ما له حكم الرفع من أقوال الصحابة وأفعالهم

محمد بن مطر الزهراني

مقدمة

مَا لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ مِنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَأَفْعَالِهِمْ جمع وترتيب: د. محمَّد بن مطر الزهرانيّ المقدّمة: الحمد لله والصَّلاة والسَّلام على رسول الله سيّدنا محمَّد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: فإنَّ فنَّ علوم الحديث بفنونه المختلفة من العلوم التي ابتكرت لخدمة سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وذبِّ الكذب عنها. وقد بذل السَّلف رحمهم الله جهوداً عظيمة في حفظ السُّنَّة المطهَّرة قولاً وعملاً، وقد تمثّل ذلك في الآتي: 1 - الحفظ التَّامّ لألفاظها وحروفها. 2 - التَّثبُّت في روايتها ونقلها. 3 - العلم والعمل بها. 4 - الفقه فيها. 5 - السَّعي الجادّ لنشرها وتعليمها لجميع الأمَّة حفظاً للدّين وتبليغاً للرسالة. وإنَّ مما عني به علماء الحديث في علوم الحديث: صيغَ أداء رواية الحديث النَّبويّ وطريقةَ نقله، وقد بلغ بهم التّدقيق في ذلك أن فرَّقوا بين قول الراوي: " حدّثنا "،

وقوله: " أخبرنا "، بل وبين قوله: " حدّثنا " و " حدّثني " و " أخبرنا " و " أخبرني ". ومما اعتنوا به في هذا المجال: مراتب وصيغ نقل الصَّحابة للسُّنَّة، وقد لخّصها الحافظ مجد الدين أبو السعادات ابن الأثير (ت 606 هـ) وذلك في مقدّمة كتابه " جامع الأصول " فقال: مراتب الأخبار خمس: الأولى: وهي أعلاها: أن يقول الصحابيُّ: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا "، أو " حدّثني بكذا "، أو " أخبرني بكذا "، أو " شافهني بكذا "، وكذلك غير الصَّحابيّ من الرواة عمَّن رووا عنه، فهذا لا يتطرّق إليه احتمال، وهو الأصل في الرواية وتبليغ الأخبار. المرتبة الثانية: أن يقول الصحابيّ: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا "، أو " حدّثنا، أو أخبرنا بكذا "، وكذلك غير الصحابيّ عن شيخه، فهذا ظاهره النّقل وليس نصاًّ صريحاً. المرتبة الثالثة: أن يقول الراوي: " أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم

بكذا "، أو " نهى عن كذا "، فهذا يتطرّق إليه احتمالات ثلاثة: أحدها: في سماعه. والثاني: في الأمر، إذ ربّما يرى ما ليس بأمرٍ أمراً، والصحيح أنَّه لا يظنّ بالصحابيّ إطلاق ذلك إذا علم تحقيقاً أنَّه أمر بذلك. والثالث: احتمال العموم والخصوص، حتى ظنّ قوم إنَّ مطلق هذا يقتضي أمر جميع الأمة ... المرتبة الرابعة: أن يقول الراوي: " أُمرنا بكذا، نُهينا عن كذا، أُوجِب علينا كذا، أُبيح لنا كذا، حُظر علينا كذا، من السُّنَّة كذا، السُّنَّة جارية بكذا "، فهذا جميعه في حكم واحد، ويتطرّق إليه الاحتمالات الثلاثة التي تطرّقت إلى المرتبة الثالثة، واحتمال رابع: وهو الآمر، فإنَّه لا يُدرى أنَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره من العلماء، وذهب الأكثرون إلى أنَّه لا يحمل إلا على أمر الله، وأمر رسوله، لأنَّه يريد به إثبات شرع وإقامة حجّة.

المرتبة الخامسة: أن يقول الراوي: " كنا نفعل كذا "، وغرضه تعريف الشرع، فإنَّ ظاهره يقتضي إنَّ جميع الصحابة فعلوا ذلك على عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم على وجه ظهر للنبيّ صلى الله عليه وسلم ولم ينكره، لأنَّ تعريف الحكم يقع به. فإن قال: " كانوا يفعلون كذا " وأضافه إلى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو دليل على جواز الفعل لإنَّ ذكره في معرض الحجّة يدلّ على أنَّه أراد ما فعله الرسول أو سكت عليه دون ما لم يبلغه. 1 وقد ضمّنتُ بحثي هذا الرتبتين: الرابعة والخامسة مما ذكره ابن الأثير رحمه الله، ثمّ أضفتُ إليها ما شاكلها من الصيغ التي تعدّ من المرفوع حكماً، فجاء البحث في خمسة مباحث، قدّمت لها بهذه المقدِّمة وختمتها بذكر أهمِّ النتائج التي توصّلت إليها في البحث.

_ 1 ملخّصاً من مقدّمة جامع الأصول: (1 / 90-97) .

والخمسة مباحث هي: المبحث الأوّل: قول الصحابيّ: " كنّا نقول كذا "، أو " نفعل كذا "، أو " نرى كذا ". المبحث الثاني:قول الصحابيّ:" أُمِرنا بكذا "، أو " نُهِينا عن كذا "، أو " من السُّنَّة كذا ". المبحث الثالث:قول التابعيّ عند ذكر الصحابيّ:" يبلغ به "، أو " يرفعه "، أو " رفعه "، أو " ينميه "، أو " رواية ". المبحث الرابع:ما وقف على الصحابيّ مما ليس للرأي فيه مجال. المبحث الخامس:تفسير الصحابيّ للقرآن. وختاماً أسأل الله العليّ القدير أن يتقبَّل منِّي عملي هذا، وأن ينفعني به وينفع به إخواني من طلبة العلم، وصلى الله وسلّم على نبينا محمَّدٍ وعلى آله. وكتبه في:29 / 7 / 1418 هـ محمَّد بن مطر الزهرانيّ في المدينة النبويّة حرسها الله

المبحث الأول: قول الصحابي: كنا نقول كذا أو نفعل كذا أو نرى كذا

المبحث الأوّل: قول الصحابيّ:" كنّا نقول كذا "، أو " نفعل كذا "، أو " نرى كذا ". أولاً: هذه الألفاظ غالباً ما ترد بإحدى الصياغتين التاليتين: أ - كنا نقول كذا أو نفعل كذا، أو كانوا يقولون أو يفعلون، أو كنا نرى كذا أو لا نرى بأساً بكذا ونحو ذلك، في حياة النبيّ صلى الله عليه وسلم، أو في زمنه أو عصره أو وهو فينا أو بين أظهرنا ونحو ذلك. ب - كنا نقول أو نفعل أو نرى ... ولا يضيف ذلك إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم 1.

_ 1 انظر معرفة علوم الحديث لحاكم: (ص: 22) ، الكفاية للخطيب: (ص: 593) ، مقدّمة جامع الأصول لابن الأثير: (1/95) ، علوم الحديث لابن الصلاح: (ص: 43) .

ثانياً: من أمثلته: 1 - ما رواه الإمام أبو عبد الله محمَّد بن إسماعيل البخاريّ (ت 256 هـ) ، في " صحيحه " عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:" كنّا إذا صعدنا كبّرنا، وإذا نزلنا سبّحنا " 1. 2 - ما رواه البخاريّ، ومسلم بن الحجّاج (ت 261 هـ) في " صحيحيهما " عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما:" كنّا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم". وفي رواية: " كنّا نعزل والقرآن ينزل " 2. 3 - ما رواه أبو داود سليمان بن الأشعث (ت 275 هـ) في سننه عن سالم بن عبد الله بن عمر

_ 1 كتاب الجهاد، باب التسبيح إذا هبط وادياً (الصحيح مع الفتح 6 / 135 ح2993) . 2 كتاب النكاح، باب العزل (الصحيح مع الفتح 9 / 305 ح 5207، 5208) ، وفي صحيح مسلم: كتاب النكاح، باب حكم العزل (2 / 1061-1065 ح 136-138) .

إنَّ ابن عمر قال:" كنّا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حيٌّ: أفضل أمَّة النبيّ صلى الله عليه وسلم بعده أبو بكر، ثمّ عمر، ثمّ عثمان رضي الله عنهم أجمعين " 1. ولفظه في البخاريّ:" كنّا نخيّر بين النّاس في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم فنخيّر أبا بكر، ثمّ عمر بن الخطاب، ثمّ عثمان بن عفان رضي الله عنهم " 2. ثالثاً: اختلف العلماء في الحديث الوارد بهذه الصّيغة هل له حكم الرّفع أم أنَّه موقوف؟ وذلك على أقوال 3: الأول:- أنَّه مرفوع مطلقاً، أضيف إلى زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم

_ 1 كتاب السنّة، باب في التّفضيل، سنن أبي داود: (5 / 26 ح 4628) . 2 فضائل الصحابة، باب فضل أبي بكر (الصحيح مع الفتح 7 / 16 ح3655) . 3 انظر هذه الأقوال في: علوم الحديث لابن الصّلاح (ص: 43) ، النكت لابن حجر (2 / 515) ، فتح المغيث للسخاويّ (1 / 135) .

أم لم يضف. قال الحافظ ابن حجر:" هو الذي اعتمده الشيخان في صحيحهما، وأكثر منه البخاريّ " 1. وقال أبو عبد الله محمَّد بن عبد الله الحاكم (ت 405 هـ) :" ... إذا قاله الصحابيّ المعروف بالصحبة فهو حديث مسند - مرفوع -، وكلّ ذلك مخرّج في المسانيد " 2. وقال أبو زكريا محي الدين بن شرف النوويّ (ت 676 هـ) :" وظاهر استعمال كثير من المحدّثين، وأصحابنا في كتب الفقه أنَّه مرفوع مطلقاً سواء أضافه أو لم يضفه، وهذا قويّ فإنَّ الظاهر من قوله: كنّا نفعل، أو كانوا يفعلون الاحتجاج به، وأنَّه فعل على وجه يحتجّ به،

_ 1 النكت (2 / 515) . 2 معرفة علوم الحديث (ص: 22) .

ولا يكون ذلك إلا في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم ويبلغه " 1. قال الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقيّ (ت 806 هـ) :" وقد أطلق الحاكم في " علوم الحديث " 2 الحكم برفعه ولم يقيّده بإضافته إلى زمنه صلى الله عليه وسلم، وكذا أطلقه الإمام فخر الدين الرازيّ في " المحصول " 3، والسيف الآمديّ في " الإحكام " 4، وقال أبو نصر الصبَّاغ في كتاب " العدّة ":أنَّه ظاهر، ومثّله بقول عائشة رضي الله عنها: كانت اليد لا تقطع في الشيء التافه " 5. الثاني:- التفريق بين ما يضيفه راويه إلى زمن

_ 1 المجموع شرح المهذّب (1 / 60) . 2 ص: 22. 3 المحصول (4 / 449) . 4 الإحكام (2 / 140) . 5 التقييد والإيضاح للعراقيّ (ص: 52) .

