ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية

محمد بن عبد الله العوشن

المقدمة

المقَدِّمَة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، فهذا بعض (ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية) على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، ولم أتقصّد ذكر جميع المرويات الضعيفة فيها، فهي كثيرة جدًا، لكني اقتصرت على أشهر المرويات، التي يكثر ورودها في كتب السيرة والمغازي. والهدف من ذلك تنقية السيرة من هذه الأخبار التي لم تثبت، وكما عمل المحدّثون على تنقية الحديث النبوي، ونخله؛ لتمييز صحيحه من سقيمه، كذلك فإنّ من الواجب عمل ذلك في هذه السيرة العطرة، وما أجمل ما قاله الإِمام عبد الله بن المبارك -رحمه الله-: "في صحيح الحديث غُنية عن سقيمه" فكذلك في صحيح السيرة ما يغني عن سقيمها. ومما ينبغي أنّ يُعلم أن الشهرة والتداول للقصة، أو الرواية ليس دليلًا على ثبوتها، "فلا تلازم بين الشهرة والصحة (¬1) "."ولا يعني ذلك نفي وقوع الأمر تاريخيًا، بل عدم ثبوته فقط" (¬2)، ومن المعروف أن أكثر مرويات السيرة من طريق الإِمام محمَّد بن إسحاق -رحمه الله- إمام أهل السيرة والمغازي، ومَنْ بعده ناقل عنه في الغالب (¬3)، وابن إسحاق تكلّم فيه علماء الجرح والتعديل، وفي حفظه، وضبطه، وبيّنوا أنه حسن الحديث خاصة في السيرة، ما لم يُعنعن، لأنه قد عُرف بالتدليس، قال الإِمام البيهقي -رحمه الله-: "الحفّاظ يتوقّون ما ينفرد به ابن إسحاق" (¬4). ¬

_ (¬1) الألباني، السلسة الضعيفة (13/ 1112). (¬2) أكرم العمري، السيرة الصحيحة (1/ 62). (¬3) لا توجد نسخة كاملة من سيرة ابن إسحاق، والموجود تهذيب سيرة ابن هشام لها (محمَّد حميد الله، سيرة ابن إسحاق، المقدمة). (¬4) السنن الكبرى (9/ 87).

قال الإِمام الذهبي -رحمه الله-: "الذي استقر عليه الأمر أن ابن إسحاق صالح الحديث، وأنه في المغازي أقوى منه في الأحكام (¬5) ". وأكثر هذه المرويات قد أشار أهل العلم رحمهم الله إلى ضعفها، وعدم ثبوتها، ومن أجل من نقدها، وبيّن حالها: مؤرخ الإِسلام الإِمام الحافظ أبو عبد الله الذهبي -رحمه الله- خاصة في كتابيه العظيمين: (تاريخ الإِسلام) و (سير أعلام النبلاء)، ثم تبعه على ذلك: تلميذه الإِمام الحافظ إسماعيل ابن كثير -رحمه الله- في تاريخه المشهور: (البداية والنهاية) في القسم الخاصّ بالسيرة، وهو من أطول المصنّفات في السيرة النبوية، وأكثرها فائدة. وكذا الإِمام الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني -رحمه الله- خاصة في كتابه العُجاب: (فتح الباري) وكتابه: (الإصابة). ومن المعاصرين: الشيخ الإِمام الألباني، خاصة في سلسلتيه النافعتين: الصحيحة، والضعيفة، وكتابه: (إرواء الغليل) وكتابه في الردّ على البوطي ومنهم الدكتور الفاضل: أكرم العمري، خاصة في كتابه: (السيرة النبوية الصحيحة). والشيخ محمَّد رزق بن طرهوني، في كتابه: (السيرة الذهبية). وقد حرصت عند تضعيف إحدى الروايات أن أُبيّن ما يغني عنها مما صحّ. وأنا راجع عن كل رواية تبيّن ثبوتها، فالحكمة ضالة المؤمن، والحقّ أحقّ أن يُتّبع والتزمت -غالبًا- أن أُصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ذكره، وأنّ أترضّى عن الصحابة - رضي الله عنهم -، وأترحّم على أهل العلم -رحمهم الله-، مستحضرًا المقولة اللطيفة التي قالها أبو محمَّد التميمي رحمه الله: "ما لكم تأخذون العلم عنّا وتستفيدونه منّا ثم لا تترحمون علينا؟ (¬6) ". والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. محمد بن عبد الله العوشن الرياض في 1/ 7/ 1428 هـ ص. ب 25663 الرياض 11476 [email protected] ¬

_ (¬5) تاريخ الإِسلام (141/ 591) (¬6) قضاة الأندلس، ص 133.

تحديد ميلاده (*) الشريف - صلى الله عليه وسلم -

تحديد ميلاده (*) الشريف - صلى الله عليه وسلم - المشهور عند الجمهور أنه - صلى الله عليه وسلم - وُلد عام الفيل. فقيل: بعده بشهر، وقيل: بأربعين يومًا، وقيل: بخمسين، قال السهيلي (¬1) وابن كثير (¬2): وهو أشهر. وقيل: إنه ولد بعد عام الفيل بعشر سنين، وقيل: ثلاث وعشرين سنة، وقيل: ثلاثين. قال الذهبي: "وقال أبو أحمد الحاكم: وُلد بعد الفيل بثلاثين يومًا، قاله بعضهم. قال: وقيل بعده بأربعين يومًا. قلت (الذهبي): لا أُبعد أنّ الغلط وقع من هنا على من قال ثلاثين عامًا أو أربعين عامًا، فكأنه أراد أن يقول: يومًا فقال: عامًا" (¬3). ومما يؤكد أنه ولد عام الفيل ما رواه ابن إسحاق قال: حدثني المطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة عن أبيه عن جده قيس بن مخرمه قال: "وُلدتُ أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفيل، فنحن لِدَتان (¬4) " قال الذهبي في (تاريخ الإِسلام): إسناده حسن (¬5). وروى ابن سعد عن يّحي بن معين قال: أخبرنا حجاج بن محمَّد قال: أخبرنا يونس بن أبي إسحاق [عن أبيه] (**) عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "ولد ¬

_ (*) قال الإِمام النووي -رحمه الله-: ميلاد الرجل اسم للوقت الذي وُلد فيه، المولد اسم للموضع الذي وُلد فيه. (تهذيب الأسماء واللغات 3/ 196). (¬1) الروض الأُنُف (22/ 159). (¬2) البداية والنهاية (2/ 262). (¬3) تاريخ الإِسلام (ص 27) (¬4) الروض الأٌنف (2/ 143) وأخرجه أيضًا الإِمام أحمد (20/ 190،الفتح الرباني) وقال المحقق: سنده جيد. والترمذي 3698 (تحفة 10/ 88). (¬5) ص 23. (**) ساقطة من الطبقات.

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفيل، يعني عام الفيل (¬6) " وساقه الذهبي بسنده في: (تاريخ الإِسلام) وقال: صحيح (¬7). وهذا يكاد يكون مجمعًا عليه عند أهل العلم. قال خليفة بن خياط في تاريخه: "والمجمع عليه عام الفيل" (¬8). وقال ابن القيم في (الزاد): "لا خلاف أنه ولد بجوف مكة وأن مولده عام الفيل" (¬9). وصحّ عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: "لقد رأيت قائد الفيل وسائسه بمكة أعمييْن مقعديْن يستطعمان الناس" (¬10). أما الشهر فالجمهور أيضًا على أنه في ربيع الأول، وقيل: في رمضان. قال ابن كثير: "نقله ابن عبد البر عن الزبير بن بكار، وهو قول غريب جدًا" (¬11). أما اليوم فقد ثبت في الحديث عن أبي قتادة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن صوم يوم الاثنين فقال: "ذلك يوم وُلدت فيه ويوم بُعثت أو أنزل عليّ فيه" (¬12). أما تاريخ ذلك اليوم، فقال ابن كثير: "قيل لليلتين خلتا منه (ربيع الأول) قاله ابن عبد البر في الاستيعاب، ورواه الواقدي: عن أبي معشر نجيح بن عبد الرحمن المدني وقيل: لثمان خلون منه حكاه الحميدي عن ابن حزم ورواه مالك وعُقيل ويونس بن يزيد وغيرهم عن الزهري عن محمَّد بن جبير بن مطعم، ونقل ابن عبد البر عن أصحاب التاريخ أنهم صححوه، وقطع به الحافظ ¬

_ (¬6) الطبقات (1/ 101) والحاكم (4180). (¬7) ص 22. (¬8) تحقيق أكرم العمري. دار طيبة. ص 53. (¬9) (1/ 76). (¬10) رواه ابن إسحاق،، قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن عمرة ابنة عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة عن عائشة - رضي الله عنها - (الروض الأنف 1/ 281) (سيرة ابن إسحاق -رحمه الله- رواية أحمد بن عبد الجبار العطاردي عن يونس بن بكير، تحقيق محمَّد حميد الله. ص 42). (¬11) البداية والنهاية (2/ 260) وقال في (الفصول) ص 34: وهو شاذ. (¬12) رواه مسلم (8/ 51 نووي).

الكبير محمَّد بن موسى الخوارزمي، ورجحه الحافظ أبو الخطاب بن دحية في كتابه (التنوير في مولد البشير النذير) وقيل: لعشر خلون منه، ورواه ابن عساكر عن أبي جعفر الباقر، ورواه مجالد عن الشعبي. وقيل: لثنتي عشرة خلت منه نصّ عليه ابن إسحاق، ورواه أبي شيبة في مصنفه عن عفان عن سعيد بن مينا عن جابر وابن عباس أنهما قالا: "ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفيل يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول وفيه بُعث وفيه عُرج به إلى السماء وفيه هاجر وفيه مات" وهذا هو المشهور عند الجمهور والله أعلم. وقيل: لسبعة عشر خلت منه، كما نقله ابن دحية عن بعض الشيعة. وقيل: لثمان بقين منه نقله ابن دحية من خط الوزير أبي رافع بن الحافظ أبي محمَّد بن حزم عن أبيه، والصحيح عن ابن حزم الأول أنه لثمان مضين منه كما نقله الحُميدي، وهو أثبت (¬13) ". فهذه ستة أقوال ذكرها ابن كثير ولا يستند أي قول منها لحديث صحيح، وحديث جابر وابن عباس في تحديده بالثاني عشر لو صحّ لكان فيصلًا في النزاع لكنه ضعيف. قال ابن كثير: "فيه انقطاع" (¬14). وبما أنه لم يثبت تحديد تاريخ المولد فلا بأس من الاستئناس بأقوال أهل الفلك، فقد ذهب غير واحد منهم إلى تحديده باليوم التاسع أو ليلة التاسع من ربيع الأول. مثل: الأستاذ محمود باشا الفلكي (ت 1302 هـ) (¬15) كما في هامش (الكامل في التاريخ) (¬16) لابن الأثير. والأستاذ محمَّد سليمان المنصور فوري. ¬

_ (¬13) البداية والنهاية (2/ 260). (¬14) البداية (3/ 109). (¬15) له ترجمة في (الأعلام) (7/ 164) وذكر من آثاره: "نتائج الإفهام في تقويم العرب قبل الإِسلام "وفي تحقيق مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمره عليه الصلاة والسلام" وأشار إلى أنه طبع. (وقد ألفه بالفرنسية ثم ترجمه إلى العربية، وقدم العلامة علي الطنطاوي -رحمه الله- لإحدى طبعاته وأيد المؤلف في تحديد المولد في اليوم التاسع. (مقدمات الطنطاوي، ص 83). (¬16) 1/ 270.

كما نقل ذلك صاحب (الرحيق المختوم) (¬17). قال الفلكي الأستاذ عبد الله بن إبراهيم بن محمَّد السليم في كتابه: (تقويم الأزمان) في تحقيق مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - ما نصه "لقد جاء في كتب التاريخ والسيرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولد يوم الاثنين لعشر خلون من ربيع الأول وقيل لثمان خلون منه وقيل لثنتي عشرة منه وأخذ بذلك جمهور العلماء. وقد ثبت بما لا يّحتمل الشك من النقل الصحيح أن ولادته - صلى الله عليه وسلم - كانت في20 نيسان إبريل سنة 571 هـ عام الفيل ... كما ثبت من طريق النقل الصحيح أنه وفاته - صلى الله عليه وسلم - كانت في 13 ربيع الأول سنة 11 من الهجرة وأنه يوافق 8 حزيران سنة 632. وما دامت هذه التواريخ ثابتة ومعروفة فبالإمكان معرفة يوم ولادته ويوم وفاته - صلى الله عليه وسلم - بالدقة، وكذلك مقدار عمره. وبتحويل السنين الرومية إلى أيام فإنها تكون 22330 وبتحويل هذه الأيام إلى سنين قمرية كل سنة 11/ 20 (354) فإنه يكون عمره - صلى الله عليه وسلم - 63 سنة وحوالي 3 أيام ويتفق هذا مع قول الجمهور على أن مبدأ التاريخ الهجري 16 تموز حسب الرؤية، وبالحساب 15 تموز يتفق مع 1/ 1/1 هـ مع اليوم الأول من شهر محرم أول سنة أُرِّخ فيها التاريخ الهجري وعلى هذا فتكون ولادته - صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين الموافق 9 ربيع الأول سنة 53 قبل الهجرة، ويوافق 20 نيسان إبريل سنة 571 هـ نقلًا وحسابًا" (¬18). قال الشيخ محمَّد بن عثيمين -رحمه الله-: "وقد حقق بعض الفلكيين المتأخرين ذلك (أي مولده - صلى الله عليه وسلم -) فكان اليوم التاسع لا في اليوم الثاني عشر" (¬19). لقد أخبر - صلى الله عليه وسلم - أنه ولد يوم الاثنين - كما سبق - مع أنه لم يُسأل عن ذلك، وإنما سئل عن صوم يوم الاثنين فأخبر أنه ولد في ذلك اليوم، فصار لصوم الاثنين ثلاث خصال: أنه يوم تُعرض فيه الأعمال على الله - وكَذلك يوم ¬

_ (¬17) ص 62. (¬18) تقويم الأزمان، ص 143، الطبعة الأولي، 1404 هـ. (¬19) القول المفيد على كتاب التوحيد (1/ 491) الطبعة الأولى 1418 هـ. دار ابن الجوزي، دار العاصمة.

تذييل

الخميس -، وأنه يوم وُلد فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويوم أُنزل عليه فيه. لكنه - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر تاريخ مولده، ولم يسأله صحابته - رضي الله عنهم - عن ذلك - وهم أحرص الناس على الخير- لأنه لا يترتب على ذلك شيء، ولو كان هناك من خير في معرفة ميلاده الشريف - صلى الله عليه وسلم - لما كان له أن يكتمه -وحاشاه- عن أمته. والذين يحتفلون بميلاده في الثاني عشر من ربيع الأول من كل عام، إنما يحتفلون بيوم وفاته - صلى الله عليه وسلم - فالمشهور أنه مات في الثاني عشر من ربيع الأول عام إحدى عشرة كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر (¬20)، وغيره. تذييل: لايخفى على المنصف بدعية الاحتفال بالمولد، ولو سلّمنا بحسن النية لبعض من يفعله، فإنه قد افتقد الشرط الآخر لقبول الأعمال، وهو المتابعة. أما ما يحصل في بعض هذه الموالد من منكرات وفجور، فانظر نموذجًا منه، ذكره المقريزي (845 هـ) في: (درر العقود الفريدة) فقال في ترجمة إسماعيل بن يوسف الإنبابي (2/ 501): " .. وصار يعمل المولد النبوي كل سنة .. فأذكر أنه عمل المولد على عادته في شهر ربيع الأول من سنة تسع وتسعين وسبعمائة، فهرع الناس لحضور المجتمع، حتى غصّ الفضاء بكثرة العالم، وتنوعوا تلك الليلة في الفسق، لكثرة اختلاط النسوان والمردان بأهل الخلاعة، فتواتر الخبر أنه وُجد في صبيحة تلك الليلة من جرار الخمر التي شُربت بالليل فوق الخمسين، فارغة ملقاة حول الزاوية في المزارع، وافتضت تلك الليلة عدة أبكار، وأُوقدت شموع بمال كبير، فبعث الله يوم الأحد، بكرة صباح ليلة المولد المذكور قاصفًا من الريح كدّرت على من كان هناك، وسفت في وجوههم التراب، واقتلعت الخيام .. " ¬

_ (¬20) التلخيص الحبير (2/ 233) وسبق ما ذكره ابن سليم أن وفاته - صلى الله عليه وسلم - كانت في الثالث عشر، والعجيب أن الكوثري رجح أن مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - هو في الثامن أو التاسع من ربيع الأول واستبعد رواية الثاني عشر (مقالات الكوثري 476 - 479، بواسطة موسموعة أهل السنة) لعبد الرحمن دمشقية (1/ 347) دار المسلم، الطبعة الأولي 1418 هـ.

جلوسة - صلى الله عليه وسلم - وهو صغير على فراس جده

جلوسة - صلى الله عليه وسلم - وهو صغير على فراس جدّه روى ابن إسحاق قال: حدثني العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله قال: "كان يوضع لعبد المطلب جّد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فراش في ظل الكعبة، فكان لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالًا له، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتي ويجلس عليه، فيذهب أعمامه يؤخرونه، فيقول جده عبد المطلب: دعوا ابني فيمسح على ظهره ويقول: إن لبنيّ هذا لشأنًا (¬1) ". والعباس بن عبد الله بن معبد بن العباس بن عبد المطلب ثقة من السادسة كما في (التقريب) وهو يروي الخبر عن بعض أهله ولا يمكن أن يكون هؤلاء -فضلًا عن جهالتهم- من الصحابة، فالسند فيه انقطاع. ومن طريق ابن إسحاق ذكرها البيهقي في (الدلائل) (¬2). ورواه ابن سعد في (الطبقات) (¬3) بنحوه عن شيخه الواقدي، وهو متروك. وقال الذهبي في السيرة من (تاريخ الإِسلام) (¬4): "وقال عبد الله بن شبيب وهو ضعيف ثنا أحمد بن محمَّد الأزرقي سمعت ابن عباس يقول: سمعت أبى يقول .. وذكر القصة". وابن شبيب قال عنه الذهبي: إخباري علامة لكنه واه (¬5). وذكرها ابن كثير (¬6) عن ابن إسحاق، وسكت عنها. ¬

_ (¬1) السيرة، رواية يونس بن بكر، تحقيق محمَّد حميد الله، ص 42. (¬2) 2/ 21. (¬3) 1/ 117. (¬4) ص 53. (¬5) لسان الميزان (3/ 299) وكذا في السيرة (64). (¬6) البداية والنهاية (2/ 281).

الاستسقاء به - صلى الله عليه وسلم - وهو غلام

الاستسقاء به - صلى الله عليه وسلم - وهو غلام روى ابن سعد في (الطبقات) (¬1) قال: أخبرنا هشام بن محمَّد بن السائب الكلبي قال: حدثني الوليد بن عبد الله بن جميع الزهري عن ابنٍ لعبد الرحمن بن موهب بن رباح الأشعري حليف بني زهرة عن أبيه قال: حدثني مخرمه بن نوفل الزهري قال: سمعتُ أمي رُقيقة بنت أبى صيفي بن هاشم بن عبد مناف تُحدّث وكانت لِدَة عبد المطلب قالت: تتابعت على قريش سنون ذهبن بالأموال وأشفين على الأنفس، قالت: فسمعت قائلًا يقول في المنام: يا معشر قريش، إن هذا النبي المبعوث منكم، وهذا إبان خروجه وبه يأتيكم الحيا والخصب فانظروا رجلًا من أوسطكم نسبًا طوالًا عظامًا أبيض مقرون الحاجبين أهدب الأشفار جعدًا سهل الخدّين رقيق العرنين، فليخرج هو وجميع ولده، وليخرج منكم من كل بطن رجل، فتطهروا وتطيبوا ثم استلموا الركن، ثم ارقوا رأس أبي قبيس، ثم يتقدم هذا الرجل فيستقي وتؤمنون فإنكم ستسقون. فأصبحتْ فقصّتْ رؤياها عليهم، فنظروا فوجدوا هذه الصفة صفة عبد المطلب، فاجتمعوا إليه، وخرج من كل بطن منهم رجل، ففعلوا ما أمرتهم به، ثم عَلَوْا على أبي قبيس ومعهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو غلام، فتقدم عبد المطلب وقال: لا هُمّ هؤلاء عبيدك وبنو عبيدك وإماؤك وبنات إمائك، وقد نزل بنا ما ترى، وتتابعت علينا هذه السنون فذهبت بالظلف والخف، وأشفت على الأنفس، فأذهبْ عنا الجدب وأتنا بالحيا والخصب، فما برحوا حتى سالت الأودية، وبرسول الله - صلى الله عليه وسلم - سُقوا، فقالت رقيقة بنت أبي صيفي بن هشام بن عبد مناف: بشيبة الحمد أسقى الله بلدتنا ... وقد فقدنا الحيا وأجلوّذ (¬2) المطر فجاد بالماء جَوْنيّ له سبل ... دان فعاشت به الأنعام والشجر مبارك الأمر يُستسقى الغمام به ... وخير من بُشّرت يومًا به مضر ¬

_ (¬1) 1/ 89. (¬2) قال ابن منظور: أجلوذ المطر أي امتد وقت تأخره وانقطاعه (اللسان مادة جلذ)

منًّا منَّ الله بالميمون طائر ... ما في الأنام له عدل ولا خطر ا. هـ وهشام الكلبي متروك. ورواه البيهقي في (الدلائل): (¬3) من طريقين في الأول منهما عبد الغزيز بن عمران وهو متروك أيضًا، والآخر عن زحر بن حصن عن جده حميد بن منهب، وهما مجهولان كما قال الذهبي (¬4). والحديث ذكره الهيثمي، وقال: رواه الطبرني في الكبير وفيه زحر بن حصن قال الذهبي لا يُعرف (¬5). ورقيقه ترجم لها الحافظ في (الإصابة) (¬6) فقال: ذكرها الطبراني والمستغفري في الصحابة، وقال أبو عمر: وما أُراها أدركت. وعمدة من ذكرها ما أخرجوه من طريق حميد بن منهب عن عروة بن نصر (*) عن مخرمة بن نوفل عن أمه رقيقة .. قال أبو موسى (¬7) -بعد إيراده-: هذا حديث حسن. وما نسبه إلى أبي عمر ابن عبد البر من قوله: وما أُراها أدركت، فليس في المطبوع من (الاستيعاب) (¬8) هذه العبارة. وأورد الذهبي في: السيرة من (تاريخ الإِسلام) (¬9) استسقاء أبي طالب به فقال: "وقال إبراهيم بن محمَّد الشافعي، عن أبيه عن أبان بن الوليد عن أبان بن ثعلب حدثني جلهمة بن عرفطة قال: "إني لباقاع من نمرة إذ أقبلت عير من ¬

_ (¬3) 2/ 15 - 17. (¬4) المغني في الضعفاء (1/ 364) وقال الحاكم في (3/ 369): ثنا زكريا بن يحيى الخراز، ثنا عم أبي زحر بن حصين، عن جده حميد بن منهب وساق حديثا ثم قال: هذا حديث تفرد به رواته الأعراب عن آبائهم، وأمثالهم من الرواة لا يضعون (هكذا، ولعلها: لا يُعرفون) وكذا قال الذهبي في التلخيص. (¬5) مجمع الزوائد (2/ 215). (¬6) 4/ 296. (*) كذا بالأصل والصواب: عروة بن مضرّس، الصحابي - رضي الله عنه - قال في الإصابة: "قال الأزدي: روى عنه حميد بن منهب، ولا يقوم" (2/ 471). (¬7) أبو موسى المديني. (¬8) 4/ 304. (¬9) ص 52، 53.

أعلى نجد، فلما حاذت الكعبة إذا غلام قد رمى بنفسه عن عجز بعير .. " إلى أن قال جلهمة: "فهويت رحلي نحو تهامة ... حتى انتهيت إلى المسجد الحرام، وإذا قريش عزين، قد ارتفعت لهم ضوضاء يستسقون، فقائل منهم يقول: اعتمدوا اللات والعزى، وقائل يقول: اعتمدوا مناة الثالثة الأخرى. وقال شيخ وسيم قسيم حسن الوجه جيد الرأي: أنى تؤفكون وفيكم باقية إبراهيم عليه السلام وسلالة إسماعيل؟ قالوا له: كأنك عنيت أبا طالب؟ قال: إيهًا. فقاموا بأجمعهم وقمت معهم فدققنا عليه بابه .. . فقالوا: يا أبا طالب قحط الوادي وأجدب العباد فهلم فاستسق، فقال: رويدكم زوال الشمس وهبوب الريح، فلما زاغت الشمس أو كادت، خرج أبو طالب معه غلام كأنه دجن تجلت عنه سحابة قتماء، وحوله أُغيلمة، فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة، ولاذ بأضبعه الغلام، وبَصْبصتْ الأغيلمة حوله، وما في السماء قزعة، فأقبل السحاب من ها هنا وها هنا واغدودق وانفجر له الوادي، وأخصب النادي والبادي، وفي ذلك يقول أبو طالب: وميزان عدل لا يخيس شعيرة ... ربيع (¬10) اليتامي عصمة للأرامل تطيف به الهلاّك من آل هاشم ... فهم عنده في نعمه وفواضل وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ووزان صدق وزنه غيرعائل (¬11) وأبان بن الوليد إن كان المعيطي فهو مجهول كما في: (اللسان) (¬12) وإلّا فلم أعرفه، وجلهمة لم أجد له ترجمة حسب بحثي. ¬

_ (¬10) الذي في صحيح البخاري: "ثمال" (الفتح 4/ 494) وكذلك في سيرة ابن إسحاق (الروض 3/ 65) والبداية والنهاية (3/ 55). والثمال: الملجأ والغياث والمطعم في الشدة (لسان العرب. مادة ثمل). (¬11) البيت في السيرة والبداية: بميزان قسط لا يخس شعيرة ... له شاهد من نفس غير عائل (¬12) 1/ 26.

وقول أبي طالب: وأبيض يستسقى الغمام .. ضمن قصيدة طويلة له تزيد على الثمانين بيتًا قالها بعد بعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم -. قال ابن إسحاق: "فلما خشي أبو طالب دهماء العرب أن يركبوه مع قومه، قال قصيدته التي تعوذ فيها بحرم مكة وبمكانه منها، وتودد في أشراف قومه، وهو على ذلك يخبرهم وغيرهم في ذلك من شعره أنه غير مُسْلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا تاركه لشيء أبدًا حتى يهلك دونه، فقال: ... وذكر القصيدة. قال ابن هشام: هذا ما صحّ لي من هذه القصيدة، وبعض أهل العلم بالشعر ينكر أكثرها" (¬13). قال ابن كثير بعد أن أورد القصيدة: "هذه قصيدة عظيمة بليغة جدًا لا يستطيع يقولها إلا من نسبت إليه وهي أفحل من المعلقات السبع، وأبلغ في تأدية المعنى فيها جميعًا" (¬14). قال الإِمام البخاري -رحمه الله- في كتابة الاستسقاء من صحيحه: "باب سؤال الناس الإِمام الاستسقاء إذا قحطوا": حدثنا عمرو بن علي .. قال: (ابن دينار) سمعت ابن عمر يتمثل بشعر أبي طالب: وأبيض يُستسقى الُغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل وقال عمر بن حمزة: حدثنا سالم عن أبيه "ربما ذكرت قول المشاعر وأنا أنظر إلى وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - يستسقي فما ينزل حتى يّجيش كل ميزاب": وأبيض يُستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل وهو قول أبى طالب. قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- بعد ذكره مناسبة الأحاديث لترجمة الباب: وأوضح من ذلك ما أخرجه البيهقي في (الدلائل) (¬15) من رواية ¬

_ (¬13) الروض الأنف (3/ 63). (¬14) البداية والنهاية (3/ 57). (¬15) 6/ 141 وفي سنده غير مسلم الملائي أحمد بن راشد (في الدلائل: رشيد) بن خثيم اتهمه الذهبي في الميزان باختلاق حديث في ذكر بني العباس (1/ 233) لكنه ليس هذا الحديث.

مسلم الملائي (¬16) عن أنس قال: "جاء رجل أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله، أتيناك وما لنا بعير يئط ولا صبي يغط. ثم أنشده شعرًا يقول فيه: وليس لنا إلا إليك فرارنا ... وأين فرار الناس إلا الرسل فقام يجر رداءه حتى صعد المنبر فقال: "اللهم أسقنا" الحديث، وفيه: "ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: لو كان أبو طالب حيًّا لقرّت عيناه، من ينشدنا قوله؟ " فقام عليَّ فقال: يا رسول الله، كأنك أردت قوله: "وأبيض يستسقى الغمام بوجهه" الأبيات .. وإسناد حديث أنس وإن كان فيه ضعف لكنه يصلح للمتابعة" (¬17). ¬

_ (¬16) ضعيف، من الخامسة (تقريب). (¬17) فتح الباري (2/ 494 - 495).

اشتراكه - صلى الله عليه وسلم - في حرب الفجار

اشتراكه - صلى الله عليه وسلم - في حرب الفِجَار قال ابن إسحاق: "هاجت حرب الفجار ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن عشرين سنة" قال ابن هشام: فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربع عشرة سنة أو خمس عشرة سنة هاجت حرب الفجار بين قريش ومن معها من كنانة، وبين قيس عيلان ... وشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعض أيامهم، أخرجه أعمامه معهم، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كنت أُنَبِّل على أعمامي. أي أرد عنهم نبل عدوهم إذا رموهم بها (¬1) ". وابن إسحاق ذكر القصة بدون إسناد. وذكرها الذهبي عنه كما في السيرة من (تاريخ الإِسلام) (¬2) وابن كثير كما في (البداية والنهاية) (¬3). ورواه ابن سعد عن الواقدي وفيه: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -وذكر الفجار- فقال: قد حضرته مع عمومتي ورميت فيه بأسهم، وما أحبُّ أني لم أكن فعلت (¬4) " والواقدي متروك. وسكت عنها الشيخ الألباني-رحمه الله- في تعليقه على (فقه السيرة (¬5)) للغزالي-رحمه الله- لكنه لم يدرجها في (صحيح السيرة النبوية). ولم يذكرها الشيخ محمَّد بن رزق الطرهوني -حفظه الله تعالى- في (صحيح السيرة (¬6)) فدلّ على عدم صحتها عندهما. وقال الدكتور أكرم العمري -حفظه الله تعالى-: ولم يثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهدها (¬7). ¬

_ (¬1) الروض الأنف (2/ 229 - 230). (¬2) ص 61. (¬3) 2/ 289. (¬4) الطبقات (4/ 128). (¬5) ص 71 الطبعة الثالثة 1407 هـ. (¬6) السيرة النبوية الصحيحة (1/ 111). (¬7) الطبعة الأولى 1410 هـ.

فائدة

مما سبق يتبين أنه لم يثبت اشتراكه - صلى الله عليه وسلم - في حرب الفجار. فلعّل الله تعالى عصمه من المشاركة في هذه الحرب التي وقعت في الأشهر الحرم والله أعلم. فائدة: قال السُّهيلي: "الفِجَار بكسر الفاء بمعني المفاجرة، كالقتال والمقاتلة، وذلك أنه كان قتالًا في الشهر الحرام ففجروا فيه جميعًا فسمي الفجار. وكانت للعرب فجارات أربع آخرها فجار البرّاض المذكور في السيرة (¬8) ". ¬

_ (¬8) الروض الأنف (2/ 233).

عمر خديجة - رضي الله عنها - عند زواجه - صلى الله عليه وسلم - بها.

عمر خديجة - رضي الله عنها - عند زواجه - صلى الله عليه وسلم - بها. المشهور في كتب السيرة أن عمرها - رضي الله عنها - لما تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أربعين سنة، وأنها لما توفيت كانت بنت خمس وستين. روى ذلك ابن سعد في (الطبقات) عن الواقدي وفيه: "وتزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن خمس وعشرين سنة، وخديجة يومئذ بنت أربعين سنة" (¬1) والواقدي متروك. بل قد رُوي خلاف ذلك، فقد روى الحاكم بسنده عن ابن إسحاق: "وكان لها يوم تزوجها ثمان وعشرون سنة (¬2) " لكن ابن إسحاق لم يسند الخبر ثم ساق الحاكم بسنده عن هشام بن عروة قال: "توفيت خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها - وهي ابنة خمس وستين سنة". قال الحاكم: "هذا قول شاذ، فإن الذي عندي أنها لم تبلغ ستين سنة (¬3) ". وقال البيهقي في (الدلائل): "قال أبو عبد الله (الحاكم) قرأت بخط أبي بكر بن أبي خيثمة، قال: حدثنا مصعب بن عبد الله الزبيري قال: .. ثم بلغت خديجة خمسًا وستين سنة، ويقال خمسين سنة. وهو أصح (¬4) ". قال ابن كثير: " .. وهكذا نقل البيهقي عن الحاكم أنه كان عمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين تزوج خديجة خمسًا وعشرين سنة، وكان عمرها إذ ذاك خمسًا وثلاثين، وقيل خمسًا وعشرين سنة (¬5) ". ¬

_ (¬1) 1/ 132. (¬2) 3/ 200. (¬3) 3/ 200. (¬4) 2/ 70. (¬5) البداية والنهاية (2/ 295) ولم أرَ مانسبه للبيهقي في (الدلائل) في: باب ما جاء في تزويج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخديجة - رضي الله عنها - (2/ 68).

فائدة

وقال -رحمه الله- عند الحديث عن زوجاته - صلى الله عليه وسلم -: " .. وعن حكيم بن حزام قال: كان عمرها أربعين سنة. وعن ابن عباس: كان عمرها ثمانيًا وعشرين سنة. رواهما ابن عساكر (¬6) ". قال الدكتور أكرم العمري: "وقد أنجبت خديجة - رضي الله عنه - من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذَكريْن وأربع إناث مما يرجِّح رواية ابن إسحاق (أي أنها في الثامنة والعشرين)، فالغالب أن المرأة تبلغ سنّ اليأس من الإنجاب قبل الخمسين". (¬7) فائدة: قال الزبير بن بكار (ت 256 هـ): "هند بنت أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة حملت بموسى بن عبد الله بن حسن بن حسن بعد ستين سنة، وسمعت علماءنا يقولون: لا تحمل امرأة بعد ستين سنة إلا من قريش، ولا بعد خمسين إلا عربية" (¬8). ¬

_ (¬6) البداية والنهاية (5/ 293). (¬7) السيرة النبوية الصحيحة (1/ 113). (¬8) تاريخ بغداد (13/ 28).

انتظاره - صلى الله عليه وسلم - لرجل ثلاثة أيام

انتظاره - صلى الله عليه وسلم - لرجل ثلاثة أيام ومما اشتهر في السيرة ما رواه أبو داود عن عبد الله بن أبي الحمساء - رضي الله عنه - قال: "بايعت (*) النبي - صلى الله عليه وسلم - ببيع قبل أن يبعث وبقيتْ له بقية فوعدته أن آتيه بها في مكانه، فنسيت ثم ذكرت بعد ثلاث، فجئت فإذا هو في مكانه، فقال: يا فتى لقد شققت علي، أنا ههنا منذ ثلاث أنتظرك". وقد رواه أبو داود من طريق إبراهيم بن طهمان عن بُديل عن عبد الكريم عن [بن] عبد الله بن شقيق عن أبيه عن عبد الله بن الحمساء. والخلاف هل هو عبد الكريم عن عبد الله أو عبد الكريم بن عبد الله؟ قال أبو داود: قال محمَّد بن يحي (الذهلي شيخ أبي داود في هذا الحديث) هذا عندنا عبد الكريم بن عبد الله بن شقيق. قال أبو داود: هكذا بلغني عن علي بن عبد الله (¬1). أهـ قال الحافظ في (التقريب): عبد الكريم بن عبد الله بن شقيق العقيلي البصري: مجهول (¬2). وقال في ترجمة ابن أبي الحمساء في (التهذيب): "له حديث واحد مختلف في إسناده، رواه أبو داود" (¬3). وذكر الإِمام الذهبي -رحمه الله- القصة في السيرة من (تاريخ الإِسلام) وعزاها لأبي داود (¬4). وقال العراقي في (تخريج الإحياء): رواه أبو داود واختلف في إسناده، وقال ابن مهدي: ما أظن إبراهيم بن طهمان إلا أخطأ (¬5). أهـ. ¬

_ (*) أي بعت منه بمعنى اشتريت (عون المعبود 13/ 340). (¬1) كتاب الأدب باب في العِدَة. (عون المعبود 13/ 339). (¬2) 1/ 515. (¬3) 5/ 192. (¬4) ص 82. (¬5) تخريج أحاديث إحياء علوم الدين. دار العاصمة الطبعة الأولى 1408 هـ (4/ 1692).

إعالته - صلى الله عليه وسلم - لعلي - رضي الله عنه

إعالته - صلى الله عليه وسلم - لعلي - رضي الله عنه قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد بن جبر قال: "كان من نعمة الله على علي بن أبي طالب، ومما صنع الله له، وأراده به من الخير أن قريشًا أصابتها أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثيرة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للعباس عمه - وكان من أيسر بني هاشم -: يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة، انطلق بنا إليه فلنخفف عنه من عياله .. " وفيه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ عليًا فضمه إليه، وأخذ العباس جعفرًا فضمه إليه (¬1) .. ". ورواه الحاكم من طريق ابن إسحاق، وسكت عنه، وحذفه الذهبي من التلخيص (¬2). وفي الإسناد علتان الإرسال، وعنعنة ابن أبي نجيح فهو مدلِّس. ويبعد أن يكون سيد قريش وكبيرها -في حينه- أبو طالب عاجزًا عن إعالة أبنائه، وهم أربعة فقط: علي وجعفر وعقيل وطالب. ولا نعلم عن البنات. وإذا كان علي وجعفر صغيرين، فإن الآخران قادران على التكسب، فقد ذكر المؤرخون أن جعفرًا كان أكبر من علي بعشر سنين، وعقيل أكبر من جعفر بعشر سنين، وطالب أكبر من عقيل بعشر سنين (¬3). والقول بأن عليًا - رضي الله عنه - بادر إلى الإِسلام لكونه كان في حجر النبي - صلى الله عليه وسلم -، لا يلزم منه تصحيح هذه القصة، كما أن جعفرًا - رضي الله عنه - كان من السابقين، ومن المهاجرين إلى الحبشة، ولم يتوقف إسلامه على إسلام العباس - رضي الله عنه - الذي تأخر إلى ما بعد الهجرة بسنوات. ¬

_ (¬1) الروض الأنف (3/ 7). (¬2) المستدرك (3/ 666) رقم (6463). (¬3) انظر الاستيعاب (بهامش الإصابة) (3/ 27).

فائدة

فائدة: روى ابن عبد البر بسنده عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "كان عليّ أول من آمن بالله من الناس بعد خديجة" ثم قال: هذا إسناد لا مطعن فيه لأحد؛ لصحته وثقة نقلته (¬4) ". وقال الذهبي: "وثبت عن ابن عباس قال: أول من أسلم علي (¬5) ". وأخرى: وقال ابن عبد البر: "وقال أحمد بن حنبل وإسماعيل بن إسحاق القاضي لم يُرْوَ في فضائل أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما روي في فضائل علي بن أبي طالب. وكذا قال النسائي (¬6) ". قال ابن حجر معللًا ذلك بقوله: "وقال غيره (يعني أحمد بن حنبل): وكان سبب ذلك بغض بني أمية له، فكان كل من كان عنده علم من شيء من مناقبه من الصحابة يثبته .. (¬7) ". قال ابن تيمية: "وأحمد بن حنبل لم يقل: إنه صحَّ لعلي من الفضائل مالم يصحّ لغيره، بل أحمد أجلّ من أن يقول مثل هذا الكذب، بل نُقل عنه أنه قال: "روي له ما لم يروَ لغيره" مع أن في نقل هذا عن أحمد كلامًا ليس هذا موضعه (¬8) ". ¬

_ (¬4) الاستيعاب (بهامش الإصابة) (3/ 28) (¬5) تاريخ الإِسلام. عهد الخلفاء الراشدين، ص 624. (¬6) الاستيعاب (بهامش الإصابة) (3/ 51) وترجمة علي - رضي الله عنه - هي أطول ترجمة في الكتاب. ومقولة الإِمام أحمد أخرجها الحاكم بسنده (3/ 116). (¬7) الإصابة (2/ 501). (¬8) منهاج السنة (7/ 374).

قصة سبي زيد بن حارثة - رضي الله عنه -

قصة سبي زيد بن حارثة - رضي الله عنه - روى ابن سعد في (الطبقات) بسنده عن هشام بن محمَّد بن السائب الكلبي عن أبيه ... قال: "كان حارثة بن شراحيل تزوج امرأة في طي من نبهان فأولدها جبلة وأسماء وزيدًا ... " وذكر القصة في وقوع زيد في السبي بعد أن أغارت عليهم خيل من تهامة من بني فزارة، ثم بيعه في سوق عكاظ، ورؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - له قبل أن يُبعث، ثم شراء خديجة - رضي الله عنها - له، ومصيره إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيه قدوم حارثة وبعض عشيرته لطلبه ثم تخيير النبي - صلى الله عليه وسلم - له .. إلى آخر القصة (¬1)، قال الحافظ في (التهذيب) بعد أن عزاه إلى تمّام في فوائده: "حديث منكر جدًا، وقد أورده الحافظ أبو عبد الله بن مندة في معرفة الصحابة في ترجمته، وقال: إنه لا يُروى إلا بهذا الإسناد. ثم رأيته في المستدرك للحاكم (¬2) لكنه لم يصرّح بتصحيحه (¬3) ". وإسناد ابن سعد في شيخه هشام وأبوه، وهما متروكان. وذكر قصته ابن إسحاق في السيرة دون إسناد (¬4). وأخرجه ابن عبد البر في (الاستيعاب (¬5)) من طريق أبي إسحاق السبيعي قال: قيل لجبلة بن حارثة أنت أكبر أم زيد؟ قال: زيد خير مني وأنا وُلدت قبله. ثم ذكر قصة وقوع زيد في الأسر مختصرةً، وليس فيها قدوم أبيه وعشيرته وما بعدها. قال أبو عمر بن عبد البر قبل ذكره للقصة: "وبعضهم يُدخل بين أبي إسحاق وجبلة بن حارثة فروة بن نوفل". وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في (التهذيب) في ترجمة ¬

_ (¬1) الطبقات (3/ 42). (¬2) المستدرك (3/ 235) وحذفه الذهبي من التلخيص لضعفه. (¬3) التهذيب (11/ 79). وقال في الفتح (7/ 87) بعد أن عزاه لابن مندة وتمام: بإسناد مستغرب عن آل بيت زيد بن حارثة. وقال في الإصابة في ترجمة حارثة والد زيد: .. ورجال إسناده مجهولون (1/ 297). (¬4) الروض الأنف (3/ 9). (¬5) الاستيعاب (بهامش الإصابة) (1/ 240).

جبلة "الصحيح عن أبي إسحاق عن فروة عنه (¬6) " ا. هـ أما كونه كان يسمى زيد بن محمَّد، فهذا رواه البخاري في صحيحه باب {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ} من كتاب التفسير، عن ابن عمر - رضي الله عنه - أن زيد بن حارثة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمَّد، حتى نزل القرآن: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ} (¬7) ورواه مسلم في "فضائل الصحابة" باب فضائل زيد (¬8). وروى الترمذي بسنده عن أبي عمرو الشيباني قال: أخبرني جبلة بن حارثة أخو زيد قال: قدمتُ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت له يا رسول الله: أبعث معي أخي زيدًا. قال: "هو ذا فإن انطلق معك لم أمنعه" قال زيد: يا رسول الله، والله لا أختار عليك أحدًا، قال: "فرأيتُ رأي أخي أفضل من رأيي" ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث ابن الرومي عن علي بن مسهر (¬9) أهـ. وأورده الألباني في "صحيح الترمذي (¬10)). وأخرجه الحاكم وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي (¬11). ¬

_ (¬6) التهذيب (2/ 61). (¬7) البخاري (8/ 517). (¬8) (15/ 195) نووي. (¬9) سنن الترمذي (10/ 319 تحفة). (¬10) 3/ 231. رقم (2998) (¬11) المستدرك (3/ 237).

محاولة التردي من شواهق الجبال

محاولة التردي من شواهق الجبال روى الإِمام البخاري -رحمه الله- في كتاب التعبير من صحيحه (باب أول ما بُدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصالحة) ثم ذكر بسنده عن عائشة - رضي الله عنها - كيف نزل الوحي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أول مرة. وفي آخر الحديث: "وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا حزنًا غدا منه مرارًا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدّى له جبريل فقال: يا محمَّد إنك رسول الله حقًا، فيسكن لذلك جأشه وتقرّ نفسه فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك" (¬1). قال الحافظ -رحمه الله- في (الفتح): "وقوله هنا (فترة حتى حزن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا) هذا وما بعده من زيادة مَعْمَر على رواية عقيل ويونس، وصنيع المؤلف يوهم أنه داخل في رواية عُقيل .. والذي عندي أن هذه الزيادة خاصة برواية مَعْمَر، فقد أخرج طريق عُقيل أبو نُعيم في مستخرجه .. بدونها، وأخرجه مقرونًا هنا برواية معمر وبيّن أن اللفظ لمعمر، وكذلك صرّح الإسماعيلي أن الزيادة في رواية معمر، وأخرجه أحمد ومسلم والإسماعيلي وغيرهم وأبو نعيم أيضًا، من طريق جمعٍ من أصحاب الليث عن الليث بدونها. ثم إن القائل: "فيما بلغنا" هو الزهري ... وهو من بلاغاته وليس موصولًا. وقال الكرماني: هذا هو الظاهر، ويحتمل أن يكون بلغه بالإسناد المذكور، ووقع عند ابن مردويه في التفسير من طريق محمَّد بن كثيرعن مَعْمر بإسقاط قوله "فيما بلغنا" ولفظه: "فترة حزن النبي - صلى الله عليه وسلم - منها حزنا غدا منه" إلى آخره فصار كله مدرجًا على رواية الزهري وعن عروة عن عائشة، والأول هو المعتمد" (¬2). ¬

_ (¬1) (12/ 351 - 352) فتح الباري. (¬2) (12/ 359).

وكذا ذكر الشيخ الألباني -رحمه الله- لهذه الزيادة العلّتّان السابقتان: الأولى: تفرّد معمر بها دون يونس وعُقيل، فهي شاذة. الأخرى: أنها مرسلة معضلة، فإن القائل: "فيما بلغنا" إنما هو الزهري كما هو ظاهر من السياق ... (¬3) ¬

_ (¬3) دفاع عن الحديث النبوي والسيرة (الرد على البوطي) ص 41.

ومما شاع ولم يثبت

ومما شاع ولم يثبت ما رواه ابن إسحاق قال: "حدثني إسماعيل بن أبي حكيم مولى آل الزبير أنه حُدِّث عن خديجة - رضي الله عنها - أنها قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي ابن عم، أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذى يأتيك إذا جاءك؟ قال: نعم. قالت: فإذا جاءك فأخبرني به، فجاءه جبريل - عليه السلام - كما كان يصنع، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لخديجة: يا خديجة، هذا جبريل قد جاءني، قالت: قم يا ابن عم فاجلس على فخذي اليسرى. قال: فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلس عليها: قالت: هل تراه؟ قال: نعم: قالت: فتحول فاجلس على فخذي اليمنى، قالت: فتحول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلس على فخذها اليمنى، فقالت: هل تراه؟ قال: نعم. قالت: فتحول فاجلس في حجري، قالت فتحوّل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلس في حجرها، قالت: هل تراه؟ قال: نعم: قال: فتحسّرتْ وألقت خمارها، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس في حجرها، ثم قالت له: هل تراه؟ قال: لا، فقالت: يا ابن عم، أثبت وأبشر، فوالله إنه لملَك وما هذا بشيطان. قال ابن إسحاق: وقد حدثت عبد الله بن حسن هذا الحديث، فقال: قد سمعت أمي فاطمة بنت حسين تُحدِّث بهذا الحديث عن خديجة إلا أني سمعتها تقول: أدخلتْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينها وبين درعها، فذهب عند ذلك جبريل، فقالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن هذا لملك وما هو بشيطان" (¬1). وأسناد ابن إسحاق الأول معضل، فإسماعيل بن أبي حكيم لا يُعرف له سماع عن أحد من الصحابة، وخديجة - رضي الله عنه - كانت وفاتها قبل الهجرة. وكذا إسناده الآخر فإن فاطمة بنت الحسين روايتها عن جدتها فاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلة، فكيف عن خديجة؟ ومن طريق ابن إسحاق أخرجه البيهقي في (الدلائل (¬2)). ¬

_ (¬1) الروض الأنف (2/ 383). (¬2) دلائل النبوة (2/ 151).

فائدة

ثم طبع المجلد الثالث عشر من (الضعيفة) وقد ذُكر فيه هذه القصة، وتعقب الشيخ الألباني الهيثمي -رحمه الله- في قوله: -بعد أن عزاه للطبراني-: "إسناده حسن" (¬3). بقوله: "هو كذلك لولا ما يأتي .. " وذكر علتين: 1 - ضعف يحيى بن سليمان بن نضلة المديني. 2 - مخالفته لمن هو أوثق منه (¬4). فائدة: وقد أخرج مسلم عن عائشة - رضي الله عنه - قوله - صلى الله عليه وسلم - عن جبريل: " .. ولم يكن يدخل عليكِ وقد وضعتِ ثيابك .. (¬5) ". فائدة: وروى البخاري في صحيحة قوله - صلى الله عليه وسلم - لأم سلمة - رضي الله عنها -: "يا أم سلمة لاتؤذيني في عائشة، فإنه والله ما نزل عليّ الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها (¬6) ". ¬

_ (¬3) مجمع الزوائد (8/ 256). (¬4) السلسلة الضعيفة رقم (6097). (¬5) كتاب الجنائز، ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها (7/ 44 نووي) (¬6) فضائل الصحابة، باب فضل عائشة رضي الله عنها (7/ 107 فتح).

تحديد الدعوة السرية بثلاث سنين

تحديد الدعوة السرية بثلاث سنين قال ابن إسحاق -رحمه الله-: " ... وكان بين ما أخفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره، واستتر به إلى أن أمره الله تعالى بإظهار دينة ثلاث سنين - فيما بلغني - من مبعثه ... (¬1) " هكذا ذكره دون إسناد. وروى هذا التحديد أيضًا ابن سعد، قال أخبرنا محمَّد بن عمر ... عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال: " ... فكان (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) يدعو من أول ما نزلت عليه النبوة ثلاث سنين مستخفيًا إلى أن أُمر بظهور الدعاء (¬2) " ومحمد بن عمر هو الواقدي، وهو متروك، والقاسم تابعي. وروى البلاذُري عن عائشة - رضي الله عنه - قالت: "دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرًا أربع سنين (¬3) ". ولا ريب أن الدعوة كانت سرية في بداية الأمر، لكن تحديدها بثلاث سنوات أو أربع، لم يثبت، وبالتالي فإن بناء أحكام شرعية عليها بهذا التحديد، لا دليل عليه - والله أعلم -. ¬

_ (¬1) الروض الأنف (3/ 42). (¬2) الطبقات الكبرى (1/ 199). (¬3) أنساب الأشراف، بواسطة سُبل الهدى والرشاد (2/ 322).

لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري

لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري قال ابن إسحاق-رحمه الله-: "وحدثنى يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حُدِّث: أن قريشًا حين قالوا لأبي طالب هذه المقالة (¬1)، بعث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له: يا ابن أخي، إن قومك قد جاؤوني فقالوا لي: كذا وكذا، للذي كانوا قالوا له، فأبق عليّ وعلى نفسك، ولا تحملنى من الأمر مالا أطيق. فظن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قد بدا لعمه فيه أنه خاذله ومسلمه، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا عمّ، والله لو وضعوا الشمس في يمينى والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أهلك فيه ما تركته. قال: ثم استعبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبكى ثم قام، فلما ولى ناداه أبو طالب، فقال: أقبل يابن أخي، قال: فأقبل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: اذهب يا بن أخي، فقل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشيء أبدًا (¬2) ". قال الشيخ الألباني -رحمه الله- "وهذا إسناد ضعيف معضل، يعقوب بن عتبة هذا من ثقات أتباع التابعين، مات سنة ثمان وعشرين ومائة، وقد وجدتُ للحديث طريقًا أخرى بسند حسن، لكن بلفظ: "ما أنا بأقدر على أن أدع لكم ذلك، على أن تشعلوا لي منها شعلة، يعنى الشمس (¬3) " وأحال الشيخ الألباني -رحمه الله- على: (الصحيحة) في التخريج، وقال هناك في تخريج هذا الحديث الأخير: "رواه أبو جعفر البختري ... وابن عساكر من طريق أبي يعلي وغيره كلاهما عن يونس بن بُكير، أخبرنا طلحة بن يحي عن موسى بن طلحة قال: حدثنى عقيل بن أبي طالب قال: "جاءت ¬

_ (¬1) وهي قولهم: "يا أبا طالب إن لك سنًا وشرفًا ومنزلة فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله لا نصبر على هذا مِنْ شتم ابائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا، حتى تكفّه عنّا، أو ننازله وإياك في ذلك، حتى يهلك أحد الفريقين، أو كما قالوا له". الروض الأنف (3/ 45). (¬2) الروض الأنف (3/ 46). (¬3) سلسلة الأحاديث الضعيفة. رقم الحديث 909. الطبعة الثالثة 1406 هـ.

قريش إلى أبي طالب فقالوا: أرأيتَ أحمد؟ يؤذينا في نادينا، وفي مسجدنا فانهه عن أذانا، فقال: يا عقيل، ائتني بمحمد، فذهبت فأتيته به، فقال: يا ابن أخي إنّ بني عمك زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم، وفي مسجدهم، فانته عن ذلك. قال: فلحظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببصره (وفي رواية: فحلّق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببصره) إلى السماء فقال: (فذكره قال) فقال أبو طالب: ماكذب ابن أخي. فارجعوا". قلت (الألباني): "هذا إسناد حسن رجاله كلهم رجال مسلم، وفي يونس بن بُكير وطلحة بن يحيى كلام لا يضر (¬4) ". اهـ وذكر الإِمام الذهبي -رحمه الله- الخبريْن في السيرة، وقال عن حديث عقيل: "رواه البخاري في (التاريخ) عن أبي كُريب عن يونس (¬5) ". وحسّنه الحافظ ابن حجر -رحمه الله- (¬6). ¬

_ (¬4) سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/ 147) حديث رقم 92. (¬5) تاريخ الإِسلام. ص 149. (¬6) المطالب العالية (4/ 192).

عرض قريش على أبي طالب عمارة بن الوليد بدل محمد - صلى الله عليه وسلم

عرضُ قريش على أبي طالب عُمارة بن الوليد بدل محمَّد - صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق -رحمه الله-: "ثم إن قريشًا حين عرفت أن أبا طالب أبى خذلان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإسلامه، وإجماعه لفراقهم في ذلك وعداوتهم، مشوا إليه ومعهم عمارة بن الوليد بن المغيرة، فقالوا له فيما بلغنا: "يا أبا طالب قد جئناك بفتى قريش عمارة بن الوليد، جمالًا وشبابًا ونهادة، فهو لك نصره وعقله، فاتخذه ولدًا، لاتُنازع فيه، وخلّ بيننا وبين ابن اخيك هذا، الذي فارق دينك ودين آبائك، وفرّق جماعة قومه، وسفّه أحلامهم، فإنما رجل كرجل، لنقتله، فإن ذلك أجمع للعشيرة، وأفضل في عواقب الأمور مغبة". فقال لهم أبو طالب: "والله ما أنصفتموني، تعطوني ابنكم أغذوه لكم، وأعطيكم ابن أخي تقتلونه! هذا والله لا يكون أبدًا. أفلا تعلمون أن الناقة إذا فقدت ولدها لم تحنّ إلى غيره؟ " فقال له المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف: "لقد أنصفك قومك يا أبا طالب. وما أراك تريد أن تقبل ذلك منهم". فقال أبو طالب للمطعم بن عدي: "والله ما أنصفوني، ولكنك قد أجمعت على خذلاني ومظاهرة القوم علي، فاصنع ما بدا لك (¬1) ". وهذا مرسل ساقه ابن إسحاق بدون إسناد. ورواه ابن سعد في (الطبقات) (¬2) عن شيخه محمَّد بن عمر الواقدي. وذكرها الذهبي في (السيرة) (¬3) عن ابن إسحاق. فائدة: قال ابن كثير -رحمه الله-: "وكان استمراره (أبو طالب) على دين قومه من حكمة الله تعالى، ومما صنعه لرسوله من الحماية، إذا لو كان أسلم أبو طالب لما كان له عند مشركي قريش وجاهة ولا كلمة. ولا كانوا يهابونه ¬

_ (¬1) سيرة ابن إسحاق، تحقيق محمَّد حميد الله. ص 133. (¬2) 1/ 202. (¬3) ص 152.

ويحترمونه، ولاجترؤا عليه، ولمدوا أيديهم وألسنتهم بالسوء إليه، وربك يخلق ما يشاء ويختار (¬4) ". وقال -رحمه الله- في موضع آخر: " .. ولكن مع هذا لم يقدّر الله له الإيمان لما له تعالى في ذلك من الحكمة العظيمة، والحجة القاطعة البالغة الدامغة التي يجب الإيمان بها والتسليم لها، ولولا ما نهانا الله عنه من الاستغفار للمشركين لاستغفرنا لأبي طالب وترحمنا عليه (¬5) ". ¬

_ (¬4) البداية والنهاية (41). (¬5) البداية والنهاية (3/ 126).

أهذا الجعل إلهك؟

أهذا الجُعَل إلهك؟ قال ابن إسحاق -رحمه الله-: "وحدثني حكيم بن جُبيرعن سعيد بن جبير قال: قلت لعبد الله بن عباس: "أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العذاب ما يُعذرون به في ترك دينهم؟ قال: نعم والله إن كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه، ويعطشونه حتى ما يقدر أن يستوي جالسًا من شدة الضُّر الذي نزل به، حتى يعطيهم ما سألوه من الفتنة، حتى يقولوا له: آللات والعزى إلهك من دون الله؟ فيقول: نعم، حتى إن الجعل ليمرّ بهم فيقولون له: أهذا الجُعَل إلهك من دون الله؟ فيقول: نعم، افتداءً منهم مما يبلغون من جَهْده (¬1) ". وحكيم بن جبير تكلم فيه الأئمة، فقد ضعّفه أحمد، ويعقوب بن شيبة وأبو حاتم وغيرهم، وقال الدارقطني: متروك. وقال أبو زرعة: محله الصدق (¬2). ويغني عن هذا الحديث في ما لقيه الصحابة من التعذيب أحاديث منها: ما رواه الإِمام أحمد في (المسند) (¬3) وفي (فضائل الصحابة) (¬4) عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: "إن أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبو بكر وعمار وأمّه سمية وصهيب وبلال والمقداد، فأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون، فألبسوهم أدراع الحديد، وصهروهم في الشمس، فما منهم إنسان إلا وقد واتاهم على ما أرادوا، إلا بلال، فإنه هانت عليه نفسه في الله وهان على قومه، فأعطوه الولدان، وأخذوا يطوفون به شعاب مكة، وهو يقول: أَحدٌ أَحدٌ". ورواه أيضًا ¬

_ (¬1) الروض الأنف (3/ 202). (¬2) التهذيب (2/ 445 - 446). (¬3) المسند (5/ 319) حديث رقم 3832. (¬4) (1/ 223 - 224) وحسنه المحقق وصي الله عباس.

ابن ماجه (¬5)، والحاكم (¬6) وصححه، والبيهقي في (الدلائل (¬7)) وغيرهم. وصححه الذهبي (¬8)، وأحمد شاكر، وحسنه الألباني (¬9)، والوادعي (¬10)، والعودة (¬11)، والحميّد (¬12). ¬

_ (¬5) المقدمة (1/ 53). (¬6) المستدرك (3/ 320) ووافقه الذهبي. (¬7) دلائل النبوة (2/ 281 - 282). (¬8) تاريخ الإِسلام السيرة النبوية، ص 18. (¬9) صحيح سنن ابن ماجه (1/ 30) وصحيح السيرة النبوبة ص 121. (¬10) الصحيح المسند ممّا ليس في الصحيحين (2/ 28، 43). (¬11) الغرباء الأولون (1/ 136). (¬12) مختصر استدراك الذهبي على الحاكم لابن الملقّن (4/ 1938).

يابني عبد مناف أي جوار هذا؟

يابني عبد مناف أي جوار هذا؟ وممّا شاع ولم يثبت في السيرة النبوية ما أخرجه ابن سعد قال: أخبرنا محمَّد بن عمر أخبرنا ... عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "كنتُ بين شرّ جاريْن، بين أبي لهب وعقبة بن أبي مُعيط، إن كانا ليأتيان بالفروث فيطرحانها على بابي، حتى إنهم ليأتون ببعض مايطرحون من الأذى فيطرحونه على بابي، فيخرج به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقول: يا بني عبد مناف أي جوار هذا ثم يلقيه بالطريق (¬1) ". وشيخ ابن سعد هو الواقدي متروك. وأذيّة قومه له - صلى الله عليه وسلم - ثابتة بالأحاديث الصحيحة وليست بحاجة إلى مثل هذا الأثر الضعيف جدًا. ¬

_ (¬1) الطبقات (1/ 210).

عبيد الله بن جحش هل تنصر (*)؟

عبيد الله بن جحش هل تنصّر (*)؟ اشتهر في كتب السيرة أن عبيد الله بن جحش قد تنصّر في أرض الحبشة، وكان قد هاجر إليها مع زوجه أم حبيبة فهل ثبتت ردته بسند صحيح؟ قال ابن إسحاق -رحمه الله- في ذكر بعض من اعتزل عبادة قريش للأصنام وهم: ورقة بن نوفل، وعبيد الله بن جحش وعثمان بن الحويرث، وزيد بن عمرو بن نفيل، فقال بعضهم لبعض: "تعلمون والله ما قومكم على شيء، لقد أخطؤوا دين أبيهم إبراهيم، ما حجر نطيف به، لا يسمع ولا يبصر، ولا يضر ولا ينفع؟ التمسوا لأنفسكم، فإنكم والله ما أنتم على شيء، فتفرقوا في البلدان يلتمسون الحنيفية، دين إبراهيم، فأما ورقة بن نوفل فاستحكم في النصرانية ... وأما عبيد الله بن جحش فأقام على ما هو عليه من الالتباس حتى أسلم، ثم هاجر مع المسلمين إلى الحبشة، ومعه امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان مسلمة فلما قدمها تنصَّر، وفارق الإِسلام، حتى هلك هناك نصرانيًا". ثم قال ابن إسحاق: "فحدثني محمَّد بن جعفر بن الزبير قال: كان عبيد الله بن جحش - حين تنصر - يمرّ بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم هنالك من أرض الحبشة، فيقول: فقّحنا وصأصأتم، أي أبصرنا وأنتم تلتمسون البصر، ولم تبصروا بعد ... (¬1) ". وشيخ ابن إسحاق هنا محمَّد بن جعفر بن الزبير بن العوام وهو ثقة، مات سنة بضع عشرة ومائة، من الطبقة السادسة، وهي طبقة لم يثبت لأحد منها لقاء أحد من الصحابة، فالخبر مرسل. ثم ذكره -ابن إسحاق- في قدوم جعفر بن أبي طالب من الحبشة فقال: "حدثني محمَّد بن جعفر بن الزبير عن عروة قال: "خرج عبيد الله بن جحش مع المسلمين مسلمًا، فلما قدم أرض الحبشة تنصر، ¬

_ (*) نُشر في مجلة البيان، عدد رقم 182، شوال 1423. بعنوان: "تحقيق دعوى ردّة عبيد الله بن جحش (¬1) الروض الأنف (2/ 347).

قال: فكان إذا مرّ بالمسلمين (¬2) " وذكر نحو ما سبق. وهذا سند صحيح لكنه مرسل. وهو أصحّ ما ورد في تنصر ابن جحش. وذكره أيضًا في تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - أم حبيبة - رضي الله عنه -فقال: "ثم تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد زينب، أم حبيبة بنت أبي سفيان، وكانت قبله عند عبد الله [عبيد الله] بن جحش. فمات عنها بأرض الحبشة، وقد تنصر بعد إسلامه ... (¬3) ". والخبر هنا بدون إسناد. وروى القصة ابن سعد في (الطبقات) فقال: أخبرنا محمَّد بن عمر، حدثنا عبد الله بن عمرو بن زهير عن إسماعيل بن عمرو بن سعيد بن العاص قال: قالت أم حبيبة: رأيت في النوم عبيد الله بن جحش زوجي بأسوأ صورة وأشوهه، ففزعتُ، فقلتُ: تغيّرتْ والله حاله، فإذا هو يقول حيث أصبح: يا أم حبيبة إني نظرت في الدين فلم أرَ دينًا خيرًا من النصرانية، وكنت قد دِنتُ بها، ثم دخلت في دين محمَّد ثم قد رجعت إلى النصرانية، فقلت: والله ما خير لك. وأخبرتُه بالرؤيا التي رأيتُ له، فلم يحفل بها، وأكبَّ على الخمر حتى مات (¬4) " ... ورواه أيضًا في ذكر عدد أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال عند ذكر أم حبيبة - رضي الله عنه - "وكانت قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند عبيد الله بن جحش، وكان قد أسلم وهاجر إلى الحبشة .. ثم ارتد، وتنصر، فمات هناك على النصرانية (¬5) ". وشيخ ابن سعد في الخبريْن هو الواقدي، وهو متروك على سعة علمه. ورواه الحاكم في (المستدرك) عن الزهري مرسلًا وفيه: " .. ثم افتتن وتنصر فمات وهو نصراني، وأثبت الله الإِسلام لأم حبيبة ... وأبت أن تتنصّر (¬6) ... " ¬

_ (¬2) الروض الأنف (6/ 538). (¬3) سيرة ابن إسحاق، تحقيق محمَّد حميد الله. ص 241. (¬4) طبقات ابن سعد (8/ 97). (¬5) (8/ 218). (¬6) المستدرك (4/ 21).

ورواه موصولًا من طريق الواقدي، وفيه رؤيا أم حبيبة (¬7)، كرواية ابن سعد. "ومراسيل الزهري ضعيفة (¬8) " قال الإِمام الذهبي-رحمه الله-: "قال يحي بن سعيد القطان: مرسل الزهري شرٌّ من مرسل غيره؛ لأنه حافظ، وكل ما قدر أن يُسمّي سَمّى، وإنما يَترك من لا يحب أن يسميه. قلت (الذهبي): مراسيل الزهري كالمعضل؛ لأنه يكون قد سقط منه إثنان، ولا يسوغ أن نظن به أنه أسقط الصحابي فقط، ولو كان عنده عن صحابي لأوضحه ولما عجز عن وصله ... ومن عدّ مرسل الزهري كمرسل سعيد بن المسيب، وعروة ابن الزبير ونحوهما، فإنه لم يدرِ ما يقول، نعم كمرسل قتادة ونحوه (¬9) ". وروى الخبر الطبري -رحمه الله- في تاريخه، في: "ذِكْر الخبر عن أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" عن هشام بن محمَّد مرسلًا وفيه عند ذكر أم حبيبة: "فتنصر زوجها، وحاولها أن تتابعه فأبت، وصبرت على دينها، ومات زوجها على النصرانية (¬10) " والخبر فضلًا عن إرساله، فإنه عن هشام بن محمَّد بن السائب الكلبي وهو رافضي متروك. قال الإِمام أحمد -رحمه الله-: "إنما كان صاحب سمر ونسب، ما ظننت أن أحدًا يُحَدِّثُ عنه (¬11) " ونقله ابن الأثير في تاريخه (¬12) عن ابن الكلبي أيضًا. ورواه البيهقي -رحمه الله- في (الدلائل) من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة قال: "ومن بني أسد بن خزيمة: عبيد الله بن جحش، مات بأرض الحبشة نصرانيًا ومعه امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان، واسمها رملة، فخلف عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أنكحه إياها عثمان بن عفان بأرض الحبشة .. (¬13) " والخبر فيه ¬

_ (¬7) (4/ 22). (¬8) قاله الحافظ في (التلخيص الحبير) (4/ 111). (¬9) سير أعلام النبلاء (5/ 338 - 339). (¬10) تاريخ الطبري (2/ 213). (¬11) لسان الميزان (6/ 196). (¬12) الكامل في التاريخ (2/ 210). (¬13) دلائل النبوة (3/ 460).

علتان؛ الإرسال، وضعف ابن لهيعة. والمتن هنا فيه غرابة، قال ابن كثير -رحمه الله-: "وأما قول عروة أن عثمان زَوَّجَهَا منه فغريب؛ لأن عثمان كان قد رجع إلى مكة قبل ذلك ثم هاجر إلى المدينة وصحبته زوجته رقية (¬14) ". وعبيد الله بن جحش لم يُترجم له ابن عبد البر في (الاستيعاب) ولا ابن الأثير في (أُسد الغابة) ولا ابن حجر في (الإصابة). وفي ترجمة أخيه عبد الله - رضي الله عنه - في (الإصابة) لم يذكر ابن حجر شيئًا، أما ابن عبد البر فقد قال في (الاستيعاب) في ترجمة عبد الله: " .. وكان هو وأخوه أبو أحمد عبد بن جحش من المهاجرين الأوليين ممنّ هاجر الهجرتين، وأخوهما عبيد الله بن جحش تنصر بأرض الحبشة، مات بها نصرانيًا وبانت منه امرأته أم حبيبة .. (¬15) " وكذا ذكر ابن الأثير في ترجمة عبد الله. وفي ترجمة أم حبيبة - رضي الله عنها - في (الإصابة): قال ابن حجر: "لما تنصر زوجها عبيد الله، وارتد عن الإِسلام، فارقها، فأخرج ابن سعد من طريق إسماعيل بن عمرو بن سعيد الأموي قال ... (¬16) " وذكر القصة التي أوردها ابن سعد عن الواقدي، وسبقت. وفي ترجمتها في (التهذيب) لم يذكر الحافظ تنصّر عبيد الله بل قال: "هاجرت إلى الحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش هناك، ومات فتزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي هناك، سنة ست، وقيل سنة سبع (¬17) " وقال الذهبي -رحمه الله- في (السير) في ترجمة أم حبيبة - رضي الله عنها - (ابن سعد أخبرنا الواقدي: أخبرنا وذكر رؤياها - رضي الله عنها - وردّة زوجها، ثم قال (الذهبي): "وهي منكرة (¬18) " ولم يبين -رحمه الله- وجه النكارة. ¬

_ (¬14) البداية والنهاية (4/ 143). (¬15) الاستيعاب (بهامش الإصابة، 2/ 263). (¬16) الإصابة (4/ 299). (¬17) 12/ 419. (¬18) سير أعلام النبلاء (2/ 221).

ومما يرجّح أن خبر ردته غير صحيح أن الروايات الصحيحة في نكاحه - صلى الله عليه وسلم - بأمِّ حبيبة - رضي الله عنها - لم تذكر شيئًا من ذلك، فقد روى الإِمام أحمد بسند صحيح من طريق الزهري عن عروة عن أمِّ حبيبة - رضي الله عنها - "أنها كانت تحت عبيد الله بن جحش وكان أتى النجاشي فمات، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج أمِّ حبيبة وإنها بأرض الحبشة، زوّجها إياه النجاشي، وأمهرها أربعة آلاف (¬19) " ورواه أيضًا أبو داود (¬20)، والنسائي (¬21). مما سبق يتبين -والله أعلم- أن قصة ردة عبيد الله بن جحش لم تثبت، لعدة أدلة منها: 1 - أنها لم تُروَ بسند صحيح متصل، فالموصول من طريق الواقدي، والمرسل جاء عن عروة بن الزبير، ولا يمكن أن تحتج بالمرسل (عند من يرى الاحتجاج به) في مسألة كهذه، فيها الحكم على أحد السابقين الأولين بالردة. 2 - أن الروايات الصحيحة في زواجه - صلى الله عليه وسلم -بأم حبيبة لم تذكر ردة زوجها السابق، كما في الرواية السابقة عند أحمد وأبي داود والنسائي. 3 - أنه يبعد أن يرتدّ أحد السابقين الأولين للإسلام عن دينه، وهو ممّن هاجر فرارًا بدينه مع زوجه إلى أرض بعيدة غريبة. خاصة أن عبيد الله بن جحش ممن هجر ما عليه قريش من عبادة الأصنام، والتماسه مع ورقة، وغيره الحنيفية- كما في رواية ابن إسحاق (بدون سند) الواردة أول هذا البحث - وفي رواية ابن سعد (عن الواقدي) أنه كان قد دان بالنصرانية قبل الإِسلام، ومعلوم أن البشارة ببعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانت معروفة عند أهل الكتاب من يهود ونصارى، فكيف يتصور من رجل يترقب الدين الجديد أن يعتنقه ثم يرتد عنه لدين ¬

_ (¬19) الفتح الرباني (16/ 170). (¬20) كتاب النكاح، باب الصداق (رقم 2093) (عون المعبود 6/ 137). (¬21) كتاب النكاح، القسط في الأصدقة (6/ 119) وصححه الألباني، صحيح النسائي (2/ 705)

تتمة

منسوخ؟ كما أن زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمِّ حبيبة كان في سنة ست، وقيل سبع، وردة عبيد الله المزعومة قبل ذلك بفترة وهي مرحلة كان الإِسلام قد علا فيها وظهر حتى خارج الجزيرة العربية، بل أصبح هناك من يظهر الإِسلام ويبطن الكفر، كحال المنافقين. 4 - في حوار هرقل مع أبي سفيان -وكان إذ ذاك مشركًا - أن سأله ضمن سؤالاته: "هل يرتدّ أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فأجاب أبو سفيان: لا" ولو كان عبيد الله قد تنصر لوجدها أبو سفيان فرصة للنيل من النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعوته. كما فعل لما سُئل "فهل يغدر؟ قلت: لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها. قال: ولم تمكني كلمة أُدخل فيها شيئًا غير هذا الكلمة (¬22) " ولا يمكن القول بأن أبا سفيان لم يعلم بردة عبيد الله - لو صحت ردته - لأنه والد زوجه أم حبيبة. وبعد، فالمسألة متعلقة بأحد أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بل ومن السابقين الأولين، والأصل بقاء ما كان على ما كان، فإن صحّ السند بخبر ردته فلا كلام، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، أما والسند لم يثبت فإن نصوص الشريعة حافلة بالذبّ عن عرض المسلم، فكيف إذا كان هذا المسلم صحابيًا بل ومن السابقين؟. تتمة: وقد أخرج ابن حبان في صحيحه (¬23)، قال: حدثنا سعيد بن كثير بن عفير قال حدثنا الليث عن ابن مسافر عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت: "ثم هاجر عبيد الله بن جحش بأم حبيبة بنت أبي سفيان وهي امرأته إلى أرض الحبشة، فلما قدم الحبشة مرض، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ¬

_ (¬22) البخاري، كتاب بدء الوحي (1/ 42 فتح). (¬23) (13/ 386).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتزوج رسول الله أم حبيبة، وبعث معها النجاشي شرحبيل بن حسنة".

والسكران بن عمرو هل تنصر؟

والسكران بن عمرو هل تنصّر؟ وإن كانت شهرة هذه القصة دون سابقتها بكثير، ذلك أنه لم يرو فيها شيء صحيح، بل ولا ضعيف - فيما أعلم - وقد ترجم له الحافظ في (الإصابة) فقال: "السكران بن عمرو بن عبد شمس ... أخو سهيل بن عمرو، ذكره موسى بن عقبة في مهاجرة الحبشة، وكذا قال ابن إسحاق وزاد أنه رجع إلى مكة فمات بها، فتزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - بعده زوجته سودة بنت زمعة ... وزعم أبو عبيدة (¬1) أنه رجع إلى الحبشة فتنصّر بها ومات، وقال البلاذري: الأول أصح، ويقال: إنه مات بالحبشة (¬2) ". وترجم له ابن عبد البر في (الاستيعاب) (¬3) ولم يذكر شيئًا عن تنصّره. وليس في سيرة ابن إسحاق ذكرٌ لردته عند الحديث عن: "تسمية من هاجر إلى أرض الحبشة من مكة (¬4) " بل في حديثه عن "تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - سودة بنت زمعة " قال -رحمه الله- بدون سند - "ثم تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد خديجة سودة بنت زمعة وكانت قبله عند السكران بن عمرو، أخي سهيل بن عمرو، وكان ابن عمها، تزوجها وهي بكر، فهاجر إلى أرض الحبشة، ثم قدم مكة فمات عنها مسلمًا بمكة فتزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬5) ". وليس في ترجمته من (طبقات ابن سعد (¬6)) شيء عن ردّته، ولا عند ذكر سودة - رضي الله عنها - في أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬7). ولم يشر إلى شيء من ذلك الذهبي في (السير) ولا تلميذه ابن كثير في (البداية) -رحمه الله- وقال ابن جرير الطبري -رحمه الله- في تاريخه: "ذكْرُ ¬

_ (¬1) مَعْمَر بن المثني (ت 209 هـ). (¬2) الإصابة (2/ 57). (¬3) بهامش الإصابة (2/ 124). (¬4) سيرة ابن إسحاق، تحقيق محمَّد حميد الله (ص 156). (¬5) ص 238. تحقيق حميد الله. (¬6) 4/ 204. (¬7) 8/ 52.

الخبرعن أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" ... "وأما سودة فإنها كانت امرأة ثيبًا، قد كان لها قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - زوج، وكان زوجها قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - السكران بن عمرو بن عبد شمس - وكان السكران من مهاجرة الحبشة فتنصّر ومات بها (¬8) " ولم يذكر -رحمه الله- سندًا لذلك. وساق ابن الأثير عن ابن الكلبي خبر تنصره (¬9)، والكلبي متروك. وما ذكره الحافظ في (الإصابة) عن أبي عبيدة في تنصّر السكران، لم أجده في مظنته، وهو كتاب: (أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأولاده) (¬10) لأبي عبيدة معمر بن المثني، حيث لم يذكر شيئًا عن ردة السكران، عند حديثه عن سودة بنت زمعة - رضي الله عنها -. ¬

_ (¬8) تاريخ الطبري (12/ 211). (¬9) الكامل في التاريخ (2/ 209). (¬10) طبع دار مكتبة التربية، بيروت، 1410 هـ. تحقيق يوسف بديوي.

قصة الأراشي

قصة الأراشي قال ابن إسحاق -رحمه الله-: "حدثني عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان الثقفي، وكان واعية، قال: قدم رجل من إراش - قال ابن هشام - ويقال: إراشة - بإبل له مكة، فابتاعها منه أبو جهل، فمطله بأثمانها، فأقبل الأراشي حتى وقف على نادٍ من قريش، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ناحية المسجد جالس، فقال: يا معشر قريش، من رجل يؤدّيني على أبي الحكم بن هشام، فإني رجل غريب ابن سبيل، وقد غلبني على حقي؟ فقال له أهل ذلك المجلس: أترى ذلك الرجل الجالس -لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) - وهم يهزؤن به، لِمَا يعلمون بينه وبين أبي جهل من العداوة - اذهب إليه، فإنه يؤديك عليه. فأقبل الأراشي حتى وقف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا عبد الله إن أبا الحكم بن هشام قد غلبني على حق لي قِبَله، وأنا غريب ابن سبيل، وقد سألتُ هؤلاء القوم عن رجل يؤديني عليه، يأخذ لي حقي منه، فأشاروا لي إليك، فخذ لي حقي منه يرحمك الله. قال: انطلق إليه، وقام معه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - َ، فلما رأوه قام معه قالوا لرجل ممن معهم: اتبعه فانظر ماذا يصنع. قال: وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى جاءه فضرب عليه بابه، فقال: من هذا؟ قال: محمَّد، فأخرج إليّ، فخرج إليه وما في وجهه من رائحة، قد إنتقع لونه، فقال: أعط هذا الرجل حقه، قال: نعم، لا تبرح حتى أعطيه الذي له، قال: فدخل فخرج إليه بحقه، فدفعه إليه، قال: ثم انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال للأراشي: الحقْ بشأنك، فأقبل الأراشي حتى وقف على ذلك المجلس، فقال: جزاه الله خيرًا، فقد والله أخذ لي حقي، قال: وجاء الرجل الذي بعثوا معه، فقالوا: ويحك ماذا رأيت؟ قال: عجبًا من العجب، والله ما هو إلا أن ضرب عليه بابه، فخرج إليه وما معه روحه، فقال له: أعط هذا حقه، فقال: نعم، لا تبرح حتى أُخرج إليه حقه، فدخل فخرج إليه بحقه فأعطاه إياه. قال: ثم لم يلبث أبو جهل أن جاء، فقالوا له: ويلك! مالك؟ والله ما رأينا مثل ما صنعت قط، قال:

ويحكم، والله ما هو إلا أن ضرب علي بابي، وسمعت صوته فمُلئت رُعبًا، ثم خرجتُ إليه، وإن فوق رأسه لفحلًا من الإبل، ما رأيت مثل هامته، ولا قَصَرته، ولا أنيابه لفحل قط، والله لو أبيْتُ لأكلني (¬1) ". وعبد الملك شيخ ابن إسحاق ترجم له ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل (¬2)) وسكت عنه. ثم إن الخبر مرسل. وذكرها ابن كثيرعن ابن إسحاق، وسكت عنها (¬3). ¬

_ (¬1) الروض الأنف (3/ 371). (¬2) 5/ 354. (¬3) البداية والنهاية (3/ 45)

الفحل الذي عرض لأبي جهل

الفحل الذي عرض لأبي جهل قال يونس بن بُكيرعن ابن إسحاق قال: حدثني شيخ من أهل مكة (¬1) قديم منذ بضع وأربعين سنة، عن عكرمة، عن ابن عباس - رضي الله عنه - وذكر قصة طويلة في مفاوضة بين كفار مكة والرسول - صلى الله عليه وسلم - " ... فلما قام عنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أبو جهل: يا معشر قريش إن محمدًا قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا وشتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وسب آلهتنا، وإني أعاهد الله لأجلسن له غدًا بحجر ما أطيق حمله، فإذا سجد في صلاته فضخت به رأسه، فأسلموني عند ذلك أو امنعوني، ليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم. قالوا: والله لا نسلمك لشيء أبدًا، فامض لما تريد. فلما أصبح أبو جهل أخذ حجرًا كما وصف، ثم جلس لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينتظره، وغدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما كان يغدو، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة وقبلته إلى الشام وكان إذا صلى صلّى بين الركنين الأسود واليماني، وجعل الكعبة بينه وبين الشام، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي، وقد غدت قريش فجلسوا في أنديتهم ينتظرون ما أبو جهل فاعل، فلما سجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، احتمل (أبو جهل) الحجر ثم أقبل نحوه، حتى إذا دنا منه رجع متهيبًا (منهزمًا) منتقعًا قد تغير لونه مرعوبًا، قد يبست يداه على حجره، حتى قذف الحجر من يده، وقامت (إليه) رجال من قريش فقالوا مالك يا أبا الحكم؟ فقال: قمت إليه لأفعل ما قلت لكم البارحة، فلما دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل، والله ما رأيت مثل هامته ولا قصرته، ولا أنيابه لفحل قط. فهمّ أن يأكلني" قال ابن إسحاق: فذُكر لي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ذاك جبريل لو دنا لأخذه (¬2) ". ¬

_ (¬1) في الروض الأنف: كما حدثني بعض أهل العلم عن سعيد بن جبير، عن عكرمة مولى ابن عباس عن عبد الله بن عباس (3/ 122). وفي السيرة للذهبي: شيخ من أهل مصر (ص 153) وكذا في البداية والنهاية (3/ 42). (¬2) سيرة ابن إسحاق، تحقيق محمَّد حميد الله ص (180 - 181). وما بين قوسين من الروض الأنف.

وشيخ ابن إسحاق مجهول. قال البيهقي-رحمه الله-: "ابن إسحاق إذا لم يذكر اسم من حدّث عنه لم يُفرح به (¬3) ". وذكر الفحل قد ورد في قصة الأراشي، وسندها ضعيف كما سبق. ومن النكارة في هذه الرواية قول أبي جهل: وإني أعاهد الله! في حين تجد في رواية مسلم الآتية أنه أقسم باللات والعزى. وقد أخرج الحاكم نحوًا من هذه القصة من طريق عبد الله بن صالح قال: حدثني الليث بن سعد عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن أبان بن صالح، عن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه العباس بن عبد المطلب، ثم قال الحاكم: صحيح. وتعقبه الذهبي بقوله: "قلت: فيه عبد الله بن صالح وليس بعمده، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة متروك" (¬4). وقد روى مسلم -رحمه الله- في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال أبو جهل: هل يعفّر محمَّد وجهه بين أظهركم؟ قال: فقيل: نعم، فقال: واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأنّ على رقبته أو لأعفرن وجهه في التراب، قال: فأتى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي زعم ليطأ على رقبته قال: فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه، قال: فقيل له: مالك؟ قال: إن بيني وبينه لخندقًا من نار وهولًا وأجنحة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا (¬5) " ورواه البخاري -رحمه الله- في صحيحه مختصرًا عن ابن ¬

_ (¬3) السنن الكبرى (4/ 13). (¬4) المستدرك (3/ 368). (¬5) كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب قوله تعالى: {إِنَّ الأِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ استَغْنَى} (سورة العلق) (17/ 139 نووي)

فائدة

عباس - رضي الله عنه - قال: قال أبو جهل: لئن رأيت محمدًا يصلي عند الكعبة لأطأن على عنقه، فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لو فعل لأخذته الملائكة (¬6) ". فائدة: قال الحافظ ابن حجر-رحمه الله-: "وإنما شُدّد الأمر في حق أبي جهل، ولم يقع مثل ذلك لعقبة بن أبي معيط حيث طرح سلى الجزور على ظهره - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي ... لأنهما وإن اشتركا في مطلق الأذية حالة صلاته لكن زاد أبو جهل بالتهديد وبدعوى أهل طاعته، وبإرادة وطء العنق الشريف، وفي ذلك من المبالغة ما اقتضى تعجيل العقوبة لو فعل ذلك، ولأن سلى الجزور لم يتحقق نجاستها، وقد عوقب عُقبة بدعائه - صلى الله عليه وسلم - عليه وعلى من شاركه في فعله فقتلوا يوم بدر (¬7) ". ا. هـ ومعلوم أن أبا جهل هو الذي طرح الرأي بإلقاء سلى الجزور، كما روى ذلك مسلم في صحيحه (¬8). وانظر -يارعاك الله- كيف ظل أبو جهل على كفره وعناده، وهو يرى عيانًا نصرة الله تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم -، وحمايته له! نعوذ بالله من الخذلان. ¬

_ (¬6) كتاب التفسير، باب {كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} (8/ 724 فتح) (¬7) فتح الباري (8/ 724). (¬8) (12/ 151 نووي)

عرض قريش أن يعبد آلهتهم سنة ويعبدوا إلهه سنة

عرض قريش أن يعبد آلهتهم سنة ويعبدوا إلهه سنة قال ابن إسحاق -رحمه الله-: "واعترض رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يطوف بالكعبة -فيما بلغني- الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، والوليد بن المغيرة، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل السهمي، وكانوا ذوي أسنان في قومهم. فقالوا: يا محمَّد هلمّ فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد، فنشترك نحن وأنت في الأمر، فإن كان الذي تعبد خيرًا مما نعبد، كنا قد أخذنا بحظنا مثله، وإن كان ما نعبد خيرًا مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منه، فأنزل الله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ... } (¬1) فساقها -رحمه الله- بدون إسناد. قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "وقد أخرج ابن أبي حاتم من حديث ابن عباس - رضي الله عنها - قال: "قالت قريش للنبي - صلى الله عليه وسلم -: كفّ عن آلهتنا فلا تذكرها بسوء، فإن لم تفعل فاعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة، فنزلت" وفي إسناده أبو خلف عبد الله بن عيسى، وهو ضعيف (¬2) ". وأوردها الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره بصيغة التضعيف فقال: "وقيل إنهم (كفار قريش) من جهلهم دعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عبادة أوثانهم سنة، ويعبدون معبوده سنة، فأنزل الله هذه السورة ... (¬3) ". ¬

_ (¬1) الروض الأنف (3/ 294). (¬2) فتح الباري (8/ 733). (¬3) 4/ 561.

قصة إسلام حمزة - رضي الله عنه

قصة إسلام حمزة - رضي الله عنه قال ابن إسحاق-رحمه الله-: "حدثني رجل من أسلم، كان واعية: أن أبا جهل مرّ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند الصفا فآذاه وشتمه، ونال منه بعض ما يكره من العيب لدينه، والتضعيف لأمره، فلم يكلمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومولاة لعبد الله بن جدعان في مسكن لها تسمع ذلك ... " وذكر القصة في إخبار هذه المولاة لحمزة -وقد قدم من الصيد- بما حدث لابن أخيه، فأخذته الحمية، وتوجه لأبي جهل فشجه شجة منكرة، ثم قال: "أتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول ... (¬1) ". ومن طريق ابن إسحاق رواه الحاكم، وأعله الذهبي بالإعضال (¬2). والرجل الذي روى عنه ابن إسحاق مبهم فهو مجهول، ثم إن الحديث مرسل. وروى ابن سعد القصة مختصرة كما في (الطبقات (¬3))، من طريق الواقدي، وذكرها الهيثمي في (مجمع الزوائد) وقال: "رواه الطبراني مرسلًا (عن محمد بن كعب القُرَظي) ورجاله رجال الصحيح" وشيخ الطبراني إسماعيل بن الحسن الخفاف قال كل من العمري والطرهوني: لم أجد له ترجمة (¬4). ثم ذكر (الهيثمي) رواية أخرى عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس بن شريق، وقال: "رواه الطبراني مرسلًا ورجاله ثقات (¬5) " ا. هـ. ويعقوب بن عتبة ثقة لكنه من الطبقة السادسة، وهي طبقة لم يثبت لأصحابها لقاء أحد من الصحابة (¬6). وفي السند أيضًا ابن إسحاق وهو مدلس وقد عنعن. ¬

_ (¬1) الروض الأنف (3/ 118). (¬2) المستدرك (3/ 212 - 213). (¬3) (3/ 9). (¬4) السيرة الصحيحة (1/ 146) السيرة الذهبية (2/ 333). (¬5) المجمع (9/ 267). (¬6) تقريب التهذيب (1/ 6).

وسكت عن القصة الشيخ الألباني -رحمه الله- في تعليقه على (فقه السيرة) (¬7) ولم يذكرها في (صحيح السيرة). وقال الدكتور أكرم العمري -وفقه الله-: "وقد أسلم حمزة في وقت اشتدت فيه جرأة قريش على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن تفصيل قصة إسلامه لم تثيت من طريق صحيحة (¬8) ". ¬

_ (¬7) ص 116. (¬8) السيرة الصحيحة (1/ 146).

قصة إسلام عمر - رضي الله عنه

قصة إسلام عمر - رضي الله عنه وقصة إسلامه - رضي الله عنه - رواها ابن إسحاق بقوله: "وكان إسلام عمر فيما بلغني أن أخته فاطمة بنت الخطاب، وكانت عند سعيد بن زيد ... (¬1) " وذكر القصة المشهورة في إسلامه وفيها: أنه قد خرج متوشحًا سيفه يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلقيه رجل فأخبره بإسلام أخته وزوجها فأتاهما وسألهما عما سمع من كلامهما قبل دخوله، ثم ضَرْبه أخته، وقراءته لما كان معهم وكانت سورة (طه) ودخول الإِسلام قلبه. وفي رواية يونس بن بُكير عن ابن إسحاق قال: "ثم إن قريشًا بعثت عمر بن الخطاب وهو يومئذ مشرك في طلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دارٍ في أصل الصفا، ولقيه النحام، وهو نُعيم بن عبد الله بن أسد ... قال: وأسلم قبل ذلك، وعمر متقلد سيفه ... (¬2) " وذكر القصة. وقصة إسلامه - رضي الله عنه - على شهرتها فإن لم تروَ- حسب علمي - بسند صحيح موصول. وقد ذكر الشيخ محمَّد بن رزق الطرهوني -حفظه الله - ثمانية طرق لها وهي -باختصار- كالتالي: 1 - ابن عساكر قال: أخبرنا أبو بكر محمَّد بن عبد الباقي ... عن سعيد بن يحيى بن قيس بن عيسى عن أبيه ... ورواه عبد العزيز الجرمي في فوائده من الطريق نفسه إلا أنه قال: عن أبيه عن عمر. 2 - ابن سعد والدراقطني والحاكم والبيهقي في الدلائل وابن عساكر، من طرق عن إسحاق بن يوسف الأزرق قالة أخبرني القاسم بن عثمان البصري عن أنس قال: "خرج عمر متقلّد السيف ... " وقال (*): رجاله ثقات إلا القاسم، قال ¬

_ (¬1) الروض الأنف (3/ 265). (¬2) السيرة، تحقيق محمَّد حميد الله، ص 160. (*) الطرهوني.

عنه البخاري: له أحاديث لا يتابع عليها، وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه، وقال الدراقطني: ليس بالقوي، وذكره ابن حبان (الثقات). 3 - ابن إسحاق. (وهو ما ذُكر أول البحث) 4 - البزار عن إسحاق بن إبراهيم الحُنيني عن أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده ... 5 - ابن عائذ في مغازيه قال: أخبرني الوليد بن مسلم قال: حدثني عمر بن محمَّد قال: حدثني أبي محمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر ... وقال (*): وهذا إسناد صحيح في غاية الصحة إلا أنه مرسل. 6 - أبو نُعيم في (الدلائل) وفي (الحلية) من طريق محمَّد بن عثمان بن أبي شيبة عن عبد الحميد بن صالح عن محمَّد بن أبان عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن أبان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس قال: سألت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لأي شيء سُميت الفاروق، (فذكر قصة إسلام حمزة - رضي الله عنه - وإسلامه هو بعده بثلاثة أيام) وقال (*): وهذا إسناد ضعيف من أجل إسحاق بن أبي فروة. تركه جماعة وضعفه آخرون ... ومحمد بن أبان هو الجعفي فيه أيضًا كلام ولكنه يسير 7 - الطبراني عن ثوبان، قال الهيثمي: فيه يزيد بن ربيعة الرحبي متروك، وقال ابن عدي أرجو أنه لا بأس به. 8 - عبد الرازق عن الزهري بإسناد صحيح. ا. هـ مختصرًا من السيرة الذهبية (¬3) ثم ذكر طريقا تاسعة نقلها عن السيوطي في (الخصائص الكبرى) وقال: ولم أقف على إسنادها. ¬

_ (*) الطرهوني (¬3) (2/ 319 - 329)

والطريق الأول: فيه أبو بكر بن عبد الباقي قال عنه ابن عساكر: كان يُتهم بمذهب الأوائل ويُذكر عنه رقة دين، وكأن الذهبي لم يرتضِ ذلك فقال في ترجمة ابن عبد الباقي: "تكلم فيه أبو القاسم بن عساكر بكلام مردٍ فجٍّ ... " (¬4) ثم ذكره. ومن في السند لم أقف لهم على ترجمة حسب بحثي. والطريق الثاني: قال الذهبي -رحمه الله- عن القاسم بن عثمان البصري: "حدث عن إسحاق الأزرق بمتن محفوظ، وبقصة إسلام عمر، وهي منكرة جدًا (¬5) " ونقل عن البخاري قوله: له أحاديث لا يتابع عليها. والطريق الثالث: ساقه ابن إسحاق بدون سند. والرابع: رواه الحاكم أيضًا وسكت عنه (¬6)، وقال الذهبي: واهٍ منقطع. وقال البزّار بعد روايته: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن أسامة بن زيد عن أبيه عن جده عن عمر إلا إسحاق بن إبراهيم الحنيني، ولا نعلم يُروى في إسلام عمر إسناد أحسن من هذا الإسناد، على أن الحنيني قد ذكرنا أنه قد خرج عن المدينة فكفّ، واضطرب حديثه (¬7) " وقال الهيثمي: "وفيه أسامة بن زيد بن أسلم وهو ضعيف" وعلّق ابن حجر في الحاشية بقوله: "وفيه من هو أضعف من أسامة وهو إسحاق بن إبراهيم الحنيني وقد ذكر البزار أنه تفرد به (¬8) ". والخامس: مرسل. والسادس: فيه إسحاق بن أبي فرون قال عنه الحافظ في (التقريب): "متروك (¬9) "، وفيه أيضًا محمد أبان "ضعفه أبو داود وابن معين، وقال البخاري: ¬

_ (¬4) السير (20/ 25). (¬5) لسان الميزان (4/ 463). (¬6) المستدرك (4/ 66). (¬7) البحر الزخار (1/ 403). (¬8) (9/ 64 - 65). (¬9) (1/ 59)

ليس بالقوي، وقال النسائي: ليس بثقة (¬10) " وقد ضعّف الإِمام الذهبي هذا الطريق كما في (السيرة (¬11)) من (تاريخ الإِسلام). والسابع: فيه يزيد الرحبي، وهو متروك كما في (لسان الميزان (¬12)). والثامن: مرسل الزهري، ومرسله -رحمه الله- شرٌّ من مرسل غيره، كما قال ذلك يحي بن سعيد القطان، وقد سبق الحديث عن مراسيل الزهري (¬13). وفضلًا عن ضعف سند القصة، ففي المتن اضطراب، فمرة أن قريشًا بعثته، وفي أخرى أنه خرج ابتداءً، وفي بعضها أنه قرأ وكان كاتبًا (عن أنس عند ابن سعد والدراقطني) وفي أخرى "حتى دعا قارئًا فقرأ عليه وكان عمر لا يكتب" (مرسل الزهري). وفي بعض الروايات أن السورة التي قرأها عمر كانت (طه) (عند ابن إسحاق، وحديث أنس) وفي البعض الآخر أن السورة كانت (الحديد) (البزار عن أسلم) وسورة الحديد مدنية. وقد بوب الإِمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه: باب إسلام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - (¬14)، ولم يسبق شيئًا من الروايات عن قصة إسلامه - رضي الله عنه -. ولضعف أسانيدها فقد ذكرها شيخ الإِسلام -رحمه الله- في (الفتاوى) بصيغة التضعيف فقال: "وقد روُي أن سورة طه كانت مكتوبة عند أخت عمر، وأن سبب إسلام عمر كان لما بلغه إسلام أخته، وكانت السورة تُقرأ عندها (¬15) ". وسكت عن القصة الشيخ الألباني -رحمه الله- في تعليقه على (فقه السيرة) فلم يتكلم ¬

_ (¬10) لسان الميزان (5/ 31). (¬11) ص 179. (¬12) 6/ 286. (¬13) انظر ما سبق. في قصة ردة عبيد الله بن جحش. (¬14) 7/ 177، فتح. (¬15) الفتاوى (15/ 255).

عنها بتصحيح ولا تضعيف. وقال الدكتور أكرم العمري -حفظه الله -: "أما قصة استماعه القرآن يتلوه الرسول - صلى الله عليه وسلم - في صلاته قرب الكعبة وعمر مستخفٍ بأستارها، وكذلك قصته مع أخته فاطمة حين لطمها لإسلامها وضرب زوجها سعيد بن زيد، ثم اطلاعه على صحيفة فيها آيات، وإسلامه، فلم يثبت شيء من هذه القصص من طريق صحيحة (¬16) ". وتروى قصة أخرى في سبب إسلامه - رضي الله عنه - وهي ما رواه الإِمام أحمد في مسنده قال: حدثنا أبو المغيرة قال: حدثنا صفوان قال: حدثنا شريح بن عبيد قال: قال عمر: "خرجت أتعرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجدته قد سبقني إلى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة الحاقة فجعلت أعجب من تأليف القرآن، فقلت: هذا والله شاعر، كما قالت قريش قال: فقرأ: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ} قال: قلت كاهن،: "قال {وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ... } الآيات. قال: فوقع الإِسلام في قلبي كل موقع (¬17) ". قال الهيثمي: "رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات، إلا أن شريح بن عبيد لم يدرك عمر (¬18) " وفاته -رحمه الله- عزوه لأحمد أيضًا. وذكر هذه القصة الإِمام الذهبي في (السيرة) وأتبعها بأخرى مشابهة لها فقال: "وقال أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن يعلى الأسلمي عن عبد الله بن المؤمل عن أبي الزبيرعن جابر قال: كان أول إسلام عمر أن عمر قال: ضرب أختي المخاض ليلًا فخرجت من البيت فدخلت في أستار الكعبة في ليلة قرّة، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فدخل الحِجْر وعليه تبّان، فصلى ما شاء الله، ثم انصرف، فسمعت شيئًا لم أسمع مثله، فخرج فاتبعته فقال: (من هذا) قلت عمر. قال: (يا عمر ما تدعني ليلًا ولا نهارًا) فخشيت أن يدعو علي فقلت: أشهد أن لا اله ¬

_ (¬16) السيرة الصحيحة (1/ 180). (¬17) الفتح الرباني (20/ 232). (¬18) مجمع الزوائد (9/ 62).

تنبيه

إلا الله وأنك رسول الله، فقال: (يا عمر أسرّه) قلت: لا والذي بعثك بالحق لأعلننه، كما أعلنت الشرك (¬19) ". وفي سنده يحيى الأسلمي شيعي ضعيف، وابن المؤمل ضعيف أيضًا والراوي عن جابر هو أبو الزبير مدلس وقد عنعن، وروايته عن جابر في غير ما رواه الإِمام مسلم فيها ضعف. وقد روي ابن إسحاق قصة تشبه ما سبق بسياق أطول عن عبد الله بن أبي نجيح عن أصحابه عطاء ومجاهد أو عمن روى ذلك ... وقد صرّح ابن إسحاق بالتحديث، لكن الحديث مرسل. وقال بعد أن ذكرها: "والله أعلم أي ذلك كان (¬20) ". ومما ينبغي أن يُعلم أن كثرة طرق الحديث لا تزيده قوة دائمًا، بل ربما زادته ضعفًا، كما نبه على ذلك غير واحد من أهل العلم. تنبيه: قول أبي عمر بن عبد البر في ترجمه سعيد بن زيد: " ... كان إسلام عمر عنده في بيته ... وخبرهما في ذلك خبر حسن" (¬21) مراده -والله أعلم- حُسن المتن، لا السند (¬22). فائدة: قال الحافظ ابن حجر في الفتح (7/ 44) عن تلقيب عمر بالفاروق: "فقيل أول من لقبه به النبي - صلى الله عليه وسلم -، رواه أبو جعفر بن أبي شيبة في تاريخه عن ¬

_ (¬19) ص 173 (¬20) الروض الأنف (3/ 269) وقد ذكر الدكتور أحمد معبد أن ابن إسحاق يُميّز ما يرويه عن الضعفاء وغيرهم " ... حيث نجده ينبه كثيرًا على عدم قبوله لما يرويه، فيصفه بالزعم، وبعضه بالمشكوك فيه، وبعضه يكلُ عِلْمَ وقوعه أو عدم وقوعه إلى الله تعالى" (النفح الشذي 2/ 759). (¬21) الاستيعاب (يهامش الإصابة) (2/ 2). (¬22) ثم وجدت الشيخ الألباني قد علق على قول ابن عبد البر عن قصة أبي ذر: "في خبر عجيب حسن فيه طول" بقوله: "وأنا أظن أنه يعني حسن في المعنى لا في الرواية. والله أعلم" (الضعيفة 13 - 2/ 1104). قال ابن عبد البر في التمهيد (24/ 347) بعد حديث ذكره: "هذا حديث حسن الألفاض، ضعيف السند".

