لا تغضب

محمد العماري

المقدمة

المقدمة الْحَمْدُ للهِ وصَلَّى الله ُ عَلَى نَبيِّهِ وَمُصْطَفَاهُ. ... أمَّا بَعْدُ: لاَ يَحْمِلُ الْحِقْدَ مَنْ تَعْلُو بِهِ الرُّتَبُ ... وَلاَ يَنَالُ الْعُلاَ مَنْ طَبْعُهُ الْغَضَبُ لَقَدْ تَأَمَّلْتُ الْغَضَبَ فَإذَا هُوَ عَدُوٌ لِلإنْسَانِ؛ يُمْرِضُ مِنْهُ القَلْبَ واللِّسَانَ. فلا يُبْقِي لَهُ صَدِيْقاً، ولا يَدَعُ لَهُ رَفِيْقاً، يُوْرِدُهُ السِّجْنَ والأَلَمَ، والْحُزْنَ والْنَّدَمَ. يَدْعُوهُ لِظُلْم ِالأَشْخَاص، ويُنْسِيْهِ الاِقْتِصَاص، يَأْمُرُهُ بِالْقَتْل، ويُنْسِيهِ الْمِثْل، يُوقِعُهُ في الطَّلاَقِ، ويُنْسِيهِ ألَمَ الفِرَاقِ. فوَجَدْتُهُ بِهِ عَلَى شفا جُرُفٍ هَار، وسَائقَاً لَهُ إلى النَّار، فَرَاعني ذَلِكَ، فَقُمْتُ هُنَالِكَ. مُنْذِرَاً مِنَ الغَضَب، ودَاعِياً مَنْ غَضِب، أَنْ يَدْفَعَهُ بِمَا يَجِب، وَقَدْ قِيْل: الدَّفْعُ أَسْهَلُ مِنَ الرَّفْعِ. واجْتِنَابُ السَبَبِ أَهْوَنُ مِنْ قَهْرِ الْغَضَبِ، وَمَنْ عَرَفَ العَدُوَّ احْتَرَسَ مِنَ الْعَدْوِ، والْمُؤْمِنُ لاَ يُلْدَغُ مِنَ جُحْرٍ مَرَّتَينِ، وَلاَ يَطَأُ عَلَى جَمْرَتَينِ. فَهَذَا كِتَابُ لاَ تَغْضَبْ، لِكُلِّ مَنْ يَغْضَب، مَنْ قَرَأَهُ وَتَأَمَّلَهُ قَهَرَ غَضَبَهُ؛ لأَنَّهُ يُذَكِّرُ بِالْغَضَبِ وَنِكَايَتِهِ، وَضَرَرِهِ وَنِهَايَتِهِ؛ فَهْوَ أَشَدُّ الأَعْدَاء كَمَا قَالَ الْحُكَمَاء. وَقَدْ قِيْل: إِذَا قَالَتْ حَذَام ِفَصَدِّقُوْهَا ... فَإِنَّ الْقَوْلَ مَا قَالَتْ حَذَامِ وَقَدْ جَمَعْتُهُ على فُصُول؛ لِيَسْهُلَ على القارئ الْوصُول. الْفَصْلُ الأَوَّلُ: لاَ تَغْضَبْ. الْفَصْلُ الثَّانِي: أَسْبَابُ الْغَضَبِ. الْفَصْلُ الثَّالِثُ: مَعْنَى لاَ تَغْضَبْ إِذْ لاَ يَمْلِكُ أَنْ لاَ يَغْضَب.

الفصل الأول: لا تغضب.

الْفَصْلُ الْرَّابِعُ: الْدَّوَافِعُ عَلَى استمرار الْغَضَبِ. الْفَصْلُ الْخَامِسُ: مسكناتُ الْغَضَبِ. الْفَصْلُ الْسَّادِسُ: موانعُ الْغَضَبِ. الْفَصْلُ الْسَّابِعُ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْغَضَبِ والْحُزْنِ. الْفَصْلُ الْثَّامِنُ: الْغَضَبُ الْمَذْمُومُ وَأَنْوَاعُهُ. الْفَصْلُ الْتَّاسِعُ: الْغَضَبُ الْمَحْمُودُ وَأَنْوَاعُه. الْفَصْلُ الأَوَّلُ: لاَ تَغْضَبْ. قَالَ أَبُوحَاتِم ٍ: الْغَضَبُ أَشَدُّ نِكَايَةً في الْعَاقِلِ مِنَ الْنَّارِ في يَبَسِ الْعَوْسَجِ. وَلَمْ أَرَ في الأَعْدَاءِ حِيْنَ اخْتَبَرْتُهُمْ ... عَذدُوَاً لِعَقْلِ الْمَرْءِ أَعْدَى مِنَ الْغَضَبِ وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاء: الْغَضَبُ أَشَدُّ الأَعْدَاءِ؛ لأَنَّهُ أَبْلَغُ نِكَايةً وَأَشَدُّ فَتْكاً وَأَعْجَلُ حَتْفاً. وَقَدْ قِيْل: الْغَضْبَانُ يَقُولُ مَالاَ يَعْلَمُ، وَيَعْمَلُ بِمَا يَنْدَمُ. قَالَ أَبُو حَاتِم ٍ: الْغَضَبُ بَذْرُ الْنَّدَم ِ، وَتَرْكُهُ أَسْهَلُ مِنْ إِصْلاَح ِمَا يُفْسِدُهُ. وَسُرْعَةُ الْغَضَبِ مِنْ شِيَم ِ الْحَمْقَى. وَقاَلَ بَعْضُ الْعُقَلاَءِ: إِيَّاكَ وَالْغَضَبَ؛ فَإِنَّهُ يُصَيِّرُكَ إِلى ذُلِّ الاِعْتِذَارِ. وَقَدْ قِيْل: الْشَّيْطَانُ أَقْدَرُ مَا يَكُونُ عَلَى الإنْسَان إِذَا كَانَ غَضْبَان، يَقُودُهُ إِلى الْشَّطَطِ، وَيُوقِعُهُ فِي الْغَلَطِ. قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: مَنْ كَثُرَ غَضَبُهُ، كَثُرَ غَلَطُهُ، وَزَادَ شَطَطُهُ. وَقاَلَ بَعْضُ الْنُّصَحَاءِ: مَنْ أَطَاعَ غَضَبَهُ قَادَهُ إِلى الْنَّارِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: يَا بْنَ آدَمَ كُلَّمَا غَضِبْتَ وَثَبْتَ يُوْشِكُ أَنْ تَثِبَ وَثْبَةً فَتَقَعَ في الْنَّارِ. وَقَدْ قِيْل: أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الإنْسَان؟ مِنْ غَضَبِ الْرَّحْمَن إِذَا كَانَ غَضْبَان.

عَنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ: مَاذَا يُبَاعِدُنِي مِنْ غَضَبِ اللهِ؟ قَالَ: (لاَ تَغْضَبْ) رَوَاهُ أَحْمَدُ (¬1). وَعَنْ جُنْدَبٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدَّثَ: أنَّ رَجُلاً قَالَ: وَاللهِ لاَ يَغْفِرُ اللهُ لِفُلاَنٍ وَإِنَّ الله َتَعَالَى قَالَ: مَنْ ذَا الْذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لاَ أَغْفِرَ لِفُلاَنٍ فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلاَنٍ وَأَحْبَطتُ عَمَلَكَ أَوْ كَمَا قَالَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬2). قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: فَوَالْذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ). رواه ابن حبان وبن المبارك (¬3). قُلْتُ: وَالْسَّبَبُ هُوَ الْغَضَبُ. قَالَ عَطَاءُ ابْنُ أَبِي رَبَاح ٍ: مَا أَبْكَى الْعَالِمَ كَغَضْبَةٍ غَضِبَها أَحْبَطَتْ عَلِيهِ عَمَلَ خَمْسِينَ سَنَةً. وَعَنْ أَبِي هُرِيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلاً قَالَ: للنَّبي - صلى الله عليه وسلم -: أَوْصِنِي. قَالَ: (لاَ تَغْضَبْ). فَرَدَدَ مِرَارَاً قَالَ: (لاَ تَغْضَبْ) رَوَاهُ البُخَارِي (¬4). ¬

_ (¬1) المسند رقم6346ج13ص384. (¬2) صحيح مسلم رقم ج4/ص2023 باب تحريم الكبر 2621. (¬3) صحيح ا بن حبان ج13ص20ومسند ابن المبارك ج1ص20 (¬4) صحيح البخاري رقم5651ج9ص74 باب الحذر من الغضب.

الفصل الثاني: أسباب الغضب.

