ما رواه الأساطين في عدم المجيء إلى السلاطين

السيوطي

من روائع الحافظ جلال الدين السيوطي ما رواه الأساطين في عدم المجيء إلى السلاطين ذم القضاء وتقلد الأحكام ذم المكس تحقيق وَدارَسة مجدي فتحي السيد

كتاب قد حوى درراً ... بعين الحسن ملحوظة لهذا قلت تنبيهاً ... حقوق الطبع محفوظة لدار الصحابة للتراث بطنطا للنَشرِ - والتحقِيقِ - والتوزيع المراسلات: طنطا ش المديرية - أمَام محَطة بَنزين التعاونِ ت: 331587 ص. ب: 477 الطبعة الأولى 1411 هـ - 1991 م

المقدمة

المقدمة 1 - تقديم. 2 - بين يدي الكتاب. 3 - ترجمة المصنف. 4 - وصف مخطوطات الكتاب. 5 - عملي في الكتاب.

تقديم

تقديم بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله: نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا. من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (*) {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (**). {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَن فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} ( ... ). وبعد: فهذه صفحات من تراثنا النفيس، نحن في حاجةٍ إليها في خضم هذه الأفكار المستوردة، وتلك المفاهيم الغريبة عن ديننا، البعيدة كل البُعد عن أخلاق أهل ديارنا.

_ (*) سورة آل عمران: 102. (**) سورة النساء: 1. ( ... ) سورة الأحزاب: 70 - 71.

فالحمد لله الذي وفقني إلى إخراجها إلى عالم النور، بعد أن ظلت حبيسة في عالم المخطوطات لقرونٍ طوال. وعلى أملٍ ورجاءٍ بلقاء آخر متجدد مع روائع الجلال السيوطي، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. مجدي فتحي السيد إبراهيم

بين يدي الكتاب

بين يدي الكتاب هذا الكتاب يحتوي على ثلاثة رسائل حديثية من رسائل السيوطي النادرة في بابها. أما الرسالة الأولى فهي تدور حول ما جاء عن العلماء الثقات، أو بعبارة السيوطي نفسه: ما رواه الأساطين في ذم المجيء إلى الأمراء والسلاطين. فمن الأمور التي ذمتها الأحاديث النبوية، والآثار السلفية الدخول إلى قصور الأمراء والسلاطين، لما يفضي بالمرء من ازدراء نعمة الله تعالى عليه، والسكوت عن منكراتهم هيبة لهم، والسعي في إرضائهم على حساب نصوص الشرع. ولقد جلا هذا الأمر خير جلاء العلامة المناوي -رحمه الله- بقوله: إنما كان كذلك لأن من لازمها -يعني أبواب الأمراء- لم يسلم من النفاق، ولم يصب من دنياهم شيئاً إلا أصابوا من دينه أغلى منه، وهذه فتنة عظيمة للعلماء، وذريعة صعبة للشيطان عليهم، سيما مَنْ له لهجة مقبولة، وكلام عذب، وتفاصح، وتشدق، إذ لا يزال الشيطان يلقي إليه: أن في دخولك لهم، ووعظهم ما يزجرهم عن الظلم، ويقيم الشرع، ثم إذا دخل لم يلبث أن يداهن ويطري، وينافق هلك ويهلك (¬1). لذا فقد اشتهر عند السلف الصالح أن علماء السلطان على خطر عظيم، وفي وبالٍ شديد. ولقد أحسن محمود الوراق بقوله: ركبوا المراكب واغتدوا ... زمراً إلى باب الخليفه وصلوا البكور إلى الرواح ... ليبلغوا الرتب الشريفه حتى إذا ظفروا بما ... طلبوا من الحال اللطيفه ¬

(¬1) فيض القدير (3/ 121).

وغدا الموالي منهم ... فرحاً بما تحوي الصحيفه وتعسفوا من تحتهم ... بالظلم والسير العنيفه باعوا الأمانة بالخيانة ... واشتروا بالأمن الجيفه لم ينتفع بالعلم إذ ... شغفته دنياه الشغوفه نسى الإله ولاذ في الد ... نيا بأسباب ضعيفه (¬1). لذا يقف العلامة السيوطي في هذا الكتاب ناصحاً لأهل العلم بأن يصونوا علمهم عن أبواب السلاطين، ولا يشتروا الحياة الدنيا بالآخرة، ويبيعوا الهدى بالضلال. أما الرسالة الثانية فهي في التحذير من تولي القضاء؛ والأحكام بين العباد، ولعل هذا التحذير يبدو جلياً في الحديث النبوي الذي رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من جُعل على القضاء فكأنما ذبح بغير سكين" (¬2). فمعنى هذا الحديث التحذير من طلب القضاء، وفى هذا إيضاح أن القضاء محنة وليست منحة، واختبار، وليس اختيار. ولقد عرف السلف الصالح خطر القضاء، فكانوا يفرون من توليته خوفاً من الوقوع فيما يغضب الله تعالى. فهذا عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- بعد أن ولاه سليمان بن عبد الملك قبل وفاته، يقف عمر خطيباً في الناس، فيقول: "أيها الناس، إني قد ابتليت بهذا الأمر من غير رأي كان مني، ولا طلبة له، ولا مشورة من السلمين، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي، فاختاروا بأنفسكم". ¬

(¬1) جامع بيان العلم وفضله (ص/259) لابن عبد البر. (¬2) حديث صحيح. وسيأتي تخريجه.

والسيوطي في هذه الرسالة ينصح للمسلمين بمعرفة خطر القضاء، وعظم شأنه، فبه قد تضيع الأموال، وتسفك الدماء، وتدنس الأعراض، وبه يكون العدل بين الناس، وإعطاء المظلوم حقه، ورفع الظلم عمن ظلم. فالقضاء أمر عظيم، لذا فالتحذير منه نصيحة غالية لمن يظنون أنه مكسب للسمعة والجاه، ورافع للمنزلة. وهو إنذار لمن ظنوا أنه كنزٌ قد وقعوا عليه فليغتنموه، وليأخذوا منه ما استطاعوا إليه سبيلاً. أما الرسالة الأخيرة فتتحدث عن ذم المكس. وهي نصيحة إلى من يفرضون على الناس من الأموال ما ليس لهم به حق فيأكلون أموال الناس زوراً وبهتاناً. فالمكس: الجباية، والماكس: العشار، لذا فقد قال ابن سيرين لأنس رضي الله عنه: تستعملني على عُشور الناس فأُماكِسُهُم ويماكسوني ومعناه: تستعملني على ما ينقص ديني، لما يخاف من الزيادة والنقصان في الأخذ والترك. ولقد رأيت أن الرسائل الثلاث تنتظم في سلك درٍ واحد، فجمعتها معاً لتمام الفائدة. فذم المجيء إلى أبواب السلاطين، يعقبه البُعد عن تولي القضاء، الذي يكون في الأعم الغالب عن طريق الدخول إلى أبواب الأمراء. وإذا ابتعد المرء عن القضاء فقد صار بعيداً عن أموال الناس، ودمائهم. وأسأل الله العظيم أن يجعل هذه الصفحات في ميزان عملي، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين مجدي فتحي السيد إبراهيم

ترجمة المصنف

ترجمة المصنف (1) نسبه ونشأته العلمية: هو عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين بن الفخر عثمان بن ناظر الدين محمد بن سيف الدين خضر بن نجم الدين أبي الصلاح أيوب بن ناصر الدين محمد بن الشيخ همام الدين الخضري الأسيوطي. ولد بعد المغرب ليلة الأحد مستهل شهر رجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة (849 هـ). حفظ القرآن صغيراً لا يتجاوز الثماني سنوات، وجلس مدرساً للعلم، وهو ابن سبعة عشر عاماً، وأفتى وهو ابن سبعة وعشرين عاماً. وهذا يبين لنا مدى ما كان عليه من حرصٍ على العلم. لقد نشأ يتيماً، ولكن هذا لم يمنعه من المواظبة على دروس العلم، فحفظ "العمدة"، و"منهاج الفقه والأصول"، و"ألفية ابن مالك". وأخذ الفرائض عن العلامة فرضيّ زمانه شهاب الدين الشارمساحي الذي كان يقال: إنه بلغ السن العالية، وجاوز المائة بكثير. ولازم في الفقه علم الدين البُلقيني إلى أن مات. ولازم شيخ الإِسلام شرف الدين المناوي في التفسير، وفي الحديث والعربية لازم تقي الدين الشبلي الحنفي. (2) علمه: تبحر العلامة السيوطي في علوم شتى، فلقد ضرب في كل علم بسهمٍ عظيمٍ، ولقد قال عن نفسه:

(3) مؤلفاته:

"رزقت التبحر في سبعة علوم: التفسير، الحديث، الفقه، النحو، المعاني، البيان، البديع" (¬1). وقال: لما حججتُ شربت من ماء زمزم لأمور، منها أن أصل في الفقه إلى رتبة سراج الدين البلقيني، وفي الحديث إلى رتبة الحافظ ابن حجر. (3) مؤلفاته: له مؤلفات كثيرة، وجدت في كل عصرٍ الإِقبال من الناس عليها، لما حوته من فوائد جليلة. ولقد ألف السيوطي لنفسه رسالة (¬2)، استقصى فيها ما صنف، وهي تُعد فهرسة مؤلفاته، التي وصلت في هذا الفهرست إلى 538 مؤلفاً، وتصنيفها كالتالي: 73 مؤلفاً في التفسير. 205 مؤلفاً في الحديث. 32 مؤلفاً في مصطلح الحديث. 20 مؤلفاً في الفقه. 21 مؤلفاً في الأخلاق وأصول الفقه والدين. 20 مؤلفاً في اللغة والنحو والتصريف. 66 مؤلفاً في المعاني والبيان والبديع. وهذه بعض المؤلفات التي ألفها في شتى مناحي العلم. من مؤلفاته في القرآن وعلومه: 1 - الدر المنثور في التفسير بالمأثور. ¬

(¬1) حسن المحاضرة (1/ 215). (¬2) نشرها الشيخ عبد العزيز السيروان في مقدمة معجم طبقات الحفاظ.

من مؤلفاته الحديثية:

2 - الإِتقان في علوم القرآن. 3 - لباب النقول في أسباب النزول. 4 - الناسخ والمنسوخ في القرآن. 5 - تناسق الدرر في تناسب السور. 6 - الأزهار الفائحة على الفاتحة. 7 - القول الفصيح في تعيين الذبيح. من مؤلفاته الحديثية: 1 - مرقاة السعود إلى سنن أبي داود. 2 - قوت المغتذي على جامع الترمذي. 3 - زهر الربى على المجتبى للنسائي. 4 - مصباح الزجاجة على سنن ابن ماجه. 5 - تنوير الحوالك على موطأ مالك. 6 - جمع الجوامع، وهو كبير، أوله سبحان مبدىء الكواكب اللوامع .. إلخ. 7 - الجامع الصغير من حديث البشير النذير .. طبع عدة طبعات، وقام الشيخ الألباني -حفظه الله- بتحقيقه في قسمين كبيرين، تحت عنوان صحيح الجامع في 6 مجلدات، وضعيف الجامع مثله. ومن مؤلفاته في العقيدة: 1 - شرح الكوكب الوقاد في الاعتقاد. 2 - تنزيه الاعتقاد عن الحلول والاتحاد. ومن مؤلفاته في اللغة والنحو والتصريف: 1 - المزهر في علوم اللغة. 2 - شرح شواهد مغني اللبيب. 3 - النكت على الألفية والكافية والشافية.

ومن مؤلفاته في مصطلح الحديث:

4 - الإِفصاح في لغات النكاح. 5 - الوفية باختصار الألفية. ومن مؤلفاته في مصطلح الحديث: 1 - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي. 2 - شرح ألفية العراقي. 3 - اللمع في أسباب الحديث. 4 - التذنيب في الزوائد على التقريب. 5 - كشف التدليس عن قلب أهل التدليس. ومن مؤلفاته الفقهية: 1 - مختصر الأحكام السلطانية. 2 - الفوائد الممتازة في صلاة الجنازة. 3 - اللمعة في تحقيق الركعة لإدراك الجمعة. ومن مؤلفاته البلاغية: 1 - النكت على تلخيص المفتاح. 2 - ألفية تسمى عقود الجمان في المعاني والبيان. (4) مآخذ العلماء عليه: 1 - ألف بعض الرسائل التي خالفت اعتقاد السلف الصالح، كرسالة المنجلي في تطور الولي، ورسالة نتيجة الفكر في الجهر بالذكر، ورسالة "إتحاف الفرقة برفو الخرقة"، ومسالك الحنفا في والدي المصطفى، ورسالة الخبر الدال على وجود القطب والأوتاد والنجباء والأبدال، ورسالة تنوير الحلك في إمكان رؤية النبي والملك. 2 - اختصر الكثير من كتب سابقيه، ولم يشر إلى الأصل. وعلى كل حالٍ كل يؤخذ منه ويرد عليه إلا المعصوم - صلى الله عليه وسلم -.

وفاته:

وفاته: توفي الإِمام السيوطي -رحمه الله- في سحر ليلة الجمعة تاسع عشر جمادى الأولى من سنة 910 هـ. وكانت وفاته في منزله، وذلك بعد مرض دام لمدة سبعة أيام، وكان يوم وفاته يوماً مشهوداً، صلى عليه المسلمون صلاة الجنازة. فرحمه الله رحمة واسعة، وجزاه كل الخير عن المسلمين، وما بذله من سعي في نشر العلم جعله الله له في ميزان حسناته يوم القيامة. ولمزيد من التفصيل فعليك بالرجوع إلى المصادر والمراجع التالية: 1 - حسن المحاضرة: (1/ 225، 229)، (2/ 296). 2 - الكواكب السائرة: (1/ 226). 3 - شذرات الذهب: (8/ 51). 4 - الضوء اللامع: (1/ 5، 6) (2/ 9)، (4/ 65). 5 - فهرس الفهارس: (/351 - 353). 6 - هدية العارفين: (1/ 534 - 344). 7 - الوافي بالوفيات: (17/ 226 - 231). 8 - كشف الظنون: (1/ 8). 9 - الأعلام للزركلي: (3/ 301 - 302). 10 - خلاصة الأثر: (1/ 2 - 4 - 33)، (3/ 433). والحمد لله أولاً وآخراً.