النبيّ صلى الله عليه وسلم وما لم يضفه، فما أضيف إلى زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم فهو مرفوع، وما لم يضف فهو موقوف. قال أبو بكر أحمد بن عليّ الخطيب البغداديّ (ت 463 هـ) :" قول الصحابيّ:كنّا نقول كذا، ونفعل كذا، من ألفاظ التّكثير ومما يفيد تكرار الفعل والقول واستمرارهم عليه، فمتى أضاف ذلك إلى زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم على وجه كان يعلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينكره، وجب القضاء بكونه شرعاً، وقام إقراره له مقام نطقه بالأمر به، ويبعد فيما كان يتكرّر قول الصحابة له وفعلهم إياه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخفى عليه وقوعه ولا يعلم به، ولا يجوز في صفة الصحابيّ أن يعلم إنكاراً من النبيّ صلى الله عليه وسلم في ذلك فلا يرويه، لأنَّ الشرع والحجّة في إنكاره لا في فعلهم لما ينكره، ولا يمكن في صفته رواية الفعل الذي ليس بشرع وتركه رواية إنكاره له الذي هو الشرع، فوجب أن يكون المتكرّر في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم مع إقراره شرعاً ثابتاً لما قلناه ".

ثمّ ساق بإسناده إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كنّا لا نرى بكراء الأرض بأساً حتى حدّثنا رافع ابن خديج إنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض، فكان ابن عمر يقول: لقد نهى ابن خديج عن أمرٍ نافعٍ لنا 1. فجمع ابن عمر بين ما كانوا عليه من فعل الاستكراء وبين حديث رافع بن خديج، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في النهي عنه ... " 2. ثمّ قال رحمه الله:" ومتى جاءت رواية عن الصَّحابة بأنّهم كانوا يقولون أو يفعلون شيئاً، ولم يكن في الرواية ما يقتضي إضافة وقوع ذلك إلى زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم، لم يكن

_ 1 انظر: صحيح الإمام البخاريّ مع الفتح: (5 / 22 ح 2339 - 2344) كتاب الحرث والمزارعة، باب ما كان من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم يواسي بعضهم بعضاً في الزراعة والثمر. وصحيح مسلم كتاب البيوع، باب كراء الأرض، (3 / 1176) ح 108، 109) . 2 الكفاية للخطيب: (ص594-595) .

حجّة " 1. وتابع الخطيب على ذلك أبو عمرو بن الصّلاح (ت 643 هـ) ، فقال:" قول الصحابيّ: كنّا نفعل كذا أو كنّا نقول كذا، إن لم يضفه إلى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من قبيل الموقوف " 2. وقال أبو المظفّر منصور بن محمَّد السمعانيّ (ت 489 هـ) :" وإذا قال الصحابيّ:كنّا نفعل كذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو بمنزلة المسند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ". ثمّ قال في ردّه على الذين قالوا: أنَّه ليس بمنزلة المسند:" … وأما نحن فنقول: إنَّ الظاهر من أمر الصَّحابة أنّهم ما كانوا يقدمون على شيء من أمور الدين والنبيّ صلى الله عليه وسلم بين

_ 1 المصدر نفسه في الموضع نفسه. 2 علوم الحديث (ص: 43) . وقد علّل رحمه الله ترجيحه لهذا القول فقال: ... لأنَّ ظاهر ذلك مشعر بإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اطّلع على ذلك وقرّرهم عليه، وتقريره أحد وجوه السنن المرفوعة.

أظهرهم إلا عن أمره وإذنه فصار قولهم: كنّا نفعل كذا في زمان النبيّ صلى الله عليه وسلم بمنزلة المسند، لهذا الظاهر، والظاهر حجّة " 1. وقد ذكر مثل ذلك بحروفه الحافظ أبو إسحاق إبراهيم ابن عليّ الشيرازيّ (ت 476 هـ) في كتابه " التبصرة في أصول الفقه " 2. وقال الحافظ محي الدين يحيى بن شرف النوويّ (ت 676 هـ) :" وقال الجمهور من المحدّثين وأصحاب الفقه والأصول: إن لم يضفه إلى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس بمرفوع بل هو موقوف، وإن أضافه فقال: كنّا نفعل في حياة النبيّ صلى الله عليه وسلم أو في زمنه أو وهو فينا أو بين أظهرنا أو نحو ذلك، فهو مرفوع، وهذا هو المذهب الصحيح الظاهر،

_ 1 قواطع الأدلّة في أصول الفقه (ص: 825 - 826) ، رسالة دكتوراه مطبوعة على الآلة. 2 ص: 333، طبعة دار الفكر بدمشق.

فإنَّه إذا فعل في زمنه صلى الله عليه وسلم فالظاهر اطّلاعه عليه، وتقريره إياه صلى الله عليه وسلم، وذلك مرفوع " 1. وقال الحافظ ابن حجر (ت 852 هـ) :" ومثال المرفوع من القول حكماً لا تصريحاً أن يقول الصحابيّ: كنّا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فله حكم ما لو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو مرفوع سواء كان مما سمعه منه أو عنه بواسطة ... "، ثمّ قال:" ومثال المرفوع من التّقرير حكماً: أن يخبر الصحابيّ أنّهم كانوا يفعلون في زمان النبيّ صلى الله عليه وسلم كذا، فإنَّه يكون له حكم الرّفع من جهة أنَّ الظّاهر اطّلاعه صلى الله عليه وسلم على ذلك، لتوفّر دواعيهم على سؤاله عن أمور دينهم، ولإنَّ ذلك زمان نزول الوحي فلا يقع من الصحابة فعل شيء ويستمرّون عليه إلا وهو غير ممنوع الفعل، وقد استدلّ جابر وأبو سعيد الخدريّ رضي الله عنهما على جواز العزل بأنّهم كانوا

_ 1 شرح صحيح مسلم (1 / 30) .

يفعلونه والقرآن ينزل، ولو كان مما ينهى عنه لنهى عنه القرآن " 1. وذهب إلى كونه مرفوعاً يحتجّ به الحافظ محمَّد بن أحمد الفتوحي الحنبليّ (ت 972 هـ) فقال:" إنَّ حكم ذلك حكم قول الصحابي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... "2. الثالث:- أنَّه من قبيل الموقوف مطلقاً أضيف أو لم يضف إلى زمنه صلى الله عليه وسلم وقد جزم بهذا القول الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيليّ (ت 371 هـ) فيما رواه عنه تلميذه الحافظ أبو بكر أحمد بن محمَّد بن غالب الخوارزميّ البرقانيّ (ت 425 هـ) 3. قال السيوطيّ (ت 911 هـ) :" وهو بعيد

_ 1 نزهة النّظر (ص: 53 - 54) ، وحديثا جابر وأبي سعيد سبق تخريجهما. 2 انظر: شرح الكوكب المنير (2 / 484) . 3 انظر: علوم الحديث لابن الصّلاح (ص: 43) ، مقدّمة النوويّ لشرح صحيح مسلم (1 / 30) .

جداًّ " 1. الرابع:- التفصيل فيما جاء بهذه الصيغة وأضيف إلى زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم، بين أن يكون ذلك الفعل مما لا يخفى غالباً فيكون مرفوعاً أو يخفى فيكون موقوفاً 2. قال أبو المظفّر منصور بن محمَّد السمعانيّ التّيميّ (ت 489 هـ) :" ... وإذا قال الصحابيّ:كانوا يفعلون كذا ... ، فإن أضافه إلى عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وكان مما لا يخفى مثله: حُمِل على إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم وصار شرعاً، وإن كان مثله يخفى؛ فإن تكرّر منهم وكثر حمل على إقراره؛ لأنَّ الأغلب فيما كثر منهم أنَّه لا يخفى عليه، كما روي عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه أنَّه قال:" كنّا نخرج صدقة الفطر في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من برّ

_ 1 تدريب الراوي (1 / 205) ، طبعة مكتبة الكوثر. 2 انظر النكت لابن حجر (2 / 516) ، طبعة المجلس العلميّ بالجامعة الإسلاميّة.

أو صاعاً من شعير أو صاعاً من تمر ... " 1 الحديث. ثمّ قال:" وعلى هذا إذا أخرج الراوي الرواية مخرج التكثير بأن قال:كانوا يفعلون كذا، حملت الرواية على علمه وإقراره، فصار المنقول شرعاً، وإن تجرّد عن لفظ التّكثير كقوله: فعلوا كذا، فهو محتمل، ولا يثبت شرع باحتمال"2. قال الحافظ النوويّ عند ذكر الخلاف في هذه الصيغة: " قال أبو إسحاق الشيرازيّ في " اللمع ":إن كان ذلك مما لا يخفى في العادة كان كما لو رآه النبيّ صلى الله عليه وسلم ولم ينكره، فيكون مرفوعاً؛ وإن جاز خفاؤه عليه صلى الله عليه وسلم لم يكن مرفوعاً

_ 1 رواه البخاريّ في كتاب الزكاة - باب زكاة الفطر صاعاً من طعام (الصحيح مع الفتح 3 / 371 ح 1506) ، ورواه مسلم في كتاب الزكاة - باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير (2 / 677 ح 17) . 2 قواطع الأدلّة في أصول الفقه (ص: 593) ، رسالة دكتوراه مصوّرة بتحقيق د. عبد الله بان حافظ الحكميّ.

كقول بعض الأنصار:كنّا نجامع فنكسل ولا نغتسل، فهذا لا يدلّ على عدم وجوب الغسل من الإكسال لأنَّه يفعل سراًّ فيخفى " 1. الخامس:- إن أورده الصحابيّ في معرض الحجّة حمل على الرفع، وإلا فموقوف؛ قال الحافظ ابن حجر:" حكاه القرطبيّ " 2.

_ 1 مقدّمة المجموع شرح المهذّب (1 / 60) ، وينظر: اللمع (ص: 201 - 202) . وحديث: كنّا نجامع فنكسل ... الخ، رواه الإمام أحمد في المسند (5 / 115) ، والطبرانيّ في الكبير (5 / 35 ح 4537) ، وذكره الهيثميّ في المجمع (1 / 266) بسياق فيه قصّة بين عمر وزيد بن ثابت رضي الله عنهما، ثمّ قال: " رواه أحمد والطّبرانيّ في " الكبير "، ورجال أحمد ثقات إلا إنَّ ابن إسحاق مدلّس وهو ثقة ". قلت: إطلاق التوثيق لابن إسحاق في غير السير والمغازي فيه نظر، والله تعالى أعلم. 2 النكت (2 / 516) .

