لطائف الذخيرة وطرائف الجزيرة

الأسعد بن مماتي

الفن الأول

الفن الأول من لطائف الذخيرة وطرائف الجزيرة بسم الله الرحمن الرحيم قال ابن مماتي الحمد لله الذي أطلع بدور الفضائل من أفق المغرب، وجمع لهم شوارد المعاني فارتبطوا منها كل معنى مرقص ومطرب، وأباح لهم رياض البلاغة فاقتطعوا منها كل زهر مؤنق معجب، وفتح لهم مستصعب كنوزهم ففازوا منها بالذخائر، وعرفهم حل رموزها فعقدوا من إكسيرها ما قصر عن شأوهم فيه زكريا وجابر. والصلاة والسلام على من آمن برسالته الثقلان، وأخرس بفصاحته كل منطيق ملسان "المؤيد بأقوى حجة وأقوم برهان، المخصوص بمعجزة القرآن، الذي رد عنه طرف من أراد معارضته حسيراً، حين تلا عليهم "قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان لبعضهم لبعض ظهيرا". صلى الله عليه وعلى آله ذوي الأوجه الصبيحة، والألسن الفصيحة، وأصحابه الذين أرشدوا الخلق، وهدوا من ضلّ في تيه الضلال إلى منهج الحق، وقاموا بعده بتبليغ دعوته حتى طبقت الغرب والشرق. وبعد: فلما عضّني الدهر بنابه، وأرغى بي كل غُمرٍ ليس بنابه، رأيت أن الخلاص من أشراك مصائده، فالتوقى من سهام مكائده، لا يُنال إلاّ بالأسفار، وهي بارتكاب الأخطار، فخرجت من مصر خائفا أترقب، هائما لا أدري أين أذهب، حتى أدناني الهرب، إلى مدينة الشَهبَاء حلب، فلجأت إلى جانب سلطانها الملك الظاهر، وتفيأت من ظلال دولته ما أذهب عنّي حرّ الهواجر، وحين وجدته ملجأ للجاني، ومأمنا للعاني، وحرما لا تنفر أطياره، وطودا لا تسهل أوعاره، أنخت به مطايا الترحال، واطلعت بواعث الآمال في المرور من خدمته ببال الإقبال، وقطعت الأهوال في الوصول إليه مختفيا من الرقباء كطيف الخيال، ولحظ خدمتي، وحفظ حرمتي، وأجمل وفادتي، وأجزل إفادتي، وأجراني في الإكرام والاحترام على أنفس عادة سعادتي، وبسط أملي بلسان الإحسان، وقبض وجلي بما أعطاني من الزمان الأمان". تكفل بي الوزير الصاحب الأجل العالم الصدر الإمام الفاضل الكامل، نظام الدين، شمس الإسلام والمسلمين، سيد الوزراء، أوحد الفضلاء، رئيس الرؤساء، تاج الملة، عضد الدولة، كهف الأمة، عمدة الأئمة، خلاصة الخلافة، شرف الإمامة، ذو المآثر والمفاخر مصطنع أمير المؤمنين، ذو البلاغتين، محمد بن الحسين"- أدام الله نفاذ مراسمه، واستحواذ مكارمه، وأمضى عزمه في كف الدهر ورفع مظالمه، فلا زالت أقلامه سود اللمم، شواب الهمم، جارية بأرزاق الأمم، متحدثه ألسنها بما يبهج الموالي ويزعج المعادي من أخبار النعم والنقم، ساعية على رؤوسها في الخدمة الظاهرية بما تظهر به أعلام فتوحها ظهور النار على العلم،- وتلقاني من عام إنعامه بما اقتضته هممه، وتوخاني من إتمام اهتمامه بما أمضته شيمه، وضاعف امتنانه لدي، وملأ بكرمه عيني فضلاً عن يدي، وعاملني بما سرّ القلب، وجاملني بما سرّى الكرب، وجمع لي فيما بين ماله وأدبه، وأطلق خاطري بما أطلق يدي فيه من خزانة كتبه. فكان من جملتها "كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة"، تأليف أبي الحسن علي بن بسّام - رحمه الله -، وهو كتاب جليل المقدار، جميل الآثار؛ منتظم من عقود عقول الفضلاء، وفصوص فصول الأدباء، ما تغص به الأقطاب والأقطار، ويملأ ساحات ساعات الليل والنهار، وأشار -أبقاه الله- إلى أن أختارَ منه الطائل الطائر، ويُقتصَر فيه على النادّ النادر فبادرت إلى المرسوم، وثابرت على العمل بالمفهوم". ووجدت الكتاب المشار إليه يشتمل على أربعة أقسام: الأول: فيما يختصّ بقرطبة وما يصاقبها من مواسطة الأندلس. والثاني: فيما يتعّلق بالجانب الغربي من الأندلس واشبيلية وما يتّصل بذلك من بلاد البحر المحيط. والثالث: في ذكر أهل الجانب الشرقي من الأندلس إلى منتهى كلمة الإسلام هنالك. والرابع: فيمن طرأ على الجزيرة من الفضلاء والأدباء ووصل ذلك بذكر من نجم من الشعراء بافريقية وغيرها من الشام والعراق.

ووجدت المصنف المذكور لم يلزم قانونا في تقديم المقدم وتأخير المؤخر، بل ذكر كل اسم على ما اتفق له من ذكره، وخدم ذلك الاسم بما وجده من أخباره ونظمه ونثره، وألمّ في بعض الأشعار بالتنبيه على ما يشاكلها، والإشارة إلى ما يماثلها. فجردت منه خيار ما ودت فيه، وأظهرت من محاسنه ما كان الإكثار يغمره ويخفيه، وجعلته ثلاثة أجزاء: الأول: في المختار من الأشعار على ولاء ما ألف ونسق ما صنف. الثاني: فيما دلّ ابتسام نواجذه، على دقائق مآخذه، مما تشاكلت معانيه وتماثلت مبانيه. الثالث: في سحر عيون الأخبار، وما يستدل به على أن وجوه الآثار ألسنة الآثار، وسميته "لطائف الذخيرة وطرائف الجزيرة". فإن وافق الغرض، ونهض بالمفترض، وإلاّ فكلّ مجتهد مصيب، وآخذ من العذر بنصيب، إن شاء الله، وهو ثقتي لا معبود سواه. 1- قال الأديب أبو عمر أحمد بن الدراج القسطلي من قصيدة: وقد لمعت حوليك منهم أسنةٌ ... تُخيلُ أن الحزن والسهل نيران أسود هياج ما تزال تراهم ... تطير بهم الكريهة عقبان وقال من أخرى: خوصٌ نفحن بنا البري حتى انثنتْ ... أشلاؤهُنّ كمثل أنصاف البُرى وخططتُ بين جفانها وجُفونها ... حرما أبتْ حُرماتهُ أنْ تُخفرا وقال في قصيدة: أفي مثلها تنبو أياديك عن مثلي ... وهذي الأماني فيكَ جامعةُ الشّملِ وقد أمّن المقْدارُ ما كنتُ أتّقي ... وأرْخَصَت الأيام ما كنت أستغلي وهذا مُقامي منذ تسعٍ وأربعٍ ... رجائي في قيدٍ وحظّي في غلِّ ولم تُصفني خُلقاً أرقّ من الهوى ... ولم تُولني نُعمي ألذّ من الوصل ومن شيمة الماء القراح وإن صفا ... إذا اضطرمَتْ من تحته النارُ أنْ يغلي منها: أبا الأصبغ المعنى هل أنت مُصْرخي ... وهل أنت لي مُغنٍ وهل أنت لي معلي فاكْسو لك الأيام من حرّ ما أشي ... وأملأ سمع الدّهر من سحرِ ما أُملي وقال من قصيدة: وتنبو الرّدينيّات والطولُ وافرٌ ... وينفذُ نصْل السّهم وهو قصير وقال من أخرى: إليك شحنّا الفُلك تهوي كأنّها ... وقد ذعرَتْ من مغرب الشمس غربان على لُججٍ خضرٍ إذا هبّت الصّبا ... ترامى بنا فيها ثبيرٌ وثهلان ومنها: وإنّ بلاداً أخرجتني لعطّلٌ ... وإنّ زمناً خان عهدي لخوّان سلامٌ على الإخوان تسلْيمِ يائس ... وسقياً لدهر كان لي فيه إخوان يودّعهم شخصي بشجو كمثْل ما ... أجابت حفيف السهم عوجاء مرنان فلا مؤنس إلا شهيقٌ وزفرةُ ... ولا مسعد إلا دموع وأشجان قضى عيشهم بعدي وعيشي بعدهمْ ... بأني قد خنتُ الوفاء خانوا ومنها: وجوهٌ كرام في البلاد قبورها ... وأنهم في القلب منّي لسكّانُ وما بليت في الترب إلا تجددت ... عليها من القلب الموجع أحزان متى تلحظوا قصر المرية تنزلوا ... ببحر ندى يمناه درُّ ومرجان وتستبدلوا من موج بحر شجاكم ... ببحر لكم منه لُجينٌ وعقيان ومنها: وأنْسيتَهم حمل القنا، فسلاحهمْ ... عليك إذا لاقوكَ ذلّ وإذعان فيا ذلّ أعلام الهدى بعد عزّهم ... ويا عز أعلام الهدى بك إذ هانوا حفرت لهم في يوم قبْرة بالقَنا ... قبوراً هواء الجوّ منهنّ ملآن فلو نُشر الأملاكُ يومك فيهم ... لألقى إليكَ التاج كسرى وخاقان كتائب بل كتبٌ بنصرك طرزت ... ووجهكَ "بسم الله" والسيف عنوان 2- وقال الوزير أبو المغيرة عبد الوهاب بن حزم من قصيدة: فكم لي فيه من جنابٍ وطئته ... كريماً فلا آسى ولا أتأسّف يمدّ علينا بالسّحاب سرادق ... ويُسحبُ فينا للجنائب مِطرَف ومنها: بدا العَلمُ الفرد الذي كنتُ عالما ... به وسرى العَرف الذي كنتُ أعرفُ ومنها: وركب سرَوا والليل مرْخ عليهمُ ... ستوراً من الظّلماء لا تتكشفُ خبطتُ بهم أكنافه ونجومه ... روائم أظآرٌ على البدر عكّفُ على كل قنْعاسٍ كأنّ لغامَه ... وقد سئم الإرقال قطن مندّفُ هدايا خطوبٍ بات ينحرها السّرى ... ولكنّها من باطن الخف ترعفُ

إلى أن أفاق الصّبحُ ينفض عرفه ... وطائره في غرّة الفجر يهتفُ ومنها: وما نام حتّى لمّ مُفترق العلا ... فها هي عقدٌ في يديه مؤلّف إياسٌ وبسطام بن قيس وحاتمٌ ... وقيس ولقمان بن عادٍ وأحنف وما هذه الأيّام إلاّ مقاولٌ ... تلت سوراً من مجده وهو مصحف وقال من قصيدة: وسللتُ منْ نار الصّبابة صارماً ... وجردتُ من وفد التصابي عسكرا بتنا وبات المسك فينا واشياً ... بمكاننا، والحليُ عنّا مخبرا ورنت بألحاظ تدير كؤوسها ... فينا فنشربها حلالاً مسكرا واللّيل يُلحفني سرابيل الدجى ... جهلاً وقد عانقت صُبحاً مسفرا لو جئنا لرأيت أعجب منظرٍ ... أسدٌ توسّد كفّ ظبي أعفر ومنها: شيمٌ غدت قُرط الزّمان فلم أنم ... حتى نظمتُ عليه شعري جوهراً ومقامةٌ لك في الأعادي قد حمتْ ... أيّام قومٍ قبلها أنْ تذكرا كان اللّسان لها الحسام المنتضَى ... والمنبر العالي الأغرَّ الأشقرا ومنها: غيري الذي اتّخذ المدائح مكسباً ... وسواي من جعل القوافي متجرا 3- وقال الوزير أبو عامر أحمد بن عبد الملك بن شهيد من قصيدة: وأغرّ قد لبس الدجى ... بُرداً فراقك وهو فاحم يحكي بغرته هلا ... لَ الفطر لاح لعين صائم فكأنّما خاض الصّبا ... ح فجاء مُبيضّ القوائم ويسير في يبس الثّرى ... وكأنّه في البحر عائم ومنها: وتمايلت أيدي الثُريّا ... وهي مذهبة الخواتم ورنت ذُكاء بناظرٍ ... رمدٍ من الأقذاء سالم ومنها: الكُفر عنهم قاعدٌ ... قدماً ودين اله قائم حكمَ الزّمان بظلمهم ... دهراً وصرف الدهر ظالم ومنها: قمرٌ تضيء له الخطوب ... على دآديها الفواحم تسري الرّياح بنجده ... فنسيمها بالغور فاغم وقال من قصيدة: ورعيت من وجه السماء خميلةً ... خضراء لاح البدر من غدرانها وكأنّما فيه الثريّا جوهرٌ ... نشرتْ فرائده يدا دبرانها وقال: وما هاج هذا الشّوق إلاّ حمائمٌ ... بكيتُ لها لمّا سمعتُ بكاءها وقال من أخرى: كلّما كلّمني قبّلته ... فهو مهما قال قولاً ردّدا كاد أن يرجع من لثمي له ... وارتشافي الثغر منه أدردا شربت أعطافه خمر الصّبا ... وسقاه الحُسن حتى عربدا قام في الليل بجيد أتلع ... ينفض اللمة من دمع النّدى رشأ بل غادةٌ ممكورةٌ ... عممتْ صبحاً بليل أسودا وقال من قصيدة: إذا نحن أوجهنا إليها تبلجت ... مواردنا عن نيّرات المصادر وقال من قطعة: حتّام أنت على الضّراء مضطجعٌ ... مُعرس في ديار الظُلْم والظُلَم؟ ثم استمرّت بفضل القول تنهضني ... فقلتُ: إني لأستحي بني الحكمِِ المُلحِفين رداء الشمس مجدهم ... والمنعلين الثريّا أخمص القدمِ ومنها: ألممت بالحب حتى لو دنا أحلى ... لما وجدت لطعم الموت من ألم هناك لا تقتفي غير السّماء يدي ... ولا تخف إلى غير العُلا قدمي حتى تراني في أدنى مواكبهم ... على النّعامة شلالاً من النعم قدّام أروع من قومٍ وجدتهم ... أرعى لحقّ العلا من سالف الأمم 4- وقال ذو الوزارتين أبو الوليد بن زيدون: الهوى في طلوع تلك النجوم ... والمنى في هبوب ذاك النسيم سرّنا عيشنا الرقيق الحواشي ... لو يدوم السرور للمستديم ومنها: أيّها المؤذني لظلم الليالي ... ليس يومي بواحد ممن ظلوم ما ترى البدر إن تأملت والشمس ... لما يكسفان دون النجوم ومنها: واحدٌ سلّم الجميع له الفضل ... فكان الخصوص فوق العموم وقال من أخرى: وما استطلتُ ذماء الليل من أسف ... إلاّ على ليلة سرّت مع القصر فهمتُ معنى الهوى من وحي طرفك لي ... إن الحوار لمفهومك من الحور ومنها: إن تطوِ برد شبابي كبرةٌ وأرى ... برق المشيب اعتلى في عارض الشّعر ومنها: هل الرياح بنجم الأرض عاصفةٌ ... أم الكسوف لغير الشّمس والقمر ومنها:

من لم أزل من تأنيه على ثقةٍ ... ولم أبت من تجنيه على حذر كم اشترى بكرى عينيه من سهر ... هدوء عين الهدى في ذلك السهر وقال من قصيدة: ألم يأن أنم يبكي الغمام على مثل ... ويطلب ثأري البرق منصلت النصل أقلي بكاء لست أول حرّةٍ ... طوت بالأسى كشحاً على مضض الثكل وفي أمّ موسى عبرةٌ إذ رمت به ... إلى اليم في التابوت فاعتبري واسلي ولله فينا علْم غيبٍ وحسبنا ... به عند جور الدهر من حكمٍ عدل ومنها: كريمٌ عريقٌ في الكرام وقلما ... يرى الفرع إلا مستمداً من الأصل يرفّ على التأميل لألاء بشره ... كما رفّ لألاء الحسام على الصقل ويغني عن المدح اكتفاءً بغيره ... غنى المقلة الكحلاء عن زينة الكحل ومنها: حمائم شكري صبحتك هوادلاً ... تناديك من أفنان آدابك الهدل جواد إذا استنّ الجياد إلى مدى ... تمطّر فاستولى على أمد الخصل ومنها: وإنّي لتناهى نهايَ عن التي ... أشار بها الواشي ويعقلني عقلي ومنها: ألا إنّ ظنّي بين فعليك واقفٌ ... وقوف الهوى بين القطيعة والوصل وأين جواب منك ترضي به العلا ... إذا سألتني عنك ألسنة الحفل؟ وقال من قصيدة: وفي الرّبرب الإنسي أحوي كناسه ... نواحي ضميري لا الكثيب ولا السقط وقال من قصيدة: ما على ظنّي باس ... يجرح الدّهر وياسو ربّما أشرف بالمرء ... على الآمال ياس ووادي لك نصٌ ... لم يخالفه القياس فادر ذكرى كاساً ... ما امتطت كفّك كاس فعسى أن يسمح الدّهر ... فقط طال الشماس لا يكن عهدك ورداً ... إنّ عهدي لك آس وقال من قصيدة: نكاد حين تناجيكم ضمائرنا ... يقضي علينا الأسى لولا تأسّينا حالت لفقدكم أيامنا فغدت ... سوداً وكانت بكم بيضاً ليالينا إذ جانب العيش طلقٌ من تألفنا ... ومورد اللهو صافٍ من تصافينا لا تحسبوا نأيكم عنّا يغيرنا ... أنْ طالما غيّر النأيُ المحبينا والله ما طلبتْ أهواؤنا بدلاً ... منكم ولا انصرفت عنكم أمانينا يا روضةً طالما جنت لواحظنا ... ورداً جلاه الصّبا غضاً ونسرينا ومنها: فكأنّما لم نبت والوصل ثالثنا ... والسعد قد غض من أجفان واشينا سرّان في خاطر الظلماء يكتمنا ... حتى يكاد لسان الصبح يغشينا إنّا قرأنا الأسى عند النوى سفراً ... مكتوبة وأخذنا الصبر تلقينا أمّا هواك فلم نعدل بمنهله ... شرباً وإن كان يروينا فيظمينا لم نجف أفق جمال أنت كوكبه ... سالين عنه ولم هجره قالينا ومنها: لا أكؤس الرّاح تبدى من شمائلنا ... سيما ارتياحٍ ولا الأوتار تلهينا فما استعدنا خليلاً عنك يصرفنا ... ولا استفدنا حبيباً عنك يسلينا وقال من أخرى: والروض عن مائه الفضّي مبتسمٌ ... كما حللت عن اللبات أطواقاً الآن أحمد ما كنّا لعهدهم ... سلوتم وبقينا نحن عشاقا وقال: لو كان أمري في كتم الهوى بيدي=ما كان يعلم ما في قلبي البدن وقال أيضاً: غريب بأرض الشرق يشكر للصبّا ... تحمّلها منه السلام إلى الغرب وما ضر أنفاس الصّبا في احتمالها ... سلتم فتى يهديه جسم إلى قلب وقال: أنت معنى الضّنى وسر الضلوع ... وسبيل الهوى وقصد الدموع أنت والشمس ضرتان ولكن ... لك عند الغروب فضل الطلوع إنما أنت والحسود معنّى ... كوكب يستقيم بعد الرجوع وقال: سالمت أعدائي لأنك منهم ... يا من يصحّ بمقلتيه ويسقم أصبحت تسخطني وأمنحك الرّضى ... جوراً وتظلمني ولا أتظلم يا من تألّف ليله ونهاره ... فالحسن بينهما مضيء مظلم قد كان في شكوى الهوى لي راحةٌ ... لو أنني أشكو إلى من يرحم قال من قصيدة: أما في نسيم الريح عرف معرف ... لنا هل لذات الوقف بالجزع موقف فنقضي أوطار المنى في زيارةٍ ... لنا كلف منها بما نتكلّف منها: وإني ليستهوييني البرق صبوةً ... إلى برق ثغرٍ إن بدا كاد يخطف

منها: على السيف من تلك الصرامة مستسم ... وفي الروض من تلك الطلاقة زخرف وقال من أخرى: أما وزمان مضى عهده ... حميداً لقد جار لما حكم قضى بالصبابة لمّا انقضى ... وما اتصل الود حتى انصرم منها: وأيامنا مذهبات البرود ... رقاق الحواشي صوافي الأدم ووشّح زهرة ذاك الزمان ... بما حاز من زهر تلك الشيم ومنها: فأطولهم بالأيادي يداً ... وأثبتهم في المعالي قدم سما للمجرة في أفقها ... فجرّ عليها ذيول الهمم ومنها: نجوم هدّى والمعالي بروجٌ ... وأسد وغيّ والعوالي أجم وقال من مرثية: يا من شأى الأمثال منه واحد ... ضربت له في السؤدد الأمثال نقصت حياتك حين فضلك كامل ... هلاّ استضاف إلى الكمال كمال وقال من أخرى: فهلا عداه أنّ علياك حلة ... وذكرك في أركان أيامه عطر غشيت فلم تغش الطّراد سوابحٌ ... ولا جردت بيض ولا أشرعت سمر وقال من أرخى يعابث: عمدت لشعري ولم تتئد ... تعارض جوهره بالعرض وشمّرت للخوض في لجة ... هي الموت ساحلها لم يخض 5- وقال أبو عبد الله بن الحناط الكفيف من قصيدة أولها: راحت تذكّر بالنسيم الرّحا أخفي مسالكها الظلام فأوقدت ... من برقها كي تهتدي مصباحا وكأن صوت الرّعد خلف سحابها ... حادٍ إذا ونت السحائب صاحا منها: جادت على التلعات فاكتست الرّبى ... حللاً أقام لها الربيع وشاحا روضٌ يحاكي الفاطمي شمائلاً ... طبيباً ومزنٌ قد حكاه سماحا منها: لما طلعت لها بكل ثنيةٍ ... أنسيتها المنصور والسفاحا وقال من أخرى: وحيّا الحيا عهداً عهدناه باللوى ... لوى ديننا فيه صدود وهجران ليالي روض الوصل فيهن ممرعٌ ... وغصن الصبا إذ ذاك أخضر فينان تدير علينا الرّاح فيها جآذرٌ ... ويسكرنا باللحظ منهن غزلان منها: ولم أر مثلي كيف صار بقلبه ... من الوجد بركانٌ وفي الجفن طوفان ولا مثل هذا العدل كيف أعاده ... عليٌّ وقد مرّت من الظلم أزمان وقال من أخرى: ولما علوا بالحزن واعتسفت بنا ... رسوم الديار البعملات الرّواسم لوينا بأعناق المطي إلى اللوى ... وقد علمتنا البين تلك المعالم فكم ليلة فيه وصلت نعيمها ... بأخرى وأنف الهجر بالوصل راغم ومنها: ويزهر في يمناه نورٌ من الظبا ... له من رؤوس الدّار عين كمائم منها: سيوفٌ إذا اعتلت جهات ثغورها ... فمنهن في أعناقهن تمائم بكل خميس طبّق الجوّ نقعه ... وضيّق مسراه الجياد الصلادم كأنّ مثار النقع إثمد عينه ... وأشفار جفنيه الشّفار الصوارم وقال من قصيدة: كأنّ ابتسام البرق فيها إذا بدت ... سيوف عليٍ بالدماء رواعف وقال من أخرى: وأشرقت الدنيا بنور خليفة ... به لاح بدر الحق بعد أفوله من الهاشميين الذين بمجدهم ... تعود شخص المجد جرّ ذيوله فلا تسل الأيام عما أتت به ... فما زالت الأيام تأتي بسوله 6- وقال الأديب عبادة بن ماء السماء: ولا تشكون إذا عثرت ... إلى خليط سوء حالك فيريك ألواناً من الإذ ... لال لم تخطر ببالك إيّاك أن تدري يمينك ... ما يدور على شمالك واصبر على نوب الزّمان ... وإن رمت بك في المهالك وإلى الذي أغنى وأقنى ... اضرع وسله صلاح حالك قال: لا تشكون لحاسدٍ أو راحمٍ ... حاليك في البأساء والضّراء فلرحمة المتوجعين حرارةٌ ... في القلب مثل شماتة الأعداء وقال يتغزّل: غزالٌ بجسمي فترةٌ من جفونه ... وفي أدمعي من لون وجنته صبغٌ إذا رمت الورد ساورني صدغه ... بعقرب سحرٍ في فؤادي له لدغٌ وقال من أخرى: كأنها صارم الأمير وقد ... خضّب حدّيه من عداه دم واحد بتذكاره الكؤوس فما=يلذ نقلاً سوى ثناه فم وقال من أبيات: كانت خلافتنا في الغرب مظلمةٌ ... كأن أيامنا فيها لياليه جلّت أياديه حتى إنّ أنفسنا ... وما ملكناه جزءٌ من أياديه

وقال من أخرى: دارت دوائر صدغه فكأنما ... حامت على تقبيل نقطة خاله وقال من أخرى: لنا حاجب حاز المعالي بأسرها ... فأصبح في أخلاقه واحدٍ الخلق فلا يغترر منه الجهول بشره ... فشدة صوت الرّعد من أثر البرق 7- وقال أبو الوليد أبو حفص بن برد الأصغر: هو الحسن كالجواد ... بريح الصّبا حذي زين إذ جاء سابقاً ... بعذارى زمرّذِ وقال أيضاً: وجه لمصباح السماء مباه ... بيدي الشباب عليه رشح مياه نادى عليه الحسن حين لقيته ... هذا المنمنم في طراز الله وقال يصف كلف البدر: والبدر كالمرآة غيّر صقلها ... عبث العذارى فيه بالأنفاس واللّيل ملتبس بضوء صباحه ... مثل التباس النّقس بالقرطاس وقال في مبتلى: بحر سقم ماج في أعطافه ... فرمى في جلده بالزّبد كان مثل السيف إلا أنه ... حمل الدّهر عليه فصدي 8- وقال الأديب أبو مروان عبد الملك بن زيادة الطيبي: يا من مدامي ونقلي ... بوجنتيه وفيه هلاّ جزيت فؤادي ... بعض مالك فيه وقال: عجباً أن يكون ساكن قلبي ... راتعاً منه في بساتين حبي جازني كيف شئت إلا أترك ... الذنب إذا كان فرط حبك ذنبي 9- وقال الوزير أبو عبد اله محمد بن مسعود: ريمٌ إذا رمت أن أكلّمه ... كلّمني من جفونه خنجر كأنّ خيلانه ووجنته ... سماء حسنٍ نجومها تزهر وقام في خدّه لعاشقه ... عذرٌ بذاك العذار إذ عذّر وقال: فتور ألحاظك 1ذاك الذي ... أعار أعضائي هذا الفتور وقال من قصيدة: قد صيغ من فضة بيضاء صافية ... ووشّح الحسن خديه بتذهيب يا غائباً قد أطالت كفّ غيبته ... على لظى الشوق والأحزان تقليبي ومنها: سجنٌ وقيدٌ وأعداءٌ منيت بهم ... لا يسأمون مع الأيام تعذيبي وقال: ظلت أسقيها رشّاً في جفنه ... سنةٌ تورث عيني أرقا فكأن لكأس في أنمله ... صفرة النرجس تعلو الورقا أصبحت شمساً وفوه مغرباً ... وبد الساقي المحيي مشرقا فإذا ما غربت في فمه ... تركت في الخد منه شفقا وغمام هطل شؤبوبه ... نادم الرّوض فغني وسقى وكأن الورد يعلوه النّدى ... وجنة المعشوق تندى عرقا 10- وقال أبو جعفر اللمائي: قد قلت إذ سار السّفين بهم ... والبين ينهب مهجتي نهبا لو أنّ لي ملكاً أصول به ... لأخذت كل ّ سفينة غصبا قال: وكان للإيقاع فوق ... قضيب منطقه بيان فكأنما يدي فم ... وقضيبه فيها لسان 11- أبو محمد بن مالك القرطبي: مضى القطر والأضحى ولا نيل يقتضى ... فلم أخفقت وحدي إليك مطالبي سأرحل عنكم دون زادٍ لبلغةٍ ... وتلك لعمري سبةٌ في العواقب وقال: وأكثر ما نخشاه طغيان ثروةٍ ... فإنّا نرى الإنسان يطغى إذا استغنى وقال من قصيدة: فلم أذل ساحباً أذيال بردته ... حتى عثرت بأرداني فأرداني ومنها: وليس فضلك مطوياً صحيفته ... فيستدل على ضمن بعنوان فالصبح أبين لألاء لمبصره ... من أن يعان بشرح أو ببيان 12- وقال الأديب أبو محمد عبد العزيز القرطبي (المشهور بالمنفتل) : كأنّ ليلتنا والصبح يتبعها ... زنجيةٌ هربت قدام رومي وقال: ولما تجلى الليل والبرق لامع ... كما سلّ زنجي حسامناً من التبر وقال: مالي بجور الحبيب من قبل ... هل حاكم عادلٌ فيحكم لي؟ حمرة خديه من دمي صبغت ... ويدّعي أنها من الخجل وقال: قدّ فؤادي بحسن قدّه ... وسدّ باب الكرى بصدّه وقال: إن جفاني الكرى وواصل قوماً ... فله العذر في التخلف عني لم يخلّ الهوى لجسمي شخصاً ... فإذا جاءني الكرى لم يجدني وقال: يأبى غزالٌ زارني ... يشفي الفؤاد المدنفا عانقته فكأنني ... يعقوب عانق يوسفا وقال: كنت أدعوك للعناق ولكن ... أتقي أن تذوب من أنفاسي وقال: تبدو على أضراسه صفرةٌ ... كأنه من فمه قد خرى وقال:

شرف الزمان بمثله ... شرف الأسنّة بالعوامل سكن النّدي في كفّه ... سكني الرّواجب في الأنامل وجرى الحياء بوجهه ... جرى الفرند على المناصل 13- وقال الأديب أبو المطرف عبد الرحمن بن فتوح: وخلّ كان بألفني قديماً ... مؤالفة الصوادي للورود فلما قلّ وفرى صار يلقي ... تحياتي بلغظ من بعيد 14- وقال الأسعد إبراهيم بن أسعد القرطبي: لو كنت شاهدنا عشية أمسنا ... والمزن تبكينا بعيني مذنب خلت الرذاذ برادة من فضةٍ ... قد غربلت من فوق نطع مذهب وقال: ظلت به والدموع جارية ... أقبّل الجيد منه واللّيتا تقطر درّاً حتى إذا وردت ... روضة خدّيه عدن ياقوتا وقال: ليس ليوم البين عندي سوى ... مدامع نجيعها سكب كأنما فضّى بأجفانها ... رمّانةٌ فانتشر الحب وقال: عوذت قلبي منه بكل ما يتعوذ كأمنا خدّه والعذار حين تأخذ تفاحة علقت في سلاسل من زمرّد وقال: قمر لوى من فوقه ... من صدغ غالية حنش ودنا ليلثم جمرةً ... من وجنتيه فانكمش وقال: الأسعد بن إبراهيم في قبيح بين قبيحين: أما ترى الدّهر وما قد أتى ... من حسن هذين وهذا السّمج كدرتي عقدٍ على ثغرةٍ ... بينهما واسطةٌ بين سبج وقال في أسود: يا ربّ زنجي لهوت به ... الشمس عند سناه ممقوته محدودب قد غاب كاهله ... في منكبيه فلا ترى ليته قد حكّم التجعيد لمته ... فتراكبت فكأنما توتة وإذا سعى بالكأس تحسبه ... جعلاً يدحرج فص ياقوتة وكأنه والكأس في يده ... نجمٌ رمى في الجو عفريته وقال من قصيدة: توهم عطف الصّدغ نوناً بخدّه ... فبات بمسك الخال ينقطه نقطا حياً ألبس البستان وشيّاً مرصّعاً ... ومدّ على العقبان من سندس بسطا تألّف من در وشذر نجاره ... فجاءت به العليا على جيدها سمطا وقال من أخرى: عليك عقلت مطيّ الأمل ... وعنك اعتقلت بروق الأسل 15- وقال أبو عبد الله محمد عبادة بن القزاز: ثناؤك ليس تسبقه الرّياح ... يطير ومن نداك له الجناح تطيب بذكرك الأفواه حتى ... كأنّ رضابها مسكٌ وراح جليت إلى الأعادي أسدّ غاب ... براثنها المهنّدة الصّفاح وقدتهم فكان لهم ظهور ... ولولا الشمس ما ظهر الصّباح وقال: شابت وزارة عصرنا ... ما شبّها عبد العزيز فكأنما هو يوسفٌ ... وكأنها امرأة العزيز 16- وقال أبو عبد الله محمد مالك الطبري: بخل الظاعنون بالتسليم ... فأعاروا الجفون سهد السليم ما عليهم لو ودّعوا مستهاماً ... ذا غرامٍ مغري به كالغريم منها: علّمي القضب منك حسن التثني ... فبها حاجةٌ إلى التعليم 17- وقال جعفر بن محمد بن مكي بن أبي طالب: لو كان علم الدين يبكي ميتاً ... لبكي الحديث عليه والتنزيل يستجهل العلماء عند حضوره ... ويسكت الخطيب حين يقول 18- وقال أبو محمد الصقلي: ولما رحلتم بالنّدى في أكفكم ... وقلقل رضوى منكم وثبير رفعت لساني بالقيامة قد دنت ... فهذي الجبال الرّاسبات تسير 19- وقال أبو محمد عبد المجيد بن عبدون من مرثية: يا نائم الفكر في ليل الشّباب أفق ... فصبح شيبك في أفق النّهى بادي وأسلمت للمنايا آل مسلمة ... وعبّدت للرزايا آل عبّاد عضّت عنانك أيدي الدهر ناسخةً ... علماً بجهل وإصلاحاً بإفساد لقد هوت منك خائنها قوادمها ... بكوكب في سماء المجد وقّاد منها: ومالك كان يحمي شول قرطبةً ... استغفر الله لا بل شول بغداد شقّ العلوم نطاقاً والعلا زهراً ... فبتن ما بين روّاد وورّاد 20- وقال الوزير أبو الحسين سراج بن عبد الملك: لما تمكن من فؤادي منزلا ... وغدا يسلّط مقلتيه عليه ناديته مترحماً من عبرةٍ ... أفضت بأسرار الضّمير إليه رفقاً بمنزلك الذي تحتله ... يا من يخرب بيته بيديه وقال:

لما رأيت اليوم ولّى عمره ... والليل مقتبل الشبيبة داني والشمس تنفض زعفراناً في الربى ... وتفت مسكتها على الغطيان أطلعتها شمساً وأنت عطاردٌ ... وخففتها بكواكب النّدمان وقال: نوائب غالتني فأبدت فضائلي ... فكانت وكنت النّار والعنبر الوردا وقال: أضاع مجدي مالٌ ضيعته يدي ... ما أضيع المجد إن لم يرعه مال منها: أطال شغلي فراغي مذ حللت به ... إنّ الفراغ من الأشغال أشغال 21- وقال أبو محمد غانم: وإذا الدّيار تنكرت عن حالها ... فذر الدّيار وأسرع التحويلا ليس المقام عليك حتماً واجباً ... في ببلدة تدع العزيز ذليلا وقال: صيّر فؤادك للمحبوب منزلة ... سمّ الخياط مجال للجبين ولا تسامح بغيضاً في معاشرةٍ ... فقلّما تسع الدنيا بغيضين وقال: ما لي وللبرق استسقيته من ظمأٍ ... هيهات لا ريّ إلاّ من ثناياك وقال: ومن الغريب غروب شمس في الثرى ... وضياؤها باقٍ على الآفاق 22- وقال أبو عبد الله بن السراج المقالي: عليك سلام الله يا ماء موضع ... شربنا عليه مثله قهوةً خمرا وروّى التي من حسنها وجفونها ... سقتني سحراً خمرةً تُسكر السّحرا وقال: ذكرتك بالوادي الذي كنت مرةً ... لقيتك فيه والهوى بيننا وعر فحرّك منّي باعث الشّوق ساكناً ... وكلّفني ومن أين لي صبر؟ فيا نازحاً والدار منّي قريبةٌ ... إلى كم يطول الصد لي منك والهجر؟ إذا الله خصّ بالقطر ساحة ... فلا زال منهلاً بساحتك القطر وقال: ألا من منقذي من كرب ليل ... تعرّض بين طرفي وارتياحي؟ تضاعف طوله واشتد حزني ... به حتى يئست من الصباح 23- وقال خلف بن فرج السّميسر: يا مشفقاً من خمول قوم ... ليس لهم عندنا خلاق ذلّوا وقد طالما أذلّوا ... دعهم يذوقوا الذي أذاقوا وقال: أقارب السّوء داء سوء ... فاحمل آذاهم تعش حميدا فمن تكن قرحةٌ بفيه ... يصير على مصه الصّديدا وقال: لا تعذل الإنسان في شهواته ... في الناس من يلتذّ طعم الحصرم 24- وقال أبو العباس أحمد بن قاسم: قالت وقد نظرت شيبي فروعها ... إنّ المشيب لسود الشعر أكفان فقلت: أنكرت كافور الزمان به ... من بعد مسك وطيب الدّهر ألوان 25- وقال أبو طالب عبد الجبار الذي يعرف بالمتنبي: وهبّ لنا النسيم بكل طيبٍ ... كأنّا منه في زمن الرّبيع على نهر كأن الماء فيه ... بقايا فوق خدّ من دموع وقال: وشادن وجهه ذكاء ... فيه حيا الحسن والحياء ثم تذكرت قول ربى ... يزيد في الخلق ما يشاء قال: سقاني ثم غنائي بصوت ... فداوى ما بقلبي من جروح فقلت له لكم سنة تراها ... فقال أظنّها من عهد نوح وحيّاني وفدّاني بكأسٍ ... وقبّلني فردّ إليّ روحي 26- وقال أبو القاسم بن عياد: ياسمين حسن المنظر ... يفوق في المرأى وفي المخبر كأنه من فوق أغصانه ... دراهم في مطرف أخضر 27- وقال المعتضد بالله عبّاد ابن أبي الوزارتين محمد بن عباد يخاطب أباه: شطّ المزار بنا والدار دانية ... يا حبّذا الفأل لو صحّت زواجره وقال يخاطب أباه: أطعتك في سرّي وفي جهري جاهداً ... فلم يك لي إلا الملام ثواب وما كنت بعد البين إلاّ موطناً ... بعزمي على أن لا يكون إياب (ولكنك الدنيا إليّ حبيبةٌ ... فما عنك لي إلا إليك ذهاب) أصب بالرضى عني مسرّة مهجتي ... وإنّ لم يكن في ما أتيت صواب 28- وقال المعتمد على الله بن المعتضد: أكثرت هجري غير أنّك ربّما ... عطفتك أحياناً عليّ أمور فكأنما زمن التهاجر بيننا ... ليلٌ وساعات الوصال بدور وقال يعتذر عن عيادة: مرضتم فأمسكت الزيارة عامداً ... ما عن قلّي أمسكتها لا ولا هجر ولكني أشفقت من أن أزوركم ... وأبصر آثار الخسوف على البدر وقال: ريعت من البرق وفي كفّها ... برقٌ من القهوة لمّاع

يا ليت شعري وهي شمس الضحى ... كيف من الأنوار ترتاع وقال: لولا عيونٌ من الواشين ترمقني ... وما أحاذره من قول حرّاس لزرتكم لأكافئكم بجفوتكم ... مشياً على الوجه أو أحبوا على الرأس 29- وقال الفقيه أبو الوليد بن الباجي من قصيدة يمدح السمناني ببغداد: لو كنت أنبأت الديار صبابتي ... نحل الصبا بفنائها والجلمد ما هالني صعب المرام ولا الذي ... تستبعد الأيام عندي يبعد هذا الشهاب المستضاء بنوره ... علم الهدى هذا الإمام الأوحد وقال من مرثية: أحن ويثني اليأس نفسي على الأسى ... كما اضطر محمول على المركب الصّعب وقال من أخرى: أسرّوا إلى الليل البهيم سراهم ... فنمت عليه في الشمال شمائل متى نزلوا ثاوين في الخيف من منى ... بدت لهوى بالمأزمين مخايل فلله ما ضمّت منّي وشعابها ... وما ضمنت تلك الربى والمنازل لما التقينا للجمار وأبرزت ... أكفٌ لتقليب الحصى وأنامل أشارت إلينا بالغرام محاجر ... وباحت به منّا جسوم نواحل 30- وقال الوزير أبو عامر بن مسلمة: كأنما شاربه بهجة ... زمردٌ من فوق مرجان كأنما أردافه عالج ... وقدّه غصن من البان 31- وقالب أبو الوليد محمد بن عبد العزيز من قصيدة في الأسطول: أنشأتهنّ سفائناً ومدائناً ... وجنبتهن كتائباً ورعيلا دهم تخال البيض في أوساطهم ... بلقاً وفي أطرافها تحجيلا قرعت بأسواط الرياح فأسرعت ... في الماء تعمل كلكلاً وتليلا ومنها: طلع الحسن من جبينك بدراً ... وعلى عارضيك ورداً وطلا فكأن العزار خاف على الورد ... خفاقاً فممد بالشعر ظلا وقال من أخرى: وبين جوانحي قلبٌ مطارٌ ... جناحاه ادّكار واشتياق ولم أنس الكثيب وليلتيه ... كأنهما اختلاس واستراق ومنها: تذكرت الصبابة والتصابي ... هنالك إذ تروق ولا تراق ونحن كأننا غصناً أراك ... قد اشتبكا وضمهما عناق 32- وقال أبو الوليد إسماعيل بن محمد الملقب بحبيب: كأن نور الكتّان حين بدا ... وقد جلا حسنه صدا الأنفس أكفٌ فيروزج معاصمها ... وقد سترتهن خضرة الملبس وقال في الخمر: كأنها والحباب يحجبها ... بجرٌ من التبر يقذف الجوهر 33- وقال الأديب أبو جعفر بن البار: وكأن جنح الليل طرفٌ أدهم ... متضمن من صبحه تحجيلا وكأن غائرة النجوم بأفقها ... عن وجهه تغضي عيوناً حولا وكأنما الجوزاء إذ بصرت به ... ألقت إليه نطاقها محلولا منها: لا تكثروا فالحب في حومائه=كالحمد في أسماع إسماعيلا ومنها: راعت وقائع بأسه حتى لقد ... ترك الحمام بنفسه مشغولا إن كانت الأسد الضواري ... لا تخاف صياله فلم اتخذن الغيلا ومنها: ولقد خشيت على الثرى وعلى الورى ... لما دنوا من كفه تقبيلا هل كان يعصم منه إلا عفوه ... لو أنّ أنمله جرين سيولا 34- وقال أبو الحسن علي بن حصن الاشبيلي: غزالٌ يخيل لي ريقه ... يشاب به المسك والقرقف كأن العذار على خدّه ... نجاد ومقلته مرهف وقال: شربناها كميت اللون حتى ... رأيت الفجر قد وضع النقابا وأحسب أنها كانت عقيقاً ... جرت أنفاسنا فيه فذابا وقال: طلّ على خدّه العذار ... فافتضح الأس والبهار وابيضّ هذا واسودّ هذا ... واجتمع الليل والنهار حتى جرى للنعيم فيه ... ماء بأحشاي منه نار رشا أعار الغزال لحظاً ... فحسنه منه مستعار شربت من خمر مقلتيه ... كأسين لي منهما خمار عذاره قائمٌ بعذري ... فليس لي فالهوى اعتذار وقال من قصيدة: تلين له الأيام وهي شدائد ... وتعنو وجوه الحادثات وتذعن فلا تأنس منه بلين عريكة ... فقد يقطع الصمصام والمتن لين 35- وقال الوزير أبو عمر الباجي: لله أيامٌ بقربك أنعمت ... ما ضرّها أن لم تكن أعيادا راقت محاسنها وطاب نعيمها ... فأتى الزمان حدائقاً وعهادا

36- وقال أبو العلاء زهر بن عبد الملك بن وزهر: كن كيف شئت مشاهداً أو غائباً ... لا كان قلبٌ لست في سودائه وقال في العذار: محيت أية النهار فأضحى ... بدر تم وكان شمس نهار كان يعشي العيون نوراً إلى أن ... شغل الله خدّه بالعذار 37- وقال أبو عمر أحمد بن محمد بن حجاج: أين القرون السابقات إلى النهى ... هل مقلة ترنو وأذن تسمع أين القياصرة الأكاسرة الأولى ... غلبوا الملوك وأين عاد وتبع 38- وقال الفقيه أبو بكر محمد بن سليمان المعروف بابن القصيرة: شيم الليوث تبين في أشبالها ... من قبل أن تلغوا الدماء رواسفا وبدا بأفق المجد فيه كوكبٌ ... لألاؤه تنفي الظلام العاكف وقال: والشبل قبل الفرس يعلم بأسه ... في جنسه بقياس بأس أوائله 39- وقال الوزير أبو القاسم بن الجدّ من قصيدة: أمثلك يبغي في سمائي كوكباً ... وفي حوّك الشمس المنيرة والبدر ويلتمس الحصباء في نوب الحصى ... ومن بحرك الفيّاض يستخرج الدر منها: وإني لصبٌ بالتّلاقي وإنّما ... يصدّ ركابي عن معاهدك العسر أذوب حياءً من زيارة صاحب ... إذا لم يساعدني على برّه الوفر 40- وقال محمد بن عبد الغفور: بأعمادي ومن عليه اعتمادي ... عشت ما شئت مدركاً ما تشاء وقال: تركت التصابي للصواب وأهله ... وبيض الطلا للبيض والسمر للسمر مدادي مدامعي والكئوس محابري ... وندماي أقلامي ومقلمتي شعري 41- وقال الفقيه أبو أيوب سليمان بن سلامة: ويؤنسني أثار فضلك كلّما ... نظرت ولولا الخصب لم يحمد الحب 42- وقال الوزير أبو الحسين القرشي: وضعت عليك برود من أنفس ... تبقى ولا تبل بطول لباس وجرت سعوداً غير وانية النداء ... جرى الخلافة في بني العباس منها: وبسالة تثني الرد متهيباً ... وتحول بين الأسد والأحباس ومنها: أنت الذي ملأ المكارم هزةً ... ليست بفرع البانة المياس يا مرسلاً ديم السماح وماسكاً ... بأعنةً الأقلام والأفراس صبراً على شيم الليالي إنّها ... فيما علمت لئيمة الأغراس وقال: وبالخيمة القصوى عقيلة زبرت ... أبرد ثناياها على كبدي برد خليلي هل ليلي ونجد كعهدنا ... فيا حبذا ليلي ويا حبذا نجد 43- وقال أبو بكر بن عمار من قصيدة: وعني أثار الرعد صرخة طالب ... لثأرٍ وهزّ البرق صفحة صارم وما لبست زهر النجوم حدادها ... لغيري ولا قامت له بماتم خذوا بي أن لم تهذروا كلّ سابح ... لريح الصّبا في إثره أنف راغم من العباسات الدّهم إلا التفاتة ... إلى غرةٍ أهدت له ثغر باسم طوى بي عرض البيد فوق قوائم ... توهمتني منهن فوق قوادم وخاض بي الظلماء حتى حسبته ... له مربطٌ بين النجوم العواتم ومنها: أنال سهادي من جفونٍ نواعس ... وأجني عذابي من غصون نواعم وليل لنا بالسد بين معاطف ... من النهر ينساب انسياب الأراقم ومنها: أريد حياة البين والبين قاتلي ... وأرجو انتصار الدهر والدهر ظالمي ومنها: له هزة في الجود معتضديّة ... تهزّ إلى التشتيت شمل الدراهم إذا نشرت لخمٌ بذكراه فخرها ... طوت طيءٌ من خجلةٍ جود حاتم ومنها: إذا ركبوا فانظره أوّل طاعن ... وإن نزلوا فانظره آخر طاعم ومنها: وإني إذا أنصفت بعدك خادمٌ ... لدهري وكان الدهر عندك خادمي ولا غرو إن حيّتك بالطّيب روضة ... سمحت لها بالعارض المتراكم وقال من أخرى: إلى الله أشكو أنّ مالك في دمي ... شريكٌ ومالي في هواك نصيب سأشهد قومي أن طرفك من دمي ... بريء وإن كان الفتور يريب وقال: أدر الزجاجة فالنسيم قد انبرى ... والنجم قد صرف العنان عن السرى والصبح قد أهدي لنا كافوره ... لما استرد الليل منا العنبرا منها: أيقنت أني من ذراه بجنّة ... لما سقاني من نداه الكوثرا ومنها: السيف أصدق من زيادٍ خطبة ... في الحرب إن كانت يمينك منبرا

ومنها: وإليكها كالروض زارته الصّبا ... وحنا عليها الطّل حتى نوّرا نمقته وشياً بذكرك مذهباً ... وفتقته مسكاً بحمدك أذفرا من ذا ينافحني وذكرك مندل ... أوردته من نار فكري مجمرا وقال يخاطب المعتمد: الكأس ظامئه إلى يمناكا ... والروض مرتاح إلى لقياكا فأدر بآفاق الزجاج كواكباً ... تخذت أكفّ سقاتها أفلاكا راحاً إذا هبّ النسيم حسبتها ... مسروقة الأنفاس من رياكا يسري على ريحانه نفس الصّبا ... سحراً فيوهم أنه ذكرّاكا وقال في غلام لبس درعاً: بكيت وقد دنا ونأي رضاه ... وقد يبكي من الطرب الجليد قسا قلباً وسنّ عليه درعاً ... فباطنه وظاهره حديد وقال: وهويته يسقي المدام كأنه ... قمر يدور بكوكب في مجلس متأرج الحركات تندي ريحه ... كالغصن هزّته الصبا بتنفس يسقي بكأس في أنامل سوسنٍ ... وبدير أخرى من محاجر نرجس وقال من أبيات: ولو لمعت لي من سمائك برقةٌ ... ركبت إلى مغناك هوج الجنائب وقال من أبيات: وإنّي لتثنيني إليك مودّةٌ ... يغيرها ما قد تعرّض من ذنب فما أعجب الأيام في ما قضت به ... تريني بعدي عنك أنس من قربي أخافك للحق الذي لك في دمي ... وأرجوك للحبّ الذي لك في قلبي 44- وقال أبو الوليد حسان بن المصيصي: وقد صغت من ذاك المحيّا وحسنه ... صباحاً ومن تلك الخلائق أنجما أراه وأرجوه وأنشد فضله ... فيملأ منى العين والكفّ والفما وقال من قصيدة: أقدم على حذر وأرغب على زهد ... أغلظ على رقة وأسفر على خجل حاز المؤيّد ممّا قلت أفضله ... وزاد للفرق بين القول والعمل ومنها: صفحت عنه لآمال له سلفت وبما كره التفصيل للجمل وكم جلوا بالندى من ليل مفتقر ... كأنّه دمعةٌ في جفن مكتحل ومنها: من مبلغ يده أني نظمت لها ... شكراً جعلت قوافيه من القبل وقال: روض لشباب تناوبت أزهاره ... ولّى بنفسجه وجاء بهاره ودّ البهاء لو أن أسود لحظها ... أضحى خضاباً حين شاب عذاره قد كان يعجبهن خفّة حلمه ... والآن ساء الغانيات وقاره 45- وقال الوزير الفقيه أبو بكر بن الملح: حسب القوم أنني عنك سالي ... أنت تدري بأنني ما أبالي قمري أنت كلّ حين وبدري ... فمتى كنت قبل هذا هلالي وقال من قصيدة: والعضب يستره القراب وربما ... خشنت مضاربه الرقاق من الصدا والروض يبعث بالنسيم كأنّما ... أهداه يضرب لاصطباحك موعدا ومنها: كم قد ركبت إليك كاهل همّة ... كادت تغالط في أخيه الفرقدا وقال من قصيدة: حاز السناء وما أسنّ وإنما ... نمت الفروع بطيب أصل العنصر منها: ثبتوا على الأصل القديم وأثبتوا ... لسب الكواكب في قبائل حمير ونموا على السّعي القديم فأثبتوا ... نسب المكارم من تراث المنذر بقى الثناء عليهم فكأنما ... ركبوا المنابر في بطون المقبر وقال من أخرى: كذلك يبدو الموت ناراً ولجةً ... على صفحتي صمصامك الوافد الندي يصلن السرى والماء غور كأنما ... حملن عصا موسى على كلّ جلمد له جدولٌ من صارمٍ متسلسلٍ ... إلى غصن من ذابل متأوّد وقال من أخرى: وتركت ذاك الجيش نهباً للظبا ... متخاذل الأنصار مطلول الدم منها: أنا ضاحك للدّهر ضحكة شامت ... إن كان يعبس للندى المتيسم وقال من أخرى: تواصلوا بأعمال الشقاوة بينهم ... وعاذوا بشيطان هناك رجيم منها: تحاموا بلاداً مزّقتهم كأنما ... مضت في رباها عاصف بهشيم سروا تحت ألأطراف الرماح كأنهم ... شياطين ضلّت تحت رصد نجوم وقال: وغافل بالصّبا عن قطع مدّته ... قد راش أجنحة الأيام بالجذل منها: إذا الهوى فاض طوفاناً ركبت له ... فلك العزاء ولم آوى إلى جبل منها: ضاق الزمان بما حطمت من قضب ... في رعيهن وما تصدّت من أسل ومنها:

مدحنكم حيث لا مجداً أزيدكم ... فقد كحلت عيوناً جمّة الكحل وقال: سرنا نراقب إعلان الصباح بنا ... كأننا في ضمير الليل كتمان منها: هو المقرّ العلا والخيل سارحة ... واللابس الحمد والصمصام عريان والمبصر الرشد أقصى مطالبه ... والناس منة فتنة الأهواء عميان منها: تاهت بمجدك قحطان وعدنان ... كما تضاءل تؤبان وساسان ركبت جودك درباً والعدى جزرٌ ... وسيفك النار والأطيار ضيفان وهاج فيه وريح البأس تنسجه ... جيش هو اليم والأسياف خلجان وللدماء غدير فوق ضفّته ... للجيش دوج وسمر الخطّ أغصان وقال من أخرى: توهمهم سلماً فسولمت ظاهراً ... وشنّوا على ظهر المغيب حروبا وثقت بهم في النائبات فأخلفوا ... وكانوا إلى جنب الخطوب خطوبا فكم صاحب منهم يبيت بقلبه ... بعيداً ويغدو باللسان قريبا نشرت له برد الإخاء كأنما ... خضبت بها في العارضين مشيبا 46- وقال الأديب أبو محمد عبد الجليل بن وهبون: ولما رأيت الزور في الناس فاشيا ... تخيّل لي أن الشباب خضاب ولولا ابن عمار وفاضل سعيه ... لأصبح ربع المجد وهو خراب ولا أحرقت أرض العدو صواعقٌ ... ولا مطرت أرض العفاة سحاب وقال: ومن لم يخضّب رمحه في عداته ... تساوت به في الحي ذات خضاب منها: إذا ورق الفولاذ هزّ تساقطت ... ثمار حتوف أو ثمار عذاب وقال من أخرى: قل للرشيد وقد هبّت نوافحه ... أسرفت يا ديمة المعروف فاقتصد أثريت عندك من جاه ومن نسب ... حتى وجت الغنى في همتي ويدي عاد الزمان بما أوليتني غصناً ... غضاً فقمت مقام الطائر الغرد وقال من أخرى يصف مواني الأسطول: من كل لابسة الشباب ملاءة ... حسب اقتدار الصانع المتأنق شهدت لهن العين أن شواهناً ... وزحفن زحف مراكب في مأزق بمجادفٍ تحكي أراقم ربوة ... نزلت لتكرع في غدير متأق وقال: بأي لفظ أحلّي منك ذا شيم ... لولا حلاها لكان الدهر ذا عطل منها: وأرى البصيرة لا تزري الأناة به ... ولا تعود عليه آفة العجل 47- وقال الوزير أبو القاسم بن مرزقان: ما دجا ليلٌ على آمله ... كل ليل بأياديه نهار 48- وقال الوزير أبو مروان بن عبد العزيز: بحور بلاغة ونجوم عز ... وأطواد رواس من جلال فكم كافور أيامٍ خلطناه ... ولم تظلم بمسك من ليال وقال: أمحيي معاهد رسم الأدب ... ومنشئ مشاهد فخر العرب ومن نظم الفضل نظم الجمان ... ومن سبك الشعر سبك الذهب 49- وقال أبو الحسن البكري: ولأشربنّ كأس الصبابة علقماً ... حتى أغاطي كاس وصل سكّرا وإذا سما بسمائه بدر الدّجى ... فعليه من قلبي السلام مكررا 50- وقال الوزير أبو الحسين بن محمد بن الجد: دع السيف يوهى ما بناه فإنما ... على السيف أن يبني بما هو يهدم لربعك يخذي كلّ نضو كأنها ... قسي عليها من عفاتك أسهم منها: ولولا الأسى ما رق شعر مهلهل ... ولا حاز سبقا في الرثاء متمم وقال: تدرعت قلبي وحشة حشت الحشا ... وأقفر من أنس كما أقفر الربع هما نصرتا من لم تؤيده قدرة ... وبئس النصيران التنفس والدمع منها: شكري لنعماك شكر الروض للدّيم ... فاقطف بأيدي الأيادي روضة الكلم وقال: سجيةٌ في العلا شابت ذوائبها ... وهمّة نشأت في تربة الكرم منها: جيش أياديك الحسني تقد لجباً ... واجعل سلاحك ما تسديه من نعم تهزم أعاديك اللائي إذا فحصت ... عنها المكارم لم توجد من الأمم والفظ جناه وإن لذّت مذاقته ... فربما شرق الغصان بالشيم ومنها: لولاك لم تنتظم في السلك لؤلؤة ... ولا غدا الشعب منه جدّ ملتئم ومنها: دلائل الفضل في السادات واضحة ... منها الوفاء ومنها الرعي للذمم تبلي الليالي ولا تبلي عرائكها ... وربما جددتها لبسة القدم من لي بتأدية الشكر الذي كتبت ... جدواك أسطره في صفحتي عدمي