وصف مخطوطات الكتاب وتوثيق نسبتها للمصنف

وصف مخطوطات الكتاب وتوثيق نسبتها للمصنف جميع مخطوطات هذا الكتاب من محفوظات دار الكتب المصرية، العامرة بذخائر تراثنا النفيس. أما المخطوط الأول فعنوانه: "كتاب ما رواه الأساطين في عدم المجيء إلى السلاطين". يقع الخطوط تحت فن الحديث، برقم (1423)، ومنه صورة ميكروفلمية، ويقع في (24) صفحة، في كل صفحة (21) سطراً، في السطر الواحد (15) كلمة تقريباً. ولقد ذكره السيوطي نفسه ضمن مسلسل مؤلفاته برقم (249) ضمن مؤلفاته في الحديث ومتعلقاته. ونسبه له حاجي خليفة في كشف الظنون (1/ 828)، (2/ 1574). أما المخطوط الثاني فهو بعنوان: "جزء في ذم القضاء وتقلد الأحكام" ويقع في 9 صفحات تحت رمز "مجاميع تيمور" برقم (201). ومنه صورة على ميكروفيلم برقم (14153)، وفي كل صفحة من صفحاته حوالي (23) سطراً، وفي السطر الواحد متوسط (9) كلمات. ولقد ذكره السيوطي نفسه ضمن مؤلفاته كما في فهرست مؤلفاته برقم (81) تحت قائمة الحديث ومتعلقاته. ونسبه له حاجي خليفة في كشف الظنون (1/ 828). أما المخطوط الأخير فهو بعنوان "ذم المكس".

ويقع هذا المخطوط في (5) صفحات، تحت رمز "حديث" برقم (1416)، ومنه نسخة مصورة برقم (22644). ويقع في كل صفحة من صفحاته (21) سطراً، وفي كل سطر (7) كلمات تقريباً. ولقد نسبه السيوطي لنفسه ضمن مؤلفاته الحديثية برقم (101) وخط جميع المخطوطات مقروء واضح. ونسبه له حاجي خليفة (1/ 828) في كشف الظنون.

عملي في الكتاب

عملي في الكتاب لقد حاولت أن أصل بهذا الكتاب إلى أن يكون في حلة بُهية، وصورة زاهية، وهذا بجهدي المقل، وسلكت في صنيعي هذا ما يلي: 1 - قمت بترقيم نصوص الكتاب حتى يسهل قراءتها، والرجوع إليها عند طلبها بغير عناء. 2 - عزوت الآيات القرآنية إلى سورها، ثم خرّجت ما في الكتاب من الأحاديث النبوية، والآثار السلفية، مع ذكر درجة الحديث أو الأثر كلما أمكن إلى ذلك سبيلا. 3 - علقت على بعض الآثار، وذكرت ما اشتملت عليه من فوائد علمية، أو لغوية. 4 - قدمت للكتاب بمقدمة عن الكتاب ومؤلفه، والخطوط ووصفه. 5 - أعددت الفهارس العلمية التي تخدم الكتاب كفهرس الآيات، والأحاديث، والآثار، والأعلام. 6 - وضعت العناوين الداخلية حيث أن المصنف لم يضعها. وأخيراً مع صفحات من تراثنا النفيس أترككم، سائلاً ربي المزيد من التوفيق، والحمد لله رب العالمين. مجدي فتحي السيد إبراهيم طنطا - مصر

الرسالة الأولى ما رواه الأساطين في عدم المجيء للسلاطين للجلال السيوطي رحمه الله تعالى

1 - النهي عن المجيء للسلاطين في السنة النبوية. 2 - أبغض الخلق إلى الله تعالى. 3 - هل يرد الحوض الداخل على السلطان؟ 4 - الفقهاء أمناء الرسل. 5 - العالم مع السلطان في العذاب. 6 - من صفات علماء آخر الزمان. 7 - سلاطين الفتن. 8 - يتفقهون في الدين للدنيا.

النهي عن المجيء للسلاطين في السنة النبوية

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى، هذا ما رواه الأساطين، في عدم المجيء إلى السلاطين: النهي عن المجيء للسلاطين في السنة النبوية 1 - أخرج أبو داود، والترمذي وحسنه، والنسائي، والبيهقي في (شعب الإيمان)، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سكن البادية جفا (¬1)، ومن اتبع الصيد غفل (¬2)، ومن أتى أبواب السلاطين (¬3) افتتن) (¬4). ¬

(¬1) أي غلظ قلبه، وقسا فلا يرق لمعروفٍ وصلة رحم لبعده عن العلماء، وقلة اختلاطه بالفضلاء. (¬2) لحرصه الملهي عن الترحم والرقة أو لأنه إذا اهتم به غفل عن مصالحه، أو لشبهه بالسباع وانجذابه عن الرقة. قال الحافظ ابن حجر: يكره ملازمة الصيد، والإِكثار منه لأنه قد يشغل عن بعض الواجبات، وكثير من المندوبات، ودليله هذا الحديث. وقال ابن المنير: الاشتغال بالصيد لمن عيشه به مشروع، ولمن عرض له وعيشه بغيره مباح، وأما التصيد لمجرد اللهو فهو محل النهي. (¬3) لأنه وإن وافقه في مرامه فقد خاطر بدينه، وإن خالفه فقد خاطر بروحه، ولأنه يرى سعة الدنيا فيحتقر نعمة الله عليه، وربما استخدمه فلا يسلم من الإِثم في الدنيا والعقوبة في العقبى. قاله المناوي في فيض القدير (6/ 153). (¬4) صحيح. وإسناده ضعيف. أخرجه أحمد (1/ 357)، وأبو داود (2859)، والترمذي (2256)، والنسائي (7/ 195 - 196)، والبخاري (9/ 70) في تاريخه الكبير، وأبو نعيم (4/ 72) في الحلية، والطبراني (11030) في الكبير، وفي سنده عند الجميع أبو موسى أحد المجهولين، كما في التقريب (2/ 479) =

أبغض الخلق إلى الله تعالى

2 - وأخرج أبو داود، والبيهقي، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من بدا فقد جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى أبواب السلاطين افتتن، وما ازداد عبد من السلطان دنوا إلا ازداد من الله بعدا) (¬5). 3 - وأخرج أحمد في مسنده، والبيهقي بسند صحيح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من بدا جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى أبواب السلطان افتتن، وما ازداد أحد من السلطان قرباً، إلا ازداد من الله بعداً) (¬6). أبغض الخلق إلى الله تعالى 4 - وأخرج ابن عدي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن في جهنم وادياً تستعيذ منه كل يوم سبعين مرة، أعده الله للقراء المرائين في أعمالهم وإن أبغض الخلق إلى الله عالم السلطان) (¬7). ¬

= * وله شاهد من حديث أبي هريرة، أخرجه أحمد (2/ 371، 440)، وابن عدي (1/ 312) في الكامل، وحسنه الشيخ الألباني كما في الصحيحة (1272). وله شاهدٌ من حديث البراء، أخرجه أحمد (4/ 297) وقال: الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 254): رواه أبو يعلى ورجاله ثقات. (¬5) حديث صحيح. أخرجه البيهقي (10/ 101) في سننه، وانظر السابق. (¬6) حديث صحيح. انظر السابق. (¬7) ضعيف جداً. أخرجه ابن عدي (2/ 468) في الكامل، وابن الجوزي (1/ 133) في العلل المتناهية من طريق أبي الحسن الحنظلي عن بكير بن شهاب بن سيرين عن أبي هريرة. قال ابن عدي: بُكير منكر الحديث، وقال الذهبي: أبو الحسن مجهول، انظر: الميزان (1/ 350). =

5 - وأخرج ابن بلال والحافظ أبو الفتيان الدهستاني في كتاب (التحذير من علماء السوء)، والرافعي في (تاريخ قزوين)، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أبغض الخلق إلى الله تعالى العالم يزور العمال) (¬8). 6 - ولفظ أبي الفتيان: (إن أهون الخلق على الله: العالم يزور العمال) (¬9). 7 - وأخرج ابن ماجه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أبغض القراء إلى الله تعالى الذين يزورون الأمراء) (¬10). 8 - وأخرج الديلمي في (مسند الفردوس) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيت العالم يخالط السلطان مخالطة كثيرة فاعلم أنه لص) (¬11). ¬

= * أخرجه بنحوه مختصراً الطبراني (12803) في الكبير من حديث ابن عباس، وقال الهيثمي: رواه الطبراني عن شيخه يحيى بن عبد الله بن عبدويه عن أبيه، ولم أعرفهما، وبقية رجاله رجال الصحيح. قلت: فيه الحسن، وهو مدلسٌ، وقد رواه بالعنعنة. (¬8) حديث موضوع. انظر: إتحاف السادة (1/ 389)، (6/ 127)، ضعيف الجامع (1357) قال المناوي في فيض القدير (2/ 407): فيه محمد بن إبراهيم السياح شيخ ابن ماجه، قال الذهبي: قال البرقاني: سألت عنه الدارقطني فقال: كذاب، وعصام ابن رواد العسقلاني، قال في الميزان: لينه الحاكم، وبكير الدمغاني منكر الحديث. (¬9) انظر السابق. (¬10) حديث ضعيف. أخرجه الترمذي (2383)، وابن ماجه (256)، وابن عدي (5/ 1727) في الكامل، في سنده عمار بن سيف من الضعفاء كما في التقريب (2/ 47)، وانظر: مجمع الزوائد (10/ 388)، اللآليء المصنوعة (2/ 245)، تنزيه الشريعة (2/ 385)، ضعيف الجامع (2459). (¬11) حديث ضعيف. انظر: الفردوس (1077)، وضعيف الجامع (599). * قوله: (فاعلم أنه لص) أي سارق، بمعنى محتال على اقتناص الدنيا، وجذبها إليه من حرامٍ وغيره، كما يحاول السارق إخراج المتاع من الحرز فمخالطته له مؤذية بنظره لجدوى الدنيا الفانية الدنيئة، وإيثارها على الآخرة الباقية، قاله المناوي في فيض القدير (1/ 354).

وأخرج ابن ماجه بسند رواته ثقات، عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أناسا من أمتي سيتفقهون في الدين، ويقرؤون القرآن، ويقولون نأتي الأمراء، فنصيب من دنياهم، ونعتزلهم بديننا ولا يكون ذلك كما لا يجتني من القتاد (¬12) إلا الشوك، كذلك لا يجتنى من قربهم إلا الخطايا) (¬13). 10 - وأخرج الطبراني في (الأوسط) بسند رواته ثقات، عن ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله من أهل البيت أنا؟ فسكت، ثم قال في الثالثة: (نعم ما لم تقم على باب سدة، أو تأتي أميراً فتسأله) (¬14). قال الحافظ المنذري في (الترغيب والترهيب) المراد بالسدة هنا، باب السلطان ونحوه. ¬

(¬12) القتاد: شجر ذو شرك، لا يكون له ثمرٌ سوى الشوك. (¬13) حديث ضعيف. أخرجه ابن ماجه (255) من طريق الوليد بن مسلم عن يحيى بن عبد الرحمن الكندي عن عبيد الله بن أبي بردة عن ابن عباس به. * في سنده الوليد بن مسلم يرويه بالعنعنة، وهو من المدلسين، وفيه ابن أبي بردة، وهو من المقبولين كما في التقريب (1/ 539). ** أخرجه ابن عساكر في تاريخه كما في كنز العمال (28988) وأوله: "سيكون قومٌ بعدي من أمتي يقرأون القرآن .... ". (¬14) حديث ضعيف. أخرجه أبو نعيم في الحلية (1/ 180 - 181) من طريق خالد بن الحارث ثنا طريف بن عيسى العنبري حدثني يوسف بن عبد الحميد قال: لقيت ثوبان. فذكره. * في سنده طريف بن عيسى، ويوسف بن عبد الحميد، وكلاهما من المجهولين كما في الجرح والتعديل (4/ 494)، (9/ 226). ** أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 173) وقال: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات.

هل يرد الحوض الداخل إلى السلطان؟

هل يرد الحوض الداخل إلى السلطان؟ 11 - وأخرج الترمذي وصححه، والنسائي، والحاكم وصححه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيكون بعدي أمراء، فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس مني، ولست منه، وليس بوارد علي الحوض، ومن لم يدخل عليهم، ولم يعنهم على ظلمهم، ولم يصدقهم بكذبهم، فهو مني، وأنا منه، وهو وارد علي الحوض) (¬15). [[وأخرج أحمد، وأبو يعلى، وابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (تكون أمراء تغشاهم غواش وحواش من الناس).]] (*) 12 - وأخرج أحمد وأبو نعيم وابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "سيكون أمراء يغشاهم غواش وخواش من الناس يكذبون ويظلمون فمن دخل عليهم، وصدقهم ¬

(¬15) حديث صحيح: أخرجه أحمد (3/ 321)، والترمذي (609)، (2360)، والنسائي (7/ 161)، وابن حبان (1/ 248، 250، 251)، والحاكم (1/ 79) كلهم من حديث كعب رضي الله عنه، وكذا ابن أبي عاصم (758) في السنة، والطبراني (19/ 134، 135) في الكبير. * له شاهدٌ من حديث أبي سعيد الخدري، أخرجه أحمد (3/ 24)، وابن حبان (1/ 252). ** وله شاهدٌ من حديث خباب، أخرجه أحمد (5/ 111)، (6/ 395)، وابن حبان (1/ 251)، والحاكم (1/ 78)، والطبراني (3627) في الكبير، وكذا ابن أبي عاصم (757) في السنة. ... له شاهدٌ من حديث حذيفة، أخرجه أحمد (5/ 384)، وابن أبي عاصم (759) في السنة. **** له شاهدٌ من حديث النعمان، أخرجه أحمد (4/ 267، 268). * له شاهدٌ من حديث ابن عمر، أخرجه أحمد (2/ 95)، ولؤلؤ (14) في جزئه. (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين الحاصرات ليس في المطبوع

الفقهاء أمناء الرسل

بكذبهم، وأعإنهم على ظلمهم، فأنا بريء منه وهو بريء مني، ومن لم يدخل عليهم، ولم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فهو مني وأنا منه" (¬16). 13 - وأخرج أحمد، والبزار، وابن حبان، في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (سيكون أمراء، من دخل عليهم وأعإنهم على ظلمهم، وصدقهم بكذبهم، فليس مني ولست منه، ولن يرد علي الحوض. ومن لم يدخل عليهم، ولم يعنهم على ظلمهم، ولم يصدقهم بكذبهم فهو مني وأنا منه وسيرد علي الحوض) (¬17). 14 - وأخرج الشيرازي في (الألقاب) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنها ستكون أمراء، فمن صدقهم بكذبهم، وأعإنهم على ظلمهم، وغشي أبوابهم، فليس مني ولست منه، ولا يرد علي الحوض، ومن لم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، ولم يغش أبوابهم، فهو مني وسيرد علي الحوض) (¬18). الفقهاء أمناء الرسل 15 - وأخرج الحسن بن سفيان في مسنده، والحاكم في تاريخه، وأبو نعيم، والعقيلي، والديلمي، والرافعي في تاريخه، عن أنس بن مالك، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬16) انظر السابق. (¬17) انظر السابق. (¬18) انظر السابق.

