل امرئ يجري إلى ... يوم الهياج بما استعدا نازلت كبشهم ولم ... أر من نزال الكبش بدا هم ينذرون دمي وأن ... ذر إن لقيت بأن أشدا كم من أخ لي صالح ... بوأته بيدي لحدا ما إن جزعت ولا هلع ... ت ولا يرد بكاي زندا ألبسته أثوابه ... وخلقت يوم خلقت جلدا أغني غناء الذاهبي ... ن أعد للأعداء عدا ذهب الذين أحبهم ... وبقيت مثل السيف فردا قال عنتر وقد خرج إلى ديار بني زبيد في طلب رأس ابن محارب: أطوي فيافي الفلا والليل معتكر ... وأقطع البيد والرمضاء تستعر ولا أرى مؤنساً غير الحسام وإن ... قل الأعادي غداة الروع أو كثروا فحاذري يا سباع البر من رجل ... إذا انتضى سيفه لا ينفع الحذر ورافقيني تري هاماً مفلقة ... والطير عاطفة تمسي وتبتكر ما خالد بعد ما قد سرت طالبه ... بخالد لا ولا الجيداء تفتخر ولا ديارهم بالأهل آنسة ... يأوي الغراب بها والذب والنمر وقال بعض بني أسد:

وإني لأستغني فما أبطر الغنى ... وأعرض ميسوري على مبتغي قرضي وأعسر أحياناً فتشتد عسرتي ... وأدرك ميسور الغنى ومعي عرضي وما نالها حتى تجلت وأسفرت ... أخو ثقة مني بقرض ولا فرض وأبذل معروفي وتصفو خليقتي ... إذا كدرت أخلاق كل فتى محض وأستنقذ المولى من الأمر بعدما ... يزل كما زل البعير عن الدحض وأمنحه مالي وودي ونصرتي ... وإن كان محني الضلوع على بغضي ويغمره حلمي ولو شئت ناله ... قوارع تبري العظم عن كلم مض وأقضي على نفسي إذا الأمر نابني ... وفي الناس من يقضى عليه ولا يقضي ولست بذي وجهين فيمن عرفته ... ولا البخل فاعلم من سمائي ولا أرضي وإني لسهل ما تغير شيمتي ... صروف ليالي الدهر بالقتل والنقض ولعنترة في يوم المصانع: إذا كشف الزمان لك القناعا ... ومد إليك صرف الدهر باعا فلا تخش المنية والتقيها ... ودافع ما استطعت لها دفاعا ولا تختر فراشاً من حرير ... ولا تبك المنازل والبقاعا وحولك نسوة يندبن حزناً ... ويهتكن البراقع واللفاعا يقول لك الطبيب دواك عندي ... إذا ما جس كفك والذارعا ولو عرف الدبيب دواء داء ... يرد الموت ما قاسى النزاعا وفي يوم المصانع قد تركنا ... لنا بفعالنا خبراً مشاعا أقمنا بالذوابل سوق حرب ... ويرنا النفوس لها متاعا

حصاني كان دلال المنايا ... فخاض غبارها وشرى وباعا وسيفي كان في الهيجا طبيباً ... يداوي راس من يشكو الصداعا أنا العبد الذي خبرت عنه ... وقد عاينتني فدع السماعا ولو أرسلت رمحي مع جبان ... لكان بهيبتي يلقى السباعا ملأت الأرض خوفاً من حسامي ... وخصمي لم يجد فيها اتساعا إذا الأبطال فرت من خوف بأسي ... ترى الأقطار باعاً أو ذراعا وقال مضرس بن ربعي: إنا لنصفح عن مجاهل قومنا ... ونقيم سالفة العدو الأصيد ومن نخف يوماً فساد عشيرة ... نصلح وإن نر صالحاً لا نفسد وإذا نموا صعداً فليس عليهم ... منا الخبال ولا نفوس الحسد ونعين فاعلنا على ما نابه ... حتى نيسره لفعل السيد ونجيب داعية الصباح بثائب ... عجل الركوب لدعوة المستنجد فنقل شوكتها ونفثاً حميها ... حتى تبوخ وحمينا لم يبرد وتحل في دار الحفاظ بيوتنا ... رتع الجمايل في الدرين الأسود وقال عنترة العبسي: واجهدي في عداوتي وعنادي ... أنت والله لم تلمي ببالي إن لي همة أشد من الصخ ... ر وأقوى من راسيات الجبال وحساماً إذا ضربت به الده ... ر تخلت عنه القرون الخوالي وسناناً إذا تعسفت بي اللي ... ل هداني وردني عن ضلالي

وجواداً ما سار إلا سرى البر ... ق وراه من اقتداح النعال أدهم يصدع الدجى بسواد ... بين عينيه غرة كالهلال يفتديني بنفسه وأفدي ... هـ بنفسي يوم القتال ومالي وإذا قام سوق حرب العوالي ... وتلظى بالمرهفات الصقال كنت دلالها وكان سناني ... تاجراً يشتري النفوس الغوالي يا سباع الفلا إلا اشتعل الحر ... ب اتبعيني من القفار الخوالي اتبعيني تري دماء الأعادي ... سائلات بين الربى والرمال ثم عودي من بعد ذا واشكريني ... واذكري ما رأيته من فعالي وخذي من جماجم القوم قوتاً ... لبنيك الصغار والأشبال وقال عبد الله بن رواحة الأنصاري: متى ما تأت يثرب أو تردها ... تجدنا نحن أكرمها جدودا وأغلظها على الأعداء ركناً ... وألينها لباغي الخير عودا وأخطبها إذا اجتمعوا لأمر ... وأقصدها وأوفاها عهودا إذا ندعى لثار أو لجار ... فنحن الأكثرون بها عديدا متى ما ندع في جشم وعوف ... تجدني لا أغم ولا وحيدا وحولي جمع ساعدة بن عمرو ... وتيم اللات قد لبسوا الحديدا زعمتم أنكم نلتم ملوكاً ... ونزعم أننا نلنا عبيدا وما نبغي من الأحلاف وتراً ... وقد نلنا المسود والمسودا قال أبو الفتح البستي:

ونحن أناس لا نذل لجانف ... علينا ولا نرضى حكومة حائف ملكنا العوالي بالمعالي فجارنا ... عزيز ومن نفل به غير خائف ورثنا عن الآباء عند اخترامها ... صفائح تغني عن رسوم الصحائف تؤمرنا أسيافنا ورماحنا ... إذا لم يؤمرنا لواء الخلايف بنينا بأطراف الأسنة كعبة ... أطاف بها قسراً ملوك الطوائف فمن شاء فليخشن ومن شاء فليلن ... فما نقدنا إن قارضونا بزائف وسوف نجازي بالطائف أهلها ... ونسقي زعاف السم أهل الكتائف قال القريظ بن أنيف يفتخر بقومه: قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم ... طاروا إليه زرافات ووحدانا لا يسألون أخاهم حين يندبهم ... في النائبات على ما قال برهانا لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد ... ليسوا من الشر في شيء وإن هانا يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ... ومن إساءة أهل السوء إحسانا كأن ربك لم يخلق لخشيته ... سواهم من جميع الناس إنسانا فليت لي بهم قوماً إذا ركبوا ... شنوا الإغارة فرساناً وركبانا ولله عنتر حيث يقول: أنا في الحرب العوان ... غير مجهول المكان وحسامي مع قناتي ... لفعالي شاهدان إنني أطعن خصمي ... وهو يقظان الجنان أسقه كاس المنايا ... وفراها منه دان

خلق الرمح لكفي ... والحسام الهندواني ومعي في المهد كانا ... فوق صدري يؤنساني وإذا ما الأرض صارت ... وردة مثل الدهان والدما تجري عليها ... لونها أحمر قاني فاسقياني واسمعاني ... نغمة كي تطرباني أطيب الأصوات عندي ... حسن صوت الهندواني وصرير الرمح جهراً ... في الوغى يوم الطعان وصياح القوم فيه ... وهو للأبطال دان قال علي بن أبي طالب في همدان: ولما رأيت الخيل تقرع بالقنا ... فوارسها حمر العيون دوام وأقبل رهج في السما كأنه ... غمامة دجن أو عراض قتام ومن كل حي قد أتتنا عصابة ... ذوو نجدات في اللقا كرام وناديت فيهم دعوة فأجابني ... فوارس من همدان غير لئام فوارس من همدان ليسوا بعزل ... غداة الوغى من شائك وسنام يقودهم حامي الحقيقة منهم ... سعيد بن قيس والكريم يحامي جزى الله همدان الجنان فإنهم ... سهام الأعادي عند كل حمام متى تأتهم في دارهم تستضيفهم ... تبت ناعماً في غبطة وطعام وقوم يحبون الإمام وهديه ... سراع إلى الهيجا بكل حسام فلو كنت بواباً على باب جنة ... لقلت لهمدان ادخلوا بسلام

قصيدة ابن سناء الملك في الفخر

ومن المعجب في هذا الباب قول مجير الدين بن تميم: لو كنت تشهدني وقد حمي الوغى ... في موقف ما الموت فيه بمعزل لترى أنابيب القناة على يدي ... تجري دماً من تحت ظل القسطل قال بدر الدين بن فضل الله يتهدد تيمورلنك على لسان الظاهر برقوق: السيف والرمح والنشاب قد علمت ... منا الحروب فسل منها تلبيكا إذا التقينا تجد هذا مشاهدة ... في الحرب فاثبت فأمر الله آتيكا بخدمة الحرمين الله شرفنا ... فضلاً وملكنا الأمصار تمليكا وبالجميل وحلو النصر عودنا ... خذ التواريخ واقرأها فتنبيكا ومن يكن ربه الفتاح ناصره ... فمن يخاف وهذا القول يكفيكا قصيدة ابن سناء الملك في الفخر سواي يهاب الموت أو يرهب الردى ... وغيري يهوى أن يعيش مخلدا ولكنني لا أرهب الدهر إن سطا ... ولا أحذر الموت الزؤام إذا عدا ولو مد نحوي حادث الدهر كفه ... لحدثت نفسي أن أمد له يدا توقد عزمي يترك الماء جمرة ... وحيلة حلمي تترك السيف مبردا وفرط احتقاري للأنام لأنني ... أرى كل عار من حل سؤددي سدى ويأبى إبائي أن يراني قاعداً ... وإني أرى كل البرية مقعدا وأظمأ إن أبدى لي الماء منه ... ولو كان لي نهر المجرة موردا ولو كان إدراك الهدى بتذلل ... رأيت الهدى أن لا أمل إلى الهدى وقدماً بغيري أصبح الدهر أشيباً ... وبي وبفضلي أصبح الدهر أمردا

لأبي الطمحان القيني

وإنك عبدي يا زمان وإنني ... على الرغم مني أن أرى لك سيدا وما أنا راض واطئ الثرى ... ولي همة لا ترتضي الأفق مقعدا ولو علمت زهر النجوم مكانتي ... لخرت جميعاً نحو وجهي سجدا أرى الخلق دوني إذ أراني فوقهم ... ذكاء وعلماً واعتلاء وسؤددا وبذل نوالي زاد حتى لقد غدا ... من الغيظ منه ساكن البحر مزبدا ولي قلم في أنملي إن هززته ... فما ضرني أن لا أهز المهندا إذا صال فوق الطرس وقع صريره ... فإن صليل المشرفي له صدى لأبي الطمحان القيني وإني من القوم الذين هم هم ... إذا مات منهم سيد قام صاحبه نجوم سماء كلما غاب كوكب ... بدا كوكب تأوي إليه كواكبه أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ... دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه وما زال منهم حيث كانوا مسود ... تسير المنايا حيث سارت كتائبه لحسان بن ثابت الأنصاري ولقد تقلدنا العشيرة أمرها ... ونسود يوم النائبات ونعتلي وتزور أبواب الملوك ركابنا ... ومتى نحكم في البرية نعدل ونحاول الأمر المهم خطابه ... فيهم ونفصل كل أمر معضل قال أبو الجراح البكري إنا لنبني على ما شيدته لنا ... آباؤنا الغر من مجد ومن كرم لا يرفع الضيف عيناً في منازلنا ... إلا إلى ضاحك منا ومبتسم

قال الأديب أبو بكر يحيى بن بقي من قصيدة له

إني إذا كان قومي في الورى علماً ... فإنني علم في ذلك العلم قال الأديب أبو بكر يحيى بن بقي من قصيدة له هو الشعر أجرى في ميادين سبقه ... وأفرج من أبوابه كل مبهم وسل أهله عني هل امتزت منهم ... بطبعي وهل غادرت من متردم سلكت أساليب البديع فأصبحت ... بأقوالي الركبان في البيد ترتمي وربتما غنى به كل ساجع ... يردده في شجوه والترنم وضيعني قومي لأني لسانهم ... إذا أفحم الأقوام عند التكلم وطالبني دهري لأني زنته ... وإني فيه غرة فوق أدهم من شعر حسان بن ثابت قوله إن الذوائب من فهر وإخوتهم ... قد بينوا سنناً للناس تتبع يرضى بها كل من كانت سريرته ... تقوى الإله وبالأمر الذي شرعوا قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم ... أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا سجية تلك منهم غير محدثة ... إن الخلائق فاعلم شرها البدع لو كان في الناس سباقون بعدهم ... فكل سبق لأدنى سبقهم تبع لا يرفع الناس ما أوهت أكفهم ... عند الرقاع ولا يوهون ما رقعوا إن سابقوا الناس يوماً فاز سبقهم ... أو وارثوا أهل المجد بالندى منعوا لا يفخرون إذا نالوا عدوهم ... وإن أصيبوا فلا صور ولا هلع ولا يضنون عن جار بفضلهم ... ولا يمسهم في مطمع طمع كأنهم أفضل الأحياء كلهم ... إن جد بالناس جد القول أو سمع

ومما يستجاد لعبيد بن الأبرص قوله

ومما يستجاد لعبيد بن الأبرص قوله يا أيها السائل عن مجدنا ... إنك عن مسعاتنا جاهل إن كنت لم تسمع بآبائنا ... فسل تنبأ أيها السائل سائل بنا حجراً غداة الوغى ... يوم تولى جمعه الحافل قومي بنو دودان أهل الحجى ... يوماً إذا ألقحت الحائل كم فيهم من آئد سيد ... ذي نفحات قائل فاعل من قوله قول ومن فعله ... فعل ومن نائله نائل لا يحرم السائل إن جاءه ... ولا يعفي سيبه العاذل الطاعن الطعنة يوم الوغى ... يذهل منه البطل الباسل وقال كعب يمدح الأنصار لا يشتكون الموت إن نزلت بهم ... شهباء ذات معاقر وأوار ورثوا السيادة كابراً عن كابر ... إن الكرام هم بنو الأخيار قال المتنبئ: سيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا ... بأنني خير من تسعى به قدم أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي ... وأسمعت كلماتي من به صمم الخيل والليل والبيداء تعرفني ... والسيف والرمح والقرطاس والقلم قال جعفر بن شمس الخلافة: أنا الذهب الإبريز مالي آفة ... سوى نقص تمييز المعاند في نقدي ورب جهول عابني بمحاسني ... ويقبح ضوء الشمس في الأعين الرمد

الباب الثاني عشر في الهجو

الباب الثاني عشر في الهجو كان الرشيد أحمد بن الزبير قد اجتمعت فيه صفات وأخلاق تقتضي أن تجود معاني الهجاء فيه. من ذلك أنه كان أسود ولا يزال يدعي الذكاء وأن خاطره من نار. فقال فيه ابن قادوس: إن قلت من نار خلق ... ت وفقت كل الناس فهما قلنا صدقت فما الذي ... أطفاك حتى صرت فحما قال ابن عبد ربه في بخيل: يراعة غرني منها وميض سناً ... حتى مددت إليها الكف مقتبسا فصادفت حجراً لو كنت تضربه ... من لؤمه بعصا موسى لما انبجسا قال أبو نواس في آخر: أبو نوح دخلت عليه يوماً ... فغداني برائحة الطعام وقدم بيننا لحماً سميناً ... أكلناه على طبق الكلام فلما أن رفعت يدي سقاني ... كؤوساً خمرها ريح المدام فكان كمن سقى الظمآن آلاً ... وكنت كمن تغدى في المنام وقال أيضاً في غيره: رأيت أبا زرارة قال يوماً ... لحاجبه وفي يده الحسام لئن وضع الخوان ولاح شخص ... لاختطفن رأسك والسلام

فما في الأرض أقبح من خوان ... عليه الخبز يحضره الزحام قال آخر: لقد عثرت بجنح الليل رجلي ... على شخص ولم يك في حسابي فقال مجاوباً لي أنت أعمى ... فقلت نعم ودواس الكلاب قال أبو نواس في بعض من هجاه: ولقد قتلتك بالهجاء فلم تمت ... إن الكلاب طويلة الأعمار قال جرير يهجو الفرزدق: وقد زعموا أن الفرزدق حية ... وما قتل الحيات من أحد قبلي قال ابن دريد في نفطويه: لو أوحي النحو إلى نفطويه ... ما كان النحو يعزى إليه أحرقه الله بنصف اسمه ... وصير الباقي صراخاً عليه قال إبراهيم بن العباس الصولي في من هجره: وكنت أخي بالدهر حتى إذا نبا ... نبوت فلما عاد عدت مع الدهر فلا يوم إقبال عددتك طائلاً ... ولا يوم إدبار عددتك في وتر وما كنت إلا مثل أحلام نائم ... كلا حالتك من وفاء ومن غدر هجا ابن خروف مهذب الدين بن الطيب: إن الأعيرج حاز الطب أجمعه ... أستغفر الله إلا العلم والعملا وليس يجهل شيئاً من غوامضه ... إلا الدلائل والأمراض والعللا في حيلة البر قلت عنده حيل ... بعد اجتهاد ويدري للردى حيلا

الروح يشكو لجثمان العليل على ... علاته فإذا ما طبه رحلا من شعر ابن المبارك قوله في هجو قاض: قد يفتح المرء حانوتاً لمتجره ... وقد فتحت لك الحانوت بالدين بين الأساطين حانوت بلا غلق ... تبتاع بالدين أموال المساكين صيرت دينك شاهيناً تصيد به ... وليس يفلح أصحاب الشواهين من شعر أبي العباس يهجو بني الزبير: بني أسد لا تذكروا الفخر إنكم ... متى تذكروه تكذبوا وتحمقوا من تسألوا فضلاً تضنوا وتبخلوا ... ونيرانكم بالشر فيها تحرق إذا استبقت يوماً قريش خرجتم ... بني أسد سكتاً وذو المجد يسبق تجيئون خلف القوم سوداً وجوهكم ... إذا ما قريش للأضاميم أصفقوا وما ذاك إلا أن للؤم طابعاً ... يلوح عليكم رسمه ليس يخلق قال أبو العباس الكوراني يذم أهل مدينة فاس: مشى اللؤم في الدنيا طريداً مشرداً ... يجوب بلاد الله شرقاً ومغربا فلما أتى فاساً تلقاه أهلها ... وقالوا له أهلاً وسهلاً ومرحبا قال علي بن المفرج المنجم لما احترقت دار ابن صورة بمصر: أقول وقد عاينت دار ابن صورة ... وللنار فيها مارج يتضرم كذا كل مال أصله من مهاوش ... فعما قليل في نهابر يغرم وما هو إلا كافر طال عمره ... فجاءته لما استبطأته جهنم قال الأديب أبو بكر يحيى بن بقي لما انصرف عن المغرب

الباب الثالث عشر في الألغاز

وقد ذم عند أهلها مثواه. وصفرت من نائلهم يداه: أقمت فيكم على الإقتار والعدم ... لو كنت حراً أبي النفس لم أقم وظلت أبكي لكم عذراً لعلكم ... تستيقظون وقد نمتم عن الكرم فلا حديقتكم يجنى بها ثمر ... ولا سماؤكم تنهل بالديم أوغلت في المغرب الأقصى وأعجزني ... نيل الرغائب حتى أبت بالندم قال أحمد الشاهيني يهجو أبا البقاء الصالحي الساحر: أبا البقاء لحاك الله من رجل ... فيك الطبيعة قد قدت من الحجر كم يدعي بعلوم النجم معرفة ... وليس تفرق بين النجم والقمر هجا بعض المغاربة قبائل البربر فقال: رأيت آدم في نومي فقلت له ... أبا البرية إن الناس قد حكموا إن البرابر نسل منك قال إذا ... حواء طالقة إن كان ما زعموا الباب الثالث عشر في الألغاز لغز في خاتم للصفدي: ومستدير تروق العين بهجته ... كأنه ملك نجم الدجى فيه حروفه أربع قد ركبت فإذا ... ما قلت أول حرف تم باقيه قال بعضهم ملغزاً في قلم:

وطائر في وكره نائم ... يطير في الأرض بأسراره حياته في قطع أوداجه ... وعيشه في قط منقاره يكرع في مستنقع القار كي ... يأخذ بالمنقار من قاره قال ابن بصاقة ملغزاً في البيضة: ومولودة لا روح فيها وإنها ... لتقبل نفخ الروح بعد ولادها وتسمو على الأقران في حومة الوغى ... ولكن سمواً لم يكن بمرادها أراد في البيت الأوزل بيضة الدجاجة وفي الثاني بيضة الحرب. أنشد الإمام ابن الحلاوي رجل لغزاً في شبابه فقال: وناطقة خرساء باد شحوبها ... تكنفها عشر وعنهن تخبر يلذ إلى الأسماع رجع حديثها ... إذا سد منها منخر جاش منخر كان ابن شبيب مقدماً في حل الألغاز لا يكاد يتوقف عما يسأل عنه. فتفاوض أبو غالب بن الحصين وأبو منصور محمد بن سليمان في أمر ابن شبيب هذا وما هو عليه من حل اللغز. فقال أبو منصور: تعال حتى نعمل لغزاً محالاً ونسأله عنه. فنظم أبو المنصور: وما شيء لع في الرأس رجل ... وموضع وجهه منه قفاه إذا غمضت عينك أبصرته ... وإن فتحت عينك لا تراه ونظم أيضاً: وجار هو تيار ... ضعيف العقل ضوار بلا لحم ولا ريش ... وهو في الرمز طيار

بطبع بارد جداً ... ولكن كله نار وأنفذا اللغزين إليه. فكتب على الأول: هو طيف الخيال. وكتب على الثاني: هو الزئبق. فجاءا إليه وقالا: هب اللغز الأول هو طيف الخيال. والبيت الثاني يساعدك عليه فكيف تعمل في البيت الأول. فقال: لأن المنام يفسر بالعكس. لأن من بكى يفسر له بالضحك. ومن مات يفسر له بطول الحياة. وقوله في الثاني هو طيار أن أرباب صنعة الكيمياء يرمزون للزئبق بالطيار والفرار والآبق وما أشبه ذلك لأنه يناسب صفته وأما برده فظاهر. ولإفراط برده ثقل جسمه وجرمه. وكله نار لسرعة حركته وتشكله في افتراقه والتئامه. فأعجبا من ذكائه وتوقد عقله (لابن حجة الحموي) . قال الصفدي في المدام: وما شيء حشاه فيه داء ... وأوله وآخره سواء إذا ما زال آخره فجمع ... يكون الحد فيه والمضاء وإن أهملت أوله ففعل ... له بالرفع والنصب اعتناء لابن المعتز في شمعة: صفراء من غير علل ... مركوزة مثل الأسل كأنها عمر الفتى ... والنار فيها كالأجل للحلي في دود القز: وما حوت عكسه مثل طرده ... له جسد سبط وليس له قلب

ضعيف وكم أغنت مجاجة رتعه ... فقيراً به أمسى ومربعه خصب يرى من خشاش الأرض طوراً وتارة ... من الطير لكن دونه تسبل الحجب شقي لنفع الغير يسجن نفسه ... وليس له في السجن أكل ولا شرب لبعضهم في البحر: وحمال أثقال البرية قادر ... ويعجز إن حملته نصف درهم يسير بأيدي الناس شرقاً ومغرباً ... فيسري بلا رجل له سير أرقم لآخر في الفكر: وما شيء يجوب الأرض سبقاً ... ويبصر ما أراد بغير عين يشاهد ما يريد بلا لغوب ... ولا يبرح بلا كدر ومين للمتنبئ في الحمى: وزائرة كأن بها حياء ... فليس تزور إلا في الظلام بذلت لها المطارف والحشايا ... فعافتها وباتت في عظامي يضيق الجلد عن نفسي وعنها ... فتوسعه بأنواع السقام ومن لطائف ما وقع في باب الألغاز أن شيخ الشيوخ بحماة كتب إلى والده ملغزاً في باب بقوله: ما واقف بالمخرج ... يذهب طوراً ويجي لست أخاف شره ... ما لم يكن بمرتج فكتب إليه والده في الجواب: ذهاب ومجيء وخوف وشر هذا باب خصومة. والسلام.

قال القاضي محي الدين بن عبد الظاهر ملغزاً في باب أيضاً: أي شيء تراه في الدور والكت ... ب مجازاً هذا وذاك محقق هو زوج وتارة هو فرد ... وهو في أكثر الأحايين يطرق وطليق في نشأتيه ولكن ... بحديد من بعد ذلك يوثق وهو في القلب يستوي وتراه ... بان تصحيفه لمن يترمق فأجبني عنه بقيت مطاعاً ... لست في حلبة الفضائل تسبق قال صاحب دواوين الإنشاء بدمشق المحروسة ملغزاً في فاختة: وما طار يهوى الرياض تنزهاً ... ويسرح في أفنانها ويغرد وفيه أخ إن تهت عنه فأخته ... تدل على ما قد عنيت وترشد هذا اللغز ورد إلى الديار المصرية وحله زين الدين بن العجمي بقوله: أيا من له مجد أثيل وسؤدد ... غدا دون مرقاه سماك وفرقد تفيد يسار المقترين يمنه ... ويسراه من يمنى الغمامة أجود سؤالك عن أنثى طروب ولم تزل ... على هودها في الروض تشدو وتنشد وتجذبني بالطوق عند نشيدها ... لنحو التصابي لا أطيق أفند ومذبان منها الطرف أمست بعكسها ... تخاف الردى ممن لها يترصد وإن سلبت ثاني الأخير فإنه ... على العكس خاف بل يلوح ويشهد فأولها مع ما يليه وطرفها ... لنا فاه بالمعنى الذي فيه يقصد بقيت بقاء الدهر عزك باذخ ... وفي مفرق الجرزا لواؤك يعقد فخذ مبيناً مغضياً عن إساءتي ... فإنك للإحسان أهل ومقصد

وقال ملغزاً في درة: أي شيء في الجمادات يلقى ... وتراه من بعد ذا حيوانا وترى ذلك الجماد عزيزاً ... غالياً منه رصعوا تيجانا وترى الروح منه في حيوان ... ذي جناح ويألف الطيرانا وإذا ما شدا على العود يوماً ... فوق دف يحرك الأغصانا أو بدا في مقفص فابن برد ... عند أسجاعه يصير مهانا كله طائر وفي ثلثيه ... لك ذو أربع مع العكس بانا كله عاطل به تتحلى ... كل خود وتستقل الجمانا وتراه عند الملوك عظيماً ... وبتصحيفه حقيراً مهانا عكسه في تصحيفه زد بنقص ... فالمعمى هنا فكن يقظانا وإذا لم تدر التصاحيف ذره ... للذي فيه فهو يدري البيانا وبتحريفه تؤدب من شئ ... ت إذا كان يجهل العرفانا ثلثاه در نفيس وفي في ... هـ إذا جاء يصحب المرجانا لكن الثلث عنده نصف وحثر ... ذب عنا تصحيفه ما اعترانا وهو في البر نافر وإذا ما ... حضروه قد يألف الإنسانا فافترسه بالحل إن كنت ليثاً ... فهو لغز عن فضله قد أبانا قال الحموي في القفص: أي مغنى أعواده بيت شدو ... مرقص مطرب وبالقلب صفق ولمجموعه النباتي حسن ... فزت من بعضه بسجع المطوق

الباب الرابع عشر في الوصف

الباب الرابع عشر في الوصف (قال أعرابي يصف قوماً) : هم ليوث غابات. وغيوث جدبات. ما في عهودهم خور. ولا في صفوهم كدر. ولا في خدودهم صعر. ولا في عيونهم خزر. ولا في صدورهم وغر. ولا في حديثهم زور. ولا في قولهم خلف. وصف مصر روي أن عمر بن الخطاب كتب إلى عمرو بن العاص وهو أمير مصر: أن صف لي مصر. فكتب إليه: أصلح الله الأمير. مصر تربة غبراء. وشجرة خضراء. طولها شهر. وعرضها عشر. يكنفها جبل أغبر. ورمل أعفر. يخط وسطها نهر ميمون الغدوات. مبارك الروحات. يجري بالزيادة والنقصان. كجري الشمس والقمر له أوان. تظهر به عيون الأرض وينابيعها. حتى إذا أصلح عجاجه. وتعظمت أمواجه. لم يكن وصول بعض أهل القرى إلى بعض إلا في خفاف القوارب. وصغار المراكب. فإذا تكاملت تلك كذلك نكص على عقبه كأول من بدأ في شدته وطما في حدته. فعند ذلك يظهر أهل ملة محقورة يخرجون من كل محلة يحرثون بطون أوديته وروابيه. يبذرون الحب. يرجون الثمار من الرب لغيرهم ما سعوا من كسبهم.

وصف دابة

وينال منهم من غير حدهم. حتى إذا أشرق وأشرف سقاه من فوقه الندى. وغذاه من تحته الثرى. فعند ذلك يدر حلابه. ويغني ذبابه. فبينما هي يا أمير المؤمنين درة بيضاء. إذا هي عنبرة سوداء. فإذا هي زبرجدة خضراء. فتعالى الله الفعال لما يشاء. فلما وقف عمر على كلامه قال: لله درك يا ابن العاص لقد وصفت لي مصر حتى كأني شاهدتها. وصف دابة قيل اشترى رجل دابة من دميرة. فوجد بها عيوباً كثيرة. فحضر إلى القاضي يشتكي حاله. وما أصابه من الغم وناله. فقال له القاضي: ما قصتك وشكواك. وما الذي من الهم والغم دهاك. فقال: أيها القاضي. إني بحكتك راضي. اشتريت من هذا الغريم دابة اشترط لي فيها الصحة والسلامة. فوجدت بها عيوباً أعقبتني ندامة. وقد سألته ردها فأبى. وقال عند رؤيته إياي: لا أهلاً بك ولا مرحباً. فقال القاضي: أبن ما بها من العيوب. وإلا جعلتك على هذه الخشبة مصلوب. فقال: كلها عيوب وذنوب. وهي أيها القاضي أنحس مركوب. وأخس مصحوب. إن ركبتها رقصت. وإن سقتها رقدت. وإن نزلت عنها شردت. تقطع في يديها. وتصك برجليها. حدباء جرباء كباء. لا تقوم حتى تحمل على الخشب. ولا تنام حتى تكبل بالسلب. إن قربت من الجرار كسرتها.

وصف إبليس لنفسه

وإن دنت من الصغار رفستهم. وإن دار حولها أهل الدار كدمتهم. تكش على أسنانها. وتقرص في عنانها. وتمشي في سنة أقل من يوم. الويل لراكبها إن وثب عليه القوم. وإن رمت تقديمها تأخرت. وإن لكزتها شخرت ونخرت. من استنصر بها خذلته. ومن ساقها رمته. فقتلته. ومتى حملتها فلا تنهض. وتقرض في حبلها. وتجفل من ظلها. ولا تعرف منزل أهلها. كدامة. هجامة. نوامة كأنها هامة. وهي في الدواب شامة. حرونة. ملعونة مجنونة. تقلع الوتد وتمرض الجسد. وتفتت الكبد. ولا تركن إلى أحد. تشمر وتغدر وتعثر. واقفة الصدر. محلولة الظهر. بداءة الأذنين. عمشاء العينين. طويلة الإصبعين. قصير الرجلين ضيقة الأنفاس. مقلعة الأضراس. صغيرة الرأس. كثيرة النعاس. مشيها قليل. وجسمها نحيل. وراكبها عليل. وهو بين الأعزاء ذليل. تجفل من الهواء. وتعثر بالنوى. وتخبل بشعرة. نهاقة شهاقة غير مطراقة. وتحشر صاحبها في كل ضيق. وتهوس عليه في المكان المضيق. وتنقطع به في الطريق عن الصديق. وتعض ركبة الرفيق. وهي عديمة التوفيق. على التحقيق. فإن ردها فأكرم جانبه. وإن لم يردها فاصفع غاربه. وفك مضاربه. ولا تحوجني أن أضاربه. والسلام (الكنز المدفون للسيوطي) . وصف إبليس لنفسه قال شيخ العفاريت الطغاة المصاليت: إني من قديم الزمان.

وبعيد الحدثان. أضللت كثيراً من الناس. بالمكر والخداع والوسواس. وكان من جنس بني آدم كذا وكذا ألف عالم خدامي ومعي. وجندي وتبعي. منهم رؤوس الزهاد. وعلماء العباد. وعلى محبتي مضوا. وبإتباع أوامري قضوا. فأنا فتنة العالم. وأعدى أعداء بني آدم. الشيطان الرجيم. وإبليس الذميم. اسم ذاتي ووصف صفاتي. أنا رأس العفاريت المتمردين. ومحل غضب رب العالمين. خلقت من مارج من نار. وطبعت على إلقاء البوار والدمار. رجوم النجوم إنما أعدت لأجلي. وعتاة الغواة لا تصل رؤوسها إلى مواطئ رجلي. الشياطين تستمد من زواخر مكري. والزنديق يقتبس من ضمائر فكري. لم تمر قضية من الزمان الغابر إلا ولي شركة فيها. ولا حدثت محنة لنبي ولا ولي إلا وأنا متعاطيها. جدي إبليس. نهض لجدي التعيس. وإلى نحو آدم هوى. فعصى ربه فغوى. وأنا قضيت بالتسويل. حتى قتل قاين هابيل. أنا سولت لأولاد يعقوب وحاولت في قضية أيوب. وأنا كنت العون. لهامان وفرعون. وجرأت على قتل الأنبياء والأولياء وتوصلت بتزيين الوسواس. لقاتلي الذين يأمرون بالقسط من الناس. ودعوت إلى عبادة العجل قوم موسى. وساعدت في التفريق والإضلال بين أمة عيسى. وكم أغويت من بلدان. بما زخرت من أوثان. وقد بلغني عن جمع من مسترقي السمع وطن على أذني ووعاه خاطري. ووقر في ذهني.

وأنا أشارف التخوم. وأسارق النجوم. واسابق الوجوم. بي تكثر البدع بين الجماعات والجمع. ويظهر من الفتن ما بطن. ويغلب من التتار. وأهل البوار والخسار. أنواع الشرور والجدال. إلى حين يظهر الدجال وتستمر إلي هذه الأمور. إلى يوم البعث والنشور. وبالجملة والتفصيل أنا شيخ التكفير والتضليل. وتلك صنعتي من الابتداء. وحرفتي إلى الانتهاء. أسهم مرامي المشؤومة نافذة في المشارق والمغارب. وسيوف مناشري المسمومة قاطعة في الأعاجم والأعارب. كم لي في الأطراف والآفاق والأكناف من قاض ونائب. ومانع من الخير وصاحب. وكم لي من جابي. منوط بتفريق قلوبهم وجمع سويدائها إلى بابي. وكم لي في الزوايا من خبايا. وفي أصحاب الروايات من درايات. وفقيه في النادي. فاق الحاضر والبادي. يعلم لي في الشيطنة أولادي. وفي البيلسة حفدتي وأجنادي. وبالجملة غالب الطوائف. وأرباب الوظائف. على باب خدمتي واقف. وعلى طاعة مراسيمي ليلاً ونهاراً عاكف. مناي مناهم. ورضاي رضاهم. وإن خالف بعض سري نجواهم إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم (ابن عربشاه) . وصف بعض البلغاء رجلاً فقال: إن بسيط الكف. رحب الصدر. موطأ الأكناف. سهل الخلق. كريم الطباع. غيث مغوث. وبحر زخور. وضحوك السن. بشير الوجه. بادي القبول.

غير عبوس. يستقبلك بطلاقة. ويحييك ببشر. ويستدبرك بكرم غيث وجميل بشر. تبهجك طلاقته. ويرضيك بشره. ضحاك على مائدته عبد لضيفائه. غير ملاحظ لأكيله. بطين من العقل. خميص من الجهل. راجح الحلم. ثاقب الرأي. طيب الخلق. محصن الضريبة. معط غير سأال. كاس من كل مكرمة. عار من كل ملامة. إن سئل بذل. وإن قال فعل (للقيرواني) . قال مجير الدين بن تميم في وصف ناعورة: وناعورة قد ألبست لحيائها ... من الشمس ثوباً فوق أثوابها الخضر كطاووس بستان تدور وتنجلي ... وتنفض عن أرياشها بلل القطر قال نور الدين بن سعد الأندلسي في دولاب الناعورة: لله دولاب يفيض بسلسل ... في روضة قد أينعت أفنانا قد طارحته بها الحمائم ثجوها ... فيجيبها ويرجع الألحانا فكأنه دنف يدور بمعهد ... يبكي ويسأل فيه عن بانا ضاقت مجاري جفنيه عن دمعه ... فتفتحت أضلاعه أجفانا قال ابن النبيه: وروضة وجنات الورد قد خجلت ... فيها ضحى وعيون النرجس انفتحت تشاجر الطير في أفنانها سحراً ... ومالت القضب للتعنيق واصطلحت والقطر قد رش ثوب الدوح حين رأى ... مجامر الزهر في أذياله نفحت قال علي بن رستم المعروف بابن الساعاتي:

زهرية صفي الدين الحلي

والطل في سلك الغصون كلؤلؤ ... رطب يصافحه النسيم فيسقط والطير تقرأ والغدير صحيفة ... والريح تكتب والغمام ينقط قال ابن عبد الظاهر يصف روضاً: روض به أشياء لي ... ست في سواه تؤلف فمن الهزاء تهازر ... من القضيب تقصف ومن النسيم تلطف ... ومن الغدير تعطف زهرية صفي الدين الحلي ورد الربيع فمرحباً بوروده ... وبنور بهجته ونور وروده وبحسن منظره وطيب نسيمه ... وأنيق ملبسه ووشي بروده فصل إذا افتخر الزمان فإنه ... إنسان مقلته وبيت قصيده يغني المزاج عن العلاج نسيمه ... باللطف عند هبوبه وركوده يا حبذا أزهاره وثماره ... ونبات ناجمه وحب حصيده وتجاوب الأطيار في أشجاره ... كبنات معبد في مواجب عوده والغصن قد كسي الغلائل بعدما ... أخذت يدا كانون في تجريده نال الصبا بعد المشيب وقد جرى ... ماء الشبيبة في منابت عوده والورد في أعلى الغصون كأنه ... ملك تحف به سراة جنوده وانظر لنرجسه الجني كأنه ... طرف تنبه بعد طول هجوده وأعجب لآذريونه وبهاره ... كالتبر يزهو باختلاف نقوده وانظر إلى المنظوم من منثوره ... متنوعاً بفصوله وعقوده

أو ما ترى الغيم الرقيق وما بدا ... للعين من أشكاله وطروده والسحب تعقد في السماء مآتماً ... والأرض في عرس الزمان وعيده والغيم يحكي الماء في جريانه ... والماء يحكي الغيم في تجعيده فابكر إلى روض الصراة وظلها ... فالعيش بين بسيطه ومديده قال أبو الحسن بن نزار في مدينة وادي آش: وادي الأشات يهيج وجدي كلما ... أذكرت ما أفضت بك النعماء لله ظلك والهجير مسلط ... قد بردت لفحاته الأنداء والشمس ترغب أن تفوز بلحظة ... منه فتطرف طرفها الأفياء والنهر يبسم بالحباب كأنه ... سلخ نضته حية رقطاء فلذاك تحذره الغصون فميلها ... أبداً على جنباته إيماء قال مجير الدين بن تميم: مذ قيل للأغصان إن الورد قد ... وافى إلى الأزهار وهو أمير بسمت ثغور الأقحوان مسرة ... لقدومه وتلون المنثور قال الصابئ في شمعة: وليلة من محاق الشهر مدجنة ... لا النجم يهدي السرى فيها ولا القمر كلفت نفسي بها الإدلاج ممتطياً ... عزماً هو الصارم الصمصامة الذكر إلى حبيب له في النفس منزلة ... ما حلها قبله سمع ولا بصر ولا دليل سوى هيفاء مخطفة ... تهدي الركاب وجنح الليل معتكر غصن من الذهب الإبريز أثمر في ... أعلاه ياقوتة صفراء تستعر

تأتيك ليلاً كما يأتي المريب فإن ... لاح الصباح طوتها دونها الجدر قال أبو العلاء المعري في الشمعة أيضاً: وصفراء لون التبر مثلي جليدة ... على نوب الأيام والعيشة الضنك تريك ابتساماً دائماً وتجلداً ... وصبراً على ما نابها وهي في الهلك ولو نطقت يوماً لقالت أظنكم ... تخالون أني من حذار الردى أبكي فلا تحسبوا دمعي لوجد وجدته ... فقد تدمع الأحداق من كثرة الضحك كتب الصابئ في وصف الببغاء إلى ابن نصر المعروف بالببغاء: ألفتها صبيحة مليحة ... ناطقة باللغة الفصيحة عدت من الأطيار واللسان ... يوهمني بأنها إنسان تنهي إلى صاحبها الأخبارا ... وتكشف الأسرار والأستارا بكماء إلا أنها سميعة ... تعيد ما تسمعه طبيعة زارتك من بلادها البعيدة ... واستوطنت عندك كالقعيدة ضيف قراه الجوز والأرز ... والضيف في إتيانه يعز تراه في منقارها الخلوقي ... كلؤلؤ يلقط بالعقيق تميس في حلتها الخضراء ... مثل الفتاة الغادة العذراء خريدة خدورها الأقفاص ... ليس لها من حبسها خلاص نحبسها وما لها من ذنب ... وإنما ذاك لفرط الحب تلك التي قلبي بها مشغوف ... كنيت عنها واسمها معروف يشرك فيها شاعر الزمان ... الكاتب المعروف بالبيان

ذلك عبد الواحد بن نصر ... تقيه نفسي حادثات الدهر قال بعض الشعراء يصف بغداد بعد أن حاصرها طاهر بن الحسين وخرب بناءها: بكيت دماً على بغداد لما ... فقدت نضارة العيش الأنيق تبدلنا هموماً من سرور ... ومن سعة تبدلنا بضيق أصابتنا من الحساد عين ... فأفنت أهلها بالمنجنيق وقوم أحرقوا بالنار قسراً ... ونائحة تنوح على غريق وصائحة تنادي وإصباحا ... وباكية لفقدان الشقيق تفر من الحريق إلى التهاب ... ووالدها يفر إلى الحريق حيارى هكذا ومفكرات ... عليهن القلائد في الحلوق ينادين الشفيق ولا شفيق ... وقد فقد الشفيق من الشفيق ومغترب قرب الدار ملقى ... بلا رأس بقارعة الطريق توسط من قتالهم جميعاً ... فما يدرون من أي الفريق فما ولد يقيم على أبيه ... وقد فر الصديق من الصديق ومهما أنس من شيء تولى ... فإني ذاكر دار الرفيق وصف صفي الدين الحلي حديقة قال: وأطلق الطير فيها سجع منطقه ... ما بين مختلف فيها ومتفق والظل يسرق بين الدوح خطوته ... وللمياه دبيب غير مسارق وقد بدا الورد مفتراً مباسمه ... والنرجس الغض فيها شاخص الحدق

من أحمر ساطع أو أخضر نضر ... أو أصفر فاقع أو أبيض يقق والسحب تبكي وثغر البرق مبتسم ... والطير تسجع من تيه ومن أنق فالطير في طرب والسحب في حرب ... والماء في هرب والغصن في قلق قال القاضي التنوخي يصف دجلة في الظلام والقمر يلمع عليها: أحسن بدجلة والدجى متصوب ... والبدر في أفق السماء مغرب فكأنها فيه بساط أزرق ... وكأنها فيها طراز مذهب وقال أيضاً: كم ليلة سامرت فليها بدرها ... من فوق دجلة قبل أن يتغيبا والبدر يجنح للأفول كأنه ... قد سل فوق الماء سيفاً مذهبا قال ابن الجزري في حمامة: وما نازحات ساجعات بشجوها ... ترنح أغصان النقا وترنم تنوح بلا إلف وتملي غرامها ... على ورق الأشجار والطل يرقم وتغرب في ألحانها وفنونها ... فتعرب عن أشجانها وهي تعجم وتنظر فرخيها قد اختطفتهما ... كواسر أطيار على الأفق حوم ترامت بها أيدي النوى عن وكونها ... فلا عيشها يصفو ولا يتصرم بأكثر مني لوعة وصبابة ... سوى أنها تبدي الغرام وأكتم من المعجب قول بدر الدين يوسف بن لؤلؤ من قصيدة: باكر إلى روضة تستجلها ... فثغرها في الصبح بسام والنرجس الغض اعتراه الحيا ... فغض طرفاً فيه أسقام

وبلبل الدوح فصيح على الأي ... كة والشحرور تمتام ونسمة الريح وفي ضعفها ... لها بنا مر وإلمام قال الشيخ أبو سهل في وصف فرس: أطرف فات طرفي أم شهاب ... هفا كالبرق ضرمه التهاب أعار الصبح صفحته نقابا ... ففر به وصح لنا النقاب إذا ما انقض كل النجم عنه ... وضلت عن مسالكه السحاب سل الأرواح عن أدنى مداه ... فعند الريح قد يلقى الجواب قصيدة الشيخ عبد الغني النابلسي في وصف الشام: إن سامك الخطب المهول فأقلقا ... فانزل بأرض الشام واسكن جلقا تجد المرام بها وكل مناك بل ... وترى بها عزاً وتفصح منطقا بلد سمت بين البلاد محاسناً ... ونمت بهاء واستزادت رونقا زاد السرور بها لكل معرج ... لاسيما إن كان من أهل التقى إن تعشقوا وطناً فذي أولى لكم ... دون البلاد بأن تحب وتعشقا خير الأناس أناسها يرعون أن ... واع الوداد ويحفظون الموثقا هي جنة للطائعين معدة ... يتمتعون ولا يرون بها شقا طابت هواء للنفوس وماؤها ... عذب زلال سائغ لمن استقى جلت محاسنها عن التعداد فلن ... أت بما يختار منه وينتقى يا حسن واديها وطيب شميمه ... قد فاح عرف الزهر فيه وعبقا وتراسلت أطياره بين الربى ... سحراً فهيجت الفؤاد الشيقا

كيف اتجهت يخر نحوك ماؤه ... وإليك يركع كل غصن أورقا يا حبذا إشراق مرجتها التي ... أضحى غني الهم فيها مملقا وتلاعبت فرسانها وتراكضت ... ما بينها تعلو الجياد السبقا ضحكت أزاهرها على أغصانها ... فأتى النسيم يميلهن وصفقا قد دندنت أنهارها في جريها ... لما شدا ذاك الحمام وشقشقا والصالحية يا لها من منزل ... فيها قبور الصالحين أولي التقى وبها القصور العاليات تزخرفت ... مثل النجوم زهت بكل من ارتقى تسمو على أطراف جلق بهجة ... وطلاوة فيها السرور تحققا سقيت دمشق الشام صوب غمامة ... أشفى على غيطانها فتدفقا كم نزهة للعين فيها قد زهت ... وسرت على طرف الهموم فأطرقا ما الجامع الأموي إلا نزهة ... فيها تراه بالعبادة مشرقا

قد أتقنت صناعة بنيانه ... فأتى المزخرف زانه وتأنقا وترى رؤوس العلم فيه دائماً ... في كل فن من تداوله رقى وثلاث هاتيك المآذن تنجلي ... مثل العرائس قد لبسن اليلمقا من فوقها أهل الأذان ترسلوا ... بترنم يشجي الفؤاد الشيقا والعشرة الأبواب لما أن زهت ... فتحت على المشتاق باباً مغلقا يا حبذاك الصحن أشرق وانجلى ... فغدا به ماء النسيم مرقرقا فيه الصحاب روائحاً وغودياً ... ما بينه وتجمعاً وتفرقا من حوله الأسواق تشرق في الدجى ... مثل النهار بما بها قد علقا فيها ترى ما تشتهي وتلذه ... وبيوت قهوات شذاها عبقا هي شامنا أعلى الإله منارها ... وبها أدام الله عيشاً ريقا لم ترض عيني غيرها من منظر ... ولذا ترى قلبي بها متعلقا

لله أيام تقضت لي بها ... ما زلت نحو ظلالها متشوقا هي منشأي لا حاجر وطويلع ... ومحل أنسي لا الغوير ولا النقا وطني وأول ما وطئت بها الثرى ... لا زال عيشي عن حماها مطلقا لذ يا فؤاد بما بها من معشر ... إن سامك الخطب المهول فأقلقا

الباب الخامس عشر في الحكايات

الباب الخامس عشر في الحكايات هارون بن عبد الله والفيل قال القزويني: كان هارون بن عبد الله مولى الأزد شجاعاً شاعراً. ولما حارب الهند المسلمين بالفيل لم يقف قدام الفيل شيء. وقد ربطوا في خرطومه سيفاً هذاماً ثقيلاً يضرب به يميناً وشمالاً لا يرفعه فوق رأس الفيالين على ظهره ويضرب به. فوثب هارون وثبة أعجله بها عن الضرب زلزق بصدر الفيل وتعلق بأنيابه فجال به الفيال جولة كاد يحطمه من شدة ما جال به. وكان هارون شديد الخلق رابط الجأش. فاعتمد في تلك الحالة على نابيه وأصلهما مجوف فانقلعتا من أصلهما. وأدبر الفيل وبقي النابان في يد هارون. وكان ذلك سبب هزيمة الهند وغنم المسلمون. فقال هارون في ذلك: مشيت إليه رادعاً متمهلاً ... وقد وصلوا خرطومه بحسام فقلت لنفسي إنه لفيل ضارباً ... بأبيض من ماء الحديد هذام فإن تنكئي منه فعذرك واضح ... لدى كل منخوب الفؤاد عبام ولما رأيت السيف في رأس هضبة ... كما لاح برق من خلال غمام فعافسته حتى لزقت بصدره ... فلما هوى لازمت أي لزام وعذت بنابيه وأدبر هارباً ... وذلك من عادات كل محامي

الوفاء والفضل والمعروف عند بعض الكرماء

الوفاء والفضل والمعروف عند بعض الكرماء حكي أنه بينما كان عمر بن الخطاب جالساً في بعض الأيام وعنده أكابر الصحابة. وأهل الرأي وإلهابة. وهو في القضايا. يحكم بين الرعايا. إذ أقبل شاب من أحسن الشباب. نظيف الأثواب. يكتنفه شابان من أحسن الشباب أيضاً. وقد جذباه وسحباه. وأوقفاه بين يدي أمير المؤمنين ولبباه. فلما وقفوا بين يديه. نظر إليهما وإليه. فقالا: يا أمير المؤمنين نحن أخوان شقيقان. جديران بإتباع الحق حقيقان. كان لنا أب شيخ كبير. حسن التدبير. معظم في قبائله. منزه عن رذائله. معروف بفضائله. ربانا صغاراً. وأولانا غزاراً. كما قيل في المعنى: لنا والد لو كان للناس مثله ... أب آخر أغناهم بالمناقب فخرج اليوم إلى حديقة له يتنزه في أشجارها. ويقتطف يانع أثمارها. فقتله هذا الشاب. وعدل عن طريق الصواب. فنسألك القصاص عما جناه. والحكم فيه بما أمرك الله. قال الراوي: فنظر عمر إلى الشاب. وقال له: قد سمعت فما الجواب. والغلام مع ذلك ثابت الجنان. خال من الاستيحاش. قد خلع ثياب الهلع. ونزع لباس الجزع. فتبسم عن مثل الجمان. وتكلم بأفصح لسان. وحيا بكلمات حسان. ثم قال يا أمير المؤمنين والله لقد وعيا. في ما ادعيا. وصدقا فيما نطقا. وأخبرا بما جرى. وعبرا عما طرا. وسأنهي

قصتي بين يديك. والأمر فيها إليك. اعلم أني عريم من العرب العرباء نبت في منازل البادية. وصبحت علي أسود السنين العادية. فأقبلت إلى ظاهر هذا البلد. بإلهل والمال والولد. فأفضت بي بعض طرائقها. إلى المسير بين حدائقها. بنياق إلي حبيبات علي عزيزات. بينهن فحل كريم الأصل. كثير النسل. مليح الشكل. حسن النتاج. يمشي بينهن كأنه ملك عليه تاج. فدنت النوق إلى حديقة قد ظهر من الحائط شجرها. فتناولتها بمشفرها. فطردتها عن تلك الحديقة فإذا شيخ قد ظهر. وتسور الحائط وزفر. وفي يده اليمنى حجر. يتمادى كالليث إذا خطر. فضرب الفحل بذلك الحجر فأصاب مقتله وأباده. فلما رأيت الفحل سقط لجنبه وانقلب. توقدت في جمرات الغضب. فتناولت ذلك الحجر بعينه فضربته به. فكان سبب حينه ولقي سوء منقلبه. والمرء مقتول بما قتل به. بعد أن صاح صيحة عظيمة. وصرخ صرخة أليمة. فأسرعت هارباً من مكاني. فلم أكن بأسرع من هذين الشابين فأمسكاني. وأحضراني كما تراني. قال عمر: قد اعترفت. بما اقترفت. وتعذر الخلاص. ووجب القصاص. ولات حين مناص. فقال الشاب: سمعاً وطوعاً لما حكم الإمام. ورضيت بما اقتضته شريعة الإسلام. ولكن لي أخ صغير. كان له أب خبير. خصه قبل وفاته بمال جزيل. وذهب جليل. وأحضره بين يدي. وسلم أمره إلي. وأشهد الله

علي. وقال: هذا لأخيك عندك. فاحفظه جهدك. فاتخذت لذلك مدفناً. ووضعته فيه ولا يعلم به أحداً إلا أنا. فإن حكمت الآن بقتلي ذهب الذهب. وكنت أنت السبب. وطالبك الصغير بحقه. يوم يقضي الله بين خلقه. وإن أنظرتني ثلاثة أيام. أقمت من يتولى أمر الغلام. وعدت وافياً بالذمام. ولي من يضمنني على هذا الكلام. فأطرق عمر ساعة ثم نظر. إلى من حضر. وقال: من يقوم على ضمانه. والعود إلى مكانه. قال: فنظر الغلام إلى وجوه أهل المجلس الناظرين. وأشار إلى أبي ذر دون الحاضرين. وقال: هذا يكفلني. وهو الذي يضمنني. فقال عمر: أتضمنه يا أبا ذر على هذا الكلام. قال: نعم أضمنه إلى ثلاثة أيام. فرضي الشابان بضمان أبي ذر. وأنظراه ذلك القدر. فلما انقضت مدة الإمهال. وكاد وقتها يزول أو زال. حضر الشابان إلى مجلس عمر. والصحابة حوله كالنجوم حول القمر. وأبو ذر قد حضر. والخصم ينتظر. فقال: أين الغريم يا أبا ذر. وكيف يرجع من قد فر. فلا نبرح من مكاننا. حتى تفي بضماننا. فقال أبو ذر: وحق الملك العلام. إن انقضى تمام الأيام. ولم يحضر الغلام. وفيت بالضمان. وسلمت نفسي وبالله المستعان. فقال عمر: والله إن تأخر الغلام لأمضين في أبي ذر ما اقتضته شريعة الإسلام. فهملت عبرات الناظرين. وارفضت نفحات الناظرين. وعظم الضجيج.

وآل النشيج. فعرض كبار الصحابة على الشابين أخذ الدية. واغتنام الاثنية. فأصرا على عدم القبول. وأبيا الأخذ بثار المقتول. فبينما الناس يموجون تلهفاً لما مر. ويصيحون تأسفاً على أبي ذر. إذ أقبل الغلام. ووقف بين يدي الإمام. وسلم عليه أتم سلام. ووجهه يتهلل مشرقاً. ويتكلل عرقاً. وقال: قد أسلمت الصبي إلى أخوالي. وعرفتهم خفي أحوالي. وأطلعتهم على مكان ماله وأموالي. ثم اقتحمت هاجرات الحر. ووفيت وفاء الحر الأغر. فعجب الناس من صدقه ووفائه. وإقدامه على الموت واجترائه. فقال: من غدر لم يعف عنه من قدر. ومن وفى رحمه الطالب وعفا. وتحققت أن الموت إذا حضر لم ينج منه احتراس. وبادرت كي لا يقال ذهب الوفاء من الناس. فقال أبو ذر: والله يا أمير المؤمنين لقد ضمنت هذا الغلام ولم أعرفه من أي يوم. ولا رأيته قبل ذلك اليوم. ولكنه نظر إلى من حضر فقصدني. وقال: هذا يضمنني. فلم أستحسن رده. وأبت المروءة أن تخيب قصده. إذ ليس في إجابة القصد من باس. كي لا يقال: ذهب الفضل من الناس. فقال الشابان عند ذلك: يا أمير المؤمنين قد وهبنا لهذا الغلام دم أبينا. فلتبدل وحشته بإيناس. كي لا يقال: ذهب المعروف من الناس. فاستبشر الإمام بالعفو عن الغلام. وعجب من صدقه ووفائه. واستغزر مروءة أبي ذر دون جلسائه. واستحسن اعتماد الشابين إتباع المعروف

جحدر والسبع

وأثنى عليهما أحسن ثناء وتمثل بهذا البيت: من يصنع الخير لم يعدم جوائزه ... لا يذهب العرف بين الله والناس ثم عرض عليهما أمير المؤمنين أن يصرف لهما من بيت المال دية أبيهما. فقالا: يا أمير المؤمنين إنما عفونا عنه ابتغاء لوجه الله. ومن نيته كذا. لا يتبع إحسانه منا ولا أذى. قال الراوي: فاعتددتها من أنفس العجائب. وأثبتها في ديوان الغرائب (للاتليدي) . جحدر والسبع قيل إن جحدر بن ربيعة كان بطلاً شجاعاً فاتكاً شاعراً بليغاً. فغزا أهل اليمامة وأبادهم فبلغ ذلك الحجاج بن يوسف. فكتب إلى عامله يوبخه بتغلب جحدر ويأمره بالتوجه إليه حتى يقتله أو يحمله إليه أسيراً. فوجه العامل إليه فتية من بني حنظلة وجعل لهم الجعائل العظيمة إن هم قتلوا جدراً أو أتوا به أسيراً. فتوجه الفتية إلى طلبه فلما دنوا من مكانه أرسلوا إليه يقولون إنهم يريدون الانقطاع إليه والقيام بخدمته. فوثق بذلك منهم وسكن إلى قولهم. فبينما هو معهم يوماً إذ وثبوا إليه فشدوه وثاقاً وقدموا به إلى العامل. فوجهه معهم إلى الحجاج. فلما قدموا به عليه مثل بين يديه. قال له: أنت جحدر. قال: نعم أصلح الله الأمير. قال: ما جرأك على ما بلغني عنك. قال: أصلح الله الأمير. كلب الزمان. وجفوة السلطان. وجراءة الجنان. قال: وما بلغ من أمرك. قال: لو ابتلاني الأمير

وجعلني مع الفرسان لرأى مني ما يعجبه. قال الراوي: فتعجب الحجاج من ثبات عقله ومنطقه. ثم قال: يا جحدر إني قاذف بك في حفائر بها أسد عظيم. فإن قتلك كفانا مؤنتك. وإن قتلته عفونا عنك. قال: أصلح الله الأمير. قرب الفرج إن شاء الله تعالى. فأمر به فصفدوه بالحديد ثم كتب لعامله أن يرتاد له أسداً عظيماً ويحمله إليه. فارتاد له العامل أسداً كريه المنظر كاشراً خبيثاً قد أفنى عامة المواشي. وأمر بأن يصير في قفص حديد ويسحب القفص على عجل. فلما قدم به على العجل إلى الحجاج أمر به فألقي في الحفائر ولم يطعم شيئاً ثلاثة أيام حتى جاع واستكلب. ثم أمر بجحدر أن ينزلوه إليه فأعطوه سيفاً وأنزلوه إليه مقيداً وأشرف الحجاج عليه والناس حوله ينظرون إلى الأسد ما هو صانع بجحدر. فلما نظر الأسد إلى جحدر نهض ووثب وتمطى وزأر زئيراً دوى منه الجبال وارتاعت منه أهل الأرض. فشد عليه جحدر وهو يقول: ليث وليث في مجال ضنك ... كلاهما ذو قوة وسفك وصولة وبطشة وفتك ... إن يكشف الله قناع الشك فأنت لي في قبضتي وملكي ثم دنا منه وضربه بسيفه ففلق هامته. فكبر الناس وأعجب الحجاج. وقال: الله درك ما أنجدك. ثم أمر به فأخرج من الحفائر وفك وثاقه وقيده. وقال له: اختر إما أن تقيم عندنا فنكرمك ونقرب

عصيان إبراهيم بن المهدي على أمير المؤمنين المأمون وما جرى له في اختفائه

منزلتك. وإما أن نأذن لك فتلحق ببلادك ونشرط عليك أن لا تحدث منكراً ولا تؤذي أحداً. قال: بل أختار صحبتك أيها الأمير. فجعله من سماره وخواصه. ثم لم يلبث أن ولاه على اليمامة وكان من أمره ما كان. عصيان إبراهيم بن المهدي على أمير المؤمنين المأمون وما جرى له في اختفائه حكى الواقدي قال: إن إبراهيم بن المهدي أخا هارون الرشيد لما آل أمر الخلافة إلى المأمون ابن أخيه هارون الرشيد لم يبايعه بل ذهب إلى الري وادعى فيها الخلافة لنفسه. وأقام مالكها سنة وأحد عشر شهراً واثني عشر يوماً وابن أخيه المأمون يتوقع منه الانقياد إلى الطاعة والانتظام في سلك الجماعة حتى يئس من عوده. فركب بخيله ورجله وذهب إلى الري وحاضر المدينة وافتتحها ودخلها. قال إبراهيم عن نفسه: فخفت على دمي وخرجت مسرعاً من داري عند الظهر وأنا لا أدري إلى أين أتوجه. وكان المأمون قد جعل لمن أتاه بي مائة ألف درهم. وفيما كنت سائراً في الطريق إذا أنا بزقاق فمشيت فيه فوجدته غير نافذ. فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون إن رجعت على أثري يرتاب في أمري والشارع غير نافذ فما الحيلة. ثم نظرت فرأيت في صدر الشارع عبداً أسود قائماً على باب دار. فتقدمت إليه وقلت له: هل عندك موضع أقيم به ساعة من النهار. فقال: نعم وفتح الباب. فدخلت إلى بيت نظيف

فيه حصير وبساط ووسد نظيفة من جلود. ثم إن الأسود أغلق علي الباب ومضى. فتوهمت أنه سمع بجعالة المأمون للذي يأتيه بي وطمع بالربح وخرج يدل علي فبقيت أتقلى على جمر الغضا. فبينما كنت أفكر في ذلك إذ أقبل ومعه حمال حامل كل ما تحتاج إليه من خبز ولحم وقدراً جديدة وجرة نظيفة وكيزاناً جدداً فحطها عن الحمال وقال له: امض بخير. فخرج وأقفل وراءه باب الدار وجاء إلي وقال لي: جعلت فداك يا مولاي إني رجل حجام وأعلم أنك تتقدر مني لما أتولاه من معيشتي. فشأنك أنت بما لم تقع عليه يدي. قال إبراهيم: وكنت شديد الجوع ولي حاجة عظيمة إلى الطعام فطبخت لنفسي قدراً لم أدر في عمري أني أكلت ألذ منها. فلما قضيت أربي من الطعام قال لي الأسود: هل لك يا مولاي في شراب فإنه ينفي الهم ويدفع الغم. فقلت له: ما أكره ذلك رغبة في مؤانستك. فمضى وجاءني بقدح وبدست ملآن شراباً مطيباً وقال لي: روق لنفسك مخافة أن تتقزز مني. فنظرت في الدست فرأيت شراباً في غاية الجودة فروقت منه. ثم أتاني بفاكهة وأبقال مختلفة. وبعده قال لي: يا مولاي أتأذن لي أن أقعد في ناحية أمامك وآتي بشراب لي فأشربه سروراً بك. فقلت له: افعل فشرب وشربت. ثم دخل إلى خزانة له فأخرج منها عوداً وقال لي: ليس من قدري أن أسألك في الغناء ولكن إن أردت أن

عبدك يغني فلك علو الرأي. فقلت له: ومن أين لك أني أحسن الغناء. فقال: يا سبحان الله. مولاي أشهر من أن يخفى ألست أنت سيدي إبراهيم بن المهدي خليفتنا في الأمس الذي جعل المأمون لمن دله عليك مائة ألف درهم. فلما سمعت ذلك عظم الرجل في عيني وثبتت مروءته عندي. فتناولت العود وأصلحته وقد مر بخاطري فراق أهلي وولدي ووطني فغنيت: وعسى الذي أهدى ليوسف أهله ... وأعزه في السجن وهو أسير أن يستجيب لنا ويجمع شملنا ... والله رب العالمين قدير فاستولى عليه الطرب المفرط وطاب خاطره وقال لي: يا سيدي ومولاي أتأذن لي أن أغني ما سنح بخاطري وإن كنت من غير أهل الصناعة. فقلت: وهذا من زيادة أدبك ومروءتك. فأخذ العود وأنشد: شكونا إلى أحبابنا طول ليلنا ... فقالوا لنا ما أقصر الليل عندنا وذاك لأن النوم يغشى عيونهم ... سريعاً ولا يغشى لنا النوم أعينا فلو أنهم كانوا يلاقون مثلما ... نلاقي لكانوا في المضاجع مثلنا قال إبراهيم فداخلني من الطرب ما لا مزيد عليه وأذهب مني كل ما كان بي من الهلع فقلت له: لقد أحسنت كل الإحسان وأذهبت عني ألم الأحزان. فزدني من هذه النزهات فأنشد للسموءل: تعيرنا أنا قليل عديدنا ... فقلت لها إن الكرام قليل

قال إبراهيم: فاشتد علي الطرب ونمت ولم أستيقظ إلا بعد العشاء. فعاودني فكري في نفاسة هذا الحجام وحسن أدبه. فقمت ثم أخذت خريطة كانت صحبتي فيها دنانير لها قيمة. فرميت بها إليه وقلت له: استودعك الله وأسألك أن تتصرف في هذا ولك عندي المزيد إن أمنت من خوفي. فأبى أخذها وأعادها علي بعزة وقال: يا مولاي إن الصعاليك منا لا قدر لهم عندكم. أآخذ على ما وهبنيه الزمان. قربك وحلو لك في منزلي غنى. والله لئن راجعتني بها لأقتلن نفسي. فأعدت الخريطة إلى كمي وقد أثقلني حملها وانصرفت. ولما انتهيت إلى باب داره قال لي: يا سيدي إن هذا المكان أخفى لك من غيره وليس علي في مؤونتك ثقل فأقم عندي إلى أن يفرج الله عنك. فقلت له: بشرط أن تنفق مما في هذه الخريطة. فأوهمني الرضا بذلك الشرط. فأقمت عنده أياماً على تلك الحالة في ألذ عيش وهو لم يصرف من الخريطة شيئاً. فتذممت من الإقامة في بيته واحتشمت من التثقيل عليه. فتزييت بزي النساء بالخف والنقاب وودعته وخرجت. فلما صرت في الطريق داخلني من الخوف أمر شديد وجئت لأعبر الجسر. وإذا بموضع مرشوش فنظرني جندي ممن كان يخدمني فصاح وقال: هذا حاجة المأمون. ثم تعلق بي فمن حلاوة الروح دفعته هو وفرسه فوقعا في ذلك المزلق فصار عبرة. وتبادر الناس إليه فاجتهدت

أنا في المشي حتى قطعت الجسر فدخلت شارعاً فوجدت باب دار وامرأة واقفة في الدهليز. فقلت لها: يا سيدة النساء احقني دمي فإني رجل خائف. فقالت لي: على الرحب والسعة. وأطلعتني إلى غرفة وفرشت لي فراشاً وقدمت لي طعاماً وقالت: هدئ روعك فما علم بك مخلوق. فبينما هي كذلك إذا بالباب يطرق طرقاً عنيفاً. فخرجت وفتحت الباب وإذا بصاحبي الذي دفعته على الجسر وهو مشدوخ الرأس ودمه يسيل على ثيابه وليس معه فرس. فقالت له: يا هذا ما دهاك. فقال: إني ظفرت بالغنى وانفلت مني. وأخبرها بما جرى له. فأخرجت له عصائب وعصبت رأسه وفرشت له فنام عليلاً. ثم إنها طلعت إلي وقالت: أظنك أنت صاحب القضية. فقلت لها: نعم. فقالت: لا بأس عليك ولا تخف. ثم جددت لي الكرامة فأقمت عندها ثلاثاً. ثم قالت لي: إني خائفة عليك من هذا الرجل (وعنت زوجها) لئلا يطلع عليك فينم بك. فالأولى بك أن تنجو بنفسك في خير. فسألتها المهلة إلى الليل. فقالت: لا بأس بذلك. فلما جن الليل لبست زي النساء وخرجت من عندها وأتيت إلى بيت جارية لي. فلما رأتني بكت وتوجعت وحمدت الله على سلامتي وخرجت وهي توهمني أنها تريد السوق للاهتمام بالضيافة وظننت بها خيراً. فما شعرت إلا بإبراهيم الموصلي قد أقبل بخيله ورجله والجارية معه. فأسلمتني إليه فرأيت الموت

عياناً. فحملوني بالزي الذي أنا فيه إلى المأمون. فعقد مجلساً عاماً وأدخلني إليه فلما مثلت بين يديه سلمت عليه بالخلافة. فقال: لا سلم الله عليك ولا حياك ولا رعاك. فقلت له: مهلاً يا أمير المؤمنين إن ولي الثأر محكم بالقصاص ولكن العفو أقرب للتقوى. وقد جعلك الله فوق كل عفو كما جعل ذنبي فوق كل ذنب. فإن تقتل فبعدلك وإن تعف فمن فضلك. ثم أنشدت: ذنبي إليك عظيم ... وأنت أعظم منه فخذ بحقك أو لا ... فاصفح بحلمك عنه إن لم أكن عند فعلي ... من الكرام فكنه قال: فرفع المأمون رأسه ونظر فبدرته قائلاً: أتيت ذنباً عظيماً ... وأنت للعفو أهل فإن عفوت فمن ... وإن قتلت فعدل فرق لي المأمون فرأيت وجهه قد هش واستروحت روائح الرحمة من شمائله. ثم أقبل على العباس وأخيه أبي إسحاق وجميع من حضر من خاصته وقال لهم: ماذا ترون في أمره فكل أشار بقتلي إلا أنهم اختلفوا في القتلة. فقال المأمون لأحمد بن أبي خالد: ما تقول يا أحمد. فقال: يا أمير المؤمنين إن قتلته فقد وجدنا مثلك قد قتل مثله. وإن عفوت عنه لم نجد مثلك قد عفا عن مثله. فنكس المأمون رأسه مطرقاً إلى الأرض ساعة. ثم رفعه وأنشد:

قومي هم قتلوا أميم أخي ... فإذا رميت يصيبني سهمي (قال) فكشفت عند ذلك المقنعة عن رأسي وكبرت تكبيرة عظيمة فرحاً وقلت: عفا والله أمير المؤمنين. فقال المأمون: لا بأس عليك يا عماه. فقلت: يا أمير المؤمنين ذنبي أعظم من أن أتفوه معه بعذر. وعفوك أعظم من أن أنطق معه بشكر ولكني أقول: إن الذي خلق المكارم حازها ... في صلب آدم للإمام السابع ملئت قلوب الناس منك مهابة ... وتظل تكلأهم بقلب خاشع فعفوت عمن لم يكن عن مثله ... عفو ولم يشفع إليك بشافع ورحمت أطفالاً كأفراخ القطا ... وحنين والدة بقلب جازع فقال المأمون: لا تثريب عليك اليوم وقد عفوت عنك ورددت عليك مالك وضياعك بأجمعها. فقبلت الأرض وأنشدت: رددت مالي ولم تبخل علي به ... وقبل ردك مالي قد حقنت دمي نأيت منك وقد خولتني نعماً ... هما الحياتان من موت ومن عدم فلو بذلت دمي أبغي رضاك به ... والمال حتى أسل النعل من قدمي ما كان ذاك سوى عارية رجعت ... إليك لو لم تعرها كنت لم تلم فإن جحدتك ما أوليت من نعم ... إني إلى اللوم أولى منك بالكرم فقال المأموت: إن من الكلام لدراً وهذا منه. ثم خلع علي وقال لي: يا عم إن أبا إسحاق أخي والعباس أشارا علي بقتلك. فقلت له: إنها نصحاك يا أمير المؤمنين ولكنك فعلت بما أنت أهله. فقال

المأمون: يا عم لقد أمت حقدي بحياة عذرك. وقد عفوت عنك ولم أجرعك مرارة امتنان الشافعين. ثم إن المأمون سجد وقبل الأرض ورفع رأسه وقال لي: يا عم أتدري لماذا سجدت وقبلت الأرض. فقلت: نعم أظنه شكراً لله تعالى الذي أظفرك بعدو دولتك. فقال: ما أردت هذا ولكن سكراً لله تعالى الذي ألهمني العفو عنك فحدثتني الآن حديثك في اختفائك. فشرحت له صورة أمري مع الحجام والجندي وامرأته وما جرى لي مع جارتي. فأمر المأمون بإحضار الجميع. فدعا جاريتي وكانت منتظرة للجائزة. فقال لها: ما حملك على ما فعلت بسيدك. فقالت: الرغبة في المال. فقال لها المأمون: ألك ولد أو زوج. فقالت: لا. فأمر بضربها مائة سوط وخلد سجنها. ثم أحضر الجندي وامرأته والحجام. فسأل الجندي ما حمله على ما فعل. فقال: الرغبة في المال. فقال له المأمون: أنت يجب أن تكون حجاماً لتتعلم الحجامة. ثم طرده من الجندية وأكرم زوجته وأمر فأدخلوها القصر. وقال: هذه امرأة عاقلة تصلح للمهمات. ثم التفت إلى الحجام وقال له: لقد ظهر من مروءتك ما يوجب المبالغة في إكرامك. فسلم له دار الجندي بما فيها وخلع عليه وأعطاه رزق الجندي وأجرى له ألف دينار في كل سنة. فلم يزل في تلك النعمة إلى أن توفاه الله (حديقة الأفراح لليمني) .

الباب السادس عشر في الفكاهات

الباب السادس عشر في الفكاهات كتب ابن الخازن الكاتب الدينوري إلى الحكم أبي القاسم الأهوازي وقد فصده وآلمه: رحم الإله مجدلين سليمهم ... من ساعديك مبضع بمبضع فعصائب تأتيهم بعصائب ... نشرت فتطوي أذرعاً في الأذرع أفصدتهم بالله أم أقصدتهم ... وخزاً بأطراف الرماح الشرع دست المباضع أم كنانة أسهم ... أم ذو الفقار مع البطين الأنزع غرراً بنفسي إن لقيتك بعدها ... يا عنتر العبسي غير مدرع كتب بعض الظرفاء إلى صاحب له يطلب خمراً: أشكو إليك براغيثاً بليت بها ... سوداً إذا انتبهوا في الليل لم أنم أصيد هذا فيبقى ذا فيلدعني ... فينقضي الليل في صيدي ولدغهم وقد تيقنت أني ليس ينقذني ... سوى ابنة الكرم يا ابن الجود والكرم ابعث إلي دم العنقود أشربها ... لكي أنام ولا أشعر بسفك دمي قال ابن الذروي في ابن أبي حصينة الأحدب: لا تظنن حدبة الظهر عيباً ... فهي في الحسن من صفات الهلال وكذاك القسي محدودبات ... وهي أنكى من الظبأ والعوالي وإذا ما علا السنام ففيه ... لقروم الجمال أي جمال

الطبيب والخليفة

كون الله حدبة فيك إن شئ ... ت من الفضل لا من الإفضال فأتت ربوة على طود حلم ... منك أو موجة ببحر نوال ما رأتها النساء إلا تمنت ... أنها حلية لكل الرجال قال ابن دانيال في أحدب يسمى حسان: قسماً بحسن قوامك الفتان ... يا أوحد الأمراء في الحدبان يا مشبه الغصن الرطيب إذا انثنى ... من حدبة فيميس كالريان يا مخجلاً شكل الزمان بقده ... حاشاك أن تعزى إلى نقصان ما عاب قامتك الحسود جهالة ... إلا أجبت مقالة ببنيان هل تحسن الحركات إلا أن يرى ... ذو حدبة في حلبة الميدان لولاك ما اشتقنا قباب المنحنى ... من حاجر والتل من عسفان والعود أحدب وهو يلهي مطرباً ... ولقد سمعت بنغمة العيدان وانظر سفين البحر لولا حدبة ... في ظهره لم يقو للطوفان ومدبراً الإكسير يدعى أحدباً ... في علمه والقسط في الميزان وإذا اكتسى الإنسان قيل تمثلاً ... بالمذح قامت حدبة الإنسان يفديك في الحدبان كل مكربس ... يمشي الهوينا مشية السرطان منجمع الكتفين أقوس قد بدا ... في هيئة المتخوف الضعفان الطبيب والخليفة يحكى أن فلاحاً حصل له شدة من مرض آلمه وأصاب قدمه فجاء إلى طبيب وشكا إليه الآلام وقال: ألمي في رجلي ضاعف همي

وأضعف هممي. فقال له الطبيب: لا بأس يا حبيب هذا داء هين. وعلاجه بين. أعطني ديناراً أصف لك دواء شافياً. فأعطاه ما اشتهى واستوصفه الدواء. فقال ضمده بعجة بيض كثيرة الأبراز. وضع عليه عسلاً مسخناً على النار. ففعل ذلك فبرمت قدمه. وزال بالكلية ألمه. ففكر الفلاح في أمر الطبيب. وقوله المصايب. فرأى الراحة. في ترك الفلاحة والاشتغال بعلم الطب فإنه أمر هين يسير. وبأدنى أمر حقير. يحصل المال الكثير. فباع آلات الزراعة. وعزم على تعاطي ما في الطب والتعبير من الصناعة. وجمع كتباً ودفاتر. وكراريس مخرمة مناثر. ووسع أكمامه. ووضع على رأسه عمامة كغمامة. وجمع عقاقير وأوراقاً وبسط بسطه في بعض الأسواق. وأشار على لسان مخبر: أن المكان الفلاني فيه طبيب معبر وهو أستاذ الزمان وعلامة الأوان. وتلامذته في الطب حكماء اليونان. وفي التعبير ابن سيرين وكرمان. وتصدر كأبي زيد وساسان. عاملاً بما قاله شيخ البيان وهو: الطب أهون علم يستفاد فطر ... بين الأنام به طير الزنابير واجمع لذاك كراريساً منثرة ... وجملة من حشيش من عقاقير وضع على الرأس بقياراً تدوره ... كقبة النسر في وزن القناطير واجمع معاجين من رب تخلطها ... واسحق سفوفاً وأكحال العوارير وسم ما شئت من أسماء معربة ... كالسند والهند والسرحا وخنفور وقل من الهند جاء هذا ومن عدن ... هذا وهذا أتى من ملك تقفور

وذا من البحر بحر الصين معدنه ... وذا من البربر المدعو ببربور فإن رأيت بالاستسقاء ذا ورم ... فقل تورم من لسع الزنابير إن اقشعر فقل برد عراه وإن ... نجم قل حره وهج التنانير وإن أتاك مريض لا تخف وأشر ... بما ترى من دواء دونه البوري فإن يعش قل دواءي كان منعشه ... وإن يمت قل أتاه حكم مقدور فإن أصبت فقل علمي ومعرفتي ... وفي التخالف قل ضد المقادير وإن رأيت ففيها فر منه ولا ... تنطق يخطئك في جهل وتكثير وأنت تحتاج في هذا وذاك إلى ... ذوق ومعرفة مع حسن تدبير فاتفق أن زمام خليفة الأنام رأى في المنام شيئاً هاله. وغير حاله. فحصل له في رأسه صداع. وفي فؤاده أوجاع. فسمع بهذا الجديد. وأنه أستاذ مفيد. فقال: ماذا تشكو. فقال: في فؤادي أوجاع. وفي رأسي صداع. فقال: يا زين من فاخر. أعطني ديناراً آخر. اصف لك أيسر دواء. يحصل لك منه العافية والشفاء. فدفع إليه الدينار. وطلب منه دواء الدوار. وما بفؤاده من ألم. أورثه الوهج والضرم. فقال: يا أبا الفيض. ضمد رجلك بعجة بيض. مضافاً إليها عسل مشتار. وليكن ذلك مسخناً بالنار. فاستشاط غضباً. وفار كالنار شواظاً ولهباً. وعرف أنه جاهل. وعن طرق العلم غافل. فأدبه التأديب البالغ ورده إلى ما كان عليه من منادمة السالغ. واستمر على كلاحته. بعد رجوعه إلى فلاحته (فاكهة الخلفاء لابن عربشاه) .

الفضل بن يحيى والأعرابي

الفضل بن يحيى والأعرابي ومما جاء في أخبار البرامكة ما رواه الأصمعي قال خرج الفضل للصيد والقنص. وبينما هو في موكبه إذ رأى أعرابياً على ناقة قد أقبل من صدر البرية يركض في سيره. قال: هذا يقصدني فلا يكلمه أحد غيري. فلما دنا الأعرابي ورأى المضارب تضرب. والخيام تنصب. والعسكر الكثير والجم الغفير. وسمع الغوغاء والضجة ظن أنه أمير المؤمنين. فنزل وعقل راحلته وتقدم إليه وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. قال: اخفض عليك ما تقول. فقال: السلام عليك أيها الأمير. فقال: الآن قاربت اجلس. فجلس الأعرابي. فقال له الفضل: من أين أقبلت يا أخا العرب. قال: من قضاعة. قال: من أدناها أو من أقصاها. قال: من أقصاها. فقال: يا أخا العرب. مثلم من يقصد من ثمانمائة فرسخ إلى العراق لأي شيء. قال: قصدت هؤلاء الأماجد الأنجاد. الذين قد اشتهر معروفهم في البلاد. قال: من هم. قال: البرامكة. قال الفضل: يا أخا العرب إن البرامكة خلق كثير. وفيهم جليل وخطير. ولكل منهم خاصة وعامة. فهل أفرزت لنفسك منهم من اخترت لنفسك وأتيته لحاجتك. قال: أجل أطولهم باعاً وأسمحهم كفاً. قال: من هو. قال: الفضل ابن يحيى بن خالد. فقال له الفضل: يا أخا العرب إن الفضل جليل القدر عظيم الخطر. إذا جلس للناس مجلساً عاماً لم يحضر مجلسه

إلا العلماء والفقهاء والأدباء والشعراء والكتاب والمناظرون للعلم. أعالم أنت. قال: لا. قال: أفأديب أنت. قال: لا. قال: أفعارف أنت بأيام العرب وأشعارها. قال: لا. قال: وردت على الفضل بكتاب وسيلة. قال: لا. فقال: يا أخا العرب غرتك نفسك. مثلك يقصد الفضل بن يحيى وهو ما عرفتك عنه من الجلالة. بأي ذريعة أو وسيلة تقدم عليه. قال: والله يا أمير ما قصدته إلا لإحسانه المعروف. وكرمه الموصوف. وبيتين من الشعر قلتهما فيه. فقال الفضل: يا أخا العرب أنشدني البيتين فإن كانا يصلحان أن تلقاه بهما أشرت عليك بلقائه. وإن كانا لا يصلحان أن تلقاه بهما بررتك بشيء من مالي ورجعت إلى ياديتك وإن كنت لم تستحق بشعرك شيئاً. قال: أفتفعل أيها الأمير. قال: نعم. قال: إني أقول: ألم تر أن الجود من عهد آدم ... تحدر حتى صار يمتصه الفضل ولو أن أماً مسها جوع طفلها ... غذته باسم الفضل لاغتذا الطفل قال: أحسنت يا أخا العرب. فإن قال لك: هذان البيتان قد مدحنا بهما شاعر وأخذ الجائزة عليهما فأنشدني غيرهما. فما تقول. قال أقول: قد كان آدم حين حان وفاته ... أوصاك وهو يجود بالحوباء ببنيه أن ترعاهم فرعيتهم ... وكفيت آدم عولة الأبناء قال: أحسنت يا أخا العرب. فإن قال لك الفضل ممتحناً هذان البيتان أخذتهما من أفواه الناس. فأنشدني غيرهما. فما تقول وقد

رمقتك الأدباء بالأبصار وامتدت الأعناق إليك وتحتاج أن تناضل عن نفسك. قال: إذن أقول: ملت جهابذ فضل وزن نائله ... ومل كتابه إحصاء ما يهب والله لولاك لم يمدح بمكرمة ... خلق ولم يرتفع مجد ولا حسب قال: أحسنت يا أخا العرب. فإن قال لك الفضل هذان البيتان مسروقان. أنشدني غيرهما. فما تقول: قال. إذن أقول: ولو قيل للمعروف ناد أخا العلا ... لنادى بأعلى الصوت يا فضل يا فضل ولو أنفقت جدواك من رمل عالج ... لأصبح من جدواك قد نفد الرمل قال: أحسنت يا أخا العرب فإن قال لك الفضل: هذان البيتان مسروقان أيضاً. أنشدني غيرهما فماذا تقول. قال أقول: وما الناس إلا اثنان صب وباذل ... وإني لذاك الصب والباذل الفضل على أن لي مثلاً إذا ذكر الورى ... وليس الفضل في سماحته مثل قال: أحسنت يا أخا العرب. فإن قال لك الفضل: أنشدني غيرهما فما تقول. قال: أقول أيها الأمير: حكى الفضل عن يحيى سماحة خالد ... فقامت به التقوى وقام به العدل وقام به المعروف شرقاً ومغرباً ... ولم يك للمعروف بعد ولا قبل قال: أحسنت. فإن قال لك: قد ضجرنا من الفاضل والمفضول أنشدني بيتين على الكنية لا على الاسم فما تقول. قال: إذن أقول: ألا يا أبا العباس يا واحد الورى ... ويا ملكاً خد الملوك له نعل

إليك تسير الناس شرقاً ومغرباً ... فرادى وأزواجاً كأنهم نحل قال: أحسنت يا أخا العرب. فإن قال لك الفضل: أنشدنا غير الاسم والكنية والقافية. قال: والله لئن زادني الفضل وامتحنني بعدها لأقولن أربعة أبيات ما سبقني إليهن عربي ولا أعجمي. ولئن زادني بعدها لأجمعن قوائم ناقتي هذه وأجعلها في فم الفضل. ولأرجعن إلى قضاعة خاسراً ولا أبالي. فنكس الفضل رأسه وقال للأعرابي: يا أخا العرب أسمعني الأبيات الأربعة. قال أقول: ولائمة لامتك يا فضل في الندى ... فقلت لها هل يقدح اللوم في البحر اتنهين فضلاً عن عطاياه للورى ... فمن ذا الذي ينهى السحاب عن القطر كأن نوال الفضل في كل بلدة ... تحدر ماء المزن في مهمه قفر كأن وقود الناس ف كل وجهة ... إلى الفضل لاقوا عنده ليلة القدر قال: فأمسك الفضل عن فيه وسقط على وجهه ضاحكاً. ثم رفع رأسه وقال: يا أخا العرب أنا والله الفضل بن يحيى. سل ما شئت. فقال: سألتك بالله أيها الأمير إنك لهو. قال: نعم. قال له: فأقلني. قال: أقالك الله اذكر حاجتك. قال عشرة آلاف درهم. قال الفضل: ازدريت بنا وبنفسك يا أخا العرب. تعطى عشرة آلاف درهم في عشرة آلاف وأمر بدفع المال. فلما صار المال إليه حسده وزير الفضل وقال: يا مولاي هذا إسراف. يأتيك جلف من أجلاف العرب بأبيات استرقها من أشعار العرب فتجزيه بهذا المال.

فقال: استحقه بحضوره إلينا من أرض قضاعة. قال الوزير: أقسمت عليك إلا أخذت سهماً من كنانتك وركبته في كبد قوسك وأومأت به إلى الأعرابي. فإن رد عن نفسه ببيت من الشعر وإلا فاستعطف مالك ويكون له في بعضه كفاية. فأخذ الفضل سهماً وركبه في كبد قوسه وأومأ إلى الأعرابي وقال له: رد سهمي ببيت من الشعر فأشأ يقول: لقوسك قوس الجود والوتر الندى ... وسهمك سهم العز فارم به قفري قال فضحك الفضل وأنشأ يقول: إذا ملكت كفي منالاً ولم أنل ... فلا انبسطت كفي ولا نهضت رجلي على الله إخلاف الذي قد بذلته ... فلا مبق لي بخلي ولا متلفي بذلي أروني بخيلاً نال مجداً ببخله ... وهاتوا كريماً مات من كثرة البذل ثم قال الفضل لوزيره أعط الأعرابي مائة ألف درهم لقصده وشعره ومائة ألف درهم ليكفينا شر قوائم ناقته. فأخذ الأعرابي المال وانصرف. وهو يبكي فقال له الفضل: مم بكاؤك يا أعرابي. أإستقلالاً للمال الذي أعطيناك. قال: لا ولكني أبكي على مثلك يأكله التراب وتواريه الأرض. وتذكرت قول الشاعر: لعمرك ما الرزية فقد مال ... ولا فرس يموت ولا بعير ولكن الرزية فقد حر ... يموت لموته خلق كثير ثم انصرف الأعرابي مسروراً (أعلام الناس للاتليدي) .

الباب السابع عشر في النوادر

الباب السابع عشر في النوادر مدينة الزهراء في الأندلس كان الخليفة عبد الرحمان الناصر كلفاً بعمارة الأندلس وإقامة معالمها وتخليد الآثار الدالة على قوة الملك وعزة السلطان. فأفضى به الإغراق في ذلك إلى أن ابتنى مدينة الزهراء البناء الشائع ذكره المنتشر صيته. واستفرغ جهده في تنميقها وإتقان قصورها وزخرفة مصانعها. فاستدعى عرفاء المهندسين وحشد برعاء البنائين من كل قطر فوفدوا عليه حتى من بغداد والقسطنطينية. ثم أخذ في بناء المستنزهات وأنشأ مدينة الزهراء الموصوفة بالقصور الباهرة. وأقامها بطرق البلد على ضفة نهر قرطبة. ونسق فيها كل اقتدار معجز ونظام. وكان قصر الخليفة متناهياً في الجلالة والفخامة. أطبق الناس على أنه لم يبن مثله في الإسلام البتة. وما دخل إليه أحد من سائر البلاد النائية والنحل المختلفة إلا وكلهم قطع أنه لم ير له شبهاً بل لم يسمع به بل لم يتوهم كون مثله. ولو لم يكن فيه إلا السطح الممرد المشرف على الروضة المباهي بمجلس الذهب والقبة. وعجيب ما تضمنه من إتقان الصنعة وفخامة الهمة وحسن المستشرف وبراعة الملبس والحلة ما بين مرمر مسنون وذهب مصون وعمد كأنما أفرغت في القوالب. وتماثيل

لا تهدى الأوهام إلى سبيل استقصاء التعبير عنها (لكفى مثلاً) . وكنت ترى في مقصورة الخليفة بركة يجري الماء فيها بصنعة محكمة وفي وسطها يعوم أسد عظيم الصورة بديع الصنعة شديد الروعة. لم يشاهد أبهى منه فيما صور الملوك في غابر الدهر. مطلي بذهب إبريز وعيناه جهرتان لهما وبيض شديد. فيمج الماء في تلك البركة من فيه فيبهر المناظر بحسنه وروعة منظره وثجاجة صبه. فتسقى من مجاجة جنان هذا القصر على سعتها ويستفيض على ساحاته وجنباته. وهذه البركة وتمثالها من أعظم آثار الملوك في غالب الدهر لفخامة بنيانها. وما يخص سائر البنايا فكان الناصر قد جلب إليها الرخام الأبيض المجزع من رية والأبيض من غيرها والوردي والأخضر من أفريقية. وبنى في القصر المجلس وجعل في وسطه اليتيمة التي أتحف الناصر بها إليون ملك قسطنطينية. وكانت قرامد هذا القصر من الذهب والفضة وهذا المجلس في وسطه صهريج عظيم مملوء بالزيبق. وكان في كل جانب من هذا المجلس ثمانية أبواب قد انعقدت على حنايا من العاج والأبنوس المرصع بالذهب وأصناف الجواهر قامت على سوار من الرخام الملون والبلور الصافي. وكانت الشمس تدخل على تلك الأبواب فيضرب شعاعها في صدر المجلس وحيطانه فيصير من ذلك نور يأخذ بالأبصار. وكان بناء الزهراء في غاية الإتقان والحسن وبها من المرمر والعمد كثير وأجرى فيها الماء وأحدق بها

عجائب مصر منها المقياس والأهرام والنيل

البساتين. وقد أتقنه إلى الغاية وأنفق عليه أموالاً طائلة. ووضع في وسط البحيرة قبة من زجاج ملون منقوش بالذهب وجلب الماء على رأس القبة بتدبير أحكمه المهندسون. فكان الماء ينزل من أعلى القبة على جوانبها محيطاً بها ويتصل بعضه ببعض وكانت قبة الزجاج في غلالة مما سكب خلف الزجاج لا يفتر من الجري وتوقد فيها الشموع فيرى لذلك منظر بديع. وتم بناء الزهراء بأربعين سنة (للمقري) . عجائب مصر منها المقياس والأهرام والنيل قال ضياء الدين بن الأثير في وصف مصر: ولقد شاهدت منها بلداً يشهد بفضله على البلاد. ووجدته هو المصر وما عداه فهو السواد. فما رآه راء إلا ملأ عينه وصدره. ولا وصفه واصف إلا علم أنه لم يقدر قدره. وبه من عجائب الآثار ما لا يضبطها العيان فضلاً عن الإخبار. من ذلك الهرمان اللذان هرم الدهر وهما لا يهرمان. قد اختص كل منهما بعظم البناء. وسعة الفناء. وبلغ من الارتفاع غاية لا يبلغها الطير على بعد تحليقه. ولا يدركها الطرف على مدى تحديقه. فإذا أضرم برأسه قبس ظنه المتأمل نجماً. وإذا استدار عليه قوس السماء كان له سهماً. ومن عجائب مصر المقياس الذي يعتبر فيه قدر زيادة فيض النيل كل سنة. وابتداؤه من شهر جونة ومعظم انتهائه أغشت وآخرها أول شهر أكتوبر. والمقياس عمود رخام سمر في موضع ينحصر فيه الماء عند انتهائه إليه. وهو مفصل على اثنتين وعشرين

ذراعاً. وكل ذراع مفصلة على أربعة وعشرين قسماً أقساماً متساوية تعرف بالأصابع. فإذا استوى الماء تسع عشرة ذراعاً في الفيض فهي الغاية عندهم في طيب العام. وربما كان الماء فيها كثير العموم الفيض. والمتوسط ما استوى سبع عشرة ذراعاً وهو أحسن مما زاد عليه. والذي يستحق به السلطان خراجه ست عشرة ذراعاً فصاعداً. وعليها تعطى البشارة للذي يرقب الزيادة في كل يوم ويعلم بها مياومة. ومن المباني التي يبلى الزمن ولا تبلى وتدرس معالمه وأخبارها لا تدرس الأهرام التي بأعمال مصر. وهي على نحو سبعة أميال في الصحراء التي يفضى منها إلى الإسكندرية. وهي قديمة العهد معجزة البناء غريبة المنظر مربعة الشكل كأنها القباب المضروبة. قد قامت في جو السماء لاسيما الاثنان منها. في سعة الواحد منهما من ركنه إلى ركنه ثلاثمائة خطوة وست وستون خطوة محددة الأطراف في رأي العين. وربما أمكن الصعود إليها على خطر ومشقة فتلقى أطرافها المحددة كأوسع ما يكون من الرحاب. قد أقيمت من الصخور العظام المنحوتة وركبت تركيباً بديع الإلصاق يكاد يعجز أهل الأرض نقض بنيانها. أما الهرمان العظيمان فمحاذيان للفسطاط. كل واحد منهما جسم من أعظم الحجارة مربع القاعدة. ارتفاع عموده أربع مائة ذراع يحيط بها أربعة سطوح مستويات الأضلاع وفي أعلاه سطح مربع رحب. وهما مع هذا العظم من إحكام الصنعة وإتقان

الهندسة وحسن التقدير بحيث أنه لم يتأثر بعصف الرياح وهطل السحاب وزعزعة الزلازل. وهذا البناء ليس بين حجارته ملاط إلا ما يتخيل أنه ثوب أبيض فرش بين حجرين أو ورقة لا يتخلل بينهما الشعرة. وطول الحجر منها خمسة أذرع في سك ذراعين. قال بعضهم: ما سمعت بشيء عظيم فجئته إلا رأيته دون صفته إلا الهرمين. فإني لما رأيتهما كان رؤيتهما أعظم من صفتهما. وقد اختلفوا في من بنى الأهرام. قال بعضهم: حسرت عقول ذوي النهى الأهرام ... واستصغرت لعظيمها الأجرام ملس مونقة البناء شواهق ... قصرت لعال ذونهن سهام لم أدر حين كبا التفكير دونها ... واستوهمت لعجيبها الأوهام أقبور أملاك الأعاجم هن أم ... طلسم رمل هن أم أعلام وزعم بعضهم أن الأهرام بمصر قبور ملوك عظام بها آثروا أن يتميزوا على سائر الملوك بعد مماتهم كما تميزوا عنهم في حياتهم. فيبقى ذكرهم على تطاول الدهور. قال أمية بن عبد العزيز: بعيشك هل أبصرت أحسن منظراً ... على ما رأت عيناك من هرمي مصر أنافا بأعناء السماء وأشرفا ... على الجو إشراف السماك أو النسر وقال الفقيه عمارة اليمني الشاعر: خليلي ما تحت السماء بنية ... تماثل في إتقانها هرمي مصر تنزه طرفي في بديع بنائها ... ولم يتنزه في المراد بها فكري

عنترة والأسد

وقال سيف الدين بن حبارة: لله أي غريبة وعجيبة ... في صنعة الأهرام للألباب أخفت عن الأسماع قصة أهلها ... وقصت على الأنباء كل نقاب فكأنما هي كالخيام مقامة ... من غير ما عمد ولا أطناب قال القضاعي: من عجائب مصر النيل. قالوا ليس على وجه الأرض نهر أطول من النيل. لأن مسيره شهر في بلاد الإسلام وشهران في بلاد النوبة وأربعة أشهر في الخراب إلى أن يخرج ببلاد القمر خلف خط الاستواء. وليس في الدنيا نهر يصب من الجنوب إلى الشمال ويمد في شدة الحر عند انتقاص المياه والأنهار كلها ويزيد بترتيب وينقص بترتيب إلا النيل. وجعله الله تعالى سقياً يزرع عليه ويستغنى عن المطر به في زمان القيظ إذا نضب المياه. قال ابن خروف: ما أعجب النيل ما أبهى شمائله ... في ضفتيه من الأشجار أدواح من جنة الخلد فياض على ترع ... تهب فيها هبوب الريح أرواح ليست زيادته ماء كما زعموا ... وإنما هي أرزاق وأرباح (أخبار مصر والقاهرة لجلال الدين السيوطي) عنترة والأسد قال الراوي: وفي يوم من الأيام توغل عنتر في البر بالجمال والغنم. وقصد بها الروابي والأكم. إلى أن حميت عليه الشمس. وبعد عن حب عبس. فقصد شجرة من الأشجار. يستظل بها من حر النهار.

وسرحت الأغنام ترعى في ذلك المرعى. وإذا هو بأسد كبير من بطن الوادي ظهر يمشي ويتبختر. أفطس المنخر. يطير من عينيه الشرر. يقلب الوادي إذا همر. بأنياب أحد من النوائب. ومخالب أمر من المصائب. شدوق شدقم. عبوس أدغم. تسمع الرعد إذا همهم ودمدم. يلمع البرق من عينيه إذا أظلم الليل وأعتم. شديد الحيل صعب المراس. عريض الكتف كبير الراس. فلما ظهر من بطن الوادي وشمت الخيل رائحته فرت من هيبته. وكذلك النوق والجمال. شردت في اليمين والشمال. فلما نظر عنتر إلى ذلك الأمر المنكر. نزل إلى الوادي حتى يبصر. والسيف في يده مشهر. وإذا هو بالأسد رابط باسط يديه. وهو يلعب بذنبه ويضرب به جنبيه. والشر يطير من عينيه. فعند ذلك زعق عنتر عليه زعقة دوت بها الجبال. وقال مرحباً بك يا أبا الأشبال. يا كلب الفلا. يا نحس وحوش البيدا. فلقد أبديت بأسك وصولتك. وافتخرت بهمتك وهمهمتك. فلا شك أنك ملك السباع. وسلطانهم المطاع. ولكن عد بالخيبة والإذلال. فما أنا كمن لاقيته من الرجال. أنا مهلك الأبطال. أنا ميتم الأطفال. فأنا لا أرضى أن أقتلك بسنان ولا بحسام. ولا بد أن أسقيك كأس الحمام. ثم إنه ألقى السيف من يده وحمل على السبع وهو ينشد: يا أيها السبع الهجوم على الردى ... ها قد بقيت معفراً منهوبا أتريد أموالي تكون مباحة ... ها قد تركتك بالدما مخضوبا

ذكر القهوة

شردت أغنامي ولم تك عالماً ... أني هزبر لا أزال مهيبا هذي فعالي فيك يا كلب الفلا ... هلا شهدت مواقعاً وحروبا لو كنت تعلم أن هذا تلتقي ... مني وتضحي للحمام شروبا لم تأت نحوي تبتغي صيداً فقد ... وافاك حتفك عاجلاً مصبوبا ثم هجم على الأسد. ووقع عليه كوقوع البرد. ونفخ عليه مثل الثعبان الأسود. ووثب عليه حتى ساواه في وثبته. وصرخ عليه صرخة أعظم من صرخته. وقبض على فمه بكفيه. واتكأ عليه فشق حنكيه. إلى حد كتفيه. وصاح صيحة أزعج بها الوادي وجانبيه. وصبر على الأسد حتى قضي عليه. (سيرة عنتر لابن إسماعيل) . ذكر القهوة إعلم أن القهوة هي النوع المتخذ من قشر البن أو منه مع حبة المجحم أي المقلي. وصفتها أن يوضع القشر أما وحده وهي القشرية أو مع البن المجحم المدقوق وهي البنية في ماء. ثم يغلى عليه حتى تخرج خاصيته. ومنهم من يجد غاية اعتدال استوائها بطعم مذاقها إلى المرارة. ثم تشرب. فمن قائل لحلها يرى أنها الشراب الطهور المباركة على أربابها. الموجبة للنشاط والإعانة على ذكر الله تعالى وفعل العبادة لطلابها. ومن قائل بحرمتها مفرط في ذمها والتشييع على شرابها. وكثر فيها من الجانبين التصانيف والفتاوى. وبالغ القائل بحرمتها فادعى أنها من الخمر وقاسها وساوى. وبعضهم نسب إليها.

الإضرار بالعقل والبدن. إلى غير ذلك من الدعاوى والتعصبات المؤدية إلى الجدال والفتن. وأما اشتقاق اسم القهوة (كما قال العلامة الفخر أبو بكر بن أبي يزيد في مؤلفه إثارة النخوة بحل القهوة) فمن الإقهاء وهو الاجتواء أي الكراهة. أو من الإقهاء بمعنى الإقعاد من أقهى الرجل عن الشيء أي قعد عنه وكراهة كل شيء والقعود عنه بحسبه. ومنه سميت الخمرة قهوة لأنها تقهي أي تكره الطعام أو تقعد عنه أو تقعد عن النوم. وكان ظهورها وانتشارها على يد جمال الدين بن سعيد المعروف بالذبحاني. وكان متولياً لوظيفة تصحيح الفتاوى بعدن. وسبب إظهاره لها أنه كان عرض له أمر اقتضى الخروج من عدن إلى بر العجم فأقام به مدة فوجد أهله يستعملون القهوة ولم يعلم لها خاصية. ثم عرض له لما رجع إلى عدن مرض فتذكرها فشربها فنفعته فيه. ووجد فيها من الخواص أنها تذهب النعاس والكسل وتورث البدن خفة ونشاطاً. فلما سلك طريق التصوف صار هو وغيره من الصوفية بعدن يستعينون بشربها على ما ذكرناه. ثم تتابع الناس بعدن على شربها للاستعانة بها على مطالعة العلم وغير ذلك من الحرف والصناعات ولم تزل في انتشار. قال بعضهم في وصفها: يا قهوة تذهب هم الفتى ... أنت لحاوي العلم نعم المراد شراب أهل الله فيها الشفا ... لطالب الحكمة بين العباد نطبخها قشراً فتأتي لنا ... في نكهة المسك ولون المداد

ذكر الأندلس وما خص به أهلها من العوائد والاختراعات

فيها لنا تبر وفي حانها ... صحبة أبناء الكرام الجياد كاللبن الخالص في حله ... ما خرجت عنه سوى بالسواد قال آخر: عرج على القهوة في حانها ... فاللطف قد حف بندماتها فإنها لا غم تبقي إذا ... قابلك الساقي بفنجانها لا يوجد الغم بحاناتها ... قد خضع الغم لسلطانها بمائها نغسل أكدارنا ... ونحرق الهم بنيرانها يقول من أبصر كانونها ... أف على الخمر وأدنانها فاشرب ولا تسمع كلام الذي ... بجهله يفتي ببطلانها (عمدة الصفوة في حل القهوة لعبد القادر الجزيري) ذكر الأندلس وما خص به أهلها من العوائد والاختراعات اعلم أن فضل الأندلس ظاهر. كما أن حسن بلادهم باهر. أشراف عرب المشرق افتتحوها. وسادات أشراف الشام والعراق نزلوها. فبقي النسل فيها بكل إقليم. على عرق كريم. فلا يكاد بلد منها يخلو من كاتب ماهر. وشاعر قاهر. وقد أعانتهم على الشعر أنسابهم العربية. وبقاعهم النضرة وهممهم الأبية. قال صاحب الفرحة: أهل الأندلس عرب في الأنساب والعزة والأنفة وعلو الهمم وفصاحة اللسان وطيب النفوس وإباء الضيم وقلة احتمال الذل والسماحة بما في أيديهم والنزاهة عن الخضوع وإتيان الدنية.

هنديون في إفراط عنايتهم بالعلوم وحبهم فيها وضبطهم لها وروايتهم صينيون في إتقان الصنائع العملية وإحكام المهن الصورية. تركيون في معاناة الحروب ومعالجات آلاتها والنظر في مهماتها. بغداديون في نظافتهم وظرفهم ورقة أخلاقهم. ونباهتهم وذكائهم وحسن نظرهم وجودة قرائحهم ولطافة أذهانهم وحدة أفكارهم ونفوذ خواطرهم. يونانيون في استنباطهم للمياه ومعاناتهم لضروب الفراسات واختيارهم لأجناس الفواكه وتدبيرهم لتركيب الشجر وتحسينهم للبساتين بأنواع الخضر وصنوف الزهر. فهم أحكم الناس لأسباب الفلاحة. ومنهم ابن بصال صاحب كتاب الفلاحة الذي شهدت له التجربة بفضله. وهم أصبر الناس على مطاولة التعب في تجويد الأعمال. ومقاساة النصب في تحسين الصنائع. أحذق الناس بالفروسية وأبصرهم بالطعن والضرب. ومن فضائلهم اختراعهم للخطوط المخصوصة بهم (قال) وكان خطهم أولاً مشرقياً. وعد ابن غالب من فضائلهم اختراعهم للموشحات التي استحسنها أهل المشرق وصاروا ينزعون منزعها. وأما نظمهم ونثرهم فلا يخفى على من وقف عليهما علو طبقاتهم. ثم قال أبو غالب: ولما نفذ قضاء الله تعالى على أهل الأندلس بخروج أكثرهم عنها في هذه الفتنة الأخيرة المبيرة تفرقوا ببلاد المغرب الأقصى من بر العدوة في بلاد أفريقية. فأما أهل البادية فمالوا في البوادي إلى ما اعتادوه وداخلوا أهلها

وشاركوهم فيها. فاستنبطوا المياه وغرسوا الأشجار وأحدثوا الأرحي الطاحنة بالماء وغير ذلك. وعلموهم أشياء لم يكونوا يعلمونها ولا رأوها. فشرفت بلادهم وصلحت أمورهم وكثرت مستغلاتهم وعمتهم الخيرات. وأما أهل الحواضر فمالوا إلى الحواضر واستوطنوها. وأما أهل الأدب فكان منهم الوزراء والكتاب والعمال وجباة الأموال والمستعملون في أمور المملكة. ولا يستعمل بلدي ما وجد أندلس. وأما أهل الصنائع فإنهم فاقوا أهل البلاد وقطعوا معاشهم وأجملوا أعمالهم وصيروهم أتباعاً لهم ومتصرفين بين أيديهم. ومتى دخلوا في شغل عملوه في أقرب مدة وأفرغوا فيه من أنواع الحذق والتجويد ما يميلون به النفوس إليهم ويصير الذكر لهم. ولا يدفع هذا عنهم إلا جاهلي أو مبطل. ومن حكاياتهم في الذكاء واستخراج العلوم واستنباطها أن أبا القاسم عباس بن فرناس حكيم الأندلس أول من استنبط بالأندلس صناعة الزجاج من الحجارة وأول من فك بها كتاب العروض للخليل. وأول من فك الموسيقى وصنع الآلة المعروفة بالمثقال ليعرف الأوقات على غير رسم ومثال. واحتال في تطيير جثمانه وكسا نفسه بالريش ومد له جناحين وطار في الجو مسافة بعيدة. ولكنه لم يحسن الاحتيال في وقوعه. ولم يدر أن الطائر إنما يقع على زمكه ولم يعمل له ذنباً. وصنع في بيته هيئة السماء وخيل للناظر فيها النجوم والغيوم والبروق والرعود. (للمقري) .

الباب الثامن عشر في المراسلات

الباب الثامن عشر في المراسلات فصل في المراسلات بين الملوك والأمراء كتاب كسرى بن هرمز إلى موريقي ملك الروم لما وثب الفرس على هرمز ملكهم فسملوا عينيه ثم قتلوه وملكوا عليهم بحرام المرزبان. كان لهرمز ابن حدث اسمه كسرى وهو المعروف بأنوشروان العادل. فتنكر كأنه سائل وشق سلطان الفرس حتى جاء نصيبين وصار إلى الرها ومنها إلى منبج وكتب إلى موريقي كتاباً نسخته: للأب المبارك والسيد المقدم موريقي ملك الروم من كسرى ابن هرمز السلام. أما بعد فإني أعلم الملك أن بهرام ومن معه من عبيد أبي جهلوا قدرهم ونسوا أنهم عبيد وأنا مولاهم. وكفروا نعم آبائي لديهم فاعتدوا علي وأرادوا قتلي. فهممت أن أفزع إلى مثلك فأعتصم بفضلك وأكون خاضعاً لك. لأن الخضوع لملك مثلك وإن كان عدواً أيسر من الوقوع في أيدي العبيد المردة. لأن يكون موتي على أيدي الملوك أفضل وأقل عاراً من أن يجري على أيدي العبيد. ففزعت إليك ثقة بفضلك ورجاء أن تترأف على مثلي وتمدني بجيوشك لأقوى بهم على محاربة العدو وأصير لك ولداً سامعاً ومطيعاً إن شاء الله تعالى. فلما قرأ موريقي كتاب كسرى بن هرمز عزم على إجابة مسلته لأنه لجأ إليه فأنجده بعشرين ألفاً. وسير له من الأموال أربعين قنطاراً وكتب إليه كتاباً نسخته: من موريقي عبد يشوع المسيح إلى كسرى ملك الفرس ولدي

كتاب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص

وأخي السلام. أما بعد فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه من أمر العبيد الذين تمردوا عليك. وكونهم غمطوا أنعم آبائك وأسلافك غمطاً وخروجهم عليك ودحضهم إياك عن ملكك فتداخلني من ذلك أمر حركني على التراف بك وعليك وإمدادك بما سألت. فأما ما ذكرت من أن الاستتار تحت جناح ملك عدو والاستظلال بكنفه آثر من الوقوع في أيدي العبيد المردة والموت على أيدي الملوك ورغبت إلينا في ذلك فقد صدقنا قولك وقبلنا كلامك وحققنا أملك وأتممنا بغيتك وقضينا حاجتك وحمدنا سعيك وشكرنا حسن ظنك بنا. ووجهنا إليك بما سألت من الجيوش والأموال وصيرتك لي ولداً وكنت لك أباً. فاقبض الأموال مباركاً لك فيها وقد الجيوش وسر على بركة الله وعونه. ولا يعترك الضجر والهلع. بل تشمر لعدوك ولا تقصر فيما يجب لك إذا تطأطأت من درجتك وانحططت عن مرتبتك. فإني أرجو أن يظفرك الله بعدوك ويرد كيده في نحره ويعيدك إلى مرتبتك برجاء الله تعالى. (لأبي الفرج الملطي) . كتاب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص إني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد فقد عجبت من كثرة كتبي إليك في إبطائك بالخراج وكتابك إلي ببنيات الطرق. وقد علمت أني لست أرضى منك إلا بالحق البين. ولم

كتاب عنبسة بن إسحاق إلى المأمون وهو عامله على الرقة

أقدمك مصر أجعلها لك طعمة ولا لقومك. ولكني وجهتك لما رجوت من توفيرك الخراج وحسن سياستك فإذا أتاك كتابي فاحمل الخراج فإنما هو في المسلمين وعندي من تعلم قوم محصورون. والسلام. (فكتب عمرو بن العاص) : أما بعد فقد أتاني كتاب أمير المؤمنين يستبطئني في الخراج. ويزعم أني أعند عن الحق وأنكب عن الطريق. وإني والله ما أرغب عن صالح ما تعلم ولكن أهل الأرض استنظروني إلى أن تدرك غلتهم فنظرت للمسلمين فكان الرفق بهم خيراً من أن يخرق بهم فتصير إلى ما لا غنى بهم عنه. والسلام (لجلال الدين السيوطي) . كتاب عنبسة بن إسحاق إلى المأمون وهو عامله على الرقة يصف خروج الأعراب بناحية سنجار وعبثهم بها يا أمير المؤمنين قد قطع سبل المجتازين من المسلمين والمعاهدين نفر من شذاذ الأعراب الذين لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ولا يخافون في الله حداً ولا عقوبة. ولولا ثقتي بسيف أمير المؤمنين وحصده هذه الطائفة وبلوغه في أعداء الله ما يردع قاصيهم ودانيهم لأذنت بالاستنجاد عليهم ولأسعيت الخيل إليهم. وأمير المؤمنين معان في أموره بالتأيد والنصر. (فكتب إليه المأمون) : أسمعت غير كهام السمع والبصر ... لا يقطع السيف إلا في يد الخدر سيصبح القوم من سيفي وضاربه ... مثل الهشيم ذرته الريح بالمطر

في الطلب وحسن التواصل

(فوجه عنبسة بالبيتين إلى الأعراب فما بقي منهم اثنان) (لابن عبد ربه) . في الطلب وحسن التواصل كتاب أبي العيناء إلى عبيد الله بن سليمان أنا أعزك الله وولدي وعيالي زرع من ورعك إن أسقيته راع وزكا. وإن جفوته ذبل وذوى. وقد مسني منك جفاء بعد بر وإعفال بعد تعاهد حتى تكلم عدو وشمت حاسد. ولعبت بي ظنون رجال كنت بهم لاعباً ولهم مخرساً. ولله در أبي الأسود في قوله: لا تهني بعد أن أكرمتني ... وشديد عادة منتزعة (فوقع في رقعته) : أنا أسعدك الله على الحال التي عهدت وميلي إليك كما علمت. وليس من أنسيناه أهملناه ولا من أخرناه تركناه مع اقتطاع الشغل لنا واقتسام زماننا. وكان من حقك علينا أن تذكرنا بنفسك وتعلمنا أمرك. وقد وقعت لك برزق شهرين لتريح غلتك وتعرفني مبلغ استحقاقك لأطلق لك باقي أرزاقك إن شاء الله. والسلام. (للقيرواني) . فصول لابن عبد ربه للمفضل أن يخص بفضله من شاء لله الحمد ثم له فيما أعطى ولا حجة عليه فيما منع. كن كيف شئت فإني واجد أمري خالصة سريرتي. أرى ببقائك بقاء سروري وبدوام النعمة عندك دوامها عندي. لا أزال أبقاك الله أسأل الكتاب إليك. فمرة أتوقف توقف المخفف عنك

من المؤونة ومرة أكتب كتاب الراجع منك إلى الثقة. والمعتمد منك على المقيل لا أعدمنا الله دوام عزك ولا سلب الدنيا بهجتها بك ولا أخلانا من الصنع لله. فإنا لا نعرف إلا نعمتك ولا نجد للحياة طعماً إلا في ظلك. ولئن كانت الرغبة إلى بشر من الناس خساسة وذلاً لقد جعل الله الرعية إليك كرامة وعزاً. لأنك لا تعرف حراً قعد به دهره إلا سبقت مسلته بالعطية وصنت وجهه عن الطلب والذلة. (فصل) : لك أصلحك الله عندي إياد تشفع لي إلى محبتك ومعروف يوجب عليك الود والإتمام. وأنا أسأل الله أن ينجزني ما لم تزل الفراسة تعدنيه فيك. (فصل) : قد أجل الله قدرك عن الاعتذار وأغناني في القول وأوجب عليك أن تقنع بما فعلت وترضى بما أنعمت وصلت أو قطعت. (العقد الفريد) . كان الأمير عبد الرحمان قد جفا ابنه المنذر وأبعده لسوء خلقه فكتب إلى أبيه: إني قد توحشت في هذا الموضع توحشاً ما عليه من مزيد وعدمت فيه من كنت آنس إليه. وأصبحت مسلوب العز فقيد الأمر والنعي فإن كان ذلك عقاباً لذنب كبير ارتكبته وعلمه مولاي ولم أعلمه فإني صابر على تأديبه ضارع إليه عفوه وصفحه: وإن أمير المؤمنين وفعله ... لكالدهر لا عار بما فعل الدهر (فلما وقف الأمير على رقعته أرجعه إلى ما اعتاده) (للمقري) .

في الأشواق

في الأشواق كتاب إسحاق بن إبراهيم الموصلي إلى بعض الجلة يستدعيه يومنا يوم لين الحواشي وطيء النواحي وسماؤنا قد أقبلت ورعدت بالخير وبرقت. وأنت قطب السرور ونظام الأمور. فلا تفردنا فنقل. ولا تفرد عنا فنذل (للقيرواني) . كتاب أبي العباس الغساني كاتب صاحب أفريقية لبعض الأصدقاء سر إلى مجلس يكاد يسير شوقاً إليك. ويطير بأجنحة من جواه حتى يحل بين يديك. فلله در كماله. إن طلعت بدراً بأعلاه وجماله إن ظهرت غرة بمحياه. فهو أفق قد حوى نجوماً تتشوق إلى طلوع بدرها. وقطر قد اشتمل على أنهار تتشوق إلى بحرها. لتستمد منه. فإن مننت بالحضور وإلا فيا خيبة السرور. قال ابن الزين: والراح قد أقسمت الدنيا على ساق ... والكأس أصبح غضباناً على الساقي والراح قد أقسمت أن لا تطيب لنا ... حتى ترى وجهك الزاهي بإشراق وأعين الزهر نحو الباب ناظرة ... وقد صغت أذن السوسان للطاق فاسمح بجودك فضلاً بالحضور لنا ... ما دام شمل مسرات الهنا باق فلو دعيت إلى هذا سعيت له ... يا حبذاك على رأسي وأحداقي كتاب الصاحب ابن عباد إلى صديق له مجلسنا يا سيدي مفتقر إليك معول في شوقه عليك. وقد أبت راحته أن تصفو إلا أن تتناول يمناك. وأقسم غناؤه لا يطيب حتى

فصول في العتاب والاعتذار

تعيه أذناك. ونحن لغيبتك كعقد ذهبت واسطته وشباب قد أخذت جدته. وإذا غابت شمس السماء عنا فلا بد أن تدنو شمس الأرض منا. فإن رأيت أن تحضر لتنصل الواسطة بالعقد. ونحصل بك في جنة الخلد. فكن إلينا أسرع من السهم في ممره. والماء إلى مقره. لئلا يخبث من يومي ما طاب ويعود من نومي ما طار. والله أعلم (للنواجي) . فصول في العتاب والاعتذار فصول لأحمد بن يوسف لولا حسن الظن بك أعزك الله لكان في إغضابك عني ما يقبضني عن الطلبة إليك. ولكن أمسك برمق من الرجاء علمي برأيك في رعاية الحق وبسط يدك إلى الذي لو قبضتها عنه لم يكن له إلا كرمك مذكراً وسؤددك شافعاً. (فصل) لا سبيل إلى شكايتك إلا إليك والاستعانة إلا بك. وما أحق من جعلك على أمر عوناً أن تكون له إلى النجا سبباً. وقال الشاعر: عجبت لقلبك كيف انقلب ... ومن طول ودك أنى ذهب وأعجب من ذا وذا أنني ... أراك بعين الرضا في الغضب (فص) . إن مسألتي إليك حوائجي مع عتبك علي من اللوم. وإن إمساكي عنها في حال ضرورة إليها مع علمي بكرمك في السخط والرضا لعجز. غير أني أعلم أن أقرب الوسائل في طلب رضاك مسألتك ما سنح من الحاجة. إذ كنت لا تجعل عتبك سبباً لمنع معروفك.

فصل في العتاب للعتابي

فصل في العتاب للعتابي تأنينا إفاقتك من سكرتك وترقبنا انتباهك من رقدتك. وصبرنا على تجرع الغيظ فيك. فها أنا قد عرفتك حق معرفتك في تعديك لطورك واطراحك حق من غلط في اختيارك (لابن عبد ربه) . فصول لابن مكرم في الاعتذار ليس يزيلني عن حسن الظن بك فعل حملك الأعداء عليه. ولا يقطعني عن رجائك عتب حدث علي منك. بل أرجو أن يتقاضى كرمك إنجاز وعدك إذ كان أبلغ الشفعاء إليك. وأوجب الوسائل لديك. (فصل) أنت أعزك الله أعلم بالعفو والعقوبة من أن تجازيني بالسوء على ذنب لم أجنه بيد ولا لسان بل جناه علي لسان واش. فأما قولك إنك لا تسهل سبيل العذر فأنت أعلم بالكرم وأرعى لحقوقه. وأقعد بالشرف وأحفظ لذماماته من أن ترد يد مؤملك صفراً من عفوك إذا التمسه. ومن عذرك إذا جعل فضلك شافعاً فيه. مرض الحسن بن وهب فلم يعده ابن الزيات ولم يتعرف خبره فكتب إليه: أيها ذا الوزير أيدك الل ... هـ وأبقاك لي زماناً طويلا أجميلاً تراه يا أكرم النا ... س لكيما أراه أيضاً جميلا أنني قد أقمت عشراً عليلاً ... ما ترى مرسلاً إلي رسولا إن يكن يوجب التعهد في الصح ... بة منا علي منك طويلا فهو أولى يا سيد الناس براً ... وافتقاداً لمن يكون عليلا

فصول في الذم

فأجابه ابن الزيات: دفع الله عنك نائبة الده ... ر وحاشاك أن تكون عليلا أشهد الله ما علمت وماذا ... ك من العذر جائزاً ومقبولا ولعمري أن لو علمت فلازم ... تك حولاً لكان عندي قليلا فاجعلن لي إلى التعلق بالعذ ... ر سبيلاً إن لم أجد لي سبيلا فقديماً ما جاد بالصفح والعف ... ووما سامح الخليل خليلا فصول في الذم كتاب أبي بكر الخوارزمي إلى العامل على البريد بالأهواز كنت ظننت ب يا أخي ظناً كذبه قبح فعلك. وضعف هجرك ووصلك. فإنك لا تعمل فيهما على قياس واجب ولا تصبر منهما على طعام واحد. فلا جرم لقد رجعت في ودي لك وما كنت أرجع في هبة. وندمت على ثقتي بك وعهدي أن لا أندم على حسنة (للخوارزمي) . كتاب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري أما بعد فإن للناس نفرة عن سلطانهم. فاحذر أن تدركني وإياك عمياء مجهولة. وضغائن محمولة. وأهواء متبعة ودنيا مؤثرة. فأقم الحدود ولو ساعة من النهار وباشر أمور المسلمين وافتح بابك لهم. فإنما أنت رجل منهم غير أن الله جعلك أثقلهم حملاً. وقد بلغ أمير المؤمنين أنه فشت لك ولأهل بيتك هيئة في لباسك ومطعمك ومركبك ليس للمسلمين مثلها. فإياك يا عبد الله أن تكون كالبهيمة

كتاب صلاح الدين إلى معز الدين صاحب الجزيرة

همها في السمن والسمن حتفها. واعلم أن العامل إذا زاغ زاغت رعيته. وأشقى الناس من يشقى به الناس. والسلام (لابن عبد ربه) . كتاب صلاح الدين إلى معز الدين صاحب الجزيرة إنك أنت قصدت الانتماء إلي ابتداء وراجعتني في ذلك مراراً. وأظهرت الخيفة على نفسك وقلبك وبلدك من أهلك. فقبلتك وآويتك ونصرتك وبسطت يدك في أموال الناس ودمائهم وأعراضهم. فنفذت إليك ونهيتك عن ذلك مراراً فلم تنته. فاتفق وقوع هذه الواقعة للإسلام فدعوناك فأتيت بعسكر قد عرفته وعرفه الناس. وأقمت هذه المدة المديدة وقلقت هذا القلق وتحركت هذه الحركة. وانصرفت عن غير طيب نفس وغير قصد حال مع العدو. فانظر لنفسك وأبصر من تنتمي إليه غيري. واحفظ نفسك ممن يقصدك فما لي إلى جانبك التفات (سيرة صلاح الدين لابن شازي) . كتاب عبد الله بن طاهر إلى محمد بن عبد الملك الزيات أحلت عما عهدت من أدبك ... أم نلت ملكاً فتهت في كتبك أم قد ترى أن في ملاطفة ال ... إخوان نقصاً عليك في أدبك. أكان حقاً كتاب ذي مقة ... يكون في صدره وأمتع بك أتعبت كفيك في مكاتبتي ... حسبك مما لقيت من تعبك (فكتب إليه محمد بن عبد الملك الزيات) كيف أخون الإخاء يا أملي ... وكل شيء أنال من سببك

فصول في التوصية

أنكرت شيئاً فلست فاعله ... ولن تراه يخط في كتبك إن يك جهل أتاك من قبلي ... فعد بفضل علي من حسبك فاعف فدتك النفوس عن رجل ... يعيش حتى الممات في أدبك فصول في التوصية كتاب عمر إلى أبي عبيدة بعد فتوح الشام وبعد فإني وليتك أمور المسلمين فلا تستحي فإن الله لا يستحي من الحق. وإني أوصيك بتقوى الله الذي يبقى ويفنى ما سواه والذي استخرجك من الضلال إلى الهدى. وقد استعملتك على جند ما هنالك مع خالد فاقبض جنده واعزله عن إمارته. ولا تقل إني أرجو لكم النصر فإن النصر إنما يكون مع اليقين والثقة بالله. وإياك التغرير بإلقاء المسلمين إلى الهلكة. وغض عن الدنيا عينك وأله عنها قلبك. وإنما بينك وبين الآخرة ستر الخمار وقد تقدمك سلفك. وأنا كأنك منتظر سفراً ورحيلاً من داء مضت نضارتها وذهبت زهرتها. فأحزم الناس فيها الرحال عنها لغيرها ويكون زاده التقوى. وراع المسلمين ما استطعت. وأما اختصامك أنت وخالد في الصلح أو القتال فأنت الولي وصاحب الأمر. والسلام ورحمة الله وبركاته عليك وعلى جميع المسلمين (فتوح الشام للواقدي) . كتاب بديع الزمان إلى ابن أخته أنت ولدي ما دمت والعلم شأنك. والمدرسة مكانك.

فصول لمحمد بن عبد الملك الزيات للخلفاء في التوصية

والمحبرة حليفك. والدفتر أليفك. فإن قصرت ولا أخالك. فغيري خالك والسلام. (رسائل بديع الزمان الهمذاني) . فصول لمحمد بن عبد الملك الزيات للخلفاء في التوصية إن حق الأولياء على السلطان تنفيذ أمورهم وتقويم أودهم ورياضة أخلاقهم. وأن يميز بينهم فيقدم محسنهم ويؤخر مسيئهم. ليزداد هؤلاء في إحسانهم ويزدجر هؤلاء عن إساءتهم. (وفصل له) : إن الله أوجب لخلفائه على عباده حق الطاعة والنصيحة. ولعبيده عل خلفائه بسط العدل والرأفة وإحياء السنن الصالحة. فإذا أدى كل إلى كل حقه كان ذلك سبباً لتمام المعونة واتصال الزيادة واتساق الكلمة ودوام الألفة. (وفصل) : ليس من نعمة يجددها الله لأمير المؤمنين في نفسه خاصة إلا اتصلت برعيته عامة وشملت الرعية كافة وعظم بلاء الله عندهم فيها ووجب عليهم شكره عليها. لأن الله جعل بنعمته تمام نعمتهم وبتدبيره وذبه عن دينه حفظ حريمهم. وبحياطته حقن دمائهم وأمن سبيلهم. فأطال الله بقاء أمير المؤمنين منطوي القلب على مناصحتهم مؤيداً بالنصر. معززاً بالتمكين موصول البقاء بالنعيم المقيم. فصول في المديح والشكر فصول للحسن بن وهب من شكرك على درجة رفعته إليها أو ثروة أقدرته إياها. فإن

كتاب ابن مكرم إلى أحمد بن المدبر

شكري لك على مهجة أحييتها وحشاشة أبقيتها ورمق أمسكت به وقمت بين التلف وبينه فلكل نعمة من نعم الدنيا حد تنتهي إليه ومدى يوقف عنده وغاية من الشكر يسمو إليها الطرف. خلا هذه النعمة التي قد فاقت الوصف وأطالت الشكر وتجاوزت قدره. وأنت من وراء كل غاية. رددت عنا كيد العدو وأرغمت أنف الحسود. فنحن نلجأ إليه منها إلى ظل ظليل وكنف كريم فكيف يشكر الشاكر وأين يبلغ جهد المجتهد. (وله إلى إبراهيم بن العباس) : وصل كتابك فما رأيت كتاباً أسهل فنوناً ولا أملس متوناً ولا أكثر عيوناً ولا أحسن مقاطع ومطالع منه. أنجزت فيه عدة الرأي وبشرى الفراسة. وعاد الظن يقيناً والأمل مبلوغاً والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. كتاب ابن مكرم إلى أحمد بن المدبر إن من النعمة على المثني عليك أن لا يخاف الإفراط ولا يأمن التقصير. ويأمن أن تلحقه نقيصة الكذب. ولا ينتهي به المدح إلى غاية إلا وجد فضلك تجاوزها. ومن سعادة جدك أن الداعي لا يقدم كثرة المتابعين له والمؤمنين معه (لابن عبد ربه) . فصول في التهنئة والهدايا فصل للحسن بن وهب لئن تخلقت عن عيادتك بالعذر الواضح من العلة ما أغفل قلبي ذكرك ولا لساني عن خبرك. ولما بلغتني إفاقتك كتبت

كتاب سعيد بن حميد إلى بعض أهل السلطان في يوم النيروز

مهنئاً بالعافية معفياً من الجواب إلا بخبر السلامة. (للقيرواني) . كتاب سعيد بن حميد إلى بعض أهل السلطان في يوم النيروز أيها السيد الشريف عشت أطول الأعمار بزيادة من العمر موصولة بفرائضها من الشكر. لا ينقضي حق نعمة حتى يحدد لك أخرى ولا يمر بك يوم إلا كان مقصراً عما بعده. وفياً عما قبله. وإني وإن أهديت نفسي فهي ملك لك لا حظ فيها لغيرك. ورميت بطرفي إلى كرائم مالي فوجدتها منك. فإن كنت أهديت منها شيئاً لمهد مالك إليك. ونزعت إلى مودتي فوجدتها خالصة لك قديمة غير مستحدثة. فرأيتني إن جعلتها هديتي لم أجدد لها اليوم الجديد براً ولا لطفاً. ولم أميز منزلة من شكري بمنزلة من نعمتك إلا كان الشكر مقصراً عن الحق والنعمة زائداً على ما تبلغه الطاقة. فجعلت الاعتراف بالتقصير عن حقك هدية إليك والإقرار بالعجز عما يجب لك براً أتوصل به إليك. وكتب بعض الكتاب إلى بعض الملوك النفس لك والرجاء موقوف عليك والأمل مصروف نحوك. فما عسى أن أهدي إليك في هذا اليوم وهو يوم سهلت فيه العادة سبيل الهدايا للسادة. فاقتصرنا على هدية تقتضي بعض الحق وتقوم عندك مقام أجمل البر. ولا زلت أيها الأمير دائم السرور والغبطة في أتم أحوال العافية وأعلى منازل الكرامة تمر بك الأعياد الصالحة.

فصول في التعزية

فتخلقها وأنت جديد تستقبل أمثالها فتلقاك ببهائها (لابن عبد ربه) . فصول في التعزية كتاب الخوارزمي إلى الشيخ أبي بكر بلغني ما قاساه سيدي أيده الله تعالى في هذه المصيبة من غم يشكي بل يبكي. وجزع يضني بل يفني. والموت خطب ثقل حتى خف وكثر حتى قل. وهان على الباقي لما رآه بالماضي. وعلى المعزى لما نظره في المعزى. ودخل الجميع تحت قول المتنبئ: فيدفن بعضنا بعضاً ويمشي ... أواخرنا على هام الأوالي وشيخي أعرف بالله. من أن يتأدب بغير أدب الله. ولا يسلم لقضاء الله. ولكن لمفاجأة المصيبة لذعة يستراح منها إلى مباثة الصديق. وإلى تسلية الأخ الشقيق. والسلام (رسائل الخوارزمي) . غيره لبعضهم أما بعد فإن أحق من تعزى وأول من تأنس وسلم الأمر الله وقيل تأديبه في الصبر على نكبات الدنيا وتجزع غصص البلوى من تنجز من الله وعده وأخلص له نفسه واعترف له بما هو أهله. وفي قلبه سلوة من فقد كل حبيب وإن لم تطب النفس عنه وأنس من كل فقيد وإن عظمت اللوعة. والموت سبيل الماضين والغابرين ومورد الخلائق أجمعين. وفي أنبياء الله وسالف أوليائه أفضل العبرة وأحسن الأسوة. فهل أحد منهم إلا وقد أخذ من فجائع الدنيا بأجزل الإعطاء

كتاب أبي العيناء إلى المهدي بعد موت الخليفة المنصور

ومن الصبر عليها باحتساب الأجر فيها بأوفر الأنصباء. فوهب الله لك من عصمة الصبر ما يكمل لك به زلفى الفائزين وقربة الشاكرين. وجعلك من المرضيين قولاً وفعلاً (لابن عبد ربه) . كتاب أبي العيناء إلى المهدي بعد موت الخليفة المنصور أجر الله أمير المؤمنين على أمير المؤمنين قبله وبارك له فيما خلقه له. فلا مصيبة أعظم من مصيبة إمام والد ولا عقبى أفضل من خلافة الله على أوليائه. فاقبل من الله أفضل العطية واصبر له على أعظم الرزية. فصول إلى عليل كتاب أبي بكر الخوارزمي إلى تلميذ له قد ظهر عليه الجدري وصلني خبر الجدري فنال مني وهج حزني. وراع قلبي وأسهر عيني وهذه العلة وإن كانت موجعة. وفي رأي العين فظيعة شنيعة. فإنها السلامة أقرب وطريقها إلى الحياة أقصد. لأن عين الطبيب تقع عليها. وظاهر الداء أسلم من باطنه. وبارز الجرح أهون من كامنه. ولعمري إنها تورث سواد العين. وتذهب من الوجه بديباجة الحسن ولكن ذلك يسير في جنب السلامة للروح اللطيفة. والنفس الشريفة. ولست أستطيع لك غير الدعاء. لا أسأل صحتك. إلا ممن خلق علتك. ورأى لك أن تحسن ظنك بربك. وتستغفر من ذنبك. وتجعل الصدقة شفيعك. واليقين طبيبك. وتعلم أنه لا داء أدوأ من أجل. ولا دواء أشفى من مهل. ولا فراش

وتب إلى تلميذ له ورد عليه كتابه بأنه عليل

أوطأ من أمل. شفاك الله تعالى. وحسبك به طبيباً. (للخوارزمي) . وتب إلى تلميذ له ورد عليه كتابه بأنه عليل وصل كتابك يا سيدي فسرني نظري إليه. ثم غمني اطلاعي عليه لما تضمنه من ذكر علتك. جعل الله تعالى أولها كفارة وآخرها عاقبة. ولا أعدمك على الأولى أجراً. وعلى الآخرة شكراً. وبودي لو قرب علي متناول عيادتك. فاحتملت عنك بالتعهد والمساعدة بعض أعباء علتك. فلقد خصني من هذه العلة قسم كقسمك. ومرض قلبي لمرض جسمك. وأظن أني لو لقيتك عليلاً لانصرفت عنك وأنا أعل منك فإني بحمد الله تعالى جلد على أوجاع أعضائي. غير جلد على أوجاع أصدقائي. شفاك الله وعافاك. وكفاني فيك المحذور وكفاك. وغفر ذنبك. وشرح قلبك وأعلى كعبك له. فصول في وصاة للجاحظ أما بعد فإن أحق من أسعفته في حاجته وأجبته إلى طلبته من توسل إليك بالأمل ونزع نحوك بالرجاء. وإن فلاناً أسبابه متصلة بنا يلزمنا ذمامه وبلوغ موافقته من أياديك عندنا. وأنا لنا موضع الثقة من مكافأته فأولنا فيه ما نعرف موقعنا من حسن رأيك وتكون مكافأة لحقه علينا (وله) : أما بعد فقد أتانا كتابك في فلان وله لدينا من الذمام ما يلزمنا مكافأته ورعاية حقه. ونحن من المعتبة بأمره على ما كان في حرمته ويؤدي شكره (لابن عبد ربه) .

الباب التاسع عشر في التراجم

الباب التاسع عشر في التراجم شعراء النصرانية (البراق بن روحان 525) هو أبو النصر بن روحان بن أسد التميمي من شعراء الطبقة الثانية وهو جاهلي قديم. وكان في صغره يتبع رعاة الإبل ويحلب اللبن ويأتي به إلى راهب حول المراعي فيتعلم منه تلاوة الإنجيل وكان يدين بدينه. ثم اشتهر أمره وسار بعد ذلك. وظهر منه من القيام والفروسية في الحرب التي وقعت بين بني ربيعة وبني إياد ولخم ما لم يكن لغيره. ومن شعره: يا طالب الأمر لا يعطى أمانيه ... استعمل الصبر في ما كنت تبغيه والبس لسرك ما تخفيه مجتهداً ... والبس عفافك في ما كنت تعنيه فصاحب الصدق يجني صدقه حسناً ... وصاحب الشر سوء الشر يجنيه ولما وقعت بين بني ربيعة وبني طي وقضاعة الحروب المشهورة وتعاظمت الفتنة بينهم واتسعت أعيا التدبير في الصلح حتى لحق شرهم من كان معتزلاً عنهم. فاجتمع إلى البراق كليب بن ربيعة وإخوته

(إمرؤ القيس 566)

وسائر قبائل ربيعة يستنجدونه وقالوا: قد جل الخطب فلا قرار لنا عليه. وكان البراق معتزلاً عنهم بقومه. فأخذته الغيرة وأنشأ يقول: لعمري لست أترك آل قومي ... وأرحل عن فنائي أو أسير أأنزل بينهم إن كان يسر ... وأرحل إن ألم بهم عسير ثم نادى في قومه وقال: قد علمتم كثرة قبائل طي وشدة بأسهم ونجدتهم فشدوا بنا الخيل وأبدوهم بالغارة. فوضعوا فيهم السيوف وعلت الأصوات وتبادرت إليهم الناس وحملت عليهم كل قبيلة بما يليها. فاعتركوا ساعة وولت طي وقضاعة بعد قتلة مريعة. وأتبعهم البراق. وامتلأت أيديهم من الغنائم وانقادت إليهم العربان. وعظمت منزلة البراق في أعين الناس واستهالوا أمره وأثنوا عليه جميلاً. وكانت وفاته سنة خمسمائة وخمس وعشرين للمسيح. (إمرؤ القيس 566) قال الأصمعي: هو امرؤ القيس بن حجر ابن الحارث من بني كندة صاحب المعلقة المشهورة. وكان من فحول شعراء الطبقة الأولى مقدماً على سائر شعراء الجاهلية. سبق إلى أشياء ابتدعها واستحسنها العرب واتبعته عليها الشعراء. وكان حجر أبو امرئ القيس ملكاً على بني أسد فقتلوه غيلة. قال ابن السكيت: فجاء رسول إلى امرئ القيس فأخبره عن أمر أبيه فقال: الخمر علي واللعب حرام حتى أقتل من بني أسد مائة. وأجز نواصي مائة. ثم قام امرؤ القيس وكان إذ ذاك غلاماً قد ترعرع يسير في أحياء

العرب. ولما جنه الليل رأى برقاً فقال: أرقت لبرق بليل أهل ... يضيء سناه بأعلى الجبل أتاني حديث فكذبته ... بأمر تزعزع منه القلل بقتل بني أسد ربهم ... ألا كل شيء سواه جلل ثم ارتحل حتى نزل بكراً وتغلب فسألهم النصر على بني أسد. وبعث العيون على بني أسد فنذروا بالعيون ولجأوا إلى بني كنانة. فنهض إليهم وبنو أسد جامون على الماء فقاتلهم حتى كثرت الجرحى والقتلى فيهم. وحجز الليل بينهم وهربت بني أسد. فلما أصبحت بكر وتغلب أبوا أن يتبعوه وقالوا له: قد أصبت ثأرك. فقال: والله ما فعلت ولا أصبت من بني كاهل ولا من غيرهم من بني أسد أحداً. قالوا: بلى ولكنك رجل مشؤوم. وكرهوا قتالهم بني كنانة وانصرفوا عنه فمضى هارباً لوجهه حتى لحق بحمير. ثم خرج فظفر ببني أسد (قالوا) وألح المنذر في طلب امرئ القيس وأمده أنوشروان بجيش من الأساورة فسرحهم في طلبه. وتفرق حمير ومن كان معه عنه فنجا في عصبة من بني آكل المرار حتى نزل بالحارث بن شهاب من بني حنظلة ومع امرئ القيس أدراع يتوارثونها ملكاً عن ملك. فقلما لبثوا عند الحارث بن شهاب حتى بعث إليه المنذر مائة من أصحابه يوعده بالحرب إن لم يسلم إليه بني آكل المرار. فأسلمهم ونجا امرؤ القيس ومعه يزيد بن معاوية بن الحارث وبنته هند بنت امرئ

القيس والأدرع والسلاح. ثم قال له عمرو بن جابر بن مازن الفزاري: يا ابن حجر إني أراك في خلل من قومك وأنا أنفس بمثلك من أهل الشرف. أفلا أدلك على بلد فقد جئت قيصر وجئت النعمان فلم أر لضيف نازل ولا لمجتد مثله ولا مثل صاحبه. قال: من هو وأين منزله. قال: السموءل بتيماء وسوف أضرب لك مثله. هو يمنع ضعفك حتى ترى ذات غيك. وهو في حصن حصين وحسب كبير. فمضى القوم حتى قدموا على السموءل فأنشده قوله: ولقد أتيت بني المصاص مفاخراً ... وإلى السموءل زرته بالأبلق فأتيت أفضل من تحمل حاجة ... إن جئته في غارم أو مرهق عرفت له الأقوام كل فضيلة ... وحوى المكارم سابقاً لم يسبق وعرف لهم السموءل حقهم فأنزلهم في مجلس له براح فكان عنده ما شاء الله. ثم إنه طلب إليه أن يكتب له إلى الحارث بن أبي شمر الغساني بالشام ليوصله إلى قيصر. فاستنجد له رجلاً واستودع عنده الأدراع والمال وأقام معها يزيد بن الحارث بن معاوية ابن عمه. فمضى حتى انتهى إلى قيصر فقبله وأكرمه وكانت له عنده منزلة. فاندس رجل من بني أسد يقال له الطماح حتى أتى إلى بلاد الروم فأقام مستخفياً. ثم إن قيصر ضم إليه جيشاً كثيفاً وفيهم جماعة من أبناء الملوك. فلما فصل دخل الطماح على قيصر. فقال: إن العرب قوم غدر ولا تأمن أن يظفر بما يريد ثم يغزوك بمن بعثت معه. فبعث إليه قيصر

(عدي بن زيد 582) .

حينئذ بحلة وشي مسمومة منسوجة بالذهب. وقال له: إني أرسلت إليك بحلتي التي كنت ألبسها تكرمة لك فإذا وصلت إليك فالبسها باليمن والبركة. واكتب إلي بخبرك من منزل منزل. فلما وصلت إليه لبسها فأسرع فيه السم وسقط جلده فسمي ذا القروح (الأغاني) . (عدي بن زيد 582) . هو من أولاد نزار وكان شاعراً فصيحاً من شعراء الجاهلية وكان نصرانياً. وكان أبوه لما أيفع طرحه في الكتاب حتى إذا حذق أرسله المزربان مع ابنه شاهان مرد إلى كتاب الفارسية. فكان يختلف مع ابنه ويتعلم الكتابة والكلام بالفارسية. حتى خرج من أفهم الناس بهما وأفصحهم بالعربية. وقال الشعر وتعلم الرمي بالنشاب فخرج من الأساورة الرماة. وتعلم لعب العجم على الخيل بالصوالجة وغيرها. ثم أثبته كسرى مع ولد المرزبان فكان عدي أول من كتب بالعربية في ديوان كسرى. يؤذن له عليه في الخاصة وهو معجب به قريب منه فارتفع ذكر عدي. ولما تولى النعمان بن المنذر على الحيرة استدعى عدي بن زيد من المدائن مع أخوين له اسمهما أبي عامر فأكرمهم وأجزل صلاتهم وزوج عدياً ابنته هنداً وولاه مملكته وكل شيء سوى اسم الملك. ثم حسده وحبسه في محبس لا يدخل عليه فيه أحد. فجعل عدي يقول الشعر وهو في الحبس فمن قوله: ألا من مبلغ النعمان عني ... وقد تهوى النصيحة بالمغيب أحظي كان سلسلة وقيداً ... وغلاً والبيان لدى الطبيب

أتاك بأنني قد طال حبسي ... ولم تسأم بمسجون حريب وبيتي مقفر إلا نساء ... أرامل قد هلكن من النحيب يبادرن الدموع على عدي ... كشن خانه خرز الربيب فهل لك أن تدارك ما لدينا ... ولا تغلب على الرأي المصيب فإني قد وكلت اليوم أمري ... إلى رب قريب مستجيب وكتب إلى أخيه أبي وهو مع كسرى: وتقول العداة أودى عدي ... وبنوه قد أيقنوا بعلاق يا أبا مسهر فأبلغ رسولاً ... إخوتي إن أتيت صحن العراق أبلغا عامراً وأبلغ أخاه ... أنني موثق شديد وثاقي في حديد مضاعف وغلال ... وثياب منضحات خلاق فاركبوا في الحرام فكوا أخاكم ... إن عيراً تجهزت لانطلاق فلما قرأ أبي كتاب عدي قام إلى كسرى فكلمه في أمره وعرفه خبره. فكتب إلى النعمان يأمره بإطلاقه. فأتى النعمان أعداء عدي فأغروه على قتله فقتله. (لأبي الفرج الأصبهاني) .

(حاتم الطائي 605)

(حاتم الطائي 605) هو ابن عبد الله بن سعد الطائي. وكان نصرانياً من الكرم على أفضل جانب. فيفك العاني ويحمي الذمار ويقري الضيف ويشبع الجائع ويفرج عن المكروب ويطعم الطعام ويفشي السلام. ولم يرد طالب حاجة قط. وكان حاتم من شعراء العرب جواداً يشبه شعره جوده. ويصدق قوله فعله. وكان حيثما نزل عرف منزله وكان مظفراً إذا قاتل غلب. وإذا غنم أنهب. وإذا سئل وهب. وكان إذا جن الليل يوعز إلى غلامه أن يوقد النار في يفاع من الأرض لينظر إليها من أضله الطريق فيأوي إلى منزله ويقول: أوقد فإن الليل ليل قر ... والريح يا موقد ريح صر عسى يرى نارك من يمر ... إن جلبت ضيفاً فأنت حر وكان إذا أهل الشهر ينحر عشراً من الإبل فيطعم الناس (دواوين العرب) (أمية بن أبي الصلت 624) هو أبو القاسم بن أبي الصلت الثقفي من أهل الطائف من شعراء الطبقة الأولى. وكان أمية من رؤساء ثقيف وفصحائهم يتعبد في الجاهلية ويؤمن بالبعث. وينشد في أثنائه الشعر المليح وأدرك الإسلام ولم يسلم. وله في الفخر:

ورثنا المجد عن كبرا نزار ... فأورثنا مآثرنا بنينا وكنا حيثما علمت معد ... أقمنا حيث ساروا هاربينا تخبرك القبائل من معد ... إذا عدوا سعاية أولينا بأنا النازلون بكل ثغر ... وأنا الضاربون إذا التقينا وأنا المانعون إذا أردنا ... وأنا العاطفون إذا دعنا وأنا الحاملون إذا أناخت ... خطوب في العشيرة تبتلينا وأنا الرافعون على معد أكفاً في المكارم ما بقينا نشرد بالمخافة من أتانا ... ويعطينا المقادة من يلينا تسير بمعشر قوماً لقوم ... وندخل دار قوم آخرينا وحضر يوماً مجلس بعض الرؤساء وبين يديه أطباق من الذهب فيها ورد أبيض وأحمر فأمره بوصفها فقال: كأنما الورد الذي نشره ... يعبق من طيب معانيكا دماء أعدائك مسفوكة ... قد قابلت بيض أياديكا ومن شعره قوله يمدح ابن جدعان التيمي صديقه: خليل لا يغيره صباح ... عن الخلق الجميل ولا مساء وأرضك كل مكرمة بنتها ... بنو تيم وأنت لها سماء إذا أثنى عليك المرء يوماً ... كفاه من تعرضه الثناء قال الليثي: لما مرض أمية المرض الذي مات فيه جعل يقول: قد دنا أجل وهذه المرضة منيتي. فلما دنت وفاته أغمى عليه قليلاً

(أبو زبيد 645)

ثم أفاق وهو يقول: لبيكما لبيكما ها أنا ذا لديكما. لا مال لي يفديني ولا عشيرة تحميني. رفع رأسه وهو يقول: كل حي وإن تطاول دهراً ... حائر مرة إلى أن يزولا ليتني كنت قبل ما قد بدا لي ... في قلال الجبال أرعى الوعولا إجعل الموت نصب عينك واحذر ... غولة الدهر إن للدهر غولا ثم قضى نحبه في قصر من قصور الطائف (لأبي زكريا النووي) . (أبو زبيد 645) هو حرملة بن المنذر من بني طيء. وكان نصرانياً وعلى دينه مات. وهو ممن أدرك الجاهلية والإسلام. كان يزور الملوك وخاصة ملوك العجم وكان عالماً بسيرهم. وكان عثمان ابن عفان يقربه إلى ذلك ويدني مجلسه. وكان يكثر وصف الأسد فتذاكروا مآثر العرب وأشعارها فالتفت عثمان إلى أبي زبيد وقال: يا أخا تبع المسيح أسمعنا بعض قولك. فقد أنبئت أنك تجيد. فأنشده قصيدته التي يقول فيها: من مبلغ قومنا النائين إذا شحطوا ... أن الفؤاد إليهم شيق ولع ووصف الأسد فقال عثمان: تالله تفتأ تذكر الأسد ما حييت والله إني لأحسبك جباناً هراباً. قال: كلا يا أمير المؤمنين ولكني رأيت منه منظراً وشهدت منه مشهداً لا يبرح ذكره يتجدد ويتردد في قلبي. ومعذور أنا يا أمير المؤمنين غير ملوم. فقال له عثمان: وأنى كان ذلك. قال: خرجت في صيابة أشراف من أبناء قبائل العرب ذوي هيئة

وشارة حسنة ترمي بنا المهاري بأكسائها ونحن نريد الحارث بن أبي شمر الغساني ملك الشام. فاخروط بنا السير في حمارة القيظ حتى إذا عصبت الأفواه وذبلت الشفاه وسالت المياه. واذكت الجوزاء المعزاء وصر الجندب قال قائل: أيها الركب غوروا بنا في ضوج هذا الوادي. وإذا واد قد بدا لنا كثير الدغل دائم الغلل. اشجاره مغنة وأطياره مرنة. فحططنا رحالنا بأصول دوحات كنهبلات. فأصبنا من فضلات الزاد وأتبعناها الماء البارد. فإنا لنصف حر يومنا ومماطلته إذ صر أقصى الخيل أدذنيه. وفحص الأرض بيديه. فوالله ما لبث أن جال. ثم حمحم الخيل وتعكعكت الإبل وتقهقرت البغال. فمن نافر بشكاله وناهض بعقاله. فعلمنا أن قد أوتينا وأنه السبع ففزع كل واحد منا إلى سيفه فاستله من جرابه. ثم وقفنا رزدقاً أرسالاً وأقبل أبو الحارث من أجمته يتظالع في مشيته. من نعته كأنه مجنوب أو في هجار بصدره نحيط. ولبلاعمه غطيط. ولطرفه وميض. ولأرساغه نقيض. كأنما يخبط هشيماً. أو يطأ صريماً. وإذا هامه كالمجن وخد كالمسن وعينان سجراوان كأنهما سراجان يتقدان. وكف شثنة البراثن إلى مخالب كالمحاجن. فضرب بيده فأرهج. وكشر فأفرج عن أنياب كالمعاول مصقولة غير مفلولة. ثم أقعى فاقشعر ثم مثل فاكفهر. ثم تجهم فازبأر. فلا وذو بيته في السماء ما اتقيناه إلا بأخ لنا من فزارة كان ضخم الجزارة. فوقصه ثم نفضه نفضة فقضقض متنيه فجعل

(القطامي 710)

يلغ في دمه. فذمرت لأصحابي فاختلج رجلاً أعجر ذا حوايا فنفضه نفضة تزايلت مفاصله. ثم نهم ففرفر ثم زفر فبربر. ثم زأر فجرجر. ثم لحظ فوالله لخلت البرق يتطاير من تحت جفونه من شماله ويمينه. فأرعشت الأيدي واصطكت الأرجل وأطت الأضلاع. وارتجت الأسماع. وشخصت العيون. وتحققت الظنون وانخزلت المتون. فقال له عثمان: اسكت فقد أرعبت قلوب المسلمين. ويقال إن أبا زبيد عمر مائة سنة بنيف ودفن في الرقة في بيعة النصارى (الأغاني) . (القطامي 710) هو لقب غلب عليه واسمه عمير بن شييم وكان نصرانياً. قال أبو عمرو بن العلاء: أول ما حرك من القطامي ورفع من ذكره أنه قدم في خلافة الوليد بن عبد الملك دمشق ليمدحه فقيل له: إنه بخيل لا يعطي الشعراء والشعر لا ينفق عنده. وهذا عبد الواحد بن سليمان فامدحه. فمدحه فقال له: كم أملت من أمير المؤمنين. فقال: أملت أن يعطيني ثلاثين ناقة. فقال: قد أمرت لك بخمسين ناقة موقرة براً وتمراً وثياباً ثم أمر بدفع ذلك إليه. ولما سار عمير بن الحباب لمحاربة بني عتاب وفيهم أخلاط تغلب استحر بهم القتل وأصيب أكثرهم وأسر منهم كثير منهم القطامي. وأخذت إبله فأتى الأمير زفر فخلى سبيله ورد عليه مائة ناقة فقال القطامي يمدحه: يا زفر بن الحارث ابن الأكرم ... قد كنت في الحي قديم المقدم إذا حجم القوم ولما تحجم ... إنك وابنيك حفظتم محرمي

(الأخطل 712)

وحقن الله بكفيك دمي ... من بعد ما جف لساني وفمي أنقذتني من بطل معمم ... والخيل تحت العارض المسوم أخبر المدائني قال: قال عبد الملك بن مروان للأخطل وعنده عامر الشعبي: أتحب أن لك قياضاً بشعرك شعر أحد من العرب أم تحب أنك قلته. قال: لا والله يا أمير المؤمنين إلا أني وددت أني كنت قلت أبياتاً قالها رجل منا مغدف القناع. قليل السماع قصير الذراع. قال: وما قال. فأنشده قول القطامي في عبد الواحد سليمان: إنا محيوك فاسلم أيها الطلل ... وإن بليت وإن طالت بك الطيل ليس الجديد به تبقى بشاشته ... إلا قليلاً ولا ذو حلة يصل والعيش لا عيش إلا ما تقر به ... عين ولا حال إلا سوف تنتقل قد يدرك المتأني بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل حتى أتى على آخرها. فقال عبد الملك بن مروان: ثكلت القطامي أمه. هذا والله الشعر. (الأخطل 712) هو أبو مالك غياث بن غوث بن الصلت بن الطارفة. وأصل تسميته بالأخطل أنه هجا رجلاً من قومه فقال له: يا غلام إنك الأخطل اللسان. فغلبت عيه. وكان الأخطل نصرانياً ومحله في الشعر أكبر من أن يحتاج إلى وصف. وهو وجرير والفرزدق طبقة واحدة. سئل حماد الراوية عن الأخطل فقال: ما تسألوني عن رجل قد حبب شعره إلي النصرانية. وقال أبو عمرو: لو أدرك

الأخطل يوماً واحداً من الجاهلية ما قدمت عليه أحداً. قيل لجرير ما تقول في الأخطل. قال: كان أشدنا اجتراء وأرمانا للفرائص وأمدح الناس لكريم. وكان أبو عبيدة يقول: شعراء الإسلام الأخطل ثم جرير ثم الفرزدق. وكان يشبه الأخطل بالنابغة لصحة شعره. ويقول: الأخطل أشبه بالجاهلية وأشدهم أمر شعر وأقلهم سقطاً. أخبر علي بن مجاهد قال: دخل الأخطل على عبد الملك فقال: يا أمير المؤمنين زعم ابن المراغة أنه يبلغ مدحتك في ثلاثة أيام. وقد أقمت في مدحتك (خف القطين فراحوا منك وأبكروا) سنة فما بلغت كلما أردت. فقال عبد الملك: ما سمعناه يا أخطل. فأنشده إياها فجعلت أرى عبد الملك يتطاول لها. ثم قال: ويحك يا أخطل أتريد أن أكتب إلى الآفاق أنك أشعر العرب. قال: أكتفي بقول أمير المؤمنين. وأمر له بجفنة كانت بين يديه فملئت دراهم وألقى عليه خلعاً. وخرج به مولى لعبد الملك على الناس يقول: هذا شاعر أمير المؤمنين هذا أشعر العرب. وأخبر أبو عمرو وقال: لقد كان الأخطل يجيء وعليه جبة خز وفي عنقه سلسلة ذهب فيها صليب ذهب حتى يدخل على عبد الملك بغير إذن. قال الأخطل: فضلت الشعراء في المديح والهجاء بما لا يلحق بي فيه. فقولي بالمديح: نفسي فداء أمير المؤمنين إذا ... أبدى النواجذ يوم عارم ذكر الخائض الغمرة الميمون طائره ... خليفة الله يستسقي به المطر

وقولي في الهجاء: وكنت إذا لقيت عبيد تيم ... وتيماً قلت أيهما العبيد لئيم العالمين يسود تيماً ... وسيدهم وإن كرهوا مسود قال عبد الخالق: وصدق لعمري لقد فضلهم. قال الجوهري: كان مما يقدم به الأخطل أنه كان أخبث الشعراء هجاء في عفاف من الفحش. وقال الأخطل: ما هجوت أحداً قط بما تستحي العذراء أن تنشده إياها. قال ابن عبد المطلب: قدمت الشام وأنا شاب. فكنت أطوف في كنائسها ومساجدها فدخلت كنيسة دمشق. وإذا الأخطل فيها محبوس. فجعلت أنظر إليه فسال عني فأخبر بنسبي. فقال: يا فتى إنك لرجل شريف وإني أسألك حاجة. فقلت: حاجتك مقضية. قال: إن القس حبسني ههنا فتكلمه ليخلي عني. فأتيت القس فانتسبت له فرحب وعظم. فقلت: إن لي إليك حاجة. فقال: ما حاجتك. قلت: الأخطل تخلي عنه. قال: أعيذك بالله من هذا. مثلك لا يتكلم فيه. فاسق يشتم أعراض الناس ويهجوهم. فلم أزل أطلب إليه حتى مضى معي متكئاً على عصاه. فوقف عليه ورفع عصاه وقال: يا عدو الله أتعود تشتم الناس وتهجوهم وتقذف المحصنات. وهو يقول: لست بعائد ولا أفعل ويستخذي له. قال: فقلت له: يا أبا مالك الناس يهابونك والخليفة يكرمك وقدرك في الناس قدرك وأنت تخضع لهذا هذا الخضوع

خطباء النصرانية

وتستخذي له. فجعل يقول لي: إنه الدين إنه الدين (الأغاني) . خطباء النصرانية (قس بن ساعدة) هو أسقف نجران خطيب العرب وشاعرها وحليمها وحكيمها وحكمها في عصره. يقال إنه أول من علا على شرف وخطب عليه وأول من قال في كلامه: أما بعد. وأول من اتكأ عند خطبته على سيف أو عصاً. حدث بعضهم قال: كأني أنظر إلى قس بسوق عكاظ وهو يقول: أيها الناس اسمعوا وعوا: من عاش مات. ومن مات فات. وكل ما هو آت آت. ليل داج وسماء ذات أبراج. بحار تزخر ونجوم تزهر. وضوء وظلام. وبر وأنام. ومطعم ومشرب. وملبس ومركب. ما لي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون. أرضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا فناموا. وإله قس بن ساعدة ما على وجه الأرض أفضل من الدين. فطوبى لمن أدركه فاتبعه وويل لمن خالفه. ثم أنشأ يقول: في الذاهبين الأولي ... ن من القرون لنا بصائر

(إليا الثالث 1128-1190)

لما رأيت موارداً ... للموت ليس لها مصادر ورأيت قومي نحوها ... يمضي الأصاغر والأكابر أيقنت أني لا محا ... لة حيث صار القوم صائر (إليا الثالث 1128-1190) هو ابن الحديثي المعروف بأبي حليم. هذا الأب كان كهلاً حسن الخلقة تام القامة حبيباً كريماً عالماً فاضلاً من أهل بلد ميا فارقين وكان مطراناً على نصيبين فانتشرت شهرته. ولما استناح يشوعياب ورد إلى بغداد مع الآباء للاختيار. واتفق عليه الجمهور لأن الآباء الواردين معه لم يكن منهم من يماثله علماً وحكمة وكرماً وحسناً وبلاغة وفصاحة. اختير في خلافة المستضيء وأقيم فطركاً بدير المدائن. ووفقه الله وأجرى الخيرات على يده. وأقام جماعة من المطارنة وجدد بناء هيكل مار

مشاهير أطباء النصرانية

ماري الرسول وغيره من البيع والأديار. وكان من أوصافه الجميلة بحسن الخلق والخلقة سخياً بالمال في عمل الخير مع الناس الضعفاء والمساكين ومع الحكام والمتولين لأجل جاه دين النصرانية. ومع ذلك كان مرتاضاً بالعلوم النحوية واللغوية السريانية والعربية والعلوم الحكمية. ومن جملة موضوعاته كتاب تراجيم الأعياد السيدية وخطب ومواعظ كثيرة ورسائل كثيرة في إثبات الأمانة والاعتقاد وصحة دين النصرانية. ودبر الكرسي تدبيراً حسناً واستناح يوم الخميس الثاني عشر من نيسان. وكانت مدة رئاسته أربع عشرة سنة. وعند مرضه الذي توفي فيه جاء الآباء والرؤساء إلى عيادته فأخذ يرثي نفسه ويعزيهم وفي آخر ذلك قال: أروني من يقوم لكم مقامي ... إذا ما الأمر جل عن الخطاب بمن تستصرخون إذا حثوتم ... بأنملكم علي من التراب (ملخص عن كتاب المجدل لعمرو بن متى) مشاهير أطباء النصرانية (جيورجيس بن بختيشوع 770) كان المنصور في صدر أمره عندما بنى بغداد أدركه ضعف في معدته وسوء استمراء وقلة شهوة وكلما عالجه الأطباء ازداد مرضه. فقيل له عن جيورجيس بن

بختيشوع الجنديسابوري إنه أفضل الأطباء فتقدم بإحضاره فأنفذه العامل بجند يسابور بعدما أكرمه. فخرج ووصى ولده بختيشوع بالبيمارستان. واستصحب معه تلميذه عيسى بن شهلاثا. ولما وصل إلى بغداد أمر المنصور بإحضاره. فلما وصل إلى الحضرة دعا له بالفارسية والعربية فعجب المنصور من حسن منطقه ومنظره. وأمره بالجلوس وسأله عن أشياء أجابه عنها بسكون. وخبره بمرضه فقال له جيورجيس: أنا أدبرك بمشيئة الله وعونه. فأمر له في الوقت بخلعة جليلة وتقدم إلى الربيع بإنزاله في أجمل موضع من دوره وإكرامه كما يكرم أخص الأهل. ولم يزل جيورجيس يتلطف له في تدبيره حتى برئ من مرضه وفرح به فرحاً شديداً. وكان المنصور أمر أن يحمل إليه من الجواري الروميات ثلاث فردهن جيورجيس. فلما اتصل الخبر إلى المنصور أحضره وقال له: لم رددت الجواري. قال: لا يجوز لنا معشر النصارى أن نتزوج بأكثر من امرأة واحدة ما دامت المرأة حية لا نأخذ غيرها. فحسن موقع هذا من الخليفة وزاد موضعه عنده وهذا ثمرة العفة. ثم مرض جيورجيس مرضاً صعباً ولما اشتد مرضه أمر المنصور بحمله إلى دار العامة. وخرج ماشياً إليه وتعرف خبره فخبره وقال له: إن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في الانصراف إلى بلدي لأنظر أهلي وولدي وإن مت قبرت مع آبائي. فقال المنصور: إنني منذ رأيتك وجدت راحة من الأمراض التي

(بختيشوع بن جيورجيس 798)

تعتادني. فقال جيورجيس: أنا أخلف بين يدي أمير المؤمنين عيسى تلميذي فهو ماهر. فأمر لجيورجيس بعشرة آلاف دينار وأذن له في الانصراف. وأنفذ معه خادماً وقال: إن مات في الطريق فاحمله إلى منزله ليدفن هناك كما أحب. فوصل إلى بلده حياً. (بختيشوع بن جيورجيس 798) قيل إن الرشيد في خلافته مرض من صداع لحقه. فقال ليحيى بن خالد بن برمك. هؤلاء الأطباء ليسوا يفهمون شيئاً وينبغي أن تطلب لي طبيباً ماهراً. فقال له عن بختيشوع بن جيورجيس. فأرسل البريد في حمله من نيسابور. ولما كان بعد أيام ورد ودخل على الرشيد فأكرمه وخلع عليه خلعة سنية. ووهب له مالاً وافراً وجعله رئيس الأطباء. ولما كان في سنة خمس وسبعين ومائة (790) مرض جعفر بن يحيى. فتقدم الرشيد إلى بختيشوع أن يخدمه ولما أفاق جعفر من مرضه قال لبختيشوع: أريد أن تختار لي طبيباً ماهراً أكرمه وأحسن إليه قال بختيشوع: لست أعرف من هؤلاء الأطباء أحذق من ابني جبريل. فقال له جعفر: أحضرنيه فلما أحضره شكا إليه مرضاً كان يخفيه. فدبره في مدة ثلاثة أيام وبرأ فأحبه جعفر مثل نفسه. (حنين بن إسحاق 809-874) في أيام المتوكل اشتهر حنين بن إسحاق الطبيب النصراني العبادي. ونسبته إلى العباد وهم قوم من نصارى العرب من قبائل شتى اجتمعوا وانفردوا عن

الناس في قصور ابتنوها بظاهر الحيرة. وتسموا بالعباد لأنه لا يضاف إلا إلى الخالق وما العبيد فيضاف إلى المخلوق والخالق. وينسب إليهم خلق كثير منهم عدي بن زيد الشاعر المشهور. وكان إسحاق والد حنين صيدلانياً بالحيرة. فلما نشأ حنين أحب العلم فدخل بغداد وحضر مجلس يوحنا بن ماسويه وجعل يخدمه ويقرأ عليه. ثم توجه إلى بلاد الروم وأقام بها سنتين حتى أحكم اللغة اليونانية وتوصل في تحصيل كتب الحكمة غاية إمكانه. وعاد إلى بغداد بعد سنتين ونهض من بغداد إلى أرض فارس. ودخل البصرة ولزم الخليل ابن أحمد حتى برع في اللسان العربي ثم رجع إلى بغداد. قال يوسف الطبيب: دخلت يوماً على جبريل بن بختيشوع فوجدت حنيناً وجبريل يخاطبه بالتبجيل ويسميه الربان. فأعظمت ما رأيت وتبين ذلك جبريل مني. فقال: تستكثر هذا مني في أمر هذا الفتى. فوالله لئن مد له في العمر ليفضحن سرجيس. وسرجيس هذا هو الرأس عيني اليعقوبي ناقل علوم اليونانيين في السرياني. ولم يزل أمر حنين يقوى وعلمه يتزايد وعجائبه تظهر في النقل والتفاسير حتى صار ينبوعاً للعلوم ومعدناً للفضائل. واتصل خبره بالخليفة المتوكل فأمر بإحضاره. ولما حضر أقطعه إقطاعاً سنياً وأحب امتحانه. فاستدعاه وأمر أن يخلع عليه. فشكر حنين هذا الفعل ثم قال له بعد أشياء جرت: أريد أن تصف لي دواء يقتل عدواً نريد قتله. وليس

(إسحاق بن حنين 830-911)

يمكن إعلان هذا ونريده سراً. فقال حنين: ما تعلمت غير الأدوية النافعة ولا علمت أن أمير المؤمنين يطلب مني غيرها. ثم رغبه وهدده وأحضر سيفاً ونطعاً. فقال حنين: قد قلت لأمير المؤمنين ما فيه الكفاية. قال الخليفة. فإني أقتلك. قال حنين: لي رب يأخذ لي حقي غداً في الموقف الأعظم. فتبسم المتوكل وقال له: طب نفساً فإننا أردنا امتحانك والطمأنينة إليك. فقبل حنين الأرض وشكر له. فقال الخليفة: ما الذي منعك من الإجابة مع ما رأيته من صدق الأمر منا في الحالين. قال حنين: شيئان هما الدين والصناعة. أما الدين فإنه يأمرنا باصطناع الجميل مع أعدائنا فكيف ظنك بالأصدقاء. وأما الصناعة فإنها موضوعة لنفع أبناء الجنس ومقصورة على معالجاتهم. ومع هذا فقد جعل في رقاب الأطباء عهد مؤكد بأيمان مغلظة أن لا يعطوا دواء قتالاً لأحد. فقال الخليفة: إنهما شرعان جليلان. وأمر بالخلع فأفيضت عليه فخرج وهو أحسن الناس حالاً وجاهاً (لأبي الفرج الملطي) . (إسحاق بن حنين 830-911) هو أبو يعقوب إسحاق بن حنين ابن إسحاق العبادي الطبيب المشهور كان أوحد عصره في علم الطب. وكان يلحق بأبيه في النقل. وفي معرفته باللغات وفصاحته فيها. وكان يعرب كتب الحكمة التي بلغة اليونانيين إلى اللغة العربية كما كان يفعل أبوه. إلا أن الذي وجد من تعريبه في كتب الحكمة من كلام أرسطاطاليس وغيره أكثر مما يوجد من تعريبه لكتب

(يوحنا بن ماسويه 857)

الطب. وكان قد خدم من الخلفاء والرؤساء من خدمه أبوه. ثم انقطع إلى القاسم بن عبيد الله وزير الإمام المعتضد بالله. واختص به حتى إن الوزير المذكور كان يطلعه على أسراره ويفضي إليه بما يكتمه عن غيره له. ولأبيه المصنفات المفيدة في الطب. ولحقه الفالج في آخر عمره. وكانت وفاته سنة ثمان وتسعين ومائتين (لابن خلكان) . (يوحنا بن ماسويه 857) ومن أطباء الرشيد يوحنا بن ماسويه النصراني السرياني ولاه الرشيد ترجمة الكتب الطبية القديمة. وخدم الرشيد ومن بعده إلى أيام المتوكل. وكان معظماً ببغداد جليل القدر وله تصانيف جميلة. وكان يعقد مجلساً للنظر ويجري فيه من كل نوع من العلوم القديمة بأحسن عبارة وكان يدرس ويجتمع إليه تلاميذ كثيرون. وكان في يوحنا دعابة شديدة يحضره من حضر لأجلها في الأكثر. وكان من ضيق الصدر وشدة الحدة على أكثر مما كان عليه جبريل بن بختيشوع. وكانت الحدة تخرج من يوحنا ألفاظاً وهي مضحكة. ففما حفظ من نوادره أن رجلاً شكا إليه علة وكان أشار عليه بالفصد. فقال له: لم أعتد الفصد. قال له يوحنا: ولا أحسبك اعتدت العلة من بطن أمك (لأبي الفرج) . (ابن التلميذ 1165) وهو أبو الحسن هبة الله بن التلميذ النصراني الطبيب الملقب بأمين الدولة. شيخ النصارى والأطباء وسلطان الحكماء مقصد العالم في علم الطب بقراط عصره

وجالينوس زمانه. ختم به هذا العلم ولم يكن في الماضي من بلغ مداه في الطب. عمر طويلاً. وعاش نبيلاً جليلاً. ورأيته وهو شيخ بهي المنظر حسن الرواء عذب المجتلى والمجتبى لطيف الروح ظريف الشخص بعيد الهم عالي الهمة ذكي الخاطر مصيب الفكر حازم الرأي رأس النصارى وقسيسهم ورئيسهم. وله في النظم كلمات رائقة وحلاوة جنية وغزارة بهية. وذكر في أنموذج الأعيان من شعراء الزمان أن ابن التلميذ المذكور كان متفنناً في العلوم ذا رأي رصين. وعقل متين. طالت خدمته للخلفاء والملوك. وكانت مجالسته أحسن من التبر المسبوك والدر في السلوك. وكان يتعجب في أمره كيف حرم الإسلام مع كمال فهمه وغزارة عقله وعلمه. وكان إذا ترسل استطال وسطا. وإذا نظم وقع بين أرباب النظم وسطا. وكان بينه وبين أوحد الزمان هبة الله الحكيم المشهور تنافس وكان هذا يهودياً فأسلم في أواخر عمره. وأصابه الجذام فعالج نفسه بتسليط الأفاعي على جسده فبالغت في نهشه فبرى من الجذام. فعمل فيه ابن التلميذ شعراً: لنا صديق يهودي حماقته ... إذا تكلم تبدو فيه من فيه يتيه والكلب أعلى منه منزلة ... كأنه بعد لم يخرج من التيه وكان ابن التلميذ متواضعاً وأوحد الزمان أبو البركات متكبراً فعمل فيهما البديع الأسطر لابي شعراً: أبو الحسن الطبيب ومقتفيه ... أبو البركات في طرفي نقيض

مشاهير المؤرخين والكتاب والفلاسفة من أهل النصرانية

فهذا بالتواضع في الثريا ... وهذا بالتكبر في الحضيض وتوفي ابن التلميذ سنة ستين وخمسمائة وقد ناهز المائة من عمره (1165) . ولم يبق ببغداد من الجانبين من لم يحضر البيعة ولم يشهد جنازته. ولابن التلميذ في الطب تصانيف نافعة في بابها منها كتاب أقراباذين وحواش على كليات ابن سينا (الخريدة للعماد الأصبهاني) . مشاهير المؤرخين والكتاب والفلاسفة من أهل النصرانية (أبو الفرج الملطي 1226 - 1286) جمال الدين غريغوريوس أبو الفرج بن حكيما. الطبيب المعروف بابن العبري تاج الفضلاء. محلل المشكلات الخفية من الكلمات الإلهية. وحيد العصر وفريد الزمان. رئيس رؤساء الأمة النصرانية وخلاصة نضار الملة اليعقوبية. كان كثير الاطلاع وحصل علوماً شتى وأتقنها وانفرد بالطب في زمانه حتى شدت إليه الرحال بأرض

(ثابت بن قرة 836-902)

المغرب. وأقيم أسقفاً على مدينة ملطية وأخذ عنه كثير من فضلاء المسلمين. ومن تصانيفه كتاب تاريخ مختصر الدول وهو من أشهر التواريخ وشرح قانون ابن سينا وبقراط وديوسقورس وكتاب دفع أهم وديوان شعر في الإلهيات وغيرها. (ثابت بن قرة 836-902) أبو الحسن بن كرايا الحاسب كان في مبدأ أمره صيرفياً بحران ثم انتقل إلى بغداد. واشتغل بعلوم الأوائل فمهر فيها. وكان الغالب عليه الفلسفة وله تآليف كثيرة في فنون من العلم مقدار عشرين تأليفاً. وأخذ كتاب إقليدس الذي عربه حنين بن إسحاق العبادي فهذبه ونقحه وأوضح منه ما كان مستعجماً. وكان من أعيان عصره في الفضائل. وجرى بينه وبين أهل مذهبه أشياء أنكرها عليه في المذهب. فرافعوه إلى رئيسهم فأنكر عليه مقالته ومنعه من دخول الهيكل فتاب ورجع عن ذلك. ثم خرج من حران ونزل كفر توثا وأقام بها مدة إلى أن قدم محمد بن موسى من

(الكندي 246هجري 860 م)

بلاد الروم. فاجتمع به فرآه فاضلاً فصيحاً فاستصحبه إلى بغداد وأنزله في داره ووصله بالخليفة. وعقبه بها إلى الآن. وله ولد يسمى إبراهيم بلغ رتبة أبيه في الفضل وكان من حذاق الأطباء. عالج مرة السري الرفاء الشاعر فأصاب العافية فعمل فيه هو أحسن ما قيل في طبيب: هل للعليل سوى ابن قرة شافي ... بعد الإله وهل له من كافي فكأنه عيسى بن مريم ناطقاً ... يهب الحياة بأيسر الأوصاف يبدو له الداء الخفي كما بدا ... للعين رضراض الغدير الصافي (الكندي 246هجري 860 م) هو يعقوب بن إسحاق الكندي النصراني. وكان شريف الأصل بصرياً وكان أبوه إسحاق أميراً على الكوفة للمهدي والرشيد. ويعقوب هذا أوحد عصره في فنون الآداب وشهرته تغني عن الأطناب. وكان له اليد الطولى بعلوم اليونان والهند والعجم متفنناً عالماً بالطب والمنطق وتأليف اللحون والهندسة والهيئة والفلسفة. وله في أكثر هذه العلوم تآليف مشهورة ولم يكن في العرب من اشتهر عند الناس بمعاناة علم الفلسفة حتى سموه فيلسوفاً غير يعقوب. وكان معاصراً لقسطا بن لوقا الفيلسوف البعلبكي النصراني واستوطن بغداد وأخذ عن أبي معشر البلخي. ومن أنسباء يعقوب هذا عبد المسيح بن إسحاق الكندي وله رسالة مشتهرة فند فيها اعتراضات ابن إسماعيل الهاشمي على النصرانية. ذكرها أبو الريحان البيروني في تاريخه.