وَعَنْهُ - رضي الله عنه -: أَنَّ جَابِراً - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ: عَلِمْنِي شَيْئَاً يَا رَسُولَ اللهِ: أَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ وَلاَ تُكْثِرْ عَلَيَّ لَعَلِّي أَعْقِلُ قَالَ: (لاَ تَغْضَبْ). رواه الْتِّرْمِذِي (¬1) , وَأَحْمَدُ (¬2) , وَالْحَاكِمُ (¬3) , وَصَحَّحَهُ , وسَكَتَ عَنْهُ الْذَّهَبِي. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ: فَأَوْصَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِتَرْكِ الْغَضَبِ؛ لأَنَّهُ جِمَاعُ الْشَرِّ، وَتَرْكُهُ جِمَاعُ الْخَيْرِ. وعَنْ حُمِيدِ بْنِ عَبْدِ الْرَّحْمنِ: أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَوْصِنِي. قَالَ: (لاَ تَغَضَبْ) قَالَ: الْرَّجُلُ؟ فَفَكَّرْتُ حِيْنَ قَالَ: النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَا قَالَ: فَإِذَا الْغَضَبُ يَجْمَعُ الْشَرَّ كُلَّهُ. رواه أَحْمَدُ (¬4) وَقَالَ: جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: الْغَضَبُ مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ. قُلْتُ: صَدَقَ جَعْفَرٌ؛ فَالْغَضَبُ مِفْتَاحٌ للْقَتْلِ, والطَّلاَقِ , وَالْظُّلْمِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ؛ ظُلْمِ الْزَّوْجَةِ ,وَالْبَنِين، وَعُقُوقِ الْوَالِدَيْن، وَظُلْمِ الْمُوَظَّفِينَ وَالْمُرَاجِعِين، وَكُلِّ مَا هُوَ مُضِرٌ بِالدُّنْيَا وَالْدِّيْن. قُلْتُ: مَنْ كَانَ سَرِيْعاً فِي غَضَبِهِ؛ كَانَ سَيِّئاً فِي خُلُقِهِ. الْفَصْلُ الْثَّانِي: أَسْبَابُ الْغَضَبِ. الْسَّبَبُ الأَوَّلُ: رُؤْيَةُ مَا يَكْرَهُ فَإِذَا رأى مايكرهه الإنسان داهمه الغضبُ في نفسِ المكان فليمسك اليد واللسان. ¬

_ (¬1) السنن رقم1943ج7ص313 (¬2) المسند رقم 8389 ج17 ص431 ورقم 9630 ج20 ص173. (¬3) المستدرك رقم6655ج15ص255 (¬4) المسند رقم 22088ج47ص141

الفصل الثالث: معنى لا تغضب؟

عَنْ عَائشَةَ - رضي الله عنها - , قَالَتْ: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَيئاً قَطُّ بِيَدِهِ؛ ولا امْرَأةً وَلاَخَادِمَاً؛ إلا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيْلِ اللهِ، وَمَا نِيْلَ مِنْهُ شَيءٌ قطُّ فَينْتَقِمُ مِنْ صَاحِبِهِ؛ إلا أَنْ يُنْتَهَكَ شيءٌ من محُارُمِ اللهِ؛ فَيَنْتَقِمَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬1). الْسَّبَبُ الْثَّانِي: سَمَاعُ مَا يَكْرَهُ فَإِذَا سَمِعَ ما يكرهه الإنسان داهمه الغضبُ في نفسِ المكان فليمسك اليد واللسان. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (لَيْسَ الْشَّدِيْدُ بِالْصُّرَعَةِ وإِنَّمَا الْشَّدِيْدُ الْذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ). رواه البخاري (¬2) ومسلم (¬3) الْسَّبَبُ الْثَّالِثُ: الْعِلْمُ بِمَا يَكْرَهُ فَإِذَا علم بما يكره داهمه الغضبُ في نفسِ المكان فليمسك اليد واللسان. عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (مَا تَعُدُّوْنَ الْصُّرَعَةَ فِيْكُمْ؟). قُلْنَا: الْذِي لاَ يَصْرَعُهُ الْرِّجَالُ قَالَ: (لَيْسَ ذَلِكَ). وَلَكِنَّهُ الْذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ).رواه مسلم (¬4) الْفَصْلُ الْثَّالِثُ: مَعْنَى لاَ تَغْضَبْ؟ أَي لاَ تُنَفِّذْ غَضَبَكَ إِذَا أَحَدٌ أَغْضَبَكَ لأَنَّ الْغَضَبَ عَمَلٌ قَلْبِيٌّ لاَ يَمْلِكُ الإنْسَانُ دَفْعَهُ؛ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ اجْتِنَابَ أَسْبَابِ الْغَضَبِ، وَتَنْفِيذَهُ إِذَا غَضِب. فَلَيْسَ الْعَيْبُ أَنْ يَغْضَبَ الإنْسَانُ؛ وَإِنَّمَا الْعَيْبُ اسْتخْدَامُ الْيَدِ, وَاللِّسَانِ. ¬

_ (¬1) مسلم رقم2328ج4ص1813باب مباعدته للآثام. (¬2) البخاري 5649ج19ص72باب الحذر من الغضب عند الغضب (¬3) مسلم رقم4723ج13ص19باب فضل من يملك نفسه عند الغضب (¬4) مسلم ج13ص18باب فضل من يملك نفسه عند الغضب

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَقُوْلُ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُوْلُ: (اللَّهُمَّ إِنَّمَا مُحَمَّدٌ بَشَرٌ يَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬1). وعَنْ عَائشَةَ - رضي الله عنها - , قَالَتْ: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَيئاً قَطُّ بِيَدِهِ؛ ولا امْرَأةً وَلاَخَادِمَاً؛ إلا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيْلِ اللهِ، وَمَا نِيْلَ مِنْهُ شَيءٌ قطُّ فَينْتَقِمُ مِنْ صَاحِبِهِ؛ إلا أَنْ يُنْتَهَكَ شيءٌ من محُارُمِ اللهِ؛ فَيَنْتَقِمَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬2). فَمَنْ لَمْ يُنَفِذْ غَضَبَهُ، إِذَا أَحَدٌ أَغْضَبَهُ؛ دَعَاهُ اللهُ حَتَى مِنَ الْحُوْرِ يُخَيِّرَهُ. عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِي عَنْ أَبِيْهِ - رضي الله عنه - عَنْ الْنَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (مَنْ كَظَمَ غَيْظاً وَهُوَ يَسْتَطِيْعُ أَنْ يُنَفِّذَهُ دَعَاهُ اللهُ يَوَمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلاَئقِ حَتَى يُخَيِّرَهُ فِي أَيِّ الْحُورِ شَاءَ) رَوَاهُ أَبُو دَاودَ (¬3) , وَالْتِرْمِذِي (¬4) , وَابْنُ مَاجَةَ (¬5) , وَأَحْمَدُ (¬6). وَقَالَ سَلْمَانُ - رضي الله عنه - لِرَجُلٍ: (لاَ تَغْضَبْ. فَقَالَ: لاَ أَمْلِكُ فَقَالَ: إِذَا غَضِبْتَ فَامْسِكْ يَدَكَ وَلِسَانَكَ). رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الْدُّنْيَا. قُلْتُ: وَتَنْفِيْذُ الْغَضَبِ ضَعْف؛ إِذْ لاَ يَسْتَطِيْعُ لِيَدِهِ وَلِسَانِهِ أَنْ يَكُف. ¬

_ (¬1) صحيح مسلم رقم2601 ج4/ص2008. (¬2) صحيح مسلم رقم2328ج4ص1813باب مباعدته للآثام. (¬3) السنن رقم4147ج12ص3196 (¬4) السنن رقم 1944ج7ص315 (¬5) السنن رقم4176ج12225 (¬6) المسند رقم15084ج31ص236

عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: قاَلَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّي أَرَاكَ ضَعِيْفاً, وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي فَلاَ تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيِنِ ولا تَولَّيَنَّ مَالَ يَتِيْمٍ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬1). وَمَنْ رَأَى تَصَرُّفَاتِ الْغَضْبَان؛ عَلِمَ أَنَّهُ أَضْعَفُ إِنْسَان. قُلْتُ: وَتَرْكُ تَنْفِيذِ الْغَضَبِ شِدَّةٌ وَقُوَّه؛ لأنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْحِلْمِ وَالْمُرُوءَه. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (لَيْسَ الْشَّدِيْدُ بِالْصُّرَعَةِ وإِنَّمَا الْشَّدِيْدُ الْذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ). رواه البخاري (¬2) ومسلم (¬3) وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (مَا تَعُدُّوْنَ الْصُّرَعَةَ فِيْكُمْ؟). قُلْنَا: الْذِي لاَ يَصْرَعُهُ الْرِّجَالُ قَالَ: (لَيْسَ ذَلِكَ). وَلَكِنَّهُ الْذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ).رواه مسلم (¬4). وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ أَقْوَى الْنَّاسِ عِنْدَ الْغَضَبِ؛ إِذ ْ لاَ يُنَفِّذُهُ إِذَا غَضِبَ. ¬

_ (¬1) مسلم رقم 1826 ج3ص1457 باب كراهة الإمارة بغير ضرورة (¬2) البخاري 5649ج19ص72باب الحذر من الغضب (¬3) مسلم رقم4723ج13ص19باب فضل من يملك نفسه عند الغضب (¬4) مسلم ج13ص18باب فضل من يملك نفسه عند الغضب.

