متن الطحاوية بتعليق الألباني

الطحاوي

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله رب العالمين قال العلامة حجة الإسلام أبو جعفر الوراق الطحاوي بمصر رَحِمَهُ اللَّهُ: هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني رضوان الله عليهم أجمعين وما يَعْتَقِدُونَ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ وَيَدِينُونَ بِهِ رَبَّ العالمين (¬1) 1 - نَقُولُ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ مُعْتَقِدِينَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ إن الله واحد لا شريك له (¬2) ¬

(¬1) زيادة من نسخة (خ) وغيرها (¬2) إن نفي الشريك عن الله تعالى لا يتم إلا بنفي ثلاثة أنواع من الشرك: الأول: الشرك في الربوبية وذلك بأن يعتقد أن مع الله خالقا آخر - سبحانه وتعالى - كما هو اعتقاد المجوس القائلين بأن للشر خالقا غير الله سبحانه. وهذا النوع في هذه الأمة قليل والحمد لله وإن كان قريبا منه قول المعتزلة: إن الشر إنما هو من خلق الإنسان وإلى ذلك الإشارة بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: (صحيح) " القدرية مجوس هذه الأمة ... " الحديث وهو مخرج في مصادر عدة عندي أشرت إليها في " صحيح الجامع الصغير وزيادته " رقم (4318) [4442] الثاني: الشرك في الألوهية أو العبودية وهو أن يعبد مع الله غيره من الأنبياء والصالحين كالاستغاثة بهم وندائهم عند الشدائد ونحو ذلك. وهذا مع الأسف في هذه الأمة كثير ويحمل وزره الأكبر أولئك المشايخ الذين يؤيدون هذا النوع من الشرك باسم التوسل " يسمونها بغير اسمها " الثالث: الشرك في الصفات وذلك بأن يصف بعض خلقه تعالى ببعض الصفات الخاصة به عَزَّ وَجَلَّ كعلم الغيب مثلا وهذا النوع منتشر في كثير من الصوفية ومن تأثر بهم مثل قول بعضهم في مدحه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم ومن هنا جاء ضلال بعض الدجالين يزعمون أنهم يرون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ اليوم يقظة ويسألونه عما خفي عليهم من بواطن نفوس من يخالطونهم ويريدون تأميرهم في بعض شؤونهم ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ما كان ليعلم مثل ذلك في حال حياته {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء} [الأعراف: 188] فكيف يعلم ذلك بعد وفاته وانتقاله إلى الرفيق الأعلى؟ هذه الأنواع الثلاثة من الشرك من نفاها عن الله في توحيده إياه فوحده في ذاته وفي عبادته وفي صفاته فهو الموحد الذي تشمله كل الفضائل الخاصة بالموحدين ومن أخل بشيء منه فهو الذي يتوجه إليه مثل قوله تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) [الزمر: 65] فاحفظ هذا فإنه أهم شيء في العقيدة فلا جرم أن المصنف رَحِمَهُ اللَّهُ بدأ به ومن شاء التفصيل فعليه بشرح هذا الكتاب وكتب شيوخ الإسلام ابن تيمة وابن القيم وابن عبد الوهاب وغيرهم ممن حذا حذوهم واتبع سبيلهم (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان) [الحشر: 10]

2 - ولا شي مثله (¬1) ¬

(¬1) هذا أصل من أصول التوحيد وهو أن الله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ولكن المبتدعة والمتأولة قد اتخذوه أصلا لإنكار كثير من صفات الله تبارك وتعالى فكلما ضاقت قلوبهم عن الإيمان بصفة من صفاته عَزَّ وَجَلَّ سلطوا عليها معاول التأويل والهدم فأنكروها واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: (ليس كمثله شيء) متجاهلين تمام الآية: (وهو السميع البصير) [الشورى: 11) فهي قد جمعت بين التنزيه والإثبات فمن أراد السلامة في عقيدته فعليه أن ينزه الله تعالى عن مشابهته للحوادث دون تأويل أو تعطيل وأن يثبت له عَزَّ وَجَلَّ من الصفات كل ما أثبته لنفسه في كتابه أو حديث نبيه دون تمثيل وهذا هو مذهب السلف وعليه المصنف رَحِمَهُ اللَّهُ تبعا لأبي حنيفة وسائر الأئمة كما تراه مفصلا في الشرح (فبهداهم اقتده) [الأنعام: 90]

3 - ولا شيء يعجزه

4 - ولا إله غيره

5 - قديم (¬2) بلا ابتداء دائم بلا انتهاء ¬

(¬2) اعلم أنه ليس من أسماء الله تعالى: (القديم) وإنما هو من استعمال المتكلمين فإن القديم في لغة العرب التي نزل بها القرآن - هو المتقدم على غيره فيقال: هذا قديم للعتيق وهذا جديد للحديث ولم يستعملوا هذا الاسم إلا في المتقدم على غيره لا فيما لم يسبقه عدم كما قال تعالى: (حتى عاد كالعرجون القديم) [يس: 39] والعرجون القديم: الذي يبقى إلى حين وجود العرجون الثاني فإذا وجد الجديد قيل للأول قديم وإن كان مسبوقا بغيره كما حققه شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " (1 / 245) والشارح في " شرحه " لكن أفاد الشيخ ابن مانع هنا فيما نقله عن ابن القيم في " البدائع " أنه يجوز وصفع سبحانه بالقدم بمعنى أنه يخبر عنه بذلك وباب الأخبار أوسع من باب الصفات التوقيفية قلت: ولعل هذا هو وجه استعمال شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الوصف في بعض الأحيان كما سيأتي فيما علقه على الفقرة (45)

6 - لا يفنى ولا يبيد

7 - ولا يكون إلا ما يريد

8 - لا تبلغه الأوهام ولا تدركه الأفهام

9 - ولا يشبه الأنام (¬1) ¬

(¬1) فيه رد لقول المشبهة الذين يشبهون الخالق بالمخلوق سبحانه وتعالى قال عَزَّ وَجَلَّ: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) [الشورى: 11] وليس المراد نفي الصفات كما يقول أهل البدع فمن كلام أبي حنيفة رَحِمَهُ اللَّهُ في " الفقه الأكبر ": لا يشبه شيئا من خلقه ولا يشبهه شيء من خلقه. ثم قال بعد ذلك: وصفاته كلها خلاف صفات المخلوقين يعلم لا كعلمنا ويقدر لا كقدرتنا ويرى لا كرؤيتنا. انتهى

10 - حي لا يموت قيوم لا ينام

11 - خالق بلا حاجة رازق بلا مؤنة (¬1) ¬

(¬1) أي بلا ثقل وكلفة كما في شرح العقيدة الطحاوية (ص 125 الطبعة الرابعة) [الصفحة 122، الطبعة التاسعة]

12 - مميت بلا مخافة باعث بلا مشقة

13 - مَا زَالَ بِصِفَاتِهِ قَدِيمًا قَبْلَ خَلْقِهِ لَمْ يَزْدَدْ بِكَوْنِهِمْ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُمْ مِنْ صِفَتِهِ وَكَمَا كَانَ بِصِفَاتِهِ أَزَلِيًّا كَذَلِكَ لَا يزال عليها أبديا

14 - ليس بعد خَلَقَ الْخَلْقَ اسْتَفَادَ اسْمَ (الْخَالِقِ) وَلَا بِإِحْدَاثِهِ البرية استفاد اسم (الباري)

15 - لَهُ مَعْنَى الرُّبُوبِيَّةِ وَلَا مَرْبُوبَ وَمَعْنَى الْخَالِقِ ولا مخلوق

16 - وكما أنه محيي الموتى بعدما أَحْيَا اسْتَحَقَّ هَذَا الِاسْمَ قَبْلَ إِحْيَائِهِمْ كَذَلِكَ استحق اسم الخالق قبل إنشائهم

17 - ذَلِكَ بِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ (¬2) قَدِيرٌ وَكُلُّ شيء إليه ¬

(¬2) قال الشيخ ابن مانع رَحِمَهُ اللَّهُ (ص 7) : " يجيء في كلام بعض الناس: وهو على ما يشاء قدير وليس ذلك بصواب بل الصواب ما جاء بالكتاب والسنة: وهو على كل شيء قدير لعموم مشيئته وقدرته تعالى خلافا لأهل الاعتزال الذين يقولون: إن الله سبحانه لم يرد من العبد وقوع المعاصي بل وقعت من العبد بإرادته لا بإرادة الله ولهذا يقول أحد ضلالهم: زعم الجهول ومن يقول بقوله أن المعاصي من قضاء الخالق إن كان حقا ما يقول فلم قضا حد الزنا وقطع كف السارق وقال أبو الخطاب في بيان الحق والصواب: قالوا فأفعال العباد فقلت ما من خالق غير الإله الأمجد قالوا فهل فعل القبيح مراده قلت الإرادة كلها للسيد لو لم يرده وكان كان نقيصة سبحانه عن أن يعجزه الردى وهذه الإرادة التي ذكرها أبو الخطاب في السؤال هي الإرادة الكونية القدرية لا الإرادة الكونية الشرعية

فَقِيرٌ وَكُلُّ أَمْرٍ عَلَيْهِ يَسِيرٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البصير) [الشورى: 11]

18 - خلق الخلق بعمله

19 - وقدر لهم أقدارا

20 - وضرب لهم آجالا

21 - وَلَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ شَيْءٌ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ وَعَلِمَ مَا هُمْ عَامِلُونَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ

22 - وأمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته

23 - وَكُلُّ شَيْءٍ يَجْرِي بِتَقْدِيرِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَمَشِيئَتُهُ تَنْفُذُ لَا مَشِيئَةَ لِلْعِبَادِ إِلَّا مَا شَاءَ لَهُمْ فَمَا شَاءَ لَهُمْ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لم يكن (¬1) ¬

(¬1) يعني أن مشيئته تعالى وإرادته شاملة لكل ما يقع في هذا الكون من خير أو شر وهدى أو ضلال والآيات الدالة على ذلك كثيرة معروفة يمكن مراجعتها في الشرح وغيره ... والمقصود بهذه الفقرة الرد على المعتزلة النافين لعموم مشيئته تعالى لكن يجب أن يعلم أنه لا يلزم من ذلك أن الله تعالى يحب كل ما يقع فالحب غير الإرادة وإلا كان لا فرق عند الله تعالى بين الطائع والعاصي وهذا ما صرح به بعض كبار القائلين بوحدة الوجود من أن كلا من الطائع والعاصي مطيع لله في إرادته ومذهب السلف والفقهاء وأكثر المثبتين للقدر من أهل السنة وغيرهم على التفريق بين الإرادة والمحبة وإلى ذلك أشار صاحب قصيدة " بدء الأمالي " بقوله: مريد الخير والشر القبيح ولكن ليس يرضى بالمحال وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: ثم قالت القدرية: هو لا يحب الكفر والفسوق والعصيان ولا يريد ذلك فيكون ما لم يشأ ويشاء ما لم يكن وقالت طائفة من (المثبتة) : ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. وإذن قد أراد الكفر والفسوق والعصيان ولم يرده دينا أو أراده من الكافر ولم يرده من المؤمن فهو لذلك يحب الكفر والفسوق العصيان ولا يحبه دينا ويحبه من الكافر ولا يحبه من المؤمن وكلا القولين خطأ مخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها فإنهم متفقون على أنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وأنه لا يكون شيء إلا بمشيئته ومجموعه على أنه لا يحب الفساد ولا يرضى لعباده الكفر وأن الكفار (يبيتون ما لا يرضى من القول) (ا) [النساء: 108]

24 - يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَيَعْصِمُ وَيُعَافِي فَضْلًا وَيُضِلُّ من يشاء ويخذل ويبتلي عدلا

25 - وَكُلُّهُمْ يَتَقَلَّبُونَ فِي مَشِيئَتِهِ بَيْنَ فَضْلِهِ وَعَدْلِهِ

26 - وهو متعال عن الأضداد والأنداد

27 - لَا رَادَّ لِقَضَائِهِ وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَلَا غالب لأمره

28 - آمَنَّا بِذَلِكَ كُلِّهِ وَأَيْقَنَّا أَنَّ كُلًّا مِنْ عنده

29 - وَإِنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ الْمُصْطَفَى وَنَبِيُّهُ الْمُجْتَبَى وَرَسُولُهُ المرتضى (¬1) ¬

(¬1) اعلم أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولا وقد ذكروا فروقا بين الرسول والنبي تراها في " تفسير الآلوسي " (5 / 449 - 450) وغيرها ولعل الأقرب أن الرسول من بعث بشعر جديد والنبي من بعث لتقرير شرع من قبله وهو بالطبع مأمور بتبليغه إذ من المعلوم أن العلماء مأمورون بذلك فهم بذلك أولى كما لا يخفى

30 - وأنه خاتم الأنبياء وإمام الأتقياء وسيد المرسلين (¬2) ¬

(¬2) قلت: هذه العقيدة ثبتت في أحاديث كثيرة مستفيضة تلقتها الأمة بالقبول. وقد ذكر الشارح (في الصفحة 169 - الطبعة الرابعة [الطبعة التاسعة الصفحة 159، طبع المكتب الإسلامي] ) طائفة منها فلتراجع منه فهي تفيد العلم واليقين فهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ سيد المرسلين يقينا ومن المؤسف أن أقول: إن هذه العقيدة لا يؤمن بها أولئك الذين يشترطون في الحديث الذي يجب الإيمان به أن يكون متواترا فكيف يؤمن بها من صرح بأن العقيدة لا تؤخذ إلا من القرآن كالشيخ شلتوت وغيره وقد رددت على هؤلاء جميعا من عشرين وجها في رسالتي " وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة والرد على شبه المخالفين " وذكرت في آخرها عشرين مثالا من العقائد الثابتة في الأحاديث الصحيحة يلزمهم جحدها وعدم الإيمان بها وهذه العقيدة واحدة منها فراجعها فإنها مطبوعة وهامة

