كلمة للدعاة والمصلحين
-
المقدمة
كلمة للدعاة والمصلحين بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم. وبعد ... فإن هذا الكتيب يحوي مقالين كتبا في فترتين سابقتين, أذكر بهما نفسي المقصرة وإخواني, سائلا الله أن يكتب بهما النفع, فما أصبت فيه ووفقت فمن الله وبفضله, وما أخطأت فيه فمن نفسي والشيطان. المقال الأول يعرض -على شكل نقاط- عددا من الإشكالات التي لوحظت في العديد من الخطابات الدعوية التي حدثت تفاعلا مع مآسي أمتنا (وتخبطاتها) الكثيرة المتنوعة المتكررة في عصرنا الحالي الذي نعيشه, والمقال الثاني يُذَكِّر ببعض الواجبات والمستوى الذي يؤمل أن يكون عليه الدعاة إلى الله خاصة في وقتنا هذا الذي كثرت فيها آلامنا واستبيحت دماؤنا وأذللنا أيما إذلال.
وقد ذيل المقالان بهوامش بها نقاط تذكيرية هامة أتمنى الالتفات لها, خاصة هوامش المقال الثاني والتي منذ سنوات وأنا أتمنى نشرها في كتيب مستقل وأتت الآن فرصة لأضعها باختصار في هذه الهوامش, فأسأل الله أن ينفع بها. وأتقدم بالشكر والدعاء لكل من أعانني في إخراج هذا الكتيب وتنقيحه. اللهم عجل بفضلك وكرمك هداية أمتنا, وأعنا على أداء واجباتنا, وارزقنا الإخلاص وصدق محبتك, واكتب لنا يا عظيم النصر على الأعداء, وأفرحنا بكرمك بنيل رضاك, وبدخول فردوسك, وبلذة النظر إلى وجهك الكريم يوم لقاك. 4 / 6 / 1424هـ
الخطاب الدعوى ومآسي المسلمين
الخطاب الدعوي ومآسي المسلمين هذه الكلمات في الفقرات التالية موجهةٌ لروح الأمة, وحاملي همها من الدعاة والمصلحين, وأصحاب الأقلام الطيبة, وإن كان الأصل أن كل الأمة تكون كذلك, فالدعوة إلى الله مسؤولية الجميع. أولا: إشكالات في الخطاب: 1- يحز في النفس كثيرًا أن العديد من الخطباء والمحاضرين والكتاب والشعراء في وقتنا الحاضر وبالذات في مآسينا (وأيضا تخبطاتنا) الأخيرة الرهيبة, لا يقومون في خطبهم ودعائهم وتوجيهاتهم -عند الحديث عن هذه المآسي- بتذكير المسلمين بواجب العودة إلى الله, وواجب كل مسلم في تحقيقها بالشكل الواضح والكافي , والمؤثر الحار , الذي يوصل هذه الحقيقة إلى كل المسلمين, مبينًا لهم بوضوح أن هذا هو الحل,..... ومشعرًا لهم بأن مسؤولية تحقيقه تقع على كل فرد مسلم , مع أن هذا هو الحل الحقيقي الجذري (1) الموصل لتحقيق النصر, وإيقاف المآسي, وردع أعداء الدين. قال تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} ..الآية (محمد:7) , وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} ..الآية (الرعد:11) ,
وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن ابن عمر «إذا تبايعتم بالعينة, وأخذتم أذناب البقر, ورضيتم بالزرع, وتركتم الجهاد, سلط الله عليكم ذلًّا لا يرفعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم» (سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني) . ويبدو أن عدم وضوح بعض الأسس الإسلامية, إضافة إلى الضياع الفكري والتوجهي الذي تعيشه أمتنا حاليا, قد أثرا أيضا حتى على العديد من الدعاة والمصلحين؛ فرأينا البعض يتكلم ويكتب عن مآسي ومذابح الأمة بنظرة سمتها التركيز على الحلول الجزئية بما فيها الإكثار من نقد التوجه العالمي, والتحدث عن الأسباب السياسية والمادية أكثر من النظر للخلفيات الشرعية (1) المتعلقة بهذه الأحداث. والأهم من ذلك عدم التركيز بدقة, وإيضاح تام كافٍ على الحل الحقيقي لكل هذه المآسي بالشكل الذي يصل إلى قلب ويقين كل مسلم (وليس إلى فكره فقط) ، مشعرا له بواجبه في التغيير (2) والعودة والدعوة إلى الله.
وفي بعض الخطابات والبيانات المتعلقة بالمآسي وكثير من المشكلات التي تعيشها الأمة ذكر موضوع التوبة وعودة الأمة والحذر من المعاصي ولكنه كان يذكر عَرَضًا , أو باختصار شديد قد لا ينتبه له , أو فقط كنقطة من النقاط ضمن نقاط أخرى عديدة وبدون التركيز الكافي عليه, مع أنه أس قضايانا وكما يقال قضية القضايا.
