كيف تخشعين في الصلاة

رقية المحارب

مقدمة

إلى المرأة المسلمة كيف تخشعين في الصلاة كتبته الفقيرة إلى الله رقية بنت محمد المحارب نسخة مزيدة 1430هـ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أول ما يحاسبُ الناسُ به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة، يقول ربُّنا - عز وجل- لملائكته وهو أعلم: انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها؟ فإن كانت تامة كُتبتْ له تامةً، وإنْ كان انتقص منها شيئًا قال: انظروا هل لعبدي من تطوُّع؟ فإن كان له تطوعٌ، قال: أتموا لعبدي فريضته، ثم تؤخذ الأعمال على ذا كمْ ". وقال: " إنَّ الرجل لينصرفُ وما كُتب لهُ عُشرُ صلاته، تُسعُها، ثمْنها، سبعُها، سدسُها، خمسُها، ربعُها، ثلثُها، نصفُها ". بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102] . (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1] . (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 - 71] .

فضل الخشوع

أما بعد: فإني قد ترددت كثيرًا في كتابة هذا الموضوع وذلك خشية أن يظن بي ما ليس فيَّ من الخشوع، ولكن لما رأيت كثيرًا من النساء لا يحسنَّ الصلاة اجتهدت في إلقاء محاضرة في جمع كثير من النساء. وبينت فيها كيفية الخشوع في الصلاة، وكيف تستطيع المسلمة أن تنال هذه الصفة التي لا يمتاز بها إلا المؤمنون المفلحون كما قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون: 1 - 2] ، وقد نالت هذه المحاضرة - بحمد الله - إعجاب الكثيرات حيث وقعت منهن موقع الماء العذب الزلال من العطشان في الصيف الحار. وطالبني كثير ممن لم يحضرن بإعادة هذه لمحاضرة لّما بلغهن استفادة من حضر، وتمكنهن من الخشوع بعد تطبيق ما ذكرتُ، واعتذرتُ لهن من الإعادة خشية السآمة ووعدتهن خيرًا. وقد عنَّ لي الآن أن أكتب المحاضرة التي ألقيتها، لتكون الفائدة أعمَّ بحيث يبلغ الكتاب ما لم يبلغ الخطاب. وأنا في هذا كلَّه استعين بالله، وأتوكل عليه وأسأله التوفيق والسداد لما فيه الخير والرشاد. رقية فضل الخشوع إن الله_ سبحانه_ قد امتدح الخاشعين في مواضع كثيرة من كتابه فقال: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون: 1 - 2] . وقال: (وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ) [البقرة:45] . وقال: (خَاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) [آل عمران:199] . وقال: (وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) [الأنبياء:90] . وقال: (وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) [الإسراء:109] .

وامتدح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الخشوع وبين فضل البكاء من خشية الله فقال: " لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم " (¬1) . وقال: " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ... وذكر منهم: ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه " (¬2) . وعن عبد الله بن الشخير - رضي الله عنه قال: "أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء" (¬3) . وغيرها من الأحاديث كثير. وأصل الخشوع كما قال ابن رجب: " لين القلب ورقته وسكونه وخضوعه وانكساره وحرقته، فإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء لأنها تابعة له" (¬4) . والخشوع: خمود نيران الشهوة، وسكون دخان الصدور، وإشراق نور التعظيم في القلب، واستحضار عظمة الله وهيبته وجلاله. قال الجنيد: الخشوع تذلُّل القلوب لعلام الغيوب. والقلب أمير البدن، فإذا خشعَ القلب، خشع السمع والبصر والوجه وسائر الأعضاء وما ينشأ عنها، حتى الكلام. الخشوع يقظة دائمة لخلَجَات القلب وخفقاته ولفتاته حتى لا يتبلد، وحذَرٌ من هواجسه ووساوسه، واحتياط من سهواته وغفلاته ودفعاته، خشية أن يزيغ وتعتريه القسوة. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي في كتاب الجهاد / باب ما جاء في فضل الغبار في سبيل الله. (¬2) متفق عليه. رواه البخاري في أبواب الصلاة / باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة، ومسلم في الزكاة / باب فضل إخفاء الصدقة. (¬3) الحديث أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة / باب البكاء في الصلاة والترمذي في كتاب الشمائل المحمدية / باب ما جاء في بكاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. (¬4) الخشوع في الصلاة / ابن رجب ص 17 مكتبة الحرمين.

والخشوعُ عِلمٌ نافع يباشر القلب، فيوجب له السكينة والخشية، والإخبات والتواضعَ والانكسارَ لله، وكل أولئك رشْحٌ من فيْض الخشوع (¬1) . والخشوع أولُ علم يُرفع من بين هذه الأمة: عن شداد بن أوس: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن أول ما يرفع من الناس: الخشوع) (¬2) . وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أول شيءٍ يُرفع من هذه الأمة الخشوع، حتى لا ترى فيها خاشعًا) (¬3) . وقال حذيفة رضي الله عنه: "أول ما تفقدون من دينكم: الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم: الصلاة" ومتى تكلف الإنسان تعاطي الخشوع في جوارحه وأطرافه، مع فراغ قلبه من الخشوع وخلوه منه - كان ذلك خشوع نفاق، وهو الذي كان السلف يستعيذون منه. قال حذيفة رضي الله عنه: " إياكم وخشوع النفاق، فقيل له: وما خشوع النفاق؟ قال: أن ترى الجسد خاشعا والقلب ليس بخاشع " ورأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا طأطأ رقبته في الصلاة، فقال: "يا صاحب الرقبة، ارفع رقبتك، ليس الخشوع في الرقاب، إنما الخشوع في القلوب " ¬

_ (¬1) ينظر رسالة: الخشوع وأثره في بناء الأمة. لسليم بن عيد الهلالة- دار ابن الجوزي. والخشوع في الصلاة، لابن رجب الحنبلي. تعليق: علي عبد الحميد - طبع: دار عمار. (¬2) صحيح: أخرجه الطبراني في الكبير، والبخاري في خلق أفعال العباد، والنسائي في الكبرى، والبيهقي في المدخل، والحاكم وابن حبان، والبزار والخطيب في اقتضاء العلم العمل، والطبراني في الأوائل، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. (¬3) صحيح: رواه الطبراني في الكبير، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب رقم 543، وصحيح الجامع رقم 2569.

ورأت عائشة رضي الله عنها شبابا يمشون ويتماوتون في مشيتهم، فقالت لأصحابها: " من هؤلاء؟ فقالوا: نساك، فقالت: كان عمر بن الخطاب إذا مشى أسرع، وإذا قال أسمع، وإذا ضرب أوجع، وإذا أطعم أشبع، وكان هو الناسك حقا " وقال الفضيل بن عياض: "كان يكره أن يري الرجل من الخشوع أكثر مما في قلبه " (¬1) . والخشوع يحصل بمعرفة الله -سبحانه- بأسمائه وصفاته. فإذا أدرك العبد عظمة الله وكبرياءه وقوته- سبحانه - واستقرت هذه المعرفة في قلبه فإنّ ذلك يظهر عليه في سلوكه وأقواله. ولما كان العبد يتقلب في ملك الله ويرى آياته لا تنقطع. أصابه التبلد والفتور فاحتاج من يوقظه كل حين، والصلاة خير موقظ فهي توقظه خمس مرات في اليوم والليلة. والقلوب تتفاوت في الخشوع بحسب تفاوت معرفتها لمن خشعت له، وبحسب تفاوت مشاهدة القلوب للصفات المقتضية للخشوع؛ فمِنْ خاشع لقوة مطالعته لقرب الله من عبده، واطلاعه على سرِّه وضميره، المقتضي للاستحياء من الله تعالى ومراقبته في الحركات والسكنات. ومن خاشع لمطالعته لكماله وجماله، المقتضي للاستغراق في محبته، والشوق إلى لقائه ورؤيته. ومن خاشع لمطالعة شدة بطشه وانتقامه وعقابه، المقتضي للخوف منه. وهو سبحانه جابر المنكسرة قلوبهم من أجله، وهو سبحانه وتعالى يتقرب ممن يناجيه في الصلاة ويعفر وجهه في التراب بالسجود، كما يتقرَّب من عباده الداعين له، السائلين له، المستغفرين من ذنوبهم بالأسحار، ويجيب دعاءهم، ويعطيهم سؤالهم، ولا جبرَ لانكسار العبد أعظم من القرب والإجابة. (¬2) والخشوع يتأتى للقلب غالبًا إذا بذل العبد أسبابه، كما أنَّ القلب يقسو ويغفل إذا ترك أسباب الخشوع. ¬

_ (¬1) ينظر مدارج السالكين 1/517 -521. (¬2) الخشوع في الصلاة ص 13، 14

قبل الصلاة

ومن أقوى أسباب الخشوع الوقوف بين يدي رب العباد، ولكن ليس كل وقوف يزيد في الخشوع، إنما الوقوف الذي يزيد في الخشوع ما وافق ما عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه. وأن يعلم العبد أنه ليس له من صلاته إلا ما عقل منها ففي المسند مرفوعا: " إنَّ الرجل لينصرفُ وما كُتب لهُ عُشرُ صلاته، تُسعُها، ثمْنها، سبعُها، سدسُها، خمسُها، ربعُها، ثلثُها، نصفُها ". (¬1) والخشوع يزيد وينقص حسب الأخذ بالأسباب الجالبة له. وإليكِ هذه الأسباب بالتفصيل: قبل الصلاة إننا أختي في الله قد اعتدنا على الصلاة، لذا أصبحنا إذا سمعنا الآذان بادرنا وتوضأنا ووقفنا ثم صلينا، ونحن لا تنفك أذهاننا تفكر في حياتنا ومشكلاتنا، وتفوتنا بذلك الخير الكثير. فإذا ما أردت أن يتحقق لك الخشوع فافعلي الآتي: 1- إذا سمعت المؤذن فقولي كما يقول غير أنك إذا قال: "حي على الصلاة"، "حي على الفلاح" فقولي: "لا حول ولا قوة إلا بالله". لقوله -صلى الله عليه وسلم-: " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ إنه من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه عشرًا، ثم سلوا الله لي الوسيلة - إنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله - فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة " (¬2) . وسؤال الوسيلة - يكون بهذه الكلمات التي وردت في الحديث الآتي: ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود والنسائي في الكبرى والصغرى وأحمد والحاكم والبزار (¬2) بهذا اللفظ أخرجه ابن خزيمة في صحيحه باب فضل الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد فراغ سماع الأذان وأخرجه مسلم في كتاب الصلاة حديث رقم 11.

عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: " من قال إذا سمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته، إلا حلت له الشفاعة يوم القيامة " (¬1) . ثم اسألي الله من فضله واجتهدي في الدعاء، فإن الدعاء يجاب عند الآذان أو بين الآذان والإقامة، قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: " اثنان لا تردَّان أو قال ما تردان، الدعاء عند النداء وعند البأس حيت يلتحم بعضهم بعضًا" (¬2) . وإني ألحظ كثيرًا من الناس يجتهدون في الدعاء عند الكعبة، وهم يغفلون عن هذا الوقت الذي قلَّ ما تردَّ فيه الدعوة، بل يمضونه في الحديث الذي لا ينفع ويضيعون بذلك الكثير. وإذا عرفتِ ذلك أختي فاجتهدي في الدعاء عند الآذان أو بين الآذان والإقامة. لما فيه من خير دنياك وآخرتك. قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-:" الدعاء بين الآذان والإقامة لا يرد " (¬3) . ثم سارعي إلى الوضوء عملا بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ) [المائدة:6] . ¬

_ (¬1) بهذا اللفظ أخرجه ابن خزيمة في صحيحه باب صفة الدعاء عند مسألة الله – عز وجل – للنبي محمد الوسيلة. وهو عند البخاري كتاب الأذان باب 8 بلفظ مقامًا محمودًا وهو الأصح. قاله الأعظمي. (¬2) أخرجه ابن خزيمة وقال الأعظمي إسناده حسن، ورواه أبو داود والبيهقي. (¬3) رواه أبو داود والترمذي واللفظ له والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما. وزاد " فادعوا " وقال الألباني: صحيح: صحيح الترغيب والترهيب " (1/108) .