(الصابئ 934-983)

(الصابئ 934-983) أبو الحسن إبراهيم بن هلال بن إبراهيم ابن زهرون بن حبور الحراني الصابئ صاحب الرسائل المشهورة والنظم البديع. وكان كاتب الإنشاء ببغداد عن الخليفة وعن عز الدولة بختيار بن معز الدولة ابن بويه الديلمي. وتقلد ديوان الرسائل سنة تسع وأربعين وثلاثمائة. وكانت تصدر عنه مكاتبات إلى عضد الدولة بن بويه بما يؤلمه فحقد عليه. فلما قتل عز الدولة وملك عضد الدولة بغداد اعتقله في سنة إحدى وسبعين. وكان قد أمره أن يصنع له كتاباً في أخبار الدولة الديلمية فعمل الكتاب التاجي. فقيل لعضد الدولة إن صديقاً للصابئ دخل عليه فرآه في شغل شاغل من التعليق والتسويد والتبييض فسأله عما يعمل فقال: أباطيل أنمقها وأكاذيب ألفقها. فحركت ساكنه وهاجت حقده ولم يزل مبعداً في أيامه. وكان متشدداً في دينه. وجهد عليه عز الدولة أن يسلم فلم يفعل وله كل شيء حسن من المنظوم والمنثور (لابن خلكان) .

الباب العشرون في التاريخ

الباب العشرون في التاريخ صاحب الشريعة الإسلامية محمد بن عبد الله ذكر النسابون أن نسبته ترتقي إلى إسماعيل بن إبراهيم الخليل الذي ولدت له هاجر أمة سارا زوجته. وكان ولاده بمكة سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة للإسكندر ولما مضى من عمره سنتان بالتقريب مات عبد الله أبوه وكان مع أمه آمنة بنت وهب ست سنين. فلما توفيت أخذه إليه جده عبد المطلب بحياطته وضمه إليه وكفله. ثم خرج به وهو ابن تسع سنين إلى الشام. فلما نزلوا بصرى خرج إليهم راهب عارف اسمه بحيرا من صومعته وجعل يتخلل القوم حتى انتهى إليه فأخذه بيده وقال: سيكون من هذا الصبي أمر عظيم ينتشر ذكره في مشارق الأرض ومغاربها. ولما كمل له من العمر خمس وعشرون سنة عرضت عليه امرأة ذات شرف ويسار اسمها خديجة أن يخرج بمالها تاجراً إلى الشام وتعطيه أفضل ما تعطي غيره. فأحابها إلى ذلك وخرج. ثم رغبت فيه وعرضت نفسها عليه فتزوجها وعمرها يومئذ أربعون سنة. وأقامت معه إلى أن توفيت بمكة اثنتين وعشرين سنة. ولما كمل له أربعون سنة أظهر الدعوة. ولما مات أبو طالب عمه وماتت أيضاً خديجة زوجته أصابته قريش بعظيم من أذى

فهاجر عنهم إلى المدينة وهي يثرب. وفي (السنة الأولى) من هجرته احتفل الناس إليه ونصروه على المكيين أعدائه. وفي (السنة الثانية) من هجرته إلى المدينة خرج بنفسه إلى غزاة بدر وهي البطشة الكبرى وهزم بثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً من المسلمين ألفاً من أهل مكة المشركين. وفي هذه السنة صرفت القبلة عن جهة البيت المقدس إلى جهة الكعبة. وفيها فرض صيام ضهر رمضان. وفي (السنة الثالثة) خرج إلى غزاة أحد وفيها هزم المشركون المسلمين وشج في وجهه وكسرت رباعيته. وفي (السنة الرابعة) غزا بني النضير اليهود وأجلاهم إلى الشام. وفيها اجتمع أحزاب شتى من قبائل العرب مع أهل مكة وساروا جميعاً إلى المدينة. فخرج إليهم ولأنه هال المسلمين أمرهم أمر بحفر خندق وبقوا بضعة وعشرين يوماً لم يكن بينهم حرب. وفي (السنة السادسة) خرج بنفسه إلى غزاة بن المصطلق وأصاب منهم سبياً كثيراً. وفي (السنة السابعة) خرج إلى غزاة خيبر مدينة اليهود وينقل عن علي بن أبي طالب أنه عالج باب خيبر واقتلعه وجعله مخبأ وقاتلهم. وفي (الثامنة) كانت غزاة الفتح فتح مكة وعهد المسلمين أن لا يقتلوا فيها إلا من قاتلهم. وأمن من دخل المسجد ومن أغلق على نفسه بابه وكف يده ومن تعلق بأستار الكعبة سوى قوم يؤذونه. وأسلم أبو سفيان وهو عظيم مكة من تحت السيف. وفي (السنة التاسعة) خرج إلى غزاة تبوك من بلاد الروم ولم يحتج فيها إلى

ذكر الخلفاء الراشدين (632 - 661)

حرب. وفي (السنة العاشرة) حج حجة الوداع. ثم وعك مرض وتوفي يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر وكان عمره ثلاثاً وستين سنة. ولما توفي أراد أهل مكة المهاجرين رده إليها لأنها مسقط رأسه. وأراد أهل المدينة من الأنصار دفنه بالمدينة لأنها دار هجرته ومدار نصرته. ثم دفنوه بالمدينة في حجرته حيث قبض. (لأبي الفرج) . ذكر الخلفاء الراشدين (632 - 661) خلافة أبي بكر (632 - 634) ثم اجتمع المهاجرون والأنصار للمبايعة فارتفعت الأصوات وكثر اللغط. فلما أشفق عمر الاختلاف قال: إنا والله ما وجدنا امرءاً هو أقوى من مبايعة أبي بكر ثم قال لأبي بكر: ابسط يدك فأبايعك. فبسط يده فبايعه وبايعه المهاجرون وبايعه الأنصار. ولما بويع أبو بكر ضرب بعثاً على أهل المدينة ومن حولهم. وأمر أسامة بن زيد فقال له الناس: إن هؤلاء جل المسلمين على ما ترى نجم فيهم النفاق وانتفضوا بك. فليس ينبغي لك أن تفرق عنك جماعة المسلمين. فقال: والذي نفس أبي بكر بيده لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعث أسامة إلى الشام. ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذته. ثم خرج أبو بكر إلى البعث حتى أتاهم. فأشخصهم وشيعهم وهو ماش وأسامة راكب. فقال له أسامة: يا أمير المؤمنين والله لتركبن أو لأنزلن. فقال: لا نزلت ولا أركب وما علي أن أغبر قدمي في سبيل الله ساعة. (تاريخ الملوك للطبري) . خبر الأسود العنسي ومسيلمة الكذابين (634) كان الأسود هذا غلب على صنعاء ومفازة حضرموت إلى عمل الطائف إلى البحرين. وادعى النبوة وطابقت عليه اليمن وجعل يستطير استطارة الحريق. فبعث أبو بكر رجالاً لمحاولته أو مصاولته. فدخلوا على أزاد وهي امرأته فقالوا لها: يا ابنة العم قد عرفت بلاء هذا

فتح العراق (632) والشام (633-638) وموت أبي بكر (635)

الرجل عند قومك قتل أباك وطأطأ في قومك القتل وسفل بمن بقي مهم فهل عندك من ممالأة عليه. فأجابت أزاد إلى قولهم. ولما جن الليل أدخلت الدجال في مقصورة الأسود زوجها. وهو يغط فألحموه بمئلاة وأمروا الشفرة على حلقه. فخار خوار الثور. فابتدر الحرس الباب وهم حول المقصورة: ما هذا ما هذا. فقالت المرأة: النبي يوحى إليه. ولما قتل الأسود وأراح الله الإسلام من شره تراجع الأمراء واعتذر الناس (الآداب السلطانية للفخري) . ثم ظهر مسيلمة الكذاب. وأوقع أعظم فتنة في أهل اليمامة وكان يؤذن له ويشهد له بالرسالة. وكان يسجع لقومه بأسجاع يزعم أنها قرآن ويأتي بمخارق يزعم أنها معجزات فيقع منها ضد المقصود. فأمر أبو بكر خالد بن الوليد بالمسير إلى محاربته. وكان بينهما وقعات واشتد الحرب بين الفريقين. واقتحم المسلمون بأجمعهم إلى مسيلمة وأصحابه. فقاتلوهم حتى احمرت الأرض بالدماء. ونظر عبد أسود اسمه وحشي إلى مسيلمة فرماه بحربة فوقعت على خاصرته فسقط عن فرسه قتيلاً. (للطبري) . فتح العراق (632) والشام (633-638) وموت أبي بكر (635) ومن هناك توجه خالد إلى أرض العراق فزحف إلى الحيرة ففتحها صلحاً. وكان ذلك أول شيء افتتح من العراق وقد كان أبو بكر وجه قبل ذلك أبا عبيدة بن الجراح في زهاء عشرين ألف رجل إلى الشام. وبلغ هرقل ملك الروم ورود العرب إلى أرض الشام. فوجه إليهم سرجيس البطريق في خمسة آلاف رجل من جنوده ليحاربهم. وكتب أبو بكر إلى خالد عند افتتاحه الحيرة بأن يسير إلى أبي عبيدة بأرض الشام. ففعل والتقى العرب والروم بأجنادين فانهزم الروم. وقتل سرجيس البطريق وذلك أنه في هربه سقط من فرسه. فركبه غلمانه فسقط فركبوه ثانية فهبط أيضاً. وقال لهم: فوزوا بأنفسكم واتركوني أقتل وحدي. وفي سنة ثلاث عشرة للهجرة مرض أبو بكر خمسة عشر يوماً ومات رحمه الله يوم الاثنين لثمان خلون من جمادى الآخرة وهو ابن ثلاث وستين سنة وكانت خلافته سنتين وأربعة أشهر. خلافة عمر (634-644) فتح دمشق (636) فارس (632) مصر (642) ثم قام بالأمر بعده عمر بن الخطاب بويع له بالخلافة في اليوم الذي مات فيه أبو بكر. فقام بعده بمثل سيرته وجهاده وثباته وصبره على العيش الخشن والقناعة باليسير وفتح الفتوحات الكبار والأقاليم الشاسعة. وهو أول من سمي بأمير المؤمنين فأرخ التاريخ ودون الدواوين ومصر الأمصار وشهد بدراً. وهو أول من عس في عمله لحفظ الدين والناس. وهابه الناس هيبة عظيمة وزاد في الشدة في مواضعها واللين في مواضعه. ولما ولي الأمر لم يكن له همة إلا العراق. فعقد لأبي عبيدة بن مسعود على زهاء ألف رجل وأمره بالمسير إلى العراق فعبروا إليها. فزحف إليهم العجم فتناجزوا من وقت الزوال إلى أن توارت الشمس بالحجاب.

عثمان بن عفان (645-657)

فحمل العرب حملة رجل واحد وقتلوا مهران قائدهم. فانهزم العجم لاحقين بالمدائن. ثم ولى يزدجرد عظيماً من عظماء مزاربته له سن وتجربة يقال له رستم. وعقد أيضاً لرجل آخر يسمى الهرمزان في جنود كثيرة. وعند الالتقاء قتل هذان المرزبانان ومرت العرب في أثر العجم يقتلون من أدركوا منهم. (تاريخ ابن خلدون) . وفي خلافة عمر فتح أبو عبيدة وخالد دمشق بعد حصار سبعة أشهر فخرج أهل دمشق وبذلوا الصلح لأبي عبيدة. فأمنهم وصالح أهل طبرية وقيسارية وبعلبك. وعلى يد عمر انتهى الفتح إلى حمص والرها وماردين وطرابلس وعسقلان وما يليها من الساحل وبيت المقدس. وفتح عمرو بن العاص مصر عنوة وفتح الإسكندرية صلحاً. حتى هاب عمر ملوك فارس والروم. ومع ذلك كلية بقي على حاله كما كان قبل الولاية في لباسه وزيه وأفعاله وتواضعه يسير منفرداً من غير حرس ولا حجاب. لم تغيره الإمرة ولم يستطل على مسلم لسانه. ولا حابى أحداً في الحق. وكان لا يطمع الشريف في حيفه ولا يبأس الضعيف من عدله. ومات عمر يوم الأربعاء لخمس بقين من ذي الحجة. وقتله أبو لؤلؤ المجوسي وكان عمره ثلاثاً وستين سنة. وكانت خلافته عشر سنين وستة أشهر. ولما فتح عمرو بن العاص مصر طلب منه يوحنا النحوي النصراني كتب الحكمة التي في الخزائن الملكية. فكتب عمرو إلى الخليفة يستأذن أمير المؤمنين. فكتب إليه عمر: الكتب التي ذكرتها فإن كان فيها ما يوافق كتاب الله ففي كتاب الله عنه غنى. وإن كان فيها ما يخالفه فلا حاجة إليه فتقدم بإعدامها. فشرع عمرو في تفريغها على حمامات الإسكندرية وإحراقها في مواقدها. فاستيقدت في مدة ستة أشهر. (لابن العميد) . عثمان بن عفان (645-657) بويع له بالخلافة في أول يوم من سنة أربع وعشرين. وكانت له شفقة ورأفة بالرعية. وافتتحت في أيامه أفريقية وغزا معاوية قبرس وأنقرة فافتتحها وانتزع عثمان عمرو ابن العاص عن الإسكندرية. فأمر عليها أخاه لأمه. ثم إن الناس أنكروا على عثمان أشياء منها كلفه بأقاربه. فحنقت العرب على ذلك وجمعوا الجموع ونزلوا فرسخاً من المدينة. وبعثوا إلى عثمان من يستتبعه ويقول له: إما أن تعتدل أو تعتزل. وكتب عثمان إليهم كتاباً يقول فيه: إني أنزع عن كل شيء أنكرتموه وأتوب إلى الله. فلم يقبلوا منه ثم اشتد عليه الحصار عشرين يوماً حتى تسور محمد بن أبي بكر مع رجلين حائط عثمان فضربه أحدهم بمشقص في أوداجه. وقتله الآخر والمصحف في حجره. وكانت خلافته اثنتي عشرة سنة. وعمره نيف وثمانون سنة (للدميري) . علي بن أبي طالب (657-661) ولما قتل عثمان اجتمع طلحة والزبير والمهاجرون والأنصار وأتوا علياً يبايعونه

الحسن بن علي بن أبي طالب (661 - 662)

فأبى. وقال: أن أكون وزيراً لكم خير من أن أكون أميراً ومن اخترتم رضيته. فألحوا عليه وقالوا: لا نعلم أحق منك حتى غلبوه في ذلك. ثم ادعى الزبير بن العوام وطلحة الإكراه بعد ذلك وتمالآ على نقض إمارة علي. فلحق بهم وناجزهم الحرب وقتل الزبير وطلحة. وسميت هذه الوقعة وقعة الجمل. ولما بلغ معاوية خبر الجمل دعا أهل الشام إلى القتال. فخرج علي من الكوفة واقتتلوا قتالاً شديداً في صفين. ثم تهادنا وافترقا. ثم تعاهد شبيب وابن الملجم على قتل علي وكمنا له في المسجد. فلما خرج علي ونادى بالصلاة علاه شبيب بالسيف وضربه ابن الملجم على مقدم رأسه. فدعا علي قبل موته الحسن والحسين ابنيه ووصاهما وقال: أوصيكما بتقوى الله ولا تبغيا الدنيا وإن بغتكما. ولا تأسفا على شيء ذوى منها عنكما. وقولا الحق وارحما اليتيم وكونا للظالم خصماً وللمظلوم ناصراً. ولا تأخذكما في الله لومة. ولما حضرته الوفاة كتب وصيته العامة ثم قبض. وصفه ضرار بن ضمرة قال: كان علي بعيد المدى شديد القوى يتفجر العلم من جوانبه. وتنطق الحكمة من نواحبه. يستوحش من الدنيا وزهرتها. ويأنس بالليل ووحشته. غزير العبرة. طويل الفكرة. يعجبه من اللباس ما خشن ومن الطعام ما جشب. وكان فينا كأحدنا. يجيبنا إذا سألناه ويأتينا إذا دعوناه. ونحن مع تقربه لا نكاد نكلمه هيبة له. لا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله. (لابن خلدون) . الحسن بن علي بن أبي طالب (661 - 662) ولما قتل علي اجتمع أصحابه بالكوفة فبايعوا ابنه الحسن. وبويع معاوية بالشام. فسار الحسن إلى المدائن واستقر بها خمسة أشهر. ولما رأى المناوشة بين أصحابه قال: لا حاجة لي في هذا الأمر وقد رأيت أن أسلمه إلى معاوية فيكون في عنقه تباعته وأوزاره. فقال له الحسين أخوه: أنشدك الله أن لا تكون أول من عاب أباه ورغب عن رأيه. فقال: لا بد من ذلك وقد اخترت العار على النار. وبعث إلى معاوية بتسليم الأمر إليه واشترط عليه شروطاً. فأجابه معاوية إلى ما التمسه منه. فسلم الأمر إلى معاوية وبايع له لخمس بقين من ربيع الأول. وذلك لأنه رأى المصلحة في جمع الكلمة وترك القتال. (لأبي الفداء) . دولة الأمويين (662-746) خلافة معاوية (662 - 680) ولما بويع بالخلافة استقام له الملك وصفت له الولاية. وكان معاوية مليح الشكل عظيم الهيبة وافر الحشمة يلبس الثياب الفاخرة ويركب الخيول المسومة. وكان كثير البذل والعطا محسناً إلى رعيته. وهو أول من اتخذ المقاصير وأقام الحرس والحجاب وأول من مشى بين يديه صاحب الشرطة بالحراب وله في الحلم أخبار كثيرة. واعلم أن معاوية كان مربي

خلافة يزيد بن معاوية (680-683)

دول وسائس أمم واعي ممالك ابتكر في الدولة أشياء لم يسبقه أحد إليها. منها أنه وضع البريد لوصول الأخبار بسرعة. واخترع ديوان الخاتم فصارت التواقيع تصدر منه مختومة لا يتمكن أحد من تغييرها. وفي سنة خمسين سير جيشاً كثيفاً إلى القسطنطينية فأوغلوا في بلاد الروم وحاصروا القسطنطينية ولم يدخلوها. وفي أيامه بنيت القيروان وكمل بناؤها في خمس سنين. ولما حضرته الوفاة جمع أهله فقال: ألستم أهلي. قالوا: بلى فداك الله بنا. قال: فهذه نفسي قد خرجت من قدمي فردوها علي إن استطعتم. فبكوا وقالوا: ما لنا إلى هذا سبيل. فرفع صوته بالبكاء. ثم قال: فلا تغركم الدنيا بعدي. وتوفي بدمشق في مستهل رجب سنة ستين. (للفخري) . خلافة يزيد بن معاوية (680-683) بويع له بالخلافة يوم مات أبوه. وكان يزيد بحمص فقدم منها وبايعه الناس. ولم يبايعه الحسين بن علي بن أبي طالب ولا عبد الله بن زبير. فسير جيشاً إلى محاربة الحسين فأدركوه فحملوا عليه وأصحابه واحترزوا رأس الحسين. أما عبد الله بن زبير فلحق بمكة وتحصن في المسجد الحرام. فسار إليه الحصين بن نمير ونصب المنجنيق على أبي قبيس ورمى به الكعبة فحرقت أستارها. وبينما هم كذلك إذ ورد إلى الحصين الخبر بموت يزيد بن معاوية. فأرسل إلى ابن زبير يسأله الموادعة فأجابه إلى ذلك. وتوفي يزيد في شهر ربيع الأول سنة أربع وستين. وكان آدم جعداً حور العينين. بوجهه آثار جدري حسن اللحية خفيفها طويلاً. وكان موفر الرعية في اللهو والقنص. تعلم الفصاحة ونظم الشعر في بادية بني كلب (لأبي الفداء) . معاوية الثاني (683) ومروان بن الحكم (684) ثم قام بعده بالأمر معاوية ابنه ولم تكن ولايته غير ثلاثة أشهر. ثم تخلى بالعبادة ومات بالطاعون. وأما عبد الله بن زبير فلما مات يزيد دعا الناس إلى البيعة وادعى الخلافة. فظفر بالحجاز والعراق وخراسان واليمن ومصر والشام والأردن. ثم بويع بالأردن لمروان بن الحكم وكان كاتب السر لعثمان. ثم دخل الشام فأذعن أهلها له بالطاعة وشار إليه من قبل عبد الله بن زبير الضحاك بن قيس. فاقتتلوا بغوطة دمشق فقتل الضحاك. ومات مروان بدمشق مخنوقاً. وكانت مدة خلافته تسعة أشهر. عبد الملك بن مروان (685-705) بويع سنة خمس وستين بالشام. وأما ابن الزبير فبعث أخاه مصعباً على العراق فقدم البصرة وأعطاه أهلها الطاعة. واستولى المصعب على العراقين فسار إليه عبد الملك بن مروان. فالتقوا بسكن وقتل مصعب واستقام العراق لعبد الملك. وكان الحجام بن يوسف الثقفي على شرطه فرأى عبد الملك من نفاذه وجلادته ما أعجب به. فبعثه إلى عبد الله بن زبير فقتله وسلخ جلده وحشاه تبناً وصلبه. وتوفي عبد الملك سنة ست وثمانين وكان حازماً عاقلاً

الوليد بن عبد الملك (705-715)

فقيهاً عالماً وكان ديناً. فلما تولى الخلافة استوته الدنيا فتغير عن ذلك (لأبي الفرج) . الوليد بن عبد الملك (705-715) هو سادس خلفائهم وكان مغرماً بالبناء واستوثقت له الأمور. ومن بناياته المسجد الأقصى وأعطى المجذمين ومنعم السؤال إلى الناس. وأعطى كل مقعد خادماً وكل ضرير قائداً. ومنع الكتاب النصارى من أن يكتبوا الدفاتر بالرومية ولكن بالعربية. وفي أيامه أجاز طارق بن زياد إلى الأندلس فنهض لذريق ملك القوط وزحف طارق فالتقوا بفحص شريش فهزم الله لذريق وأذعنت الأندلس لأمر الوليد. وفتحت في أيامه الفتوحات الكثيرة من ذلك ما وراء النهر. وتغلغل الحجاج في بلاد الترك. وتغلغل مسلمة بن عبد الملك في بلاد الروم ففتح وسبى. وفتح محمد بن القاسم الثقفي بلاد الهند. وفي سنة ثمان وثمانين أمر الوليد ببناء جامع دمشق. وكان فيه كنيسة فهدمها. فأنفق عليه أموالاً كثيرة تجل عن الوصف. وفي أيامه توفي الحجاج وقيل أنه أحصي من جملة الذين قتلهم الحجاج فكانوا مائة ألف وعشرين ألفاً. ومات الوليد سنة ست وتسعين. (للدميري) . سليمان بن عبد الملك (715-717) عمر بن عبد العزيز (717-720) ثم قام بالأمر بعده أخوه سليمان وهو سابعهم. وأحسن السيرة ورد المظالم وآوى المقترين وأخرج المحبوسين. وكان غيوراً شديد الغيرة نهماً واتخذ ابن عمه عمر بن عبد العزيز وزيراً وجهز أخاه مسلمة لغزو القسطنطينية. ونزل سليمان في مرج دابق فشتى مسلمة على قسطنطينية وزرع الناس بها الزرع وأكلوه. وأقام مسلمة قاهراً قسطنطينية حتى جاءه الخبر بموت سليمان متخماً. وكانت خلافة سليمان سنتين وثمانية أشهر واستخلف وزيره عمر بن عبد العزيز. كان عمر عفيفاً زاهداً ناسكاً عابداً تقياً. وهو أول من فرض لأبناء السبيل. وأبطل في الخطب سب علي. وكان إليه المنتهى في العلم والفضل والشرف والورع والتآلف ونشر العدل. وتوفي عمر بدير سمعان وكان موته بالسم عند أكثر أهل التاريخ. فإن بني أمية علموا أنه إن امتدت أيامه أخرج الأمر من أيديهم وأنه لا يعهده بعده إلا لمن يصلح للأمر فعالجوه وما أمهلوه. وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر. وكان في وجهه شجة من رمح دابة. وكان يدعى بالأشج. وكان متحرياً سيرة الخلفاء الراشدين. وكانت نفقته كل يوم درهمين. وفي أيامه تحركت دولة بني هشام وكان كثيراً ما يتمثل بهذه الأبيات: نهارك يا مغرور سهر وغفلة ... وليلك نور والردى لك لازم يغرك ما يفنى وتفرح بالمنى ... كما غر باللذات في النوم حالم وشغلك فيما سوف تكره غبه ... كذلك في الدنيا تعيش البهائم

يزيد الثاني (720-724) هشام (724-743)

يزيد الثاني (720-724) هشام (724-743) ثم قام بالأمر بعده يزيد بن عبد الملك. وكان أبيض جسيماً مليح الوجه خرج في أيامه يزيد بن المهلب فأرسل عليه أخاه مسلمة فقاتله وظفر به. ثم توفي يزيد لأربع سنين من خلافته بعد أن عهد بالخلافة إلى أخيه هشام. بويع له بالخلافة يوم مات أخوه. وكان حازماً عاقلاً صاحب سياسة حسنة أبيض. وكان ذا رأي ودهاء وحزم وفيه حلم وقلة شره وقام بالخلافة أتم قيام. وكان يجمع الأموال ويوصف بالبخل والحرص. يقال إنه جمع من الأموال ما لم يجمعه خليفة قبله. وفي أيامه غزا المسلمون بلاد الترك فانتصروا وغنموا شيئاً كثيراً. وقتلوا من الأتراك مقتلة عظيمة وقتلوا ابن خاقان ملك الترك. وكان المتولي لحربهم أسد بن عبد الله القسري. وفي أيام هشام أيضاً خرج زيد بن زين العابدين ودعا إلى نفسه فأسرعت إليه الشيعة. وكان الوالي على الكوفة من قبل هشام يوسف بن عمر الثقفي. فجمع العساكر وناوش زيداً القتال فأصاب زيداً سهم في جبهته فحمل من المعركة فمات ودفن. فلما أصبحوا استخرجه يوسف من قبره فصلبوه. ومات هشام بالرصافة سنة خمس وعشرين ومائة. وكان مرضه الذبحة. الوليد الثاني (743-744) يزيد الثالث (744-744) كان الوليد مقيماً في البادية فلما مات هشام سار من فوره إلى دمشق وأقام في الخلافة سنة واحدة وكان أكمل بني أمية أدباً وفصاحة وظرفاً وأعرفهم باللغة والنحو. وكان جواداً مفضالاً. ومع ذلك لم يكن بني أمية أكثر إدماناً للشراب والسماع ولا اشد مجوناً وتهتكاً واستخفافاً بأمر الأمة من الوليد بن يزيد. فأجمع أهل دمشق على خلعه وقتله لاشتهاره بالمنكرات وتظاهره بالكفر والزندقة. فلم يلبث إلا أياماً يسيرة حتى قتل شر قتلة وصلب رأسه على شرافات قصره ثم على أعلى سور بلده. ولما قتل اضطربت البلاد واستنصر على بني أمية أعداؤهم ولم تقم لهم قائمة بعده. ثم تولى يزيد الثالث ابن الوليد وابن عمر الوليد بن يزيد وسمي الناقص فتفاءل بنو أمية بولايته فأقام في الخلافة والأمور مضطربة عليه. وكان مظهراً للنسك محمود السيرة مرضي الطريقة ويتخلق بأخلاق عمر بن عبد العزيز. وكان ذا دين وورع إلا أنه لم يمتع وبغتته المنية. إبراهيم بن الوليد (745) مروان الثاني (746) ثم بويع أخوه إبراهيم فلم يلبث له أمر. ومكث سبعين يوماً فسار إليه مروان بن محمد. فبز إليه الخليفة وعسكر دمشق فخذله جنده وحاصروا عليه بعد أن أنفق عليهم الخزائن واختفى أمرهم فبايع الناس مروان واستوثق له الأمر وخلعوا إبراهيم. وظهر السفاح بالكوفة. وبويع له بالخلافة. فجهز جيشاً لقتال مروان بن محمد فالتقى الجمعان قرب الموصل. فهزم مروان وقتل في هربه وظهرت دولة بني عباس وانقرضت دولة بني أمية (لأبي الفداء) . تم بحوله تعالى

الجزء الخامس

الجزء الخامس

الباب الأول

الباب الأول في التدين عظمة الخالق وجبروته والخلاص له تعالى الحمد لله العظيم شأنه القوي سلطانه. ألظاهر إحسانه. ألباهر حجته وبرهانه. ألمحتجب بالجلال. والمنفرد بالكمال. والمتردي بالعظمة في الآباد والآزال. لا يصوره وهم وخيال. ولا يحصره حد ومثال. ذي العز الدائم السرمدي. والملك القائم الديمومي. والقدرة الممتنع إدراك كنهها. والسطوة المستوعر طريق استيفاء وصفها. نطقت الكائنات بأنه الصانع المبدع. ولاح من صفحات ذرات الوجود بأنه الخالق المخترع. وسم عقل الإنسان بالعجز والنقصان. وألزم فصيحات الألسن وصف الحصر في حلبة البين. وأحرقت سبحات وجهه الكريم أجنحة طائر الفهم. وسدت تعززا وإجلالا. ولم يجد من فرط الهيبة في فضل الجبروت مجالا. فعاد البصر كليلا. والعقل عليلا. ولم ينتهج إلى كنه الكبرياء سبيلا. فسبحان من عز معرفته لولا تعريفه. وتعذر على العقول تحديد هو تكييفه. ثم ألبس قلوب الصفوة من عباده ملابس العرفان. وخصهم من بين عباده بخصائص الإحسان. فصارت ضمائرهم من

مواهب الأنس مملؤة. فتهيأت لقبول الأمداد القدسية. واستعدت لورود الأنوار العلوية. واتخذت من الأنفاس العطرة بالأذكار جلاسا. وأقامت على الظاهر والباطن من التقوى حراسا. وأشعلت في ظلم البشرية من اليقين نبراسا. واستحقرت فوائد الدنيا ولذاتها. وأنكرت مصايد الهوى وتبعاتها. وامتطت غوارب الرغبوت والرهبوت. واستفرشت بعلو همتها بساط الملكوت. وامتدت إلى المآل أعناقها. وطمحت إلى اللامع العلوي أحداقها. واتخذت من الملإ الأعلى مسامرا ومحاورا. ومن النور الأغر الأقصى مزاورا ومجاورا. أجساد أرضية بقلوب سماوية وأشباح فرشية. بأرواح عرشية. نفوسهم في منازل الخدمة سيارة. وأرواحهم في فضاء القرب طيارة. مذاهبهم في العبودية مشهورة. وأعلامهم في أقطار الأرض منشورة. يقول الجاهل بهم فقدوا وما فقدوا. ولكن سمت أحوالهم فلم يدركوا. وعلا مقامهم فلم يملكوا. كائنين بالجثمان. بائنين بقلوبهم عن أوطان الحدثان. لأرواحهم حول العرش تطواف. ولقلوبهم من خزائن البر إسعاف. يتنعمون بالخدمة في الدياجر. ويتلذذون من وهج الظمأ بظمأ الهواجر. سلوا بالصلوات عن الشهوات. وتعوضوا بحلاوة التلاوة عن اللذات. يلوح من صفحات وجوههم بشر الوجدان وينم على مكنون سرائرهم نضارة العرفان. لا يزال في كل عصر منهم علامون بالحق. داعون للخلق. منحوا بحسن المتابعة رتبة الدعوة

وجعلوا للمتقين قدوة فلا يزال تظهر في الخلق آثارهم. وتزهر في الآفاق أنوارهم. من اقتدى بهم اهتدى. ومن أنكرهم ضل واعتدى. فلله الحمد على ما هيأ للعباد. من بركة خواص حضرته من أهل الوداد (عوارف المعارف للسهروردي) قال أمية بن أبي الصلت في الخالق سبحانه: إله العالمين وكل أرض ... ورب الراسيات من الجبال بناها وابتنى سبعا شدادا ... بلا عمد يرين ولا رجال وسواها وزينها بنور ... من الشمس المضيئة والهلال ومن شهب تلألأ في دجاها ... مراميها أشد من النصال وشق الأرض فانبجست عيونا ... وأنهارا من العذب الزلال وبارك في نواحيها وزكى ... بها ما كان من حرث ومال فكل معمر لابد يوما ... وذي دنيا يصير إلى زوال ويفنى بعد جدته ويبلى ... سوى الباقي المقدس ذي الجلال وسيق المجرمون وهم عراة ... إلى ذات المقامع والنكال فنادوا ويلنا ويلا طويلا ... وعجوا في سلاسلها الطوال فليسوا متين فيستريحوا ... وكلهم ببحر النار صالي وحل المتقون بدار صدق ... وعيش ناعم تحت الظلال لهم ما يشتهون وما تمنوا ... من الأفراح فيها والكمال

صفاته تعالى

صفاته تعالى هو الله الظاهر بآياته. ألباطن بذاته. القريب برحمته. ألبعيد بعزته. ألكريم بآلائه. ألعظيم بكبريائه. أقادر فلا يرام. والمليك الذي له الأقضية والأحكام. الذي تفرد بالبقاء. وتوحد بالعزة السناء. واستأثر بأحاسن الأسماء. ودل على قدرته بخلق الأرض والسماء. كان ولا مكان ولا زمان ولا بينيان. ولا ملك ولا إنسان. فأنشأ المعدوم إبداعا. وأحدث ما لم يكن إنشاء واختراعا. جل وتعالى فيما خلق عن احتذاء صورة واستدعاء مشورة. واقتفاء رسم ومثال. وافتقار إلى نظر قياس واستدلال. ففي كل ما أبدع وصنع وفطر وقدر دليل على أنه الواحد بلا ظهير والقادر بلا نصير. والعالم بلا تبصير وتذكير. والحكيم بلا رؤية وتفكير. والحي الذي لا يموت وبيده الخير. وهو على كل شيء قدير. رفع السماء عبرة للنظار. وعلة للظلم والأنوار. وسببا للغيوث والأمطار. وحياة للمحول والقفار. ومعاشا للوحوش والأطيار. ووضع الأرض مهادا للأبدان. وقرارا للحيوان. وفراشا للجنوب والمضاجع. وبساطا للمكاسب والمنافع. وذلولا لطلاب الرزق وأرباب الصنائع. وأشخص الجبال أوتادا راسية وأعلاما بادية. وعيونا جارية. وأرحاما لأجنة الأعلاق حاوية. وجعل البحار مغيض لفضول الأنهار. ومغاير لسيول

المطار. ومراكب لرفاق التجار. ومضارب لمصالح الأمطار. ومناهج الأوطار. وتحوي من الدر والمرجان نباتا. وتنبع من بين الملح الأجاج عذبا فراتا. وتقذف للآكلين لحما طريا. وتحمل للابسين جواهر وحليا. واستخلف على عمارة عالمه من انتخبهم من خلقه وآثرهم بإلهامه. ودبرهم بأوامره ,أحكامه (لأبي نصر العتبي) قصيدة أبي محمد بن السيد البطليوسي في التوحيد إلا هي إني شاكر لك حامد ... وإني لسع في رضاك وجاهد وإنك مهم زلت النعل بالفتى ... على العائد التواب بالعفو عائد تباعدت مجدا وأدنيت تعطفا ... وحلما فأنت المدني المتباعد وما لي على شيء سواك معول ... إذا دهمتني المعضلات الشدائد أغيرك أدعو لي إلاهاً وخالقاً ... وقد أوضح البرهان أنك واحد وقدما دعا قوم سواك فلم يقم ... على ذاك برهان ولا لاح شاهد وبالفلك الدوار قد ضل معشر ... وللنيرات السبع داع وساجد وللعقل عباد وللنفس شيعة ... وكلهم عن منهج الحق حائد وكيف يضل القصد ذو العلم والنهى ... ونهج الهدى من كان نحوك قاصد وهل يوجد المعلول من غير علة ... إذا صح فكر أو رأى الرشد راشد وهل غبت عن شيء فينكر منكر ... وجودك أم لم تبد منك الشواهد وفي كل معبود سواك دلائل ... من الصنع تبدي أنه لك عابد

وكل وجود عن وجودك كائن ... فواجد أصناف الورى لك واحد سرت منك فيها واحدة لو منعتها ... لأصبحت الأشياء وهي بوائد وكم لك في خلق الورى من دلائل ... يراها الفتى في نفسه ويشاهد كفى مكذبا للجاحدين نفوسهم ... تخاصمهم إن أنكروا وتعاند لأمية بن أبي الصلت النصراني في الكمالات الالهية لك الحمد والنعماء والملك ربنا ... فلا شيء أعلى منك مجدا وأمجد مليك على عرش السماء مهيمن ... لعزته تعنو الوجود وتسجد عليه حجاب النور والنور حوله ... وأنهار نور حوله تتوقد فلا بصر يسمو إليه بطرفه ... ودون حجاب النور خلق مؤيد ملائكة أقدامهم تحت عرشه ... بكفيه لولا الله كلوا وأبلدوا قيام على الأقدام عانين تحته ... فرائصهم من شدة الخوف ترعد وسبط صفوف ينظرون قضاءه ... يصيخون بالأسماع للوحي ركد أمين لوحي القدس جبريل فيهم ... وميكال ذو الروح القوي المسدد وحراس أبواب السماوات دونهم ... قيام عليها بالمقاليد رصد فنعم العباد المصطفون لأمره ... ومن دونهم جند كثيف مجند ملائكة لا يفترون عبادة ... كروبية منهم ركوع وسجد فساجدهم لا يرفع الدهر رأسه ... يعظم ربا فوقه ويمجد وراكعهم يحنو له الدهر خاشعا ... يردد آلاء الإله ويحمد ومنهم ملف في الجناحين رأسه ... يكاد لذكرى ربه يتقصد

من الخوف لا ذو سامة بعبادة ... ولا هو من طول التعبد يجهد ودون كثيف الماء في غامض الهوا ... ملائكة بالأمر فيها تردد وبين طباق الأرض تحت بطونها ... ملائكة بالأمر فيها تردد فسبحان من لا يعرف الخلق قدره ... ومن هو فوق العرش فرد موحد ومن لم تنازعه الخلائق ملكه ... وإن لم تفرده العباد فمفرد مليك السماوات الشداد وأرضها ... وليس لشيء عن قضاه تأود هو الله باري الخلق والخلق كلهم ... إماء له طوعا جميعا وأعبد وأنى يكون الخلق كالخالق الذي ... يدوم ويبقى والخليقة تنفد وليس لمخلوق من الدهر جدة ... ومن ذا على مر الحوادث يخلد ونفنى ولا يبقى سوى الواحد الذي ... يميت ويحيي دائبا ليس يهمد تسبحه الطير الجوانح في الخفى ... وإذ هي في جو السماء تصعد ومن خوف ربي سبح الرعد فوقنا ... وسبحه الأشجار والوحش أبد وسبحه النينان والبحر زاخرا ... وما ضم من شيء وما هو مقلد ألا أيها القلب المقيم على الهوى ... إلى أي حين منك هذا التصدد عن الحق كالأعمى المميط عن الهدي ... وليس يرد الحق إلا منفد وحالات دنيا لا تدوم لأهلها ... وبينا الفتى فيها مهيب مسود إذ انقلبت عنه وزال نعيمها ... وأصبح من ترب القبور يوسد وفارق روحا كان بين جنانه ... وجاور موتى مالهم متردد فأي فتى قبلي رأيت مخلدا ... له في قديم الدهر ما يتودد

ومن يبتليه الدهر منه بعثرة ... سيكبو لها والنائيات تردد فلم تسلم الدنيا وإن ظن أهلها ... بصحتها والدهر قد يتجدد ألست ترى فيما مضى لك عبرة ... فمه لا تكن يا قلب أعمى يلدد فكن خائفا للموت والبعث بعده ... ولاتك ممن غره اليوم أوغد فإنك في دنيا غرور لأهلها=وفيها عدو كاشح الصدر موقد وسيلة إلى الله تعالى لعبد الرحيم البرعي لي في نوالك يا مولاي آمال ... من حيث لا ينفع الأهلون والمال أوصي إليك لعملي أن لطفك بي ... دون الورى لم يحل عني إذا حالوا فأرض عني خصومي واقض يا أملي ... ديني فإن حقوق الخلق أثقال ولم يضق بيمنك العفو إن ختمت ... لي بالشهادة أقوال وأفعال كن لي إذا أغمضوا عيني وانصرفوا ... باكين أسمع منهم كل ما قالوا وامنن بروح وريحان علي إذا ... ضاق الخناق فهول الموت أهوال وجاءني ملك الموت الموكل بي ... وبالنفوس فللأعمار آجال واستخرج النفس أملاك مطهرة ... لها إلى لطفك المأمول ترحال جاؤا إليك بها يا رب يقدمها ... لحضرة القدس جبريل وميكال ثم انثنت عن قريب نحو مغتسل ... في حيث يرجوك مغسول وغسال وليس لي ولمثلي غير جودك يا ... من لا يدانيه أشباه وأمثال أصبحت بين يديك اليوم مطرحاً ... ولي بنفسي عن الأغيار إشغال فأولني يا غفور العفو منك فلا ... يبقى علي من الأوزار مثقال

وإن نزلت إلى بيت الخراب ولا ... أب هناك ولا عم ولا خال ألهمني يا خالقي ذكر الجواب ففي ... ذاك المقام جوابات وتسآل هناك لا أمل يرجى ولا عمل ... يجزى ولا حيلة عندي فأحتال فافتح لروحي إلى الفردوس باب رضا ... يهدي رياح رياض ظلها ضال والطف ورائي بأطفال وأمهم ... إن كان خلفي أويلادٌ وأطفال حتى إذا نشر الأموات وارتعدت ... فرائض الخلق من بعض الذي نالوا وعادت الروح في الجسم الضعيف وقد ... تفرقت منه أعضاء وأوصال فجد عليه ولاطفني بعفوك عن ... ذنبي فشأنك إنعام وإفضال وقل كفيتك يا عبد الرحيم أذى الدام ... رين فانزل حمى ما فيه إهمال يا واسع اللطف قد قدمت معذرتي ... إن كان يغني عن التفصيل إجمال جنبني العجب والشح المطاع ومر ... نفسي تخالف هواها فهو قتال وعد علي بنور منك مبتهج ... يزكو به بصري والمع والبال وارحم بني وآبائي وحاشيتي ... يعمهم يا إلهي منك إقبال ماذا أقول ومني كل معصية ... ومنك يا سيدي حلم وإمهال وما أكون وما قدري وما عملي ... في يوم توضع في الميزان أعمال لكن أييأس من روح الإله فدى ... عبد عليه من الإيمان سربال رباه أنت الله معتمدي ... في كل حال إذا حالت بي الحال وله في التوحيد تجلت لوحدانية الحق أنوار ... فدلت على أن الجحود هو العار

وأغرت لداعي الحق كل موحد ... بمقعد صدق حبذا الجار والدار وأبدت معاني ذاته بصفاته ... فلم يحتمل عقل المحبين إنكار تراءى لهم في الغيب جل جلاله ... عيانا فلم يدركه سمع وأبصار معان عقلن العقل والعقل ذاهل ... وإقباله في يرزخ البحث إدبار إذا هم وهم الفكر إدراك ذاته ... تعارض أوهام عليه وأفكار وكيف يحيط الكيف إدراك حده ... وليس له في الكيف حد ومقدار وأين يحل الأين منه ولم يكن ... مع الله غير الله عين وآثار ولاشيء معلوم ولا الكون كائن ... ولا الرزق مقسوم ولا الخلق إفطار ولا الشمس بالنور المنير مضيئة ... ولا القمر الساري ولا النجم سيار فأنشأ في سلطانه الأرض والسما ... ليخلق منها ما يشاء ويختار وزين بالكرسي والعرش ملكه ... فمن نوره حجب عليه وأستار فسبحان من تعنو الوجوه لوجهه ... ويلقاه رهن الذل من هو جبار عظيم يهون الأعظمون لعزه ... شديد القوى كاف لذي القهر قهار لطيف بلطف الصنع فضلنا على ... خلائق لا تحصى وذلك إيثار يرى حركات النمل في ظلم الدجى ... ولم يخف إعلان عليه وإسرار ويحصي عد يد النمل والقطر والحصى ... وما اشتملت نجد عليه وأغوار أضاءت قلوب العارفين بنوره ... فباحت بأحوال المحبين أسرار وشق على أسمائهم من علا اسمه ... على الأصل فهو البر والقوم أبرار فذاك الذي يلجا إليه توكلا ... علي ويعصى وهو بالحلم ستار

فأدنى الرجا للخلق من باب فضله ... لتمحى إساءات وتغفر أوزار تسبح ذرات الوجود بحمده ... ويسجد بالتعظيم مجم وأشجار ويبكي غمام الغيث طوعا لأمره ... فتضحك مما يفعل الغيث أزهار فيا نفس للإحسان عودي فربما ... أقلت عثاراً فابن آدم معثار إلهي أذقني برد عفوك واهدني ... إليك بما يرضيك فالدهر غرار 8-قصيدة علي بن ابي طالب في الابتهال إلى الله لك الحمد يا ذا الجود والمجد والعلى ... تباركت تعطي من تشاء وتمنع إلهي وخلاقي وحرزي وموئلي ... إليك لدى الإغسار واليسر أفزع إلهي لئن خيبتني أو طردتني ... فمن ذا الذي أرجو ومن أتشفع إلهي لئن جلت وجمت خطيئتي ... فعفوك عن ذنبي أجل وأوسع إلهي لئن أعطيت نفسي سؤلها ... فها أنا في روض الندامة أرتع إلهي ترى حالي وفقري وفاقتي ... وأنت مناجاتي الخفية تسمع إلهي فلا تقطع رجائي ولا تزغ ... فؤادي فلي في باب جودك مطمع إلهي أجرني من عذابك إنني ... أسير ذليل خائف لك أخضع إلهي فآنسني بتلقين حجتي ... إذا كان لي في القبر مثوى ومضجع إلهي لئن عذبتني ألف حجة ... فحبل رجائي منك لا يتقطع إلهي إذا لم ترعني كنت ضائعا ... وعن كنت ترعاني فلست أضيع إلهي إذا لم تعف عن غير محسن ... فمن لمسيء بالهوى يتمتع إلهي لئن قصرت في طلب التقى ... فلست سوى أبواب فضلك أقرع

إلهي أقلني عثرتي وامح حوبتي ... فإني مقر خائف أتضرع إلهي لئن خيبتني أو طردتني ... فما حيلتي يا رب أم كيف أصنع إلهي حليف الحب بالليل ساهر ... يناجي ويبكي والمغفل يهجع وكلهم يرجو نوالك راجيا ... لرحمتك العظمى وفي الخلد يطمع إلهي يمنيني رجائي سلامة ... وقبح خطيئاتي علي يشنع من قصيدة للبرعي في الرجاء إليه به سبحانه أتوسل ... وأرجو الذي يرجى لديه وأسال وأحسن قصدي عن خضوعي وذلتي ... له وعليه وحده أتوكل وأصحب آمالي إلى فضل جوده ... وأنزل حاجاتي بمن ليس يبخل فسبحانه من أول هو آخر ... وسبحانه من آخر هو أول وسبحانه من تعنو الوجوه لوجهه ... ومن كل ذي عز له يتذلل ومن هو فرد لا نظير له ولا ... شبيه ولا مثل به يتمثل ومن كلت الأفهام عن وصف ذاته ... فليس لها في الكيف والأين مدخل تكفل فضلا لا وجوبا برزقه ... على الخلق فهو الرازق المتكفل ولم يأخذ العبد المسيء بذنبه ... ولكنه يرجي لأمر ويمهل حليم عظيم راحم متكرم ... رؤوف رحيم واهب متطول جواد مجيد مشفق متعطف ... جليل جميل منعم متفضل له الراسيات الشم تهبط خشية ... وتنشق عن ماء يسيح ويخضل وأنشأ من لاشيء سحبا هواطلا ... يسبح فيها رعده ويهلل

وأحيا نواحي الأرض من بعد موتها ... بمنسجم غيث من السحب يهمل يحيط بما تخفي الضمائر علمه ... ويدري دبيب النمل والليل أليل فيا غافر الزلات وهي عظيمة ... ويا نافذ التدبير ما شاء يفعل أجب دعوتي يا سيدي واقض حاجتي ... سريعا فشأن العبد يدعو ويعجل ولا يرتجي من عند غيرك رحمة ... ولا يبتغي فضلا لمن يتفضل فحقق رجائي فيك يا غاية المنى ... فأنت لمن يرجوك حصن مؤمل وإن فتحت جنات عدن لداخل ... فقل يا عبدي هذه الجنة ادخلوا فجودك يا ذا الكبرياء مؤمل ... وحبلك للراجين بالخير يوصل وله أيضا في الرجاء من قصيدة عسى فرج يأتي به الله عاجلا ... يسر به الملهوف إن عمه اللهف فمن محن الأيام قلبي معذب ... ألم بروحي قبل حتف الفنا حتف فكم هم صرف الدهر يصرف نابه ... علي فجاء الغوث وانصرف الصرف ولم أعتصم بالله إلا ومد لي ... من البر ظلا في رضاه له وكف وإني لمستغنٍ بفقري وفاقتي ... إليه ومستقوٍ وإن كان بي ضعف فكم راح روح الله في خلقه وكم ... غدا قبل أن يرتد للناظر الطرف بقدرة من شد الهوا وبنى السما ... طرائق فوق الأرض فهي لها سقف وألقى الجبال الشم فيها رواسيا ... فليس لها من قبل موعدها نسف وألبسها من سندس النبت بهجة ... من النبت ما صنف يشابهه صنف وسخر من نشر السحاب لواقحا ... إذا انتشرت درت سحائبها الوطف

وكم في غريب الملك والملكوت من ... عجائب لا يحصى لأيسرها وصف ولم تحط الست الجهات بذاته ... فأين يكون الأين والقبل والخلف إلهي أقلني عثرتي وتولني ... بعفو فإن النائبات لها عنف خلعت عذاري ثم جئتك عامدا ... بعذري فإن لم تعف عني فمن يعفو وأنت غياثي عند كل ملمة ... وكهف إذا لم يبق بين الورى كهف ومن قصيدة له في الدعاء لك الحمد حمدا طيبا أنت أهله ... على كل حال يشمل السر والجهرا إلهي تغمدني برحمتك التي ... وسعت وأوسعت البرايا بها برا وقو بروح منك ضعفي وهمتي ... على الفقر واغفر زلتي واقبل العذرا وصن ماء وجهي فالسؤال مذلة ... وعن جور دهر لم يزل حلوه مرا ولاطف أطيفالي وإخوتهم فقد ... رمتهم خطوب ما أطاقوا لها صبرا وهم يألفون الخير والخير واسع ... لديك ولا والله ما عرفوا شرا ربوا في ربي روض النعيم وظله ... فجدد لهم من جودك النعمة الخضرا وبعد حياتي في رضاك توفني ... على الملة البيضاء والسنة الزهرا وفي القبر آنس وحشتي عند وحدتي ... فإن نزيل القبر يستوحش القبرا وإن ضاق أهل الحشر ذرعا لموقف ... به الكتب تعطى باليمين وباليسرى فقل فزت يا عبد الرحيم برحمتي ... ومغفرتي لا تخش بؤسا ولا ضرا وله في الدعاء أيضا مقييل العاثرين أقل عثاري ... وخذ لي من بني زمني بئاري

وجملني بعافية وعفو ... من الأمراض والعلل الطواري ولا تشمت بي الأعداء ونظر ... إلي برحمة نظر اختيار فقد هتكوا حماي وعاندوني ... غلى نعم تدر على دياري وإن تضرري وعناي منهم ... نظير تذللي لك وافتقاري فإن يخسر بسوقهم اتجاري ... ففضلك سوق أرباح التجار وإن يك عقني صحبي وجاري ... فجودك بالذي أرجوه جاري فأنت بنيتها سبعا شداد ... يزين جوها شهب سواري ومهدت الأراضي من نجود ... وغور أو عمار أو قفار وسخرت البحار السبع تجري ... بها الأفلاك من غاد وسار وسخرت الشمس خلف البدر تسعى ... كسعي الليل في طرف النهار وتمسك في الهواء الطير بسطا ... وقبضا في رواح وابتكار وتكفل كل وحش في البراري ... وترزق كل حوت في البحار إلهي عافني وأصح جسمي ... وصل واقبل برحمتك اعتذاري وطهر قالبي وتغش قلبي ... بأنوار السكينة والوقار وإن كررت مسئلتي فكلني ... إلى كرم يفيض بلا انحصار فتحت يدي أطيفال صغار ... فهبني للأطيفال الصغار أجاهد فيك محتسبا عليهم وأبذل فيك جهدي واقتداري وتيسير الأمور عليك دوني ... ففرج هم عسري باليسار

الباب الثاني

الباب الثاني في الخطب والمواعظ نخبة من كتاب أطباق الذهب لعبد المؤمن المغربي الأصبهاني المقالة الأولى يا أرباب القوة والطاقة. انظروا بعين الإفاقة. إلى أهل الفاقة. ويا ركبان الناقة. رفقا بضعفاء الساقة. ويا حملة الأوزار وخزنة المال المستعار. لا تجروا ذيل الافتخار على أرباب الافتقار. فقلوبهم خير من قلوبكم. ومطلوبهم أعز من مطلوبكم شغلكم التجول بالأسواق. عن تنسم قبول الأشواق. وألهاكم حب الرزق عن الرزاق. ويا عمار الخراب وشاب الشراب لا تعمروا هذه القرية الحلجاء. ولا تسكنوا هذه المهلكة الفيحاء. لا تتخذوا الدنيا الفانية سوقا. إن الباطل كان زهوقا المقالة الثانية ابن آدم عجن من الصلصال. ثم تاه بشرائف الخصال. وما درى أن الخصال الحميدة من مواهب الرحمان. لا من مكاسب الإنسان. ما العقل إلا عطية من عطاياه. وما النفس إلا مطية من مطاياه. فإن شاء زمها بزمام الهدى. وإن شاء تركها سدى. فمن يستطيع لنفسه خفضا أو رفعا. قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا

المقالة الحادية عشرة

المقالة الحادية عشرة ألعاقل قصي مرامي النظر. فسيح موامي العبر. علي مرام الخطر. يقرأ مكتوب أسرار الغد من عنوان اليوم. ويقطف ثمار الغيب من صنوان النوم. يرى موعود الله ناجزا. ومكنونه بارزا. فكن يقظا حاذرا. ومثل الغيب حاضرا. وإذا ملكت فاذكر القادر وقدرته. وإذا بغمت فاذكر الصائد وقترته. واعلم أن مسرات الأيام مقرونة بالغم. وحلاوة الدنيا معجونة بالسم. والمح الدهر بعين الذكاء. وإذا ضحكت فاجهش للبكاء. وإياك أن تقنع من العلوم بالقشور. ومن الرق المنشور بالدوائر والعشور. أولئك قوم نزلوا هذه الثنية. وغفلوا عن المرحلة الثانية. وشغلوا بالدنيا الدنية. فهم في مهابط الغي سافلون. وفي مباذل العيش رافلون. يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة غافلون المقالة الخامسة عشرة من الناس من يستطيب ركوب الأخطار وورود التيار. لحوق العار والشنار لأجل الدينار. ويستلذ سف الرماد ونقل السماد. لأجل الأولاد. ويصبر على نسف الجبال. وتجشم الأهوال لشهوة المنال. يبدل الأيمان بالكفر. ويحفر الجبال بالظفر للدنانير الصفر. ويلج عرين الأسود. للدراهم السود. لا يكره صداعا. إذا نال كراعا. ويلقى النوائب بقلب صابر. في طاعة الشيخ أبي جابر. يأبى العز

المقالة الحادية والعشرون

طبيعة. ويرى الذل شريعة. ومن الناس من يختار العفاف. ويعاف الإسفاف. يدع الطعام طاويا ويذر الشراب صاديا. ويرى المال رائحا وغاديا. يترك الدنيا لطلابها. ويطرح الجيفة لكلابها. لا يسترزق لئام الناس. ويقنع بالخبز الناس. يكره المن والأذى. ويعاف الماء على القذى. إن أثرى جعل موجوده معدوما. وإن أقوى حسب قفاره مأدوما. جوف خال. وثوب بال. ومجد عال. وثوب أسمال. وراءه عز وجمال. وعقب مرزوق. وذيل مفتوق. يجره فتى مغبوق لله تحت قباب العز طائفة ... أخفاهم في رداء الفقر إجلالا هم السلاطين في أثواب مسكنة ... استعبدوا من ملوك الأرض أقيالا غبر ملابسهم شم معاطسهم ... جروا على قلل الخضراء أذيالا هذي السعادة لا ثوبان من عدن ... خيطا قميصا فصارا بعد أسمالا تلك المناقب لا قعبان من لبن ... شيبا بما فعادا بعد أبوالا هم الذين جلبوا أبراء من التكلف ... يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف المقالة الحادية والعشرون يا من يسعى لقاعد ويسهر لراقد. ويا من يحرس لراصد ويزرع لحاصد. ويبخل لباذل. ويجمع لآكل. تبني الإيوان وعن قليل ينهدم ركناك. وتبسط الرواق وفي الجدث سكناك. قلب كقلوب الكفار وحرص كحرص الفار. ينقب بالأظفار ولا يبقى على المأدوم والقفار. قل لي إذا وقعت الواقعة. وقرعت القارعة. وأزف لك

من ديوان خطب الإمام إبراهيم بن بدوي النحاس

الرحيل. واجتمع الطبيب والعليل. واختلف الغسال والغسيل. والعائد يغمز عينيه والطبيب يقلب كفيه. حتى إذا انقطع نفسك. وخفي جرسك. أينفعك حينئذ حلال أصبته. أم حرام غضبته. أم نشب حرشته. أو ولد حضنته أو ربع أسسته أو نبع غرسته. أو حطام حرسته أو قفر حرثته. أو وفر أورثته. كلا لا ينفعك فيء قد غنمته. ولا يضرك شيء عدمته. ولا ينجيك إلا خير أمضيته. أو خصم أرضيته. فانتبه يا نائم. واستقم يا هائم. لقد تهت في بادية لا يبلغك ندائي. وترديت في هاوية لا يبلغها ردائي. تغيم هواؤك وسيصحي. حين لا ينفعك نصحي. ولا تعص الله في أولاد سوء إذا حضرك الموت غابوا. وما حزنوا لما أصيبوا بل فرحوا بما أصابوا. وإن تدعهم لا يسمعوا دعاءك ولو سمعوا ما استجابوا من ديوان خطب الإمام إبراهيم بن بدوي النحاس الخطبة الأولى لشهر محرم الحمد لله قسم الزمان أعواما. وقسم الأعوام شهورا وأياما. على ما اقتضته الحكمة والتدبير. وافتتح كل عام بشهره المحرم. وجمله بيوم عاشوراء المجمل المعظم الذي فضله في الجاهلية والإسلام شهير. أحمده سبحانه وتعالى وأشكره وأتوب إليه وأستغفره وأستعيذ به وأستخير. أم بعد فيا عباد الله هذا عام جديد قد نزل بكم فأكرموا نزله. وحل فيكم بحلل الإيقاظ فالبسوا حلله. فإنه لكم

موقظ ونذير. ما من يوم يمر إلا وهو ينادكم بلسان حاله. ها أنا مؤذن كل راحل بقرب ارتحاله. فليتأهب للمسير. إلى دار المصير. يا أيها المسرور بتجديد الأعوام. المغرور بقدوم الأهلة وتتابع الأيام. أما علمت أنها تقصر عمرك القصير. أما علمت أن تتابع الملوين. وتعاقب النيرين. لم يبقيا من عمرك إلا اليسير. أما علمت أن في تصرم الأيام بالغفلة والمنام أشد حرمان وتحسير. أما علمت أن في انقراض الأعمار بمرور الدهور والإعصار أعظم عبرة وتذكير. أتظن أن غيرك الراحل عن الدنيا وأنت المقيم. أو أن من أخذ غيرك يتركك في كل واد تهيم. لا والله بل لا بد يوما أن تسلك في سلكهم ويلتحق النظير بالنظير. فانتبه يا مسكين فالدنيا أضغاث أحلام. ودار الفناء لا تصلح للمقام. وكأنك بها وقد كسف بدرها المنير واعتبر بغيرك فالعاقل من بغيره اعتبر. وتزود من التقوى لطول السفر. فإنه والله سفر خطير وذر المحارم وقم على أقوام سنن. وشمر عن ساعد الجد في أداء الفرائض والسنن. وإياك إياك والتقصير وقدم صالح الأعمال بين يديك. واجعل الموت دائما نصب عينيك. ولا تنسه فنسيانه ضلال كبير. واعبد الله كأنك تراه أو يراك. وإياك إياك وأن يراك حيث نهاك. فيشتد عليك النكير. وهو وإن استترت مطلع عليك. وأقرب إليك من نفسك التي بين جنبيك. أل يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير. يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها. وما ينزل

خطبة لشهر صفر

من السماء وما يعرج عنها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير خطبة لشهر صفر الحمد لله الذي عم الوجود برحمته. وأفاض على كل موجود سجال نعمته. وغمر الأنام. ببحر جوده وكرمه المتلاطم. سبحانه لا نحصي ثناء عليه. إن الأمر كله منه وإليه. لا إله إلا هو أحكم حاكم وأرحم راحم. أحمده سبحانه وتعالى وأشكره وأتوب إليه وأستغفره من جميع الذنوب والآثم. أما بعد فيا أيها الإنسان ما أجهلك بنعم مولاك وأنساك. مع أنك غريق في لجج بحرها مذ أوجدك وأنشاك. ولو تدبرت الوجود. لرأيته ساعيا في مصالحك كالخادم. أخرجك من خسة العدم إلى شرف الوجود. وغمرك في تيار بحار الفضل والجود. وأنت تعلم ذلك غلى التحقيق واليقين الجازم. ثم ما زال يربيك ويحسن إليك برزقه المتزايد. وأنت تشكوه لخلقه شكاية المضطر الفاقد. كأنك من ورد منهلها غير شريب أو أنت لها عادم. والعجب أنك تعد النقم والمحن. وتنسى ما لله عليك من النعم والمنن. وربما كانت المحنة منة عند الفهيم العالم. كم في الفقر من أجروكم في الضر من تكفير وزر. فما ربك بظلام للعبيد بل عدل في كل ما هو به حاكم. فأديموا رحمكم الله شكر المنعم بخاص التقوى وصالح العبادة. وأحسنوا فإن أحسنوا الحسنى وزيادة.

(من ديوان خطب الشيخ زكريا الأنصاري)

والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم (من ديوان خطب الشيخ زكريا الأنصاري) خطبة لربيع الآخر الحمد لله الذي عزت معرفته فلا يدرك بالمعقول خافيها. وجلت صفته فلا يتكدر بالمنقول صافيها. وتمت كلمته فلا يرد حكم قاضيها. ودامت أزليته فمن ذا يضاهيها. أحمده سبحانه وتعالى على نعمه التي لا يمكن تناهيها. أيها الناس استدركوا ما فات من أعماركم بالتوبة فالدنيا كمثل المنام. وحصلوا التوبة فقد قرب الرحيل والانصرام. فما أسعد من بادر بقية عمره بالاغتنام. وما أحسن من دعاه مولاه فأجابه بالذل والاحتشام. وما أبرك من خلع عليه خلع القبول والإنعام. وما أشقى من ذهبت في البطالة شهوره والأيام. وكتب عليه الملكان القبائح والآثام. وما أقسى قلب من عصى الملك العلام. يسمع المواعظ فكأنها أضغاث أحلام. وتمضي عليه الليالي والأيام. وهو مصر على الآثام. ويطمع في دخول الجنة وقد ضرب بينه وبينها بسور له باب. ويتصنع بعمارة ظاهره وباطنه خراب. ويتعفف عن القليل وهو للكثير نهاب. فما عذر هذا إذا اجتمعت الخلائق. وتحققت الحقائق. ووزنت الأعمال بالدقائق. وجاءت كل نفس معه شهيد وسابق. ووضع الكتاب. ونوقش الحساب. ولم يدر

خطبة له لجمادى الأولى

ما الجواب. وأحاطت به ملائكة العذاب. يوم تجد كل نفس عملها. وتسأل عن قولها وفعلها. يوم يسأل العالمون عن علمهم. والحاكمون عن حكمهم. يوم تظهر الأسرار. وتنكشف الأستار. ويتجلى الملك الجبار. فكيف تعصون الله وقد أقررتم بربوبيته. وكيف تسخطونه وقد علمتم كمال عظمته. فيا عباد الله أطيعوا الله يصلح لكم أعمالكم ويعطف عليكم القلوب. واجتنبوا معاصي الله فالوعيد غير مكذوب خطبة له لجمادى الأولى الحمد لله مظهر الحمد ومبديه. ومنجز الوعد وموفيه. ومعد العبد ومشقيه. ومرسل السحاب ومنشيه. الذي يجيب دعوة داعيه. ويقبل توبة العاصي وإن كثرت معاصيه. أحمده سبحانه وتعالى حمدا يوافي إنعامه ويكافيه. أيها الناس داركوا ما فرط من أيام البطالة. فسيلقى كل عامل منكم أعماله. يوم يستقيل فلا يجاب إلى الإقالة. يعض أنامله على الضلالة. يوم تحشر فيه للعرض. على ديان السماوات والأرض. يوم تزدحم فيه الخلائق قويا وضعيفا. ودينا وشريفا. ويصير على كل قدم ألف قدم فلا يستطيع أحد عن نفسه دفعا ولا تخفيفا. وتنشر الدواوين. وتطاير الصحف وتنصب الموازين. والملائكة قد حفوا بالخلائق أجمعين. وقد خشعت الأصوات للرحمن. قد تجلى الملك الديان. هنالك تشيب الأطفال. وتوضع في الأعناق الأغلال. ويقاد المجرمون إلى جهنم وأهل الضلال. فهذا مأخوذ

نخبة من ديوان خطب ابن نباتة

بناصيته. وهذا مسحوب على جبهته ووجهه وهذا قد سامحه ربه ونجاه. وهذا يقول وافضحتاه واسؤتاه. وهذا ألف غش في الحساب. وهذا يدعو فلا يجاب وهذا رحمه الملك التواب. وهذا قربه رب الأرباب. وهذا أبعده وانقطعت عنه الأسباب. فكيف حال العاصي قليل الأعمال. كثير الجهل والضلال. في هذا اليوم الشديد النكال. الكثير الأهوال. فيا عباد الله توبوا إلى الله وقدموا الأعمال الصالحات. وأقلعوا عن الذنوب والسيئات. لتلبسوا بين يدي الله تكريما وتشريفا. ولا تتبعوا كيد الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا نخبة من ديوان خطب ابن نباتة خطبة لشهر صفر الحمد لله الرقيب على عباده. ألقريب من أهل صحبته ووداده. ألقاهر من حاربه من عباده. ألقامع من نازعه ودافعه عن مراده. أحمده سبحانه وتعالى على ما أولانا من مننه وإمداده. إبن آدم كم لله عليك من نعمة أنت لها كاتم. وكم له لديك من نقمة أنت مع موجدتها كاظم. لو تفكرت في أحوالها لرأيتها مشحونة بالعظائم. ولو تدبرت في الوجود لرأيته ساعيا في مصالحك كالخادم. فوا عجبا تعد النقم. وتنسى النعم. وربما كانت النقمة نعمة عند فهم الذكي العاقل العالم. كم في الفقر من أجر وكم في الضر من تكفير سيئة ودفع مأثم. فما ربك بظلام للعبيد بل هو عادل في كل ما هو به حاكم. فيا مشغولا

وله من خطبة في الصلاة

بالإعراض عن مولاك أفق فإنك في الحسب غالط وفي دعواك ظالم. إن أحرمك مرة فكم من مرة أعطاك. وإن أسقمك يوما فكم من أيام عافاك. فو الله لولا رحمته ما دفع عنك المآلم. ولا أوصل إليك المكارم. كم عاملك وعالم فكيف إذا عبدته بالأركان. ومجدته باللسان. ووحدته بالجنان. وكنت في محبته كالهائم. فو الله ما عز شيء إلا وهان. ولاتم أمر إلا وأخذ في النقصان. وما أطاعه عبد مع الإخلاص إلا وغمره ببحر جوده المتلاطم وله من خطبة في الصلاة تارك الصلاة إذا وضع في قبره وأهيل عليه التراب بالمسحاة يخاطبه القبر بلسان فصيح وألفاظ معربات. لا أهلا بك ولا سهلا يا من ضيع في الدنيا حقوق رب المخلوقات. يا طول ما مشيت على ظهري وتركت الصلوات. وسهوت عنها بالشهوات واللذات. اليوم تنظر مني عذابا لا تطيقه الجبال الراسيات. فيضمه القبر ضمة واحدة. فتصير أضلاعه مختلفات. فاتقوا الله حق تقواه في جميع الأوقات وله من غيرها أيها الناس قرب الرحيل وأنتم عن الطاعة غافلون. وأنقصت الآجال وأنتم على المعاصي عاكفون. وترادفت الأهوال وأنتم في طغيانكم تعمهون. فهل أنتم على ثقة من الحياة والقرار. أم بينكم وبين

خطبة لابن رندقة الطرطوشي

الله عهد على البقاء في هذه الدار. كلا والله إنكم منها راحلون ولنعيمها مفارقون أما تعتبرون بمن مضى من الأموات. أما تخافون من العرض على رب السماوات. أما ترون أهوال القيامة وقد تواردت. أما ترون القلوب من الحسد عن بعضها تنافرت. أما ترون الفواحش وقد أصبحت ظاهرة. أما ترون الهمم عن الخيرات قاصرة. أما ترون أن البدع قد كثرت وعمت. أما ترون الفتن غلبت وطمت. أما ترون أن الأمانة قد ذهبت وضاعت. أما ترون الخيانة قد كثرت وشاعت. فكأني بكم وقد طرقكم طارق المنون. وأخذكم بغتة وأنتم لا تشعرون. فتنبهوا رحمكم الله قبل هجوم الموت. وتزودوا الآخرتكم قبل الفوت. قبل العرض على الملك الجبار. قبل كشف الأسرار. قبل يوم القصاص. قبل تعذر الخلاص. قبل دنو الشمس من الرؤوس. قبل هلاك الأرواح والنفوس خطبة لابن رندقة الطرطوشي يا أيها الرجل (وكلنا ذلك الرجل) ألق إلى سمعك وأعرني لبك فإن كنت لا تدري متى الموت فاعلمن بأنك لا تبقى إلى آخر الدهر أين آدم أبو الأولين والآخرين. أين إبراهيم خليل رب العالمين. أين الأمم الماضية. أين الملوك السالفة أين القرون الخالية. أين الذين نصبت على مفارقهم التيجان. أين الذين اعتزوا بالأجناد والسلطان. أين أصحاب السطوة والولايات. أين الذين خفقت على رؤوسهم الألوية

والرايات. أين الذين قادوا الجيوش والعساكر. أين الذين عمروا القصور والدساكر. أين الذين اقتحموا المخاطر والمخاوف. أين الذين دانت لهم المشارق والمغارب. أين الذين تمتعوا في اللذات والمآرب. أين الذين تاهوا على الخلائق كبرا وعتيا. أين الذين راحوا في الحلل بكرة وعشيا. أين الذين استلانوا الملابس أثاثا ورئيا. وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا. أين الذين ملأوا ما بين الخافقين عزا. أين الذين فرشوا القصور خزا وقزا. أين الذين تضعضعت لهم الأرض هيبة وهزا. أين الذين استذلوا العباد قهرا ولزا. هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا. أفناهم والله مفني الأمم. وأبادهم مبيد الرمم. وأخرجهم من سعة القصور. وأسكنهم في ضنك القبور. تحت الجنادل والصخور. فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم فعاث الدود في أجسامهم. واتخذ مقيلا في أبدانهم. فسالت العيون على الخدود وامتلأت تلك الأفواه بالدود. وتساقطت الأعضاء وتمزقت الجلود. فلم ينفعهم ما جمعوا ولا أغنى عنهم ما كسبوا. أسلمك الأحبة والأولياء. وهجرك الإخوان والأصفياء. ونسيك القرباء والبعداء. فأنسيت ولو نطقت لأنشدت قولنا عن سكان الثرى. ورهائن الترب والبلى: مقيم بالحجون رهين رمس ... وأهلي رائحون بكل واد كأني لم أكن لهم حبيبا ... ولا كانوا الأحبة في السواد

فعوجوا بالسلام فإن أبيتم ... فأوموا بالسلام على بعاد فإن طال المدى وصفا خليل ... سوانا فاذكروا صفو الوداد وذاك أقل ما لك من حبيب ... وآخره إلى يوم التناد فلو أنا بموقفكم وقفنا ... سقينا الترب من مهج الفؤاد وله أيضا (يا أيها الرجل) اعتبر بمن مضى من الملوك والأقيال. وخلا من الأمم والأجيال. وكيف بسطت لهم الدنيا وأنسئت لهم الآجال. وأفسح لهم في المنى والآمال. وأمدوا بالآلات والعدد والأموال. كيف طحنهم بكلكله المنون. واختدعهم بزخرفه الدهر الخؤون. وأسكنوا بعد سعة القصور. بين الجنادل والصخور. وعاد العين أثرا. والملك خبرا. فأما اليوم فقد ذهب صفو الزمان وبقي كدره. فالموت تحفة لكل مرء كأن الخير أصبح خاملا والشر أصبح غائرا وأصبح الجور عاليا. وكأن العلم أصبح مدفونا والجهل منشورا. وكأن اللؤم أصبح باسقا والكرم ذاويا. وكأن الود أصبح مقطوعا والبغض موصولا. وكأن الكرامة قد سلبت من الصالحين ونوجي بها الأشرار. وكأن الخبيث أصبح مستيقظا والوفاء نائما. وكأن الكذب أصبح مثمرا والصدق قاحلا. وكأن الأشرار أصبحوا يسامون السماء وأصبح الأخيار يردون بطن الأرض. أما ترى

من خطبة للسان الدين ابن الخطيب في ذم الكسل

الدنيا تقبل إقبال الطالب. وتدبر إدبار بالهارب. وتصل وصال الملول. وتفارق فراق العجول. فخيرها يسير. وعيشها قصير. وإقبالها خديعة. وإدبارها فجيعة. ولذاتها فانية. وتبعاتها باقية. فاغتنم غفوة الزمان. وانتهز فرصة الإمكان. وخذ من نفسك لنفسك. وتزود من يومك لغدك. ولا تنافس أهل الدنيا في خفض عيشهم. ولين ريشهم. ولكن انظر إلى سرعة ظغنهم وسوء منقلبهم. من خطبة للسان الدين ابن الخطيب في ذم الكسل ألكسل مزلقة الربح. ومسخرة الصبح. إذا رقدت النفس في فراش الكسل استغرقها نوم الغفلة. لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير. الندامة في الكسل. كالسم في العسل. الكسل آفة الصنائع. وأرضه في البضائع. العجز والكسل. يفتحان الخمول ولا تسل. الفلاح إذا مل الحركة. عدم البركة. ظهران لا يبلغان المرء إن ركبا ... باب السعادة ظهر العجز والكسل وفي اغتنام الأنام من أضاع الفرصة. تجزع الغصة. إن كان لك من الزمان شيء فالحال. وما سواه فمحال. تارك أمره إلى غد. لا يفلح للأبد. الإنسان ابن ساعته. فليحطها من إضاعته. التسويف سم الأعمال. وعدو الكمال. لم يحرم المبادرة. إلا في النادر. ما درجت أفراخ ذل إلا من وكر طماعة. ولا بصقت فروع ندم غلا من جرثومة إضاعة. العزم سوق. والتاجر الجسور مرزوق. من وثق بعهد الزمان.

خطبة الخلفاء

علقت يداه بحبال الحرمان. الربح في ضمن الجسارة. والمضيع أولى بالخسارة (نفخ الطيب للمقري) خطبة الخلفاء خطبة أبي بكر عندما بويع بالخلافة أيها الناس إني قد وليت عليكم ولست بخيركم. والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له. والقوي منكم الضعيف عندي حتى آخذ الحق منه. لا يدع أحد منكم الجهاد في سبيل الله. فإنه لا يدع قوم إلا ضرب به الله بالذل. ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء. وإنما أنا متبع ولست بمبتدع. فإن استقمت فتابعوني. وإن زغت فقوموني. وإنكم تردون وترحمون في أجل قد غيب عنكم علمه. فإن استطعتم ألا يمضي هذا الأجل إلا وأنتم في عمل صالح فافعلوا. وإن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما أريد به وجهه. فأريدوه بأعمالكم وإن ما أخلصتم لله من أعمالكم فطاعة أتيتموها وخطأ ظفرتم به وضرائب أديتموها وسلف قدمتموه من أيام فانية لأخرى باقية لحين فقركم وحاجتكم. اعتبروا عباد الله بمن مات منكم وتفكروا فيمن كان قبلكم أين كانوا أمس وأين هم اليوم. أين الجبار. أين الذين كان لهم ذكر القتال والغلبة في مواطن الحروب. قد تضعضع بهم الدهر وصاروا رميما. قد تركت عليهم القالات الخبيثات والخبيثين والخبيثون للخبيثات. وأين الملوك الذين أثاروا

خطبة لعلي بن أبي طالب

الأرض وعمروها قد بعدوا وأنسي ذكرهم وصاروا كلا شيء. ألا وقد أبقى الله عليهم التبعات وقطع عنهم الشهوات. ومضوا والأعمال أعمالهم والدنيا دنيا غيرهم. وبقينا خلفاً بعدهم. فإن نحن اعتبرنا بهم نجونا وإن اغتررنا كنا مثلهم. أين الوضاء الحسنة وجوههم المعجبون بشبابهم. صاروا ترابا وصاروا ما فرطوا فيه حسرة عليهم. أين الذين بنوا المدائن وحصنوها بالحوائط وجعلوا فيها الأعاجيب قد تركوها لمن خلفهم. فتلك مساكنهم خاوية وهم في ظلمات القبور. هل تحس فيهم من أحد وتسمع لهم ركزا. أين من تعرفون من أبنائكم وإخوانكم قد انتهت بهم آجالكم. فوردوا على ما قدموا فحلوا عليه وأقاموا للشقوة والسعادة بعد الموت. ألا إن الله ليس بينه وبين أحد من خلقه سبب يعطي به خيرا ولا يصرف به عنه سوء إلا بطاعته وإتباع أمره. واعلموا أنكم عبيد مدينون وأن ما عنده لا يدركه إلا بطاعته. أما إنه لا خير بخير بعده النار ولا شر بشر بعده الجنة (من تاريخ الطبري باختصار) خطبة لعلي بن أبي طالب (حمد الله وأثنى عليه ثم قال) : أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله ولزوم طاعته وتقديم العمل وترك الأمل. فإنه من فرط في عمله. لم ينتفع بشيء من أمله. أين التعب بالليل والنهار. المقتحم للجج البحار. ومفاوز القفار. يسير من وراء الجبال. وعالج الرمال.

خطبة أخرى له حماسية

يصل الغدو بالرواح والمساء بالصباح. في طلب محقرات الأرباح. هجمت عليه منيته. فعظمت بنفسه رزيته. فصار ما جمع بورا. وما اكتسب غرورا. ووافى القيامة محسورا. أيها اللاهي الغار بنفسه كأني بك وقد أتاك رسول ربك لا يقرع لك بابا. ولا يهاب لك حجابا. ولا يقبل منك بديلا. ولا يأخذ منك كفيلا. ولا يرحم لك صغيرا. ولا يوقر فيك كبيرا. حتى يؤديك إلى قعر مظلمة. أرجاؤها موحشة. كفعله بالأمم الخالية. والقرون الماضية. أين من سعى واجتهد وجمع وعدد. وبنى وشيد وزخرف ونجد. وبالقليل لم يقنع. وبالكثير لم يمتع. أين من قاد الجنود. ونشر البنود. أضحوا رفاتا. تحت الثرى أمواتا. وأنتم بكأسهم شاربون. ولسبيلهم سالكون. عباد الله فاتقوا الله وراقبوه واعملوا لليوم الذي تسير فيه الجبال. وتشقق السماء بالغمام. وتطاير الكتب عن الأيمان والشمائل (لابن عبد ربه) خطبة أخرى له حماسية لما أغار سفيان بن عوف الأسدي على الأنبار في خلافة علي وعليها حسان البكري فقتله وأزال تلك الخيل عن مسارحها. فخرج علي حتى جلس على باب السدة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة. فمن تركه ألبسه الله ثوب الذل وأشمله البلاء وألزمه الصغار وسامه الخسف. ومنعه النصف. ألا وإني دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا ونهارا وسرا وإعلانا. وقلت لكم: اغزوهم قبل أن يغزوكم فو الله ما غزي قوم

قط في عقر دارهم إلا ذلوا. فتواكلتم وتخاذلتم وثقل عليكم قولي. فاتخذتموه وراءكم ظهريا حتى شنت عليكم الغارات. هذا أخو غامد قد بلغت خيله الأنبار وقتل حسان البكري. وأزال خيلكم عن مسارحها وقتل منكم رجالا صالحين ثم انصرفوا وافرين ما كلم رجل منهم. فلو أن رجلا مسلما مات من بعد هذا أسفا ما كان عندي ملوما بل كان به عندي جديرا. فوا عجبا من جد هؤلاء في باطلهم وفشلكم عن حقكم. فقبحا لكم وترحا حين صرتم غرضا يرمى يغار عليكم ولا تغيرون. وتغزون ولا تغزون. ويعصى الله وترضون. فإذا أمرتكم بالمسير إليهم في أيم الحر قلتم: حمارة القيظ أمهلنا حتى يسبخ عنا الحر. وإذا أمرتكم بالمسير إليهم ضحى في الشتاء قلتم أمهلنا حتى ينسلخ عنا هذا القر. فأنتم والله من السيف أفر يا أشباه الرجال ولا رجال. ويا أحلام أطفال وعقول ربات الحجال. وددت أن الله أخرجني من بين أظهركم وقبضني إلى رحمته من بينكم وأني لم أركم ولم أعرفكم معرفة. ولله حرت وهنا ووريتم والله صدري غيظا. وجرعتموني الموت أنفاسا. وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان حتى قالت قريش: إن ابن أبي طالب شجاع ولكن لا علم له بالحرب. لله أبوهم وهل منهم أحد أشد لها مراسا وأطول تجربة مني لقد مارستها وأنا ابن عشرين. فها أنا ذا قد نفيت على الستين. ولكن لا رأي لمن لا يطاع (عن نهج البلاغة والعقد الفريد والأغاني)

خطبة عمر بن العزيز بخناصرة

خطبة عمر بن العزيز بخناصرة أيها الناس إنكم لم تخلقوا عبثا ولم تتركوا سدى. وإن لكم معادا يحكم الله بينكم فيه. فخاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء وحرم جنة عرضها السماوات والأرض. واعلموا أن الأمان غدا لمن يخاف اليوم وباع قليلا بكثير وفانيا بباق. ألا ترون أنكم في أصلاب الهالكين. وسيخلفها من بعدكم الباقون حتى يردوا إلى خير الوارثين. ثم إنكم في كل يوم تشيعون غاديا ورائحا إلى الله قد قضى نحبه وبلغ أجله. ثم إنكم في كل يوم تشيعون غاديا ورائحا إلى الله قد قضى نحبه وبلغ أجله. ثم تغيبونه في صدع من الأرض ثم تدعونه غير موسد ولا ممهد. قد خلع الأسباب. وفارق الأحباب. وواجه الحساب. غنيا عما ترك فقيرا إلى ما قدم. وأيم الله إني لأقول لكم هذه المقالة وما أعلم عند أحد منكم أكثر مما عندي. وأستغفر الله لي ولكم وما تبلغنا حاجة يتسع لها ما عندنا إلا سددناها. ولا أحد منكم إلا وددت أن يده مع يدي ولحمتي الذين يلونني حتى يستوي عيشنا وعيشكم. وأيم الله إني لو أردت غير هذا من عيش أو غضارة لكان اللسان به ناطقا ذلولاً عالماً بأسبابه. ولكنه مضى من الله سنة عادلة دل فيها على طاعته ونهى عن معصيته خطبة الخليفة المهدي الحمد لله الذي ارتضى الحمد لنفسه ورضي به من خلقه. أحمده على

آلائه. وأمجد لبلائه. وأستعينه وأومن به وأتوكل عليه توكل راض بقضائه وصابر لبلائه ... أوصيكم عباد الله بتقوى الله فإن الاقتصار عليها سلامة. والترك لها ندامة. وأحثكم على إجلال عظمته وتوقير كبريائه وقدرته. والانتهاء إلى ما يقرب من رحمته. وينجي من سخطه وينال به ما لديه من كريم الثواب. وجزيل المآب. فاجتنبوا ما خوفكم الله من شديد العقاب. وأليم العذاب. ووعيد الحساب. يوم توقفون بين يدي الجبار. وتعرضون فيه على النار. يوم لا تتكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد. يوم يفر المرء من أخيه. وأمه وأبيه وصاحبه وبنيه. لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه. يوم لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون. يزم لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا. إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور. فإن الدنيا دار غرور وبلاء وشرور. واضمحلال وزوال. وتقلب وانتقال. قد أفنت من كان قبلكم وهي عائدة عليكم وعلى من بعدكم. من ركن إليها صرعته. ومن وثق بها خانته. ومن أملها كذبته. ومن رجاها خذلته. عزها ذل وغناها فقر. والسعيد من تركها والشقي فيها من آثرها. والمغبون فيها من باع حظه من دار آخرته بها. فالله الله عباد الله والتوبة مقبولة والرحمة مبسوطة. وبادروا بالأعمال الزكية في هذه الأيام الخالية قبل أن يؤخذ بالكظم وتندموا فلا

من خطبة لهارون الرشيد

تنالون الندم يوم حسرة وتأسف. وكآبة وتلهف. يوم ليس كالأيام. وموقف ضنك المقام من خطبة لهارون الرشيد الحمد لله نحمده على نعمه ونستعينه على طاعته ونستنصره على أعدائه. ونؤمن به حقا ونتوكل عليه مفوضين إليه.. أوصيكم عباد الله بتقوى الله فإن في التقوى تكفير السيئات. وتضعف الحسنات وفوزا بالجنة ونجاة من النار. وأحذركم يوما تشخص فيه الأبصار. وتبلى فيه الأسرار. يوم البعث ويوم التغابن ويوم التلاقي ويوم التنادي. يوم لا يستغتب من سيئة ولا يزداد في حسنة. يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين. ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع. يعلم خيانة الأعين وما تخفي الصدور.. فاتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله. ثم توفى كل نفس ما كسبت. حصنوا إيمانكم بالأمانة ودينكم بالورع وصلاتكم بالزكاة.. وإياكم والأماني فقد غررت وأوردت وأوبقت كثيرا حتى أكذبتهم مناياهم. فتناوشوا التوبة من مكان بعيد وحيل بينهم وبين ما يشتهون فرغب ربكم عن الأمثال والوعد وقدم إليكم الوعيد. وقد رأيتم وقائعه بالقرون الخوالي جيلا فجيلا. وعهدتم الآباء والأبناء والأحبة والعشائر باختطاف الموت إياهم من بيوتكم ومن بين أظهركم لا تدفعون عنهم ولا تولون دونهم. فزالت عنهم الدنيا وانقطعت بهم الأسباب فأسلمتم إلى أعمالهم عند

خطبة المأمون في الفطر

المواقف والحساب. ليجزي الذين أساءوا بما عملوا والذين أحسنوا بالحسنى خطبة المأمون في الفطر (قال بعد التكبير والتحميد) : ألا وإن يومكم هذا يوم عيد وسنة وابتهال ورغبة. يوم ختم الله به صيام شهر رمضان وافتتح به حج بيته الحرام. فجعله أول أيام شهور الحج وجعله معقبا لمفروض صيامكم ومقتبل قيامكم. فاطلبوا إلى الله حوائجكم واستغفروه بتفريطكم. فإنه يقال: لا كثير مع ندم واستغفار. ولا قليل مع تماد وإصرار. (ثم قال:) اتقوا الله عباد الله وبادروا الأمر الذي لم يحضر الشك فيه أحدا منكم وهو الموت المكتوب عليكم. فإنه لا يستقال بعده عثرة ولا تخطر قبله توبة. اعلموا أنه لا شيء بعده إلا فوقه ولا يعين على جرعه وعكره وكربه وعلى القبر وظلمته ووحشته وضيفه وهول مطلعه ومسئلة ملكيه إلا العمل الصالح الذي أمر الله به. فمن زلت عند الموت قدمه فقد ظهرت ندامته. وفاتته استقامته. ودع من الرجعة إلى ما لا يجاب إليه وبذل من الفدية ما لا يقبل منه. فالله الله عباد الله كونوا قوما سألوا الرجعة فأعطوها إذ منعها الذين طلبوها. فإنه ليس يمنى المتقدمون قبلكم إلا هذا الأجل المبسوط لكم. فاحذروا ما حذركم الله منه واتقوا اليوم الذي يجمعكم الله فيه. لوضع موازينكم ونشر صحفكم الحافظة لأعمالكم. فلينظر عبد ما يضع في ميزانه مما يثقل به وما يملى في صحيفته الحافظة لما عليه ...

خطبة قطري بن الفجاءة التميمي في منبر الأزارقة في ذم الدنيا

ولست أنهاكم عن الدنيا بأكثر مما نهيتكم به الدنيا عن نفسها. فإن كل ما بها يحذر منها وينهى عنها وكل ما فيها يدعو إلى غيرها. وأعظم ما رأته أعينكم من فجائعها وزوالها ذم الله لها والنهي عنها فإنه يقول تبارك وتعالى: فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور. وقال: إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد. فانتفعوا بمعرفتكم بها ,بإخبار الله عنها واعلموا أن قوما من عباد الله أدركتهم عصمة الله. فحذروا مصارعها وجانبوا خدائعها. وآثروا طاعة الله فيها وأدركوا الجنة بما يتركون منها خطبة قطري بن الفجاءة التميمي في منبر الأزارقة في ذم الدنيا أما بعد فإني أحذركم الدنيا فإنها حلوة خضرة حفت بالشهوات وراقت بالقليل. وتجلببت بالعاجل وغمرت بالآمال. وتحلت بالأماني وزينت بالغرور. لا تدوم زهرتها ولا تؤمن فجعتها. غرارة ضرارة. وحائلة زائلة. ونافدة بائدة. لا تعدو إذا تناهت إلى أمنية أهل الرغبة فيها والرضا بها أن تكون كما قيل: كماء أنزلناه فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما. مع أن امرأ لم يكن منها في حبرة ألا عقبته بعدها عبرة. ولم يلق من سرائها بطنا. إلا منحته من ضرائها ظهرا. ولم تطله منها ديمة رخاء. إلا هطلت عليه مزنة بلاء. وحري إذا أصبحت له منتصرة أن تمسي له خاذلة متنكرة. وإن جانب منها اعذوذب واحلولى أمر عليه منها جانب فأوبا. وإن ليس امروء من غضارتها

ورفاهيتها نعما أرهقته من نوائبها غما. ولم يمس امروء منها في جناح أمن إلا أصبح منها في قوادم خوف. غرارة غرور ما فيها باقية فان ما عليها لا خير في شيء من زادها إلا التقوى. من أقل منها استكثر مما يؤمنه. ومن استكثر منها لم يدم له. وزال عما قليل عنه استكثر ما يوبقه. كم واثق بها قد فجعته وذي طمأنينة إليها قد صرعته. وكم من احتال بها قد خدعته. وكم ذي أبهة فيها قد صيرته حقيراً وذي نخوة فيها قد ردته ذليلا. وذي تاج قد كبته لليدين والفم. سلطانها دول وعيشها رنق. وعذبها أجاج. وحلوها مر وغذاؤها سمام. وأسبابها زحام وقطافها سلع. حيها بعرض موت وصحيحها بعرض سقم. ومنيعها بعرض اهتضام. مليكها مسلوب وعزيزها مغلوب. وضعيفها وسليمها منكوب. وجارها وجامعها محروب. مع أن من وراء ذلك سكرات الموت وزفراته وهول المطلع والوقوف بين يدي الحكم العدل. ليجزي الذي أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى. ألستم في مساكن من كان منكم أطول أعمارا وأوضح آثارا وأعد عديدا وأكثف جنودا وأعتد عتاداً وأطور عناداً. تعدوا الدنيا أي تعبد وآثروها أي إيثار وظعنوا عنها بالكره والصغار. فهل بلغكم أن الدنيا سمحت لهم بفدية. وأغنت عنهم مما قد أملتهم به بخطب بحيلة. بل أرهقتهم بالفوادح وضعضعتهم بالنوائب وعفرتم للمناخر. وأعانت عليهم ريب المنون وأرهقتهم بالمصائب وقد رأيتم تنكرها

لمن دان لها وآثرها وأخلد إليها. حتى ظعنوا عنها لفراق الأبدي. إلى آخر الأمد. هل زودتهم إلا الشقاء وأحلتهم إلا الضنك. أو نورت لهم غلا الظلمة. وعاقبتهم إلا الندامة أفهذه تؤثرون. أو على هذه تحرصون أو إليها تطمئنون. فبئست الدار لمن لم يتهمها ولم يكن فيها غلى وجل منها. اعلموا وأنتم تعلمون أنكم تاركوها الأبد فإنما هي لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد. فاتعظوا فيها بالذين يبنون بكل ريع آية تبعثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون. وبالذين قالوا من أشد منا قوة. واتعظوا بمن رأيتم من إخوانكم كيف حملوا إلى قبورهم فلا يدعون ركبانا. وأنزلوا فلا يدعون ضيفانا. وجعل لهم من الضريح أكنان. ومن التراب أكفان. ومن الرفات جيران. فهم جيرة لا يجيبون داعيا ولا يمنعون ضيما. إن أخصبوا لم يفرحوا. وإن قحطوا. لم يقنطوا. جمع وهم آحاد. جيرة وهم أبعاد. متناؤون وهم يزارون ولا يستزيرون. حلماء قد ذهبت أضغانهم. وجهلاء قد ماتت أحقادهم. لا يخشى فجعهم. ولا يرجى دمعهم. وهم كمن لم يكن. إستبدلوا بظهر الأرض بطنا وبالسعة ضيفا وبالآل غربة وبالنور ظلمة. فجاؤوها حفاة عراة فردى غير أن ظعنوا بأعمالهم إلى الحياة الدائمة إلى خلود الأبد. فاحذروا ما حذركم الله وانتفعوا بمواعظه واعتصموا بحبله عصمنا الله وإياكم بطاعته ورزقنا وإياكم أداء حقه (لابن عبد ربه)

نخبة من كتاب تراجم الأعياد السيدية لابن الحديثي المعروف بابي الحليم

نخبة من كتاب تراجم الأعياد السيدية لابن الحديثي المعروف بابي الحليم خطبة للصوم الكبير المبارك للقس روبيل الدنيسري الحمد لله المحير الذي لا يجار عليه. القدير الذي لا ملجأ منه إلا إليه. مبدئ الخلق ومعيده. ومنشئ الرزق ومفيده. مسير مشرقات النجوم ومغيرها. ومدبر حركات الأفلاك ومديرها. ألمدرك المقيت. ألمهلك المميت. الذي صور أصناف الخليقة فأبدع تصويرها. وقرر اختلاف أجناسها فأحسن في تقديرها. ونشر رحمته على ضعفها وقويها. وصغيرها وكبيرها. الذي لا يراد في حكمته ولا يراجع. سامك السماء. بغير عمد في الهواء. وساطح الأرض طافية على تيار الماء. أحمده والحمد من نعمه. وأعول في القبول غلى كرمه. حمدا لا يكون لمتصله انفصال. على ما لا يدرك شكره ولا ينال. لا شريك له ولا ضد. ولا عديل ولا ند. ألحي الذي لا يموت ولا يبلى. ألقيوم الذي لا يسمى بما سمى نفسه ولا يكنى. أيها الناس أسيموا القلوب في هذا الصوم المبارك في رياض الحكم. وأديموا النحيب على ابيضاض اللمم. إلزموا التقوى يلزمكم وقارها. واحتموا الدنيا يحتمكم صغارها. أوصيكم عباد الله وإياي بتقوى الله فإنها عروة ما لها انفصام. وذروة ما لها انهدام. وقدوة يؤم إليها الكرام. وجذوة تضيء بها الأفهام. من تعلق بحبلها حمته محذور العاقبة. ومن تحقق بحملها وقته

شرور كل نائبة. قيدوا ألسنتكم من الخوض في الباطل. واقطعوا عن النطق بغيبة كل غافل. ألا وإن عثرة الرجل سريع اندمالها. وعثرة اللسان فظيع وبالها. ومن أبصر عيوب نفسه عمي عمن سواه. ومن هتك عرض أخيه كان خصمه الله. قد عمتكم رحمكم الله من الصوم النعمة السابغة. ولزمتكم من الله الحجة البالغة. ألا وإنه صوم جعله الله مصباح العام. وواسطة النظام. وأشرف قواعد النصرانية بنور الصيام. فتأهبوا رحمكم الله لهذه الأيام الشريفة المباركة ولاغتنام وردها. فكم طليق فيها من وثاق الذنوب. وحقيق بنيل كل مطلوب. ينزل الله لكم فيها الأرزاق. ويجعل ببركتها فكاك الأعناق. فاهربوا إلى الله يا عباد الله فيها من سوء الاجتراح. واطلبوا منه حوائجكم تظفروا بالنجاح. فلا دعاء فيه إلا مسموع. ولا عمل فيه إلا مرفوع. ولا خير إلا مجموع. ولا ضر إلا مدفوع. يا أيها العاقل هذا أوان ازديادك واستماعك. ويا أيها الغافل هذا وقت تيقظك واقتلاعك. ما سأل الله فيها سائل إلا أعطاه. ولا استجار به مستجير إلا أعزه وكفاه. فرحم الله امرأ تيقظ قلبه من سنة هواه. واختار لنفسه ما يحمده من سواه. قبل أن تترامى به الأقدار. ويحل به الحذار. وتوحش منه الديار. ولا يسمع منه الاعتذار. ولا يفصح بخطاب. ولا يسمع بجواب. مختطفا من الأحباب مرتهنا بالاكتساب. وحيدا في منزل الاغتراب. موجها يوم الحساب. أذي الأهل وأقرب

الأصحاب. تجهزوا فقد ضرب فيكم بوق الرحيل. وبرزوا فقد قربت لكم نوق التحويل. ودعوا التمسك بخدع الأباطيل. والكون إلى التسويف والتعليل. أظلنا الله وإياكم في ذلك اليوم بظل عرشه. ووقانا وإياكم حلول أليم بطشه. وعدل بنا وبكم إلى سبيل السلامة. وحمل عنا وعنكم أعباء الظلامة. وجعل الإخلاص بتوحيده نورا لنا ولكم في ظلمات القيامة. ونزع منا ومنكم غل القلوب ورفع عنا وعنكم ذل الذنوب. وجمع لنا ولكم في الدارين كل محبوب. وأيدنا وإياكم يوم القيامة بالاستبصار بتصاريف أقداره. وأسعدنا وإياكم يوم الانبعاث بجواره (دعاء للآباء) . ألهم احرس أيام أبي الآباء الجاثليق الفطرك الكبير الممجد واحجبه بحجاب العصمة. وخلصه من قوارع كل نقمة. وأسبل عليه ستور الرأفة والرحمة. وبلغه أقصى المراد والهمة. آمين أللهم وأسعد المولى فلانا بسعادة تبسط بها آمال أوليائه. وتقبض آجال أعدائه وافتح له أقفال القلوب. وأنجح له السؤال في المطلوب. وأحصنه من الدنيا وحتوفها. وسلمه من موارد خسوفها أللهم وجد على بني المعمودية بعصمة مانعة من اقتراف السيئات ونعمة جامعة لصنوف الخيرات. ورحمة ماضية لسوالف الخطيئات. أللهم وإذا انقضت من الدنيا أيامنا. وأزف عند الموت حمامنا. وأحاطت بنا الأقدار. وشخصت إلى قدوم الملائكة الأبصار. وعلا

لذكر السيدة مريم العذراء الواقع بين عيد الميلاد وعيد الظهور

الأنين. وعرق الجبين. فمر أللهم ملك الموت بقبض أرواحنا شفيقا. وبنزع نفوسنا رؤوفا رفيقا. أللهم اغفر لنا ما أسررناه وما أعلناه. وما قدمن وأخرناه. وما أحصيته ونسيناه. وعلمته وجهلناه. ولا تدع لنا أملا إلا وبلغتناه. ولا سؤالا إلا وأنلتناه. ولا شرا إلا وكفيتناه. يا خير من عول عليه عبده ورجاه. برحمتك يا أرحم الراحمين. آمين لذكر السيدة مريم العذراء الواقع بين عيد الميلاد وعيد الظهور أحمد لله الذي أنار بأنوار الحكم مصابيح العقول. ألذي تنزه بالعزة أستار الظلام فعرفت سر العقل والعاقل والمعقول. ألذي تنزه بالعزة القدسية عن الأجناس والأنواع والفصول. وتقدس بسلطان الأحدية عن مشابهة الموضوع والمحمول. أذي أطلع شمس البرارة من مشرق سيدة النساء الطاهرة البتول. ودرع الكلمة الأزلية هيكلا ناسوتيا أظهره في العالم الكوني على هيئة الرسول. نحمده حمدا يقوده رائد التوفيق إلى أبواب القبول. ونشكره سرمدا على إيلاء الآلاء الضافية الأهداب والذيول. أيها المؤمنون انتقلت البيعة الأرثادكسية ابنة النور. من شرف إلى شرف ومن نور إلى نور. ومن الحبور بالميلاد الغريب. إلى السرور بذكر والدة السر العجيب. من بكر الأعياد المخصوصة بالولد. إلى عيد البكر حافظة البكرية إلى الأبد. من الأفراح بعيد منير العقول. إلى طرب الأرواح بعيد السيدة البتول. هذا اليوم الذي خص

بالهناء والخدمة. وأهدي فيه هدايا السلام للطاهرة الملآنة من النعمة. هذا اليوم الذي قرت ببهجته العيون. وسرت بفرحته قلوب الأبكار والعون. هذا اليوم الذي توقرت فيه الحسرة اليهودية. وافتخرت بيمن مطلعه الأسرة الدؤودية. هذا اليوم الذي صدقت فيه المخايل. وأعطيت البتول الطوبى من كل الأمم وقاطبة القبائل. أليوم تشرف قبيل النساء. قدمت ركائب الأفراح على النفساء. تحلى الجيد البتولي بدر العزة القعساء. خرت ساجدة في الإيوان المغاري جباه الأساورة الرؤساء. أليوم خمدت جمرات النوائر. همدت حرارت الشكوك الثوئر. أشرقت بنور المسيح أبصار البصائر. تأرجت أنواف الخلق بآراج التهاني والبشائر. أليوم صفت المناهل والموارد. تأنست قلوب الشوارد. أذعن بالعفاف المريمي كل ضال ومارد. نظر الأعداء سيدة النساء نظر الأسود الحوارد. أليوم طربت آفاق الغبراء. إبتهجت نفس السيدة العذراء. لاح صباح المنقبة الغراء. تفطرت مرائر اليهود الأغراء. أليوم خفقت بنود السعادة. نشرت أعلام الإفادة. صبت على شعب السيد المسيح بركات الولادة. وضعت على المفرق المريمي إكليل الجبلة الآدمية. تشرفت القرية البيت لحمية. فتقت بنور المسيح أبصار الخلق العمية. أليوم افتخرت الأنام وأقطار الورى.

قهقرت الآثام والأوزار إلى الورا. تخرصت أفواه الاغمار بالقول الهراه رشق اليهود الأغبياء ذات التقى والطهارة بسهام الفرى. أليوم ظهرت الآيات العجيبة. بهرت المعجزات الغريبة. زالت كواذب الظنون عن الخطيبة. أزالت الآيات البواهر عن قلب يوسف مواقع الشكوك والريبة. فالواجب علينا الآن يا أمة السيد المسيح أن ندنو بالهمم والولاء إلى خدمة أم المسيح ونبجل بالاكرام عيد الدرة اليتيمة. نتلقى بالإعظام ذكر اللؤلؤة الغالية القيمة. نشاهد في إيوان المغارة. ذات التقى والطهارة. نحدق إلى سكينة القدس والرحمة. سرادق العز والعظمة. خزانة الأسرار السماوية. وصدفة درة الحياة الأبدية. مشرق الشمس الأزلية. ألسماء الثانية العلية. هيكل القدرة العظيمة. مقصورة النعمة الجسيمة. باب الأسرار الخفية. حجاب الأنوار البهية. درجة الشرف الإنسي. أوج الكوكب القدسي. دقيقة الرحمة الغريرة. حقيقة الحكمة المنيرة. ذات المباهي والمفاخر. نجلة البررة الأطهار والشرف الفاخر. مريم العذراء الصفية. متكئة على السدة المغلفية. وهي مجللة بالنور والبهاء. آذنة لمن رام الدخول وتقديم هدايا الهناء. نتأمل بعيون البصائر شرف الولادة. ونلمح سيدة النساء معتجرة برداء البهاء والسعادة. قد احتفت ملائكة السماء بسيدتها. واصطفت أجناد العلاء لخدمتها.

نرى صبية خاملة الذكر مسكينة. نشاهد محيا قد مد عليه قناع الحياء والسكينة. فقيرة في العالم. أثرت بفقرها أبناء آدم. خاملة تخدمها الزمر الملائكية. حاملة لعقد التيجان على المفارق الملكية. يتيمة لم يكن لها في فسيح الأرض مأوى. ضئيلة افتخرت بضآلتها أمها حوا. ننظر إلى ملوك المجوس وقد وضعوا التيجان على رؤوسهم وأدنو أصناف الهدايا والقرابين إلى ملكهم وقدوسهم. شدوا من قطمه على أسنة الرماح بنودا وأعلاما. واستكتبوا من ديوان رحمته لهم أمانا وذماما. نشاهد يوسف الشيخ العدول. واقفا على قدم الأفراح أمام البتول. قد أزال عن مكامن قلبه الهواجس والخطرات. واستنصل من زلة الظنون السوالف والأوهام الخطرات. قد أشحنت زوايا قلبه بالبهجة والمسرة. ولاح على وجهه البهي نور البشر والابتسام من أثناء الأسرة. يتعجب من الآيات الغرائب. ويتحجب لملوك الفرس بإدناء السلام وتقديم الحقائب. وقد أشعر نفسه بالهيبة. وترقرقت دموع الأفراح على وقار الشيبة. فلنسج نحن لهذه الرأفة العمميمة. ونشكر ترادف الآلاء والنعم الجسيمة. نملا الأفواه من التهليل والتسبيح. ونضفر أكاليل المدائح لأم السيد المسيح. نحمل هذه الآيات الظاهرة على صدق اليقين. ونؤمن بالآيات الباهرة إيمان المصدقين. نرفض ملابس الأوزار والذنوب. ونرحض بماء

لعيد السلاق (أي الصعود)

التوبة أوضار القلوب. نوطن النفوس على الصفح والإغضاء. ونستعد مع الأبكار الخمس بالمصابيح والأضواء. ولنتبع من القنايا البائدة ميمنة المسيح. ونتقيل بالملائكة الأطهار في التقديس والتسبيح. ونتشفع بصلاة زهرة البشرية. الزاهرة بالأنوار البهية. غمامة الأسرار العلية. التي أومضت منها بروق البتولية. ذات الوضاء الأشرق. والثناء الأفيح الأعبق. ألسيدة الطاهرة الزكية. سكينة القدرة العلية. أن يرفع الله عنا موارد النقم بصلاتها. ويجمع لنا شوارد النعم بدعائها وبركاتها. ويوفقنا للتعلق في يوم القيامة بأهدابها. ونكون في مجمع الأبرار من خواصها وأصحابها. ويؤهلنا لفعل نحوز به رضاه في طاعتها. ويجعلنا من أصحاب اليمين بصلاتها وشفاعتها. ويمزجنا بزمرة الآباء المؤيدين. وجميع الشهداء والقديسين. برحمته التي تعم الأحياء والميتين. ويسبغ سجالها على الخلق كافة أجمعين لعيد السلاق (أي الصعود) الحمد لله الذي هدانا إلى طريق الهدى وواضح منهاجه. وفتح لنا باب الملكوت بإقليد شرعه الفضلي بعد إغلاقه وإرتاجه. وثقف نوعنا البشري بالأوامر والنواهي من زيغه واعوجاجه. وقاده بأمة العناية إلى الحظائر القدسية بعد إباءته ولجاجه. وأرسل مخلص الكل ظاهرا بصورة الناسوت لإبراء جبلة آدم وعلاجه. فرتب له من قوانين شرعه الاختصاصي دواء أفضى إلى صحته وتعديل

مزاجه. وشرف مفرقه بإكليل الملك الأبدي وتاجه. وأصعده سرا إلى قمم السماء يوم سلاقه ومعارجه. نحمده حمدا تقد في ظلماء القلوب أضواء سراجه. ونشكره شكرا تزهو كواكب الإخلاص في أفقه وأبراجه. أيها المؤمنون إن أسنى الأيام العظام. وأبهى المواسم وأحلى المواقيت الكرام. التي تفتر لها المضاحك والمباسم. يوم ختمت به معاقد الأعياد المسيحية. وسلمت قواعد الكهنوت إلى الزمر المسليحية. يوم رقيت فيه صفوة الجبلة البشرية إلى المحل الشامخ. واستوطأت صهوة العز الأبدي والشرف الباذخ. يوم توقل مخلص البرايا أشمخ الذروات العلية وأسمى القلل العواصم. هذا اليوم العظيم والميقات النبيه. والعيد الذي جلت مفاخره عن النظائر والتشبيه. هذا اليوم الذي أشرق فيه هلال الحق من سدف السرار. وتلت فيه نحور العقائد بقلائد الأسرار. هذا اليوم الذي تحققت فيه براهين الرجاء. هذا اليوم الذي رأته الأبصار فيه صاعدا على المناكب الأكروبية. ولمحته الأفكار قاعدا على منصة الرتب العلية. هذا اليوم الذي رش فيه طل الخيرات من غمام معينه. وأمطر سحائب البركات على الأنصار من يمن يمينه. أليوم فتحت أبواب مدينة الأطهار. نصيت ستور الأسرار عن بيعة الأبكار.

طربت ملائكة السماء برئيس الأحبار. تبوأ مقعد العز الأبدي على منبر الأنوار. أليوم برحت الأسرار والخفايا. منحت الأذخار والعطايا. صفحت الأوزار والخطايا. صعد المسيح إلى العلاء وسبى السبايا. أليوم أفلت رجاء الأحياء والأموات. أرتجت أرجاء السماوات. حق النجاء لذوي الخطايا والهفوات. واستغفر المخلص لأمته كل الخطايا والزلات. أليوم انحسرت غمة العبودية. اكتأبت الأمة اليهودية. صحت الكلمة الداوودية. رقي المسيح بالمجد وأصوات القرون إلى سدة الأبدية. أليوم أخفقت أدلة الضلال. أشرقت أهلة الإقبال. أورقت غصون الآمال. رقيت صورة آدم من قعر الحضيض الأوهد إلى ذروات الكمال. أليوم هبت نسائم الرضاء والاختصاص. هبت نوائم آمال التلاميذ الخواص. أليوم قرت عيون الأملاك. تشرفت متون الأفلاك. سكن الشوق الآدمي واستراح. ملئت قلوب أهل السماء بالبهجة والأفراح. ملك صفوة جنسه إقليم السماء. شرف بأخص الألقاب وأحسن الأسماء. رقيت قلاعته إلى قلة السماء العلية. استوطنت أرائك النور في قصور الأزلية. استبشر سكان الصفيح الأعلى بإيابه. تعلقت الزمر الملائكية بذيوله وأهدابه. تبركت السماء بوطء أقدامه. برز الإذن من سرادق الأزلية بتعظيمه وإكرامه. سمعت ضجة الملائكة بتقريضه ومديحه. تعالت لجة الملإ الأعلى بتمجيده وتسبيحه.

نستبشر نحن معاشر المؤمنين بسلاق السيد المسيح. نتقيل بأصناف الملائكة في السجود والتسبيح. نرفع الهمم عن مساقط الشهوات الأرضية. نقود القلوب بأزمة العزائم إلى الطريق المرضية. ننفض عن الأبدان قشور الكثافة. ونسربل الأذهان بنور اللطافة. نرقى إلى قلل العلى بأقدام الفكر. ونلحظ بأبصار النهي مخلصنا ابن البشر. نراه على سدة النور جالسا. وبالحضرة القدسية مستأنسا. وفي خدور النور مزفوفا. وبأجناد السماء محفوفا. نكتنف بظله الظليل الوارف. ونشكر أنعمه التوالد والطوارف. نتشبث بأهداب أثوابه. ونلصق الخدود خاضعة على أعتاب أبوابه. ونطلب من مظان رحمته. وديوان إحسانه ورأفته. أن يسبل ستور الرضوان على بوادي عيوبكم. ويروي بماء الغفران صوداي قلوبكم. ويجعل عيونكم بالرؤية المسيحية قريرة. وقلوبكم بأنوار البهجة العيدية فرحة مستنيرة. ووجوهكم يوم فيئته بادية السفور مشرقة الوضاء. ومصابيح أعمالكم مستعرة بالأنوار زاهرة الأضواء. ولا برحت غمائم البركات عليكم واكفة. ونسائم الخيرات متتابعة الهبوب مترادفة. وأبواب السماء لدعواتكم مفتوحة. وخطاياكم وآثامكم بالعفو والغفران مصفوحة. وإذا ما آب مخلصكم من سماء عزته. وأشرق نور لوائه الأزهر على أشخاص أمته. يجعلكم مع الأصفياء في زمرته. ويقعدكم على سدد النور مع أهل الاصطفاء عن ميمنته. آمين

الباب الثالث

الباب الثالث في الأمثال نخبة من أمثال العرب للميداني آخر الدواء الكي * آفة المروءة خلف الموعد * آكل لحمي ولا أدعه لآكل * آكل من السوس * آكل من ضرس * آكل من نار * آلف من حمام مكة * آلف من الحمى * آلف من غراب عقدة * آلف من كلب * آمن من الأرض * آب وقدح الفوزة المنيح * أبت الدراهم إلا أن تخرج أعنقاها * أبخل من ذي معذرة * أبخل من صبي * أبخل من الضنين بنائل غيره * أبخل من كلب * إبدأهم بالصراخ يفروا * أبرد من بزد الكوانين * أبرد من جربياء * أبرد من عضرس * أبرد من غب المطر * أبرد ممن يستعمل النحو في الحساب * أبشع من

مثل غير سائر * أبصر من عقاب ملاع * أبصر من فرس بيهماء في غلس * أبطأ من غراب نوح * أبغض من الشيب إلى الغواني * أبغى من المحبرة * أبغض من وجوه التجار يوم الكساد * أبقى على الدهر من الدهر * أبقى من وحي في حجر * أبكى من اليتيم * إبلي لم أبع ولم أهب * ابن آدم حريص على ما منع عليه * إبنه على كتفه وهو يطلبه * أبين من فلق الصبح * أتبع الحسنة السيئة تمحها * أتت عليه أم اللهيم * اتخذ الباطل دخلا * أترب فندح * أترف من ربيب نعمة * أترك الشر يترك * إتكلنا منه على خص * أتمك من سنام * أتى عليهم ذو أتى * أتيه من قوم موسى * أثبت في الدار من الجدار * أثبت من أصم رأسا * أثبت من الوشم * أثقف من سنور * أثقل من طود * أثقل من المنتظر * ألإثم حزاز القلوب * أجدى من الغيث في أوانه * أجرأ من أسامة * أجرد من صلعة * اجلس حيث تؤخذ بيدك

وتبر. لا حيث تؤخذ برجلك وتجر * أجمع من نمله * أجوع من ذئب * أجهل من فراش * يجري بليق ويذم * جدح جوين من سويق غيره * أسمع جعجعة ولا أرى طحنا * مال سرجه * فلان لا تندى صفاته * أحد حماريك فاز جري * أحرص من الذرة * أحسن من بيضة في روضة * أحسن من الدهم الموقفة * أحسن من زمن البرامكة * أحسن من شنف الأنضر * إحفظ ما في الوعاء بشد الوكاء * أحكم من لقمان * أحكى من قرد * أحل من لبن الأم * أحلب حلبا لك شطره * أحلى من حياة معادة * أحلى من نيل المنى * أحمض من صفع الذل في بلد الغربة * أحمق بلغ * أحمق من الممتخط بكوعه * أحمل من الأرض * أحير من

ليل * أحيا من فتاة * أخبرته بعجري وبجري * أخبرته خبوري وشقوري وفقوري * أخبط من عشواء * أخبط من حاطب ليل * اختلط الخاثر بالزباد * أخذ في ترهات البسابس * أخذت الأرض زخاريها * أخذنا في البرقلة * أخذني بأطير غيري * أخذه على غل غيظه * أخرج الطمع من قلبك تحل القيد من رجلك * إن في الشر خيارا * إن الخصاص يرى من جوفها الرقم * إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب * عادت إلى عترها لميس * هذا برض من عد * يبلغ الخضم بالقضم * لكل ساقطة لاقطة * عاد السهم إلى النزعة * هو كالكاتب على صفحات الماء * أشهر من نار على علم * إن كنت ريحا فقد لاقيت

إعصارا * بعلة الورشان يأكل رطب المشان * لا يعرف الهر من البر * عند الرهان تعرف السوابق * لا تهرف بما لا تعرف * أنجز حر ما وعد * فلان يعلم من حيث تؤكل الكتف * ألقى حبله على غاربه * إنما يضن بالضنين * مخر نبق لينباع * هو إمعة وهو إمرة * هما زندان في وعاء * إذا ارجحن شاصيا فارفع يدا * هون عليك ولا تولع بإشفاق * لا تكن حلوا فتسترط ولا مرا فتعاف * يجمع بين الأروى والنعام * ليس قطا مثل قطي * جاء بعد الهياط والمياط * كالمستغيث من الرمضاء بالنار * لا آتيك أو يؤوب القارظ العنزي * أخذه برمته *

نخبة من أمثال الميداني وابن نباتة وغيرهما مع شرحها

نخبة من أمثال الميداني وابن نباتة وغيرهما مع شرحها يوم عبيد (ويقال عبيد) يضرب لليوم المنحوس الطالع. وكان عبيد بن الأبرص تصدى فيه للنعمان في يوم بؤسه. وكان له يوم بؤس من لقيه فيه أهلكه ويوم نعيم من لقيه فيه أكرمه. فقال النعمان: يا عبيد أنك مقتول فأنشدني (اقفر من أهله ملحوب) . فأنشد: اقفر من أهله عبيد ... فظل لا يبدي ولا يعبد ثم قتله وصار يومه يضرب به المثل. قال أبو تمام: لما أظلتني سماؤك أقبلت ... تلك الشهود على وهي شهودي من بعد ما ظن الأعادي أنه ... سيكون لي يوم كيوم عبيد صمصامة عمرو بن معدي كرب الزبيدي من أشهر سيوف العرب وبه يضرب المثل في كرم الجوهر وحسن المنظر والمخبر والمضاء. وكان عمرو فارس زبيد حسن الاستعمال له في الجاهلية. وفيه يقول: سناني ازرق لا عيب فيه ... وصمصامي يصمم في العظام وقال عبد الله بن العباس لبعض اليمانيين: لكم من السماء نجمها ومن الكعبة ركنها ومن السيوف صمصامها. يعني سهيلا والركن اليماني وصمصامة عمرو بن معدي كرب حديث خرافة خرافة رجل من بني عذرة استهوته الجن. فلما رجع إلى قومه جعل يحدثهم بالأعاجيب من أحاديث الجن. وكانت العرب إذا سمعت حديثا لا أصل له قالت: حديث خرافة نخوة العرب لم تزل تتميز العرب عن سائر الأمم بالنخوة لما فيها من الشجاعة والكرم والفصاحة حتى أن النعمان بن المنذر امتنع عن مصاهرة كسرى ابرويز ملك الفرس عروة الصعاليك هو عروة بن الورد العبسي. وإنما سمي عروة الصعاليك لأنه كان إذا شكا أحد إليه الفقر أعطاه فرسا ورمحا وقال له: إن لم تستغن بهما فلا أغناك الله جوف حمار من أمثال العرب هو اكف من حمار وأخلى من جوف حمار. وهو ابن مويلع من عاد.

حصن تيماء

وجوف واد له طويل عريض لم يكن ببلاد العرب أخصب منه. وفيه من كل الثمرات فخرج بنوه يتصيدون فأصابتهم صاعقة فهلكوا فقال: لا اعبد من اهلك أولادي. فكفر ودعا قومه إلى الكفر فمن خالفه قلته. فأخرب الله تعالى واديه فضرب به المثل في الخراب فقال امرؤ القيس: وواد كجوف العير قفر قطعته ... به الذئب يعوي كالخليع المعيل حصن تيماء بلدة بين الحجاز والشام ولها حصن يتمثل به في الحصانة ويقال أن سليمان بناه بالحجارة والكلس فمنعته العرب. ثم ملكه عادياء اليهودي ثم ابنه السموءل. وفيه يقول الأعشى: أرى عاديا لم يمنع الموت ماله ... وفرد لتيماء اليهودي ابلق بناه سليمان بن دارات حقبة ... له ازجٌ صم وطين موثق يوازي كبيدات السماء ودونه ... ملاط ودارات وكلس وخندق كعبة نجران وقصر غمدان نجران أقدم بلاد اليمن وكان لها كعبة تحج فخربت وضرب بها المثل في الخراب وزوال الدولة. قال أبو عبيدة: أحبت العرب أن تشارك العجم في البنيان وتنفرد بالشعر. فبنوا غمدان وهو قصر شاهق مشهور وكعبة نجران وحصن تيماء الابلق الفرد وغير ذلك من البنيان. وغمدان أحد الأبنية الوثيقة للعرب يتمثل به في الحصانة والوثاقة سكنه ملوك حمير. ثم تنقلت به أحوال أدت إلى خرابه إن الموصين بنو سهوان قيل هذا معناه: إنما يحتاج إلى الوصية من يسهو ويغفل فأما أنت فغير محتاج إليها لأنك لا تسهو. وقال بعضهم: يريد بقوله (بنو سهوان) جميع الناس لأن كلهم يسهو. والأصوب في معناه أن يقال أن الذين يوصون بالشيء يستولي عليهم السهو حتى كأنه موكل بهم. ويضرب لمن يسهو عن طلب شيء أمر به. والسهوان السهو ويجوز أن يكون صفة أي بنو رجل سهوان وهو آدم حين عهد إليه فسها ونسي. يقال رجل سهوان وساه أي إن الذين يوصون لا بد أن سهوا لأنهم بنو آدم أكرم من حاتم طيئٍ جواد العرب المضروب به المثل في الجود وفيه يقول الشاعر: لما سألتك شيئا ... بدلت رشدا بغي عمن تعلمت هذا ... آن لا تجود بشيء

ألمعيدي تسمع به خير من أن تراه

أما مررت بعبد ... لعبد حاتم طي وكان يضرب بجود طي المثل حيث منهم حاتم وأوس بن حارثة. وهما في الجود والكرم على جانب عظيم. وروي أن أوسا وحاتما وفدا على عمر بن هند. فدعا أوسا فقال له: أنت أفضل أم حاتم فقال: أبيت اللعن لو وهبني حاتم وولدي لوهبني في ساعة واحدة. ثم دعا حاتما فقال له: أنت أفضل أم اوس. فقال أبيت اللعن أتعدلني باوس ولأحد ولده أفضل مني. فقال عمرو: ما أدري أيكما أفضل وما منكما الأسيد كريم. ومن محاسن أوس أن النعمان بن المنذر دعا بحلة نفيسة وعنده العرب وفيهم كل سيد كريم وفيهم أوس. فقال أحضروا غدا فأني ملبس هذه الحلة أكرمكم. فحضر القوم إلا أوس. فقيل له: لم تتخلف. فقال إن كان المراد غيري فأجل الأشياء بي أن لا أكون حاضرا وإن كنت المراد فسأطلب. فلما جلس النعمان ولم ير أوسا قال: اذهبوا إلى أوس فقولوا له: أحضر آمنا مما خفت. فحضر وألبس الحلة. فحسدوه قوم من أهله وقالوا البشر بن أبي خازم: اهجه. فهجاه بشر فأغار أوس على أبله واكنسحها وطلبه فجعل بشر لا يستجير حيا من أحياء العرب إلا قالوا له: قد أجرناك من الأنس والجن إلا من أوس. وكان في هجائه إياه ذكر أمه. فما لبث يسيرا حتى أتى به أسيرا. فدخل أوس إلى أمه واستشارها في أمره. فقالت: أرى أن ترد عليه ماله وتعفو عنه وأفعل أنا مثل ذلك فلا يقيك هجاءه إلا مدحه. فأخبره أوس بما قالت أمه. فقال: لا جرم والله لا مدحت غيرك حتى أموت ألمعيدي تسمع به خير من أن تراه هذا مثل يضرب لمن يكون خبره خيرا من منظره. وأول من قاله النعمان لشقة ابن ضمرة في خبر طويل. معناه أنه كان يغير على مال النعمان ويطلبه النعمان فلا يقدر عليه إلى أن أمنه وكان يعجبه ما يسمع عنه من الشجاعة والإقدام. فلما رآه استزرى منظره لأنه كان دميم الخلقة فقال: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. فقال: أبيت اللعن أن الرجال ليست بجزر وإنما يعيش المرء بأصغريه قلبه ولسانه. فأعجب النعمان كلامه وجعله من خواصه إلى أن مات. ومعيد اسم قبيلة أبدى الصريح عن الرغوة أي وضح الأمر وبان. قال بعضهم: ألم تسل الفوارس يوم غول ... نبضلة وهو موتور مشيح رأوه فازدروه وهو حر ... وينفع أهله الرجل القبيح ولم يخشوا مصالته عليهم ... وتحت الرغوة اللبن الصريح يقول رأوني فازدروئي لدمامتي فلما كشفوا عني وجدوا غير ما رأوا ظاهرا

إن الشقي وافد البراجم

إن الشقي وافد البراجم هو عمار بن صخر التميمي. والبراجم خمسة من أولاد حنظلة والعرب تضرب المثل بوافد البراجم. وذلك أن الملك عمرو بن هند أحرق تسعة وتسعين رجلا من بني تميم لثار له عندهم وكان قد آلى أن يحرق منهم مائة. فبينما هو يلتمس بقية المائة إذ مر رجل من البراجم يسمى عمارا قادم من سفر فاشتم رائحة القتار فظن إن الملك إتخذ طعاما فعدل إليه. فقيل له ممن أنت. قال: من البراجم. فألقي في النار. وقيل في المثل أن الشقي وافد البراجم. ومن هنالك عيرت بنو تميم بحب الطعام شقائق النعمان قال أبو محمد: شقائق النعمان منسوبة إلى النعمان بن المنذر. وكان خرج إلى الحضر وقد اعتم نبته من بين أخضر وأصفر وأحمر وإذا فيه من هذه الشقائق شيء. فقال: ما أحسنها احموها. فحموها فسميت شقائق النعمان أفصح من سحبان وائل هو وائل بن معن بن أعصر وكان خطيبا يضرب به المثل في الفصاحة. قال الشاعر في ضيف نزل به: أتانا ولم يعدله سحبان وائل ... بيانا وعلما بالذي هو قائل فما زال عنه اللقم حتى كأنه ... من العي لما أن تكلم باقل أبر من العملس كان برا بأمه وكان يحملها على عاتقه حمل إليها غبوقاً من لبن في عس. فصادفها نائمة فكره إنباهها والانصراف عنها. فأقام مكانه قائماً يتوقع انتباهها حتى أصبح أبطش من دوسر قالوا أن دوسر إحدى كتائب النعمان بن المنذر ملك العرب. وكانت له خمس كتائب الرهائن والصنائع والوضائع والأشهاب ودوسر. أما الرهائن فإنهم كانوا خمس مائة رجل رهائن لقبائل العرب يقيمون على باب الملك سنة ثم يجيء بدلهم خمسمائة أخرى وينصرف أولئك إلى أحيائهم. فكان الملك يغزو بهم ويوجههم في أموره. وأما الصنائع فبنو قيس وكانوا خواص الملك لا يبرحون بابه. أما الوضائع فإنهم كانوا ألف رجل من الفرس يضعهم ملك الملوك بالحيرة نجدة لملك العرب. وكانوا أيضا يقيمون سنة ثم يأتي بدلهم ألف رجل وينصرف أولئك. وأما الأشاهب فأخوة ملك العرب وبنو عمه ومن يتبعهم من أعوانهم سموا

أبأى ممن جاء برأس خاقان

الأشاهب لأنهم كانوا بيض الوجوه. فأما دوسر فأنها كانت أخشن كتائبه وأشدها بطشا ونكاية وكانوا من كل قبائل العرب وأكثرهم من ربيعة. سميت دوسر اشتقاقا من الدسر وهو الطعن بالثقال لثقل وطأتها. قال الشاعر: ضربت دوسر فيهم ضربة ... أثبتت أوتاد ملك فاستقر وكان ملك العرب عند رأس كل سنة وذلك أيام الربيع يأتيه وجوه العرب وأصحاب الرهائن وقد صير لهم أكلا عنده وهم ذوو الآكال. فيقيمون عنده أشهرا ويأخذون أكالهم ويبدلون رهائنهم وينصرفون إلى أحيائهم أبأى ممن جاء برأس خاقان هذا خاقان ملك من ملوك الترك خرج من ناحية باب الأبواب. وظهر على أرمينية وقتل الجراح بن عبد الله عامل هشام بن عبد الملك عليها. وغلظت نكايته في تلك البلاد. فبعث هشام إليه سعيد بن عمرو الجرشي وكان مسلمة صاحب الجيش فأوقع سعيد بخاقان ففض جمعه واحتز رأسه وبعث به إلى هشام. فعظم أثره في قلوب المسلمين وفخم أمره ففخر بذلك حتى ضرب به المثل أبصر من زرقاء اليمامة هي عنزة اليمامة. واليمامة اسمها وبها سمي البلد وهي امرأة من جديس. وذكر الجاحظ أنها كانت تبصر الشيء من مسيرة ثلاثة أيام. فلما قتلت جديس طمسا خرج رجل من طسم إلى حسان بن تبع فاستجاشه ورغبه في الغنائم فجهز إليهم جيشا. فلما صاروا من جو على مسيرة ثلاث ليال صعدت الزرقاء فنظرت إلى الجيش. وقد أمروا أن يحمل كل رجل منهم شجرة يستتر بها ليلبسوا عليها. فقالت: يا قوم أتتكم الأشجار أو أتتكم حمير فلم يصدقوها. فقالت على مثال رجز: أقسم بالله لقد دب الشجر ... أو حمير قد أخذت شيئا بجر فلم يصدقوها فقالت: بالله لقد أرى رجلا ينهش كتفا أو يخصف النعل فلم يصدقوها. ولم يستعدوا حتى صبهم حسان فاجتاحهم. وكانت أول من اكتحل بالإثمد من العرب أبلغ من قس قس بن ساعدة بن حذافة بن زهير بن إياد بن الأيادي أسقف نجران. وكان من حكماء العرب وأعقل من سمع به منهم. وهو أول من كتب من فلان إلى فلان. وأول من أقر بالبعث من غير علم. وأول من قال: إما بعد. وأول من قال: البينة على من ادعى واليمين على من أنكر. وقد عمر مائة سنة ونيفا

الحديث شجون

الحديث شجون وهذا المثل لضبة بن أد. وكان له ابنان سعد وسعيد فخرجا في طلب إبل لهما فرجع سعيد ولم يرجع سعد. فكان ضبة لوا رأى رجلا مقبلا قال: أسعد أم سعيد فذهبت مثلا. ثم أن ضبة بينا هو يسير يوما ومعه الحرث بن كعب في الشهر الحرام فأتى على مكان فقال له الحرث: أترى هذا الموضع فإني لقيت فتى هيئته كذا وكذا فقتلته وأخذت منه هذا السيف. فإذا بصفة سعد. فقال له ضبة: ارني السيف انظر إليه فناوله فعرفه فقال له: إن الحديث شجون. ثم ضربه به حتى قتله. فلامه الناس في ذلك وقالوا: أقتلت في الشهر الحرام. قال: سبق السيف العذل. فذهبت مثلا أتانا صكة عمي عمي رجل من عدوان وكان يفتي في الحج فأقبل معتمرا ومعه ركب حتى نزلوا بعض المنازل في يوم شديد الحر. فقال عمي: من جاءت عليه هذه الساعة من غد وهو حرام لم يقض عمرته فهو حرام إلى قابل. فوثب الناس في الظهيرة يضربون (أي يسيرون) حتى وافوا البيت وبينهم وبينه من ذلك الموضع ليلتان. فضرب مثلا فقيل: أتانا صكة عمي إذا جاء في الهجيرة الحارة. وقيل كان عمي رجلا مغوارا فغزا قوما عند قائم الظهيرة وصكهم صكة شديدة فصار مثلا لكل من جاء في ذلك الوقت كأنه سنور عبد الله يضرب لمن لا يزيد سنا إلا ازداد نقصانا وجهلا. وفيه يقول بشار بن برد الأعمى: أبا مخلف ما زلت سباح غمرة ... صغيرا فلما شبت خيمت بالشاطي كسنور عبد الله بيع بدرهم ... صغيرا فلما شب بيع بقيراط فمي ملآن من الماء يضرب لمن يريد أن يتكلم ولكن له ما يحجزه عن الكلام. ولله بعض الشعراء وقد عوتب على قلة كلامه: قالت الضفدع قولا ... فسرته الحكماء في فمي ماء وهل ين ... طق من في فيه ماء أحلم من الأحنف هو أبو فخر الضحاك بن قيس التميمي الأحنف من التابعين ومن كلامه: رب غيظ تجرعته مخافة ما هو أشد منه. ومن قوله: كثرة المزاح تذهب بالهيبة. السؤدد كرم الأخلاق وحسن الفعل. الداء اللسان البذي والخلق الردي. وكان الأحنف شهد مع علي بن أبي طالب وقعة

أحمق من أبي غبشان

بصفين. ولما استقر الأمر لمعاوية دخل عليه يوما. فقال له معاوية: والله يا أحنف ما أذكر يوم صفين إلا كانت حزازة في قلبي إلى يوم القيامة. فقال له الأحنف: والله يا معاوية أن القلوب التي أبغضاك بها لفي صدورنا. وإن السيوف التي قاتلناك بها لفي أغمادها. وإن تدن من الحرب فترا ندن منك شبرا. وإن تمش إليها نهرول إليك. ثم قام وخرج. وكانت أخت معاوية من وراء حجاب تسمع كلامه فقالت: يا أمير المؤمنين من هذا الذي يتهدد ويتوعد. فقال: هذا الذي إذا غضب غضب لغضبه مائة ألف من بن تميم ولا يدرون لما غضب وأخبر النويري عنه قال: كان معاوية قد كتب إلى عماله أن يوفدوا إليه الوفود من الأمصار. فكان فيمن أتاه محمد بن عمرو بن حزم من المدينة والأحنف بن قيس في وفد أهل البصرة. ثم أن معاوية قال للضحاك بن قيس الفهري: لما تجتمع الوفود أني متكلم فإذا سكت فكن أنت الذي تدعو إلى بيعة يزيد وتحض عليها. فلما جلس معاوية للناس تكلم فعظم أمر الإسلام وحرمة الخلافة وحقها فحمد الله وأثنى عليه. ثم قال الضحاك: يا أمير المؤمنين أنه لا بد للناس من وال بعدك فذلك أحقن للدماء وأصلح للدهماء وآمن للسبيل وخير في العاقبة. والأيام عوج كل يوم في شأن ويزيد ابن أمير المؤمنين في حسن هديه. وهو من أفضلنا علماً وحلماً وأبعدنا رأياً. فخوله عهدك واجعله لنا علماً بعدك ومفزعاً نلجأ إليه ونسكن إلى ظله. وتكلم عمرو بن سعيد الأشدق بنحو من ذلك. ثم قام يزيد بن المقنع العذري فقال: هذا أمير المؤمنين (وأشار إلى معاوية) فإن هلك فهذا (وأشار إلى يزيد) ومن أبى فهذا (وأشار إلى سيفه) . فقال معاوية: اجلس فأنت سيد الخطباء. فأذعن من حضر من الوفود. فقال معاوية للأحنف: ما تقول يا أب بحر. فقال: نخافكم أن صدقنا ونخاف الله أن كذبنا. وأنت يا أمير المؤمنين اعلم بزيد في ليله ونهاره وسره وعلانيته ومدخله ومخرجه. فإن كنت تعلمه لله تعالى ولهذه الأمة رضى فلا تشاور فيه. وإن كنت تعلم منه غير ذلك فأنت صائر إلى الآخرة وإنما علينا أن نقول: سمعنا وأطعنا أحمق من أبي غبشان إن خزاعة أخذ فيها وت شديد وزعاف عمهم بمكة. فخرجوا منها ونزلوا الظهران. وكان فيهم رجل يقال له حليل بن حبشية وكان صاحب البيت. وكان له بنون وبنت يقال لها حبى وهي امرأة قصي بن كلاب. فمات حليل وكان أوصى ابنته حبى بالحجابة وأشرك معها أبا غبشان الملكاني. فلما رأى قصي بن كلاب أن حليلا قد مات وبنوه غيب والمفتاح في يد امرأته طلب إليها أن تدفع المفتاح إلى ابنها عبد الدار بن قصي وحمل بنيه على ذلك فقال: أطلبوا إلى أمكم حجابة جدكم. ولم يزل بها حتى سلمت له بذلك. وقالت: كيف أصنع بأبي غبشان وهو وصي معي. فقال قصي: أنا أكيفك أمره. فاتفق أن اجتمع أبو غبشان مع قصي في شرب بالطائف

صفقة لم يشهدها حاطب

فخدعه قصي عن مفاتيح الكعبة بأن أسكره ثم اشترى منه المفاتيح بزق خمر وأشهد عليه ودفع المفاتيح إلى ابنه عبد الدار بن قصي وسيره إلى مكة. فلما أشرف عبد الدار على دور مكة رفع عقيرته وقال: معاشر قريش هذه مفاتيح بيت أبيكم إسماعيل قد ردها الله عليكم من غير غدر ولا ظلم. فأفاق أبو غبشان من سكره أندم من الكسعي. فقال الناس: أحمق من أبي غبشان. أندم من أبي غبشان. وأخسر صفقة من أبي غبشان. فذهبت أمثالا. وأكثر الشعراء فيه القول صفقة لم يشهدها حاطب هو حاطب بن أبي بلتعة وكان حازما خبيرا. إذا باع بعض قومه أو اشترى جعل ذلك على يده لئلا يغبن فيه. فباع بعض أهله بيعة ليست عن يده فغبن فيها فقيل: هي صفقة لم يشهدها حاطب. يضرب لمن يقضي أمرا ليس عن يد أربابه أحمق من هبنقة قيل أنه جعل في عنقه قلادة من ودع وعظام وخزف وهو ذو لحية طويلة. فسئل عن ذلك. فقال: لأعرف بها نفسي ولئلا أضل. فبات ذات ليلة وأخذ أخوه قلادته فتقلدها فلما أصبح ورأى القلادة في عنق أخيه فقال: يا أخي أنت أنا فمن أنا. وقيل أنه ضل له بعير فجعل ينادي: من وجد بعيري فهو له. فقيل له: فلم تنشده. قال: فأين حلاوة الوجدان أحول من أبي قلمون وأبي براقش أبو برقش وأبو قلمون كنية الرجل الكثير التلون القليل الارتباط. وأصل أبي قلمون كنية لثياب ابريسم تنسج بمصر وبلاد الروم تتلون بالعيون ألوانا. قال بديع الزمان في بعض مقاماته: أنا أبو قلمون ... في كل لون أكون قلب له ظهر المجن يضرب لمن كان لصاحبه على مودة ورعاية ثم حال عن العهد. وقد يضرب للمحاربة بعد المسالمة. لأن ممسك المجن إذا جعل ظهره خارج لم يكن إلا ليتقي به ولا يفعل ذلك إلا المحارب هو أبطأ من فند اسم أبي زيد صاحب عائشة بنت سعد بن أبي وقاص. كان من المفنين المحسنين أرسلته عائشة ذات يوم ليأتيها بشعلة نار من بيوت الجيران. فوجد قوماً ذاهبين إلى مصر فتبعهم من فوره وأقام هناك سنة ثم قدم. ولما دخل الحي أخذ ناراً وجاء يعدو إلى بيت عائشة. فعثر بحجر هناك وتبددت النار التي كان قد أتى بها فقال: تعست العجلة. وفيه يقول الشاعر: ما رأينا لغراب مثلاً ... أن بعثناه يجيء بالمشمله

أحشفا وسوء كيلة

غير فندٍ أرسلته قابساً ... فثوى حولا وسب العجلة المشملة كساء يتدثر به. وغراب اسم رجل أرسلوه ليأتيهم بها فأبطأ. فقال بعضهم البيتين مشبها إياه بفند المذكور آنفا. أحشفا وسوء كيلة حكى الأصمعي أن أبا جعفر المنصور لقي أعرابيا بالشام وقال له: أحمد الله يا أعربي الذي رفع عنكم الطاعون بولايتنا أهل البيت. فقال له الأعرابي: أن الله أعدل من أن يجمع علينا حشفا وسوء كيلة. فلا يجمع بين ولايتكم والطاعون. يضرب لمن يجمع بين خصلتين مكروهتين كل الصيد في جوف الفرا أصله أن ثلاثة رجال خرجوا يصطادون فاصطاد أحدهم أرنبا والآخر ظبيا والآخر حمار وحش. فاستبشر الأولان وتطاولا فقال الثالث: كل الصيد في جوف الفرا. يضرب للرجل يكون له حاجات كثيرة منها واحدة عظيمة فتقضى له فيقول ذلك. أو يقال له ذلك على معنى أنه لم يبال بفوات البواقي. الفرا حما الوحش أهدى من القطا قيل أن القطا تترك فراخها في الصحراء وتذهب عند طلوع الفجر في طلب الماء من مسير ليلة فترده ضحوة يومها فتحمل الماء إلى فراخها فتنهلها. ثم ترجع بعد الزوال إلى تلك المسافة فتشرب وتأتي فراخها في عيشة يومها فتسقيها عللا بعد نهل ولا تخطئ مواضع فراخها لا تطعم العبد الكراع فيطمع في الذراع قيل لعمرو بن عدي ابن أخت جذيمة الأبرش. وكان قد هام على وجهه في البراري حتى توحش. واتفق أن رجلين من اليمن كانا يطلبانه جلسا في بعض الطريق يأكلان ومعهما امرأة تسقيهما الخمر فاقبل عليهما عمرو وجلس معهما على الطعام وهما لا يعرفانه. ثم سأل المرأة أن تسقيه فقالت المثل. يضرب لمن يرخص له في القليل فيطمع في الكثير قبة نجران هي قبة عظيمة يضرب بها المثل قيل أنها كانت تظلل ألف رجل. وكان إذا نزل بها مستجير أجير أو خائف أمن أو جائع أشبع أو مسترفد أعطي أو طالب حاجة قضيت. وكانت هذه القبة لعبد المسيح بن دارس بن عدي. ونجران بلد في اليمن كانت هذه القبة بجانب نهر فيها وكانت العرب تسميها كعبة نجران لأنهم كانوا يقصدون زيارتها كما يقصدون زيارة الكعبة. وعلى ذلك قول الأعشى يخاطب ناقته

أنت تئق وأنا مئق فكيف نتفق

وكعبة نجران حتم عليك ... حتى تناخي بأبوابها تزور يزيدا وعبد المسيح ... وقيسا وهم خير أربابها أنت تئق وأنا مئق فكيف نتفق يضرب للمتنافيين في الخلق. فأن التئق هو الممتلئ غيظا والمئق هو الباكي. فكان التئق ينزع إلى الشر لغيظه. والمئق يضيق ذراعا باحتماله. والتئق السريع إلى الشر والمئق السريع إلى البكاء حال الجريض دون القريض أصله أن رجلا كان له ابن نبغ في الشعر فنهاه عنه. فجاش به صدره ومرض حتى أشرف على الموت. فأذن له أبوه حينئذ في قول الشعر فقال: حال الجريض دون القريض أي أن غصة الموت حالت بينه وبين قول الشعر. يضرب لأمر يعوق دونه عائق ليس القوادم كالخوافي يضرب في تفصيل بعض الناس على بعضهم لما بينهم من التفاوت. والقوادم مقاديم ريش الطير وهي عشر ريشات في كل جناح ويقال لها القدامى. والخوافي ما دون القوام من الريش أتبع الفرس لجامه والناقة زمامها أي أنك قد جدت بالفرس. واللجام أيسر خطبا فأتم الحاجة. كما أن الفرس لا غنى به عن اللجام. يضرب لاستكمال المعروف أعز من الزباء الزباء هي فارعة ابنة مليح بن البراء ملكة جزيرة العرب يضرب بها المثل في العز والمنعة. وكان أبوها الريان الغساني ملكا على الحضر وقتله جذيمة الأبرش وطرد الزباء إلى الشام. فلحقت بالروم وكانت عربية اللسان كبيرة الهمة. وكان لها شعر إذا مشت سحبته وراءها وذا نشرته جللها فسميت الزباء. والأزب الكثير الشعر. وبلغت من همتها إنها جمعت الرجال وبذلت الأموال وعادت إلى دار أبيها ومملكته فأزالت جذيمة عنها وقتلته. وبنت على الفرات مدينتين متقابلتين وجعلت بينهما أنفاقا تحت الأرض وتحصنت. وأما مقلتها فأن قصيرا لما فارق جذيمة وعاد إلى بلاده احتال في قتلها فجذع أنفه وضرب جسده ورحل إليها زاعما أن عمرو ابن أخت جذيمة صنع به ذلك وأنه لجأ إليها هاربا منه واستجار بها. ولم يزل يتلطف لها بطريق التجارة وكسب الأموال إلى أن وثقت وعلم خفايا قصرها وأنفاقه. ثم وضع رجالا من قوم عمرو في غرائر وعليهم السلاح وحملهم على الإبل على أنها قافلة متجر إلى أن دخل بهم مدينتها. فحلوا الغراير وأحاطوا بقصرها وقتلها قبل أن تصل إلى نفقها في حكاية مشهورة وذلك بعد مبعث المسيح

أجود من هرم

أجود من هرم هو هرم بن سنان بن أبي حارثة المري. قال زهير بن أبي سلمى فيه: أن البخيل ملوم حيث كان ولك ... ن الجواد على علا ته هرم هو الجواد الذي يعطيك نائله ... غفواً ويظلم أحياناً فيظلم ووفدت ابنة هرم على عمر فقال لها: ما كان الذي أعطى أبوك زهيراً حتى قابله من المديح بما قد سار فيه. فقالت: أعطاه خيلاً تنضى وإبلا تتوى وثيابا تبلى ومالا يفنى. فقال عمر: لكن ما أعطاكم زهير لا يبليه الدهر ولا يفنيه العصر وهو قوله: قوم سنان أبوهم حين تنسبهم ... طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا محسدون على ما كان من نعم ... لا ينزع الله عنهم ما له حسدوا إنس إذا أمنوا جن إذا فزعوا ... مرزؤون بهاليلٌ إذا جهدوا احترس من العين فوالله لهي أنم عليك من اللسان قال أبو عبيدة: معناه رب عين أنم من لسان. وقال الشاعر: لا جزى الله دمع عيني خيراً ... بل جزى الله كل خير لساني نم طرفي فليس يكتم شيئا ... ووجدت اللسان ذا كتمان كنت مثل الكتاب أخفاه طي ... تخبرك العيون عن القلوب قال زهير: وإن تك في صديق أو عدو ... تخبرك العيون عن القلوب أحزم من الحرباء لأنه لا يخلي عن ساق شجرة حتى يمسك ساق شجرة أخرى. ومنها قول الحريري: اعتلقنا به اعتلاق الحرباء بالأعواد. وقوله أيضا: أبرز يا بني في بكور أبي زاجر. وجرأة أبي الحرث. وخرامة أبي قرة (وهو الحرباء) . وختل أبي جعدة. وحرص أبي عقبة. ونشاط أبي وثاب. ومكر أبي الحصين. وصبر أبي أيوب. وتلطف أبي غزوان. وتلون أبي براقش. وفي معناه قول الشاعر: أنى أتيح له حرباء تنضبةٍ ... لا يرسل الساق إلا ممسكا ساقا ضرب أخماسا لأسداس أصله أن الرجل إذا أراد سفرا بعيدا عود أبله أن تشرب خمسا أي كل خمسة أيام مرة. ثم عودها على السدس حتى إذا أخذت في السير تصبر عن الماء. يضرب لمن يسعى في المكر آخر البز على القلوص يقال فرس مقلص إذا كان طويل القوائم. وإذا كان كذلك كان أسرع. وقيل له مقلص

أحذر من قرلى

تشبيها بالرجل الذي قلص ثيابه أي شمرها فظهرت رجلاه. يضرب عند آخر المهد بالشيء وعند انقطاع أثره وذهاب أمره أحذر من قرلى قالوا: أنه طير من بنات الماء صغير الجرم حديد البصر سريع الاختطاف. لا يرى إلا مرفرفاً على وجه الماء على جانب كطيران الحدأة. يهوي بإحدى عينيه إلى قعر الماء طمعا ويرفع الأخرى إلى الهواء حذرا. فإن أبصر في الماء ما يستقل بحمله من سمك أو غيره انقض عليه كالسهم المرسل فأخرجه من قعر الماء. وإن أبصر في الهواء جارحا مر في الأرض. وكما ضربوا به المثل في الاختطاف كذلك ضربوا به المثل في الحذر والحزم فقالوا: احذر من القرلى كما قالوا: احذر من غراب. وقالوا احزم من قرلى كما قالوا احزم من حرباء. قال الشاعر: حذرا كن كالقرلى ... أن رأى خيرا تدلى أو رأى شرا تولى أوفى من السموءل هو السموءل بن عاديا من بهود يثرب الذي يضرب به المثل في الوفاء. وسبب ذلك أن امرء القيس بن حجر الكندي لما قتل أبوه وكان ملكا في كندة خرج يستنجد بملك الروم فمر على تيما وفيها حصن السموءل المسمى بالابلق المذكور في شعره. فأودع السموءل مائة درع وسلاحا ومضى. فسمع الحارث بن ظالم بها فجاء ليأخذها منه فأبى السموءل وتحصن بحصنه. فأخذ الحارث ابنا للسموءل وناداه أما أن تسلم الأدراع لي وأما قتلت ولدك. فأبى أن يسلم الأدراع فضرب وسط الغلام بالسيف فقطعه وأبوه يراه وانصرف. ومات امرؤ القيس قبل أن يعود إلى تيماء ومنع السموءل الأدراع إلى أن مات هو أيضا. وضرب به المثل وقال الأعشى في ذلك: كن كالسموءل إذ طاف الهمام به ... في حجفل كسواد الليل جرار بالأبلق الفرد من تيماء منزله ... حصن حصين وجار غير غدار إذ سامه خطيتي خسف فقال له ... مهما تقله فأني سامع جار فقال غدر وشكل أنت بينهما ... فاختر فما فيهما حظ لمختار فشك غير طويل ثم قال له ... اقتل أسيرك إني مانع جاري عندي له خلف أن كنت قاتله ... وإن قتلت كريما غير خوار فسوف يعقبه أن كنت قاتله ... رب كريم وقوم أهل أطهار مالا كثيرا وعرضا غير ذي دنس ... وإخوة مثله ليسوا بأشرار جدوا على أدب بهم بلا ترف ... ولا إذا شمرت حرب باغمار فقال يقدمه إذ قام يقتله ... أشرف سموأل فانظر للدم الجاري

رجع بخفي حنين

سأقتل ابنك صبرا أو تجيء بها ... طوعا فأنكر هذا أي إنكار فشك أوداجه والصدر في مضض ... عليه منطويا كالدرع بالنار واختار أدراعه أن لا يسب بها ... ولم يكن عنده فيها بحتار وقال لا نشتري عارا بمكرمة ... واختار مكرمة الدنيا على العار فصان بالصبر عرضا لم يشنه خنا ... وزنده في الوفاء الثاقب الواري والسموءل من شعراء الجاهلية المجيدين وله في الحماسة اللامية المشهورة. ومن شعره أيضا إني إذا ما الأمر بين شكه=وبدت عواقبه لمن يتأمل وتبرأ الضعفاء من إخوانهم ... وأناخ من حز الصميم الكلكل أدع التي هي أرفق الخلان بي ... عند الحفيظة للتي هي أجمل وله: يا ليت شعري حين أندب هالكا ... ماذا تونبني به أنواحي أيقلن لا تبعد فرب كريهة ... فرجتها بشجاعتي وسماحي ولقد أخذت الحق غير مخاصم ... ولقد بذلت الحق غير ملاحي رجع بخفي حنين قيل كان حنين اسكافا من أهل الحيرة ساومه أعرابي بخفين فلم يشتر منه شيئا فغاظه. فخرج فعلق أحد الخفين على شجرة في طريقه وتقدم قليلا وطرح الأخرى وكمن. فجاء الأعرابي فرأى أحد الخفين فوق الشجرة فقال: ما أشبهه بخف حنين لو كان معه الآخر لتكلفت أخذه. وتقدم فرأى الخف الآخر مطروحا فنزل وعقل بعيره وأخذه ورجع ليأخذ الأول. فخرج حنين من الكمين فأخذ بعيره وذهب ورجع الأعرابي إلى حيه بخفي حنين أعدى من الشنفرى هو ابن الأوس الازدري وكان من العدائين. ومن حديثه فيما ذكر أبو عمرو الشيباني أنه خرج الشنفرى وتأبط شرا وعمرو بن براق. فأغاروا على بجيلة فوجدوا لهم رصدا على الماء. فلما مالوا له في جوف الليل قال لهم تأبط شرا: إن الماء رصدا وإني لأسمع وجيب قلوب القوم. فقالا: ما سمع شيئاً وما هو إلا قلبك يجيب. فوضع أيديهما على قلبه وقال: والله ما يجيب وما كان وجابا. قالوا: فلا بد لنا من ورد الماء. فخرج الشنفرى فلما رآه الرصد عرفوه فتركوه حتى شرب الماء ورجع إلى أصحابه. فقال: والله ما بالماء أحد. ولقد شربت من الحوض. فقال تأبط شراً: بلى ولكن القوم لا يريدونك إنما يريدونني. ثم ذهب ابن براق فشرب ورجع ولم يتعرضوا له. فقال تأبط شراً للشنفرى: إذا أنا كرعت من الحوض فإن القوم سيشدون علي فيأسرونني. فأذهب كأنك تهرب ثم كن في أصل ذلك القرن فإذا

أندم من الكسعي

سمعتني أقول: خذوا خذوا فتعال فأطلقني. وقال لابن براق: إني سآمرك لستاسر للقوم ولا تنأ عنهم ولا تمكنهم من نفسك. ثم مر تأبط شراً حتى ورد الماء فحين كرع من الحوض شدوا عليه فأخذوه وكتفوه بوتر. وطار الشنفرى وأتى حيث أمره وأنحاز ابن البراق حيث يرونه. فقال تأبط شراً: يا معشر بجيلة هل لكم في خير أن تياسرونا في الفداء ويستأسر لكم ابن براق. قالوا: نعم. فقال: ويلك يا ابن براق أما الشنفرى فقد طار وهو يصطلي بنار بني فلان. وقد علمت ما بيننا وبين أهلك فهل لك أن تستأسر ويياسرونا في الفداء. قال: لا والله حتى أروز نفسي شوطا أو شوطين. فجعل يستن نحو الجبل ويرجع حتى إذا رأوا أنه أعيا طمعوا فيه فاتبعوه. ونادى تأبط شراً: خذوا خذوا. فخالف الشنفرى إلى تأبط شراً: يا معشر بجيلة أأعجبكم عدو ابن براق. أما والله لأعدون لكم عدواً ينسيكم عدوه. ثم أحضر ثلاثتهم فنجوا. ففي ذلك يقول تأبط شراً: ليلة صاحوا وأغروا بي سراعهم ... بالعيكتين لدى معدي بن براق كأنما حثحثوا حصا قوادمه ... أو أم خشف بذي شث وطباق لا شيء أسرع مني غير ذي عذر ... أو ذي جناح بجنب الريد خفاق فكل هؤلاء الثلاثة كانوا عدائين ولم يسر المثل إلا بالشنفرى أندم من الكسعي هو غامد بن الحرث. ومن حديث الكسعي أنه خرج يرعى أبله في واد فيه حمض وشوحط. فرأى قضيب شوحط نابتا في صخرة صماء ملساء. فقال: نعم منبت العود. في قرار الجلمود. ثم أخذ سقاءه فصب ما كان فيه من ماء في أصله فشربه لشدة ظمائه وجعل يتعاهده بالماء سنة حتى سبط العود وبسق واعتدل. فقطعه وجعل يقوه ويقوم أوده حتى صلح. فبراه قوسا وهو يرتجز ويقول: ادعوك فاسمع يا إلهي جرسي ... يا رب شددني لنحت قوسي وأنفع بقوسي ولدي وعرسي ... فإنها من لذتي لنفسي انحتها صفراء لون الورس ... صلداء ليست مثل قوس النكس ثم برى بقيته خمسة أسهم وهو يرتجز ويقول: هن لعمري خمسة حسان ... يلذ للرمي بها البنان كأنما قوامها ميزان ... فابشروا بالخصب يا صبيان أن لم يعقني الشؤم والحرمان ... أو يرمني بكيده الشيطان ثم أخذ قوسه وأسهمه وخرج إلى مكمن كان مورد الحمر في الوادي. فوارى شخصه حتى

إذا وردت رمى عيرا منها بسهم. فمرق منه بعد أن أنفذه وضرب صخرة فقدح منها نار. فظن أنه قد أخطأ فقال: أعوذ بالله العزيز الرحمان ... من نكد الجد معا والحرمان مالي رأيت السهم فوق الصفوان ... يرمي شرارا مثل لون العقيان فاخلف اليوم رجاء الصبيان ثم وردت حمر أخرى فرمى عيرا فصنع سهمه كالأول فظنه أخطأ فقال: أعوذ بالرحمان من شر القدر ... أأخطأ الهم لارهاف الوتر أم ذاك من سوء احتيال ونظر ... وأنني عهدي لرام ذو ظفر مطعم بالصيد في الدهر ثم وردت حمر أخرى فرمى عيرا بسهم. ففعل سهمه كالأول فظنه أخطأ فقال: يا حسرتا للشؤم والجد النكد ... قد شفني القوت لأهلي والوالد والله ما خلفت في ذاك العمد ... لصبيتي من سبد ولا لبد اذهب بالحرمان مع طول الأمد ثم وردت حمر أخرى فصنع كالأولى فقال: ما بال سهمي يظهر الحباحبا ... وكنت أرجو أن يكون صائبا إذ أمكن العير وأبدي جانبا ... وصار ظني فيه ظنا كاذبا وخفت أن أرجع يومي خائبا إذ أفلتت أربعة ذواهبا ثم وردت أخرى فصنع كالأول فقال: أبعد خمس قد حفظت عدها ... أحمل قوسي وأريد ردها أخزى الإله لينها وشدها ... والله لا تسلم عندي بعدها ولا أرجي ما حييت رفدها ... قد أعذرت نفسي وأبلت جهدها ثم خرج من مكمنه فاعترضته صخرة فضرب بالقوس عليها حتى كسرها. ثم قال: أبيت ليلتي ثم آتي أهلي. فبات فلما أصبح رأى خمسة حمر مصرعة ورأى أسهمه مضرجة بالدم. فندم على ما صنع وعض على أنامله حتى قطعها وقال: ندمت ندامة لو أن نفسي ... تطاوعني إذا لقتلت نفسي تبين لي سفاه الرأي مني ... لعمر الله حين كسرت قوسي وقد كانت بمنزلة المفدى ... لدي وعند صبياني وعرسي فلم أملك غداة رأيت حولي ... حمير الوحش أن ضرجت خمسي

الباب الرابع في المقامات

الباب الرابع في المقامات نخبة من مقامات السيد الفاضل ابي بكر الحسيني الحضرمي المقامة الشعرية حدث الناصر بن فتاح قال: سافرت إلى جو نفور. مع جماعة من مندسور. ولما قربنا منها قلت لهم: أين تنزلون فيها. قالوا: في بعض مدارسها. فقلت لهم: أنا سأنزل في بيت واليها وحارسها. لأني امتدحته بأبيات رائية. وأرجو أن يجيزني بجائزة سنية. فذهبت إلى دار الأمير. فوجدتها قد جمعت الصغير والكبير. فتأملته فإذا هو قد جمع بين الفقه والأدب. وحاز طرفي الكمال الغريزي والمكتسب. واحتوى على المنثور والمنظوم. ويفتي في جميع العلوم. والطلبة واقفون بين يديه. يرفعون أسئلتهم إليه. ثم لما فرع من الدرس في المنقول. شرع يدرس في علم المعقول. ثم قصده الشعراء بقصائدهم وأبياتهم. وهو يعطيهم على حسب نياتهم. فعند ذلك صغرت نفسي في عيني. وأخفيت الأبيات بعينها خوفا من ظهور شيني. فلم يلبث أن قام شاب وأنشد الأبيات بعينها بعد أن نقص منها جزءين. والجماعة يبالغون في تحسينها وهي هذه: يا صاحب النفس الأبية م والنهى حزت المدى

وحللت موضع عزة ... فوق السهى ولك الندى وحويت فضلا ما له ... من منتهى فبك الهدى فهب الألوف تفضلا ... فلأنها سم العدى فسر بها الوالي وأعطاه هبة جزيلة. وخلعة جميلة. فقام شيخ وقال: أيها الوالي هذه أبياتي وإنها سداسية الأجزاء. فانظر كيف سرقها وأخذ عليها الجزاء. وهي من كامل البحر ومن ضربه الثاني. فردها إلى الثامن قصدا لخفض شاني. فقال له الوالي: كيف قلت. فقال: يا صاحب النفس الأبية والنهى ... حزت المدى فاشكر نعيم الباري وحللت موضع عزة فوق السهى ... ولك الندى والذكر في الأمصار وحويت فضلا ما له من منتهى ... فيك الهدى والنور في الأسحار فهب الألوف تفضلا فلأنها ... سم العدى ومسرة الأخيار فالتفت الوالي إلى الشاب. وقال له: يا دنس الإهاب. أما تعلم أن سرقة الشعر كسرقة البر والشعير. وأن من تجرأ على أخذ القليل تجرأ على الكثير. فقال: أيها الوالي. جعل الله كعبك العالي. إمتحنا فعند الامتحان. يكرم المرء أو يهان. ومع التعديل والتجريح. يعرف الفاسد من الصحيح. فقال الشيخ: لقد نطقت بلساني. وعبرت عما في جناني. فمر أيها الوالي من أردته أن يبتدي. ليتبين لك المعتدي. واشتغل الوالي ببعض شانه. عن الشاب وامتحانه. فاضطرب الشيخ اضطراب الرشا. وظن أن الوالي ممن يقبل الرشى. فقال له الوالي:

دع الاضطراب. وأسمع الجواب. ثم اشتغل عنه بأمر رعيته. فاضطرب الشيخ على جاري سجيته. وقام منتصبا. وأنشد مضطربا: أشكو إلى حبر الزمان وقسه ... من جن هذا الحي بل من إنسه وأقول يا عين الألى عشقوا الندى ... صدقا وشادوا حصنه من أسه أبطا الجواب على الكئيب وطالما ... قد كان ينثر دره من حدسه والمرء لا يرجو الكريم سوى إذا ... سئم اللبيب من الأذى عن نفسه وأخو الندى يسقي غروس نواله ... سقي الحيا لزروعه ولغرسه لا تطو كشحا عن جوابي إنني ... كالميت يرجو نشره من رمسه فقال الفتى مغضبا. وأشار إلى الشيخ مخاطبا: يا أذل من وتد. ويا كثير الحسد. هل اطلع على أبياتك أحد. ثم التفت إلى الوالي. وقال ودمع خديه كاللآلي: يا من زكت في الأصل دوحة غرسه ... وسما بفضل حازه وبحدسه لا تصغ للعذال فيمن قد حوى ... فضلا ولم يرض الأذى من نفسه وأراد أن يمشي إلى السادس. فقال الوالي: حسبك أيها الفارس. ثم إنه أعطى الشيخ مثل ما أعطى الفتى. وأصلح بينهما وقال: قد ضل من بغى وعتا. فخرجا من داره. وقلبي يصلى بناره. وضاق علي الفضا. وشب في فؤادي جمر الغضا. حيث سرقت مني الأبيات. ولم أقدر على الإثبات. وأخفيت ما أجنه الضمير. خوفا من أن أكون أضحوكة للكبير والصغير. وذهبت إلى رفقتي في المدرسة. وقد

المقامة الوعظية

غلب علي الفكر والوسوسة. ولما قدمت عليهم. ونظرت عيني إليهم فإذا الرجل والفتى لبسا أحسن الملابس. وتصدرا أعلى المجالس. وتأملهما ووقفت على التحقيق. أنهما من جملة أصحابي في الطريق. وأردت أن أظهر القضية. وأوطن النفس على الأمنية أو المنية. ثم رأيت أن الصبر بمثلي أحرى. فاحتسبت الثواب في الدار الأخرى. ثم سألت عنه وعن الفتى. فقيل: هما رحلة الصيف والشتاء أبو الظفر الهندي ونجله الأديب. اللذان عليهما شعرة الذيب. فسألت الله الأمان والظفر. في الإقامة والسفر المقامة الوعظية روى الناصر بن فتاح قال: اشتاقت نفسي إلى الأترنج. فسألت عنه فقيل لي إنه لا يوجد إلا في بلدة صرنج. فسافرت إليها مع جماعة من الأدباء. والعلماء والخطباء. فلما وصلنا إلى فنائها. سألنا عن علمائها. فقيل ليس بها إلا الحاكة والصابغون. والحدادون والصائغون. وفيها جماعة من الحكماء والعلماء الأعلام. ولكنهم قد تغيروا بصحبة الحكام. وقد فشافيها فعل الحرام والظلم. ولم ينتظم لحاكمها حكم. فقلت لأصحابي: إني أرى في السفر السلامة. والعطب والضرر في الإقامة. وأخشى أن يخسف الله بهم الأرض. ونهلك بسببهم فسافروا تغنموا. وتجنبوا مواضع التهم لئلا تتهموا. فلما وعت كلامي المسامع. قالوا: ما منا إلا مطيع لك وسامع. ولما خرجنا من

البلد نحو ميل. ضاق من كثرة الخلق علينا السبيل. وانثالوا من كل ناحية ومكان. وتجمعوا من جميع البلدان. وهم قاصدون إلى البلدة التي خرجنا منها. والبقعة التي تجاوزنا عنها. ويقلون دخل البلد بعض الوعاظ. وقد فاق في بلاغته خطيب عكاظ. وإنه سيخطب ويعظ الناس يوم الجمة. فطوبى لمن يراه ويسمعه. فرجعت دون رفقتي. وأخذت معي قدر نفقتي. ولما قضينا النفل والفرض. جلست لاستماع الوعظ. فأقبل الواعظ يمشي مائسا. وبردائه متطلسا وصعد المنبر وقال: الحمد لله الكبير المتعال. الذي جرت عادته بالإمهال. دون الإهمال. الذي رفع العلم حتى رفع العلم حتى قصر كل مقصر دونه. وأشهد أن لا إله إلا هو عز وجل. شهادة عبد بذل لعباده النصيحة. وحذرهم من العصيان والوقوع في الفضيحة. وبعد فيا أيها الناس أوصيكم بتقوى الله وطاعته. والاحتراز من إبليس وبطانته. فانتبهوا من سنة الغفلة. ولا تغتروا بالمهلة. فإن رسوم الدين ببلدكم قد عفت. وأعلام الهدى قد طمست. وأحام الشريعة قد عطلت. والفرائض قد رفضت. والمحارم قد انتهكت. والخمور قد سربت. والأيتام والضعفاء قد ظلمت. حتى لبس الإسلام في هذا الزمان الفر ومقلوبا. فجعل أعلاه أسفله وأسفله أعلاه. وقرب فيه الجاهل. وأبعد فيه الفاضل. واستكمل الفاجر. واستنقص فبه الطاهر. وكذب الصادق وصدق الكاذب. واستؤمن الخائن واستخون

نخبه من مقامات بديع الزمان الهمذاني

الأمين. وهاجت الدهماء. وكثر الضلال والعمى. فلم يبق من الإسلام إلا اسمه. ولا من الدين إلا رسمه. وأنتم عباد الله غير الله معذورين من الله بتغيير ذلك. ولا متروكين عن المؤاخذة بذلك. فتوبوا وصححوا التوبة قبل إغلاق بابها. وقبل طلوع الشمس من مغربها. فبكى القوم حتى كاد أحدهم لا يستطيع الحركة. إلا إذا آخر حركه. ولقد رأيت الواحد يسبح في دموعه. وكدت من زفراته أعلم عدد ضلوعه. ولما رأى الخطيب القوم كجزوع نخل منقر. هرب كالسيل المنهمر. وتبعته في طريقته. لأطلع على حقيقته. فالتفت إلي وقال: يا مهدي. ارجع أنا أبو الظفر الهندي. فرجعت إلى رفقتي السابقة. وجوانحي من كثرة البكاء والخوف خافقة نخبه من مقامات بديع الزمان الهمذاني المقامة القريضية حدثنا عيسى بن هشام قال: طرحتني النوى مطارحها حتى إذا وطئت جرجان الأقصى. فاستظهرت على الأيام بضياع أجلت فيها يد العمارة. وأموال وقفتها على التجارة. وحانوت جعلته مثابة. ورفقة اتخذتها صحابة. وجعلت للدار. حاشيتي النهار. وللحانوت ما بينهما. فجلسنا يوما نتذاكر القربض وأهله وتلقاءنا شاب قد جلس غير بعيد ينصت وكأنه يفهم ويسكت وكأنه لا يعلم. حتى إذا مال الكلام بنا ميله. وجر الجدال فيناذيله. قال: قد أصبتم عذيقه. ووافيتم

جذيله. ولو شئت للفظت وأفضت. ولو قلت لأصدرت وأوردت. ولجلوت الحق في معرض بيان يسمع الصم. وينزل العصم. فقلت: يا فاضل ادن فقد منيت. وهات فقد أثنيت. فدنا وقال: سلوني أجبكم. واسمعوا أعجبكم. فقلنا: ما تقول في امرىء القيس. قال: هو أول من وقف بالديار وعرصاتها. واغتدى والطير في وكناتها. ووصف الخيل بصفاتها. ولم يقل الشعر كاسبا. ولم يجد القول راغبا. ففضل من تفتق للحيلة لسانه. وتنجع للرغبة بنانه. قلنا: فما تقول في النابغة قال: يثلب إذا حنق. ويمدح إذا رغب. ويعتذر إذا رهب. ولا يرمي إلا صائبا. قلنا فما تقول في زهير. قال: يذيب الشعر والشعر يذيبه. ويدعو القول والسحر يجيبه. قلنا: فما تقول في طرفة. قال: هو ماء الأشعار وطينتها. وكنز القوافي ومدينتها. مات ولم تظهر أسرار دفائنه. ولم تفتح أغلاق خزائنه. قلنا فما تقول في جرير والفرزدق. وأيهما أسبق. فقال: جرير أرق شعرا. وأغزر غزرا. والفرزدق أمتن صخرا. وأكثر فخرا. وجرير أوجع هجوا وأشرف يوما. والفرزدق أكثر روما. وأكرم قوما. وجرير إذا نسب أشجى. وإذا ثلب أردى. وإذا مدح أسنى. والفرزدق إذا افتخر أجزى. وإذا احتقر أزرى. وإذا وصف أوفى. قلنا: فما تقول في المحدثين من الشعراء والمتقدمين منهم. قال: المتقدمون أشرف لفظا. وأكثر من المعاني حظا. والمتأخرون ألطف صنعا وأرق نسجا. قلنا: فلو أريت من أشعارك.

ورويت لنا من أخبارك. قال: خذهما في معرض واحد وقال: أما تروني أتغشى طمرا ... ممتطيا في الضر أمرا مرا مضطبنا على الليالي غمرا ... ملاقيا منها صروفا حمرا أقصى أماني طلوع الشعرى ... فقد عنينا بالأماني دهرا وكان هذا الحر أعلى قدرا ... وماء هذا الوجه أغلى سعرا ضربت للسر قبابا خضرا ... في دار دارا وإوان كسرى فانقلب الدهر لبطن ظهرا ... وعاد عرف العيش عندي نكرا لم يبق من وفري إلا ذكرا ... ثم إلى اليوم هلم جرا لولا عجوز لي بسر من را ... وأفرخ دون جبال بصرى قد جلب الدهر عليهم ضرا ... قتلت يا سادة نفسي صبرا قال عيسى بن هشام: فأنلته ما تاح. وأرض عنا فراخ. فجعلت أنفيه وأثبته. وأنكره وكأني أعرفه. ثم دلتني عليه ثناياه. فقلت: الإسكندري والله. فقد كان فارقنا خشفا. ووافانا جلفا. ونهضت على إثره. ثم قبضت على خصره. وقلت ألست أبا الفتح. ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين. فأي عجوز لك بسر من را. فضحك إلي وقال: ويحك هذا الزمان زور ... فلا يغرنك الغرور لا تلتزم حالة ولكن ... در بالليالي كما تدور

المقامة الجرجانية

المقامة الجرجانية حدثنا عيسى بن هشام قال: بينا نحن بجرجان في مجمع لنا نتحدث وما فينا إلا منا. إذ وقف علينا رجل ليس بالطويل المتمدد. ولا القصير المتردد. كث العثنون يتلوه صغار. في أطمار. فافتتح الكلام بالسلام. وتحية الإسلام. فولانا جميلاً. وأوليناه جزيلاً. فقال: يا قوم إني امرؤ من أهل الإسكندرية من الثغور الأموية. نمتني سليم ورحبت بي عبس. جبت الآفاق. وتقصيت العراق. وجلت البدو والحضر. وداري ربيعة ومضر. ما هنت. حيث كنت. فلا يزرين بي عندكم ما ترونه من سملي وأطماري. فلقد كنا والله من أهل ثم ورم. نرغي لدى الصباح. ونثغي عند الرواح: وفينا مقامات حسان وجوههم ... وأندية ينتابها القول والفعل على مكثريهم رزق من يعتريهم ... وعند المقلين السماحة والبذل ثم إن الدهر يا قوم قلب لي من بينهم ظهر المجن. فاعتضت بالنوم السهر. وبالإقامة السفر. تترامى بي المرامي. وتتهادى بي المرامي. وقلعتني حوادث الزمن قلع الصمغة. فأصبح وأمسي أنقى من الراحة وأعرى من صفحة الوليد. وأصبحت فارغ الفناء. صفر الإناء. مالي كآبة الأسفار. ومعاقرة السفار. أعاني الفقر. وأماني الفقر. فراشي المدر. ووسادي الحجر: بآمد مرة وبرأس عين ... وأحيانا بميا فارقينا

ليلة بالشآم ثمت بالأه ... واز رحلي وليلة بالعراق فما زالت النوى تطرح بي كل مطرح حتى وطئت بلد الحجر وأحلتني بلد همذان. فقبلني أحياؤها. واشرأب إلي أحباؤها. ولكن ملت لأعظمهم جفنة. وأزهدهم جفوة: له نار تشب على يفاع ... إذا النيران ألبست القناعا فوطأ لي مضجعا. ومهد لي مهجعا. فإن ونى لي ونية هب لي ابن كأنه سيف يمان. أو هلال بدا في غير قتمان. وأولاني نعما ضاق عنها قدري. واتسع بها صدري. أولها فرش الدار. وآخرها ألف دينار. فما طيرتني إلا النعم. حيث توالت. والديم لما انثالت. فطلعت من همذان طلوع الشارد. ونفرت نفار الآبد. أفري المسالك. وأقتفر المهالك. وأعاني الممالك. على أني خلقت أم مثواي وزغلولا لي: كأنه دملج من فضة نبه ... في ملعب من عذارى الحي مفصوم وقد هبت بي إليكم ريح الاحتياج. ونسيم الإلفاج. فانظروا رحمكم الله لنقض من الأنقاض. هدته الحاجة وكدته الفاقة: أخا سفر جواب أرض تقاذفت ... به فلوات فهو أشعث أغبر جعل الله للخير عليكم دليلا. ولا جعل للشر إليكم سبيلا. قال عيسى بن هشام: فرقت والله له القلوب. واغرورقت للطف كلامه العيون. ونلناه ما تاح في ذلك الوقت. وأعرض عنا حامدا لنا. فتبعته فإذا هو شيخنا أبو الفتح الإسكندري

المقامة البصرية

المقامة البصرية حدثنا عيسى بن هشام قال: دخلت البصرة وأنا من سني في فتاء ومن الزي في حبر ووشاء. ومن الغنى في بقر وشاء. فأتيت المربد في الزي في رفقة تأخذهم العيون ومشينا غير بعيد إلى بعض تلك المنتزهات. في تلك المتوجهات. وملكتنا أرض فحللناها. فما كان بأسرع من ارتداد الطرف حتى عن لنا سواد. تخفضه وهاد وترفعه نجاد. وعلمنا أنه يهم بنا فأتلعنا له حتى أداه إلينا سيره ولقينا بتحية الإسلام. ورددنا عليه مقتضى السلام. ثم أجال فينا طرفه وقال: يا قوم ما منكم إلا من يلحظني شزرا. ويوسعني حزرا. وما ينبئكم عني. أصدق مني. أنا رجل من أهل الإسكندرية. من الثغور الأموية. قد وطأ لي الفضل ورحب بي عيش ونماني بيت. ثم جعجع بي الدهر عن ثمه ورمه. وأتلاني زغاليل حمر الحواصل: كأنهم حيات أرض محلة ... فلو يعضون لذكى سمهم إذا نزلنا أرسلوني كاسبا ... وإن رحلنا ركبوني كلهم ونشزت علينا البيض وشمست منا الصفر. وأكلتنا السود وحطمتنا الحمر. وانتابنا أبو مالك. فما يلقانا أبو جابر إلا عن عقر. وهذه البصرة ماؤها هضوم. وفقيرها مهضوم. والمرء من ضرسه في شغل. ومن نفسه في كل. فكيف بمن يطوف ما يطوف ثم يأوي ... إلى زغب محددة العيون

المقامة القردية

كساهن البلى شعثا فتمسي ... جياع الناب ضامرة البطون ولقد أصبحن اليوم وسرحن الطرف في حي كميت. وبيت كلا بيت. وقلبن الأكف على ليت. ففضضن عقد الدموع. وأفضن ماء الضلوع. وتداعين باسم الجوع: والفقر في زمن اللئا ... م لكل ذي كرم علامة رغب الكرم إلى اللئا ... م وتلك أشراط القيامة ولقد اخترتكم يا سادة. ودلتني عليكم السعادة. وقلت قسما. إن فيهم لدسما. فهل من فتى يعشيهن. أو يغشيهن. وهل من حر يغديهن. أو يرديهن. قال عيسى بن هشام: فو الله ما استدان على حجاب سمعي كلام رائع أبرع وأرفع وأبدع مما سمعت منه. لا جرم إنا استمحنا الأوساط. ونفضنا الأكمام وبحثنا الجيوب. ونلته أنا مطرفي وأخذت الجماعة إخذي. وقلنا له: الحق بأطفالك فأعرض عنا بعد شكر وفاه. ونشر ملأ به فاه المقامة القردية حدثنا عيسى بن هشام قال: بينا أنا بمدينة السلام. قافلا من البلد الحرام. أميس ميس الرجلة. على شاطئ الدجلة. أتأمل تلك الطرائف. وأتقصى تلك الزخارف. إذا انتهيت إلى حلقة رجال مزدحمين يلوي الطرب أعناقهم. ويشق الضحك أشداقهم. فساقني الحرص إلى ما ساقهم حتى وقفت بمسمع صوت الرجل دون مرأى

المقامة العلمية

وجهه لشدة الهجمة. وفرط الزحمة. فإذا هو قراد يرقص قرده. ويضحك من عنده. فرقصت رقص المحرج. وسرت سير الأعرج. فوق رقاب الناس يلفظني عاتق هذا لسرة ذاك. حتى افترشت لحية رجلين. وقعدت بعد الأين. وقد أشرقني الخجل بريقه. وأرهقني المكان بضيقه. ولما فرغ القراد من شغله. وانتفض المجلس عن أهله. قمت وقد كساني الدهش حلته. لأرى صورته. فإذا هو والله أبو الفتح الإسكندري. فقلت: ما هذه الدناءة ويحك. فأنشأ يقول: ألذنب للأيام لا لي ... فاعتب على صرف الليالي بالحمق أدركت المنى ... ورفلت في حلل الجمال المقامة العلمية حدثنا عيسى بن هشام قال: كنت قي بعض مطارح الغربة مجتازا فإذا أنا برجل يقول لآخر: بم أدركت العلم وهو يجيبه. قال: طلبته فوجدته بعيد المرام. لا يصطاد بالسهام. ولا يقسم بالأزلام. ولا يرى في المنام. ولا يضبط باللجام. ولا يورث عن الأعمام. ولا يستعار من الكرام. فتوسلت إليه بافتراش المدر. واستناد الحجر. ورد الضجر. وركوب الخطر وإدمان السهر. واصطحاب السفر وكثرة النظر. وإعمال الفكر. فوجدته شيئا لا يصلح إلا للغرس. ولا يغرس إلا في النفس. وصيدا لا يقع إلا في الندر. ولا ينشب إلا في الصدر. وطائرا لا يخدعه إلا قنص اللفظ.