كثرة البكاء والتباكي على واقع الأمة المتكرر
2- أيضًا وعلى الرغم من سرور قلوبنا بما نقرؤه ونسمعه من العديد من الصادقين من تألم على الواقع والجراح, إلا أننا من كثرة المآسي والجراح, وفي غياب التذكير بالحل الحقيقي بوضوح, أصبحنا نمل أحيانا من كثرة البكاء والتباكي على واقع الأمة المتكرر, فهل الهدف هو البكاء للبكاء؟ أم هل الهدف هو البكاء والتألم فقط لجمع المال للمنكوبين والمشردين؟ والذي لا شك في أهميته إلا أنه حل جزئي ووقتي, خاصة إذا لم يربط بالحل الحقيقي, ... فالأصل أن يكون الهدف والمؤمل الأكبر من البكاء والتألم هو جعل ذلك شعلة (1) للأمة للانطلاقة نحو التغيير في واقعها, والعودة إلى الله, والدعوة إليه, التي -بإذن الله- بها وبنتائجها وثمراتها تعز الأمة, ويعود مجدها, وينطلق بقوة جهادها, وتنتصر وتحل كل مشكلاتها (وتخبطاتها) .
التركيز على الدعاء والدعم المالي مع الضعف في تذكير الأمة بواجب التوبة والعودة
3- أيضًا يلاحظ في الكثير من المآسي التركيز على الدعاء والدعم المالي مع الضعف في تذكير الأمة بواجب التوبة والعودة وإصلاح المسار,.... والدعاء والدعم المالي على الرغم من أهميتهما وضرورتهما إلا أنهما ليسا الواجب الوحيد والأهم, وقد أصبح هذا المظهر أي مواجهة المذابح فقط بالدعاء والدعم المالي سمة لأمة الإسلام في العقود الأخيرة , وهل يعقل أن يستمر حال أمة الإسلام في كل مذبحة لأبنائها بهذا الشكل, بل إن أي أمة لا ترضى أن يستمر حالها هكذا في كل مذبحة ومأساة تتعرض لها, فكيف بنا أمة الإسلام ونحن مَنْ مِنَ المفترض أننا ندرك قيمة الدم المسلم عند خالقنا العظيم سبحانه وتعالى. لذا فبالإضافة إلى تذكير الأمة بواجب الدعاء والدعم المالي وقت حدوث المآسي, فلا بد من التذكير والتركيز في ذات الوقت على واجب التوبة والعودة وإصلاح المسار, لأنها الطريق الذي سيقود الأمة بإذن الله إلى العزة والجهاد والنصر, حتى يأتي اليوم الذي توقف هذه المذابح والمآسي حال حدوثها, ولا نكتفي عندها فقط بالدعاء وتضميد الجراح, بينما السفاحون يقتلون ويبيدون!!.
بل في ذلك الوقت أي عندما تسترجع الأمة عزتها لن يتجرأ عليها بإذن الله أعداء الدين, ويستبيحون كرامتها في كل حين, كما هو حاصل الآن حتى أننا أصبحنا أذل أمة على وجه الأرض. خاصة أن الأمة في أيام الأحداث تكون متأثرة ومتفاعلة, وخسارة عظيمة أن لا تذكر بواجب التوبة وإصلاح المسار وهي في قمة تفاعلها. وإن من سلبيات التركيز على الدعاء المقتصر على الدعاء للمنكوبين, وعلى الدعم المالي لهم مع ضعف التركيز على تذكير الأمة بالتوبة والإصلاح أن يحدث تخدير للمسلمين, فيشعرون أنهم - بعمل ذلك فقط - يكونون قد أدوا ما عليهم, بينما هم مستمرون ويستمرون في الغفلة واقتراف المنكرات والإصرار على المعاصي التي هي مصيبتنا العظمى (1) , وأساس ذلنا وضعفنا وهواننا, واستئساد الكفار علينا وتمكنهم منا, وعجزنا عن إنقاذ إخواننا , كما بين ذلك لنا كتاب ربنا العظيم وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم.
كيف نصل لطريق الجهاد وكيف يتحقق النصر فيه
4- يتكلم العديد من المحاضرين والشعراء والكتاب وتصدر توجيهات من بعض الدعاة بعد العديد من المآسي والمحن عن الجهاد وعزة الأمة ووحدتها ونخوتها, ولاشك أن هذا تذكير نحتاجه وأن هذه أسس هامة جدا ونحن بأمس الحاجة إليها وبها بإذن الله يتحقق النصر ولكن...... كيف السبيل إليها؟ وهل وُضِّح للناس كيف نصل لطريق الجهاد؟ وكيف يتحقق النصر فيه؟ وكيف تحدث العزة والوحدة؟ هل نريد من المسلمين أن يثبوا فجأة للجهاد, رغم كل العوائق وأهمها الذنوب والمعاصي؟ ,.. ونتمنى أن يحدث ذلك ولكن المخدر بشكل عام عادة لا يقوم فضلا من أن يثب وثوبا حقيقيا. ثم لو حصل الجهاد من أمتنا بدون تركها المعاصي ومجاهرة الجبار بها فلن يحصل النصر الحقيقي التام. (1) وحتى لو حصل نصر مؤقت فهل يكفينا حدوثه بينما أمتنا مستمرة في بعدها, وأين نضع هذا بالنسبة لأهداف الجهاد العظيمة وغاياته؟ !! وهل هدف الجهاد في الإسلام هو فقط إنقاذ المسلمين؟! فعلى الرغم من أهمية وضرورة هذا الهدف, إلا أن الهدف الأعلى والأعظم للجهاد هو حفظ الدين وإقامته وتعبيد الناس لله رب العالمين {وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} (البقرة:193, الأنفال:39) .