تنبيهات: هذه التنبيهات ذكرها الحافظ ابن حجر في كتاب " النكت على كتاب ابن الصّلاح " 1. وجعلها الحافظ السخاويّ (ت 902 هـ) في " فتح المغيث " 2 أقوالاً في حكم الحديث الوارد بهذه الصّيغة، وأتبعتها بما يشاكلها من التنبيهات: الأول: قول الصحابي:" كنّا نرى كذا "، ينقدح فيها من الاحتمال أكثر مما ينقدح في قوله:" كنّا نقول أو نفعل "، لأنّها من الرأي، ومستنده قد يكون تنصيصاً أو استنباطاً. الثاني: قوله:" كان يقال كذا ". قال الحافظ المنذريّ:" اختلفوا هل يلتحق بالمرفوع أو الموقوف؟ " قال:" والجمهور على أنَّه إذا أضافه إلى

_ 1 انظر (2 / 517 - 518) . 2 انظر (1 / 138) .

زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم يكون مرفوعاً ". قال الحافظ ابن حجر: " ومما يؤيّد إنَّ حكمها الرفع مطلقاً ما رواه النسائيّ من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال:" كان يقال: صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر " 1، فإنَّ ابن ماجه رواه 2 من الوجه الذي أخرجه منه النسائيّ بلفظ:" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... "، فدلّ على أنّها عندهم من صيغ الرفع، والله أعلم ". الثالث: لا يختصّ جميع ما تقدّم بلإثبات، بل يلتحق به النّفي كقولهم:" كانوا لا يفعلون كذا "، ومنه قول عائشة رضي

_ 1 في كتاب الصيام، باب قوله: الصائم في السفر كالمفطر في الحضر (4 / 183 ح 2284) . 2 كتاب الصيام، باب ما جاء في الإفطار في السفر (1 / 532 ح 1666) ، وهو في النسائيّ أيضاً في الموضع السابق برقم (2285، 2286) .

الله عنها:" كانوا لا يقطعون اليد في الشيء التافه " 1. الرابع 2: قال الحافظ السخاويّ:" وكلّ ما أوردناه من الخلاف حيث لم يكن في القصّة اطّلاعه صلى الله عليه وسلم، أما إذا كان فيها اطلاعه كقول ابن عمر:" كنّا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حيّ: أفضل هذه الأمَّة بعد نبيِّها أبو بكر، وعمر، وعثمان، ويسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينكره " 3 فحكمه الرّفع

_ 1 رواه ابن أبي شيبة في المصنّف (9 / 476 ح 8163) كتاب الحدود - باب من قال: لا تقطع في أقلّ من عشرة دراهم. وهو في الصحيحين بلفظ: " لم تكن تقطع يد السارق في أدنى من حَجَفَةٍ أو تُرْس، كلاهما ذو ثمن. انظر الصحيح مع الفتح (12 / 96 ح 6793) كتاب الحدود - باب قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ... } وصحيح مسلم في الحدود - باب حدّ السرقة ونصابها (3 / 1312 ح 5) . 2 هذا وما بعده لم يذكره ابن حجر في التنبيهات السابقة فليتنبّه. 3 رواه الطبرانيّ في الكبير (13 / 285 ح 1313) وهو في الصحيح بدون قوله: ويسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ...

إجماعاً " 1. الخامس: ذكر أبو عبد الله الحاكم في " معرفة علوم الحديث " عن محمَّد بن سيرين، عن المغيرة بن شعبة قال:" كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرعون بابه بالأظافير ". 2 ثمّ عقّب عليه بقوله:" هذا حديث يتوهّمه من ليس من أهل الصنعة مسنداً لذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، وليس بمسند، فإنَّه موقوف على صحابيّ حكى عن أقرانه من

_ 1 فتح المغيث (1 / 139) ، وقد سبق إلى القول بهذا الإجماع الحافظ زين الدّين العراقيّ في شرح التّبصرة (1 / 128) . 2 ورواه - من حديث المغيرة بن شعبة - الحافظ البيهقيّ في المدخل (ص: 381 ح 659) . وأخرجه البخاريّ في " الأدب المفرد " من حديث أس بن مالك: (ص: 278 ح1080) طبعة المكتبة الأثريّة بباكستان تصوير من طبعة محمَّد فؤاد عبد الباقي.

الصحابة فعلاً وليس يسنده واحد منهم " 1. نقل كلام الحاكم هذا الحافظ ابن الصّلاح في " علوم الحديث " ثمّ عقّب عليه فقال:" بل هو مرفوع، وهو بأن يكون مرفوعاً أحرى، لكونه أحرى باطّلاعه صلى الله عليه وسلم، والحاكم معترف بكون ذلك من قبيل المرفوع، ولعلّه أراد أنَّه ليس بمسند لفظاً، بل هو موقوف لفظاً، وكذلك سائر ما سبق موقوف لفظاً، وإنّما جعلناه مرفوعاً من حيث المعنى، والله أعلم ". 2 وقد فسّر الحافظ ابن حجر كلام ابن الصّلاح - الأخير - فقال:" وقد حقّق المصنّف - ابن الصّلاح - المناط فيه بما حاصله: إنَّ له جهتين: جهة الفعل وهو صادر من الصحابة فيكون موقوفاً، وجهة التّقرير وهي مضافة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم من حيث إنَّ فائدة قرع بابه أنَّه يعلم

_ 1 انظر: معرفة علوم الحديث (ص 19) . 2 ملخّص بتصرّف يسير من علوم الحديث (ص: 44) .

أنَّه قرع، ومن لازم علمه بكونه قرع مع عدم إنكاره ذلك على فاعله، التقرير على ذلك الفعل، فيكون مرفوعاً " 1. السادس: قال الحافظ السيوطيّ (ت 911 هـ) بعد كلامه على حديث المغيرة في القرع بالأظافر الآنف الذكر:" ومن المرفوع أيضاً اتفاقاً الأحاديث التي فيها ذكر صفة النبيّ صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك " 2. السابع: قال الحافظ العراقيّ:" إذا قال التابعيّ:كنّا نفعل كذا فليس بمرفوع قطعاً، وهل هو موقوف؟ لا يخلو إما أن يضيفه إلى زمن الصحابة أم لا، فإن لم يضفه إلى زمنهم فليس بموقوف أيضاً بل هو مقطوع، وإن أضافه إلى

_ 1 انظر: النكت لابن حجر (2 / 519) . 2 تدريب الراوي (1 / 207) ، طبعة مكتبة الكوثر.

زمنهم فيحتمل أن يقال: أنَّه موقوف، لأنَّ ظاهره اطّلاعهم على ذلك وتقريرهم، ويحتمل أن يقال: ليس بموقوف أيضاً لأنَّ تقرير الصحابيّ قد لا ينسب إليه بخلاف تقرير النبيّ صلى الله عليه وسلم فإنَّه أحد وجوه السنن " 1.

_ 1 التقييد والإيضاح (ص: 54) .

المبحث الثاني: قول الصحابي: أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا أو من السنة كذا

المبحث الثاني: قول الصحابيّ:" أُمِرنا بكذا "، أو " نُهِينا عن كذا "، أو " من السُّنَّة كذا ". أولاً:- وقع الخلاف في حكم الحديث الوارد بهذه الصيغة كما وقع الخلاف في التي قبلها. ومحصّل الأقوال فيها قولان مشهوران لأهل العلم 1: الأول:إنَّ الحديث الوارد بهذه الصيغة له حكم الرفع وبهذا قال جماهير العلماء من المحدّثين والفقهاء وغيرهم. والثاني: إنَّ له حكم الوقف. ثانياً:- من أمثلة ذلك: 1 - ما رواه البخاريّ في كتاب الصلاة، باب وجوب الصلاة في الثياب، ومسلم في صلاة العيدين،

_ 1 عن هذه المسألة راجع: الكفاية للخطيب البغداديّ (ص: 591 - 592) ، علوم الحديث لابن الصلاح (ص: 45) ، تدريب الراوي (1 / 208) ، فتح المغيث للسخاويّ (1 / 127) وغيرها.

باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى الصَّلاة من حديث أمّ عطيّة:" أُمِرنا أن نخرج إلى العيدين العواتق وذوات الخدور ". 2 - ما رواه البخاريّ في الجنائز، باب اتباع النساء الجنائز، ومسلم في الجنائز، باب نهي النساء عن اتباع الجنائز، من حديث أمّ عطيّة - أيضاً -:" نُهِينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا ". 3 - ما رواه البخاريّ في الحجّ، باب الجمع بين الصّلاتين بعرفة من طريق الزهريّ عن سالم بن عبد الله بن عمر:" إنَّ الحجّاج بن يوسف سأل عبد الله بن عمر رضي الله عنه كيف يصنع في الموقف يوم عرفة؟ فقال سالم: إن كنت تريد السنّة فهجّر بالصلاة يوم عرفة، فقال عبد الله بن عمر صدق ... الحديث ". ثالثاً:- فيما يأتي أقوال أهل العلم في حكم الحديث الوارد بهذه الصيغة: 1 - قال أبو عبد الله محمَّد بن عبد الله بن البيّع

الحاكم النيسابوريّ (ت 405 هـ) :" قول الصحابيّ المعروف بالصحبة:أُمِرنا أن نفعل كذا، أو نُهِينا عن كذا وكذا، وكنّا نؤمر بكذا، وكنّا ننهى عن كذا ... ، وقول الصحابيّ أيضاً: من السنّة كذا، وأشباه ما ذكرناه، إذا قاله الصحابيّ المعروف بالصحبة فهو حديث مسند - مرفوع -، وكلّ ذلك مخرّج في المسانيد " 1. وقال في " المستدرك ":" أجمعوا على إنَّ قول الصحابيّ: من السنّة كذا حديث مسند - مرفوع -" 2. قال الخطيب البغداديّ (ت 463 هـ) :" باب في حكم قول الصحابيّ:أُمِرنا بكذا أو نُهِينا عن كذا، أو من السنّة كذا، هل يجب حمله على أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ونهيه أو يجوز كونه أمراً ونهياً له ولغيره؟ " 3.

_ 1 معرفة علوم الحديث (ص: 22) . 2 كتاب الجنائز (1 / 358) . 3 انظر الكفاية (ص: 591 - 593) .

ثمّ ساق رحمه الله بأسانيده الأمثلة الآتية: 1 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:" أمرنا - أو قال: نهينا - ألا نزيد أهل الكتاب على وعليكم " 1. 2 - وعن أنس - أيضاً -:" نهينا أن يبيع حاضرٌ لبادٍ " 2. 3 - عن عبد الله بن مسعود قال:" من السنّة الغسل يوم الجمعة " 3.

_ 1 رواه الإمام أحمد في المسند (3 / 113) ، وهو في الصحيحين مصرّحاً برفعه. 2 رواه البخاريّ في البيوع - باب لا يشتري حاضر لباد بالسمسرة، (الصحيح مع الفتح 4 / 372 ح 2161) . ورواه مسلم في البيوع - باب تحريم بيع الحاضر للباد (3 / 1157 ح 21) ، وقد جاء مصرّحاً فيه بالرفع في الكتابين في مواضع أخرى منهما. 3 رواه أبو داود الطيالسيّ في المسند (1 / 51 ح 391) ، وابن أبي شيبة في المصنّف (2 / 96) .

