كيف نحيي قلوبنا في رمضان

مجدي الهلالي

جميع الحقوق محفوظة الطبعة الأولى 1427هـ - 2006م رقم الإيداع: 15172/ 2006 الترقيم الدولي: I.S.B.N 977-6119-87-5 مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة 10 ش أحمد عمارة - بجوار حديقة الفسطاط القاهرة ت: 5326610 ... محمول:0102327302 - 0101175447 www.iqraakotob.com E-mail:[email protected]

يا فرحتنا ... اقترب رمضان

يا فرحتنا ... اقترب رمضان الحمد لله كثيرًا كما أنعم علينا كثيرًا. الحمد لله الذي شرفنا وكرمنا على سائر خلقه وأنعم علينا نعمًا لا تُعد ولا تُحصى. الحمد لربنا الذي لا تزال هداياه ومنحه تتوالى علينا بتوالي الليل والنهار، والصلاة والسلام على الهادي البشير ... المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فها هي الأيام تمضي، وها هو رمضان يقترب قدومه ويقترب، حاملاً معه- كما عودنا- بشريات كثيرة، وهدايا متنوعة ما بين مغفرة للذنوب، وعتق من النار، ورفع للدرجات ومضاعفة للحسنات. رمضان أتى ليؤكد لنا حب الله عز وجل لعباده على الرغم من إعراضهم عنه، ومخالفتهم لأوامره، وانتهاكهم لحرماته، فهو سبحانه يريد الخير للجميع، ويتيح لهم الفرصة تلو الفرصة، ويهيئ لهم الجو المناسب لاتخاذ قرار العودة إليه والصلح معه ... وها هو رمضان قد أتى ليحمل لنا هذه الرسالة {أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآَمِنِينَ}. فيا لفرحتنا، ويا لسعادتنا ببلوغنا رمضان. حدد هدفك أخي في الله: رمضان على الأبواب ... رمضان هدية من رب العباد تحمل في طياتها كل ما يعيدنا إليه ويقربنا منه ... فماذا عسانا أن نفعل معه؟! إنها فرصة لا تتكرر إلا مرة كل عام، وما يدرينا أين سنكون في العام القادم!! فهيا بنا نُحسن الاستفادة من هذه المنحة ... هيا بنا نغتنم الفرصة، ونتعرض للنفحة، ونتسابق في الخيرات. ولكن قبل أن نبدأ السباق لابد أن نحدد هدفنا الرئيس الذي نريد أن نبلغه في هذا الشهر حتى نضع الوسائل المناسبة لتحقيقه ... قبل أن نبدأ أخي .. قبل أن تحدد هدفك تذكر هذه الأمور: * أننا نريد أن نستمر على الاستقامة والهمة العالية لفعل الصالحات بعد رمضان .. * الاستمرار على الاستقامة بعد رمضان يستلزم زيادة حقيقية للإيمان في القلب .. * أن الرجلين يكون مقامهما في صف الصلاة واحدًا، وبين صلاتهما ما بين السماء والأرض، وليس ذلك لاختلاف حركات البدن، ولكن لاختلاف ما في قلبيهما من إيمان وخشوع. * أن الله عز وجل يحب منا أن يحضر القلب أثناء الطاعة {لَن يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ} [الحج:37]. * أن حضور القلب مع الطاعة أكثر ثوابًا بمشيئة الله من عدم حضوره. * لو أن ملكًا من الملوك أهدى إليه أحد رعيته جواهر كثيرة مقلدة ورديئة، بينما أهدى إليه آخر جوهرة واحدة حقيقية .. فأيهما سينال حب الملك .. وأيهما سيقرب منه ويجزل له العطاء؟ لعلكم تتقون فإن كان الأمر كذلك فماذا ينبغي أن يكون هدفنا عند زيارة رمضان لنا؟ ألا توافقني- أخي الكريم- أن الهدف الأسمى هو إحياء القلب وملؤه بالإيمان، لتدب الروح في الأعمال وتستمر الاستقامة بعد ذهاب شهر رمضان؟ ألم يحدد لنا القرآن هذا الهدف في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183]. وهل التقوى إلا صورة ومظهر عظيم لحياة القلب وتمكن الإيمان منه؟! فلنرفع علم التقوى ولنضعه نصب أعيننا ولنشمر للوصول إليه خلال هذا الشهر الكريم.

مظاهر النجاح

مظاهر النجاح ومظاهر نجاح الواحد منا في الوصول إلى هذا الهدف هو تغيير سلوكه، فعندما يحيا القلب ويزداد منسوب الإيمان فيه فإن هذا من شأنه أن يدفع صاحبه للسلوك الصحيح والعمل الصالح في كل الاتجاهات والأوقات بتلقائية ودون تكلف ... ألم يقل سبحانه: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32]. وعندما سأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن علامات ومظاهر دخول النور القلب وإحيائه له قال: «التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزوله» أخرجه الحاكم والبيهقي. ومن مظاهر التجافي عن دار الغرور: قلة الاهتمام بالدنيا، وعدم التلهف على تحصيلها، وعدم الحزن على فواتها، وترك التنافس من أجلها، وعدم حسد الآخرين عليها. أما الإنابة إلى دار الخلود فتُظهرها المسارعة إلى فعل الخيرات، وشدة الورع، وتقديم مصلحة الدين على جميع المصالح الدنيوية عند تعارضهما. ومن مظاهر الاستعداد للموت قبل نزوله: التحلل من المظالم، ورد الحقوق، ودوام الاستغفار والتوبة وكتابة الوصية، و ... الوسائل ووسائلنا لتحقيق هدفنا العظيم هي الوسائل المعروفة لدينا، والتي مارسناها من قبل ولكننا سنتعامل معها بطريقة تهتم بكيفية تفعيلها وتحريك القلب معها. أعظم وسيلة: وأعظم وسيلة تقوم بإحياء القلب وزيادة الإيمان فيه هي القرآن: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال:3]. والأمر اللافت للانتباه أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين رمضان والقرآن، فرمضان هو الشهر الذي فضله الله عز وجل واختصه بنزول أعظم المعجزات فيه {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة:185] إن القرآن له تأثير عظيم على القلوب {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ} [الزمر:23]. معنى ذلك أننا لا نستطيع أن نصل إلى هدفنا بدون القرآن، وأعظم وأهم وقت يستفاد فيه من القرآن هو رمضان، بل قل إن رمضان هو موسم القرآن الخاص؛ لذلك سيكون معنا القرآن- بمشيئة الله- كل يوم .. في تلاوتنا في الصلاة، وفي تلاوتنا خارج الصلاة .. وفي مدارستنا لبعض سوره وآياته، وفي استماعنا في صلاة التراويح والتهجد، ولكن لن يكون همنا كم ختمة سنختمها، بل سيكون همنا كم مرة تأثر القلب واقشعر الجلد وبكت العين ... ، وستلاحظ أخي الحبيب أننا في الصفحات القادمة ومع كل يوم جديد في رمضان سنطرح بإذن الله وسيلة جديدة للاستفادة من القرآن وذلك في أغلب أيام الشهر. العمل الصالح: ومع القرآن تأتي الأعمال الصالحة التي تزيد الإيمان وترفعه {وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10]. والأعمال الصالحة المتاحة أمامنا في رمضان وغيره كثيرة فهناك الدعاء والذكر والعمرة والاعتكاف وصلة الرحم والإحسان إلى الجار والدعوة إلى الله وقضاء حوائج الناس و ... وكلما استفاد المرء من إيمانه الذي أنشأه القرآن في قلبه وذلك حين يُتبعه بالعمل الصالح فإن هذا شأنه أن يعود بأثر عظيم على القلب؛ فتزداد حياته ومستوى الإيمان فيه، فالعمل الصالح بمثابة الماء للبذر والزيت للسراج {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} [فاطر:29].