(العلماء أمناء الرسل على عباد الله ما لم يخالطوا السلطان فإذا خالطوا السلطان، فقد خانوا الرسل فاحذروهم، واعتزلوهم) (¬19). ¬

(¬19) حديث ضعيف. أخرجه ابن عبد البر (1/ 185) في جامع بيان العلم وفضله، وابن الجوزي (1/ 263) في الموضوعات، وقال أبو حاتم (2/ 137) في العلل: هذا حديث منكر، يشبه أن يكون في الإسناد رجل لم يسم، وأسقط ذلك الرجل. * قال السخاوي في تخريج أحاديث العادلين (ص/99 - 100) ما يلي: وعن الحاكم من طريق محمد بن حجاج بن عيسى ثنا إبراهيم بن رستم ثنا حفص العبدي عن إسماعيل بن سميع الحنفي عن أنس. فذكره. ورواه الحسن بن سفيان، ومن طريقه أبو نعيم، ومن طريقه الديلمي قال: ثنا مخلد ابن مالك ثنا إبراهيم بن رستم به. ورواه العقيلي في الضعفاء قال: أنا عبد الله بن محمد بن سعدويه المروزي أنا علي بن الحسن المروزي أنا إبراهيم بن رستم ثنا حفص الأيري عن إسماعيل بن سميع به. وقال عقبه: إن حفصاً هذا كوفي، وحديثه غير محفوظ. وأخرجه الديلمي أيضاً من طريق محمد بن يزيد بن سابق ثنا نوح بن أبي مريم عن إسماعيل بن سميع به. ورواه محمد بن معاوية النيسابوري عن محمد بن يزيد عن إسماعيل بن سميع به، وهو حديث لا يصح. أما حفص العبدي، الذي وقع الغلط في اسمه في رواية العُقيلي من بعض الرواة، فقال أحمد: تركنا حديثه وخرقناه، وقال علي بن المديني: ليس بثقة، وقال النسائي: متروك. وأما نوحٌ فهو ضعيف جداً، بل اتهم بالوضع. وأما محمد بن معاوية، فقال ابن معين: إنه كذاب، وقال الأثرم عن أحمد: رأيت أحاديثه موضوعة. قلت: ولتمام البحث عليك بالرجوع إلى المصادر التالية: اللآليء المصنوعة (1/ 114)، تنزيه الشريعة (2/ 84، 267)، تذكرة الموضوعات (24)، كشف الخفاء (132)، الإحياء (1/ 68)، إتحاف السادة (1/ 388). =

العالم مع السلطان في العذاب

16 - وأخرج العسكري، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الفقهاء أمناء الرسل، ما لم يدخلوا في الدنيا ويتبعوا السطان، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم) (¬20). العالم مع السلطان في العذاب 17 - وأخرج الحاكم في تاريخه، والديلمي، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من عالم أتى صاحب سلطان طوعاً، إلا كان شريكه في كل لون يعذب به في نار جهنم) (¬21). 18 - وأخرج أبو الشيخ في (الثواب) عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قرأ الرجل القرآن وتفقه في الدين، ثم ¬

= ** قوله: "أمناء الرسل" فإنهم استودعوهم الشرائع التي جاءوا بها، وهي العلوم والأعمال، فهم أمناء على الوضوء، والصلاة، والصوم، والزكاة، والحج، وعلى الاعتقادات كلها، وكل ما يلزمهم التصديق به، والعلم والعمل، فمن وافق علمه عمله، وسره علنه كان جارياً على سنة الأنبياء فهو الأمين. ومن كان بضد ذلك فهو الخائن، وبين ذلك درجات لذلك قال: (ما لم يخالطوا السلطان). قاله المناوي في فيض القدير (4/ 383). (¬20) حديث ضعيف. قال السخاوي: أخرجه الحاكم في بعض تصانيفه، ومن طريقه الديلمي في مسنده، قلت: انظر: تذكرة الموضوعات (25)، كشف الخفاء (2/ 132)، ضعيف الجامع (4036). * أخرجه أبو نعيم (3/ 194) في الحلية من قول جعفر بن محمد رحمه الله. (¬21) حديث ضعيف. أخرجه الحاكم في تاريخه، انظر: تذكرة الموضوعات (25)، وكشف الخفاء (2/ 271)، ضعيف الجامع (5196)، والمقاصد الحسنة (983)، وتمييز الطيب (1216) وقال: رواه الديلمي عن معاذ بن جبل به مرفوعاً، ولا يصح.

من صفات علماء آخر الزمان

أتى باب السطان، تَمَلُّقاً إليه، وطمعا لما في يده، خاض بقدر خطاه في نار جهنم) (¬22). من صفات علماء آخر الزمان 19 - وأخرج الديلمي، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يكون في آخر الزمان علماء يرغبون الناس في الآخرة ولا يرغبون، ويزهدون الناس في الدنيا ولا يزهدون، وينهون عن غشيان الأمراء ولا ينتهون) (¬23). 20 - وأخرج الديلمي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب الأمراء إذا خالطوا العلماء، ويمقت العلماء إذا خالطوا الأمراء؛ لأن العلماء إذا خالطوا الأمراء رغبوا في الدنيا، والأمراء إذا خالطوا العلماء رغبوا في الآخرة) (¬24). 21 - وأخرج أبو عمرو الداني في كتاب (الفتن) عن الحسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال هذه الأمة تحت يد الله وكنفه، ما لم يماري قراؤها أمراءها) (¬25). ¬

(¬22) حديث ضعيف. أخرجه الديلمي (1134) في الفرودس، وانظر: إتحاف السادة (1/ 390)، (6/ 126)، وضعيف الجامع (728). (¬23) حديث ضعيف. أخرجه الديلمي كما في الفرودس (3422)، وانظر: إتحاف السادة (6/ 126). (¬24) حديث ضعيف. أخرجه الديلمي كما في الفردوس (566)، وانظر: كشف الخفاء (2/ 244)، وإتحاف السادة (6/ 125). (¬25) حديث ضعيف. وإسناده مرسلٌ. أخرجه الديلمي (7595) كما في الفردوس، وضعفه العراقي كما في الإحياء (2/ 149).

22 - وأخرج الحاكم، وصححه، عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أقلوا الدخول على الأغنياء؛ فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله) (¬26). 23 - وأخرج الحكيم الترمذي في (نوادر الأصول) عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال: أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أعرف الحزن في وجهه، فأخذ بلحيته، فقال: (إِنّا لِلَّهِ وَإِنّا إِلَيهِ راجِعون أتاني جبريل آنفاً، فقال لي: إن أمتك مفتتنه بعك بقليل من الدهر، غير كثير، قلت: ومن أين ذلك!؟ قال: من قبل قرائهم وأمرائهم، يمنع الأمراء الناس حقوقهم، فلا يعطونها، وتتبع القراء أهواء الأمراء قلت: يا جبريل! فبم يسلم من يسلم منهم؟ قال: بالكف والصبر، إن أعطوا الذي لهم أخذوه وإن منعوه تركوه) (¬27). ¬

(¬26) حديث ضعيف جداً. أخرجه الحاكم (4/ 312)، وابن عدي (5/ 1731) في الكامل، والعقيلي (3/ 327) في الضعفاء، وانظر: الميزان (5987)، واللسان (4/ 762)، كشف الخفاء (1/ 185)، الإحياء (2/ 143)، وإتحاف السادة (6/ 134). (¬27) حديث ضعيف جداً. أخرجه ابن أبي عاصم (303) في السنة، وابن الجوزي (2/ 368) في العلل المتناهية، من طريق محمد بن حمير عن مسلمة بن علي عن عمر بن ذر عن أبي كلابة، عن أبي مسلم الخولاني عن أبي عبيدة بن الجراح عن عمر به. قال الألباني: إسناده ضعيف جداً، آفته مسلمة عن علي وهو الخشني متروك كما في التقريب. * أورده الحكيم الترمذي في نوادره (ص/210).

سلاطين الفتن

سلاطين الفتن 24 - وأخرج الحاكم، عن عبد الله بن الحارث رضي الله عنه: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (سيكون بعدي سلاطين، الفتن على أبوابهم كمبارك الإبل، لا يعطون أحداً شيئاً، إلا أخذوا من دينه مثله) (¬28). 25 - وأخرج الديلمي، عن أبي الأعور السلمي رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم، وأبواب السلطان). وأخرج الحسن بن سفيان في مسنده والديلمي، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا أبواب السلطان وحواشيها؛ فإن أقرب الناس منها أبعدهم من الله، ومن آثر سلطان على الله، جعل الفتنة في قلبه ظاهرة وباطنة، وأذهب عنه الورع وتركه حيران) (¬29). ¬

(¬28) حديث ضعيف جداً. أخرجه الحاكم (3/ 633) من طريق حسان بن غالب عن ابن لهيعة عن أبي زرعة عمرو بن جرير عن عبد الله بن الحارث به. قال الهيثمي (5/ 246) في مجمع الزوائد: (رواه الطبراني، وفيه حسان ابن غالب، وهو متروك). قلت: وفي سنده ابن لهيعة، وهو في عداد الضعفاء. (¬29) حديث ضعيف. أخرجه الديلمي، والحسن بن سفيان، كما في كنز العمال (6/ 70)، ومن طريق الحسن بن سفيان، أخرجه أبو نعيم (2/ 42) في ذكر أخبار أصبهان من طريق إبراهيم بن الحورالي عن الوليد بن مسلم حدثني عنبسة بن عبد الرحمن القرشي عن عبد الله بن أبي الأسود الأصبهاني عن ابن عمر مرفوعاً به. في سنده عنبسة القرشي، وهو من المتروكين، وقد اتهمه بالوضع أبو حاتم انظر: الميزان (3/ 301). * وأخرجه الخطيب (1/ 341) في تخليص المتشابه من طريق آخر عن أحمد بن ساكن عن أبيه عن نافع عن ابن عمر به. وقال الخطيب: ابن ساكن شيخ في عداد المجهولين.

أناس يتفقهون في الدين للدنيا

أناس يتفقهون في الدين للدنيا 26 - وأخرج ابن عساكر، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول اله صلى الله عليه وسلم: (سيكون قوم بعدي من أمتي، يقرؤون القرآن، ويتفقهون في الدين، يأتيهم الشيطان، فيقول: لو أتيتم السلطان، فأصلح من دنياكم، واعتزلوهم بدينكم! ولا يكون ذلك، كما لا يجتنى من القتاد، إلا الشوك، كذلك لا يجتنى من قربهم إلا الخطايا) (¬30). ¬

= ** له شاهدٌ من حديث علي موقوفاً، أخرجه البخاري (1/ 2/268، 273) في التاريخ الكبير، ومن قول حذيفة، أخرجه ابن عبد البر (1/ 167) في جامع بيان العلم وفضله، ومن قول ابن مسعود، أخرجه ابن عبد البر (1/ 167). (¬30) حديث ضعيف. ضعفه الألباني (3313) في ضعيف الجامع، والسيوطي في الجامع الصغير (4778)، والقتاد شجر له شوك. ولقد صح لفظ "لا يجتنى من الشوك العنب" أخرجه البخاري (5/ 195).

1 - حكم من أتى السلطان تملقاً. 2 - التحذير من مجالسة السلطان. 3 - صفات مذمومة في طلاب العلم. 4 - إياكم ومواقف الفتن. 5 - نصيحة وهب بن منبه لعطاء. 6 - لا تجالس صاحب بدعة. 7 - إياك والأهواء والخصومة. 8 - أحوال السلف الصالح مع الأمراء.

حكم من أتى السلطان تملقا

حكم من أتى السلطان تملقاً 27 - وأخرج هناد بن السري في (الزهد)، عن عبيد بن عمير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما ازداد رجل من السلطان قرباً إلا ازداد من الله بعداً) (¬1). 28 - وأخرج الديلمي، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تقرب من ذي سلطان ذراعاً، تباعد الله منه باعاً) (¬2). 29 - وأخرج الديلمي، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مشى إلى سلطان جائر طوعاً، من ذات نفسه، تملقاً إليه بلقائه، والسلام عليه، خاض نار جهنم بقدر خطاه، إلى أن يرجع من عنده إلى منزله؛ فإن مال إلى هواه، أو شد على عضده لم يحلل به من الله لعنة إلا كان عليه مثلها، ولم يعذب في النار بنوع من العذاب، إلا عذب بمثله) (¬3). 30 - وأخرج أبو الشيخ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) حديث حسن. وإسناده مرسل. وهو من أقسام الضعيف. أخرجه هناد (597) في الزهد، وأبو نعيم (3/ 274) في الحلية عن طريق هناد، وأخرجه وكيع (171) في الزهد من طريق سفيان عن ليث عن رجل عن عبيد بن عمير، وسنده ضعيف أيضاً، وأخرجه السمرقندي (ص/413) في تنبيه الغافلين، مرسلاً أيضاً عن عبيد. * له شاهدٌ من حديث أبي هريرة، أخرجه أحمد (2/ 371، 440) وسنده حسن، راجع السلسلة الصحيحة (3/ 267)، والزهد لوكيع (171). (¬2) حديث ضعيف. انظر: إتحاف (6/ 128، 139) للزبيدي. (¬3) حديث ضعيف. انظر: إتحاف (6/ 126)، كنز العمال (14954).

التحذير من مجالسة الشيطان

(من قرأ القرآن، وتفقه في الدين ثم أتى صاحب سلطان طمعاً لما في يديه، طبع الله على قلبه، وعذب كل يوم بلونين من العذاب، لم يعذب به قبل ذلك) (¬4). 31 - وأخرج الحاكم في تاريخه عن معاذ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ القرآن وتفقه في الدين ثم أتى صاحب سلطان طمعاً لما في يديه خاض بقدر خطاه في نار جهنم) (¬5). 32 - وأخرج البيهقي، عن رجل من بني سليم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم وأبواب السلطان) (¬6). التحذير من مجالسة الشيطان 33 - وأخرج الديلمي، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم ومجالسة السلطان؛ فإنه ذهاب الدين، وإياكم ومعونته فإنكم لا تحمدون أمره) (¬7). 34 - وأخرج ابن أبي شيبة، والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنها ستكون أمراء تعرفون، وتنكرون فمن ناوأهم نجا، ومن اعتزلهم سلم، أو كاد، ومن خالطهم هلك) (¬8). ¬

(¬4) حديث ضعيف. انظر: إتحاف (6/ 126)، وكنز (29068). (¬5) حديث ضعيف. انظر السابق. (¬6) حديث صحيح. رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح، قاله الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 246)، وأخرجه الديلمي (1/ 2/345)، من طريق الطبراني، وابن مندة في (المعرفة) (2/ 62/2)، وابن عساكر (13/ 132/1) من حديث أبي الأعور السلمي كما ذكر الألباني (1253) في الصحيحة، وانظر إتحاف السادة (6/ 126). (¬7) حديث ضعيف. أورده أبو شجاع الديلمي (1536) في الفردوس، وقد سبق تخريجه موقوفاً، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى. (¬8) إسناده ضعيف. صحيح بنحوه. أخرجه الطبراني (10973) في الكبير من طريق الهياج بن بسطام عن ليث عن طاووس عن ابن عباس به مرفوعاً، قال الهيثمي (5/ 228) مجمع الزوائد: فيه هياج بن بسطام، وهو ضعيف.