واستحضري فضل الوضوء، فإن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قد قال: " من توضأ فأحسن الوضوء وصلى غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى " (¬1) . وإحسانه يكون بالوضوء كما كان يتوضأ رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وإليكِ ما يوضح وضوءه –صلى الله عليه وسلم-، ثبت أن عثمان بن عفان دعا يومًا بوضوء فتوضأ، فغسل كفيه ثلاث مرات واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك ثم مسح برأسه, ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات، ثم غسل رجله اليسرى مثل ذلك، ثم قال: رأيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: " من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قام فركع ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه " (¬2) . فإذا علمت ذلك فاجتهدي في إتقان الوضوء كما مر واستجمعي فكرك كله، عليك مجاهدة نفسك أن تحدثك بأمر من أمور الدنيا (¬3) . وقد تقولين: كيف أستطيع أن أتوضأ دون أن أحدث نفسي؟ أقول: إذا أردت الوضوء فانشغلي في ذكر ما يقول رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عند الوضوء وهو قول: (بسم الله) ، فإذا شرعت في الوضوء فتفكري في كل عضو تغسلينه ما اكتسب من الذنوب، فإذا فعلت ذلك استحضري أن الوضوء يكفر الذنوب، وأن الخطايا تخرج مع الوضوء. ¬

_ (¬1) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه باب ذكر فضائل الوضوء. قال الأعظمي إسناده صحيح، ورواه أحمد. (¬2) أخرجه بهذا اللفظ ابن خزيمة باب ذكر الخطايا بالوضوء، وهو عند مسلم كتاب الطهارة 32. (¬3) إنما يطلب الاجتهاد في عدم تحديث النفس أثناء الوضوء لأجل استشعار هذه العبادة، أما مغفرة ما تقدم من الذنوب الوارد في الحديث فإنما تحصل لمن لم يحدث نفسه في الصلاة- أي الركعتين- دل على ذلك الضمير في – فيهما – فإنه عائد الركعتين.

فإذا غسلت وجهك فتذكري أن كل خطيئة نظرت إليها عيناك خرجت مع الماء، وإذا غسلت يديك فاستحضري أن كل خطيئة بطشتها يداك خرجت مع الماء، وإذا غسلت رجليك فاستحضري أن كل خطيئة مشتها رجلاك خرجت مع الماء، وبهذا تخرجين من الوضوء مغفورة الذنوب كما قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: " إذا توضأ العبد المسلم (أو المؤمن) فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء (أو مع آخر قطر ماء) فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء (أو مع آخر قطر ماء) فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء (أو مع آخر قطر ماء) حتى يخرج نقيًا من الذنوب" (¬1) . ثم إذا هممت بالخروج من المغتسل فاستحضري ما حزتيه من الأجر العظيم من حط الذنوب ورفع الدرجات. واستحضري قوله –صلى الله عليه وسلم-: " ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الٍخُطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط " (¬2) . واستحضري كذلك أن مواضع الوضوء ستكون علامة لك يوم القيامة تعرفين بها، فتنظرين إلى أعضائك التي غسلتيها بشيء من السرور والغبطة, أن هداك الله لهذا. وقد جاء في الحديث أنك تعرفين يوم القيامة بوضوئك كما جاء أن حليتك تبلغ منك مبلغ الوضوء. ¬

_ (¬1) أخرجه بهذا اللفظ ابن خزيمة باب ذكر حط الخطايا بالوضوء، وهو عند مسلم كتاب الطهارة / 32. (¬2) أخرجه بهذا اللفظ ابن خزيمة، وهو عند مسلم كتاب الطهارة / 41.

الاستعداد للصلاة قبل الصلاة

خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المقبرة فسلم على أهلها، وقال: " سلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. وددت أنا قد رأينا إخواننا "، قالوا: أو لسنا بإخوانك يا رسول الله؟ قال: " أنتم أصحابي، وإخواني قوم لم يأتوا بعد، وأنا فرطكم على الحوض " قالوا: وكيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ قال: " أريتم لو أن رجلاً له خيل غرٌ محجلة بين ظهري خيل بهم دهم ألا يعرف خيله؟ " قالوا: بلى يا رسول الله. قال: "فإنهم يأتون غرًا محجلين من أثر الوضوء، وأنا فطرهم على الحوض، ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال، أناديهم: ألا هلمّ فيقال: قد أحدثوا بعدك، وأقول: سحقًا سحقًا " (¬1) . وقال -صلى الله عليه وسلم-: " إن الحليلة تبلغ مواضع الطهور" (¬2) . وإذا خرجت وقد توضأت فاذكري هذا الدعاء لتنالي جزاءه، وهو الوارد في هذا الحديث، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ - أو فيسبغ - الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء " (¬3) .، وإن زدتِ: "اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين" (¬4) فحسن. وإذا فعلت ذلك في وضوئك فأنّى للشيطان أن يقربك، وأنّى له أن يدخل عليك بوسواسه، فأنت في كل لحظة معلقة قلبك بالله سبحانه وبما - ورد عن نبيه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. الاستعداد للصلاة قبل الصلاة إذا أردت الصلاة بعد وضوئك، وأردت الخشوع فيها، فإن عليك أن تراعي الأمور التالية: ¬

_ (¬1) هذا اللفظ ابن خزيمة، وأخرجه مسلم كتاب الطهارة / 39. (¬2) هذا اللفظ ابن خزيمة، وأخرجه مسلم كتاب الطهارة / 40. (¬3) رواه مسلم كتاب الطهارة باب الذكر المستحب عقب الوضوء. (¬4) هذه الزيادة رواها الترمذي في كتاب الطهارة باب ما يقال عند الوضوء وهي صحيحه.

أولاً: الاستعداد بالسواك: إن من السنن المؤكدة تطييب رائحة الفم وتنظيف الأسنان بالسواك عند الوضوء وقبل الصلاة، وذلك لما ثبت عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: " لولا أن أشق علي أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء " (¬1) وفي رواية: "عند كل صلاة ". وذلك يكسبك نشاطًا، ويعلمك التهيؤ للوقوف بين يدي الله - سبحانه وتعالى-: كما أن السواك أفضل طارد للنوم إذا كانت الصلاة بعد نوم، مما يساعد على التنبه لما تقرئين. ثانياً: الاستعداد باللباس الحسن النظيف والتطيب والبعد عن الريح الكريهة: إنك أخيتي لو فكرت في قدومك إلى الصلاة لوجدت نفسك لا تستعدين لها استعدادك للقاء أي صاحبة لك أو ضيفة تزورك، فلو كنت قبل الصلاة استحضرت أنك ستقدمين على ملك الملوك رب العباد الذي أمرك بأخذ الزينة عند كل مسجد حيث قال: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف: 31] . والمسجد لفظ عام لكل مكان يسجد فيه المصلي من ذكر أو أنثى. لو كنتِ استحضرتِ هذا لبذلتِ الجهد في الاستعداد للصلاة بالحسن من الطيب والثياب (¬2) . واعلمي أن استحضار هذا يأتي بالخشوع، فالحسنة تجر الحسنة، كما أن اللبس النظيف والريح الطيب يجعل صاحبه في راحة نفسية بخلاف اللباس الوسخ المليء بالعرق والرائحة الكريهة؛ فإنه يجعل صاحبه في نفسية متضايقة، ولا يستوي من يصلي مرتاح النفس ومن يصلي وهو متضايق. ¬

_ (¬1) متفق عليه، وخرجه الألباني في إرواء الغليل رقم 70. (¬2) وذلك إذا كانت الصلاة في البيت أما إذا كانت في المسجد فيجب أن تتجنبي الطيب وإنما طيبك الماء، لما في التطيب من فتنة للرجال ولوروده النهي عنه حال الخروج.

وكما أن اللباس يحسن أن يكون نظيفًا فإنه يحسن أن يكون مريحًا؛ لأن اللباس إذا لم يكن مريحًا – كأن يكون ضيقًا –فلن تستطيعي أخذ راحتكِ عند الركود والسجود والجلسة بين السجدتين عند الجلوس للتشهد، فإذا جلستِ وأنت غير مرتاحة فستعجلين في الصلاة، ولن تجلسي للتشهد لتقوليه بتمامه كما ينبغي، وإن قلتيه تامًا لفظًا فلن تستشعري معانيه، ولن تتمكني من الدعاء بعده بقلب خاشع خاضع، والضيق لا يتأتى معه الخشوع؛ لذلك نُهيَ عن الصلاة والمصلي يدافع الخبث أو الجوع أو غيره، وسيأتي ذكر مدافعة الخبث ... وإني ألحظ من بعض الأخوات أنها إذا كانت تهم بالذهاب لزواج أو حفلة ما، استعدت بلبس أجمل الملابس محتملة ما يكلفها هذا الملبس الضيق، وهي لا تحتمل أن تلبس عليه حجاب صلاتها، ولكنها مضطرة للصلاة في وقتها فتجدينها تتعجل بالصلاة محتملة هذه الدقائق التي تصلي فيها، وكأنما قد قيدت بقيود تستعجل الخلاص منها بالسلام. وكذلك إذا وضعت مساحيق على وجهها فهي تسارع إلى الصلاة خشية أن ينتقض وضوؤها فتعجل بالصلاة كأنها حمل ثقيل لترتاح منه، أما إذا كانت ممن تضع في شعرها ما يسمى " باللفافات" فحدث ولا حرج عن ضيقها حين تضع حجاب صلاتها على رأسها، أو حين تسجد، أو حين تركع، وهذا إذا استطاعت أن تمكن جبينها من الأرض. فلنتقي الله يا أخواتي من أن نقف بين يديه أن يأخذنا بغتة فلا نستطيع بعد الصلاة صلاة. وإذا أدركتك الصلاة وأنتِ على هذه الحال السالفة، فلا تتكاسلي عن خلع ما يضايقكِ واستبداله بما يريحك واحتسبي الأجر من الله – ولا يزين لك الشيطان وأنت على هذه الحالة فتقولين أتحمل خمس دقائق وأصلي، ثم تصلين صلاة كصلاة الخائف. واعلمي أنك لو أرغمت نفسكِ على نبذ ما لا يريحكِ عند الصلاة - مهما كلفكِ - ولو مرة واحدة لسهل عليكِ الأمر، وعرفتِ كيف أن الصلاة تحتاج منكِ إلى استعداد. ثالثاً: الاستعداد بإحكام ستر العورة:

إن من شروط صحة صلاتك أختي، ستر عورتك في الصلاة، وهي جميع جسدك عدا الوجهوالكفين إذا لم يكن بحضرة رجال أجانب. وقد تقولين ما علاقة ذلك بالخشوع؟ والجواب هو: أن ستر العورة سترًا تاماً بإحكام يهيئ لك وضع كل عضو في مكانه أثناء الصلاة، لأنك إذا لم تحكمي ستر العورة فإنه قد يسقط خمارك أو يوشك فتنشغلين بإصلاحه الحين والحين، وقد يفوت عليك ذلك بعض السنن في الصلاة كرفع اليدين عند التكبير أو الرفع من الركوع أو وضع اليدين على الفخذين عند التشهد أوغير ذلك، وأنتِ مع هذا قد تذهبين بعض الطمأنينة التي لا تصح الصلاة إلا بها، وهي مطلوبة في جميع الأركان. أو قد تتعجلين إنهاء الصلاة خشية أن تنكشف عورتك بظهور بعض شعركِ، فتسلمين قبل أن تدعي، وأي خشوع سيكون وأي حضور قلب وأنت لاهية في شيء آخر. رابعاً: الاستعداد بإبعاد كل ما يشغلك سواء كان أمامك أو تلبسينه أو تسجدين عليه: وذلك بأن تختاري مكانًا هادئاً قليل الأثاث والزخارف، فلا تصلي أمام جدار مزخرف بالديكور والألوان. كذا البقعة التي تصلين عليها ينبغي لك إذا أردت الخشوع أن تصلي على بقعة خالية من الزخارف والألوان، فما أحدثه الناس اليوم من الصلاة على سجاجيد ملونة يرسم عليها الكعبة أو غيرها من الصور أمر مخالف للسنة. فالسنة عدم الصلاة على ما به ألوان وأعلام ونقوش كما ورد في الحديث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلّى في خميصة لها أعلام فنظر في أعلامها نظرة، فلما انصرف قال: " اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وأتوني بأنبجانيته، فإنها ألهتني آنفًا عن صلاتي " (¬1) . ¬

_ (¬1) متفق عليه وهو مخرج في الإرواء (376) . والخميصة هي ثوب خز أو صوف مُعْلَم من لباس الناس قديمًا وجمعها الخمائص. النهاية 2/81. والانبجانية، كساء أنبجاني منسوب إلى منبج المدينة المعروفة وهي كساء يتخذ من الصوف وله خمل ولا علم له. النهاية 1/83.