المقامة الملوكية

ولا يعلقه إلا شرك الحفظ. فحملته على الروح وحبسته على العين. وأنفقت من العيش وخزنت في القلب. وحررت بالدرس واسترحت من النظر إلى التحقيق. ومن التحقيق إلى التعليق. واستعنت في ذلك بالتوفيق. فسمعت من الكلام ما فتق السمع ووصل إلى القلب. وتغلغل في الصدر. فقلت: يا فتى ومن أين مطلع هذه الشمس. فجعل يقول: إسكندرية داري ... لو قر فيها قراري لكن بالشام ليلي ... وبالعراق نهاري المقامة الملوكية حدثنا عيسى بن هشام قال: كنت في منصر في من اليمن. وتوجهي إلى نحو الوطن. أسري ذات ليلة لا سانح بها إلا الضبع. ولا بارح إلا السبع. فلما انتضي نصل الصباح. وبرز جبين المصباح. عن لي في البراح. راكب شاكي السلاح. فأخذني منه ما يأخذ الأعزل. من مثله إذا أقبل. لكني تجلدت فوقفت وقلت: أرضك لا أم لك فدوني شرط الحداد. وخرط القتاد. وحمية أزدية. وأنا سلم إن كنت. فمن أنت. فقال: سلما أصبت. ورفيقا كما أحببت. فقلت: خبرا أحببي. وسرنا فلما تخالينا. وحين تجالينا. أجلت القصة عن أبي الفتح الإسكندري. وسألني عن أكرم من لقيته من الملوك فذكرت ملوك الشام. ومن بها من الكرم. وملوك العراق ومن

بها من الأشراف. وأمراء الأطراف. وسقت الذكر. إلى ملوك مصر. فرويت ما رأبت وحدثته بعوارف ملوك اليمن ولطائف ملوك الطائف وختمت مدح الجملة. بذكر سيف الدولة. فأشأ يقول: يا ساريا بنجوم الليل يمدحها ... ولو رأى الشمس لم يعرف لها خطرا وواصفا للسواقي هبك لم تزر ال ... بحر المحيط ألم تعرف له خبرا من أبصر الدر لم يعدل به حجرا ... ومن رأى خلفا لم يذكر البشرا زره تزر ملكا يعطي بأربعة ... لم يحوها أحد وانظر إلية ترى أيامه غررا ووجهه قمرا ... وعزمه قدرا وسيبه مطرا ما زلت أمدح أقواما أظنهم ... صفو الزمان فكانوا عنده كدرا (قال عيسى بن هشام) فقلت: من هذا الملك الرحيم الكريم. فقال: كيف يكون. ما لم تبلغه الظنون. وكيف أقوال. ما لم تقبله العقول. ومتى كان ملك يأنف الأكارم. إن بعث بالدراهم. والذهب. أيسر ما يهب. والألف. لا يعمه إلا الخلف. وهذا جبل الكحل قد أضر به الميل. فكيف لا يؤثر ذلك العطاء الجزيل. وهل يجوز أن يكون ملك يرجع من البذل إلى سرفه. ومن الخلق إلى شرفه ومن الدين إلى كلفه. ومن الملك إلى كنفه ومن الأصل إلى سلفه ومن النسل إلى خلفه فليت شعري من هذي مآثره ... ماذا الذي ببلوغ النجم ينتظر

المقامة البخارية

المقامة البخارية حدثنا عيسى بن هشام قال: أحلني جامع بخارى وقد انتظمت مع رفقة في سلك الثريا. وحين احتفل الجامع بأهله طلع إلينا ذو طمرين قد أرسل صوانا. واستتلى طفلا عرياناً. يضيق بالضر ويسعه. ويأخذه القر ويدعه. لا يملك غير القشرة بردة. ولا يلتقي لحياة رعدة. فوقف الرجل وقال: لا ينظر لهذا الطفل إلا من رحم الله طفله. ولا يرق لهذا الضر إلا من لا يأمن مثله. يا أصحاب الخروز المفروزة. والأردية المطروزة. والدور المنجدة. والقصور المشيدة. إنكم لن تأمنوا حادثا. ولن تعدموا وارثا. فبادروا الخير ما أمكن. وأحسنوا مع الدهر ما أحسن. فقد والله طمعنا السكباج. وركبنا الهملاج. ولبسنا الديباج. وافترشنا الحشايا بالعشايا. فما راعنا غلا هبوب الدهر بغدره. وانقلاب المجن لظهره. فعاد الهملاج قطوفا. والديباج صوفا. وهلم جرا إلى ما تشاهدون من حالي وزيي. فها نحن نرتضع من الدهر ثدي عقيم. ونركب من الفقر ظهر بهيم. فلا نرنو إلا بعين اليتيم. ولا نمد إلا يد العديم. فهل من كريم يجلو غياهب هذه البؤوس. ويفل شبا هذه النحوس. ثم قعد مرتفقا وقال للطفل: أنت وشأنك. فقال: ما عسى أن أقول وهذا الكلام لو لقي الشعر لحلقه. أو الصخر لفلقه. وإن قلبا لم ينضجه لنيئ. وقد سمعتم يا قوم ما لم تسمعوا قبل اليوم. فليشغل كل منكم بالجود يده. وليذكر غده. واقياً بي ولده. وامنحوني

وأشكركم. واذكروني أذكركم. وأعطوني أشكركم. قال عيسى بن هشام: فما انسني في وحدتي غلا خاتم ختمت به خنصره. فلما تناوله أنشأ وجعل يقول: وممنطقٍ من نفسه ... بقلادة الجوزاء حسنا متألفٍ من غير أس ... رته على الأيام خدنا علقٌ سني قدره ... لكن من أهداه أسنى أقسمت لو كان الورى ... في المجد لفظا كنت معنى قال عيسى بن هشام: فنلناه ما تاح من الفور فأعرض عنا حامداً لنا. فتبعته حتى سفرت الخلوة عن وجهه. فإذا هو والله شيخنا أبو الفتح الإسكندري. وإذا الطلا زغلوله فقلت: أبا الفتح شبت وشب الغلام. فأين السلام وأين الكلام. فقال: غريبا إذا جمعتنا الطريق ... أليفا إذا نظمتنا الخيام فعلمت أنه يكره مخاطبتي فتركته وانصرفت

الباب الخامس في المناظرة

الباب الخامس في المناظرة مناظرة الأزهار أو المقامة الوردية حدثنا الريان عن أبي الريحان. عن أبي الورد أبان. عن بلبل الأغصان. عن ناظر الإنسان. عن كوكب البستان. عن وابل الهتان. قال: مررت يوما على حديقة. خضرة نضرة أنيقة. طلولها وديقة. وأغصانها وريقة. وكوكبها أبدى بريقه. ذات ألوان وأفنان. وأكمام وأكنان. وإذا بها أزرار الأزهار مجتمعة. وأنوار الأنوار ملتمعة. وعلى منابر الأغصان أكابر الأزاهر. والصبا تضرب على رؤوسها من الأوراق الخضر بالمزاهر. فقلت لبعض من عبر: ألا تحدثوني ما الخبر. فقال: إن عساكر الرياحين قد حضرت. وأزهار البساتين قد نظرت لما نضرت. واتفقت على عقد مجلس حافل. لاختيار من هو بالملك أحق وكافل. وها أكابر الأزهار قد صعدت المنابر. لبيدي كل حجته للناظر. ويناظر بين أهل المناظر. في أنه أحق أن يتأمر على البوادي منها والحواضر. فجلست لأحضر فصل الخطاب. وأسمع ما يأتي به كل من الحديث المستطاب (فهجم الورد) بشوكته. ونجم من بين الرياحين معجبا بإشراق

صورته. وإفراق صولته. وقال: بسم الله المعين وبه نستعين. أنا الورد ملك الرياحين. والوارد منعشا للأرواح ومتاعا لها إلى حين. ونديم الخلفاء والسلاطين. والمرفوع أبدا على الأسرة لا أجلس على ترب ولا طين. والظاهر لوني الأحمر على أزاهر البساتين. والعزيز عند الناس. والمودود بين الجلاس للإيناس. والعادل في المزاج. والصالح في العلاج. أسكن حرارة الصفراء. وأقوي الباطن من الأعضاء. وابرد أنواع اللهيب الكائنة في الراس. وربما أستخرجها منه بالعطاس. وانفع من القلاع والقروح. وأنا بعطريتي ملائم لجوهر الروح. ومن تجرع من مائي يسيرا. نفع من الغشي والخفقان كثيرا. ودهني شديد النفع للخراجات. وفيه مآرب كثيرة لذوي الحاجات. وأنا مع ذلك جلد صبار. أجري مع الأقدار. إذا صليت بالنار. فلهذا رفعت من أغصاني الأشائر. ودقت من داراتي البشائر. وأعملت لي المشاعر. وقال في الشاعر: للورد عندي محل ... ورتبة لا تمل كل الرياحين جند ... وهو الأمير الأجل إن جاء عزوا وتاهوا ... حتى إذا غاب ذلوا (فقام النرجس) على ساق. ورمى الورد منه بالأحداق. وقال: لقد تجاوزت الحد يا ورد. وزعمت أنك جمع في فرد. إن اعتقدت أن لك بحمرتك فخرة. فإنها منك فجرة. وإن قلت إنك نافع

في العلاج. فكم لك في منهاج الطب من هاج. فاحفظ حرمتك. وإلا كسرت بقائم سيفي شوكتك. ويكفيك قول البستي فيك: لا يغرنك أنني لين الم ... س لأني إذا انتضيت حسام أنا كالورد فيه راحة قوم ... ثم فيه لآخرين زكام ولكن أنا القائم لله في الدياجي على ساقي. ألساهر طول الليل في عبادة ربي فلا تطرف أحداقي. وأنا مع ذلك المعد للحروب. ألمدعو عند تزاحم الكروب. ألا ترى وسطي لا يزال مشدودا. وسيفي لا يزال مجرودا. وأنا فريد الزمان. في المحاسن والإحسان. ولهذا قال في كسرى أنوشروان: النرجس ياقوت أصفر. بين در أبيض على زمرد أخضر. وأنا المقرون في مهمات الأدواء بالصلاح. أنفع غاية النفع. من داء الثعلب والصرع. ومن الدليل على صلاحي. أن أبا نواس غفر له أثنى علي بأبيات قالها في امتداحي: تأمل في رياض الأرض وانظر ... إلى آثار ما صنع المليك عيون من لجين شاخصات ... بأحداق كما الذهب السبيك على قضيب الزبرجد شاهدات ... بأن الله ليس له شريك ولقد أحسن ابن الرومي حيث قال. مبينا فضلي على كل حال: أيها المحتج للور ... د بزور ومحال ذهب النرجس بالفض ... ل فأنصف في المقال (فقام الياسمين) وقال: آمنت برب العالمين. لقد تجبست

يا جبس. وأكثرك رجس ننجس. وأنت قليل الحرمة. واسمك مشمول بالعجمة. وكيف تطلب الملك وأنت بعد قائم مشدود الوسط في الخدمة رأسك لا يزال منكوس. وأنت المهيج للقيء المصدع من المحرورين للروس. أصفر من غير علة. مكسو أحقر حلة. ويكفيك بعض واصفيك. أرى النرجس الغض الزكي مشمراً ... على ساقه في خدمة الورد قائم وقد ذل حتى لف من فوق رأسه ... عمائم فيها لليهود علائم ولكن أنا زين الرياض. والموسوم في الوجه بالبياض. شطر الحسن كما ورد. وأنا ألطف من ورد جاورد. ونشري أعبق من نشرك صباحا وندا. فأنا أحق بالملك منك منصورا ومؤيدا. وأنا النافع من أمرض العصب الباردة. والملطف للرطوبات الجامدة. أنفع من اللقوة والشقيقة والزكام. ومن وجع الرأس البلغمي والسوداوي. ودهني نافع من الفالج ووجع المفاصل. ويحلل الأعضاء ويجلب العرق الفاضل. يقول لي لسان الحال: لست الهزيل مقاما ياسمين. ويشهد لسان الألثغ بأني الدر الغالي إذا قال: يا ثمين أنا الياسمين الذي ... لطفت فنلت المنى فريحي لمن قد نأى ... وعيني إلى من دنا وقد شفت حضرتي ... لصبري على من جنى (فقام البان) وأبدى غاية الغضب وأبان وقال: لقد تعديت

يا ياسمين طورك. وأبعدت في المداغورك. وكونك أضعف الكون. وكثرة شمك تصفر اللون. وإذا سحق اليابس منك ورض. وذر على الشعر الأسود أبيض. وإذا قسم اسمك قسمين صار ما بين يأس ومينٍ. وإن ذكرت نفعك. فأنت كما قيل لا تساوي جمعك. ولقد صدق القائل. من الأوائل: لا مرحبا بالياسمين ... وإن غدا في الروض زينا صحفته فوجدته ... متضمنا يأسا ومينا ولكن أنا ذو الاسمين. والظافر بالأصل والفرع بالقسمين. والقريب من الباز. والمضروب بقدي المثل في الاهتزاز. أزهاري عالية وأدهاني غالية. وقد ألبست خلعة السنجاب. واتفق على فضلي الأنجاب. أنفع بالشم من مزاحه حار. وأرطب دماغه وأسكن صداعه. ودهني نافع لكل وجع بارد. وتحت ذلك صور كثيرة الموارد. من الراس والضرس. ويكفي في وردي. قول ابن الوردي: تجادلنا أماء الزهر أذكى ... أم الخلاف أم ورد القطاف وعقبى ذلك الجدل اصطلحنا ... وقد وقع الوفاق على الخلاف (فقام النسرين) بين القائمين. منتصرا لأخيه الياسمين. وقال: أتتعدى يابان على شقيقي. وأين الفري من الذهب الدبيقي. ألم يعرفك الحال. قول من قال: لله بستان حللنا دوحه ... في جنة قد فتحت أبوابها

والبان تحسبه سنانيرا رأت ... بعض الكلاب فنفشت أذنابها ولكن أنازين البستان. وفي من الذهب والفضة لونان. أنفع من أورام الحلق واللوزتين ووجع الأسنان. ومن برد العصب والدوي والطنين في الآذان. وأسكن القيء والفواق. وأقوي القلب والدماغ على الإطلاق. وبي غاية الانتفاع. والبري مني إذا لطخ به الجبهة سكن الصداع. ويكفيك من المعاني. قول من عناني: ما أحسن النسرين عندي وما ... أملحه مذ كان في عيني زهر إذا ما أنا صفحته ... وجدته بشرى ويسرين (فقام البنفسج) وقد التهب. ولاحت عليه زرقة الغضب. وقال: أيها النسرين لست عندنا من المعدودين. ولا في الصلاح من المحمودين. لأنك حار يابس إنما توافق المبرودين. ولا تصلح إلا للمشايخ المبلغمين. وأنت كثير الإذاعة فلست على حفظ الأسرار بأمين. ويعجبني ما قال فيك بعض المتقدمين: ولم أنس قول الورد لا تركنوا إلى ... معاهدة النسرين فهو يمين ألا تنظروا منه بنانا مخضبا ... وليس لمخضوب البنان يمين ولكن أنا اللطيف الذات. ألبديع الصفات. ألمشبه برزق اليواقيت. وأعناف الفواخيت. ومزاجي رطب بارد. ومنافعي كثيرة الموارد. أولد دما في غاية الاعتدال. وأنفع الحار من الرمد والسعال. وأسكن الصداع الصفراوي والدموي لمن شم أو ضمد.

وألين الصدر وأنفع من التهاب المعد. وكفاني شرفا بين الإخوان. أن دهني سيد الأدهان. بارد في الصيف حار في الشتاء فهو صالح في كل الأزمان. وذلك لأنه يسكن القلق. وينوم أصحاب الأرق. ومنافعي لا تحصى. وما أودعه خالقي في لا يستقصى. من رآني أذن بالانشراح. وتفاءل بالانفساح. ألا تسمع قول من باح وصاح: يا مهديا لي بنفسجا أرجا ... يرتاح صدري له وينشرح بشرني عاجلا مصحفه ... بأن ضيق الأمور ينفسح (فقام اللينوفر) على ساق. وحشد الجيوش وساق. وأنشد بعد إطراق: بنفسج الروض تاه عجبا ... وقال طيبي للجو ضمخ فأقبل الزهر في احتفال ... والبان في غيظه تنفخ ثم قال البنفسج: بأي شيء تدعي الإمارة. وتطاوع نفسك والنفس أمارة. وأكثر ما عندك أنك تشبه بالعذار وبالنار في الكبريت. وحاصل هذين يرجع إلى أشنع صيت. وما من نفع ذكرته عنك إلا وأنا أفعل مثله وأكثر. وأنا أحرى بسلامة العاقبة منك وأجدر. من شرب اليابس منك ولده قبضا على القلب. وربى في معدته وأمعائه وأحدث له الكرب. وقد كفانا الورد مؤونة الرد عليك. وحذرنا من القرب منك والإصغاء إليك. فقال: أعلي يفتخر البنفسج جاهلاً ... وإلي يعزى كل فضل يبهر

وأنا المحبب للقلوب زمانه ... وبمقدمي أهل المسرة تفخر وقال الحاكي. عن الورد الباكي: عانيت ورد الروض يلطم خده ... ويقول وهو على البنفسج محنق لا تقربوه وإن تضوع نشره ... ما بينكم فهو العدو الأزرق ولكن أنا اللطيف الغواص. ألكثير الخواص. أسكن الصداع الحار. وأذهب بالأرق والأسهار. وما أحسن ما قال في. بعض واصفي: يرتاح للينوفر القلب الذي ... لا يستفيق من الغرام وجهده والورد أصبح في الروائح عبده ... والنرجس المسكي خادم عبده يا حسنه في بركة قد أصبحت ... محشوة مسكا تشاب بنده ومني صنف يقال له البشنين. يشابهني في التكوين. لا في التلوين. ويحدث عند إطباق النيل. وله في منافع الطب تنويل. دهنه محمود في البرسام. إذا تسعط به ذو الأسقام. وقد أنشد فيه. من أراد أن يوصله حقه ويوفيه: وبركة بغدير الماء قد طفحت ... بها عيون من البشنين قد فتحت كأنها وهي تزهو في جوانبها ... مثل السماء وفيها أنجم سبحت (فقام الآس) وقد استعد. وقال: لقد تجاوزت يا لينوفر الحد. ألست المضعف للمرء في قواه. الجالب له صفة الشيخوخة في صباه. ولقد عرفك. من قال حين وصفك: ولينوفر أبدى باطن له ... مع الظاهر المخضر حمرة عندم

فشبهته لما قصدت هجاءه ... بكاسات حجام بها لوثة الدم أنا المقوي للأبدان. الحابس للإسهال والعرق وكل سيلان. ألمنشف من الرطوبات. ألمانع من الصنان. ألمسكن للأورام والحمرة والشرى والصداع والخفقان. وأنا الباقي في طول الزمان. وقال في بعض الأعيان: الآس سيد أنواع الرياحين ... في كل وقت وحين في البساتين يبقى على الدهر لا تبلى نضارته ... لا في المصيف ولا في برد كانون وقال آخر: للآس فضل بقائه ووفائه ... ودوام منظره على الأوقات قامت على أغصانه ورقاته ... كنصول نبل جئن مؤتلفات (فقام الريحان) وقال: يا آس. لأجرحنك جرحا ما له من آس: إذا قالت حذام فصدقوها ... فإن القول ما قالت حذام وأنا الوارد في: عليكم بالمرزنجوش. فشموه فإنه جيد للخشام وأنا أنفع من لسعة العقرب لمن بالخل ضمد. ودهني يدخل في الضمادات للفالج الذي يعرض فيه ميل الرقبة إلى خلف وفي تشنج الأعصاب. ومع هذا فأنا المنوه باسمي في القرآن. حيث يقال: فروح وريحان. وحسبك مني في التشبيه. قول من قال على البديه: أما ترى الريحان أهدى لنا ... حما حما منه فأحيانا كأنه في ظله والندى ... زمرد يحمل مرجانا

فعطف عليه الآس. وقال: يا ريحان أتريد أن تسود. وأنت تشبه بهامات العبيد السود. ألم يغنك عن مقصوري. قول الشهاب المنصوري: وريحان تميس به غصون ... يطيب بشمه لثم الكؤوس كسودان لبسن ثياب خز ... وقد قاموا مكاشيف الرؤوس قال الراوي: فلما أبدى كل ما لديه. وقال ما ورد عليه. اتفق رأي الناظرين. وأهل الحل والعقد من الحاضرين. على أن يجعلوا بينهم حكما عادلا. يكون لقطع النزاع بينهم فاصلا. فقصدوا رجلا عالما بالأصول والفروع. حافظا للآثار الموقوف منها والمرفوع. عارفا بالأنساب. مميزا بين الأسماء والألقاب. والأتباع والأصحاب. مديد الباع. بسيط اليدين في معرفة الخلاف والإجماع. خبيرا بمباحث الجدل. واستخراج مسالك العلل. متبحراً في علوم اللغة والإعراب. مطلعا بعلوم البلاغة والخطاب. محيطا بفنون البديع. حافظا للشواهد الشعرية التي هي أبهى من زهر الربيع. شديد الرمية. سديد الإصابة. ألشعر والنظم صوغ بيانه. والنثر والإنشاء طوع بنانه. والتاريخ الذي هو فضيلة غيره فضلة ديوانه. فلما مثلوا بين يديه. ووقعت أعينهم عليه. قالوا: يا فريد الأرض. يا عالم البسيطة ما بين طولها والعرض. إنا أخصام بغى بعضنا على بعض. فانظر في حالنا لنكون لك ذخيرة يوم العرض. واحكم بيننا بالحق.

مناظرة بين فصول العام

واقض لأينا بالملك أحق. فقال: أيتها الأزهار إني لست كالذي تحاكم إليه العنب والرطب. ولا الذي تقاضى إليه المشمش والتوت ولا التين والعنب. إني لا أقبل الرشا. ولا أطوي على الغل الحشا ولا أميل مع صاحب رشوة. ولا أستحل من مال المسلمين حسوة. إنما أحكم بما ثبت في السنة. ولا أسلك غلا طريقا موصلا للجنة. فقصوا علي الخبر. لأعرف من فجر منكم وبر. فلما قص عليه كل قوله. وأبدى هينه وهوله. قال: ليس أحد منكم عندي مستحقا للملك. ولا صالحا للانخراط في هذا السلك. ولكن الملك الأكبر. والسيد البر. وصاحب المنبر ذو النشر الأعطر. والقدر الأخطر. ألسيد الأيد الصالح الجيد هو الفاغية. وقد جاء في الحديث: إن سيد الرياحين في الدنيا والآخرة الفاغية اشتمل على ما في الرياحين من الحسنى وحكم له بالسيادة. وشهد له بها وناهيك بالشهادة (قال) فلما سمعت الرياحين الأحاديث في فضل الفاغية أطرقوا رؤوسهم خاشعين. وظلت أعناقهم لها خاضعين. ودخلوا تحت أمره سامعين طائعين. ومدوا أيديهم لها مبايعين بالإمرة ومتابعين. وقالوا لقد كنا قبل في غفلة عن هذا إنا كنا ظالمين. وإنا إذا لمن الآثمين. وقضى بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين مناظرة بين فصول العام حضر فصول العام مجلس الأدب. في يوم بلغ منه الأديب

نهاية الأرب. بمشهد من ذوي البلاغة. ومتقي صناعة الصياغة. فقام كل منهم يعرب عن نفسه. ويفتخر على أبناء جنسه (فقال الربيع) : أنا شاب الزمان. وروح الحيوان. وإنسان عين الإنسان. أنا حياة النفوس. وزينة عروس الغروس. ونزهة الأبصار. ومنطق الأطيار. عرف أوقاتي ناسم. وأيامي أعياد ومواسم. فيها يظهر النبات. وتنشر الأموات. وترد الودائع. وتتحرك الطبائع. ويمرح جنيب الجنوب. وينزح وجيب القلوب. وتفيض عيون الأنهار. ويعتدل الليل والنهار. كم لي عقد منظوم. وطراز وشي مرقوم. وحلة فاخرة. وحلية ظاهرة. ونجم سعد يدني راعيه من الأمل. وشمس حسن تنشد: يا بعد ما بين برج الجدي والحمل. عساكري منصورة. وأسلحتي مشهورة. فمن سيف غصن مجوهر. ودرع بنفسج مشهر. ومغفر شقيق أحمر. وترس بهار يبهر. وسهم آس يرشق فينشق. ورمح سوسن سنانه أزرق. تحرسها آيات. وتكنفها ألوية ورايات. بي تحمر من الورد خدوده. وتهتز من البان قدوده. ويخضر عذار الريحان. وينتبه من النرجس طرفه الوسنان. وتخرج الخبايا من الزوايا. ويفتر ثغر الأقحوان قائلا: أنا ابن جلا وطلاع الثنايا إن هذا الربيع شيء عجيب ... تضحك الأرض من بكاء السماء ذهب حيثما ذهبنا ودر ... حيث درنا وفضة في الفضاء

(وقال الصيف) : أنا الخل الموافق. والصديق الصادق. والطبيب الحاذق. أجتهد في مصلحة الأصحاب. وأرفع عنهم كلفة حمل الثياب. وأخفف أثقالهم. وأوفر أموالهم. وأكفيهم المؤونة. وأجزل لهم المعونة. وأغنيهم عن شراء الفرا. وأحقق عندهم أن كل الصيد في جوف الفرا. ونصرت بالصبا. وأوتيت الحكمة في زمن الصبا. بي تتضح الجادة. وتنضج من الفواكه المادة. ويزهو البسر والرطب. وينصلح مزاج العنب. ويقوى قلب اللوز. ويلين عطف التين والموز. وينعقد حب الرمان. فيقمع الصفراء ويسكن الخفقان. وتخضب وجنات التفاح. ويذهب عرف السفرجل مع هبوب الرياح. وتسود عيون الزيتون. وتخلق تيجان النارنج والليمون. ومواعدي منقودة. وموائدي ممدودة. ألخير موجود في مقامي. والرزق مقسوم في أيامي. ألفقير ينصاع بملء مده وصاعه. والغني يرتع في ملكه وأقطاعه. والوحش تأتي زرافات ووحدانا. والطير تغدو خماصا وتروح بطانا. قال ابن حبيب: مصيف له ظل مديد على الورى ... ومن حلا طعما وحلل أخلاطا يعالج أنواع الفواكه مبديا ... لصحتها حفظا يعجز بقراطا (وقال الخريف) : أنا سائق الغيوم. وكاسر جيش الغموم. وهازم أحزاب

السموم. وحادي نجائب السحائب. وحاسر نقاب المناقب. أنا أصد الصدى. وأجود بالندى. وأظهر كل معنى جلي. وأسمو بالوسمي والولي. في أيامي تقطف الثمار. وتصفوا الأنهار من الأكدار. ويترقرق دمع العيون. ويتلون ورق الغصون. طورا يحاكي البقم. وتارة يشبه الأرقم. وحينا يبدو حلته الذهبية. فيجذب إلى خلته القلوب الأبية. وفيها يكفى الناس هم الهوام. ويتساوى في لذة الماء الخاص والعام. وتقدم الأطيار مطربة بنشيشها. رافلة في الملابس المجددة في ريشها. وتعصر بنت العنقود. وتوثق في سجن الدن بالقيود. على أنها لم تجترح إثما. ولم تعاقب إلا عدوانا وظلما. بي تطيب الأوقات وتحصل اللذات. وترق النسمات. وترمى حصى الجمرات. وتسكن حرارة القلوب. وتكثر أنواع المطعوم والمشروب. كم لي من شجرة أكلها دائم. وحملها للنفع المتعدي لازم. وورقها غير زائل. وقدود أغصانها تخجل كل رمح ذابل. ولابن حبيب: إن فصل الخريف وافى إلينا ... يتهادى في حليه كالعروس عيره كان للعيون ربيعا ... وهو ما بيننا ربيع النفوس (وقال الشتاء) : أنا شيخ الجماعة. ورب البضاعة. والمقابل بالسمع والطاعة. أجمع شمل الأصحاب. وأسبل عليهم الحجاب. وأتحفهم بالطعام والشراب. ومن ليس له بي طاقة أغلق من دونه الباب. أميل إلى

المطيع. ألقادر المستطيع. المعتضد بالبرود والفرا. المستمسك من الدثار بأوثق العرى. ألمرتقب قدومي وموافاتي. ألمتأهب للسبع المشهورة من كافاتي. ومن يعش عن ذكري. ولم يمتثل أمري. أرجفته بصوت الرعد. وأنجزت له من سيف البرق صادق الوعد. وسرت إلية بعساكر السحاب. ولم أقنع من الغنيمة بالإياب. معرفي معروف. ونيل نيلي موصوف. وثمار إحساني دانية القطوف. كم لي من وابل طويل المدى. وجود وافر الجدا. وقطر حلا مذاقه. وغيث قيد العفاة إطلاقه. وديمة تطرب السمع بصوتها. وحيا يحيي الأرض بعد موتها. أيامي وجيزة. وأوقاتي عزيزة. ومجالسي معمورة. بذوي السيادة مغمورة. بالخير والمير والسعادة. نقلها يأتي من أنواعه بالعجب. ومناقلها تسمح بذهب اللهب. وراحها تنعش الأرواح. وتفتن العقول الصحاح. إن ردتها وجدت مالا ممدودا. وإن زرتها شاهدت لها بنين شهودا: وإذا رميت بفضل كأسك في الهوا ... عادت عليك من العقيق عقودا يا صاحب العودين لا تهملهما ... حرك لنا عودا وحرق عودا فلما نظم كل منهم سلك مقاله. وفرغ من الكلام على شرح حاله. أخذ الجماعة من الطرب ما يأخذ أهل السكر. وتجاذبوا أطراف مطارف الثناء والشكر. وظهرت أسرار السرور. وانشرحت صدور الصدور. وهبت نسمات قبول الإقبال. وأنشد الحال:

البحر والبر

وماذا يعيب المرء في مدح نفسه ... إذا لم يكن في قوله بكذوب ثم انفض المجلس وحل النطاق. وتفرق شمل أهله وآخر الصحبة الفراق (نسيم الصبا لابن حبيب الحلبي) البحر والبر قد تفاوض لسان حال البحر ولسان حال البر. وهما في محاورة بين عيد الفطر وعيد النحر. بعتاب في السر منزه عن الشر. (فقال البر) : يا صاحب الدر ومعدن الدر أغرقت رياضي. ومزقت جسوري وأحواضى. وأغرقت جثتي ودخلت جنتي. وتلاطمت أمواجك على جنتي. وأكلت جزائري وجروفي. وأهلكت مرعى فصيلي وخروفي. وأهزلت ثوري وحملي. وفرسي وجملي. وأجريت سفنك على أرض لم تجر عليها. ولم تمر طرف غرابها إليها. وغرست أوتادها على أوتاد الأرض. وعرست في مواطن النفل والفرض. وجعلت مجرى مراكبك في مجرى مراكبي. ومشى حوتك على بطنه في سعد أخبية مضاربي. وغاص ملاحك في ديار فرحي. وهاجرت من القرى إلى أم القرى. وحملت فلاحي أثقاله على القرى. وقد تلقيتك من الجنادل بصدري. وحملتك إلى برزخك على ظهري. وقبلت أمواجك بثغري. وخلقت مقياسي فرحا بقدومك إلى مصري. وقد جرت وعدلت. وفعلت ما فعلت. وأخرجت ما بيني وبينك. واخترت رحيلك وبينك. فعلك تغيض. ولا يكون ذهابك علي

ذهاب بغيض. أو تفارق هذه الفجاج. وتختلط بالبحر العجاج. وإن لم تفعل شكوناك إلى من أنزلك من السماء. وأنعم بك علينا من خزائن الماء: إذا لم تكن ترحم بلادا ولم تغث ... عبادا فمولاهم يغيث ويرحم وإن صدرت منهم ذنوب عظيمة ... فعفو الذي أجراك يا بحر أعظم نمد إليه أيديا لم نمدها ... إلى غيره والله بالحال أعلم (قال البحر) : يا بر يا ذا البر. ومنبت البر. هكذا تخاطب ضيفك. وهو يخصب شتاءك وصيفك. وقد ساقني الله إلى أرضك الجرز. ومعدن الدر والخرز. لأبهج زرعها وأخيلها. وأخرج أبها ونخيلها. وأكرم مثوى ساكنك. وأنزل البركة في أماكنك. وأثبت لك في قلب أهلك أحكام المحبة. وأنبت بك لهم في كل سنبلة مائة حبة. وأحييك حياة طيبة يبتهج بها عمرك الجديد. ويتلو كذلك يحيي الله الموتى ألسنة العبيد. وأطهرك من الأوساخ. وأحمل إليك الإبليز فأطيبك به من عرق السباخ. وأنا هدية الله إلى مصرك. وملك عصرك القائم بنصرك. وكذلك أنمي مال السلطان. ولولا بركاتي عليك ومسيري في كل مسرى إليك لكنت واديا غير ذي زرع. وصاديا غير ذي ضرع. هذا ولم أتحرك إليك إلا بإذن أسمعه بأذن. وأخرج لأجلك من جنات عدن. وأدخل بعد إحيائك في البحر الأعظم. وقيل إنه جهنم. وتهتز طربا إذا رحلت

وفود العرب على كسرى

عنك بأمر من أرسلني إليك وتتبسم فلا أقل من أن تزودني بشكر. في صحو وسكر. فإلى الله البر. أحاكمك أيها البر. وأسأله أن يسخرك ويسخرني لأهل الخير والبر. فأنا وأنت إلى خيره فقيران. وترابك ومائي لأهل عباده طهوران. وبعد ذلك فأقول لك يا مبارك المسالك. وكنانة الله المحروسة بالملائك: سريت أنا ماء الحياة فلا أذى ... إذا عشت للأصحاب فالمال هين فكن خضرا يا بر واعلم بأنني ... إلى طينك الظمآن بالري أحسن وأسعى إليه من بلاد بعيدة ... وأحسن أجري بالتي هي أحسن إذا طاف طوفاني بمقياسك الذي يسر بإتيان الوفاء ويعلن فقم وتلقاه ببسطتك التي ... لروضتها فضل على الروض بين ولعمري لقد تلطف البر في عتابه وأحسن. ودفع البحر في جوابه بالتي هي أحسن. وقد اصطلحنا على مصالحنا بين العيدين. وصارا بفضل الله لنا كالعبدين. وهما بحمد الله خوانان لعباده. أو أخوان متظافران على عمارة بلاده. فالله تعالى يخصب مرعاهما. ويحرسهما ويرعاهما. ويثبتهما بالجبال الشواهق. ويقر بهما جفون الأحداق وعيون الحدائق (الكنز المدفون للسيوطي) وفود العرب على كسرى روى ابن القطامي عن الكلبي قال: قدم النعمان المنذر على كسرى وعنده وفود الروم والهند والصين. فذكروا من

ملوكهم وبلادهم. فافتخر النعمان بالعرب وفضلهم على جميع الأمم لا يستثني فارس ولا غيرها. فقال كسرى وأخذته عزة الملك: يا نعمان لقد فكرت في أمر العرب وغيرهم من الأمم. ونظرت في حال من يقدم علي من وفود الأمم. فوجدت الروم لها حظا في اجتماع ألفتها وعظم سلطانها. وكثرة مدائنها ووثيق بنيانها. وأن لها دينا يبين حلالها وحرامها. ويرد سفيهها ويقيم جاهلها. ورأيت الهند نحوا من ذلك في حكمتها وطبها مع كثرة أنهار بلادها وثمارها. وعجيب صناعاتها وطيب أشجارها. ودقيق حسابها وكثرة عددها. وكذلك الصين في اجتماعها وكثرة صناعات أيديها وفروسيتها وهمتها في آلة الحرب وصناعة الحديد. وأن لها ملكا يجمعها. والترك والخزر على ما بهم من سوء الحال في المعاش وقلة الريف والثمار والحصون وما هو رأس عمارة الدنيا من المساكن والملابس لهم ملوك تضم قواصيهم وتدبر أمرهم. ولم أر للعرب شيئا من خصال الخير في أمر دين ولا دنيا ولا حزم ولا قوة. ومع أن مما يدل على مهانتها وذلها وصغر همتها محلتهم التي هم بها مع الوحوش النافرة والطير الحائرة. يقتلون أولادهم من الفاقة. ويأكل بعضهم بعضا من الحاجة. قد خرجوا من مطاعم الدنيا وملابسها ومشاربها ولهوها ولذاتها. فأفضل طعام ظفر به ناعمهم لحوم الإبل التي يعافها كثير من السباع لثقلها وسوء طعمها وخوف دائها. وإن قرى أحدهم ضيقا عدها مكرمة. وإن أطعم أكلة عدها غنيمة.

تنطق بذلك أشعارهم وتفتخر بذلك رجالهم. ما خلا هذه التنوخية التي أسس جدي اجتماعها وشد مملكتها ومنعها من عدوها. فجرى لها ذلك إلى يومنا هذا. وإن لها مع ذلك آثارا لبوسا وقرى وحصونا وأمورا تشبه بعض أمور الناس (يعني اليمن) . ثم لا أراكم تستكينون على ما بكم من الذلة والقلة والفاقة والبؤس حتى تفتخروا وتريدوا أن تنزلوا فوق مراتب الناس. قال النعمان: أصلح الله الملك. حق لأمة الملك منها أن يسمو فضلها ويعظم خطبها وتعلو درجتها. إلا أن عندي جوابا في كل ما نطق به الملك في غير رد عليه ولا تكذيب له. فإن أمنني من غضبه نطقت به. قال كسرى: قل فأنت آمن. قال النعمان: أما أمتك أيها الملك فليست تنازع في الفصل لموضعها الذي هي به من عقولها وأحلامها وبسطة حكمها وبحبوحة عزها. وما أكرمها الله به من ولاية آبائك وولايتك. وأما الأمم التي ذكرت فأي أمة تقرنها بالعرب إلا فضلتها. قال كسرى: بماذا. قال النعمان: بعزها ومنعتها وحسن وجوهها وبأسها وسخائها وحكمة ألسنتها وشدة عقولها وأنفتها ووفائها. فأما (عزها ومنعتها) فإنها لم تزل مجاورة لآبائك الذين دوخوا البلاد ووطدوا الملك وقادوا الجند. ولم يطمع فيهم طامع ولم ينلهم نائل. حصونهم ظهور خيلهم ومهادهم الأرض وسقوفهم السماء. وجنتهم السيوف وعدتهم الصبر. إذ غيرهم من الأمم إنما عزها الحجارة والطين وجزائر البحور. وأما (حسن وجوهها وألوانها) فقد يعرف فضلهم في

ذلك على غيرهم من الهند المنحرفة. والصين المنحفة. والترك المشوهة. والروم المقشرة. وأما (أنسابها وأحسابها) فليست أمة من الأمم إلا وقد جهلت آباءها وأصولها وكثيرا من أولها وآخرها. حتى أن أحدهم يسأل عمن وراء أبيه دنيا فلا ينسبه ولا يعرفه. وليس أحد من العرب إلا يسمي آباءه أبا فأبا. أحاطوا بذلك أحسابهم. وحفظوا به أنسابهم. فلا يدخل رجل في غير قومه. ولا ينتسب إلى غير نسبه ولا يدعي إلى غير أبيه. وأما (سخاؤها) فإن أدناهم رجلا الذي تكون عنده البكرة أو الناب. عليها بلاغه في حمولته وشبعه وريه. فيطرقه الطارق الذي يكتفي بالفلذة ويجتزئ بالشربة. فيعقرها له ويرضى أن يخرج عن دنياه كلها فيما يكسبه حسن الأحدوثة وطيب الذكر. وأما (حكمة ألسنتهم) فإن الله تعالى أعطاهم في أشعارهم ورونق كلامهم وحسنه ووزنه وقوافيه مع معرفتهم من ألسنة الأجناس. ثم خيلهم أفضل الخيل ونساؤهم أعف النساء. ولباسهم أفضل اللباس. ومعادنهم الذهب والفضة. وحجارة جبالهم الجزع. ومطاياهم التي لا يبلغ على مثلها سفن ولا يقطع بمثلها بلد قفر. وأما (دينها وشريعتها) فإنهم متمسكون به حتى يبلغ أحدهم من نسكه بدينه أن لهم أشهراً حرماً وبلداً محرماً وبيتاً محجوجاً. ينسكون فيه مناسكهم ويذبحون فيه ذبائحهم. فيلقى الرجل قاتل أبيه أو أخيه وهو قادر على أخذ ثأره وإدراك رغمه منه

فيحجزه كرمه ويمنعه دينه عن تناوله بأذى. وأما (وفاؤها) فإن أحدهم يلحظ اللحظة ويومئ الإيماء فهي ولثٌ وعقدةٌ لا يحلها إلا خروج نفسه. وإن أحدهم ليرفع عودا من الأرض فيكون رهنا بدينه فلا يغلق رهنه ولا تخفر ذمته. وإن أحدهم ليبلغه أن رجلاً استجار به وعسى أن يكون نائياً عن داره فيصاب. فلا يرضى حتى يفني تلك القبيلة التي أصابته أو تفنى قبيلته لما أخفر من جواره. وإنه ليلجأ إليهم المجرم المحدث من غير معرفة ولا قرابة فتكون أنفسهم دون نفسه وأموالهم دون ماله. وأما قولك أيها الملك (يئدون أولادهم) فإنما يفعله بعض جهلتهم بالإناث أنفة من العار. وأما قولك (إن أفضل طعامهم لحوم الإبل على ما وصفت منها) فما تركوا ما دونها إلا احتقارا له. فعمدوا إلى أجلها وأفضلها فكانت مراكبهم وطعامهم. مع أنها أكثر البهائم شحوما وأطيبها لحوما. وأرقها ألبانا وأقلها غائلة. وأحلاها مضغة. وإنه لا شيء من اللحمان يعالج بما يعالج به لحمها إلا استبان فضلها عليه. وأما (تحاربهم وأكل بعضهم بعضا وتركهم الانقياد لرجل يسوسهم ويجمعهم) . فإنما يفعل ذلك من يفعله من الأمم إذا آنست من نفسها ضعفا وتخوفت نهوض عدوها إليها بالزحف. وإنه إنما يكون في المملكة العظيمة أهل بيت واحد يعرف فضلهم على سائر غيرهم فيلقون إليهم أمورهم وينقادون لهم بأزمتهم. وأما العرب فإن ذلك كثير فيهم حتى لقد حاولوا أن يكونوا ملوكا

أجمعين مع أنفتهم من أداء الخراج والعشر والصبر على القسر. أما اليمن التي وصفها الملك فلما أتى جد الملك الذي أتاه عند غلبة الجيش له على ملك متسق وأمر مجتمع فأتاه مسلوبا طريدا مستصرخا قد تقاصر عن إيوائه. وصغر في عينه ما شيد من بنائه. ولولا ما وتر به من يليه من العرب لمال إلى مجال. ولوجد من يجيد الطعان ويغضب للأحرار من غلبة العبيد الأشرار. (قال) فعجب كسرى لما أجابه النعمان به وقال: إنك لأهل لموضعك من الرئاسة في أهل إقليمك ولما هو أفضل. ثم كساه من كسوته وسرحه إلى موضعه من الحيرة فلما قدم النعمان الحيرة وفي نفسه ما فيها مما سمع من كسرى من تنقص العرب وتهجين أمرهم بعث إلى أكثم بن صيفي وحاجب بن زرارة التميميين وإلى الحارث بن ظالم المري. فلما قدموا عليه في الخورنق قال لهم: قد عرفتم هذه الأعاجم وقرب جوار العرب منها. وقد سمعت من كسرى مقالات تخوفت أن يكون لها غور. أو يكون إنما أظهرها لأمر أراد أن يتخذ به العرب خولاً كبعض طماطمته في تأديتهم الخراج إليه كما يفعل بملوك الأمم الذين حوله. فاقتص عليهم مقالات كسرى وما رد عليه. فقالوا: أيها الملك وفقك الله ما أحسن ما رددت وأبلغ ما أجبت به. فمرنا بأمرك وادعنا إلى ما شئت. قال: إنما أنا رجل منكم وإنما ملكت

وعززت بمكانكم وما يتخوف من ناحيتكم. وليس شيء أحب إلي مما سدد الله به أمركم وأصلح به شأنكم وأدام به عزكم. والرأي أن تسيروا بجماعتكم أيها الرهط وتنطلقوا إلى كسرى. فإذا دخلتم نطق كل رجل منكم بما حضره ليعلم أن العرب على غير ما ظن أو حدثته نفسه. ولا ينطق رجل منكم بما يغضبه فإنه ملك عظيم السلطان كثير الأعوان مترف معجب بنفسه. ولا تنخزلوا له انخزال الخاضع الذليل. وليكن أمر بين ذلك تظهر به وثاقة حلومكم وفضل منزلتكم وعظيم أخطاركم. وليكن أول من يبدأ منكم بالكلام أكثم بن صيفي لسنى حاله ثم تتابعوا على الأمر من منازلكم التي وضعتكم بها. فإنما دعاني إلى التقدمة إليكم علمي بجميل كل رجل منكم على التقدم قبل صاحبه. فلا يكونن ذلك منكم فيجد في آدابكم مطعنا. فإنه ملك مترف وقادر مسلط. ثم دعا لهم بما في خزائنه من طرائف حلل الملوك لكل رجل منهم حلة وعممه عمامة وختمه بياقوتة. وأمر لكل رجل منهم بنجيبة مهرية وفرس نجيبة وكتب معهم كتاباً: أما بعد فإن الملك ألقى إلي من أمر العرب ما قد علم. وأجبته بما قد فهم. بما أحببت أن يكون منه على علم. ولا يتجلجلج في نفسه أن أمة من الأمم التي احتجزت دونه بمملكتها وحمت ما يليها بفضل قوتها تبلغها في شيء من الأمور التي يتعزز بها ذوو الحزم والقوة والتدبير والمكيدة. وقد أوفدت أيها الملك رهطا من العرب لهم

فضل في أحسابهم وأنسابهم وعقولهم وآدابهم. فليسمع الملك وليغامض عن جفاء إن ظهر من منطقهم. وليكرمني بإكرامهم وتعجيل سراحهم. وقد نسبتهم في أسفل كتابي هذا إلى عشائرهم فخرج القوم في أهبتهم حتى وقفوا بباب كسرى بالمدائن. فدفعوا إليه الكتاب فقرأه وأمر بإنزالهم إلى أن يجلس لهم مجلسا يسمع منهم. فلما أن كان بعد ذلك بأيام أمر مرازبته ووجوه أهل مملكته فحضروا وجلسوا على كراسي عن يمينه وشماله. ثم دعا بهم على الولاء والمراتب التي وصفهم النعمان بها في كتابه. وأقام الترجمان ليؤدي إليه كلامهم فأقام كل منهم خطبة أخذت بمجامع قلب الملك.... فلما انتهوا عن الكلام. قال كسرى: قد فهمت ما نطقت به خطباؤكم وتفنن فيه متكلمكم. ولولا أني أعلم أن الأدب لم يثقف أودكم ولم يحكم أمركم وأنه ليس لكم ملك يجمعكم فتنطقون عنده منطق الرعية الخاضعة الباخعة فنطقتم بما استولى على ألسنتكم وغلب على طباعكم. لم أجز لكم كثيراً مما تكلمتم به وإني لأكره أن أجبه وفودي أو أحنق صدورهم. والذي أحب هو إصلاح مدبركم وتألف شواذكم والإعذار إلى الله فيما بيني وبينكم. وقد قبلت ما كان في منطقكم من صواب وصفحت عما كان فيه من خلل. فانصرفوا إلى ملككم فأحسنوا مؤازرته والتزموا طاعته واردعوا سفهاءكم وأقيموا أودهم. وأحسنوا أدبهم فإن في ذلك صلاح العامة (لابن عبد ربه)

الباب السادس في الحكايات واللطائف

الباب السادس في الحكايات واللطائف الأعرابي ومعن بن زائدة كان معن بن زائدة أميرا على العراق وكان له في الكرم اليد البيضاء وهو من الحلم على أعظم جانب. فقدم عليه أعرابي ذات يوم يمتحن حلمه. فلما وقف قال: أتذكر إذ لحافك جلد شاة ... وإذ نعلاك من جلد البعير قال معن: أذكر ولا أنساه. فقال الأعرابي: فسبحان الذي أعطاك ملكا ... وعلمك الجلوس على السرير قال معن: يا أخا العرب السلام سنة وشأنك في الأمير. فقال الأعرابي: سأرحل عن بلاد أنت فيها ... ولو جار الزمان على الفقير قال معن: يا أخا العرب إن جاورتنا فمرحبا بك وإن رحلت فمصحوب بالسلامة. فقال الأعرابي: فجد لي يا ابن ناقصة بشيء ... فإني قد عزمت على المسير

الشاعر المتعصب للعجم

قال معن: أعطوه ألف دينار يستعين بها على سفره. فأخذها وقال: قليل ما أتيت به وأني ... لأطمع منك بالمال الكثير قال معن: أعطوه ألفا آخر. فأخذها وقال: سألت الله أن يبقيك ذخرا ... فمالك في البرية من نظير فقال معن: أعطوه ألفا آخر. فقال الأعرابي: يا أمير المؤمنين ما جئت إلا مختبرا حلمك لما بلغني عنه. فلقد جمع الله فيك من الحلم ما لو قسم على أهل الأرض لكفلهم. فقال معن: يا غلام كم أعطيته على نظمه قال: ثلاثة آلاف دينار. فقال: أعطه على نثره مثلها. فأخذها ومضى في طريقه شاكرا الشاعر المتعصب للعجم (قال بديع الزمان الهمذاني) كنت عند الصاحب كافي الكفاة أبي القاسم إسماعيل بن عباد يوما وقد دخل عليه شاعر من شعراء العجم. فأنشده قصيدة يفضل فيها قومه على العرب وهي: غنينا بالطبول عن الطلول ... وعن عنس عذافرة ذمول فلست بتارك إيوان كسرى ... لتوضيح أو لحومل فالدخول وضب بالفلا ساع وذئب ... بها يعوي وليث وسط غيل يسلون السيوف لرأس ضب ... حراشا بالغداة وبالأصيل إذا ذبحوا فذلك يوم عيد ... وإن نحروا ففي عرس جليل أما لو لم يكن للفرس إلا ... نجار الصاحب القرم النبيل

لكان لهم بذلك خير فخر ... وجيلهم بذلك خير جيل فلما وصل إلى هذا الموضع من إنشاده قال له الصاحب: فقدك. ثم اشرأب ينظر إلى الزوايا وأهل المجلس وكنت جالسا في زاوية البهو فلم يرني. فقال: ابن أبي الفضل. فقمت وقلبت الأرض وقلت: أمرك. قال: أجب عن ثلاثتك. قلت: وما هي. قال: أدبك ونسبك ومذهبك. فأقبلت على الشاعر فقلت: وما هي. قال: أدبك ونسبك ومذهبك. فأقبلت على الشاعر فقلت: لا فسحة للقول ولا راحة للطبع إلا السرد كما تسمع ثم أنشدت أقول: أراك على سفا خطر مهول ... بما أودعت لفظك من فضول تريد على مكارمنا دليلا ... متى احتاج النهار إلى دليل ألسنا الضاربين جزى عليكم ... وإن الجزي أولى بالذليل متى قرع المنابر فارسي ... متى عرف الأغر من الحجول متى عرفت وأنت بها زعيم ... أكف الفرس أعراف الخيول فخرت بملء ما ضغتيك هجرا ... على قحطان والبيت الأصيل وتفخر أن مأكولا ولبسا ... وذلك فخر ربات الحجول ففاخرهن في خد أسيل ... وفرع في مفارقها رسيل وأمجد من أبيك إذا تزيا ... عراة كالليوث عن الخيول (قال) فلما أتممت إنشادي التفت إليه الصاحب. وقال له: كيف رأيت. قال: لو سمعت به ما صدقت. قال: فإذن جازتك جوازك. إن رأيتك بعدها ضربي عنقك. ثم قال: لا أدري أحدا يفضل العجم على

العرب إلا وفيه عرق من المجوسية ينزع إليه (بدائع البدائه للأزدي) روى عقيل بن خالد عن ابن شهاب أن مروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير اجتمعا ذات يوم في حجرة عائشة والحجاب بينهما وبينها يحدثانها ويسألانها. فجرى الحديث بين مروان وابن الزبير ساعة وعائشة تسمع. فقال مروان: فمن يشإ الرحمان يخفض بقدره ... وليس لمن لم يرفع الله رافع فقال ابن الزبير: فقوض إلى الله الأمور إذا اعترت ... وبالله لا بالأقربين أدافع فقال مروان: وداو ضمير القلب بالبر والتقى ... فلا يستوي قلبان قاس وخاشع فقال ابن الزبير: ولا يستوي عبدان هذا مكذب ... عتل لأرحام العشيرة قاطع فقال مروان: وعبد يجافي جنبه عن فراشه ... يبيت يناجي ربه وهو راكع فقال ابن الزبير: وللخير أهل يعرفون بهديهم ... إذا اجتمعت عند الخطوب المجامع فقال مروان: وللشر أهل يعرفون بشكلهم ... تشير إليهم بالفجور الأصابع فسكت ابن الزبير ولم يجب فقالت عائشة: يا عبد الله ما لك

لم تجب صاحبك. فو الله ما سمعت تجاولا في نحو ما تجاولتما فيه أعجب إلي من تجاولكما. فقال ابن الزبير: إني خفت عوار القول فكففت جلس أبو إسحاق النجيرمي عند كافور الإخشيدي فدخل عليه أبو الفضل بن عياش فقال: أدام الله أيام مولانا (وكسر ميم أيام) فتبسم كافور إلى أبي إسحاق. فقطن لذلك فقال ارتجالا: لاغرو أن لحن الداعي لسيدنا ... وغص من دهش بالريق أو بهر فمثل سيدنا حالت مهابته ... بين الأديب وبين الفتح بالحصر وإن يكن خفض الأيام عن غلط ... في موضع النصب لا عن قلة البصر فإن أيامه خفض بلا نصب ... وإن دولته صفو بلا كدر فأمر له بثلاثمائة دينار وللنجيرمي بمائتين أخبر الشيخ تاج الدين العلامة أبو اليمن الكندي قال: بلغني أن علقمة بن عبد الرزاق العليمي لما قصد بدرا الجمالي بمصر رأى على بابه أشراف الناس وكبراءهم وشعراءهم. فسألهم عن حالهم فكل أخبره عن طول مقامه ببابه وتعذر لقائه له. وسألوه عن حاله فأخبرهم بقدومه قاصدا له. فكل أيسه من لقائه. فبينا هم كذلك إذ خرج بدر يريد الصيد. فلما رآه مقبلا علا نشزا من الأرض ثم جعل في عمامته ريشة نعام يشهر بها نفسه. فلما قرب إليه أو مأ برقعة كانت معه وأنشأ يقول: نحن التجار وهذه أعلاقنا ... درر وجود يمينك المبتاع

قلب وفتشها بسمعك إنما ... هي جوهر تختاره الأسماع كسدت علينا بالشآم وكلما ... قل النفاق تعطل الصناع فأتاك يحملها إليك تجارها ... ومطيها الآمال والأطماع حتى أناخوها ببابك والرجا ... من دونها السمسار والبياع فوهبت ما لم يعطه في دهره ... هرم ولا كعب ولا القعقاع وسبقت هذا الناس في طلب العلى ... فالناس بعدك كلهم أتباع يا بدر أقسم لو بك اعتصم الورى ... ولجوا إليك جميعهم ما ضاعوا (قال) وكان على يد بدر باز فدفعه إلى البازدار فضرب على يده وانفرد به عن الجيش وجعل يستعيده الأبيات وهو ينشدها إلى أن استقر في مجلسه. ثم التفت إلى جماعة غلمانه وخاصته وأصحابه وقال: من أحبني فليخلع على هذا الشاعر. قال علقمة: فو الله لقد خرجت من عنده ومعي سبعون بغلا تحمل الخلع أهدى ابن عباد إلى فخر الدولة ابن بويه ديناراً وزنه ألف مثقال. وكان على أحد جانبيه مكتوبا: وأحمر يحكي الشمس شكلا وصورة ... فأوصافه مشتقة من صفاته فإن قيل دينار فقد صدق اسمه ... وإن قيل ألف كان بعض سماته بديع ولم يطبع على الدهر مثله ... ولا ضربت أضرابه لسراته فقد أبرزته دولة فلكية ... أقام بها الإقبال صدر قناته وصار إلى شاهنشاه انتسابه ... على أنه مستصغر لعفاته

البندبيجي والحمامة

يخير أن يبقى سنين كوزنه ... لتستبشر الدنيا بطول حياته تأنق فيه عبده وابن عبده ... وغرس أياديه وكافي كفاته وكان على الجانب الآخر سورة الإخلاص ولقب الخليفة الطائع لله ولقب فخر الدولة واسم جرجان لأنه ضرب بها كتب البهاء زهير إلى نجم الدين البادراني رسول الديوان يعتذر لتأخيره عن لقائه لما وصل إلى الديار المصرية قصيدة منها: على الطائر المأمون تأخير قادم ... وأهلا وسهلا بالعلى والمكارم قدمت بحمد الله أكرم مقدم ... مدى الدهر يبقى ذكره في المواسم قدوما به الدنيا أضاءت وأشرقت ... ببشر وجوه أو بضوء مباسم فيا حسن ركب جئت فيه مسلما ... ويا طيب ما أهدته أيدي الرواسم أمولاي سامحني فإنك أهله ... وإن لم تسامحني فما أنت ظالمي ووالله ما حالت عهود مودتي ... وتلك يمين لست فيها بآثم مقيم وقلبي في رحالك سائر ... لعلك ترضاه لبعض المواسم ولو كنت عنه سائلا لوجدته ... على بابك الميمون أول قادم وإلا فسل عنه ركابك في الدجا ... لقد بريت من لثمه للمناسم البندبيجي والحمامة اجتاز المنازي البندبيجي الشاعر (وبندبيج قصر بالرافقان بين بغداد وحلوان) بسوق باب الطاق ببغداد حيث تباع الطير. فسمع حمامة تلحن في قفص فاشتراها وأرسلها وقال:

الفرزدق والأسير

ناحت مطوقة بباب الطاق ... فجرى سوابق مدمعي المهراق حنت إلى أرض الحجاز بحرقة ... تشجي فؤاد الهائم المشتاق إن الحمائم لم تزل بحنينها ... قدما تبكي أعين العشاق كانت تفرح في الأراك وربما ... كانت تفرح في فروع الساق تعس الفراق وجذ حبل وتينه ... وسقاه من سم الأساود ساقي يا ويحة ما باله قمرية ... لم تدر ما بغداد في الآفاق فأتى الفراق بها العراق فأصبحت ... بعد الأراك تنوح في الأسواق فشريتها لماس معت حنينها ... وعلى الحمامة عدت بالإطلاق بي مثل ما بك يا حمامة فاسألي ... من فك أسرك أن يحل وثاقي (نثار الارهاز لابن منظور) الفرزدق والأسير حكي أن سليمان بن عبد الملك أمر الفرزدق بضرب أعناق أسارى من الروم فاستعفاه الفرزدق فلم يفعل. فقام فضرب عنق رومي منهم فنبا السيف عنه. فضحك سليمان ومن حوله فقال الفرزدق: أيعجب الناس إن أضحكت سيدهم ... خليفة الله يستسقى به المطر لم ينب سيفي من رعب ولا دهش ... عن الأسير ولكن أخر القدر ولن يقدم نفسا قبل ميتتها ... جمع اليدين ولا الصمصامة الذكر ثم أغمد سيفه وهو يقول:

ما إن يعاب سيد إذا حبا ... ولا يعاب صارم إذا نبا ولا يعاب شاعر إذا كبا ثم جلس وهو يقول: كذاك سيوف الهند تنبو ظبلتها ... وتقطع أحينا مناط التمائم ولن نقتل الأسرى ولكن نفكهم ... إذا أثقل الأعناق حمل المغارم وهل ضربة الرومي جاعلة لكم ... أبا عن كليب أو أخا مثل دارم فشاع حديث الفرزدق بهؤا حتى حكي أن المهدي أتى بأسرة من الروم فأمر بقتلهم وكان عنده شبيب بن شيبة فقال الفرزدق له: اضر عنق هؤا العلج. فقال: يا أمير قد علمت ما ابتلي به الفرزدق فعيره به قوم إلى اليوم. فقال: إنما أردت تشريفك وقد أعفيتك. وكان أبو الهول الشاعر حاضرا فقال: جزعت من الرومي وهو مقيد ... فكيف ولو لاقيته وهو مطلق دعاك أمير المؤمنين لقتله ... فكاد شبيب عند ذلك يفرق فنح شبيبا عن قراع كتيبة ... وأدن شبيبا من كلام يلفق (أدب الدنيا والدين للماوردي) كتاب ابن التعاويذي الشاعر إلى الإمام الناصر لدين الله يسأله أن يجدد له رابتا لمعاشه: خليفة الله أنت بالدين وال ... دنيا وأمر الإسلام مضطلع أنت لما سنه الأئمة أع ... لام الهدى مقتف ومتبع

فالناس في الشرع والسياسة وال ... إحسان والعدل كلهم شرع يا ملكا يردع الحوادث وال ... أيام عن ظلمها فترتدع أرضي قد أجدبت وليس لمن ... أجدب يوما سواك منتجع ولي عيال لا در درهم ... قد أكلوا دهرهم وما شبعوا إذا رأوني ذا ثروة جلسوا ... حولي ومالوا إلي واجتمعوا وطالما قطعوا حبالي إع ... راضاً إذا لم تكن معي قطع يمشون حولي شتى كأنهم ... عقارب كلما سعوا لسعوا فمنهم الطفل والمراهق والر ... م ضيع يحبو والكهل واليفع لا قارح منهم أؤمل أن ... ينالني خيره ولا جذع لهم حلوق تفضي إلى معد ... تحمل في الأكل فوق ما تسع من كل رحب المعاء أجوافه ... ناري الحشا لا يمسه الشبع لا يحسن المضغ فهو يترك في ... فيه بلا كلفة ويبتلع فاستأنفوا لي رسما أعود على ... ضنك معاشي به فيتسع وإن زعمتم أني أتيت بها ... خديعة فالكريم ينخدع حاشا لرسم الكريم ينسخ من ... نسخ دواوينكم فينقطع فوقعوا لي بما سألت فقد ... أطمعت نفسي واستحكم الطمع ولا تطيلوا معي فلست ولو ... دفعتموني بالراح أندفع

الباب السابع في الفكهات

الباب السابع في الفكهات بغلة أبي دلامة كان أبو دلامة كوفيا أسود مولى لبني أسد أدرك آخر أيام بني أمية ونبغ في أيام بني العباس ومدح السفاح والمنصور والمهدي. وكان صاحب نوادر وملح. وأما بغلته فكانت جامعة لعيوب الدواب كلها. وكانت أشوه الدواب خلقا في منظر العين وأسوأها خلقا في مخبرها. فكان إذا ركبها تبعه الصبيان يتضاحكون به. وكان يقصد ركوبها في مواكب الخلفاء والكبراء ليضحكهم بشماسها حتى نظم فيها قصيدته المشهورة وهي: أبعد الخيل أركبها كراما ... وبعد الفره من خضر البغال رزقت بغيلة فيها وكال ... وليته لم يكن غير الوكال رأيت عيوبها كثرت وليست ... وإن أكثرت ثم من المقال ليحصي منطقي وكلام غيري ... عشير خصالها شر الخصال فأهون عيبها أني إذا ما ... نزلت وقلت امشي لا تبالي تقوم فما تبت هناك شبرا ... وترمحني وتأخذ في قتالي وإني إن ركبت أذيت نفسي ... بضرب باليمين وبالشمال وبالرجلين أركلها جميعا ... فيا لك في الشقاء وفي الكلال

أتاني خائب يستام مني ... عريق في الخسارة والضلال وقال تبيعها قلت ارتبطها ... بحكمك إن بيعي غير غال فأقبل ضاحكا نحوي سرورا وقال أراك سهلا ذا جمال هلم إلي يخلو بي خداعا ... وما يدري الشقي لمن يخالي فقلت بأربعين فقال أحسن ... إلي فإن مثلك ذو سجال فأترك خمسة منها لعلمي ... بما فيه يصير من الخبال فلما ابتاعها مني وتبت ... له في البيع غير المستقال أخذت بثوبه أبرأت مما ... أعد عليه من سوء الخلال برئت إليك من مششي يديها ... ومن جرذ ومن بلل المخالي ومن فتق بها في البطن ضخم ... ومن عقالها ومن انفتال ومن قطع اللسان ومن بياض ... بعينيها ومن قرض الحبال ومن عض الغلام ومن خراط ... إذا ما هم صحبك بارتحال وأقطى من فريخ الذر مشيا ... بها عرنٌ وداءٌ من سلال وتكسر سرجها أبدا شماسا ... وتقمص للإكاف على اغتيال ويدبر ظهرها من مس كف ... وتهرم في الجمام وفي الجلال تظل لركبة منها وقيذا ... يخاف عليك من ورم الطحال ومشغار تقدم كل سرج ... تصير دفتيه على القذال وتخفى لو تسير على الحشايا ... ولو تمشي على دمث الرمال وترمح أربعين إذا وقفنا ... على أهل المجالس للسؤال

الخليفة ولأصمعي

فتقطع منطقي وتحول بيني ... وبين حديثهم فيما توالي وتذعر للدجاجة إذ تراها ... وتنفر للصفير وللخيال فأما الإعتلاف فأدن منها ... من الأتبان أمثال الجبال وأما القت فأت بألف وقر ... كأعظم حمل أحمال الجمال فلست بعالف منه ثلاثا ... وعندك منه عود للخلال وإن عطشت فأوردها دجيلا ... إذا أوردت أو نهري بلال فذاك لريها سقيت حميما ... وإن مد الفرات فللنهال وكانت قارحا أيام كسرى ... وتذكر تبعا عند الفصال وقد دبرت ونعمان صبي ... وقبل فصاله تلك الليالي وتذكر إذ نشا بهرام جور ... وعاملة على خرج الجوالي وقد مرت بقرن بعد قرن ... وآخر عهدها لهلاك مالي فأبدلني بها يا رب طرفا ... يزين جمال مركبه جمالي وأنشدها المهدي فقال: لقد أقلت من بلاء عظيم. فقال: والله يا أمير المؤمنين لقد مكثت شهرا أتوقع صاحبها أن يردها. فقال المهدي لصاحب دوابه: خيره بين مركبين في الإصطبل. فقال: إن كان الاختيار إلي فقد وقعت في شر من البغلة ولكن مره يختر لي. ففعل (شرح مقامات الحريري للشريشي ووافي الوفيات للصفدي) الخليفة ولأصمعي من ألطف ما اتفق أن بعض الخلفاء كان يحفظ الشعر من

مرة. وعنده مملوك يحفظه من مرتين وجارية من ثلاث مرات. وكان بخيلا جدا فكان الشاعر إذا أتاه بقصيدة قال له: إن كانت مطروقة بأن يكون أحد منا يحفظها نعلم أنها ليست لك فلا نعطيك لها جائزة. وإن لم نكن نحفظها فنعطيك وزن ما هي فيه مكتوبة. فيقرأ الشاعر القصيدة فيحفظها الخليفة من أول مرة ولو كانت ألف بيت. ويقول للشاعر: اسمعها علي فإني أحفظها وينشدها بكمالها. ثم يقول وهذا المملوك أيضا يحفظها. وقد سمعها المملوك مرتين مرة من الشاعر ومرة من الخليفة فيحفظها ويقرأها. ثم يقول الخليفة: وهذه الجارية التي وراء الستر تحفظها أيضا. وقد سمعتها ثلاث مرات مرة من الشاعر ومرة من الخليفة ومرة من المملوك فتقرأها بحروفها. فيخرج الشاعر صفر اليدين. وكان الأصمعي من جلسائه وندمانه. فنظم أبياتاً مستصعبة ونقشها في أسطوانة ولفها في ملاءة وجعلها على ظهر بعير. ولبس جوخةً بدوية مفرجة من وراء ومن قدام. وضرب له لثاما لم يبين منه غير عينيه وجاء إلى الخليفة وقال: إني امتدحت أمير المؤمنين بقصيدة. فقال يا أخا العرب إن كانت لغيرك فلا نعطيك لها جائزة. وإن كانت لك نعطيك زنة ما هي مكتوبة فيه. قال قد رضيت وأنشد: صوت صفير البلبل ... هيج قلب الثمل ألماء والزهر معا ... مع حسن لحظ المقل

وأنت حقا سيدي ... وسؤددي وموللي وطاب لي نوح الحما ... م قوققو بالزجل قد فاح من لحظاتها ... عبير ورد الخجل وقلت وصوص وصوص ... فجاء صوت من عل وقال لا لا لا للا ... وقد غدا مهرولي وفتية يسقونني ... قهيوة كالعسل شممتها في أنففي ... أذكى من القرنفل في بستتانٍ حسنٍ ... بالزهر والسرولل والعود دندن دندنٌ ... والطبل طبطبطب لي والرقص أرطب طبطب ... والماء شقشقشق لي شووا شووا شووا على ... وريق السفرجل وغرد القمري يصح ... من ملل من مللي فلو تراني راكبا ... على حمار أعزل أمشي على ثلاثة ... كمشية العرنجلي والناس قد ترجمني ... في السوق بالبقلل والكل كع كع ككع ... خلفي ومن حويللي لكن مشيت هاربا ... من خشية في عقللي إلى لقاء ملك ... معظم مبجل يأمر لي بخلعة ... حمراء كالدململ

قال أبو الفتح كشاجم يرثي سكينا سرقت له في قصيدة بديعة منها

أجر فيها مأربا=ببغدد كالدلدل (قال) فلما فرغ من إنشادها بهت الملك فيها ولم يحفظها الخليفة لصعوبتها. ثم نظر إلى الملوك فأشار إليه أنه ما حفظ منها شيئا. وفهم من الجارية أنها ما حفظت منها شيئا. فقال الخليفة: يا أخا العرب إنك صادق وهي لك بلا شك فإني ما سمعتها قبل ذلك. فهات الرقعة التي هي مكتوبة فيها حتى نعطيك زنتها. فقال يا مولاي إني لم أجد ورقا أكتب فيه. وكان عندي قطعة عمود رخام من عهد أبي وهي ملقاة في الدار ليس لي بها حاجة فنقشتها فيها. ولم يسع الخليفة إلا أن أعطاه زنتها ذهبا. فنفد جميع ما في خزانة الملك من المال فأخذ الأصمعي ذلك وانصرف. فلما ولى قال: يغلب على ظني أن هذا الأعرابي هو الأصمعي. فأحضره وكشف عن وجهه فإذا هو الأصمعي. فتعجب من صنيعه ورجع عما كان يعامل به الشعراء وأجرهم على عوائد الملوك (حلبة الكميت للنواجي) قال أبو الفتح كشاجم يرثي سكينا سرقت له في قصيدة بديعة منها يا قاتل الله كتاب الدواوين ... ما يستحلون من أخذ السكاكين لقد دهاني لطيف منهم ختل ... في ذات حد كحد السيف مسنون فأفقرت بعد عمران بموقعها ... منها دواة فتى بالكتب مفتون تبكي على مدية أودى الزمان بها ... كانت على جائر الأقلام تغريني

رثاء هر لابن العلاف

كانت تقوم أقلامي وتنحتها ... نحتا ونسخطها بريا فترضيني وأضحك الطرس والقرطاس عن حلل ... تنوب للعين عن نور البساتين هيفاء مرهقة بيضاء مذهبة ... قال الإله لها سبحانه كوني لكن مقطي أمسى شامتا جذلا ... وكان في ذلة منها وفي هون فصين حتى يضاهي في صيانته ... جاهي لصونيه عمن لا يدانيني ولست عنها بسال ما حييت ولا ... بواجد عوضا منها بسكين رثاء هر لابن العلاف قال الصاحب ابن عباد: أنشدني أبو الحسن بن أبي بكر الحسن بن علي العلاف البغدادي المقري الأديب قصيدة والده في الهر كنى به عن ابن المعتز قتله المقتدر. فخشي من المقتدر ونسبها إلى الهر وعرض به في أبيات منها. وقيل أنما كنى بالهر عن المحسن ابن الوزير أبي الحسن علي بن الفرات أيام محنته لأنه لم يجسر أن يذكره ويرثيه. وقيل كان له هر يأنس به فكان يدخل أبراج الحمام التي لجيرانه ويأكل فراخها. فأمسكه أربابها فذبحوه فرثاه بقصيدة. وقال ابن خلكان: وهي من أحسن الشعر وأبدعه وعددها خمسة وستون بيتا. وطولها يمنع من الإتيان بجميعها فنأتي بمحاسنها فيها أبيات مشتملة على حكم أولها: يا هر فارقتنا ولم تعد ... وكنت عندي بمنزل الولد فكيف ننفك عن هواك وقد ... كنت لنا عدة من العدد

تطرد عنا الأذى وتحرسنا ... بالغيب من حية ومن جرد وتخرج الفأر من مكامنها ... ما بين مفتوحها إلى السدد يلقاك في البيت منهم مدد ... وأنت تلقاهم بلا مدد لا عدد كان منك منفلتا ... منهم ولا واحد من العدد لا ترهب الصيف عند هاجرة ... ولا تهاب الشتاء في الجمد وكان يجري ولا سداد لهم ... أمرك في بيتنا على سدد حتى اعتقدت الأذى لجيرتنا ... ولم تكن للأذى بمعتقد وحمت حول الردى لظلمهم ... ومن يحم حول حوضه يرد وكان قلبي عليك مرتعدا ... وأنت تنساب غير مرتعد تدخل برج الحمام متئدا ... وتبلع الفرخ غير متئد وتطرح الريش في الطريق لهم ... وتبلع اللحم بلع مزدرد أطعمك ألغي لحمها فرأى ... قتلك أربابها من الرشد حتى إذا داوموك واجتهدوا ... وساعد النصر كيد مجتهد كادوك دهرا فما وقعت وكم ... أفلت من كيدهم ولم تكد فحين أخفرت وانهمكت وكا ... شفت وأسرفت غير مقتصد صادوك غيظا عليك وانتقموا ... منك وزادوا من يصد يصد ثم شفوا بالحديد أنفسهم ... منك ولم يرعووا على أحد فلم تزل للحمام مرتصداً ... حتى سقيت الحمام بالرصد لم يرحموا صوتك الضعيف كما ... لم ترث منها لصوتها الغرد

أذاقك الموت ربهن كما ... أذقت أفراخه يدا بيد كأن حبلا حوى بجودته ... جيدك للخنق كان من مسد كأن عيني تراك مضطربا ... فيه وفي فيك رغوة الزبد وقد طلبت الخلاص منه فلم ... تقدر على حيلة ولم تجد فما سمعنا بمثل موتك إذ مت ولا مثل عيشك النكد فجدت بالنفس والبخيل بها ... أنت ومن لم يجدبها يجد عشت حريصا يقوده طمع ... ومت ذا قاتل بلا قود يا من لذيذ الفراخ أوقعه ... ويحك هلا قنعت بالغدد ألم تخف وثبة الزمان كما ... وثبت في البرج وثبة الأسد عاقبة الظلم لا تنام وإن ... تأخرت مدة من المدد أردت أن تأكل الفراخ ولا ... يأكلك الدهر أكل مضطهد هذا بعيد من القياس وما ... أعزه في الدنو والبعد لا بارك الله في الطعام إذا ... كان هلاك النفوس في المعد كم دخلت لقمة حشا شره ... فأخرجت روحه من الجسد ما كان أغناك عن تسورك ال ... برج ولو كان جنة الخلد قد كنت في نعمة وفي دعة ... من العزيز المهيمن الصمد تأكل من فأر بيتنا رغدا ... فأين بالشاكرين للرغد وكنت بددت شملهم زمنا فاجتمعوا بعد ذلك البدد فلم يبقوا لنا على سبدٍ في جوف أبياتنا ولا لبد

رثاء ديك لابن معمعة الحمصي

وفتتوا الخبز في السلال وكم ... تفتتت للعيال من كبد وفرغوا قعرها وما تركوا ... ما علقته يد على وتد ومزقوا من ثيابنا جددا ... فكلنا في المصائب الجدد رثاء ديك لابن معمعة الحمصي يا لبن أقيال وائل والكرام الصيد من تغلب قروم القروم والأمير الذي عليه أمارا ... ت المعالي من حادث وقديم قد مدحت الأمير بالأمس منثو ... راً وجئت الغداة بالمنظوم فاستمع قصتي وفرج بإحسا ... نك ما بي من طارقات الهموم لي ديك حضنته وهو في البيضة من منصب كريم الخيم ثم ربيته كتربية الطفل رضيعا وعند حال الفطيم يأكل العفو كيف ما شاء من ما ... لي أكل الولي مال اليتيم هو عندي بصورة كيف الولد البرم وفي صورة الصديق الحميم أبيض اللون أفرق العرف نظا ... ر بعين كأنها عين ريم وعلى نحره وشاحان من شذ ... ر بديع ولؤلوء منظوم رافع راية من الذنب المشرف يسعى بها كسعي الظليم وإذا ما مشى تبختر مشي الطرب النتشي من الخرطوم وسم الأرض وسم طين كتاب ... بخواتيم كاتب مختوم وله خنجران في قصب السا ... قين قد ركبا لحفظ الحريم وعليه من ريشه طيلسان ... ضيع من صيغة اللطيف الحكيم

قصيدة مساور الوراق في وصف وليمة

وجميع الديوك تشهد في حمص له بالجلال والتعظيم يتجاوبن بالصياح مشيرا ... ت إليه في ذاك بالتسليم وإذا ما رأيته بين خمس ... من دجاجاته كبار الجسوم قلت ملك يخدمنه فتيات ... يتهادين بين زنج وروم وترى عرفه فتحسبه التا ... ج على رأس كسروي كريم ثاقب العلم بالمواقيت ليلاً ... ونهاراً وحاذق بالنجوم ويحث الجيران حولي على البرم ... كحث المدير كأس النديم وله أيها الأمير علي العهد في سالف الزمان القديم أنه آمن من الشر عندي ... غير يوم المشيئة المحتوم وقد احتجت أن أضحي في العيد به حاجة الأديب العديم وبناتي يقلن يا أبتانا ... أنت في ذاك بين غدر ولوم وتراهن حوله يتباكين م بدمع لفقده مسجوم وعزيز سواك من يفتديه ... فافده سيدي بذبح عظيم تبق في ذاك سنة لك يبقي ... ذكرها ذكر كبش إبراهيم قصيدة مساور الوراق في وصف وليمة اسمع بنعتي للملوك ولا ترى ... فيما سمعت كميت الأحياء إن الملوك لهم طعام طيب ... يستأثرون به على الفقراء إني نعت لذيذ عيشي كله ... والعيش ليس لذيذه بسواء ثم اختصصت من اللذيذ وعيشه ... صفة الطعام بشهوة الحلواء

فبدأت بالعسل الشديد بياضه ... شهد تباكره بماء سماء إني سمعت لقول ربك فيهما ... فجمعت بين مبارك وشفاء أيام أنت هناك بين عصابة ... حضروا ليوم تنعم الأكفاء لا ينطقون إذا جلست إليهم ... فيما يكون بلفظة عوراء متنسمين رياح كل هبوبة ... بين النخيل بغرفة فيحاء فقعدت ثم دعوت لي بمبذرق ... متشمراً يسعى بغير رداء قد لف كميه على عضلاته ... قلص القميص مشمر سعاء فأتي بخبز كالملأ منقط ... فبناه فوق أخاون السيراء حتى ملاها ثم ترجم عندها ... بالفارسية داعيا بوجاء فإذا القصاع من الخلنج لديهم ... تبدو جوانبها مع الوصفاء إرفع وضع وهنا وهاك وههنا ... قصف الملوك ونهمة القراء يأتون ثم يلون كل طريفة ... قد حالفته موائد الخلفاء من كل ذي قرن وجدي راضع ... ودجاجة مربوبة عشواء وثريدة ملمومة قد صففت ... من فوقها بأطايب الأعضاء هذا الثريد وما سواه تعلل ... ذهب الثريد بنهمتي وهوائي ولقد كلفت بنعت جدي راضع ... قد صنته شهرين بين رعاء قد نال من لبن كثير طيب ... حتى تفتق من رضاع الشاء من كل أحمر لا يقر إذا ارتوى ... من بين رقص دائم وثغاء متعكن الجنبين صاف لونه ... عبل القوائم من غذاء رخاء

محمد بن بشير والشاة

فإذا مرضت فداوني بلحومها ... إني وجدت لحومهن دوائي ودع الطبيب ولا تثق بدوائه ... ما خالفتك رواضع الأجداء إن الطبيب إذا حباك بشربة ... تركتك بين مخافة ورجاء وإذا تنطع في دواء صديقه ... لم يعد ما في جونة الرقاء نعت الطبيب هليلجاً وبليلجاً ... ونعت غيرهما من الأدواء رطب المشان مجزعا يؤتي به ... والرازفي فما هما بسواء وضآنيا زرقا كأن بطونها ... قطع الثلوج نقية الأمعاء محمد بن بشير والشاة كان محمد بن بشير من شعراء أهل البصرة وأدبائهم وهو من خثعمٍ وكان من بخلاء الناس. وكان له في داره بستان قدره أربع طوابيق قلعها من داره فغرس فيه أصل رمان وفسيلة لطيفة وزرع حواليه بقلا. فأفلتت شاة لمنيع جار له. فأكلت البقل ومضغت الخوص ودخلت إلى بيته فلم تجد فيه إلا القراطيس فيها شعره وأشياء من سماعاته فأكلتها. وخرجت فعدا إلى الجيران في المسجد يشكو ما جرى عليه وعاد فزرع البستان. وقال يصفه ويهجو شاة منيع: لي بستان أنيق زاهر ... ناضر الخضرة ريان ترف راسخ الأعراق ريان الثرى ... غدقٌ تربته ليست تجف مشرق الأنوار مياد الندى ... منثن في كل ريح منعطف تملك الريح عليه أمره ... فإذا لم يؤنس الريح وقف

يكتسي في الشرق ثوبي يمنه ... ومع الليل عليها يلتحف ينطوي الليل عليه فإذا ... واجه الشرق تجلى وانكشف صابر ليس يبالي كثرة ... حز بالمنجل أو منه نتف لا ترى للكف فيه أثرا ... فيه بل ينمي على مس الأكف فترى الأطباق لا تمهله ... صادرات واردات تختلف فيه للخارف من جيرانه ... كل ما احتاج إليه مخترف أقحوان وبهار مؤنق ... وسوى ذلك من كل الطرف وهو في الأيدي يحيون به ... وعلى الآناف طوراً يستشف أعفه يا رب من واحدة ... ثم لا أحفل أنواع التلف إكفه شاة منيع وحدها ... يوم لا يصبح في البيت علف إكفه ذات سعال شهلة ... متعت في شر عيش بالخرف إكفه يا رب وقصاء الطلى ... ألحم الكتفين منها بالكتف وغدا الصبية من جيرانها ... ليجروها إلى مأوى الجيف فتراها بينهم مسحوبة ... تجرف الترب بجنب منحرف فإذا صاروا إلى المأوى بها ... أعملوا الآجر فيها والخزف ثم قالوا ذا جزاء للذي ... تأكل البستان منا والصحف لا تلوموني فلو أبصرت ذا ... كله فيها إذن لم أنتصف

الباب الثامن في المديح

الباب الثامن في المديح قال أبو تمام أبا سعيد أبا سعيد وما وصفي بمتهم ... على المعالي وما سكري بمخترم لئن جحدتك ما أوليت من حسن ... إني لفي اللؤم منك في الكرم أمسى ابتسامك والألوان كاسفة ... تبسم الصبح في داج من الظلم كذا أخوك الندى لو أنه بشر ... لم يلف طرفة عين غير مبتسم رددت رونق وجهي في صحيفته ... رد الصقال بهاء الصارم الخذم وما أبالي وخير القول أصدقه ... حقنت لي ماء وجهي أو حقنت دمي قصيدة خلف بن خليفة مولى قيس بن ثعلبة في قومه عدلت إلى فخر العشيرة والهوى ... إليهم وفي تعداد مجدهم شغل إلى هضبة من آل شيبان أشرقت ... لها الذروة العلياء والكاهل العبل إلى النفر البيض الألاء كأنهم ... صفائح يوم الروع أخلصها الصقل إلى معدن العز المؤيد والندى ... هناك هناك الفضل والخلق الجزل أحب بقاء القوم للناس إنهم ... متى يظعنوا من مصرهم ساعة يخلوا عذاب على الأفواه ما لم يذقهم ... عدو وبالأفواه أسماؤهم تحلو عليهم وقار الحلم حتى كأنما ... وليدهم من أجل هيبته كهل إذا استجهلوا لم يعزب الحلم عنهم ... وإن آثروا أن يجهلوا عظم الجهل

قصيدة محمد بن هانئ في جعفر بن علي بن غلبون

هم الجبل الأعلى إذا ما تناكرت ... ملوك الرجال أو تخاطرت البزل ألم تر أن القتل غال إذا رضوا ... وإن غضبوا في موطن رخص القتل لنا فيهم حصن حصين ومعقل ... إذا حرك الناس المخاوف والأزل لعمري لنعم الحي يدعو صريخهم ... إذا الجار والمأكول أرهقه الأكل سعاة على أفناء بكر بن وائل ... وتبل أقاصي قومهم لهم تبل إذا طلبوا ذحلا فلا الذحل فائت ... وإن ظلموا أكفاءهم بطل الذحل مواعيدهم فعل إذا ما تكلموا ... بتلك التي إن سميت وجب الفعل بحور تلاقيها بحور غزيرة ... إذا زخرت قيس وإخوتها ذهل قصيدة محمد بن هانئ في جعفر بن علي بن غلبون فتقت لكم ريح الجلاد بعنبر ... وأمكم فلق الصباح المسفر وجنيتم ثمر الوقائع يانعا ... بالنصر من ورق الحديد الأخضر وضربتم هام الكماة ورعتم ... بيض الخدود بكل ليث مخدر أبني العوالي السمهرية والسيو ... ف المشرفية والعديد الأكثر من منكم الملك المطاع كأنه ... تحت السوابغ تبع في حمير ألقائد الخيل العتاق شوازبا ... خزراً إلى لحظ السنان الأخزر شعث النواصي حشرة آذانها ... قب الأياطل داميات الأنسر تنبو سنابكهن عن عفر الثرى ... فيطأن في خد العزيز الأصعر في فتية صدأ الدروع عبيرهم ... وخلوقهم علق النجيع الأحمر لا يأكل السرحان شلو طعينهم ... مما عليه من القنا المتكسر

قصيدة المتنبي في شجاع بن محمد الطائي المنبجي

أنسوا بهجران الأنيس كأنهم ... في عبقري البيد جنة عبقر ومشوا على قطع النفوس كأنما ... تمشي سنابك خيلهم في مرمر قوم يبيت على الحشايا غيرهم ... ومبيتهم فوق الجياد الضمر وتظل تسبح في الدماء قبابهم ... فكأنهن سفائن في أبحر فحياضهم من كل مهجة ضالع ... وخيامهم من كل لبدة قسور وكفاك من حب السماحة أنها ... منهم بموضع مقلة من محجر قصيدة المتنبي في شجاع بن محمد الطائي المنبجي إلى واحد الدنيا إلى ابن محمد ... شجاع الذي لله ثم له الفضل إلى الثمر الحلو الذي طيئٌ له ... فروع وقحطان بن هود لها أصل إلى القابض الأرواح والضيغم الذي ... تحدث عن وقفاته الخيل والرجل إلى رب مال كلما شت شمله ... تجمع في تشتيته للعلى شمل همام إذا ما فارق الغمد سيفه ... وعاينته لم تدر أيهما النصل رأيت ابن أم الموت لو أن بأسه ... فشا بين أهل الأرض لا نقطع النسل على سابح موج المنايا بنحره ... غداة كأن النبل في صدره وبل وكم عين قرن حدقت لنزاله ... فلم تغض إلا والسنان لها كحل إذا قيل رفقا قال للحلم موضع ... وحلم الفتى في غير موضعه جهل ولولا تولي نفسه حمل حلمه ... عن الأرض لانهدت وناء بها الحمل تباعدت الآمال عن كل مقصد ... وضاقت بها إلا إلى بابه السبل ونادى الندى بالنائمين عن السرى ... فأسمعهم هبوا فقد هلك البخل

جمالية ابن نباتة في ابن الشهاب محمود

وحالت عطايا كفه دون وعده ... فليس له إنجاز وعدة ولا مطل فأقرب من تحديدها رد فائت ... وأيسر من إحصائها القطر والرمل وما تنقم الأيام ممن وجهها ... لأخمصه في كل نائبة نعل وما عزه فيها مراد أراده ... وإن عز إلا أن يكون له مثل كفى ثعلاً فخراً بأنك منهم ... ودهر لأن أمسيت من أهله أهلى وويل لنفس حاولت منك غرة ... وطوبى لعين ساعة منك لا تخلو فما بفقير شام برقك فاقة ... ولا في بلاد أنت صبيها محل جمالية ابن نباتة في ابن الشهاب محمود كم من جمال عنده ضر الفتى ... ولكم جمال عنده السراء كجمال دين الله وابن شهابه ... لا الظلم حيث يرى ولا الظلماء ألماجد الراقي مراتب سؤدد ... قد رصعت بجواره الجوزاء ذاك الذي أمسى السهى جاراً له ... لكن حاسد مجده العواء عمت مكارمه وسار حديثه ... فبكل أرض نعمة وثناء وسعت يراعته بأرزاق الورى ... فكأنها قلب وتلك رشاء وحمى العواصم رأيه ولطالما ... قعد الحسام وقامت الآراء عجبا لنار ذكائه مشبوبة ... وبظله تتفيأ الأفياء غنى اليراع به وأزهر طرسه ... وكذا تكون الروضة الغناء يا راكب العزمات غايات المنى ... مغنى شهاب الدين والشهباء ذي المجد لا في ساعديه عن العلا ... قصر ولا في عزمه إعياء

من قصيدة ابن مطروح في الوزير عماد الدين

والعدل بردع قادرا عن عاجز ... فالذئب هاجعة لديه الشاء والحلم يروي جابر عن فضله ... والفضل يروي عن يديه عطاء يا أكمل الرؤساء لا مستثنيا ... أحدا إذا ما عدت الرؤساء يا من مللت من المعادِ له وما ... ملت لدي معادها النعماء إن لم يقم بحقوق ما أوليتني ... مدحي فأرجو أن يقوم دعاء شهدت معاليك الرفيعة والندى ... أن الورى أرض وأنت سماء من قصيدة ابن مطروح في الوزير عماد الدين وهبت علينا نفخة عنبرية ... كعرف عماد الدين حين تقابله فقمت من الإجلال أنشد مدحه ... وقد سبقتني قبل ذاك فواضله تكافأ في الإحسان شعري ومدحه ... ولكن بخصل السبق فازت أنامله وما كنت إلا الروض باكره الحيا ... فأينع ذاويه ورقت خمائله وضاع شذا أزهاره وتدفقت ... بمدحك من هذا الثناء جداوله تخاف عداه من توقد عزمه ... وتأمن إذ يطفو ويطفح نائله يبشر منه البشر راجي نواله ... كذا الغيث لا تخفى علينا مخايله ألم تر أن البرق يبدو أمامه ... وتتبعه من بعد ذاك هواطله لم أر غيثا مثل غيث سماحة ... تميم مصرا من ذرى الشرق وباله كفى والدا من حمل هم لولده ... فكل الورى أيتامه وأرامله على مهل يا من يحاول مجده ... فبين الثريا والسماك منازله كريم له بيت كريم تقاسمت ... أواخره إرث العلى وأوائله

قصيدة ابن الحسن القاضي في الوزير الحسن بن أضحى

له شيم لو أن في الدهر بعضها ... لما غالت الحر الكريم غوائله بليغ إذا ما أورد اللفظ خلته ... عن الوحي يملينا الذي هو قائله تحلى به الدهر الذي كان عاطلا ... فأضحى مليا بالنباهة خامله وأثنى عليه ليله ونهاره ... وطالبت به أسحاره وأصائله وإني وإن أتحفته بمدائح ... هي السحر إلا أن فكري بابله فما تعبت لي فكرة في مديحه ... لأني راوي الفضل عنه وناقله فلا حمد لي فيما أقول وإنما ... كتبت الذي أملت علي فضائله عفاف وإقدام وحزم ونائل ... ألا في سبيل المجد ما أنت فاعله إذا سار فوق الراسيات تزعزعت ... وصدعت السبع الشداد صواهله ورب خميس طبق السهل والربى ... وزاحمت الجوزاء منه عوامله بكم يا بني شيخ الشيوخ تأيدت ... قواعد هذا الدين واشتد كاهله وقد علم السلطان في كل موقف ... بأنك كافيه وأنك كافله وأخلق بملك أنت حارس سرحه ... وحامي حماه أن تصان معاقله قصيدة ابن الحسن القاضي في الوزير الحسن بن أضحى يأيها الملك مضمون لك الظفر ... أبشر فمن جندك التأييد والقدر وأب لنا سالما والسعد مقتبل ... والدين منتظم والكفر منتثر وقد طلعت على البيضاء من كثب ... كما تطلع في جنح الدجى القمر حللت في أرضها في جحفلٍ لجبٍ ... كما يحل بها في الأزمة المطر وحولك الصيد من لمتونةٍ وهم ... أبطال يوم الوغى والأنجم الزهر

وقعت حرب بالجزيرة بين بني تغلب فتولى الإصلاح بينهم الفتح بن خاقان فقال البحتري

والعرب ترفل فوق الغرب سابحة ... كالأسد ليس لها إلا القنا ظفر من كل أروع وضاح عمامته ... كالبدر نحو لقاء الجيش يبتدر شعاره البر والتقوى ومؤنسه ... في ليله رمحه والصارم الذكر ذؤابة المجد من قحطان كلهم ... أبوهم حمير ذو المجد أو مضر ومن زناتة أبطالٌ غطارفةٌ ... ذووا تجارب في يوم الوغى صبر ولمطةٍ وهم أهل الطعان لدى ال ... هيجاء في زمر تقتادها زمر كأنهم في جبين المجد إذ ركبوا ... مصممين إلى أعدائهم غرر وقعت حرب بالجزيرة بين بني تغلب فتولى الإصلاح بينهم الفتح بن خاقان فقال البحتري فيما تعلق بعضه بذكر الهيبة بني تغلب أعزز علي بأن أرى ... دياركم أمست وليس لها أهل خلت دمنة من ساكنيها وأوحشت ... مرابع من سنجار يهمي بها الوبل إذا ما التقوا يوم الهياج تحاجزوا ... وللموت فيما بينهم قسمة عدل كفي من الأحياء لاقى كفيه ... ومثل من الأقوام راجعه مثل إذا ما أخ جر الرماح انتهى له ... أخ لا بليد في الطعان ولا وغل تحوطهم البيض الرقاق وضمر ... عتاق وأحساب بها يدرك التبل بطعن يكب الدراعين دراكه ... وضرب كما تزغو المخزمة البزل تجافي أمير المؤمنين عن التي ... علمتم وللجانين في مثلها النكل وكانت يد الفتح بن خاقان عندكم ... يد الغيث عند الأرض أجدبها المحل ولولاه طلت بالعقوق دماؤكم ... فلا قود يعطى الأذل ولا عقل

من قصيدة لإبراهيم بن العباس في الفضل بن سهل

تلاقيت يا فتح الأراقم بعد ما ... سقاهم بأوحى سمه الأرقم الصل وهبت لهم بالسلم باقي نفوسهم ... وقد أشرفوا أن يستتمهم القتل أتاك وفد الشكر يثنون بالذي ... تقدم من نعماك عندهم قبل فلم أر يوما كان أكثر سؤددا ... من اليوم ضمتهم إلى بابك السبل تراءوك من أقصى السماط فقصروا ... خطاهم وقد جازوا الستور وهم عجل ولما قضوا صدر السلام تهافتوا ... على يد بسام سجيته البذل إذا شرعوا في خطبة قطعتهم ... جلالة طلق الوجه جانبه سهل إذا نكسوا أبصارهم من مهابة ... ومالوا بلحظ خلت أنهم قبل نصبت لهم طرفا حديدا ومنطقا ... سديداً ورأياً مثل ما انتضي النصل وسل سخيمات الصدور فعالك ال ... كريم وأبرى غلها قولك الفصل بك التأم الشعب الذي كان بينهم ... على حين بعد منه واجتمع الشمل فما برحوا حتى تعاطت أكفهم ... قراك فلا ضغن لديهم ولا ذحل وجروا برود العصب تضفو ذيولها ... عطاء كريم ما تكاءده بخل وما عمهم عمرو بن غنم بنسبة ... كما عمهم بالأمس نائلك الجزل فمهما رأوا من غبطة في اصطلاحهم ... فمنك بها النعمى جرت ولك الفضل من قصيدة لإبراهيم بن العباس في الفضل بن سهل يمضي الأمور على بديهته ... وتريه فكرته عواقبها فيظل يصدرها ويوردها ... فيعم حاضرها وغائبها وإذا ألمت صعبة عظمت ... فيها الرزية كان صاحبها

قصيدة أبي محمد عبد الله بن أيوب التيمي في عمرو بن مسعدة

ألمستقل بها وقد رسبت ... ولوت على الأيام جانبها وعدلتها بالحق فاعتدلت ... ووسعت راغبها وراهبها وإذا الحروب بدت بعثت لها ... رأيا تفل بها كتائبها رأيا إذا نبت السيوف مضى ... عزم بها فشفى مضاربها وإذا الخطوب تأثلت ورست ... هدت فواضله نوائبها وإذا جرت بضميره يده ... أبدت به الدنيا مناقبها قصيدة أبي محمد عبد الله بن أيوب التيمي في عمرو بن مسعدة غريب يحن لأوطانه ... ويبكي على عصره الذاهب كفاك أبو الفضل عمرو الندى ... مطالعة الأمل الكاذب وصديق الرجاء وحسن الوفاء ... لعمرو بن مسعدة الكاتب عريض الفناء طويل البنا ... ء في العز والشرف الثاقب هو المرتجى لصروف الزمان ... ومعتصم الراغب الراهب جواد بما ملكت كفه ... على الضيف والجار والصاحب نؤمله لجسام الأمور ... ونرجوه للجلل الكارب خصيب الجناب مطير السحاب ... بشميته لين الجانب يروي القنا من نحور العدى ... ويغرق في الجود كاللاعب إليك تبدت بأكوارها ... حراجيج في مهمه لاحب كأن نعاما تباري بنا ... بوابل من برد عاصب يردن ندى كفك المرتجى ... ويقضين من حقك الواجب

وهذا الشعر يتدفق طبعا وسلاسة

ولله ما أنت من خابر ... بسجل لقوم ومن خارب فتسقي العدى بكؤوس الردى ... وتسبق مسئلة الطالب وكم راغب نلته بالعطا ... وكم نلت بالعطف من هارب وتلك الخلائق أعطيتها ... وفضل من المانع الواهب كسبت الثناء وكسب الثنا ... ء أفضل مكسبة الكاسب يقينك يجلو ستور الدجا ... وظنك يخبر بالغائب وهذا الشعر يتدفق طبعا وسلاسة لما خلص محمد بن عبد الله بن طاهر إبراهيم بن المدبر جود المسالة في أمره وبذل أن يحتمل في ماله كل ما يطالب به فأعفاه المتوكل من ذلك ولم يلتفت إلى عبيد الله ووهبه لابن طاهر وكان إبراهيم استغاث به ومدحه بقوله: دعوتك من كرب ولبيت دعوتي ... ولم تعترضني إذ دعوت المعاذر إليك وقد جليت أوردت همتي ... وقد أعجزتني عن همومي المصادر نمى بك عبد الله في العز والعلا ... وحاز لك المجد المؤثل طاهر فأنتم بنو الدنيا وأملاك جوها ... وساستها والأعظمون الأكابر مآثر كانت للحسين ومصعب ... وطلحة لا تحوي مداها المفاخر إذا بذلوا قيل الغيوث البواكر ... وإن غضبوا قيل الليوث الهواصر تعطيكم يوم اللقاء البواتر ... وتزهو بكم غير المقام المنابر وما لكم غير الأسرة مجلس ... ولا لكم غير السيوف مخاصر ولي حاجة إن شئت أحرزت مجدها ... وسرك منها أول ثم آخر كلام أمير المؤمنين وعطفه ... فما لي بعد الله غيرك ناصر

قال عنتر بن شداد الملك كسرى أنوشروان

وإن ساعد المقدور فالنحج واقع ... وإلا فإني مخلص الود شاكر قال عنتر بن شداد الملك كسرى أنوشروان يا أيها الملك الذي راحاته ... قامت مقام الغيث في أزمانه يا قبلة القاصد يا تاج العلى ... يا بدر هذا العصر في كيوانه يا مخجلا نوء السماء بجوده ... يا منقذ المحزون من أحزانه يا ساكنين ديار عبس إنني ... لاقيت من كسرى ومن إحسانه ما ليس يوصف أو يقدر أو يفي ... أوصافه أحد بوصف لسانه ملك حوى رتب المعالي كلها ... بسمو مجد حل في إيوانه مولى به شرف الزمان وأهله ... والدهر نال الفخر من تيجانه وإذا سطا خاف الأنام جميعهم ... من بأسه والليث عند عيانه ألمظهر الإنصاف في أيامه ... بخصاله والعدل في بلدانه أمسيت في ربع خصيب عنده ... متنزها فيه وفي بستانه ونظرت بركته تفيض وماؤها ... يحكي مواهبه وجود بنانه في مربع جمع الربيع بربعه ... من كل فن لاح في أفنانه وطيوره من كل نوع أنشدت ... جهرا بأن الدهر طوع عنانه ملك إذا ما جال في يوم اللقا ... وقف العدو محيرا في شانه والنصر من جلسائه دون الورى ... والسعد والإقبال من أعوانه فلأشكرن صنيعه بين الملا ... وأطا عن الفرسان في ميدانه قال أبو نواس في البرامكة:

لشمس الدين القادري الشاعر المفلق في جلال الدين السيوطي

إن البرامكة الكرام تعلموا ... فعل الجميل وعلموه الناسا كانوا إذا غرسوا سقوا وإذا بنوا ... لا يهدمون لما بنوه أساسا وإذا هم صنعوا الصنائع في الورى ... جعلوا لها طيب البقاء لباسا لشمس الدين القادري الشاعر المفلق في جلال الدين السيوطي إمام اجتهاد عالم العصر عامل ... بجامع فضل ناسك متهجد ويحسد طرف النجم بالعلم طرفه ... إذا بات ليلا فيه وهو مسهد ويقدح زند العزم زند ذكائه ... فيصبح منه فكره يتوقد ومن مدد المولى وعين عناية ... وتوفيقه يحيا ويحمي ويحمد ومجتهد قد طال في العلم مدركا ... وباعا ففي كل العلوم له يد فحق له دعوى اجتهاد لأنه ... هو البحر علما زاخر اللج مزبد فمن ذاك علم بالكتاب وسنة ... تبين ما في بحره فهو مورد وفحوى خطاب ثم مفهوم ما به ... يدل على مفهومه حيث يوجد ومعرفة الأخبار ثم رواتها ... عدولا ومن بالطعن فيه تردد وفي النحو والتصريف للمرء عصمة ... من اللحن فاللحان باللحن مكمد ومعرفة الإعراب أرفع مرتقى ... فطوبى لمن يرقى إليه ويصعد وعلم المعاني والبيان كلاهما ... مراق إلى علم البديع ومصعد وسلطان منقول الفقيه متى يجد ... وزيرا من المعقول فهو مؤيد وإن الجلال السيوطي للهدى ... ككوكب علم بالضيا يتوقد وقد جاد صوب العلم روضة أصله ... فطاب له بالعلم فرع ومحتد

مديح الخلفاء

والذي حسد مغرى بتعداد فضله ... على نفسه يبكي أسى ويعدد فلو أبصر الكفار في العلم درسه ... وقد شاهدوا تقريره لتشهدوا فخذها جلال الدين في المدح كاعباً ... لها جيد حسن بالنجوم مقلد ولا تبتئس من قول واش وحاسد ... فما برحت أهل الفضائل تحسد ومن لحظت مسعاه عين عناية ... فطرف أعاديه مدى الدهر أرمد فهذا اعتقاد المؤمنين أولي النهي ... فلا يك في هذا لديك تردد وإن جلال الدين منهم فإنه ... بيمنى علوم الدين سيف مجرد وإن القوافي ضقن ذراعا عن الذي ... له من تصانيف فليست تعدد وإن الفقير القادري لعاجز ... عن المدح في علياه إذ يتقصد وقاه إله العرش من كل محنة ... وما أضمرت يوما عداه وحسد مديح الخلفاء مديح معاوية لابن أرطاة وإني امرؤ أنمى إلى أفضل الورى ... عديداً إذا ارفضت عصا المتحلف إلى نضد من عبد شمس كأنهم ... هضاب أجا أركانها لم تقصف ميامين يرضون الكفاية إن كفوا ... ويكفون ما ولوا بغير تكلف غطارفة ساسوا البلاد فأحسنوا ... سياستها حتى أقرت لمردف فمن يك منهم موسرا يفش فضله ... ومن يك منهم معسرا يتعفف وإن تبسط النعمى لهم يبسطوا بها ... أكفاً سباطاً نفعها غير مقرف وإن تزو عنهم لا يضجوا وتلفهم ... قليلي التشكي عندها والتكلف

دخل كثير أبو صخر والأحوص على عمر بن عبد العزيز فأنشده كثير

إذا انصرفوا للحق يوما تصرفوا ... إذا الجاهل الحيران لم يتصرف سموا فعلوا فوق البرية كلها ... ببنيان عال من منيف ومشرف دخل كثير أبو صخر والأحوص على عمر بن عبد العزيز فأنشده كثير وليت فلم تشتم عليا ولم تخف ... بذيا ولم تتبع مقالة مجرم وقلت فصدقت الذي قلت بالذي ... فعلت فأضحى راضيا كل مسلم ألا إنما يكفي الفتى بعد زيغه من الأود البادي ثقاف المقوم لقد لبست لبس الملوك ثيابها ... تراءت لك الدنيا بكف ومعصم وتومض أحيانا بعين مريضة ... وتبسم عن مثل الجمان المنظم فأعرضت عنها مشمئزا كأنما ... سقتك مدوفا من سمام وعلقم وقد كنت من أجيالها في ممنعٍ ... ومن بحرها في مزبد الموج مفعم وما زالت سباقاً إلى كل غاية ... صعدت بها أعلى البناء المقدم فلما أتاك الملك عفوا ولم يكن ... لطالب دنيا بعده من تكلم تركت الذي يقنى وإن كان مؤنقا ... وآثرت ما يبقى برأي مصمم فأضررت بالفاني وثمرت للذي ... أمامك في يوم من الهول مظلم وما لك إذ كنت الخليفة مانع ... سوى الله من مال رغيب ولا دم سمالك همٌّ في الفؤاد مؤرق ... صعدت به أعلى المعالي بسلم فلو يستطيع المسلمون تقسموا ... لك الشطر من أعمارهم غير ندم فعشت به ما حج لله راكب ... مغذ مطيف بالمقام وزمزم فأربح بها من صفقة لمبايع ... وأعظم بها أعظم بها ثم أعظم

أخبر علي بن سليمان الأخفش قال كان الرشيد قد أخذ صالح بن عبد القدوس وعلي بن

فقال له يا كثير إن الله سائلك عن كل ما قلت. ثم تقدم إليه الأحوص فاستأذنه فقال: قل ولا تقل إلا حقا فإن الله سائلك فأنشده: وما الشعر إلا خطبة من مؤلف ... بمنطق حق أو بمنطق باطل فلا تقبلن إلا الذي وافق الرضا ... ولا ترجعنا كالنساء الأرامل رأيناك لم تعدل عن الحق يمنة ... ولا يسرة فعل الظلوم المجادل ولكن أخذت الحق جهدك كله ... وتقفو مثال الصالحين الأوائل فقلنا ولم نكذب بما قد بدا لنا ... ومن ذا يرد الحق من قول عادل ومن ذا يرد السهم بعد صدوفه ... على فوقه إن عاد من نزع نابل ولولا الذي قد عودتنا خلائف ... غطاريف كانت كالليوث البواسل لما وخدت شهرا برحلي جسرة ... تقدمتون البيد بين الرواحل ولكن رجونا منك مثل الذي به ... صرفنا قديما من ذويك الأفاضل فإن لم يكن للشعر عندك موضع ... وإن كان مثل الدر من قول قائل وكان مصيبا صادقا لا يعيبه ... سوى أنه يبنى بناء المنازل فإن لنا قربى ومحض مودة ... وميراث آباء مشوا بالمناصل فذادوا عدو السلم عن عقر دارهم ... وأرسو عمود الدين بعد تمايل فقبلك ما أعطى الهنيدة جلة ... على الشعر كعبا من سديس وبازل فكل الذي عددت يكفيك بعضه ... ونيلك خير من بحور سوائل أخبر علي بن سليمان الأخفش قال كان الرشيد قد أخذ صالح بن عبد القدوس وعلي بن الخليل في الزندقة وكان علي الخليل استأذن أبا نواس في الشعر فأنشده علي بن الخليل قصيدة منها

أخبر محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي عبد الله وأخي أحمد قالا لما بلغ

خير البرية أنت كلهم ... في يومك الغادي وفي أمس وكذاك لن تنفك خيرهم ... تمسي وتصبح فوق ما تمسي لله ما هارون من ملك ... بر السريرة طاهر النفس ملك عليه لربه نعم ... تزداد جدتها على اللبس تحكي خلافته ببهجتها ... أنق السرور صبيحة العرس من عترةٍ طابت أرومتها ... أهل العفاف ومنتهى القدس نطق إذا احتضرت مجالسهم ... وعن السفاهة والخنا خرس إني إليك لجأت من هرب ... قد كان شردني ومن لبس واخترت حلمك لا أجاوزه ... حتى أوسد في ثرى رمسي لما استخرت الله في مهل ... يممت نحوك رحلة العنس كم قد قطعت إليك مدرعا ... ليلا بهيم اللون كالنقس إن هاجني من هاجس جزع ... كان التوكل عنده ترسي فأطلقه الرشيد وقتل صالح بن عبد القدوس واحتج عليه في أنه لا يقبل له توبة بقوله: والشيخ لا يترك أخلاقه ... حتى يوارى في ثرى رمسه أخبر محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي عبد الله وأخي أحمد قالا لما بلغ المأمون وصار في حد الرجال أمرنا الرشيد أن نعمل له خطبة يقوم بها يوم الجمعة. فعملنا له خطبته المشهورة وكان جهير الصوت حسن اللهجة. فلما خطب بها رقت له قلوب الناس وأبكى من سمعه. فقال أبو محمد اليزيدي يمدح المأمون لتهن أمير المؤمنين كرامة ... عليه بها شكر الإله وجوب بأن ولي العهد مأمون هاشم ... بدا فضله إذ قام وهو خطيب ولما رماه الناس من كل جانب ... بأبصارهم والعود منه صليب

أنشد حسين بن الضحاك يوم بويع بالخلافة للمعتصم

رماهم بقول أنصتوا عجبا له ... وفي دونه للسامعين عجيب ولما وعت آذانهم ما أتى به ... أنابت ورقت عند ذاك قلوب فأبكى عيون الناس أبلغ واعظ ... أغر بطاحي النجار نجيب مهيب عليه للوقار سكينة ... جريء جنان لا أكع هيوب ولا واجب فوق المنابر قلبه ... إذا ما اعترى قلب النجيب وجيب إذا ما علا المأمون أعواد منبر ... فليس له في العالمين ضريب تصدع عنه الناس وهو حديثهم ... تحدث عنه نازح وقريب شبيه أمير المؤمنين حزامة ... إذا وردت يوما عليه خطوب إذا طاب أصل في عروق مشاجه ... فأغصانه من طيبه ستطيب فقل لأمير المؤمنين الذي به ... يقدم عبد الله فهو أديب كأن لم تغب عن بلدة كان والياً ... عليها ولا التدبير منك يغيب تتبع ما يرضيك في كل أمره ... فسيرته شخص إليك حبيب ورثتم بني العباس إرث محمد ... فليس لحي في التراث نصيب فلما وصلت هذه الأبيات إلى الرشيد أمر لأبي محمد بخمسين ألف درهم ولابنه محمد بن أبي محمد بمثله (الأغاني) أنشد حسين بن الضحاك يوم بويع بالخلافة للمعتصم خير الوفود مبشر بخلافة ... خصت ببهجتها أبا إسحاق وافته في الشهر الحرام سليمة ... من كل مشكلة وكل شقاق أعطته صفقتها الضمائر طاعة ... قبل الأكف بأوكد الميثاق

أخبر إبراهيم بن حسن بن سهل قال كنا مع الواثق بالقاطول وهو يتصيد فصاد صيدا حسنا

سكن الأنام إلى إمام سلامة ... عف الضمير مهذب الأخلاق فحمى رعيته ودافع دونها ... وأجار مملقها من الإملاق قل للأولى صرفوا الوجوه عن الهدى ... متعسفين تعسف المراق إني أحذركم بوادر ضيغم ... درب بحطم موائل الأعناق متأهب لا يستفز جنانه ... زجل الرعود ولامع الأبراق لم يبق من متعزمين توثبوا ... بالشأم غير جماجم أفلاق من بين منجدل تمج عروقه ... علق الأخداع أو أسير وثاق وثنى الخيول إلى معاقل قيصر ... تختال بين أجرة ودقاق يحملن كل مشمر متغشم ... ليث هزبر أهرت الأشداق حتى إذا أم الحصون منازلاً ... والموت بين ترائب وتراقي هرت بطارقها هرير قساور ... بدهت بأكره منظر ومذاق ثم استكانت للحصار ملوكها ... ذلا وناط حلقها بخناق هربت وأسلمت اللواء عشية ... لم يبق غير حشاشة الأرماق حتى أتمها فقال له المعتصم: ادن مني. فدنا منه فمل فمه جوهرا من جوهر كان بين يديه. ثم أمره بان يخرجه من فيه فأخرجه وأمر بان ينظم ويدفع إليه. ويخرج إلى الناس وهو في يده ليعلموا موقعه من رأيه ويعرفوا فعله فكان أحسن ما مدح به يومئذ (الأغاني) أخبر إبراهيم بن حسن بن سهل قال كنا مع الواثق بالقاطول وهو يتصيد فصاد صيدا حسنا وهو في الزو من الإوز والدراج وطير الماء وغير ذلك. ثم رجع فتغدى ودعا بالجلساء والمغنين وطرب وقال من ينشد. فقام الحسين بن الضحاك فأنشده سقى الله بالقاطول مسرح طرفكا ... وخص بسقياه مناكب قصركا حتى انتهى إلى قوله:

قصيدة أبي بكر بن عمار الخليفة المعتضد بالله العبادي

تحين للدراج في جنباته ... وللغر آجال قدرن بكفكا حتوفاً إذا وجهتهن قواضباً ... عجالاً إذا أغريتهن بزجركا أبحت حماما مصعداً ومصوباً ... وما رمت في حاليك مجلس لهوكا تصرف فيه بين نايٍ ومسمعٍ ... ومشمولةٍ من شطت مسافة عزمكا قضيت لباناتٍ وأنت مخيمٌ ... مريحٌ وإن شطت مسافة عزمكا وما نال طيب العيش إلا مودع ... وما طاب عيش نال مجهود كدكا فقال الواثق: ما يعدل الراحة ولذة الدعة شيء فلما انتهى إلى قوله: خلقت أمين الله للخلق عصمة ... وأمنا فكل في ذراك وظلكا وثقت بمن سماك بالغيب واثقا ... وثبت بالتأييد أركان ملككا فأعطاك معطيك الخلافة شكرها ... وأسعد بالتقوى سريرة فلبكا وزادك من أعمارنا غير منة ... عليك بها أضعاف أضعاف عمركا ولا زالت الأقدار في كل حالة ... عداة لمن عاداك سلماً لسلمكا إذا كنت من جدواك في كل نعمة ... فلا كنت إن لم أفن عمري بشكركا فطرب الواثق فضرب الأرض بمخصرة كانت في يده وقال: لله درك يا حسين ما أقرب قلبك من لسانك. فقال: يا أمير المؤمنين جودك ينطق المفحم بالشعر والجاحد بالشكر. فقال له: لن تنصرف إلا مسرورا. ثم أمر له بخمسين ألف درهم قصيدة أبي بكر بن عمار الخليفة المعتضد بالله العبادي ملك إذا ازدحم الملوك بمورد ... ونحاه لا يردون حتى يصدرا أندى على الأكباد من قطر الندى ... وألذ في الأجفان من سنة الكرى قداح زند المجد لا ينفك عن ... نار الوغى إلا إلى نار القرى

لا خلق أقرأ من شفار حسامه ... إن كنت شبهت المواكب أسطرا أيقنت أني من ذراه بجنة ... لما سقاني من نداه الكوثرا وعلمت حقا أن ربعي مخصب ... لما سألت به الغمام الممطرا من لا توازنه الجبال إذا احتبى ... من لا تسابقه الرياح إذا جرى ماض وصدر الرمح يكهم والظبى ... تنبو وأيدي الخيل تعثر في البرى فإذا الكتائب كالكواكب فوقهم ... من لا مهم مثل السحاب كنهورا من كل أبيض قد تقلد أبيضاً ... عضباً وأسمر قد تأبط أسمرا ملك يروقك خلقه أو خلقه ... كالروض يحسن منظرا أو مخبرا أقسمت باسم الفضل حتى شمته ... فرأيته في بردتيه مصورا وجهلت معنى الجود حتى زرته ... فقرأته في راحتيه مفسرا فاح الثرى متعطرا بثنائه ... حتى حسبنا كل ترب عنبرا وتتوجت بالزهر صلع هضابه ... حتى ظننا كل هضب قيصرا هصرت يدي غصن الندى من كفه ... وجنت به روض السرور منورا حسبي على الصنع الذي أولاه أن ... أسعى بجد أو أموت فأعذرا يا أيها الملك الذي حاز المنى ... وحباه منه بمثل حمدي أنورا ألسيف أفصح من زياد خطبة ... في الحرب إن كانت يمينك منبرا ما زلت تغني من عنى لك راجيا ... نيلا وتفني من عتا وتجبرا حتى حللت من الرئاسة محجرا ... رحبا وضمت منك طرفا أحورا شقيت بسيفيك أمة لم تعتقد ... إلا اليهود وإن تسمت بربرا

لما عقد المتوكل لولاة العهود من ولده ركب بسر من رأى ركبة لم ير أحسن منها وركب

أثمرت رمحك من رؤوس كماتهم ... لما رأيت الغصن يعشق مثمرا وصبغت درعك من دماء ملوكهم ... لما علمت الحسن يلبس أحمرا نمقتها وشيا بذكرك مذهبا ... وفتقتها مسكا بحمدك أذفرا من ذا ينافحني وذكرك صندل ... أوردته من نار فكري مجمرا فلئن وجدت نسيم حمدي عاطرا ... فلقد وجدت نسيم برك أعطرا وإليكها كالروض زارته الصبا ... وحنا عليه النور حتى نورا لما عقد المتوكل لولاة العهود من ولده ركب بسر من رأى ركبة لم ير أحسن منها وركب ولاة العهود بين يديه والأتراك بين أيديهم الطبر زينات المحلاة بالذهب. ثم نزل في الماء فجلس فيه والجيش معه في الجوانحيات وسائر السفن. وجاء حتى نزل في القصر الذي يقال له العروس وأذن للناس فدخلوا إليه. فلما تكاملوا بين مثل إبراهيم بن العباس بين الصفين فاستأذن في الإنشاد فأذن له فأنشد ولما بدا جعفر في الخميس م بين المطل وبين العروس بدا لابسا بهما حلة ... أزيلت بها طالعات النحوس ولما بدا بين أحبابه ... ولاة العهود وعز النفوس غدا قمرا بين أقماره ... وشمسا مكللة بالشموس لإيقاد نار وإطفائها ... ويوم أنيق ويوم عبوس ثم أقبل على ولاة العهود فقال: أضحت عرى الإسلام وهي منوطة ... بالنصر والإعزاز والتأييد بخليفة من هاشم وثلاثة ... كنفوا الخلافة من ولاة عهود قمر توافت حوله أقماره ... فحففن مطلع سعده بسعود رفعتهم الأيام وارتفعوا بها ... فسعوا بأكرم أنفس وجدود

قصيدة البحتري في الخليفة المتوكل لما دخل الموصل يوم الفطر

فأمر له المتوكل بمائة ألف درهم وأمر له ولاة العهود بمثلها قصيدة البحتري في الخليفة المتوكل لما دخل الموصل يوم الفطر ألله مكن للخليفة جعفر ... ملكاً يحسنه الخليفة جعفر نعمى من الله اصطفاه بفضلها ... والله يرزق من يشاء ويقدر فأسلم أمير المؤمنين ولا تزل ... تعطى الزيادة في البقاء وتشكر عمت فواضلك البرية فالتقى ... فيها المقل على الغنى والمكثر بالبر صمت وأنت أفضل صائم ... وبسنة الله الرضية تفطر فانعم بيوم الفطر عينا إنه ... يوم أغر من الزمان مشهر أظهرت عز الملك فيه بجحفل ... لجب يحاط الدين فيه وينصر خلنا الجبال تسير فيه وقد غدت ... عددا يسير بها العديد الأكثر فالخيل تصهل والفوارس تدعي ... والبيض تلمع والأسنة تزهر والأرض خاشعة تميد بثقلها ... والجو معتكر الجوانب أغبر والشمس ماتعةٌ توقد في الضحى ... طوراً ويطفئها العجاج الأكدر حتى طلعت بضوء وجهك فانجلى ... ذاك الدجى وإنجاب ذاك العثير وافتن فيك الناظرون فإصبعٌ ... يوماً إليك بها وعين تنظر يجدون رؤيتك التي فازوا بها ... من أنعم الله التي لا تكفر ذكروا بطلعتك الرشيد فهللوا ... لما طلعت من الصفوف وكبروا حتى انتهيت إلى المصلى لابساً ... نور الهد يبدو عليك ويظهر ومشيت مشية خاشع متواضعٍ ... لله لا تزهى ولا تتكبر

من قصيدة لكمال الدين المعروف بابن النبيه في الناصر أحمد أمير المؤمنين

فلوان مشتاقا تكلف غير ما ... في وسعه لسعى إليك المنبر أيدت من فصل الخطاب بحكمة ... تنبي عن الحق المنير وتخبر ووقفت في برد الخطيب مذكراً ... بالله تنذر تارة وتبشر صلوا وراءك آخذين بعصمة ... من ربهم وبذمة لا تخفر ومواعظ شفت الصدور من الذي ... يعتادها وشفاؤها متعذر حتى لقد علم الجهول وأخلصت ... نفس المرئي واهتدى المتحير فاسعد بمغفرة الإله فلم يزل ... يهب الذنوب لمن يشاء ويغفر ألله أعطاك المحبة في الورى ... وحباك بالفضل الذي لا ينكر ولأنت أملأ للعيون لديهم ... وأجل قدرا في الصدور وأكبر من قصيدة لكمال الدين المعروف بابن النبيه في الناصر أحمد أمير المؤمنين إمام عدل لتقوى الله باطنه ... وللجلالة والإحسان ظاهره تجسد الحق في أثناء بردته ... وتوجهت باسمه العالي منابره له على ستر سر الغيب مطلع ... فما موارده إلا مصادره راع بطرف حمى الإيمان ساهرُهُ ... ساطٍ بسيف أباد الجور شاهرة في صدره البحر أو في بطن راحته ... كلاهما يغمر السؤال زاخرة محجبٌ في سجوف العز لو فرجت ... عن نور وجه يباهي الصبح باهرة نضاه سيفاً على أعداء دولته ... ما كل سيف له تثنى خناصره فضل اصطفاء أتى من غير مسئلةٍ ... يغنى به عن أخٍ برٍ يؤازره تهن نعمى أمير المؤمنين ودم ... يا أيها الأشرف الميمون طائرة

وقال أيضا يمدح السلطان موسى الأشرف

بحد سيفك آيات العصي نسخت ... إذا تفرعن يوم الروع كافرة سل الكلى والطلى يا من يساجله ... فالرمح ناظمه والسيف ناثره تنجست بدم القتلى صوارمه ... وطهرت بيد التقوى مآزره جم النوال سريع البطش متئد ... كالدهر يرجى كما تخشى بوادره إذا حبا أغنت الأيدي مواهبه ... وإن سطا سدت الدنيا عساكره أين المفر لمن عاداه من يده ... والوحش والطير أتباع تسايره إن يصعد الجو ناشته خواطفه ... أو يهبط الأرض غالته كواسره يا جامعا بالعطايا شمل عترته ... كالقطب لولاه ما صحت دوائره إن جاد شعري فهذا الفضل علمني ... من غاض في البحر جاءته جواهره وقال أيضا يمدح السلطان موسى الأشرف يستوجب النصر من صحت عزائمه ... ويقتني الشكر من عمت مكارمه بالمال والنفس نال المجد طالبه ... إن العظيم لمن هانت عظائمه في كل دور لهذا الدين منتظر ... يشيده بعد ما تخفى معالمه فاليوم كل إمامي يوفقنا ... بأن شاه أرمن المهدي قائمه من يملأ الأرض عدلا بعد ما ملئت ... جورا وكشف غماها صوارمه يا يوم دمياط ما أبقيت من شرف ... لمن تقدم إلا أنت هادمه رأت بنو الأصفر الأعلام طالعة ... والنقع يرمد عين الشمس فاحمه والجيش يلتف مرطاه على ملكٍ ... كالليث تزأر حوليه ضراغمه والجو يبكي سهاما كلما ضحكت ... عن كل برق يماني غمائمه

وله فيه أيضا

وكل طرف إذا طال الطراد به ... يطير من حدة لولا شكائمه ودون دمياط بحر حال بينهم ... من الظبا ليس ينجو منه عائمه ذلوا لملك أعان الله صاحبه ... موسى سليمانه والسيف خاتمه وسلموها وردوا أهلها ومضوا ... والثغر من فرح يفتر باسمه كأنهم أبصروا ما قد مضى زمنا ... كما يرى مزعج الأحلام نائمة أشبهت جدك إبراهيم واتفقت ... على عزائمك العليا عزائمه قل للكماة وسرته سلامته ... هذا هو الموت فاحذر أن تلاثمه عادوا بحزن إلى أوطانهم ومضوا ... وكل بيت وقاهم فيه مأتمه تبكي النساء على أسرى ملوكهم ... وذاك أمر قضى بالعدل حاكمة يا باذلا في سبيل الله مهجته ... لله لا للذي جادت معالمه لولاك زلزل دين المصطفى ووهى ... وأصبح البيت قد حلت محارمه أقول للحاسد المحزون ذا ملك ... والنجم والفلك والدوار خادمه هذا اختصاص إلهي ومرتبة ... ما في الملوك عليها من يزاحمه لا فارقت ألسن المداح دولته ... فأحسن الروض ما غنت حمائمه وله فيه أيضاً حظي من الزمن القليل وهذه ... نفثات في وهذه كلماتي أشكو إلى شاه أرمن موسى الملي ... ك الأشرف السبق للغايات ملك إذا اعتكر العجاج رأيته ... طلق المحيا واضح القسمات أو كان قبل اليوم كان جبينه ... أولى من التشبيه بالمشكاة

وقال أيضا يمدحه

جرار أذيال الجيوش يحفها ... طير السماء وكاسر الفلوات ضمنت لها عادات نصر الله أن ... تجري جرايتها على العادات أسد براثنها النصال تقحمت ... أجم الوشيح فغبن في غابات طلعت من الخوذ الحديد وجوههم ... فكأنها الأقمار في الهالات واستلأت حلق الدروع عليهم ... فكأنها لحجٌ على هضبات يرمي بها سبل المهالك ماجد ... كم خاض دون الموت في غمرات كم ركعة لقناه في ثغر العدى ... ولسيفه في الهام من سجدات سمر ذوابل لا يبل غليلها ... إلا إذا سقيت دم المهجات يلهي مسامعه الصليل وأين من ... طبع القيون تطبع القينات ظل البنود مقليه ومهاده ... جرد تطير به إلى الغابات دهم تخيرها الصباح على الدجى ... فغدا ومطلعه من الجبهات حمر تربت بين مشتجر القنا ... لابد دون الورد من شوكات شهب بها قذفت شياطين العدى ... فجرت كجري الشهب مشتعلات هذا الذي أرضى العباد وربهم ... بغرائب الإحسان والحسنات هذا الذي استغنى عن الوزراء في ... تدبير عقد الرأي والرايات سبحان من جمع المكارم عنده ... وقضى على أمواله بشتات وقال أيضا يمدحه قد مسني الضر ومالي سوى ... من يمنع الجار ولا يمنع الملك الأشرف شاه أرمن ... مظفر الدين الفتى الأروع

وقال يمدحه ويستعطفه

إن غاض ماء الرزق موسى وإن ... شمسي تغرب إنه يوشع له يد ظاهرها كعبة ... وفي الندى باطنها مشرع بيضاء في السلم ولكنها ... حمراء إذ سن القنا يقرع إذا دجا النقع وصلت به ... بيض سجود وقنا ركع سل حساما وامتطى أشقرا فأي برقيه به أسرع طرف من الصبح له غرة ... ومن رياح أربعٍ أربع في جحفلٍ يحمد يوم الوغى ... في جمعه تفريق ما يجمع بحر حديد موج أبطاله ... يزبد بيضا وقنا يلمع ملك له الأملاك من رهبة ... ورغبة أعناقها خضع يخيفها السطوة من بأسه ... لكنها في جوده تطمع لا ترتضي همته غاية ... من رتب المجد ولا تقنع مبتكر للمجد مداحه ... تبتكر المدح الذي يصنع تنزهت أفعاله فهو عن ... ما تمدح الناس به أرفع يا ابن الذي لو كاده تبع ... لكان كالعبد له يتبع كفاه فخراً أن تكون ابنه ... وأنت في أولاده إن دعوا بقيت للإسلام ما غردت ... قمرية في دوحها تسجع وقال يمدحه ويستعطفه ألله أبدي البدر من أزراره ... والشمس من قسمات موسى أطلعا الأشرف الملك الذي ساد الورى ... كهلا ومكتمل الشباب ومرضعا

وقال يمدحه وهي من القصائد المرقصة

ردت به شمس السماح على الورى ... فاستبشروا ورأوا بموسى يوشعا سهل إذا لمس الصفا سال الندى ... صعب إذا لحظ الأصم تصدعا دان ولكن من سؤال عفاته ... سام على سمك السماء ترفعا يا برق هذا منك أصدق شيمة ... يا غيث هذا منك أحسن موقعا يا روض هذا منك أبهج منظرا ... يا بحر هذا منك أعذب مشرعا يا سهم هذا منك أصوب مقصدا ... يا سيف هذا منك أسرع مقطعا يا صبح هذا منك أسفر غرة ... يا نجم هذا منك أهدى مطلعا حملت أنامله السيوف فلم تزل ... شكرا لذلك سجدا أو ركعا حلت فلا برحت مكانا لم يزل ... من در أفواه الملوك مرصعا أمظفر الدين استمع قولي وقل ... لعثار عبدٍ أنت مالكه لعا أيضيق بي حرم اصطناعك بعدما ... قد كان منفرجا علي موسعا وعلى كلا الحالين إني شاكر ... داع لأن الله يسمع من دعا وقال يمدحه وهي من القصائد المرقصة والله لو قيس به حاتم ... لقل ما قد قيل فيه وهان ذا يملأ الأرض بإحسانه ... وذاك يمتن بملء الجفان يروي العلى عن نفسه عن أب ... عال فنا في نصه عن فلان قد نظم المجد له نسبة ... كالدر تجلوه وجوه الحسان طلق الندى طلق الحيا طلق نص ... ل السيف طلق الأمر طلق اللسان يقول من يسمع ألفظه ... هذا جني يانع أم جنان

قال ابن عنين في الملك العادل وفي أولاده

له على وقع الظبى هزة ... إذا التقى الجمعان يوم الرهان صالت وصلت في رؤوس العدى ... كأن في الآذان منها أذان مولاي جد وأنعم وصل واقتدر ... وافتك فما تفرح أم الجبان واركب جواد الدهر واسبق إلى ... ما تشتهيه قد ملكت العنان دمتم بني أيوب في نعمة ... تجوز في التخليد حد الزمان والله ما زلتم ملوك الورى ... سرقا وغربا وعلي الضمان قال ابن عنين في الملك العادل وفي أولاده وله البنون بكل أرض منهم ... ملك يقود إلى الأعادي عسكرا من كل وضاح الجبين تخاله ... بدراً وإن شهد الوغى فغضنفرا متقدم حتى إذا النقع انجلى ... بالبيض عن سبي الحريم تأخرا قوم زكوا أصلا وطابوا محتداً ... وتدفقوا جوداً وراقوا منظرا وتعاف خيلهم الورود بمنهل ... ما لم يكن بدم الوقائع حمرا يعشو إلى نار الوغى شغفا بها ... ويجل أن يعشو إلى نار القرى ألعادل الملك الذي أسماؤه ... في كل ناحية تشرف منبرا وبكل أرض جنة من عدله الصافي أسال نداه فيها كوثرا عدل يبيت الذئب منه على الطوى ... غرثان وهو يرى الغزال الأعفرا ما في أبي بكر لمعتقد الهدى ... شك مريب أنه خير الورى سيفٌ صقال المجد أخلص متنه ... وأبان طيب الأصل منه الجوهرا ما مدحه بالمستعار له ولا ... آيات سؤدده حديث يقترى

قال الصاحب جمال الدين يحيى بن مطروح يمدح المستنصر بالله

بين الملوك الغابرين وبنيه ... في الفضل ما بين الثريا والثرى نسخت خلائقه الحميدة ما أتى ... في الكتب كسرى الملوك وقيصرا ملك إذا خفت حلوم ذوي النهي ... في الروع زاد رصانة وتوقرا ثبت الجنان تراع من وثباته ... وثباته يوم الوغى أسد الشرى يقظ يكاد يقول عما في غد ... ببديهة أغنته أن يتفكرا حلم تخف له الحلوم وراءه ... رأي وعزم يخفر الإسكندرا يعفو عن الذنب العظيم تكرما ... ويصد عن قول الخنا متكبرا لا تسمعن حديث ملك غيره ... يروى فكل الصيد في جوف الفرا قال الصاحب جمال الدين يحيى بن مطروح يمدح المستنصر بالله لادرَّ دري إن ونت بي همةٌ ... عن قصد دار ظلها لا يبرح بغداد أيتها المذاكي إنها ... أنجى وأنجع للشؤون وأنجح خببا وتقريبا وإنضاء فبي ... شوق إلى ذاك الجناب مبرح هذا هو الملك الذي لا يبتغى ... لسواك والشرف الذي لا يرجح مستنصرا بالله يمسي دائبا ... فيما يعز به لديه ويصبح تعرو المنابر حين يذكر هيبة ... حتى الجماد لذكره يترنح تغشى النواظر إن بدت أنواره ... فالطرف يطرف والجوانح تجنح يعفو ويصفح قادرا عمن تركتهم ... فرقا وأعينهم لعودي تطمح ما نلت من شرف ومجد باذخ ... وغدا بنا فوق الكواكب مطرح

وقال يمدح الملك الأشرف مظفر الدين أبا الفتح موسى أخا الملك الكامل

فبذلك الشرف الذي أوتيته ... وبحسن منقلبي إذا فليفرحوا إني لأربح متجرا من معشر ... أضحت بضائعهم تذال وتطرح جلبوا الذي يفنى وينفد عاجلا ... وجلبت ما يبقى فمن هو أربح الله حسبك يا ابن عم محمد ... فلسمط مدحك ذي اللآلي تصلح لا ثل عرش خلافة مذ حطتها ... قرأت على أعدائها لن تفلحوا وقد استقر الملك فوق سريرها ... والعز تحت لوائها لا يبرح في ظله للائذين فلذ به ... إن كنت تقبل من نصيح ينصح ما لا رأت عين ولا سمعت به ... أذن ولا أمسى ببال يسنح إن الخلافة لم تكن إلا لكم ... من آدم وهلم جرا تصلح وقال يمدح الملك الأشرف مظفر الدين أبا الفتح موسى أخا الملك الكامل لا شيء يطرب سامعا كحديثه ... إلا الثناء على علا شاه أرمن الأشرف الملك الكريم المجتبى ... موسى وتمم بالرحيم المحسن ملك إذا أنفقت عمرك كله ... في نظرة من وجهه لم تغبن وإذا انتخبت له دعاء صالحا ... لم تلق غير مشارك ومؤمن يا أيها الملك الذي من فاته ... نظر إليك فما أراه بمؤمن أفنيت خيلك والصوارم والقنا ... وعداك والأموال ماذا تقتني أبقت لك الذكر الجميل مخلدا ... شيم لها الأملاك لم تتفطن وشجاعة رجف العراق لذكرها ... وتهامة وبلاد عبد المؤمن ولى الخوارزمي منها هاربا ... وهلم جرا قلبه لم يسكن

حدث العلامة لسان الدين بن الخطيب قال للسلطان الظافر وأنا بمدينة سلا لما انفصل

ودعاؤه في ليله ونهاره ... يا رب من سطوت موسى نجني ما كان أشوقني للثم بنانه ... ولقد ظفرت بلثمها فليهنني ودخلت من أبوابه في جنة ... يا ليت قومي يعلمون بأنني يا مكثري الدعوى اخفضوا أصواتكم ... ما كل رافع صوته بمؤذن أنا من يحدث عنه في أقطارها ... من كان في شك به فليوقن هذا مقامٌ لا الفرزدق ماهر ... فيه ولا نظراؤه لكنني ملك الملوك إليكها من ناظمٍ ... مترسل متنوع متفنن إن شئت نظما فالذي أمليته ... أو شئت نثراً فاقترح واستحسن لا تخدعن بظاهر عن باطن ... قد يظهر الإنسان ما لم يبطن والسبعة الأفلاك ما حركاتها ... إلا مخافة أن تقول لها اسكني عاشت عداك ولا أشح عليهم ... عمي النواظر عنك خرس الألسن حدث العلامة لسان الدين بن الخطيب قال للسلطان الظافر وأنا بمدينة سلا لما انفصل طالبا حقه بالأندلس قصيدة كان صنع الله مطابقا لاستهلالها. ووجهت بها إلى رندة قبل الفتح. ثم لما قدمت أنشدتها بين يديه بعد الفتح وفاء بنذري. وسميتها الفتح الغريب في الفتح القريب الحق يعلو والأباطل تسفل ... والحق عن أحكامه لا يسأل فإذا استحالت حالة وتبدلت ... فالله عز وجل لا يتبدل واليسر بعد العسر موعود به ... والصبر بالفرج القريب موكل والمستعد بما يؤمل ظافر ... وكفاك شاهد قيدوا وتوكلوا أمحمد والحمد منك سجية ... بحليها بين الورى يتجمل

أما سعودك فهو دون منازع ... عقد بأحكام القضاء يسجل ولك السجايا الغر والشيم التي ... بغريبها يتمثل المتمثل ولك الوقار إذا تزلزلت الربى ... وهفت من الروع الهضاب المثل عوذ كما لك ما استطعت فإنه ... قد تنقص الأشياء مما تكمل إن كان ماض من زمانك قد مضى ... بإساءة قد سرك المستقبل هذا بذاك فشفع الثاني الذي ... أرضاك فيما قد جناه الأول والله قد ولاك أمر عباده ... لما ارتضاك ولاية لا تعزل وإذا تغمدك الإله بنصره ... وقضى لك الحسنى فمن ذا يخذل وظعنت عن أوطان ملكك راكبا ... متن العباب فأي صبر يجمل والبحر قد حنيت عليك ضلوعه ... والريح تقطع للزفير وترسل ولك الجواري المنشآت قد اغتدت ... تختال في برد الشباب وترفل غرقت بصفحته النمال وأوشكت ... تبغي النجاة فأوثقتها الأرجل فالصرح منه ممرد والصفح منه مورد والشط منه مهدل وبكل أزرق إن شكت ألحاظه ... مره العيون فبالعجاجة يكحل متأوداً أعطافه في نشوةٍ ... مما يعل من الدماء وينهل عجبا له إن النجيع بطرفه ... رمدٌ ولا يخفى عليه مقتل لله موقفك الذي وثباته ... وثباته مثل به يتمثل والخيل خط والمجال صحيفة ... والسمر تنقط والصوارم تشكل والبيض قد كسرت حروف جفونها ... وعوامل الأسل المثقف تعمل

لابن رشيد يمدح أمير المؤمنين عبد المؤمن الكرمي

لابن رشيد يمدح أمير المؤمنين عبد المؤمن الكرمي دراري من نور الهدى تتوقد ... مطالعها فوق المجرة أسعد وأنهار جود كلما أمسك الحيا ... يمد بها طامي الغوراب مزبد وآساد حرب غابها شجر القنا ... ولا لبد إلا العجاج الملبد مساعير في الهيجا مساعير الندى ... بأيديهم يحمى الهجير ويبرد تشب بهم ناران للحرب والقرى ... ويجري بهم سيلان جيش وهسجد ويستمطرون البرق والبرق عبدهم ... سيوف على أفق العداة تجرد سلام على المهدي أما قضاؤه ... فحتم وأما أمره فمؤكد إمام الورى عم البسيطة عدله ... على حين وجه الأرض بالجور أربد بصير رأى الدنيا بعين جليلة ... فلم يغنه إلا المقام الممجد ولما مضى والأمر لله وحده ... وبلغ مأمول وأنجز موعد تردى أمير المؤمنين رداءه ... وقام بأمر الله والناس هجد بعزمة شيحان الفؤاد مصمم ... يقوم به أقصى الوجود ويعقد مشيئته ما شاءه الله إنه ... إذاهم فالحكم الإلهي يسعد كتائبه مشفوعة بملائكٍ ... تزاد بها في كل حال وترفد وما ذاك إلا نية خلصت له ... فليس له فيما سوى الله مقصد إذا خطبت راياته وسط محفل ... ترى قمم الأعداء في الترب تسجد وإن نطقت بالفصل فيهم سيوفه ... أقر بأمر الله من كان يجحد معيد علوم الدين بعد ارتفاعها ... ومبدي علوم لم تكن قبل تعهد

قال ابن صردر يمدح السلطان ملكشاه

جزى الله عن هذا الأنام خليفة ... به شربوا ماء الحياة فخلدوا وحياه ما دامت محاسن ذكره ... على مدرج الأيام تتلى وتنشد فدم للورى غيثا وعزا ورحمة ... فقربك في الدارين منح مسعد وزادت بك الأعياد حسنا وبهجة ... كأنك للأعياد زيٌّ مجدد ولا زلت للأيام تبلى جديدها ... وعمرك في ريعانه ليس ينفد قال ابن صردر يمدح السلطان ملكشاه قد رجع الحق إلى نصابه ... وأنت من كل الورى أولى به ما كنت إلا السيف سلته يد ... ثم أعادته إلى قرابه هزته حتى أبصرته صارما ... رونقه يغنيه عن ضرابه أكرم بها وزارة ما سلمت ... ما استودعت إلا إلى أصحابه مشوقة إليك مذ فارقتها ... شوق أحي الشيب إلى شبابه مثلك محسود ولكن معجز ... أن يدرك البارق في سحابه حاولها قوم ومن هذا الذي ... يخرج ليثا خادرا من غابه يدمي أبو الأشبال من زاحمه ... في جيشه بظفره ونابه وهل رأيت أو سمعت لابسا ... ما خلع الأرقم من إهابه تيقنوا لما رأوها ضيعة ... أن ليس للجو سوى عقابه إن الهلال يرتجى طلوعه ... بعد السرار ليلة احتجابه والشمس لا يؤيس من طلوعها ... وأن طواها الليل في جنابه ما أطيب الأوطان إلا أنها ... للمرء أحلى أثر اغترابه

قال أحمد بن أبي القاسم الخلوف في الملك المسعود

كم عودة دلت على مآبها ... والخلد للإنسان في مآبه لو قرب الدر على طالبه ... ما نجح الغائض في طلابه ولو أقام لازما أصدافه ... لم تكن التيجان في حسابه ما لؤلؤ البحر ولا من صانه ... إلا وراء الهول من عبابه قال أحمد بن أبي القاسم الخلوف في الملك المسعود وافتر ثغر الزهر بشرا إذ رأى ... وجه المليك تحفه البشراء ساس الخلافة بالمكارم والحجى ... إذ لم يسسها مثله الخلفاء تعلو السماء ثلاثة من أرضه ... ألفضل والإفضال والنعماء وثلاثة قد جنبت أخلاقه ... ألخلق والآثام والشحناء وثلاثة في العزم من أفعاله ... ألنقض والإبرام والآراء والمجد وهو اثنان أحرز وأحدا ... أعمامه والآخر الآباء يقظاته والليل مرخ سجفه ... تركت عيونا ما لها إغفاء بحر لكفي تجره نعماؤه ... بدر لعيني تبده الأضواء لو عانيت منه السحائب ما أرى ... حارت فلم تتجبس الأنواء وإذا اختفى عن منكريه فعاذر ... أن لا تراه مقلة عمياء هذي المآثر ليس ينشي مثلها ... بان ولم يسمو بها النظراء تتحير الشعراء فيها إذ تذل م ببحرها الكبراء والعظماء لم يثن في طلب أعنة خليه ... لما اعترت مهزومها النكباء

وقال أيضا فيه

أو ما سمعت بيومه المشهود في ... سراط إذ سارت به الأنباء ملك العباد فأظهرت آراؤه ... عفوا فتمم فضله الإبداء فضل أقر به العداة ولم أجد ... كالفضل قد شهدت به الأعداء لا يعد منك السائلون فإنهم ... في ظل عز أدركوا ما شاءوا كن حيث شئت أسر إليك فإنني ... أهدى إليك ولم وأنت ذكاء فنظمت فيك بديع شعرٍ فات أن ... ترقى إلى حجراته الشعراء وقال أيضا فيه مليك تصدى ينصر الحق في الورى ... إذا عصبة منهم لظلم تصدت زعيم به أيدي المكارم أيدت ... وليث به كف المظالم كفت أخو البأس والنعمى يرجى ويختشى ... لأيام سلم أو لأيام فتنة رؤوف على العاني إذا الدهر خانه ... صفوح عن الجاني إذا الرجل زلت هجوم على الأعداء من كل جانب ... شفوق على الأصحاب من كل وجهة مدبر أمر ليس يصدر رأيه ... فيقرع في إصداره سن غفلة حليف ندى يأوي إلى بيت سؤدد ... دعائمه مثل السماك تعلت ترقى محلا لو ترقت لبابه ... بدور الدياجي رفعة ما تهدت جواد يعيد الجدب خصبا كأنما ... أياديه بالغيث السكوب استهلت ولا عيب في نعمائه غير أنها ... لسائله قبل السؤال أعدت له همة فاقت على كل همة ... بدولة ملك أخجلت كل دولة هنيئا لوفد سائرين لبابه ... لقد حمدوا المسرى بصبح المسرة

وله فيه أيضا من قصيدة

أمولاي إن القصد آل مآله ... إليك وأيدي الحال نحوك مدت فجد للخلوف النازح الدار بالرضا ... على مهجة للهلك فيك استعدت فأنت ملاذي واعتمادي وغايتي ... وعزي وسلطاني وذخري وعمدتي ولا زلت في أمن ويمن وبهجة ... ويسر وخير وارتقاء وعزة وجاه ونصر واعتلاء وسؤدد وفخر ومجد واقتدار ورفعة وله فيه أيضا من قصيدة ملك سمي أخلاقه فترفعت ... عن رتبة الأشباه والأمثال قمر جلا ظلم الخطوب ضياؤه ... عنا وبدر كامل الإجلال إن كان عال في الخلافة قدره ... فأبوه منها في محل عال ذو همة رفعت عوامل نصبها ... فقضت بحزم الخفض للأفعال وعوامل حدت لقطع مكيدها ... فهي القواضب في مضا وصقال لا عيب في نعماه إلا أنها ... توفيك ما وعدت بغير مطال عجبا لها وهي التي مع عدلها ... ظلامةٌ في بذلها للمال تولي العطايا بغير من متبع ... وتجيب راجيها بغير سؤال حسنت معاليه فليس للطفها ... حد فيعربه لسان مقال هذا هو الشرف الذي قد جل أن ... تطرى لديه غرائب الأمثال من معشرهم في الندى سحب وفي ... نقع الحروب هم حمى الأبطال فهم هم الآساد في يوم الوغى ... وهم هم الأقيال يوم سجال شادوا حمى الإسلام بالبيض التي ... منها تهل سحائب الآجال

قصيدة خطيب مكة الشيخ محيي الدين الشهاب العليف في السلطان بايزيد

ألله أعلى قدرهم وأحلهم ... رتب الوفا والجود والإفضال يا مالكا عوّذت طلعته وجو ... د بنانه بالشمس والأنفال قل للذي قد راح ينكر أنني ... في النظم غير مصدق الأقوال قام الدليل على افتراه وقد محا ... فلق البيان غياهب الإشكال فدع استماع مقال حاسد نعمة ... يسعى لعمر أبيك سعي ضلال فهو الحسود وهل سمعتم حاسداً ... قد ساد في حال من الأحوال وهو الكذوب تعرضا وخيانة ... صب الإله عليه صوب نكال والبدر ما أبدى لعينك عاطلاً ... إلا لتعلم قدرَ قدرِ الحالي فأنا الذي أوضحت غير مدافع ... سبل الظلام لغزل الأغزال وشهرت في شرق البلاد وغربها ... بعلوم آداب القريض العالي فاحفظ نفيس عقود نظمي إنه ... نعم النفيس وأنت نعم الكالي واستجل منه كل نسمات غدت ... تفتر عن وصف السناء العالي وتلقها بالرحب منك فإنما ... قد قابلتك بأوجه الإقبال لم لا ومدحك قد كفاها حلة ... فاقت بها فخرا على الأمثال فلك السلامة والهنا ما أنشدت ... سفرت وجوه الحسن عن تمثال قصيدة خطيب مكة الشيخ محيي الدين الشهاب العليف في السلطان بايزيد فيا راكبا يسري على ظهر ضامر ... إلى الروم يهدي نحوها طيب النشر لك الخير إن وافيت برسا فسر بها ... رويداً لإسطنبول سامية الذكر لدى ملك لا يبلغ الوصف كنهه ... شريف المساعي نافذ النهي والأمر

إلى بايزيد الخير الملك الذي ... حمى بيضة الإسلام بالبيض والسمر وجرد للدين الحنيفي صارماً ... أباد به جمع الطواغيت والكفر وجاهدهم في الله حق جهاده ... رجاء بما يبغي من الفوز والأجر له هيبة ملء الصدور وصولة ... مقسمة بين المخافة والذعر أطاع له ما بين روم وفارس ... ودان له ما بين بصرى إلى مصر هو البحر إلا أنه دائم العطا ... وذلك لا يخلو من المد والجزر هو البدر إلا أنه كامل الضيا ... وذاك حليف النقص في معظم الشهر هو الغيث إلا أن للغيث مسكة ... وذا لا يزال الدهر ينهل بالقطر هو السيف إلا أن للسيف نبوة ... وفلا وذا ماضي العزيمة في الأمر سليل بني عثمان والسادة الألى ... علا مجدهم فوق السماكين والنسر ملوك كرام الأصل طابت فروعهم ... وهل ينسب الدينار إلا إلى التبر محوا أثر الأعداء بالسيف فاغتدت ... بهم حوزة الإسلام سامية القدر فيا ملكا فاق الملوك مكارماً ... فكل إلى أدنى مكارمه يجري فدتك ملوك الأرض طرا لأنها ... سرارٌ وأنت البدر في غرة الشهر تعاليت عنهم رفعةً ومكانةً ... وذاتاً وأوصافاً تجل عن الحصر لك العزة القعساء والرتبة التي ... قواعدها تسمو على منكب النسر سموت علوا إذ دنوت تواضعاً ... وقمت بحق الله في السر والجهر غدت بك أرض الروم تزهو ملاحة ... وترفل في ثوب الجلالة والفخر ألست ابن عثمان الذي سار ذكره ... مسير ضياء الشمس في البر والبحر

قصيدة الشيخ قطب الدين النهروالي في السلطان سليم خان

يمينك تروي عن يسار ونائل ... ووجهك يروي في البشاشة عن بشر وإني لصوان لدر قلائدي ... عن المدح إلا فيك يا ملك العصر فقابل رعاك الله شكري بمثله ... فإنك للمعروف من أكرم الذخر فلا زلت محروس الجناب مؤيدا ... من الله بالتوفيق والعز والنصر قصيدة الشيخ قطب الدين النهروالي في السلطان سليم خان لك الحمد يا مولاي في السر والجهر ... على عزة الإسلام والفتح والنصر كذا فليكن فتح البلاد إذا سعت ... له الهمم العليا إلى أشرف الذكر جنود رمت في كوكبان خيامها ... وآخرها بالنيل من شاطئ مصر تجر من الأبطال كل غضنفر ... بصارمه يسطو على مفرق الدهر عساكر سلطان الزمان مليكنا ... خليفة هذا العصر في البر والبحر حمى حوزة الدين الحنيفي بالقنا ... وبيض المواضي والمثقفة السمر له في سرير الملك أصل مؤثل ... تلقاه عن أسلافه السادة الغر ملوك تساموا للعلا وخلائف ... أولو العزم في أزمانهم وأولو الأمر شموس بفيض النور تمحو غياهباً ... من الكفر منهم يستمد ضيا البدر هم ملؤوا عين الزمان وقلبه ... فقرت عيون العالمين من البشر هم العقد من أغلى اللآلي منظما ... وسلطاننا في الملك واسطة الدر شهنشاه سلطان الملوك جميعهم ... سليم كريم أصله أطيب النجر عماد يلوذ المسلمون بظله ... وسد منيع للأنام من الكفر وحين أتاه أن قد احتل جانب ... من اليمن الأقصى أصر على القهر

وساق لها جيشاً حميساً عرمرماً ... يدك فجاج الأرض في السهل والوعر لهم أسد شاكي السلاح عرينه ... طوال الرماح السمهرية والبتر وزير عظيم الشان ثاقب رأيه ... يجهز في آن جيوشا من الفكر يقوم بأعباء الوزارة قومةً ... يشد جيوش الدين بالأيد والأزر أياد له بالبأس كاسرة العدا ... ولكنها بالجود جابرة الكسر به أمن الله البلاد وطمَّن العباد وأضحى الدين منشرح الصدر سنان عزيز القدر يوسف عصره ... ألم تره في مصر أحكامه تجري تدلى إلى أقصى البلاد بجيشه ... ومهد ملكا قد تمزق بالشر وقطع رؤوساً من كبار رؤوسهم ... لهم باطن السرحان والطير كالقبر وكان عصا موسى تلقف كلما ... بدا من صنيع الملحدين من السحر ولا زال فيهم عامل الرمح عاملاً ... ولا برحوا في الذل بالقتل والأسر وما يمنٌ إلا ممالك تُبَّعٍ ... وناهيك من ملكٍ قديمٍ ومن فخر وقد ملكتها آل عثمان إذ مضت ... بنو طاهر أهل الشهامة والذكر فهل يطمع الزيدي في ملك تبع ... ويأخذه من آل عثمان بالمكر أبى الله والإسلام والسيف والقنا ... وسر أمير المؤمنين أبي بكر

الباب التاسع في الهجو

الباب التاسع في الهجو قال بعض الشعراء في عذول: وقالوا فلان في الورى لك شاتم ... وأنت له دون الخلائق تمدح فقلت ذروه ما به وطباعه ... فكل إناء بالذي فيه ينضح إذا الكلب لا يؤذيك عند نبيحه ... فذره إلى يوم القيامة ينبح قال آخر في طبيب: يا ملك الموت وابن زهر ... جاوزتما الحد والنهاية ترفقا بالورى قليلا ... في واحد منكما الكفاية قال غيره في قاض يحب الرشوة: رأيت شاة وذئبا وهي ماسكة ... بأذنه وهو منقاد لها ساري فقلت أعجوبة ثم التفت أرى ... ما بين نابيه ملقى نصف دينار فقلت للشاة ماذا الإلف بينكما ... والذئب يسطو بأنياب وأظفار تبسمت ثم قالت وهي ضاحكة ... بالتبر يكسر ذاك الضيغم الضاري قال خفاف بن ندبة يهجو العباس بن مرداس أرى العباس ينقص كل يوم ... ويزعم أنه جهلا يزيد فلو نقضت عزائمه وبادت ... سلامته لكان كما يريد ولكن المعائب أفسدته ... وكذب المرء أقبح ما يفيد

فأبشر أن بقيت بيوم سوء ... يشيب له من الخوف والوليد كيومك إذ خرجت تفوق ركضاً ... وطار القلب وانتفخ الوريد ودع قول السفاهة لا تقله ... فقد طال التهدد والوعيد وقال: أعباس إنا وما بيننا ... كصدع الزجاجة لا يجبر فلست بكفء لأمثالنا ... وشتمك أنت به أجدر ولسنا بأهل لما قلته ... ونحن بشتمكم نعذر فقصرك مني رقيق الذبا ... ب عضب كريهته تحذر وأزرق في رأس خطية ... إذا هز كعب لها تخطر يلوح السنان على متنها ... كنار على مرقب تسعر فأجابه العباس خفاف ألم تر ما بيننا ... يزيد استعارا إذا يسعر ألم تر أنا نهين البلا ... د للسائلين وما نغدر لنا شيم غير مجهولة ... توارثها الأكبرُ الأكبر فقد يعلم الحي عند الصبا ... ح أن العقيلة بي تستر وقد يعلم الحي عند الرها ... ن أني أنا الشامخ المخطر فأنى تُعيرني بالفخار ... أرى أن هذا هو المنكر لأبي المصبح أعشى همذان يهجو مدينة مكران وكان الحجاج أتى به إليها أسيراً ولم تك من حاجتي مكران ... ولا الغزو فيها ولا المتجر وخبرت عنها ولم آتها ... فما زلت من ذكرها أذعر

بأن الكثير بها جائع ... وأن القليل بها مقتر وأن لحى الناس من حرها ... تطول فتجلم أو تضفر ويزعم من جاءها قبلنا ... بأنا سنسهم أو ننحر أعوذ بربي من المخزيا ... ت فيما أسر وما أجهر وحدثت أن ما لنا رجعة ... سنين ومن بعدها أشهر إلى ذاك ما شاب أبناؤنا ... وباد الأخلاء والمعشر وما كان بي من نشاط لها ... وإني لذو عدة موسر ولكن بعثت لها كارها ... وقيل انطلق كالذي يؤمر فكان النجاء ولم ألتفت ... إليهم وشرهم منكر هو السيف جرد من غمده ... فليس عن السيف مستأخر وكم من أخ لي مستأنس ... يظل به الدمع يستحسر يودعني أنتحب عبرة ... له كالجداول أو أغرز فلست بلاقيه من بعده ... يد الدهر ما هبت الصرصر وقد قيل إنكم عابرو ... ن بحرا لها لم يكن يعبر إلى السند والهند في أرضهم ... هم الجن لكنهم أنكر وما رام غزوا لها قبلنا ... أكابر عاد ولا حمير ولا رام سابور غزوا لها ... ولا الشيخ كسرى ولا قيصر ومن دونها معبر واسع ... وأجر عظيم لمن يؤجر

هجو طيلسان ابن حرب

هجو طيلسان ابن حرب كان أحمد بن حرب المهلبي من المنعمين على الحمدوني الشاعر والمحسنين إليه وله فيه مدائح كثيرة. فوهب له طيلسانا أخضر لم يرضه. قال أبو العباس المبرد: فأنشد فيه عشر مقطعات فاستحلينا مذهبه فيه فجعلها فوق الخسين فطارت كل مطار وسارت كل مسار فمنها: يا ابن حرب كسوتني طيلساناً ... مل من صحبة الزمان وصدا فحسبنا نسج العناكب قد حي ... ل إلى ضعف طيلسانك سدا طال ترداده إلى الرفو حتى ... لو بعثناه وحده لتهدى وقال فيه أيضا: يا طيلسان ابن حرب قد هممت بأن ... تودي بجسمي كما أودى بك الزمن ما فيك من ملبس بغني ولا ثمن ... قد أوهنت حيلتي أركانك الوهن فلو تراني لدى الرفاء مرتبطا ... كأنني في يديه الدهر مرتهن أقول حين رآني الناس ألزمه ... كأنما لي في حانوته وطن من كان يسأل عنا أين منزلنا ... فالأقحوانة منا منزل قمن وقال أيضاً: قل لابن حرب طيلسا ... نك قوم نوح منه أحدث أفنى القرون ولم يزل ... عمن مضى من قبل يورث وإذا العيون لحظنه ... فكأنه بالحظ يحرث يودى إذا لم أرفه ... فإذا رفوت فليس يلبث كالكلب إن تحمل علي ... هـ الدهر أو نتركه يلهث وقال أيضاً:

قل لابن حرب طيلسانك قد ... أوهى قواي بكثرة الغرم متبينٌ فيه لمبصره ... آثار رفو أوائل الأمم وكأنه الخمر التي وصفت ... في يا شقيق الروح من حكم فإذا رممناه فقيل لنا ... قد صح قال له البلى انهدم مثل السقيم برا فراجعه ... نكس فأسلمه إلى سقم أنشدت حين طغى فأعجزني ... ومن العناء رياضة الهرم وله: طيلسان لابن حرب جاءني ... خلعة في يوم نحس مستمر فإذا ما صحت فيه صيحة ... تركته كهشيم المحتظر وإذا ما الريح هبت نحوه ... طيرته كالجراد المنتشر مهطع الداعي إلى الرافي إذا ... ما رآه قال ذا شيء نكر وإذا رفاؤه حاول أن ... يتلافاه تعاطى فعقر قال الفرزدق يهجو إبليس ألم ترني عاهدت ربي فإنني ... لبين رتاجٍ قائمٌ ومقام على قسم لا أشتم الدهر مسلماً ... ولا خارجاً من في سوء كلام أطعتك يا إبليس سبعين حجة ... فلما انتهى شيبي وتم تمامي فررت إلى ربي وأيقنت أنني ... ملاقٍ لأيام المنون حمامي ولما دنا رأس التي كنت خائفاً ... وكنت أرى فيها لقاء لزام حلفت على نفسي لأجتهدنها ... على حالها من صحة وسقام ألا طالما قد بت يوضع ناقتي ... أبو الجن إبليس بغير خطام

يظل يمنيني على الرحل واركا ... يكون ورائي مرة وأمامي يبشرني أن لن أموت وأنه ... سيخلدني في جنة وسلام فقلت له هلا أخيك أخرجت ... يمينك من خضر البحور طوامي رميت به في اليم لما رأيته ... كفرقة طودي يذبل وشمام فلما تلاقى فوقه الموج طامياً ... نكصت ولم تحتل له بمرام ألم تأت أهل الحجر والحجر أهله ... بأنعم عيش في بيوت رخام فقلت اعقروا هذي اللقوح فإنها ... لكم أو تنيخوها لقوح غرام فلما أناخوها تبرأت منهم ... وكنت نكوصا عند كل ذمام وآدم قد أخرجته وهو ساكن ... وزوجته من خير دار مقام وأقسمت يا إبليس أنك ناصح ... له ولها إقسام غير أثام فظلا يخيطان الوراق عليهما ... بأيديهم من أكل شر طعام وكم من قرون قد أطاعوك أصبحوا ... أحاديث كانوا في ظلال غمام وما أنت يا إبليس بالمرء ابتغي ... رضاه ولا يقتادني بزمام سأجزيك من سوآت ما كنت سقتني ... إليه جروحا فيك ذات كلام تعيرها في النار والنار تلتقي ... عليك بزقوم لها وضرام وإن ابن إبليس وإبليس ألبنا ... لهم بعذاب الناس كل غلام هما تفلا في فِيَّ من فمويهما ... على النابح العاوي أشد رجام من مليح شعر الخطيب الحصكفي في هجو مغن ردي الصوت ومسمعٍ غناءه ... يبدل بالفقر الغنى

أبصرته فلم تخب ... فراستي لما دنا ورمت أن أروح م للظن به ممتحنا فقلت من بينهم ... هات أخي غن لنا فانشال منه حاجب ... وحاجب منه انحنى وامتلأ المجلس من ... فيه نسيما منتنا أوقع إذ وقع في م الأنفس أسباب العنا وما اكتفى باللحن والتخليط حتى لحنا يوهم زمرا أنه ... قطعه ودندنا وصاح صوتا نافرا ... يخرج من حد البنا وما درى محضره ... ماذا على القوم جنى فذا يسد أنفه ... وذا يسد الأذنا ومنهم جماعة ... تستر عنه الأعينا فاغتظت حتي كدت من ... غيظي أبث الشجنا وقلت يا قوم اسمعوا ... إما المغني أو أنا أقسمت لا أجلس أو ... يخرج هذا من هنا قالوا لقد رحمتنا ... وزلت عنا المحنا فحزت في إخراجه ... راحة نفس والثنا وحين ولى شخصه ... قرأت فيهم معلنا الحمد لله الذي ... أذهب عنا الحزنا

قال الأديب كمال الدين علي بن محمد بن المبارك الشهير بابن الأعمى في ذم دار كان يسكنها دار سكنت بها أقل صفاتها ... أن تكثر الحشرات في جناتها ألخير عنها نازح متباعد ... والشر دان من جميع جهاتها من بعض ما فيها البعوض عدمته ... كم أعدم الأجفان طيب سباتها وتييت تسعرها براغيث متى ... غنت لها رقصت على نغماتها رقص بتنقيط ولكن قافه ... قد قدمت فيه على أخواتها وبها ذباب كالضباب يسد عين الشمس ما طربي سوى غناتها أين الصوارم والقنا من فتكها ... فينا وأين الأسد من وثباتها وبها خفافيش تطير ما هو معجز ... أبصارنا عن وصف كيفياتها وبها من الجرذان ما قد قصرت ... عنه العتاق الجرد في حملاتها وبها خنافس كالطنافس أفرشت ... في أرضها وعلت على جنباتها وبنات وردان وأشكال لها ... مما يفةت العين كنه ذواتها أبدا تمص دماءنا فكأنها ... حجامة لبدت على كاساتها وبها من النمل السليماني ما ... قد قل ذر الشمس عن ذراتها ما راعني شيء سوى وزغاتها ... فتعوذوا بالله من ذراتها سجعت على أوكارها فظننتها ... ورق الحمام سجعن في شجراتها وبها زنابير تظن عقاربا حر السموم أخف من زفراتها

وبها عقارب كالأقارب رتع ... فينا حمانا الله لدغ حماتها كيف السبيل إلى النجاة ولا نجا ... ة ولا حياة لمن رأى حياتها منسوجة بالعنكبوت سماؤها ... والأرض قد نسجت على آفاتها فضجيجها كالرعد في جنباتها ... وترابها كالرمل في خشناتها والبوم عاكفة على أرجائها ... والدود تبحث في ثرى عرصاتها والجن تأتيها إذا جن الدجى ... تحكي الخيول الجرد في حملاتها والنار جزء من تلهب حرها ... وجهنم تعزى إلى لفحاتها شاهدت مكتوبا على أرجائها ... ورأيت مسطورا على جنباتها لا تقربوا منها وخافوها ولا ... تلقوا بأيديكم إلى هلكاتها أبدا يقول الداخلون ببابها ... يا رب نج الناس من آفاتها قالوا إذا ندب الغراب منازلا ... يتفرق السكان من ساحاتها وبدارنا ألفا غراب منازلا ... يتفرق السكان من ساحاتها صبرا لعل الله يعق راحة ... للنفس إذ غلبت على شهواتها دار تبيت الجن تحرس نفسها ... فيها وتندب باختلاف لغاتها كم بت فيها مفردا والعين من ... شوق الصباح تسح من عبراتها وأقول يا رب السماوات العلى ... يا رازقا للوحش في فلواتها أسكنتني بجهنم الدنيا ففي ... أخراي هب لي الخلد في جناتها واجمع بمن أهواه شملي عاجلا ... يا جامع الأرواح بعد شتاتها

الباب العاشر في الزهريات

الباب العاشر في الزهريات زهرية بديع الزمان الهمذاني برز الربيع لنا برونق مائه ... فانظر لروعة أرضه وسمائه فالترب بين ممسك ومعنبر ... من نوره بل مائه وروائه والماء بين مصندل ومكفر ... في حسن كدرته ولون صفائه والطير مثل المحصنات صوادح ... مثل المغني شاديا بغنائه والورد ليس بممسك رياه إذ ... يهدي لنا نفحاته من مائه زمن الربيع جلبت أزكى متجر ... وجلوت للرائين خير جلائه فكأنه هذا الرئيس إذا بدا ... في خلقه وصفاته وعطائه بحمى أعز محجر وندى أغر ... محجل في خلقه ووفائه يعشو إليه المختوي والمجتدي ... والمجتوي هو هاربٌ بذمائه ما البحر في تزخاره والغيث في ... إمطاره والجو في أنوائه بأجل منه مواهباً ورغائباً ... لا زال هذا المجد حلف فنائه والسادة الباقون سادة عصرهم ... متمدحون بمدحه وثنائه نخبة من زهرية ابن الراجح الحلي نثرت عقود سمائها الأنداء ... بيد النسيم فللثرى إثراء وبدت تباشير الربيع كأنما ... نشرت حبائر وشيها صنعاء

نخبة من زهرية لابن مكانس

وافتر ثغر الأقحوانة باسماًً ... إذ للشقيقة مقلة رمداء والأرض قد زهيت بحلي نباتها ... والجو حلة سحبه دكناء والروض في نشوات سكرته وقد ... طافت عليه الديمة الوطفاء وثنى الحيا عطف الغدير فصفقت ... أطرافه وتغنت الورقاء فكأن أعطاف الغصون منابر ... والورق في أوراقها خطباء هذا الربيع أجب نداء سروره ... تشملك منه بروحك السراء نخبة من زهرية لابن مكانس قالها في وصف شجرة سرح على شاطئ النيل يا سرحة الشاطئ المنساب كوثره ... على اليواقيت في أشكال حصباء حلت عليك عزاليها السحاب إذا ... نوء الثريا استهلت ذات أنواء وإن تبسم فيك النور من جذل ... سقاك من كل غيم كل بكاء لا صوح الدهر منك الزهر وانبجست ... عليك كل هتون الودق سوداء رحماك بالوارف المعهود منك فكم ... لنا بظلك من ألطاف أهواء وكم نزلنا مقيلا منك ما حمي ال ... هجير إذ حيث لا مرأى لحرباء نظل من فيئك الفضفاض في ظلل ... من الغمام يقينا كل ضراء يا طبةً بدواء القيظ عالمة ... أنت الشفاء من الرمضا لذي الداء لها مطارف ظل سجسج فمصيفها يعادل فيه طيب مشتاء خمائل الروض منشاها ومرضعها ... ضرع النميرين من نيل وأنواء فاستمهدت دوحها المخضل وافترشت نجم الربى ورقت عرشا على الماء

نخبة من زهرية بدر الدين الذهبي

بديعة الحسن قد فاز الجناس لها ... من المعاني بأفنان وأفياء وصوت بلبلها الراقي ذرى غصن ... في حلة من دمقس الريش دكناء كقرع ناقوس ديري على شرف ... مسبح في ظلام الليل دعاء كم صفق الموج من أزهارها طربا ... فنقطته ببيضاء وصفراء كأنها من جنان الخلد قد كملت ... حسنا وحسبك من خضراء لفاء مالت على النهر إذ جاش الخرير به ... كأنها أذن مالت لإصغاء كأنما النهر مرآة وقد عكفت ... عليه تدهش في حسن ولألاء ذو شاطئ راق غب القطر فهو على ... نهر الأبلة يزري أي إزراء كأنه عند تفريك النسيم له ... فرند سيف نضته كف جلاء إذا شدوت حمامات الأراك على ... أغصانها فترينا رقص هيفاء من كل ورقاء في الأفنان صادحة ... بين الحدائق في فيحاء زهراء ورق تغنت بجنات رقين على ... عيدانها فاله في مغنى وغناء نخبة من زهرية بدر الدين الذهبي ترنح عطف البان في الحلل الخضر ... وغنى بألحان على عوده القمري وراقت أزاهير الحدائق بالضحى ... نواظر أحداق بنورها النضر وأشرق خد الورد بيدي تضاره وأشرق جيد الغصن في لؤلوء القطر وبات سقيط الطل في كل روضة ... ينبه في أرجائها ناعس الزهر وقد غض طرف النرجس الغض من حيا ... ئه والأقاحي منه مبتسم الثغر

زهرية ابن الوكيع

وما ذهبت شمس الأصيل عشية ... إلى الغرب حتى أذهبت فضة النهر وغنت قيان الطير في كل أيكة ... وقد راق كحل الطل في مقل الغدر قيان كساها الخد ديباج وجهه ... وصاغت لها الأحداق طوقا على نحر أقامت لها دوح الأراك أرائكاً ... وأرخت لها أوراق أستارها الخضر وأمسى أصيل اليوم ملقى من الضنا ... على فرش الأزهار في آخر العمر بكته حمامات الأراك وشققت ... عليه الصبا أثواب روضاتها النضر فكم من نحيب للحمائم بالضحى ... عليه وللأنواء من دمعة تجري زهرية ابن الوكيع ألست ترى وشي الربيع تنسما ... وما صنع الربعي فيه ونظما وقد حكت الأرض السماء بنورها ... فلم أر في التشبيه أيهما سما فخضرتها كالجو في حسن لونه ... وأنوارها تحكي لعينك أنجما فمن نرجس لما رأى حسن نفسه ... تداخله عجب به فتبسما وأبدى على الورد الجني تطاولا ... وأظهر غيظ الورد في خده دما وزهر شقيق نازع الورد فضله ... فزاد عليه الورد فضلا وقدما فظل لفرط الحزن يلطم خده ... فأظهر فيه اللطم جمرا مضرما ومن سوسن لما رأى الصبغ دونه ... على كل أنواع الرياض تقسما تجلبب من زرق اليواقيت حلة ... فأغرب في الملبوس فيها وأحكما وأنوار منثور تخالف شكلها ... فصار بها شكل الربيع منمنما جواهر لو قد طال فيها حياتها ... رأيت بها كل الملوك مختما

الباب الحادى عشر في السيف والقلم

الباب الحادى عشر في السيف والقلم وصف السيف قال محمود بن سليمان الحلبي يصف سيفا استوهبه: وقلدتني منناً سيفاً تلمع مخايل النصر من غمده. وتشرق جواهر الفتح في فرنده. وإذا سابق الأجل إلى قبض النفوس عرف الأجل قدره فوقف عند حده. ومتى جرده على ملك من ملوك العدى وهت عزائمه وعجز جناح جيشه. قال ابن عبد ربه: بكل رديني كأن سنانه ... شهاب بدا في ظلمة الليل ساطع تقاصرت الآجال في طول متنه ... وعادت به الآمال وهي فجائع وساءت ظنون الحرب في حسن ظنه ... فهن لحبات القلوب قوارع وذي شطب تقضي المنايا لحكمه ... وليس لما تقضي المنية دافع فرند إذا ما اعتن للعين راكد ... وبرق إذا ما اهتز بالكف لامع يسلل أرواح الكماة انسلاله ... ويرتاع منه الموت والموت رائع إذا ما التقت أمثاله في وقيعة ... هنالك ظن النفس بالنفس واقع وصف سيف عمرو بن معدي كرب لما صار سيف عمرو بن معدي كرب وكان يسمى الصمصامة إلى الهادي. وكان عمرو وهبه لسعيد بن العاص فتوارثه ولده إلى أن مات

المهدي فاشتراه موسى الهادي بمال جليل. وكان أوسع بني العباس كفا وأكثرهم عطاء. ودعا بالشعراء وبين يديه متكل فيه بدرة فقال: قولوا في هذا السيف. فبدر ابن يامين البصري فقال: حاز صمصامة الزبيدي من بين جميع الأنام موسى الأمين سيف عمرو وكان فيما سمعنا ... خير ما أغمدت عليه الجفون أخضر اللون بين خديه برد ... من ذعافٍ تميس فيه المنون أوقدت فوقه الصواعق نارا ... ثم شابت به الذعاف القيون فإذا ما سللته بهر الشمس ضياء فلم تكد تستبين ما يبالي من انتضاه لحرب ... أشمال سطت به أم يمين يستطير الأبصار كالقبس المشعل ما تستقر فيه العيون وكأن الفرند والجوهر الجا ... ري على صفحتيه ماء معين نعم مخراق ذا الخليفة في الهيجاء يقضي به ونعم القرين قال موسى: لم يتعد ما في نفسي واستحقه. وأمر له بالمكتل والسيف. فلما خرج قال للشعراء: إنما دخلتم معي وحرمتم من أجلي فشأنكم المكتل وفي السيف غنائي (زهر الآداب للقيرواني) قال البحتري يصف سيفا: قد جدت بالطرف الجواد فثنه ... لأخيك من جدوى يديك بمقصل يتناول الروح البعيد مناله ... عفوا ويفتح في القضاء المقفل بإنارة في كل حتف مظلم ... وهداية في كل نفس مجهل

وصف القلم

يغشى الوغى فالترس ليس بجنة ... من حده والدرع ليس بمعقل ماض وإن لم تمضه يد فارس ... بطل ومصقول وإن لم يصقل مصغ إلى حكم الردى فإذا مضى ... لم يلتفت وإذا قضى لم يعدل متوقد يبري بأول ضربة ... ما أدركت ولو أنها في يذبل وكأن فارسه إذا استغنى به ... في الروع يعصي بالسماك الأعزل فإذا أصاب فكل شيء مقتل ... وإذا أصيب فما له من مقتل وصف القلم القلم هو اليراع الذي نفثت الفصاحة في روعه. وكمنت الشجاعة بين ضلوعه. فإذا قال أراك كيف نسق الفريد في الأجياد. وإذا صال أراك كيف الاختلاف بين الآساد. وله خصائص أخرى يبدعها إبداعاً. فإذا لم يأت بها غيره تصنعاً أتي هو بها صناعا. فطوراً يرى نحلة تجني عسلا. وطورا يرى إماما يلقي درسا. وطورا يرى ورفاء تصدح بين الأوراق. وطورا يرى جوادا مخلقا بخلوق السباق. وطورا يرى أفعوانا مطرقا والعجب أنه لا يزهي غلا عند الإطراق. ولطالما نفث سحرا وجلب عطرا. وأدار في القرطاس خمرا. وتصرف في وجوه المعاني.. فلا تحظى بد دوله غلا فخرت على الدول. وغنيت به عن الخيل والخول. وقالت: أعلى الممالك على الأقلام لا على الأسل. ولربما لقي هذا القول بإعظام النكير. وقالوا: من أين للقصبة الضعيفة هذا الخطر الكبير. وللهائم عذر أن

لا تعرف من ملاذ الأطعمة غير الشعير. ولو أنصف هؤلاء لعلموا أن القلم هو مزمار المعاني. كما أن أخاه في النسب مزمار الأغاني. فهذا يأتي بغرائب الحكم. كما يأتي ذلك بغرائب النغم. وكلاهما شيء واحد في الإطراب. غير أن أحدهما يلعب بالأسماع والآخر يلعب بالألباب. (قال) وقد أوردت في وصف القلم فصلا آخر من كتاب إلى بعض الإخوان وهو: وقلمه هو القلم الذي إذا قذف بشهب بيانه رأيت نجوماً. وإذا ضرب بشبا حده رأيت كلوماً. فإذا صور المعاني في ألفاظها رأيت أرواحاً وجسوماً. وقد شرف الله دولة يجلس في حفلها. ويخطب عن أهلها. فهو لها في الحسن طراز. وفي الذب عضب جراز. ولطالما قال فاستخف موقرا وكسا وقارا. وأطال

صفة قلم لابن عبد ربه

فوجدت إطالته لحلاوتها إقصاراً. وادعى الانفراد بهذه المزية فأقرت له الأعداء إقرارا. وكل هذا فضل لقلمه غير مدفوع. وشاهده مرئي لديه وإن غدا قبله وهو مسموع. وفي طلعة البدر ما يغنيك عن زحل. فأقوال غيره منتقلة عن أول إلى آخر والذي يقوله لم يقل. فهو رب المعاني المخترعة يستخرجها من قليبها. ويبرزها من ثوبها القشيب وليس خلق الأثواب كقشيبها. وقد أمسك القلم قوم رضوا منم الكتابة بتحسين المشهور. وهؤلاء قصروا هممهم على الزيف دون الباب. ولم يعلموا أن القشر لذوي القشور واللب لذوي الألباب. وقد قيل: إن من الأقلام رخمة في كف رخمة وعقابا في كف عقاب (هذا فصل من الكلام قد اغترفت معانيه من بحر. ونحت ألفاظه من صخر. فتقت معانيه من صوار مسك. وأخذت ألفاظه من فريد سلك. بل جنيت معانيه من ثمرات مختلف طعمها. ونسجت ألفاظه من دبابيج مؤتلف رقمها. فانظر أيها المتأمل إليها نظر المتعجب بما فيها من الإعجاب. واسجد لها فللبلاغة سجود كسجود الكتاب) (الوشي المرقوم لابن الأثير) صفة قلم لابن عبد ربه بكفه ساحر البيان إذا ... أداره في صحيفة سحرا ينطق في عجمة بلفظته ... يصم عنه ويسمع البصرا

وصف الشعر لعبد الله الناشئ

يرى المقادير تسترق له ... أعظم به في ملمة خطرا شخت ضئيل لفعله خطر ... أعظم به في ملمة خطرا تمج فكاه ريقة صغرت ... وخطبها في القلوب قد كبرا إذا امتطى الخنصرين أذكر من ... سحبان فيما أطال واختصرا يواقع النفس منه ما حذرت ... وربما جنبت به الحذرا مهفهف تردهي به صحف ... كأنما جليت به دررا نوادر تقرع القلوب بها ... إن تستبنها وجدتها صورا يخاطب الغائب البعيد بما ... يخاطب الشاهد الذي حضرا وصف الشعر لعبد الله الناشئ قال الناشئ في فصل من كتابة في الشعر: الشعر قيد الكلام وعقل الآداب. وسور البلاغة. ومعدن البراعة. ومجال الجنان. ومسرح البيان. وذريعة المتوسل. ووسيلة المتوصل. وذمام الغريب. وحرمة الأديب. وعصمة الهارب. وعدة الراهب. ورحلة الداني. ودوحة المتمثل. ومنحة المتجمل. وحاكم الأعراب. وشاهد الصواب. (ثم قال) الشعر ما كان سهل المطالع. فصل المقاطع. فحل المديح جزل الافتخار. رقيق النسيب سائر المثل. سليم الزلل. عديم الخلل. رائع الهجاء. موجب المعذرة. محب المعتبة. مطمع المسالك. فائت المدارك. قريب البيان. بعيد المعاني. نائي الأغوار. ضاحي القرار. نقي المستشف. قد

هريق فيه ماء الفصاحة. وأضاء له نور الزجاجة. فانهل في صادي الفهم. وأضاء في بهم المرائي. لمتأمله ترقرق. ولمستشفه تألق. يروق المتوسم. ويسر المتبرسم. قد أيدت صدوره متونه. وزهت في وجوهه عيونه. وانقادت كواهله لهواديه. وطابقت آثاره لمستوضحه. وأشبه الروض في وشي ألوانه. وتعمم أفنانه. وإشراق أنواره. وابتهاج أنجاده وأغواره. وأشبه الوشي في اتفاق رقومه. واتساق رسومه. وتسطير كفوفه. وتحبير حروفه. وحكى العقد في التئام فصوله. وانتظام وصوله. وازديان ياقوته بدره. وفريده بشذره. قد كشف الإيجار موارده. وصقلت مداوس الدرب مناصله. وشحذت مدارس الأدب فواصله. فجاء سليما من المعايب مهذبا من الأدناس يتحاشاه الابن. وتتحاماه الهجن. مهديا إلى الأسماع بهجته. وغلى العقول حكمته. وقد قلت في الشعر قولاً جعلته مثلاً لقائليه. وأسلوبا لسالكيه. وهو: الشعر ما قومت زيغ صدروه ... وشددت بالتهذيب أسر متونه ورأبت بالإطناب شعب صدوعه ... وفتحت بالإيجاز عور عيونه وجمعت بين قريبه وبعيده ... ووصلت بين مجمه ومعينه وعمدت منه لكل أمر يقتضي ... شبها به فقرنته بقرينه فإذا بكيت به الديار وأهلها ... أجريت للمحزون ماء شؤونه ووكلته بهمومه وغمومه ... دهراً ولم يسر الكرى بجفونه

قال ابن الرشيق يصف الصناعة الشعرية

وإذا مدحت به جوادا ماجد ... وقضيته بالشكر حق ديونه أصفيته بنفيسه ورصينه ... ومنحته بخطيره وثمينه فيكون جزلاً في اتفاق صنوفه ... ويكون سهلا في اتساق فنونه وإذا أردت كناية عن ريبة ... باينت بين ظهوره وبطونه فجعلت سامعه يشوب شكوكه ... ببيانه وظنونه بيقينه وإذا عتبت على أخ في زلة ... وأشكت بين مخيله ومبينه فيحول ذنبك عند من يعتده ... عتبا عليه مطالبا بيمينه والقول يحسن منه في منثوره ... ما ليس يحسن منه في موزونه قال ابن الرشيق يصف الصناعة الشعرية لعن الله صنعة الشعر ماذا ... من صنوف الجهال فيها لقينا يؤثرون الغريب منه على ما ... كان سهلا للسامعين مبينا ويرون المحال معنى صحيحا ... وخسيس الكلام شيئا ثمينا يجهلون الصواب منه ولا يد ... رون للجهل أنهم يجهلونا فهم عند من سوانا يلامو ... ن وفي الحق عندنا يعذرونا إنما الشعر ما تناسب في النظم وإن كان في الصفات فنونا

جرير والفرزدق والأخطل

فأتى بعضه يشاكل بعضا ... وأقامت له الصدور المتونا كل معنى أتاك منه على ما ... تتمنى لو لم يكن أن يكونا فتناهى من البيان إلى أن ... كاد حسنا يبين للناظرينا فكأن الألفاظ منه وجوه ... والمعاني ركبن فيه عيونا قائما في المرام حسب الأماني ... يتحلى بحسنه المنشدونا فإذا ما مدحت بالشعر حراً ... رمت فيه مذاهب المسهبينا فجعلت النسيب سهلاً قريباً ... وجعلت المديح صدقا مبينا وتنكبت ما تهجن في السمع وإن كان لفظه موزونا وإذا ما قرضته بهجاء ... عبت فيه مذاهب المرفنينا فجعلت التصريح منه دواء ... وجعلت التعريض داء دفينا وإذا ما بكيت فيه على الغا ... دين يوما للبين والظاعنينا حلت دون الأسى وذللت ما كا ... ن من الدمع في العيون مصونا ثم إن كنت عاتبا شبت بالوع ... د وعيدا وبالصعوبة لينا فتركت الذي عتبت عليه ... حذرا آمنا عزيزا مهينا وأصح القريض ما فات في النظم وإن كان واضحا مستبينا فإذا قيل أطمع الناس طرا ... وإذا ريم أعجز المعجزينا جرير والفرزدق والأخطل قال هشام بن عبد الملك لخالد بن صفوان صف لي جريرا والفرزدق والأخطل فقال: يا أمير المؤمنين أما أعظمهم فخرا.