الفصل الرابع: الدوافع على استمرار الغضب.

عَنْ عَائشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئَاً قَطُّ بِيَدِهِ ولا امْرَأَةً وَلاَ خَادِمَاً؛ إلا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيْلِ اللهِ، وَمَا نِيْلَ مِنْهُ شَيءٌ قَطُّ فَانْتَقَمَ مِنْ صاحبِهِ؛ إلا أَنْ يُنْتَهَكَ شيءٌ مِنْ مَحُارُمِ اللهِ, فَيَنْتَقِمَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬1). وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: خَدَمْتُ النَّبِيَّ: - صلى الله عليه وسلم - عَشَرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ: لِشَيءٍ فَعَلْتُهُ لِمَا فَعَلْتَهُ وَلاَ لِشَيءٍ تَرَكْتَهُ لِمَا تَرَكْتَهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِي وَمُسْلِمٌ. وَكَانَ يَقُولُ - رضي الله عنه -: فَإِذَا عَاتَبَنِي بَعْضُ أَهْلِهِ قَالَ: (دَعُوهُ فَلَو قَدَّرَ الله ُ شَيْئَاً لَكَانَ). وَكَانَ مِنْ دُعَائِهِ - صلى الله عليه وسلم -: (أَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ في الْغَضَبِ وَالْرِّضَا) (¬2). الْفَصْلُ الْرَّابِعُ: الْدَّوَافِعُ عَلَى اسْتِمْرَارِ الْغَضَبِ. الْدَّافِعُ الأَوَّلُ: الْظَّنُ بَأَنَّهُ قُوَّةٌ؛ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هْوَ ضَعْفٌ؛ فَلاَ أَضْعَفَ مِنْ إِنْسَان لاَ يَمْلِكُ الْيَدَ, وَالِّلسَان. عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: (لَيْسَ الْشَّدِيْدُ بِالْصُّرَعَةِ , وَإنَّمَا الْشَّدِيْدُ الْذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ) رواه البخاري (¬3) ومسلم (¬4). فَمَنْ لَمْ يَمْلِكْ اللِّسَانَ, وَالْيَد؛ فَهْوَ أَضْعَفُ عَبْد. ¬

_ (¬1) صحيح مسلم رقم 2328ج4ص1813 باب مباعدته للآثام (¬2) المسند عن عمار بن ياسر رقم 17605 ج37 ص282. (¬3) البخاري رقم5649ج19ص72باب الحذر من الغضب (¬4) مسلم رقم4723ج13ص19باب فضل من يملك نفسه الغضب

الدافع الثاني: مجالسة من هو كثير الغضب؛ المفاخر بالغضب

عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (مَا تَعُدُونَ الْصُّرَعَةَ فِيْكُمْ؟). قُلْنَا: الْذِي لاَ يَصْرَعُهُ الْرِّجَالُ قَالَ: (لَيْسَ ذَلِكَ). وَلَكِنَّهُ الْذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ). رواه مسلم (¬1). الْدَّافِعُ الْثَّانِي: مُجَالَسَةُ مَنْ هُوَ كَثِيْرُ الْغَضَبِ؛ الْمُفَاخِرُ بِالْغَضَبِ, الْذِي يَقُولُ: أَنَا لاَ أَعْفُو عَنْ خَطَا، وَلاَ أَتَجَاوَزُ عَمَّنْ هَفَى، وَآخُذُ بِالْصَغِيْرِ، وَأُطَالِبُ بِالْقِطْمِيْرِ؛ فَيَظُنُّ الْسَّامِعُ أَنَّ هَذِهِ مَنْقَبَةٌ وَمَفْخَرَةٌ؛ فَيُحَاوِلُ أَنْ يُقَلِّدَهُ. وَقَدْ قِيْل: أَسْرَعُ الْعَدْوَى سُوءُ الْخُلُقِ. الْفَصْلُ الْخَامِسُ: مُسَكِّنَاتُ الْغَضَبِ. الْمُسَكِّنُ الأَوَّلُ: الْسُّكُوتُ. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْكُتْ) قَالَهَا ثَلاَثَاً. رَوَاهُ أَحْمَدُ (¬2) , وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِي (¬3). فلا تنصح وأنت غضبان ولاتعلم وأنت غضبان ولا تعاقب وأنت غضبان ولاتحكم وأنت غضبان فإذا سكن الغضب فقل ماشئت. قَالَ مُؤَرِّقُ الْعِجْلِي رَحِمَهُ الله: مَا تَكَلَّمْتُ فِي الْغَضَبِ بِكَلِمَةٍ نَدِمْتُ عَلِيْهَا فِي الْرِّضَا. وَقَالَ يَزِيْدُ بْنُ أَبِي حَبِيْبٍ: إِنَّمَا غَضَبِي فِي نَعْلِي؛ فَإِذَا سَمِعْتُ مَا أَكْرَهُ أَخَذْتُهُمَا وَمَشَيْتُ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه -: إِذَا سَمِعْتَ الْكَلِمَةَ تُؤْذِيْكَ؛ فَطَأْطِىءْ لَهَا رَأْسَكَ؛ حَتَّى تَتَخَطَّاكَ. وَقَدْ قِيْل: ¬

_ (¬1) مسلم ج 13ص18باب فضل من يملك نفسه الغضب (¬2) المسند رقم2136ج1ص239 (¬3) السلسلة الصحيحة رقم363

المسكن الثاني: أن يمسك الغضبان اليد واللسان

تَخَالهُمُ فِي الْنَّاسِ صُمَّاً عَنِ الْخَنَا وَخُرْسَاً عَنِ الْفَحْشَاءِ عِنَّدَ الْتَهَاجُرِ وَمَرْضَى إِذَا لُوقُوا حَيَاءً وَعِفَّةً وَعِنْدَ الْحِفَاظِ كَاللِّيُوثِ الْخَوَادِرِ كَأَنَّ لَهُمْ وَصْمَاً يَخَافُونَ عَارَهُ ... وَمَا ذَاكَ إلاَ لاتقاءِ الْمَعَايرِ وَقَالَ الْشَّافِعِي رَحِمَهُ الله ُ: إِذَا نَطَقَ الْسَّفِيْهُ فَلاَ تُجِبْهُ فَخَيْرٌ مِنْ إِجَابَتِهِ الْسُّكُوتُ الْمُسَكِّنُ الْثَّانِي: أَنْ يُمْسِكَ الْغَضْبَان الْيَدَ وَاللِّسَان. عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (مَا تَعُدُّونَ الْصُّرَعَةَ فِيْكُمْ؟). قُلْنَا: الْذِي لاَ يصْرَعُهُ الْرِّجَالُ. قَالَ: (لَيْسَ ذَلِكَ). وَلَكِنَّهُ الْذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ). رواه مُسْلِمٍ (¬1) وَقِيْلَ لِبَعْضِ الْعُقَلاَءِ: مَا أَمْلَكَ فُلاَنَاً لِنَفْسِهِ! فَقَالَ: إِذاً لاَ تُذِلُّهُ شَهْوَةٌ وَلاَ يَصْرَعُهُ هَوَىً وَلاَيَغْلِبُهُ غَضَبٌ. الْمُسَكِّنُ الْثَّالِثُ: الاسْتِعَاذَةُ باِللهِ مِنَ الْشيطانِ. قَالَ تَعَالَى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} الأعراف200 سَمِيْعٌ لِمَنْ جَهِلَ عَلَيْكَ , عَالِمٌ بِمَا يُذْهِبُ الْغَضَبَ عَنْكَ. ¬

_ (¬1) مسلم ج13ص18 باب فضل من يملك نفسه الغضب

المسكن الرابع: من كان قائما فليجلس؛ فإن ذهب الغضب وإلا فليضطجع

وَعَنْ سُلَيْمَانَ ابْنِ صُرَدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوْسٌ وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغْضَباً قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ, فَقَالَ: النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَو قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ لَو قَالَ: أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الْشَّيْطَانِ الْرَّجِيْمِ). فَقَالُوا للرَّجُلِ: ألاَ تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (¬1) , وَمُسْلِمُ (¬2) الْمُسَكِّنُ الْرَّابِعُ: مَنْ كَانَ قَائِماً فَلْيَجْلِسْ؛ فَإِنْ ذَهَبَ الْغَضَبُ وَإلا فَلْيَضْطَجِعْ. عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ فَإِن ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ وَإِلاَّ فَلْيَضْطَّجِعْ). رَوَاهُ أَحْمَدُ (¬3) , وَأَبُو دَاودَ (¬4) , وصححه الألباني (¬5). قَالَ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ الله ُ: فَالْقَائِمُ مُتَهَيِّئٌ للشَّرِّ، وَالْقَاعِدُ دُوْنَهُ، وَالْمُضْطَجِعُ أَبْعَدُ ¬

_ (¬1) صحيح البخاري رقم 5650ج9ص72باب الحذر من الغضب. (¬2) مسلم رقم 4725ج13ص19باب فضل من يملك نفسه عند الغضب (¬3) المسند رقم20386ج17ص322 (¬4) السنن رقم4151ج12ص402 (¬5) الألباني انظر المشكاة رقم5114

المسكن الخامس: الوضوء.