أما إذا كنتِ تعلمين بنجاسة الأرض التي تصلين عليها فعليكِ أن تضعي عليها شيئًا تصلين عليه سواء كان سجادة أو غيرها، فإنه قد ثبت أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- صلى على خُمرة (¬1) . ولكن لم يكن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يدوام الصلاة عليه، بل ثبت عنه أنه قال: ما أدركتكِ الصلاة فصلِّ فهو مسجد (¬2) ، وثبت عنه أيضًا إباحة الصلاة في مرابض الغنم وفي المقبرة إذا نبشت. وروى عنه أنس بن مالك أنه قال: لما قدم رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فكان يصلي حيث أدركته الصلاة، فيصلي في مرابض الغنم، ثم أمر بالمسجد قال: " فأرسل إلى ملأ من بني النجار فجاؤوا، فقال: " يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا، فقالوا: لا والله ما نطلب ثمنه إلا من الله "، قال أنس: فيه قبور المشركين وكان فيه خرب، وكان فيه نخل، وقال: فأمر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- " بقبور المشركين فنبشت وبالخرب فسويت, وبالنخل فقطع "، قال: " فصفوا النخل قبلة المسجد واجعلوا عضادّيته حجارة ' (¬3) . وأحاديث إباحة الصلاة في أي بقعة من الأرض عامة , يخص منها – أي من عمومها – أحاديث النهي عن الصلاة في المقابر والحمام، ومعاطن الإبل وخلف المقبرة (¬4) . وعليكِ أخيتي أن تنتبهي لهذا الأمر وتتبعي سنة محمد –صلى الله عليه وسلم- وتنتهي عما نهاك عنه ففي ذلك خير الدنيا والآخرة. ¬

_ (¬1) رواه مسلم كتاب المساجد، 27، وابن خزيمة باب الصلاة على الخمرة 2/104، والخمرة هي مقدار ما يضع الرجل عليه وجهه في سجوده من حصير أو نسيجة خوص ونحوه من النبات، النهاية 2/77. (¬2) رواه مسلم 27، وابن خزيمة باب ذكر أخبار رويت عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في إباحة الصلاة على الأرض كلها بلفظ عام مراده خاص. (¬3) رواه مسلم كتاب المساجد9، وابن خزيمة انظر: 2/5. (¬4) انظري ابن خزيمة 2/726.

وإذا كنتِ بمجلس من المجالس وفرشت لك سجادة لتصلي عليها – وفيها نقوش- فلا يمنعك الحياء من رفعها والصلاة على الأرض ما دامت طاهرة، وبذلك تكونين قد أحييت سنة وأمتِ بدعة. خامساً: الاستعداد باختيار مكان معتدل الحرارة وتجنب الصلاة في المكان الحار: إنك أخيتي إذا أردت النوم أو الأكل أو استقبال الضيوف فإنك تبحثين عن المكان المعتدل الحرارة، وتبذلين الجهد لتبريده في الحر، ولتدفئته في البرد، لتؤمني لنفسك الاستمتاع بالأكل والنوم وغيره. إلا أنك إذا أردت أداء الصلاة فإنك أحياناً لا تبالين بأن تصلي في أي مكان، ولسان حالك يقول: خمس دقائق أتحمل فيها الحر، ولا تستحق إعمال المكيف أو البحث عن مكان بارد أصلي فيه. وأنت بذلك قد تتحملين ولكن على حساب خشوعك! فأي استيعاب للركوع أو السجود؟ بل أي استيعاب للقراءة سيكون؟ وكأن الصلاة حركات فرض عليك عملها، تؤدينها لتخليص ضميرك، فأنت تؤدين الصلاة لترتاحي منها، لا لترتاحي بها. واعلمي _أخيتي _أننا في هذا الزمان زمان البيوت التي تحتفظ بالحرارة – وزمان المكيفات – وزمان التحمل وعدم الاعتياد على الحر يذهب خشوعنا أكثر ممن سبقنا من الذين لم يعتادوا على المكيفات، والذين يتحملون الصيام في الصيف مع شدة الحرارة، ومع ذلك فإن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قد نهاهم عن الصلاة في شدة الحرارة؟ لعلمه بذهاب الخشوع وقلة استحضار القلب في هذه الحال، وذلك بقوله: " أبردوا بالظهر " (¬1) . وحكمة هذه الرخصة - كما قال الإمام ابن القيم: (أن الصلاة في شدة الحر تمنع صاحبها من الخشوع والحضور، ويفعل العبادة بتكره وتضجر، فمن حكمة الشارع –صلى الله عليه وسلم- أن أمرهم بتأخيرها حتى ينكسر الحر، فيصلي العبد بقلب حاضر، ويحصل له مقصود الصلاة من الخشوع والإقبال على الله – تعالى-) (¬2) . سادساً: الاستعداد للصلاة في المكان البعيد عن الإزعاج والضوضاء: ¬

_ (¬1) صحيح الجامع. (¬2) الوابل الصيب ص 16.

إن المصلي إذا كان بحضرة أناس يتكلمون، قد لا يحضر قلبه ولا يعقل صلاته، فيكون مشغول القلب مشغول العقل، وقد يسمع كلامًا يخصه فيصغي له، وهنا لا يعقل كم صلى ولا ما قرأ ولا بماذا دعا، وإذا عقل ذلك فإنه بالتأكيد محال أن يكون خشع في صلاته تلك. فاختاري أختاه لنفسك مكانًا هادئاً! بعيدًا عن الإزعاج ما استطعت إلى ذلك سبيلاً. ولأجل الخشوع في الصلاة نهى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عن التشويش على المصلي فقال: " إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه به، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن " (¬1) . فهذا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ينهى عن الجهر بالقراءة لأجل عدم التشويش على المصلي وحفظ الخشوع له. فإذا أردتِ أختاه الصلاة بحضور قلب وخشوع؛ فالتمسي أقصى مكان في بيتك وأبعده عن الضجة وحضور الناس ورؤياهم وذلك أفضل فإن أم حميد – رضي الله عنها روت أنها جاءت النبي –صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله! إني أحب الصلاة معك؟ قال: " قد علمت أنكِ تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي ". ¬

_ (¬1) قال الألباني: رواه مالك والبخاري في خلق أفعال العباد وسنده صحيح، صفة الصلاة 815.

فأمرت – أم حميد – فبني لها مسجدٌ في أقصى شيء من بيتها وأظلمه "وكانت تصلى فيه حتى لقيت الله – عز وجل –" (¬1) . سابعاً: الاستعداد للصلاة بتفريغ قلبك من كل شغل: اعلمي أخيتي أن القلب يشتغل بأمور كثيرة ما بين هم وخوف وحزن وفرح وغيره، فإذا أردت الإقبال على الصلاة فاستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، استعاذة قلب لا استعاذة لسان، فإن وجدت من نفسك إقبالاً على الصلاة بقلب غافل مشغول فاقرئي آيات من القرآن لم يسبق لك حفظها، وألزمي نفسك أن تقرئيها في الصلاة، حتى وإن كانت هذه الآيات قصيرة كأن تكون آيتين أو ثلاث وذلك فيه إشغال لك عن همك بالحفظ قبل الصلاة، وإشغال لك عن همك بتذكر الآيات في الصلاة، وحينئذ تجدين نفسك قد أقبلت على الصلاة وانشغلت بها. وإن لم تستطيعي ذلك لعسر حفظك أو لشدة غفلتك أو لشدة شغلك بهمك فعليك قراءة حديث من أحاديث الترغيب والترهيب -كأحاديث البعث أو الحساب أو النفخ في الصور أو غيرها – تجعلك تخافين الله وتشتغلين بما هو أعظم فتقبلين على الصلاة بقلب خاشع. ¬

_ (¬1) رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما، وبوب عليه ابن خزيمة اختيار صلاة المرأة في حجرتها على صلاتها في دارها وصلاتها في مسجد قومها على صلاتها في مسجد النبي –صلى الله عليه وسلم- وإن كانت صلاة في مسجد النبي –صلى الله عليه وسلم- تعدل ألف صلاة في غيره من المساجد. والدليل على أن قول النبي –صلى الله عليه وسلم- صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد، " إنما أراد به صلاة الرجل دون صلاة النساء". وعلق عليه الشيخ الألباني، ورد بأن الفضل عام إلا أن المرأة في بيتها أفضل. انظري صحيح الترغيب1/135 وصحيح ابن خزيمة 3/94. وعلى أي حال فصلاة المرأة في بيتها أفضل، فما بال النساء وأخص القارئات أصبحن يكثرن من الذهاب إلى المساجد في صلاة التراويح بل وللأسف يتنقلن فيها وينتقين الأئمة الأحسن أصواتًا.

وإن لم تنتفعي بذلك فاقرئي من سيرة الصالحين في صلاتهم مما يشحذ همتك ويدفعك للاقتداء بهم، - وأبشري فإنك إذا فعلت ذلك راغبة في الخشوع لله والخضوع له ومدافعة الشيطان، فإن الله سبحانه سيعطيك مرادك وسيقترب منك أكثر مما تقتربين منه. كما ورد في الحديث القدسي عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه قال: " يقول الله - تعالى -: " أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إليَّ شبرًا، تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرب إليَّ ذراعًا تقربت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة " (¬1) . وسيؤتيكِ الله أكثر مما رجوتِ وأعظم وأفضل مما ابتغيت. ثامناً: الاستعداد للصلاة بانتظارها: إن انتظار الصلاة كما يكون في المساجد يكون لك -أخيتي- في بيتك، فإذا فرغت من عملك ولم يكن عليك واجب لزوجك أو أهلك يشغلك فعليك إذا قارب وقت الصلاة أن تتوضئي وتجلسي في مصلاك تنتظرين الصلاة، تسبحين وتستغفرين وتهللين وتذكرين الله وتستاكين حتى يؤذن المؤذن، فإذا أذن وقلت ما يقول تسألين الله لنبيه الوسيلة ثم ما شاء الله لك من الدعاء، وأنت بهذا تفوزين بخير كثير، دعاء الملائكة لك بالمغفرة والرحمة، ويكتب لك أجر الصلاة ما دام هذا حالك حتى تنصرفي أو تحدثي. وهذا الفعل مدعاة للخشوع، حيث يأنس القلب بذكر الله ويستنير بنوره، وفعل ذلك أجره عظيم بل هو كالرباط في سبيل الله. ¬

_ (¬1) رواه أحمد والبيهقي والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة وانظري سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم 101.