وثانية

[من] طريق ابن عباس عن عمر، ورواه ابن سعد من حديث عائشة، وقيل أهل الكتاب، أخرجه ابن سعد عن الزهري، وقيل جبريل رواه البغوي". وثانية: أما دعاؤه - صلى الله عليه وسلم - بأن يعزّ الله الإِسلام بعمر، فقد ورد من عدة طرق وبألفاظ مختلفة، صحّح ابن حجر منها ما رواه الحاكم عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اللهم أعز الإِسلام بعمر" (الفتح 7/ 48). وثالثة: حديث ابن عباس مرفوعًا: "لما أسلم عمر أتاني جبريل فقال استبشر أهل السماء بإسلام عمر" أخرجه ابن ماجه (1/ 38) وابن حبان رقم (2182) موارد، والحاكم وصححه، وتعقبه الذهبي بقوله: فيه عبد الله بن خراش ضعفه الدراقطني. وقال الشيخ سعد الحميد: والحديث ضعيف جدًا (مختصر استدراك الذهبي على الحاكم لابن الملقن 3/ 1228). ثم طُبع المجلد التاسع من السلسلة الضعيفة، وحكم عليه الألباني -رحمه الله- بقوله: ضعيف جدًا. (ص 325).

قصة الغرانيق

قصة الغرانيق روى البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: "سجد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنجم، وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس (¬1) " وروى عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: "أول سورة نزلت فيها سجدة: والنجم، قال: فسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسجد من خلفه إلا رجلًا رأيته أخذ كفًا من تراب فسجد عليه، فرأيته بعد ذلك قُتل كافرًا، وهو أمية بن خلف (¬2) " ورواه مسلم (¬3) دون ذكر أمية. وقد ذكر بعض المفسرين عند كلامهم على قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} آثارًا فيها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأها ثم قال: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى. فسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسجد المشركون، وقالوا: إنه لم يذكر آلهتنا بخير قبل اليوم فأنزل الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحج: 52]. وهو قول باطل لا يصح نسبته إلى من لا ينطق عن الهوى - صلى الله عليه وسلم -. وما أحسن ما قاله الإِمام الكبير إسماعيل بن كثير - رضي الله عنه - عند تفسيره لهذه الآية: "قد ذكر كثير من المفسرين ها هنا قصة الغرانيق، وما كان من رجوع كثير من المهاجرة إلى أرض الحبشة ظنًا منهم أن مشركي قريش قد أسلموا، ولكنها من طرق كلها مرسلة ولم أرها مسندة من وجه صحيح والله أعلم (¬4) ". ¬

_ (¬1) كتاب التفسير: تفسير سورة والنجم، باب {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} (8/ 614 فتح). وأخرجه أيضًا في كتاب سجود القرآن (2/ 551 فتح) و (2/ 553) وفي كتاب مناقب الأنصار (7/ 165) وكتاب المغازي (7/ 299). (¬2) المصدر السابق. (¬3) كتاب المساجد باب سجود التلاوة (5/ 74 نووي) رقم 576. (¬4) تفسير ابن كثير (3/ 230).

فائدة

وقد صّنف الشيخ الألباني -رحمه الله- رسالة في أبطال القصة بعنوان (نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق). فائدة: لصاحب الظلال سيد قطب -رحمه الله- تعليق جميل بعد قصة حدثت له وبعض أصحابه مع آخر سورة النجم.

عثمان بن مظعون في جوار الوليد بن المغيرة

عثمان بن مظعون في جوار الوليد بن المغيرة قال ابن إسحاق -رحمه الله- في ذِكْرِ من عاد من الحبشة بعد أن بلغهم إسلام أهل مكة ثم تبين لهم عدم صحة ذلك، فلم يدخل منهم أحد إلا بجوار أو مستخفيًا: " ... فأما عثمان بن مظعون فإن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف حدثني عمن حدثه عثمان قال، لما رأى عثمان بن مظعون ما فيه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من البلاء، وهو يغدو ويروح في أمان من الوليد بن المغيرة، قال: والله إن غدوي ورواحي آمنًا بجوار رجل من أهل الشرك وأصحابي وأهل ديني يلقون من البلاء والأذى في الله ما لا يصيبني لنقص كبير في نفسي، فمشى إلى الوليد بن المغيرة فقال له: يا أبا عبد شمس، وفّت ذمتك، قد رددتُ إليك جوارك ... فقال الوليد: هذا عثمان قد جاء يرد عليّ جواري، قال: صدق، ثم انصرف عثمان ولبيد بن ربيعة في مجلس من قريش ينشدهم، فجلس معهم عثمان فقال لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل. قال عثمان: صدقت. قال: وكل نعيم لا محالة زائل. قال عثمان: كذبت، نعيم الجنة لا يزول. قال لبيد: يا معشر قريش والله ما كان يؤذى جليسكم، فمتى جاء هذا فيكم؟ فقال رجل من القوم: إن هذا سفيه في سفهاء معه قد فارقوا ديننا، فلا تجدنّ في نفسك من قوله، فردّ عليه عثمان حتى شري أمرهما، فقام إليه ذلك الرجل فلطم عينه فخضّرها، والوليد بن المغيرة قريّب يرى ما بلغ من عثمان، فقال: أما والله يا ابن أخي إن كانت عينك عما أصابها لغنيّة، لقد كنتَ في ذمة منيعة. قال: يقول عثمان: بل والله إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في الله ... (¬1) ". ¬

_ (¬1) الروض الأنف (3/ 333).

تنبيه

وفي إسناد القصة جهالة شيخ صالح بن إبراهيم. ورواه البيهقي في (الدلائل (¬2)) عن موسى بن عقبه مرسلًا. وقال الهيثمي في (المجمع) رواه الطبراني مرسلًا، وفيه ابن لهيعة أيضًا (¬3). وما لقيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنه - من أذى المشركين جاء في أحاديث صحيحة كثيرة. وقد بوّب الإِمام البخاري -رحمه الله-، في صحيحه في كتاب مناقب الأنصار: "باب ما لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من المشركين بمكة (¬4) ". وقول لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل أصدق بيت، كما روى ذلك الإمامان البخاري ومسلم -رحمه الله- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أصدق بيت قاله الشاعر ألا كل شيء ما خلا الله باطل (¬5) ". ويبعد أن تسكت قريش عن قول لبيد وتصديق عثمان له، وكلامه متضمن بطلان آلهتهم. تنبيه: ما اشتهر من كون رجوع بعض مهاجري الحبشة إلى مكة هو بلوغهم إسلام مشركي مكة مرتبط بحادثة الغرانيق، وسبق الحديث عنها، ولذا قال الشيخ الألباني: "وأما بلوغ ذلك إلى مهاجري الحبشة، وانهم عادوا من أجل ذلك إلى مكة، فمما لم أقف عليه في رواية صحيحة، وإنما هي مراسيل لا تقوم بها حجة .. (¬6) ". فائدة: مما يتعلق بعثمان بن مظعون - رضي الله عنه - ما روي أنه أول من دفن بالبقيع، وأفاد الشيخ الألباني -رحمه الله- أنه لم يرَ ذلك متصلًا من وجهٍ يُحْتَجُ به، وأن مداره على الواقدي. (السلسلة الصحيحة 7/ 165). ¬

_ (¬2) دلائل النبوة (2/ 291). (¬3) مجمع الزوائد (6/ 34). (¬4) البخاري (7/ 164 فتح). (¬5) البخاري، كتاب الرقاق، باب الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك (11/ 321 فتح) ومسلم: كتاب الشعر (15/ 12 نووي). (¬6) صحيح السيرة النبوية (208).

دعاؤه - صلى الله عليه وسلم - بعد خروجه من الطائف، ولقاوه بعداس

دعاؤه - صلى الله عليه وسلم - بعد خروجه من الطائف، ولقاوه بعداس روى ابن إسحاق في السيرة موقف ثقيف من الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال: "حدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القُرظي قال: لما انتهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الطائف عمد إلى نفر من ثقيف ... " فذكر القصة في رفضهم دعوته. ثم قال: "وقال لهم -فيما ذُكر لي- إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني ... " ثم ذكر أنهم أغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصحيون به حتى اجتمع عليه الناس وألجؤه إلى حائط لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، ثم قال ابن إسحاق: "فلما اطمأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: -فيما ذُكر لي- اللهم إليك أشكوا ضعف قوتي وقله حيلتي" إلى آخر الدعاء المشهور. ثم ذكر قيام عتبة وشيبة بإرسال قطف من عنب مع غلامهما عداس، والمحاورة التي جرت بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين عداس (¬1). قال الشيخ الألباني -رحمه الله-: "أخرج هذه القصة ابن إسحاق بسند صحيح عن محمَّد بن كعب القرظي مرسلًا، لكن قوله: (إن أبيتم فاكتموا عليّ ذلك) وقوله: (اللهم إليك أشكو) إلى آخر الدعاء ذكرهما بدون سند .. وروى هذه القصة الطبراني في الكبير من حديث عبد الله بن جعفر مختصرًا، وفيه الدعاء المذكور بنحوه. قال الهيثمي (6/ 35): "وفيه ابن إسحاق وهو مدلس ثقة، وبقية رجاله ثقات" فالحديث ضعيف". ا. هـ كلام الألباني (¬2). قال الحافظ في (الفتح): "وذكر موسى بن عقبة في المغازي عن ابن شهاب أنه - صلى الله عليه وسلم - لما مات أبو طالب توجه إلى الطائف رجاء أن يؤوه ... فردوا عليه أقبح رد، وكذا ذكره ابن إسحاق بغير إسناد مطولًا (¬3) ". وأصل القصة -وهو توجهه - صلى الله عليه وسلم. ¬

_ (¬1) الروض الأنف 4/ 34. (¬2) فقه السيرة 126، وانظر الضعيفة (6/ 486). (¬3) فتح الباري (6/ 315).

إلى الطائف وعرضه نفسه الشريفة عليهم فلم يجيبوه - صحيح أخرجها البخاري (¬4) ومسلم (¬5). وقال الحافظ العراقي عن الدعاء: "رواه ابن الجوزي في السيرة في دعائه يوم خرج إلى الطائف بلفظ: (وعافيتك أوسع لي). وكذا رواه ابن أبي الدنيا في (كتاب الدعاء) من رواية حسان بن عطية مرسلًا. ورواه أبو عبد الله بن منده من حديث عبد الله بن جعفر مسندًا وفيه من يُجهل (¬6) ". ¬

_ (¬4) كتاب بدء الخلق، (فتح الباري 6/ 313). (¬5) كتاب الجهاد، باب ما لقي النبي - صلى الله عليه وسلم -، من أذى المشركين والمنافقين (12/ 154 نووي) (¬6) تخريج أحاديث إحياء علوم الدين (5/ 2176).

عام الحزن

عام الحزن عُرف العام العاشر من البعثة عند المتأخرين بعام الحزن، ذلك أن هذا العام قد شهد وفاة أم المؤمنين خديجة - رضي الله عنها - وأبي طالب عمّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان بين وفاتيهما أيام يسيرة، وذكروا أنه - صلى الله عليه وسلم - لشدة حزنه سمى هذا العام عام الحزن. فهل صح ذلك؟ لم تَردْ هذه التسمية في شيء من الأحاديث الصحيحة، بل ولا الضعيفة، ولا في شيء من كتب السيرة وشروحها، كسيرة ابن إسحاق وشرحها للسهيلي، ولم يذكر هذا اللفظ -فيما أعلم- أحد ممّن كتب في السيرة كابن القيم والذهبي وابن كثير، ولا غيرهم من شرّاح الأحاديث كالنووي وابن حجر -رحمهم الله-، قال الشيخ الساعاتي -رحمه الله- في (الفتح الرباني): "وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسمي ذلك العام عام الحزن كذا في المواهب اللدنية (¬1) ". وقال الشيخ الألباني في تعقيبه على البوطي في قوله: (ولقد أطلق النبي - صلى الله عليه وسلم - على هذا العام (عام الحزن) لشدة ما كابد فيه من الشدائد في سبيل الدعوة) قال -رحمه الله-: "من أي مصدر من المصادر الموثوقة أخذ الدكتور هذا الخبر؟ وهل إسناده -إن كان له إسناد- مما تقوم به الحجة؟ فإني بعد مزيد البحث لم أقف عليه ... والمصدر الوحيد الذي رأيته قد أورده إنما هو القَسطَلاّني في (المواهب اللدنية) فلم يزد على قوله: (فيما ذكره صاعد) وصاعد هذا هو ابن عبيد البجلي كما قال الزرقاني في شرحه عليه فما حال صاعد هذا؟ إنه مجهول لا يُعرف، ولم يوثقه أحد، بل أشار الحافظ (*) إلى أنه ليّن الحديث إذا لم يتابع، كما هو حاله في هذا الخبر. على أن قول القسطلاني: (فيما ذكره صاعد) يُشعر أنه ذكره معلقًا بدون إسناد فيكون معضلًا، فيكون ¬

_ (¬1) الفتح الرباني (20/ 226). (*) ابن حجر، حيث قال في التقريب عن صاعد: "مقبول". وقد نص في مقدمة التقريب على أن من وصفه بأنه مقبول فذلك حيث يتابع وإلا فليّن الحديث. (1/ 5).

الخبر ضعيفًا لا يصح، حتى ولو كان صاعد معروفًا بالثقة والحفظ، وهيهات هيهات (¬2) ". ا. هـ كلام الألباني. ومن ناحية المتن فيبعد أن يسميه الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو أحد من أصحابه بذلك، وقد مّر عليه - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون من المحن والشدائد الكثير، قبل الهجرة وبعدها، فقد روى الشيخان عن عائشة أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: "لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كُلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب .. " الحديث (¬3). وفي قصة بعثه - صلى الله عليه وسلم - سبعين رجلًا من أصحابه يُسَمَّون بالقرّاء إلى أحياء من سُليم فقتلوهم، قال أنس - رضي الله عنه - "فما رأيته وَجَد على أحدٍ ما وجد عليهم (¬4) " حتى كان من شدة حزنه - صلى الله عليه وسلم - عليهم أنه مكث شهرًا كاملًا يدعو على قاتليهم، قال أنس - رضي الله عنه - "دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - على الذين قَتلوا أصحاب بئر معونة ثلاثين صباحًا حين يدعو على رِعْل ولحيان وعُصيّة عصت الله ورسوله (¬5) ". وكانت هذه الحادثة المؤلمة التي قُتل فيها سبعون رجلًا، من الصحابة من قرّائهم قد وقعت في أوائل العام الرابع للهجرة، وسبقها بفترة قصيرة حادثة أخرى تُعرف بماء الرجيع لعشرة من الصحابة منهم: خُبيب بن عدي وعاصم بن ثابت وزيد بن الدثنِّة ومرثد بن أبي مرثد وغيرهم - رضي الله عنهم -، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون قد أصيبوا في شوال من العام الثالث للهجرة (غزوة أحد) باستشهاد سبعين رجلًا كان منهم: حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومصعب بن ¬

_ (¬2) دفاع عن الحديث والسيرة ص 18. (¬3) البخاري، كتاب الخلق، باب إذا قال أحدكم آمين (6/ 312 فتح)، مسلم (12/ 154 نووي). (¬4) البخاري، كتاب الجزية والموادعة، باب دعاء الإِمام على من نكث عهدًا (6/ 272 فتح). (¬5) البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة الرجيع، ورعل وذكوان، وبئر معونة .. (7/ 389 فتح).

عمير وأنس بن النضر، وعبد الله بن عمرو بن حرام (والد جابر)، واليمان (والد حذيفة)، وعبد الله بن جُبيرٍ أمير الرماة يومها، وغيرهم - رضي الله عنهم - بل شُجّ رأسه - صلى الله عليه وسلم - وكُسِرت رَباعيته ودمي وجهه الشريف (¬6). كل تلك الحوادث وقعت في أقل من ستة أشهر، واستُشهد خلالها ما يقارب من مائة وخمسين صحابيًا - رضي الله عنهم - ولم يُنقل أنه (صلى الله عليه وسلم) -على شدة حزنه- سمّاه بأي اسم يدل على الحزن أو نحوه. ¬

_ (¬6) مسلم، كتاب الجهاد والسيرة، غزوة أحد (12/ 148 نووي).

هجرة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه

هجرة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه ومما اشتهر أن الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لما أراد أن يهاجر من مكة إلى طيبة الطيبة، تقلّد سيفه ومضى قِبَل الكعبة، والملأ من قريش بفنائها، فطاف بالبيت، ثم أتى المقام فصلى، ثم وقف فقال: "شاهت الوجوه، لا يُرغم الله إلا هذه المعاطس، من أراد أن يُثكل أُمّه، أو يؤتم ولده، أو ترمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي (¬1) ". قال الألباني -رحمه الله- في رده على البوطي الذي نقل هذه القصة عن ابن الأثير "جزمه بأن عمر - رضي الله عنه - هاجر علانية اعتمادًا منه على رواية عليّ - رضي الله عنه - المذكورة، وجزمه بأن عليًا رواها ليس صوابًا؛ لأن السند بها إليه لا يصح، وصاحب (أسد الغابة) لم يجزم أولًا بنسبتها إليه - رضي الله عنه - وهو ثانيًا قد ساق إسناده بذلك إليه لتبرأ ذمته، ولينظر فيه من كان من أهل العلم، وقد وجدتُ مداره على الزبير بن محمَّد بن خالد العثماني: حدثنا عبد الله بن القاسم الأملي (كذا الأصل ولعله الأيلي) عن أبيه بإسناده إلى علي. وهؤلاء الثلاثة في عداد المجهولين، فإن أحدًا من أهل الجرح والتعديل لم يذكرهم مطلقًا .. (¬2) " ا. هـ كلام الألباني. وذكرها الصالحي (¬3) معزوة إلى ابن السّمان في (الموافقة). وعزاها أبو تراب الظاهري (¬4) إلى ابن عساكر وابن السمان. وقال الدكتور أكرم العمري: "وأما ما روي من إعلان عمر الهجرة وتهديده من يلحق به فلم يصح (¬5) ". ¬

_ (¬1) أُسد الغابة في معرفة الصحابة (4/ 58). (¬2) دفاع عن الحديث النبوي والسيرة. ص 43. (¬3) سُبل الهدى والرشاد (5/ 225). (¬4) الأثر المقتفى لهجرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ص 106. (¬5) السيرة النبوية الصحيحة (1/ 206).

وشجاعة الفاروق - رضي الله عنه - لا تُجهل. لكن الكلام هنا على سند القصة. ثم إن الرسول - صلى الله عليه وسلم -وهو أشجع الناس- هاجر وصاحبه الصديق - رضي الله عنه - متخفّيَيْن عن أعين المشركين، فليس في هذا ما يعيب، بل هو من بذل الأسباب، ومن تمام التوكل على الله. وقد روي البخاري -رحمه الله- عن البراء بن عازب - رضي الله عنهما - قال: "أول من قدم علينا مصعب بن عمير وابن أم مكتوم وكانوا يُقرئون الناس، فقدم بلال وسعد وعمار بن ياسر - رضي الله عنهم -. ثم قدم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في عشرين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ... (¬6) ". بل قد أخرج ابن إسحاق ما يدل على أن هجرة عمر - رضي الله عنه - كانت سرًا فقال: "حدثني نافع مولى عبد الله بن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: "اتّعدتُ لما أردنا الهجرة إلى المدينة أنا وعيّاش بن أبي ربيعة، وهشام بن العاصي بن وائل السهمي التّناضب من أضاة بني غِفَار (*) فوق سَرِف، وقلنا: أيُّنا لم يُصبح عندها فقد حُبس، فليمض صاحباه. قال: فأصبحتُ أنا وعيّاش بن أبي ربيعة عند التناضب، وحُبس عنا هشام، وفُتن فافتتن .. (¬7) " الحديث. وصحّحه ابن حجر (¬8) وحسّن إسنادها: الوادعي (¬9)، وسلمان العودة (¬10). والجمع بين رواية ابن إسحاق هذه، ورواية البخاري أن عمر قدم في عشرين من الصحابة: أن هؤلاء الصحابة - رضي الله عنهم - التقي بعضهم ببعض في الطريق دون ترتيب مسبق، فيما يظهر. والله أعلم. ¬

_ (¬6) البخاري: كتاب مناقب الأنصار، باب مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه المدينة (7/ 259 فتح) (*) قال السُّهيلي: أضاة بن غفار على عشرة أميال من مكة، والأضاة الغدير. (الروض الأنف 4/ 190). (¬7) الروض الأنف (4/ 170). (¬8) الإصابة (3/ 572)، وحسنه في مختصر زوائد البزّار (2/ 14 - 13). (¬9) الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين (2/ 108) (¬10) الغرباء الأولون (1/ 117).

مؤامرة دار الندوة

مؤامرة دار الندوة قال ابن إسحاق-رحمه الله-: "ولما رأت قريش أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد صارت له شيعة وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم، ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم ... فحذروا خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم، وعرفوا أنه قد أجمع لحربهم، فاجتمعوا له في دار الندوة ... يتشاورون فيها ما يصنعون في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين خافوه". ثم قال ابن إسحاق: فحدثني من لا أتهم من أصحابنا، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد بن جبر وغيره ممن لا أتهم عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: لما أجمعوا لذلك واتّعدوا أن يدخلوا في دار الندوة ليتشاوروا فيها ... فاعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل .. (¬1) "الخ. وعلة هذا السند جهالة شيخ ابن إسحاق وقد سبق قول البيهقي (¬2): ابن إسحاق إذا لم يُسمِّ من حدثه فلا يُفرح به. وقد أخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق فقال: "حدثنا ابن حُميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمَّد بن إسحاق، قال حدثني عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس ... (¬3) ". وفي سند الطبري سقطت الواسطة بين ابن إسحاق وابن أبي نجيح وصرَّح ابن إسحاق فيه بالتحديث عنه، لكن في هذا الإسناد علّة هي: أن شيخ الطبري هو: محمَّد بن حُميد بن حيان الرازي، قال الحافظ في التقريب: (حافظ ضعيف) (¬4) وكذّبه أبو زرعة والنسائي وابن وارة. وقال صالح بن محمَّد الأسدي: ما رأيت أحدًا أحذق بالكذب منه ومن الشاذكوني (¬5)، وذكره ¬

_ (¬1) الروض الأنف (4/ 176). (¬2) في قصة الفحل الذي عرض لأبي جهل. (¬3) تاريخ الطبري (1/ 566). (¬4) تقريب التهذيب (2/ 156). (¬5) تهذيب التهذيب، وفيه: "قال إسحاق بن منصور الكوسج قرأ علينا محمَّد بن حميد كتاب المغازي عن سلمة، فقضى أني صرتُ إلى علي بن مهران فرأيته يقرأ كتاب المغازي عن سلمة فقلت له: قرأ علينا محمَّد بن حميد، قال: فتعجب علي وقال: سمعه محمَّد بن حميد مني" (9/ 129).

الذهبي في (الضعفاء والمتروكين) (¬6) وفي (الكاشف) وقال: "وثقه جماعة والأولى تركه (¬7) ". ومحمد بن حُميد هذا هو المتهم -والله أعلم- بتسوية إسناد ابن إسحاق عند الطبري. وفي السند علة أخرى لكنها دون الأولى، وهي أن عبد الله بن أبي نجيح-وهو ثقة رمي بالقدر- ربما دلس، وقد عنعن هنا، قال يحيى بن سعيد وابن المديني: لم يسمع ابن أبي نجيح التفسير من مجاهد (¬8)، وقال ابن حبان: رواه عن مجاهد من غير سماع (¬9). وأخرجه ابن سعد (¬10) من طريق الواقدي، وقد تقدم مرارًا أنه متروك على سعة علمه، وأخرجه عبد الرازق عن قتادة مرسلًا (¬11). وهذه القصة لم أرَ -حسب علمي- من صحّح أسانيدها من أهل العلم، على أنها مشهورة في كتب السيرة، لكن الشهرة لا تغني عن صحة الإسناد. ومال الدكتور سليمان السعود إلى تقوية القصة بأمور ثلاثة: 1 - أن لها أصلًا في كتاب الله في قوله تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} (*) [الأنفال: 30] وبهذه القصة فسرها الطبري. 2 - أنها وردت من عدة طرق يشد بعضها بعضًا. ¬

_ (¬6) 2/ 289. (¬7) 3/ 32. (¬8) تاريخ ابن أبي خيثمة (1/ 231 و 240). (¬9) تهذيب التهذيب (6/ 54). (¬10) الطبقات الكبرى (1/ 227)، (¬11) المصنف، كتاب المغازي (5/ 389). (*) عن هذه الآية انظر ما يأتي: قصة نسيج العنكبوت

3 - شهرة هذه القصة واستفاضتها عند أئمة السير (¬12) ا. هـ. وقال الشيخ محمَّد الصادق عرجون -رحمه الله- عن هذه القصة ومشاركة إبليس إنه ضرب من الخيال المجنون: "لأنه لم يثبت فيه خبر صحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان ما جاء فيه رواية مرسلة عن ابن عباس لم يثبت لها سند يمكن التشبث به والاعتماد عليه .. (¬13) ". وتعقبه الدكتور مهدي رزق الله بقوله: "قلت: جاءت القصة بطريق صحيح عن [عند] ابن إسحاق والطبري إضافة إلى أن ابن إسحاق والزهري والواقدي وابن سعد والأموي من أئمة المغازي والسير، واتفقوا على ذكر القصة مما يدل أن لها أصلًا، خاصة حديثهم -إذا استثنينا قصة النجدي- ورد مضمونه في أحاديث صحيحة، مثل الأحاديث التي وردت في تفسيير الآية: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ... } (¬14) ". وهذا التعقب يحتاج إلى تعقب، فالقول بأن هذه القصة جاءت من طريق صحيح، غير صحيح وقد سبق أن الرواية لهذه القصة إما من طريق الواقدي وهو متروك، أو من طريق ابن إسحاق وفيه جهالة شيخه، وما ذكر من أن ابن إسحاق قد صرح بالسماع في رواية الطبري لا يفيد لأن شيخ الطبري كما سبق كذّبه العلماء وهو -والله أعلم- المتّهم بتسوية السند، وكل ذلك قد مرّ قريبًا. ¬

_ (¬12) أحاديث الهجرة جمع وتحقيق ودراسة، مركز الدراسات الإِسلامية، برمنجهام، بريطانيا، الطبعة الأولى، 1411 هـ، ص 114. والكتاب رسالة ماجستير (¬13) محمَّد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، منهج ورسالة، بحث وتحقيق. دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى 1405 هـ (2/ 498). (¬14) السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، الطبعة الأولى 1412 هـ، مركز الملك فيصل للدراسات والبحوث، ص 265.

وروى ابن إسحاق قصة في حصار بيته - صلى الله عليه وسلم - للفتك به، فقال: "فحدثني يزيد بن زياد عن محمَّد بن كعب القُرظي قال: لما اجتمعوا له، وفيهم أبو جهل بن هشام، فقال وهم على بابه: إن محمدًا يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم، ثم بُعثتم من بعد موتكم فجُعلت لكم جنان كجنان الأردن، وإن لم تفعلوا كان له فيكم ذبح، ثم بعثتم من بعد موتكم، ثم جُعلت لكم نار تحرقون فيها. قال: وخرج عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ حفنة من تراب في يده ثم قال أنا أقول ذلك، أنت أحدهم. وأخذ الله تعالى على أبصارهم عنه فلا يرونه، فجعل ينثر ذلك التراب على رؤوسهم وهو يتلو هؤلاء الآيات من {يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ .... } إلى قوله: {فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} حتى فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هؤلاء الآيات، ولم يبق منهم رجل إلا قد وضع على رأسه ترابًا، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب، فأتاهم آت ممّن لم يكن معهم، فقال: ما تنتظرون ها هنا؟ قالوا: محمدًا، قال: خيبكم الله: قد والله خرج عليكم محمَّد، ثم ما ترك منكم رجلًا إلا قد وضع على رأسه ترابًا وانطلق لحاجته، أفما ترون ما بكم؟ فوضع كل رجل منهم يده على رأسه، فإذا عليه تراب، ثم جعلوا يتطلعون، فيرون عليًا على الفراش متسجيًا ببُرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقولون: والله إن هذا لمحمدًا نائمًا عليه بُرده، فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا، فقام علي - رضي الله عنه - عن الفراش فقالوا: والله لقد كان صدقنا الذي حدثنا (¬15) ". وهذا إسناد مرسل، وقد أشار إلى ضعفها الدكتور أكرم العمري (¬16)، والدكتور سليمان السعود (¬17)،ولهذا لم يعرِّج أكثر أئمة التفسير إلى ذكر هذه ¬

_ (¬15) الروض الأنف (4/ 178 و 179). (¬16) السيرة النبوية الصحيحة (1/ 207). (¬17) أحاديث الهجرة ص 111.

الأحاديث عند تفسيرهم للآيات السابقة من سورة يّس، مع عنايتهم بذكر سبب النزول، كالطبري والقرطبي وابن الجوزي والزمخشري، وأوردها ابن كثير نقلًا عن ابن إسحاق، بل ذكر أكثرهم سببًا آخر للنزول لم يثبت هو الآخر. واعلم أن في قصة الهجرة تساؤلات كثيرة، ففي صحيح البخاري في حديث الهجرة عن عائشة - رضي الله عنها: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء إلى بيت أبي بكر في نحر الظهيرة، وهي ساعة لم يكن يأتيه فيها، وأخبره بأنه قد أُذن له في الخروج، قالت: فجهزناهما أحثَّ الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب ... ثم لحق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر بغارٍ في جبل ثور، فكمنا فيه ثلاث ليال (¬18) ". فمتى حاصر المشركون بيته؟ -على القول بصحة القصة- هل كان قبل ذهابه إلى بيت أبى بكر؟ فأين قضى - صلى الله عليه وسلم - هذا الوقت الذي استغرق ليلة ونصف نهار قبل أن يذهب إلى بيت صاحبه الصديق - رضي الله عنه -؟ أو كان بعد عودته من بيت أبي بكر وإخباره له بالهجرة؟ وهذا لا يستقيم مع رواية البخاري، فإن ظاهرها أن التوجه إلى الغار كان من بيت أبي بكر. ومن هذه التساؤلات: متى تم استئجار ابن أريقط؟ ومنها: - على القول بصحة الحصار -أين كان بنو هاشم عن هذه المؤامرة؟ ولماذا سكتوا عنها؟ ولم يُسمع لهم فيها بأدنى ذكر؟ صحيح أن أبا طالب قد مات، لكن ذلك لا يعني عدم وجود آخرين من بني هاشم تأخذهم الحمية والأنفة لابن أخيهم، وعلى رأس الهاشميين العباس بن عبد المطلب وهو الذي قد رافق -وكان لا يزال مشركًا- رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في لقائه بالآنصار في بيعة العقبة الثانية، بل وبدأ بالحديث حينها، وبيّن للحاضرين أن ابن أخيه في عزّ ومنعة من قومه، لكنه أبى إلا الانحياز إليهم، ثم تثبّت منهم إن كانوا صادقين في بيعتهم. ثم كيف علمت قريش بموعد هجرته - صلى الله عليه وسلم - حتى تقوم بمثل هذه الأمور؟ إلى غير ذلك من ¬

_ (¬18) البخاري (7/ 230)

فائدة

الإشكالات وقد أشار الشيخ محمَّد عرجون -رحمه الله- إلى كثير من هذه التساؤلات (¬19). فائدة: أخرج البيهقي في سننه (6/ 289) من طريق ابن إسحاق: "وأقام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ثلاث ليالٍ وأيامها -يعني بعد هجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه- حتى أدى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الودائع التي كانت عنده للناس، حتى إذا فرغ منها لحق رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم" قال ابن حجر: رواه ابن إسحاق بسند قوي (التلخيص 3/ 112) وحسنه الألباني (إرواء الغليل 5/ 384 رقم 1546). ¬

_ (¬19) محمَّد رسول الله. (2/ 498) وما بعدها.

هل كانت أسماء تأتي بالطعام إلى الغار؟

هل كانت أسماء تأتي بالطعام إلى الغار؟ ومما اشتهر في السيرة أن أسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنها - كانت تأتي بالطعام لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبيها عندما كانا في الغار. قال ابن إسحاق: "وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يصلحهما (¬1) "لكن رواية البخاري بيّنت أن أسماء - رضي الله عنها - صنعت لها الطعام في بيت أبي بكر وقبل الخروج للغار، قالت - رضي الله عنها -: "صنعتُ سفرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت أبي بكر حين أراد أن يهاجر إلى المدينة. قالت: فلم تجد لسفرته ولا لسقائه ما نربطهما به، فقلت لأبي بكر: والله ما أجد شيئًا أربط به إلا نطاقي، قال: فشقيه باثنين فاربطيه: بواحد السقاء وبالآخر السفرة، ففعلت. فلذلك سميت ذايت النطاقين (¬2) " وبوّب له الإِمام البخاري بقوله: "باب حمل الزاد في الُغزو". وفي روايتها لحديث الهجرة قالت عائشة - رضي الله عنها -: "فجهزناهما أحثّ الجهاز، وصنعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب، فبذلك سُميت ذات النطاقين. قالت: ثم لحق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر بغارٍ في جبل ثور .. (¬3) ". أما طعامهما (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر - رضي الله عنه) في غار ثور في الأيام الثلاثة التي مكثاها في الُغار، فالظاهر أنه من تلك السفرة التي أُعدت في بيت أبي بكر - رضي الله عنه - وما كان يأتيهما به عامر بن فهيرة - رضي الله عنه -، ففي رواية البخاري الآنفة الذكر: .. "ويرعى عليهما عامر بن فُهيرة مولى أبى بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رِسل -وهو لبن مِنْحتهما ¬

_ (¬1) الروض الأنف (4/ 183). (¬2) البخاري، كتاب الجهاد، باب حمل الزاد في الغزو. (6/ 129 فتح). (¬3) البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى المدينة. (7/ 232 فتح).

ورضيفهما - حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس، يفعل ذلك كل ليلة من تلك الليالي الثلاث .. (¬4) " قال الحافظ في الشرح: "قوله: (في رِسْل) .. اللبن الطري. قوله (ورضيفهما) بوزن رغيف أي اللبن المرضوف أي التي [الذي] وضعت فيه الحجارة المحمّاة بالشمس أو النار لينعقد وتزول رخاوته (¬5) ". ¬

_ (¬4) المصدر السابق. (¬5) فتح الباري (7/ 237).

قصة نسيج العنكبوت والحمامتين في الغار

قصة نسيج العنكبوت والحمامتين في الغار روى الإِمام أحمد - رضي الله عنه - في مسنده قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا مَعْمَر قال: وأخبرني عثمان الجزري أن مِقْسمًا مولى ابن عباس أخبره عن ابن عباس في قوله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ} [الأنفال: من الآية 30] قال: "تشاورت قريش ليلة بمكة، فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق، يريدون النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال بعضهم: بل اقتلوه. وقال بعضهم: بل أخرجوه، فأطلع الله عز وجل نبيه على ذلك. فبات عليٌّ على فراش النبي - صلى الله عليه وسلم - تلك الليلة .. فلما رأوا عليًا ردّ الله مكرهم، فقالوا: أين صاحبك هذا؟ قال: لا أدري، فاقتصوا أثره، فلما بلغوا الجبل خلط عليهم، فصعدوا في الجبل، فمروا بالغار، فرأوا على بابه نسيج العنكبوت، فقالوا: لو دخل ههنا لم يكن نسيج العنكبوت على بابه، فمكث فيه ثلاث ليال" (¬1). قال ابن كثير -رحمه الله-: "وهذا إسناد حسن وهو من أجود ما روي في قصة نسج العنكبوت على فم الغار (¬2) ". لكنه -رحمه الله- قال في (الفصول): "ويقال - والله أعلم- إن العنكبوت سدّت على باب الغار، وان حمامتين عششتا على بابه ... (¬3) ". فلم يحسنّها هنا، بل يفهم من كلامه خلاف ذلك. وحسّنها الحافظ ابن حجر في (الفتح (¬4)) على أنه قال عن عثمان الجزري: "فيه ضعف (¬5) ". وفي (التهذيب) أن أبا حاتم قال عنه: يُكتب حديثه ولايحتج به. وقال العقيلي: لا يتابع في حديثه (¬6). ¬

_ (¬1) المسند (5/ 87). (¬2) البداية والنهاية (3/ 181). (¬3) الفصول في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -. ص 52. (¬4) 7/ 236. (¬5) التقريب (2/ 13). (¬6) التهذيب (7/ 145).

ولذا ضعّف الحديث الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- في تعليقه على المسند فقال: "في إسناده نظر، من أجل عثمان الجزري (¬7) ". وقال الشيخ الألباني -رحمه الله- بعد أن ضعّف الحديث: "ثم إن الآية المتقدمة: {وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا} فيها ما يؤكد ضعف الحديث؛ لأنها صريحة بأن النصر والتأييد إنما كان بجنود لا تُرى، والحديث يُثبت أن نصره - صلى الله عليه وسلم - كان بالعنكبوت، وهو مما يُرى، فتأمّل. والأشبه بالآية أن الجنود فيها إنما هم الملائكة، وليس العنكبوت ولا الحمامتين، ولذلك قال البغوي في تفسيره (4/ 147) للآية: (وهم الملائكة نزلوا يصرفون وجوه الكفار وأبصارهم عن رؤيته) ا. هـ كلام الشيخ الألباني (¬8). وقال في موضع آخر: "واعلم أنه لا يصح حديث في عنكبوت الغار والحمامتين (¬9) ". فتحسين الحافظيْن ابن كثير وابن حجر إنما هو لنسيج العنكبوت فقط. أما بيض حمامتين على الغار فلم أر -حسب علمي- من صحّحه. والله أعلم. وقد أورده الهيثمي في (المجمع) بلفظ: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما كان ليلة بات في الغار أمر الله تبارك وتعالى شجرة فنبتت في وجه الغار .. وأمر .. العنكبوت فنسجت على وجه الغار، وأمر .. حمامتين وحشيتين فوقعتا بفم الغار، وأتى المشركون من كل فجّ .. وتقدم رجل منهم فنظر فرأى الحمامتين فرجع فقال لأصحابه: ليس في الغار شيء، رأيتُ حمامتين على فم الغار فعرفت أن ليس فيه أحد، فسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله فعلم أن الله تبارك وتعالى قد درأ بهما عنه، فسمّت (دعا بالخير والبركة) عليهما وفرض جزاءهما، واتخذ في حرم الله تبارك وتعالى ¬

_ (¬7) (5/ 87). (¬8) سلسلة الأحاديث الضعيفة (3/ 263) وضعفها أيضًا في تعليقه على فقه السيرة، ص 163. (¬9) سلسلة الأحاديث الضعيفة (3/ 339).

فرخين أحسبه قال: فأصل كل حمام في الحرم من فراخهما". ثم قال اليهثمي: "رواه البزار والطبراني وفيه جماعة لم أعرفهم (¬10) ". وأخرجه أيضًا أبو القاسم الأصبهاني في (دلائل النبوة) من طريق عبد الرزاق، كسند الإِمام أحمد، قال: محقق الدلائل، مساعد الحميد: "في إسناده ضعف". وأعله -كمن قبله- بعثمان الجزري، ثم قال: "ثم إن في الإسناد علة أخرى لا تقل أهمية عما سبق، فقد أخرج الحديث عبد الرزاق في (المصنف) (5: 389) وفي التفسير (ل95) عن مَعْمَر به، دون ذكر ابن عباس، وينبغي أن يكون هذا هو المحفوظ عن عبد الرزاق إذ هو ثابت بهذا الأداء في مؤلفاته (¬11). قال أبو تراب الظاهري-رحمه الله-: "وقد ورد أن حمامتين وحشيتين عششتا على بابه، وأن شجرة نبتت، وكل ذلك فيه غرابة ونكارة من حيث الرواية .. وفي رواية فيها غرابة ونكارة أن الحمامتين أفرختا، وأن حَمَام الحرم المكي من نسل تينك الحمامتين، وكل ذلك بأسانيد واهية (¬12) ". قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- معلقًا على قول أبي بكر - رضي الله عنه -: (لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا): "وفيه دليل على أن قصة نسج العنكبوت غير صحيحة، فما يوجد في بعض التواريخ أن العنكبوت نسجت على باب الغار، وانه نبت فيه شجرة، وأنه كان على غصنها حمامة .. كل هذا لا صحة له؛ لأن الذي منع المشركين من رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه أبي بكر - رضي الله عنه - ليست أمورًا حسية تكون لهما ولغيرهما بل هي أمور معنوية وآية من آيات الله عز وجل" (¬13). ¬

_ (¬10) مجمع الزوائد (6/ 152 - 153) وانظر: تخريج أحاديث الكشاف (2/ 76). (¬11) دلائل النبوة للأصبهاني، تحقيق مساعد بن سليمان الحميد، دار العاصمة، النشرة الأولى، 1412 هـ (2/ 576) (¬12) الأثر المقتفى لقصة هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ص 13. (¬13) شرح رياض الصالحين، ط الأولى 1415، دار الوطن، ج 2، ص 525.

فائدة

وقال -رحمه الله- في موضع آخر: "ما كان عشٌّ كما يقولون، ولا حمامة وقعت على الغار، ولا شجرة نبتت على فم الغار، ما كان إلا عناية الله عز وجل؛ لأن الله معهما (¬14) ". فائدة: أورد الشيخ الألباني -رحمه الله- في السلسلة الضعيفة (3/ 337) حديثًا عزاه إلى مسند الفردوس للديلمي وهو: "جزى الله عَزَّ وَجَلَ العنكبوت عنا خيرًا فإنها نسجت علي وعليك يا أبا بكر في الغار، حتى لم يرنا المشركون، ولم يصلوا إلينا"، وقال -رحمه الله- عن الحديث: منكر، ثم ختم كلامه بقوله: "واعلم أنه لا يصح حديث في عنكبوت الغار والحمامتين على كثرة ما يُذكر ذلك في بعض الكتب والمحاضرات .. ". وأخرى: أخرج الحاكم في المستدرك (3/ 4) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اللهم إنك أخرجتني من أحب البلاد إليّ فأسكني أحب البلاد إليك" فأسكنه الله المدينة. ثم قال الحاكم: "هذا حديث رواته مدنيّون من بيت أبي سعيد المقبري". وتعقبه الذهبي بقوله: "لكنه موضوع، فقد ثيت أن أحب البلاد إلى الله مكة" ا. هـ. وسئل شيخ الإِسلام -رحمه الله- عن هذا الحديث فقال: "هذا حديث باطل كذب". (الفتاوى 18/ 124) وقال في (18/ 378): "هذا باطل، بل ثبت في الترمذي وغيره أنه قال لمكة: "والله إنكِ لأحبّ بلاد الله إلى الله" وقال: "إنك لأحبّ البلاد إليّ" فأخبر أنها أحبّ البلاد إلى الله وإليه. وقال -رحمه الله- في (27/ 36): "فهذا حديث موضوع كذب لم يروه أحد من أهل العلم" أ. هـ. ومن إنصاف الإِمام الكبير أبي عمر بن عبد البر -رحمه الله- قوله: "واني لأعجب ممن يترك قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ وقف بمكة على الحَزْورة وقيل على الحجون وقال: "والله إني أعلم أنك خير أرض الله .. " وهذا حديث صحيح .. فكيف يُترك مثل ¬

_ (¬14) المرجع السابق ص 303.

هذا النص الثابت ويُمال إلى تأويل لا يُجامع متأوله عليه؟ " (التمهيد 2/ 288) وابن عبد البر -رحمه الله- مالكي، والمشهور عن المالكية تفضيل المدينة على مكة.

وعد سراقة بن مالك بسواري كسرى

وعد سراقة بن مالك بسواري كسرى ومما اشتهر في السيرة أنه - صلى الله عليه وسلم - لما هاجر وصاحبه الصديق - رضي الله عنه - ولحق بهما سراقة بن مالك أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لسراقة: "كيف بك إذا لبستَ سواريْ كسرى"؟ وقد ذكر ذلك الحافظان ابن عبد البر وابن حجر -رحمهما الله- في ترجمتهما لسراقة - رضي الله عنه - فقالا: "روى سفيان بن عيينة عن أبي موسى عن الحسن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لسراقة: .. وذكره: "قال فلما أُتي عمر - رضي الله عنه - بسواري كسرى ومنطقه وتاجه دعا سراقة بن مالك فألبسه إياهما، ... وقال له: ارفع يدك، فقال: الله أكبر والحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز، وألبسهما سراقة الأعرابي". وهذا مرسل الحسن بن أبي الحسن البصري الإِمام المشهورة وهو على جلالته وعلمه وفضله إلا أن مراسيله ليست بحجة، وهو قول محمَّد بن سيرين وابن سعد والإمام أحمد، وخالفهم الإمامان أبو زرعة الرازي ويحي القطان (¬1) ". قال العلائي -رحمه الله- في (جامع التحصيل): "والظاهر أن قول الأكثر أولى بالاعتماد، وقال أحمد بن حنبل: ليس في المرسلات شيء أضعف من مرسلات الحسن وعطاء بن أبي رباح فإنهما كانا يأخذان من كل ضرب (¬2) ". وقد رواه أبو بكر بن أبي شيبة من طريق علي بن زيد -وهو ضعيف- عن الحسن، وليس فيه: "كيف بك إذا لبست سواري كسرى (¬3) ". أما أصل القصة وهي لحاق سراقة بالرسول - صلى الله عليه وسلم - والصديق فهي ثابتة رواها البخاري، ومسلم (¬4). وفيها من آيات حماية الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولصاحبه الصديق - رضي الله عنه -، ووقوع الإِسلام في قلب سراقة: " ... ووقع في نفسي حين لقيتُ ما لقيت من الحبس عنهم أن ¬

_ (¬1) شرح علل الترمذي لابن رجب، تحقيق د. همام سعيد، ط الأولى (1/ 536 - 538). (¬2) جامع التحصيل في أحكام المراسيل، تحقيق حمدي السلفي، الطبعة الثانية 1407.ص 91. (¬3) المطالب العالية (4/ 207) والمحققة (17/ 299). (¬4) البخاري رقم 3906 (7/ 338 فتح). مسلم كتاب الزهد، باب في حديث الهجرة رقم 75.

سيظهر أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فسألته أن يكتب لي كتاب أمنٍ، فأمر عامر بن فُهيرة فكتب في رقعة من أدم" (البخاري 3906).

طلع البدر علينا

طلع البدر علينا وهذا النشيد من أشهر مايتعلق بالهجرة النبوية المباركة. فقد أخرج البيهقي في (الدلائل) بسنده عن ابن عائشة قال: لما قدم عليه السلام المدينة جعل النساء والصبيان يقلن: (¬1) طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع ورواه في موضع آخر من (الدلائل) في باب: تلقي الناس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث قدم من غزوة تبوك، ثم قال: قلت: وهذا يذكره علماؤنا عند مقدمه المدينه من مكة، وقد ذكرناه عنده، لا أنه لما قدم المدينة من ثنية الوداع عند مقدمه من تبوك، والله أعلم، فذكرناه أيضًا ها هنا (¬2) ". وأعلّه الحافظ العراقي بكونه معضلًا (¬3)؛ لأن راوي القصة عبيد الله بن عائشة (وهو من شيوخ الإِمام أحمد) مات سنة 228 هـ. فبينه وبين القصة مفاوز. قال الحافظ ابن حجر - رضي الله عنه - في (الفتح): "وأخرج أبو سعيد في (شرف المصطفى) ورويناه في (فوائد الخلعي) من طريق عبيد الله بن عائشة منقطعًا: لما دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة جعل الولائد يقلن: طلع البدر علينا ... من ثنية الوداع وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع وهو سند معضل، ولعل ذلك كان في قدومه من غزوة تبوك (¬4) ". ¬

_ (¬1) دلائل النبوة، باب من استقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه .. ، ص 506، وزيادة: أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع، من زيادة رزين، قاله الصالحي (سبل الهدى والرشاد، 3/ 271). (¬2) "الدلائل" باب تلقي الناس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قدم من غزوة تبوك (5/ 266). (¬3) تخريج أحاديث إحياء علوم الدين، دار العاصمة، الطبعة الأولى (3/ 1327). (¬4) فتح الباري (7/ 261، 262).

وقد أخرج البخاري -رحمه الله- في صحيحه قال: حدثنا عبد الله بن محمَّد قال: حدثنا سفيان عن الزهري عن السائب بن يزيد: "أذكر أني خرجت مع الصبيان نتلقى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الثنية الوداع مقدمه من غزوة تبوك (¬5) ". قال الحافظ ابن حجر: "فأنكر الداودي هذا وتبعه ابن القيم وقال: ثنية الوداع من جهة مكة لا من جهة تبوك، بل هي مقابلها كالمشرق والمغرب، قال: إلا أن يكون هناك ثنية أخرى في تلك الجهة، والثنية ما ارتفع من الأرض. وقيل: الطريق في الجبل. قلت: لا يمنع كونها جهة الحجاز أن يكون خروج المسافر إلى الشام من جهتها، وهذا واضع كما في دخول مكة من ثنية والخروج منها من أخرى، وينتهي كلاهما إلى طريق واحدة. وقد روينا بسند منقطع في (الحلبيات (*)) قول النسوة لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة: "طلع البدر علينا من ثنيات الوداع " فقيل: كان ذلك عند قدومه في الهجرة، وقيل: عند قدومه من غزوه تبوك (¬6) " كذا نسب الحافظ ابن حجر إلى ابن القيم أنه قال: ثنية الوداع من جهة مكة لا من جهة تبوك: وكلام ابن القيم مخالف لذلك تمامًا، فقد قال -رحمه الله-: "فلما دنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة، خرج الناس تلقيه، وخرج النساء والصبيان والولائد يقلن: طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع ¬

_ (¬5) كتاب المغازي، باب كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى كسرى وقيصر (8/ 126 فتح). (*) كذا في الأصل وهو خطأ مطبعي، والصواب: الخلعيات. (¬6) فتح الباري (8/ 128، 129).

وبعض الرواة يهم في هذا ويقول: إنما كان ذلك عند مقدمه إلى المدينة من مكة، وهو وهم ظاهر، لأن ثنيات الوداع إنما هي من ناحية الشام، لايراها القادم من مكة إلى المدينة، ولايمر بها إلا إذا توجّه للشام .. (¬7) ". وجاء سبب تسمية ثنية الوداع بذلك وأنها من جهة تبوك في حادثة أخرى، في تحريم نكاح المتعة. قال الحافظ ابن حجر: "وأخرجه الحازمي من حديث جابر، قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى غزوة تبوك، حتى إذا كناّ عند العقبة مما يلي الشام جاءت نسوة كناّ تمتعنا بهن يطفن برحالنا، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرنا ذلك له، فغضب وقام خطيبًا فحمد الله وأثنى عليه، ونهى عن المتعة، فتوادعنا يومئذ فسميت ثنية الوداع (¬8) ". والحديث "لا يصح فإنه من طريق عباد بن كثير، وهو متروك (¬9) ". قال الشيخ الألباني-رحمه الله-: "على أن القصة برمّتها غير ثابتة (¬10) ". ومما يدل على ضعف هذه القصة: أن الروايات الصحيحة في دخوله - صلى الله عليه وسلم - طيبة عند هجرته إليها لم تذكر ولو إشارة ما يستشهد به لذلك، بل نقلت تلك الروايات ما قاله أهل المدينة عند وصوله إليها، فقد روى البخاري -رحمه الله- في صحيحه في (باب هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى المدينة) حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -، وفيه: "فقيل في المدينة: جاء نبي الله، جاء نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فأشرفوا ينظرون ويقولون: جاء نبي الله .. (¬11) " وفي حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه -: " .. ثم قدم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم (¬12) برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى جعل الإماء يقلن: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" وفي رواية: "فصعد الرجال والنساء فوق البيوت، وتفرّق ¬

_ (¬7) زاد المعاد (3/ 551) الطبعة السادسة، 1405. (¬8) فتح الباري (8/ 169). (¬9) فتح الباري (8/ 170). والتلخيص الحبير (3/ 178). (¬10) سلسة الأحاديث الضعيفة (2/ 63) الطبعة الثالثة، 1406. (¬11) كتاب مناقب الأنصار، رقم 3911. (¬12) البخاري، رقم 3925.