الْمُسَكِّنُ الْخَامِسُ: الْوَضُوءُ. عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ السَّعْدِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَطِيَةَ: عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: (إِنَّ الْغَضَبَ مِنَ الْشَّيْطَانِ وَإِنَّ الْشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ الْنَّارِ , وَإِنَّمَا تُطْفَأُ الْنَّارُ بِالْمَاءِ , فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَأْ). رَوَاهُ أَبُو دَاودَ (¬1) , وَضَعَّفَهُ الألباني (¬2). الْمُسَكِّنُ الْسَّادِسُ: تَذَكُّرُ قُدْرَةِ اللهِ عَلَيْهِعِنْدَ قُدْرَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ. قَالَ تَعَالى: {إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} الكهف24 قَالَ عِكْرِمَةُ: إِذَا غَضِبْتَ. وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ (الأعراف201). قَالَ ابْنُ عَبَاسٍ - رضي الله عنه -: الْطَّائِفُ هُوَ الْغَضَبُ. وَعَنْ أَبِي مَسْعُودِ الأَنْصَارِي - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلاَماً لِي بِسَوْطٍ , فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِي صَوْتَاً: اعلَمْ أَبَا مَسْعُوْدٍ اعْلَمْ ْأبَا مَسْعُوْدٍ. فَلَمْ أَفْهَمِ الْصَّوْتَ مِنْ شِدَّةِ الْغَضَبِ, فَلَمَّا دَنَا الْتَفَتُّ فَإِذَا هُوْ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَقَطَ الْسَّوْطُ مِنْ يَدي مِنْ هَيْبَتِهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: (اعْلَمْ أَبَا مَسْعُوْدٍ َللهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلاَمِ) فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ فَقَالَ: (أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ الْنَّارُ أَوْ لَمَسَّتْكَ الْنَّارُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬3). ¬

_ (¬1) السنن رقم4152ج12ص402 (¬2) السلسلة الضعيفة رقم 51 (¬3) الصحيح رقم1659ج3ص1286

قَالَ أَبُو مَسْعُوْدٍ - رضي الله عنه - ُ فَقَلْتُ: لاَ أَضْرِبُ مَمْلُوْكاً بَعْدَهُ أَبَداً).رواه مسلم (¬1) وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ تَذَكَّرَ قُدْرَةَ اللهِ؛ لَمْ يَسْتَعْمِلْ قُدْرَتَهُ فِي ظُلْمِ عِبَادِ اللهِ. أَغْضَبَ رَجُلٌ الْخَلِيْفَةَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيْزِ فَقَالَ لَهُ: أَرَدْتَ أَنْ يَسْتَفِزَّنِي الْشَّيَطَانُ؛ بِعِزَّةِ الْسُّلْطَانِ؛ فَأَنَالَ مِنْكَ الْيَومَ؛ مَاتَنَالُهُ مِنِّي غَداً. انْصَرِفْ رَحِمَكَ الله ُ. قُلْتُ: فَيَنْبَغِي لِصَاحِبِ الْسُّلْطَانِ؛ أَنْ لاَيَسْتَفِزَّهُ الشَّيْطَان؛ فَيَنَالَ بِسُلْطَانِهِ الْيَومَ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ غَدَاً؛ فَمَنْ نَالَ بِسُلْطَانِ الْزُّوْجِيَّةِ مِنْ زَوْجَتِهِ شَيْئاً فِي الْدُّنْيَا نَالَتْهُ مِنْهُ فِي الأْخْرَى، وَمَنْ نَالَ بِسُلْطَانِ الأُبُوَّةِ مِنْ أَوْلاَدِهِ فِي الْدُّنْيَا نَالُوهُ مِنْهُ فِي الأُخْرَى. قَالَ مُعَاوية: إِنِي لأَحْسِبُ لِظُلْمِ مَنْ لاَ نَاصِرَ لَهُ إلاَ الله. وَقَالَ الْحَسَنُ ابْنُ وَهْبٍ: مَا أَحْسَنَ الْعَفْوَ مِنَ الْقَادِر ... لاَسِيَّمَا عَنْ غَيْرِ ذِي نَاصِرِ وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ ابْنُ مُحَارِبٍ: لِهَارُونَ الْرَّشِيْدِ. أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَنْتَ بَيْنَ يَدَيْهِ؛ أَذَلُّ مِنِّي بَيْنَ يَدَيْكَ، وَبِالَّذِي هُوَ أَقْدَرُ عَلَى عِقَابِكَ؛ مِنْكَ عَلَى عِقَابِي؛ أَنْ تَعْفُوَ عَنِّي فَعَفَى عَنْهُ. وقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الْغَضَبُ عَلَى مَنْ لاَ تَمْلِكُ عَجْزٌ , وَعَلَى مَنْ تَمْلِكُ لُؤْم ٌ. ¬

_ (¬1) صحيح مسلم رقم 1659ج3ص1286.

المسكن السابع: تذكر ثواب العفو عند المقدرة من العزة والمغفرة.

الْمُسَكِّنُ الْسَّابِعُ: تَذَكُّرُ ثَوَابِ الْعَفْوِ عِنْدَ الْمَقْدِرَةِ مِنْ الْعِزَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ. قَالَ تَعَالَى {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (النور22). وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (مَا زَادَ اللهُ عَبْدَاً بِعَفْوٍ إِلاَ عِزّاً) رواه مسلم (¬1) وتفرد به. وَقَدْ قِيْل: أَوْلَى الْنَّاسِ بِالْعَفُوِ أَقْدَرُهُمْ عَلَى الْعُقُوبَةِ وَأَنْقَصُ الْنَّاسِ عَقْلاً مَنْ ظَلَمَ مَنْ هُوَ دُوْنَهُ، قُلْتُ: وَقَدْ يَشْتَدُّ الْغَضَبُ وَالْحَمَاقَة فَيُعَذِّبُ مَنْ لَيْسَ لَهُ بِهِ طَاقَه؛ كَالْمَرْأَةِ وَالْطِّفْلِ وَهَذَا نَقْصٌ فِي الْعَقْلِ؛ لأَنَّ الَّذِي يَغْضَبُ لِلاقْتِصَاصِ لاَ يَحْسِبُ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: - صلى الله عليه وسلم - (لَتُؤَدَنَّ الْحُقُوقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى أَهْلِهَا حَتَّى يُقَادَ للشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الْشَّاةِ الْقَرْنَاءِ). تفرد به مسلم (¬2). وَالْجَلْحَاءُ التي لاَ قَرْنَ لَهَا؛ فَهْيَ لاَ تَسْتَطِيْعُ أَنْ تَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهَا؛ فَكُلُّ مَنْ لاَ يَسْتَطِيْعُ دَفْعَكَ فِي الْدُّنْيَا؛ اقْتَصَ مِنْكَ فِي الأُخْرَى، أَمَا وَاللهِ إِنَّ الْظُّلْمَ شُؤْمٌ ... وَمَازَالَ الْمُسِيءُ هُوَ الْظَّلُومُ إِلَى دَيَّانِ يَوْمَ الْدِّيْنِ نَمْضِي ... وَعِنْدَ اللهِ تَجْتَمِعُ الْخُصُومُ سَتَعْلَمُ فِي الْمَعَادِ إذا التَقَيْنَا ... غَداً عِنْدَ المَلِيْكِ مَنِ الظَّلُومُ ¬

_ (¬1) مسلم رقم 2588ج4ص2001باب استحباب العفو والتواضع. (¬2) صحيح مسلم رقم 2582ج4ص1997باب تحريم الظلم.

الفصل السادس: موانع الغضب.