ولا يخفى على الدعاة والمصلحين ما حصل في أمتنا من بعد كبير عن حقيقة دينها, ولا يخفى أيضا ما يفعله المفسدون في الأمة, حتى وصل الأمر إلى حد محاربة أوامر الله وتحكيم غير ما يرضاه. وليتنا نرجع إلى كتب التفسير ونتأمل بعض الحكم المستفادة من قوله تعالى في سورة محمد [سورة القتال] : {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} (محمد:21) . ومسألة أخرى هامة تجدر الإشارة إليها هنا وهي: أن تذكيرنا للأمة بالجهاد بدون توجيهها للتوبة والعودة قد يؤدي إلى حدوث اتكالية وتأخر في التغيير والإصلاح - الذي هو الطريق الذي يقود الأمة بفاعلية للجهاد ويحقق لها النصر فيه بإذن الله- بين أفراد الأمة, بحجة أن الجهاد لم يقم وأننا ننتظر اليوم الذي يبدأ فيه حتى ننصر إخواننا بمشاركتنا فيه, فتنسى الأمة وتغفل عن أن استمرارها في الذنوب والغفلة وعدم تحقيق العودة الصادقة إلى الله هو أحد أهم أسباب تأخر الجهاد في الأمة وتأخر تحقيق النصر فيه.
وكم واجهنا من المسلمين الذين عندما نذكرهم بترك اللهو والمعاصي غِيرةً على الأقل على واقع الأمة نجدهم يحتجون بحجة عدم وجود الجهاد الآن, وأنه لو كان موجوداً لتفاعلوا معه في إنقاذ إخوانهم, ونَسوا أنهم بأعمالهم هذه ولهوهم يكونون من أهم أسباب تأخر بدء وحصول الجهاد في الأمة. وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما وسلفنا الصالح كانوا عندما يرسلون جيوشهم التي حوت خيار الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم كانوا يوصونهم بتقوى الله والحذر من الذنوب وأنها أهم العدة على الأعداء (1) ...... فكيف يُنسى هذا -أو يذكر بدون إعطائه حقه- عندما نذكر أمتنا بالجهاد, وهي على ما هي عليه من الغفلة والبعد وتضليل المضلين وإفساد المفسدين.
بل ويبدو أن تذكير الأمة بالجهاد بدون تذكيرها بالتوبة والرجوع ومساعدتها على تحقيقه, قد يؤدي إلى نشوء شوائب الحمية في إخلاص الأمة عند حماسها للجهاد, مما قد يجعل توجه البعض للجهاد تشوبه نية الحمية , التي تضعف تحقق العبودية فيه. وفي الحديث المتفق عليه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياءً أي ذلك في سبيل الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» . وصفاء النية من شوائب الإخلاص تحتاج إلى أفرادٍ تربوا على الصدق مع الله, والتزام أوامره, والحرص على ما يرضيه.
توهم الأمة أن السبب الأساس لتخبط الأمة وتأخر النصر هو عدم وحدتها
5- وبالنسبة لجانب تفرق الأمة ووحدتها فمن الإشكالات في الخطاب الدعوي والإصلاحي أن تُوْهَم الأمة أن السبب الأساس لتخبط الأمة وتأخر النصر هو عدم وحدة الأمة وإتحاد صفها وتلاحمها, فليس الأساس كذلك, بل نحتاج في الخطاب الدعوي إلى أن نؤكد للمسلمين بأن أمتنا لن تنتصر النصر الحقيقي وتحفظ حتى ولو اتحدت وتلاحم أبناؤها طالما أنها لم تطبق شرع الله وتحترم أوامره. وذلك حتى لا تعتقد الأمة أن أساس دائها هو التفرق (ولا خلاف في أنه مشكلة هامة) , ولتدرك في واقعنا الحالي أنه ليس إلا عرضا من أعراض مأساتها الكبيرة, ألا وهي بعدها عن حقيقة الدين, وعن التمسك الكامل به في كل أمور وجوانب الحياة. قال تعالى: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} الآية (الأنعام:65) . ورجوع الأمة إلى دينها وتمسكها به سيكون أقوى دافع لاتحاد الأمة ولحمتها, بل هو جزء أساس من معاني الرجوع إلى الدين وصدق التمسك به وبتعاليمه.
التركيز على كيد الكافرين ومؤامراتهم أكثر من التركيز على الإصلاح وعودة الأمة
6- أيضا يلاحظ في أحيانٍ عديدة التركيز على كيد الكافرين ومؤامراتهم وخططهم وخطورتهم والسبل المادية لمواجهتهم أكثر من التركيز على الإصلاح وعودة الأمة, مع أن صلاح الأمة هو الأساس لردنا أي كيد وأي اعتداء, وخالقنا العظيم العليم أخبرنا سبحانه بأن كيدهم لن يضرنا إذا صبرنا واتقينا {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} (آل عمران:120) . ولا شك أن أقوى ما نواجه به الكافرين هو صدقنا مع الله والتزامنا بأوامره, وأن أهم أسباب هزيمتنا وذلنا هو المعاصي, وبعدنا عن الله وعن التطبيق الحقيقي الكامل لشرعه وأوامره, ولا رد حقيقي لكيد الأعداء ونحن نقويه بذنوبنا ومعصيتنا.