فائدة

الغلمان والخدم في الطُرق ينادون: يا محمد، يا رسول الله. يا محمد، يا رسول الله (¬13) ". فائدة: نقل الصالحي رحمه الله تعالى عن المقريزي أنّ هذا النشيد قيل لما رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من غزوة بدر. فهذا قول ثالث، وسبق أن النشيد لا يصح. وأخرى: رغم عناية ابن إسحاق -رحمه الله- بالسيرة، وتتبعه لأحداثها، فإنه لم يورد هذا النشيد في سيرته. ¬

_ (¬13) أخرجه مسلم، برقم (7522) [2009].

ميثاق المدينة (المعاهدة مع اليهود)

ميثاق المدينة (المعاهدة مع اليهود) وهي من أشهر الحوادث التي يذكرها المؤرخون في السنة الأولى من هجرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -. وهل هي وثيقة واحدة تشمل تحالف المسلمين بعضهم مع بعض، ومعاهدتهم مع اليهود، أم هما وثيقتان؟ قال الدكتور أكرم العمري: "الراجح أن الوثيقة في الأصل وثيقتان ثم جمع المؤرخون بينهما، إحداهما تناولت موادعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لليهود، والثانية توضح التزامات المسلمين من مهاجرين وأنصار وحقوقهم وواجباتهم، ويترجح عندي أن وثيقة موادعة اليهود كتبت قبل موقعة بدر الكبرى أما الوثيقة بين المهاجرين والأنصار فكتبت بعد بدر (¬1) " وهناك رأي آخر مخالف لذلك يقول: "أما القول بأن الوثيقة في الأصل وثيقتان، ثم جمع المؤرخون بينهما، قول ضعيف يفتقر إلى الدليل والبيان (¬2) ". لكن هل صحّ السند لإثبات هذه الوثيقة؟ إن ذكر ابن إسحاق -رحمه الله- لها، ونقل الآخريّن عنه، وشيوعها بين كُتَّابِ السيرة لا يكفي للحكم بصحتها. وسأنقل - باختصار - الروايات التي ذكرت القصة وأسانيدها وعلة كل طريق منها (¬3): الرواية الأولى: قال ابن إسحاق -رحمه الله-: "وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتابًا بين المهاجرين والأنصار، وداع فيه يهود، وعاهدهم، وأقرّهم على دينهم وأموالهم، وشرط لهم واشترط عليهم: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من محمَّد النبي - صلى الله عليه وسلم - بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم ... " وساق المعاهدة. قال الشيخ الألباني -رحمه الله-: "هذا مما لا يُعرف صحته .. . فَذَكره (ابن إسحاق) هكذا بدون إسناد، فهو معضل، وقد نقله ابن كثير (3/ 224، 225) ¬

_ (¬1) السيرة النبوية الصحيحة. (1/ 276). (¬2) بيان الحقيقة في الحكم على الوثيقة، ضيدان اليامي، مكتبة المعارف الرياض، ط الأولى، 1408 ص 31. (¬3) وقد اعتمدت على المصدرين السابقين في ذكر الروايات.

عن ابن إسحاق ولم يزد عليه في تخريجه شيئًا على خلاف عادته، مما يدل على أنه ليس مشهورًا عند أهل العلم والمعرفة بالسيرة والأسانيد (¬4) ". وقال في تعليقه على (فقه السيرة) عند ذكر المؤلف لها: "روى هذه الوثيقة ابن إسحاق (2/ 16 - 18) بدون إسناد (¬5) ". وبالإضافة إلى ابن كثير فقد نقلها ابن سيد الناس بدون إسناد أيضًا (¬6). الرواية الثانية: عند الإمام أحمد -رحمه الله- قال: "حدثنا سُريج حدثنا عبّاد عن حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب كتابًا بين المهاجرين والأنصار، أن يعقلوا معاقلهم، وأن يَفْدوا عانيهم بالمعروف والإصلاح بين المسلمين (¬7) ". ثم أعقبه -رحمه الله- بطريق آخر فقال: "حدثني سُريج حدثنا عباد عن حجاج عن الحكم عن مِقْسم عن ابن عباس مثله (¬8) ". وذكر طريقًا ثالثة فقال: "حدثنا نصر بن باب عن حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب كتابًا بين المهاجرين والأنصار، على أن يعقلوا معاقلهم .. (¬9) " الحديث. ويُلحظ في روايات الإِمام أحمد أمران: الأول: أنها مختصرة جدًا، وليس فيها ذكر للمعاهدة مع اليهود. الثاني: أن مدارها على حجاج وهو ابن أرطاة وهو مدلّس ولم يصرّح هنا بالتحديث، وقد نقل الإِمام الذهبي -رحمه الله- أقوال العلماء فيه فقال: "قال ابن معين: هو صدوق، ليس بالقوى، يُدلس عن محمد بن عبيد الله ¬

_ (¬4) دفاع عن الحديث النبوي والسيرة. ص 25، 26. (¬5) فقه السيرة. ص 185. (¬6) عيون الأثر (1/ 318) ط الأولى 1413، دار التراث، المدينة النبوية، تحقيق د. محمَّد العيد الخطراوي، محيي الدين مستو. (¬7) المسند بتحقيق أحمد شاكر (4/ 146) حديث رقم 2443. (¬8) المسند بتحقيق أحمد شاكر (4/ 146) حديث رقم 2444. (¬9) المسند بتحقيق أحمد شاكر (11/ 125) حديث رقم 6904.

العرزمي عن عمرو بن شعيب، يعني فيسقط العرزمي ... وقال أبو زرعة: صدوق مُدلس، وقال أبو حاتم: صدوق يُدلس عن "الضعفاء" يُكتب حديثه، فإذا قال: حدثنا، فهو صالح، لا يُرتاب في صدقه وحفظه، ولا يحتج بحديثه ... وقال ابن المبارك: كان الحجاج يدلس، فكان يحدثنا بالحديث عن عمرو بن شعيب مما يُحدّثه العرزمي، والعرزمي متروك (¬10) ورواية حجّاج هنا عن عمرو بن شعيب، فلعلها مما دلسه عن العرزمي. وقد وصفه بالتدليس - غير من سبق -: الإِمام أحمد والنسائي وغيرهما. وقد تعقّب الشيخ الألباني -رحمه الله- البوطي في إيراده لهذا الحديث فقال -رحمه الله-: "إسناده ضعيف لا تقوم به حجة؛ لأن حجاجًا هذا هو ابن أرطأة وقد قال فيه الحافظ في (التقريب): "صدوق كثير الخطأ والتدليس" ويبدو أن الشيخ عبد الرحمن البنا (*) قد توهم أنه غيره من الثقات فقال: "وسنده صحيح" (¬11) ا. هـ كلام الألباني -رحمه الله-. كما صححه الشيخ أحمد شاكر في حاشيته على المسند، وهو من تساهله -رحمه الله. والطريق الثالث للإمام أحمد عن نصر بن باب، وقد تركه غيرواحد. الرواية الثالثة: عند ابن أبي خيثمة، عزاها إليه ابن سيد الناس، فقال بعد أن ساق المعاهدة بطولها عن ابن إسحاق: "هكذا ذكره ابن إسحاق، وقد ذكره ابن أبي خيثمة، فأسنده: حدثنا أحمد بن جناب أبو الوليد، حدثنا عيسى بن يونس، حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو المزني عن أبيه عن جده أن رسول الله كتب كتابًا بين المهاجرين والأنصار، فذكره بنحوه (¬12) ". ¬

_ (¬10) سير أعلام النبلاء (7/ 70) وكذا تهذيب التهذيب (2/ 196). (*) في الفتح الرباني. (¬11) دفاع عن الحديث النبوي والسيرة ص 80. (¬12) عيون الأثر (1/ 320)

قال الدكتور العمري-وفقه الله-: "ولكن يبدو أن الوثيقة وردت في القسم المفقود من تاريخ ابن أبي خيثمة إذ لا وجود لها فيما وصل إلينا منه (¬13) ". وفي سند ابن أبي خيثمة كثير بن عبد الله، قال الذهبي: "متروك (¬14) " ورماه بالكذب أبو داود، وقال الشافعي من أركان الكذب "وقال ابن حبان: روى عن أبيه عن جده نسخة موضوعة لا يحل ذكرها في الكتب ولا في الرواية عنه إلا على جهة التعجب (¬15) ". قال الشيخ الألباني عن إسناد ابن أبي خيثمة: "هذا الإسناد لا قيمة له، كثير بن عبد الله بن عمرو المزني ضعيف جدًا (¬16) ". الرواية الرابعة: عند أبي عُبيد القاسم بن سلاّم (ت 224 هـ) في كتابه (الأموال) وقد ساق لها إسنادين، الأول: حدثني يحي بن عبد الله بن بكير وعبد الله بن صالح قالا: حدثنا الليث بن سعد قال: حدثنا عُقيل بن خالد عن ابن شهاب أنه قال: بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب بهذا الكتاب (¬17) .. " وسرده، فالخبر مرسل عن الزهري، ومرسله -رحمه الله- شرّ من مرسل غيره كما قال يحي بن سعيد القطان، وقد سبق الحديث عن مراسيل الزهري عند خبر ردة عبيد الله بن جحش (¬18). الإسناد الثاني عند أبي عبيد: "حدثني حجاج عن ابن جريج قال: في كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين من قريش وأهل يثرب .. " وهذا كسابقه مرسل، وابن جريج ¬

_ (¬13) السيرة النبوية الصحيحة (1/ 273) (¬14) المغني في الضعفاء (2/ 227) تحقيق: حازم القاضي. دار الكتب العلمية، بيروت. (¬15) تهذيب التهذيب (8/ 422). (¬16) دفاع عن الحديث النبوي والسيرة 79. (¬17) السيرة النبوية (1/ 273). (¬18) ص: 41

عبد الملك بن عبد العزيز ثقة، لكنه يدلس ويرسل. "روى الميموني عن أحمد، إذا قال ابن جريج: قال فاحذره (¬19) ". أما الرواي عنه فهو حجاج بن محمَّد الأعور ثقة روى له الجماعة. الرواية الخامسة: عند أبي عبيد أيضًا في كتابه (غريب الحديث) وذكر لها ثلاثة أسانيد، هي: الأول: من طريق حفص عن كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده. وحفص هو ابن غياث القاضي ثقة فقيه، لكن العلة في كثير بن عبد الله، وسبق الحديث عنه. الثاني: قال أبو عبيد: "حدثني حماد بن عبيد عن جابر عن الشعبي أو أبي جعفر محمَّد بن علي -الشك من أبي عبيد- عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم .. " فذكر رواية مختصرة. وحماد بن عبيد قال عنه الذهبي في الميزان: "حماد بن عبيد أو ابن عبيد الله عن جابر الجُعْفي. قال أبو حاتم: ليس بصحيح الحديث، لا يُعبأ به، قال البخاري: لم يصحّ حديثه (¬20) ". وجابر الجُعْفي قال عنه في (التقريب): "ضعيف رافضي (¬21) " وقال عنه الذهبي في (الكاشف): "وثّقه شعبة فشذّ وتركه الحفاظ (¬22) ". والشعبي ومحمد بن علي كلاهما من التابعين، فالخبر مرسل، فضلًا عن ضعف سنده. الثالث: "حدثنا حجاج عن ابن جريج أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال .. " وسيق الكلام على هذا الإسناد. ¬

_ (¬19) سير أعلام النبلاء (6/ 328). (¬20) ميزان الاعتدال (1/ 597 رقم 2259). (¬21) تقريب التهذيب (1/ 123). (¬22) الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة (1/ 12) دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1403.

الرواية السادسة: عند حميد بن زنجوية (ت 247 هـ) من طريق عبد الله بن صالح قال: حدثني عُقيل عن ابن شهاب أنه قال: بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب بهذا الكتاب ... وسبق الكلام على هذا السند. الرواية السابعة: عند البيهقي بإسنادين، الأول: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس محمَّد بن يعقوب قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بُكير عن ابن إسحاق قال: حدثني عثمان بن محمَّد بن عثمان بن الأخنس بن شريق قال: "أخذت من آل عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذا الكتاب كان مقرونًا بكتاب الصدقة الذي كتب عمر للعمال: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمَّد النبي - صلى الله عليه وسلم - بين المسلمين والمؤمنين من قريش ويثرب ... " وهي مختصرة عما عند ابن إسحاق. ثم أعقبها بالإسناد الثاني فقال: "وأخبرناه أبو عبد الله الحافظ القاضي قال: حدثنا أبو العباس محمَّد بن يعقوب قال: حدثنا محمَّد بن إسحاق الصغاني قال: [[أنبأنا]] معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق هو الفزاري عن كثير بن عبد الله ... (¬23) " فذكره. والإسناد الأول ضعيف "لأن عثمان تحملها وجادة (*)، وفي الإسناد رجال فيهم ضعف مثل عثمان فهو صدوق له أوهام، ويونس بن بُكير يخطئ، والعطاردي (أحمد بن عبد الجبار) ضعيف وتحمّله للسيرة صحيح (¬24) ". أما الإسناد الثاني: ففيه كثير بن عبد الله، وسبق الكلام عنه. ¬

_ (¬23) السنن الكبرى، كتاب الديات، باب العاقلة. (8/ 106) دار المعرفة، بيروت، 1413. (*) قال ابن كثير: "وصورتها: أن يجد حديثًا أو كتابًا بخط شخص بإسناده". (الباعث الحثيث) تحقيق أحمد شاكر، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1403 هـ، ص 12. (¬24) السيرة النبوية الصحيحة (1/ 274 - 275).

الرواية الثامنة: عند ابن أبي حاتم. قال -رحمه الله- في مقدمة كتابه "الجرح والتعديل): "حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا العباس بن الوليد بن مزيد قراءة، قال: أخبرني أبي عن الأوزاعي أنه كتب إلى عبد الله بن محمَّد أمير المؤمنين (وكتب إليه رسالة طويلة وقال فيها:) وقد حدثني الزهري أنه كان في كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كتب بين المهاجرين والأنصار أن لا يتركوا مفرحًا أن يعينوه في فداء أو عقل". والإسناد مرسل، وسبق الكلام عن مراسيل الزهري. الرواية التاسعة: عند ابن حزم في (المحلى) وساقه بسنده عن الحجاج بن أرطأة عن الحكم (*) عن مِقْسم عن ابن عباس - رضي الله عنهم - قال: "كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتابًا بين المهاجرين والأنصار أن يعقلوا معاقلهم ويفْدوا عانيهم بالمعروف والإصلاح بين الناس" ثم قال -رحمه الله-: "فيه حجاج بن أرطأة، وهو ساقط، وفيه مِقسم وهو ضعيف (¬25) " مما سبق يتبين أنه لم يثبت لهذه الحادثة المشهورة إسناد صحيح سالم من علة قادحة، ولذا لم يوردها الإِمام الكبير أبو عبد الله الذهبي في كتابه المشهور: (تاريخ الإِسلام) في الجزء الخاص بالمغازي الذي يبدأ من الهجرة النبوية المباركة، وقد قال -رحمه الله- في مقدمة الكتاب: "وأُشير إلى الوقائع الكبار .. (¬26) " فلم يُشر إلى هذه الحادثة رغم أهميتها، فكأن ذلك -والله أعلم- لأنها لم تصحّ عنده. وكذا الإِمام النوري -رحمه الله- في: (تهذيب الأسماء واللغات) فلم يُشر إليها في جملة الأمور المشهورة حيث قال عن حوادث السنة الأولى: "فيها بني النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (*) في الأصل: الحكم بن مقسم وهو خطأ. (¬25) المحلى، (11/ 45) تحقيق أحمد شاكر، دار التراث، القاهرة. (¬26) تاريخ الإِسلام. المغازي. تحقيق: عمر تدمري. دار الكتاب العريي، بيروت، الطبعة الأولى 1407 ص: 22.

مسجده، ومساكنه، وآخى بين المهاجرين والأنصار، وأسلم عبد الله بن سلام، وشُرع الأذان (¬27) ". ولا ريب أن المعاهدة مع اليهود - لو صحّ سندها - أهم من بعض ما ذكر. وقد لا يكون الأمر مشكلًا إذا ذُكرت الحادثة بصيغة التضعيف: يُروى، يُذكر، ونحوهما من الصيغ، لكن المشكل إذا بُني على هذه الحادثة - أو غيرها من حوادث السيرة التي لم يثبت - حكم، أو أحكام تشريعية "كما لو كان الأمر متعلقًا بأصل العقيدة أو بأصل ينبني عليه حكم من أحكام الشريعة وهو الصلح مع اليهود (¬28) " فحينئذ ينبغي التأكد من صحة الخبر أولًا، ثم استخراج الأحكام منه، كما يقال في مثل ذلك: "أثبت العرش ثم انقش" والله أعلم. وأشار الشيخ سلمان العودة -رحمه الله- إلى هذه الوثيقة وبيّن ضعف أسانيدها ثم قال: "وقد روى أبو داود عن كعب بن مالك، في قصة قتل كعب بن الأشرف، وفيه: فلما قتلوه، فزعت اليهود والمشركون، فغدوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: طُرق صاحبنا، فقُتل، فذكر لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن يكتب بينه وبينهم كتابًا ينتهون إلى ما فيه، فكتب النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبينهم وبين المسلمين عامة صحيفة" رواه أبو داود، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب كيف كان إخراج اليهود من المدينة، ... من طريق محمَّد بن يحيى بن فارس عن الحكم بن نافع عن شعيب عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه .. فالحديث بهذا الإسناد صحيح (*) ... ويلحظ في هذه الرواية تأخّر الكتابة عن بداية العهد المدني، وهذا خلاف ما عليه معظم أهل السير والمؤرخين وغيرهم، ¬

_ (¬27) تهذيب الأسماء واللغات (1/ 20). (¬28) بيان الحقيقة في الحكم على الوثيقة. ص 39. (*) وصححها الحافظ ابن حجر (الفتح 7/ 331) وسيأتي ذلك في: إجلاء بني النضير وصححها أيضًا الأرناؤوط في تخريج (جامع الأصول) (8/ 218).

وجمع بعضهم بين الروايتين بأن ما في رواية كعب إنما هو تجديد للموثق الأول. والله أعلم (¬29) " ا. هـ. كلام الشيخ سلمان العودة -حفظه الله -. ¬

_ (¬29) الغرباء الأولون (ص 210 - 212).

عداوته ما بقيت

عداوته ما بقيت قال ابن إسحاق: "وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم قال: حُدّثت عن صفية بن حُييّ بن أخطب أنها قالت: كنت أحبَّ ولد أبي إليه، والي عمي أبي ياسر، لم ألقهما قطّ مع ولد لهما إلاّ أخذاني دونه، قالت: فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ونزل قباء في بني عمرو بن عوف، غدا إليه أبي حُيّي بن أخطب، وعمي أبو ياسر بن أخطب مُغلّسيْن. قالت: فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس قالت: فأتيا كالّيْن كسلانين ساقطين يمشيان الهوينى. قالت: فهششت إليهما كما كنت أصنع، فوالله ما التفت إليّ واحد منهما، مع ما بهما من الغمّ، قالت: وسمعت عمي أبو ياسر وهو يقول لأبي حيي بن أخطب: أهو هو؟ قال: نعم والله، قال: أتعرفه وتُثبته؟ قال: نعم، قال: فما في نفسك منه؟ قال عداوته والله ما بقيت (¬1) ". قال الحافظ العراقي: وهو منقطع (¬2). أي بين عبد الله بن أبي بكر وصفية. وحقد اليهود، وحسدهم وعداوتهم، ومعرفتهم أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حقًا لا نحتاج إلى مثل هذا الأثر الضعيف، وقد قال الله عّز وجل: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 109] وقال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89] وقال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 146] ¬

_ (¬1) الروض الأنف (4/ 310). (¬2) تخريج أحاديث إحياء علوم الدين (4/ 1843).

فائدة

فائدة: روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو آمن بي عشرة من اليهود لآمن بي اليهود" قال ابن حجر: "فالمراد عشرة مختصة وإلا فقد آمن به أكثر من عشرة (¬3) ". وأخرى: أخرج الطبراني عن ابن عمر قال: "كان بعيني صفيّة خضرة، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: ماهذه الخضرة بعينك؟ قالت: قلت لزوجي: إني رأيت فيما يرى النائم كأن قمرًا وقع في حجري، فلطمني، وقال: اتريدين مَلِكَ يثرب؟ قالت: وما كان أبغض إليّ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَتَلَ أبي وزوجي، فما زال يعتذر إليّ، وقال: ياصفية إن أباك ألّب عليّ العرب، وفعل وفعل، حتى ذهب ذلك من نفسي". قال الهيثمي: "ورجاله (الطبراني) رجال الصحيح (¬4) ". وذكره الألباني في (الصحيحة) (¬5). ¬

_ (¬3) كتاب مناقب الأنصار، باب إتيان اليهود النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قدم المدينة (7/ 274 فتح). (¬4) مجمع الزوائد (9/ 251) (¬5) رقم: (2793).

سبب إجلاء يهود بني النضير

سبب إجلاء يهود بني النضير المشهور في كتب السيرة أن سبب إجلائهم هو تآمرهم على قتل الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما جاءهم يستعينهم في دية القتيلين من بني عامر اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري، فقالوا: نعم يا أبا القاسم نعينك على ما أحببت، ثم خلا بعضهم ببعض، فقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جنب جدار من بيوتهم قاعد - فَمَنْ رجل يعلو على هذا البيت، فيلقي عليه صخرة فيريحنا منه؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب، فقال: أنا لذلك، فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخبر من السماء بما أراد القوم .. إلى آخر القصة (¬1)، وقد روى ذلك ابن إسحاق عن يزيد بن رُومان، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث، لكن الحديث مرسل. وأورده الشيخ الألباني -رحمه الله- في (الضعيفة) (¬2). وقد جاء سبب إجلائهم بسند صحيح متصل، قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- وروى ابن مردويه قصة بني النضير بإسناد صحيح إلى مَعْمر عن الزهري: "أخبرني عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: كتب كفار قريش إلى عبد الله بن أُبيّ وغيره ممن يعبد الأوثان قبل بدر يهددونهم بإيوائهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ويتوعدونهم أن يغزوهم بجميع العرب، فهمّ ابن أُبيّ ومن معه بقتال المسلمين، فأتاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ما كادكم أحد بمثل ما كادتكم قريش، يريدون أن تلقوا بأسكم بينكم" فلما سمعوا ذلك عرفوا الحق فتفرقوا، فلما كانت وقعة بدر كتب كفار قريش بعدها إلى اليهود: إنكم أهل الحلقة والحصون، يتهددونهم، فأجمع بنو النضيرعلى الغدر، فأرسلوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: اُخرج إلينا في ثلاثة من أصحابك ويلقاك ثلاثة من علمائنا، فإن آمنوا بك اتبعناك، ففعل، فاشتمل اليهود الثلاثة على ¬

_ (¬1) الروض الأنف (6/ 208). (¬2) سلسلة الأحاديث الضعيفة، رقم: 4866 (10/ 469).

الخناجر فأرسلت امرأة من بني النضير إلى أخ لها من الأنصار مسلم تخبره بأمر بني النضير، فأخبر أخوها النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يصل إليهم، فرجع، وصبّحهم بالكتائب فحصرهم يومه، ثم عدا على بني قريظة فحاصرهم فعاهدوه، فانصرف عنهم إلى بني النضير، فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء، وعلى أن لهم ما أقلت الإبل إلا السلاح، فاحتملوا حتى أبواب بيوتهم، فكانوا يخربون بيوتهم بأيديهم فيهدمونها، ويحملون ما يوافقهم من خشبها. وكان جلاؤهم ذلك أول حشر الناس إلى الشام" وكذا أخرجه عبد بن حُميد في تفسيره عن عبد الرازق، وفي ذلك رد على ابن التين في زعمه أنه ليس في هذه القصة حديث بإسناد. قلت (ابن حجر): فهذا أقوى مما ذكر ابن إسحاق من أنّ سبب غزوة بني النضير طلبه - صلى الله عليه وسلم - أن يعينوه في دية الرجلين، لكن وافق ابن إسحاق جُلّ أهل المغازي، فالله أعلم (¬3) " ا. هـ كلام ابن حجر. وأخرجه أبو داود بنحوه وفيه: "فأرسلوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - اُخرج إلينا في ثلاثين رجلًا من أصحابك، وليخرج منا ثلاثون حَبْرًا حتى نلتقي بمكان المنصف، فيسمعوا منك، فإنْ صدّقوك وآمنوا بك، آمنا بك فقصّ خبرهم (*) فلماّ كان الغد عدا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالكتائب ... (¬4) ". ¬

_ (¬3) فتح الباري (7/ 331، 332). (*) في جامع الأصول: "فأعلمه جبريل بكيدهم" (8/ 219). (¬4) وصححه الأرناؤوط في تخريجه جامع الأصول. وكذا سلمان العودة كما سبق في الحديث عن ميثاق المدينة.

رؤيا عاتكة

رؤيا عاتكة قال ابن إسحاق -رحمه الله-: "فحدثني من لا أتّهم عن عكرمة عن ابن عباس، ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير، قالا: .. .. وقد رأت عاتكة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضَمْضَم مكة بثلاث ليال، رؤيا أفزعتها، فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب، فقالت له: يا أخي، والله لقد رأيت الليلة رؤيا أفظعتني .. (¬1) ". إلى آخر القصة، وابن إسحاق لم يسمّ شيخه. وقد سبق قول الإِمام البيهقي -رحمه الله-: "ابن إسحاق إذا لم يذكر اسم من حدّث عنه لم يُفرح به (¬2) ". وقد رواه الحاكم من طريق ابن إسحاق وفيه تسمية من حدثه، وأنه حسين بن عبيد الله بن عبد الله بن العباس. وسكت عنه الحاكم، وقال الذهبي: فيه حسين بن عبد الله ضعيف (¬3) ". وعزاه الهيثمي في (المجمع) إلى الطبراني من طريقين: الأول: فيه عبد العزيز بن عمران وهو متروك. والثاني: مرسل، وفيه ابن لهيعة وفيه ضعف وحديثه حسن (¬4) ا. هـ وقد أشار إلى ضعف القصة الشيخ عبد الله بن حمد اللحيدان في تحقيقه لمختصر مستدرك الذهبي على مستدرك الحاكم لابن الملقن (¬5). ¬

_ (¬1) الروض الأنف (5/ 83). (¬2) السنن الكبرى (4/ 13). (¬3) المستدرك (3/ 20). (¬4) مجمع الزوائد (6/ 69). (¬5) 2/ 1102.

في غزوة بدر الكبرى

في غزوة بدر الكبرى ومما شاع ولم يثبت في هذه الغزوة العظيمة: نحن مِنْ ماء: ما ذكره ابن إسحاق في كلامه عن تتبعه - صلى الله عليه وسلم - أخبار قريش، قال: " .. كما حدثني محمَّد بن يحيى بن حَبّان: حتى وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه أبو بكر - رضي الله عنه - على شيخ من العرب فسأله عن قريش، وعن محمَّد وأصحابه، وما بلغه عنهم. فقال الشيخ: لا أخبركما حتى تخبراني ممّن أنتما؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أخبرتنا أخبرناك، قال: أذاك بذاك؟ قال: نعم. قال الشيخ: فإنه بلغني أن محمدًا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني، فهم اليوم بمكان كذا وكذا، للمكان الذي به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبلغني أن قريشًا خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان الذي أخبرني صدقني فهم اليوم بمكان كذا وكذا، للمكان الذي فيه قريش، فلما فرغ من خبره، قال ممّن انتما؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحن من ماء. ثم انصرف عنه. قال: يقول الشيخ: ما مِنْ ماء، أمِنْ ماء العراق؟ قال ابن هشام: يقال: ذلك الشيخ سفيان الضمري (¬1) ". وابن إسحاق قد صرّح بالتحديث، وشيخه ابن حَبان (بفتح الحاء) ثقة من رجال الجماعة، لكن العلة هي الانقطاع لأن ابن حبان مات سنة 121هـ وهو ابن أربع وسبعين سنة، فبين مولده والقصة قرابة خمس وأربعين سنة. ¬

_ (¬1) الروض الأنف (5/ 93).

هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ أكبادها

هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ أكبادها ومنها: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها" وقد رواها ابن إسحاق قال: "حدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير (¬1) .. " قال الشيخ الألباني-رحمه الله-: "وهذا إسناد صحيح ولكنه مرسل (¬2) ". وأصل القصة في صحيح مسلم عن أنس - رضي الله عنه - أن المسلمين "لما نزلوا بدرًا وردت عليهم روايا قريش وفيهم غلام أسود لبني الحجاج فأخذوه، فكان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسألونه عن أبي سفيان وأصحابه (*) فيقول: مالي علم بأبي سفيان، ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف، فإذا قال ذلك ضربوه، فقال: نعم أنا أخبركم، هذا أبو سفيان، فإذا تركوه فسألوه فقال: مالي بأبي سفيان علم، ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف في الناس، فإذا قال هذا أيضًا ضربوه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يصلي، فلما رأى ذلك انصرف، قال: والذي نفسي بيده لَتَضْربوه إذًا صدقكم وتتركوه إذا كذبكم. قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هذا مصرع فلان، قال: ويضع يده على الأرض ههنا، وههنا، قال: فما ماط أحدهم عن موضع يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3) ". وفي رواية الإِمام أحمد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأله "كم القوم؟ " قال: هم والله كثير عددهم، شديد بأسهم، فجهد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يخبره كم هم فأبى، ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأله: "كم ينحرون من الجُزُر؟ " فقال: عشرًا كل يوم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "القوم ألف، كل جزور لمائة وتبعها (¬4) ". ¬

_ (¬1) الروض الأنف (5/ 94). (¬2) فقه السيرة ص 222. (*) أي عن القافلة. (¬3) مسلم (كتاب الجهاد والسيرة، باب غزوة بدر (نووي 12/ 125)) ورواه أبو داود في سننه، كتاب الجهاد، باب في الأسيرُ ينال منه وُيضرب ويقرر (عون المعبود 7/ 342). (¬4) المسند (2/ 192) وصححه الشيخ أحمد شاكر. وكذا الألباني (فقه السيرة 222).

زاد ابن إسحاق في روايته عن عروة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأله: "فمن فيهم من أشراف قريش؟ " قال: عتبة بن ربيعة ... وأبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف ... فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الناس فقال: "هذه مكة قد ألقت إليكم بأفلاذ كبدها". وسبق قول الشيخ الألباني عن هذه الزيادة إن إسنادها صحيح، لكنه مرسل.

إبليس في صورة سراقة

إبليس في صورة سُراقة قال ابن إسحاق -رحمه الله-: "وحدثني يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير قال: لما أجمعت قريش المسير ذكرتْ الذي كان بينها وبين بني بكر، فكاد ذلك يثنيهم، فتبدّى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي، وكان من أشراف بني كنانة، فقال لهم: أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه، فخرجوا سراعًا (¬1) ". وهذا إسناد مرسل. قال ابن كثير -رحمه الله- بعد أن ذكر كلام ابن إسحاق-رحمه الله-: "قلت: هذا معنى قوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 47 - 48] (¬2). وذكر المفسرون القصة عند تفسيرهم للآية الآنفة في سورة الأنفال، على أن بعضهم قد أوردها بصيغة التمريض: روي، كالقرطبي (¬3) والشوكاني (¬4) -رحمه الله- قال ابن سعدي -رحمه الله- بعد أن ذكر قول المفسرين أن إبليس تبدى لقريش في صورة سراقة: "ومن المحتمل أن يكون الشيطان سوّل لهم، ووسوس في صدورهم أنه لا غالب لهم اليوم من الناس، وأنه جار لهم، فلما أوردهم مواردهم نكص عنهم، وتبرأ منهم، كما قال تعالى: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ ¬

_ (¬1) الروض الأنف (5/ 88). (¬2) البداية والنهاية (3/ 259). (¬3) الجامع لحكام القران (8/ 18) دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1408 هـ. (¬4) فتح القدير (2/ 315) دار المعرفة بيروت. بدون ذكر الطبعة ولا سنة الطبع. توزيع مكتبة المعارف بالرياض.

اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} [الحشر: 16 - 17] (¬5). وقال سيد قطب -رحمه الله-: "وفي هذا الحادث نص قراني يثبت منه أن الشيطان زين للمشركين أعمالهم ... ولكننا لا نعلم الكيفية التي زين لهم بها أعمالهم، والتي قال لهم بها: لا غالب لكم اليوم من الناس واني جار لكم، والتي نكص بها كذلك وقال ما قاله بعد ذلك (¬6) ". وروى الطبراني في (الكبير) - كما قال الهيثمي - عن رفاعة بن رافع قال: "لما رأى إبليس ما تفعل الملائكة بالمشركين يوم بدر، أشفق أن يخلص القتل إليه، فتشبّث به الحارث بن هشام، وهو يظنه سراقة بن مالك، فوكز في صدر الحارث فألقاه، ثم خرج هاربًا حتى ألقى نفسه في البحر، ورفع يديه وقال: اللهم إني أسألك نظرتك إياي، وخاف أن يخلص إليه القتل، فأقبل أبو جهل بن هشام، فقال: يا معشر الناس، لا يهزمنُكم خذلان سراقة إياكم، فإنه كان على ميعاد مع محمَّد، ولا يهولنكم قتل عتبة وشيبة والوليد، فإنهم قد عجلوا، فواللات والعزى، لا نرجع حتى نقرنهم بالجبال، ولا ألفين رجلًا منكم قتل رجلًا منهم، ولكن خذوهم أخذًا حتى نُعَرِّفهم سوء صنيعهم من مفارقتهم إياكم ورغبتهم عن اللات والعزى .. " ثم قال الهيثمي: "فيه عبد العزيز بن عمران، وهو ضعيف .. (¬7) ". ا. هـ وأكثر الأئمة على أنه متروك. ¬

_ (¬5) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، مؤسسة الرسالة. الطبعة الثالثة 1417 هـ. (¬6) في ظلال القرآن (3/ 153) دار العلم، جدة، الطبعة الثانية عشرة 1406 هـ (¬7) مجمع الزوائد (6/ 77).

مشورة الحباب

مشورة الحُبَاب قال: ابن إسحاق في حديثة عن غزوة بدر: "ومضت قريش حتى نزلوا بالعدوة القصوى من الوادي ... فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبادرهم إلى الماء، حتى أدنى ماء من بدر نزل عليه. قال ابن إسحاق: فَحُدِّثتُ عن رجال من بني سلمة أنهم ذكروا أن الحباب بن المنذر بن الجموح قال: يا رسول الله، أرأيتَ هذا المنزل، أمنزلًا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه، ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة. فقال: يا رسول الله فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم، فننزله، ثم نعورّ (*) ما وراءه من القُلُب، ثم نبني عليه حوضًا فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لقد أشرت بالرأي، فنهض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن معه من الناس، فسار حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه، ثم أمر بالقُلُب فعوّرت وبنى حوضًا على القليب الذي نزل عليه فمُلئ ماءً، ثم قذفوا فيه الآنية (¬1) ". قال الشيخ الألباني -رحمه الله-: "وهذا سند ضعيف لجهالة الواسطة بين ابن إسحاق والرجال من بني سلمة. وقد وصله الحاكم (3/ 426، 427) من حديث الحباب وفي سنده من لم أعرفه. وقال الذهبي في تلخيصه (قلت: حديث منكر، وسنده) كذا الأصل، ولعله سقط منه (واه) أو نحوه. ورواه الأُموي كما في البداية (3/ 267) وفيه الكلبي وهو كذاب (¬2) ". ¬

_ (*) بالعين المهملة، أي دفنها وسدها (لسان العرب، مادة، عور، دار صادر، بيروت) (¬1) الروض الأنف (5/ 97). (¬2) تخريج فقه السيرة للغزالي. ص 224، ورواية الحاكم في المستدرك (3/ 482) دار الكتب العلمية كتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب الحباب بن المنذر - رضي الله عنه.

وقال في (دفاع عن الحديث): "وهذا إسناد مرسل مجهول، فهو ضعيف، وقد وصله بعضهم، وفيه من لا يُعرف وآخر كذاب (¬3) ". ثم أجاب -رحمه الله- عما ذكره الحافظ في (الإصابة) في ترجمة الحباب: "وقال ابن إسحاق في السيرة حدثني يزيد بن رومان عن عروة وغير واحد في قصة بدر (¬4) ... " بما حاصله أن ما ذكره الحافظ ليس موجودًا في سيرة ابن إسحاق المتداولة. كما أن الرواية مرسل عروة والمرسل من أقسام الضعيف. ا. هـ وأورده -رحمه الله- في (الضعيفة) وقال: "ضعيف على شهرته في كتب المغازي (¬5) ". وهذا الخبر الذي عزاه ابن حجر لابن إسحاق رواه البيهقي في (الدلائل) من طريق ابن إسحاق مرسلًا (¬6). وقال في (السنن الكبرى): وروى أبو داود في المراسيل عن محمَّد بن عبيد عن حماد عن يحي بن سعيد قال استشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر فقال الحباب (¬7). وقد ضعف القصة الشيخ سعد الحميد (¬8). وينبغي أن يُعلم أن مشورته - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه ثابتة في الأحاديث الصحيحة كما في مشاورته لهم قبل غزوة بدر، ثم في الأسرى، وفي الخروج يوم أحد، وفي الحديبية، وفي حادثة الإفك، وغيرها. ¬

_ (¬3) دفاع عن الحديث النبوي والسيرة ص 26. (¬4) الإصابة (1/ 302). (¬5) سلسلة الأحاديث الضعيفة (7/ 451). (¬6) دلائل النبوة (3/ 31). (¬7) السنن الكبرى (9/ 85). (¬8) مختصر استدراك الذهبي على الحاكم لابن الملقن (5/ 2139).

قول أبي حذيفة: أنقتل آباءنا وأبناءنا؟

قول أبي حذيفة: أنقتل آباءنا وأبناءنا؟ قال ابن إسحاق-رحمه الله-: "وحدثني العباس بن عبد الله بن معبد، عن بعض أهله، عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه يومئذ (يوم بدر): إني قد عرفت أن رجالًا من بني هاشم وغيرهم قد أُخرجوا كرهًا، لا حاجة لهم بقتالنا فمن لقي منكم أحدًا من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي أبا البختري بن هشام بن الحارث فلا يقتله، ومن لقي العباس بن عبد المطلب عمّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يقتله فإنه إنما خرج مستكرهًا. قال: فقال أبو حذيفة: أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وعشيرتنا، ونترك العباس؟ والله ليِّن لقيته لألحمنه بالسيف. قال: فبلغتْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه: يا أبا حفص، أيُضرب وجه عمّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسيف؟ فقال عمر - رضي الله عنه - يا رسول الله، دعني فلأضرب عنقه بالسيف فوالله لقد نافق. فكان أبو حذيفة يقول: ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ، ولا أزال منها خائفًا، إلا أن تكفّرها عني الشهادة، فقُتل يوم اليمامة شهيدًا (¬1) ". والعباس بن معبد ثقة، لكنه لم يُسَمِّ من حدّثه من أهله. ورواه الحاكم من طريق ابن إسحاق عن العباس بن معبد عن أبيه عن ابن عباس - رضي الله عنهم - "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم بدر: من لقي منكم العباس فليكفف عنه فإنه خرج مستكرهًا فقال أبو حذيفة ... " ثم قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وخالفه الذهبي فحذفه من التلخيص لضعفه (¬2). قال الذهبي: "معبد عن ابن عباس مجهول (¬3) " ويُستبعد -مع ضعف الإسناد- أن يصدر هذا الكلام من أحد الصحابة - رضي الله عنه - خاصة ممّن هو من السابقين الأولين للإسلام (¬4)، بل حتى من بعدهم. ¬

_ (¬1) الروض الأنف (5/ 107 - 108). (¬2) المستدرك (3/ 247) (¬3) المغنى في الضعفاء (2/ 418). (¬4) انظر أسماءهم في سير أعلام النبلاء (1/ 144).

هذا فرعون هذه الأمة

هذا فرعون هذه الأمّة روى الإِمام أحمد في مسنده قال: حدثنا أسود بن عامر قال: حدثنا شَريك عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن أبيه قال: "أتيت أبا جهل وقد جُرح وقُطعت رجله، قال فجعلت أضربه بسيفي، فلا يعمل فيه شيئًا ... فلم أزل حتى أخذتُ سيفه فضربته به حتى قتلته، قال: ثم أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: قد قُتل أبو جهل (وربما قال شَريك: قد قتلت أبا جهل) قال: أنت رأيته؟ قلت: نعم فقال: آلله؟ مرتين، قلت: نعم، قال: فاذهب حتى أنظرَ إليه، قال: فذهب، فأتاه وقد غيرت الشمس منه شيئًا، فأمر به وبأصحابه فسُحبوا حتى أُلقوا في القليب، قال: وأُتبع أهل القليب لعنة، وقال: كان هذا فرعون هذه الأمة". قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده ضعيف لانقطاعه (¬1). ا. هـ. أي بين أبي عُبيدة بن عبد الله بن مسعود وأبيه. قال الحافظ في (التقريب): "والراجح أنه لا يصحّ سماعه من أبيه (¬2) " ورواه البيهقي في (الدلائل (¬3)) عن أبي عبيدة عن أبيه. ورواه في (السنن الكبرى) عن عمرو بن ميمون عن ابن مسعود، ثم قال: كذا قال عن عمرو بن ميمون والمحفوظ عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن أبيه (¬4). وذكره الهيثمي في (المجمع) وقال عقبة: "رواه كله أحمد والبزار باختصار، وهو من رواية أبي عبيدة عن أبيه ولم يسمع منه، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح". وعزاه في رواية تالية إلى الطبراني، ثم قال: "رواه الطبراني ورجاله ¬

_ (¬1) المسند بتحقيق أحمد شاكر (5/ 316). وكذا قال الأرناؤوط، رقم (4246) (¬2) تقريب التهذيب (2/ 448). (¬3) دلائل النبوة (3/ 88). (¬4) (9/ 92 - 93).

تنبيه

رجال الصحيح غير محمَّد بن وهب بن أبي كريمة وهو ثقة (¬5) ". وابن أبي كريمة قال عنه في (التقريب): "صدوق (¬6) ". وقصة قتل أبي جهل في الصحيحين (¬7)، وليس فيها: (هذا فرعون هذه الأمة) تنبيه: وقول ابن كثير بعد أن أورد الحديث: "ورواه أبو داود والنسائي (¬8) " يوهم أن هذه اللفظة: "هذا فرعون ... " عندهما، وليس الأمر كذلك وسبقه النووي -رحمه الله- بعزوه إليها في كتب السنن (¬9). فائدة: روى ابن ماجه (¬10) عن عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى يوم بُشِّر برأس أبي جهل ركعتين". قال ابن الملقن: "إسناده جيد (¬11) ". وقال تلميذه الحافظ في (التلخيص (¬12)): "إسناده حسن واستغربه العقيلي". وأورده الألباني في (ضعيف ابن ماجه (¬13)). وأخرى: قال ابن تيمية -رحمه الله-: "سجود الشكر لا يجب بالإجماع، وفي استحبابه نظر" (¬14). ¬

_ (¬5) مجمع الزوائد (6/ 79). (¬6) 2/ 216 (¬7) البخاري، كتاب المغازي، باب قتل أبي جهل (7/ 292 فتح) مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب قتل أبي جهل وكعب بن الأشرف (نووي 12/ 160). (¬8) البداية والنهاية (3/ 289). (¬9) تهذيب الأسماء واللغات (6/ 202). (¬10) (1/ 445 رقم 1391). (¬11) البدر المنير (9/ 106). (¬12) 4/ 118 (¬13) رقم 296 (¬14) الفتاوي (21/ 293).

قوله لأهل القليب: بئس العشيرة كذبتموني ..

قوله لأهل القليب: بئس العشيرة كذبتموني .. قال ابن إسحاق: "وحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم هذه المقالة (*): يا أهل القليب، بئس عشيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - كنتم لنبيكم، كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس، ثم قال: هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًا؟ للمقالة التي قال .. (¬1) " قال الألباني - رحمه الله عنه - "وهذا إسناد معضل، وقد رواه أحمد (6/ 170) من طريق إبراهيم عن عائشة مرفوعًا بلفظ (جزاكم الله شرًا من قوم نبي، ما كان أسوأ الطرد، وأشد التكذيب) ورجاله ثقات لكنه منقطع بين إبراهيم وهو النخعي وبين عائشة (¬2) ". وذكره اليهثمي في (المجمع) قال: "رواه أحمد ورجاله ثقات إلا أن إبراهيم لم يسمع من عائشة ولكنه دخل عليها (¬3) ". قال الحافظ في (التهذيب): "روى عن عائشة ولم يثبت سماعه منها (¬4) ". ¬

_ (*) وهي قوله - صلى الله عليه وسلم -: (يا فلان ابن فلان، ويا فلان بن فلان، أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله؟ فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًا؟ قال: فقال عمر: يا رسول الله، ما تكلم من أجساد لا أرواح لها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفس محمَّد بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم" (رواه البخاري 7/ 301 فتح) و (مسلم رقم 2873). (¬1) الروض الأنف (5/ 147). (¬2) فقه السيرة. ص 232. (¬3) مجمع الزوائد (6/ 90). (¬4) تهذيب التهذيب (1/ 177).

سيف عكاشة بن محصن - رضي الله عنه -

سيف عكاشة بن محصن - رضي الله عنه - قال ابن إسحاق: "وقاتل عكاشة بن محصن .. يوم بدر بسيفه حتى انقطع في يده، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاه جِذْلًا (*) من حطب، فقال: قاتلْ بهذا يا عكاشة، فلما أخذه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هزّه فعاد سيفًا في يده طويل القامة، شديد المتن، أبيض الحديدة، فقاتل به حتى فتح الله تعالى على المسلمين، وكان ذلك السيف يسمى العَوْن، ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى قُتل في الردة وهو عنده، قتله طليحة بن خويلد الأسدي (¬1) " ورواه البيهقي في (الدلائل (¬2)) عن ابن إسحاق. قال الإِمام الذهبي -رحمه الله-: "هكذا رواه ابن إسحاق بلا سند، وقد رواه الواقدي قال ... (¬3) " ا. هـ. والواقدي متروك. ومن طريقه أيضًا رواه البيهقي في (الدلائل (¬4)). فائدة: عُكاشة، قال ابن حجر: "بضم أوله وتشديد الكاف، وتخفيفها أيضًا". (الإصابة 3/ 487) وهو من المشهود لهم بالجنة - رضي الله عنه -. وقاتِلُه طُليحة الأسدي كان ممن ارتد، ثم عاد إلى الإِسلام. رضي الله عنهم أجمعين. ¬

_ (*) الجِذْل: ما عظم من أصول الشجر المقطّع. (لسان العرب. مادة: جذل). (¬1) الروض الأنف (5/ 145). (¬2) دلائل النبوة (3/ 98). (¬3) المغازي. ص 101. (¬4) دلائل النبوة (3/ 99).

طلب عمر نزع ثنيتي سهيل بن عمرو

طلب عمر نزع ثنيّتيْ سهيل بن عمرو قال ابن إسحاق: "وحدثني محمَّد بن عمرو بن عطاء، أخو بني عامر بن لؤي: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله دعني أنزع ثنيتي سهيل بن عمرو (*) ويدلع لسانه، فلا يقوم عليك خطيبًا في موطن أبدًا، قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"لا أمثِّل به فيمثّل الله بي وإن كنتُ نبيًا". قال ابن كثير - رضي الله عنه - لما نقله في (البداية): "قلت: هذا حديث مرسل، بل معضل (¬1) ". قال ابن إسحاق: "وقد بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعمر في هذا الحديث: إنه عسى أن يقوم مقامًا لا تذمّه (¬2) ". ¬

_ (*) وكان في الأسرى يوم بدر. (¬1) البداية والنهاية (3/ 310). (¬2) الروض الأنف (5/ 159).

مصعب بن عمير مع أخيه أبي عزيز

مصعب بن عمير مع أخيه أبي عزيز قال ابن إسحاق-رحمه الله-: "وحدثني نُبيه بن وهب، أخو بني عبد الدار أن رسول اللُّه - صلى الله عليه وسلم - حين أقبل بالأسارى فرّقهم بين أصحابه، وقال: استوصوا بالأسارى خيرًا. قال: وكان أبو عزيز بن عمير بن هاشم أخو مصعب بن عمير لأبيه وأمّه في الأسارى. قال: فقال أبو عزيز: مرّ بي أخي مصعب بن عمير ورجل من الأنصار يأسرني، فقال: شدّ يدك به، فإنّ أمّه ذات متاع، لعلها تفديه منك .. قال ابن هشام: وكان أبو عزيز صاحب لواء المشركين بعد النضْر بن الحارث، فلما قال أخوه مصعب بن عمير لأبي اليَسَر -وهو الذي أسره - ما قال، قال له أبو عزيز: يا أخي هذه وصاتك بي؟ فقال له مصعب: إنه أخي دونك ... (¬1) ". وابن إسحاق قد صرّح بالتحديث، وشيخه نُبيه (بالتصغير) ثقة، لكن الخبر مرسل. فائدة: مما يتعلق بمصعب بن عمير - رضي الله عنه - ما ذكره الحافظ في (الإصابة) (3/ 401) في ترجمته حيث قال: "وأخرج الترمذي بسند فيه ضعف عن علي - رضي الله عنه - قال: رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصعب بن عمير فبكى للذي كان فيه من النعمة ولما صار إليه". وذكره في الفتح (11/ 279) وسكت عنه. والحديث أخرجه الترمذي من طريق ابن إسحاق قال: حدثني يزيد بن زياد عن محمَّد بن كعب القُرَظي قال: حدثني من سمع علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يقول: "إنَّا لجلوس مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد إذ طلع مصعب بن عمير ما عليه إلا بردة له مرقوعة بفرو، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكى للذي كان فيه من النعمة والذي هو فيه اليوم ... ". ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن ¬

_ (¬1) الروض الأنف (5/ 155) وقال السهيلي: أما أبو عزيز فاسمه زرارة (5/ 187).