الْفَصْلُ الْسَّادِسُ: مَوَانِعُ الْغَضَبِ. الْمَانِعُ الأَوَّلُ: الْعِلْمُ بِأَنَّ عِزَّ الْنَفْسِ في ذُلِّهَا، فَمَنْ نَصَرَهَا أَذَلَّهَا، وَمَنْ أَذَلَّهَا أَعَزَّهَا. عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - (مَا نِيْلَ مِنْهُ شَيءٌ فَانْتَقَمَ لِنَفْسِهِ). رواه مسلم (¬1). قُلْتُ: فَقَدْ نَالُوهُ بِالأَقْوَالِ وَالأَفْعَال؛ فَلَمْ تَزِدْهُ إِلاَ صَبْراً وَاحْتِمَالاً؛ فَكَانَ - صلى الله عليه وسلم - كَعُوْدٍ زَادَهُ الإحْرَاقُ طِيْباً. قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِي رَحِمَهُ الله: ُ مَا أَعَزَّ الإنْسَانَ نَفْسَهُ بِمِثْلِ ذُلِهَا. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: - صلى الله عليه وسلم - (مَا زَادَ الله ُ عَبْدَاً بِعَفْوٍ إلا عِزَّاً) رواه مسلم وتفرد به (¬2). قُلْتُ: وَفِي الْعَفْوِ إِذْلاَلُهَا، وَبِهِ إِعْزَازُهَا، وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رضي الله عنه -: وَكَانَتْ عَلَى الأَيَامِ نَفْسِي عَزِيْزَةً ... فَلَمَّا رَأَتْ صَبْرِي عَلَى الْذِّلِ ذَلَّتِ الْمَانِعُ الْثَّانِي: الْحِلْمُ. سُئِلَ الأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ الْحِلْمِ فَقَالَ: هُوَ الْذُّلُ يَا بْنَ أَخِي أَتَصْبِرُ عَلَيْهِ وَقَالَ لُقْمَانُ الْحَكِيْمُ: ثَلاَثَةٌ لاَ تَعْرِفُهُمْ إِلاَّ فِي ثَلاَثَةٍ؛ لاَ تَعْرِفُ الْحَلِيْمَ إلا عِنْدَ الْغَضَبِ، وَلاَ الْشُّجَاعَ إلا عِنْدَ الْحَرَبِ، وَلاَ أَخَاكَ إلا إِذَا احْتَجْتَ إليهِ. وَقَدْ قِيْل: مَنْ يَدَّعِى الْحِلْمَ أَغْضِبْهُ لِتَعْرَفَهُ لاَ يُعْرَفُ الْحِلْمُ إلا سَاعَةَ الْغَضَبِ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِي: الْمُؤْمِنُ حَلِيْمٌ لاَ يَجْهَلُ وَإِنْ جُهِلَ عَلَيْهِ. وَتَلاَ قَوْلَهُ تعالى {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً} الفرقان63 وَقالَ علىُّ بْنُ أبي طالبٍ - رضي الله عنه - أَوُّلُ عِوَضٍ للحَلِيْم ِعَلَى حِلْمِهِ؛ أَنَّ الْنَّاسَ أَنْصَارُهُ. ¬

_ (¬1) مسلم برقم2327ج4ص1813 باب مباعدته للآثام (¬2) سبق تخريجه.

المانع الثالث: التحلم بمخالطة من كان حليما ليتعلم

الْمَانعُِ الْثَّالِثُ: الْتَّحَلُّمُ بِمُخَالَطَةِ مَنْ كَانَ حَلِيْماً لِيَتَعَلَّمَ. قِيْلَ: للأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ مِمَنْ تَعَلَّمْتَ الْحِلْمَ قَالَ: مِنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمِ الْمَنْقِري، رَأَيْتُهُ قَاعِداً بِفِنَاءِ دَارِهِ مُحْتَبِياً بِحَمَائِلِ سَيْفِهِ يُحَدِّثُ قَوْمَهُ حَتَى أُتِيَ بِرَجُلٍ مَكْتُوْفٍ , وَرَجُلٍ مَقْتُوْلٍ. فَقِيْلَ لَهُ: هذا ابْنُ أَخيكَ قَتَلَ ابْنَكَ. فو اللهِ ما حلَّ حَبْوَتَهُ , ولا قَطَعَ كَلاَمَهُ , ثُمَّ الْتَفَتَ إلى ابْنِ أخيهِ وقالَ: يابْنَ أخي أَثِمْتَ بِرَبِّكَ, ورمَيْتَ نَفْسَكَ بِسَهْمِكَ , وقَتَلْتَ ابْنَ عَمِّكَ. ثُمَّ قَالَ لابْنٍ لَهُ آخَرَ: قُمْ فوارِ أخاكَ، وحُلَّ كِتَافَ ابْنِ عَمِّكَ، وسُقْ إلى أُمِّهِ مِئَةَ ناقةٍ فإنِّها غَرِيْبَةٌ. وَقَالَ الأحْنَفُ: لَسْتُ حَلِيْماً؛ ولكنِّي أتَحَالَمُ. وَقاَلَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: إذا لَمْ تَكُنْ حَلِيْماً فَتَحَلَّمْ. فَقَلَّمَا تَشَبَّهَ رَجُلٌ بِقَوْمٍ إلا كَانَ مِنْهُمْ.

المانع الرابع: تذكر كراهة الناس له

الْمَانِعُ الْرَّابِعُ: تَذَكُّرُ كَرَاهَةِ الْنَّاسِ لَهُ. قُلْتُ: فَمَا اسْتُجْلِبَ الْبُغْضُ وَالْكَرَاهَةِ؛ بِمِثْلِ الْغَضَبِ والْحَمَاقَةِ؛ فَالْغَضْبَانُ أَبْغَضُ إِنْسَان؛ لأَنَّهُ يَظْلِمُ مَنْ خَالَطَهُ، وَيَتَعَدَّى على مَنْ هُوَ دُوْنَهُ، وَيَتَطَاوَلُ على مَنْ هُوَ فَوْقَهُ، وَيَتَكَلَّمُ بِغَيْرِ تَمْييزٍ، كَثِيْرُ الْكَلاَمِ، سَرِيْعُ الْجَوَابِ، يَنْهَى عَنِ الْشَّيءِ وَيَأْتِيْهِ، وَيَفْخَرُ بِمَا لَيْسَ فِيْهِ، لاَ يَصْفَحُ عَنِ الْزَّلاَّتِ، وَلاَ يَعْفُو عَنِ الْهَفَوَاتِ، يُبْغِضُهُ الأَقْرِبَاء قَبْلَ الْبُعَدَاء، مَنْ خَالَطَهُ لَعَنَهُ، وَمَنْ سَمِعَ بِهِ أَبْغَضَهُ؛ فَلَو تَصَوَّرَ الإنْسَانُ ذَالِكَ لَتَرَكَ الْغَضَبَ هُنَالِكَ، فَأَتْعَسُ إنْسَان مُعَاشِرُ الْغَضْبَان؛ لأَنَّ الغَضْبَانَ كَالنَّارِ تُحْرِقُ مَنْ بِالْجِوَارِ؛ فَمَا فَرِحَتْ الْزَّوْجَةُ مِنْ سَيِّيءِ الأَخْلاَقِ بِمِثْلِ الطَلاَقِ. طَلَقَ رَجُلٌ زَوْجَتَهُ فَقَالَ: كُنْتِ ثُمَّ بِنْتِ، فَقَالَتْ: واللهِ مَا فَرِحْنَا يومَ كُنَّا، وَلانَدِمْنَا يومَ بِنَّا، فَنَدِمَ. وأَكْثَرَتْ امْرَأَةٌ الْغَضَبَ عَلَى زَوْجِهَا؛ فأَخَرَجَ عَقْدَ الْنِّكَاحِ؛ فَأَخَذَ يَبْحَثُ فيهِ، فَقَالَتْ: عَنْ أَيِّ شَيءٍ تَبْحَثُ؟ قَالَ: عَنْ تَارِيخِ الانْتِهَاء.

المانع الخامس: تذكر نهاية الغضب؛ من القتل والسجن، والندم والحزن

والولَدُ يَفْرَحُ بِالبُلُوغِ والرُّشْدِ، ليخرجَ مِنَ القَيْدِ والشَّدِّ، والموظفُ يَفْرَحُ بِفَصْلِهِ وَنَقْلِهِ، لِيَرْتاحَ مِنْ شَرِّهِ، بخلافِ مَنْ لا يَغْضَبُ؛ فالكُلُّ فيهِ يَرْغَبُ؛ فَالْزَّوْجَةُ إِنْ مَاتَ أَوْ طَلَّقَ بَقْيَتْ عَلَيْهِ تُحَلِّقُ، وَالْوَلَدُ يَرْشُدُ وعَنْهُ لا يَصُدُّ، وَالْمُوَظَّفُ فِي رَاحَه مَادَامَ مَوْجُوْدَاً صَرَاحَه؛ وَمَاذَاكَ إِلاَّ لِتَرْكِ الْغَضَبِ هُنَاكَ؛ فَإِنْ عَاتَبَ عَاتَبَ فِي لِيْنٍ إِنْ لَمْ يَعْفُ وَيَسْتُرْ، وَإِنْ عَاقَبَ كَانَ عَلَى قَدْرِ الْذَنَّبِ إِنْ لَمْ يَغْفِرْ. كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيْزِ: إِلَى أَحَدِ عُمَّالِهِ؛ لاَ تُعَاقِبْ وَأَنْتَ غَضْبَان؛ وَلَكِنِ احْبِسْهُ حَتَّى يَذْهَبَ الْغَضَبُ؛ ثُمَّ عَاقِبْهُ عَلَى قَدْرِ ذنْبِهِ. الْمَانِعُ الْخَامِسُ: تَذَكُّرُ نِهَايةِ الْغَضَبِ؛ مِنْ القَتْلِ وَالْسِّجْنِ، وَالْنَّدَمِ والْحُزْنِ. فَإِنْ طَلَّق؛ نَدِمَ كَالْفَرَزْق. نَدِمْتُ نَدَامَةَ الْكَسْعِي لَمَّا ... غَدَتْ مِنِّي مُطَلَقَةً نَوَارُ وَكَانَتْ جَنَّتِي فَخَرَجْتُ مِنْهَا ... كَآدَمَ حِيْنَ أَخْرَجَهُ الْضِّرَارُ وَإِنْ ضَرَبَ الأَشْخَاص؛ نَدِمَ مِنَ الاقْتِصَاص. قَالَ تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (المائدة45). فَإِنْ سَلِمَ فِي الْدُّنْيَا؛ قَدْ لاَ يَسْلَمُ فِي الأُخْرَى.