وحبيب رب العالمين (¬1) ¬

(¬1) قلت: بل هو خليل رب العالمين فإن الخلة أعلى مرتبة من المحبة وأكمل ولذلك قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: " إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا " ولذلك لم يثبت في حديث أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حبيب الله. فتنبه وراجع في الفقرة الآتية (52) بسطا لهذا في كلام الشارح عليها

31 - وكل دعوى النبوة بعده فغي وهوى (¬2) ¬

(¬2) قلت: وقد أخبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أمته نصحا لهم وتحذيرا في أحاديث كثيرة أنه سيكون بعده دجالون كثيرون وقال في بعضها: " كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي " رواه مسلم وغيره (الأحاديث الصحيحة 1683) ومن هؤلاء الدجالين " ميرزا غلام أحمد القادياني " الذي ادعى النبوة وله أتباع منتشرون في الهند وألمانيا وإنكلترا وأمريكا ولهم فيها مساجد يضلون بها المسلمين وكان منهم في سوريا أفراد استأصل الله شأفتهم وقطع دابرهم ولهم عقائد كثيرة غير اعتقادهم بقاء النبوة بعده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وسلفهم فيه ابن عربي الصوفي ولهم في ذلك رسالة جمعوا فيها أقواله في تأييد اعتقادهم المذكور. لم يستطع المشايخ الرد عليها لأنها مما قاله ابن عربي مع جزمهم بتكفيرهم ولا مجال لذكر شيء من عقائدهم الآن وهم بلا شك ممن عناهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في الحديث الصحيح عنه: " يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم " رواه المؤلف في " مشكل الآثار " (4 / 104) وهو عند الإمام مسلم (1 / 9) وإن من أبرز علاماتهم أنهم حين يبدءون بالتحدث عن دعوتهم إنما يبتدئون قبل كل شيء بإثبات موت عيسى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ فإذا تمكنوا من ذلك بزعمهم انتقلوا إلى مرحلة ثانية وهي ذكر الأحاديث الواردة بنزول عيسى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ ويتظاهرون بالإيمان بها ثم سرعان ما يتأولونها ما دام أنهم أثبتوا بزعمهم موته بأن المقصود نزول مثيل عيسى وأنه هو غلام أحمد القادياني ولهم ن مثل هذا التأويل الشيء الكثير والكثير جدا مما جعلنا نقطع بأنهم طائفة من الباطنية الملحدة. وسيأتي الإشارة إلى بعض عقائدهم الضالة قريبا إن شاء الله تعالى

32 - وَهُوَ الْمَبْعُوثُ إِلَى عَامَّةِ الْجِنِّ (¬1) وَكَافَّةِ الْوَرَى بالحق والهدى وبالنور والضياء ¬

(¬1) أقول: ومن ضلالات القاديانية إنكارهم ل (الجن) كخلق غير الإنس ويتأولون كل الآيات والأحاديث المصرحة بوجودهم ومباينتهم للإنس في الخلق بما يعود إلى أنهم الإنس أنفسهم أو طائفة منهم حتى إبليس نفسه يقولون إنه إنسي شرير فما أضلهم

33 - وَإِنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ مِنْهُ بَدَا بِلَا كَيْفِيَّةٍ قَوْلًا وَأَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَحْيًا وَصَدَّقَهُ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى ذَلِكَ حَقًّا وَأَيْقَنُوا أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْحَقِيقَةِ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ كَكَلَامِ الْبَرِيَّةِ فَمَنْ سَمِعَهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ كَلَامُ الْبَشَرِ فَقَدْ كَفَرَ وَقَدْ ذَمَّهُ اللَّهُ وَعَابَهُ وَأَوْعَدَهُ

بِسَقَرَ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ) [الْمُدَّثِّرِ: 26] فَلَمَّا أَوْعَدَ اللَّهُ بِسَقَرَ لِمَنْ قَالَ: (إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) [الْمُدَّثِّرِ: 32] عَلِمْنَا وَأَيْقَنَّا أَنَّهُ قَوْلُ خَالِقِ الْبَشَرِ وَلَا يُشْبِهُ قَوْلَ البشر (¬1) ¬

(¬1) نقل هذا الكلام عن المصنف رَحِمَهُ اللَّهُ شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " (12 / 507) مستشهدا به وقال الشارح ابن أبي العز رَحِمَهُ اللَّهُ (ص 179 الطبعة الرابعة) [الصفحة 168 - 169 الطبعة التاسعة طبع المكتب الإسلامي] : وهذا الذي حكاه الطحاوي رَحِمَهُ اللَّهُ هو الحق الذي دلت عليه الأدلة من الكتاب والسنة لمن تدبرهما وشهدت به الفطرة السليمة التي لم تغير بالشبهات والشكوك والآراء الباطلة. وقد افترق الناس في مسألة الكلام على تسعة أقوال : ثم ساقها ومنها الثالث وهو أنه معنى واحد قائم بذات الله هو الأمر والنهي والخبر والاستخبار وإن عبر عنه بالعربية كان قرآنا وإن عبر عنه بالعبرانية كان توراة وهذا قول ابن كلاب ومن وافقه كالأشعري وغيره قال: وسابعها أن كلامه يتضمن معنى قائما بذاته هو ما خلقه في غيره وهذا قول أبي منصور الماتريدي وتاسعها أنه تعالى لم يزل متكلما إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء وهو يتكلم به بصوت يسمع وأن نوع الكلام قديم وإن لم يكن الصوت المعين قديما وهذا المأثور عن أئمة الحديث والسنة وقوله: " كلام الله منه بدا بلا كيفية قولا " - رد على المعتزلة وغيرهم فإن المعتزلة تزعم أن القرآن لم يبد منه كما تقدم حكاية قولهم. وقال الشيخ محمد بن مانع رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى (ص 8) : القرآن العظيم كلام الله لفظه ومعانيه فلا يقال اللفظ دون المعنى كما هو قول أهل الاعتزال ولا المعنى دون اللفظ كما هو قول الكلابية الضلال ومن تابعهم على باطلهم من أهل الكلام الباطن المذموم فأهل السنة والجماعة يقولون ويعتقدون أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق ألفاظه ومعانيه عين كلام الله سمعه جبريل من الله والنبي سمعه من جبريل والصحابة سمعوه من النبي فهو المكتوب بالمصاحف المحفوظ بالصدور المتلو بالألسنة قال الحافظ ابن القيم رَحِمَهُ اللَّهُ: وكذلك القرآن عين كلامه ال مسموع منه حقيقة ببيان هو قول ربي كله لا بعضه لفظا ومعنى ما هما خلقان تنزيل رب العالمين ووحيه اللفظ والمعنى بلا روغان وقال الشارح رَحِمَهُ اللَّهُ (ص 194 - 195) [181] : وكلام الطحاوي رَحِمَهُ اللَّهُ يرد قول من قال: إنه معنى واحد لا يتصور سماعه منه وأن المسموع المنزل المقروء والمكتوب ليس كلام الله وإنما هو عبارة عنه. فإن الطحاوي رَحِمَهُ اللَّهُ يقول: كلام الله منه بدا ". وكذلك قال غيره من السلف ويقولون: منه بدا وإليه يعود. وإنما قالوا: منه بدا لأن الجهمية من المعتزلة وغيرهم كانوا يقولون إنه خلق الكلام في محل فبدا الكلام من ذلك المحل. فقال السلف: " منه بدا " أي هو المتكلم به فمنه بدا لا من بعض المخلوقات كما قال تعالى: (تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم) [الزمر: 1] (ولكن حق القول مني) [السجدة: 13] (قل نزله روح القدس من ربك الحق) [النحل: 102] . ومعنى قولهم: " وإليه يعود ": يرفع من الصدور والمصاحف فلا يبقى في الصدور منه آية ولا في المصاحف. كما جاء ذلك في عده آثار وقولهم " بلا كيفية ": أي: لا تعرف كيفية تكلمه به " قولا " ليس بالمجاز " وأنزله على رسوله وحيا " أي: أنزله إليه على لسان الملك فسمعه الملك جبرائيل من الله وسمعه الرسول محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من الملك وقرأه على الناس. قال تعالى: (وقرآنا عربيا لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا) [الإسراء: 106] وقال تعالى: (نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين) [الشعراء: 193] وفي ذلك إثبات صفة العلو لله تعالى

34 - وَمَنْ وَصَفَ اللَّهَ بِمَعْنًى مِنْ مَعَانِي الْبَشَرِ فقد كفر [ف] (¬1) مَنْ أَبْصَرَ هَذَا اعْتَبَرَ وَعَنْ مِثْلِ قَوْلِ الكفار انزجر [و] (¬2) علم أنه بصفاته ليس كالبشر ¬

(¬1) و (¬2) زيادتان ثابتتان في كل النسخ التي بين أيدينا

35 - وَالرُّؤْيَةُ حَقٌّ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ بِغَيْرِ إِحَاطَةٍ وَلَا كَيْفِيَّةٍ كَمَا نَطَقَ بِهِ كِتَابُ رَبِّنَا (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) [الْقِيَامَةِ: 22 - 23] . وَتَفْسِيرُهُ على ما أراده اللَّهُ تَعَالَى وَعَلِمَهُ وَكُلُّ مَا جَاءَ فِي ذلك من الحديث الصحيح عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَهُوَ كَمَا قَالَ (¬3) وَمَعْنَاهُ عَلَى مَا أَرَادَ لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا ¬

(¬3) اعلم أن الأحاديث الواردة في إثبات رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة كثيرة جدا حتى بلغت حد التواتر كما جزم به جمع من الأئمة. منهم الشارح وقد خرج بعضها ثم قال: وَقَدْ رَوَى أَحَادِيثَ الرُّؤْيَةِ نَحْوُ ثَلَاثِينَ صَحَابِيًّا وَمَنْ أَحَاطَ بِهَا مَعْرِفَةً يَقْطَعُ بِأَنَّ الرَّسُولَ قَالَهَا وَلَوْلَا أَنِّي الْتَزَمْتُ الْاخْتِصَارَ لَسُقْتُ مَا في الباب من الأحاديث ثم قال: ليس تشبيه رؤية الله تعالى برؤية الشمس والقمر تشبيها لله بل هو تشبيه الرؤية بالرؤية لا تشبيه المرئي بالمرئي ولكن فيه دليل على علو الله على خلقه وإلا فهل تعقل رؤية بلا مقابلة؟ ومن قال: يرى لا في جهة. فليراجع عقله. فإما أن يكون مكابرا لعقله أو في عقله شيء وإلا فإذا قال يرى لا أمام الرائي ولا خلفه ولا عن يمينه ولا عن يساره ولا فوقه ولا تحته رد عليه كل من سمعه بفطرته السليمة قلت: وأما رؤيته تعالى في الدنيا فقد أخبر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في الحديث الصحيح أن أحدا منا لا يراه حتى يموت. رواه مسلم. وأما هو نفسه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ فلم يرد في إثباتها له ما تقوم به الحجة بل قد صح عنه الإشارة إلى نفيها حين سئل عنها بقوله: " نور أنى أراه " ومع ذلك جزمت السيدة عائشة بنفيها كما في الصحيحين وهذا هو الأصل فينبغي التمسك به

وَلَا مُتَوَهِّمِينَ بِأَهْوَائِنَا فَإِنَّهُ مَا سَلِمَ فِي دِينِهِ إِلَّا مَنْ سَلَّمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ولرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَرَدَّ عِلْمَ مَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ إِلَى عَالِمِهِ

36 - وَلَا تَثْبُتُ قَدَمُ الْإِسْلَامِ إِلَّا عَلَى ظَهْرِ التسليم والاستسلام (¬1) فَمَنْ رَامَ عِلْمَ مَا حُظِرَ عَنْهُ عِلْمُهُ وَلَمْ يَقْنَعْ بِالتَّسْلِيمِ فَهْمُهُ حَجَبَهُ مَرَامُهُ عَنْ خالص التوحيد وصافي المعرفة وصحيح الإيمان فَيَتَذَبْذَبُ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ وَالْإِقْرَارِ والإنكار موسوسا تائها شاكا لا مؤمنا مصدقا ولا جاحدا مكذبا ¬

(¬1) هذه الفقرة مقدمة على الفقرة السابقة في المخطوطات الثلاث وكذا في نسخة شيخنا الطباخ رَحِمَهُ اللَّهُ ولعلها أولى

37 - وَلَا يَصِحُّ الْإِيمَانُ بِالرُّؤْيَةِ لِأَهْلِ دَارِ السَّلَامِ لمن اعتبرها

مِنْهُمْ بِوَهْمٍ (¬1) أَوْ تَأَوَّلَهَا بِفَهْمٍ (¬2) إِذْ كَانَ تَأْوِيلُ الرُّؤْيَةِ وَتَأْوِيلُ كُلِّ مَعْنًى يُضَافُ إِلَى الربوبية بترك التَّأْوِيلِ وَلُزُومَ التَّسْلِيمِ وَعَلَيْهِ دِينُ الْمُسْلِمِينَ (¬3) . وَمَنْ لَمْ يَتَوَقَّ النَّفْيَ وَالتَّشْبِيهَ زَلَّ وَلَمْ يُصِبِ التنزيه (¬4) . فَإِنَّ رَبَّنَا جَلَّ وَعَلَا مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ مَنْعُوتٌ بِنُعُوتِ الْفَرْدَانِيَّةِ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ أَحَدٌ من البرية ¬