السؤال اليومي

وسنقترح عليك أخي الكريم أن تقوم معنا بأداء عمل صالح في كل يوم بالإضافة إلى برنامجك الخاص من باب التعاون على البر والتقوى، وستلاحظ أن هناك عملاً جديدًا كل يوم، عليك أن تجتهد في الإتيان به حتى لا يسبقك أحد إلى الله {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين:26] السؤال اليومي: ومع القرآن والعمل الصالح يأتي السؤال اليومي والذي يهتم كذلك بالجانب الإيمانى - وبخاصة القرآن- لعله يسهم مع غيره من الأعمال في الوصول للهدف المنشود {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} وأقترح - أخي- أن تقوم بالإجابة عن كل سؤال في يومه وأن تشرك فيه أهلك وأولادك لتعم الفائدة على الجميع، والله الموفق وهو المستعان وعليه التكلان. 1 - رمضان مع القرآن: المالك المدبَّر، والحاكم الأوحد لهذه الأرض وهذا الكون هو الله عز وجل، فهو سبحانه الذي يملك القدرة والقوة المطلقة ... وهو سبحانه الذي يرفع ويخفض، ويُقدم ويُؤخر، ويُعز ويذل {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:26]، ومع ذلك كله، فإن الله عز وجل لا يظلم أحدا، فلا يذل أقواما أو يؤخرهم إلا إذا ارتكبوا من المعاصي ما استدعى غضبه وعقوبته {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [الشورى:30]. معنى ذلك أنه عندما يصيبنا الذل والهوان فعلينا أن نعود إلى أنفسنا، ونحاسبها باحثين عن الأسباب التي استدعت العقوبة الإلهية فنتركها ونُزيلها، ونبحث كذلك عن الأسباب التي تستجلب رحمته- سبحانه- فنسارع إلى القيام بها. * السؤال: السعادة والشقاء، والتيسير والتعسير، والنصر والهزيمة، والهدى والضلال ... أمور يظهر آثارها بين الناس كنتائج لأفعال قاموا بها، ومثال ذلك قوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41]، والقرآن ملئ بالآيات التي تؤكد هذه الحقيقة .. اذكر من خلال تدبرك للجزء الأول من القرآن ثلاث آيات تؤكد هذه الحقيقة. العمل الصالح: ربنا رب غفور .. ينتظر من عباده أن يستغفروه ليغفر لهم مهما كان خطؤهم وجرمهم .. ينادي على كل واحد منهم: أقبل ولا تخف، متى جئتني قبلتك، وعلى أي حال تكون فيها «يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا، لأتيتك بقرابها مغفرة» رواه الترمذي. نعم يا أخي: إن مغفرة ربك تسع كل ذنوبك، وذنوبنا .. كل ما هو مطلوب مني ومنك أن نُقبل عليه بصدق .. أن نعتذر له عما مضى من ذنوب وتقصير .. أن ندخل عليه وشعور الندم عما أسرفنا على أنفسنا فيه يتملكنا، ويقلقنا، فنلح في طلب العفو والصفح منه سبحانه. 2 - رمضان مع القرآن: كرامة الله لعباده، وولايته لهم مرتبطة بمدى استقامتهم على أمره {وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} [الأعراف:196]. واستمرار الكرامة باستمرار الاستقامة {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ} [الرعد:37]

فعُلُو أمتنا وعزها ومجدها مرتبط بمدى إيمان أفرادها واستقامتهم على أمر الله {وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران:139]، وكلما ضعف الإيمان بين أفراد الأمة، خرجت الأمة من دائرة المعية والتأييد الإلهي، واستبدلت رضا الله بغضبه .. {وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} [طه:81]. السؤال: اذكر من الجزء الثاني من القرآن آية تؤكد هذا المعنى، وأن الكرامة والولاية من الله على قدر الاستقامة من العبد. العمل الصالح: الدعاء هو الطلب من الله واستدعاء معونته، وأهم سبب لاستجابة الدعاء هو إظهار الافتقار إلى الله، والتبرؤ من الحول والقوة، وكلما اشتد الافتقار أسرعت الإجابة {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62]. ولا يقف شيء أمام الدعاء، فبسببه يُسخِّر الله أقوى الأشياء وأعظمها لأضعف الأشياء وأصغرها، ولنتذكر دعاء يونس عليه السلام الذي دعا به ربه بقلب منكسر فسخر الله له الحوت والبحر وأنجاه من الظلمات {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ - فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:87، 88]. فلنجتهد في الدعاء في هذا اليوم وكل يوم على أن تكون استغاثتنا بالله كاستغاثة المشرف على الغرق، وأن تكون الدعوة الرئيسة هي أن يمن الله علينا ويحيي قلوبنا في هذا الشهر، وأن يذيقنا حلاوة الإيمان، ولذة معرفته سبحانه. 3 - رمضان مع القرآن: في يوم من الأيام، وبينما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث مع الصحابة إذ قال لهم: «يوشك أن تتداعي عليكم الأمم كما تتداعي الأكلة إلى قصعتها» فانزعج الصحابة انزعاجا شديدًا من هذا الوضع المخيف، فسأل أحدهم عن سبب ذلك، وهل هو قلة العدد؟! فأجاب صلى الله عليه وسلم: «بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل» فاشتد الأمر غموضا .. فما السبب إذن؟! هنا يستطرد صلى الله عليه وسلم في الكلام شارحًا وموضحًا لوضع الأمة آنذاك، فيقول: «ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن»! فيسال أحدهم: وما الوهن؟! فيجيب صلى الله عليه وسلم: «حب الدنيا وكراهية الموت» صحيح الجامع الصغير .. نعم حب الدنيا هو الوهن الذي بسببه ضاعت الأمة وأصبحت مفعولاً به وليست .. فاعلاً .. باتت تحت الأقدام، يتنازع أمرها الجميع، وهي مستسلمة .. خاضعة .. ولكن أليس حب الدنيا وكراهية الموت مرادفين لضعف الإيمان؟! الإجابة: بلى، فكلما ضعف الإيمان زاد حب الدنيا، وزاد البعد عن الله، وزاد بعد الله عنا .. إن مشكلتنا التي نعاني منها الآن ليست في نقص العدد أو العدة .. بل في ضعف الإيمان. هذه هي الحقيقة التي ينبغي ألا نغفلها إن أردنا أن ننهض مرة أخرى. السؤال: هناك الكثير من الآيات في القرآن تؤكد أن مشكلتنا مشكلة إيمانية وأنه بالإيمان والتقوى ينصلح الحال، وتأتي المعونة من الله، وبدونهما يسوء الحال، ويزداد الذل والهوان .. اذكر آية من الجزء الثالث تؤكد هذا المعنى. العمل الصالح تهيئة القلب للصلاة: كلما هيأ المرء نفسه للصلاة كانت استفادته منها أكبر، ومن وسائل هذه التهيئة: إنهاء أي شيء معلق يشغل البال، والوضوء، والتبكير للمسجد قبل الأذان ... قال أبو الدرداء: إن من فقه المرء إقباله على حاجته حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ ...