وإذا كنتِ قد فعلت فاحرصي أن تحفظي في انتظارك للصلاة آيات من القرآن الكريم تكون لك عونًا على الخشوع في الصلاة التي ستؤدينها، واعلمي أنك إذا قدمت على الصلاة فإن قلبك يكون معلقاً بآخر شيء تركتيه أو كنت عليه قبل الصلاة، فإذا كان آخر شيء كنت عليه قبل الصلاة ذكر الله والتعلق به فسيكون قلبك معلقًا في الصلاة بالله،. وكيف لا يخشع قلب معلق بالله وهو يقف بين يديه. وأما إذا نهتكِ نفسكِ وأبت أن تجلس للصلاة، ولم يكن لديك عمل يشغلك فأرغميها على الانتظار وجاهديها حتى تقبل راغمة، فإن أقبلت اليوم راغمة فستقبل غدًا راغبة والله يقول: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت: 69] . واستعيني على مجاهدة النفس بتذكيرها بفضل انتظار الصلاة الذي جاء في الحديث:" لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلاه ينتظر الصلاة، والملائكة تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، حتى ينصرف أو يحدث " قيل: ما يحدث؟ قال: " يفسو أو يضرط " (¬1) . "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويكفر به الذنوب؟ قالوا: بلى يا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: إسباغ الوضوء على المكروهات، وكثرة الخُطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط " (¬2) . تاسعاً: الاستعداد للصلاة بالنظر في حاجة جسمك الشاغلة لك وبقضائها قبل الشروع في الصلاة: إن الجسد له متطلبات، فالجوع يتطلب الأكل، والعطش يتطلب الشرب، والحقن والحقب يتطلب التخلي وإزالة الأذى، وليس شيء أشد إزعاجا للمصلي من مدافعة ذلك، فإذا وقع به شغله فإما أن يقطع صلاته أو يتمها بعجلة وألم، فيكون آذى نفسه ولم يُتقِن صلاته. ¬

_ (¬1) رواه مسلم وأبو داود وهو مخرج في صحيح الترغيب والترهيب 1/179. (¬2) رواه ابن حبان في صحيحه، قال الألباني صحيح، وهو مخرج في صحيح الترغيب والترهيب 1/181.

ولهذا عدّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من صلى وهذا حاله لم يصلِ حيث قال: " لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافع الأخبثين " (¬1) . وأحذري أخيتي الشيطان فإنه يزين لك الصلاة بهذه الحال ليفوت عليك الخشوع، وذلك بأن يخوفك فوات الوقت تارة، ويخوفك إعادة الوضوء تارة أخرى. وأنتِ بين هذا وذاك تستسلمين للشيطان، وتكبرين وأنت تقولين ليست حاجتي ماسة، فإذا كبرت وألحت عليك حاجتك فلن تستطيعي دفعًا ولا صبرًا بل ستعجلين في صلاتك مفوتة الاطمئنان وهو من الأركان، والخشوع وهو لب الصلاة والمقصود منها، ولو أنك إذا رأيت من نفسك هذه العجلة في الصلاة وعدم الاطمئنان ألزمت نفسك إعادة الصلاة لتعلمت أن الصلاة التي يكون هذا شأنها ستعاد فتتركين الصلاة مع الحاجة، وتصلين بعد قضاء حاجتك بخشوع واطمئنان. وسأنصحك بما يفيدك في التغلب على نفسك حين كسلها عن إعادة الوضوء والمبادرة للصلاة قبل انتقاض الوضوء. أولاً: تذكري أنك إذا صليت بهذا الحال فكأنما لم تصل وأنك ستعيدين الصلاة, وذلك لما ورد في الحديث المتقدم "لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافع الأخبثين". ثانيًا: عودي نفسك الوضوء بعد كل حدث. وفائدة ذلك إصابة السنة أولاً وقطع التحسر على وضوئك ثانيًا، فإنك إذا علمت أنك متوضئة بعد الحدث لا محالة سواء أردت الصلاة أم لا فإنك لن تهتمي بنقض الوضوء ولن تتحسر نفسك على وضوئك. وبذلك يزول من نفسك دافع اغتنام فرصة كونك على وضوء. ثالثًا: باستحضار الأحاديث المرغبة في الوضوء وكثرته وإسباغه. وأرجو أن تسألي الله بعد هذا كله بأن يمنَّ عليكِ بالخشوع بين يديه، فهي منَّة عظيمة من نالها نال السعادة والراحة والهناء. فإذا خرج العبد من صلاته التي قد خشع فيها فكأنما خرج من نهر قد اغتسل فيه من جميع أدرانه. والله المستعان. ¬

_ (¬1) رواه مسلم وأحمد وغيرهما وأخرجه الألباني في الإرواء رقم 550.

أثناء الصلاة

أثناء الصلاة أول ما يبدأ به المصلي استقبال القبلة والدنو من السترة حتى لا يكون بينه وبينها سوى ثلاثة أذرع حال قيامه (¬1) وممر شاة حال سجوده (¬2) - ثم يكبر تكبيرة الإحرام. أما كيفيه الخشوع بتكبيرة الإحرام فإن عليكِ أيتها المصلية أن ترفعي يديك حذو منكبيكِ أو حِيال أذنيكِ متوجهة بباطن الكفين إلى القبلة ممدودة الأصابع ضامة لها- وتشعرين وأنت بهذه الحال بالاستسلام التام لرب العباد, وتخيلي لو أن أحدًا أراد منك أن تذعني له وتستسلمي، فأمرك برفع يديك ومدها، لارتعدت مفاصلك خوفًا من بطشه بكِ، وهو بشر مثلك، فكيف بمن بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه - سبحانه - وكيف بمن الأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه، يأمرك بأن تستسلمي وتقفي بين يديه؛ ذلاً وخضوعًا له، رافعة يديك معلنة التسليم التام له، متخلية عن كل شيء في يديك تملكينه، فالأمر أعظم من أن تستمسكي بشيء من أمور الدنيا فهذا وقوف بين يدي من بيده كل شيء. كيف يمر عليك التكبير والحال هكذا بسهولة!! ويذهب معنى التكبير ومراده من نفسك وتبقى حركته وإشارة اليدين به، أو ليس الله بقادر على أن يأخذك بغتة أتأمنين ذلك؟ إذا عانق الخيال مثل هذه المعاني وأنت ترفعين يديك لتكبيرة الإحرام، فإن الخشوع سيمتلك قلبك والخضوع سيسطر على جوارحك ولن تنفكي من أن تنطقي تكبيرة من فؤادك معلنة البراءة من كل شيء فالله عندك أكبر من كل شيء.. ¬

_ (¬1) قال النووي: " قال أصحابنا ينبغي له أن يدنو من السترة ولا يزيد ما بينهما على ثلاث أذرع فإن لم يجد عصا ونحوها جمع أحجارا أو ترابا أو متاعه ... " 4/217 (¬2) أخرجه مسلم في الصلاة / باب بيان سترة المصلي 4/225،، وابن خزيمة في الصلاة/ باب الدنو من المصلى 2/11 من حديث سهل بن سعد قال: " كان بين مصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين الجدار قدر ممر الشاة"

ولم يأمرك بالتكبير والاستسلام إلا ليعلم تسليمك وموافقتك على بيع الدنيا الزائلة بالآخرة الباقية. فله الحمد ما أعظمه وله الحمد ما أكرمه، وحريُّ بنا أن نستسلم راغبين فرحين مغتبطين. ثم يحلق العقل في ملكوت الله وبينما هو كذلك إذ تنطلق كلمة التسبيح والحمد لمن هذا شأنه، فتقولين: " سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك". وأنت في قيامك هذا تقفين موقف الذليل الخاضع تضعين يدك اليمنى على اليسرى على صدرك بكل استكانة لمن أوقفك هذا الموقف، وسيوقفك الموقف الرهيب يوم القيامة تنظرين موضع سجودكِ بكل إطراق وتفكر فيما ترددين من الألفاظ مقتدية بنبيكِ محمد –صلى الله عليه وسلم- الذي كان: " إذا صلى طأطأ رأٍسه ورمى ببصره نحو الأرض " (¬1) تخشين أن ينصرف الله عنك وتستحضرين قوله –صلى الله عليه وسلم-: "إذا صليتم فلا تلتفتوا؛ فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت" (¬2) وقوله: "لا يزال الله مقبلاً على عبده في صلاته ما لم يلتفت، فإذا صرف وجهه انصرف عنه" (¬3) . ¬

_ (¬1) حديث صحيح انظري صفة الصلاة للألباني حيث خرجه ص 69. (¬2) رواه الترمذي والحاكم وصححاه، انظري صفة الصلاة للألباني ص 70 وصحيح الترغيب رقم 553. (¬3) رواه أبو داود وغيره وصححه ابن خزيمة وابن حبان، انظري صفة الصلاة ص 70 وصحيح الترغيب رقم 555.

وتخيلي أنك ترددين هذه الكلمات بين يدي الله يوم القيامة واقفة بين يديه، والكل ينظر إليكِ ليعلم أي منقلب وإلى أي دار تصيرين، وإذا بك تسبحين الله تنزيهًا له عن كل نقيصة , وتحمدينه على كل نعمة وأعظم نعمة هي نعمة الإيمان الذي أوقفك هذا الموقف بين يديه لتنالي رضاه وتفوزي بجناته, ثم تقرين وتعترفين أن كل ما ذكر اسم الله عليه أو فيه تبارك اسمه , وذلك لبركة اسمه، فهذه صلاتك تبدأ بذكر الله فإذا بها يتبارك ثوابها فتكون الحسنة بعشر أمثالها وتكون عن عشر صلوات، فأي بركة بعد هذه البركة، وإذا قلت: وتعالى جدك أيقنت أن الله – سبحانه – عالٍ مقامه مستغن بنفسه عن عباده وخلقه. فإذا تذكرتِ أن الله يأبى الشرك وهو أغنى الشركاء عن الشرك، سارعتِ القول: ولا إله غيرك. فأي كلمات أبلغ من هذه الكلمات في مثل هذا المقام وصلى الله وسلم علي من قال:" إن أحب الكلام إلى الله أن يقول العبد سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك" (¬1) . ولما كان القلب يقسو حينما يألف ما اعتاد عليه ولا يتأثر به لم يكن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يكتفي بهذا الاستفتاح فقد كان يستفتح الصلاة باستفتاحات متعددة. فإذا وجدت من نفسك اعتياداً على هذا الاستفتاح حتى أصبحت تقولينه ولا تشعرين إلا بانتهائه لقوة حفظك له، فلا تستشعرين قوله ولا معناه، وبالتالي تضيعين جزءاً من الصلاة بلا خشوع فعليك باستبداله بغيره من أدعية الاستفتاح، وذلك كقوله: " اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد " وكان يقوله في الفرض (¬2) . ¬

_ (¬1) رواه أبو داود والطحاوي، قال الألباني: بإسناده حسن انظري صفة الصلاة ص 74. (¬2) روا أبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي انظري صفة الصلاة ص 72.

وتخيلي وأنتِ ترددين هذا الدعاء أنك تقفين بين يدي الله – سبحانه – وقد جمعت خطاياك منذ كلفتِ حتى متِ فإذا بها تبلغ زبد البحر، فإذا اليد تشهد، وإذا الرجل تشهد، وإذا اللسان يشهد، وإذا الجلد يشهد بما فعلت واكتسبت وأنت تنظرين للنار وتنظرين للخطايا وتتوقعين أنها سائقتك إلى النار , لا محالة، فتستغيثين بالله وتلجئين إليه فارة من ذنوبك تقولين بلهف وشفقة: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب". وهذا أقصى حد للبعد تعرفينه! ولا تكتفين بذلك بل تلحين في الدعاء وتقولين: "اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس"، وذلك خشية أن لا يكفيك بُعدً الذنوب عنك وخشية أن يدركك من ذلك شيء لعلمك بكثرتها. وإنما اختير الثوب الأبيض دون غيره؛ لأن نقاء الأبيض الظاهر لا يكون إلا بالنقاء الحقيقي باطنًا، أما الألوان الأخرى فقد يظهر نقاؤها وهي في الحقيقة تحتفظ بشيء من الدنس في باطنها. ثم لا تكتفين بذلك بل تطلبين النقاء التام فتسألين الله أن يطهرك بالغسل بالماء والثلج والبرد. تخيلي نفسك تلحين بهذا الدعاء يوم القيامة، فإذا تخيلت ذلك وأنت تقرئينه في الصلاة فستخشعين بلا ريب. فإذا اعتادت نفسك هذا الدعاء وهذا الاستفتاح فاستبدليه بغيره كقوله: " الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرة وأصيلاً " (¬1) . وإذا قرأت هذا الاستفتاح فتذكري أن أبواب السماء تفتح له – كما ورد في الحديث أن رجلاً من الصحابة استفتح بها فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "عجبت لها فتحت لها أبواب السماء " (¬2) . ¬

_ (¬1) رواه مسلم وأبو عوانه، انظري صفة الصلاة ص 74. (¬2) رواه مسلم وأبو عوانه، انظري صفة الصلاة ص 74.