ثمّ قال:" قال أكثر أهل العلم: يجب الوقف في ذلك لأنَّه لا يؤمن أن يعني بذلك أمر الأئمّة والعلماء، كما يعني بذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم 1، والقول الأول أولى بالصواب. والدليل على ذلك أنَّ الصحابيّ إذا قال: أمرنا بكذا فإنّما يقصد الاحتجاج لإثبات شرع، وتحليل وتحريم،

_ 1 أجاب الحافظ ابن حجر عن هذا الاحتمال وغيره من الاحتمالات الأخرى التي ذكرها أصحاب هذا القول، فقال رحمه الله في النكت (2 / 520) : " وأجييب بأنَّ هذه الاحتمالات بعيدة، لأنَّ أمر الكتاب ظاهر للكلّ فلا يختصّ بمعرفته واحد دون غيره، وعلى تقدير التنزّل فهو مرفوع، أنَّ الصحابيّ وغيره إنّما تلقّوه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأمر الأمَّة لا يمكن الحمل عليه لأنّهم لا يأمرون أنفسهم، وبعض الأئمّة إن أراد الصحابة فبعيد؛ لأنَّ قوله ليس بحجّة على غيره منهم، وإن أراد الخلفاء فكذلك، لأنَّ الصحابيّ في مقام تعريف الشرع بهذا الكلام، فيجب حمله على من صدر عنه الشرع. وأما حمله على القياس والاستنباط فبعيد؛ لأنَّ قوله: أمرنا بكذا يفهم منه حقيقة الأمر لا خصوص الأمر باتباع القياس.

وحكم يجب كونه مشروعاً، وقد ثبت أنَّه لا يجب بأمر الأئمّة والعلماء تحليل ولا تحريم، إذا لم يكن ذلك أمراً عن الله ورسوله … " إلى أن قال:" وإذا كان كذلك لم يجز أن يقول الصحابيّ:أُمِرنا بكذا، أو نُهِينا عن كذا ليخبر بإثبات شرع ولزوم حكم في الدين، وهو يريد أمر غير الرسول صلى الله عليه وسلم ". ثمّ قال:" وهذه الدلالة بعينها توجب حمل قوله: من السنّة كذا على أنّها سنّة الرسول صلى الله عليه وسلم ". ثمّ قال:" فإن قيل: هل تفصلون بين قول الصحابيّ ذلك في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم وبين قوله ذلك بعد وفاته؟ قيل: لا، لأنا لا نعرف أحداً فصل بين ذلك " 1. 3 - وقال أبو عمر ابن عبد البرّ عقب قول سالم بن عبد الله بن عمر للحجاج:" إن كنت تريد السنة فهجّر

_ 1 الكفاية (ص: 591 - 592) ملخصاً.

بالصلاة يوم عرفة ... " الحديث 1:" وهذا الحديث يدخل عندهم في المسند لقوله فيه:" إن كنت تريد السنّة " لا يختلفون في ذلك، لأنَّه إذا أطلق الصاحب ذكر السنّة فالمراد سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك إذا أطلقها غيره ما لم تضف إلى صاحبها كقولهم:" سنّة العمرين " وما أشبه ذلك " 2. 4 - وقال أبو المظفّر منصور بن محمَّد السمعانيّ (ت 489 هـ) : ... فإن قال الصحابيّ: أُمِرنا بكذا، أو نُهِينا عن كذا، أو من السنّة كذا يكون مسنداً ويكون حجّة، وقال أبو بكر محمَّد بن عبد الله الصيرفي (ت 330 هـ) :لا يكون مسنداً ولا يكون حجّة، وهو قول أبي الحسن عبيد الله بن الحسين الكرخيّ

_ 1 رواه البخاريّ في الحجّ - باب الجمع بين الصّلاتين بعرفة (الصحيح مع الفتح 3 / 513 ح 1662) . 2 تجريد التمهيد (ص: 141) .

(ت 340 هـ) من أصحاب أبي حنيفة، فهم يقولون: قد تطلق السنّة ويراد بها سنة النبيّ صلى الله عليه وسلم وقد تطلق ويراد بها سنّة غيره 1 ... ، وذكر لهم دليلين: الأول: قول عليّ رضي الله عنه:" جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر أربعين، وجلد أبو بكر رضي الله عنه أربعين، وجلد عمر رضي الله عنه أربعين، وكلّ سنّة " 2. والثاني: قوله صلى الله عليه وسلم:" عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي " 3. ثمّ أجاب على أدلّتهم بما معناه: إنَّ علياًّ رضي الله عنه أراد بالسنة سنة النبيّ صلى الله عليه وسلم، لأنَّ الزيادة عن الأربعين كانت تعزيراً، والتعزير بالضرب ثابت بالسنّة، وأما قوله:

_ 1 وانظر: شرح التبصرة والتذكرة للعراقيّ (1 / 126) . 2 رواه مسلم في الحدود - باب حد الخمر (3 / 1330 ح 38) 3 رواه الإمام أحمد في المسند (4 / 126) ، وأبو داود في السنة -باب لزوم السنة (5 / 10 ح 4607) .

" عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي "، فهي سنّة مقيّدة منسوبة إلى أبي بكر وعمر، وكلامنا في السنّة مطلقاً1، ولعلّ المراد ما أخبروكم من سنتي. ثمّ قال:" وأما دليلنا فنقول: قول الصحابيّ في الأمر والنهي:أُمِرنا بكذا، أو نُهِينا عن كذا مطلقاً يرجع إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، لأن الأصل أنَّه الآمر والناهي في الشرائع خصوصاً إذا كان الصحابيّ قال هذا في حياة النبيّ صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا قول أنس رضي الله عنه:" أُمِر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة " 2، ولهذا لو قال الصحابيّ:" رُخِّص لنا أن نفعل كذا " ينصرف إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم بالاتفاق. 3

_ 1 انظر: قواطع الأدلّة (ص: 596) ، التبصرة في أصول الفقه للشيرازيّ (ص: 332) . 2 رواه البخاريّ في الأذان - باب الأذان مثنى مثنى (الصحيح مع الفتح 2 / 82 ح 605، 606) . ورواه مسلم في الصلاة - باب الأمر بشفع الأذان وإيتار الإقامة (1 / 286 ح 2) . 3 قال في المسودة (ص: 264) : " وقال أبو الوفاء علي بن عقيل (ت 513 هـ) : لا خلاف أنَّه لو قال قائل: أرخص أو رخص في كذا لرجع إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، كذلك إذا قيل: أمرنا ونهينا لكن هذا في المسألة بعد هذه ". وقال أبو إسحاق في التبصرة في أصول الفقه (ص: 331، طبعة دار الفكر) : " إنَّ إطلاق الأمر والنهي والسنّة يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والدليل عليه إنَّ أنساً كان يقول: "أمر بلال أن يشفع الأذان ... الحديث "، لم يقل له أحد: من الآمر بذلك؟ فدلّ على إنَّ إطلاق الأمر يقتضي ما ذكرناه، ولأنَّه لا خلاف أنَّه لو قال: أرخص لنا في كذا لرجع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكذلك إذا قال: أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا، ولا فرق بينهما ".

فكذلك قول الصحابيّ:من السنّة كذا، فمطلق السنة منصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا يقال: كتاب الله تعالى وسنّة النبيّ صلى الله عليه وسلم، وإذا قيل: الكتاب والسنّة فإنّما يفهم من السنة سنة النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولأنَّ السنّة هي الطريقة المتبعة لأهل الدين، والطريقة المتبعة لأهل الدين هي المشروعة في الدين، والمشروع في الدين إنما يكون من الله

تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم فأما من غير الله ورسوله فلا ". ثمّ قال:" وأيضاً فإن غرض الصحابيّ من هذا القول أن يعلّمنا الشرع أو يفيدنا الحكم، فيجب حمل ذلك على من يصدر الشرع منه دون الأئمّة والولاة، لإنَّ أمرهم غير مؤثر في الشرع، وهذا راجع إلى الدليل الذي قدمناه فيكون تقريراً له ".1 اهـ ملخّصاً وقال رحمه الله في موضع آخر:" وأما مذهب الشافعيّ إنَّ مطلق السنة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإضافتها إلى غيره مجاز لاقتدائه فيها بسنة النبيّ صلى الله عليه وسلم، فوجب أن يحمل الإطلاق على حقيقته دون مجازه " 2. وقال ابن الأثير:" وأما قوله: من السنة كذا، والسنة جارية بكذا، فالظاهر أنَّه لا يريد إلا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن يجب اتباعه دون غيره ممن لا تجب طاعته، ولا فرق

_ 1 انظر: قواطع الأدلّة في أصول الفقه (ص: 821 - 824) . 2 المصدر نفسه (ص: 595-596) .

أن يقول الصحابيّ ذلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بعد وفاته " 1. 5 - قال الحافظ أبو عمرو بن الصلاح (ت 643 هـ) :" قول الصحابيّ: أمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا من نوع المسند المرفوع عند أصحاب الحديث وهو قول أكثر أهل العلم، وخالف في ذلك فريق منهم أبو بكر الإسماعيليّ ". 2 ثمّ قال:" والأول هو الصحيح لأنَّ مطلق ذلك ينصرف بظاهره إلى من له الأمر والنهي، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا قول الصحابيّ:من السنة كذا فالأصحّ 3

_ 1 مقدّمة جامع الأصول (1 / 94 - 95) . 2 قال الحافظ ابن حجر في النكت (2 / 520) : " من الفريق المذكور أبو الحسن الكرخيّ من الحنفيّة ". 3 قال الحافظ ابن حجر في النكت (2 / 523) : " ومقابل الأصح خلاف الصيرفيّ من الشافعيّة والكرخيّ والرازيّ من الحنفيّة وابن حزم الظاهريّ "

أنَّه مسند مرفوع لأنَّ الظاهر أنه لا يريد به إلا سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يجب اتباعه، وكذلك قول أنس رضي الله عنه:" أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة "، وسائر ما جانس ذلك ولا فرق بين أن يقول ذلك في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعده " 1. 6 - قال الحافظ أبو زكريا محي الدين يحيى بن شرف النوويّ (ت 676 هـ) :" إذا قال الصحابيّ:أُمِرنا بكذا، أو نُهِينا عن كذا، أو من السنّة كذا، أو مضت السنة بكذا ونحو ذلك فكلّه مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المذهب الصحيح الذي قاله الجماهير من أصحاب الفنون " ثمّ قال:" وقيل: موقوف " 2. وهذا إشارة إلى ما ذهب إليه أبو بكر إسماعيل بن

_ 1 انظر: علوم الحديث لابن الصلاح (ص: 45) . 2 مقدمة شرح صحيح مسلم للنوويّ (1 / 30) ، مقدّمة المجموع شرح المهذّب (1 / 59) .