والتبكير بصفة خاصة له مفعول عجيب في حضور القلب مع الصلاة، فهو يُصفي الخواطر الدنيوية، ويسكنها ... فلنجتهد اليوم وكل يوم في القيام بهذا العمل، وعلى الأخت المسلمة أن تخصص مكانًا في بيتها تتخذه مسجدًا تبكر في الذهاب إليه قبل الأذان. 4 - رمضان مع القرآن: أخبر صلى الله عليه وسلم بأن الأمة ستتعرض لنكسات وهزائم وفتن- كما أسلفنا- وأخبر أن السبب في ذلك ليس نقصًا في العدد أو العدة ولكن السبب هو ضعف الإيمان، كلما ضعف الإيمان نقص التأييد الإلهي ... وأخبر صلى الله عليه وسلم بأن المخرج من هذه الفتن هو القرآن، فعندما قال يوما لأصحابه: «ستكون فتن». فسألوه وهم منزعجون: وما المخرج منها؟! كانت الإجابة الحاسمة الواضحة من رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كتاب الله» ... وفي يوم آخر تحدث مع حذيفة بن اليمان عن الفتن التي ستمر بالأمة، فما كان من حذيفة إلا أن سأله: وماذا أفعل إن أدركت تلك الفتن؟ فأجابه صلى الله عليه وسلم: يا حذيفة عليك بكتاب الله فتعلمه واتبع ما فيه، ففيه النجاة .. فيكرر عليه حذيفة السؤال ثلاث مرات، فيجيبه بنفس الإجابة ... [أخرجه الحاكم] ولقد حدث بالفعل ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من هزائم ونكسات وفتن، ودخلت الأمة في نفق مظلم، ولا تدري كيف تخرج منه، مع أنه صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا بالمخرج ألا وهو: القرآن الكريم .. السؤال: القرآن ملئ بالآيات التي تتحدث عن وظيفة القرآن، ودوره، وعمله في الناس اذكر آية من الجزء الرابع تتحدث عن القرآن مع تعليق مختصر عليها. العمل الصالح: قال صلى الله عليه وسلم: «من كانت لأخيه عنده مظلمة من عرض أو مال، فليتحلله اليوم، قبل أن يؤخذ منه يوم لا دينار ولا درهم، فإن كان له عمل صالح، أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له عمل، أخذ من سيئات صاحبه فجعلت عليه» رواه الإمام أحمد. فلنجعل اليوم يوم التسامح والتحلل من المظالم، مع الزوج، ومع الأصدقاء والزملاء وجميع الناس، ولتكن المسامحة في أمر الأعراض بكلام عام حتى لا تُوغَر الصدور، أما مظالم الأموال والأمور المادية فلابد من إعادتها أو التحلل من صاحبها .... 5 - رمضان مع القرآن: تعامل الجيل الأول مع القرآن على حقيقته ككتاب هداية وتغيير، وكمنبع عظيم للإيمان، فاستقامت حياتهم، وتحررت قلوبهم من أسر الدنيا، فوفَّي الله بعهده معهم، ومكنهم في الأرض خلال سنوات معدودة {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ} [التوبة:111]. وعندما هجر المسلمون القرآن، وانشغلوا بلفظه عن جوهره، وتركوا تدبر آياته، والتأثر بها حدث لهم ما حدث من ذل وانكسار وهزائم متتالية. يقول عبد الله بن مسعود: نزل القرآن ليُعمل به، فاتخذ الناس تلاوته عملاً ... أي أصبحت التلاوة وما يتعلق بها هي عملهم الذي ينشغلون به عن اتباع هدى القرآن وليس العكس. السؤال: من الحقائق التي تؤكد عليها سورة النساء أن الله عز وجل لا يظلم الناس شيئًا، وأن أي نقص يحدث لهم هو بسبب أفعالهم .. اذكر ثلاث آيات من السورة تؤكد هذا المعنى. العمل الصالح رد الأمانات إلى أصحابها من صفات المؤمنين، ولعل الواحد منا قد أخذ من أخيه كتابًا، أو شريطًا أو أي شيء ولو صغيرًا ونسيه عنده، ونسيه أخوه كذلك فيأتي الأجل، ونفاجأ يوم القيامة بأننا مطالبون برد هذه الأمانات وإهداء حسناتنا ثمنا لها. فلنسارع اليوم بجرد الكتب والأشرطة ... وإعادة كل ما لا يخصنا إلى صاحبه ... 6 - رمضان مع القرآن:

أنزل الله عز وجل القرآن وجمع فيه بين أمرين عظيمين لم يجتمعا في كتاب من قبل .. الرسالة والمعجزة، فالرسالة تبين للناس وتهديهم للطريق الموصل لرضا الله وجنته {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ} [البقرة:185]. أما المعجزة القرآنية فتقوم بدور بالغ الأهمية ألا وهو الأخذ بيد من يتمسك بالقرآن، وإخراجه من الظلمات إلى النور .. إلى طريق الهدى، وتظل تسير به في هذا الطريق حتى توصله إلى ربه، ولقد جمع الله عز وجل بين هاتين الوظيفتين للقرآن في قوله: {قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ - يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ} [المائدة: 15، 16] هذه هي وظيفة القرآن كرسالة {وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ} وهذه هي وظيفته كمعجزة. السؤال: اذكر من الجزء السادس آية تبين وظيفة القرآن كرسالة هادية ومعجزة تغييرية. العمل الصالح: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله أوحى إلى يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن، ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن .. فذكر الحديث إلى أن قال فيه: «وآمركم بالصدقة، ومَثلُ ذلك كمثل رجل أسره العدو فأوثقوا يده إلى عنقه، وقرَّبوه ليضربوا عنقه، فجعل يقول: هل لكم أن أفدي نفسي منكم؟ وجعل يعطي القليل والكثير حتى فدى نفسه» رواه الترمذي. تأمل معي قوله صلى الله عليه وسلم: «وجعل يعطي القليل والكثير حتى فدى نفسه» فهل لنا أن نفدي أنفسنا من أسر الذنوب بالصدقة؟! أخي: بكم تفدي نفسك؟! بمائة جنيه ... بألف ... بعشرة آلاف .. ؟ كل منا أدري بما فعل من ذنوب وما يقابلها من فداء، فلنبدأ اليوم رحلة الفداء قبل فوات الأوان ... 7 - رمضان مع القرآن: لقد أمرنا الله عز وجل بأمرين علينا أن نأخذ بهما حين نقرأ القرآن لكي تتم الفائدة المرجوة من هذا الكتاب العظيم. الأمر الأول: تدبر الآيات، أو بمعنى آخر فهم واستيعاب ما نقرأ منها {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ} [ص:29]. والأمر الثاني: الترتيل {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل:4]. فالتدبر هو إعمال العقل فيما نقرأ لفهم المراد من الكلام مثلما نُعمل عقولنا عند قراءة أي كلمات لكي نفهم المراد منها. والترتيل هو تبيين الحروف وقراءتها بتؤدة، والتغني بها، وأهم وظيفة للترتيل هي الطرق على المشاعر والعمل على استثارتها، فإذا ما اقترن ذلك بالتدبر، أي تجاوبت المشاعر وتعانقت مع الفهم الناتج من تدبر الآيات .. كانت النتيجة دخول نور القرآن إلى القلب، وإنباته للإيمان فيه. السؤال: في الجزء السابع: ذكر القرآن نموذجًا لأناس سمعوا آيات القرآن وفهموها وتأثروا بها، وقالوا من الكلمات ما يدل على دخول نور الإيمان إلى قلوبهم .. اذكر هذه الآيات التي تدل على هذا النموذج في الجزء السابع. العمل الصالح: المواظبة على إخراج الصدقة، والتبكير بها له دور عظيم في استجلاب الرحمة، ودفع العذاب طيلة اليوم، وكيف لا؟ وما من يوم ينشق فجره إلا ومَلك ينادي: «اللهم أعط منفقا خلفًا» فلنبكر بالصدقة حتى نستفيد من دعوة هذا الملك أطول فترة ممكنة، والحل العملي لذلك هو تخصيص صندوق في المنزل للصدقة، نضع فيه ما تيسَّر من المال- وإن قل- وذلك عند الفجر، وكلما وجدنا أمامنا بابًا من أبواب الخير دفعنا إليه ما تجمَّع في الصندوق. 8 - رمضان مع القرآن:

كم ختمة ستختمها في رمضان؟: سؤال يتردد كثيرًا بيننا كلما دخل علينا رمضان، بل إنك تجد الواحد منا يتسابق مع إخوانه في عدد الختمات التي سيختمها، فإن سألته لماذا يفعل ذلك؟ أجابك بأنه يريد تحصيل أكبر قدر من الحسنات. أخي ... ليس لهذا نزل القرآن، بل نزل ليُحيى قلوبنا، ويملأها بالإيمان، ويدفعها للقيام بالعمل الصالح .. لقد ختمنا القرآن قبل ذلك عشرات المرات دون أن نفهم أو نتأثر بما نقرأ، فماذا كانت النتيجة .. ماذا غيَّر فينا القرآن؟! السؤال: لماذا يقرأ الإنسان؟! وهل يُعقل أن يقوم المرء بالقراءة بلسانه وحنجرته دون أن يُعمل عقله فيما يقرأ، ودون أن يجتهد في فهم المعنى المراد من الكلمات التي تقع عليها عيناه؟! وكم كتابًا يقرأه الناس دون فهم معانيه؟. العمل الصالح: أوصى الله عز وجل بصلة الرحم لتقوى الروابط بين أفراد المجتمع، ويتحقق مفهوم الجسد الواحد ولأن رمضان هو شهر البر والإحسان فعلينا أن نجتهد في القيام بهذا العمل، وأن نكون المبادرين بذلك ... قال صلى الله عليه وسلم: « .. وإن أعجل الطاعة ثوابًا لصلة الرحم، حتى إن أهل البيت ليكونون فجرة فتنمو أموالهم، ويكثر عددهم إذا تواصلوا» صحيح الجامع الصغير. 9 - رمضان مع القرآن: إن كان الهدف من قراءة القرآن هو تحصيل الحسنات فقط لبحثنا عن أعمال أخرى أكثر ثوابًا منه ولا يستغرق أداؤها وقتًا طويلاً. ولكن أمر القرآن غير ذلك فلقد أنزله الله ليكون وسيلة للهداية والتغيير، وما الأجر والثواب المترتب على قراءته إلا حافزًا يشحذ همة المسلم لكي يقبل على القرآن فينتفع من خلال هذا الإقبال بالإيمان المتولد من الفهم والتأثر، فينصلح حاله ويقترب من ربه. ومثال ذلك: الأب الذي يُحفِّز ابنه على مذاكرة دروسه من خلال رصد الجوائز له ... يقينًا أن هدفه من خلال رصده لهذه الجوائز هو انتفاع ابنه بالمذاكرة، وليس مقصده مجرد جلوسه أمام الكتاب دون مذاكرة حقيقية. ولله المثل الأعلى، فلأنه سبحانه يحب عباده ويريد لهم الخير أنزل إليهم هذا الكتاب الذي يجمع بين الرسالة والمعجزة ... ولكي يستمر تعاملهم معه، ومن ثمَّ يستمر انتفاعهم بما يُحدثه هذا الكتاب من تغيير في داخلهم يدفعهم لسلوك طريق الهدى؛ كانت الحوافز الكثيرة التي تُرغّبهم وتحببهم في دوام الإقبال عليه ومنها أن لهم بكل حرف يقرؤونه عشر حسنات. السؤال: يظن البعض أن صلاحه في نفسه فقط كافٍ لنيل رضا الله عز وجل، فيترك دعوة غيره من الشاردين، ولا يفكر إلا في نفسه، ولقد بيَّن القرآن خطأ هذا الفهم وذلك في عرضه لقصة أصحاب السبت في سورة الأعراف .. اذكر ما يؤكد هذا المعنى من الآيات مع تعليق مختصر عليها. العمل الصالح: هل تريد أن تحيطك العناية الإلهية من كل جانب؟ .. إذًا فاستمع إلى ما قاله الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: «من عاد مريضا لم يزل يخوض في الرحمة حتى يجلس فإذا جلس اغتمس فيها» رواه أحمد. وعليك أن تختار التوقيت المناسب لعيادته مراعاة لظروفه، وللاستفادة كذلك من هذه الرحمة الإلهية أطول فترة ممكنة ... قال صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يعود مسلما غُدوة إلا صلى عليه سبعون ألف مَلك حتى يمسى، وإن عاده عشيّة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يُصبح، وكان له خريف من الجنة» رواه الترمذي، والخريف: الثمر. 10 - رمضان مع القرآن: قد يقول قائل: لنجعل القراءة الهادئة المتأنية التي تراعي الفهم والتأثر في غير رمضان، أما خلال هذا الشهر فينبغي أن ننتهز فرصة مضاعفة ثواب الأعمال فيه، فنقرأ أكبر قدر ممكن من القرآن ...

نعم، رمضان فرصة عظيمة للانطلاقة القوية، وذوق حلاوة الإيمان من خلال القرآن .. نعم، رمضان يصلح كنقطة بداية لمن يشكو عدم وجود همة ورغبة في التعامل مع القرآن بتدبر وتأثر .. أما أن يكون التعامل مع القرآن في رمضان بطريقة تبحث عن الأجر فقط، ومن ثمَّ لا تراعي الهدف الذي نرجوه فهذا معناه أن نظل في أماكننا ندور في حلقة مفرغة، فقراءة القرآن بفهم وتأثر ينبغي أن تصاحبنا طيلة العام، بل إن الحاجة إليها لتشتد أكثر وأكثر في شهر رمضان باعتبار أنه فرصة جيدة ومناخ مناسب لإحياء القلب بالإيمان، ولنعلم جميعًا أننا لو ختمنا القرآن في رمضان ختمة واحدة .. بتفهم وتأثر فإن أثرها، والثواب المترتب عليها سيكون- بمشئية الله- أفضل من عشرات الختمات بدون فهم وتأثر. السؤال: «الناصر هو الله» .. حقيقة ينبغي على كل مسلم أن يعتقدها ويُوقن بها، ولقد ظهر الكثير من آثار هذه الحقيقة في سورة التوبة .. اذكر آيتين تؤكدان عليها من السورة مع تعليق مختصر. العمل الصالح: في مثل هذا اليوم انتصر المسلمون على اليهود بفضل الله عز وجل، وذلك بعد ما يئسوا من كل الرايات الأرضية، ورفعوا راية «الله أكبر». وفي هذه الأيام التي نعيشها نرى جراح المسلمين قد انتشرت في كل مكان في العالم، فهل لنا أن نعمل على نُصرة هؤلاء، وأن نرفع أكُفَّ الضراعة إلى الله عز وجل الذي هو أكبر من كل كبير أن يخفف عن إخواننا المضطهدين في كل مكان، وأن يكشف غمهم وكربهم، ويعيد لهم حقوقهم المسلوبة؟! 11 - رمضان مع القرآن: أخي القارئ: لا يكن همك أن تنتهي من الجزء أو السورة، بل اجعل همك فهم ما تقرأ والتأثر به قدر المستطاع. عن أبى جمرة قال: قلت لابن عباس: إني سريع القراءة وإني أقرأ القرآن في ثلاث، فقال: لأن أقرأ البقرة في ليلة فأدبرها وأرتلها أحبُّ إلىَّ من أن أقرأ كما تقول. ومن وصايا ابن مسعود: «لا تهذوا القرآن هذَّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، وقفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكن هم أحدكم من السورة آخرها» ويقول ابن القيم: لا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر، فإنه جامع لجميع منازل السائرين، ومقامات العارفين .. فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها، فقراءة آية بتفكر خير من ختمة بغير تدبر وتفهم. السؤال: اذكر من خلال قراءتك وتدبرك للجزء الحادي عشر ثلاث آيات تدل على أن الله عز وجل قريب من عباده .. يُنْصرهم، ويسمعهم، ويستجيب دعاءهم. العمل الصالح: فلسطين في وضع صعب، ويحتاج أهلنا فيها إلى شتى أنواع المساعدات، وإلى الدعاء الشديد .. فلنجتهد في ذلك دوما، ولتكن لنا دعوة يومية دائمة لأهل فلسطين وحبذا لو كانت عند الإفطار، ولنجعل الأولاد يؤمّنون على ذلك الدعاء. 12 - رمضان مع القرآن: كما أن الماء هو غيث الأرض، فكذلك القرآن هو غيث القلوب ... قال صلى الله عليه وسلم: «اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا» والربيع: الغيث، وكما أن الأرض تحتاج لدوام تدفق الماء إليها لتنُبت وتُزهر وتُثمر، كذلك القلوب تحتاج إلى دوام تعرضها للقرآن لينبت فيها الإيمان ويُزهر ويُثمر. فعلينا أن نكثر من أوقات قراءتنا للقرآن، ولا يكن هم أحدنا بلوغ آخر السورة أو الجزء، بل ليكن همه أن يفهم ما يقرأ، وأن يتأثر به {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ} [الزمر:23].