51- وقال الوزير أبو الحسن صالح بن صالح الشنتمري: حولي وحولك أعين ومسامع ... أخفي الهوى عنهن عند لقاك لولا الحياء وأن تشيع سريرتي ... لنثرت شمل الدمع حين أراك وقال: أسني ليالي الدهر عندي ليلة ... لم أخل فيها الكأس من إعمال فرّقت فيها بين جفني والكرى ... وجمعت بين القرط والخلخال وقال: للحسن في خلق من أهوى خلائقه ... روض بهي بسيف اللحظ محمي فالجيد سوسنة والعين نرجسة ... والخد ورد وذاك الخال خيري وقال: لله ما صنع الحياء بصفحة ... لم تبق عندي لتجلد مذهبا كان البياض بها لجيناً خالصاً ... فأحاله فغدا لجينا مذهبا وقال: أبدى الحبيب تعجباً من طول مك ... ث الورد عندي عندما أهداه لم يدر أنّ دوامه في منزلي ... من أجل أنّ مدامعي سقياه 52- وقال أبو الحكم عمرو بن مذحج: أرى الدهر أعطاك التقدم في العلا ... وإن كان قد أوفى أخيراً بك الدهر لئن حازت الدنيا لك الفضل آخراً ... ففي أخريات الليل ينبلج الفجر 53- وقال أبو الوليد محمد بن يحيى بن حزم: أتجزع من دمعي وأنت أسلته ... ومن نار أحشائي ومنك لهيبها وتزعم أنّ النفس غيرك علّقت ... وأنت ولا من عليك حبيها إذا طلعت شمس عليّ بسلوة ... أثار الهوى لبين الضلوع لهيبها وقال: وطارحك الواشون عنّي بسلوة ... مغالطة هيهات ذاك بعيد منها: بلى إن عرتني فترة الصبر هزّني ... تذكر أيامي بكم فأعود وقال: وخيل الظلام أمام الصباح ... والركض قد ضمّ أعطافها وقد فضض الفجر أذيالها ... وزاد فذهب أعرافها منها: وذكرني بادرات الحمام ... حمائم تندب ألافها وقال: لله أيام على وادي القرى ... سلفت لنا والدهر ذو ألوان إذا تجتني في ظلّه تمر المنى ... والطير عاكفة على الأغصان والشمس تنظر من محاجر أرمد ... والظل يركض في النسيم الواني فلثمت فاه والتزمت عناقه ... ويد الوصال على قفا الهجران وقال من قطعة: وفي ساعدي حلو الشمائل مترف ... لعوب بيأسي تارة ورجائي أطارحه حلو العتاب وربّما ... تغاضب فاسترضيته ببكائي وفي لفظه من سورة الكأس فترةٌ ... تمت على ألحاظه بولاء وقد عابثته الراح حتى رمت به ... لقي بين ثنيي بردتي وبردائي على حاجة في النفس لو شئت نلتها ... ولكن حمتني عفتي وحيائي وقال: لاح العذار فلاح عذري فيه ... وسقى ومن عينيه ما يسقيه كالغصن غازلت الصبا أعطافه ... فتطاء لمحة ناظري تثنية أطوي الهوى شحاً عليه ورقةً ... والدهر ينشر منه ما أطويه يجني فاضمر هجرة لا عن قلّي ... والحب يغفر كلّ ما يجنيه ولكم صددت فعارضتني سورة ... من ورد وجنته وخمرة فيه كم ليلة ضمّت عليه ساعدي ... والمسك يأخذ منه ما يعطيه وقال: فلما تناهى الشوق واستحكم الهوى ... وقيل فلان طاعة لفلان ناي عن مكاني حين لا لي حيلة ... وقد حلّ من قلبي بكل مكان وقال: أساكن قلبي والمقام كما ترى ... لعلك تصغي ساعة فأقول وكم أملوا لا بلغوا فيك خطة ... وحاشاك منها والحديث يطول منها: وسد طريق اللحظ دمعٌ كأنما ... تشحط من جفني فيه قتيل وقال: وكم معشر لاموا عليك رددتهم ... وأكبادهم غيظاً عليّ تذوب ومالوا إليّ رجم الظّنون وبيننا ... إذا ما خلونا للعفاف رقيب ولما بدت أشياء منك تريبني ... وأكثر فيها مخطئ ومصيب إذا عرّضوا أوليتهم فيك سكتةً ... ويعرض دمعي دونهم فيجيب وقال: لما استمالك معشر لم أرضهم ... والقول فيك كما علمت كثير داريت دونك مهجتي فيما شكت ... من بعد ما كادت إليك تطير فاذهب فغير جوانحي لك منزلٌ ... واسمع فغير وفائك المشكور وقال: وكيف وقد حلّ ذاك الحمى ... وقد سلك الناس ذاك السبيلا وقال: وصنت وجه عفافي عهن تبدّله ... حتى سلا القلب عنه وارعوي البصر

يا أملح الناس إلا ريبة عرضت ... تكاد من ذكرها الأحشاء تنفطر ومنها: وباحث عن غرامي فيك قلت له ... عنّي إليك فلا عينٌ ولا أثر ويلي عليه وويلي من تبذله ... وطالما صنته لو ساعد القدر وقال: وحاشاك أن تعزي إلى المجد خطة ... تجشمه داءً وأنت طبيب ولكن أبي إلا إليك التفاتةً ... فؤاد عليه من هواك رقيب وود وإن أخرتموه مقدم ... وصدرٌ وإن أحرجتموه رحيب منها: يدير علينا السحر ملء جفونه ... فكل بريءٍ عند ذاك مريب وقال: كالغصن غازلت الصبا أعطافه ... نشوان يعبث بالنفوس وربما وكأنما غمر الكرى أجفانه ... فتضرجت وجناته منها دما وكأنما لبس الملاحة حلةً ... ولقد خجلت لقولتي فكأنما فلئن هممت فغير مشدود الحمى ... ولئن عففت فغير ممنوع اللحى وقال: عتاباً لحدّ السيف إلا بقيةً ... عليك ولولاها لساءك ما يفري وأعدته للدهر عدةً واثق ... وألفيته سيفاً عليّ مع الدهر وأرسلته سهماً سديداً على العدا ... فأخطأهم عمداً وعاد إلى نحري 54- وقال أبو بكر يحيى بن بقي في أقلام: ونكبت عن قومٍ مضوا وبودّهم ... لو أن ثرى رجلي لأجفانهم كحل وقال: يزهي بها الطرس حسناً ما نثرت بها ... مسك المداد على الكافور من ورقه وقال: سل بالعيون فتىً أصيب بها ... مثلي لتعلم صحّة الأمر هنّ السيوف من الردى طبعت ... تبري القلوب وقلما تبري وقال: وتُيموا بعيون غير فاترة ... من الأسنّة لم تهجع مع المقل إلا تكن أعيناً نجلاً فإن لها ... في أضلع القوم مثل الأعين النجل وقال: أتى به الدهر فرداً في فضائله ... وفي الفرائد ما يربي على الجمل بياض عرضي تحامى الذّم جانبه ... ليس السواد بأبهى منه في المقل وقال: وعندي حشاشة ننفس في سبيل ردى ... إن شئتها اليوم لم أمطل بها لغد خذها وهات ولا تمزج فتفسدها ... الماء في النار أصل غير مطرد وقال: ولقد وصفت لعاذلي من حسنه=طرفاً فودّ بأنّه لم يعذل وعصيته فيما مضى من عهدنا ... وأنا الذي أعصيه في المستقبل وقال: كيف صبري على الكؤوس إذا ما ... عثر الروض في ذيول النسيم وبدا معصم الخليج فخطّت ... فوقه الريح أسطراً من وشوم منها في الحمر: كرمت في حدائق غرسوها ... لكرام فسميب بالكروم وقال: خذها على وجه الربيع المخصب ... لم يقض حقّ الروض من لم يشرب هممي سماء علاً وهممي ماردٌ ... فأرجمه من تلك الكؤوس بكوكب وقال: عاطيته والليل يسحب ذيله ... صهباء كالمسك الفتيق لناشق وضممته ضم الكمي لسيفه ... وذؤابتاه حمائل في عاتقي حتى إذا مالت به سنة الكرى ... زحزحته شيئاً وكان معانقي باعدته عن أضلع تشتاقه ... كي لا ينام على وساد خافق 55- وقال أبو الحسن بن هارون الشنتمري: ذو لحظة إن لم تمكن في الحشا ... رمحاً وإلا فهي في السيف 56- وقال المتوكل على الله بن المظفر: فما بالهم لا أنعم الله بالهم ... ينيطون بي ذمّاً وقد علموا فضلي وقد كنت تشكيني إذا جئت شاكياً ... فقل لي لمن أشكو صنيعك بي قل لي وقال: أنهض أبا طالب إلينا ... واسقط سقوط الندى علينا فنحن عقد بغير وسطى ... ما لم تكن حاضراً لدينا 57- وقال الوزير أبو عبد الله بن عبد المجيد بن عبدون البايري: وافاك من لفق الصباح تبسم ... وإنجاب من غسق الظلام تجهم منها: بيني وبين الدهر يومٌ مثله ... والبيض تشهد والقوافل تحكم ومن المشاهد كالشهود مواضع ... ومن الأسنّة ألسن تتكلم منها: ومحبّةٌ موروثةٌ مكسوبةٌ ... بدئ الزمان بها ومنها يختم منها: وتعلمت منك الغمامة شيمة ... تهمي وفيها للبروق تبسم وقال: إذا مرقوا من بطن ليل رقت بهم ... إلى ظهر يوم عزمة هي ما هيا ومنها: همام أقام الحرب وهي قعيدةٌ ... وروّى القنا منها وكانت صواديا وقال:

الصبح يبدي ربى نجد وإن صغرت ... والليل يستر كثباناً على الكبر 58- وقال أبو جعفر بن عبد الله بن هريرة القيس الأعمى من قصيدة: بنوا الهيجاء طاروا وغاها ... وإن كانت حلومهم ثقالاً إذا شهدوا القتال فسوف تدري ... لأية علة شهدوا القتالا ونعم النازلون على الروابي ... إذا ما الشمس أحرقت الظلالا منها: عدا بي أن أزورك صرف دهر ... ألح فما أطيق له احتيالا وهم من همومي لو توخى ... طريق الريح كان لها عقالا وقال من قصيدة: يا ربّ قد سفكت أو الوفاء دمي ... وقد تخوفت يوماً أن تؤاخذ بي وقد وهبت لها قلبي وما خطري ... حتى يعاقب ذاك الحسن من سببي وقال: أعتبتم فعتبتم وأطعمتم ... فعصيتم ووصلتم فهجرتم ولقد علمتم أنني قد رمته ... فضعفت عنه فافعلوا ما شئتم أنتم مناي وفيتم أو خنتم ... ولكم هواي دنوتم أو بنتم وقال من قصيدة: وسؤلت لي نفسي أن أفارقها ... والماء في المزن أصفى من الغدر منها: كم ساهر يستطيل الليل من دنفٍ ... لم يدر أن الكرى آت مع السحر أما اشتفت مني الأيام في وطني ... حتى تضايق في ما عن من وطري 59- وقال أبو بكر عبد العزيز سعيد البطليوسي: فإذا سعدت بنظرة من وجهه ... فاهد السلام لكفه تقبيلا واذكر له شوقي ووجدي مجملاً ... ولو استطعت شرحته تفصيلا بتحيةٍ تُهدى إليه كأنما ... جرّت على زهر الرياض ذبولا منها: لا أدركت تلك الأهلّة دهرها ... نقصاً ولا تلك النجوم أفولا وقال: وأمنن به ضافي الجناح كأنما ... حذيت قوادمه بريح شمأل أعدو به عجباً أصرف في يدي ... ريحاً وآخذ مطلقاً بمكبل وقال: وقد شقّ هدب الليل عن شملة الضحى ... ببرق على ثوب الدجى منه تكتيب كأن أهازيج الذباب أساقف ... لها من أزاهير الرياض محاريب وقال يشكو رمداً: شاعركم كان زهيراً وقد ... أصبح مما ناله الأغشى يقرأ والشمس على رأسه ... تنير (والليل إذا يغشى) وقال: ذكرت سليمي وحر الوغى ... كجسمي ساعة فارقتها فأبصرت بين القنا قدها ... وقد ملن نحوي فعانقتها 60- وقال أبو بكر بن قزمان: ركبوا السيول من الخيول وركبوا ... فوق العوالي السمر زرق نطاف وتحللوا الغدران من ماذيهم ... مربحة إلا على الأكتاف وقال: لا تطمئن على أحد ... واحذر وشمر واستعد فالكل كلب مؤسد ... إلا إذا وجدوا أسد 61- وقال أبو زيد عبد الرحمن بن مقانا الأشبوني: خماص البطون مراض الجفون ... أقمن الشعور مقام الردا لدان القدود حسان الخدود ... صغار النهود طوال الطلى عذاب الثغور لطاف الخصور ... خفاف الصدور ثقال الخطى مشين الهوينا ووادي الخزامى ... يود من البشر أن لو مشى فمازلن يرفلن حتى إذا ... عقدت لواء الهوى باللوى منها: وشمت سيوفك في جلّق ... فشامت خراسان منها الحيا وقال: إن كان واديك نيلا لا يحاز به ... فما لنا قد حرمنا النيل والنيلا إن كان ذنبي خروجي من بلنسية ... فما كفرت ولا بدلت تبديلا هي المقادير تجري في أعنتها ... ليقض الله كان مفعولا وقال: البرق لائح من أندرين ... شرقت عيناك بالدمع المعين لعبت أسيافه عارية ... كمخاريق بأيدي اللاعبين ولصوت الرعد زجر وحنين ... ولقلبي زفراتٌ وأنين عيّرتني بسقام وضني ... إن هذين لزين العاشقين منها: شربوا الراح على خدّ فتى ... نور الورد به والياسمين منها: لوت الصدغ على حاجبيه ... ضمة اللام على عطفة نون منها: ويسقون إذا ما شربوا ... بأباريق وكأس من معين وكأن الطلّ مسك في الثرى ... وكأن النور در في الغصون والندى يفطر من نرجسه ... كدموع أسبلتهن الجفون وانبرى جنح الدجى عن أفقه ... كغراب طار عن بيض كنين وكأن الشمس لما أشرقت ... فأثنت عنها عيون الناظرين

وجه إدريس بن يحيى بن علي ... بن حمود أمير المؤمنين حط بالمسك على أبوابه ... أدخلوها بسلام آمنين ملك ذو هيبة لكنّه ... خاشع لله رب العالمين وإذا أشكل خطب معضل ... صدع الشك بمصباح اليقين وإذا راهن في السبق أني ... وبيمناه لواء السابقين يا بني أحمد خير الورى ... لأبيكم كان وفد المسلمين نزل الوحي عليه فاحتبى ... في الدجى فوقهم الروح الأمين خلقوا من ماء عدل وتقي ... وجميع الماس من ماء وطين انظرونا نقتبس من نوركم ... إنه من نور رب العالمين 62=وقال أبو عبد الله محمد بن البين: ولما تولت بالجمال جمالهم ... تولى جميل الصبر يوم تولت بوادي الكرى لاقيتها وهي عاطل ... فأرسلت درّ العين حتى تجلت وقال: غصبوا الصباح فقسموه حدودا ... واستوهبوا قضب الأراك قدودا ورأوا حصى الياقوت دون محلهم ... فاستبدلوا منه النجوم عقودا واستودعوا حدق المها أجفانهم ... فسبوا بهن ضراغما وأسوادا لم يكف أن خلفوا الأسنة والظبا ... حتى استعاموا أعيناً وخدودا وتضافروا بضفائر أبدوا لنا ... ضوء النار بليله معقودا صاغوا الثغور من الأقاحي بيناه ... ماء الحياة لو اغتدى مورودا 63- وقال أبو محمد بن هود: ضللتم جميعاً يآل هود عن الهدى ... وضيعتم الرأي الموقق أجمعا وإن طلعت تلك البدور أهلّةً ... فلم يبق إلا أن أغيب وأطلعا فلا تقطعوا الأسباب بيني وبينكم ... فأنفكم منكم وإن كان أجدعا وقال: تركت محلّي جنّةً فوجدتها ... على كل أيدي الحادثات جهنما لتصنع بي الأيام ما شئن آخرا ... فما صنعت بي أولاً كان أعظما 64- وقال أبو عمر بن فتح بن برلوصة: إن ابن برد لفتى ماجد ... ونفسه بالجود مفتونة مددت كفى نحو بلوطة ... فقال: دعها وخذ التينة 65- وقال أبو عمر يوسف بن كوثر الشنتريني: إلا لا يفند عاشقاً من له ذهن ... فو الله لولا العشق ما عرف الحسن 66- وقال أبو الوليد المعروف بالنحلي: راقت محاسنها ورقّ أديمها ... فتكاد تبصر باطناً من ظاهر وتمايلت كالغصن في ورق النقا ... تلتف في ورق الشباب الناضر يندى بماء الورد مسبل ثغرها ... كالطل يسقط من جناح الطائر تزهى برونق حسنها وجمالها ... زهو المؤيد بالثناء العاطر ملك تضاءلت الملوك لقدره ... وعنا له صرف الزمان الجائر وإذا لمحت جبينه ويمينه ... أبصرت بدراً فوق بحر زاخر 67- وقال أبو بكر محمد بن سوار الأشبوني: سريت وأصحابي يميلهم الكرى ... فهم منه في سكر وما بهم سكر وأفردت سهماً واحداً في كنانة ... من الحرب لا يخشى على مثله الكسر وكنت عهدت الحرب مكراً وخدعة ... ولكن مع المقدور مالا مرئ مكر فطاعنتهم حتى تحطمت القنا ... وضاربتهم حتى تكسرت البتر وقال: فضاقت عليّ الأرض حتى كأنها ... بما رحبت ما كان في طولها شبر وقال: بانوا وروحي عندهم وحشاشبي ... فتظن أنهم مضوا وبقيت هذا فؤادي إن وجدتم غيرها ... في طيها فالنار والكبريت منها: ولقد حملت من الوقار سكينة ... لم يحتملها قبلك التابوت وقال: أنتم الأحباب في حكم الهوى ... فارفقوا لا تفعلوا فعل الأعادي تكمن الشحناء في أحشائهم ... ككمون الجمر في جوف الرماد منها: وعفاف واعتكاف وتقىً ... ووفاء وعطاء وأيادي وقال: بدت الغزالة والعزالة وجهها ... وتكلمت فسمعت ظبياً يبغم جالستها وتبسمت فظننتها ... عن مثل ما في نحرها تتبسم فتشابهت منها الثلاثة أضرب ... عق وثغر طيب وتكلم ومضت تجر وراءها شعراً كما ... أعطاك خافية الغراب الأسحم يمحو مواقع خطوها فكأنه ... يخيفه عن عين الرقيب ويكتم والمسك فوق الترب من أردانها ... خطٌ كما رقم الرداء المعلم هلاّ التقينا حيث تنتثر الظبا ... والهام تسقط والقنا تتحطم

والجو أدكن بالغبار قميصه ... والجيش أرعن والخميس عرمرم وكأن كل كمي حرب ماردٌ ... تهدي إليه من الأسنة أنجم ومدربين على الطعان لقيتهم ... وكأنهم في الشمس ليلٌ مظلم لبسوا جلود الرقم واعتقلوا القنا ... فرأيت كيف يجرأ رقم أرقم حتى علوناهم بكل مهند ... يبكي فتحسبه لهم يترحم ذو خطبة في الهام يسمع صوتها ... في كل قطر وهو لا يتكلم منها: رد التحية مثل ودي غضّة ... إني عليك مع النسيم مسلم ولقد كتبت وأدمعي منهلة ... والقلب فيه جذوة تتضرم أمن السوية أن أكون كما أنا ... فيفوز غيري بالنعيم وأحرم وقال: إلى ضوء ذاك البارق المتعالي ... حننت وجنت أينقي وجمالي تألق مدحي عارضاً مثل أدمعي ... ويحكي فؤادي خفقه المتوالي ولولا شمالي في زمام شملة ... لطارت إليه في صبا وشمال منها: هم بعثوا طيف الخيال الذي سرى ... فعانق جسماً مثل طيف خيال فيا دارهم بالحزن حزني مجدد ... عليك وقلبي ليس عنك بسالي منها: وأبيض هندي كأن بحده ... مطار ذباب أو محدب نمال جرى فوقه ماء الفرند وتحته ... وجال على متنيه كل مجال وقد أظهرت فيه المنايا نفوسها ... كما خوضت لجّ السراب سعالي منها: إليك رمتنا العيس حتى كأنها ... من الوهن أقواس رمت بنبال وقال: والقرط كالقلب من خوف ومن حذر ... كأنه هو في خوف وتعذيب ولا انتهت إلى أطناب قبتها ... إلا على ظهر مطعون ومضروب بأبيض بدم الأجساد مغتسل ... وأسمر بدم الأكباد مخضوب والطبع أكرم في تركيب خلقته ... من أن أكون محباً غير محبوب إن كنت يا دهر لم تحسن معاشرتي ... فيما مضى فلقد أحسنت تأديبي وقال: رعى الله فيكم ذمّة المجد والعلا ... فلا خلق أرعى منهم لذمام وقال: حطوا عن الأكوار قد مات الذي ... يتحمل الأعباء وهي ثقال وتهدّم الجبل المنيف فزلزلت ... رتب العلا ومن الرجال رجال وقال: سوداء أشرق نجمها فلو أنني ... أجري على فلك لكنت هلالها منها: يمشون فوق الأرض تحت حلومهم ... فتخالهم أوتادها وجبالها لولاهم لتحركت حيتانها ... من وجفة ولزلزلت زلزالها وقال: قامت تقبلني فقلت لها امسكي ... عني لأني لا أقارب راحا فمضت وقد أخجلتها فتبسمت ... فرأيت في أرض العقيق أقاحا وقال: تكلفني نظم النجوم قلائداً ... لعمري لقد كلفتني مرتقى صعباً منها: موقق آراء القضاء كأنما ... بصيرته في الغيب يخترق الحجبا إذا اكتسب الناس الدنانير عدّة فأحمد لا يرضى بغير العلا كبسا وقال: ورزيه نزلت بآل محمد خصت ... وعمت آل دين محمد وقال: الصبر أجمل عند كل ملمة ... لكن على فقديمها لم يجمل قمران غيب بالكسوف سناهما ... لا تخسف الأقمار إن لم تكمل من قاصين موفقين كأنما ... هذا شريح في القضاء وذا علي وروية من حكمة وقضية ... من فطنة وبديهة من منصل 68- وقال أبو محمد عبد الله بن صارة: وحرمت منلك بغير ما أملته ... أشقى البرية عاشقٌ محروم وقال: لم تطوك الأيام عني إنما ... نقلتك من عيني إلى أضلاعي وقال: لا غرو إن جرح التوهم خده ... فالسحر يفعل في البعيد النازح وقال: أهد الثناء إلى زمان مشرق ... أهدي إليك شقائق النعمان قامت فرادى فوق سوق زبرجد ... صيغت عليه جمائم العقيان يهفو بها مر النسيم كأنها ... حمر البنود نشرن في الميدان وقال: وحديقة في نرجس وبهار ... رفعت لواء الحسن للنظار فكأنما هذا ضحى متهلل ... وكأنما هذا أصيل نهار شربا سلاف القطر حتى عربدا ... وتراجما بكواكب الأزهار وقال: أيا من جارت العلياء فيه ... فما تدري له العلياء كنها بجيد الليل منا عقد أنس ... أقام بغير واسطة فكنها وقال: وأطوي طول ليلي ذكر ليلى ... ولا أقرأ على سلمي السلاما وقال:

عشق السواد فأصبحت أسنانه ... تشري السواد ببيع كل بياض فإذا شحا فاه رأيت خنافساً ... يأوين من فيه إلى مرحاض وقال: وأبخر قص حديثاً له ... فقال الحضور فسا ذا الحدث فقلت لهم بادروا بالقيام ... فإن الفساء نذير الحدث وقال: أما الثنايا فإني لست منثنياً ... عن الثناء عليها آخر الأبد تبدى إلى السمع من ألفاظه نغماً ... كأنها نفثات السحر في العقد له فمٌ كحر في شكل صورته ... ترمي عقاربه العينين بالرمد وقال: طالع بغرتك الميمون طائرها ... تواطئاً بك في أمن من الطير ولا تدعني في كف الزمان سدى ... كالقوس يخطلها الرامي من الوتر وقال: أٌلدهم حر الثناء فإنهم ... بجيد المعالي واسطات القلائد وقال: أهزّ حساماً من لسانك إن سطت=مضاربه ذلت رقاب الشدائد عسى أملي يحظى بإدراك سؤله ... فتثمر بالإنجاز أيك المواعد وقال: إن طاف من حدثانه الطوفان بي ... فمكارم القاضي سفينة نوح 69- وقال القائد أبو عيسى بن لبون: والجلنار دماء قتلي معرك ... والياسمين حباب ماء قد طفا وقال: لو كنت تشهد يا هذا عشيتنا ... والمزن يسكب أحياناً وينحدر والأرض مصفرة بالمزن كاسية ... أبصرت تبراً عليه الدر ينتثر وقال: يا رب ليل شربنا فيه صافية ... حمراء في لونها تنفي التباريحا ترى الفراش على الأكواس طائفة ... كأنها أبصرت منها مصابيحا وقال: تبدي إلينا حشوه ذهب ... أنامل العاج والأطراف عنّاب وقال أبو مروان عبد الملك بن رزين: إذا شعشعت في الكأس خلت حبابها ... لآلئ قد نظمن في لبة الشمس فإن شئت قل فيها أرق من الهوى ... وإن شئت قل فيها أرق من النفس قال: أنحي على جسمي النحول فلم يدع ... متوهماً من رسمه المعلوم عبثت به أيدي الضنا فكأنه ... سرّ خفي في ضمير كتوم وقال: أقسمت بالورد الجني ... ورنتي ناي وعود لأواصلنك بالرضى ... أو تأنفن من الصدود ولأشربنك بالمنى ... ولألثمنك من بعيد ولأرضينك إن سخط ... ت بذلة الدنف العميد وقال: برح السقم بي فليس صحيحاً ... من رأت عينه عيوناً مراضا إن للأعين المراض ساماً ... صيرت أنفس الورى أغراضا وقال: ولأدنينك بالمنى ... ولأشربنك بالضمير 71- وقال الماهر أبو عامر أبو المطرف عبد الرحمن فاخر المعروف بابن الدباغ: نفس فداؤك من خليل واصلٍ ... أهدي إلينا الدر من آدابه علقت يميني منك علق مضنة ... شدت أناملها على أسبابه وكسوتني من حر شعرك ملبساً ... وقد كان غير عواتقي أولى به فأجبت عنه على الورى وربما ... كنت المقصر في اعتراض جوابه قال: حلم لو أن الدهر حمل بعضه ... لشكت عواتقه من الإعياء وإذا تناولت الرقاع بنانه ... أنستك طرز الوشي في صنعاء وله إذا شاء انتظام غرائب ... لا تدّعيها فطنة الشعراء 72- وقال أبو الربيع سليمان بن مهيار السرقسطي: لا تنسني من سحتك المكسوب ... واجعل نصيبك منه مثل نصيبي وإذا اغتري بك في القيامة أهله ... فبمثل ما أوليتني تغري بي وهي الذنوب، وبالغ في لؤمه ... أقصى النهاية باخل بذنوب 73- وقال عبد الله بن خلصة الضرير: ولو جاد بالدنيا وثنى بمثلها ... لظن من استصغارها أنه ضنا ولا عيب في إنعامه غير أنه ... إذا من لم يتبع مواهبه منّا وقال: يا ملكاً حسدت عليه زمانه ... أمم خلت من قبله وقرون مالي أرى الآمال بيضاً وضحاً ... ووجوه آمالي حوالك جون أنا آمن فرق وراج يائس ... ورو صدٍ ومسرح مسجون لا تعدني أنواء يمنك لا عدا ... ك النصر والتأييد والتمكين وقال: لم تدر من قبله عين ولا بصرت ... بالبدر والبحر والرئبال في رجل خدمتكم ليكون الدهر من خدمي ... فما أحالته عن عاداته نيلي إن لم تكن بكم حالي مبدلة ... فما انتفاعي بعلم الحال والبدل وقال:

تعبدني حباً وتيمني هوى=فيا ما أذل العاشقين وما أخزى وما درت الروض الأنيق نباته ... لروض علاء ينبت المجد والعزّا وقال: كدت أقضي عليك نحي نحيباً ... وأرى ذاك في رضاك قليلا وقال: يا أبا عامر عزاء جميلاً ... فإليكم يعزى العزاء الجميل سنة الله في العباد وما في ... سنة الله للورى تبديل حكمه الفصل ليس عنه انفصال ... وهو العدل ليس عنه عدول وإذا كاشف الحقائق عقل ... شهدت لي بما أقول العقول 74- وقال أبو مروان بن الحجاري: أخوك أخو نكبات لها ... يرق العدو فكيف الصديق كسدت ونظمي درّ نفيس ... وضعت ونثري مسك سحيق منها: فشيعه مكن دموعي انسكاب ... وودعه من فؤادي خفوق وقال: لو حسبت في الورى مواهبه ... لم يخل حسّابها من الغلت وقد استرد الشباب خلعته ... ونبّهتني الخطوب من سنة لولا أتتني الخطوب تطلبني ... ما علمت موضعي ولا درت وقال: فديتك لا تخف مني سلواً ... إذا ما غير الشعر الصغارا أهيم بدن خل كان خمراً ... وأهوى لحيةً كانت عذارا 75- وقال أبو علي الإدريس بن اليماني: قبلةٌ كانت على دهش ... أذهبت ما بي من العطش ولها في القلب منزلة ... لو عدتها النفس لم تعش منها: وكأن النجم حين بدا ... درهم في كف مرتعش وقال في صبي عليه أسمال: توشح بالظلماء وهو صباح ... فأمرضت الألباب وهي صحاح وظل فؤادي طائراً عن جوانحي ... فليس له إلا الغرام جناح قضيب صباح في وشاح دجنة ... ألا ليتني تحت الوشاح وشاح ولا عجب أن أفسدتني جفونه ... فكل فساد في هواه صلاح وقال: علقته شادناً صغيراً ... وكنت لا أعشق الصغارا أعارني سقم ناظريه ... فاستشعرت نفسه حذارا يسفر عن وجه مستنير ... يرد جنح الدجى نهارا لم أر من قبل ذاك ماء ... أضرم فيه الحياء نارا وقال: وعقبان خطف من نتاج أعوج ... تنقض من فرسانها بسباع وقال: ولرب ليل قد طرقت وهمتي ... أسرى بها إذ ليس يسري كوكب منها: وسروا فمغرب كلّ أرض مشرق ... لهم ومشرق كل أرض مغرب والفجر ملقى النقاب مبرقع ... والليل مسدول الرواق مطنب وكأن باهرة الكواكب معشر ... قام الهلال بهم خطيباً يخطب وكأن نور الصبح راية فارس ... حمراء يتبعها خميس أشهب وقال: وقد سكنت عين دهمائهم ... كما سكن الفعل جزماً بلم ملوك ولكنهم في الملوك ... كأمة أحمد بين الأمم وطيب حتى رضاب الثغور ... فلا فم إلا وفيه شبم منها: همامٌ له شيمةٌ كالشمول ... تميت الهموم وتحيي الهمم تنسمت نعمته بالثناء ... ونشر الثناء نسيم النعم يد تقع الهام تحت الحسام ... بها والأقاليم تحت القلم منها: ولو خطرت بحبيب بن أوس ... طوى كلّ ما حاك في المعتصم فيا كعبة الحسن وافاك عبد ... لطاعة سيده ملتزم حججت وطفت أسابيع لكن ... تمام طوافي أن أستلم وقال: ثقلت زجاجات أتتنا فرغاً ... حتى إذا ملئت بصرف الراح خفّت فكادت تستطير بما حوت ... وكذا الجسوم تخف بالأرواح ولئن بك استغنيت عن كل ففي ... ضوء الصباح عن المصباح وقال: زعم العبير بأنه حاكاك ... كذب العبير وما حكى رياك هذا شميمك فليهب نسيمه ... حتى تبين مقالة الأفّاك وإن ادعى ريم الفلاة بأن في ... عينيه لمحة طرفك الفتاك فليلتمحك بمقلتيه مغاذلاً ... حتى تفند قوله عيناك وقال: أنبات الهديل أسعدن ... أوعدن قليل العزاء بالأسعاد بيد أني لا أرتضي ما فعلتن ... وأطواقكن في الأجياد وقال: وصدق دعوى الشوق برهان جسمه ... وما كل ذي دعوى تصدق دعواه بذي لعس للاقحوان ثناياه ... وللورد خدّاه وللآس صدغاه وللسوسن الريان صفحة خدّه ... وللبدر مجلاه وللمسك رياه منها:

لقد كان معنى الجود عمي فانبرى ... له ابن أبي موسى ففك معماه وما فتحت أيدي الحيا زهرة الربى ... كما فتحت روض القريض عطاياه وقال: الخاطفات أسافلاً وأعاليا ... فكأنهن ضراغم وأجادل منها: تصبو غليك مشارق ومغارب=وتهيم فيك منابر ومحافل تجري بما فيها تشاء كأنما ... حركتها فعلٌ وأنت الفاعل لولا اضطرام اليأس فيك لدى الوغى ... لا خضر في يدك الوشيج الذابل وقال: وما اصفر وجه الشمس إلا لأنه ... لوجه الأمير الأريحي حسود فغرته تغري سناك على الدجى ... وراحته تبدي الندى وتعيد 76- وقال أبو الأصبغ بن أرقم: انكسفي ويحك يا شمس ... وازة بما ضمنت يا رمس في سر أجفانك لي مقلة ... وبين أضلاعك لي نفس 77- وقال أبو جعفر بن جرج: بيض مناظرها سود غدائرها ... كما تلاقى جنود الروم والحبش كيف النجاة لقلب بات منتهشاً ... ما بين عقرب ذاك الصدغ والحنش وقال: ساروا فودعهم طرفي وأودعهم ... قلبي فما بعدوا عني ولا قربوا هم الشموس ففي أعيني إذا طلعوا ... في القادمين وفي قلبي إذا غربوا 78- وقال أبو الفضل بن حسداي الإسلامي: عهد لليلى تقاضته الأمانات ... بانت وما قضيت منه لبانات يدني التوهم للمشتاق ممتزجاً ... من الوصال وفي الأوهام راحات تقضي عدات إذا هب الكرى وإذا ... هب النسيم فقد تهدي تحيات لعل عتبي الليالي أن تعود إلى ... عتبي فتبلغ أوطار ولذات 79- قال الأديب أبو اسحق إبراهيم بن خفاجة يستدعي نديماً: لو ترى الشرب حولها من بعيد ... قلت قوم من قرة يصطلونا وقال من قصيدة: أذعت بهم سر الصباح وإنما ... سررت بهم ليل السرى فتبسما فبتنا وبحر الليل مرتطم بنا ... نرى العيس غرقى والكواكب نوما وقد وترت منها قسياً يد السرى ... وفوق منا فوقها المجد أسهما وما هاجني إلا تألق بارق ... لبست به برد الدجنة معلما فيا رب وضاح المحاسن أشقر ... رميت به الهيجا وقد فغرت فما وبحر حديد قد تلاطم أخضر ... إذا عصفت ريح الجياد به طمى وقد أفصحت أعطافه عن سيادة ... فشاهدت منه صامتاً متكلما وطال رجال الحي طولاً ونجدة ... فأسدى يد النعمى وذاد عن الحمى فلو وصلوا يوماً كعوباً لأسمره ... لكان على حكم السيادة لهذما وقال من أخرى: سايرته في حيث يحمل لأمتي ... أسد ويلوي معطفيه شجاع في ليلة للرعد فيها صرخة ... لا تستطاب وللحياة إيقاع والصبح قد صدع الظلام كأنه ... وجه وضئ شق عنه قناع ودفعت في صدر الردى عن مطلب ... بيني وبين الدهر فيه قراع وقال: ورفلت في خلع علي من الدجى ... عقدت لها من أنجم أزرار والليل يقصر خطوه ولربما ... طالت ليالي الركب وهي قصار وقد شاب من طوق المجرة مفرقٌ ... فيها ومن خط الهلال عذار وقال: شراب الأماني لو علمت سارب ... وعتبى الليالي لو عرفت عتاب وهل مهجة الإنسان إلا طريدة ... تحوم عليها للعقاب عقاب وكيف يغيض الدمع أو يبرد الحشا ... وقد ماد أفنان وفات شباب أقلب طرفي لا أرى غير ليلة ... وقد حط عن وجه الصباح نقاب كأني وقد الصباح حمامه ... يمد جناحيه على غراب وقال: كفى حزناً أن لم يردني على النوى ... رسول ولم ينفذ إليك كتاب وإني إذا يممت قبرك زائراً ... وقفت ودوني للتراب حجاب ولو أن حياً كان جاور ميتاً ... لطال كلام بيننا وخطاب وقال: أراعي نجوم الليل حباً لبدره ... ولست كما ظن الخلي منجما أقلب منه ناظري في غيابة ... لو اعترضت دون الصباح لأظلما ترى يوسفا في ثوبه حسن صورة ... وتسمع داوداً لها مترنماً وقال من أخرى: سقياً ليوم قد أنخت بسرجة ... رياً تلاعبها الرياح فتلعب سكرى يغنيها الحمام فتنثني ... طرباً ويسقيها الغمام فتشرب تلهو فترفع للشبيبة راية ... فيه ويطلع للبهارة كوكب

والروض وجه أزهر والظل فر ... ع أخضر والماء ثغر أشنب في حيث أطربنا الحمام عشية ... فشدا يغنينا الحمام المطرب واهتز عطف الغصن مكن طرب بنا ... وافتر عن ثغر الهلال المغرب فكأنه والحسن مقترن به ... طوق على برد الغمامة مذهب منها: كرموا فلا غيث السماحة مخافٌ ... يوماً ولا برق اللطافة خلب من كل أزهر للنعيم بوجهه ... ماء يرقرقه الشباب فيسكب وقال يندب الأخوان: ألا عرس الإخوان في ساحة البلى ... وما رفعوا غير القبور قبابا فدمع كما سح الغمام ولوعة ... كما ضربت ريح الشمال شهابا منها: فطال وقوفي بين وجد وزفرة ... أنادي رسوماً لا تحير جوبا وأمحو جميل الصبر طوراً بعبرة ... أخط بها في صفحتي كتابا وحسبي شجواً أن أرى الدار بلقعاً ... خلاء وأشلاء الحبيب ترابا وقال: طاف الخيال به فأسرج أدهماً ... وسما السماك له فأسرج لهذما وسرى يطير به عقاب كاسرٌ ... باتت تلاعب من عناق أرقما في سدفة يندي حياها صفحة ... وبطيب رياً ريحها متنسما فتكاد ريقة طلها أن تجتني ... رشفاً وتبسم ريقها أن يلثما وسرى الهلال يدب فيها عقرباً ... وانساب منعطف المجرة أرقما منها في صفة منزل: أكرمته عن أن يذال بوطأة ... ولمثله من منزل أن يكرما دمعت به عين الغمام صبابة ... ولربما طرب الجواد فحمحما وقال يصف شجرة: خط الربيع قناعها عن مفرق ... شمط كما يرتد كأس الراح فضح الثرى نوارها فكأنما ... مسحت معاطفها يمين سماح لذا حاك لها الغمام ملاءة ... لبست بها حسناً قميص صباح ولوى الخليج هناك صفحة معرض ... لثمت سوالفها ثغور أقاح وقال: وأغيد أهدي نرجساً من محاجر ... وثنى فأتلى سوسناً من سوالف تطلع مثل الرمح لوناً وقامة ... وفتكة ألحاظ ولين معاطف فقبل طرفي في محياه مبسماً ... شنيباً ومن صدغيه لعس مراشف وقال: ما للعذار وكان وجهك قبلة ... قد خط فيه من الدجى محرابا ولقد علمت بكون ثغرك بارقاً ... أن سوف يزجي للعذار سحابا وقال: يا رب وضاح الجبين كأنما ... رسم العذار بصفحتيه كتاب خلعت عليه من الصباح غلالة ... تندى ومن شفق المساء نقاب منها: لقد حللت بشاطئيه يهزني ... طرباً شباب راقني وشراب وعبرت دجلته يضاحكني بها ... فرحاً حبيب شاقني وحباب وقال من قطعة: مر بنا وهو بدر تم ... يسحب من ذيله سحابا بقامة تنثني قضيباً ... وغرة تلتظي شهابا بات بها مبسم الأقاحي ... يرشف من طلها رضابا وقال في الكأس: فكأنه در تحلل ... في شعاع قد نجسم فقرأت سطر زمرد ... فيه بمسك الخال مفعم وكأن جوهر لفظه ... نظم بفيه إذا تبسم وكأن لؤلؤ ثغره ... نثر بفيه إذا تكلم وقال: علقت طرفاً فاتناً فاتراً ... فيك وغراً منك غرارا ينشر من صفحته رقعةً ... ويدمج الأصداغ أسطارا يدير للأعين من وجهه ... كعبة حسن حيثما دارا فلي به عينٌ مجوسيةٌ ... تعبد من وجنته نارا وقال: كأنني بعدكم شمالٌ ... قد فارقت منكم يمينا وقال: ومن لي بذاك الخشف من متقنص ... فآكله عضاً وأشربه لثما وقال: وأصغي إلى لحن فصيح يهزّه ... كما هزّ نشر الريح ريحانة سكرى تهش إليه النفس حتى كأنه ... على كبد نعمي وفي أذن بشرى وقال: وكانت سماء الله لا تمطر الحصى ... ليالي كنا لا نطيش حلوما فلما تحولنا عفاريت شرةٍ ... تحول شؤبوب الغمام رجوما وقال: أغار لخديه على الورد كلما ... بدا ولعطفيه على غصن البان حبيب عليه لجةٌ من صوارم ... علاها حباب من أسنّة مرّان طوى برده منه صحيفة فتنة ... قرأنا لها من وجهه سطر عنوان محبته ديني ومثواه كعبتي ... ورؤيته حجي وذكراه قرآني وقال:

وحيداً تهاداني الفيافي فاجتلى ... وجوه المنايا في قناع الغياهب ولا أنس إلا أن أضاحك ساعة ... ثغور الأماني في وجوه المطالب بليل إذا ما قلت قد باد فانقضى ... تكشف عن وعد من الظن كاذب سحبت الدياجي فيه سود ذوائب ... لأعتنق الآمال بيض ترائب منها: وأرعن طماح الذؤابة باذخ ... يطاول أعنان السماء بغارب يسد مهب الريح عن كل وجهة ... ويزحم ليلاً شهبه بالمناكب وقور على ظهر الفلاة كأنه ... طوال الليالي مطرق في العواقب يلوث عليه الغيم سود عمائم ... لها من وميض البرق حمر ذوائبه أصخت إليه وهو أخرس صامت ... فحدثني ليل السرى بالعجائب منها: وما غيض السلوان دمعي وإنما ... نزفت دموعي في فراق الأصاحب فاسمعني من وعظه كل عبرة ... يترجمها عنه لسان التجارب وقال في إهداء مهر بهيم أدهم: تقبل المهر من أخي ثقة ... أرسل ريحاً به إلى مطر مشتملاً بالظلام من شية ... لم يشتمل ليلها على سحر منتسباً لونه وغرته ... إلى سواد الفؤاد والبصر تحسبه من علاك مسترقاً ... بهجة مرأى وحسن مختبر حنّ إلى راحة تفيض ندى ... فمال ظل به على نهر ترى به والنشاط يلهبه ... ما شئت من فحمة ومن شرر اسود وابيض فعله كرما ... فالتفت الحسن منه عن حور كأنه والنفوس تعشقه ... مركب من محاسن الصور فازدد سنا بهجة بدهمته ... فالليل أذكى لغرة القمر ومثل شكري على تقبله ... يجمع بين النسيم والزهر وقال أيضاً من أخرى: وليل تعاطينا المدام وبيننا ... حديث كما هب النسيم عن الورد ونقلي أقاح الثغر أو سوسن الطلي ... ونرجسة الأجفان أو وردة الخد فأقبلت أستهدي لما بين أضلعي ... من الحر ما بين الثنايا من البرد أغازل منه الغصن في مغرس النقا ... وألثم وجه الشمس في درج السعد فإن لم يكنها أو تكنه فإنه ... أخوها كما قد الشرك من الجلد تسافر كلتا راحتي بجسمه ... فطوراً إلى خصر وطوراً إلى نهد فتهبط من كشحيه كف تهامة ... وتصعد من نهديه أخرى إلى نجد وقال: فجمعت بين رضابه وشرابه ... وشربت من ريق ومن صهباء ولثمت في ظلماء ليلة وفرة ... شفقاً هناك لوجنة حمراء والليل مشمط الذؤابة كبرة ... خرف يدب على عصا الجوزاء ثم انثى والصبح يسحب ذيله ... ويجر من طرب فضول رداء وقال: فلله طود للجزالة راسخ ... على الجد يهتز ارتياحاً إلى هزل ينيل على العلات بيض مكارم ... تريك الجبال الشم في عدد الرمل ويطلع الندى متهللاً ... مضى لسان النار في الحطب الجزل منها: والريح تلوي عطف كل أراكة ... لي السرى وهناً لعطف الناعس فالحر مفتقر إلى عز الغنى ... فقر الحسام إلى يمين الفارس منها: واستسق منه إن ظمئت غمامة ... يخضر عنها كل عود يابس من آل حمدين الأولى حليت بهم ... قدماً صدور كتائب ومدارس من أسرة نشأوا غمائم أزمة ... ولربما طلعوا بدور حنادس وجنوا ثمار النصر من شجر القنا ... بأكفهم ولنعم غرس الغارس سلس الكلام على السماع كأنه ... سنة ترقرق بين جفني ناعس يطأ العدي ما بين نصل ضاحك ... تحت العجاج ووجه طرف عابس في حيث يلعب بالقناة شهامة ... لعب النعامي بالقضيب المائس وقال من قصيدة أولهات: سمح الخيال على النوى بمزار ... والصبح يمسح عن جبين نهار منها: ولوى القضيب هناك جيداً أتلعاً ... قد قبلته مباسم النوار باكرته والغيم قطعة عنبر ... مشبوبة والبرق لفحة نار والريح تلطم فيه أرداف الربى ... لعباً وتلثم أوجه النوار في فتية جنبوا العجاجة ليلة ... ولربما سفروا عن الأقمار شاهدت من هماتهم وهباتهم ... إشراف أطواد وفيض بحار من كل منتقب بوردة خجلة ... كرماً ومشتمل بثوب وقار ضافي رداء المجد طماح العلا ... طامي عباب الجود رحب الدار

جرار أذيال المعالي والقنا ... حامي الحقيقة والحمى والجار ومنها: ملتفة أعطافه بجبيرة ... مكحولة أجفانه بنضار ترمى به الأمل القصي فينثني ... معطوف راء الظفر والمنقار ومنها في صفة الكلاب: وبكل الشوط أشدق أخزر ... طاوي الحشا حالي المقلد ضار يفتر عن مثل النضال وإنما ... يمشي على مثل القنا الخطار من كل مسود تلهب طرفه ... فرمتك فحمته بشعلة نار ومورس السربال يخلع قده ... عن نجم في سماء غبار يستن في سطر الطريق وقد عفا ... قدماً فيقرأ أحرف الآثار عطف الضمور سراته فكأنه ... والنقع يحجبه هلال سرار يجري على حذر فيجمع بسطة ... تهوي فينعطف انعطاف سوار ممتد حبل الشأو يعسل رائغاً ... فيكاد يفلت أيدي الأقدار متردداً يرمي به خوف الردّى ... كرة تهاداها أكف قفار ومنها في وصف الطير: من كل قاصرة الخطى مختالة ... مشى الفتاة تجر ذيل إزار مخضوبة المنقار تحسب أنها ... كرعت على ظمأ بكأس عقار منها: خدم القضاء مراده فكأنما ... ملكت يداه أعنة الأقدار جذلان يملأ بهجة وبشاشة ... أيدي العفاة وأعين الزوار بيمينه يوم الوغى وشماله ... ما شاء من نار ومن إعصار والسمر حمر والجياد عوابس ... والجو كاس والسيوف عوار والخيل تعثر في شبا شوك القنا ... نضواً وتسبح في الدم الموار والنقع يكسر من سنا شمس الضحى ... فكأنه صدأ على دينار ومنها في السيف: ومضى وقد ملكته هزة عزة ... تحت العجاج وضحكة استبشار وقال من أخرى: وأراكة ضربت سماء فوقنا ... تندى وأفلاك الكؤوس تدار حفت بدوحتها مجرة جدول ... نثرت عليه نجومها الأزهار فكأنها وكأن جدول مائها ... حسناء شد بخصرها زنار زف الزجاج بها عروس مدامة ... تجلى ونوار الغصون نثار غناء ينشر وشيه البزاز لي ... فيها ويفتق مسكه العطار نام الغبار بها وقد نضح الندى ... وجه الثرى واستيقظ النوار وقال: جمعت ذؤابته ونور جبينه ... بين الدجنة والصباح المشرق طالت مراقبة الخيال ودونه ... رعى الدجى فمتى أنام فنلتقي ما بين نحر بالدموع مقلد ... فرحاً وجيد بالعناق مطوق وقال: بحيث يهز الموت من أكعب القنا ... غصوناً ويجني من ثمار الجماجم وينظر عن طرف من الرمح أزرق ... ويضحك عن ثغر من السيف باسم وقد فاض بحر للردى من دم العدا ... فسال حياء في وجوه الصوارم وقال: في حيث جر المجد فضل إزاره ... ومشى الهوينا مشية الخيلاء قد راق بين فصاحة وصباحة ... سمع المصيخ له وعين الرائي وكأنه من عزمة في رحمة ... متركب من جذوة في ماء تثني به ريح المكارم خوطة ... في حيث تسجع ألسن الشعراء وقال: حدر القناع عن الصباح المسفر ... ولوى القضيب على الكثيب الأعفر وتملكته هزة في عزة ... فارتج في ورق الشباب الأخضر متنفساً عن مثل نفحة مسكة ... متبسماً عن مثل سمطي جوهر سلت علي سيوفها ألحاظه ... فلقيتهن من المشيب بمغفر منها: نزر الكرى يرمي الظلام بمقلة ... سهرت لأخرى تحته لم تسهر منها: بيني وبينك ذمة مرعية ... فإذا تنوسيت المودة فاذكر وإذا غشيت ديار ليلى باللوى ... فاسأل رياح الطيب عنها تخبر والمح صحيفة صفحتي فاقرأ بها ... سطرين من دمع بها متحدر كتبتهما تحت الظلام يد الضنى ... خوف الوشاة بأحمر في أصفر ولئن جريت مع الصبا ... وشربتها من كف ظبي أحور ناجيت منه عطارداً ولربما ... فبلته فلثمت وجه المشتري ولقد خلوت به أقسم نظرتي=ما بين جؤذر رملة وغضنفر منها: أضحكت ثغر النصر فيه من العدا ... ولربما أبكيت عين السمهر وجرى الحديث بطيب ذكرى طاهر ... فجعلت جزل وقودها من عنبر وقال: صحونا وقد أصحت هناك سماؤنا ... وكنا نشاوي تحت ظل الغمائم

ولا هالني إلا نذير برحلة ... مسحت له من روعة جفن نائم منها: فإن دقت الهيجاء أرماح حلبة ... فثم من الآراء أمضى لهاذم وإن هدت الأسياف أركان دولة ... فثم من الأقلام أقوى دعائم ترى بهم من هزة في طلاقة ... لدان العوالي ففي بريق الصوارم وقال: لله نورية المحيا ... تحمل نارية الحميا درنا بها تحت ظل دوح ... قد راق وطاب ريا تجسم النور فيه نوراً ... فكل غصن به ثريا وقال: ومعرض لي بالهجاء وهجره ... جاوبته عن شعره في ظهره فلئن نكن بالأمس قد لطنا به ... فاليوم أشعاري تلوط بشعره وقال الخفاجي: تعقله ريان من خمر ريقة ... له رشفها دوني ولي دونه السكر ترقرق ماء مقلتاي ووجهه ... ويذكي على قلبي وجنته الجمر ولا عجب أن طاب نشراً فإنما ... محاسنه في غصن قامته زهر أرق نسيبي فيه رقة حسنه ... فلم أدر أي قبلها منهما السحر وطبنا معا ثغراً وشعراً كأنما ... له منطقي ثغر ولي ثغره شعر وقال في ذم رقعة: معوجة أسطارها وحروفها ... كأن بها من برد لفظك فالجا وقال: ومهفهف طاوي الحشا ... خنث المعاطف والنظر فإذا رنا وإذا شدا ... وإذا سعى وإذا سفر فضح المدامة والحما ... مة والغمامة والقمر وقال: خذها وقد سفرت إليك يد الصبا ... عن وجه أفق بالغمام ملثم واقدح بها زند السرور وقد طمى ... بحر الدجى وطفا حباب الأنجم وانجاب نقع الغيم من قمر الدجى ... عن غرة وضحت بجبهة أدهم وتعثرت قدم الثريا سحرة ... في برد ليل بالمجرة معلم وقال: وحوراء بيضاء المحاسن ... لبست بها الليل البهيم نهارا هززت لأغصان القدود معاطفاً ... بها ولرمان النهود ثمارا فسقياً لأيام هناك سحبتها ... ذيولاً على حكم السرور قصارا وقال: وإني إذا ما الليل جاء بفحمة ... لأوري زناد الهم فيها فأقدح وأتبع طيب الذكر أنة موجع ... فينفح هذا حيث هاتك تلفح وألقى بياض الصبح يسود وحشة ... فأحسبني أمسي على حين أصبح غريقاً ببحر الدمع والهم والدجى ... ولو كان بحراً واحداً مكنت لأسبح ففي ناظري لليل مربط أدهم ... وفي وجنتي للدمع أشهب يجمح وقال: خفقت لذكرك أضلعي فكأن لي ... في كل جارحة جناحاً يخفق وتملكني لوعة مشبوبة ... شوقاً إليك وعبرة تترقرق فابعث بطيفك باغتاً أو واعداً ... إني إليه كيف كان لشيق وصل التحية إن عهدك زهرة ... تندى وذكرك نفحة تتنشق وقال: فالصبح ثغر في كتابك ضاحك ... والليل طرف في ذراك كحيل ولكم قصيد من يراعك شاحب ... قد فات صدر الرمح وهو طويل وتطلعت من برقة وغمامة ... في كل أفق راية ورعيل فالروض مهتز المعاطف نعمة ... نشوان تعطفه الصبا فيميل ريان فضضه الندى ثن انجلى ... عنه فذهب صفحتيه أصيل منها: والزق منجدل يكب لوجهه ... ويمج روح الراح منه قتيل منها: شاكي السلاح بقده وبطرفه ... رمح أصم وصارم مسلول وأخ تهز له العلا أعطافها ... فكأنه ريحانة وشمول مياس أعطاف السماح كأنه ... غصن تنفس نوره مطلول طلق الجبين وللحسام تبسم ... طاوي المصير وبالقناة ذبول والنقع أدهم للرماح بوجهه ... غرر تلوح وللسيوف حجول والخيل سطر بالأسنة معجم ... وبحمر ألسنة الظبا مشكول وقال: من أشهب شق عنه الركض هبوته ... كما تفري أديم الليل عن فلق وأدهم فضض التحجيل أكرعه ... كما تعلق بدء الصبح بالغسق وأشقر سائل في وجهه وضح ... كما تصوب نجم الرجم في شفق وقال: ومطروراً أجرده صقيلاً ... ويعبوباً أكر به كليما يشيم به وراء النقع برقاً ... تألق شهبة وصفا أديما إذا أوطأته أعقاب ليل ... طردت من الظلام به ظليما وقال: وارتج يعثر في أذيال خجلته ... غصن بعطفيه من إستبرق ورق