إبراهيم الإسماعيليّ (ت 371 هـ) 1، وأبو بكر الصيرفيّ (ت 330 هـ) ، وأبو الحسن الكرخيّ (ت 340 هـ) 2. 7 - قال أبو حفص عمر بن رسلان البلقينيّ (ت 805 هـ) 3:" وأما مثل قوله: لا تلبسوا علينا سنّة نبينا كما روي عن عمرو بن العاص في عدّة أمّ الولد 4، وقوله: أصبت السنّة كما جاء بإسناد صحّحه الدارقطنيّ في " سننه " 5 عن عقبة بن عامر في المسح على

_ 1 انظر: شرح التبصرة والتذكرة للعراقيّ (1 / 126 - 127) . 2 انظر: قواطع الأدلّة في أصول الفقه (ص 594، 822) . 3 محاسن الاصطلاح المطبوع بحاشية علوم الحديث لابن الصلاح (ص: 199) . 4 رواه أبو داود في سننه - كتاب الطّلاق - باب في عدّة أمّ الولد (2 / 730 ح 2308) . 5 كتاب الطهارة - باب الرخصة في المسح على الخفّين (1 / 196 ح 1

الخفين - وإن كان فيه علّة نبَّه عليها الدارقطنيّ في " علله " 1 -، وقوله:سنة أبي القاسم، كما في حديث ابن عباس في متعة الحجّ 2، فهذه الألفاظ في حكم قوله: من السنّة ... ، وبعضها أقرب من بعض، وأقربها للرفع: سنَّة أبي القاسم، ويليها: لا تلبِّسوا علينا سنَّة نبيِّنا، ويلي ذلك: أصبت السنّة ". ثم قال:" ونظير حديث: أُمِر بلال حديث عائشة رضي الله عنها:فكنّا نؤمر بقضاء الصوم ... " 3.

_ 1 انظر: العلل (2 / 110 س 148 مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه. 2 رواه البخاريّ في الحجّ - باب {فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ} (الصحيح مع الفتح 3 / 533 ح 1688) . ورواه مسلم في الحجّ - باب جواز العمرة في أشهر الحجّ (2 / 909 ح204) وفي البخاريّ في الحجّ - باب التمتّع والقران والإفراد عن عليّ رضي الله عنه قال: " ما كنت لأدع سنة النبيّ صلى الله عليه وسلم لأحد ". (الصحيح مع الفتح 3 / 421 ح 1563) ، ونحوه عن ابن عباس ح 1567. 3 رواه مسلم في الحيض - باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة (1 / 265 ح 69) .

تنبيهات: وأختم هذا المبحث بتنبيهات ذكرها الحافظ ابن حجر وغيره، وهي كالتتمة والتكميل لهذا البحث: 1 - قال الحافظ ابن حجر:" لا اختصاص لذلك بقوله:" أمرنا أو نهينا "، بل يلحق به ما إذا قال:أُمِر فلان بكذا أو نُهِي فلان عن كذا، أو أُمِر أو نُهِي بلا إضافة وكذا مثل قول عائشة رضي الله عنها: كنّا نؤمر بقضاء الصّوم ... الحديث " 1، وأما إذا قال الصحابيّ:أوجب علينا كذا أو حُرِّم علينا كذا أو أبيح لنا كذا، فهو مرفوع، ويبعد تطرّق الاحتمالات المتقدّمة إليه بعداً قوياًّ جداًّ 2. 2 - إذا قال الصحابيّ:أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، أو سمعته يأمر بكذا، فهو مرفوع بلا خلاف لانتفاء

_ 1 النكت (2 / 522) . 2 المصدر نفسه.

الاحتمال المتقدم. 1 قال الحافظ زين الدين العراقيّ (ت 806 هـ) :" لا أعلم فيه خلافاً إلا ما حكاه ابن الصباغ - أبو نصر عبد السيّد بن محمَّد ت 477 هـ - في " العدّة " عن داود الظاهريّ وبعض المتكلّمين، أن لا يكون ذلك حجّة حتى ينقل لنا لفظه، وهذا ضعيف مردود ".2 قال ابن حجر:" وأجيب بإنَّ الظاهر من حال الصحابيّ مع عدالته ومعرفته بأوضاع اللغة: أنه لا يطلق ذلك إلا فيما تحقّق أنَّه أمر أو نهي من غير شكّ نفياً للتلبيس عنه بنقل ما يوجب سامعه اعتقاد الأمر والنهي فيما ليس هو بأمر ولا نهي " 3. 3 - إذا أضاف الصحابيّ السُّنَّة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فمقتضى

_ 1 المصدر نفسه. 2 شرح التبصرة والتذكرة (1 / 127) . 3 النكت (2 / 527) .

كلام الجمهور أنَّه يكون مرفوعاً قطعاً 1. 4 - قال في الكوكب المنير:" وقول الصحابيّ: أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم، أو أمرنا رسول الله بكذا، أو نهى النبيّ صلى الله عليه وسلم عن كذا، أو رخّص لنا في كذا، وقوله: جرت السنة أو مضت السنّة بكذا، أو كنّا نفعل كذا، أو نقول كذا أو نرى كذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك حُجَّة " قال الشارح:" يعني إنَّ حكم ذلك حكم قول الصحابيّ: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لكنّه في الدلالة دون ذلك لاحتمال الواسطة، أو اعتقاد ما ليس بأمر ولا نهي أمراً أو نهياً، لكن الظاهر أنَّه لم يصرّح بنقل الأمر إلا بعد جزمه بوجود حقيقته، ومعرفة الأمر مستفادة من اللغة وهم أهلها فلا تخفى عليهم، فعلى هذا يكون حجّة وهو الصحيح وعليه جماهير العلماء، وخالف في ذلك بعض المتكلّمين كالصيرفيّ، والباقلانيّ، وأبي بكر الرازي،

_ 1 المصدر نفسه (2 / 527) .

والكرخيّ، وإمام الحرمين " 1. 5 - قال ابن الأثير:" أما إذا قال:أُبِيح، وأُوجب، أو حُظِر فيقوى في جانبه ألا يكون مضافاً إلا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، لأنَّ الإيجاب والإباحة والحظر إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم دون غيره بخلاف الأمر ". 2 6 - قال الحافظ العراقيّ:" فإذا قال التابعيّ:أُمِرنا بكذا، أو نهينا عن كذا، فجزم ابن الصباغ في " العدّة في أصول الفقه " أنَّه مرسل، وذكر الغزاليّ في " المستصفى " فيه احتمالين من غير ترجيح هل يكون موقوفاً أو مرفوعاً مرسلاً؟ ... ". 3

_ 1 انظر: شرح الكوكب المنير (2 / 483 - 485) ، والمسودة (ص: 264) . 2 مقدّمة جامع الأصول (1 / 94) . 3 التقييد والإيضاح (ص: 54) .

المبحث الثالث: قول التابعي عن الصحابي: يرفع الحديث وينميه ويبلغ به ورواية

المبحث الثالث: قول التابعيّ عن الصحابيّ:" يرفع الحديث، وينميه، ويبلغ به، وروايةً ". 1 1 - من أمثلته: أ - ما رواه سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنه:" الشفاء في ثلاث: شرطة محجم، ولعقة عسل، وكيّة لنار، وأنهى أمتي عن الكيّ، رفع الحديث ". 2 ب - ما رواه أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه يبلغ به:" الناس تبع لقريش ". 3

_ 1 عن هذا النوع انظر: الكفاية للخطيب (ص: 585) ، علوم الحديث لابن الصلاح (ص: 46) ، فتح المغيث (1 / 144) 2 رواه البخاريّ في الطبّ - باب الشفاء في ثلاث (الصحيح مع الفتح 10 / 136 ح 5680) ، ورواه الإمام أحمد في المسند (1 / 246) . 3 رواه البخاريّ في الباب الأول من كتاب المناقب (الصحيح مع الفتح 6 / 525 ح 3495) .

ج - وبه عن أبي هريرة رضي الله عنه روايةً:" تقاتلون قوماً صغار الأعين ... الحديث ". 1 د - ما رواه مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه:" كان النّاس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة، قال أبو حازم: لا أعلم إلا أنَّه ينمي ذلك ". 2 2 - صيغ هذا النوع هي: يرفع الحديث، رفعه، ينميه، يبلغ به، رواية. زاد السخاويّ 3:يسنده أو يأثره 3 - ما هو السبب الحامل للراوي للعدول إلى هذه الصيغة بدلاً من التصريح؟ للعلماء في الإجابة عدّة أقوال:

_ 1 رواه البخاريّ في الجهاد - باب قتال الترك (الصحيح مع الفتح 6 / 103 ح 2928، 2929) . 2 رواه البخاريّ في الأذان - باب وضع اليمنى على اليسرى (الصحيح مع الفتح 2 / 224 ح740) . 3 انظر: فتح المغيث (1 / 144) .

الأول: قال المنذريّ عبد العظيم بن عبد القويّ (ت 656 هـ) :" يشبه أن يكون التابعيّ مع تحقّقه بإنَّ الصحابيّ رفع الحديث إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم شكّ في الصيغة بعينها، فلما لم يمكنه الجزم بما قاله له أتى بلفظ يدلّ على رفع الحديث " 1. الثاني:قال الحافظ ابن حجر:" ويحتمل أن يكون من صنع ذلك صنعه طلباً للتخفيف وإيثاراً للاختصار، ويحتمل أيضاً أن يكون شكّ في ثبوت ذلك عن النبيّ صلى الله عليه وسلم فلم يجزم بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، بل كنى عنه تحرّزاً ". 2 الثالث:قال الحافظ السخاويّ:" ويحتمل أن يكون ذلك منه ورعاً حيث علم إنَّ المرويّ بالمعنى ". 3

_ 1 انظر: النكت لابن حجر (2 / 537) . 2 المصدر نفسه. 3 فتح المغيث (1 / 144 - 145) .

رابعاً: قال الحافظ السيوطيّ:" وأما قول بعضهم: إن كان مرفوعاً فلِمَ لا يقولون فيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فجوابه: أنّهم تركوا الجزم بذلك تورّعاً واحتياطاً، ومن هذا قول أبي قلابة عن أنس: من السنّة إذا تزوّج البكر على الثّيب أقام عندها سبعاً. 1 قال أبو قلابة: لو شئت لقلت: إنَّ أنساً رفعه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، أي: لو قلت لم أكذب، لأنَّ قوله:من السنّة هذا معناه، لكن إيراده بالصيغة التي ذكرها الصحابيّ أولى ". 2

_ 1 رواه البخاريّ في النكاح - باب إذا تزوّج الثيب على البكر (الصحيح مع الفتح 9 / 314 ح 5214) . ورواه مسلم في الرضاع - باب قدر ما تستحقّه البكر والثيب من إقامة الزوج عندها عقب الزفاف (2/ 1083 ح 44) ، وفيه: قال خالد - الراوي عن أبي قلابة -: ولو قلت: أنَّه رفعه لصدقت، ولكنّه قال: السنّة كذلك. 2 تدريب الراوي (1 / 209 - 210) .