غريب (¬2) ا. هـ. ويظهر أن الضعف الذي أشار إليه ابن حجر هو جهالة الواسطة بين محمَّد بن كعب وعلي - رضي الله عنه -. وروى ابن إسحاق قال: حدثني صالح بن كيسان عن بعض آل سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: "كنّا قومًا يصيبنا صَلَف العيش بمكة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشدته، فلما أصابنا البلاء اعترفنا لذلك وصبرنا له، وكان مصعب بن عمير أنعم غلام بمكة وأجوده حلة مع أبويه، ثم لقد رأيته جهد في الإِسلام جهدًا شديدًا، حتى لقد رأيت جلده يتخشّف تخشّف جلد الحية عنها، حتى إن كنا لنعرضه على قسيّنا فنحمله ممّا به من الجهد، وما يقصر عن شيء بلغناه، ثم أكرمه الله عَزَّ وَجَلَ بالشهادة يوم أحد (¬3) ". وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: "نظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مصعب بن عمير مقبلًا عليه إهاب كبش قد تنطّق به، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - انظروا إلى هذا الرجل الذي نوّر الله قلبه، لقد رأيته بين أبوين يغذوانه بأطيب الطعام والشراب، فدعاه حبّ الله ورسوله إلى ما ترون". قال الحافظ العراقي-رحمه الله-: "رواه أبو نُعيم في (الحلية) بإسناد حسن (¬4) ". ثم طُبع المجلد الحادي عشر من (الضعيفة) وقد ذكره الشيخ الألباني-رحمه الله- فيه (¬5). ¬

_ (¬2) تحفة الأحوذي (7/ 176). (¬3) سيرة ابن إسحاق، تحقيق محمَّد حميد الله، ص 173. (¬4) تخرج أحاديث إحياء علوم الدين (5/ 2346) وانظر مستدرك الحاكم (3/ 728). (¬5) رقم (5195)

رده - صلى الله عليه وسلم - عين قتادة

ردّه - صلى الله عليه وسلم - عين قتادة قال ابن إسحاق-رحمه الله-: "وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رمى عن قوسه حتى اندقت سِيَتُها (*) فأخذها قتادة بن النعمان فكانت عنده، وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان، حتى وقعت على وجنته، فحدثتي عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ردّها بيده فكانت أحسن عينيه وأحدّهما (¬1) ". وهذا إسناد مرسل. وضعّفه الذهبي (¬2). وأخرجه الحاكم من طريق الواقدي (¬3)، وأخرجه البيهقي في (الدلائل) من طريق عاصم بن عمر بن قتادة عن أبيه عن قتادة بن النعمان (¬4) ... وفي إسناده يحي الحمّاني، قال عنه في (التقريب): "حافظ، إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث (¬5) " وعمر بن قتادة مقبول (¬6)، واختُلف على الحماني فيه، ففي بعضها دون عمر بن قتادة، وأخرجه أيضًا أبو القاسم الأصبهاني في (دلائل النبوة (¬7)) من طريق عاصم بن عمر بن قتادة مرسلًا. وعزاه الهيثمي في (المجمع) إلى الطبراني وقال: "وفيه من لم أعرفه". وفي موضع آخر عزاه إلى الطبراني وأبي يعلي، وقال: "وفي إسناد الطبراني من لم أعرفهم، وفي إسناد أبي يعلى يحي بن عبد الحميد الحماني، وهو ضعيف (¬8) ". ¬

_ (*) السّية: المنعطف من طرفي القوس. (¬1) الروض الأنف (5/ 445). (¬2) تاريخ الإِسلام، المغازي، ص 194. (¬3) المستدرك 3/ 334 رقم (5281). (¬4) دلائل النبوة (3/ 99 - 100). (¬5) تقريب التهذيب (2/ 352). (¬6) تقريب التهذيب (2/ 62). (¬7) دلائل النبوة (3/ 1031) (¬8) مجمع الزوائد (6/ 113) و (8/ 298).

ونقل الألباني -رحمه الله- كلام الهيثمي هذا ثم تعقبه بقوله: "لكنه عند أبي نعيم من طريقين آخرين فهو يتقوى بهما (¬9) ". وفي متن الخبر اختلاف، ففي رواية ابن إسحاق أن ذلك يوم بدر، وفي رواية البيهقي أنها يوم أحد، قال ابن عبد البر: وقيل يوم الخندق (¬10). وقد أسهب في تخريج هذا الخبر بما لا مزيد عليه، الشيخ مساعد الراشد الحميد -وفقه الله- في تحقيقه لكتاب: (دلائل النبوة للأصبهاني) وبَيّن ضَعْف الحديث (¬11). ويغني عن هذا الحديث الضعيف أحاديث عدة في آياته - صلى الله عليه وسلم - في شفاء المرضى والمصابين -بإذن الله - منها: مَسحه - صلى الله عليه وسلم - على رِجْل عبد الله بن عتيك - رضي الله عنه - لمّا انكسرت ساقه في قصة قتل ابن أبي التحقيق اليهودي، وفيه، فقال لي: "ابسط رجلك فبسطت رجلي فمسحها، فكأنها لم اشتكها قط" رواه البخاري (¬12). ومنها ما جرى لعلي - رضي الله عنه - يوم خيبر، وكان يشتكي عينيه "فجئ به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما سأل عنه فبصق في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع". رواه البخاري (¬13)، ومسلم (¬14). ومنها: ما جرى لسلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - حين أُصيبت ركبته يوم خيبر، قال: "فأتيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - فنفث فيه (أي في موضع الإصابة) ثلاث نفثات، فما اشتكيت حتى الساعة " أخرجه البخاري (¬15). ¬

_ (¬9) بداية السول، للعز بن عبد السلام، حاشية ص 42. (¬10) الاستيعاب (3/ 238). (¬11) دلائل النبوة للأصبهاني (3/ 1031). (¬12) كتاب المغازي، باب قتل أبي افع (7/ 340 - 341 فتح). (¬13) كتاب المغازي، باب غزوة خيبر (7/ 476 فتح). (¬14) كتاب الفضائل، فضل علي - رضي الله عنه - (15/ 176 نووى) (¬15) كتاب المغازي، باب غزوة خيبر (7/ 475 فتح).

فائدة

فائدة: أخرج الحاكم في (المستدرك (¬16)) وعنه البيهقي في (الدلائل (¬17)) من طريق إبراهيم بن المنذر، قال: أخبرنا عبد العزيز بن عمران، قال: حدثني رفاعة بن رافع بن مالك قال: "لما كان يوم بدر. . رُميت بسهم، فَفُقئت عيني، فبصق فيها رسول إلله - صلى الله عليه وسلم - ودعا لي فما آذاني منها شيء" وقال الحاكم بعد إخراجه: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه" وتعقبه الذهبي بقوله: "عبد العزيز (بن عمران) ضعّفوه". اهـ. وعزاه الهيثمي في (المجمع) إلى البزار والطبراني في الكبير والأوسط ثم قال: "وفيه عبد العزيز بن عمران وهو ضعيف (¬18) ". والقول بأن عبد العزيز ضعيف فيه تساهل، فالأئمة معظمهم على تركه (¬19)، ولذا قال الحافظ في (التقريب) متروك (¬20). والعجيب أن الحافظ ابن كثير -رحمه الله- أورد هذا الحديث في تاريخه عن البيهقي ثم قال: "وهذا غريب من هذا الوجه، وإسناده جيد، ولم يخرجوه (¬21) وتعقّبه الأرناؤوط في حاشية الزاد بقوله: "وما ندري كيف يكون هذا الإسناد جيدًا، وفيه عبد العزيز بن عمران؟ (¬22) ". تنبيه: قال الشيخ عبد الرحمن الوكيل -رحمه الله- في تعليقه على (الروض الأُنف) عند حديث السهيلي عن قصة قتادة الآنفة في ردّ عينه، قال ما نصه: "والله يختص برحمته من يشاء ولا أحد يُبرئ أحدًا. وتدبّر قوله سبحانه فيما يقصّ عن خليله إبراهيم {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 80] وتدبرّ كل آيات القرآن التي ذكر الله فيها آياته التي منّ بها على عيسى تجد فيها النص ¬

_ (¬16) المستدرك (23/ 258). (¬17) دلائل النبوة (3/ 100). (¬18) مجمع الزوائد (6/ 82). (¬19) انظر التهذيب (6/ 351). (¬20) (1/ 511). (¬21) البداية والنهاية (3/ 291). (¬22) زاد المعاد (3/ 187).

المؤكد على أنها بإذن الله وحده) اهـ (حاشية الروض الأنف 6/ 34). وكان الأليق به -رحمه الله- أن يستشهد ببعض ما صحّ في هذا الباب، كقصة علي، وابن عتيك وسلمة - رضي الله عنهم -، ولا شك أنه بإذن الله. لأن كلامه (في تعليقه على الروض الأنف) يوهم نفي هذه الآيات، للرسول وقد سلك الشيخ الوكيل -رحمه الله وعفا عنه مسلكًا عقلانيًا أحيانًا في ردّ بعض الروايات الصحيحة في السيرة، وحاشا أن نتّهم الشيخ بأنه من أصحاب المنهج المعتزلي العقلاني، كيف؟ وهو ممّن تولى رئاسة جماعة أنصار السنة في مصر، وقد أحسن -رحمه الله- وجزاه خيرًا في تعقبه على السُّهيلي في مخالفته -أحيانا- لمذهب أهل السنة والجماعة. ومعلوم أن الشيخ عبد الرحمن الوكيل -رحمه الله- نشأ صوفيًا مصدقًا بما يسميه الخرافيون بالكرامات عن شيوخهم، ثم فتح الله عليه وهداه إلى مذهب أهل السنة، وصنف بعدها كتابه القيّم (هذه هي الصوفية) ويبدو أن نشأته في وسط صوفي معطّل للعقل، ثم تحوله -بحمد الله- عن ذلك جعلته يغلو أحيانًا -كردة فعل، والله أعلم- في تغليب العقل على النقل، أذكر ذلك عذرًا ألتمسه للشيخ عبد الرحمن الوكيل -رحمه الله-.

قتل أبي عبيدة - رضي الله عنه - لأبيه

قتلُ أبي عبيدة - رضي الله عنه - لأبيه ذكر بعض المفسرين عند قوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 22] أنها نزلت في أبي عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه - قال القرطبي: "قال ابن مسعود: نزلت في أبي عبيدة بن الجراح قتل أباه عبد الله بن الجراح يوم أحد، وقيل: يوم بدر. وكان الجراح يتصدى لأبي عبيدة، وأبوعبيدة يحيد عنه، فلما أكثرِ قصد إليه أبو عبيدة فقتله، فأنزل الله حين قتل أباه: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ ... } الآية. قال الواقدي: "كذلك يقول أهل الشام، ولقد سألت رجلًا من بني الحارث بن فهر فقالوا: توفي أبوه قبل الإِسلام (¬1) ". وروى الحاكم في (المستدرك) في مناقب أبي عبيدة - رضي الله عنه - بسنده عن عبد الله بن شَوْذب قال: جعل أبو أبي عبيدة بن الجراح ينصب الأل (*) لأبي عبيدة يوم بدر، وجعل أبوعبيدة يحيد عنه، فلما أكثر الجرّاح قصده أبو عبيدة فقتله، فأنزل الله تعالى فيه هذه الآية حين قتل أباه: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ} (¬2) الآية، وسكت عنه الذهبي. ورواه البيهقي من طريق الحاكم، كما في (السنن الكبرى) وقال عقبة: "هذا منقطع (¬3) ". ¬

_ (¬1) الجامع لأحكام القران الكريم (تفسير القرطبي). دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1408 هـ. (*) هكذا هنا، وفي التلخيص كما سيأتي: (ينعت الآلهة) أي يصفها، ولعله تصحيف. والألة: الحربة العظيمة النصل، جمْعها ألٌ (لسان العرب، مادة: ألل) (¬2) 3/ 296. (¬3) 9/ 27. دار المعرفة. بيروت، 1413 هـ

وقال الحافظ ابن حجر (في الفتح) في مناقب أبي عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه -"وقُتل أبوه كافرًا يوم بدر، ويقال إنه هو الذي قتله، ورواه الطبراني وغيره من طريق عبد الله بن شوذب مرسلًا (¬4) ". وقال -رحمه الله- في (التلخيص): "روى الحاكم والبيهقي منقطعًا عن عبد الله بن شوذب قال: (جعل أبو عبيدة بن الجراح ينعت الآلهة لأبي عبيدة يوم بدر، وجعل أبو عبيدة يحيد عنه، فلما أكثر قصده أبو عبيدة فقتله) وهذا معضل، وكان الواقدي ينكره ويقول: مات والد أبي عبيدة قبل الإِسلام (¬5) ". وقال في (الإصابة) في ترجمته: "ويقال إنه قتل أباه يوم بدر ونزلت فيه {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ ... } وهو فيما أخرجه الطبراني بسند جيد عن عبد الله بن شوذب قال: "جعل والد أبي عبيدة يتصدى لأبي عبيدة يوم بدر فيحيد عنه، فلما أكثر قصده فقتله فنزلت (¬6) ". وأقوال الحافظ الثلاثة في (الفتح) وفي (التلخيص) وفي (الإصابة) ووصفه للخبر بأنه مرسل، وفي الأخرى بأنه معضل وفي الثالثة بأنّ سند جيد لا تعارض بينها عند التأمل. وعبد الله بن شَوْذب أكثر الأئمة على توثيقه، لكن الخبر منقطع، وابن شوذب وُلد سنة 86هـ ومات سنة 144 هـ، وقيل:156هـ (¬7). ولذا قال ابن الملقِّن: "وهذا مرسل على قول الأكثر، وعلى قول من زعم أن المرسل لا يكون إلا من التابعين يكون معضلًا؛ لأن عبد الله هذا إنما يروي عن التابعين (¬8) ". ¬

_ (¬4) فتح الباري (7/ 93). (¬5) التلخيص الحبير (4/ 113) التهذيب (5/ 73). (¬6) الإصابة (2/ 244). دار الكتاب العربي. (¬7) تهذيب التهذيب (5/ 255). (¬8) البدر المنير (9/ 79).

فائدة

فائدة: ومسألة قتلُ الابن المسلم أباه المشرك قال عنها شيخ الإِسلام في الفتاوى: "إذا كان (الوالد) مشركًا جاز للولد قتله، وفي كراهته نزاع بين العلماء (¬9) ".أ. هـ وقد بوّب الإِمام البيهقي في (السنن) لمّا أورد الخبر بقوله: (باب المسلم يتوقى في الحرب قتل أبيه، ولو قتله لم يكن به بأس (¬10)). وقد جاء عن اثنين من الصحابة فيما وقفت عليه - استئذانهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قتل أبويهما، هما: عبد الله بن عبد الله بن أُبيّ وحنظلة بن أبي عامر قال ابن حجر في (الفتح): "ومن مناقبه - عبد الله بن عبد الله بن أُبيّ - أنه بلغه بعض مقالات أبيه فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستأذنه في قتله، قال: "بل أحسن صحبته" أخرجه ابن منده من حديث أبي هريرة بإسناد حسن، وفي الطبراني من طريق عروة بن الزبيرعن عبد الله بن عبد الله بن أُبيّ أنه استأذن، نحوه، وهذا منقطع لأن عروة لم يدركه (¬11) " ا. هـ. وقال في (الإصابة) في ترجمة حنظلة - رضي الله عنه -: "وروى ابن شاهين بإسناد حسن إلى هشام بن عروة عن أبيه قال: استأذن حنظلة بن أبي عامر وعبد الله بن (عبد الله بن) أُبيّ ابن سلول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قتل أبويهما، فنهاهما عن ذلك (¬12) ". ا. هـ. والحافظ حسّن الإسناد. هنا مع أنه في الفتح أعلّه بالانقطاع؛ لأن عروة بن الزبير - رضي الله عنه - تابعي، فهو لم يدرك القصة. واستئذان عبد الله بن عبد الله في قتل والده رواه أيضًا الحاكم في (المستدرك) قال: حدثنا أبو العباس .. عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد ¬

_ (¬9) الفتاوى (14/ 478). (¬10) السنن الكبرى (9/ 26). (¬11) فتح الباري (14/ 478). (¬12) الإصابة (3/ 679).

الله بن عبد الله بن أُبيّ بن سلول قال: "قلت: يا رسول الله، أقتلُ أبي؟ قال: لا تقتل أباك (¬13) ". وسكت عنه الذهبي في التلخيص. وإسناده مرسل كما سبق. وعزاه الهيثمي في (مجمع الزوائد) إلى الطبراني وقال: "رجاله رجال الصحيح إلا أن عروة بن الزبير لم يدرك عبد الله بن عبد الله بن أُبيّ" ثم قال: "وعن أبي هريرة قال: مرّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعبد الله بن أُبيّ وهو في ظل أُطْم فقال: غبّر علينا ابن أبي كبشة، فقال ابنه عبد الله: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والذي أكرمك لئِّن شئت لأتيتك برأسه، فقال: "لا، ولكن برّ أباك، وأحسن صحبته". رواه البزار، ورجاله ثقات (¬14) ". ا. هـ. ورواه ابن إسحاق في السيرة في غزوة بني المصطلق، قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن عبد الله أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أُبيّ فيما بلغك (*) عنه. فإن كنت لا بدّ فاعلًا فمرني به، فأنا أحمل إليك رأسه، فوالله لقد علمتْ الخزرج ما كان لها من رجل أبرّ بوالده مني، وإني أخشى ان تأمر به غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي انظر إلى قاتل عبد الله بن أُبيّ يمشي في الناس، فأقتله، فأقتل مؤمنًا بكافر، فأدخل النار، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا (¬15) ". وعاصم بن عمر تابعي، فالحديث مرسل. ¬

_ (¬13) 3/ 679. (¬14) مجمع الزوائد (9/ 318). وأورده الألباني في الصحيحة (3223) بعد أن عزاه لابن حبّان والبزّار. (*) أي من قوله: لئِّن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. (¬15) الروض الأنف (6/ 43).

فائدة

فائدة: أخرج الإِمام مسلم في صحيحه (¬16) في قصة اعتزال الرسول - صلى الله عليه وسلم - نساءه قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - "والله ليِّن أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بضرب عنقها لأضربن عنقها .. " (يعني ابنته حفصة - رضي الله عنها -) فائدة: قال الصالحي (ت 942 هـ) -رحمه الله- معلقًا على استئذان عبد الله بن عبد الله بن أُبيّ في قتل أبيه: "وفي هذا: العلمُ العظيم والبرهان النَيِّر من أعلام النبوة، فإن العرب كانت أشد خلق الله حميّة وتعصبًا، فبلغ الأيمان منهم ونور اليقين من قلوبهم إلى أن يرغب الرجل منهم في قتل أبيه وولده، تقربًا إلى الله تعالى وتزلّفًا إلى رسوله، مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبعد الناس نسبًا منهم، أي الأنصار، وما تأخر إسلام قومه وبني عمه وسبق الإيمان به الأباعد إلا لحكمة عظيمة؛ إذ لو بادر أهله وأقربوه إلى الأيمان به لقيل: قوم أرادوا الفخر برجل منهم، وتعصّبوا له، فلما بادر إليه الأباعد وقاتلوا على حبّه من كان منهم، ورهبة من الله تعالى أزالت صفة قد كانت سَدِكتْ (*) في نفوسهم من أخلاق الجاهلية، لايستطيع إزالتها إلا الذي فطر الفطرة الأولى ... (¬17) ". ¬

_ (¬16) كتاب الطلاق، باب بيان أن تخييرالمرأة لايكون طلاقًا إلا بالنية (10/ 83 نووي). (*) السّدك: المولع بالشيء. (¬17) سُبل الهدي والرشاد (4/ 357).

قتل النضر بن الحارث صبرا

قتْلُ النّضر بن الحارث صبرًا قال ابن إسحاق: " .. ثم أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قافلًا إلى المدينة [بعد غزوة بدر] ومعه الأُسارى من المشركين، وفيهم عقبة بن أبي مُعَيْط والنضر بن الحارث .. حتى إذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصفراء قُتِلَ النضر بن الحارث، قتله علي بن أبي طالب، كما أخبرني بعض أهل العلم من أهل مكة، ثم خرج حتى إذا كان بعرق الظّبية قُتل عقبة بن أبي مُعيط، والذي أسر عقبة: عبد الله بن سلمة، أحد بني العجلان، فقال عقبة حين أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتله: فَمَنْ للصّبْية يا محمَّد؟ قال: النار. فقتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري، أخو بني عمرو بن عوف، كما حدثني أبو عبيدة بن محمَّد بن عمار بن ياسر. قال ابن هشام: ويقال قتله علي بن أبي طالب فيما ذكر لي ابن شهاب الزهري وغيره من أهل العلم (¬1) ". وأبو عبيدة بن محمَّد بن عمار بن ياسر، من الطبقة الرابعة في تصنيف ابن حجر في (التقريب)، وهي طبقة جُلّ روايتهم عن كبار التابعين. قال الألباني: "ضعيف، رواه البيهقي (9/ 64) عن الشافعي: أنبأ عدد من أهل العلم من قريش وغيرهم من أهل العلم بالمغازي أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسر النضر بن الحارث العبدي (*) يوم بدر، وقتله بالبادية، أو الأثيل صبرًا، وأسر عقبة بن أبي معيط فقتله صبرًا (**) - قلت - (الألباني): وهذا مُعضل كما ترى". ثم قال الشيخ: "وفي (البداية): للحافظ ابن كثير (3/ 305 - 306): وقال حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن الشعبي قال: لما أمر النبي بقتل عقبة، قال أتقتلني يا محمَّد من بين قريش؟ قال: نعم، أتدرون ما صنع هذا بي؟ جاء وأنا ¬

_ (¬1) الروض الأنف (5/ 152/153) (*) كذا في الأصل تبعًا لسنن البيهقي، وفي حاشيتها (السنن): العبدري. وهو الصواب نسبة إلى عبد الدار بن قصي بن كلاب. (**) قال أبو عُبيد: كل من قُتل في غير معركة ولا حرب ولا خطأ، فإنه مقتول صبرًا (لسان العرب 4/ 38)

ساجد خلف المقام فوضع رجله على عنقي، وغمزها، فما رفعها حتى ظننت أن عيْنيّ ستنْدران، وجاء مرة بسَلا شاة فألقاه على رأسي وأنا ساجد، فجاءت فاطمة فغسلته عن رأسي". قلتُ: (الألباني) وهذا مرسل، وجملة القول أني لم أجد لهذه القصة إسنادًا تقوم به الحجة، على شهرتها في كتب السيرة، وما كل ما يذكر فيها ويُساق مساق المسلّمات، يكون على نهج أهل الحديث من الأمور الثابتات. نعم، قد وجدتُ (الألباني) لقصّة عقبة خاصة أصلًا، فيما رواه عمرو بن مرة عن إبراهيم، قال: "أراد الضّحاك بن قيس، أن يستعمل مسروقًا، فقال له عمارة بن عقبة: أتستعملُ رجلًا من بقايا قتلة عثمان؟! فقال له مسروق: حدثنا عبد الله بن مسعود، وكان في أنفسنا موثوق الحديث، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أراد قتل أبيك قال: منْ للصبية؟ قال: النار. فقد رضيتُ لك ما رضي لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" أخرجه أبو داود (3686) والبيهقي (9/ 65) من طريق عبد الله بن جعفر الرقي، قال: أخبرني عبد الله بن عمرو بن زيد بن أبي أنيسة عن عمرو بن مرة. قلت (الألباني): وهذا إِسناد جيد، رجاله ثقات كلهم رجال الشيخين (¬2) ا. هـ كلام الألباني. ورواه أيضًا الحاكم، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي (¬3)، وحسّنه الارنؤوط (¬4). ¬

_ (¬2) إرواء الغاليل (5/ 39 - 40). (¬3) 2/ 135. (¬4) زاد المعاد (3/ 112).

محاولة عمير بن وهب اغتيال النبي - صلى الله عليه وسلم -

محاولة عمير بن وهب اغتيال النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ابن إسحاق: وحدثتي محمَّد بن جعفر بن الزبير قال: "جلس عُمير بن وهب الجُمحي مع صفوان بن أمية بعد مصاب أهل بدر من قريش في الحِجْر ... فذكر أصحاب القليب ومصابهم، فقال صفوان: والله إنْ في العيش بعدهم خير، قال له عمير صدقت والله، أما والله لولا ديْن عليّ ليس له عندي قضاء، وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي، لركبت إلى محمَّد حتى اقتله .. (¬1) " وذكر القصة في قدوم عُمير إلى المدينة بزعم فداء ابنه الأسير وإخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له ما دار بينه وبين صفوان في الحجر، وإسلام عمير عند ذلك. وهذا سند حسن؛ لكنه مرسل عن عروة. ورواه البيهقي عن موسى بن عقبة قال:. فذكره (¬2). ورواه من طريق ابن إسحاق قال: حدثني محمَّد بن جعفر بن الزبير قال: ... فذكره (¬3)، ولم يذكر عروة. وذكره الهيثمي في (المَجْمع) عن محمد بن جعفر بن الزبير من قوله، وقال: "رواه الطبراني مرسلًا، وإسناده جيد، ورُوي عن عروة بن الزبير نحوه مرسلًا (¬4) " وتعقبه الشيخ مساعد الحميد بقوله: "ولكن في الطريق إليه ابن لهيعة (¬5) " وذكر الهيثمي رواية ثالثة للطبراني: "عن أبي عمران الجوْني لا أعلمه إلا عن أنس بن مالك قال: كان وهب بن عمير شهد أحدًا كافرًا فأصابته جراحة .. (¬6) " وأخرجه ابن سعد مختصرًا مرسلًا عن عكرمة (¬7)، وفيه ¬

_ (¬1) الروض الأنف (5/ 202). (¬2) دلائل النبوة (3/ 147). (¬3) دلائل النبوة (3/ 149). (¬4) مجمع الزوائد (8/ 286) (¬5) دلائل النبوة للأصبهاني (4/ 1268). (¬6) مجمع الزوائد (8/ 286). (¬7) الطبقات (4/ 200)

أن إصابته بالجراحة كانت يوم بدر. ورواية الطبراني الأخيرة عن أنس أن ذلك يوم أحد، وفيه تسميته وهب بن عمير. وفي آخر رواية ابن إسحاق قال: "فلما قدم عمير مكة، أقام بها يدعو إلى الإِسلام، فأسلم على يديه ناس كثير (¬8) ". ويبعد أن يكون هذا، أن يدعو إلى الإِسلام وسط كفار مكة المكلومين لتوّهم في بدر! بل ويؤذي من خالفه أذى شديدًا، ثم إسلام عدد كبير على يديه! وقد أشار إلى ضعف القصة الدكتور أكرم العمري (¬9)، والشيخ مساعد الحميد، وتوسّع في نخريجها (¬10). ¬

_ (¬8) الروض الأنف (5/ 204). (¬9) السيرة الصحيحة (2/ 373) (¬10) دلائل النبوة للأصبهاني (4/ 1268).

سبب إجلاء يهود بني قينقاع (*)

سبب إجلاء يهود بني قينقاع (*) قال ابن هشام-رحمه الله-: "وذكر عبد الله بن جعفر بن المسور بن مخرمة عن أبي عون، قال: كان من أمر بني قينقاع أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها، فباعته بسوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ بها، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها، فأبت، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوأتها، فضحكوا بها، فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهوديًا، وشدّت اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فغضب المسلمون، فوقع الشرّ بينهم وبين بني قينقاع (¬1) ". قال الشيخ الألباني-رحمه الله-: "إسناده مرسل معلّق .. وأبو عون اسمه محمَّد بن عبد الله الثقفي الكوفي الأعور، مات سنة 116 هـ، فهو تابعي صغير، فلم يُدرك الحادثة، وعبد الله بن جعفر المخرمي من شيوخ الإِمام أحمد، مات سنة 170 هـ. فبينه وبين ابن هشام مفاوز، فهو إسناد ضعيف ظاهر الضعف (¬2) ". وقال الدكتور العمري حفظه الله تعالى: "وهذه الرواية ضعيفة، في إسنادها انقطاع بين ابن هشام وعبد الله بن جعفر المخرمي" ثم قال: إنها موقوفة على تابعي صغير مجهول الحال، هو أبو عون، ولكن يستأنس بها من الناحية التاريخية (¬3). وروى أبو داود بسنده عن محمَّد بن إسحاق قال: حدثني محمَّد بن أبي محمَّد مولى زيد بن ثابت عن سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس قال: "لما أصاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريشًا يوم بدر وقدم المدينة جمع اليهود في سوق بني ¬

_ (*) وفيها ثلاث لغات، بكسر النون، وفتحها، وضمها. (¬1) الروض الأنف (5/ 392). (¬2) دفاع عن الحديث النبوي والسيرة. ص 26 تخريج فقه السيرة ص 241. (¬3) السيرة النبوية الصحيحة. (1/ 300).

قينقاع فقال: يامعشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشًا، قالوا: يا محمد لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفرًا من قريش كانوا أغمارًا لا يعرفون القتال، إنك لو قاتلتنا لعرفت أنّا نحن الناس وأنك لم تلق مثلنا. فأنزل الله تعالى: " قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ" قرأ مُصَرِّف (شيخ أبي داود) إلى قوله: "فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" ببدر "وَأُخْرَى كَافِرَةٌ" (¬4). وعزاها الحافظ ابن حجر إلى ابن إسحاق وقال: "إسنادها حسن (¬5) " مع أن في الإسناد محمَّد بن أبي محمَّد مولى زيد بن ثابت، قال عنه الحافظ في (التقريب): "مجهول، تفرّد عنه ابن إسحاق (¬6) " ولذا قال الشيخ الألباني: "ضعيف الإسناد (¬7).أما قول المنذري: "في إسناده محمَّد بن إسحاق بن يسار (¬8) ". فليس وجيهًا؛ لأن ابن إسحاق هنا قد صرح بالتحديث، لكن العلة في شيخه المجهول. فقصة المرأة المسلمة مع الصائغ اليهودي التي كانت سببًا في الإجلاء لم تثبت بسند صحيح رغم شهرتها وكيد اليهود ومكرهم وخبثهم في القديم والحديث لا يحتاج إلى دليل. أما السبب في إجلاء يهود بني قينقاع فلا يوجد - فيما أعلم - رواية صحيحة تبين سبب ذلك، والله أعلم. وقد تمكّن اليهود وإخوانهم النصارى من جعل بعض نساء المسلمين -هداهن الله- تُخرج من بدنها ما يرغبون، دون أن يكرهوهن على ذلك. وإذا فسدت المرأة فلا تَسَلْ عن هَلَكَة الجيل. حفظ الله نساءنا ورجالنا، صغارنا وكبارنا، من كيد الكائدين. آمين. ¬

_ (¬4) باب كيف كان إخراج اليهود من المدينة (عون المعبود، 8/ 230) دار الفكر، بيروت. (¬5) فتح الباري (7/ 332). (¬6) تقريب التهذيب (2/ 205). (¬7) ضعيف سنن داود، المكتب الإِسلامي، الطبعة الأولى، 1412، ص 298. (¬8) عون المعبود (8،231).

مكيدة اليهود في الوقيعة بين الأوس والخزرج

مكيدة اليهود في الوقيعة بين الأوس والخزرج قال ابن إسحاق: "ومرّ شاس بن قيس، وكان شيخًا قد عَسَا (¬1)، عظيم الكفر، شديد الضغن على المسلمين، شديد الحسد لهم، على نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأوس والخزرج، في مجلس قد جمعهم، يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من أُلفتهم وجماعتهم، وصلاح ذات بينهم على الإِسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية فقال، قد اجتمع ملأ بني قيْلة (¬2) بهذه البلاد، لا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار، فأمر فتى شابًا من يهود كان معهم، فقال: اعمد إليهم، فاجلس معهم، ثم اذكر يوم بعاث (¬3) وما كان قبله، وأنشِدْهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار .. ففعل، فتكلم القوم عند ذلك، وتنازعوا وتفاخروا، حتى تواثب رجلان من الحيّيْن على الرُّكب، أوس بن قيظي، أحد بني حارثة بن الحارث من الأوس، وجبّار بن صخر، أحد بني سلمة من الخزرج، فتقاولا، ثم قال أحدهما لصاحبه: إنْ شئتم رَدَدْناها الآن جذعة، فغضب الفريقان جميعًا، وقالوا: قد فعلنا، موعدكم الظاهرة - والظاهرة: الحرة - السّلاح، السّلاح، فخرجوا إليها، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين حتى جاءهم، فقال: "يا معشر المسلمين، الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف بين قلوبكم؟ " فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيد من عدوهم، فبكوا، وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضًا، ثم انصرفوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس بن قيس، فأنزل الله تعالى ¬

_ (¬1) عسا: كَبُر وأسنّ، من عسا القضيب إذا يبس. (لسان العرب، مادة: عسا) (¬2) قيلة: أم الأوس والخزرج، وهي قيلة بنت كاهل (لسان العرب مادة: قيل). (¬3) يوم بعاث: حرب كانت بين الأوس والخزرج في الجاهلية.

في شأن شاس بن قيس وما صنع: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (98) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}. وأنزل الله في أوس بن قيظى، وجبّار بن صخر ومن كان معهما من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا عما أدخل عليهم شاس بن قيس من أمر الجاهلية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} إلى قوله تعالى: {وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬4). والقصّة كما ترى ذكرها ابن إسحاق -رحمه الله- بدون إسناد، قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في (الإصابة) في ترجمة أوس بن قبطي (كذا في الإصابة): "وروى أبو الشيخ في تفسيره من طريق ابن إسحاق، قال: حدثني الثقة عن زيد بن أسلم، قال: مرّ شاس بن قيس وكان يهوديًا .. " وساق الخبر مختصرا، ثم قال -رحمه الله-: "والحديث طويل أنا اختصرته، وإسناده مرسل وفيه راوٍ مبهم، أخرجه أبوعمر (¬5) ". وقال الزيلعي: وذكره الثعلبي في تفسيره عن زيد بن أسلم من غير سند ... وكذلك الواحدي في أسباب النزول له (¬6).وكذا قال المناوي (¬7). وقال الهيثمي: "رواه الطبراني، وفيه إبراهيم بن أبي الليث، وهو متروك (¬8) ". ولم يذكر الإِمام ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره للآيات السابقة وما قبلها هذه القصة، رغم عنايته -رحمه الله- بذكر أسباب النزول. ¬

_ (¬4) الروض الأنف (4/ 358 - 360). (¬5) الإصابة (1/ 98). (¬6) تخريج أحاديث الكشاف (1/ 209). (¬7) الفتح السماوي (1/ 390). (¬8) مجمع الزوائد (6/ 327).

في غزوة أحد

في غزوة أحد: من ينظر ما فعل سعد بن الربيع؟ قال ابن إسحاق -رحمه الله- في حديثه عن غزوة أحد: "وفرغ الناس لقتلاهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما حدثني محمَّد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني، أخو بني النجار: مَنْ رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع؟ أفي الأحياء أمْ في الأموات؟ فقال رجل من الأنصار: أنا أنظر لك يا رسول الله ما فعل سعد، فنظر فوجده جريحًا في القتلى وبه رمق. قال: فقلت له: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرني أن أنظر، أفي الأحياء أنت أم في الأموات؟ قال: أنا في الأموات، فأبلغْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عني السلام، وقيل له: إن سعد بن الربيع يقول لك: جزاك الله عنا خير ما جزى نبيًا عن أمته، وأبلغ قومك عني السلام، وقل لهم: إن سعد بن الربيع يقول لكم: إنه لا عُذر لكم عند الله إن خُلص إلى نبيكم - صلى الله عليه وسلم - ومنكم عين تطرف، قال: ثم لم أبرح حتى مات، قال، فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته خبره" (¬1). قال الإِمام البخاري: وهو مرسل (¬2). وقال الألباني: "هذا إسناد معضل (¬3) ".اهـ. وأخرجه مالك في الموطأ عن يحي بن سعيد (ت 144 هـ أو بعدها) مرسلًا. قال ابن عبد البر-رحمه الله-: "هذا الحديث لا أحفظه ولا أعرفه إلا عند أهل السير، فهو عندهم مشهور معروف (¬4) ". ومن طريق مالك أخرجه ابن سعد (¬5)، وأخرجه الحاكم من طريقين، الطريق الأول: حدثنا أبو بكر محمَّد بن أحمد بن بالويه ... ثنا أبو صالح عبد الرحمن بن عبد الله الطويل، ثنا معن بن عيسى .. عن خارجة بن زيد بن ثابت عن ¬

_ (¬1) الروض الأنف (6/ 19). (¬2) لسان الميزان (5/ 175). (¬3) فقه السيرة، ص 269. (¬4) التمهيد (24/ 94). (¬5) الطبقات (3/ 523).

فائدة مهمة

أبيه .. فذكره، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وقال الذهبي في (التلخيص): "صحيح (¬6) ". والطريق الثاني عن ابن إسحاق بسنده، قال الذهبي في (التلخيص)."مرسل (¬7) ". والسند الأول للحاكم فيه أبو صالح عبد الرحمن بن عبد الله الطويل، قال كل من الألباني (¬8)، وسعد الحميّد: (¬9) لم أجد له ترجمة. وانظر: (المطالب العالية (¬10)). فائدة مهمة: نقل الشيخ الألباني أن الحافظ ابن كثير ذكر أن الإِمام مالك -رحمه الله- قد يُسقِطُ بعض الرواة عمدًا إذا جهل حالهم ... ولهذا يُرْسِلُ كثيرًا من المرفوعات، ويقطع كثيرًا من الموصولات. ثم قال الألباني. وهذه فائدة عزيزة هامة من هذا الحافظ النحرير. (السلسلة الضعيفة 7/ 73). فائدة: من مناقب هذا الإِمام الجليل (سعد بن الربيع) - رضي الله عنه - ما رواه البخاري في صحيحه أن المهاجرين لما قدموا المدينة وآخى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بينهم وبين الأنصار آخى بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع، فقال لعبد الرحمن: "إني أكثر الأنصار مالًا فأقسمُ مالي نصفين، ولي امرأتان، فانظر أعجبهما إليك فسمّها لي أُطلّقها، فإذا انقضت عدّتها تزوجْتها ... " (¬11) الحديث. ¬

_ (¬6) المستدرك (3/ 221، 222). (¬7) المستدرك (3/ 222). (¬8) فقه السيرة، ص 269. (¬9) مختصر استدراك المذهبي لابن الملقّن (4/ 1785) وتوسّع في تخريجه. (¬10) المحققة (17/ 351). (¬11) كتات مناقب الأنصار، بات إخاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بين المهاجرين والأنصار (7/ 112 فتح)، وباب: كيف آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أصحابه (7/ 270 فتح).

دعوته - صلى الله عليه وسلم - على عتبة بن أبي وقاص

دعوته - صلى الله عليه وسلم - على عتبة بن أبي وقاص قال الإِمام الذهبي-رحمه الله-: "وقال مَعمر عن الزهري، وعن عثمان الجزري عن مِقْسم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا على عتبة حين كسر رَباعيته: "اللهم لا تحل عليه الحول حتى يموت كافرًا. فما حال عليه الحول حتى مات كافرًا إلى النار" ثم قال: "مرسل" (¬1). وقال الحافظ ابن حجر-رحمه الله-: "أخرجه عبد الرازق في تفسيره بسند منقطع (¬2) ". وقد روى البخاري عن أبي هريرة وابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اشتد غضب الله على قوم فعلوا بنبيّه - يشير إلى رَباعيته - ... " وفي رواية ابن عباس: " .. على قوم دَمّوا وجه نبي الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3) " وفيه عن أنس - رضي الله عنه - شُجّ النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أُحد فقال: "كيف يفلح قوم شجوا نبيهم؟ " فنزلت: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} (آل عمرأن: من الآية 128). وفي رواية ابن عمر - رضي الله عنه - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو على صفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام، فنزلت: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} إلى قوله: {فَإِنَهُمْ ظَالِمُونَ} (¬4). ¬

_ (¬1) المغازي. ص 192. (¬2) تهذيب التهذيب (7/ 103). (¬3) كتاب المغازي، باب ما أصاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، من الجراح يوم أحد، (7/ 372 فتح) (¬4) كتاب المغازي، باب (ليس لك من الأمر شيء ... ) (7/ 365 فتح).

شرب مالك بن سنان لدمه - صلى الله عليه وسلم

شُرْب مّالك بن سنان لدمه - صلى الله عليه وسلم قال ابن هشام -رحمه الله-: "وذكر رُبَيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن أبي سعيد الخدري، أن عتبة بن أبي وقاص رمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذٍ، فكسر رَباعيته اليمنى السفلى، وجرح شفته السفلى، وأن عبد الله بن شهاب الزهري شجّه في جبهته، وأن ابن قمئة جرح وجنته فدخلت حلقتان من المغفر في وجنته، ووقع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حفرة من الحفر التي عمل أبو عامر ليقع فيها المسلمون وهم لا يعلمون، فأخذ علي بن أبي طالب بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورفعه طلحة بن عبيد الله حتى استوى قائمًا، ومصّ مالك بن سنان، أبو أبي سعيد الخدري الدم عن وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم ازدرده (*) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من مس دمه دمي لم تصبه النار (¬1) ". ورُبيح بن عبد الرحمن قال عنه الإِمام أحمد: ليس بمعروف. وقال أبو زرعة: شيخ. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. وذكره ابن حبان في (الثقات). وقال الترمذي في (العلل الكبير) عن البخاري: "رُبيح منكر الحديث (¬2) ". وابن هشام لم يسمع من رُبيح بن عبد الرحمن. والخبر ذكره الذهبي في (المغازي) فقال: "قال ابن إسحاق: وعن أبي سعيد الخدري، أن عتبة كسر رَباعية النبي - صلى الله عليه وسلم - .. " وذكره، ثم قال: "منقطع (¬3) ". وقال الحافظ ابن حجر في (الإصابة): "وروى ابن أبي عاصم والبغوي من طريق موسى بن محمَّد بن علي الأنصاري حدثتني أمي أم سعد بن مسعود بن حمزة بن أبي سعيد أنها سمعت أم عبد الرحمن بنت أبي سعيد تحدّث عن أبيها قال: أصيب وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستقبله مالك بن سنان فمصّ الدم عن ¬

_ (*) ابتلعه. (لسان العرب. مادة: زرد). (¬1) الروض الأنف (5/ 442). (¬2) تهذيب التهذيب (3/ 238). (¬3) المغازي، ص 193، وكَسْرُ رباعيته - صلى الله عليه وسلم - ثابت في الصحيحين.

وجهه ثم ازدرده، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من ينظر إلى من خالط دمه دمي، فلينظر إلى مالك بن سنان. وأخرجه ابن السكن من وجه آخر من رواية مصعب بن الأسقع عن ربيح بن عبد الرحمن ... وأخرج سعيد بن منصور عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن عمرو بن السائب أنه بلغه أن مالكًا والد أبي سعيد ... فذكر نحوه (¬4) ". وموسى بن محمَّد قال ابن أبي حاتم: "سمعت أبي يقول: هو شيخ مديني قدم بغداد نزل درب الأنصار (¬5) ". واُمّ سعد بن مسعود، وأُمّ عبد الرحمن بنت أبي سعيد لم أجد لهما ترجمة فيما وقفت عليه. ورواية ابن السكن فيها مصعب بن الأسقع، قال ابن أبي حاتم: "روى عن ربيح بن عبد الرحمن، وروى عنه موسى بن يعقوب الزمعي. سمعت أبي يقول ذلك (¬6) ". وفي ترجمة موسى بن يعقوب من (التهذيب): "قال الآجري: قال أبو داود .. له مشايخ مجهولون (¬7) ". ومن الظاهر أن مصعب بن الأسقع أحد هؤلاء. وربيح بن عبد الرحمن سبق الكلام عليه. ورواية سعيد بن منصور فيها إرسال، وعمرو بن السائب، قال الحافظ في (التقريب) صوابه: "عمر بن السائب، صدوق فقيه، من السادسة، مات سنة 134 هـ (¬8) "، والطبقة السادسة نصّ الحافظ في مقدمة (التقريب) على أنه لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة (¬9). وقال -رحمه الله- في (التلخيص) عن حديث عمر بن السائب: "مرسل (¬10) ". ¬

_ (¬4) الإصابة (3/ 325). (¬5) "الجرح والتعديل" دار الكتب العلمية (8/ 161، رقم 713) (¬6) الجرح والتعديل (8/ 307) رقم 1424. (¬7) التهذيب (10/ 378). (¬8) (2/ 55). (¬9) (1/ 6). (¬10) التلخيص الحبير (1/ 42).

والحديث أخرجه الحاكم من طريق أمّ عبد الرحمن بنت أبي سعيد الخدري، عن أبيها أبي سعيد -رحمه الله- وسكت عنه، وقال الذهبي: "إسناده مظلم (¬11) ". وأورده الهيثمي في (المجمع) وعزاه إلى الطبراني، ولم يتكلم عليه (¬12). وقال ابن الملقِّن: "وفيه مجاهيل لا أعرفهم بعد الكشف عنهم (¬13). ¬

_ (¬11) المستدرك (3/ 649) و (652). (¬12) مجمع الزوائد (6/ 114). (¬13) البدر المنير (1/ 481).

دخول حلقتا المغفر في وجهة الشريف - صلى الله عليه وسلم

دخول حلقتا المِغْفر في وجهة الشريف - صلى الله عليه وسلم قال ابن هشام -رحمه الله-: "وذكر عبد الغزيز بن محمَّد الدراوردي عن إسحاق بن يحيى بن طلحة عن عيسى بن طلحة عن عائشة عن أبي بكر الصديق: أن أبا عبيدة بن الجراح نزع إحدى الحلقتين من وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسقطت ثنيّته، ثم نزع الأخرى، فسقط ثنيّته الأخرى، فكان ساقط الثنيّتين (¬1) ". قال الألباني -رحمه الله-: "وقد وصله الطيالسي (2/ 99) فقال: حدثنا ابن المبارك عن إسحاق به. وكذا وصله الحاكم (3/ 26 - 27) ووقع في سنده تحريف وقال: "صحيح الإسناد" فتعقبّه الذهبي بقوله: "قلت: إسحاق متروك". وكذا قال الهيثمي (6/ 112) بعد أن عزاه للبزار (¬2) ". ونقل ابن كثير -رحمه الله- تضعيف علي بن المديني لهذا الحديث من جهة إسحاق بن يحيى (¬3) ودخول حلقتا المغفر في وجهه الشريف - صلى الله عليه وسلم - ذكره الذهبي في (المغازي) عن ابن إسحاق ثم قال: "منقطع (¬4) ". وقد سبق. والحديث ضعّفه الشيخ سعد الحميّد (¬5). وفي البخاري عن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شُجّ يوم أحد، فقال: "كيف يفلح قوم شجوا نبيهم؟ " فنزلت: "لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ ... " (آل عمران:28) (¬6). وفيه عن أبي هريرة مرفوعًا (اشتدّ عضب الله على قوم ¬

_ (¬1) الروض الأنف (5/ 443). (¬2) فقه السيرة. 263. (¬3) تفسير القرآن العظيم (1/ 366) في تفسير الآية 153. (¬4) المغازي 193. (¬5) مختصر استدراك الذهبي لابن الملقن (4/ 2089). (¬6) البخاري كتاب المغازي باب ليس لك من الأمر شيء (7/ 365 فتح).

فائدة

فعلوا بنبيّهم - يشير إلى رَباعيته - (¬7). وفي مسلم: "كُسِرتْ رَباعيته، وهُشمت البيضة على رأسه" (¬8). فائدة: قال الإِمام النووي -رحمه الله-: "وفي هذا وقوع الانتقام والابتلاء بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، لينالوا جزيل الأجر، ولتعلم أُممهم وغيرهم ما أصابهم ويتأسّوا بهم. قال القاضي [عياض]: وليُعلم أنهم من البشر تصيبهم محن الدنيا، ويطرأ على أجسامهم ما يطرأ على أجسام البشر ليتيقنوا أنهم مخلوقون مربوبون، ولا يُفتتن بما ظهر على أيديهم من المعجزات، وتلبيس الشيطان من أمرهم ما لبسه على النصارى وغيرهم (¬9) ". ¬

_ (¬7) باب ما أصاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد (7/ 372 فتح). (¬8) مسلم كتاب الجهاد والسير (12/ 148 نووي). (¬9) المصدر السابق.

قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ابن إسحاق-رحمه الله-: "وحدثني القاسم بن عبد الرحمن بن رافع أخو بني عدي ابن النجار قال: انتهى أنس بن النضر عمّ أنس بن مالك، إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله، في رجال من المهاجرين والأنصار، وقد ألقَوْا بأيديهم، فقال: ما يجُلسكم؟ قالوا: قُتِلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فماذا تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم استقبل القوم فقاتل حتى قُتل، وبه سُمي أنس بن مالك. قال ابن إسحاق: فحدثني حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: لقد وجدنا بأنس بن النضر يومئذ سبعين ضربة، فما عرفه إلا أخته، عرفته ببنانه (¬1) ". والقاسم بن عبد الرحمن ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا (¬2). ثم إن الخبر مرسل. ويَبْعد أن يستسلم الفاروق عمر وطلحة لمثل هذه الإشاعة فيلقوا أسلحتهم وَيَدَعُوا القتال، بل إن عمر كان ممن أنكر موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما مات، حتى خرج أبو بكر وعمر يُكلم الناس فقال: اجلس ياعمر، فأبى عمر أن يجلس، فأقبل الناس إليه وتركوا عمر. فقال أبو بكر: أما بعد. .. الحديث (¬3)، قال ابن حجر: "في حديث ابن عمر عند ابن أبي شيبة: أن أبا بكر مرّ بعمر وهو يقول: ما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يموت حتى يقتل الله المنافقين .. (¬4) ". وأما طلحة فقد كان يوم أحدٍ يومه، أخرج البخاري عن قيس بن حازم قال "رأيتُ يد طلحة شلاّء، وقى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد (¬5) ". ¬

_ (¬1) الروض الأنف (5/ 445، 446). (¬2) الجرح والتعديل (7/ 113). (¬3) البخاري (4454). (¬4) فتح الباري (8/ 146). (¬5) برقم (4063).

وأخرج النسائي عن جابر حديثًا في شجاعة طلحة وإقدامه وفيه " .. فقُطِعت أصابعه فقال: حسّ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو قلت: بسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون (¬6) ". وأخرج الترمذي عن الزبير - رضي الله عنه - قال: "سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أوجب طلحة (¬7) " وحسنه الذهبي (¬8). وعند الترمذي وابن ماجه عن معاوية - رضي الله عنه - قال: نظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى طلحة فقال: "هذا ممّن قضى تحبه (¬9) " وأخرجه الحاكم عن عائشة وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي (¬10). وصححه الحافظ في الفتح بعد أن جعله من مسند عائشة، وعزاه إلى بن ماجه والحاكم (¬11). ومعاوية - رضي الله عنه - لم يكن في صفّ المسلمين يوم أحد فيحُمل على أنه سمع ذلك بعد إسلامه. أما أخر الحديث، ومقتل أنس بن النضر - رضي الله عنه - في الصحيحين (¬12). ¬

_ (¬6) النسائي برقم (3151) وصححه الألباني، السلسلة الصحيحة برقم (2796). (¬7) برقم 3738. (¬8) تاريخ الإِسلام (1/ 524). (¬9) الترمذي (3741) ابن ماجه (126). (¬10) المستدرك، برقم (5611). (¬11) فتح الباري (8/ 518). (¬12) البخاري (2805) ومسلم (1903).