بل وإن التركيز على كيد الأعداء (الذي من المُسَلّمْ بأنه لا خلاف في الأصل على أهميته) بطريقة تُشْعِر بأنه الأساس في مصائبنا وبدون تذكير الأمة بأمراضها التي كانت السبب في ذلها واستئساد الأعداء عليها وتمكنهم منها, قد يكون أيضا عاملاً آخراً يضعف التفات الأمة لمرضها الأساس, ودائها الأهم, وأولوياتها في طريق إنقاذ نفسها من الأخطار المحيطة بها؛ قال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} (آل عمران: 165) .
جعل مشاكل الأمة فقط بسبب عدم وجود أمثال صلاح الدين
7- يكثر بعض الدعاة أحيانا من ذكر " صلاح الدين " وغيره من أبطال الأمة خاصة في الأشعار والأناشيد عند كلامهم عن مآسينا, ولاشك في أن أمتنا تحتاج إلى أمثالهم وبشدة, ولكن....... أن نجعل أن كل مشاكل الأمة وكل مآسينا بسبب عدم وجود أمثال " صلاح الدين " يعتبر فهماً خاطئاً, وله خطورته من حيث إنه يصرف أنظار الأمة عن أمراضها الحقيقية التي تنخر في جسدها, كما وضح ذلك صاحب كتاب " هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس" الدكتور ماجد الكيلاني. ثم كيف يخرج لنا مثل " صلاح الدين "؟! , هل ننتظر أن يوجد بيننا حتى ونحن على ما نحن عليه!!!! إن العودة إلى الله ومناهج الإصلاح هي التي تخرج لنا" صلاحاً" -بإذن الله-!!. و" صلاح الدين " نفسه كان أحد ثمار المنهج الإصلاحي الذي عاصره وسبقه. ولا شك أن ذكر" صلاح الدين " والأبطال مهم ونحتاجه, ولكن ليكن وسيلة لتحفيز الأمة للعودة إلى الدين, والنخوة له, والجهاد الصادق في سبيله, وليكن حافزا لنا لنكون على مثل ما كان عليه " صلاح الدين " من صلاح (1) وتقوى, سبقت بطولته وإنجازاته.
وذلك حتى يكون ذكره حافزا لنا في معرفة واجباتنا ومسؤوليتنا في الإصلاح, لا أن يكون ذكره وذكر عدم وجود أمثاله شماعة!!!! يستغلها الشيطان لكي تُلقي الأمة عليها أخطاءها بينما هي سادرة في غفلتها ولهوها وذنوبها, والتي هي أساس مأساتها وتخبطها وتفرقها وضياعها وهوانها.
كثرة استخدام مصطلح العودة إلى الدين بشكل عام لا بشكل فردي
8- يبدو أيضا أن كثرة استخدام الدعاة والمصلحين والشعراء مصطلح العودة إلى الدين بالشكل الذي يخاطب الأمة بشكل عام لا بشكل فردي مثل عبارة "عودي إلى الله" التي تخاطب الأمه وعبارة "الحل في عودتنا لما كنا عليه سابقا" قد لا تشعر الفرد المسلم بواجبه في التغيير, خاصة مع وجود الغبش الكبير في فكر وسلوك أمتنا الديني, فقد يعتقد الكثير من أبناء الأمة أنهم ليسوا هم المقصودين بهذه العودة, خاصة مع وجود عدو الإنسان الكبير الشيطان الرجيم وشياطين الإنس, الذين يلبسون على المسلم أحكام دينه ويجعلونه يرضى بواقعه, على الرغم من وجود التقصير الكبير في تطبيقه والتزامه بالدين وأحكامه. وأيضا قد لا يكون واضحا للفرد أن بداية تغيير واقع الأمة وعودتها إلى الله تبدأ بالفرد نفسه, بالتزامه الصادق الكامل وبدعوته غيره من أفراد المجتمع (عودة ودعوة) . (1)
الانتكاس الذي يحدث للأمة بعد فترة وجيزة من انتهاء إحدى نكبات المسلمين
9- مما يدل أيضا على أن خطابنا الدعوي كان ناقصاً هو ما نلاحظه من البرود والانتكاس العاطفي والعملي السريع , والعودة للضلال واللهو الذي يحدث للأمة بعد فترة وجيزة من انتهاء إحدى نكبات المسلمين. بل حتى أنه مع استمراء الواقع وكثرة المذابح أصبح الكثير من الأمة يلهو ويغني, وينشغل بالدنيا, والمعاصي التي يؤخر بها نصر أمته في نفس الوقت الذي يرى أمامه يوميا إخوانه وهم يذبح أطفالهم, وتهدم منازلهم, وينكل بهم أشد تنكيل.