(¬1) أَيْ تَوَهَّمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُرَى عَلَى صفة كذا فيتوهم تشبيها. شرح الطحاوية (¬2) أَيِ ادَّعَى أَنَّهُ فَهِمَ لَهَا تَأْوِيلًا يُخَالِفُ ظاهرها وما يفهمه كل عربي عن معناها (¬3) في المخطوطات الثلاث والمطبوعات " المرسلين " (¬4) قلت: وذلك لأن نفاة الصفا والرؤية من المعتزلة وغيرهم إنما ينفونها تنزيها لله تعالى بزعمهم عن التشبيه وهذا زلل وزيغ وضلال إذ كيف يكون ذلك تنزيها وهو ينفي عن الله صفات الكمال ومنها الرؤية إذ المعدوم هو الذي لا يرى فالكمال في إثبات الرؤية الثابتة في الكتاب والسنة والمشبهة إنما زلوا لغلوهم في إثبات الصفا وتشبيه الخالق بالمخلوق سبحانه وتعالى. والحق بين هؤلاء وهؤلاء إثبات بدون تشبيه وتنزيه بدون تعطيل. وما أحسن ما قيل: المعطل يعبد عدما والمجسم يعبد صنما

38 - وَتَعَالَى (¬5) عَنِ الْحُدُودِ وَالْغَايَاتِ وَالْأَرْكَانِ وَالْأَعْضَاءِ وَالْأَدَوَاتِ لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات (¬6) ¬

(¬5) في المخطوطات الثلاث وسائر المطبوعات: " تعالى " بدون الواو. ولعله أصح (¬6) قلت: مراد المؤلف رَحِمَهُ اللَّهُ بهذه الفقرة الرد على طائفتين: الأولى: المجسمة والمشبهة الذين يصفون الله بأن له جسما وجثة وأعضاء وغير ذلك تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا والأخرى: المعطلة الذين ينفون علوه تعالى على خلقه وأنه بائن من خلقه. بل يصرح بعضهم بأنه موجود بذاته في كل الوجود وهذا معناه حلول الله في مخلوقاته. وأنه محاط بالجهات الست المخلوقة وليس فوقها فنفى المؤلف ذلك بهذا الكلام. ولكن قد يستغل ذلك بعض المبتدعة ويتأولونه بما قد يؤدي إلى التعطيل كما بينه الشارح رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى وقد لخص كلامه الشيخ محمد بن مانع عليه الرحمة فقال (ص 10) : ومراده بذلك الرد على المشبهة ولكن هذه الكلمات مجملة مبهمة وليست من الألفاظ المتعارفة عند أهل السنة والجماعة والرد عليهم بنصوص الكتاب والسنة أحق أولى من ذكر ألفاظ توهم خلاف الصواب. ففي قوله تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) رد على المشبهة والمعطلة فلا ينبغي لطالب الحق الالتفات إلى مثل هذه الألفاظ ولا التعويل عليها فإن الله سبحانه موصوف بصفات الكمال منعوت بنعوت العظمة والجلال فهو سبحانه فوق مخلوقاته مستو على عرشه المجيد بذاته بائن من خلقه ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا ويأتي يوم القيامة وكل ذلك على حقيقته ولا نؤوله كما لا نؤول اليد بالقدرة والنزول بنزول أمره وغير ذلك من الصفات بل نثبت ذلك إثبات وجود لا إثبات تكييف. وما كان أغنى الإمام المصنف عن مثل هذه الكلمات المجملة الموهمة المخترعة ولو قيل إنها مدسوسة عليه وليست من كلامه لم يكن ذلك عندي ببعيد إحسانا للظن بهذا الإمام وعلى كل حال فالباطل مردود على قائله كائنا من كان ومن قرأ ترجمة المصنف الطحاوي لا سيما في لسان الميزان عرف أنه من أكابر العلماء وأعاظم الرجال وهذا هو الذي حملنا على إحسان الظن فيه في كثير من المواضع التي فيها مجال لناقد انتهى كلام ابن مانع رَحِمَهُ اللَّهُ

39 - وَالْمِعْرَاجُ حَقٌّ وَقَدْ أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَعُرِجَ بِشَخْصِهِ فِي الْيَقَظَةِ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ إِلَى حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الْعُلَا وَأَكْرَمَهُ اللَّهُ بِمَا شَاءَ وَأَوْحَى إِلَيْهِ مَا أَوْحَى (ما كذب الفؤاد ما رأى) (¬1) [النجم: 11] ف صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في الآخرة والأولى ¬

(¬1) قلت: يعني من آيات ربه الكبرى وأما القول بأنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ رأى ربه ليلتئذ بعينه فلم يثبت كما تقدم التنبيه عليه قريبا. ولذلك قال الشارح وغيره: " والصحيح أَنَّهُ رَآهُ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَرَهُ بِعَيْنِ رَأْسِهِ "

40 - وَالْحَوْضُ الَّذِي أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ غِيَاثًا لأمته حق (¬2) ¬

_ (¬2) قلت: والأحاديث التي جاء ذكر الحوض فيها كثيرة جدا بلغت مبلغ التواتر كما صرح بذلك جمع من الأئمة ورواها من الصحابة بضع وثلاثون صحابيا وقد استقصى طرقها الحافظ ابن كثير في " النهاية " في آخر تاريخه وعقد لها الحافظ ابن أبي عاصم في " كتاب السنة " سبعة أبواب (رقم 155 - 161) ورقم الأحاديث (734 (ا) - 776 - بتحقيقي) أشار في آخرها إلى تواترها بقوله: " والأخبار التي ذكرناها في حوض النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ توجب العلم ... "

41 - وَالشَّفَاعَةُ الَّتِي ادَّخَرَهَا لَهُمْ حَقٌّ كَمَا رُوِيَ في الأخبار (¬3) ¬

(¬3) قلت: وهي متواترة أيضا وقد عقد لها ابن أبي عاصم في " السنة " ستة أبواب (163 - 168) رقم الأحاديث (784 - 832) وساق طائفة منها الشارح رَحِمَهُ اللَّهُ في شرحه تضمنت أن شفاعته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ثمانية أنواع فليراجع من شاء البحث والتحقيق فإنه هام

42 - وَالْمِيثَاقُ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ آدَمَ وذريته حق (¬1) ¬

(¬1) قلت: يشير إلى بعض الأحاديث المصرحة بأن الله تعالى استخرج الذرية من صلب آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ وقد ذكر في الشرح أربعة منها وهي مخرجة في تعليقي عليه وفي " تخريج السنة " (رقم 195 - 205) وقد كنت استثنيت في التعليق المشار إليه (ص 266 - الطبعة الرابعة [شرح العقيدة الطحاوية ص 204] ) من الصحة مسح الظهر الوارد في حديث عمر وكان ذلك سهوا مني أسأله تعالى أن يغفره لي فقد تنبهت إلى أن له شاهدا حسنا من حديث أبي هريرة وهو مذكور في " الشرح " وآخر من حديث ابن عباس بسند ضعيف خرجته في " السنة " (203) فاقتضى التنبيه. [وسوف نستدرك ذلك في الطبعة الجديدة]

43 - وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا لَمْ يَزَلْ عَدَدَ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَعَدَدَ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَلَا يُزَادُ فِي ذَلِكَ العدد ولا ينقص منه (¬2) ¬

(¬2) يشير المؤلف رَحِمَهُ اللَّهُ إلى حديث عبد الله بن عمرو قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وفي يده كتابان فقال: " أتدرون ما هذان الكتابان؟ " فقلنا: لا يا رسول الله إلا أن تخبرنا " فقال للذي في يده اليمنى: " هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا ". ثم قال للذي في شماله: " هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا " فقال أصحابه: ففيم العمل إن كان أمر قد فرغ منه؟ فقال: سددوا وقاربوا فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أي عمل وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار وإن عمل أي عمل ثم قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بيده فنبذهما ثم قال: فرغ ربكم من العباد (فريق في الجنة وفريق في السعير) [الشورى: 7] . أخرجه الترمذي (ا) وصححه هو وغيره وهو مخرج في " الصحيحة " (848)

44 - وَكَذَلِكَ أَفْعَالُهُمْ فِيمَا عَلِمَ مِنْهُمْ أَنْ يَفْعَلُوهُ وَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ (¬1) وَالْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ (¬2) وَالسَّعِيدُ مَنْ سَعِدَ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَالشَّقِيُّ مَنْ شقي بقضاء الله (¬3) ¬

(¬1) هو قطعة من حديث علي المروي في " الصحيحين " وقد خرجته في " تخريج السنة " برقم (171) . وقد صح أن بعض الصحابة لما سمعوا هذا الحديث منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قالوا: إذا نجتهد. وفي رواية: فالآن نجد الآن نجد الآن نجد. انظر " السنة ". (161 - 167) ففيه رد صريح على الجبرية المتواكلة الذين يفهمون من الحديث خلاف فهم الصحابة فتأمل (¬2) هذا طرف من حديث لسهل بن سعد الساعدي أخرجه أحمد والبخاري وهو مخرج في المصدر السابق (216) (¬3) هذا معنى حديث أخرجه البزار وغيره من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من سعد في بطن أمه ". وسنده صحيح كما بينته في " الروض النضير " (1098) و " تخريج السنة " (188)

45 - وَأَصْلُ الْقَدَرِ سِرُّ اللَّهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ

مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَالتَّعَمُّقُ وَالنَّظَرُ فِي ذَلِكَ ذَرِيعَةُ الْخِذْلَانِ وَسُلَّمُ الْحِرْمَانِ وَدَرَجَةُ الطُّغْيَانِ فَالْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ ذَلِكَ نَظَرًا وَفِكْرًا وَوَسْوَسَةً (¬1) فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَوَى عِلْمَ الْقَدَرِ عَنْ أَنَامِهِ وَنَهَاهُمْ عَنْ مَرَامِهِ كَمَا قال الله تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [الْأَنْبِيَاءِ: 23] (¬2) . فَمَنْ سَأَلَ لِمَ فَعَلَ؟ فَقَدْ رَدَّ حُكْمَ الْكِتَابِ وَمَنْ رَدَّ حُكْمَ الكتاب كان من الكافرين ¬

(¬1) قلت: وهذا التعمق هو المراد - والله أعلم - بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: ... وإذا ذكر القدر فأمسكوا ". وهو حديث صحيح روي عن جمع من الصحابة وقد خرجته في " الصحيحة " (34) (¬2) أي لِكَمَالِ حِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَعَدْلِهِ لَا لِمُجَرَّدِ قَهْرِهِ وقدرته كما يقول جهم وأتباعه. كذا في " الشرح " وراجع فيه تحقيق أن مبنى العبودية والإيمان على التسليم وعدم الأسئلة عن تفاصيل الحكمة في الأوامر والنواهي والشرائع فإنه مهم جدا لولا ضيق المجال لنقلته برمته لنفاسته وعزته. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى في " مجموع الفتاوى " (1 / 148 - 150) باختصار بعض الفقرات: والإيمان بالقدر على درجتين كل درجة تتضمن شيئين: فالدرجة الأولى: الإيمان بأن الله تعالى علم ما الخلق عاملون بعلمه القديم الذي هو الذي هو موصوف به أزلا وعلم جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال ثم كتب الله في اللوح المحفوظ مقادير الخلق فأول ما خلق الله القلم قال له (ا) : أكتب قال: ما أكتب؟ قال: أكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه جفت الأقلام وطويت الصحف كما قال وتعالى: (ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير) [الحج: 70] وهذا التقدير التابع لعلمه سبحانه يكون في مواضع جملة وتفصيلا فقد كتب في اللوح المحفوظ ما شاء وإذا خلق جسد الجنين قبل نفخ الروح فيه بعث إليه ملكا فيؤمر بأربع كلمات أكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ونحو ذلك فهذا القدر ينكره غلاة القدرية قديما ومنكره اليوم قليل وأما الدرجة الثانية: فهو مشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة وهو الإيمان بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وأنه ما في السماوات والأرض من حركة ولا سكون إلا بمشية الله سبحانه لا يكون في ملكه إلا ما يريد وأنه سبحانه وتعالى على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسله ونهاهم عن معصيته وهو سبحانه يحب المتقين والمحسنين والمقسطين ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا يحب الكافرين ولا يرضى عن القوم الفاسقين ولا يأمر بالفحشاء ولا يرضى لعباده الكفر ولا يحب الفساد. والعباد فاعلون حقيقة والله خالق أفعالهم والعبد هو المؤمن والكافر والبر والفاجر والمصلى والصائم وللعباد قدرة على أعمالهم ولهم إرادة والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم كما قال تعالى: (لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين) [التكوير: 28، 29] وهذه الدرجة من القدر يكذب بها عامة القدرية الذين سماهم النبي مجوس هذه الأمة ويغلو فيها قوم من أهل الإثبات حتى سلبوا العبد قدرته واختياره ويخرجون عن أفعال الله وأحكامه حكمها ومصالحها قلت: ويشير بكلامه الأخير إلى الأشاعرة فإنهم هم الذين غلوا وأنكروا الحكمة على ما فصله ابن القيم في " شفاء العليل في القضاء والقدر والحكمة والتعليل ". فراجعه فإنه هام جدا

46 - فَهَذَا (¬1) جُمْلَةُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مَنْ هُوَ مُنَوَّرٌ قَلْبُهُ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ دَرَجَةُ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ لِأَنَّ الْعِلْمَ عِلْمَانِ: عِلْمٌ فِي الْخَلْقِ مَوْجُودٌ وَعِلْمٌ فِي الْخَلْقِ مَفْقُودٌ فَإِنْكَارُ الْعِلْمِ الْمَوْجُودِ كُفْرٌ وَادِّعَاءُ الْعِلْمِ الْمَفْقُودِ كُفْرٌ وَلَا يَثْبُتُ الْإِيمَانُ إِلَّا بِقَبُولِ العلم الموجود وترك طلب العلم المفقود ¬