أكل هند بنت عتبة من كبد حمزة

أكلُ هند بنت عتبة من كبد حمزة قال ابن إسحاق: "ووقعت هند بنت عتبة، كما حدثني صالح بن كيسان، والنسوة اللاتي معها يُمثّلن بالقتلى من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُجدّعْن الآذان والأُنُف، حتى اتخذت هند من آذان الرجال وأُنفهم خَدمًا (*) وقلائد، وأعطت خدمها وقلائدها وقرطها وحشيًا، غلام جبير بن مطعم، وبقرت عن كبد حمزة، فلاكتها، فلم تستطع أن تسيغها، فلفظتها .. (¬1) ". وصالح بن كيسان ثقة، من رجال الجماعة، وهو مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز، لكن الخبر مرسل. ثم قال ابن إسحاق: "وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيما بلغني، يتلمّس حمزة بن عبد المطلب، فوجده ببطن الوادي قد بقر بطنه عن كبده، ومُثّل به، فجُدع أنفه وأُذناه. فحدثني محمَّد بن جعفر بن الزبير أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال حين رأى ما رأى."لولا أن تحزن صفية (**)، ويكون سُنّة من بعدي لتركته حتى يكون في بطون السباع، وحواصل الطير، ولئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لأُمثلنّ بثلاثين رجلًا منهم" فلما رأى المسلمون حزن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغيظه على من فعل بعمّه ما فعل، قالوا. والله لئن أظفرنا الله بهم يومًا من الدهر لنمثلنّ بهم مُثلة لم يمثلها أحد من العرب (¬2) ". والخبرمرسل. ثم قال ابن إسحاق."وحدثني بُريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي، عن محمَّد بن كعب القُرَظي، وحدثني من لا أتّهم عن ابن عباس، أن الله عز وجل أنزل في ذلك، من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقول أصحابه: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ ¬

_ (*) جمع خَدَمة، وهو الخلخال (لسان العرب، مادة: خدم). (¬1) الروض الأنف (6/ 15). (**) صفية بنت عبد المطلب، أخت حمزة -رحمه الله- الذهبي: "الصحيح أنه ما أسلم من عمات النبي - صلى الله عليه وسلم - سواها". (السير 2/ 270). (¬2) الروض الأنف (6/ 20).

فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} فعفا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وصبر، ونهى عن المُثلة (¬3) ". وذكرها ابن كثير في (البداية) عن ابن إسحاق ثم قال: "قلت: هذه الآية مكيّة، وقصة أُحد بعد الهجرة بثلاث سنين، فكيف يلتئم هذا؟ فالله أعلم (¬4) ". قال الذهبي في (المغازي): "وقال يحي الحمّاني: حدثنا قيس - هو ابن الربيع - عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مِقْسم، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم قُتل حمزة ومُثّل به: "لئن ظفرت بقريش لأمثلنّ بسبعين منهم". فنزلت: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بل نصبر ياربّ". إسناده ضعيف من قِبَل قيس. وقد روى نحوه حجاج بن منهال، وغيره، عن صالح المرِّي -وهو ضعيف- عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي هريرة، وزاد: فنظر إلى منظر لم ينظر إلى شيء قطّ أوجع منه لقلبه (¬5) ". اهـ وذكر هذه الرواية الهيثمي في (المجمع) وفيه " ... ونظر إليه وقد مُثّل به، فقال: "رحمة الله عليك إنْ كنتَ ما علمتُ لوصولًا للرحم فعولًا للخيرات، والله لولا حزن من بعدك عليك لسرني أن أتركك حتى يحشرك الله من بطون السباع -أو كلمة نحوها- أمَا والله على ذلك لأمثلنّ بسبعين كميتتك" فنزل جبريل عليه السلام على محمَّد - صلى الله عليه وسلم - بهذه السورة، وقرأ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} إلى آخر الآية فَكفَّرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ¬

_ (¬3) الروض الأنف (6/ 21). (¬4) البداية والنهاية (4/ 40). (¬5) المغازي (209 - 210).

وأمسك عن ذلك". ثم قال الهيثمي: "رواه البزّار والطبراني، وفيه صالح بن بشير المري (*) وهو ضعيف (¬6) ". وروى الحاكم في (المستدرك) عن أُبيّ بن كعب -رحمه الله- قال: لما كان يوم أُحد أصيب من الأنصار أربعة وستون رجلًا، ومن المهاجرين ستة، فمثّلوا بهم، وفيهم حمزة، فقالت الأنصار: لئن أصبناهم يومًا مثل هذا لنربينّ عليهم، فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله عزّ وجل: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ... } فقال رجل: لا قريش بعد اليوم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُفُّوا عن القوم غير أربعة". ثمْ قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي (¬7). قال ابن هشام: "ولما وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حمزة قال: "لن أُصاب بمثلك أبدًا. ما وقفتُ موقفًا قطّ أغيظ إليّ من هذا (¬8) ". قال الألباني: "حديث لا يصحّ، ذكره ابن هشام بدون إسناد، ولم أجده عند غيره، وقد نقله عنه الحافظ ابن كثير (4/ 40)، وابن حجر في (الفتح) (7/ 297) ولم يوصلاه (¬9) ". وروى الإِمام أحمد قال: حدثنا عفّان قال: حدثنا حمّاد قال: حدثنا عطاء بن السائب عن الشعبي عن ابن مسعود قال: " ... فنظروا فإذا حمزة قد بُقر بطنه، وأخذتْ هند كبده فلاكتها، فلم تستطح أن تمضغها، فقال رسول ¬

_ (*) في الأصل المزني. (¬6) مجمع الزوائد (9/ 119). وقد رواه الحاكم في المستدرك (3/ 218) رقم (4894)، وسكت عنه، وأعله الذهبي بصالح المرِّي. وذكره الحافظ في الفتح (7/ 371) وأشار إلى ضعفه. (¬7) المستدرك (2/ 391، 484). (¬8) الروض الأنف (6/ 20). (¬9) تخريج فقه السيرة (264). وقد رواه الواقدي في المغازي (1/ 290).

الله - صلى الله عليه وسلم -: "أكلتْ شيئًا؟ " قالوا: لا، قال: "ما كان الله ليدخل شيئًا من حمزة في النار (¬10) ". وفيه صلاته على حمزة سبعين صلاة. قال ابن كثير -رحمه الله- في (البداية): "تفرّد به أحمد، وهذا إسناد فيه ضعف، من جهة عطاء بن السائب، فالله أعلم (¬11) ". قال الشيخ الألباني: "وهذا هو الصواب، خلافًا لقول الشيخ أحمد محمَّد شاكر: إنه صحيح، فإنه ذُهل عما ذُكر من سماعه منه في الاختلاط (¬12) ". وفي المتن نكارة هي: "ما كان الله ليدخل شيئًا من حمزة في النار" لأن هندًا - رضي الله عنه - أسلمتْ، والإِسلام يجبُّ ما قبله، ثم إنّ الراوي عن ابن مسعود هو عامر بن شراحيل الشعبي، ولا يصح له سماع من ابن مسعود، كما قال ذلك الأئمة: الحاكم، والدارقطني، وأبو حاتم (¬13)، وابن باز (¬14). وقال ابن كثيرفي تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا} (الآية 126 من سورة النحل): "وقال محمَّد بن إسحاق عن بعض أصحابه عن عطاء بن يسار قال: نزلت سورة النحل كلّها بمكة، وهي مكية، إلاّ ثلاث آيات من آخرها نزلت بالمدينة بعد أُحد حين قُتل حمزة - رضي الله عنه - ومُثّل به، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لئن أظهرني الله عليهم لأمثلنّ بثلاثين رجلًا منهم" فلما سمع المسلمون ذلك قالوا: والله لئن ظهرنا عليهم لنمثلنّ بهم مُثلة لم يمثّلها أحد من العرب بأحد قطّ، فأنزل الله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} إلى آخر السورة. وهذا مرسل، وفيه رجل مُبهم لم يسمّ". ثم قال: "وقد روي هذا من وجه آخر متصل، فقال الحافظ أبو بكر البزّار: ... حدثنا صالح المرَي عن ¬

_ (¬10) المسند (6/ 191). (¬11) البداية والنهاية (4/ 41). (¬12) حاشية فقه السيرة. ص (260). (¬13) تهذيب التهذيب (5/ 68). (¬14) أقوال سماحة الشيخ عبد الغزيز بن باز في الرجال، للأخ الفاضل الشيخ فهد السنيد. ص 19. الطبعة الأولى. دار الوطن.

سليمان التيمي عن أبي عثمان عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقف على حمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه - حين استشهد ... ". وذكر الرواية التي نقلها الهيثمي، ثم قال ابن كثير: "هذا إسناد فيه ضعف؛ لأن صالحًا هو ابن بشير المرِّي ضعيف عند الأئمة، وقال البخاري: هو منكر الحديث (¬15) ". وضعّف الحديث الألباني، وقال: "وقد ثبت بعضه مختصرًا من طُرق أخرى، فأخرج الحاكم (3/ 196) والخطيب في: (التلخيص) (44/ 1) عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرّ بحمزة يوم أُحد وقد جُدع، ومُثّل به فقال: "لولا أن صفية تَجِدُ لتركته حتى يحشره الله من بطون الطير والسباع" فكفّنه في نمرة". وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. ثم قال الشيخ الألباني: "وسبب نزول الآية السابقة في هذه الحادثة صحيح، فقد قال أُبىّ بن كعب: (لما كان يوم أُحد ... ) وذكر الحديث (¬16)، وقد سبق. والحديث المذكور قال عنه النووي في (الخلاصة): "رواه أبو داود بإسناد حسن، والترمذي وقال: حسن (¬17) ". وأخرجه أيضًا الإِمام أحمد في مسنده (¬18). وتمثيل المشركين بشهداء المسلمين يوم أُحد ثابت، كما في البخاري من قول أبي سفيان بعد نهاية المعركة -وكان زعيم المشركين يومها-: "وتجدون مُثلة لمْ آمر بها ولم تسؤني (¬19) ". ¬

_ (¬15) تفسير ابن كثير (2/ 953). (¬16) سلسلة الأحاديث الضعيفة (2/ 28) رقم (550). وانظر (أحكام الجنائز وبدعها). ص (60) (¬17) الخلاصة (2/ 946) أخرجه أبو داود في الجنائز، باب الشهيد يغسل (8/ 410 عون). والترمذي في الجنائز، باب ما جاء في قتلى أحد وذكر حمزة (4/ 96 تحفة). (¬18) الفتح الرباني (18/ 192) وقال الساعاتي عن الحديث: وهو من زوائد عبد الله بن الإِمام أحمد على مسند أبيه - رحمهما الله -. (¬19) باب غزوة أحد (7/ 350 فتح).

وقال ابن عبد البر: "وروَوْا آثارًا كثيرة أكثرها مراسيل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلّى على حمزة وعلى سائر شهداء أحد (¬20) ". وقال ابن حجر: "إن طرق الحديث واهية" (¬21) وذهب الألباني إلى تحسين حديث الصلاة على حمزة - رضي الله عنه - (¬22). وقد أفاض الشيخ سعد الحميّد -وفقه الله- في تتبّع مرويات الصلاة على حمزة - رضي الله عنه - (¬23). ¬

_ (¬20) التمهيد 24/ 244. (¬21) أجوبة الحافظ ابن حجر على أسئلة بعض تلامذته، ص 54. (¬22) أحكام الجنائز، ص 60. (¬23) مختصر استدراك الذهبي على الحاكم لابن الملقّن. (4/ 1768). ورجح أن الحديث صحيح لغيره.

إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن

إنّها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن قال ابن إسحاق في حديثه عن أُحد: "وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من يأخذ هذا السيف بحقّه؟ فقام إليه رجال، فأمسكه عنهم، حتى قام إليه أبو دجانة سِمَاك بن خَرَشة، أخو بني ساعدة، فقال: وما حقه يا رسول الله؟ قال: أن تضرب به العدو حتى ينحني. قال: أنا آخذه يا رسول الله بحقه، فأعطاه إيّاه. وكان أبو دجانة رجلًا شجاعًا يختال عند الحرب إذا كانت، وكان إذا أُعلم بعصابة له حمراء فاعتصب بها علم الناس أنه سيقاتل، فلما أخذ السيف من يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخرج عصابته تلك فعصب بها رأسه، وجعل يتبختر بين الصفيّن. قال ابن إسحاق: فحدثني جعفر بن عبد الله بن أسلم مولى عمر بن الخطاب، عن رجل من الأنصار من بني سلمة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حين رأى أبا دجانة يتبختر: إنها لمشية يبغضها الله إلاّ في مثل هذا الموطن (¬1) ". والجزء الأول من الخبر ثابت في صحيح مسلم عن أنس - رضي الله عنه - "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ سيفًا يوم أحد، فقال: "من يأخذ مني هذا؟ " فبسطوا أيديهم كل إنسان منهم يقول: أنا أنا، قال: "فمن يأخذه بحقه؟ " قال: فأحجم القوم، فقال سماك بن خرشة أبو دجانة: أنا آخذه بحقه. قال: فأخذه، ففلق به هامَ المشركين (¬2) ". وقد ذكره ابن إسحاق منقطعًا، كما قال ابن كثير (¬3). أما الشطر الثاني من الخبر، فقد رواه ابن إسحاق عن جعفر بن عبد الله، قال الحافظ عن جعفر هذا: "مقبول (¬4) ". أي عند المتابعة، وإلا فليّن الحديث. كما نصّ على ذلك في المقدمة. والسّند فيه أيضًا جهالة وانقطاع، فالرجل الذي من الأنصار لم يُسمّ، ولا يمكن أن يكون صحابيًا؛ لأن جعفر بن ¬

_ (¬1) الروض الأنف (5/ 427). (¬2) صحيح مسلم، باب فضائل أبي دجانة سماك بن خرشة - رضي الله عنه - (16/ 24 نووي). (¬3) البداية والنهاية (4/ 15). (¬4) التقريب (1/ 131)

فائدة

عبد الله من الطبقة السابعة في تقسيم ابن حجر، وهي طبقة لا تروي عن أحد من الصحابة. وعزاه الهيثمي في (المجمع) إلى الطبراني وقال: "وفيه من لم أعرفه (¬5) ". أما الاختيال في الحرب: فقد روى الإِمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وغيرهم عن جابر بن عتيك - رضي الله عنه - عن رسول الله الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إنّ من الغيرة ما يحبّ الله، ومن المغيرة ما يبغض الله، ومن الخيلاء ما يُحبّ الله، ومنها ما يُبغض الله، فأما الغيرة التي يحبها الله فالغيرة في الرّيبة، وأما الغيرة التي يبغض الله فالغيرة في غير الريبة، وأما الخيلاء التي يحبها الله فاختيال الرجل في القتال، واختياله عند الصدقة، وأما الخيلاء التي يبغض الله فاختيال الرجل في البغي والفخر". وصححه ابن القيم (¬6)،ابن حجر (¬7).، وحسّنه الألباني (¬8)، والأرنؤوط (¬9). فائدة: جاء في رواية: أن أبا دجانة - رضي الله عنه - شَهَر السيف على امرأة، ثم كفّ يده عنها، فقيل له في ذلك، فقال: أكرمتُ سيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها. ذكره الهيثمي في (المجمع) وعزاه إلى البزّار، وقال: "ورجاله ثقات (¬10) ". ورواه البيهقي في (الدلائل) (¬11) وفي سندهما: عبد الله بن الوازع، قال عنه في (التقريب): مجهول (¬12). ¬

_ (¬5) مجمع الزوائد (6/ 109). (¬6) الجواب الكافي، ص 77. (¬7) الإصابة (1/ 216). (¬8) الإرواء: 1999. وصحيح الجامع 2217. (¬9) زاد المعاد (3/ 99). (¬10) 6/ 109 (¬11) دلائل النبوة (3/ 233). (¬12) تقريب التهذيب (2/ 540).

خروج علي - رضي الله عنه - في آثار المشركين

خروج علي - رضي الله عنه - في آثار المشركين قال ابن إسحاق: "ثم بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فقال: اخرج في آثار القوم، فانظر ماذا يصنعون، وما يريدون، فإن كانوا قد جنّبوا الخيل، وامتطوا الإبل، فإنهم يريدون مكة، وإن ركبوا الخيل، وساقوا الإبل فإنهم يريدون المدينة، والذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرنّ إليهم فيها، ثم لأناجزنّهم. قال علي: فخرجت في آثارهم أنظر ماذا يصنعون؛ فجنّبوا الخيل وامتطوا الإبل، ووجّهوا إلى مكة (¬1) ". قال الشيخ الألباني: "رواه ابن هشام (2/ 40) عن ابن إسحاق بدون إسناد (¬2) ". وذكر الحافظ في الفتح أن الذي تبعهم سعد بن أبي وقاص (¬3)، وهو قول الواقدي في مغازيه (¬4). وأخرج البخاري في صحيحه عن عائشة - رضي الله عنها - في قوله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} (آل عمران، الآية 172) "أنها قالت لعروة: يا ابن أختي، كان أبواك منهم: الزبير وأبو بكر. لمّا أصاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أصاب يوم أُحد، وإنصرف عنه المشركون خاف أن يرجعو، قال: من يذهب في إثرهم؟ فانتدب منهم سبعون رجلًا. قال: كان فيهم أبو بكر والزبير (¬5) ". قال ابن كثير -رحمه الله-: "هذا كان يوم حمراء الأسد" ثم قال: "قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمَّد بن عبد الله بن يزيد قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن عكرمة قال: لما رجع المشركون عن أحد قالوا. لا محمدًا قتلتم ¬

_ (¬1) الروض الأنف (6/ 18 - 19). (¬2) تخريج فقه السنة (259). (¬3) فتع الباري (7/ 347) (¬4) (1/ 298). (¬5) 7/ 373 (فتح)

ولا الكواعب أردفتم، بئسما صنعتم، ارجعوا، فسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك، فندب المسلمين، فانتدبوا حتى بلغوا حمراء الأسد، أو بئر أبي عيينة -الشك من سفيان- فقال المشركون: نرجع من قابل، فرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكانت تُعدّ غزوة، فأنزل الله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} وروى ابن مردويه من حديث محمَّد بن منصور عن سفيان بن عيينة عن عمرو عن عكرمة عن ابن عباس فذكره (¬6) ".اهـ. وقال الحافظ ابن حجر ورجاله رجال الصحيح، إلا أن المحفوظ إرساله عن عكرمة ليس فيه ابن عباس، ومن الطريق المرسلة أخرجه ابن أبي حاتم وغيره (¬7). ¬

_ (¬6) تفسير ابن كثير (1/ 429). (¬7) فتح الباري (8/ 228).

قتل أبي عزة الجمحي

قتلُ أبي عزّة الجُمَحي قال ابن هشام: "حدثنا أبو عبيدة: أن أبا سفيان بن حرب لما انصرف يوم أُحد، أراد الرجوع إلى المدينة ... وأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جهة ذلك قبل رجوعه إلى المدينة، معاوية بن المغيرة بن العاص .. وأبا عزة الجُمحي، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسره ببدر، ثم منّ عليه، فقال: "يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقلْني، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "والله لا تمسح عارضيك بمكة بعدها وتقول: خدعتُ محمدًا مرتين، اضرب عنقه يا زبير" فضرب عنقه. قال ابن هشام: وبلغني عن سعيد بن المسيب أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنّ المؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين، اضرب عنقه يا عاصم بن ثابت" فضرب عنقه (¬1) ". قال الحافظ في: (الفتح) عن أبي عزة: "وأخرج قصته ابن إسحاق في المغازي بغير إسناد (¬2) " وقال في: (التلخيص): "قوله: ومَنّ على أبي عزة الجمحي على ألاّ يقاتله، فلم يوفِ فقاتله يوم أحد، فأُسر، وقُتل. البيهقي من طريق سعيد بن المسيب بهذه القصة مطولًا، وفيه: فقال له: أين ما أعطيتني من العهد والميثاق؟ والله لا تمسح عارضيك بمكة تقول: سخرتُ بمحمد مرتين. قال شعبة: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن المؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين" وفي إسناده الواقدي (¬3) ". وقال الشيخ الألباني: "ضعيف، ذكره ابن إسحاق بدون إسناد ... ذكره ابن هشام في (السيرة) ثم قال: وبلغني عن سعيد بن المسبب ... قلتُ: وهذا مع بلاغه مرسل، وقد وصله البيهقي (9/ 65) من طريق محمد بن عمر، حدثني محمَّد بن عبد الله عن الزهري عن سعيد بن المسيب به مطولًا. قلتُ: وإسناده واهٍ جدًّا، من أجل محمَّد بن عمر، وهو الواقدي وهو متروك. وأمّا ¬

_ (¬1) الروض الأنف (6/ 30). (¬2) فتح الباري (10/ 530). (¬3) التلخيص الحبير (4/ 120 - 121).

حديث: "لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين" فصحيح، اتفق الشيخان على إخراجه، وأما سببه المذكور فلا يصح، وإن جزم به العسكري، ونقله عنه المناوي في (فيض القدير) ساكتًا عليه، غير مبيّن لعلته، وتبع العسكري آخرون كابن بطّال والتوربيشي (¬4) ". قال ابن كثيرعن قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين): "وهذا من الأمثال التي لم تُسمع إلا منه عليه السلام (¬5) ". ¬

_ (¬4) إرواء الغليل (5/ 41). (¬5) البداية والنهاية (3/ 313).

مخيريق خير يهود

مُخيريق خَيرُ يهود قال ابن إسحاق -رحمه الله-: "وكان ممّن قُتل يوم أحد مخيريق، وكان أحد بني ثعلبة بن الفطيون، قال: لما كان يوم أحد، قال: يا معشر يهود، والله لقد علمتم أن نصر محمَّد عليكم لحقّ، قالوا: إن اليوم يوم السبت، قال: لا سبت لكم. فأخذ سيفه وعدّته وقال: إن أصبت فمالي لمحمد يصنع فيه ما شاء. ثم غدا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقاتل معه حتى قُتل، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) -فيما بلعنا- مُخيريق خير يهود (¬1) ". هكذا ساقه دون إسناد. ورواه ابن سعد (¬2) عن الواقدي، وهو متروك. وعزاه الحافظ في (الإصابة) (¬3) إلى عمر بن شبّة عن الزهري مرسلًا، وفي سنده عبد العزيز بن عمران، وهو متروك عند الأكثر. وإلى الزبير بن بكّار عن محمَّد بن الحسن بن زَبَالة، وهو متروك أيضًا، قال الحافظ: كذبوه (¬4). وعلى فرض صحة القصة فإن المراد بخير يهود أي في تلك الغزوة، وإلا فإن خير من أسلم من يهود هو عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - وقد أخرج البخاري في صحيحه عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: "ما سمعتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لأحدٍ يمشي على الأرض إنه من أهل الجنّة إلاَّ لعبد الله بن سلام ... (¬5) ". ¬

_ (¬1) الروض الأنف (6/ 12). (¬2) الطبقات (1/ 502). (¬3) الإصابة (3/ 373)، (¬4) التقريب (2/ 154). (¬5) كتاب المناقب، باب مناقب عبد الله بن سلام (7/ 128 فتح).

ومما شاع ولم يثبت في غزوة أحد

وممّا شاع ولم يثبت في غزوة أُحد 1 - ما رواه ابن سعد بسنده عن الواقدي في مشاركة أمّ عُمارة نسيبة (*) بنت كعب المازنية - رضي الله عنها - في القتال وقوله - صلى الله عليه وسلم - يومها: "ومن يطيق ما تطيقين يا اُمّ عمارة"، وقوله: "ما التفتُّ يمينًا ولا شمالًا إلاّ وأنا أراها تقاتل دوني (¬1) ". قال ابن هشام: وقاتلتْ أمّ عمارة نسيبة بنت كعب المازنية يوم أحد. فذكر سعيد بن أبي زيد الأنصاري أن أمّ سعد بنت بن سعد بن الربيع كانت تقول: "دخلتُ على أم عمارة ... فقالت: ... فلما انهزم المسلمون انحزتُ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقمتُ أباشر القتال، وأذبّ عنه بالسيف، وأرمي عن القوس .. (¬2) " قال الدكتور العمري: "إسناد منقطع (¬3) ". وسعيد بن أبي زيد هو النحوي المشهور سعيد بن أوس بن ثابت بن بشير بن صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبي زيد الأنصاري. ولد سنة نيّفٍ وعشرين ومئه (¬4)، فبينه وبين غزوة أحد دهر طويل. ومنها: 2 - ما ذكره الذهبي في المغازي: "وقال مَعْمر، عن سعيد بن عبد الرحمن الجحشي: حدثنا أشياخنا أن عبد الله بن جحش جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أُحد وقد ذهب سيفه، فأعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - عسيبًا من نخل، فرجع في يد عبد الله سيفًا". ثم قال الذهبي: "مرسل (¬5) ". ¬

_ (*) قال ابن حجر: بفتح النون (الإصابة، 4/ 403) (¬1) طبقات ابن سعد (8/ 414، 415). (¬2) الروض الأنف (5/ 444). (¬3) السيرة النبوية الصحيحة (2/ 390). (¬4) سيرأعلام النبلاء (9/ 494). (¬5) تاريخ الإِسلام، المغازي، ص 186.

وقد ذكره السُّهيلي في (الروض) فقال: "وذكر الزّبير [بن بكّار] أن سيف عبد الله بن جحش انقطع يوم أحد (¬6) " ولم يسق سنده. ومنها: 3 - ما ذكره ابن إسحاق في آخر حديثه عن الغزوة بقوله: "ولمّا انصرف أبو سفيان ومن معه نادى إن موعدكم بدر للعام القابل فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجل من أصحابه: قل: نعم، هو بيننا وبينكم موعد (¬7) ". هكذا ذكره دون إسناد. قال الألباني: "لم أجده الآن عند غير ابن إسحاق (¬8) " ا. هـ. ورواه الواقدي، وهو متروك (¬9). ¬

_ (¬6) الروض الأنف (6/ 45). (¬7) الروض الأنف (6/ 18). (¬8) تخريج فقه السيرة، ص 260. (¬9) المغازي (1/ 384).

ما شاع ولم يثبت في غزوة الخندق

ما شاع ولم يثبت في غزوة الخندق مشورة سلمان بحفر الخندق: اشتهر في كتب السيرة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما سمع بقّدوم الأحزاب لغزو المدينة، شاور أصحابه، فأشار عليه سلمان الفارسي - رضي الله عنه - بقوله: "إِنا كنا بفارس إذا حُوصرنا خندقنا علينا، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بحفر الخندق حول المدينة .. " قال الحافظ في (الفتح): "وكان الذي أشار بذلك سلمان، فيما ذكر أصحاب المغازي، منهم أبو معشر، قال: قال سلمان .. (¬1) ". فذكره، ولم يسق له إسنادًا. وأبو معشر هو: نجيح بن عبد الرحمن السندى (ت171هـ) روى له الأربعة، وضعّفه الجمهور، وكان الإمام أحمد يرضاه ويقول: كان بصيرأً بالمغازي (¬2). وليست العلة في ضعف أبى معشر فحسب؛ بل كون الخبر مرسلًا، حيث ساقه دون إسناد. ولم يشرْ ابن إسحاق إلى مشورة سلمان الفارسي - رضي الله عنه - وإنما قال: "فلما سمع بهم (أي الأحزاب) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما أجمعو له من الأمر ضرب الخندق على المدينة، فعمل فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترغيبًا للمسلمين في الأجر ... (¬3) ". وإنما ذكره ابن هشام بدون إسناد حيث قال: "يقال إنّ سلمان الفارسي أشار به على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4) ". ¬

_ (¬1) فتح الباري (7/ 393). (¬2) سير أعلام النبلاء (7/ 437)، التهذيب (10/ 420). (¬3) الروض الأنف (6/ 262). (¬4) الروض الأنف (6/ 272).

آية (معجزة) لم تصح

آية (معجزة) لم تصح: قال ابن إسحاق: "وحدثني سعيد بن مَيْنا أنه حُدّث: أن ابنة لبشير بن سعد، أخت النعمان بن بشير قالت: دعتني أمي عَمْرة بنت رواحة فأعطتني حفنة من تمر في ثوبي، ثم قالت: أي بُنيّة، اذهبي إلى أبيك وخالك عبد الله بن رواحة بغدائهما ... فمررتُ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. فقال: "تعالى يا بنيّة ما هذا معك؟ " قالت: فقلت: يا رسول الله، هذا تمر ... قال: "هاتيه" قالت: فصببته في كفّي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فما ملأتهما، ثم أمر بثوب فبُسط له، ثم دحا التمر عليه فتبدّد فوق الثوب. ثم قال لإنسان عنده: "اصرخ في أهل الخندق أن هلمّ إلى الغداء" فاجتمع أهل الخندق عليه، فجعلوا يأكلون منه، وجعل يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه، وإنه ليسقط من أطراف الثوب (¬1) ". قال ابن كثير لما ذكره في (البداية): "هكذا رواه ابن إسحاق وفيه انقطاع، وهكذا رواه الحافظ البيهقي من طريقه ولم يزد (¬2) " وقد روى الإِمام البخاري أعظم من هذه القصة في الغزوة نفسها، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: "إنّا يوم الخندق نحفر فعرضت كُدْية شديدة، فجاءوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: هذه كُدْية عرضت في الخندق فقال: أنا نازل، ثم قام وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقًا، فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - المِعول فضرب في الكُدية، قعاد كثيبًا أهْيل أو أهْيم. فقلت: يا رسول الله ائذن لي إلى البيت. فقلت لامرأتي: رأيتُ بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئًا ما كان في ذلك صبر، فعندك شيء؟ فقالت: عندي شعير وعناق، فذبحتُ العناق، وطحنتِ الشعير، حتى جعلنا اللحمهْ بالبُرمة، ثم جئت النبي - صلى الله عليه وسلم -، والعجين قد انكسر، والبُرمة بين الأثافيّ قد كادت أن تنضج. فقلت طُعيّم لي، فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان. قال: كم هو؟ فذكرتُ له، فقال ¬

_ (¬1) الروض الأنف (6/ 265). (¬2) البداية والنهاية (4/ 99).

كثير طيب. قال: قل لها لا تنزع البرمة، ولا الخبز من التّنور حتى آتى، فقال: قوموا فقام المهاجرون والأنصار، فلما دخل على امرأته قال: ويحكِ، جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمهاجرين والأنصار ومن معهم. قالت: هل سألك؟ قلت: نعم، فقال: ادخلوا ولا تضاغطوا، فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللحم، ويخمّر البرمة والتّنور إذا أخذ منه، ويقرّب إلى أصحابه ثم ينزع، فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية، قال: كُلي هذا وأهدي؛ فإن الناس أصابتهم مجاعة (¬3) ". وفي هذا الحديث العظيم من الآيات والفوائد ما يغني عن ضعيف الحديث. والأحاديث الصحيحة في تكثير الطعام والشراب بين يديه - صلى الله عليه وسلم - كثيرة، ساق البخاري في صحيحة بعضها في: علامات النبوة في الإِسلام (¬4). ¬

_ (¬3) البخاري (فتح 7/ 395). (¬4) فتح الباري (6/ 580).

سلمان منا أهل البيت

سلمان منَّا أهل البيت روى ابن سعد والحاكم وغيرهما، من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطّ الخندق ... بين كل عشرة أربعين ذراعًا، قال: احتقّ المهاجرون والأنصار في سلمان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سلمان منا أهل البيت (¬1) ". قال الذهبي في (التلخيص): "سنده ضعيف (¬2) ". وعزاه الهيثمي في (المجمع) للطبراني وقال: "فيه كثير بن عبد الله المزني، وقد ضعفه الجمهور، وحسن الترمذي حديثه، وبقية رجاله ثقات (¬3) ". وأورده الذهبي في (سير النبلاء) في ترجمة سلمان وقال: "كثير متروك (¬4) " وقال الألباني: "ضعيف جدًا وقد صحَ موقوفًا على علي - رضي الله عنه - (¬5) ". قال الذهبي في (السير): "يعلي بن عبيد: حدثنا الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري قال: قيل لعلي أخبرنا عن أصحاب محمَّد - صلى الله عليه وسلم - قال: عن أيهم تسألون؟ قالوا: سلمان؟ قال: أدرك العِلم الأول، والعِلم الآخر، بحر لا يُدْرَك قَعْره، وهو منا أهل البيت. . (¬6) ". قال الشيخ شعيب الأرناؤوط في حاشية (السير): "رجاله ثقات"، وأخرجه الفسوي في (المعرفة والتاريخ) (2/ 540) مطولًا ... ورجاله ثقات، والطبراني (6041) وأبو نعيم في (الحلية) (1/ 187) وانظر المطالب العالية (¬7) ". ا. هـ. وقد صححه الشيخ الألباني موقوفًا على علي - رضي الله عنه - كما سبق -. ¬

_ (¬1) طبقات ابن سعد (4/ 83) و (7/ 319). (¬2) المستدرك (3/ 691). (¬3) مجمع الزوائد (6/ 130). (¬4) سير أعلام النبلاء (1/ 540). (¬5) ضعيف الجامع رقم (3272) ثم طبع المجلد الثامن من (الضعيفة) وهو فيه برقم: (3704). (¬6) سير أعلام النبلاء (1/ 541). (¬7) سير أعلام النبلاء (1/ 414).

اتهام حسان بالجبن

اتهام حسّان بالجُبْن قال ابن إسحاق: "وحدثني يحي بن عبّاد بن عبد الله بن الزبيرعن أبيه عباد قال: كانت صفية بنت عبد المطلب في فارع، حصن حسان بن ثابت، قالت: وكان حسان بن ثابت معنا فيه، مع النساء والصبيان، قالت صفية: فمرّ بنا رجل من يهود، فجعل يُطيف بالحصن، وقد حاربت بنو قريظة، وقطعت ما بينها وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون في نحور عدوهم، لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إلينا إن أتانا آتٍ. قالت: فقلت: يا حسان، إن هذا اليهودي، كما ترى يُطيف بالحصن، وأني والله ما آمنة أن يدل على عورتنا من وراءنا من يهود، وقد شغل عنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فأنزل إليه فاقتله، قال. يغفر الله لكِ يا ابنة عبد المطلب، والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا قالت: فلما قال لي ذلك، ولم أَرَ عنده شيئًا، احتجزتُ ثم أخذت عمودًا، ثم نزلته من الحصن إليه، فضربته بالعمود حتى قتلته. قالت: فلما فرغت منه رجعت إلى الحصن، فقلت: يا حسان، انزل إليه فاسلبه، فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل، قال: مالي بسلبه من حاجة يا ابنة عبد المطلب (¬1) ". ويحي بن عبّاد وأبوه ثقتان، لكن الأب تابعي، فالخبر مرسل. ورواه ابن سعد مختصرًا والحاكم من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن صفية بنت عبد المطلب، قال عروة: "وسمعتها تقول ... " ثم قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه" وتعقبه الذهبي بقوله: "عروة لم يدرك صفية (¬2) ". ورواه من طريق آخر عن إسحاق بن إبراهيم الفروي قال: حدثتنا أم فروة بنت جعفر بن الزبير، عن أبيها، عن جدّها الزبير، عن أمّه صفية بنت عبد المطلب .. فذكر نحوه، ثم قال: "هذا حديث كبير ¬

_ (¬1) الروض الأنف (6/ 276) (¬2) طبقات ابن سعد (8/ 41)، المستدرك (4/ 56).

غريب الإسناد، وقد رُوي بإسناد صحيح" وقال الذهبي في (التلخيص): "غريّب، وقد رُوي بإسناد صحيح (¬3) ". وأم فروة لم أقف لها عن ترجمة، وفي: (سير أعلام النبلاء): أم عروة بنت جعفر. قال الشيخ شعيب الأرناؤوط: "لا تُعرف، وأبوها جعفر ذكره ابن أبي حاتم: 2/ 478، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا (¬4) ". وذكر الهيثمي القصة في (المجمع) وقال عن حديث الزبير: "رواه البزار وأبو يعلى باختصار ... وإسنادهما ضعيف". وقال عن حديث عروة: "رواه الطبراني ورجاله إلى عروة رجال الصحيح ولكنه مرسل (¬5) ". وعزاه الحافظ ابن حجر في (الفتح) إلى أحمد عن عبد الله بن الزبير، وقال عن إسناده: "قوي (¬6) ". ولم أجده في (المسند) في مظنّته من ترتيب الشيخ الساعاتي (الفتح الرباني) في "باب ما جاء في غزوة الخندق أو الأحزاب (¬7) ". ولا في "باب فرض خمس الغنيمة (¬8) ". قال ابن عبد البر في (الاستيعاب) في ترجمة حسان - رضي الله عنه -: "وقال أكثر أهل الأخبار والسير إن حسان كان من أجبن الناس، وذكروا من جُبنه أشياء مستبشعة رووها عن ابن الزبير أنه حكاها عنه كَرهتُ ذكرها لنكارتها، ومَنْ ذكرها قال: إن حسان لم يشهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا من مشاهده لجبنه (*). وأنكر بعض أهل العلم بالخبر ذلك وقالوا: لو كان حقًا لهجي به، ¬

_ (¬3) المستدرك (4/ 56). (¬4) سير أعلام النبلاء (2/ 522). (¬5) مجمع الزوائد (6/ 134). (¬6) فتح الباري (6/ 134). (¬7) الفتح الرباني (21/ 76). (¬8) الفتح الرباني (14/ 74) (*) في الأصل: لحيته وهو تصحيف.

فإنه قد هجا قومًا فلم يهجه أحد منهم بالجبن، ولو كان كذلك لهجي به (¬9) ". قال السهيلي في (الروض الأنف): "ومحمل هذا الحديث عند الناس على أن حسانًا كان جبانًا شديد الجبن، وقد دفع هذا بعض العلماء وأنكره، وذلك أنه حديث منقطع الإسناد، وقال: لو صح هذا لهجي به حسان، فإنه كان يُهاجي الشعراء، كضرار، وابن الزِّبْعرى، وغيرهما، وكانوا يناقضونه ويرودُّن عليه، فما عيّره أحد منهم بجبن، ولا وَسَمَه به، فدل هذا على ضعف حديث ابن إسحاق، وإنْ صحّ فلعل حسان أن يكون معتلًا في ذلك اليوم بعلة منعته من شهود القتال، وهذا أولى ما تُأول عليه، وممن أنكر أن يكون هذا صحيحًا أبو عمر [بن عبد البر] في كتاب (الدرر) له (¬10) ". ومن هنا يتبين براءة هذا الصحابي الجليل - رضي الله عنه - من هذه التهمة، فهي لا تصح سندًا ولا متنًا، وأدلة ذلك ما يلي: 1 - من ناحية السند فهي لم تروَ بسند صحيح متصل، كما سبق بيانه. 2 - من ناحية المتن: فإن الجبن مما تعيّر به العرب بعضها بعضًا في الجاهلية والإِسلام، ولو عُرف ذلك من حسان - رضي الله عنه - لهجاه شعراء المشركين، كما سبق ذلك في كلام الإمامين: ابن عبد البر، والسهيلي. 3 - لم يُذكر تخلف حسان - رضي الله عنه - عن شيء من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي كان فيه القتال مباشرًا، كبدر، وأحد، وحنين، وغيرها. 4 - لم يكن في غزوة الخندق قتال مباشر بين الطرفين؛ للخطة المحكمة بحفر الخندق وحجز الأحزاب، فلم يكن بينهما إلا المراماة، ومنها أصيب ¬

_ (¬9) الاستيعاب في أسماء الأصحاب بهامش الإصابة (1/ 340) (¬10) الروض الأنف (6/ 324).

سعد بن معاذ - رضي الله عنه - فلم يكن هناك حاجة للتخلف في مثل هذا الموطن، وشهود المواطن التي فيها بارقة السيوف. 5 - ومما ينبغي أن يُعلم أن حسان بن ثابت - رضي الله عنه - كان له من العمر في غزوة الخندق ما بين إحدى وسبعين إلى خمسٍ وثمانين سنة (¬11)، وهي سنّ يُعذر صاحبها عن التخلف عن مثل هذه المحافل. ¬

_ (¬11) وهذا مبني على الخلاف في سنة وفاته، وعمره عند الوفاة - رضي الله عنه - قال الحافظ في الإصابة: "مات حسان قبل الأربعين في قول خليفة، وقيل سنة أربعين، وقيل خمسين، وقيل: أربع وخمسين وهو قول ابن هشام -رحمه الله-، والجمهور على أنه عاش مائة وعشرين سنة، وقيل مائة وأربع سنين". (1/ 325)

تخذيل نعيم بن مسعود للأحزاب

تخذيل نعيم بن مسعود للأحزاب ومن أشهر حوادث هذه الغزوة (الأحزاب) ما ذكره ابن إسحاق من تخذيل نُعيم بن مسعود الغطفاني للأحزاب وذلك أنه أسلم ولم يعلم قومه بذلك، وقوله للرسول - صلى الله عليه وسلم - فمرني بما شئت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما أنت فينا رجل واحد، فخذّلْ عنا إن استطعت، فإن الحرب خدعة"، وأنه أتى بني قُريظة وخوّفهم من انسحاب قريش وغطفان وباقي الأحزاب، وأشار عليهم أن يأخذوا رهنًا من أشراف قريش يكونوا بأيديهم، فقالوا له لقد أشرت بالرأي، ثم ذهابه لقريش وأخبرهم أن يهود بني قريظة قد ندموا على نقض العهد، وأنهم قد عرضوا على محمَّد - صلى الله عليه وسلم - إن كان يُرضيه أن يأخذوا له رجالًا من أشراف قريش وغطفان حتى يضرب رقابهم. وحذرهم من أن يسلِّموا رجلًا منهم رهينة عند يهود، ثم أتى غطفان وحذّرهم كما حذر قريشًا. وكيف أن ذلك كان سببًا لاختلاف الأحزاب وتفرقهم (¬1). قال الشيخ الألباني في تخريجه لأحاديث (فقه السيرة): "ذكر هذه القصة ابن إسحاق بدون إسناد وعنه ابن هشام (2/ 193 - 194) لكن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الحرب خدعة "صحيح متواتر عنه - صلى الله عليه وسلم - رواه الشيخان من حديث جابر وأبي هريرة وغيرهما (¬2) ". وقال الدكتور العمري: "هذه الروايات لا تثبت من الناحية الحديثة ولكنها اشتهرت في كتب السيرة (¬3) ".ا. هـ. أما الذي صرف الأحزاب فقد أوضحه الحق تبارك وتعالى بقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} (¬4) فالذي صرفهم ¬

_ (¬1) انظر الروض الأنف (6/ 277 - 280). (¬2) فقه السيرة. ص 307. (¬3) السيرة النبوية الصحيحة (2/ 430). (¬4) سورة الأحزاب الآية (9).

كما في هذه الآية أمران: الريح والجنود التي لم تُرَ. أما الريح فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: نُصرت بالصَّبا، وأُهلكت عاد بالدبور (¬5) "، قال الحافظ في (الفتح): "وروى أحمد من حديث أبي سعيد قال: قلنا يوم الخندق: يا رسول الله، هل من شيء نقوله، قد بلغت القلوب الحناجر، قال: نعم، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا. قال: فضرب الله وجوه أعدائنا بالريح، فهزمهم الله عَزَّ وَجَلَ بالريح". ثم قال: "وعُرف بهذا وجه إيراد المصنف هذا الحديث هنا، وأن الله نصر نبيه في غزوة الخندق بالريح (¬6) " ا. هـ والحديث الذي أورده الحافظ فيه ضعف لأن في سنده رُبَيْح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد وهو ضعيف. وقد صحَّح الشيخ الألباني الدعاء دون القصة. (¬7) وأما الجنود التي لم تُرَ، فهي الملائكة كما ذكر المفسرون، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم في نصر المؤمنين في ثلاثة مواضع، موضعان منها في سورة التوبة، أحدهما عن غزوة حنين: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} والآخر عند الهجرة: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ... } والثالث في سورة الأحزاب، وقد سبق. وقد فُسِّرت الجنود بالملائكة في هذه المواضع الثلاثة، وقد مضى في قصة نسيج العنكبوت على فم الغار الحديث عن الآية الثانية: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ ... } ¬

_ (¬5) البخاري، باب غزوة الخندق، الفتح 7/ 399. مسلم كتاب صلاة الاستسقاء، باب في ريح الصبا والدبور (6/ 197 نووي). (¬6) فتح الباري (7/ 402). (¬7) السلسلة الصحيحة. حديث رقم (2018).

تنبيه

تنبيه: قال الحافظ في (الفتح): "قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن رومان عن عروة عن عائشة - رضي الله عنها -: أن نعيمًا كان رجلًا نمومًا، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: إن اليهود بعثت إليّ إن كان يرضيك أن نأخذ من قريش وغطفان رهنًا ندفعهم إليك فتقتلهم فعلنا. فرجع نعيم مسرعًا إلى قومه فأخبرهم، فقالوا: والله ما كذب محمَّد عليهم، وإنهم لأهل غدر، وكذلك قال لقريش، فكان ذلك سبب خذلانهم ورحيلهم (¬8) ". لكني لم أقف على هذه الرواية لا سندًا ولا متنًا في سيرة ابن إسحاق المطبوعة مع شرحها للسهلي (الروض الأنف)، ولا في سيرة ابن إسحاق بتحقيق محمَّد حميد الله. وقد رواها البيهقي في (الدلائل) من طريق أحمد بن عبد الجبار، قال: حدثنا يونس بن بُكيرعن يزيد بن رومان عن عروة عن عائشة قالت: "كان نعيم رجلًا نمومًا، فدعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن يهود قد بعثتْ إليّ إن كان يرضيك عنّا أن تأخذ رجالًا رهنًا من قريش وغطفان، من أشرافهم، فندفعهم إليك فتقتلهم، فخرج من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتاهم فأخبرهم ذلك، فلما ولى نعيم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنما الحرب خدعة (¬9) ". وأحمد بن عبد الجبار العُطَاردي قال عنه الحافظ: "ضعيف وسماعه للسيرة صحيح (¬10) " والقصة ذكرها ابن كثير في (البداية والنهاية) (¬11) عن البيهقي باختلاف يسير. وهذه الرواية تجعل تفريق شمل الأحزاب بالتخذيل بينهم من تدبير الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد تدبير الله - وأن نعيمًا ما هو إلا ناقل للخبر. ¬

_ (¬8) فتح الباري (7/ 402). (¬9) دلائل النبوة (3/ 447). (¬10) 1/ 19. (¬11) 4/ 113.

فائدة

فائدة: قال محمَّد الغزالي -رحمه الله- "ومسلك بني إسرائيل بإزاء المعاهدات التي أمضوها قديما وحديثًا يجعلنا نجزم بأن القوم لا يدعون خستهم أبدا، وأنهم يرعون المواثيق ما بقيت هذه المواثيق متمشية مّع أطماعهم ومكاسبهم وشهواتهم، فإذا وقفت تطلعهم الحرام نبذوها نبذ النواة. ولو تركت الحمير نهيقها، والافاعي لدغها، ترك اليهود نقضهم للعهود. وقد نبه القرآن الكريم إلى هذه الخصلة الشنعاء في بني إسرائيل، وأشار إلى أنها أحالته حيوانًا لا أناسي، فقال: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ} (الانفال: 55 - 56) (فقه السيرة، ص:303).

قصة الزبير بن باطا يوم قريظة

قصة الزبَّير (*) بن باطا يوم قريظة قال ابن إسحاق في آخر حديثه عن بني قريظة: "وقد كان ثابت بن قيس بن الشمّاس، كما ذكر لي ابن شهاب الزهري أتى الزَّبير بن باطا القُرظي، وكان يُكني أبا عبد الرحمن، وكان الزبير قد منَّ على ثابت بن قيس بن شماس في الجاهلية، ذكر لي بعض ولد الزَّبير أنه كان منَّ عليه يوم بُعاث، أخذه فجزَّ ناصيته، ثم خلَّى سبيله، فجاءه ثابت وهو شيخ كبير فقال: يا أبا عبد الرحمن، هل تعرفني؟ قال: وهل يجهل مثلي مثلك، قال. إني قد أردت أن أجزيّك بيدك عندي ... " ثم ذكر أن ثابتًا استوهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دمه، فأجابه ثم طلب الزبير بن ثابت أن يستوهب أهله وولده، ثم ماله، وإجابة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ذلك. ثم سؤال الزبير عن بعض زعماء يهود، وإخباره أنهم قُتلوا، فقال: "فإني أسألك يا ثابت بيدي عندك، إلاَ ألحقتني بالقوم، فوالله ما في العيش بعد هؤلاء من خير ... فقدَّمه ثابت فضرب عنقه (¬1) ". وعن ابن إِسحاق أخرجه البيهقي في (الدلائل) (¬2)، ومرسل الزهري لا يفرح به. وأخرجه في (السنن الكبرى (¬3)) من مرسل عروة، وفي سنده ابن لهيعة. وعزاه الهيثمي إِلى الطبراني في (الأوسط) وقال: "فيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف (¬4) ". وما ذكره بعض المعاصرين (¬5) من الاستدلال لهذه القصة بأنّ ابن عبد البر ذكر أنّ لعبد الرحمن بن الزَّبير بن باطا صُحبة، ولذا ترجم له في (الاستيعاب) ¬

_ (*) بفتح الزاي وكسر الباء (¬1) الروض الأنف (6/ 292 - 293). (¬2) دلائل النبوة (4/ 23). (¬3) (9/ 66). (¬4) مجمع الزوائد (6/ 141 - 142). (¬5) السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية ص 461.

لا وجه له، فصُحبة عبد الرحمن بن الزَّبيرلا شكَّ فيها، وقصته مع امرأة رفاعة القُرظي التي تزوجها عبد الرحمن بعد طلاقها منه مشهورة، أخرجها البخاري ومسلم (¬6). ومن الثابت أن من لم يُنبت من بني قريظة لم يُقْتل (¬7)، فدخل نفر منهم في الإِسلام، منهم: كعب القُرظي، وكثير بن السائب، وعطية القرظي وعبد الرحمن بن الزَّبير، وغيرهم. وسؤال الزَّبير أن يُلحقه ثابت بمن قُتل من زعماء يهود، يخالف ما عرف عنهم من حُبِّ الدنيا، وكراهية الموت، واسمع قول الله تعالى عنهم {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [البقرة: 96]. وما أجمل ما قاله صاحب (الظلال) -رحمه الله- عند كلامه على هذه الآية " ... آيةُ حياة، لا يهم أن تكون حياة كريمة، ولا حياة مميزة على الإطلاق حياة فقط حياة بهذا التنكير والتحقير! حياة ديدان أو حشرات! حياة والسلام، إنها يهود في ماضيها وحاضرها ومستقبلها سواء، وما ترفع رأسها إلا حين تغيب المطرقة، فإذا وجدت المطرقة نكست الرؤوس، وعنت الجباء جبنًا وحرصا على الحياة .. أي حياة! (¬8) ". ¬

_ (¬6) البخاري، كتاب الطلاق (9/ 464 فتح). وكتاب اللباس (10/ 264). مسلم كتاب النكاح (10/ 2 نووي) (¬7) سنن النسائي (6/ 155) وأبو داود (كتاب الحدود، 12/ 79) والترمذي (5/ 208) تحفة وابن ماجة، كتاب الحدود، حديث رقم2541. وحسنه ابن حجر (الإصابة 3/ 270) وصححه الألباني (صحيح ابن ماجة 2/ 78) والوادعي (الصحيح المسند 2/ 80). (¬8) في ظلال القرآن (1/ 86) ط شركة دار العلم.

سبب بيعة الرضوان

سبب بيعة الرضوان في شهر ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بضع عشرة مئة من أصحابه إلى مكة لأداء العمرة، معهم الهدْي، فلما علمت قريش بذلك عزمت على منعهم من الدخول، ونزل المسلمون بالحديبية، وبدأت المفاوضات بين الطرفين، وأرسلت قريش أكثر من رسول لثني الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن عزمه، وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى قريش عثمان بن عفان ليبين لهم أن المسلمين ما جاؤا لقتال، وإنما جاؤا لأداء العمرة فحسب. وأثناء وجود المسلمين بالحديبية دعا الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصحابه للبيعة، فبايعوه تحت شجرة كانت هناك، وأنزل الله فيهم {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} وشهد لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنة بقوله: "لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة (*) أحد، الذين بايعوا تحتها (¬1) " والحديث بطوله في المفاوضات مع رُسُل قريش في كتب الصحاح والسنن، وكذا في بيعتهم - رضي الله عنهم - للرسول - صلى الله عليه وسلم -، لكن سبب البيعة ¬

_ (*) روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "رجعنا من العام المقبل، فما اجتمع منّا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها، كانت رحمة من الله". (6/ 117 فتح). وعن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: "لقد رأيت الشجرة ثم أنسيتها بعد فلم أعرفها". وفي رواية: "أنه كان ممن بايع تحت الشجرة، فرجعنا إليها العام المقبل فعميت علينا". (7/ 447 فتح) قال الحافظ في الشرح: " ... ثم وجدتُ عند ابن سعد بإسناد صحيح عن نافع أن عمر بلغه أن قومًا يأتون الشجرة فيصلّون عندها فتوعدهم، ثم أمر بها فقُطعت". (الفتح 7/ 448). قال محمَّد الغزالي: "وقد قطعت الشجرة، ونسي مكانها، وذلك خير، فلو بقيت لضرِبت عليها قبة، وشدت إليها الرحال، فإن الرعاع سراع التعلّق بالمواد والآثار التي تقطعهم عن الله". (فقه السيرة، ص 330). (¬1) صحيح مسلم، كتاب الفضائل، فضائل أصحاب الشجرة والأشعرين (16/ 58) نووي.