السؤال: جاء في ختام سورة هود {وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود:120]. ما هي التذكرة والموعظة التي حملتها سورة هود للرسول عليه الصلاة والسلام، ولأمته من بعده؟! العمل الصالح: الجلوس بعد صلاة الفجر إلى ما بعد شروق الشمس بربع ساعة على الأقل في المسجد، وصلاة الضحى بعد ذلك لننال الثواب العظيم الذي بشرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قعد في مصلاه حين ينصرف من صلاة الصبح حتى يسبح ركعتي الضحى لا يقول إلا خيرًا غفرت له خطاياه ولو كانت أكثر من زبد البحر» رواه الإمام أحمد. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من صلى الفجر- أو قال الغداة- فقعد في مقعده فلم يلغُ (لم يتحدث) بشيء من أمر الدنيا ويذكر الله حتى يصلي الضحى أربع ركعات خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه لا ذنب له» أخرجه أبو يعلي. أما المرأة فلها أن تجلس في مسجد بيتها- أي المكان الذي تصلي فيه بالبيت- لتنال هذه المثوبة. 13 - رمضان مع القرآن: الوضوء له دور كبير في تجديد النشاط، وتهيئة المرء للدخول إلى القرآن، وكذلك السواك .. وكلما كان لقاؤنا بالقرآن في مكان هادئ كان ذلك أدعى للفهم والتأثر. ولقد اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمع بعض أصحابه يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال: «ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضًا، ولا يرفع بعضكم على بعض بالقراءة» رواه أبو داود. فلنبحث عن مكان هادئ في المنزل أو ركن خال في المسجد -قدر المستطاع- فنقرأ فيه القرآن. السؤال: تحدثت سورة الرعد عن مظاهر كثيرة للقدرة الإلهية المطلقة .. اذكر ثلاثة منها مع ذكر الآيات التي دلت عليها. العمل الصالح: قال صلى الله عليه وسلم: «أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضى عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشى مع أخي المسلم في حاجة، أحب إلىَّ من أن أعتكف في المسجد شهرا .. » رواه الطبراني. فلنجتهد في القيام بهذا العمل الصالح .. أن نُدخل السرور على مسلم، ولنتذكر أن أحد الصالحين أتاه رجل حسن المظهر والثياب في قبره فسأله: من أنت؟ فقال له: أنا السرور الذي أدخلته على أخيك يوم كذا ... وأبواب إدخال السرور واسعة ولو حتى بقطعة حلوى. 14 - رمضان مع القرآن: قال صلى الله عليه وسلم: «أكثروا من تلاوة القرآن في بيوتكم، فإن البيت الذي تكثر فيه تلاوة القرآن يكثر خيره، ويتسع على أهله، وتحضره الملائكة وتزجر عنه الشياطين، وإن البيت الذي لا يُقرأ فيه القرآن يكثر شره، ويضيق على أهله، وتهجره الملائكة، وتحضره الشياطين» [رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة] .. فلنجعل لبيوتنا حظاً كبيرا من تلاوة القرآن لننعم بهذه الثمرات. كان أبو هريرة يقول: البيت الذي يُقرأ فيه القرآن كالبيت الذي فيه المصباح، والبيت الذي لا يُقرأ فيه القرآن كالحُشَّ. (¬1) السؤال: سُميت سورة النحل بسورة النِعم لما تضمنته من مظاهر كثيرة وألوان عديدة لنِعم الله على عباده .. اذكر عشرًامن هذه النعم كما وردت في السورة، مع بيان الآيات التي تضمنتها. ¬

_ (¬1) الحُشَّ: هو المكان الذي تجتمع فيه القاذورات والأنجاس.

العمل الصالح: قال صلى الله عليه وسلم: «ثلاث أقسم عليهن: ما نقص مال قط من صدقة، فتصدقوا، ولا عفا رجل عن مظلمة ظُلمها إلا زاده الله تعالى بها عزا، فاعفوا يزدكم الله عزًّا، ولا فتح رجل على نفسه باب مسألة يسأل الناس إلا فتح الله عليه باب فقر» [صحيح الجامع] فلنجاهد أنفسنا حتى نتخلق بخلق العفو عمن أساء إلينا، ونتذكر فضل العفو عمن ظلمنا لنعفوا عنهم بنفس راضية، ولنشهد الله على ذلك العفو لعله يعفو عنا {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَّغْفِرَ اللهُ لَكُمْ} [النور: 22] ولأن النفوس قد يصعب عليها ذلك، فما أجمل استغلال ذلك الشهر في ترويضها على هذا الخلق. 15 - رمضان مع القرآن: من توجيهاته صلى الله عليه وسلم: «إن أحسن الناس قراءة من إذا قرأ القرآن يتحزن فيه». «إن أحسن الناس قراءة الذي إذا قرأ رأيت أنه يخشى الله». «اتلوا القرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا». فالتباكي والتحزن مع القراءة له دور كبير في استثارة المشاعر وتهيئة القلب للتجاوب مع الآيات ... فلنفعل ذلك حتى نقترب من هدفنا. ألا وهو التأثر بما نفهمه فيزداد الإيمان، ويحيا القلب شيئًا فشيئًا. قال حذيفة بن اليمان: اقرؤوا القرآن بحُزن، ولا تجفوا عنه، وتعاهدوه، ورتلوه ترتيلا. السؤال: تحدثت سورة الإسراء كثيرًا عن القرآن، ووصفته بأوصاف كثيرة، وبينت دوره، ووصفت حال من يتعامل معه تعاملاً صحيحًا .. اذكر آية من آيات سورة الإسراء تحدثت عن دور القرآن في الهداية، واذكر كذلك الآيات التي بينت فعل القرآن وأثره فيمن يتعامل معه تعاملاً صحيحًا. العمل الصالح: هل كتبت وصيتك؟ قبل أن تجيب عن هذا السؤال تأمل معي هذا الحديث: عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده»، وقال ابن عمر: ما مرت عليَّ ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي. وفي هذه الوصية يكتب الواحد منا ما له وما عليه من أموال، ويكتب فيها كذلك وصاياه لأهله وأولاده، وكيف ينظمون الحياة من بعده. 16 - رمضان مع القرآن: الترتيل له دور كبير في استثارة المشاعر، ومن ثمَّ حدوث التأثر، على أن يكون ذلك الترتيل مصحوبًا بالتدبر والتفهم حتى يثمر زيادة الإيمان في القلب. قال صلى الله عليه وسلم: «حسنوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنًا» [رواه الدارمي]. ومما يساعد كذلك على سرعة استجلاب التأثر: القراءة من المصحف .. قال صلى الله عليه وسلم: «من سَرَّه أن يحبه الله ورسوله فليقرأ في المصحف» [صحيح الجامع الصغير]. والجهر بالقراءة له أثر معروف في استدعاء التأثر .. قال صلى الله عليه وسلم: «ما أذن الله لشيء كما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به» [صحيح الجامع الصغير]. السؤال: الله عز وجل هو الرحمن الرحيم: وقد تجلت مظاهر كثيرة لصفة الرحمة الإلهية في سورة مريم .. اذكر ثلاثة من هذه المظاهر مع الآيات التي دلت عليها. العمل الصالح: الزوجة والأولاد لهم علينا حقوق خاصة «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسؤولة عن رعيتها .. » [متفق عليه] ومفهوم المسؤولية ليس مقصورًا على توفير الطعام والشراب وسائر النفقات بل الأهم هو تربيتهم على الاستقامة على أمر الله {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132]. ورمضان فرصة عظيمة للجلوس مع الزوجة والأولاد، ومتابعة أعمالهم، وشحذ هممهم، والاشتراك معهم في الإجابة عن الأسئلة، والقيام بالأعمال الصالحة.