وأبواب السماء التي لا تفتح إلا للملائكة الأبرار والمؤمنين الأخيار تفتح لكلمات قلتيها في صلاتك. سبحان الله.. أبواب السماء بعظمتها تفتح بكلمات يقولها العبد في صلاته، كيف تعلمين أن أبوابًا تفتح بكلمات تقولينها ويبدو لك الكنز العظيم، فتتركين استغلال الفرصة بصعود كلمات أخرى تسألين الله فيها خير الدنيا والآخرة، فليست تفتح أبواب السماء لكل كلمة وليست تفتح لأي أحد قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ) [الأعراف: 40] . فالأمر ليس بالهين فكم مَِلك لا تفتح له أبواب السماء، وكم غني لا تفتح له أبواب السماء، وأنتِ تفتح لكِ بكلمات، ولكن لا بد من الإخلاص في هذه الكلمات، لا بد أن تخرج من قلب واعٍ، صادق مؤمن. وإن وجدت من نفسك اعتيادًا على هذه الاستفتاحات فاستبدليها بغيرها مما ورد في السنة الصحيحة أسوقها إليك هنا ليسهل عليكِ استحضارها وقت الصلاة وحفظها. "وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا [مسلمًا] ، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ,لا شريك له, وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين، اللهم أنت الملك, لا إله إلا أنت [سبحانك وبحمدك] أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنبي جميعًا إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك [والمهدي من هديت] أنا بك وإليك [لا منجا ولا ملجأ منك إلا إليك] تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك " (¬1) . ¬

_ (¬1) رواه النسائي قال الألباني بسند صحيح صفة الصلاة ص 73.

"اللهم لك الحمد، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن، [ولك الحمد، أنت ملك السموات والأرض ومن فيهن] ولك الحمد، أنت الحق، ووعدك الحق، وقولك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، والنبيون حق، ومحمد حق، اللهم لك أسلمت، وعليك توكلت، وبك آمنت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، [أنت ربنا وإليك المصير، فاغفر لي ما قدمت، وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت] ، [وما أنت أعلم به مني] ، أنت المقدم وأنت المؤخر، [أنت إلهي] لا إله إلا أنت " (¬1) . " اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل, فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة, أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراطك المستقيم" (¬2) . ثم استعيذي بالله من الشيطان الرجيم مستحضرة معنى الاستعاذة، وهو اللجوء إلى الله والاعتصام به، فأنتِ تريدين الخشوع في صلاتك والشيطان يتربص لك، ليوسوس لك، فإذا أردت النجاة من الشيطان ووسوسته فالجائي إلى الله فهو يكفيك، وتأكدي من أن الله كافيك ما دمت قلت ذلك مؤمنة موقنة بقدرة الله وغلبته وملكوته. والصيغة التي يسن لك أن تستعيذي بها هي "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه " (¬3) . وكان أحيانًا يستعيذ بقوله: " أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه " (¬4) . ¬

_ (¬1) رواه البخاري ومسلم وأبو عوانة وأبو داود وابن نصر والدارمي، خرجه الألباني في صفة الصلاة ص 75، وما بين القوسين زيادة من بعض الروايات تنسجم معه وهي عن صحابي واحد راجعي مقدمة صفة الصلاة. (¬2) رواه مسلم وأبو عوانه صفة الصلاة ص 76 كما أن هناك غيرها من الاستفتاحات. (¬3) صحيح. قاله الألباني، وهو مخرج في إرواء الغليل رقم 342. (¬4) صحيح. قاله الألباني، وهو مخرج في إرواء الغليل رقم 342.

ثم سمي الله قائلة "بسم الله الرحمن الرحيم" ومرادك بذلك أنك تبدئين صلاتك باسم الله، وتثنين بالثناء عليه بصفاته التي تليق بجلاله. وكل ذلك تقولينه في سرك – الاستفتاح والاستعاذة والبسملة. ثم تبدئين قراءة سورة الفاتحة بتلاوة حسنة تحسنين صوتك بها، وتخشعين فيها. والطريق إلى الخشوع فيها بأمور: * قراءتها آيةً آية. أي تقرئين آية ثم تسكتين ثم تقرئين الآية التي بعدها، وذلك اقتداء برسولنا محمد –صلى الله عليه وسلم-. استشعري وأنت تقرئين كل آية أنك تخاطبين الله سبحانه ويرد عليك كل آية. فإذا قلت "الحمد لله رب العالمين"، قال الله تعالى: "حمدني عبدي "، وإذا قلت الرحمن الرحيم: قال الله تعالى " أثنى علي عبدي "، وإذا قلت: مالك يوم الدين، قال الله تعالى: "مجدني عبدي"، وإذا قلت: إياك نعبد وإياك نستعين، قال الله تعالى: " هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل "، وإذا قلت اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال الله تعالى: " هذا لعبدي ولعبدي ما سأل " (¬1) . وأنت في قراءتك للفاتحة تسكتين وتستحضرين الرد في كل آية فتكونين بذلك مشغولة الذهن. بما يزيدك خشوعًا وطمأنينة. واحرصي على التأمين بقولك آمين بعد قراءة الفاتحة, فإن معناها اللهم استجب. وإذا كنت في جماعة وأمنت عند تأمين الإمام فوافق تأمنيك تأمين الملائكة غفر لك ما تقدم من ذنبك. وقد ورد في ذلك الحديث الصحيح المتفق عليه: " إذا قال أحدكم في الصلاة " آمين " والملائكة في السماء تقول " آمين " فوافق أحدهما الآخر – غفر له ما تقدم من ذنبه ". ثم اقرئي بعد الفاتحة سورة أو آيات بحسب ما يتيسر لكِ وإذا أردت تحقيق الخشوع في صلاتك، فإن أهم ما يمكنك من الخشوع ويزيدك استشعارًا به قراءتك في قيامك، واجتهدي أن تفعلي ما يلي: ¬

_ (¬1) رواه مسلم وغيره انظري صفة الصلاة ص 78.

أن تراعي حالك قبل الصلاة، فإن كنت مهمومة قلقة فاقرئي آيات تفيدك بمعنى تفريج الله لعبده الصابر، وإن كنت حزينة على دنيا فاتتك فاقرئي ما يزهدك فيها، ويصور لك سرعة زوالها، وإن كنت تشعرين بالملل من الحياة وأنت مع ذلك تقصرين في أداء واجباتك فاقرئي ما يحثك على السعي والكسب، وإن كنت خائفة من تقصيرك وتخشين اليأس فاقرئي آيات رحمة الله وتوسعته على عبده بالعفو عنه، وإن كنت في حال مواساة في فقر أو لديك ميت حبيب لك قريب منك فاقرئي آيات نعيم الجنة ووصفها، وهكذا. وأنت في ذلك تحرصين على القراءة المرتلة تقفين عند كل آية، فإن كانت آية رحمة ونعيم سألت الله من رحمته، وإن كانت آية عذاب استعذت بالله منها وإن كانت صفة من صفات الله سبحته، وكبرته، وإن كانت آية نعمة من نعم الله منَّ بها على عباده حمدته على ذلك، وهكذا كانت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد كان إذا قرأ (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) [القيامة: 40] قال: "سبحانك فبلى"، وإذا قرأ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) [الأعلى: 1] قال: "سبحانك ربي الأعلى" (¬1) . وقد كانت قراءته –صلى الله عليه وسلم- ترتيلا لا هذّاً ولا عجلة، بل قراءة مفسرة حرفاً حرفًا (¬2) . حتى "كان يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها" (¬3) . كما عليك أن تحسني صوتك بالقرآن فإن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: " زينوا القرآن بأصواتكم [فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنًا] " (¬4) . ¬

_ (¬1) رواه أبو داود والبيهقي بسند صحيح، قاله الألباني. صفة الصلاة ص 86. (¬2) رواه ابن المبارك في الزهد، وأبو داود وأحمد بسند صحيح، قاله الألباني، صفة الصلاة ص 105. (¬3) رواه مالك ومسلم. (¬4) رواه البخاري تعليقًا، وأبو داود والدارمي، والحاكم، وتمام الرازي بسندين صحيحين، قاله الألباني صفة الصلاة ص 106.

واعلمي أن حسن الصوت بالقرآن ليس هو تلك النغمات التي قد تُخرج القرآن عن معناه كالمد في غير موضع المد، أو زيادة الغنة للحرف أكثر من حقه، وإنما حسن الصوت هو خفض الصوت في مواضع الخوف والبكاء والتباكي، وإظهار معنى الآيات بحيث يشد السامع للآيات كأنما يخاطب هو بها، وقد قال –صلى الله عليه وسلم-: " إن من أحسن الناس أصواتًا بالقرآن الذي إذا سمعتموه يقرأ حسبتموه يخشى الله " (¬1) . والحرص في المد في مواضعه يزيد القراءة حسنًا وكانت قراءة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- مدًا. (¬2) واحرصي أن تطيلي في هذه القراءة بقدر ما تستطيعين، وذلك ليرق قلبك وتزدادين خشوعًا، كما أن طول القراءة وطل القيام أفضل الصلاة، وقد قال –صلى الله عليه وسلم-: " أفضل الصلاة طول القيام " (¬3) . عليك بتفهم ما تقرئي، فما دعاك الله لفعله تعزمين على فعله والمسارعة إليه، وما دعاك لتركه ونهاك عنه, تعزمين على تركه والبعد عنه، وهذا هو التدبر الذي أمر الله به حيث قال: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد: 24] وقال: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا) [النساء: 82] ¬

_ (¬1) قال الألباني: حديث صحيح رواه ابن المبارك في الزهد، (1/162) من الكواكب 575 والدارمي، وابن نصر والطبراني وأبو نعيم في أخبار أصبها والضياء في المختارة، انظري صفة الصلاة 106. (¬2) عن قتادة قال: " سئل أنس كيف كانت قراءة النبي –صلى الله عليه وسلم- فقال كانت مدا ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد ببسم الله ويمد بالرحمن ويمد بالرحيم" رواه البخاري قال في المرقاة: "والمراد أنه كان يمد ما كان في كلامه من حروف المد واللين بالقدر المعروف وبالشرط المعلوم عند أرباب الوقوف" (¬3) رواه مسلم والطحاوي.

واعلمي أنك إذا أردت الخشوع في الصلاة فعليك بإزالة الأقفال التي على قلبك، إذا أردت إزالة هذه الأقفال، فإنها لا تُزال إلا بالتدبر لآيات الله. ورحم الله الحارث المحاسبي إذا يقول: " وليكن الأصل الذي تطالب من نفسك من الفهم إعظام الله – سبحانه- في قلبك وإجلاله، فإذا قرأت آية فيها تعظيم له أو تنزيه له أو خبر عمن كذب عليه فإن استطعت أن تموت فمت، ورُوي عن إبراهيم النخعي أنه كان إذا مرَّ بمثل قوله تعالى: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ) [المؤمنون: 91] خفض بها صوته تنزيهًا وخضوعًا للباري – تعالى – من كل شيء، ذلك لأن قلب المصلي منير بالصلاة يزداد بها بصائر. والذي يصلي ويفهم ما يقرأ ليعرف خطأه وصوابه وعيوبه ونعم الله عليه وكيف شكره وكيف خوفه وحزنه على دينه لأنه يتلو الدلائل على ذلك كله والداعي إليه. وينبغي أن يخاف أن يكون ممقوتًا إذ يجد نفسه مخالفة لأشياء من الطاعات وعاملة لأشياء من المعاصي قد اشتبهت عليه، أو ناسيًا الرحمة إذ لا بد أن يكون قد عمل طاعة قد منَّ الله – عز وجل – بها فيشكره عليها، فكفى للنفس زجرًا تفهمها لما تتلو وتفكرها فيه. قال الحسن: " من أحب أن ينظر من هو فليعرض على نفسه القرآن ". والمرتل في صلاته مع ما يناله من الرقة وصلاح قلبه لن يخلو من فائدة تلاوته إما معنى تنبه له عقله، أو علم يفيده أو بصيرة في دينه، ولن يخلو من حجة له أو عليه.... " (¬1) . *إن الصلاة فرصة لتعلم القرآن وحفظه حيث حثنا على ذلك رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقال: "تعلموا كتاب الله وتعاهدوه واقتنوه، وتغنوا به، فوالذي نفسي بيده، لهو أشد تفلتًا من المخاض في العقل (¬2) . ¬

_ (¬1) فهم الصلاة ص 57. (¬2) رواه الدارمي وأحمد بسند صحيح، قاله الألباني في صفة الصلاة ص 106، والمخاض الإبل، والعقل: الحبل الذي يربط به البعير.