لم يُذكر في الأحاديث الصحيحة وقد اشتهر في كتب السيرة أن سبب البيعة هو إشاعة مقتل عثمان بن عفان - رضي الله عنه - لمّا تأخرت عودته من مكة. قال ابن إسحاق: "وقد حدثني بعض من لا أتهم عن عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس قال ... فخرج عثمان إلى مكة ... واحتبسته قريش عندها، فبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين أن عثمان بن عفان قد قُتل". قال ابن إسحاق: "فحدثني عبد الله بن أبي بكر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال حين بلغه أن عثمان قد قتل: "لا نبرحْ حتى نناجز القوم، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس إلى البيعة (¬2) ". وأول الخبر فيه جهالة شيخ ابن إسحاق، فلم يُسَّم وآخره مرسل، وكما سبق قول الإِمام البيهقي -رحمه الله-: "محمَّد بن إسحاق إذا لم يذكر اسم من حدَّث عنه لم يُفرح به (¬3) ". قال الألباني في تخريجه لفقه السيرة: "ضعيف، أخرجه ابن إسحاق وعنه ابن هشام (2/ 229) عن عبد الله بن أبي بكر مرسلًا (¬4) ". وأخرجه أيضًا الإمام أحمد في (المسند) قال -رحمه الله-: "حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا محمَّد بن إسحاق بن يسار عن الزهري محمَّد بن مسلم بن شهاب عن عروة بن الزبيرعن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا: " ... فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش فبلّغهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أرسله به، ... فاحتبسته قريش عندها، فبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين أن عثمان قد قُتل، قال محمَّد [ابن إسحاق] فحدثني الزهري أن قريشًا بعثوا سهيل بن عمرو أحد بني عامر بن لؤي فقالوا: أئت محمدًا فصالحه، ولا يكون في صلحه إلا أن يرجع عنّا عامه هذا ... (¬5) " وابن إسحاق مدلس وقد عَنْعَن، ثم ¬

_ (¬2) الروض الأنف (6/ 459 - 460). (¬3) السنن الكبرى (4/ 13). (¬4) ص 329. (¬5) الفتح الرباني (21/ 102).

صرّح بالتحديث لما أرسلت قريش سهيل بن عمرو، مما يدل على أنه لم يسمع أوله من الزهري. وربما يُقال بتقوي أحد الطريقين بالآخر. وقد ورد سبب أخر للبيعة ذكره البيهقي في (الدلائل) بسنده عن عمرو بن خالد قال: حدثني ابن لهيعة، قال: حدثنا أبو الأسود، قال عروة بن الزبير في نزول النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحديبية: " ... ثم بعثت قريش سهيل بن عمرو وحويطب عبد العزى ومكرز بن حفص، ليصلحوا عليهم، فكلموا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعوه إلى الصلح والموادعة، فلما لان بعضهم لبعض وهم على ذلك لم يستقم لهم ما يدعون إليه من الصلح والموادعة، وقد أمن بعضهم بعضًا، وتزاوروا، فبينما هم كذلك وطوائف من المسلمين في المشركين لا يخاف بعضهم بعضًا ينتظرون الصلح والهدنة، إذا رمى رجل من أحد الفريقين رجلًا من الفريق الآخر، فكانت معاركة وتراموا بالنبل والحجارة، وصاح الفريقان كلاهما، وارتهن كل واحد من الفريقين من فيهم، فارتهن المسلمون سهيل بن عمرو، ومن أتاهم من المشركين، وارتهن المشركون عثمان بن عفان ومن كان أتاهم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى البيعة ... ". وهذا السند فيه علتان: ابن لهيعة، وهو ضعيف، والإرسال، فعروة بن الزبير تابعي لم يدرك القصة، ولم يسندها من هذا الوجه، وإلا فقد روى البخاري في صحيحة من طريق عروة عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قصة الغزوة، والمكاتبة بين الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسهيل بن عمرو (¬6) كما أن رواية البيهقي ليس فيه إشاعة قتل عثمان، وإنما أن الفريقين ارتهن كل منهما من عنده من الطرف الآخر، لما حصلت المراماة بينهما. ¬

_ (¬6) البخاري. كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد، والمصالحة مع أهل الحرب، وكتابة الشروط (5/ 329 فتح). وفي المغازي باب غزوة الحديبية (7/ 453 فتح).

فالخلاصة أنه لم يثبت -والله أعلم- أن سبب البيعة كان إشاعة مقتل عثمان - رضي الله عنه -. أما على أي شيء كانت البيعة، ففي حديث سلمة بن الأكوع لما سئل على أي شيء كنتم تبايعون يومئذ؟ قال: على الموت (¬7). وروى مسلم عن جابر قال. بايعناه على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت (¬8). وكذا قال معقل بن يسار .. ولم نبايعه على الموت ولكن بايعناه على أن لا نفر. رواه مسلم (¬9). وفي رواية للبخاري لما سئل نافع: على أي شيء بايعهم، على الموت؟، قال: لا، بل بايعهم على الصبر (¬10). قال الحافظ في (الفتح): "لا تنافي بين قولهم بايعوه على الموت وعلى عدم الفرار؛ لأن المراد بالمبايعة على الموت أن لا يفروا ولو ماتوا وليس المراد أن يقع الموت ولا بدّ، وهو الذي أنكره نافع وعدل إلى قوله: "بل بايعهم على الصبر" أي على الثبات وعدم الفرار، سواء أفضى بهم ذلك إلى الموت أم لا. والله أعلم (¬11) ". وقال -رحمه الله- في موضع آخر "وحاصل الجمع أن من أطلق أن البيعة كانت على الموت أراد لازمها؛ لأنه إذا بايع على أن لا يفرّ لزم من ذلك أن يثبت، والذي يثبت إما أن يَغلب أو يُؤسر، والذي يُؤسر إما أن ينجو وإما أن يموت، ولما كان الموت لا يؤمن في مثل ذلك أطلقه الراوي، وحاصله أن أحدهما حكى صورة البيعة، والآخر حكى ما تؤول إليه (¬12) ¬

_ (¬7) البخاري (7/ 449 فتح) مسلم (13/ 6 نووي). (¬8) مسلم (13/ 2 نووي). (¬9) مسلم (13/ 5 نووي). (¬10) البخاري (6/ 117 فتح) (¬11) فتح الباري (6/ 118). (¬12) فتح الباري (7/ 448).

غزوة خيبر

غزوة خيبر تترّس عليّ بباب الحصن في خيبر: قال ابن إسحاق -رحمه الله-: "حدثني عبد الله بن الحسن، عن بعض أهله، عن أبي رافع، مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: خرجنا مع علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، حين بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برايته، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم، فضربه رجل من يهود، فطاح تُرسه من يده، فتناول - رضي الله عنه - بابًا كان عند الحصن فترّس به عن نفسه، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه، ثم ألقاه من يده حين فرغ، فلقد رأيتني في نفرٍ سبعة معي، أنا ثامنهم، نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه (¬1) ". قال الحافظ الذهبي: "رواه البكّائي عن ابن إسحاق عن أبي رافع منقطعًا (¬2) " وأورده تلميذه الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في "البداية والنهاية" وقال: "وفي هذا الخبر جهالة وانقطاع ظاهر. ولكن روى الحافظ البيهقي والحاكم من طريق مطلب بن زياد عن ليث بن أبي سُليم عن أبي جعفر الباقر عن جابر أن عليًا حمل الباب يوم خيبر حتى صعد المسلمون عليه فافتتحوها، وأنه جُرّب بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلًا، وفيه ضعف أيضًا (¬3). وفي رواية ضعيفة عن جابر: ثم اجتمع عليه سبعون رجلًا وكان جهدهم ان أعادوا الباب (¬4) " وعزا الحافظ في الإصابة هذه الروية لعبد الله بن أحمد بن حنبل، وقال: "وفي سنده ¬

_ (¬1) الروض الأنف (6/ 508). (¬2) المغازي ص 412. (¬3) لأن في سنده ليث بن أبي سُليم، قال الحافظ في (التقريب): "صدوق، اختلط أخيرًا، ولم يتميز حديثه، فتُرك". (¬4) البداية والنهاية (4/ 189 - 190).

فائدة

حرام بن عثمان، متروك (¬5) ". وقال الذهبي في الميزان عن رواية أبي جعفر عن جابر: "هذا منكر" (¬6). وتعقبه الحافظ ابن حجر بقوله: "له شاهد من حديث أبي رافع رواه أحمد في مسنده، ولكن لم يقل أربعون رجلًا (¬7) " والإمام أحمد رواه من طريق ابن إسحاق (¬8) " وذكره الهيثمي في (مجمع الزوائد) وقال: "رواه أحمد، وفيه راوٍ ولم يسمِّ (¬9) ". وقال الدكتور أكرم العمري: "ووردت عدة روايات تفيد تترّس علي - رضي الله عنه - بباب عظيم كان عند حصن ناعم، بعد أن أسقط يهودي ترسه من يده، وكلها روايات ضعيفة، واطّراحها لاينفي قوة علي وشجاعته، فيكفيه ما ثبت في ذلك وهو كثير (¬10) " فائدة: قال الإِمام مسلم -رحمه الله- في صحيحه: "وُلد حكيم بن حزام في جوف الكعبة، وعاش مئة وعشرين سنة" (حديث رقم 1532). وقال الإِمام النووي -رحمه الله-: ولد حكيم (بن حزام) - رضي الله عنه - في جوف الكعبة ولا يُعرف أحد ولد فيها غيره، وأما ما روي أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وُلد فيها فضعيف عند العلماء (تهذيب الأسماء واللغات 1/ 166). وأخرى: مناقب أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - كثيره في الصحيحين وغيرهما، منها: قوله - رضي الله عنه -: "والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إليّ: أن لا يحبّني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق" (أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب ¬

_ (¬5) الإصابة (2/ 502) قال الإِمام الشافعي: الرواية عن حرام حرام. (تهذيب التهذيب (2/ 223) (¬6) ميزان الاعتدال (5/ 39) ط دار الكتب العلمية، 1426 هـ. (¬7) لسان الميزان (4/ 196). (¬8) الفتح الرباني (21/ 120). (¬9) مجمع الزوائد (6/ 152). (¬10) السيرة النبوية الصحيحة (1/ 324).

الإيمان، باب الدليل على أن حُبّ الأنصار وعلي رضي الله عنه من الإيمان .. ، 2/ 63 نووي) (وانظر ما سبق: إعالتة - صلى الله عليه وسلم - لعلي -رحمه الله-)

ماشاع ولم بثبت في غزوة مؤتة

ماشاع ولم بثبت في غزوة مؤتة سبب الغزوة: "ينفرد الواقدي بذكر السبب المباشر لهذه الغزوة، وهو أن شرحبيل بن عمرو الغساني، قَتل صبرًا الحارث بن عمير الأزدي، الذي أرسله الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى ملك بُصرى بكتابه، وكانت الرسل لا تُقتل، فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأرسل الجيش إلى مؤتة. والواقدي ضعيف لايُعتمد عليه خاصة إذا انفرد بالخبر (¬1) " والقول بأن الواقدي ضعيف فيه تساهل، فقد نصَّ أكثر علماء الجرح والتعديل على أنه متروك، منهم: ابن المبارك، وأحمد، والبخاري، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وغيرهم (¬2). ولهذا قال الحافظ في (التقريب): "متروك مع سعة علمه (¬3) " وقال عنه في الفتح: "لا يُحتج به إذا انفرد فكيف إذا خالف (¬4) " يا فُرَّار: قال ابن إسحاق: "فحدثنى محمَّد بن الزبير، عن عروة بن الزبير، قال: لما دنوا من حول المدينة تلقاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون، قال. ولقيهم الصبيان يشتدون، ورسول الله مقبل مع القوم على دابة ... قال: وجعل الناس يَحْثُون على الجيش التراب ويقولون: يا فُرّار، فررتم في سبيل الله؟ قال: فيقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ليسو بالفرار، ولكنهم الكُرّار إن شاء الله تعالى (¬5) " قال الإِمام ابن كثير لما أورده في (البداية): "وهذا مرسل ¬

_ (¬1) السيرة النبوية الصحيحة - د. العمري (2/ 467). (¬2) تهذيب التهذيب (9/ 363 - 367) (¬3) تقريب التهذيب (2/ 194) (¬4) فتح الباري (7/ 472) وكذا في (8/ 157، 48) وانظر (9/ 113). (¬5) الروض الأنف (7/ 19)

ازورار سرير ابن رواحة عن صاحبيه

من هذا الوجه، وفيه غرابة، وعندي أن ابن إسحاق قد وهم في هذا السياق، فظن أن هذا الجمهور الجيش، وإنما كان للذين فروا حين التقى الجمعان، وأما بقيتهم فلم يفروا بل نصروا، كما أخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمسلمين وهو على المنبر في قوله: "ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله ففتح الله على يديه" فما كان المسلمون ليسمونهم فرارًا بعد ذلك، وإنما تلقوهم إكرامًا وإعظامًا (¬6) " ثم أورد خبر ابن إسحاق في موضع آخر وقال: "هذا مرسل (¬7) ". وقال الشيخ الألباني في تعقبه على البوطي: "فهذا منكر، بل باطل، ظاهر البطلان، إذ كيف يُعقل أن يقابَل الجيش المنتصر مع قلة عدده وعُدده، على جيش الروم المتفوق عليهم في العدد والعُدد أضعافًا مضاعفة، كيف يعقل أن يقابَل هؤلاء من الناس المؤمنين بحثوا التراب ... (¬8) ". ازْوِرار سرير ابن رواحة عن صاحبيه: قال ابن إسحاق: "ولما أصيب القوم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني: أخذ الراية زيد بن حارثة، فقاتل بها حتى قتل شهيدًا، ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى قُتل شهيدًا، قال: ثم صمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى تغيرتْ وجوه الأنصار، وظنوا أنه قد كان في عبد الله بن رواحة بعض ما يكرهون، ثم قال: ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها حتى قُتل شهيدًا، ثم قال لقد رُفعوا إليّ في الجنة، فيما يرى النائم، على سُرر من ذهب، فرأيت في سرير عبد الله بن رواحة ازورارًا عن سريري صاحبيه. فقلت: عمَّ هذا؟ فقيل لي: مضيا، وتردّد ¬

_ (¬6) البداية والنهاية (4/ 248) (¬7) البداية والنهاية (4/ 253) (¬8) دفاع عن الحديث النبوي والسيرة. ص 31.

فائدة

عبد الله بعض التردد، ثم مضى (¬9) ". قال ابن كثير -رحمه الله- لما أروده في (البداية): "هكذا ذكر ابن إسحاق هذا منقطعًا (¬10) ". وذكره الهيثمي -رحمه الله- في (المجمع) وقال: "رواه الطبراني ورجاله ثقات (¬11) " ولا يخفى أن هذه العبارة لا تعني صحة الحديث، بل ثقة رجاله فحسب. وقال الألباني -رحمه الله-: "رواه ابن إسحاق بلاغًا، فهو ضعيف الإسناد (¬12) ". وأشار إلى ضعف القصة أيضًا الشيخ سلمان العودة -حفظه الله- في شرحه لبلوغ المرام (¬13). وذكرها ابن القيم في (الزاد) وقال المحققان: "أخرجه ابن هشام عن ابن إسحاق بلاغًا (¬14) ". وإخباره - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بنتيجة المعركة، واستشهاد قادتها الثلاثة ثابت في الصحيح، فقد روى البخاري في صحيحه عن أنس - رضي الله عنه - " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نعى زيدًا وجعفرًا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال: أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب -وعيناه تذرفان- حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم (¬15) ". فائدة: قال ابن كثير -رحمه الله- في: "فصل من استشهد يوم مؤتة": " .. فالمجموع على القولين اثنا عشر رجلًا، وهذا عظيم جدًا أن يتقاتل جيشان متعاديان في ¬

_ (¬9) الروض الأنف (7/ 17، 16). (¬10) البداية والنهاية (4/ 245). (¬11) مجمع الزوائد (6/ 160). (¬12) حاشية فقه السيرة، ص 368. (¬13) الشريط الحادي عشر، ثم طبع، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الثانية، 1427 هـ، وهي في (1/ 304). (¬14) زاد المعاد (3/ 383). (¬15) البخاري (7/ 515 فتح).

إنسحاب خالد بالجيش

الدين، أحدهما وهو الفئة التي تقاتل في سبيل الله عُدّتها ثلاثة آلاف وأخرى كافرة وعُدتها مائتا ألف مقاتل، من الروم مائة ألف، ومن نصارى العرب مائة ألف، يتبازون ويتصاولون ثم مع هذا كله لا يُقتل من المسلمين إلا اثنا عشر رجلًا، وقد قُتل من المشركين خلق كثير، هذا خالد وحده يقول: "لقد أندقّت في يدي يومئذ تسعة أسياف، وما صبرت في يدي إلا صفيحة يمانية (¬16) ". فماذا ترى قد قتل بهذه الأسياف كلها؟ دع غيره من الأبطال والشجعان من حملة القرآن، وقد تحكموا في عبدة الصلبان عليهم لعائن الرحمن في ذلك الزمان وفي كل أوان. وهذا مما يدخل في قوله تعالى: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} [آل عمران: 13] (¬17). إنسحاب خالد بالجيش: قال الواقدي: حدثنا عطّاف بن خالد قال: لما قُتل ابن رواحة مساءً بات خالد بن الوليد، فلما أصبح غدًا وقد جعل مقدمته ساقته وساقته مقدمته، وميمنته ميسرته، وميسرته ميمنته، فأنكروا ما كانوا يعرفون من راياتهم وهيئتهم، وقالوا: قد جاءهم مَدَدٌ، فرعبوا وانكشفوا منهزمين، فقُتلوا مقتلة لم يُقتلها قوم" (¬18). ورغم شهرة هذا الخبر، فإني لم أرَ من ذكره غير الواقدي وعنه نقل الآخرون، وهو -رحمه الله- متروك، على سعة علمه. كما قال الحافظ في التقريب. وشيخه عطّاف -وهو صدوق يَهِمْ - بينه وبين تاريخ المعركة أكثر من مائة ¬

_ (¬16) أخرجه البخاري (7/ 515 فتح) (¬17) البداية والنهاية (4/ 259). (¬18) المغازي (2/ 764)، البداية والنهاية (4/ 247).

وخمسين سنة. وعبقرية أبي سليمان سيف الله - رضي الله عنه - ومهارته في القيادة مشهورة معلومة، وليست بحاجة إلى مثل هذه القصة التي لم تثبت.

ما شاع ولم يثبت في فتح مكة

ما شاع ولم يثبت في فتح مكة قدوم أبي سفيان لتجديد الصلح: قال ابن إسحاق-رحمه الله-: "ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، فدخل على ابنته أمّ حبيبة بنت أبي سفيان، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طوته عنه، فقال: يا بُنيّة، ما أدري أرغبتِ بي عن هذا الفراش، أم رغبت به عني؟ قالت: بل هو فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنت رجل مشرك نجس، ولم أحبّ أن تجلس على فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: والله لقد أصابك يا بنيّة بعدي شر. ثم خرج حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكلّمه، فلم يردَّ عليه شيئًا، ثم ذهب إلى أبي بكر .. (¬1) " ثم ذكر ذهابه إلى عمر ثم علي. قال الشيخ الألباني -رحمه الله-: "ضعيف، رواه ابن إسحاق بدون إسناد" (¬2). ورواه الواقدي (¬3) أيضًا، وهو متروك. وقدوم أبي سفيان إلى المدينة لتجديد العهد لم يثبت -حسب علمي- بسند صحيح متصل، وإنما جاء من مرسل عكرمة عند ابن أبي شيبة، ومن مرسل محمَّد بن عباد بن جعفر أخرجه مسدّد، وكذا عند ابن عائذ عن عروة (¬4). بل أخرج البخاري: "لما سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح، فبلغ ذلك قريشًا، خرج أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبُديل بن ورقاء يلتمسون الخبر ... فرآهم ناس من حرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأدركوهم فأخذوهم، فأتوا بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأسلم أبو سفيان .. " (¬5) ¬

_ (¬1) الروض الأُنف (7/ 56 - 57). (¬2) تخريج أحاديث فقه السيرة، ص 373. (¬3) المغازي (2/ 792). (¬4) انظر فتح الباري (8/ 6). (¬5) باب أين ركز النبي - صلى الله عليه وسلم - الراية يوم الفتح (8/ 5 فتح).

وأخرج مسلم: "ان أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها، قال: فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم. .. " قال النووي-رحمه الله-: "وهذا الإتيان لأبي سفيان كان وهو كافر في الهدنة بعد صلح الحدييبة .. (¬6) ". وجاء في شرح الأُبّي: "قلت: الظاهر أن هذا كان قبل إسلامه؛ ولذا قال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدها، ولم يقل أتقولون ذلك لرجل مسلم (¬7) ". ولا ريب أنه لم يكن قد أسلم، لكن متى كانت هذا القصة؟. الظاهر أنها بعد أخذ حرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له، كما في رواية البخاري السابقة وفيها: "فأدركوهم فأخذوهم .. فأسلم أبو سفيان .. ". ولم يكن إسلامه فور أخذه، بل بعد ذلك لما حُبس بمضيق الوادي وشهد جنود الله تمرّ أمامه، أشبه ما يكون اليوم بالعرض العسكري، وقال في آخر هذا العرض للعباس: "لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم لعظيم، فقال له العباس: ويحك يا أبا سفيان، إنها النبوة، قال: فنعم إذًا .. " وهو خبر طويل، أخرجه ابن إسحاق (¬8)، وأخرج الشيخان طرفًا منه، كما سبق، وساقه ابن حجر بطوله في (المطالب العالية) وعزاه إلى إسحاق بن راهوية، وقال: "هذا حديث صحيح (¬9) " وصححها الشيخ الألباني، وقال: "وهو أصح وأتم ما وقفت عليه مسندًا في قصة فتح مكة حرسها الله (¬10) " وحسّنها الشيخ سلمان العودة (¬11). ¬

_ (¬6) فضائل سلمان وصهيب وبلال (16/ 66 نووي). (¬7) شرح الأُبي على مسلم (8/ 432). (¬8) الروض الأُنف (7/ 60). (¬9) المطالب العالية (4/ 248). (¬10) السلسلة الصحيحة رقم 3341. (¬11) الغرباء الأولون (1/ 216).

اذهبوا فأنتم الطلقاء

اذهبوا فأنتم الطلقاء: قال ابن إسحاق -رحمه الله-: "فحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قام على باب الكعبة فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، أَلا كل مأْثرة أو دم أو مال يدّعى فهو تحت قدميّ هاتين إلا سدانة البيت وسقاية الحاج ... ثم قال: يا معشر قريش ما ترون أني فاعل فيكم؟ قالوا: خيرًا، أخ كريم، وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء (¬12) ". قال الحافظ العراقي -رحمه الله-: "رواه ابن أبي الدنيا في كتاب العفو وفي ذم الغضب، ومن طريقه رواه ابن الجوزي في الوفاء وفيه ضعف (¬13) ". وذكره ابن السبكي في الأحاديث التي لم يجد لها إسنادًا في إحياء علوم الدين (¬14). وضعفه الشيخ الألباني -رحمه الله- بقوله: " .. وهذا سند ضعيف مرسل. لأن شيخ ابن إسحاق لم يدرك أحدًا من الصحابة، بل هو يروي عن التابعين وأقرانه، فهو مرسل أو معضل (¬15) " وكذا ضعفه في تخريجه لأحاديث (فقه السيرة) (¬16) وقال رده على البوطي: "هذا الحديث على شهرته ليس له إسناد ثابت .. (¬17) ". ولا ريب أنه - صلى الله عليه وسلم - قد أمّن أهل مكة على أنفسهم بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن (¬18) " وهو أمر لم يعرف التاريخ، ولن يعرف له مثيلًا في العفو والصفح. أكثر من ¬

_ (¬12) الروض الأنف (7/ 34). (¬13) تخريج أحاديث إحياء علوم الدين (4/ 1825). (¬14) طبقات الشافعية (6/ 323). (¬15) سلسله الأحاديث الضعيفة (3/ 308) (¬16) ص 382. (¬17) دفاع عن الحديث النبوي، والسيرة ص 32. (¬18) رواه مسلم (12/ 133 نووي).

فائدة

عشرين عامًا قضاها مشركو مكة في حرب هذه الدعوة والصدّ عن سبيلها، ومعاداتها، وما تركوا من حيلة إلا جربوها، وطريق إلا سلكوه ليحولوا بين الناس وبين هذا الدين وكم تفننوا في تعذيب الأتباع، والنيل منهم، والتضييق عليهم، بل طاردوهم حتى خارج الجزيّرة. ثم شنوا ضدهم ثلاثة حروب. ومع هذا كله يدخل - صلى الله عليه وسلم - مكة -ومعه عشرة آلاف مقاتل- متواضعًا خاشعًا لله "وهذا التواضع في هذا الموطن عند دخولة - صلى الله عليه وسلم - مكة في مثل هذه الجيش الكثيف العرمرم، بخلاف ما اعتمده سفهاء بني إسرائيل حين أُمروا أن يدخلو باب بيت المقدس وهم سجود. أي ركّع. يقولون: حِطّة، فدخلوا يزحفون على أستاههم وهم يقولون: حنطة في شعرة (¬19) ". وصار بعض مُسلمة الفتح يُعرفون بالطلقاء، كما في البخاري: "لما كان يوم حنين .. ومع النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرة آلاف ومن الطلقاء .. " قال الحافظ معلقًا على رواية: "عشرة آلاف من الطلقاء" "فإنّ الطلقاء لم يبلغوا هذا القدر ولا عُشر عُشره (¬20) ". وأخرج مسلم عن أنس قول أم سُليم يوم حنين للرسول - صلى الله عليه وسلم -: "اُقتل من بعدنا من الطلقاء انهزموا بك .. (¬21) ". فائدة: الجمهور على أن مكة فتحت عَنوة. انظر: (زاد المعاد 3/ 119) و (فتح الباري 8/ 12). وأخرى: ذكر ابن حجر أنه لم يبق أحد من قريش بعد الفتح لم يُسلِم (التهذيب 5/ 62). ¬

_ (¬19) ابن كثير، البداية والنهاية (4/ 293). (¬20) 8/ 54، 55 فتح. (¬21) 12/ 188 نووي.

محاولة فضالة بن عمير قتله - صلى الله عليه وسلم -

محاولة فضالة بن عمير قتله - صلى الله عليه وسلم -: قال ابن هشام: "حدثني من أثق به أن فضالة بن عمير بن الملوح الليثي أراد قتل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو يطوف بالبيت عام الفتح، فلما دنا منه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماذا كنت تُحدِّث به نفسك؟ قال: لا شيء، كنت أذكر الله، قال: فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال: استغفر الله، ثم وضع يده على صدره، فسكن قلبه، فكان فضالة يقول: والله ما رفع يده عن صدري حتى ما مِنْ خَلْق الله شيء أحبَّ إليّ منه .. (¬22) ". قال الشيخ الألباني -رحمه الله-: "ضعيف، رواه ابن هشام .. بإسناد معضل (¬23) " وقال أيضًا في رده على البوطي: "لا يصح؛ لأن ابن هشام لم يذكر له إسنادًا متصلًا ليُنظر في رجاله (¬24) ". خذوها خالدة تالدة .. : ومما اشتهر في فتح مكة ما رواه ابن إسحاق قال: "حدثني محمَّد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور، عن صفية بنت شيبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما نزل مكة واطمأن الناس، خرج حتى جاء البيت، فطاف به سبعًا على راحلته يستلم الركن بمحجن في يده، فلما قضى طوافه، دعا عثمان بن طلحة، فأخذ منه مفتاح الكعبة ففُتحت له، فدخلها .. " ثم قال ابن إسحاق: "فحدثني بعض أهل العلم ... فقام إليه علي بن أبي طالب ومفتاح الكعبة في يده، فقال: يا رسول الله أجمع لنا الحجابة مع السقاية صلى الله عليك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أين عثمان بن طلحة؟ فدعي له، فقال: هاك مفتاحك ¬

_ (¬22) الروض الأنف (7/ 114). (¬23) تخريج أحاديث فقه السيرة (ص 383). (¬24) دفاع عن الحديث النبوي والسيرة. ص 33.

ياعثمان، اليوم يوم برّ ووفاء (¬25) ". وسند ابن إسحاق أول الخبر حسن، قاله الحافظ في (الفتح (¬26)). أما باقيه فقد ساقه -رحمه الله- من غير سند. وسبق الكلام قريبا على ذلك في: اذهبوا فأنتم الطلقاء. وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (يعني يوم فتح مكة): "خذوها يابني طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم. يعني حجابة الكعبة" أورده الهيثمي في (المجمع) ثم قال: "رواه الطبراني في الكبير والأوسط" وفيه عبد الله بن المؤمِّل وثّقه ابن حبان، وقال: يخطئ، ووثقه ابن معين في رواية" وضعفه جماعة (¬27) ". وذكر الحافظ القصة في (الفتح) بقوله: "وروى ابن عائد من مرسل عبد الرحمن بن سابط أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دفع مفتاح الكعبة إلى عثمان [بن أبي طلحة] فقال: خذها خالدة مخلدة، إني لم أدفعها إليكم، ولكن الله دفعها إليكم، ولا ينزعها منكم إلا ظالم. ومن طريق ابن جريج أن عليًا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: اجمع لنا الحجابة والسقاية، فنزلت: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} فدعا عثمان: فقال: خذوها يا بني شيبة خالدة تالدة، لا ينزعها منكم إلا ظالم (¬28) ". والأول مرسل، والثاني منقطع بين ابن جريج وعلي - رضي الله عنه -. والحديث أورده الذهبي في (السير) وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: "إسناده ضعيف لضعف عبد الله بن المؤمل (¬29) ". وفي ترجمة عثمان بن طلحة من (التهذيب): "قال مصعب الزبيري: دفع النبي - صلى الله عليه وسلم - مفتاح الكعبة لشيبة بن عثمان وقال: "خذوها ¬

_ (¬25) الروض الأنف (7/ 74،75). (¬26) فتح الباري (8/ 19) (¬27) مجمع الزوائد (3/ 285). (¬28) فتح الباري (8/ 19). (¬29) سير أعلام النبلاء (3/ 12).

مرحبا بالراكب المهاجر

يا بني أبي طلحة، خالدة تالدة .. (¬30) " وكذا في ترجمة شيبة بن عثمان بن أبي طلحة. مّرحبا بالراكب المهاجر: قال الترمذي في سننه: "حدثنا عبدُ بن حُميد وغير واحد قالوا: أخبرنا موسى بن مسعود عن سفيان عن أبي إسحاق عن مصعب بن سعد عن عكرمة بن أبي جهل قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم جئته: "مرحبًا بالراكب المهاجر" ثم قال الترمذي: وهذا حديث ليس إسناده بصحيح، لا نعرفه مثل هذا إلا من حديث موسى بن مسعود عن سفيان، وموسى ضعيف في الحديث. وروى عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق مرسلًا، ولم يذكر فيه عن مصعب بن سعد، وهذا أصح (¬31) ". وذكر الهيثمي في (مجمع الزوائد) ثلاث روايات وعزاها إلى الطبراني، ثم قال عن الأولى: "وإسناده منقطع" وقال عن الراوية الثانية: "رواه الطبراني مرسلًا ورجاله رجال الصحيح" وقال عن الثالثة: "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، إلا أن مصعب بن سعد لم يسمع من عكرمة (¬32) ". وأشار الحافظ في (الفتح) إلى صحة الحديث، وذلك في شرحه لحديث وفد عبد القيس، وقوله - صلى الله عليه وسلم - لهم: "مرحبا بالقوم" فقال: "وقد تكرر ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم - ففي حديث أم هانئ "مرحبا بأم هانئ" وفي قصة عكرمة بن أبي ¬

_ (¬30) تهذيب التهذيب (7/ 124) و (4/ 376). وفي البخاري (6/ 92) و (8/ 18 فتح) باب دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - من أعلى مكة عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقبل يوم الفتح من أعلى مكة على راحلته مردفًا أسامة بن زيد ومعه بلال ومعه عثمان بن طلحة من الحجبة، حتى أناخ في المسجد، فأمره أن يأتي بمفتاح البيت .. ) وأخرجه مسلم أيضًا (9/ 84 نووي). (¬31) تحفة الأحوذي (8/ 3 - 5). (¬32) مجمع الزوائد (9/ 385).

فائدة

جهل "مرحبا بالراكب المهاجر"، وفي قصة فاطمة "مرحبًا بابنتي" وكلها صحيحة (¬33) ". ولكنه -رحمه الله- قال في ترجمة عكرمة - رضي الله عنه - في (الإصابة): "له عند الترمذي حديث من طريق مصعب بن سعد عنه، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم جئته: "مرحبًا مرحبًا بالراكب المهاجر" وهو منقطع؛ لأن مصعبًا لم يدركه (¬34) ". وكتاب (الإصابة) صنفه بعد (القتح). وفي (التهذيب) في ترجمة عكرمة: "قال أبو حاتم: ما أظن مصعبًا سمع منه (¬35) ". وقال الإِمام البخاري: "لم يسمع من عكرمة (¬36) ". والحديث أخرجه الحاكم في (المستدرك) عن أبي إسحاق عن مصعب بن سعد عن عكرمة .. ثم قال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه" وتعقبه الذهبي بقوله: "صحيح، لكنه منقطع (¬37) " أي بين مصعب وعكرمة. وأورده (الذهبي) في تاريخ الإِسلام ثم قال: "والحديث ضعيف السند (¬38) ". فائدة: اشتهر عند البعض حديث: "رأيت لأبي جهل عذقًا في الجنة، فلما أسلم عكرمة بن أبي جهل قال - صلى الله عليه وسلم -: يا أمّ سلمة هذا هو" أخرجه الحاكم وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، قال الذهبي في التخليص: "لا، فيه ضعيفان (¬39) " وضعفه الألباني (¬40) وسعد الحميّد (¬41). ¬

_ (¬33) فتح الباري (1/ 131). (¬34) الإصابة في تمييز الصحابة (2/ 490). (¬35) تهذيب التهذيب (7/ 258). (¬36) تهذيب التهذيب (10/ 160). (¬37) المستدرك (3/ 271). (¬38) تاريخ الإِسلام، عهد الخلفاء الراشدين، ص 100. (¬39) المستدرك (3/ 271). (¬40) الضعيفة (8/ 124). رقم 3633. (¬41) مختصر استدراك الذهبي على الحاكم لابن الملقن (4/ 1862).

تخييره صفوان بن أمية

تخييره صفوان بن أمية أخرج الإِمام مالك -رحمه الله- في الموطأ عن ابن شهاب أنه بلغه: "أن نساءً كنّ في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُسلمن بأرضهن وهن غير مهاجرات، وأزواجهن حين أسلمن كفار، منهن بنت الوليد بن المغيرة وكانت تحت صفوان بن أمية، فأسلمت يوم الفتح وهرب زوجها صفوان بن أمية من الإِسلام، فبعث إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن عمه وهب بن عمير برداء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمانًا لصفوان بن أمية، ودعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الإِسلام، وأن يَقْدم عليه، فإن رضي أمرًا قَبِلَه، وإلاّ سيّره شهرين، فلما قدم صفوان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بردائه، ناداه على رؤوس الناس، فقال: يا محمَّد، إن هذا وهب بن عمير جاءني بردائك، وزعم أنك دعوتني إلى القدوم عليك، فإن رضيتُ أمرًا قبلته، وإلا سيرتني شهرين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنزل أبا وهب، فقال: لا والله لا أنزل حتى تُبيّن لي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل لك تسير أربعة أشهر. فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قِبَل هوازن بحنين فأرسل إلى صفوان بن أمية يستعيره أداة، وسلاحًا عنده، فقال صفوان: أطوعًا أم كرهًا؟ فقال: بل طوعًا، فأعاره الأداة والسلاح التي عنده، ثم خرج صفوان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو كافر، فشهد حنينًا والطائف، وهو كافر، وأمرأته مسلمة، ولم يفرّق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين امرأته، حتى أسلم صفوان، واستقرت عنده امرأته بذلك النكاح (¬1) ". قال ابن عبد البر: هذا الحديث لا أعلمه يتصل من وجه صحيح، وهو حديث مشهور، معلوم عند أهل السير، وابن شهاب إمام أهل السير وشهرة هذا الحديث أقوى من إسنادة إن شاء الله (¬2) ". قال الألباني-رحمه الله-: "هذا إسناد مرسل أو معضل (¬3) " ¬

_ (¬1) الموطأ. كتاب النكاح، باب نكاح المشرك إذا أسلمت زوجته قبله (2/ 542). (¬2) التهميد (12/ 19). (¬3) إرواء الغليل (6/ 377 - 338).

تنبيه

والقصة رواها أيضًا ابن إسحاق في السيرة فقال: حدثني محمَّد بن جعفر، عن عروة بن الزبير، قال: خرج صفوان بن أمية يريد جُدّة ليركب منها إلى اليمن، فقال عمير بن وهيب: يا نبي الله إن صفوان بن أمية سيد قومه، وقد خرج هاربًا منك ليقذف بنفسه في البحر فأمنّه؛ صلى الله عليك، قال: هو آمن، قال: يا رسول الله فأعطني آية يعرف بها أمانك؛ فأعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمامته التي دخل فيها مكة، فخرج بها عمير حتى أدركه، وهو يريد أن يركب في البحر، فقال: يا صفوان فداك أبي وأمي، الله الله في نفسك أن تهلكها، فهذا أمان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جئتك به ... فرجع معه، حتى وقف به على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال صفون: إن هذا يزعم أنك قد أمنتني، قال: صدق، قال فاجعلني فيها بالخيار شهرين، قال: أنت فيه بالخيار أربعة أشهر (¬4) ". وهذا إسناد مرسل. تنبيه: أورد ابن كثير هذا الخبر في البداية، عن ابن إسحاق موصولًا: "عروة عن عائشة" فلعلها زيادة من بعض النسّاخ. واستعارته - صلى الله عليه وسلم - أدرعًا وسلاحًا من صفوان، أخرجه أحمد (¬5)، وأبو داود (¬6)، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووفقه الذهبي (¬7)، والحديث اختلف أهل الحديث في تصحيحه فأعلّ ابن حزم وابن القطان طُرق هذا الحديث (¬8): قال ابن حزم: "ليس في شيء مما روي في العارية خبر يصح غيره (يعني حديث يعلي بن أمية)، وأما ما سواه فلا يساوي الاشتغال به (¬9) " وأشار أبو عمر بن عبد البر إلى الاضطراب في هذا الحديث ثم قال: "ولا يجب عندي ¬

_ (¬4) الروض الأنف (7/ 115، 116). (¬5) الفتح الرباني (15/ 129) كتاب الوديعة والعارية، باب في ضمان الوديعة والعارية. (¬6) عون المعبود (9/ 476) كتاب الإجارة، باب في تضمين العارية. (¬7) المستدرك (3/ 51). (¬8) التلخيص الحبير (36). (¬9) المحلى (9/ 173).

بحديث صفوان هذا حجة في تضمين العارية. والله أعلم (¬10) " وقال البهيقي بعد أن رواه: "وبعض هذه الأخبار وان كان مرسلًا فإنه يقوى بشواهده مع ما تقدم من الموصول. والله أعلم (¬11) ". والحديث صححه الشيخ الألباني بتعدد طرقه كما في (الإرواء (¬12)) و (السلسة الصحيحة (¬13)) وانظر نصب الراية للزيلعي (3/ 377) و (4/ 116، 117). ¬

_ (¬10) التمهيد (12/ 41). (¬11) السنن الكبرى (6/ 90). (¬12) (5/ 344 - 346). (¬13) (2/ 208).

اذهبوا فاقطعوا عني لسانه

اذهبوا فاقطعوا عني لسانه أخرج الإِمام مسلم -رحمه الله- في صحيحه عن رافع بن خديج - رضي الله عنه - في تقسيم غنائم يوم حنين - قال: أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس كل إنسان منهم مائة من الإبل وأعطى عباس بن مرداس دون ذلك فقال عباس بن مرداس: أتجعل نَهْبي ونهب العُبَيْد ... بين عُيينة والأقرع فما كان بدر ولا حابس ... يفوقان مرداس في المجمع وماكنت دون أمرى منهما ... ومن تخفض اليوم لايُرفع فْأتمّ له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مئة (¬1) ". وفي رواية ابن إسحاق [[زيادة]] في أسماء المؤلفة قلوبهم، وأربعة أبيات أخرى، وفي آخره: "قال ابن إسحاق: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اذهبوا فاقطعوا عني لسانه، فأعطوه حتى رضي، فكان ذلك قطع لسانه الذي أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2) " وأخرجه أيضًا الواقدي (¬3) وابن سعد من طريقين أحدهما عن الواقدي. والآخر عن عارم بن الفضل ... عن هشام بن عروة عن عروة: "أن العباس بن مرداس قال أيام خيبر ... " والخبر مرسل، وفيه أن ذلك يوم خيبر. قال الحافظ العراقي -رحمه الله-: "وأما زيادة "اقطعوا عني لسانه" فليست في شيء من الكتب المشهورة، وذكرها ابن إسحاق في السيرة بغير إسناد (¬4) ". ¬

_ (¬1) كتاب الزكاة، إعطاء المؤلفة ومن يُخاف على إيمانه (7/ 155 نووي). (¬2) الروض الأنف (7/ 248). (¬3) المغازي (3/ 947). (¬4) تخريج أحاديث إحياء علوم الدين (4/ 1673) رقم 2619.

ما شاع ولم يثبت في غزوة حنين والطائف

ما شاع ولم يثبت في غزوة حنين والطائف 1 - ما طابت بهذا نفس أحد قطّ إلاَّ نبي: روى الواقدي أن صفوان بن أمية كان يسير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد غزوة حنين، ينظر إلى الغنائم، فجعل ينظر إلى شِعْب ملأى نِعَمًا وشاء ورعاء، فأدام النظر ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرمقه، فقال: "أعجبك يا أبا وهب هذا الشِّعب؟ " قال: نعم، قال: "هو لك ومافيه" فقال صفوان: أشهد ما طابت بهذا نفس أحد قطّ إلا نبي وأشهد أنك رسول الله (¬1). والواقدي - كما سبق - متروك على سعة علمه. ويغني عن هذه الرواية ما رواه مسلم في صحيحه عن ابن شهاب قال: "غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة الفتح فتح مكة ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمن معه من المسلمين فاقتتلوا بحنين فنصر الله دينه والمسلمين. وأعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ صفوان بن أمية مائة من النَعَم، ثم مائة، ثم مائة. قال ابن شهاب: حدثني سعيد بن المسيب أن صفوان قال: والله لقد أعطاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إليّ، فما برح يعطينى حتى إنه لأحب الناس إلىّ (¬2) ". وفيه عن رافع بن خديج قال: "أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية، وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس كل إنسان منهم مائة من الإبل ... (¬3) ". ¬

_ (¬1) المغازي (3/ 946). (¬2) مسلم (15/ 73، نووي). قال الشيخ الألباني -رحمه الله-: " .. وظاهره الانقطاع بين سعيد وصفوان، وعند أحمد والترمذي عن صفوان، وظاهره الاتصال، ولكن الترمذي رجّح الأول، وأيده ابن العربي في العارضة فقال: لأن سعيدًا لم يسمع من صفوان شيئًا" (فقه السيرة، ص 394). (¬3) مسلم (7/ 155، نووي).

2 - إعطاء معاوية مئة من الإبل

وسخاؤه - صلى الله عليه وسلم - لا يُدرك، روى مسلم في صحيحه عن أنس - رضي الله عنه - قال: "ما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الإِسلام شيئًا إلا أعطاه، قال: فجاءه رجل فأعطاه غنمًا بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: ياقوم أسلموا، فإن محمدًا يعطي عطاءً لايخشى الفاقة (¬4) ". 2 - إعطاء معاوية مئة مّن الإبل: ومنها ما ذكره الواقدي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطى معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - مائة من الإبل، وأربعين أوقية. أي من غنائم حنين. قال الإِمام الذهبي -رحمه الله- لما أورد ذلك في (السير): "قلت: الواقدي لا يعي ما يقول: فإن كان معاوية كما نقل قديم الإِسلام (¬5)، فلماذا يتألفه النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ ولو كان أعطاه، لما قال عندما خطب فاطمة بنت قيس: "أما معاوية فصعلوك لا مال له (¬6) ". 3 - محاولة شَيْبة بن عثمان قتلة - صلى الله عليه وسلم -: قال ابن إسحاق -رحمه الله-: "وقال شيبة بن عثمان بن أبي طلحة، أخو بني عبد الدار، قلت اليوم (يوم حنين) أُدرك ثأري من محمَّد، وكان أبوه قُتل يوم أحد، اليوم أقتل محمدًا. قال: فأدرت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأقتله، فأقبل شيء حتى تغشى فؤادي، فلم أُطق ذاك، وعلمتُ أنه ممنوع مني (¬7) ". ورواه البيهقي في (الدلائل) من طريق: الوليد بن مسلم، قال: حدثنا عبد الله بن المبارك، عن أبي بكر الهذلي، عن عكرمة مولى ابن عباس، عن شيبة بن عثمان قال: لما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين قد عري (*)، ذكرت أبي وعمي، وقتل علي وحمزة إياهما. فقلت: اليوم أُدرك ثأري من محمَّد، قال: ¬

_ (¬4) مسلم (15/ 72 نووي). (¬5) ذكر الواقدي أن معاوية أسلم بُعيد الحديبية، وأخفى إسلامه. (¬6) سير أعلام النبلاء (3/ 122). (¬7) الروض الأنف (7/ 169). (*) أي: انكشف.

فذهبت لأجيئه عن يمينه، فإذا أنا بالعباس قائم، عليه درع بيضاء كأنها فضة يكشف عنها العجاج، فقلت: عمّه لن يخذله، قال: ثم جئته عن يساره، فإذا أنا بأبي سفيان بن الحارث، فقلت: ابن عمه ولن يخذله، قال ثم جئته من خلفه فلم يبق إلا أن أسوّره سورةً بالسيف، إذ رُفِعَ لي شُواظ من نار بيني وبينه كأنه برق، فخفت يمحشني (*)، فوضعت يدي على بصري ومشيت القهقرى، والتفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "ياشيب، ياشيب أُدن مني، اللهم أذهب عنه الشيطان" قال فرفعت إليه بصري، ولهو أحب إليّ من سمعي وبصري. وقال: "ياشيب قاتل الكفار (¬8) ". قال الذهبي لما أورده: "غريب جدًا (¬9) ". وعزاه الهيثمي في (المجمع) إلى الطبراني، وقال: "وفيه أبو بكر الهذلي وهو ضعيف (¬10) ". ا. هـ. وهذا قصور في الجرح، فقد نص الذهبي، وابن حجر على أنه متروك (¬11) ". ثم ساق البيهقي بسنده عن أيوب بن جابر عن صدقة بن سعيد، عن مصعب بن شيبة عن أبيه قال: خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والله ما اخرجني إسلام، ولكن أنفت أن تظهر هوزان على قريش. فقلت وأنا واقف معه: يا رسول الله إني أرى خيلًا بُلقًا. قال: "ياشيبة، إنه لايراها إلا كافر" فضرب يده على صدري، ثم قال: "اللهم اهد شيبة" فعل ذلك ثلاثًا، حتى ما كان أحد من خلق الله أحبّ إليّ منه (¬12) ". وذكر الحديث. ¬

_ (*) أي: يحرقني، وفي الحديث "فيخرجون من النار وقد امتحشوا" (¬8) دلائل النبوة (5/ 145). (¬9) المغازي ص 583. (¬10) مجمع الزوائد (6/ 184). (¬11) المغني في الضعفاء (1/ 432) لسان الميزان (7/ 454) والتقريب (2/ 401). (¬12) الدلائل (5/ 146).

وأيوب بن جابر بن سيّار، ضعيف (¬13). وصدقة بن سعيد الحنفي قال عنه الحافظ مقبول (¬14). أي عند المتابعة، وإلا فليّن الحديث. ولم أجد - فيما وقفت عليه - لشيبة بن عثمان ابنًا يسمى مصعبًا قد تُرجم له. وفي الرواة: مصعب بن شيبة بن جبير بن شيبة بن عثمان بن أبي طلحة من الخامسة، فهو ابن لحفيد صاحب القصة. قال عنه أحمد: روى أحاديث مناكير، وقال النسائي منكر الحديث، وقال الدارقطني: ليس بالقوي ولا بالحافظ، وضعفه أبو داود. ووثقه ابن معين والعجلي (¬15). ولذا اختار الحافظ في التقريب أنه "لين الحديث (¬16) ". والقصة ذكرها ابن كثير في (البداية (¬17)) عن الواقدي عن أشياخه. والواقدي متروك كما سبق. وعزاها ابن حجر في (الإصابة) - لغير من سبق ذكره - إلى ابن أبي خيثمة عن مصعب النميري، والبغوي. ثم قال: "قال ابن السكن: في إسناد قصة إسلامه نظر (¬18) ". وابن السكن هو: "الإِمام الحافظ المجود الكبير أبو علي، سعيد بن عثمان بن سعيد بن السكن .. جمع وصنف وجرح وعدّل، وصحح وعلل (¬19) " ت 353 هـ. وقد وصفه ابن حجر بالجلالة والإتقان (¬20). ¬

_ (¬13) التقريب (1/ 89). (¬14) (1/ 366). (¬15) التهذيب (10/ 162) (¬16) 2/ 215 (¬17) 8/ 213 (¬18) الإصابة (2/ 157) (¬19) سير أعلام النبلاء (16/ 117) (¬20) الإصابة (4/ 475).

4 - رمي أهل الطائف بالمنجنيق

4 - رمي أهل الطائف بالمنجنيق: قال ابن هشام فيما زاده على سيرة ابن إسحاق عند الحديث عن غزوة الطائف: " .. ورماهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمنجنيق، حدثني من أثق به أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أول من رمى في الإِسلام بالمنجنيق، رمى أهل الطائف (¬21) ". قال الزيلعي: "ذكره الترمذي في الاستئذان معضلًا، ولم يصل سنده به (¬22) ". وقال ابن حجر -رحمه الله-: "روى أبو داود في المراسيل عن ثور عن مكحول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نصب على أهل الطائف المنجنيق. ورواه الترمذي فلم يذكر مكحولًا، ذكره معضلًا عن ثور. وروى أبو داود من مرسل يحيى بن أبي كثير قال: حاصرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهرًا. قال الأوزاعي: فقلت ليحيى أَبَلغك أنه رماهم بالمجانيق؟ فأنكر ذلك، وقال: ما نعرف هذا" ثم قال ابن حجر: "ورواه ابن سعد عن قبيصة عن سفيان عن ثور عن مكحول مرسلًا، وأخرجه أبو داود أيضًا، ووصله العقيلي من وجه آخر عن علي (¬23) ". وروى البيهقي في سننه رميهم بالمنجنيق، وإنكار أبي قلابة ذلك (¬24). وقد أخرج مسلم في صحيحه عن أنس -رحمه الله- منه قال: " .. ثم انطلقنا إلى الطائف فحاصرناهم أربعين ليلة، ثم رجعنا إلى مكة (¬25) " وليس فيه رميهم بالمنجنيق. فائدة: قال السهيلي: المنجنيق أعجمية عرّبها العرب، قال كراع: كل كلمة فيها جيم وقاف، أو جيم وكاف فهي أعجمية. (الروض الأنف 7/ 267). ¬

_ (¬21) الروض الأنف (7/ 235). (¬22) نصب الراية (3/ 382). (¬23) التلخيص الحبير (4/ 116). (¬24) السنن الكبرى (9/ 84). (¬25) مسلم (7/ 154 نووي).