تخال خيلانه في نور وجنته ... كواكباً في شعاع الشمس تحترق عجبت والعين ماء والحشا لهب ... كيف التقت بهما في حبه الطرق وقال في شجرة نارنج: وتندى بها في مهب الصبا ... زبرجدة أثمرت باللهب وقال فيها: ومياسة تزهى وقد خلع الحيا ... عليها حلي حمراً وأردية خضرا يذوب لها ريق الغمامة فضة ... ويجمد في أعطافها ذهباً نضرا وقال: يضاحكها ثغر من الشمس ضاحك ... ويلحظها طرف من الماء أزرق وتجلى بها للماء والنار صورة ... تروق فطرفي حيث يغرق يحرق وقال: وارتد للشمس طرف به من السقم فتره يجول للغيم كحل ... فيه وللقطر عبره وقال: والليل قد ولى يقلص برده ... كداً ويسحب ذيله في المغرب وكأنما نجم الثريا سحرة ... كف تمسح عن معاطف أشهب وقال في البرد: فالأرض تضحك عن قلائد أنجم ... نثرت بها والجو جهم قاطب وكأنما زنت البسيطة تحته ... فأكب يرجمها الغمام الحاصب وقال في أسود: يا جامعاً بمساويه وطلعته ... بين السوادين من ظلم ومن ظلم أمثله حسداً في مثله جسداً ... لقد تألف بين النار والفحم وقال في صفة شعره: تلوح به في دهمة الحبر غرة ... ويركض في شوط الفصاحة سابح وقال: وندىً أنس هزني ... هز الشراب من الشباب والليل وضاح الجبين ... قصير أذيال الثياب فقنصت منه حمامة ... بيضاء تنسخ من غراب والنور مبتسم وخد ... الورد محطوط النقاب وكأن كأس سلافة ... ضحكت إليهم عن حباب وقال: وصدر ناد نظمنا له القوافي عقدا في منزل قد سحبنا بظله العز بردا قد تأرج نور غض يخالط وردا تذكو به الشهب جمراً ويعبق الليل ندا كما تنفس ثغر عذب يقبل خدا وقال: وأغيد في صدر الندى لحسنه ... حلي وفي صدر القصيد نسيب جلاها وقد غنى الحمام عشية ... عجوزاً عليها للحباب مشيب وجاء بها حمراء أما زجاجها ... فماء وأما ملؤه فلهيب وغازلنا جفن هناك لنرجس ... ومبتسم للأقحوان شنيب ففله ذيل للتصابي سحبته ... وعيش بأكناف الشباب رطيب وقال: ومقنع بخلاً بنضرة حسنه ... أمسى هلالاً وهو بدر تمام قبلت منه أقحوانة مبسم ... رفت وراء كمامة لللثام ولثمت جمرة وجنة تندى به فكرعت في برد بها وسلام وبكل مرقبة مناخ غمامة ... مثل الضريب بها مجاج نعام أوحت هناك إلى الربى أن بشري ... بالري فرع أراكة وبشام وكفى بلمح غمزة حاجب ... وبصوت ذاك الرعد رجع كلام ذاكي لسان النار تحسب أنه ... برق تمزق عنه جيب غمام وكأن بدء النار في أطرافه ... شفق لوى عطفاً بذيل ظلام وقال من أخرى: وما شاقني إلا وميض غمامة ... تطلع في نجد فحيا اللوى ربعا فقل في أتى قد تهادى كأنه ... إذا ما ثنى أعطافه حية تسعى وماء مسيل سائل لقرارة ... فبينا ترى منه حساماً ترى درعا وقال: وهل هي إلا جملة من محاسن ... تغاير أبصار عليها وآذان بأمثالها من حكمة في بلاغة ... تحلل أضغان وترحل أظعان وتنظم في نحر المعالي قلادة ... وتسحب في نادي المفاخر أردان تدفق ماء الطبع فيه تدفقاً ... فجاء كما يصفو على النار عقيان أتاني يرف النور فيه نضارة ... ويكرع منه في الغمامة ظمآن فهل ترد الأستاذ عني تحية ... تسير كما عاطي الزجاجة ندمان تهش إليها روضة الحزن سحرة ... ويثني إليها من معاطفه البان وقال: نبه وليدك من صباه بزجرة ... فلربما أغفى هناك ذكاؤه وانهره حتى تستهل دموعه ... في وجنتيه وتلتظي أحشاؤه فالسيف لا تذكو بكفك ناره ... حتى يسيل بصفحتيه ماؤه وقال: هذه نعماه مل يدي ... وثنا حسناه ملء فمي وقال: غازلته والأقحوانة مبسم ... والآس صدغ والبنفسج خال ووراء خفاق النجاد ضبارم ... يسري به خلف الظلام خيال

ألقى العصا في حيث يعثر بالحصى ... نهر وتلعب بالغصون شمال وكأنما بين الغصون تنازع ... وكأنما بين المياه جدال فكأنما ألقى هنالك درعه ... بطل وجرد وشيه مختال بيد الجيرة منه سوط خافق ... وبساق ليلة قرة خلخال وقال: ألا هل إلى أرض الجزيرة أوبة ... فأسكن أنفاساً وأهدأ مضجعا أغازل فيها للغزالة سنة ... تحط الصبا عنها من الغيم برقعا وقد فض عقد القطر في كل تلعة ... نسيم تمشي بينها فتضوعا وبات سقط الطل يضرب سرحة ... ترف بواديها وينضح أجرعا وقال: إن للجنة بالأندلس ... مجتلى حسن وريا نفس فسنا صبحتها من شنبٍ ... ودجى ليلتها من لعس فإذا ما هبت الريح صبا ... صحت وأشواقاً إلى الأندلس وقال من قصيدة: وليل كما مد الغراب جناحه ... وسال على وجه السجل مداد منها: كأني وأحشاء البلاد تضمني ... سريرة حب والظلام فؤاد أجوب جيوب والصبح صارم ... له الليل غمد والمجر نجاد وفي مصطلى الآفاق جمر كواكب ... علاها من الفجر المطل رماد ولما تفرى من دجى الليل طحلب ... وأعرض من ماء الصباح ثماد حننت وقد ناح الحمام صبابة ... وشق من الليل البهيم حداد وقال: إذا بسطت كف الهياج إلى العدا ... أنامل سمر الخط كانوا لها زندا رأيت جفون الليل والليل إثمد ... تقلب من جمر الجذى أعيناً رمدا وقال: كتبت وقد خصرت راحتي ... فهل من حريق لكأس الرحيق وقد أعوزت نارهها حملة ... فلولاك شبهتها بالرفيق وقال: وأسمر يلحظ عن أزرق ... كأنه كوكب رجم وقد يضحك من بيض حباب طفاً ... فيه ومن درع غدير حمد حيث الوغى بحر وبيض الظبا ... موج وخرصان العوالي زند وقال في سفينة: وجارية ركبت بها ظلاماً ... يطير من الصباح بها جناح إذا الماء اطمأن فرق خصراًِ ... علا من موجه ردف رداح وقد فغر الحمام هناك فاه ... وأتلع جيده الأجل المتاح فما أدري أموج أو قلوب ... وأنفاس تصعد أم رياح وقال: فزففتها بكراً إذا قبلتها ... ألقت على وجهي قناعاً أحمرا والريح تنخل من رذاذ لؤلؤاً ... رطباً وتفتق من غمام عنبرا وقال: وافي بنا صحفية صفحة ... جعل العذار بها يسيل مدادا متجهماً تكل الشباب وإنما ... لبس العذار على الشباب حدادا وقال في كلب صيد: جرى شدا وللصبح التماع ... بحيث جرى وللبرق التماح فحجله وسوره وميض ... جرى معه وطوقه صباح وقال فيما يتعلق بصفة جبل: وصهوة عزم قد تمطيت والدجى ... منكب كأن الصبح في صدره سر وقد ألحفتني شملة الطل شمال ... يقلقل أحشاء الأراك بها ذعر وشق الدجى نجم النفط مرسل ... ترامى من الليل البهيم به فجر وأشرف طماح الذؤابة شامخ ... تنطق الجوزاء ليلاً له خصر ولاذبه نجم السماء كأنما ... يحن إلى وكر به ذلك النسر وقال: وأقسم لو مثلت ليلة ... لعفت الكرى واستطبت الأرق منها: وما رفلت في قميص الدجى ... ولا اشتملت برداء الغسق ولكن تسيل عليها القلوب ... هوى وتذوب عليها الحدق وقال: وأغر ضاحك وجهه مصباحه ... فأنار ذا قمراً وذلك فرقداً ما إن خبا تلقاء نور جبينه حتى ذكا بذكائه فتوقدا وقال: أطل وقد خط وجهه ... من الشعر سطر دقيق الحروف فقات أرى الشمس مكسوفة ... فقوما فصلوا صلاة الكسوف وقال: سود ما ورد من خده ... فآل فحماً ذلك الجمر وقال: هل ساءه أن عاد آساً ورده ... وتعطلت من فيه كأس تشرب وكأن صفحته وبدء عذاره ... ماء يثور بصفحتيه طحلب وقال: وغمامة لم يستقل بها السرى ... فمشت على الظلماء مشى مقيد حملت بها ريح القبول سحابة ... سحابة الأذيال تلمس باليد في ليلة ليلاء يلحس حبرها ... وهناً لسان البارق المتوقد نسخ الضريب بها الظلام حمامة ... فابيض كل غراب ليل أسود وقال:

فنبت مناب البدر في ليلة السرى ... وقمت مقام الوبل في البلد المحل وأضمرت نار الطعن في ثغر العدا ... وأجريت ماء النصر في صفحة النصل فحيت أبا يحيى ذراك غمامة ... صقيلة ثغر البرق وارفة الظل تجرر أذيال الرباب على الربى ... ويمشي بها وإني النسيم على رسل فطل عمر الدنيا وطأ قمم العدا ... وخيم مع العليا وحز قصب الخصل ومن بها أندى نسيماً من الصبا ... [لدى] وأحلى موقعاً من جني النحل ولا تحتقرها من نوالك برة ... فللطل معنى ليس للمطر الوبل قال في فرس أشقر: مطهم شرق الأديم كأنما ... ألفت معاطفه النجيع خضابا طرب إذا غنى الحسام ممزق ... ثوب العجاجة جيئة وذهابا قدحت يد الهيجاء منه بارقاً ... متلهباً يزجي القتام سحابا رمى الحفاظ به شياطين العدا ... فانقض في ليل الغبار شهابا بسام ثغر الحلي تحسب أنه كأس أثار بها المزاج حبابا قال: وحسام بكف أشوس أجري ... في الطلى ماءه أضرم ناره عطف الضرب منه عارض شيب ... فانحنى يخضب النجع ع1ذاره فوق ورد محجل مزج الحسن ... بمرآه ماءه وعقاره خلصته نار الطبيعة سبكاً وأسالت لجينه ونضاره قدح الركض زنده فاستطارت ... في دخان العجاج منه شراره يضحك الحلي فوقه عن أقاح ... نثرتها الصبا على جلناره وقال في شادن شاد: ملأ المسامع والعيون محاسناً ... فلم أدر أصغي إليه أم أنظر قال: والبس رداء السيف مطرز ... تحت العجاجة بالنجيع الأحمر وارم الكريهة بالكريمة وارتشف ... صفو الحياة من العجاج الأكدر وقال: خلعت رداء الصبر فيها علاقة ... ويحسن إلا في هوى مثلها الصبر ولا غرو أن تروي بها عين ناظر ... وباطنها ماء وظاهرها خمر وقال: وقد جال من جون الغمامة أدهم ... له البرق سوط والشمال عنان وضمخ ردع الشمس نحر حديقة ... عليه من الطلى السقيط جمان ونمت بأسرار الرياض خميلة ... لها النور ثغر والنسيم لسان وقال: طبعت من النوار بيض دراهم ... مدت إليك بها غصون فما احتمى جانب لم يحمه ملك ... ولا مضى صارم لم يمضه بطل وقال يصف الليل: لاطمت لجته بموجة أشهب ... يرمي بها بحر الظلام فترتمي قد سال في وجه الدجنة غرة ... فالليل في شية الأغر الأدهم أطلعت منه ومن سنان أزرق ... ومهند عضب ثلاثة أنجم جاذبته فضل العنان وقد طغى ... فانساح ينسل انسياب الأرقم في خصر غرو بالأراك موشح ... أو رأس طود بالغمام معمم حتى تهادى الغصن يأطر متنه ... طرياً لشدو الطائر المترنم وكأن ضوء الصبح ظافر ... نفضت بها الهيجاء نضحاً من دم وقال: رطيب النسيم كأن الصبا ... تجرر فيه ذيول الغمام وقال: ومجر ذيل غمامة قد نمنمت ... وشى الربيع به يد الأنواء وشربتها عذراء تحسب أنها ... معصورة من وجنتي عذراء ومنها: خذها كما اطلعت إليك عرارة ... مفترة عن لؤلؤ الأنداء صفراء في بيضاء تحسب أنها ... شمس العشية في قرار الماء ويوم ترى برقه أشقراً ... يطارد من مزنة أشهبا ترى الأرض منه وقد فضضت ... ووجه السماء وقد ذهبا وقد اطلع الروض من أيكة ... سماء ومن زهرة كوكبا وكرز أثواب خضر الغصون ... ورصع تيجان هام الربى وقد قبل الماء كأس المدام ... فاضحك ثغراً لها أشنبا وشف المزاج بها جمرة ... تكاد بها الكأس أن تلهبا عروساً ترى خدهها أحمراً ... يشوق ومفرقها أشيبا وقال: إلا إن ثغر الدمع فيك لباسم ... وقد طال من وجه الظلام قطوب ومن لي بطيف منك يطرق مضجعي ... وبين الكرى العين فيك حروب وإني لمهتز لذكراك لوعة ... كما اهتز في مسرى النسيم قضيب وقال: وقد جال من كأس المدامة أشقر ... يسابقه من جدول الماء أشهب كأن لسان البرق فيه عشية ... لواء خضيب أو رداء مذهب وقال يصف أثر السيل:

قد غمر القيعان ماء مصندل ... كما أترع الساقي الزجاجة بالخمر وقال: فإليك يا نفس الصبا فلطالما ... أذكى نداك حرارة الأشواق ها إن بي لمما يؤرق ناظري ... أسفاً فهل من نافث أو راق وقال من قصيدة: وافتق بناديه التحية زهرة ... نفاحة تغني عن استنشاق واهزز بها من معطفيه فإنما ... شعشعتها كأساً بيمني ساق وقال: وقد نسمت ريح النعامى فنبهت ... عيون الندامى تحت ريحانة الفجر وخدر فتاة قد طرقت وإنما ... أبحت به وكر الحمامة للصقر ومنها: أشيم بها برق الحديد وربما ... عثرت بأطراف الردينية السمر فلم ألق إلا صعدة فوق لأمة ... فقلت قضيب قد أطل على نهر ولا شمت إلا غرة فوق شقرة ... فقلت حباب يستدير على خمر فسرت وقلب البرق يخفق غيرة ... هناك وعين النجم تنظر عن شزر وطار إليها بي جناح صبابة ... فطار بها عنّي جناح من الذعر وأطرب سجع الحلي من خيزرانة ... تميل بها ريح الشبيبة السكر غزالية الألحاظ ريمية الطلى ... مدامية الألمي حبابية الثغر تلاقي نسيبي في هواها وأدمعي ... فمن لؤلؤ نظم ومن لؤلؤ نثر وقد خلعت ليلاً علينا يد الهوى ... رداء عناق مزقته يد الفجر وحط رداء الغيم عن منكب الصبا ... ودل على ذيل الربا نفس الزهر صدت ودون النجم ستر غمامة ... يشف كما شف الرماد عن الجمر منها: ووجه وضئ شف عنه لثامه ... كما شف رقراق الغمام عن البدر سرى بين نوار لزرق أسنة ... حداد وأوراق لراياته خضر ومنها: وأدهم لولا أنه راق صورة ... لما عرفته العين من ليلة الهجر له غرة تستصحب النصر طلقة ... كفاك بها في سورة الحسن من بشر ومنها: رميت بآمالي إليه وإنما ... حملت به المرعى الحديب إلى القطر وقال: ولم أدر ما أشجى وأدعي إلى الهوى ... أخفقة برق أم غناء حمام وقل لغمام الحف الأرض ذيله ... فلف فجاجاً تحته بإكام منها: ومنتصب كالرمح هزة عرة ... وفتلة بآس واستواء قوام وقال: أقوى محل من شبابك آهل ... فوقفت أندب منه رسماً عافياً مثل العذار هناك نؤياً داثراً ... واسردت الخيلان فيه أثافيا وقال: فإن بكيت فقد يبكي الجليد فعن ... شجو يفجر عين الماء في الحجر 80- وقال الأديب أبو بكر بن عيسى الداني المعروف بابن اللبانة: بدا على خده عذار ... في مثله يعذز الكئيب وليس ذاك العذار شعراً ... لكنما سره غريب لما أراق الدماء ظلماً ... بدت على خده الذنوب وقال: بدا على خده خال يزينه ... فزادني شغفاً فيه على شغف كأن حبة فقلبي حين رؤيته ... طارت فقال لها في الخد منه قفي وقال: يروقك في أهل الجمال ابن سيد ... كترجمة راقت وليس لها معنى حكى شجر الدفلاء حسناً ومنظراً ... فما أحسن المجلى وما أقبح المجنى وقال: كرمت ولا بحر حكاك ولا حيا ... وفت فلا عجم شأتك ولا عرب وأوليتني منك الجميل فواله ... عسى السح من نعماك يتبعه السكب وقال يعاتب: نبا بيدي حسام من رضاكا ... فوافتني النوائب عند ذاكا وكيف يقيم عندك من رمته ... خطوب الدهر في أعلى ذراكا فلا ناديك يحضره لأنس ... ولا في وقت تأميل يراكا وقال: يا موقداً بجوانحي نار الأسى ... رفقاً فماء الدمع قد بلغ الزبى نبت الصبا في صحن خدك روضة ... لو لم يدب الصدغ فيها عقربا منها: ملك غدا معنى غريباً في العلا ... وغدت به الأيام لفظاً معربا أجلى من السيف الصقيل المنتضى ... صفحاً، وأمضى من ظباه مضربا حادثته فلقطت منه جوهراً ... ونظرته فرأيت منه كوكبا رطب اللسان كان في ألفاظه ... راحاً معتقةً وشدواً مطربا راقت على عليائه آدابه ... فكأنها زهر تفتح في ربى يهب الديار المستقرة، والهضا ... ب المستقلة، والبسيط المعشبا

والسابري مضاعفاً، والسمهري ... مثقفاً، والمشرفي مشطبا وقال: ضممتها ضم مشتاق إلى كبدي ... حتى توهمت أن الحلي منكسر ومنها: لا غرو أن يتسمى غيره بعلاً ... وما له في العلا رأي ولا نظر وقد يسمى سماء كل مرتفع ... وإنما الفضل حيث الشمس والقمر وقال: أبثك البث عن قلب به حرق ... وليس عن غير نار يرتمي الشرر إن لم أكن أهل نعمى أرتجيك لها ... فالسلك خيط وفيه تنظم الدرر منها: كأنما الأرض مني غير راضية ... فليس لي وطن فيها ولا وطر إن الهموم مع الأعمار ماشية ... لا ينقضي الهم حتى ينقضي العمر وقال: غاروا على الريح فاستعلت رماحهم ... دون المهب فما للريح متسع لا تؤت نصحك مفتوناً بمذهبه ... فما لأعمى بضوء الصبح منتفع منها: ملك يضيء ويبدي منظراً ويرى ... والجو محلولك والغيث منقشع عذب المناجاة ما في لفظه خطل ... وطاهر الذات ما في طبعه صيع منها: إن كان مجدك شعراً في تناسقه ... فإنما أنت بيت فيه مخترع وقال: خلعت عذاري في عذار على خد ... حكى خضرة الريحان في حمرة الورد صقيل كمثل السيف أخضر مثله ... يبيت ولكن من فؤادي في غمد منها: هو الدهر في تصريفه لصروفه ... فمن جهة يحيى ومن جهة يردي إليه، وإلا قيدوا قدم السرى ... وفيه، وإلا أخرسوا منطق الحمد يطالع عن صبح، وينهل عن حياً ... ويخطف عن برق ويقصف عن رعد يؤثر في الأفلاك من بعد غوره ... كتأثير نور الشمس في الأعين الرمد وقال: أخذت عليك مسالك السلوان ... حدق المها وسوالف الغزلان منها: زادوا جفاء فانتقصت مودة ... ومن الزيادة موجب النقصان أنا مثل مرآة صقيل صفحها ... ألقى الوجوه بمثل ما تلقاني كالماء ليس يريك من لون سوى ... ما تحته من صبغة الألوان منها: وإذا غدت راياته منشورة ... فالخافقان لهن في خفقان ولقلما يفري الحسام ضريبة ... إلا وحامله حسام ثان منها: حنت إلى أرماحهم مهج العدا ... وكذا الطيور تحن للأوكان منها: يخفي المكارم وهو يوقد نارها ... فكأنها نار بغير دخان ويجيء نوء بنانه بغريبة ... تروي الربى والشمس في السرطان فعلت بآمالي عوارف كفه ... ما تفعل الأرواح بالأبدان الأرض حاجتها إليك بطبعها ... كالعين حاجتها إلى الإنسان عالج بسيفك ما وراء بحورها ... فعليلها في أضعف البحران لا تشغلنك خدعة فلربما ... في الكتب سر ليس في العنوان والخبر يجلو كل شيء مثلما ... تجلو الشكوك إقامة البرهان منها: عبتم رطوبة منطقي فكأنكم=عبتم فتور اللحظ من وسنان وقال: في مثل لمته سريت وفي يدي ... سيف كطرة عارضيه صقيل شفق وشارقة لديه ورقة ... فكأنما هو بكرة وأصيل منها: وإذا رنا للرمح طرف شاخص ... واحمر خد للحسام صقيل وشدا صهيل مطرب فأجابه ... من نحو ألسنة الغمود صهيل وقف الوغى منه على ذي هيبة ... يقف العزيز لديه وهو ذليل منها: جمعت وشعري في بساطك مثلما ... جمعت بثينة في الهوى وجميل وقال: أنت المنية والمنى، فيك استوى ... ظل الغمامة والهجير المحرق لك قد ذابلة الوشيج ولونها ... لكن سنانك أكحل لا أزرق يا من رشقت إلى السلو فردني ... سبقت جفونك كل سهم يرشق لم يدر طيفك موضعي من مضجعي ... فعذرته في أنه لا يطرق وكأن أعلام الأمير مبشر ... نشرت على قلبي فأصبح يخفق الخيزرانة تلتظي في كفه ... والتاج فوق جبينه يتألق بأس كما جمد الحديد، وراءه ... كرم يسيل كما يسيل الزئبق عبقت بنار الحرب نفحة عوده ... ما كل عود في وقود يعبق تلقي العفاة يمينه وكأنها ... قلب إلى لقيا الأحبة شيق منها: وعلى الخليج كتيبة جرارة ... مثل الخليج كلاهما متدفق وبنو الحروب على الحرابي التي ... تجري كما تجري الجياد السبق

خاضت غدير الماء سابحة به ... فكأنها هي في سراب أينق هزت مجاذيفاً إليك كأنها ... أشفار عين للرقيب تحدق وكأنها أقلام كاتب دولة ... في عرض قرطاس تخط فتمشق يا ناصر العلياء دونك من فمي ... دراً على أجياد جودك ينسق ويقل فيك الشهب لو هي أحرف ... والليل حبر والمجرة مهرق شكراً لأنعمك التي ألبستني ... منها الشبيبة حين شاب المفرق منها: من كان بنفق من سواد كتابه ... فأنا الذي من نور قلبي أنفق وقال: والدهر في صبغة الحرباء منغمس ... ألوان حالاته فيه استحالات ونحن من لعب بالشطرنج في يده ... وربما قمرت بالبيدق شاة وقال: سمعت به والليل مدة ناظر ... فصار من السراء غمزة حاجب كأني شربت الليل في كاس ذكره ... فلم أبق فيه فضلة للكواكب وقال: طافت بكعبتك المعالي إذ رأت ... أن النجوم الزهر من حجاجها شغلت قضيتك النفوس فأصبحت ... مرضى وفي كفيك سر علاجها هلا كتبت إلى الوزير بقطعة تصبو معاطفه إلى ديباجها أنت السماء قم وبانتهائك رفعة ... أطلع علينا الشهب من أبراجها وضحت مفارق كل فضل عنده ... فاجعل كلامك درة في تاجها وقال: وفي البيض ما يدعو البياض للابس ... يكون برد له وسلام لبست سواداً والجميع مبيض ... كأني غراب والأنام حمام منها: قد اتفقت فيك المكارم كلها ... فلم يبق في شرع الكرام خصام وقال: ذكرني عهد الهوى صادح ... مد جناحاً والتوى في جناح بلله قطر الندى فاغتدى ... ينفض ريشاً سندسي الوشاح أورق قد أورق من تحته ... غصن رطيب فوق حقف رداح 81- وقال أبو جعفر أحمد بن الدودين: فغدت غواني الحي عنك غوانياً ... وأسلن ألحاظ الرباب رباب وقال وذكر أنها للموري في الهدية: قد استحييت منك فلا تكلني ... إلى شيء سوى عذر جميل فإن يك ما بعثت به قليلاً ... فلي حال أقل من القليل 82- وقال أبو جعفر أحمد الداني: جمعت معاني الحسن في طي مفرق ... ولم أحتسب أن يجمع الحسن مفرق ومازلت تهدي كل حين جواهراً ... فتخزن منها ما تشاء وتنفق 83- وقال أبو الخطاب عمر بن أحمد بن عبد الله بن عيطون: روعت أسماء أن طلعت ... رائعات الشيب من شعره لا تراعي يا أسيم لها ... إن حسن الروض في زهره منها في وصف فرس: لو تعاطى البرق غايته ... لأتى يكبو على أثره ما قضى من لذة وطراً ... منذ لا الملك من وطره وقال: تنكرت لما خالط الشيب لمتى ... وأسفر في ليل الشباب صباح منها: من القوم تسخو بالبلاد نفوسهم ... وأما على أعراضهم فشحاح تعاورنا أيدي الفيافي كأننا ... هشيم ذرته بالفضاء رياح وقال: يراع الدهر من عزمات شهم ... يعفي ما أفات بما أفادا وتمضي حكمه الأيام قسراً ... فتترك ما تريد لما أرادا عزوف النفس يكلف بالمعالي ... إذا كلفوا بسعدى أو سعادا وقال: أعن برق تلألأ في غمامه ... بكت عيناك أن شمت ابتسامه أضاء لعينك الأثلاث وهناً ... برامة لا تدعى السقي رامه وقال: وقد أكل المحاق البدر حتى تحيف نوره إلا قلامه وقد ولت نجوم الليل ذعراً ... لدن الصباح لها حسامه ففلم تطلع وقد غربت بنجد ... لنا إلا وقد صرنا تهامه ولا نشأ الهلال علي إلا ... وقد شارفت أودية اليمامه وقال: ودارت الكؤوس والأقداح ... نجوم راح أطلعتها الراح رب جد أصله مزاح 84- وقال أبو عبد الله محمد بن أبي الخصال: وليلة عنبرية الأفق ... رويت فيها السرور من طرق وكنت حران فاقتدحت بها ... ناراً من الراح بردت حرقي حلت بها عاطلاً وقد لبست ... غلالة فصلت من الحدق قامت لنا في المقام أوجههم ... وراحهم بالنجوم والشفق وقال: درات بظلماتها المدام فكم ... نرجسة من بنفسج قطفت وقال في مليحة لها أربع جوار قبيحات:

وليلة طولها علي سنه ... بات بها الجفن نادباً وسنه بأربع بينهن واحدة ... كسيئات وبينها حسنه وقال في هذا المعنى: وافي وقد عظمت علي ذنوبه ... في غيبة قبحت بها آثاره فمحا إساءته بنا إحسانه ... واستغفرت لذنوبه أوتاره 85- وقال أبو الحسن يوسف بن عبد الصمد: فاطعن ولو أن الثريا ثغرة ... واضرب ولو أن السماك وريد وأفتح ولو أن السماء معاقل ... واهزم ولو أن النجوم جنود 86- وقال أبو غالب الملقب بالحجام: أراعي الفرقدين ولست أعيا ... كأني ثالث للفرقدين غدوا في مشرق الدنيا ونفسي ... تناجيه بأقصى المغربين أأنسى عهدهم وهم بقلبي ... وأشكو فقدهم وهم بعيني منها: تقلد طرفه سيفاً ولكن ... حمائله نبات العارضين منها: شكوت إليه عدوان الليالي ... وما ألقاه من تشتيت بين فأمن من صروف الدهر سرى ... وأصلح بين أيامي وبيني وقال: في ليلة حلت من حسن كواكبها ... دراهماً وحسبت البدر دينارا وقال: خدك مرآة كل حسن ... تحسن من حسنها الصفات مالي أرى فوقه نجوماً ... قد كسفت وهي نيرات وقال: يا طالع البدر المنير جماله ... ألبستني للحسن ثوب سمائه أوقدت قلبي فارتمت بشرارة ... نزلت بخدك فانطفت في مائه وقال: صغار الناس أكثرهم فساداً ... وليس لهم لصالحة نهوض ألم تر في سباع الطير سراً ... تسالمنا ويؤذينا البعوض وقال: وبارد الشعر لم يألم به خجل ... أضر منه جميع الناس واعتزلا كأنه الصل لا تؤذيه ريقته ... حتى إذا مجها في غيره قتلا 87- وقال أبو إسحق إبراهيم بن معلى: بدعامتي ونجمي سؤدد ... وحديقتي أدب وبحري نائل أخوي صفاء في المودة أجريا ... في المكرمات إلى المدى المتطاول فكأن هذا حاجب في خندف ... وكأن هذا مالك في وائل وقال: فلا تغررك بهجة مستحيل ... إذا ما الجمر عاد إلى الرماد منها: أمعتنق الصعيد وكان يغدو ... عليه وهو معتنق الصعاد أرى لبس الحداد عليك مما ... يشق على المهندة الحداد فكم أوردتهن على وريد ... وكم أهديتهن إلى الهوادي إذا ما زرت قبرك رضت نفسي ... لأستسقي به سبل الغوادي فأمكث لا يطاوعني لساني ... بذاك ولا يساعدني فؤادي منها: ضلوع ما يفارقها التهاب ... وجفنٌ ما يمتع بالرقاد وسقم يستزيد لنقص جسمي ... فقد وقع انتقاصي في ازدياد وقال يرثي كاتباً: أعيا مرام الصبر يوم حلوله ... نفسي وسدت دونه الأبواب وطفقت ألتمس العزاء فخانني ... نفس تذوب وأدمع تنساب وتلجلج الناعي به فسألته ... عود الحديث لعله يرتاب يا عامر لم يبق بعدك عامر ... لمنازل العلياء فهي خراب ذبلت بروض المجد بعدك دوحة ... وخبا بأفق العلم منك شهاب ناحت لك الأقلام غاية وسعها ... وبكت بأبلغ جهدها الآداب وتقطعت نفس الكتابة حسرة ... وأسى عليك وذلت الكتاب لا يمح بهجتك التراب وآنست ... وفيه ثراك كواكب أتراب وغدا عليك الروض وهو كأنما ... نشرت به من سندس أثواب وإذا تنفست الرياح بليلة ... فعليك منها جيئة وذهاب 88- وقال أبو عامر بن أصيل: أأحبابنا هل لنا رجعة ... وهل لي بكم أبداً ملتقى توركت بحر الأسى بعدكم ... وإني لأحذر أن أغرقا ولو وفق المرء في سعيه ... تخير في رزقه وانتقى تلون دهري بأحداثه ... علي فشبهته عقعقا وقال: أرى الأوغاد يعتمرون دوراً ... ومالي في بلاد الله دار إذا ركبوا المذاكي والمطايا ... فمركوبي على شرفي حمار أجول فلا أرى إلا رعاعاً ... كبارهم إذا اختبروا صغار منها: بلادُ عريت من كل خير ... فملبس أهلها مقت وعار غلطت فزرتها فرأيت قوماً ... منازلهم وإن عمرت قفار وقال: يا من علا وعلوه أعجوبة بين البشر ... غلط الزمان يرفع قدركم

89- أبو الفضل جعفر بن محمد بن شرف: مطل الليل بوعد الفلق وتشكى النجم طول الأرق ومرت ريح الصبا مسك الدجى ... فاستفاد الروض طيب العبق وألاح الفجر خداً خجلاً ... حال من رشح الندى في عرق جاوز الليل إلى أنجمه ... فتساقطن سقاط الورق واستفاض الصبح فيها فيضة ... أيقن النجم لها بالغرق وطمى الشرق عليه فانتحى ... من هلال غائب في زورق فانجلى ذاك السنا عن حلك ... وانتحت تلك الدجى عن بهق زارني والليل ينعي شرقه ... وهو مطلوب بباقي الرمق ودموع الطل تمريها الصبا ... وجفون الروض غرقى الحدق وتجلى وجهه عن شعره ... فتجلى فلق عن غسق وقال في فرس: نهب الصبح دجى ليلته ... فحبا الخد ببعض الشفق لو تمطى بين أسراب المها ... نازعته في الحشا والعنق لبست أعطافه ثوب الدجى ... وتحلى خده بالفلق مدركاً بالمهل ما لا ينتهي ... لاحقاً بالرفق ما لم يلحق ذو رضى مستتر في غضب ... ووقار منطوٍ في خرق منها: أبدعوا في الفضل حتى كلّفوا ... كاهل الأيام ما لم يطق وقال: سالت لها مسكة الدياجي ... أمام كافورة الصباح ومنها: يظهر للسخط وهو راض ... ويدّعي السكر وهو صاح كأنه كلما تثنى ... يصغي إلى نغمة الوشاح وقال: أمسك بصدغك أو شامة ... غلفنا في الأمر حتى التبس أظن العذار أراد انتشاراً ... فصلت بلحظك حتى احتبس كأن المحب شكا من هواك ... سراً إليك بما قد أحس فأودع أذنك سر الهوى ... فسود صدغك حر النفس وقال: وكأن الفجر في ذيل الدجى ... وافد يقرع باب الأفق وكأن الصبح في آثاره ... صارم يضرب وجه الغسق كلما عن لرايات الدجى ... سقطت منه سقوط الصعق سبحت جوزاؤها في بحره ... والثريا راحة المعتلق منها: بسمت إذ كشفت عن نحرها ... كابتسام الفجر قبل الفلق ثم أدنت طرة من وجنة ... كتداني ليلة من شفق وقال في الثريا: اسقنيها وللظلام ركود ... ونجوم الدجى هبوط صعود والثريا كأنها قدم أو ... راحة في الظلام أو عنقود وقال في خاتم: أدير كدور البدر ثم لبسته ... فلم تر منه العين غير هلال وقال: كالصخر يعلو حين ترفعه ... بالقسر ثم يعود للطبع وقال في المطايا: ذو فطنة تبصر الأشياء غائبة ... كأن كل سماع عندها نظر كأنما الدهر مرآة تقابله ... إذا تأملها لاحت له الصور وقال: نظرنا إليها ضاحكين إلى المنى ... بها وهي من أين عوابس سهم وقال: طلب التعزز فاستفاد إهانة ... ومن التعزز ما يجر هوانا وقال: وقد وخطت أرماحهم مفرق الدجى ... فبات بأطراف السنه شائبا وليل بطيء المشي حبنا سواده ... كأنا امتطينا من دجاه النوائبا وقال: إذا أناروا القنا في ليل مظلمة ... شالوا النجوم على أطرافها لهبا 90- وقال أبو عبد الله بن عائشة: ودوحة قد غدت سماء ... تطلع أزهارها نجوما هب نسيم الصبا عليها ... فخلتها أرسلت رجوما كأنما الجو غار لما ... بدت فأغرى بها النسيما وقال: إذا كنت تهوي خده وهو روضة ... به الورد غض والأقاح مفلج فزد كلفاً فيه وفرط صبابة ... فقد زيد فيه من عذار بنفسج وقال: ترى ليلنا شابت نواصيه كبرة ... كما شبت أو في الجو روض بهار كأن الليالي السبع في الأفق جمعت ... ولا فضل فيما بينها لنهار وقال يصف فرساً: قصرت له تسع وطالت أربع ... وزكت ثلاث منه للمتأمل وكأنما سال الظلام بمتنه ... وبدا الصباح بوجهه المتهلل وكأن راكبه على ظهر الصبا ... من سرعة أو فوق ظهر الشمأل وقال: تربة مسك وجو عنبرة ... وغيم ند وطسن ما ورد كأنما جائل الحباب به ... يلعب في جانبيه بالنرد وقال: هم سلبوني حسن صبري إذ بانوا بأقمار أطواق مطالعها بان

الوافدون على جزيرة الأندلس

لئن غادروني باللوى إن مهجتي ... مسايرة أظعانهم حيثما كانوا 91- وقال ابن هند الداني: أبديت سري مذ كتمت سراك ... وعصيت صبري مذ أطعت هواك ونثرت أسلاك الدموع معرضاً ... أني بحيث سلكت لا أسلاك أرخيمة الألفاظ غير رحيمة ... الدل دلك أم نهاك نُهاك منها: لما أسروا البين أسروا والدجى ... متلفع الأرجاء بالأفلاك هلا بعثت ولو بفرع بشامة ... عند الترحل أو بعود أراك وقرأت حين قريت ربعك أدمعي ... معنى الجوى والشوق في مغناك يا بنت معتنق الفوارس بالقنا ... والبيض ما أنا من يهاب أباك لا قرن أرهبه سواك وإن غدا ... شاكي السلاح فإن قلبي شاك منها: ويسرها ما ساءني من حبها ... كالروض يضحكه السحاب الباكي رفقاً بقلب أنت في سودائه ... فهناك أسكنك الهوى فهناك وقال: أفي الحق أن تحكي سرافيل نافخاً ... وأمكث في رمس الصدود وألبث عساك خيار الحسن تأتي بآية ... فتنفخ في ميت الغرام فيبعث وقال: وضاعف وجدي عطف صدغ معقرب ... كنون أجادت خطها كف ماشق ولين قدود كالغصون يعوقها ... إذا مسن أن تنقد شد المناطق منها: فأقبلن يسدلن البراقع عفة ... ويرميننا من كل لحظ براشق وليل يظل النجم فيه كأنما ... مغاربه موصولة بالمشارق ومنها: فما راعهم إلا الكرى قد أطاره ... صليل العوالي أو صهيل السوابق ومنها: ومن لم يعرض للمهالك نفسه ... وفاء لمن يهوى فليس بوامق ومنها: فأعجب له من ناظم فيه ناثر ... وأعجب له من فاتق فيه راتق إذا استمطر الذهن الذكي تفتحت ... أزاهير علم في رياض المهارق 92- وقال أبو بكر الفرضي الداني: لعل إسرافيل أن جازكم ... ينفخ في بيت الدجى روحا وقال: قالت وقد نشر الصباح رداءه ... وحب الصبوح فعاطني الجريالا فسقيتها حتى انتشت وتمايلت ... كالغصن حركه النسيم فمالا 93- وقال أبو محمد بن سفيان: فقلت وجفني قد تداعت شئونه ... وحر ضلوعي مقعد ومقيم لئن دهمت دهم الخطوب وآلمت ... فإن أبا عيسى أغر كريم ومنها: إذا جنة الأقلام يوماً تمردت ... فأدنى مراميه لهن رجوم وإن خط قرطاساً بدا فوق صحنه ... نثير لآل تارة ونظيم يعطل سحر السحر سحر بيانه ... ويقعد حد السيف حين يقوم ومنها: يهب على الآفاق ذكرك عاطراً ... كما هب من نحو الرياض نسيم 94- وقال يحيى السرقسطي المعروف بالجزار: يضن عليه بديناره ... ويجعل مهجته في يديه وقال: من الأوشال لج البحر طام ... وفيض البحر من نقط السحابة وقال: هاتها كوثرية عسجديه ... بنت كرم رحيقة عطرية كلما شفها النحول تقوت ... فاعجبوا من ضعيفة وقوية رب خمارة سريت إليها ... والدجى في ثيابه الزنجية منها: كم عقار بذلته بعقار ... وثياب صبغتها خمريه إن خير البيوع ما كان نقداً ... ليس ما كان آجلاً بنسيه وقال: نسبتم الظلم لعمالكم ... ونمتم عن قبح أعمالكم والله لو حكمتم ساعة ... ما خطر العدل على بالكم 95- وقال أبو الطاهر محمد بن يوسف: عدمت رسولاً بالتحية نحوه ... فسار بها عني الهوى والنشوق وقال: وهل زاره عني ثناء كأنما ... يخامر عطف الدهر منه مدام تصاحبني علياك في كل بلدة ... كأن اضطرابي في البلاد مقام منها: وأسفر عن وجه من الود واضح ... كما حط عن وجه الصباح لثام وقال: قالت وقد أبصرت من بينها جزعي ... لا تيأسن فإن الدهر حالات منها: بيني وبينك عهد سوف أحفظه ... وربما ضيعت يوماً أمانات الوافدون على جزيرة الأندلس 96- أبو العلا صاعد بن حسين البغدادي: قلت له والرقيب يعجله ... مودعاً للفراق: أين أنا؟ فمد كفا إلى ترائيبه ... وقال سر وادعاً فأنت هنا وقال وقد أمره المنصور أن يعارض قصيدة لأبي نواس: إني لمستحي علا ... ك من ارتجال القول فيه

الشعراء المقلون الطارئون من بلاد المشرق

من ليس يدرك بالروي ... ة كيف يدرك بالبديه وقال: وقهوة في فم الإبريق صافية ... كدمع مفجوعة بالإلف معبار كأن إبريقنا والراح في فمه ... طير تناول ياقوتاً بمنقار 97- وقال الوزير أبو الفضل محمد بن عبد الواحد البغدادي: ومعذر نقش الجمال بمسكه ... خداً له بدم القلوب مضرجاً لما تيقن أن سيف جفونه ... من نرجس جعل النجاد بنفسجا وقال في جارية تبخرت بالغد: ومحطوطة المتنين مهضومة الحشا ... منعمة الأرداف تدمي من اللمس إذا ما دخان الند من جيبها (علا) ... على وجهها أبصرت غيماً على الشمس وقال: يغرس ورداً ناضراً ناظري ... في وجنة كالقمر الطالع فلم منعتم شفتي قطفه ... والحكم أن الزرع للزارع؟! وقال: لأغررن بمهجتي في حبه ... غرراً يطيل من الخطوب خطابي ولئن تعزز إن عندي ذلة ... تستعطف الأحباب للأحباب وقال: دعتني عيناك نحو الصبا ... دعاء تكرر في كل ساعه فلولا وحقك عذر المشيب ... لقلت لعينيك سمعاً وطاعه وقال في عذار: ركضت فيه عيونٌ ... فأثارته غبارا وقال: قالوا تبدى شعره فأجبتهم ... لابد من علم على الديباج والبدر أبهر ما يكون ضياؤه ... إذ كان ملتحفاً بليل داج وقال: سطا الفراق عليهم غفلة فغدوا ... من جوره فرقاً من شدة الفرق فسرت شرقاً وأشواقي مغربةٌ ... يا بعد ما نرحت من طرقهم طرقي لولا تدارك دمعي يوم كاظمة ... لأحرق الركب ما أبديت من حرق يا سارق القلب جهراً غير مكترث ... أمنت في الحب من بعدي على السرق ارمق بعين الرضا تنعش بعاطفة ... قبل المنية ما أوهيت من رمق لم يبق مني سوى لفظ يبوح بما ... ألقي فيا عجباً للفظ كيف بقي صلني إذا شئت أو فاهجر علانية ... فكل ذلك محمول على الحدق وقال: تذكر نجداً والحمى فبكى وجداً ... وقال سقى الله الحمى وسقى نجدا وحيته أنفاس الخزامى عشية ... فهاجت إلى الوجد القديم له وجدا فأظهر سلواناً واضمر لوعة ... إذا طفئت نيرانها وقدت وقدا ولو أنه أعطى الصبابة حكمها لأبدى الذي وأخفى الذي أبدى غني بشعري منشداً ليتني ... اللفظ الذي أودعته شعري فكلما كرر إنشاده ... قبلته فيه ولم يدر وقال: يا ذا الذي خط الجمال بوجهه ... سطرين هاجا لوعة وبلابلا ما صح عندي أن لحظك صارمٌ ... حتّى لبست بعارضيك حمائلا وقال في غلام كان يهواه: غضبت فزد ودم غضبا ... فإني عن رضاك غني أتخفي بغضتي سراً ... وتبدي الحب في العلن؟ لقد غرتك في ميلي ... إليك كواذب الظنن إذا فسدت يد قطعت ... ليسلم سائر البدن وقال: أنا أخشى إن دام ذا الهجر أن يذ ... شط من حبه عقال وثاقي فأريح الفؤاد مما اعتراه ... وأرد الهوى على العشاق وقال: ومن عجب العشق أن القتيل=يحن ويصبو إلى القاتل! وقال: كلانا لعمري ذوبيان من الهوى ... فنارك من جمر وتناري من هجر وأنت على ما قد تقاسين من أذى ... فصدرك في نار وناري في صدري وقال في أسود زامر: تراه يحفظ ما يوحي إليه به ... وسره أبداً يهوى بمنخرق يحدو بأنفاسه الأوتار مجتهداً ... فتستقيم به الألحان في الطرق أهدى الشباب غليه حسن بهجته ... فناسب المسك في لون وفي عبق وقال: قوم إذا ركبوا سدوا الفضاء وإن سلوا توهمتهم في البيد رجل دبا قد صيروا الحرب كأساً والدماء بها ... خمراً وما توفت من بيضها حببا وقال: ما عيب ضوء الشمس عند بزوغها ... أن ليس يدرك نورها العميان وقال: ألم أجعل مثار النقع بحراً ... على أن الجياد له سفين؟ وقال: أصبحت أحلب تيساً لا مدر له ... والتيس من ظن أن التيس محلوب الشعراء المقلون الطارئون من بلاد المشرق 98-قال محمد بن سليمان بن محمد الصقلي: رأى وجه من أهوى عذولي فقال لي ... أجلك عن وجه أراه كريها

فقلت له بل وجه حبي مراءة ... وأنت ترى تمثال وجهك فيها وقال: وما النعماء للمفضول إلا ... كمثل الحلي للسيف الكهام 99- وقال الأديب بن محمد السوسي: عرض من الآلام يجلب صحة ... وطفيف نقص فيه كل كمال 100- وقال أبو عبد الله محمد بن شرف القيرواني: يا خائفاً من معشر ... لا يصطلى بنارهم إن تبل من شرارهم ... على يدي شرارهم وأرضهم في أرضهم ... ودارهم في دارهم وقال: لم يكف وجهك حسنه وبهاؤه ... حتى اكتسى ثوب الجمال مطرزا سبحان من أعطاك حسناً ثانياً ... وبثالث من فعل حسنك عززا وقال: وتصعد نفس لبا صعود تنفس ... وترديد روح في حشاشة مكروب فلا القرب يحييني ولا البعد قاتلي ... ولا الهجر يسليني ولا الصبر يلوي بي وقال: صرفت رجائي عن لعل وعن عسى ... وأبعدتني باليأس عن كل مطمع وقال: فإذا رأيت لهيبها وسلامتي ... فاذكر بذلك نار إبراهيم وقال: هز عطفيه فقلنا إنه ... ذو الفقار اهتز في كف علي ورأيت الناس صرعى حوله ... فكأن اليوم يوم الجمل تلك أخبار زمان قد مضى ... وأمور في السنين الأول وقال في علي بن أبي الرجال من قصيدة: جاور علياً ولا تحفل بحادثة ... إذا ادرعت فلا تسأل عن الأسل سل عنه وانطق به وانظر إليه تجد ... ملء المسامع والأفواه والمقل وقال: وقد عاقبت بالعبرات عيني ... بلا ذنب وما ذنب الرسول وقال: يقولون ساد الأرذلون بأرضنا ... وصار لهم قدر وخيل سوابق فقلت لهم ولي الزمان ولم تزل ... تفرزن في أخرى البيوت البيادق وقال: لك منزل كملت ستارتنا به ... ليلهو لكن تحت ذاك حديث غني الذباب وظل يزمر حوله ... فيه البعوض ويرقص البرغوث وقاتل: ضاقت بلنسية بي ... وذاد عني غموضي رقص البراغيث فيها ... على غناء البعوض 101- وقال أبو الحسن علي بن عبد الغني الكفيف المعروف بالحصري: يموت من في البلاد طرداً ... من طيب كان أو خبيث فمستريح ومستراح ... منه كذا جاء في الحديث وقال: من طين طوبى خلقت فذا ... فأنت في ذا الورى غريب بدلت النون فيك باء ... فالناس طين وأنت طيب وقال: لا تجزعي من نكبة الدنيا وإن ... ساءت فرب مساءة لسرور وقال: يا غزالاً فتن النا ... س بعينيه فتونا أنت هاروت ولكن ... صحفوا تاءك نونا وقال: رب ظبي هويته ... ينتمي للهوازنه قلت ما أثقل الهوى ... قال ما للهوى زنه وقال: فكرت في خلق الهوى فاستوى ... عندي عبيد وسلاطين أصل الفريقين ... ومن أجل ذا قلبي عن الهم سلا طين وقال: في كل أرض كموطن ... يعرف فيه جاهنا وإنما ألجانا ... إلى هنا إلهنا وقال: يا من تكحل طرفها ... بالسحر لا بالإثمد نفسي كما عذبتها ... وقتلتها بالإثم دي وأنشد يوماً بيت المعري: ياقُوت ياقوت روحي ... روحي براح براحِ فقال: أوفاك أوفاك رقي ... رقي بطاح بِطاح يا زور يا زور فيها ... فيها نواحي نُواحي وقال: فيا نعم وافاك النعيم فأنعمي ... ويا جمل والاك الجمال فأجملي حلفت لربات الخدور بما جنى ... فم الصب من ورد الخدود المقبل وقال: يا أديباً ملكتني ... في يديه المكرمات ليت قوماً دأبهم في ... وفيك المكر ماتوا وقال لما مات المعتضد وخلفه المعتمد: مات عباد ولكن ... بقي الفرع الكريم فكأن الميت حي ... غير أن الضاد ميم وقال: كم حجة أوضح، كم حاجة ... قضى لنا قبل تقاضيها 102- وقال أبو الحسين عبد الكريم بن ضال القيرواني: قال: ولما تنادوا للرحيل وقربت ... كرام المطايا والركاب تسير جعلت على قلبي يدي مبادراً ... فقالوا محب للعناق يشير فقلت ومن لي بالعناق وإنما ... تداركت قلبي حين كاد يطير وقال الحلواني:

قالوا التحى فامحت بالشعر بهجته ... فقلت لولا الدجى لم يحسن القمر من كان منتظراً للصبر عنه به ... فإنني لغرامي كنت أنتظر وقال: لست أدعو بالشعر غيظاً عليه ... خيفة أن يكون حسنا جديدا وقال: يا طالب الحج وهو ذو صغر ... عجلت فاستأنه إلى الكبر إن كنت تبغي مثوبة فعسى ... تحمل لي قبلة إلى الحجر وإن رميت الجمار فارم به ... كل فؤاد عليك لم يطر وقال: بنيت الأرض فوقهم سماء ... وقد أجريت من علق بحارا فليس تراك ألحاظ الدراري ... وأنت حشوت أعينها غبارا وقال من أخرى: نجم تولد من شمس ومن قمر ... وأين من أبويه الشمس والقمر؟ شمس العفاف وبدر المجد بينها ... تولد النور إلا أنه بشر وقال: يجرون أطراف الرماح إلى الوغى ... كما جرت العقبان سود الأراقم 103- وقال أبو العرب الصقلي: يا من بجود يديه يضرب المثل ومن مواهبه الأمصار والدول وقال: أحادينا هذا الربيع فخيم ... وأمنية المرتاد والمتوسم وحط بنا عن ناجيات كأنها ... قسي رمت بنا البلاد بأسهم وقال: وكأن بلاد الله كفك إن يسر ... بها هارب تجمع عليه الأناملا فأين يفر المرء عنك بجرمه ... إذا كان يطوي في يديك المراحلا 104- وقال أبو عبد الله محمد بن الصباغ الصقلي: ففيها عنبر الهند ... وفيها مسك دارين وفيها قضب نعمان ... وفيها كثب يبرين وفيها قامت الحرب ... كما كانت بصفين 105- وقال أبو محمد عبد الجبار بن حمديس الصقلي: باكر على اللذات واركب لها ... سوابق اللهو ذوات المراح من قبل أن ترشف شمس الضحى ... ريق الغوادي من ثغور الأقاح وقال: صبرنا للخطوب على ضروب ... إذا رمي الوليد بهن شابا ولم تخل الكواكب من سقوط ... ولكن لا يبلغها الترابا وقال منها في فرس: سما الدر في أرساغه زبرجد ... يغادر بالوطء الصخور تراباً هو الطرف فراكب في ظهر طائر ... تنل كل ما أعيا عليك طلابا ومنها: فقدت الصبا فابيض مسود لمتى ... كأن الصبات للشيب كان خضابا وقال: إذا قهقه الإبريق للكأس خلته ... يرجع صوتاً من عقاب مصرصر وقال: حتى إذا فكر عن بصيرة ... ذم [من] الأفعال ما كان مدح وقال: سربت على برق كأن ظلامه ... إذا احمر فيه أسود بات يرعف وقال: كلفت بشربي للصبوح مبكراً ... وكم بركات للفتى في بكوره وقال في شمعة: تحرق بالنار أحشاءها ... فتدمع مقلتها بالذهب تمشى لنا نورها في الدجى ... كما يتمشى الرضي في الغضب فأعجب لآكلة جسمها ... بروح يشاركها في العطب وقال: فكأنه مرآة قين أحميت ... فمشى احمرار النار في مسودها وقال: يوم كأن نسيمه ... نفحات كافور ومسك وكأن قطر سمائه ... در هوى من نظم سلك متغير غيماً صح ... واً مثلما حدثت عنك كالطفل يمنح ثم يم ... نع ثم يضحك ثم يبكي 106- وقال الحكم أبو محمد المصري: النار يحرقها قلبي بزفرته ... من العجيب فؤاد يحرق النارا وقال: لو أن جود السماء أمطرنا ... لم يصب الأرض تحتنا بلل حتى إذا غرة الصباح بدت ... وجفنه بالعبير مكتحل فارقني وهو خائف وجل ... نشوان من خمرة الصبا ثمل وقال: رعى الله دهراً قد نعمنا بطيبه ... لياليه من شمس الكؤوس أصائل ونرجسنا در التبر جامد ... وقهوتنا تبر على الدر سائل 107- وقال أبو محمد بن الطلاء المصري: فتحت سعودك كل باب مغلق ... فتهم ذلك وابق تفتح ما بقي منها: إن ابن عمار حكى عمرو القنا ... للمستجير وحاتماً للمملق فبجوده وببأسه وبجيشه ... هو فيلق في فيلق في فيلق 108- وقال أبو بكر بن الحسن المرادي القروي وقد سقط من على دابته وسقط كاتبه وسقط كاتب يقال له أبو الأصبغ: فشتان بين وقوعي أنا ... وبين وقوع أبي الأصبغ فذاك سقوط يشج الوجوه ... وهذا سقوط كما ينبغي