(¬1) قال الشارح: يشير إِلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ. وَقَوْلُهُ: " وَهِيَ دَرَجَةُ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ " أَيْ عِلْمِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا نَفْيًا وَإِثْبَاتًا. وَيَعْنِي بِالْعِلْمِ الْمَفْقُودِ عِلْمَ الْقَدَرِ الَّذِي طَوَاهُ اللَّهُ عَنْ أَنَامِهِ وَنَهَاهُمْ عَنْ مَرَامِهِ. ويعني بالعلم الموجود علم الشريعة أصولها وفروعها فمن أنكر شيئا مما جاء به الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كان من الكافرين ومن ادعى علم الغيب كان من الكافرين

47 - وَنُؤْمِنُ بِاللَّوْحِ (¬1) وَالْقَلَمِ (¬2) وَبِجَمِيعِ مَا فِيهِ قَدْ رقم فَلَوِ اجْتَمَعَ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عَلَى شَيْءٍ كَتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ أَنَّهُ كَائِنٌ لِيَجْعَلُوهُ غَيْرَ كَائِنٍ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ وَلَوِ اجْتَمَعُوا كُلُّهُمْ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ لِيَجْعَلُوهُ كَائِنًا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ جَفَّ الْقَلَمُ بما هو كائن إلى يوم القيامة (¬3) وَمَا أَخْطَأَ الْعَبْدَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ وَمَا أصابه لم يكن ليخطئه (¬4) ¬

(¬1) قلت: وهو المذكور في قوله تَعَالَى: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ محفوظ) [البروج: 22] وهو من الغيب الذي يجب الإيمان به ولا يعرف حقيقته إلا الله واعتقاد أن بعض الصالحين يطلعون على ما فيه كفر بالآيات والأحاديث المصرحة بأنه لا يعلم الغيب إلا الله تعالى (¬2) قلت: ذكر الشارح هنا أن العلماء اختلفوا هل القلم أول المخلوقات أو العرش؟ على قولين لا ثالث لهما وأنا وإن كان الراجح عندي الأول كما كنت صرحت به في تعليقي عليه (ص 295) [264 - 265] فإني أقول الآن: سواء كان الراجح هذا أم ذاك فالاختلاف المذكور يدل بمفهومه على أن العلماء اتفقوا على أن هناك أول مخلوق والقائلون بحوادث لا أول لها مخالفون لهذا الاتفاق لأنهم يصرحون بأن ما من مخلوق إلا وقبله مخلوق وهكذا إلى ما لا أول له كما صرح بذلك ابن تيمية في بعض كتبه فإن قالوا: العرش أول مخلوق كما هو ظاهر كلام الشارح نقضوا قولهم بحوادث لا أول لها. وإن لم يقولوا بذلك خالفوا الاتفاق فتأمل هذا فإنه مهم. والله الموفق (¬3) هذا طرف من حديث ابن عباس المشهور بلفظ: " احفظ الله يحفظك ... " الحديث. وهو حديث صحيح كما ذكرت في " التخريج " [شرح العقيدة الطحاوية برقم 274، طبع المكتب الإسلامي] (¬4) هذا من تمام حديث ابن عباس المشار إليه آنفا في رواية عنه

48 - وَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ سَبَقَ عِلْمُهُ فِي كُلِّ كَائِنٍ مِنْ خَلْقِهِ فَقَدَّرَ ذَلِكَ تَقْدِيرًا مُحْكَمًا مُبْرَمًا لَيْسَ فِيهِ نَاقِضٌ وَلَا مُعَقِّبٌ وَلَا مُزِيلٌ وَلَا مُغَيِّرٌ وَلَا نَاقِصٌ وَلَا زَائِدٌ مِنْ خَلْقِهِ فِي سماواته وأرضه وَذَلِكَ مِنْ عَقْدِ الْإِيمَانِ وَأُصُولِ الْمَعْرِفَةِ وَالِاعْتِرَافِ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى وَرُبُوبِيَّتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) [الْفُرْقَانِ: 2] وَقَالَ تَعَالَى: (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مقدورا) [الأحزاب: 38] فويل لمن صار لله تعالى في القدر خصيما وأحضر للنظر فيه قَلْبًا سَقِيمًا لَقَدِ الْتَمَسَ بِوَهْمِهِ فِي فَحْصِ الْغَيْبِ سِرًّا كَتِيمًا وَعَادَ بِمَا قَالَ فِيهِ أفاكا أثيما

49 - والعرش والكرسي حق (¬1) ¬

(¬1) اعلم أن العرش خلق عظيم جدا كما دلت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ولذلك أضافه تعالى إلى نفسه في قوله: (ذو العرش) وفيه آيات أخر تجدها في " الشرح ". وهو لغة سرير الملك ومن أوصافه في القرآن: (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) [الحاقة: 17] وأنه على الماء وفي السنة أن أحد حملة العرش ما بين شحمة إذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام وأن له قوائم وأنه سقف جنة الفردوس. جاء ذلك في أحاديث صحيحة مذكورة في " الشرح ". وذلك كله مما يبطل تأويل العرش بأنه عبارة عن الملك وسعة السلطان وأما الكرسي ففيه قوله تعالى: (وسع كرسيه السماوات والأرض) [البقرة: 255] والكرسي هو الذي بين يدي العرش وقد صح عن ابن عباس موقوفا عليه من قوله: " الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى ". وهو مخرج في كتابي " مختصر العلو للذهبي " يسر الله طبعه (ا) ولم يصح فيه مرفوعا سوى قوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: " ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة ". وذلك مما يبطل أيضا تأويل الكرسي بالعلم. ولم يصح هذا التأويل عن ابن عباس كما بينته في " الصحيحة " (103) [الصحيح هو برقم (109) الصفحة 173، طبع المكتب الإسلامي]

50 - وهو مستغن عن العرش وما دونه (¬1) ¬

(¬1) قال الشارح رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: وإنما قال الشيخ رَحِمَهُ اللَّهُ هذا الكلام هنا لأنه لما ذكر العرش والكرسي ذكر بعد ذلك غناه سبحانه عن العرش وما دون العرش ليبين أن خلقه العرش لاستوائه عليه ليس لحاجته إليه بل له في ذلك حكمة اقتضته وكون العالي فوق السافل لا يلزم أن يكون السافل حاويا للعالي محيطا به حاملا له ولا أن يكون الأعلى مفتقرا إليه فانظر إلى السماء كيف هي فوق الأرض وليست مفتقرة إليها. فالرب تعالى أعظم شأنا وأجل من أن يلزم من علوه ذلك بل لوازم علوه من خصائصه وهي حمله بقدرته للسافل وفقر السافل وغناه هو سبحانه عن السافل وإحاطته عَزَّ وَجَلَّ به فهو فوق العرش مع حمله بقدرته للعرش وحملته وغناه عن العرش وفقر العرش إليه وإحاطته بالعرش وعدم إحاطة العرش به وحصره للعرش وعدم الحصر للعرش له. وهذه اللوازم منتفية عن المخلوق ونفاة أهل العلو التعطيل لو فصلوا بهذا التفصيل لهدوا إلى سواء السبيل وعلموا مطابقة العقل للتنزيل ولسلكوا خلف الدليل ولكن فارقوا الدليل فضلوا عن سواء السبيل. والأمر في ذلك كما قال الإمام مالك رَحِمَهُ اللَّهُ لما سئل عن قوله تعالى: (ثم استوى على العرش) [الأعراف: 53] وغيرها: كيف استوى؟ فقال: الاستواء معلوم والكيف مجهول

51 - مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ وَفَوْقَهُ (¬1) وَقَدْ أَعْجَزَ عَنِ الإحاطة خلقه ¬

(¬1) قلت: اختلفت النسخ في هذه الكلمة (وفوقه) ففي نسخة الشارح كما ترى وكذلك في مخطوطتي (أب) ومطبوعة الشيخ ابن مانع وفي مخطوطة (ج) ومطبوعة (خ) : (فوقه) بحذف الواو العاطفة وشذت مخطوطة (غ) فوقع فيها (وبما فوقه) ولا شك في شذوذها هي والتي قبلها رواية ومعنى. أما الرواية فلمخالفتها لأكثر النسخ وأما المعنى فقد بينه الشارح بقوله (ص 314 [281] " والنسخة الأولى هي الصحيحة " ومعناها: أنه تعالى محيط بكل شيء وفوق كل شيء. ومعنى الثانية أنه محيط بكل شيء فوق العرش. وهذه - والله أعلم - إما أن يكون أسقطها بعض النساخ سهوا ثم استنسخ بعض الناس من تلك النسخة أو أن بعض المحرفين الضالين أسقطها قصدا للفساد وإنكارا لصفة الفوقية وإلا فقد قام الدليل على أن العرش فوق المخلوقات وليس فوقه شيء من المخلوقات فلا يبقى لقوله: " محيط " - بمعنى: محيط بكل شيء فوق العرش - والحالة هذه معنى إذ ليس فوق العرش من المخلوقات ما شيء فوق العرش - والحالة هذه معنى إذ ليس فوق العرش من المخلوقات ما يحيط به فتعين ثبوت الواو ويكون المعنى: أنه سبحانه محيط بكل شيء وفوق كل شيء "

52 - وَنَقُولُ إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا وَكَلَّمَ الله موسى تكليما إيمانا وتصديقا وتسليما

53 - وَنُؤْمِنُ بِالْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ وَالْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ونشهد أنهم كانوا على الحق المبين

54 - وَنُسَمِّي أَهْلَ قِبْلَتِنَا مُسْلِمِينَ مُؤْمِنِينَ مَا دَامُوا بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مُعْتَرِفِينَ وَلَهُ بِكُلِّ مَا قَالَهُ وَأَخْبَرَ مُصَدِّقِينَ (¬1) ¬

(¬1) قال الشارح: يشير الشيخ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ وَاحِدٌ وَأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَخْرُجُ مِنَ الْإِسْلَامِ بِارْتِكَابِ الذَّنْبِ مَا لم يستحله. والمراد بقوله: " أهل قبلتنا " من يدعي الإسلام ويستقبل الكعبة وإن كان من أهل الأهواء أو من أهل المعاصي ما لم يكذب بشيء مما جاء به الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ

55 - وَلَا نَخُوضُ فِي اللَّهِ وَلَا نُمَارِي فِي دين الله

56 - وَلَا نُجَادِلُ فِي الْقُرْآنِ وَنَشْهَدُ أَنَّهُ كَلَامُ رب العالمين (¬2) ¬

(¬2) قلت: إن من أكبر الفتن التي أصابت بعض الفرق الإسلامية بسبب علم الكلام أنه انحرف بهم عن الإيمان بأن القرآن الكريم هو كلام رب العالمين حقيقة لا مجازا أما المعتزلة الذين يقولون بأنه مخلوق فأمرهم في ذلك واضح مفضوح. لكن هناك طائفة تنتمي إلى السنة وترد على المعتزلة هذا القول وغيره مما انحرف فيه عن الإسلام ألا وهم الأشاعرة والماتريدية فإنهم في الحقيقة موافقون للمعتزلة في قولهم بخلق القرآن وأنه ليس من قول رب العالمين إلا أنهم لا يفصحون بذلك ويتسترون وراء تفسيرهم للكلام الإلهي بأنه نفسي قديم غير مسموع من أحد من الملائكة والمرسلين وأنه تعالى لا يتكلم إذا شاء وأنه متكلم منذ الأزل وقد رأيت لشيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى بحثا هاما في إبطال تفسيرهم هذا فقال بعد أن أثبت قدم الكلام: والكلام صفة كمال فان من يتكلم أكمل ممن لا يتكلم كما أن من يعلم ويقدر أكمل ممن لا يعلم ولا يقدر والذي يتكلم بمشيئته وقدرته أكمل ممن لا يتكلم بمشيئته وقدرته وأكمل ممن يتكلم بغير مشيئته وقدرته إن كان ذلك معقولا. ويمكن تقريرها على أصول السلف بأن يقال إما أن يكون قادرا على الكلام أو غير قادر فان لم يكن قادرا فهو الأخرس وإن كان قادرا ولم يتكلم فهو الساكت. وأما الكلابية (متبوع الأشاعرة في هذه المسألة) فالكلام عندهم ليس بمقدور فلا يمكنهم أن يحتجوا بهذه فيقال هذه قد دلت على قدم الكلام لكن مدلولها قدم كلام معين بغير قدرته ومشيئته أم مدلولها أنه لم يزل متكلما بمشيئته وقدرته؟ والأول: قول الكلابية والثاني: قول السلف والأئمة وأهل الحديث والسنة فيقال مدلولها الثاني لا الأول لأن إثبات كلام يقوم بذات المتكلم بدون مشيئته وقدرته غير معقول ولا معلوم والحكم على الشيء فرع عن تصوره فيقال للمحتج بها: لا أنت ولا أحد من العقلاء يتصور كلاما يقوم بذات المتكلم بدون مشيئته وقدرته فكيف تثبت بالدليل المعقول شيئا لا يعقل وأيضا فقولك: لو لم يتصف بالكلام لاتصف بالخرس والسكوت " إنما يعقل في الكلام بالحروف والأصوات فإن الحي إذا فقدها لم يكن متكلما فإما أن يكون قادرا على الكلام ولم يتكلم وهو الساكت وإما أن لا يكون قادرا عليه وهو الأخرس وأما ما يدعونه من الكلام النفساني فذاك لا يعقل أن من خلا عنه كان ساكتا أو أخرس فلا يدل بتقدير ثبوته على أن الخالي عنه يجب أن يكون ساكتا أو أخرس وأيضا فالكلام القديم النفساني الذي أثبتموه لم تثبتوا ما هو؟ بل ولا تصورتموه واثبات الشيء فرع تصوره فمن لم يتصور ما يثبته كيف يجوز أن يثبته ولهذاكان أبو سعيد بن كلاب رأس هذه الطائفة (يعني الأشاعرة) وإمامها في هذه المسألة لا يذكر في بيانها شيء يعقل بل يقول هو: معنى يناقض السكوت والخرس والسكوت والخرس إنما يتصوران إذا تصور الكلام فالساكت هو الساكت عن الكلام والأخرس هو العاجز عنه أو الذي حصلت له آفة في محل النطق تمنعه عن الكلام وحينئذ فلا يعرف الساكت والأخرس حتى يعرف الكلام ولا يعرف الكلام حتى يعرف الساكت والأخرس فتبين أنهم لم يتصوروا ما قالوه ولم يثبتوه بل هم في الكلام يشبهون النصارى في) الكلمة) وما قالوه في (الأقانيم) و (التثليث) و (الاتحاد) فانهم يقولون ما لا يتصورونه ولا يبينونه والرسل عليهم السلام إذا أخبروا بشيء ولم نتصوره وجب تصديقهم وأما ما يثبت بالعقل فلابد أن يتصوره القائل به وإلا كان قد تكلم بلا علم فالنصارى تتكلم بلا علم فكان كلامهم متناقضا ولم يحصل لهم قول معقول كذلك من تكلم في كلام الله تعالى بلا علم كان كلامه متناقضا ولم يحصل له قول يعقل ولهذا كان مما يشنع به على هؤلاء أنهم احتجوا في أصل دينهم ومعرفة حقيقة الكلام كلام الله وكلام جميع الخلق بقول شاعر نصراني يقال له الأخطل: إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا وقد قالت طائفة إن هذا ليس من شعره وبتقدير أن يكون من شعره فالحقائق العقلية أو مسمى لفظ الكلام الذي يتكلم به جميع بنى آدم لا يرجع فيه إلى قول ألف شاعر فاضل دع أن يكون شاعرا نصرانيا اسمه الأخطل ... " انتهى ملخصا من " مجموعة الفتاوى " (6 / 294 - 297)

نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ فَعَلَّمَهُ سَيِّدَ الْمُرْسَلِينَ محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُسَاوِيهِ شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ وَلَا نَقُولُ بِخَلْقِهِ وَلَا نخالف جماعة المسلمين

57 - وَلَا نُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِذَنْبٍ ما لم يستحله (¬1) ¬

(¬1) قلت: يعني استحلالا قلبيا اعتقاديا وإلا فكل مذنب مستحل لذنبه عمليا أي مرتكب له ولذلك فلا بد من التفريق بين المستحل اعتقادا فهو كافر إجماعا وبين المستحل عملا لا اعتقادا فهو مذنب يستحق العذاب اللائق به إلا أن يغفر الله له ثم ينجيه إيمانه خلافا للخوارج والمعتزلة الذين يحكمون عليه بالخلود في النار وإن اختلفوا في تسميته كافرا أو منافقا وقد نبتت نابتة جديدة اتبعوا هؤلاء في تكفيرهم جماهير المسلمين رؤوسا ومرؤوسين اجتمعت بطوائف منهم في سوريا ومكة وغيرها ولهم شبهات كشبهات الخوارج مثل النصوص التي فيها فعل كذا فقد كفر وقد ساق الشارح رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى طائفة منها هنا ونقل عن أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص - أن الذنب أي ذنب كان هو كفر عملي لا اعتقادي وأن الكفر عندهم على مراتب: كفر دون كفر كالإيمان عندهم ثم ضرب على ذلك مثالا هاما طالما غفلت عن فهمه النابتة المشار إليها فقال رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى ص 363: [323] وهنا أمر يجب أن يتفطن له وهو أن الحكم بغير ما أنزل الله قد يكون كفرا ينقل عن الملة وقد يكون معصية: كبيرة أو صغيرة ويكون كفرا: إما مجازيا وإما كفرا أصغر على القولين المذكورين. وذلك بحسب حال الحاكم فإنه إن اعتقد أن الحكم بما أنزل الله غير واجب وأنه مخير فيه أو استهان به مع تيقنه أنه حكم الله -: فهذا كفر أكبر. وإن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله وعلمه في هذه الواقعة وعدل عنه مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة فهذا عاص ويسمى كافرا كفرا مجازيا أو كفرا أصغر. وإن جهل حكم الله فيها مع بذل جهده واستفراغ وسعه في معرفة الحكم وأخطأه فهذا مخطئ له أجر على اجتهاده وخطؤه مغفور

58 - وَلَا نَقُولُ لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ ذَنْبٌ لمن عمله (¬1) ¬

(¬1) قلت: وذلك لأنه من قول المرجئة المؤدي إلى التكذيب بآيات الوعيد وأحاديثه الواردة في حق العصاة من هذه الأمة وأن طوائف منهم يدخلون النار ثم يخرجون منها بالشفاعة أو بغيرها

59 - وَنَرْجُو لِلْمُحْسِنِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَيُدْخِلَهُمُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ وَلَا نَأْمَنُ عَلَيْهِمْ وَلَا نشهد لهم بالجنة (¬2) ونستغفر ¬

(¬2) قال الشيخ ابن مانع رَحِمَهُ اللَّهُ: " اعلم أن الذي عليه أهل السنة والجماعة أنهم لا يشهدون لأحد مات من المسلمين بجنة ولا نار إلا من شهد له رسول الله وأخبر عنه بذلك ولكنهم يرجون للمحسن ويخافون على المسيء وبهذا تعلم ما عليه كثير من الناس إذا ذكروا عالما أو أميرا أو ملكا أو غيرهم قالوا: المغفور له أو ساكن الجنان وأنكى من ذلك قولهم: نقل إلى الرفيق الأعلى ولا شك أن هذا قول على الله بلا علم والقول على الله بلا علم عديل الشرك كما قال تعالى: (وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) [الأعراف: 33] وأما المشرك فنشهد له بالنار لأن الله قال: (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار) [المائدة: 72] "

لمسيئهم ونخاف عليهم ولا نقنطهم

60 - وَالْأَمْنُ وَالْإِيَاسُ يَنْقُلَانِ عَنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ وَسَبِيلُ الحق بينهما لأهل القبلة

61 - وَلَا يَخْرُجُ الْعَبْدُ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَّا بِجُحُودِ ما أدخله فيه (¬1) ¬

(¬1) قال الشارح: " يشير الشيخ إلى الرد على الخوارج والمعتزلة في قولهم بخروجه من الإيمان بارتكاب الكبيرة " قلت: وأمثال هؤلاء اليوم الذين يحكمون على مسلمي البلاد الإسلامية كلها بدون استثناء بالكفر ويوجبون على أتباعهم مباينتهم ومفاصلتهم تماما كما فعلت الخوارج من قبلهم هداهم الله وغفر للغلاة الذين كانوا السبب في هذا الانحراف الخطير

62 - والإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان (¬2) ¬

(¬2) قلت: هذا مذهب الحنفية والماتريدية خلافا للسلف وجماهير الأئمة كمالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وغيرهم فإن هؤلاء زادوا على الإقرار والتصديق: العمل بالأركان. وليس الخلاف بين المذهبين اختلافا صوريا كما ذهب إليه الشارح رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى بحجة أنهم جميعا اتفقوا على أن مرتكب الكبيرة لا يخرج عن الإيمان وأنه في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه. فإن هذا الاتفاق وإن كان صحيحا فإن الحنفية لو كانوا غير مخالفين للجماهير مخالفة حقيقية في إنكارهم أن العمل من الإيمان لاتفقوا معهم على أن الإيمان يزيد وينقص وأن زيادته ونقصه بالمعصية مع تضافر أدلة الكتاب والسنة والآثار السلفية على ذلك وقد ذكر الشارح طائفة طيبة منها (ص 384 - 387) [342 - 344] ولكن الحنفية أصروا على القول بخلاف تلك الأدلة الصريحة في الزيادة والنقصان وتكلفوا في تأويلها تكلفا ظاهرا بل باطلا ذكر الشارح (ص 385) [342] نموذجا منها بل حكى عن أبي المعين النسفي أنه طعن في صحة الحديث " الإيمان بضع وسبعون شعبة ... " مع احتجاج كل أئمة الحديث به ومنهم البخاري ومسلم في (صحيحيهما) وهو مخرج في " الصحيحة " (1769) وما ذلك إلا لأنه صريح في مخالفة مذهبهم ثم كيف يصح أن يكون الخلاف المذكور صوريا. وهم يجيزون لأفجر واحد منهم أن يقول: إيماني كإيمان أبي بكر الصديق بل كإيمان الأنبياء والمرسلين وجبريل وميكائيل علهم الصلاة والسلام كيف وهم بناء على مذهبهم هذا لا يجيزون لأحدهم - مهما كان فاسقا فاجرا - أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله تعالى بل يقول: أنا مؤمن حقا والله عَزَّ وَجَلَّ يقول: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون. الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. أولئك هم المؤمنون حقا) [سورة الأنفال: 2 - 4] (ومن أصدق من الله قيلا) [سورة النساء: 22] وبناء على ذلك كله اشتطوا في تعصبهم فذكروا أن من استثنى في إيمانه فقد كفر وفرعوا عليه أنه لا يجوز للحنفي أن يتزوج بالمرأة الشافعية وتسامح بعضهم - زعموا - فأجاز ذلك دون العكس وعلل ذلك بقوله: تنزيلا لها منزلة أهل الكتاب وأعرف شخصا من شيوخ الحنفية خطب ابنته رجل من شيوخ الشافعية فأبى قائلا: ... لولا أنك شافعي فهل بعد هذا مجال للشك في أن الخلاف حقيقي؟ ومن شاء التوسع في هذه المسألة فليرجع إلى كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية: " الإيمان " فإنه خير ما ألف في هذا الموضوع

63 - وَجَمِيعُ مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من الشرع والبيان

كله حق (¬1) ¬

(¬1) قلت: يعني دون تفريق بين ما كان منه خبرا آحاد أو تواتر ما دام أنه صح عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وهذا هو الحق الذي لا ريب فيه والتفريق بينهما إنما هو بدعة وفلسفة دخيلة في الإسلام مخالف لما كان عليه السلف الصالح والأئمة المجتهدون كما حققته في رسالتي " وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة والرد على شبه المخالفين " وهي مطبوعة مشهورة قلت: هذا على ما تقدم من قوله في الإيمان أنه إقرار وتصديق فقط وقد عرفت أن الصواب فيه أنه متفاوت في أصله وأن إيمان الصالح ليس كإيمان الفاجر. فراجعه

64 - وَالْإِيمَانُ وَاحِدٌ وَأَهْلُهُ فِي أَصْلِهِ سَوَاءٌ وَالتَّفَاضُلُ بَيْنَهُمْ بِالْخَشْيَةِ وَالتُّقَى وَمُخَالِفَةِ الْهَوَى وَمُلَازِمَةِ الْأَوْلَى

65 - والمؤمنون كلهم أولياء الرحمن (¬2) وأكرمهم عند الله أطوعهم وأتبعهم للقرآن (¬3) ¬

(¬2) قلت: وهم الْمَوْصُوفُونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين آمنوا وكانوا يتقون) [يونس: 62 - 63] وليست الكرامة بادعاء الكرامات وخوارق العادات كما يتوهم كثير من الناس بل ذلك من الإهانات التي تشوه جمال الإسلام (¬3) قلت: فيه إشارة لطيفة إلى الرد على متعصب المذاهب الذين يؤثرون اتباع المذهب على اتباع الكتاب والسنة ذلك لأنه لا تلازم بين اتباع المذاهب واتباع القرآن فإن المذاهب مختلفة والقرآن لا اختلاف فيه كما قال تعالى فيه: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) [النساء: 82] فالمسلم كلما كان أتبع للقرآن كان أكرم عند الله تعالى وكلما ازداد تقليدا ازداد بعدا وإليه أشار المصنف بقوله: " لا يقلد إلا عصبي أو غبي ". انظر " صفة الصلاة " (23) . [الصفحة 21 الطبعة الرابعة عشر طبع المكتب الإسلامي]

66 - وَالْإِيمَانُ هُوَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ وَحُلْوِهِ وَمُرِّهِ من الله تعالى (¬1) ¬

_ (¬1) اعلم أنه لا ينافي هذا قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في دعاء الاستفتاح: " والخير كله بيديك والشر ليس إليك " رواه مسلم لأن المعنى: فإنك لا تخلق شرا محضا بل كل ما تخلقه فيه حكمة هو باعتبارها خير ولكن قد يكون فيه شر لبعض الناس فهذا الشر جزئي إضافي فأما شر كلي أو شر مطلق فالرب سبحانه وتعالى منزه عنه أفاده في " الشرح " وراجع التفصيل إن شئت في " شفاء العليل " لابن القيم رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى. ومنه تعلم كذب من نسب إلى أن للشر خالقا غير الله تعالى في مقال نشر مع الأسف في مجلة الحضارة بقلم. . . (ا) (ص 50 - 52، العدد 5 السنة 18)

67 - وَنَحْنُ مُؤْمِنُونَ بِذَلِكَ كُلِّهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَنُصَدِّقُهُمْ كُلَّهُمْ عَلَى مَا جاؤوا به

68 - وَأَهْلُ الْكَبَائِرِ [مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ] (¬2) في النار لا ¬

(¬2) ما بين المعكوفتين لم ترد في المخطوطات الثلاث. ولا في مطبوعة (خ) وحذفها أصح لأن مفهوم هذه الزيادة أن أهل الكبائر من أمة غير أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قبل نسخ تلك الشرائع به حكمهم مخالف لأهل الكبائر من أمة محمد. وفي ذلك نظر فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أخبر أنه: " يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان " ولم يخص أمته بذلك بل ذكر الإيمان مطلقا فتأمله. واعلم أنهم اختلفوا في تعريف الكبائر على أقوال أمثلها أنها ما يترتب عليها حد أو توعد عليها بالنار أو اللعنة أو الغضب. وراجع " الشرح " و " مجموع الفتاوى " للشيخ ابن تيمية (11 / 650)