الداخل على السلطان خاسر لدينه

35 - وأخرج البيهقي، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: (اتقوا أبواب السلطان). وفي (الفردوس) من حديث علي رضي الله عنه مرفوعاً: (أفضل التابعين من أمتي من لا يقرب أبواب السلاطين). وأخرج البيهقي، عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: (إن على أبواب السلطان فتناً كمبارك الإبل، لا تصيبون من دنياهم شيئاً إلا أصابوا من دينكم مثله) (¬9). 36 - وأخرج الدارمي في مسنده عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (من أراد أن يكرم دينه، فلا يدخل على السلطان، ولا يخلون بالنسوان ولا يخاصمن أصحاب الأهواء) (¬10). الداخل على السلطان خاسر لدينه 37 - وأخرج البخاري في تاريخه وابن سعد في (الطبقات) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (يدخل الرجل على السلطان ومعه دينه، فيخرج وما معه شيء) (¬11). 38 - وأخرج ابن سعد في (الطبقات) عن سلمة بن نبيط قال: (قلت لأبي - وكان قد شهد النبي صلى الله عليه وسلم ورآه وسمع منه - يا أبت لو أتيت هذا السلطان فأصبت منهم وأصاب قومك في جناحك؟ قال: أي بني إني أخاف أن أجلس منهم مجلساً يدخلني النار) (¬12). ¬

= قلت: أخرجه بنحوه مسلم (1854)، وأحمد (6/ 295، 302) من حديث أم سلمة رضي الله عنها. (¬9) أخرجه ابن عبد البر (ص/260) في جامع بيان العلم وفضله، من طريق معمر عن قتادة عن ابن مسعود من قوله، وفيه عنعنة قتادة، وهو مدلسٌ. (¬10) أخرجه الدارمي (1/ 90) في سننه من طريق سعيد بن المغيرة عن الوليد بن مسلم عن محمد بن مطوف وعبد العزيز بن إسماعيل عن عبيد الله بن أبي المهاجر. به وفيه عنعنة الوليد وهو مدلس. (¬11) أخرجه البخاري (1/ 1/443) في التاريخ الكبير، وأورده السمرقندي (ص/413) في تنبيه الغافلين، وعنده زيادة: قيل: وكيف ذلك؟ قال يرضيه بما يسخط الله. (¬12) أخرجه ابن سعد (6/ 30) من طريق مؤمل بن إسماعيل عن سفيان عن سلمة ابن نبيط به. وسنده حسن.

صفات مذمومة في طلاب العلم

صفات مذمومة في طلاب العلم 39 - وأخرج الدارمي، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (من طلب العلم لأربع دخل النار: ليباهي به العلماء، ويماري به السفهاء، أو ليصرف به وجوه الناس إليه، أو يأخذ به من الأمراء) (¬13). 40 - وأخرج ابن ماجه، والبيهقي، عن ابن مسعود، قال: لو أن أهل العلم صانعوا العلم، ووضعوه عند أهله، لسادوا به أهل زمانهم ولكنهم بذلوه لأهل الدنيا لينالوا به من دنياهم، فهانوا عليهم. سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: (من جعل الهم هماً واحداً هم آخرته، كفاه الله ما همه من أمر دنياه ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك) (¬14). 41 - وأخرج ابن أبي شيبة، عن حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه قال: (ألا! لا يمشين رجل منكم شبراً إلى ذي سلطان) (¬15). ¬

(¬13) حديث صحيح. أخرجه الدارمي (1/ 103) من طريق القاسم بن سلام عن أبي إسماعيل المؤدب عن عاصم الأحول عمن حدثه عن أبي وائل به. وفيه انقطاعٌ. وبنحوه أخرجه الدارمي (1/ 80) من طريق يعلى عن محمد بن عون عن إبراهيم بن عيسى. (¬14) حديث حسن. أخرجه ابن ماجه (257)، (4106)، والحاكم (2/ 443)، (4/ 310)، وابن عدي (6/ 2522) في الكامل من حديث ابن مسعود، وابن عمر، وابن المنكدر مرسلاً، وهو بمجموع طرقه حسن. (¬15) أخرجه ابن أبي شيبة (19579) من طريق الفضل بن دكين عن فطر عن أبي إسحاق عن عمارة بن عبد، وفيه عنعنة أبي إسحاق، وكذا أخرجه أبو نعيم (1/ 277) من طريق معمر عن أبي إسحاق.

إياكم ومواقف الفتن

إياكم ومواقف الفتن 42 - وأخرج ابن أبي شيبة، وأبو نعيم في (الحلية)، عن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال: (إياكم ومواقف الفتن! قيل وما مواقف الفتن؟ قال أبواب الأمير؛ يدخل الرجل على الأمير، فيصدقه بالكذب، ويقول ما ليس فيه) (¬16). 43 - وأخرج ابن هشام (¬17)، عن أبي أمامة الباهلي، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أبعد الخلق من الله، رجل يجالس الأمراء، فما قالوا من جور صدقهم عليه) (¬18). ¬

(¬16) أخرجه أبو نعيم (1/ 277) في الحلية، وابن عبد البر (1/ 260) في جامع بيان العلم، من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن عمارة بن عبد الله عن حذيفة به. وفيه عنعنة أبي إسحاق، وكان يدلس. * أورده السمرقندي (ص/413) في تنبيه الغافلين، والسخاوي (ص/97) في تخريج أحاديث العادلين. (¬17) كذا بالأصل، وفي المراجع ابن عساكر والله أعلم. (¬18) حديث ضعيف. أخرجه ابن عساكر كما في كنز العمال (43761)، واتحاف السادة (6/ 127)، وانظر (مقدمة الجامع الصغير للمصنف). * وأورده أبو شجاع الديلمي في الفردوس (1456) من حديث أنس رضي الله عنه.

نصيحة وهب بن منبه لعطاء

نصيحة وهب بن منبه لعطاء 44 - وأخرج البيهقي، عن وهب بن منبه، أنه قال لعطاء: (إياك وأبواب السلطان! فإن على أبواب السلطان فتناً كمبارك الإبل، لا تصيب من دنياهم شيئاً إلا أصابوا من دينك مثله). 45 - وأخرج ابن أبي شيبة، والبيهقي، عن سلمة بن قيس، قال: لقيت أبا ذر، فقال: (يا سلمة بن قيس ثلاث فاحفظها: لا تجمع بين الضرائر فإنك لن تعدل ولو حرصت، ولا تعمل على الصدقة؛ فإن صاحب الصدقة زائد وناقص، ولا تغش ذات سلطان فإنك لا تصيب من دنياهم شيئاً، إلا أصابوا من دينك أفضل منه) (¬20). 46 - وأخرج البيهقي عن أيوب السختياني قال: قال أبو قلابة: (أحفظ عنى ثلاث خصال: إياك وأبواب السلطان، وإياك ومجالسة أصحاب الأهواء، والزم سوقك فإن الغنى من العافية) (¬21). ¬

(19) إسناده ضعيف. أخرجه أبو نعيم (4/ 39) من طريق عمرو بن أيوب عن الحسن بن حماد ثنا أبو أسامة عن عيسى بن سنان قال: سمعت وهباً فذكره في سنده عيسى بن سنان، وهو لين الحديث، وعنعنة أبي أسامة. (¬20) أخرجه ابن أبي شيبة (19578) عن يعلي بن عبيد عن موسى الجهني عن قيس بن يزيد قال: حدثتنى مولاتي سدرة أن جدي سلمة بن قيس حدثني. فذكره وفيه من لم أجده. (¬21) حديث صحيح. أخرجه ابن عبد البر (ص/257) في جامع بيان العلم، من طريق عبد الله بن محمد بن هانيء عن الحكم بن سنان عن أيوب به. * وأخرجه مختصراً أبو نعيم (2/ 286) في الحلية من طريق الحارث بن أبي أسامة عن سعيد بن عامر عن صالح بن رستم قال: قال أبو قلابة. فذكره. ** وأخرجه أبو نعيم (2/ 287) في الحلية مختصراً، من طريق بشر بن موسى قال: ثنا سليمان بن حرب عن حماد بن يزيد عن أيوب: قال: قال أبو قلابة به. ومن هذا الطريق أخرجه الدارمي (1/ 108) في سننه مختصراً.

لا تجالس صاحب بدعة

لا تجالس صاحب بدعة 47 - وأخرج البيهقي من طريق حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد قال: (لا تجالس صاحب بدعة، ولا صاحب سلطان، ولا تخلون بامرأة) (¬22). 48 - وأخرج البيهقي عن الفضل بن عباس - رضي الله تعالى عنه - قال: كنا نتعلم اجتناب السلطان كما نتعلم سورة من القرآن. 49 - وأخرج البيهقي عن يوسف بن أسباط قال: قال لي سفيان الثوري: (إذا رأيت القاريء يلوذ بالسلطان فاعلم أنه لص، وإذا رأيته يلوذ بالأغنياء فاعلم أنه مرائي، وإياك أن تخدع فيقال لك ترد مظلمة أو تدفع عن مظلومٍ؛ فإن هذه خدعة إبليس اتخذها للقراء سُلماً) (¬23). 50 - وأخرج البيهقي عن أبي شهاب قال: سمعت سفيان الثوري يقول لرجل: (إن دعوك لتقرأ عليهم قل هو الله أحد فلا تأتهم) (¬24) قيل لأبي شهاب من تعني؟ قال: السلطان (¬25). ¬

(¬22) حديث صحيح. أخرجه أبو نعيم (3/ 21) من طريق عبد الله بن أحمد عن إبراهيم بن الحسن الباهلي عن حماد بن زيد به، وأورده الذهبي (6/ 293) في السير، وابن الجوزى (3/ 307) في صفة الصفوة. (¬23) أخرجه أبو نعيم (6/ 387) في الحلية، من طريق الكرابيسي عن أبي صالح عن يوسف بن أسباط به. (¬24) أخرجه أبو نعيم (6/ 387) من طريق سلمة عن أحمد بن يونس عن أبي شهاب عبد ربه. (¬25) أخرجه مطولاً أبو نعيم (6/ 376) في الحلية.

إياك والأهواء والخصومة

51 - وأخرج عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: أدركت بضعة عشرة رجلاً من التابعين يقولون: (لا تأتوهم، ولا تأمروهم يعني السلطان). إياك والأهواء والخصومة 52 - وأخرج البيهقي عن أحمد بن عبيد الله قال سمعت رجلاً يسأل الشورى أوصني؟ قال: (إياك والأهواء، وإياك والسلطان) (¬26). 53 - وأخرج البيهقي عن بكر بن محمد العابد سمعت سفيان الثوري (إن في جهنم واد تستغيث منه جهنم كل يوم سبعين مرة، أعده الله للقراء الزائرين السلطان) (¬27). 54 - وأخرج أبو نعيم في الحلية من طريق هشام بن عباد قال: سمعت جعفر بن محمد يقول: (الفقهاء أمناء الرسل، فإذا رأيتهم الفقهاء قد ركنوا إلى السلطان فاتهموهم) (¬28). ¬

(¬26) أخرجه أبو نعيم (7/ 28). (¬27) أخرجه ابن عبد البر (ص/257) من طريق علي بن أبي سالم عن بكر بن محمد به. (¬28) أخرجه أبو نعيم (3/ 194) في الحلية من طريق أحمد بن بديل عن عمر اليامي عن هشام بن عباد به. * وقال السخاوي في تخريج أحاديث العادلين (ص/99): قد روى في ذلك حديث مرفوع، أخرجه الحاكم في بعض تصانيفه، ومن طريقه الديلمي في مسنده. ** وقال ابن أبي حاتم (2/ 137 - 138) في العلل: حديث منكر.

55 - وأخرج ابن النجار في تاريخه من طريق ابن دريد عن جابر بن حيان أنه قيل له: مالك لا تأتي السلطان؟ قال: يكفيني الذي تركتهم له (¬29). 56 - وأخرج الخطيب البغدادي في تاريخه من طريق ابن دريد عن أبي حاتم عن القعنبي عن أبيه قال: قال عيسى بن موسى: وهو يومئذ أمير الكوفة لابن شبرمة: مالك لا تأتينا؟ قال: أصلحك الله، إن أتيتك فقربتني فتنتني، وإن أبعدتني آذيتني، وليس عندي ما أخاف عليه، وليس عندك ما أرجو فما رد عليه شيئاً (¬30). 57 - وأخرج الرافعي في تاريخ قزوين عن عبد الله بن السدي قال: كتب أبو بكر بن عياش إلى عبد الله بن المبارك: إن كان الفضل بن موسى الشيباني لا يداخل السلطان فاقرئه مني السلام. 58 - (فصل) ذهب جمهور العلماء من السلف وصلحاء الخلف إلى أن هذه الأحاديث والآثار جارية على إطلاقها، سواء دعوه إلى المجيء، أم لا، وسواء دعوه لمصلحة دينية أم لغيرها (¬31). ¬

(¬29) فيه ابن دريد، وقد قال الدارقطني: تكلموا فيه، انظر: لسان الميزان (5/ 132 - 133). (¬30) أورده السمرقندى (ص/416) في تنبيه الغافلين. (¬31) يقول ابن عبد البر: معنى هذا الباب كله في السلطان الجائر الفاسق، فأما العادل منهم الفاضل فمداخلته، ورؤيته، وعونه على الصلاح من أفضل أعمال البر، ألا ترى أن عمر بن عبد العزيز إنما كان يصحبه جلة العلماء مثل عروة بن الزبير، وطبقته، وابن شهاب وطبقته. وإذا حضر العالم عند السلطان، وقال خيراً، ونطق بعلم كان حسناً، وكان في ذلك رضوان الله إلى يوم يلقاه، ولكنها مجالس الفتنة فيها أغلب، والسلامة منها ترك ما فيها. انظر: جامع بيان العلم (ص/262 - 263).