وصف التاريخ

وأبعدهم ذكرا. وأحسنهم عذرا. وأيسرهم مثلا. وأحلاهم عللا. البحر الطامي إذا زخر. والحامي إذا ذعر. والسامي إذا خطر. الذي إذا هدر قال. وإذا أخطر صال. الفصيح اللسان. الطويل العنان. فالفرزدق. وأما أحسنهم نعتا. وأمدحهم بيتا. وأقلهم فوتا. الذي إذا هجا وضع. وإذا مدح رفع. فالأخطل. وأما أغرزهم بحرا. وأرقهم شعرا. وأهتكهم سترا. الأغر الأبلق. الذي إن طلب لم يسبق. وغن طلب لم يلحق. فجرير. وكلهم ذكي الفؤاد. رفيع العماد. واري الزناد. قال مسلمة بن عبد الملك وكان حاضرا: ما سمعنا بمثلك يا ابن الزناد. قال مسلمة بن عبد الملك وكان حاضرا: ما سمعنا بمثلك يا ابن صفوان في الأولين. ولا في الآخرين. أشهد أنك أحسنهم وصفا. وألينهم عطفا. وأخفهم مقالا. وأكرمهم فعالا. فقال خالد: أتم الله عليك نعمته. وأجزل لك قسمته. أنت والله أيها الأمير ما علمت كريم الفراس. عالم بالناس. جواد في المحل. بسام عند البذل. حليم عند الطيش. في الذروة من قريش. من أشراف عبد شمس. ويومك خير من الأمس. فضحك هشام وقال: ما رأيت يا ابن صفوان لتخلصك في مدح هؤلاء ووصفهم حتى أرضيتهم جميعا وسلمت منهم (زهر الآداب للقيراوني) وصف التاريخ التاريخ معاد معنوي يعيد الإعصار وقد سلفت. وينشر أهلها وقد ذهبت آثارهم وعفت. وبه يستفيد عقول التجارب من

كان غرا. ويلقى من بعده من الأمم وهلم جرا. فهم لديه أحياء وقد تضمنتهم بطون القبور. وعنه غيب وقد جعلتهم الأخبار في عداد الحضور. ولولا التاريخ لجهلت الأنساب. ونسيت الأحساب. ولم يعلم الإنسان أن أصله من تراب. وكذلك لولاه لماتت الدول بموت زعمائها. وعمي على الأواخر حال قدمائها. ولم يحط علما بما تداولته الأرض من حوادث سمائها. ولمكان العناية به لم يخل منه كتاب من كتب الله المنزلة. فمنها ما أتى بأخباره المجملة. ومنها ما أتى بأخباره المفصلة. وقد ورد في التوراة مفردا في سفر من أسفارها. وتضمن تفصيل أحوال الأمم السالفة ومدد أعمارها. وقد كانت العرب على جهلها بالقلم وخطه. والكتاب وضبطه. تصرف إلى التواريخ جمل دواعيها. وتجعل لها أول حظ من مساعيها. فتستغني بحفظ قلوبها. عن حفظ مكتوبها. وتعتاض برقم صدورها. عن رقم سطورها. كل ذلك عناية منها بأخبار أوائلها. وأيام فضائلها. وهل الإنسان إلا ما أسسه ذكره وبناه. وهل البقاء لصورة لحمه ودمه لولا بقاء معناه (لابن الأثير)

الباب الثاني عشر في الوصف

الباب الثاني عشر في الوصف وصف نزهة حكى عمر بن علي المطوعي قال: رأى الأمير السيد أبو الفضل عبيد الله بن أحمد أدام الله عزه أيام مقامه بجوين أن يطالع قرية من قرى ضياعه تدعى نجاب على سبيل التنزه والتفرج. فكنت في جملة من استصحبه إليها من أصحابه. واتفق أنا وصلنا والسماء مصحية والجو صاف لم يطرز ثوبه بعلم الغمام. والأفق فيروزج لم يعبق به كافور السحاب. فوقع الاختيار على ظل شجرة باسقة الفروع متسقة الأوراق والغصون. قد سترت ما حواليها من الأرض طولا وعرضا. فنزلنا تحتها مستظلين بسماوة أفنانها. مستترين من وهج الشمس بستارة أغصانها. وأخذنا نتجاذب أذيال المذاكرة. ونتسالب أهداب المناشدة والمحاورة. فماش عرنا بالسماء إلا وقد أرعدت وأبرقت. وأظلمت بعدما أشرقت. ثم جادت بمطر كأفواه القرب فأجادت. بل أوفت عليها وزادت. حتى كاد غيثها يعود عيثاً. وهم وبلها أن يستحيل ويلا. فصبرنا على أذاها وقلنا سحابة صيف عما قليل تقشع. فإذا نحن بها قد أمطرتنا بردا كالثغور. لكنها من ثغور العذاب. لا من الثغور العذاب. فأيقنا بالبلاء. وسلمنا لأسباب القضاء. فما مرت

إلى ساعة من النهار. حتى سمعنا خرير الأنهار. ورأينا السيل قد بلغ الزبى. والماء قد غمر لا قيعان ولا ربي. فبادرنا إلى حصن القرية لائذين من السيل بأفنيتها. وعائذين من لا قطر بأبنيتها. وأثوابنا قد صندل كافوريها ماء الوبل. وغلف طرازيها طين الوحل. ونحن نحمد الله تعالى على سلامة الأبدان. وإن فقدنا بياض الأكمام والأردان. فلما سل سيف الصبح من غمد الظلام. وصرف بوالي الصحو عامل الغمام. رأينا صواب الرأي أن نوسع الإقامة بها رفضا. ونتخذ الارتحال عنها فرضا. فما زلنا نطوي الصحاري أرضا فأرضا. غلى أن وافينا المستقر ركضا. فلما نفضنا غبار ذلك المسير. الذي جمعنا في ربقة الأسير. وأفضينا إلى ساحة التيسير. بعد ما أصبنا بالأمر العسير. وتذاكرنا ما لقينا من التعب والمشقة. في قطع ذلك الطريق وطي تلك الشقة. أخذ الأمير السيد القلم فعلق هذه الأبيات ارتجالا: دهتنا السماء غداة السحاب ... بغيث على افقه مسبل واشرف أصحابنا من أذاه ... على خطر هائل معضل فمن لائذ بفناء الجدار ... وآو إلى نفق مهمل ومن مستجير ينادي الغريق ... هناك ومن صارخ معول وجادت علينا سماء السقوف ... بدمع من الوجد لم يهمل كأن حراما لها أن ترى ... يبيساً من الأرض لم يبلل وأقبل سيل له روعة ... فأدبر كل عن المقبل

لابن حجة الحموي يصف حماة ويتشوق إليها

فيقلع ما شاء من دوحة ... وما يلق من صخرة يحمل فمن عامر رده غامرا ... ومن معلم عاد كالمجل كفانا بليته ربنا ... فقد وجب الشكر للمفضل لابن حجة الحموي يصف حماة ويتشوق إليها يا صادقا الأنفاس يا أهل الذكا ... يا طاهر الأذيال كم لك من نبا يا نسمة الخير الذي من طيبه ... نتنشق الأخبار عن تلك الربى وإذا تنسمت الذا وتعطرت ... منك الذيول وطبت يا ريح الصبا عرج على وادي حماة بسحرة ... متيمما منه صعيدا طيبا وأحمل لنا في طي بردك نشره ... فبغير ذاك الطيب لن نتطيبا وأسرع إلي وداو في مصر به ... قلبا على نار البعاد مقلبا لله ذاك السفح والوادي الذي ... مازال روض الأنس فيه مخصبا وانعم بمصر نسبة لكن أرى ... وادي حماة ولطفه لي أنسبا ارض رضعت بها ثدي شبيبتي ... ومزجت لذاتي بكاسات الصبا يا ساكني مغنى حماة وحقكم ... من بعدكم ما ذقت عيشا طيبا ومهالك الحرمان تمنع عبدكم ... من أن ينال من التلاقي مطلبا وإذا اشتهيت السير نحو دياركم ... قرأ النوى لي في الأواخر من سبا وقد التفت إليك يا دهري بطو ... ل تعتبي ويحق لي أن أعتبا قررت لي طول الشتات وظيفة ... وجعلت دمعي في الدود مرتبا وأسرتني لكن بحق محمد ... يا دهر كن مخلصي متسببا

وصف الخيل

فمحمد ومدينة قد حلها لم ... ألق غيرهما لقلبي مطلبا وصف الخيل أهدى عبد الله بن طاهر إلى المأمون فرسا وكتب إليه: قد بعثت إلى أمير المؤمنين بفرس يلحق الأرانب في الصعداء. ويجاوز الظباء في الاستواء. ويسبق في الحدور جري الماء كما قال تأبط شراً: ويسبق وقد الريح من حيث تنتحي ... بمخترق من شدة المتدارك جمع محمد بن الحسين بين هذين الكلامين وزاد فيه فقال يصف فرسا: هو حسن القميص. جيد الفصوص. ويثق القصب. نقي العصب. يبصر بأذنيه. ويتبوع بيديه. ويداخل برجليه. كأنه موج في لجة أو سيل في حدور. يناهب المشي قبل أن يبعث. ويلحق الأرانب في الصعداء. ويجاوز جواري الظباء في الاستواء. ويسبق في الحدور جري الماء. إن عطف جار. وإن أرسل طار. وإن كلف السير أمعن وسار. وإن حبس صفن. وإن استوقف قطن. وإن رعى ابن. قال أبو تمام: ما مقرب يختال في أشطانه ... ملآن من صلف به وتلهوق بحوافر حفر وصلب أصلب ... واشعر شعر وخلق أخلق ذو أولقٍ تحت العجاج وإنما ... من صحة إفراط ذاك الأولق صافي الأديم كأنما ألبسته ... من سندس برد ومن إستبرق إمليسه إمليده لو علقت ... في صهوتيه العين لم تتعلق

وقال إسحاق بن خلف النهر والي لأبي دلف وكان له فرس أدهم يسميه غرابا

مسود شطر مثل ما اسود الدجى ... مبيض شطر كابيضاض المرهق وقال إسحاق بن خلف النهر والي لأبي دلف وكان له فرس أدهم يسميه غرابا كم كم تجرعه المنون ويسلم ... لو يستطيع شكا إليك له الفم من كل منبت شعرة من جلده ... خط ينمقه الحسام المخذم ما تدرك الأرواح أدنى جريه ... حتى يفوت الريح وهو مقدم رجعته أطراف الأسنة أشقرا ... واللون أدهم حين ضرجه الدم وكأنما عقد النجوم بطرفه ... وكأنما بعرى المجرة ملجم قال أبو نصر بن عمر التميمي السعدي وكان شاعرا مجيدا جمع بين حسن السبك وجودة المعنى طاف البلاد ومدح الملوك والوزراء والرؤساء وله في سيف الدولة بن حمدان غرر القصائد ونخب المدائح وكان قد أعطاه فرسا أدهم أغر محجلاً فكتب إليه يا أيها الملك الذي أخلاقه ... من خلقه ورواؤه من رأيه قد جاءنا الطرف الذي أهديته ... هاديه يعقد أرضه بسمائه يحتل منه على أغر محجل ... ماء الدياجي قطرة من مائه فكأنما لطم الصباح جبينه ... فاقتص منه فخاض في أحشائه متمهلا والبرق من أسمائه ... متبرقعاً والحسن من أكفائه ما كانت النيران تكمن حرها ... لو كان للنيران بعض ذكائه لا تعلق الألحاظ في أعطافه ... إلا إذا كفكفت من غلوائه لا يكمل الطرف المحاسن كلها ... حتى يكون الطرف من أسرائه قال آخر في وصف فرس

وصف بركار لابي الفتح كشاجم وكان استهداه من صاحب

له زهو طاووس وخطر حمامة ... وتدويم باز وانقضاض عقاب ووثب ظبي وانجفال نعامة ... وإهذاب سيد وانسياب حباب وصولة ضرغام وروغ ثغالة ... ولحظ قطامي وحذر غراب وجدل عنان وانثناء ذؤالة ... ووقد ضرام وانصياع شهاب وهيج أخي شول وتدفيق جيأل ... وإيماض برق والتماع سراب وإعصاف ريح واهتزاز يراعة ... ودرة نوء وانجياب سحاب وصف بركار لابي الفتح كشاجم وكان استهداه من صاحب جدلي ببركارك الذي صنعت ... فيه يدا قينه الأعاجيبا ملتم الشعبتين معتدل ... ما شين من جانب ولا عيبا أوثق مسماره وغيب عن ... نواظر الناقدين تغييبا فعين من يجتليه يحسبه ... في قالب الإعتدال مصبوبا قد ضم قطريه محكما لهما ... ضم محب إليه محبوبا يزداد حرصا عليه مبصره ... ما زاده بالبنان تقليبا ذو مقلة بصيرة مذهبة ... لم تأله رقة وتهذيبا ينظر منها إلى الطراب فما ... به يزال الصواب مطلوبا لولاه ما صح خط دائرة ... ولا وجدنا الحساب محسوبا ألحق فيه فإن عدلت إلى ... سواه كان الحساب تقريبا لوعين أقليدس به بصرت ... خر له بالسجود مكبوبا فابعثه واجنبه لي بمسطرة ... تلق الثنا بالعلاء مجنوبا

قال أحمد صفي الدين بن صالح بن أبي الرجال يصف روضة صنعاء

ًولأبي يصف أسطرلابا ومستدير كجرم البدر مسطوح ... عن كل رابقة الإشكال مصفوح صلب يدار على قطب يثبته ... تمثال طرف بشكم الحذق مكبوح ملء البنان وقد أوفت صفائحه ... على الأقاليم من أقطارها الفيح تلفي به السبعة الأفلاك محدقة ... بالماء والنار والأرضين والريح تنبيك عن طالع الأبراج هيئته ... بالشمس طورا وطورا بالمصابيح وإن مضت ساعة أو بعض ثانية ... عرفت ذاك بعلم فيه مشروح وإن تعرض في وقت يقدره ... لك التشكك جلاه بتصحيح مميز في قياسات الطلوع به ... بين المشائيم منها والمناجيح له على الظهر عينا حكمه بهما ... يحوي الضياء ويجنيه من اللوح وفي الدوائر من أشكاله حكم ... تنقخ العقل منا أي تنقيح لا يستقل لما فيه بمعرفة ... إلا الحصيف اللطيف الحس والروح حتى ترى الغيب فيه وهو منغلق ال ... أبواب عمن سواه جد مفتوح نتيجة الذهن والتفكير صوره ... ذوو العقول الصحيحات المراجيح قال أحمد صفي الدين بن صالح بن أبي الرجال يصف روضة صنعاء روضة قد صبا لها السعد شوقا ... قد صفا ليلها وطاب المقيل جوها سجسج وفيها نسيم ... كل غصن إلى لقاه يميل صح سكانها جميعا من الدا ... ء وجسم النسيم فيها عليل إيه يا ماء نهرها العذب صلصل ... حبذا يا زلال منك الصليل

قال إسماعيل بن علي المعروف بابن عز القضاة يصف شموعا

إيه يا ورقها المزنة غني ... فحياة النفوس منك الهديل روض صنعاء فقت طبعا ووصفا ... فكثير الثناء فيك قليل ته على الشعب شعب بوان وافخر ... فعلى ما تقول قام الدليل نهر دافق وجو فنيق ... زهر فائق وظل ظليل وثمار قطافها دانيات ... يجتنيها قصيرنا والطويل لست أنسى انتعاش شحرور غصن ... طربا والقضيب منه يميل وعلى رأس دوحة خاطب الور ... ق ودمع الغصون طلا يسيل ولسان الرعود يهتف بالسحب فكان الخفيف منها الثقيل وفم السحب باسم عن بروق ... مستطير شعاعها مستطيل وزهور الربى تعجب من ذا ... شاخصا طرفها المليح الجميل فيه لي رفقة رقاق الحواشي ... كاد لين الطباع منهم يسيل أريحيون لو تسومهم النفس لجادوا فليس منهم منهم بخيل تتهادى من العلوم كؤوسا ... طيبات مزاجها زنجبيل طاب لي رأدها وطاب ضحاها ... كيف أسحارها وكيف الأصيل قال إسماعيل بن علي المعروف بابن عز القضاة يصف شموعا وزهر شموع إن مددن بنانها ... لتحمو سطور الليل نابت عن البدر وفيهن كافورية خلت أنها ... عمود صباح فوقه كوكب الفجر وصفراء تحكي شاحبا شاب رأسه ... فأدمعها تجري على ضيعة العمر وخضراء يبدو وقدها فوق خدها ... كنرجسة تزهو على الغصن النضر

قال أبو بكر الأرجاني يصف الشمعة وقد أحسن فيها كل الإحسان واستغرق كل الصفات

فلا غرو أن يحكي الأزاهر حسنها ... أليس جناها النحل قدما من الزهر قال أبو بكر الأرجاني يصف الشمعة وقد أحسن فيها كل الإحسان واستغرق كل الصفات نمت بأسرار ليل كان يخفيها ... وأطلعت قلبها للناس من فيها قلب لها لم يرعنا وهو مكتمن ... ألا ترى فيه نارا من تراقيها غريقة في دموع وهي تخرقها ... أنفاسها بدوام من تلظيها تنفست نفس المهجور إذ ذكرت ... عهد الخليط فبات الوجد يذكيها يخشى عليها الردى مهما ألم بها ... نسيم ريح إذا وافى يحييها قد أثمرت وردة حمراء طالعة ... تجني على الكف إن أهويت تجنيها ورد تشاك به الأيدي إذا قطفت ... وما على غصنها شوك يوقيها صفر غلائلها حمر عمائمها ... سود ذوائبها بيض لياليها صفة نزهة على نهر سرقسطة قال علي بن ظافر: ذكر صاحب قلائد العقيان ما هذا معناه: إن المستعين بالله أحمد بن أحمد بن المؤتمن بن هود الجذامي صاحب سرقسطة والثغور ركب نهر سرقسطة يوما لتفقد بعض معاقله. المنتظمة بجيد ساحله. وهو نهر رق ماؤه وراق. وأزرى على نيل مصر ودجلة والعراق. وقد اكتنفته البساتين من جانبيه وألقت ظلالها عليه. فما تطاد عين الشمس أن تنظر إليه. هذا على اتساع عرضه. وبعد سطح الماء من أرضه. وقد توسط زورقه زوارق حاشيته توسط البدر للهالة.

صفة الليل

وأحاكت به إحاطة الطفاوة للغزالة. وقد أعدوا من مكايد الصيد ما استخرج ذخائر الماء. وأخاف حتى حوت السماء. وأهلة الهالات طالعة من الموج في سحاب. وقانصة من بنات الماء كل طائرة كالشهاب. فلا ترى إلا صيودا كصيد الصوارم. وقدود اللهاذم. فقال الوزير أبو الفضل بن حسادي والطرب قد استهواه. وبديع ذلك المرأى استرق هواه: لله يوم أنيق واضح الغرر ... مفضض مذهب الآصال والبكر كأنما الدهر لما ساء أعتبنا ... فيه بعتبى وأبدى صفح معتذر نسير في زورق حف السفين به ... من جانبيه بمنظوم ومنتثر مد الشراع به نشرا على ملك ... بذ الأوائل في أيامه الأخر هو الإمام الهمام المستعين حوى ... علياء مؤتمن في هدي مقتدر تحوي السفينة منه آية عجبا ... بحر تجمع حتى صار في نهر تثار من قعره النينان مصعدة ... صيدا كما ظفر الغواص بالدرر صفة الليل قال بعض الأدباء لابنه يا بني اجعل نظرك في العلم ليلا. فإن القلب في الصدر كالطير ينتشر بالنهار ويعود إلى وكره في الليل. فهو في الليل ساكن ما ألقيت إليه من شيء وعاه. وقال بعضهم: في الليل تجم الأذهان وتنقطع الأشغال. ويصح النظر وتؤلف الحكمة وتدر الخواطر. ويتسع مجال القلب. والليل أحرى في

صفة عاصفة

مذهب الفكر. وأخفى لعمل البر. وأعون على صدقة السر. وأصح لتلاوة الذكر. وأرباب الأمر يختارون الليل على النهار لرياضة النفوس. وسياسة التقدير في دفع الملم. وإمضاء المهم. وإنشاء الكتب ونظم الشعر وتصحيح المعاني. وإظهار الحجج وإصابة غرض الكلام. وتقريبه من الأفهام. وفي الليل تتزاور الأحباب. لا يطرقك فيه خبر قاطع. ولا شغل مانع سأل هشام بن عبد الله خالد بن صفوان: كيف كان سيرك. فقال: بينا أنا أسير ذات ليلة إذ عصفت ريح شديد ظلماؤها. أطبق سماؤها وطبق سحابها. وتغلق ربانها. فبقيت محرنجماً كالأشقر إن تقدم نحر. وأن تأخر عقر. لا أسمع لواطئ همسا. ولا لنابح جرسا. تدلت علي غيومها. توارت عني نجومها. فلا أهتدي بنجم طالع. ولا بعلم لامع. أقطع محجة. وأهبط بحجة. في ديمومة قفر. بعيدة القعر. فالريح تخطفني. والشوك يخبطني. في ريح عاصف. وبرق خاطف. قد أوحشني إكامها. وقطعني سلامها. فبينا أنا كذلك قد ضاقت علي معارجي. وسدت مخارجي. إذ بدا نجم لائح. وبياض واضح. عرجت إلى إكام مجر ذيله فإذا أنا بمصابيحكم هذه فقرت العين. وانكشف الرين فقال هشام: لله درك. ما أحسن وصفك (سر الليال لابن منظور) صفة عاصفة ذكر السيوطي عاصفة حدثت سنة ثلاث وتسعين قال: كان

في ليلة الجمعة التاسع من جمادى الآخرة أتى عارض فيه ظلمات متكاثفة. وبروق خاطفة. ورياح عاصفة. فقوي أهويتها. واشتد هبوبها. فتدافعت لها أعنة مطلقات. وارتفعت لها صواعق مصعقات. فرجفت لها الجدران واصطفقت. وتلاقت على بعدها واعتنقت. وثار بين السماء والأرض عجاج فقيل: لعل هذه على هذه أطبقت. وتحسب أن جهنم قد سال منها واد. وعدا منها عاد. وزاد عصف الرياح إلى أن انطفأت سرج النجوم. ومزقت أديم السماء ومحت ما فوقه من الرقوم. لا عاصم من الخطف للأبصار. ولا ملجأ من الخطب إلا معاقل الاستغفار. وفر الناس نساء ورجالا. ونفروا من دورهم خفافا وثقالا. لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا. فاعتصموا بالمساجد الجامعة. وأذعنوا للنازلة بأعناق خاضعة. ووجوه عانية. ونفوس عن الأهل والمال سالية. ينظرون من طرف خفي. ويتوقعون أي خطب جلي. قد انقطعت من الحياة علقهم. وغمت عن النجاة طرقهم. ووقعت الفكرة فيما هم عليها قادمون. وقاموا إلى صلاتهم وودوا أن لو كانوا من الذين هم عليها دائمون. إلى أن أذن الله في الركود. وأسعف الهاجدين بالهجود. وأصبح كل يسلم على رفيقه. ويهنيه بسلامة طريقه. ويرى أنه قد بعث بعد النفخة. وأفاق بعد الصيحة والصرخة. وأن الله قد رد له الكرة. وأدبه بعد أن كان يأخذه على الغرة. ووردت الأخبار. بأنها كسرت المراكب في البحار. والأشجار

صفة انكسار العدو

في القفار. وأتلفت خلقا كثيرا من السفار. ومنهم من فر فلم ينفعه الفرار (حسن المحاضرة للسوطي) صفة انكسار العدو وصف سليمان الحلبي العدو بالخور والوهن في قتاله وما يظهرونه من الرهج بالحركة وإعداد الأهبة والاحتشاد. قال: وأما رهج العدو المخذول بالحركة ورمي الصيت بها فإن عدته الصياح. وقوة الجبان في القول والقول يذهب في الرياح. وقد علموا أنهم ما أقدموا إلا وكان أحد سلاحهم الهرب. ولا طمعوا في النجاح فكان لهم في غير النجاة أرب. يبالغون في الاحتشاد والجازر لا يهوله كثرة الغنم. ويستكثرون من السواد وجنود من لا ينفع أشبه شيء بالعدم. فقوتهم ضعيفة. ووطأتهم خفيفة. وثباتهم أقصر من حل العقال. وصبرهم أسرع من الظل في الانتقال. وخيولهم لا تطيع أمر أعنتها إلا في الفرار. فإن طمعوا في اللقاء فستردهم كلام سيوفنا كأقسام الكلام الثلاثة هزيماً وأسيراً وصريعاً وصف ابن سليمان الحلبي غلبة على التتار (قال) إن التتار استنجدوا بكل طائفة وأقدموا على البلاد الإسلامية بنفوس طامعة. وقلوب خائفة. وذلك بعد أن أقاموا مدة يشترون المخادعة بالموادعة. ويسرون المصارمة. في المسالمة. وحين تيسر مرادهم. وتكمل احتشادهم. استدرجناهم إلى مصارعهم.

واستجريناهم ليقربوا في القتل من مضاجعهم. ويبعدوا في الهرب عن مواضعهم. وصدمناهم بقوة الله صدمة لم يكن لهم بها قبل. وحملنا عليهم حملة ألجأهم طوفانها إلى ذلك الجبل. وهل يعصم من أمر الله جبل. فحصرناهم في ذلك الفضاء المتسع. وضايقناهم كما قد رأى ومزقناهم كما قد سمع. وأنزلناهم على حكم السيف الذي نهل من دمائهم حتى روي وأكل من لحومهم حتى شبع. وتبعتهم جيوشنا المنصورة تتخطفهم رماحها. وتتلقفهم صفاحها. ويبددهم في الفلوات رعبها. ويفرقهم في القفار طعنها المتدارك وضربها. ويقتل من فات السيوف منهم العطش والجوع. ويخيل للحي منهم أن وطنه كالدنيا التي ليس للميت إليها رجوع. ولعله قد رأى من ذلك فوق ما وصف عيانا. وأنهم ما أقدموا إلا ونصرنا الله عليهم في مواطن كثيرة. وما ساقتهم الأطماع في وقت ما إلا إلى حتوفهم. ولا عاد منهم قط في وقعة إلا آحاد تخبر عن مصارع ألوفهم. ولقد أضاع الحزم من حيث لم يستدم نعم الله عليه بطاعتنا التي كان في مهاد أمنها ووهاد يمنها. وحماية عفوها. وبرد رأفتها التي كدرها بالمخالفة بعد صفوها. يصون رعاياه بالطاعة عن القتل والسار. ويحمي أهل ملته بالحذر عن الحركات التي ما نهضوا إليها إلا وجروا ذيول الخسار. ولقد عرض نفسه وأصحابه لسيوفنا التي كان من سطواتها في أمان. ووثق بما ضمن له التتار من

ذكر عبد الرحمن وغزواته

يقول الأولى قد فوجئوا بدخولها ... وحيرهم تحبيرها وحبيرها أفي كل قصر غادة وحبيبها ... وفي كل بيت روضة وغديرها وقال لها الله العلي صفاته ... سأحميك ما ضم الليالي كرورها أهنيك بالعمران والعمر دائم ... لبانيك ما أفنى الدهور مرورها وقد أسجلت علياك عمدة ملكها ... وخطت بأعلام السعود سطورها ودارت لها الأفلاك كيف أدرتها ... ودانت إلى أن قيل أنت مديرها وهاك ابنة الفكر التي قد خطبتها ... وقدم من قبل الزمان مهورها فإن كان للدار التي قد بنيتها ... نظير ففي عرض القريض نظيرها وإلا جررت الذيل في ساحة العلى ... وقلت القوافي قد أعيد جريرها ذكر عبد الرحمن وغزواته قال ابن عبد ربه: تولى أمير المؤمنين عبد الرحمان القمر الأزهر. والأسد الغضنفر. الميمون النقيبة. المحمود الضريبة. سيد الخلفاء وأنجب النجباء. صبيحة هلال ربيع الأول سنة ثلاثمائة (فقلت فيه:) بدا الهلال جديدا ... والملك غض جديد يا نعمة الله زيدي ... ما كان فيه مزيد فتولى الملك وهي جمرة تحتدم. ونار تضطرم. وشقاق ونفاق فأخمد نيرانها. وسكن زلازلها. وافتتحها عودا كما افتتحها بدا. سميه عبد الرحمان بن معاوية وقد قيل في أشعار غزواته كلها أشعار قد جالت في الأمصار. وشردت في البلدان حتى أتهمت وأنجدت وأعرقت.

وكان أول غزاة غزاها الغزاة المعروفة بغزاة المنتلون افتتح بها سعين حصنا قد نكبت عنها الطوائف. وأعيت على الخلائف. (وفيها أقول:) وقد أوضح الله للإسلام منهاجا ... والناس قد دخلوا في الدين أفواجا وقد تزينت الدنيا لساكنها ... كأنما ألبست وشيا وديباجا يا ابن الخلائف إن المزن لو عملت ... نداك ما كان منها الماء ثجاجا والحرب لو علمت بأسا تصول به ... ما هيجت من جبال الدين أهياجا وأصبح النصر معقودا بألوية ... تطوي المراحل مهجيرا وإدلاجا أدخلت في قبة الإسلام مارقة ... أخرجتها من ديار الجور إخراجا بحجفل تشرق الأرض الفضاء به ... كالبحر يقذف بالأمواج أمواجا يقوده البدر يسري في كواكبه ... عرمرما كسواد الليل رجراجا تروق فيه بروق الموت لامعة ... ويسمعون به للرعد أهزاجا غادرت في عفرتي جيان ملحمة ... أبكيت منها بأرض الغدر أعلاجا في نصف شهر تركت الأرض ساكنة ... من بعد ما كان فيها الطبر قد ماجا تملا بك الأرض عدلا مثل ما ملئت ... جورا وتوضح للمعروف منهاجا يا بدر ظلمتها يا شمس صبحتها ... يا ليث حومتها إن هائج هاجا إن الخلافة لن ترضى ولا رضيت ... حتى عقدت لها في رأسك التاجا ولم يكن مثل هذه الغزاة لملك في الجاهلية والإسلام وله غزاة مارتش أخت بدر وحنين وله غزاة جيان وفيها قلت في أرجوزتي: ثم انتحى جيان في غزواته ... بعسكر يسعد من هماته

وافتتح الحصون حصنا حصنا ... وأوسع الناس جميعا أمنا ولم يزل حتى انتحى جيانا ... فلم يدع بأرضها شيطانا فأصبح الناس جميعا أمه ... قد عقد الإل لهم والدمه ولم يدع من جنها مريدا ... بها ولا من إنسها عنيدا إلا كساه الذل والصغار ... وعمه وأهله دمار فأقبل العلج لهم مغيثا ... يوم الخميس مسرعا حثيثا بين يديه الرجل والفوارس ... وحوله الصلبان والنواقس وكان يرجو أن يزيل العسكرا ... عن جانب الحصن الذي قد دمرا فاعتاقه بدرٌ بمن لديه ... مستبصراً في زحفه إليه حتى التقت ميمنة بميسره ... واعتلت الأرواح عند الحنجره فقتلوا قتلا ذريعا فاشيا ... وأدبر العلج ذميما خاسيا فأشرعت بينهم الرماح ... وقد علا التكبير والصياح وفارقت أغمادها السيوف ... وفغرت أفواهها الحتوف والتقت الرجال بالرجال ... وانغمسوا في غمرة القتال في موقف زاغت به الأبصار ... وقصرت في طوله الأعمار فانقضت العقبان والسلالقه ... رهقاً على مقدم الجلالقه عقبان موت تخطف الأرواحاً ... وتشبع السيوف والرماحا فانهزم الأعداء عند ذاكا ... وانكشف عورته هناكا فاتصل الفتح بفتح ثان ... والنصر بالنصر من الرحمان

الباب الثالث عشر في المراثي

الباب الثالث عشر في المراثي قالت الفرعة المرية ترثي أخاها مسعود بن شداد يا عين جودي لمسعود بن شداد ... بكل ذي عبرات شجوه بادي شهاد أندية رفاع أبنية ... شداد ألوية فتاح أسداد نحار راغية قتال طاغية ... حلال رابية فكاك أقياد فوال محكمة نقاض مبرمة ... فراج مبهمة حباس أوراد حلال ممرعة حمال معضلة ... قراع مفظعة طلاع أنجاد جماع كل خصال الخير قد علموا ... زين القرين وخطل الظالم العادي أبا زرارة لا تبعد فكل فتى ... يوماً رهين صفيحات وأعواد قال أبو مالك يرثي أبا نضر والده لما قتل زال عنا السرور إذ زلت عنا ... وازدهانا بكاؤنا والعويل ورأينا القريب منا بعيداً ... وجفانا صديقنا والخليل ورمانا العدو في كل وجه ... وتجنى على العزيز الذليل يا أبا النضر سوغ أبكيك ما عشت سويا وذاك مني قليل حملت نعشك الملائكة الأبرار إذ ما لنا إليه سبيل غير أني كذبتك الود لم تقطر جفوني دما وأنت قتيل رضيت مقلتي بإرسال دمعي ... وعلى مثلك النفوس تسيل

توفي أعرابي في يوم عيد فقال يرثيه

أسواك الذي أجود عليه ... بدمي إنني إذا لبخيل عثر الدهر فيك عثرة سوء ... لم يقل مثلها المعين المقيل قل لمن ضن بالحياة فإنا ... بعده في التراب صرعى حلول حفرة حشوها وفاء وحلم ... وندى فاضل ولب أصيل وعفاف عما يشين وحلم ... راجح الوزن بالرواسي يميل وبنان يمينها غير جعد ... وجبين صلت وخد أسيل وامرؤ أشرقت صفيحة خديه عليه بشاشة وقبول توفي أعرابي في يوم عيد فقال يرثيه لبس الرجال جديدهم في عيدهم ... ولبست حزن أبي الحسين جديدا أيسرني عيد ولم أر وجهه ... فيه ألا بعدا لذلك عيدا فارقته وبقيت أخلد بعده ... لا كان ذاك بقا ولا تخليدا من لم يمت جزعا لفقد حبيبه ... فهو الخؤون مودة وعهودا مت مع حبيبك إن قدرت ولا تعش ... من بعده ذا لوعة مكمودا ما أم خشف قد ملا أحشاءها ... حذرا عليه وجفنها تسهيدا إن نام لم تهجع وطافت حوله ... فيبيت مكلوءا بها مرصودا مني بأوجع إذ رأيت نوائحاً ... لأبي الحسين وقد لطمن خدودا ولقد عدمت أبا الحسين جلادتي ... لما رأيت جمالك المفقودا كنت الجليد على الرزايا كلها ... وعلى فراقك لم أجد تجليدا ولئن بقيت وما هلكت فإن لي ... أجلا وإن لم أحصه معدودا

لابن حسن التهامي يرثي ولده الصغير

لا موت لي إلا إذا الأجل انقضى ... فهناك لا أتجاوز المحدودا حزني عليك بقدر حبك لا أرى ... يوما على هذا وذاك مزيدا ما هد ركني بالسنين وإنما ... أصبحت بعدك بالأسى مهدودا يا ليت أني لم أكن لك والدا ... وكذاك أنك لم تكن مولودا فلقد شقيت وربما شقي الفتى ... بفراق من يهوى وكان سعيدا من ذم جفنا باخلا بدموعه ... فعليك جفني لم يزل محمودا فلأنظمن مراثياً مشهورة ... تنسي الأنام كثيراً ولبيدا وجميع من نظم القريض مفارقا ... ولداً له أو صاحباً مفقودا لابن حسن التهامي يرثي ولده الصغير حكم المنية في البرية جاري ... ما هذه الدنيا بدار قرار بينا يرى الإنسان فيها مخبرا ... حتى يرى خبرا من الأخبار طبعت على كدر وأنت تريدها ... صفوا من الأكدار والأقذار ومكلف الأيام ضد طباعها ... متطلب في الماء جذوة نار وإذا رجوت المستحيل فإنما ... تبني الرجاء على شفير هار فالعيش نوم والمنية يقظة ... والمرء بينهما خيال سار والنفس إن رضيت بذلك أو أبت ... منقادة بأزمة الأقدار فاقضوا مآربكم عجالاً إنما ... أعماركم سفر من الأسفار وتركضوا خيل الشباب وحذروا ... أن تسترد فإنهن عوار فالدهر يخدع بالمنى ويغص إن ... هنا ويهدم ما بنى ببوار

رثاء أعرابية لابنها

ليس الزمان وإن حرصت مسالما ... خلق الزمان عداوة الأحرار يا كوكبا ما كان أقصر عمره ... وكذا تكون كواكب الأسحار وهلال أيام مضى لم يستدر ... بدرا ولم يمهل لوقت سرار عجل الخسوف إليه قبل أوانه ... فمحاه قبل مظنة الإبدار فكأن قلبي قبره وكأنه ... في طيه سر من الأسرار أبكيه ثم أقول معتذرا له ... وفقت حين تركت ألأم دار جاورت أعدائي وجاور ربه ... شتان بين جواره وجواري ولقد جريت كما جريت لغاية ... فبلغتها وأبوك في المضمار فإذا نطقت فأنت أول منطقي ... وإذا سكت فأنت في إضماري رثاء أعرابية لابنها يا عمرو مالي عنك من صبر ... يا عمرو يا أسفي على عمرو لله يا عمرو وأي فتى ... كفنت يوم وضعت في القبر أحثو التراب على مفارقه ... وعلى غضارة وجهه النضر حين استوى وعلا الشباب به ... وبدا منير الوجه كالبدر ورجا أقاربه منافعه ... ورأوا شمائل سيد غمر وأهمه همي فساوره ... وغدا مع الغادين في السفر ربيته دهراً أفنقه ... في اليسر أغذوه وفي العسر حتى إذا التأميل أمكنني ... فيه قبيل تلاحق الثغر وجعلت من شغفي أنقله ... في الأرض بين تنائف غبر

رثاء مشاهير العرب

أدع المزارع والحصون به ... وأحله في المهمه القفر ما زلت أصعده وأحدره ... من قتر موماةٍ إلى قتر هربا به والموت يطلبه ... حيث انتويت به ولا أدري وإذا منيته تساوره ... قد كدحت في الوجه والنحر وإذا له علق وحشرجة ... مما يجش به من الصدر والموت يقبضه ويبسطه ... كالثوب عند الطي والنشر فمضى وأي فتى فجعت به ... جلت مصيبته عن القدر لو قيل تفديه بذلت له ... مالي وما جمعت من وفر أو كنت مقتدرا على عمري ... آثرته بالشطر من عمري قد كنت ذا فقر له فعدا ... ورمى علي وقد رأى فقري لو شاء ربي كان متعني ... بابني وشد بأزره أزري بنيت عليك بني أحوج ما ... كنا إليك صفائح الصخر لا يبعدنك الله يا عمري ... إما مضيت فنحن بالإثر هذي سبيل الناس كلهم ... لا بد سالكها على سفر رثاء مشاهير العرب قال عبد الله بن همام السلولي يرثي بعض أمراء بني حرب تعزوا يا بني حرب بصبر ... فمن هذا الذي يرجو الخلودا لقد وارى قليبكم بناناً ... وحزماً لا كفاء له وجودا

قال أشجع بن عمرو السلمي يرثي منصور بن زياد

وجدناه بغيضا في الأعادي ... حبيبا في رعيته حميدا أمينا مؤمنا لم يقص أمرا ... فيوجد غبه إلا رشيدا فقد أضحى العدو رخي بال ... وقد أضحى التقي به عميدا فعاض الله أهل الدين منكم ... ورد لكم خلافتكم جديدا مجانبة المحاق وكل نحس ... مقاربة الأيامن والسعودا خلافة ربهم كونوا عليها ... كما كنتم عنابسة أسودا يعلمها الكهول المرد حتى ... تذل بها الأكف وتستقيدا إذا ما بان ذو ثقة بلوتم ... أخا ثقة بها صنعا مجيدا تلقفها يزيد عن أبيه ... فخذها يا معاوي عن يزيدا فإن دنياكم بكم اطمأنت ... فأولوا أهلها خلقا شديدا وإن شغبت عليكم فاعصبوها ... عصابا يستدر بها شديدا وأن لانت لكم فتلقفوها ... ولا ترموا بها الغرض البعيدا قال أشجع بن عمرو السلمي يرثي منصور بن زياد يا حفرة الملك المؤمل رفده ... ما في ثراك من الندى والخير لازلت في ظلين ظل سحابة ... وطفاء دانيةٍ وظل حبور وسقى الولي على العهاد عراص ما ... والاك من قبر ومن مقبور يا يوم منصور أبحث حمى الندى ... وفجعته بوليه المذكور يا يومه أعريت راحلة الندى ... من ربها وحرمت كل فقير ذلت بمصرعه المكارم والندى ... وذباب كل مهند مأثور

لمروان بن أبي حفصة في معن بن زائدة

أفلت نجوم بني زياد بعد ما ... طلعت بنور أهلة وبدور لولا بقاء محمد لتصدعت ... أكبادنا أسفا على منصور أبقى مكارم لا تبيد صفاتها ... ومضى لوقت حمامه المقدور أصبحت مهجورا بحفرتك التي ... بدلتها من قصرك المعمور بليت عظامك والصفح جديدة ... ليس البلى لفعالك المشهور إن كنت ساكن حفرة فلقد ترى ... سكنا لعودي منبر وسرير لمروان بن أبي حفصة في معن بن زائدة مضى لسبيله معن وأبقى ... مكارم لن تبيد ولن تنالا كأن الشمس يوم أصيب معن ... من الإظلام ملبسة جلالا هو الجبل الذي كانت نزار ... تهد من العدو به الجبالا وعطلت الثغور لفقد معن ... وقد يروي بها الأسل النهالا وأظلمت العراق وأورثتها ... مصيبته المجللة اعتلالا وظل الشأم يرجف جانباه ... لركن العز حين وهى فمالا وكادت من تهامة كل أرض ... ومن نجد تزول غداة زالا فإن يعل البلاد له خشوع ... فقد كانت تطول به اختيالا أصاب الموت يوم أصاب معنا ... من الأحياء أكرمهم فعالا وكان الناس كلهم لمعن ... إلى أن زار حفرته عيالا ولم يك طالب للعرف ينوي ... إلى غير ابن زائدة ارتحالا مضى من كان يحمل كل عبء ... ويسبق فضل نائله السؤالا

رثا بني برمك لسليمان بن برمك

وما عمد الوفود لمثل معن ... ولا حطوا بساحته الرحالا ولا بلغت أكف ذوي العطايا ... يمينا من يديه ولا شمالا وما كانت تجف له حياض ... من المعروف مترعة سجالا فليت الشامتين به فدوه ... وليت العمر مد له فطالا ولم يك كنزه ذهبا ولكن ... سيوف الهند والسمر الصقالا وذخرا من محامد باقيات ... وفضل تقى به التفضيل نالا مضى لسبيله من كنت ترجو ... به عثرات دهرك أن تقالا فلست بمالك عبرات عين ... أبت بدموعها إلا انهمالا فلهف أبي عليك إذ اليتامي ... غدوا شعثا وقد أضحوا سلالا ولهف أبي عليك إذ القوافي ... لممتدح بها ذهبت ضلالا أقمنا باليمامة إذ يئسنا ... مقاما لا نريد لها زيالا وقلنا أين نرحل بعد معن ... وقد ذهب النوال فلا نوالا سيذكرك الخليفة غير قال ... إذا هو في الأمور بلا الرجالا ولا ينسى وقائعك اللواتي ... على أعدائه جعلت وبالا حباك أخو أمية بالمراثي ... مع المدح الذي قد كان قالا وألقى رحلة أسفا وآلى ... يمينا لا يشد له حبالا رثا بني برمك لسليمان بن برمك أصبت بسادة كانوا عيونا ... بهم نسقى إذا انقطع الغمام فقلت وفي الفؤاد ضريم نار ... وللعبرات من عيني انسجام

قال محمد بن محمد القوصي يرثي الإمام محمد المعروف بابن دقيق العيد

على المعروف والدنيا جميعا ... ودولة آل برمك السلام جزعت عليك يا فضل بن يحيى ... ومن يجزع عليك فلا يلام هوت بك أنجم المعروف فينا وعز بفقدك القوم اللئام ولم أر قبل قتلك يا ابن يحيى ... حساما قده السيف الحسام برين الحادثات له سهاما ... فغالته الحوادث والسهام ليهن الحاسدين بأن يحيى ... أسير لا يضيم ويستضام وأن الفضل بعد رداء عز ... غدا ورداؤه ذال ولام وقد آليت معتذرا بنذر ... ولي فيما نذرت به اعتزام بأن لا ذقت بعدكم مداما ... وموتي أن يفارقني المدام أألهو بعدكم وأقر عينا ... علي اللهو بعدكم حرام وكيف يطيب لي عيش وفضل ... أسير دونه البلد الشآم وجعفر ثاويا بالجسر أبلت ... محاسنه السمائم والقتام أمر به فيغلبني بكائي ... ولكن البكاء له اكتتام أما والله لولا خوف واش ... وعين للخليفة لا تنام لطفنا ركن جذعك واستلمنا ... كما للناس بالحجر استلام قال محمد بن محمد القوصي يرثي الإمام محمد المعروف بابن دقيق العيد سيطول بعدك في الطلول وقوفي ... أروي الثرى من مدمعي المذروف لو كان يقبل فيك حتفك فدية ... لفديت من علمائنا بألوف

للحافظ بن حجر في رثاء الحافظ الإمام الكبير زين الدين العراقي

أو كان من حمر المنايا يمانع ... منعتك سمرقنا وبيض سيوف يا طالبي المعروف أين مصيركم ... مات الفتى المعروف بالمعروف ألمشتري العليا بأعلى قيمة ... من غير ما بخس ولا تطفيف ما عنف الجلساء قط ونفسه ... لم يخلها يوما من التعنيف يا مرشد الفتيان إذ ما أشكلت ... طرق الصواب ومنجد الملهوف من للضعيف يعينه أنى أتى ... مستصرخا يا غوث كل ضعيف من لليتامى والأرامل كافل ... يرجونه في شتوة ومصيف أفنيت عمرك في تقى وعبادة ... وإفادة للعلم أو تصنيف وسبحت في بحر العلوم مكابدا ... أمواجه والناس دون سيوف وبذلت سائر ما حويت ولم تدع ... لك من تليد في العلا وطريف يا شمس مالك تطلعين ألم تري ... شمس المعارف غيبت بكسوف لهفي على حبر بكل فضيلة ... قد كان مرجوا لكل مخيف كان الخفيف على تقي مؤمن ... لكن على الفجار غير خفيف عم المصاب به الطوائف كلها ... لما ألم وخص كل حنيف بشراك يا ابن علي العالي الذرى ... إذ بت ضيفا عند خير مضيف ولقد نزلت على كريم غافر ... بالنازلين كما علمت رؤوف للحافظ بن حجر في رثاء الحافظ الإمام الكبير زين الدين العراقي مصاب لم ينفس للخناق ... أصار الدمع جارا للمآق فروض العلم بعد الزهو ذاو ... وروح الفضل قد بلغ التراقي

للبرهان القيراطي يرثي جمال الدين عبد الرحيم شيخ الشافعية

فطاف بأرض مصر كل علم ... بكأس الحين للعلماء ساقي فيا أهل الشآم ومصر فابكوا ... على عبد الرحيم بن العراقي على الحبر الذي شهدت قروم ... له بالإنفراد على اتفاق ومن ستين عاما لم يجارى ... ولا طمع المجاري في اللحاق فأصبح بالكرامة في اصطباح ... وبالتحف الكريمة في اغتباق فيا أسفا ويا حزنا عليه ... أرق من النسيمات الرقاق ويا أسفا لتقييدات علم ... تولت بعده ذات انطلاق عليه سلام ربي كل حين ... يلاقيه الرضا فيما يلاقي وأسقت لحده سحب الغوادي ... إذا انهملت همت ذات انطباق وزانت ريئه في كل يومٍ ... تحيات إلى يوم التلاقي للبرهان القيراطي يرثي جمال الدين عبد الرحيم شيخ الشافعية نعم قبضت روح العلى والفضائل ... بموت جمال الدين صدر الأفاضل تعطل من عبد الرحيم مكانه ... وغيب عنه فاضل أي فاضل أحقا وجوه الفقه زال جمالها ... وحطت أعالي هضبها للأسافل قفوا خبرونا من يقوم مقامه ... ويوفض في ميدان كل مناضل قفوا خبرونا هل له من مشابه ... قفوا خبرونا هل له من مماثل فأعظم بحبر كان للعلم ساعيا ... بعزم صحيح ليس بالمتكاسل وأعظم به يوم الجدال مناظرا ... إذا قال لم يترك مكانا لقائل

لبهاء الدين زهير يرثي فتح الدين عثمان والي الإسكندرية

وأسيافه في البحث قاطعة الظبا ... بجوهرها لم يفتقر للصياقل يقوم بإيضاح المسائل مرشداً ... لمستفهم أو طالب أو مسائل له قدم في الفقه سابقة الخطا ... يقتصر عنها كل حاف وناعل تبارك من أعطاه فيه مراتباً ... يقر له بالفضل كل مجادل فكم كان يبدي فيه كل غريبة ... ويظهر من أبكاره بالعقائل أحل جمال الدين في الخلد ربه ... ليخطى بعفو منه شاف وشامل وحياه بالريحان والروح والرضا ... إله البرايا في الضحى والأصائل لقد كان في الأعمال والعلم مخلصا ... لمن لم يضيع في غد سعي عامل فلهفي لأمداح عليه تحولت ... مراثي تبكي بالدموع الهوامل يساعدني فيه الحمام بشجوها ... وأغلبها من لوعتي بالبلابل صرفت فيه كنز صبري وأدمعي ... وأفنيت من هذا وهذا حواصلي وما نحن إلا ركب موت إلى البلى ... تسيرنا أيامنا كالرواحل قطعنا إلى نحو القبور مراحلا ... وما بقيت إلا أقل المراحل وهذا سبيل العالمين جميعهم فما الناس إلا راحل بعد راحل لبهاء الدين زهير يرثي فتح الدين عثمان والي الإسكندرية عليك سلام الله يا قبر عثمان ... وحياك عني كل روح وريحان وما زال منهلا على تربك الحيا ... يغاديك منه كل أوطف هتان لقد خنته في الود غذ عشت بعده ... وما كان في ود الصديق بخوان وعهدي بصبري في الخطوب يطيعني ... فما لي أراه اليوم أظهر عصياني

مرثية أبي الحسن الأنباري في الوزير أبي طاهر

فيا ثاويا قد طيب الله ذكره ... فأضحى وطيب الذكر عمر له ثان وجدت الذي أسلاك عني وإنني ... وحقك ما حدثت نفسي بسلوان لقد دفن الأقوام يوم وفاته ... بقية معروف وخير وإحسان يواجهني في كل يوم خياله ... كما كنت ألقاه قديما ويلقاني وأقسم لو ناديته وهو ميت ... لجاوبني تحت التراب ولباني هنيئا له قد طاب حيا وميتا ... فما كان محتاجا لتطييب أكفاني صديقي الذي إذ مات موت مهجتي ... فما لي لا أبكيه والرزء رزآن وكان أنيسي مذ حظيت بقربه ... وكنت كأني بين أهلي وأوطاني وقد كان أسلاني عن الناس كلهم ... ولا أحد عنه من الناس أسلاني كريم المحيا باسم متهلل ... متى جئته لم تلقه غير جذلان يمن لمن يرجوه من غير منة ... فإن قلت منان فقل غير منان فقدت حبيبا وابتليت بغربة ... وحسبك من هذين أمران مران هو الموت ما فيه وفاء لصاحب ... وهيهات إنسان يموت لإنسان وما الناس إلا راحل بعد راحل ... إلى العالم الباقي من العالم الفاني مرثية أبي الحسن الأنباري في الوزير أبي طاهر لما استعرت الحرب بعد عز الدولة بن بويه وابن عمه عضد الدولة ظفر عضد الدولة بوزير عز الدولة أبي طاهر محمد بين بقية فسلمه وشهره وعلى رأسه برنس. ثم طرحه للفيلة فقتلته. ثم صلب عند داره بباب الطاق وعمره نيف وخمسين سنة. ولما صلب رثاه أبو الحسن محمد بن عمران يعقوب الأنباري أحد العدول ببغداد بهذه القصيدة الغراء. فلما وقف عليها عضد الدولة قال: وددت لو أني المصلوب وتكون هذه القصية في.

علو في الحياة وفي الممات ... لحق تلك إحدى المعجزات كأن الناس حولك حين قاموا ... وفود نداك أيام الصلاة كأنك قائم فيهم خطيب ... وكلهم قيام للصلاة مددت يدك نحوهم احتفاء ... كمدهما إليه بالهبات ولما ضاق بطن الأرض عن أن ... يضم علاك من بعد الوفاة أصاروا الجو قبرك واستعاضوا ... عن الأكفان ثوب السافيات لعظمك في النفوس بقيت ترعى ... بحراس وحفاظ ثقات وتوقد حولك النيران ليلا ... كذلك كنت أيام الحياة ركبت مطية من قبل زيد ... علاها في السنين الماضيات وتلك قضية فيها تأس ... نباعد عنك تعبير العداة ولم أر قبل جذعك قط جذعا ... تمكن من عناق المكرمات أسأت إلى النوائب فاستثارت ... فأنت قتيل ثار النائبات وكنت تجير من صرف الليالي ... فصار مطالبا لك بالتراث وصير دهرك الإحسان فيه ... إلينا من عظيم السيئات وكنت لمعشر سعدا فلما ... مضيت تفرقوا بالمنحسات غليل باطن لك في فؤادي ... يخفف بالدموع الجاريات ولو أني قدرت على قيام ... بفرضك والحقوق الواجبات ملأت الأرض من نظم القوافي ... ونحت بها خلاف النائحات ولكني أصبر عنك نفسي ... مخافة أن أعد من الجناة

قال العقيلي يرثي صديقا له صلب

ومالك تربة فأقول تسقى ... لأنك نصب هطل الهاطلات عليك تحية الرحمان تترى ... برحمات غواد رائحات وقال فيه حين أنزل عن الصليب: لم يلحقوا بك عاراً إذ صلبت بلى ... باءوا بإثمك ثم استرجعوا ندما وأيقنوا أنهم فيفعلهم غلطوا ... وأنهم نصبوا من سؤدد علما فاسترجعوك وواروا منك طود علا ... بدفنه دفنوا الإفضال والكرما لئن بليت فلا يبلى نداك ولا ... تنسى وكم هالك ينسى إذا قدما تقاسم الناس حسن الذكر فيك كما ... تركت مالك بين الناس مقتسما قال العقيلي يرثي صديقا له صلب لعمري لئن أصبحت فوق مشذب ... طويل تعفيك الرياح مع القطر لقد عشت مبسوط اليدين مبرزا ... وعوفيت عند الموت من ضغطة القبر وأفلت من ضيق التراب وغمه ... ولم تفقد الدنيا فهل لك من شكر فما تشتفي عيناي من دائم البكا ... عليك ولو أني بكيت إلى الحشر فطوبى لمن يبكي أخاه مجاهرا ... ولكنني أبكي لفقدك في سري قال مصعب بن عبد الله الزبيري يرثي إسحاق الموصلي أتدري لمن تبكي العيون الذوارف ... وينهل منها واكف ثم واكف نعم لامرئ لم يبق في الناس مثله ... مفيد لعلم أو صديق ملاطف تجهز إسحاق إلى الله غاديا ... فلله ما ضمت عليه اللفائف وما حمل النعش المزجى عشية ... إلى القبر إلا دامغ العين لاهف

رثاء الخلفاء والملوك

صدورهم مرضى عليه عميدة ... لها أزمة من ذكره وزفازف ترى كل مخزون تفيض جفونه ... دموعاً على الخدين والوجه شاسف جزيت جزاء المحسنين مضاعفا ... كما كان جدواك الندى المتضاعف فكم لك فينا من خلائق جزلة ... سبقت بها منها حديث وسالف هي الشهد أو أحلى إلينا حلاوة ... من الشهد لم يمزج به الماء غارف ذهبت وخليت الصديق بعولة ... به أسف من حزنه مترادف بكت داره من بعده وتنكرت ... معالم من آفاتها ومعارف فما الدار بالدار التي كنت أعتري ... وإني بها لولا افتقاديك عارف هي الدار إلا أنها قد تخشعت ... وأظلم منها جانب وهو كاسف وبان الجمال والفعال كلاهما ... من الدار واستنت عليها العواصف خلت داره من بعده فكأنما ... بعاقبة لم يغن في الدار طارف يسر الذي فيها إذا ما بدا له ... ويفتر منها ضاحكاً وهو واقف بما كان ميمونا على كل صاحب ... يعين على ما نابه ويكانف سريع إلى إخوانه برضائه ... وعن كل ما ساء الأخلاء صادف رثاء الخلفاء والملوك للمهلبي يرثي المتوك لا حزن إلا أراه دون ما أجد ... وهل كمن فقدت عيناي مفتقد هلا أتاه معادية مجاهرة ... والحرب تسعر والأبطال تطرد فخر فوق سرير الملك منجدلاً ... لم يحمه ملكه لما انقضى الأمد

من مرثية ابن عبدون الفهري لملوك بني الأفطس

قد كان أنصاره يحمون حوزته ... وللردى دون أرصاد الفتى رصد وأصبح الناس فوضى يعجبون له ... ليثاً صريعاً تنزى حوله النقد علتك أسياف من لا دونه أحد ... وليس فوقك إلا الواحد الصمد ضجت نساؤك بعد العز حين رأت ... خدا كريما عليه قارت جسد أضحى شهيد بني العباس موعظة ... لكل ذي عزة في رأسه صيد فلو جعلتم على الأحرار نعمتكم ... حمتكم السادة المركوزة الحشد قوم هم الجذم والأنساب تجمعكم ... والمجد والدين والأرحام والبلد من مرثية ابن عبدون الفهري لملوك بني الأفطس الدهر يفجع بعد العين بالأثر ... فما البكاء على الأشباح والصور فلا تغرنك من دنياك نومتها ... فما صناعة عينيها سوى السهر تسر بالشيء لكن كي تغر به ... كالأيم ثار إلى الجاني من الزهر كم دولة وليت بالنصر خدمتها ... لم تبق منها وسل ذكراك عن خبر هوت بدارا وفلت غرب قاتله ... وكان غضبا على الأملاك ذا أثر واسترجعت من بني ساسان ما وهبت ... ولم تدع لبني يونان من أثر وما أقالت ذوي الهيئات من يمن ... ولا أجارت ذوي الغايات من مضر ومزقت سبأ في كل قاصية ... فما التقى رائح منها بمبتكر وخضبت شيب عثمان دما وخطت ... إلى الزبير ولم تستحي من عمر وأوثقت في عراها كل معتمد ... وأشرفت بقذاها كل مقتدر وروعت كل مأمون ومؤتمن ... وأسلمت كل منصور ومنتصر

لابن النبيه يرثي ولد الناصر أمير المؤمنين

سحقا ليومكم يوما ولا حملت ... بمثله ليلة في سالف العمر من للأسرة أو من للأعنة أو ... من للأسنة يهديها إلى الثغر من للبراعة أو من لليراعة أو ... من للسماحة أو للنفع والضرر أو دفع كارثة أو قمع آزفة ... أو ردع حادثة تعمي على القدر ويب السماح وويب البأس لو سلما ... وا حسرة الدين والدنيا على عمر سقت ثرى الفضل والعباس هامية ... تعزي إليهم سماحاً لا إلى المطر ومر من كل شيء فيه أطيبه ... حتى التمتع بالآصال والبكر أين الجلال الذي عمت مهابته ... قلوبنا وعيون الأنجم الزهر أين الإباء الذي أرسوا قواعده ... على دعائم من عز ومن ظفر أين الوفاء فقد اصفوا شرائعه ... فلم يرد أحد منهم على كدر على الفضائل إلا الصبر بعدهم ... سلام مرتقب للأجر منتظر يرجو عسى وله في أختها طمع ... والدهر ذو عقب شتى وذو غير لابن النبيه يرثي ولد الناصر أمير المؤمنين الناس للموت كنحيل الطراد ... فالسابق السابق منها الجواد والله لا يدعو إلى داره ... إلا من استصلح من ذي العباد والموت نقاد على كفه ... جواهر يختار منها الجياد والمرء كالظل ولا بد أن ... يزول ذاك الظل بعد امتداد لا تصلح الأرواح إلا إذا ... سرى إلى الأجساد هذا الفساد أرغمت يا موت أنوف القنا ... ودست أعنقا السيوف الحداد

لأبي بكر بن عبد الصمد يرثي الخليفة المعتمد بالله

كيف تخرمت عليا وما ... أنجده كل طويل النجاد نجل أمير المؤمنين الذي ... من خوفه يرعد قلب الجماد مصيبة أذكت قلوب الورى ... كأنما في كل قلب زناد نازلة جلت فمن أجلها ... سن بنو العباس لبس السواد مأتمة في الأرض لكنها ... عرس على السبع الطباق الشداد طرقت يا موت كريما فلم ... يقنع بغير النفس للضيف زاد قصفته من سدرة المنتهى ... غصنا فشلت يد أهل الفساد يا ثالث السبطين خلفتني ... أهيم من همي في كل واد يا نائما في غمرات الردى ... كحلت أجفاني بميل السهاد ويا ضيجع الترب أقلقتني ... كأنما فرشي شوك القتاد دفنت في الترب ولو أنصفوا ... ما كنت إلا في صميم الفؤاد لو لم تكن أسخنت عيني سقت ... مثواك عيناي كصوب العهاد لأبي بكر بن عبد الصمد يرثي الخليفة المعتمد بالله ملك الملوك أسامع فأنادي ... أم قد عدتك عن السماع عواد لما خلت منك القصور ولم تكن ... فيها كما قد كنت في الأعياد أقبلت في هذا الثرى لك خاضعا ... وتخذت قبرك موضع الإنشاد قد كنت أحسب أن تبدد أدمعي ... نيران حزن أضرمت بفؤادي فإذا بدمعي كلما أجريته ... زادت علي حرارة الأكباد فالعين في التسكاب والتهتان وال ... أحشاء في الإحراق والإيقاد

للمفتي أبي السعود السلطان سليمان

يا أيها القمر المنير أهكذا ... يمحى ضياء النير الوقاد أفقدت عيني مذ فقدت إنارة ... لحجابها في ظلمة وساد ما كان ظني قبل موتك أن أزر ... قبرا يضم شوامخ الأطواد الهضبة الشماء تحت ضريحه ... والبحر ذو التيار والأزباد عهدي بملك وهو طلق ضاحك ... متهلل الصفحات للقصاد أيام يخفق حولك الرايات فو ... ق كتائب الرؤساء والأجناد والأمر أمرك والزمان مبشر ... بممالك قد أذعنت وبلاد والخيل تمرح والفوارس تنحني ... بين الصوارم والقنا المياد للمفتي أبي السعود السلطان سليمان أصوت صاعقة أم نفخة الصور ... فالأرض قد ملئت من نقر ناقور أصاب منها الورى دهياء داهية ... وذاق منها البرايا صعقة الطور تصدعت فلل الأطواد وارتعدت ... كأنها قلب مرعوب ومذعور أتى بوجه نهار لا ضياء له ... كأنه غارة شنت بديجور أم ذاك نعي سليمان الزمان ومن ... قضت أوامره في كل مأمور مدار سلطنة الدنيا ومركزها ... خليفة الله في الآفاق مذكور معلي معالم دين الله مظهرها ... في العالمين بسعي منه مشكو وحسن رأي إلى الخيرات منصرف ... وصدق عزم على الألطاف مقصور بآية العدل والإحسان ممتثل ... بغاية القسط والإنصاف موفور مجاهد في سبيل الله مجتهد ... مؤيد من جناب القدس منصور

لأبي البقاء صالح بن شريف الرندي يرثي الأندلس

براية رفعت للمجد خافقة ... تحوي على علم بالنصر منشور وعسكر ملأ الآفاق محتشد ... من كل قطر من الأقطار محشور يا نفس مالك في الدنيا مخلفة ... من بعد رحلته عن هذه الدور وكيف تمشين فوق الأرض غافلة ... أليس جثمانه فيها بمقبور حق على كل نفس أن تموت أسى ... لكن ذلك أمر غير مقدور يا نفس فاتئدي لا تهلكي أسفا ... فأنت منظومة في سلك معذور إذ لست مأمورة بالمستحيل ولا ... بما سوى بذل مجهود وميسور إن المنايا وإن عمت محرمة ... على شهيد جميل الحال مبرور ابتاع سلطنة العقبى بسلطنة ال ... دنيا فأعظم بربح غير محصور بل حاز كلتيهما إذ حل منزله ... من لم يغايره في أمر ومأمور فإنه عينه في كل مأثرة ... وكل أمر عظيم الشان مأثور أضحى بقبضته الدنيا برمتها ... ما كان من مجهل منها ومعمور سبحان من ملك جلت مفاخره ... عن البيان بمنظوم ومنثور لا زال أحكامه بالعدل جارية ... بين البرية حتى نفخة الصور لأبي البقاء صالح بن شريف الرندي يرثي الأندلس لكل شيء إذا ما تم نقصان ... فلا يغر بطيب العيش إنسان هي الأمور كما شاهدتها دول ... من سره زمن ساءته أزمان وهذه الدار لا تبقي على أحد ... ولا يدوم على حال لها شان يمزق الدهر حتما كل سابغة ... إذا نبت مشرفيات وخرصان

وينتضي كل سيف للفناء ولو ... كان ابن ذي يزن والغمد غمدان أين الملوك ذوو التيجان من يمن ... وأين منهم أكاليل وتيجان وأين ما شاده شداد في إرم ... وأين ماساسه في الفرس ساسان وأين ما حازه قارون من ذهب ... وأين عاد وشداد وقحطان أتى على الكل أمر لا مرد له ... حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا وصار ما كان من ملك ومن ملك ... كما حكى عن خيال الطيف وسنان دار الزمان على دارا وفاتله ... وأم كسرى فما آواه إيوان كأنما الصعب لم يسهل له سبب ... يوما ولم يملك الدنيا سليمان فجائع الدهر أنواع منوعة ... وللزمان مسرات وأحزان وللحوادث سلوان يسهلها ... وما لما حل بالإسلام سلوان دهى الجزيرة أمر لا عزاء له ... هوى له أحد وانهد ثهلان أصابها العين في الإسلام فارتزأت ... حتى خلت منه أقطار وبلدان فاسأل بلنسية ما شأن مرسية ... وأين شاطبة أم أين جيان وأين قرطبة دار العلوم فكم ... من عالم قد سما فيها له شان وأين حمص وما تحويه من نزه ... ونهرها العذب فياض وملآن قواعد كن أركان البلاد فما ... عسى البقاء إذا لم تبق أركان تبكي الحنيفية البيضاء من أسف ... كما بكى لفراق الإلف هيمان على ديار من الإسلام خالية ... قد أقفرت ولها بالكفر عمران حيث المساجد قد صارت كنائس ما ... فيهن إلا نواقيس وصلبان

حتى المحاريب تبكي وهي جامدة ... حتى المنابر ترثي وهي عيدان يا غافلا وله في الدهر موعظة ... إن كنت في سنة فالدهر يقظان وماشيا مرحا يليه موطنه ... أبعد حمص تغر المرء أوطان تلك المصيبة أنست ما تقدمها ... وما لها مع طول الدهر نسيان يا راكبين عتاق الخيل ضامرة ... كأنها في مجال السبق عقبان وحاملين سيوف الهند مرهفة ... كأنها في ظلام النفع نيران وراتعين وراء البحر في دعة ... لهم بأوطانهم عز وسلطان أعندكم نبأ من أهل أندلس ... فقد سرى بحديث القوم ركبان كم يستغيث صناديد الرجال وهم ... قتلى وأسرى فما يهتز إنسان ماذا التقاطع في الإسلام بينكم ... وأنتم يا عباد الله إخوان ألان فوس أبيات لها همم ... أما على الخير أنصار وأعوان يا من لذلة قوم بعد عزهم ... أحال حالهم جور وطغيان بالأمس كانوا ملوكا في منازلهم ... واليوم هم في بلاد الكفر عبدان فلو تراهم حيارى لا دليل لهم ... عليهم من ثياب الذل ألوان ولو رأيت بكاهم عند بيعهم ... لهالك الأمر واستهوتك أحزان يا رب أم وطفل حيل بينهما ... كما تفرق أرواح وأبدان وطفلة مثل حسن الشمس إذ طلعت ... كأنما هي ياقوت ومرجان يقودها العلج عند السبي مكرهة ... والعين باكية والقلب حيران لمثل هذا يذوب القلب من كمد إن كان في القلب إسلام وإيمان

الباب الرابع عشر في الفخر

الباب الرابع عشر في الفخر قال المهلهل إنا بنو شم معاطسنا ... بيض الوجوه إذا ما أفزع البلد قوم إذا عاهدوا وفوا وإن عقدوا ... شدوا وإن شهدوا يوم الوغى اجتهدوا وإن دعوتهم يوما لمكرمة ... جاءوا سرعا وإن قام الخنى قعدوا لا يرقدون على وتر يكون لهم ... وإن يكن عندهم وتر العدى رقدوا قال الحصين بن الحمام المري تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... ولكن على أقدامنا تقطر الدما نفلق هاما من رجال أعزة ... علينا وهم كانوا أعق وأظلما قال الطرماح بن حكيم لقد زادني حبا لنفسي أنني ... بغيض إلى كل امرئ غير طائل وأني شقي باللئام ولا ترى ... شقيا بهم إلا كريم الشمائل إذا ما رآني قطع الطرف بينه ... وبيني فعل العارف المتجاهل ملأت عليه الأرض حتى كأنها ... من الضيق في عينيه كفة حابل أكل امرئ ألفى أباه مقصرا ... معاد لأهل المكرمات الأوائل إذا ذكرت مسعاه والداه اضطنى ... ولا يضطني من شتم أهل الفضائل

قال الأديب الأبيوردي في الفخر

وما منعت دار ولا عز أهلها ... من الناس إلا بالقنا والقنابل قال الأديب الأبيوردي في الفخر عجبت لمن يبغي مداي وقد رأى ... مساحب ذيلي فوق هام الفراقد ولي نسب في الحي عال يفاعه ... رحيب مساري العرق زاكي المحافد وفي من الفضل لو ذكرته ... كفاني أن أزهى بجد ووالد وورثنا العلى وهي التي خلقت لنا ... ونحن خلقنا للعلى والمحامد أبا فأبا من عبد شمس وهكذا ... إلى آدم لم ينمنا غير ماجد وقال أيضا لو رأيت على الرمح الريدني معصما ... وزرت العدى والحرب فاغرة فما وقد زعموا أني ألين عريكتي ... لهم إذ توسطت الخصاصة معدما أما علموا أني وإن كنت مقترا ... أروي من القرن الحسام المصمما ويشرق وجهي حين ينسب والدي ... وتلقى عليه للسيادة ميسما وإن ذكروا آباءهم فوجوههم ... تشبهها قطعا من الليل مظلما وللفقر خير من أب ذي دناءة ... إذا هز للفخر ابنه عاد مفحما متى حصلت أنساب قيس وخندف ... فلي من روابيهن أشرف منتمي وإن نشرت منها صحيفة ناسب ... رأيت بدورا من جدودي وأنجما لهم أوجه عند الفخار يزينها ... عرانين ما شمت هوانا ومرغما ليقصد مس الضغن فينا بذرعه ... ولا يستثر منا بواديه ضيغما فإن المنايا حين يضمون غلة ... ليلعقن من أطراف أرماحنا الدما

وقال أيضا متحمسا

وقال أيضا متحمساً الناس من خولي والدهر من خدمي ... وقمة النجم عندي موطئ القدم وللبيان لساني والندى خضل ... به يدي والعلى يخلقن من شيمي والنسر يتبع سيفي حين يلحظه ... والدهر ينشد ما يهمي به قلمي فأين مثل أبي في العرب قاطبة ... ومن كخالي في صيابة العجم لو صيغت الأرض لي دون الورى ذهبا ... لم ترضها لمرجي نائل هممي وعن قليل أرى في مأزق حرج ... به تشام السريجيات في القمم والبيض مردفة تبدو خلاخلها ... في مسلك وحل من عبرة ودم فالمجد في صهوات الخيل مطلبه ... والعز في ظبة الصمصامة الخذم قال المتنبي في صباه على لسان بعض التنوخيين قضاعة تعلم أني الفتى ال ... ذي ادخرت لضروف الزمان ومجدي يدل بين خندف ... على أن كل كريم يماني أنا ابن اللقاء أنا ابن السخاء ... أنا ابن الضراب أنا ابن الطعان أنا ابن الفيافي أنا بان القوافي ... أنا ابن السروج أنا ابن الرعان طويل النجاد طويل العماد ... طويل القناة طويل السنان حديد الحفاظ حديد اللحاظ ... حديد الحسام حديد الجنان يسابق سيفي منايا العباد ... إليهم كأنهما في رهان يرى حده غامضات القلوب ... إذا كنت في هبوة لا أراني سأجعله حكما في النفوس ... ولو ناب عنه لساني كفاني

قال عنترة يتوعد النعمان بن المنذر ملك العرب ويفتخر بقوله

قال عنترة يتوعد النعمان بن المنذر ملك العرب ويفتخر بقوله لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب ... ولا ينال العلى من طبعه الغضب لله در بني عبس لقد نسلوا ... من الأكارم ما قد تنسل العرب قد كنت فيما مضى أرعى جمالهم ... واليوم أحمي حماهم كلما نكبوا لئن يعيبوا سوادي فهو لي نسب ... يوم النزال إذا ما فاتني النسب إن كنت تعلم يا نعمان أن يدي ... قصيرة عنك فالأيام تنقلب إن الأفاعي وإن لانت ملامسها ... عند التقلب في أنيابها العطب اليوم تعلم يا نعمان أي فتى ... يلقى أخاك الذي قد غره العصب فتى بخوض غبار الحرب مبتسما ... وينثني وسنان الرمح مختضب إن سل صارمه سالت مضاربه ... وأشرق الجو وانشقت له الحجب والخيل تشهد لي أني أكفكفها ... والطعن مثل شرار النار يلتهب إذا التقيت الأعادي يوم معركة ... تركت جمعهم المغرور ينتهب لي النفوس وللطير اللحوم ولل ... وحش العظام وللخيالة السلب لا أبعد الله عن عيني غطارفة ... إنسا إذا نزلوا جنا إذا ركبوا أسود غاب ولكن لا نيوب لهم ... إلا الأسنة والهندية القضب تعدو بهم أعوجيات مضمرة ... مثل السراحين في أعناقها القبب ما زلت ألقى صدور الخيل مندفقا ... بالطعن حتى يضج السرج واللبب فالعمى لو كان في أجفانهم نظروا ... والخرس لو كان في أفواهمم خطبوا والنفع يوم طراد الخيل يشهد لي ... ولا ضرب والطعن والأقلام والكتب

وقال في إغارته على بني حريقة

وقال في إغارته على بني حريقة حكم سيوفك في رقاب العذل ... وإذا نزلت بدار ذل فارحل وإذا الجبان نهاك يوم كريهة ... خوفا عليك من ازدحام الجحفل فاعص مقالته ولا تحفل بها ... واقدم إذا حق اللقا في الأول واختر لنفسك منزلا تعلو به ... أو مت كريما تحت ظل القسطل إن كنت في عدد العبيد فهمتي ... فوق الثريا والسماك الأعزل أو أنكرت فرسان عبس نسبتي فسنان رمحي والحسام يقر لي وبذابلي ومهندي نلت العلى ... لا بالقرابة والعديد الأجزل ورميت مهري في العجاج فخاضه ... والنار تقدح من شفار الأنصل خاض العجاج محجلا حتى إذا ... شهد الوقيعة عاد غير محجل ولقد نكبت بني حريقة نكبة ... لما طعنت صميم قلب الأخيل وقتلت فارسهم ربيعة عنوة ... والهيذبان وجابر بن مهلهل لا تسقني ماء الحياة بذلة ... بل فاسقني بالعز كأس الحنظل ماء الحياة بذلة كجهنم ... وجهنم بالعز أطيب منزل وقال أيضا اليوم أسعرها حربا تذل لها ... كل الجبابرة الماضين في الحقب وأترك الدم يجري من غلاصمهم ... إذا علوت رؤوس القوم بالقضب كم سيد إذ رآني حين أطلبه ... ألقى السلاح وغر النفس للهرب أنا الشجاع لنار الحرب أضرمها ... وأرتمي القوم بالإرغام والعطب

روى أبو حاتم عن أبي عبيدة قال كان عبد الملك بن مروان في سمره مع أهل بيته وولده

والموت يفزع مني في الهياج إذا ثار العجاج وصار النفع كاللهب وراحتي في لقا الأبطال إن طعنت ... زرق الأسنة للأقران من كثب كم قسطل خضته لم أخش غائلة ... وساحة الحرب قصدي وهي لي طلبي لأفعلن فعلا لا مثال لها ... فعلا يؤرخ في الأوراق والكتب واصطليها يقينا والبحار دم ... لأن في موجها يزداد لي طربي وأجعل الجو كالليل البهيم إذا ... ثار الغبار على الأقطار كالحجب وليس لي مؤنس في كل معركة ... إلا الجواد وسيفي يشتكي غضبي روى أبو حاتم عن أبي عبيدة قال كان عبد الملك بن مروان في سمره مع أهل بيته وولده وخاصته فقال لهم ليقل كل واحد منكم أحسن ما قيل من الشعر وليفصل رأي تفضيله. فأنشدوا وفضلوا. فقال بعضهم النابغة. وقال بعضهم الأعشى. فلما فرغوا قال أشعر من هؤلاء الذي يقول. وأنشد لمعد بن أوس وذي رحم قلمت أظفرا ضغنه ... بحلمي عنه وهو ليس له حلم يحاول رغمي لا يحاول غيره ... وكالموت عندي أن يحل به الرغم فإن أعف عنه أغض عينا على قذى ... وليس له بالصفح عن ذنبه علم وإن أنتصر منه أكن مثل رائش ... سهام عدو يستهاض به العظم صبرت على ما كان بيني وبينه ... وما يستوي حرب الأقارب والسلم وبادرت منه النأي والمرء قادر ... على سهمه ما كان يمكنه السهم ويشتم عرضي في مغيبتي جاهدا ... وليس له عندي هوان ولا شتم إذا سمته وصل القرابة سامني ... قطيعتها تلك السفاهة والإثم وإن أدعه للنصف يأب إجابتي ... ويدع لحكم جائر غيره الحكم

قال عنترة

فلولا اتقاء الله والرحم التي ... رعايتها حق وتعطيلها ظلم إذا لعلاه بارق وخطمته ... بوسم شنار لا يشابهه وسم ويسعى إذا أبني لهدم مصالحي ... وليس الذي بين كمن شانه الهدم يود لو أني معدم ذو خصاصة ... وأكره جهدي أن يخالطه العدم فما زلت في ليني له وتعطفي ... عليه كما تحنو على الولد الأم وخفضي له مني الجناح تألفاً ... لتدنيه مني القرابة والرحم وصبري على أشياء منه تريبني ... وكظمي على غيظي وقد ينفع الكظم لاستل عنه الضغن حتى سللته ... وقد كان ذا ضغن يصوبه الحزم رأيت انثلاماً بيننا فرقعته ... برفقي أحيانا وقد يرقع الثلم وأبرأت غل الصدر منه توسعا ... بحلمي كما يشفى بأدوية سقم فأطفأت نار الحرب بيني وبينه ... فأصبح بعد الحرب وهو لنا سلم قال عنترة أحن إلى ضرب السيوف القواضب ... وأصبو إلى طعن الرماح اللواعب وأشتاق كاسات المنون إذا صفت ... ودارت على راسي سهام المصائب ويطربني والخيل تعير بالقنا ... حداة المنايا وارتهاج المواكب وضرب وطعن تحت ظل عجاجة ... كجنح الدجى من وقع أيدي السلاهب تطير رؤوس القوم تحت ظلامها ... وتنقض فيها كالنجوم الثواقب وتلمع فيها البيض من كل جانب ... كلمع بروق في ظلام الغياهب لعمرك إن المجد والفخر والعلى ... ونيل الأماني وارتفاع المراتب

قال أبو بجير الحادث بن عباد

لمن يلتقي أبطالها وسراتها ... بقلب صبور عند وقع المضارب ويبني بحد السيف مجداً مشيداً ... على فلك العلياء فوق الكواكب ومن لم يروي رمحه من دم العدى ... إذا اشتبكت سمر القنا بالقواضب يعطي القنا الخطي في الحرب حقه ... ويبري بحد السيف عرض المناكب يعيش كما عاش الذليل بغصة ... وإن مات لا يجري دموع النوادب لضائل عزم لا تباع لضارع ... وأسرار حزم لا تذاع لعائب رزت بها دهرا على كل حادث ... ولا كحل إلا من غبار الكتائب إذا كذب البرق اللموع لشائم ... فبرق حسامي صادق غير كاذب قال أبو بجير الحادث بن عباد سل حي تغلب عن بكر ووقعتهم ... بالحنو إذ خسروا جهراً وما رشدوا فأقبلوا بجناحيهم يلفهما ... منا جناحان عند الصبح فاطردوا فأصبحوا ثم صفوا دون بيضهم ... وأبرقوا ساعة من بعد ما رعدوا وأيقنوا أن شيبانا وإخوتهم ... قيسا وذهلا وتيم اللات قد رصدوا ويشكر وبنو عجل وإخوتهم ... بنو حنيفة لا يحصى لهم عدد ثم اتقينا ونار الحرب ساطعة ... وسمهري العوالي بيننا قصد طورا ندير رحانا ثم نطحنهم ... طحنا وطورا نلاقيهم فنجتلد حتى إذا الشمس دارت أجفلوا هربا ... عنا وخلوا عن الأموال وانجردوا فروا إلى النمر منا وهو عمهم ... فما وفى النمر إذ طاروا وهم مرد نحن الفوارس نغشى الناس كلهم ... ونقتل الناس حتى يوحش البلد

قال سليمان بن أبي الزوائد يفتخر

لقد صبحناهم بالبيض صافية ... عند اللقاء وحر الموت يتقد والخيل تعلم أني من فوارسها ... يوم الطعان وقلب الناس يرتعد وقد حلفت يمينا لا أصالحهم ... مادام منا ومنهم في الملا أحد قال سليمان بن أبي الزوائد يفتخر هلا سألت منازلاً بفزار ... عمن عهدت به من الأحرار عدي رجالك واسمعي يا هذه ... عني مقالة عالم مفخار سأعد سوداتٍ لنا ومكارماً ... وأبوة ليست على بعار قيس وخندف والداي كلاهما ... والعم بعد ربيعة بن نزار من مثل فارسنا دريد فارسا ... في كل يوم تعانق وكرار وبنو زياد من لقومك مثلهم ... أو مثل عنترة الهزبر الضاري والحي من سعد ذؤابة قومهم ... والفخر منهم والسنام الواري والمانعون من العدو ذمارهم ... والمدركون عدوهم بالثار وبنو سليم نكل من عاداهم ... وحيا العفاة ومعقل الفرار ليسوا بأنكاس إذا حاستهم ال ... موت العداة وصمموا لمغار قال عمرو بن معدي كرب يصف صبره وجلده في الحرب أعاذل عدتي بأني ورمحي ... وكل مقلص سلس القياد أعاذل إنما أفني شبابي ... إجابتي الصريح إلى المنادي مع الأبطال حتى سل جسمي ... وأقرح عاتقي حمل النجاد ويبقى بعد حلم القوم حلمي ... ويفني بعد زاد القوم زادي

أنشد ابن الكلبي لحاتم الطائي

ومن عجب عجبت له حديث ... بديع ليس من بدع السداد تمنى أن يلاقيني قييسٌ ... وددت وأينما مني ودادي تمناني وسابغتي قميصي ... كأن قتيرها حدق الجراد وسيف لابن ذي قيعان عندي ... تخير نصله من عهد عاد فلو لاقيتني للقيت ليثا ... هصورا ذا ظبا وشبا حداد ولاستيقنت أن الموت حق ... وصرح شحم قلبك عن سواد أريد حباءة ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد أنشد ابن الكلبي لحاتم الطائي وعاذلة هبت بليل تلومني ... وقد غاب عيوق الثريا فعردا تلوم على إعطائي المال ضلة ... إذا ضن بالمال البخيل وصردا تقول ألا أمسك عليك فإنني ... أرى المال عند الممسكين معبدا ذريني وحالي إن مالك وافر ... وكل امرئ جار على ما تعودا أعاذل لا آلوك إلا خليقتي ... فلا تجعلي فوقي لسانك مبردا ذريني يكن مالي لعرضي جنة ... يقي المال عرضي قبل أن يتبددا أريني جوادا مات هزلا لعلني ... أرى ما ترين أو بخيلا مخلدا وغلا فكفي بعض لومك واجعلي ... إلى رأي من تلحين رأيك مسندا ألم تعلمي أني إذا الضيف نابني ... وعز القرى أقري السديف المسرهدا أسود سادات العشيرة عارفا ... ومن دون قومي في الشدائد مذودا وألفى لأعراض العشيرة حافظا ... وحقهم حتى أكون المسودا

وأنشد له أيضا من قصيدة

يقولون أهلكت مالك فاقتصد ... وما كنت لولا تقولون سيدا كلوا الآن من رزق الإله وأيسروا ... فإن على الرحمان رزقكم غدا سأذخر من مالي دلاصاً وسابحاً ... وأسمر خطياً وعضيا مهندا وذلك يكفيني من المالي كله ... مصونا إذ ما كان عندي متلدا وأنشد له أيضا من قصيدة مهلا نوار أقلي اللوم والعذلا ... ولا تقولي لشيء فات ما فعلا ولا تقولي لمال كنت مهلكه ... مهلا وإن كنت أعطي البحر والجبلا يرى البخيل سبيل المال واحدة ... إن الجواد يرى في ماله سبلا إن البخيل إذا مات يتبعه ... سوء الثناء ويجوي الوارث الإبلا فاصدق حديثك إن المرء يتبعه ... ما كان يبني إذا ما نعشه حملا ليت البخيل يراه الناس كلهم ... كما يراهم فلا يقرى إذا نزلا لا تعذليني على مالي وصلت به ... رحما وخير سبيل المال ما وصلا يسعى الفتى وحمام الموت يدركه ... وكل يوم يدني للفتى الأجلا إني لأعلم أني سوف يدركني ... يومي وأصبح عن دنياي مشتغلا لصفي الدين الحلي سلس الرماح العوالي عن معالينا ... واستشهدي البيض هل خاب الرجا فينا وسائلي العرب والأتراك ما فعلت ... في أرض قبر عبيد الله أيدينا لما سعينا فما رقت عزائمنا ... عما نروم ولا خابت مساعينا يا يوم وقعة زوراء العراق وقد ... دنا الأعادي كما كانوا يدينونا

قصيد السموءل في الفخر

بضمر ما ربطناها مسومة ... إلا لنغزو بها من بات يغزونا وفتية إن نقل أصغوا مسامعهم ... لقولهم أو دعوناهم أجابونا قوم إذا استخصموا كانوا فراعنة ... يوما وإن حكموا كانوا موازينا تدرعوا العقل جلبابا فإن حميت ... نار الوغي خلتهم فيها مجانينا إذا ادعوا جاءت الدنيا مصدقة ... وإن دعوا قالت الأيام آمينا إن الزرازير لما قام قائمها ... توهمت أنها صارت شواهينا ظنت تأني البزاة الشهب عن جزع ... وما درت أنه قد كان تهوينا ذلوا بأسيافنا طول الزمان فمذ ... تحكموا أظهروا أحقادهم فينا لم يغنهم مالنا عن نهب أنفسنا ... كأنهم في أمان من تقاضينا ثم انثنينا وقد ظلت صوارمنا ... تميس عجبا وتهتز القنا لينا وللدماء على أثوابنا علق ... بنشره عن عبير المسك يغنينا إنا لقوم أبت أخلاقنا شرفا ... أن نبتدي بالأذى من ليس يؤذينا بيض صنائعنا سود وقائعنا ... خضر مرابعنا حمر مواضينا لا يظهر العجز منا دون نيل منى ... ولو رأينا المنايا في أمانينا قصيد السموءل في الفخر إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه ... فكل رداء يرتديه جميل وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها ... فليس إلى حسن الثناء سبيل تعيرنا أنا قليل عديدنا ... فقلت لها إن الكرام قليل وما قل من كانت بقاياه مثلنا ... شباب تسامى للعلى وكهول

وما ضرنا أنا قليل وجارنا ... عزيز وجار الأكثرين ذليل لنا جبل يحتله من نجيرة ... منيع يرد الطرف هو كليل رسا أصله تحت الثرى وسما به ... إلى النجم فرع لا ينال طويل هو الأبلق الفرد الذي شاع ذكره ... يعزُّ على من رامه ويطول وإنا لقوم لا نرى القتل سبة ... إذا ما رأته عامر وسلول يقرب حب الموت آجالنا لنا ... وتكرهه آجالهم فتطول وما مات منا سيد حتف أنفه ... ولا طل يوما حيث كان قتيل تسيل على حد الظبات نفوسنا ... وليست على غير الظبات تسيل صفونا ولم نكدر وأخلص سرنا ... إناث أطابت حملنا وفحول علونا إلى خير الظهور وحطنا ... لوقت إلى خير البطون نزول فنحن كماء المزن ما في نصابنا ... كهام ولا فينا يعد بخيل وننكر إن شئنا على الناس قولهم ... ولا ينكرون القول حين نقول إذا سيد منا خلا قام سيد ... قؤولٌ لما قال الكرام نقول وما أخمدت نار لنا دون طارق ... ولا ذمنا في النازلين نزيل وأيامنا مشهورة في عدونا ... لها غرر معلومة وحجول وأسيافنا في كل شرق ومغرب ... بها من قراع الدارعين فلول معودة أن لا تسل نصالها ... فتغمد حتى يستباح قبيل سلي إن جهلت النسا عنا وعنهم ... فليس سواء عالم وجهول فإن بني الديان قطب لقومهم ... تدور رحاهم حولهم وتجول

الباب الخامس عشر في المراسلات

الباب الخامس عشر في المراسلات مراسلات بين الملوك والأمراء كتاب أبي القاسم الحريري إلى الوزير سعد الملك يستغيثه على العرب الذين غزوا مدينة البصرة لو اطلع مولانا على ما فاجأ البصرة وأهلها من الفتك والقهر. والنهب والأسر. إلى ما منوا به من الشتات. وافتضاح الحفرات. واحتراق المساكن والخانات. وانتشار الفساد. إلى قرى السواد. لرأى منظرا يحرق الأكباد. ويبكي العين الجماد. وقد أشرفت البصرة على العفاء. واللحاق بالصحراء. وأن يؤرخ أنه رأسها في هذه الدولة الغراء. إذ كان توالى عليها من الأحداث. في هذه السنين الثلاث. ما يدمر أعمر البلدان ولم يعهد مثله في سالف الزمان. فإن أنعم وعجل النظر للرعية. بترتيب النجدة القوية. وإسقاط معاملة الذرب. في الهرب من العرب. ولا خفاء بما في تنفيس الكرب من القرب وكتب إليه يشكره وأصحب كتابه بقصيدة دعا العبد للمجلس الفلاني دامت جدوده سعيدة. وسعوده جديدة. وعلياؤه محسودة. وأعداؤه محصودة. دعاء من يتقرب بإصداره. على بعد داره. ويقصر عليه ساعاته. مع قصور مسعاته.

نسخة كتاب من نائب الشام إلى نائب حلب يخبره بوفاة الملك الصالح

وشكره للإنعام الذي أوصله إلى التحميل والتأميل. وجمع له بين التنويه والتنويل. شكر من أطلق من أسره. وأذيق طعم اليسر بعد عسره. ولو نهضت به القدمان. وأسعده عون الزمان. لقدم اعتماد الباب المعمور. وأسرع إليه إسراع العبد المأمور. ليؤدي بعض حقوق الإحسان. ويتلو صحف الشكر باللسان. لكن أنى ينهض المقعد. ومن له بأن يصعد فيسعد. ولما قصرت خطوة العبد وحرم حظوة القصد. ولزمه مع وضوح العذر. أن يفصح عن الشكر. خدم بما ينبئ عن فكره المريض. ويشهد بطبع طبعه في القريض. ولولا أن الهدية على حسب مهديها. وبه تتعلق مساويها. لما قدر أن يهدي الورق إلى الشجر. ويبيض شعرا كبياض الشعر. هذا على أن ذنب المعترف مغفور. والمجتهد وإن أخطأ معذور. وهو يرجو أن يلحق بمن نيته خير من عمله. ليبلغ قاصية أمله. وللآراء العلية في تشريف خدمته بالاستعراض. وصون مدحته عن الاعتراض. وتأهيله من مزايا الغيجاب والجزاب. بما يميزه على الأحزاب. مزيد العلو (للحريري) نسخة كتاب من نائب الشام إلى نائب حلب يخبره بوفاة الملك الصالح إن المرسوم الشريف زاده الله شرفا ورد على المملوك يتضمن خبرين. هذا ساء وهذا سر. وهذا عق القلوب وهذا بر. وهذا ضر الجوانح وهذا نفع أضعاف ما ضر. أما الأول فبما قضاه الله تعالى وقدره من وفاة أستاذنا السلطان السعيد. وابن أستاذنا السلطان

السعيد الشهيد. الملك الصالح نصر الله شبابه. وأسقى عهد الرضوان عهده وترابه. بمرض كما سمع مولانا لم تنفع فيه الأدوية والرقى. وعرض استولى على ذلك الجوهر الفريد فتركه بعد حركة اللقاء لقى. وارد خطب لم ترده البروج المشيدة والجنود المجندة وقد فارق الناس الأحبة قبلنا ... وأعيا دواء الموت كل طبيب وأما الثاني فبما حباه الله وهناه من جلوس مولانا السلطان الأعظم الملك الكامل سيف الدنيا والدين أبي الفتوح شعبان أخيه خلد الله ملكه على سرير السلطنة الشريفة. سلطانا عادلا. وملكا نشأ في أفق الملك هلالا إلى أن ظهر كاملا. وسيفا تخضع لعزته رقاب ملوك الغرب والشرق. ومتوجا يظهر بإشراق جبينه مابين الملوك من الفرق. وإن كلمة الإجماع انعقدت على ملكه الرفيع. وإن العزاء المقتضب يجيء بالهناء السريع. وإن الطلعة الشريفة قد أطلعت في أفق الملك المرجب هلال شعبان في ربيع. فسرت السرائر وضربت بعد ضروب الهناء نوب البشائر. وأخذت الأرض زخرفها والمدن زينتها من كل زاه وزاهر. سجعت الخطباء بالاسم الشريف فكادت أن تورق أعواد المنابر. وظهرت بالابتهاج حتى على وجوه الدراهم والدنانير أمائر. وأصبحت أيدي الرجاء بها ملية. وتسابق الألسن بحمد الله تعالى على أن جعل هذا البيت الشريف نجوم سماء كلما غاب كوكب تأوي إليه كواكب بهية. وجهز المملوك المثال

لأبي بكر الخوارزمي إلى والي بلاد قومس وقد ورد عليه ابنه للقراءة

الشريف المختص بمولانا ليأخذ حظه من هذه البشرى. وينشرها من طي البروج مع نفحات الروض تترى. فطمع الرعايا من فضل الهناء إلى أحسن المطامح. ويرضون عن باقي الزمان وماضيه فيصفونه بكامل وصف ويثنون عليه بصالح. والله تعالى يملأ له البشائر أوطاراً وأوطاناً. ويسر الدين والدنيا أبدا بتلاوة هذا البيت الشريف ويجعل لكما سلطانا آخره: والحمد لله وحده (الكنز المدفون للسيوطي) لأبي بكر الخوارزمي إلى والي بلاد قومس وقد ورد عليه ابنه للقراءة ورد علي كتاب الفقيه بعد نزاع كان إليه وحرص عليه. وبعد أن اقترحته على الدهر. وخلعت فيه ربقة العزاء والصبر. ولم أدر بأبيهما أنا أشد سرورا أبالكتاب وهو أيسر واصل. أم بحامله وهو أجل حامل. فلان ولدي قد اقتطعت له من فراغي فلذة على أنني لو درسته حتى تحفى الأقلام. ويفنى الكلام. وتحصر الأفهام والأوهام. ثم لقمته العلم لقمة. وسكبت له آداب العرب والعجم. وخرجت له من الفقيه قاصرا. ولكان وقوعي دون أدنى مواجبه علي ظاهراً. ولكن الإقرار عذر قوي. كما أن الإنكار ذنب طوي. وقد كان هذا الولد أديبا مجملا. فصار بحمد الله تعالى أديبا مفصلا. وكان أغر فصار أغر محجلاً. وأرجو أن الله يحيي به مآثر سلفه الصالحين. ويعلي به

في الأشواق وحسن التواصل

منازل آبائه الأولين. فيكون أولهم علما وأدبا. وهو آخرهم ميلادا ونسبا في الأشواق وحسن التواصل كتب أبو النصر العتبي كاتب السلطان محمود إلى صديق له هذا يوم قد رقت غلائل صحوه وهبت شمائل خيره. وضحكت ثغور رياضه. واطرد ورود النسيم فوق حياضه. وفاحت مجامر الأزهار. وانتثرت قلائد الأغصان من فرائد الأنوار. وقام خطباء الأطيار. على منابر الأشجار. ودارت أفلاك الأيدي بشموس الراح. في بروج الأقداح. فبحق الفتوة التي زان الله بها طبعك. والمروءة التي قصر عليها أصلك وفرعك. إلا ما تفضلت علينا بالحضور. ونظمت لنا بك عقود السرور (حلبة الكميت للنواجي) كتب الشيخ البسطامي إلى بعض السادة أما بعد فالعبد الكليم. ينهي إلى السيد الرحيم. من شوقه الذي ملك قياده. وعمر بفوائده فؤاده. ومابرح العبد يدعو لمولانا في سره وجهره. وينشر على بساط إحسانه جوهر شكره. ويتشوق إليه تشوق الساهر غلى المنام. ويهديه من ثنائه أحسن من ضحك الزهر لبكاء الغمام: والروض يبدو زهرها متبسما ... فكأنه لبكا الغمام قد اشتفى وقد سطرت هذه العبودية مظهرا من إحسان مولانا ما لا يخفى. وذاكراً من تفضلاته ما تعجز عنه الألسن وصفا. المسؤول من صدقاته

كتب أبو عبد الرحمان محمد طاهر إلى صاحب قليبرة يستدعي منه أقلاما

حسن الوصية بوافد سلامه. ووارد كلامه. فإن العبد يرى له حقا في أول رسالته إلى ذلك ألجناب الكريم. ويؤثره لوقوع عينيه على ذلك الوجه الوسيم. وكان يود أن لو كان مكان هذا الكتاب. وساعدت الأيام على زيارة ذلك الجناب. فإن رؤيتكم مما تبتهج بها الخواطر. وتنتعش بها القلوب انتعاش الروض إذا باكرته الغيوم المواطر. لا زال مولانا وافر الإحسان. متزيناً بأحسن مناقب الإنسان (مناهج التوسل لعبد الرحمان البسطامي) كتب أبو عبد الرحمان محمد طاهر إلى صاحب قليبرة يستدعي منه أقلاما قد عدمت أطال الله بقاءك بهذا القطر الأقلام. وبها يشخص الكلام. وهي حلية البيان. وترجمان اللسان. عليها تفرع شعاب الفكر. وذكرها منزل في محكم الذكر. ومنابتها بلدك. ويدك فيها يدك. وأريد أن ترتاد لي منها سبعة كعدد الأقاليم. حسنة التقليم. وفضية الأديم. ولا يعتمد منها إلا صليبها. الطول أنابيبها. وإذا استمدت من أنفاسها. وافاك الشكر من أنفاسها (قلائد العيقان) كتب أبو بكر الخوارزمي إلى كاتب اعتذر سيدي من صغر الكتاب واختصاره. فقد أغناه الله تعالى عن تكلفه من اعتذاره. وإنما الصغير ما صغر قدره. لا ما صغر حجمه. فأما ما أفاد. وجاوز المراد. فليس بصغير. بل أكبر من كبير. وأما شكره لي على تفضيلي لكلامه. فإني من هذا بعد في ميدان

في العتاب واللوم والاعتذار

عريض مديد. وفي شوط بعيد. لم أبلغ عشر عشره. ولم أقض منه أيسر يسره. والحق أني وإن اجتهدت فأني غير بالغ منه ما في ضمن النية. ولا آت على ما في الهمة والأمنية. ولكني سأقف عقلي انتهاء الطاقة. وأحمل مجهودي أقصى الغاية. والتمادح بيننا بعد الحال التي عتقت حتى أخلقت. وقدمت حتى هرمت. فصل لا يحتاج إليه ولا يعرج عليه. وأسأل الله تعالى أن يجعل أخوتنا متصلة في الدنيا بأخوتنا يوم الدين. فإن الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين في العتاب واللوم والاعتذار وكتب أبو بكر الخوارزمي إلى تلميذ له إن كنت أعزك الله لا ترانا موضعا للزيارة. فنحن في موضع الاستزارة. وإن كنت تعتقد أنك قد استوفيت ما كان لدينا. فسقط حقنا عنك وبقي حقك علينا. فقد يزور الصحيح الطبيب بعد خروجه من دائه. واستغنائه عن دوائه. وقد تجتاز الرعية على باب الأمير المعزول فتتجمل له ولا تعيره عزله. ولو لم تزرنا إلا لترينا رجحانك. كما طالما رأينا نقصانك لكان ذلك فعلا صائبا. وفي القياس واجبا لما أراد الملك الناصر مبايعة ابنه أبي مروان اتخذ لذلك صنيعا في قصر الزهراء وأرسل فاستدعى وجوه مملكته. فلم يتخلف من بينهم إلا أبو إبراهيم من أكابر علماء المالكية. فأمر الخليفة ولي العهد بالكتاب إليه والتفنيد له فكتب إليه رقعة نسختها بسم الله الرحمان الرحيم حفظك الله وتولاك وسددك

(فأجابه أبو إبراهيم) سلام على الأمير سيدي ورحمة الله قرأت أبقى الله الأمير سيدي

ورعاك. لما امتحن أمير المؤمنين مولاي وسيدي أبقاه الله الأولياء الذين يستعد بهم وجدك متقدما في الولاية متأخرا عن الصلة. على أنه قد أنذرك أبقاه الله خصوصا للمشاركة في السرور الذي كان عنده لا أعمه الله توالي المسرة. ثم أنذرت من قبل إبلاغا في التكرمة فكان منك على ذلك كله من التخلف ما ضاقت عليك فيه المعذرة. واستبلغ أمير المؤمنين في إنكاره ومعاتبتك عليه فأعيت عليك عنك الحجة. فعرفني أكرمك الله ما العذر الذي أوجب توقفك عن إجابة دعوته ومشاهدة السرور الذي سر به ورغب المشاركة فيه. لنعرفه أبقاه الله بذلك فتسكن نفسه العزيزة إليه (فأجابه أبو إبراهيم) سلام على الأمير سيدي ورحمة الله قرأت أبقى الله الأمير سيدي هذا الكتاب وفهمته. ولم يكن توفقي لنفسي إنما كان لأمير المؤمنين سيدنا. لعلمي بمذهبه وسكوني إلى تقواه واقتفائه لأثر سلفه الطيب فإنهم يستبقون من هذه الطبقة بقية لا يمتهنونها بما يشينها ولا بما يغض منها ويطرق إلى تنقيصها. يستعدون بها لدينهم ويتزينون بها عند رعاياهم ومن يفد عليهم من قصادهم. فلهذا تخلفت ولعلمي بمذهبه توقفت. إن شاء الله تعالى (للمقري) قال السيد عباس بن علي الموسوي المكي في صدر كتاب أرسل به الأمير ناصر في بندر المخا شاكياً عليه صاحب السبار وهو إذ ذاك في البندر المذكور قل للأمير أدام الله دولته ... ما هكذا شرط جار الجنب بالجار

لعمرو بن بحر الجاحظ في الاعتذار

قد استجرت بكم من كافر دنس ... فظ غليظ لعين نسل كفار يعطي السبار إلى من يشتهي وأنا ... يعطى سباري بإقتار وإعسار والغير يعطيه ما يهواه خاطره ... من الطعام ومن بر ودينار لو أن لي غير هذا الرزق ما نظرت ... عيني له قط في سري وإجهاري لكن مولاي يدري أن ليس لنا ... سوى السبار الذي يأتي بمقدار فكيف تغفل عنا يا أمير وقد ... أوصى المليك بنا والخالق الباري فانظر بعين كرام في جواهرهم ... ولا تكلني لتعريف وتذكار ولا تدعني أقل ما قيل من قدم ... بيتا غدا مثلا بين الملا جاري ألمستجير بعمرو عند كربيه ... كالمستجير من الرمضاء بالنار لعمرو بن بحر الجاحظ في الاعتذار أما بعد فنعم البديل من الزلة الاعتذار. وبئس العوض من التوبة الإصرار. فإنه لا عوض من إخائك. ولا خلف من حسن رأيك. وقد انتقمت مني زلتي بجفائك. فأطلق أسير تشوقي إلى لقائك. فإنني بمعرفتي ببلوغ حلمك وغاية عفوك ضمنت لنفسي العفو من زلتها عندك. (أما بعد) فقد مسني من الألم ما لم يشفه غير مواصلتك مع حبسك الاعتذار من هفوتك. ولكن ذنبك تغتفره مودتك فامنن علينا بصلتك تكن بدلا من مساءتك. وعوضا من هفوتك. (أما بعد) فإن أولى الناس عندي بالصفح من أسلمه إلى ملكك التماس رضاك من غير مقدرة منك عليه (لابن عبد ربه)

كتب أبو بكر الخوارزمي إلى تلميذ له قطع في مجلس وكابر واخلط

كتب أبو بكر الخوارزمي إلى تلميذ له قطع في مجلس وكابر واخلط بلغني أنك ناظرت. فلما توجهت عليك الحجة كابرت. ولما وضع نير الحق على عنقك ضجرت وتضاجرت. وقد كنت أحسب أنك أعرف بالحق من أن تعقه. وأهيب لحجاب الإنصاف والعدل من أن تشقه. كأنك لم تعلم أن لسان الضجر ناطق بالعجز. وأن وجه الظلم مبرقع بالقبح. وأنك إذا استدركت على نقد الصارفة. وتتبعت خطأ الحكماء والفلاسفة. فقد طرقت إلى عيبك لعائبك. ونصرت عدوك على صاحبك. وقد عجبت من حسن ظنك بك. وأنت إنسان والله المستعان في المديح كتاب البسطامي إلى بعض الأصحاب وصل شريف الكتاب. من رحيم الجناب. أدام الله سعادته. وزاد إقباله وسيادته. وهو بديع المعاني. رفيع المباني. بحلي الروض مسطور. والوشي منثور. بخط كالنار أو أزهر. ولفظ كالدر أو أنور. وصل فأوصل أنسا كان بعيدا. وملأ قلبا كان الشوق إليه عميدا. فأما ما أعارني من فضائله العلية. وفواضله الجلية. التي هو موشح بحليتها. ومتجمل بحلتها. فقوبل بصالح الدعاء. وفائح الحمد والثناء. أدام الله لذيذ خطابه بالزلال. وجديد كتابه بالنوال من لطائف القاضي محمد بن أحمد قوله مجاوبا محمد بن خليل السمرجي الجداوي أزهر الربا أهديت أم لؤلؤ المقعد أم الزهر جاءت في بديع من السرد

قال شرف المدرسين المفتي عبد الرحمان بن عيسى من قصيدة في صدر كتاب أرسل به إلى

أم الروض لا فالروض ماء وتربة ... وعشب وذا شيء يجل عن الحد أم النسمات العاطرات تأرجت ... بأعبق من مسك فتيق ومن ند وما هي إلا بنت فكر فريدة ... تبختر من وشي البلاغة في برد نفائس أفكار أتت لم أجد لها ... جزاء سوى الشكر المكلل بالحمد ودر قريض رمت إدراك شأوه ... فقصر عنه في تطلبه كدي حلى صاغها من حاز كل فضيلة ... بها قد حلي جيد المكارم والمجد أخو الأدب الغض الذي جمعت به المحاسن حتى صار يعرف بالفرد أديب أريب ألمعي مهذب ... ذكي سجاياه تجل عن الحد له خلق أزهى من الروض باسما ... وذهن دقيق الفكر أمضى من الحد لأنفاسه في الطرس أي تضوع ... تصعد منه دائما عبق الند فلله ما أهديت يا بدر من يد ... وكم لك أيضا قبلها من يد عندي أياد توالت منك عجلى كأنها ... شرار أطارته الأكف على الزند وإني في عجزي من الشكر سائل ... مسامحتي فيما أعيد وما أبدي بمالك في سمعي وطرفي وخاطري ... من الصيت والمرأى المعظم والود فؤادك في قلبي ألذ من المنى ... وذكرك أحلى في لساني من الشهد فدم زينة الآداب بدر كمالها ... ودرة تاج العصر واسطة العقد قال شرف المدرسين المفتي عبد الرحمان بن عيسى من قصيدة في صدر كتاب أرسل به إلى الشيخ أبي العباس أحمد المقري المغربي عالم فارس وخطيبه مراجعا وافى لنا روض نضير ... أنق تسامى عن نظير

في الشكروالتهنئة

ففضضته فرأيته ... في الحسن كالدر النثير ونشقت من رياه ما يسمو على نشر العبير فكأنما هو روضة ... تهتز في يوم مطير أزهارها ككواكب ... قد زينت فلك الأثير وافى فكاد القلب من ... فرط السرور به يطير إذ جاءنا من جهبذ ... علم معارفه السرور به يطير علامة لم يلف في ... هذا الزمان له نظير إن جال في التفسير فالتيسير أعسره يسير وإن انتحى للنحو وضحه بتسهيل العسير وإليه في فن البلا ... غة كل مسؤول يشير وإذا تعانى الشعر قلت هو الفرزدق أم جرير يا من إليه المنتهى ... في كل فن والمصير إسلم ودم ما دامت ال ... أفلاك فينا تستدير في الشكروالتهنئة فصل لأبي الفضل الميكالي إلى بعض إخوانه في الشكر إذا لم يؤت المرء في شكر المنعم إلا من عظم قدر الإنعام والاصطناع. واستغراقه منه قوى الاستقلال والاضطلاع. فليس عليه في القصور عن كنه واجبه عتب. ولا تلحقه فيه نقيصة ولا عيب. ولئن ظهر عجزي عن حق هذه النعمة فإني أحمل على حسن الثناء على من

لابن العميد إلى عضد الدولة يهنئه بولدين

لا يعجزه حمله. ولا يؤوده ثقله. ولا يزكوا الشكر إلا لديه. ولا تعرف الرغبة إلا إليه. والله يبقيه لمجد يقيم أعلامه وفضل يقضي ذمامه. وعرف يثبت أقسامه. ووالي إكرامه. وعدو يديم قمعه وإرغامه لابن العميد إلى عضد الدولة يهنئه بولدين أطال الله بقاء الأمير الأجل عضد الدولة دام عزه وتأييده. وعلوه وتمهيده. وبسطته وتوطيده. وظاهر له من كل خير مزيده. وهنأه ما احتظاه به على قرب البلاد. من توافر الأعداد وتكثر الأمداد. وتثمر الأولاد. وأراه من النجابة في البنين والأسباط ما أراه من الكرم في الآباء والأجداد. ولا أخلى عينه من قرة. ونفسه من مسرة. حتى يبلغ غاية مهله. ويستغرق نهاية أمله. ويستوفي ما بعد حسن ظنه. وعرفه الله السعادة فيما بشر عبده من طلوع بدرين هما انبعثا من نوره واستنارا من دوره. وحفا بسريره. وجعل وفدهما متلائمين. وورودهما توأمين. بشيرين بتظاهر النعم. وتوافر القسم. ومؤذنين بترادف بنين يجمعهم منخرق الفضاء. ويشرق بنورهم أفق العلاء. وينتهي بهم أمد النماء. إلى غاية تفوت غاية الإحصاء. ولا زالت السبل عامرة. والمنهل غامرة. بصفائح صادرهم بالبشر وآملهم بالنيل القاصد ولبعضهم في التهنئة بالقدوم من سفر أهنئ سيدي ونفسي بما يسر الله من قدومه سالما. وأشكر

وكتب الخوارزمي إلى وزير صاحب خوارزم بعد محنته يهنئه

الله على ذلك شكرا قائما. غيبة المكارم مقرونة بغيبتك. وأوبة النعم موصولة بأوبتك. فوصل الله تعالى قدومك من الكرامة بأضعاف ما قرن به مسيرك من السلامة. هنأ الله إيابك. بلغك محابك. فما زلت بالنية مسافرا. وبأفعال الذكر والفكر لك ملاقيا. إلى أن جمع الله شمل سروري بأوبتك. وسكن نافر قلبي بعودتك. فأسعدك الله بتقدمك سعادة تكون فيها مقابلا وبالأماني ظافرا. ولا أوحش منك أوطان الفضل ورباع المجد بمنه وكرمه وكتب الخوارزمي إلى وزير صاحب خوارزم بعد محنته يهنئه فهمت ما ذكره الشيخ من توبة الدهر إليه من ذنبه. وخطبته لسلمه بعد حربه. فانقشعت ضبابة المحنة.. وهكذا تكون أحوال المقبلين. فإن الأيام إذا غلطت فجنت عليهم. رجعت فاعتذرت إليهم. والزمان إذا حاربهم خطأ سالمهم عمدا. فيستوفون في الحالين أجر المحنة. وزيادة بشكر النعمة. والآن عرف الشيخ بحقيقته. ووزن بزنته. ووقف السلطان والرعية على تفصيله وجملته. هذا وقد صقلت هذه الفترة خلائق الشيخ بالتجارب. ووضعت في يده مرآة النظر في العواقب. وهذبت أفعاله من كل شوب وغسلت عنه وضر كل عيب. على أنه لم يزل مبرأ من كل رذيلة. ومخصوصا بكل فضيلة. ولكن الأيام عملها في التعليم. وخاصتها في باب التنبيه والتقويم. فالحمد لله الذي رد إلى ذلك الأمير جماله

في التعزية

وبهاءه. وعمر بابه وفناءه. وسر شيعته وأولياءه. وغم حسدته وأعداءه. ولم يفجعه بالعلق النفيس الذي لا يشترى بالأثمان. ولا يوزن بالميزان. ولا يكال بالقفزان. ولا يرى مثله في هذا الزمان. كما لم ير في سائر الأزمان. ثم الحمد لله الذي حول كتبي من التعزية إلى التهنئة وأخرج القاضي من ميدان الصبر. إلى ميدان الشكر في التعزية لأبي قاسم في التعزية ترامى إلينا خبر مصابك بفلان. فخلص إلينا من الاغتمام به ما يحصل في مثله ممن أطاع ووفى وخدم ووالى. وعلمنا أن لفقدك مثله لوعة. وللمصاب به لذعة. فآثرنا كتابنا هذا إليك في تعزيتك على يقيننا بأن عقلك يغني عن عظتك. ويهدي إلى الأولى بشيمتك بأن عقلك والأزيد في رتبتك. فليحسن أعزك الله صبرك على ما أخذه منك وشكرك لما أبقى لك وليتمكن من نفسك ما وفر لك من ثواب الصابرين. وأجزل من ذخر المحسنين لأبي الفضل الميكالي من كتاب تعزية بالأمير ناصر الدين أقدار الله تعالى في خلقه لم تزل تختلف بين مكروه ومحبوب. وننصرف بين موهوب ومسلوب. غادية أحكامها مرة بالمصائب والنوائب. ورائحة أقسامها تارة بالعطايا والرغائب. ولكن أحسنها في العيون أثرا. وأطيبها في الأسماع خبرا. وأحراها بأن تكسب

كتب بديع الزمان إلى ابن أخته يعزيه بأخيه

القلوب عزاء وتصبرا. ما إذا انطوى نشر. وإذا انكسر جبر. وإذا أخذ بيد رد بأخرى. وإذا وهب بيمنى سلب بيسرى. كالمصيبة بفلان التي قرحت الأكباد. وأوهنت الأعضاد. وسودت وجوه المكارم والمعالي. وصورت الأيام في صور الليالي. وغادرت المجد وهو يلبس حداده. والعدل وهو يبكي عماده. حتى إذا كاد اليأس يغلب الرجاء ويرد الظنون مظلمة النواحي والأرجاء. قبض الله تعالى من الأمير الجليل من اجتمعت عليه الأهواء. ورضيت به الدهماء. فآسى به حادث الكلم. وسد بمكانه عظيم الثلم. ورد الآمال والنفوس قد استبدلت بالحيرة قوة وارتدارا. وصارت للدولة المباركة أعوانا وأنصارا كتب بديع الزمان إلى ابن أخته يعزيه بأخيه قد ورد كتابك بما ضمنته من تظاهر نعم الله عليك. وعلى أبويك فسكنت إلى ذلك. من حالك. وسألت الله بقاءك. وأن يرزقني لقاءك. وذكرت مصابك بأخيك فكأنما فتتت عضدي. وطعنت في كبدي. فقد كنت معتضداً بمكانه. والقدر جار لشانه. وكذا المرء يدبر. والقضاء يدمر. والآمال تنقسم. والآجال تبتسم. والله يجعله فرطا ولا يريني فيك سوءا أبدا وأنت أيدك الله وارث عمره. وسداد ثغره. ونعم العوض بقاؤك. وأبوك سيدي أيده الله وألهمه الجميل. وهو الصبر. وآتاه الجزيل. وهو الأجر.

وكتب الخوارزمي إلى الملك لما أصيب بابنه عن خوارزم شاه

وأمتعه بك طويلا. فما سؤت بديلا. والسلام وكتب الخوارزمي إلى الملك لما أصيب بابنه عن خوارزم شاه كتبت وأنا مقسم بين فرحة وترحة. ومردد بين محنة ومنحة. أشكو جليل الرزية. وأشكر جزيل العطية وأسأل الله تعالى للأمير الماضي الغفران والرحمة. وللأمير السيد التأييد والنعمة. فإن المصيبة بالماضي وإن كانت تستوعب الصبر. فإن الموهبة في الباقي تستنفد الشكر. والحمد لله الذي كسر. ثم جبر. وسلب. ثم وهب. وابتلى. ثم أولى. وأخذ ثم أعطى. كتب على المشرق خاصة. بل علي الدنيا كافة. أن تطمس آثارها. وتظلم أقطارها. وتهب ريح الخراب عليها. وتنظر عين الكمال إليها. حتى ذبلت شجرة المملكة. ووهن ركن الملة. وطرف ناظر الدولة. وانثلم جانب الدعوة. ثم استدرك الله تعالى برحمته خلقه. فرد إلى الأمير حقه. وقرت الدولة في قرارها. وعادت النعمة إلى نصابها. وطلعت الشمس من مطلعها. ووضعت الرئاسة في موضعها. فأنا الآن بين شاكية الأيام وشكرها وبين حرب الدهر وسلمه. أبكي وأنا ضاحك وأضحك وأنا باكي العين. إلا أن الضحك علي أغلب. والفرح إلي من الغم أقرب. لأن المصيبة ماضية. والنعمة باقية. رحم الله الماضي رحمة تهون علينا مصرعه. وتبرد له مضجعه. وتضاعف حسناته. وتمحو سيئاته. وأعان الأمير على رعاية ما استرعاه. وألهمه شكر ما أعطاه. وتولاه فيما ولاه.

وكتب إلى أبي طاهر وزير أبي علي بن إلياس بكرمان

ووالاه جزيل ما أولاه. وأيده بالهيبة سلطانه. وثبت بالبقاء أركانه. وكتب إلى أبي طاهر وزير أبي علي بن إلياس بكرمان كتب ولما اتصل بي خبر المصيبة لم أملك من قلبي إلا ما شغلته بها. ولا من عيني إلا ما بكيت به لها. ونزل بي ما ينزل بمن قارعه الزمان عن واحده ونازعه الموت في بعض نفسه. وزل عن يده الذخر الذي ادخره لصروف الزمان. وسلب السيف الذي لم يزل يعده للقاء الأقارن. ثم تنجزت موعود الله تعالى بالصبر والغزاء. ولقد كانت المصيبة بفلان جراحة لا دواء لها إلا الصبر. وخسرانا لا جبر له إلا الأجر. فها أنا أيد الله تعالى الشيخ جريح يد الدهر ولا طبيب لمن جرحه. وسليب يد الموت ولا ضامن لمن اجترحه. وقد دفنت يدي بيدي. وبكيت على عيني بعيني. وأفردت في نفسي عن نفسي والرزية بمثل فلان رزايا. كما أن العطية كانت ببقائه عطايا. ولكن لا كثير من المصائب مع التأدب بأدب الله تعالى. كما لا قليل من المواهب مع الإيمان بالله تعالى. رحم الله فلانا الجامع لمحاسن الآداب. الشيخ حلما وإن كان غض الشباب. فلقد اختضر وهو فتي السن. واهتصر وهو رطب الغصن. وكسوف البدر عند تمامه أوقع. وكسر العود عند اعتداله أوجع: إن الفجيعة بالرياض نواضراً ... لأشد منها بالرياض ذوابلا

الباب السادس عشر في التراجم

الباب السادس عشر في التراجم فقهاء المسلمين وخطباؤهم ابن الجوزي (510-597 هجرية) (1117-1201 مسيحية) هو أبو الفرج عبد الرحمان الواعظ الملقب جمال الدين الحافظ. كان علامة عصره وإمام وقته في الحديث وصناعة الوعظ. صنف في فنون عديدة منها زاد المسير في علم التفسير أربعة أجزاء أتي فيه بأشياء غريبة. وله في الحديث تصانيف كثيرة وله المنتظم في التاريخ وهو كبير. وله الموضوعات في أربعة أجزاء ذكر فيها كل حديث موضوع. وكتبه أكثر من أن تعد وكتب بخطه شيئا كثيرا والناس يغالون في ذلك حتى يقولوا أنه جمعت الكراريس التي كتبها وحسبت مدة عمره وقسمت الكراريس على المدة فكان ما خص كل يوم تسع كراريس. وهذا شيء عظيم لا يكاد يقبله العقل. السهروردي (539-632هـ) (1145-1234م) هو أبو حفص عمر بن محمد البكري الملقب شهاب الدين السهر وردي. كان فقيها شافعي المذهب شيخا صالحا ورعا كثير الاجتهاد في العبادة والرياضة. وتخرج عليه خلق كثير من الصوفية في المجاهدة والخلوة. ولم يكن في آخر عمره في عصره مصله. وصحب عمه أبا النجيب وعنه أخذ التصوف والوعظ وانحدر إلى البصرة إلى الشيخ أبي محمد بن عبد ورأى غيرهم من الشيوخ. وحصل طرفا صالحا من الفقه والخلاف وقرأ الأدب وعقد مجلس الوعظ سنين. وكان شيخ الشيوخ ببغداد وكان له مجلس وعظ وعلى وعظه قبول كثير. وله تآليف حسنة منها كتاب عوارف المعارف وهو أشهرها: ورأيت جماعة ممن حضر مجلسه وقعدوا في خلوته وتسليكه كجاري عادة الصوفية. فكانوا يحكون غرائب مما يطرأ عليهم فيها مما يجدونه من الأحوال الخارقة. وكان أرباب الطريق من مشايخ عصره يكتبون إليه من البلاد صورة فتاوى يسألونه عن شيء من أحوالهم سمعت أن بعضهم كتب إليه: يا سيدي إن تركت العمل أخلدت إلى البطالة وان عملت داخلني العجب فأيهما أولى. فكتب جوابه: اعمل واستغفر الله تعالى من العجب. وله من هذا شيء كثير. وذكر في كتاب عوارف المعارف أبياتاً لطيفة عنها قوله فيه تعالى: إن تأملتكم فكلي عيون ... أو تذكرتكم فكلي قلوب

جلال الدين السيوطي (849-911هـ) (1445-1505م)

جلال الدين السيوطي (849-911هـ) (1445-1505م) هو الإمام عبد الرحمان بن الكمال الخضيري العالم العلامة الفقيه المحدث الحافظ المفسر الأصولي الأديب الجدلي. أخذ عن جماعة من علماء وقته ودرس الفلسفة والرياضيات فصار أوسع نظراً وأطول باعاً من مشاهير فضلاء عصره. وكتب في كل مسألة مصنفاً بأقوالها وأدلتها النقلية والقياسية. منها المقامات الطبية وأنيس الجليس وحسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة وبلغت مصنفاته نحوا من أربعمائة مصنف. هذا وقد انتهت إليه الرئاسة بمصر وكانت الطلبة تشد إليه الرحال من كل بلدة وتتقاطر إليه من كل صقع إذ كان مبرزا من أهل النظر والمنظرة وإليه كانت الرحلة من الغرب والأندلس وأضحى ركنا من أركان الإسلام أبو الفتح الشهرستاني (467-548هـ) (1074-1153م) كان إماماً مبرزاً فقيهاً وبرع في الفقه وتفرد فيه. وصنف كتاب نهاية الأقدام في علم الكلام. وكتاب الملل والنحل. وتلخيص الأقسام لمذاهب الأنام. وكان كثير المحفوظ حسن المحاورة يعظ الناس ودخل بغداد سنة عشر وخمسمائة وأقام بها ثلاث سنين وظهر له قبول كثير عند العوام. وله شعر قليل منه قوله: لقد طفت في تلك المعاهد كلها ... وسيرت طرفي بين تلك المعالم فلم أر إلا واضعا كف حائر ... على ذقن أو قارعا سن نادم موفق الدين عبد اللطيف (557-629هـ) (1161-1231م) هو الشيخ الإمام الفاضل موفق الدين البغدادي. كان مشهورا بالعلوم متحليا بالفضائل مليح العبارة. كثير التصنيف وكان متميزا في النحو واللغة عارفا بعلم الكلام والطب. متطرفا من العلوم العقلية فكان في صباه اشغله والده بالأدب فلم يعرف اللعب واللهو ولم يخل وقتا من أوقاته النظر في الكتب والتصنيف والكتابة وكان لكثرة ما يرى في نفسه يستفيض فضلاء زمانه. ومصنفاته عديدة تنيف على المائة والستين. ورحل إلى دمشق واجتمع بتاج الدين الكندي وجرى بينهما مباحثات وكان الكندي شيخا بهيا ذكيا مثريا له جانب من السلطان لكنه كان معجبا بنفسه فاظهر الله عليه عبد اللطيف. ثم توجه إلى زيارة القدس بظاهر عكا ودخل مصر ثم عاد إلى القدس ثانية بعد أن هادن صلاح الدين الفرنج. فدخل على السلطان ورأى به ملكا عظيما يملأ العين روعة والقلوب محبة. ولما حضره وجد مجلسه حافلا بأهل العلم يتذاكرون بأصناف العلوم. وصلاح الدين يحسن الاستماع والمشاركة. فأكرم صلاح الدين مثواه وعين له راتباً لكل شهر. إلى أن مات صلاح الدين فانتقل عبد اللطيف إلى مصر. فكان في النهار يقرئ الناس بالجامع الأزهر وكان في الليل يشتغل على نفسه. فصنف كتاب الإفادة والاعتبار في

الغزالي (451-505هـ) (1058-1111م)

الأمور المعاينة في أرض مصر. ثم عاد راجعا إلى بغداد وبها كانت وفاته (لابن أبي أصيبعة) الغزالي (451-505هـ) (1058-1111م) هو الإمام حجة الإسلام أبو حامد محمد الغزالي لم تر العيون مثله لساناً وبياناً وخاطراً وذكاء وعلما وعملا. فاق أقرانه من تلامذة الحرمين وصار في أيام إمام الحرمين مفيدا مصنفا والإمام يتبجح به. وكان مجلس نظام الملك مجمع الفضلاء. فوقع لأبي حامد في مجلسه ملاقاة الفحول ومناظرة الخصوم في فنون العلوم فاقبل نظام الملك عليه. وانتشر ذكره في الآفاق فرسم له تدريس المدرسة النظامية ببغداد. وصنف كتبا لم يصنف مثلها. ثم حج وترك الدنيا واختار الزهد والعبادة وبالغ في تهذيب الأخلاق. ودخل بلاد الشام وصنف كتباً كثيرة لم يسبق غلى مثلها في عدة فنون منها المنتحل في علم الجدل. والتبر المسبوك. وإحياء علوم الدين. وهو من أنفس الكتب وأجملها وهو كتاب لا يستغني عنه طالب الآخرة. ثم عاد إلى خراسان مواظبا على العبادات إلى أن انتقل إلى جوار الحق بطوس عن أربع وخمسين سنة (للقزويني) الماوردي (364-450هـ) (974-1059م) هو علي ابن حبيب الإمام الجليل القدر الرفيع الشأن أبو الحسن الماوردي صاحب الحاوي والإقناع في الفقه وأدب الدنيا والدين والأحكام السلطانية وقانون الوزارة وسياسة الملك وغير ذلك. وكان إماماً جليلاً رفيع الشأن له اليد الباسطة في المذهب والتفنن التام في سائر العلوم. قال الشيخ أبو اسحاق: درس بالبصرة وبغداد سنين كثيرة. وله مصنفات كثيرة في الفقه والتفسير وأصول الدين والأدب. وجعل عليه القضاء ببلدان كثيرة. وقال ابن خبران: كان رجلاً عظيم القدر متقدماً عند السلطان أحد الأئمة. له التصانيف الحسان في كل فن. ومن كلام الماوردي الدال على دينه ومجاهدته لنفسه ما ذكره في كتاب أدب الدنيا والدين فقال: ومما أنذرك به من حالي أنني صنفت في البيوع كتاباً جمعت له ما استطعت من كتب الناس. وأجهدت فيه نفسي وكدرت فيه خاطري حتى إذا تهذب واستكمل وكدت أعجب به. وتصورت أنني أشد الناس اضطلاعاً لعلمه حضرني وأنا في مجلسي أعرابيان فسألاني عن بيع عقداه في البادية على شروط تضمنت أربع مسائل لم أعرف لشيء منها جواباً. فأطرقت مفكراً وبحالي وحالهما معتبرا. فقالا: أما عندك فيما سألناك عنه جواب وأنت زعيم هذه الجماعة. قلت: لا. فقالا: أيها لك. وانصرفا ثم أتيا من يتقدمه في العلم كثير من أصحابي. فسألاه فأجباهما مسرعا بما أقنعهما فكان ذلك زاجر نصيحة ونذير عظة تذلل لهما قياد النفس وانخفض بهما جناح العجب.

أدباء المسلمين

أدباء المسلمين الفتح بن خاقان (480-535هـ) (1087-1140م) هو أبو نصر الفتح بن محمد بن عبد الله بن خاقان القيسي الاشبيلي له عدة تصانيف منها كتاب قلائد العقيان وقد جمع فيه شعراء المغرب طائفة كثيرة. وتكلم على ترجمة كل واحد منهم بأحسن عبارة وألطف إشارة. وله أيضاً كتاب مطمح الأنفس ومسرح التأنس في ملح أهل الأندلس. وهو ثلاث نسخ كبرى وصغرى ووسطى. وهو كتاب كثير الفائدة وكلامه فيه يدل على غزارة فضله وسعة مارته. وكان كثير الأسفار سريع التنقلات. وقال الحافظ أبو الخطاب بن دحية: كان ابن خاقان خليع العذار في دنياه. لكن كلامه في تآليفه كالسحر الحلال. والماء الزلال. قتل ذبحاً في مسكنه بفندق من حاضرة مراكش صدر سنة خمس وثلاثين وخمسمائة. وأن الذي أشار بقتله أمير المسلمين أبو الحسن علي بن يوسف بن تاشفين وهو أخو أبي إسحاق إبراهيم بن يوسف بن تاشفين الذي ألف له أبو نصر المذكور قلائد العقبان وقد ذكره في خطبة الكتاب. (لابن خلكان) ابن عبد ربه (246-328هـ) (861-940م) هو الفقيه العالم أبو عمر أحمد بن عبد ربه عالم ساد بالعلم ورأس. واقتبس من الحظوة ما اقتبس. وشهر بالأندلس حتى سار إلى المشرق ذكره. واستطار شرر الذكاء فكره. وكانت له عناية بالعلم وثقة ورواية له متسقة. وأما الأدب فهو كان حجته وبه غمرت الأفهام لجته. مع صيانة وورع. وديانة ورد ماءها فكرع. وله التأليف المشهور الذي سماه بالعقد. وحماه عن عثرات النقد. لأنه أبرزه مثقف القناة. مرهف الشباة. تقصر عنه ثواقب الألباب. وتبصر السحر منه في كل باب. وله شعر انتهى منتهاه. وتجاوز سماك الإحسان وسماه. وكان ابن عبد ربه من العلماء المكثرين من المحفوظات والاطلاع على أخبار الناس. وكتابه العقد الفريد من الكتب الممتعة حوى من كل معنى شهي وكل نادرة غريبة (نفح الطيب للمقري) أبو الفرج الأصبهاني (284-356هـ) (897-967م) هو علي بن الحسين القرشي الأموي الكاتب صاحب كتاب الأغاني. وحده مروان آخر خلفاء بني أمي. وهو أصبهاني الأصل بغدادي المنشأ. كان من أعيان أدبائها وأفراد مصنفيها. وكان عالماً بأيام الناس والأنساب والسير. كان يحفظ من الشعر والأغاني والأخبار والآثار ما لم ير قط من يحفظ مثله. ويحفظ دون ذلك من عوم أخر منها اللغة والنحو ونتف من الطب والنجوم والأشربة وغير ذلك. وله شعر يجمع إتقان العلماء وإحسان الظرفاء

بديع الزمان (353-398هـ) (964-1008م)

والشعراء. وله المصنفات المستملحة منها كتاب الأغاني الذي وقع الاتفاق على أنه لم يعمل في بابه مثله. يقال أنه جمعه في خمسين سنة وحمله إلى سيف الدولة بن حمدان فأعطاه ألف دينار واعتذر إليه. وحكي عن الصاحب بن عباد أنه كان في أسفاره وتنقلاته يستصحب حمل ثلاثين جملاً من كتب الأدب ليطالعها. فلما وصل إليه كتاب الأغاني لم يكن بعد ذلك يستصحب سواه استغناء به عنها. ومنها كتاب الإماء الشواعر وكتاب الديارات وكتاب الحانات وآداب الغرباء. وحصل له ببلاد الأندلس كتب صنفها لبني أمية ملوك الأندلس يوم ذاك وسيرها إليهم سراً وجاءه الأنعام منهم سرا. ومن ذلك كتاب أيام العرب وسبعمائة يوم وكتاب التعديل والافتصاف في مآثر العرب ومثالبها وغير ذلك وكان منقطعاً إلى وزير المهلبي وله فيه مدائح منها قوله: ولما انتجعنا لائذين بظله ... أعان وما عني ومن وما منا وردنا عليه مقترين فراشنا ... وردنا نداه مجدبين فاخصبنا (لابن خلكان) بديع الزمان (353-398هـ) (964-1008م) هو أبو الفضل أحمد بن الحسين الهمذاني مفخر همذان ونادرة الفلك وبكر عطارد وفريد الدهر وغرة العصر. ومن لم يلف نظيره في ذكاء القريحة وسرعة الخاطر وشرف الطبع. وصفاء الذهن وقوة النفس. ولم يدرك قرينه في ظرف النثر وملمحه وغرر النظم ونكته. ولم يرو أن أحداً بلغ مبلغه من لب الأدب وسره. وجاء بمثل إعجازه وسحره. فإنه كان صاحب عجائب وبدائع وغرائب ولقبه بالبديع يدل على قدره. فمنها أنه كان ينشد القصيدة لم يسمعها قط وهي أكثر من خمسين بيتاً. فيحفظها كلها ويوردها إلى آخرها لا ينخرم حرف منها. وينظر في الأربع والخمس الأوراق من كتاب لم يعرفه ولم يره نظرة واحدة خفيفة ثم يعيدها عن ظهر قلبه. هذا ويسردها سرداً. وكان يقترح عليه عمل قصيدة وإنشاء رسالة في معنى غريب وباب بديع. فيفرغ منها في الوقت والساعة والجواب ما فيها. وكان ربما يكتب الكتاب المقترح عليه فيبتدئ بآخر سطوره ثم هلم جرا إلى الأول ويخرجه كأحسن شيء وأملحه. ويوشح القصيدة الفريدة من قبله بالرسالة الشريفة من إنشائه. فيقرأ من النظم النثر ومن النثر النظم. ويعطي القوافي الكثيرة فيصل بها الأبيات الرشيقة. ويقترح عليه كل عروض من النظم والنثر في فيرتجعه في أسرع من الطرف على ريق لا يبلعه ونفس لا يقطعه. وكلامه كله عفو الساعة وفيض اليد ومسارقة القلم ومجارات الخاطر. وكان مع هذا مقبول الصورة خفيف الروح حسن العشرة ناصع الطرف. عظيم الخلق شريف النفس. كريم العهد خالص الود. حلو الصداقة مر العداوة. فارق همذان سنة ثمانين وثلاثمائة وهو مقتبل الشبيبة غض الحداثة. وقد درس على أبي الحسين ابن فارس وأخذ عنه جميع ما عنده. واستنفذ علمه وورد حضرة الصاحب أبي القاسم بن عباد.

أبو منصور الثعالبي (350-429هـ) (961-1038م)

نتزود من ثمارها وحسن آثارها. وولي نيسابور في سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة. فنشر بها بزه وأظهر طرزه وأملى أربعمائة مقامة نحلها أبا الفتح الإسكندري في الكدية وغيرها. وضمنها ما تشتهي الأنفس من لفظ أنيق. قريب المأخذ. بعيد المرام. وسجع رشيق المطلع والمقطع كسجع الحمام. وجد يروق فيملك القلوب وهزل يشوق فيسحر العقول. ثم ألقى عصاه بهراة فعاش فيها عيشة راضية. وحين بلغ أشده واربى على أربعين سنة ناداه الله فلباه وفارق دنياه. فقامت نوادب الأدب وانثلم حد القلم. وبكاه الفضائل والأفاضل. ورثاه الأكارم مع المكارم. على أنه ما مات من لم يمت ذكره. ولقد خلد من بقي على الأيام نظمه ونثره (اليتيمة للثعالبي) أبو منصور الثعالبي (350-429هـ) (961-1038م) هو أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي النيسابوري كان في وقته راعي تلعات العلم. وجامع أشتات النثر والنظم. ورأس المؤلفين في زمانه. وإمام المصنفين بحكم قرآنه. وسار ذكره سير المثل. وضربت إليه آباط الإبل. وطلعت دواوينه في المشارق والمغارب. طلوع النجم في الغياهب. تآليفه أشهر مواضع. وأبهر مطالع. وأكثر روا لها وجامع. من أن يستوفيها أحد أو وصف. أو يوفي حقوقها نظم أو رصف. وذكر له طرف من النثر ونورد شيئاً من نظمه. فمن ذلك ما كتبه إلى الأمير أبي الفضل الميكالي: لك في المفاخر البلاغة جمة ... أبدا لغيرك في الورى لم تجمع بحران بحر في البلاغة شابه ... شعر الوليد وحسن لفظ الأصمعي وترسل الصابي يزين علوه ... خط ابن مقلة ذو المحل الأرفع شكرا فكم من فقرة لك كالغنى ... وافى الكريم بعبد فقر مدقع وإذا تفتق نور شعرك ناضرا ... فالحسن بين مرصع ومصرع أرجلت فرسان الكلام ورضت أفراس البديع وأنت أمجد مبدع ونقشت في فص الزمان بدائعاً ... تزري بآثار الربيع الممرع وله من التآليف يتيمة الدهر. في محاسن أهل العصر. وهو أكبر كتبه وأحسنها وأجمعها. وفيها يقول أبو الفتوح نصر الله بن قلاقس الشاعر الإسكندري المشهور: أبيات أشعار اليتيمة ... أبكار أفكار قديمه ماتوا وعاشت بعدهم ... فلذاك سميت اليتيمه وله أيضا كتاب فقه اللغة وسحر البلاغة وسر البراعة. ومونس الوحيد في المحاضرات. جمع فيها أشعار الناس وأخبارهم. وفيها دلالة على كثرة اطلاعه (الذخيرة لابن بسام) الحريري (446-516هـ) (1054-1122م) هو أبو محمد القاسم بن علي الحريري البصري الحرامي صاحب المقامات. كان أحد

أئمة عصره ورزق الحظوة التامة في عمل المقامات. واشتملت على شيء كثير من كلام العرب من لغاتها وأمثالها ورموز أسرار كلامها ومن عرفها حق معرفتها استدل بها على فضل هذا الرجل وكثرة اطلاعه وغزارة مادته. وكان سبب وضعه لها ما حكاه ولده أبو القاسم عبد الله قال: كان ابي جالساً في مسجد بني حرام فدخل شيخ ذو طمرين عليه أهبة السفر. رث الحال فصيح الكلام حسن العبارة. فسألته الجماعة من أين الشيخ. فقال: من سروج. فاستخبروه عن كنيته فقال: أبو زيد. فعمل أبي المقامة المعروفة بالحرامية وهي الثامنة والأربعون وعزاها إلى أبي زيد المذكور واشتهرت. فبلغ خبرها الوزير شرف الدين أبا نصر أنوشروان بن خالد بن محمد القاشاني وزير الإمام المسترشد بالله فلما وقف عليها أعجبته وأشار على والدي أن يضم إليها غيرها. فأتمها خمسين مقامة. وغلى الوزير المذكور أشار الحريري في خطبة المقامات بقوله: فأشار من إشارته حكم. وطاعته غنم. إلى أن أنشئ مقامات أتلو فهيا تلو البديع. وإن لم يدرك الظالع شأو الضليع. وقد اعتنى بشرحها خلق كثير فمنهم من طول ومنهم من اختصر. ورأيت في بعض المجاميع أن الحريري لما عمل المقامات كان قد عملها أربعين مقامة وجملها من البصرة غلى بغداد وادعاها فلم يصدقه في ذلك جماعة من أدباء بغداد. وقالوا: إنها ليست من تصنيفه بل هي لرجل مغربي من أهل البلاغة مات بالبصرة ووقعت أوراقه إليه فادعاها. فاستدعاه الوزير إلى الديوان واقترح عليه إنشاء رسالة في واقعد عينها. فأخذ الدواة والورقة ومكث زمانا كثيراً فلم يفتح الله عليه بشيء من ذلك. فقام وهو خجلان فقال فيه أبو القاسم علي بن أفلح: شيخ لنا من ربيعه الفرس ... ينتف عثنونه من الهوس أنطقه الله بالمشان كما ... رماه وسط الديوان بالخرس وكان الحريري يزعم أنه من ربيعة الفرس. وكان مولعا بنتف لحيته عند الفكرة وكان يسكن في مشان البصرة. فلما رجع إلى بلده عمل عشر مقامات أخر وسيرهن واعتذر من عيه وحصره في الديوان لما لحقه من المهابة. وللحريري تآليف حسان منها درة الغواص في أوهام الخواص. ومنها ملحة الأعراب المنظومة في النحو وله أيضاً شرحها. وله ديوان رسائل وشعر كثير غير شعره الذي في المقامات. وله قصائد استعمل فيها التجنيس كثيرا. ويحكى أنه كان دميماً قبيح المنظر. فجاءه شخص غريب يزوره ويأخذ عنه شيئاً فلما رآه استزرى شكله ففهم الحريري ذلك منه. فلما التمس منه أن يملي عليه قال له اكتب: ما أنت أول سار غره قمر ... ورائد أعجبته خضرة الدمن فاختر لنفسك غيري أنني رجل=مثل المعيدي فاسمع بي ولا ترني فخجل الرجل منه وانصرف. وتوفي الحريري بالبصرة (لابن خلكان)

الشريشي (557-619هـ) (1162-1222م)

الشريشي (557-619هـ) (1162-1222م) هو الكمال أبو العباس أحمد من أهل شريش. وله تآليف أفاد بما حشد فيها منا جمع مشاهير قصائد العرب وشروح لقمامات الحريري كبير ووسط وصغير وفي الكبير من الآداب ما لا كفء له. لم يترك منها فائدة إلا استخرجها. ولا فريدة إلا استدرجها. ولا نكتة إلا علقها. ولا غريبة إلا استحقها. فجاء شرحه يغني عن كل شرح. وكان الشريشي يقرئ العربية وأخذ عنه جماعة وأقام في بلنسية ثم رحل إلى اشبيلية وانتقل إلى المشرق. وكانت وفاته بشريش بلده. ابن أبي الرندقة الطرطوشي (451-520هـ) (1059-1126م) هو الفقيه العالم أبو بكر الفهري الطرطوشي صاحب سراج الملوك وكفى هذا الكتاب دليلا على فضله. وكان زاهدا عابدا متورعا متقللا من الدنيا قوالا للحق. وكان يقول: إذا عرض لك أمر دنيا وأخرى فبادر بأمر الأخرى يحصل لك أمر الدنيا. وصحب بسرقسطة القاضي أبا الوليد وأخذ عنه مسائل في الحساب والفرائض. وقرأ الأدب على أبي محمد بن حزم بمدينة اشبيلية ثم رحل إلى المشرق سنة ست وسبعين وأربعمائة. ودخل بغداد والبصرة فتفقه هنالك عند أبي بكر الشاشي وأبي محمد الجرجاني وسمع بالبصرة من أبي علي التستري. وسكن الشام مدة ودرس بها وكان راضيا باليسير. قال الصفدي في ترجمة الطرطوشي: أن الأفضل ابن أمير الجيوش أنزله في مسجد شقيق الملك بالقرب من الرصد وكان يكرهه. فلما قتل الأفضل ولي بعده المأمون بن البطائحي فأكرم الشيخ إكراماً كثيراً أوله ألف الشيخ سراج الملوك. ومن تآليفه مختصر تفسير الثعالبي والكتاب الكبير في مسائل الخلاف. وتوفي بالإسكندرية وشهرته تغني عن الأطناب فيه. وحكي أنه كتب على سراج الملوك الذي أهداه لولي الأمر بمصر: الناس يهدون على قدرهم ... لكنني أهدي على قدري يهدون ما يفنى وأهدي الذي ... يبقى على مر الأيام والدهر (للمقري) بهاء الدين العالمي (953-1031هـ) (1547-1622م) الشيخ العلامة اللوذعي بهاء الدين بن حسين العاملي هو علم الأئمة الأعلام. وسيد علماء الإسلام. وبحر العلم المتلاطمة أمواجه. وفحل الفضل الناتجة لديه أفراده وأزواجه. وطود المعارف الراسخ. وفاؤها الذي لا تحد له فراسخ. وجوادها الذي لا يؤمل له لحاق. وبدرها الذي لا يعتريه محاق. إليه انتهت رئاسة المذهب والملة. وبه قامت قواطع البراهين والأدلة. جمع فنون العلم فانعقد عليه الإجماع وتفرد بصنوف الفضل فبهر النواظر والأسماع. فما من فن إلا وله فيه القدم المعلى. والمورد العذب المحلى. إن قال لم يدع قولاً لقائل. أو طال لم يأت غيره بطائل. ومن مصنفاته التفسير المسمى بالعروة الوثقى والزبدة في الأصول وخلاصة الحساب

أبو إسحاق القيرواني (390-453هـ) (1000-1061م)

والمخلاة والكشكول فيه كل نادرة من علوم شتى وتشريح الأفلاك وغير ذلك من الرسائل المختصرة والفوائد المحررة. وكان مولده بقزوين ثم خرج من بلده وتنقلت به الأسفار إلى أن وصل إلى أصفهان. فوصل خبره إلى سلطانها شاه عباس فطلبه لرئاسة العلماء. فوليها وعظم قدره وارتفع شأنه ثم دخل مصر. وامتدح بها الأستاذ أبا الحسن البكري بقصيدة مطلعها: يا مصر سقيا لك من جنة ... قطوفها يانعة دانية ثم قدم القدس ولزم فناء المسجد الأقصى. وكان متسما بلبس السياح مؤنسا بالوحشة دون الإيناس. ثم أقلع إلى حلب ورجع إلى أصفهان فتوفي فيها (لأحمد المتنبي) أبو إسحاق القيرواني (390-453هـ) (1000-1061م) هو أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن تميم المعروف بالحصري القيرواني الشاعر المشهور. له ديوان شعر وكتاب زهر الآداب وثمر الألباب جمع فيه كل غريبة في ثلاثة أجزاء. وكتاب المصون في سر الهوى المكنون. في مجلد واحد فيه ملح وآداب. ذكره ابن الرشيق في كتابه الأنموذج وحكى شيئا من أخباره وأحواله وأنشد جملة من أشعاره وقال: كان شبان القيروان يجتمعون عنده ويأخذون عنه. ورأس عندهم وشرف لديهم. وسارت تأليفاته وانثالت عليه الصلات من الجهات. وتوفي أبو إسحاق المذكور بقيروان أهل الرواية واللغة من المسلمين الأصمعي (123-216هـ) (741-831م) هو أبو سعيد عبد الملك الباهلي من أبناء عدنان. وكان عالما عارفا بأشعار العرب وآثارها. كثير التطوف في البوادي لاقتباس علومها وتلقي أخبارها. فهو صاحب غرائب الأشعار. وعجائب الأخبار. وقدوة الفضلاء. وقبلة الأدباء. قد استولى على الغايات في حفظ اللغات وضبط العلوم الأدبيات. صاحب دين متين. وعقل رصين. وكان خاصا بالرشيد آخذا لصلاته. وله من التصانيف كتاب خلق الإنسان وكتاب الأجناس وكتاب الأنواء وكتاب الخيل وكتاب الإنشاء وكتاب الأمثال وكتاب النوادر وكتاب النبات وغير ذلك وكان هارون الرشيد قد استخلصه لمجلسه. وأجازه علي أبو يوسف القاضي بجوائز كثيرة وعمر نيفا وتسعين سنة ورثاه الحسن بن مالك: لا در نبات الأرض إ فجعت ... بالأصمعي لقد أبقت لنا أسفا عش ما بدا لك في الدنيا فلست ترى ... في الناس منه ولا من علمه خلفا سيبويه (621-161هـ) (739-778م) هو أبو بشر عمرو الحارثي وسيبويه ومعناه بالفارسية رائحة التفاح. وكان من

سياح المسلمين

أهل فارس ومنشأه بالبصرة. وكان أعلم المتقدمين والمتأخرين بالنحو كان أخذه عن الخليل. ولم يوضع فيه مثل كتابه. قال الجاحظ: أردت الخروج إلى محمد بن عبد الملك ففكرت في شيء أهديه فلم أجد شيئا أشرف من كتاب سيبويه. فقال: والله ما أهديت إلى شيئا أحب إلي منه. وكان يقال بالبصرة: قرأ فلان الكتاب. فيعلم انه كتاب سيبويه. وكان أبو العباس المبرد إذا أراد مريد أن يقرأ عليه كتاب سيبويه يقول له: هل ركبت البحر. تعظيما لكتاب سيبويه واستصعابا لما فيه. وكان أبو عثمان المازني يقول: من أراد أن يعمل كتابا كبيرا في النحو بعد كتاب سيبويه فليستح. ولما ورد سيبويه إلى بغداد من البصرة والكسائي يومئذ يعلم الأمين بن هارون الرشيد فجمع بينهما وتناظرا. وجرى مجلس يطول شرحه. وزعم الكسائي أن العرب تقول: كنت أظن الزنبور أشد لسعا من النحلة فإذا هو إياها فقال سيبويه: ليس المثل كذا بل: فإذا هو هي: وتشاجرا طويلا واتفقا على مراجعة عربي خالص لا يشوب كلامه شيء من كلام أهل الحضر وكان الأمين شديد العناية بالكسائي لكونه معلمه. فاستدعى عربيا وسأله. فقال كما قال سيبويه. فقال له: نريد أن تقول كما قال الكسائي. فقال: إن لساني لا يطاوعني على ذلك فإنه ما يسبق إلا إلى الصواب. فقرروا معه أن شخصا يقول: قال سيبويه كذا. وقال الكسائي كذا. فالصواب مع من منهما. فيقول العربي: مع الكسائي. فقال: هذا يمكن. ثم عقد لهما المجلس واجتمع أئمة هذا الشأن وحضر العربي وقيل له ذلك فقال: الصواب مع الكسائي وهو كلام العرب. فعلم سيبويه أنهم تحاملوا عليه وتعصبوا للكسائي فخرج من بغداد وقد حمل في نفسه لما جرى عليه وقصد فارس فتوفي بشيراز (ملخص عن نزهة الألباء وابن خانكان) سياح المسلمين ابن بطوطة (703-777هـ) (1304-1376م) هو أبو عبد الله بن إبراهيم اللواتي الطنجي الملقب بشمس الدين ابن بطوطة. وهو الذي طاف الأرض معتبرا. وطوى الأمصار مختبرا. وباحث فرق الأمم. وسبر سير العرب والعجم. ثم ألقى عصا التسيار بحاضرة فاس العليا وكان مولده بطنجة سنة ثلاث وسبعمائة. وكان خروجه من موطنه عام خمسة وعشرين وسبعمائة وله من العمر اثنتان وعشرون سنة. فأخذ يتقلب في بلاد العراق ومصر والشام واليمن والهند ودخل مدينة دهلي حاضرة ملك الهند وهو السلطان محمد شاه. واتصل بملكها لذلك العهد وهو فيروزجوه. وكان له منه مكان واستعمله بخطة القضاء بمذهب المالكية في عمله. ثم ساح في الأقطار الصينية والتترية وأواسط أفريقية في بلاد السودان وفي الأندلس. ثم انقلب إلى المغرب واتصل بالسلطان أبي عنان من ملوك بني مرين. وكان يحدث عن شأن رحلته وما رأى من العجائب بممالك الأرض. ويأتي من أحواله ما يستغربه السامعون. فغمره أبو عنان من إحسانه الجزيل وامتنانه الحفي الحفيل.

ابن جبير (540-614هـ) (1145-1217م)

ما أنساه الماضي بالحال. وأغناه عن طول الترحال. فأنفذ إليه الملك بأن يملي محمد بن جزي الكلبي ما شاهده في رحلته من الأمصار. وما علق بحفظه من نوادر الأخبار. فأملى من ذلك ما فيه نزهة الخواطر. وبهجة المسامع والنواظر. من كل غريبة أفاد باجتلائها. وعجيبة أطرف بانتحائها. فامتثل ابن جزي ما أمر به. فضم أطراف ما أملاه ابن بطوطة في تصنيف جاء على فوائده مشتملا. ولنيل مقاصده مكملا. فوسمه بتحفة النظار. في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار. (لابن جزي) ابن جبير (540-614هـ) (1145-1217م) هو أبو الحسين الكناني صاحب الرحلة. ولد ببلنسية وعني بالأدب فبلغ الغاية فيه وتقدم في صناعة القريض والكتابة. ومن شعره قوله وقد دخل إلى بغداد فاقتطع غصنا نضيرا من أحد بساتينها فذوى في يده: لا تعترب عن وطن ... واذكر تصاريف النوى أما ترى الغصن إذا ... ما فارق الأصل ذوى وقوله يخاطب من أهدى له موزا: يا مهدي الموز تبقى=وميمه لك فاء وزايه عن قريب ... لمن يعاديك تاء ثم رحل إلى دمشق ودخل بغداد وانكفأ راجعا إلى المغرب وكان انفصاله عن غرناطة ثانية بقصد الرحلة الشرقية سنة 578. ونزل البر الإسكندري وتجول في البلاد ودخل الشام والعراق والجزيرة ورحلته مشهورة بأيدي الناس وكانت وفاته بالإسكندرية. ابن سعيد (610-673هـ) (1214-1275م) هو أبو الحسن نور الدين بن سعيد الأديب الرحالة الطرفة العجيب الشأن في التجول في الأقطار ومداخلة الأعيان. المتمتع بالخزائن العلمية. وتقييد الفوائد المشرقية والمغربية. أخذ من أعلام اشبيلية وتآليفه كثيرة منها المرقصات والمطربات وموضوعات غريبان في أسفاره إلى المغرب والمشرق. وتعاطى نظم الشعر في حد من الشبيبة يعجب فيه من ذلك قوله في صفة نهر: كأنما النهر صفحة كتبت ... أسطرها والنسيم ينشئها لما أبانت عن حسن منظرها ... مالت عليها الغصون تقرؤها وقال باقتراح الملك الصالح صاحب حمص أن يكتب بالذهب على تفاحة عنبر قدمها لابن عمه الملك الصالح ملك الديار المصرية: أنا لون الشباب والخال أهدي ... ت لمن قد كسا الزمان شبابا

فلاسفة الإسلام وأطباؤهم

ملك العالمين نجم بني أيو ... ب ولا زال في المعالي مهابا جئت ملأى من الثناء عليه ... من شكوري احسانه والثوابا لست ممن له خطاب ولكن ... قد كفاني أريج عرفي خطابا ثم قفل غلى مصر ولقي هاء الدين زهيراً وجمال الدين بن مطروح. ثم تحول إلى دمشق ودخل على السلطان المعظم وحضر مجلس خلوته. ودخل الموصل وبغداد ورحل إلى البصرة ودخل أرجان ثم عاد إلى المغرب. وصنف في رحلته مجموعا سماه بالنفحة المسكية. واتصل بخدمه الأمير أبي عبد الله المستنصر فنال الدرجة الرفيعة من حظوته إلى أن توفي بتونس. فلاسفة الإسلام وأطباؤهم (ابن رشد 595هـ - 1198م) (الرازي 311هـ - 923م) ابن رشد هو أبو الوليد المالكي وزير دهره وعظيمه وفيلسوف عصره وحكيمه. وكان عالماً بالرأي متفنناً للعلوم تولى رئاسة الفتاوى في مراكش ثم استوطن إشبيلية فاشتهر بالتقدم في علم الأول حتى فاق أهل زمانه وطارد ذكره إلى أقطار الأندلس والمغرب فاستدعاه سلطان مراكش إلى حاضرته ولقي عنده حظوة وشمله بالصلات والمكارم وكانت وفاته في مراكش وله تآليف جليلة عزيزة الوجود منها الكليات في الطب وتعريب مصنفات أرسطاطاليس وتلخيصها. وأما الرازي فهو أبو بكر بن زكريا المشهور أقبل في شبيبته على دراسة كتب الطب والفلسفة والكيمياء قرأها قراءة رجل متعقب على مؤلفيها فبلغ من معرفة غوابرها الغاية وأضحى إمام وقته في الطب وعلوم الأوائل والمشار إليه في ذلك العصر تشد غليه الرحال لأخذها عنه وصنف فيها الكتب النافعة فمن ذلك كتاب الحاوي وهو عمدة الأطباء في النقل منه والرجوع إليه عند الاختلاف. ومنها كتاب في إثبات صناعة الكيمياء وتصانيف كثيرة كلها يحتاج إليها. ودبر الرازي مارستان الري وبغداد في أيام المكتفي وعمي في آخر عمره ابن زهر (507-595هـ ((1114-1198) كان من أهل بيت كلهم علماء رؤساء حكماء وزراء نالوا المراتب العلية وتقدموا عند الملوك ونفذت أوامرهم. قال الجاحظ: وكان ابن زهر بمكان من اللغة مكين. ومورد من الطب عذب معين كان يحفظ شعر ذي الرمة وهو ثلث لغة العرب مع الإشراف على جميع أقوال أهل الطب والمنزة العليا عند أصحاب المغرب مع سمو النسب وكثرة الأموال والنشب. ومن شعره قوله: ولي واحد مثل فرخ القطا ... صغير تخلف قلبي لديه نأت عنه داري فيا وحشتا ... لذلك الشخيص وذاك الوجيه تشوقني وتشوقته ... فيبكي علي وابكي عليه

ابن سينا (370-428هـ) (980-1037م)

لقد تعب الشوق ما بيننا ... فمنه إلي ومني إليه وله وقد شاخ وغلب عليه الشيب: إني نظرت إلى المرآة إذ جليت ... فأنكرت مقلتاي ك ما رأتا رأيت فيها شيخا لست أعرفه ... وكنت أعهده من قبل ذاك فتى فقلت أين الذي بالأمس كان هنا ... متى ترحل عن هذا المكان متى فاستضحكت ثم قالت وهي معجبة ... إن الذي أنكرته مقلتاك أتى كانت سليمى تنادي يا أخي وقد ... صارت سليمى تنادي اليوم يا أبتا وأوصى أنه إذا مات يكتب على قبره هذه الأبيات وفيها إشارة إلى طبه ومعالجته للناس وهي: تأمل بحقك يا واقفا ... ولاحظ مكانا دفعنا إليه تراب الضريح على وجنتي ... كأني لم أمش يوما عليه أداوي الأنام حذار المنون ... وها أنا قد صرت رهنا لديه وتوفي ممتحنا بعلة بين كتفيه بمدينة قرطبة (لابن خانكان) ابن سينا (370-428هـ) (980-1037م) هو أبو علي الحسين بن سينا الشيخ الرئيس حكى عن نفسه قال: إن أبي كان رجلا من بلخ. ثم انتقلنا إلى بخارى في أيام نوح بن منصور وأحضرت معلم القرآن والأدب. فكملت العشر من العمر وقد أتيت على القرآن وعلى كثير من الأدب حتى كان يقضى مني العجب. ثم جاء إلى بخاري أبو عبد الله الناتلي وكان يدعي الفلسفة فأنزله أبي دارنا رجاء تعلمي منه. فقرأت ظواهر المنطق عليه وإما دقائقه فلم يكن عنده منها خبره. ثم أخذت أقرأ الكتب على نفسي وأطالع الشروح وكذلك كتاب إقليدس فقرأت من أوله خمسة أشكال أو ستة عليه. ثم توليت حل الكتاب بأسره. ثم انتقلت إلى المجسطي وفارقين الناتلي ثم رغبت في علم الطب وصرت أقرأ الكتب المصنفة فيه وتعهدت المرضى فانفتح علي من أبواب المعالجات المقتبسة من التجربة ما لا يوصف. وأنا في هذا الوقت من أبناء ست عشرة سنة. ثم توفرت على القراءة سنة ونصفا ولكما كنت أتحير في مسألة أو لم أكن أظفر بالحد الأوسط في قياس ترددت إلى الصلاة وابتهلت إلى مبدع الكل حتى فتح لي المغلق والمتعسر. وكنت أرجع بالليل إلى داري واضع السراج بين يدي واشتغل بالقراءة والكتابة. فمهما غلبني النوم أو شعرت بضعف عدلت إلى شرب قدح من الشراب ريثما تعود إلي قوتي. ثم أرجع إلى القراءة ومتى أخذني أدنى نوم أحلم بتلك المسائل بأعيانها. حتى أن كثيرا منها انفتح لي وجوهها في المنام. ولم أزل كذلك حتى أحكمت علم المنطق والطبيعي والرياضي. ثم عدت إلى العلم الإلهي وقرأت كتاب ما بعد الطبيعة. فما كنت أفهم ما فيه والتبس علي غرض واضعه. حتى أعدت قراءته أربعين مرة وصار لي محفوظا وأنا مع ذلك لا أفهمه.