ذكر من كان معاصرا لهم من أهل المشرق ولم يصل إلى المغرب

109- وقال الأديب أبو الحسن البغدادي المعروف بالفكيك: وأنفقت ما أعطيتني ثقة بما ... أؤمل فالدينار عندي درهم وقلبي إلى بغداد يصبو وإنني ... لنشر صباها دائماً أتنسم وقال منها: إذا قابلوه قبلوا ترب أرضه ... وهم لعلاه ركع وسجود وقد هز منه الله للملك صارماً ... تقام بحدي شفرتيه حدود وقال: لأية حالٍ حال سنة العدل ... ولم أصغ يوماً في هواه إلى العذل منها: كأن بقايا الطل فوق جفونها ... دموع التصابي لحن في الأعين النجل ومنها: تملكت رقي بالعوارف منعماً ... وأغنيتني بالجود عن كل ذي فضل وأنسيتني أرض العراق ودجلة ... وربعي حتى ما الحق أحن إلى أهلي 110- وقال أبو بكر يحيى بن الزيتوني: فلقيت من كلفي به ما لم يكن ... لاقى سحيم من بني حسحاسة وقال: سفينة الوعد في بحر الوفا وقفت ... فامنن بريح من الإنجاز تجريها 111- وقال أبو بكر بن العطار اليابسي: وكان من بعض ما أهدت مكارمه ... سوابق لو تبارى بارقاً لكبا منها: واجل الظلام بوقاد الفرند كأن ... في صفحتيه جمعت الماء واللهبا يروق مضطرباً ماء الصقال به ... كأنه جدول هبت عليه صبا ولا ترد حديد الهند ذا وضح ... حتى يرى بنجيع الكفر مختضبا تفتر من الليالي الغر عن لعس ... تخال إفرنده من فوقه شنبا منها: فالأرض تقلق من جيش قفلت به ... والجو يعثر فيه من قناً وظبا وقال: هي البحور ولكني في مواهبها ... عند الكريهة منجاة من الغرق وقال: والبيض سافرة الوجوه كأنما ... لخدودهن من اللقاء حياء وقال يصف القتلى: تظل سباع الطير عاكفة بهم ... على جثث قد سل أنفسها الذعر وقد عوضتهم من قبور حواصلاً ... فيا من رأى ميتاً يطير به قبر ذكر من كان معاصراً لهم من أهل المشرق ولم يصل إلى المغرب 112- قال الشريف المرتضى ذو المجدين: زارني واصلاً على غير وعد ... وانثنى هاجراً على غير ذنب كان قلبي إليه رائد عيني ... فعلى العين منة للقلوب كان عندي أن الغرور لطرفي ... فإذا ذلك الغرور لقلبي وقال: سروا وسماك الرمح فوق رؤوسهم ... فما نوموا إلا على هامة النسر منها: أضم عليه ساعدي إلى الحشا ... وأفرشه ما بين سحري إلى نحري وقال: زارني والرقاد مني ومنهم ... داخل في العيون مكن كل باب زورة زورت علي ولو كانت ... يقيناً لما شفت بعض ما بي وقال: ضن عني بالنزر إذ أنا يقظا ... ن وأعطى كثيره في منامي والتقينا كما اشتهينا ولا عي ... ب سوى أن ذاك في الأحلام وإذا كانت الملاقاة ليلاً ... فالليالي خير من الأيام 113- وقال الوزير أبو القاسم المغربي: عجبت هند من تسرع شيبي ... قلت هذا عقبي فطام السرور عوضتني يد الثلاثين من مس ... ك عذارى رشاً من الكافور كان لي في انتظار شيبي حساباً ... غالطتني فيه صروف الدهور وقال: علمت منطق حاجبيه ... والبين ينشر رايتيه وعرفت آلات النعيم ... بقبلة في عارضيه ولقد أراه في الخليج ... يشقه من جانبيه والماء مثل السيف وه ... وفرندة في صفحتيه لا تشربوا من مائه ... أبداً ولا تردوا عليه قد ذاب فيه السحر من ... حركاته أو مقلتيه والسلم أسلم فاحذروا ... من فترة في ناظريه وقال: تمنع أن أرى زغباً ... بعارضه قد التهبا وتاه على أن أبدت ... عقارب صدغه ذنبا وقدر أنه سبب ... يقطع بيننا النسبا لا والله لا ألو ... لحق عنده طلبا ولا خليت في كفيه ... قلباً طال ما أنتهبا أما عيناه عيناهُ اللتان ... أباحتا الريبا وقال: لمثل ذا اليوم يا معذبتي ... كانت ترجيك أختك الشمس قومي اخلفيها في ذا الكسوف ففي ... وجهك عنها إذا دجت أنس غلطي حاسب النجوم وإن ... لجت وغابت أصابه لبس وقال:

أدر كأس المدام فإن قلبي ... أتيح له عن التقوى ارتحال حللت ببابل وأردت ... إلا أهيم بسحرهم هذا محال وقال: دنف بحمص وبالعراق طبيبه ... يضنيه عنه بعاده ويذيبه ما ناله إلا الذي هو أهله ... إذ غاب عن بلد وفيه حبيبه وقال: حبيب مللت الصبر بعد فراقه ... على أنني علفته وألفته محاسن يأسي شخصه من تفكري ... فلو أنني لاقيته ما عرفته وقال: الله يعلم ما إثم هممت به ... إلا وبغضه خوفي من النار وإن نفسي ما هامت بمعصية ... إلا وقلبي عليها عاتب زار وقال: كنت في سفرة البطالة والغي ... زماناً فحان منه قدوم تبت عن كل مأثم فعسى يمحى ... بالحديث ذاك القديم بعد سبع وأربعين لقد ما ... طلت إلا أن الغريم كريم 114- قال الفقيه الحافظ عبد الوهاب بن نصر البغدادي: إني لأصبح من تجن خائفاً ... وبسلمكم من حربكم متعوذا فإلى صبري للتعتب منكم ... وإلى إغضائي الجفون على القذى وأظل يملكني الحنو عليكم ... وأكف غائر أسهمي أن ينفذا أيظن بعد لأي طبع خالص ... يلقى هزيم من اغتدى متبغددا منها: فتجنبن عتبي وعد لمودتي ... لا تصغين لقول واش إن هذى واعلم بأني لست غافر زلة ... إن رابني ظن بكم من بعد ذا يا شاعراً ألفاظه في نظمه ... درراً غدت وزبرجداً وزمردا خذها فقد نظمتها لك حكمة ... فيها وقل لمثلها أن يؤخذا حتى تظل تقول من عجب بها ... من قال شعراً فليقله هكذا وقال: أليس من الخسران أن ليالياً ... تمر بلا نفع وتحسب من عمري وإنا لفي الدنيا كوكب لجة ... تظن قعوداً والزمان بنا يجري وقال: حمدت إلهي إذ بلاني بحبها ... وبي حول يغني عن النظر الشزر نظرت إليها والرقيب يخالني ... نظرت إليه فاسترحت من العذر وقال: لا تترك الحزم في شيء تحاذره ... فإن سلمت فما في الحزم من باس العجز ذل وما بالحزم من ضرر ... وأحزم الحزم سوء الظن بالناس وقال في وداع: ثم انثنيت وفي قلبي لفرقتهم ... وقع الأسنة في أعقاب منهزم وقال: إذا ما دخان الند من طيبها علا ... [على] وجهها أبصرت غيماً على الشمس وقال: رحلتم فكم من أنة بعد زفرة ... مبينة للناس شوقي إليكم فإن كنت أعتقت الجفون من البكا ... فقد ردها في الرق حزني عليكم وقال: يأبى مقامي في مكان واحد ... دهر بتفريق الأحبة مولع كفكف قسيك يا فراق فإنه ... لم يبق في قلبي لسهمك موضع وقال: ولو أنه أعطى الصبابة حقها ... لأبدى الذي أخفى وأخفى الذي أبدى وقال: بالكرخ من جانب الغربي عن لنا ... وظبي ينفره عن وصلنا نفر ذؤابتاه نجادا سيف مقلته ... وجفنه جفنه والشفرة الشفر ضفيرتاه على قتلى تضافرتا ... يا من رأى شاعراً أودي به الشعر وقال: وزعمتم أن الليالي غيرت ... عهد اللوى لا كان من يتغير وقال: تملكت يا مهجتي مُهجتي ... وأسهرت يا ناظري ناظري وما كان ذا أملي يا ملول وفيك ... ولا خطر الهجر في خاطري تعلمت نظم القريض ... ولقبني الناس بالشاعر أيا غائباً حاضراً في الجنان ... سلام على الغائب الحاضر وقال: فأحكم بما شيت ففيه الرضى ... وكن كما شيت فأنت المراد وقال: يحتاج من كان في مواعدكم ... إلى ثلاث من غير تكذيب أموال قارون يستعين بها ... وعمر نوح وصبر أيوب وقال: بغداد دار لأهل المال واسعة ... وللمفاليس دار الذل والضيق أًبحت فيها مهاناً في أوقتها ... كأنني مصحف في بيت زنديق وقال: إن يكن ما بك هزل ... فالذي بي منك جد حمله تغني عن التفس ... ير: ما لي عنك بد وقال: أجد لنا طيب المكان وحسنه ... منىً فتمنينا فكنت الأمانيا وقد طفت في شرق البلاد وغربها ... وسيرت خيلي بينها وركابيا فلم أر فيها مثل بغداد منزلاً ... ولم أر فيها مثل دجلة واديا

ولا مثل أهليها ارق شمائلاً ... وأعذب ألفاظاً وأحلى معانيا وقال: هبني أسأت كما زعمت فأين عاقبة الأخوّة ولئن أسأت كما أسأت فأين فضلك والمروّة وقال: وماذا عليكم لو مننتم بزورة ... فأجزلتم فيها علينا التفضلا فإن لم تكونوا مثلنا في اشتياقنا ... فكونوا أناساً يعرفون التجملا وقال: ومتى أخف الغرام يصفه جسمي ... بألسنة الضنى الخرس الفصاح فلو أن الثياب نزعن عني ... خفيت خفاء خصرك في الوشاح وقال: وقطعت الأرض في شهري ربيع ... إلى مصر وعدت إلى العراق فقال لي الحبيب وقد رآني ... سبوقاً للمضمرة العتاق ركبت على البراق؟ فقلت كلا ... ولكني ركبت على اشتياقي 115- وقال أبو عبد الله بن قاضي ميله: أقول له إذ طيشته رياسة ... أتت غفلة مهلاً فقد غلط الدهر ترفق يراجع فيك دهرك عقله ... فما سدت إلا والزمان به سكر وقال: جاءت بعود تناغيه فيتبعها ... فانظر بدائع ما يأتي به الشجر غنى على عودها الأطيار مفصحة ... رطباً فلما عسا غنى به البشر فما يزال عليه أو به طربٌ ... يهيجه الأعجمان الطير والوتر وقال: إن كنت مستوياً ففعلك كله ... عوج وإن أخطأت كنت مصببا كالنقش ليس يصح معنى ختمه ... حتى يكون بناؤه مقلوبا وقال أيضاً: وظن أناس بأن قد سموا ... فقالوا علونا ولم يشعروا كذا البحر يطفو عليه القذى ... ويرسب في قعره الجوهر وقال: قالت أرى بيني وبينك ثالثاً ... ولقد عهدتك بالدخيل تغار أأمنت نشر حديثنا فأجبتها ... هذا الذي تطوي به الأسرار وقال أيضاً: وتعجبني الغصون إذا تثنت ... ولاسيما وفيهن الثمار إذا اهتزت نهود في قدود ... فقل للحلم قد ذهب الوقار 116- وقال أبو الحسن علي بن محمد التهامي: كأن كواكبه أعين ... تراعي سنا الفجر أو ترتقب فلما بدا طفقت هيبة ... تستر أحداقها بالهدب وشقت غلائل ضوء الصباح ... فلا هو باد ولا محتجب منها: رأيت الفصاحة حيث الندى ... وهل ينظم الروض إلا السحب وقد شرف الغيث إذ بينه ... وبين بنانك أدنى نسب منها في القلم: إذا واجه الشمس ردّ الشعاع ... واعترض الريح سد المهب تقلم أقلامك الحادثات ... فتبرا وتهتم ناب النوب وقال: وكيف لا تدركه نشوة ... واللحظ راح وجنى الثغر راح لو لم تكن ريقته خمرة ... لما تثنى عطفه وهو صاح يبسم عن ذي أشر مثلما ... يلتقط الظبي بفيه الأقاح منها: ومجهل مشتبه طرقه ... كأنما هن خطوط قزاح كأنما أشباح أنضائنا ... قسي نبع وكأنا قداح حتى اجتلينا بعد طول السرى ... بغرة الكامل وجه الصباح فقال لي صحبي أبدر الدجى ... فقلت لا بل هو بدر السماح ومنها: إن لمس الطرس بأطرافها ... فاض نوالاً وبياناً وساح وشق من لؤلؤه أفخر الل ... ؤلؤ هن الكلمات الفصاح وقال: ماتت لفقد الظاعنين ديارهم ... فكأنهم كانوا بها أرواحا منها: طرقته في أترابها فجلت له ... وهناً من الغرر الصباح صباحا أبرزن من تلك العيون أسنة ... وهززن من تلك القدود رماحا ومنها: يرمي الكتيبة بالكتاب إليهم ... فيرون أحرفه الخميس كفاحا من نفسه دهماً ومن ميماته ... زردا ومن ألفاته أرماحا وقال: فأتاك وهنا والظلام كأنه ... نظم النجوم لرأسه إكليلا وإذا تأملت الكواكب خلتها ... زهراً تفتح أو عيوناً حولا أهدت لنا من خدها ورضابها ... [ورداً] تحيينا به وشمولا ورداتً إذا ما شم زاد غضاضة ... ولو أنه كالورد زاد ذبولا وجلت لنا برداً يشهي برده ... نفس الحصور العابد التقبيلا برداً يذيب ولا يذوب فكلما ... شرب المتيم منه زاد غليلا ومنها في صفة قلم: يلقي العدا من كتبه بكتائب ... يجررن من زرد الحروب ذيولا فترى الصحيفة حلبة وجيادها ... أقلامه وصريرهن صهيلا

في كفه قلم أتم من القنا ... طولا وهن أتم منه طولا ومنها: نسب ترى عنوانه في وجهه ... لا شبهة فيه ولا تأويلا وقال في قلم: يتبع الرمح أمره إن عشري ... ن ذراعاً بالرأي تخدم شبرا وقال: لو لم يكن ريقها خمراً لما انتطقت ... بلؤلؤ من حباب الثغر منتظم وقال: وزاد در الثنايا در أدمعها ... فالتف منتظم منه بمنتثر فما نكرنا من الطيف الملم بنا ... ممن هويناه إلا قلة الخفر ومنها: ولو قدرن وثوب الليل منخرق ... بالصبح رقعته منهن بالشعر ومنها: لو لم أقحواناً ثغر مبسمها ... ما كان يزداد طيباً ساعة السحر لفظاً يكون لعقد القول واسطة ... ما بين منزلة الإسهاب والخصر إن الكتابة سارت نحو أنمله ... والجود فالتقيا فيه على قدر ترد أقلامه الأرماح صاغرة ... عكساً كعكس شعاع الشمس للبصر منها: وفي كتابك فاعذر من يهيم به ... من المحاسن ما في أحسن الصور الطرس كالوجه والنونات دائرة ... مثل الحواجب والسينات كالطرر وقال يرثي ولداً له: يا كوكباً ما كان أقصر عمره ... وكذاك عمر كواكب الأسحار وهلال أيام مضى لم يستدر ... بدراً ولم يمهل لوقت سرار عجل الخسوف عليه قبل أوانه ... فمحاه قبل مظنة الإبدار فكأن قلبي قبره وكأنه ... في طيه سر من الأسرار أشكو بعادك لي وأنت بموضع ... لولا الردى لسمعت فيه سراري والشرق نحو الغرب أقرب شقة ... من بعد تلك الخمسة الأشبار منها: قوم إذا لبسوا الدروع حسبتم ... سحباً مزررة على أقمار وترى سيوف الدارعين كأنها ... خلج تمد بها أكف بحار وكأنما ملأوا عباب دروعهم ... وغمود أنصلهم سراب قفار فتدرعوا بمتون ماء جامد ... وتقنعوا بحباب ماء جار بتزين النادي بحسن وجوههم ... كتزين الهالات بالأقمار 117- وقال مهيار الديلمي: اذكرونا عهدكم ... رب ذكرى قربت من نزحا وارحموا صبا إذا غنى بكم ... شرب الدمع وعاف القدحا ومنها في العاذل: لو درى. لا حملت ناجية ... رحله، في من لحاني ما لحا وعرفت الهم من بعدكم ... فكأني ما عرفت الفرحا ومنها: والمنى والظن باب أبداً ... تغلق الأيدي إذا ما فتحا ومنها: يشتهون المال أن يبقى لهم=فلماذا يشتهون المدحا وقال: ضربوا بمدرجة الطريق قبابهم ... يتقارعون بها على الضيفان ويكاد موقدهم يجود بنفسه ... حب القرى حطباً على النيران وقال: يا زمناً كر كما اقترحته ... بالنعف إن عاد الصبا فعد إذن ومنها: قد كتب الهجر على عارضه ... ما أقبح الهجران بالوجه الحسن 118- وقال أبو منصور عبد الملك الثعالبي: يا غرة الزمن البهيم إذا غدا ... هذا الورى لإمائهم تحجيلا نقشت حوافر طرفه في عرصتي ... نقشاً محوت رسومه تقبيلا وقال: شيم يرتضعن كر المعالي ... ويعبرن عن نميم العبير 119- وقال أبو إسحق إبراهيم بن علي الحصري: إني أحبك حباً ليس يبلغه ... فهمي ولا ينتهي وصفي إلى صفته أقصى نهاية علني فيه معرفتي ... بالعجز مني عن إدراك معرفته وقال: روحني حاذلي فقلت له ... لا لا تزدني على الذي أجد أما ترى النار وهي خامدة ... عند هبوب الرياح تتقد وقال: ومعذرين كأن بنت خدودهم ... أقلام مسك تستمد خلوقا قرنوا البنفسج بالشقيق ونظموا ... تحت الزبرجد لؤلؤاً وعقيقاً وقال: في صورة كملت فخلت بأنها ... بدر السماء لستة وثمان يعشي العيون ضياؤها فكأنها ... شمس الضحى تغشى بها العينان 120- وقال أبو علي بن رشيق: مدمج الخصر والحشا ... يتثنى إذا مشى هو بدر بوجهه ... وبأجفانه رشا جار قاضي صبابتي ... وهو لا يقبل الرشا وقال: وتفاحة من كف ظبيٍ أخذتها ... جناها من الغصن الذي مثل قده لها لمس ردفيه وطيب نسيمه ... وطعم ثناياه وحمرة خده وقال في عيد الفطر:

تجهم العيد وانهلّت مدامعه ... وكنت أعهد منه البشر والضحكا كأنما جاء يطوي الأرض من بعض ... شوقاً إليك فلما لم يجدك بكى وقال: يا رب لا أقوى على دفع الأذى ... وبك استغثت على الضعيف الموذي ما لي بعثت علي ألف بعوضة ... وبعثت واحدة على النمروذ وله في بعض قضاة القيروان: أقولها لو بلغت ما عسى ... والطبل لا يضرب تحت الكسا قاضيك إن لم تخصه عاجلاً ... فامنعه أن يحكم بين النسا وقال: يا سالكاً بين الأسنة والظبا ... إني أشم عليك رائحة الدم يا ليت شعري من رقاك بعوذة ... حتى وطئت بها فراش الأرقم وقال: يا من يتيه بعارضيه ... يريد بالعشاق شرا ما كنت تصلح في الجديد ... فكيف تصلح بالمطرّى وقال: حجت على وجهك أبصارنا ... طائعة يا كعبة الحسن تسمح خالاً منك في وجنة ... كالحجر الأسود في الركن وقال: إن زرته يوماً على خلوة ... أو زارني في موضع خال كنت له رفعاً على الابتدا ... وكان لي نصبا على الحال وقال: همت عذاراه بتقبيله ... فاستل من عينيه سيفين وذلك المحمر من خده ... دماء ما بين الفريقين وقال: أغننى يا أعز ذا الخلق عندي ... حي نجداً ومن بأكناف نجد واسقني ما يصير ذو البخل منها ... حاتماً والجبان عمرو بن معدي في أوان الشباب عاجلني الشي ... ب فهذا من أول الدن دردي وقال: لو وضع الورد على خده ... ما عرف الخد من الورد قال لذي يعجب من حسنه ... اقرأ عليه سورة الحمد وقال: كأنه وكأنها ... قمرٌ أحاط به شفق فإذا بدا وإذا مشى ... وإذا رنا وإذا نطق شغل الجوانح والجوا ... رح والخواطر والحدق وقال من قصيدة: احسبي وحسبك من لوم وتثريب ... بابن الذي كان يغريني ويغري بي قرعت سني على فاتني ندماً ... من الشباب ومن باللهو للشيب ومنها: أيام تصحبني الغزلان آنسة ... هذا على أنني أعدي من الذيب وقال: اختر لنفسك من تعا ... دي كاختيارك من تصادق إن العدو أخو الصديق ... وإن تخالفت الطرائق وقال: البحر صعب المذاق مر ... لا جعلت حاجتي غليه أليس ماء ونحن طين ... فما عسى صبرنا عليه وقال: أسلمني حب سليمانكم ... إلى جوى أيسره القتل لما بدا جند ملاحاته ... قال الورى ما قالت النمل 121- وقال أبو الفتيان العسقلاني: سطاً تسعر الآفاق ناراً ورأفة ... ترد هشيم المكرمات أريضا فلولاك لم يلف الهداية ناظم ... ولم يتوخ المادحون عروضا وقال: بقيت لعقد المعالي نظاما ... وللأكرمين جميعاً إماما وعجل جودك وجه السماء ... برقاً خفوقاً وغيثاً سجاما فجردت عزمك في النائبات ... حصناً منيعاً وجيشاً لهاما ويهدي غليك أريج الثناء ... كما خطرت في الرياض النعامى فعش ممسكاً بعرى للبقاء ... لا يحدث الدهر فيها انفصاما 122- وقال محمد بن نعمة بن خليل: وقال: منن بعثن أهلة مستورة ... فطلعن في فلك العلا أقمارا ومواهب ومناقب ومناهب ... رفعت له فوق السماء منارا ومنها: لازلت في كنف السعود وظلها ... أبداً تحل بحيث شئت وترحل مثل الهلال يسير في درجاته ... والشمس في أبراجها تتنقل أًبحت يا دار المظفر كعبة ... للمجد بلثم ركنها ويقبل ومنها: ملك طفيلي السماح يضيف من ... لم يستضف وينيل من لا يسأل ومنها: يا عادلاً في كل ما هو فاعل ... ما بال كفك في الندى لا تعدل أفنى تلاد يديك علمك أنه ... لا يفضل الأقوام من لا يفضل 123- وقال المجيد بن أبي الشخباء العسقلاني: أخلاقك الغر المنيرة ما لها ... حملت قذا الواشين وهي سلاف والإفك في مرآة رأيك ما له ... يخفي وأنت الجوهر الشفاف وقال: ما ظلمت غلته ... ولا استطاعت بظلمه من حسنت ألفاظه ... أصيب بالعين فمه وقال:

الفن الثاني

تنبي طلاقة وجهه عن وجهه ... فتكاد تلقي النجح قبل لقائه وضياء وجه لو تأمله امرؤ ... صادي الجوانح لارتوى من مائه وقال: عمت عوارفه فما من موضع ... إلا ونائله إليه موضع والشمس تهوى أن تقبل كفه ... فتذاد بالسمر اللدان وتمنع وقال: ترد العفاة شرائعاً من جودها ... نسخت بهن شرائع الإعدام وترى قلائد حمدها وثنائها ... منظومة بترائب الأيام وإذا عصت نوب الزمان وخالفت ... وقفت لديك مواقف الخدام وقال: يا عاشق لعليا ومبغض ماله ... نفسي فداؤك من محب مبغض لا تسألني عن زماني هل بدت ... لي منه صفحة مقبل أو معرض أنت الزمان فإن وجدتك ساخطاً ... يسخط علي وإن رضيت فقد رضي وقال: وبرزت في جيش تغص به الفلا ... وترى ذكاء بنقعه تتقفع وقال: غزال تمتعت في قربه ... ونازعني الكاس حتى غلب إذا ما تنفس في نومه ... تنفس عن مثل ما قد شرب وقال في غريق: وكأنما هو درة دفنت ... في جنب ما ولدت من البحر وتنزهت عن أن يصافحها ... سمك الصفيح وظلمة القبر تم الجزء الأول من كتاب لطائف الذخيرة يتلوه الجزء الثاني من كتاب لطائف الذخيرة وطرائف الجزيرة فيما دل ابتسام نواجذه عليى دقائق مآخذه مما تشاكلت معانيه وتمثلت مبانيه. الفن الثاني من لطائف الذخيرة وطرائف الجزيرة قال علي بن بسام بعد قصيدة أوردها لأحمد بن الدراج القسطلي ما قوله: خوصٌ نفحن بنا البرى حتى انثنت ... أشلاؤهن كمثل أنصاف البرى فمثله قول أبي جعفر بن هريرة التطيلي أحد العصريين يصنف إبلاً: كأنصاف البرى وتدق عنها ... شواها دقة تسع الجلالا وقوله: لله أي أهلة بلغت بنا ... يمناك يا بدر السماء المقمرا مثل قول المذكور: كل هوجاء كالهلال عليها ... كل ذي تدرإٍ كبدر الكمال وقول الآخر: وردت بها التنوفة وهي بدر ... فلم أصدر بها إلا هلالا وقوله: ورمى علي رداءه من دنوهم ... ملك تخير للعلا فتخيرا أشارة إلى قول الهذلي: ولم أدر من ألقى عليه ثيابه ... سوى أنه قد سل عن ماجد محض وأما قوله: وإني في أفياء ظلك أشتكي ... شكية موسى إذ تولى إلى الظل فإنه من القرآن الكريم وقد أقدمت عليه جماعة من الشعراء المتقدمين والمتأخرين منهم أبو العلاء المعري حيث يقول: كنت موسى وافتك بنت شعيب ... غير أن ليس فيكما من فقير وحسان المصصي قال: كبنت شعيب إذ زفت لموسى ... ولكن للثراء هنا مزيد وقال الآخر وفيه خروج على الواجب: وقد كان موسى خائفاً مترقباً ... فقيراً وآمنت المخافة والفقرا وأما قوله: وأبدي للسع الدبر وجهي منازعاً ... وقد فاز غيري سالماً بجنى النحل فإنه من قول المتنبي: ولابد دون الشهد من إبر النحل ومثله قول ابن سارة الشنتربيني: ولها قسمة بين الرواة وبينكم ... فمن قسمة ضيزى ومن قسمة عدل بأفواههم منا جنى النحل كلما ... رووها وفي أستاهكم إبر النحل أواصل أناء الأصائل بالضحى ... وزادي من جهدي، وراحلتي رجلي وهذا ما أوضحه المتنبي في قوله: لا ناقتي تحمل الرديف ولا ... بالسوط يوم الرهان أجهدها شراكها كورها، ومشفرها زمامها، والشسوع مقودها وأما قوله: ومن شيمة الماء القراح ... وإن صفا إذا اضطرمت من تحته النار أن يغلي فهو ينظر إلى بيت عمارة بين عقيل: وما النفس إلا نطفة بقرارة ... إذا لم تكدر كان صفواً غديرها وزاد المعري عليه فقال: والخل كالماء يبدي لي ضمائره ... مع الصفاء ويخفيها مع الكدر وأما قوله: وذو غرة معروفة السبق في المدى ... وقد قرح التحجيل من حلق الشكل فهو كقول المتنبي: وإن تكن محكمات الشكل تمنعني ... ظهور جري فلي فيهن تصهال وقال أبو الوليد بن زيدون: ثوى صافنا في مربط الهون يشتكي ... بتصهاله ما ناله من أذى الشكل وقاتل عبد الجليل:

أتتك على خلائقها جيادي ... وإن كان الضياع لها شكالا وكرره ابن زيدون فقال: وأن الجواد الفائت الشأو صافنٌ ... تخونه شكل وأذري به ربط وقال أبو العلاء المعري يصف قصيدة: حجبت فلم يرها الذي قيدت له ... وغدت بآفاق البلاد تجول كالطرف يقلقه اللحام صبابة ... بالجري وهو مقيد مشكول وأما قول: حتى بدا الصبح مشمطاً ذوائبه ... يطارد الليل موشياً أكأرعه وألمّ المذكور فيه بقول الأعرابي خرجنا في ليلة حندس قد ألقت على الأرض أكارعها فمحت صور الأبدان فما كدنا نتعارف إلا بالآذان وأما قوله: فيا ظلام نجوم الليل إذ عدمت ... بدر السماء وفي حجري مضاجعه ومثله الإدريسي بن اليماني: بدر ألم وبدر الليل ممحقٌ ... والأفق محلولك الأزجاء من حسد تحير الليل فيه أين مطلعه ... أما درى الليل أن البدر في عضدي؟ وأما قوله: نفوساً حنت قوس عطفي عليها ... فكنّ سهام قسي الخمول قد قال الرضي: هن القسي من النحول فإن سما طلب فانهن من النجاء سهام وقال عبد المجيد بن عبدون: جوانح كالقسي رمت ثبيراً ... بفتيان أقلني بل نبال وحط بنا عن ناجيات كأنها ... قسي رمت منا البلاد بأسهم وقال أبو حفص بن برد: إياك والموعد الخوان تقبله ... فلا أمانة للعس المخاضيب قال علي بن بسام وهذا من قول كثير: فإن حلفت أن لا تخونك عهدها ... فليس لمخضوب البنان يمين وأما قوله: فاكتب على جد ما قد الم تمثله قول ابن العميد: متقلباً يأتيك اثبت عهده ... كالخط يرسم في بسيط الماء وأما قول الوزير أبو المغيرة عبد الوهاب بن حزم متمثلاً بقول الشاعر: حانت منيته فاسود عارضه ... كما تسود بعد الميت الدار فمثله قول علي بن بسام البغدادي قائله في أخيه: حانت وفاتك يا أبا العباس ... فدع المكاس فلات حين مكاسي ما بال وجهك بعد كثرة نوره ... قد سودوه بحالك الأنقاس أين الدنانير الني عودتها ... هيهات جاء الشعر بالإفلاس قال علي بن بسام الأندلسي حضرت مجلس الوزير أبي محمد ابن عبدون بشنترين في جملة أصحاب المتوكل وكان فيهم رجل اسمه عبد المجيد فلما علم أن اسمي علي بن بسام قال أنت علي بن بسام حقاً؟ قلت: نعم، قال: وتهجو أباك وأخاك؟ فقلت له وأنت أيضاً عبد المجيد؟ قال: أجل، قلت: وفيك يتغزل ابن مناذر، فضحك الحاضرون من اتفاق الاسمين قال علي بن بسام ومما يتعلق بذكر العذار قول عبد الجليل أحد العصرين: وأمرد يستهيم بكل واد ... وينصب للشجي خداً صليبا دعوت دعاء مظلوم عليه ... وكان الله مستمعاً مجيبا فطوقه الزمان بما جناه ... وعلق من عذاريه الذنوبا أخذه أبو بكر الداني فقال: بدا على خده عذار ... في مثله يعذر الكئيب وليس ذاك العذار شعراً ... لكنما سره غريب لما أراق الدماء ظلماً ... بدت على خده الذنوب وقال أبو الحسن البرقي من أبيات: ما كنت إلا البدر ليلة تمه ... حتى قضت لك ليلة بمحاق لاح العذار فقلت: وجه نازح ... إن ابن دأية مؤذن بفراق هلا وصلت إذ الشمائل قهوة ... وإذ المحيا دونه الأحداق وللمذكور: وأزهر حيا بريحانة ... تضوع من عرفها المندل وزاد بنفسج أصداغه ... فقلت الزيادة قد تقبل وقال أيضاً: بأبي الذي خط الجما ... ل بوجهه لاماً بنون وأظنه جعل المدا ... د سواد أحداق الجفون خافوا عليه من العيون ... فعودوه من العيون قال وهذا كقول عبد الجليل: ومعذرين كأنما بخدودهم ... طرق العيون ومنهج الأوراح كأنما صقلوا الجمال وأظهروا ... مشى النمال على متون صفاح وقال أبو العلاء المعري في وصف السيف: ودبت فوقه حمر المنايا ... ولكن بعدما مسخت نمالا وقال أيضاً: ولا حسبت صغار النمل يمكنها ... سعى على اللج أو مشى على السعر وقال أحد العصريين: غدائر ماء ما تسوغ لوارد ... ترى النمل غرقى في غدير الأكارع

فصل في الطير

وقال عبد الجليل أيضاً في معنى بيته المتقدم: ومشت لحاظي في جوانب خده ... حتى أثرن بصفحتيه طريقا وقال أبو محمد بن سارة الشنتريني: ومعذر رقت حواشي حسنه ... فقلوبنا وجداً عليه رقاق لم يكس عارضه المشيب وإنما ... نفضت عليه صباغها الأحداق وقال بعض العصريين: أيا لعبة بذوي الألباب لاعبةً ... في أصل حسنك معنى غير متفق خلقت بيضاء كالكافور ناصعة ... فصرت سمراء من مثواك في الحدق وهو القائل: وسوداء الأديم إذا تبدت ... ترى ماء النعيم جرى عليه رآها ناظري فصبا إليها ... وشبه الشيء منجذب إليه وسمع الوزير أبو جعفر قول ابن الجهم: وعائب للسمر من جهله ... مفضل للبيض ذي محك قولوا عني: أما تستحي؟ ... من جعل الكافور كالمسك؟ فعارضه بقوله: وعائب للبيض ذي إفك ... معارض الكافور بالمسك دع عنك هذا وانقلب خاسئاً=ما النور مثل الظلم الحلك ولابن الجهم قوله: غضن من الأبنوس أبدى ... من مسك دارين لي ثمارا ليل نعيم أظل فيه ... للطيب لا أشتهي نهارا ولابن جرج أيضاً في مثله: وسمراء باهي كلفة البدر وجهها ... إذا لاح في ليل من الشعر الجعد محببة من حبة القلب لونها=وطينتها للمسك والعنبر الورد وقال ابن رشيق: دعا بك الحسن فاستجيبي ... يا مسك في صبغة وطيب تيهي على البيض واستطيلي ... تيه شباب على مشيب ولا يرعك اسوداد لون ... في أعين الناس والقلوب ولأبي بكر الشطرنجي: أشبهك النسك واشبهته ... قائمة في لونه قاعدة لا شك إذ لونكما واحد ... أنكما من طينة واحدة وقال ابن الرومي: سوداء لم تنتسب إلى برص ... الشقر ولا كلفة ولا بهق ليست من العيس الأكف ... ولا الفلح الشفاه الخبائث العرق وبعض ما فضل السواد به ... والحق ذو سلم وذو نفق ألا تعيب السواد خلكته ... وقد يعاب البياض بالبهق اكسبها الحب أنها صبغت ... صبغة حب القلوب والحدق يفتر ذاك السواد عن يفق ... من ثغرها كالالئ النسق كأنها والمزاج يضحكها ... ليل تغري دجاه عن فلق قال علي بن بسام وهذا مأخوذ من قول أبي النواس: فقام والليل يجلوه الصباح كما ... جلا التبسم عن غز الثنيات ومن تتمة قول ابن الرومي في وصف السوداء قوله: لها حر يستعير وقدته ... من قلب صب وصدر ذي حنق كأنما حره لذائقه ... ما ألهبت في حشاه من حرق يزداد ضيقاً على المراس كما ... تزداد ضيقاً أنشوطة الوهق وصفت فيها الذي هويت على ال ... وهم ولم يختبر ولم يذق إلا بأخبارك التي وقعت ... منك إلينا عن ظبية اليرق قال ابن بسام وهو من قول النابغة: زعم الهمام بأن فاها بارد ... عذب إذا قبلته قلت ازدد ومن قول المعتمد بن عباد: ولكنها الأيام تردي بلا ظبا ... وتُصمى بلا نبل وترمى بلا يد وقول المتنبي: وما الموت إلا سارق دق شخصه ... يصول بلا كف ويسعى بلا رجل قال ابن بسام ومما أخذه من الشعر وحمله في منثور كلامه قول ابن هاني الأندلسي: وركبت شاو مأرب ومطالب ... حتى امتطيت إلى الغمام الريحا فصل في الطير قال الأفوه: وترى الطير على أثارنا ... رأى عينٍ ثقة أن ستمار وقال النابغة: إذا ما غزوا بالجيش حلق فوقه ... عصائب طير تهتدي بعصائب تراهن خلف القوم خزراً عيونها ... جلوس الشيوخ في بنات الأرائب جوانح قد أيقن أن قبيله ... إذا ما التقى الجيشان أول غالب وقال أبو نواس: تتأبى الطير غدوته ... ثقة بالشبع من جزره وقال الصريع: قد عود الطير عادات وثقن بها ... فهن يتبعنه في كل مرتحل وقال أبو تمام: وقد ظللت أعناق أعلامه ضحى ... بعقبان طير في الدماء نواهل قامت مع الفرسان حتى كأنها ... من الجيش إلا أنها لم تقاتل قال المتنبي: له عسكراً خيل وطير إذا رمى ... بها عسكراً لم يبق إلا جماجمه وقال أبو عامر بني شهيد:

فصل في الحمام

وتدري سباع الطير أن كماته ... إذا لقيت صيد الكماة سباع تطير جياعاً فوقه وتردها ... طباه إلى أوكارهن شباع تملك بالإحسان ربفة رقها ... فهن رقيق يشتري ويبتاع وألحم من أفراخها فهي طوعه لدى كل حرب والملوك تطاع تماصع جرحاها فيجهز نقرها ... عليهم وللطير العتاق مصاع قال الكندي: سموت إليها بعد ما نام أهلها ... سمو حباب الماء حالاً على حال وتعلق به عمر ابن أبي ربيعة فقال: ونفضت عني النوم أقبلت مشية ... الحباب وركبي خيفة القوم أزور وقال آخر: لما تسامى النجم في أفقه ... ولاحت الجوزاء والمرزم أقبلت والوطء خفيف كما ... ينساب من مكمنه الأرقم وقال أبو عامر بن شهيد: لما تملأ من سكره ... فنام ونامت عيون الحرس دنوت إليه على بعده ... دنو رفيق درى ما التمس أدب إليه دبيب الكرى ... وأسمو إليه سمو النفس أقبل منه بياض الطلا ... وأرشف منه سواد اللعس وبت به ليلتي ناعماً ... إلى أن تبسم ثغر الغلس وأنشد الواثق: قالت إذا الليل دجا فأتنا ... فجيئتها حين دجا الليل خفي وطء الرجل من حارس ... ولو درى حل بي الويل وقال أبو دهيل الجمحي: قالت: إذا ما جئتنا فأتنا ... ليلاً إذا ما غفل الساهر واسقط علينا كسقوط الندى ... ساعة لاناه ولا آمر فصل أنشد المتنبي قوله: أأخلع المجد من كتفي وأطلبه ... وأرتك الغيث في غمدي وأنتجع قال أخذه أبو عامر بن شهيد فقال: ومرقية لا يدرك الطرف رأسها ... نزل بها ريح الصبا فتحدر إذا زاحمت منها المخارم صوبت ... هوياً على بعد المدى وهي تخطر تكفلتها والليل قد جاش بحره ... وقد جعلت أمواجه تتكسر ومن تحت حضني أبيض ذو سفاسق ... وفي الكف من عسالة الخط أسمر فذا جدول في الغمد تسقي به المنى ... وذا غصن في الكف يجني فيثمر هما صاحباتي من لدن كنت يافعاً ... مقيلان من جد الفتى حين يعثر وأنشد أيضاً: وأظمأ فلا أبدي على الماء حاجة ... وللشمس فوق اليعملات لعاب وقال أبو عامر في هذا المعنى: وفتية ضرب من زناتة ممطر ... تريك المنايا طعنها وضرابها وقفنا على جمر من الموت فوقه ... صلى لظاه دأب قومي ودابها إذا الشمس رامت فيه أكل لحومها ... جرى جشعاً فوق الحياة لعابها وأنشد المتنبي: نزلنا على الأكوار نمشي كرامة ... لمن بان عنه أن نلم به ركبا نذم السحاب الغر في فعلها به ... ونعرض عنها كلما طلعت عتبا وقال أبو عامر: أرأيت كرم همة من ناقتي ... حملت يداً جرحاً وخفاً مجمرا تركت دخان الرمث في أوطانها ... طلباً لقوم يوقدون العنبرا وترفحت ركباتها عن منزل ... تقعان فيه وليس مسكاً أذفرا وأتتك دامية الأظل كأنما ... حذيت قوائمها العقيق الأحمرا وقال: على كل طاو تحت طاو كأنما ... من الدم يسقي أو من اللحم يطعم وقال: وما ذاك بخلاً بالنفوس عن القنا ... ولكن صدم الشر بالشر أحزم فصل في الحمام انظر إلى حمامنا قد حكى ... حالين من حال الأحباء حرارة الأنفاس يوم النوى ... وجرية الأماق في الماء فماؤه من أدمعي سائل ... وحره من نار أحشائي ولأبي عامر: يا حسن حمامنا وقد غربت ... شمس الضحى فيه بعدما متعا فأنعم أبا عامر بنعمته ... وأعجب لأمرين فيه قد جمعا نيرانه من زنادكم قدحت ... وماؤه من بنانكم نبعا وقال أبو حفص بن برد: لما بدا في لازوردي ... الحرير قد بهر كبرت من فرط الجما ... ل وقلت: ما هذا بشر فأجابني: لا تنكرن ن ... ور السماء على القمر قال ابن بسام هذا من قول ابن الرومي: كأنه فيه بدرتم ... يشق في زرقة السماء وقول ابن المعتز: وبنفسجي اللون قتل ... محبه من رأيه الآن صرت البدر حين ... لبست ثوب سمائه وقال ابن برد أيضاً:

أقبل في ثوب لازورد ... قد أفرغ التبر من عليه كأنه البدر في سماء ... قد طرز اليرق جانبيه وقال ابن برد أيضاً: كيف لا اعشق ظبياً ... سارحاً في ظل ملك إنما السمرة فيه ... مزج كافور بمسك قال ابن بسام وهذا كقول بن فتوح: قد قضيب وبدر ديجور ... وثغر در ولون يعفور كأنما نوره وسمرته ... مسك مشوب بذوب كافور وقال ابن برد من مقطوعة: بيننا في الحب قربى ... سقم عينيك وجسمي قال ابن بسام وهو من قول ابن الرومي: يا عليلاً جعل العلة مفتاحاً لسقمي ليس في الأرض عليل غير جفنيك وجسمي قال فأخذه ابن هاني الأندلسي فقال: المدنفان من الربية كلها ... جسمي وطرف بابلي أحور والمشرقات النيرات ثلاثة: ... الشمس والقمر المنير وجعفر وقال: اتحيرت من طيب حمامنا ... فخيل لي أن فيه الفلق فمن حمرة وابيضاض بدا ... كخد الحبيب إذا ما عرق رأى الدهر ما شد من حسنه ... فسد كوى سقفه بالشفق وقال آخر: ولم أدخل الحمام يوم رحيلهم ... طلاب نعيم قد رضيت ببؤس ولكن لتجري أدمعي مطمئنة ... فابكي ولا يدري بذاك جليس وقال ودخل الحمام يوماً الأديبان أبو جعفر بن هريرة التطيلي وأبو بكر ابن تقي فقال أبو جعفر: بأحسن حمامنا وبهجته ... مرأى من السحر كله حسن ماء ونار جسماهما كنف ... كالقلب فيه السرور والحزن وأعجبه المنسي فقال: ليس على لهونا مزيد ... ولا لحمامنا ضريب ماء وفيه لهيب نار ... كالشمس من ديمة تغوب وأبيض من تحته رخام ... كالثلج حين ابتدا يذوب وقال أبو بكر بن تقي: حمامنا فيه فصل القيظ محتدم ... وفيه للبرد غير ذي ضرر ضدان ينعم جسم المرء بينهما ... كالغصن ينعم بين الشمس والمطر وقال أبو جعفر التطيلي: هل استمالك جسم ابن الأمير وقد ... سالت عليه من الحمام أنداء كالغصن باشر حد النهار من كثب ... فظل يقطر من أعطافه الماء وقال أبو عامر بن شهيد: يا أيها القمر الذي بغيب ... صبغت ثياب الليل فهي حداد كتب القضاء بأن جدك صاعد ... والصبح رقى والظلام مداد أفدي أسيماء من نديم ... ملازم للكؤوس راتب قد عجبوا في السهاد منها ... وهي لعمري من العجائب قالوا تجافى الرقاد عنها ... فقلت: لا ترقد الكواكب وقال أبو عمار: مرض الجفون ولثغة في المنطق ... شيئان جراً عشق من لم يعشق من لي بألثغ لا يزال حديثه ... يذكي على الأكباد جمرة محرق بيني فينبو في الكلام لسانه ... فكأنه من خمر عينيه سقي لا ينعش الألفاظ من عثرتها ... ولو أنها كتبت له في مهرق وقال الرمادي: لا الراء تطمع في الوصال ولا أنا ... الهجر يجمعنا فنحن سواء فإذا خلوت كتبتها في راحتي ... وبكيت منتحياً أنا الراء وقال أبو القاسم بن العريف: أيها الألثغ الذي شف قلبي ... جد عرف ولو نطقت بسب هجرك الراء مثل هجري سواء ... فكلانا معذب دون ذنب ولأبي الطيب المتنبي: كرآين في ألفاظ ألثغ ناطق وأنشد: يا سائلي عن جعفر عهدي به ... رطب العجان وكفه كالجلمد كالأقحوان غداة غب سمائه ... جفت أعاليه وأسفله ندي ولابن زيدون: مخضت في أسته الأيور حليباً ... فكست عينه من الزبد نقطه وقال أبو الحسن ابن الجد: وأزرق والأمور لها اشتباه ... وتؤتي العين من قبل العجان ومما شك أسفله العوالي ... جرى في عينه زرق السنان أجريت للزنج فوق النهر نهر دم ... حتى استحال سماء جللت شفقا فشاء قول أبو العلاء المعري: وعلى الأفق من دماء الشهيدين ... علي ونجله شاهدان فهما في أواخر الليل بجران ... وفي أوليائه شفقان قال وأما قول ابن الحداد: بلادٌ غدت يأجوج فيها فأفسدت ... فكنت كذي القرنين والجحفل السد ومازال شرقي المرية عاطلاً ... إلى أن علاها من رؤوسهم عقد

وقد عوضوا من ثابتات جسومهم ... بمسمته ولا عظم فيها ولا جلد كأنهم فيها غرابيب وقع ... على باسقات لا تروح ولا تغدوا وهو كقول الآخر: وعاد لكنه رأس بلا جسد ... يسري ولكن على ساق بلا قدم إذا تراءى على الخطى أسفر في ... حال العبوس لنا عن ثغر مبتسم وقال أبو فراس: وأنقذ من ثقل الحديد ومسه ... أبا وائل الدهر أجدع صاغر وآب ورأس الفرمطي أمامه ... له جسد في أكعب الرمح ضامر وقال أبو عامر: وخيل تمشى للوغا ببطونها ... إذا جعلت بالمرتقى الصعب تزلق قال ابن بسام: وهو من قول المتنبي: كما يتمشى في الصعيد الأراقم قال وقال الرمادي: ولم أر أحلى من تبسم أعين ... غداة النوى عن لؤلؤ كان كامنا وقال أبو عامر ابن شهيد: أبى دمعنا يجري مخافة شامت ... فنظمه بين المحاجر ناظم وراق الهوى منا عيون كريمة ... تبسمن حتى ما تروق المباسم وعلى ذكر الدمع: ولما وقفنا للوداع ودمعها ... ودمعي يبثان الصبابة والوجدا بكت لؤلؤاً رطباً وفاضت ... عقيقاً فصار الكل في عزها عقدا وقال بعض العرب: ومما شجاني أنها يوم ودعت ... تولت وماء العين في الجفن حائر فلما أعادت من بعيد بنظرة ... إلى، التفاتاً أسلمته المحاجر وقال الآخر: ولما أبت عيناي أن تحسن البكا ... وأن تمنع در الدموع السواكب تثاءبت كي لا ينكر الدمع منكر ... ولكن قليلاً ما بقاء التثاؤب وأنشد ثعلب: ومستنجد بالدمع حتى كأنما ... على الخد من ماء الصبابة ناظر فعيناي طوراً تغرقان من البكا ... فأعشى وطوراً تحسران فأبصر وقال الآخر: وقفنا والدموع مثقلات ... يغالب طرفها نظر كليل نهته رقبة الواشين حتى ... تعلق لا يغيض ولا يسيل وأنشد حجلة: ومن طاعتي إياه أمطر ناظري ... إذ هو أبدى من ثناياه لي برقا كأن دموعي تحسب الوصل هارباً ... فمن أجل ذا تجري لتدركه سبقا قال ابن بسام والأول ينظر إلى قول الشاعر المتنبي: أتبل خدي كلما ابتسمت ... من مطر برقة ثناياها وقال أبو الشيص: قميصك والدموع تجول فيه ... وقلبك ليس بالقلب الكئيب نظير قميص يوسف حين جاءوا ... على لباته بدم كذوب ومنها: دموع العاشقين إذا تلاقت ... بظهر الغيب ألسنة القلوب وقال بشار: نزف البكاء دموع عينك فاستعر ... عيناً لغيرك دمعها مدرار من ذا يعيرك عينه تبكي بها ... أرأيت عيناً للبكاء تعار وقال آخر: قالوا: فما نفس يعلو كذا صعداً ... وما لعينيك لا ترقأ مآقيها؟ قلت: التنفس من تدآب سيركم ... ودمع عيني يجري من قذى فيها وأنشد لآخر: يقلن: قد بكيت فقلت كلاًّ ... وهل يبكي من الطرب الجليد؟ ولكني أصاب سواد عيني ... عويد قذىً له طرفٌ حديد فقالوا: ما لدمعها سواء ... أكلتا مقلتيك أصاب عود وقال عمر بن أبي ربيعة: فكففت دمعي بالرداء وإنما ... أخفيت فيض الدمع عن أًحابي فرأى سوابق دمعة مسفوحة ... عمرو فقال: بكى أبو الخطاب! وللشاعر بن الأحنف: لكن ذهبت لأرتدي ... فطرفت عيني بالرداء وقال ابن فتوح وذكر الدمع: وقد تعلق بالأشنار منحدراً ... تعلق القطر بالأغصان والورق وقال أبو جعفر بن هريرة التطيلي: يكفكف من تلك الدموع وربما ... جلاها الرداء وأمترتها الأصابع قال علي بن بسام قال أبو عامر من أبيات أوصى أن تكتب على قبره: فقال لي أن تقوم منها ... ما دام من فوقنا الصعيد وقال ابن المعتز: وسكان دار لا تزاور بينهم ... على قرب بعض في المجالس من بعض كأن خواتيما من الطين فوقهم ... فليس لهم حتى القيامة من فض قال وما أرى عامر إلا نقله من قول أبي العلاء: سألت متى اللقاء؟ فقيل حتى ... يقوم الهامدون من الرجام فصل وأما قول أبي الوليد بن زيدون: يا ليت ذاك السواد الجون متصل ... قد استعار سواد القلب والبصر فإنه لفظ أبي العلاء المعري في قوله:

يود أن ظلام الليل دام له ... وزيد فيه سواد القلب والبصر وأما قوله: هل الرياح بنجم الأرض عاصفة ... أو الكسوف لغير الشمس والقمر فمن أقوال لأبي تمام: إن الرياح إذا ما أعصفت قصفت ... عيدان نبع ولم يعبأن بالرتم بنات نعش ونعش لا كشوف لها ... والبدر والشمس منها الدهر في وجم وأخذه من البحتري فقال: ولست تربي شوك القتادة خائفاً ... سموم الرياح الآخذات من الرند ولا الكلب محموماً وإن طال عمره ... ألا إنما الحمى على الأسد الورد وبيت البحتري الأخير من قول حبيب أيضاً: فإن تك نالتك أطراف وعكة ... فلا عجب أن يوعك الأسد الورد أخذه شمس المعالي فقال: قل للذي بصروف الدهر عيرنا ... هل عاند الدهر إلا من له خطر أما ترى البحر تطفو فوقه جيف ... وتستقر بأقصى قعره الدرر فإن تكن عبثت أيدي الزمان بنا ... ونالنا من تمادي بأسه ضرر ففي السماء نجوم لا عداد لها ... وليس يكسف إلا الشمس والقمر وفي معنى البيت الثاني وقول ابن الرومي: دهر علا قدر الوضيع به ... وغدا الشريف يحطه شرفه كالبحر يرسب فيه لؤلؤه ... سفلاً وتطفو فوقه جيفه وكرر المعنى فقال: قالت: علا الناس إلا أنت قلت لها: ... كذاك يسفل في الميزان ما رجحا وقال المتنبي: ولو لم يعل إلا ذو محل ... تعالى الجيش وانحط القتام قال علي ابن بسام وأما قوله: وأين جواب منك ترضى به العلا ... إذا سألتني عنك ألسنة الحفل؟ فهو مأخوذ من قول الشاعر: فاختر لنفسك ما أقول فإنني ... لابد أخبرهم وإن لم اسأل وأما قوله: (ويغني عن المداح اكتفاء بسروه) فقول القائل: وأعشق كحلاء المدامع خلقة ... لئلاً يرى في عينها الكحل سائل فأنشد: بني جهور أحرقتم بجفائكم ... جناني فما بال المدائح تعبق؟ تعدونني كالعنبر الورد إنما ... تطيب لكم أنفاسه حين يحرق ومثله قول ابن رشيق: أراك اتهمت أخاك الثقة ... وعندك مقت وعندي مقه وأثني عليك وقد سؤتني ... كما طيب العود من أحرقه وأخذاه معاً من قول أبي تمام: لولا اشتعال النار فيما جاورت ... ما كان يعرف.. طيب عرف العود ولبعض القصريين: نوائب غالتني فأبدت فضائلي ... فكانت وكنت النار والعنبر الورد وقال آخر: إن مست النار جسمي ... أبديت طيب نسيم كالدهر إن عفى يوماً ... أبان فضل الكريم قال ابن بسام وقال: لا يكن عهدك ورداً ... إن عهدي لك آس وهو من قول لآخر: ولكنني شبهت بالورد عهدها ... وليس يدوم الورد والآس دائم قال علي بن بسام وأما قوله: أما هواك فلم نعدك بمنهله ... شرباً وإن كان يروينا فيظمينا ومن قول ابن الرومي: إذا ما ازددت من شربه ... رياً ثناني الري ظمآنا كالخمر أروى ما يكون الذي ... من شربها أعطش ما كانا ولابن الرومي أيضاً مما ينظر إليه: يا رب ريق بات بدر الدجى ... يمجه بين ثناياكا يروى ولا ينهاك عن شربه ... والماء يرويك وينهاكا وأنشد الثعالبي: كرضاب الحبيب يشفي عليلاً ... ثم ينشئ إلى المزيد غليلا وأما قوله: سران في الخاطر الظلماء يكتمنا ... حتى يكاد لسان الصبح يفشينا من قول المتنبي: أزورهم وسواد الليل يشفع لبي ... وأنقني وبياض الصبح يغري بي وللمتنبي أيضاً: وكم لظلام الليل عندك من يد ... تخبر أن المانوية تكذب وهو موجود في قول ابن المعتز: فالشمس نمامة والليل قواد قال ابن بسام وأما قوله: وللنسيم اعتلال في أصائله ... كأنه رق لي فأعتل إشفاقاً فهو من قول ابن المعتز: يا رب ليل سحراً كله ... مفتضح البدر عليل النسيم وقوله: الآن أحمد ما كنا بعهدكم ... سلوتم وبقينا نحن عشاقا وقول الآخر: أشكو الذين أذاقوني مودتهم ... حتى إذا أيقظوني للهوى رقدوا قال علي ابن بسام وأنشد ابن الجهم لنفسه:

ألا رب ليل ضمنا بعد هجعة ... وأدنى فؤاداً من فؤاد معذّب وبتنا جميعاً لو تراق زجاجة ... من الراح فيما بيننا لم تسرب فقال محمد بن عبدوس: لا والمنازل من نجد وليلتنا ... بفيد إذ جسدانا في الهوى جسد كم رام فينا الكرى من لطف مسلكه ... يوماً فما أنك لا خد ولا عضد ما أنصفوني دعوني فاستجبت لهم ... حتى إذا قربوني منهم بعدوا قال ابن بسام وقوله: لو شاء حكا نسيم الريح حين سرى ... وافاكم بفتى أضناه ما لاقى وقول المجنون: ألا إنما غادرت يا أم مالك ... صدى أينما تذهب به الريح يذهب وقول المتنبي: كفى بجسمي نحولاً إنني رجلٌ ... لولا مخاطبتي إياك لم ترني وقول الخبر: أنحلني الحب ولو زج بي ... في مقلة النائم لم ينتبه قال علي ابن بسام: أقول له حين ودعته ... وكل بعبرته ملبس لئن رجعت عنك أجسامنا ... لقد سافرت معك الأنفس وقال بعده: ودع الحسن محب ودعك ... ذائع من سره ما استودعك يقرع السن على أن لم يكن ... زاد في تلك الخطى إذ شيعك يا أخا البدر سناء وسناً ... حفظ الله زماناً أطلعك أن يطل بعدك ليلى فلكم ... بت أشكو قصر الليل معك وأنشد: ته أحتمل واستطل أصبر وعزأهن ... وولّ أقبل وقل اسمع ومر أطلع قال ومثله لديك الجن: أحل وامرر وضر وانفع ولن واخ ... شن ورش وابن وانتدب للمعالي وأنشد لابن وهبون: والله ما ساءتي أني خفيت ضنىً ... بل ساءني أن سرى في الهوى علن لو كان أخذي في كتم الهوى بيدي ... ما كان يعلم ما في قلبي البدن وأنشد الأول: والله ما جزعي نفسي وإن هلكت ... وإنما جزعي أن سر حسادي والأخير: فقلت: قلبي مكاتم جسدي ... ولو درى لم يقم به السمن وقال من أخرى: أنت والشمس ضرتان ولكن ... لك عند الغروب فضل الطلوع إنما أنت والحسود معنى ... كوكب يستقيم بعد الرجوع وقال: وما ضر أنفاس الصبا في احتمالها ... سلام فتى يهديه جسم إلى القلب غروب بأرض الشرق يشكر للصبا ... تحملها مني السلام إلى الغرب وقال: شابهت أعدائي لأنك منهم ... يا من يصح بمقلتيه ويسقم أصبحت تسخطني وأمنحك الرضى ... جوداً وتظلمني ولا أتظلم يا من تألف ليله ونهاره ... فالحسن بينهما مضيء مظلم قد كان في شكوى الصبابة راحة ... لو أنني أشكو إلى من يرحم قال ومثل الأول: أِبهت أعدائي فصرت أحبهم ... إذ كان حظي منك حظي منهم ومثل الثالث: الحزن يقلق والتحول مودع: ... والصبر بينهما عصى طيع وقال ابن زيدون: وما ولعي بالراح إلا تشوقاً ... ولظلم به كالراح لو يترشف قال ابن بسام وهو بيت المتنبي: أوما شرقي بالماء إلا تذكراً ... لماء به أهل الحبيب نزول وقوله: طلاقة وجه الشمس وافت بمثل ما ... يروق فرند السيف والحد مرهف من قول البحتري: ويحسن دلها والموت فيه ... كما يستحسن السيف الصقيل وقال وزاد فيه بعض العصريين فقال: مضاء كحد السيف إذ ما يهزه ... يكفكفه حلم كحاشية البرد قال علي ابن بسام وقوله: ولا قبل عباد حوى البحر مجلس ... ولا حمل الطود المعظم رفرف من قول القسطلي: وكيف استوى بالبر والبحر مجلس ... وقام بعبء الراسيات بئير؟ قال علي بن بسام وأما قول ابن زيدون: وصلنا فقبلنا الذي من يد امرء فهو في قول البحتري: دنوت فقبلت الكرى من يد امرئ ... كريم محياه سباط أنامله صفت مثل ما تصفوا المدام خلاله ... ورقت كما رق النسيم شمائله قالت وقد فال بعض العصريين: وإن فمي يصافح راحتيه ... فيعرف فيهما عرف السياده وقال آخر من العصريين: ولثمت يمناه وأعيا حسدي ... أأنا لثمت العارض المثعنجرا؟ قال علي ابن بسام وأما قوله: هذا الصباح على سراك رقيباً ... فصلى بفرعك ليلك الغربيبا فهو من قول المتنبي:

نشرت ثلاث ذوائب من شعرها ... في ليلة فأرت ليالي أربعا وقال وينظر على قول المعري: يود أن ظلام الليل دام له ... وزيد فيه سواد القلب والبصر وللتهامي: وتود لو جعلت سواد قرونها ... وسواد عينيها سواد عذارى ولابن هانئ: قد أظلموا بالدهم منها فجرهم=فتكورت شمس النهار تغضبا استأنفوا بشياتها فجراً فلو ... عقدوا نواصيها أعادوا الغيهبا أما قوله فيكاد يوهمك المديح نسيباً: من قول أبي تمام: طاب فيه المديح والتذ حتى ... فاق وصف الديار والتشبيبا قال ابن بسام وقوله: إن السيوف إذا ما طاب جوهرها ... في أول الطبع لم يعلق بها الطبع من قول ابن حبيب: والسيف ما لم يلف فيه صيقل ... من سيخه لم ينتفع بصقاله وقوله: رأى أنه أضحى هزيراً مصمماً ... فلم يعد أن أمسى ظليماً مشرداً من قول المتنبي: وأتيت معتزماً ولا أسدٌ ... ومضيت منهزماً ولا وعل وقال أبو عبد الله بن الخياط المكفوف: ويزهر في يمناه نور من الظبا ... له من رؤوس الدار عين كمائم فهو ينظر إلى قول المتنبي: سقافنا وحيانا بك الله إنما ... على العيس نور والخدور كمائم وقال أبو بكر بن عمار: ندامى وما غير السيوف أزاهر ... لديهم وما غير الغمود كمائم وقال: سيوف إذا غيلت حنان بقفرةٍ ... فمنهن في أعناقهن تمائم وهو كقول المتنبي: وكأن بها الجنون فأصبحت ... ومن جثث القتلى عليها تمائم وقال أيضاً: وعضارة الأيام تأبى أن ترى ... فيها لأبناء الذكاء نصيب وكذا من صحب الليالي طالباً ... جداً ونهماً فإنه المطلوب قال علي بن بسام وهو من قول المتنبي: وما الجمع بين الماء والنار في يدي ... بأصعب من أن أجمع الجد والصعبا ومن قول ابن رشيق صاحب العمدة: أشقى لجدك أن تكون أديباً ... أو أن يرى فيك الورى تهذيباً ما دمت مستوياً ففعلك كله ... عوج وإن أخطأت كنت مصيباً كالنقش ليس يتم معنى ختمه ... حتى يكون كتابه مقلوباً وقال عبد الرحمن بن فتوح: نشر الغمام رداءه فتقعت ... خجلاً بن للناظرين ذكاء كأنما من تحته ... سر تضيق بكتمه الظلماء قال ابن بسام وهذا من قول ابن عبد ربه: نهار لاح في سربال ليل ... فاعرف الرواح من البكور وعين الشمس ترنو من بعيد ... رنو البكر من خلف الستور قال ابن المعتز القائل فيها: تظل الشمس ترمقنا بطرف ... حتى لحظه من خلف ستر تحاول فثق غيم وهو يأبى ... كعنين يحاول فتق بكر وابن الرومي في الشجن يوم الدين: ظلت تلاحظنا وقد بعثت ... ضوءاً يلاحظنا بلا لهب ولمحمد بن عثمان بن أبي عامر: فكأن الشمس بكر حجبت ... وكأن الغيم ستر قد سدل قال ابن فتوح: تسير ويقرعها رعدها ... لتعدو بسوط له من ذهب قال ابن بسام وهذا من قول ابن برد: بخاتي توضع في سيرها ... وقد قرعت بسياط الذهب وقال ابن فتوح: وإذا ما عرته علة قد رأسه ... فيختال في ثوب جديد من العمر قال ابن بسام وهذا من قول: وصفراء تؤنس طلابها ... بقد يقطع أنفاسها ولم أر من قبلها مثلها ... تعيش إذا قطعوا رأسها والميكالي في مثله: أعددت لليل إذا الليل غسق ... قضبان تبر عريت من الورق يغني الندامى ضوؤها عن الفلق ... شفاؤها إن مرضت ضرب العنق وقال الأسعد بن إبراهيم بن أسعد القرطبي: بقمر لوى من فوقه ... من صدغ غالية حنش أهوى ليلثم جمرة ... من وجنتيه فانكمش قال ابن بسام وأملح منه قول تميم بن المعز: طمعت تقبله عقارب صدغه ... فاستل ناظره عليها خنجرا ولغيره: من رأى الورد فوق قطر نداه ... لم يعب فوق وجنتي جدريا أنا شمس أردت في الأرض مشياً ... فنثرت النجوم حلياً عليا وفي هذا المعنى قال ابن السراج صاحب كتاب الوصول: لي قمر جدر لما استوى ... فزاده حسناً وزادت همومي

كأنما غنى لشمس الضحى ... فنقطته طرباً بالنجوم وقال ابن فتوح في الخيلان: تتنفس الصهباء في لهواته ... كتنفس الريحان في الآصال وكأنما الخيلان في وجناته ... ساعات هجر في زمان وصال قال ابن بسام: وأنا أنشد في هذين المرين الجدري والخيلان ما أحفظه فمنه قول ابن مروان بن سراج: جدرت فقالوا بها علة ... ستقبح بعد بآثارها ألا إنها روضة نورت ... فزادت جمالاً بأنوارها وقول أبي عامر بن عبدوس القرطبي: أكثر الحاسدون فيك فقالوا ... جدري بدا على وجنتيه ويحهم ما دروا بأنك ورد ... نثر الجوهر النفيس عليه ونجوم السماء أسرى حلاها ... وجمال الوشاح في طريته وقول أبي زيد بن العاصي: عابه الحاسد الذي لام فيه ... أن رأى فوق خده جدريا إنما وجهه كبدر تمام ... جعلوا برقعاً عليه الثريا وقول أبي تمام بتن رباح: خدك مرآة كل حسن ... تحسن من حسنها الصفات مالي أرى فوقه نجوماً ... قد كيفت وهي نيرات وقال: فأنشدني أبو محمد بن فرج الجياني يصف خالين نج غلام أحدهما أصغر من الآخر: أني ضعفت عن الهوى صادني ... عبد القوى بلحظ ريم أحور جسم من البلور يطفو فوقه ... عرق تبدى مثل نظم الجوهر وبخده خالان أما واحد ... فيلوح والثاني كأن لم يظهر وقال: أنشد أبو بكر الداني لنفسه: بدا على خده خال يزينه ... فزادني شغفاً فيه على شغف كأن حبة قلبي عند رؤيته ... طارت فقلت لها في الخد منه قفي وقال سراج بن عبد الملك: رفقاً بمنزلك الذي تحتله ... يا من يخرب بيته بيديه قال ابن بسام ومثله للتهامي: حرق سوى قلبي ودعه فإنني ... أخشى عليك وأنت في سودائه وقال ولبعض العصريين: فقلت له لا ترم قلبي فإنه ... مكانك والمرمى أنت ولا تدري وقال ابن الوليد لابن حزم: أذكيت قلبي بنأيك لوعة ... حتى خشيت على محلك فيه وغير ذلك من قول ابن شرف: عجبت منه واخشاي منازله ... كيف استقر بها من كثرة القلق قال ابن بسام وقلبه بعض فتيان عصرنا أبو بكر بن بقي فقال: أبعدته عن أضلع تشتاقه ... كي لا ينام على وساد خافق قال ابن الملح: وأدهم كالليل البهيم تعلقت ... به تحت كم الفجر كف نهار سفينة بر سخرت غير أنها ... تجوب من الإلهاب لج غبار قال علي بن بسام والشيء بالشيء يذكر إذا ناسبه أو قاربه، كان للمتوكل فرس أخضر أغر محجل، وعلى كفله ست نقط بيض، فذكرته للشعراء وتجاذبوا فيه أعنة القول، فممن أجاد في صفته النحلى في قوله: حمل البدر جواد سابح ... تقف الريح لأدنى مهله لبس الليل قميصاً سابغاً ... فالثريا نقط في كفله وكأن الصبح قد خاض به ... فبدا تحجيله من بلله كل مطلوب وإن طالت به ... رجله، من أجله في أجله قال واراه أخذ البيت الثاني من قول الصاحب: لبس الصباح أديمه فبدا لنا ... من بين عينيه سنا جوزائه والثالث نبه عليه ابن نباته بقوله: وكأنما لطم الصباح جبينه ... فاقتص منه فخاض في أحشائه قال وما أراه نقل إلا لفظ ابن الشهيد ومعناه وهو قوله: وكأنما خاض الصباح فجاء ... مبيض القوائم وقال فيه أبو بكر الداني: لله طرف جال بابن محمد ... فحوت به حوباؤه التأميلا لما رأى أن الظلام أديمه ... أهدى لأربعة الهدى تحجيلا كأنما في الردف منه مباسم ... تبغي هناك لوجهه تقبيلاً ولأبي عبد الله بن عبد البر: وكأنما عمر على صهواته ... قمر تسير به لرياح الأربع قال ولم يحضرني من شعر أهل العصر في صف هذا الظرف إلا ما أثبت بعدما سقط مني وغاب عني. قال يوسف بن هارون الرمادي: وأبلق من شرط الطراد لزينة ... وإخوان ميدان ويوم قتال فخضرته ثلث وثلثاه شمهة ... كعام صدود فيه يوم وصال تدرع بدر التم حسناً وبهجةً ... فألزم في حيزومه بهلال وقال أبو عامر بن عبدوس في صفة أشهب: يا حسن هذا الجواد حين بدا ... في شية لم تكن لذي بلق

قام عليه النهار مدعياً ... فاعترفت عرفه يد الشفق وقال أبو بكر بن حجاج: وأشهب صافي بياض الأديم ... له شية زانها عرفه كبدر سماء بدا زاهراً ... وقد مس في شفق طرفه وقال ابن فتوح: طرف يفوت الطرف سرعة عدوه ... ويضيق وسع الأرض عند مجاله يبدي سواد الليل في إدباره ... ويريك وجه الصبح في إقباله تعيا الرياح وراءه في لايه ... ويكل شأو الدهر دون كلاله وقال الرمادي: ومعارض للريح في حركاته ... لولا اللجام لجال كل مجال ذو منظر حسن تضمن مخبراً ... حسناً وكان لزينة وقتال حسنت به الحركات والمعشوق لا ... يصبى لغير براعة ودلال حظمت حوافره السلام صلابة ... فكأنه من أوجه البخال قال وهذا من قول حبيب: أيقنت أن لم تثبت أن حافره ... من صخر تدمر أو من وجه عثمان وأخذه البحتري فقال: ما إن يعرف قذىً ولو أوردته ... يوماً خلائق خمدويه الأحول وقال القسطلي: سامي التليل كأن عقد عذاره ... في رأس غصن البانة المياد يهدي بمثل الفرقدين وناب عن ... رعى السماك بقلبه الوقاد فكأنما أطأ الأباطح والربى ... بعقاب شاهقة وحية وادي وكأنه نمن تحت سوطي خارجاً ... في الروع شعلة قادح بزناد وقال يحي بن هزيل: في خضره مفترة في غرة ... كالصبح كشف عنه ليل أليل يمشي العرضنة فهو يحكي بالطلى ... كيف الصدود عن الحبيب فيقبل وقال أبو تمام ابن رباح من أهل عصرنا: وأقب تنقد البروق إذا جرى ... من غيظها حسداً بأن لم تلحق ملك الرياح قوائماً فجرى بها ... فيكاد يأخذ مغرباً في مشرق وقال: وتحتي ريح تسبق الريح إن جرت ... وما خلت أن الريح ذات قوائم لها في المدى سبق إلى غاية ... كأن لها فيه نفوذ عزائم وهمة نفس نزهتها عن الوجى ... فيا عجباً حتى العلا في البهائم وقال عبد الجليل بن وهبون من قصيدة: ذنبي إلى الدهر إن أبدى تعنته ... ذنب الحسام إذا ما أحجم البطل قال علي بن بسام أشار فيه إلى قول حبيبب: وقد يكهم السيف المسمى مينية ... وقد يرجع المرء المظفر خائبا فآفة ذا أن لا يصادف مضرباً ... وآفة ذا أن لا يصادف ضاربا وأخذه البحتري فقال: وعذرت سيفي في نبو غراره ... إني ضربت فلم أقع بالمضرب وقال ابن شرف ونقله أحسن نقل: تقلدتني الليالي وهي مدبرة ... كأنني صارم في كف منهزم وقال ابن عبد الصمد السرقسطي: ذل في ذي الزمان تظمي ونثري ... ذلة السيف في يمين الجبان قال وكان أبو الطيب سلك سبيلها حيث قال: أتى الزمان بنوه في شبيبته ... فسرهم وأتيناه على الهرم وقال أبو تمام: نظرت في السير اللائي مضت فإذا ... وجدتها أكلت باكورة الأمم وقال المعري: نتمتع أبكار الزمان ... وجئنا بوهن بعدما خرف الدهر وإن الذي كالبدر جدد عمره ... يعود هلالاً كلما فنى الشهر وقال ابن شماخ من أهل عصرنا: صفا للألى قبلي أتوا دار دارهم ... فلم يصف لي مذ جئت بعدهم عمر فجاءوا إلى الدنيا وعصرهم ضحى ... وجئت وعصري من تأخره عصر وقال أبو جعفر أبو قاسم المتحدث من أهل عصرنا: لقى الناس قبلنا غرة الدهر ... ولم نلق منه إلا الذنابي وقال أبو بكر الداني المعروف بابن اللبانة: رضي المتوكل فارقته ... فلم يرضني بعده العالم وكانت بطليوس لي جنة ... فجئت بما جاءه آدم وقال ابن بسام وقال أبو عامر: جناب ابن معن تجنبته ... فلم يرضني بعده العالم وكانت مريته جنتي ... فجئت بما جاءه آدم قال وقد تقدم في هذا المعنى لبعض شعراء من شعراء الدولة العامرية في قوله: عوضت من قرطبة يابره ... ملك لعمري كرة خاسره كآدم حين عصى ربه ... عوض بالدنيا عن الآخرة وقال الفكيك في مثله: لهفي على بغداد من جنة ... كانت من الأسقام لي جنة كأنني عند فراقي لها ... آدم لما فارق الجنة وقال المعروف بابن الحجاج:

سلاماً لم يكن إلا وداعاً ... وجمعاً لم يكن إلا افتراقا قال ابن بسام وهذا كقول المتنبي: افترقنا حولاً فلما التقينا ... كان تسلية علي وداعاً وكقول علي ابن حيلة: ركب الأهوال في زورته ... وثم ما سلم حتى ودعا قال وذكرت بذلك قول بدر ابن أسماء الغزازي: بكت الديار لفقد ساكنها ... أفعند قلبي تبتغي الصبرا بينما هم سكن لجيرتهم ... ذكروا الفراق فأصبحوا سفرا وقال العباس ابن الأحنف: سألونا عن حالنا كيف أنتم ... فقرنا وداعهم بالسؤال ما أنخنا حتى ارتحلنا فما ... قدرت بين النزول والارتحال وقال المعروف بن الحجاج: انظر إلى زهر النجوم وقد بدت ... في البحر تعجب ذاتها من ذاتها فكأنها سرب الحسان تطلعت ... لترى من المرآة حسن صفاتها قال ابن بسام واذكر في ذلك قول أبي العلا: فمدت إلى مثل السماء رقابها ... وعبت قليلاً بين نسر وفرقد قال وأخذه من قول الأخطل: إذا طلع العيوق والنجم أولجت ... سوالفها بين المسماكين والقلب قال ابن بسام وذكرت بقوله (لترى من المرأة صفاتها) قول البحتري: إذا النجوم تراءت في مطالعها ... ليلاً حسبت سماء ركبت فيها وأخذه الصنوبري فقال: ولما تعالى البدر واشتد ضوءه ... بدجلة في تشرين في الطول والعرض وقد قابل الماء المفضض لونه ... وبعض الليل يقفو سنا بعض توهم ذو العين البصيرة أنه ... يرى باطن الأفلاك من ظاهر الأرض قال وقد أكثر الشعراء في هذا التشبيه فقال بعضهم: قام الغلام يديرها في كفه ... فحسبت بدر التم يحمل كوكباً والبدر يجنح لأفول كأنه ... قد سل فوق الماء سيفاً مذهباً وقال التمار الواسطي: أما ترى الليل قد ولت عساكره ... مهزومة وجيوش الصبح في الطلب والبدر في الأفق الغربي تحسبه ... قد مر جسراً على الشطين من ذهب وقال التنوخي: أحسن بدجلة والدجا منصوب ... والبدر في أفق السماء مغرب فكأنها فيه بساط أزرق ... وكأنه فيها طراز مذهب وقال كشاجم: والبدر فوق الدجلة ... والصبح لما أشرق مكحلة من ذهب ... فوق رداء أزرق وقال ابن الحجاج: أوقدت قلبي فارتمت بشرارة ... نزلت فانطفت في مائه قال ابن بسام والمليح في مثله قول ابن المعتز: غلالة خده صبغت بورد ... ونون الصدغ معجمة بخال ولكشاجم: فلم يزل خده ركناً أطوف به ... والخال في خده يغني عن الحجر وقال بن الحجاج: قد نالني منك في فرط الصدود أذى ... وكل شيء إذا ما زاد ينتقص إن البياض إذا ما جاز غايته ... فلا محالة فيه أنه برص قال ابن بسام وهو يشير إلى قول ابن الرومي: وما يعيب السواد حلكته ... وقد يعاب البياض بالمهق وقال أبو إسحاق إبراهيم بن معلى: وكيف يكون عهدي منك هذا ... وأحمل منةً بك للعهاد قال ابن بسام وهو كقول ابن المعتز: وحاشاه من قولي سقى الغيث قبره ... يداه يروي قبره من ثراهما وأخذه من قول أبي تمام: سقى الغيث غيثاً وارت الأرض شخصه ... وإن لم يكن فيها سحاب ولا قطر وكيف احتمالي للسحاب سفينة ... بأسقائها قبر أو في لحده البحر وقال ابن المعتز: لو نمت أنت إنما مات من لم ... يبق للمجد والمكارم ذكرا لست مستسقياً لغيرك غيثاً ... كيف يظمأ وقد تضمن بحرا قال وقال عبد السلام بن رغبان: سقى الغيث أرضاً ضمتك وساحة ... لقبرك فيها الغيث والليث والبدر وقال الرضي: فبنفسي ثرى ضاجعت في ساحة اليلا ... لقد ضم منك الغيث والليث البدرا لو أن عمري كان طوع مشيئتي ... وأسعدني المقدور قاسمتك العمرا ولو أن حياً كان قبراً لميت ... لصيرت أحشائي لأعظمك قبرا قال وهو ينظر هنا إلى قول المتنبي: حتى أتواجدناً كأن ضريحه ... في قلب كل موحد محفور وقال أبو إسحاق: ولو استطعت جعلت قلبه ... قلبي فيبقى سالماً وأثاب ولنبت عنه إذا بكاك بأدمع ... فلكم له فيما أريد مناب

الوافدون على جزيرة الأندلس والطارئون من الكتاب والشعراء

قال ابن بسام وهذا كقول علي بن بسام البغدادي: قد زرت قبرك يا علي مسلماً ... ولك الزيارة من أقل الواجب فلو استطعت حملات عنك ترابه ... فلطالما عني حملت نوائبي الوافدون على جزيرة الأندلس والطارئون من الكتاب والشعراء قال الأديب أبو العرب: فأين يفر عنك بجرمه ... إذا كان يطوي في يديك المراحلا قال علي بن بسام وهو كقول سلم الخاسر: وأنت كالدهر مبثوثاً حمائله ... والدهر لا ملجأ فيه ولا هرب ولو ملكت عنان الريح أصرفه ... في كل ما جئت منا فإنك الطلب وقال البحتري: سلبوا وأشرقت الدماء عليهم ... بحمرة فكأنهم لم يسلبوا ولو أنهم ركبوا الكواكب لم يكن ... ليجيرهم من حد بأسك مهرب وقال عبد الله بن طاهر: إني وإن حدثت نفسي بأنني ... أفوتك إن الرأي مني لعازب لأنك لي مثل المكان المحيط بي ... من الأرض استنهضتني المطالب وقال سعيد بن حميد: يا جائرين علينا في حكومتهم ... والجور أقبح ما يؤتى ويرتكب لسنا إلى غيركم منكم نفر إذا ... جرتم ولكن إليكم منكم الهرب وقال المتنبي: فإنك كالدنيا إلى حبيبة ... فما عنك لي إلا إليك ذهاب وقال الأول: كأن بلاد الله وهي عريضة=على الخائف المطلوب كفة حابل وقال آخر: تهدي إليه إن كل ثنية ... يتممها ترمي إليه بقائل تم الفن الثاني تراجم الشعراء هذه تراجم الشعراء الذين وردت أسماءهم في مخطوط (لطائف الذخيرة وطرائف الجزيرة) وبجوار كل اسم وضعنا رقم الصفحة المنشور بها شعره. أبو عمر أحمد بن الدراج القسطلي هو أحمد بن محمد بن دراج، أبو عمر الكاتب المعروف بالقسطلي نسب إلى موضع هناك يعرف بقسطلة دراج، كان كاتباً من كتاب الإنشاء في أيام المنصور أبي عامر، وهوة معدود في جملة العلماء والمقدمين من الشعراء، وشعره كثير مجموع يدل على علمه، وأول من مدح من الملوك فالمنصور أبو عامر محمد بن أبي عامر مدبر دولة هشام المؤيد. وقد سجل للمنصور فتوحاته في كتاب. وقد توفي حوالي (420هـ) (الجذوة ص99) . الوزير أبو المغيرة عبد الوهاب بن حزم هو أبو المغيرة عبد الوهاب بن أحمد بن سعيد بن حزم (438) . قال ابن بسام: (كان أبو المغيرة فارس ميدان البيان ودولة عبد الرحمن بن هشام المستظهر، كانت مهبه الذي منه عصف، ومجاله الذي فيه تصرف، ثم عتب عليه في بعض الأمور، فلحق ببلاد الثغر، وامتزج بملوك العصر امتزاج الماء بالخمر) . وقال مروان بن حيان: (ولحق أبو المغيرة ببلاد الثغر، وقد اعتلت طبقته في النظم والنثر، وكتب عن عدة من الأمراء، ونال حظاً عريضاً من دنياهم، إلا أنه اعتبط شاباً بعد أن ألف عدة تواليف، وشجر الأمر بينه وبين الفقيه أبي محمد ابن حزم ابن عمه، وجرت بينهما هنات ظهر عليه فيها ابن المغيرة، وبكته حتى أسكته (الذخيرة 1: 132) وفي الجذوة 259 أنه مات قريباً من العشرين وأربعمائة. الوزير أبو عامر بن عبد الملك بن شهيد الصحيح أنه الوزير أبو عامر أحمد (لا محمد) بن عبد الملك بن أحمد بن عبد الملك بن شهيد الأشجعي حامل لواء الشعر والكتابة في عصره، وكان جواداً عزيز النفس فكها ملماً بالطب من وزراء المستظهر ثم المعتضد بالله آخر خلفاء الأمويين، وهو من سلالة وزراء، وأبوه عبد الملك أول من تلقب بلقب ذي الوزارتين في عهد الناصر، ومن أشهر كتبه: التوابع والزوابع، وحانوت عطار، وكشف الدك وإيضاح الشك، وقد نوه به ابن حزم في رسالته في فضل الأندلس، وتوفي سنة 426هـ وصلى عليه حاكم قرطبة أبو الحزم بن جهور (المطرب ص158 والمغرب ج1 ص78 وجذوة المقتبس ص124 والذخيرة ق1 ج1 (الخريدة 2: 635) ذو الوزارتين أبو الوليد بن زيدون قال ابن بسام: كان أبو الوليد صاحب منثور ومنظوم، وخاتمة شعراء مخروم. له حظ من النثر غريب المباني، شعري الألفاظ والمعاني. وقال ابن مروان: وكان الوليد من أبناء وجوه الفقهاء بقرطبة في أيام الجماعة والفتنة. ويرجح أن ابن زيدون قد سجن بين 432، 435 وهي الفترة التي تولى فيها ابن المكوى. (الذخيرة 1: 336) . أبو عبد الله بن الحناط الكفيف

عبادة بن ماء السماء

في الأصل بن الخياط وهو تصحيف، فالشاعر المترجم له هو أبو عبد الله محمد ابن سليمان الرعيني بن الحناط البصير كان أبوه يبيع الحنطة بقرطبة فنسب إليها، كفله بنو ذكوان وشب تحت رعايتهم، وكان أعشى الحملاق ثم أصابه العمى من كثرة القراءة، وأصبح متقدماً في الآداب والبلاغة والشعر ومدح الملوك والوزراء وبخاصة الأمير محمد بن القاسم بن حمود وكانت بينه وبين الوزير أبي عامر بن شهيد مناقضات نظماً ونثراً. وبرع في المنطق حتى اتهم في دينه ونفي عن قرطبة؛ وكان دارساً للطب، ولكنه كان مستهتراً ماجناً توفي حوالي سنة 430هـ وقد التبس الأمر على العزي فسماه بن الخياط، ولعل هذا تجاوز من القائمين على طبع هذا الكتاب. (الخريدة 2: 223) عبادة بن ماء السماء قال ابن بسام: (هو عبادة بن عبد الله الأنصاري من ذرية سعد ابن عبادة، وقيل له ابن ماء السماء لجدهم الأول. ولحق بقرطبة الدولة العامرية والحمودية ومدح رجالها) . وكان عبادة أحد تلامذة اللغوي المشهور أبي بكر الزبيري، وقد ألف كتاباً في أخبار شعراء الأندلس. واشتهر بشعر الزجل وفي الجذوة إنه كان حياً في صفر سنة 421) . (الذخيرة 1: 468) . أبو الوليد أبو حفص بن برد الأصغر قال ابن بسام: كان أبو حفص ابن برد الأصغر في وقته فلك البلاغة الدائر، ومثلها، ونفث فيها بسحره، وأقام من أودها بناصع نظمه وبارع نثره إذ كان جده أبو حفص الأكبر -واسطة السلك، وقطب رحى الملك، بالحضرة العظمي قرطبة. وقد تقدم من أخباره المأثورة، وسائله المشهورة في أخبار سليمان، وغيره من ملوك بني عامر وبني مروان، أول ما يشهد أن آل جمهور كتابة، ومحور خطابة، وقد فخر أبو حفص هذا بذلك في كتابه الموسوم ب (سر الأدب وسبك الذهب) (الذخيرة 1: 486) وقال الحميدي إنه مات سنة ثمان عشرة وأربعمائة (الجذوة: 107) . أبو مروان عبد الملك بن زيادة الطنبي ص17 قال ابن بسام: كان أبو مروان هذا من أهل الحديث والرواية، ورحل إلى المشرق، وسمع من جماعة من المحدثين بمصر والحجاز، وقتل بقرطبة سنة سبع وخمسين وأربعمائة، وذكر ابن حيان أن جواريه قتلته لتقتيره عليهن (الذخيرة 1: 536) الوزير أبو عبد الله محمد بن مسعود قال ابن بسام: كان ظريفاً في أمره، كثير الهزل في نظمه، ونثره، وأراه فيما انتحاه، تقيل منها سميه وكنيه محمد بن حجاج بالعراق، فضاقت ساحته، وقصرت راحته. وأعياه الصريح فمزق ولم يحسن الصهيل فنهق (الذخيرة 1: 549) 10- أبو جعفر بن اللمائي: اسمه أحمد بن أيوب، عمل كاتباً لدى الناصر لدين الله علي بن حمود، وتولى تدبير ملكه، وأحرز لذلك صيتاً شهيراً وجلالة عظيمة، وعريض له داء النسمة (ضيق النفس) وتمادت عليه علته حتى وفاته عام 465 بمالقة. (الذخيرة 1: 617) 11- أبو محمد بن مالك القرطبي: قال ابن بسام: (وكان فرداً من أفراد الشعراء والكتاب، وبحراً من بحور المعارف والآداب. ولم يقع إلى من شعره ونثره إلا نبذة، وأثبت منها ما يعرب عن عجيب أمره وأقام بالمرية مدة تحت ضنك معيشة مع عدة مدائح، رفعها لأميرها بن صمادح. ويؤخذ مما ذكره ابن خاقان أن منزلة ابن مالك ارتفعت لدى أمير المسلمين يوسف بن تاشفين وأنه بوأه المراتب اللائقة به وجعله مشرفاً على صرف أموال خصصت لإصلاح الأحوال بشرق الأندلس. وقد التقى به الفتح بطرطوشة، كما لقيه باشبيلية. (الذخيرة 1: 738) . 12- أبو أحمد بن عبد العزيز بن خيرة القرطبي - المشهور بالمنفتل: ص18. اسمه (أبو أحمد المنفتل) وذكر المغرب2: 99 أنه من أعلام شعراء البيرة في مدة ملوك الطوائف، وأن العماد ذكره في الخريدة 2: 11 وسماه أحمد بن الشنقاق (الذخيرة 1: 754) 13- أبو المطرف عبد الرحمن بن فتوح: كان يعرف بابن صاحب الأسفيريا، من مشاهير الأدباء، وله شعر كثير إلا أن إحسانه نذر يسير، وله تأليف في الأدب ترجمه بكتاب (الأغراب في رقائق الآداب) ورفعه على المأمون يحيى بن ذي النون، وتصنيف آخر سماه بكتاب (الإشارة على معرفة الرجال والعبارة) وكتاب (بستان الملوك) رفعه إلى بن جهور أيام إمارته بقرطبة. (الذخيرة 1: 771) 14- الأسعد إبراهيم بن أسعد القرطبي: ذكره ابن بسام في الذخيرة الجزء الثاني من القسم الأول ص290- 299.

واسمه الأسعد بن إبراهيم بن السعد بن بليطة من قرطبة وهو شاعر بليغ فارس تردد على ملوك الطوائف. وتوفي في حدود سنة 440هـ. (الخريدة 2: 166) 15- أبو عبد الله بن عبادة بن القزاز: من مشاهير الأدباء الشعراء، وأكثر ما اشتهر اسمه وحفظ نظمه في أوزان الموشحات التي كثر استعمالها عند أهل الأندلس. وقد ذكرت من أخبار عبادة بن ماء السماء من برع في هذه الأوزان من الشعراء. هذا الرجل ابن القزاز، ممن نسج على منوال ذلك الطراز. وكلامه نازل في المديح. فأما ألفاظه في هذه الأوزان من التوشيح فشاهدة له بالتبريز والشفوف. (الذخيرة 1: 801) وقد دار اسم محمد بن عبادة القزاز وجرى الخلط بينه وبين عبادة بن ماء السماء. وقد عاش ابن ماء السماء حتى سنة 422 بينما كان ابن القزاز حياً في عصر المعتصم بن صمادح صاحب المرية، وكان شاعره المقدم (المغرب2: 134) 16- أبو عبد الله محمد بن مالك الطبري من غرناطة: قال ابن بسام: لم أقف على ذكر هذا الرجل إلا على أبيات من شعره وفصلين من نثره، ويستدل على الشجر، بواحدة من الثمر، ومع قلته فإنه يعرف أنه صدر أديب ذو حفظ كثير وأدب غزير لم يذكره سوى العمري في المسالك اعتماداً على الذخيرة (1: 805) 17- الوزير الفقيه أبو جعفر بن محمد بن مكي بن أبي طالب: جده مكي بن أبي طالب هو المقرئ المشهور، أما هو فكان شيخ ابن بشكوال. صحبه خمسة عشر عاماً، وكان عالماً باللغات والآداب ضابطاً، جماعة للكتب في هذا الشأن، وتوفي سنة 535هـ (الذخيرة 1: ص81) 18- أبو محمد الصقلي: في الجذوة: 195 ترجمة لسليمان بن محمد المهري الصقلي، وفي الخريدة (1: 94) ترجمة لسليمان بن محمد الطرابلسي (اقرأ: الطرابنشي أي من طرابنش بصقلية) وذكر أنه دخل افريقية وانتقل إلى الأندلس وتوطنها وأتخذها لمخالطة ملوكها سكناً وليس من المقطوع به أن يكون هو نفسه المترجم به عند ابن بسام، والذي يقول إنه (كان- فيما بلغني- من أهل العلم والأدب والشعر، ووفد هذا القطر سنة أربعين وأربعمائة، وقصد بمديحه من الرؤساء، وتقدم بفضل أدبه عند الكبراء. (الذخيرة 4: 119) . 19- أبو محمد عبد المجيد بن عبدون: الوزير الكاتب أبو محمد عبد المجيد بن عبدون أحد الزعماء في صناعة الشعر والنثر ستأتي ترجمته فيما بعد رقم 75. 20- الوزير أبو الحسين سراج بن عبد الله: أبو الحسين سراج بن أبي مروان عبد الملك بن سراج، وقد سبقت ترجمة أبيه ورث عن أبيه العلوم الدينية واللغوية والمنزلة الأدبية ونبه بقول ابن بشكوال: (كانت له عناية كاملة بكتب الآداب واللغات والتقيد لها والضبط لمشكلها مع الحفظ والإتقان لما جمعه منها. أخذ الناس عنه كثيراً وكان حسن الخلق كامل المروءة من بيت علم ونباهة وفضل وجلالة، ومولده سنة 439هـ ووفاته سنة 508هـ. (الخريدة 2: 519) 21- أبو محمد بن غانم: هو غانم بن ولبيد بن محمد بن عبد الرحمن المخزومي من أهل مالقة (470) قال ابن بسام: (وكان أبو محمد غانم بن وليد، ونسبه في بني مخزوم، قد بذ وقته أهل ذلك الإقليم، في أنواع التعليم متفنناً جرى في ميدان السبق، وفقيهاً قرطس أغراض الحق. (الذخيرة 1: 854) . 22- أبو عبد الله بن السراج المالقي: هو عبد الله بن محمد بن السارج المالقي، وقال الحميدي: (لم يقع لي اسم أبيه) ، وقال إن ابن شهيد ذكره (على الأرجح في حانوت عطار) ولم ترد ترجمته في القطعة المتبقية من كتاب أدباء مالقة-وهو يبدأ بالمحمدين. إذ يبدو أنها سقطت فيما سقط من أوراق الكتب. (الذخيرة 1: 870) . 32- خلف بن فرج السميسر: هو أبو القاسم خلف بن فرج الألبيري المعروف بالسميسر، ذكره أبو الصلت في الحديقة كان كثير الهجاء. وله كتاب لقبه شفاء الأعراض في أخذ الأعراض. في الأصل (أبو القسم) وفي المطرب، السميسر، والتصحيح عن الذخيرة والمغرب. في الأصل أبو القسم وهو تحريف، وقد أورد له صاحب الذخيرة مختارات عديدة ج2 من القسم الأول ص377 -391 كما أورد له نفح الطيب عدة مقطوعات، وكذلك المغرب والمطرب. (الخريدة 2: 15) 24- أبو العباس أحمد بن قاسم:

تولى قضاء قرطبة أخوان يحملان اسم ابن حمدين أولهما أبو القاسم أحمد بن محمد بن حمدين. وتوفي سنة 521هـ (له ترجمة في قضاة الأندلس ص103 والصلة ص81) : والثاني أخوه حمدين ابن حمدين (له ترجمة في قضاة الأندلس ص103) ونرجح أنه هو المقصود لأن الأول كنيته أبو القاسم، ولأن وفاته كانت بعد ولادة المصنف بعامين والمصنف يذكر أنه معاصر للقاضي وقت تصنيف كتابه، ولهذا نرجح إنه الثاني، ويؤيد ترجيحنا أن الزبير أورده في كتابه صلة الصلة باسم أحمد؛ ولي القضاء سنة 529 ونادى بنفسه أميراً لقرطبة سنة 539 عند اختلال أحوال المرابطين وتسمى بأمير المسلمين المنصور واستمر حاكماً أربعة عشر شهراً ثم اختلت أحواله وكثرت عليه الفتن فهجر قرطبة وطاف البلاد واستقر أخيراً بمالقة تحت رعاية حكامها من بني الحسن حتى توفي سنة547. (الخريدة 2: 221) . 25- أبو طالب عبد الجبار الذي يعرف بالمتنبي: من أهل جزيرة شقير. كان يعرف بالمتنبي، أبرع أهل وقته أدبا، وأعجبهم مذهباً وأكثرهم تفنناً في العلوم. وأوسعهم ذرعاً بالإجادة في المنثور والمنظوم. واقتصر على طريقة، فلم يطرأ على الدول. ولا تجاوز في شعره ملح الأوصاف والغزل. وله أرجوزة في التاريخ أغرب فيها. وأعرب بها عن لطف محله في الفهم. لم تذكر المصادر نسبه. وقد اعتمد العماد الكاتب في الخريدة (2: 210) على تاريخ الأندلسيين بمصر، فتعرف إلى منيته أبو طالب ثم وجد في مجموع ابن الصيرفي المصري أن كنيته أبو الوليد، واستدل على أنه تجاوز العام 537 لأنه ذكر في أرجوزته علي بن يوسف بن ناشفين، وهو استنتاج خاطئ، إذ أن ذكره لعلي بن يوسف لا يعني أنه عاش حتى نهاية خلافته. (الذخيرة 1: 916) . 26- أبو القاسم محمد عباد: إسماعيل كافي الكفاة. كان وزيراً وكاتباً لمؤيد الدولة بن بويه ثم لأخيه فخر الدولة وله في ملكهما اليد المطلقة والمر النافذ، مات سنة 385هـ كان من أبدع الكتاب وابلغ الأدباء. وكان مجلسه حافلاً بالأدباء والعلماء يطارحهم الآداب ويساجلهم الشعر ويغمرهم بأياديه البيضاء، وله مجموعة رسائل طبعت أخيراً. (الخريدة 2: 394) 27- المعتضد بالله بن أبي الوزارتين: ص25 قال ابن بسام: (ثم أفضى الأمر إلى عباد ابنه سنة ثلاث وثلاثين، وتسمى أولاً بفخر الدولة ثم بالمعتضد، قطب رحى الفتنة ومنتهى غاية المحنة. من رجل لم يثبت له قائم ولا حصيد، ولا سلم عليه قريب ولا بعيد. وقال ابن حيان: (كانت ولايته بعد موت أبيه القاضي يوم الاثنين غرة جمادى الآخرة سنة ثلاث وثلاثين، وقضى نحبه يوم السبت الثاني من جمادى الآخرة سنة إحدى وستين (الذخيرة 2: ص23) 28- المعتمد على الله محمد بن عباد: قال ابن بسام: (ثم استوسق الأمر بعد المعتضد لابنه المعتمد وكان مع اشتغاله بالحرب، وسعة مجاله بين الطعن والضرب. مستمسكاً من الأدب بسبب، وضارباً في العلم بسهم، وله شعر كما انشق الكمام عن الزهر. لو صدر مثله عمن جعل الشعر صناعة. واتخذه بضاعة, لكان رائعاً معجباً, ونادراً مستغرباً. فما ظنك برجل لا يجد إلا راثياً، ولا يجيد إلا عابثاً (الذخيرة 2: 41) 29- الفقيه القاضي أبو الوليد الباجي: أبو الوليد سليمان بن خلف بن مسعود (أو سعدون) بن أيوب التجيبي، أحد أقطاب المذهب المالكي، وصاحب المؤلفات الفقهية القيمة، منها المنتقى وأحكام الفصول في أحكام الأصول وغيرهما، توفي بالمرية 474 بباجة بالأندلس (Beja) تقع في البرتغال على بعد 140كم إلى الجنوب الشرقي من لشبونة. قال بن بسام: (وقد برز في ميدان الأدب، وجعل الشعر بضاعته فوصل له الأسباب بالأسباب. حتى جن الإحسان بذكره، وغني الزمان بغرائب شعره. وقد توفي أبو الوليد الباجي سنة أربع وسبعين (الذخيرة 2:) . 30- الوزير أبو عامر بن مسلمة: أحد جهابذة الكلام، وجماهير النثار والنظام، من قوم طالما ملكوا أزمة الأيام، وخصموا بألسنة السيوف والأقلام، ولما ثلت تلك العروش الأموية، واحتلت تلك الدولة القرطبية، تحيز إلى المعتضد، أملاك قديمة كانت له في البلد، فعاش بفضل وفره، وتصون عن الدخول في شيء من أمره جمع للمعتضد كتاباً سماه (حديقة الارتياح في صفة حقيقة الراحة) دل على كثرة روايته. (الذخيرة 2: ص105) . 31- أبو الوليد محمد بن عبد العزيز المعلم:

قال ابن بسام: (أحد وزراء المعتضد الكتاب الأعيان، وممن شهر بالإحسان، في صناعة النظم والتثر. لم أقع له عن نقلي هذه النسخة إلا على التافه والنزر، ذكره صاحب الجذوة مرتين: 65، 283 فقال في الموضع الأول أنه أديب شاعر يروي عنه ابنه عبد العزيز، وأن ابن حزم ذكره، وأورد له في الموضع الثاني أبياتاً من قصيدة طويلة قالها في القاضي أبي الفرج ابن العطار (الذخيرة 2: 112) 32- أبو الوليد إسماعيل بن محمد الملقب بحبيب: أبو الوليد إسماعيل بن عامر بن حبب، الملقب بحبيب، قال ابن الأبار: (إن أباه كان يلقب بذاك. توفي فير حدود 440 وهو ابن اثنين وعشرين سنة) (وقال ابن سعيد: (ابن تسع وعشرين سنة"، وذهب ابن سعيد إلى أن المعتضد هو الذي قتله. وكان له أخ اسمه محمد بن محمد بن عامر وهو شيخ أبي بكر ابن العربي، وكانت لأبيه قدم في الرياسة عند المعتضد. كما أشار ابن بسام وله كتاب سماه (البديع في فصل الربيع) جمع فيه أشعار أهل الأندلس خاصة، أعرب فيه عن أدب غزير وحظ من الحفظ موفور. (الذخيرة 2: ص124) 33- أبو جعفر أحمد بن الآبار: أحد شعراء المعتضد المحسنين والمتفننين انتحل الشعر فافتن وتصرف، وعني بالعلم فجمع وصنف. وله في صناعة النظم فضل لا يرد، وإحسان لا يعد (الذخيرة 2: 135) 34- أبو الحسن علي بن حصن الأشبيلي: قال ابن بسام: (من مشاهير شعراء المعتضد أيضاً. إذا ذكر شعراً ظن أنه صانعه، أو ديواناً توهم أنه مؤلفه وجامعه. وإني لأعجب من قوم من أهل أفقنا لم يعرفوه ولم ينصفوه, فأضربوا عن ذكره وزهدوا في أعلاق شعره. ولعلهم حاسبوه بخزعبلات كان يبعث بها بين مجونه وسكره. ونقل ابن سعيد عن الحجاري قوله: (ابن حصن نشأ مع المعتضد فاستوزره إلا أنه كان فيه طيش أداه إلى حتفه. (الذخيرة 2: 159) 35- الوزير أبو عمر الباجي: أبو عمر يوسف بن جعفر بن يوسف الباجي؛ وباجة Baje إحدى مدن الجانب الغربي من الأندلس وكانت من اشبيلية وينتسب إليها كثيرون. ويلتبس الأمر على بعض الباحثين فتختلط لديه الأسماء والمسميات؛ ونحب أن نوضح هنا بعض اللبس فهناك (أبو عمر الباجي) أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن شريفة اللخمي، المتوفى سنة 396؛ وأبو مروان الباجي (عبد الملك بن عبد العزيز ابن شريفة اللخمي من سلالة الأول) توفي سنة 532هـ، وأبو الوليد الباجي (سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب الباجي) المتوفى سنة 474- وهناك يوسف الباجي جد الشاعر وقد أنجب الكاتب جعفر بن يوسف الباجي، كاتب يحيى بن إسماعيل بن ذي النون، والد الشاعر، وأنجب هذا الوالد ولدين هما عبد الله، وأبو عمر يوسف وهو الشاعر الذي نتحدث عنه، ويذكر ابن بسام أن رسائله تختلط مع رسائل أبيه ويصعب التحقق من صحة النسبة إلى الأب أو إلى الابن- رحل الشاعر إلى المشرق وحج وولي قضاء حلب وعاد إلى الأندلس فجل قدره عند المقتدر بن هود ملك سرقسطة، ثم رحل عنه وظل يراسله والمودة بينهما قائمة. (الخريدة 2: 337) . 36- أبو العلا زهر بن عبد الله بن زهر: قال بن بسام: (أحد الأفراد الأمجاد من إياد، وقد قدمت في أخبار القاضي ابن عباد من إظلام أفقه على الأشكال، واجتماع فرقة من الأغفال. مما أغنى عن إعادة المقال. وكان الفقيه جده محمد بن مروان بن زهر، منشئ تلك الدولة العبادية أول من تثنى عليه الخناجر، وتشير إليه القلوب والنواظر. فضاقت دولته عن مكانه. وأهمه أمره حتى أخرجه عن بلده، فلحق بشرق الأندلس، وأقام بها بقية عمره. ونشأ ابنه الوزير أبو مروان بن عبد الملك بن محمد ومال إلى التفنن في أنواع التعاليم من الطب وغيره من العلوم. (توفي الفقيه محمد بن مروان بن زهر سنة 422) . ونشأ أبو العلا بن عبد الملك بشرق الأندلس والأفاق تتهادى بعجائبه، والأشم والعراق تتدارس بدائه وغرائبه، ومال إلى علم الأبدان، فلولا جلالة قدره، لقلنا جاذب هاروت طرفاً من سحره. ولم يزل مقيماً بشرق الأندلس إلى أن كان من غزوة أمير المسلمين وناصر الدين، أبي يعقوب يوسف بن تاشفين ومعه من انضم إليه من ملوك الطوائف. فشخص الوزير أبو العلا معهم. فلقيه المعتمد واستماله واستهواه فحن إلى وطنه، ونزع إلى مقر سلفه، إلا أنه لم يستقر بأشبيلية إلا بعد خلع المعتمد. ودعاه أمير المسلمين رحمه الله، فلباه. (الذخيرة 2: 218) .