4 - حكم الحديث المرويّ بهذه الصيغة: أخرج الخطيب بإسناده إلى الأثرم أحمد بن محمَّد بن هانئ الطائيّ (ت 261 هـ) قال:" قيل لأبي عبد الله أحمد بن حنبل (ت 241 هـ) :فإذا قال: يرفع الحديث فهو عن النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ قال: فأي شيء؟! " ثمّ قال الخطيب:" كلّ هذه الألفاظ كناية عن رفع الصحابيّ الحديث، وروايته إياه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يختلف أهل العلم إنَّ الحكم في هذه الأخبار وفيما صرح برفعه سواء في وجوب القبول والتزام العمل ". 1 وقال الحافظ أبو عمرو بن الصلاح بعد أن ذكر هذه الصيغ:" فكلّ ذلك وأمثاله كناية عن رفع الصحابيّ الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحكم ذلك عند أهل العلم حكم المرفوع صريحاً ". 2

_ 1 الكفاية (ص: 586، 587) . 2 علوم الحديث (ص: 46) .

وقال الحافظ محي الدين النوويّ (ت 676 هـ) :" … وأما إذا قال التابعيّ عند ذكر الصحابيّ:يرفعه أو يبلغ به أو رواية، فكلّه مرفوع متّصل بلا خلاف ". 1 قال الحافظ ابن حجر:" ويلحق بقولي:" حكماً " ما ورد بصيغة الكناية في موضع الصيغ الصريحة بالنسبة إليه صلى الله عليه وسلم كقول التابعيّ عن الصحابيّ:يرفع الحديث أو يرويه أو ينميه أو رواية أو يبلغ به أو رواه، وقد يقتصرون على القول مع حذف القائل ويريدون به النبيّ صلى الله عليه وسلم كقول ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال: قال:" تقاتلون قوماً … الحديث "، وفي كلام الخطيب أنَّه اصطلاح خاصّ بأهل البصرة ". 2

_ 1 مقدمة شرح صحيح الإمام مسلم (1 / 31) . 2 نزهة النظر (ص: 54) . وكلام الخطيب في الكفاية (ص: 588) ، لكنّه عزاه لموسى بن هارون الحمال (ت 292 هـ) حيث قال بعد أن أورد جملة من الأحاديث كلّها عن أهل البصرة وصلها عن ابن سيرين عن أبي هريرة، قال: " قال موسى: إذا قال حماد بن زيد وأهل البصرة: قال، قال، فهو مرفوع، قلت للبرقانيّ: أحاديث ابن سيرين خاصّة، فقال: كذا تحسب، قلت: ويحقّق قول موسى هذا ما أخبرناه ابن الفضل - ثمّ ساق بإسناده إلى ابن سيرين - قال: كلّ شيء حدّثت عن أبي هريرة فهو مرفوع ".

تتمة: قال الحافظ النوويّ:" وأما إذا قال التابعيّ: من السنّة كذا، فالصحيح أنَّه موقوف، وقال بعض أصحابنا الشافعيين: أنَّه مرفوع مرسل. أما إذا قال التابعيّ:كانوا يفعلون، فلا يدلّ على فعل جميع الأمَّة، بل على بعض الأمة، فلا حجّة فيه إلا أن يصرّح بنقله عن أهل الإجماع ". 1 وقال الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين

_ 1 مقدمة شرح صحيح الإمام مسلم (1 / 31) ، وجامع الأصول (1 / 96) ، ومقدّمة المجموع شرح المهذّب (1 / 60) ، وانظر: التقييد والإيضاح (ص: 54) .

العراقيّ (ت 806 هـ) :" وإن يقل هذه الألفاظ - يرفعه، يبلغ به، روايةً ونحو ذلك - تابعيّ 1، فهو مرسل - أي: مرفوع مرسل -، فإذا قال التابعيّ: من السنّة كذا، فهل هو موقوف متّصل أو مرفوع مرسل كالذي قبله فيه وجهان لأصحاب الشافعيّ، مثاله ما رواه البيهقيّ من قول عبيد الله بن عبد الله بن عتبة:" السنّة تكبير الإمام يوم الفطر ويوم الأضحى حين يجلس على المنبر قبل الخطبة تسع تكبيرات ". 2 ثمّ قال:" والفرق بينه وبين الذي قبله إنَّ قوله: يرفع الحديث تصريح بالرفع، وأما قوله: من السنّة فكثيراً ما يعبّر به عن سنّة الخلفاء الراشدين، ويترجّح ذلك إذا قاله التابعيّ بخلاف ما إذا قال الصحابيّ، فإنَّ الظاهر أنَّ مراده

_ 1 يعني: عندما يقول تابع التابعيّ عند ذكر التابعيّ: يرفع، ينميه ونحو ذلك. 2 السنن الكبرى للبيهقيّ (3 / 299) .

سنة النبيّ صلى الله عليه وسلم ". 1 ثمّ قال:" وإذا قال التابعيّ:أُمِرنا بكذا ونحوه، فهل يكون موقوفاً أو مرفوعاً مرسلاً؟ فيه احتمالان لأبي حامد الغزاليّ ولم يرجح واحداً من الاحتمالين، وجزم ابن الصباغ في " العدّة " بأنَّه مرسل. وحكى فيما إذا قال ذلك سعيد بن المسيب هل يكون حجّة؟ وجهين، والله أعلم ". 2 قال السخاويّ:" … نعم ألحق الشافعيّ رحمه الله بالصحابة سعيد بن المسيب في: من السنّة … وكذا قال عليّ بن المدينيّ: إذا قال سعيد: مضت السنّة … فحسبك به، وحينئذ فهو مستثنى من التابعين كما في المرسل أيضاً ". 3

_ 1 شرح التبصرة والتذكرة (1 / 136) ، وانظر: التقييد والإيضاح (ص: 54) . 2 شرح التبصرة والتذكرة (1 / 137 - 139) . 3 فتح المغيث (1 / 146) .

ثمّ قال:" أما إذا جاء عن التابعيّ:كنّا نفعل فليس بمرفوع قطعاً ولا بموقوف إن لم يضفه لزمن الصحابة، بل مقطوع، فإن أضافه احتمل الوقف لإنَّ الظاهر اطّلاعهم على ذلك وتقريرهم له، ويحتمل عدمه ". 1 وقال في " الكوكب المنير ":" وقول التابعيّ:أُمِرنا ونُهِينا ومن السنّة وكانوا يفعلون كذا كقول الصحابيّ ذلك حجّة ". قال الشارح:" أي: في الاحتجاج به عند أصحابنا، وأومأ إليه أحمد رضي الله عنه، لكنّه كالمرسل وخالف الشيخ تقيّ الدين في قوله: كانوا يفعلون كذا وقال: ليس بحجّة لأنَّه قد يعني من أدركه كقول إبراهيم النخعيّ:كانوا يفعلون يريد أصحاب عبد الله بن مسعود ".2

_ 1 المصدر نفسه (1 / 147) ، التقييد والإيضاح (ص: 54) . 2 انظر: شرح الكوكب المنير (2 / 490) ، المسودة (ص: 266 - 267) .

المبحث الرابع: ما وقف على الصحابي مما ليس للرأي فيه مجال

المبحث الرابع: ما وقف على الصحابيّ مما ليس للرأي فيه مجال:1 أولاً: يراد بما ليس للرأي فيه مجال الأمور الآتية: أ - الإخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق، وقصص الأنبياء ونحو ذلك. ب - الإخبار عن الأمور الآتية كالملاحم، والفتن، والبعث، وصفة الجنّة والنار. ج - الإخبار عن عمل يحصل به ثواب مخصوص، أو عقاب مخصوص. ثانياً: من أمثلته: 1 - ما أخرجه أبو عبد الله الحاكم في " معرفة

_ 1 انظر: معرفة علوم الحديث للحاكم (ص: 21 - 22) النوع السادس، شرح التبصرة والتذكرة (1 / 139) ، النكت لابن حجر (2 / 529) ، فتح المغيث للسخاويّ (1 / 148) وغيرها.

علوم الحديث " 1 بسنده إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:" من أتى ساحراً أو عرافاً فقد كفر بما أنزل على محمَّد صلى الله عليه وسلم ". 2 - ما رواه البخاريّ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّه كان يقول:" شرّ الطعام الوليمة، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله ". 2

_ 1 ص: 22، ورواه الطبرانيّ في الكبير (10 / 93 ح 10005) والبزار في مسنده (كشف الأستار للهيثميّ 2 / 443 ح 2067) وقال الهيثميّ في المجمع (5 / 118) : " رواه الطبرانيّ في الكبير والأوسط والبزار، ورجال الكبير والبزار ثقات ". 2 كتاب النكاح - باب من ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله (الصحيح مع الفتح 9 / 244 ح 5177) قال ابن حجر: " وأوّل هذا الحديث موقوف، ولكن آخره يقتضي رفعه، ذكر ذلك ابن بطال، قال: ومثله حديث أبي الشعثاء: " إنَّ أبا هريرة أبصر رجلا خارجا من المسجد بعد الأذان فقال: أما هذا فقد عصى أبا القاسم "، قال: ومثل هذا لا يكون رأياً، ولهذا أدخله الأئمة في مسانيدهم ".

3 - ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال وقد رأى رجلاً يخرج من المسجد بعد الأذان:" أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ". 1 4 - ما أخرجه البخاريّ معلّقاً موقوفاً عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال:" من صام اليوم الذي يشكّ فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ". 2

_ 1 كتاب المساجد - باب النهي عن الخروج من المسجد إذا أذّن المؤذّن (1 / 453 ح 258) . 2 كتاب الصوم - باب قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا رأيتم الهلال فصوموا " (الصحيح مع الفتح 4 / 119) ، وقال ابن حجر: " وقد وصله أبو داود والترمذيّ وابن خزيمة وابن حبان والحاكم من طريق عمرو بن قيس عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر عن عمار ... الحديث ".

ثالثاً: حكمه:1 ذهب الجماهير من المحدّثين والفقهاء والأصوليين إلى أنَّه مرفوع، وهذه أهمّ أقوالهم في ذلك: 1 - قال أبو عبد الله الحاكم (ت 405 هـ) : النوع السادس من معرفة علوم الحديث هو معرفة الأسانيد التي لا يذكر سندها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمّ ذكر أمثلة لذلك وهي: أ - ذكر بإسناده إلى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:" كنّا نتمضمض من اللبن ولا نتوضّأ منه ". ب - وبإسناده إلى أنس بن مالك قال:" كان يقال في أيام العشر بكلّ يوم ألف يوم، ويوم عرفة عشرة آلاف "،

_ 1 تنبيه: لم أتعرّض في هذا البحث لمسألة قول الصحابيّ فيما للرأي فيه مجال وهل هو حجّة أم لا؟ لأنَّه لا يدخل في موضوع هذا البحث الذي خصّص لما له حكم الرفع وقول الصحابيّ فيما للرأي فيه مجال بالاتفاق أنَّه موقوف غير مرفوع، والله الموفّق.