عدم تناول الكثير من الكتابات طريق النصر الحقيقي بإيضاح جيد
10- يبدو أن من آثار عدم تركيز الدعاة وغيرهم من المصلحين والغيورين على طريق النصر الحقيقي-بالقدر الكافي- في خطابهم الدعوي أننا أصبحنا نرى العديد من الإنتاجات الطيبة التي كانت ردة فعل للمحن من مقالات وأشعار وكتابات, وإصدارات إعلامية متنوعة, وتوجهات شعوبية (1) , كلها طيبة لكن الكثير منها يتسم بعدم تلمس طريق النصر الحقيقي بإيضاح جيد لا بكلمات رنانة عامة, وأفعال حماسية غير دقيقة في توجهها لأساس الداء والدواء. بل إن بعض ردود الفعل تجاه المحن سواء كانت نثراً أو شعراً أو خطابةً أو مظاهرات أو غير ذلك كانت تتكلم عن المحن بالطريقة التي يتكلم بها أي إنسان يضيع عليه مجده أو وطنه أو ينتهك عرضه ودمه, فبعضها جاف من المعاني الإسلامية, ومعاني العبودية, وفي بعضها سمة الحمية أظهر من سمة العبودية والإخلاص والتجرد والعمل من اجل إرضاء الله.
طمأنة الأمة بأن النصر قادم دون أن تذكر الأمة بأهمية تصحيح مسارها
11- ومن الإشكالات التي لوحظت ما يمكن أن نسميه التخدير بالنصر والتفاؤل الذي يحدث عندما يحرص بعض الأفاضل الكرام الغيورين من الدعاة والمصلحين في خطاباتهم -كلمات كانت أو شعرا أو توجيهات- على طمأنة الأمة بأن النصر قادم, وبث روح التفاؤل فيها بدون أن ُتذَكَّر الأمة بأهمية أن تصحح مسارها, وتتوب من المعاصي التي وقعت فيها, وتعلن وتبدأ بجدية في العودة الصادقة إلى الله, وإلى حقيقة دينها وتطبيقه الكامل, والدعوة والبذل والتضحية من أجله, فنكون بذلك كمن يطمئن الطالب الكسول المحبط بأن عليه ألا ييأس وأنه سينجح بدون أن يذكره بأن عليه أن يثابر ويجتهد. ولا يعني هذا عدم التشجيع على بث روح الأمل والتفاؤل, فهو أمر مطلوب محمود, ولكن القصد أن يكون معه تذكير واضح بالعمل والسعي للتغيير, حتى تُتَلافى سلبية الركون واستمراء الواقع. ((إن أمتنا تحتاج إلى التفاؤل ولكنها..... تحتاج أكثر ما تحتاج إلى من يهزها بقوة لتستيقظ من نومها العميق وبُعدها, تحتاج أكثر من التفاؤل إلى من يحذرها من حدوث مآسٍ وعقوبات أخرى من الجبار سبحانه لها فهي: لم تفق وترجع إلى الله وهي في أشد مآسيها وذلها وهوانها,
لم تعد ولم تتب من المعاصي (1) وهي ترى المسلمين يذبحون ذبح النعاج بما فيهم أطفالهم!!! الأبرياء, لم تعد (2) وهي تسمع بآلافٍ!!!! من أخواتهن يغتصبن!!!! . لم تعد ولم تتب وهي ترى الأعداء يتربصون بها من كل جانب!! لم تعد ولم تتب وهي ترى العالم يعيش في قمم من الضياع والتعاسة والكفر والضلال, وهي المسؤولة عن تبليغه طريق النجاة ... أولاً:بتمثلها هي نفسها الإسلام حقيقة وصدقاً (فهو الأهم لنشر الدين) , وثانياً: بتبليغها الإسلام بكل عزم وهمة. إن أمتنا التي لم تفق (3) ولم تعد وهي ترى كل هذه البلايا.... تحتاج أكثر ما تحتاج إلى من يخوفها من حصول مثل ما حصل لإخوانهم عليهم. وإذا أردنا أن نخفف بعض إحباطاتها فليُصاحب ذلك تذكيرٌ بالطريق والوسيلة التي بحصولها وبالبدء بتحقيقها نتفاءل التفاؤل الحقيقي الذي يكون تفاؤلا مفيداًً لا أماني قد تضر أكثر مما تفيد ((. (4)
تغليب المهم على الأهم كذكر بعض محن الأمة على تذكير الأمة بواجبها في الصلاح والإصلاح
12- ومن سلبيات بعض الألفاظ التي تستخدم للتعبير عن بعض مآسي ومحن الأمة ووصفها مثلاً بأنها القضية الأخطر التي تواجهنا ونعيشها أو بأنها مشكلة المسلمين وقضيتهم الكبرى - وذلك في غياب أو ضعف تذكير الأمة بواجبها في الصلاح والإصلاح عند الحديث عن هذه الأحداث- أن تصرف الأمة عن التركيز على قضيتها الكبرى ومأساتها الأكبر ألا وهي بعدها عن حقيقة الدين, والالتزام بأوامره, والتي نتجت واستمرت بسببها شتى المآسي التي تعيشها الأمة من ضعف وتفرق وتخبط, وذل وهوان, وضياع للمقدسات والأوطان,..... فتعتقد الأمة أن المأساة هي فقط فيما حصل من فقدان للأراضي والبلاد, ... وكأنه يرضي الله وتتحقق رسالتنا في الأرض فقط باسترداد ما فقد منا, وبأن ننتصر على الأعداء, وإن استمررنا على مداومة المعاصي والبعد عن حقيقة الدين.