وتلخيص أمره من القلائد والمسهب: أنه من هذه القرية تأدب بشلب، وصحب المعتمد بن

37- أبو عمر بن محمد بن حجاج: لم أعثر له على ترجمة لكن ابن بسام يذكر اسماً آخر هو أبو بكر عبد الله بن حجاج الغافقي، من شعراء المعتضد، هجر اشبيلية إلى الجزيرة الخضراء ومدح صاحبها محمد بن حمود، وقد لقيه الحميدي في حدود 430 (الذخيرة 2: 468) . 38- أبو بكر محمد بن سليمان المعروف بابن القصيرة: أبو بكر محمد بن سليمان الكلاعي الكاتب الشاعر المعروف بابن القصيرة من أهل اشبيلية نوه به ابن زيدون فلمع في دولة بني عباد ثم لمع في دولة المرابطين توفي سنة 508 في مراكش (الخريدة 2: 584) . 39- الوزير أبو القاسم بن الجد: هو أبو القاسم محمد بن عبد الله بن الجد الفهري المعروف بالأحدب، تولى خطة الشورى في لبله وتقلد وزارة الراضي بن المعتمد بن عباد في رنده ثم كتب لأبي الحسن علي بن يوسف بن تاشفين وكان متفنناً في المعارف والعلوم مقدماً في الأدب والبلاغة وله حظ جيد من الفقه والحديث، وكان فاضلاً حسن العشرة توفي سنة 515- (الخريدة 2: 357) . 40- محمد بن عبد الغفور: من بيت علم وأدب، كان أبوه (أبو القاسم محمد بن عبد الغفور) من المقربين إلى المعتمد بن عباد وقد رثاه المعتمد عند موته بقصيدة منها: أبا قاسم قد كنت دنيا صحبتها قليلاً ... كذا الدنيا قليل متاعها وابنه أبو القاسم محمد من الكاتب المرموقين - وأبو محمد هذا هو كاتب علي بن يوسف بن تاشفين. (الخريدة 2: 424) . 41- الفقيه أبو يوسف سليمان بن سلامة: أبو أيوب سليمان بن أبي أبية من المتبحرين في الثقافة الدينية والعلوم الأدبية عرض عليه القضاء فأبى تصوناً، أشار إليه الفتح في المطمح ص28 وابن فضل الله في مسالك الأبصار (المصور ج11 ص424) وصاحب المغرب ج1 ص243، وتوفي سنة 522. (الخريدة 2: 491) . 42- الوزير أبو الحسين القرشي: ذكر إحسان عباس سقوط ترجمة أبي حسين القرشي العامري وقال لا وجود لها في فهرس الذخيرة (2: 368) وأشار إلى ترجمته في الخريدة حيث وجدت الاسم التالي: أبو الحسن محمد بن عبد الله ابن محمد المخزومي القرشي السلامي من أشعر أهل العراق في عصره حظي عند الصاحب بن عباد وعند عضد الدولة وبقي في كنفه حتى مات سنة 393هـ (الخريدة 2: 74) 43- أبو بكر بن عمار: قال ابن بسام: كان شاعراً لا يجارى، وساحراً لا يبارى، إذا مدح استترل العصم، وإن هجا اسمع الصم، وإن تغزل، ولاسيما في المعذرين من الغلمان، اسمع سحراً لا يعرفه البيان. وتلخيص أمره من القلائد والمسهب: أنه من هذه القرية تأدب بشلب، وصحب المعتمد بن عباد من الصبا، ونهاه المعتضد أبوه عن صحبته، ثم خوفه ففر ابن عمار إلى سرقسطة ثم لما استقل المعتمد بعد أبيه جاءه ابن عمار مذكراً عودته، فتلقاه بأعظم قبول وصار كجعفر عند الرشيد، إلى أن داخل ابن عمار العجب، وسمت به نفسه إلى مجاذبة رداء الملك، فوثب على مرسية لما أخذها لابن عباد، وانفرد فيها بنفسه، وهجا ابن عباد وزوجه الرميكية. وأفحش في القول، ولم يفكر في العواقب. ثم خرج من مرسية لإصلاح بعض الحصون فثار عليه ابن رشيق وأغلق أبواب مرسية في وجهه. فعدل إلى المؤتمن بن هود، ورغبه في أن يوجه جيشاً ليأخذ له شقورة من يد عتاد الدولة. فخدعه عتاد الدولة حتى حصل في سجنه. ثم باعه لابن عباد، فجاء بن ابنه الراضي إلى اشبيلية على أسوأ حال، وسجنه ابن عباد في بيت في قصره. وفي النهاية قتله بيديه، سنة 477. (المغرب1: 389) 44- أبو الوليد حسان بن المصيصي: أورد له ابن بسام طائفة من الشعر (الذخيرة 2: 433) و (المغرب ج1: 385) . وذكر أنه خدم ابن عمار فقربه إلى المعتمد بن عابد واستكتبه ابنه المأمون بن المعتمد لما ولاه أبوه مملكة وطنه، وذكر له ابن سعيد مقطوعة في مدح المعتمد. (الخريدة 2: 59) 45- الوزير الفقيه أبو بكر بن الملح: أبو بكر محمد ابن الملح من شعراء المعتمد بن عباد، وأصله من شلب وكان ذا منزلة ومال، روى عنه المراكش في المعجب ما يدل على فضله وسخائه وعطفه على الشعراء. (الخريدة 2: 488) 46- الأديب أبو محمد بن وهبون:

قال ابن بسام: وإنما ذكرته في هذا القسم الغربي من أهل اشبيلية لأنها بيت شرفه المشهور، ومسقط عيشه المشكور, طرأ عليه منتحلاً للطلب، وقد شدا طرفاً من الأدب ... كان أبو الحجاج الأعلم يومئذ زعيم البلد، وأستاذ ولد المعتمد، فعول عليه في رحلته. وانقطع عليه بتفصيله وجملته. فقدمه للمعتمد. ولما ابتدأت الفتنة بالمعتمد، بادر بالخروج عن البلد، فلم يغني عنه نفار وأدركه مقداره، على قرب من مرسية، لقي قطعة من خيل النصارى فتورط فيهم، وقضى الله عليه بالشهادة على أيديهم. (الذخيرة 2: 473) 47- الوزير أبو القاسم بن مزرقان: ذكر صاحب الذخيرة (أنه أكثر القوم قولاً وإصابة، فإنه يوفق في إصابة الأغراض وكلامه سهل قريب. وأنه قتل يوم دخول الملثمين اشبيلية على المعتمد) (المغرب12: 266) 48_ الوزير أبو مروان بن عبد العزيز: هو محمد بن عبد الملك بن عبد العزيز بن محمد بن الحسين بن كميل اللخمي الاشبيلي المعروف بابن المرخي أخذ عن أبي الوليد العتيبي وأبي عبيد البكري وأبي الحسين ابن سراج وأبي علي الغساني وسكن قرطبة، واختص بأميرها المرابطي محمد بن الحاج داود اللمتوني. فلما توفي يوسف ابن تاشفين سنة 500 رفض ابن الحاج أن يبايع علي بن يوسف وانحاز له الملأ من أهل قرطبة، ثم إن ابن الحاج نكب وفسد وتدبيره. فهرب أبو بكر ابن المرخي إلى شرق الأندلس، حتى إذا رضي أمير المسلمين علي ابن الحاج عاد ابن المرخي إلى صحبته عندما ولي فاس وغيرها من أعمال المغرب ثم سرقسطة وبلنسية عندما وليهما. وظل في صحبته حتى قتل سنة 508 بمعركة البورت (ومعناها البومب) . وبأخرة من عمره، جلس يقرئ الناس الكتب الأدبية، وكان مقرباً إلى اللمتونيين. ينتفع به الناس لحسن وساطته لديهم. وكان محدثاً متقناً ضابطاً حسن الحظ، واستكتبه علي بن يوسف مع أبي عبد الله بن أبي الخصال، وروى عنه ابنه الوزير أبو الحكم وغيره. وتوفي سنة 530 وقال العماد سنة 540. ودفن بمقبرة أم سلمة وشهد جنازته والي قرطبة الزبير بن عمر اللمتوني. (الذخيرة 2: 533) 49- أبو الحسن البكري: اسمه أبو الحسن حكم بن محمد غلام أبي عبيد البكري. وصفه ابن بسام بأنه (بحر من بحور الكلام، قذف بدر النظام، فقلده أعناق الأيام. من شعراء الدولة العبادية. ولما انجابت غيومها، وامحت نجومها بخلع صاحبها، خلع أبو الحسن صنعة الشعر. (الذخيرة 2: 563) 50- الوزير أبو الحسين بن الجد: ص38 هو أبو الحسن بن الجد: ترجم له ابن بسام في الذخيرة 2: 556 ودعاه أبا الحسين يوسف ابن محمد وقال فيه: لولا ما خلا به من معاقرة العقار، وتمسك بأسبابه من قضاء الأوطار، لملأ ذكره البلاد، وطبق نظمه ونثره الهضاب والوهاد. وقد استكتبه ذو الوزارتين ابن عمار أيام حربه بمرسية، وله معه أخبار مذكورة، وعنه رسائل مشهورة (الذخيرة 2: 556) وذكر تبن سعيد (المغرب1: 340) أن بيت بني الجد بيت جليل، وهو فهريون سكنوا ليلة وساروا إلى اشبيلية. ثم ترجم لأربعة منهم، ولكن ليس من السهل تبين صلة القربى بينهم. وقد مرت ترجمة أبي القاسم رقم 39. 51- أبو الحسن صالح بن صالح الشنتمري: من شعراء المائة الخامسة المشهورين المذكورين في كتاب الذخيرة. ترجم له ابن بسام في القسم الثاني وقال: شاعر ناثر، وله من المعرفة بلسان العرب حظ وافر. ثم ذكر عنه أنه يتأنى في كتابته ويتمهل. الكتابة عنده أشق الأشياء لا لنبو طبع وقلة أدب، بل لضعف عصب. (المغرب1: 397) . 52- أبو الحكم عمرو بن مذحج: قال ابن بسام: وكان نادرة الوقت لمن اتخذ الإحسان قبلة، وحجة على من جعل النقصان جبلة. وفيه يقول الوزير أبو الحسن بن سعيد البطليوسي وقد غلب على لبه، وأخذ بمجامع قلبه، عجباً منه أو عجباً به: رأى صاحبي عمرا فكلف وصفه ... وحملني من ذاك ما ليس في الطوق فقلت له عمرو وكعمر فقال لي ... صدقت ولكن ذاك شب عن الطوق وعلى ذلك كله فلم ينسى مكارم الأخلاق، ولا خلا ذكره من قلوب العشاق، وله في الأدب سبق سلف، ومنه بيت شرف (الذخيرة 2: 588) . 53- أبو الوليد محمد بن يحيى بن حزم: قال ابن بسام:

أحد أعيان أهل الأدب، وأجلى الناس شعراً لاسيما إذا عاتب أو عتب، جعل هذا الغرض هجيراه، فقلما يتجاوزه إلى سواه، وكلما بدأ فيه وأعاد، أحسن ما شاء وأجاد. (الذخيرة 2: 598) 54- أبو بكر يحيى بن بقي: اسمه في الذخيرة أبو بكر بن يحيى بن بقي والصحيح أبو بكر يحيى بن عبد الرحمن بن بقي الأندلسي القرطبي الكاتب الشاعر المشهور، أدركته حرفة الأدب فخرج من طلطلة فاراً منها عند محنتها إلى اشبيلية، وظل ينتقل من بلد إلى بلد، حتى ألقت به عصا التسيار في مدينة سلا بالمغرب فاتصل بقاضيها الأمير أبي القاسم بن عشرة فأكرم وفادته، توفي سنة 540 وقيل سنة 545هـ (الخريدة 2: 130) 55- أبو الحسن بن هارون الشنتمري: كان بنو هارون قد ملكوا شنتميرية، وتوارثوها، وأخذها منهم المعتضد بن عباد، وأبو الحسن ممن ذكره صاحب الذخيرة في القسم الثاني وقال: سهل الكلام بارع النظام، ممن اغترف من بحر الكلام بكلتا يديه، وجذب ثوب البيان من كلا طرفيه. (المغرب1: 395) . 56- المتوكل على الله بن المظفر: المتوكل على الله أبو محمد عمر بن محمد المظفر بن عبد الله بن محمد بن مسلمة بن الأفطس كان ملكاً عالي الهمة رفيع القدر مشهور الفضل وكانت عاصمة ملكه بطليوس وفي عهده دار أدب وشعر ونحو وعلم واستولى على طليطلة فترة من الزمان، ولكن المرابطين ضايقوه وشددوا الهجوم عليه حتى قبضوا عليه وقتلوه هو وبنيه في أخريات سنة 488 (الخريدة 2: 302) 57- أبو محمد بن عبد المجيد بن عبدون البايري: ترجم له ابن بسام في القسم الثاني من الذخيرة وقال: إنه عول على المتوكل بن الأفطس فعليه نثر دره الثمين وباسمه حبر وشيه المصون ورحل إلى المعتمد بن عباد فلم يجد لديه قبولاً. ولما انتهى عصر ملوك الطوائف ترك الشعر إلى نفثة مصدور والتفاتة مذعور. وترجم له ابن بشكوال في الصلة 382 وقال توفي سنة 529، وقال ابن زاكور في شرحه على القلائد توفي 527. (النمغرب1: 374) 58- أبو جعفر بن عبد الله بن هريرة القيسي الأعمى التطيلي: قال عنه صاحب الذخيرة 2: 728 له أدب بارع، ونظر في الغوامض واسع، وفهم لا يجارى، وذهن لا يبارى، ونظم كالسحر الحلال، ونثر كالماء الزلال، جاء في ذلك بالنادر المعجز. كان في الأندلس مسرى للإحسان. ومرداً في الزمان، إلا إنه لم يطل زمانه، ولأمتد أوانه (توفي سنة525) ومن القلائد: له ذهن يكشف الغامض الذي يخفي، ويعرف رسم المشكل وإن عفا، أبصر الخفيات بفهمه، وقصر فكها على خاطره ووهمه. (المغرب2: 451) 59- أبو بكر عبد العزيز بن سعيد البطليوسي: هو أحد ثلاثة أخوة يعرفون ببني القبطرنة. وهؤلاء الثلاثة هم أبو بكر عبد العزيز وأبو محمد طلحة وأبو الحسن محمد. أما أبو بكر عبد العزيز بن سعيد فقد كان من جلة الأدباء ورؤسائهم، كاتباً مترسلاً، كتب للمتوكل ابن الأفطس ثم لابن تاشفين من بعده وتوفي بعد520 وذكر مؤلف أحكام صنعة الكلام (127) أن أبا بكر كان من رؤساء العصر في صنعة النظم والنثر، وإنه كانت بينهما مراسلة سنة 507 أورد ذكرها في كتابه (ثمرة الأدب) (الذخيرة 2: 753) 60- أبو بكر بن قزمان: يطلق هذا الاسم على اثنين من أدباء الأندلس أحدهما أبو بكر بن قزمان الأكبر والآخر أبو بكر بن قزمان الأصغر. الأصغر هو الذي اشتهر بزعامة فن الزجل وإن كانت له مقطوعات شعرية بالعربية الفصحى - والأكبر هو المقصود هنا وهو محمد بن عبد الملك بن قزمان، كان أديباً لبقاً رواية للغة والأدب اتخذه المتوكل صاحب بطليوس كاتباً ومشيراً، أساء إليه القاضي ابن حمدين لحدة كانت فيه وتوفي سنة 508 أما ابن أخيه الزجال فهو محمد بن عيسى بن عبد الملك بن قزمان توفي سنة 555هـ. (الخريدة 2: 487) 61- أبو زيد عبد الرحمن بن مقانا الأشبوني القبذاني: شاعر مشهور مذكور في الذخيرة، سافر إلى حضرة مالقة ومدح بها الخليفة إدريس بن يحيى بن علي بن حمود الفاطمي (الملقب بالعالي. وهو من ملوك الطوائف. وتوفي سنة 446 وقيل سنة 447) بقصيدة مشهورة.

وترجم له الحميدي في الجذوة 260 وابن بسام في القسم الثاني من الذخيرة 588 وقال عنه: من شعراء غربنا المشاهير وله شعر يعرب عن أدب غزير، وأنشد له بعض شعره في منذر بن يحيى صاحب سرقسطة ومجاهد العامري. وترجم له الضبي في البغية وقال: أديب شاعر كان حياً في أيام المعتمد (المغرب1: 413) 62- أبو عبد الله محمد بن البين: ترجم له ابن بسام فقال: أحد الشعراء المجيدين -كان- بحضرة بطليوس، مستظرف الألفاظ والمعاني، وكان يميل إلى طريقة محمد بن هاني، على أن أكثر أهل وقتنا وجمهور شعراء عصرنا، إليها يذهبون. وعلى قاليه وجدتهم يضربون، ومن أحسن شعر أبي عبد الله قصائده التي على حروف المعجم، في أبي ألصبغ بن المنخر أيام استوزره المنصور يحيى بن المظفر، ووصله عليها بمائة مثقال. (الذخيرة 2: 799) 63- أبو محمد بن هود: الأمير أبو محمد بن هود واسمه عبد الله (وقال ابن الأبار: لم أقف على اسمه، الحلة: 165. نفاه ابن عمه المقتدر عن الثغر (سرقسطة) فقصد طليطلة حضرة ابن ذي النون ثم مل الإقامة هناك، فجعل يضرب ما بين ملوك الطوائف إلى أن استقر عند المتوكل ابن الأفطس المغرب2: 439 ثم ولاه المتوكل الأشيونة المغرب1: 411 ثم يصرف عنها محمود السيرة (الذخيرة 2: 803) 64- أبو عمر فتح ابن برلوصة البطليوسي: قال ابن بسام: من نبهاء العصر المقلين في الشعر، إلا أن أبياته نوادر سوائر. (الذخيرة ق2: 805) 65- أبو عمر يوسف بن كوثر الشنتريني: لم أعثر على ترجمته له. 66- أبو الوليد المعروف بالنحلي: ترجم له ابن بسام وقال: كان باقعة دهره، ونادرة عصره، وكان يضحك من حضر، ولا يكاد يبتسم هو إذا ندر. وكان من شعراء ابن صمادح والمعتمد (الذخيرة 2: 809) 67- أبو بكر محمد بن سوار الأشبوني: شاعر مشهور مذكور في كتاب الذخيرة أسره النصارى وجرت عليه محن، وفداه منهم ابن عشرة كريم سلا، فله فيه أمداح كثيرة. (المغرب1: 411) 68- أبو محمد عبد الله بن صارة الشنتريني: (الخريدة ص56) عبد الله بن محمد بن صارة (أو سارة) البكري الشنتريني الأصل، نزل اشبيلية وسكنها وتعيش فيها بالوراقة، وتجول في بلاد الأندلس شرقاً وغرباً للتعليم بالعربية. وامتدح الولاة والرؤساء. وكان حسن الحظ جيد النقل قائماً على جمهرة من اللغة والنحو، وكانت وفاته 517هـ (الذخيرة 2: 834) 69- القائد أبو عيسى بن لبون: من أمراء الطوائف الصغار، وزر للمأمون بن ذي النون وكان من قواده ثم أعلن استقلاله في مربيطر Murviedra (Sagunto) شمال بلنسية وورث حكم لورقة Lorcca بعد وفاة أخيه أبي محمد عبد الله بن لبون، وضم إليها قلعة عبد السلام من أعمال طليطلة قرب وادي الحجارة Guada lajora ثم احتال عليه جاره ابن رزين صاحب السهلة فانتزع منه ملكه سنة 486 ولم يعوض عنه بشيء (الخريدة 2: 331) 70- أبو مروان عبد الملك بن رزين: أبو مروان عبد الملك بن رزين بن هذيل حسام الدولة بن خلف بن لب بن رزين صاحب السهلة، ورث الحكم عن أبيه 436، كان شديد الإعجاب بنفسه مغروراً زارياً على أهل عصره، وتوفي سنة 469هـ. (الخريدة 2: 308) . 71- الماهر أبو عامر أبو المطرف عبد الرحمن بن فاخر المعروف بابن الدباغ: ابن الدباغ لقب بطلق على عدة علماء وأدباء يختلط فيهم الأمر على بعض الباحثين، فنمهم: أبو علي الحسن بن نصر بن الدباغ الزجال الأندلسي صاحب كتاب ملح الزجالين، أشار إليه ابن سعيد وترجم له في المغرب، ومنهم أبو محمد عبد الله بنم محمد بن عباس ابن الدباغ وكان عالماً مشاوراً للأحكام في قرطبة وتوفي سنة 463، ومنهم أبو الوليد يوسف بن عبد العزيز بن الدباغ من العلماء المحدثين بمرسية توفي سنة 546هـ أما المترجم له فهو: أبو المطرف عبد الرحمن بن فاخر المعروف بابن الدباغ. نشأ في ظل المقتدر بن هود وحدثت بينهما جفوة فهاجر من لدنه ولجأ إلى المعتمد بن عباد ثم إلى المتوكل بن الأفطس ولكن سوء خلقه وكثرة فجره لم تمكن له عند أحد من الأمراء، فرجع إلى سرقسطة وذبح في أحد بساتينها (الخريدة 2: 349) . 72- أبو الربيع سليمان بن مهران السرقسطي:

قال الحميدي: أديب شاعر مشهور له جلاله وقدره، ومن شعره ما أنشد فيه أبو محمد بن علي بن أحمد قال: أنشدني بن الحسن المذحجي قال: أنشدني الأديب سليمان بن مهران في مجلس الوزير أبي الأصبغ عيسى بن سعيد وزير المظفر عبد الملك بن المنصور بن أبي عامر أبياتاً منها: خليلي ما للريح تأتي كأنها ... يخالطها عند الهبوب خلوق (الجذوة ص198) . 73- أبو عبد الله بن خلصة الضرير: أبو عبد الله بن خلصة الشذوني الداني. أحد العلماء بالكلام، وله حظ من النثر والنظام. ولكنه بالأئمة العلماء، أشبه منه بالكتاب والشعراء، وقد مرت بي له أشعار يشير بها إلى البديع، ويذهب فيها إلى التصنيع. وقال ابن الآبار في التكملة: وقرأت أن في ديوان شعره قصيدة له على روي الراء يهنئ فيها المقتدر أحمد بن سليمان بدخول ذانية وتملكها سنة 468 (الذخيرة 3: 332) . 74- أبو مروان بن غصن الحجاري: اسمه عبد الملك ابن غصن الخشني من أهل وادي الحجارة، لقي أبا الوليد يونس بن عبد الله القاضي وحدث عنه بمقاتله حنش الصنعاني في قرطبة، وكان فقيهاً أديباً شاعراً منظوم ومنثور، وكانت وفاته بغرناطة سنة 454 (الذخيرة 3: 331) . 75- أبو علي الإدريسي بن اليماني: قال بن بسام: (ويابسة من الجزائر الشرقية على سمت مدينة دانية من الأندلس. وأخبرت أن أصله من قسطلة الغرب، من عمل شنت مربة ابن هارون، وبدانية قرأ، ونشأ، وصار شعره سمر النادي وتعلة الحادي. وطفق يتردد على ملوك الطوائف بالأندلس. وكان كلما قال قصيدة لم يضرب عليها حجاباً، ولا ضمنها كتاباً حتى يأخذ بها مائة دينار, وقد سأله عباد في بعض رحله إليه، أن يمدحه بقصيدة يعارض بها قصيدته السينية التي مدح بها آل حمود فقال له: إشارتي مفهومة، وبنات صدري كريمة، فمن أراد أن ينكح بكرها. فقد عرف مهرها. وكانت وفاته سنة 470. (الذخيرة 3: ص336) . 76- أبو الأصبغ بن أرقم: عبد العزيز بن محمد بن أرقم النميري الوادياشي، سكن المرية وأقام بدانية مدة عند إقبال الدولة علي بن مجاهد ثم صار إلى المعتصم محمد بن صمادح، وكان من وجوه رجاله ونبهاء أصحابه، وقد توجه عنه رسولاً إلى المعتمد بعد460، بصحبة أبي عبيد البكري والقاضي أبي بكر بن صاحب الأحباس، وله (الأنوار في ضروب الأشعار) ثم اختصره وسماه (الأحداق) توفي في إمارة المعتمد بن عباد. (الذخيرة 3: 360) . 77- أبو جعفر بن جرج: قال ابن بسام: وكان أبو جعفر وقته أحد الأعلام، وفرسان الكلام، وحل أيام ملوك الطوائف بافقنا من الدول، محل الشمس من الحمل. يذكر ابن الأبار (التحفة: 61) أن بيت بني جرج من بيوتات قرطبة النبيهة، وأن أصلهم من البيرة، وقد ترجم لأبي جعفر عبد الله بن محمد منهم - 575) ، وهناك أبو جعفر ثان اسمه أحمد بن عتيق بن جرج الذهبي، وهو متأخر الوفاة (601-) ، وأبو جعفر المترجم به هنا، وكان وزيراً لابن عمار لما ثار بمرسية (الذخيرة 3: ص449) . 78- أبو الفضل بن حسادي الإسلامي: هو أبو الفضل حسداي بن يوسف بن حسداي بن اسحق. كان جده حسداي بارعاً في الثقافة الإسرائيلية ونال حظوة عند الحكم بن الناصر وجلب إلى مكتبته كثيراً من ذخائر التراث اليهودي بالمشرق، أديباً بارعاً ونشأ ابنه أبو الفضل حسداي في بيئة علمية أدبية، فظهر نبوغه فيها، ويقول صاعد الأندلسي عنه في طبقات الأمم ص100 من بيت أشراف اليهود بالأندلس من ولد موسى النبي عليه السلام أحكم العربية ونال حظاً كبيراً من الشعر والنثر وبرع في علم العدد والهندسة والنجوم ... ثم يقول فارقته سنة 458هـ (الخريدة 2: 480) 79- أبو إسحق إبراهيم بن خفاجة: إبراهيم بن أبي الفتح بن عبد الله بن خفاجة الهواري الأندلسي من أهل جزيرة شقر Alcira من أعمال بلنسية شاعر مجيد من أشهر وصافي الطبيعة في الشعر العربي، حتى شعره في الرثاء لم يخل من وصف الطبيعة، لم يتكسب يشعره، ولم يتزوج، ويتأنق في صياغة شعره، كما يتأنق في صياغة نثره، ولد سنة450 وتوفي سنة 533هـ (الخريدة 2:1) 80- أبو بكر بن عيسى الداني المعروف بابن اللبانة:

أبو بكر محمد بن عيسى المشهور بابن اللبانة كان من فحول الأدباء وكبار الشعراء واشتهر بالقصائد والموشحات وله كتاب سقيط الدرر ولقيط الزهر توفي بميورقة سنة 507 وقد أورد له كل من صاحب الذخيرة والمعجب والقلائد عدة قصائد وموشحات. (الخريدة 2: 444) . 81- أبو جعفر أحمد بن الدودين: ترجم له ابن بسام فقال: أحد من لقيته وشافهته، وأملي عليّ نظمه ونثره بالاشبونة، سنة سبع وسبعين (الذخيرة 3: 703) 82- أبو جعفر بن أحمد الداني: قال ابن بسام: (هم ثلاثة من رجال الأندلس جمعهم وقت وزمان واشتمل عليهم شأن وأوان منهم الكاتب أبو جعفر بن أحمد، من مدينة دانية، قدمته إذ كان أنبههم موضعاً، وأوسعهم عند ملوك الطوائف بأفقنا مطاراً وموقعاً. وتفاوت هو وأخوه تفاوت عظم شأنه) : كانا ابني رجل من شرط ابن مجاهد بدانية. مشهور بلؤم المكسب، وصنعة المركب. نشأ ابناه هذان ولهما همة في الأدب، وحرص على الطلب فقسمت بينهما العلياء، فتقدم أبو جعفر هذا بالإحسان في النظم والنثر وذهب أخوه بالمكان من النهي والأمر فحمل تلك الدولة على كاهله، وصرف الملوك بين حقه وباطله. يتساءل إحسان عباس قائلاً: (وقد ميز ابن بسام أحد هؤلاء الثلاثة وهو أبو جعفر بن أحمد الداني، ولم يميز الاثنين الآخرين فهل نعد الاثنين التاليين وهما عمر بن عيطون التجيبي وابن أبي الخصال ضمن الثلاثة الذين عناهم المؤلف؟ وهل كان هذان ممن (جذبت البطالة والاستهتار أذياله، واستفرص بلسانه أعيان أهل زمانه؟ ليس في أخبارهما التي أثبتها ابن بسام ما يشير إلى ذلك) . (الذخيرة 3: 758) 83- عمر بن عبد الله بن عيطون التجيبي الطليطلي: قال عنه ابن بسام: أحد بحور البراعة، ورؤوس الصناعة، نفث هاروت على لسانه السحر، إلا أنه حلو حلال. وتفجرت البلاغة من جنانه بحر، إلا أنه عذب ذلال. على أنه لم يشرع قط يحب الشعر صدراً ولا أبلى في طلبه عذراً، وإنما قال متحبباً ولا متكسباً. (الذخيرة 3: 773) . 84- أبو عبد الله محمد بن أبي الخصال: هو الوزير الكاتب الشاعر أبو عبد الله محمد بن مسعود بن أبي الخصال الغافقي أصله من أهل شقورة وسكن قرطبة وكان مفخرة وقته متفنناً في العلوم متبحراً في الآداب واللغات، كان كاتباً ووزيراً لأبي الحسن علي بن يوسف بن تاشفين، وله ديوان رسائل شغف به أهل الأندلس وجعلوه (إماماً يحتذونه ونصبوه إماماً يقتفونه) كما يقول المراكشي، وله عدة مؤلفات ذكرها ابن حية وتوفي مقتولاً سنة 539 أو سنة 540هـ وكان مولده سنة 465هـ (الخريدة 2: 459) . 85- أبو الحسن يوسف بن عبد الصمد: قال بن بسام: كان بسرقسطة شيخ يكنى بأبي عبد الصمد، من شعراء ذلك العصر. أخبرني ذو الوزارتين أبو عامر بن عيدروس أنه اجتمع به في ذلك الثغر. ورآه قد لبس بياضاً في جنازة الكاتب أبي عمر بن القلاس. وقد حضرها المقتدر بن هود، فرثاه بقصيدة نعى فيها تلك الدولة ووصف أنها بعد ابن قلاس على طرف، وفي سبيل تمام وتلف. فتعجب منه المقتدر. وكان يخاطب العوام بكلام لو خوطب به رؤبة بن العجاج ما فهم عنه. وكان هذا الشيخ في عصر أبي حفص بن برد الأصغر، واجتمع في خزائنه زهاء خمسمائة رسالة، مع قصائد له مطولات، لا يقدر أحد أن يفسر له منها عشرة أبيات، لوحشية ألفاظه واشتباك معانيه. ورسائل ابن برد سائرة لعذوبة كلامه في نثره ونظامه. (الذخيرة 3: 819) 86- أبو غالب الملقب بالحجام: ص99 هو غالب بن رباح المعروف بالحجام، شاعر قلعة بني رباح الذي نوه بقدرها، ورفع من رأس فخرها، وقلعة رباح غربي طليطلة سميت كذلك باسم علي بن رباح اللخمي الذي اشترك في فتح الأندلس. وقد سقطت في يد أذفونش (الفونسو السادس) سنة 476 ولا يعلم له أب، وتعلم الحجامة فأتقنها، ثم تعلق بالآداب حتى صار آية. (انظر الترجمة الفرنسية في الروض المعطار: 196، وراجع ترجمة أبي تمام هذا في المغرب 40:2 والمسالك 11: 451 وله ذكر في رايات المبرزين وشعر في النفح. (الذخيرة 3: 821) 87- أبو اسحق إبراهيم بن معلى:

هو طوسوني، نسبة إلى طوسونة إحدى مدن الثغر، وقال فيه صاحب المسهب: شاعر محتد النفس شديد المرس قدير على التطويل، اشتهر ذكره بمدح ملك الثغر المقتدر بن هود (انظر المغرب 457: 2 والمسالك 423: 11) وقال ابن بسام: قدح البلاغة المعلى، وسيفها المحلى، أحد من بني منارها ورفع بالغور اليفاع نارها. (الذخيرة 3: 840) 88- أبو عامر بن أصيل: هو أبو عامر محمد بن الأصيلي. له ترجمة موجزة في القسم الثالث المخطوط من الذخيرة الورقة 136 وفي مسالك الأبصار الجزء الحادي عشر الورقة 453 والمغرب ج2 ص44، ولكنها جميعاً لا تكشف شخصيته ولا توضح معالمه، وبها بعض المختارات من نثره وشعره، وغاية نما فيها أنه من أدباء القرن الخامس وأنه لم يستقر به مكان وأنه من فحول الشعراء والكتاب. (الخريدة 2: 243) 89- أبو الفضل جعفر بن محمد بن شرف: أبو الفضل جعفر بن أبي عبد الله محمد بن أبي سعيد بن شرف القيرواني، وقد سبق أن ترجمنا لوالده أما أبو الفضل فقد قال فيه ابن بشوال (كان من جلة الأدباء، وكبار الشعراء وكان شاعر وقته غير مدافع وطال عمره وأخذ الناس عنه وله تآليف حسان في الأمثال والأخبار والآداب والأشعار) ، ولد سنة 440 - وتوفي سنة 430هـ ووردت له مقطوعات بالذخيرة والقلائد والمغرب وبعض فقرات من النثر. (الذخيرة 2: 23) 90-أبو عبد الله بن عائشة: قال عنه ابن بسام: من بلنسية، أي فتى (هو) طهارة أثواب، ورقة آداب، وأكثر ما عول على (علم) الحساب فهو اليوم آية لا يقاس عليها، وغاية لا يضاف إليها وله من الأدب حظ وافر. يقول من الشعر ما يشهد له بكرم الطبع وسعة الذرع. كان صاحب أعمال بلنسية في أيام علي بن يوسف بن تاشفين ثم استدعى إلى المغرب ووكل أمر الحسابات إليه. (انظر ترجمته في المغرب2: 314 والمصحح: 84 والمسالك 11: 454 والخريدة 2: 216) وقد وردت أشعاره في أكثر المصادر المذكورة (الذخيرة 3: 887) . 91- ابن هند الداني: وفي الخريدة أبو هند الداني وفي ترجمته تقول: لعله ابن هند الداني من أمراء الطوائف ذكره ابن بسام في الذخيرة القسم الثالث واكتفى باسمه ابن هند الداني كما ورد في نفح الطيب2: 180، والمطرب2: 409 بهذا الاسم وحده. 92- أبو بكر الفرضي الداني: لم أعثر له على ترجمة. 93- أبو محمد بن سفيان: ص108 ذكر ابن بسام بأنه وزير الأمير قاسم صاحب حصن البونت (الذخيرة 3: 903) وفي الخريدة أنه لم يعثر له على ترجمة وكل ما نعلمه عنه أنه كان مختصاً بيحيى بن ذي النون (الخريدة 2: 405) 94- يحيى السرقسطي المعروف بالجزار: جاء في المغرب أنه: كان في دكان يبيع اللحم فتعلقت نفسه بقول الشعر فبرع فيه، وصدر له أشعار مدح بها الملوك من بني هود ووزرائهم، ثم ترك الأدب والشعر، واعتكف على القصابة، فأمر ابن هود وزيره ابن حسداي أن يوبخه على ذلك، فخاطبه بأبيات منها: تركت الشعر من ضعف الإصابة ... وعدت إلى الدناءة والقصابة فأجاب الجزار فرد عليه بقصيدة منها: وحقك ما تركت الشعر حتى ... رأيت البخل قد أذكى شهابه وحتى زرت مشتاقاً حبيباً ... فأبدى لي التجهم والكآبة وظن زياتي لطلاب شيء ... فنافرني وأغلظ حجابه (المغرب2: 444) وترجم ابن الآبار لابنه في التكملة: 423 وسماه محمد بن أحمد بن محمد الأنصاري الأوسي من أهل سرقسطة وسكن بلنسية يكنى أبا عبد الله ويعرف بابن الجزار، وكان أديباً شاعراً راوية مكثر الخط (الذخيرة 3: 704) 95- أبو طاهر محمد بن يوسف: في المغرب 2: 443 أبو طاهر يوسف بن محمد الأشكركي، ومرة 433 الأشكورتي، وقال فيه إنه إمام في اللغة وكان له جاه عند ملوك الثغر بني هود وأكثر أمداحه في المعتصم بن صمادح ملك المرية. (الذخيرة:3: 909) 96- أبو العلا صاعد بن حسن البغدادي: هو صاعد بن الحسن الربعي اللغوي أبو العلاء. ورد من المشرق إلى الأندلس في أيام هشام بن الحكم المؤيد وولاية المنصور أبي عامر محمد بن عامر في حدود الثمانين وثلاثمائة. وأظن أصله من ديار الموصل، ودخل بغداد، وكان عالماً باللغة والآداب والأخبار، سريع الجواب، حسن الشعر، طيب المعاشرة، فكه المجالسة ممتعاً، فأكرمه المنصور، وزاد في الإحسان إليه والأفضال عليه.

ومما ألف له: كتاب (الفصوص) على نحو كتاب (النوادر) لأبي علي القالي، وكتاباً آخر على مثال كتاب الخزرجي أبي السري سهل بن أبي غالب سماه (كتاب الهجفجف بن غدقان بن يثربي مع الخنوت بنت مخرمة بن أنيف) وكتاباً آخر في معناه سماه (كتاب الجواس بن قعطل المذجحي مع ابنة عفراء) خرج أبو العلاء صاعد في أيام الفتنة من الأندلس، وقصد صقلية فمات بها قريباً من ستة عشر وأربعمائة فيما بلغني عن سن عالية (جذوة المقتبس: 211) . 97- الوزير أبو الفضل محمد بن عبد الواحد البغدادي: محمد بن عبد الواحد بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث بن سليمان بن الأسود بن سفيان أبو الفضل التميمي: بغدادي قيل إنه ولد سنة 388 وهو من أهل بيت علم وأدب. خرج أبو الفضل إلى القيروان في أيام المعز بن باديس، فدعاه إلى دعوة بني العباس فاستجاب له، ثم وقعت الفتن واستولت العرب على البلاد، فخرج منها إلى الأندلس ولقي ملوكها وحظي عندهم بأدبه وعلمه، واستقر بطليطلة، فكانت وفاته بها في سنة أربع وخمسين وأربعمائة، على ما أخبرني به أبو الحسن علي بن أحمد العابدي. وكان له نظم رائع ونثر بديع. (جذوة المقتبس 65) 98- محمد بن سليمان بن محمود الصقلي: اسمه سليمان بن محمد المهري الصقلي من أهل العلم والدب والشعر، وقدم الأندلس بعد الأربعين وأربعمائة، ومدح ملوكها، وتقدم عن كبرائها بفضل أدبه وحسن شعره. (الجذوة: 195) 99- ابن محمد السوسي: قال ابن بسام: هو عبد العزيز بن محمد السوسي ولم يقع إلى من شعر هذا الرجل إلا قصيدة من جملة قصائد لغير واحد، أنشدت للمأمون يحيى بن ذي النون، سنة خمسة وخمسين في صنيع احتفل فيه لإعذار حفيده حسب ما أصفه وقصيدة السوسي في ذلك طويلة، ومنها قوله: لما بنيت من المكارم والعلا ... ما جاوز الجوزاء في الإجلال اعملت رأيك في بناء مكرم ... ما دار قط لآمل في بال (الذخيرة 4: 126) 100- أبو عبد الله محمد بن شرف القيرواني: أبو عبد الله بن سعيد بن أحمد بن شرف الجذامي القيرواني كاتب مترسل وشاعر أديب ولد بالقيروان واتصل بالمعز بن باديس فأكرمه وقربه إليه ثم رحل إلى صقلية ومنها إلى الأندلس حيث توفي بأشبيلية سنة 4660هـ. ومن كتبه: ابكار الأفكار، ومقامات باسم أعلام الكلام، وله ديوان شعر وكتب أخرى. وكانت بينه وبين ابن رشيق صاحب العمدة ملاحاة وأهاج وإن كان ابن رشيق يعترف له بالفضل. (الخريدة ج2: 8) 101- أبو الحسن علي بن عبد الغني الكفيف المعروف بالحصري: ص117 أبو الحسن علي بن عبد الغني الفهري المقرئ الحصري الضرير وهو غير أبي اسحق إبراهيم بن علي الحصري القيرواني صاحب زهر الآداب وجمع الجواهر- وأبو الحسن علي بن عبد الغني شاعر أديب رخيم الشعر جديد اللسان، وكان عالماً بالقراءات وطرقها، وأقرأ الناس للقرآن بسنته وغيرها، وله قصيدة منظومة في قراءة نافع، دخل الأندلس بعد سنة 450هـ وتوفي بطنجة سنة 488. (الخريدة ص50 رقم1) . 102- أبو الحسن عبد الكريم بن فضال القيرواني: هناك اثنان يعرفان بابن فضال وكلاهما يكنى أبو الحسن: علي ابن فضال القيرواني المجاشعي النحوي وقد شرق. ومدح نظام الملك وزير الدولة السلجوقية (وله ترجمة في الخريدة 3: 694 وكانت وفاته سنة 479) . والثاني هو عبد الكريم ابن فضال القيرواني الحلواني وله ذكر في مسالك الأبصار: 456 والخريدة 2: 1288 وهذا هو الذي غرب. فدخل صقلية والأندلس، وقد مر ذكره في القسم الأول1: 506 وأنشد له بيتين في لبس البياض وهو شعار الحداد عند الأندلسيين. (الذخيرة 4: 284) 103- أبو الرعب الصقلي: مصعب بن محمد بن أبي الفرات بن زرارة القرشي العبدري، أبو العرب: ولد بصقلية سنة 423 وخرج عنها لما تغلب الروم عليها سنة 464 قاصداً المعتمد، فدخل اشبيلية في شهر ربيع الأول من السنة التالية (465) وكان إلى شهرته بالشعر عالماً بالأدب، روى عنه بعض الأندلسيين ككتاب أدب الكتاب لابن قتيبة، وبعد أن سجن المعتمد لحق بناصر الدولة صاحب ميورقة وبقي فيها إلى أن توفي. ويذكر ابن الابار أنه توفي سنة 506 (الذخيرة 4: 301) 104- أبو عبد الله محمد بن الصباغ الصقلي:

لعله هو محمد بن أحمد بن عبد الله الصباغ الصقلي الذي وردت ترجمته في المحمدون: 68 نقلاً عن الدرة الخطيرة لابن القطاع وهو أحد أدباء وفئة والمشاهير، وكلامه يعرب عن أدب كثير وحفظ غزير (الذخيرة 4: 308) 105- أبو محمد عبد الجبار بن حمديس الصقلي: أبو محمد عبد الجبار بن أبي بكر بن محمد بن حمديس الصقلي الأزدي. ولد بصقلية سنة 447 وهاجر إلى الأندلس سنة 471 وعاش باشبيلية وتوفي سنة 527 وهو من أشهر وصافي الطبيعة في الشعر العربي. (الخريدة 2: 66) 106- الحكيم أبو محمد المصري: هو عبد الله خليفة القرطبي، المعروف بالمصري، قال ابن سعيد: لطول إقامته بمصر، وأنكر أبو حيان أن يكون ابن خليفة (وكان ابن جار له) قد تعدى في رحلته العدوة، وأنحى عليه بالذم عند الحديث عن الشعراء الذين أنشدوا قصائده في الأعذار الذنوبي. وقد دافع عنه الحجاري في المسهب، وذمه ابن اللبانة في كتابه (سقيط الدر) لأنه لم يكن وفياً للمعتمد بعد خلعه. (الذخيرة 4: 342) 107- أبو محمد أبو العلاء المهدوي: قال ابن بسام: (أحد أضياف المعتمد، وقد أجريت ذكره فيما مر من هذا المجموع، ووصفت أن شعره عاطل من حلي البديع، وأفرط في باب الاستعارة وابعد، وخرج فيها إلى حيز الإضحاك بما يرد كقوله متغزلاً: (بقراط حسنك لا يرثي على عللي.. وقد ذكره ابن سعيد في رايات المبرزين:110 (ع) باسم (عبد الله) (الذخيرة 4: 360) 108- أبو بكر بن الحسن المرادي: كان فقيهاً فطناً وشاعراً لسنا، ممن جمع براعة الفقهاء، وبراعة الشعراء النبهاء. وقلت دولة من دول ملوك الطوائف بالأندلس إلا وقد ابتغى إليها وسيلة، وأعمل في الهجوم عليها حالاً، وحيلة، ثم كر على أمراء المرابطين بالمغرب فانخرط في أسلاكهم، وعرض بنفسه على أملاكهم، ووقع آخراً منهم إلى محمد بن يحيى بن عمر، فاقتعد صهوة منبره، وولي قضاء معسكره، وتوفي بدكول من بلاد الصحراء. (الذخيرة 4: 366) . 109- أبو الحسن البغدادي المعروف بالفكيك: قال ابن بسام: (من جلة هذه الطائفة الطارئة على الجزيرة، ومع بديهة قوية، توفي على الروية، استهدم عدة قصائد، لغير واحد من أهل الشام والعراق وغيرها من تلك الآفاق. وكان مع ذلك حلو الحوار، مليح التندير، يلهي ويضحك من حضر، ولا يضحك هو إذا ندر. وكان الفكيك قصيراً دميماً، ورأيته يوماً قد لبس طاقاً أحمر على بياض، وفي رأسه طرطوراً أخضر وقد عمم عليه عمة لازوردية، وهو ينشد بين يدي المعتمد شعراً قال فيه: وأنت سليمان في فلكه ... وبين يديك أنا الهدهد وذكر المقري في نفح الطيب أنه كان حاد اللسان لاذع الهجاء، هجا نقيب بغداد، وكانت في عنقه غدة فقال فيه: بلغ الأمانة فهي في حلقومة ... لا ترتقي صعداً ولا تتنزل (الذخيرة 4: 368) 110- أبو زكريا يحيى بن الزيتوني: الأديب أبو زكريا يحيى بن الزيتوني من مدينة فاس لم أعثر له على ترجمة سوى ما يقوله ابن بسام: أحد من وفد على البلد أيام ملوك الأندلس، وله شعر بديع، وتصرف مطبوع. وكان حاضر الجواب. وقد حاول ابن زيدون أن يفحمه ويخجله وهو بين يدي المعتضد فصدمه، فخجل أبو الوليد ونشور واستخف الطرب جميع الحضور. (الذخيرة 4: 374) 111- أبو بكر بن العطار، اليابسي: أبو بكر العطار (يحذف كلمة ابن) النفح: 4: 10 وفي عنوان المرقصات من اسمه عبد الله بن محمد العطار ولا أظنه هو لأن المترجم به اسمه في النفح (محمد) ولعبد الله العطار أيضاً ترجمة في (المسالك 11: 432) وهو من شعراء الأنموذج، فهو على هذا ليس من يابسة. (الذخيرة 4: 376) 112- الشريف المرتضى ذو المجدين: هو الشريف أبو القاسم المرتض ذو المجدين مولده سنة 355 ووفاته سنة 436. وقد تفرد في علوم كثيرة مثل علم الكلام والفقه وأصوله والأدب والنحو ومعاني الشعر واللغة وله عدد كبير من الكتب. وديوانه يقع في ثلاثة مجلدات (الذخيرة 4: 465) . 113- الوزير القاسم المغربي: هو الحسين علي بن الحسين أبو القاسم الوزير المغربي، ولد بمصر في ذي الحجة سنة 370، وهرب منها لما قتل الحاكم أباه علياً وعنه محمداً. وقيل: أن أباه وزر للعزيز بمصر ثم للحاكم ابنه.

وهرب الحسين هذا للعراق، وخدم بني بويه، ووقع له بالشرق أمور، ووزر لغير واحد من ملوك الشرق. وتوفي سنة 418. وكان فاضلاً عاقلاً شاعراً شهماً شجاعاً كافياً في فنه، حتى قيل: إنه لم يل الوزارة لخليفة ولا ملك أكفأ منه. (النجوم الزاهرة 4: 266) 114- الفقيه الحافظ عبد الوهاب بن نصر البغدادي: هو عبد الوهاب بن علي بن نصر بن أحمد القاضي أبو محمد البغدادي المالكي الفقيه، سمع الحديث وروي عنه غير واحد. وكان شيخ المالكية في عصره وعالمهم، وصنف كتاب التلقين، وشرح الرسالة وغير ذلك. توفي سنة 423 (النجوم الزاهرة 4: 276) 115- أبو عبد الله بن قاضي ميله: لم أعثر له على ترجمة. 116- أبو الحسن علي بن التهامي: كان على صلة بالوزير المغربي. وله فيه مديح. وقد استخدمه حسان بن مفرج (الذي ثار على الفاطميين بتحريض الوزير المغربي) رسولاً إلى عرب بني قرة ببرقة لتحريضهم على الثورة. فقبض عليه في مصر وسجن ثم قتل سنة 416. وقد وصف ابن خلكان ديوانه بأنه صغير وأن أكثره نخب (الذخيرة 4: 537) 117- مهيار الديلمي: هو أبو الحسن مهيار بن برزوية. كان مجوسياً وأسلم على يد الشريف الرضي سنة 394 وهو أستاذه في الأدب والنظم والتشيع. اشتغل حتى مهر في الأدب والكتابة والتشيع حتى صار من كبار الشعراء الروافض. توفي سنة 428. وكان شعره في غاية الجودة. (النجوم الزاهرة 5: 26) 118- أبو منصور عبد الملك الثعالبي: ترجم له ابن خلكان فقال: أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي النيسابوري، ونقل عن ابن بسام صاحب (الذخيرة) قوله (كان في وقته راعي تلعات العلم، وجامع أشتات النثر والنظم، أسوة المؤلفين في زمانه، وإمام المصنفين بحكم قرأنه. وله من التواليف (يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر) وهو أكبر كتبه وأحسنها وأجمعها، وله أيضاً كتاب (فقه اللغة) و (سحر البلاغة وسر البراعة) ، و (من غاب عنه المطرب) و (مؤنس الوحيد) ، وشيء كثير جمع فيه أشعار الناس وأخبارهم. ولد سنة 350 وتوفي 429. (وفيات الأعيان 3: 178) . 119- أبو اسحق إبراهيم الحصري: هو أبو اسحق إبراهيم بن علي بن تميم، المعروف بالحصري، القيرواني الشاعر المشهور. وله ديوان شعر، وكتاب (زهر الآداب وثمر الألباب) جمع فيه كل غريبة في ثلاثة أجزاء، وكتاب (المصون في سر الهوى المكنون) ذكره ابن رشيق في كتاب (الأنموذج) وحكى شيئاً من أخباره وأواله، وأنشد جملة من أشعاره، وقال كان شبان القيروان يجتمعون عنده، ويأخذون عنه ورأس عندهم (وفيات الأعيان 1: 54) وأشار إحسان عباس إلى الخلاف حول وفاته (فقال ابن رشيق كما نقل عنه ياقوت توفي 413 وقال ابن بسام سنة 453 ورجح ابن خلكان القول الأول دون أن يذكر سبباً لذلك. ولعله اعتمد على أن ابن رشيق أدري بذلك من غيره، ونقل الصفدي عن كتاب الجنان لابن الزبير أن الحصري ألف زهر الآداب سنة 450. (الذخيرة 4: 584) 120- أبو علي بن رشيق: أبو علي الحسن بن رشيق القيرواني أديب باحث ناقد، ولد في المسلية بالمغرب سنة 370 هـ وقيل ولد بالمهدية سنة 390هـ وتعلم الصياغة ثم مال إلى الأدب وصياغة الشعر؛ رحل على القيروان سنة 406 ودخل في خدمة المعز بن باديس فنال حظوة لديه وأصبح من شعرائه وندمائه ونال شهرة عظيمة بشعره ومؤلفاته، ولما حدثت فتنة الهلالية رحل إلى جزيرة صقلية وأقام بمدينة مازرة Mazzara حتى توفي بها سنة 463هـ وقيل سنة 456هـ وكانت بينه وبين أبي عبد الله محمد بن شرف مهاجاة وملاحاة ظهرت آثارها شعراً ونثراً 0الخريدة 2: 121) . 121- أبو الفتيان العسقلاني: لعله مفضل بن حسن بن خضر العسقلاني الذي ذكره في الخريدة (الورقة 201 من مخطوطة باريس رقم 3328) وقال إنه قدم مصر في أيام الأفضل وأورد له مقطوعة من أربعة أبيات (الذخيرة 4: 615) 122- أبو محمد بن نعمة بن خليل:

الفن الثالث

أغلب الظن أنه القاضي أمير الدولة أبو محمد عبد الله بن خليل العسقلاني (وحدث تصحيف في لفظة (أحمد) فتحولت إلى (نعمة) أو العكس) ذكره العماد في الخريدة (الورقة: 19) من نسخة باريس رقم 3328 وقال أنه (من الكتاب الشعراء والبلغاء والرؤساء، إلا أنه مقل مع الإجادة والإحسان، إنما يصنع ما يصنعه تأدباً لا تكسباً. وكان في عهد المستنصر (وأورد به شعراً في صارم الدولة ابن معروف صاحب عسقلان. (الذخيرة 4: 618) 123- المجيد بن أبي الشخباء العسقلاني: هو الحسن بن محمد عبد الصمد بن أبي الشخباء (ياقوت 9: 152) والحسن بن عبد الصمد (ابن خلكان 2: 89) وقد أشار كلاهما إلى ترجمته في الذخيرة وأثبت ياقوت نقلاً عن ابن بسام أنه توفي سنة 482 (وقع خطأ في الطبعة المصرية من معجم الأدباء: 432) وكان يلقب بالمجيد ذي الفضيلتين. ويقال إن القاضي الفاضل استمد من رسائله، وذكره العماد في الخريدة والعسقلاني في القسم التابع لشعراء مصر الورقة: 14 (نسخة باريس رقم 3328) فقال مجيد كنعته، قادر على ابتداع الكلام ونحته، له الخطب البديعة، والملح الصنيعة. وزكمان قبل عصرنا في أيام الاقسيس سنة سبعين وأربعمائة. وذكر العماد أنه رأى ديوانه عند صديق له بدمشق: وقال ياقوت أن أمثر رسائله أخوانيات وأورد جملة منها، وجعل المقريزي وفاته سنة 486. (الذخيرة 4: 627) . الفن الثالث من لطائف الذخيرة وطرائف الجزيرة الفن الثالث من لطائف الذخيرة في سحر عيون الأخبار فصل قال ابن بسام كان أعظم الأسباب في زوال دولة الأمويين من الأندلس، أنه لما توفي عبد الملك بن أبي عامر وقام بعده أخوه عبد الرحمن تلقب بالناصر لدين الله، ثم جرى على سنن أبيه وأخيه في الحجر على المؤيد هشام، لم يقنع بذلك حتى تاب له رأي في الاستبداد بالملك فطلب من هشام أن يعهد له فأجابه إلى ما سأل وكتب له عهداً، فكره الأمويون تحويل الأمر عنهم فاجتمعوا في غيبة عبد الرحمن في الغزو وخلعوا المؤيد وبايعوا هشاماً بن الناصر ولقبوه بالمهدي. فلما طار الخبر إلى عبد الرحمن بن أبي عامر انفض جمعه وتسلت البربر منه ولحقوا بقرطبة فبايعوا المهدي. وأغروه بعبد الرحمن الحاجب ونسبوه إلى الفجور. فأرسل له من اجتز رأسه عند قفوله من غزوته، وبه انقرضت الدولة العامرية. وكان الأمويون قد نسبوا تغلب ابن أبي عامر إلى البربر، فسخطتهم القلوب ونهبت العامة دورهم. ثم نمى إليهم أن المهدي يدبر الفتك بهم فأسروا النجوى وتشاوروا في تقديم هشام بن سليمان بن الناصر. ونمى حديثهم إلى المهدي فعاجلهم عن مرامهم، وأغرى بهم السواد الأعظم فأجلوهم عن المدينة. وقبضوا على هشام وأخيه أبي بكر فضربت أعناقهما بين يدي المهدي. فلحق سليمان بن أخيهما الحكم بجنود البربر ولجأ إلى علي والقاسم ابني حمود الإدريسي رئيس البربر، فاجتمعوا بظاهر قرطبة وبايعوا سليمان ولقبوه المستعين. ونهضوا به إلى طليطلة فاستجاشوا ابن ادفونش، فنهض معهم في جمع من النصرانية، وحاصروا قرطبة فبرز إليهم المهدي في كافة أهل البلد، وحاربهم، فكانت الدائرة على المهدي فانكسر جيشه وقتل منه ما يزيد على عشرين ألفاً. ودخل المستعين قرطبة. فلحق المهدي بطليطلة واستجاش ابن ادفونش فنهض معه. وحاربوا المستعين فهزم المستعين وفر هو والبربر في البسايط ينهبون ثم رحلوا إلى الجزيرة الخضراء. فخرج إليهم المهدي معه ادفونش فكروا عليه فانهزم المهدي وابن ادفونش فتبعهم المستعين إلى قرطبة، عادوا ولم يدخلها فأخرج المهدي هشاماً المؤيد للناس وبايعه، وقام المهدي بأمر حجابته واستمر المستعين ومعه البربر محاصرين قرطبة. فخشي أهل قرطبة من اقتحامهم، فأغروا أهل القصر وحاشية المؤيد بالمهدي زاعمين أن الفتنة إنما جاءت من قبله، فقتلوا المهدي واجتمعوا على المؤيد وقام بحجابته، واضح مولاه.

فصل في ذكر المستظهر بالله ابن المطرف عبد الرحمن ابن هشام بن عبد الجبار الناصري.

واستمر الحصار ولم يغن أهل قرطبة ما فعلوه إلى أن هلكت الناس. ولم يزل المستعين ومن معه من البربر حتى دخلوا قرطبة عنوة400هـ، وحبس المستعين هشاماً المؤيد وكان المؤيد يشتغل بالملاحم فوقف على أن دولة بني أمية تنقرض من الأندلس على يد علوي أو اسمة عين. ولما بلغهم وهو محبوس دخول علي بن حمود على المستعين دس إليه هشام أن الأمر صائر إليه. وأن الرجل يعني سليمان سيقتلني فإن فعل فخذ بثأري منه. ولما تملك سليمان ظن أن أموره قد استحكمت وثبت البرابر والعبيد على الأعمال العظيمة والمدن مثل باديس بن جيوش في غرناظة والبرزالي في قرمونة وافترق شمل الجماعة ولم يبق بيد سليمان غير قرطبة. وضاقت به وبمن نعه ونزل ابنا حمود علي والقاسم قائداً افريقية بما يتصل بها. وامتحن هشام المؤيد بالله وسليمان المذكور عند دخوله القصر, فقيل قضى عليه وقيل هرب منه، ولما أحس سليمان بزوال ملكه، جعل علي بن حمود ولي عهده وأرسل إليه بذلك إلى سبته، فذكر منه ناسياً، وحرك منه ساكناً، ولما وثق سليمان بأمره وظن أنه قد استراح من هشام عدوه تلطف علي بن حمود في إزالة سلطانه والاستيلاء على ملكه والإذهاب لدولته. فكان غلط سليمان مما لا يستدرك فارطه، ولا يتلاقى فايته. ولما حصل علي بن حمود ومن معه بالقصر سأل عن هشام، وكان يظنه حياً وأعلم أنه مات. ودل على قبره فاستخرجه منه ولم ير فيه شيء من أثر السلاح فظن أنه خنق. وخوطب سليمان في أمره فأنكر أن يكون قتله ثم جددت أكفانه ونودي في الناس للصلاة عليه، وأحضر على سليمان بعد ذلك فضرب عنقه بيده وجزع جزعاً شديداً عند مشاهدة السيف ثم ضرب عنق أبيه وعنق ولده وأخرجت رؤوسهم في طشت إلى المحلة ونودي عليهم، وأضيفت إليها رؤوس جماعة من البرابرة الخارجين بالأندلس. وكتبت على كل رأس رقعة باسمه فعجب الناس من اجتماع رؤوس ضاقت الأرض بها. ولما قتل سليمان بين يدي والده هشام قال والله ما قتله، فأمر به فقتل بعده، قال وكان رجلاً صالحاً تقياً لم يدخل من أمر ولده في شيء رحمه الله. فصل في ذكر المستظهر بالله ابن المطرف عبد الرحمن ابن هشام بن عبد الجبار الناصري. قال ابن بسام كان هذا ممن تقاذفت به الأسفار، وحنكته التجارب. دخل قرطبة مستخفياً أيام القاسم بن حمود وشهد الفتنة الحادثة بين البربر وأهلها، وهم بالوثوب فلم يصح له شيء مما أراد. وأنكر الوزراء أمره بقرطبة فتجردوا لطلبه وسحبوا جماعة من أصحابه إلى أن جرى ما أوجب الشورى فأجمعوا خاصة الخاصة والعامة والرجال بالجامع لمشاهدة مبايعة من يُختار من هؤلاء لأمر الخلافة. قال ابن حيان: وكنت حاضراً بالمقصورة فكان أول من وافى منهم سليمان بن المرتضى جاء مع عبد الله بن فحامس الوزير في أبهة وشارة ودخل من باب الوزراء الغربي، والسرور باد عليه، وتلقاه أصحابه وأجلس على مرتبة لا يشك في تمام الأمر له. فبينما هم على ذلك إذ غشيتهم ضجة عظيمة وزعقه هائلة ارتج لها الجامع واضطرب لها من بالمقصورة، فإذا عبد الرحمن بن هشام المبدأ بذكره قد وافى من الجانب الشرقي في خلق عظيم من الجند والعامة فراع الوزراء ذلك وألقوا للوقت بأيديهم، وخذلتهم خيلهم. ودخل عبد الرحمن المقصورة، فبويع من وقته، فاستدعى سليمان بن المرتضى فجيء به مبهوتاً فقبل يده وهنأه وبايعه وأجلسه إلى جانبه، ثم وافى سليمان بن محمد بن العراقي فقبل يده وبايعه. ثم عقدت له البيعة في شهر رمضان في سنة أربع عشرة وأربعمائة. وكان أحمد بن دبرن قد تقدم في عقدها باسم سليمان بن المرتضى فكشطه كتب اسم عبد الرحمن مكانه فكان ذلك من العجايب. ثم ركب وحمل سليمان وابن العراقي معه فحبسهما عنده وقدم مشيخة الوزراء من بقايا مواليه وجماعة من الأغماد على جميع رجاله، فأحقد بهم أهل السياسة، فكان ذلك من أسباب انتقاض دولته، وأقر بقية أصحاب الخدم في مراتبهم في المدينتين الزهراء والزاهرة؛ وهي التعقب والمحاسبة والطعام والحسم والناض والمواريث والطراز، والمباني والأسلحة والحزانة، للقبض والنفقة والاهزاء والوثائق، وكتب المظالم وخزانة الطب والحكمة، والإنزال والنزائل وخدمة أحكام السوق.