ولكي تحوزي الخشوع في الصلاة أقول لكِ: ((إياك أن تجعلي قراءتك للآيات مقصورة على قصار السور طوال عمرك, وأنت قادرة على الحفظ فإن الحفظ يورث من الخشوع مالا يوصف وذلك أنك إذا حرصتِ على قراءة جديدة من حفظكِ في صلاتكِ، فإنه سيكون لصلاتكِ في نفسكِ أثر آخر، وذلك أنكِ ستشعرين بمغالبة نفسك وشد ذهنك إلى ما حفظته حديثًا, لأنك لا تستطيعين استحضاره بدون ذهن مركز على التذكر, وفي ذلك تستطيعين بكل سهوله التخلص من التفكير في غير الصلاة. أما ما حفظته من قصار السور واعتاد عليه لسانك فإنك تستطيعين قراءته بكل سهولة وذلك لأنه لا يحتاج إلى تذكر ولا إلى ذهن حاضر وبهذا ينطلق لسانك بقراءة قصار السور في الصلاة بينما ينطلق عقلك في وادٍ آخر, فلا تشعرين بمعاني الآيات ولا تدركين خشوعًا في صلاتك. وإذا كنت عازمة على تعلم القرآن وحفظه فأحسن وسيلة لذلك وأسهلها أن تجلسي في مصلاك قبل الصلاة بعشر دقائق وتحفظي آيتين أو ثلاث بما يعادل سطرين أو ثلاثة أو أربعة ,وإذا حفظت هذه الآيات فاقرئيها في صلاتك, وبهذا تحوزين أجر انتظار الصلاة ,وأجر الحفظ, وأجر الخشوع حيث تخشعين بما تقرئين من حفظك الجديد أكثر من خشوعك بما أعتدت على حفظه من قصار السور. وقبل أن تبدئي بذلك أذكرك أن لك بكل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف، فإذا تذكرت ذلك أقبلت بهمة ونشاط وحرص، واعلمي أنك لو فعلتِ ذلك لاستطعتِ حفظ القرآن في سنتين، ثم إذا حفظت فعليك بتحري اتباع السنة في القراءة كقراءة الأعراف في المغرب، وقراءة السجدة والدهر في فجر الجمعة، وقراءة المؤمنون في الفجر وهكذا)) (¬1) . ¬

_ (¬1) تجدين الكلام عن القراءة مفصلاً بالأدلة الثابتة في صفة الصلاة للألباني - رحمه الله - ص 89- 104.

الخشوع في الركوع:

الخشوع في الركوع: ومن تمام خشوع العبد لله عز وجل وتواضعه له في ركوعه وسجوده: أنه إذا ذلّ لربه بالركوع والسجود وصف ربه حينئذٍ بصفات العز والكبرياء والعظمة والعلو، فكأنه يقول: الذل والتواضع وصفي، والعلو والعظمة والكبرياء وصفك (¬1) . قال الحسن رحمه الله: "إذا قمت إلى الصلاة قانتًا؛ فقمْ كما أمرك الله، وإيَّاك والسهو والالتفات. إيَّاك أن ينظر الله إليك وتنظر إلى غيره، وتسأل الله الجنة وتعوذ به من النار، وقلبك ساهٍ لا تدري ما تقول بلسانك" (¬2) ثم إذا هممتِ بالركوع بعد انتهاء القراءة ترفعين يديكِ حذو منكبيك أو حيال أذنيك، وتكبرين استسلامًا لله سبحانه حيث أمرك بالركوع واستجابة له، وفي ذلك تتفكرين كيف أن الله تعالى أمرك بالوقوف بين يديه فقدمت خاضعة مستسلمة، وأمرك بالركوع والانحناء لعظمته فركعت خاضعة مستسلمة، وتتفكرين في التكبير حيث الله أكبر من كل شيء، أكبر منك حيث أخضعك لجلاله، وأكبر من أي عظيم أو كبير فالكل لابد أن يخضع له اعترافًا بربوبيته وألوهيته، ثم لا تملكين بعد هذا التكبير إلا أن تقولي سبحان ربي العظيم، وإذا قلتِ هذه الكلمة فتخيلي الملك الموكل بأعمالك يحسب كم تعظمين الله، فإذا عظمتِ الله ثلاث مرات واستشعرتِ أحدًا يكتب ويحسب عن يمينك فلن ترفعي بل ستزداد نفسك حرصًا أن تفتخر عند الملك بأنها تعظم الله كثيرًا، فإذا بكِ تعظمين الرابعة فإذا أردت الرفع جذبتك نفسك إلى الخامسة حتى يكتب الملك لك ذلك وهلمَّ جرًّا ما شاء الله ... وما أعظمه من ركوع تكونين فيه على هذه الحال، وتذكري نعم الله عليك فسبحيه عليها واحمديه ثم اسأليه المغفرة فأعمالك لا تواجه نعماءه، مع ما عندك من الذنوب، وذلك بقول ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي". ¬

_ (¬1) الخشوع في الصلاة ص 26- 28 (¬2) الخشوع في الصلاة ص 29

واجتهدي وأنت في الركوع بتعظيم الله بجميع أنواع التعظيم لقوله –صلى الله عليه وسلم-: " فأما الركوع فعظموا فيه الرب " (¬1) . ومن أنواع التعظيم الذي كان يعظم به رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في الركوع ما يلي – أورده لتحفظيه ويسهل عليك استرجاعه: 1- "سبوح قدوس رب الملائكة والروح" (¬2) . 2- "اللهم لك ركعت وبك آمنت، ولك أسلمت، [أنت ربي] خشع لك سمعي وبصري، ومخي وعظمي " وفي رواية أخرى:" عظامي وعصبي ". [وما استقلت به قدمي لله ربِّ العالمين] " (¬3) . 3- " اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، وعليك توكلت، أنت ربي، خضع سمعي وبصري ودمي وعظمي وعصبي لله ربِّ العالمين " (¬4) . 4- "سبحانك ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة " (¬5) . واحذري – أخيتي – أن تقرئي شيئًا من القرآن في ركوعك وسجودك وذلك لنهيه –صلى الله عليه وسلم- حيث "كان ينهى عن قراءة القرآن في الركوع والسجود" (¬6) . ¬

_ (¬1) رواه مسلم وأبو عوانة. (¬2) رواه مسلم وأبو عوانة. (¬3) رواه مسلم وأبو عوانة والطحاوي والدارقطني. (¬4) رواه النسائي بسند صحيح، قاله الألباني – رحمه الله – صفة الصلاة ص 144. (¬5) رواه أبو داود والنسائي بسند صحيح، قاله الألباني – رحمه الله – صفة الصلاة ص 144. (¬6) رواه مسلم وأبو عوانة.

وإذا سبحتِ الله ونزهتِه بما هو أهله فارفعي رأسك وأنتِ وجلة من تقصيرك في التعظيم وتخشين عدم القبول، فإذا قلت: " سمع الله لمن حمده" ورفعت يديك حذو منكبيكِ اطمأن قلبك بأن الله يسمع حمدك ولن تبخسي شيئًا فتحمدين الله على ذلك قائلة: " ربنا ولك الحمد "، حمدًا على حمدكِ إياه وحمدًا على سماعه لك. لذا فلا يليق بالله على هذه النعمة إلا حمد عظيم ليس بعده حمد، فتقولين " ملء السموات وملء الأرض وملء كل ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد ". حمدٌ عظيمٌ حَمَدَ به خير المرسلين فلا يفوتكِ أن تتذكري ,وأنت تحمدين الله به أنه لا يقابل آلاءه ولا يوازي نعمه وذلك حق الله وهو أهله فتقولين: " أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد مند الجد " وهذا المقام مقام الربوبية مقام مستحق العبودية مقام الله الذي لا إله معه ولا ندَّ له. وذلك وارد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال -صلى الله عليه وسلم-: ' اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، [اللهم] لا مانع لما أعطيت [ولا معطي لما منعت] ولا ينفع ذا الجد منك الجد " (¬1) . وتذكري أن الملائكة يصطفون لسماع حمدك ويبتدرونه أيهم يكتبه، فقد قال رجل من الصحابة كان يصلي خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " ربنا لك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه ". وذلك بعد أن قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- " سمع الله لمن حمده " فلما انصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " من المتكلم آنفًا؟ فقال الرجل: أنا يا رسول الله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكًا يبتدرونها أيهم يكتبها أولاً " (¬2) . ¬

_ (¬1) رواه مسلم وأبو عوانة وأبو داود. (¬2) رواه البخاري وأبو داود ومالك.

الخشوع في السجود:

الخشوع في السجود: وأنتِ بعد هذا الخضوع والانحناء له وبعد القيام بين يديه تنظرين إلى الأرض وبصرك مرتكز على موضع سجودك لا تلتفتين يمينًا ولا شمالاً ثم تخرين بعد ذلك على الأرض مكبرة لله - سبحانه وتعالى - معلنة الاستسلام لهذا النوع من الخضوع فهو أشد من الأولين. ثم تمكنين مجمع محاسنك ومحل احترامك من الأرض لرب العالمين طاعة واستجابة لأمره، وذلاً وخضوعًا بين يديه فأنت تعلمين أن نعمه عظيمة، وأن آلاءه جسيمة فلا تملكين لها شكرًا، وتجدين نفسك الأمارة بالسوء تقابل ذلك بالمعاصي، ولا تجدين ما تقتربين به إلى الله وما تعتذرين به إليه إلا بالسجود بين يديه فيكون خرورك إلى الأرض وتمكينك لأعضائك أثناء السجود تمكين الخائف من ربه، الراغب فيما عنده المبتغي رضاه، الطامع في رحمته وعفوه، فلا شيء أقرب إلى الله من السجود، ولا موضع لإجابة الدعاء أقرب من السجود، ولا عمل يغفر الذنوب ويزيد الحسنات ويرفع الدرجات مثل السجود، فقد قال تعالى: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) [العلق: 19] . وقال -صلى الله عليه وسلم-: " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا من الدعاء [فيه] " (¬1) . وإذا علمت أن للسجود علامة عليكِ يوم القيامة يبقى أثره حتى لو دخلتِ النار لازداد حرصك على السجود وأقبلتِ عليه راغبة ممتنة لمن تسجدين له قال -صلى الله عليه وسلم-: " ما من أمتي من أحد إلا وأنا أعرفه يوم القيامة، قالوا: وكيف تعرفهم يا رسول الله في كثرة الخلائق؟ قال: "أرأيت لو دخلت صبرة فيها خيل دهم بهم وفيها فرس أغر أحجل أما كنت تعرفه منها؟ " قالوا: بلى، قال: " فإن أمتي يومئذ غرٌّ من السجود محجلين من الوضوء " (¬2) . ¬

_ (¬1) رواه مسلم وأبو عوانة والبيهقي وهو مخرج في الإرواء 456. (¬2) رواه أحمد بسند صحيح، والترمذي بعضه وصححه، قاله الألباني في صفة الصلاة ص 131.