مخاطبة الأمة أو بعض فئاتها وكأنها بشكل عام الأمة المستقيمة
13- وختاماً فمن بعض النقاط السابقة يلمس المرء أن بعض أحبتنا من الدعاة والمصلحين في حديثهم عمّا يتعلق بالمآسي التي نعيشها يخاطبون (في أحيانٍ قليلة أو كثيرة) الأمة أو بعض فئاتها وكأنها بشكل عام الأمة المستقيمة على ما يرضي الله والمطبقة لشرعه والسائرة على هداه, والتي لم يبق لها إلا توجيه لقضية معينة قصرت فيها, أو مسألة واحدة أخطأت في فهمها, أو فقط اجتماع كلمتها على حُكمٍ في مسألة,..... ولكن القضية أكبر وأشمل من ذلك,.... إنها قضية إحياء أمتنا التي قتلها الأعداء والمفسدون والشيطان والهوى منذ عقود عديدة بإبعادها عن أساس حياتها, ومقتضيات رسالتها, وسر سعادتها في الدنيا والآخرة.
أن يكون الخطاب الدعوي مركزا على الحل الأساس الأهم
ثانياً: ما نتمناه في خطابنا الدعوي عن المآسي: 1- نتمنى من الخطاب الدعوي والإصلاحي عن مآسي أمتنا وتخبطاتها أن يكون مركزا على الحل الأساس الأهم حسبما عرفنا من السنن الربانية التي عرَّفنا بها قرآننا العظيم, ونبينا صلى الله عليه وسلم, وعلماء الأمة وسلفها الصالح, ألا وهو رجوع الأمة إلى دينها, وتطبيقه الكامل, وابتعادها عن المعاصي والذنوب التي هي أساس المصائب والفتن والنكبات والشرور. وأن يركز على علاج مرض أمتنا أكثر من التركيز على علاج أعراضه, (1) وأن يكون مستمرا لا منقطعا, حتى لا يكون فقط ردة فعل تأخذ وقتها ثم تبرد وتنتهي.
أن يكون خطابه معروضا بطريقة مفصلة دقيقة
2- نتمنى أيضا من الخطاب الدعوي - عندما يوضح أن نصرنا بالعودة (1) إلى ديننا- أن يكون خطابه معروضاً بطريقة مفصلة دقيقة, تبين لكل فرد كيف يكون دوره في العودة والتغيير, لا أن يكون الخطاب بكلمة عامه فقط لا تُشعر الفرد بدوره ومسؤوليته في تحقيقها, بل وتؤدي أحيانا إلى أن نَجْعَل الفرد ممن يقول ما لا يفعل, فهو قد يتغنى بأن الحل في العودة ولكنه بعيد عن تحقيقها وعن معانيها وواجباتها. فنحن نتمنى أن تكثر الكلمات القوية والأشعار المؤثرة التي تجعل الفرد المسلم يخرج منها بخطوات عمليه عمَّا ينبغي أن يفعله هو بنفسه لتغيير واقع أمته, لا أن يخرج فقط بحماس وانفعال قد يبرد سريعا, فأمتنا تريد عملا وعاملين.
أن يبين ويذكر ببعض المنكرات
3- حبذا أيضا لو كان في خطابنا الدعوي- نثرا كان أو شعرا أو خطابة - تبيين وتذكير ببعض المنكرات التي انتشرت في الأمة وخاصةً التي استمرأها المسلمون , وهذا أفضل من العموميات في الكلام عن العودة والذنوب, لكي يتضح للفرد المسلم نقاط خلله وتقصيره (1) , ومن ثم يكون خطابنا أقوى في النتيجة العملية الناتجة منه بإذن الله. وليت خطابنا الدعوي لا يُغفل تذكير الفرد والمجتمع بخطر المعاصي كلها بشتى أنواعها, بما فيها خطر الإصرار على الصغائر (2) , الذي تساهل به حتى الكثير من الأفاضل والطيبين, نسياناً منهم لبعض الحقائق والأسس المتعلقة بهذا الموضوع, ومنها تحول الصغائر إلى كبائر بأمور عديدة منها الإصرار والمجاهرة وعدم الحياء والخجل من الله في عملها كما وضح هذه الحقائق علماء الأمة وسلفها الصالح. فنحتاج في خطابنا إلى تبصير الأمة بهذه الحقيقة التي نُسيت, وخاصة وأننا نرى الانتشار الضخم في الإصرار على كثير من الصغائر في واقع أمتنا الحاضر, والذي لا شك في أن إفساد المفسدين وتضليل المضلين دعمه وقوَّاه في قضايا كثيرة.
وعلينا أن لا ننسى أن كثيراً من الكبائر التي انتشرت في الأمة كان مبدؤها التساهل بصغائر متعلقة بها وتؤدي إليها. كما أن التهاون والإصرار على الصغائر يُجَرِّئ المسلم على غشيان غيرها من المعاصي ولو لم تكن متعلقة بها.