أحوال السلف الصالح مع الأمراء

59 - قال سفيان الثوري: (إن دعوك لتقرأ عليهم: قل هو الله أحد، فلا تأتهم) (32) رواه البيهقي، كما تقدم. أحوال السلف الصالح مع الأمراء 60 - وروى أبو نعيم في الحلية عن ميمون بن مهران: أن عبد الله بن عبد الملك بن مروان قدم المدينة، فبعث حاجبه إلى سعيد بن المسيب فقال له: أجب أمير المؤمنين! قال: وما حاجته؟ قال: لتتحدث معه. فقال: لست من حداثه. فرجع الحاجب إليه فأخبره، قال: دعه (33). 61 - قال البخاري في تاريخه: (سمعت آدم بن أبي إياس يقول: شهدت حماد بن سلمة ودعاه السلطان فقال: اذهب إلى هؤلاء! لا والله لا فعلت) (34). 62 - وقال الخطيب، عن حماد بن سلمة: أن بعض الخلفاء أرسل إليه رسولا يقول له: إنه قد عرضت مسألة، فأتنا نسألك. فقال للرسول: قل له: (إنا أدركنا أقواما لا يأتونا أحدا لما بلغهم من الحديث فإن كانت لك مسألة فاكتبها في رقعة نكتب لك جوابها).

(32) سبق تخريجه. (33) حديث صحيح. أخرجه ابن سعد (5/ 130) في الطبقات الكبرى، وأبو نعيم (2/ 169) في الحلية، وأورده الذهبي (34/ 226) في السير، كلهم من طريق كثير بن هشام عن جعفر بن برقان عن ميمون به. وقال ابن سعد: وأنبأنا عبد الله بن جعفر حدثنا أبو المليح عن ميمون به. (34) حديث صحيح. وأخرجه أبو نعيم (6/ 251) في الحلية من طريق البخاري عن آدم بن أبي إياس به.

63 - وأخرج أبو الحسن بن فهر في كتاب (فضائل مالك)، عن عبد الله بن رافع وغيره قال: قدم هارون الرشيد المدينة، فوجه البرمكي إلى مالك، وقال له: احمل إليّ الكتاب الذي صنفته حتى أسمعه منك). فقال للبرمكي: (أقرئه السلام وقل له: إن العلم يزار ولا يزور) فرجع البرمكي إلى هارون الرشيد، فقال له: يا أمير المؤمنين! يبلغ أهل العراق أنك وجهت إلى مالك في أمر فخالفك! أعزم عليه حتى يأتيك. فأرسل إليه فقال: قل له يا أمير المؤمنين لا تكن أول من وضع العلم فيضيعك الله. 64 - وقال عمار في تاريخه عن ابن منير: أن سلطان بخاري، بعث إلى محمد بن إسماعيل البخاري يقول: احمل إليّ كتاب (الجامع) و (التاريخ) لأسمع منك. فقال البخاري لرسوله: (قل له أنا لا أذل العلم، ولا آتي أبواب السلاطين فإن كانت لك حاجة إلى شيء منه، فلتحضرني في مسجدي أو في داري) (¬35). 65 - وقال نعيم بن الهيصم في جزئه المشهور: (أخبرنا خلف بن تميم عن أبي همام الكلاعي، عن الحسن أنه مر ببعض القراء على بعض أبواب السلاطين، فقال: أقرحتم جباهكم، وفرطحتم نعالكم، وجئتم بالعلم تحملونه على رقابكم إلى أبوابهم؟! أما إنكم، لو جلستم في بيوتكم لكان خيرا لكم، تفرقوا فرق الله بين أعضائكم) (¬36). ¬

(¬35) أخرجه الخطيب (2/ 33) في تاريخه، والمزي في تهذيب الكمال (338)، وأورده السبكي (2/ 232 - 233) في طبقاته، والذهبي (12/ 464) في السير، وانظر: مقدمة فتح الباري (ص/494). (¬36) أخرجه أبو نعيم (2/ 150 - 151) في اللية من طريق أحمد بن زيادة عن عصمة بن سليمان الحراني عن فضيل بن جعفر عن الحسن به. * أورده ابن الجوزي (3/ 236) في صفة الصفوة. وفي هامش النسخة: حمائمكم: موضع السجود، وفرطحتم: وسعتم.

العلماء ثلاثة

66 - وقال الزجاج في أماليه: (أنبأنا أبو بكر محمد بن الحسن، أخبرني عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي، عن عمه قال: مر الحسن البصري بباب عمر بن هبيرة وعليه القراء فسلم، ثم قال: (ما لكم جلوسا قد أحفيتم شواربكم وحلقتم رؤوسكم، وقصرتم أكمامكم، وفلطحتم نعالكم! أما والله! لو زهدتم فيما عندهم، لرغبوا فيما عندكم، ولكنكم رغبتم فيما عندهم، فزهدوا فيما عندكم فضحتم القراء فضحكم الله). 67 - وأخرج ابن النجار، عن الحسن أنه قال: (إن سركم أن تسلموا ويسلم لكم دينكم، فكفوا أيديكم عن دماء المسلمين، وكفوا بطونكم عن أموالهم، وكفوا ألسنتكم عن أعراضهم ولا تجالسوا أهل البدع، ولا تأتوا الملوك فيلبسوا عليكم دينكم). العلماء ثلاثة 68 - وأخرج أبو نعيم في الحلية عن وهيب بن الورد قال: (بلغنا أن العلماء ثلاث، فعالم يتعلمه للسلاطين، وعالم يتعلمه لينفذ به عند التجار، وعالم يتعلمه لنفسه، لا يريد به إلا أنه يخاف أن يعمل بغير علم، فيكون ما يفسد أكثر مما يصلح) (¬37). 69 - وأخرج أبو نعيم، عن أبي صالح الأنطاكي، قال: سمعت ابن المبارك يقول: (من بخل بالعلم ابتلى بثلاث: إما بموت فيذهب علمه، وإما ينسى، وإما يلزم السلطان فيذهب علمه). ¬

(¬37) أخرجه أبو نعيم (8/ 156) في الحلية، من طريق أحمد الدورقي عن محمد بن يزيد بن خنيس عن وهيب به.

70 - وقال الخطيب البغدادي في كتاب رواه مالك: (كتب إلىّ القاضي أبو القاسم الحسن بن محمد بن الأنباري، من مصر، أنبأنا محمد بن أحمد بن المسور، نبأنا المقدام بن داود الرعيني، نبأنا علي ابن معبد، نبأنا إسحاق بن يحيى، عن مالك بن أنس رحمه الله، قال: (أدركت بضعة عشر رجلا من التابعين يقولون لا تأتوهم، ولا تأمروهم، يعني السلطان). 71 - وقال ابن باكويه الشيرازي في (أخبار الصوفية): (حدثنا سلامة بن أحمد التكريني أنبأنا يعقوب ابن اسحاق، نبأنا عبيد الله بن محمد القرشي، قال: كنا مع سفيان الثوري بمكة، فجاءه كتاب من عياله من الكوفة: بلغت بنا الحاجة أنا نقلي النوى فنأكله فبكى سفيان. فقال له بعض أصحابه: يا أبا عبد الله! لو مررت إلى السلطان، صرت إلى ما تريد! فقال سفيان: (والله لا أسأل الدنيا من يملكها، فكيف أسألها من لا يملكها). 72 - حدثنا عبد الواحد، نبأنا أحمد بن محمد بن حمدون، نبأنا أبو عيسى الأنباري، نبأنا، فتح بن شخرف، نبأنا عبد الله بن حسين، عن سفيان الثوري: إنه كان يقول: (تعززوا على أبناء الدنيا بترك السلام عليهم). 73 - حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، نبأنا ابن حسان، نبأنا أحمد بن أبي الحواري قال: قلت لأبي سليمان تخالف العلماء؟ فغضب وقال: (أرأيت عالماً يأتي باب السلطان فيأخذ دراهمهم). 74 - سمعت عبد الواحد بن بكر يقول: سمعت محمد بن داود الدينوري يقول: سمعت أحمد بن الصلت يقول: (جاء رجل إلى بشر بن الحارث، فقال له: يا سيدي! السلطان يطلب الصالحين، فترى لي أن أختبئ؟ فقال له بشر: (جز من بين يدي، لا يجوز حمار الشوك فيطرحك علينا).

75 - أخبرنا أبو العلاء، سمعت أحمد بن محمد التستري، سمعت زياد بن علي الدمشقي يقول: سمعت صالح بن خليفة الكوفي، يقول: سمعت سفيان الثوري يقول: (إن فجار القراء اتخذوا سلّماً إلى الدنيا فقالوا: ندخل على الأمراء نفرج عن مكروب ونكلم في محبوس).

1 - فضل قيام أهل العلم بصيانته. 2 - أبو حازم الزاهد وأمراء بني أمية. 3 - حماد بن سلمة وأمير العراق. 4 - أحوال مخالطة السلاطين. 5 - سفيان الثوري يعظ أبا جعفر المنصور. 6 - ما ينبغي للعالم التحلي به. 7 - أعز الأشياء في آخر الزمان. 8 - كلام الشعراء في المجيء للسلاطين.

فضل قيام أهل العلم بصيانته

فضل قيام أهل العلم بصيانته 76 - وقال أبو علي الآمدي في تعليقه: (حدثني أبو محمد جعفر بن مصعب ابن الزبير، عن جدة الزبير بن بكار، قال: حدثني أبو المكرم عقبة بن مكرم بن عقبة الضبي عن بريد بن كميت، عن عمار بن سيف، أنه سمع سفيان الثوري يقول: (النظر إلى السلطان خطيئة) (¬1). 77 - وأخرج ابن باكويه، عن الفضيل بن عياض، قال: (لو أن أهل العلم أكرموا على أنفسهم وشحوا على دينهم، وأعزوا العلم وصانوه، وأنزلوه حيث أنزله الله، لخضعت لهم رقاب الجبابرة وانقاد لهم الناس، واشتغلوا بما يعنيهم، وعز الإسلام وأهله لكنهم استذلوا أنفسهم ولم يبالوا بما نقص من دينهم؛ إذا سلمت لهم دنياهم وبذلوا علمهم لأبناء الدنيا ليصيبوا ما في أيديهم، فذلوا وهانوا على الناس) (¬2). 78 - قال الآمدي: حدثني أبو العباس، قال: سمعت: قدم طاهر بن عبد الله بن طاهر من خراسان في حياة أبيه يريد الحج: فنزل في دار إسحاق بن إبراهيم فوجه إسحاق إلى العلماء، فأحضرهم ليراهم طاهر، ويقرأ عليهم فحضر أصحاب الحديث والفقه وأحضر ابن الأعرابي، وأبا نصر صاحب الأصمعي ووجه إلى أبي عبيد القاسم بن سلام في الحضور، فأبى أن يحضر وقال: العلم يُقصد فغضب إسحاق من قوله ورسالته، وكان عبد الله بن طاهر جرى له في الشهر ألفي درهم فلم يوجه إليه إسحاق، وقطع الرزق عنه، وكتب إلى عبد الله بالخبر فكتب إليه: قد صدق أبو عبيد في قوله، وقد أضعفت الرزق له من أجل فعله فأعطاه فأته ورد عليه بعد ذلك ما يستحقه (¬3). ¬

(¬1) أخرجه أبو نعيم (7/ 46) في الحلية. (¬2) أخرجه أبو نعيم (8/ 92) بسنده عن الفضيل قوله: لو كان مع علمائنا صبرٌ ما غدوا لأبواب هؤلاء يعني الملوك، وهو في معنى السابق. (¬3) أورده بنصه ياقوت الحموي (6/ 260 - 261) في معجم الأدباء.

أبو حازم الزاهد وأمراء بني أمية

أبو حازم الزاهد وأمراء بني أمية 79 - وأخرج ابن عساكر، من طريق ابن وهب، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: حدثنا أبو حازم أن سليمان بن هشام بن عبد الملك قدم المدينة فأرسل إلى أبي حازم فدخل عليه فقال: فسلمت وأنا متكئ على عصاي فقيل ألا تتكلم!؟ قلت: وما أتكلم به!؟ ليست لي حاجة فأتكلم فيها، وإنما جئت لحاجتكم التي أرسلتم إليّ فيها، وما كل من يرسل إلى آتيه، ولولا الخوف من شركم ما جئتكم. إني أدركت أهل الدنيا تبعا لأهل العلم حيث كانوا، يقضي أهل العلم لأهل الدنيا حوائج دنياهم وأخراهم، ولا يستغني أهل الدنيا عن أهل العلم لنصيبهم من العلم ثم حال الزمان، فصار أهل العلم تبعا لأهل الدنيا حيث كانوا، فدخل البلاء على الفريقين جميعا. ترك أهل الدنيا النصيب الذي كانوا يتمسكون به من العلم حيث رأوا أهل العلم قد جاؤوهم، وضيّع أهل العلم جسيم ما قسم لهم باتباعهم أهل الدنيا) (¬4). 80 - وأخرج ابن أبي الدنيا، والخرائطي، وابن عساكر، عن زمعة بن صالح، قال: كتب بعض بني أمية إلى أبي حازم أن يرفع إليه حوائجه، فكتب إليه: (أما بعد فقد جاءني كتابك بعزم أن ترفع حوائجي إليك وهيهات! رفعت حوائجي إلى مولاي فما أعطاني منها قبلت، وما أمسك عني منها رضيت) (¬5). 81 - وأخرج ابن عساكر، عن عبد الجبار بن عبد العزيز أبي حازم عن أبيه، عن جده: ¬

(¬4) أخرجه مطولاً أبو نعيم (3/ 234 - 235) في الحلية، وأورده ابن الجوزي (2/ 158 - 159) في صفوة الصفوة، والغزالي (2/ 145) في الإحياء. (¬5) حديث صحيح. أخرجه أبو نعيم (3/ 237) من طريق أحمد بن حنبل عن يحيي بن عبد الرحمن عن زمعة، ومن طريق أحمد بن محمد بن سعيد عن أحمد بن عبيدة عن سفيان بن عيينة به.