قال: يعني في الفضل. ج - وبسنده أيضاً إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:" من أتى ساحراً أو عرافاً فقد كفر بما أنزل على محمَّد صلى الله عليه وسلم ". ثمّ قال رحمه الله:" هذا باب كبير يطول ذكره بالأسانيد فمن ذلك ما ذكرنا ... وأشباه ما ذكرناه إذا قاله الصحابيّ المعروف بالصحبة فهو حديث مسند وكلّ ذلك مخرّج في المسانيد " 1. 2 - وبعد أن ذكر ابن عبد البرّ رحمه الله حديثي أبي هريرة: أ - " شرّ الطعام طعام الوليمة ... الحديث ". ب - وحديث:" أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم " يعني الخارج من المسجد بعد الأذان قال:" ولا يختلفون في هذا أو ذاك أنّهما مسندان مرفوعان ". 2

_ 1 معرفة علوم الحديث (ص: 22) . 2 التمهيد (1 / 175) .

3 - قال أبو حفص عمر بن رسلان سراج الدين البلقينيّ (ت 805 هـ) :" ... وأما حديثه في صيام يوم الشّكّ، وحديث أبي هريرة في الخارج من المسجد بعد الأذان ونسبة كلّ منهما إلى أنَّه عصى أبا القاسم، فالأقرب أنَّه ليس بمرفوع، لجواز إحالة الإثم على ما ظهر من القواعد ". 1 4 - قال الحافظ ابن حجر (ت 852 هـ) :" لم يتعرّض ابن الصلاح إلى بيان حكم ما ينسب الصحابيّ فاعله إلى الكفر أو العصيان كقول ابن مسعود:" من أتى عرافاً أو ساحراً أو كاهناً فصدّقه فقد كفر بما أنزل على محمَّد صلى الله عليه وسلم "، وكقول أبي هريرة:" ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله "، وقوله في الخارج من المسجد بعد الأذان:" أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم "، وقول عمار بن ياسر:" من صام اليوم الذي يشكّ فيه فقد عصى

_ 1 محاسن الاصطلاح (ص: 200) .

أبا القاسم صلى الله عليه وسلم " 1، فهذا ظاهره إنَّ له حكم الرفع، ويحتمل أن يكون موقوفاً لجواز إحالة الإثم على ما ظهر من القواعد، والأول أظهر، بل حكى ابن عبد البرّ الإجماع على أنَّه مسند، وبذلك جزم الحاكم في " علوم الحديث " 2، والإمام فخر الدين الرازيّ في " المحصول " ". 3 5 - وقال أيضاً:" ومثال المرفوع من القول حكماً لا تصريحاً أن يقول الصحابيّ الذي لم يأخذ عن الإسرائيليات ما لا مجال للاجتهاد فيه، ولا تعلّق له ببيان لغة أو شرح غريب، كالإخبار عن الأمور الماضية كبدء الخلق وأخبار الأنبياء، أو الآتية كالملاحم والفتن وأحوال يوم القيامة، وكذا الإخبار عما يحصل بفعله ثواب

_ 1 سبق تخريج هذه الروايات فيما مضى. 2 سبقت الإشارة إلى قوليهما فيما مضى. 3 النكت (2 / 529 - 530) .

مخصوص أو عقاب مخصوص، وإنّما كان له حكم الرفع لأنَّ إخباره بذلك يقتضي مخبراً له، وما لا مجال للاجتهاد فيه يقتضي موقفا للقائل به، ولا موقف للصحابة إلا النبيّ صلى الله عليه وسلم أو بعض من يخبر عن الكتب القديمة، فلهذا وقع الاحتراز عن القسم الثاني، وإذا كان كذلك فله حكم ما لو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو مرفوع سواء كان مما سمعه منه أو عنه بواسطة ". 1 6 - وقال الحافظ محمَّد بن عبد الرحمن السخاويّ (ت 902 هـ) :" وأدخل ابن عبد البرّ في كتابه " التقصّي الموضوع لما في الموطّأ من المرفوع " 2 عدّة أحاديث ذكرها مالك في " الموطّأ " موقوفة، منها حديث

_ 1 نزهة النظر: (ص53) ، طبعة المكتبة العلميّة بالمدينة. 2 طبع باسم " تجريد التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد أو التقصّي لحديث الموطأ وشيوخ الإمام مالك ".

سهل بن حثمة في صلاة الخوف 1، وصرّح في " التمهيد " بأنَّه لا يقال من جهة الرأي 2، ثمّ قال: وقال أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان الداني (ت 444 هـ) :وقد يحكي الصحابيّ قولاً يوقفه على نفسه فيخرجه أهل الحديث في المسند لامتناع أن يكون الصحابيّ قاله إلا بتوقيف، كحديث أبي صالح السمان عن أبي هريرة أنَّه قال:" نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات " 3 فمثل هذا لا يقال بالرأي فيكون من جملة المسند ".

_ 1 انظر تجريد التمهيد (ص: 215) . 2 وكذلك صرّح في التجريد (ص: 215) . 3 رواه مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعاً في صحيحه - كتاب اللباس والزينة - باب النساء الكاسيات العاريات (3 / 1680 ح 125) ، ورواه أحمد مرفوعاً أيضاً في المسند (2 / 356) ، ورواه مالك موقوفاً في الموطأ - كتاب صلاة الخوف (1 / 183 ح 2) .

ثمّ قال السخاويّ:" وقال ابن العربيّ في " القبس ":إذا قال الصحابيّ قولاً لا يقتضيه القياس، فأنَّه محمول على المسند إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومذهب مالك وأبي حنيفة أنَّه كالمسند. اهـ وهو الظّاهر من احتجاج الشافعيّ رحمه الله في الجديد بقول عائشة:" فرضت الصلاة ركعتين ركعتين " 1 حيث أعطاه حكم المرفوع لكونه مما لا مجال للرأي فيه ". ثمّ قال:" إذا علم هذا فقد ألحق ابن العربيّ بالصحابة في ذلك ما يجيء عن التابعين أيضاً مما لا مجال للاجتهاد فيه على أنَّه يكون في حكم المرفوع، وادّعى أنَّه مذهب مالك ". 2 7 - قال الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقيّ (ت 806 هـ) :" ما جاء عن صحابيّ موقوفاً

_ 1 انظر: كتاب الأمّ (1 / 180) . 2 انظر: فتح المغيث (1 / 148 - 152) .

عليه ومثله لا يقال من قبل الرأي حكمه حكم المرفوع، كما قال الإمام فخر الدين في " المحصول " 1، فقال: إذا قال الصحابيّ قولاً ليس للاجتهاد فيه مجال فهو محمول على السماع تحسيناً للظنّ به ". ثمّ قال:" وما قاله في " المحصول " موجود في كلام غير واحد من الأئمّة كأبي عمر ابن عبد البرّ وغيره، وقد أدخل في كتابه " التقصّي " عدّة أحاديث ذكرها مالك في الموطّأ موقوفة مع إنَّ موضوع الكتاب لما في الموطّأ من الأحاديث المرفوعة، ومنها حديث سهل بن حَثْمَة في صلاة الخوف، وقال في " التمهيد ":هذا الحديث موقوف على سهل في الموطأ عند جماعة الرواة عن مالك، قال: ومثله لا يقال من جهة الرأي ". 2 8 - قال الشيخ محمَّد الأمين الشنقيطيّ رحمه الله في

_ 1 انظر: (2 / 1 / 643) ، طبعة جامعة الإمام بالرياض. 2 شرح التبصرة والتذكرة (1 / 139 - 140) .

مسألة قول الصحابيّ الموقوف عليه:" لها حالتان: الأولى أن يكون مما لا مجال للرأي فيه، الثانية: أن يكون مما له فيه مجال. فإن كان مما لا مجال للرأي فيه فهو في حكم المرفوع كما تقرّر في علم الحديث، فيقدّم على القياس ويخصّ به النّصّ إن لم يعرف الصحابيّ بالأخذ عن الإسرائيليّات ... ". 1

_ 1 مذكّرة أصول الفقه (ص: 165) .

المبحث الخامس: هل تفسير الصحابي للقرآن من قبيل المسند المرفوع أم هو موقوف

المبحث الخامس: هل تفسير الصحابيّ للقرآن من قبيل المسند المرفوع أم هو موقوف؟ تتلخّص الإجابة على هذا السؤال في قولين للعلماء:1 الأول: إن كان مما يتعلّق بسبب النزول أو الإخبار عن نزول آية بذلك فهو مسند مرفوع. وما سوى ذلك فهو موقوف على الصحابيّ. الثاني: يضاف إلى سبب النزول ما كان مما لا مجال للاجتهاد فيه كالإخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق وقصص الأنبياء ونحو ذلك، أو عن الأمور الآتية كالملاحم والفتن وصفة الجنّة والنار، أو الإخبار عن عمل يحصل به ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص، فيكون هذا كلّه مرفوعاً، وما سواه من تفسير آية تتعلق بحكم شرعيّ

_ 1 للمزيد يراجع: النكت لابن حجر (2 / 530 - 535) ، فتح المغيث لللسخاويّ (1 / 142 - 144) .

يحتمل أن يكون استفاد ذلك من النبيّ صلى الله عليه وسلم أو من القواعد الشرعيّة العامّة، أو تفسير مفرد نقله عن اللسان خاصّة، فهذا لا يجزم برفعه. وفيما يأتي أقوال الأئمّة في هذه المسألة: 1 - قال الحافظ ابن الصّلاح:" ما قيل من إنَّ تفسيير الصحابيّ حديث مسند، فإنّما ذلك في تفسير يتعلّق بسبب نزول آية يخبر به الصحابيّ أو نحو ذلك، ثمّ قال: فأما سائر تفاسير الصحابة التي لا تشتمل على إضافة شيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمعدودة في الموقوفات، والله أعلم ".1 قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم تقيّ الدين ابن تيميّة (ت 728 هـ) :" وقد تنازع العلماء في قول الصاحب: نزلت هذه الآية في كذا، هل يجري مجرى المسند كما يذكر السبب الذي نزلت لأجله، أو يجري

_ 1 علوم الحديث: (ص45-46) .

مجرى التفسير منه الذي ليس بمسند. فالبخاريّ يدخله في المسند، وغيره لا يدخله في المسند، وأكثر المسانيد على هذا الاصطلاح كمسند أحمد وغيره، بخلاف ما ذكر سبباً نزلت عقبه الآية، فإنّهم كلّهم يدخلون مثل هذا في المسند". 1 2 - قال أبو عبد الله محمَّد بن عبد الله الحاكم (ت 405 هـ) :" ومن الموقوف الذي يستدلّ به على أحاديث كثيرة ما حدثناه أحمد بن كامل القاضي - ثمّ ذكر بإسناده إلى أببي هريرة رضي الله عنه - في قول الله عزّ وجلّ: {لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ} قال أبو هريرة: تلقاهم جهنّم يوم القيامة فتلفحهم لفحة فلا تترك لحماً على عظم إلا وضعت على العراقيب ". قال:" هذا وأشباهه من الموقوفات تعدّ في تفسير الصحابيّ، فأما ما نقول في تفسير الصحابيّ مسند، فإنّما

_ 1 مجموع الفتاوى (13 / 340) .