أن يشعر المسلمين بفاعلية بالتحديات الخطيرة التي تواجه الأمة
4- نتمنى أن يُشْعِر الخطاب الدعوي والإصلاحي المسلمين بفاعلية بالتحديات الخطيرة التي تواجه الأمة, ويربطها بضرورة تصحيح المسار والإصلاح, ... حتى يكون الشعور بالتحدي فعالا في إيقاظ المسلمين وعودتهم. وقد كان الشعور بالتحدي فعالا في تغيير حياة كثير من شعوب العالم بعد نكبات ألمت بهم (اليابان أحد هذه الأمثلة) .
أن يربط كل أمور وشؤون حياتنا وانفعالاتنا وتحركاتنا بعبوديتنا لله
5- نحن في حاجة كبيرة إلى الخطاب الدعوي الذي -عندما يخاطبنا في مآسينا, ومشكلاتنا, وفي كل أمور وشؤون حياتنا وانفعالاتنا وتحركاتنا- يربطها بعبوديتنا لله , فهذا هو الأصل الذي ربانا الإسلام عليه وامرنا الله به وخلقنا من أجله, قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام: الآيات 162-163) . وإن صدق الإخلاص لله في أمورنا -مع التزامنا بالنهج الصحيح بالطبع - من أهم أسباب نصرنا , بل حتى حميتنا وغيرتنا عندما نرى ذبح إخواننا ينبغي أن تكون مربوطة بعبوديتنا لله, فنسعى لإيقاف ذلك لأنه يغضب ربنا سبحانه, ويعوق نشر دينه, وتحقيق خلافة الإنسان في الأرض, لا أن يكون غيرة وحمية أرضية.
أن ينتج عنه حصول توجه ضخم لأمتنا نحو الحل الأساس
6- يحدونا أملٌ كبير -إن حقاً ذكرنا أمتنا بفعالية بدائها الأساس وجعلناه قضيتها الكبرىالأهم- أن ينتج عن ذلك حصول توجه ضخم لأمتنا نحو الحل الأساس بما يمكن أن نسميه للتذكير " مقاطعة الذنوب. " وعلى الرغم من أهمية وضرورة المقاطعة الاقتصادية وفرحنا بها إلا أن مقاطعة الذنوب! هي المقاطعة الأهم , وهي الدواء الأساس الذي بِعَدَمِهِ يفشل أي دواء أو عمل مساند في تحقيق الشفاء والتمكين لأمتنا المريضة الجريحة الذبيحة. بل إن مقاطعة الذنوب بمفهومها الحقيقي الكامل تشمل المقاطعة الاقتصادية, وتقويها, وتدعمها, وتحفز الأمة لها. وإن تحمس المسلمين الكبير للمقاطعة الاقتصادية التي دعا إليها الكثير من الدعاة والمصلحين لهي دلالة واضحة عن وجود البذرة الصالحة والاستعداد في الأمة للتوجه بحماس للعودة إلى الله في حال تذكيرها بهذه القضية بصورة مركزة كما حدث في المقاطعة الاقتصادية. فكما فرحنا بإحساس أمتنا بالمقاطعة الاقتصادية الذي أدركه وتحمس له حتى الكثير من أطفالنا!!!....فإننا ننتظر فرحنا بحصول توجه كبير في الأمة نحو المقاطعة الأهم التي هي الأساس لحصول النصر واستعادة العزة.
ختاما
ختاما: نقول لكل غيور قال أو كتب كلمة قوية مؤثرة وذرف الدموع تأثرا بالمآسي, وكتب الكلمات الحارة, نقول له: أكثر الله من أمثالك فبالصادقين أمثالكم- الذين يوضحون للأمة نهج الحق والصلاح بصدقٍ وغيرةٍ- تنتصر الأمة بإذن الله ويقترب فرجها. وإنكم عندما تتألمون لقلة الناصر للمسلمين فثقوا -كما لا يخفى عليكم- بأن النصر الأعظم والأكبر سيكون بإذن الله عندما تعود الأمة لله, فيومئذ يعظم العطاء والتضحية (1) من أمة عظيمة عاشت لله بمنهج الله, وتضحي بالمال والأنفس رخيصة في سبيل الله. {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} {بِنَصْرِ اللَّهِ} سورة الروم.