أن سليمان بن عبد الملك دخل المدينة، فأقام بها ثلاثا. فقال: ههنا رجل ممن أدرك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ويحدثنا؟ فقيل له: بلى ههنا رجل يقال له أبو حازم فبعث إليه، فجاءه، فقال له سليمان: يا أبا حازم! ما هذا الجفاء أتاني وجوه المدينة كلهم ولم تأتني!؟ قال أبو حازم: إن الناس لما كانوا على الصواب، كانت الأمراء تحتاج إلى العلماء، وكانت العلماء تفر بدينها من الأمراء، فلما رأى ذلك قوم من أذلة الناس تعلموا العلم وأتوا به إلى الأمراء فاستغنت به عن العلماء، واجتمع القوم على المعصية فسقطوا أو تعسوا أو تنسكوا ولو كان علماؤنا هؤلاء يصونون علمهم، لم تزل الأمراء تهابهم) (¬6). 82 - وأخرج البيهقي، وابن عساكر، عن زمعة بن صالح قال: قال الزهري لسليمان أو هشام: ألا تسأل أبا حازم ما قال في العلماء؟ قال يا أبا حازم: ما قلت في العلماء؟ قال: (وما عسيت أن أقول في العلماء إلا خيرا، إني أدركت العلماء وقد استغنوا بعملهم عن أهل الدنيا، ولم تستغن أهل الدنيا بدنياهم عن علمهم فلما رأى ذلك هذا وأصحابه تعلموا العلم فلم يستغنوا به واستغنى أهل الدنيا بدنياهم عن علمهم. فلما رأوا ذلك، قذفوا بعلمهم إلى أهل الدنيا ولم ينلهم أهل الدنيا من دنياهم شيئاً، إن هذا وأصحابه ليسوا علماء إنما هم رواة) (¬7). 83 - وأخرج أبو نعيم، وابن عساكر، عن يوسف بن أسباط قال: أخبرنا نجم: أن بعض الأمراء أرسل إلى أبي حازم فأتاه، وعنده الإفريقي، والزهري وغيرهما فقال له: تكلم يا أبا حازم فقال أبو حازم: (إن خير الأمراء من أحب العلماء، وأن شر العلماء من أحب الأمراء. وكانوا فيما مضى إذا بعث الأمراء إلى العلماء لم يأتوهم، وإذا سألوهم لم يرخصوا لهم وكان الأمراء يأتون العلماء في بيوتهم فيسألونهم، وكان في ذلك صلاح للأمراء وصلاح للعلماء. فلما رأى ذلك ناس من الناس، قالوا: ما لنا لا نطلب العلم حتى نكون مثل هؤلاء! وطلبوا العلم فأتوا الأمراء فحدثوهم فرخصوا لهم فخربت العلماء على الأمراء، وخربت، الأمراء على العلماء (¬8). ¬

(¬6) سبق تخريجه. (¬7) أخرجه أبو نعيم (3/ 233) من طريق يحيي بن عبد الملك عن زمعة بن صالح عن الزهري، وزمعة بن صالح من الضعفاء. (¬8) أخرجه أبو نعيم (3/ 245) من طريق سهل بن شبيب عن سهل بن عاصم عن فرج بن سعيد الصوفي عن ابن أسباط به. =

84 - وأخرج البيهقي في (الزهد)، وابن عساكر، عن سفيان: قال: قال بعض الأمراء لأبي حازم: ارفع إلي حاجتك قال: هيهات! هيهات! رفعتها إلى من لا تختزن الحوائج دونه، فما أعطاني منها قنعت، وما زوى عني منها رضيت، كان العلماء فيما مضى يطلبهم السلطان وهم يفرون منه، وأن العلماء اليوم طلبوا العلم حتى إذا جمعوه بحذافيره، أتوا به أبواب السلاطين، والسلاطين يفرون منهم، وهم يطلبونهم) (¬9). 85 - وأخرج ابن عساكر، عن محمد بن عجلان المدني، قال: أرسل سليمان بن هشام إلى أبي حازم، فقال له: تكلم! قال: (ما لي من حاجة أتكلم بها، ولولا اتقاء شركم ما جئتكم لقد أتى علينا زمان وإنما الأمراء تطلب العلماء فتأخذ مما في أيديهم فتنتفع به، فكان في ذلك صلاح للفريقين جميعا، فطلبت اليوم العلماء الأمراء وركنوا إليهم واشتهوا ما في أيديهم، فقالت الأمراء ما طلب هؤلاء ما في أيدينا حتى كان ما في أيدينا خيرا مما في أيديهم، فكان في ذلك فساد للفريقين كليهما) فقال سليمان بن هشام: صدقت (¬10). 86 - وأخرج ابن عساكر، من طريق أبي قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي قال: حدثنا أبو سعيد الأصمعي، عن أبي الزناد، عن أبيه، قال: (كان الفقهاء كلهم بالمدينة يأتون عمر بن عبد العزيز، خلا سعيد بن المسيب؛ فإن عمر كان يرضى أن يكون بينهما رسول، وكنت الرسول بينهما (¬11). ¬

= وفي سنده سهل بن عاصم، قال أبو حاتم: شيخ، انظر: الجرح والتعديل (4/ 202). (¬9) أخرجه أبو نعيم (3/ 237) في الحلية مختصراً. (¬10) سبق تخريجه بنحوه. (¬11) أخرجه ابن سعد (5/ 122) في طبقاته، وأورده الذهبي (4/ 225) في السير.

حماد بن سلمة وأمير العراق

87 - وأخرج ابن عساكر، عن الأوزاعي، قال: قدم عطاء الخراساني على هشام بن عبد الملك فنزل على مكحول، فقال عطاء لمكحول: ههنا أحد يحركنا؟ - يعني يعظنا - قال: (نعم، يزيد بن ميسرة فأتوه، فقال له عطاء: حركنا رحمك الله، قال: نعم، كانت العلماء إذا علموا عملوا، فإذا عملوا شغلوا، فإذا شغلوا فقدوا، فإذا فقدوا طلبوا، فإذا طلبوا هربوا) قال: أعد علي، فأعاد عليه. فرجع ولم يلق هشاما (¬12). حماد بن سلمة وأمير العراق 88 - وأخرج الخطيب وابن عساكر، عن مقاتل بن صالح الخراساني قال: دخلت على حماد بن سلمة، فبينا أنا عنده جالس؛ إذ دق داق الباب فقال: (يا صبية أخرجي فانظري من هذا! فقالت: هذا رسول محمد بن سليمان الهاشمي - وهو أمير البصرة والكوفة - قال: قولي له يدخل وحده، فدخل وسلم فناوله كتابه، فقال: اقرأه فإذا فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم من سليمان إلى حماد بن سلمة. أما بعد: فصبحك الله بما صبح به أولياءه وأهل طاعته. وقعت مسألة فأتينا نسألك عنها) فقال: (يا صبية هلمي الدواة!) ثم قال: لي: (اقلب الكتاب وكتب: أما بعد فقد صبحك الله بما صبح به أولياءه وأهل طاعته، إنا أدركنا العلماء وهم لا يأتون أحدا؛ فإن وقعت مسألة فأتنا فاسألنا عما بدا لك! وإن أتيتني، فلا تأتني إلا وحدك، ولا تأتني بخيلك ورجلك، فلا أنصحك ولا أنصح نفسي، والسلام) فبينما أنا عنده؛ إذ دق داق الباب فقال: (يا صبية أخرجي فانظري من هذا!) قالت: (هذا محمد بن سليمان، قال: (قولي له يدخل وحده) فدخل، فسلم ثم جلس بن يديه، ثم ابتدأ، فقال: ما لي إذا نظرت إليك امتلأت رعبا!؟ فقال حماد: (سمعت ثابت البناني يقول: سمعت أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ¬

(¬12) أخرجه أبو نعيم (5/ 234) في الحلية، وفيه عنعنة الوليد بن مسلم، وهو مدلسٌ.

أحوال مخالطة السلاطين

(إن العالم إذا أراد بعلمه وجه الله هابه كل شيء، وإذا أراد به أن يكثر به الكنوز، هاب من كل شيء) (¬13) وذكر بقية القصة. 89 - [[وأخرج ابن النجار في تاريخه عن مفلح بن الأسود، قال: قال المأمون ليحيى بن أكثم: إني أشتهي أن أرى بشر بن الحارث. قال: إذا اشتهيت يا أمير المؤمنين، فإلى الليلة ولا يكون معنا بشر. فركبا، فدق يحيى الباب فقال بشر: من هذا؟ قال: من تجب عليك طاعته. قال: وأي شيء تريد؟ قال: أحب لقاك فقال بشر: طائعا أو مكرها قال: ففهم المأمون، فقال ليحيى: اركب فمر على رجل يقيم الصلاة صلاة العشاء الآخرة فدخلا يصليان فإذا الإمام حسن القراءة فلما أصبح المأمون وجه إليه، فجاء به فجعل يناظره في الفقه، وجعل الرجل يخالفه، ويقول: القول في هذه المسألة خلاف هذا فغضب المأمون. فلما كثر خلافه قال: (عهدي بك، كأنك تذهب إلى أصحابك فتقول: خطأت أمير المؤمنين. فقال: والله يا أمير المؤمنين إني لأستحي من أصحابي أن يعلموا أني جئتك! فقال المأمون: الحمد لله الذي جعل في رعيتي من يستحي أن يجيئني، ثم سجد لله شكرا. والرجل إبراهيم بن إسحاق الحربي. (وأخرج ابن النجار في تاريخه عن سفيان الثوري قال: (ما زال العلم عزيزا، حتى حمل إلى أبواب الملوك فأخذوا عليه أجرا، فنزع الله الحلاوة من قلوبهم ومنعهم العلم به). وأخرج البيهقي في (شعب الإيمان) عن بشر الحافي قال: (ما أقبح أن يطلب العالم، فيقال: هو بباب الأمير). وأخرج أيضاً عن الفضيل بن عياض، قال: إن آفة القراء العجب، واحذروا أبواب الملوك فإنها تزيل النعم فقيل: كيف؟ قال: الرجل يكون عليه من الله نعمة ليست له إلى خلق حاجة فإذا دخل إلى هؤلاء فرأى ما بسط لهم في الدور والخدم استصغر ما هو فيه من خير ثم تزول النعم).]] (*) أحوال مخالطة السلاطين 90 - عقد الغزالي في (الإحياء) بابا في مخالطة السلاطين، وحكم غشيان مجالستهم، والدخول عليهم، قال فيه: (اعلم أن لك مع الأمراء والعمال الظلمة، ثلاثة أحوال: الحال الأولى: وهي شرها، أن تدخل عليهم. والثانية: وهي دونها أن يدخلوا عليك. والثالثة: - وهي الأسلم -: أن تعتزل عنهم، ولا تراهم ولا يروك. أما الحالة الأولى: وهي الدخول عليهم، فهي مذمومة جدا في الشرع وفيه تغليظات وتشديدات تواردت بها الأخبار والآثار فننقلها لتعرف ذم الشرع له. ثم نتعرض لما يحرم منه، وما يباح وما يكره، على، ما تقتضيه الفتوى في ظاهر العلم) ثم سرد كثيرا من الأحاديث والآثار التي سبق ذكرها (¬14). ومما أورده مما لم يسبق له ذكر: 91 - (قال سفيان: في جهنم واد لا يسكنه إلا القراء الزوارون للملوك). 92 - وقال الأوزاعي: (ما شيء أبغض إلى الله من عالم يزور عاملا). وقال إسحاق: (ما أسمج بالعالم يؤتى مجلسه ولا يوجد فيسأل عنه فيقال: إنه عند الأمير. وكنت أسمع أنه يقال: إذا رأيتم العالم يزور السلطان فاتهموه على دينكم. أنا ما دخلت قط على هذا إلا وحاسبت نفسي بعد الخروج، فأرمي عليها الدرك مع ما أواجههم به من الغلظة والمخالفة لهواهم). وكان سعيد بن المسيب يتجر في الزيت ويقول: (إن في هذا لغنى عن هؤلاء السلاطين). ¬

(¬13) حديث ضعيف. وأخرجه ابن النجار كما في الكنز (46131)، قال العراقي: هذا معضلٌ، وروى أبو الشيخ ابن حيان في كتاب الثواب من حديث واثلة بن الأسقع، "من خاف الله خوف الله منه كل شيء، ومن لم يخف الله خوفه الله من كل شيء" وللعقيلي في الضعفاء نحوه، من حديث أبي هريرة، وكلاهما منكر. وانظر الكلام علي الحديث في: إتحاف السادة (6/ 136)، تذكرة الموضوعات (20)، والفوائد المجموعة (286). (¬14) الإِحياء (2/ 140 - 141). (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين الحاصرات ورد في المطبوع هكذا: [وأخرج ابن النجار في تاريخه عن مفلح بن الأسود، قال: قال المأمون: ما زال العلم عزيزا، حتى حمل إلى أبواب الملوك فأخذوا عليه أجرا، فنزع الله الحلاوة من قلوبهم ومنعهم العلم به]، ا. هـ، وهو خلط وسقط كما يظهر من النص الكامل أعلاه

93 - وقال وهب: (هؤلاء الذين يدخلون على الملوك، لهم أضر على الأمة من المقامرين). وقال محمد ابن مسلمة: (الذباب على العذرة، أحسن من قارئ على باب هؤلاء) 94 - ولما خالط الزهري السلطان كتب له أخ في الدين: (عافانا الله وإياك يا أبا بكر من الفتن، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن يعرفك أن يدعو لك ويرحمك، أصبحت شيخا كبيرا وقد أثقلتك نعم الله لما فهمك من كتابه وعلمك من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وليس كذلك أخذ الله الميثاق على العلماء. واعلم أن أيسر ما ارتكبت، وأخف ما احتملت، أنك أنست وحشة الظالم، وسهلت سبيل الغي، بدنوك ممن لم يؤد حقا، ولم يترك باطلا حين أدناك، اتخذك قطبا تدور عليك رحايا ظلمهم، وجسرا يعبرون عليك إلى بلائهم وسلما يصعدون فيه إلى ضلالتهم، يدخلون بك الشك على العلماء ويغتالون بك قلوب الجهال، فما أيسر ما عمروا لك في جنب ما أخربوا عليك، وما أكثر ما أخذوا منك فيما أفسدوا عليك من دينك فما يؤمنك أن تكون ممن قال الله فيهم: (فَخَلَفَ مِن بَعدِهِم خَلفٌ أَضاعوا الصَلواةَ وَاِتَبَعوا الشَهَواتِ) (¬15)، وإنك تعامل من لا يجهل، ويحفظ عليك من لا يغفل، فداو دينك فقد دخله سقم وهيء زادك فقد حضره سفر بعيد، وما يخفى على الله شيء في الأرض ولا في السماء والسلام). قال: (فهذه الأخبار والآثار تدل على ما في مخالطة السلاطين من الفتن وأنواع الفساد ولكنا نفصل ذلك تفصيلا فقهيا، نميز فيه المحظور عن المكروه والمباح. فنقول: الداخل على السلطان متعرض لأن يعصي الله إما بفعله، وإما بسكوته، وإما بقوله، وإما باعتقاده ولا ينفك عن أحد هذه الأمور. أما الفعل: فالدخول عليهم في غالب الأحوال يكون إلى دار مغصوبة، وتخطيها والدخول فيها بغير إذن المالك حرام ¬

(¬15) سورة مريم: 59.