فصل فيما يتعلق بعلي بن حمود وإمارته

قال ابن حيان: وهذه أسماء لا طائل تحتها، وانحل النظام، وقل الدرهم، وتفرقت الأجناد لعدم الكفاية، وحصل التفرق إلى ما يقبح من أمر الرعية. وكان قد أحضر جماعة من وزرائه فلما حصلوا عنده قبض عليهم، وصادرهم على أموال التزموها، وطالبهم، وكان قد أقام شخصاً اسمه نجاح الضاغط فطالبهم، وكان قد تقاعد أكثر أهل الأندلس عن مبايعته ومطلوا بها. وكان من أصحابه رجل يعرف بكر ابن محمد المشاط الرعيني فكان من أسباب هلاكه. وكان قد ورد عليه فوارس من البربر، فأنزلهم معه في دار الملك، فهاج لذلك المسلون العامة والخاصة، وقالوا نحن طردنا البربر عن قرطبة وهذا الرجل يردهم إلينا وعليهم منا، فوثبوا عليه وقتلوا البربر حيث وجدوا. ولم يشعر عبد الرحمن إلا بالرجال قد علوا سقف القصر، وسمع المسجونون بذلك فاستغاثوا، ووقع الاختلاط بالحرم، وأحيط بعبد الرحمن من كل جهة، فعلم أنه مقتول. واستغاث بالوزراء فما قدروا على إغاثته، وشغلوا بنفوسهم ودخلت الرجال عليه. وكان قد ركب لينجو وقصد موضعاً للخروج منه فوجده قد ملك عليه، فترجل عن فرسه وتجرد من ثيابه، واستخف حتى بقي في قميص، واختفى في تنور حمام، واستخفى البربر في الحمام وعثر عليهم فقتلوا وكان جماعة منهم بالجامع فقتلوا فيه. وفضح حريم عبد الرحمن وسبي أكثرهن وجرى عليهم ما لم يجر على حريم سلطان. ثم ظهر ابن عمه محمد ابن عبد الرحمن ابن عبيد الله بن الناصر، وحمل إلى دار الملك بعد ضربها فأجلس في بعض مجالسها مدهوشاً. وافتقد عبد الرحمن المستظهر فوجده في آتون الحمام، فأخرج في قميص مسود بالرماد على أقبح الأحوال. فجيء به إلى محمد بن عبد الرحمن القائم بعده في الثالث من ذي القعدة سنة أربع عشرة وأربعمائة فطبش به بعض الرجال القائمين على رأسه، فتهلل وجه عبد الرحمن المستكفي، وشرع في تدبير سلطانه. فكانت إمارة المستظهر إلى أن قتل ستة وأربعين يوماً، لم يمتثل له أمر، ولم تتجاوز دعوته قرطبة. وكانت سنه ثلاثاً وعشرين سنة. وكان فاضلاً عفيفاً متحرجاً به ختم فضلاء أهل بيته. فصل فيما يتعلق بعلي بن حمود وإمارته قال أبو مروان هو علي بن حمود بن ميمون بن حمود بن علي بن عبد الله ابن عمرو بن إدريس بن عبد الله بن حسن بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم. وذكر العيني أن نفرا من ولد إدريس بن عبد الله بن حسن أيام طلبه للرشيد وحبسه عند جعفر بن يحيى، فروا إلى المغرب فوقفوا ببلاد أفريقية. ثم انحازوا إلى طرف من بلاد العرب فنكحوا إليهم وتبربروا معهم، وعقبهم إلى اليوم هناك. قال ابن حيان وبويع علي بن حمود على باب السدة من قصر قرطبة يومك الاثنين لسبع بقين من المحرم سنة أربع وأربعمائة، ثاني اليوم الذي أدرك فيه ثأر هشام المؤيد ولم يتخلف أحد عن بيعته. ويسمى بالناصر لدين الله، وهو اسم سبقه إليه بالمشرق أبو أحمد ابن المتوكل العباسي، وتبعه فيه عبد الرحمن بن محمد صاحب الأندلس. ولما صارت إليه الخلافة أظهر من القهر والغلبة والإرهاب ما ملأ به القلوب وكف به عادية برابرة العسكر وقادهم قود الإبل المخطومة، وأجرى عليهم الأحكام الشرعية التي كانوا ممتنعين منها، وجلس للنظر في مظالم الناس مرفوع الحجاب للصادر والوارد. ويقيم الحدود على الكبير كما يقيمها على الصغير! فأمنت السبل ورخت الأسعار وانبسطت الآمال وكثر النسل، لأنهم كانوا قد امتنعوا من التزويج لشدة ما كانوا فيه.

في ذكر الوزير عيسى بن سعيد

ولقي يوماً نفراً من البربر ومعه حمل عنب فسأله من أين لك هذا؟ فقال أخذته كما يأخذ الناس. فأمر به فضربت عنقه، ووضع الرأس في وسط الحمل فطيف به البلد. وكان عيوناً لا يستحسن شيئاً بعينه إلا هلك. وكان يأمر من يستحسنه من نسائه بأن تخفي محاسنها حتى لا يصيبها بعينه! وأقام بقرطبة ثمانية أشهر على أحسن ما يكون مع الرعية. ووقف منهم على كراهتهم لدولته، ويغضهم لأيامه، وبلغه قيام المرتضى بسر في الأندلس، فصمم على إهلاك قرطبة وأهلها حتى لا يعود للمروانية فيها ذكر. وينتقل إلى ساحله ويجمع شمل برابرته فيضرب بهم جميع الأندلس. فانقلب عن جميع ما كان عليه وانصرف إلى جزيرة البربر وتغاض عنهم وبسط أيديهم فيما كانوا عليه من الظلم والحيف. فوقع أهل قرطبة وغيرهم في أشد مما كانوا فيه. وأقبل على أهل قرطبة بما با يطاق من التنكيل والمغارم وانتزاع السلاح منهم وهدم جورهم وقيض أيدي الحكام عن إنصافهم. وعطف على أغنيائهم بما استأصلهم به، وقرب إليه من الأشرار جماعة للسعي عليهم والتنبيه عليهم، وصار أكثر أهل البلد شرطية ليوكلوا على الباقي. فقل ما تلقى من أهل البلد إلا ومعه موكل عليه. وأخذ على الناس الأقطار فاندفنوا فغي البيوت وسكنوا بطون الأرض حتى خلت الأسواق من الناس، وأظلمت الدنيا وما بقي لأحد تصرف إلا تحت الليل! وصودر خلق كثير وامتهن بعضهم بالضرب الشديد، حتى صانعوا عن أنفسهم بالمال الكثير وأمر بإطلاقهم. فلما أحضرت دوابهم ليركبوها قبضت جميعها وانطلق القوم ورجاله إلى بيوتهم فكانت أعظم آفة جرت عليهم. فلما اشتد البلاء واستجيب فيه الدعاء، وسلط الله عليه من أضعف خلقه؛ صبياناً أغماراً من صقالبة بني مروان، كان قد استخلصهم لنفسه، واستقلهم عن تعرض لنكايته، فجسروا على مواثبته في قصره، لا عن مواطأة أحد إلا ما ألقاه الله في قلوبهم. وكانوا ثلاثة يسمى أحدهم بمنجح وكان حسن الوجه، والآخر لبيب، والآخر نجيب فقتلوه ليلاً مستهل ذي القعدة من سنة ثمان وأربعمائة. في الحمام ضربه منجح بكوز نحاس ثقيل فشجه وغشي عليه. ودخل صاحباه فضرباه بالخناجر حتى مات، وسدوا عليه باب الحمام وهربوا إلى بعض الأماكن فلما استبطأ نساؤه مقامه في الحمام دخلن عليه، فوجدنه قتيلاً ممزقاً. ثم ظهر أمره وفشا قتله ففرح الناس، وحمدوا الله تعالى على خلاصهم. فاجتمعت زناتة وأرسلوا إلى أخيه القاسم صاحب اشبيلية واستدعوه وخاف أن يكون ذلك حيلة عليه، فأنقذ من رآه وعاد إليه بخبره، وأخرج إليه جسد فصلى عليه، وأمر بإنقاذه على سبته! فدفن هناك وكانت مدة خلافته أحد وعشرين شهراً وسبعة أيام فانقضى أمر علي بن حمود على هذا السبيل. في ذكر الوزير عيسى بن سعيد قال أبو مروان: لم يكن للوزير عيسى بن سعيد بيت يعرف ولا قديم يذكر وكان أبوه معلماً، فاختلف عيسى إلى الديوان، وصحب محمد بن أبي عامر، وقت حركته في دولة الحكم فبلغ به المنازل الجليلة، وكان عنده مشهوراً بيمن النقيبة، وكثر ماله وعظمت حاله، وتفاني في ما اقتناه من الضياع والأدوار، واشتمل على الملك هو وولده وصنايعه حتى صار لهم مع كل عامل نصيب. ولا ينفذ توقيع إلا بأمره، ولا يتم أمر إلا بمشورته. وكثرت أعداؤه وكثرت أعداؤه وكثر تحرزه مكنهم، ووالي كثيراً من وجوه أهل الدولة وصاهرهم بينيه فكثرت جماعته، وعظمت أموره وأخذته الألسن. واتفق أن عبد الرحمن بن المنصور انبسط على أخيه عبد الملك في أول دولته بصحبة طائفة له وسعي عيسى هذا في تقييده فحقد عليه وحسن أيضاً لعبد الملك أن يتزوج بجارية مغنية استحسنها وعفى عنها، فحقدت أمه على عيسى. ثم اتهم من مداخلته لولد أبي بكر هشام بن عبد الجبار بن الناصر، والسعي له في الملك. وكان عيسى لا يحضر مجلس شراب عبد الملك إلا في النادر، لضعف سربه، فأمكن الأعداء القول قيه بما شاؤا لأجل منيته. وزاد الأمر حتى ظهر لعيسى تغير عبد الملك عليه. فأعمل الحيلة في الخلاص وشرع في الغدر بالدولة العامرية، والانقلاب مع المروانية. وأقامه الوليد أبي بكر هشام على الخليفة هشام بن الحكم وأخذ الخلافة منه فدعا هشاماً إلى ذلك ولقيه خفية وقرب له البعيد، وأطمعه ببلوغ الغرض، وأن الأجناد لا تخالفه فاستجاب له هشام.

فصل في أخبار الوزير أبي محمد بن حزم

وأخذ بيعته عليه وساعده جماعة وكاد الأمر أن يتم، وأعد رجالا للفتك بعبد الملك فأشار أحدهم إلى نظيف الفتى الكبير مولى بن أبي عامر فنضح له بقصته فاعلم عبد الملك بها لوقته فاشتغل خاطره وتوقف في أمر عيسى للخشية من أن يكون السعي عليه من عدو له، إلى أن أنهى إليه صاحب المظالم ما أقلقه. ولم يرتب له لثقته. وحدثه أن رجلا يعرف بابن دراج الوزان كان متخصصاً من العامة، وله بالوليد هشام المذكور اتصال، أعلمه نزول عيسى عليه ببعض بساتينه. وأنه سمع ابن عبد الجبار يقول له يا أبا الأصبع، والله إني لخائف والخطر عظيم، فقال له عيسى ومن تخاف أليس الملك بيدي، والخيل طوعي، والناس يرضون بفعلي فلما علم عبد الملك بهذا بطش بعيسى. ووطئ عليه أخاه عبد الرحمن ومن يليه من أصحابه فشد عزيمته وعقد معهم مجلساً للشرب، وبعث عن أكثر أصحاب عيسى، فجلس للشرب بالمجلس الكبير المشرف على النهر لعشر خلون من ربيع الأول سنة سبع وتسعين. ثم أرسل إلى عيسى وقد مضى من الشرب وقت فجاءه رسوله. وقد بدأ أيضاً يشرب مع نفر من أصحابه فدعاه إليه فلم يرتب بذلك وبادر بالركوب إلى عبد الملك، فلما وصل إليه أظهر الاستبشار به وأقبل عليه بوجهه وأعلا مجلسه. فلما دارت الكؤوس أخذ عبد الملك في معاتبته وما قربه به عنده وعيسى منزعج من ذلك إلى أن صرح عبد الملك بما في نفسه، وألقى القدح من يده وأقبل يسبه ويغلظ له، وعيسى يتنصل ويقيم الأعذار ويناشده الله في عدم إراقة الدم. ثم أخذ عبد الملك سيفه من جانبه وعلاه به وخبطه أصحابه بسيوفهم حتى برد وخر رأسه ووضع جانباً وأمر عبد الملك أيضا بقتل صاحبيه ابن خليفته وابن فتح، وقطعا بالسيوف في المجلس. وتهارب أصحاب عيسى فمنهم من ألقى نفسه في النهر هربا من القتل فغرق، وأمر برفع رأس عيسى بباب الزاهرة وما زال هناك إلى أن فتحت الزاهرة على يد ابن عبد الجبار وذهبت الدولة العامرية. فقام عبد الملك من ذلك المجلس ولم يعد مدة حياته، وأمر الحوطة على منازل عيسى وأصحابه وكتابه وأولاده الأكابر واستصفى جميع أموالهم، وسجن أولاده بمطبق الزهراء، وأمر محمد ابنه طلاق أخت عبد الله فطلقها. ولم تزل خليه إلى أن ذهبت دولة قومها فراجعها، فكاد الناس يحسبون أن مال عيسى مثل التراب كثرة فما وجد له منه شيء، ووقع التعجب من ذلك. ولم يزل أولاده فقراء وأعظم الناس قتل عيسى بجلالة قدره وكان أبو العلا صاعد اللغوي منقطعاً إلى عيسى فلما قتل كان أول من أنشد عبد الملك فيه بما دل على سوء عهده شعراً يقول فيه: فتلك هامته في الجو ناطقة ... تحدث الناس من أخباره عبرا مكتوبة الوجه بالهندي يقرؤه ... من ليس يقرأ مكتوبا ولا سطرا فصل في أخبار الوزير أبي محمد بن حزم قال بن حيان: كان ابن حزم صاحب حديث وفقه وجدل وله كتب كثيرة في المنطق والفلسفة. ولم يخل فيها من غلط، وكان شافعي المذهب يناضل الفقهاء عن مذهبه ثم صار ظاهريا فوضع الكتب إليها في هذا المذهب وثبت عليه إلا أن مات. ولان له تعلق بالآداب ثم شنع عليه الفقهاء وطعنوا فيه، وأقصاه الملوك وأبعدوه عن وطنه، وتوفي بالبادية سنة ست وخمسين وأربعمائة. وكان كثير المواظبة على التأليف وكثرة التصنيف. ومن مصنفاته كتاب (الفصل بين أهل الآراء) و (أهل النحل) وكتاب (الصادع والرادع) في الرد على من كفر أهل التأويل من فرق المسلمين، والرد على من قال بالتقليد. وكتاب حديث شرح الموطأ والكلام على مسائله، و (كتاب الجامع) في صحيح الحديث باختصار الأسانيد والاقتصار على أصحها. وكتاب (التلخيص والتخليص) في المسائل النظرية وفروعها التي لا نص عليها في الكتاب ولا الحديث وكتاب (منتقى الإجماع وبيانها من جملة ما لا يعرف فيه اختلاف) ، وكتاب (الإمامة والسياسة) في سير الخلفاء ومراتبها الندب والواجب منها. وكتاب (أخلاق النفس) ، وكتاب (الاتصال إلى أتم كتاب الخصال) ، وكتاب (كشف الالتباس ما بين أصحاب الظاهر وأصحاب القياس) ... ومن شعره بعد إحراق كتبه: فإن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي ... تضمنه القرطاس بل هو في صدري فصل في لمع من أخبار المنذر

ذكر الخبر في مقتل منذر

قال أبو مروان بن حيان: كان منذر بن يحيى صاحب سرقسطة، رجل من عرض الجند وبرقت به الحال، إلى أن صار قائداً في آخر دولة آل عامر، وتناهى أمره في الفتنة إلى نيل الإمارة، والانضمام من العسكر إلى الثغر إلا علا لمدة وإقطاع وكان أبوه يحيى من الفرسان غير المذكورين، وكان منذر هذا مشكور الفروسية سمح النفس، متعلقاً بطرف من الكتابة إلا أنه كان شديد الغدر قليل الوفاء. وأن هشام قد أحسن إليه واصطنعه وأسلمه لحتفه. وباع دماء عشيرته أهل قرطبة من البرابرة مجاناً من غير ضرورة. واستجاره محمد بن سليمان أميره في نكبته فقتله وهو ضيفه، إلا أنه كان كريماً يهب الأموال العظيمة. وعمرت لذلك سرقسطة حتى أشبهت الحضرة الكبرى قرطبة أيام الجماعة فحسنت أيامه وكثر مداحه وكان كثير التهالك في حب الدنيا والشهوات، فاتخذ الجواري الحسان، وملاح الغلمان، فحصل عنده من ذلك كل غريبة وغريب. وكان في أول ولايته قد ساس عظيمي الفرنجية وهاداهم حباطه الثغر وأهله. وكذلك رؤساء الجلالقة فحفظت أطرافه وكتفه المعمرة عن عمله وربما أوقع ببعض أصاغر القراميس في أطرافهم، وسبى منهم والجلالقة باقون على معاهدته إلى أن مضى لسبيله، والثغر مسدود. وبلغ من استمالته لأرمند وشانجه طاغيتي الفرنج، أن جعل تصاهرهما على يده. وكتب عقد النكاح بحضرته في سرقسطة، في جمع من أهل الملتين. فانبسطت عليه ألسن المسلمين لأجل ما فيه من سوء العاقبة. وقد قيل أن الرأي كان مع منذر في ذلك، وإنما أراد به ستر العورة واختداع عظيمي الفرنجة الطاغيتين المحدثين أنفسهما بمناهضة أهل الأندلس. فألهاهما عن الطاغيتين الحرب فعاش المسلمون في نعمة صافية وعيشة راضية إلى أن مات منذر. وما انتفع الطاغتين بالصهارة وهلكا وكفى المسلمون شرهم. قال ابن حيان وأخبروني الكاتب أبو أمية ابن هشام القرطبي قال: اجتاز بنا القومس بتطيلة، صدر أيام المنذر ووالينا من قبله سليمان بن هود. فسلك مجتازاً طرف الثغر الأعلا للاجتماع بالقومس ريمند صاحب برشلونة، عن علم من منذر، فأنكر أهل تطيلة وذهبوا إلى أخفار أميرهم منذر وانتهى ذلك إلى الطاغية شانجه فلما شارف البلد أرسل يستدعي قوماً من أعيانهم يكلمهم في تخلية سبيله. فدخلنا إلى منزلته فحدسناها ستة آلاف ما بين فارس وراجل. لم يكن احتفل في حشده ووصلنا إلى مضربه، فإذا هو جالس على مرتبته، وعليه ثياب من ثياب المسلمين، ورأسه مكشوف. فكلمنا بكلام لطيف حسن بين فيه حسن وجه، حسن سيرة. وذكر ما وافق عليه والينا من الاتفاق معه فعرفناه كراهة من ورانا لاجتيازه فنهانا عن ذلك وذكر الحرب وعدواها فانصرفنا عنه وأدينا قوله إليهم فلم يقبله عامة الناس، وخرجوا إلى عجل أنطأت في سافنه تحمل أزواد أهل عسكره يريدون نهبها، عاصمين للمشايخ, فانتهى ذلك إليه فنفذ من أصحابه مقدار خمسمائة فارس ثاروا في وجوه الناس. فخرج أهل البلد بأسرهم مدافعة فحمل من الخمسمائة قطعة فولى الناس الأدبار، حتى اقتحموا باب المدينة. ثم كفوا عنهم ومضى لوجهه. ولم يؤاخذهم بما بدا منهم. ذكر الخبر في مقتل منذر قال ابن حيان: فأما مقتل منذر فإنه مكان على يدي رجل مارد من بني عمه يقال له عبد الله بن حكم. وذلك أنه أضمر الفتك به دهراً طويلاً، ودخل عليه يوماً في مجلسه غرة ذي الحجة سنة ثلاثين وأربعمائة وهو غافل عما يراد به. عليه غلاله، وليس عنده إلا نفر من خواص خدمه الصقالبة قد أكب على كتاب يقرؤه فضربه بسكين كان معه فقتله وهرب الغلمان. وأخرج رأس منذر لوقته من قصره فوق قفاه ينادي عليه: هذا جزاء من عصى أمير المؤمنين هشاماً. فنزلت سرقسطة حادثة عظيمة، وأشرف أهلها على فتنة عظيمة. وطمع فيه أكثر من كان يجاورهم فاضطربوا إلى تمليك البلد له. وكان سليمان ابن هود الجذامي مقيماً بتطيلة بجمعه فسارع إلى سرقسطة رجاء دخولها فمنعه عبد الله منها. ثم جاء إسماعيل بن ذي النون خال منذر فاتصلت الفتنة، وامتنع عبد الله من مقصده ونال أهل سرقسطه جهد شديد. وأقدم عبد الله هذا على ما لم يقدم عليه أحد من قتل منذر في داره وبين كماته.

أبو القاسم الإقليلي

ولما فرغ منه استدعى قاض البلد ومشايخه فدخلوا إليه ومنذر قتيل إلى جانبه فبسط عذره عندهم، وأمرهم بتسكين من ورائهم وتفرقوا عنه، واختلفوا عليه، وقاتلوه فخرج من باب سر في القصر. واستصحب من فاخر ما اشتمل عليه من ذخائر منذر ما أمكنه ولحق بحصن رنطة اليهودي أحد معاقل سرقسطة المنيعة. وقد كان أعده لنفسه فأقام به يرصد الفتنة. وكان حمل معه إلى هذا القصر أخوي منذر ووزيره وغيرهم من رجال منذر، مقيدين فحبسهم عنده وطالبهم بالأموال. ونهب العوام قصر سرقسطة إلى أن قلعوا منه المرمر وطمسوا أثره لولا تعجيل سليمان بن هود ملك البلد. قال علي ابن بسام: وذكرت بهذه الفتكة ما اتفق من مثلها بقلعة حماد وهي على طرفاً أفريقية الأدنى إلى الأندلس. وذلك أنه لما أفضى ملكهم إلى بلقين بن محمد أحد الجبابرة، وكان شديد البأس، حدث أنه عاد مرة من بعض غزواته فارتاح إلى ما يرتاح إليه الناس من الخلوة والدعه. فجلس لذلك في بعض مجالسه، وقام بإحضار ما يصلح من آلاته، وأمر القهرمانة بإحضار إحدى عقائله من بنات عمه، وكانت بارعة الجمال فائقة الكمال فوافته القهرمانة بها. وقد خطر له ذكر غزوة يشرع فيها فغاص في الفكر والتدبير والكأس في يده وابنة عمه واقفة على رأسه وهو لاه عنها إلى أن طلع الفجر ثم حانت منه التفاته فرآها فاعتذر إليها ووضع الكأس من يده. وختم عليها وركب فغزا غزوته فاس ثم رجع فجلس في ذلك المجلس لعينه وأخذ تلك الكأس المختومة، واستدعى ابنة عمه المذكورة فخلا بها وقضى لذته منها بعد مدة طويلة ولما ظن أن الأمر قد استوثق والدهر قد أصحت قيض له ابن عمه الناصر وكان أصغر خلق الله شأنا عنده وأهونهم عليه. وقد كان بعض نصحائه خوفه منه, وكان لا يركب إلا دارعاً على عادة له قبل ذلك، ومولعاً بالادلاج إذا رحل مؤثراً للانفراد إذا ركب. فأقسم أن لا يدلج إلا حاسراً ليقتلني الناصر قولاً واحداً، وركب فلقيه الناصر كأنه يسلم عليه أو يسير بين يديه فما راجعه الكلام حتى خلله السيف ورفع رأسه على رمح وسير به أمامه. والناس وقال: أنتم تعلمون أن بلقين قتل أخي، وقد شفيت منه صدري وأخذت بثأري، وما حدثت نفسي بغير هذا ولا رأيت الدخول في شيء من أمركم. فردوا عليه جميلاً وظنوا أنه لم يجسر على ما فعله إلا وله أشياع وأتباع فكفوا عنه وعطف على خزائن بلقين فأنهبها للعربان فاستمال بذلك قلوبهم واستخلص به طاعتهم، ورحل تحت جنح الليل على قلعة فوطئ الحرم وتملك الحجر. أبو القاسم الإقليلي فصل قال ابن حيان: كان أبو القاسم المعروف بابن أبي الإقليلي قد تقدم أهل زمانه بقرطبة في العربية والضبط لغريب اللغة. وكان كثير الحسد لأهل هذا الشأن، وكان جاهلاً بعلك العروض. وشهد الفتنة البربرية بقرطبة، وتعلق بخدمة آل حمود ومن تلاهم إلى أن ارتفع قدره وعظم جاهه. واستكتبه المستكفي محمد بن عبد الرحمن بعد ابن برد. فوقع كلامه جانباً من البلاغة ولمك يجر على أسليب الكتابة فزهد فيه. ولم يؤلف سوى كتابه المشهور في شعر المتنبي ولحقته تهمة في دينه في أيام هشام المرواني فطلب وسجن بالمطبق ثم أطلق. أبو عامر بن المظفر قال ابن بسام: لما استوحش أبو عامر بن المظفر من هشام المؤيد ووزيره حكم بن سعيد القزاز، وكان قد اتهم بذنب سليمان بن هشام الناصري، خرج في جماعة من ثقاته، وحمل معه عيون ذخائره وخاصة حرمه، وقطع أرضاً بعيدة فلم يعلم المؤيد به إلى أن جاءه خبر اجتيازه بدير قرطبة، راجعاً على عقبه من شاطبه، إذ لم يتفق له فيها ما أراده وتوجه إلى أن عبد الله بقرمونه مستجيراً به فلم يجره. وتقدم إلى نوابه بمنعه من المرور بشيء من عمله فضاقت به الأرض فألقى نفسه على أبي حمامة بن جرير البصدراني فأجاره وأنزله في حصنه على نهر قرطبة، ولم يزل على ذلك إلى مات عنده.

فصل في ذكر مقتل يحيى بن حمود

وحدث ابن عبد الله بن هريرة الكاتب قال: قصد أبو عامر بن مظفر في خروجه من شاطبه إلى مواليه العامريين بعد مراسلة متقدمة فلما وصل ردوه خجلاً خائباً. فرغبت في أن تخرج إليه أخته بنت المظفر المقيمة فيهم فلما خرجت أودعها جوهراً نفيساً كان احتمله وودعها، وعاد على أثره والعبيد يطرده من كل ناحية إلى أن صار إلى البصدراني فكان منه ما كان؛ فلما هلك لم يزل عبد العزيز ابن عمه يخدع أخته عن الجوهر ويعدها بتزوجها إلى أن أخذه منها، وأخلف الوعد في عقد نكاحها فلم يكن في يدها إلا بسط لسانها في شتمه، وكان المؤيد لما آيس من أبي عامر بن المظفر تتبع أسبابه وأمواله ومعارفه بما عظم به البلاء واشتدت به المصيبة. فصل في ذكر مقتل يحيى بن حمود قال أبو مروان: ذكر لي أنه لما كان عيد أضحى سنة ست وعشرين وأربعمائة، وانغمس يحيى بن علي في شربه ولهوه، سرت في جماعة من بني عمي إلى اشبيلية للاجتماع بابن عمنا محمد بن عبد الله والقاضي ابن عباد، فوصلنا وأعلمناهما من خبر لهو ابن حمود بما رأيناه، فجمعوا جيشاً لقتاله رسماً في بيعة هشام بن الحكم. وقدمت سريه قبله وكمن الجيش وتوجهت فوارس إلى سامره بسوق قرمونه فطار الخبر إلى يحيى بن حمود وهو في سرابه وقد سكر، فنعر نعرة شديدة ووثب قائماً يقول: وبياض بختي الليلة وابن عباد زائري، وركب وركبَ أصحابه وغلمانه، وبادروا الخروج على باب قرمونة في نحو ثلاثمائة فارس، أكثرهم فارس مداجون له كارهون فيه. فمضى على وجهه مضطراً فألقى نفسه على العسكر واشتدت الحرب. وعلم أنه لا ينجي منه إلا الصدوق فصدق، القتال وحمل على العسكر حملة شديدة. ولم القتال بالجيشين إلى أن أحاطوا بإسماعيل بن عباد ومن معه من الأندلسيين، فنادوا في وجهه وقف الفريقان ساعة وظهر كمين ابن عباد وشدت الجماعة على يحي وقتل جماعة وهر يحيى بن حمود في القتلى فجز رأسه، وسير به إلى ابن عباد باشبيلية فسجد وسجد من حضر السجود. وفرح الناس بقتله واستمرت الهزيمة على أصحاب يحيى حتى ساء ذلك محمد بن عبد الله وغضب لقومه، وكلم ابن عباد في رفع السيف عنه. وسار محمد بن عبد الله إلى قرمونه راكضاً دون إسماعيل بن عباد، فجاءهما لوقته وقد ملك سودان يحيى أبوابها ودخل من ساعته دار يحيى وحاز جميع ما فيها، واستباح نساءه وأباح حرمه لبنيه واستوى في مجلسه ورد الله عليه ملكه، ثم لم يجده على ذلك شاكراً للنعمة. ولما سقط الخبر على أهل قرطبة بقتل يحيى لم يصدقوه لشدة فرحهم. فصل قال أبو حيان في يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة اثنين وستين وأربعمائة، سار الحاجب سراج الدولة ابن محمد باشبيلية، لتأنيس أهلها من وحشة خامرت عامتهم، لأجل عدوان رجل منهم على يهودي، زعم أنه سب الشريعة فبطش به وسط السوق وجرحه. فقبض عليه صاحب المدينة وحبسه، وكثر كلام العامة في إنكار حبسه وزادوا في ذلك ما خشيت عاقبته. فخاطب السلطان بقرطبة بما كان فيه واستأمره في شأنه، فعجل بإنفاذ جيش كثيف للحوطة على العامة. وأنفذ فيه ذا الوزارتين أبا ابن زيدون على بقية وعك كان متألماً منه، ولم يقبل عذره في التوقف من أجله. ثم سير ولده بعده إليه وخلا مكانهما من المملكة، فوجد الأعداء سبيلاً إلى السعي بهما. واستمر بابن زيدون المرض حتى مات في اشبيلية ودفن فيها، في رجب سنة ثلاث وستين، فقام ولده بعده وسرمدة وحفظ عهد والده في معارفه. قال أبو حيان: في سنة اثنين وأربعين وأربعمائة أوقع ابن عباد بابن الأفطس، وكان ذلك بسبب أن فتح ابن يحيى خليفة ابن الأفطس، أظهر موالاة لعباد فكاشفه ابن الأفطس وخافه على ما كان ائتمنه عليه من وديعة، كان حملها إليه. ثم أرسل ابن الأفطس خيله للحوطه على ابن يحيى، فاستغاث عباد فندب إليه من عسكره جماعة منتقاه فلما تراءى الجمعان كرت الخيل الأفطسية على خيل عباد وطردتها وتتبعتها وهي لا تعلم بعباد، فإذا هو في كمين قد خرج عليهم فولوا الأدبار وركبهم السيف، وبدل عباد المال في رؤوسهم فحمل إليه منها ثمانية وخمسين رأساً، ومن خيلهم مثل هذه العدة. فقص جناح ابن الأفطس، وأفنى حماته وجمع رجاله وخيله، وقدم إليها إسماعيل ولده مع زين ابن الإسلام، وخرج نحو بلد ابن الأفطس.

فصل فيما يتعلق بأخبار المستكفي

وكان ابن الأفطس قد استدعى خليفة إسحاق بن عبد الله، فلحقت به خيله مع ابنه أبي العز، بعد أن جمع بقايا جيشه، وأخرج كل من قدر على ركوب دابة من البياض من رجال البوادي فحمله، وهم خلق كثير، وأقبل بجيشه لدفع جيش ابن عباد عن بلده. قد كان برابرة خليفة إسحاق قالوا له: لا تتبعهم فمالك بهم طاقة، ونحن قد شاهدناهم وعرفنا حالهم باشبيلية فلم يسمع منهم، ومضى فالتقى الفريقان على طريق من غير نزول فاختلطوا وتجالدوا وحقق العباديون الضراب، وتابعوا الشدات وانحازت عنه برابرة إسحاق فانهزم ابن الأفطس، وحمل السيف على جميع من معه فاستأطلهم القتل. وقتل ولد إسحاق وجز رأسه وبعث بها على اشبيلية مع رأس لابن عم ابن الأفطس ونجا ابن الأفطس، في قطعة من خيله. قال ابن حيان: وذكر أن عدة القتلى في هذه الواقعة يزيد على ثلاثة آلاف رجل. قال حدثني من أثق به أن بطليوس أقامت مدة خالية الدكاكين والأسواق لاستئصال أهلها بالقتل في وقعة ابن عباد وجزع إسحاق بن عبد الله على ولده. فصل فيما يتعلق بأخبار المستكفي قال علي ابن بسام، قال أبو حيان: هو محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله الناصري بويع يوم قتل عبد الرحمن الناصر المستظهر، يوم السبت لثلاث خلون من ذي القعدة سنة أربع عشرة وأربعمائة. ولقب بالمستكفي بالله باختيار منه له، وكان كثير التخلف بادي العجز لا أهلية فيه لما ارتقى إليه، وإنما الله أرسله محنة وبلية وسخطة ونعمة. وكان من الفقر المدقع بحيث أنه يسأل الفلاحين بقرطبة في الصدقة عليه بزكاة غلاتهم، ويخاطبهم في ذلك بلسانه، ويلقاهم فيه بوجهه. وقال وأجمع أهل التحصيل على أنه ما ولي الإمارة قط أدنى منه ولا أنقص. ولما اعتقل بنو عمه وأهل بيته في الدولة المحمودية فما رأوه أهلاً للاعتقال احتقاراً له، فأفضى به الأمر إلى الإمارة، وهو ثالث خليفة قام في هذه السنة، الأول القاسم بن حمود، الثاني عبد الرحمن المستظهر، والثالث هذا محمد المستكفي. وانحل في أيامه النظام وأباح الناس بالمحظور وتسمى كل من الأخساء بما أراد من أسماء الأجلاء، وانحطت المراتب واشتدت المصائب، وقبض على جماعة من بني عمه ووجوه أهله، وقتل ابن عمه عبد العزيز العراقي خنقاً، ونعاه إلى الناس ولم يخف عنهم فعله. وفي أيامه كمل خراب قصور جده الناصر. وطمست أعلام قرطبة وقصر الزهراء، واقتلع نحاس الأبواب ورصاص المداري، وغير ذلك من الآلات، فطوى بخرابها بساط الدنيا إذا كانت جنة الأرض. فلما كانت سنة ست عشرة وتحول يحيى بن حمود على قرطبة وضعف أمر المستكفي، اتفق الخلق على خلعه, ودخلوا عليه وقالوا قد علم الله اجتهدنا في تثبيت أمرك واعتياصه علينا واضطررنا إلى مقاومة عدونا وها نحن خارجون إليه ووما ندري ما لعله يحدث عليك بعدنا، فإن تكن لك الكرة فلا تيأس فإن مع اليوم غداً. فأجمل الرد عليهم واستشعر الذل، وعزم على الهروب. فخرج على وجهه، وقد لبس ثياب النساء بين امرأتين لم يميز منهما لغاية التخنث عليه، وخرج من قرطبة فمات بإقليش فكانت دولته سبعة عشر شهراً. فصل في ذكر الأديب أبي عبد الله محمد بن الحناط قال ابن بسام، قال ابن حيان: أنه توفي سنة سبع وثلاثين وأربعمائة، بالجزيرة الخضراء في كنف الأمير محمد بن القاسم. ثم مات ولده الذي لم يكن له سواه بمألفه فاجتثت أصله وكان أوسع الناس علماً بعلوم الجاهلية والإسلام. والآثار العلوية، والهندسة والطب، والفلسفة والآداب، وتعارف الأحوال، مضطرب التدبير.

فصل في ذكر عبادة بن ماء السماء

قال ابن حيان: كان عبد الرحمن بن محمد من ولد الناصر لدين الله، قد نصب خليفة بشرق الأندلس، فزحف بمن معه من الأندلسيين العامريين وغيرهم إلى عدوة البرابرة بقرطبة وأعمالهم، وأميرها يومئذ القاسم بن محمود. فخرجوا بحملتهم في سنة سبع وأربعمائة وعقدوا مع المرتضى غزوها، فعرجوا بطريقهم إلى غرناطة ليبدؤوا بحرب من بها من صنهاجة، لأجل غدرهم بسلطانهم المرتضى، فاستأصلوا شأفة البرابرة، وتمكن ملك المحمودية. وكانوا جاءوا في جملتهم بمنذر التجيني وخيران الصقلي وقطعه من الفرنج، فخلوا غرناطة في جماعة كثيرة. وأمير البرابرة يومئذ زاوي بن زيري بن مناد وكان محارباً شجاعاً فارتاعت صنهاجه من عسكر المرتضى، وانزووا إلى زيري ليدبرهم. ونشبت الحرب بينهم أياماً فانهزم الأندلسيون أقبح هزيمة، وتركوا معسكرهم بجميع ما فيه، وفقد المرتضى في ذلك المعترك، وأسر جماعة من أصحابه، توجه بهم زاوي إلى القاسم بقرطبة، واستغنى البرابرة بما غنموه. وكان أول من انهزم من ذلك العسكر منذر بن يحيى التجيني وخيران الصقلي، وجيء برأس المرتضى إلى خيران ومنذر وقد لحقا بالمريه, وسلم أخوه أبو بكر بن هشام ولحق بالعامريين وزهدوا فيه فاستقر عند ابن القاسم، ولم يزل مقيماً عنده إلى أن كان من تقدمه للخلافة ما كان، ونفذ زاوي إلى القاسم بقرطبة كتاباً يشرح ما جرى مع نصيبه من الغنية. وفي جملته سرادق المرتضى فضرب القاسم على نهر قرطبة، واجتمع الناس لينظروه، وضاقت صدورهم لأجله، وكرت ريح المروانية وآيس الناس من دولتهم، ولما نظر زاوي كما جرى من الأندلسيين وخاف العاقبة حمل أصحابه على الخروج من الأندلس فخالفوه فلما يأس منهم، ركب البحر بأهله وماله ولحق بأفريقية. وقد كان ذلك من أعجب ما جرى وأغرب ما سمع وأقام بالقيروان وأقره المعز في دولته، ولم يقلد ولا واحد من أولاده شيئاً من أعماله، وكانوا في غنى عن الولاية، بما حملوه معهم. فصل في ذكر عبادة بن ماء السماء ذكر أبو عامر بن شعر أنه مات في شوال سنة تسع عشرة بمالقه. وكان سبب موته أن ضاعت له مائة شقال، فاغتم ومات غماً وهو من عمل الموشحات وجسدها وقيل بل إن ابن عبد ربه صاحب كتاب (العقد الفريد) هو أول من شرحها. فصل في ذكر الخبر عن ولاية القاسم ابن حمود على اشبيلية وانقطاع دولته وتغلب القاضي ابن عباد عليه كما قال أبو مروان بن حيان: بويع القاسم بن حمود بقرطبة، بعد قتل أخيه بست ليال، وأمن الناس، وكف المفسدين، وقتل قاتلي أخيه. وأقصى السعاة، وأقر الناس على ما هم عليه. وكان قد أسرف في اتخاذ السودان وضعف أمره وهان منصبه. ولم يزل الأمر يأخذ ويعطي إلى أن استطال البرابرة. واتفق رؤساء القبائل، وخرجوا لقتاله سنة أربع عشرة، فانهزموا ورحلوا عن قرطبة. والتفت على القاسم جماعة يرجونه ودعوه إلى الرجوع إلى اشبيلية وكان له بها ولد مع وزيره محمد بن خالص، فلما سمعت بخبر هزيمته خاف أهلها معرة من معه، فوثبوا على ولده وأصحابه فأحضروهم بدار الإمارة، ووقع بينهم قتال شديد فوافي القاسم باب اشبيلية، ولاطفهم القول وطمع في خدمتهم، فلم يلتفتوا إليه واشتد الأمر على ولده وأصحابه إلى أن رضي القاسم من أهل البلد بإسلام ولده وأصحابه بأموالهم وأهلهم فعاهدوه على ذلك، وخرج ولده ومن معه، وأفضى الأمر إلى أخذ القاسم وولده وتقييدهما وإبطال أمرهما. فصل في أخبار أبي عبد الملك بن زيادة قال أبو حيان: إنه قتل بقرطبة سنة سبع وخمسين وأربعمائة، وكان قتله بتدبير من أولاده ونسائه لشحه عليهن، وأنه وجد قتيلاً على فراشه مضروباً بالخناجر في وريديه ولبته وأعلى جسده، وأعلن نساؤه بالصياح والنواح يزعمن أنه طرق وظهر أمره. قال أبو مروان: وفي منتصف ذي الحجة سنة اثنين وعشرين وأربعمائة بعد خلع المعتمد، وقتل وزيره، أضمر أهل قرطبة على تقليد أمرهم للشيخ أبي حزم بن جهور وأبى ذلك فألحوا عليه حتى أجابهم بشرط اشتراك شيخين محمد بن عباد وعبد العزيز بن حسن ابني عنه خاصة من بين الجماعة في المشورة دون التأمير، فرضي الناس بذلك وخلعوا من دونهم. وتمت رياسته عليهم وأحسن التدبير فيهم واقتصر من الجند على أعيانهم. وقطع أسباب البرابرة إلا من صار في البلد من الموثوق بهم.

فصل في ذكر أبي الوليد الفرضي

وأمنت به قرطبة مدة طويلة، وكان إذا حصل شيء من المال أعطي منه المقاتلة فأجلهم وفارسهم، وصير ذلك بأيدي ثقات من أهل الخدمة. فإن فضل شيء من المال أعطي من المقاتلة، تركه بأيديهم مشهوداً به عليهم إلى أن يتبين وجه لصرفه فيه، ولا يدخل إلى داره منه شيء وإذا سئل قال: (ليس لي عطاء ولا منع، وهو للجماعة وأنا أمينهم) ، وإذا أراد أمراً وعزم على تدبيره أحضرهم، ووافقوه وإذا خوطب بكتاب لا ينظر فيه إلا أن يكون باسم الوزراء. وأعطى السلطان قسطه من النظر لنفسه، وأظهر البخل الشديد والمنع الخالص. وكان شديد التواضع عفيف لم تعثر له على حال تدل على ريبه. مقبلاً على القيادة واستمر في تدبير قرطبة وكف البرابرة عنها بالرفق في المعاملة، حتى حصل منهم على السلم، إلى أن توفي في يوم السادس من المحرم سنة خمس وثلاثين وأربعمائة. وقام بالأمر بعده أبو الوليد محمد ولده وتنافس ولداه في خلافته. وجرت في ذلك أحوال تقررت على أن يكونا شريكين، عبد الرحمن ولده الأكبر على أمر الجباية، والنظر في أهل الجزية، والتوقير في الكتب السلطانية في الحل والعقد، وجميع أبواب النفقات. وعبد الملك ولده الأصغر على الجيوش والأخبار والقبض والعطا والركوب فيهم وتجريدهم في البعوث وغير ذلك مما يتعلق بهم. قال ابن بسام: وكان عباد قد خامر صدره فرسان ابن السقا منذ تغلبت دولة بني جهور ما لا يسعه كتمه حسداً لبني جهور. وكان ابن السقا من الاستقلال بحيث لا يتأثر له فبعث عباد بن عبد الملك إلى ابن جهور المقدم ذكره، من أغراه بالفتك بابن السقا. وأغرى ابن السقا بطلب الملك إلى أن جرى من أمرهما ما جرى. فلما تفرد يحيى بن ذي عباد بالأمر بعد ابن السقا، وانقبض ابن عبد الملك، وكان في نفس يحيى بن ذي نون من الشغف بقرطبة، ما سهل عليه إنفاق المال وهلك عباد، وصار الأمر على ابنه المعتمد سنة إحدى وستين. فلما كان آخر سنة اثنين وستين وأربعمائة، وزحف ابن ذي النون إلى قرطبة واحتاج عبد الملك بن جهور إلى الاستنجاد بالمعتمد بن عباد، لعجزه عما كان أسند إليه من أمر قرطبة، فأمده ابن عباد بجمهور أجناده فوافوه قرطبة، ونزلوا بالجانب الشرقي منها، وأقاموا بها أياماً يحمونها وينتهزون الفرصة فيها. فلما طال على ابن ذي النون سفره ورحل، وأظهر أجناد عباد العزم على الرحيل، وتأهب عبد الملك لتوديعهم، لم يشعر عبد الملك بهم، حتى أحدقوا بالقصر وقبضوا عليه وعلى إخوته وسائر أهل بيته. وبالغوا في قتل حرمه واستصفاء نخبتهم، وأخرج أبو الوليد ومعه أشراف الأندلسيين مفلوجاً مغلوباً على نفسه. لم يرعوا له حقاً ولم يحفظوا له حرمة. فلما توسطوا به قنطرة قرطبة وهو على حالة سيئة رفع يديه إلى السماء. وبالغ في الدعاء، وقال فيه: اللهم كما أجبت الدعاء لنا فأجبه فينا فمات بعد أربعين يوماً من نكبته، وزوال نعمته بجزيرة شلطين وأقام بنوه هناك أكثر أيام المعتمد حتى انقرض أمرهم. فصل في ذكر أبي الوليد الفرضي قال ابن بسام كان من العلماء وحكى عن نفسه قال: تعلقت بأستار الكعبة وسألت الله الشهادة في الحرب، وفكرت في هول القتل، فندمت وهممت أن أرجع، وأستقبل الله ذلك فاستحييت، ثم قتل رحمه الله عند دخول البرابرة قرطبة سنة أربعمائة. قال أبو حزم أخبرني من رآه بين القتلى يومئذ في آخر رمق، وهو يقول: لا يكلم أحد في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء وجرحه يوم القيامة يبعث دماً؛ اللون لون الدم والريح ريح المسك، كأنه يعيد على نفسخ الحديث الوارد في ذلك ثم قضى نحبه هناك. فصل مقتل أحمد بن عباس قال ابن بسام كان أديباً فاضلاً كاتباً كافياً إلا أنه ممن استولى عليه العجب، وملكه التيه، واستفزه الفرح، وغطى على عينيه الكبر وأفضى الأمر على هلاكه وهلاك سلطانه زهير مولى بني عامر. قال في كلام طويل وحديث عريض إنه لما ظفر به باديس أخر قتله واعتقله وأطلق من كان أسر معه. وبذل عن نفسه الرغائب فأعرض عنها باديس واشتد جزعه على نفسه. وكان شديد الترفه وعظمت مصيبته وثقل عليه الحديد. لم يزل الأمر يتردد إلى أن قويت نفس باديس على قتله بنفسه مع أخيه بلقين. فلما عاد يوماً من الركوب استدعاه فلما أحضر إليه في قيوده وألح في استعطافه فثار غضبه وزرقه بمزرقته وزرقه أخوه وقطع رأسه.

فصل في ذكر أبي القاسم محمد بن عباد المتغلب على اشبيلية

ووجد في تركته أربعمائة ألف مجلد سوى المجددات. قالوا وكانت له خمسمائة قينة واتهم مع ذلك بعهر الخلوة الذي استهوته وقلة الجماع ومن طرائفه وأخبار فرط نجله ما حاكاه الوزير أبو الوليد بن زيدون عن ابن الباجي كاتب الرسائل. قال دعاني ابن عباس يوماً مع خواص من أصحابه إلى داره فطرنا إلى مجلس ما رأينا قط مثله في جلالة فرشه ومنوره وآلاته، وفواكهه وأنقاله وقد غطى جميع ذلك بمناديل تشف عما تحتها فأخذ يلاعبنا الشطرنج وكانت غالية عليه مالكة لقلبه فاستغرق فيها ولم يزل يلعب بها نهاره كله وبعض ليلته لا يرفع رأسه ولا يدعو لنا بطعام ولا غيره إلى أن سألناه الانصراف وأذن لنا فيه وانصرفنا إلى بيوتنا ولم نتناول شيئاً مما كان قد أعده لنا. فصل في ذكر التاغيدي يوسف اليهودي: قال ابن بسام كان هذا يوسف يهودياً كافياً حسن السيرة تولى لباديس ولأبيه من قبله لغرناطة جباية المال وتدبير أكثر الأعمال. ونجم ولده إسماعيل غلاماً وصباً ومركباً وطياً وكان باديس مفتوناً بحب الغلمان فاصطفاه وتحظاه، وخلى بينه وبين الأموال وأنفذ أمره في الرجال وطغا وبغا تعرض إلى القدح في الملة والعبث بفقهاء القبيلة كالفقيه ابن حزم وغيره، وكانت اليهود تتشائم به وتخاف ما وقعت فيه بسببه ولما استقل، وكر منه ما قل كاتب ابن صمادح عدو باديس سلطانه بتسليمه المريه إليه وأمره ابن صمادح بالمال ودبر على صاحبه تدبيراً عثر عليه المسلمون منه فعاجلوه وقتلوه وقتل من اليهود ما ينيف عن أربعة آلاف نفس وكان قد تسمى بالتاغيد ومعناه المدبر. فصل في ذكر أبي القاسم محمد بن عباد المتغلب على اشبيلية قال كان واسع المال معدوداً من أفاضل الرجال، وملك ثلث اشبيلية ولم يزل يتدرج ويتوصل إلى أم ملكها وسار فيها سيرة ملوك الأندلس. قال ابن حيان: ومن طرائف أخباره أنه انتهى إليه خبر الدعي المسمى بهشام بن الحكم، وكان قد تحدث الناس أنه أفلت من يد سليمان وتوجه إلى المشرق ثم عاد إلى الأندلس، وأنه إنما رجع لرجوع الدولة المروانية. وذكروا أنه ظهر بالمرية سنة ست وعشرين، فأخبر أنه حصل هشاماً عنده، وجمع من بقي باشبيلية من نساء القصر والخدم واعترف له أكبرهم، ووقفوا إلى عتبته, ووجد ابن عباد السبيل بذلك إلى تمام ما دربه من حرب ابن حمود وغيره، وحجبه عن أعين الناس. وكاتب عنه أخلص الرؤساء وشهد جماعة منهم بأن المشار إليه هو هشاماً نفسه. وكان لبعضهم أيضاً في ذلك غرض فحصلت اشبيلية لابن عباد وكان قاضياً يومئذ، وفي حديث طويل وخبر عريض أن ابن عباد رحمه الله، وجه ابنه إسماعيل مع عسكر إلى أرض العدو بتعاقده بينه وبين ابن الأفطس. فلما أوغل إسماعيل ببلده يريد أرض بلنسية وابن الأفطس يسر الغدر به، أخذ عليه المضيق وابن عباد لا يعلم بشيء من أمره وتدبيره. فلما حصل في الأنشوطة نجا بنفسه أعني إسماعيل وأسلم كل من كان معه من عسكر وغيره واصطلحه ابن الأفطس وكانت حادثة عظيمة شنيعة وجائحة قبيحة. فصل في أخبار المقتصد بالله عباد بن القاسم محمد بن عباد أفضى الأمر إليه في سنة ثلاث وثلاثين وتدبيره قال وكان شديد المراس، كثير التهور، وافتتح أمره بقتل وزير أبيه. قال أبو حيان ومات على فراشه بعلة أصابته واتقى الناس أمره في سنة أربع وستين. فصل في أخبار المعتمد على الله

فصل في ذكر الفقيه ابن حفص عمر بن الحسن الهوري

لما عظم شأنه وقوي سلطانه خرج عليه باديس بن جيوش واستولى على قصبة مالقة وكان أهل مالقة أشاروا على ابني المعتمد حين خلوا بينهما وبين البلد بإذكاء العيون وضبط المعاقل فقفلا وتعسكرا وكان قد وصل بها من السودان المغاربة من يتزيا بشعار باديس. فلما شعر ابنا عباد بالخيل وانبساط الأيدي في القتل والأسر. وجرت خطوب كان آخرها الهروب سباحة وسياحة وإلقاء بالأنفس من شرفات الأسوار. فلما كان يوم الحد العشرين من رجب. دخل المعتمد على البلد بعد قتال شديد ثم أخرج المعتمد منه. وأطلقه نساؤه وأهله، وجعلوا في مركب. واقتحم بهم البحر ورزقهم الله السلامة فوصلوا إلى أمير المؤمنين ناصر الدين ابن يعقوب ابن تاشفين، فبقوا هنالك في كنفه تحت ظله. ولم يزل حتى حضر أجله بعد مرض شديد أصابه فمات رحمه الله في شوال سنة ثمان وثمانين وأربعمائة وكانت جنازته عظيمة والنادر فيها أنهم نادوا عليه بالصلاة على الغريب بعد الملك العظيم والمقام الكريم. وكان لما أحس بالوفاة قال: قبر الغريب سقاك الرائح الغادي ... حقاً ظفرت بأشلاء ابن عباد نعم هو الحق فاجأني به قدر ... من السماء فوافاني بميعاد ولم أكن قبل ذاك النعش أعلمه ... أن الجبال تهادى فوق أعواد فلا تزال صلاة الله نازلة ... على دفنيك لا تحصي بتعداد ورثاه جماعة كثيرة من الشعراء وخصوصاً أبو بكر الداني المعروف بابن اللبانة. فإنه كان وفد عليه محافظة ووفاء ومدحه في تلك الحال وعزاه وابنه ورثاه وصنف في ذلك كتاباً سماه.. نظم السلوك في مواعظ الملوك. وقدح ابن بسام في الكتاب المذكور وأذرى عليه وذكر أنه لم يف بما أشار إليه. فصل في ذكر الفقيه ابن حفص عمر بن الحسن الهوري قال علي بن بسام كان صاحب الصلاة بقرطبة على عهد عبد الرحمن بن معاوية, وأفضى أمر اشبيلية على عباد وأبي حفص مدبرها فلما تمكن المعتضد واستقر وأوجس منه خيفة استأذنه في الرحيل فأذن له فتوجه إلى صقلية. ثم توجه إلى مصر فوصل إلى مكة، وسمع الناس عليه البخاري، ثم رجع إلى الأندلس واستأذن المعتضد في الإقامة بمرسية فأذن له بذلك. ثم غلب الروم على ما يجاورها. ورأى أن ينتقل منها فخاطب المعتضد برقعة يحضه فيها على الجهاد باشبيلية. فلما عاد إليها أكرمه واحترمه وفوض إليه الحل والعقد ثم استدعاه ليلة وهو سكران فقتله بيده. ولم تطل مدته بعده في الملك. فصل في ذكر الوزير أبو بكر ابن عمار قال ابن بسام كان شاعراً مغلقاً وفقيراً في مبدأ أمره. ومن جملة أخباره أنه مدح بعض أعيان شلب بقصيدة وقصده بها في آخر النهار فأخذها منه واسر إلى غلامه بشيء فغاب عنه غمز لحظة، وعاد ومعه مخلاة شعير، واعتذر بما حضر فقبلها منه كارهاً. فلما انتهت به الحال إلى الوزارة. وأفضيت به إلى أعظم رياسة، فنجم على منزل ذلك الرجل فقام إليه. وتطارح عليه فأذكره سوء فعله، وقبح جهله وأمره بإحضار القصيدة فأحضرها، وأخذها ثم أمر له بملئ المخلاة دراهم قاسمية. وقال لو كنت أعطيت براً لملأتها لك تبراً ولولا حرمتك لأوجعتك ضرباً لا عتاباً. ولم تزل بعد ذلك حاله تتردد وفساد ما بينه وبين المعتمد يتزايد إلى أن كان من خبره معه ما يأتي شرحه.