حتى نحقق النصر والفلاح
حتى نحقق النصر والفلاح أخي هل تراك سئمت الكفاح ... وألقيت عن كاهليك السلاح فمن للضحايا يواسي الجراح ... ويرفع راياتها من جديد (1) إخوتنا الدعاة إلى الله - والأصل أن أبناء أمتنا كلهم دعاة إلى الله - يا من حملتم مشاعل الأمل لهذه الأمة في طريقها إلى العودة والنصر. إخوتنا إن مسئوليتنا تعظم مع هذه المآسي, فتقصيرنا في الدعوة وفي تربية أنفسنا التربية القوية في شتى الجوانب الهامة يعني إطالة معاناة الأمة واستمرار مذابح إخواننا. فهل نهنأ والحال كذلك!!؛.... إن أملنا في حاملي مشاعل الأمل هو أن: يحققوا أولاً صدق إخلاصهم وتجردهم لله (2) , وصدق محبتهم له سبحانه (3) , وارتفاعهم في درجات العبودية, وقوتهم في أعمال القلوب, وسلامتهم من أمراضها (4) , (فهذه الأمور من أقوى عوامل الفلاح والنصر) . وأن يلتزموا ما ورد في الكتاب والسنة والدليل الصحيح -فلا فلاح ولا نصر بدون هذا-,.. وحتى لا نقع في تمييع أحكام الدين أو التنطع, وأن يكونوا قدوة حقة تتحدث أفعالهم قبل أقوالهم (5) , وأن يكونوا قمة في أخلاقهم (6) ,
وقمة في تربيتهم الروحية الإيمانية (1) بما فيها الزاد العظيم زاد قيام الليل , وزاد الصلاة الخاشعة والذكر الذي يواطيء القلب فيه اللسان (2) , وأن لا ينسوا أن يتسلحوا بالسلاح العظيم ألا وهو الدعاء في كل أمورهم, ... خاصة دعاء أوقات الاستجابة, وأن يركزوا في دعوتهم للناس على تربية الإيمان والعقيدة أولا (3) , وأن يركزوا على الأولويات (4) ,....... والأهم فالأهم (5) , وألا تفوت عليهم الموازنة بين الواجبات (6) , وألا يركّزوا على الأعراض أكثر من الأمراض (على مستوى الفرد أو المجتمع) , وأن يقدموا العطف واللين والحسنى والتسامح والتحبب والإحسان في تعاملهم الدعوي مع الآخرين, فهو يأتي بما لا تأتي به الشدة التي -في غالبها- تنفر أضعاف ما تقرب, وتُخسِّرُ أكثر مما تُكسب (7) , ومن أُغْضِبَ وخُسِرَ قلبُه ومحبته لا يستجيب للنصح غالبا وإن غُلِبَ في الحجة والتبيان (8) , وألا ينشغلوا في طريق دعوتهم بأمور أو معارك جانبيه تشغلهم عن الأساسيات والواجبات الأهم, وعن الأعداء الحقيقيين (9) , وألا ينشغلوا بغير الأولى والأجدى والأهم للدعوة والإصلاح, فالوقت غالٍ ومحدود والواجبات كثيرة جدا (10) ,
وأن يحفزوا الهمم, ويشدوا العزم, وينطلقوا متفانين باذلين كل أوقاتهم وأموالهم لا بعضها فقط, فهم ممن يفترض أنهم باعوا أنفسهم وأموالهم لله شراءً لجنته, وأن يشحوا بأوقاتهم وأموالهم بأن تضيع في غير ما يخدم الدين ويساهم في تقريب النصر, ... لأنهم قد باعوا حياتهم لله فهي ليست لهم!! , وألا يدعوا أي فرصة فيها خدمة للدعوة إلا واستغلوها أحسن استغلال, ولو كانت فرصة صغيرة أو عارضة (1) , وأن يضحوا براحتهم في سبيل نصر الدين والعمل له, ليبزغ بإذن الله فجر العزة والسؤدد الذي طال انتظاره. وليكونوا كما قيل: نبي الهدى قد جفونا الكرى ... وعفنا الشهي من المطعم نهضنا إلى الله نجلو السرى ... بروعة قرآنه المنزل (2) وأن يجددوا العهد إن ضعف العزم: جدد العهد وجنبني الكلام ... إنما الإسلام دين العاملين وانشر الحق ولا تخش الظلام ... فبصدق العزم يعلو كل دين (3) يقول أحد الدعاة متحدثا عن الدرجة التي ينبغي أن نكون عليها في حماسنا لديننا ودعوتنا:
((إنه من الواجب أن تكون في قلوبكم نار متقدة تكون في ضرامها على الأقل!!! مثل النار التي تتقد في قلب أحدكم عندما يجد ابنا له مريضا ولا تدعه حتى تجره إلى الطبيب, أو عندما لا يجد في بيته شيئا يسد به رمق حياة أولاده فتقلقه وتضطره إلى بذل الجهد والسعي. إنه من الواجب أن تكون في صدوركم عاطفة صادقة, تشغلكم في كل حين من أحيانكم بالسعي في سبيل غايتكم, وتعمر قلوبكم بالطمأنينة, وتكسب لعقولكم الإخلاص والتجرد, وتستقطب عليها جهودكم وأفكاركم, بحيث إن شؤونكم الشخصية وقضاياكم العائلية إذا استرعت اهتمامكم، فلا تلتفتون إليها إلا مكرهين!!. وعليكم بالسعي أن لا تنفقوا لمصالحكم وشؤونكم الشخصية إلا أقل ما يمكن من أوقاتكم وجهودكم ,!!!! فتكون معظمها منصرفة لما اتخذتم لأنفسكم من الغاية في الحياة. وهذه العاطفة ما لم تكن راسخة في أذهانكم ملتحمة مع أرواحكم ودمائكم آخذة عليكم ألبابكم وأفكاركم، فإنكم لا تقدرون أن تحركوا ساكنا بمجرد أقوالكم)) .
قال تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (الأحزاب:23) .