وأيست من نفسي وقلت: هذا كتاب لا سبيل إلى فهمه. وإذا أنا يوماً حضرت وقت العصر في سوق الوراقين وبيد دلال مجلد ينادي عليه. فعرضه علي فرددته رد متبرم معتقد أن لا فائدة في هذا العلم. فقال لي: اشتر مني هذا فإنه رخيص أبيعكه بثلاثة دراهم وصاحبه محتاج إلى ثمنه فاشتريته فإذا هو كتاب لأبي نصر الفارابي في أغراض كتاب ما بعد الطبيعة. فرجعت إلى بيتي وأسرعت قراءته فانفتح علي في الوقت أغراض ذلك الكتاب بسبب أنه قد صار لي على ظهر القلب. وفرحت بذلك وتصدقت بشيء على الفقراء شكرا لله تعالى. فلما بلغت ثماني عشرة سنة من عمري فرغت من هذه العلوم كلها وكنت إذ ذاك للعلم أحفظ ولكنه اليوم معي أنضج وإلا فالعلم واحد لم يتجدد لي بعده شيء. ثم مات والدي وتصرفت بي لأحوال وتقلدت شيئا من أعملا السلطان. ودعتني الضرورة إلى الارتحال من بخارى والانتقال عنها إلى جرجان. وكان قصدي الأمير قابوس.. فاتفق في أثناء هذا أخذ قابوس وحبسه وموته. ثم مضيت إلى دهستان ومرضت بها مرضا صعبا وعدت إلى جرجان (اه) . قال أبو عبيد الجوزجاني: وصنف ابن سينا بجرجان أول القانون ومختصر المجسطي وغير ذلك. ثم انتقل إلى الري واتصل بخدمة السيدة وابنها مجد الدولة. ثم خرج إلى قزوين ومنها إلى همذان فاتصل بخدمة كربانويه وتولى النظر في أسبابها. ثم سألوه تقلد الوزارة فتقلدها ثم اتفق تشويش العسكر عليه واشفاقهم منه على أنفسهم. فكبسوا داره وأخذوه إلى الحبس وأخذوا جميع ما كان يملكه. وساموا الأمير شمس الدولة قتله. فامتنع منه وعدل إلى نفيه عن الدولة طلبا لمرضاتهم. فتوارى الشيخ في دار بعض أصدقائه أربعين يوما فعاد الأمير طلبه وقلده الوزارة ثانيا. ولما توفي شمس الدولة وبويع ابنه طلبوا أن يستوزر الشيخ فأبى عليهم وتوارى في دار أبي غالب العطار. وهناك أتي على جميع الطبيعيات والإلهيات ما خلا كتابي الحيوان والنبات من كتاب الشفاء وكاتب علاء الدولة سرا يطلب المسير إليه فاتهمه تاج الملك بمكاتبته وأنكر عليه ذلك. وحث في طلبه فدل عليه بعض أعدائه فأخذوه وأدوه إلى قلعة يقال لها بردوان وأنشأ هناك قصيدة منها: دخولي باليقين كما تراه ... وكل الشك في أمر الخروج وبقي فيها أربعة أشهر ثم أخرجوه وحملوه إلى همذان. ثم خرج منها متنكرا وأنا وأخوه وغلامان معه في زي الصوفية. إلى أن وصلنا إلى أصفهان فصادف في مجلس علاء الدولة الإكرام والإعزاز الذي يستحقه مثله وصنف هناك كتبا كثيرة. وكان سبب موته قولنج عرض له. وكان ينتكس ويبرأ كل وقت ثم قصد علاء الدولة همذان وسار معه الشيخ. فعاودته في الطريق تلك العلة إلى أن وصل إلى همذان. وعلم أن قوته قد سقطت وأنها لا تفي بدفع المرض. فأهمل مداواته لنفسه وأخذ يقول المدبر الذي كان يدبرني قد عجز عن التدبير. والآن فلا تنفع المعالجة وبقي على هذا أياما ثم انتقل إلى جوار ربه ودفه بهمذان. وفيه قال بعضهم:

مؤرخو المسلمين

ما نفع الرئيس من حكمه الط ... ب ولا حكمه على النيرات ما شفاه الشفاء من ألم المو ... ت ولا نجاة كتاب النجاة وكفر الغزالي ابن سينا في أصول. منها قوله لأجساد لا تحشر وإنما المثاب والمعاقب هي الأرواح وقوله بقدم العالم واعتقاد هذا كفر صريح (لأبي الفرج الملطي) مؤرخو المسلمين ابن الأثير (555-630هـ) (1159-1233م) أبو الحسن علي بن عبد الواحد الشيباني المعروف بابن الأثير الجزري الملقب عز الدين. ولد بالجزيرة ونشأ بها ثم سار إلى الموصل مع والده وأخويه. وسكن الموصل وسمع بها من أبي الفضل عبد الله بن أحمد الخطيب الطوسي ومن في طبقته. وقد بغداد مرارا حاجا ورسولا من صاحب الموصل. ثم رحل إلى الشام والقدس وسمع هناك من جماعة. ثم عاد إلى الموصل ولزم بيته منقطعا إلى التوفير على النظر في العلم والتصنيف. وكان بيته مجمع الفضل لأهل الموصل والواردين عليها. وكان إماما في حفظ الحديث ومعرفته وما يتعلق به وحافظا للتواريخ المتقدمة والمتأخرة. وأخيرا بأنساب العرب وأيامهم ووقائعم وأخبارهم. صنف في التاريخ كتابا كبيرا سماه الكامل ابتدأ فيه من أول الزمان إلى آخر سنة ثمان وعشرين وستمائة. وهو من خيار التواريخ واختصر كتاب الأنساب لأبي سعد عبد الكريم المسعاني. واستدرك عليه فيه مواضع ونبه على أغلاط. وزاد أشياء أهملها. وهو كتاب مفيد جدا وأكثر ما يوجد اليوم بأيدي الناس هذا المختصر. وله كتاب أخبار الصحابة في ست مجلدات كبار. وأقام بحلب بصورة الضيف عند الطواشي شهاب الدين طغريل الخادم أتابك الملك العزيز ابن الملك الظاهر صاحب حلب وكانت فيها وفاته (لابن خلكان) ابن خلدون (732-808هـ) (1332-1406م) هو محمد بن عبد الرحمان بن خلدون الحضرمي قاضي القضاة وينسب سلفه غلى وائل بن حجر من عرب اليمن. وكانوا نزلاء اشبيلية فعند الحادثة بالأندلس انتقلوا منها عن نباهة وشهرة واستقروا بتونس. وأما المترجم به فهو رجل فاضل حسن الخلق. جم الفضائل باهر الخصل. رفيع القدر ظاهر الحياء. أصيل المجد وقور المجلس. خاصي الزي عالي الهمة. عزوف عن الضيم صعب المقادة. قوي الجاش طامح لفتن الرئاسة. خاطب للحظ متقدم في فنون عقلية ونقلية. متعدد المزايا سديد البحث كثير الحفظ صحيح التصور. بارع الخط مغرى بالتجلة. جواد حسن العشرة مبذول المشاركة. مقيم لرسم التعين عاكف على رعي خلال الأصالة. مفخر من مفاخر التخوم المغربية. قرأ القرآن ببلده. وتأدب بأبيه وانصرف من أفريقية منشئه

أبو الفداء (672-732 هـ) (1273-1331 م)

بعد أن تعلق بالخدمة السلطانية على الحداثة وإقامته لرسم العلامة بحكم الاستبانة عام ثلاثة وخمسين وسبعمائة. وعرف فضله وخطبه السلطان منفق سوق العلم والأدب أبو عنان فارس ابن علي بن عثمان واستحضره بمجلس المذاكرة. فعرف حقه وأوجب فضله واستعمله على الكتابة أوائل عام ستة وخمسين. ثم عظم عليه حمل الخاصة من طلبة الحضرة لبعده عن حسن التأني وشفوفه بثقوب الفهم وجودة الإدراك. فأغروا به السلطان. فأصابته شدة تخلصه منها أجله إلى أن أفضى الأمر إلى السعيد ولده. فاعتبه قيم الملك لحينه وأعاده غلى رسمه ودالت الدولة إلى السلطان أبي سالم وكان له به الاتصال قبل تسوغ المحنة بما أكد حظوته. فقلده ديوان الإنشاء مطلق الجرايات محرر السهام نبيه الرتبة إلى آخر أيامه. ولما ألقت الدولة مقادها بعده إلى الوزير عمر بن عبد الله مدبر الأمر وله إليه وسيلة وفي حليه شركة وعنده حق رابه تقصيره عما ارتمى إليه أمله فساء ما بينهما بما آلي إلى انفصاله عن الباب المريني. وورد على الأندلس في أول ربيع الأول عام أربعة وستين وسبعمائة. واهتز له السلطان وأركب خاصته لتلقيه وأكرم وفادته. وخلع عليه وأجلسه بمجلسه. ولم يدخر عنه برا ومؤاكلة ومراكبة ومطايبة. وله التاريخ الكبير الذي سماه ديوان العبر وكتاب المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر. وقد عرف في آخره بنفسه وأطال وذكر أنه لما كان بالأندلس وحظي عند السلطان أبي عبد الله شم من وزيره ابن الخطيب رائحة الانقباض فقوض الرحال ولم يرض من الإقامة بحال. ولعب بكرته صوالجة الأقدار. حتى حل بالقاهرة المعزية وتخذها خير دار. وتولى بها قضاء القضاة. ثم قدم على تمرلنك. فأكرمه غاية الإكرام وأعاده إلى الديار المصرية. وقد كان ابن خلدون هذا من عجائب الزمان. وله من النظم والنثر ما يزري بعقود الجمان. مع الهمة العلية. والتبحر في العلوم النقلية والعقلية. وكانت وفاته بالقاهرة. قال الحاج خليفة: ومقدمة ابن خلدون المشهورة هي الكتاب الأول من تاريخه المذكور آنفا وهي في العمران وما يعرض له. ولابن خلدون نظم رائق منه قوله يهنئ بعض الوزراء: هنيئا بصوم لا عداه قبول ... وبشرى بعيد أنت فيه منيل وهنئتها من عزة وسعادة ... تتابع أعوام بها وفصول سقى الله دهرا أنت إنسان عينه ... ولامس ربعا في حماك محول فعصرك مابين الليالي مواسم ... لها غرر وضاحة وحجول (للمقري) أبو الفداء (672-732 هـ) (1273-1331 م) إسماعيل بن علي بن شذي الملك المؤيد عماد الدين أبو الفداء صاحب حماة برع في الفقه والأصول والعربية والتاريخ والأدب وصار من جملة أمراء دمشق إلى أن كان الملك الناصر محمد بن قلاوون بالكرك بالغ في خدمته إلى أن وعده الملك الناصر محمد بسلطنة حماة

ثم قام بوعده بعد مدة وجعل أبا الفداء سلطانا على حماة. واحضره إلى القاهرة فأكرمه وأركبه بشعار السلطنة ومشى الأمراء والأكابر في خدمته حتى مشى الأمير أرغون النائب بالديار المصرية. وقام له الملك الناصر بكل ما يحتاج إليه من التشريف والإنعامات على وجوه الدولة والخيول بقماش الذهب وغير ذلك ولقبه بالملك الصالح وأمره بالتوجه إلى محل سلطنته بحماة. فخرج إليها من ديار مصر بتحمل زائد وعظمة على عادة الملوك. فوصلها في جمادى الآخرى سنة عشر وسبعمائة. وعاد معه إلى القاهرة وأذن له أن يخطب باسمه بحماة وأعماله إلى القاهرة ومعه أنواع من الهدايا والتحف للملك الناصر محمد بن قلاوون ويعود إلى محل سلطنته. ثم في كل قليل يتحف الملك الناصر بالأشياء الظريفة الغريبة. قال بعضهم في وصفه: هو الملك الجليل. وأما ظله ظليل. عالم تخفق بالنصر أعلامه. وحاكم تجري لمصالح الرعية أقلامه. بيته مشيد. وملكه مؤيد وصدره للطالبين مشروح. وبابه لأرباب الفضائل مفتوح. كان جوادا سخيا. باسلا كميا. ممدوحا محمودا. منتابا مقصودا. ذا تدبير وسياسة وحشمة ورئاسة. وفضل ومكارم. وحلم ومراحم وعدل وإنصاف. ومعروف وأوقاف. يحب أهل العلم والأدب. ويفيض عليهم سحائب القرب والقرب. زاحم بهمته النجوم. وشارك في عدة من العلوم. وألف تاريخا كثير الفوائد. ونظم الحاوي نظما يسخر بالعقود والقلائد. وله مصنفات معروفة. وقريض به قراضة ذهبه موصوفة. باشر النيابة ثم السلطنة بحماة مدة طويلة. وأسدى إلى سكان حماها ما استوجب به شكر مناقبه الجميلة وكان له نظم ونثر وتصانيف كثيرة. وكتاب تقويم البلدان هذبه وجدوله. وكتاب الموازين. وكانت وفاته بحماة ودفن في ترتبه المعروفة بإنشائه عن ستين سنة. ورثاه محمد بن نباتة المصري بعد مراثٍ أشهرها قوله: ما للندى لا يلبي صوت داعيه ... أظن أن ابن شاذ قام ناعيه ما للرجاء قد استدت مذاهبه ... وللزمان قد اسودت نواحيه ما لي أرى الملك قد قضت مواقفه ... ما لي أرى الوفد قد فاضت مآقيه نعى المؤيد ناعيه فيما أسفا ... للغيث كيف غدت عنا غواديه وا روعتا لصباح من زريته ... أظن أن صباح الحشر ثانية وا حسرتاه لنظمي في مدائحه ... كيف استحال لنظمي في مراثيه أبكيه بالدر من جفني ومن كلمي ... والبحر أحسن ما بالدر أبكيه أروي بدمعي ثرى ملك له شيم ... قد كان يذكرها الصادي فترويه

الطبري (224-310هـ) (829-923م)

أذيل ماء جفوني بعده أسفا ... لماء وجهي الذي قد كان يحميه جار من الدمع لا ينفك يطلقه ... من كان يطلق بالأنعام جاريه ومهجة كلما فاهت لوعتها ... قالت رزية مولاها لها ايه ليت المؤيد لا زادت عوارفه ... فزاد قلبي المعنى من تلظيه ليت الأصاغر يفدى الأكبرون بها ... فكانت الشهب في الآفاق تفديه الطبري (224-310هـ) (829-923م) أبو جعفر محمد بن جرير صاحب التفسير الكبير والتاريخ الشهير. كان أحد أئمة العلماء بحكم قوله يرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله. وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره. وكان بصيرا عارفا بأيام الناس. وتاريخه أصح التواريخ وأثبتها لم يقلد فيه أحدا. واستوطن الطبري بغداد وأقام فيها حتى توفي. وكان أسمر إلى الأدمة أعين نحيف الجسم مديد القامة فصيح اللسان ذكر له أبو إسحاق الشيرازي شعرا: إذا أعرت لم يعلم شقيقي ... واستغني فيستغني صديقي حبائي حافظ لي ماء وجهي ... ورفقي في مطالبتي رفيقي ولو أني سمحت ببذل نفسي ... لكنت إلى الغنى سهل الطريق تقي الدين المقريزي (766-845هـ) (1365-1442م) هو أحمر بن عبد الصمد الشيخ الإمام العالم البارع عمدة المؤرخين وعين المحدثين تقي الدين المقريزي البعلبكي الأصل المصري الدار والوفاة. نشأ بالقاهرة وتفقه على مذهب الحنفية. ثم تحول شافعيا بعد مدة طويلة. وتفقه وبرع وصنف التصانيف المفيدة النافعة الجامعة لكل علم. وكان ضابطاً مؤرخاً مفنناً محدثاً معظماً في الدول. وفي حسبة القاهرة أول ولايته من قبل الملك الظاهر برقوق عوضا عن شمس الدين محمد النجانسي ثم عزل بالقاضي بدر الدين العينتابي ثم وليها عنه أيضا وولي عدة وظائف دينية. وعرض عليه قضاء دمشق في أوائل الدولة الناصرية فأبى أن يقبل ذلك. وكان إماماً مفنناً كتب الكتب الكثيرة بخطه وانتقى أشياء وحصل الفوائد. واشتهر ذكره في حياته وبعد موته في التاريخ وغيره. حتى صار به يضرب المثل. وكان له محاسن شتى ومحاضرة جيدة إلى الغاية لاسيما في ذكر السلف من العلماء والملوك وغير ذلك. وكان منقطعا في داره ملازما للعبادة قل أن يتردد إلى أحد إلا لضرورة. وقرأت عليه كثيرا من مصنفاته وكان يرجع إلى قولي فيما أذكره له من الصواب ويغير ما كتبه أولا في مصنفاته. وانتفعت به واستفدت منه وكان كثير الكتباة والتصنيف. وصنف كتبا كثيرة من ذلك إمتاع الأسماع في ستة مجلدات وهو كتاب نفيس وله كتاب

الواقدي (130-207هـ) (747-823م)

الخبر عن البشر ذكر فيه القبائل في أربعة مجلدات وعمل له مقدمة في مجلد. وكتاب السلوك في معرفة دول الملوك في عدو مجلدات يشتمل على ذكر ما وقع من الحوادث غلى يوم وفاته. وله تاريخه الكبير المقفي في تراجم أهل مصر والواردين إليها ولو كمل هذا التاريخ تجاوز الثمانين مجلدا. وله كتاب المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار في عدو مجدلات وهو في غاية الحسن. وكتاب مجمع الفوائد ومنبع العوائد كمل منه نحو الثمانين مجلدا كالتذكرة وكتاب شذور العقود وكتاب الأوزان والأكيال الشرعية. وكتاب إزالة التعب والعناء في معرفة الحال في الغناء. وكتاب المقاصد السنية في الأجسام المعدنية. وله عدة تصانيف أخر ولم يزل ضابطا حافظا للوقائع والتاريخ إلى أن توفي ودفن بالقاهرة (المنهل الصافي لأبي المحاسن) الواقدي (130-207هـ) (747-823م) أبو عبد الله محمد الواقدي المدني مولى بني هاشم. كان إماما عالما له التصانيف في المغازي وغيرها. وله كتاب الردة ذكر فيه ارتداد العرب. ويعزى إليه تاريخ فتوح الشام والجزيرة وغيرهما. وتولى الواقدي القضاء بشرقي بغداد وكان المأمون يكرم جانبه ويبالغ في رعايته. ومن غريب ما أخبر الواقدي عن نفسه ما نصه قال: كان لي صديقان أحدهما هاشمي وكنا كنفس واحدة فنالتين ضائقة شديدة وحضر العيد. فقالت امرأتي: أما نحن في أنفسنا فنصبر على البؤس والشدة. وأما صبياننا هؤلاء فقد قطعوا قلبي لأنهم يرون صبيان الجيران قد تزينوا في عيدهم وأصلحوا ثيابهم وهم على هذه الحال من الثياب الرثة فلو احتلت في شيء فصرفته في كسوتهم. (قال) فكتبت إلى صديقي الهاشمي أسأله التوسعة علي بما حضر فوجه إلي كيسا مختوما ذكر أن فيه ألف درهم. فما استقر قراري حتى كتب إلي الصديق الآخر يشكو مثل ما شكوت لي صاحبي الهاشمي. فوجهت إليه الكيس بختمه وخرجت إلى المسجد فأقمت فيه ليلتي مستحيا من امرأتي. فلما دخلت عليها استحسنت ما كان مني ولم تعنفني عليه. فبينا أنا كذلك إذ وافى صديقي الهاشمي ومعه الكيس كهيئته. فقال لي: أصدقني عما فعلته فيما وجهت به إليك. فعرفته الخبر على وجهه فقال لي: إنك وجهت إلى وما أملك على الأرض إلا ما بعثت به إليك. وكتبت إلى صديقنا أسأله المواساة فوجه كيسي بخاتمي. قال الواقدي: فتواسينا ألف درهم فيما بيننا. ونمى الخبر إلى المأمون فدعا بي فشرحت له الخبر فأمر لنا بسبعة آلاف دينار لكل واحد منا ألفي دينار وللمرأة ألف دينار (وفيات الأعيان لابن خلكان)

الباب السابع عشر في التاريخ

الباب السابع عشر في التاريخ دولة العباسيين ابتداء دولة بني عباس (750) خلافة السفاح (750-754م) لما اضطرب حبل بني أمية انتقل الملك إلى آل عباس. واعلم أن الدولة العباسية كانت دولة ذات خدع ودهاء وغدر. وكان قسم التحيل والمخادعة فيها أوفر من قسم القوة والشدة خصوصا في أواخرها. فإن المتأخرين منهم بطلوا قوة الشدة والنجدة وركنوا إلى الحيل والخدع. إلا أنها كانت دولة كثيرة المحاسن جمة المكارم أسواق العلوم فيها قائمة. وبضائع الآداب فيها نافقة. وشعائر الدين فيها معظمة. والخيرات فيها دائرة. والدنيا عامرة. والحرمات مرعية. والثغور محصنة. حتى كانت آخرها فانتشر الجبر واضطرب الأمر وأول من تولى الخلافة منهم أبو العباس السافح (132هـ) . وكان كريما وقورا عاقلا كاملا كثير الحياء حسن الأخلاق. وتحول السفاح من الحيرة غلى الأنبار. ولما استوثق له الأمر تتبع بقايا بني أمية ورجالهم فوضع السيف فيهم وأغراه على قتلهم سديف الشاعر فأنشده وسليمان بن عبد الملك حاضر في مجلسه مع سبعين رجلا من بني أمية: لا يغرنك ما ترى من رجال ... إن تحت الضلوع داء دويا

أبو جعفر المنصور (754-755)

فضع السيف وارفع السوط حتى ... لا ترى فوق ظهرها أمويا فالتفت أحدهم إلى من بجانبه وقال: قتلنا العبد. ثم أمر بهم السفاح فضربوا بالسيوف حتى قتلوا. وبسط النطوع عليهم وجلس فوقهم فأكل الطعام وهو يسمع أنين بعضهم حتى ماتوا جميعا. وبالغ بنو العباس في استئصال شأفة بني أمية حتى نبشوا قبورهم بدمشق واستصفوا أموال أصحابهم. ثم لم تطل مدة السفاح حتى مات بالأنبار سنة مئة وست وثلاثين. واستوزر له حفص بن سليمان أبو سلمة الخلال وكان سمحا كريما مطماعا كثير البذل مشغوفاً بالتنوق بالسلاح والدواب فصيحا عالما بالأخبار والأشعار والسير والجدل والتفسير حاضر الحجة ذا يسار ومرؤة ظاهرة. فلما بويع السفاح استوزره وفوض الأمور إليه وسلم إليه الدواوين ولقب وزير آل محمد. ثم تغير عليه وكتب إلى أبي مسلم يعلمه بما عزم عليه أبو سلمة من نقل الدولة عن بني عباس. فلما قرأ أبو مسلم الكتاب فطن لغرض السفاح فأرسل قوما من أهل خرسان قتلوا أبا سلمة (للفخري) أبو جعفر المنصور (754-755) بويع السفاح في سنة مئة وست وثلاثين. وكان المنصور من عظماء الملوك وحزمائهم وعقلائهم وذوي الآراء الصائبة منهم والتدبيرات السديدة. وقورا شديد الوقار حسن الخلق في الخلوة من أشد الناس احتمالا لما يكون من عبث أو مزاح. وكان يلبس الخشن وربما رقع

قميصه ولم يكن يرى في دار المنصور لهو ولعب. قال يزيد بن هبيرة: ما رأيت رجلا في حرب أو سلم أمكر أو أنكر ولا أشد تيقظا من المنصور. لقد حاصرني تسعة شهور ومعي فرسان العرب فجهدنا كل الجهد حتى ننال من عسكره شيئا فما قدرنا لشدة ضبطه له وتيقظه. ورتب القواعد وأقم الناموس. وكان مبخلاً يضرب بشحه الأمثال. فسمي لبخله أبا الدوانيق لمحاسبة العمال والصناع على الدانق والحبة. والصحيح أنه كان رجلا حازما يعطي في موضع العطاء ويمنع في موضع المنع. وكان المنع عليه أغلب. ولما بويع للمنصور قتل أبا مسلم الخراساني وكان سبب قتله أن أبا مسلم كان قد قدم من الحج مع أبي جعفر المنصور فأرسله لقتال عمه عبد الله بن علي وكان عبد الله بأرض نصيبين. فاقتتل هو وأبو مسلم عدة دفوع حتى انهزم عبد الله بن علي وظفر بعسكره. فكتب المنصور إلى أبي مسلم بالولاية على مصر والشام وصرفه عن خراسان. فلم يجب أبو مسلم إلى ذلك وتوجه يريد خراسان. فخافه أبو جعفر المنصور وأجمع الرأي وعلم المكايد وهجر النوم إلى أن اقتنصه. فلما دخل على المنصور أقبل عليه يعاتبه ويذكر عثراته. فجعل أبو مسلم يعتذر إليه. فقال: قتلني الله إن لم أقتلك. ثم أوعز إلى حرسه فضربوه بسيوفهم وهو يصرخ ويستأمن ويقول: استبقني لعدوك يا أمير المؤمنين. فقال له المنصور: وأي عدو إلي أعدى منك. وكان أبو مسلم ذا رأي وتدبير وحزم

ومروءة. وكان فتاكا قاسي القلب سوطه سيفه. وفي عهده خرج الراوندية وكان هؤلاء قوما من أتباع أبي مسلم يقولون بالتناسخ. فحبس المنصور نحوا من مائتين منهم فغضب الباقون واجتمعوا وحملوا بينهم نعشا كأنهم في جنازة وجاؤوا إلى السجن فرموا بالنعش وأخرجوا أصحابهم. وحملوا على الناس ستمائة رجل وقصدوا قصر المنصور. فخرج المنصور من القصر ماشيا وجاء معن بن زائدة الشيباني وكان مستخفياً من المنصور لقتاله مع ابن هبيرة وقد اشتد طلب المنصور له. فحضر عنده متلثما هذا اليوم فقاتل بين يديه قتلا شديدا وأبلى بلاء حسنا. وكان المنصور راكبا على بغلة ولجامها في يد الربيع حاجبه فأتي معن وقال: تنح فأنا أحق بهذا اللجام في هذا الوقت. فقال المنصور: صدق. ادفع اللجام إليه. فلم يزل يقاتل حتى انكشفت الحال وظفر بالراوندية فاستنسبه المنصور فقال: طلبتك يا أمير المؤمنين معن بن زائدة. فقال: قد أمنك الله على نفسك ومالك ومثله يصطنع وأحسن إليه وولاه اليمن (تاريخ ابن خلدون)

وفي أيام المنصور نبغت الدولة البرمكية. وكان السفاح قد استورد بعد أبي سلمة خالد بن برمك من رجال الدولة العباسية. وكان خالد فاضلا جليلا كريما حازما يقظا خف على قلب الخليفة وكان عظيم المنزلة عنده. فكثر الوافدون على باب خالد ومدحه الشعراء وانتجعه الناس. فلما تولى المنصور الخلافة أقره على وزارته وأكرمه واستشاره. وكانت وفاة المنصور سنة ثمان وخمسين ومائة ببير ميمونة على أميال من مكة وهو محرم بالحج وهو ابن ثلاث وستين سنة. وكان طويلا أسمر نحيفا خفيف اللحية رحب الجبهة كأن عينيه لسانان ناطقان. صارما مهيبا ذا جبروت وسطوة

محمد المهدي (775-785) وابنه موسى الهادي (785-786)

محمد المهدي (775-785) وابنه موسى الهادي (785-786) ثم قام بالأمر بعده ابنه المهدي بالله. بويع له بالخلافة يوم وفاة أبيه المنصور بعهد منه. وأول من بين تعزيته وتهنئته أبو دلامة فقال: عيناي واحدة ترى مسرورة ... بأميرها جذلى وأخرى تذرف تبكي وتضحك تارة ويسؤها ... ما نكرت ويسرها ما تعرف فيسؤها موت الخليفة محرما ويسرها أن قام هذا يخلف ما إن رأيت كما رأيت ولا أرى ... شعرا أسرحه وآخر أنتف هذا حباه الله فضل خلافة ... ولذاك جنات النعيم تزخرف وكان المهدي شهما فطنا كريما شديدا على أهل الإلحاد والزندقة. لا تأخذه في إهلاكهم لومة لائم. وكانت أيامه شبيهة بأيام أبيه في الفتوق والحوادث والخوارج. وكان يجلس في كل وقت لرد المظالم. وفي سنة خمس وستين ومائة سير المهدي ابنه الرشيد لغزو الروم فسار حتى بلغ خليج قسطنطينية وصاحب الروم وقتئذ إيريني امرأة لاون الملك. وذلك أن ابنها كان صغيرا قد هلك أبوه وهو في حجرها فجزعت المرأة من المسلمين. وطلبت الصلح من الرشيد فجرى الصلح بينهم على الفدية. ومات المهدي بما سبذان واختلف في موته ولما توفي المهدي كان الرشيد معه في ما سبذان فكتب على الهادي يعلمه بوفاة المهدي والبيعة له. فنادى بالرحيل إلى بغداد ولما قدمها استوزر الربيع بن يونس. وكان الربيع جليلا نبيلا منفذا للأمور

هارون الرشيد (786-809)

مهيبا فصحيا كافيا حازما خبيرا بالحساب والأعمال. حاذقا بأمور الملك بصيرا بما يأتي ويذر محبا لفعل الخير. وتتبع الهادي الزنادقة لوم تطل مدته. وسبب وفاته أنه لما ولي الخلافة كانت أمه الخيرزان تستبد بالأمور دونه وكلمته يوما في أمر لم يجد إلى إجابتها سبيلا. فقالت: لا بد من الإجابة إليه. فغضب الهادي وقال: والله لأقضيتها لك. قالت: إذا لا أسألك حاجة أبدا. قال: لا أبالي. فقامت مغضبة فقال: مكانك. والله لئن بلغني أنه وقف في بابك أحد من قوادي لأضربن عنقه. ما هذه المواكب التي تغدو وتروح غلى بابك. أما لك مغزل يشغلك أو مصحف يذكرك أو بيت يصونك. فانصرفت وهي لا تعقل ووضعت جواريها عليه لما مرض فقتلنه بالغم وبالجلوس على وجهه فمات. وكانت خلافته سنة وثلاثة أشهر هارون الرشيد (786-809) وولي بعد الهادي بعهد من أبيه أخوه هارون الرشيد الخامس من العباسيين سنة سبعين ومئة ومولده في الري. وأمه الخيزران أم الهادي وفيها قال مروان بن أبي حفصة الشاعر: يا خيزران هناك ثم هناك ... أمسى يسوس العالمين ابناك وكان فصيحا بليغا أديبا كثير العبادة كثير الحج. قال فيه شاعر: فمن يطلب لقاءك أو يرده ... ففي الحرمين أو أقصى الثغور وكان يصلي في خلافته كل يوم مائة ركعة لا يتركها إلا لعلة.

ويتصدق كل يوم من صلب ماله بألف درهم. ويحب العلم وأهله ويعظم حرمات الإسلام. ومن غريب ما اتفق لهارون الرشيد أن لآخاه موسى الهادي لما ولي الخلافة سأل عن خاتم عظيم القدر كان لأبيه المهدي. فبلغه أن الرشيد أخذه فطلبه منه فامتنع من إعطائه فألح عليه فيه فحنق عليه الرشيد. ومر على جسر بغداد فرماه في الدجلة. فلما مات الهادي وولي الرشيد الخلافة أتي ذلك المكان بعينه ومعه خاتم رصاص. فرماه في ذلك المكان فأمر الغطاسين أن يلتمسوه فغاصوا عليه فاستخرجوا الخاتم الأول. فسر به الرشيد وعد ذلك من سعادته وإبقاء ملكه. وكان الرشيد يبكي على نفسه وعلى إسرافه وذنوبه. وكان قاضيه الإمام أبو يوسف. وكان يعظمه كثيرا ويمتثل أمره. وله مناقب لا تحصى ومحاسن لا تستقصى وله أخبار في اللهو واللذات سامحه الله. وفي أول خلافته حج بالناس وفرق مالا كثيرا. وكان حجه ماشيا على اللبود تفرش له منزل إلى منزل. وفي سنة اثنتين وسبعين ومائة بايع الرشيد لعبد الله المأمون بولاية العهد بعد الأمين وولاه خراسان وما يتصل بها إلى همذان ولقبه المأمون وسلمه غلى جعفر بن يحيى البرمكي. وغزا المسلمون بالصائفة فبلغوا أفسس مدينة أصحاب الكهف. واستعمل الرشيد حميد بن معيوب على الأساطيل ممن بسواحل الشام ومصر إلى قبرس فهزم وخرب وسبى من أهلها نحوا من سبعة عشر ألفا وجاء بهم إلى الواقعة

فبيعوا بها. وفي سنة سبع وثمانين ومائة خلعت الروم إيريني الملكة وملكوا نيفيفوز وكانت إيريني تعظم الرشيد وتبجله وتدر عليه الهدايا. فلما تولى نيقيفور وعاث وتمكن من ملكه كتب إلى الرشيد: من نيقيفور ملك الروم إلى الرشيد ملك العرب. أما بعد فإن الملكة إيريني كانت وضعتك موضع الملوك ووضعت نفسها موضع السوقة. وإني واضعك بغير ذلك الموضع وعامل على تطرق بلادك والهجوم على أمصارك أو تؤدي إلى ما كانت المرأة تؤدي إليك. والسلام. فلما ورد كتابه على الرشيد استفزه الغضب وكتب إليه: بسم الله الرحمان الرحيم من عبد الله هارون أمير المؤمنين إلى نيقيفور زعيم الروم. فهمت كتابك والجواب ما تراه دون ما تسمعه. ثم شخص من شهره ذلك يوم بلاد الروم في جميع لم يسمع بمثله وقواد لا يجارون نجدة ورأيا. فلما بلغ ذلك نيقيفور ضاقت عليه الأرض بما رحبت. وجد الرشيد يتوغل بلاد الروم فيقتل ويغنم ويسبي ويخرب الحصون ويعفي الآثار حتى أناخ على هرقلة وهي من أوثق حصن وأعزه جانبا وأمنعه ركنا. فحصر الرشيد أهلها وغمهم وألح بالمجانيق والسهام والعرادات حتى رموا سورها وفتح الأهل ألأبواب مستأمنين. وفي هذه السنة ذاتها أوقع الرشيد بالبرامكة وقتل جعفر بن يحيى وكتب إلى العمال في جميع النواحي بالقبض على البرامكة واستصفى ما لهم.

وفي سنة اثنتين وتسعين ومائة سار الرشيد من الرقة إلى بغداد يريد خراسان لحرب رافع بن الليث وكان ظهر ببلاد ما وراء النهر مخالفا للرشيد بسمرقند. ولما صار الخليفة ببعض الطريق ابتدأت به العلة ولما بلغ جرجان في صفر اشتد مرضه وكان معه ابنه المأمون في مسيره إلى مرو ومعه جماعة من القواد وسار الرشيد إلى طوس فمات ودفن بها سنة ثلاث وتسعين ومائة. وكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة. وكان عمره سبعا وأربعين سنة وكان جميلا أبيض جعدا قد وخطه الشيب. قال النهر والي: أعلم أن مما يتحققه العاقل أن الدنيا دار الأكدار وأن

الأمين بن الرشيد (809-813)

أخف الخلق بلاء وألما الفقراء. وأعظم الناس تعبا وهما وغما هم الملوك والأمراء. فارض بحال فقرك. ولا تتعد طورك. إن هارون الرشيد من أعقل الخلفاء العباسيين وأكملهم رأيا وتدبيرا وفطنة وقوة واتساع مملكة وكثرة خزائن بحيث كان يقول للسحابة: أمطري حيث شئت فإن خراج الأرض التي تمطرين فيها يجيء إلي. ومع ذلك كان أتعبهم خاطرا وأشغلهم قلبا (لأبي الفرج الملطي وغيره بتصرف) الأمين بن الرشيد (809-813) انتهى الأمر إليه بعد أبيه. وكان الأمين كثير اللهو واللعب منقطعا إلى ذلك مشتغلا به عن تدبير مملكته. فأقبل ينكث عهد المأمون وسعى بخلعه والبيعة لبنه موسى. فأمر له بالدعاء على المنابر ونهى عن الدعاء للمأمون. وأمر بإبطال ما ضرب المأمون من الدراهم والدنانير بخراسان فنمى الشر بينهما. فجهز المأمون لقتاله طاهر ابن الحسين وهرثمة بن أعين فسارا إليه وحاصراه ببغداد. وتراموا بالمنجانيق وأقام الحصار مدة سنة فتضايق الأمر على الأمين وفارقه أكثر أصحابه. وكتب طاهر إلى وجوه أهل بغداد سرا يعدهم إن أعانوه ويتوعدهم إن لم يدخلوا في طاعته. فأجابوه وصرحوا بخلع الأمين فنجا الأمين بنفسه وركب حراقة أعدها له هرثمة. وكان وعده بالأمان. فلما صار الأمين في الحراقة خرج عليه أصحاب طاهر وكانوا كمنوا له. فرموا الحراقة بالحجارة فانكفأت بمن فيها. فشق

عبد الله المأمون أخو الأمين (813-833)

الأمين ثيابه وسبح إلى بستان فأدركوه وحملوه إلى طاهر. فبعث إليه جماعة وأمرهم بقتله فاحتزوا رأسه. فأمر طاهر بنصبه فلما رآه الناس سكنت الفتنة. ثم جهزه طاهر إلى المأمون وصحبته خاتم الخلافة. فشكر المأمون الله على ما رزقه من الظفر. (للدميري) عبد الله المأمون أخو الأمين (813-833) بويع له البيعة العامة في بغداد في سنة ثمان وتسعين ومائة. وكان المأمون من أفاضل الخلفاء وعلمائهم وحكمائهم وحلمائهم. أتم رجال بني عباس حزما وعزما وفراسة وفهما. وكان قد أخذ من العلوم بقسط. وضرب فيها بسهم. وتأدب وتفقه وبرع في فنون التاريخ والأدب والنجوم ولما كبر اعتنى بالفلسفة وعلوم الأول. وهو الذي استخرج كتاب إقليدس وأمر بترجمته وتفصيله. وعقد المجالس في خلافته للمناظرة في الأديان والمقالات. وكان المأمون عظيم العفو جوادا بالمال وكان يقول: لو يعلم الناس ما أجد في العفو من اللذة لتقربوا غلي بالذنوب وكان أبيض مليح الوجه مربوعاً طويل اللحية دينا عارفا بالعلم فيه دهاء وسياسة. وفي أيامه خرج عليه إبراهيم بن المهدي عمه فبايعه بعض بني العباس وخلعوا المأمون فجد المأمون في المسير إلى بغداد فظفر بإبراهيم ولم يؤاخذه وأحسن إليه. ثم صفا الملك بعد ذلك للمأمون وسكنت الفتن

العلوم في زمانه

وقام المأمون بأنباء الخلافة وتدبير المملكة قيام حزماء الملوك وفضلائهم. ثم خرج إلى الثغر ودخل بلاد الجزيرة والشام وأقام بها مدة طويلة ثم غزا الروم وفتح فتوحات كثيرة وأبلى بلاء حسنا. وتوفي في بعض غزواته سنة ثماني عشرة ومائتين وهو ابن تسع وأربعين سنة. وكانت خلافته عشرين سنة ودفن بطرسوس العلوم في زمانه قال القاضي صاعد بن أحمد الأندلسي: إن العرب في صدر الإسلام لم تعن بشيء من العلوم إلا بلغتها ومعرفة أحكام شريعتها حاشا صناعة الطب. فإنها كانت موجودة عند أفراد منهم غير منكورة عند جماهيرهم لحاجة الناس طرأ غليها. فهذه كانت حال العرب في الدولة الأموية. فلما أدال الله تعالى للهاشمية وصرف الملك إليهم ثابت الهمم من غفلتها. وهبت الفطن من ميتتها. فكان أول من عني منهم بالعلوم الخليفة الثاني أبو جعفر المنصور. وكان مع براعته في الفقه كلفا في علم الفلسفة وخاصة في علم النجوم. ثم لما أفضت الخلافة فيهم إلى الخليفة السابع عبد الله المأمون بن هارون الرشيد تمم ما بدأ به جده المنصور فأقبل على طلب العلم في مواضعه. وداخل ملوك الروم وسألهم صلته بما لديهم من كتب الفلسفة. فبعثوا غليه منها ما حضرهم. فاستجاد لها مهرة التراجمة وكلفهم إحكام ترجمتها. فترجمت له على غاية ما أمكن ثم حرص الناس على قراءتها

أخوه المعتصم بالله (833-842)

ورغبتهم في تعليمها. فكان يخلو بالحكماء ويأنس بمناظرتهم ويلتذ بمذاكراتهم علما منه بأن أهل العلم هم صفوة الله من خلقه ونخبته من عباده. إنهم صرفوا عنايتهم إلى نيل فضائل النفس الناطقة وزهدوا فيما يرغب فيه الصين والترك. ومن نزع منزعهم من التنافس في دقة الصنائع العملية. والتباهي بأخلاق النفس والتفاخر بالقوى. إذ علموا أن البهائم تشركهم فيها وتفضلهم في كثير منها. فلهذا السبب كان أهل العلم مصابيح الدجى وسادة البشر وأوحشت الدنيا لفقدهم. أخوه المعتصم بالله (833-842) بويع يوم وفاة المأمون ولما بويع له تشغب الجند ونادوا باسم العباس بن المأمون فخرج إليهم العباس وقال لهم: قد بايعت عمي فسكنوا. وكان المعتصم سديد الرأي يحمل ألف رطل ويمشي بها. وانتشأ عامياً يكتب كتابة مغشوشة ويقرأ قراءة ضعيفة. وهو أول من أدخل الأتراك الدواوين وكان يتشبه بملوك الأعاجم. وبلغ غلمانه الأتراك ثمانية عشرة ألفاً. وألبسهم أطواق الذهب والديباج وكانوا يطردون الخيل في بغداد فضاقت بهم المدينة وتأذى بهم الناس. فبنى المعتصم مدينة سر من رأى بقرب بغداد وانتقل إليها سنة (220هـ) . وفي سنة ثلاث وعشرون ومائتين خرج توفيل بن ميخائيل ملك الروم إلى بلاد المسلمين فأوقع بأهل زبطرة وعاد غلى مالطية وغيرها فاستباحها قتلا وسبيا. فاستعظمه المعتصم ولما بلغه أن عمورية عين

هارون الواثق (842-847) المتوكل على الله (847-861)

النصرانية وهي أشرف عندهم من قسطنطينية وأنه لم يتعرض أحد إليها منذ كان الإسلام جهز إليها بما لا يماثله أحد من السلاح والآلة والعدد. وجرى بين المسلمين والروم عليها قتال شديد أفضى إلى فتح عمورية. فهدمت وأحرقت بعد أن حاصرها نحو شهرين فقتل من الروم ثلاثين ألفا وأسر ثلاثين ألفا. وفي سنة سبع وعشرين تغير المعتصم على الأفشين بأمر بقتله وتوفي المعتصم سنة 227 وهو أغلظ الخلفاء الذين ألزموا الناس القول بخلق القرآن وجبر علماء الإسلام على ذلك وأذاقهم الهوان وامتحن بذلك أحمد بن حنبل (لأبي الفرج) هارون الواثق (842-847) المتوكل على الله (847-861) ثم ملك بعده ابنه هارون الواثق من أفضل خلفائهم وكان لبيبا فطنا فصيحا شاعرا. وكان يتشبه بالمأمون في حركاته وسكناته. ولما ولي الخلافة أحسن إلى بني عمه الطالبيين وبرهم. ولم يقع في أيامه من الفتوح الكبار والحوادث المشهورة ما يأسر. وفي عهده غزا المسلمون في البحر جزيرة صقلية وفتحوا مدينة مسينة في عهد الملكة ثاودورا. وكانت ملكت بعد توفيل ملك الروم وابنها ميخائيل بن توفيل وهو صبي. ومات الواثق بداء الاستسقاء وكان عمره اثنين وثلاثين سنة. وكان أبيض مليح يعلوه اصفرار حسن اللحن. ثم ولي بعده أخوه جعفر المتوكل على الله وبويع له بالخلافة بسر من رأى. وله من العمر ست وعشرون سنة. فعقد البيعة لبنيه الثلاثة بولاية العهد

تتمة أخبار الخلفاء العباسيين

وهم المنتصر والمعتز والمؤيد. وفي ثماني وثلاثين ومائتين انتهى الروم إلى دمياط بالأساطيل فأحرقوا وسبوا وساروا إلى مصر ورجعوا ولم يعرض لهم أحد. وفي سنة سبع وأربعين كثر المماليك الأتراك في بغداد فاستولوا على المملكة فصار بيدهم الحل والعقد والولاية والعذل إلى أن حملهم الطغيان على العدوان. وسطوا على الخليفة المتوكل وكان بين المتوكل وابنه المنتصر مباينة. فاتفق مع باغر قائدهم فدخلوا عليه في مجلس أنسه وعنده الوزير الفتح بن خاقان فصاح الفتح: ويلكم هذا سيدكم. ورمى بنفسه فضربهما باغر فماتا جميعا تتمة أخبار الخلفاء العباسيين المنتصر بالله (861) المستعين بالله (862) المعتز بالله (866) ثم خلفه ابنه المنتصر بالله ولم يتهن بالخلافة لاستيلاء المماليك الأتراك على المملكة فدسوا إلى طبيبه ليسمه ففصده بمبضع مسموم فمات ستة أشهر من مبايعته. ويحكى أنه بات ليلة في وعكة وانتابه فزعا وهو يبكي فسألته أمه: ما يبكيك. قال: أفسدت ديني ودنياي رايت ابي الساعة وهو يقول: قتلتني يا محمد لأجل الخلافة والله لا تتمتع بها إلا أياما ثم مصيرك إلى النار. فاستمر موهوما من ذلك المنام فما عاش بعد ذلك غلا أياما قلائل. ثم ملك بعده المستعين بالله وهو أحمد بن محمد بن المعتصم بايعه الأمراء وأكابر المماليك ولم يولوا أحدا من ولد المتوكل لئلا يطالب بدمه. وكانت تلك الأيام أيام فتن وحروب وخروج خوارج. واعلم أن المستعين كان مستضعفا في رأيه وعقله وتدبيره. وكانت أيامه شديدة الاضطراب ولم يكن فيه من الخصال المحمودة إلا أنه كان كريما وهوبا خلع في سنة اثنتين وخمسين ثم قتل بعد ذلك. وملك بعده المعتز بالله وهو أبو عبد الله محمد بن المتوكل بويع بالخلافة سنة اثنين وخمسين ومائتين عقيب خلع المستعين وكان المعتز جميل الشخص حسن الصورة. ولم يكن بسيرته ورأيه وعقله بائس إلا أن الأتراك كانوا قد استولوا منذ قتل المتوكل على المملكة واستضعفوا الخلفاء فكان الخليفة في يدهم كالأثير إن شاؤوا أبقوه وإن شاؤوا خلعوه وإن شاؤوا قتلوه. قيل أنه لما جلس المعتز على سرير الخلافة قعد خواصه وأحضر المنجمين وقال لهم: انظروا كم يعيش

المهتدي بالله (869) المعتمد على الله (870) المعتضد بالله (892)

وكم يبقى فيالخلافة. وكان بالمجلس بعض الظرفاء فقال: أنا أعرف من هؤلاء بمقدار عمره وخلافته. فقالوا له: فكم تقول أنه يعيش وكم يملك. قال: مهما أراد الأتراك فلم يبق في المجلس إلا من ضحك. وفي سنة خمس وخمسين ومائتين صار الأتراك إلى المعتز يطلبون أرزاقهم فما طالهم بحقهم. فلما رأوا أنه لا يحصل منه شيء دخل غليه جماعة منهم فجروا برجله إلى باب الحجرة وضربوه بالدبابيس ثم أدخلوه سردابا وجصصوا عليه فمات (للنهراولي) المهتدي بالله (869) المعتمد على الله (870) المعتضد بالله (892) ثم ملك بعده المهتدي بالله وهو أبو عبد الله محمد بن الواثق. كان المهتدي من أحسن الخلفاء مذهبا. وأجملهم طريقة وسيرة وظهرهم ورعا وأكثرهم عبادة. كان يتشه بعمر بن عبد العزيز ويقول: إني أستحي أن يكون في بني أمية مثله ولا يكون مثله في بني العباس. وكان يجلس للمظالم فيحكم حكما يرتضيه الناس وكان يتقلل في مأكوله وملبوسه. وكان المهتدي قد أطرح الملاهي وحرم الغناء والشراب ومنع أصحابه من الظلم والتعدي. وكان سبب المهتدي أنه قتل بعض الموالي فشغب عليه الأتراك وهاجوا وأخذوه أسيرا وعذبوه ليخلع نفسه فلم يفعل فقتلوه وهو ابن سبع وثلاثين سنة. ثم ملك بعده المعتمد على الله وكان مستضعفا وكان أخوه الموفق طلحة الناصر هو الغالب على أموره فللمعتمد الخطبة والسكة والتسمي بأمير المؤمنين ولأخيه طلحة الأمر والنهي وقود العساكر ومحاربة الأعداء ومرابطة الثغور وترتيب الوزراء والأمراء. وكان المعتمد مشغولا عن ذلك بلذاته. وفي أيامه خرج أحمد بن طولون وظفر بحلب وأنطاكية وبقية العواصم واستقل بمصر وأخذ خراجها وكان يومئذ عامرة آهلة. ثم توفي المعتمد وكان أسمر ربعة رقيقا مدور الوجه مليح العينين صغير اللحية أسرع إليه الشيب منهمكا على اللهو والمسكرات. ثم ملك بعده المعتضد بن الموفق وكان شهما عاقلا فاضلا حمدت سيرته ولي والدنيا خربا والثغور مهملة. فقام قياما مرضيا حتى عمرت مملكته وكثرت الأموال وضبطت الثغور. وكان قوي السياسة شديدا على أهل الفساد حاسما لمواد أطماع عساكره عن أذى الرعية. وكانت أيامه أيام فتوق وخوارج كثيرين منهم عمرو بن الليث الصفار. كان قد عظم شأنه وفخم أمره واستولى على أكثر بلاد العجم. فآلت عاقبته إلى القيد والأسر والذل. فقام المعتضد في إصلاح المتشعب من مملكته والعدل في رعيته حتى مات. وكان المعتضد سار إلى الموصل قاصدا إلى الأعراب والأكراد فأوقع بهم وقتل منهم وخرج إلى الجزيرة يريد قلعة ماردين وكانت لحمدان فهدمها وظفر بحمدان ملكها. ومات سنة (289) (للفخري) المكتفي بالله (902) المقتدر بالله (908) القاهر بالله (932) أخذ للمكتفي أبوه البيعة قبل موته بثلاثة أيام. وكان المكتفي من أفاضل الخلفاء وسيما جميلا بديع الحسن دري اللون معتدل الطول وكان حسن العقيدة كارها لسفك الدماء.

الراضي بالله (934) المتقي بالله (940) المستكفي بالله (944) المطيع لله (946)

وفي أيامه ظهر القرامطة وهم قوم من الخوارج خرجوا وقطعوا الدرب على الحاج. واستأصلوا شأفتهم وقتلوا فيهم مقتلة عظيمة. وسرح المكتفي إليهم جيوشا كثيرة فأوقع بهم وقتل بعض زعمائهم. وكانت خلافة المكتفي ست سنين. فانقصف غصن شبابه القشيب. ويبس عود جماله النضر الرطيب. فانتقل من دار الفناء إلى دار الجزاء والبقاء. ثم قام بالأمر بعده أخوه أبو الفضل جعفر المقتدر بويع له يوم وفاة أخيه وهو ابن ثلاث عشر سنة. وضعف دست الخلافة في أيامه. وكان المقتدر سمحا كثير الإنفاق وولي الخلافة ثلاث مرات فتغلب الجند عليه واتفقوا على خلعه وعقدوا البيعة لأبي العباس بن المعتز. وكان ابن المعتز أكثر العباسيين فضلا وأدبا ومعرفة موسيقى وأشعر الشعراء مطلقا في التشبيهات المبتكرة الغريبة للرقص التي لا يشق غباره فيها أحد. فأرسل المقتدر وقبض على ابن المعتز وقتله في حبسه واستقام الأمر للمقتدر بعد الاضمحلال ولاح بدر فلاحه بعد الزوال وهذه ولايته الثانية. ثم جرت بين المقتدر وبين مؤنس المظفر أمير الجيوش منافرة أدت إلى خلع المقتدر ومبايعة أخيه القاهر. ثم أعيد المقتدر ثالثة وحمله الجنود على أعناقهم إلى دار الخلافة فجلس على السرير وصفح عن أخيه القاهر. ثم وقع بينه وبين مؤنس حرب فتوغل المقتدر في المعركة فضربه واحد من البربر فسقط إلى الأرض فقال لضاربه: ويحك أنا الخليفة. فقال له: أنت المطلوب وذبحه بالسيف. وفي أيامه نبعت الدولة الفاطمية بالمغرب. وولي أخوه القاهر بالله مكانه فما لبث أن هر القاهر المذكور وسلمت عيناه فجعل يستعطي في شوارع بغداد (للدميري) الراضي بالله (934) المتقي بالله (940) المستكفي بالله (944) المطيع لله (946) وعقبه في الخلافة أبو العباس بن المقتدر ولقبوه الراضي بالله. وفي أيامه ضعف أمر الخلافة العباسية فكانت فارس في يد ابن بويه. والموصل وديار بكر في يد بني حمدان. ومصر والشام في يد الفاطميين. والأندلس في يد الرحمن الأموي. فلم يبق في يد الراضي سوى بغداد وما والاها. فبطلت دواوين المملكة ونقص قدر الخلافة وعم الخراب. ثم تولى بعده أبو إسحاق أخوه ولقب المتقي بالله لم يكن له من السيرة ما يأسر وقبض عليه توزون التركي وسمل عينيه سنة (333) . وبويع بعده لابن عمه المستكفي بالله واستمر في خلافته سنة واحدة وامسكه من أمرائه معز الدولة بن بويه فسمل عينيه وضمه إلى المتقي بالله والقاهر بالله فصاروا ثلاثة أثافي العمى. وولي الخلافة بعده ابن عمه المطيع لله سنة (334) . وفي أيامه قويت شوكة آل بويه وتم أمكره على ضعف الخلافة وطالبت أيامه إلى أن خلع نفسه الطائع لله (974) القادر بالله (991) القائم بأمر الله (1031) وبويع لولده عبد الكريم في سنة (363) . ولقب الطائع لله وكان مغلوبا عليه من قبل أمرائه. وما كان له إلا العظمة الظاهرة. وكان شديد القوة. في خلقه حدة كريما شجاعا

المقتدي بالله (1075) المستظهر بالله (1049) المسترشد بالله (1118)

بطلا جوادا سمحا إلا أن يده كانت قصيرة مع ملوك بني بويه. فقبضوا عليه وبايعوا أبا العباس أحمد القادر بالله (381) . وكان حسن الطريقة والسمت كثير الخير والدين والمعروف. وفي أيامه تراجع وقار الدولة العباسية ونما رونقها وأخذت أمورها في القوة ومكث القادر في الخلافة مدة طويلة حتى أنافت خلافته على إحدى وأربعين سنة. وولي بعده بعهد منه ولده أبو جعفر وقلب القائم بأمر الله وكان خيرا دينا باهر الفضل غلا أنه مغلوب بيد أمرائه وطالبت مدته مع ذلك. وفي أيامه انقرضت بني بويه وظهرت الدولة السلجوقية المقتدي بالله (1075) المستظهر بالله (1049) المسترشد بالله (1118) 328 تولي بعد بعهد منه حفيده أبو القاسم ولقب المقتدي بالله. وكان من نجباء بني عباس دينا. ومن جملة صلاحه أن السلطان ملكشاه من آل سبكتكين قصد أن يظهر الحنف والحيف على الخليفة المذكور فأرسل غليه يقول له: أخرج من بغداد. فتلطف به المقتدي فأبى. فاستمهله عشرة أيام فأمهله. فصار الخليفة يصوم ويتضرع إلى الله فنفذ دعائه وهو مظلوم. فهلك السلطان ملكشاه قبل مضي عشرة أيام وعدت هذه كرامة للخليفة المقتدي وكانت وفاته بسنة (487) فجأة. وتولي بعده ابنه أبو العباس ولقب المستظهر بالله وكان كريم الأخلاق سهل العريكة مهذب الخلال. وكان قد غلب عليه ملوك آل سلجوق. ثم خلفه ابنه أبو المنصور ولقب المسترشد بالله وكان شجاعا دينا مقداما ذا رأي وهمة عالية فأحيا مجد بني العباس. وخرج إلى قتال السلطان مسعود السلجوقي فاستظهر عليه وقتل المسترشد غيلة (لأبي الفرج) الراشد (1135) المقتفي لأمر الله (1136) المستنجد بالله (1160) ثم قام بأمر بعده ابنه الراشد ولم تطل مدة خلافته فجهز عسكرا كثيفا لمحاربة مسعود فدخل السلطان بغداد واستبد بتدبير الأمور وخلع الراشد وولى عمه أبا عبد الله ولقب المقتفي بأمر الله. وكان عالما دمث الأخلاق خليقا بالإمارة كامل السؤدد بيده أزمة الأمور كان لا يجري في خلافته أمر وإن صغر إلا بتوقيعه. وجرى في أيامه فتن وحروب بينه وبين سلاطين العجم كانت الغلبة فيها له. وثار في أيامه العيارون والمفسدون فنهض بقمعهم أتم نهوض. ثم عقبه ابنه المستنجد وكان شهما عارفا بالأمور أزال المكوس والمظالم. وفي أيامه ضعفت دول الفاطميين في مصر. وخنق المستنجد في الحمام أكابر دولته عقيب مرضة صعبة المستضيء بالله (1170) الناصر لدين الله (1180) الظاهر بالله (1225) تولي بعده ابنه أبو محمد ولقب المستضيء بالله. وكان حسن السيرة كريم النفس وكثر ثناء الخلق عليه لكنه لم يكن بسيرته بائس. ثم ملك بعده ابنه الناصر لدين الله وكان الناصر من أفضل الخلفاء وأعيانهم. بصير بالأمور متوقد الذكاء والفطنة. وطالت مدته وصفا له الملك وأحب مباشر أحوال الرعية حتى كان يتمشى في الليل في دروب بغداد ليعرف

المستنصر بالله (1226) المستعصم بالله (1242) انتهاء الخلافة (1258)

أخبار الرعية وما يدور بينهم. وفي أيامه كان ظهور صلاح الدين واستيلائه على مصر واستخلاصه بيت المقدس من أيدي النصارى الافرنج. إزالة دولة الفاطميين. وتولى مكانه بعد موته ابنه محمد الظاهر بأمر الله ولم تطل أيامه ولم يجر فيها ما يسيطر لكنه أظهر العدل والإحسان. قيل أنه فرق ليلة عيد النحر على الفقراء مائة ألف دينار. فلامه الوزير على ذلك فقال: دعني أفعل الخير فإني لا أدري كم أعيش فلم يلبث أن توفاه الله وأثابه على عمله الصالح المستنصر بالله (1226) المستعصم بالله (1242) انتهاء الخلافة (1258) وتولى بعده أبو جعفر ولقب المستنصر بالله كان المستنصر بالله شهما جوادا يباري الربح كرما وجودا. وكانت هباته وعطاياه أشهر من أن يدل عليها وأعظم من أن تحصى. وله الآثار الجليلة منها (وهي أعظمها) المستنصرية وهي أعظم من أن توصف وشهرتها تغني عن وصفها. وكان المستنصر يقول: إني أخاف أن الله لا يثيبني على ما أهبه وأعطيه لأن الله تعالى يقول: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وأنا والله لا فرق عندي بين التراب والذهب. وكانت أيامه طيبة والدنيا في زمانه ساكنة والخيرات والأعمال عامرة. وفي أيامه فتحت إربل ومات المستنصر في سنة أربعين وستمائة. وسلم على ابنه المستعصم بالله بالخلافة وهو آخر الخلفاء العباسيين وكانت مدة دولتهم خمسمائة وأربعا وعشرين سنة وكان المستعصم بالله مستضعف الرأي قليل الخبرة واهي العزيمة وكان وزيره ابن العلقمي عدوا له يداريه في الظاهر وينافقه في الباطن وكان تدبيره على إزالة الخلافة من بني العباس. فأذن للجند بالتفرق والذهاب أين شاؤوا وعظم الهرج ببغداد. ووقعت الفتن فصار ابن العلقم يكاتب هولاكو ملك التتر ويستحثه لقصد بغداد ويخبره عن صورة أخذها وضعف الخلافة وانحلال العسكر فزحف هولاكو بعسكر جرار إلى بغداد والمعتصم ومن معه في غفلة عنه لاخفاء ابن العلقمي عنه سائر الأخبار. إلى أن وصل إلى بلاد العراق واستأصل من بها قتلا وأسرا. وتوجه إلى بغداد وأرسل غلى الخليفة يطلب إليه فاستيقظ الخليفة من نوم الغرور. وندم على غفلته حيث لا ينفع الندم. وجمع من قدر عليه وبرز لقتلاه بأربعين ألف مقاتل. فثبتوا مع ترافتهم على حد السيوف من إقبال الفجر إلى إدبار النهار إلى أن عجزوا عن الاصطبار وولوا الإدبار بالأدبار. وأعقبهم التتار. ووضع السيف فيهم. وقتلوا من المسلمين في ثلاث أيام ما ينيف على ثلاثمائة وسبعين ألف نفس. وسبوا ورموا كتب مدارس بغداد في نهر دجلة فكانت لكثرتها جسرا يمرون عليه ركابا ومشاة. وكانت هذه فتنة من أعظم مصائب الإسلام. وأخذوا المستعصم وأولاده وجماعته وأتوا به إلى هولاكو فاستبقاه أياماً إلى أن استصفى أمواله ودفائنه. ثم رمى رقاب أولاده وأتباعه وأمر أن يوضع الخليفة في غرارة ويرفس بالأرجل إلى أن يموت ففعل به ذلك (1258م) وانقطعت خلافة بني العباس وهم سبع وثلاثون خليفة أولهم السفاح وآخرهم المستعصم (للنهرولي) تم بحوله تعالى

الجزء السادس

الجزء السادس

الباب الأول في الخطب

الباب الأول في الخطب نخبة من كتاب أطواق الذهب في المواعظ والخطب للزمخشري اللهم إني أحمدك على ما أزلت إلي من نعمتك. وعلى ما أزلت عني من نقمتك. وعلى أني لم أكن أهلاً للأولى. وكنت بالثانية أولى. لولا فضل منك سابق حمد الحامد وراءه يقطف. وإن أعنق فكأنه مصفود يرسف. وكرم باسق شكر الشاكرين ينوء تحته بجناح مهيض. وإن حلق فكأنه لاصق بالحضيض. ثم إني أحمدك حمداً بعد حمدٍ ما هجس في ضمير نفس. ولا اتصل يماً بظن ولا حدس. من تيسر الفيئة التي بإحسانك المتظاهر جذبت إليها بضبعي. وبسلطانك القاهر قسرت عليها طبعي. وبنظرك الصادق خففت علي مجاشمها المتعبة. وسهلت بحل إساري وعتقي. ورقيتني إلى رتبة القناعة وهي الرتبة العليا. وزهدتني في الحرص على زخرف الدنيا. وطيبت نفسي بغوارز أخلافها عن الغزار. وترضيتها بعد الدرة بالغزار. (المقالة الأولى) ما يخفض المرء عدمه ويتمه. إذا رفعه دينه

وعلمه ولا يرفعه ماله وأهله. إذا خفضه فجوره وجهله. والعلم هو الأب. بل هو للثأي أرأب. والتقوى هي الأم. بل هي إلى اللبان أضم. فأحرز نفسك في حرزهما. وأشدد يدك بغرزهما. يسقك الله نعمةً صيبةً. ويحيك حياةً طيبة. (المقالة الثانية) يا ابن آدم أصلك من صلصال كالفخار. وفيك ما لا يسعك من التيه والفخار. تارة بالأب والجد. وأخرى بالدولة والجد. ما أولاك بأن لا تصعر خديك. ولا تفتخر بجديك تبصر خليلي مم مركبك. وإلى مَ منقلبك. فخفض من غلوائك. وخل بعض خيلائك. (المقالة الثامنة) ما أسعدك لو كنت في سلامة الضمير. كسلاسة الماء النمير. وفي النقاء عن الريبة كمرآة الغريبة. وفي نفاذ الطية. كصدر الخطية. وفي أخذ الأهبة. كالواقع في النهبة. لكنك ذو تكدير. كرجرجة الغدير. ومتلطخ بالخبائث. كالكثير المحانث. وذو عجز وتواني. كمكسال الغواني. وتارك للاستعداد. كالشاك في المعاد. (المقالة العاشرة) استمسك بحبل مؤاخيك. ما استمسك بأواخيك. واصحبه ما أصحب للحق وأذعن. وحل مع أشياعه وظعن. فإن تنكرت أنحاؤه. ورشح بالباطل إناؤه. فتعوض من صحبته وإن عوضت الشسع. واصطرف بحبله وإن أعطيت النسع. فصاحب

الصدق أنفع من الترياق النافع. وقرين السوء أضر من السم الناقع. (المقالة الحادية عشرة) الشهم الحذر. بعيد مطارح الفكر. قريب مسارح النظر. لا يرقد ولا يكرى. إلا وهو يقظان الذكرى. يستنبط العظة من اللمح الخفي. ويستجلب العبرة من الطرف القصي. فإذا نظرت إلى نبات نعش فاستجلب عبرتك. وإذا رأيت بني نعش فاستجلب عبرتك. واعلم أن من الجوائز. أن تروح غداً على الجنائز. (المقالة السادسة عشرة) الكريم إذا ريم على الضيم نبا. والسري متى سيم الخسف أبى. والرزين المختبي بحمالة الحلم. ينفر نفرة الوحشي عن الظلم. إشفاقاً على ظفره أن يقلم. وعلى ظهره أن يكلم. وقلما عرفت الأنفة والإباء. في غير من شرفت منه الآباء. ولا خير فيمن لم يطب له عرق. وذنب الكلب ما به طرق (المقالة السابعة عشرة) الوجه ذو الوقاحة. من وجوه الرقاحة. يفيء على صاحبه الأنفال. ويفتح له الأقفال. ويلقطه الأرطاب. ويلقمه ما استطاب. ويجسره على قول المنطيق. وييسر له فعل ما لا يطيق. وكل ذي وجه حيي. ذو لسانٍ عيي. معتقل لا ينشط لمقال. ولا ينشط من عقال. ولا يزال ضيق الذرع. بكيء الضرع. يشبع غيره وهو طيان. ويعطش هو وصاحبه ريان. ولكن لا كان من يتوقح. لأجل أن يترفه ويترفح. فلعمري ما النائل الوتح. إلا ما

ناله الوقح. وأيم الله إن الرشحة في الجبين. أحسن من الشمم في العرنين. ولئن تفر عرضك وما في سقائك جرعة. خير من أن تملك البحر وما في وجهك مزعة. (المقالة الثامنة عشرة) عزة النفس وبعد الهمة. الموت الأحمر والخطوب المدلهمة. ولكن من عرف منهل الذل فعافه. استعذب نقيع العز وذعافه. ومن لم يصطل بحر الهيجاء لم يصل إلى برد المغنم. ومن لم يصبر على براثن أسد اللقاء يصب أطرافاً كالغنم. وتحت علم الملك المطاع. ذكر السيوف والأنطاع. ومن لم يقض عليه عسر يقذه. لم يقيض له يسر ينفذه. وما الحكمة الإلهية إلا هي. وهي القاعدة التي أمر عليها العبد ونهي. اليوم عزاء في كلف وكرب وغداً جزاء بزلف وقرب. (المقالة الحادية والعشرون) لا تنتفع بما لا تني أن تبتني وتقتني. وتعتن بغرس ما لا تجتني. هلم إلى استشارة عقلك فتبصر. وإلى استخارة ذهنك فتدبر. وقل لي إذا شق بصرك. واشتد حصرك. وعانيت الجد فشغلك عن ددك. وأوحشك تفريطك فسقط في يدك. ما يغني حينئذٍ عنك بنيانك. وما يجدي عليك قنيانك. وهل ينفعك نخيلك الصنوان وغير الصنوان. أم يدفع عنك ما يخرج من طلعها من القنوان (المقالة الثانية والعشرون) خل عن يدك الباطل واللدد.

واعتنق الجد والزم الجدد. إن الله تعالى خلقك جداً لا عبثاً. وفطرك إبريزاً لا خبثاً. لولا أن نفسك بكسبها الخبيث خبثتك. وبلطخ عملها السيئ لوثتك. فأرخيت عنانك فيما أنت عنه مزجور. وتوليت بركتك عما أن عليه مأجور. إلقاء بيدك إلى التهلكة. وإضاعة لحظك في عظيم المهلكة. (المقالة الرابعة والعشرون) من لعمل كالظهر الدبر. ومن لقلب كالجرح الغبر. دووي بكل دواء ينجع. واحتيل عليه بكل حيلة فلم ينفع. متى رفوت منه جانباً انتقض عليه آخر. وإذا سددت من فساده منخراً جاش منخره ضاقت عن تدبيره فطن الأناسي. وأعضل علاجه على الطيب النطاسي. فيا ويلتا من هذا السقام. ويا غوثتا من هذا الداء العقام. وما أحق بمثلي أن يبيت بليلةٍ سليم. كلما تليت: إلا من أتى الله بقلب سليم. (المقالة الخامسة والعشرون) احرص وفيك بقية. على أن تكون لك نفس تقية. فلن يسعد إلا التقي. وكل من عداه فهو شقي. قبل أن ترى الشيب المجلل. والصلب المهلل. والجلد المتشنن. والرأي المتقنن. والنوء المتخاذل. والوطء المتثاقل. والرثية في المفاصل ناهضة. والرعشة للأنامل نافضة. وقبل أن لا تقدر على ما أنت عليه قادر. ولا تصدر عما أنت عنه صادر. (المقالة الحادية والثلاثون) قلبك آمن. وجأشك متطامن.

ورأيك في الشهوات باتر. وشوقك إلى ما عند الله فاتر. وأنت مترفه مترف. أطيب قطف لك مخترف. في أكناف السعة راتع. ولأخلاف الدعة راضع. وفي تيه الغفلات هائم. كأنك إحدى البهائم ما هذا خلق المؤمن. ولا هكذا صفة الموقن. المؤمن راهب راغب. ساغب لاغب. ذو هيئة بذة. محتم من كل لذة. إن رأى من نفسه جماحاً ألجم وحجر. وإن أحس منها مطمعاً ألقمها الحجر. (المقالة الثالثة والثلاثون) يا عدب الدينار والدرهم متى أنت عتيقهما. ويا أسير الحرص والطمع متى أنت طليقهما. هيهات لا عتاق إلا أن تكاتب على دينك الممزق. ولا إطلاق أو تفادي بخيرك الملزق. يا من يشبعه القرص. ما هذا الحرص. ويا من ترويه الجرع. ما هذا الجزع. ستعلم غداً إذا تندمت. أن ليس لك إلا ما قدمت. وإذا لقيت المنون. لم ينفعك مال ولا بنون. ما يصنع بالقناطير المقنطرة. عابر هذه القنطرة. وما يريد من البهجة والفرحة. نازل ظل هذه السرحة. (المقالة الثامنة والثلاثون) لم أر فرسي رهان. مثل الحق والبرهان. لله درهما متخاصرين. ولا عدمتهما من متناصرين. اصطحبا غير مبانين. اصطحاب أبانين. من شديده بغرزهما. فقد اعتز بعزهما. ومن زل عنهما فهو من الذلة أذل. ومن القلة أقل. (المقالة التاسعة والثلاثون) أيها الشيخ الشيب ناهيك به ناهياً.

فما لي أراك ساهياً لاهياً. أبق على نفسك وأربع. فهذه أخرى المراحل الأربع. ومن بلغ رابعة المراحل. فقد بلغ من الحياة الساحل. وما بعدها إلا المورد الذي ليس لأحد عنه مصدر. ولا زيد من عمرو بوروده أجد. هو لعمر الله مشرع. جميع الناس فيه شرع. وأحقهم بالاستعداد له من شارفه وأولاهم بالإشفاق له من فارقه. (المقالة الثالثة والأربعون) ما لعلماء السوء جمعوا عزائم الشرع ودونوها. ثم رخصوا فيها لأمراء السوء وهونوها. ليتهم إذ لم يرعوا شروطها لم يعوها. وإذا لم يسمعوها كما هي لم يسمعوها. إنما حفظوا وعلقوا. وصفقوا وحلقوا. ليقمروا المال وييسروا. ويفقروا الأيتام ويؤسروا. إذا أنشبوا أظفارهم في نشب فمن يخلص. وإن قالوا لا نفعل أو يزاد كذا فمن ينقص. دراريع ختالة. ملؤها ذراريح قتالة. وأكمام واسعة. فيها أصلال لاسعة. وٌلام. كأنها أزلام. وفتوى. يعمل بها الجاهل فيتوى. إن وازنت بين هؤلاء والشرط. وجدت الشرط أبعد من الشطط. حيث لم يطلبوا بالدين الدنيا ولم يثيروا الفتنة بالفتيا. (المقالة الرابعة والأربعون) هب أنك اتقيت الكبائر التي نصت. وتجنبت العظائم التي قصت. ورضت نفسك مع الرائضين. على أن لا تخوض مع الخائضين. فما قولك في هنات توجد منك وأنت ذاهل. في هفوات تصدر عنك وأنت غافل. ولعلك ممزق الشلوح

مأكول. وإلى المؤاخذة باقترافها موكول. فمثلك مثل الرئبال. في محاماته عن الأشبال. يصد عن التصدي لها البطل الحميس. بل يرد عن مرابضها الخميس. ثم يصبح أبو الشبل والنمل إلى ابنه كالحبل. وهي بأوصاله مطيفة. كأنما كسته فطيفة. فما أغنى عنه ذياده. حتى تم للنمل كياده. (المقالة السابعة والأربعون) الحازم من لم يزل على جده. لم يزل عنه إلى ضده. وذو الرأي الجزل. من ليس في شيء من الهزل. وكيف يكون حازماً من هو مازح. هيهات البون بينما نازح. وكفاك أن المزح. مقلوب الحزم كما أن الحزم مقلوب المزح. رب كلمة غمستك في الذنوب. وأفرغت على أخيك ملء الذنوب. فإن كان حراً زرعت الغمر في سويدائه. وإن كان عبداً نزعت المهابة من أحشائه. وتقول إنها مزاحة. وعليك في أن تقولها مزاحة. ويحك يا تلعابة. لو علمت ما في الدعابة لأطعت في إطراحها نهاتك. ولما غراغرت بها لهاتك. أسرك أن داعبت الرجل فضحك. ولم تشعر أنه بذلك فضحك. حيث أعلم لو فطنت لإعلامه. أنك الشيخ المضحوك من كلامه. وذلك ما ليس به خفاء. أنه من صفات السخفاء. (المقالة الرابعة والستون) شبت وعرامك ما وخط عارضيه مشيب. وشخت وغرامك رداء شبابه قشيب. مالي أراك صعب المراس. جامح الرأس. كأن وافد المشيب لم يخطمك. وكأن ارتقاء

خطبة لبديع الزمان الهمذاني

السن لم يحطمك. الشيخوخة تكسب أهلها سمتاً. وأنت ما أكسبتك إلا أمتا. لو علمت أي وقد حل بفودك. لتبرقعت حياء من وفدك. ولكن محياك لم يتعلم الحياء. ولم يتهج من حروفه الحاء ولا الياء. تثب إلى الشر كما تثب الظباء. وتلهث إلى اللهو كما يلهث الظماء. إن حمحم الباطل فأسمع من سمع. وإن همهم الحق فكأنك بلا سمع. حملت نفسك على الرياضات وهي ريضة. ومن يحتلب اللباء من اللبؤة المغيضة. خطبة لبديع الزمان الهمذاني أيها الناس إنكم لم تتركوا سدى. وإن اليوم غداً. وإنكم واردو هوة. فأعدوا لها ما استطعتم من قوة. وإن بعد المعاش معاداً فأعدوا لها زادا. ألا لا عذر فقد بينت لكم المحجة. وأخذت عليكم الحجة. من السماء بالخبر. ومن الأرض بالعبر. ألا وإن الذي بدأ الخلق عليما. يحيي العظام رميما. إلا وإن الدنيا دار جهاز. وقنطرة جواز. من عبرها سلم. ومن عمرها ندم. إلا وقد نصبت لكم الفخ ونثرت لكم الحب فمن يرتع. يقع. ومن يلقط. يسقط. ألا وإن كذبت حيلة العاقل فاكتسوها. والغنى حلة الطغيان فلا تلبسوها. كذبت ظنون الملحدين. الذين جحدوا الدين. وجعلوا أقواله عضين. إن بعد الحدث حدثاً. وإنكم لم تخلقوا عبثاً. فحذار حر النار. وبدار عقبى الدار. إلا وإن العلم أحسن على علاته. والجهل أقبح على

الاته. وإنكم أشقى من أظلته السماء. إن شقى بكم العلماء. الناس بأئمتهم. فإن انقادوا بأزمتهم. نجوا بذمتهم. والناس رجلان عالم يرعى. ومتعلم يسعى. والباقون هامل نعام. وراتع أنعام. ويل عال أمر من سافله. وعالم شيء من جاهله. وقد سمعت أن علي بن الحسين كان قائما يعظ الناس ويقول: يا نفس حتام إلى الحياة ركونك. وإلى الدنيا وعمارتها سكونك. أما اعتبرت بمن مضى من أسلافك. وبمن وارته الأرض من آلافك. ومن فجعت به من إخوانك. ونقل إلى دار البلى من أقرانك: فهم في بطون الأرض بعد ظهورها ... محاسنهم فيها بوال دواثر خلت دورهم منهم وأقوت عراصم ... وساقتهم نحو المنايا المقادر وخلوا عن الدنيا وما جمعوا لها ... وضمتهم تحت التراب الحفائر كم اختلست أي المنون. من قرون بعد قرون. وكم غيرت ببلاها. وغيبت أكثر الرجال في ثراها: وأنت على الدنيا مكب منافس ... لخطابها فيها حريص مكاثر على خطر تمشي وتصبح لاهياً ... أتدري بماذا لو عقلت تخاطر وإن امرءاً يسعى لدنياه جادهاً ... ويذهل عن أخراه لا شك خاسر انظر إلى الأمم الخالية. والملوك الفانية. كيف انتسفتهم الأيام. وأفناهم الحمام. فانمحت آثارهم. وبقيت أخبارهم: فأصبحوا رميما في التراب وأقفرت ... مجالس منهم عطلت ومقاصر

وخلوا عن الدنيا وما جمعوا بها ... وما فاز منهم غير من هو صابر وحلوا بدار لا تزاور بينهم ... وأنى لسكان القبور التزاور فما إن ترى إلا رموسا ثووا بها ... مسطحة تسفي عليها الأعاصير كم عاينت من عزة وسلطان. وجنود وأعوان. قد تمكن من دنياه. ونال منها مناه. فبنى الحصون والدساكر. وجمع الأعلاق والعساكر: فما صرفت كف المنية إذ أتت ... مبادرة تهوي إليه الذخائر ولا دفعت عنه الحصون التي بنى ... وحفت به أنهارها والدساكر ولا قارعت عنه المنية حيلة ... ولا طمعت في الذب عنه العساكر يا قوم الحذر الحذر. والبدار البدار. من الدنيا ومكايدها. وما نصبت لكم من مصايدها. وتجلت لكم من زينتها. واستشرفت لكم من بهجتها: وفي دون ما عينت من فجعاتها ... إلى رفضها داع وبالزهد آمر فجد ولا تغفل فعيشك بائد ... وأنت إلى دار المنية صائر ولا تطلب الدنيا فإن طلابها ... وإن نلت منها رغبة لك ضائر وكيف يحرص عليها لبيب. أو يسر بها أريب. وهو على ثقةٍ من فنائها لا تعجبون ممن ينام وهو يخشى الموت. ولا يرجو الفوت: ألا لا ولكنا نغر نفوسنا ... وتشغلها اللذات عما تحاذر وكيف يلذ العيش من هو موقن ... بموقف عدل حيث تبلى السرائر كأنا نرى أن لا نشور وأننا ... سدى ما لنا بعد الفناء مصاير

نخبة من خطب الحريري

كم غرت الدنيا من مخلد إليها. وصرعت من مكب عليها. فلم تنعشه من عثرته ولم تقله من صرعته. ولم تداوه من سقمه. ولم تشفه من ألمه: بلى أوردته بعد عز ورفعة ... موارد سوء ما لهن مصادر فلما رأى أن لا نجاة وأنه ... هو الموت لا ينجيه منه المؤازر تندم لو أغناه طول ندامة ... عليه وأبكته الذنوب الكبائر بكى على ما سلف من خطاياه. وتحسر على ما خلف من دنياه. حيث لم ينفه الاستعبار. ولم ينجه الاعتذار: أحاطت به أحزانه وهمومه ... وإبليس لما أعجزته المعاذر فليس له من كربة الموت فارج ... وليس له مما يحاذر ناصر وقد خسئت فوق المنية نسفه ... ترددها منه اللهى والحناجر فإلى متى ترفع بآخرتك دنياك. وتركب في ذاك وهواك. إني أراك ضعيف اليقين. يا رافع الدنيا بالدين. أبهذا أمرك الرحمن. أم على هذا دللك القرآن: تخرب ما يبقى وتعمر فانيا ... فلا ذاك موفور ولا ذاك عامر فهل لك إن وافاك حتفك بغتة ... ولم تكتسب خيرا لدى الله عاذر أترضى بأن تقتضي الحياة وتنقضي ... ودينك منقوص ومالك وافر نخبة من خطب الحريري أيا السادر في غلوائه. السادل ثوب خيلائه. الجامح في

جهالاته. الجانح إلى خزعبلاته. إلى م تستمر على غيك. وتستمرئ مرعى بغيك. وحتى م تتناهى في زهوك. ولا تنتهي عن لهوك. تبارز بمعصيتك. ما لك ناصيتك. وتجترئ بقبح سيرتك. على عالم سريرتك. وتتوارى عن قريبك. وأنت بمرأى رقيبك. وتستخفي من مملوكك. وما تخفى خافية على مليكك. أتظن أن ستنفعك حالك. إذا آن ارتحالك. أو ينقذك مالك. حين توبقك أعمالك. أو يغني عنك ندمك. إذا زلت قدمك. أو يعطف عليك معشرك. يوم يضمك محشرك. هلا انتهجت محجة اهتدائك. وعجلت معالجة دائك. وفللت شباة اعتدائك. وفدعت نفسك فهي أكبر أعدائك. أما الحمام ميعادك. فما إعدادك. وبالمشيب إنذارك. فما إعذارك. وفي اللحد مقيلك. فما قيلك. وإلى الله مصيرك. فمن نصيرك. طالما أيقظك الدهر فتناعست. وجذبك الوعظ فتقاعست. وتجلت لك العبر فتعاميت. وحصحص لك الحق فتماريت. وأذكرك الموت فتناسيت. وأمكنك أن تؤاسي فما آسيت. تؤثر فلساً توعيه. على ذكر تعيه. وتختار قصراً تعليه. على بر توليه. وترغب عن هاد تستهديه. إلى زاد تستهديه. وتغلب حب ثوب تشتهيه. على ثواب تشتريه. يواقيت الصلات. أعلق بقلبك من مواقيت الصلاة. ومغالاة الصدقات. آثر عندك من موالاة الصدقات. وصحاف الألوان. أشهى إليك من صحائف الأديان. ودعابة الأقران. آنس لك

وله أيضا من خطبة

من تلاوة القرآن. تأمر بالعرف وتنتهك حماه. وتحمي عن النكر ولا تتحاماه. وتزحزح عن الظلم ثم تغشاه. وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه. ثم أنشد: تبا لطالب دنيا ... ثنى إليها انصبابه ما يستفيق غراما ... بها وفرط صبابه ولم درى لكفاه ... مما يروم صبابه وله أيضاً من خطبة أيا من يدعي الفهم ... إلى كم يا أخا الوهم تعبي الذنب والذم وتخطي الخطأ الجم أما بان لك العيب ... أما أنذرتك الشيب وما في نصحه ريب ولا سمعك قد صم أما نادى بك الموت ... أما أسمعك الصوت أما تخشى من الفوت فتحتاط وتهتم فكم تسدر في السهو ... وتختال من الزهو وتنصب إلى اللهو كأن الموت ما عم وحتام تجافيك ... وإبطاء تلافيك طباعاً جمعت فيك عيوباً شملها انضم إذا أسخطت مولاك ... فما تقلق من ذاك وإن أخفق مسعاك تلظيت من الهم

وإن لاح لك النقش ... من الأصفر تهتش وإن مر بك النعش تغاممت ولا غم تعاصي الناصح البر ... وتعتاص وتزور وتنقاد لمن غر ومن مان ومن نم تسعى في هوى النفس ... وتحتال على الفلس وتنسى ظلمة الرمس ولا تذكر ما ثم ولو لاحظك الحظ ... لما طاح بك اللحظ ولا كنت إذا الوعظ حلا الأحزان تغتم ستذري الدم لا الدمع ... إذا عانيت لا جمع يقي في عرصة الجمع ولا خال ولا عم كأني بك تنحط ... إلى اللحد وتنغط وقد أسلمك الرهط إلى أضيق من سم هناك الجسم ممدود ... ليستأكله الدود إلى أن ينخر العود ويمسى العظم قد رم ومن بعد فلا بد ... من العرض إذا اعتد صراط جسره مد على النار لمن أم فكم من مرشد ضل ... ومن ذي غزة ذل وكم من عالمٍ ذل وقال الخطب قد طم فبادر أيها الغمر ... لما يحلو به المر فقد كاد يهي العمر

وله من خطبة وهي عرية من الإعجام

وما أقلعت عن ذم ولا تركن إلى الدهر ... وإن لان وإن سر فتلفى كمن اغتر بأفعى تنفث السم وخفض من تراقيك ... فإن الموت لاقيك وسار في تراقيك وما ينكل إن هم وجانب صعر الخد ... إذا ساعدك الجد وزم اللفظ إن ند فما أسعد من زم ونفس عن أخي البث ... وصدقه نث ورم العمل الرث فقد أفلح من رم ورش من رشية انحص ... بما عم وما خص ولا تأس على النقص ولا تحرص على اللم وعاد الخلق الرذل ... وعود كفك البذل ولا تستمع العذل ونزهها عن الضم وزود نفسك الخير ... ودع ما يعقب الضير وهيئ مركب السير وخف من لجة اليم بذا أوصيت يا صاح ... وقد بحت كمن باح فطوبى لفتى راح بآدابي يأتم وله من خطبة وهي عرية من الإعجام الحمد لله الممدوح الأسماء. المحمود الآلاء. الواسع العطاء

المدعو لحسم اللأواء. مالك الأمم ومصور الرمم. ومكرم أهل السماح والكرم. ومهلك عاد وإرم. أدرك كل سر علمه. ووسع كل مصر حلمه. وعم كل عالم طوله. وهد كل مارد حوله. أحمد حمد موحد مسلم. وأدعوه دعاء مؤمل مسلم. وهو الله لا إله إلا هو الواحد الأحد. العادل الصمد ... ما همر ركام. وهدر حمام. وسرح سوام. وسطا حسام. اعملوا رحمكم الله عمل الصلحاء. واكدحوا لمعادكم كدح الأصحاء. واردعوا أهواءكم ردع الأعداء. وأعدوا للرحلة إعداد السعداء. وادرعوا حلل الورع. وداووا علل الطمع. وسووا أود العمل. وعاصوا وساوس الأمل. وصورا لأوهامكم حؤول الأحوال. وحلول الأهوال. ومساورة الأعلال. ومصارمة المال والآل. وادكروا الحمام وسكرة مصعره والرمس وهول مطلعه. واللحد ووحدة مودعه. الملك وروعة سؤاله ومطلعه. والمحو الدهر ولؤم كره. وسوء محاله ومكره. كم طمس معلماً. وأمر مطمعاً. وطحطح عرمرماً. ودمر ملكاً مكرماً. همه سك المسامع. وسح المدامع. وإكثار المطامع. وإرداء المسمع والسامع. عم حكمه الملوك الرعاع. والمسود والمطاع. والمحسود والحساد. والأساود والآساد. ما مول إلا مال. وعكس الآمال. وما وصل إلا وصال. وكلم الأوصال. ولا سر إلا وساء. ولؤم وأساء. ولا أصح إلا ولد الداء. وروع الأوداء. الله الله. رعاكم الله. إلى م مداومة اللهو. ومواصلة السهو. وطول

وله من خطبة أخرى

الإصرار. وحمل الآصار. واطراح كلام الحكماء. ومعاصاة إله السماء. أما الهرم حصادكم. والمدر مهادكم. أما الحمام مدرككم. والصراط مسلككم. أما الساعة موعدكم. والساهرة موردكم. أما أهوال الطامة لكم مرصدة. أما دار العصاة الحطمة المؤصدة. حارسهم مالك. ورواؤهم حالك. وطعامهم السموم. وهواؤهم السموم. لا مال أسعدهم ولا ولد. ولا عدد حماهم ولا عدد. ألا رحم الله امرءاً ملك هواه. وأم مسالك هداه. وأحكم طاعة مولاه. وكدح لروح مأواه. وعمل ما دام العمر مطاوعاً. والدهر موادعاً. والصحة كاملة. والسلامة حاصلة. وإلا دهمه عدم المرام. وحصر الكلام. وإلمام الآلام. وحموم الحمام. وهدؤ الحواس. ومراس الأرماس. آها لها حسرة ألمها مؤكد. وأمدها سرمد. وممارسها مكمد. ما لولهه حاسم. ولا لسدمه راحم. ولا له مما عراه عاصم. ألهكم الله أحمد الإلهام. وردا كم دراء الإكرام. وأحكم دار السلام. وأسأله الرحمة لكم ولأهل ملة الإسلام. وهو أسمح الكرام. والمسلم والسلام. وله من خطبة أخرى مسكين ابن آدم وأي مسكين. ركن من الدنيا إلى غير ركين. واستعصم منها بغير مكين. وذبح من حبها بغير سكين. يكلف بها لغباوته. ويكلب عليها لشقاوته. ويعتد فيها لمفاخرته. ولا يتزود منها

لآخرته. أقسم بمن مرج البحرين. ونور القمرين. ورفع قدر الحجرين. لو عقل ابن آدم. لما نادم. ولو فكر في ما قدم لبكى الدم. ولو ذكر المكافأة. لاستدرك ما فات. ولو نظر في المآل. لحسن قبح الأعمال. يا عجبا كل العجب. لمن يقتحم ذات اللهب. في اكتناز الذهب. وخزن النشب. لذوي النسب. ثم من البدع العجيب أن يعظك وخط المشيب. وتؤذن شمسك بالمغيب. ولست ترى أن تنيب. وتهذب المعيب. ثم اندفع ينشد. إنشاد من يرشد: يا ويح من أنذره شيبه ... وهو على غي الصبا منكمش يعشو إلى نار الهوى بعدما ... أصبح من ضعف القوى يرتعش ويمتطي اللهو ويعتده ... أوطأ ما يفترش المفترش ولم يهب الشيب الذي ما رأى ... نجومه ذو اللب إلا دهش ولا انتهى عما نهاه النهي ... عنه ولا بالى بعرض خدش فذاك إن مات فسحقاً له ... وإن يعش عد كأن لم يعش لا خير في محيا امرئ نشره ... كنشر ميت بعد عشر نبش وحبذا من عرضه طيب ... يروق حسنا مثل برد رقش فقل لمن قد شاكه ذنبه ... هلكت يا مسكين أو تنتقش فأخلص التوبة تطمس بها ... من الخطايا السود ما قد نقش وعاشر الناس بخلق رضى ... ودار من طاش ومن لم يطش ورش جناح الحر إن حصه ... زمانه لا كان من لم يرش

موعظة لابن الجوزي

وأنجد الموتور ظلما فإن ... عجزت عن إنجاده فاستجش وأنعش إذا ناداك ذو كبوة ... عساك في الحشر به تنتعش وهاك كأس النصح فاشرب وجد ... بفضلة الكأس على من عطش موعظة لابن الجوزي إخواني اعلموا أن من عمل في الأيام خيرا حمد أمره. ومن اقترف فيها شرا أضاع عمره. سيندم غدا من قصر على تقصيره. ويتلهف من ترك العمل لمصيره. ويبكي هاجر الهدى بعد تبصيره. إنما هي أوقات مبادرة تذهب. واغتنام أيام تنهب. فبادر بعمرك قبل الفوت. واغتنم حياتك قبل الموت. يا من يعصي مولاه على ما يريد. ويبارزه بالمعاصي وهو أقرب إليه من حبل الوريد. وهو في دار الأرباح لا يكسب ولا يستفيد. ولا يشوقه الوعد ولا يخوفه الوعيد. أمله طويل وليس العمر بمديد. والمواعظ تقرع القلوب فتجدها أقسى من الصخور وأصلب من الحديد. تيقظ يا مغرور وافهم يا بليد. فالأمل طويل والأمن عريرٌ شريدٌ. وطريق العقاب بعيد مديد. كيف ترجو البقاء في دار الفناء والرحيل. تأمل الرضا والزمان قد مضى في غير الجميل. أعددت الجواب وقد علمت أن الحساب يأتي على الكثير والقليل. فإلى متى تضيع الوقت الشريف. وحتى متى تتقرب إلى الملك اللطيف. وكيف أعرضت عن القيام بتخفيف التكليف. وأين تأثير الإنذار عندك والتخويف. يا من إذا دعي إلى صلاحه أبى

وتخلف. وإذا وعد بتوبة تمادى وأخلف. وإذا هم بفعل الخير توانى وسوف. وإذا أدى واجبا شق عليه وتكلف. وإذا لاح له ما يهوى من المخازي لم يتأن ولم يتوقف. وإذا بارز بالمعاصي لم يتحذر ولم يتخوف. هذا ميدان المجاهدة فأين اجتهادك. هذا الرحيل قد دنا فأين زادك. هذا الصراط قد مد فأين استعدادك. هذا ركن الفناء وثيق فأين اعتمادك. هذا الاعتبار قد لاح فأين أجدادك. هذا نذير الرحيل قد صاح فهل تم مرادك. وكيف نسيت مأربك فأثرت على يقينك ارتيابك. أفأمنت توبيخك وعتابك حتى ملأت من الخطايا. كتابك. ليت شعري ما الذي أصابك. حتى اخترت خطأك ورفضت صوابك. أنسيت حشرك وحسابك. أم أعددت للسؤال جوابك. يا هذا أبك على ذنوبك وكن حزيناً وجلا. قبل أن يأتي يوم الحسرة وأنت مطرق خجلا. وكن على طلب الخلاص بالإخلاص مستسهلا. قبل أن يصير دمعك إذا صغى سمعك منهملاً. كيف يكون حالك إذا خرج الخلائق من القبور وفار البحر المسجور. وتدكدكت الجبال والصخور. وتمزقت السماء وهي تمور. وتقطعت الأرض وهي تحور. فهل ترى في ذلك اليوم من فتور. كيف يكون حالك إذا انكشفت غدا الأمور. وانهتكت من المذنبين الستور وبرز العدل الذي لا يجور. وذل كل جبار فجور. وتجلى العزيز الصبور. وحيل بينك وبينه يا مغرور. فناديت بالويل

نخبة من مواعظ لسان الدين الخطيب

والثبور. كيف يكون حالك إذا قدمت غدا النجب للمطيعين. وانقطعت أنت في حملة المنقطعين. كيف يكون حالك إذا نشرت غدا أعلام التائبين. وبقيت أنت مع الخائبين. كيف يكون حالك إذا حشر الناس سكارى. من هول يوم القيامة حيارى. وحسبت أنت مع الأسارى. ودمعك يسيح. وجفنك قريح. وعينك عبرى. وكبدك حرى. وعقلك مسلوب. وفؤادك يذوب. وظلم المعاصي قد انكشفت. والشدائد عليك قد تضاعفت. وصحيفتك قد ظهرت. والزبانية إليك قد تبادرت. والجحيم قد أزفرت. وأستارك قد انتهكت. وقبائحك قد برزت وذنوبك قد اشتهرت. ودموعك قد انهمرت. وعينك قد استعبرت. وتلتفت عن اليمين وعن الشمال. وقد خابت منك الآمال. تنادي في قلبك: الحريق. كيف أمضي وأين الطريق. فحينئذ يهرب منك الأخ الشفيق. وينال الخل الودود والصاحب والرفيق. اللهم أجرنا من هول ذلك اليوم. واجعلنا من تباع الفائزين من القوم. يا من لا تأخذه سنة ولا نوم. نخبة من مواعظ لسان الدين الخطيب الحمد لله الولي الحميد. المبدئ المعيد. البعيد في قربه من العبيد. القريب في بعده فهو أقرب من حبل الوريد. محيي ربوع العارفين بتحيات حياة التوحيد. ومغني نفوس الزاهدين بكنوز احتقار

الافتقار إلى العرض الزهيد. ومخلص خواطر المحققين من سجون دجون التقييد. إلى فسح التجريد. نحمده وله الحمد المنتظمة درره في سلوك الدوام وسموط التأييد. حمد من نزه أحكام وحدانيته وأعلام فردانيته عن مرابط التقييد. ومخابط الطبع والبليد. ونشكره شكر من افتتح بشكره أبواب المزيد. ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو شهادة نتخطى بها معلم الخلق إلى حضرة الحق على كبد التفريد ... آه أي وعظ بعد وعظ الله تعالى يا أحبابنا يسمع. وفيما ذا وقد تبين الرشد من الغي يطمع. يا من يعطي ويمنع. إذا لم تقم الصنيعة فماذا تصنع. اجمعنا بقلوبنا يا من يفرق ويجمع. ولين حديدها بنار خشيتك فقد استعاذ الحكيم من قلب لا يخشع ومن عين لا تدمع. اعملوا رحمكم الله أن الحكمة ضالة المؤمن. يأخذها من الأقوال والأحوال ومن الجماد والحيوان. وما أملاه الملوان. فإن الحق نور لا يضره أن صدر من الخامل. ولا يقصر بمحموله احتقار الحامل. وأنتم تدرون أنكم في أطوار سفر لا تستقر لها دون الغاية رحلة. ولا تتأتى معها إقامة ولا مهلة. من الأصلاب إلى الأرحام إلى الوجود إلى القبور إلى النشور إلى إحدى داري البقاء أفي الله شك. فلو أبصرتم مسافراً في البرية يبني ويفرش. ويمهد ويعرش. ألم تكونوا تضحكون من جهله. وتعجبون من ركاكة عقله. ووالله ما أموالكم وأولادكم وشواغلكم عن الله التي فيها اجتهادكم إلا بقاء سفر في قفر. أو أعراس في ليلة نفر.

كأنكم بها مطرحة تعبر فيها المواشي. وتنبو العيون عن خبرها المتلاشي. إنما أموالكم ولذاتكم فتنة. والله عنده أجر عظيم. ما بعد المقيل إلا الرحيل. ولا بعد الرحيل إلا المنزل الكريم أو المنزل الوبيل. وإنكم تستقبلون أهوالا سكرات الموت بواكر حسابها. وعتب أبوابها. فلو كشف الغطاء عن ذرة منها لذهلت العقول وطاشت الألباب. وما كل حقيقة يشرحها الكلام. يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا يغرنكم بالله الغرور أفلا أعددتم لهذه الورطة حيلة. وأظهرتم للاهتمام بها مخيلة. أتعويلا على عفوه مع المقاطعة وهو القائل في مقام التهديد. إن عذابي لشديد. أأمنا من مكره مع المنابذة. ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون. أطعما في رحمته مع المخالفة كما قيل: فسأكتبها للذين يتقون. أو مشاقة ومعاندة. ومن يشاقق الله فإن الله شديد العقاب: هكذا هكذا يكون التعامي ... هكذا هكذا يكون الغرور يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسوم إلا كانوا به يستهزئون. وما عدا عما بدا ورسولكم الحريص عليكم الرؤوف الرحيم يقول لكم: الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت. والأحمق من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني. فعلام بعد هذا المعول. وماذا يتأول. اتقوا الله سبحانه في نفوسكم وانصحوها. واغتنموا فرص الحياة واربحوها. أن تقول نفس: يا حسرتا على ما فرطت في جنب

وله أيضا من عظة

الله وإن كنت لمن الساخرين. وتنادي أخرى: هل إلى مرد من سبيل. تستغيث أخرى: يا ليتنا نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل. وتقول أخرى: رب أرجعوني. فرحم الله من نظر لنفسه. قبل غروب شمسه. وقدم لغده من أمسه. وعلم أن الحياة تجر إلى الموت. والغفلة تقود إلى الفوت. والصحة مركب الألم. والشيبة سفينة تقطع إلى الساحل الهرم. وله أيضاً من عظة إخواني صمت الآذان والنداء جهير. وكذب العيان والمشار إليه شهير. أين الملك وأين الظهير. أين الخاصة أين الجماهير. أين القيل والعشير. أين ابن أردشير. صدق والله الناعي وكذب البشير. وغش المستشار واتهم المشير. وسئل عن الكل فأشار إلى التراب المشير: خذ عن حياتك للممات الآتي ... وبدار ما دام الزمان مواتي لا تغتر فهو السراب بقيعة ... قد خودع الماضي به الآتي يا من يؤمل واعظا ومذكرا ... يوما ليوقظه من الغفلات هلا اعتبرت ويا لها من عبرة ... بمدافن الآباء والأمات قف بالبقيع وناد في عرصاته ... فلكم به من جيرة ولدات درجوا ولست بخالد من بعدهم ... متميز عنهم بوصف حياة والله ما استهللت حيا صارخا ... إلا وأنت تعد في الأموات كيف الحياة لدارج متكلف ... سنة الكرى بمدارج الحيات

أسفا علينا معشر الأموات لا ... ننفك عن شغل بهاك وهات ويغرنا لمع السراب فنغتدي ... في غفلة عن هادم اللذات يا من غدا وراح وألف المراح. يا من شرب الراح ممزوجة بالعذاب القراح. وقعد لعيان صروف الزمان مقعد الاقتراح. كأنك والله باختلاف الرياح. وسماع الصياح. وهجوم غارة الاجتياح. فأديل الخفوت من الارتياح. ونسيت أصوات الغناء برنات الرياح. وعوضت عرر النوب القباح. من غرر الوجوه العهود الكريمة بمر المساء عليها والصباح. وأصبحت كماة النطاح. من تحت البطاح. وخملت المهندة والرماح ذليلة من بعد الجماح. تبا لطالب دنيا لا بقاء لها ... كأنما هي في تصريفها حلم صفاؤها كدر سراؤها ضرر ... أمانها غدر أنوارها ظلم شبابها هرم راحاتها سقم ... لذاتها ندم وجدانها عدم فخل عنها ولا تركن لزهرتها ... فإنها نعم في طيها نقم يا مشتغلا بداره. ورم جداره. عن إسراعه إلى النجاة وبداره. يا من صاح بإنذاره. وشيب عذاره. يا من صرف عين اعتذاره بأقذاره. يا من قطعه بعد مزاره. وثقل أوزاره. يا معتلقاً ينتظر هجوم جزاره. يا من أمعن في خمر الهوى خف من إسكاره. يا من خالف مولى رقه توق من إنكاره. يا كلفا بعارية ترد. يا مفتونا بأنفاس تعد.

يا معولا على الإقامة والرحال تشد. كأني بك وقد أوثق الشد وألصق بالوسادة الخد. والرجل تقبض والأخرى تمد. واللسان يقول يا ليتنا نرد: إن إلى الله وإن له ... ما أشغل الإنسان عن شانه يرتاح للأثواب يزهى بها ... والخيط مغزول لأكفانه ويخزن الفلس لوارثه ... مستنفدا مبلغ أكوانه قوض عن الفاني رحال امرئ ... مد إليه عين عرفانه ما ثم إلا موقف زاهد ... قد وكل العدل بميزانه مفرط يشقى بتفريطه ... ومحسن يجزى بإحسانه يا هذا خفي عليك مرض اعتقادك. فالتبس الشحم بالورم. جهلت قيم المعادن فبعت الشبه بالذهب. فسد حسن ذوقك فتفكهت بحنظلة. أين حرصك من أجلك. أين قولك من عملك. يدركك الحياء من الفل فتتحامى حمى الفاحشة في البيت بسببه. ثم تواقعها بعين خالق العين. ومقدر الكيف والين. تالله ما فعل فعلك بمعبوده. من قطع بوجوده. ما يكون من نجوى ثلاثة إلى عليم. تعود عليك مساعي الجوارح التي سخرها لك بالقناطير المقنطرة من الذهب والفضة فتبخل منها في سبيله بفلس. وأحد الأمرين لازم إما التكذيب وإما الحماقة وجمعك بين الحالتين عجيب. يرزقك السنين العديدة من غير حق وجب لك وتسيء الظن به في يوم. توجب الحق

وتعتذر بالغفلة. فما بال التمادي. تعترف بالذنب فما الحجة في الإصرار والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا. يا مدعي النسيان ماذا فعلت بعد التذكير. يا معتذرا بالغفلة أين ثمرة التنبيه. يا من قطع بالرحيل أين الزاد. يا ذبابة الحرص كم ذا تلجج في ورطة الشهد. يا نائما ملء عينيه حذار الأجل قد أنذر. يا ثمل الاغترار قرب خمار الندم. تدعي الحذق بالصنائع وتجهل هذا القدر. تبذل النصح لغيرك وتغش نفسك هذا الغش. اندمل جرح توبتك على عظم قام بناء عزمتك على رمل. نبتت خضراء دعواتك على دمنة. عقد كفك من الحق على قبضة ماء. أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً. فإن الله يضل من شاء ويهدي من يشاء. إذا غام جو هذا المجلس وابتدأ رش غمام الدموع قالت النفس الأمارة: حوالينا لا علينا. فدالت رياح الغفلة وسحاب الصيف هفاف. كلما شد طفل العزيمة على ردة التوبة صانعته ظئر الشهوة عن ذلك بعصفور. إذا ضيق الخوف فسحة المهل سرق الأمل حدود الجار. قال بعض الفضلاء: كانوا إذا فقدوا قلوبهم. تفقدوا مطلوبهم. ولو صدق الوعظ لأثر. اللهم لا أكثر طبيب يداوي الناس وهو عليل. والخطب جليل والمتفطن قليل فهل إلى الخلاص سبيل. اللهم انظر إلينا بعين رحمتك التي وسعت الأشياء وشملت الأموات والحياء. يا دليل الحائرين دلنا. يا عزيز ارحم ذلنا. يا ولي من لا ولي له كن لنا

وللسان الدين في المواعظ ما خاطب به بعض من استدعى منه الموعظة ونصه

كلنا. إن أعرضت عنا فمن لنا نحن المذنبون وأنت غفار الذنوب. فقلب قلوبنا يا مقلب القلوب. وستر عيوبنا يا ستار العيوب. يا أمل الطالب ويا غاية المطلوب. وللسان الدين في المواعظ ما خاطب به بعض من استدعى منه الموعظة ونصه إذا لم أنح يوما على نفسي التي ... بحرائها أحببت كل حبيب وقد صحح عندي أن غادية الردى ... تدب لها والله كل دبيب فمن ذا الذي يبكي عليها بأدمعي ... إذا كنت موصوفا برأي لبيب كم قد نظرت إلى حبيب تغار من إرسال طرفك بكتاب الهوى إلى إنسانه. وقد ذبلت بالسقم نرجسة لحظة وذوت وردة خده واصفرت لمغيب الفراق شمس حسنه وهو يجود بنفسه التي كان يبخل منها بالنفس. يخاطب بلسان حاله مسترحما. وليت الفحل يهضم نفسه وأنت على أثر مسحبه إلى دست الحكم. وما أدري ما يفعل بي ولا بكم. ومنها تالله: لو لم يكن المخبر صادقا لنشب بحلق العيش بعده شوكة الشك: ولو أنا إذا متنا تركنا ... لكان الموت راحة كل حي ولكنا إذا متنا بعثنا ... ونسأل بعده عن كل شي فالحازم من بتر الآمال طوعا. وقال: بيدي لا بيد عمرو. يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور. وقال أمير الوعاظ: وبضدها تتميز الأشياء. يا مقتولا

ما له طالب ثار. بريد الموت مطلق الأعنة فيطلبك وما يحميك حصن. ثوب حياتك منسوج من طاقات أنفاسك. والأنفاس تستلب ذرات ذاتك وحركات الزمان قوية في النسيج الضعيف. فيا سرعة التمزيق يا رابطا مناه بخيط الأمل إنه ضعيف الفتل. صياد التلف قد بث الصقور. وأرسل العقبان ونصب الأشراك وقطع المواد فكيف السلامة. تهيأ لسرعة الموت وأشد منها قلب القلب ليت شعري لما يؤول أمر. مركب الحياة تجري في بحري البدن برخاء الأنفاس. ولا بد من عاصف قاصف بفلكه ويغرق الركاب: فاقضوا مآربكم عجالاً إنما ... أعماركم سفر من الأسفار (وقال) كأنك بحرب التلف قد قامت على ساق وانهزمت بجنود الأمل. وإذا بملك الموت قد بارز الروح يجذبها بخطاطيف الشدائد من قيان العروق قد شد أكتاف الذبيح وحار البصر لشدة الهول. وملائكة الرحمة عن اليمين قد فتحوا أبوب الجنة وملائكة العذاب عن اليسار قد فتحوا أبواب النار. وجميع المخلوقات تستوكف الخبر ولكون كله قد قام على صيحة: سعد فلان أو شقي فلان. فهناك تنجلي أبصار الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكرى ويحك تهيأ لتلك الساعة حصل زادا قل الفوت: تمتع من شميم عرار نجد ... فما بعد العيشة من عرار مثل لعينيك سرعة الموت وما قد عزمت أن تفعل حينئذ في

وقت الأسر فافعله في وقت الإطلاق. قال أبو تمام: أتأمل في الدنيا تجد وتعمر ... وأنت غدا فيها تموت وتقبر تلقح آمالا وترجو نتاجها ... وعمرك مما قد ترجيه أقصر تحوم على إدراك ما قد كفيته ... وتقبل بالآمال فيه وتدبر وهذا صباح اليوم ينعاك ضوءه ... وليلته تنعاك إن كنت تشعر ورزقك لا يعدوك إما معجل ... على حاله يوما وإما مؤخر ولا حول محتال ولا وجه مذهب ... ولا قدر يزجيه إلا المقدر وقد قدر الأرزاق من ليس عادلا ... عن العدل بين الخلق فيما يقدر فلا تأمن الدنيا وإن هي أقبلت ... عليك فما زالت تخون وتغدر فما تم فيها الصفو يوما لأهله ... ولا الرنق إلا ريثما يتغير وما لاح نجم لا ولا ذر شارق ... على الخلق إلا حبل عمرك يقصر تطهر وألحق ذنبك اليوم توبة ... لعلك منه إن تطهرت تطهر وشمر فقد أبدى لك الموت وجهه ... وليس ينال الفوز إلا المشمر فهذي الليالي مؤذناتك بالبلى ... تروح وأيام كذلك تبكر وأخلص لدين الله صدرا ونية ... فإن الذي تخفيه يوما سيظهر ود يستر الإنسان باللفظ فعله ... فيظهر عنه الطرف ما كان يستر تذكر وفكر في الذي أنت صائر ... إليه غدا إن كنت ممن يفكر فلا بد يوما إن تصير لحفرة ... بأثنائها تطوى إلى اليوم تنشر

نخبة من خطب الأعياد السيدية لابن الحديثي المعروف بأبي الحليم لعيد الميلاد الجسدي

نخبة من خطب الأعياد السيدية لابن الحديثي المعروف بأبي الحليم لعيد الميلاد الجسدي المقدس الحمد لله الذي تفردت ذاته بوصف الأحدية فلا يقاس بالآحاد. وتميز بصفاته عن مراتب العددية فلا يماثل خصائص الأعداد. وعلا بعز العظمة والاقتدار عن النظراء والأشباه والأنداد. وتقدس بسلطان الربوية والاعتلاء عن ذمائم أوصاف العباد. الذي أفرغ بدائع صور الخلائق الكونية في قوالب المواد. وأخرجها إلى نور كمال الفعل من ظلمة نقائص القوة والاستعداد. وأرشدنا من تيه ظلام الأضاليل بنور الاهتداء إلى أنهج الجواد. وفصم عن أعناقنا أرباق الخطايا يوم إشراق مسيحه من المطلع البتولي بالميلاد. نحمده حمدا يبرأ من المعايب والتزييف في حدق حذقة النقاد. ونشكر سوابغ نعمه الجسيمة شكرا تترنح لرونق بثه شوامخ الأطواد. أيها المؤمنون إن يومكم هذا أشرف الأيام. وألطف المواقيت المعظمة وبكر الأعياد الكرام. يوم الفرح الأعظم والسرور الكامل. يوم الاستبشار الأكرم والحبور الشامل. يوم الهناء الأوفر والجذل الجديد. يوم العيد الأكبر وميلاد النجل الوحيد. يوم ابتهاج القلوب والأذهان. يوم إزالة الذنوب بالغفران. يوم أنذرت به البشائر النبوية. يوم جل عن النظائر والأشباه المثلية. يوم تفتحت فيه أبواب السعادات أمام البشر. وحصلت فيه غرائب الإفادات

بميلاد المسيح المنتظر. هذا اليوم الذي افترت فيه نواجذ الحقائق. وتبسمت ثغور الجود والأنعام في وجوه الخلائق. هذا اليوم الذي كتبت فيه صكوك الخلاص المطلق. وأسفر ليل الشكوك عن غرة الصباح الأشرق. هذا اليوم الذي تألق فيه كوكب الحياة من أفرثا. وحقق لنا في العالم الملكوتي حصة في النور وإرثا. هذا اليوم الذي أشرقت فيه للأتقياء شمس البرارة. وذرت من الفلك المريمي في آفاق المغارة. هذا اليوم الذي اهتزت لفرحته أعطاف درة الحياة فيأكناف قرية داود. هذا اليوم الذي ظهرفيه السيد المسيح من المقصورة البتولية. مجلببا بالناسوت على نور الأزليو. وبشرت فيه بصالح الرجاء أصقاع البرية. وتيمن بمولده الجسدي أبناء الجبلة البشرية. اليوم قرت شقاشق أشعيا النبي الممجد في الأنبياء أن البتول الطاهرة تحبل وتلد أشرف الأبناء. اليوم انقض الكوكب الصبحي في فلك آل يعقوب. وفض بنوره أغساق الضلال من آفاق القلوب. اليوم نصل خضاب الأضاليل. أصحرت هضاب الأباطيل. تناثرت أوراق الرذائل. بدا الإيراق في أغصان الفضائل. اليوم تبلجت أقمار الحقائق. فتحت الذخائر والكنوز. نضيت ستور الأسرار عن وجوه الأمثال والرموز. اليوم تدكدكت أعران الضلال. تبركت الأذهان بميلاد مفيد الكمال. تنفس صباح

السعادة والإقبال. تسربلت جبلة آدم من فخر الولادة المسيحية أسنى حلة وأبهى سربال. اليوم أنجم سحاب العطايا. أنجم ضباب الخطايا. فتحت خزائن المواهب. منحت صوائن الأذخار لكل آت وذاهب. اليوم سقطت أجنة الطغيان. لبست جنة الغفران. ظهرت سنة الإيمان. تقهقرت الأكنة عن القلوب والأذهان. اليوم أصبحت القلوب من الأدران مخمومة. وأغصان الذنوب عن الأذهان مجمومة. والأمة اليهودية عن النام مذمومة. وبحجار الهجاء والمذام محصوبة مرجومة. فينبغي لنا معاشر المؤمنين أن تنجلي محاسن العياد بأبصار البصائر. ونستشف بعين الاعتبار هذه النعم الغزائر. فإننا نرى حبلا تنزه عن مساقط النطف الزرعية. ميلادا لم تنفض به الختوم الطبيعية. أما قد شاخ معها اسم البتولية. خطيباً يفصح بالثناء على القدرة العلية. معلفاً أزرى برونقه على السدد النورية. مغارة أربت شرفاً على الأواوين السرية. رعاة شبوا من شظايا العصي نارا مضية. مجوسا تقرب القرابين وتدني الهدية. ملائكة تنادي بالسلام والرجاء في أرجاء البرية. كوكبا يهدي موكبا من أقيال المجوس إلى وصيد المغارة البيت لحمية. قمطاً تشرفت بها العلام والبنود الملكية. طفلا ترتج لهيبته أقطاب الكرات الفلكية. فهلموا الآن يا أصفياء سيدنا المسيح. ننثر من صدف الأفواه لآلئ التسبيح. نكثر من التمجيد لهذه الرأفة. ونقف أمام الله بالرعدة

والمخافة. نتواهب الضغائن وخسائس الأحقاد. ونحل أجياد العقائد. بنفائس عقود الاعتقاد. نغتسل من دساتير القلوب أساطير الشكوك. ونخر له سجدا بقرابين العمال مع الملوك. نخلص النيات والسرائر. ونعد لنا في ظلل النور أخارير الذخائر. نتطهر من أوضار الجسوم وخطايا النفوس. ونقدم له الطاعة القلبية مع هدايا المجوس. نطرب لمولده مع رعاة الأغنام. ونسر بالفرحة التي عمت اليوم كل الأنام. نستشر هذه المفاخر والمناقب. ونستشف مآثر العيد السعيد بالآراء الثواقب. ونقف في هذا السر الشريف وقوف الملائكة الأطهار. ونتأمل الأسرار الإلهية بعيون العقول والأفكار. ونضرع إلى الذي هدانا من متايه الأضاليل. وقادنا إلى مدارج الهدى بخزائم أوامر الإنجيل. أن يشرف جوارحنا بطاعته. ويضاعف مرابحنا برأفته. ويسدل على أبواب حواسنا ستور بعصمته. ويجعل هذا العيد السعيد مباركا على أمته. ميمون النقائب على شعبه المقدس ورعيته. ويزرع الألفة والمحبة في بيعته. ويخمد نوائر الفتن الثوائر في أقطار الأرض برحمته. ويعيد كل خليل حائد عن جدد الاستواء إلى زمرته. ويقصي كل مريد خلع ربقة الطاعة عن أظلال عنايته. ويجعل سيدنا ومولانا أمير المؤمنين فلانا في أكناف الحرم الحريز الأمنع وألطاف الظل المديد الأوسع. وأعراف الحمى العزيز الأشرس. وأعلى ذروات العز الشديد الأقعس. وأن يسبغ ظل

لصباح أحد القيامة المبارك

الظليل الناصري. على شعب السيد المسيح الناصري ليحمي سربهم من الأذاء بصارم عدله. ويحرس شربهم من الأقذاء بوافر إحسانه وعزيز فضله. بشفاعة الأطهار من الشهداء المؤيدين. وصلاة الأخيار من السعداء المتزهدين. آمين. لصباح أحد القيامة المبارك الحمد لله المتفرد بالكمال في عزة اقتداره. المتوحد بالجلال في سرادق مجده ووقاره. المحتجب عن لفتات الأبصار بستور أنواره. المنتقب عن لمحات الأفكار بنور أستاره. الذي أعجزت الأفهام موانع معرفته. وعجزت الأوهام عن مواقع قدرته. وذهلت الأفكار في بدائع فطرته. ودهشت بصائر النظار في صنائع حكمته. الذي أرسل مسيحه ووجوه الإيمان ملفعة برداء الضلال. وملابس الجهل والبهتان ساحبة الذلاذل والذيال. ومرابع الفضائل دارسة المعالم والأطلال. ومراتع الرذائل مخصبة الأخلاء ممتدة الظلال. فسدد بلفظة الأقدام العاثرة. وشيد بوعظه الأعلام الداثرة. ورد الخلق من فجاج الردى بالمعجزات القاهرة. وقادهم إلى منهاج الهدى بالآيات الباهرة. حتى صفا مشرب الإيمان من أكدار رنقة. وأشرق الحق كالشمس المنيرة في دائرة فلقه. وأزهرت كواكب الهدى في وجوه ومشرقه. وتجلى الدين المسيحي في أفخر أثوابه وبهاء رونقه. نحمده حمد من حسر في أداء

فرائض الطاعات عن ساقه ومرفقه. ونشكره شكرا تتبلج أهلة الإخلاص على جبينه ومفرقه. أيام المؤمنون إن ذا يوم القيامة وبداية الجلوس عن اليمين. فلنفرح بهذا العيد وليعانق بعضنا بعضا. اليوم يوم القيامة المسيحية ومبدأ التجديد. وأشرف المبادي اليمينية وأول العالم العتيد. يوم أبدرت في سمائه أهلة الإنعام. وألبست الجبلة البشرية في أثنائه حلة المجد وإكرام. يوم لاحت على مفارقه طرر الكمال. وامتدت على جبهته غرر السعادة والإقبال. يوم تحلت بعقود مناقبه المعاصم والجياد. وتطوقت بقلائد فخره نحور المواقيت والأعياد. يوم عطر أثواب الزمان تأرج نشره. وأقمر ليل الأذهان بتبلج فجره. يوم لاح على جبين المجد إشراق نجاحه. وباح بأسرار السعد إسفار صباحه. وتهللت وجوه الإقبال بفوز قداحه. واهتزت معاطف القلوب بحميا ريحه ونشوة راحهِ. يوم أضاءت في حنادس الكآبة مطالع جلاله. وأشرفت في سماء القلوب كواكب سعده وطوالع إقباله. يوم ظهرت علائم البركات على صفحاته. وهبت نسائم الخيرات من نفحاته. وقدحت أنوار السعادة من زنوده. وعرست ركائب الجود على مناهله ووروده. وحلت معاقد الأحزان لفرحته. وقام أهل الأرض والسماء على قدم الابتهاج في صبحته. يوم بشرنا بالفلاح أديمة. ونشر علينا راية الأفراح نسيه. وزالت عن الخلائق ضراؤه. وانحسرت عن معرفة الحق نكراؤه. وتجلت في

ملابس الإشراق مطالع بدوره. وتفرت أغساق الضلال عن القلوب بطوالع نوره. هذا اليوم الذي تسورت بفخره معاصم الكمال. وأضحكت بدائع أسراره مباسم الآمال. وبسطت فرحته قوابض الأسرة. وانتقلت القلوب من وحشة الأحزان إلى أنس المسرة. هذا اليوم الذي أذهلت اللباب غرائبه. وأخرقت العقول عجائبه. وأشرقت في سماء المجد كواكبه. وزينت أجياد العياد مناقبه. اليوم تكسف بدور الأضاليل. تكشفت ستور الأباطيل. تشققت رموس الأبرار. تألقت نفوس الأخيار. خرج هلال الناسوتية عن ظلم السرار. ظهر مخلص الكل من المطلع القبري مبرقعا برداء الأنوار. اليوم عطست أنوف الجود. تفوقت شنوف الوجود. فتحت خزائن النعمة. منحت صوائن الحكمة. تبلجت أقمار المعارف. تجللت الأبدان بأبهى المطارف. هذا اليوم الذي أضحت فيه غرر الآمال مبيضة. ولطائم الإقبال منفضة. ومواكب الشيطان مرفضة. وكواكب البهتان منقضة. هذا اليوم الذي تبلجت الحقائق في سدقته. وابتهجت الخلائق في صبحته. صبت البركات في بركته. وعمت الخيرات بيمنه وبركته. فإن هذا هو اليوم الذي صنعه الرب هلموا نبتهج ونفرح فيه (مزمور 118: 24) . معاشر المؤمنين لقد أتتكم بشرى القيامة في أبرك البكر وأيمن الأصباح. وقدمت عليكم ركائب البهجة بادية الغرر والأوضاح. وذرت عليكم من

أشرف المطالع شموس المسرة والأفراح. فالهناء بالقيامة المسيحية لسائر الجسوم والأرواح. فهلموا الآن نؤم المدينة القدسية بأقدام العقول والأفكار. نلمح السيد المسيح بعيون البصائر والاعتبار. نره متألقاً من المطلع القبري. ممزقا ملابس الموت عن طبعه البشري. ننظر ملائكة السماء بالحلل النورية. جاثمة على صهوة السدة القرية. نبتهج مع مريم المجدلية وبوحان. نسر بالقيامة البكرية مع شمعون الصفا ويوحنان. نسع بأقدام الهمم إلى جليل الجلال. نتلق مخلص الكل بالإكرام والإجلال. نتهادبالسلام وحسن التحية. ونهز أعطاف القلوب بنشوة أريحية. نستسل السخائم والأحقاد بالقبلة. ونستبشر بهذا اليوم العظيم مع الزمرة السليحية. نبعث القمم من قبور الغفلة والإهمال. ونشمر عن سوق العزائم تشمير الرجال. ونعد لنا في خزائن الملكوت صوالح العمال. ونستعد بالمصابيح والأضواء ليوم المآل. فلنقترب الآن علانية إلى كرسي نعمته. لنظفر بالمراحم ونجد النعمة للعون في زمان الضيق (عبرانيين: 4: 16) . ونطلب من الله أن يجعل هذا العيد السعيد. واليوم الأشرف المجيد. مباركا عليكم ميمون النقائب. مؤذنا بالسعادات الخافقة الأعلام الممتدة الذوائب. ويتقبل منكم ما أسلفتموه من الأعمال الصوالح. وذخرتموه في خزائن الملكوت من المتاجر والمرابح. ولا برحتم مكنوفين بكل نعمة وارفة الأظلال. ومنحة ضافية

لعيد الرسل الأطهار

الأهداب والأذيال. يتأرج في الآفاق نشر رياها. ويتبلج في سماء الإشراق بشر محياها. راتعين في أخلاء سعادات متبلجة البدور. وادعين في أثناء مواهب مبتهجة الوجوه باسمة الثغور. ولا برحت شوارد النعم لديكم ثاوية. وموارد الحكم لقلوبكم راوية. وزنود الفضائل في ألبابكم وارية. وجنود الرذائل عنكم متوازية. حتى تتلقوا مورد مخلصكم يوم النشأة الأخرى. ترفلون في أثواب النعيم الأبدي في العراص الملكوتية. وتقتعدون سرر العز والإكرام مع الأولياء الخواص والزمر الملائكية. بشفاعة الآباء والقديسين. وسائر الشهداء والمنتخبين. آمين. لعيد الرسل الأطهار الحمد لله الذي أنار بسبحات نوره بصائر الخلصاء. وطبع سر ظهوره في صفحات سرائر الأخصاء. ووضع أكاليل المواهب الملكوتية على مفارق رؤوس الأصفياء. وأيد بنور الحكم اللاهوتية عقول الأنصار والسليحين الأوصياء. نحمده على ما أفاض علينا من حلل المجد وملابس السناء. ونشكره على جزائل نعمائه شكرا يملأ أقطار الأرض وأكناف السماء. أيها المؤمنون إن الثناء على مناقب الرسل الفضلاء زكاة الفصاحة. ونشر محاسن الرسل الأولياء يهدي إلى الأرواح روح الراحة. فإن نسائم نشر مفاخرهم إذا تأرجت وضاعت. أوجدت في قلوب من ذكر الله ما كنت أضاعت. أولئك الذين اختارهم

السيد المسيح من أحقر المناسب. وأصارهم من درج الإمامة الكهنوتية في أوفى الرتب وأعلى المناصب. واصطفاهم خدما لشريف سدته. ودعاة يرسلهم إلى آفاق الأرض لنشر أوامر ناموسه ودعوته. وجعلهم بروجا اثني عشرية لشمس سلطانه وأشعته. وساعات ناطقة لنهار شرعه الفضلي وبشارته. واختصهم ملائكة لعرش عزته الذي لا يطور به ثل. وجنود محتفة بلواء سلطانه القدسي الذي لا يلم بعقده حل. ورتبهم أيمة للخلق وأعلاما للدلالة. وشرفهم بتاج الكهنوت وأكاليل الرسالة. ومثلهم بالملح المصلحة للطعوم التفهة. والأنوار الزواهر في السماء البيعي الذي تضيء بأنواره كل جهة. وبذر زروع القدس والإيمان في فراديس أذهانهم. وأنبت غروس سرائر الملكوت في جنان جنانهم. وأمرهم بأن يكونوا مصابيح الدجى. وسلم إليهم أقاليد على استنزال المواهب واستغزار العطايا. وأثبت أسماءهم في بيعة الأبكار وجرائد الأسماء. وأنفذ حكمهم في أطراف الأرض وأكناف المساء. وقال لهم ما تحلونه في الأرض فهو مثلول المباني والقواعد. وما تربطونه في الأرض والسماء فهو مرموم النواحي مربوط المعاقد. وأمرهم بالسعي في المتابه والمجاهل بقلوب قوية. وأن يغشوا غمرات الكرائه بنفوس عازفة عن الشهوات أبية. ينتقلون في الأغوار والأنجاد. بغير سلاح يحمي سربهم من الأذاء ولا زاد يردون على الممالك والأمصار

ويردون الأمم العاصية من حندس المساء إلى ضياء النهار. يجنبون الجنوب في الطاعات المسيحية وثير المراقد. ويستوطئون النوم على مضاجع السيال وخشن الغراقد. ويقطعون المسافات الشاسعة بشسوع مقطعة. ويخوضون البحور الزواخر بقلوب محتفة بالتأييد وأذهان مشجعة. يرفلون إلى سائر الآفاق بنجائب الهمم العلية. ويتوقلون أعناق اللجج العميقة بأقدام العزائم القدسية. صابرين على معاناة البلايا والمصاعب. مثابرين على مكافحة الأهوال في الشقق البعيدة والمتاعب. ينتقلون من امة إلى أمة. وينقلون عن القلوب غمة بعد غمة لا تزعجهم نار الأهوال إذا تأججت وشبت. ولا تذهلهم عقارب الأقدار إذا ازبارت ودبت. ولا تتقلقل عزائمهم عن عواصف رياح الوعيد إذا هبت. ولا تتزلزل هممهم عن طلبة الله إذا أصابتهم غمائم التهديد وصبت. يخلبون بالآيات الباهرة قلوب ربات الهوادج. يزعجون سدد الممالك العظام بالكلمات السواذج. فهم كأناس نضيت عن أشباح أبدانهم جلابيب البشرية. أو كأنهم ملائكة تأرضوا فانقضوا من صفيح السماء الأثيرية. شعث اللمم والنواصي صوافي الأذهان. سهم الوجوه ضوامر الأبدان. ضئال الجسوم من تحمل أعباء العبادة. غبر الوجوه من تعفير الخدود على هبوات الثرى وقشف الزهادة. نحاف الأبدان من التهجد في ظلمات الدياجر. شحاب الألوان من لفحات السمائم وحر الهواجر. قد لبسوا ملابس الفقر على فقرات بالية. ونزعوا عن

القلوب حنادس الكفر بخطرات عالية ... مساكين ترجف من سطوتهم أسرة الممالك. جبن قد قهروا ذوي البأس والنجدة والسجاحة. لكن أربوا بالحجج الدوامغ على أرباب الفصاحة ... ليس لهم في خزائن القلوب من العفائل غيرحب حب المسيح. ولا لهم في جيوب الجنوب من الموال الجزائل غير الإيمان الصحيح. لا يثني ثنية عزائمهم عن الثناء على سيدهم ثان. ولا في صدفات قلوبهم غير درة التوحيد شيء ثان. من شذور كلامهم تنظم عقود العقائد. وبنود أفهامهم تستل السخائم وينحل معقود الحقائد. هجموا على ملوك الروم وفلاسفة اليونان. وهم منهمكون في غمرات الغي وعبادة الأوثان. قد أذهلتهم شبه الشكوك فلم تغادر لهم لبا. حتى اتخذوا لهم الصنم المسبوك إلها وربا. قد عسعست دياجير الكفر على الأبصار بصائرهم. وعشعش البهتان والضلال في أوعار سرائرهم. فما فيهم إلا من عدم بهاء العقل الشريف فبهم. وضري على شهوات الجسد السخيف حتى نهم. قد عاثت ذئاب الخطايا في أجسامهم. وفاحت رائحة الذنوب وزفرة الأجرام من أفمامهم. فما زالوا يصدعون قلوبهم بصوادق البراهين والبينات. ويقطعون أعذار الحكماء بمدى الأدلة وصوارم الآيات. حتى انفلقت بيضة الأذهان عن فرخ الحقائق. وافترت مضاحك الإيمان في وجوه الخلائق. وحاز الحق قصبات السبق يوم رهانه. وتنكست أعلام الضلال بظاهر معجزه وبرهانه. فانتقل الناس إلى نهار البشارة

المسيحية من ليل الظلام الدامش. ووضعوا أقدامهم على جدد الهدى بعد ان كانوا على الطرق الطوامس. وقادهم عن تيه الأضاليل وفجاج الردى. وأعادوهم بشرع المسيح إلى سديد المقاصد ومنهاج الهدى. بآيات قطت قواضبها عرى الأباطيل من قلوب الحكماء. وقطعت مضاربها علائق الشبهات من أذهان الفضلاء. فكم من ميت طواه الفناء في مدارج أكفانه فنشروه وأنشروه. وأعمى أزالوا غشاوة العماء عن بصره فبصروه ونصروه. وكم مكتتم في مخادع الحياء من وحشة برصه فأظهروه وطهروه. وذي لمم حيل بينه وبين الحجى البرء والشفاء بشروه. وكم من مقعد حلوا قيد الزمانة من رجله فأنهضوه ... وكلام عليه مسحة البشاعة بينوه بالآيات البواهر وحققوه. حتى انتشرت أعلام راياته الخافقة. وتألقت على الآفاق ذوائب شمسه الشارقة. وزهرت كواكب الإيمان في سماء البيعة. وتقرر في قلوب الخلق شرف السنة الإفضالية ومفاخر الشريعة ... فلما أزف وقت ارتحالهم. وخسفت عقدة الموت أقمار آجالهم. ففيهم من عمر طويلاً. وفيهم من مات قتيلاً. وفيهم من قتل مصلوباً. وصلب مكبوباً. وقبر محصوباً. وقتل مضروباً. فمن عمر منهم عاش بالله سعيداً. ومن قتل منهم مات في الله شهيداً. وشقوا في عالم الفناء قليلاً. وسعدوا في عالم البقاء طويلاً. واستخلفوا على رعايا المسيح أيمةً يهدون إلى مقار الملكوت مؤيدين بالمواهب الروحانية ووقار الكهنوت ...

الباب الثاني في الخطب الحماسية

الباب الثاني في الخطب الحماسية تحريض خالد على القتال في أجنادين يا معاشر الناس أنصروا الله ينصركم. وقاتلوا في سبيل الله واحتبسوا أنفسكم في سبيل الله واصبروا على قتال أعدائكم. وقاتلوا عن حريمكم وأولادكم ومدينكم. وليس لكم ملجأ تلجأون إليه ومكمن تكمنون فيه. فاقرنوا المناكب وقدموا المضارب. ولا تحملوا حتى آمركم بالحملة. ولتكن السهام مجتمعة إذا خرجت من أكباد القسي كأنها تخرج من كبد قوس واحد. فإنه إذا تلاحقت السهام رشقا كالجراد لم يخل أن يكون فيها سهم صائب. واصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون. واعلموا أنكم لا تلقون عدوا مثل هذه الفئة حماتهم وأبطالهم وملوكهم. خطبة أمراء المسلمين لأهل جيشهم قبل وقعة اليرموك ولما حان القتال خرج معاذ محرضا الناس يقول: يا أهل الدين ويا أنصار الهدى والحق اعلموا أن رحمة الله تعالى لا تنال إلا بالعمل والنية ولا تدرك بالمعصية والتمني وبغير عمل مرضي. ولا يؤتى الله مغفرته الواسعة إلا الصالحين والصادقين. فإنه قد قسم أن ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم. واستحيوا رحمكم

خطبة طارق قبل فتوح الأندلس

الله ومن الله تعالى أن يراكم الله منهزمين من عدوكم وانتم في قبضته وليس لكم ملجأ من دونه. وخرج من بعده أبو سفيان بن حرب فطاف بين الصفوف وهو شاك في سلاحه راكب فرسه وهو يقول: معاشر الناس أنتم العرب الكرام السادة العظام وقد أصبحتم في ديار العلاج منقطعين عن الأهل والوطن. والله لا ينجيكم منهم اليوم إلا الطعن والضرب تبلغون بذلك أربكم وتنالون الفوز من ربكم. واعلموا إن الصبر في مواطن البأس مما يفرج الله به الهم وينجي به من الغم فأصدقوهم القتال فإن النصر ينزل مع الصبر. فإن صبرتم ملكتم أمصارهم وبلادهم واستعبدتم نساءهم وأبناؤهم. وإن وليتم فليس بين أيديكم إلا مفاوز لا تقطع إلا بالزاد الكثير والماء الغزير وهؤلاء يرجعون إلى دار وقصور. فامتنعوا بسيوفكم وجاهدوا في الله حق جهاده ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون. (فتوح الشام للواقدي) خطبة طارق قبل فتوح الأندلس لما بلغ طارقاً دنو ردريق قام في أصحابه فمحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم حث المسلمين على الجهاد ورغبهم ثم قال: أيها الناس أين المفر. والبحر من ورائكم وليس لكم والله إلا الصدق والصبر. واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام. في مأدبة اللئام. وقد استقبلكم عدوكم بجيشه. وأسلحته وأقواته موفورة

وانتم لا وزر لكم إلا سيوفكم ولا أقوات إلا ما تستخلصونه من أيدي عدوكم. وإن امتدت بكم الأيام على افتقاركم ولم تنجزوا لكم أمرا ذهب ريحكم وتعوضت القلوب من رعبها عنكم الجرأة عليكم. فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بمناجزة هذا الطاغية. فقد ألقت به إليكم مدينته الحصينة وإن انتهاز الفرصة فيه لممكن إن سمحتم لأنفسكم بالموت. وغني لم أحذركم أمرا أنا عنه بنجوة ولا حملتكم على خطة أرخص متاع فيها النفوس. أبدأ بنفسي. واعلموا أنكم إن صبرتم على الأشق قليلا استمتعتم بالأرفة الألذ وقد بلغكم ما أنشأت هذه الجزيرة من الخيرات العميمة. وقد أنتخبكم الوليد بن عبد الله أمير المؤمنين من الأبطال عربانا. ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهارا وأختانا. ثقة منه بارتياحكم للطعان. واستماحكم بمجالدة الأبطال والفرسان. ليكون حظه منكم ثواب الله على إعلاء كلمته وإظهار دينه الجزيرة. وليكون مغنمها خالصة لكم من دونه ومن دون المؤمنين سواكم. والله تعالى ولي إنجادكم على ما يكون لكم ذكرا في الدارين. واعلموا إني أول مجيب إلى ما دعوتكم إليه وإني عند ملتقى الجمعين حامل بنفسي على طاغية القوم لذريق فقاتله إن شاء الله تعالى. فاحملوا معي فإن هلكت بعده فقد كفيتم أمره ولم يعوزكم بطل عاقل تسندون

خطبة أبي حمزة بالمدينة

أموركم إليه. وإن هلكت قبل وصولي إليه فاحلفوني في عزيمتي هذه واحملوا بأنفسكم عليه واكتفوا الهم من فتح هذه الجزيرة بقتله. خطبة أبي حمزة بالمدينة قال مالك بن أنس: خطبنا أبو حمزة خطبة شك فيها المستبصر وردت المرتاب. قال أوصيكم بتقوى الله وطاعته والعمل بسنته وصلة الرحم وتعظيم ما صغرت الجبابرة في حق الله. وتصغير ما عظمت من الباطل وإماتة ما أحيوا من الجور. وإحياء ما أماتوا من الحقوق. وأن يطاع الله ويعصى العباد في طاعته فالطاعة للعباد من أهل طاعة الله ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ندعو إلى سنة الله والقسم بالسوية والعدل في الرعية ووضع الأخماس في مواضعها التي أمر الله بها. إنا والله ما خرجنا أشرا ولا بطرا ولا لهوا ولا لعبا. ولا لدولة ملك نريد أن نخوض فيها ولا لثأر قد نيل منا. ولكن لما رأينا الأرض قد أظلمت ومعالم الجور قد ظهرت وكثر الادعاء في الدين وعمل بالهوى وعطلت الأحكام وقتل القائم بالقسط وعنف القاتل بالحق سمعنا مناديا ينادي إلى الحق وإلى طريق مستقيم. فأجبنا داعي الله (الآية) فأقبلنا من قبائل شتى قليلين مستضعفين في الأرض. فآوانا الله وأيدنا بنصره فأصبحنا بنعمته إخوانا وعلى الدين أعوانا. يا أهل المدينة أولكم خير أول وآخركم شر آخر. إنكم أطعتم قراءكم وفقهاءكم فاختانوكم عن كتاب غير ذي عوج

بتأويل الجاهلين وانتحال المبطلين. فأصبحتم عن الحق ناكبين أمواتا غير أحياء وما تشعرون. يا أهل المدينة يا أبناء المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ما أصح أصلكم وأسقم فرعكم. كان آباءكم أهل اليقين وأهل المعرفة بالدين والبصائر الناقدة والقلوب الواعية وأنتم أهل الضلالة والجهالة. واستعبدتكم الدنيا فأذلتكم والأماني فأضلتكم. فتح الله لكم باب الدين فأفسدتموه. وأغلق عنكم باب الدنيا ففتحتموه. وسارع إلى الفتنة بطاء عن السنة. عمي عن البرهان. صم عن العرفان. عبيد الطمع حلفاء الجزع. نعم ما ورثكم آباءكم لو حفظتموه وبئس ما تورثون أبنائكم إن تمسكوا به. نصر الله آباءكم على الحق وخذلكم على الباطل. كان عدد آباءكم قليلا طيبا وعددكم كثير خبيث. اتبعتم الهوى فأرداكم. واللهو فأسهاكم. ومواعظ القرآن تزجركم فلا تزدجرون. وتعبركم فلا تعتبرون. سألناكم. عن ولاتكم هؤلاء فقلتم والله ما فيهم الذي يعلم. أخذ المال من غير صلة فوضعوه في غير حقه وجاروا في الحكم فحكموا بغير ما أنزل الله. واستثاروا بفيئنا فجعلوه دولة بين الأغنياء منهم وقلنا لكم: تعالوا إلى هؤلاء الذين ظلمونا وظلموكم وجاروا في الحكم فحكموا بغير ما أنزل الله. فقلتم: لا نقوى على ذلك ووردنا إنا أصبنا من يكفينا فقلنا: نحن نكفيكم ثم الله راع علينا وعليكم إن ظفرنا لنعطين كل ذي حق حقه. فجئنا فارتقينا الرماح بصدورنا والسيوف

تقليد السلطان إلى الملك الظاهر

بوجوهنا فعرضتم لنا دونهم فقاتلتمونا فأبعدكم الله. فوالله لو قلتم: لا نعرف الذي تقول ولا نعلمه لكان أعذر مع أنه لا عذر للجاهل. ولكن أبى الله إلا أن ينطق بالحق على ألسنتكم ويأخذكم به في الآخرة (العقد الفريد لابن عبد ربه) تقليد السلطان إلى الملك الظاهر (لما بويع بالخلافة للمستنصر بالله صعد فخر الدين بن لقمان رئيس الكتاب منبرا فقرأ على الملك تقليد السلطان وكان التقليد من إنشائه. وصورته:) الحمد لله الذي أضفى على الإسلام ملابس الشرف. وأظهر بهجة دره وكانت خافية بما استحكم عليها من الصدف. وشيد ما وهي من علائه حتى أنسى به ذكر من سلف. وفيض لنصره ملوكا اتفق عليهم من اختلف. أحمده على نعمه التي وقعت العين منها في الروض الأنف. وألطافه التي وقف الشاكر عليها فليس له عنها منصرف. وبعد فإن أولى الأولياء بتقديم ذكره. وأحقهم أن يصبح القلم راكعا وساجدا لتسطير مناقبه وبره. من سعى فأضحى سعيه للحمد متقدما. ودعا إلى طاعته فأجاب من كان منجدا ومتهما. وما بدت يد في المكرمات إلا كان لها زندا ومعصما ولا استباح بسيفه حمى وغى إلا أضرم منه نارا وأجرى منه دما. ولما كانت هذه المناقب الشريفة مختصة بالمقام العالي المولوي السلطاني الملكي الظاهري الركني شرفه الله وأعلاه. ذكره الديوان العزيز المستنصري أعز الله

سلطانه تنويها بشريف قدره. واعترافا بصنيعه الذي تنفد العبارة المسهبة ولا تقوم بشكره. وكيف لا وقد أقام الدولة العباسية بعد أن أقعدتها زمانة الزمان. وأذهبت ما كان لها من محاسن وإحسان. وعتب دهرها المسيء لها فأعتب. وأرضى عنها زمنها وقد كان صال عليها صولة مغضب. فأعاد لها سلما بعد أن كان عليها حربا. وصرف إليها اهتمامه فرجع كل متضايق من أمورها واسعا رحبا. ومنح أمير المؤمنين عند القدوم عليه حنوا وعطفا. وأظهر من الولاء رغبة في ثواب الله ما لا يخفى. وأبدى من الاهتمام بأمر الشريعة والبيعة أمرا لو رامه غيره لامتنع عليه. ولو تمسك بحبله متمسك لانقطع به قبل وصوله إليه. ولكن الله ادخر هذه الحسنة ليثقل بها ميزان ثوابه. ويخفف بها يوم القيامة حسابه والسعيد من خفف من حسابه. فهذه منقبة أبى الله إلا أن يخلدها في صحيفة صنعه. ومكرمة تضمنت لهذا البيت الشريف لجمعه. بعد أن حصل الإياس من جمعه. وأمير المؤمنين يشكر لك هذه الصنائع. ويعترف أنه لولا اهتمامك لا تسع الخرق على الراقع. وقد قلدك الديار المصرية والبلاد الشامية. والديار البكرية والحجازية واليمنية والفراتية. وما يتجدد من الفتوحات غورا ونجدا. وفوض أمر جندها ورعاياها إليك حتى أصبحت بالمكارم فردا. ولا جعل منها بلدا من البلاد ولا حصنا من الحصون يستثنى. ولا جهة من الجهات

تعد في الأعلى ولا في الأدنى. فلاحظ أمور الأمة فقد أصبحت لها حاملا. وخلص نفسك من التبعات اليوم ففي غد تكون مسؤولاً لها سائلا. ودع الاغترار بأمر الدنيا فما نال أحد منها طائلا. وما رآها أحد بعين الحق إلا رآها حائلا زائلا. فالسعيد من قطع منها آماله الموصولة. وقدم لنفسه زاد التقوى تقدمة غير التقوى مردودة لا مقبولة. وأبسط يدك بالإحسان والعدل فقد أمر الله بالعدل وحث على الإحسان. وكفر به عن المرء ذنوبا كتبت عليه وآثاما. وجعل يوما واحدا منها كعبادة العابد ستين عاما. وما سلك أحد سبيل العدل إلا واجتنى ثماره من الأفنان ورجع الأمر بعد تداعي أركانه وهو مشيدا الأركان. وتحصن به من حوادث زمانه. والسعيد من تحصن من حوادث الزمان. وكانت أيامه في الأيام أبهى من الأعياد. وأحلى من العقود إذا حلي بها عاطل الجياد. وهذه الأقاليم المنوطة بك تحتاج إلى نواب وحكام. وأصحاب رأي من أصحاب السيوف والأقلام. فإذا استعنت بأحد منهم في أمورك فنقب عليه تنقيبا. واجعل عليه في تصرفاته رقيبا. واسأل عن أحواله ففي يوم القيامة تكون عنه مسؤولاً وبما اجترم مطلوبا. ولا تول منهم إلا من تكون مساعيه حسنات لك ولا ذنوبا. وأمرهم بالأناة في الأمور والرفق. ومخالفة الهوى إذا ظهرت أدلة الحق. وأن يقابلوا الضعفاء في حوائجهم بالثغر بالباسم والوجه الطلق. وأن لا

يعاملوا أحدا على الإحسان والإساءة إلا بما يستحق. وأن يكونوا لمن تحت أيديهم من الرعايا إخوانا. وان يوسعوهم برا وإحسانا. وأن لا يستحلوا حرماتهم إذا استحل الزمان لهم حرمانا. فالمسلم أخو المسلم ولو كان أميرا عليه وسلطانا. والسعيد من نسج ولاته في الخير على منواله. واستسنوا بسنته في تصرفاته وأحواله. وتحملوا عنه ما تعجز قدرته عن حمل أثقاله. ومما يؤمرون به أن يمحى ما أحدث من سيئ السنن. وجدد من المظالم التي هي من أعظم المحن. وأن يشتري بإبطالها المحامد. فإن المحامد رخيصة بأغلى ثمن. ومهما جبي بها من الأموال فإنما هي باقية في الذم حاصلة. وأجياد الخزائن وإن أضحت بها حالية فإنما هي على الحقيقة منها عاطلة. وهل أشقى ممن احتقب إثما. واكتسب بالمساعي الذميمة دما. وجعل السواد العظم له يوم القيامة خصما. وتحمل ظلم الناس فيما صدر عنه من أعماله وقد خاب من حمل ظلما. وحقيق بالمقام الشريف المولوي السلطاني الملكي الظاهري الركني أن تكون ظلامات الأنام مردودة بعدله. وعزائمه تخفف ثقلا لا طاقة له بحمله. فقد أضحى على الإحسان قائدا. وصنعت له الأيام ما لم تصنعه لغيره ممن تقدم من الملوك وإن جاء آخرا. فاحمد الله على أن وصل إلى جانبك إمام هدى أو جب لك مزية التعظيم. ونبه الخلائق على ما أفضل الله به من هذا الفضل العظيم. وهذه أمور يجب أن تلاحظ وترعى. وأن يوالي عليها حمد

خطبة أبي أذينة يغري الأسود بني المنذر بقتل آل غسان وكانوا قتلوا أخا له

الله فإن الحمد يجب عليها وشرعا. وقد تبين أنك صرت في الأمور أصلا وصار غيرك فرعا. ومما يجب أيضا تقديم ذكره أمر الجهاد الذي أضحى على الأمة فرضا. وهو العمل الذي يرجع به مسود الصحائف مبيضا. وقد وعد الله المجاهدين بالأجر العظيم. وأعد لهم عنده المقام الكريم. وبك صان الله حمى الإسلام من أن يبتذل. وبعزمك حفظ على المسلمين نظام هذه الدول.. وسيفك أثر في قلوب الكافرين قروحا لا تندمل. وبك يرجى أن يرجع من الخلافة ما كان عليه في الأيام الأول. فأيقظ لنصرة الإسلام جفنا ما كان غافيا ولا هاجعا. وكن في مجاهدة أعداء الله إماما متبوعا لا تابعا. هداك الله إلى مناهج الحق ومازلت مهتديا إليها. وألزمك المراشد ولا تحتاج إلى تنبيه عليها. والله ممدك بأسباب نصره ويوزعك شكر نعمه فإن النعمة تستتم بشكره (للسيوطي) خطبة أبي أذينة يغري الأسود بني المنذر بقتل آل غسان وكانوا قتلوا أخا له ما كل يوم ينال المرء ما طلبا ... ولا يسوغه المقدار ما وهبا وأحزم الناس من إن فرصة عرضت ... لم يجعل السبب الموصول منقضبا وأنصف الناس في كل المواطن من ... سقى المعادين بالكاس التي شربا وليس يظلمهم من راح يضربهم ... بحد سيف به من قبلهم ضربا والعفو إلا عن الأكفاء مكرمة ... من قال غير الذي قد قلته كذبا قتلت عمرا وتستبقي لزيد لقد ... رأيت رأيا يجر الويل والحربا

قال في الدين الحلي يحرض السلطان الملك الصالح على الاحتراز من المغول ومنافرتهم عن

لا تقطعن ذنب الأفعى وترسلها ... إن كنت شهما فاتبع رأسها الذنبا هم جردوا السيف فاجعلهم له جزرا ... وأوقدوا النار فاجعلهم لها حطبا إن تعف عنهم يقول الناس كلهم ... لم يعف حلما ولكن عفوه رهبا هم أهلة غسان ومجدهم ... عال فإن حاولوا ملكا فلا عجبا وعرضوا بفداء واصفين لنا ... خيلا وإبلا تروق العجم والعربا أيحلبون دما منا ونحلبهم ... رسلا لقد شرفونا في الورى حلبا علام تقبل منهم فدية وهم ... لا فضة قبلوا منا ولا ذهبا قال في الدين الحلي يحرض السلطان الملك الصالح على الاحتراز من المغول ومنافرتهم عن إقبالهم ويهينه بعيد النخر لا يمتطي المجد من لم يركب الخطرا ... ولا ينال العلى من قدم الحذرا ومن أراد العلى عفوا لا تعب ... قضى ولم يقض من إدراكها وطرا لابد للشهد من نحل يمنعه ... لا يجتني النفع من لم يحمل الضررا لا يبلغ السؤل إلا بعد مؤلمة ... ولا يتم المنى إلا لمن صبرا واحزم الناس من لومات من ظمإ ... لا يقرب الورد حتى يعرف الصدرا وأغزر الناس عقلا من إذا نظرت ... عيناه أمرا غدا بالغير معتبرا فقد يقال عثار الرجل إن عثرت ... ولا يقال عثار الرأي إن عثرت من دبر العيش بالآراء دام له ... صفوا وجاء إليه الخطب معتذرا يهون بالرأي ما يجري القضاء به ... من أخطأ الرأي لا يستذنب القدر من فاته العز بالأقلام أدركه ... بالبيض يقدح من أطرافها الشررا

بكل أبيض قد أجرى الفرند به ... ماء الردى فلو استقطرته قطرا خاض العجاجة عريانا فما انقشعت ... حتى اتى بدم الأبطال مؤتزرا لا يحسن الحلم إلا في مواطنه ... ولا يليق الوفا إلا لمن شكرا ولا ينال العلى إلا فتى شرفت ... خلاله فأطاع الدهر ما أمر كالصالح الملك المرهوب سطوته ... فلو توعد قلب الدهر لانفطرا لما رأى الشر قد أبدى نواجذه ... والغدر عن نابه للحرب قد كشرا رأى القسي إناثا في حقيقتها ... فعافها واستشار الصارم الذكرا فجرد العزم من قبل الصفاح لها ... ملك عن البيض يستغني بما شهرا يكاد يقرأ من عنوان همته ... ما في صحائف ظهر الغيب قد سطرا كالبحر والدهر في يومي ندى وردى ... والليث والغيث في يومي وغى وقرى ما جاد للناس إلا قبل ما سألوا ... ولا عفا قط إلا بعد ما قدرا لا موه في بذله الأموال قلت لهم ... هل تقدر السحب ألا ترسل المطرا إذا غدا الغصن غضا من منابته ... من شاء فليجن من أفنانه الثمرا من آل ارتق المشهور ذكرهم ... إذ كان كالمسك إن أخفيته ظهرا الحاملين من الخطي أطوله ... والناقلين من الأسياف ما قصرا لم يرحلوا عن حمى أرض إذا نزلوا ... إلا وأبقوا بها من جودهم أثرا تبقى صنائعهم في الأرض بعدهم ... والغيث إن سار أبقى بعده الزهرا لله در سما الشهباء من فلك ... وكلما غاب نجم أطلعت قمرا يا أيها الملك الباني لدولته ... ذكر أطوى ذكر أهل الأرض وانتشرا

ولصفي الدين الحلي يحرض السلطان الملك المنصور نجم الدين غازي ابن ارتق صاحب ماردين

كانت عداك لها دست فقد صدعت ... حصاة جدك ذاك الدست فانكسرا فأوقع إذا غدروا سوط العذاب بهم ... يظل يخشاك صرف الدهر إن غدرا وأرعب قلوب العدى تنصر بخذلهم ... إن النبي بفضل الرعب قد نصرا ولا تكدر بهم نفسا مطهرة ... فالبحر من يومه لا يعرف الكدرا ظنوا تأنيك عجزا وما علموا ... أن التأني فيهم يعقب الظفر أحسنتم فبغوا جهلا وما اعترفوا ... لكم ومن كفر النعمى فقد كفرا وأسعد بعيدك ذا الأضحى وضح به ... وصل وصل لرب العرش مؤتمرا وانحر عداك فبالإنعام ما انصلحوا ... إن كان غيرك للأنعام قد نحرا ولصفي الدين الحلي يحرض السلطان الملك المنصور نجم الدين غازي ابن ارتق صاحب ماردين على حضوره حصار قلعة إربل حين أرسل الجيوش ولم يحضرها سنة اثنتين وسبعمائة أبدسنا وجهك من حجابه ... فالسيف لا يقطع في قرابه والليث لا يرهب من زئيره ... إذا اغتدى محتجبا بغابه والنجم لا يهدي السبيل ساريا ... إلا إذا أسفر من حجابه والشهد لولا أن يذاق طعمه ... لما غدا مميزا عن صابه إذا بدا نورك لا يصده ... تزاحم الموكب في ارتكابه ولا يضر البدر وهو مشرق ... أن رفيق الغيم من نقابه قم غير مأمور ولكن مثلما ... هز الحسام ساعة اجتذابه كم مدرك في يومه بعزمه ... ما لم يكن بالأمس في حسابه من كانت السمر اللدان رسله ... كان بلوغ النصر من جوابه

ولا تقل إن الصغير عاجز ... هل يجرح الليث سوى ذبابة فارم ذرى قلعتهم بقلعة ... تقلع أس الطود من ترابه فإنها إذا رأتك مقبلا ... مادت وخر السور لاضطرابه إن لم تحاك الدهر في دوامه ... فإنها تحكيه في انقلابه وأجل لهم عزما إذا جلوته ... في الليل أغنى الليل عن شهابه عزم مليك يخضع الدهر له ... وتسجد الملوك في أعتابه تحاذر الأحداث من حديثه ... وتجزع الخطوب من خطابه قد صرف الحجاب عن حضرته ... وصير الهيبة من حجابه إذا رأى المر بعين فكره ... رأى خطاء الرأي من صوابه وإن أجال رأيه في مشكل ... أعانه الحق على طلابه تنقاد مع آرائه أيامه ... مثل انقياد اللفظ مع إعرابه لا يزجر البارح في اعتراضه ... ولا غراب البين في تنعابه يقرأ من عنوان سر رأيه ... ما سطر القضاء في تابه قد أشرقت بنوره أيامه ... كأنما تبسم عن أحسابه يكاد أن تلهيه عن طعامه ... مطالب الحمد وعن شرابه ما سار للناس ثناء سائر ... إلا حط رحله ببابه إذا استجار ماله بكفه ... أعانه الجود على ذهابه وإن كسا الدهر الأنام مفخراً ... طننته يخلع من ثيابه يا ملكا يرى العدو قربه ... كالأجل المحتوم في اقترابه

لا تبذل الحلم لغير شاكر ... فإنه يفضي إلى إعجابه فاغز العدى بعزمة من شأنها ... إتيان حزم الرأي من أبوابه تسلم أرواح العدى إلى الردى ... وترجع الأمر إلى أربابه حتى تقول كل رب رتبة ... قد رجع الحق إلى نصابه قد رفع الله العذاب عنهم ... فشمروا الساعد في طلابه رنوا إلى الملك بعين غادر ... أطمعه حلمك في اقتضابه إن لم تقطع بالظبي أوصالهم ... لم تقطع الآمال من أسبابه لا تقبل العذر فإن ربه ... قد أضمر التصحيف في كتابه فتوبة المقلع إثر ذنبه ... وتوبة الغادر مع عقابه لو أنهم خافوا كفاء ذنبهم ... لم يقدموا يوما على ارتكابه فاصرم حبال عزمهم بصارم ... قد بالغ القيون في انتخابه يعتذر الموت إلى شفرته ... وتقصر الآجال عن عتابه يذيقهم في شبيه أضعاف ما ... أذاقه القيون من شبابه يا ملكا يعتذر الدهر له ... وتخدم الأيام في ركابه لم يك تحريضي لكم إساءة ... ولم أحل في القول عن آدابه ولا يعيب السيف وهو صارم ... هز يد الجاذب في انتدابه ذكر مشهور ونظمي سائر ... كلاهما أمعن في اغترابه ذكر جميل غير أن نظمه ... يزيده حسنا مع اصطحابه كالدر لا يظهر حسن عقده ... إلا جواز السلك في أثقابه

الباب الثالث في المناظرات

الباب الثالث في المناظرات مناظرة بين بلاد الأندلس هذا ما خاطب به أديب الأندلس أبو بحر صفوان بن إدريس الأمير عبد الرحمن ابن السلطان يوسف بن عبد المؤمن بن علي: لما تخاصمت فيك من الأندلس الأمصار. وطال بها الوقوف على حبك والاقتصار. كلها يفصح قولا. ويقول: أنا أحق وأولى ويصيخ إلى إجابة دعوته ويصغي. ويتلو إذا بشر بك: ذلك ما كنا نبغي. تنمرت (حمص) غيظا. وكادت تفيظ فيظاً. وقالت: ما لهم يزيدون وينقصون ويطمعون ويحرصون. إن يتبعون إلا الظن وإن هم لا يخرصون. ألهم السهم الأسد. والساعد الأشد. والنهر الذي يتعاقب عليه الجزر والمد. أنا مصر الأندلس والنيل نهري. فحسبي أن أفيض في ذلك الشرف. وإن تحجبتم بأشرف اللبوس. فأي إزار اشتملتموه كشنتبوس. إلى ما شئت من أبنية رحاب. وروض يستغني بنضرته عن السحاب. قد ملأت زهراتي وهادا وأنجاداً. وتوشح سيف نهري بحدائقي نجادا. فأنا أولاكم بسيدنا الهمام وأحق. الآن حصحص الحق. فنظرتها (قرطبة) شزراً وقالت: لقد كثرت نزرا. وبذرت في الصخر الأصم بزرا. كلام العدى ضرب من

الهذيان. وإني للإيضاح والبيان. متى استحال المستقبح مستحسنا. ومن أودع أجفان المهجور وسنا. أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا. يا عجبا للمراكز تقدم على الأسنة. وللأثفار تفضل على الأعنة. إن ادعيتم سبقا. فما عند الله خير وأبقى. لي البيت المطهر الشريف. والاسم الذي ضرب عليه رواقه التعريف. في بقيعي محل الرجال الأفاضل. فليرغم أنف المناضل. وفي جامعي مشاهد ليلة القدر. فحسبي من نباهة القدر. فما لأحد أن يستأثر علي بهذا السيد الأعلى. ولا أرضى له أن يوطئ غير ترابي نعلا. فأقروا لي بالأبوة. وانقادوا لي على حكم البنوة. ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة. وكفوا عن تباريكم. ذلكم خير لكم عند باريكم. (فقالت غرناطة) : لي المعقل الذي يمتنع ساكنه من النجوم. ولا تجري إلا تحته جياد الغيث السجوم. فلا يلحقني من معاند ضرر ولا حيف. ولا يهتدي إلي خيال طارق ولا طيف. فاستسلموا قولا وفعلا. فقد أفلح اليوم من استعلى. لي بطاح تقلدت من جداولها أسلاكا. واطلعت كواكب زهرها فعادت أفلاكا. فحسني لا يطمع فيه ولا يحتال. فدعوني فكل ذات ذيل تختال. فأنا أولى بهذا السيد الأعدل. وما لي به من عوض ولا بدل. ولم لا يعطف علي عنان مجده وبثني. وإن أنشد يوما فإياي يعني: بلاد بها عق الشباب تمائمي ... وأول أرض مس جلدي ترابها

فما لكم تعتزون لفخري وتنتمون. وتتأخرون في ميداني وتتقدمون. تبرؤوا إلي مما تزعمون. ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون. (فقالت مالقة) : أتتركوني بينكم هملا. ولم تعطوني في سيدنا أملا. ولم ولي البحر العجاج. والسيل الثجاج. والجنات الأثيرة. والفواكه الكثيرة. لدي من البهجة ما تستغني به الحمام عن الهديل. ولا تجنح الأنفس الرقاق الحواشي إلى تعويض عنه ولا تبديل. فما لي لا أعطى في ناديكم كلاما. ولا أنشر في جيش فخاركم أعلاما. فكان الأمصار نظرتها ازدراء. فلم تر لحديثها في ميدان الذكر إجراء. لأنها موطن لا يحلى منه بطائل. ونظن البلاد تأولت فيها قول القائل: إذا نطق السفيه فلا تجبه ... نخير من إجابته السكوت (فقالت مرسية) : أمامي تتعاطون الفخر. وبحضرة الدر. تنفقون الصخر. إن عدت المفاخر فلي منها الأول والآخر. أين أوشالكم من بحري. وخرزكم من لؤلؤ نحري. فلي الروض النضير. والمرأى الذي ما له من نظير. فمن دوحات. كم لها من بكور وروحات. ومن أرجاء. إليها تمد أيدي الرجاء. فأبنائي فيه في الجنة الدنيوية مودعون. يتنعمون فيما يأخذون ويدعون. ولهم فيها ما تشتهي أنفسهم ولهم فيها ما يدعون. فانقادوا لأمري. وحاذروا اصطلاء جمري. وخلوا بيني وبين سيدنا أبي زيد. وإلا ضربتكم ضرب زيد. فانا أولاكم بهذا المستأثر بالتعظيم. وما يلقاها إلا

ذو حظ عظيم. (فقالت بلنسية) : فيم الجدال والقراع. وعلام الاستهام والاقتراع. وإلام التعريض والتصريح. وتحت الرغوة اللبن الصريح. أنا أحوزه من دونكم. فاخمدوا ناري تحرككم وهدونكم. فلي المحاسن الشامخة الأعلام. والجنات التي تلقي إليها الآفاق يد الاستسلام. وبرصافتي وجسري أعارض مدينة السلام. فأجمعوا على الانقياد لي والسلام. وإلا فعضوا بنانا. واقرعوا أسنانا. فأنا حيث لا تدركون وإني ومولانا لا يهلكنا بما فعل السفهاء منا. (فعند ذلك ارتمت جمرة تدمير بالشرار) واستدت أسهمها لنحور الشرار وقالت: عش عجبا. ترعجبا. أبعد العصيان والعقوق. تتهيأن لرتب ذوي الحقوق. هذه سماء الفخر فمن ضمك أن تعرجي. ليس بعشك فادرجي. لك الوصب والخبل. الآن وقد عصيت قبل. أيتها الصانعة الفاعلة. من أدراك أن تضرب وما أنت فاعلة. ما الذي يجديك الروض والزهر. أم يفيدك الجدول والنهر. وهل يصلح العطار ما أفسد الهر. هل أنت إلا محط رحل النفاق. ومنزل ما لسوق الخصب فيه من نفاق. ذراك لا يكتحل الطرف فيه بهجوع. وقراك لا يسمن ولا يغني من جوع. فإلام تبرز الإماء في منصة العقائل. ولكن اذكري قول القائل: بلنسة بيني عن القلب سلوة ... فإنك روض لا أحن لزهرك وكيف يحب المرء دارا تقسمت ... على صارمي جوع وفتنة مشرك

نخبة من مغايرة بين السيف والقلم للشيخ جمال الدين ابن نباتة

بيد أني أسأل الله تعالى أن يوقد من توفيقك ما خمد. ويسيل من تسديدك ما جمده. ولا يطيل عليك في الجهالة الأمد. وإياه سبحانه نسأل أن يرد سيدنا ومولانا إلى أفضل عوائده. ويجعل مصائب أعدائه من فوائده. ويكمن حسامه من رقاب المشغبين. ويبقيه وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين. ويصل له تأييدا وتأبيدا. ويمهد له الأيام حتى تكون الأحرار لعبيد عبيده عبيدا. ويمد على الدنيا بساط ويهبه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده: آمين آمين لا أرضي بواحدة ... حتى أضيف إليها ألف آمينا ثم السلام الذي يتأنق عقبا ونشرا. ويتألق رونقا وبشرا. على حضرتهم العلية. ومطالع أنوارهم السنية الجليلة. ورحمة الله تعالى وبركاته. (نفح الطيب للمقري) نخبة من مغايرة بين السيف والقلم للشيخ جمال الدين ابن نباتة (قال) . برز القلم بإفصاحه. ونشط لارتياحه. ورقي من الأنامل على أعواده. وقام خطيبا بمحاسنه في حلة مداده. والتفت إلى السيف وقال: بسم الله الرحمن الرحيم والقلم وما يسطرون. ما أنت بنعمة ربك بمجنون. الحمد لله الذي علم بالقلم وشرفه بالقسم. وخط به ما قدر وقسم. أما بعد فإن القلم منار الدين والدنيا ونظام الشرف والعليا. ومحاديح الخير إذا احتاجت الهمم إلى السقيا. ومفتاح باب اليمن المجرب إذا أعيا. وسفير الملك المحجب.

وعذيق الملك المرجب. وزمام أموره السائرة. وقادمة أجنحة الطائرة. ومطلق أرزاق عفاته المتواترة. وأنملة الهدى المشيرة إلى ذخائر الدنيا والآخرة. به رقم الكتاب الذي لا يأتيه الباطل. وسننه التي تهذب الخواطر الخواطل. فهو في مراضي الدول عونة للشائدين. وبعين الله في ليالي النقس تقلب وجهه في الساجدين. إن نظمت فرائد العلوم فإنما هو سلكها. وإن علت أسرة الكتب فإنما هو ملكها. أو رقمت برود البيان فإنا هو جلالها. وإن تشعبت فنون الحكم فإنما هو أمانها ومآلها. وإذا انقسمت أمور الممالك فإنما هو عصمتها وثمالها. وإن اجتمعت رعايا الصنائع فإنما هو إمامها المتلفع بسواده. وإن زخرت بحار الأفكار فإنما هو المستخرج دررها من ظلمات مداده. وإن وعد وفى بجلب النفع. وإن أوعد أخاف كأنما يستمد من النفع. هذا وهو لسان الملوك المخاطب. ورسيلها لأبكار الفتوح والخاطب. والمنفق في تعمير دولها محصول أنفاسه. والمتحمل أمورها الشاقة على عينه ورأسه. والمتيقظ لجهاد أعدائها والسيف في جفنه نائم. والمجهز لبأسها وكرمها جيشي الحروب والمكارم. والجاري بما أمر الله من العدل والإحسان. والمسود الناصر فكأنما هو لعين الدهر إنسان. طالما ذب عن حرمها. فشد الله أزره ورفع ذكر. وقام في المحاماة عن دينها أشعث أغبر لو أقسم على الله لا بره. وقاتل على البعد والصوارم في القرب. وأوتي

من معجزات النبوءة نوعا من النصر بالرعب. وبعث جحافل السطور فالقسي دالات والرماح ألفات واللامات لامات. والهمزات كواسر الطير التي تتبع الجحافل. والأتربة عجاجها المحمر من دم الكلى والمفاصل. فهو صاحب فضيلتي العلم والعمل. وساحب ذيلي الفخار في الحرب والسلم. لا يعاديه إلا من سفه نفسه. ولبس لبسه. وطبع على قلبه. وفل الجدال من غربه. وخرج في وزن المعارضة عن ضربه. وكيف يعادى من إذا كرع في نقسه. قيل إنا أعطيناك الكوثر. وإذا ذكر شانئه السيف قيل إن شانئك هو الأبتر. أقول قولي هذا وأستغفر الله من الشرف وخيلاته. والفخار وكبريائه. وأتوكل على الله فيما حكم. وأسأله التدبير فيما جرى به القلم. ثم اكتفى بما ذكره من أدواته. وجلس على كرسي دواته متمثلا بقول القائل: قلم يفل الجيش وهو عرمرم ... والبيض ما سلت من الأغماد وهبت له الآجام حين نشابها ... كرم السيول وصولة الآساد فعند ذلك نهض السيف قائما عجلا. وتملظ لسانه للقول مرتجلا. وقال: بسم الله الرحمن الرحيم وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز. الحمد لله الذي جعل الجنة تحت ظلال السيوف. وشرع حدها في ذوي العصيان فأغصتهم بماء الحتوف. وشيد مراتب الذين

يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص وعقد موصوف. وأجناهم من ورق حديدها الأخضر ثمار نعيمها الدانية القطوف. أما بعد فإن السيف زند الحق الوري وزنده القوي. وحده الفارق بين الرشيد والغوي. والنجم الهادي إلى العز وسبيله. والثغر الباسم عن تباشيره فلوله. وخصه الله على الأقلام بأن به للحق منهاجا. وأطلعه في ليالي النقع والشك سراجا وهاجا. وفتح باب الدين بمصباحه حتى دخل فيه الناس أفواجا. فهو ذو الرأي الصائب. وشهاب العزم الثاقب. وسماء العز التي زينت من آثاره بزينة الكواكب. والحد الذي كأنه ماء دافق يخرج من عند قطع الأجساد من بين الصلب والترائب. لا تجحد آثاره ولا ينكر قراراه. إذا اشتبت في الدجى والنقع ناره. يجمع بني الحالتين البأس والكرم. ويصاغ في طوق الحليتين فهو إما طوق في نحور الأعداء وإما خلخال في عراقيب أهل النقم. وتحسم به أهواء الفتن المضلة. وتحذف بهمته الجازمة حروف العلة. وإذا انحنى في سماء القتام بالضرب فهو القوي الاستطاعة الطويل المعمر. إذا قصف سواه في ساعة فما أولاه بطول الإحسان. وما أجمل ذكره في أخبار المعمرين ومقاتل الفرسان. كأن الغيث في غمده للطالب المنتجع. وكأنه زناد يستضاء به إلا أن دفع الدماء شرره الملتمع. كم قد مد فأدرك الطلاب. ودعا النصر بلسانه المحمر من أثر الدماء فأجاب. وتشعبت

الدول لقائم نصره المنتظر. وحازت أبكار الفتوح بحده الظفر. وغدت أيامها به ذات حجول معلومة وغرر. وشدت به الظهور وحمدت علائقه في الأمور. واتخذته الملوك حرزا لسلطانها. وحصنا على أوطانها وقطانها. وجردته على صروف الأقدار في شانها. وندب فما أعيت عليه المصالح. وباشر اللمم فهو على الحقيقة بين الهدى والضلال فرق واضح. وأغاث في كل فصل فهو إما لغمده سعد الأخبية وإما لحامله سعد السعود. وإما لصده سعد الدابح. يجلس على رؤوس الأعداء قهرا. ويشرح أنباء الشجاعة قائلا للقلم: ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرا. وهل يفاخر من وقف الموت على بابه. وعض الحرب الضروس بنابه. وقذفت شياطين القراع بشهبه. ومنح آيات شريفة منها طلوع الشمس من غربه. ومنها: أن الله أنشنأ برقه فكان للمارد مصرعا. وللرائد مرتعا. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم من لفظ يجمح. ورأي إلى الخصام يجنح. ولسان يحوجه اللدد إلى أن يخرج فيجرح. وأتوكل عليه في صد الباطل وصرفه. وأسأله الإعانة على كل باحث عن حتفه بظلفه. ثم اختفى في بعض الخمائل. وتمثل بقول القائل: سل السيف عن أصل الفخار وفرعه ... فإني رأيت السيف أفصح مقولا (فلما وعى القلم) خطبته الطويلة الطائلة. ونشطته الجليلة الجائلة. وفهم كنايته وتلويحه. وتعريضه بالذم وتصريحه. وتعديله في

الحديث وتجريحه. استغاث باللفظ النصير. واحتد وما أدراك ما حدة القصير. وقام في دواته وقعد. واضطرب على وجه القرطاس وارتعد. وعدل إلى السب الصراح. ورأى أنه إن سكت تكلم ولكن بأفواه الجراح. فانحرف إلى السيف وقال: أيها المعتز بطبعه. المغتر بلمعه. الناقض حبل الأنس بقطعه. الناسخ بهجيره من ظلال العيش فيئا. السراب الذي يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا. الحبيس الذي طالما عادت عليه عوائد شره. أتعرض بسبي. وتتعرض لمكايد حربي. ألست ذا الخدع البالغة والحرب خدعة. والمنن النافعة ولا خير فيمن لا تبغي الأنام نفعه. ألست المسود الأحق بقول القائل: نفس عصام سودت عصاما ... وعلمته الجود والإقداما أتفاخرني وأنا للوصل وأنت للقطع. وأنا للعطاء وأنت للمنع. وأنا للصلح وأنت للضراب. وأنا للعمارة وأنت للخراب. وأنا المعمر. وأنت المدمر. وأنت المقلد وأنا صاحب التقليد. وأنت العابث وأنا المجود ومن أولى من القلم بالتجويد. فما أقبح شبهك. وما أشنع يوما ترى فيه العيون وجهك. أعلى مثلي يشق القول. ويرفع الصوت والصول. وأنا ذو اللفظ المكين. وأنت ممن دخل تحت قول القرآن: أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين. فقد تعديت حدك. وطلبت ما لم تبلغ به جهدك. هيهات أنا المنتصب

لمصالح الدول وأنت في الغمد طريح. والمتعب في تمهيدها وأنت غافل مستريح. والساهر وقد مهد لك في الغمد مضجع. والجالس عن يمين الملك وأنت عن يساره فأي الحالتين أرفع. والساعي في تدبير حال القوم. والمفني لنفعهم العمر إذا كان نفعك يوما أو بعض يوم. فاقطع عنك أسباب المفاخرة. واستر أنيابك عند المكاشرة. فما يحسن بالصامت محاورة المفصح. والله يعلم المفسد من المصلح. على أنه لا ينكر لمثلك التصدي. ولا يستغرب منه على مثلي التعدي. ما أنا أول من أطاع البارئ وتجرأت عليه. ومددت يد العدوان إليه. أو لست الذي قيل فيه: شيخ يرى الصلوات الخمس نافلة ... ويستحل دم الحجاج في الحرم قد سلبت الرحمة وإنما يرحم الله من عباده الرحماء. وجلبت القسوة فكم هيجت سبة حمراء. وأثرت دهماء. وخمشت الوجوه وكيف لا وأنت كالظفر كونا. وقطعت اللذات ولم لا وأنت كالصبح لونا. أين بطشك من حلمي. وجهلك من علمي. وجسمك من جسمي: شتان ما بين جسم صيغ من ذهب ... وذاك جسمي وجسم صيغ من بهق أين عينك الزرقاء من عيني الكحيلة. ورؤيتك الشنعاء من رؤيتي الجميلة. أين لون الشيب من لون الشباب. وأين نذير الأعداء من رسول الأحباب. هذا وكم أكلت الأكباد غيظا.

وحميت الأضغان قيظا. وشكوت الصدى فسيقت ولكن بشواظ من نار. وأخنت عليك الأيام حتى انتعل بأبعاضك الحمار. ولولا تعرضك إلي لما وقعت في المقت. ولولا إساءتك لما كنت تصقل في كل وقت. فدع عنك هذا الفخر المديد. وتأمل وصفي إذا كشف عنك الغطاء فبصرك اليوم حديد. وافهم قول ابن الرومي: بذا قضى الله في الأقلام إذ بريت ... أن السيوف لها مذ أرهفت خدم (فعند ذلك وثب السيف) على قده. وكان الغضب يخرجه من حده. وقال: أيها المتطاول على قصره. والماشي على طريق غرره. والمتعرض منى إلى الدمار. والمتحرش بي فهو كما تقول العامة: ذنبه قش ويتحرش بالنار. لقد شمرت عن ساقك حتى أغرقتك الغمرات. وأتعبت نفسك فيما لا تدرك إلى أن أذهبها التعب حسرات. أو لست الذي طالما أرعش السيف للهيبة عطفك. ونكسر للخدمة رأسك وطرفك. وأمر بعض رعيته وهو السكين فقطع قفاك وشق أنفك. ورفعك في مهمات خاملة وحطك. وجذبك للاستعمال وقطك. فليت شعري كيف جسرت. وعبست على مثلي وبسرت. وأنت السوقة وأنا الملك. وأنا الصادق وأنت المؤتفك. وأنت لصون الحطام وأنا لصون الممالك. وأنت لحفظ المزارع وأنا لحفظ المسالك. وأنت للفلاحة وأنا الفلاح. وأنت حاطب الليل من نقسه وأنا ساري الصباح. وأنا الباصر وأنت الأرمد. وأنا

المخدوم الأبيض وأنت الخادم الأسود. وأقسم بمن صير في قبضتي أنواع اليمن إنك عن بلوغ قدري لأذل رتبة. وعن بري كفي لأخيب طلبة. فإني لا أنكر قول بعض أربابك حيث قالوا: أف لرزق الكتبه ... أف له ما أصعبه يرتشف الرزق به ... من شق تلك القصبة يا قلما يرفع في الط ... رس لوجهي ذنبه ما أعرف السكين إلا ... كاتبا ذا متربه إن عاينت الديوان وقعت في الحساب والعذاب. أو البلاغة سحرت وبالغت فأنت ساحر كذاب. أو فخرت بتقييد العلوم فما لك منها سوى لمحة الطرف. أو برقم المصاحف فإنك تعبد الله على حرف. أو جمعت عملا فإنما جمعك للتكسير. أو رفعت إلي طرفك رجع البصر خاسئا وهو جسير. وهل أنت في الدول إلا هيال تكتفي الهمم بطيفه. أو إصبع تلعق بها الرزق إذا أكل الضارب بقائم سيفه. وساع على رأسه قل ما أجدى. وسار ربما أعطى قليلا وأكدى. ثم وقف وأكدى. أين أنت من حظي الأسنى وكفي الأغنى. وما خصصت به من الجوهر الفرد إذا عجزت أنت عن العرض الأدنى. كم برزت فما أغنيت في مهمه. وكم خرجت من دواتك لتسطير سيئة. فخرجت كما قيل من ظلمة إلى ظلمة. وهب أنك كما قلت مفتوق اللسان. جريء الجنان. مداحل بمخلبك بين ذوي الاقتناص.