يُخَلَّدُونَ إِذَا مَاتُوا وَهُمْ مُوَحِّدُونَ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا تَائِبِينَ بَعْدَ أَنْ لَقُوا اللَّهَ عَارِفِينَ [مؤمنين] (¬1) وَهُمْ فِي مَشِيئَتِهِ وَحُكْمِهِ إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ وَعَفَا عَنْهُمْ بِفَضْلِهِ كَمَا ذَكَرَ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ: (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ (¬2) لِمَنْ يَشَاءُ) [النِّسَاءِ: 48 و 116] وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ فِي النَّارِ بِعَدْلِهِ ثُمَّ يُخْرِجُهُمْ مِنْهَا بِرَحْمَتِهِ وَشَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ مِنْ أَهْلِ طَاعَتِهِ ثُمَّ يَبْعَثُهُمْ إِلَى جَنَّتِهِ وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَوَلَّى أهل معرفته ¬

(¬1) زيادة من مخطوطة (أب غ) . وهي زيادة هامة لم تثبت في بعض النسخ منها نسخة الشارح فقد قال: " وقوله: (عارفين) لو قال: مؤمنين بدل (عَارِفِينَ) كَانَ أَوْلَى لِأَنَّ مَنْ عَرَفَ اللَّهَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ وَإِنَّمَا اكْتَفَى بالمعرفة وحدها الجهم وقوله مردود باطل ... " (¬2) يعني الشرك وهو الكفر ولا فرق بينهما شرعا فكل كفر شرك وكل شرك كفر. كما يدل عليه محاورة المؤمن صاحب الجنتين المذكورة في سورة (الكهف) . فتنبه لهذا فإنه به يزول عنك كثير من إشكالات والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

وَلَمْ يَجْعَلْهُمْ فِي الدَّارَيْنِ كَأَهْلِ نَكَرَتِهِ الَّذِينَ خَابُوا مِنْ هِدَايَتِهِ وَلَمْ يَنَالُوا مِنْ وِلَايَتِهِ اللَّهُمَّ يَا وَلِيَّ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ ثَبِّتْنَا عَلَى الإسلام حتى نلقاك به (¬1) ¬

(¬1) هذا الدعاء ورد مرفوعا وهو مخرج في " الصحيحة " (1823) كما كنت ذكرت في " تخريج الشرح " لكن وقع هناك (1833) وهو خطأ مطبعي فاقتضى التصحيح

69 - وَنَرَى الصَّلَاةَ خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ مِنْ أهل القبلة وعلى من مات منهم (¬2) ¬

(¬2) قلت: والدليل على ذلك جريان عمل الصحابة عليه على ما تراه مبينا في " الشرح " وكفى بهم حجة ومعهم مثل قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في الأئمة: " يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطئوا فلكم وعليهم " أخرجه البخاري وأحمد وأبو يعلى. وفي الصلاة على من مات منهم أدلة أخرى تراها في " أحكام الجنائز " (ص 79) وأما حديث " صلوا خلف كل بر وفاجر وصلوا على كل بر وفاجر ... " فهو ضعيف الإسناد كما أشرت إليه في " الشرح " وبينته في " ضعيف أبي داود " (97) (ا) و " الإرواء " (520) (اا) ولا دليل على عدم صحة الصلاة وراء الفاسق وحديث " اجعلوا أئمتكم خياركم " إسناده ضعيف جدا كما حققته في " الضعيفة " (1822) ولو صح فلا دليل فيه إلا على وجوب جعل الأئمة من الأخيار وهذا شيء وبطلان الصلاة وراء الفسق شيء آخر لا سيما إذا كان مفروضا من الحاكم. نعم لو صح حديث " ... . ولا يؤم فاجر مؤمنا ... " لكان ظاهر الدلالة على بطلان إمامته ولكنه لا يصح أيضا من قبل إسناده كما بينته في أول " الجمعة " من " الإرواء " [رقم 591]

70 - وَلَا نُنْزِلُ أَحَدًا مِنْهُمْ جَنَّةً (¬1) وَلَا نَارًا ولا نشهد عليهم بكفر ولا بشرك وَلَا بِنِفَاقٍ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَنَذَرُ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ¬

(¬1) قلت: إلا العشرة المبشرين بالجنة وعبد الله بن سلام وغيرهم فإنا نشهد لهم بالجنة على شهادة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وقد صرح المصنف رَحِمَهُ اللَّهُ بذلك في الفقرة (95) ومن ضلال بعض الكتاب اليوم وجهلهم غمزهم لعبد الله بن سلام بيهوديته قبل إسلامه مع شهادة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ له بالجنة كما في " صحيح البخاري " وليت شعري أي فرق بين من كان يهوديا فأسلم وبين من كان وثنيا وأسلم لولا العصبية القومية الجاهلية. بلى هناك فرق فقد جاء في " الصحيحين " قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: " ثلاث لهم أجرهم مرتين ... " فذكر منهم " ورجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وأدرك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فآمن به واتبعه وصدقه ". فهذا له أجران دون الوثني إذا أسلم فله أجر واحد

71 - وَلَا نَرَى السَّيْفَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أُمَّةِ محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إلا من وجب عليه السيف

72 - وَلَا نَرَى الْخُرُوجَ عَلَى أَئِمَّتِنَا وَوُلَاةِ أُمُورِنَا وإن

جاروا (¬1) ولا ندعوا عَلَيْهِمْ وَلَا نَنْزِعُ يَدًا مِنْ طَاعَتِهِمْ وَنَرَى ¬

(¬1) قد ذكر الشارح في ذلك أحاديث كثيرة تراها مخرجة في كتابه ثم قال: " وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا فلأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات فإن الله ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا والجزاء من جنس العمل فعلينا الاجتهاد في الاستغفار والتوبة (ا) وإصلاح العمل. قال تعالى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) [الشورى: 30] (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون) [الأنعام: 129] فإذا أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم الأمير الظالم فليتركوا الظلم قلت: وفي هذا بيان لطريق الخلاص من ظلم الحكام الذين هم " من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا " وهو أن يتوب المسلمون إلى ربهم ويصححوا عقيدتهم ويربوا أنفسهم وأهليهم على الإسلام الصحيح تحقيقا لقوله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) [الرعد: 11] وإلى ذلك أشار أحد الدعاة المعاصرين (اا) بقوله: " أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم لكم على أرضكم ". وليس طريق الخلاص ما يتوهم بعض الناس وهو الثورة بالسلاح على الحكام. بواسطة الانقلابات العسكرية فإنها مع كونها من بدع العصر الحاضر فهي مخالفة لنصوص الشريعة التي منها الأمر بتغيير ما بالأنفس وكذلك فلا بد من إصلاح القاعدة لتأسيس البناء عليها (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز) [الحج: 40]

طَاعَتَهُمْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَرِيضَةً (¬1) مَا لَمْ يَأْمُرُوا بِمَعْصِيَةٍ وَنَدْعُو لَهُمْ بِالصَّلَاحِ والمعافاة ¬

(¬1) قلت: ومن الواضح أن ذلك خاص بالمسلمين منهم لقوله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) [النساء: 59] وأما الكفار المستعمرون فلا طاعة لهم بل يجب الاستعداد التام مادة ومعنى لطردهم وتطهير البلاد من رجسهم. وأما تأويل قوله تعالى: (منكم) أي فيكم فبدعة قاديانية ودسيسة إنكليزية ليضلوا المسلمين ويحملوهم على الطاعة للكفار المستعمرين طهر الله بلاد المسلمين منهم أجمعين

73 - ونتبع السنة والجماعة (¬2) ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة (¬3) ¬

(¬2) السنة: طريقة الرسول لله والجماعة: جماعة المسلمين وهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين. فاتباعهم هدى وخلافهم ضلال (¬3) قلت: يعني الشذوذ عن السنة ومخالفة الجماعة الذين هم السلف كما علمت. وليس من الشذوذ في شيء أن يختار المسلم قولا من أقوال الخلاف لدليل بدا له ولو كان الجمهور على خلافه خلافا لمن وهم فإنه ليس في الكتاب ولا في السنة دليل على أن كل ما عليه الجمهور أصح مما عليه مخالفوهم عند فقدان الدليل نعم إذا اتفق المسلمون على شيء دون خلاف يعرف بينهم فمن الواجب اتباعه لقوله تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) [النساء: 115] وأما عند الاختلاف فالواجب الرجوع إلى الكتاب والسنة فمن تبين له الحق اتبعه ومن لا استفتى قلبه سواء وافق الجمهور أو خالفهم وما أعتقد أن أحدا يستطيع أن يكون جمهوريا في كل ما لم يتبين له الحق بل إنه تارة هكذا وتارة هكذا حسب اطمئنان نفسه وانشراح صدره وصدق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إذ قال: " استفت قلبك وإن أفتاك المفتون "

74 - ونحب أهل العدل والأمانة ونبغض أهل الجور والخيانة

75 - وَنَقُولُ اللَّهُ أَعْلَمُ فِيمَا اشْتَبَهَ عَلَيْنَا عِلْمُهُ

76 - وَنَرَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ (¬1) فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ كما جاء في الأثر ¬

(¬1) قلت: إنما ذكر المصنف تبعا لغيره من المؤلفين في " السنة " المسح على الخفين دون الجوربين والنعلين لسببين: الأول: أن المسح على الخفين متواتر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والآخر: أن الرافضة تخالف هذه السنة فالحجة عليهم أقوى في الاحتجاج بما تواتر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فلا ينفي ذكر الخفين ثبوت المسح على الجوربين والنعلين أيضا وهذا ما تراه مفصلا في كتاب " المسح على الجوربين " للشيخ القاسمي وقد أتبعه بتذييل عليه حققت فيه كثيرا من أحكام المسح وهو مطبوع في المكتب الإسلامي

77 - وَالْحَجُّ وَالْجِهَادُ مَاضِيَانِ مَعَ أُولِي الْأَمْرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بَرِّهِمْ وَفَاجِرِهِمْ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ (¬2) لَا يبطلهما شيء ولا ينقضهما ¬

(¬2) اعلم أن الجهاد على قسمين: الأول فرض عين وهو صد العدو المهاجم لبعض بلاد المسلمين كاليهود الآن الذين احتلوا فلسطين: فالمسلمون جميعا آثمون حتى يخرجوهم منها. والآخر فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين وهو الجهاد في سبيل نقل الدعوة الإسلامية إلى سائر البلاد حتى يحكمها الإسلام فمن استسلم من أهلها فبها ومن وقف في طريقها قوتل حتى تكون كلمة الله هي العليا فهذا الجهاد ماض إلى يوم القيامة فضلا عن الأول ومن المؤسف أن بعض الكتاب اليوم ينكره وليس هذا فقط بل إنه يجعل ذلك من مزايا الإسلام وما ذلك إلا أثر من آثار ضعفهم وعجزهم عن القيام بالجهاد العيني وصدق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إذ يقول: " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليهم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم " " الصحيحة " (11)

78 - وَنُؤْمِنُ بِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ فَإِنَّ (¬1) اللَّهَ قَدْ جَعَلَهُمْ علينا حافظين ¬

_ (¬1) في المخطوط (ج) : " وأن " وكذا في مطبوعة الشيخ راغب ولعله أصح

79 - وَنُؤْمِنُ بِمَلَكِ الْمَوْتِ (¬2) الْمُوَكَّلِ بِقَبْضِ أَرْوَاحِ الْعَالَمِينَ ¬

_ (¬2) قلت: هذا هو اسمه في القرآن وأما تسميته ب (عزرائيل) كما هو الشائع بين الناس فلا أصل له وإنما هو من الإسرائيليات

80 - وَبِعَذَابِ الْقَبْرِ لِمَنْ كَانَ لَهُ أَهْلًا (¬3) وَسُؤَالِ منكر ونكير ¬

(¬3) قلت: يعني من الكفار وفساق المسلمين والأول مقطوع به منصوص عليه في القرآن والآخر كذلك وهو منصوص عليه في أحاديث كثيرة بلغت حد التواتر كما ذكر الشارح وغيره. فيجب الاعتقاد به ولكن لا يجوز الخوض في تكييفه إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته والشرع لا يأتي بما تحيله العقول ولكنه قد يأتي بما تحار فيه العقول فيجب التسليم به وتجد بعض الأحاديث المشار إليها في " الشرح " وفي " السنة " لابن أبي عاصم (رقم 863 - 877 بتحقيقي وتخريجي) [طبع المكتب الإسلامي]

فِي قَبْرِهِ عَنْ رَبِّهِ وَدِينِهِ وَنَبِيِّهِ عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ (¬1) وعن الصحابة رضوان الله عليهم ¬

(¬1) قلت: وهي متواترة كما ذكرت آنفا إلا تسمية الملكين بمنكر ونكير ففيه حديث بإسناد حسن مخرج في " الصحيحة " (1391)

81 - وَالْقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ من حفر النيران (¬2) ¬

(¬2) هذا قطعة من حديث أخرجه الترمذي (2 / 75) (ا) عن أبي سعيد مرفوعا بسند ضعيف والطرف الأول أخرجه أبو يعلى وفيه دراج كما في " المجمع " (3 / 55) وهو ذو مناكير

82 - وَنُؤْمِنُ بِالْبَعْثِ وَجَزَاءِ الْأَعْمَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالْعَرْضِ وَالْحِسَابِ وَقِرَاءَةِ الْكِتَابِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَالصِّرَاطِ وَالْمِيزَانِ

83 - وَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ مَخْلُوقَتَانِ لَا تَفْنَيَانِ أَبَدًا وَلَا تبيدان (¬3) ¬