وقال –صلى الله عليه وسلم-: ".. إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار، أمر الله الملائكة أن يخرجوا من يعبد الله، فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود، وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار، فكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود" (¬1) . وإن من فضل الله عليكِ أن جعل السجود في الصلاة أكثر من الركوع، وذلك لعلمه بحال عبده وحاجته إليه، فالعبد في السجود يسأل الله ويدعوه بما شاء، فأكثري من سؤال الله في سجودك وتذكري فيه كل ما تحتاجينه من أمور الآخرة ومن أمور الدنيا، فإن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كان يقول: " وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم " (¬2) أي حري أن يستجاب لكم. وإن من فضل الدعاء في السجود الدعاء بما كان يدعو به –صلى الله عليه وسلم- فقد كان يذكر الله ويثني عليه بما يتناسب مع وضع الساجد، فهو في أدنى مكان والله – سبحانه – في أعلى مكان لذلك كان يقول:" سبحان ربي الأعلى" ويكررها ثم يدعو بالمغفرة فيقول: " سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي " (¬3) . وكان أيضًا يقول:" اللهم لك سجدت وبك آمنت، ولك أسلمت، [وأنت ربي] سجد وجهي للذي خلقه وصوره [فأحسن صوره] وشق سمعه وبصره [فـ] تبارك الله أحسن الخالقين " (¬4) . ويقول: "اللهم اغفر لي ذنبي كله، ودقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره " (¬5) . ويقول: " سجد لك سوادي وخيالي، وآمن بك فؤادي، أبوء بنعمتك عليَّ، هذي يدي، ما جنيت على نفسي" (¬6) . ويقول:"سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة " (¬7) . ¬

_ (¬1) رواه البخاري ومسلم. (¬2) رواه مسلم وأبو عوانة. (¬3) رواه البخاري ومسلم وغيرهما. (¬4) رواه مسلم وأبو عوانة والطحاوي والدارقطني. (¬5) رواه مسلم وأبو عوانة. (¬6) رواه ابن نصر والبزار والحاكم وصححه، صفة الصلاة ص 128. (¬7) رواه أبو داود والنسائي بسند صحيح، قاله الألباني صفة الصلاة ص 128.

ويقول: "سبحانك [اللهم] وبحمدك، لا إله إلا أنت " (¬1) . ويقول: "اللهم اغفر لي ما أسررت وما أعلنت " (¬2) . ويقول: " اللهم اجعل في قلبي نورًا [وفي لساني نورًا] ، واجعل في سمعي نورًا، واجعل في بصري نورًا، وعن يميني نورًا وعن يساري نورًا، واجعل أمامي نورًا، واجعل خلفي نورًا، [واجعل في نفسي نورًا] ، وأعظم لي نورًا " (¬3) . ويقول: " اللهم "إني " أعوذ برضاك من سخطك، و [أعوذ] بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك " (¬4) . وعليكِ – أخيتي – إذا أردتِ الخشوع أن تحفظي هذه الأذكار، تقولينها في سجودك تارة هذا وتارة ذاك، ولا تقتصري عليها بل اسألي الله ما أنت بحاجته حتى ولو كان الذي تحتاجينه الملح في الطعام. ثم إذا أردت الرفع من السجود فتذكري أنك تفارقين أقرب الأماكن إلى الله وهو أقرب أحوالك إلى الله. ترفعين من حال تبثين فيه حزنك وهمك إلى الله وهو يستمع إليكِ ولا يلتفت عنك ما دمت مقبلة عليه. ¬

_ (¬1) رواه مسلم وأبو عوانة والنسائي وابن نصر. (¬2) رواه ابن أبي شبية والنسائي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. (¬3) رواه مسلم وأبو عوانة وابن أبي شبية (¬4) رواه مسلم وأبو عوانة وابن أبي شبية

الخشوع في التشهد:

وبذلك يكون رفعك من السجود بتثاقل كأنما تجرين منه جرًّا وذلك لرغبتك في الدعاء فيه، ثم تكبرين حال رفعكِ موقنة أن الله أكبر من كل شيء فهو القادر على إجابة دعائك، ثم تجلسين مفترشة قدمكِ اليسرى ناصبة قدمكِ اليمنى، أو مقعية على عقبيكِ وصدور قدميك تسألين الله المغفرة قائلة: " رب اغفر لي رب اغفر لي " (¬1) . وتكررينها متخيلة كثرة ذنوبك حتى تبلغ جلستك في طولها السجدة أو تقولين: "رب اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني واهدني وعافني وارزقني" (¬2) . وتستحضرين في دعائك هذا أنك مذنبة تحتاجين المغفرة، مسكينة تحتاجين إلى الرحمة، وكسيرة تحتاجين الجبر، وضيعة تحتاجين الرفع، وضالة تحتاجين الهداية، مريضة مبتلاة تحتاجين العافية، فقيرة تحتاجين الرزق. ثم تخرين للسجود لتعاودي التسبيح والدعاء مرة أخرى وتفعلين كالسجدة الأولى تلحين في الدعاء عالمة أنه - سبحانه - يحب الملحين في الدعاء. ثم إذا رفعت من سجودكِ جلستِ جلسة قصيرة تستريحين فيها قبل القيام، قمتِ وشرعتِ في الركعة الثانية متحرية الخشوع كما تحريته في الركعة الأولى. الخشوع في التشهد: ثم إذا بلغت التشهد , وجلست له , فعليك أن تستحضري أنك تلقين بين يدي الله كلمات عظيمات علمها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأمته , وتلقين التحيات بجميع أنواعها الحسنة لله -سبحانه وتعالى - فهو المستحق لذلك ,كما تعترفين بأن الملك له وحده حيث التحية تكون غالباً للملوك, فالله -سبحانه - ملك الملوك لذا فله جميع التحيات. وأنتِ حيث تلقين التحية عليكِ ألا تلتفتي عنه - جل وعلا- بل تجتهدين في مدافعة نفسك أن تحيد أو تنصرف وهي تلقي التحية بين يدي الله تعالى وجلة أن يغضب عليك ولا يقبلها منك. ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجة بسند حسن، قاله الألباني في صفة الصلاة ص 135. (¬2) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

وتعترفين بأن جميع الصلوات لله فلا أحد يستحق أي نوع من أنواع الصلوات سواء الفعلية أو القولية. وكذلك جميع أنواع الطيبات من أقوال وصدقات لله – سبحانه – هو الذي يستحق أن تصرف له. ثم تثنين بإلقاء التحية على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأنتِ مستحضرة أنه يرد عليك سلامك وهو في قبره، ترد عليه روحه حتى يرد عليك، ثم تسلمين على عباد الله الصالحين جميعًا من الملائكة والإنس والجن، وتستحضرين كرم الله عليك حيث يؤتيك الأجر بكل من سلمت عليه، ثم تكررين إخلاصك خاتمة به فتشهدين أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وتشهدين أن محمدًا عبده ورسوله، فأنتِ شهدتِ بالفعل بألوهيته – سبحانه – حيث ائتمرت بما أمرك به، وتشهدين بالقول بألوهيته ووحدانيته، تشهدين بالفعل برسالة محمد –صلى الله عليه وسلم- حيث تابعته وأديتِ سنته، وتشهدين بالقول بأن محمداً عبده ورسوله –صلى الله عليه وسلم-. ثم تصلين على النبي –صلى الله عليه وسلم- كما أمرك الله – سبحانه – بذلك حيث قال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56] وصلاتك عليه –صلى الله عليه وسلم- اعترافًا بفضله عليك حيث كان سبب هدايتكِ لهذا الدين القويم والصراط المستقيم الذي أنقذك به من عذاب النار. ثم تستعيذين بالله من أربع تجعلينها نصب عينيكِ دائمًا في كل حين على كل حال ... عذاب النار – عذاب القبر- فتنة المسيح الدجال – فتنة المحيا والممات.

ثم تسألين الله بعد ذلك من خير الدنيا والآخرة وذلك قبل السلام، كما ورد في سنة محمد –صلى الله عليه وسلم-، أما جعل الدعاء بعد السلام فهو خلاف السنة، وفي ذلك قال الإمام شمس الدين ابن القيم:" وعامة الأدعية المتعلقة بالصلاة إنما فعلها فيها، وأمر بها فيها، وهذا هو اللائق بحال المصلي، فإنه مقبل على ربه، يناجيه ما دام في الصلاة، فإذا سلم منها انقطعت تلك المناجاة، وزال ذلك الموقف بين يديه، وبالقرب منه، فكيف يترك سؤاله في حال مناجاته والقرب منه والإقبال عليه، ثم يسأله إذا انصرف عنه؟! ولا ريب أن عكس هذا الحال هو الأولى بالمصلي, إلا أن هاهنا نكتة لطيفة، وهو أن المصلي إذا فرغ من صلاته، وذكر الله وهلله وسبحه وحمده وكبره بالأذكار المشروعة عقيب الصلاة، استحب له أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ويدعو بما شاء، ويكون دعاؤه عقيب هذه العبادة الثانية، لا لكونه دبر الصلاة، فإن كل من ذكر الله، وحمده وأثنى عليه، وصلى على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- استحب له الدعاء عقيب ذلك، كما في حديث فضالة بن عبيد: “إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم ليصل على النبي –صلى الله عليه وسلم-، ثم ليدعُ بما شاء" (¬1) قال الترمذي حديث صحيح اهـ " (¬2) . وإذا علمتِ السنة في جعل الدعاء بعد الصلاة قبل السلام، فاختاري من الدعاء ما تشائين، والأفضل أن يكون دعاؤك بدعاء رسول الله –صلى الله عليه وسلم-. أسوق لكِ بعضه ليسهل عليك حفظه ومراجعته قبل الصلاة. " اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت، ومن شر ما لم أعمل" (¬3) . "اللهم حاسبني حسابًا يسيرًا " (¬4) . ¬

_ (¬1) رواه الترمذي وأبو داود والنسائي وصححه ووافقه الذهبي. (¬2) زاد المعاد 1/250. (¬3) رواه النسائي بسند صحيح وابن أبي عاصم في كتاب السنة قاله الألباني صفة الصلاة ص 164. (¬4) رواه أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.

"اللهم بعلمك الغيب وقدرتك عَلَى الخلق، أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني ما علمت الوفاة خيراً لي، اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيماً لا ينفد، وأسألك قرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضا بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إِلَى وجهك الكريم، والشوق إِلَى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين" (¬1) . " اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم " (¬2) . " اللهم إني أسألك من الخير كله [عاجله وآجله] , ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله [عاجله وآجله] ، ما علمت منه وما لم أعلم، وأسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، وأسألك من خير ما سألك منه عبدك ورسولك [محمد] –صلى الله عليه وسلم-، وأعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك ورسولك محمد –صلى الله عليه وسلم-، و [أسألك] ما قضيت لي من أمر أن تجعل عاقبته [لي] رشدًا " (¬3) . "اللهم اغفر لي ما قدمت, وما أخرت, وما أسررت, وما أعلنت, وما أسرفت, وما أنت أعلم به مني, أنت المقدم, وأنت المؤخر لا إله إلا أنت" (¬4) . ويسن لكِ أن تشيري بأصبعك السبابة محلقة بالإبهام والوسطى قابضة للخنصر والبنصر، أو قابضة لأصابعك جميعها ما عدا السبابة مع كل دعوة تدعين بها. الخشوع في التسليم ¬

_ (¬1) رواه النسائي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. (¬2) رواه البخاري ومسلم. (¬3) رواه أحمد والطيالسي والبخاري في الأدب المفرد وابن ماجه والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وخرجه الألباني في صحيحه رقم 154. (¬4) رواه مسلم وأبو عوانة.

ثم إذا انتهيتِ من الدعاء فسلمي عن يمينك تحية تخيلي أن من على جانبك الأيمن يردها، ثم سلمي على شمالك تحية تخيلي أن من على جانبك الأيسر يردها من الملائكة والجن والأنس، وإذا فعلت ذلك فقد انتهيت من صلاة خاشعة مطمئنة أجرها عظيم، استغفري الله بعد سلامك خشية أن تكوني قصرت في أداء الصلاة كما ينبغي، ثم اشرعي في الأذكار الواردة بعد السلام وهي: " اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام " (¬1) . " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد" (¬2) . " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل, وله الثناء الحسن ,لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون " (¬3) . ويسن أن تقرئي آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة فقد قال –صلى الله عليه وسلم-:"من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة، لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت" (¬4) . كما يسن لك بعد الصلاة أن تسبحي ثلاثًا وثلاثين وتحمدي ثلاثًا وثلاثين، وتكبري ثلاثًا وثلاثين وتقولي تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير (¬5) ، أو تتمي المائة بتكبيرة فيكون التكبير أربعًا وثلاثين. ¬

_ (¬1) رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد، انظري تخرجه في زاد المعاد 1/295 حاشية. (¬2) رواه البخاري ومسلم وغيرهما، انظري تخرجه في زاد المعاد 1/296 حاشية. (¬3) رواه مسلم وأبو داود والنسائي، انظري تخرجه في زاد المعاد 1/297 حاشية. (¬4) رواه ابن حبان وقال الأرنؤوط إسناده صحيح وهو مخرج في زاد المعاد 1/303. (¬5) رواه مسلم.