معدود من شياطين الدول وأنت في الطرس والنقس بين بناء وغواص. فلو جريت خلفي إلى أن تخفى. وصحت بصريرك إلى أن تخفت وتخفى. لما كنت مني إلا بمنزلة المدرة من السماك الرامح. والبعرة على تيار الخضم الطافح. فلا تعد نفسك بمعجزي فإنك ممن يمين. ولا تحلف لها أن تبلغ مداي فليس لمخضوب البنان يمين. ومن صلاح نجمك أن تعترف بفضلي الأكبر. وتؤمن بمعجزتي التي بعثت منك إلى الأسود والأحمر. لتستوجب حقا. وتسلم من نار حر تلظى لا يصلاها إلا الأشقى. وإن لم يتضح لرأيك إلا الإصرار. وأبت حصائد لسانك إلا أن توقعك في النار. فلا رعى الله عزائمك القاصرة. ولا جمع عقارب ليل نفسك التي إن عادت فإن نعال السيوف لها حاضرة. ثم قطع الكلام. وتمثل بقول أبي تمام: السيف أصدق إنباء من الكتب ... في حده الحد بين الجد واللعب بيض الصفائح لا سود الصحائف في ... متونهن جلاء الشك والريب. فلما تحقق تحريف القلم حرجه. وفهم مقدار الغيظ الذي أخرجه. وسمع هذه المقالة التي يقطر من جوانبها الدم. ورأى أنه هو البادي بهذه المناقشة والبادي أظلم. رجع إلى خداعه. وتنحى عن طريق قراعه. وعلم أن الدهر دهره. والقدر على حكم الوقت قدره. وأنه أحق بقول القائل: لحنها معرب وأعجب من ذا ... أن إعراب غيرها ملحون

فالتفت إليه وقال: أيها الملتهب في قدحه. والخارج عما نسب إليه من صفحه. ما هذه الزيادة في السباب. والتطفيف في كيل الجواب. وأني علم الشيوخ عن جهل الشباب. أما كان الأحسن بك أن تترك هذا الرفث. وتلم أخاك على الشعث. وتحلم كما زعمت أنك السيد. وتزكو على الغيظ كما يزكو على النار الجيد. أما تعلم أني معينك في تشييد الممالك. ورفيقك فيما تسلكه لنفعها من المسالك. أما أنا وأنت للملك كاليدين. وفي تشييده كالركنين. وما أراك عبتني في الأكثر إلا بنحول الجسد الذي ليس خلقه علي. وضعفه الذي ليس أمره إلي. على أن أذكى النسيمات أعلها وأنفها. وهذه سادات العرب تعد ذلك من فضلها الأظهر. وحسنها الأشهر. ولو أنك تقول بالفصاحة. وتقف في هذه الساحة. لأسمعتك في ذلك من أشعارهم. وأتحفتك بما يفخرون به من آثارهم. فيا لله من هذه الحجة البائرة. والكرة الخاسرة. وعلى هذه النسبة ما عبتني به من فقر الأنبياء. وذل الحكماء. على أن إطلاقات معروفي معروفة وسطوات أمري في وجوه الأعداء المكسوفة مكشوفة. فاستغفر الله مما فرط في مقالك. والتفويض من عوائد احتمالك. فلا تشمت بنا الأضداد ولا تسلط بفرقتنا المفسدين في الأرض. إن الله لا يحب الفساد. واغضض الآن من خيلائك بعض هذا الغض. ولا تشك أني قسيمك وإن أبيت إلا أن تهدد. وتجرد

الشغب وتحدد. فاذكر محلنا في اليد الشريفة السلطانية الملكية المؤيدة. أيد الله نعمها. وجازى بالإحسان شيمها. وأيقظ في الآجال والآمال سيفها وقلمها. ولا عطل مشاهد المدح من أنسها. ولا أخلى فرائض البأس والكرم من قيام خمسها. فاقسم من باسه بالليل وما وسق. ومن بشر طلعته بالقمر إذا اتسق. لو تجاوز الأسد والظباء. بتلك اليد لوردا بالأمن في منهل. ورتعا في روض لا يجهل. فما ينبغي لنا بين تلك الأنامل غير سلوك الأدب. والمعاضدة على محو الأزمات والنوب. والاستقامة على الحق ولا عوج. والحديث من تلك الراحة عن البحر ولا حرج. هذه نصيحتي إليك والدين النصيحة. والله تعالى يطلعك على معاني الرشد الصريحة. ويجعل بينك وبين الغي حجابا مستورا. وينسيك ما تقدم من القول وكان ذلك في الكتاب مسطورا. فعند ذلك نكس السيف طرفه وقبل خديعة القلم قائلا لأمر ما جدع قصير أنفه وأمسك عن المشاغبة خفية الزلل. فإن السيوف معروفة بالخلل. ثم قال: أيها الضعيف الجبار. البازغ في ليل المداد نجما وكم في النجوم غرار. لقد تظلمت من أمر أنت البادي بظلمه. وتسورت إلى فتح باب أنت السابق إلى فتح ختمه. وقد فهمت الآن ما ذكرت من أمر اليد الشريفة ونعم ما ذكر. وأحسن بما أشرت. وما أنسانيه إلا الشيطان أن ذكره وقد تغافلت عن قولك الأحسن. ورددتك

إلى أمك الدواة كي تقر عينها ولا تحزن. وسألت الله تعالى أن يزيد محاسن تلك اليد العالية تماما على الذي أحسن فإنها اليد التي: لو أثر التقبيل في يد منعم ... لمحا براجم كفها التقبيل والراحة التي: تسعى القلوب لغوثها ولغيثها ... فيجيبه التأمين والتأميل والأنامل التي علمها الله بالسيف والقلم. ومكنها من رتبتي العلم والعلم. ودارك بكرمها آمال العفاة بعد إن ولا ولم. ولولا أن هذا المضمار يضيق عن وصفه السابق إلى غاية الخصل. ومجده الذي إذا جر ذيله ود الفضل لو تمسك منه بالفضل. لأطلت الآن في ذكر مجدها الأوضح. وأفصحت في مدحها ولا ينكر لمثلها أن أنطقت الصامت فأفصح. ثم إنك بعدما تقدم من القول المزيد. والمجادلة التي عز أمرها على الحديد. أقررت أنت أننا للملك كاليدين. ولم تقر أينا اليمين. وفي آفاقه كالقمرين. ولم تذكر أينا الواضحة الجبين. وما يشفي ضناي ويروي صداي إلا أن يحكم بيننا من لا يرد حكمه. ولا يتهم فهمه. فيظهر أينا المفضول من الفاضل. والمخذول من الخاذل. ويقصر عن القول المناظر. ويستريح المناضل. وقد رأيت أن يحكم بيننا المقام الأعظم الذي أشرت إلى يده الشريفة. وتوسلت بمحاسنها اللطيفة. فإنه مالك زمامنا. ومنشئ غمامنا. ومصرف كلامنا. وحامل أعبائنا. الذي ما هوى للهوى وصاحب

رسالة لابن الوردي في السيف والقلم

أمرنا ونهينا وتالله ما ضل صاحبكم وما غوى. ليفصل الأمر بحكمه ويقدمنا إلى مجلسه الشريف فيحكم بيننا بعلمه. فقد خيرة الله على ذلك الاشتراط. وقل بعد تقبيلنا الأرض له في ذلك البساط: خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط. واهدنا إلى سواء الصراط. فنشط القلم فرحا. ومشى في أرض الطرس مرحا. وطرب لهذا الجواب. وخر راكعا وأناب. وقال: سمعا وطاعة. وشكر الله على هذه الساعة يا برد ذاك الذي قالت على كبدي الآن ظهر ما تبغيان. وقضي الأمر الذي فيه تستفتيان. وحكم بيننا الرأي المنير. ونبأنا بحقيقة الأمر ولا ينبئك مثل خبير. ثم تفاصلا على ذلك. وتراضينا على ما يحكم به المالك. وكانوا أحق بها وأهلها وانتبه المملوك من سنة فكره. وطالع بما اختلج سواد هذه الليلة في سره. والله تعالى يديم أيام مولانا السلطان التي هي نظام المفاخر. ومقام المآثر. وغوث الشاكي وغيث الشاكر. ويمتع بظلال مقامه الذي لا تكسر الأيام مقدار ما هو جابر. ولا تجبر ما هو كاسر. إن شاء الله تعالى (خزانة الأدب للحموي) رسالة لابن الوردي في السيف والقلم لما كان السيف والقلم عدتي العمل والقول. وعمدتي الدول فإن عدمتها دولة فلا حول. وركني إسناد الملك المعربين عن

المخفوض والمرفوع. ومقدمتي نتيجة الجدل الصادر عنهما المحمول والموضوع. فكرت أيهما أعظم فخرا. وأعلى قدرا. فجلست لهما مجلس الحكم والفتوى. ومثلتهما في الفكر حاضرين للدعوى. وسويت بين الخصمين في الإكرام. واستنطقت لسان حالهما للكلام (فقال القلم) : بسم الله مجراها ومرساها. والنهار إذا جلاها. والليل إذا يغشاها. أما بعد حمد الله بارئ القلم. ومشرفه بالقسم. وجعله أول ما خلق. وجمل الورق بغصنه كما جمل الغصن بالورق. والصلاة على القائل: جفت الأقلام. فإن القلم قصب الباق. والكاتب بسبعة أقلام من طبقات الكتاب في السبع الطباق. جرى بالقضاء والقدر. وناب عن اللسان فيما نهى وأمر. طالما أربى على البيض والسمر في ضرابها وطعانها. وقاتل في البعد والصوارم في القرب ملء أجفانها. وماذا يشبه القلم في طاعة ناسه. ومشيه لهم على أم رأسه. (قال السيف) : بسم الله الخافض الرافع. وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع. أما بعد حمد الله الذي أنزل آية السيف. فعظم بها حرمة الجرح وآمن خيفة الحيف والصلاة على الذي نفذ بالسيف سطور الطورس. وخدمته الأقلام ماشية على الرؤوس. وعلى آله وصحبه الذين أرهفت سيوفهم. وبنيت بها على كسر الأعداء حروفهم. فإن السيف عظيم الدولة. شديد الصولة. محا أسطا البلاغة. وأساغ ممنوع الإساغة. من اعتمد على غيره

في قهر الأعداء تعب. وكيف لا وفي حده الحد بين الجد واللعب. فإن كان القلم شاهدا فالسيف قاضي. وإن اقتربت مجادلته بأمر مستقبل قطعه السيف بفعل ماضي. به ظهر الدين. وهو العدة لقمع المعتمدين. حملته دون القلم يد نبينا. فشرف بذلك في الأمم شرفا بينا. الجنة تحت ظلاله. ولاسيما حين يسل فترى ودق الدم يخرج من خلاله. زيتن بزينة الكواكب سماء غمده. وصدق القائل: السيف أصدق إنباء من ضده. لا يعبث به الحامل. ولا يتناوله كالقلم بأطراف الأنامل. ما هو كالقلم المشبه بقوم عروا عن لبوسهم. ثم نكسوا كما قيل على رؤوسهم. فكان السيف خلق من ماء دافق. أو كوكب راشق. مقدرا في السرد. فهو الجوهر الفرد. لا يشرى كالقلم بثمن بخس. ولا يبلى كما يبلى القلم بسواد وطمس. كم لقائمه المنتظر. من أثر. في عين أو عين في أثر. فهو في حراب القوم قوام الحرب. ولهذا جاء مطبوع الشكل داخل الضرب. (قال القلم) : أومن ينشأ في الحلية وهو الخصام غير مبين. يفاخر وهو القائم عن الشمال الجالس على اليمين. أنا المخصوص بالري وأنت المخصوص بالصدى. أنا آلة الحياة وأنت الردى. ما لنت إلا بعد دخول السعير. وما حددت إلا عن ذنب كبير. أنت تنفع في العمر ساعة. وأنا أفني العمر في الطاعة. أنت للرهب. وأنا للرغب. وإذا كان بصرك حديدا فبصري ما ذهب. أين

تقليدك من اجتهادي. وأين نجاسة دمك من تطهير مدادي. (قال السيف) : أمثلك يعير مثلي بالدماء. فطالما أمرت بعض فراخي وهي السكين. فأصبحت من النفاثات في عقدك يا مسكين. فأدخلت من الحياة جثمانك. وشقت أنفك وقطعت لسانك. ويك إن كنت للديوان فحاسب مهموم. أو للإنشاء فخادم لمخدوم. أو للبليغ فساحر مذموم. أو للفقيه فناقص في المعلوم. أو للشاعر فسائل محروم. أو للشاهد فخائف مسموم. أو للمعلم فللحي القيوم. وأما أنا فلي الوجه الأزهر. والحلية والجوهر. والهيبة إذا أشهر. والصعود على المنبر. شكلي الحسن علي. ولم لا حملك الحطب بدلي. ثم إني مملوك كمالك. فإنك كناسك. أسلك الطرائق. وأقطع العلائق. (قال القلم) : إما أنا فابن ماء السماء. وأليف الغدير وحليف الهواء. وأما أنت فابن النار والدخان. وباتر الأعمار وخوان الإخوان. تفصل ما لا يفصل. وتقطع ما أمر الله به أن يوصل. لا جرم شمر السيف وصقل قفاه. سقي ماء حميما فقطع معاه. يا غراب البين. ويا عدة الحين. ويا معتل العين. ويا ذا الوجهين. كم أفنيت وأعدمت. وأرملت وأيتمت. (قال السيف) : يا ابن الطين. ألست ضامرا وحرفت. ونكرت وعرفت. وسطرت هجوا وشتما. وخلدت عارا وذما أبشر بفرط روعتك. وشدة خيفتك. إذا قست بياض

صفيحتي بسواد صحيفتك. فألن خطابك فأنت قصير المدة. وأحسن جوابك فعندي حدة. وأقلل من غلطتك وجبهتك. واشتغل عن دم في وجهي بمدة في وجهك. وإلا فأدنى ضربة مني تروم أرومتك. فتستأصل أصلك وتجتث جرثومتك. فسقيا لمن غاب بك عن غابك. ورعيا لمن هاب بك لسلخ إهابك. (فلما رأى القلم) السيف قد احتد. ألان له من خطابه ما اشتد. وقال: أما الأدب فيؤخذ عني. وأما اللطف فيكتسب مني. فإن لنت لنت. وإن أحسنت أحسنت. نحن أهل السمع والطاعة. ولهذا تجمع في الدواة الواحدة منا جماعة. وأما أنتم فأهل الحدة والخلاف. ولهذا لم يجمعوا بين سيفين في غلاف. (قال السيف) : أمكر ودعوى عفة. لأمر ما جدع قصير أنفه لو كنت كما زعمت ذا أدب. لما قابلت رأس الكاتب بعقدة الذنب. أنا ذو الصيت والصوت. وغراراي لسانا مشرفي يرتجل غرائب الموت. أنا من مارج من نار. والقلم من صلصال كالفخار. وإذا زعم القلم أنه مثلي أمرت من يدق رأسه بنعلي. (قال القلم) : صه فصاح السيف بلا سعادة كالأعزل. (قال السيف) : مه فقلم البليغ يغير حظ مغزل. (قال القلم) : أنا أزكى وأطهر. (قال السيف) : أنا أبهى وأبهر. فتلا (ذو القلم) لقلمه: إنا أعطيناك الكوثر. فتلا (صاحب السف) لسيفه: فصل لربك وانحر. فتلا (ذو القلم) لقلمه: إن شانئك هو الأبتر. (قال) : أما وكتابي

المسطور. وبيتي المعمور. والتوراة والإنجيل. والقرآن ذي التبجيل. إن لم تكف عني غربك. وتبعد مني قربك. لأكتبنك من الصم البكم. ولأسطرن عليك بعلمي سجلا بهذا الحكم. (قال السيف) : أما ومتني المتين. وفتحي المبين. ولساني الرطبين. ووجهي الصلبين. إن لم تغب عن بياضي بسوادك. لأسخمن وجهك بمدادك. ولقد كسبت من الأسد في الغابة. توقيح العين والصلابة. مع أني ما ألوتك نصحا. أفنضرب عنكم الذكر صفحا. (قال القلم) : سلم إلي مع من سلم. إن كنت أعلى فأنا أعلم. وإن كنت أحلى فأنا أحلم. وإن كنت أقوى فأنا أقوم. أو كنت ألوى فأنا ألوم. أو كنت أطرى فأنا أطرب. أو كنت أعلى فأنا أغلب. أو كنت أعتى فأنا أتب. أو كنت أقضى فأنا أقضب. (قال السيف) : كيف لا أفضلك والمقر الفلاني شد أزري. (قال القلم) : كيف لا أفضلك وهو عز نصره ولي أمري. (قال الحكم بين السيف والقلم) : فلما رأيت الحجتين ناهضتين. والبينتين بينتين متعارضتين. وعلمت أن لكل واحد منهما نسبة صحيحة إلى هذا المقر الكريم. ورواية مسندة عن حديثة القديم. لطفت الوسيلة. دققت الحيلة. حتى رددت القلم إلى كنه. وأغمدت السيف فنام ملء جفنه. وأخرت بينهما الترجيح. وسكت عما هو عندي الصحيح. إلى أن يحكم المقر بينهما بعلمه. ويسكن

مشاورة المهدي لأهل بيته في حرب خراسان

سورة غضبها الوافر ولجاجهما المديد ببسيط حلمه. ويعاملهما بما وقر في صدره من الوقار وسكن في قبله من السكينة. وإذا كان في هذه المدينة مالكنا فلا يفتى ومالك في المدينة. مشاورة المهدي لأهل بيته في حرب خراسان هذا ما تراجع فيه المهدي ووزراؤه وما دار بينهم من تدبير الرأي في حرب خراسان أيام تحاملت عليهم العمل واعتفت. فحملتهم الدالة وما تقدم لهم من المكانة على أن نكثوا بيعتهم ونقضوا موثقهم وطردوا العمال والتوا بما عليهم من الخراج. وحمل المهدي ما يجب من مصلحتهم وبكره من عنتهم على أن أقال عثرتهم واغتفر زلتهم. واحتمل دالتهم تطولا بالفضل واتساعا بالعفو وأخذا بالحجة ورفقا بالسياسة. ولذلك لم يزل مذ حمله الله أعباء الخلاة وقلده أمور الرعية رفيقا بمدار سلطانه بصيرا بأهل زمانه باسطا للمعدلة في رعيته تسكن إلى كنفه وتأنس بعفوه وتثق بحلمه. فإذا وقعت الأقضية اللازمة والحقوق الواجبة فليس عنده هوادة ولا إغضاء ولا مداهنة إثرة للحق وقياما بالعدل وأخذا بالحزم. فدعا أهل خراسان الاغترار بحلمه والثقة بعفوه إن كسروا الخراج وطردوا العمال وسألوا ما ليس لهم من الحق. ثم خلطوا احتجاجا باعتذار وخصومة بإقرار وتنصلا باعتلال. فلما انتهى ذلك إلى المهدي خرج إلى مجلس خلائه وبعث إلى نفر من لحمته ووزرائه فأعلمهم الحال واستنصحهم للرعية. ثم أمر الموالي بالابتداء وقال للعباس بن محمد: أي عم تعقب قلونا وكن حكما بيننا. وأرسل إلى ولديه موسى وهارون فاحضرهما الأمر وشاركهما في الرأي وأمر محمد بن الليث بحفظ مراجعتهم وإثبات مقالتهم في كتاب (فقال سلام صاحب المظالم) : أيها المهدي إن في كل أمر غاية ولكل قوم صناعة واستفرغت رأيهم واستغرقت أشغالهم واستنفدت أعمارهم. وذهبوا بها وذهبت بهم وعرفوا بها وعرفت بهم. ولهذه الأمور التي جعلنا فيها غاية وطلبت معونتنا عليها أقوام من أبناء الحرب وساسة الأمور وقادة الجنود وفرسان الهزاهز وإخوان التجارب وأطفال الوقائع الذين وشحتهم سحالها. وفيأتهم ظلالها.

وعفتهم شدائدها. وقرمتهم نواجذها. فلو عجمت ما قبلهم وكشفت ما عندهم لوجدت نظائر تؤيد أمرك. وتجارب توافق نظرك. وأحاديث تقوي قلبك. فأما نحن معاشر عمالك وأصحاب دواوينك فحسن بنا وكثير منا أن نقوم بثقل ما حملتنا من عملك واستودعتنا من أمانتك. وشغلتنا به من إمضاء عدلك وإنفاذ حكمك وإظهار حقك. (فأجابه المهدي) : إن في كل قوم حكمة ولكل زمان سياسة وفي كل حال تدبيرا يبطل الآخر الأول ونحن أعلم بزماننا وتدبير سلطاننا. (قال) : نعم أيها المهدي أنت متسع الرأي وثيق العقدة. قوي المنة بليغ الفطنة. معصوم النية محضور الروية. مؤيد البديهة موفق العزيمة. معان بالظفر مهدي إلى الخير. إن هممت ففي عزمك مواقع الظن. وإن اجتمعت صدع فعلك ملتبس الشك. فاعزم يهد الله إلى الصواب قلبك. وقل ينطق الله بالحق لسانك. فإن جنودك جمة وخزائنك عامرة. ونفسك سخية وأمرك نافذ. (فأجابه المهدي) : إن المشاورة والمناظرة بابا رحمة ومفتاحا بركة لا يهلك عليهما رأي ولا يتفيل معهما حزم. فأشيروا برأيكم وقولوا بما يحضركم فإني من ورائكم وتوفيق الله من وراء ذلك. (قال الربيع) : أيها المهدي إن تصاريف وجوه الرأي كثيرة. وإن الإشارة ببعض معاريض القول يسيرة. ولكن خراسان أرض بعيدة المسافة متراخية الشقة متفاوتة السبيل. فإذا ارتأيت من محكم التدبير ومبرم

التقدير ولباب الصواب رأيا قد أحكمه نظرك وقلبه تدبيرك فليس وراءه مذهب طاعن ولا دونه معلق لخصومة عائب. ثم أجبت البرد به وانطوت الرسل عليه كان بالحري أن لا يصل إليهم محكمه. وقد حدث منهم ما ينقضه. فالسر أن ترجع إليك الرسل وترد عليك الكتب بحقائق أخبارهم وشوارد آثارهم ومصادر أمورهم. فتحدث رأيا غيره وتبتدع تدبيرا سواه. قد انفجرت الحق وتحللت العقد واسترخى الخناق وامتد الزمان. ثم لعلما موقع الآخرة كمصدر الأولى. لكن الرأي لك أيها المهدي وفقك الله أن تصرف إجالة النظر وتقليب الفكر فيما جمعتنا له واستشرتنا فيه. من التدبير لحربهم والحيل في أمرهم إلى الطب لرجل ذي دين فاضل. وعقل كامل. وورع واسع ليس موصوفا بهوى في سواك. ولا مهتما في أثرة عليك ولا ظنينا على دخلة مكروهة. ولا منسوبا إلى بدعة محذورة فيقدح في ملكك ويربض الأمور لغيرك. ثم تسند إليه أمورهم وتفوض إليه حربهم وتأمره في عهدك ووصيتك إياه بلزوم أمرك ما لزمه الحزم وخلاف نهيك إذا خالفه الرأي عن استحالة الأمور واشتداد الأحوال التي ينقض أمر الغائب عنها ويثبت رأي الشاهد لها. فإنه إذا فعل ذلك فواثب أمرهم من قريب وسقط عنه ما يأتي من بعيد تمت الحيلة وقويت المكيدة ونفذ العمل وأحد النظر إن شاء الله. (قال الفضل بن العباس) : أيها المهدي إن

ولي الأمور وسائس الحروب ربما نحى جنوده وفرق أمواله في غير ما ضيق أمر حربه ولا ضغطه حال اضطرته فيقعد عند الحاجة إليها وبعد التفرقة لها عديما منها فاقعد لها لا يثق بقوة ولا يصول بعدة ولا يفزع إلى ثقة. فالرأي لك أيها المهدي وفقك الله أن تعفي خزائنك من الإنفاق للأموال وجنودك من مكابدة الأسفار ومقارعة الخطار وتغرير القتال. ولا تسرع للقوم في الإجابة إلى ما يطلبون والعطاء لما يسالون فيفسد عليك أدبهم وتجرئ من رعيتك غيرهم. ولكن أغزهم بالحيلة وقاتلهم بالمكيدة وصارعهم باللين وخاتلهم بالرفق. وأبرق لهم بالقول وأرعد نحوهم بالفعل. وابعث البعوث وجند الجنود وكتب الكتائب واعقد الأولوية وانصب الرايات. وأظهر أنك موجه إليهم الجيوش مع أحنق قوادك عليهم وأسوئهم أثرا فيهم. ثم ادسس الرسل وابثث الكتب وضع بعضهم على طمع من وعدك وبعضا على خوف من وعيدك. وأوقد بذلك وأشباهه نيران التحاسد فيهم واغرس أشجار التنافس بينهم. حتى تملأ القلوب من الوحشة وتنطوي الصدور على البغضة ويدخل كلا من كل الحذر والهيبة. فإن مرام الظفر بالغيلة. والقتال بالحيلة. والمناهبة بالكتب والمكايدة بالرسل والمقارعة بالكلام اللطيف المدخل في القلوب القوي الموقع من النفوس المعقود بالحجج الموصول بالحيل المبني على اللين الذي يستميل القلوب ويسترق

العقول والآراء. ويستميل الأهواء. ويستدعي المؤاتاة أنفذ من القتال بظبات السيوف وأسنة الرماح. كما أن الوالي الذي يستنزل طاعة رعيته بالحيل ويفرق كلمة عدوه بالمكايدة أحكم عملا وألطف منظرا وأحسن سياسة من الذي لا ينال ذلك إلا بالقتال والإتلاف للأموال والتغرير والخطار. وليعلم المهدي أنه إن وجه لقتالهم رجلا لم يسر لقتالهم إلا بجنود كثيفة تخرج عن حال شديدة وتقدم على أسفار ضيقة وأموال متفرقة وقواد غششة إن ائتمنتهم استنفدوا ماله وإن استنصحهم كانوا عليه لا له. (قال المهدي) : هذا رأي قد أسفر نوره وأبرق ضوءه وتمثل صوابه للعيون ومجد حقه في القلوب. ولكن فوق كل ذي علم عليم. ثم نظر إلى ابنه علي. فقال: ما تقول. (قال علي) : أيها المهدي إن أهل خراسان لم يقلعوا عن طاعتك ولم ينصبوا من دونك أحد يقدح في تغيير ملكك ويربض الأمور لفساد دولتك. ولو فعلوا لكان الخطب أيسر والشأن أصغر. والحال أدل لأن الله مع حقه الذي لا يخذله وعنده موعده الذي لا يخلفه. ولكنهم قوم من رعيتك وطائفة من شيعتك الذين جعلك الله عليهم واليا. وجعل العدل بينك وبينهم حاكما. طلبوا حقا وسألوا إنصافا. فإن أجبت إلى دعوتهم ونفست عنهم قبل أن يتلاحم منهم حال أو يحدث من عندهم فتق أطعت أمر الرب. وأطفأت نائرة الحرب. ووفرت خزائن المال. وطرحت تغرير القتال. وحمل

الناس محمل ذلك على طبيعة جودك وسجية حلمك وإسجاح خليفتك ومعدلة نظرك. فأمنت أن تنسب إلى ضعف وأن يكون ذلك فيما بقي دربة. وإن منعتهم ما طلبوا ولم تجبهم إلى ما سألوا اعتدلت بك وبهم الحال وساويتهم في ميدان الخطاب فما أرب المهدي أن يعمد إلى طائفة من رعيته مقرين بمملكته مذعنين بطاعته لا يخرجون أنفسهم عن قدرته فيملكهم أنفسهم ويخلع نفسه عنهم ويقف على الحيل معهم. ثم يجازيهم السوء في حد المقارعة ومضمار المخاطرة. أيريد المهدي وفقه الله الأموال فلعمري لا ينالها ولا يظفر بها إلا بإنفاق أكثر منها مما يطلب منهم وإضعاف ما يدعي قبلهم. ولو نالها فحملت إليه أو وضعت بخرائها بين يديه ثم تجافى لهم عنها وطال عليهم بها لكان مما إليه وينسب وبه يعرف من الجود الذي طبعه الله عليه وجعل قرة عينه ونهمة نفسه فيه. فإن قال المهدي: هذا رأي مستقيم سديد في أهل الخراج الذين شكوا ظلم عمالنا وتحامل ولاتنا. فأما الجنود الذين نقضوا مواثيق العهود وأنطقوا لسان الإرجاف وفتحوا باب المعصية وكسروا قيد الفتنة فقد ينبغي لهم أن أجعلهم نكالا لغيرهم وعظة لسواهم. فليعلم المهدي أنه لو أتي بهم مغلولين في الحديد مقرنين في الأصفاد ثم اتسع لحقن دمائهم عفوه. ولإقالة عثرتهم صفحه. واستبقاهم لما هم فيه من حزبه أو لمن بإزائهم من عدوه لما كان بدعا من رأيه ولا مستنكرا من نظره. لقد علمت

العرب أنه أعظم الخلفاء والملوك عفوا وأشدهم وقعا وأصدقهم صولة. وأنه لا يتعاظمه عفو ولا يتكاءده صفح وإن عظم الذنب وجل الخطب. فالرأي للمهدي وفقه الله أن يحلل عقدهم الغيظ بالرجاء لحسن ثواب الله في العفو عنهم. وأن يذكر أولى حالاتهم وضيعة عيالاتهم برا بهم وتوسعا لهم. فإنهم إخوان دولته وأركان دعوته وأساس حقه الذين بعزتهم يصول وبحجتهم يقول. وإنما مثلهم فيما دخلوا فيه من مساخطه وتعرضوا له من معاصيه وانطووا فيه عن إجابته. ومثله في قلة ما غير ذلك من رأيه فيهم أو نقل عن حاله لهم أو تغير من نعمته بهم كمثل رجلين أخوين متناصرين متوازين أصاب أحدهما خبل عارض ولهو حادث فنهض إلى أخيه بالأذى وتحامل عليه بالمكروه. فلم يزدد أخوه إلا رقة له ولطفا به واحتيالا لمداواة مرضه ومراجعة حاله عطفا عليه وبرا به ومرحمة له. (فقال المهدي) : أما علي فقد كوى سمت الليان. وفض القلوب في أهل خراسان. ولكل نبأ مستقر. فقال: ما ترى يا أبا محمد (يعني موسى ابنه) . (فقال موسى) : أيها المهدي لا تسكن إلا حلاوة ما يجري من القول على ألسنتهم وأنت ترى الدماء تسيل من خلل فعلهم. الحال من القوم ينادي بمضمرة شر وخفية حقد. قد جعلوا المعاذير عليها سترا واتخذوا العلل من دونها حجابا. رجاء أن يدافعوا الأيام بالتأخير والأمور بالتطويل فيكسروا حيل المهدي فيهم ويفنوا جنوده عنهم. حتى يتلاحم أمرهم

وتتلاحق مادتهم وتستفحل حربهم وتستمر الأمور بهم. والمهدي من قولهم في حال غرة ولباس أمنة قد فتر لها وأنس بها وسكن إليها. ولولا ما اجتمعت به قلوبهم وبردت عليه جلودهم من المناصبة بالقتال والإضمار للقراع عن داعية ضلال أو شيطان فساد لرهبوا عواقب أخبار الولاة وغب سكون الأمور. فليشدد المهدي وفقه الله أزره لهم ويكتب كتائبه نحوهم وليضع المر على أشد ما يحضره فيهم. وليوقن أنه لا يعطيهم خطة يريد بها صلاحهم إلا كانت دربة إلى فسادهم وقوة على معصيتهم وداعية إلى دعوتهم وسببا لفساد من بحضرته من الجنود. ومن بابه من الوفود. الذين إن أقرهم وتلك العادة وأجراهم على ذلك الأرب. لم يبرح في فتق حادث وخلاف حاضر لا يصلح عليه دين ولا تستقيم به دنيا. وإن طلب تغييره بغير استحكام العادة واستمرار الدربة لم يصل إلى ذلك إلا بالعقوبة المفرطة والمؤونة الشديدة. والرأي للمهدي وفقه الله أن لا يقيل عثرتهم ولا يقبل معذرتهم حتى تطأهم الجيوش وتأخذهم السيوف. ويستحر بهم القتل ويحدق بهم الموت. ويحيط بهم البلاء ويطبق عليهم الذل. فإن فعل المهدي بهم ذلك كان مقطعة لكل عادة سوء فيهم. وهزيمة لكل عادة سوء فيهم. واحتمال المهدي في مؤونة غزوتهم هذه تضع عنه غزوات كثيرة ونفقات عظيمة. (قال المهدي) : قد قال القوم فاحكم يا أبا الفضل. (فقال

العباس بن محمد) : أيها المهدي أما الموالي فأخذوا بفروع الرأي وسلكوا جنبات الصواب وتعدوا أمورا قصر بنظرهم عنها أنه لم تأت تجاربهم عليها. (وأما الفضل) فأشار بالأموال أن لا تنفق. والجنود أن لا تفرق. وبان لا يعطى القوم ما طلبوا ولا يبذل لهم ما سألوا. وجاء بأمر بين ذلك استصغارا لأمرهم واستهانة بحربهم وإنما يهيج جسيمات الأمور صغارها. (أما علي) فأشار باللين وأفرد الرفق وإذا جرد الوالي لمن غمط أمره وسفه حقه اللين بحتا والخير محضا لم يخلطهما بشدة تعطف القلوب على لينه ولا بشر يحبسهم إلى خيره. فقد ملكهم الخلع لعذرهم ووسع لهم الفرجة لثني أعناقهم. فإن أجابوا دعوته وقبلوا لينه من غير خوف اضطرهم ولا شدة ونزوة في رؤوسهم يستدعون بها البلاء إلى أنفسهم ويستصرخون بها رأي المهدي فيهم. وإن لم يقبلوا دعوته ويسرعوا لإجابته باللين المحض والخير الصراح فذلك ما عليه الظن بهم والرأي فيهم وما قد يشبه أن يكون من مثلهم. لأن الله تعالى خلق الجنة وجعل فيها من النعيم المقيم والملك الكبير ما لا يخطر على قلب بشر ولا تدركه الفكر ولا تعلمه نفس ثم دعا الناس إليها ورغبهم فيها. فلولا أنه خلق نارا جعلها لهم رحمة يسوقهم بها إلى الجنة لما أجابوا ولا قبلوا. (أما موسى) فأشار بأن يعصبوا بشدة لا لين فيها وأن يرموا بشر لا خير معه. وإذا أضمر الوالي لمن فارق طاعته وخالف جماعته

الخوف مفردا والشر مجردا ليس معهما طمع ولا لين يثنيهم اشتدت الأمور بهم وانقطعت الحال منهم إلى أحد أمرين: إما إن تدخلهم الحمية من الشدة والأنفة من الذلة والامتعاض من القهر فيدعوهم ذلك إلى التمادي في الخلاف والاستبسال في القتال والاستسلام للموت. وإما أن ينقادوا بالكرة ويذعنوا بالقهر على بغضة لازمة وعداوة باقية تورث النفاق وتعقب الشقاق. فإذا أمكنتهم فرصة أو ثابت لهم قدرة أو قويت لهم حال عاد أمرهم إلى أصعب وأغلظ وأشد مما كان. (وقال) في قول أبي الفضل أيها المهدي أكفى دليل وأوضح برهان وأبين خبر. بأن قد أجمع رأيه وحزم نظره على الإرشاد ببعثة الجيوش إليهم وتوجيه البعوث نحوهم مع إعطائهم ما سألوا من الحق وإجابتهم إلى ما سألوه من العدل. (قال المهدي) : ذلك رأي. (قال هارون) : خلطت الشدة أيها المهدي باللين. وانتظم أمر الدنيا بالدين. فصارت الشدة أمر فطام لما تكره وعاد اللين أهدى قائد إلى ما تحب. ولكن أرى غير ذلك. (قال المهدي) : لقد قلت فولا بديعا. وخالفت به أهل بيتك جميعا. والمرء مؤتمن بما قال وظنين بما ادعى حتى يأتي ببينة عادلة وحجة ظاهرة فاخرج عما قلت. (قال هارون) : أيها المهدي إن الحرب خدعة والأعاجم قوم مكرة. وربما اعتدلت الحال بهم واتفقت الأهواء منهم. فكان باطن ما يسرون على ظاهر ما يعلنون. وربما افترقت الحالان وخالف

القلب اللسان فانطوى القلب على محجوبة تبطن. واستسر بمدخولة لا تعلن. والطبيب الرفيق بطبه البصير بأمره العالم بمقدم يده وموضع ميسمه لا يتعجل بالدواء حتى يقع على معرفة الداء. فالرأي للمهدي وفقه الله أن يفر باطن أمرهم فر المسنة. ويمخض ظاهر حالهم مخض السقاء بمتابعة الكتب ومظاهرة الرسل وموالاة العيون حتى تهتك حجب عيونهم وتكشف أغطية أمورهم. فإن انفرجت الحال وأفضت الأمور به إلى تغيير حال أو داعية ضلال اشتملت الأهواء عليه وانقاد الرجال إليه. وامتدت العناق نحوه بدين يعتقدونه وإثم يستحلونه عصبهم بشدة لا لين فيها ورماهم بعقوبة لا عفو معها. وإن انفرجت العيون واهتصرت الستور ورفعت الحجب والحال فيهم مريعة والأمور بهم معتدلة في أرزاق يطلبونها وأعمال ينكرونها وظلامات يدعونها وحقوق يسألونها بماتة سابقتهم ودالة مناصحتهم فالرأي للمهدي وفقه الله أن يتسع لهم بما طلبوا ويتجافى لهم عما كرهوا ويشعب من أمرهم ما صدعوا ويرتق من فتقهم ما قطعوا. ويولي عليهم من أحبوا ويداوي بذلك مرض قلوبهم وفساد أمورهم. فإنما المهدي وأمته وسواد أهل مملكته بمنزلة الطبيب الرفيق والوالد الشفيق والراعي الجرب الذي يحتال لمرابض غنمه وضوال رعيته حتى يبرئ المريضة من داء علتها. ويرد الصحيحة إلى أنس جماعتها. ثم إن خراسان بخاصة الدين لهم

دالة محمولة وماتة مقبولة ووسيلة معروفة وحقوق واجبة. لأنهم أيدي دولته وسيوف دعوته وأنصار حقه وأعوان عدله. فليس من شأن المهدي الاضطغان عليهم ولا المؤاخذة لهم ولا التوعر بهم ولا المكافأة بإساءتهم. لأن مبادرة حسم الأمور ضعيفة قبل أن تقوى ومحاولة قطع الأصول ضئيلة قبل أن تغلظ أحزم في الرأي وأصح في التدبير من التأخير لها والتهاون بها. حتى يلتئم قليلها بكثيرها وتجتمع أطرافها في جمهورها. (قال المهدي) : مازال هارون يقع وقع الحيا حتى خرج خروج القدح من الماء. قال وانسل انسلال السيف فيما ادعى فدعوا ما سبق موسى فيه أنه هو الرأي. وثنى بعده هارون ولكن من لأعنه الخيل وسياسة الحرب وقادة الناس إن أمعن بهم اللجاج وأفرطت بهم الدالة. (قال صالح) : لسنا نبلغ أيها المهدي بدوام البحث وطول الفكر أدنى فراسة رأيك وبعض لحظات نظرك. وليس ينقص عنك من بيوتات العرب ورجالات العجم ذو دين فاضل ورأي كامل وتدبير قوي. تقلده حربك وتسودعه جندك. ممن يحتمل الأمانة العظيمة ويضطلع بالأعباء الثقيلة. وأنت بحمد الله ميمون النقيبة مبارك العزيمة مخبور التجارب محمود العواقب معصوم العزم. فليس يقع اختيارك ولا يقف نظرك على أحد توليه أمرك وتسند إليه ثغرك إلا أراك الله ما تحب وجمع لك منه ما تريد.

(قال المهدي) : إني لأرجو ذلك لقديم عادة الله فيه وحسن معونته عليه. ولكن أحب الموافقة على الرأي والاعتبار للمشاورة في الأمر المهم. (قال محمد بن الليث) : أهل خراسان أيها المهدي قوم ذوو عزة ومنعة وشياطين خدعة. زروع الحمية فيهم نابتة. وملابس الأنفة عليهم ظاهرة. فالرؤية عنهم عازبة والعجلة عنهم حاضرة. تسبق سيولهم مطرهم وسيوفهم عذلهم. لأنهم بين سفلة لا تعدو مبلغ عقولهم ومنظر عيونهم. (وبين) رؤساء لا يلجمون إلا بشدة ولا يفطمون إلا بالمر. وإن ولى المهدي عليهم وضيعا لم تنقد له العظماء. وإن ولى أمرهم شريفا تحامل على الضعفاء. وإن أخر المهدي أمرهم ودافع حربهم حتى يصيب لنفسه من حشمه ومواليه أو بني عمه أو بني أبيه ناصحا يتفق عليه أمرهم وثقة تجتمع له أملاؤهم بلا أنفة تلزمهم ولا حمية تدخلهم ولا مصيبة تنفرهم تنفست الأيام بهم وتراخت الحال بأمرهم. فدخل بذلك من الفساد الكبير والضياع العظيم ما لا يتلافاه صاحب هذه الصفة وإن وجد. ولا يستصلحه وإن جهد. إلا بعد دهر طويل وشر كبير. وليس المهدي وفقه الله فاطما عاداتهم. ولا قارعا صفاتهم. بمثل أحد رجلين لا ثالث لهما ولا عدل في ذلك بهما. أحدهما لسان ناطق موصول بسمعك ويد ممثلة لعينك. وصخرة لا تزعزع وبهيمة لا تثنى وبازل لا يفزعه صوت الجلجل. نقي العرض نزيه النفس جليل الخطر قد اتضعت الدنيا عن

قدره وسما نحوه الآخرة بهمته. فجعل الغرض الأقصى لعينه نصبا والغرض الأدنى لقدمه موطئا. فليس يقبل عملا. ولا يتعدى أملا. وهو رأس مواليك. وأنصح بني أبيك. رجل قد غذي بلطيف كرامتك. ونبت في ظل دولتك. ونشأ على قوائم أدبك. فإن قلدته أمرهم وحملته ثقلهم وأسندت إليه ثغرهم كأن قفلا فتحه أمرك وبابا أغلقه نهيك. فجعل العدل عليه وعليهم أميرا والإنصاف بينه وبينهم حاكما. وإذا أحكم المنصفة وسلك المعدلة فأعطاهم ما لهم وأخذ منهم ما عليهم غرس في الذي لك وبين صدورهم وأسكن لك في السويداء داخل قلوبهم طاعة راسخة العروق باسقة الفروع متماثلة في حواشي عوامهم متمكنة في قلوب خواصهم. فلا يبقى فيهم ريب إلا نفوه. ولا يلزمهم حق إلا أدوه. وهذا أحدهما. ولآخر عود من غيضتك ونبعة من أرومتك فتي السن كهل الحلم راجح العقل محمود الصرامة مأمون الخلاف يجرد فيهم سيفه ويبسط عليهم خيره بقدر ما يستحقون وعلى حسب ما يستوجبون. وهو فلان أيها المهدي فسلطه أعزك الله عليهم ووجهه بالجيوش إليهم. ولا تمنعك ضراعة سنه وحداثة مولده فإن الحلم والثقة مع الحداثة خير من الشك والجهل من الكهولة. وإنما أحداثكم أهل البيت فيما طبعكم الله عليه واختصكم من مكارم الخلاق ومحامد الفعال ومحاسن الأمور وصواب التدبير وصرامة الأنفس كفراخ عناق الطير

المحكمة لأخذ الصيد بلا تدريب. والعارفة لوجوه النفع بلا تأديب. فالحلم والعمل والعزم والحزم والجود والتودة والرفق ثابت في صدوركم مزروع في قلوبكم مستحكم لكم متكامل عندكم بطبائع لازمة وغرائز نابتة. (قال معاوية بن عبد الله) : إفتاء أهل بيتك أيها المهدي في الحلم على ما ذكر. وأهل خراسان في حال عز على ما وصف. ولكن إن ولى المهدي عليهم رجلا ليس بقديم الذكر في الجنود ولا بنبيه الصوت في الحروب. ولا بطويل التجربة للأمور ولا بمعروف السياسة للجيوش والهيبة في الأعداء. دخل ذلك أمران عظيمان وخطران مهولان. أحدهما أن الأعداء يغتمزونها منه ويحتقرونها فيه. ويجترئون بها عليه في النهوض به والمقارعة له والخلاف عليه. قبل ماحين الاختبار لأمره والتكشف لحاله والعلم بطباعه. والأمر الآخر أن الجنود التي يقود والجنود التي يسوس إذا لم يختبروا منه البأس والنجدة ولم يعرفوه بالصوت والهيبة انكسرت شجاعتهم وماتت نجدتهم واستأخرت طاعتهم إلى حين اختبارهم ووقوع معرفتهم. وربما وقع البوار. قبل الاختبار. وبباب المهدي وفقه الله رجل مهيب نبيه حنيك صيت. له نسب زاك وصوت عال. قد قاد الجيوش وساس الحروب. وتألف أهل خراسان واجتمعوا عليه بالمقة. ووثقوا به كل الثقة. فلو ولاه المهدي أمرهم لكفاه الله شرهم. (قال المهدي) : جانبت قصد الرمية وأبيت إلا عصبية. إذ

رأي الحدث من أهل بيتنا كرأي عشرة حلماء من غيرنا. ولكن أين تركتم ولي العهد. (قالوا) : لم يمنعنا من ذكره إلا كونه شبيه جده. ونسيج وحده. ومن الدين وأهله. بحيث يقصر القول عن أدنى فضله. ولكن وجدنا الله عز وجل حجب عن خلقه وستر من دون عباده علم ما تختلف به الأيام ومعرفة ما تجري عليه المقادير من حوادث الأمور وريب المنون المخترمة لخوالي القرون ومواضي الملوك. فكرهنا شسوعه عن محلة الملك ودار السلطان ومقر الإمامة والولاية. وموضع المدائن والخزائن ومستقر الجنود ومعدن الجود. ومجمع الأموال التي جعلها الله قطبا لدار الملك ومصيدة لقلوب الناس. ومثابة لإخوان الطمع وثوار الفتن ودواعي البدع وفرسان الضلال وأبناء الموت. وقلنا: إن وجه المهدي ولي عهده فحدث في جيوشه وجنوده ما قد حدث بجنود الرسل من قبله لم يستطع المهدي أن يعقبهم بغيره إلا أن ينهد إليهم بنفسه. وهذا خطر عظيم وهول شديد إن تنفست الأيام بمقامه. واستدارت الحال بإمامه. حتى يقع عوض لا يستغنى عنه أو يحدث أمر لابد منه. صار ما بعده مما هو أعظم هولا وأجل خطرا له تبعا وبه متصلا. (قال المهدي) : الخطب أيسر مما تذهبون إليه. وعلى غير ما تصفون المر عليه. نحن أهل البيت نجري من أسباب القضايا ومواقع الأمور على سابق من العمل ومحتوم من الأمر. وقد تناهى ذلك بأجمعه إلينا وتكامل بحذافيره عندنا. فيه

ندبر وعلى الله نتوكل. إنه لابد لوي عهدي (وولي عهدي عقبي بعدي) أن يقود إلى خراسان البعوث ويتوجه نحوها بالجنود. أما الأول فإنه يقدم إليهم رسله ويعمل فيهم حيله. ثم يخرج نشطا إليهم حنقا عليهم يريد أن لا يدع أحد من إخوان الفتن ودواعي البدع وفرسان الضلال إلا توطأه بحر القتل وألبسه قناع القهر وقلده طوق الذل. ولا أحدا من الذين عملوا في قص جناح الفتنة وإخماد نار البدعة ونصرة ولاة الحق إلا أجرى عليهم ديم فضله وجداول نصله. فإذا خرج مزمعا به مجمعا عليه لم يسر إلا قليلا حتى يأتيه أن قد عملت حيله وكدحت كتبه ونفذت مكايده. فهدأت نافرة القلوب ووقعت طائرة الأهواء واجتمع عليه المختلفون بالرضا. فيميل نظرا لهم وبرا بهم وتعطفا عليهم إلى عدو قد أخاف سبيلهم وقطع طريقهم ومنع حجاجهم بيت الله الحرام وسلب تجارهم رزق الله الحلال. وأما الآخر فإنه يوجه إليهم ثم تعتقد له الحجة عليهم بإعطاء ما يطلبون وبذل ما يسألون. فإذا سمحت الفرق بقراباتها له وجنح أهل النواحي بأعناقهم نحوه فأصغت إليه الأفئدة واجتمعت له الكلمة وقدمت عليه الوفود قصد لأول ناحية نجعت بطاعتها وألقت بأزمتها فألبسها جناح نعمته وأنزلها ظل كرامته وخصها بعظيم حبائه. ثم عم الجماعة بالمعدلة وتعطف عليهم بالرحمة فلا يبقى فيهم ناحية دانية ولا فرقة قاصية إلا دخلت عليها بركته. ووصلت إليها منفعته.

فأغنى فقيرها. وجبر كسيرها. ورفع وضيعها. وزاد رفيعها ما خلا ناحيتين ناحية يغلب عليها الشقاء وتستميلهم الأهواء فتستخف بدعوته وتبطئ عن إجابته وتتثاقل عن حقه فتكون آخر من يبعث وأبطأ من يوجه. فيصطلي عليها موجدة ويبتغي لها علة. لا يلبث أن يجد بحق يلزمهم وأمر يجب عليهم فتستلحمهم الجيوش وتأكلهم السيوف ويستحر بهم القتل ويحيط بهم الأسر ويفنيهم التتبع. حتى يخرب البلاد ويوتم الأولاد وناحية لا يبسط لهم أمانا ولا يقبل لهم عهدا ولا يجعل لهم ذمة. لأنهم أول من فتح باب الفرقة وتدرع جلباب الفتنة وربض في شق العصا. لكنه يقتل أعلامهم ويأسر قوادهم. ويطلب هرابهم في لجج البحار وقلل الجبال وخمل الأودية وبطون الأرض تقتيلاً وتغليلاً وتنكيلاً حتى يدع الديار خرابا والنساء أيامى. وهذا أمر لا نعرف له في كتبنا وقتا ولا نصحح منه غير ما قلنا تفسيرا. وأما موسى ولي عهدي فهذا أوان توجهه إلى خراسان وحلوله بجرجان. وما قضى الله على الشخوص إليها والمقام فيها خير لمسلمين مغبة وله بإذن الله عاقبة من المقام. بحيث يغمر في لجج بحورنا ومدافع سيولنا ومجامع أمواجنا. فيتصاغر عظيم فضله ويتذأب مشرق نوره ويتقلل كثير ما هو كائن منه. فمن يصحبه من الوزراء ويختار له من الناس. (قال محمد بن الليث) : أيها المهدي إن ولي عهدك أصبح لأمتك وأهل ملتك علما قد تثنت نحوه أعناقها ومدت سمته أبصارها.

وقد كان لقرب داره منك ومحل جواره لك عطل الحال غفل الأمر واسع العذر. فأما إذا انفرد بنفسه وخلا بنظره وصار إلى تدبيره فإن من شان العامة أن تتفقد مخارج رأيه وتستنصت لمواقع آثاره. وتسأل عن حوادث أحواله في بره ومرحمته وإقساطه ومعدلته وتدبيره وسياسته ووزرائه وأصحابه. ثم يكون ما سيق إليهم أغلب الأشياء عليهم وأملك الأمور به وألزمها لقلوبهم وأشدها استمالة لرأيهم وعطفا لأهوائهم. فلا يعلم المهدي وفقه الله ناظرا له فيما يقوي عمد مملكته ويسدد أركان ولايته ويستجمع رضا أمته بأمر هو أزين لحاله وأظهر لجماله. وأفضل مغبة لأمره وأجل موقعا في قلوب رعيته وأحمد حالا في نفوس أهل ملته ولا أدفع مع ذلك باستجماع الأهواء له وأبلغ في استعطاف القلوب عليه من مرحمة تظهر من فعله ومعدلة تنتشر عن أثره ومحبة للخير وأهله. وأن يختار المهدي وفقه الله من خيار أهل كل بلدة وفقهاء أهل كل مصر أقواما تسكن العامة إليهم إذا ذكروا وتأنس الرعية بهم إذا وصفوا. ثم تسهل لهم عمارة سبل الإحسان وفتح باب المعروف كما قد كان فتح له وسهل عليه. (قال المهدي) : صدقت ونصحت ثم بعث في ابنه موسى فقال: أي بني إنك قد أصبحت لسمت وجوه العامة نصبا ولمثنى أعطاف الرعية غاية. فحسنتك شاملة وإساءتك نائية وأمرك

ظاهر. فعليك بتقوى الله وطاعته فاحتمل سخط الناس فيهما ولا تطب رضاهم بخلافهما. فإن الله عز وجل كافيك من أسخطه عليك إيثارك رضاه. وليس بكافيك من يسخطه عليك إيثارك رضا من سواه. ثم اعلم أن لله تعالى في كل زمان فترة من رسله وبقايا من صفوة خلقه وخبايا لنصرة حقه يجدد حبل الإسلام بدعواهم ويشيد أركان الدين بنصرتهم. ويتخذ لأولياء دينه أنصارا وعلى إقامة عدله أعوانا يسدون الخلل ويقيمون الميل ويدفعون عن الأرض الفساد. وإن أهل خراسان أصبحوا أيدي دولتنا وسيوف دعوتنا الذين نستدفع المكاره بطاعتهم ونستصرف نزول العظائم بمناصحتهم وندافع ريب الزمان بعزائمهم ونزاحم ركن الدهر ببصائرهم. فهم عماد الأرض إذا أرجفت كفنها. يخوف الأعداء إذا أبرزت صفحتها وحصون الرعية إذا تضايقت الحال بها. قد مضت لهم وقائع صادقات ومواطن صالحات أخمدت نيران الفتن وقمصت دواعي اليدع وأذلت رقاب الجبارين. ولم ينفكوا كذلك ما جروا مع ريح دولتنا وأقاموا في ظل دعوتنا واعتصموا بحبل طاعتنا التي أعز الله بها ذلتهم ورفع بها ضعتهم. وجعلهم بها أربابا في أقطار والأرض وملوكا على رقاب العالمين بعد لباس الذل وقناع الخوف وإطباق البلاء ومخالفة الأسى وجهد البأس والضر. فظاهر عليهم لباس كرمتك وأنزلهم في حدائق نعمتك. ثم اعرف لهم حق

طاعتهم ووسيلة دالتهم وماتة سابقتهم وحرمة مناصحتهم بالإحسان إليهم والتوسعة عليهم والإثابة لمحسنهم والإقالة لمسيئهم. أي بني ثم عليك العامة فاستدع رضاها بالعدل عليها واستجلب مودتها بالإنصاف لها. وتحسن بذلك لربك وذلك أن تأمر قاضي كل بلد وخيار أهل كل مصر أن يختاروا لأنفسهم رجلا توليه أمرهم وتجعل العدل حاكما بينه وبينهم. فإن أحسن حمدت وإن أساء عذرت. ولا ينفكن في ظل كرامتك نازلا وبعرى حبلك متعلقا رجلان أحدهما كريمة من كرائم رجالات العرب وأعلام بيوتات الشرف له أدب فاضل وحلم راجح ودين صحيح. والآخر له دين غير مغمور وموضع غير مدخول بصير بتقليب الكلام وتصريف الرأي وأنحاء العرب ووضع الكتب عالم بحالات الحروب وتصاريف الخطوب. يضع آدابا نافعة وآثارا باقية من محاسنك وتحصين أمرك وتحلية ذكرك. فتستشيره في حربك وتدخله في أمرك. فرجل أسبته كذلك فهو يأوي إلى محلتي ويرعى في خضرة جناني. ولا تدع أن تختار لك من فقهاء البلدان وخيار الأمصار أقواما يكونون جيرانك وسمارك وأهل مشاورتك فيما تورد وأصحاب مناظرتك فيما تصدر. فسر على بركة الله أصحبك الله من عونه وتوفيقه دليلا يهدي إلى الصواب قلبك وهاديا ينطق بالخير لسانك (لابن عبد ربه)

الباب الرابع في المقامات

الباب الرابع في المقامات نخبة من مقامات ابن الوردي المقامة الانطاكية حدث إنسان. من معرة النعمان. قال: كثيرا ما كنت أسمع بني البرية. الثناء على نزه أنطاكية. وأنها قطع لمن لم يصلها. وخروج لمن لم يدخلها. لفرط ثنائه عليها. تجهزت للمسير إليها. فلما دخلتها. وشاهدتها وتأملتها. أكبرت طولها وطولها. وعجبت لحصانتها والعاصي دائر حولها. فانتهيت من بدايتها. إلى دار ولايتها. فوجدت والي المدينة. شابا ذا سكينة. فلما سلمت عليه. وأجلسني إليه. أخذ من مؤانستي. وأظهر الابتهاج بمجالستي. فغبطته بحسن زينته. وطيب مدينته. فتنفس الصعداء. وترنم منشدا: كم من صديق صدوق الود تحسبه ... في راحة ولده الهم والكمد لا تغبطن بني الدنيا بنعمتهم ... فراحة القلب لم يظفر بها أحد قلت: لله در فصاحتك. ما السبب في عدم راحتك. قال: لقد جمعت هذه المدينة بين عرب وروم. وأنا معهم في الحي القيوم. لا أطيق فيهم قرارا. لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا. ومن يطيق الجمع بين الضدين. أم من يقدر على موالاه ندين. وكيف يظفر ساكن أنطاكية بنيل أرب. وقد حنيت أضلع العجم.

على بغض العرب. كم أجد ويلعبون. وهم من بعد غلبهم سيغلبون: من كل فظ أعجمي ... غث الكلام مذمم إن نبهته مروءة ... فتقول عجمته نم قلت: قصر عن خطاك خطاك. واشكر من أنطاك أنطاك. فسورها منيع. وعاصيها مطيع. وأطيارها تحن إلى نغماتها الجوارح. وأنهارها مطردة وعيونها سوارح. ونسيمها يبطل رائحة المسك السحيق. وساكنها يزهى على الغصن الوريق. يصدأ بهوائها السلاح. وتجلى به القلوب والأرواح. برية بحرية. سهلية جبلية: متكامل فيها السرور لمن بها ... يوما أقام كما تكامل سورها وخلت قلوب قصورها فاستضحكت ... إذ عاش شاكرها ومات كفورها من حل فيها نال وصل حبيبها ... وشفى كليم الروح منه طورها ما تلك إلا حنة الدنيا وها ... ولدانها جليت عليك وحورها فمضيئة وسنية وندية ... أرجاؤها ورياضها وقصورها لما بكى فقد الهموم سحابها ... ضحكت وقد عاش السرور زهورها فالأرض منها سندس وخلاله ... سلت سيوف والسيوف نهورها هي دار مملكة الرضا فلأجل ذا ... قد أسبلت دون الهموم ستورها جمعت فنون الطيب في أفنائها ... وعلا على المسك الذكي عبيرها تصفيق عاصيها المطيع مرقص ... أغصانها لما شدته طيورها فربوعها محروسة وسفوحها ... مأنوسة لا ينطوي منشورها

فأعجب لأرض كالسماء منيرة ... أضحت تضيء شموسها وبدورها فتبسمت وتنسمت أرجاؤها ... أرجا فما الغصن النضير نظيرها فلما أتمت جلاء هذه العروس. ورقمها سامعوها على وجنات الطروس. قال الوالي: لقد زدت وصفها. وشمخت على البلاد أنفها. وما أنطاكية لو كان عندك إنصاف. إلا طرف سكنته الأطراف. فلو أنك جمعت بين الأختين. وأرهقت العدة لنقص البيعتين. وأغلقت باب البحر. وجسرت على قطع الجسر. وسودت البيضاء. وأيبست الخضراء. لكان أهون علي من هذا النظم الأنيق. في استرقاق هذا البلد العتيق. وماذا تركت لدمشق من المنة والصفة. وقيل إنها قي الأرض هي الجنة لقد عرفت النكرة ونكرت المعرفة. ثم نظر إلي خجلا. وأنشد مرتجلا: مدحت أنطاكية ... حتى توارى عقلها ولم يكن عندي كما ... ذكرته محلها لأنها دائرة ... علا عليها ذلها فكيف لا أبغضها ... وكيف لا أملها وعجمها أكثرها ... وعربها أقلها لولا حبيب ساكن ... فيها ولولا ظلها لقلت من مدن لظى ... لكنني أجلها لكن أقول قولة ... ليس يرد عدلها

نخبة من مقامات شهاب الدين الخفاجي

لو كان فيها راحة ... ما فارقتها أهلها فلما تم الوالي نظامه. ابتدرت ملامه. وقلت: إذا رغبت عن أنطاكية وأهليها. فما وجه مقامك فيها. فقال: ألزمني أن أقيم. مرسموك كريم. ممن غمرني بالعطا. وإذا خولف سطا. فكيف الخلاص. ولات حين مناص. من مدينة بيت الماء أرفع منها بكثير. ولعظم السمكة فيها قدر كبير: فقلت وقد أنكرت منه مقاله ... وغرت لها ويلاه من سوء حالها ألا طالما كانت أسرة ملكها ... مكللة بالدر قبل زوالها وكم خفقت فيها البنود وكم حوت ... ملوكها ترى الجوزاء تحت نعالها معظمة في الملتين بحسنها ... مكرمة في الدولتين بمالها ألم تحترم فيها حبيبا نزيلها ... وما أنت لو أنصفتني من رجالها وسافرت منها ذلك الوقت منشدا ... وعيناي كل أسعدت بسجالها قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... لقد هزلت حتى بدا من هزالها نخبة من مقامات شهاب الدين الخفاجي من مقامتي الغربة والمغربية حدث الربيع بن الريان. عن شقيق بن النعمان. قال: لما هزتني أريحية الشباب. إلى اقتعاد سنام الأرض على غارب الاغتراب. وقد أجدبت الأرض من كل ماجد. يجتني جنى المجد لثمار المحامد. وتعطلت من كريم تلتف عليه المحافل. وتسير في ظلال

أعلامه الجحافل. وتبدلت بأنسها وحشا. فلا ترى غير جائع يتجشا. وأقسمت ببيت سالت ببطحائه أعناق المطايا. وثمل ركبانه بكأس السرى في الغدايا والعشايا. لأغتربن غربة قارظية يخفق منها قلب الخافقين. وتدبغ أديم الجسد على ممر الجديدين. وتنسي صخرة السؤال عن حصين. وتنسي غطفان. غربة سنان. فقال لي خبير الأيام: الهجرة من سنن الكرام. كما فر موسى حين هم به القبط. وقد كنت قرأت في بعض الأسفار. إذا أراد الله سعه رزق عبد حبب له الأسفار. فزجرت السانح والبارح. والطائر الغادي والرائح. حتى رأيت الصبح انبلج. ومر بي طائر أغر من البلج. فتمسكت بذيل الحزم. وصممت على العزم. وقلت: بقولك طه سافروا تغنموا لقد ... بدالي فأل في المطالب رابح فما خط في رمل ولا طرق الحصى ... كأيدي جياد في السراب سوابح وجنبت الجياد إلى المهاري. ولبست حلة دجى مزررة بالدراري. مع صقور على متون أعوجيات وركاب. بإقدام أقدام ترف بين غرز وركاب. على سفن ذود وزوارق. وسروج سوابح في بحار السراب غوارق. فلم يزل يرفعنا الآل. بين رفاق صحب وآل. على عبس ما لها غير النصب عقال. وظهور سوابح ما لها غير الكلال شكال. حتى نزلنا على الخورنق والسدير. وأنخنا مطايا العزم بين روضة وغدير. فسألنا عن بيضة البلد. وطودها الذي له بسفحها أرفع سند.

فقالوا: هو النضر بن كنانة. المقرطس سهام آرائه من أعز كنانة. شيخ لبس عمائم دهره الثلاث. فهي على هامة همته ثلاث. من شجرة مورقة النسب. مثمرة بيانع ثمار الحسب. جاهه عريض طويل. فائض على العدو والخليل. وطيب شمائله في كل ناد انتشر. فغمة روضات تزدري الزهر. هيجها نضح من نضح السحر. فقلت: بخ بخ الجاه زكاة الشرف. ومن أحسن إلى من أساء إليه فقد انتصف. ومن تردى بساطع الأنوار. واحتبى بحباء الوقار. ولم يبق له ليل يصيح بجانبه نهار. فالسعادة له شعار ودثار. فقلت: سأفيض له وعلي أجمل ردا. وأذهب إليه في رفقتي غدا. فلما عطس الصباح. وشمتته كل ذات جناح. ورفعت ذكاء رأسها من مشرق الأنوار. فأشرقت على عالم الكون والفساد لنشاهد ما فيه من الأسرار. أتيت داره. فرأيت بدورا لها المنازل دارة. دار يسافر بها النظر. ويتسابق في محاسنها السمع والبصر. داخلها بهو وقصور. وسرادق لا يعرف كما له القصور. في صدرها همام خلفه وسادة. أحدق به وجوده أعيان وسيادة. يتنفسون بأنفاس النعامى. بين أوراق ريحان وخزامي: لو أنصفوه لقاموا في مجالسه ... على الرؤوس قيام الظل في الماء فقلت له: حياك الله وبياك. ولا زالت مشكاة أنسك مشرقة بمحياك. فرد التحية بأحسن منها وما ردها. وأمدها بطلاقة بشر

كانت سلما لكرامة أعدها. وحوله من حواشيه قئام. وأغصان غلمان بناديه قيام. كأن على رؤوسهم الطير. يتهلل بشرهم بكل خير ومير. في روض ناد مثمر مورق. عليه مخايل جود مغدق. فتجاذبنا أهداب الحديث. وأتى بنوادر حارة من كل تليد وحديث. فلما خضنا لجة الكلام ووقفت الأقلام على ساحل التمام. قال لي: قات من هناتك. وأنشدني ما قلته من أبياتك. فأنشدته منها: سل الزمان علي عضبه ... ليروعني وأحد غربه حده وأسال من جفني كرا ... هـ مراغما وأسال من غربه مجرى الدمع وأجالني في الأفق أط ... وي شرقه وأجوب غربه مغربه فبكل جو طلعة ... في كل يوم لي وغربه غروب وكذا المغرب شخصه ... متغرب ونواره غربه بعيده فلما ارتوى الحديث من اعذب الموارد والمصادر. ورجع الحوار حار النوادر. بارد البوادر. قال: لا فض الله فاك. ولا أقض في مهد الهنا مثواك. فقد تركت بنيات الطريق. وجلوت خرائد فكرك في معرض أنيق. ولم تنثر درر المدامع. إلا من در مودع في صدف المسامع. وما أقصر الليل على الراقد. وأهون السقم على العائد. وقد أصبت دار المقامة. فأنت جار أبي دؤاج بدار الكرامة. فألزمه لزوم الطوق جيد الحمامة. فآمالك لا تظمأ بهذا المقام. وكيف يظمأ من كان جار الغمام.

نخبة من مقامات بديع الزمان الهمذاني

ما بين عصر سابق متلفت ... شوقا إليك ولاحق يتطلع نخبة من مقامات بديع الزمان الهمذاني المقامة الأهوازية حدثنا عيسى بن هشام قال: كنت بالأهواز في رفقة متى ما ترق العين فيهم تسهل. ليس فينا إلا أمرد بكر الآمال. أو مختط حسن الإقبال. مرجو الأيام والليال. فأفضنا في العشرة كيف نضع قواعدها. والأخوة كيف نحكم معاقدها. والشرب في أي وقت تتعاطاه. والأنس كيف نتهاداه. وفائت الحظ كيف نتلاقاه. والشراب من أين نحصله. والمجلس كيف نرتبه. فقال: أحدنا علي البيت والنزل. وقال آخر: علي الشراب والنقل. ولما أجمعنا على المسير استقبلنا رجل في طمرين في يمناه عكازة. وعلى كتفه جنازة. فتطيرنا لما رأينا الجنازة وأعرضنا عنها صفحا. وطوينا دونها كشحا. فصاح بنا صيحة كادت لها الأرض تنفطر. والسماء تنكدر. وقال: لترنها صغرا. ولتركبنها كرها وقسرا. ما لكم تتطيرون من مطية ركبها أسلافكم وسيركبها أخلافكم. وتتقذرون سيراً وطئه آباؤكم. وسيطأه أبناؤكم. أما والله لتحملن على هذه العيدان. إلى تلكم الديدان. ولتنقلن بهذه الجياد. إلى تلكم الوهاد. وقد حان حينه ويحكم تتطيرون. كأنكم مخيرون. وتتكرهون. كأنكم منزهون. هل تنفع هذه الطيرة. يا فجرة. قال عيسى بن هشام: فلقد نغص

المقامة القزوينية

ما كنا قد عقدناه. وأبطل ما كنا أردناه. فلمنا إليه وقلنا له: ما أحوجنا إلى وعظك. وأعشقنا للفظك. ولو شئت لزدت قال: إن وراءكم موارد أنتم واردوها وقد سرتم إليها عشرين حجة: وإن امرءا قد سار عشرين حجة ... إلى منهل من ورده لقريب ومن فوقكم من يعلم أسراركم. ولو شاء لهتك أستاركم. يعاملكم في الدنيا بحلم ويقضي عليكم في الآخرة بعلم. فليكن الموت منكم على ذكر. لئلا تأتوا بنكر. فإنكم إذا استشعرتموه. لم تجمحوا. ومتى ذكرتموه. لم تمرحوا. وإن نسيتموه. فهو ذاكركم. وإن كرهتموه. فهو زائركم. قلنا: فما حاجتك. قال: أطول من أن تحد. وأكثر من أن تعد. قلنا: فسانح الوقت. قال: رد فائت العمر. ودفع نازل الأمر. قلنا: ليس ذلك إلينا ولكن ما شئت من متاع الدنيا وزخرفها. قال: لا حاجة لي فيها. المقامة القزوينية حدثنا عيسى بن هشام قال: غزوت الثغر بقزوين. سنة خمس وسبعين. فيمن غزاه. فما أجزنا حزنا. إلا هبطنا بطنا. حتى وقف المسير بنا على بعض قراها. فمالت الهاجرة بنا إلى ظل أثلاث. في حجرتها عين كلسان الشمعة. أصفى من الدمعة. تسيح في الرضراض. سيح النضناض. فنلنا من الطعام ما نلنا. ثم ملنا إلى الظل فقلنا. فما ملكنا النوم حتى سمعنا صوتا أنك من صوت حمار فذاد عن القوم.

رائد النوم. وفتحت التوأمتين إليه وقد حالت الأشجار دونه. وأصغيت فإذا هو يقول. على إيقاع الطبول: أدعو إلى الله فهل من مجيب ... إلى ذرى رحب ومرعى خصيب وجنة عالية ما تني ... قطوفها دانية ما تغيب يا قوم إني رجل تائب ... من بلد الكفر وأمري عجيب إن أك آمنت فكم ليلة ... جحدت ربي واتيت المريب يا رب خنزير تمششته ... ومسكر أحرزت منه النصيب ثم هداني الله وانتاشني ... من ذلة الكفر اجتهاد المصيب فظلت أخفي الدين في أسرتي ... واعبد الله بقلب منيب أسجد للات حذار العدى ... ولا أرى الكعبة خوف الرقيب وأسأل الله إذا جنني ... ليل وأضناني يوم عصيب رب كما أنك أنقذتني ... فنجني إني فيهم غريب ثم اتخذت الليل لي مركبا ... وما سوى العزم أمامي جنيب فقدك من سيري في ليلة ... يكاد رأس الطفل فيها يشيب حتى إذا جزت بلاد العدى ... إلى حمى الدين نفضت الوجيب فقلت إذ لاح شعار الهدى ... نصر من الله وفتح قريب فلما بلغ هذا البيت قال: يا قوم وطئت داركم بعزم لا العشق شاقه. ولا الفقر ساقه. وقد تركت وراء ظهري حدائق وأعنابا. وكواعب أترابا. وخيلا مسمومة. وقناطير مقنطرة. وعدة وعديدا.

المقامة الناجمية

ومراكب وعبيدا. وخرجت خروج الحية من حجره. وبرزت بروز الطائر من وكره. مؤثرا ديني على دنياي. جامعا يمناي إلى يسراي. واصلا سيري بسراي. فلو دفعتم لنار بشرارها. ورميتم الروم بحجارها. وأعنتموني على غزوها مساعدة وإسعادا. ومرافدة وإرفادا. ولا شطط فكل على قدر قدرته. وحسب ثروته. ولا استكثر البدرة. وأقل الذرة. ولا أرد التمرة. ولكل مني سهمان سهم أذلقه للقاء. وآخر أفوقه بالدعاء. وأرشق به أبواب السماء. عن قوس الظلماء. قال عيسى بن هشام: فاستفزني رائع ألفاظه وسروت جلباب النوم. وعدوت إلى القوم. فإذا والله شيخنا أبو الفتح الإسكندري بسيف قد شهره. وزي قد نكره. فلما رآني غمز علي بعينه وقال: رحم الله من أعاننا بفاضل ذيله. وقسم لنا من نيله. ثم أخذ وخلوت به فقلت أأنت من أولاد النبيط فقال: أنا حالي مع الزما ... ن كحالي مع النسب نسبي في يد الزما ... ن إذا سامه انقلب أنا أمسي من النبي ... ط وأضحي من العرب المقامة الناجمية حدثنا عيسى بن هشام قال: بت ذات ليلة في كتيبة فضل من رفقائي فتذاكرنا الفصاحة. وما ودعنا الحديث حتى قرع علينا الباب. فقلت: من المنتاب. فقال: وفد الليل وبريده. وفل الجوع

وطريده. وغريب نضوه طليح. وعيشه تبريح. ومن دون فريخه مهامه فيح. وضيف ظله خفيف. وضالته رغيف. فهل منكم مضيف. فتبادرنا إلى فتح الباب وأنخنا راحلته. وجمعنا رحلته. وقلنا: دارك أتيت. وأهلك وافيت. وهلم البيت. وضحكنا إليه ورحبنا به ورأيناه ضالته وساعدناه حتى شبع. وحادثناه حتى أنس. وقلنا: من الطالع بمشرقه. الفاتن بمنطقه. فقال: لا يعرف العود كالعاجم. وأنا المعروف بالناجم. عاشرت الدهر لأخبره. فعصرت أعصره. وحلبت أشطره. وجربت الناس لأعرفهم فعرفت منهم غثهم وسمينهم. والغربة لأذوقها فما لمحنتي أرض إلا فقأت عينها. ولا انتظمت رفقه إلا ولجت بينها. فأنا في الشرق أذكر. وفي الغرب لا أنكر. فما ملك إلا وطئت بساطه. ولا خطب إلا خرقت سماطه. وما سكنت حرب إلا وكنت فيها سفيرا. قد جربني الدهر في زمني رضائه وبوسه. ولقيني بوجهي بشره وعبوسه. فما بحت لبوسه إلا بلبوسه: وإن كان صرف الدهر قدما أضربي ... وحملني من ريبه ما يحمل فقد جاء بالإحسان حيث أحلني ... محلة صدق ليس عنها محول قلنا: لا فض فوك. ولله أنت وأبوك. ما يخرم السكوت إلا عليك ولا يحل النطق إلا لك. فمن أين طلعت وأين تغربت. وما الذي يحدو أملك أمامك. ويسوق غرضك قدامك. قال: أما الوطن. فاليمن. وأما لوطر. فالمطر. وأما السائق فالضر. والعيش

المر. قلنا: فلو أقمت بهذا المكان لقاسمناك العمر فما دونه ولصادقت من الأمطار ما يزرع. ومن الأنواء ما يكرع. قال: ما أختار عليكم صحبا. ولقد وجدت فناءكم رحبا. ولكن أمطاركم ماء والماء لا يروي العطاش. قلنا: فأي الأمطار يرويك. قال: مطر خلفي وأنشأ يقول: سجستان أيتها الراحلة ... وبحرا يؤم المنى ساحله ستقصد أرجان إن زرتها ... بواحدة مائة كاملة وفضل الأمير على ابن العميد ... كفضل قريش على باهله قال عيسى بن هشام: فخرج وودعناه. وأقمنا بعده برهة نشتاقه. ويؤلمنا فراقه. فبيننا نحن بيوم غيم في سمط الثريا جلوس إذا المراكب تساق والجنائب تقاد وإذا رجل قد هجم علينا فقلنا: من الهاجم. فإذا شيخنا الناجم. يرفل في نيل المنى. وذيل الغنى. فقمنا إليه معانقين وقلنا: ما وراءك يا عصام. فقال: جمال موقرة وبغال مثقلة. وحقائب مقفلة. وأنشأ يقول: مولاي أي رذيلة لم يأبها ... خلف وأي فضيلة لم يأتها لم يسمع العافين إلا هاكها ... لفظا وليس يجاب إلا هاتها إن المكارم أسفرت عن أوجه ... بيض وكان الخال في وجناتها بابي شمائله التي تجلو العلا ... ويدا ترى البركات في حركاتها من عدها حسنات دهر إنني ... ممن يعد الدهر من حسناتها قال عيسى بن هشام: فسألنا الله بقاءه. وأن يرزقنا لقاءه.

نخبة من مقامات الحريري

وأقام الناجم أياما مقتصرا من لسانه. على شكر إحسانه. ولا ينصرف من كلامه إلا في مدح أيامه. والتحدث بإنعامه. نخبة من مقامات الحريري المقامة البرقعيدية حكى الحارث بن هما. قال: أزمعت الشخوص من برقعيد. وقد شمت برق عيد. فكرهت الرحلة عن تلك المدينة. أو أشهد بها يوم الزينة. فلما أظل بفرضه ونفله. وأجلب بخيله ورجله. اتبعت الستة في لبس الجديد. وبرزت مع من برز للتعييد. وحين التأم جمع المصلى وانتظم. وأخذ الزحام بالكظم. طل شيخ في شملتين. محجوب المقلتين. وقد اعتضد شبه النحلاة. واستقاد لعجوز كالسعلاة. فوقف وقفة متهافت. وحيا تحية خافت. ولما فرغ من دعائه. أجال خمسه في وعائه. فأبرز منه رقاعا قد كتبن بألوان الأصباغ. في أوان الفراغ. فناولهن عجوزه الحيزبون. وأمرها بأن تتوسم الزبون. فمن آنست ندى يديه. ألقت ورقة منهن لديه. فأتاح لي القدر المعتوب. رقعة فيها مكتوب: لقد أصبحت موقوذا ... بأوجاع واوجال وممنوا بمختال ... ومحتال ومغتال وخوان من الإخوا ... ن قال لي لإقلالي وإعمال من العما ... ل في تضليع أعمالي

فكم أصلى بأذحال ... وإمحال وترحال وكم أخطر في بال ... ولا أخطر في بال فليت الدهر لما جا ... ر أطفا لي أطفالي فلولا أن أشبال_ي أغلالي وأعلالي لما جهزت آمالي=إلى آل ولا وال ولا جررت أذيالي=على مسحب إذلالي فمحرابي أحر بي=وأسمالي أسمى لي فهل حر يرى تخفي ... ف أثقالي مثقالي ويطفي حر بلبالي ... بسربال وسروال قال الحارث بن همام: فلما استعرضت حلة الأبيات تقت إلى معرفة ملحمها. وراقم علمها. فناجاني الفكر بأن الوصلة إليه العجوز. وأفتاني بأن حلوان المعرف يجوز. فرصدتها وهي تستقري الصفوف صفا فصفا. وتستوكف الأكف كفا كفا. وما إن ينجح لها عناء. ولا يرشح على يدهاء إناء. فلما أكدى استعطافها. وكدها مطافها. عاذت بالاسترجاع. ومالت إلى إرجاع الرقاع. وأنساها الشيطان ذكر رقعتي. فلم تعج إلى بقعتي. وآبت إلى الشيخ باكية للحرمان. شاكية تحامل الزمان. فقال: إن لله. وأفوض أمري إلى الله. ثم أنشد: لم يبق صاف ولا مصاف ... ولا معين ولا معين وفي المساوي بدا التساوي ... فلا أمين ولا ثمين

ثم قال لها: مني النفس وعديها. واجمعي الرقاع وعديها. فقال: لقد عددتها. لما استعدتها. فوجدت يد الضياع. قد غالت إحدى الرقاع. فقال: تعسا لك يا لكاع. أنحرم ويحك القنص والحبالة. والقبص والذبالة. إنها لضغث على إبالة. فانصاعت تقص مدرجها. وتنشد مدرجها. فلما دانتني قرنت بالرقعة درهما وقطعة. وقلت لها: إن رغبت في المشوق المعلم. وأشرت إلى الدرهم. فبوحي بالسر المبهم. وإن أبيت أن تشرحي. فخذي القطعة واسرحي. فمالت إلى استخلاص البدر التم. والأبلج الهم. وقالت: دع جدالك. وسل عما بدالك. فاستطلعتها. طلع الشيخ وبلدته. والشعر وناسج بردته. فقالت: إن الشيخ من أهل سروج. وهو الذي وشى الشعر المنسوج. ثم خطفت الدرهم خطفه الباشق. ومرقت مروق السهم الراشق. فخالج قلبي أن أبا زيد هو المشار إليه. وتأجج كربي لمصابه بناظريه. وآثرت أن أفاجيه وأناجيه. لأعجم عود فراستي فيه. وما كنت لأصل إليه إلا بتخطي رقاب الجمع. المنهي عنه في الشرع. وعفت أن يتأذى بي قوم. أو يسري إلي لوم. فسدكت بمكاني. وجعلت شخصه قيد عياني. إلى أن انقضت الخطبة. وحقت الوثبة. فخففت إليه. وتوسمته على التحام جفنيه. فإذا ألمعيتي المعية ابن عباس. وفراستي فراسة إياس. فعرفته حينئذ شخصي. وآثرته بأحد قمصي. وأهبت به إلى قرص. فهش لعارفتي وعرفاني. ولبى دعوة

رغفاني. وانطلق ويدي زمامه. وظلي إمامه. والعجوز ثالثه الأثافي. والرقيب الذي لا يخفى عليه خافي. فلما استحلس وكنتي وأحضرته عجالة مكنتي. قال لي: يا حارث أمعنا ثالث. فقلت: ليس إلا العجوز. قال: ما دونها سر محجوز. ثم فتح كريمتيه. ورأرأ بتوأمتيه. فإذا سراجا وجهه يقدان. كأنهما الفرقدان. فابتهجت بسلامة بصره. وعجبت من غرائب سيره. ولم يلقني قرار. ولا طاوعني اصطبا. حتى سألته ما دعاك إلى التعامي. مع سيرك في المعامي. وجوبك الموامي. وإيغالك في المارمي. فتظاهر باللكنة. وتشاغل باللهنة. حتى إذا قضى وطره. أتأر إلي نظره. وأنشد: ولما تعامى الدهر وهو أبو الورى ... عن الرشد في أنحائه ومقاصده تعاميت حتى قيل إني أخو عمى ... ولا غرو أن يحذو الفتى حذو والده ثم قال لي: انهض إلى المخدع فأتني بغسول يروق الطرف. وينقي الكف. وينعم البشرة. ويعطر النكهة. ويشد اللثة. ويقوي المعدة. وليكن نظيف الظرف. أريج العرف. فتي الدق. ناعم السحق. يحسبه اللامس ذرورا. ويخاله الناشق كافورا. واقرن به خلالة نقية الأصل. محبوبة الوصل. أنقية الشكل. مدعاة إلى الأكل. لها نحافة الصب. وصقال العضب. وآلة الحرب. ولدونة الغصن الرطب. قال: فنهضت فيما أمر. لأدرأ عنه الغمر. ولم أهم إلى أنه قصد أن يخدع. بإدخالي المخدع. ولا تظنيت أنه سخر من

المقامة الإسكندرية

الرسول. في استدعاء الخلالة والغسول. فلما عدت بالملتمس. في أقرب من رجع النفس. وجدت الجو قد خلا. والشيخ والشيخة قد أجفلا. فاستشطت من مكره غضبا. وأوغلت في إثره طلبا. فكان كم قمس في الماء. أو عرج به إلى عنان السماء. المقامة الإسكندرية قال الحارث بن هما: طحا بي مرح الشباب. وهوى الاكتساب. إلى أن جبت ما بين فرغانة. وغانة. أخوض الغمار. لأجني المثا. واقتحم الأخطار. لكي أدرك الأوطار. وكنت لفقت من أفواه العلماء. وثقفت من وصايا الحكماء. أنه يلزم الأديب الأريب. إذا دخل البلد الغريب. أن يستميل قاضيه. ويستخلص مراضيه. ليشتد ظهره عند الخصام. ويأمن في الغربة جور الحكام. فاتخذت هذا الأدب إماما. وجعلته لمصالحي زماما. فما دخلت مدينة. ولا ولجت عرينة. إلا وامتزجت بحكامها امتزاج الماء بالراح. وتقويت بعناية تقوي الأجساء بالأرواح. فبينما أنا عند حاكم الإسكندرية. في عيشة عرية. وقد أحضر مال الصدقات. ليفضه على ذوي الفاقات. إذ دخل شيخ عفرية. تعتله امرأة مصيبة. فقالت: أيد الله القاضي. وأدام به التراضي. إني امرأة من أكرم جرثومة. وأطهر أرومة. وأشرف خؤولة وعمومة. ميسمي الصون. وشيمتي الهون. وخلقي نعم العون. وبيني وبين جاراتي بون. وكان أبي إذا خطبني بناة المجد.

وأرباب الجد. وسكتهم وبكتهم. وعاف وصلتهم وصلتهم. واحتج بأنه عاهد الله تعالى بخلفة. أن لا يصاهر غير ذي حرفة. فقيض القدر لنصبي. ووصبي. أن حضر هذا الخدعة نادي أبي. فأقسم بين رهطه. أنه وفق شرطه. وادعى أنه طالما نظم درة إلى درة. فباعهما ببدرة. فاغتر أبي بزخرفة محاله. وزوجنيه قبل اختبار حاله. فلما استخرجني من كناسي. ورحلني عن أناسي. ونقلني إلى كسره. وحصلني تحت أسره. وجدته قعدة جثمة. وألفيته ضجعة نومة. وكنت صحبته برياش وزي. وأثاث وري. فما يرح يبيعه في سوق الهضم. ويتلف ثمنه في الخضم والقضم. إلى أن مزق ما لي بأسره. وأنفق مالي في عسره. فلما أنساني طعم الراحة. وغادر بيتي أنقى من الراحة. قلت له: يا هذا إنه لا مخبأ بعد بوس. ولا عطر بعد عروس. فانهض للاكتساب بصناعتك. وأجنيني ثمرة براعتك. فزعم أن صناعته قد رميت بالكساد. لما ظهر في الأرض من الفساد. ولي منه سلالة. كأنه خلالة. وكلانا ما ينال معه شبعة. ولا ترفأ له من الطوى دمعة. وقد قدته إليك. وأحضرته لديك. لتعجم عود دعواه. وتحكم بيننا بما أراك الله. فأقبل القاضي عليه وقال له: قد وعيت قصص عرسك. فبرهن الآن عن نفسك. وإلا كشفت عن لبسك. وأمرت بحبسك. فأطرق إطراق الأفعوان. ثم شمر للحرب العوان. وقال:

إسمع حديثي فإنه عجب ... يضحك من شرحه وينتحب أما امرؤ ليس في خصائصه ... عيب ولا في فخاره ريب سروج داري التي ولدت بها ... والأصل غسان حين أنتسب وشغلي الدرس والتبخر في ال ... علم طلابي وحبذا الطلب ورأس مالي سحر الكلام الذي ... منه يصاغ القريض والخطب أغوص في لجة البيان فأخ ... تار اللآلي منها وأنتخب وأجتني اليانع الجني من ال ... قول وغيري للعود يحتطب وآخذ اللفظ فضة فإذا ... ما صغته قيل إنه ذهب وكنت من قبل أمتري نشبا ... بالأدب المقتنى وأحتلب ويمتطي أخمصي لحرمته ... مراتبا ليس فوقها رتب وطالما زفت الصلات إلى ... ربعي فلم أرض كل من يهب فاليوم من يعلق الرجاء به ... أكسد شيء في سوقه الأدب لا عرض أبنائه يصان ولا ... يرقب فيهم إلا ولا نسب كأنهم في عراصهم جيف ... يبعد من نتنها ويجتنب فحار لبي لما منيت به ... من الليالي وصرفها عجب وضاق ذرعي ضيق ذات يدي ... وساورتني الهموم والكب وقادني دهري المليم إلى ... سلوك ما يستشينه الحسب فبعت حتى لم يبق لي سبد ... ولا بتاب إليه أنقلب وادنت حتى أثقلت سافلتي ... بحمل دين من دونه العطب

ثم طويت الحشا على سغب ... خمسا فلما أمضني السغب لأم أر إلا جهازها عرضا ... أجول في بيعه واضطرب فجلت فيه والنفس كارهة ... والعين عبرى والقلب مكتئب وما تجاوزت إذ عبثت به ... حد التراضي فيحدث الغضب أو أنني إذا عزمت خطبتها ... زخرفت قولي لينجح الأرب فو الذي سارت الرفاق إلى ... كعبته تستحثها النجب ما المنكر بالمحصنات من خلقي ... ولا شعاري التمويه والكذب ولا يدي مذ نشأت نيط بها ... إلا مواضي البراع والكتب بل فكرتي تنظم القلائد لا ... كفي وشعري المنظوم لا السخب فهذه الحرفة المشار إلى ... ما كنت أحوي بها وأجتلب فإذن لشرحي كما أذنت لها ... ولا تراقب واحكم بما يجب قال: فلما أحكم ما شاده. وأكمل إنشاده. عطف القاضي إلى الفتاة. بعد أن شعف بالأبيات وقال: إما إنه قد ثبت عند جميع الحكام وولاة الأحكام. انقراض جيل الكرام. وميل الأيام إلى اللئام. وإني لأخال بعلك صدوقا في الكلام. بريئا من الملام. وهاهو قد اعترف لك بالقرض. وصرح عن المحض. وبين مصداق النظم. وتبين أنه معروق العظم. وإعنات المعذر ملأمة. وحبس المعسر مأثمة. وكتمان الفقر زهادة. وانتظار الفرج بالصبر عبادة.

فارجعي إلى خدرك. واعذري أبا عذرك. ونهني عن غربك. وسلمي لقضاء ربك. ثم إنه قرض لهما في الصدقات حصة. وناولهما من دراهمها قبصة. وقال لهما: تعلالا بهذه العلالة. وتنديا بهذه البلالة. واصبرا على كيد الزمان وكده. فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده. فنهضا وللشيخ فرحة المطلق من الإسار. وهزة الموسر بعد الإعسار. قال الراوي: وكنت عرفت أنه أبو زيد ساعة بزغت شمسه. ونزعت عرسه. وكدت أفصح عن افتتانه. وأثمار أفنانه. ثم أشفقت من عثور القاضي على بهتانه. وتزويق لسانه. فلا يرى عند عرفانه أن يرشحه لإحسانه. فأحجمت عن القول إحجام المرتاب. وطويت ذكره كطي السجل للكتاب. إلا أني قلت بعدما فصل. ووصل إلى ما وصل: لو أن لنا من ينطلق في أثر. لأتانا بفص خبره. وبما ينشر من حبره. فأتبعه القاضي أحد أمنائه. وأمره بالتجسس عن أنبائه. فما لبث أن رجع متدهدها. وقهقر مقهقها. فقال له القاضي: مهيم. يا أبا مريم. فقال: لقد عانيت عجبا. وسمعت ما أنشأ لي طربا. فقال له: ماذا رأيت. وما الذي وعيت. قال: لم يزل الشيخ مذ خرج يصفق بيديه. ويخالف بين رجليه. ويغرد بملء شدقيه: ويقول: كدت أصلى ببليه ... من وقاح شمرية وأزور السجن لولا ... حاكم الإسكندرية فضحك القاضي حتى هوت دنيته. وذوت سكينته. فلما فاء

المقامة البغدادية

إلى الوقار. وعقب الاستغراب بالاستغفار. قال: اللهم بحرمة عبادك المقربين. حرم حبسي على المتأدبين. ثم قال لذلك الأمين: علي به. فانطلق مجدا بطلبه. ثم عاد بعد لأيه. مخبرا بنأيه. فقال له القاضي: أما أنه لو حضر. لكفي الحذر. ثم لأوليته ما هو به أولى. ولآريته أن الآخرة خير له من الأولى. قال الحارث بن همام: فلما رأيت صغو القاضي إليه. وفوت ثمرة التنبيه عليه. غشيتني ندامة الفرزدق حين أبان النوار. والكسعي لما استبان النهار المقامة البغدادية روى الحارث بن همام. قال: ندوت بضواحي الزوراء مع مشيخة من الشعراء. لا يعلق لهم مبار بغبار. ولا يجري معهم ممار في مضمار. فأفضنا في حديث يفضح الأزهار. إلى أن نصفنا النهار. فلما غاض در الأفكار. وصبت النفوس إلى الأوكار. لمحنا عجوزا تقبل من البعد وتحضر إحضار الجرد. وقد استتلت صبية أنحف من المغازل. وأضعف من الجوازل. فما كذبت إذ رأتنا. أن عرتنا. حتى إذا ما حضرتنا: قالت: حيا الله المعارف. وإن لم يكن معارف. اعلموا يا مآل الأمل. وثمال الأرامل. أني من سروات القبائل. وسريات العقائل. لم يزل أهلي وبعلي يحلون الصدر ويسيرون القلب. ويمطون الظهر. ويولون اليد. فلما أردى الدهر الأعضاد. فجع بالجوارح الأكباد. وانقلب ظهرا لبطن. نبا الناظر. وجفا الحاجب.

ما بات جار لهم ساغبا ... ولا لروع قال حال الجريض فغيضت منهم صروف الردى ... بحار جود لم نخلها تغيض وأودعت منهم بطون الثرى ... أسد التحامي وأساة المريض فمحملي بعد المطايا المطا ... وموطني بعد اليفاع الحفيض وأفرخي ما تأتلي تشتكي ... بؤسا له في كل يوم وميض إذا دعا القانت في ليله ... مولاه نادوه بدمع يفيض يا رازق النعاب في عشه ... وجابر العظم الكسير المهيض اتح لنا اللهم من عرضه ... من دنس الذم نقي رخيص يطفئ نار الجوع عنا ولو ... بمذقة من حازر أو محيض فهل فتى يكشف ما نابهم ... ويغنم الشكر الطويل العريض قال الراوي: فوالله لقد صدعت بأبياتها أعشار القلوب. واستخرجت خبايا الجيوب. حتى ماحها من دينه الامتياح. وارتاح لرفدها من لم نخله يرتاح. فلما افعوعم جيبها تبرا. وأولاها كل منا برا. تولت يتلوها الأصاغر. وفوها بالشكر فاغر. فاشرأبت الجماعة السر المرموز. إلى سبرها. لتبلو مواقع برها. فكفلت لهم باستنباط مغتصة بالأنام. مختصة بالزحام. فانغمست في الغمار. واملست من الصبية الأغمار. ثم عاجت بخلو بال. إلى مسجد خال. فأماطت الجلباب. ونضت النقاب. وأنا ألمحها من خصاص الباب. وأرقب ما

ذهبت العين. وفقدت الراحة. وصلد الزند. ووهنت اليمين. وضاع اليسار. وبانت المرافق. ولم يبق لنا ثنية ولا ناب. فمذ اغبر العيش الأخضر. وازور المحبوب الأصفر. اسود يومي الأبيض. وابيض فودي الأسود. حتى رثى لي العدو الأزرق. فحبذا الموت الأحمر. وتلوي من ترون عينه فراره. وترجمانه اصفراره. قصوى بغية أحدهم ثردة. وقصارى أمنيته بردة. وكنت آليت أن لا أبذل الحر إلا للحر. ولو أني مت من الضر. وقد ناجتني القرونة. بأن توجد عندكم المعونة. وآذنتني فراسة الحوباء. بأنكم ينابيع الحباء. فنضر الله امرءاً أبر قسمي. وصدق توسمي. ونظر إلي بعين يقذيها الجمود. ويقذيها الجود. قال الحارث بن همام: فهمنا لبراعة عبارتها. وملح استعارتها. وقلنا لها: قد فتن كلامك. فكيف إلحامك. فقالت: يفجر الصخر. ولا فخر. فقلنا: إن جعلنا من رواتك. لم نبخل بمؤاساتك. فقالت: لأرينكم أولا شعاري. ثم لأروينكم أشعاري. فأبرزت ردن درع دريس. وبرزت برزة عجوز دردبيس. وأنشدت: أشكو إلى الله اشتكاء المريض ... ريب الزمان المعتدي البغيض يا قوم إني من أناس عنوا ... دها وجفن الدهر عنهم غضيض فخارهم لي له دافع ... وصيتهم بين الورى مستفيض تشب للسارين نيرانهم ... ويطعمون الضيف لحما غريض

المقامة الكرجية

ستبدي من العجاب. فلما انسرت أهبة الخفر. رأيت محيا أبي زيد قد سفر. فهممت أن أهجم عليه. لأعنفه على ما أجرى إليه. فاسلنقى اسلنقاء المتمردين. ثم رفع عقيرة المغردين. واندفع ينشد: يا ليت شعري أدهري ... أخاط علما بقدري وهل درى كنه غوري ... في الخدع أم ليس يدري وكم قد قمرت بنيه ... بحيلتي وبمكري وكم برزت بعرف ... عليهم وبنكر أصطاد قوما بوعظ ... وآخرين بشعر وأستفز بخل ... عقلا وقعلا بخمر وتارة أنا صخر ... وارة أخت صخر ولو سلكت سبيلا ... مألوفة طول عمري لخاب قدحي وقدحي ... ودام عسري وخسري فقل لمن لام هذا ... عذري فدونك عذري قال الحارث بن همام: فلما ظهرت على جلية أمره. وبديعة أمره. وما زخرف في شعره من عذره. علمت أن شيطانه المريد. لا يسمع التفنيد. ولا يفعل إلا ما يريد. فثنيت إلى أصحابي عناني. وأبثثتهم ما أثبته عياني. فوجموا لصيغة الجوائز. وتعاهدوا على محرمة العجائز. المقامة الكرجية حكى الحارث بن همام: شتوت بالكرج لدين أقتضيه.

وأرب أقضيه. فبلوت من شتائتها الكالح. وصرها النافح. ما عرفني جهد البلاء. وعكف بي على الاصطلاء. فلم أكن أزايل وجاري. ولا مستوقد ناري. إلا لضرورة أدفع إليها. أو إقامة جماعة أحافظ عليها. فاضطررت في يوم جوه مزمهر. ودجنه مكفهر. إلى أن برزت من كناني. لمهم عناني. إذا شيخ عاري الجلدة. بادي الجردة. وقد اعتم بريطة. واستثفر بفويطة. وحواليه جمع كثيف الحواشي. وهو ينشد ولا يحاشي: يا قوم لا ينبئكم عن فقري ... أصدق من عريي أوان القر فاعتبروا بما بدا من ضري ... باطن حالي وخفي أمري وحاذروا انقلاب سلم الدهر ... فإنني كنت نبيه القدر آوي إلى وفر وحد يفري ... تفيد صفري وتبيد سمري وتشتكي كومي غداة أقري ... فجرد الدهر سيوف الغدر وشن غارات الرزايا الغبر ... ولم يزل يسحتني ويبري حتى عفت داري وغاض دري ... وبار سعري في الورى وشعري وصرت نضو فاقة وعسر ... عاري المطا مجردا من قشري كأنني المغزل في التعري ... لا دفء لي في الصن والصنبر غير التضحي واصطلاء الجمر ... فهل خضم ذو رداء غمر يسترني بمطرف أو طمر ... طلاب وجه الله لا لشكري ثم قال: يا أرباب الثراء. الرافلين في الفراء. من أوتي خيرا

فلينفق. ومن استطاع أن يرفق فليرفق. فإن الدنيا غرور. والدهر عثور. والمكنة زورة طيف. والفرصة مزنة صيف. وإني والله لطالما تلقيت الشتاء بكافاته. وأعددت الأهب له قبل موافاته. وها أنا اليوم يا سادتي. ساعدي وسادتي. وجلدتي وبردتي. وحفنتي. وجفنتي. فليعتبر العاقل بحالي. وليبادر صرف الليالي. فإن السعيد من اتعظ بسواه. واستعد لمسراه. فقيل له قد جلوت علينا أدبك. فاجل لنا نسبك. فقال: تبا لمفتخر. بعظم نخر. إنما الفخر بالتقى. والأدب المنتقى. ثم أنشد: لعمرك ما الإنسان إلا ابن يومه ... على ما تجلى يومه لا ابن أمسه وما الفخر بالعظم الرميم وإنما ... فخار الذي يبغي الفخار بنفسه ثم إنه جلس محقوقفاً. واجرنثم مقفقفاً. وقال: اللهم يا من غمر بنواله. وأمر بسؤاله. اعني على البرد وأهواله. وأتح لي حرا يؤثرا من خصاصة. ويؤاسي ولو بقصاصة. قال الراوي: فلما جلى عن النفس العصامية. والملح الأصمعية. جعلت ملامح عيني تعجمه. ومرامي لحظي ترجمه. حتى استبنت أنه أبو زيد. وأن تعريه أحبولة صيد. ولمح هو أن عرفاني قد أدركه. ولم يأمن أن يهتكه. فقال: أقسم بالسمر والقمر. والزهر والزهر. إنه لن يسترني إلا من طاب خيمه. وأشرب ماء المروءة أديمه. فعقلت ما عناه. وإن لم يدر القوم معناه. وساءني ما يعانيه من الرعدة. واقشعرار الجلدة. فعمدت

لفروة هي بالنهار رياشي. وفي الليل هي فراشي. فنضوتها عني. وقلت له: اقبلها مني. فما كذب أن افتراها. وعيني تراها. ثم أنشد: لله من ألبسني فروة ... أضحت من الرعدة لي جنة ألبسنيها واقيا مهجتي ... وقي شر الإنس والجنة سيكتسي اليوم ثنائي وفي ... غد سيكسى سندس الجنة قال: فلما فتن قلوب الجماعة. بافتتانه في البراعة. ألقوا عليه من الفراء المغشاة. والجباب املوشاة. ما آده ثقله. ولم يكد يقله. فانطلق مستبشرا بالفرج. مستقيا للكرج. وتبعته إلى حيث ارتفعت التقية. وبدت السماء نقية. فقلت له: لشد ما قرسك البرد. فلا تتعر من بعد. فقال: ويك ليس من العدل. سرعة العذل. فلا تعجل بلوم هو ظلم. ولا قف ما ليس لك به علم. فوالذي نور الشيبة. وطيب تربة طيبة. لو لم أتعر لرحت بالخيبة. وصفر العيبة. ثم نزع إلى الفرار. وتبرقع بالاكفهرار. وقال: أما تعلم أن شنشنتي الانتقال من صيد إلى صيد. والانعطاف من عمرو إلى زيد. وأراك قد عقتني وعققتني. وأقتني أضعاف ما أفدتني. فأعفني عافاك الله من لغوك. واسدد دوني باب جدك ولهوك فجبذته جبذ التعابة. وجعجعت به للدعابة. وقلت له: والله لو لم أوارك. وأغط على عوارك. لما وصلت إلى صلة. ولا انقلبت أكسى من بصلة. فجازني عن إحساني إليك. وستري لك وعليك. بأن

المقامة التفليسية

تسمح لي برد الفروة. أو تعرفني كافات الشتوة. فنظر إلي نظر المتعجب. وازمهر ازمهرار المتغضب. ثم قال: أما رد الفروة فأبعد من رد أمس الدابر. والميت الغابر. وأما كافات الشتوة فسجان من طبع على ذهنك. وأوهى وعاء خزنك. حتى نسيت ما أنشتك بالدسكرة. لابن سكرة: جاء الشتاء وعندي من حوائجه ... سبع إذا القطر عن حاجاتنا حبسا كن وكيس وكانون وكاس طلا ... بعد الكباب وكف ناعم وكسا ثم ثاقل: لجواب يشفي. خير من جلباب يدفي. فاكتف بما وعيت وانكفي. ففارقته وقد ذهبت فروتي لشقوتي. وحصلت على الرعدة طول شتوتي. المقامة التفليسية حكى الحارث بن همام قال: عاهدت الله تعالى مذ يفعت. أن لا أؤخر الصلاة ما استطعت. فكنت مع جوب الفلوات. ولهو الخلوات. أراعي أوقات الصلاة. وأحاذر من مأثم الفوات. وإذا رافقت في رحلة. أو حللت بحلة. مرجت بصوت الداعي إليها. وافتديت بمن يحافظ عليها. فاتفق حين دخلت تفليس. أن صليت مع زمرة مفاليس. فلما قضينا الصلاة. فأزمعنا الانفلات. برز شيخ بادي اللقوة. بالي الكسوة والقوة. فقال: عزمت على من خلق من طينة الحرية. وتفوق در العبية. إلا ما تكلف لي لبثة. واستمع

مني نفثة. ثم له الخيار من بعد. وبيده البذل والرد. فعقد له القوم الحبى. ورسوا أمثال الربى. فلما آنس حسن إنصاتهم. ورزانة حصاتهم. قال: يا أولي الأبصار الرامقة. والبصائر الراثقة. أما يغني عن الخبر العيان. وينبئ عن النار الدخان. شيب لائح. ووهن فادح. وداء واضح. والباطن ففاضح. ولقد كنت والله ممن ملك ومال. وولي وآل. ورفض وأنال. ووصل وصال. فلم تزل الجوائح تسحت. والنوائب تنحت. حتى الوكر قفر. والكف صفر. والشعار ضر. والعيش مر. والصبية يتضاغون من الطوى. ويتمنون مصاصة النوى. ولم أقم هذا المقام الشائن. وأكشف لكم الدفائن. إلا بعد ما شقيت ولقيت. وشبت مما لقيت. فليتني لم أكن بقيت. ثم تأوه تأوه الأسيف. وأنشد بصوت ضعيف: أشكو إلى الرحمان سبحانه ... تقلب الدهر وعدوانه وحادثات قرعت مروتي ... وقوضت مجدي وبنيانه واهصرت عودي ويا ويل من ... تهتصر الأحداث أغصانه وأمحلت ربعي حتى جلت ... من ربعي الممحل جرذانه وغادرتني حائرا برائرا ... أكابد الفقر وأشجانه من بعد ما كنت أخا ثروة ... يسحب في النعمة أردانه يختبط العافون أوراقه ... ويحمد السارون نيرانه فأصبح اليوم كأن لم يكن ... أعانه الدهر الذي عانه

وازور من كان له زائرا ... وعاف عافي العرف عرفانه فهل فتى يحزنه ما يرى ... من ضر شيخ دهره خانه فيفرج الهم الذي همه ... ويصلح الشان الذي شانه قال الراوي: فصبت الجماعة إلى أن تستثبته. لتستنجش خبأته. وتستنفض حقيبته. فقالت له: قد عرفنا قدر رتبتك. ورأينا در مزنتك. فعرفنا دوحة شعبتك. واحسر اللثام عن نسبتك. فأعرض إعراض من مني الإعنات. وجعل يلعن الضرورات. ويتأفف من تغيض المروءات. ثم أنشد بلفظ صادع. وجرس خادع: لعمرك ما كل فرع يدل ... جناه اللذيذ على أصله فكل ما حلا حين تؤتى به ... ولا تسأل الشهد عن نحله وميز إذا ما اعتصرت الكروم ... سلافة عصرك من خله لتغلي وترخص عن خبرة ... وتشري كلا شرى مثله فعار على الفطن اللوذعي ... دخول الغميزة في عقله قال: فازدهى القوم بذكائه ودهائه. واختلبهم بحسن أدائه مع دائه. حتى جمعوا له خبايا الخبن. وخفايا الثبن. وقالوا له: يا هذا إنك حمت على ركية بكية. وتعرضت لخلية خلية. فخذ هذه الصبابة. وهبها لا خطأ ولا إصابة. فنزل قلهم منزلة منزلة الكثر. ووصل قبوله بالشكر. ثم تولى يجر شقه. وينهب بالخبط طرقه. قال المخبر بهذه الحكاية: فصور لي أنه محيل لحليته. متصنع في مشيته. فنهضت

المقامة المروية

أنهج منهاجه. وأقفوا أدراجه. وهو يلحظني شزراً. ويوسعني هجراً. حتى إذا خلا الطريق. وأمكن التحقيق. نظر إلي نظر من هش وبش. وما حض بعدما غش. وقال: إن لأخالك أخا غربة. ورائد صحبة. فهل لك في رفيق يرفق بك ويرفق. وينفق عليك وينفق. فقلت له: لو أتاني هذا الرفيق. لواتاني التوفيق. فقال لي: قد وجدت فاغتبط. واستكرمت فارتبط. ثم ضحك مليا. وتمثل لي بشرا سويا. فإذا هو شيخنا السروجي لا قبلة بجسمه. ولا شبهة في وسمه. ففرحت بلقيته. وكذب لقوته. وهممت بملامته. على سوء مقامته. فشحافاه. وأنشد قبل أن ألحاه: ظهرت برث لكيما يقال ... فقير يزجي الزمان المزجى وأظهرت للناس أن قد فلجت ... فكم نال قلبي به ما ترجى ولولا الرثاثة لم يرث لي ... ولولا التفالج لم ألق فلجا ثم قال: أنه لم يبق لي بهذه الأرض مرتع. ولا في أهلها مطمع. فإن كنت الرفيق. فالطريق الطريق. فسرنا منها متجردين. ورافقته عامين أجردين. وكنت على أن أصحبه ما عشت. فأبى الدهر المشت المقامة المروية حكى الحارث بن هام قال: حبب إلي مذ سعت قدمي. ونفث قلمي. أن أتخذ الأدب شرعة. والاقتباس منه نجعة.

فكنت أنقب عن أخباره. وخزانة أسراره. فإذا ألفيت منهم بغية الملتمس. وجذوة المقتبس. شددت يدي بغرزه. واستنزلت منه زكاة كنزه. على أني لم ألق كالسروجي في غزارة السحب. ووضع الهناء مواضع النقب. إلا أنه كان أسير من المثل. وأسرع من القمر في النقل. وكنت لهوى ملاقاته. واستحسان مقاماته. أرغب في الاغتراب. وأستعذب السفر الذي هو قطعة من العذاب. فلما تطوحت إلى مرو. ولا غرو. بشرني بلمقاه زجر الطير. والفأل الذي هو بريد الخير. فلم أزل أنشده في المحافل. وعند تلقي القوافل. فلا أجد عنه مخبرا. ولا أرى له أثرا ولا عثيراً. حتى غلب اليأس الطمع. وانزوى التأميل وانقمع. فإني لذات يوم بحضرة والي مرو. وكان ممن جمع الفضل والسرو. إذ طلع أبو زيد في خلق مملاق. وخلق ملاق فحيا الوالي تحية المحتاج. إذا لقي رب التاج. ثم قال له: اعلم وقيت الذم وكفيت الهم. أن من عذقت به الأعمال. أعلقت به الآمال. ومن رفعت له الدرجات. رفعت إليه الحاجات. وأن السعيد من إذا قدر. وواتاه القدر. أدى زكاة النعم. كما يؤدي زكاة النعم. والتزم لأهل الحرم. ما يلتزم للأهل والحرم. وقد أصبحت بحمد الله عميد مصرك. وعماد عصرك. تزجى الركائب إلى حرمك. وترجى الرغائب من كرمك. وتنزل المطالب بساحتك. وتستنزل الراحة من راحتك. وكان فضل الله عليك عظيما.

وإحسانه لديك عميماً. ثم إني شيخ ترب بعد الإتراب. وعدم الأعشاب حين شاب. قصدتك من محلة نازحة. وحالة رازحة. آمل من بحرك دفعة. ومن جاهك رفعة. والتأميل أفضل وسائل السائل. ونائل النائل. فأوجب لي ما يجب عليك. وأحسن كما أحسن الله إليك. وإياك أن تلوي عذارك. عمن ازدارك. وأم دارك. أو تقبض راحك. عمن امتاحك. وأمتار سماحك. فوالله ما مجد من جمد. ولا رشد من حشد. بل اللبيب من إذا وجد جاد. وإن بدا بعائدة عاد. والركيم من إذا استوهب الذهب. لم يهب أن يهب. ثم أمسك يرقب أكل غرسه. ويرصد مطيبة نفسه. وأحب الوالي أن يعلم هل نطفته ثمد. أم لقريحته مدد. فأطرق يروي في استيراء زنده. واستشفاف فرنده. والتبس على أبي زيد سر صمتته. وإرجاء لصلته. فتوغر غضبا. وأنشد مقتضبا: لا تحفرن أبيت اللعن ذا أدب ... لأن بدا خلق السربال سبروتا ولا تضع لأخي التأميل حرمته ... أكان ذا لسن أم كان سكينا وانفخ بعرفك من وافاك مختبطاً ... وانعش بغوثك من ألفيت منكوبا فخير مال الفتى مال أشاد له ... ذكرا تناقله الركبان أو صيتا وما على المشتري حمدا بموهبة ... غبن ولو كان ما أعطاه ياقوتا لولا المروءة ضاق العذر عن فطن ... إذا اشرأب إلى ما جاوز القوتا لكنه لابتناء المجد جد ومن ... حب السماح ثنى نحو العلى ليتا

وما تنشق نشر الشكر ذو الكرم ... إلا وأزرى بنشر المسك مفتوتا والحمد والبخل لم يقض اجتماعهما ... حتى لقد خيل ذا ضبا وذا حوتا والسمح في الناس محبوب خلائقه ... والجامد الكف ما ينفك ممقوتا وللشحيح على أمواله علل ... يوسعنه أبدا ذما وتبكيتا فجد بما جمعت كفاك من نشب ... حتى يرى مجتدي جدواك مبهوتا فقال له الوالي: تالله لقد أحسنت. فأي ولد الرجل أنت. فنظر إليه عن عرض. وأنشد وهو مغضض: لا تسأل المرء من أبوه ورز ... خلاله ثم صله أو فاصرم فما يشين السلاف حين حلا ... مذاقها كونها ابنة الحصرم قال: فقربه الوالي لبيانه الفاتن. حتى أحله مقعد الخاتن. ثم فرض له من سيوب نيله. ما آذن بطول ذيله وقصر ليله. فنهض عنه يردن ملآن. وقلب جذلان. وتبعته حاذيا حذوه. وقافيا خطوه. حتى إذا خرج من بابه. وفصل عن غابه. قلت له: هنئت بما أوتيت. ومليت بما أوليت. فأسفر وجهه وتلالا. ووالى شكرا لله تعالى. ثم خطر اختيالا. وأنشد ارتجالا: من يكن نال بالحماقة حظا ... أو سما قدره لطيب الأصول فبفضلي انتفعت لا بفضولي ... وبقولي ارتفعت لا بقيولي ثم قال: تعسا لمن جدب الأدب. وطوبى لمن جد فيه ودأب. ثم ودعني وذهب. وأودعني اللهب.

الباب الخامس في اللطائف

الباب الخامس في اللطائف عبد الله بن الحجاج عند عبد الملك بن مروان لما قتل عبد الله بن الزبير وكان عبد الله بن الحجاج من أصحابه وشيعته احتال حتى دخل على عبد الملك بن مروان وهو يطعم الناس. فدخل حجرة فقال له: ما لم يا هذا لا تأكل. قال: لا أسحل أن آكل حتى تأذن لي. قال: قد أذنت للناس جميعاً. قال: لم أعلم. فآكل بأمرك. قال: كل فأكل وعبد الملك ينظر إليه. ويعجب من فعاله. فلما أكل الناس جلس عبد الملك في مجلسه وجلس خواصه بين يديه وتفرق الناس فجاء عبد الله بن الحجاج ووقف بين يديه. ثم استأذنه في الإنشاد فأذن له فأنشده: أبلغ أمير المؤمنين فإنني ... مما لقيت من الحوادث موجع منع القرار فجئت نحوك هاربا ... جيش يجر ومقنب يتلمع فقال عبد الملك: وما خوفك لا أم لك لولا أنك مريب. فقال عبد الله: كنا تنحلنا البضائر مرة ... وإليك إذ عمي البصائر نرجع إن الذي يعصيك منا بعدها ... من دينه وحياته متودع آتي رضاك ولا أعود لمثلها ... وأطيع أمرك ما أمرت وأسمع

وأعطي نصيحتي الخليفة ناجعا ... وخزامة الأنف المقود فاتبع فقال له عبد الملك: هذا لا نقبله منك إلا بعد المعرفة بك وبذنبك. فإذا عرفت الحوبة قبلنا التوبة. فقال عبد الله: ولقد وطئت بني سعيد وطأة ... وابن الزبير فعرشه متضعضع فقال عبد الملك: لله الحمد والمنة على ذلك فقال عبد الله: مازلت تضرب منكبا عن مكنب ... تعلو ويسفل غيركم ما يرفع ووطئتهم في الحرب حتى أصبحوا ... حدثا يؤس وغابرا يتجعجع فحوى خلافتهم ولم يظلم بها ... القرم قرم بني قصي الأنزع لا يستوي خاوي نجوم آفل ... والبدر منبلجا إذا ما يطلع وضعت أمية واسطين لقومهم ... ووضعت وسطهم فنعم الموضع بيت أبو العاصي بناه بربوة ... عالي المشارف عزه ما يدفع فقال له عبد الملك: إن توريتك عن نفسك لتريبني فأي الفسقة أنت وماذا تريد. فقال: جربت أصيبيتي يد أرسلتها ... وإليك بعد معادها ما ترجع ووأرى الذي يرجو تراث محمد ... أفلت نجومهم ونجمك يسطع فقال عبد الملك: ذلك جزاء أعداء الله. فقال له عبد الله بن الحجاج: فانعش أصيبيتي الألاء كأنهم ... حجل تدرج بالشبة جوع فقال عبد الملك: لا أنعشهم الله وأجاع أكبادهم ولا أبقى وليدا من نسلهم فإنهم نسل كافر فاجر لا يبالي ما صنع. فقال عبد الله:

إجازة عبيد الأبرص وامرئ القيس

مال لهم مما يضن جمعته ... يوم القليب فحيز عنهم أجمع فقال له عبد الملك: لعلك أخذته من غير حله وأنفقته في غير حقه. وأرصدت به لمشاقة أولياء الله وأعددته لمعاونة أعدائه. فنزعه منك إذا استظهرت به على معصية الله. فقال عبد الله: أدنو لترحمني وتجبر فاقتي ... فأراك تدفعني فأين المدفع فتبسم عبد الملك. فقال عبد الله: أمنت ورب الكعبة. فقال عبد الملك: كن من شئت إلا عبد الله بن الحجاج. قال: أنا والله هو قد وطئت دارك وأكلت طعامك وأنشدتك. فإن قتلتني بعد ذلك فأنت وما تراه. وأنت بما عليك في هذا عارف. ثم عاد إلى إنشاده فقال: ضاقت ثياب الملبسين وفضلهم ... عني فألبسني فثوبك أوسع فنبذ عبد الملك إليه مطرفاً كان على كتفه وقال: ألبسه لا لبست. فالتحف به ثم قال له عبد الملك: أولى لك. والله لقد طاولتك طمعا في أن يقوم بعض هؤلاء فيقتلك. فأبى الله ذلك فلا تجاورني في بلد. وانصرف آمنا فقم حيث شئت. ثم أمضى له الأمان (للأصبهاني) إجازة عبيد الأبرص وامرئ القيس لقي عبيد بن الأبرص امرئ القيس فقال له عبيد: كيف معرفتك بالأوابد. فقال: ألق ما أحببت. فقال عبيد: ما حبة ميتة قامت بميتتها ... درداء ما أنبتت سنا وأضراسا فقال امرؤ القيس:

تلك الشعيرة تسقى في سنابلها ... فأخرجت بعد طول المكث أكداسا فقال عبيد: ما السود والبيض والأسماء واحدة ... لا يستطيع لهن الناس تمساسا فقال امرؤ القيس: تلك السحاب إذا الرحمن أرسلها ... روى بها من محول الأرض أيباسا فقال عبيد: ما مرتجات على هول مراكبها ... يقطعن طول المدى سيرا وإمراسا فقال امرؤ القيس: تلك النجوم إذا حالت مطالعها ... شبهتها في سواد الليل أقباسا فقال عبيد: ما القاطعات لأرض لا أنيس بها ... تأتي سراعا وما يرجعن أنكاسا فقال امرؤ القيس: تلك الرياح إذا هبت عواصفها ... كفى بأذيالها للترب كناسا فقال عبيد: ما الفاجعات جهارا في علانية ... أشد من فيلق مملوءة باسا فقال امرؤ القيس: تلك المنايا فما يبقين من أحد ... يكفتن حمقى وما يبقين أكياسا فقال عبيد: ما السابقات سراع الطير في مهل ... لا يشتكين ولو ألجمتها فاسا

فقال امرؤ القيس: تلك الجياد عليها القوم قد سبحوا ... كانوا لهن غداة الروع أحلاسا فقال عبيد: ما القاطعات لأرض الجو في طلق ... قبل الصباح وما يسرين قرطاسا فقال امرؤ القيس: تلك الأماني يتركن الفنى ملكا ... دون السماء ولم ترفع به راسا فقال عبيد: ما الحاكمون بلا سمع ولا بصر ... ولا لسان فصيح يعجب الناسا فقال امرؤ القيس: تلك الموازين والرحمن انزلها ... رب البرية بين الناس مقياسا قال علي بن ظافر: دخلت مع جماعة من أصحابنا على صديق لنا نعوده وبين يديه بركة قد راق ماؤها. وصحت سماؤها. وقد رص تحت دساتيرها نارنج فتن قلوب الحضار. وملأ بالمحاسن عيون النظار. فكأنما رفت صوالج فضة على كرات من النضار. فأشار الحاضرون إلى وصفها فقلت بديهاً: أبدعت يا ابن هلال في فسقية ... جاءت محاسنها بما لم يعهد عجبا لأمواه الدساتير التي ... فاضت على نارنجها المتوقد فكأنهن صوالج من فضة ... رفعت لضرب كرات خالص عسجد

علي بن ظافر عند الملك العادل

علي بن ظافر عند الملك العادل قال علي بن ظافر: ومن عجب ما دهيت به ورميت إلا أن الله بفضله نصر وأعطى الظفر وأعان خاطري الكليل. حتى مضى مضاء السيف الصقيل. أني كنت في خدمة مولانا العادل (خلد الله ملكه) بالإسكندرية سنة إحدى وستمائة مع من ضمته حاشية العسكر المنصور من الكتاب ودخلت سنة اثنتين وستمائة ونحن بالثغر مقيمون بالخدمة. مرتضعون لأفاويق النعمة. فحضرت مع من حضر للهناء. من الفقهاء والعلماء. والمشايخ والكبراء. وجماعة الديوان والأمراء. في يوم من أيام الجلوس لإمضاء الأحكام. والعرض لطوائف الأجناد بالتمام. فلم يبق أحد من أهل البلد ولا من العسكر إلا حضر مهنئا. ومثل شاكر وداعيا. فلما غض المجلس بأهله. وشرق بجمع الناس وحفله. وخرج مولانا السلطان (خلد الله ملكه) إلى مجلسه. واستقر في دسته. أخرج كتابا ناوله إلى الصاحب الجل صفي الدين أبي محمد عبد الله بن علي وزير دولته. وكبير جملته. وهو مفضوض الختام. مفكوك الفدام ففتحه فإذا فيه قطعة وردت من المولى الملك المعظم أبقاه الله. كتبها إليه يتشوقه ويستعطفه لزيارته ويرققه ويستحث عود ركابه إلى الشام للمثاغرة بها وقمع عدوها. ويعرض بذكر مصر وشدة حرها ووقد جمرها. وذلك بعد أن وصل إلى خدمته بالثغور ثم رجع إليها. والأبيات: أروي رماحك من نحور عداكا ... وانهب بخيلك من أطاع سواكا

واركب خيولا كالسعالي شربا ... واضرب بسيفك من يشق عصاكا واجلب من الأبطال كل سميذع ... يفري بعزمك كل من يشناكا واسترعف السمر اللدان وروها ... واسق المنية سيفك السفاكا وسر الغداة إلى العداة مبادرا ... بالضرب في هام العدو دراكا واقرن رماحك بالثغور فإنها ... مشتاقة أن تبتنى بعلاكا فالعز في نصب الخيام على العدى ... تردي الطغاة وتدفع الملاكا والنصر مقرون بهمتك التي ... قد أصبحت فوق السماك سماكا فإذا عزمت وجدت من هو طائع ... وإذا نهضت وجدت من يخشاكا والنصر في الأعداء يوم كريهة ... أحلى من الكاس الذي رواكا والعجز أن تسمي بمصر مخيما ... وتحل في تلك العراص عراكا فأرح حشاشتك الكريمة من لظى ... مصر لكي تحظى الغداة بذاكا فلقد غدا قلبي عليك بحرقة ... شغفا ولا حر البلاد هناكا وانهض إلى راجي لقاك مسارعا ... فمناي من كل الأمور لقاكا وأبرد فؤاد المستهام بنظرة ... وأعد عليه العيش من رؤياكا واشف الغداة عليل صب هائم ... أضحى مناه من الحياة مناكا فسعادتي بالعادل الملك الذي ... ملك الملوك وقارن الأفلاكا فبقيت لي يا مالكي في غبطة ... وجعلت في كل الأمور فداكا فلما تلا الصاحب على الحاضرين محكم آياتها. وجلا منها العروس التي حازت من المحاسن أبعد غاياتها. أخذوا في استحسان نظامها.

وتناسق غريب التئامها. والثناء على الخاطر الذي نظم محكم أبياتها وأطلع من مشرق فكره آياتها. فقال السلطان (خلد الله ملكه) : نريد من يجيبه عنا بأبيات على قافيتها. فالتفت مسرعا إلي وأنا على يمينه وقال: يا مولانا مملوكك فلان هو فارس هذا الميدان. والمعتاد للتخلص من مضايق هذا الشان. ثم قطع وصلا من درج كان بين يديه وألقاه إلي. وعمد إلى دواته فأدارها بين يدي فقال له السلطان: أهكذا على مثل هذه الحالة. قال: نعم أنا جربته فوجدته متقد الخاطر حاضر الذهن سريع إجابة الفكر. فقال السلطان: وعلى كل حال قم إلى ههنا لتنكف عنك أبصار الناطرين. وتنقطع جلبة الحاضرين. وأشار إلى مكان عن يمين البيت الخشب الذي هو منقرد به فقمت وقد فقدت رجلي انزالا. وذهني اختلالا. لهيبة المجلس في صدري وكثرة من حضره من المترقبين لي المنتظرين حلول فاترة الشماتة وبي. فما هو إلا أن جلسن حتى ثاب إلي خاطري. وانثال الشعر على ضمائري. فكنت أرى فكري كالبازي الصيودلا يرى كلمة إلا أنشب فيها منسره. ولا معنى إلا شك فيه ظفره. فقلت في أسرع وقت: وصلت من الملك المعظم تحفة ... ملأت بفاخر درها الأسلاكا أبيات شعر كالنجوم جلالة ... فلذا حكت أوراقها الأفلاكا عجبا وقد جاءت كمثل الروض إذ ... لم تذوها بالحر نار ذكاكا

جلت الهموم عن الفؤاد كمثل ما ... تجلو وجهك الأحلاكا كقميص يوسف إذ شفت يعقوب رياه شفتني مثله رياكا قد أعجزت شعراء أهل زماننا ... حسنا فلم لا تعجز الأملاكا ما كان هذا الفضل يمكن مثله ... أن يحتويه من الأنام سواكا لم لا أغيب عن الشآم وهل له ... من حاجة عندي وأنت هناكا أم كيف أخشى والبلاد جميعها ... محمية في جاه طعن قناكا يكفي الأعادي حر بأسك فيهم ... أضعاف ما يكفي الولي نداكا ما زرت مصر لغير ضبط ثغورها ... فلذا صبرت فديت عن رؤياكا أم البلاد علا عليها قدرها ... لا سيما مذ شرفت بخطاكا طابت وحق لها ولم لا وهي قد ... حوت المعلى في القداح أخاكا أنا كالسحاب أزور أرضا ساقيا ... حينا وأمنح غيرها سقياكا مكثي جهاد للعدو لأنني ... أغزوه بالرأي السديد دراكا لولا الرباط وفضله لقصدت بالسي ... ر الحثيث إليك نيل رضاكا ولئن أتيت إلى الشآم فإنما ... يحتثني شوقي إلى لقياكا إني لأمنحك المحبة جاهدا ... وهواي فيما تشتهيه هواكا فافخر فقد أصبحت بي وببأسك الحام ... مي وكل مملك يخشاكا لا زلت تقهر من يعادي ملكنا ... أبدا ومن عاداك كان فداكا وأعيش أنظر ابنك الباقي أبا ... وتعيش تخدم في السعود أباكا ثم عدت إلى مكاني وقد بيضتها. وحليت بزهرها ساحة القرطاس

للبابي يرثي ضرسه بعد قلعه

الأبيض وروضتها. فلما رآني السلطان (خلد الله ملكه) قد عدت قال: أعملت شيئا. ظنا منه أن العمل في تلك اللمحة متعذر. وبلوغ الغرض فيها غير متصور. فقلت: نعم. فقال: أنشدنا فصمت الناس وحدقت الأبصار وأصاخت الأسماع. وظن الناس بي الظنون. وترقبوا مني ما يكون. فما توالى إنشادي حتى صفقت الأيدي إعجابا. وتغامزت الأعين استغرابا. وحين انتهيت إلى ذكر مولانا الكامل بأنه المعلى إذا ضربت قداحهم. وسردت أمداحهم. إغرورقت عيناه دمعا لذكره. وأبان صمته مخفي المحبة فأعلن بسره. وحين انتهيت إلى آخرها فاض دمعه. ولم يمكنه منعه. ثم قام فوضع فرجية من خاص ملابسه كانت عليه على كتفي (بدائع البدائه للأزدي) للبابي يرثي ضرسه بعد قلعه أي طود من الرواسي العظام ... فجعتنا به يد الأيام هدمته نوازل الدهر والده ... ر ولوع بهدم عز الكرام فهوى شياظيا من الذروة القع ... ساء فسرا وأنفه في الرغام صاحب كان لي وفيا وبي بر ... اخفيا يعولني بالتزام وخليلي في كل مخمصة كا ... ن عتيد الإطعام والإنعام أبيض الوجه في اللقالين المل_مس صعب المراس عند الصدام كاسر طاحن إذا اصطم الصف ... ان ماضي الشبا ألد الخصام ضعضعت ركنه الخطوب وثلت ... عرش سلطانه المنيع السامي

أين مني وأين هيهات أني ... أتهنا من بعده بطعام يا رفيقي مذ كنت طفلا إلى أن ... جلل الشيب مفرقي بالثغام وصديقي الذي تخولت من جد ... واه قوتي وقوتي وقوامي من يروض الصعاب بعدك من للب ... طش من للقراع من للصدام رب قشر محضته عن لباب ... ولحوم عرقتها عن عظام ما قدرناك حق قدرك حتى ... نبت فاذهب ممتعا بسلام وتأسى فكم صريع بهذا الث ... غر أدرته غارة الأيام أبدلتني عن الثريا بني نع ... ش كرور السنين والأعوام فجعتني بكل أبيض طلا ... ع الثنايا مستأسد بسام أي وتر تبغي النوازل مني ... بعد ضعف القوى وفت العظام من يرد صحبه الزمان طويلا ... فليوطن نفسا على الآلام كل صعب يهون إن أنعم إلي ... هـ على عبده بحسن الختام حدث أبو هريرة النحوي قال: كان أبو الشبل البرجمي قد اشترى كبشا للأضحى فجعل يعلفه ويسمنه فأفلت يوما على قنديل له كان يسرجه بين يديه وسراج وقارورة للزيت. فنطحه فكسره وانصب الزيت على ثيابه وكتبه وفراشه. فلما عاين ذلك ذبح الكبش قبل الأضحى وقال يرثي سراجه: يا عين ابكي لفقد مسرجة ... كانت عمود الضياء والنور كانت إذا ما الظلام ألبسني ... من حندس الليل ثوب ديجور شقت بيرانها غياطلة ... شقا رعى الليل بالدياجير صينية الصين حين أبدعها ... مصور الحسن بالتصاوير

وقبل ذا بدعة أتيح لها ... من قبل الدهر قرن يعفور وصكها صكة فما لبثت ... أن وردت عسكر المكاسير وإن تولت فقد لها تركت ... ذكرا سيبقى على الأعاصير من ذا رأيت الزمان ياسره ... فلم يشب يسره بتعسير ومن أباح الزمان صفوته ... فلم يشب صفوه بتكدير مسرجتي لو فديت ما بخلت ... عنك يد الجود بالدنانير ليس لنا فيك ما نقدره ... لكنما الأمر بالمقادير مسرجتي كم كشفت من ظلم ... جليت ظلماءها تنوير أوحشت الدار من ضيائك وال ... بيت إلى مطبخ وتنور قلبي حزين عليك إذا سجلت ... عليك بالدمع عين تنمير إن كان أودى بك الزمان فقد ... أبقيت منك الحديث في الدور دع ذكرها واهج قرن ناطحا ... واسرد أحاديثه بتفسير كان حديثي أني اشتريت فما اش ... تريت كبشا سليل خنزير فلم أزل بالنوى أسمنه ... والتبن والقت والأثاجير أيرد بالماء في القلال له ... وأتقي فيه كل محذور تخدمه طول كل ليلتها ... خدمة عبد بالذل مأسور فلم يزل يغتذي السرور وما ال ... محزون في عيشه كمسرور حتى عدا طوره وحق لمن ... يكفر نعمى تقريب تغيير فمد قرنيه نحو مسرجة ... تعد في صون كل مذخور

شد عليها بقرن ذي حنق ... معود للنطاح مشهور وليس يقوى بروقه جبل ... صلد من الشمخ المذاكير فكيف تقوى عليه مسرجة ... أرق من جوهر القوارير تكسرت كسرة لها ألم ... وما صحيح الهوى كمكسور فأدركته شعوب فانشعبت ... بالروع والشلو غير مقتور أديل منه فأدركته يد ... من المنايا بجد مطرور يلتهب الموت في ظباه كما ... تلتهب النار في المساعير ومزقته المدى فما تركت ... كف القرى منه غير تعسير واعتاله بعد كسرها قدر ... صيره نهزة السنانير فمزقت لحمه براثنها ... وبذرته أشد تبذير واختلسته الحداء خلسا مع ال ... غربان لم تزدجر لتكبير وصار حظ الكلاب أعظمه ... يهشم ألحاءها بتكسير كم كاسر نحوه وكاسرة ... سلاحها في شفى المناقير وخامع نحوه وخامعة ... سلاحها في شبا الأظافير قد جعلت حلو شلوه عرسا ... بلا افتقار إلى مزامير ولا مغن سوى هما همها ... إذا تمطت لوارد العير يا كبش ذق إذ كسرت مسرجتي ... لمدية الموت كأس تنحير بغيت ظلما والبغي مصرع من ... بغى على أهله بتغيير أضحية ما أظن صاحبها ... في قسمة لحمها بمأجور

قال أبو العلاء المعري من قصيدة على لسان درع يخاطب سيفا

قال أبو العلاء المعري من قصيدة على لسان درع يخاطب سيفا ألم يبلغك فتكي بالمواضي ... وسخري بالأسنة والزجاج وأني لا يغير لي قتيرا ... خضاب كالمدام بلا مزاج منعت الشيب من كتم التراقي ... ولم أمنعه من خطر العجاج فهل حدثت بالحرباء يلقى ... برأس العير موضحة الشجاج تصيح ثعالب المران كربا ... صياح الطير تطرب لابتهاج حرام أن يراق نجيع قرن ... يجوب النقع وهو إلي لاجي يقضب عنه أمراس المنايا ... لباس مثل أغراس النتاج تعوذ بي حليف التاج قدما ... وفارس لم تهم بعقد تاج شهدت الحرب قبل ابني بغيض ... وكنت زمان صحراء النباج فلا يطعمك في الغمرات وردي ... فإني ربة المر الأجاج فإن تركد بغمدك لا تخفني ... وإن تهجم علي فغير ناج متى ترم السلوك بي الرزايا ... تجد قضاء مبهمة الرتاج يرد حديدك الهندي سردي ... رفاتا كالحطيم من الزجاج تناجيني إذا اختلف العوالي ... أتدري ويب غيرك من تناجي كأن كعوبها متناثرات ... نوى قسب ترضخ للنواجي مموهة كأن بها ارتعاشا ... لفرط السن أو داء اختلاج تضيفني الذوابل مكرهات ... فترحل ما أذيقت من لماج إذا ما السهم حاول في نهجا ... فإني عنه ضيقة الفجاج

وقال أيضا من قصيدة على لسان رجل يسأل أمه عن درع أبيه

وهل تعشق النبال إلى ضياء ... ثنى السمراء مطفاة السراج يهون علي والحدثان طاغ ... أتنذرني الفوارس أو تفاجي فلو طعن الفتى بأشد غصن ... حناه أشد حصن في الهياج أخالتني ظماء الخط لجا ... فألقت ركن شابة في اللجاج وليس لكر يوم الشر ناف ... سوى كر من الأدراع ساج وقال أيضا من قصيدة على لسان رجل يسأل أمه عن درع أبيه ما فعلت درع والدي أجرت ... في نهر أم مشت على قدم أم استعيرت من الأراقم فار ... تدت عواريها بنو الرقم أم بعتها تبتغين مصلحة ... في سنة والسماء لم تغم عابسة لم يجد بها الأسد ... م الظبية إلا ضعائف الرهم أم كنت صيرتها له كفنا ... فتلك ليست من آلة الرجم لعله أن يجيء مدرعا ... يوم رجوع النفوس في الرمم أم كنت أودعتها أخا ثقة ... فخان والخوان أقبح الشيم ضافية في المجر صافية ... ليست بمطوية على قتم كأنها والنصال تأخذها ... أضاة حزن تجاد بالديم ضن بها ربها لضنتها ... به وكم ضنة من الكرم تحسبها من رضاب غادية ... مجموعة أو دموعها السجم ضاحكة بالسهام ساخرة ... بالرمح هزاءة من الخدم عادتها أرمها ظيا وقتا ... من عهد عاد وأختها إرم

لأبي الحفص الفارضي في التغزل بالكمالات الإلهية

تغرها غرة السراب نهى ... في ناجري النهار محتدم أو عمل الكفر من يدين به ... في البعث إبان مجمع الأمم ذات قتير شابت بمولدها ... ولم يكن شيبها من القدم فما عددنا بياضها هرما ... حين يعد البياض في الهرم ما خضبته المهندات لها ... ولا العوالي سوى رشاش دم ملبس قيل ما خيط مشبهه ... لدارم قبلنا ولا درم رآه كهلان من معاقله ... في الحرب دون العبيد والحشم عذبها الهالكي صانعها ... في جاحم من وقوده ضرم ينفر عنها ضب العذاة كما ... يهاب نقعا من بارد شيم يد المنايا إذا تصافحها ... أعي بها من يدين في رحم معابل الرمي عندها عبل ... ملقى وسحم النصال كالسحم فهي فم العود بزهن به ... وهن شوك القتاد والسلم لأبي الحفص الفارضي في التغزل بالكمالات الإلهية أوميض برق بالأبيرق لاحا ... أم في ربي نجد أرى مصباحا أم تلك ليلى العامرية أسفرت ... ليلا قصيرت المساء صباحا يا راكب الوجناء وقيت الردى ... إن جبت حزنا أو طويت بطاحا وسلكت نعمان الأراك فعج إلى ... واد هناك عهدته فياحا

فبأيمن العلمين من شرقيه ... عرج وأم أرينه الفواحا وإذا وصلت إلى ثنيات اللوى ... فانشد فؤادا بالأبيطح طاحا واقر السلام أهيله عني وقل ... غادرته لجنابكم ملتاحا يا ساكني نجد أما من رحمة ... لأسير إلف لا يريد سراحا هلا بعثتم للمشوق تحية ... في طي صافية الرياح رواحا يحيا بها من كان يحسب هجرتكم ... مزحا ويعتقد المزاح مزاحا يا أهل ودي هل لراجي وصلكم ... طمع فينعم باله استرواحا مذ غبتم عن ناظري لي أنة ... ملأت نواحي أرض مصر نواحا وإذا ذكرتكم أميل كأنني ... من طيب ذكركم سقيت الراحا وإذا دعيت إلى تناسي عهدكم ... ألفيت أحشائي بذاك شحاحا سقيا لأيام مضت مع جيرة ... كانت ليالينا بهم أفراحا حيث الحمى وطني وسكان الغضا ... سكني ووردي الماء فيه مباحا وأهيله أربي وظل نخيله ... طربي ورملة وادييه مراحا واها على ذلك الزمان وطيبه ... أيام كنت من اللغوب مراحا قسما بمكة والمقام ومن أتى ال ... بيت الحرام ملبيا سياحا ما رنحت ريح الصبا شيح الربى ... إلا وأهدت منكم أرواحا

خمرية أبي الحفص الفارضي وشرحها للشيخ حسن البوريني

خمرية أبي الحفص الفارضي وشرحها للشيخ حسن البوريني شربنا على ذكر الحبيب مدامة ... سكرنا بها من قبل أن يخلق الكرم (شربنا) أي معاشر السالكين في طريق الله تعالى. (على ذكر الحبيب) أي المحبوب وهو الحق تعلى. وقد يراد (بالذكر) الذكر باللسان أو بالقلب والجنان. وأشار إلى أن ذكر الله عنده من أقوى أسباب الطرب. (مدادمة) أي خمرة. والمعنى هنا شراب المحبة الإلهية الناشئة من شهود آثار الأسماء الحمالية لمحضرة العلية. وقوله (سكرنا) أي غبنا لذة وطربا بنشأة تلك الخمرة. وقوله (من قبل أن يخلق الكرم) يشير إلى قول القائل: ألست أنا ربكم قبل أن يخلق الكرم إلى الوجود. لها البدر كأس وهي شمس يديرها ... هلال وكم يبدو إذا مزجت نجم هذا البيت عجيب في بابه فإنه مشتمل على ذكر ألفاظ يناسب بعضها بعضا وهي البدر والشمس والهلال والنجم وكذلك الكاس والإدارة والزج. وقول: لها البدر كاس أي قلب العالم المحقق العامل (وهي شمس) أي المدامة المراد بها المعرفة الإلهية التي تفيض أنوارها في جميع الكائنات تشبه الشمس في طلوعها وإشراقها. وقوله يديرها أي ينشر أسماء تلك الحضرة الإلهية وصفاتها. وقوله هلال هو ذاك البدر إلا أنه محتجب. ولولا شذاها ما اهتديت لحانها ... ولولا سناها ما تصورها الوهم يقول: لولا روائح تلك الحضرات لما اهتديت إلى الأسماء الحسنى والصفات العليا لأن عبيرها عطر الأكوان. وقوله: لولا سناها إلخ كنى به عن النور الروحاني الذي بضوئه أدرك الإنسان حقيقة الوجود الإلهي. ولم يبق منها الدهر غير حشاشة ... كأن خفاها في صدور النهى كتم يقول: إن زخارف الدنيا تشغل القلوب الغافلة عن النهوض إلى شهود تجليات الحق. ويشبه خفاء تلك الحقيقة عند العقول البشرية خفاء الأسرار وكتمها في صدور الذين أوتوا العلم الإلهي فإن ذكرت في الحي أصبح أهله ... نشاوى ولا عار عليهم ولا إثم يعني إن ذكرت تلك الحضرة عند المتأهلين بالاستعداد لقبول أنوار الفيض الرباني فيصبحون سكارى ويغيبون عن أوهامهم في التحقق بمعاني الجلال ومن بين أحشاء الدنان تصاعدت ... ولم يبق منها في الحقيقة إلا اسم يقول: إنه بتقاصر الهمم الروحانية على نيل هذه ولانحراف قلوب البشر أخنفت

العلوم الإلهية شيئا فشيئا من صدور الرجال حتى تواردت ولم يبق منها غلا الاسم وإن خطرت يوما على خاطر امرئ ... أقامت به الأفراح وارتحل الهم يقول أن تجلي العزة الإلهية يبدد كل غم ويشمل القلوب بكل فرح. ولو نظر الندمان ختم إنائها ... لأسكرهم من دونها ذلك الختم يقول أن أثر التجلي الرباني في قلب السالكين جدير بتبديد سقامهم ولو نضحوا منها قبر ميت ... لعادت إليه الروح وانتعش الجسم ولو طرحوا في فيء حائط كرمها ... عليلا وقد أشفى لفارقه السقم ولو قربوا من حانها مقعدا مشى ... وتنطق من ذكرى مذاقتها البكم ولو عبقت في الشرق أنفاس طيبها ... وفي الغرب مزكوم لعاد له الشم ولو خضبت من كأسها كف لامس ... لما ضل في ليل وفي يده النجم ولو جليت سرا على أكمه غدا ... بصيرا ومن راووقها تسمع الصم ولو أن ركبا يمموا ترب أرضها ... وفي الركب ملسوع ملا ضره المس ولو رسم الراقي حروف اسمها على ... جبين مصاب جن أبرأه الرسم وفوق لواء الجيش لو رقم اسمها ... لأسكر من تحت اللوا ذلك الرقم تهذب أخلاق الندامى فيهتدي ... بها لطريق العزم من لا له عزم ويكرم من لم يعرف الجود كفه ... ويحلم عند الغيظ من لا له حلم ولو نال فدم القوم لثم فدامها ... لأكسبه معنى شمائلها اللثم أراد الشاعر بهذه الأبيات صفة ما تنتجه الحضرة الإلهية في البشر وذوي العاهات من برء أسقامهم أن شملت قلوبهم الحقائق العرفانية وأن أرادوا نهج المسالك الربانية يقولون لي صفها فأنت بوصفها ... خبير أجل عندي بأوصافها علم صفاء ولا ماء ولطف ولا هوا ... ونور ولا نار وروح ولا جسم

قد جمع الشاعر أوصافه عز وجل فإن هذه الصفات باعتبار تجلي حقيقتها الغيبية عليه ظاهرة له بأربعة أوصاف الصفاء واللطف والضياء والروح فهي روح مجر عن كشافات العناصر الأربعة بعيدة عن كل جسم حسي تقدم كل الكائنات حديثها ... قديما ولا شكل هناك ولا رسم يريد أن وجود الله قد سبق وجود الكائنات بأجمعها قبلما تبدع الصور الحسية في عالم الكون وقامت بها الأشياء ثم لحكمة ... بها احتجبت عن كل من لا له فهم أي بواسطة هذه الحكمة قد خلقت الكائنات وإنما قد خفيت عن الخطأة والذين لم يدركوا الإلهيات وهامت بها روحي بحيث تمازجا اتحادا ... ولا جر تخلله جرم يقول أن لفرط شغفه بهذه الحكمة الربانية قد كاد يستحيل إليها ولا قبلها قبل ولا بعد بعدها ... وقبلية الأبعاد فهي لها حتم وقالوا شربت الإثم كلا وإنما ... شربت التي في تركها عندي الإثم إن هذا البيت رد على من اتهمه بشرب الخمرة فيقول إن سكره لا بالخمرة المعتصرة من العنب بل بالعزة الإلهية التي هام بحبها. هنيئا لأهل الدير كم سكروا بها ... وما شربوا منها ولكنهم هموا يقول أنه يستطوب الرهبان والعباد الذين شربوا من هذه المدامة بل رغبوا إلى مشاهدة الجمال الإلهي وعندي منها نشوة قبل نشأتي ... معي أبدا تبقى وإن بلي العظم يقول إن قلبه تشرب محبة الله فلا يعدمها وإن فاجأته المنية فما سكنت والهم يوما بموضع ... كذلك لم يسكن مع النغم الغم فلا عيش في الدنيا لمن عاش صاحيا ... ومن لم يمت سكرا بها فاته الحزم على نفسه فلبيك من ضاع عمره ... وليس له نصيب ولا سهم هذا القول إغراء بشرب هذه المدامة السماوية التي أضحت مبدأ كل سرور فإنها حثما حلت تضمحل أكدار العالم وخطوب الدهر

الباب السادس في الوصف

الباب السادس في الوصف وصف المطر والسحابة أخبرنا عبد الرحمن عن الأصمعي قال: سئل أعرابي عن مطر فقال: استقل سد مع انتشار الطفل فشصا واحزأل. ثم اكفهرت أرجاؤه. واحمومت أرحاؤه. وابذعرت فوارقه. وتضاحكت بوارقه. واستطار وادقه. وارتتقت جوبه. وارثعن هيدبه. وحشكت أخلافه. واستقلت أردافه. وانتشرت أكنافه. فالرعد مرتجس. والبرق مختلس. والماء منبجس. فأترع الغدر. وأنبث الوجر. وخلط الأوعال بالآجال. وقرن الصيران بالرئال. فللأودية هدير. وللشراج خرير. وللتلاع زفير. وحط النبع والعتم من القلل الشم. إلى القيعان الصحم. فلم يبق في القلل إلا معصم مجرنثم. أو داحض مجرجم. وذلك من قضاء رب العالمين على عباده المذنبين أخبر الأصمعي قال: سألت أعربياً من بني عامر بن صعصعة عن مطر صاب بلادهم فقال: نشأ عارضا. فطلع ناهضا. ثم ابتسم وامضا. فاعتن في الأقطار فأشجارها. وامتل في الآفاق فغطاها. ثم ارتجز فهمهم. ثم دوى فأظلم. فأدرك ودث وبغش. ثم قطقط فأفرط. ثم ديم فأغمط. ثم ركد فأثجم. ثم وبل فسجم. وجاد فأنعم. فقمس الربى.

وأفرط الزبى. سبعا تباعا. ما يريد انقشاعا. حتى إذا ارتوت الحزون. وتضحضحت المتون. ساقه ربك إلى حيث شاء كما جلبه من حيث شاء. أخبرنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: سمعت أعرابيا من غني يذكر مطرا أصابهم في غب جدب فقال: تدارك ربك خلقه وقد كلبت الأمحال. وتقاصرت الآمال. وعكف الياس. وكظمت الأنفاس. وأصبح الماشي مصرما. والمترب معدما. وجفيت الحلائل. وامتهنت العقائل. فأنشأ سحابا ركاما. كنهورا سجاما. بروقه متألقة ورعوده متقعقعة. فسح ساجيا راكدا ثلاثا غير ذي فواق. ثم أمر ربك الشمال فطحرت ركامه. وفرقت جهامه. فانقشع محمودا. وقد أحيا فأغنى. وجاد فأورى. فالحمد لله الذي لا تكت نعمه. ولا تنفد قسمه. ولا يخيب سائله. ولا ينزر نائله. وأخبرنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: مررت بغلمة من الأعراب فقلت: أيكم يصف لي الغيث وأعطيه درهما. فقال: كلنا يصف (وهم ثلاثة) . فقلت: صفوا فأيكم ارتضيت صفته أعطيته الدرهم. فقال أحدهم: عن لنا عارض قصرا تسوقه لاصبا وتحدوه الجنوب. يحبو حبو المعتنك حتى إذا ازلأمت صدوره. انثجلت خصوره. ورجع هديره. أصعق زئيره. واستقل نشاصه. وتلاءم خصاصه. وارتعج ارتعاصه. وأوفدت سقابه. وامتدت أطنابه. تدارك ودقه. وتألق برقه. وحفزت تواليه. وانسفحت عزاليه.

لابن الأثير في وصف الخيل

فغادر الثرى عمدا. والعزاز ثئدا. والحث عقدا. والضحاضح متواصية. والشعاب متداعية. (قال الآخر) : تراءت المخايل من الأقطار. تحن حنين العشار. وتترامى بشهب النار. قواعدها متلاحكة. وبواسقها متضاحكة. وأرجاؤها متقاذفة. وأرجاؤها متراصفة. فوصلت الغرب بالشرق. والوبل بالودق. سحا دراكا. متتابعا لكاكا. فضحضحت الجفاجف. وأنهرت الصفاصف. وحوضت الأصالف. ثم أقلعت محسبة محمودة الآثار. موقوفة الحبار. (وقال الثالث) : والله ما خلته بلغ خمسا: هلم الدرهم أصف لك. فقلت لا أو تقول كما قالا. فقال: والله لأبذنهما وصفا. ولأفوقنهما رصفا. قلت: هات لله أبوك. فقال: بينا الحاضر بين الياس. والإبلاس. قد غمرهم الإشفاق. رهبة الإملاق. قد حقبت الأنواء. ورفرف البلاء. واستولى القنوط على القلوب. وكثر الاستغفار من الذنوب. ارتاح ربك لعباده. فأنشأ سحابا مسجهرا كنهورا. معنونكا محلولكا. ثم استقل واحزأل. فصار كالسماء دون السماء. وكالأرض المدحورة في لوح الهواء. فأحسب السهول. وأتاق الهجول. وأحيا الرجاء. وأمات الضراء. وذلك من قضاء رب العالمين. (قال) : فملأ والله اليفع صدري فأعطيت كل واحد منهم درهما وكتبت كلامهم (صفة السحاب والغيث لابن دريد) لابن الأثير في وصف الخيل (قلت في وصف فرس أدهم) : وطالما امتطيت صهوة مطهم

نهد. فغنيت عن نشوة الكميت من ذات نهد. يسابق الريح فيغبر في وجهها دون شق غباره. وإذا ظهر عليها رجعت حسرى في مضماره. نسب إلى الأعوج وهو مستقيم في الكر والفر. وقد حنقت عليه عين الشمس إذ لا يمكنها أن ترسم ظله على الأرض إذا مر. ليلي الإرهاب لطم جبينه الصباح ببهائه. فعدا عليه وخاض يقتص منه في أحشائه. كما قال ابن نباتة السعدي: وكأنما لطم الصباح جبينه ... فاقتص منه فخاض في أحشائه وقد أغتدي عليه والطير في وكناتها فلا يفوتني الأجدل. وإذا أطلقته لصيد الوحش رأيتني على منجرد قيد الأوابد هيكل. (وقلت في وصف فرس هجين) : فرس له من العربية حسب ومن الكردية نسب. فهو من بينهما مستنتج. لا ينتسب إلى خبيب ولا إلى أعوج. ومن صفاته أنه رحب اللبان. عريض البطان. سلس العنان. ينثني على قدر الطعان. وعلى قدر الكرة والصولجان. قد استوت حالته قادما ومتأخرا. فإذا أقبل خلته مرتفعا. وإذا أدبر خلته منحدرا. كأنه في حسنه دمية محراب. وفي خلقه ذروة هضاب. وهو في سباقه ولحاقه مخلق بخلق المضمار. وبدم السراب والصوار فهو منسوب إلى ذوات القوادم. وإن كان محسوبا في ذوات القوائم. كأنما ثنى لجامه على سالفة عقاب. وشد حزامه على بارقة سحاب (الوشي المرقوم لابن الأثير)

سفر البحر

سفر البحر لما ركبنا البحر. وحللنا منه بين السحر والنحر. شاهدنا من أهواله. وتنافي أحواله. ما لا يعبر عنه. ولا يبلغ له كنه البحر صعب المرام جداً ... لا جعلت حاجتي إليه أليس ماء ونحن طين ... فما عسى صبرنا عليه فكم استقبلتنا أمواجه بوجوه بواسر. وطارت إلينا من شراعه عقبان كواسر. قد أزعجتنا أكف الريح من وكرها. كما نبهت اللجج من سكرها. فلم تبق شيئا من قوتها ومكرها. فسمعنا للجبال صفيرا. وللرياح دويا عظيما وزفيرا. وتيقنا أنا لا نجد من ذلك إلا فضل الله مجيرا وخفيرا. وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه. وأيسنا من الحياة لصوت تلك العواصف والمياه. فلا حيا الله ذلك الهول المزعج ولا بياه. والموج يصفق لسماع أصوات الرياح فيطرب بل ويضطرب. فكأنه من كاس الجنون يشرب أو شرب. فيبتعد ويقترب وفرقه تلتطم وتصطفق. وتختلف ولا تكاد تتفق. فتخال الجو يأخذ بنواصيها. وتجذبها أيديه من قواصيها. حتى كاد سطح الأرض يكشف من خلالها. وعنان السحب يخطف في استقلالها. وقد أشرفت النفوس على التلف من خوفها واعتلالها. وآذنت الأحوال بعد انتظامها باختلالها. وساءت الظنون. وتراءت في صورها المنون. والشراع في قراع مع جيوش الأمواج. التي أمدت

وصف دولة بني حمدان

منها الأفواج بالأفواج. ونحن قعود. كدود على عود. ما بين فرادى وأزواج. وقد نبت بنا من القلق أمكنتنا. وخرست من الفرق ألسنتنا. وتوهمنا أنه ليس في الوجود أغوار ولا نجود. إلا السماء والماء وذلك السفين. ومن في قبر جوفه دفين. مع ترقب هجوم العدو في الرواح والغدو. فزادنا لك الحذر. الذي لم يبق ولم يذر. على ما وصفناه من هول البحر قلقا. وأجرينا إذ ذاك في ميدان الإلقاء باليد إلى التهلكة طلقا. وتشتتت أفكارنا فرقا. وذبنا أسى وندما وفرقا. إلى أن قضى الله بالنجاة وكل ما أراد فهو الكائن وإن نهى عنه وأخطأ المائن. فرأينا البر وكأننا قبل لم نره. وشفيت به أعيننا من المره. وحصل بعد الشدة الفرج. وشممنا من السلامة أطيب الأرج (نفح الطيف للمقري) وصف دولة بني حمدان كان بنو حمدان ملوكا وأمراء. وأوجههم للصباحة. وألسنهم للفصاحة. وأيديهم للسماحة. وعقولهم للرجاحة. وسيف الدولة مشهور بسيادتهم. وواسطة قلادتهم. كان رضي الله تعالى عنه وأرضاه. وجعل الجنة مأواه. غرة الزمان. وعماد الإسلام ومن به سداد الثغور وسداد الأمور. وكانت وقائعه في عصاة العرب تكف باسها وتفل أنيابها. وتذل صعابها. وتكفي الرعية سوء آدابها. وغزواته تدرك من طاغية الروم الثار. وتحسم شرهم المثار. وتحسن في الإسلام

الآثار. وحضرته مقصد الوفود. ومطلع الجود. وقبلة الآمال ومحط الرحال. وموسم الأدباء. وحلبة الشعراء. ويقال إنه لم يجتمع بباب أحد من الملوك بعد الخلفاء ما اجتمع ببابه من شيوخ الشعر ونجوم الدهر. وإنما السلطان سوق يجلب إليها ما ينفق لديها. وكان أديبا شاعرا محبا لجيد الشعر شديد الاهتزاز لما يمدح به. فلو أدرك ابن الرومي زمانه لما احتاج إلى أن يقول: ذهب الذين تهزهم مداحهم ... هز الكماة عوالي المران كانوا إذا امتدحوا رأوا ما فيهم ... فالأريحية فيهم بمكان وكان كل من أبي محمد عبد الله بن محمد بن الفياض الكاتب وأبي الحسن علي بن محمد السميساطي قد اختار من مدائح الشعراء لسيف الدولة عشرة آلاف بيت كقول المتنبي: خليلي إني لا أرى غير شاعر ... فلم منهم الدعوى ومني القصائد فلا تعجبا إن السيوف كثيرة ... ولكن سيف الدولة اليوم واحد له من كريم الطبع في الحرب منتض ... ومن عادة الإحسان والصفح غامد ولما رأيت الناس دون محله ... تيقنت أن الدهر للناس ناقد أخو غزوات ما تغب سيوفه ... رقابهم إلا وسيحان جامد بذا قضت الأيام ما بين أهلها ... مصائب قوم عند قوم فوائد ومن شرف الإقدام أنك فيهم ... على القتل موموق كأنك شاكد وأن دما أجريته بك فاخر ... وأن فؤادا رعته لك حامد

وكل يرى طوق الشجاعة والندى ... ولكن طبع النفس للنفس قائد نهبت من الأعمار ما لو حويته ... لهنئت الدنيا بأنك خالد فأنت حسام الملك والله ضارب ... وأنت لواء الدين والله عاقد أحبك يا شمس الزمان وبدره ... وإن لا مني فيك السهى والفراقد وذاك لأن الفضل عندك باهر ... وليس لأن العيش عندك بارد وكقول السري بن أحمد الموصلي: أغرتك الشهاب أم النهار ... أراحتك السحاب أم البحار خلقت منية ومنى فأضحت ... تمور بك البسيطة أو تمار تحلي الدين أو تحمي حماه ... فأنت عليه سور أو سوار سيوفك من شكاة الثغر برء ... ولكن للعدى فيها بوار وكفاك الغمام الجود يسري ... وفي أحشائه ماء ونار يسار من سجيتها المنايا ... ويمنى من عطيتها اليسار حضرنا والملوك له قيام ... تغض نواظر فيها انكسار وزرنا منه ليث الغاب طلقا ... ولم نر قبله ليثا يزار فكان لجوهر المجد انتظام ... وكان لجوهر الحمد انتثار فعشت مخيرا لك في الأماني ... وكان على العدو لك الخيار فضيفك للحيا المنهل ضيف ... وجارك للربيع الطلق جار وكقول أبي فراس الحارث بن سعيد الحمداني: أشدة ما أراه فيك أم كرم ... تجود بالنفس والأرواح تصطلم

يا باذل النفس والأموال مبتسما ... أما يهولك لا موت ولا عدم لقد ظننتك بين الجحفلين ترى ... أن السلامة من وقع القنا تصم نشدتك الله لا تسمح بنفس على ... حياة صاحبها يحيا بها أمم هي الشجاعة إلا أنها سرف ... وكل فضلك لا قصد ولا أمم إذا لقيت رقاق البيض منفردا ... تحت العجاج فلم تستكثر الخدم من ذا يقاتل من تلقى القتال به ... وليس فضل عنك الخيل والبهم تضن بالطعن عنا ضن ذي بخل ... ومنك في كل حال يعرف الكرم لا تبخلن على قوم إذا قتلوا ... أثنى عليك بنو الهيجاء دونهم ألست ما لبسوا ركبت ما ركبوا ... عرفت ما عرفوا علمت ما علموا هم الفوارس في أيديهم أسل ... فإن رأوك فأسد والقنا أجم وكقول أبي العباس أحمد بن محمد النامي: خلقت كما أرادتك المعالي ... فأنت لمن رجاك كما يريد عجيب أن سيفك ليس يروى ... وسيفك في الوريد له ورود وأعجب منه رمحك حين يسقى ... فيصحو وهو نشوان يميد وكقول أبي نضر بن نباتة وهو من شعراء العراق: حاشاك أن يدعيك العرب واحدها ... يا من ثرى قدميه طينة العرب فإن يكن لك وجه مثل أوجههم ... عند العيان فليس الصفر كالذهب وإن يكن لك نطق مثل نطقهم ... فليس مثل كلام الله في الكتب وكادت غمائم جود سيف الدولة تفيض. ومآثر كرمه تستفيض.