(¬3) اعلم أن النار في الآخرة ناران: نار تفنى ونار تبقى أبدا لا تفنى فالأولى هي نار العصاة المذنبين من المسلمين والأخرى نار الكفار والمشركين هذا خلاصة ما حرره ابن القيم في " الوابل الصيب " وهو الحق الذي لا ريب فيه وبه تجتمع الأدلة فلا تغتر بما ذكره الشارح هنا وابن القيم في " شفاء العليل " و " حادي الأرواح " مما قد ينافي هذا الذي لخصته فإنهما لم يتبنيا ذلك وليس فيه أي دليل صريح صحيح يدل على فناء الكافرين والله تعالى كما قال في أهل الجنة: (لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين) [الحجر: 48] قال مثله في الكافرين: (وما هم بخارجين من النار) [البقرة: 167] . وما روي عن عمر وغيره لا يصح إسناده كما بينته في تعليقي على " الشرح " فتنبه ثم في " الأحاديث الضعيفة " المجلد الثاني [606 - 607] وسيصدر قريبا بإذن الله (ا)

وأن اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ قَبْلَ الْخَلْقِ وَخَلَقَ لَهُمَا أَهْلًا فَمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ فَضْلًا مِنْهُ وَمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ إِلَى النَّارِ عَدْلًا مِنْهُ وَكُلٌّ يَعْمَلُ لِمَا قَدْ فُرِغَ لَهُ (¬1) وَصَائِرٌ إِلَى مَا خُلِقَ لَهُ ¬

(¬1) يشير إلى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: " فرغ الله إلى كل عبد من خمس: من أجله ورزقه وأثره ومضجعه وشقي أو سعيد " وهو حديث صحيح مخرج في (المشكاة) (113) و (السنة) (303 - 309) والأحاديث في معناه كثيرة معروفة

84 - والخير والشر مقدران على العباد

85 - وَالِاسْتِطَاعَةُ الَّتِي يَجِبُ بِهَا الْفِعْلُ مِنْ نَحْوِ التوفيق الذي لا يجوز أن يوصف المخلوق به فهي مَعَ الْفِعْلِ وَأَمَّا الِاسْتِطَاعَةُ مِنْ جِهَةِ الصِّحَّةِ والوسع والتمكن وَسَلَامَةِ الْآلَاتِ فَهِيَ قَبْلَ الْفِعْلِ وَبِهَا يَتَعَلَّقُ الْخِطَابُ وَهُوَ كَمَا قَالَ تَعَالَى لَا يُكَلِّفُ الله

نفسا إلا وسعها) [البقرة: 286] (¬1) ¬

(¬1) قلت: والأولى قال بها الأشاعرة والأخرى قال بها المعتزلة والصواب القول بهما معا على التفصيل الذي ذكره المؤلف رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى وقد بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ بيانا شافيا لا بأس من نقله بتمامه لأهميته قال رحمة الله عليه في مجموع الفتاوى (8 / 371 - 376) : قد تكلم الناس من أصحابنا وغيرهم في استطاعة العبد هل هي مع فعله أم قبله؟ وجعلوها قولين متناقضين فقوم جعلوا الاستطاعة مع الفعل فقط وهذا هو الغالب على مثبتة القدر المتكلمين من أصحاب الأشعري ومن وافقهم من أصحابنا وغيرهم وقوم جعلوا الاستطاعة قبل الفعل وهو الغالب على النفاة من المعتزلة والشيعة وجعل الأولون القدرة لا تصلح إلا لفعل واحد إذ هي مقارنة له لا تنفك عنه وجعل الآخرون الاستطاعة لا تكون إلا صالحة للضدين ولا تقارن الفعل أبدا والقدرية أكثر انحرافا فإنهم يمنعون أن يكون مع الفعل قدرة بحال فإن عندهم أن المؤثر لا بد أن يتقدم على الأثر لا يقارنه بحال سواء في ذلك القدرة والإرادة والأمر. والصواب الذي دل عليه الكتاب والسنة أن الاستطاعة متقدمة على الفعل ومقارنة له أيضا وتقارنه أيضا استطاعة أخرى لا تصلح لغيره فالاستطاعة نوعان: متقدمة صالحة للضدين ومقارنة لا تكون إلا مع الفعل فتلك هي المصححة للفعل المجوزة له وهذه هي الموجبة للفعل المحققة له قال الله تعالى في الأولى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) [آل عمران: 97] ولو كانت هذه الاستطاعة لا تكون إلا مع الفعل لما وجب الحج إلا على من حج ولما عصى أحد بترك الحج ولا كان الحج واجبا على أحد قبل الإحرام به بل قبل فراغه وقال تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) [التغابن: 16] فأمر بالتقوى بمقدار الاستطاعة ولو أراد الاستطاعة المقارنة لما وجب على أحد من التقوى إلا ما فعل فقط إذ هو الذي قارنته تلك الاستطاعة وقال تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) [البقرة: 286] و (الوسع) : الموسوع وهو الذي تسعه وتطيقه فلو أريد به المقارن لما كلف أحد إلا الفعل الذي أتى به فقط دون ما تركه من الواجبات ... ونظائر هذا متعددة فإن كل أمر علق في الكتاب والسنة وجوبه بالاستطاعة وعدمه بعدمها لم يرد به المقارنة وإلا لما كان الله قد أوجب الواجبات إلا على من فعلها وقد أسقطها عمن لم يفعلها فلا يأثم أحد بترك الواجب المذكور وأما الاستطاعة المقارنة الموجبة فمثل قوله تعالى: (ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون) [هود: 20] فهذه الاستطاعة هي المقارنة الموجبة إذ الأخرى لابد منها في التكليف فالأولى: هي الشرعية التي هي مناط الأمر والنهي والثواب والعقاب وعليها يتكلم الفقهاء وهي الغالبة في عرف الناس والثانية: هي الكونية التي هي مناط القضاء والقدر وبها يتحقق وجود الفعل فالأولى للكلمات الأمريات الشرعيات والثانية للكلمات الخلقيات الكونيات كما قال: (وصدقت بكلمات ربها وكتبه) [التحريم: 12] وقد اختلف الناس في قدرة العبد على خلاف معلوم الحق أو مراده والتحقيق أنه قد يكون قادرا بالقدرة الأولى الشرعية المتقدمة على الفعل فإن الله قادر أيضا على خلاف المعلوم والمراد وإلا لم يكن قادرا إلا على ما فعله وليس العبد قادرا على ذلك بالقدرة المقارنة للفعل إنه لا يكون إلا ما علم الله كونه وأراد كونه فإنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وكذلك قول الحواريين: (هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء) [المائدة: 112] إنما استفهموا عن هذه القدرة. وكذلك ظن يونس (أن لن نقدر عليه) [الأنبياء: 87] أي فسر بالقدرة كما يقال للرجل هل تقدر أن تفعل كذا؟ أي هل تفعله؟ وهو مشهور في كلام الناس. ولما اعتقدت القدرية أن الأولى (الاستطاعة قبل الفعل) كافية في حصول الفعل وأن العبد يحدث مشيئته جعله مستغنيا عن الله حين الفعل كما أن الجبرية لما اعتقدت أن الثانية موجبة للفعل وهي من غيره رأوه مجبورا على الفعل وكلاهما خطأ قبيح فإن العبد له مشيئة وهي تابعة لمشيئة الله كما ذكر الله ذلك في عدة مواضع من كتابه. فإذا كان الله قد جعل العبد مريدا مختارا شائيا امتنع أن يقال: هو مجبور مقهور مع كونه قد جعله مريدا وامتنع أن يكون هو الذي ابتدع لنفسه المشيئة فإذا قيل: هو مجبور على أن يختار مضطر إلى أن يشاء فهذا لا نظير له وليس هو المفهوم من الجبر بالاضطرار ولا يقدر على ذلك إلا الله. ولهذا افترق القدرية والجبرية على طرفي نقيض وكلاهما مصيب فيما أثبته دون ما نفاه. وابن الخطيب ونحوه من الجبرية يزعمون أن العلم بافتقار رجحان فعل العبد على تركه إلى مرجح من غير العبد ضروري لأن الممكن المتساوي الطرفين لا يترجح أحد طرفيه على الآخر إلا بمرجح ما وكلا القولين صحيح ولكن دعوى استلزام أحدهما نفي الآخر ليس بصحيح فإن العبد محدث لأفعاله كاسب لها وهذا الإحداث مفتقر إلى محدث فالعبد فاعل صانع محدث وكونه فاعلا صانعا محدثا بعد أن لم يكن لابد له من فاعل كما قال: (لمن شاء منكم أن يستقيم) [التكوير: 28] فإذا شاء الاستقامة صار مستقيما ثم قال: (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين) [التكوير: 29] فما علم بالاضطرار وما دلت عليه الأدلة السمعية والعقلية كله حق ولهذا كان لا حول ولا قوة إلا بالله والعبد فقير إلى الله فقرا ذاتيا له في ذاته وصفاته وأفعاله مع أن له ذاتا وصفات وأفعالا فنفي أفعاله كنفي صفاته وذاته وهو جحد للحق شبيه بغلو غالية الصوفية الذين يجعلونه هو الحق وجعل شيء منه مستغنيا عن الله أو كائنا بدونه جحد للحق شبيه بغلو الذي قال: (أنا ربكم الأعلى) [النازعات: 24] وقال: إنه خلق نفسه وإنما الحق ما عليه أهل السنة والجماعة

86 - وَأَفْعَالُ الْعِبَادِ (¬1) خَلْقُ اللَّهِ وَكَسْبٌ مِنَ الْعِبَادِ ¬

_ (¬1) هنا في الأصل زيادة: (هي) ولما لم ترد في شيء من الأصول التي عندنا حذفناها

87 - وَلَمْ يُكَلِّفْهُمُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَّا مَا يُطِيقُونَ وَلَا يُطِيقُونَ إِلَّا مَا كَلَّفَهُمْ (¬2) وَهُوَ تَفْسِيرُ: " لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ " نَقُولُ لا حيلة لأحد ولا حركة لأحد ولا تحول لأحد عن معصية الله ¬

(¬2) أَيْ وَلَا يُطِيقُونَ إِلَّا مَا أَقْدَرَهُمْ عَلَيْهِ وَهَذِهِ الطَّاقَةُ هِيَ الَّتِي مِنْ نَحْوِ التَّوْفِيقِ لَا الَّتِي مِنْ جِهَةِ الصِّحَّةِ وَالْوُسْعِ وَالتَّمَكُّنِ وسلامة الآلات ولكن في كلام المؤلف إشكالا بينه الشيخ الشارح بقوله: فإن التكليف لا يستعمل بمعنى الإقدار وإنما يستعمل بمعنى الأمر والنهي وهو قد قال: لا يكلفهم إلا ما يطيقون ولا يطيقون إلا ما كلفهم ". وظاهره أنه يرجع إلى معنى واحد ولا يصح ذلك لأنهم يطيقون فوق ما كلفهم به لكنه سبحانه يريد بعباده اليسر والتخفيف كما قال تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) [البقرة: 185] . قال تعالى: (يريد الله أن يخفف عنكم) [النساء: 28] . وقال تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) [الحج: 78] . فلو زاد فيما كلفنا به لأطقناه ولكنه تفضل علينا ورحمنا وخفف عنا ولم يجعل علينا في الدين من حرج ويجاب عن هذا الإشكال بما تقدم: أن المراد الطاقة التي من نحو التوفيق لا من جهة التمكن وسلامة الآلات ففي العبارة قلق فتأمله "

إِلَّا بِمَعُونَةِ اللَّهِ وَلَا قُوَّةَ لِأَحَدٍ عَلَى إِقَامَةِ طَاعَةِ اللَّهِ وَالثَّبَاتِ عَلَيْهَا إِلَّا بِتَوْفِيقِ الله

88 - وَكُلُّ شَيْءٍ يَجْرِي بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِلْمِهِ وقضائه وقدره غلبت مشيئة الْمَشِيئَاتِ كُلَّهَا (¬1) وَغَلَبَ قَضَاؤُهُ الْحِيَلَ كُلَّهَا يَفْعَلُ ما يشاء وهو غير ظالم أبدا (¬2) [تقدس عن كل سوء ¬

(¬1) هنا في متن " الشرح " عبارة لم ترد في النسخ التي لدينا فحذفناها (¬2) قال الشارح (ص 507 [448] ) : الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنْ تَنْزِيهِ اللَّهِ نفسه عن ظلم العباد يقتضي قولا وسطا بين قولي القدرية والجبرية فليس ما كان من بني آدم ظلما وقبيحا يكون منه ظلما وقبيحا كما تقوله القدرية والمعتزلة ونحوهم فإن ذلك تمثيل لله بخلقه وقياس له عليهم هو الرب الغني القادر وهم العباد الفقراء المقهورون وليس الظلم عبارة عن الممتنع الذي لا يدخل تحت القدرة كما يقوله من يقوله من المتكلمين وغيرهم يقولون إنه يمتنع أن يكون في الممكن المقدور ظلم بل كان ما كان ممكنا فهو منه لو فعله عدل إذ الظلم لا يكون إلا من مأمور من غيره منهي والله ليس كذلك فإن قوله تعالى: (ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما) [طه: 112] وقوله تعالى: (ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد) [ق: 76] وقوله تعالى: (وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين) [الزخرف: 76] وقوله تعالى: (ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا) [الكهف: 49] وقوله تعالى: (اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب) [غافر: 17] يدل على نقيض هذا القول. ومنه قوله الذي رواه عنه رسوله: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا) فهذا دل على شيئين: أحدهما أنه حرم على نفسه الظلم والممتنع لا يوصف بذلك. الثاني: أنه أخبر أنه حرمه على نفسه كما أخبر أنه كتب على نفسه الرحمة وهذا يبطل احتجاجهم بأن الظلم لا يكون إلا من مأمور منهي والله ليس كذلك فيقال لهم: هو سبحانه كتب على نفسه الرحمة وحرم على نفسه الظلم وإنما كتب على نفسه وحرم على نفسه ما هو قادر عليه لا ما هو ممتنع عليه