17 - رمضان مع القرآن: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: لقد جلست أنا وأخي مجلساً ما أحب أن لي به حُمر النَعم، أقبلت أنا وأخي، وإذا مشيخة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس عند باب من أبوابه .. إذ ذكروا آية من القرآن فتماروا فيها حتى ارتفعت أصواتهم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبًا قد احمر وجهه، يرميهم بالتراب ويقول: «مهلا يا قوم، بهذا أُهلكت الأمم من قَبلكم باختلافهم على أنبيائهم، وضربهم الكتب بعضهم ببعض، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم فردوه إلى عالمه» [رواه أحمد]. ويقول عبد الله بن مسعود: إن للقرآن مناراً كمنار الطريق، فما عرفتم منه فتمسكوا به، وما يشبه عليكم- أو قال شُبّه عليكم- فكِلوه إلى عالمه. معنى ذلك أنه لا يجب علينا- حين نقرأ القرآن- أن نقف عند كل كلمة أو آية لا نعرف معناها ونحاول معرفته، بل يكفينا الفهم الإجمالي العام من الآيات، وإن تيَّسرت القراءة من المصحف الذي يحوي هامشه معاني الكلمات الغريبة فبها ونعمت، لأن ذلك لا يجعل القارئ يضطر لقطع قراءته وتأثره للنظر في التفسير، بل يكفيه فقط أن ينظر في الهامش ليفهم ما استغلق عليه فهمه. السؤال: تتحدث سورة الأنبياء باستفاضة عن مظاهر عديدة لقيومية الله على خلقه وقربه منهم، وسرعة استجابته لهم .. اذكر ثلاثة مظاهر تبين هذا المعنى مع ذكر الآيات الدالة عليها. العمل الصالح: قد تَحول ظروف البعض من الجلوس مع الزوجة والأولاد بصفة منتظمة ومتابعتهم .. ومع ذلك تبقى هناك أوقات تجتمع فيها الأسرة كلها في رمضان كوقت الإفطار والسحور .. فلننتهز هذا الاجتماع في القيام بمتابعة أفراد الأسرة وشحذ هممهم. 18 - رمضان مع القرآن: القرآن خطاب من الله عز وجل لعباده أجمعين .. هذا الخطاب يتضمن أسئلة علينا أن نجيب عليها مثل قول تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَّأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَّعِينٍ} [الملك: 30] فيجيب: الله رب العالمين. وفي القرآن أوامر للتنفيذ السريع علينا أن نقوم بها مثل قوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى} [الأعلى: 1] فنسبح، وفيها حديث عن الجنة علينا أن نسأل الله بلوغها، وحديث عن النار فنستعيذ بالله منها. يقول محمد إقبال: كنت أقرأ القرآن بعد صلاة الصبح كل يوم، وكان أبي يراني، فيسألني: ماذا أصنع؟ فأجيبه: أقرأ القرآن، وظل على ذلك ثلاث سنوات متتاليات يسألني سؤاله، فأجيبه جوابي، وذات يوم قلت له: ما بالك يا أبي تسألني نفس السؤال، وأجيبك جوابًا واحدًا، ثم لا يمنعك ذلك عن إعادة السؤال من غد؟ فقال: إنما أردت أن أقول لك: يا ولدي اقرأ القرآن كأنه نزل إليك. ومنذ ذلك اليوم بدأت أتفهم القرآن وأقبل عليه، فكان من أنواره ما اكتسبت، ومن درره ما نظمت. السؤال: في سورة النور تتأكد حقيقة مهمة وهي أننا بالله لا بأنفسنا، وأن كل عمل صالح نؤديه فهو محض فضل منه سبحانه، وكل معصية لا نفعلها فهي محض عصمة منه .. اذكر آيتين من السورة تؤكدان هذا المعنى مع تعليق مختصر. العمل الصالح: من أهم الأعمال الصالحة التي لا تتوافر إلا في أيام الصيام .. «تفطير الصائمين» قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من فطَّر صائمًا كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقصُ من أجر الصائم شيئًا» [صحيح الجامع الصغير]. فحبذا لو قمنا بهذا العمل الصالح، وحبذا لو كان للفقراء والمساكين.

19 - رمضان مع القرآن: قيل للسيدة عائشة رضي الله عنها: إن أناساً يقرأ أحدهم القرآن في ليلة مرتين أو ثلاثاً، فقالت: «قرؤوا ولم يقرؤوا، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم ليلة التمام فيقرأ سورة البقرة وسورة آل عمران وسورة النساء لا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا الله تعالى ورغب، ولا يمر بآية فيها تخويف إلا دعا واستعاذ» [رواه أحمد]. فلنفعل مثل ما كان يفعله رسولنا صلى الله عليه وسلم، ولنتجاوب مع القراءة فإذا وجدنا موضع تسبيح سبحنا، وموضع استغفار استغفرنا، وموضع دعاء دعونا، وعند آيات النار نستعيذ بالله من شرها، وعند آيات الجنة نتشوق ونطلب أن نكون من أهلها. السؤال: تحدثت سورة النمل عن فرعون وأنه رأى آيات مبصرة تدل على صدق موسى عليه السلام، ومع ذلك لم يؤمن، وفي نفس السورة نجد مَلِكة سبأ تري آيات مبصرة تدل على الله الواحد فتؤمن .. ولقد بين القرآن السبب لعدم إيمان فرعون، والسبب لإيمان ملكة سبأ .. اذكر الآيات التي تدل على ذلك. العمل الصالح: إطعام الطعام .. باب عظيم من أبواب الخير غفل عنه الكثير من الناس .. قال صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة غرفاً يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها» قالوا: «لمن هي يا رسول الله؟ قال:- لمن أطعم الطعام، وأطاب الكلام، وصلى بالليل والناس نيام» [رواه أحمد]. فلنطعم كلما سنحت الفرصة بعضاً من أصدقائنا كما كان يفعل الصحابة .. كان علي رضي الله عنه يقول: «لأن أجمع ناساً من أصحابي على صاع من طعام أحب إلى من أن أخرج إلى السوق اشتري نسمة فأعتقها». 20 - رمضان مع القرآن: عندما نكثر من قراءة القرآن، ونداوم عليها كل يوم، ونقرأ بترتيل، ومن المصحف، وبصوت مسموع، ونفهم ما نقرأ- ولو بصورة إجمالية- ونتجاوب مع الخطاب القرآني .. فإن هذا من شأنه أن يستثير المشاعر، وستأتي بإذن الله- لحظات يتم فيها التأثر بآية أو آيات من القرآن خلال القراءة .. هذا التأثر معناه دخول النور إلى القلب في هذه اللحظة، وزيادة الإيمان فيه .. فماذا نفعل آنذاك؟! علينا أن نستثمر هذه الفرصة أطول فترة ممكنة من خلال تكرار الآية أو الآيات التي أثرت فينا، ولا ننتقل عنها إلى غيرها طالما وجد التأثر، فإن هدأت المشاعر وخف التأثر انتقلنا إلى الآيات الأخرى منتظرين تأثرًا جديدًا. السؤال: الحياء خُلق عظيم يحبه الله عز وجل، وهو شعبة من شعب الإيمان وثمرة من ثمراته، ولقد تجلى هذا الخُلق وظهرت العديد من مظاهره في قصة موسى عليه السلام مع الفتاتين في سورة القصص .. اذكر من القصة ثلاثة مظاهر لخلق الحياء. العمل الصالح: أوصانا الله عز وجل في كتابه وعلى لسان رسوله بالإحسان إلى الجار: «مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت إنه سيورَّثُه» [متفق عليه]. ورمضان فرصة عظيمة للقيام بهذا العمل العظيم، والمبالغة في الإحسان إلى الجار بشتى الصور. 21 - رمضان مع القرآن: لو قيل لك: عليك أن تقوم بترديد وتكرار جملة واحدة لمدة نصف ساعة ماذا سيكون شعورك وأنت ترددها؟ فما بالك لو قيل لك كررها ساعة أو ساعتين .. يقينًا ستشعر بالضيق الشديد والتبرم و .. أتدري- أخي- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظل ليلة كاملة- عدة ساعات- يردد آية واحدة {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118] يرددها بمحض إرادته واختياره! فقد استحوذ معناها على عقله ومشاعره. فلنكرر تلك الآية التي نتأثر بها ونحن نقرأ القرآن، ولنعلم أنه كلما كررناها ونحن في حالة التأثر فإن هذا معناه استمرار تدفق النور والإيمان إلى القلب، ومن ثمَّ تدبُّ الحياة في جنباته.