فتؤرخ بها أيام المجد وتخلد في صحائف حسن الذكر (اليتيمة للثعالبي) قال بشر بن أبي عوانة يصف قتاله الأسد وقتله إياه أفاطم لو شهدت ببطن خبت ... وقد لاقى الهزبر أخاك بشرا إذا لرأيت ليثا أم ليثا ... هزبرا أغلبا لاقى هزبرا تبهنس إذ تقاعس عنه مهري ... محاذرة فقلت عقرت مهرا أنل قدمي ظهر الأرض إني ... رأيت الأرض أثبت منك ظهرا وقلت له وقد أبدى نصالا ... محددة ووجها مكفهرا يكفكف غيلة إحدى يديه ... ويبسط للوثوب علي أخرى يدل بمخلب وبحد ناب ... وباللحظات تحسبهن جمرا وفي يمناي ماضي الحد أبقي ... بمضربه قراع الموت أثرا نصحتك فالتمس يا ليث غيري ... طعاما إن لحمي كان مرا أم يبلغك ما فعلته كفي ... بكاظمة غداة قتلت عمرا فلما ظن أن النصح غش ... وخال مقالتي زورا وهجرا مشى ومشيت من أسدين راما ... مراما كان إذ طلباه وعرا سللت له السام فخلت أني ... شققت به لدى الظلماء فجرا وأطلقت المهند من يميني ... فقد له من الأضلاع عشرا فخر مضرجا بدم كأني ... هدمت به بناء مشمخرا بضربة فيصل تركته شفعا ... لدي وقبلها قد كان وترا وقلت له يعز علي أني ... قتلت مناسبي جلدا وقهرا

صفة النفس لابن سيناء الرئيس

ولكن رمت أمرا لم يرمه ... سواك فلم أطق يا ليث صبرا فلا تجزع فقد لاقيت حرا ... يحاذر أن يعاب فمت حرا صفة النفس لابن سيناء الرئيس هبطت إليك من المحل الأرفع ... ورقاء ذات تعزز وتمنع محجوبة عن كل مقلة عارف ... وهي التي سفرت ولم تتبرقع وصلت على كره إليك وربما ... كرهت فراقك فهي ذات توجع أنفت وما سكنت فلما استأنست ... ألفت مجاورة الخراب البلقع وأظنها نسيت عهودا بالحمى ... ومنازلا بفراقها لم تقنع حتى إذا اتصلت بهاء هبوطها ... من ميم مركزها بدار الأرجع علقت بها ثاء الثقيل فأصبحت ... بين المعالم والطلول الخضع تبكي وقد ذكرت عهودا بالحمى ... بمدامع تهمي ولما تقلع وتظل ساجعة على الدمن التي درست بتكرار الرياح الأربع إذ عاقها الشرك الكثيف وصدها ... قفص عن الأوج الفسيح الأربع حتى إذا قرب المسير إلى الحمى ... ودنا الرحيل إلى الفضاء الأوسع وعدت مفارقة لكل مخلف ... فيها حليف الترب غير مسيع هجعت وقد كشف الغطاء فأبصرت ... ما ليس يدرك بالعيون الهجع وبدت تغرد فوق ذروة شاهق ... والعلم يرفع كل من لم يرفع فلأي شيء أهبطت من شامخ ... سام إلى قعر الحضيض الأوضع إن كان أهبطها الإله لحمة ... طويت عن الفذ اللبيب الأروع

قال علي بن محمد الأيادي يصف أسطول القائم فأجاد ما أراد

فهبوطها إن كان ضربة لازب ... لتكون سامعة لما لم يسمع وتكون عالمة بكل حقيقة ... في العالمين وخرقها لم يرفع وهي التي قطع الزمان طريقها ... حتى لقد غربت بغير المطلع فكأنها برق تألق بالحمى ... ثم انطوى فكأنه لم يلمع قال علي بن محمد الأيادي يصف أسطول القائم فأجاد ما أراد إعجب لأسطول الإمام محمد ... ولحسنه وزمانه المستغرب لبست به الأمواج أحسن منظر ... يبدو لعين الناظر المستعجب من كل مشرقة على ما قابلت ... إشراف صدر الأجدل المتنصب دهماء قد لبست ثياب تصنع ... تسبي العقول على ثياب ترهب من كل أبيض في الهواء منشر ... منها وأسحم في الخليج مغيب كمراءة في البر يقطع سيرها ... في البحر أنفاس الرياح الشذب محفوفة بمجادف مصفوفة ... في الجانبين دوين صلب صلب كقوادم النسر المرفرف عريت ... من كاسيات رياشه المتهدب وتحثها أيدي الرجال إذا ونت ... بمصعد منه بعيد مصوب خرقاء تذهب إن يد لم تهدها ... في كل أوب للرياح ومذهب جوفاء تحمل كوكبا في جوفها ... يوم الرهان وتستقل بمركب ولها جناح يستعار بطيرها ... طوع الرياح وراحة المتطرب يعلو بها حدب العباب مطارة ... في كل لج زاخر مغلولب تنصاع من كثب كما نفر القطا ... طورا وتجتمع اجتماع الربرب

قال أبو فراس الحمداني يصف قتال سيف الدولة لأهل قنسرين وقبائل العرب

ولواحق مثل الأهلة جنح ... لحق المطالب فائتات المهرب يذهبن فيما بينهن لطافة ... ويجئن فعل الطائر المتغلب وعلى كواكبها أسود خلافة ... تختال في عدد السلاح المرهب فكأنما البحر استعار بزيهم ... ثوب الجمال من الربيع المذهب قال أبو فراس الحمداني يصف قتال سيف الدولة لأهل قنسرين وقبائل العرب ولما سار سيف الدين سرنا ... كما هيجت آسادا غضابا أسنته إذا لاقى طعانا ... صوارمه إذا لاقى ضرابا دعانا والأسنة مشرعات ... فكنا عند دعوته الجوابا صنائع فاق صانعها ففاقت ... وغرس طاب غارسه فطابا وكنا كالسهام إذا أصابت ... مراميها فراميها أصابا فلما اشتدت الهيجاء كنا ... أشد مخالباً وأحد نابا وأمنع جانبا وأعز جارا ... وأوفى ذمة وأقل عابا سقينا بالرماح بني قشير ... ببطن العنتر السم المذابا وسرنا بالخيول إلى نمير ... تجاذبنا أعنتها جذابا ولما أيقنوا أن لا غياث ... دعوه للمغوثة فاستجابا وعاد إلى الجميل لهم فعادوا ... وقد مدوا لما يهوى الرقابا أمر عليهم خوفا وأمنا ... أذقهم به أزيا وصابا أحلهم الجزيرة بعد يأس ... أخو حلم إذا ملك العقابا ديارهم انتزعناها اقتسارا ... وأرضهم اغتصبناها اغتصابا

لابن طباطبا الحسيني في وصف الليل

ولو رمنا حميناها البوادي ... كما تحمي أسود الغاب غابا إذا ما أرسل الأمراء جيشا ... إلى الأعداء أرسلنا الكتابا أنا ابن الضاربين الهام قدما ... إذا كره المحامون الضرابا ألم تعلم ومثلك قال حقا ... باني كنت أثقبها شهابا لابن طباطبا الحسيني في وصف الليل وتنوفة مد الضمير قطعتها ... والليل فوق إكامها يتربع ليل يمد دجاه دون صباحه ... آمال ذي الحرص الذي لا يقنع باتت كواكبه تحوط بقاءه ... في كل أفق منه نجم يلمع زهر يثير على الصباح طلائعاً ... حول المساء فهن حسرى ضلع ومتيقظات في المسير كأنها ... باتت تناجي بالذي يتوقع والصبح يرقب من دجاه غرة ... متضائل من سحقه يتطلع متنفسا فيه جنانا واهنا ... في كل لحظة ساعة يتشجع حتى انزوى الليل البهيم لضوئه ... وقد استجاب ظلامه يتقشع وبدت كواكبه حيارى فيه لا ... تدري بوشل ريالها ما تصنع متهادلات النور في آفاقها ... مستعبرات في الدجى تسترجع وكواكب الجوزاء تبسط باعها ... لتعانق الظلماء وهي تودع وكأنها في الجو نعش أخ ولا ... يبكي ويوقف تارة ويشيع وكأنما الشعرى العبور وراءها ... ثكلى لها دمع غزير يهمع وبنات نعش قد برزن حواسر ... قدامها أخواتهن الأربع

للربيع بن زياد العبسي في وصف حرب

عبرى هتكن قناعهن على الدجى ... جزعا وآلت بعد لا تتقنع وكأن أفقا من تلألؤ نجمه ... عند افتقاد الليل عيني تدمع والفجر في صوف الهواء مورد ... مثل المدامة في الزجاج تشعشع يا ليل ما لك لا تغيب كواكبا ... زفراتها وجدا عليك تقطع لو أن لي بضياء صبحك طاقة ... يا ليل كنت أوده لا يسطع حذرا عليك ولو قدرت بحيلتي ... جرعته الغصص التي تتجرع يا صبح هاك شبيبتي فافتك بها ... ودع الدجى بسواده يتمتع أفقدتني أنسي بأنجمها التي ... أصبحت من فقدي لها أتوجع للربيع بن زياد العبسي في وصف حرب قيدت لهم فيلق شهباء كالحة ... بالموت تسري وبالأبطال تقتسر صريف أنيابها صوت الحديد إذا ... فض الحديد بها أبناؤها الوقر ودرها الموت يقوى في مخالبها ... للواردين يوافي وردها الصدر في جوها البيض والماذي مختلط ... والجرد والمرد والخيطة السمر حتى إذا وجهتها وهي كالحة ... شوهاء منها حمام الموت ينتظر جاءت بكل كمي معلم ذكر ... في كفه ذكر يسعى به ذكر مستوردين الوغى للموت ردهم ... يوم الحفاظ على روادهم عسر لهم سرابيل من ماء الحديد ومن ... نضح الدماء سرابيل لهم أخر مظاهرات عليهم يوم بأسهم ... لونان جون وأخرى فوقهم حمر في يوم حتف يهال الناظرون له ... ما إن تبين لهم شمس ولا قمر

لصفي الدين الحلي في وصف صيد الكراكي عند قدومها من البطائح ورحيلها إلى الجبال في

فالبيض يهتفن والأبصار خاشعة ... مما ترى وخدود القوم تنعفر نكسوهم مرهفات غير مجدبة ... يشفي اختراط ظباها من به صعر هندية كاشتعال النار تقصمهم ... بها مغاوير عن أحسابهم غير لصفي الدين الحلي في وصف صيد الكراكي عند قدومها من البطائح ورحيلها إلى الجبال في فصل الربيع أهلا بها قوادماً رواحلاً ... تطوي الفلا وتقطع المراحلا تذكرت آكام دربنداتها ... وعافت الآجام والسواحلا أذكرها عرف الربيع إلفها ... فأقبلت لشوقها حواملا تقرق في الجو بصوت مطرب ... يشوق من كان إليها مائلا لما رأت حر الصيف مقبلا ... وطيب برد القر ظلا زائلا أهملت التخبيط في مطارها ... وعسكرت لسيرها قوافلا تنهض من صرح الجليل تحتها ... بأرجل لبرده قوابلا قد أنفت أيام كانون لها ... من أن ترى من الحلى عواطلا فضاعفت الطل لها قلائدا ... والثلج في أرجلها خلاخلا لما دعاني صاحبي لبرزة ... ونبه الزميل والمقاولا أجبته مستبشرا بقصدها ... نبهتم ليث عرين باسلا ثم برزنا نقتفي آثاره ... ونقصد الأملاق والمنهلا والصبح قد أعمنا بنوره ... لما انثنى جنح الظلام راحلا وقد أقمنا في المقامات لها ... معالما تحسبها مجاهلا

ولصفي الدين الحلي في صفة الشمع

نرشقها من تحتها ببندق ... يعرج كالشهب إليها واصلا فما رقي تحت الطيور صاعد ... إلا اغتدى بها البلاء نازلا لله أيام بهور بابل ... أضحى بها الدهر علينا باخلا فكم قضينا فيه شملا جامعا ... وكم صحبنا فيه جمعا شاملا ولصفي الدين الحلي في صفة الشمع جلت الظلماء باللهب ... إذ بدت في الليل كالشهب فانجلت في تاجها فجلت ... ظلم الأحزان والكرب سفرت كالشمس ضاحكة ... من تواري الشمس في الحجب ما رأينا قبل منظهرا ضاحكا في زي منتحب كيف لا تحلو ضرائبها ... وبها ضرب من الضرب خلتها والليل معتكر ... ونجوم الأفق لم تغب قضبا من فضة غرست ... فوق كثبان من الذهب أو يواقيتا منضدة ... بين أيدينا على قضب أو رماحا في العدى طعنت ... فغدت محمرة العذب أو سهاما نصلها ذهب ... لسوى الظلماء لم تصب أو أعالي حمر ألوية ... نشرت في جحفل لجب أو شواظا للقرى رفعت ... تتراءى في ذرى كثب أو لظى نار الحباحب قد ... لمعت للعين عن لبب أو عيون الأسد موصدة ... في ذرى غاب من القصب

وصف القيل لأبي الحسن الجوهري

أو شفيق الروض منتظما ... فوق مجدول من القصب أو ذرى نيلوفر رفعت ... فوق قضبان من الغرب وصف القيل لأبي الحسن الجوهري فيل كرضوى حين يل ... بس من رقاق الغيم بردا مثل الغمامة ملئت ... أكنافها برقا ورعدا رأس كقلة شاهق ... كسيت من الخيلاء جلدا فتراه من فرط الدلا ... ل مصعرا للناس خدا يزهى بخرطوم مث ... ل الصولجان يرد ردا يسطو بساريتي لجب ... ن يحطمان الصخر هدا أذناه مروحتان أس ... ندتا إلى الفودين عقدا عيناه غائرتان ضي ... قتا لجمع الضوء عمدا فك كفوهة الخلي ... ج يلوك طول الدهر حقدا تلقاه من بعد فتحسبه غماماً قد تبدى متنا كبنيان الخور ... نق مائلا في الدهر كدا ردفا كدكة عنبر ... متمايل الأوراك نهدا ذنبا كمثل السوط يضرب حوله ساقا وزندا يخطو على أمثال أعمدة الخباء إذا تصدى أو مثل أميال نضد ... ن من الصخور الصم نضدا متوردا حوض المن ... ية حيث لا يشتاق وردا

وصف الكرمة للطغرائي

متملكا فكأنه ... متطلبٌ ما لا يؤدى متلفعا بالكبريا ... ء كأنه ملك مفدى أدنى إلى الشيء البعي ... د يراد من وهم وأهدى أذكى من الإنسان حتى لو رأى خللا لسدا وصف الكرمة للطغرائي وكرمة أعراقها في الثرى ... بعيدة المنزع والمضرب كريمة تلتف أغصانها م الغضة بالأقرب فالأقرب يمتاح من قعر الثرى ريها ... أشطانها عفوا ولم تجدب ألقحها الريح وصوب الحيا ... والشمس في المشرق والمغرب فأعقبت حاملها بعد ما ... عاشت رمانا وهي لم تعقب ووضعتها بحمى ينتمي ... إلى أب أكرم به من أب وألحفتها خضر أوراقها ... معذوبة بالحلب الأعذب وبدلت خضر عناقيدها ... بأدهم النجوم والأشهب فاستسلفت ماء وجاءت به ... مدامة كالقبس الملهب ولم تزل بالرفق حتى اكتسى ... لجينها من صنعها المذهب فالأشقر المنسوج من نسلها ... سليل ذاك الأشهب المنجب ترى الثريا من عناقيدها ... تلوح في أخضر كالغيهب ألوانها شتى وأنواعها ... مثقفات النجر والمنصب كم سبج فيه وكم جزعة ... صحيحة التدوير لم تثقب

زهرية الفقيه أبي الحسن بن زنباع

من حالك اللون كجنح الدجى ... وناصع يلمع كالكوكب أطيب بها حلا ومحظورة ... في كرمها وكأسها الأطيب زهرية الفقيه أبي الحسن بن زنباع أبدت لنا الأيام زهرة طيبها ... وتسربلت بنضيرها وقشيبها واهتز عطف الأرض بعد خشوعها ... وبدت بها النعماء بعد شحوبها وتطلعت في عنفوان شبابها ... من بعد ما بلغت عتي مشيبها وقفت عليها السحب وقفة راحم ... فبكت لها بعيونها وقلوبها فعجبت للأزهار كيف تضاحكت ... ببكائها وتبشرت بقطوبها وتسربلت حللا تجر ذيولها ... من لدمها فيها وشق جيوبها فلقد أجاد المزن في إنجادها ... وأجاد حر الشمس في ترتيبها ما أنصف الخيري يمنع طيبه ... لحضورها ويبيحه لمغيبها وهي التي قامت عليه بدفئها ... وتعاهدته بدرها وحليبها فكأنه فرض عليه موقت ... ووجوبه متعلق بوجوبها وعلى سماء الياسمين كواكب ... أبدت ذكاء العجز عن تغييبها زهر توقد ليلها ونهارها ... وتفوت شأو خسوفها وغروبها فتأرجت أرجاؤها بهبوبها ... وتعانقت أزهارها بنكوبها وتصوبت فيها فروع جداول ... تتصاعد الأبصار في تصويبها تطفو وترسب في أصول ثمارها ... والحسن بين طفوها ورسوبها أو ما ترى الأزهار ما من زهرة ... إلا وقد ركبت فقار قضيبها

قال ابن حمديس الصقلي يصف دارا بناها المنصور بن أعلى ببجاية

والطير قد خفقت على أفنانها ... تلقي فنون الشدو في أسلوبها تشدو وتهتز الغصون كأنما ... حركاتها رقص على تطريبها قال ابن حمديس الصقلي يصف دارا بناها المنصور بن أعلى ببجاية أعمر بقصر الملك ناديك الذي ... أضحى بمجدك بيته معمورا قصر لو أنك قد كحلت بنوره ... أعمى لعاد إلى المقام بصيرا واشتق من معنى الجنان نسيمه ... فيكاد يحدث بالعظام نشورا نسي الصبيح مع الفصيح بذكره ... وسما ففاق خورنقا وسديرا أبصرته فرأيت أبدع منظر ... ثم انثنيت بناظري محسورا فظننت أني حالم في جنة ... لما رأيت الملك فيه كبيرا لو أن بالإيوان قوبل حسنه ... ما كان شيئا عنده مذكورا أعيت مصانعه على الفرس الألى ... رفعوا البناء وأحكموا التدبيرا ومضت على الروم الدهور وما بنوا ... لملوكهم شهبا له ونظيرا أذكرتنا الفردوس حين أريتنا ... غرفا رفعت بناءها وقصورا ومحصب بالدر تحسب تربه ... مسكا تضوع نشره وعبيرا تستخلف الأبصار منه إذا أتى ... صبحا على غسق الظلام منيرا ثم ذكر بركة فيه عليها أشجار من ذهب وفضة ترمي فروعها المياه. ثم تفنن وذكر أسودا على حافاتها قاذفة بالمياه أيضا فقال: وضراغم سكنت عرين رئاسة ... تركت خرير الماء فيه زئيرا فكأنما غشى النضار جسومها ... وأذاب في أفواهها البلورا

أسد كأن سكونها متحرك ... في النفس لو وجدت هناك مثيرا وتذكرت فتكاتها فكأنما ... أقعت على أدبارها لتثورا وتخالها والشمس تجلو لونها ... نارا وألسنها اللواحس نورا فكأنما سلت سيوف جداول ... ذابت بلا نار فعدن غديرا وكأنما نسج النسيم لمائه ... درعا فقدر سردها تقديرا وبديعة الثمرات تعبر نحوها ... عيناي بحر عجائب مسجورا شجرية ذهبية نزعت إلى ... سحر يؤثر في النهى تأثيرا قد صوبحت أغصانها فكأنما قبضت بهن من الفضاء طيورا وكأنما تأبى لوقع طيرها ... أن تستقل بنهضها وتطيرا من كل واقعة ترى منقارها ... ماء كسلسال اللجين نميرا خرس تعد من الفصاح فإن شدت ... جعلت تغرد بالمياه صفيرا وكأنما في كل غصن فضة ... لانت فأرسل خيطها مجروها وتريك في الصهريج موقع قطرها ... فوق الزبرجد لؤلوءا منثورا ضحكت محاسنه إليك كأنما ... جعلت لها زهر النجوم ثغورا ومصفح الأبواب تبرا نظروا ... بالنقش فوق شكوله تنظيرا وإذا نظرت إلى غرائب سقفه ... أبصرت روضا في السماء نضيرا وضعت به صناعها أقلامها ... فأرتك كل طريدة تصويرا وكأنما للشمس فيه ليقةٌ ... مشقوا بها التزويق والتشجيرا وكأنما اللازرد فيه مخرم ... بالخط في ورق المساء سطورا

الباب السابع في الشعر القديم

الباب السابع في الشعر القديم نخب من المعلقات نخبة من معلقة امرئ القيس بن حجر الكندي وليل كموج البحر أرخى سدوله ... علي بأنواع الهوم ليبتلي فقلت له لما تمطى بصلبه ... وأردف أعجازا وناء بكلكل ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي ... بصبح وما الإصباح منك بأمثل فيا لك من ليل كأن نجومه ... بأمراس كتان إلى صمم جندل وقد أغتدي والطير في وكناتها ... بمنجرد قيد الأوابد هيكل مكر مفر مقبل مدبر معا ... كجلمود صخر حطه السير من عل كميت يزل اللبد عن حال متنه ... كما زلت الصفواء بالمتنزل على الذبل جياش كأن اهتزامه ... إذا جاش فيه حميه غلي مرجل مسح إذا ما السابحات على الونى ... أثرن غبارا بالكديد المركل يزل الغلام الخف عن صهواته ... ويلوي بأثواب العنيف المثقل درير كخذروف الوليد أمره ... تتابع كفيه بخيط موصل له أيطلا ظبي وساق نعامة ... وإرخاء سرحان وتقريب تتفل فعن لنا سرب كأن نعاجه ... عذارى دوار في ملاء مذيل فألحقنا بالهاديات ودونه ... جواحرها في صرة لم تزيل

نخبة من معلقة طرفة بن العبد البكري

فعادى عداء بين ثور ونعجة ... دراكا ولم ينضح بماء فيغسل فظل طهاة اللحم من بين منضج ... صفيف شواء أو قدير معجل ورحنا يكاد الطرف يقصر دونه ... متى ما ترق العين فيه تسهل فبات عليه سرجه ولجامه ... وبات بعيني قائما غير مرسل أصاح ترى برقا أريك وميضه ... كلمع اليدين في حبي مكلل يضيء سناه أو مصابيح راهب ... أمال سليطا بالذبال المفتل قعدت له وصحبتي بين ضارج ... وبين العذيب بعد ما متأملي على قطن بالشيم أيمن صوبه ... وأيسره على الستار فيذبل فأضحى يسح الماء فوق كتفيه ... يكب على الأذقان دوح الكنهبل ومر على القنان من نفيانه ... فأنزل منه العصم من كل منزل وتيماء لم يترك بها جذع نخلة ... ولا أطما إلا مشيدا بجندل نخبة من معلقة طرفة بن العبد البكري أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه ... خشاش كرأس الحية المتوقد وآليت لا ينفك كشحي بطانة ... لغضب رقيق الشفرتين مهند حسام إذا ما قمت منتصرا به ... كفى العود منه البدء ليس بمعضد أخي ثقة لا ينثني عن ضريبة ... إذا قيل مهلا قال حاجزه قدي إذا ابتدر القوم السلاح وجدتني ... منيعا إذا بلت بقائمة يدي وبرك هجود قد أثارت مخافتي ... بواديها أمشي بغضب مجرد فمرت كهاة ذات خفيف جلالة ... عقيلة شيخ كالوبيل يلندد

نخبة من معلقة زهير أبي سلمى المزني

يقول وقد تر الوظيف وساقها=ألست ترى أن قد أتيت بمؤيد وقال إلا ماذا ترون بشارب ... شديد علينا بغيه متعمد فقال ذروه إنما نفعها له ... وإلا تكفوا قاصي البرك يزدد فظل الإماء يمتللن حوارها ... وتسعى علينا بالسديف المسرهد فإن مت فانعيني بما أنا أهله ... وشقي علي الجيب يا ابنة معبد ولا تجعليني كامرئ ليس همه ... كهمي ولا يغني غنائي ومشهدي بطيء عن الجلى سريع إلى الخنا ... ذلول بأجماع الرجال ملهد فلو كنت وغلافي الرجال لضرني ... عداوة ذي الأصحاب والمتوحد ولكن نفى عني الرجال جراءتي ... عليهم وإقدامي وصدقي ومحتدي لعمرك ما أمري علي بغمة ... نهاري ولا ليلي علي بسرمد ويوم حبست النفس عند عراكها ... حفاظا على عوراته والتهدد على موطن يخشى الفتى عنده الردى ... متى تعترك فيه الفرائص ترعد وأصفر مضبوح نظرت حوازه ... على النار واستودعته كف مجمد ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ... ويأتيك بالأخبار من لم تزود ويأتيك بالأخبار من لم تبع له ... بتاتا ولم تضرب له وقت موعد نخبة من معلقة زهير أبي سلمى المزني فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله ... رجال بنوه من قريش وجرهم يمينا لنعم السيدان وجدتما ... على كل حال من سحيل ومبرم سعى الله ساعيا غيظ بن مرة بعدما ... تبزل ما بين العشيرة بالدم

تدار كتما عبسا وذبيان بعدما ... تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم وقد قلتما إن ندرك السلم واسعا ... بمال ومعروف من القول نسلم فأصبحتما منها على خير موطن ... بعيدين فيها من عقوق ومأثم عظيمين في عليا معد هديتما ... ومن يستبح كنزا من المجد يعظم تعفى الكلوم بالمئين فأصبحت ... ينجمها من ليس فيها بمجرم فأصبح يجري فيهم من تلاكم ... مغانم شتى من إفال مزنم إلا أبلغ الأحلاف عني رسالة ... وبيان هل أقسمتم كل مقسم فلا تكتمن الله ما في صدوركم ... ليخفي ومهما يكتم الله يعلم يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر ... ليوم الحساب أو يعجل فينقم وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم ... وما هو عنها بالحديث المرجم متى تبعثوها تبعثوها ذميمة ... وتضر إذا ضريتموها فتضرم فتعرككم عرك الرحى بثقالها ... وتلقح كشافا ثم تنتج فتتئم فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم ... كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم فتغلل لكم ما لا تغل لأهلها ... قرى بالعراق من قفيز ودرهم رعوا ظمأهم حتى إذا تم أوردوا ... غمارا تفرى بالسلاح وبالدم فقضموا منايا بينهم ثم أصدروا ... إلى كلأ مستوبل متوخم لعمرك ما جرت عليهم رماحهم ... دم ابن نهيك أو قتيل المثلم ولا شاركت في الموت في دم نوقل ... ولا وهب منها ولا ابن المخزم

فكلا أراهم أصبحة يعقلونه=صحيحات مال طالعات بمخرم لحي حلال يعصم الناس أمرهم ... إذا طرقت إحدى الليالي بمعظم كرام فلاذوا الضغن يدرك تبله ... لديهم ولا الجاني عليهم بمسلم سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ... ثمانين حولا لا أبا لك يسأم وأعلم ما في اليوم والأمس قبله ... ولكنني عن علم ما في غد عم رأيت المنايا خبط عشواء من تصب ... تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم ومن لا يصانع في أمور كثيرة ... يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم ومن يجعل المعروف من دون عرضه ... يفره ومن لا يتق الشتم يشتم ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله ... على قومه يستغن عنه ويذمم ومن يوف لا يذمم ومن يهد قبله ... إلى مطمئن البر لا يتجمجم ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ... وإن يرق أسباب السماء بسلم ومن يجعل المعروف في غير أهله ... يكن حمده ذماً عليه ويندم ومن يعص أطراف الزجاج فإنه ... يطيع العوالي ركبت كل لهذم ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه ... يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم ومن يغترب يحسب عدوا صديقه ... ومن لا يكرم نفسه لا يكرم ومن لم يزل يسترحل الناس نفسه ... ولا يعفها يوما من الذل يندم ومهما تكن عند امرئ من خليقة ... وإن خالها تخفى على الناس تعلم وكأين ترى من صامت لك معجب ... زيادته أو نقصه في التكلم لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... فلم يبق إلا صورة اللحم والدم

نخبة من معلقة لبيد بن ربيعة العامري

وإن سفاه الشيخ لا حلم بعده ... وإن الفتى بعد السفاهة يحلم سألنا فأعطيتم وعدنا وعدتم ... ومن أكثر التسآل يوما سيحرم نخبة من معلقة لبيد بن ربيعة العامري اقطع لبانة من تعرض وصله ... ولخير واصل خلة صرامها بطليح أسفار تركن بقية ... منها فأحنق صلبها وسنامها وإذا تغالى لحمها وتحسرت ... وتقطعت بعد الكلال خدامها فلها هباب في الزمام كأنها صهباء خف مع الجنوب جهامها أفتلك أم وحشية مسبوعة ... خذلت وهادية الصوار قوامها خنساء ضيعت الفرير فلم ترم ... عرض الشقائق طوفها وبغامها لمعفر قهد تنازع شلوه ... غبس كواسب لا يمن طعامها صادفن منها غرة فأصبنها ... إن المنايا لا تطيش سهامها باتت وأسبل واكف من ديمة ... تروي الخمائل دائما تسجامها تجتاف أصلا قالصا متنبذا ... بعجوب أنقاء يميل هيامها يعلو طريقة متنها متواتر ... في ليلة كفر النجوم غمامها وتضيء في وجه الظلام منيرة ... كجمانة البحري سل نظامها حتى إذا انحسر الظلام وأسفرت ... بكرت تزل عن الثرى أزلامها علهت تردد في نهاء صعائد ... سبعا تؤاما كاملا أيامها حتى إذا يئست وأسحق حالق ... لم يبله إرضاعها وفطامها وتسمعت زر الأنيس فراعها ... عن ظهر غيب والأنيس سقامها

فغدت كلا الفرجين تحسب أنه ... مولى المخافة خلفها وأمامها حتى إذا يئس الرماة وأرسلوا ... غضفا دواجن قافلا أعصامها فلحقن واعتكرت لها مدرية ... كالسمهرية حدها وتمامها لتذودهن وأيقنت إن لم تذد ... أن قد أحم من الحتوف حمامها فتقصدت منها كساب فضرجت ... بدم وغودر في المكر سخامها فبتلك إذ رقص اللوامع بالضحى ... واجتاب أردية السراب إكامها أقضى اللبانة لا أفرط ريبة ... أو أن يلوم بحاجة لوامها وغداة ريح قد وزعت قرة ... قد أصبحت بيد الشمال زمامها ولقد حميت الحي تحمل شكتي ... فرط وشاحي إذ غدوت لجامها فعلوت مرتقبا على ذي هبوة ... حرج إلى أعلامهن فتامها حتى إذا ألقت يدا في كافر ... وأجن عورات الثغور ظلامها أسهلت وانتصب كجذع منيفة ... جرداء يحصر دونها جرامها رفعتها طرد النعام وفوقه ... حتى إذا سحنت وخف عظامها قلقت رحالتها وأسبل نحرها ... وابتل من زبد الحميم حزامها ترقى وتطعن في العنان وتنتحي ... ورد الحمامة إذ أجد حمامها وكثيرة غرباؤها مجهولة ... ترجى نوافلها ويخشى ذامها غلب تشذر بالذخول كأنها ... جن البدي رواسيا أقدامها أنكرت باطلها وبؤت بحقها ... عندي ولم يفخر علي كرامها وجزور أيسار دعوت لحتفها ... بمغالق متشابه أجسامها

نخبة من معلقة عمرو بن كلثوم التغلبي

أدعو بهن لعاقر أو مطفل ... بذلت لجيران الجميع لحامها فالضيف والجار الجنيب كأنما ... هبطا تبالة مخصبا أهضامها تأوي إلى الأطناب كل رذية ... مثل البلية قالص أهدامها ويكللون إذا الرياح تناوحت ... خلجا تمد شوارعا أيتامها إنا إذا التقت المجامع لم يزل ... منا لزاز عظيمة جشامها ومقسم يعطي العشيرة حقها ... ومغذمر لحقوقها هضامها فضلا وذو كرم يعين على الندى ... سمح كسوب رغائب غنامها من معشر سنت لهم آباؤهم ... ولكل قوم سنة وإمامها إن يفزعوا تلق المغافر عندهم ... والسن تلمع كالكواكب لامها لا يطبعون ولا تبور فعالهم ... إذ لا تميل مع الهوى أحلامها فاقنع بما قسم المليك فإنما ... قسم الخلائف بيننا علامها وإذا الأمانة قسمت في معشر ... أوفى بأوفر حظنا قسامها فبنى لنا بيتا رفيعا سمكه ... فسما إليه كهلها وغلامها فهم السعاة إذا العشيرة أفظعت ... وهم فوارسها وهم حكامها وهم ربيع للمجاور فيهم ... والمرملات إذا تطاول عامها وهم العشيرة أن يبطئ حاسد ... أو أن يميل مع العدو لئامها نخبة من معلقة عمرو بن كلثوم التغلبي أبا هند فلا تعجل علينا ... وأنظرنا نخبرك اليقينا بأنا نورد الرايات بيضا ... ونصدرهن حمرا قد روينا

وأيام لنا غر طوال ... عصينا الملك فيها أن ندينا وسيد معشر قد توجوه ... بتاج الملك يحمي الحجرينا تركنا الخيل عاكفة عليه ... مقلدة أعنتها صفونا وأنزلنا البيوت بذي طلوح ... إلى الشامات ننفي الموعدينا وقد هرت كلاب الحي منا ... وشذبنا قتادة من يلينا متى تنقل إلى قوم رحانا ... يكونوا في اللقاء لها طحينا يكون ثفالها شرقي نجد ... ولهوتها قضاعة أجميعينا نزلتم منزل الأضياف منا ... فعجلنا القرى أن تشتمونا قريناكم فعجلنا قراكم ... قبيل الصبح مرداة طحونا نعم أناسنا ونعف عنهم ... ونحمل عنهم ما حملونا نطاعن ما تراخى الناس عنا ... ونضرب بالسيوف إذا غشينا بسمر من قنا الخطي لدن ... ذوابل أو ببيض يعتلينا كأن جماجم الأبطال فيها ... وسوق بالأماغر يرتمينا نشق بها رؤوس القوم شقا ... ونختلب الرقاب فيختلينا وإن الضغن بعد الضغن يفشو ... عليك ويخرج الداء الدفينا ونحن إذا عماد الحي خرت ... على الأحفاض نمنع من يلينا نجذ رؤوسهم في غير بر ... فما يدرون ماذا يتقونا كأن سيوفنا منا ومنهم ... ومخاريق بأيدي لاعبينا

كأن ثيابنا منا ومنهم خضبن بأرجوان أو طلينا إذا ما عي بالإسناف حي ... من الهول المشبه أن يكونا نصبنا مثل رهوة ذات حد ... محافظة وكنا السابقينا بشبان يرون القتل مجدا ... وشيب في الحروب مجربينا حديا الناس كلهم جميعا ... مقارعة بينهم عن بنينا فأما يوم خشينا عليهم ... فتصبح خيلنا عصبا ثبينا وأما يوم لا نخشى عليهم ... فنمعن غارة متلببينا برأس من بني جشم بن بكر ... ندق به السهولة والحزونا ألا لا يعلم الأقوام أنا ... تضعضعنا وأنا قد ونينا ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا بأي مشية عمرو بن هند ... نكون لقيلكم فينا قطينا بأي مشية عمرو بن هند ... تطيع بنا الوشاة وتزدرينا تهددنا وتوعدنا رويدا ... متى كنا لمك مقتوينا فإن قناتنا يا عمرو أعيت ... على الأعداء قبلك أن تلينا إذا عض الثقاف بها اشمأزت ... وولته عشوزنة زبونا فهل حدثت في جشم بن بكر ... بنقص في خطوب الأولينا ورثنا مجد علقمة بن سيف ... أباح لنا حصون المجد دينا ورثت مهلهلا والخير منه ... زهير نعم ذخر الذاخرينا

وعتابا وكلثوما جميعا ... بهم نلنا تراث الأكرمينا وذا البرة الذي حدث عنه ... به نحمى ونحمي الملتجينا ومنا قبله الساعي كليب ... فأي المجد إلا قد ولينا متى نعقد قرينتنا بحبل ... تجد الحبل أو تقص القرينا ونوجد نحن أمنعهم ذمارا ... وأوفاهم إذا عقدوا يمينا ونحن غداة أوقد في خزازى ... رفدنا فوق رفد الرافدينا وكنا الأيمنين إذا التقينا ... وكان الأيسرين بنو أبينا فصالوا صولة فيمن يليهم ... وصلنا صولة فيمن يلينا فآبوا بالنهاب وبالسبايا ... وأبنا بالملوك مصفدينا إليكم يا بني بكر إليكم ... ألما تعرفوا منا اليقينا ألما تعلموا منا ومنكم ... كتائب يطعن ويرتمينا علينا البيض واليلب اليماني ... وأسياف يقمن وينحنينا علينا كل سابغة دلاصٍ ... ترى فوق النطاق لها غضونا إذا وضعت عن الأبطال يوما ... رأيت لها جلود القوم جونا كأن غضونهن متون غدر ... تصفقها الرياح إذا جرينا وتحملنا غداة الروع جرد ... عرفن لنا نقائذ وافتلينا وردن دوارعا وخرجن شعثا ... كأمثال الرصائع قد بلينا ورثناهن عن آباء صدق ... ونورثها إذا متنا بينينا على آثارنا بيض حسان ... نحاذر أن تقسم أو تهونا

ظعائن من بني جشم بن بكر ... خلطن بميسم حسبا ودينا يقتن جيادنا ويقلن لستم ... بعولتنا إذا مل تمنعونا أخذن على بعولتهن عهدا ... إذا لاقوا كتائب معلمينا ليستلبن أفراسا وبيضا ... وأسرى في الحديد مقرنينا ترانا بارزين وكل حي ... قد اتخذوا مخافتنا قرينا وإنا العاصمون بكل كحل ... وإنا الباذلون لمجتدينا وإنا المانعون لمن يلينا ... إذا ما البيض فارقت الجفونا كأنا والسيوف مسللات ... ولدنا الناس طرا أجمعينا يدهدهن الرؤس كما يدهدي ... حزاورة بأبطحها الكرينا وقد علم القبائل من معد ... إذا قبب بأبطحابنينا بأنا الطامعون إذا قدرنا ... وأنا المهلكون إذا ابتلينا وأنا المانعون لما أردنا ... وأنا النازلون بحيث شينا وأنا التاركون إذا سخطنا ... وأنا الآخذون إذا رضينا وأنا العاصمون إذا أطعنا ... وأنا العازمون إذا عصينا ونشرب إن وردنا الماء صفوا ... ويشرب غيرنا كدرا وطينا ألا أبلغ بني الطماح عنا ... ودعميا فكيف وجدتمونا إذا ما الملك سام الناس خسفا ... أبينا أن نقر الخسف فينا ملآنا البر حتى ضاق عنا ... وظهر البحر نملأه سفينا لنا الدنيا ومن أضحى عليها ... ونبطش حين نبطش قادرينا

نخبة من معلقة الحارث بن حلزة اليشكري

إذا بلغ الفطام لنا صبي ... تخر له الجبابر ساجدينا نخبة من معلقة الحارث بن حلزة اليشكري وأتانا من الحوادث والأن ... باء خطب نعنى به ونساء أن إخوننا الأراقم يغلو ... ن علينا في قيلهم وإحفاء يخلطون البري منا بذي الذن ... ب ولا ينفع الخلي الخلاء زعموا أن كل من ضرب العي ... ر موال لنا وأنا الولاء أجمعوا أمرهم عشاء فلما ... أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء من مناد ومن مجيب ومن تص ... هال خيل خلال ذاك رغاء أيا الناطق المرقش عنا ... عند عمرو وهل لذاك بقاء لا تخلنا على غراتك إنا ... قبلما قد وشى بنا الأعداء فبقينا على النشاءة تنمي ... نا حصون وعزة قعساء قبل ما اليوم بيضت بعيون النماس فيها تغيظ وإباء فكأن المنون تردي بنا أر ... عن جونا ينجاب عنه العماء مكفهرا على الحوادث لا تر ... توه للدهر مؤيد صماء إرمي بمثله جالت الخي ... ل وتأبى لخصمها الإجلاء ملك مقسط وأفضل من يم ... شي ومن دون ما لديه الثناء أيما خطة أردتم فأدو ... ها إلينا تسعى بها الأملاء إن نبشتم ما بني ملحة فالصا ... قب فيه الأموات والحياء أو نقشتم فالنقش يحشمه النا ... س وفيه الإسقام والإبراء

أو سكتم عنا فكنا كمن أغ ... مض عينا فيها جفنها الأقذاء أو منعتم ما تسألون فمن حدمثتموه له علينا العلاء هل علمتم أيام ينهب النا ... س غوارا لكل حي عواء إذا رفعنا الجمال من سعف البح ... رين سيرا حتى نهاها الحساء ثم ملنا على تميم فأحرم ... نا وفينا بنات قوم إماء لا يقيم العزيز بالبلد السه ... ل ولا ينفع الذليل النجاء ليس ينجي الذي يوائل منا ... رأس طود وحرة رجلاء ملك أضرع البرية لا يو ... جد فيها لما لديه كفاء كنكاليف قومنا إذ غزا المن ... ذر هل نحن لابن هند رعاء ما أصابوا من تغلبي فمطلو ... ل عليه إذا أصيب العفاء أيها الناطق المبلغ عنا ... عند عمرو وهل لذاك انتهاء من لنا عنده من الخير آيا ... ت ثلاث في كلهن القضاء آية شارق الشقيقة إذ جا ... ءت معد لكل حي لواء حول قيس مستلئمين بكبش ... قرظي كأنه عبلاء وصتيت من العواتك لا تن ... هاه إلا مبيضة رعلاء فرددناهم بطعن كما يخ ... رج من خربة المزاد الماء وحملناهم على حزم ثهلا ... ن شلالا ودمي النساء وجبهناهم بطعن كما تن ... هز في جمة الطوي الدلاء وفعلنا بهم كما علم الله وما إن للحائنين دماء

ثم حجرا أعني ابن أم قطام ... وله فارسية خضراء أسد في اللقاء ورد هموس ... وربيع إن شمرت غبراء وفككنا غل امرئ القي عنه ... بعدما طال حبسه والعناء ومع الجون جون آل بني الأو ... س عنود كأنها دفواء ما جزعنا تحت العجاجة إذ ولوا شلالا وإذا تلظى الصلاء وأقدناه رب غسان بالمن ... ذر كرها إذ لا تكال الدماء وأتيناهم بتسعة أملا ... ك كرام أسلابهم أغلاء وولدنا عمرو بن أم إياس ... من قريب لما أتانا الحباء مثلها تخرج النصيحة للقو ... م فلاة من دونها أفلاء فاتركوا الطيخ والتعدي وإما ... تتعاشوا ففي التعاشي الداء واذكروا حلف ذي المجاز وما قدم فيه العهود والكفلاء حذر الجور والتعدي وهل ين ... قض ما في المهارق الأهواء وأعلموا أننا وإياكم في ... ما اشترطنا يوم احتلفنا سواء عنناً باطلاً وظلماً كما تع ... تر عن حجرة الربيض الظباء أعلينا جناح كندة أن يغ ... نم غازيهم ومنا الجزاء أم علينا جرى إياد كما ني ... ط بجون المحمل الأعباء ليس منا المضربون ولا قي ... س ولا جندل ولا الحذاء وثمانون من تميم بأيدي ... هم رماح صدورهن القضاء

نخبة من معلقة عنتر بن شداد العبسي

تركوهم ملحبين وآبوا ... بنهاب يصم منها الحداء أم علينا جرى حنيفة أم ما ... جمعت من محارب غبراء أم علينا جرى قضاعة أو لي ... س علينا فيما جنوا أنداء ثم جاءوا يسترجعون فلم تر ... جع لهم شامة ولا زهراء لم يحلوا بني زراح ببرقا ... ء نطاع لهم عليهم دعاء ثم فاؤا منهم بقاصمة الظهر ولا يبرد الغليل الماء ثم خيل من بعد ذاك مع العملاق لا رأفة ولا إبقاء وهو الرب والشهيد على يو ... م الحيارين والبلاء بلاء نخبة من معلقة عنتر بن شداد العبسي هلا سألت الخيل يا ابنة مالك ... إن كنت جاهلة بما لم تعلمي إذا لا أزال على راحلة سابح ... نهد تعاوره الكماة مكلم طورا يجرد للطعان وتارة ... يأوي إلى حصد القسي عرمرم يخبرك من شهد الوقيعة أنني ... أغشى الوغى وأعف عند المغنم ومدجج كره الكماة نزاله ... لا ممعن هربا ولا مستسلم جادت يداي له بعاجل طعنة ... بمثقف صدق الكعوب مقوم فشككت بالرمح الأصم ثيابه ... ليس الكريم على القنا بمجرم فتركته جزر السباع ينشنه ... يقضمن حسن بنانه والمعصم مشك سابغة هتكت فروجها ... بالسيف عن حامي الحقيقة معلم ربذ يداه بالقداح إذا شتا ... هتاك غايات التجار ملوم

لما رآني قد نزلت أريده ... أبدى نواجذه بغير تبسم عهدي به مد النهار كأنما ... خضب البنان ورأسه العظلم فطعنته بالرمح ثم علوته ... بمهند صافي الحديدة مخدم بطل كأن ثيابه فس سرحة ... يحذى نعال السبت ليس بتوأم نبئت عمرا غير شاكر نعمتي ... والكفر مخبثة لنفس المنعم ولقد حفظت وصاة عمي بالضحى ... إذ تقلص الشفتان عن وضح الفم في حومة الحرب التي لا تشتكي ... غمراتها الأبطال غير تغمغم إذ يتقون بي الأسنة لم أخم ... عنها ولكني تضايق مقدمي لما رأيت القوم أقبل جمعهم ... يتذامرون كررت غير مذمم يدعون عنتر والرماح كأنها ... أشطان بئر في لبان الأدهم مازلت أرميهم بثغرة نحره ... ولبانه حتى تسربل بالدم فازور من وقع القنا بلبانه ... وشكا إلي بعبرة وتحمحم لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ... ولكان لو علم الكلام مكلمي ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها ... قيل الفوارس ويك عنتر أقدم والخيل تقتحم الخبار عوابسا ... من بين شيظمة وأجرد شيظم ذلل ركابي حيث شئت مشايعي ... لبي وأحفزه بأمر مبرم ولقد خشيت بأن أموت ولم تكن ... للحرب دائرة على ابني ضمضم الشاتمي عرضي ولم أشتمهما ... والناذرين إذا لم القهما دمي إن يفعلا فلقد تركت أباهما ... جزر السباع وكل نسر قشعم

لامية العرب

لامية العرب أقيموا بني أمي صدور مطيكم ... فإني إلى قوم سواكم لأميل فقد حمت الحاجات والليل مقمر ... وشدت لطيات مطايا وأرحل وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى ... وفيها لمن خاف القلى متعزل لعمرك ما بالأرض ضيق على امرئ سرى راغبا أو راهبا وهو يعقل ولي دونكم أهلون سيد عملس ... وأرقط زهلول وعرفاء جيأل وهم الأهل لا مستودع السر ذائع ... لديهم ولا الجاني بما جر يخذل ولك أبي باسل غير أنني ... إذا عرضت أولى الطرائد أبسل وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن ... بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل وما ذاك إلا بسطة عن تفضل ... عليهم وكان الأفضل المتفضل وإني كفاني فقد من ليس جازيا ... بحسني ولا في قربه متعلل ثلاثة أصحاب فؤاد مشيع ... وأبيض إصليت وصفراء عطيل إذا زل عنها السهم حنت كأنها ... مرزأة عجلى ترن وتعول ولست بمهياف يعشي سوامه ... مجدعة سقبانها وهي بهل ولا جباء أكهى مرب بعرسه ... يطالعها في شأنه كيف يفعل ولا خرق هيق كأن فؤاده ... يظل به المكاء يعلو ويسفل ولا خالف دارية متغزل ... يروح ويغدو داهنا يتكحل ولست بعل شره دون خيره ... ألف إذا ما رعته اهتاج أعزل

ولست بمحيار الظلام إذا انتحت ... هدى الهوجل العسيف يهماء هوجل إذا الأمعز الصوان لاقى مناسمي ... تطاير منه قادح ومفلل أديم مطال الجوع حتى أميته ... وأضرب عند الذكر صفحا فأذهل وأستف ترب الأرض كيلا يرى له ... علي من الطول امرؤ متطول ولولا اجتناب الذأم لم يلف مشرب ... يعاش به إلا لدي ومأكل ولكن نفسا مرة لا تقيم بي ... على الضيم إلا ريثما أتحول وأطوي على الخمص الحوايا كما انطوت ... خيوطة ماري تغاري وتفتل وأغدو على القوت الزهيد كما غدا ... أزل تهادله التنائف أطحل غدا طاويا يعارض الريح هافيا ... يخوت بأذناب الشعاب ويعسل فلما لواه القوت من حيث أمه ... دعا فأجابته نظائر نحل مهلهملة شيب الوجوه كأنها ... قداح بكفي ياسر تتقلقل أو الخشرم المبعوث حثحت دبره ... محا بيض أرداهن سام معسل مهرته فوه كأن شدوقها ... شقوق العصي كالحات وبسل فضج وضجت بالبراح كأنها ... وإياه نوح فوق علياء ثكل وأغضى وأغضت واتسى واتست به ... مراميل عزاها وعزته مرمل شكا وشكت ثم ارعوى بعد وارعوت ... وللصبر إن لم ينفع الشكو أجمل وفاء وفاءت بادرات وكلها ... على نكظ مما يكاتم مجمل وتشرب أسآري القطا الكدر بعدما ... سرت قربا أحناؤها تتصلصل هممت وهمت وابتدرنا وأسدلت ... وشمر مني فارط متمهل

فوليت عنها وهي تكبو لعقره ... يباشره منها ذقون وحوصل كأن وغاها حجرتيه وحوله ... أضاميم من سفر القبائل نزل توافين من شتى إليه فضمها ... كما ضم أذواج الأصاريم منهل فعبت غشاشا ثم مرت كأنها ... مع الصبح ركب من أحاظة مجفل وآلف وجه الأرض عند افتراشها ... بأهدأ تنبيه سناسن قحل وأعدل منحوضا كأن فصوصه ... كعاب دحاها لاعب فهي مثل فإن تبتئس بالشنفرى أم قسطل ... لما اغتبطت بالشنفرى قبل طول طريد جنايات تياسرن لحمه ... عقيرته لأيها حم أول تنام إذا ما نام يقظى عيونها ... حثاثا إلى مكروهه تتغلغل وإلف هموم ما تزال تعوده ... عيادا كحمى الربع أو هي أثقل إذا وردت أصدرتها ثم إنها ... تثوب فتأتي من تحيت ومن عل فإما تريني كابنة الرمل ضاحيا ... على رقة أحفى ولا أتنعل فإني لمولى الصبر أجتاب بزه ... على مثل قلب السمع والحزم أنعل وأعدم أحيانا وأغنى وإنما ... ينال الغنى ذو البعدة المتبذل فلا جزع من خلة متكشف ... ولا مرح تحت الغنى أتخيل ولا تزدهي الأجهال حلمي ولا أرى ... سؤولا بأعقاب الأقاويل أنمل وليلة نحس يصطلي القوس ربها ... وأقطعه اللاتي بها يتنبل دعست على غطش وبغش وصحبتي ... سعار وإرزيز ووجر وأفكل فأيمت نسوانا وأيتمت ولدة ... وعدت كما أبدأت والليل أليل

نخبة من لامية العجم للطغرائي*

وأصبح عني بالغميضاء جالسا ... فريقان مسؤل وآخر يسأل فقالوا لقد هرت بليل كلابنا ... فقلنا أذئب عس أم عس فرعل فلم تك إلا نبأة ثم هومت ... فقلنا قطاة ريع أم ريع أجدل فإن يك من جن لأبرح طارقا ... وإن يك إنساً ما كها الإنس تفعل ويوم من الشعرى يذوب لعابه ... أفاعيه في رمضائه تتململ نصبت له وجهي ولا كن دونه ... ولا ستر إلا الأتحمي المرعيل وضاف إذا هبت له الريح طيرت ... لبائد عن أعطافه ما ترجل وحرق كظهر الترس قفر قطعته ... بعاملتين ظهره ليس يعمل وألحقت أولاه بأخراه موفيا ... على قنة أقعي مرارا وأمثل ترود الأراوي الضخم حولي كأنها ... عذارى عليهن الملأ المذيل ويركدن بالآصال حولي كأنني ... من العصم أدفى ينتحي الكيح أعقل نخبة من لامية العجم للطغرائي* أصالة الرأي صانتني عن الخطل ... وحلية الفضل زانتني لدى العطل مجدي أخيرا ومجدي أولا شرع ... والشمس رأد الضحى كالشمس في الطفل فيم الإقامة بالزوراء لا سكني ... بها ولا ناقتي فيها ولا جملي ناء عن الأهل صفر الكف منفردٌ ... كالسيف عري متناه من الخلل فلا صديق إليه مشتكي حزنى ... ولا أنيس إليه منتهى جذلي طال اغترابي حتى حن راحلتي ... ورحلها وقرى العسالة الذبل

وضج من لغب نضوي وعج لما=يلقى ركابي ولج الركب في عذلي أريد بسطة كف أستعين بها ... على قضاء حقوق للعلى قبلي والدهر يعكس آمالي ويقنعني ... من الغنيمة بعد الكد بالقفل حب السلامة يثني هم صاحبه ... عن المعالي ويغري المرء بالكسل فإن جنحت إليه فاتخذ نفقا ... في الأرض أو سلما في الجو فاعتزل ودع عمار العلى للمقدمين على ... ركوبها واقتنع منهن بالبلل يرضى الذليل بخفض العيش يخفضه ... والعز بين رسيم الأنيق الذلل فادرأ بها في نحور البيد حافلة ... معارضات مثاني اللجم بالجدل إن العلى حدثتني وهي صادقة ... فيما تحدث أن العز في النقل لو أن في شرف المأوى بلوغ منى ... لم تبرح الشمس يوما دارة الحمل أهبت بالحظ لو ناديت مستمعا ... والحظ عني بالجهال في شغل لعله إن بدا فضلي ونقصهم ... لعينه نام عنهم أو تنبه لي أعلل النفس بالآمال أرقبها ... ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل لم ارتض العيش والأيام مقبلة ... فكيف أرضى وقد ولت على عجل غالى بنفسي عرفاني بقيمتها ... فصنتها عن رخيص القدر مبتذل وعادة النصل أن يزهو بجوهره ... وليس يعمل إلا في يدي بطل ما كنت أوثر أن يمتد بي زمني ... حتى أرى دولة الأوغاد والسفل تقدمتني أناس كان شوطهم ... وراء خطوي إذا أمشي على مهل هذا جزاء امرئ أقرانه درجوا ... من قبله فتمنى فسحة الأجل

قصيدة النابغة يعتذر بها إلى النعمان وكان قد جفاه

وإن علاني من دوني فلا عجب=لي أسوة بانحطاط الشمس عن زحل فاصبر لها غير محتل ولا ضجر ... في حادث الدهر ما يغني عن الحيل أعدى عدوك أدنى من وثقت به ... فحاذر الناس واصحبهم على دخل وإنما رجل الدنيا وواحدها ... من لا يعول في الدنيا على رجل غاض الوفاء وفاض الغدر وانفرجت ... مسافة الخلف بين القول والعمل وحسن ظنك بالأيام معجزة ... فظن شرا وكن منها على وجل وشان صدقك عند الناس كذبهم ... وهل يطابق معوج بمعتدل إن كان ينجع شيء في ثباتهم ... على العهود فسبق السيف للعذل يا واردا سؤر عيش كله كدر ... أنفقت عمرك في أيامك الأول فيم اعتراضك لج البحر تركبه ... وأنت يكفيك منه مصة الوشل ملك القناعة لا يخشى عليه ولا ... تحتاج فيه إلى الأنصار والخول ترجو البقاء بدار لا ثبات لها ... فهل سمعت بظل غير منتقل ويا خبيرا على الأسرار مطلعا ... أنصت ففي الصمت منجاة من الزلل قد رشحوك لأمر إن فطنت له ... فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل قصيدة النابغة يعتذر بها إلى النعمان وكان قد جفاه يا دار مية في العلياء فالسند ... أقوت وطال عليها سالف الأبد وقفت فيها أصيلانا أسائلها ... عيت جوابا وما بالربع من أحد إلا أواري لأيا ما أبينها ... والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد

خلت سبيل أتي كان يحبسه ... ورفعته إلى السجفين فالنضد أضحت خلاء وأضحى أهلها احتملوا ... أخنى عليها الذي أخنى على لبد فعد عما مضى إذ لا ارتجاع له ... وانم القتود على عيرانة أجد مقذوفة بدخيس النحض بازلها ... له صريف صريف القعو بالمسد كأن رحلي وقد زال النهار بنا ... بذي الجليل على مستأنس وحد من وحش وجرة موشي أكارعه ... طاوي المصير كسيف الصقيل الفرد سرت عليه من الجوزاء سارية ... تزجي المشال عليه جامد البرد فارتاع من صوت كلاب فبات له ... طوع الشوامت من خوف ومن صرد فبثهن عليه واستمر به ... صمع الكعوب بريئات من الحرد فهاب ضمران منه حيث يوزعه ... طعن المعارك عند المحجر النجد شك الفريصة بالمدرى فأنقذها ... شك المبيطر إذ يشفي من العضد كأنه خارجا من جنب صفحته ... سفود شرب نسوه عند مفتأد فظل يعجم أعلى الروق منقبضا ... في حالك اللون صدق غير ذي أود لما رأى واشق إقعاص صاحبه ... ولا سبيل إلى عقل ولا قود قالت له النفس إني لا أرى طمعا ... وإن مولاك لم يسلم ولم يصد فتلك تبلغني النعمان إن له ... فضلا على الناس في الأدنى وفي البعد ولا أرى فاعلا في الناس يشبهه ... وما أحاشي من الأقوام من أحد إلا سليمان إذ قال الإله له ... قم في البرية فاحددها عن الفند وخيس الجن إني قد أذنت لهم ... يبنون تدمر بالصفاح والعمد

نخبة من قصيدة الأعشى ميمون بن قيس بن جندل

فمن أطاع أعقبه بطاعته ... كما أطاعك واد لله على الرشد ومت عصاك فعاقبه معاقبة ... تنهى المظلوم ولا تقد على ضمد إلا لمثلك أو من أنت سابقه ... سبق الجواد إذا استولى على الأمد فلا لعمر الذي قد زرته حججا ... وما هريق على الأنصاب من جسد ما إن أتيت بشيء أنت تكرهه ... إذا فلا رفعت سوطي إلي يدي إذا فعاقبني ربي معاقبة ... قرت بها عين من يأتيك بالحسد هذا لأبرأ من قول قذفت به ... طارت نوافذه حرى على كبدي مهلا فداء لك الأقوام كلهم ... وما أثمر من مال ومن ولد لا تقذفني بركن لا كفاء له ... ولو تأثفك الأعداء بالرفد فما الفرات إذا جاشت غواربه ... ترمي أواذيه العبرين بالزبد يمده كل واد مزبد لجب ... فيه حطام من الينبوت والخضد يظل من خوفه الملاح معتمصاً ... بالخيزرانة بعد الأين والنجد يوما بأجود منه سيب نافلة ... ولا يحول عطاء اليوم دون غد أنبئت أن أبا قابوس أوعدني ... ولا قرار على زأر من الأسد هذا الثناء فإن تسمع لقائله ... فما عرضت أبيت اللعن بالصفد ها إن تا عذرة إن لم تكن نفعت ... فإن صاحبها قد تاه في البلد نخبة من قصيدة الأعشى ميمون بن قيس بن جندل أبلغ يزيد بني شيبان مألكةً ... أبا ثبيتٍ أما تنفك تأتكل الست منتهيا من نحت أثلتنا ... ولست ضائرها ما أطت الإبل

تغري بنا رهط مسعود وإخوته ... يوم اللقاء فيردي ثم تعتزل كناطح صخرة يوما ليفلقها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل لا أعرفنك إن جدت عداوتنا ... والتمس النصر منكم عوض تحتمل تلحم أبناء ذي الجدين إن غضبوا ... أرماحنا ثم تلقاهم وتعتزل لا تقعدن وقد أكلتها حطبا ... تعوذ من شرها يوما وتبتهل سائل بني أسد عنا فقد علموا ... أن سوف يأتيك من أبنائنا شكل واسأل قشيراً وعبد الله كلهم ... واسأل ربيعة عنا كيف نفتعل إنا نقاتلهم حتى نقتلهم ... عند اللقاء وإن جاروا وإن جهلوا قد كان في آل كهف إن هم احتربوا ... والجاشرية من يسعى وينتضل إني لعمر الذي حطت مناسمها ... تخدي وسيق إليه الباقر الغيل لئن قتلتم عميدا لم يكن صددا ... لنقتلن مثله منكم فنمتثل وإن منيت بنا في ظل معركة ... لا تفلنا من دماء القوم ننتقل لا ينتهون ولن ينهى ذوي شطط ... كالطعن يهلك فيه الزيت والفتل حتى يظل عميد القوم مرتفقا ... يدفع بالراح عنه نسوة عجل أصابه هندواني فأقصده ... أو ذابل من رماح الخط معتدل كلا زعمتم بأنا لا نقاتلكم ... إنا لأمثالكم يا قومنا قتل نحن الفوارس يوم الحنو ضاحية ... جنبي فطيمة لا ميل ولا عزل قالوا الطراد فقلنا تلك عادتنا ... أو تنزلون فإنا معشر نزل قد نخضب العير من مكنون فائله ... وقد يشيط على أرماحنا البطل

الباب الثامن في المراثي

الباب الثامن في المراثي رثاء أعرابية لابنها أيا ولدي قد زاد قلبي تلهبا ... وقد حرقت مني الشؤون المدامع وقد أضرمت نار المصيبة شعلة ... وقد حميت مني الحشا والأضالع وأسأل عنك الركب هل يخبرونني ... بحالك كيما تستكن المضاجع فلم يك فيهم مخبر عنك صادق ... ولا فيهم من قال إنك راجع فيا ولدي مذ غبت كدرت عيشتي ... فقلبي مصدوع وطرفي دامع وفكري مسقوم وعقلي ذاهب ... ودمعي مسفوح وداري بلاقع لكعب بن سعد الغنوي في أخيه أبي المغوار تتابع أحداث تخر من إخوتي ... فشيبن رأسي والخطوب تشيب لعمري لئن كانت أصابت منية ... أخي والمنايا للرجال شعوب لقد كان أما حلمه فمروح ... علي وأما جهله فغريب أخي ما أخي لا فاحش عند بيته ... ولا ورع عند اللقاء هيوب أخ كان يكفيني وكان يعينني ... على النائبات السود حين تنوب حليم إذا ما سورة الجهل أطلقت ... حبي الشيب للنفس اللجوج غلوب هو العسل الماذي حلما وشيمة ... وليث إذا لاقى العداة قطوب هوت أمه ما يبعث الصبح غاديا ... وماذا يؤدي الليل حين يؤوب

هوت أمه ماذا تضمن قبره ... من المجد والمعروف حين يثيب أخو سنوات يعلم الضيف أنه ... سيكثر ما في قدره ويطيب حبيب إلى الزوار غشيان بيته ... جميل المحيا شب وهو أديب إذا قصرت أيدي الرجال عن العلى ... تناول أقصى المكرمات كسوب جموع خلال الخير من كل جانب ... إذا حل مكروه بهن ذهوب مفيد لملقى الفائدات معاود ... لفعل الندى والمكرمات ندوب وداع دعا يا من يجيب إلى الندى ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب فقلت ادع أخرى وارفع الصوت جهرة ... لعل أبا المغوار منك قريب يجبك كما قد كان يفعل إنه ... بأمثاله رحب الذراع أريب أتاك سريعا واستجاب إلى الندى ... كذلك قبل اليوم كان يجيب فتى ما يبالي أن تكون بجسمه ... إذا حال حالات الرجال شحوب إذا ما تراءى للرجال رأيته ... فلم ينطقوا اللغواء وهو قريب على خير ما كان الرجال رأيته ... وما الخير إلا طعمة ونصيب حليف الندى يدعو الندى فيجيبه ... سريعا ويدعوه الندى فيجيب غياث لعان لم يجد من يغثه ... ومختبط يغشى الدخان غريب عظيم رماد النار رحب فناؤه ... إلى سند لم تحتجبه عيوب حليم إذا لم الحلم زين أهله ... مع الحلم في عين العدو مهيب غنينا بخير حقبة ثم حجت ... علينا التي كل الأنام تصيب فأبقت قليلا ذاهبا وتجهزت ... لآخر والراجي الحياة كذوب

قال دريد بن الصمة في مقتل أخيه عبد الله

وأعلم أن الباقي الحي منهم ... إلى أجل أقصى مداه قريب لقد أفسد الموت الحياة وقد أتى ... على يومه علق علي جنيب فإن تكن الأيام أحسن مرة ... إلي فقد عادت لهن ذنوب وإني لباكيه وإني لصادق ... عليه وبعض القائلين كذوب فلوك كانت الدنيا تباع اشتريته ... بها إذ به كان النفوس تطيب فوالله لا أنساه ما ذر شارق ... وما اهتز بي فرع الأراك قضيب قال دريد بن الصمة في مقتل أخيه عبد الله تنادوا فقالوا أردت الخيل فارسا ... فقلت أعبد الله ذلكم الردي فإن يك عبد الله خلى مكانه ... فما كان وقافا ولا طائش اليد دعاني أخي والخيل بيني وبينه ... فلما دعاني لم يجدني بقعدد فجئت إليه والرماح تنوشه ... كوقع الصياصي في النسيج الممدد فطاعنت عنه الخيل حتى تنفست ... وحتى علاني حالك اللون أسود فما رمت حتى خرقتني رماحهم ... وغودرت أكبو في القنا المتقصد قتال امرئ آسى أخاه بنفسه ... ويعلم أن المرء غير مخلد كميش الإزار خارج نصف ساقه ... بعيد عن الآفات طلاع أنجد قليل التشكي للمصيبات حافظ ... من اليوم أعقاب الأحاديث في غد سليم الشظى عبل السوابح والشوى ... طويل القنا نهد نبيل المقلد يفوت طويل القوم عقد عذاره ... منيف كجذع النخلة المتجرد له كل من يلقى من الناس واحد ... وإن يلق مثنى القوم يفرح ويزدد

لما دفن المهلهل أخاه كليبا قام على قبره يرثيه

تراه خميص البطن والزاد حاضر ... عتيد ويغدو في القميص المقدد وإن مسه الإقواء والجهد زاده ... سماحا وإتلافا لما كان في اليد صبا ما صبا حتى علا الشيب رأسه ... فلما علاه قال للباطل ابعد وطيب نفسي أنني لم أقل له ... كذبت ولم أبخل بما ملكت يدي لما دفن المهلهل أخاه كليبا قام على قبره يرثيه أهاج قذاء عيني الاذكار ... هدوءا فالدموع لها انحدار وصار الليل مشتملا علينا=كأن الليل ليس له نهار وبت أراقب الجوزاء حتى ... تقارب من أوائلها انحدار أصرف مقلتي في إثر قوم ... تباينت البلاد بهم فغاروا وأبكي والنجوم مطلعات ... كان لم تحوها عني البحار على من لو نعيت وكان حيا ... لقاد الخيل يحجبها الغبار دعوتك يا كليب فلم تجبني ... وكيف يجيبني البلد القفار أجبني يا كليب خلاك ذم ... ضنينات النفوس لها مزار أجبني يا كليب خلاك ذم ... لقد فجعت بفارسها نزار سقاك الغيث إنك كنت غيثا ... ويسرا حين يلتمس اليسار أبت عيناني بعدك أن تكفا ... كأن قذى القتاد لها شفار وإنك كنت تحلم عن رجال ... وتعفو عنهم ولك اقتدار وتمنع أن يمسهم لسان ... مخافة من يجير ولا يجار كأني إذ نعى الناعي كليبا ... تطاير بين جنبي الشرار

وقال مالك بن الريب التميمي يرثي نفسه ويصف قبره. وكان قد خرج مع سعيد بن عفان أخي

فدرت وقد عشي بصري عليه ... كما دارت بشاربها العقار سألت الحي أين دفنتموه ... فقالوا لي بسفح الحي دار فسرت إليه من بلدي حثيثا ... وطار النوم وامتنع القرار وحادت ناقتي عن ظل قبر ... ثوى فيه المكارم والفخار لدى أوطان أروع لم يشنه ... ولم يحدث له في الناس عار أتغدوا يا كليب معي إذا ما ... جبان القوم أنجاه الفرار أتغدوا يا كليب معي إذا ما ... حلوق القوم يشحذها الشفار خذ العهد الأكيد علي عمري ... بتركي كل ما حوت الديار ولست بخالع درعي وسيفي ... إلى أن يخلع الليل النار وإلا أن تبيد سارة بكر ... فلا يبقى لها أبداً إثار وقال مالك بن الريب التميمي يرثي نفسه ويصف قبره. وكان قد خرج مع سعيد بن عفان أخي عثمان لما ولي خراسان، فلما كان ببعض الطريق أراد أن يلبس خفه فإذا بأفعى فيه فلسعته فلما أحس بالموت أنشأ يقول دعاني الهوى من أهل أود وصحبتي ... بذي الطبسين فالتقت ورائيا أجبت الهوى لما دعاني بزفرة ... تقنعت منها أن ألام ردائيا ألم ترني بعت الضلالة بالهدى ... وأصبحت في جيش ابن عفان غازيا لعمري لئن غالت خراسان هامتي ... لقد كنت عن بابي خراسان نائيا فلله دري يوم أترك طائعا ... بني بأعلى الرقمتين وماليا ودر الظباء السانحات عيشة ... يخبرن أني هالك من أماميا تفقدت من يبكي علي فلم أجد ... سوى السيف والرمح الرديني باكيا

وأشفر خنذيذ يجر عنانه ... إلى الماء لم يترك له الموت ساقيا ولما تراءت عند مرو منيتي ... وحل بها حسمي وحانت وفاتيا أقول لأصحابي ارفعوني فإنني ... يقر بعيني أن سهيل بداليا فيا صاحبي رحلي دنا الموت فانزلا ... برابية إني مقيم لياليا أقيما علي اليوم أو بعض ليلة ... ولا تعجلاني قد تبين ما بيا وقوما إذا ما استل روحي فهيئا ... لي السدر والأكفان ثم ابكيانيا ولا تحسداني بارك الله فيكما ... من الأرض ذات العرض أن توسعا ليا وخطا بأطراف الأسنة مضجعي ... وردا على عيني فضل ردائيا خذاني فجراني ببردي إليكما ... فقد كنت قبل اليوم صعبا قياديا وقد كنت عطافاً إذا الخيل أدبرت ... سريعا لدى الهيجا إلى من دعانيا وقد كنت محموداً لدى الزاد والقرى ... وعن شتم ابن العم والجار وانيا وقد كنت صباراً على القرن في الوغى ... ثقيلا على الأعداء عضبا لسانيا وطورا تراني في ضلال ومجمع ... وطورا تراني والعتاق ركابيا وطورا تراني في رحى مستديرة ... تخرق أطراف الرماح ثيابيا وقوما على بئر الشبيك فاسمعا ... بها الوحش والبيض الحسان الروانيا بأنكما خلفتماني بقفرة ... تهيل علي الريح فيها السوافيا ولا تنسيا عهدي خليلي بعدما ... تقطع أوصالي وتبلى عظاميا فلن يعدم الولدان مني تحيتي ... ولن يعدم الميراث مني مواليا يقولون لا تبعد وهم يدفنونني ... وأين مكان البعد إلا مكانيا

وقال متمم بن نويرة اليربوعي يرثي أخاه مالكا

غداة غد يا لهف نفسي على غد ... إذا أدلجوا عني وخلفت ثاويا وأصبح ما لي من طريف وتالد ... لغيري وكان المال بالأمس ماليا وبالرمل مني نسوة لو شهدنني ... بكين وفدين الطبيب المداويا فمنهن أمي وابنتاها وخالتي ... وباكية أخرى تهيج البواكيا وما كان عهد الرمل مني وأهله ... ذميما ولا ودعت بالرمل قاليا فيا ليت شعري هل بكت أم مالك ... كما كنت لو عالوا بنعيك باكيا إذا مت فاعتادي القبور وسلمي ... على الريم أسقيت الغمام الغواديا تري جدثا قد جرت الريح فوقه ... غبارا كلون القسطلاني هابيا فيا راكبا إما عرضت فبلغن ... بني مالك والريب أن لا تلاقيا وبلغ أخي عمران بردي ومئزري ... وبلغ عجوزي اليوم أن لا تدانيا وسلم على شيخي مني كليهما ... كثيرا وعمي وابن عمي وخاليا وعطل قلوصي في الركاب فإنما ... ستبرد أكبادا وتبكي بواكيا أقلب طرفي فوق رحلي فلا أرى ... به من عيون المؤنسات مراعيا وقال متمم بن نويرة اليربوعي يرثي أخاه مالكا لعمري وما دهري بتأبين مالك ... ولا جزع مما أصاب فأوجعا لقد كفن المنهال تحت ردائه ... فتى غير مبطان العشيات أروعا لبيب أعان اللب منه سماحة ... خصيب إذا ما راكب الجدب أوضعا أغر كنصل السيف يهتز للندى ... إذا لم تجد عند امرئ السوء مطمعا وما كان وقافا إذا الخيل أحجمت ... ولا طالبا من خشية الموت مفزعا

لشبل بن معبد البجلي يرثي بنيه وكانوا أصيبوا بالطاعون

ولا بكهام ناكلٍ عن عدوه ... إذا هو لاقى حاسر أو مقنعا إذا ضرس الغزو الرجال وجدته ... أخا الحرب صدقا في اللقاء سميدعا أقول وقد طار السنا في ربابه ... بجون تسح الماء حتى تريعا تحيته مني وإن كان نائيا ... وأمسى ترابا فوقه الأرض بلقعا فكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا فلما تفرقنا كأني ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا وفقد بني أمي تولوا ولم أكن ... خلافهم أن أستكين فأخضعا ولكنني أمضي على ذاك مقدما ... إذا بعض من يلقى الخطوب تضعضها قعيدك أن لا تسمعيني ملامة ... ولا تنكئي جرح الفؤاد فيجعا وحسبك أني قد جهدت فلم أجد ... بكفي عنه للمنية مدفعا سقى الله أرضا حلها قبر مالك ... رهام الغوادي المزجيات فأمرعا لشبل بن معبد البجلي يرثي بنيه وكانوا أصيبوا بالطاعون أتى دون حلو العيش حتى أمره ... نكوب على آثارهن نكوب تتابعن في الأحباب حتى أبدنهم ... فلم يبق منهم في الديار غريب برتني صروف الدهر من كال جانب ... كما تبترى دون اللحاء عسيب فأصبحت إلا رحمة الله مفرداً ... لدى الناس صبراً والفؤاد كئيب إذا رد قرن الشمس عللت بالأسى ... ويأوي إلي الحزن حين يؤوب ونام خلي البال عني ولم أنم ... كما لم ينم نائي الفناء غريب فقلت لأصحابي وقد قذفت بنا ... نوى غربة عمن يحب شطوب

قصيدة أبي ذؤيب الهذلي وهو خويلد بن خالد وكان له أولاد سبعة فماتوا كلهم إلا طفلا

متى العهد بالأهل الذين تركتهم ... لهم في فؤادي بالعراق نصيب فما ترك الطاعون في ذي قرابة ... إليه إذا حان الإياب نؤوب فقد أصبحوا لا دارهم منك غربة ... بعيد ولا هم في الحياة قريب وكنت ترجي أن تؤوب إليهم ... فغالتهم من دون ذاك شعوب وإنا وإياهم كوادر منهل ... على حوضه بالباكيات نهيب إليه تناهينا ولو حال دونه ... مياه رواء كلهن شروب فهون عني بعض وجدي أنني ... رأيت المنايا تغتدي وتؤب ولسنا بأحيا منهم غير أننا ... إلى أجل ندعى له فنجيب وإني إذا ما شئت لاقيت أسوة ... تكاد لها نفس الحزين تطيب فتى كان ذا أهل ومال فلم يزل ... بد الدهر حتى صار وهو حريب وكيف عزاء المرء عن أهل بيته ... وليس له في الغابرين حبيب متى يذكروا يفرح فؤادي لذكرهم ... ويسجم دمع بينهن نحيب دموع سراها الشجو حتى كأنها ... جداول تجري بينهن غروب إذا ما أردت الصبر هاج لي البكا ... فؤاد إلى أهل القبور طروب فوجدي بأهلي وجدها غير أنهم ... شباب يزنون الندى ومشيب قصيدة أبي ذؤيب الهذلي وهو خويلد بن خالد وكان له أولاد سبعة فماتوا كلهم إلا طفلاً فقال يرثيهم أمن المنون وريبها تتوجع ... والدهر ليس بمعتبٍ من يجزع قالت إمامة ما لجسمك شاحبا ... منذ ابتذلت ومثل مالك ينفع

عينية علي بن جبلة في حميد الطوسي

ولقد حرصت بأن أدافع عنهم ... وإذا المنية أقبلت لا تدفع وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع فالعين بعدهم كأن جفونها ... كحلت بشوك فهي عور تدمع وتجلدي للشامتين أريهم ... أني لريب الدهر لا أتضعضع حتى كأني للحوادث مروة ... نصف المشقر كل يوم تقرع لابد من تلف مقيم فانتظر ... أبأرض قومك أو بأخرى المضجع ولقد أرى أن البكاء سفاهة ... ولسوف يولع بالبكا من يفجع وليأتين عليك يوما مرة ... يبكي عليك معنفا لا تسمع فلئن بهم فجع الزمان وريبه ... إني بأهل مودتي لمفجع وقال في الطفل الذي بقي له والنفس راغبة إذا رغبتها ... وإذا ترد إلي قليل تقنع قال الأصمعي: هذا أفضل بيت قالته العرب. عينية علي بن جبلة في حميد الطوسي أللدهر تبكي أم على الدهر تجزع ... وما صاحب الأيام إلا مفجع ولو سهلت عنك الأسى كان في الأسى ... عزاء معز للبيب ومقنع تعز بما عزيت غيرك إنها ... سهام المنايا حائمات ووقع أصبنا بيوم في حميد لو أنه ... أصاب عروش الدهر ظلت تضعضع وأدبنا ما أدب الناس قبلنا ... ولكنه لم يبق للصبر موضع ألم تر للأيام كيف تصرمت ... به وبه كانت تذاد وتدفع

وكيف التقى مثوى من الأرض ضيق ... على جبل كانت به الأرض تمنع ولما انقضت أيامه انقضت العلى ... وأضحى به أنف الندى وهو أجدع وراح عدو الدين جذلان ينتحي ... أماني كانت من حشاه تقطع وكان حميد معقلا ركعت به ... قواعد ما كانت على الضيم تركع وكنت أراه كالرزايا رزئتها ... ولم أدر أن الخلق تبكيه أجمع لقد أدركت فينا المنايا بثأرها ... وحلت بخطب وهيه ليس يرفع نعاء حميداً للسرايا إذا غدت ... تذاد بأطراف الرماح وتوزع وللمرهق المكروب ضاقت بأمره ... فلم يدر في حوملتها كيف يصنع وللبيض خلتها البعول ولم يدع ... لها غيره داعي الصباح المفزع كأن حميدا لم يقد جيش عسكر ... إلى عسكر أشياعه لا تروع ولم يبعث الخيل المغيرة بالضحى ... مراحا ولم يرجع بها وهي ظلع رواجع يحملن النهاب ولم تكن ... كتائبه إلا على النهب ترجع هوى جبل الدنيا المنيع وغيثها ال ... مريع وحاميها الكمي المشيع وسيف أمير المؤمنين ورمحه ... ومفتاح باب الخطب والخطب أفظع فأقنعه من ملكه ورباعه ... ونائله قفر من الأرض بلقع على أي شجو تشتكي النفس بعده ... إلى شجوه أو يذخر الدمع مدمع ألم تر أن الشمس حال ضياؤها ... عليه وأضحى لونها وهو أسفع وأوحشت الدنيا وأودى بهاؤها=وأجدب مرعاها الذي كان يمرع وقد كانت الدنيا به مطمئنة ... فقد جعلت أوتادها تتقلع

انشد أبو محمد الليثي في يزيد بن مزيد

بكى فقده روح الحياة كما بكى ... نداه الندى وابن السبيل المدفع وأيقظ أجفانا وكان لها الكرى ... ونامت عيون لم تكن قبل تهجع انشد أبو محمد الليثي في يزيد بن مزيد أحق أنه أودى يزيد ... فبين أيها الناعي المشيد أحامي الملك والإسلام أودى ... فما الأرض ويحك لا تميد تأمل هل ترى الإسلام مالت ... دعائمه وهل شاب الوليد أما هدت لمصرعه نزار ... بلى وتقوض المجد المشيد وجل ضريحه إذ حل فيه ... طريف المجد والمجد تليد فمن يحمي حمى الإسلام أم من ... يذب عن المكاره أو يذود وأين يؤم منتجع ولاج ... وأين تحط أرحلها الوفود فلو قبل الفداء فداه منا ... بمهجته المسود والمسود أبعد يزيد تختزن البواكي ... دموعا أو تصان له الخدود وإن تجمد دموع لئيم قوم ... فليس لدمع ذي حسب جمود وإن يك غاله دهرٌ لما قد ... يفادى من مخافته الأسود فإن يك عن خلود قد دعنه ... مآثره فكان لها الخلود فما أودى امرؤٌ أودى وأبقى ... لوارثه مكارم لا تبيد ليبكك خامل ناداك لما ... تواكله الأقارب والبعيد ويبكك شاعر لم يبق دهر ... له نشبا وقد كسد القصيد وأصيب المجد والإسلام لما ... أصابك بالردى سهم شديد

وقال صفي الدين الحلي يرثي الملك ناصر الدين عمر

لقد زى ربيعة أن يوما ... عليها مثل يومك لا يعود ومثلك من قصدن له المنايا ... بأسهمها وهن له جنود سقى جدثاً أقام به يزيد ... من الوسمي بسام رعود ليذهب من أراد فلست آسى على من مات بعدك يا يزيد وقال صفي الدين الحلي يرثي الملك ناصر الدين عمر بكى عليك الحسام والقلم ... وانفجع العلم فيك والعلم وضجت الأرض فالعباد بها ... لاطمة والبلاد تلتطم تظهر أحزانها على ملك ... جل ملوك الورى له خدم أبلج غض الشباب مقتبل ال ... عمر ولكن مجده هرم محكم في الورى وآمله ... يحكم في ماله ويحتكم ويجتمع المجد والثناء له ... وماله في الوفود يقتسم قد سئمت جوده الأنام ولا ... يلقاه من بذله الندى سأم ما عرفت منه لا ولا نعم ... بل دونهن الآلاء والنعم الواهب الألف وهو مبتسم ... والقاتل الألف وهو مقتحم مبتسم والكماة عابسةٌ ... وعابس والسيوف تبتسم يستصغر الغضب أن يصول به ... إن لم تجرد من قبله الهمم ويستخف القناة يحملها ... كأنها في يمينه قلم لم يعلم العالمون ما فقدوا ... منه ولا الأقربون ما عدموا ما فقد فرد من الأنام كمن ... إن مات ماتت لفقده أمم

والناس كالعين إن نقدتهم ... تفاوتت عن نقدك القيم يا طالب الجود قد قضى عمر ... فكل جود وجوده عدم ويا منادي الندى ليدركه ... أقصر ففي مسمع الندى صمم مضى الذي كان للأنام أبا ... فاليوم كل الأنام قد يتموا وسار فوق الرقاب مطرحاً ... وحوله الصافنات تزدحم مقلبات السروج شاخصةً ... لها زفير ذابت به اللجم وحل دارا ضاقت بساكنها ... ودون أدنى دياره إرم كأنه لم يطل إلى رتب ... تقتصر من دون نيلها الهمم ولم يهمد للملك قاعدة ... بها عيون العقول تحتلم ولم تقبل له الملوك يدا ... ترغب في سلمها فتستلم ولم يقد للحروب أسد وغى ... تسري بها من رماحها أجم أين الذي كان للورى سنداً ... ورحب أكنافه لها حرم أين الذي إن سرى إلى بلدٍ ... لا ظلم يبقى به ولا ظلم أين الذي يحفظ الزمام لنا ... إن حفزت عند غيره الذمم يا ناصر الدين وابن ناصره ... ومن به في الخطوب يعتصم وصاحب الرتبة التي وطئت ... لها على هامة السهى قدم يثني عليك الورى وما شهدوا ... من السجايا إلا بما علموا يبكيك مألوفك التقى أسفاً ... وصاحباك العفاف والكرم

لأبي تمام في محمد بن الفضل الحميري

لأبي تمام في محمد بن الفضل الحميري ريب دهر أصم دون العتاب ... مرصد بالأوحال والأوصاب جف در الدنيا فقد أصبحت تك ... تال أرواحنا بغير حساب إن ريب الزمان يحسن أن يه ... دي الرزيا إلى ذوي الأحساب فلهذا يجف بعد اخضرار ... قبل روض الوهاد روض الروابي لم تدر عينه عن الحمس ... ضعضعت ركن حمير الأرباب بطشت منهم بلؤلؤة الغ ... واص حسنا ودمية المحراب بالصريح الصيرح والأورع الأر ... وع منهم وباللباب اللباب ذهبت يا محمد الغر من أيامك الواضحات أي ذهاب عبس اللحد والثرى منك وجها ... غير ما عابس ولا قطاب أطفأ اللحد والثرى لبك المس ... رج في وقت ظلمة الألباب وتبدلت منزلا ظاهر الجد ... ب يسمى مقطع الأسباب يا شهابا خبا لآل عبيد الل ... هـ أعزز بفقد هذا الشهاب زهرة غضة تفتح عنها ال ... مجد في منبت أنيق الجناب خلق كالمدام أو كرضاب ال ... مسك أو كالعبير أو كالملاب وحياء ناهيك في غير عي ... وصبا مشرق بغير تصابي أنزلته الأيام عن ظهرها من ... بعد إثبات رجله في الركاب حين سامى الشباب واغتدت الدن ... يا عليه مفتوحة الأبواب

ولحبيب يرثي القاسم طوق

وحكى الصارم المحلى سوى أم ... ن حلاه جواهر الآداب وهو غض الآراء والحزم خرق ... ثم غض النوال غض الشباب قصدت نحوه المنية حتى ... وهبت حسن وجهه للتراب ولحبيب يرثي القاسم طوق جوى ساروا الأحشاء والقلب واغله ... ودمع يضيم العين والجفن هامله وفاجع موت لا عدو يخافه ... فيبقى ولا يلقى صديقا يجامله وأي أخي عزاء أو جبرية ... ينابذه أو أي رام يناضله إذا ما جرى مجرى دم المرء حكمه ... وبثت على طرق النفوس حبائله سنشكوه إعلانا سرا ونية ... شكية من لا يستطيع يقاتله فمن مبلغ عني ربيعة أنه ... تقشع طل الجود منها ووابله وأن الحجى منها استطارت صدوعه ... وأن الندى منها أصيبت مقاتله مضى للزيال القاسم الواهب اللهى ... ولو لم يزايلنا لكنا نزايله ولم تعلموا أن الزمان يريده ... بفجع ولو أن المنايا تراسله فتى سيط حب المكرمات بلحمه ... وخامره حق السماح وباطله فتى لم يذق سكر الشباب ولم تكن ... تهب شمالا للصديق شمائله فتى جاءه مقداره واثنتا العلى ... يداه وعشر المكرمات أنامله فتى ينفح الأيام من طيب ذكره ... ثناء كأن العنبر الورد شامله لقد فجعت عتابه وزهيره ... وتغلبه أخرى الليالي ووائله وكان لهم غيثا وعلما لمعدم ... فيسأله أو باحث فيسائله

لأبي العلاء المعري في جعفر بن الهدب

ومبتدر المعروف تسري هباته ... إليهم ولا تسري إليه مغوائله فتى لم تكن تغلي الحقود بصدره ... وتغلي لأضياف الشتاء مراجله وكن سجاياه يضيف ضيوفه ... ويرجى مرجيه ويسأل سائله طواه الردى طي الرداء وغيبت ... فضائله عن قومه وفواضله طوى شيما كانت تروح وتغتدي ... وسائل من أعيت عليه وسائله فيا عارضا للعرف أقلع مزنه ... ويا واديا للجود جفت مسائله ألم ترني أنزفت عيني على أبي ... محمد النجم المغيب آفله وأخضلتها فيه كما لو أتيته ... طريد الليالي أخضلتني نوافله ولكنني أطري الحسام إذا مضى ... وإن كان يوم الروع غيري حامله وآسى على جيحان لو غاض ماؤه ... وإن كان ذودا غير ذودي ناهله عليك أبا كلثوم الصبر إنني ... أرى الصبر أخراه تقى وأوائله يعادل وزنا كل شيء ولا أرى ... سوي صحة التوحيد شيئا يعادله فأنت سنام للفخار وغارب ... وصنواك منه منكباه وكاهله وليست أثافي القدر إلا ثلاثها ... ولا الرمح إلا لهذماه وعامله لأبي العلاء المعري في جعفر بن الهدب أحسن بالواجد من وجده ... صبر يعيد النار في زنده ومن أبى في الرزء غير الأسى ... كان بكاه منتهى جهده فليذرف الجفن على جعفر ... إذ كان لم يفتح على نده والشيء لا يكثر مداحه ... إلا إذا قيس إلى ضده

ليس الذي يبكى على وصله ... مثل الذي يبكى على صده والطرف يرتاح إلى غمضه ... وليس يرتاح إلى سهده كان الأسى فرضا لو أن الردى ... قال لنا افدوه فلم نفده هل هو إلا طالع للهدى ... سار من الترب إلى سعده فبات أدنى من يد بيننا ... كأنه الكوكب في بعده يا دهر يا منجز إيعاده ... ومخلف المأمول من وعده أي جديد لك لم تبله ... وأي أقرانك لم ترده تستأسر العقبان في جوها ... وتنزل الأعصم من فنده أرى ذوي الفضل وأضدادهم ... يجمعهم سيلك في مده إن لم يكن رشد الفتى نافعا ... فغيه انفع من رشده تجربة الدنيا وأفعالها حثت أخا الزهد على زهده إن زماني برزاياه لي ... صيرني أمرح في قده كأننا في كفه ماله ... ينفق ما يختار من نقده لو عرف الإنسان مقداره ... لم يفخر المولى على عبده أضحى الذي أجل في سنه ... مثل الذي عوجل في مهده ولا يبالي الميت في قبره ... بذمه شيع أم حمده والواحد المفرد في حتفه ... كالحاشد المكثر من حشده وحالة الباكي لآبائه ... كحالة الباكي على ولده ما رغبة الحي بأبنائه ... عما جنى الموت على جده

ومجده أفعاله لا الذي ... من قبله كان ولا بعده لولا سجاياه وأخلاقه ... لكان كالمعدوم في وجده تشتاق أيار نفوس الورى ... وإنما الشوق إلى ورده تدعو بطول العمر أفواهنا ... لمن تناهى القلب في وده يسر إن مد بقاء له ... وكل ما يكره في مده أفضل ما في النفس يغتالها ... فنستعيذ الله من جنده كم صائن عن قبلة خده ... سلطت الأرض على خده وحامل ثقل الثرى جيده ... وكان يشكو الضعف من عقده ورب ظمآن إلى مورد ... والموت لو يعلم في ورده ومرسل الغارة مبثوثة ... من أدهم اللون ومن ورده يخوض بحرا نقعه ماؤه ... يحمله السابح في لبده أشجع من قلب خطية ... على طويل الباع ممتده يرى وقوع الزرق في درعه ... مثل وقوع الزرق في جلده لا يصل الرمح في طرفه ... ولا إلى المحكم من سرده يلقى عليه الطعن إلقاءك ال ... حسب على المسرع في عقده بلحظة منه فما دونها ... يرد غرب الجيش عن قصده أمهله الدهر فأودى به ... مبيضه يحدى بمسوده فيا أخا المفقود في خمسة ... كالشهب ما سلاك عن فقده جاءك هذا الحزن مستجديا ... أجرك في الصبر فلا نجده

ولأبي العلاء المعري في فقيه حنفي

سلم إلى الله فكل الذي ... ساءك أو سرك من عنده لا يعدم الأسمر في غابه ... حتفا ولا الأبيض في غمده إن الذي الوحشة في داره ... تؤنسه الرحمة في لحده لا أوحشت دارك من شمسها ... ولا خلا غابك من أسده ولأبي العلاء المعري في فقيه حنفي غير مجد في ملتي واعتقادي ... نوح باك ولا ترنم شاد وشبيه صوت النعي إذا قي ... س بصوت البشير في كل ناد أبكت تلكم الحمامة أم عن ... ت على فرع غصنها المياد صاح هذي قبورنا تملأ الرح ... ب فأين القبور من عهد عاد خفف الوطأ ما أظن أديم ال ... أرض إلا من هذه الأجساد وقبيح بنا وإن قدم العه ... د هوان الآباء والأجداد سران استطعت في الهواء رويدا ... لا اختيالا على رفات العباد رب لحد قد صار لحدا مرارا ... ضاحك من تزاحم الأضداد ودفين على بقايا دفين ... في طويل الأزمان والآباد تعب كلها الحياة فما أع ... جب إلا من راغب في ازدياد إن حزنا في ساعة الموت أضعا ... ف سرور في ساعة الميلاد خلق الناس للبقاء فضلت ... أمة يحسبونهم للنفاد إنما ينقلون من دار أعما ... ل إلى دار شقوة أو رشاد ضجعة الموت رقدة يستريح ال ... جسم فيها والعيش مثل السهاد

أبنات الهديل أسعدن أوعد ... ن قليل العزاء بالإسعاد فتسلبن واستعرن جميعا ... من قميص الدجى ثياب حداد ثم غردن في المآتم واندب ... ن بشجو مع الغواني الخراد قصد الدهر من أبي حمزة الأو م اب مولى حجى وخدن اقتصاد وفقيها أفكاره شدن للنع ... مان ما لم يشده شعره زياد فالعراقي بعده للحجازي م قليل الخلاف سهل القياد وخطيبا لو قام بين وحوش ... علم الضاريات بر النقاد راويا للحديث لم يحوج المع ... روف من صدقه إلى الإسناد أنفق العمر ناسكا يطلب العل ... م بكشف عن أصله وانتقاد مستقي الكف من قليب زجاج ... بغروب اليراع ماء مداد ذا بنان لا تلمس الذهب الأح ... مر زهدا في العسجد المستفاد ودعا أيها الحفيان ذاك الم ... شخص إن الوداع أيسر زاد واغسلاه بالدمع إن كان طهرا ... وادفناه بين الحشى والفؤاد واحبواه لأكفان من ورق المص ... حف كبرا عن أنفس الأبراد واتلوا النعش بالقراءة والتس ... بيح لا بالنحيب والتعداد أسف غير نافع واجتهاد ... لا يؤدي إلى غناء اجتهاد طالما أخرج الحزين جوى الحز ... ن إلى غير لائق بالسداد كيف أصبحت في محلك بعدي ... يا جديرا مني بحسن افتقاد قد أقر الطبيب عنك بعجز ... وتقضى تردد العواد

قال أبو الطيب المتنبي يرثي أبا شجاع فاتك

وانتهى اليأس منك واستشعر الو ... جد بأن لا معاد حتى معاد هجد الساهرون حولك للتم ... ريض وريح لأعين الهجاد لا يغيركم الصعيد وكونوا ... فيه مثل السيوف في الأغماد فعزيز علي خلط الليالي ... رم أقدامكم برم الهوادي كنت خل الصبا فلما أراد ال ... بين وافقت رأيه في المراد ورأيت الوفاء للصاحب الأو م ل من شيمة الكريم الجواد وخلعت الشباب غضا فيا لي ... تك أبليته مع الأنداد فاذهبا خير ذاهبين حقيقي ... ن بسقيا روائح وغواد ومراث لو أنهن دموع ... لمحون السطور في الإنشاد فليكن للمحسن الأجل المم ... دود رغما لآنف الحساد وليطب عن أخيه نفسا وأبنا ... ء أخيه جرائح الكباد وإذا البحر غاض عني ولم أرْ ... وَفلا ري بادخار الثماد كل بيت للهدم ما تبتني الو ... قاء والسيد الرفيع العماد واللبيب اللبيب من ليس يغت ... ر بكون مصيره للفساد قال أبو الطيب المتنبي يرثي أبا شجاع فاتك الحزن يقلق والتجمل يردع ... والدمع بينهما عصي طيع يتنازعان دموع عين مسهد ... هذا يجيء بها وهذا يرجع النوم بعد أبي شجاع نافر ... والليل معي والكواكب ظلع إني لأجبن من فراق أحبتي ... وتحسن نفسي بالحمام فأشجع

ويزيدني غضب الأعادي قسوة ... ويلم بي عب الصديق فأجزع تصفو الحياة لجاهل أو غافل ... عما مضى منها وما يتوقع ولمن يغالط في الحقائق نفسه ... ويسومها طلب المحال فتطمع أين الذي الهرمان من بنيانه ... ما قومه ما يومه ما المصرع تتخلف الآثار عن أصحابها ... حينا ويدركها الفناء فتتبع لم يرض قبل أبي شجاع مبلغ ... فبل الممات ولم يسعه موضع كنا نظن دياره مملوءة ... ذهبا فمات وكل دار بلقع وإذا المكارم والصوارم والقنا ... وبنات أعوج كل شيء يجمع المجد أخسر والمكارم صفقة ... من أن يعيش بها الكريم الأروع والناس أنزل في زمانك منزلا ... من أن تعايشهم وقدرك أرفع برد حشاي إن استطعت بلفظة ... فلقد تضر إذا تشاء وتنفع ما كان منك إلى خليل قبلها ... ما يستراب به ولا ما يوجع ولقد أراك وما تلم ملمة ... إلا نفاها عنك قلب أصمع ويد كأن قتالها ونواها ... فرض يحق عليك وهو تبرع يا من يبدل كل يوم حلة ... أنى رضيت بحلة لا تنزع مازلت تخلعها على من شاءها ... حتى لبست اليوم ما لا تخلع ما زلت تدفع كل أمر فادح ... حتى أتى المر الذي لا يدفع فظللت تنظر لا رماحك شرع ... فيما عراك ولا سيوفك قطع بأبي الوحيد وجيشه متكاثر ... يبكي ومن شر السلاح الأدمع

وإذا حصلت من السلاح على البكا ... فحشاك رعت به خدك تقرع وصلت إليك يد سواء عندها ال ... باز الأشيهب والغراب الأبقع من للمحافل والجحافل والسرى ... فقدت بفقدك نيرا لا يطلع ومن اتخذت على الضيوف خليفة ... ضاعوا ومثلك لا يكاد يضيع فتحا لوجهك يا زمان فإنه ... وجه له من كل لؤم برقع أيموت مثل أبي شجاع فاتك ... ويعيش حاسده الخصي الأوكع أيد مقطعة حوالي رأسه ... وقفا يصيح بها ألا من يصفع أبقيت أكذب كاذب أبقيته ... وأخذت أصدق من يقول ويسمع وتركت أنتن ريحةٍ مذمومةٍ ... وسلبت أطيب ريحةٍ تتضوع فاليوم قرَّ لكل وحش نافر ... دمه وكان كأنه يتطلع وتصالحت ثمر السياط وخيله ... وأوت إليها سوقها وأذرع وعفا الطراد فلا سنان راعف ... فوق القناة ولا حسام يلمع ولى وكل مخالم ومنادم ... بعد اللزوم مشيع ومودع من كان فيه لكل قوم ملجأ ... ولسيفه في كل قوم مرتع إن حل في فرس ففقيها ربها ... كسرى تذل له الرقاب وتخضع قد كان أسرع فارس في طعنة ... فرسا ولكن المنية أسرع لا قلبت أيدي الفوارس بعده ... رمحاً ولا حملت جوادا أربع

وله أيضا يرثي والدة سيف الدولة وقد توفيت بميافارقين وجاءه الخبر بموتها إلى حلب

وله أيضا يرثي والدة سيف الدولة وقد توفيت بميافارقين وجاءه الخبر بموتها إلى حلب نعد المشرفية والعوالي ... وتقتلنا المنون بلا قتال ونرتبط السوابق مقربات ... وما ينجين من خبب الليالي ومن لم يعشق الدنيا قديما ... ولكن لا سبيل إلى الوصال نصيبك في حياتك من حبيب ... نصيبك من منامك من خيال رماني الدهر بالأرزاء حتى ... فؤادي في غشاء من نبال فصرت إذا أصابني سهام ... تكسرت النصال على النصال وهان فما أبالي بالرزايا ... لأني ما انتفعت بأن أبالي وهذا أول الناعين طرا ... لأول ميتة في ذا الجلال كأن الموت لم يفجع بنفس ولم يخطر لمخلوق ببال صلاة الله خالقنا حنوط ... على الوجه المكفن بالجمال على المدفون قبل الترب صونا ... وقبل اللحد في كرم الخلال فإن له ببطن الأرض شخصا ... جديدا ذكرناه وهو بالي وما أحد يخلد في البرايا ... بل الدنيا تؤول إلى زوال أطاب النفس أنك مت موتا ... تمنته البواقي والخوالي وزلت ولم تري يوما كريها ... يسر الروح فيه بالزوال رواق العز حولك مسبطرٌّ ... وملك علي ابنك في كمال سقى مثواك غاد في الغوادي ... نظير نوال كفك في النوال

أسائل عن بعدم كل مجد ... وما عهدي بمجد عنك خالي يمر بقبرك العافي فيبكي ... ويشغله البكاء عن السؤال وما أهداك للجدوى عليه ... لو أنك تقدرين على فعال بعيشك هل سلوت فإن قلبي ... وإن جانبت أرضك غير سال نزلت على الكراهة في مكان ... بعدت عن النعامى والشمال تحجب عنك رائحة الخزامي ... وتمنع منك أنداء الطلال بدار كل ساكنها غريب ... طويل الهجر منبت الحبال حصان مثل ماء المزن فيه ... كتوم السر صادقة المقال يعللها نطاسي الشكايا ... وواحدها نطاسي المعالي إذا وصفوا له داء بثغر ... ساقه أسنة الأسل الطوال وليست كالإناث ولا اللواتي ... تعد لها القبور من الحجال ولا من في جنازتها تجار ... يكون وداعها نفض النعال مشى الأمراء حوليها حفاة ... كأن المرو من زف الرئال وأبرزت الخدور مخبآت ... يضعن النقس أمكنة الغوالي أتتهن المصيبة غافلات ... فدمع الحزن في دمع الدلال ولو كان النساء كمن فقدنا ... لفضلت النساء على الرجال وما التأنيث لاسم الشمس عيب ... ولا التذكير فخر للهلال وأفجع من فقدنا من وجدنا ... قبيل الفقد مفقود المثال يدفن بعضنا بعضا وتمشي أواخرنا على هام الأوالي

وقال يرثي جدته وكانت بئست منه لطول غيبته فكتب إليها كتابا فلما وصلها قبلته وحمت

أسيف الدولة استنجد بصبر ... وكيف بمثل صبرك للجبال فأنت تعلم الناس التعزي ... وخوض الموت في الحرب السجال وقال يرثي جدته وكانت بئست منه لطول غيبته فكتب إليها كتابا فلما وصلها قبلته وحمت من وقتها لما غلب من السور فماتت ألا لا أري الأحداث حمدا ولا ذما ... فما بطشها جهلا ولا كفها حلما إلى مثل ما كان الفتى مرجع الفتى ... يعود كما أبدي ويكري كما أرمي لك الله من مفجوعة بحبيبها ... قتيلة شوق غير ملحقها وصما أحن إلى الكأس التي شربت بها ... وأهوى لمثواها التراب وما ضما بكيت عليها خيفة في حياتها ... وذاق كلانا ثكل صاحبه قدما ولو قتل الهجر المحبين كلهم ... مضى بلد باق أجدت له صرما عرفت الليالي قبل ما صنعت بنا ... فلما دهتني لم تزدني بها علما أتاها كتابي بعد يأس وترحة ... فمات سرورا بي فمت بها هما حرام على قلبي السرور فإنني ... أعد الذي ماتت به بعدها سما تعجب من خطي ولفظي كأنها ... ترى بحروف السطر أغربة عصما وتلثمه حتى أصار مداده ... محاجر عينيها وأنيابها سحما رقا دمعها الجاري وجفت جفونها ... وفارق حبي قلبها بعدما أدمى ولم يسلها إلا المنايا وإنما ... أشد من السقم الذي أذهب السقما طلبت لها حظا ففاتت وفاتني ... وقد رضيت بي لو رضيت لها قسما فأصبحت أستسقي الغمام لقبرها ... وقد كنت أستسقي الوغى والقنا الصما

وكنت قبيل الموت أستعظم النوى ... فقد صارت الصغرى التي كانت العظمى مبيني أخذت الثار فيك من العدى ... فكيف بأخذ الثار فيك من الحمى وما انسدت الدنيا علي لضيقها ... ولكن طرفا لا أراك به أعمى فوا أسفا أن لا أكب مقبلا ... لرأسك والصدر الذي ملئا حزما وأن لا ألاقي روحك الطيب الذي ... كان ذكي المسك كان له جسما ولو لم تكوني بنت أكرم والد ... لكان أباك الضخم كونك لي أما لئن لذ يوم الشامتين بيومها ... فقد ولدت مني لآنافهم رغما تغرب لا مستعظما غير نفسه ... ولا قابلا إلا لخالقه حكما ولا سالكا إلا فؤاد عجاجة ... ولا واجد إلا لمكرمة طعما يقولون لي ما انت في كل بلدة ... وما تبتغي ما ابتغي جل أن يسمى كأن بينهم عالمون بأنني ... جلوب إليهم من معادنه اليتما وما الجمع بين الماء والنار في يدي ... بأصعب من أن أجمع الجد والفهما ولكني مستنصر بذبابه ... ومرتكب في كل حال به الغشما وجاعله يوم اللقاء تحيتي ... وإلا فلست السيد البطل القرما إذا قل عزمي عن مدى خوف بعده ... فأبعد شيء ممكن لم يجد عزما وإني لمن قوم كأن نفوسنا ... بها أنف أن تسكن اللحم والعظما كذا أنا يا دنيا إذا شئت فاذهبي ... ويا نفس زيدي في كرائهها قدما فلا عبرت بي ساعة لا تعزني ... ولا صحبتني مهجة تقبل الظلما

الباب التاسع في الفخر

الباب التاسع في الفخر قال طرفة يفتخر في قومه سائلوا عنا الذي يعرفنا ... بقوانا يوم تحلاق اللمم يوم تبدي البيض عن أسوقها ... وتلف الخيل أعراج النعم أجدر الناس برأس صلدمٍ ... حازمٍ المر شجاع في الوغم كامل يحمل آلاء الفتى ... نبه سيد ساداتٍ خضم خير حي من معد علموا ... لكفي ولجار ابن عم يجبر المحروب فينا ماله ... ببناء وسوام وخدم نقل للشحم في مشتاتنا ... نحرٌ للنيب طراد القرم نزع الجاهل في مجلسنا ... فترى المجلس فينا كالحرم وتفرعنا من ابني وائل ... هامة المجد وخرطوم الكرم من بني بكر إذا ما نسبوا ... وبني تغلب ضرابي البهم حين يحمي الناس تحمي سربنا ... واضحي الوجه معروفي الكرم بحساماتٍ تراها رسباً ... في الضريبات مترات العصم وفحول هيكلات وقحٍ ... وأعوجيات على الشأو أزم وقنا جرد وخيل ضمر ... شزب من طول تعلاك اللجم وشباب وكهول نهد ... كليوثٍ بين عريس الأجم

لعبيد بن الأبرص الأسدي

نمسك الخيل على مكروهها ... حين لا يمسك إلا ذو كرم نذر الأبطال صرعى بينها ... تعكف العقبان فيها والرخم لعبيد بن الأبرص الأسدي ولا أبتغي ود امرءٍ قل خيره ... وما أنا عن وصل الصديق بأصيد وإني لأطفي الحرب بعد شبوبها ... وقد أوقدت للغي في كل موقد وإني لذو رأي يعاش بفضله ... وما أنا من علم الأمور بمبتدي إذا أنت حملت الخؤون أمانة ... فإنك قد أسندتها شر مسند وجدت خؤون القوم كالغر يتقى ... وما خلت عم الجار إلا بمعهد ولا تظهرن ود امرئ قبل خبره ... وبعد بلاء المرء فاذمم أو أحمد ولا تتبعن الرأي منه تقصه ... ولكن برأي المرء ذي اللب فاقتد ولا تزهدن في وصل أهل قرابة ... لذخر وفي وصل الأباعد فازهد وإن أنت في مجد أصبت غنيمة ... فعد للذي صادفت من ذاك وازدد تزود من الدنيا متاعا فإنه ... على كل حال خير زاد المزود تمنى امرئ القيس موتي وإن أمت ... فتلك سبيل لست فيها بأوحد لعل الذي يرجو رداي وميتتي ... سفاها وجبنا أن يكون هو الردي فما عيش من يرجو خلافي بضائري ... ولا موت من قد مات قبلي بمخلدي وللمرء أيام تعد وقد دعت ... حبال المنايا للفتى كل مرصد فمن لم يمت في اليوم لابد أنه ... سيعلقه حبل المنية في غد فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى ... تهيأ لأخر مثلها فكأن قد

وقال عروة بن الورد العبسي الملقب بعروة الصعاليك

فإنا ومن قد باد منا لكالذي ... يروح وكالقاضي البتات ليغتدي وقال عروة بن الورد العبسي الملقب بعروة الصعاليك فإن فاز سهم للمنية لم أكن ... جزوعاً وهل عن ذاك من متاخر لحى الله صعلوكا إذا جن ليله ... مضى في المشاش آلفا كل مجزر يعد الغنى من نفسه كل ليلةٍ ... أصاب قراها من صديق ميسر ينام عشاء ثم يصبح طاويا ... يحت الحصى عن جنبه المتعفر قليل التماس المال إلا لنفسه ... إذا هو أضحى كالعريش المجور يعين نساء الحي لا يستعنه ... فيمسي طليحاً كالبعير المحسر ولكن صعلوكا صحيفة وجهه ... كضوء شهاب القابس المتنور مطلا على أعدائه يزجرونه ... بساحتهم زجر المنيح المشهر وإن بعدوا لا يأمنون اقترابه ... تشوق أهل الغائب المتنظر فذلك إن يلق المنية يلقها ... حميدا وإن يستغن يوما فأجدر أيهلك معتم وزيد ولم أقم ... على ندب يوما ولي نفس مخطر ستفزع بعد اليأس من لا يخافنا ... كواسع في أخرى السوام المنفر يطاعن عنها أول الخيل بالقنا ... وبيض خفاف ذات لون مشهر فيوما على نجد وغارات أهلها ... ويوم بأرض ذات شت وعرعر يناقلن بالمشط الكرام إلى النهى ... نقاب الحجاز في السريح المسير يريح على الليل أضياف ماجدٍ ... كريم ومالي سارحاً مال مقتر سلي الساغب المعتر يا أم مالكٍ ... إذا ما اعتراني بين قدري ومجزري

قال حسان بن ثابت الأنصاري

أأبسط وجهي إنه أول القرى ... وأبذل معروفي له دون منكري قال حسان بن ثابت الأنصاري لعمر أبيك الخير يا شعث مانبا ... علي لساني في الخطوب ولا يدي لساني وسيفي صارمان كلاهما ... ويبلغ ما لا يبلغ السيف مذودي وإن أك ذا مال كثير أجد به ... وإن يهتصر عودي على الجهد يحمد فلا المال ينسيني حيائي وعفتي ... ولا واقعات الدهر يفللن مبردي وأكثر أهلي من عيال سواهم ... وأطوي على الماء القراح المبرد وإني لمعط ما وجدت وقائل ... لموقد ناري ليلة الريح أوقد وإني لقوال لدى البث مرحبا ... وأهلاً إذا ما جاء من غير مرصد وإني ليدعوني الندى فأجيبه ... وأضرب بيض العارض المتوقد وإني لحلو تعتريني مرارة ... وإني لتراك لما لم أعود وإني لمزج للمطي على الوجى ... وإني لتراك الفراش الممهد فلا تعجلن يا قيس وأربع فإنما ... قصاراك أن تلقى بكل مهند حسام وأرماح بأيدي أعزةٍ ... متى ترهم يا ابن الخطيم تبلد ليوث لها الأشبال تحمي عرينها ... مداعيس بالخطي في كل مشهد فقد لاقت الأوس القتال وأطردت ... وأنت لدى الكبات في كل مطرد نفتكم عن العلياء أم لئيمة ... وزند متى تقدح به النار يصلد وقال بشر بن أبي حازم الأسدي سائل تميما في الحروب وعامرا ... وهل المجرب مثل من لم يعلم

قال الفرزدق واسمه همام بن غالب التميمي

إنا إذا نعروا لحرب نعرة ... نشفي صداعهم بأسمر صلدم نعلو القوانس بالسيوف ونعتزي ... والخيل مشعلة النحور من الدم يخرجن من خلل الغبار عوابسا ... خبب السباع بكل أكلف ضيغم من كل مسترخي النجاد منازل ... يسمو إلى الأقرن غير مقلم ففضضن جمعهم وأدبر حاجب ... تحت العجاجة في الغبار الأقتم وعلى عقابهم المذلة أصبحت ... نبذت بأفضح ذي مخالب جهضم أقصدن حجرا قبل ذلك والقنا ... شرع إليه وقد أكب على الفم ينوي محاولة القيام وقد مضت ... فيه مخارص كل لدن لهذم ولقد خبطن بني كلاب خبطة ... ألحقنهم بدعائم المتخيم وسلقن كعبا قبل ذلك سلقةً ... بقنا تعاوره الكف مقوم حتى سقينا الناس كأسا مرة ... مكروهة حسواتها كالعلقم قل للمثلم وابن هند بعده ... إن كنت رائم عزنا فاستقدم تلق الذي لاقى العدو وتصطبح ... كأسا صبابتها كطعم العلقم نحبو الكتيبة حين نفترش القنا ... طعنا كألهاب الحريق المضرم ولقد حبونا عامرا من خلفه ... يوم النسار بطعنة لم تكلم قال الفرزدق واسمه همام بن غالب التميمي لنا العزة القعساء والعدد الذي ... عليه إذا عد الحصى يتخلف لنا حيث آفاق البرية تلتقي ... عديد الحصى والقسور المتخندف ومنا الذي لا تنطق الناس عنده ... ولكن هو المستأذن المتصرف

تراهم قعودا حلوه وعيونهم ... مكسرة أبصارها ما تطرف وبنيان بيت الله نحن ولاته ... وبيتٌ بأعلى الرامتين مشرف ترى الناس يسيرون خلفنا ... وإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا ولا عز إلا عزنا قاهر له ... ويسألنا النصف الذليل فننصف وإن فتنوا يوما ضربنا رؤوسهم ... على الدين حتى يقتل المتألف فإنك إن تسعى لتدرك دارماً ... لأنت المعنى يا جرير المكلف أتطلب من عند النجوم مكانة ... بريق وعير ظهره يتقرف وشيخين قد عاشا ثمانين حجة ... ذليلين ذا هم وذلك أعجف عطفت عليك الحرب إني إذا ونى ... أخو الحرب كرار على القرن معطف أتى لجرير رهط سوء أذلة ... وعرض لئيم للمخازي موقف وجدت الثرى فينا إذا وجد الثرى ... ومن هو يرجو فضله المتضيف ونمنع مولانا وإن كان نائيا ... بنا داره مما يخاف ويأنف ترى جارنا فينا بخير وإن جنى ... ولا هو مما ينطف الجار ينطف وكنا إذا نامت كلاب عن القرى ... إلى الضيف نمشي مسرعين ونخلف وقد علم الجيران أن قدورنا ... جوامع للأرزاق والريح زفزف ترى حولهن المعتفين كأنهم ... على صنم في الجاهلية عكف وما قام منا قائم في ندينا ... فينطق إلا بالتي هي أعرف وإن لمن قوم بهم يتقى الردى ... ورأب الثأي والجانب المتخوف وأضياف ليل قد نقلنا قراهم ... إلينا فأتلفنا المنايا وأتلفوا

قال الأديب أبو عبد الله بن الفخار المالقي

وكنا إذا ما استكره الضيف بالقرى ... أتته العوالي وهي بالسم رعف وكل قرى الأضياف نقري من القنا ... ومتعبطا منه السنام المسدف وجدنا أعز الناس أكثرهم حصى ... وأكرمهم من بالمكارم يعرف وكلتاهما فينا لنا حين نلتقي ... عصائب لاقى بينهن المعرف منازيل عن ظهر القليل كثيرنا ... إذا ما دعا ذو الثورة المتردف فقلنا الحصى عنه الذي فوق ظهره ... بأحلام جهال إذا ما تعطفوا وجهل بحلم قد دفعنا جنونه ... وما كاد لولا عزنا يتزحلف زججنا بهم حتى استبانوا حلومهم ... بنا بعد ما كاد القنا يتقصف قال الأديب أبو عبد الله بن الفخار المالقي بأي حسام أم بأي سنان ... أنازل ذاك القرن حين دعان لئن عري اليوم الجواد لعلة ... فبالأمس شدوا سرجه لطعان وإن عطل السهم الذي كنت رائشاً ... ففيه دم الأعداء أحمر قان إلا إن درعي نثرة تبعية ... وسيفي صدق إن هززت يماني وما قصبات السبق إلا لأدهمي ... إذا الخيل جالت في مجال رهان تمنى لقائي من حللت وثاقه ... وأعطى غداة المن ذلة عان وقد علم الأقوام من صح وده ... ومن كان منا دائم الشنآن وما يزدهيني قول كل مموه ... وليس له بالمعضلات يدان ويزعم أني في البيان مقصر ... ويأبى بناني واقتدار لساني وإني اناضٌ بكل عظيمة ... يضيق عليها ذرع كل جنان

قال الطغرائي يفتخر

نهضت بها وحدي وغيري مدع ... يشارك أهل القول شرك عنان أينسى مقامي إذ أكافح دونه ... وقد طار قلب الذعر بالخفقان ويذكر يوما قمت فيه بخطبة ... كآثار عد الماء بالسيلان وما هو إلا المرء يقطع رأسه ... وإن دهنوه حيلة بدهان تهاون بالإنصاف حتى أحله ... وقد كان ذا عز بدار هوان ولو كان يعطي الزائرين حقوقهم ... لما تركوه في يد الحدثان قال الطغرائي يفتخر أبى الله أن أسمو غير فضائلي ... إذا ما سما بالمال كل مسود وإن كرمت قبلي أوائل أسرتي ... فغني بحمد الله مبدأ سؤددي يذم لأجلي المهر إن يكب مرة ... بجدي وإن ينهض بجدي يحمد وما منصب إلا وقدري فوقه ... ولو حط رجلي بين نسر وفرقد إذا شرفت نفس الفتى زاد قدره ... على كل أسنى منه ذكرا وأمجد كذاك حديد السيف إن يصف جوهرا ... فقيمته أضعافه وزن عسجد تكاد ترى من لا يقاس نجاده ... بشسعي إذا ما ضمنا صدر مشهد وما المال إلا عارةٌ مستردة ... فهلا بفضلي كاثروني ومحتدي إذا لم يكن لي في الولاية بسطة ... يطول بها باعي وتسطو بها يدي ولا كان لي حكم مطاع أجيزه ... فأرغم أعدائي وكبت حسدي فأعذر إن قصرت في حق مجتد ... وآمن أن يعتادني كيد معتد أأكفى ولا أكفي وتلك غضاضة ... أرى دونها وقع الحسام المهند

قال أبو تمام يفتخر بقومه

ولولا تكاليف العلى ومغارمٌ ... ثقال وأعقاب الأحاديث في غد لأعطيت نفسي في التخلي مرادها ... فذاك مرادي مذ نشأت ومقصدي من الحزم أن لا يضجر المرء بالذي ... يعانيه من مكروهة فكأن قد إذا جلدي في الأمر خان ولم يعن ... مريرة عزمي ناب عنه تجلدي ومن يستعن بالصبر نال مراده ... ولو بعد حين إنه غير مسعد قال أبو تمام يفتخر بقومه أنا ابن الذين استرضع الجود فيهم ... وقد ساد فيهم وهو كهل ويافع نجوم طواليع جبال فوارع ... غيوثٌ هواميع سيول دوافع مضوا وكان المكرمات لديهم ... لكثرة ما أوصوا بهن شرائع فأي يد في المحل مدت فلم يكن ... لها راحة من جودهم وأصابع هم استودعوا المعروف محفوظ مالنا ... فضاع وما ضاعت لدينا الودائع بها ليل لو عاينت فيض أكفهم ... لأيقنت أن الرزق في الأرض واسع إذا خفقت بالبذل أرواح جودهم ... حداها الندى واستنشقتها المطامع رياح كريح العنبر الغض في الندى ... ولكنها يوم اللقاء زعازع هي السم ما تنفك في كل بلدة ... تسيل به أرماحهم وهو ناقع أصارت لهم أرض العدو قطائعاً ... نفوس لحد المرهفات قطائع بكل فتى ما شاب من ورع وقعة ... ولكنه قد شبن منه الوقائع إذا ما أغاروا فاحتووا مال معشر ... أغارت عليهم فاحتوته الصنائع فتعطي الذي تعطيهم الخيل والقنا ... اكف لإرث المكرمات موانع

قال أبو فراس الحمداني يفتخر

هم قوموا درء الشآم وأيقظوا ... بنجد عيون الحرب وهي هواجع يمدون بالبيض القواطع أيدياً ... وهن سواء والسيوف القواطع إذا أسروا لم يأسر البغي عفوهم ... ولم يمس عان فيهم وهو كانع إذا أطلقوا عنه جوامع غله ... تيقن إن المن أيضا جوامع وإن صارعوا عن مفخر قام دونهم ... وخلفهم بالجد جد مصارع فكم شاعر قد رامني فقذعته ... بشعري وهو اليوم خزيان ضارع كشفت قناع عن حر وجهه ... فطيرته عن فكره وهو واقع بعز يراها من يراها بسمعه ... ويدنو إليها ذو الحجى وهو شاسع يود ودادا أن أعضاء جسمه ... إذا أنشدت شوقا إليها المسامع قال أبو فراس الحمداني يفتخر ووالله ما قصرت فيطلب العلى ... ولكن كان الدهر عني غافل مواعيد آمال متى ما انتجعتها ... حلبت بكيات وهن حوافل تدافعني الأيام عما أريده ... كما دفع الدين الغريم المماطل فمثلي من نال الأعادي بسيفه ... ويا ربما غالته عنها الغوائل وما لي لا تمسي وتصبح في يدي ... كرائم أموالي الرجال العقائل احكم في الأعداء عنها صوارماً ... احكمها فيها إذا ضاق نازل ومازال محمي الحمائل عنوة ... سوى ما أقلت في الجفون الحمائل ينال اختيار الصفح عن كل مذنب ... له عندنا ما لا تنال الوسائل لنا عقب الأمر الذي في صدوره ... تطاول أعناق العدى والكواهل

وعرضت على سيف الدولة خيوله وبنو أخيه حضور فكل اختار منها وطلب حاجته من دون أبي

أصاغرنا في المكرمات أكابر ... وآخرنا في المأثرات أوائل إذا صلت صولا لم أجد لي مصاولاً ... وإن قلت قولا لم أجد من يقاول وعرضت على سيف الدولة خيوله وبنو أخيه حضور فكل اختار منها وطلب حاجته من دون أبي فراس فعتب عليه سيف الدولة فأنشده غيري يغيره الفعال الجافي ... ويحول عن شيم الكريم الوافي لا أرتضي ودا إذا هو لم يدم ... عند الوفاء وقلة الإنصاف تعس الحريص وقل ما يأتي به ... عوضا من الإلحاح والإلحاف إن الغني هو الغني بنفسه ... ولو انه عاري المناكب جاف ما كل ما فوق البسيطة كافيا ... فإذا اقتنعت فكل شيء كاف ويعاف لي طبع الحريص أبوتي ... ومرؤتي وقناعتي وعفافي ما كثر الخيل الجياد برائد ... شرفا ولا عدو السوام الصاف ومكارمي عدد النجوم ومنزلي ... بين الكرام ومنزل الأضياف لا أقتني لصروف دهري عدة ... حتى كأن صروفه أحلافي خيلي وإن قلت كثير نفها ... بين الصوارم والقنا الرعاف شيم عرفت بهن مذ أنا يافع ... ولقد عرفت بمثلها أسلافي لأبي العلاء المعري في الفخر ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل ... عفاف ولإقدام وحزم ونابل اعندي وقد مارست كل خفية ... يصدق واش أو يخيب سائل تعد ذنوبي عند قوم كثيرة ... ولا ذنب لي إلا العلى والفضائل

كأني إذا طلت الزمان وأهله ... رجعت وعندي للأنام طوائل وقد سار ذكري في البلاد فمن لهم ... بإخفاء ضوءها متكامل يهم الليالي بعض ما أنا مضمر ... ويثقل رضوى دون ما أنا حامل وإني وإن كنت الأخير زمانه ... لآت بما لم تستطعه الأوائل وأغدو ولو أن الصباح صوارم ... وأسري لو أن الظلام جحافل وإني جواد لم يحل لجامه ... ونصل يمان أغفلته الصيافل فإن كان في لبس الفتى شرف له ... فما السيف إلا غمده والحمائل ولي منطق لم يرض لي كنه منزلي ... على أنني بين السماكين نازل لدى موطن يشتاقه كل سيد ... ويقصر عن إدراكه المتناول ولما رأيت الجهل في الناس فاشيا ... تجاهلت حتى ظن أني جاهل فوا عجبا كم يدعي الفضل ناقص ... ووا أسفا كم يظهر النقص فاضل وكيف تنام الطير في وكناتها ... وقد نصبت للفرقدين الحبائل ينافس يومي في أمسي تشرفا ... وتحسد أسحاري علي الأصائل وطال اعترافي بالزمان وصرفه ... فلست أبالي من تغول الغوائل فلو بان عنقي ما تأسف منكبي ... ولو مات زندي ما بكته الأنامل إذا وصف الطائي بالبخل مادر ... وعير قساً بالفهاهة باقل وقال السهى للشمس أنت ضئيلة ... وقال الدجى للصبح لونك حائل وطاولت الأرض السماء سفاهة ... وفاخرت الشهب الحصى والجنادل فيا موت زر إن الحياة ذميمة ... ويا نفس جدي إن دهرك هازل

الباب العاشر في المديح

الباب العاشر في المديح زهير في مديح هرم بن سنان من قصيدة إلى هرم سارت ثلاثا من اللوى ... فنعم مسير الواثق المتعمد سواء عليه أي حين أتيته ... أساعة نحس تتقى أم بأسعد أليس بضراب الكماة بسيفه ... وفكاك أغلال الأسير المقيد كليث أبي شبلين يحمي عرينه ... إذا هو لاقى نجدة لم يعرد ومدره حرب حميها يتقى به ... شديد الرجام باللسان وباليد وثقل على الأعداء لا يضعونه ... وحمال أثقال ومأوى المطرد أليس بفياض يداه غمامة ... ثمال اليتامى في السنين محمد إذا ابتدرت قيس بن غيلان غاية ... من المجد من يسبق إليها يسود سبقت إليها كل طلق مبرز ... سبوق إلى الغايات غير مجلد كفضل جواد الخيل يسبق عفوه م السراع وإن يجهدن يجهد ويبعد تقي نقي لم يكثر غنيمة ... بنهكة ذي قربى ولا بحقلد سوى ربع لم يأت فيه مخانة ... ولا رهقا من عائذ متهود يطيب له أوب افتراض بسيفه ... على دهش في عارض متوقد فلو كان حمد يخلد الناس لم تمت ... ولكن حمد الناس ليس بمخلد ولكن منه باقيات وراثة ... فأورث بنيك بعضها وتزود

للنابغة الذبياني في عمرو بن الحارث الأصغر الغساني من قصيدة

تزود إلى يوم الممات فإنه ... لو كرهته النفس آخر موعد للنابغة الذبياني في عمرو بن الحارث الأصغر الغساني من قصيدة وثقت له بالنصر إذ قيل قد غزت ... كتائب من غسان غير أشائب بنو عمه دنيا وعمرو بن عامر ... أولئك قوم بأسهم غير كاذب إذا ما غزوا بالجيش حلق فوقهم ... عصائب طير تهتدي بعصائب يصاحبنهم حتى يغرن مغارهم ... من الضاربات بالدماء الدوارب جوانح قد أيقن أن قبيله ... إذا ما التقى الجمعان أول غالب لهن عليهم عادة قد عرفنها ... إذا عرض الخطي فوق الكواثب على عارفات للطعان عوابس ... بهن كلوم بين دام وجالب إذا استنزلوا عنهن للطعن أرقلوا ... إلى الموت إرقال الجمال المصاعب فهم يتساقون المنية بينهم ... بأيديهم بيض رقاق المضارب يطير فضاضاً بينها كل قونسٍ ... ويتبعها منهم فراش الحواجب ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب بضرب يزيل الهام عن سكناته ... وطعن كإيزاع المخاض الضوارب لهم شيمة لم يعطها الله غيرهم ... من الجود والأحلام غير عوازب مجلتهم ذات الإله ودينهم ... قويم فما يرجون غيرا لعواقب رقاق النعال طيبت حجزاتهم ... يحيون بالريحان يوم السباسب تحييهم بيض الولائد بينهم ... وأكسية الإضريج فوق المشاجب يصونون أجساما قديما نعيمها ... بخالصة الأردان خضر المناكب

لعلقمة الفحل في مدح الحارث الوهاب سيد بني غسان وملك الشام

ولا يحسبون الخير لا شر بعده ... ولا يحسبون الشر ضربة لازب حبوت بها غسان إذ كنت لاحقا ... بقومي وإذ أعيت علي مذاهبي لعلقمة الفحل في مدح الحارث الوهاب سيد بني غسان وملك الشام إلى الحارث الوهاب أعملت ناقتي ... لكلكلها والقصريين وجيب لتبلغني دار امرئ كان نائياً ... فقد قربتني من نداك قروب وأنت امرؤ أفضت إليك أمانتي ... وقبلك ربتني فضعت ربوب فأدت بنو كعب بن عوف ربيبها ... وغودر في بعض الجنود ربيب فوالله لولا فارس الجون منهم ... لآبوا خزايا والإياب حبيب تقدمه حتى تغيب حجوله ... وأنت لبيض الدارعين ضروب مظاهر سربالي حديد عليهما ... عقيلا سيوف مخذم ورسوب فجادلتهم حتى اتقوك بكبشهم ... وقد حان من شمس النهار غروب وقائل من غسان أهل حفاظها ... وهنب وقاس جالدت وشبيب تخشخش أبدان الحديد عليهم ... كما خشخشت يبس الحصاد جنوب تجود بنفس لا يجاد بمثلها ... وأنت بها يوم اللقاء تطيب كأن رجال الأوس تحت لبانه ... وما جمعت جل معا وعتيب رفا فوقهم سقب السماء فداحصٌ ... بشكته لم يستلب وسليب كأنهم صابت عليهم سحابة ... صواعقها لطيرهن دبيب فلم تنج إلا شطبة بلجامها ... وإلا طمر كالقناة تجيب وإلا كمي ذو حفاظ كأنه بما ابتل من حد الظنات خضيب

للفرزدق في عمر بن الوليد بن عبد الملك

وأنت الذي آثاره في عدوه ... من البؤس والنعمى لهن ندوب وقي كل حي قد خبطت بنعمة ... فحق لشاس من نداك ذنوب وما مثله في الناس إلا قبيله ... مساو ولا دان لذاك قريب فلا تحرمني نائلا عن جنابة ... فغني امرؤ وسط القباب غريب للفرزدق في عمر بن الوليد بن عبد الملك إليك سمت يا ابن الوليد ركابنا ... وركبانها أسمى إليك واعمد إلى عمر أقبلن معتمداته ... سراعاً ونعم الركب والمعتمد ولم تجر إلا جئت للخيل سابقا ... ولا عدت إلا انت في العود أحمد إلى ابن الإمامين اللذين أبوهما ... إمام له لولا النبوة يسجد إذا هو أعطى اليوم زاد عطاؤه ... على ما مضى منه إذا أصبح الغد بحق امرئ بين الوليد قناته ... وكندة فوق المرتقى يتصعد أقول لحرف لم يدع رحلها لها ... سناما وتثوير القطا وهي هجد عليك فتى الناس الذي إن بلغته ... فما بعده في نائل متلدد وإن له نارين كلتاهما لها ... قرى دائم قدام بيته توقد فهذي لعبط المشبعات إذا شتا ... وهذي يد فيها الجسام المهند ولو خلد الفخر امرأ في حياته ... خلدت وما بعد النبي مخلد وأنت امرؤ عودت للمجد عادة ... وهل فاعل إلا بما يتعود تسائلني ما بال جنبك جافيا ... أهما جفا أم جفن عينك أرمد فقلت لها لا بل عيال أراهم ... ومالهم ما فيه للغيث مقعد

وللفرزدق في وصف الإمام زين العابدين

فقالت ألي ابن الوليد الذي له ... يمين بها الإمحال والفقر يطرد يجود وإن لم ترتحل يا ابن غالب ... إليه وإن لاقيته فهو أجود من النيل إذ عم المنار غثاؤه ... ومن يأته من راغب فه أسمد فإن ارتداد الهم عجز على الفتى ... عليه كما رد البعير المقيد ولا نجح في هم إذا لم يكن له ... زماع وحبل للصريمة محصد جرى ابن أبي العاصي فأحرز غاية ... إذا أحرزت من نالها فهو أمجد وكان إذا احمر الشتاء جفانه ... جفان إليها بادئون وعود لهم طرق أقوامهم قد عرفنها ... إليهم وأيديهم إلى الشحم جمد وما من حنيف آل مروان مسلم ... ولا غيره إلا عليه لكم يد إذا عد قوم مجدهم وبيوتهم ... فضلتم إذا ما أكرم الناس عددوا وللفرزدق في وصف الإمام زين العابدين هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم هذا ابن خير عباد الله كلهم ... هذا التقي النقي الطاهر العلم إذا رأته قريش قال قائلها ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرم ينمى إلى ذروة العز التي قصرت ... عن نيلها عرب الإسلام والعجم يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم في كفه خيزران ريحه عبق ... من كف أروع في عرنينه شمم يغضي حياء ويغضي من مهابه ... فما يكلم إلا حين يبتسم ينشق نور الهدى من نور غرته ... كالشمس ينجاب عن إشراقها القتم

مشتقة من كرام القوم نبعته ... طابت عناصره والخيم والشيم هذا ابن فاطمة إن كنت جاهلة ... بجده أولياء الله قد ختموا ألله شرفه قدرا وعظمه ... جرى بذاك له في لوحه القلم وليس قولك من هذا بضائره ... ألعرب تعرب من أنكرت والعجم كلتا يديه غياث عم نفعهما ... يستوكفان ولا يعروهما عدم سهلا لخليفة لا تخشى بوادره ... يزينه اثنان حسن الخلق والشيم حمال أثقال أقوام إذا اقترضوا ... حلو الشمائل تحلو عنده نعم ما قال لا قط إلا في تشهده ... لولا التشهد كانت لاءه نعم عم البرية بالإحسان فانشقت ... عنها الغياهب والإملاق والعدم من معشر حبهم دين وبغضهم ... كفر وقربهم منجى ومعتصم إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم ... أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم لا يستطيع جواد بعد غايتهم ... ولا يدانيهم قوم وإن كرموا هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت ... والأسد أسد الشرى والبأس محتدم لا ينقص العسر بسطا من اكفهم ... سيان ذلك إن أثروا وإن عدموا مقدم بعد ذكر الله ذكرهم ... في كل بدء ومختوم به الكلم يأبى لهم أن يحل الذم ساحتهم ... خلق كريم وأيد بالندى هضم أي الخلائق ليست في رقابهم ... لأولية هذا أو له نعم من يعرف الله يعرف أولية ذا ... فالدين من بيت هذا ناله الأمم

لابن خفاجة الأندلسي في مدح الأمير أبي يحيى بن إبراهيم

لابن خفاجة الأندلسي في مدح الأمير أبي يحيى بن إبراهيم ضافي رداء المجد طماح العلى ... طامي عباب الجود رحب الدار جرار أذيال المعالي والقنا ... حامي الحقيقة والحمى والجار طرد القنيص بكل قيد طريدة ... زجل الجناح مورد الأظفار ملتفة أعطافه بجبيرة ... مكحولة أجفانه بنضار خدم القضاء مراده فكأنما ... ملكت يداه أعنة الأقدار وعنى الزمان لأمره فكأنما ... أصغى الزمان به إلى أمار وجلا الإمارة في رقيق نضارة ... جلت الدجى في حلة الأنوار في حيث وشح لبة بقلادة ... منها وحلى معصما بسوار جذلان يملأ منحة وبشاشة ... أيدي العفاة وأعين الزوار أرج الندي بذكره فكأنه ... متنفس عن روضة معطار بطل حوى الفلك المحيط بسرجه ... واستل صارمه يد المقدار بيمينه يوم الوغى وشماله ... ما شاء من نارومن إعصار والخيل تعثر في شبا شوك القنا ... قصداً وتسبح في الدم الموار والبيض يكسر من سنا شمس الضحى ... فكأنه صدأ على دينار والنقع الحسام النصر صحبة غبطة ... في كف صوال به سوار لو أنه أوحى إليه بنظرة ... يوما لثار ولم ينم عن ثار وقضى وقد ملكته هزة عزة ... تحت العجاج وضحكة استبشار

لابن الأزرق الأندلسي في مدح الرئيس أبي يحيى بن عاصم وتهنئته بعيد

لابن الأزرق الأندلسي في مدح الرئيس أبي يحيى بن عاصم وتهنئته بعيد يا مطلع النوار زهرا يجتنى ... ومشعشع الصهباء نارا تلمس بك مجلس الأنس اطمأن وبابن عا ... صم اطمأن من الرئاسة مجلس بدر بأنوار الهدى متطلع ... غيث بأشتات الندى متجبس حامي فلم نرتع لخطب يعتري ... ووفى فلم تحفل بدهر يبخس شيم مهذبة وعلم راسخ ... ومكارم هتن ومجد أقعس لو كان شخصا ذكره لبدا على ... أعطافه من كل حمد ملبس ذاكم أبو يحيى به تحمى العلى ... وبه خلال الفخر طرا تحرس بيت على عمد الفخار مطنب ... مجد على متن السماك مؤسس إنا لنغدو هيما فينيلنا ... ريا ويوحشنا النوى فيؤنس حتى أقمنا والأماني منهضا ... ت وابتسمنا والزمان معبس لم ندر قبل يراعه وبنانه ... أن الذوابل بالغمام تبجس هن اليراع بها يؤمن خائف ... ويحاط مذعور ويغنى مفلس مهما انبهرت فهي السهام يرى لها ... وقع لأغراض البيان مقرطس يشفي بمأمله الشكي المعتري ... يحيا بمأمنه الحمام المؤيس قد جمع الأضداد في حركاته ... فلذا اطراد فخاره لا يعكس عطشان ذو ري يبيس مثمر ... غضبان ذو صفح فصيح أخرس لله من تلك اليراع جواذب ... للسحر منك كأنها المغنيطس رضنا شماس القول في أوصافها ... فهي التي راضت لنا ما يشمس

لأبي تمام في هارون الواثق بالله من قصيدة

وإليكها حللا تشابه نسجها ... مثلي يفصلها ومثلك يلبس واهنأ بعيد باسم متهلل ... وافاك يجهر بالسرور ويهمس واحبس لواء الفخر موقوفا فإ ... ن الحمد موقوف عليك محبس لأبي تمام في هارون الواثق بالله من قصيدة سيروا بني الحاجات ينجح سعيكم ... غيث سحاب الجود منه هتون فالحادثات بوبله مصفودة ... والمحل في شؤبوبه مسجون حملوا ثقيل الهم واستنأى بهم ... سفر يهد المتن وهو متين حتى إذا ألقوه عن أكتافهم ... بالعزم وهو على النجاح ضمين وجدوا جناب الملك أخضر فاجتلوا ... هارون فيه كأنه هارون ألفوا أمير المؤمنين وجده ... خضل الغمام وظله مسكون فغدوا وقد وثقوا برأفة واثق ... بالله طائره لهم ميمون ملكوا خطام العيش بالملك الذي ... أخلاقه للمكرمات حصون ملك إذا خاض المسامع ذكره ... خف الرجاء إليه وهو ركين ليث إذا خفق اللواء رأيته ... يعلو قرا الهيجاء وهي زبون لحياضها متورد ولخطبها ... متعمد وبثديها ملبون جعل الخلافة فيه رب قوله ... سبحانه للشيء كن فيكون ولقد رأيناها له بقلوبنا ... وظهور خطب دونها وبطون ولذاك قيل من الظنون حلية ... صدق وفي بعض القلوب عيون ولقد علمنا مذ ترعرع أنه ... لأمين رب العالمين أمين

وله في المعتصم بالله عند فتح عمورية عاصمة الروم

يا ابن الخلائف إن بردك ملؤه ... كرم يذوب المزن منه ولين يسمو بك السفاح والمنصور وال ... مهدي والمعصوم والمأمون من يعش ضوء ألاك يعلم أنهم ... ملأ لدى ملإ السماء مكين فرسان مملكة أسود خلافة ... ظل الهدى غاب لهم وعرين في دولة بيضاء هارونية ... متكنفاها النصر والتمكين قد أصبح الإسلام في سلطانها ... والهند بعض ثغورها والصين يفدي الأمين الله كل منافق ... شنآنه بين الضلوع كمين ممن يداه يسريان ولم تزل ... فينا وكلتا راحتيك يمين تدعى بطاعتك الوحوش فترعوي ... والأسد في عريسها فتدين ما فوق مجدك مرتقى مجد ألا كل افتخار دون فخرك دون وله في المعتصم بالله عند فتح عمورية عاصمة الروم السيف أصدق أنباء من الكتب ... في حده الحد بين الجد واللعب بيض الصفائح لا سود الصحائف في ... متونهن جلاء الشك والريب والعلم في شهب الأرماح لامعة ... بين الخميسين لا في السبعة الشهب أين الرواية بل أين النجوم وما ... صاغوه من زخرف فيها ومن كذب تخرصاً وأحاديثاً ملفقةً ... ليست بنبع إذا عدت ولا غرب عجائبا زعموا الأيام مجفلة ... عنهن في صفر الإصفار أو رجب وخوفوا الناس من دهياء مظلمة ... إذا بدا الكوكب الغربي ذو الذنب فتح الفتوح تعالى أن يحيط به ... نظم من الشعر أو نثر من الخطب

فتح تفتح أبواب السماء له ... وتبرز الأرض في أثوابها القشب يا يوم وقعة عمورية انصرفت ... عنك المنى حفلا معسولة الحلب أبقيت جد بني الإسلام في صعد ... والمشركين ودار الشرك في صبب أم لهم لو رجوا أن تفتدى جعلوا ... فداءها كل أم برة وأب وبرزة الوجه قد أعيت رياضتها ... كسرى وصدت صدودا عن أبي كرب من عهد إسكندر أو قبل ذلك قد ... شابت نواصي الليالي وهي لم تشب بكر فما افترعتها كف حادثة ... ولا ترقت إليها همة النوب حتى إذا مخض الله السنين لها مخض الحليبة كانت زبدة الحقب أتتهم الكربة السوداء سادرة ... منها وكان اسمها فراجة الكرب جرى لها الفأل نحسا يوم أنقرة ... إذ غودرت وحشة الساحات والرحب لما رأت أختها بالأمس قد خربت ... كان الخراب لها أعدى من الجرب كم بين حيطانها من فارس بطل ... قاني الذوائب من آني دم سرب بسنة السيف والخطي من دمه ... لا سنة الدين والإسلام مختضب لقد تركت أمير المؤمنين بها ... للنار يوما ذليل الصخر والخشب غادرت فيها بهيم الليل وهو ضحى ... يقله وسطها صبح من اللهب حتى كأن جلابيب الدجى رغبت ... عن لونها أو كأن الشمس لم تغب ضوء من النار والظلماء عاكفة ... وظلمة من دخان في ضحى شحب فالشمس طالعة من ذا وقد أفلت ... والشمس واجبة من ذا لم تجب تصرح الدهر تصريح الغمام لها ... عن يوم هيجاء منها طاهر جنب

لم تطلع الشمس فيه يوم ذاك على ... بان بأهل ولم تغرب على عزب ما ربع مية معمورا يطيف به ... غيلان أبهى ربى من ربعها الخرب لم يعلم الكفر كم من أعصر كمنت ... له المنية بين السمر والقضب تدبير معتصم بالله منتقم ... لله مرتغب في الله مرتهب ومطعم النصل لم تكهم أسنته ... يوما ولا حجبت عن روح محتجب لم يغز قوما ولم ينهض إلى بلد ... إلا تقدمه جيش من الرعب لو لم يقد جحفلا يوم الوغى لغدا ... من نفس وحدها في جحفل لجب رمى بك الله برجيها فهدمها ... ولو رمى بك غير الله لم يصب من بعد ما أشبوها واثقين بها ... والله مفتاح باب المعقل الأشب وقال ذو أمرهم لا مرتع صدر ... للسارحين وليس الورد من كثب أمانياً سلبتهم نجح هاجسها ... ظبي السيوف وأطراف القنا السلب إن الحمامين من بيض ومن سمر ... دلوا الحياتين من ماء ومن عشب لبيت صوتا زبطرياً هرقت له ... كاس الكرى ورضاب الخرد العرب عداك حر الثغور المستضامة عن ... برد الثغور وعن سلسالها الخصب أجبته معلنا بالسيف منصلتا ... ولو أجبت بغير السيف لم تجب حتى تركت عمود الشرك منقعرا ... ولم تعرج على الوتاد والطنب لما رأى الحرب رأي العين توفلس ... والحرب مشتقة المعنى من الحرب غدا يصرف بالأموال خزينتها ... فعزه البحر ذو التيار والعبب هيهات زعزعت الأرض الوقور به ... عن غزو محتسب لا غزو مكتسب

لم ينفق الذهب المربي بكثرته ... على الحصى وبه فقر إلى الذهب إن الأسود أسود الغاب همتها ... يوم الكريهة في المسلوب لا السلب ولى وقد ألجم الخطي منطقه ... بسكته تحتها الأحشاء في صخب أحسى قرابينه صرف الردى ومضى ... يحتث أنجى مطاياه من الهرب موكلا بيفاع الأرض يشرفه ... من خفة الخوف لا من خفة الطرب إن يعد من حرها عدو الظليم فقد ... أوسعت جاحمها من كثرة الحطب تسعون ألفا كآساد الشرى نضجت ... جلودهم قبل نضج التين والعنب يا رب حوباء لما اجتث دابرهم ... طابت ولو ضمخت بالمسك لم تطب ومغضب رجعت بيض السيوف به ... حي الرضاعن رداهم ميت الغضب والحرب قائمة في مأزق لجب ... تجثو الرجال به صغرا على الركب كم نيل تحت سناها من سنا قمر ... وتحت عارضها من عارض شنب كم كان في قطع أسباب الرقاب بها ... إلى المخدرة العذراء من سبب كم أحرزت قضب الهندي مصلته ... تهتز من قضب تهتز في كثب بيض إذا انتضيت من حجبها رجعت ... أحق بالبيض أبدانا من الحجب خليفة الله جازى الله سعيك عن ... جرثومة الدين والإسلام والحسب بصرت بالراحة الكبرى فلم ترها ... تنال إلا على جسر من التعب إن كان بين صروف الدهر من رحم ... موصولة أو ذمام غير مقتضب فبين أيامك اللائي نصرت بها ... وبين أيام بدر أقرب النسب أبقت بني الأصفر المصفر كأسهم ... صفر الوجوه وجلت أوجه العرب

للتلمساني في مدح الملك المنصور محمد بن عثمان الأيوبي

للتلمساني في مدح الملك المنصور محمد بن عثمان الأيوبي أأخاف صرف الدهر أم حدثانه ... والدهر للمنصور بعض عبيده ملك نداه فكني وانتاشني ... من مخلبيه ومن إسار قيوده ملك إذا حدثت عن إحسانه ... حدثت عن مبدي الندى ومعيده ساد الملوك بفضله وبنفسه ... والعز من آبائه وجدوده وإذا ترنمت الرواة بمدحه ... وثنائه اهتزت معاطف جوده لأبي المعالي راحة وكافة ... كالغيث يوم بروقه ورعوده صب بتحصيل الثناء وجمعه ... كلف ببذل المال أو تبديده مازال يشمل حاسديه نواله ... حتى أقر به لسان حسوده سل عفوه وحسومه في غمده ... وحذار ثم حذار من تجريده يغشى الورى متلفعا بردائه ... ويخوضها متسربلا بحديده فترى الشحاح يفر منه مهابة ... والموت بين لهاته ووريده يتقهقر الجيش اللهام مخافة ... منه إذا وافى أمام جنوده وتعود مخفقة الرجاء عداته ... وقلوبها خفاقة كبنوده في مهرك إن كسرت فيه القنا ... وصل الحسام ركوعه بسجوده جارى الغمام ففاته بنواله ... كرما وفاق كبيره بزهيده والدين أصله وشد مناره ... حين اعتنى بحقوقه وحدوده والملك لم ينفك يعمل عزمه ... في نصر ظاهره ونصح سعيده إن المنايا والأماني لم تزل ... طوعا لسابق وعده ووعيده

لأبي الطيب المتنبي في الحسين بن إسحاق التنوخي

وأرى الحياة لذيذة بحياته ... وأرى الوجود مشرفا بوجوده فلو أنني خيرت من دهري المنى ... لاخترت طول بقائه وخلوده يا آل أيوب جزيتم صالحاً ... عن محسن مدح الملوك مجيده ونعمتم ما افتر عن ثغر الضحى ... صبح وما فضح الدجى بعموده يا أيها الملك الذي حاز العلى ... فثنى عنان الفكر عن تحديده أما الزمان فأنت درة عقده ... وسنان صدعته وبيت قصيده والشعر أنت أحق من يهتز عن ... د سماعه ويميل عند نشيده فاسلم لملك بل لمجد أنت في ... تأسيسه والله في تأييده لأبي الطيب المتنبي في الحسين بن إسحاق التنوخي هو البين حتى ما تأنى الخرائق ... ويا قلب حتى أنت ممن أفارق وقفنا ومما زاد بثا وقوفنا ... فريقي هوى منا مشوق وشائق وقد صارت الأجفان قرحى من البكا ... وصار بهاراً في الخدود الشقائق على ذا مضى الناس اجتماع وفرقة ... وميت ومولود وقال ووامق تغير حالي والليالي بحالها ... وشبت وما شاب الزمان الغرانق وليل دجوجي كانا جلت لنا ... محياك فيه فاهتدينا السمالق فما زال لولا نور وجهك جنحه ... ولا جابها الركبان لولا الأيانق وهز اطار النوم حتى كأنني ... من السكر في الغرزين ثوب شبارق شدوا بابن إسحاق الحسين فصافحت ... ذفاريها كيرانها والنمارق بمن تقشعر الأرض خوفا إذا مشى ... عليها وترتج الجبال الشواهق

وقال أبو الطيب يمدح أبا شجاع فاتكا وكان يلقب بالمجنون

فتى كالسحاب الجون يخشى ويرتجى ... يرجى الحيا منها وتخشى الصواعق ولكنها تمضي وهذا مخيم ... وتكذب أحيانا وذا الدهر صادق تخلى من الدنيا لينسى فما خلت ... مغاربها من ذكره والمشارق غذا الهندوانيات بالهام والطلى ... فهن مداريها وهن المخانق تشقق منهن الجيوب إذا غزا ... وتخضب منهن اللحى والمفارق يجنبها من حتفه عنه غافل ... ويصلى بها من نفسه منه طالق يحاجى به ما ناطق وهو ساكت ... يرى ساكتا والسيف عن فيه ناطق نكرتك حتى طال منك تعجبي ... ولا عجب من حسن ما الله خالق كأنك في الإعطاء للمال مبغض ... وفي كل حرب للمنية عاشق ألا قلما تبقى على ما بدا لها ... وحل بها منك القنا والسوابق سيحيى بك السمار ما لاح كوكب ... ويحدو بك السفار ما ذر شارق فما ترزق الأقدار من أنت حارم ... ولا تحرم الأقدار من أنت رازق ولا تفتق الأيام ما أنت راتق ... ولا ترتق الأيام ما أنت فاتق لك الخير غيري رام من غيرك الغنى ... وغيري بغير اللاذقية لاحق هي الغرض الأقصى ورؤيتك المنى ... ومنزلك الدنيا وأنت الخلائق وقال أبو الطيب يمدح أبا شجاع فاتكا وكان يلقب بالمجنون لا خيل عندك تهديها ولا مال ... فليسعد النطق إن لم تسعد الحال واجز الأمير الذي نعماه فاجئةٌ ... بغير قول ونعمى الناس أقوال فربما جزت الإحسان موليه ... خريدة من عذارى الحي مكسال

وإن تكن محكمات الشكل تمنعني ... ظهور جري فلي فيهن تصهال وما شكرت لأن المال فرحني ... سيان عندي إكثار وإقلال لكن رأيت قبيحا أن يجاد لنا ... وأننا بقضاء الحق بخال فكنت منبت روض الحزن باكره ... غيث سباخ الأرض هطال غيث يبين للنظار موقعه ... أن الغيوث بما تأتيه جهال لا يدرك المجد إلا سيد فطن ... لما يشق على السادات فعال لا وارث جهلت يمناه ما وهبت ... ولا كسوب بغير السيف سال قال الزمان له قولا فأفهمه ... أن الزمان على الإمساك عذال تدري القناة إذا اهتزت براحته ... أن الشقي بها خيل وأبطال كفاتك ودخول الكاف منقصة ... كالشمس قلت وما للشمس أمثال ألقائد الأسد غذتها براثنه ... بمثلها من عداه وهي أشبال ألقاتل السيف في جسم القتيل به ... وللسيوف كما للناس آجال تغير عنه على الغارات هيبته ... وما له بأقاصي البر أهمال له من الوحش ما اختارت أسنته ... عير وهيق وخنساء وذيال تمسي الضيوف مشهاة بعقوته ... كأن أوقاتها في الطيب آصال لو اشتهت لحم قاريها لبادرها ... خراذل منه في الشيزى وأوصال لا يعرف الرزء في مال ولا ولد ... إلا إذا احتفز الضيفان ترحال يزوي صدى الأرض من فضلات ما شربوا ... محض اللقاح وصافي اللون سلسال تقري صوارمه الساعات عبط دم ... كأنما الساع نزال وقفال

تجري النفوس حواليه مخلطة ... منها عداة وأغنام وآبال لا يحرم البعد أهل البعد نائله ... وغير عاجزة عنه الأطيفال أمضى الفريقين في أقرانه ظبة ... والبيض هادية والسمر ضلال يريك مخبره أضعاف منظره ... بين الرجال وفيها الماء والآل وقد يلقبه المجنون حاسده ... إذا اختلطن وبعض العقل عقال يرمي بها الجيش لابد له ولها ... من شقه ولو أن الجيش أجبال إذا العدى نشبت فيهم مخالبه ... لم يجتمع لهم حلم وريبال يروعهم منه دهر صرفه أبدا ... مجاهر وصروف الدهر تغتال أناله الشرف الأعلى تقدمه ... فما الذي بتوقي ما أتى نالوا إذا الملوك تحلت كان حليته ... مهند وأصم الكعب عسال أبو شجاع أبو الشجعان قاطبة ... هول نمته من الهيجاء أهوال تملك الحمد حتى ما لمفتخر ... في الحمد حاء ولا ميم ولا دال عليه منه سرابيل مضاعفة ... وقد كفاه من الماذي سربال وكيف أستر ما أوليت من حسن ... وقد غمرت نوالا أيها النال لطفت رأيك في بري وتكرمتي ... إن الكريم على العلياء يحتال حتى غدوت وللأخبار تجوال ... وللكواكب في كفيك آمال وقد أطال ثنائي طول لابسه ... إن الثناء على التنبال تنبال إن كنت تكبر أن تختال في بشر ... فإن قدرك في الأقدار يختال كأن نفسك لا ترضاك صاحبها ... إلا أنت على المفضال مفضال

وللمتنبي يمدح سيف الدولة ويذكر بناء قلعة الحدث

ولا تعدك صوانا لمهجتها ... إلا وأنت لها في الروع بذال لولا المشقة ساد الناس كلهم ... ألجود يفقر والإقدام قتال وإنما يبلغ الإنسان طاقته ... ما كل ماشية بالرجل شملال إنا لفي زمن ترك القبيح به ... من أكثر الناس إحسان وإجمال ذكر الفتى عمره الثاني وحاجته ... ما قاته وفضول العيش أشغال وللمتنبي يمدح سيف الدولة ويذكر بناء قلعة الحدث على قدر أهل العزم تأتي العزائم ... وتأتي على قدر الكرام المكارم وتعظم في عين الصغير صغائرها ... وتصغر في عين العظيم العظائم يكلف سيف الدولة الجيش همه ... وقد عجزت عنه الجيوش الخضارم ويطلب عند الناس ما عند نفسه ... وذلك ما لا تدعيه الضراغم يفدي أتم الطير عمرا سلاحه ... نسور الملا أحداثها والقشاعم وما ضرها خلق بغير مخالب ... وقد خلقت أسيافه والقوائم هل الحدث الحمراء تعرف لونها ... وتعلم أي الساقيين الغمائم سقتها الغمام الغر قبل نزوله ... فلما دنا منها سقتها الجماجم بناها فأعلى والقنا تقرع القنا ... وموج المنايا حولها متلاطم وكان بها مثلا جنون فأصبحت ... ومن جثث القتلى عليها تمائم طريدة دهر ساقها فرددتها ... على الدين بالخطي والدهر راغم تفيت الليالي كل شيء أخذته ... وهن لما يأخذن منك غوارم وكيف ترجي الروم والروس هدمها ... وذا الطعن أساس لها ودعائم

وقد حاكموها والمنايا حواكم ... فما مات مظلوم ولا عاش ظالم أتوك يجرون الحديد كأنهم ... سروا بجياد ما لهن قوائم إذا برقوا لم تعرف البيض منهم ... ثيابهم من مثلها والعمائم خميس بشرق الأرض والغرب زحفه ... وفي أذن الجوزاء منه زمازم تجمع فيه كل لسن وأمة ... فما تفهم الحداث إلا التراجم فلله وقت ذوب الغش ناره ... فلم يبق إلا صارم أو ضبارم تقطع ما لا يقطع الدرع والقنا ... وفر من الأبطال من لا يصارم وقفت وما في الموت شك لواقف ... كأنك في جفن الردى وهو نائم تم بك الأبطال كلمى هزيمة ... ووجهك وضاح وثغرك باسم تجاوزت مقدار الشجاعة والنهى ... إلى قول قوم أنت بالغيب عالم ضممت جناحيهم على القلب ضمة ... تموت الخوافي تحتها والقوادم بضرب أتى الهامات والنصر غائب ... وصار إلى اللبات والنصر قادم حقرت الردينيات حتى طرحتها ... وحتى كأن السيف للرمح شاتم ومن طلب الفتح الجليل فإنما ... مفاتيحه البيض الخفاف الصوارم نثرتهم فوق الأحيدب نثرة ... كما نثرت فوق العروس الدراهم تدوس بك الخيل الوكور على الذرى ... وقد كثرت حول الوكور المطاعم إذا زلقت مشيتها ببطونها ... كما تتمشى في الصعيد الأراقم أفي كل يوم ذا الدمستق مقدم ... قفاه على الإقدام للوجه لائم

أينكر ريح الليث حتى يذوقه ... وقد عرفت ريح الليوث البهائم وقد فجعته بابنه وابن صهره ... وبالصهر حملات المير الغواشم مضى يشكر الأصحاب في فوته الظبا ... بما شغلتها هامهم والمعاصم ويفهم صوت المشرفية فيهم ... على أن أصوات السيوف أعاجم يسر بما أعطاك لا عن جهالة ... ولكن مغنوماً نجا منك غانم لك الحمد في الدر الذي لي لفظه ... فإنك معطيه وإني ناظم وإني لتعدو بي عطاياك في الوغى ... فلا أنا مذمومٌ ولا أنت نادم على كل طيار إليها برجله ... إذا وقعت في مسمعيه الغماغم ألا أيها السيف الذي لست مغمدا ... ولا فيك مرتاب ولا منك عاصم هنيئا لضرب الهام والمجد والعلى ... وراجيك والإسلام أنك سالم ولم لإيقي الرحمان حديك ما وقى ... وتفليقه هام العدى بك دائم

الباب الحادي عشر في المراسلات

الباب الحادي عشر في المراسلات مراسلات بين الملوك والعيان كتاب أبي القاسم بن الجد عن أمير المسلمين إلى أهل سبتة كتابنا أبقاكم الله وأكرمكم بتقواه. وسركم لما يرضاه. وأسبغ عليكم نعماه. وقد رأينا والله بفضله يقرن جميع آرائنا بالتسديد. ويخلنا في كافة أنحائنا من النظر الحميد. إن نولي أبا زكريا يحيى بن أبي بكر محل ابننا. الناشئ في حجرنا. أعزه الله وسدده فيما قلدناه إياه من مدينتي فاس وسبتة وجميع أعمالها حرسهما الله على الرسم الذي تولاه غير قبله. فأنفذنا ذلك له. لما توسمناه من مخايل النجابة قبله. ووصيناه بما نرجو أن يجتذيه ويمتثله. ويجري قوله وعمله. ونحن من وراء اختباره. والفحص عن أخباره. لأنني بحول الله في امتحانه وتجريبه: والعناية بتخريجه وتدريبه. والله عز وجل يحقق مخيلتنا فيه. ويوفقه من سداد القول والعمل إلى ما يرضيه. فإذا وصل إليكم خطابنا فالتزموا له السمع والطاعة. والنصح والمشايعة جهد الاستطاعة. وعظموا بحسب مكانه منا قدره. وامتثلوا في كل عمل من أعمال الحق نهيه وأمره. والله تعالى يمده بتوفيقه وهدايته ويعرفكم يمن ولايته بعزته (لابن خاقان) كتاب خالد إلى أبي بكر يخبره بفتح أجنادين بسم الله الرحمن الرحيم إني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. ثم أزيده حمداً وشكراً على سلامة المسلمين ودمار الأعداء وإخماد جمرتهم وانصداع بيضتهم. وإنا لقينا جموعهم بأجنادين مع وردان صاحب حمص وقد نشروا كتبهم ورفعوا أعلامهم وتقاسموا بدينهم أن لا يفرون ولا ينهزمون. فخرجنا إليهم وأيقنا بالله متوكلين على الله فعلم ربنا ما أضمرناه في أفئدتنا وسرائرنا فرزقنا الصبر وأيدنا بالنصر. وكبت أعداء الله فقتلنا منهم في كل فج وشعب وواد. وجملة من أحصينا من الروم ممن قتل خمسون ألفا وقتل من المسلمين في أول يوم وثانيه أربع مائة وخمسة وسبعون رجلا ختم الله لهم بالشهادة. ونحن راجعون إلى دمشق فادع الله لنا بالنصر. والسلام عليك وعلى جميع المسلمين ورحمة الله وبركاته (فتوح الشام للواقدي) كتاب الحريري إلى المسترشد بالله لما ولي الخلافة بعد المستظهر للدهر أعز الله أنصار الديوان العزيز وأدام له مساعفة الأقدار. ومضاعفة الاقتدار. وإيلاء صنائع المبار. والاستيلاء على جوامع المسار. خطوب متفاضلة القيم. كتفاضل ما تنشيه

كتاب ابن صمادح إلى المعتمد يغريه بقتل ابن زيدون وزير أبيه

من الغمم. وضروب متفاوتة الدرج. بحسب ما تفنيه من المهج. فأعظمها إيلاما للقلوب. وإضراماً للكروب. وإستجلابا للواعج الغموم. وإيجابا للوازم الحزن على العموم. رزء تساهم فيه الأنام. وأظلمت ليومه الأيام. وكان في معاهد الخلافة ناجما. وعلى سده الإمامة المقدسة هاجما. كالفجيعة بطود الدين الشامخ. ودوحة المجد الباذخ. وبحر الكرم الزاخر. وقبلة الماثر والمفاخر. واها هو خطب كاد يشيب منه الأطفال. وتنشق الأرض وتخر الجبال. غير أن الله جلت أسماؤه. وتعاظم علاؤه. نظر لأصناف عبيده. ومن على أهل توحيده. باستخلاف المسترشد بالله. ولولا هذه المنحة التي انتاشت الدين. وجبرت مصاب المسلمين. لفسدت الأرض. ولكن الله ذو الفضل على العالمين. نشر الله في الخافقين أعلام دولته. وحلى تواريخ السير بمناقب سيرته. وحقق آمال المستشفعين والمستضعفين في إسعافه ونصرته. قد التزم الخادم من شرائط هذين الأمرين المقدورين. والمقامين المشهورين. ما يلتزمه المباهي بإخلاص الطاعة. المتناهي في الخدمة المستطاعة. كتاب ابن صمادح إلى المعتمد يغريه بقتل ابن زيدون وزير أبيه يا أيها الملك العلي العظم ... اقطع وريدي كل باغ ينئم واحسم بسيفك داء كل منافق ... يبدي الجميل وضد ذلك يكتم لا تحقرن من الكلام قليله ... إن الكلام له سيوف تكلم فاحسم دواعي كل شر دونه ... فالداء يسري إن غدا لا يحسم كل سقط زند قد نما حتى غدا ... بركان نار كل شيء يحطم وكذلك السيل الجحاف فإنما ... أولاه طل ثم وبل يسجم واذكر صنيع أبيك أول مرة ... في كل متهم فإنك تعلم لم يبق منهم من توقع شره ... فصفت له الدنيا ولذ الطعم فعلى م تنكل عن صنيع مثله ... ولأنت أمضى في الخطوب وأشهم وجنانك الثبت الذي لا ينثني ... وحسامك العضب الذي لا يكهم والحال أوسع والعوالي جمة ... والمجد أشمخ والصريمة ضيغم لا تتركن للناس موضع تهمة ... واحزم فمثلك في العظام يحزم قد قال شاعر كندة فيما مضى ... بينا على مر الليالي يعلم لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ... حتى يراق على جوانبه الدم فاجعله قدوتك التي تعتادها ... في كل ما يبقى ورأيك أحكم واسلم على الأيام أنك زينها ... وجمالها والدهر دونك مأتم لازلت بالنصر العزيز مهنئا ... والدين عن محمود سعيك يبسم ووقيت مكروه والحوادث واغتدت ... طير السعود باككم تترنم

كتاب ألفنس بن سانشس إلى المعتمد

كتاب ألفنس بن سانشس إلى المعتمد (لما ملك أذفنش ابن شانجه أعمال طليطلة طمع في الاستيلاء على الجزيرة كلها. وهابت الملوك أمره لكون طليطلة نقطة دائرها وخاطب المعتمد على الله أبا القسم بن عباد يطلب منه تسليم أعماله إلى رسله وعماله وتشطط عليه في الطلب. وأظهر له السرور بالغلب. فيما خاطبه به) من الأنبيطور ذي الملتين الملك المفضل أذفنش بن شانجه إلى المعتمد بالله سدد الله آراءه وبصره مقاصد الرشاد. سلام عليك. من مشيد ملك شرفته القنا. ونبتت في ربعه المنى. باغترار الرمح بعامله. والسيف بساعد حامله. وقد أبصرتم بطليطلة نزال أقطارها. وما حاق بأهلها حين حصارها. فأسلمتم إخوانكم. وعطلتم بالدعة زمانكم. والحذر من أيقظ باله. قبل الوقوع في الحبالة. ولولا عهد سلف بيننا نحفظ زمانه. ونسعى بنور الوفاء أمامه. لنهض بنا نحوكم ناهض العزم ورائده. ووصل رسول الغزو ووارده. لكن الأقدار. تقطع بالأعذار. ولا يعجل إلا من خاف الفوت فيما يرومه. أو خشي الغلبة على ما يسومه. وقد حملنا الرسالة إليك القمس البرهانس وعنده من التسديد الذي تلقى به أمثالك. والعقل الذي تدبر به بلادك ورجالك. ما أوجب استنابته فيما يدق ويجل. فيما يصلح لا فيما يخل وأنت عندما تأتيه من آرائك. والنظر بعد هذا من ورائك. والسلام عليك. يسعى بيمينك وبين يديك (تاريخ العباديين) جواب المعتمد بالله إلى الملك ألفنس بن سانشس من الملك المصور بفضل الله المعتمد على الله محمد بن المعتضد بالله أبي عمرو بن عباد إلى أذفنش بن شانجه الذي لقب نفسه بملك الملوك وسماها بذي الملتين قطع الله بدعواه. سلام على من اتبع الهدى. أما بعد فإنه أول ما يبدأ به من دعواه أنه ذو الملتين والمسلمون أحق بهذا الاسم لأن الذي تملكوه من أمصار البلاد. وعظيم الاستعداد. ومجبى المملكة لا تبلغه قدرتكم. ولا تعرفه ملتكم. وإنما كانت سنة سعد أيقظ منها مناديك. وأغفل عن النظر السديد جميل مباديك. فركبنا مركب عجز نسخه الكيس. وعاطيناك كؤوس دعة قلت في اثنائها ليس. ولم تستحي أن تأمر بتسليم البلاد لرجالك. وإنا لنعجب من استعجالك. برأي لم تحكم أنحاؤه. ولا حسن انتحاؤه. وإعجابك بصنع وافقتك فيه الأقدار. واغتررت بنفسك أسوأ الاغترار. وتعلم أنا في العدد والعديد. والنظر السديد. ولدينا من كماة الفرسان. وحيل الإنسان. وحماة الشجعان. يوم يلتقي الجمعان. رجال تدرعوا الصبر. وكرهوا القبر. تسيل نفوسهم على حد الشفار. وينعاهم المنام في القفار. يديرون رحى المنون بحركات العزائم. ويشفون من خبط الجنون بخواتم العزائم. وقد أعدوا لك ولقومك جلادا رتبه الاتفاق. وشفارا حدادا شحذها الأصفاق. وقد يأتي المحبوب من المكروه. والندم من عجلة الشروه. نبهت من غفلة طال زمانها. وأيقظت من نومة تجدد إيمانها. ومتى كانت لأسلافك الأقدمين مع أسلافنا الأكرمين يد صاعدة. أو وقفة

مكتوب المعتمد بن عباد إلى يوسف بن تاشفين يستنجده على الأذفنش

متساعدة. والأذل تعلم مقداره. وتتحقق مثاره. والحمد لله الذي جعل عقوبتنا توبيخك وتقريعك بما الموت دونه. وبالله نستعين ولا نستبطئ في مسيرنا إليك والله ينصر دينه. والسلام على من علم الحق فاتبعه. واجتنب الباطل وخدعه. مكتوب المعتمد بن عباد إلى يوسف بن تاشفين يستنجده على الأذفنش (من إشبيلية في غرة جمادى الأولى سنة 379) . أيد الله أمير المؤمنين ونصره ونصر به الدين فإن نحن العرب في هذه الأندلس قد تلفت قبائلنا. وتفرق جمعنا. وتغيرت أنسابنا. بقطع المادة من حنيفيتنا. فصرنا فيها شعوبا لا قبائل وأشتاتاً لا قرابة ولا عشائر. فقل ناصرنا وكثر شامتنا. وتولى علينا هذا العدو المجرم اللعين أذفنش. وأناخ علينا بكلكله ووطئ بقدمه وأسر المسلمين وأخذ البلاد والقلاع والحصون ونحن أهل هذه الأندلس ليس لأحد منا طاقة على نصرة جاره ولا أخيه ولو شاءوا لفعلوا. إلا أن الهواء والماء منعهم عن ذلك وقد ساءت الأحوال. وانقطعت الآمال. وأنتم أيد الله سلطانكم سيد حمير. ومليكها الأكبر. وأميرها وزعيمها نزعت بهمتي إليكم. واستصرخت بالله وبكم. واستعنت بحرمكم. لتجوزوا لجهاد هذا العدو الكافر وتحيوا شريعة الإسلام. وتذبوا عن دين محمد. ولكم بذلك عند الله الثواب الكريم. والأجر الجسيم. ولا حول ولا قوة إلا بالله علي العظيم. والسلام الكريم. على حضرتكم السامية ورحمة الله وبركانه (تاريخ غرناطة لابن الخطيب) في الطلب والأشواق لما استأسر الروم صرار كتب إلى أخته وإلى معشر الإسلام ألا أيها الشخصان بالله بلغا ... سلامي إلى أطلال مكة والحجر فلاقيتما ما عشتما ألف نعمة ... بعز وإقبال يدوم مع النصر ولا ضاع عند الله ما تصنعانه ... فقد خف عني ما وجدت من الضر بصنعكما بي نلت خيرا وراحة ... كذلك فعل الخير بين الورى يجري وما لي وبيت الله موتي وإنما ... تركت عجوزا في المهامه والقفر ضعيفة حيل ليس فيها جلادة ... على نائبات الحادثات التي تجري وكنت لها ركنا بعيد رجالها ... وأكرمها جهدي وإن مسني فقري وأطعمها من صيد كفي أرانباً ... مع الظبي والوحش المقيمة في البر وأحمي حماها أن تضام فلم أزل ... لها ناصر في موقف الشر والضر وإني أردت الله لا شيء غيره ... وجاهدت في جيش الملاعين بالمسر كذلك أختي جاهدت كل كافر ... وما برحت بالطعن في الكر والفر تقول وقد جار الفراق ببينه ... ألا يا أخي ما لي على البين من صبر

للصاحب فخر الدين بن مكانس يستدعي سراج الدين الإسكندري ويداعبه

ألا يا أخي هذا الفراق فمن لنا=بخير رجوع قادم منك بالبشر ألا بلغاها عن أخيها تحية ... وقولا غريب مات في قبضة القهر جريح طريح بالسيوف مبضع ... على نصرة الإسلام والطاهر الطهر حمائم نجد بلغي قول شائق ... إلى عسكر الإسلام والسادة الغر وقولي ضرار في القيود مكبل ... بعيد عن الأوطان في بلد وعر وإن سألوا عني الأحبة خبري ... بأن دموعي كالسحاب وكالقطر حمائم نجد إن أتيت خيامنا ... فقولي كذاك الدهر عسر وقولي لهم أن الأسير بحرقة ... له علة بين الجوانح والصدر له من عداد العمر عشر وسبعة ... وواحدة عند الحساب بلا نكر وفي خده خال محته مدامع ... على فقد أوطان وكسر بلا جبر مضى سائرا يبغي الجهاد تبرعا ... فوافاه أولاد اللئام على غدر ألا فادفناني بارك الله فيكما ... ألا واكتبا هذا الغريب على قبري ألا يا حمامات الحطيم وزمزم ... ألا أخبري أمي ودلي على قبري عسى تسمح الأيام منها بزورة ... لقبر غريب لا يزار من النكر للصاحب فخر الدين بن مكانس يستدعي سراج الدين الإسكندري ويداعبه يا ذا الذي فكره مثل اسمه يقد ... فندت عنا وما من شأنك الفند بم اعتذارك عن هذا الصدود لنا ... هذا وقد ضممنا بالجيرة بالبدل عافاك ربك من داء القطيعة بل ... شفاك من داء أمر كله نكد فيم التواني والخلان قد حفلت ... على المودة لا حقد ولا حمد إن ذاع وصفك في تأديبهم طربوا ... أو جال ذكرك فيما بينهم سجدوا إن لم تشرف بناديهم فما شرفوا ... أو لم تنفق لهم آدابهم كسدوا إذا هجرت بني الآداب فابد لنا ... بم اعتذارك لا أهل ولا ولد قد صرت توحشهم بدعا وإن قربوا ... وكنت تؤنسهم قربا وإن بعدوا ما هكذا تفعل الدنيا بصاحبها ... فالناس بالناس ولإخوان تنتقد وبعد فاحضر وذنب البعد مغتفر ... وإن تطاول من هجرانك الأمد وأوعدوك فإن لم تأت نحوهم ... وكلهم منجز في الحال ما يعد وأنت أدرى بقوم أن بلوا سلقوا ... بألسن ما لقتلى حربها قود

في العتاب واللوم

لا زلت ترقى على زهر النجوم علا ... ما هبت الريح أقواما وما رصدوا في العتاب واللوم كتاب أبي بكر بن القصيرة عن أمير المسلمين وناصر الدين إلى طائفة متعدية أما بعد يا أمة لا تعقل رشدها. ولا تجري إلى ما تقتضيه نعم الله عندها. ولا تقلع عن أذى تفشيه قربا وبعدا وجهدا. فإنكم لا ترعون لجار ولا لغيره حرمة. ولا تراقبون في مؤمن إلا ولا ذمة. قد أعمالكم عن مصالحكم الأشر. وأضلكم ضلالا بعيدا البطر. ونبذتم المعروف وراء ظهوركم وآتيتم ما ينكر مقتديا في ذلك صغيركم بكبيركم. وخاملكم بمشهوركم. ليس فيكم زاجر. ولا منكم إلا غوي فاجر. وما نرى إلا أن الله عز وجل قد شاء مسخكم. وأراد نسخكم وفسخكم. فسلط عليكم الشيطان يغركم ويغريكم. ويزين لكم قبائح معاصيكم. وكأنكم به قد نكص علي عقبيه عنكم. وقال: إني بريء منكم. وترككم في صفقة خاسرة. لا تستقيلونها إن لم تتوبوا في دنيا ولا آخرة وحسبنا هذا أعذارا لكم. وإنذارا قبلكم. فتوبوا. وأنيبوا. واقلعوا. وانزعوا. واقتصوا من أنفسكم كل من وترتموه. وأنصفوا جميع من ظلمتموه وغشمتموه. ولا تستطيلوا على أحد بعد. ولا يكن إلى أذاه صدور ولا ورد. وإلا عاجلكم من عقوبتنا ما يجعلكم مثلا سائرا. وحديثا غابرا. فاتقوا الله في أنفسكم وأهليكم. وإياكم والاغترار فإنه يورطكم فيما يرديكم ويسوقكم إلى ما يشمت بكم أعاديكم. وكفى بهذا تبصرة وتذكرة. ليست لكم بعدها حجة ولا معذرة. ولا توفيق إلا بالله تعالى. كتاب الوزير الفقيه أبي القاسم ابن الجد عن أمير المسلمين وناصر الدين إلى أهل أشبيلية كتابنا أبقاكم الله وعصمكم بتقواه. ويسركم من الاتفاق ولائتلاف إلى ما يرضاه. وجنبكم من أسباب الشقاق والخلاف ما يسخطه وينهاه. من حاضرة مراكش حرسها الله لست بقين من جمادى الأولى سنة اثنتي عشرة وخمسمائة. وقد بلغنا ما تأكد بين أعيانكم من أسباب التباعد والتباين. ودواعي التحاسد والتضاغن. واتصال التباغض والتدابر. وتمادي التقاطع والتهاجر. وفي هذا على فقهائكم وصلحائكم مطعن بين. وغمز لا يرضاه مؤمن دين. فهلا سعوا في إصلاح ذات البين سعي الصالحين. وجدوا في إبطال أعمال المفسدين. وبذلوا في تأليف الآراء المختلفة وجمع الأهواء المفترقة جهد المجتهدين. ورأينا والله موفق للصواب. أن نعذر إليكم بهذا الخطاب. فإذا وصل إليكم. وقرئ عليكم. فاقمعوا الأنفس الأمارة بالسوء. وارغبوا في السكون والهدوء. ونكبوا عن طريق البغي الذميم المشنو. واحذروا دواعي الفتن. وعواقب الإحن. وما يجر داء الضمائر. وفساد السرائر. وعمى البصائر. ووخيم المصاير. وأشفقوا على

في المديح والتهنئة والشكر

أديانكم وأعراضكم. وتوبوا إلى الصلاح في جميع أغراضكم واخلصوا السمع والطاعة لوالي أموركم. وخليفتنا في تدبيركم. وسياسة جمهوركم. أخينا الكريم علينا أبي إسحاق إبراهيم أبقاه الله. وأدام عزه بتقواه. واعملوا أن يده فيكم كيدنا. ومشهده كمشهدنا. فقفوا عند ما يحضكم عليه. ويدعوكم إليه. ولا تختلفوا في أمر من الأمور لديه. وانقادوا واسلم انقياد لحكمه وعزمه. ولا تقيموا على ثيج عناد بين حده ورسمه. والله تعالى يفيء بكم إلى الحسنى. وييسركم إلى ما فيه صلاح الدين والدنيا. بقدرته (قلائد العقيان لابن خاقان) في المديح والتهنئة والشكر من كتاب لأبي محمد البسطامي إلى بعض الأمراء الحمد لله الذي أقام الأمير مقاما تسر به الخواطر. وأحيا به بلدة العلوم إحياء الروض بالسحب المواطر. وأعاد شمسها المنيرة إلى أفقها. وأحلها بالمطالع الذي هو من حقها. فعاد إلى وظيفتها عود الحلي إلى العاطل. وأظهرها به ظهور الحق على الباطل. فأصبحت منيرة شمسه ظاهرة في يومه بحسن ما عودها في أمسه. فنظر إليها نظر السحاب إلى مواقع وبلها. وحنوه على أهلها حنو المرضع على طفلها. فأصبحت رياح الأمن بها سارية. وسحاب اليمن من فوقها جارية والأرزاق تنهل من أقلامه كما ينهل المطر من مزنه. وأنواع الخيرات تجنى من كرمه كما جني الثمر من غصنه. لازالت أقلامه محكمة في أراضي العلماء. نافذا أمرها في أقاليم الفضلاء. كتب ذو الوزارتين أبو بكر بن أحمد بن رحيم إلى الوزير المشرف أخيه يهنيه بمولود من قصيدة ورد الكتاب به فرحت كأنني ... نشوان راح في ثياب تبختر لما فضضت ختامه فتبجلت ... بيض الأماني في سواد الأسطر قبلت من فرح به خد الثرى ... شكراً ولا حظ لمن لم يشكر يما مورد الخبر الشهي وحادي ال ... أمل القصي وهادي النباء السري زدني من الخبر الذي أوردته ... يا برد ذاك على فؤاد المخبر صفحا وعفوا للزمان فإنه ... ضحكت أسرة وجهه المتنمر طلع البشير بنجم سعد لاح من ... أفق العلى وبشبل ليث مخدر لله درك أي فرع سيادة ... أعطيته وقضيب دوحة مفخر طابت أرومته وأينع فرعه ... والفرع يعرف فيه طيب العنصر أنت الجدير بكل فضل نلته ... وحويته وبكل مكرمة حري تهنا رحيما إنها قد أنجبت ... برحيم المحمود أسنى مذخر نامت عيون الدهر عن جنباته ... وحمت مناهله متون الضمر

قال صفي الدين الحلي يشكر أنعام السلطان الملك المؤيد عماد الدين إسماعيل وقد حمل

وصفا له ولأخوة يتلونه ... ما الحياة لديك غير مكدر فلانت بدر السعد وهو هلاله ولأنت سيف المجد وهو السمهري لازلت تبقى للمحامد جامعا ... مع أحمد في ظل عيش أخضر والسعد ينشر فوق رأسك راية ... تبقى مع العليا بقاء الأدهر قال صفي الدين الحلي يشكر أنعام السلطان الملك المؤيد عماد الدين إسماعيل وقد حمل إليه تحفا وكسوات البيت وآلاته ومهماته جميعها جزاك الله من حسناك خيراً ... وكان لك المهيمن خيرا راع فقد قصرت بالإحسان لفظي ... كما طولت بالإنعام باعي فأخرني الحياء وليس يدري ... جميع الناس ما سبب امتناعي فاشكر حسن صنعك في اتصال ... وخطوي نحو ربعك في انقطاع وقافية شبيه الشمس حسناً ... تردد بين كفي واليراع لها فضل على غرر القوافي ... كما فضل البقاع على البقاع غدت تثني على علياك لما ... ضمنت لربها نجح المساعي فدمت ولا برحت مدى الليالي ... سعيد الجد ذا أمر مطاع كتاب لسان الدين بن الخطيب إلى بعض الفضلاء تعرفت قرب الدار ممن أحبه ... فكنت أجد البر لولا ضرورة لا تلو من آي المحامد سورة ... وأبصر من شخص المحاسن صوره كنت أبقاك الله تعالى لاغتباطي بولائك. وسروري بلقائك. أود أن أطوي إليك هذه المرحلة. وأجدد العهد بلقياك المؤملة. فمنع مانع. وما ندري في الآتي ما الله صانع. وعلى كل حال فشأني قد وضح منه سبيل مسلوك. وعمله مالك ومملوك. واعتقادي أكثر مما تسعه العبارة. والألفاظ المستعارة. وموصلها ينوب عني في شكر تلك الذات المستكملة شروط الوزارة. المتصفة بالعفاف والطهارة. والسلام (نفح الطيب للمقري) في التعزية كتاب أبي إسحاق الصابي إلى محمد بن العباس يعزيه عن طفل الدنيا أطال الله بقاء الرئيس أقدار ترد في أوقاتها. وقضايا تجري إلى غاياتها. ولا يرد منها شيء عن مداه. ولا يصد عن مطلبه ومنحاه. فهي كالسهام التي تثبت في الأغراض. ولا ترجع بالاعتراض. ومن عرف ذلك معرفة الرئيس لم عند يأثر الزيادة ولم يقنط عند المصيبة. ولم يجزع عند النقيضة. وأمن أن يستخف أحد الطرفين حكمه. ويستنزل أحد

لأبي فضل الميكالي تعزية إلى أبي عمرو البحتري في أخ

الأمرين حزمه. ولم يدع أن يوطن نفسه على النازلة قبل نزولها. ويأخذ الأهبة للحالة قبل حلولها. وأن يجاور الخير بالشكر. ويساور المحنة بالصبر. فيتخير فائدة الأولى عاجلا. ويستمرئ عائدة الأخرى آجلا. وقد نفذ من قضاء الله في المولى الجليل قدرا. الحديث سناما أرمض واقض. وأقلق وأمض. ومسني من التألم له ما يحق على مثلي ممن توالت أيدي الرئيس إليه. ووجبت مشاركته في الملم عليه. فإنا لله وإنا إليه راجعون. وعند الله نحتسبه غصنا ذوى. وشهابا خبا. وفرعا دل على أصله. وخطيا أنبته وشيجه. وإياه نسأل أن يجعله للرئيس فردا صالحا وذخرا عتيدا. وأن ينفعه يوم الدين حيث لا ينفع إلا مثله بين البنين بجوده ومجده. ولئن كان المصاب به عظيماً. والحادث فيه جسيما. لقد أحسن الله إليه. وإلى الرئيس فيه. أما إليه. فإن الله نزهه باحترام. عن اقتراف الآثام. وصانه بالاختصار. عن ملابسة الأوزار. فورد دنياه رشيدا. وصدر عنها سعيدا. نقي الصحيفة من سواد الذنوب. بريء الساحة من درن العيوب. لم تدنه الحرائر. ولم تعلق به الصغائر والكبائر. قد رفع الله عنه دقيق الحساب. واسهم له الثواب مع أهل الصواب. وألحقه بالصديقين الفاضلين في المعاد. وبوأه حيث فضلهم من غير سعي واجتهاد. وأما الرئيس فإن الله لما اختار ذلك قبضة قبل رؤيته وقبل معانيه على الحالة التي يكون مها رقة. التي تتضاعف عندها الحرقة. وحماه من فتنة المرافقة. ليرفعه عن جزع المفارقة. وكان هو المبقى في دنياه. والواجب الماضي الذخيرة لأخراه. وقد قيل إن تسلم الحلة فالسخل هدر. وعزيز علي أن أقول المهون للمر من بعده ولا أوفي التوجه عليه. واجب فقده فهو له سلالة ومنه بضعة. ولكت ذلك طريق التسلية. وسبيل التعزية. والمنهج المسلوك في مخاطبة مثله ممن يقبل منفعة الذكرى وإن أغناه الاستبصار. ولا يأبي ورود الموعظة وإن كفاه الاعتبار. والله تعالى يقي الرئيس المصائب. ويعيده من النوائب. ويرعاه بعينه التي لا تنام. ويجعله في حماه الذي لا يرام. ويبقيه موفورا عير منتقص. يقدمنا إلى السوء أمامه. وإلى المحذور قدامه. ويبدأ بي من بينهم في هذه الدعوة. إذ كنت أراها من أسعد أحوالي. وأعدها من أبلغ أماني وآمالي (للقيرواني) لأبي فضل الميكالي تعزية إلى أبي عمرو البحتري في أخ لقد عاش أخوك نبيه الذكر. جليل القدر. عبق الثناء والنشر. يتجمل به أهل بلده. ويتباهى بمكانه ذوو مودته. ويفتخر الأثر وحاملوه بتراخي بقائه ومدته. حتى إذا تسنم ذروة الفضائل والمناقب. وظهرت محاسنه كالنجوم الثواقب. اختطفته يد المقدار. ومحت أثره بين الآثار. فالفضل خاشع الطرف لفقده. والكرم خالي الربع من بعده. والحديث يندب حاله ودرسه. وحسن العهد يبكي كافله وحارسه.