والتواضع للظالم لا يباح إلا بمجرد السلام. فأما تقبيل اليد والانحناء في الخدمة فمعصية. وقد بالغ بعض السلف، حتى امتنع عن رد جوابهم في السلام. والإعراض عنهم استحقارا لهم من محاسن القربات. والجلوس على بساطهم؛ إذا كان أغلب أموالهم حراما، لا يجوز. وأما السكوت فإنه يرى في مجلسهم من الفرش الحرير، وأواني الفضة والحرير والملبوس عليهم، وعلى غلمإنهم ما هو حرام. وكل من رأى سيئة وسكت عليها، فهو شريك في تلك السيئة. بل يسمع من كلامهم ما هو فحش، وكذب وشتم، وإيذاء، والسكوت عن جميع ذلك حرام. فإن ما هو فحش، وكذب وشتم، وإيذاء، والسكوت عن جميع ذلك حرام. فإن قلت: إنه يخاف على نفسه، وهو معذور في السكوت فهذا حق ولكنه مستغن عن أن يعرض نفسه لارتكاب ما لا يباح إلا بعذر؛ فإنه لو لم يدخل ولم يشاهد لم يتوجه عليه الخطاب بالحسبة، حتى يسقط عنه بالعذر. ومن علم فسادا في موضع، وعلم أنه لا يقدر على إزالته لا يجوز له أن يحضر ليجري ذلك بين يديه، وهو يشاهده ويسكت بل يحتزر عن مشاهدته. وأما القول: فإنه يدعو للظالم، أو يثني عليه، أو يصدقه فيما يقول من باطل بصريح قوله، أو بتحريك رأسه، أو باستبشار في وجهه أو يظهر له الحب والموالاة، والاشتياق إلى لقائه، والحرص على طول عمره وبقائه. فإنه في الغالب لا يقتصر على السلام، بل يتكلم ولا يعدو كلامه هذا الإمام. وأما دعاؤه فلا يحل له إلا أن يقول: (أصلحك، أو وفقك الله للخيرات أو طول الله عمرك في طاعته) أو ما يجري في هذا المجرى. فأما الدعاء له بالحراسة وطول البقاء وإسباغ النعمة، مع الخطاب بالمولى وما في معناه، فغير جائز، وقال صلى الله عليه وسلم: (من دعى لظالم بالبقاء، فقد أحب أن يعصى الله في أرضه) (¬16). فإن جاوز الدعاء إلى الثناء فيذكر ما ليس فيه، فيكون كاذبا أو منافقا أو مكرماً ¬

(¬16) لم يصح مرفوعاً إنما هو من قول الحسن البصري، أخرجه ابن أبي الدنيا (600) في الصمت، وانظر: الفوائد المجموعة (211) الأسرار المرفوعة (344)، كشف الخفاء (2/ 343)، إتحاف السادة (6/ 133).

لظالم. وهذه ثلاث معاص، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق) (¬17). وفي خبر آخر: (من أكرم فاسقا فقد أعان على هدم الإسلام) (¬18) فإن جاوز ذلك إلى التصديق له فيما يقول، والتزكية على ما يعمل، كان عاصيا بالتصديق وبالإعانة. فإن التزكية، والثناء إعانة على المعصية وتحريك للرغبة فيها كما أن التكذيب والمذمة والتقبيح زجر عنه وتضعيف لدواعيه. والإعانة على المعصية معصية ولو بشطر كلمة. وقد سئل سفيان عن ظالم أشرف على الهلاك في برية: هل يسقى شربة ماء؟ فقال: (لا. دعه يموت فإن ذلك إعانة له). وأيضا فلا يسلم من فساد يتطرق إلى قلبه فإنه ينظر إلى توسعه في النعمة ويزدري نعمة الله عليه ويكون مقتحما نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (يا معشر المهاجرين لا تدخلوا على أهل الدنيا فإنها مسخطة للرزق) (¬19). وهذا مع ما فيه من اقتداء غيره في الدخول، ومن تكثير سواد الظلمة بنفسه وتحميله إياهم إن كان ممن به وكل ذلك إما مكروهات أو ¬

(¬17) حديث ضعيف. أخرجه ابن أبي الدنيا (228)، (229) في الصمت، من حديث أنس، وابن عدي (5/ 1917) في الكامل من حديث بريدة، وانظر الكلام علي رجاله في السلسلة الضعيفة (1399). (¬18) حديث ضعيف. قال العراقي (2/ 88) في الكشف. غريب بهذا اللفظ والمعروف "من وقر صاحب بدعة" الحديث أخرجه ابن عدي من حديث عائشة، والطبراني في الأوسط، وأبو نعيم في الحلية من حديث عبد الله بن بسر بأسانيد ضعيفة وقال ابن الجوزي: كلها موضوعة. انظر الكامل (2/ 498)، (2/ 736) لابن عدي، والحلية (5/ 218) لأبي نعيم. قلت: انظر الكلام عليه في: تذكرة الموضوعات (16)، والموضوعات (1/ 270) لابن الجوزي، وتنزيه الشريعة (1/ 314)، اللآلي المصنوعة (1/ 130). (¬19) حديث ضعيف جداً. أخرجه الحاكم (4/ 312) وقد سقط سنده، والعقيلي (3/ 327) في الضعفاء، وابن عدي (5/ 1731) في الكامل، وانظر الكلام على رجاله في: الميزان (5987)، اللسان (4/ 762)، كشف الخفاء (1/ 185).

محظورات فلا يجوز الدخول عليهم إلا بعذرين. أحدهما: أن يكون من جهتهم أمر إلزام، لا إكرام، وعلم أنه لو امتنع أوذي. والثاني: أن يدخل عليهم في دفع الظلم عن مسلم، فذلك رخصة بشرط أن لا يكذب، ولا يدع نصيحة يتوقع لها قبولا). ثم قال: (فإن قلت: فلقد كان علماء السلف يدخلون على السلاطين فأقول: نعم تعلم الدخول منهم، ثم أدخل عليهم! فقد حكي: أن هشام بن عبد الملك، قدم حاجا إلى مكة فلما دخلها قال: ائتوني برجل من الصحابة) فقيل: يا أمير المؤمنين! فقد تفانوا قال: من التابعين. فأتي بطاوس اليماني فلما دخل عليه، خلع نعليه بحاشية البساط، ولم يسلم بإمرة المؤمنين، ولكن قال: (السلام عليك يا هشام!) ولم يكنه وجلس بإزائه وقال: (كيف أنت يا هشام!) فغضب هشام غضبا شديدا حتى هم بقتله وقال له: (ما حملك على ما صنعت؟!) قال: (وما الذي صنعت؟!). فازداد غضبا وغيظا، فقال: (خلعت نعلك بحاشية بساطي، وما قبلت يدي، ولم تسلم علي بإمرة المؤمنين، ولم تكنني وجلست بإزاي بغير إذن، وقلت: (كيف أنت يا هشام؟) فقال: أما قولك: (خلعت نعلي، بحاشية بساطك، فأنا أخلعها بين يدي رب العالمين كل يوم خمس مرات ولا يعاقبني ولا يغضب علي. وأما قولك: (لم تقبل يدي فإني سمعت علي بن أبي طالب قال: (لا يحل لرجل أن يقبل يد أحد، إلا امرأته بشهوة أو ولده برحمة). وأما قولك: لم تسلم بإمرة المؤمنين، فليس كل الناس راض بإمرتك، فكرهت أن أكذب. وأما قولك: لم تكنني فإن الله تعالى سمى أولياءه وقال: يا داود، يا يحيى، يا عيسى وكني أعداءه فقال: (تَبَّت يَداَ أَبي لَهَبٍ) (¬20) وأما قولك: جلست بإزائي فإني سمعت علي بن أبي طالب يقول: (إذا أردت أن تنظر إلى رجل من أهل النار، انظر إلى رجل جالس وحوله قوم قيام) ¬

(¬20) سورة المسد: 1.

فقال هشام: عظني؟. قال: (سمعت علي بن أبي طالب يقول: (إن في جهنم حيات كالقلال، وعقارب كالبغال تلدغ كل أمير لا يعدل في رعيته) ثم قام وخرج (¬21). 95 - وعن سفيان الثوري قال: (دخلت على أبي جعفر بمنى، فقال لي: ارفع حاجتك؟ فقلت له: (اتق الله! فإنك قد ملأت الأرض جورا وظلما). قال: فطأطأ رأسه، ثم رفع وقال: ارفع لنا حاجتك؟ فقلت: (إنما أنزلت هذه المنزلة بسيوف المهاجرين والأنصار، وأبناؤهم يموتون جوعا، فاتق الله وأوصل إليهم حقوقهم). قال: فطأطأ رأسه ثم رفع وقال: ارفع إلينا حاجتك؟ قلت: (حج عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال لخازنه: كم أنفقت؟ قال: بضعة عشر درهما، وأرى ها هنا أمورا لا تطيق الجمال حملها) (¬22). فهكذا كانوا يدخلون على السلاطين إذا أكرهوا فكانوا يفرون بأرواحهم في الله أعني علماء الآخرة، فأما علماء الدنيا فيدخلون ليتقربوا إلى قلوبهم، فيدلونهم على الرخص، ويستنبطون بدقائق الحيل السعة فيما يوافق أغراضهم) انتهى كلام الغزالي ملخصا. 96 - وفي (أمالي) الشيخ عز الدين بن عبد السلام التي علقها عنه تلميذه الشيخ شهاب الدين القرافي أحد أئمة المالكية، ما نصه: (ومن جملة كلامه - يعني الشيخ عز الدين رضي الله عنه - وقد كتب إليه بعض أرباب الدولة يحضه على الاجتماع بملك وقتهم، والتردد إليه ليكون ذلك مقيما لجاهه وكاتبا لعدوه. فقال رضي الله عنه: (قرأت العلم لأكون سفيراً بين الله وبين خلقه، وأتردد إلى أبواب هؤلاء!) قال القرافي: (فأشار رضي الله تعالى عنه إلى من حمل العلم، فقد صار ينقل عن الله إلى عباده، فهو في مقام الرسالة ومن كان له هذا الشرف لا يحسن منه ذلك). ¬

(¬21) الإحياء (2/ 144 - 145). (¬22) المصدر السابق.

ما ينبغي للعالم التحلي به

ما ينبغي للعالم التحلي به 97 - وقال ابن الحاج في (المدخل): (ينبغي للعالم، بل يتعين عليه أن لا يتردد لأحد من أبناء الدنيا؛ لأن العالم ينبغي أن يكون الناس على بابه، لا عكس الحال أن يكون هو على بابهم ولا حجة له في كونه يخاف من عدو أو حاسد وما أشبههما بمن يخشى أن يشوش عليه، أو يرجو أحد منهم دفع شيء مما يخشاه أو يرجو أن يكون ذلك شيئاً لقضاء حوائج المسلمين من جلب مصلحة لهم أو دفع مضرة عنهم فهذا ليس فيه عذر ينفعه. أما الأول: فلأنه إذا أخذ ذلك بإشراف نفس لم يبارك فيه. وإذا كان خائفا مما ذكر، فذلك أعظم من إشراف النفس، وقد يسلط عليه من يتردد إليه في مصلحة عقوبة له معجلة. وأما الثاني: فهو يرتكب أمرا محظورا محققا لأجل محذور مظنون توقعه في المستقبل. وقد يكون، وقد لا يكون وهو مطلوب في الوقت بعدم ارتكاب ذلك الفعل المذموم شرعا، بل الإعانة على قضاء حوائجه وحوائج المسلمين إنما هو بالانقطاع عن أبواب هؤلاء، والتعويل على الله سبحانه والرجوع إليه فإنه سبحانه هو القاضي للحوائج، والدافع للمخاوف، والمسخر لقلوب الخلق، والمقبل بها على ما شاء، كيف شاء. قال تعالى خطابا لسيد الخلق: (لَو أَنفَقتَ ما في الأَرضِ جَميعاً مّا أَلَّفتَ بَينَ قُلوبِهِم وَلَكِنَّ اللَهَ أَلَّفَ بَينَهُم) (¬23). فذكر سبحانه هذا في معرض الامتنان على نبيه صلى الله عليه وسلم. والعالم إذا كان متبعا له عليه أفضل الصلاة والسلام سيما في التعويل على ربه سبحانه والسكون إليه دون مخلوقاته فإنه سبحانه يعامله بهذه المعاملة اللطيفة التي عامل نبيه صلى الله عليه وسلم، ولبركة الاتباع له صلى الله عليه ويسلم بذلك من التردد إلى أبواب هؤلاء كالذي يفعله بعض الناس، وهو سم قاتل. ويا ليتهم لو اقتصروا على ما ذكر لا غير. بل يضمون إلى ذلك ما هو أشد وأشنع، وهو أنهم يقولون أن ترددهم إلى أبوابهم من باب التواضع، أو من باب إرشادهم إلى الخير إلى غير ذلك مما يخطر لهم، وهو كثير قد عمت به البلوى، ¬

(¬23) سورة الأنفال: 63.

وإذا اعتقدوا ذلك فقد قل الرجاء من توبتهم ورجوعهم. وقد نقل بعض علمائنا أن العدل إذا تردد إلى باب القاضي يكون ذلك حرجة في حقه وترد به شهادته. فإذا كان هذا في التردد إلى باب القاضي وهو عالم من علماء المسلمين، سالم مجلسه مما يجري من مجالس هؤلاء، فكيف التردد إلى غير القاضي، فمن باب أولى وأوجب المنع من ذلك). وقال في موضع آخر: (ينبغي للعالم أنه إذا قطع عنه معلوم المدرسة لا يترك ما كان منه من الاجتهاد ولا يتبرم، ولا يضجر لأنه قد يكون المعلوم قد قطع عنه اختبارا من الله تعالى لكي يرى صدقه في علمه وعمله؛ فإن رزقه مضمون له لا ينحصر في جهة غير أخرى. قال عليه الصلاة والسلام: (من طلب العلم تكفل الله برزقه) (¬24). 99 - ومعناه يسره له من غير تعب ولا مشقة، وإن كان الله تعالى تكلف برزق الخلق أجمعين، لكن حكمة تخصيص العالم بالذكر أن ذلك ييسر له بلا تعب، ولا مشقة، فجعل نصيبه من التعب والمشقة في الدرس والمطالعة والتفهم للمسائل وإلقائها وذلك من الله تعالى على سبيل اللطف به والإحسان إليه وهذا من كرامات العلماء، أعني فهم المسائل وحسن إلقائها، والمعرفة بسياسة الناس في تعلمها، كما أن كرامات الأولياء فيها أشياء أخرى يطول ¬

(¬24) حديث موضوع. أخرجه الخطيب (3/ 180) من طريق محمد بن القاسم ابن هاشم عن أبيه عن يونس بن عطاء عن الثوري عن أبيه عن جده عن زياد بن الحارث به. * وعزاه السيوطي إلي المرهبي في كتاب "فضل العلم" كما في الدر المنثور (4/ 313). ** في سنده يونس بن عطاء، قال ابن حبان: يروي العجائب لا يجوز الاحتجاج بخبره. وقال الحاكم وأبو سعيد النقاش: روى عن حميد الطويل الموضوعات، انظر: الميزان (4/ 482)، واللسان (6/ 333). ... وفي سنده جد الثوري، قال الذهبي: لا أعرف لحد الثوري ذكراً إلا في هذا الخبر، انظر: الميزان (4/ 482).