فصل، قال أبو مروان كان مبارك ومظفر قد وليا وكالة الساقية ببلد بلنسيه، ثم صرفا عنها فدخلا على الوزير عبد الرحمن بن بشار أيام خدمته بها سنة إحدى وأربعمائة، وقد دعيا للحساب فكلماه ومسحا أعطافه فردهما إلى عملهما. وعند خروجهما من عنده تعلق بهما خادم له، كان بدالاً عليه يطلبهما ببرة يده قبالة إحسان مالكه. ولم يكن معهما ما يعطيانه إياه فخلع الخادم لجام فرس مبارك. وكان قد ركبه فبقي فضيحة لا يقدر على حركة، ثم تخلصا منه. فماذا أدت الأيام حتى صارت الإمارة إلى مبارك ونزلت بابن بشار الوزير محنة قرطبة. وأفضت له الحال إلى قصد باب مبارك يستميحه، فأعرض عنه، ولم يلتفت إليه. وما أنصفه في اللقاء فضلاً عن غيره، قال واستخرجا أول إمارتها مائة وعشرين ألف دينار في الشهر ببلنسيه وشاطئها. وأقبلت الدنيا عليهما، وبالغاً في أذية الناس وإخسار الخلق. وحصل من الأموال العظيمة والخيول والأسلحة والحلل ما لم يحصل مثله لملك. وعظماً وعمراً بلنسية وحصناها وأقبلا على إنشاء القصور والمتنزهات وإسراف في النفقات والخدم والتنعم. قال ابن حيان وكان عبدي مهنة شديدي الجميل واللكنة ولما انتهيا في السعادة والإقبال إلى أبعد غاية هلك مبارك. وكان سبب ذلك أنه تركب فرساً فائقاً مطهماً كان أهل بلنسية قد ضجروا لمال فرضه. فاتفق إذ وقفوا له في ذلك اليوم. فقال اللهم إن كنت أريد إنفاقه في غير منفعة المسلمين فلا تؤخر عقوبتي في هذا اليوم وسار على القنطرة وهي من خشب فخرجت رجل فرسه من حدها فرمى أسفلها، واعترضته خشبة ناتئة من القنطرة فشدخت وجهه، وسقط الفرس عليه فكسر أعضاءه وهلك لوقته وأمن الناس أمره وكفى ظلمه. فصل: قال أبو مروان: تغلب العدو خذله الله على بريشنز قصبة بلد برطانة: وهي تقترب من سرقسطة في سنة ست وخمسين وأربعمائة وذلك أن جيش الأردمنليس نازلها وحاصرها وقصد يوسف ابن سليمان بن هود في حمايتها، ووكل أهلها على نفوسهم وأقام العدو عليها أربعين يوماً وفتح فيما بين أهلها تنازع على القوت. واتصل ذلك بالعدو فشدد القتال عليها والحصار لبها. فدخل العدو المدينة الأولى في خمسة آلاف مدرع، فدهش الناس وتحصنوا بالمدينة الداخلية وجرت بينهم حروب شديدة، قتل فيها خمسمائة فرنجي. ثم اتفق أن القناة التي كان يجري فيها الماء مكن النهر إلى المدينة تحت الأرض في سرب موزون انهارت، وفسدت ووقعت فيها صخرة عظيمة سدت السرب بأسره فانقطع الماء عن المدين، ويبس من بها من الحياة، فلاذوا بطلب بالأمان على أنفسهم خاصة دون مال وعيال فأعطاهم العدو الأمان. فلما خرجوا نكث بهم وقتل الجميع إلا القائد ابن الطويل والقاضي أبو عيسى ونفر من الوجوه. وحصل للعدو من الأموال والأمتعة ما لا يحصى حتى أن الذي خص بعض مقدمي العدو بحصته ألف وخمسمائة جارية. قال وقدر عدد من قتل وأسر مائة ألف نفس. ومن نوادر ما جرى على هذه المدينة لما فسدت القناة وانقطعت المياه أن المرأة كانت تقف على السور وتنادي من يقرب مننها وتسأله أن يعطيها جرعة ماء لنفسها أو لولدها فيقول لها: أعطيني ما معك فتعطيه ما معها من كسوة وحلي وغيره. قال: وكان السبب في قتلهم أنه خاف ممن يصل لنجدتهم، وشاهد من كثرتهم ما هاله فشرع في القتل لعنه الله، ثم نادى الملك بتأمين من بقي وأمر أ، يخرجوا فازدحموا في الباب إلى أمن مات منهم خلق عظيم. ونزلوا من الأسوار في الجبال للخشية من الازدحام في الأبواب، ومبادرة إلى شرب الماء.

فصل قال أبو مروان وفي آخر جمادى الأول سنة سبع وخمسين وأربعمائة شاع الخبر بقرطبة

قال وكان قد تحيز في وسط المدينة قدر سبعمائة نفس من الوجوه وحاروا في نفوسهم وانتظروا ما ينزل بهم، فلما خلت ممن قتل أو أسر وأخرج من الأبواب والأسوار وبعد من هلك في الزحمة نودي في تلك البقية بأن يبادر كل منهم إلى داره بأهله، وله الأمان، وأزهقوا وأزعجوا. فلما حصل كل واحد بمن معه من أهله في منزله فقسمهم الفرنج لعنهم الله بأمر الملك. وأخذ كل واحد داراً بمن فيها من أهلها. نعوذ بالله من الخطية وكان من أهل المدينة جماعة قد لاذوا برؤوس الجبال وتحصنوا بمواضع منيعة وكادوا يهلكون من العطش فأمنهم الملك على نفوسهم. وبرزوا في صور الهلكى من العطش وأطلق سبيلهم فبينما هم في الطريق إذ لقيهم خيل الكفر ممن لم يشهد الحادثة فقتلوهم إلا من نجا بنفسه قال وكان الفرنج لعنهم الله لما استولوا على أهل المدينة سكنوا وأسروا من أسروا يغتصبون البكر بحضرة أمها ويطأون الثيب بعين زوجها وأهلها وجرى من هذه الأموال ما لم يشهد المسلمون مثله فيما مضى من الزمان. فصل قال أبو مروان وفي آخر جمادى الأول سنة سبع وخمسين وأربعمائة شاع الخبر بقرطبة بارتجاع برنشتر إلى المسلمين وذلك أن الملقب بالمقتدر أحمد ابن هود الذي كان فرط فيها لأجل سلامة أهلها وأخيه فجرد لها وتوفر على إنعام النظر فيها وصار غليها جماعة من المسلمين ونازلها وصد قوة القتال وفارت الحفايظ وكثرت وتحركت الحسايف وأنزل الله النصر فهوجم البلد وملكوها وما سلم ممن كان فيها إلا من نجا على فرسه واستشهد فيها من المسلمين نحو الخمسين وقتل ممن كان بها من المشركين ألف فارس وخمسمائة بغل. فصل من النوادر أن أحمد بن سليمان بن هود عزم على الفتك بأخيه يوسف، ولم يزل يراسله حتى تقرر اجتماعها على الخيل للمخاطبة فيما يعم به الصلاح. فلما خرجا أعزلين جاسرين واجتمعا أخذا في الخطاب وشرعا لم يشعر يوسف حتى خرج عليه على فرس بيده رمح فطعنه ثلاث طعنات وكان قد استظهر تحت ثيابه بوردية فوقته شدة الطعن. وعلم العسكران بما جرى فاختلطا ونجا يوسف بنفسه مع أصحابه. وبادر أحمد بقتل ذلك العلج وحمل رأسه على رمح، فسكن الناس وعلم الغدر به وشيع عليه بما لا عذر له فيه. وعادت الحال فيما بينهما على ما كانت عليه وأعظما من المباينة في المعاداة. فصل قال ابن بسام كان أبو الفضل بن حسداي شريف اليهود ونجم في أفق سرقسطة وهوى جارية غلبته على عقله فذهبت بلبه وحسن بها فأسلم بسببها وعلم بذلك صاحبه فحملها إليه فردها ولم يقبلها وأنف أن ينسب إسلامه إليها ومن أجلها، فحسن ذكره. وكان مشتغلاً بأنواع التعاليم وعلم لسان العرب. فصل قال علي بن بسام لما هلك المرتضى أمير قرطبة، فوض أمر الإمارة إلى أخيه هشام بنت محمد الناصري وهو ففي سن الشيخوخة. ولا يعلم أن أميراً ولي في مثل سنه وكان معروفاً بالشطارة في شبابه، فأقلع مع شيبته وانقلبت قرطبة سروراً به وركب جيشها لاستقباله فدخل في زي تقتحمه العيون من قلة عدده وعدة واهية، وأبهة على فرس دون مواكب الملوك بجلبة مختصرة، وعليه كسوة رثه، وبين يديه سبع جنائب من خيل الموالي سيروها معه للزينة والناس يمشون ويضجون بالدعاء في وجهه، ولا يعلمون ما سبق لهم من المكروه به، فدخل القصر، وجاء معه في جملة الموالي العامريين، حائك من أبناء الأرذال بقرطبة يسمى حكم بن سعيد الحائك، وكان يحمل السلاح ويعرف بإثارة الفتن. وبات الناس ليلتهم ثم جلسوا من الغد، ووصلوا إليه فظهر من عيه في القول ما لا جناح معه. فكلف بعض الأكابر العبارة عنه ومدحه الشعراء فما اهتز لشيء من مدائحهم، لغلظ ذهنه طبعه. وجلس للمظالم وقرر للناس رواتب لم تجر بها عادة، واعتمد على حكم الحائك في وزارته فأتلف الأموال، وطالب الناس بودائع ولد المظفر ابن أبي عامر، فجر عليهم بسببها شدائد ومصائب.

فصل في ذكر أبو بكر محمد بن عيسى الداني

ولم يحصل سوى اليسير، وباع ما وجده فيها من رصاص وغيره على الناس بطرق الإجبار والإلزام. واعتمد في أذية الناس، وتتبعهم على مرجل يعرف بابن الخباز من خدم الدولة المحمودية، فاشتدت الحال، وعظمت المصيبة. وأفضى ذلك إلى ضعف هشام ونقض أركان خلافته. وظهر من سوء تدبير حكم القزاز المستبد بوزارته ما لا يمكن الاستمساك معه، وتعطلت الأسواق بقرطبة. ولما اتصل الخبر بما عزم الناس عليه في أمره، خاف على نفسه، فأوى إلى دار هشام بأهله وماله. وشرع في استصلاح ما لا يستصلح إلى أن أمكن من نفسه بخروجه من ظل حمايته، فوثب عليه جماعة عند ركن الجامع فقتلوه وأكبوه لوجهه. واجتمع الناس إلى أمية بن عبد العزيز العراقي، وكان أصيلاً في إثارة الفتنة، فبادر إلى القصر، وقد اتصل الخبر بهشام المخلوع، فطلع إلى أعلى القصر، وناشدهم الله وأخذ في الاعتذار إليهم وأروه رأس حكم القزاز وزيره. وقالوا هذا رأس وزيرك الذي سلطته على الأمة. ووصل الناس إلى حرمه، ونهبوه واستباحوه، وأمية ابن عبد العزيز يحرض على أخذه وقتله. وهو قد احتمى بالوقع الذي تحصن فيه وبالغ في مناشدتهم وهم لا يجيبون إلا بما يسوءه. فلما يئس من صلاحهم أقام في موضعه ومعه أربعة من غلمانه، ولم ينزل منه إلا بأمان. فقام الوزراء وصدوا الناس عن النهب، وتحقق هشام من خلعه ذاته. لا يبقيه فيه سوى الله فسكن وسكت وأنزل إلى ساباط الجامع مع ولده وأهله، وتذلل وترسل وسأل أن يلقى في البحر حتى يستشهد وأن يحفظ في أهله وولده، وأظهر من الرقة والذلة والخشوع واشتد بع القلق، فاستولى عليه الفزع، وسأل في كسرة خبز يطعمها لبنية له صغيرة، وأهله حاسرات لا يملك لهن شيئاً ولا لنفسه. وسأل سراجاً يأنس بضوئه فأبكى من كان معه من أعدائه. ولما أصبح الوزراء أخرجوه في صخرة محمود من الشرق واقتصروا على ذلك دون الإشهاد عليه بخلع نفسه والإقرار بعجزه عن تدبير الخلافة. وتحليل المسلمين، فماله في أعناقهم من البيعة على السبيل المعهودة, وكان أمية بن العراقي المبدأ بذكره قد أقام بالقصر طامعاً في الأمر، وسولت له نفسه الخلافة، واستدعى وجوه الجند للبيعة. ولما تفرغ الوزراء من أمر هشام واعتقاله بحيث يأمنون منه فتنه، وأنكروا أمر أمية، وبخوا الجند على الوصول إليه. وألزموهم إخراجه والقبض عليه. فأطلق لسانه في سب الوزراء وأخرج من البلد. فصل في ذكر أبو بكر محمد بن عيسى الداني المعروف بابن اللبانة والسب أن أمه كانت تبيع اللبن فنشأ وتأدب وسافر وتغرب وحسن شعره، وسار ذكره، ووفد على الملوك وآخر من وفد عليه منهم المعتمد على الله فأقبل عليه وأصغى إليه. ولما نكب المعتمد وزال ملكه، وتشتت أمره واعتق، وفد هذا ابن اللبانة عليه ومدحه وأثنى عليه في أيام الجرح كما كان يثني عليه في أيام الفرح ونسب فيه إلى الوفاء وله في المعتمد كتب مؤلفة وأشعار منونة. فصل: قال علي بن بسام: كانت وقعة بطرنة في سنة ست وخمسين وأربعمائة. وذلك أن الفرنج خذلهم الله، انتدبت منهم قطعة كثيفة ممن كان قد اضطغن حقداً لأهلها ونزلت على بلنسية في السنة المذكورة، أهلها جاهلون بالحرب، معتزون بأمر الطعن والضرب، مقبلون على اللذات من الأكل والشرب. وأظهر الفرنج الندم على منازلتها، والضعف عن مقاومة من فيها، وخدعوهم بذلك فانخدعوا، وأطعموهم فطمعوا. وكمنوا لهم في عدة أماكن جماعة من الفرسان وخرج أهل البلد بثياب زينتهم، وخرج معهم أميرهم عبد العزيز ابن أبي عامر. واستدرجهم العدو لعنه الله ثم عطفوا عليهم فاستأسروهم بالقتل والأسر، وما نجا منهم إلا من حصنه أجله وخلص الأمير نفسه. ومما حفظ عنه أنه أنشد لما أعياه الأمر: خليلي ليس الرأي في صدر واحد أسيراً على اليوم ماتريان. قال ابن بسام: حدثني من لا أرتاب له أن الشاعر قال في أهل بلنسيه لما خرجوا على العدو في ثياب البذلى والترفه: لبسوا الحديد إلى الوغى ولبستم ... حلل الحرير عليكم ألوانا ما كان أٌبحهم فأحسنكم بها ... لو لم يكن ببطرنة ما كان وقال هكذا جرى لأهل طليطلة فإن العدو خذله الله استظهر عليهم وقتل جماهيرهم وكان من جملة ما عنهم الفرنج من أهلها خرجوا إليهم في ثياب الترفه ألف عقارة خارجاً عما سواها.

فصل في الأخبار المتعلقة بالطارئين والوافدين على جزيرة الأندلس من أول السنة

فصل في الأخبار المتعلقة بالطارئين والوافدين على جزيرة الأندلس من أول السنة الخامسة إلى سنة 502هـ قال علي بن بسام: ممن طرأ على الأندلس أبو العلا صاعد بن أبو الحسن البغدادية اللغوي. ولما دخل قرطبة في أيام المنصور محمد بن أبي عامر، عزم المنصور على أن يقفي به آثار أبي علي البغدادي الوافد على بني أمية، فما وجد عنده نمما يرضيه. وأعرض عنه أهل العلم وقدحوا في عمله وعقله ودينه، ولم يأخذوا عنه شيئاً لقلة الثقة به. وكان ألف فيه كتاب (سماه الفصوص) ودحضوه، ورفضوه، ونبذوه في النهر. ومن الغريب ما جرى له إذ المنصور جلس يوماً وعنده أعيان دولته من أهل العلم. كالذبيدي والعاصمي وابن العريف وغيرهم. فقال لهم المنصور هذا الرجل الوافد علينا يزعم أنمه متقدم في هذه الأحوال الني أنتم عيونها، وأحب أن يمتحن فوجه إليه. فلما مثل بين يديه والمجلس قد احتفل خجل فرفع المنصور مجلسه، وأقيل عليه، وسأله عن أبي سعيد السيرافي. فزعم أنه لقيه وقرأ عليه كتاب سيبويه. فبادر العاصمي بالسؤال عن مسألة في الكتاب فلم يحضره جوابها واعتذر بأن النحو ليس جل بضاعته. فقال الزبيدي: فما تحسن أيها الشيخ؟ قال حفظ الغريب. قال فما وزن أولق؟ وضحك صاعد وقال: أمثلي يسأل عن هذا؟ إنما يسأل عنه صبيان الكتب. قال الزبيدي: قد سألناك ولا نشك أنك تجهله. فتغير لونه وقال: افعل وزنه. قال الزبيدي: صاحبكم ممخرق. فقال له صاعد: أخاك الشيخ صناعته البنية. قال له: أجل. قال صاعد وبضاعتي حفظ الأشعار. ورواية الأخبار، وفك العمى وعلم الموسيقى. قال فناظره ابن العريف فظهر عليه صاعد وجعل لا يجري في المجلس كلمة إلا وأنشد عليها شعراً شاهداً. وأتى بحكاية تجانسها فأعجب المنصور ثم أراه كتاب النوادر لابن علي فقال إن أراد المنصور أمليت على مقيدي خدمته وكتاب دولته كتاباً أرفع منه وأجل لا أورد فيه خبراً مما أورده أبو علي. فأذن له المنصور في ذلك وجلس بجامع مدينة الزاهرة يملي كتابه المترجم بالفصوص. فلما أكمله تتبعه أدباء الوقت. فلم تمر فيه كلمة صحيحة عندهم ولا خبر ثبت لديهم، وسألوا المنصور في تجليد كراريس بيضاء تزال جدتها، فهم المقدم وترجم عليها النكت تأليف أبي الغوث الصنعاني. فترامى إليه صاعد حين رآه وجعل يقبله. وقال أي والله قرأته بالبلد الفلاني على الشيخ أبي فلان فأخذه المنصور من يده خوفاً أن يفتحه وقال له: إن كنت قرأته كما تزعم فعلى ما يحتوي؟ قال: وأبيك لقد بعد عهدي به ولا أحفظ الآن منه شيئاً. ولكنه يحتوي على لغة منثورة لا يشوبها شعر ولا خبر فقال له المنصور أبعد الله مثلك فما رأيت أكذب منك وأمر بإخراجه وأن يقذف بكتاب الفصوص في النهر فقال فيه بعض الشعراء: قد غاص في النهر كتاب الفصوص ... وهكذا كل ثقيل يغوص فأجابه صاعد عاد إلى معدنه إنما يوجد في قعر البحار الفصوص قال ابن بسام: وما أظن صاعداً يجتري على مثل هذا، وإنما صاعداً اشترط أن لا يأتي إلا بالغريب غير المشهور، وأعنتهم على نفسه بما كان يتنفق به من الكدب ومن أعجب ما جرى له أنه كان بين يدي المنصور حين أحضرت له وردة في غير وقتها لم يستتم فتح ورقها فقال فيها صاعد مرتجلاً: أتتك أبا عامر وردة ... يذكرك المسك أنفاسها كعذراء بصرها مبصر ... فغطت بأكمامها رأسها فسر بذلك المنصور وكان ابن العريف حاضراً فحسده، وجرى إلى مناقضته. وقال لابن أبي عامر هذان البيتان لغيره وقد أنشدهم بعض البغداديين بمصر لنفسه وهما عندي على ظهر كتاب بخطه قال المنصور أرينه فخرج ابن العريف وركب دابته حتى أتى مجلس ابن بدر وكان أحسن أهل زمانه بديهة فوصف له ما جرى فقال: عشوت إلى قصر عباس ... وقد جدل النوم حراسها فألقيتها وهي في خدرها ... وقد صرع السكر أناسها فقالت أسائر على هجعة ... فقلت بلى فرمت كأسها ومدت يدها إلى وردة ... عكس لك الطيب أنفاسها كعذراء أبصرها مبصر ... فغطت بأكمامها رأسها وقالت بحق الله لا تفضحن ... في ابنة عمك عباسها فوليت عنها على غفلة ... وما خنت ناسي ولا ناسها

فطار ابن العريف بها وعقلها على ظهر كتاب بخط مصري ومدار أشقر. فدخل بها على المنصور فلما قرأها اشتد غيظه على صاعد وقال: غداً امتحنه. فإن فضحه الامتحان أخرجته من البلاد فلما أصبح أمره فعبأ له طبق أزهار ورياحين وياسمين وبركة ماء حصباؤها اللؤلؤ وكان في البركة حية تسبح، وأحضر صاعد فلما شاهد ذلك فقال له المنصور إن هؤلاء يذكرون أن كلما تأتي به دعوى لا صحة لها وهذا طبق ما ظننت أنه عمل لملك مثله فإن وصفته بجميع ما فيه علمت صحة ما تذكر قال صاعد يديهه: أبا عامر هل غير جدواك واكف ... وهل غير من جاراك في الأرض خائف يسوق إليك الدهر كل غريبة ... وأعجب ما يلقاه عندك واصف وشائع نور صاغها هامر الندى ... على حافتيها عبقر ورفارف ولما تناهى الحسن فيها تقابلت ... عليها بأنواع الملاهي الوصائف كمثل الظبا المستكنه كالنساء ... يظللها بالياسمين لفائف وأعجب منها أنهن نواظر ... إلى بركة ضمت إليها الطرائف وحصباها اللالئ سابح في ... من الرفش مسموم اللقا بين وكان بجانبه مركب بمجاديف ذهب، فقال له المنصور: أحسنت إلا أنك أغفلت ذكر المركب فقال: وأعجب منها غادة في سفينة ... مكللة تصبو إليها المهايف وإذا راعها موج من الماء تتقي ... بسكانها ما أنذرته العواصف وأتى بعده بأبيات من هذا المعنى فأمر له المنصور بألف دينار ومائة ثوب ورتب له في كل شهر ثلاثين ديناراً وألحقه بالندماء قال: وكان شديد البديهة في ادعاء الباطل فقال له المنصور يوماً ما الخنبشار؟ فقال حشيشة يعقد بها اللبن ببادية الأعراب وفي ذلك يقول شاعرهم: لقد عقدت محبتها في قلبي ... كما عقد الحليب الخنبشار وقال له يوماً وقد قدم إليه طبق فيه تمر، ما التمركل في كلام العرب؟ فقال الرجل: تمركل الرجل تمركلاً إذا التف قمع كتابه وكان مع ذلك عالماً. قال ابن بسام: وكان لابن أبي عامر فتى يسمى فاتناً أوحد لا نظير له في علم كلام العرب، فناظر صاعداً هذا فقطعه وظهر عليه وبكته فأعجب المنصور، وقال: وتوفي فاتن هذا في سنة اثنين وأربعمائة وبيعت في تركته كتب مضبوطة جليلة مصححة. وكان منقاداً لما يتنزل به من المثلة فلم يتخذ النساء كغيره. وكان في ذلك الزمان جملة في الفتيان المحابيب فيمن أخذ من الأب بأوفر نصيب قال: فرأيت تأليف الرجل منهم يعرف بحبيب، ترجمة بكتاب الاستظهار والمغالبة على من أنكر فضائل الصقالية وذكر فيه جزءاً من أشعارهم وأخبارهم ونوادرهم، قال ابن بسام: ومن عجين ما اتفق لصاعد أنه أهدى إبلاً إلى المنصور وكتب على يد موصله: يا حرز كل مخوف وأمان كل ... مشرد ومعز كل مذلل عبد جذبت بضيمه ورفعت من ... مقداره وأهدى إليك بابل سميته غرسيه وبعثته ... في حبله ليصبح فيه تفاءلي فقضى في سابق علم اله تعالى أن غرسية ملك الروم أسر في ذلك اليوم بعينه الذي بعث فيه بالإبل وسماه باسمه على التفاؤل. فصل - قال علي بن بسام: كان عبد الملك بعد أبيه قد فوض الأمر إلى عيسى بن سعيد القطاع وزيره، واستقل بالأمر فحسده رجال الدولة العامرية، وحملوا طرفة فتى عبد الملك الجزيري على معاداته. فسمت همة طرفة لذلك الفضل: قوة وبسطة أدب له، فاصطفى من أعداء عيسى قوماً منهم عبد الملك الجزيري، فزين له التقدم عليه وأغراه به، وذكر له ما كان تهيأ لكافور مولى محمد بن طغج صاحب مصر من الملك باسم مولاه،، فاحكم طمعه فتحركت عزيمة طرفة ودبر الأمر على عيسى. وحسن لمولاه أن يعتمد على عبد الملك الجزيري في أمر الوزارة، فعارض عيسى في جميع الأشغال حتى كاد يحمله. ثم اعتل المظفر عبد الملك فانفرد طرفة بخدمته، وكثر الأرجاف به فحمله ابن الجزيري على أن يضبط الأمر لنفسه باسم الطفل، بن مولاه على رسم كافور. ثم أمر المظفر عبد الملك فرأى أن يخرج عسكر إلى شرقي الأندلس فهش طرقه لذلك وسأل مولاه أن يخرج معه عيسى الوزير، وقد أسر الإيقاع فأجابه المظفر إلى ذلك. وأخذ في التجهيز والتحمل واستصحب وجوه القواد وكرايم الخيل لم يبق عند مولاه إلى ما لها قدر له.

فصل فيه تلخيص ذكر الدولة العامرية

وخرج في أبهة الملوك. وأخذ الوزير عيسى في الخروج معه وأحس بالشرفى صحبته، وزام الانفراد بالمظفر في ذلك فلم يمكنه لضبط طرفة باب مولاه. فألقى عيسى بنفسه إلى مفرح صاحب مدينة الزاهرة (وثغر) المظفر واستغاث به. وأطلعه على ما اطلع عليه فأوصل له رقعه بذلك إلى المظفر، وبين فيها كلما عزم عليه طرفه. فاستيقظ المظفر لنفسه، وأعفى عيسى من الخروج مع طرفه، وألزم طرفة السير فاختل بذلك طرفه وأتى إليه مأمنه وسأل الإعفاء من الخروج فلم يجبه. وخلا وجه المظفر لعيسى بعده، وذكر له أشياء حنق بها على طرفة وتعجل المظفر الخروج إلى غزوته أثر طرفة فخرج مع وزيره عيسى. وجعل ابن الجزيري يغالطه بالقدح في طرفه وفي قلبه من عيسى النيران المتقدة، وعيسى أعلم الناس بنفاقه وأحرصهم على سفك دمه. فلما سار عند المظفر إلى بعض الطريق دبر عيسى على ابن الجزيري أن ينصرف إلى حضرة، لتحصيل ما بقي من الخراج وتحرير أمر النفقات، ولم يدر بما دربه عليه وعلى طرفة صاحبه. فلما وصل المظفر إلى سرقسطة وطرفة مرتقب قدوم مولاه على قربة منها، ودخل على أعظم هيئة وأحسن همة وسار إلى قصر مولاه مذالاً بمنزلته فعدله به عن مجلسه ولم تقع عين المظفر عليه. وقيد لوقته وأخرج إلى الخزانة الشرقية، فلم يكن بين دخوله سرقسطة أميراً وخروجه منها أسيراً إلا ساعة واحدة. ثم أنفذ المظفر إلى الحضرة بالحوطة على ابن الجزيري وإيداعه المطبق بالزاهرة. وكتب عيسى الوزير إلى مفرج العامري وإلى عبد الله بن مسلمة وكان من أعادي بن الجزيري بقتله والأراحة منه، فأدخلا عليه في محبسيه قوماً من السودان فخنقوه وأشيع موته وأخرج لا أثر فيه يدل على قتله. فصل فيه تلخيص ذكر الدولة العامرية قال علي بن بسام هو أبو عامر محمد بن عبد الله بن عامر ابن أبي عامر محمد بن الوليد بن يزيد بن عبد الملك العامري. وعبد الله جده هو الداخل بالأندلس مع طارق بن موسى بن نصير. قال نقلت منت خط ابن حيان، أنه انتهت خلافة بن مروان إلى الحكم تاسع الأئمة فيها. قال: وكان من فضله قد استهواه حب الولد حتى خالف الحزم في توريثه الملك بعده في سن الصبا دون مشيخة الأخوة وفتيان العشيرة. ومن كان ينهض: الأمر ويستقل بالملك قال ابن بسام: وكان يقال لا يزل ملك بني أمية بالأندلس في إقبال ودوام ما توارثه الأبناء عن الآباء، فإذا انتقل إلى الأخوة وتوارثوه فيما بينهم أدبر وانصرم. ولعل الحكم لحظ ذلك فلما مات الحكم أخفى جؤذر وفائق فتياه ذلك، وعزما على صرف البيعة إلى أخيه المغيرة. وكان فائق قد قال له أن هذا لا يتم لنا إلا بقتل جعفر المصفى. فقال له جؤذر: ونستفتح أمرنا بسفك دم شيخ مولانا. قال له والله ما أقول لكم ثم بعثا إلى المصحفي ونعيا له الحكم وعرفاه رأيهما في المغيرة. فقال لهما المصحفي: هل أنا إلا تابع لكما وأنتما صاحبا القصر ومدبرا الأمر؟ فشرعا في تدبير ما عوما عليه، وخرج المصحفي وجميع أجناده وقوداه ونعى إليهم الحكم، وعرفهم مقصود جوذر وفائق في المغيرة وقال إن بغينا على ابن مولانا كانت الدولة لنا وإن بدلنا استبدل بنا. فقالوا الرأي رأيك فبادر المصحفي بإنقاذ محمد بن أبي عامر مع طائفة من الجند إلى دار المغيرة لقتله، فوفاه ولا خبر عنده فنص إليه الحكم أخاه وعرفه وجلوس ابنه هشام في الخلافة. فقال أنا سامع مطيع فكتب إلى المصحفي بحاله بما هو عليه من الاستجابة. وأجابه المصحفي بالقبض عليه وإلا وجه غيره ليقتله فقتله خنقاً. وكانت علة الحكم الفالج فلما مات الحكم ليلة الأحد ثاني صفر سنة ست وستين، وقتل المغيرة واستوثق الأمر لهشام بن الحكم، افتتح المصحفي أمره بالتواضع والسياسة واطراح الكبر ومساواة الوزراء في الفرس. وكان ذلك من أول ما استحسن منه وتوفر على الاستئثار بالأعمال والاحتياج للأموال وعارضه محمد ابن أبي عامر فتى ماجد أخذ منه بطرفي نقيض بالبخل جوداً وبالاستبداد أثره وتملك قلوب الرجال إلى أن تحركت همته للمشاركة في التدبير بحق الوزارة. وقوي على أمره بنظره في الوكالة، وخدمته للسيدة صبح أم هشام. كانت حاله في تأدية لطيف الخدمة فأخرجن له أمر هشام الخليفة إلى الوزير جعفر المصحفي بأن لا ينفرد عنه برأي.

وكان مريداً له غير متخيل منه سكوتاً إلى ثقته، فامتثل للأمر وأطلعه على سره وبالغ في بره وبالغ محمد بن أبي عامر في مخادعته وإعادة النصح له فوصل المصحفي يدي بيده واستراح إلى كفايته، وابن أبي عامر يمكر به ويضرب عليه، ويغري به الحسدة، ويناقضه في أكثر ما يعامل به الناس، ويقضي حوائجهم. ولم تزل هذه سبيله إلى أن انحل أمر المصحفي، وقوي نجمه، وتفرد محمد بن أبي عامر بالأمر، ومنع أصحاب الحكم وجلاهم وأهلهم وشردهم وشتتهم وصادرهم، وأقام من صنائعه من استغنى به عنهم وصادر الصقالبة وأهلكهم وأبادهم في أسرع مدة بحسب استنفاد أعمارهم. فصل قال ابن حيان وجاست النصرانية بموت الحكم ووصلوا قرطبة. قضى الله بموت الحكم وخرجوا على أهل الثغور فوصلوا إلى باب قرطبة ولم يجدوا عند جعفر المصحفي غناء ولا نصرة. وكان مما أتى عليه أن نفراً من أهل قلعة رباح أمر بقطع سد نهرهم مما تخيله من أن في ذلك النجاة من العدو. ولم تتسع حيلته لأكثر منه وفور الجيوش وجموم الأموال. وكان ذلك من سقطات جعفر فانف محمد بن أبي عامر من هذه الريبة وأشار على جعفر بتجريد الجيش للجهاد. وخرفه سوء العاقبة في تركه. وأجمع الوزراء على ذلك إلا من شذ منهم. واختار ابن أبي عامر الرجال له وتجهز للغزاة واستصحب مائة ألف دينار، وبعد بالجيش ودخل على الثغر الجوفي ونازل حصن الحامة ودخل الربض وغنم وقفل، فوصل الحضرة بالسبي بعد اثنين وخمسين يوماً. فعظم في العيون وخلصت قلوب الأجناد له واستهلكوا في طاعته لما رأوه من كروه. ومن أخبار كرمه ما حكاه محمد بن أفلح غلام الحكم. قال دفعت إلى ما لا أطيقه من نفقة في عرس ابنة لي ولم يبق عندي سوى لجام محلى تحلية يثقل وزنها ويخف عيارها. ولنا صاحب قصدته في دار الضرب والدهم بين يديه موضوعة. فأعلمته ما جئت له، فابتهج لما سمعه مني وأعطاني من تلك الدراهم وزن اللجام بحدائده وسيوره فملأ حجري وقمت غير مهدتي بما جرى لعظمه، وعملت العرس وفضلت لي فضلة كبيرة. وأحبه قلبي حتى لو حملني على خلع طاعة مولاي الحكم لفعلت. فصل قال أبو حيان: كان بين المصحفي وغالب صاحب كمدينة سالم وشيخ الموالي وفارس الأندلس عداوة عظيمة، ومباينة شديدة، ومقاطعة مستحكمة. وأعجز المصحفي أمره وضعف عن مداراته وشكى ذلك إلى الوزراء فأشاروا علبيه بملاطفته واستصلاحه. وشعر بذلك ابن أبي عامر فأقبل على خدمته وتجرد لإتمام إرادته. ولم يزل على ذلك حتى خرج الأمر بأن ينهض غالب إلى قدمة جيش الثغر. وخرج ابن أبي عامر إلى غزوته الثانية، واجتمع به وتعاقدا على الإيقاع بالمصحفي. وقفل ابن أبي عامر غانماً ظافراً ببعد صيته، فخرج أمر الخليفة هشام يصرف المصحفي عن المدينة، وكانت يومئذ في يده. وخلع على ابن أبي عامر ولا خبر عند المصحفي. وملك ابن أبي عامر الباب بمولايته الشرطة وأخذ على المصحفي وجوه الخيل وخلاه ولبس بيده من الأفراد إلا أقله. وكان ذلك بإعانة غالب له وأنه ضبط المدينة ضبطاً أنسى به أهل الحضرة من سلف من الولاة وأولي السياسة وانهمك ابن أبي عامر في صحبة غالب ففطن المصحفي لتدابير ابن أبي عامر عليه فكاتب غالباً يستصلحه وخطب أسماء ابنته لابنه عثمان. فأجابه غالب لذلك وكادت المصاهرة تتم له وبلغ ابن أبي عامر الأمر فقام قيامته، وكاتب غالباً يخوفه الختلة ويهيج حقوده وألقى عليه أهل البلاد وكاتبوه فصرفوه عن ذلك. ورجع غالب إلى ابن أبي عامر فأنكحه البنت المذكورة، وتم له العقد في محرم سنة سبع وستين. وأدخل السلطان تلك البنت إلى قصره وجهزها إلى محمد بن أبي عامر من قبله فظهر أمره وعز سلطانه وكثرت رجاله وصار جعفر المصحفي إلى ما لا شيء. واستقدم غالباً وقلده الحجاب شركة مع جعفر المصحفي ودخل ابن أبي عامر على ابنته ليلة النيروز وكان أعظم عرس في الأندلس.

وأيقن المصحفي بالنكبة وكف عن: اعتراض ابن أبي عامر على شيء من التدبير وابن أبي عامر يساتره ولا يظاهره، وأعرض عنه الناس واتجهوا إلى ابن أبي عامر إلى أن صار يغدو إلى قصر قرطبة ويروح وهو وحده وليس في يده من الحجابة إلا اسمها. وعوقب المصحفي بإعانته على ولايته هشام ثم سخط السلطان على المصحفي وعلى أولاده وأهله لأسبابه وأصحابه وطولبوا بالأموال وأخذوا برفع الحساب لما تصرفوا فيه وتوصل ابن أبي عامر بذلك إلى اجتثاث أموالهم وفروعهم. وكان هشام ابن أخي المصحفي قد توصل إلى أنه سرق من رؤوس النصارى التي كانت تحمل بين يدي ابن أبي عامر في الغزوة الثالثة، ليقدم بها على الحضرة وغاظه ذلك منه، فبادر بالقتل في المطبق. قبل عمه جعفر المصحفي. واستقصى ابن أبي عامر مال جعفر حتى باع داره بالرصافة. وكانت من أعظم قصور قرطبة واستمرت بالنكبة عليه سنتين مرة يحبس ومرة يعزل ومرة يقر بالحضرة ومرة ينفى عنها، ولا يراح من المطالبة بالمال، ويعذبه غالب. ولم ينزل على هذا الحكم إلى أن استصفى ولم يبق فيه ما يحتمل واعتقل في المطبق بالزهراء إلى أن هلك وأخرج إلى أهله ميتاً، وذكر أنه سمه وضع في ماء شربه. قال علي بن بسام: أخبرني محمد بن إسماعيل كاتب ابن أبي عامر قال: سرت مع محمد بن مسلمة فقيه ابن أبي عامر إلى الزهراء، لنسلم جسد حعفر ابن عثمان إلى أهله. وسرنا إلى منزله وكان مغطى بخلق كساء لبعض البوابين ألقاه على سريره، وغسل على فردة باب الجناح من ناحية الدار. وأخرج ولم يحضر أحد جنازته سوى إمام مسجده المستدعى للصلاة عليه. ومن حضره من داره تعجب من تصرف الزمان بأهله. فصل ووقعت وحشة فيما بين الخليفة هشام وابن أبي عامر كان سببها تضريب الحساد فيما بينهما، وعرف أنه ما دهى إلا من حاشية القصر ففرقهم ولم يدع فيه منهم إلا من وثق به، أو عجز عنه. قد ذكر له أن الخدم قد انبسطت أيديهم في الأموال المختزنة بالقصر، وما كانت السيدة صبح أخت رائق تفعله من إخراج الأموال عندما حدث من تغيرها على ابن أبي عامر. وأنها أخرجت في بعض الأيام مائة كوز مختومة على أعناق الخدم الصقالبة. فيها الذهب والفضة, وموهت ذلك كله بالمرى والشهد وغيره من الأصباغ المتخذة لقصر الخلافة. ركبت على رؤوس الكيزان أسماء ذلك ومرت على صاحب المدينة فما شك في أنه ليس فيها إلا ما هو مكتوب عليها. وكان مبلغ ما حملته فيها من الذهب ثمانين ألف دينار. وأحضر ابن أبي عامر جماعة وأعلمهم أن الخليفة مشغول عن حفظ الأموال بانهماكه في العبادة، وأن في إضاعتها آفة على المسلمين. وأشار لنقلها إلى حيث يؤمن عليها فيها فحمل منها خمسة آلاف دينار من الدراهم القاسمية ورقاً وسبعمائة ألف دينار جعفرية من الذهب وكانت صبح قد دافعت عما بالقصر من الأموال ولم تمكن من إخراجها، فاجتمع ابن أبي عامر بالخليفة هشام واعترف له بالفضل في حفظ قواعد الدولة فخسرت السنة الأعداء والحسدة. وعلم الحضور ما في نفوس الناس لظهور هشام ورؤيتهم له، إذ كان منهم من لم يره قط. فأبرزه الناس وركب الركبة المشهورة واجتمع لذلك من الخلق ما لا يحصى عدده. وكانت عليه الطويلة والذؤابة مسدلة والقضيب في يده زي الخلافة وإلى جانبه المنصور يسايره، وقدامه الجاجب عبد الملك عيسى. فصل وخرج المنصور للغزاة وقد مرض المرض الذي مات فيه في صفر سنة اثنين وتسعين وثلاثمائة وواصل شن الغارات وقويت عليه العلة واتخذ له سرير من خشب ووطئ عليه ما يرقد عليه. وكان هجر الأطباء في تلك العلة لاختلافهم فيها واقتصر على أوصاف كاتبه الجزيري عبد الملك وأيقن هناك بالموت. وكان يقول أن زمامي يشتمل على عشرين ألف مرتزق ما أصبح بهم أسوأ حالة مني. واشتغل ذهنه بقرطبة وهو بمدينة سالم فلما أيقن بالوفاة أوصى ابنه عبد الملك وجماعته، وتفرقت عنه وخلا بولده وكان يكرر وصيته وكلما أراد أن ينصرف يرده وعبد الملك يبكي. وهو ينكر عليه ذلك ويقول هذا من أول العجز، وأمره أن يستخلف أخاه عبد الرحمن على العسكر إلى أن يرد قرطبة.

وخرج عبد الملك إلى قرطبة ومعه القاضي ابن ذكوان فدخلها في أول شوال، وسكن الإرجاف بموت والده، وعرف الخليفة كيف تركه،. ووجد المنصور راحته فأحضر جماعة بين يديه وهو كالخيال لا يبين الكلام، وأكثر كلامه بالإشارات كالمسلم المودع. وخرجوا من عنده وكان أخر العهد به. ومات لثلاث بقين من شهر رمضان من السنة. وكان أوصى أن يدفن حيث يقبض، فدفن في قصره بمدينة سالم. واضطرب العسكر وتلوم ولده أياماً وفارقه بعض العسكر إلى هشام. وقفل هو إلى قرطبة فيمن بقي معه وأخذه الحزن بموت والده المنصور ولبست فتيانه المسوح والأكسية بعد الوشى والحبر. وقام ولده عبد الملك بالأمر. وأجراه هشام الخليفة على عادة ابنه وخلع عليه، وكتب له السجل بولايته الحجابة. وكانت الفتيان قد اضطربوا، فقوم المنابذ وأصلح الفاسد. وجرت الأمور على السداد، وانشرحت الصدور بما شرع فيه من عمارة البلاد، فكان أسعد مولود ولد في الأندلس. فصل: لما توالت على أهل طليطة الفتن المظلمة والحوادث المصضلمة، وترادف عليهم البلاء والجلاء واستباح الفرنج لعنهم الله أموالهم وأرواحهم. كان من أعيب ما جرى من النوادر الدالة على الخذلان، أن الحنطة لتقيم عندهم مخزونة خمسين سنة لا تتغير ولا يؤثر فيها طول المدة. فلما كان في السنة التي استولى عليها العدو, ما رفعت الغلات من البيادر حتى أسرع فيها الفساد فعلم أن ذلك بمشيئة الله سبحانه وتعالى لما أراده من شمول البلاء وعموم الضر واستولى العدو على طليطة فأنزل من بها على حكمه، وخرج ابن ذي النون منها على أقبح صورة وأفظع سيرة. ورآه الناس وبيده اصطرلاب يأخذ به وقتاً يرحل فيه، فتعجب منه المسلمون وضحك عليه الكافرون. وبسط الكافر العدل على أهل المدينة وحبب النظر إلى عادة طعامهم فوجد المسلمون من ذلك ما لا يطاق حمله وشرع في تغير الجامع بكنيسة في ربيع الأول سنة ست وسبعين وأربعمائة. ومما جرى في ذلك اليوم أن الشيخ الأستاذ الموامي رحمه الله صار إلى الجامع وصلى فيه، وأمر مريداً له بالقراءة، ووافاه الفرنج لعنهم الله، وتكاثروا لتغيير القبلة فما جرأ أحد منهم على إزعاج الشيخ ولا معارضته، وعصمه الله منهم إلى أن أكمل القراءة، وسجد سجدة طويلة ورفع رأسٍه وبكى على الجامع بكاء شديداً، وخرج ولم يتعرض له أحد بمكروه. وقيل للملك ينبغي أن تلبس التاج كمن كان قبلك في هذا الملك، فقال حتى نأخذ قرطبة منهم. وأعد لذلك ناقوساً تأنق فيه وفيما رصع به من الجواهر فأكفره الله وأرغمه، ورد أمير المسلمين، ناصر الدين أبو يعقوب ابن تاشفين فيما أثر من إذلال المشركين وإرغام الكافرين (؟!) واستدراك أمور المسلمين. فصل: كان أبو الحسن إبراهيم بن محمد بن يحيى المعروف بابن السقا. قد كابر من صعوبة الفقر، وشدة الدهر، ومعاناة الدنيا في طلب الرزق ما لا يزيد عليه، ولما مات أبوه تعلق بخدمة القضاة وشيوخ الفقهاء وترقت به الحال إلى أن تعلق بخدمة الوزير أبي الوليد بن جهور واستعمله في بعض الخدم وتصرف في قهرمة داره، وتعاظم وتكبر وتجبرا واستهان الكبائر، وأطرح الفروض وتعرض لإذلال الناس، واستحوذ على الأمور، وتطاول إلى الأموال. وبسط فيها واستبد وتفرد واستكثر من الغلمان والأصحاب، حتى خضعت له الرقاب، واتصلت به الآمال ونال الإمارة. واستقلت وجوه العسكر والخلق إليه وصدهم عن لقاء إبراهيم بن جهور وعول في أموره على خساس الناس وإسقاطهم ومن لا مروءة له ولا غناء عنده. وأفقر دار الخدمة بقرطبة ونقلها إلى داره، وجعل الصدور والخلق يزدحمون على بابه، ولم يوفقه الله إلى أن يقيم عليه حاجباً، يجمل لقاهم ويرتب قعودهم بدهليزه. فورد على الناس من هذا وأمثاله ما أحرج صدروهم وصغر نفوسهم وبسط غلمانه أيديهم في الامتداد إلى الناس. فهو وزير في قعدة أمير وقاضي في صورة جندي، وفقيه على دين قرمطي. وكان عاهر الخلوة مجاهداً بالغلمان وافرد له داراً أسماها الناس دار اللذة، يخلو فيها بغلمانه المهتمين به إلى آخر النهار، ثم يعود إلى دار عياله.

ذكر من كان معاصرا لمن ورد على المغرب من المشرق

واشترت عنه أحاديث قبيحة، فلما قطع آمال الناس من بني جهور وأخملهم وتسمى بالسلطان. كان في بني جهور عبد الملك الأصغر من إخوته فأنف منه وعزم على الفتك به، من غير استشارة أحد في أمره. فلما كان يوم السبت سبع بقين من شهر رمضان سنة خمس وخمسين، أعد له رجاله في قصر أبيه، وأقام هو ينتظره. وأرسل عن أبيه رسولاً كان يوجه إليه. فلما وصل إلى باب ابن جهور وأراد النزول على حجر لاصق قام إليه عبد الملك بخنجر مع أعده لقتله، فضربه به. وخرج عليه الرجالة فأكملوا قتله. وقطع رأسه، وطيف به على رمح ومثل الناس به وركب عبد الملك إلى دار اللذة المختصة به، فملكها واحتوى على كل ما فيها وعلى أصغر غلمانه، واجتاز بالسجن فأطلق كل من كان فيه. وسمع أبوه محمد ابن جهور الخبر، فخرج مدهوشاً فرآه مجتذلاً فارتاع، وركب إلى الجامع وأظهر المسرة بقتل ابن السقا. وأعلنوا الشماتة به وقتل من حاشيته عشرون رجلاً، واعتصم أخوه بمنارة المسجد فنجا من القتل، ونهب مسجد ابن السقا وأخذت ثرياه. ذكر من كان معاصراً لمن ورد على المغرب من المشرق فصل كان أبو القاسم علي المغربي الوزير من أذكياء الناس. استظهر القرآن الكريم وعدة كتب مجردة في اللغة ونحو خمسة عشر ألف بيت من مختار للشعر القديم ونظم الشعر وتصرف في فنون النثر. وبلغ من الحظ إلى ما قصر عنه نظراؤه، ومهر في الحساب واختصر كتاب إصلاح المنطق، وكل ذلك قبل استكماله أربع عشرة سنة. ولما أوقع الحاكم صاحب مصر بأبيه وأهل بيته ونذر دمه، خرج من مصر هارباً، حتى إذا وصل مكة (شرفها الله) تعالى، حمل أبا الفتوح على القيام بها، وقرب عليه ما كان يستبعده وجسره على أخذ ما كان بها من محاريب الذهب والفضة فضربها دنانير ودراهم وفرقها فيمن تبعه من الفرسان. ثم سار يدعو إليه حتى بلغ الرملة وصعد منبرها فتلا من غير تحميد ولا صلاة قول الله تعالى ذكره (إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً) وأومأ بيده إلى مصر يعني الحاكم يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم. أنه كان من المفسدين. (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض) ثم عاد إلى أبي الفتوح (وهذه) لذلك. فلما رآه عاجزاً فارقه، وخرج إلى العراق ودخل الكوفة على سلطانهم ثم خافه وزير قرواس فتقرب إليه بالمال، وأشار عليه بالرحيل، فسار إلى ميافارقين وأميرها نصر الدولة أحمد بن مروان الكردي فتقلد وزارته بعد طول مقام وخلع المرقعة والصوف ولبس المسك الشفوف وقال: تبدّل من مرقعة ونسك ... بأنواع الممسك والشفوف وعنّ له غزال ليس يحوي ... هواه ولا رضاه يلبس صوف فعاد أشد ما كان انهماكاً ... كذلك الدهر مختلف الظروف ثم (روسل) في وزارة الموصل فسار إليها وتقلدها، وبالغ في الإجحاف والاعتساف وآذى أعيان الناس. ثم روسل في وزارة بغداد وأميرها يومئذ أبو علي بن سلطان الدولة أبي شجاع بن بهاء الدولة ابن عضد الدولة ابن ركن الدولة ابن علي، فأمر ونهى وولى وعزل ونقض وأبرم، وبلغ إلى أعلا منزلة من سعة النعمة ونفاذ الكلمة. ثم إن أبي علي أوقع ببعض من كان يتهمه من الأتراك، وكان الوزير بن المغربي قد نهاه عن ذلك، وأشار إليه بغيره فما قبل منه واضطربت الأمور اضطراباً اضطرهما جميعاً إلى الهرب والاستجارة بالعرب. وقد قيل إن إخراجه الملك معه إنما كان لغرض في أن لا ينفرد بهجنة التسحب ثم روسل أبو علي في العود إلى باب سلطانه، فعاد وأقام الوزير أبو القاسم بالموصل، وقد كثر أتباعه فأقام بها يسيراً واستشعر تقصيراً به من صاحبها فاستأذنه في الرجوع إلى ميافارقين فدخلها وتلقاه نصر الدولة بالإعظام واقطعه من الأموال والضياع ما أراد. ثم روسل في وزارة بغداد فاستأذن نصر الدولة فخلا به وبين مراده وأعانه على المسير فلما كاد يستقل وكان خوف نصر الدولة عاقبة أمره، وأشير عليه بما كفاية أمره منه، فسقاه شربة كان فيها هلاكه. وكان الوزير لما أحس بالموت أوصى أن يحمل إلى الكوفة، فيدفن في حجرة أعدها هناك بإزاء قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه. فسير تابوته في أحسن حالة وأجمل أبهة إلى أن دفن في الموضع الذي أراداه.

فصل في ذكرى خراب القيروان

فصل كان الفقيه الحافظ عبد الوهاب بن نصر المالكي البغدادي من أعيان الفقهاء، وجلة العلماء. ولما استقل ركابه من بغداد، خرج جماعة من أكابرها وأصحاب العلوم بها يودعونه فقال: والله يا أهل بغداد لو وجدت بين ظهرانيكم رغيفين في كل يوم ما عدلت ببلدكم بلوغ أمنية والخبز عندهم يومئذ ثلاثمائة رطل بدينار، وأنشد: سلام على بغداد في كل منزل ... وحولها مني السلام المضاعف لعمرك فارقتها فيها قالياً لها ... وإني بشطي جانبيها لعارف ولكنها ضاقت على برحها ... ولم تكن الأرزاق فيها بساعف فكانت كخل كنت أهوى وصاله ... وتأبى به أخلاقه وتخالف فصل في ذكرى خراب القيروان والإشارة إلى أخبار آل زيري الغالبين عليها مع ما يتصل بذلك. قال علي بن بسام: لما تغلب آل عبيد الله الناجمين بافريقية على مصر وخلصت لهم، واستقلت بهم وأراد معد بن إسماعيل بن عبيد الله الملقب بالمعز لدين الله أن يتمكن فيها، دعا زيري بن مناد وهو يومئذ من صنهاجه بمكان السنان من الغارب، وكان له عشرة من الولد، وأمره بإحضار أولاده. وكان بلقين بن زيري أصغرهم سناً، فلم يحضره، قالوا وكان عند المعز أمارة من علم الحدثان قد عرف بها مصائر أحواله. وكانت عنده لخليفته على افريقية إذا صار إليه ملك علامة يأنس بها. فنظر في وجوه بني زيري فلم يجدها فيهم. فقال لزيري: هل غادرت من بنيك أحداً؟ فقال: نعم، تركت غلاماً صغيراً وأخذ في تهوين أمره. فقال له المعز: لابد من حضوره. فلما أتاه عرفه بالعلامة. ففوض إليه الأمر من وقته، واستولى على الأمور، واشتهر إلى الملوك ودوخ البلاد وواصل الغزو ووصل إلى سبتة. وانتقل الأمر فيهم إذ انتهت إلى المعز بن باديس وهو آخر ملوكهم. وأول ما افتتح به شأنه، قتل الرافضة، ومراسلته أمير المؤمنين ببغداد. فكتب إليه العهود وجاءته الخلعة واللقب من الخليفة، واتصل ذلك بصاحب مصر وأمر دولته يدور على الجرجرائي الوزير فأضغنها عليه، وكانت بطون عامر ابن صعصعة؛ زغبة وعدي والأنبح ورباح وغيرهم من ألفاف عامر تنزل الصعيد لا يسمح لهم بالرحيل، فتقدم لهم الجرجرائي بأن يسيروا إلى ابن بادريس بالقيروان. فغشية منهم سيل العرم وتهاون المعز بن باديس بهم فشغلهم بخدمته، وهم في خلال ذلك يطلعون على عوراته ويسرعون إلى حماته. ولم يزل الأمر على هذا السبيل حتى هان عليهم سلطانه فجاهروه بالعداوة ووقعت بينهم حروب في أوقات مختلفة كان آخرها وقعة حيدران في سنة أربع وأربعين، ثل فيها عرشه وهدم بها ركنه وأحاط العرب بالقيروان من جوانبها. فلما كانت سنة خمس أعطى مواليه ورغب في الاتصال بهم لكفاية شرهم، فزف بناته إلى زعمائهم وصاروا أصهاراً. ولما استحكم يأسه احتمل غرمه، واحتمى بمن اتصل بهم، حتى بلغ المهدية فأقام بها، وكان من مشهوري الكرم حتى أنه أعطى المنتصر بن خرزون، في دفعة واحدة مائة ألف دينار خارجاً عما وصله به ولم يقم بالمهدية عامين حتى انقضت أيامه وأتاه حمامه. وهذا آخر ما وجدته من (مختصر الذخيرة) ونقلته من مسودة المصنف الأسعد بن مماتي رحمه الله، وفرغت منها يوم الأحد المبارك حادي عشر من رجب الحرام من شهور أربعة عشر ومائة بعد الألف من الهجرة، وكتبه الفقير يوسف ابن محمد الميلوي غفر الله له.

§1/1