للفقيه الكاتب أبي عبد الله اللوشي رسالة كتب بها إلى أمير المسلمين يعزيه في

للفقيه الكاتب أبي عبد الله اللوشي رسالة كتب بها إلى أمير المسلمين يعزيه في الأمير مزدلي أطال الله بقاء أمير المسلمين. وناصر الدين. الشائع عدله. السابغ فضله. العظيم سلطانه. العلي مكانه. السني قدره وشانه. في سعد تطرف عنه أعين النوائب. وجد تصرف دونه أوجه المصائب. كل رزء أدام الله تأييده وأن عظم وجل. حتى استولى على النفوس منه الوجل. إذا عدا بابه. وتخطى بنابه. فقد أخطأ بحمد الله المقتل. وصد عن سواء الغرض وعدل. وإذا كانت أقدار الله تعالى غالبة لا تصاول. وأحكامه نافذة لا تزاول. فالصبر لواقعها أولى. وكتبته أدام الله تأييده والنفس بنار زفراتها محترقة. والعين بماء عبراتها شرقة مغرورقة. لما نفذ قدر الله المقدور. وقضاؤه المسطور. من وفاة الأمير الأجل أبي محمد مزدلي قدس الله وجه. وسقى ضريحه. فيا له من رزء قصم الظهر. ووسم النجوم الزهر. وأذكى الأحزان. وأبكى الأجفان. وأقصى المهاد بمكانته من الدولة المنيفة. ومنزلته من الإمرة الرفيعة الشريفة. وعند الله نحتسبه ذخيرة عظمى. ونسأله المغفرة له والرحمة. فإنه كان نور الله وجهه متوفر الهمة على الجهاد. من أهل الجد في ذلك والاجتهاد. وحسبه أنه لم يقض نحبه إلا وهو متجهز في عساكره فأدركه الموت مهاجرا. ومع الله تاجرا. وأرجو أن يكون تعالى قد قرن له فاتحة السعادة. بخاتمة الشهادة. وأمير المسلمين أورى في الرئاسة زندا من أن تضعضعه الخطوب وأن أهمّت. وتوجعه الحوادث إذا ادلهمت. والله يحسن عزاءه على فجعه. ولا يدني حادثا بعده من ربعه. بمنه عز وجل. كتب الوزير أبو محمد بن القاسم معزيا أبا الحسن بن زنباع قي قريب مات له يشاطرك الصبابة والسهادا ... ويمخضك المحبة والودادا صديق لو كشفت الغيب عنه ... وجدت هواك قد ملأ الفؤادا يعز عليه رزء بت عنه ... شقيق النفس تلهمها سدادا أنشفق للعباد ونحن منهم ... من الرب الذي خلق العبادا أراد بنا الفناء على سواء ... ولا بد لنا مما أرادا لئن قدمت علقما مستفادا ... لقد أكرمت حظا مستفادا ومثلك لا يضعضعه مصاب ... ولا يعطي لنائبه قيادا وما زلت الرشيد نهى وحاشى ... لمثلك أن نعلمه الرشادا

أحسن ما في الدهر عمومه بالنوائب. وخصوصه بالرغائب. فهو يدعو الجفلى إذا ساء. ويختص

كتب بديع الزمان الهمذاني إلى أبي عامر عدنان الضبي يعزيه ببعض أقاربه إذا ما الدهر جر على أناس ... حوادثه أناخ بآخرينا فقل للشامتين بنا أفيقوا ... سيلقى الشامتون كما لقينا أحسن ما في الدهر عمومه بالنوائب. وخصوصه بالرغائب. فهو يدعو الجفلى إذا ساء. ويختص بالنعمة إذا شاء. فلينظر الشامت فإن كان أفلت. فله أن يشمت. وينظر الإنسان في الدهر وصروفه. والموت وصنوفه. من فاتحة أمره. إلى خاتمة عمره. هل يجد أثراً في نفسه أم لتدبيره. عونا على تصويره. أم لعمله. تقديما لأمله. أم لحيله. تأخيرا لأجله. كلا بل هو العبد لم يكن شيئاً مذكوراً. خلق مقهوراً. ورزق مقدوراً. فهو يحيا جبراً. ويهلك صبراً. وليتأمل المرء كيف كان قبلاً. فإن كان العدم أصلاً. والوجود فضلاً. فليعلم الموت عدلاً. والعاقل من رفع من حوائل الدهر ما ساء ليذهب ما ضر بما نفع. وإن أحب أن لا يحزن فلينظر يمنة. هل يرى إلا يمنة. ثم ليعطف يسرة. هل يرى إلا حسرة. ومثل الشيخ الرئيس من تفطن لهذه الأسرار. وعرف هذه الديار. فأعد لنعمتها صدرا لا يملؤه فرحا. ولبؤسها قلبا لا يطيره جزعا. وصحب الدهر برأي من يعلم أن للمتعة حدا. وللعارية ردا. ولقد نعي إلي أبو قبيصة قدس الله روحه. وبرد ضريحه. فعرضت علي آمالي قعودا. وأماني سودا. وبكيت والسخي بما يملك. وضحكت وشر الشدائد ما يضحك. وعضضت الإصبع حتى أفنيته. وذممت الموت حتى تمنيته. والموت خطب قد عظم حتى هان. وأمر قد خشن حتى الآن. ونكر قد عم حتى عاد عرفا. والدنيا قد تنكرت حتى صار الموت أخف خطوبها. وجنت حتى صار أصغر ذنوبها. وأضمرت حتى صار أيسر غيوبها. وأبهمت حتى صار أظهر عيوبها. ولعل هذا السهم آخر ما في كنانتها. وأزكى ما في خزانتها. ونحن معاشر التبع نتعلم الأدب من أخلاقه. والجميل من أفعاله. فلا نحثه على الجميل وهو الصبر. ولا نرغبه في الجزيل وهو الأجر. فلير فيهما رأيه. إن شاء الله تعالى (رسائل بديع الزمان الهمذاني) كتب أبو بكر الخوارزمي إلى رئيس طوس يعزيه عن شقيق له كتابي عن سلامة، وما سلامة من يرى كل يوم ركنا مهدوداً. ولحدا ملحوداً. وأخا مفقوداً. وحوضا من المنية موروداً. ويعلم أن أيامه مكتوبة. وأنفاسه محسوبة. وإن شباك المنايا له منصوبة. أف لهذه الدنيا ما أكدر صافيها. وأخيب راجيها. وأغدر أيامها ولياليها. وأنغص لذاتها وملاهيها. تفرق بين الأحباء والأحباب بالفوات. وبين الأحياء والأموات بالرفات. ورد علي خبر وفاة فلان. فدارت بي الأرض حيرة. وأظلمت في عيني الدنيا حسرة وملأ الوله والوهل قلبي وساوس وفكرة. وتذكرت ما كان يجمعني وإياه من سكري الشباب والشراب. فعلمت أنه شرب بكاس أنا شارب من شرابها. ورمي بسهم سوف أرمى بها. فبكيت

وكتب إلى قاضي سجستان حين نكبه أميرها

عليه بكاء لي نصفه. وحزنت عليه حزنا لنفسي شطره. وسألت الله تعالى أكرم مسئول. وأعظم مأمول. أن يفيض عليه من رحمته. ما يتمم به سهمه من نعمته. وأن يتغمد كل زلة ارتكبها برحمته. ويضاعف له كل حسنة اكتسبها بمنته. وأن يذكر له تلك الأخلاق الكريمة. وتلك المروءة الواسعة العظيمة. ثم تذكرت ما نزل بسيدي من الوحشة لفقده. والغمة من بعده. والتحسر على قربه ببعده. فخلص إلى قلبي وجع ثان أنساني الماضي. وثالث أنساني الثاني. حتى استفزع ذلك ما في صبري. بل ما في صدري. وحتى صار الوجع وجعين. والمصاب اثنين. ثم رجعت إلى أدب الله تعالى فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم لا شكاية لقضائك. ولا استبطاء لجزائك. ولا كفران لنعمتك. ولا مناصبة لقدرتك. اللهم ارحم الماضي رحمة تحبب إليه مماته. وابق الحي بقاء يهنيه حياته. واطبع على قلبه حتى لا يطيع داعية الجزع. ولا يضع عنانه بيد الهلع. ولا يثلم جانب الأجر والذخر بالإثم والوزر. ولا يجد عدوه الشيطان سبيلا إليه. ولا سلطانا عليه. اقتصرت من تعزية سيدي على هذا المقدار. لا جريا على مذهبي في الاقتصار والاختصار. ولكني لم أجد من لساني بسطة. ولا في قريحتي فضلة. ويحق لهذه الفادحة الحادثة أن تدع اللسان محصورا. والبيان مقصورا. أو أن تحدث في العقل خللا. وفي البيان شللا. وليعرفني سيدي خير ما هداه الله إليه من جميل العزاء. الذي لم يعدم جميل الجزاء. ليكون سكوتي إلى ما أعرفه من سلوته. أضعاف قلق كان بما ظننته من حرقته. وإن كنت اعلم أنه لا يخلي ساحة الحلم والعلم. ولا يخل بالواجب من التمسك بالحزم. ولا يحل عقدة صبره. ولا نتداعى أركان صدره. ولا يعمى الرشد في جميع أمره. وهذه شريطة الكمال. وسجية الرجال. وكتب إلى قاضي سجستان حين نكبه أميرها أما بعد أيد الله القاضي فإنه لم يحسن إلى غيره من أساء إلى نفسه. ولم ينصر أصدقاءه. من خذل حوباءه. وإنما يحب المرء أخاه بما فضل عن محبته لروحه التي له خيرها. وعليه ضيرها. وكانت محنة القاضي محنة شملت الأنام. وخصت الكرام. ووجب على كل من اشتم روائح العقل. وميز بين النقصان والفضل. أن ينفطر لها ألما. وأن يبكي عندها دما. وخلص إلي من ذلك ما أضحك مني الأعداء. وأبكى لي الأصدقاء. حتى غضضت طرفا طالما رفعته. وقبضت بنانا طالما بسطته. وحتى عزيت كما يعزى الثكلان. وسليت كما يسلى اللهفان. وأنا بعد ذلك استصعر فعل نفسي وهي جزعة هلعة. واستقل سعي عيني وهي سخية دمعة. وكان يجب على مقتضى هذه الجملة. وأساس هذه البنية. أن أحضر مجلس القاضي فأصابره نهارا وأساهره ليلا وتكون المحنة بيني وبينه أحملها عنه ويحملها عني. ولكني علمت أن والينا هذا رجل ينظر إلى الذنب الخفي. ويتغابى عن العذر الجلي. وله أذنان واحدة يسمع بها البلاغات وهي كاذبة. وأخرى يصم بها عن المعاذير وهي صادقة. وليس بينه وبين العفو نسب. ولا له إلى التثبت

قال صفي الدين الحلي يعزي الملك الأفضل صاحب حماة بوالده الملك المؤيد

طريق ولا مذهب. ولو تعرضت لسخطه. بعد ما عرفته من شططه. لتحملت دونه الوزر في ظلمي. ولكنت مقدمته إلى ذمي. ومن قعد تحت الريبة ركبته. ومن تعرض للظنة نالته ومن دعا الناس إلى ذمه ... رموه بالحق وبالباطل وأقل ما كان ينبعث من حضوري أن يثب هذا الجواد وثبة يصون القاضي عنها. ويبتذلني لها. فأكون قد ضررت نفسي ولم أنفع غيري فإذا بالمحنة قد تضاعفت على القاضي ضعفين. وتكررت عليه كرتين. يرى بولي من أوليائه. داء لا يقدر على دوائه. ويرى وقودا لا يصل إلى إطفائه. ويتبين في حالة متصلة بحالة ثلمة لا يمكن سدها. ومحنة لا يستوي لها ردها. فلما مثلت بين تخلفي آمنا. وحضوري خائفا. عدلت بين طرفي في الرؤية. ووزنت بين مقداري المحنة. فرأيت أن أميل مع السلامة. وأقنع من العمل بالنية. واغتفر عهدة التفصيل لصحة الجملة. فغبت وكلي غير جسمي شاهد. وتميزت وما أنا إلا مشاهد. وبعدت وقلبي سهيم. وأغضيت على عين كلها قذى. وانطويت على صدر كله شجا. وانصرفت بقلب ساقط راض وأغمضت بجفن ضاحك باك وقلت: فإن تسجنوا القسري لا تسجنوا اسمه ... ولا تسجنوا معروفه في القبائل ولقد نسجت في ذم الظالم حلالا لا يبلها الماء. ولا يجففها الهواء. ولا تغطي عليه الظلماء. والمغبون من احتقب الإثم والغارم من غرم العرض والرابح من محنته فانية. ومثوبته باقية. ولو أنصف الظالم لكان يعزى. ولو أنصف المظلوم لكان يعنى. جعل الله تعالى هذه الحادثة بتراء عقماء ليس لها مدد. ولا ليومها غد. وجعل العمل بها آخر عهد القاضي بالعسر. وخاتمة لقائه لريب الدهر. ولا حرمه فيما نزل به مثوبة الصابرين. ولا أخلاه فيما بعده من الشاكرين. برحمته. قال صفي الدين الحلي يعزي الملك الأفضل صاحب حماة بوالده الملك المؤيد خفض همومك فالحياة غرور ... ورحى المنون على الأنام تدور والمرء في دار الفناء مكلف ... لا قادر فيها ولا معذور والناس في الدنيا كظل زائل ... كل إلى حكم الفناء يصير فالنكس والملك المتوج واحد ... لا آمر يبقى ولا مأمور عجبا لمن ترك التذكر وانثنى ... في الأمن وهو بعيشه مغرور في فقدنا الملك المؤيد شاهد ... ألا يدوم مع الزمان سرور ملك تيمنت الملوك برأيه ... فكأنه لصلاحهم إكسير ما آل أيوب الذين سماحهم ... بحر بأمواج الندى مسجور وبكت له أهل الثغور وطالما ... ضحكت لدست الملك منه ثغور

كتب الطغرائي إلى معين الملك فضل الله في نكبته

أمسى عماد الدين بعد علومه ... ولطبه عما عراه قصور وإذا القضاء جرى بأمر نافذ ... غلط الطبيب وأخطأ التدبير إن لمت صرف الدهر فيه أجابني ... أبت النهى أن يعتب المقدور أو قلت أين ترى المؤيد قال لي ... أين المظفر قبل والمنصور أم أين كسرى ازردشير وقيصر ... والهرمزان وقبلهم سابور أين ابن داود سليمان الذي ... كانت بجحفله الجبال تمور والريح تجري حيث شاء بأمره ... منقادة وبه البساط يسير فتكت بهم أيدي المنون ولم تزل ... خيل المنون على الأنام تغير لو كان يخلد بالفضائل ماجد ... ما ضممت الرسل الكرام قبور كل يصير إلى البلى فأجبته ... إني أعلم واللبيب خبير كتب الطغرائي إلى معين الملك فضل الله في نكبته فصبرا معين الملك إن عن حادث ... فعاقبة الصبر الجميل جميل ولا تيأسن من صنع ربك له ... ضمين بأن الله سوف يديل فإن الليالي إذ يزول نعيمها ... تبشر أن النائبات تزول ألم تر أن الليل بعد ظلامه ... عليه لإسفار الصباح دليل ألم تر أن الشمس بعد كسوفها ... لها صفحة تغشى العيون صقيل وأن الهلال النضو يقمر بعد ما ... بدا وهو شخت الجانبين ضئيل فقد يعطف الدهر الأبي عنانه ... فيشفى عليل أو يبل غليل ويرتاش مقصوص الجناحين بعد ما ... تساقط ريش واستطار نسيل ويستأنف الغصن السليب نضاره ... فيورق ما لم يعتوره ذبول وللنجم من بعد الرجوع استقامة ... وللحظ من بعد الذهاب قفول وبعض الروايا يوجب الشكر وقفها ... عليك وأحداث الزمان نكول ولا غرو أن أخنت عليك فإنما ... يصادم بالخطب الجليل جليل وأي قناة لم ترنح كعوبها ... وأي حسام لم تصبه فلول أسأت إلى الأيام حتى وترتها ... فعندك أضغان لها وتبول وصارمتها فيما أرادت صروفها ... ولولاك كانت تنتحي وتصول وما أنت إلا السيف يسكن غمده ... ليشقى به يوم النزال قتيل وما لك بالصديق يوسف أسوة ... فتحمل وطء الدهر وهو ثقيل وما غض منك الحبس والذكر سائل ... طليق له في الخافقين زميل

في الوصاة

فلا تذعن للخطب آدك ثقله ... فمثلك للأمر العظيم حمول فلا تجزعن للكبل مسك وقعه ... فإن خلاخيل الرجال كبول في الوصاة كتب بديع الزمان إلى أبي نصر الميكالي يوصيه بأبي نصر أنا في مفاتحة الأمير بين ثقة تعد. ويد ترتعد. ولم لا يكون ذلك البحر وغن لم أره. فقد سمعت خبره. ومن رأى من السيف أثره. فقد رأى أكثره. وإذا لم ألقه. فهل أجهل خلقه. وما وراء ذلك من تالد أصل ونشب. وطارف فضل وأدب. وبعد همة وصيت. فمعلوم تشهد بذلك الدفاتر. والخبر المتواتر. وتنطق به الأشعار. كما تختلف عليه الآثار. والعين أقل الحواس إدراكا. والآذان أكثرها استمساكا. أن شيخنا أبا نصر بن دوسنام سألني طول هذه المدة. مكاتبة تلك السدة. مستشفعا بكتابي إلى الخلق العظيم. والعلق الكريم. والفضل الجسيم. وكل شيء على الميم في باب التفخيم. وبي أن أعرف شغل شاغل. وحتى أقبل وأداخل. دخولا معلوما. لا يقتضي لوما. فلا تظنن إلا الجميل وعرفته أن المرء وجوده. ثم جوده. وشفيع لا يعرف غريب ولكنه من غريب الخبيث. لا من غريب الحديث. فأبى إلا أن أفعل وقد فعلت على السخط من القرط. فإن قبلت الشفاعة فالمجد يأبي ألا أن يعمل عمله. وأن ردت فليست كلمة السوء مثله. والسلام. كتاب ابن الخطيب إلى شيخه أبي عبد الله بن مرزوق التلمساني شافعا يا سيدي أبقاكم الله تعالى محط الآمال وقبلة الوجوه. وبلغ سيادتكم ما تؤمله من فضل الله تعالى وترجوه. وكلأ بعين حفظه ذاتكم الفاخرة. وجعل عز الدنيا متصلا لكم بعز الآخرة. بعد تقبيل يدكم التي يدها لا تزال تشكر. وحسنتها عند الله تعالى تذكر. أنهي إلى مقامكم أن الشيخ أبا فلان مع كونه مستحق التجلة. بهجرة إلى أبوابكم الكريمة قدمت. ووسائل من أصالة وحشمة كرمت. وفضل ووقار وتنويه للولاية إن كانت ذات احتقار وسن اقتضى الفضل بره. وأدب شكر الاختبار عليه وسره. وله بمعرفة سلفكم الأرضى وسيلة مرعية. وفي الاعتراف بنعمتكم مقامات مرضية. وتوجه إلى بابكم والتمسك بأسبابكم. والمؤمل من سيدي ستره بجناح رعيه في حال الكبرة. ولحظه بطرف المبرة. أما في استعمال يليق بذوي الاحتشام أو سكون تحت رعي واهتمام. وإعانة على عمل صالح يكون مسكة ختام. وهو أحق الغرضين بالتزام. وإحالة سيدي في حفظه رسم مثله. على الله تعالى الذي يجزي المحسنين بفضله. ومنه نسأل أن يديم أيام المجلس العلمي محروسا من النوائب. مبلغ الآمال والمآرب. والمملوك قد قرر شأنه في إسعاف المقاصد المأمولة من الشفاعة إليكم. والتحسب في هذه الأبواب عليكم. وتقليب القلوب بيد الله تعالى الذي يعطي ويمنع. ويملك الأمر أجمع. والسلام (نفح الطيب للمقري)

الباب الثاني عشر في التراجم

الباب الثاني عشر في التراجم شعراء الجاهلية أعشى قيس (629 م) هو ميمون بن قيس بن جندل ويكنى أبا بصير وهو واحد من أحد الأعلام من شعراء الجاهلية وفحولهم. تقدم على سائرهم وليس ذلك بمجمع عليه لا فيه ولا في غيره. وكان قوم يقدمون الأعشى على سائر الشعراء فيحتجون بكثرة تصرفه في المديح والهجو وسائر فنون الشعر وليس ذلك لغيره. ويقال أنه أول من سأل بشعره وانتجع به أقاصي البلاد. وكان يغني في شعره فكانت العرب تسميه صناجة العرب. ومن أخباره أنه أتى الأسود العنسي وقد امتدحه فاستبطأ جائزته. فقال الأسود: ليس عندنا عين ولكن نعطيك عرضا. فأعطاه خمسمائة مثقال دهنا وبخمسمائة حللا وعنبرا. فلما مر ببلاد بني عامر خافهم على ما معه فأتى علقمة بن علاثة. فقال له: أجرني. فقال: قد أجرتك. قال: من الجن والإنس. قال نعم. قال ومن الموت. قال: لا. فأتى عامر بن الطفيل. فقال: أجرني. فقال قد أجرتك. قال: من الجن والإنس. قال: نعم. قال: ومن الموت. قال: نعم. قال: وكيف تجيرني من الموت. قال: إن مت وأنت في جواري بعثت إلى أهلك الدية. فقال: الآن علمت أنك قد أجرتني من الموت. فمدح عامراً وهجا علقمة. فقال علقمة: لو علمت الذي أراد كنت أعطيته إياه. ويخبر عن الأعشى أنه لما ظهر الإسلام وفد على محمد بقصيدة. فبلغ خبره قريشا فرصدوه على طريقه وقالوا: هذا صناجة العرب ما مدح أحدا قط إلا رفع من قدره. فلما ورد عليهم قالوا له: أين أردت يا أبا بصير. قال: أردت صاحبكم هذا لسلم. قالوا: غنه ينهاك عن خلل ويحرمها عليك. وكلها بك رفق ولك موافق. قال: وما هن. فقال أبو سفيان بن حرب: القمار. قال: لعلي أن لقيته أن أصيب منه عوضا من القمار. ثم ماذا. قالوا: الربا. قال: ما دنت ولا أدنت. ثم ماذا. قالوا: الخمر. قال: أوه ارجع إلى صبابة قد بقيت لي في المهراس فأشربها. فقال له أبو سفيان: هل لك في خير مما هممت به. قال: وما هو. قال: نحن وهو الآن في هدنة فتأخذ مائة من الإبل وترجع إلى بلدك سنتك هذه وتنظر ما يصير إليه أمرنا فإن ظهرنا عليه كنت قد أخذت خلفا وإن ظهر علينا أتيته. فقال: ما أكره ذلك. فقال أبو سفيان: يا معشر قريش هذا الأعشى والله لئن أتى محمدا ليضرمن عليكم نيران العرب

أوس بن حجر (620 م)

بشعره. فاجمعوا له مائة من الإبل. ففعلوا فأخذوها وانطلق إلى بلده. فلما كان بقاع منفوحة رمى به بعيره فقتله (الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني) أوس بن حجر (620 م) قال الأصمعي: هو أوس بن حجر بن مالك شاعر تميم من شعراء الجاهلية وفحولها. يجيد في شعره ما يريد. وهو من الطبقة الثانية وكان انقطع إلى فضالة بن كلدة لما جاد عليه النعم. فلما مات فضالة وكان يكنى أبا دليجة. قال فيه أوس بن حجر يرثيه: يا عين لابد من سكب وتهمال ... على فضال جل الرزء والعالي أبا دليجة من توصي بأرملة ... أم من لأشعث ذي طمرين ممحال أبا دليجة من يكفي العشيرة إذ ... أمسوا من الأمر في لبس وبلبال لا زال مسك وريحان له ارج ... على صداك بصافي اللون سلسال ومن فاضل مراثيه ونادرها قوله: أيتها النفس أجملي جزعا ... إن الذي تكرهين قد وقعا إن الذي جمع السماحة والن ... م جدة والحزم والقوى جمعا المخلف المتلف المزرأ لم ... يمتع بضعف ولم يمت طبعا أودى وهل تنفع الإشاحة من ... شيء لمن قد يحاول النزعا وعمر أوس بن حجر طويلا وكانت وفاته في أول ظهور الإسلام تأبط شرا (530 م) هو ثابت بن جابر بن سفيان الفهمي أحد محاضرين العرب ومغاويرهم المعدودين. وقد غلب عليه هذا اللقب لما خبره الأصمعي قال: سار تأبط شرا في ليلة ذات ظلمة وبرق ورعد فأخذ عليه الطريق أسد وقيل غول فلم يراوغه وهو يطلبه ويلتمس غرة منه فلا يقدر عليه حتى ظفر به وقتله. فلما أصبح حمله تحت إبطه وجاء به إلى أصحابه فقالوا له: لقد تأبطت شرا فقال: ألا من مبلغ فتيان فهم ... بما لاقيت عند رحى بطان وإني قد لقيت الغول تهوي ... بسهب كالصحيفة صحصحان فقلت لها كلانا نضو أين ... أخو سفر فخلي لي مكاني فشدت شدة نحوي فأهوى ... لها كفي بمصقول يماني فأضربها بلا دهش فخرت ... صريعا لليدين وللجران فقالت عد فقلت لها رويدا ... مكانك إنني ثبت الجنان فلم أنفك متكئا عليها ... لأنظر مصبحا ماذا أتاني

إذا عينان في رأس قبيح ... كرأس الهر مشقوق اللسان وساقا مخدج وشواة كلب ... وثوب من عباء أو شنان ومن أخباره أنه كان يشتار عسلا من غار من بلاد هذيل يأتيه كل عام. وإن هذيلاً ذكرته فرصدوه لإبان ذلك حتى إذا جاء هو وأصحابه تدلى فدخل الغار وقد أغاروا عليهم. فانفروهم وسبقوهم ووقفوا على الغار. فحركوا الحبل فأطلع تأبط شرا رأسه. فقالوا: اصعد. فقال: لا أراكم. قالوا: بلى قد رأيتنا. فقال: فعلام اصعد أعلى الطلاقة أو الفداء. قالوا: لا شرط لك. قال: فأراكم قاتلي وآكلي جنادئي. لا والله لا أفعل. قال: وكان قبل ذلك نقب في الغار نقبا أعده للهرب. قال: فجعل يسيل العسل من الغار ويهريقه ثم عمد إلى الزق فشده على صدره ثم لصق بالعسل. فلم يبرح يتزلق عليه حتى خرج سليما. وفاتهم موضعه الذي وقع فيه وبين القوم مسيرة ثلاث. فقال تأبط شرا في ذلك: أقول للحيان وقد صفرت لهم ... وطابي ويومي ضيق الحجر معور لكم خصلة إما فداء ومنة ... وإما دما والقتل بالحر أجدر وأخرى أصادي النفس عنها وإنها ... لمورد حزم إن ظفرت ومصدر فرشت لها صدري فزل عن الصفا ... بد جؤجؤ صلب ومتن مخصر فخالط سهل الأرض لم يلدح الصفا ... به كدحة خزيان والموت ينظر فأبت إلى فهم وما كنت آئبا ... وكم مثلها فارقتها وهي تصفر إذا المرء لم يحتل وقد جد جده ... أضاع وقاسى أمره وهو مدبر ولكن أخو الحزم الذي ليس نازلا ... بد الأمر إلا وهو للحزم مبصر فذاك قريع الدهر ما كان حولا ... إذا سد منه منخر جاش منخر فإنك لو قايست بالصب حيلتي ... بلحيان لم يقصر بي الدهر مقصر وكان تأبط شراً أعدى ذي رجلين وذي ساقين وذي عينين. وكان إذا جاع لم تقم له قائمة فكان ينظر إلى الظباء فينتقي على نظره أسمنها. ثم يجري خلفه فلا يفوته حتى يأخذه فيذبحه بسيفه فيشويه ثم يأكله. وقيل إن تأبط شرا لقي ذات يوم رجلا من ثقيف يقال له أو وهب كان جبانا أهوج وعليه حلة جيدة. فقال أبو وهب لتأبط شرا: بم تغلب الرجال يا ثابت وأنت كما أرى دميم ضئيل. قال: باسمي. إنما أقول ساعة ما ألقى الرجل: أنا تأبط شرا فينخلع قبله حتى أنال منه ما أردت. فقال له الثقفي: فهل لك إن أن تبيعني اسمك. قال: نعم. قال: فبم تبتاعه. قال: بهذه الحلة وبكنيتي. قال له: افعل ففعل. وقال له تأبط شرا: لك اسمي ولي كنيتك. وأخذ حلته وأعطاه طمريه ثم انصرف. وقال في ذلك يخاطب زوجة الثقفي: ألا هل أتى الحسناء أن حليلها ... تأبط شرا وأكتنيت أبا وهب

حارث بن حلزة (560 م)

فهبه تسمى اسمي وسميت باسمه ... فأين له صبري على معظم الخطب وأين له بأس كبأسي وسورتي ... وأين له في كل فادحة قلبي وقتل تأبط شرا في بلاد هذيل. ورمي به في غار يقال له رخمان (الأغاني) حارث بن حلزة (560 م) هو ابن مكروه بن يزيد اليشكري البكري صاحب المعلقة. وكان من خبر هذه القصيدة والسبب الذي دعا الحارث إلى قولها أن عمرو بن هند الملك وكان جبارا عظيم الشأن والملك لما جمع بكرا وتغلب ابني وائل وأصلح بينهما أخذ من الحيين رهنا من كل حي مائة غلام ليكف بعضهم عن بعض. فكان أولئك الرهن يكونون معه في مسيره ويغزون معه. فأصابتهم سموم في بعض مسيرهم فهلك عامة التغلبيين وسلم البكريون. فقالت تغلب لبكر: أعطونا ديات أبنائنا فإن ذلك لكم لازم. فأبت بكر بن وائل. فاجتمعت تغلب إلى عمرو بن كلثوم وأخبروه بالقصة. فقال عمرو: أرى والله الأمر سينجلي عن أحمر أصلح أصم من بني يشكر. فجاءت بكر بالحارث بن حلزة وجاءت تغلب بعمرو بن كلثوم. فلما اجتمعوا عند الملك قال عمرو بن كلثوم للحارث بن حلزة: يا أصم جاءت بك أولاد ثعلبة تناضل عنهم وهم يفخرون عليك. فقال الحارث: وعلى من أظلت السماء كلها يفخرون ثم لا ينكر ذلك. وقام الحارث بن حلزة فارتجل قصيدته هذه ارتجالا. توكأ على قوسه وأنشدها واقتطم كفه وهو لا يشعر من الغضب حتى فرغ منها. قال ابن الكلب: أنشد الحارث عمرو بن هند هذه القصيدة وكان به وضح فقيل لعمرو بن هند إن به وسحا. فأمر أن يجعل بينه وبينه ستر. فلما تكلم أعجب بمنطقه فلم يزل عمرو يقول: أدنوه أدنوه حتى أمر بطر الستر وأقعده معه قريبا منه لإعجابه به. وعمر الحارث طويلا وابنه ظليم من فحول شعراء العرب (شعراء الجاهلية لأبي عبيدة) دريد بن الصمة (630 م) هو معاوية بن الحارث فارس شجاع وشاعر فحل. وكان أطول الفرسان الشعراء غزوا وأبعدهم وأكثرهم ظفرا. وأيمنهم نقيبة عند العرب يقال أنه غزا مائة غزاة ما أخفق في واحدة منها. فأدرك الإسلام فلم يسلم. وخرج مع قومه يوم حنين مظاهرا للمشركين ول فضل فيه للحرب. وإنما أخرجوه تيمنا به ليقبسوا من ورائه. فمنعهم مالك بن عوف من قبول مشورته. وقتل دريد في ذلك اليوم على شركه. وله في أخيه عبد الله مراث أجاد فيها ما أراد. وأخبر أبو عبيدة قال: هجا دريد بن الصمة عبد الله بن جدعان التيمي تيم قريش فقال: هل بالحوادث والأيام من عجب ... أم بابن جدعان عبد الله من كلب قال فلقيه عبد الله بن جدعان بعكاظ فحياه وقال له: هل تعرفني يا دريد. قال: لا.

زهير بن أبي سلمى (631 م) وابنه كعب بن زهير (626 م)

قال: فلم هجوتني. قال: من أنت. قال: أنا عبد الله بن جدعان. قال: هجوتك لأنك كنت امرءاً كريماً فأحببت أن أضع شعري موضعه. فقال له عبد الله: لئن كنت هجوت لقد مدحت وكساه وحمله على ناقة برحلها. فاقل دريد يمدحه: إليك ابن جدعان أعملتها ... مخففة للسرى والنصب فلا خفض حتى تلاقي امرءاً ... جواد الرضا وحليم الغضب وجلدا إذا الحرب مرت به ... يعين عليها بجزل الحطب رحلت البلاد فما إن أرى ... شبيه ابن جدعان وسط العرب سوى ملك شامخ ملكه ... له البحر يجري وعين الذهب وكانت وفاته في وقعة حنين أدركه ربيعة بن رفيع السلمي فأخذ بخطام جمله وهو يظن أنها امرأة وذلك أنه كان شعار له فأناخ به. فإذا هو برجل شيخ كبير ولم يعرفه الغلام. فقال له دريد: ماذا تريد. قال: أقتلك. قال: ومن أنت. قال: أنا ربيعة بن رفيع السلمي. فأنشأ دريد يقول: ويح ابن أكمة ماذا يردي ... من المرعش الذاهب الأدرد فأقسم لو أن بي قوة ... لولت فرائصه ترعد ويا لهف نفسي أن لا تكون ... معي قوة الشامخ الأمرد ثم ضربه السلمي بسيفه فلم يغن شيئاً. فقال له: بئس ما سلحتك أمك. خذ سيفي هذا من مؤخر رحلي في القراب فاضرب وارفع عن العظام واخفض عن الدماغ. فإني كذلك كنت أفعل بالرجال. ففعل كما قال فوقع صريعا (لأبي زكريا النووي) زهير بن أبي سلمى (631 م) وابنه كعب بن زهير (626 م) زهير هو ربيعة بن رياح المزني. وكان سيدا كثير المال في الجاهلية حليما معروفا بالورع. وهو أحد الثلاثة المقدمين على سائر الشعراء. وهم امرؤ القيس وزهير والنابغة الذبياني. وكان أبو بكر يسميه شاعر الشعراء لأنه كان لا يعاظل في الكلام. وكان يتجنب وحشي الشعر ولم يمدح أحدا إلا بما فيه ويبعد عن سخف الكلام. ويجمع كثير المعاني في قليل من الألفاظ. وكان يطنب في مديح هرم بن سنان المري من آل أبي حارثة أحد غطارفة العرب. وله فيه غرر القصائد. وكان هرم قد آلى أن لا يمدحه زهير إلا أعطاه ولا يسأله إلا أعطاه. ولا يسلم عليه إلا أعطاه عبدا أو وليدة أو فرسا. فاستحيا زهير مما كان يقبله منه. فكان إذا رآه في مل قال: عموا صباحا غير هرم وخيركم استثنيت. حدث الجوهري عن عمر قال: قال عمر لابن زهير: ما فعلت الحلل التي كساها هرم أباك. قال: أبلاها الدهر. قال: لكن الحلل التي كساها أبوك هرما لم يبلها الدهر.

الشنفرى (510 م)

وأما ابنه كعب فهو من المخضرمين ومن فحول الشعراء وكان له أخ اسمه بجير سمع من محمد فأسلم. فبلغ ذلك كعبا فقال: ألا أبلغا عني بجيراً رسالة ... على أي شيء ويب غيرك دلكا على خلق لم تلف أما ولا أبا ... عليه ولم تردك عليه أخا لكا سقاك أبو بكر بكاس روية ... فأنهلك المأمون منها وعلكا فبلغت أبياته محمدا فغضب عليه وأهدر دمه. وقال: من لقي منكم كعب بن زهير فليقتله. فكتب إليه أخوه يخبره وقال له: انج وما أراك بمفلت. وكتب إليه بعد ذلك يأمره أن يسلم فأسلم كعب. وقال قصيدته (بانت سعاد) يعتذر فيها إلى محمد فأمنه (الأغاني) الشنفرى (510 م) هو ثابت بن أوس الأزدي الشاعر من أهل اليمن. والشنفرى هو العظيم الشفتين. وهو شاعر من الأزد من العدائين. وكان في العب من العدائين من لا يلحقه الخيل منهم هذا وسليك بن السلكة وعمر بن براق وأسيد بن جابر وتأبط شرا. وكان الشنفرى حلف ليقتلن من بني سلامان مائة رجل فقتل منهم تسعة وتسعين. وكان ذا وجدا لرجل منهم يقول له الشنفرى: لطرفك. ثم يرميه فيصيب عينه. فاحتالوا عليه فأمسكوه وكان الذي أمسكه أسيد بن جابر أحد العدائين رصده حتى نزل في مضيق ليشرب الماء فوقف له فيه فأمسكه ليلا. ثم قتلوه فمر رجل منهم بجمجمته فضربها برجله فدخلت شظية من الجمجمة فمات منها. فمت القتلى مائة. وله الشعر الحسن في الفخر والحماسة منه لاميته المعروفة بلامية العرب (للميداني) عروة بن الورد (596 م) هو أبو نجد عروة بن الورد بن زياد العبسي شاعر من شعراء الجاهلية وفارس من فرسانها المقدمين الأجواد. وكان يلقب عروة الصعاليك لجمعه إياهم وقيامه بأمرهم إذا أخفقوا في غزواتهم. ولم يكن لهم معاش إلا مغزاه وكان يعارض حاتما في جوده. فكان غض الطرف قليل الفحش كثير العطاء حاميا لحقيقته. ومن شعره قوله: إذا المرء لم يطلب معاشا لنفسه ... شكا الفقر أو لام الصديق فأكثرا وصار على الأذنين كلا وأوشكت ... صلات ذوي القربى له أن تنكرا وما طالب الحاجات من كل وجهة ... من الناس إلا من أجد وشمرا فسر في بلاد الله والتمس الغنى ... تعش ذا يسار أو تموت فتعذرا وقتل عروة في بعض غاراته. قتله رجل من طهية (من ديوانه)

عمرو بن كلثوم (570 م)

عمرو بن كلثوم (570 م) هو ابن مالك بن عتاب التغلبي صاحب المعلقة المعروفة. وله في شعره غرائب يغوص في بحر الكلام على در المعنى الغريب. وكان يقوم بقصائده خطيبا بسوق عكاظ في مواسم مكة. وبنو تغلب تعظمها جدا يرويها صغارها وكبارها. ولما حضرته الوفاة وقد أنت عليه خمسون ومائة سنة جمع بنيه فقال: يا بني قد بلغت من المعمر ما لم يبلغه أحد من آبائي. ولابد أن ينزل بي ما نزل بهم من الموت. وإني والله ما عيرت أحد بشيء إلا عيرت بمثله. إن كان حقا فحقا وإن كان باطلا فباطلا. فكفوا عن الشتم فإنه أسلم لكم. وأحسنوا جواركم يحسن ثناءكم. وامتنعوا عن ضيم الغريب. وإذا حدثتم فعوا. وإذا حدثتم فأوجزا. فإن مع الإكثار تكون الأهذار. وأشجع القوم العطوف بعد الكر كما أن أكرم المنايا القتل. ولا خير فيمن لا روية له عند الغضب ولا من إذا عوتب لم يعتب. ومن الناس من لا يرجى خيره ولا يخاف شره. فبكؤه خير من دره. وعقوقه خير من بره. عنترة العبسي (615 م) هو عنترة بن شداد العبسي. وكانت أمه حبشية أمة حبشية يقال لها زبيبة. وكان سبب ادعاء أبي عنترة إياه أن بعض أحياء العرب أغاروا على بني عبس فأصابوا منهم واستاقوا إبلا فتبعهم العبسيون فلحقوهم فقاتلوهم عما معهم وعنترة يؤمئذ فيهم فقال له أبوه كر يا عنترة. فقال عنترة: العبد لا يحسن الكر. إنما يحسن الحلب والصر. فقال: كر وأنت حر فكر. وقاتل يؤمئذ قتالا حسنا فادعاه أبوه بعد ذلك وألحق به نسبه. وعنترة أحد أغربة العرب وهم ثلاثة عنترة وخفاف بن ندبة والسليك بن السلكة. قال أبو عمرو الشيباني: غزت بنو عبس بني تميم وعليهم قيس بن زهير فانهزمت بنو عبس وطلبتهم بنو تميم فوقف لهم عنترة. ولحقهم كبكبة من الخيل فحامى عنترة عن الناس فلم يصب مدبر. , وكان قيس بن زهير سيدهم فساءه ما صنع عنترة يؤمئذ فقال حين رجع: والله ما حمى الناس إلا ابن السوداء. وكان قيس أكولا فبلغ عنترة ما قال. فقال يعرض به قصيدته التي يقول فيها: بكرت تخوفي الحتوف كأنني ... أصبحت عن عرض الحتوف بمعزل فأجبتها إن المنية منهل ... لابد أن أسقى بكأس المنهل فاقني حياءك لا أبا لك واعلمي ... أني امرؤ سأموت إن لم أقتل إن المنية لو تمثل مثلت ... مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل إني امرؤ من خير عبس منصبا ... شطري واحمي سائري بالمنصل

النابغة الذبياني (604 م) والنابغة الجعدي (680 م)

وإذا الكتيبة أحجمت وتلاحظت ... ألفيت خيرا من معم مخول والخيل تعلم والفوارس أنني ... فرقت جمعهم بضربة فيصل إن يلحقوا أكرر وإن يستلحموا=أشدد وإن يلفوا بضنك أنزل ولقد أبيت على الطوى وأظله=حتى أنال به كريم المأكل وقيل لعنترة أنت أشجع العرب قال: لا. قال: فبماذا شاع لك هذا في الناس. قال: كنت أقدم إذا رأيت الإقدام عزما. وأحجم إذا رأيت الإحجام حزما. ولا أدخل موضعا إلا أرى لي منه مخرجا. وكنت أعتمد الضعيف الجبان فأضربه الضربة الهائلة يطير لها قلب الشجاع فاثني عليه فأقتله. وحدث عن عمر بن الخطاب أنه قال للحطئية: كيف كنتم في حربكم. قال: كنا ألف فارس حازم. قال: وكيف يكون ذلك. قال: كان قيس بن زهير فينا (وكان حازماً) فكنا لا نعصيه. وكان فارسنا عنترة فكنا نحمل إذا حمل ونحجم إذا أحجم. وكان فينا الربيع بن زياد وكان ذا رأي فكنا نستشيره ولا نخالفه. وكان فينا عروة بن الورد فكنا نأتم بشعره فكنا كما وصفت لك. فقال عمر: صدقت. قال ابن الكلب: كان عمرو بن معدي كرب يقول: ما أبالي من لقيت من فرسان العرب ما لم يلقني حراها وهجيناها يعني بالحرين عامر بن الطفيل وعتيبة بن الحارث بن شهاب وبالعبدين عنترة والسليك بن السلكة. وكان عنترة أحسن العرب شيمة وأعلاهم همة وأعزهم نفسا. وكان مع شدة بطشه حليما لين العريكة سهل الأخلاق. وكان شديد النخوة كريما مضيافا لطيف المحاضرة رقيق الشعر. وله فيه لطائف كثيرة يعرض فيه عن تنافر الألفاظ وخشونة المعاني. وعمر عنترة تسعين سنة. النابغة الذبياني (604 م) والنابغة الجعدي (680 م) هو زياد بن معاوية ويكنى أبا أمامة. وهو أحد الأشراف الذين غض الشعر منهم. وهو من الطبقة الأولى المقدمين على سائر الشعراء. وإنما لقب لطول باعه في الشعر. وكان يضرب للنابغة قبة من أدم بسوق عكاظ فتأتيه الشعراء فتعرض عليه أشعارها. وكان النابغة كبيرا عند النعمان خاصا به. وكان من ندمائه وأهل أنسه. ثم تغير عليه وأوعده وتهدده. فهرب منه فأتى قومه ثم شخص إلى ملوك غسان فامتدحهم. ثم كتب إلى النعمان يعتذر إليه بقصيدته الميمية التي مطلعها (يا دار مية) . فأمنه النعمان واستنشده من شعره فأذن له أن ينشده قصيدته التي يقول فيها: حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وليس وراء الله للمرء مذهب لأنك شمس والملوك كواكب ... إذا طلعت لم يبد منهن كوكب ثم أسن النابغة وكبر وتوفي في السنة التي قتل فيها النعمان بن المنذر أما النابغة الجعدي فهو أبو ليلى بن حسان بن قيس وكان أسن من النابغة الجعدي. وكان

الشعراء المخضرمون

شاعرا مغلقا طويل البقاء في الجاهلية والإسلام. نادم المنذر ومدحه وكان على دين الحنيفية يقر بالتوحيد ويصوم ويستغفر ويتوقع أشياء لعواقبها ومن قوله: الحمد لله لا شريك له ... من لم يقلها فنفسه ظلما الحافظ الرافع السماء على ال ... أرض ولم يبن تحتها دعما وكانت وفاته بأصبهان وله من العمر ما ينيف على المائة (شعراء الجاهلية لأبي عبيدة) الشعراء المخضرمون حسان بن ثابت (675 م) (54 هجري) هو أبو عبد الرحمن حسان بن ثابت بن المنذر الأنصاري من المخضرمين. عاش ستين سنة في الجاهلية وستين سنة في الإسلام وتوفي بالمدينة. وقد أجمعت العرب على أن حسان أشهر أهل المدر. ولما كان أهل مكة يعيرون الإسلام ويهجون صاحبه أذن محمد لحسان أن يحمي أعراض المسلمين فقال: اهجهم وجبريل معك وسيعينك عليهم روح القدس. ومن قوله في الفخر: نحن الملوك فلا حي يقاربنا ... من الملوك وفينا يؤخذ الربع تلك المكارم حزناها مقارعة ... إذا الكرام على أمثالها اقترعوا كم قد نشدنا من الأحياء كلهم ... عند النهاب وفضل العز يتبع وننحر الكوم عبطا في منازلنا ... للنازلين إذا ما استطعموا شبعوا ونحن نطعم عند المحل ما أكلوا ... من العبيط إذا لم يظهر الفرع وننصر الناس تأتينا سراتهم=من كل أوب فتمضي ثم نتبع وقد تستحسن له قصائد في وقعة بدر يفخر بها. وفي آخر حياته كف بصره. الحطيئة الحطيئة لق لقب به لقصره واسمه أبو مليكة جرول بن أوس بن مالك من فحول الشعراء ومتقدميهم وفصحائهم. متصرف في جميع فنون الشعر من المديح والهجاء والفخر. وكان ذا شر وسفه ينتمي إلى كل قبيلة إذا غضب على الآخرين. وهو مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام. وكان الحطيئة مطبوعاً على الهجاء دنيء النفس قبيح المنظر رث الهيئة فاسد الدين. وكان بذياً هجاء. فالتمس ذات يوم إنسانا يهجوه فلم يجده وضاق عليه ذلك فأنشأ يقول: أبت شفتاي اليوم إلا تكلما ... بشر فما أدري لمن أنا قائله وجعل يدهور هذا البيت في أشداقه ولا يرى إنسانا إذ اطلع في ركي فرأى وجهه فقال: أرى لي وجها شوه الله خلقه ... فقبح من وجه وقبح حامله قال ابن أبي بكر لقيت الحطيئة بذات عرق فقلت له: يا أبا ملكة من أشعر الناس

الخنساء (646 م) (24 هجري)

فأخرج لسانه كأنه حية ثم قال: هذا إذا طمع. وأخبر المدائني قال: مر ابن الحمامة بالحطيئة وهو جالس بفناء بيته فقال: السلام عليكم. فقال: قلت ما لا ينكر. قال: إني خرجت من أهلي بغير زاد. فقال: ما ضمنت لأهلك قراك. قال: أفتأذن لي أن آتي ظل بيتك فأتفيأ به. قال: دونك الجبل يفيء عليك. قال: أنا ابن الحمامة. قال: انصرف وكن ابن أي طائر شئت. ومن شعره في المديح: أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا ... وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا وإن كانت للنعماء فيهم جزوا بها ... وإن أنعموا لا كدروها ولا كدوا وإن قال مولاهم على جل حادث ... من الدهر ردوا فضل أحلامكم ردوا وكان الحطيئة يهجو الزبرقان بن بدر. فاستعدى عليه الزبرقان عمر بن الخطاب فرفعه عمر إليه ثم أمره به فجعل في بئر فأنشده: ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ ... زغب الحواصل لا ماء ولا شجر ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة ... فاغفر عليك سلام الله يا عمر أنت الإمام الذي من بعد صاحبه ... ألقى إليك مقاليد النهى البشر لم يؤثروك بها إذ قدموك لها ... لكن لأنفسهم كانت بك الأثر فأمنن على صبية بالرمل مسكنهم ... بين الأباطح تغشاهم بها القرر فأخرجه وقال له: إياك وهجاء الناس. فأقام بالبادية إلى وفاته في خلافة عمر وكان قد بلغ من العمر نيفا ومائة سنة (الأغاني للأصفهاني) الخنساء (646 م) (24 هجري) هي تماضر بنت عمرو بن الشريد من سراة قبائل سليم من أهل نجد من شواعر العرب. وأجمع علماء الشعر أنه لم تكن قط امرأة قبلها ولا بعدها أشعر منها. وكان النابغة الذبياني يجلس لشعراء العرب بعكاظ على كرس ينشدونه فيفضل من يرى تفضيله. فأنشدته في بعض المواسم فأعجب بشعرها وقال لها: لولا أن هذا الأعمى أنشدني قبلك (يعني الأعشى) فضلتك على شعراء هذا الموسم. وأكثر شعرها في مراثي أخويها معاوية وصخر. وكان صخر قتل يوم الكلاب من أيام العرب. فلما مات دفن في أرض بني سليم بقرب عسيب وحضرت الخنساء القادسية مع بنيها وهم أربعة رجال فقالت لهم من أول الليل: يا بني أنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين. والله الذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد كما أنكم بنو امرأة واحدة ما هجنت حسبكم. ولا غيرت نسبكم. واعلموا أن الدار الآخرة خير من الدار الفانية. اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون. فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقيها. وجللت نارا على أوراقها. فتيمموا وطيسها. وحالدوا رسيسها. وتظفروا بالغنم والكرامة. في

عمرو بن معدي كرب (643 م) (21 هجري)

دار الخلد والمقامة. فلما أضاء لهم الصبح باكروا مراكزهم فتقدموا واحدا بعد واحد ينشدون أراجيز يذكرون فيها وصية العجوز لهم حتى قتلوا عن آخرهم. فبلغها الخبر فقالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم. وأرجو من ربي أن يجمعني بهم مستقر الرحمة. وكان عمر بن الخطاب يعطيها أرزاق بنيها الأربعة وكان لكل منهم مئتا درهم حتى قبض. ومن قولها في أخيها صخر: ألا يا صخر أن أبكيت عيني ... فقد أضحكتني زمنا طويلا بكيتك في نساء معولات ... وكنت أحق من أبدى العويلا دفعت بك الخضوب وأنت حي ... فمن ذا يدفع الخطب الجليلا إذا قبح البكاء على قتيل ... رأيت بكاءك الحسن الجميلا ولها فيه: إذهب فلا يبعدنك الله من رجل ... دراك ضيم وكلاب بأوتار فسوف أبكيك ما ناحت مطوقة ... وما أضاءت نجوم الليل للساري وقالت أيضا: وما بلغت كف امرئ متناولا ... من المجد إلا والذي نلت أطول وما بلغ المهدون للناس مدحة ... وإن أطنبوا إلا الذي فيك أفضل عمرو بن معدي كرب (643 م) (21 هجري) هو أبو ثور بن عبد الله الزبيدي الصحابي من سادات أهل اليمن وفصحائهم يقول الشعر الحسن. وكان يعيد الغارة وشهد يوم القادسية وله فيها بلاء حسن. وكان هو آخر القوم. وكانت فرسه ضعيفة فطلب غيرها. فأتى بفرس بعكوة ذنبه وأجلد به إلى الأرض فأقعى الفرس فرده. وأتى بآخر ففعل به مثل ذلك فتحلحل ولم يقع. فقال: هذا على كل حال أقوى من تلك. وقال لأصحابه. إني حامل وعابر الجسر فإن أسرعتم بمقدار جزر الجزور وجدتموني وسيفي بيدي أقاتل به تلقاء وجهي وقد عقرني القوم وأنا قائم بينهم وقد قتلت وجردت. وإن أبطأتم وجدتموني قتيلا بينهم وقد قتلت وجردت ثم انغمس فحمل في القوم فقال بعضهم: يا بني زبيد تدعون صاحبكم والله ما نرى أن تدركوه حيا. فحملوا فانتهوا غليه وقد صرع عن فرسه وقد أخذ برجل فرس رجل من العجم فأمسكها وإن الفارس ليضرب الفرس فما تقدر أن تتحرك من يده. فلما غشيناه رمى الأعجمي بنفسه وخلى فرسه فركبه عمرو فصرعني. ثم شد على رستم وهو الذي كان قدمه ملك الفرس وكان رستم على فيل. فجذم عرقوبيه فسقط فمات رستم من ذلك فانهزم الفرس. وله في الحروب أخبار مأثورة يضرب الأعداء بسيفه الصمصامة. قيل أن عمر بن الخطاب استوهبه الصمصامة فوهبه عمرو له. فقيل

لبيد (680 م)

عمرو: إنه غير فذكر له ذلك فغضب وقال: هاته فضرب عنق بعير ضربة واحدة فأبانها وقال: إنما أعطيتك السيف لا الساعد. وكان كثير الكذب فقيل له: إنك شجاع في الحرب والكذب فقال: إني كذلك وشهد عمرو وقعة اليرموك وكان يستشيره القواد في حروبهم. لبيد (680 م) هو أبو عقيل بن ربيعة بن مالك العامري أحد شعراء الجاهلية المعدودين فيها والمخضرمين. وهو من أشرف الشعراء المجيدين والفرسان المعمرين. وأدرك لبيد الإسلام وحسن إسلامه ونزل الكوفة أيام عمر فأقام بها حتى مات في آخر خلافة معاوية. وكان عمره مائة وخمسا وأربعين سنة. وكان لبيد جوادا من أفصح شعراء العرب وأقلهم لغوا في شعره يقضي منه العجب لجودة اختياره وصحة إنشاده. وقيل أنه هو الذي جمع القرآن. فقال عند جمعه: الحمد لله إذ لم يأتني أجلي ... حتى لبست من الإسلام سربالا ولم يقل غير هذا البيت في الإسلام. وقيل أن عمر بن الخطاب استنشده أيام خلافته من شعره فانطلق فكتب سورة البقرة في صحيفة ثم أتى بها وقال: أبدلني الله هذه في الإسلام مكان الشعر. فسر عمر بجوابه وأجزل عليه العطاء. وله المعلقة المقامة المشهورة (لأبي عبيدة) الشعراء المسلمون ابن خفاجة (450 - 533 هجري) (1060 - 1138 م) هو أبو إسحاق بن أبي الفتح بن عبد الله بن خفاجة الأندلسي الشاعر ولد بجزيرة شقر من أعمال بلنسية من بلاد الأندلس وكان مقيما بشرق الأندلس ولم يتعرض لاستماحة ملوك طوائفها مع تهافتهم على أهل الأدب. وله ديوان شعر أحسن فيه كل إحسان. وابن خفاجة هذا هو مالك أعنة المحاسن وناهج طريقها. العارف بترصيعها وتنميقها. الناظم لعقودها. الراقم لبرودها. المجيد لإرهافها. العالم بجلائها وزفافها. تصرف في فنون الإبداع كيف شاء وأبلغ دلوه من الإجادة الرشاء. فشعشع القول وروقه ومد في ميدان الإعجاز طلقه. فجاء نظامه أرق من النسيم العليل. وآنق من الروض البليل. يكاد يمتزج بالروح وترتاح له النفس كالغصن المروح. أن وصف فناهيك من غرض انفرد بمضماره. وتجرد بحمى ذماره. وإن مدح فلا الأعشى للمحلق. ولا حسان لأهل جلق. وإن تصرف في فنون الأوصاف. فهو فيها كفارس خصاف. وكان في شبيبته مخلوع الرسن. في ميدان مجونه. كثير الوسن. بين صفا الانتهاك وحجونه. لا يبالي بمن التبس. ولا أي نار اقتبس. إلا أنه قد نسك نُسك ابن أذينة. وغض عن إرسال نظره في أعقاب الهوى عينه. وقد أثبت ما يقف عليه اللواء. وتصرف إليه الأهواء. (قلائد العقيان لابن خاقان)

ابن دريد (223 - 321 هجري) (839 - 934 م)

ابن دريد (223 - 321 هجري) (839 - 934 م) هو أبو بكر محمد بن دريد الأزدري ولد بالبصرة ونشأ بعمان. وطلب علم النحو وكان من أكابر علماء العربية مقدما في اللغة وأنساب العرب وأشعارهم. وكان شاعرا كثير الشعر. فمن ذلك مقصورته المشهورة فكان يقال أن أبا بكر بن دريد أعلم الشعراء وأشعر العلماء. وله في الكتب كتاب الجمهرة في اللغة وكتاب الاشتقاق وكاتب الخيل الكبير وكتاب الخيل الصغير وكتاب الأنواء وكتاب الملاحن وكتاب أدب الكتاب إلى غير ذلك. وذكر أنه مات هو وأبو هاشم الجباءي في يوم واحد ودفنا في مقبرة الخيزران. وقال الناس: مات علم اللغة والكلام بموت ابن دريد والجباءي. ورثاه جحظة فقال: فقدت بابن دريد كل منفعة ... لما غدا ثالث الأحجار والترب قد كنت أبكي لفقد الجود آونة ... فصرت أبكي لفقد الجود والأدب (للأنباري) ابن الرومي (211 - 282 هجري) (837 - 896 م) هو أبو الحسن بن جورجيس المعروف بابن الرومي. الشاعر المشهور صاحب النظم العجيب. والتوليد الغريب. يغوص على المعاني النادرة فيستخرجها من مكانها ويبرزها في أحسن صورة. ولا يترك المعنى حتى يستوفيه إلى آخره ولا يبقى فيه بقية. وله القصائد المطوية والمقاطيع البديعة. وله في الهجاء والمديح كل شيء ظريف. فمن ذلك قوله وما سبقه أحد إلى هذا المعنى: آراؤكم ووجوهكم وسيوفكم ... في الحادثات إذا دجون نجوم منها معالم للهدى ومصابح ... تجلو الدجى والخريات رجوم ومات ابن الرومي ببغداد وفيها يقول وقد غاب عنها في بعض أسفاره: بلد صبحت به الشبيبة والصبا ... ولبست ثوب العيش وهو جديد فإذا تمثل في الضمير رأيته ... وعليه أغصان الشباب تميد ابن زيدون (354 - 405 هجري) (966 - 1014 م) هو أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب بن زيدون المخزومي الأندلسي القرطبي الشاعر المشهور كان غاية منثور ومنظوم. وخاتمة شعراء بني مخزوم. اخذ من حر الأيام حرا. وفاق الأنام طرا. وصرف السلطان نفعا وضرا. ووسع البيان نظما ونثرا. إلى أدب ليس للبحر تدفقه. ولا للبدر تألقه. وشعر ليس للسحر بيانه. ولا للنجوم اقترانه وحظ من النثر غريب المعاني. شعري الألفاظ والمعاني. وكان من أبناء وجوه الفقهاء بقرطبة. وبرع أدبه وجاد شعره. وعلا شأنه وانطلق لسانه. ثم انتقل عن قرطبة إلى المعتضد عباد صاحب إشبيلية فجعله من خواصه يجالسه في خلواته. ويركن إلى إشاراته. وكان معه في

ابن النبيه (559 - 619 هجري) (1165 - 1223 م)

صورة وزير وله شيء كثير من الرسائل والنظم فمن ذلك قوله: يا بائعا حظه مني ولو بدلت ... لي حياة بحظي منه لم أبع يكفيك أنك إن حملت قلبي ... ما لا يستطيع قلوب الناس يستطع ته أحتمل واستطل أصبر وعز أهن ... وول أقبل وقل أسمع ومر أطع وله القصائد الطنانة ولولا خوف الإطالة لذكرنا بعضها. ومن بديع قلائده قصيدته النونية التي منها: تكاد حين تناجيكم ضمائرنا ... يقضي علينا الأسى لولا تأسينا حالت لبعدكم أيامنا فغدت ... سودا وكانت بكم بيضا ليالينا بالأمس كنا وما يخشى تفرقنا ... واليوم نحن وما يرجى تلاقينا وهي طويلة وكل أبياتها نخب. وكانت وفاته بإشبيلية (الذخيرة لابن بسام) ابن مطروح (592 ... 649 هجري) (1197 1252 م) هو أبو الحسن يحيى بن مطروح الملقب جمال الدين من أهل صعيد مصر. ونشأ هناك وأقام بقوص مدة وتنقلت به الأحوال في الخدم والولايات. ثم اتصل بخدمة السلطان الملك الصالح أبي الفتح أيوب الملقب نجم الدين الأيوبي. وكان إذ ذاك نائبا عن أبيه الملك الكامل بالديار المصرية فرتبه السلطان ناظرا في الخزانة. ولم يزل يقرب منه ويحظى عنده إلى أن ملك الملك الصالح دمشق. فرتبه بدمشق نائبا في صورة وزير لها. فحسنت حالته وارتفعت منزلته. ثم تغير عليه الملك الصالح وتنكر له وعزله عن ولايته لأمور نقمها عليه. فيقي ابن مطروح مواظبا على الخدمة مع الإعراض عنه إلى أن مات الملك الصالح. فدخل مصر وأقام بها في داره إلى وفاته. وكانت أدواه جميلة وخلاله حميدة. جمع بين الفضل ولمروءة والأخلاق المرضية. ويستجاد له قوله في بعض أسفاره وقد نزل في طريقه بمسجد وهو مريض: يا رب إن عجز الطبيب فداوني ... بلطيف صنعك واشفني يا شافي أنا من ضيوفك قد حسبت وإن من ... شيم الكرام البر بالأضياف وكان بينه وبين أدباء عصره مذاكرات أدبية لطيفة ومكاتبات في الغيبة. واجتمع في مصر ببهاء الدين زهير الشاعر. ولابن مطروح ديوان شعر يتداوله الناس (لابن خلكان) ابن النبيه (559 - 619 هجري) (1165 - 1223 م) هو أبو الحسن علي الشاعر البارع كمال الدين بن النبيه المصري. بدر فصاحته تحلى بصفة الكمال. وشمس بلاغته لا يعتري سناها زوال. كلامه تعشقه الطباع. وتلتذ به الأسماع. وله شعر أعذب من الماء الزلال. وأغرب من السحر الحلال. ونثر ألطف من كاسات الشمول وأرق من نسمات الشمال. فالنظم والنثر عنده جتان عن يمين وشمال. مدح بني

أبو تمام حبيب بن أوس (190 - 228 هجري) (807 - 843 م)

أيوب واتصل بالملك الأشرف موسى وكتب له الإنشاء. فحبر حلل البراعة ووشى. وأطرب المسامع وأنشا. ومدحه بقصائد نظم بها في جيد الدهر اللآلي. وخلد ذكره في صحائف الأيام والليالي. وله الديوان المشهور انتخبه من نتائج فكره. ونفثات سحره. لأنه كان ينتقي الدرة الفريدة وأختها. ويتحرى النادرة الشاردة ليثبتها. وسكن ابن النبيه نصيبين الشروق وتوفي بها. أبو تمام حبيب بن أوس (190 - 228 هجري) (807 - 843 م) قال الصولي: كان أبوه نصرانيا. وكان وأحد عصره في ديباجة لفظه وبضاعة شعره وحسن أسلوبه. ولك كتاب الحماسة التي دلت على غزارة فضله. وإتقان معرفته بحسن اختياره. وله مجموع آخر سماه (فحول الشعراء) جمع فيه بين طائفة كبيرة من شعراء الجاهلية والمخضرمين والإسلاميين. وكان له من المحفوظات ما لا يلحقه فيه غيره. قيل أنه كان يحفظ أربعة آلاف أرجوزة للعرب. غير القصائد والمقاطع. ومدح الخلفاء وأخذ جوائزهم. وجاب البصرة. وقال العلماء: خرج من قبيلة طي ثلاثة كل واحد مجيد في بابه حاتم الطائي في جوده. وداود بن نصير الطائي في زهده. وأبو تمام حبيب بن أوس الطائي في شعره. وأخباره كثيرة ورأيت الناس يطبقون على أنه مدح الخليفة بقصيدته السنية فلما انتهى فيها قوله: إقدام عمرو في سماحة حاتم ... في حلم أحنف في ذكاء إياس قال الوزير أتشبه أمير المؤمنين بأجلاف العرب فأطرق ساعة ثم رفع رأسه وأنشد يقول: لا تنكروا ضربي له من دونه ... مثلا شرودا في الندى والباس فالله قد ضرب الأقل لنوره ... مثلا من المشكاة والنبراس فقال الوزير للخليفة: أي شيء طلبه فاعطه. وذكر الصولي أن أبا تمام لما مدح محمد بن عبد الملك الزيات الوزير بقصيدته التي منها قوله: ذيمة سمحة القياد سكوب ... مستغيث بها الثرى المكروب لو سمعت بقعة لا عظام أخرى ... لسعى نحوها المكان الجديب قال له ابن الزيات: يا أبا تمام إنك لتحلي شعرك من جواهر لفظك وبديع معانيك ما يزيد حسنا على بهي الجواهر في أجياد الكواعب. وما يدخر لك شيء من جزيل المكافأة إلا ويقصر عن شعرك في الموازاة. ورثاه الحسن بن وهب بقوله: فجع القريض بخاتم الشعراء ... وغدير روضته حبيب الطائي ماتا معا فتجاورا في حفرة ... وكذاك كانا قبل في الأحياء أبو العتاهية (130 - 211 هجري) (748 - 827 م) هو أبو إسحاق إسماعيل بن القاسم العنزي المعروف بأبي العتاهية الشاعر المشهور مولده

أبو فراس الحمداني (320 - 357 هجري) (933 - 969 م)

بعين التمر وهي بليدة بالحجاز قرب المدينة. ونشأ بالكوفة وسكن بغداد وكان يبيع الجرر فقيل له الجرار. قال أشجع السلمي الشاعر المشهور:. إذن الخليفة المهدي للناس في الدخول عليه. فدخلنا فأمرنا بالجلوس فاتفق أن جلس بجنبي بشار بن برد. وسكت المهدي فسكت الناس فسمع بشار حسا فقال لي: من هذا. فقلت: أبو العتاهية. فقال: أتراه ينشد في هذا المحفل فقلت: أحسبه سيفعل. قال فأمره المهدي فأنشد: أتته الخلافة منقادة ... إليه تجرر أذيالها فلم تك تصلح إلا له ... ولم يك يصلح إلا لها ولو رامها أحد غيره ... لزلزلت الأرض زلزالها ولو لم تطعه بناب القلوب ... لما قبل الله أعمالها فقال لي بشار: انظر ويحك يا أشجع هل طار الخليفة عن فرشه. قال أشجع: فوالله ما انصرف أحد عند ذلك المجلس بجائزة غير أبي العتاهية. وله في الزهد أشعار كثيرة وهو من مقدمي المولدين في طبقات بشار وأبي النواس وتلك الطائفة. وشعره كثير. وتوفي ببغداد ولما حضرته الوفاة قال: اشتهي أن يجيء مخارق المغني ويغني عند رأسي. والبيتان له من جملة أبيات إذا ما انقضت مني من الدهر مدتي ... فإن عزاء الباكيات قليل سيعرض عن ذكري وتسنى مودتي ... ويحدث للخليل خليل وأوصى أن يكتب على قبره=إن عيشا يكون آخره المو_ت لعيش معجل التنغيض (لابن خلكان) أبو فراس الحمداني (320 - 357 هجري) (933 - 969 م) هو الحارث بن أبي العلاء الحمداني كان فرد دهره وشمس عصره أدباً. وفضلاً وكرماً ومجداً. وبلاغة وبراعة. وفروسية وشجاعة. وشعره مشهور بين الحسن والجودة. والسهولة والجزالة والعذوبة. والفخامة والحلاوة. ومعه وراء الطبع وسمة الظرف وعزة الملك. ولم تجتمع هذه الخلال قبله إلا في شعر عبد الله بن المعتز. وأبو فراس يعد أشعر منه عند أهل الصنعة ونقدة الكلام. وكان الصاحب بن عباد يقول: بدئ الشعر بملك وختم بملك. يعني امرأ القيس وأبا فراس. وكان المتنبي يشهد له بالتقدم والتبريز ويتحامى جانبه. فلا ينبري لمباراته. ولا يجترئ على مجارته. وإنما لم يمدحه ومدح من دونه من آل حمدان تهيبا له وإجلالا. لا إغفالا وإضلالا. وكان سيف الدولة يعجب جدا بمحاسن أبي فراس ويميزه بالإكرام على سائر قومه. ويستصحبه في غزواته ويستخلفه في أعماله. وأسر أبو فراس مرتين فالمرة الأولى بمغارة الكحل في سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة وما تعدوا به خرشنة وهي قلعة ببلاد الروم والفرات يجري من تحتها. وفيها أنه ركب فرسه وركضه برجله فأهوى به من أعلى الحصن

أبو نواس (145 - 198 هجري) (763 - 814 م)

إلى الفرات. والمرة الثانية أسره الروم على منبج في شوال سنة احدى وخمسين وحملوه إلى قسطنطينية. وأقام في الأسر أربع سنين وله في الأسر أشعار كثيرة مثبتة في ديوانه. وكانت مدينة منبج إقطاعا له ومن شعره: قد كنت عدتي التي أسطو بها ... ويدي إذا اشتد الزمان وساندي فرميت منك بضد ما أملته ... والمرء يشرق بالزلال البارد فصبرت كالولد التقي لبره ... أغضى على ألم لضرب الوالد ومحاسن شعره كثيرة. وقتل في واقعة جرت بينه وبين موالي أسرته في سنة سبع وخمسين وثلاثمائة. ورأيت في ديوانه أنه لما حضرته الوفاة كان ينشد مخاطبا ابنته: أبنيتي لا تجزعي ... كل الأنام إلى ذهاب نوحي علي بحسرة ... من خلف سترك والحجاب قولي إذا كلمتني ... فعييت عن رد الجواب زين الشباب أبو فرا ... س لم يمتع بالشباب هذا يدل على أنه لم يقتل أو يكون قد جرح وتأخر موته ثم مات من الجراحة (اليتيمة للثعالبي) أبو نواس (145 - 198 هجري) (763 - 814 م) هو أبو علي الحسن بن هانئ المعروف بأبي نواس الحكمي الشاعر المشهور ولد بالبصرة ونشأ بها ثم خرج إلى الكوفة ثم صار إلى بغداد فاستحلاه والبة بن الحباب. ورأى فيه مخايل النجابة فصار أبو نواس معه. وروي أن الخصيب صاحب ديوان الخراج بمصر سأل أبا نواس عن نسبه فقال: أغناني أدبي عن نسبي. فأمسك عنه. قال إسماعيل بن نوبخت: ما رأيت قط أوسع علما من أبي نواس ولا أحفظ منه مع قلة كتبه. وهو في الطبقة الأولى من المولدين وشعره عشرة أنواع وهو مجيد في العشرة. وقد اعتنى بجمع شعره جماعة من الفضلاء منهم أبو بكر الصولي وعلي بن حمزة فلهذا يوجد ديوانه مختلفا ومع شهرة ديوانه لا حاجة إلى ذكر شيء منه. ورأيت في بعض الكتب أن المأمون كان يقول: لو وصفت الدنيا نفسها لما وصفت بمثل قول أبي النواس: ألا كل حي هالك وابن هالك ... وذو نسب في الهالكين عريق إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ... له عن عدو في ثياب صديق وكان محمد الأمين قد سخط على أبي نواس لقضية جرت له معه فتهدده بالقتل وحبسه. فكتب إليه من السجن: بك أستجير من الردى ... متعوذا من سطو باسك وحياة رأسك لا أعو ... د لمثلها وحياة راسك من ذا يكون أبا نوا ... سك إن قتلت أبا نواسك

الأبيوردي (498 - 557 هجري) (1105 - 1163 م)

وله معه وقائع كثيرة. وكانت وفاته ببغداد. وإنما قيل له أبو نواس لذؤابتين كانتا له تنوسان على عاتقيه. وصفه أبو عبد الله الجماز قال: كان أبو نواس أظرف الناس منطقا وأغزرهم أدبا. وأقدرهم على الكلام وأسرعهم جوابا وأكثرهم حياء. وكان أبيض اللون جميل الوجه مليح النغمة والإشارة. ملتف الأعضاء بين الطويل والقصير. مسنون الوجه قائم الأنف. حسن العنين والمضحك. حلو الصورة لطيف الكف والأطراف. وكان فصيح اللسان جيد البيان. عذب الألفاظ حلو الشمائل كثير النوادر. وأعلم الناس كيف تكلمت العرب. راوية للأشعار علامة بالأخبار كأن كلامه شعر موزون (لابن خلكان والقيرواني) الأبيوردي (498 - 557 هجري) (1105 - 1163 م) هو أبو المظفر محمد بن أبي العباس الأبيوردي الشاعر المشهور. كان من الأدباء المشاهير راوية نسابة شاعرا ظريفا. قسم ديوان شعره إلى أقسام منها العراقيات ومنها النجديات وغير ذلك. وكان من أخبر الناس بعلم الأنساب. نقل عنه الحفاظ الأثبات الثقات. وكان فخر الرؤسات. حسن الاعتقاد جميل الطريقة متصرفا في فنون جمة من العلوم. عارفا بتاريخ العرب فصيح الكلام حاذقا في تصنيف الكتب. وافر العقل كامل الفضل. فريد دهره وحيد عصره. وكان فيه تيه وكبر وعزة نفس. ومن محاسن شعره قوله: ملكنا أقاليم البلاد فأذعنت ... لنا رغبة أو رهبة عظماؤها فلما انتهت أيامنا علقت بنا ... شدائد أيام قليل رخاؤها وكان إلينا في السرور ابتسامها ... فصار علينا في الهموم بكاؤها وصرنا نلاقي النائبات بأوجه ... رقاق الحواشي كاد يقطر ماؤها إذا ما هممنا أن نبوح بما جنت ... علينا الليالي لم يدعنا حياؤها وله تصانيف كثيرة مفيدة منها تاريخ أبيورد وكتاب المختلف والمؤتلف. وطبقات كل فن وما اختلف وائتلف في أنساب العرب. وله في اللغة مصنفات كثيرة لم يسبق إلى مثلها. وكان حسن السيرة جميل الأثر له معاملة صحيحة. وكانت وفاته بأصبهان مسموماً (لابن خلكان) البحتري (206 - 284 هجري) (822 - 898 م) هو أبو عبادة الوليد بن عبيد البحتري شاعر مقدم لا يعدل به أحد يفضل على حبيب. والناس في تفضيلهما على اختلاف. ولد بمنبج ونشأ وتخرج بها. ثم خرج إلى العراق ومدح جماعة من الخلفاء أولهم المتوكل وأقام ببغداد دهرا طويلا ثم عاد إلى الشام. وكان حسن المذهب نقي الكلام ختم به الشعراء المحدثون. وله تصرف في ضروب الشعر سوى الهجاء فإن بضاعته فيه نزرة. وحدث البحتري عن نفسه قال: وكان أول أمري أني دخلت على أبي

سعيد محمد بن يوسف الثغري فأنشدته قصيدة أولها (أأفلني صب من هوى فاقما) . فسر أبو يوسف بها وقال: أحسنت والله يا فتى وأجدت. وفي مجلسه رجل رفيع نبيل قريب المجلس منه فوق كل من حضر. فأقبل علي وقال: أما تستحي مني. هذا شعر تنتحله وتنشده بحضرتي. فقال له أبوس عيد: أحقا ما تقول. قال نعم. وإنما علقه مني وسبق به إليك وزاد فيه. ثم فأنشد أكثر القصيدة حتى تشككني علم الله في نفسي وبقيت متحيرا. فقال لي أبو سعيد: يا فتى قد كان لك في قرابتك مني ما يغنيك عن هذا. فجعلت أحلف بكل محرجة من الإيمان أن الشعر لي ما سمعته منه ولا انتحلته فلم ينفع ذلك شيئاًَ. وأطرق أبو سعيد وقطع بي حتى تمنيت أن يساخ بي في الأرض. فقمت منكسب البال أجر رجلي فما بلغت باب الدار حتى ردني الغلام. فأقبل علي الرجل وقال: الشعر لك يا بني. والله ما قلته قط ولا سمعته ألا منك. ولكنني كنت ظننت أنك تهاونت بموضعي فأقدمت على الإنشاد بحضرتي تريد مضاهاتي حتى عرفني الأمير بنسبك. ولوددت أن لا تلد طائية ألا مثلك. ودعاني وضمني إليه وعانقني وأبو سعيد يضحك. فلزمته بعد ذلك وأخذت عنه واحتذيت فنه. وعن أبي الغوث عن أبيه البحتري قال: قال لي أبو تمام: بلغني أن بين حميد أعطوك مالا جليلا فبم مدحتهم فأنشدني شيئا منه. فأنشدته فقال لي: كم أعطوك. فقلت: كذا. فقال لي: ظلموك. ما وفوك حقك والله لبيت منها خير مما أخذت. ثم أطرق قليلا ثم قال: لعمري لقد مات الكرام وذهب الناس وغاضت المكارم وكسدت أسواق الأدب. وأنت والله يا بني أمير الشعراء غدا بعدي. فقمت فقبلت رأسه ويديه ورجليه وقلت: والله لهذا القول أسر لي مما وصل إلي منهم. قيل للبحتري أيكما أشعر أنت أو أبو تمام قال: جيده خير من جيدي ورديئي خير من رديئه. وصدق فإن أبو تمام لا يتعلق به أحد في جيده. وربما اختل لفظه لا معناه. والبحتري لا يختل لفظه وقيل له: قد عثرت باحتذائك أبا تمام في شعرك. فقال: أيعاب علي أن أتبع أبا تمام ماعملت بيتا قط حتى أخطر شعره ببالي. وذكروا معنى تعاوره البحتري وأبو تمام فقال المبرد للبحتري: أنت في هذا أشعر من أبي تمام. فقال: لا والله ذلك الرئيس الأستاذ. والله ما أكلت الخبز إلا به. قال المبرد: شعر البحتري أحسن استواء من شعر أبي تمام. لأن البحتري يقول القصيدة كلها فتكون سليمة من طعن طاعن. وأبو تمام يقول البيت النادر والبارد (وهذا المعنى كان أعجب إلى الأصمعي) . وما أشبهه إلا بغائص يخرج الدرة ثم قال: لأبي تمام والبحتري من المحاسن ما لو قيس بأكثر شعر الأوائل ما وجدوا فيه مثله وذكر المبرد شعرا له وقدمه على نظرائه: وإذا ذكرت محاسن أبني صاعد ... أدت إليك مخايل ابني مخلد كالفرقدين إذا تأمل ناظر ... لم يعل موضع فرقد عن فرقد وبعدها: أغنت يداه يدي وشرد جوده ... بخلي فأفقرني بما أغناني

وله أيضا في الفتح بن خاقان وقد نزل إلى الأسد وقتله: حملت عليه السيف لا عطفك انثنى ... ولا يدك ارتدت ولا حده بنا فأحجم لما لم يجد فيك مطعما ... وصمم لما لم يجد عنك مهربا وله فيه: وما منع الفتح بن خاقان نيله ... ولكنها الأيام تعطي وتحرم سحاب خطاني جوده وهو مسبل ... وبحر عداني فيضه وهو مفعم أأشكو نداه بعد أن وسع الورى ... ومن ذا يذم الغيث إلا مذمم والبحتري مكثر جدا وديوان شعره نشخ مختلفا بالزيادة والنقصان لأن شعره لا ينضبط لكثرته. قال البحتري: كنت أذم الشعر في حداثتي وكنت أرجع فيه إلى الطبع ولم أكن أقف على تسهيل مأخذه ووجوه اقتضابه حتى قصدت أبا تمام وانقطعت فيه إليه واتكلت في تعريفه عليه. فكان أول ما قال لي: أبا عبادة تخير الأوقات وأنت قليل الهموم صفر من الغموم. ومن ذاك وقت السحر لأن النفس تكون قد أخذت بحظها من الراحة وقسطها من النوم. فإن أردت النسيب فجعل اللفظ رقيقا والمعنى رشيقا. وإذا أخذت في مدح سيد فأشهر مناقبه. وأظهر مناسبه. وأبن معالمه. وإياك أن تشين شعرك بالألفاظ الهجينة. وكن كأنك خياط تقطع الثياب على مقادير الأجسام. وإذا عارضك الضجر فأرح نفسك ولا تعمل إلا وأنت فارغ القلب. واجعل شهوتك إلى قول الشعراء الذريعة إلى حسن نظمه. فإن الشهوة تجمع النفس. وجملة الحال أن تعتبر نفسك بما سبق من شعر الماضين فما استحسن العلماء فاقصده وما تركوه فاجتنبه ترشد أن شاء الله تعالى. فأعلمت نفسي فيما قال فوفقت على السياسة. ومن أخبار البحتري أنه كان بحلب شخص يقال له طاهر بن محمد الهاشمي مات أبوه وخلف له مقدار مائة ألف دينار فأنفقها على الشعراء والزوار في سبيل الله. فقصده البحتري من العراق فلما وصل إلى حلب قيل له أنه قد قعد في بيته لديون ركبته. فاغتم البحتري لذلك غما شديدا وبعث المدحة إليه مع بعض مواليه. فلما وصلته ووقف عليها بكى ودعا بغلام له وقال له: بع داري. فقال له: أتبيع دارك وتبقى على رؤوس الناس. فقال: لابد من بيعها. فباعها بثلاثمائة دينار فأخذ صرة وربط فيها مائة دينار وأنفذها إلى البحتري. وكتب إليه معها رقعة فيها هذه الأبيات: لو يكون الحباء حسب الذي أن ... ت لدينا به محل وأهل لحثيت اللجين والدر واليا ... قوت حثوا وكان ذاك يقل والأديب الأريب يسمح بالعذ ... ر إذا قصر الصديق المقل فلما وصلت الرقعة إلى البحتري رد الدنانير وكتب إليه: بأبي وأنت والله للبر أهل ... والمساعي بعد وسعيك قبل والنوال القليل يكثر إن شا ... ء مرجيك والكثير يقل

البستي (339- 400 هجري) (951 - 1012 م)

غير أني رددت برك إذ كا ... ن ربا منك والربا لا يحل وإذا ما جزيت شعرا بشعر ... قضي الحق والدنانير فضل فلما عادت الدنانير إليه حل الصرة وضم إليها خمسين دينارا أخرى وحلف أنه لا يردها عليه وسيرها فلما وصلت البحتري أنشأ يقول: شكرتك أن الشكر للعبد نعمة ... ومن يشكر المعروف فالله زائده لكل زمان واحد يقتدى به ... وهذا زمان أنت لا شك واحده (الأغاني) البستي (339- 400 هجري) (951 - 1012 م) هو أبو الفتح علي بن محمد الكاتب البستي الشاعر المشهور صاحب الطريقة الأنيقة والتجنيس الأنيس. البديع التأسيس. وكان في عنفوان أمره كاتبا لباتيوز صاحب بست. فلما افتتحها الأمير ناصر الدولة أبو منصور سبكتكين أراد أبو الفتح أن يتنحى عن الخدمة فدل عليه فاستحضره وفوض إليه مهمات ديوانه مع كون بايتوز في قيد الحياة. فأشفق من سعي حساده فطلب أن يعتزل في بعض أطراف المملكة حتى تسكن الفتنة ويستقر الأمر فأجيب إلى طلبه وأشار عليه بناحية الرخج. فبقي فيها حتى استدعاه السلطان. المعظم يمين الدولة محمود بن سبكتكين وقد كتب له عدة فتوح. فبقي عنده إلى أن زحزحه القضاء عن خدمته ونبذه إلى ديار الترك فانتقل بها إلى جوار ربه. وله نثر رائق بديع وفصول قصار تجري مجرى الأمثال. بهاء الدين زهير (581 - 656 هجري) (1186 - 1259 م) أبو الفضل زهير المقلب بهاء الدين الكاتب من فضلاء عصره وأحسنهم نظما ونثرا وخطا ومن أكبرهم مروءة. كان قد اتصل بخدمة السلطان الملك الصالح نجم الدين بن الملك الكامل بالديار المصرية. وتوجه في خدمته إلى البلاد الشرقية. وأقام بها إلى أن ملك الملك الصالح مدينة دمشق فانتقل إليها في خدمته. وأقام كذلك إلى أن جرت الكائنة المشهورة على الملك الصالح. وخرجت عنه دمشق وخانه عسكره وهو على نابلس وتفرق عنه. وقبض عليه ابن عمه الملك الناصر داود صاحب الكرك واعتقله بقلعة الكرك. فأقام بهاء الدين زهير وملك الديار المصرية. وقدم إليها بهاء سنة سبع وثلاثين وستمائة فاجتمعت به ورأيت فوق ما سمعت عنه من مكارم الأخلاق وكثرة الرياضة ودماثة السجايا. وكان متمكنا من صاحبه كبير القدر عنده لا يطلع على سره الخفي غيره. ومع هذا كله فإنه كان لا يتوسط عنده إلا بالخير. ونفع خلقا كثيرا بحسن وساطته وجميل سفارته وأنشدني كثيرا من شعره. وديوانه كثير الوجود بأيدي الناس. وله شعر جيد. فمن ذلك ما قاله وقد غرقت به سفينة فسلم

جرير (42 - 110 هجري) (663 - 729 م)

بنفسه منها وذهب ما كان معه: لا تعتب الدهر في خطب رماك به ... أن استرد فقدما طالما وهبا حاسب زمانك في حالي تصرفه ... تجده أعطاك أضعاف الذي سلبا والله قد جعل الأيام دائرة ... فلا ترى راحة تبقى ولا تعبا ورأس مالك وهي الروح قد سلمت ... لا تأسفن لشيء بعدها ذهبا ما كنت أول مفدوح بحادثة ... كذا مضى الدهر لا بدعا ولا عجبا ورب مال نما من بعد مرزئة ... أما ترى الشمع بعد القطف ملتهبا وكانت وفاته بالقاهرة بالوباء (لابن خلكان) جرير (42 - 110 هجري) (663 - 729 م) هو أبو حرزة جرير بن عطية التميمي الشاعر المشهور من فحول شعراء الإسلام وكان بينه وبين الفرزدق مهاجاة ونقائض وهو أشعر من الفرزدق والأخطل ويختلف في أيهم المتقدم. واحتج من قدم جرير بأنه كان أكثرهم فنون شهر وأسهلهم ألفاظا وأقلهم تكلفا وكان دينا عفيفا. وسئل أعرابي أيهم عندكم أشعر الشعراء. قال: بيوت الشعر فخر ومديح وهجاء. وفي كلها غلب جرير. فقال في الفخر: إذا غضبت عليك بنو تميم ... حسبت الناس كلهم غضابا وقال في مديح ابن مروان: ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح وقال في هجاء لراعي الشاعر: فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا وذكر الأصمعي قال: كان ينهش جريرا ثلاثة وأربعون شاعرا فينبذهم وراء ظهر ويرمي بهم واحداً واحدا وثبت له الفرزدق والأخطل. وامتدح جرير الخلفاء فمن قوله في مدح عمر: إنا لنرجوا إذا ما الغيث أخلفنا ... من الخليفة ما نرجو من المطر نال الخلافة إذ كانت له قدرا ... كما أتى ربه موسى على قدر أأذكر الجهد والبلوى التي نزلت ... أن تكتفي بالذي بلغت من خبري مازلت بعدك في دار تعرفني ... قد طال بعدك إضعادي ومنحدري لا ينفع الحاضر المجهود بداينا ... ولا يجود لنا باد على حضر كم بالمواسم من شعثاء أرملة ... ومن يتيم ضعيف الصوت والبصر يدعوك دعوة ملهوف كان به ... خبلا من الحن أو مسا من البشر ممن يعدك تكفي فقد والده ... كالفرخ في العش لم ينهض ولم يطر (الأغاني)

صفي الدين الحلي (685 - 740 هجري) (1287 - 1340 م)

صفي الدين الحلي (685 - 740 هجري) (1287 - 1340 م) هو عبد العزيز بن سرايا الحلي الملقب بصفي الدين مناهل ألفاظه العذاب صافية من شوائب التعقيد. ورياض معانيه بنشرها اللباب شاقية لمن كرع من نهرها الرائق المديد وأخبر عن نفسه قال: كنت قبل أن أشب عن الطوق. وأعلم ما دواعي الشوق. تهجا بالشعر نظما وحفظا. متقنا علومه معنى ولفظا. فأعده من أدب الفضائل. ثم جرت بالعراق حروب ومحن أوجبت بعدي عن عريني. وهجر أهلي وقربني. بعد أن تكمل لي من الأشعار. ما سبقني إلى الأمصار. فحططت رحالي بفناء ملوك آل أرتق أصحاب ماردين. فثبتوا بالإحسان فدمي. وصانوا عن بني الزمان وجهي ودمي. فنظمت في مدح السلطان العظم نجم الدين أبي الفتح غازي تسعا وعشرين قصيدة. كل منها تسعة وعشرون بيتا على حرف من حروف المعجم يبدأ في كل بيت منها وبه يختم. ووسمته بدرر النحور. في مدائح الملك المنصور. ثم قذف بي خوف بلادي إلى الديار المصرية. وأهلت للمثول في الحضرة الشريفة الملكية الناصرية. فشملني من الأنعام ما الزمتني المروءة مكافأة تلك الحقوق. ورأيت كفرانها كالعقوق. فجمعت له من جد شعره وهزله. ورقيق لفظه وجزله. فبوبته أبين التبويب. ورتبته أحسن الترتيب فوقع عنده بموقع الاستحسان. وأكرم مثواي وأجزل علي الإحسان. (آه) ولصفي الدين الحلي مؤلفات منها كتاب في علم الرمي وكتاب في أغلاط العرب. وكانت وفاته في بغداد (من ديوانه) الخوارزمي (316 - 383 هجري) (929 - 992 م) هو أبو بكر محمد بن العباس الخوارزمي الشاعر المشهور ويقال له البطر خزي أيضا ابن أخت الطبري صاحب التاريخ وأبو بكر المذكور أحد الشعراء المجيدين الكبار المشاهير. كان إماما في اللغة والأنساب. أقام بالشام مدة وسكن بنواحي حلب وكان يشار إليه في عصره. ويحكى أنه قصد حضرة الصاحب بن عباد وهو بارجان فلما وصل إلى بابه قال لأحد حجابه. قل للصاحب: على الباب أحد الأدباء وهو يستأذن في الدخول. فدخل الحاجب واعلمه فقال الصاحب: قل له: قد ألزمت نفسي أن لا يدخل علي من الأدباء إلا من يحفظ عشرين ألف بيت من شعر العرب. فخرج إليه الحاجب واعلمه بذلك. فقال له أبو بكر: ارجع إليه وقل له: هذا القدر من شعر الرجال أم من شعر النساء. فدخل الحاجب فأعاد عليه ما قال. فقال الصاحب: هذا يكون أبو بكر الخوارزمي فأذن له في الدخول. فدخل عليه فعرفه وانبسط له. وأبو بكر المذكور له ديوان رسائل وديوان شعر ومن نظمه قوله: رأيتك أن أيسرت خيمت عندنا ... مقيما وإن أعسرت زرت لماما فما أنت إلا البدر أن قل ضوءه ... أغب وإن زاد الضياء أقاما

الطغرائي (455 - 513هجري) (1066 - 1120 م)

وكان أبو بكر قليل الوفاء فهجاء أبو سعيد أحمد بن شهيب الخوارزمي: أبو بكر له أدب وفضل ... ولكن لا يدوم على البقاء مودته إذا دامت لخل ... فمن وقت الصباح إلى المساء وملحه ونوادره كثيرة. ولما رجع من الشام سكن نيسابور ومات بها. (لابن خلكان) الطغرائي (455 - 513هجري) (1066 - 1120 م) 199 هو مؤيد الدين الأصبهاني المنشأ المعروف بالطغرائي كان عزيز الفضل لطيف الطبع. فاق أهل عصره بصنعة النظم والنثر. وله ديوان شعر جيد. ومن محاسن قصيدته المعروفة بلامية العجم. وكان عملها ببغداد في سنة خمس وخمسمائة يصف حاله ويشكو زمانه. وكان الطغرائي ولي الوزارة بمدينة إربل مدة وذكر العماد الكاتب في تاريخ الدولة السلجوقية أن الطغرائي المذكور كان ينعت بالأستاذ وكان وزير السلطان مسعود بن محمد السلجوقي بالموصل. وأنه لما جرى بينه وبين أخيه السلطان محمود المصاف بالقرب من همذان وكانت النصرة لمحمود فأول من أخذ الأستاذ أبو إسماعيل وزير مسعود. فاخبر به وزير محمود وهو الكمال نظام الدين السميرمي فقال: من يكن ملحدا يقتل. وقد كانوا خافوا منه فاعتمدوا قتله بهذه الحجة وقتل في سوق ببغداد عند المدرسة النظامية. وقيل قتله عبد أسود كان للطغرائي المذكور لأنه قتل أستاذه. (لابن خلكان) الفارضي (576 - 632 هجري) (1181 - 1235 م) هو عمر بن أبي الحسن الحموي الأصل المصري المولد والدار والوفاة المعروف بابن الفارض المنعوت بالشرف. له ديوان شعر لطيف. وأسلوبه فيه رائق ظريف. ينحو منحى طريقة الفقراء. وله قصيدة مقدار ستمائة بيت على اصطلاحهم ومنهجهم. وما ألطف قوله من جملة قصيدة طويلة: أهلا بما لم أكن أهلا بموقعه ... قول المبشر بعد اليأس بالفرج لك البشارة فأخلع ما عليك فقد ... ذكرتم على ما فيك من عوج وأحسن ما قال في صفة الباري قوله: وعلى تفنن واصفيه بحسنه ... يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف وله دوبيت مواليا وألغاز. وسمعت أنه كان رجلا صالحا كثير الخير على قدم التجرد جاور مكة زمانا وكان حسن الصحبة محمود العشرة. وكانت ولادته بالقاهرة وتوفي بها ودفن من الغد بسفح المقطم (لابن خلكان)

الفرزدق (38 - 120 هجري) (659 - 729 م)

الفرزدق (38 - 120 هجري) (659 - 729 م) اسمه همام بن غالب بن صعصعة دارمي من أشراف تميم. والفرزدق لقب به لهجومة وجهه وغلظه. والفرزدق قطع العجين. وكان الفرزدق ردي الطباع قبيح المنظر. سيء المخبر. قاذفا للمحصنات خبيث الهجو. وكان مهيبا تخافه الشعراء. وقد يحتج البعض في تقديمه على انه يميل إلى جزالة الشعر وفخامته وشدة أسره. والفرزدق أكثر الشعراء مقلدا والمقلد المغنى المشهور الذي يضرب به المثل فمن ذلك قوله: كنا إذا الجبار صعر خده ... ضربناه حتى تستقيم الأخداع وقوله: وكنت كذئب السوء لما رأى دما=بصاحبه يوما أحال على الدم وقوله: ترى كل مظلوم إلينا فراره=ويهرب منا جهده كل مظلم وقوله: ترى الناس ما سرنا يسيرون حولنا=وإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا وله القصائد الغراء في الرثاء والفخر والهجو والمديح فمن ذلك قصيدته الميمية في زين العابدين. وقوله في بني المهلب: فلأمدحن بني المهلب مدحة ... غراء قاهرة على الأشعار مثل النجوم أمامها قمراؤها ... تجلو العمى وتضيء ليل السار ورثوا الطعان عن المهلب والقرى ... وخلائقا كتدفق الأنهار كان المهلب للعراق وقاية ... وحيا ومعقل الفرا وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم ... خضع الرقاب نواكس الأبصار ومات الفرزدق سنة مات فيها الحسن وابن سيرين وجرير (للشريشي) اللخمي (519 - 596 هجري) (1126 - 1200 م) هو أبو علي عبد الرحيم بن أحمد اللخمي العسقلاني المصري الدار المعروف بالقاضي الفاضل الملقب مجير الدين وزير السلطان الملك الناصر صلاح الدين وتمكن منه غاية التمكن. وبرز في صناعة الإنشاء وفاق المتقدمين وله فيه غرائب مع الإكثار. إن مسودات رسائله في المجلدات والتعليقات في الأوراق إذا جمعت ما تقصر عن مائة مجلدة وهو مجيد في أكثرها. وهو رب القلم والبيان. واللسن واللسان. والقريحة والوقادة. والبصيرة النقادة. والبديهة المعجزة. والبديعة المطرزة. والفضل الذي ما سمع في الأوائل بمن لو عاش في زمانه لتعلق بغباره. أو جرى في مضماره. يخترع الأفكار. ويفترع الأبكار. ويطلع الأنوار. ويبدع الأزهار. وهو ضابط الملك بآرائه. إن شاء أنشأ في يوم واحد بل في ساعة واحدة ما لو

أبو العلاء المعري (363 - 449 هجري) (974 - 1085 م)

دون لكان لأهل الصناعة. خير بضاعة. أين قس عند فصاحته. وأين قيس في مقام حصافته ومن حاتم وعمرو في سماحته وحماسته. وملحه ونوادره كثرة وله في النظم أيضاً أشياء حسنة منها قوله: وإذا السعادة لاحظتك عيونها ... نم فالمخاوف كلهن أمان واصطد بها العنقاء فهي حبائل ... واقتد بها الجوزاء فهي عنان وكانت وفاته بالقاهرة (الخريدة للعماد الأصبهاني) أبو العلاء المعري (363 - 449 هجري) (974 - 1085 م) هو أحمد بن عبد الله القضاعي المعري التنوخي كان علامة عصره. وله التصانيف المشهورة والرسائل المأثورة. وله من النظم لزوم ما لا يلزم. وله سقط الزند وهو متن التنوير وكتاب الأيك والغصون. وكان متضلعاً من فنون الدب. واخذ عنه أبو القاسم التنوخي والخطيب أبو زكريا يحيى التبريزي شارح الحماسة وغيرها ثم عمي بالجدري. ومن تصانيفه وصفه وإطرائه. فقال أبو العلاء: كأنما نظر المتنبي إلي بلحظ الغيب حيث يقول: أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي ... وأسمعت كلماتي من به صمم واختصر ديوان أبي تمام حبيب وشرحه وديوان البحتري وديوان المتنبي وتكلم على غريب أشعارهم ومعانيها ومآخذهم من غيرهم وما اخذ عليهم. وتولى الانتصار لهم والنقد في بعض المواضع عليهم. والتوجيه للخطأ في بعض الأماكن. ورحل إلى بغداد مرتين. ولما رجع منها في المرة الثانية لزم منزله وشرع في التصنيف. وكان يملي على بضع عشرة محبرة في فنون من العلوم. وأخذ عنه ناس وسار إليه الطلبة من الآفاق والعلماء والوزراء وأهل الأقدار وسمى نفسه رهن المحبسين للزومه منزله ولذهاب عينيه. ومكث خمسا وأربعين سنة لا يأكل اللحم تزهدا. وعمل الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة. ولما توفي قرئ على قبره سبعون مرثية منها قول أبي الفتح حصينة المعري: العلم بعد أبي العلاء مضيع ... والأرض خالية الجوانب بلقع أودى وقد ملأ البلاد غرائباً ... تسري كما تسري النجوم الطلع ما كنت اعلم وهو يوضع في الثرى ... أن الثرى فيه الكواكب تودع جبل ظننت وقد تزعزع ركنه ... أن الجبال الراسيات تزعزع لو فاضت المهجات يوم وفاته ... ما استكثر فيه فيكيف الدمع عين تسهد للمفاف وللتقى ... أبدا وقلب للمهيمن يخشع شيم تجمله فهن لمجده ... تاج ولكن بالثناء يرصع جادت ثراك أبا العلاء غمامة ... كندى يديك ومزنة لا تقلع

أبو الطيب المتنبي (303 - 354 هجري) (916 - 966 م)

ما ضيع الباكي عليك دموعه ... إن الدموع على سواك تضيع قصدتك طلاب العلوم ولا أرى ... للعمل بابا بعد بابك يقرع مات النهى وتعطلت أسبابه ... وقضى التأدب والمكارم أجمع أبو الطيب المتنبي (303 - 354 هجري) (916 - 966 م) هو أبو الطيب أحمد بن عبد الصمد الجعفي الكندي المعروف بالمتنبي الشاعر المشهور. وهو من أهل الكوفة وقدم الشام في صباه واشتغل بفنون الدب ومهر فيها. وكان من المكثرين من نقل اللغة والمطلعين على غريبها وحواشيها. ولا يسأن عن شيء إلا واستشهد فيه بكلام العرب من النظم والنثر. وأما شعره فهو في النهاية ولا حاجة إلى ذكر شيء منه لشهرته لكن الشيخ تاج الدين الكندي كان يروي له بيتين لا يوجدان في ديوانه وهما: أبعين مفتقر إليك نظرتني ... فأهنتني وقذفتني من حالق لست الملوم أنا الملوم لأنني ... أنزلت آمالي بغير الخالق ولما كان بمصر مرض وكان له صديق يغشاه في علته فلما أبل انقطع عنه. فكتب إليه: وصلتني وصلك الله معتلا. وقطعتني مبلا. فإن رأيت أن لا تحبب العلة إلي. ولا تكدر الصحة علي فعلت إن شاء الله تعالى. والناس في شعره على طبقات. فمنهم من يرجحه من يرجحه على أبي تمام ومن بعده ومنهم من يرجح أبا تمام عليه وله التشابيه البديعة كقوله: في جحفل ستر العيون غباره ... فكأنما يبصرن بالآذان واعتنى العلماء بديوانه فشرحوا أكثر من أربعين شرحا ما بين مطولات ومختصرات ولم يفعل هذا بديوان غيره. ولا شك أنه كان رجلا مسعودا ورزق في شعره السعادة التامة. وإنما قيل له المتنبي لأنه ادعى النبوءة في بادية السماوة وتبعه خلق كثير من بني كلب وغيرهم. فخرج إليه لؤلؤ أمير حمص نائب الأخشيدية فأسره وتفرق أصحابه وحبسه طويلا. ثم استتابه وأطلقه. وقيل غير ذلك وهذا أصح. وقيل أنه قال: أنا أول من تنبأ بالشعر. ثم التحق بالأمير سيف الدولة بن حمدان سنة 337. وكان لسيف الدولة مجلس يحضره العلماء كل ليلة فيتكلمون بحضرته. فوقع بين المتنبي و (بين) ابن خالويه النحوي كلام. فوثب ابن خالويه على المتنبي فضرب وجهه بمفتاح كان معه فشجعه وخرج ودمه يسيل على ثيابه. فغضب وخرج إلى مصر سنة 346 وامتدح كافورا ولما لم يرضه هجاء وفارقه سنة 350 فوجه كافور خلفه رواحل إلى جهات شتى فلم يلحق به. وقصد المتنبي بلاد فارس ومدح عضد الدولة بن بويه الديلمي فأجزل جائزته. ولما رجع من عنده قاصدا بغداد ثم الكوفة في شعبان لثمان خلوان منه عرض له فاتك بن أبي الجهل الأسدي بعدة من أصحابه. وكان مع المتنبي أيضا جماعة من أصحابه فقاتلوه. فقتل المتنبي وابنه وغلامه مفلح بالقرب من النعمانية (اليتيمة للثعالبي وغير ذلك)

الباب الثالث عشر في التاريخ

الباب الثالث عشر في التاريخ أخبار الفرنج فيما ملكوا من سواحل الشام وثغوره وكيف تغلبوا عليه وبداية أمرهم في ذلك ومصايره الزحفة الأولى (1091 - 1099 م) كانت دولة الفرنسيين من أعظم دول الفرنج واستفحل أمرهم بعد الروم. وكان مبتدأ خروجهم سنة تسعين وأربعمائة (1087 م) فتجهزوا لذلك. وكان ملوكهم الحاضرون بقدوين والقمص (ريموند) وغفريد وبويموند. فجعلوا طريقهم في البر على القسطنطينية فمنعهم ملك الروم (ألكسيس) من العبور عليه من الخليج حتى شرط عليهم أن يسلموا له أنطاكية لكون المسلمين كانوا أخذوها من مماليكهم فقبلوا شرطه وسهل لهم العبور في خليجه. فأجازوا في العدد العدة وانتهوا إلى بلاد قليج أرسلان صاحب قونية فجمع للقائهم فهزموه. ثم ساروا إلى إنطاكية وبها باغيسيان من أمراء السلجوقية فأخذوها عنوة ووضعوا السيف في المسلمين الذين بها ونهبوا أموالهم. وقتل باغيسيان وحمل رأسه إليهم وردوا أمر المدينة إلى بويموند (1099م) . فلما سمع كربوقا صاحب الموصل بحال الفرنج وملكهم إنطاكية جمع العساكر وسار إلى الشام في كثير من الأمراء والقواد فزحفوا إلى إنطاكية وحاصروها ثلاثة عشر يوماً. فوهن الفرنج واشتد عليهم الحصار لما جاءهم على غير استعداد وطلبوا الخروج على الأمان فامتنع كربوقا. ثم أن كربوقا أساء السيرة فيمن اجتمع معه من الملوك والأمراء فخبثت نياتهم عليه. وكان مع الفرنج راهب مطاع فيهم فقال لهم: إن زج الحربة التي طعن بها المسيح مدفونة بكنيسة الفتيان فإن وجدتموها فإنكم تظفرون. وأمرهم بالصوم والتوبة ففعلوا ذلك ثلاثة أيام. فلما كان اليوم الرابع أدخلهم الموضع فحفروا عليها جميع الأماكن فوجدوها كما ذكر. فقال لهم: أبشروا بالظفر. فقويت عزيمتهم وخرجوا اليوم الخامس. فلما تكاملوا ولم يبق بإنطاكية أحد منهم ضربوا مصافاً عظيماً فولى المسلمون منهزمين فقتل الفرنج منهم ألوفا وغنموا ما في العسكر من الأقوات والأموال والدواب والأسلحة فصلحت حالهم وعادت إليهم قوتهم. وساروا إلى معرة النعمان فملكوها وزحفوا إلى حمص فصالحهم أهلها واستولى بقدوين على مدينة الرها وملطية فملكها. ثم دخلت سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة فسار الفرنج إلى البيت المقدس وكان بيت المقدس قد

ملك غدفريد (1099 م) وبقدوين الأول (1100 م)

ملكه السلجوقية. ثم طمع فيه أهل مصر فاستولوا عليه فصار أمر المقدس في يد خليفة مصر. فاستناب عليها افتخار الدولة الذي كان بدمشق فقصده الفرنج وحاصروه أربعين ليلة ونصبوا على المدينة برجين وملكوها من الجانب الشمالي وركب الناس السيف فاحصي القتلى فكانوا سبعين ألفاً أو يزيد. وغنموا من المدينة ما لا يقع عليه الإحصاء وجاء الصريخ إلى بغداد صحبة القاضي أبي سعيد الهروي فكثر البكاء والأسف. وقال في ذلك المظفر الأبيوردي: مزجنا دماء بالدموع السواجم ... فلم يبق منا عرضة للمراجم وشر سلاح المرء دمع يفيضه ... إذا الحرب شبت نارها بالصوارم وكيف تنام العين ملء جفونها ... على هفوات أيقظت كل نائم وإخواننا بالشام أضحى مقيلهم ... ظهور المذاكي أو بطون القشاعم يسومهم الروم الهوان وأنتم ... تجرون ذيل الخفض فعل المسالم أترضى صناديد الأعارب بالأذى ... وتغضي على ذل كماة العاجم فليتهم إذ لم يذودوا حمية ... على الدين ضنوا غيرة بالمحارم ملك غدفريد (1099 م) وبقدوين الأول (1100 م) وتمكن الفرنج من البلاد وولا على بيت المقدس غفريد من ملوكهم. ولما بلغ خبر الواقعة إلى مصر جمع الأفضل الجيوش والعساكر واحتشد وسار إلى عسقلان وأرسل إلى الفرنج بالتكبر والتهديد. فأعادوا الجواب ورحلوا مسرعين فكسبوه بعسقلان على غير أهبة فهزموه واستلحموا المسلمين ونهبوا سوادهم. ونازل الفرنج عسقلان حتى مانع أهلها الفرنج بعشرين ألف دينار وعادوا إلى القدس. ثم أتموا الفتح واستولى تنكري على طبرية وتقلد عليها الإمارة ثم افتتح حصن حيفا. وكانت وفاة غفريد سنة ثلاثة وتسعين وأربعمائة. وقام بالأمر بعده أخوه بقدوين صاحب الرها. وسار في ملك الفرنج إلى سروج وقيسارية فملكوها عنوة (1100 م) وملكوا أرسوف بالأمان. وفي سنة 495 للهجرة سار ضجيل (ريموند) إلى طرابلس وشد حصارها وأعانه أهل الجبل والنصارى من أهل سوادها. ثم صالحوه على مال وخيل ورحل عنهم إلى أنطرسوس من أعمال طرابلس فحاصرها وملكها عنوة. ثم رحل إلى حمص ونازلها وملك أعمالها. ثم استفحل أمر الفرنج بالشام وندب بقدوين جمعا كثيرا ممن سار إلى زيارة القدس للغزو فأغاروا على عكا وقيسارية واكتسحوا نواحيها. وفي سنة 497 هجري وصلت مراكب من بلاد الفرنج تحمل خلقا كثيرا من التجار والحجاج فاستعان بهم ضجيل على حصار طرابلس فحاصروها برا وبحرا حتى يئسوا منها فارتحلوا إلى جبيل وملكوها بالأمان. ثم سير الأفضل صاحب مصر عسكرا ضخما إلى قهر الفرنج فملكوا الرملة واستنجدهم صاحب عسقلان وطغركين أتابك صاحب دمشق فقصدهم بقدوين فاقتتلوا وكثرت

ملك بقدوين الثاني (1118م) زنكي وفتوحاته

بينهم القتلى واستشهد صاحب عسقلان وتحاجزوا وعاد كل إلى بلده. ثم سار الفرنج إلى حصن أفامية فحاصروه حتى جهد أهلها الجوع وملكوا البلد والقلعة. وقتلوا القاضي المتغلب عليها. وفي سنة 499 هجري سار ضحيل ثالثة إلى طرابلس وأقام عليها وبنى بالقرب منها حصنا وبنى تحته ربضا وهو المعروف بحصن ضجيل فسار صاحب طرابلس إليه وأحرق الربض ووقف ضجيل على بعض سقوفه المحرقة فانخسف به فهلك وحمل إلى القدس ودفن فيه. وفي سنة 502 هجري سار طغركين أتابك من دمشق إلى طبرية فزحف إليه ابن أخت بقدوين ملك القدس واقتتلوا فانكشف المسلمون ثم استماتوا وهزموا الفرنج وأسروا ابن أخت الملك فقتله طغركين بعد أن فادى نفسه بثلاثين ألف دينار وخمسمائة أسير فلم يقبل منه إلا الإسلام أو القتل. ولما كانت سنة 503 هجري وصل القمص (ريموند) بن ضجيل بمراكب عديدة مشحونة بالرجال والسلاح والميرة وحاصروا طرابلس مع بقدوين ملك القدس ونصبوا عليها الأبراج. فاشتد بهم الحصار وعدموا القوت لتأخر الأسطول المصري بالميرة فملكوها عنوة وأثخنوا فيها. ثم استولى الفرنج على بيروت عنوة واجتمعوا مع قو كثير ممن قصد الحج والغزو ونازلوا صيداً براً وبحراً وأسطول مصر يعجز عن إنجادهم. ثم زحفوا إلى صور في أبراج الخشب المصفحة فضعفت نفوسهم أن يصيبهم مثل ما أصاب أهل بيروت فاستأمنوا فأمنهم الفرنج وعاد بقدوين إلى القدس. ثم دخلت سنة 504 هجري فقصد بقدوين الديار المصرية فانتهى إلى الفرما ودخلها وأحرقها وأحرق جامعها ومساجدها ورحل عنها راجعاً إلى الشام وهو مريض فهلك في الطريق قبل وصوله إلى العريش. فرحل أصحابه بجثته فدفنوها بكنيسة القيامة (لأبي الفداء ولمجير الدين الحنبلي) ملك بقدوين الثاني (1118م) زنكي وفتوحاته ووصى بقدوين ببلاده القمص صاحب الرها وهو بقدوين الثاني الذي كان أسره جكرمش وأطلقه جادلي وكان حاضرا في القدس لزيارة الحج. فسلم أمر الرها لجوسلين وكان شجاعا من فحولهم أغار مرارا على جموع العرب والتركمان وغنم أموالهم ومواشيهم. وفي عهد بقدوين الثاني سار أبو الغازي صاحب ماردين إلى غزوا الفرنج واجتمع بطغركين صاحب دمشق فاستولوا على رميلة من أعمال دمشق وغيرها من بلاد الفرات فبالغوا في تحصينها واعتزموا على تخريب بلاد الفرنج. فأسروا وغنموا وقتل صاحب إنطاكية فاستنجد الفرنج ببقدوين فحشد العساكر وزحف إلى مقاتلة المسلمين فناجزهم أبو الغازي وصدق الحملة عليهم فقاتلوه أشد القتال وهزموه. ثم رجع طغركين إلى دمشق وأبو الغازي إلى ماردين فاغتالته بها المنية. ثم قام بعده بلك ابن أخيه فعادوا الحرب ففتك بلك في الفرنج فتكة شنعاء فأسر جوسلين صاحب الرها وحبسه في خرت برت فسار بقدوين إليه في جموعه فهزمهم بلك وأسر الملك وجماعة من زعمائهم وحبسهم في قلعة خرت برت مع جوسلين. ثم سار بلك إلى حران وملكها ولما غاب من

فلك (1131 م) بقدوين الثالث (1145 م) حروب زنكي ووفاته

خرت برت تحيل الفرنج وخرجوا من محبسهم بمداخلة بعض الجند. وسار بقدورين إلى بلده وملك الآخرون القلعة فعاد بلك إليهم وحاصرها وارتجعها من أيديهم ورتب فيها الحامية. وفي سنة 518 هجري أخذ الفرنج يافا وملكوا مدينة صور بعد حصار طويل وكانت للحلفاء العلويين أصحاب مصر. وكان ملكها بالأمان فدخلها الفرنج وخرج المسلمون بما قدروا على حمله من أموالهم. وفي عهد بقدوين ظهر عماد الدين أتابك زنكي بن أنقر وكان أول أمره أن السلطان محمود السلجوقي ولاه على الموصل والجزيرة وديار بكر ثم استقل في ملكه واستولى على الشام وأورث بنيه ملكها. وكانت لهم دولة عظيمة ونشأت عن دولتهم دولة بني أيوب وتفرعت منها. ثم سار زنكي إلى قتال الفرنج وكانوا قد اجتمعوا على حلب وحاصروها فضاق الأمر على أهلها. فلما قرب زنكي من حلب أجفل عنه الفرنج ورحلوا عنها فسلم أهل حلب المدينة والقلعة إليه. ثم اجتمع الفرنج سنة 520 هجري وساروا إلى دمشق ونزلوا مرج الصفر واستنجد طغركين صاحبها أمراء التركمان من ديار بكر وغيرها فجاءوا إليه. وخرج إلى الفرنج والتقى معهم فسقط طغركين في المعترك. فظن أصحابه أنه قتل فانهزم طغركين والخيالة والفرنج في اتباعهم وقد أثخنوا في رجاله التركمان. فلما اتبعوا المنهزمين خالف الرجالة إلى معسكرهم فنهبوا سوادهم وقتلوا من وجدوا فيه ولحقوا بدمشق ورجع الفرنج عن المنهزمين فوجدوا خيامهم وأثقالهم منهوبة فانهزموا أيضاً. فمات بعد زمان ملكهم بقدوين (1131) (لابن خلدون) فلك (1131 م) بقدوين الثالث (1145 م) حروب زنكي ووفاته وصار الأمر إلى فلك من زعمائهم وفي عهد سير زنكي عسكرا كثيفا لفتح دمشق فبعث معين الدولة أنز صاحبها إلى ملك الفرنج ليستنجده على مدافعته على أن يحاصر قاشاش فإذا فتحها أعطاهم إياها. فأجابوا إلى ذلك حذرا من استطالة زنكي على دمشق فمحص الله عسكر زنكي فانهزموا. ثم سار معين الدولة مع الفرنج قاشاش فملكها وأعطاها إلى الفرنج كما عاهدهم وكانت لزنكي. فاستحلموا بها الحامية واستبد بها الفرنج. ثم استقام الأمر بعد فلك لبقدوين الثالث (1145) . وفي أيامه مات صاحب الرها فسار عماد الدين إليها فحاصرها ثمانية وعشرين يوما ونقب سورها ونصبوا عليها السلالم وتسلموها وفتحوا البلد عنوة وأفحشوا في القتل والسبي والنهب. ثم نادوا بالأمان فتراجع النصارى إلى البلد فاقروهم في الجزية. ثم أقام زنكي مدة حتى أصلح أسوارها وخنادقها فحسنت عمارتها وأنزل بها الحامية. ثم تسلم مدينة سروج وسائر الأماكن التي كانت بيد الفرنج شرقي الفرات إلا البيرة لامتناعها. ومات زنكي صاحب الموصل سنة 541 هرجي قتله جماعة من مماليكه. وكان عماد الدين زنكي حسن الصورة أسمر اللون مليح العينين قد وخطه الشيب وكان قد زاد عمره على ستين سنة. وكان شديد الهيبة على عسكره. وكان له الموصل وما معها من البلاد وملك الشم خلا دمشق. وكان شجاعاً وكانت الأعداء محيطة

زحفة الفرنج الثانية إلى المشرق (1147 م) غزوات نور الدين

بمملكته من كل جهة وهو ينتصف منها ويستولي على بلادهم. ودفن في الرقة فولي أمر الموصل بعده أخوه قطب الدين مودود. وكان أخوه الأكبر نورد الدين محمود بالشام وله حلب وحماة. فسار إلى سنجار وملكها ولم يحاققه أخوه قطب الدين ثم اصطلحا وأعاد نور الدين سنجار إلى قطب الدين وتسلم هو مدينة حمص والرحبة فبقي الشام له وديار الجزيرة لأخيه. فلما قتل الأتابك زنكي طمع جوسلين أن يسترد الرها وكان مقيماً في ولايته في تل باشر فراسل أهل الرها وعامتهم من الأرمن وحملهم على العصيان على المسلمين وتسليم البلد له فأجابوه وأوعدوه ليوم عينوه فسار في عسكره وملك البلد. فزحف إليهم نور الدين واقتحم البلد واستباح أهله. زحفة الفرنج الثانية إلى المشرق (1147 م) غزوات نور الدين ولما استولى المسلمون على الرها أخذ ظل الفرنج بالتقلص في المشرق فذهب القسوس والرهبان إلى بلاد النصرانية من الروم والفرنج يستنجدونهم على المسلمين ويخوفونهم استيلاءهم على إنطاكية وما يخشى بعد ذلك من ارتجاعهم بيت المقدس. فتألبت أمم الفرنج من كل ناحية وسيروا مددا لهم على المسلمين لما يرونه من تفرد هؤلاء بالشام بين عدوهم. فسار في سنة 543 هجري ملك الفرنج (لويس الرابع) وملك الألمان (كوتراد) مع الأمراء في جموع عظيمة قاصدين بلاد الإسلام لا يشكون في الغلب والاسيتلاء لكثرة عساكرهم وتوفر عددهم وأموالهم فتجمعوا بالقسطنطينية وساروا إلى الشام فهلك منهم جمع كثير بدسائس ملك القسطنطينية فلما وصلوا الشام اجتمع عليهم عساكر بقدوين ممتثلين أمرهم. فجدوا بالمسير إلى دمشق فحاصروها فقام معين الدولة أنزفي مدافعتهم المقام المحمود. ثم قاتلهم الفرنج فنالوا من المسلمين بعد الشدة والمصابرة. فقوي الفرنج ونزل ملك الألمان الميدان الأخضر فبعص معين الدين إلى سيف الدين عازي بن زنكي يدعوه إلى نصرة المسلمين. فجمع عساكره وسار إلى الشام واستدعى أخاه نور الدين من حلب ونزلوا على حمص فبعض معين الدولة إلى طائفتي الفرنج من سكان الشام والواردين مع الألمان يتهددهم بتسليم البلد إلى صاحب الموصل. فلم يزل يضرب بينهم وجعل للفرنج حصن بانياس طعمة. فاجتمعوا إلى ملك الألمان وخوفوه من صاحب الموصل وقتلوا له في الذروة والغارب حتى رحل عن دمشق ورجع إلى بلاده على البحر المحيط (1149 م) . وفي سنة 546 هجري جمع نور الدين محمود عسكره وسار إلى بلاد جوسلين الفرنجي وهي شمالي حلب. وكان جوسلين فارس الفرنج غير مدافع قد جمع الشجاعة والرأي فسار في عسكره نحو نور الدين فالتقوا واقتتلوا وانهزم المسلمون وقتل منهم وأسر جمع كثير. وكان في جملتهم سلاحدار نورد الدين فأخذه جوسلين ومعه سلاح نور الدين فسيره إلى الملك مسود بن قلج أرسلان صاحب قونية واقصرا وقال له: هذا سلاح دار زوج ابنتك وسيأتيك بعده ما أعظم منه. فلما علم نور الدين الحال عظم عليه أعمل الحيلة على جوسلين وهجر الراحة ليأخذ ثأره.

ملك أموي (1159 م) وفاة نور الدين وظهور صلاح الدين

وأحضر جماعة من الأمراء التركمان وبذل لهم الرغائب أن ظفروا بجوسلين وسموه إليه. لأنه علم عجزه عنه في القتال. فجعل التركمان عليه العيون فخرج متصيداً فظفر به طائفة منهم وحملوه إلى نور الدين أسيراً. فسار نور الدين إلى قلاع جوسلين فملكها وهي عين تاب والراوندان ودلوك ومرعش وغير ذلك من أعماله. وفي سنة 548 هجري ملك الفرنج مدينة عسقلان من يد العلوية خلفاء مصر فاستطالوا على دمشق ووضعوا عليها الجزية. وكان صاحبها مجير الدين أنز واهي القوى مستضعف القوة فخشي نور الدين عليها من الفرنج. فكاتب أهل دمشق واستمالهم في الباطن ثم سار إليها وحصرها وملك المدينة. فلحق مجير الدين بمدينة بغداد وأقام بها إلى أن توفي وأما نور الدين فزحف إلى بعلبك واستنزل عنها صاحبها ونازل قلعة حارم وهي للفرنج فرحل عنها ولم يملكها. وفي بعض مسيره كبسه الفرنج وهو نازل في البقيعة تحت حصن الأكراد. فلم يشعر نور الدين وعسكره إلا وقد أظلت عليهم صلبان الفرنج وقصدوا خيمة نور الدين. فلسرعة ذلك ركب نور الدين فرسه وفي رجله السنجة فنزل إنسان كردي فقطعها فنجا نور الدين وقتل الكردي فأحسن نور الدين إلى مخليصه ووقف عليهم الوقوف. وسار نور الدين إلى مجير حمص ولحق به المنهزمون فتوافقت إليه الإمداد فسار إلى حارم وسار وأخذها من الفرنج بعد مصاف جرى بين الفريقين وانتصر فيه نور الدين ودار رحى الحرب عليهم. ثم عزم على منازلة بانياس لقلة حاميتها فحاصرها وضيق عليها ففتحها وشحن قلعتها بالمقاتلة والسلاح. وفي سنة 544 هجري (1159 م) توفي بقدوين صاحب القدس في مدينة إنطاكية (لابن الأثير) ملك أموي (1159 م) وفاة نور الدين وظهور صلاح الدين فقام بعده بالأمر أمالريك أخوه. وفي سنة 556 هجري تولى العاضد لدين الله وهو آخر الخلفاء العلويين بالديار المصرية. وكانت دولة العلويين بمصر قد أخذت في التلاشي وصار استبداد وزرائها على خلفاءها. فهرب شاور وزير العاضد صاحب مصر من ضرغام الذي نازعه في الوزارة إلى الشام ملتجئا إلى نور الدين ومستجيرا بهم. وطلب منه إرسال العساكر معه إلى مصر ليعود إلى منصبه ويكون له ثلث دخل البلاد. فتقدم نور الدين بتجهيز الجيوش وقدم عليها أسد الدين شيركوه فتجهز وساروا جميعاً وشاور في صحبتهم. ووصل أسد الدين والعساكر إلى مدينة بلبيس فخرج إليهم أخو ضرغام بعسكر المصريين ولقيهم فانهزم وخرج ضرغام من القاهرة فقتل وخلع على شاور وأعيد إلى الوزارة. وأقام أسد الدين بظاهر القاهرة فغدر به شاور وعاد عما كان وعده نور الدين. وأرسل إلى الفرنج يستمدهم فسارعوا إلى تلبية دعوته ونصرته فلما قربوا مصر فارقها أسد الدين وقدص مدينة بلبيس وجعلها ظهرا يتحصن به. فحصره بها العساكر المصرية والفرنج ثلاثة أشهر وهو يغاديهم القتال ويراوحهم فلم يبلغوا منه غرضاً. فراسله الفرنج في الصلح والعود إلى الشام فأجابهم إلى ذلك وسار إلى الشام. ثم

بقدوين الرابع (1175 م) فتوحات صلاح الدين

عاده نور الدين إلى صمر سنة 562 هجري فأغار أسد الدين ودوخ بلادها. ثم هلك وقام صلاح الدين ابن أخيه مكانه. وفي ولايته مات العاضد ومحا الله دعوة العلويين وذهب بدولتهم فاستولى صلاح الدين على بلاد مصر وكان بها عاملا لنور الدين ثم استطال صلاح الدين على نور الدين فاسترجعه سار إليه صلاح الدين. ثم كر راجعا إلى مصر وكتب لنور الدين يعتذر له بأنه بلغه عن بعض سلفه العلويين بمصر أنهم معتزمون على الوثوب. فلم يقبل نور الدين عذره في ذلك واعتزم على عزله عن مصر. فاستشار صلاح الدين أباه نجم الدين وكان خيرا عاقلا حسن السيرة ذا حزم ورأي فأشار عليه بملاطفة نور الدين ومراعاته ففعل وأظهر الطاعة. وكان نور الدين يستفحل ملكا مع الأيام فدخل بلاد الفرنج وعبث بها فخافوا عن لقائه فاكتسح بلادهم وخرب ما مر به من القلاع ثم شرع في التجهز لأخذ مصر من صلاح الدين بن أيوب فأتاه أمر الله الذي لا مرد له سنة 559 هجري. وكان نور الدين أسمر طويل القامة ليس له لحية إلا في حكة حسن الصورة وكان قد اتسع ملكه جداً وخطب له في الحرمين وفي اليمن ومصر وكان مولده سنة 511 هجري وطبق ذكره الأرض بحسن سيرته وعدله. وكان في الزهد والعبادة على قدم عظيم وكان يصلي كثيرا من الليل فكان كما قيل: جمع الشجاعة والخشوع لربه ... ما أحسن المحراب في المحراب وهو الذي حصن قلاع الشم وبنى الأسوار على مدنها لما تهدمت بالزلازل. ولما توفي اجتمع الأمراء والمقدمون وأهل الدولة بدمشق وبايعوا ابنه الملك الصالح إسماعيل وهو ابن إحدى عشرة سنة. وأطاعه الناس بالشام. وكان صلاح الدين بمصر وخطب له هناك وضرب السكة باسمه ثم استفحل ملكه وعظمت دولة بني أيوب من بعهد إلى أن انقرضوا. ولما مات نور الدين سار ابن أخيه سيف الدين غازي من الموصل وملك جميع البلاد الجزيرية. واجتمع الفرنج وحاصروا قلعة بانياس من أعمال دمشق. فراسلهم أهل دمشق وتهددوهم بسيف الدين صحاب الموصل فصالحهم على مال يبعثونه إليهم فتقررت الهدنة. وبلغ ذلك صلاح الدين فنكره واستعظمه وكتب إلى الصالح يقبح مرتكب أهل دمشق ويعدهم بغزوة الفرنج. وفي سنة 570 هجري توفي أمالريك ملك الفرنج صاحب القدس (1175) (كتاب الروضتين) بقدوين الرابع (1175 م) فتوحات صلاح الدين فعقبه في الملك ابنه بقدوين الرابع وكان مجذوماً. فلما رأى أهل دمشق أن العدو قد استفحل وكون ولد نور الدين طفلا لا ينهض بأعباء الملك كاتبوا صلاح الدين فطار إليهم. فخرج إليه أهل الدولة بمقدمهم وسلموا إليه المدينة فاستخلف عليها أخاه سيف الإسلام طغركين ابن أيوب. ثم سار إلى محاربة سيف الدين غازي صاحب الموصل فاستولى على حمص وحماة ثم زحف إلى حلب وأقام محاصرا لها وبها الملك الصالح بن نور الدين فاجتمع أهل حلب وقاتلوا

بقدوين الخامس (1185 م)

صلاح الدين وصدوه عن حلب. وأرسل كمشتكين إلى سنان مقدم الإسماعيلية أموالا عظيمة ليقتلوا صلاح الدين فأرسل سنان جماعة فوثبوا على صلاح الدين فقتلوا غيره. فرحل صلاح الدين عن حلب بسبب نزول الفرنج على حمص فاسترجعها. وملك بعلبك ثم سار إلى ملاقاة سيف الدين فصدق عليه الحملة. فانهزم سيف الدين وغنم سواده ومخلفه واتبع عساكر حلب حتى أخرجهم منها. وقطع صلاح الدين حينئذ الخطبة للملك الصالح وأزال اسمه عن السكة واستبد بالسلطنة. ورحل عن حلب سنة 570 هجري ثم سار إلى بلد الإسماعيلية فنهب بلدهم وخربه وأحرقه. ثم أتم مسيره إلى مصر فأمر ببناء السور الدائر على مصر والقاهرة والقلعة التي على جبل المقطم. ثم أمر ببناء المدرسة الشافعية. ولما دخلت سنة 573 هجري سار صلاح الدين من مصر إلى ساحل الشام لغزو الفرنج فوصل إلى عسقلان. فاكتسح أعمالها ولم ير للفرنج خبرا فانساح في البلاد وانقلب إلى الرملة. فما راعه إلا الفرنج مقبلين في جموعهم وأبطالهم وقد افترق أصحاب صلاح الدين في السرايا فتمت الهزيمة على المسلمين وقاربت حملات الفرنج السطان فمضى منهزما إلى مصر على البرية في قل قليل ولحقهم الجهد والعطش ودخل القاهرة. وأخذت الفرنج العسكر الذين كانوا يتفرقون في الإغارات أسرى. فكان وهنا عظيما جبره الله بوقعة حطين (1169 م) . فطمع الفرنج بسبب بعد السطان بمصر وهزيمته فهجموا على بلاد حماة وحارم وعاثوا فيها إلى أن صانعهم المسلمون بالمال فرحلوا عنها. وفي سنة 576 هجري توفي سيف الدين غازي صاحب الموصل والجزيرة وله من العمر ثلاثون سنة وكان حسن الصورة مليح الشباب تام القامة أبيض اللون عاقلا عادلا عفيفا من أموال الرعية مع شح كان فيه. ثم توفي بعده الملك الصالح بن نور الدين صاحب حلب. فسار صلاح الدين من مصر واستخلف فيه ابن أخيه. ثم أغار على بيروت وسواحل الشام وانقلب إلى الجزيرة وملك الرها والرقة وماردين ونصيبين وحصر الموصل وأقام عليها منجنيقا. ثم علم أن حصارها يطول فأقلع عنها واحتل مدينة حلب واقطعها أخاه الملك العادل. ثم سار إلى الكرك وضيق مخنقها فجمعت الفرنج فارسها وراجلها فلم يتمكن السلطان فتحها. فسار إلى نابلس وأحرقها ونهب ما بتلك النواحي وقتل وأسر وسبى ثم عاد إلى دمشق. فلم يلبث أن خرج ثانياً إلى حصار الموصل فلم ينل منها بغيته واستقر الصلح بينه وبين صاحب الموصل بأن يسلم صاحب الموصل إلى السلطان شهرزور وأعمالها وأن يخطب له ويضرب اسمه على الدراهم. فانحرف عن الموصل وأقام بحران مريضا واشتد به المرض حتى أيسوا منه ثم أنه عوفي وعاد إلى دمشق (لأبي الفداء وابن خلدون) بقدوين الخامس (1185 م) وكان بقدوين الرابع ملك القدس قد مات بالشام (1185 م) وأوصى بالملك لابن أخيه صغيرا فكفله أرناط صاحب طرابلس. فقام أرناط بتدبير الملك وكان من أعظم الفرنج.

ذكر وقعة حطين (1189 م)

مكراً وأشدهم ضررا وطمع أن تكون كفالته ذريعة إلى الملك. ثم مات الصغير (بقدوين الخامس) فتزوجت الملكة ابن غتم (غي دي لوسينيان) من الفرنج القادمين من الغرب وتوجته. وأحضرت البطرك والقسوس والرهبان والاستبارية والدواوية والبارونة وأشهدتهم خروجها له عن الملك. فأنف أرناط وغضب وجاهر بالشقاق لهم. وراسل صلاح الدين فسار بفرقة من عسكره إلى الكرك فحاصرها. وأمر ابنه الأفضل بإرسال بعض إلى عكا ليكتسحوا نواحيها. فصحبوا صفورية وبها جمع من الفداوية والاستبارية فبرزوا إليهم. وكانت بينهم حروب شديدة تولى الله النصر فيها للمسلمين فانهزم الفرنج وقتل مقدمهم. ثم سار صلاح الدين بنفسه ونزل على طبرية وحصر مدينتها وفتحها عنوة بالسيف. وكانت طبرية للقومص (أرناط) وكان قد هادن السلطان ودخل في طاعته. فأرسلت الفرنج إلى القومص المذكور القسوس والبطرك ينهونه عن موافقته السلطان ويوبخونه فسار معهم واجتمع الفرنج لملتقى السلطان. ذكر وقعة حطين (1189 م) فرحل الفرنج من وقتهم وساعتهم وقصدوا طبرية للدفع عنها. فأخبرت الطلائع الإسلامية الأمراء بحرة الفرنج فالتقى العسكران على سطح جبل طبرية قرب تل يقال له تل حطين فلما حان القتال خرج القومص محرضاً الناس يقول لهم: لا قعود بعد اليوم. ولابد لنا من رقم القوم. وإذا أخذت طبرية أخذت البلاد. وذهبت الطراف والتلاد. فما يبقى لنا صبر. ولا بعد هذا الكسر جبر. فالمسيح لنا والصليب معنا والمعمودية عمدتنا. والنصرانية نصرتنا. ورماحنا. فراحنا. وصحافنا. صحافنا. وفي لوائنا اللأواء ومع اودائنا الداوية الأدواء. وطوارقنا الطوارق. وبيارقنا البوائق. وسيف الاستبسار بتار تيار. ولقرن الباروني من مقارنته بوار. وقد عثم بحرنا الساحل. وشدد بابه المعاقد والمعاقل. وهذه الأرض تسمعنا نيفا وتسعين سنة. وسلاطين الإسلام ما صدقوا أن يسلموا إلينا ويسالمونا. ويبذلوا لنا القطائع ويقاطعونا. وطالما صفونا وما صافونا. وهادونا وهادنونا. وفي جمعنا تفريقهم. وفي فيئتنا تعويقهم. ثم ماجت خضارمهم. وهاجت ضراغمهم. وطارت قشاعمهم. وثارت غماغمهم. وسدت الآفاق غمائمهم. وهم كالجبال السائرة. وكالبحار الزاخرة. أمواجها متلطخة وأفواجها مزدحمة. وفجاجها محتدمة وأعلاجها مصطلمة. وقد جوي الجو. وضوي الضو. ودوى الدو. وحوافز الحوافز للأرض حوافز. والفوارس اللوابس في البيض سوافر. فرتب السلطان في مقابلتهم أطلاءه. وقصر على مقاتلتهم آراءه. وحجز بينهم وبين الماء. ولليوم قيظ. وللقوم غيط. فنفر النفير وتصادم العسكران والتحم القتال فأيقن بالويل والثبور. وأحست نفوسهم أنهم في غد زوار القبور. كلما خرجوا جرحوا. وبرح بهم مر الحرب وحملوا وهم ظماء. وما لهم سوى ما بأيديهم من ماء الفرندماء. فشوتهم نار السهام وأشوتهم. وصممت عليهم

فتح القدس لصلاح الدين (1189 م)

قلوب القسي القاسية وأصمتهم. وأعجزوا وأعرجوا. وأحرجوا وأخرجوا. كلما حملوا ردوا وأردوا. وكلما ساروا وشدوا أسرو فاضطرموا واضطربوا. والتهفوا والتهبوا. فأووا إلى جبل حطين يعصمهم من طوفان الدمار. فأحاطت بحطين بوارق البوار. فرشفتهم الحنايا. وقشرتهم المنايا. وصاروا للردى درايا. ومن بقي منهم فجردوا العزيمة. واحتالوا في الهزيمة. وأسروا الملك البرنس أرناط ومقدم الفداوية. ولم يصابوا منذ ملكوا هذه البلاد بمثل هذه الوقعة. ثم استحضر صلاح الدين الأسرى وأوقع البرنس أرناط على ما قال وقال له: ها أنا أنتصر لمحمد ثم عرض عليه الإسلام فلم يفعل. ثم سل النمجاء وضربه بها. وقتل أسرى الفداوية والاستبارية أجمعين ثم استحضر الملك وأمنه وطيب قلبه (الفتح القدسي لعماد الدين الكاتب) فتح القدس لصلاح الدين (1189 م) ولما فرغ صلاح الدين من طبرية سار عنها إلى عكا فنازلها واعتصم الفرنج الذين بها بالأسوار وأشاروا بالاستئمان فأمنهم. ثم لمك قيسارية وحيفا ويافا وصيدا وبيروت وجبل عسقلان. ثم شمر عن ساق الجد والاجتهاد في قصد القدس. وكان نزوله عليه في رجب سنة 583 هجري فنزل بالجانب الغربي. وكان مشحوناً بالمقاتلة والخيالة والرجالة. ثم انتقل لمصلحة رآها إلى الجانب الشمالي ونصب عليه المناجيق وضايقه بالزحف والقتال وكثرة الرماة حتى أخذ النقب في السور مما يلي وادي جهنم. فملا رأى العدو ما نزل بهم من الأمر الذي لا يندفع عنهم وظهرت لهم أمارات نصرة السلطان وكان قد ألقى في قلوبهم مما جرت على أبطالهم ورجالهم في السبي والقتل والأسر وما جرى على حصونهم من الاستيلاء والأخذ علموا أنهم إلى ما صاروا إليه صائرون. وبالسيف الذي قتل به إخوانهم مقتولون. واستكانوا وأخلدوا إلى طلب الأمان. فأبى السلطان وقال: لا أفعل بكم إلا كما فعلتم بالمسلمين حين ملكتموه سنة 481 هجري من القتل والسبي. قال له باليان: أيها السلطان أعلم أننا إذا رأينا أن الموت لابد منه لنقتلن أولادنا ونساءنا ونحرق أموالنا ولا نترككم تغنمون منا ديناراً ولا درهماً. ولا تسبون وتأسرون رجلاً أو امرأة. فإذا فرغنا من ذلك أخربنا الصخرة والمسجد الأقصى ثن نقتل من عندنا من أسارى المسلمين وهم خمسة آلاف أسير ولا نترك لنا دابة ولا حيوانا إلا قتلناه. ثم خرجنا كلنا وحينئذ لا يقتل الرجل منا حتى يقتل أمثاله ونموت أعزاء ونظفر كرماء. فاستشار صلاح الدين أصحابه عن أي شيء تنجلي. فأجاب صلاح الدين حينئذ إلى بذل الأمان للفرنج واستقر أن يزن الرجل عشرة دنانير يستوي فيه الغني والفقير وتزن المرأة خمسة دنانير ويزن الطفل من الذكور ولإناث دينارين. فمن أدى ذلك إلى أربعين يوماً فقد نجا وإلا صار مملوكاً. فبذل باليان عن الفقراء ثلاثين ألف دينار فأجيب إلى ذلك. وسلمت المدينة يوم الجمعة السابع

زحفة الفرنج الثالثة إلى المشرق (1190 م)

والعشرين من رجب فخلف أخاه الملك العادل بالقدس يقرر قواعدها. وتحرر عزمه على قصد صور لمحاصرتها فامتنعت عنه. فعدل إلى فتح قلعة جبلة ودخل اللاذقية واستولى على قلعة صهيون. ثم سار إلى مدينة صور وقد خرج إليها المركيس وصار صاحبها وقد ساسها أحسن سياسة. فقسم صلاح الدين القتال على العسكر كل جمع لهم وقت معلوم يقاتلون فيه بحيث يتصل القتال على أهل البلد. على أن الموضع الذي يقاتلون فيه قريب المسافة تكيفه الجماعة اليسيرة من أهل البلد تحفظه. وعليه الخنادق التي قد وصلت من البحر إلى البحر فلا يكاد الطائر يطير عليها. لأن المدينة كالكف في البحر والساعد متصل بالبر والبحر في جانبي الساعد والقتال أنما هو في الساعد فلذلك لم يتمكن منها صلاح الدين ورحل عنها (لأبي الفرج الملطي) زحفة الفرنج الثالثة إلى المشرق (1190 م) فلما تم الخطب على الفرنج بفتح القدس بعثوا الرهبان والأقسة إلى بلادهم بخبر بيت القدس واستنصار النصرانية لها. فقام ملك الفرنسيس (فيليب) وملك أنكلطرة (ريكارد) وملك الألمان وجمعوا عساكرهم وساروا للجهاد. فسار فيليب وملك الأنكطار بحرا وقصد ملك الألمان قسطنطينية فعجز ملك الروم (أيساكيوس أنكلوس) عن منعه وكان عاهد صلاح الدين بذلك. فكتب إلى السلطان يعلمه: من ايساكيوس انكلوس ضابط الروم إلى النسيب سلطان مصر صلاح الدين المحبة والمودة: قد وصل خط نسبتك الذي نفذت إلى ملكي فما أظن أن نسبتك تسمع أخبارا ودية وأنه قد سار في بلادي الألمان. ولا غرو فإن الأعداء يرجفون بأشياء كذب على قدر أغراضهم. ولو تشتهي أن تسمع الحق فإنهم قد تأذوا وتعبوا كثيرا وقد خسروا كثيرا من المال والدواب والرجال ومات منهم وقتلوا. وبالشدة قد تخلصوا من أيدي أجناد بلادي وقد ضعفوا. وبحيث أنهم لا يصلون إلى بلادك فإن وصلوا كانوا ضعافاً بعد شدة كبيرة لا ينفعون جنسهم ولا يضرون نسبتك (تم) . ثم عبر ملك الألمان خليج القسطنطينية ومروا بمملكة قليج أرسلان وتبعهم التركمان يخفون بهم ويتحفظون منهم وكان الفصل شتاء فهلك أكثرهم من البرد والجوع. ولما ولوا إلى بلاد طرطوس أقاموا على نهر (السيدنوس) ليعبروه فعن لملكهم أن يسبح فيه فهلك غرقاً. فملك بعده ابنه وأتموا المسير إلى الشام فبلغوا طرابلس وقد أفناهم الموت ولم يبق منهم إلا ستة آلاف رجل. وهلك ابن ملك الألمان في عكا وحزن الفرنج عليه حزنا عظيما. ثم وصل ملك الفرنسيس بحراُ. وكان عظيما عندهم مقدما محترما من كبار ملوكهم تنقاد إليه العساكر بأسرها بحيث إذا حضر حكم على الجميع. وقدم في ست بطس تحمله وميرته وما يحتاج إليه من الخيل وخواص أجناده. ثم وصل بعده ملك الأنكطار وكان شديد البأس بينهم عظيم الشجاعة قوي الهمة له وقعات عظيمة وله جسارة على الحرب وهو دون الفرنسيس عندهم في الملك والمنزلة لكنه أكثر مالا منه وأشهر في

حصار عكا والصلح (1191 م) زحفة الفرنج الرابعة (1196 م)

الحرب والشجاعة. وكان من خبره أنه وصل إلى جزيرة قبرص ولم ير أن يتجاوزها الأوان تكون له وفي حكمه. فاستولى عليها ثم زحف إلى الشام (سيرة صلاح الدين لابن شازي) حصار عكا والصلح (1191 م) زحفة الفرنج الرابعة (1196 م) فاتفق الفرنج جميعا على الرحيل إلى عكا ومحاصرتها فنزلوا عليها وأحاطوا بها من البحر إلى البحر فليس للمسلمين إليها طريق. فنزل صلاح الدين قبالتهم وبعث إلى الأطراف يستنفر الناس. فجاءت عساكر الموصل وديا بكر وسائر الجزيرة وبقي المسلمون يغادرون القتال ويراوحونه أشهرا. فتتابعت أمداد الفرنج من وراء البحر لإخوانهم المحاصرين لعكا حتى جهد المسلمين بعكا الحصار وضعفت نفوس أهل البلد ووهنوا. فبعثوا إلى الفرنج في تسليمها على أن تصالحهم على الأمان فيعطوهم مائتي ألف دينار ويطلق لهم خمسمائة أسير ويعيد لهم الصليب الصلبوت فأجابوا إلى ذلك. فدخل الفرنج عكا واستراحوا مما كانوا فيه. ثم تخلف صلاح الدين عن وفاء الشروط فركب الفرنج وخرجوا ظاهر المدينة بالفارس والراجل وركب المسلمون إليهم وحملوا عليهم فانكشفوا عن موقفهم. فوضع الفرنج السيف في المسلمين وقتلوا الأسرى. فلما رأى صلاح الدين ذلك رحل إلى ناحية عسقلان وأخربها. ثم هم بترميم ما ثلم من أسوار القدس وسد فروجه وأمر بحفر خندق خارج الفصيل. فنقلت الحجارة للبنيان وكان صلاح الجين يركب إلى الأماكن البعيدة وينقلها على منكبيه فيقتدي به العسكر. ثم سار ملك اللانكطار في ساقة الفرنج فحملهم وانهزموا إلى يافا. فأقاموا بها والمسلمون قبالتهم ثم ساروا إلى قيسارية والمسلمون يتبعونهم ثم رحلوا إلى أرسوف فسبقهم المسلمون إليها فحملوا على المسلمين وهزموهم. ثم ساروا إلى داروم ثم إلى القدس فانتهوا إلى بيت قوجة على فرسخين من القدس. فاستعد صلاح الدين للحصار فوفد عليه رسوم الفرنج وعقدت الهدنة معهم. وكان سبب ذلك أن ملك الانكطار قد طال مغيبه عن بلاده وطال عليه البيكار. فكاتب الملك العادل يسأله الدخول على السلطان فأجاب السلطان إلى ذلك واتفق عليه الرأي الأمراء لما حدث عنده العسكر من الضجر ونفاد النفقات. فتحالفوا على ذلك ولم يحلف ملك الانكطار بل أخذوا يده وعاهدوه. واعتذر بأن الملوك لا يحلفون وقنع السلطان بذلك. وكانت الهدنة على أن يستقر بيد الفرنج يافا وقيسارية وأرسوف وحيفا وعكا مع أعمالها وأن تكون عسقلان خرابا وأذن للفرنج في زيارة القدس. وكان يوما مشهودا غشي الناس من الطائفتين من الفرح والسرور ما لا يعلمه إلا الله. وارتحل ملك انكلطرة فيالبحر عائدا إلى بلده. وأقام الكند هنري صاحب صور بعد المركيس ملكا على الفرنج بسواحل الشام وتزوج الملكة التي كانت تملكهم قبله. وكر صلاح الدين راجعا إلى دمشق وكانت وفاته فيها سنة 589 هجري وعمره سبع وخمسون سنة. وكان صلاح الدين حليما كريما حسن الأخلاق متواضعا صبورا كثير التغافل عن ذنوب أصحابه.

زحفة الفرنج الخامسة واستيلاؤهم على القسطنطينية (1189 - 1204 م)

وكان ذا سياسة حسنة وهيبة عظيمة وعدل وافر وغزوات كثيرة. وكان يوم وفاته لم يصب الإسلام والمسلمين بمثله منذ فقدوا الخلفاء الراشدين. وغشي القلعة والبلد والدنيا من الوحشة ما لم يعلمه إلا الله. فيتمنى الناس أن يكونوا فداء من يعز عليهم. واستقر بعده الملك لابنه العزيز عثمان في مصر ولولده الملك الأفضل بدمشق. ولما توفي صلاح الدين وملك أولاده بعده جدد العزيز الهدنة مع الكند هنري ملك الفرنج كما عقد أبوه معه. وكان أمير بيروت يبعث الثواني للإغارة على الفرنج فشكوا ذلك إلى العادل فلك يكفهم. فأرسلوا إلى ملوكهم وراء البحر يستنجونهم فأمدوهم بالعساكر وأكثرهم من الألمان. فوصل منهم جمع عظيم إلى الساحل واستولوا على قلعة بيروت. فار الملك العادل صاحب الجزيرة إلى يافا واتتهم النجدة من مصر والجزيرة. فملكوا المدينة وخربوها وامتنع الحامية بالعقلة فحاصروها وفتحوها عنوة واستباحوها. فجاء الفرنج من عكا لصريخ إخوانهم فبلغهم وفاة الكند هنري فرجعوا ثم اعتزموا ونازلوا تبنين سنة 594 هجري فأرسل الملك العادل إلى الملك العزيز صاحب مصر. فسار العزيز بنفسه واجتمع بعمه على تبنين فرحل الفرنج على أعقابهم إلى صور خائبين. ثم اختاروا لهم ملكا صاحب قبرص أوري الثاني خليفة غيدوا فجاءهم وزوجوه بملكتهم زوجة الكند هنري. ثم تناوش المسلمون والفرنج القتال ثم تراسلوا مع الملك العادل في الصلح وانعقد بينهم في السنة ورجع العادل إلى دمشق وسار الفرنج إلى بلادهم (لابن الشازي) زحفة الفرنج الخامسة واستيلاؤهم على القسطنطينية (1189 - 1204 م) كان هؤلاء الفرنج بعدما ملكوا الشام اختلفت أحوالهم في الفتنة والمهادنة مع الروم التي كانت بأيديهم من قبل. وظاهرهم الروم على المسلمين في بعض المرات فملكوا مدينة القسطنطينية من الروم. كيفية الخبر عن ذلك أن ملوك الروم أصهروا إلى ملوك الفرنج وتزوجوا منهم بنتا لملك الروم فولدت ابنا. ثم وثب على الملك أخوه فانتزع الملك من يده وحبسه. فلحق الولد بملك الفرنج مستصرخا به فوصل إليهم وقد تجهز الفرنج لاستنقاذ القدس من يد المسلمين وانتدب لذلك ثلاثة من ملوكهم دموس البنادقة وهو صاحب الأسطول الذي ركبوا فيه وكان شيخا أعمى لا يركب ولا يمشي إلا بقائد ومقدم الفرنسيس ويسمى المركيش والثالث يسمى كندرفلندر وهو أكثرهم عددا. فجعل الملك ابن أخيه معهم وأوصاهم بمظاهرته على ملك القسطنطينية ولما وصلوا إليها خرج عم الصبي وقاتلهم. وأضرم شيعة الصبي النار في نواحي البلد فاضطرب العسكر ورجعوا وفتح شيعة الصبي باب المدينة وأدخلوا الفرنج وخرج عمه هاربا. ونصب الفرنج الصبي في الملك وأطلقوا أباه من السجن واستبدوا بالحكم. فعظم ذلك على الروم فوثبوا على الصبي وقتلوه وأخرجوا الفرنج من البلد. فأقام الفرنج بظاهرها محاصرين لهم فاقتحموا وأفحشوا في النهب ونجا كثر من الروم إلى الكنائس وأعظمها كنيسة أيا صوفيا فلم تغن عنهم. ثم تنازع الملوك الثلاثة

زحفة الفرنج السادسة إلى المشرق (1216 م) الزحفة السابعة (1228 م)

على الملك بها وتقارعوا فخرجت القرعة على الكند فلندر على أن يكون لدموس البنادقة الجزائر البحرية أقريطس ورودس وغيرها ويكون لمركيش الفرنسيس الخليج مثل نيقية وفيلادلف ولم تدم له فإنها تغلب عليها بطريق من بطارقة الروم اسمه لشكري. ولم تزل القسطنطينية بيد الفرنج إلى سنة 660 هجري فقصدها الروم واستعادوها من الفرنج. ولما ملك الفرنج القسطنطينية من يد الروم تكالبوا على البلاد ووصل جمع منهم إلى الشام وأرسوا بعكا عازمين على ارتجاع القدس من المسلمين. ثم ساروا في نواحي الأردن فاكتسحوها وكان العادل بدمشق استنفر العساكر من الشام ومصر. وسار فنزل بالطور قريبا من عكا لمدافعتهم وهم قبالته وساروا إلى كفر كنا فاستباحوه. ثم تراسلوا في المهادنة على أن ينزل لهم العادل عن كثير من مناصف الرملة وغيرهم ويعطيهم يافا. ولما استقرت الهدنة أعطى العساكر دستورا وسار إلى مصر وأقام في دار الوزارة. فقصد الفرنج حماة وقاتلهم صاحبها ناصر الدين فهزموه. وفي سنة 603 هجري أكثر الفرنج الغارات بالشام بحدثان ما ملكوا القسطنطينية فعجز المسلمون عن دفاعهم. وأغار أهل قبرص في البحر على أسطول مصر فظفروا منه بعدة قطع وأسروا من وجدوا فيها. فبعث العادل إلى صاحب عكا يحتج عليه بالصلح فاعتذر بأن أهل قبرص في طاعة إفرنج القسطنطينية وأنه لا يحكم له عليهم فخرج العادل في العساكر إلى عكا حتى صالحه صاحبها على إطلاق أسرى من المسلمين. ثم نازل طرابلس ونصب عليها المجانيق وعاث العسكر في بلادها وقطع قناتها ثم عاد إلى دمشق (لابن خلدون) زحفة الفرنج السادسة إلى المشرق (1216 م) الزحفة السابعة (1228 م) كان صاحب رومية أعظم ملوك الفرنج بالعدوة الشمالية من البحر الرومي وكانوا لكهم يدينون بطاعته. فبلغه اختلاف أحوال الفرنج بساحل الشام وظهور المسلمين عليهم فانتدب إلى إمدادهم وجهز إليهم العساكر فامتثلوا أمره من أيالته. وتقدم إلى ملوك الفرنج أن يسر بأنفسهم وتوافت الإمداد إلى عكا سنة 614 هجري. فسار الملك العادل من مصر إلى نابلس فبرز الفرنج ليصدوه وكان في خف من العساكر فخام عن لقائهم فأغاروا على بلاد المسلمين ونازلوا بانياس ورجعوا إلى عكا وامتلأت أيديهم من النهب والسبي. ثم حاصروا حصن الطور وهو الذي اختطه الملك العادل فرجعوا عنها. فبعث السلطان وخر بها لئلا يملكها الفرنج وخرب أسوار القدس حذا عليه منهم ثم سار الفرنج في البحر إلى دمياط وأرسوا بسواحلها والنيل بينهم وبينها. وكان على النيل برج حصين تمر منه إلى سور دمياط سلاسل من حديد محكمة تمنه السفن في البحر الملح أن تصعد في النيل إلى مصر. فلما نزل الفرنج بذلك الساحل خندقوا عليهم وبنوا سورا بينهم وبين الخندق وشرعوا في حصار دمياط واستكثروا من آلات الحصار فبعث ذلك البرج أربعة

زحفة الفرنج الثامنة إلى المشرق (1248 - 1252 م)

أشهر حتى ملكوه. فعبوا البر المتصل بدمياط واشتد قي قتالها وهي في قلة من الحامية لإجفال المسلمين عنها بغتة. ولما جهدهم الحصار وتعذر عليهم القوت استأمنوا إلى الفرنج فملكوها سنة 616 هجري وقاموا في عمارتها وتحصينها وأقام الكامل قريبا منهم لحماية البلاد وبنى المنصورة بقرب مصر عند مفترق البحر من جهة دمياط. وكان الكامل قد خلف أباه السلطان العادل بالملك في مصر وكان العادل قد توفي سنة 615 هجري وكان له من العمر خمس وسبعون سنة. وكان العادل حازما ومتيقنا غزير العقل سديد الآراء ذا مكر وخديعة أتته السعادة واتسع ملكه. وفي سنة 618 هجري كان اجتماع الملك المعظم والملك الأشرف مع نجدة صاحب ماردين وعسكر حلب والملك الناصر صاحب حماة والملك المجاهد صاحب حمص واتصال الجميع بالملك الكامل على عزم قصد الفرنج ورد دمياط منهم. فأحاطوا بهم وضيقوا السبيل عليهم فأجابوا إلى الصلح على تسليم دمياط وإطلاق ما بأيديهم من أسرى المسلمين وإطلاق ما بأيدي المسلمين من أسراهم وقرر الصلح الدكاد نائب البابا وملك عكا وملوك فرنجة ومقدمو الفداوية والاستبارية. وتسلم الكامل دمياط يوم الأربعاء تاسع عشر رجب وكانت مدة مقام الفرنج بها سنة كاملة وأحد عشر شهرا. وفي سنة 621 هجري قدم إمبراطور الألمان إلى عكا مع جموعه والإمبراطور معناه ملك الأمراء. وإنما اسم الإمبراطور المذكور فرديك (فريديريك الثاني) وكان بين ملوك الفرنج محبا للحكمة والمنطق والطب مائلا إلى المسلمين. وكان الملك الكامل قد أرسل إليه فخر الدين يستدعيه إلى قصد الشام بسبب أخيه المعظم. فوصل الإمبراطور وقد مات المعظم فنشب به الملك الكامل. ولما وصل الإمبراطور استولى على صيدا وكانت مناصفة بين المسلمين والفرنج وسورها خراب. فعمر الفرنج سورها واحتلوا فيها ثم ترددت الرسل بين الملك الكامل وبين الإمبراطور. ولما طال الأمر ولم يجد الملك الكامل بدا من المهادنة أجاب الإمبراطور إلى تسليم القدس إليه على أن تستمر أسوارها خرابا ولا يعمرها الفرنج. ولا يتعرضوا إلى قبة الصخرة ولا إلى الجامع الأقصى ويكون الحكم في الرساتيق إلى والي المسلمين. ويكون لهم من القرايا ما هو على الطريق من عكا إلى القدس فقط ووقع الاتفاق على ذلك وتحالفا عليه. وتسلم الإمبراطور القدس ورجع إلى عكا وركب البحر إلى بلده. وكانت وفاة الملك الكامل صاحب مصر بدمشق سنة 635 هجري. فاستولى على مصر ابنه العادل فخرج بعد وفاة الملك الكامل صاحب الكرك الناصر داود إلى القدس وكان الفرنج عمروا قلعتها فحاصروها وفتحها وضرب القلعة وخرب برج داود (لأبي الفداء) زحفة الفرنج الثامنة إلى المشرق (1248 - 1252 م) كان ملك افرنسة (هو لويس بن لويس) من أعظم ملوك الفرنج ويسمونه ريد افرنس فاعتزم على سواحل الشام وسار لذلك كما سار من قبله ملوكهم. فخرج قاصدا الديار المصرية فجمع عساكره فارسها وراجلها وركب البحر بأموال جزيلة وأهبة جميلة فأجاز إلى

قبرص وشتى بها. ثم عبر سنة 647 هجري دمياط وبها بنو كنانة أنزلهم الصالح ابن الملك العادل بها حامية. فلما رأوا ما لا قبل لهم به أجفلوا عنها. فملكها ري افرنس بغير تعب ولا قتال وكان هذا من أعظم المصائب. فبلغ الخبر إلى الصالح وهو بدمشق وعساكره نازلة بحمص فكر راجعا إلى مصر ونزل المنصورة وقد أصابه بالطريق وعك. وأمر بصلب الأمراء المنهزمين من دمياط وكانوا أربعة وخمسين أميرا فاشتد عليه فتوفي. وكان ملكه في الديار المصرية تسع سنين وكان مهيبا عالي الهمة عفيفا طاهر اللسان والذيل وكان جمع من الممالك الترك ما لم يجمع بغيره. وكتم أهل الدولة موته حذرا من الفرنج وقامت زوجته شجرة الدر بالأمر وكانت تركية داهية لا نظير لها من النساء والرجال. فجمعت الأمراء وقوت جأشهم واستحلفتهم. فبايعوا ابن الصالح الملك المعظم تورانشاه ثم انتشر خبر الوفاة. فشره الفرنج إلى قتال المسلمين ودلف طرف منهم إلى المعسكر فانكشف المسلمون وقتل الأتابك فخر الدين مقدم العسكر. ودخل الفرنج المنصورة ولم ينالوا منها نيلا طائلا لأنهم حصولا مضايق أزقتها. وكانت العامة يقاتلونه بالحجارة والآجر والتراب وخيولهم الضخمة لم تتمكن من الجولان بين الدروب. ثم عبى ريد افرنس جيوشه وسار بهم طالباً أرض مصر فصبر المصريون إلى أن عبر الفرنج الخليج من النيل المسمى اشمون فتوجهوا نحوهم والتقى العسكران واقتتل الفريقان قتالا شديدا وانجلت الحروب عن كسرة الفرنج برا وبحرا. فضعف حالهم لذلك فأرسلوا يطلبون القدس وبعض الساحل وأن يسلموا دمياط إلى المسلمين فلم تقع الإجابة إلى لك. ثم أقام الفرنج قبالة المسلمين بالمنصورة وفنيت أزوادهم وانقطع عنهم المدد من دمياط فلم يبقى لهم صبر على المقام. فرحلوا متوجهين إلى دمياط وركب المسلمون أكتافهم وبذلوا فيهم السيف فلم يسلم منهم إلا القليل وقتل منهم أكثر من ثلاثين ألفا. واعتقل الملك ريد افرنس ومعه جماعة من خواصه وأكابره. وفي خلال ذلك هلك الملك المعظم قتله المماليك لشهرين من ملكه وقدموا عليهم أميرا منهم يلقب بعز الدين التركماني. ونهضوا إلى ريد افرنس وجددوا معه اليمين وافتدى منهم بألف ألف دينار وتسليم دمياط فأطلقوه. فأقلع مع أصحابه إلى عكا سنة 648 هجري وأتم عمار يافا وهدم المسلمون سور دمياط لما حصل للمسلمين عليها من الشدة مرة بعد أخرى. ثم استقر الملك بعد قتل شجرة الدر في أيدي الأشرف موسى فبقي في إمارته مدة وعزل لخمس سنين من ولايته وانقرض به ملك بني أيوب. واجتمعت مصر والشام في مملكة الترك فاستبدوا بالملك. وكان أول ملكهم المعزايبك التركماني ثم خلفه ابنه المنصور خلعه قطز المعزي فاستبد بالملك وارتجع الشام من التتر وكانوا استولوا عليها سنة 658 هجري ثم قتل المظفر واستقل الظاهر بيبرس البندقداري سنة 658 هجري ثم جهز العساكر فسار إلى مقاتلة التتر فأجفلوا وولوا هاربين. وقصد قيسارية وهي للفرنج فاقتحم عليها وفتحها وشن على أعمالها الغارة. وسرح عسكر إلى حيفا وأرسوف وملكها.

زحفة الفرنج التاسعة وحصار تونس (1270) انقراض دولة الفرنج في المشرق (1191)

عنوة ثم كر راجعاً إلى طرابلس وبها بويموند الفرنجي فلم يدرك منها وطره. فسار إلى صفد وفتحها واستلحم الفرنج الذين بها وأفحش في قتلهم ثم رجع إلى مصر وأمر بتحديد الجامع الأزهر وإقامة الخطبة به. ثم خرج إلى دمشق واكتسح بسائط عكا واحتل مدينة يافا وصيدا وسار إلى إنطاكية ثانية وفتحها إلى الأمان فخرب قلعتها وأضرمها نارا فبقيت في ملك الفرنج نحو 170 سنة. زحفة الفرنج التاسعة وحصار تونس (1270) انقراض دولة الفرنج في المشرق (1191) وفي سنة 668 هجري في أيام المستنصر بالله عبد الله محمد صاحب تونس اعتزم ريد فرنس لويس بن لويس على الحركة إلى تونس. فأرسل إلى ملوك النصارى يستنصرهم إلى غزوها وأرسل إلى البابا خليفة المسيح بزعمهم فأوعز إلى ملوك النصرانية لمظاهرته. فأجاب جماعة من ملوك الفرنج لغزو بلاد المسلمين فشاع خبر استعداد النصارى للغزو. وهم المسلمون بترميم الثغور وأمر المستنصر بسائر عمالاته بالاستنكار من العدة وأرسل في الثغور بذلك وبإصلاح الأسوار واختزان الأحباب. وأوفد السلطان على ملك افرنسيس رسله وما شرطته على أن يكف غربه فلم يرض وجمع الطاغية حشده وركب أساطيله إلى تونس سنة 668 هجري. فاجتمعوا بسردانية ونادى السلطان بالنذير بالعدو والاستعداد له والنفير إلى أقرب المرافئ وبعث الثواني لاستطلاع الخبر. فتوالت بعد مدة الأساطيل بمرسى قرطاجة فنزلوا بالساحل وكانوا زهاء ستة آلاف فارس وثلاثين ألفا من الرجال. وكانت أساطيلهم ثلاثمائة بين صغار وكبار وكانوا سبعة يعاسيب فيهم الفرنسيس وأخوه صاحب صقلية والعلجة زوج الطاغية وتسمى الرينة. وأنزلوا عساكرهم بالمدينة القديمة من قرطاجة وكانت ماثلة الجدران فوصلوا ما فصله الخراب من أسوارها بألواح الخشب ونضدوا شرفاتها وأداروا على السور خندقا بعيد المهوى. وتحصنوا وأقاموا محترسين بتونس ستة أشهر والمدد يأتيه في أساطيله من البحر من صقلية والعدوة بالرجال والأسحلة والأقوات. وبعث السلطان في ممالكه حشدا فوافته الإمداد من كل ناحية من المغرب والأندلس وقبائل العرب فاتصلت الحرب ومات من الفريقين خلق. وفي خلال ذلك هلك ريد افرنسيس يقال أصابه مرض الوباء ولما توفي اجتمع النصارى على ابنه فبايعوه. ثم بعثت مشيخة الفقهاء لعقد الصلح مع الفرنج بمال أغرقه لهم صاحب تونس. فرجع الفرنج إلى عدوتهم. وفي سنة 688 هجري في أيام السلطان المنصور قلاوون استنفر المسلمون من مصر إلى حصار طرابلس فنصب عليها المجانيق وفتحها عنوة فاستباحها. ثم خلفه في الملك ابنه الأشرف خليل فكان أول أعماله حصار عكا متما عزم أبيه. فتناوشوا القتال مع الفرنج وهدم الخليل كثيرا من أبراجها وشحنها بالمقاتلة واستلحموا من كان فيها وأكثروا القتل والسبي في الفرنج واستوعبهم السيف. وبلغ الخبر إلى الفرنج بصور وصيدا وبيروت فأجفلوا عنها توركوها خاوية فانقطع أمر الفرنج من المشرق سنة 690 هجري (لابن خلدون)

ذكر التتر - فتوحات جنكزخان (1163 - 1227 م)

ذكر التتر - فتوحات جنكزخان (1163 - 1227 م) اتفق أهل التاريخ أن التتر أمم لا يضمها إحصاء. وهم رجال يسكنون الخيام المتخذة من اللبود لشدة البرد في بلادهم. وأكثر دوابهم الخيل وأقواتهم الأرز وألبان الخيل. ولحومها. وتعرف ملوكهم بالخان وهي سمتهم الخاصة. وكانوا مبددين في دشت قبجان في حدود ملك الخط والصين وفي سهول وأوعار يهارجون فيها كالحيوانات السائمة لا حاكم يردعم ولا دين يجمعهم حتى نبغ فيهم هذا الطاغية جنكزخان. وكان ظهوره في زمان ركن الدين بن زنكي. وكان وقتئذ المستولي على قبائل الترك المشارقة وأوتك خان. وهو المسمى الملك يوحنا من القبيلة التي يقال لها كريت وهي طائفة تدين بالنصرانية. وكان رجل مؤيد من غير هذه القبيلة يقال له تموجين ملازما لخدمة أوتك خان من سن الطفولية إلى أن بلغ حد الرجولية. وكان ذا بأس في قهر الأعداء فحسده الأقران وسعوا به إلى أوتك خان. ولا زالوا يغتابونه عنده حتى اتهمه بتغيير النية وهم باعتقاله والقبض عليه. فأطلع تموجين على المكيدة فكر مع خدمه على أوتك خان فقتله وأبطاله فسمي جنكزخان. ثم علا شأنه وأرسل الرسل إلى جميع الترك فمن أطاعه وتبعه سعد ومن خالفه خذل. فسار أولا يقصد سلطان الخطا والصين والتون خان فأباده. واستصفى ولايته وبلاده (601 هجري) . وكان جنكزخان رجلا أميا لا يقرأ ولا يكتب وكان لم يتقيد بدين بل يعظم علماء كل طائفة. وكان يميل إلى النصارى ويحسن الظن بهم ويكرمهم ويرجع إلى قول أساقفهم ولا يعدل عن رأيهم. واخترع جنكزخان هو لنفسه في الملك قواعد سلك فيها. ولما لم يكن للتتر كتاب ولا خط فأمر عقلاء مملكته وأذكياء قبيلته أن يضعوا خطا وقلما فوضعوا له قلم المغل ورتبوا له كتابا اسمه الباسق الكبير. وكان كرس مملكته قراقروم. وكان سبب مسيره إلى ممالك الإسلام أنه أرسل إلى خوارزم شاه محمد بهدايا يسأل الموادعة والإذن للتجار من الجانبين في التردد في متاجرهم فاستنكف السلطان من ذلك وقتل الرسل خفية. ففشا الخبر إلى جنكزخان فسار في العساكر واستولى على انزار وبخارى وسمرقند وأضرموا في محالها النار وجعل عمالها وأمراءها نكالا لغيرهم. وتوغلوا في البلاد وانتهوا إلى بلاد ديجور واكتسحوا كل ما مروا عليه. ففر من وجهة خوارزمشاه فسرح جنكزخان العساكر في أثره نحوا من عشرين ألفا فأجفلوه إلى خراسان وإلى طبرستان فخاض بحرها ووصل إلى بعض الجزائر فطرقه المرض بها فمات. (تاريخ القرماني وأبي الفرج الملطي) فسار التتر بعد مهلك خوارزم شاه إلى خراسان ففتحوا كلات من أحصن القلاع إلى جانب جيجون وأوسعوها نهبا وعبر إلى بلخ وملكوها على الأمان (607 هجري) . ثم ساروا إلى مرو وهراة وهما من أمنع البلاد فحاصروها عشرا وصدقوا عليهما الحملة فملكوهما

ظهور تيمورلنك وفتوحاته (736 - 803 هجري) (1336 - 1405 م)

وأحرقوهماونهبوا نواحيها. ثم ساروا القتال جلال الدين بن خوارزم شاه وكان عهد له أبوه قبل موته وكان جلال الدين هذا استظهر على التتر وكبسهم في قندهار. فبعث جنكزخان إلى مدينة خوارزم عسكرا عظيما لعظمها لأنها كرس الملك وموضع العساكر. فسارت عساكر التتر إليها مع ابنيه جغاطاي واوكطاي فحاصروها خمسة أشهر ونصبوا عليها الآلات فامتنعت. فاستمدوا عليها جنكزخان فأمدهم بالعساكر متلاحقة. فزحفوا إليها وملكوا جانبا منها ومازالوا يملكونها ناحية إلى أن استوعبوها ثم فتحوا السد الذي يمنع ماء جيحون عنها وهم ينقمون عليه فادركوه وهو نازل مع عسكره على نهر السند. ولما لم ير وسيلة للخلاص اقتحم النهر بفرسه وفر ناجيا بنفسه وتخلص من عسكره ثلاثمائة فارس وأربعة آلاف رجل وبعض أمرائه. فأجاز التتر إلى بلاد ما وراء النهر وإلى همذان وقزوين وأذربيجان وهم يضعون السيف في من قاومهم ويؤمنون من سالمهم ويفتحون عنوة المدن الممتنعة عنهم ويستبيحونها. ثم إنضاف إلى التتر جموع من التركمان والأكراد وساروا إلى الكرج واثخنوا فيهم. وافتتحوا قصبتهم تبريز (لابن خلدون وابن الأثير) ثم ساروا إلى بيلقان فحاصروها. وبعثوا إلى أهل البلد رجلا من أكابرهم يقرر معم في المصانعة والصلح فقتلوه. فأقام التتر في حصارهم وملكوا البد عنوة (608 هجري) , واستلحموا أهلها وأفحشوا في القتل واستباحوا جميع الضاحية قتلا ونهبا وتخريبا. ثم ساروا إلى قاعدة اران وهي كنجة فصالحوا أهلها ثم عبروا الدرنبر (الدنيبر) وخرجوا إلى الأرض الفسيحة وبها أمم القفجاق والان واللكن وطوائف من الترك. فأوقعوا بتلك الطوائف واكتسحوا عامة البسائط. وقاتلهم جموع من القفجان واللان ودافعوهم ولم يطق التتر مغالبتهم. ثم عادوا إلى محاربة قفجاق وانتهوا إلى مدينتهم الكبرى سراي على بحر نيطش المتصل بخليج القسطنطينية فملكوها. وافترق أهلها واعتصم بعضهم بالجبال والغياض وركب بعضهم إلى بلاد الروم. ثم ساروا سنة (610 هجري) إلى بلاد الروس المجاورة لقفجاق وهي بلاد فسيحة وأهلها يدينون بالنصرانية فاستطرد لهم التتر مراحل ثم كروا عليهم واكتسحوا بلادهم وأثخنوا فيهم قتلا وسلبا ونهبا. ثم قصدوا بلغار وهدموا وأحرقوا ونهبوا وأرهقوا. وفي سنة (614 هجري) قفل جنكزخان من الممالك الغربية إلى منازله القديمة الشرقية فعرض له مرض في طريقه. ولما قوي مرضه استدعى أولاده جغاطاي واوكطاي وتولي خان وأورخان وأوصاهم بوصايا وطرائق في سياسة الملك وعين لكل من هؤلاء مملكة من الممالك وأوصى بالتخت لوكطاي. ظهور تيمورلنك وفتوحاته (736 - 803 هجري) (1336 - 1405 م) ذكر لتيمور نسب يتصل بجنكزخان من جهة النساء. وكان رجلا ذا قامة شاهقة

ظهور الدولة العثمانية وذكر سلاطينها (699 - 1303 هجري) (1299 - 1884 م)

أبيض اللون مشربا بحمرة عظيم الجبهة والرأس عريض الأكتاف مستكمل البنية جهير الصوت وبه قزل. فلما بلغ أشده جعل يطوف في الصحارى والغابات يتربض الفرصة لاستنفاذ بلده فانضم إلى الحسين أمير خراسان لمحاربة أمير بلاد ما وراء النهر فظفر به. ثم حاول على الأمير حسين ونقض عهده وانتزع منه مدينة بلخ فأخربها وقتل الحسين شر قتلة. ثم عبر جيحون وحاصر السلطان غياث الدين في هراة وكبس المدينة وفتك بغياث الدين ثم عاد إلى خراسان ووضع السيف في أهل سجستان وأفناهم من بكرة أبيهم. ثم خرب المدينة ولم يبق لها من أثر. وفي سنة (788 هجري) زحف إلى بلاد فارس وعراق العجم فاستولى عليهما. ولما بلغه موت فيروز شاه سلطان الهند قفل إلى الهند وفتح مدنها الجزيرة واستخلف عليها رجلا من أصحابه. وسار نحو سيواس وكان يملكها الأمير سليمان بن السلطان بايزيد فخام عن لقاء تيمور وفر ناجيا بنفسه. ثم أجمع على فتح الشام فضم إليه أطرافه لقتال ملكها فرج برقوق من الملوك السراكسة فالتقى بابنه عند حلب فهزمه ودخل المدينة واستباحها. وملك حماة وبعلبك على الأمان. ثم زحف إلى دمشق فخرج إلى برقوق لمحاربته فالتحم الفريقان وآل القتال إلى كسرة برقوق وقهره فافتتح تيمور دمشق عنوة وقتل وسفك الدماء. وعاث فيها وأضرم النار في جامعها الأموي. وفي سنة (795 هجري) كر عساكره على مدينة بغداد وهزم سلطانها أحمد من ولد هولاكو وتملكها بعد أن أوسع أهلها قتلا وسبيا. ثم صمم العزم على الإغارة على ممالك الأتراك فسار إلى قراباغ وكان لا يدخل في مسيره قرية إلا أفسدها ولا ينزل على مدينة إلا محاها وبددها. ثم راسل السلطان بايزيد خان المجاهد الغازي يدعوه إلى طاعته فتوجه إلى ملاقاته واجتمع العسكران على نحو ميل من مدينة أنقرة. فاشتعلت الحرب بين الفئتين من الضحى إلى العصر حتى ترك السلطان طائفة من عسكره وذهبوا إلى تيمور فكان ذلك سببا لكسرته ووقوعه في مخالب تيمور فكبله في قفص من حديد فقضى فيه نحبه. ثم اندرأ تيمور راجعاً إلى سمرقند مظفرا فما فتئ أن وافته المنون وكشف الله عن العالم كربه (807 هجري) فملك بعده ابنه شاخ رخ ثم انتقل الملك إلى أعقابه إلى أن تلاشى واضمحل (لأبي الفرج) ظهور الدولة العثمانية وذكر سلاطينها (699 - 1303 هجري) (1299 - 1884 م) قال القرماني وهم من أعظم السلاطين أبهة وجلالة وأشدهم قوة وآثارا. وأول من ملك منهم الأمير عثمان الغازي (699 هجري 1300 م) وأصله من التراكمة الرحالة النزالة من طائفة التتر وهو ابن أرطغرل بن سليمان شاه. وكان شجاعا ومقداما افتتح بلادا كثيرة من يد السلجوقيين فاستقل عليها. ثم ولي بعده ابنه أورخان (726 هجري 1326 م) افتتح بروسا وجعلها مقر سلطنته واستولى على كليبولي وهي مدينة جليلة على شاطئ البحر بينها وبين القسطنطينية ستة وثمانون ميلا. ثم ملك بعده ولده مراد الأول الغازي (761 هجري 1360 م) افتتح أدرنة سنة

(761 هجري) وهو أول من اتخذ المماليك وسماهم بنشرية يعني العسكر الجديد وألبسهم اللباد الأبيض المثنى. ثم ملك بعده ولده السلطان يلدرم بايزيد خان (792 هجري 1389 م) وله فتوحات كثيرة منها نيفية عاصمة بلاد الكرمان وتوقات وصامسون. وحاصر الاستانة ولم يفتحها والتزم صاحبها بالخراج. ثم استظهر تيمورلنك على بايزيد كما مر (1402 م) . ثم خلفه ابنه محمد الأول بعد أن قتل إخوته (816 هجري 1414 م) وفتك ببلاد القرمان. ثم خلفه ابنه مراد الثاني (824 هجري 1422 م) الذي غزا بلاد ارنود وفتح مورة وسالونيك وضرب السكة باسمه وانتصر عليه ملك المجر. ثم ولي الأمر بعده ابنه محمد الثاني (855 هجري 1451 م) وهو الذي فتح القسطنطينية (1453 م) وغزا بوسنة وغلبه القرال (حنا هونياد) في بلاد بلغراد ودفعه الاستبارية عن رودس. ثم ملك بعده ابنه بايزيد الثاني (886 هجري 1481 م) قاتل أخاه جم وغلبه ثم استنزل عن الملك لابنه سليم الأول (918 هجري 1513 م) . ففتح سليم مصر والشام واستولى على بلاد العرب وفارس وأباد ملك الجراكسة فيها. ثم خلفه ابنه سليمان خان (926 هجري 1520 م) استولى على رودس وكوفوس وعراق العجم ورده النصارى عن فينا ومالطة (وكان يحميها لافالت) . ثم ملك بعده سليم الثاني ابنه (974 هجري 1567 م) فتح تونس وقبرص واليمن وغلبه الفرنج في خليج (ليبنت) . ثم تولى بعده السلطان مراد الثالث (982 هجري 1573 م) قهر الكرج وفتح تفليس. ثم ملك ابنه محمد الثالث (1003 هجري 1595 م) غزا المجر وغلبهم. ثم عقبه ابنه أحمد الأول (1012 هجري 1603 م) وهادن الفرنج. ثم تولى بعده السطان أخوه مصطفى الأول وخلعه الينشرية الثلاثة أشهر من ملكه. ثم ملك عثمان الثاني ابن أحمد الأول (1027 هجري 1618 م) قتله الينشرية وأرجعوا مصطفى ثانية (1031 هجري) . ثم خلفه مراد الرابع (1032 هجري 1623 م) فتح بغداد وقهر العجم. ثم تولى الملك بعده ابنه إبراهيم (1049 هجري 1640 م) ثم السلطان الغازي محمد الرابع (1058 هجري 1647 م) غلبه المجر في سنغودار وكسر عسكره سوبيسلي في فينا ثم ملك بعده سليمان خان الثاني (1099 هجري 1988 م) فتح جزيرة كدنية. ثم ملك بعده أحمد الثاني (1102 هجري 1691 م) انتصر عليه اللان. ثم ملك مصطفى الثاني (1106 هجري 1695 م) . ثم الغازي أحمد الثاني (1115 هجري 1704 م) . ثم الغازي محمود الأول (1142 هجري 1732 م) . ثم عثمان الثالث (1168 هجري 1757 م) . ثم مصطفى الثالث (1171 هجري 1769 م) . ثم عبد الحميد خان الأول (1187 هجري 1775 م) . ثم سليم خان الثالث (1203 هجري 18010 م) . ثم الغازي عبد المجيد خان (1255 هجري 1841 م) . ثم عبد العزيز خان (1277 هجري 1863 م) . ثم مراد خان الخامس فخلع (1293 هجري 1876 م) . ثم السلطان عبد الحميد (1293 هجري 1877 م) فخلع سنة (1327 هجري 1909م) وخلفه أخوه رشاد السلطان الدستوري وسمي محمد الخامس. أيده الله بالعز والتوفيق. * إنما اثبتناها في باب الشعر القديم وهي ليست منه إيثاراً لذكرها مع لامية العرب

§1/1