السؤال: في سورة الروم ولقمان هناك العديد من الآيات التي تتحدث عن دلائل وجود الله وأنه الإله الحق الواحد الذي لا شريك له ولا ندَّ له، ولا صاحبة، ولا ولد .. اذكر خمسة من هذه الدلائل مع الآيات الدالة عليها. العمل الصالح: كان من هدْيه صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر الأخيرة من رمضان الاعتكاف في المسجد، والاجتهاد في العبادة .. فلنجتهد في القيام بهذا العمل المبارك، فإن لم نستطع أن نعتكف اعتكافًا كليًا فليكن اعتكافًا جزئيًا وحبذا لو كان في ليالي العشر أو الوتر منها لعل نفحات ليلة القدر تصيبنا ونحن معتكفون في المسجد. 22 - رمضان مع القرآن: عن عباد بن حمزة قال: دخلت على أسماء رضي الله عنها وهي تقرأ: {فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور: 27]، فوقفت عندها، فجعلت تعيدها وتدعو، فطال علىَّ ذلك فذهبت إلى السوق، فقضيت حاجتي ثم رجعت وهي تعيدها وتدعو .. إن ترديد الآيات التي تؤثر في القلب لوسيلة عظيمة في بناء الإيمان وترسيخه، ولقد كان هذا هو هدى النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام .. فلنقتد بهم لعلنا نقترب منهم. وتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم ... إن التشبه بالرجال فلاح ولنجتهد في قراءة القرآن في هذه الأيام الأخيرة من رمضان- بفهم وترتيل وتباكٍ- ولننتظر بلهفة لحظات التأثر كي نردد الآية، وندعو ونبكي .. السؤال: في سورة فاطر جاء الأمر الإلهي {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ} [فاطر: 3] وتحدثت السورة عن الكثير من نِعم الله على عباده .. اذكر خمسًا منها مع الآيات الدالة عليها. العمل الصالح: لنحذر من الخلطة والكلام، وكل ما يقطع علينا خلوتنا بالله عز وجل ونحن معتكفون. يقول ابن رجب: فحقيقة الاعتكاف: قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق. وللأخت المسلمة أن تعتكف في مسجد بيتها (¬1) استناداً إلى رأي الأحناف في جواز ذلك، ولتقتطع من يومها وقتًا تلازم فيه مسجدها، وتقبل فيه على الله عز وجل. 23 - رمضان مع القرآن: عن مسروق قال: قال لي رجل من أهل مكة: هذا مقام أخيك تميم الداري، لقد رأيته ذات ليلة حتى أصبح أو كاد أن يصبح يقرأ آية من كتاب الله، يركع ويسجد ويبكي {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية: 21]. وقرأ عبد الله بن عمر سورة المطففين حتى بلغ {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6] فبكي حتى خرّ، ولم يستطع قراءة ما بعد هذه الآية. السؤال: اذكر الآية التي تأثرت بها خلال قراءتك للقرآن، واذكر المعنى الإيماني الذي تولد لديك في لحظات التأثر. العمل الصالح: قال محمد إقبال: كن مع من شئت في العلم والحكمة، ولكنك لا ترجع بطائل حتى تكون لك أنَّة في السحر. إن الأنين لله عز وجل له أثر عجيب في استجلاب الرحمة، ونزول السكينة، وإجابة الدعاء، وزرع بذور الإخلاص في القلب، فإن كان ذلك عند السحر (آخر الليل) كان تحصيل هذه الثمار أشد، فقد سأل داود جبريل عليهما السلام فقال: يا جبريل، أي الليل أفضل؟ قال: «يا داود، ما أدري إلا أن العرش يهتز عند السحر» وقال سفيان: (إن لله ريحًا مخزونة تحت العرش، تهب عند الأسحار فتحمل الأنين والاستغفار). فهل لنا أن نئن إلى الله في هذه الليلة وكل ليلة؟! ¬

_ (¬1) المقصود من مسجد البيت: المكان الذي تخصصه الأخت للصلاة فيه، وحبذا لو كان مكانًا ثابتًا يكفي لصلاتها.

هل لنا أن نتذكر ذنوبنا السابقة ونهرع إلى المحراب في السحر نُسمع الله أنيننا، ونكتب إليه بدموعنا رسائل الاسترحام والاعتذار؟!! 24 - رمضان مع القرآن: مدارسة آيات القرآن تعنى التعرف على الآيات من كل جوانبها من علم وأحكام ومعان إيمانية، وأسبابٍ للنزول، وأعمال تدل عليها .. قال عبد الله بن مسعود: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن. فليكن ذلك دأبنا حين نحفظ القرآن .. وليكن لنا في شهر رمضان سورة نبدأ بحفظها بطريقة الصحابة، فنأخذ بضع آيات ونتعلم ما فيها، ونتعرف على الأعمال التي تدل عليها، ولا نتجاوز هذه الآيات إلا إذا قمنا بتنفيذ ما دلت عليه من أعمال. السؤال: في قصة مؤمن آل فرعون في سورة غافر يظهر بوضوح مدى حرص الداعية على قومه وعلى هدايتهم، وخوفه عليهم، واستخدام أساليب الترغيب قبل الترهيب في ذلك .. اذكر ثلاث آيات تؤكد على هذا المعنى مع تعليق مختصر عليها. العمل الصالح: كان عمر بن الخطاب يقول: كل يوم يقال: مات فلان بن فلان، ولابد من يوم يقال فيه: مات عمر. إن أغلب من في القبور قد فاجأه الموت: إما في الطريق وهو يسير، وإما وهو بين أهله وأصحابه، وإما وهو نائم على فراشه، وإما .... {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} [النساء: 78]. والسعيد من استعد لهذا اللقاء الحتمي وتجهز له. فلنفكر في هذا الأمر، ولنبحث عما ينبغي أن نفعله قبل أن يفاجئنا الموت. 25 - رمضان مع القرآن: ليس هناك تعارض بين مدارسة القرآن وبين التلاوة اليومية، فالتلاوة اليومية هي التي تزيد الإيمان، وتولّد الطاقة وتحيي القلب، والمدارسة تزيد المرء علمًا، وتدله على أعمال صالحة قد تكون غائبة عنه، وأهم ضامن يضمن تنفيذ هذه الأعمال هو وجود الطاقة والقوة الدافعة المتولدة من القراءة اليومية بتفهم وترتيل وتباكٍ. يقول عبد الله بن عمر: لقد عشنا برهة من دهرنا، وأحدنا يؤتي الإيمان قبل القرآن، فتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها، وأمرها وزجرها، وما ينبغي أن نقف عليه منها. السؤال: في سورة الشورى تبدو بوضوح مظاهر الإرادة والمشيئة الإلهية الكونية النافذة، وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن؟ اذكر ثلاثة مظاهر لهذا المعنى مع ذكر الآيات الدالة عليها. العمل الصالح: لنتذكر من مات من أقاربنا وأصدقائنا ومعارفنا، ونتخيل أمنياتهم لو عادوا للدنيا .. ماذا سيفعلون؟! ونسجل تلك الأمنيات ونحاول أن نقوم بها لأنفسنا حتى لا نندم وقت لا ينفع فيه الندم. 26 - رمضان مع القرآن: تقول السيدة عائشة: لما نزلت هذه الآية: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِي الألْبَابِ} [آل عمران: 190] على النبي صلى الله عليه وسلم، قام يصلى، فأتاه بلال يُؤذنه بالصلاة، فرآه يبكي، فقال: يا رسول الله، تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال: «يا بلال، أفلا أكون عبداً شكورًا، وما لي لا أبكي وقد نزل علىَّ الليلة {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِي الألْبَابِ} [آل عمران: 190] ثم قال: «ويل لمن قرأ هذه الآيات ثم لم يتفكر بها» [رواه ابن حبان]. السؤال: في سورة الأحقاف آيات تبين حال نفر من الجن عند استماعهم للقرآن وكيف سارعوا إلى قومهم يصفون لهم القرآن .. اذكر صفتين من هذه الصفات كما بينتها الآيات.