المانع السادس: تذكر آثار الغضب

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (لَتُؤَدَّنَّ الْحُقُوْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلى أَهْلِهَا حَتَى يُقَادَ للشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الْشَّاةِ الْقَرْنَاءِ) تَفَرَّدَ بِهِ مُسْلِم (¬1) وَإِنْ قَتَلَ نَدِمَ مِنَ الْمِثْلِ. قَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} (البقرة178) وَمَنْ سَلِمَ فِي الْدُّنْيَا قَدْ لاَ يَسْلَمُ فِي الأُخْرَى. قَالَ تَعَالَى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} (النساء93). الْمَانِعُ الْسَّادِسُ: تَذَكُّرُ آثَارِ الْغَضَبِ. آثَارُ الْغَضَبِ الْظَّاهِرَةُ: تَغَيُّرُ اللَّوْنِ، شِدَّةُ رِعْدَةِ الأطْرَافِ، خُرُوْجُ الأَفْعَالِ عَنِ الْتَّرْتِيْبِ وَالْنِّظَامِ، اضْطِرَابُ الْحَرَكَةِ وَالْكَلاَمِ، خُرُوْجُ الْزَّبَدِ مِنْ شِدْقَيْهِ، انْتِفَاخُ الأَوْدَاجِ، احْمِرَارُ الْوَجْهِ، وتَقَلُّبُ الْمَنَاخِرِ؛ فَلَوْ رَأَى الْغَضْبَانُ نَفَسَهُ؛ لَسَكَنَ غَضَبُهُ حَيَاءً مِنْ قُبْحِ صُورَتِهِ، وتَغَيُّرِ خِلْقَتِهِ. آثَارُ الْغَضَبِ الْبَاطِنَةُ: فَالْظَّاهِرُ عُنْوَانُ الْبَاطِنِ؛ فَقُبْحُ الْظَّاهِرِ يَدُلُّ عَلَى قُبْح ِ الْبَاطِنِ. آثَارُ الْغَضَبِ عَلَى الْقَلْب: الْحِقْدُ، وَالحَسَدُ، وَالْحُزْنُ، وَإِضْمَارُ الْسُّوءِ للمَغْضُوبِ عَلَيْهِ. آثَارُ الْغَضَبِ عَلَى اللِّسَانِ: الْسَّبُّ، وَالْشَّتْمُ، وَالْفُحْشُ فِي الْقَوْلِ، وَالْشَّمَاتَةُ، وَالْتَّعْييرُ، وَالاسْتِهْزَاءُ، وَالْغِيْبَةُ، وَإِفْشَاءُ الْسِّرِّ، وَهَتْكُ الْسِّتْرِ عَنِ الْمَغْضُوْبِ عَلَيْهِ. ¬

_ (¬1) صحيح مسلم رقم 2582ج4ص1997باب تحريم الظلم.

الفصل السابع: الفرق بين الغضب والحزن.

آثَارُ الْغَضَبِ عَلَى الْجَوَارِح ِ: الْضَّرْبُ، وَالْقَتْلُ إِنْ أَمَسَكَهُ وَقَدِرَ عَلَيْهِ؛ فَإِنْ فَاتَهُ، أَوْ عَجَزَ عَنْهُ؛ رَجَعَ الْغَضَبُ عَلَى صَاحبِهِ؛ فَيَضْرِبُ نَفْسَهُ، وَيلْطِمُ خَدَّهُ، وَيَشُقُّ جَيْبَهُ، وَيَعُضُّ يَدَهُ، وَيَضْرِبُ الأَرْضَ، وَيَعْدُو بِدُوْنِ شُعُوْرٍ؛ وَقَدْ يَرْجِعُ الْغَضَبُ عَلَى مَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ؛ مِمَّنْ هُوَ دُوْنَهُ، وَ قَرِيْبٌ مِنْهُ، وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ؛ كَالْزَّوْجَةِ وَالْبِنْتِ، وَالْوَلَدِ وَالْدَابَةِ، وَالْجَمَادِ؛ كَالأْوَانِي؛ فَرُبَّمَا كَسَرَ الْصَّحْفَةَ، وَرُبَّمَا تَكَلَّمَ مَعَ الْدَّابَةِ؛ فَإِذَا رَفَسَتْهُ رَفَسَهَا، وَرُبَّمَا سَقَطَ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ؛ فَهَذَا حَالُ مَنْ سَلَّمَ لِغَضَبِهِ الْقِيَادَة؛ فَإِنَّهُ سَيَقُوْدُهُ لِلإِبَادَة. الْفَصْلُ الْسَّابِعُ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْغَضَبِ وَالْحُزْنِ. الْغَضَبُ يَتَحَرَّكُ مِنَ دَاخِلِ الْجَسَدِ إِلَى خَارِجِهِ؛ لأَنَّهُ بَارِزٌ وَظَاهِرٌ؛ فَهْوَ سَطْوَةٌ وَانْتِقَامٌ. سَبَبُهُ هُجُوْمُ مَا تَكْرَهُهُ الْنَّفْسُ؛ مِمَّنْ هُوَ دُوْنَهَا. وَالْحُزْنُ يَتَحَرَّكُ مِنْ خَارِجِ الْجَسَدِ إِلَى دَاخِلِهِ؛ لأَنَّهُ كَامِنٌ فَهْوَ مَرَضٌ وَأَسْقَامٌ. سَبَبُهُ هُجُوْمُ مَا تَكْرَهُهُ الْنَّفْسُ؛ مِمَّنْ هُوَ فَوْقَهَا؛ فَلِذَلِكَ قَتَلَ الْحُزْنُ وَأَفْضَى بِصَاحِبِهِ إِلَى الْمَوْتِ لِكُمُونِهِ. وَلَمْ يَقْتُلِ الْغَضَبُ لِبُرُوْزِهِ. الْفَصْلُ الْثَّامِنُ: الْغَضَبُ الْمَذْمُوْمُ. وَهُوَ مَا كَانَ لِلْخَلْقِ؛ لاَ لِلْحَقِّ؛ وَهْوَ أَنْوَاعٌ. الْنَّوْعُ الأَوَّلُ: الْغَضَبُ للنَّفْسِ.

فَلاَ يَسْمَحُ الْغَضْبَانُ. أَنْ يَنَالَهُ إِنْسَانٌ بِقَوْلٍ , أَوْ فِعْلٍ؛ وَإِنْ كَانَ أُمَّاً أَوْ أَباً , أَوْ زَوْجَةً أَوْ أَخاً فَكَيْفَ بِالْغَيْرِ؛ وَخَيْرُ الْهَدِي ِ هَدْيُ الْبَشِيْرِ - صلى الله عليه وسلم -. عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ (مَا انْتَقَمَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِنَفْسِهِ). رَوَاهُ مُسْلِمُ (¬1). الْنَّوْعُ الثَّانِي: الَغَضَبُ لِلْعَصَبِيِّةِ. فَالْتَّعَصُّبُ لِلْخَلْقِ؛ لاَ لِلْحَقِّ فِيْهِ مِنَ الْجَوْرِ، وَ الْظُّلْمِ، وَنُصْرَةِ الْظَّالِم ِ، وَمَنْعِ الْحَقِّ، وَإِحْقَاقِ الْبَاطِلِ، وَ إِوَاء ِ الْمُحْدِثِ، وَتَعْظِيْم ِ الأَشْخَاصِ، وَالْتَّمَسُّكِ بِالْتَّقَالِيْدِ وَالْعَادَاتِ، وَرَدِّ الْسُّنَّةِ وَالآيَاتِ؛ ما يدلُّ على أنَّهُ مذمومٌ قبيحٌ، وخطرُهُ واضحٌ صريحٌ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (مَنْ قاتلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ , أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ , أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً فَقُتِلَ , فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬2). الْنَّوْعُ الْثَّالِثُ: الَغَضَبُ لِلْحَمِيَّةِ. فَالْحَمِيَّةُ لِلْخَلْقِ؛ لاَ لِلْحَقِّ؛ رَدٌّ لِلْحَقِّ، وَمُحَارَبَةٌ لَهُ وَلأَهْلِهِ، وَتَمَسُكٌ بِالْبَاطِلِ وَنُصْرَةٌ لَهُ وَلأَهْلِهِ. قَالَ تَعَالَى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} (الفتح26) ¬

_ (¬1) مسلم رقم2327ج4ص1813باب مباعدته للآثام (¬2) صحيح مسلم رقم1848ج3ص1476.

فَبِالْحَمِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ؛ رَدُّوْا الْرِّسَالَةَ الْرَّ بَّانِيةِ، وَحَارَبُوا نَبِيَّهُ. وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلاً فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّه ِ فَقَالَ لِيَ النَّبيُّ: - صلى الله عليه وسلم - يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَرْتَه بأُمِّهِ إنَّكَ امْرُؤٌ فِيْكَ جَاهِلِيَّةٌ. رواه البخاري (¬1) ومسلم (¬2) وَفِي لَفْظٍ (إنَّ فِيْكَ لَحَمِيَّةً) الْنَّوْعُ الْرَّابِعُ: الْغَضَبُ للدِّيْنِ بِمَا يُخَالِفُ الْوَحْيَين. عَنْ جُنْدُبٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسَولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدَّثَ أَنَ رَجُلاً قَالَ: وَاللهِ لاَ يَغْفِرُ الله ُ لِفُلاَنٍ فَقَالَ الله ُ: مَنْ ذَا الذي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لاَ أَغْفِرَ لِفُلاَنٍ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلاَنٍ وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬3). قُلْتُ: فَكَانَ غَضَبُهُ عَلَى الْرَّجُلِ للهِ؛ لَمَّا لَمْ يَتْرُكْ مَعْصِيَةَ اللهِ؛ فَأَغْضَبَ الْمَوْلَى؛ لأَنَّهُ تَعَدَى؛ فَحَكَمَ عَلَى اللهِ بِلاَ عِلْمٍ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: - رضي الله عنه - قَالَ ,كَلِمَةً أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ (¬4). وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاح ٍ رَحِمَهُ اللهُ: مَا أَبْكَى العَالِمَ كَغَضْبَةٍ؛ غَضِبَهَا أَحْبَطَتْ عَلَيْهِ عَمَلَ خَمْسِيْنَ سَنَةً قُلْتُ: وَقَدْ يَسْتَحِلُّ بَعْضُ الْغَاضِبِيْنَ للهِ مِنَ الْكُفَّارِ وَالْعُصَاه مَا حَرَمَهُ الله ُ؛ وَحُجَّةُ الْغَضْبَان؛ أنَّهُ غَضِبَ للرَّحْمَن. ¬

_ (¬1) البخاري رقم29ج1ص52 (¬2) مسلم رقم 3139ج8ص479 (¬3) سبق تخريجه. (¬4) سبق تخريجه.

قُلْتُ: فَالْغَضَبُ مِنْ أَجْلِ اللهِ لاَ يُحِلُ مَا حَرَمَ اللهُ؛ مِنَ الأنفسِ والأموالِ، والأعراضِ والأقوالِ، والأعمالِ والأفعالِ. فقدْ غَضِبَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؛ وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ وَحْي اللهِ. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَتِ امْرَأَةٌ تُظْهِرُ فِي الإِسْلاَمِ الْسُّوْءَ فَقَالَ النَّبِيُّ: - صلى الله عليه وسلم - (لَوْ رَجَمْتُ أَحَداً بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتُ هَذِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِي. قُلْتُ: فَغَضِبَ مِنْ فِعْلِهَا، وَلَمْ يَتَجَاوَزِ الْوَحِي فِي أَمْرِهَا. الْنَّوْعُ الْخَامِسُ: الْغَضَبُ غَيْرَةً للرَّحْمَنِ بِمَا يُخَالِفُ الْسُّنَّةَ وَالْقُرْآن. قُلْتُ: فَالْغَضَبُ غَيْرَةً عَلَى حُرُمَاتِ الله؛ لاَ يُحِلُّ مَا حَرَّمَ الله؛ مِنَ الأَنْفُسِ وَالأَمْوَال، وَالأَعْرَاضِ وَالأَقْوَال وَالأَعْمَالِ وَالأَفْعَال. فَقَدَ غَضِبَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ وَحْي ِ الله. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَتِ امْرَأَةٌ تُظْهِرُ فِي الإِسْلاَم ِ الْسُّوْءَ فَقَالَ الْنَّبِيُّ: - صلى الله عليه وسلم - (لَوْ رَجَمْتُ أَحَداً بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتُ هَذِهِ). رَوَاهُ الْبُخَارِي (¬1). قُلْتُ: فَغَارَ مِنْ فِعْلِهَا، وَلَمْ يَتَجَاوَزِ الْوَحْيَ فِي أَمْرِهَا. قُلْتُ: فَالْغَيْرَةُ لاَ تُحَرِّمُ حَلاَلا، وَلاَ تُحِلُّ حَرَامَا؛ وَمَنْ جَعَلَهَا مُبَرِّرَا، فَالأَمْرُ أَمْراً مُنْكَراً. ¬

_ (¬1) البخاري رقم4898ج16ص369كتاب الطلاق باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لو كنت راجماً بغير بينة

فَتَأَمَّلْ حَدِيْثَ الْنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: (لَوْ رَجَمْتُ أَحَداً بِغَيْرِ بِينَةٍ لَرَجَمْتُ هَذِهِ). وَاعْلَمْ أَنَّ الْنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَعْذُرْ صَاحِبَ الْغَيْرَه؛ في كَسْرِ صَحْفَةِ غَيْرِهِ. عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ , فَضَرَبَتْ الَّتِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ, فَسَقَطَتْ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ فَجَمَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِلَقَ الصَّحْفَةِ ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ وَيَقُولُ: (غَارَتْ أُمُّكُمْ) ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ). رواه البخاري (¬1). فَبِالْوَحْي ِ اضْبِطْ غَيْرَتَكَ حَتَّى لاَ تُهْلِكَكَ. قُلْتُ: وَإنَّكَ لَتَعْجَبُ مِمَّنْ يَسْتَحِلُّ بِغَضَبِهِ مَا حَرَّمَ الله ُ؛ بِحُجَّةِ أَنَّ غَضَبَهُ غَيْرَةٌ لله. الْنَّوْعُ الْسَّادِسُ: الْغَضَبُ للعَاطِفَةِ. العَاطِفَةُ عَاصِفَةٌ؛ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مِنَ الْوَحْي كَاشِفَةٌ. ¬

_ (¬1) البخاري رقم4824م (ج 16 / ص 246) باب الغيرة.

عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِي: - رضي الله عنه - أَنَّ الْنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُخبِرَ: (بِأَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ قَتَلَ مُشْرِكاً مِنَ الْمُشْرِكِيْنَ في الْمَعْرَكَةِ بَعْدَ أَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا الله ُ, فَدَعَاهُ فَسَأَلَهُ لِمَا قَتَلَهُ, قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ أَوْجَعَ في الْمُسْلِمِيْنَ وَقَتَلَ فُلاَناً وَفُلاَناً وَسَمَّى لَهُ نَفَرا ً, وَإِنِّي حَمَلْتُ عَلَيْهِ فَلَمَّا رَأَى الْسَّيْفَ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا الله ُ. قَالَ رَسُوْلُ الله ِ - صلى الله عليه وسلم - أقَتَلْتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: (فَمَا تَصْنَعُ بِلاَ إِلَهَ إِلاَّ الله ُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟). قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ اسْتَغْفِرِ لِي. قَالَ: (وَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلاَ إِلَهَ إِلاَ الله ُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قَالَ: فَجَعَلَ لاَ يَزِيْدُهُ عَلَى أَنْ يَقَوْلَ: (وَكَيْفُ تَصْنَعُ بِلاَ إِلَهَ إِلاَ الله ُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ اسْتَغْفِر لِي. قَالَ: (وَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلاَ إِلَهَ إِلاَ الله ُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟) قَالَ أُسَامَةُ: فَمَا زَالَ يُكُرِّرُهَا حَتَى تَمَنيَّتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْم ِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (¬1) وَمُسْلِمٌ (¬2) وَاللفْظُ لَهُ. فَالْصَّحَابَةُ - رضي الله عنهم - لَمَّا كَانَتِ الْعَاطِفةُ للوَحْيِ مُوَافِقَةً (قَاتَلُوا حتى لا تَكُونَ فِتْنَةً وَيَكُوْنَ الْدِّيْنُ للهِ). وَغَيرُهُمْ: لَمَّا كَانَتِ الْعَاطِفَةُ للوَحْيِ مُخَالِفَةً (قَاتَلُوا لِتَكُونَ فِتْنَةً وَيَكُوْنَ الْدِّيْنُ لِغَيْرِ اللهِ). ¬

_ (¬1) صحيح البخاري رقم6364ج21ص161 (¬2) صحيح مسلم رقم142ج1ص260

الفصل التاسع: الغضب المحمود.

عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنه - أَتَاهُ رَجُلاَنِ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ, فَقَالاَ إِنَّ النَّاسَ صَنَعُوا وَأَنْتَ ابْنُ عُمَرَ وَصَاحِبُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - , فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَخْرُجَ؟ فَقَالَ: يَمْنَعُنِي أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ دَمَ أَخِي, فَقَالا: أَلَمْ يَقُلْ الله: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}؟ فَقَالَ: قَاتَلْنَا حَتَّى لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ وَكَانَ الدِّينُ لله, وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِغَيْرِ الله رواه البخاري (¬1) الَفَصْلُ الْتَّاسِعُ: الْغَضَبُ الْمَحْمُوْدُ. الْغَضَبُ الْمَحْمُوْدُ مَا كَانَ للرَّحْمَنِ وَضُبِطَ بِالْقُرَآنِ, فَلاَ يُسْكَتْ عَلَى الْمُنْكَر، وَبِغَيْرِ الْوَحْي لا يُنْكَر. قُلْتُ: لأَنَّ الْنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - غَضِبَ للرَّحْمَن ِ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ عَنِ الْقُرْآن؛ لأَنَّهُ خُلُقُهُ؛ فَهْوَ يُطَبِّقُهُ. وَكَانَ مِنْ دُعائِهِ - صلى الله عليه وسلم -: (أَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالْرِّضَا). وَلَمْ يَكُنْ إِذَا غَضِبَ للهِ بَذِيّاً وَلاَ فَاحِشاً. وَبَعْضُ الْنَّاسِ يَخْرُجُ عَنِ الْسُّنَّةِ وَالْقُرْآنِ؛ بِحُجَةِ أَنَّهُ غَضِبَ للرَّحْمَنِ؛ فَيَسْتَحِلُّ بِغَضَبِهِ للهِ مَا حَرَّمَ الله؛ مِنَ الأَنْفُسِ وَالأَمْوَال، وَالأَعْرَاضِ وَالأَقْوَال. فَإِذَا قِيْلَ: لَهُ اتَّقِ الله, قَالَ: إِنَّمَا غَضِبْتُ لله. فَيَاللهِ الْعَجَبُ, متى كَانَ الْغَضَبُ مَصْدَراً للتَّحْلِيْلِ وَالْتَّحْرِيم؟ وَمَتَى نَسَخَ الْسُّنَّةَ وَالْقُرْآنَ الْكَرِيم؟ فَالْغَضَبُ الْمَحْمُوْدُ هُوَ مَا كَانَ لِلْحَقِّ, لا لِلْخَلْقِ؛ وَهْوَ أَنْوَاعٌ: الْنَّوْعُ الأَوَّلُ: الْغَضَبُ لِحِمَايَةِ الْدِّيْنِ. ¬

_ (¬1) البخاري رقم4153 (ج 13 / ص 457)

بِشَرْطِ أَنْ يُضْبَطَ بِالْوَحْيَيْن؛ فَيَحِلُّ مَا أُحِلَّ فِيْهِمَا وَيُحَرِّمُ مَا حُرِّمَ فِيْهِمَا. قَالَ تَعَالَى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ {14} {وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {15} (التوبة 14ـ15). وَعَنْ سَعِيْدِ بْنِ زَيْدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ الْنبَّيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقَوْلُ: (مَنْ قُتِلَ دَوْنَ دِيْنِهِ فَهْوَ شَهِيْدٌ) رَوَاهُ أَبُو دَاود (¬1) والترمذي (¬2) واللفظ له وقال حديث حسن صحيح. وَعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - تَقُوْلُ: (مَا ضَرَبَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ شَيْئاً قَطُّ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيْلِ اللهِ) رواه البخاري و مسلم. وَلِمُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - (وَمَا انْتَقَمَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِنَفْسِهِ فِي شَيءٍ قَطُّ إِلاَ أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللهِ فَيَنْتَقِمَ). الْنَّوْعُ الْثَّانِي: الْغَضَبُ لِسَمَاعِ مَا يَكْرَهُ الْرَّحْمَنُ؛ إِذَا ضُبِطَ بِالْسُّنَّةِ وَالْقُرْآن؛ فَيُبَيِّنُ حُكْمَهُ بِمَا فِيْهِمَا وَلاَ يَتَجَاوَزُهُمَا إِلَى الْسَّبِّ وَالْشَّتْم ِ، وَالْتَّعْييِرِ وَالْوَصْم ِوَالْقَوْلِ بَلاَ عِلْمٍ. عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رضي الله عنه - قَالَ: بَيْنَمَا رَسُوْلُ الله ِ - صلى الله عليه وسلم - في بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَامْرَأَة ٌمِنَ الأْنَصَارِ عَلَى نَاقَةٍ فَضَجِرَتْ فَلَعَنَتْهَا, فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم - فقالَ: (خُذُوْا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوْهَا فَإنَّهَا مَلْعُوْنَةٌ) رواه مسلم (¬3). ¬

_ (¬1) السنن رقم4142ج12ص388 (¬2) السنن رقم1341ج5ص315 (¬3) صحيح مسلم رقم2595 ج4/ص2004

قَالَ عِمْرَانُ: فَكَأَنِّي أَرَاهَا الآنَ تَمْشِي فِي الْنَّاسِ مَا يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ. وَعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ قَالَ: لِنَاضِحِهِ: سِرْ لَعَنَكَ الله. فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: (انْزِلْ عنْهُ لاَ تَصْحَبْنَا بِمَلْعُوْنٍ) رواه مسلم (¬1) الْنَّوْعُ الْثَّالِثُ: الْغَضَبُ لِرُؤْيَةِ مَا يَكْرَهُ الْرَّحْمَنُ. إِذَا ضُبِطَ باِلْسُّنَّةِ وَالْقُرْآنِ فَيُبَيِّنُ حُكْمَهُ بِمَا فِيْهِمَا وَلاَ يُتَجاوزهُما إِلَى الْسَّبِّ وَالْشَّتْم ِ، وَالْتَّعْيِيرِ وَالْوَصْم ِ، وَالْقَوْلِ بِلاَ عِلْمٍ. عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى - صلى الله عليه وسلم - وَفِي الْبَيْتِ قِرَامٌ فِيهِ صُوَرٌ, فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ, ثُمَّ تَنَاوَلَ السِّتْرَ فَهَتَكَهُ, وَقَالَ: (إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُصَوِّرُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ) رواه البخاري (¬2) ومسلم (¬3) الْنَّوْعُ الْرَّابِعُ: الْغَضَبُ عِنْدَ الْعِلْمِ بِمَا يُغْضِبُ الْرَّحْمَن. إِذَا ضُبِطَ بِالْسُّنَّةِ وَالْقُرْآن؛ فَيُبَيِّنُ حُكْمَهُ بِمَا فِيْهِمَا؛ وَلاَ يَتَجَاوَزُهُمَا؛ إِلى الْسَبِّ وَالْشَّتْم ِ، وَالْتَّعْييِرِ وَالْوَصْم ِ، وَالْقَوْلِ بِلا عِلْمٍ. ¬

_ (¬1) الصحيح رقم3009ج4ص2304 (¬2) البخاري رقم5644 (ج 19 ص 66) باب ما يجوز من الغضب (¬3) مسلم رقم 3936 (ج11/ص16) باب تحريم تصوير صورة

عَنْ أَبِي مَسْعُوْدٍ الأَنْصَارِي - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلى الْنَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: (إِنِّي لأَ تَأَخَّرُ عَنِ صَلاَةِ الْصُّبْحِ مِنْ أَجْلِ مَا يُطِيْلُ بِنَا فُلاَن. فَمَا رَأَيْتُ الْنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - غَضِبَ فِي مَوْعِظَةٍ قَطُّ أَشَدُّ مِمَّا غَضِبَ يَوْمَئذٍ, فَقَالَ: أيُّهَا الْنَّاسُ إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِيْنَ فَأَ يُّكُمْ أَمَّ الْنَّاسَ فَلْيُوْجِزْ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِهِ الْكَبِيْرَ وَالْضَعِيْفَ وَذَا الْحَاجَةِ) رواه البخاري (¬1) ومسلم (¬2). فَانْظُرْ كَيْفَ غَضِبَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فَلَمْ يَخْرُجْ عَنِ الْوَحِي؛ فَبَيَّنَ الْحُكْمَ؛ وَبِهِ عَمَّ؛ فَبَيَّنَ حُكَمَ الْفِعْلِ، وَتَرَكَ الْفَاعِلَ. الْنَّوْعُ الْخَامِسُ: غَضَبٌ لِحِمَايَةِ الْنَّفْسِ؟ مِنَ الْقَتْلِ وَالْمَالِ مِنَ الْغَصْبِ، وَالْعِرْضِ مِنَ الاِنْتِهَاكِ. عَنْ سَعِيْدِ بْنِ زَيْدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سمعتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: (مَنْ قُتِلَ دَوْنَ مَالِهِ فَهْوَ شَهِيْدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُوْنَ دِيْنِهِ فَهْوَ شَهِيْدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُوْنَ دَمِهِ فَهْوَ شَهِيْدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُوْنَ أَهْلِهِ فَهْوَ شَهِيْدٌ) (¬3) رواه أبو داود والترمذي. وَصَلَى اللهُ عَلَى نَبِينَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. ¬

_ (¬1) البخاري 5769ج5ص2265باب ما يجوز من (¬2) مسلم 466ج1ص340 باب أمر الإمام بتخفيف الصلاة في تمام (¬3) سبق تخريجه.

§1/1