5 - قول نوفل الديلي: (ثعلب في جحر)

5 - قول نَوْفَل الدّيلي: (ثعلب في جحر): ومنها ما رواه الواقدي بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "لما مضت خمس عشرة ليلة من حصارهم (أهل الطائف) استشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نوفل بن معاوية الدّيلي فقال: "يا نوفل ماتقول، أو ترى؟ " فقال نوفل: يا رسول الله، ثعلب في جحر إن أقمت عليه أخذته، وإن تركته لم يضرك شيئًا (¬26) ". والواقدي متروك كما تقدم مرارًا. قال الشيخ الألباني -رحمه الله-: "ضعيف جدًا، رواه الواقدي .. وهو متهم بالكذب (¬27) ". 6 - قدوم أُمِّه - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة: روى البخاري في (الأدب المفرد (¬28))، وأبو دواد (¬29)، والبيهقي في (الدلائل (¬30)) من طريق جعفر بن يّحيى بن ثوبان قال: أنبأنا عمارة بن ثوبان أن أبا الطفيل أخبره قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقسم لحمًا بالجعرانة، قال أبو الطفيل: وأنا يومئذ غلام أحمل عظم الجزور، إذ أقبلت امرأة حتى دنت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فبسط لها رداءه فجلست عليه، فقلت: من هي؟ قالوا: هذه أُمّه التي أرضعته". رواه الحاكم وسكت عنه هو والذهبي، ورواه في موضع آخر من الطريق نفسه، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه" وحذفه الذهبي من التلخيص (¬31). قال ابن كثير لما أورده في تاريخه: "هذا حديث غريب، ولعله يريد أخته، وقد كانت تحضنه مع أُمّه حليمة السعدية، وإن كان محفوظًا فقد عُمِّرتْ حليمة دهرًا، فإن من وقت أرضعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى وقت الجعرانة أزيد من ¬

_ (¬26) مغازي الواقدي (3/ 927). (¬27) فقه السيرة، ص 389. (¬28) الأدب المفرد، باب حسن العهد، رقم 1295. (¬29) عون المعبود (13/ 53). (¬30) دلائل النبوة (5/ 199). (¬31) المستدرك (3/ 717) رقم 6595، و (4/ 181) رقم 7294.

ستين سنة، وأقل ما كان عمرها حين أرضعته - صلى الله عليه وسلم - ثلاثين سنة، ثم الله أعلم بما عاشت بعد ذلك (¬32) ". وجعفر بن يحيى بن ثوبان قال عنه الحافظ في (التقريب): "مقبول (¬33) " أي عند المتابعة، وإلا فليّن الحديث، كما نصّ الحافظ على ذلك في مقدمة التقريب. ولذا قال الذهبي في (الكاشف) (¬34): "فيه جهالة". وقال في (المغني في الضعفاء): لايعُرف (¬35) " وقد نصّ ابن المديني وابن القطان الفاسي على جهالته. وانفرد ابن حبان بذكره في الثقات (¬36). وعمارة بن ثوبان ذكره ابن حبان أيضًا في الثقات، وقال ابن القطان: مجهول (¬37). قال الذهبي في (الكاشف): "وُثِّق، وفيه جهالة (¬38) ". وقال الحافظ في (التقريب): "مستور (¬39) " وهو وصف يطلقه الحافظ على من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق. كما ذكر في المقدمة (¬40). والحديث (قُدوم أُمّه) سكت عنه المنذري (¬41). وضعّفه الألباني بعلة جهالة عمارة، كما في ¬

_ (¬32) البداية والنهاية (4/ 364). (¬33) (1/ 133). (¬34) (1/ 131). (¬35) (1/ 214). (¬36) تهذيب التهذيب (2/ 109). (¬37) التهذيب (7/ 412). قال ابن حجر: "ابن حبان يذكر في كتاب الثقات كل مجهول روى عنه ثقه ولم يجرح، ولم يكن الحديث الذي يرويه منكرًا. هذه قاعدته .. " (لسان الميزان، 1/ 214). (¬38) (2/ 262) قال الشيخ سلمان العودة حفظه الله: "الذهبي في الكاشف غالبًا يطلق كلمة: وُثّق على من يوثقه ابن حبان" (شرح بلوغ المرام، شريط رقم 80). (¬39) (2/ 49). (¬40) (1/ 5). (¬41) عون المعبود (14/ 54).

فائدة

ضعيف سنن أبي داود (¬42)، وضعيف الأدب المفرد (¬43)، وضعيف موارد الظمآن (¬44). ثم روى أبو داود عن عمر بن السائب أنه بلغه "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان جالسًا يومًا فأقبل أبوه من الرضاعة فوضع له بعض ثوبه فقعد عليه، ثم أقبلت أُمّه فوضع لها شق ثوبه من جانبه الآخر فجلست عليه، ثم أقبل أخوه من الرضاعة فقام له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأجلسه بين يديه". قال المنذري: "هذا معضل، عمر بن السائب يروي عن التابعين (¬45) ". وقال ابن كثيرفي تاريخه: "وقد ورد حديث مرسل فيه أن أبويه من الرضاعة قدما عليه، والله أعلم بصحته (¬46) ". فائدة: اشتهر عند كثير من الناس أن حليمة هي أول من أرضع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن ليس له مرضع غيرها. ومن الثابت أن أول من أرضعه - صلى الله عليه وسلم -: ثُويْبة، مولاة أبي لهب. (أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب 20، 25، 26 وغيرها). 7 - قدوم أخته الشيماء: قال ابن إسحاق -رحمه الله- وحدثني بعض بني سعد بن بكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يومئذ (يوم حنين): إن قَدرْتم على بجاد، رجل من بني سعد بن بكر، فلا يُفْلتنكم، وكان قد أحدث حدثًا، فلما ظفر به المسلمون ساقوه وأهله، وساقوا معه الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى أخت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة، فعنّفوا عليها في (السياق، فقالت للمسلمين: تعلموا والله إني لأخت صاحبكم من الرضاعة، فلم يصدقوها حتى أتوا بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فحدثني يزيد بن عبيد السعدي، قال: فلما انتهى بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: ¬

_ (¬42) ص 508، رقم 5144. (¬43) ص 116، رقم 1295. (¬44) ص 176، رقم 2249. (¬45) عون المعبود (14/ 54). (¬46) البداية والنهاية (4/ 364).

يا رسول الله، إني أُختك من الرضاعة، قال: وما علامة ذلك؟ قالت: عضة عضضتنيها في ظهري وأنا متوركتك، قال: فعرف رسول الله العلامة فبسط لها رداءه، فأجلسها عليه، وخيّرها، وقال: إن أحببت فعندي مُحبّة مكرمة، وإن أحببت أن أمتعك، وترجعي إلى قومك فعلت، فقالت: بل تمتعني وتردني إلى قومي ... (¬47) " وشيخ ابن إسحاق (يزيد بن عبيد) ثقة لكنه تابعي لم يدرك القصة فالخبر مرسل. وراوه البيهقي في (الدلائل (¬48)) من طريق الحكم بن عبد الملك عن قتادة قال: .. وذكر الخبر بنحوه. وأورده الذهبي في (المغازي) ثم قال: "الحكم ضعّفه ابن معين (¬49) " وقتادة ولد عام 60 فهو مرسل. ¬

_ (¬47) الروض الأُنف (7/ 182، 183). (¬48) دلائل النبوة (5/ 199). (¬49) المغازي ص 610.

قصيدة كعب بن زهير

قصيدة كعب بن زهير قال ابن إسحاق: "ولما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من منصرفه عن الطائف كتب بُجير بن زهير بن أبي سُلمى إلى أخيه كعب بن زهير يخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل رجلًا بمكة، ممن كان يهجوه ويؤذيه، وأن من بقي من شعراء قريش، ابن الزبعرى وهبيرة بن أبي وهب قد هربوا من كل وجه، فإن كانت لك في نفسك حاجة فَطِرْ إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإنه لايقتل أحدًا جاءه تائبًا، وإن أنت لم تفعل فانج إلى نجاتك من الأرض، وكان كعب بن زهير قد قال: ألا أبلغا عني بجيرًا رسالة ... فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا؟ فبيّن لنا إن كنت لست بفاعل ... على أي شيء غير ذلك دلكا؟ على خُلق لم تُلَفِ أُمًا ولا أبًا ... عليه ولم تدرك عليه أخًا لكا فإنت أنت لم تفعل فلست بآسف ... ولا قائل إما عثرت: لعًا لكا ثم قال ابن إسحاق -رحمه الله-: "فلما بلغ كعبًا الكتاب ضاقت به الأرض، وأشفق على نفسه، وأرجف به من كان في حاضره من عَدوّه، فقالوا: هو مقتول. فلما لم يجد من شيء بدًّا، قال قصيدته التي يمدح فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذكر فيها خوفه وارجاف الوشاة به من عدوه، ثم خرج حتى قدم المدينة فصلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .... فذُكر لي أنه قام إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى جلس إليه فوضع يده في يده وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يعرفه، فقال: يا رسول الله إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائبًا مسلمًا، فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نعم، قال: أنا يا رسول الله - كعب بن زهير. قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أنه وثب عليه رجل من الأنصار، فقال: يا رسول الله، دعني وعدو الله أضرب عنقه، فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: دعه عنك، فإنه قد جاء تائبًا نازعًا عما كان عليه.

قال: فغضب كعبٌ على هذا الحي من الأنصار، لما صنع به صاحبهم، وذلك أنه لم يتكلم فيه رجل من المهاجرين إلاّ بخير، فقال في قصيدته التي قال حين قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بانَتْ سُعاد فقلبي اليوم مَتْبوُلُ ... مُتَيَّمٌ إِثْرها لم يُفْدَ مَكْبُول وذكر القصيدة إلى آخرها. (¬1) قال ابن كثير: "وقال ابن هشام: هكذا أورد محمَّد بن إسحاق هذه القصيدة ولم يذكر لها إسنادًا" (¬2). وقد أسندها الحاكم فقال: أخبرني أبو القاسم عبد الرحمن بن حسين بن أحمد حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي، حدثني الحجاج بن ذي الرقيبة عن عبد الرحمن بن كعب بن زهير بن أبي سُلمى المزني عن أبيه عن جده قال: "خرج كعب وبجير ابنا زهير حتى أتيا أبرق العرّاف فقال بجير لكعب: أثبت في عجل هذا المكان حتى آتي هذا الرجل -يعني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) - فأسمع ما يقول، فثبت كعب وخرج بجير فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعرض عليه الإِسلام فأسلم فبلغ ذلك كعبًا فقال: ألا ابلغا عني بُجيرًا رسالة ... (وذكر الأبيات المتقدمة) فلما بلغت الأبيات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهدر دمه فقال: من لقي كعبًا فليقتله. فكتب بذلك بجير إلى أخيه يذكر له أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أهدر دمه ويقول له: النجا وما أراك تفلت، ثم كتب إليه بعد ذلك: أعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يأتيه أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله - إلا قبِل ذلك فإذا جاءك كتابي هذا فأَسْلِم، وأَقْبِلْ، فأسلم كعب، وقال القصيدة التي يمدح فيها رسول الله ... " (¬3) ورواه البيهقي في ¬

_ (¬1) الروض الأنف (7/ 255 - 258). (¬2) البداية والنهاية (4/ 372). (¬3) المستدرك (3/ 670).

(الدلائل) (¬4) من طريق الحاكم، والحجاج بن ذي الرقيبة وأبوه وجده لم أقف لهم على ترجمة. ورواه الحاكم أيضًا مختصرًا عن الحزامي حدثني معن بن عيسى حدثني محمَّد بن عبد الرحمن الأوقص، عن ابن جُدعان قال: أنشد كعب بن زهير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد: (¬5) بانتْ سُعاد فقلبي اليوم مَتْبوُلُ ... مُتَيَّمٌ إِثْرها لم يُفْدَ مَكْبُول وفي هذا السند ثلاث علل: الإرسال، وضعف علي بن زيد، وكذا الراوي عنه محمَّد بن عبد الرحمن الأوقص، قال العقيلي: يخالف في حديثه، وقال ابن عساكر: ضعيفًا. وتفرد ابن حبان فذكره في الثقات (¬6). ورواه الحاكم أيضًا عن محمَّد بن فُليح عن موسى بن عقبه قال: "أنشد النبي - صلى الله عليه وسلم - كعبُ بن زهير بانت سعاد، في مسجده بالمدينة .. " والحديث مرسل. ومع ذلك قال الحاكم: "هذا حديث له أسانيد قد جمعها إبراهيم بن المنذر الحزامي. فأما حديث محمَّد بن فليح عن موسى بن عقبه، وحديث الحجاج بن ذي الرقيبة فإنهما صحيحان، وقد ذكرهما محمَّد بن إسحاق القرشي في المغازي مختصرًا" (¬7). قال الحافظ العراقي: "وهذه القصة رويناها من طرق لا يصح منها شيء، وذكرها ابن إسحاق بسند منقطع" (¬8). وذكرها الحافظ ابن حجر بسنده في: (نتائج الأفكار)، من طريق إبراهيم الحزامي السابق، ثم قال: "هذا حديث غريب تفرّد به إبراهيم بن المنذر بهذا ¬

_ (¬4) دلائل النبوة (5/ 207). (¬5) المستدرك (3/ 673). (¬6) لسان الميزان (5/ 252). (¬7) المستدرك (3/ 673، 674). (¬8) تحفة الأحوذي (2/ 276)

فائدة

الإسناد، وقد وقع لنا من وجه آخر عنه مطولًا، وفيه سياق القصيدة بتمامها" (¬9). قال ابن كثير: "وقد ورد في بعض الروايات أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاه بردته حين أنشد القصيدة. ... وهذا من الأمور المشهورة جدًا ولكن لم أر ذلك في شيء من هذه الكتب المشهورة بإسناد أرتضيه فالله أعلم" (¬10). فائدة: قال ابن الأنباري عن ابن القاسم: "كان بندار (بن عبد الحميد الكرخي) يّحفظ سبعمئة قصيدة، أول كل قصيدة: "بانت سعاد" قال المؤلف: وبلغني عن الشيخ الإِمام أبي محمَّد الخشاب أنه قال: أمعنتُ التفتيش والتنقير فلم أقع على أكثر من ستين قصيدة أولها: بانت سعاد" (¬11). ¬

_ (¬9) نتائج الأفكار (1/ 221). (¬10) البداية والنهاية (4/ 373). (¬11) معجم الأدباء (2/ 356).

غروة تبوك

غروة تبوك 1 - سبب نزول قوله تعالى {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49)} [التوبة: 49]. قال ابن إسحاق -رحمه الله- في حديثه عن غزوة تبوك: " ... فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم وهو في جهازه ذلك للجدّ بن قيس أحد بني سلمة: يا جدّ، هل لك جلاد بني الأصفر؟ فقال: يا رسول الله أوَ تأذن لي ولا تفتنّي؟ فوالله لقد عرف قومي أنه ما من رجل بأشد عجبًا بالنساء مني، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر، فأعرض عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: قد أذنت لك. ففي الجدّ بن قيس نزلت هذه الآية: (ومنهم من يقول .... ). وقد ساق ابن إسحاق سنده في أول الخبر فقال: "وقد ذكر لنا الزهري ويزيد بن رمان وعبد الله بن أبي بكر وعاصم بن قتادة وغيرهم من علمائنا، كل حدّث في غزوة تبوك مابلغه عنها، وبعض القوم يحدّث مالًا يحدّث بعض" (¬1). قال الشيخ الألباني -رحمه الله-: "ضعيف"، رواه ابن هشام عن ابن إسحاق مرسلًا، وكذلك رواه عنه ابن جرير" (¬2). أي في تاريخه (¬3). وأخرجه الطبري أيضًا في تفسيره فقال: "حدثني محمَّد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: (ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اغزوا تبوك تغنموا بنات بني الأصفر ونساء الروم، فقال الجدّ: ائذن لنا ولا تفتنا بالنساء" (¬4). ¬

_ (¬1) الروض الأنف (7/ 304 - 305). (¬2) تخريج أحاديث فقه السيرة، ص 406. (¬3) تاريخ الطبري (2/ 181). ذكر الخبر عن غزوة تبوك. (¬4) تفسير الطبري، تفسير الآية، 49 سورة التوبة.

ومجاهد بن جبر تابعي فالخبر مرسل. قال يحيى بن سعيد: ابن أبي نجيح لم يسمع التفسير من مجاهد (¬5). قال الذهبي: "هو من أخصّ الناس بمجاهد (¬6) ". وأخرجه البيهقي من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة (¬7). وفيه علتان: ضعف ابن لهيعة، والإرسال. قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "ويقال إن الجدّ بن قيس كان منافقًا، وروى أبو نُعيم وابن مردويه من طريق الضحاك عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه نزل فيه قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلاَ تَفْتِنِّي} ورواه ابن مردويه. من حديث عائشة بسند ضعيف أيضًا، ومن حديث جابر بسند فيهم مبهم" (¬8). قال ابن عبد البر -رحمه الله-: "وقد قيل إنه تاب فحسنت توبته، فالله أعلم" (¬9). وذكرها الهيثمي في "المجمع وقال: "رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه يّحيى الحمّاني، وهو ضعيف (¬10) " ويحيى بن عبد الحميد الحمّاني قال عنه الذهبي: "حافظ منكر الحديث، وقد وثّقه ابن معين وغيره، وقال أحمد بن حنبل: كان يكذب جهارًا. وقال النسائي: ضعيفًا (¬11) " وتوسّع في ترجمته في (التهذيب) (¬12). ولاريب أن من المنافقين من اعتذر بهذا العذر، كما ذكر الله تبارك وتعالى في الآية السابقة، لكن الجزم بنزولها في الجدّ بن قيس صعب. نعم لو صحّ السند بذلك فلا كلام، أما وهو لم يصح فلا ينبغي ذكره إلا مع بيان ¬

_ (¬5) تهذيب التهذيب (6/ 54). (¬6) سير أعلام النبلاء (6/ 126). (¬7) دلائل النبوة (9/ 33). (¬8) الإصابة (1/ 230). (¬9) الاستيعاب (1/ 255) بهامش الإصابة. (¬10) مجمع الزوائد (7/ 30). (¬11) المغني في الضعفاء (2/ 522). (¬12) (11/ 245).

ضعفه. بل قد ذكر الحافظ في ترجمة الجدّ في (الإصابة) ما يدل على شهوده بيعة العقبة الثانية، فقال: "روى الطبراني وابن منده من طريق معاوية بن عمار الدهني عن أبيه عن أبي الزبير عن جابر قال: حملني خالي جدّ بن قيس وما أقدر أن أرمي بحجر في السبعين راكبًا من الأنصار الذين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر الحديث في بيعة العقبة، وإسناده قوي، قال ابن منده: غريب من حديث معاوية بن عمار، تفرّد به محمَّد بن عمران بن أبي ليلى (¬13) " ومعاوية وأبوه عمار روى لهما مسلم، ومحمد بن عبد الله روى له البخاري في الأدب المفرد، والترمذي في سننه، ووصف ابن حجر كل واحد منهم في (التقريب) أنه صدوق. وذكر الهيثمي حديث جابر وقال: "رواه الطبراني في الثلاثة ورجاله ثقات" وأعقبه بلفظ آخر: "قال جابر: وأخرجني خالاي ... " وقال: "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح (¬14). وأصل الحديث في البخاري عن عمرو بن دينار قال: سمعت جابر بن عبد الله -رحمه الله- يقول: "شهد بي خالاي العقبة" قال أبو عبد الله (البخاري) قال ابن عيينة: "أحدهما البراء بن معرور". ثم ساقه من طريق آخر عن عطاء قال: قال جابر: "أنا وأبي وخالاي من أصحاب العقبة (¬15) ". قال ابن حجر: "وأقارب الأمّ يُسموّن أخوالًا مجازًا، وقدر روى ابن عساكر بإسناد حسن عن جابر قال: حملني خالي الحرّ (كذا) بن قيس في السبعين راكبًا الذين وفدوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار .. " ثم قال الحافظ: "لكن لم يذكر أحد من أهل السير الحرّ بن قيس في أصحاب العقبة، فكأنه لم يكن أسلم (¬16) " كذا ورد اسمه هنا: الحرّ، ولعله مصحّف من: الجدّ. والله أعلم. ¬

_ (¬13) الإصابة (1/ 230) وبالسند نفسه أخرجه الحاكم (3/ 365) رقم (5405). (¬14) مجمع الزوائد (6/ 48، 49). (¬15) البخاري، مناقب الأنصار، باب وفود الأنصار إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة، وبيعة العقبة (فتح 7/ 219). (¬16) فتح الباري (7/ 222).

وصحَّ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "منْ سيّدكم يابني سلمة؟ قالوا: جدّ بن قيس، على أنا نُبخِّله، قال: وأي داء أدوى من البخل؟ بل سيدكم عمرو بن الجموح" رواه البخاري في (الأدب المفرد)، وصححه العراقي، والمناوي (¬17) بعد أن عزاه للإمام أحمد. والألباني (¬18) " فبنو سلمة لم يتهموا الجدّ بالنفاق، بل بالبخل، فلم يكونوا ليسوِّدوا عليهم رجلًا من المنافقين، وحاشاهم من ذلك، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تقولوا للمنافقين: سيدنا، فإنه إن يكُ سيدكم فقد أسخطتم ربكم عَزَّ وَجَلَ" أخرجه الإِمام أحمد، والبخاري في (الأدب المفرد)، وأبو داود، وصححه النووي (¬19)، والعراقي (¬20)، والألباني (¬21)، والأرنؤوط (¬22). نعم أخرج مسلم في صحيحه في بيعة الرضوان يوم الحديبية عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كنا أربع عشرة مئة، فبايعناه، وعمر أخذ بيده تحت الشجرة، وهي سمرة، فبايعناه غير جدّ بن قيس الأنصاري، اختبأ تحت بطن بعيره (¬23) " ولا ريب أن هذه منقصة له وحرمان، فإن كان قد تاب - كما ذكر ذلك ابن عبد البر بصيغة التضعيف، وسبق قوله - فالتوبة تجبّ ما قبلها، وان لم يكن فهي دلالة على ضعف إيمانه، أو انفاقه. وأخرجه مسلم في موضع آخر بلفظ: " .. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وكلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر، فأتيناه فقلنا له: تعال يستغفر لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: والله ¬

_ (¬17) فيض القدير (6/ 360) وقد وهم الإِمام ابن كثير في غزوه للحديث إلى الصحيح. (تفسير القرآن 2/ 363). (¬18) صحيح الأدب المفرد، رقم 227. وجملة: وأي داء أدوأ من البخل، قالها الصديق لجابر بن عبد الله - رضي الله عنه - لما قال له: تبخل عني؟ أخرجه البخاري، ك المغازي، باب قصة عمان والبحرين، رقم 4383 (فتح 8/ 95). (¬19) الأذكار، ص 322. (¬20) تخريج أحاديث الإحياء، رقم 2838. (¬21) السلسة الصحيحة رقم 371. (¬22) حاشية زاد المعاد (2/ 352). (¬23) (13/ 3 نووي).

فائدة

لأن أجد ضالتي أحب إليّ من أن يستغفر لي صاحبكم. قال: وكان رجل ينشد ضالة له (¬24) " وليس في هذه الرواية التصريح باسمه. فائدة: روى الطبراني عن ابن عباس ما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: اغزوا تغنموا بنات بني الأصفر، فقال رجل من المنافقين: إنه ليفتنكم بالنساء. فأنزل الله عز وجل: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلاَ تَفْتِنِي}. قال الهيثمي: " .. وفيه أبو شيبة إبراهيم بن عثمان، وهو ضعيف (¬25) ". 2 - يرحم الله أبا ذرّ يمشي وحده ... روى ابن إسحاق في حديثه عن غزوة تبوك قال: " ... وتلوّم أبو ذرّ على بعيره، فلما أبطأ عليه، أخذ متاعه فحمله على ظهره ثم خرج يتبع أثر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماشيًا، ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض منازله، فنظر ناظر من المسلمين فقال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إن هذا الرجل يمشي على الطريق وحده، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كن أبا ذرّ" فلما تأمله القوم قالوا: يا رسول الله، هو والله أبو ذر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "رحم الله أبا ذرّ يمشي وحده، ويموت وحده، ويُبعث وحده". هكذا ذكرها ابن إسحاق، ثم أعقبها بقوله: "فحدثني بُريدة بن سفيان الأسلمي، عن محمَّد بن كعب القُرظي، عن عبد الله بن مسعود قال: ... " وذكر قصة وفاة أبي ذرّ بالربذة، وقول ابن مسعود: صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تمشي وحدك، وتموت وحدك، وتُبعث وحدك (¬26) ". وقد أشار الحافظ ابن حجر في (الإصابة (¬27)) إلى ضعف القصة، بعد أن عزاها لابن إسحاق، وقال في (المطالب العالية): "القُرظي ماعرفته، فان كان ¬

_ (¬24) (17/ 126 نووي). (¬25) مجمع الزوائد (7/ 30). (¬26) الروض الأنف (7/ 315) (¬27) الإصابة (4/ 65).

محمَّد بن كعب فالحديث منقطع (¬28) ". ورواه الحاكم من طريق ابن إسحاق، ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. وتعقّبه الذهبي بقوله: "فيه إرسال (¬29) ". ولعله يقصد أن رواية محمَّد بن كعب عن ابن مسعود منقطعة كما ذكر ابن حجر. لكن علة الحديث الكبرى: بريدة بن سفيان شيخ ابن إسحاق، قال البخاري: فيه نظر، وقال الدارقطني: متروك، وقال العقيلي: سئل أحمد عن حديثه فقال: بليّة (¬30). وضعّف الحديث الشيخ شعيب الأرنؤوط في تخريجه لسير الذهبي (¬31). ثم طُبع المجلد الثاني عشر من (السلسلة الضعيفة) وفيه هذا الحديث، وإعلال الشيخ الألباني -رحمه الله- الحديث ببريدة الأسلمي، أما الانقطاع بين القرظي وابن مسعود فقد قال الشيخ: "قد روى البخاري في التاريخ (1/ 216) بإسناد قوي سماع القرظي منه، فالأولى إعلاله ببريدة (¬32) ". والعجيب أن الحافظ ابن كثير -رحمه الله- أوردها في تاريخه، ثم قال: "إسناد حسن ولم يخرجوه (¬33) ". في حين أن الإِمام ابن القيم -رحمه الله- لما ذكرها في الزاد قال: "وفي هذه القصة نظر" ثم ذكر رواية عند ابن حبان مغايرة لها، وحسّن إسنادها الأرنؤوط (¬34). لكن الألباني قال: "ضعيف مضطرب السند" (¬35). ¬

_ (¬28) المطالب العالية (4/ 116) المحققة (16/ 484). (¬29) المستدرك (3/ 52). وفيه تصحّف شيخ ابن إسحاق من بُريدة إلى يزيد. (¬30) تهذيب التهذيب (1/ 433). (¬31) سير أعلام النبلاء (2/ 57). (¬32) سلسلة الأحاديث الضعيفة، رقم: 5531. (¬33) البداية والنهاية (5/ 9) وفيه: بُريدة عن سفيان. (¬34) زاد المعاد (3/ 534). (¬35) ضعيف موارد الضمآن، ص 181.

3 - أمره - صلى الله عليه وسلم - بتحريق مسجد الضرار

3 - أمره - صلى الله عليه وسلم - بتحريق مسجد الضرار: قال ابن إسحاق: ثم أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[من تبوك] حتى نزل بذي أوان، بلد بينه وبين المدينة ساعة نهار، وكان أصحاب مسجد الضرار قد كانوا أتوه وهو يتجهز إلى تبوك، فقالوا: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنا قد بنينا مسجدًا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية، وإنا نحبّ أن تأتينا، فتصلي لنا فيه، فقال: إني على جناح سفر، وحال شغل. أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -، ولو قدمنا إن شاء الله لأتيناكم، فصلينا لكم فيه. فلما نزل بذي أوان، أتاه خبر المسجد، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مالك بن الدُّخشم أخا بني سالم بن عوف، ومعن بن عدي، أو أخاه عاصم بن عدي، أخا بني العجلان، فقال: انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله، فاهدماه وحرقاه، فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم بن عوف، وهم رهط مالك بن الدخشم، فقال مالك لمعن: أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي، فدخل إلى أهله، فأخذ سعفًا من النخل، فأشعل فيه نارًا، ثم خرجا يشتدان حتى دخلاه وفيه أهله، فحرقاه وهدماه، وتفرقوا عنه، ونزل فيهم من القرآن مانزل: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}. إلى آخر القصة. وكان الذين بنوه اثنى عشر رجلًا .... (¬36) ". قال الألباني -رحمه الله-: "ضعيف رواه ابن هشام عن ابن إسحاق بدون إسناد. لكن ذكره ابن كثير في التفسير عن ابن إسحاق عن الزهري ويزيد بن رومان وعبد الله بن أبي بكر وعاصم بن عمرو بن قتادة وغيرهم مرسلًا (¬37) ". وقال في (الإرواء): "مشهور في كتب السيرة، وما أرى إسناده يصح (¬38) ". ¬

_ (¬36) الروض الأنف (7/ 321 - 322). (¬37) تخريج فقه السيرة، ص 415. (¬38) إِرواء العليل (5/ 370).

وابن كثير ذكرها في تفسيره (¬39) عن ابن إسحاق عن الزهري ومن ذُكر معه أنفًا، في حين أنها في سيرة ابن إسحاق بدون سند. أما في (البداية والنهاية (¬40)) فلم يذكر سندًا لابن إسحاق، وإنما أحال على التفسير وقد روى الطبري في تفسيره هذا الخبر فقال: "حدثني المثنى، قال: حدثنا معاوية، عن علي عن ابن عباس، قوله: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا} وهم أناس من الأنصار ابتنوا مسجدًا، فقال لهم أبو عامر: ابنوا مسجدكم، واستعدوا بما استطعتم من قوة وسلاح، فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم، فأتي بجند من الروم، فأُخْرِجُ محمدًا وأصحابه، فلما فرغوا من مسجدهم، أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: قد فرغنا من بناء مسجدنا، فنحب أن تصلي فيه، وتدعوا لنا بالبركة، فأنزل الله فيه: {لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ} إلى قوله: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (¬41). وهذا الخبرعلى القول بحسن إسناده - مع أن فيه عبد الله بن صالح، صدوق كثير الغلط، والراوي عنه معاوية بن صالح، صدوق له أوهام، وعلي بن أبي طلحة لم يدرك ابن عباس - ليس فيه التفصيل الذي في رواية ابن إسحاق "على أن ذكر أبي عامر الفاسق فيه مشكل، فإنه قد خرج إلى مكة لما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، فلما افتتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة، خرج إلى الطائف، فلما أسلم أهل الطائف، خرج إلى الشام فمات بها طريدًا وحيدًا غريبًا (¬42) ". ¬

_ (¬39) (2/ 389). (¬40) (5/ 21). (¬41) تفسيرسورة التوبة، الآية: 108. (¬42) انظر: زاد المعاد (3/ 548 - 549).

لكن أخرج الحاكم عن جابر بن عبد الله قال: رأيت الدخان من مسجد الضرار حين انهار. وصححه ووافقه الذهبي (¬43)، فلعل المسجد انهار بأمر الله دون حرق، والله أعلم. ¬

_ (¬43) مستدرك الحاكم (4/ 638).

اشتراط ثقيف أن يضع عنهم الصلاة

اشتراط ثقيف أن يضع عنهم الصلاة قال الإِمام أحمد في مسنده: حدثنا عفان قال: "حدثنا حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص أن وفد ثقيف قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزلهم المسجد ليكون أرقّ لقلوبهم، فاشترطوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا يُحشروا ولايُعشروا ولايُجَبُّوا، ولا يستعمل عليهم غيرهم. قال فقال: "إن لكم أن لا تحشروا ولا تعشروا ولا يستعمل عليكم غيركم، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا خير في دين لا ركوع فيه (¬1) ". وأخرجه أبو داود، ومن طريقه البيهقي في (الدلائل)، قال المنذري: "وقد قيل إن الحسن البصري لم يسمع من عثمان بن أبي العاص (¬2) " وذكره ابن إسحاق في السيرة بدون سند (¬3). وضعّفه الألباني، وقال عن سند الإِمام أحمد وأبي داود: "رجاله ثقات لكن الحسن مدلّس، وقد عنعنه (¬4) " وقال في رده على البوطي: "إسناد منقطع (¬5) " وقد ذكر الحافظ في (التهذيب) (¬6)، أنه لم يسمع من عثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه -. قوله: (أن لا يُحشروا) قال الخطابي: "معناه الحشر في الجهاد والنفير له. (ولا يُعشروا) أي لا يؤخذ عشر أموالهم، وقيل أرادوا الصدقة الواجبة. وقوله (لا يجبُّوا) أي لا يصلُّوا، وأصل التجبية أن يكبّ الإنسان على مقدمه ويرفع مؤخره (¬7) ". ¬

_ (¬1) الفتح الرباني (21/ 207). (¬2) عون المعبود (8/ 267 - 268). (¬3) الروض الأنف (7/ 334). (¬4) تخريج فقه السيرة (ص 417) وكذا في السلسلة الضعيفة (4319) (6/ 308). (¬5) دفاع عن الحديث النبوي والسيرة، ص 37. (¬6) تهذيب التهذيب (2/ 264). (¬7) عون المعبود (8/ 268).

وقد صحّ اشتراطهم أن لا صدقة عليهم ولا جهاد من طريق آخر، قال أبو داود: حدثنا الحسن بن الصبّاح أخبرنا إسماعيل ... عن وهب قال: سألت جابرًا عن شأن ثقيف إذْ بايعتْ؟ قال: اشترطتْ على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا صدقة عليها ولا جهاد، وأنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك يقول: "سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا (¬8) " والحديث سكت عنه المنذري. وأورده الألباني في (الصحيحة) بعد أن عزاه لأحمد عن ابن لهيعة حدثنا أبو الزبير قال: سألت جابرًا .. الحديث. وقال: "وهذا إسناد قوي، وإن كان فيه ابن لهيعة فهو ثقة في نفسه، وقد أمنا سوء حفظه بمجيء الحديث من طريق غيره، فأخرجه أبو داود .. " وذكر الحديث المتقدم ثم قال: "وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات (¬9) " وحسنه شعيب الارناؤوط في تخريجه للزاد (¬10) وعبد القادر الأرناؤوط في تخريجه أحاديث (جامع الأصول) (¬11). ¬

_ (¬8) عون المعبود (8/ 265 - 267). (¬9) سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (1888). (¬10) زاد المعاد (3/ 599). (¬11) (8/ 414).

المصادر والمراجع

المصادر والمراجع 1 - الأثر المقتفى لقصة هجرة المصطفى، أبو تراب الظاهري، دار القبلة، الطبعة الأولى، 2 - أجوبة الحافظ ابن حجر على أسئلة بعض تلامذته .. ، ويليه أجوبة الحافظ العراقي على أسئلة تلميذه الحافظ ابن حجر، تحقيق ودراسة: عبد الرحيم القشقري، أضواء السلف، الرياض، الطبعة الأولى، 1424. 3 - أحاديث الهجرة، جمع وتحقيق ودراسة: د. سليمان السعود، مركز الدراسات الإِسلامية، برمنجهام - بريطانيا، الطبعة الأولى، 1414. 4 - أحكام الجنائز وبدعها، محمَّد ناصر الدين الألباني، المكتب الإ سلامي، الطبعة الرابعة، 1406. 5 - إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، محمَّد ناصر الدين الألباني، المكتب الإِسلامي، الطبعة الثانية، 1405. 6 - أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، تحقيق: يوسف بديوي، دار مكتب التريية، بيروت، 1405. 7 - الاستيعاب في أسماء الأصحاب (بهامش الإصابة) أبوعمر يوسف بن عبد البر، دار الكتاب العربي، بيروت (دون رقم وتاريخ الطبعة) 8 - الإصابة في تمييز الصحابة، أحمد بن حجر العسقلاني، دار الكتاب العربي، بيروت. 9 - الأعلام، قامّوس تراجم ... ، خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة السادسة، 1984. 10 - أقوال سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز في الرجال، فهد بن عبد الله السنيد، دار الوطن، الرياض، الطبعة الأولى، 1422. 11 - الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث، للحافظ ابن كثير، تأليف: أحمد شاكر، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1403.

12 - البحر الزخّار (مسند البزار) للإمام أبي بكر البزار، تحقيق: محفوظ الرحمن زين الله، مؤسسة علوم القرآن، مكتبة العلوم والحكم، الطبعة الأولى. 13 - بداية السُّول في تفضيل الرسول، العزّ بن عبد السلام، تحقيق: محمَّد ناصر الدّين الألباني، المكتب الإِسلامي، الطبعة الرابعة، 1406. 14 - البداية والنهاية، الحافظ إسماعيل ابن كثير، مكتبة المعارف، بيروت، الطبعة الخامسة، 1404. 15 - البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير، للإمام ابن الملقّن، تحقيق: مصطفى أبو الغيط و ... ، دار الهجرة، الثقبة، الطبعة الأولى، 1425. 16 - بيان الحقيقة في الحكم على الوثيقة (وثيقة المدينة)، ضيدان اليامي، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى، 1408. 17 - تاريخ الإِسلام ووفيات المشاهير والأعلام، الحافظ الذهبي، تحقيق: عمر تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الثانية، 1409. 18 - تاريخ خليفة بن خياط، تحقيق: د. أكرم العمري، دار طيبة، الرياض، الطبعة الثانية، 1405. 19 - تاريخ الطبري، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1407. 20 - التاريخ الكبير المعروف بتاريخ ابن أبي خيثمة، تحقيق: صلاح هلل، الفاروق الحديثة للنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، 1424. 21 - تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي، المباركفوري، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، الطبعة الثالثة، 1407. 22 - تخريج أحاديث إحياء علوم الدين، للعراقي وابن السبكي والزبيدي، استخراج: محمَّد الحداد، دار العاصمة، الرياض، الطبعة الأولى، 1408. 23 - تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشّاف للزمخشري، للحافظ الزيلعي، اعتنى به: سلطان بن فهد الطبيشي، دار ابن خزيمة، الرياض، الطبعة الأولى، 1414. 24 - تفسير القرآن العظيم، للحافظ ابن كثير، دار الفكر، بيروت،1401. 25 - تقريب التهذيب، للحافظ ابن حجر، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية، 1395.

26 - تقويم الأزمان لإرشاد ذوي الألباب لمعرفة مبادئ السنين والشهور من طريق الحساب، عبد الله السليم، المطابع الأهلية، الرياض، الطبعة الأولى، 1405. 27 - التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، للحافظ ابن حجر، مكتبة ابن تيمية، القاهرة (دون رقم وتاريخ الطبعة). 28 - التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، للحافظ ابن عبد البر، توزيع مكتبة الأوس، المدّينة النبوية. (دون رقم وتاريخ الطبعة). 29 - تهذيب الأسماء واللغات، للإمام النووي، دار الكتب العلمية، بيروت. (دون رقم وتاريخ الطبعة) 30 - تهذيب التهذيب، للحافظ ابن حجر، مطبعة مؤسسة دائرة المعارف النظامية في الهند، الطبعة الأولى، 1325. 31 - تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، الشيخ عبد الرحمن السعدي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة، 1417. 32 - جامع الأصول في أحاديث الرسول، لابن الأثير الجزري، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، 1405. 33 - جامع التحصيل في أحكام المراسيل، للحافظ العلائي، تحقيق: حمدي السلفي، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الثانية، 1407. 34 - جامع الترمذي،، طبع دار السلام، الرياض، الطبعة الثانية، طبعة خاصة بجهاز الإرشاد والتوجيه بالحرس الوطني، 1421. 35 - الجامع لأحكام القرآن، للإمام القرطبي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1408. 36 - "الجرح والتعديل" للإمام أبي محمَّد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 37 - الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، للإمام ابن القيم، دار الرشد، الرياض (دون رقم وتاريخ الطبعة)

38 - خلاصة الأحكام في مهمات السنن وقواعد الإِسلام، للإمام النووي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1418. 29 - درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة، المقريزي، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى، 1412. 40 - دفاع عن الحديث والسيرة في الرد على جهالات الدكتور البوطي في كتابه: فقه السيرة، محمَّد ناصر الدين الألباني، منشورات مكتبة الخافقين، دمشق (دون رقم وتاريخ الطبعة) 41 - دلائل النبوة، للإمام أبي القاسم الأصبهاني، تحقيق: مساعد الحميد، دار العاصمة، الرياض، النشرة الأولى، 1412. 42 - دلائل النبوة، للإمام البيهقي، دار الريان للتراث، القاهرة، الطبعة الأولى، 1408. 43 - الرحيق المختوم، صفي الرحمن المباركفوري، دار الرحمة، 1411. 44 - الروض الأُنُف في شرح السيرة النبوية لابن هشام، للإمام السهيلي، تحقيق: عبد الرحمن الوكيل، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1410. 45 - زاد المعاد في هدي خير العباد، للإمام ابن القيم، مؤسسة الرسالة، الطبعة السابعة، 1405. 46 - سُبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، محمَّد بن يوسف الصالحين، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1414. 47 - سلسلة الأحاديث الصحيحة الألباني، المكتب الإِسلامي، ثم دار المعارف، الرياض. 48 - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، الألباني، المكتب الإسلامي، ثم دار المعارف، الرياض. 49 - سنن أبي داوود، طبع دار السلام، الرياض، الطبعة الثانية، طبعة خاصة بجهاز الإرشاد والتوجية بالحرس الوطني، 1421. 50 - سنن ابن ماجه، طبع دار السلام، الرياض، الطبعة الثانية، طبعة خاصة بجهاز الإرشاد والتوجية بالحرس الوطني، 1421. 51 - السنن الكبرى للإمام البيهقي، دار المعرفة، بيروت، 1413.

52 - سنن النسائي، طبع دار السلام، الرياض، الطبعة الثانية، طبعة خاصة بجهاز الإرشاد والتوجيه بالحرس الوطني، 1421. 53 - سير أعلام النبلاء، للإمام الذهبي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الرابعة، 1406. 54 - سيرة ابن إسحاق، تحقيق: محمَّد حميد الله، 1401، (دون دار نشر، ورقم الطبعة) 55 - صحيح السيرة النبوبة، المسمّاة: السيرة الذهبية، محمَّد بن رزق بن طرهوني، دار ابن تيمية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1410. 56 - السيرة النبوية الصحيحة د. أكرم العمري، مكتبة العلوم والحكم، المدينة النبوية،1412. 57 - السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، د. مهدي رزق الله، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإِسلامية، الطبعة الأولى، 1412. 58 - شرح بلوغ المرام، د. سلمان بن فهد العودة، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الثانية، 1427. 59 - شرح رياض الصالحين، الشيخ محمَّد بن صالح العثيمين، دار الوطن، الرياض، الطبعة الأولى، 1415. 60 - شرح علل الترمذي، للإمام ابن رجب، تحقيق ودراسة: د. ماهر همام سعيد، مكتبة المنار، الأردن، الطبعة الأولى، 1407. 61 - صحيح الأدب المفرد للإمام البخاري، محمدّ ناصر الدين الألباني، دار الصدّيق، الجبيل، الطبعة الثانية، 1415. 62 - صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مّؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة، 1418. 63 - صحيح البخاري، طبع دار السلام، الرياض، الطبعة الثانية، طبعة خاصة بجهاز الإرشاد والتوجيه بالحرس الوطني، 1421. 64 - صحيح جامع الترمذي، الألباني، مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض، الطبعة الأولى، 1409.

65 - صحيح الجامع الصغير وزيادته، محمَّد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة، 1402. 66 - صحيح سنن ابن ماجة، محمدّ ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى، 1407. 67 - صحيح السيرة النبوية، الألباني، المكتبة الإِسلامية، عَمّان، الطبعة الأولى، 1421. 68 - صحيح مسلم، طبع دار السلام، الرياض، الطبعة الثانية، طبعة خاصة بجهاز الإرشاد والتوجية بالحرس الوطني، 1421. 69 - صحيح مسلم، شرح الأُبي والسنوسي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1415. 70 - صحيح مسلم، بشرح النووي، دار إحياء التراث العربي، بيروت (دون رقم وتاريخ الطبعة) 71 - الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين، مقبل الوادعي، مكتبة دار القدس، صنعاء، الطبعة الأولى، 1411. 72 - صحيح سنن النسائي، الألباني، مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض، الطبعة الأولى، 1409. 73 - ضعيف الجامع الصغير وزيادته، الألباني، المكتب الإِسلامي، الطبعة الثانية،1399. 74 - الضعفاء والمتروكون، للإمام الدارقطني، دراسة وتحقيق: موفق بن عبد الله بن عبد القادر، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى، 1404. 75 - ضعيف سنن أبي داود الألباني، مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض، الطبعة الأولى، 1412. 76 - ضعيف موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، الألباني، دار الصميعي، الرياض، الطبعة الأولى، 1422. 77 - طبقات الشافعية "الكبرى" تاج الدين السبكي، تحقيق: عبد الفتاح الحلو، ومحمود الطناحي، دار إحياء الكتب العربية (دون رقم وتاريخ الطبعة!!) 78 - الطبقات الكبرى لابن سعد، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، 1412. 79 - عون المعبود شرح سنن أبي داود، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثالثة، 1399.

80 - عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، للحافظ أبي الفتح محمَّد ابن سيد الناس اليعمري، تحقيق: محمد العيد الخطراوي، ومحيي الدين مستو، مكتبة دار التراث، المدينة النبوية، دار ابن كثير، دمشق، الطبعة الأولى، 1413. 81 - الغرباء الأولون، سلمان العودة، دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة الأولى، 1410. 82 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري، الحافظ ابن حجر العسقلاني، علق علية: الشيخ عبد العزيز بن باز، دار المعرفة (دون رقم وتاريخ الطبعة) 83 - الفتح الرباني لترتيب مسند الإِمام أحمد بن حنبل الشيباني، أحمد عبد الرحمن البنا، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية (دون تاريخ). 84 - الفتح السماوي بتخريج أحاديث تفسير القاضي البيضاوي، للإمام المناوي، دراسة وتحقيق: أحمد مجتبي بن نذير عالم السلفي، دار العاصمة، النشرة الأولى، 1409. 85 - فتح القدير الجامّع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، للإمام الشوكاني، دار المعرفة، بيروت (دون رقم وتاريخ الطبعة). 86 - الفصول في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، للحافظ ابن كثير، دار الصفا، القاهرة، الطبعة الأولى،1410. 87 - "فضائل الصحابة" للإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: وصي الله عباس، دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة الثانية، 1420. 88 - فقه السيرة، محمَّد الغزالي، خرّج أحاديثة: محمَّد ناصر الدين الألباني، دار القلم، دمشق، الطبعة الثالثة، 1407. 89 - في ظلال القرآن، سيد قطب، دار العلم للطباعة والنشر، جدة، الطبعة الثانية عشرة، 1406. 90 - القول المفيد على كتاب التوحيد، محمَّد بن صالح العثيمين، دار ابن الجوزي، دار العاصمة، الطبعة الأولى 1418. 91 - الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة، للإمام الذهبي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1403.

92 - الكامل في التاريخ، للإمام علي ابن الأثير، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الخامسة، 1405. 93 - لسان العرب، للإمام أبي الفضل محمَّد بن منظور، دار صادر، بيروت (دون رقم وتاريخ الطبعة) 94 - لسان الميزان، الحافظ ابن حجر، دار الكتاب الإِسلامّي، الطبعة الثانية (دون تاريخ). 95 - مجمع الزوائد، للحافظ علي بن أبي بكر الهيثمي، الطبعة الثالثة، 1402. 96 - مجموع فتاوى شيخ الإِسلام ابن تيمية، جمع عبد الرحمن بن قاسم وابنه محمَّد، طُبع بإشراف رئاسة الحرمين. 97 - محمَّد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، منهج ورسالة، بحث وتحقيق، محمَّد الصادق عرجون، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى، 1405. 98 - مختصر استدراك الحافظ الذهبي على مستدرك أبي عبد الله الحاكم، للعلامة ابن الملقّن، تحقيق ودراسة: د. حمد اللحيدان، ود. سعد الحميّد، دار العاصمة، النشرة الأولى، 1411. 99 - مختصر زوائد مسند البزار على الكتب الستة ومسند أحمد، للحافظ بن حجر، مؤسسة الكتب الثقافية، الطبعة الأولى، 1412. 100 - المحلى، للإمام أبي محمَّد علي ابن حزم، تحقيق: أحمد شاكر، دار التراث، القاهرة (دون رقم وتاريخ الطبعة) 101 - المستدرك على الصحيحين، للإمام الحاكم، دار الكتب العلمية، بيروت، 1411 102 - المسند للإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: أحمد محمَّد شاكر، دار المعارف للطباعة والنشر بمصر، 1368 (دون رقم الطبعة) 103 - المسند للإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، إشراف: د. عبد الله التركي، مّؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1417. 104 - المصنف، للإمام عبد الرزاق الصنعاني، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1421. 105 - المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية، للحافظ أحمد بن حجر العسقلاني، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، توزيع عباس لباز، مكة (دون رقم وتاريخ)

106 - المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية، للحافظ ابن حجر، النسخة المحققة، تنسيق: د. سعد السَّري، دار العاصمة، دار الغيث، الطبعة الأولى 1419. 107 - المغازي، محمدّ بن عمر الواقدي، عالم الكتب، بيروت (دون رقم وتاريخ الطبعة) 108 - المغني في "الضعفاء" للإمام الذهبي، تحقيق: حازم القاضي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1418. 109 - مقدمات الشيخ علي الطنطاوي، جمعها: مسجد مكي، دار المنارة، الطبعة الأولى، 1418. 110 - منهاج السنة النبوية، لشيخ الإِسلام ابن تيمية، تحقيق: د. محمَّد رشاد سالم، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، الطبعة الثانية، 1409. 111 - موارد الظمآن إلى زوائد بن حبان، للإمام الهيثمي، دار الكتب العلمية. 112 - موسوعة أهل السنة، عبد الرحمن دمشقية، دار المسلم، الرياض، الطبعة الأولى، 1418. 113 - الموطأ، للإمام مالك بن أنس، ترقيم محمَّد فؤاد عبد الباقي، دار الحديث، القاهرة، الطبعة الثانية، 1413. 114 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال، للإمام الذهبي، دار المعرفة، بيروت (دون رقم وتاريخ الطبعة!) 115 - نصب الراية لأحاديث الهداية، للحافظ الزيلعي، دار الحديث، (دون رقم وتاريخ الطبعة) 116 - النفح الشّذي في شرح جامع الترمذي، لابن سيد الناس، تحقيق: د. أحمد معبد، دار العاصمة، النشرة الأولى، 1409.

§1/1