نقوله في غير هذا النوع، فإنَّه كما أخبرنا أبو عبد الله الصفار - ثمّ ذكر بإسناده إلى محمَّد بن المنكدر - عن جابر قال: كانت اليهود تقول: من أتى امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول، فأنزل الله عزّ وجلّ {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} 1 الآية ". قال الحاكم:" هذا الحديث وأشباهه مسندة عن آخرها وليست بموقوفة، فإنَّ الصحابيّ الذي شهد الوحي والتنزيل فأخبر عن آية من القرآن أنّها نزلت في كذا أو كذا فأنَّه حديث مسند - مرفوع - ". 2 3 - قال الخطيب أحمد بن عليّ بن ثابت البغداديّ (ت 463 هـ) تعقيباً على حديث جابر الآنف الذكر:

_ 1 الآية (223) من سورة البقرة، والحديث رواه الإمام مسلم في النكاح - باب جواز جماع المرأة في قبلها من قدامها ومن ورائها (2 / 1058 ح 117) . 2 معرفة علوم الحديث / النوع الخامس (ص: 19 - 20) .

" ... فهذا يتوهّم موقوفاً لأنَّه لا ذكر فيه للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وليس بموقوف، وإنّما هو مسند، لأنَّ الصحابيّ الذي شاهد الوحي إذا أخبر عن آية أنّها نزلت في كذا وكذا كان ذلك مسنداً - مرفوعاً - ". 1 4 - قال الحافظ ابن حجر:" أطلق الحاكم النقل عن البخاريّ ومسلم أنَّ تفسير الصحابيّ الذي شهد الوحي والتنزيل حديث مسند " 2.

_ 1 الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (1 / 291 - 292) . 2 عزا ذلك إليهما في عدّة مواضع من مستدركه، منها: (1 / 27 كتاب الإيمان) عقب حديث ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً} الحديث، قال الحاكم: " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه، وتفسير الصحابيّ عندهما مسند ". وكذلك في (1 / 123 من كتاب العلم) عقب حديث جابر: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} الحديث، قال: " هذا حديث صحيح، وتفسير الصحابيّ عندهما مسند ". وكذلك في (1 / 542) عقب حديث أبي هريرة: كان فيكم أمانان مضت إحداهما وبقيت الأخرى ... الحديث، قال: " هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرّجاه، وقد اتفقا على أن تفسير الصحابيّ حديث مسند ". وغير ذلك من المواضع.

ثمّ قال:" والحقّ إنَّ ضابط ما يفسّره الصحابيّ إن كان مما لا مجال للاجتهاد فيه، ولا منقولاً عن لسان العرب، فحكمه الرفع، وإلا فلا، كالإخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق وقصص الأنبياء وعن الأمور الآتية كالملاحم والفتن والبعث وصفة الجنّة والنار والإخبار عن عمل يحصل به ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص، فهذه الأشياء لا مجال للاجتهاد فيها فيحكم لها بالرفع ". ثمّ قال:" وأما إذا فسّر آية تتعلّق بحكم شرعيّ فيحتمل أن يكون ذلك مستفاداً عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وعن القواعد، فلا يجزم برفعه. وهذا التحرير الذي حرّرناه هو معتمد خلق كثير من الأئمّة كصاحبي الصحيح، والإمام الشافعيّ، وأبي جعفر الطبريّ، وأبي جعفر الطحاويّ،

وأبي بكر بن مردويه في تفسيره المسند، والبيهقيّ، وابن عبد البرّ في آخرين. إلا أنَّه يستثنى من ذلك ما كان المفسّر له من الصحابة ممن عرف بالنظر في الإسرائيليّات كمسلمة أهل الكتاب مثل: عبد الله بن سلام وغيره وكعبد الله بن عمرو بن العاص فأنَّه كان حصل له في وقعة اليرموك كتب كثيرة من كتب أهل الكتاب ... فمثل هذا لا يكون حكم ما يخبر به من الأمور التي قدّمنا ذكرها الرفع لقوّة الاحتمال، والله أعلم ". 1 اعترض الحافظ أبو عبد الله محمَّد بن عبد الرحمن السخاويّ (ت 902 هـ) على شيخه ومن سبقه كابن حزم في هذا الاستثناء - مسألة الأخذ عن أهل الكتاب - واعتراضه قويّ، وهو في موضعه، وهذا هو الظنّ بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم، وقد اختارهم الله لحمل الرسالة إلى الأمَّة من بعد وفاة نبيّها عليه أفضل

_ 1 النكت (2 / 531 - 533) .

الصلاة وأزكى التّسليم. فقال رحمه الله بعد أن أورد كلام شيخه في هذه المسألة:" وفي ذلك نظر، فإنَّه يبعد إنَّ الصحابيّ المتّصف بالأخذ عن أهل الكتاب يسوّغ حكاية شيء من الأحكام الشرعيّة التي لا مجال للرأي فيها مستنداً لذلك من غير عزو، مع قوله تعالى: {أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ} 1 التي جنح البخاريّ إلى تبيين قوله صلى الله عليه وسلم:" ليس منَّا من لم يتغنّ بالقرآن " بها. وعلمه - الصحابيّ - بما وقع فيه من التبديل والتحريف بحيث سمى ابن عمرو بن العاص صحيفته النبويّة: الصادقة احترازاً عن الصحيفة اليرموكيّة 2، وكونه في مقام تببيّن الشريعة المحمّديّة كما قيل به في:" أمرنا ونهينا وكنّا نفعل " ونحو ذلك،

_ 1 سورة العنكبوت - الآية (51) . 2 نصّ الحافظ ابن سعد في الطبقات (4 / 262) على هذه التسمية.

فحاشاهم من ذلك خصوصاً وقد منع عمر رضي الله عنه كعباً من الحديث بذلك قائلاً له:" لتتركنّه أو لألحقنّك بأرض القردة " 1، وأصرح منه منع ابن عباس له ولو وافق كتابنا، وقال أنَّه لا حاجة بنا إلى ذلك، وكذا نهى عن مثله ابن مسعود وغيره من الصحابة ... إلى أن قال: ولا ينافيه " حدّثوا عن بني إسرائيل ولاحرج " 2، فهو خاصّ بما وقع فيهم من الحوادث والأخبار المحكيّة عنهم، لما في ذلك من العبرة والعظة، ولما فيها من الأعاجيب ". 3 اهـ ملخّصاً. 5 - بعد أن أورد الحافظ السخاويّ كلام من سبقه مثل الخطيب والحاكم وابن الصلاح في التفريق بين سبب

_ 1 أخرجه أبو زرعة الدمشقيّ في تأريخه (1 / 544) ، وانظر سير أعلام النبلاء (2 / 600 - 601) . 2 رواه البخاريّ في الأنبياء - باب ما ذكر عن بني إسرائيل (الصحيح مع الفتح 6 / 494 ح 3461) . 3 فتح المغيث للسخاويّ (1 / 151 - 152) .

النزول وغيره قال:" ... وإنّما كان كذلك لأنَّ من التّفسير ما ينشأ عن معرفة طرق البلاغة واللغة كتفسير مفرد بمفرد، أو يكون متعلّقا بحكم شرعيّ ونحو ذلك مما للرأي فيه مجال، فلا يحكم لما يكون من نحو هذا القبيل بالرفع لعدم تحتّم إضافته إلى الشارع. أما اللغة والبلاغة فلكونهم في الفصاحة والبلاغة بالمحلّ الرفيع. وأما الأحكام فلاحتمال أن يكون مستفاداً من القواعد، بل هو معدود في الموقوفات ". ثمّ قال:" ومن المرفوع ما لا تعلّق للسان العرب به ولا مجال للرأي فيه كتفسير أمر مغيب من أمر الدنيا أو الآخرة أو الجنّة أو النّار، أو تعيّن ثواب أو عقاب ونحو ذلك من سبب نزول كقول جابر: كانت اليهود تقول: من أتى امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول، فأنزل الله: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} الآية ". 1

_ 1 فتح المغيث (1 / 143) ، والحديث سبق تخريجه.

الخاتمة

الخاتمة: وفيها أهمّ النتائج التي توصّلت إليها في هذا البحث: أولاً: يمكن تقسيم الصيغ الواردة في هذا البحث إلى قسمين: 1 - ما كان منها بصيغة الجمع ودالّة على تكرار القول أو الفعل من الصحابة مثل قول الراوي: كانوا يفعلون كذا، كنّا نقول كذا، كانوا لا يرون بأساً بكذا، أُمرنا أو نُهِينا عن كذا ونحو ذلك، فهذه محمولة على الرفع إلا ما استثني من ذلك، كأن يكون الفعل مما يخفى غالباً. 2 - ما كان بصيغة الإفراد كقول الصحابيّ أو فعله أو تفسيره، فهو محمول على الوقف إلا ما استثني من ذلك، كالتفسير المتعلّق بسبب النزول، وما قاله الصحابيّ أو فعله مما لا مجال للرأي فيه فيكون مرفوعاً حكماً. ثانياً:إنَّ من أمثلة ما لا مجال للرأي فيه ما يأتي: 1 - الإخبار عن الأمور الماضية كقصص الأنبياء وبدء

الخلق ونحو ذلك. 2 - الإخبار عن الأمور الآتية كالملاحم والفتن وما يكون في اليوم الآخر وصفة الجنّ والنار ونحو ذلك. 3 - الإخبار عن عمل أنَّه طاعة أو معصية ويحصل به ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص. ثالثاً: يمكن تقسيم تفسير الصحابيّ للقرآن إلى ثلاثة أقسام هي: 1 - ما كان في تفسير مفرد بمفرد أو استنباط حكم ونحو ذلك فهو موقوف. 2 - ما كان في ذكر سبب النزول ونحوه فهذا مرفوع. 3 - ما كان من التفسير مما لا مجال للرأي فيه فهذا - أيضاً - مرفوع. رابعاً: إنَّ هذه المباحث من المباحث المشتركة بين علوم الحديث وأصول الفقه، وذلك إنَّ غالب الأحاديث المرويّة بهذه الصيغ تدخل تحت تقرير رسول الله صلى الله عليه وسلم،

وتقريره صلى الله عليه وسلم أحد أقسام السنّة، إذ السنّة ما أضيف إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، لهذا اهتمّت جلّ كتب أصول الفقه بذكر هذه المباحث، وعلى وجه الخصوص المباحث الأول والثاني والثالث والرابع. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه محمدٍ صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحابته أجمعين

§1/1