وحين (¬1) وتنزه عن كل عيب وشين] (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [الْأَنْبِيَاءِ: 23] 89 - وفي دعاء الأحياء وصدقاتهم [منفعة] (¬2) للأموات (¬3) 90 - والله تعالى يستجيب الدعوات ويقضي الحاجات 91 - وَيَمْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ وَلَا يَمْلِكُهُ شَيْءٌ وَلَا غنى عن الله ¬

(¬1) الحين: الهلاك وما بين المعكوفتين زيادة من مخطوطة (غ) ومطبوعة (خ) (¬2) سقطت من نسخة الشارح وهي ثابتة في سائر النسخ والسياق يقتضيها (¬3) قلت: نقل الشارح رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى اتفاق أهل السنة على ذلك ثم ساق الأدلة من الكتاب والسنة عليه ولكنه فيما يتعلق بالصدقة لم يذكر إلا ما يدل على انتفاع الوالد بصدقة ولده وهذا أخص من الدعوى كما لا يخفى. وقد شرحت هذا ونظرت في الاتفاق المذكور في أحكام الجنائز " (ص 173) [طبع المكتب الإسلامي] فراجعه

تَعَالَى طَرْفَةَ عَيْنٍ وَمَنِ اسْتَغْنَى عَنِ اللَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ فَقَدْ كَفَرَ وَصَارَ مِنْ أَهْلِ الحين (¬1) ¬

(¬1) هو الهلاك كما تقدم آنفا

92 - وَاللَّهُ يَغْضَبُ وَيَرْضَى لَا كَأَحَدٍ مِنَ الْوَرَى (¬2) ¬

(¬2) قلت: فيه رد على المتأولة المعطلة من الأشاعرة وغيرهم الذين قالوا بأن المراد بالبغض (ا) والرضى إرادة الإحسان وليت شعري ما الفرق بين تسليمهم بصفة الإرادة وإنكارهم للصفتين المذكورتين بتأويلهما وهي مثلهما في اتصاف العبد بها أيضا؟ فهلا قالوا فيهما كما قالوا في الإرادة الإلهية: إنها مخالفة للإرادة التي يوصف بها العبد وإن كان منهما حقيقة تناسب الموصوف بها. وقد بسط القول في ذلك الشارح رَحِمَهُ اللَّهُ فراجعه

93 - وَنُحِبُّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَلَا نُفَرِّطُ فِي حُبِّ أَحَدٍ مِنْهُمْ (¬3) وَلَا نَتَبَرَّأُ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ (¬4) وَنُبْغِضُ مَنْ يُبْغِضُهُمْ ¬

(¬3) أي لا تجاوز الحد في حب أحد منهم فندعي لهم العصمة كما تقول (اا) الشيعة في علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وغيره من أئمتهم (¬4) أي كما فعلت الرافضة فعندهم لا ولاء إلا ببراء. أي لا يتولى أهل البيت حتى يتبرأ من أبي بكر وعمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما. وأهل السنة يوالونهم جميعا وينزلونهم منازلهم التي يستحقونها بالعدل والإنصاف لا بالهوس (ا) والتعصب

وَبِغَيْرِ الْخَيْرِ يَذْكُرُهُمْ وَلَا نَذْكُرُهُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ وَحُبُّهُمْ دِينٌ وَإِيمَانٌ وَإِحْسَانٌ وَبُغْضُهُمْ كُفْرٌ وَنِفَاقٌ وطغيان

94 - وَنُثْبِتُ الْخِلَافَةَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَوَّلًا لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه تفضيلا له وتقديما على جميع الأمة ثُمَّ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ثم لعثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ثُمَّ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون (¬1) (ا) ¬

(¬1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ومن طعن في خلافة أحد من هؤلاء الأئمة فهو أضل من حمار أهله. " مجموع الفتاوى " (3 / 153) (ا) [في تصحيح (المهتدون) وهذا النص من أصل الطحاوية وهي هناك: (المهديون) ]

95 - وَأَنَّ (¬2) الْعَشَرَةَ الَّذِينَ سَمَّاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَبَشَّرَهُمْ بِالْجَنَّةِ نَشْهَدُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ عَلَى مَا شَهِدَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَقَوْلُهُ الْحَقُّ وَهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ علي وطلحة والزبير ¬

(¬2) في نسخة (خ) : " ونحب العشرة ... ونشهد لهم ... "

وَسَعْدٌ وَسَعِيدٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَأَبُو عبيدة الْجَرَّاحِ وَهُوَ أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم أجمعين

96 - وَمَنْ أَحْسَنَ الْقَوْلَ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَأَزْوَاجِهِ الطَّاهِرَاتِ مِنْ كُلِّ دَنَسٍ وَذُرِّيَّاتِهِ الْمُقَدَّسِينَ مِنْ كُلِّ رِجْسٍ فَقَدَ بَرِئَ مِنَ النِّفَاقِ

97 - وَعُلَمَاءُ السَّلَفِ مِنَ السَّابِقِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالْأَثَرِ وَأَهْلِ الْفِقْهِ وَالنَّظَرِ لَا يُذْكَرُونَ إِلَّا بِالْجَمِيلِ وَمَنْ ذَكَرَهُمْ بِسُوءٍ فهو على غير السبيل

98 - وَلَا نُفَضِّلُ أَحَدًا مِنَ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَنَقُولُ: نَبِيٌّ وَاحِدٌ أفضل من جميع الأولياء (¬1) ¬

(¬1) قال في الشرح: يُشِيرُ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى الرَّدِّ عَلَى الاتحادية وجهلة المتصوفة وإلا فأهل الاستقامة يوصون بمتابعة العلم ومتابعة الشرع. فقد أوجب الله على الخلق كلهم متابعة الرسل قال تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله) [النساء: 64] وكثير من هؤلاء يظن أنه يصل برياسته (ا) واجتهاده في العبادة وتصفية نفسه إلى ما وصلت إليه الأنبياء من غير اتباع لطريقتهم ومنهم من يظن أنه قد صار أفضل من الأنبياء ومنهم من يقول إن الأنبياء والرسل إنما يأخذون العلم بالله من مشكاة خاتم الأولياء ويدعي لنفسه أنه خاتم الأولياء ويكون ذلك العلم هو حقيقة قول فرعون وهو أن هذا الوجود المشهود واجب بنفسه ليس له صانع مباين له ولكن هذا يقول: هو الله وفرعون أظهر الإنكار بالكلية لكن كان فرعون في الباطن أعرف بالله منهم فإنه كان مثبتا للصانع وهؤلاء ظنوا أن الوجود المخلوق هو الوجود الخالق كابن عربي وأمثاله وهو لما رأى أن الشرع الظاهر لا سبيل إلى تغييره - قال: النبوة ختمت ولكن الولاية لم تختم وادعى في الولاية ما هو أعظم من النبوة وما يكون للأنبياء والمرسلين وأن الأنبياء مستفيدون منها كما قال: مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي وهذا قلب للشريعة فإن الولاية ثابتة للمؤمنين المتقين كما قال تعالى: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون) [يونس: 62 - 63] : والنبوة أخص من الولاية والرسالة أخص من النبوة كما تقدم التنبيه على ذلك

99 - وَنُؤْمِنُ بِمَا جَاءَ مِنْ كَرَامَاتِهِمْ وَصَحَّ عَنِ الثقات من رواياتهم (¬1) ¬

(¬1) قلت: لقد أحسن المؤلف صنعا بتقييد ذلك بما صح من الروايات. ذلك لأن الناس وبخاصة المتأخرين منهم قد توسعوا في رواية الكرامات إلى درجة أنهم رووا باسمها الأباطيل التي لا يشك في بطلانها من له أدنى ذرة من عقل بل إن فيها أحيانا ما هو الشرك الأكبر وفي الربوبية وكتاب طبقات الأولياء للشعراني من أوسع الكتب ذكرا لمثل تلك الأباطيل التي منها قول أحد أوليائه: تركت قولي للشيء كن فيكون عشرين سنة أدبا مع الله تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا وتجد طائفة لا بأس بها من الكرامات الصحيحة عن بعض الصحابة في كتاب " رياض الصالحين " للإمام النووي (باب 253 الأحاديث 1516 - 1523 بتحقيقي) (ا)

100 - وَنُؤْمِنُ بِأَشْرَاطِ السَّاعَةِ مِنْ خُرُوجِ الدَّجَّالِ وَنُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ السَّمَاءِ (¬1) وَنُؤْمِنُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَخُرُوجِ دَابَّةِ الأرض من موضعها ¬

(¬1) قلت: والأحاديث في ذلك متواترة كما شهد بذلك كثير من الحفاظ المهرة ولي رسالة في ذلك أسميتها: " قصة المسيح الدجال ونزول عيسى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ وقتله إياه " أرجو أن ييسر الله لي تبييضها

101 - وَلَا نُصَدِّقُ كَاهِنًا وَلَا عَرَّافًا وَلَا مَنْ يَدَّعِي شَيْئًا يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَإِجْمَاعَ الْأُمَّةِ

102 - وَنَرَى الْجَمَاعَةَ (¬2) حَقًّا وَصَوَابًا وَالْفُرْقَةَ زَيْغًا وَعَذَابًا ¬

(¬2) وهي ما كان عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وأصحابه وهي الفرقة الناجية وهي طائفة أهل الحديث ومن اتبع سبيلهم من أتباع المذاهب وغيرهم

103 - وَدِينُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَاحِدٌ وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) [آلِ عِمْرَانَ: 19] وَقَالَ تَعَالَى: (ورضيت لكم الإسلام دينا) [المائدة: 3] (¬1) ¬

(¬1) قال الشارح رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: فَدِينُ الْإِسْلَامِ هُوَ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وتعالى لعباده على ألسنة رسله وأصل هذا الدين وفروعه روايته عن الرسل وهو ظاهر غاية الظهور يمكن كل مميز من صغير وكبير وفصيح وأعجم وذكي وبليد أن يدخل فيه بأقصر زمان وإنه يقع الخروج منه بأسرع من ذلك من إنكار كلمة أو تكذيب أو معارضة أو كذب على الله أو ارتياب في قول الله تعالى أو رد لما أنزل أو شك فيما نفى الله عنه الشك أو غير ذلك مما في معناه فقد دل الكتاب والسنة على ظهور دين الإسلام وسهولة تعلمه وأنه يتعلمه لوافد ثم يولي في وقته واختلاف تعليم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في بعض الألفاظ بحسب من يتعلم فإن كان بعيد الوطن كضمام بن ثعلبة النجدي ووفد عبد القيس علمهم ما لم يسعهم جهله مع علمه أن دينه سيشر في الآفاق ويرسل إليهم من يفقههم في سائر ما يحتاجون إليه ومن كان قريب الوطن يمكنه الإتيان كل وقت بحيث يتعلم على التدريج أو كان قد علم فيه أنه قد عرف ما لا بد منه أجابه بحسب حاله وحاجته على ما تدل قرينة حال السائل كقوله: (قل آمنت بالله ثم استقم) وأما من شرع دينا لم يأذن به الله فمعلوم أن أصوله المستلزمة له لا يجوز أن تكون منقولة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ولا عن غيره من المرسلين إذ هو باطل وملزوم الباطل باطل كما أن لازم الحق حق

104 - وهو بين الغلو والتقصير وَبَيْنَ التَّشْبِيهِ وَالتَّعْطِيلِ وَبَيْنَ الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ وَبَيْنَ الأمن والإياس

105 - فَهَذَا دِينُنَا وَاعْتِقَادُنَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَنَحْنُ بَرَاءٌ إلى الله مِنْ كُلِّ مَنْ خَالَفَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَبَيَّنَّاهُ وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُثَبِّتَنَا عَلَى الْإِيمَانِ وَيَخْتِمَ لَنَا بِهِ وَيَعْصِمَنَا مِنَ الْأَهْوَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ وَالْآرَاءِ الْمُتَفَرِّقَةِ وَالْمَذَاهِبِ الرَّدِيَّةِ مِثْلِ الْمُشَبِّهَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَالْجَبْرِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ (¬1) مِنَ الَّذِينَ خَالَفُوا السنة والجماعة وحالفوا الضلالة ونحن منهم ¬

(¬1) قلت: كالمقلدة الذين جعلوا التقليد دينا واجبا على كل من جاء بعد القرن الرابع الهجري وأعرضوا بسبب ذلك عن الاهتداء بنور الكتاب والسنة واتهموا كل من حاول الخلاص من الجمود المذهبي إلى التمسك بهدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بما شاءت لهم أهواؤهم ورحم الله إمام السنة إذا يقول: دين النبي محمد أخبار نعمت المطية للفتى آثار لا ترغبن عن الحديث وآله ... فالرأي ليل والحديث نهار ولربما جهل الفتى أثر الهدى ... والشمس بازغة لها أنوار

وتمت المقابلة بالأصل

بَرَاءٌ وَهُمْ عِنْدَنَا ضُلَّالٌ وَأَرْدِيَاءُ (¬1) وَبِاللَّهِ الْعِصْمَةُ والتوفيق ¬

(¬1) بعد هذا في المخطوطة (أ) : " والله سبحانه وتعالى الهادي للحق. وهذا آخر ما أردنا وإليه أشرنا والحمد لله رب العلمين ". وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم دمشق صباح السبت 19 جمادى الأولى سنة 1394 هجرية انتهى تبييضه (ا) يوم الاثنين 5 جمادى الآخرة سنة 1394 هجرية وكتبه عبد المصور بن محمد ناصر الدين الألباني وتمت المقابلة بالأصل وهو بيدي في اليوم التالي بعده. وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين محمد ناصر الدين الألباني

§1/1