العمل الصالح: نحتاج دومًا ونحن نسير في هذه الحياة إلى وقفات مع النفس نحاسبها فيها على ما مضى من أعمال .. ونُحصي عليها الذنوب وأوجه التقصير، ثم نسارع بالتوبة إلى الله. لقد خف الحساب يوم القيامة على قوم دققوا الحساب مع أنفسهم في الدنيا، فلنكن من هؤلاء ولنكثر من تلك الجلسات التي نخلو فيها بأنفسنا لننتزع منها اعترافًا بالتقصير، فمعرفة الداء والاعتراف به نصف الدواء، والندم هو جوهر التوبة. 27 - رمضان مع القرآن: القرآن أفضل وسيلة تزيد حب الله في القلب .. قال صلى الله عليه وسلم: «ألا من اشتاق إلى الله فليستمع كلام الله، فإن مثل القرآن كمثل جراب مسك أي وقت فتحه فاح ريحه» [رواه الديلمي] ومما يمكن لحب الله في القلب من خلال القرآن: تتبع الآيات التي تتحدث عن مظاهر حب الله لعباده، والتي تتمثل في توالي نعمه وإمداداته لعباده، وتسخير الكون لهم، وسعة عفوه ورحمته، وحلمه وستره وإمهاله للعصاة، وخطابه الودود المطمئن الذي يخاطب به عباده. فحبذا لو تتبعنا هذه المظاهر خلال قراءتنا للقرآن، واجتهدنا في تجاوب القلب معها. السؤال: اذكر خمسة من مظاهر حب الله لعباده والآيات الدالة عليها من خلال قراءتك للقرآن. العمل الصالح: هناك مجالات كثيرة لمحاسبة النفس تتناول حياة المسلم من جميع جوانبها، علينا أن نقف أمام كل جانب من جوانبها، ونقتبس منها أوجه التقصير لنتداركها. هذه الجوانب هي: 1 - عبادات الجوارح كالصلاة والصيام والأعمال الصالحة البدنية. 2 - عبادات القلوب: كالشكر والصبر والرضا. 3 - معاصي الجوارح: كالتقصير في الصلاة، وكإطلاق البصر والغيبة والنميمة. 4 - معاصي القلوب: كالحسد والغرور والإعجاب بالنفس. 5 - حقوق الآخرين: كحق الوالدين والزوجة والأولاد. 28 - رمضان مع القرآن: يقول الحسن البصري: إن هذا القرآن قد قرأه عبيد وصبيان لا علم لهم بتأويله، ولم يأتوا الأمر من أوله. قال الله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ} [ص: 29]، وما تدبُّر آياته إلا اتباعه لعلمه، أما- والله- ما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: والله لقد قرأت القرآن كله وما أسقطت منه حرفًا .. قد والله قد أسقطه كله، ما رُئي القرآن له في خلق ولا عمل، وإن أحدهم ليقول: والله إني لأقرأ السورة في نَفَس. ما هؤلاء بالقراء ولا العلماء ولا الورعة. متى كان القراء يقولون مثل هذا؟! لا أكثر الله في الناس مثل هؤلاء. السؤال: المعاملة على قدر المعرفة .. هذه القاعدة تظهر بوضوح في تعاملنا مع الله عز وجل، فنحن لا نعامله بما يليق بجلاله لأننا لا نعرفه، اذكر آية من سورة الحشر تؤكد هذا المعنى. العمل الصالح: حقيقة الشكر هو الشعور بالامتنان تجاه المنعم. ولقد أكرمنا الله عز وجل في هذا الشهر وتفضل علينا بنعم لا تعد ولا تحصى، فإن أردنا أن يزداد شكرنا له سبحانه، فلنبدأ بتذكر نعم الله علينا خلال هذا الشهر، وحبذا لو كتبنا هذه النعم، وأشركنا معنا الزوجة والأولاد. 29 - رمضان مع القرآن: نزل رجل من العرب على عامر بن ربيعة رضي الله عنه فأكرم عامر مثواه، وكلم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء الرجل إليه فقال: إني استقطعت رسول الله صلى الله عليه وسلم واديًا، ما في العرب أفضل منه، ولقد أردت أن أقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك. فقال عامر: لا حاجة لي في قطعتك، نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ} [الأنبياء:1] .. هكذا كان تعاملهم مع القرآن .. وهكذا كان فعل القرآن فيهم.

السؤال: في سورة المُلك هناك آيات كثيرة تعرفنا بالله عز وجل وأنه على كل شيء قدير .. اذكر ثلاثة مظاهر تؤكد هذا المعنى مع الآيات الدالة عليها. العمل الصالح: من صور الشكر: سجود الشكر والثناء على الله وشكره على نِعمه التي أنعم بها علينا، ومن صور الشكر كذلك: الإكثار من حمد الله، وكذلك إخراج زكاة الفطر امتنانًا لله الذي يسر لنا الصيام والقيام وسائر الأعمال الصالحة التي قمنا بها. 30 - رمضان مع القرآن: لنستمر في قراءة القرآن بعد رمضان بنفس الطريقة التي كنا نفعلها في رمضان، فالقرآن هو غيث قلوبنا، فإن أردنا لتلك القلوب حياة حقيقية فما علينا إلا أن نجعلها تتعرض دومًا لهذا الغيث المبارك. جاء في الحديث: «مثل القرآن ومثل الناس كمثل الأرض والغيث، بينما الأرض ميتة هامدة، إذ أرسل الله عليها الغيث فاهتزت، ثم يرسل الوابل فتهتز وتربو، ثم لا يزال يرسل أودية حتى تبذر وتنبت ويزهو نباتها، ويُخرج الله ما فيها من زينتها ومعايش الناس والبهائم، وكذلك فعل هذا القرآن بالناس» كل ذلك أخي الحبيب سيتحقق بمشيئة الله إن أحسنا التعامل مع القرآن، وأكثرنا من اللقاء به. السؤال: قال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ - لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ} [التكوير: 27، 28] في هاتين الآيتين عدة صفات للقرآن وكذلك شرط أساس من شروط الانتفاع به .. وضح ذلك؟! العمل الصالح: الإكثار من الاستغفار .. فلعلنا نكون قد أُعجبنا ببعض أعمالنا خلال هذا الشهر، ولعلنا نكون قد قصرنا في بعض الأعمال، ولعلنا نكون قد ظننا خيرًا في أنفسنا ونسينا أن الله عز وجل هو سبب كل خير قمنا به. ولنتذكر أن الاستغفار بعد الطاعة هو دأب الصالحين {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ} [البقرة: 199]. أما بعد .. أخي .. إن كان رمضان قد مضى فإن الله معنا في رمضان وفي غير رمضان {وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 73] .. وإن كان رمضان قد مضى فإن القرآن مازال بين أيدينا، ولعل أهم ما قصدت إليه هذه الورقات هو أن نتعامل مع القرآن تعاملاً جديدًا يجعلنا نتذوق حلاوة الإيمان من خلاله، لتبقى هذه الحلاوة أكبر عِوض لنا عن غياب رمضان فلنداوم على القراءة اليومية للقرآن- مهما كانت ظروفنا- وذلك بتفهُّم، وتباكٍ، وترتيل- كما تعودنا في رمضان-، ولنردد الآية التي تجاوبت معها مشاعرنا لنزداد بها إيماناً، فيستمر تيار الحياة في التدفق لقلوبنا، ونستمر في السير إلى الله بتلك القلوب الحية {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى} [النجم: 42]. والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

§1/1