تعدادها مثل المشي على الماء والطيران في الهواء. وينبغي له أن يصون هذا المنصب الشريف من التردد لمن يرجى أن يعين على إطلاق المعلوم، أو التحدث فيه أو إنشاء معلوم عوضه. وقد حدثني من أثق به أنه رأى بعض العلماء، وكان يدرس في مدرسة وانقطع المعلوم عنه وعن طلبته فقالوا للمدرس: لعلك أن تمشي إلى فلان! وكان من أبناء الدنيا لتجتمع به عسى أن يأمر بإطلاق المعلوم فقال: (والله إني لأستحي من ربي عز وجل أن تكذب هذه الشيبة عنده) فقالوا له: وكيف ذلك!؟ فقال: (إني أصبح كل يوم، أقول: اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت) فأقول هذا وأقف بين يدي مخلوق أسأله في ذلك والله لا فعلته) والعالم أولى من يثق بربه عز وجل في المنع والعطاء، ولا عذر له في الطلب لأجل العائلة لأنه إن ترك ذلك تقية على هذا المنصب الشريف لم يضيع الله الكريم قصده وأتاه به أو فتح له من غيبه ما هو أحسن له من ذلك وأعانه وسد خلته على ما شاء، كيف شاء، وليس رزقه بمخصوص في جهة بعينها، وعادة الله أبدا المستمرة على أنه سبحانه وتعالى يرزق من هذا حاله من غير باب يقصده، أو يؤمله؛ لأن مراد الله تعالى من العلماء انقطاعهم إليه، وتعويلهم في كل أمورهم عليه، ولا ينظرون إلى الأسباب وإلى مسبب الأسباب ومدبرها، والقادر عليها، وكيف لا يكون العالم كذلك وهو المرشد للخلق والموضح الطريق المستقيم للسلوك إليه سبحانه، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيرا منه من حيث لا يحتسب) انتهى. 100 - وفي (طبقات الحنفية) في ترجمة علي بن الحسن الصندلي: (أن السلطان ملك شاة قال له: (لم لا يجيء إلي؟ قال: أردت أن تكون من خير الملوك، حيث تزور العلماء، ولا أكون من شر العلماء حيث أزور الملوك). 101 - وقال ابن عدي في (الكامل): (سمعت أبا الحسين محمد بن المظفر يقول: سمعت مشائخنا بمصر يعترفون لأبي عبد الرحمن النسائي بالتقدم والإمامة ويصفون من اجتهاده في العبادة بالليل، ومواظبته على الاجتهاد، وأنه خرج إلى الغزو مع والي مصر فوصف من شهامته، وإقامته السنن المأثورة، واحترازه عن

أعز الأشياء في آخر الزمان

مجالسة السلطان الذي خرج معه ولم يزل ذلك دأبه إلى أن استشهد رضي الله عنه). وفي (تهذيب الكمال) للمزي في ترجمة أبي يحيى أحمد بن عبد الملك الحراني شيخ البخاري، ما نصه: (قال أبو الحسن الميموني: سألت أحمد بن حنبل عنه فقال: (قد كان عندنا ورأيته كيسا، وما رأيت به بأسا، رأيته حافظا لحديثه، وما رأيت إلا خيرا فقلت: رأيت جماعة يسيئون الثناء عليه. قال: هو يغشى السلطان بسبب ضيعة له) (¬25). أعز الأشياء في آخر الزمان 103 - وفي (تهذيب الكمال) أيضاً بسنده عن رشدين بن سعد قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: سمعت (أعز الأشياء في آخر الزمان ثلاثة: أخ في الله يؤتسى وكسب درهم من حلال، وكلمة حق عند سلطان) (¬26). كلام الشعراء في المجيء للسلاطين 104 - وعن خلف بن تميم قال: سمعت إبراهيم بن أدهم ينشد: أَرى أُناساً بِأَدنى الدينِ قَد قَنَعوا ... وَلا أَراهُم رَضوا في العَيشِ بِالدونِ (¬27) فَاِستَغنِ بِاللَهِ عَن دُنيا المُلوكِ ... كَما اِستَغنى المُلوكُ بِدُنياهُم عَنِ الدينِ 105 - وقال الشاسي في أماليه: (حدثنا أبو بكر ابن الأنباري، حدثني أبي قال: بعث سليمان المهلبي إلى الخيل بن أحمد بمائة ألف درهم، ¬

(¬25) أورده الحافظ المزي (1/ 30) في تهذيب الكمال. (¬26) أخرجه المزي (1/ 49) في تهذيب الكمال. (¬27) المصدر السابق. وأخرجه أبو نعيم (6/ 376) في ترجمة سفيان الثوري.

وسأله في صحبته فرد عليه المائة ألف وكتب إليه بأبيات: أَبلِغ سُلَيمانَ أَنّي عَنهُ في سَعَةٍ ... وَفي غِنى غَيرَ أَنّي لَستُ ذا مالِ سَخِيٌّ بِنَفسي أَنّي لا أَرى أَحَداً ... يَموتُ هُزلاً وَلا يَبقى عَلى حالِ فَالرِزقُ عَن قَدرٍ لا العَجزِ يُنقِصُهُ ... وَلا يَزيدَكَ فيهِ حَولَ (¬28) مُحتالِ وَالفَقرُ في النَفسِ لا في المالِ تَعرِفُهُ ... وَمِثلُ ذاكَ الغِنى في النَفسِ لا المالِ (¬29) 106 - وأخرج أبو نعيم في (الحلية) عن محمد بن وهيب بن هشام قال: أنشدني بعض أصحابي لابن المبارك رحمه الله تعالى: كُلِ الجاوُرسَ (¬30) وَالأَرُزَ ... بِالخُبزِ الشَعيرِ وَاِجعَلَن ذلِكَ طَعاماً ... تَنجُ مِن حَرِّ السَعيرِ وانأى ما استطعت هدا ... ك الله عن باب الأمير (¬31) 107 - وأخرج أبو نعيم في (الحلية) عن أحمد بن جميل المروزي قال: قيل لعبد الله بن المبارك رضي الله عنه وأرضاه أن إسماعيل بن علية قد ولي الصدقات فكتب إليه ابن المبارك: يا جاعِلَ العِلمِ لَهُ بازِياً ... يَصطادُ أَموالَ المَساكينِ اِحتَلتَ الدُنيا وَلَذّاتَها ... بِحيلَةٍ تَذهَبُ بِالدَينِ فَصِرتَ مَجنوناً بِها بَعدَما ... كُنتَ دَواءً لِلمَجانينِ أَينَ رِوايَتُكَ في سَردِها ... لِتَركِ أَبوابِ السَلاطينِ أَينَ رِوايَتُكَ فيما مَضى ... عَنِ اِبنِ عَونِ وَاِبنِ سيرينِ إِن قُلتُ أُكرِهتُ فَذا باطِلٌ ... زَلَّ عَمّارُ العِلمِ في الطينِ قال: فلما قرأ الكتاب بكى واستعفى (¬32). ¬

(¬28) أي احتيال المحتال. (¬29) أورد هذا الخبر: ياقوت الحموي (11/ 75 - 76) في معجم الأدباء، والزبيدي (ص/47) في طبقات النحويين، والقفطي (1/ 244) في إنباه الرواة. (¬30) الجريش: الخبز الغليظ الخشن. (¬31) أورده الذهبي (8/ 414 - 415) في السير، وفي سنده إلى ابن المبارك، الكديمي، وهو ضعيف. (¬32) أخرجه ابن عبد البر (ص/257 - 258) في جامع بيان العلم، وأورده الذهبي (8/ 411 - 412) في السير، وابن الجوزي (4/ 140) في صفوة الصفوة.

108 - ونظير هذا ما أخرجه ابن عساكر في تاريخه من طريق البيهقي، عن الحاكم قال: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر، نبأنا علي بن الحسن بن حبيب الدمشقي، قال: سمعت الناقوسي، وكان من أهل القرآن والعلم، قال سمعت محمد بن عبد الله بن الحكم يقول: سمعت الشافعي يقول: (كان لي صديق يقال له حصين، وكان يبرني ويصلني فولاه أمير المؤمنين السيبن، قال فكتب إليه: خُذها إِلَيكَ فَإِنَّ وُدَّكَ طالِقٌ ... مِنّي وَلَيسَ طَلاقُ ذاتِ البَينِ فَإِنِ اِرعَوَيتَ فَإِنَّها تَطليقَةٌ ... وَيَدومُ وُدُّكَ عَلى ثِنتَينِ وَإِنِ اِلتَوَيتَ شَفَعتَها بِمِثالِها ... وَتَكونُ تَطليقَتَينِ في حَيضَينِ فَإِذا الثَلاثُ أَتَتكَ مِنّي طائِعاً ... لَم تُغنِ عَنكَ وِلايَةَ البَحرَينِ لَم أَرضَ أَن أَهجُرَ حَصيناً وَحدَهُ ... حَتّى اِسوَدَّ وَجهُ كُلِّ حَصينِ 109 - وأخرج أبو نعيم عن محمد بن وهب، قال: أنشدني بعض أصحابنا لابن المبارك: أَلا اِقتَدَيتُم بِسُفيانَ وَمِسعَرِكُم ... وَبِاِبنِ مَغولٍ إِذ يَجمَعهُمُ الوَرَعُ وَبِالتَقِيِّ أَخي طَيءّ فَرابِعُهُم ... زَينُ البِلادِ جَميعاً خَيرُةُ فَرِعُ مِثلُ الفِراخِ تَراهُم في تَهَجُّدِهِم ... سُهدُ العُيونِ فَلا غُمضٌ وَلا هَجَعُ جُلَّسُ البُيوتِ جُثوماً في مَنازِلِهِم ... إِلاّ النَوائِبَ أَو تُزعِجهُمُ الجُمَعُ خُمصُ البُطونِ مَعَ الأَكبادِ جائِعَةٌ ... لا يَطمَعونَ حَراماً خِشيَةَ الفَزَعِ لِلناسِ هَمّ وَهُمُّ القَومِ أَنفُسُهُم ... عِندَ الحَصادِ القَومُ ما زَرَعوا وقال بعضهم: هَيهاتَ اِغتَر بِالسُلطانِ تَأتيهِ ... قَد ضَلَّ والِجُ أَبوابَ السَلاطينِ وقال الإمام أبو القاسم الشاطبي صاحب القصيدة المشهورة: يَلومونَني إِذ ما وَجَدتُ مُلائِماً ... وَمالي مُليماً حينَ سِمتُ الأَكارِما وَقالوا تَعَلَّمَ العُلومَ نِفاقَها ... بِسِحرِ نِفاقٍ يَستَحِقُّ العَزائِما وَقَلِّب جِناها حَولاً قَلباً بِما ... يُدني أُنوفَ الشامِخاتِ رَواغِما وَلا بُدَّ مِن مالٍ بِهِ العِلمُ يُعتَلى ... وَجاهٍ في الدُّنيا يَكُفُّ المَظالِما وَلَولا مَصابيحُ السَلاطينِ لَم تَجِد ... عَلى ظُلُماتِ السّبيلِ بِالحَقِ قائِما فَخالِطهُم وَاِصبِر لِذُلِّ حُجّابِهِم ... تَنَل بِهِم عِزّاً يُسَمّيكَ عالِماً وقال الجمال اللغوي في كتاب (المعجب) ومن خطه نقلت: أخبرني بعض الفضلاء: أن الأمير عز الدين حرسك بعث إلى الشيخ الشاطبي يدعوه للحضور عنده، فأمر الشيخ بعض أصحابه أن يكتب إليه هذه الأبيات وهي قوله: قُل لِلأَميرِ مَقالَةً ... مِن ناصِحٍ فَطنٍ نَبيهِ إِنَّ الفَقيهَ إِذا أَتى ... أَبوابَكُم لا خَيرَ فيهِ وفي (التذييل) للبدر النابلسي: قال سعيد بن إبراهيم بن عبد ربه وقد انقبض عن الملوك في آخر عمره: أَمِن بَعدِ غَوصي في عُلومِ الحَقائِقِ ... وَطولِ اِنبِساطي في مَذاهِبِ خالِقِ وَفي حينِ إِشرافي عَلى مَلَكوتِهِ ... أَرى طالِباً رِزقاً إِلى غَيرِ رازِقي وَقَد أَذِنَت نَفسي بِتَفويضِ خِلِّها ... وَأَسرَعَ في سوقي إِلى المَوتِ سابِقي دونَكَ يا مَن يَرى النُصحَ ذِلَةً ... اِستَوسَعَ فيكَ الشامِتينَ المَراجِما إِذ لَعِبَت صِبيانُهُم بِكَ وَاِبتَغَت ... شُيوخُهُم فيكَ الصُروفَ الفَواتِحا فَقُلتُ مُجيباً لَيسَ يُسعِدُني سِوى ... نَجى الحَشا وَالدَمعُ يَنهَلُ حاجِما إِلى اللَهِ أَشكو وَحدَتي في مَصائِبي ... وَهَذا زَمانُ الصَبرِ لَو كُنتُ حازِما وَكَم زَفَرٌ تَحتَ الضُلوعِ لَهيجُها ... حَكيمٌ يَبيعُ العِلمَ بِالجورِ حاكِما وَكَأَنَّ جِنابَ العِلمِ يَسمو بِأَهلِهِ ... إِلى أَطيَبَ أَنفاسِ الحَياةِ تَواسِما يَرُدّونَ دُرتَ بِهِ زَهرَةَ الدُنيا إِلى ... نَجعَةِ الأُخرى فَيَرتادُ حائِما 110 - وقال الحافظ أبو نصر بن ما كولا: تَجَمَّعَت أَبوابُ المُلوكِ لآِتي ... عَلِمتُ بِما لَم يَعلَمِ الثَقِلانِ رَأَيتُ سُهَيلاً لَم يَحُد عَن طَريقِهِ ... مِنَ الشَمسِ إِلاّ مِن مَقامِ هَوانِ

111 - وقال بعضهم مفرد: هيهات اعتز بالسلطان نائبه ... فقد ضل والج أبواب السلاطين [[وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن زيد بن أسلم قال: كنت مع أبي حازم فأرسل إليه عبد الرحمن بن خالد الأمير أن ائتنا حتى نسألك وتحدثنا. فقال أبو حازم: (معاذ الله أدركت أهل العلم لا يحملون العلم لأهل الدنيا فلن أكون أول من فعل ذلك فإن كان لك حاجة، فأبلغنا) فأرسل إليه عبد الرحمن قد ازددت عندنا بهذا كرامة. انتهى وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.]] (*) ¬

(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين الحاصرات ليس في المطبوع

§1/1