خشوع السلف:

وبذلك تكونين قد أتممتِ صلاة خاشعة مطمئنة قد عملتِ فيها بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" (¬1) . وكما ذكرتُ لكِ سالفًا أن قراءة ما كان عليه السلف في خشوعهم يرفع في النفس الهمة ويعينها، وسأذكر لكِ من أحوالهم ما تيسر لي وأرجو أن ينفعك الله به. خشوع السلف: قال -صلى الله عليه وسلم-: إذا قمت في صلاتك، فصلِّ صلاة مودِّعٍ، ولا تتكلم بكلام تعتذر منه، وأجمع اليأس عمَّا في أيدي الناس (¬2) . وقال -صلى الله عليه وسلم-: اذكر الموت في صلاتك، فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحري أن يحسن صلاته، فصل صلاة رجلٍ لا يظن أنه يصلى صلاة غيرها، وإياك وكل أمر يعتذر منه (¬3) " كان علي بن الحسين إذا فرغ من وضوئه للصلاة، وصار بين وضوئه وصلاته أخذته رعدة ونفضة، فقيل له في ذلك، فقال: ويحكم أتدرون إلى من أقوم، ومن أريد أن أناجي " (¬4) . ¬

_ (¬1) رواه البخاري. (¬2) أخرجه ابن ماجه، وأحمد، وأبو نعيم في "حلية الأولياء " عن أبي أيوب. وللحديث شواهد تدل بمجموعها على ثبوته: حديث عبد الله بن عمر عند الضياء، وحديث سعد بن أبي وقاص عند الحاكم، وحديث أنس السابق في مسند الفردوس ". (¬3) حسن: رواه الديلمي في مسند الفردوس، وحسنه ابن حجر والألباني في صحيح الجامع رقم (849) . (¬4) حلية الأولياء 3/133. وعلي بن الحسين هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، زين العابدين، ثقة ثبت عابد فقيه فاضل مشهور، ومن الثالثة، مات سنة ثلاث وتسعين، التقريب 400 رقم 4715.

" ذكر عن محمد بن المنكدر أنه بينما هو ذات ليلة قائم يصلي إذا استبكى وكثر بكاؤه حتى فزع أهله وسألوه ما الذي أبكاه، فاستعجم عليهم وتمادى في البكاء فأرسلوا إلى أبي حازم فأخبروه بأمره فجاء أبو حازم إليه فإذا هو يبكي، قال: يا أخي ما الذي أبكاك قد روعت أهلك، من علة، أم ما بك؟ قال: إنه مرت بي آية في كتاب الله عز وجل!، قال: وما هي؟ قال: قول الله تعالى: (وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) [الزمر: 47] فبكى أبو حازم أيضًا معه واشتد بكاؤهما، فقال بعض أهله لأبي حازم: جئنا بك لتفرج عنه فزدته، فأخبرهم ما الذي أبكاهما " (¬1) . " كان عطاء بن أبي رباح - بعدما كبر وضعف يقوم إلى الصلاة فيقرأ مائتي آية من سورة البقرة، وهو قائم لا يزول منه شيء ولا يتحرك " (¬2) . عن ميمون بن مهران قال: نظر رجل من المهاجرين إلى رجل يصلي فأخف الصلاة فعاقبه، فقال: إني ذكرت ضيعة لي، فقال: أكبر الضيعة أضعته (¬3) . " وكان أبو وائل إذا صلى في بيته ينشج نشيجًا، ولو جعلت له الدنيا على أن يفعله وأحد يراه ما فعله ". ¬

_ (¬1) حلية الأولياء 3/146. وابن المنكدر هو محمد بن المنكدر بن عبد الله ابن الهدير بالتصغير، المدني، ثقة فاضل من الثالثة مات سنة ثلاثين أو بعدها. التقريب 508 رقم 6327. (¬2) حلية الأولياء 3/310. وعطاء بن أبي رباح هو القرشي مولاهم، المكي، ثقة فقيه لكنه كثير التدليس من الثالثة مات سن أربع عشرة على المشهور، التقريب 391 رقم 4591. (¬3) حلية الأولياء 4/84. وميمون هو ابن مهران الجزري أبو أيوب، أصله كوفي، ثقة فقيه، وكان يرسل. مات سنة سبع عشرة، التقريب 556رقم7049.

وكان يقول وهو ساجد: " رب اغفر لي، رب اعف عني، إن تعف عني فطولاً من فضلك، وإن تعذبني غير ظالم لي ولا مسبوق. ثم يبكي حتى يسمع نحيبه من وراء المسجد " (¬1) . وكان إبراهيم التيمي إذا سجد تجيء العصافير تستقر على ظهره كأنه جذم حائط (¬2) . "وكان سعيد بن جُبير يردد هذه الآية في الصلاة بضعًا وعشرين مرة، (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ) [البقرة: 281] . وكان إذا أتى على هذه الآية (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ) [غافر: 70 - 71] . رجع فيها ورددها مرتين أو ثلاثًا " (¬3) . كان خلف بن أيوب لا يطرد الذباب عن وجهه في الصلاة، فقيل له: كيف تصبر؟ قال: بلغني أن الفُساق يتصبرون تحت السياط ليقال: فلان صبور، وأنا بين يدي ربي، أفلا أصبر على ذباب يقع عليَّ؟! (¬4) . قال حاتم الأصم: فاتتني صلاة الجماعة، فعزاني أبو إسحاق البخاري وحده، ولو مات لي ولد لعزَّاني أكثر من عشرة آلاف؛ لأن مصيبة الدين عندهم أهون من مصيبة الدنيا (¬5) . ¬

_ (¬1) حلية الأولياء لأبي نعيم 4/101 أبو وائل هو شقيق بن سلمة الأسدي، الكوفي، ثقة مخضرم مات في خلافة عمر بن عبد العزيز وله مائة سنة، التقريب 268 رقم 2816. (¬2) حلية الأولياء لأبي نعيم 4/212. إبراهيم التيمي هو ابن زيد بن شريك الكوفي العابد ,ثقة إلا أنه يرسل ويدلس من الخامسة مات سنة اثنتين وتسعين التقريب 95رقم 269 (¬3) حلية الأولياء 4/272. سعيد بن جبير الأسدي مولاهم الكوفي، ثقة ثبت فقيه من الثالثة، وروايته عن عائشة وأبي موسى ونحوهما مرسلة قتل بين يدي الحجاج سنة خمس وتسعين، التقريب 234 رقم 2278. (¬4) المستطرف 1/7. (¬5) المستطرف 1/8.

قال الذهبي في السير (4/18) : قيل: كان عامر (عامر بن عبد قيس) لا يزال يصلي من طلوع الشمس إلى العصر، فينصرف وقد انتفخت ساقاه، فيقول: يا أمّارة بالسوء، إنما خُلقتِ للعبادة (¬1) 5) . وقيل لعامر بن عبد قيس: أما تسهو في صلاتك؟ قال: أوَ حديث أحَبّ إليَّ من القرآن حتى أشتغل به!! هيهات، مناجاة الحبيب تستغرق الإحساس (¬2) 6) . وكان أبو يزيدٍ الرَّبِيعُ بنُ خُثَيْم - رحمه الله- يقول: إني لآنس بصوت عصفور المسجد عن أُنسي بزوجتي. وكان - رحمه الله - إذا سجد كأنه ثوب مطروحٌ، فتجئ العصافير فتقع عليه. وكان - رحمه الله - بعدما سقط شقه يهادى بين رجلين إلى مسجد قومه، وكان أصحاب عبد الله بن مسعود يقولون: يا أبا يزيد، لقد رخص الله لك لو صليت في بيتك. فيقول: إنه كما تقولون، ولكني سمعته ينادي: حيّ على الفلاح، فمن سمع منكم: حيّ على الفلاح، فليجبه ولو زحفًا، ولو حبوًا. وعن أبي حيان التيمي عن أبيه، قال: أصاب الربيع الفالج، فكان يحمل إلى الصلاة، فقيل له: أنه قد رخص لك. قال: قد علمت، ولكن أسمع النداء بالفلاح (¬3) 7) . قال بكر بن منير: كان محمد بن إسماعيل يصلي ذات ليلة فلسعه الزنبور سبع عشرة مرة، فلما قضى الصلاة، قال: انظروا أيش آذاني (¬4) . قال محمد بن أبي حاتم: دُعِي محمد بن إسماعيل إلى بستان بعض أصحابه، فلما صلى بالقوم الظهر، قام يتطوع، فلما فرغ من صلاته رفع ذيل قميصه، فقال لبعض من معه: انظر، هل ترى تحت قميصي شيئًا؟ فإذا زنبور قد أبره في ستة عشر أو سبعة عشر موضعًا، وقد تورم من ذلك جسده، فقال له بعض القوم: كيف لم تخرج من الصلاة أول ما أبرك؟ قال: كنت في سورة، فأحببت أن أُتمها" ¬

_ (¬1) تاريخ ابن عساكر ص 340، وتاريخ الإسلام 3/27. (¬2) المدهش ص 472. (¬3) الحلية 2/113، 114. (¬4) طبقات الحنابلة 1/276، والسير 12/439-442.

هذا والله أسأل أن يجعلنا ممن يخشعون في صلواتهم ويخشونه في أعمالهم وأقوالهم غيبًا وشهادة. والله المستعان وعليه التكلان وبه الاطمئنان، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا. الفهرس الموضوع ... الصفحة مقدمة............................................................................. ... 5 فضل الخشوع................................................................. ... 7 قبل الصلاة.................................................................... ... 10 الاستعداد للصلاة قبل الصلاة.............................................. ... 18 أثناء الصلاة................................................................... ... 37 الخشوع في الركوع.......................................................... ... 56 الخشوع في السجود.......................................................... ... 60 الخشوع في التشهد.......................................................... ... 66 خشوع السلف................................................................. ... 75 الفهرس.......................................................................... ... 79 الغلاف الخارجي والناس في الصلاة على مراتب خمس: أحدهما: مرتبة الظالم لنفسه المفرط؛ وهو الذي انتقص من وضوئها، ومواقيتها، وحدودها وأركانها. الثاني: من يحافظ على مواقيتها وحدودها، وأركانها الظاهرة ووضوئها، لكن قد ضيع مجاهدة نفسه في الوسوسة، فذهب مع الوساوس والأفكار. الثالث: من حافظ على حدودها وأركانها، وجاهد نفسه في دفع الوساوس والأفكار، فهو مشغول بمجاهدة عدوِّه؛ لئلا يسرق صلاته؛ فهو في صلاة وجهاد.

الرابع: من إذا قام إلى الصلاة أكْمَل حقوقها، وأركانها، وحدودها، واستغرق قلبه مراعاة حدودها وحقوقها، لئلاَّ يضيع شيئًا منها، بل همُّه كله مصروف إلى إقامتها كما ينبغي، وإكمالها وإتمامها. قد استغرق قلب شأنُ الصلاة وعبودية ربِّه - تبارك وتعالى- فيها. الخامس: من إذا قام إلى الصلاة قام إليها كذلك، ولكن مع هذا قد أخذ قلبه ووضعه بين يدي ربِّه عز وجل، ناظرًا بقلبه إليه، مراقبًا له، ممتلئًا من محبته وعظمته، كأنه يراه ويشاهده، وقد اضمحلَّت تلك الوساوس والخطرات وارتفعت حُجُبُها بينه وبين ربِّه. فهذا بينه وبين غيره في الصلاة أفضل وأعظم ممَّا بين السماء والأرض ابن القيم

§1/1