كلمات مضيئة في الدعوة إلي الله

محمد علي محمد إمام

كلمات مضيئة في الدعوة إلي الله بقلم محمد على محمد إمام مراجعة الشيخ / على سعد أبو الخير طبعة مزيدة ومنقحة

دار الكتب والوثائق القومية بطاقة فهرسة فهرسة أثناء النشر إعداد الهيئة العامة لدار الكتب المصرية إدارة الشئون الفنية كلمات مضيئة في الدعوة إلي الله إعداد / محمد على محمد إمام ... ميت غمر الطبعة الأولي 2005 عدد الصفحات (566 صفحة) المقاس (18 × 21 سم) رقم الإيداع: 17991/ 2002 حقوق الطبع محفوظة للمؤلف

تقديم

تقديم الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبى بعده .. بالدعوة إليه - سبحانه وتعالى - نتعرف عليه، ونحبه أكثر من أنفسنا وأولادنا حينما نبذل نعمه التى أعطانا إياها فى النفير فى سبيله ندعو الناس إلى حبه والعمل بما أنزل وبذلك نكون أتباعاً بحق للأنبياء نحيي ملة أبيهم إبراهيم - عليه السلام - ونقيم دين خاتمهم محمد - صلى الله عليه وسلم - الذى حملنا المسئولية من بعده ولا نبى بعده ولكن أهل الإسلام يريدون العمل بالحلال والبعد عن الحرام وتجنب البدع والشركيات دون تحمل أعباء وتكاليف هذه الدعوة التى تحقق لك التوحيد الكامل وليس بدايات التوحيد بل كماله فنمشى على ضوء القرآن: 1) زيارات مثنى .. مثنى .. مثل موسى وهارون عليهما السلام - إلى الطالح والصالح. 2) بعوث دعوية جماعية على غرار سورة يس {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ

فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُون} (¬1) جاءوا دون طلب من أهل القرية وهذا هو الجهد الأعلى التى تبذل فيه ماء الوجوه وتتنازلون فيه عن أعراضكم إذا قابلكم الناس كما قابلوا الأوائل بقولهم ... {قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا تَكْذِبُونَ} (¬2) فصبروا وتحملوا وواصلوا الدعوة رغم التهديد هذا هو التوحيد (العملى) تثق بأسماء الله وصفاته (عملياً) الكلام عنها والكتابة والإجابة أسهل ألف مرة من الاستفادة منها على أرض الواقع وبذلك نصبح من أهل القرآن وأهل العلم وأهل السنة وتكون حياتنا وقراراتنا على طريق الأنبياء عليهم السلام، أمر الله أعظم من كل أمر. فواحزناه على شباب صالح يحمل دراسات كثيرة ولكن لا يشارك فى إحياء هذه البعوث التى نطالب مساجد المسلمين بإقامتها كما كانت فى العهد النبوى علماً وعملاً، وهذا هو ما يرجى من الأمة المسلمة الآن وهذا ما يستطيعه الجميع حتى يزداد الإيمان فإن كنت تعلم أن الإيمان يزيد وينقص ولا تعمل على زيادته حتى يرضى عنك الله - سبحانه وتعالى - فمتى تستفيد من هذه ¬

_ (¬1) سورة يّس - الآيتان 13، 14 (¬2) سورة يّس - الآية 15

المعلومة البديهية؟ التى هى بمثابة المدرس الذى يعلم التلاميذ أن 2 × 2 = 4 ويحفظون جدول الضرب ولا يمارسون بقية الرياضيات. الله - عز وجل - يريد منا توحيداً باللسان يؤثر فى القلب وتتحرك به الجوارح {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّه} (¬1) ولئن عجز المسلمون الآن عن مقدمة سورة الصف فلا يعجزون عن آخرها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ} (¬2) وانطلق المسيح وحواريوه يدعون بنى إسرائيل - الذين كانوا مسلمين وانحرفوا عن طريق الأنبياء - كما هو المطلوب الآن وهذه قاعدة عند أهل السنة: إن عجزت عن أمرٍ فجاوزه إلى ما تستطيع (¬3). وإن من تلبيس إبليس أن يزعم بعضنا أن الدعوة للكفار وليس للمسلمين، بل للنوعين معاً. وبسبب هذا الكلام المخالف للحق تكاسل المسلمون عن دعوة بعضهم فكثر بينهم الشر وضعف إيمان المتحدثين عن الإسلام لأنهم اكتفوا بالفكرة (الطباعة والإذاعة) وتركوا السنة (الحوار المباشر وعرض النفس وبذل المال والوقت وماء الوجه وكل النعم فى إرضاء المنعم الذى لا يرضى إلا باتباع السابقين الأولين). ¬

_ (¬1) سورة الزمر - من الآية23 (¬2) سورة الصف - من الآية14. (¬3) القاعدة (51) من القواعد الحسان لفهم القرآن - للعلامة ابن ناصر السعدى.

{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (¬1) ليس لنا فى مجال الدعوة والصبر عليها سلف سواهم أما سلفنا فى علوم العقيدة والأحكام والفتوى طابور طويل من الأئمة الثقات الذين قاوموا البدع الشركية والفرق الضالة أما فى مجالات الجهد والزهد فلا نقتدى إلا بالصحابة فقط لأن رضاء الله - عز وجل - يرتبط باتباعهم بإحسان أى على أحسن ما كانوا يعملون وهذا من القول الفصل قرآناً وسنة. وسيكون العلم النافع متدفقاً حينما نعود إلى المدرستين: 1) دار الأرقم فى مكة 2) ومسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى المدينة فما بالنا انشغلنا عن القرون الفاضلة الثلاثة الأولى بالقرن الخامس والسابع .... والثانى عشر والرابع عشر؟ نحترم كل العلماء الثقات ونأخذ عنهم ونحبهم ولكن نضعهم فى رتبة أقل من الصحابة عند الدعوة والبذل لله فيصبح قدوتنا التى لا تتغير منحصرة فى: إبراهيم وآل إبراهيم، محمد وآل محمد .. وآل إبراهيم هم جميع الأنبياء وخاتمهم محمد - صلى الله عليه وسلم - وآل محمد هم ¬

_ (¬1) سورة التوبة - الآية 100.

الصحابة ومن سار على نهجهم نأخذ العلم الموثق عن فلان ولا ننظر إلى حياته بل ننظر إلى الصحابة الذين رضى الله عنهم. ولا ندعو الناس إلى إمام واحد غير النبى وخلفائه ولا ندعو الناس إلى جمعية خيرية بعينها بل نحب كل جمعية خيرية تخدم المسلمين وليس فى عقيدتها دخن ونتعاون معهم على قدر النور الذى يحملونه، ونصحح لبعض الأخطاء .. نتكامل ولا نتفاضل .. نتساند ولا نتعاند .. ولا نعقد الولاء والبراء إلا للشريعة الغراء والسنة المشرفة ونعتبر المسلمين الذين يهتمون بأمر الإسلام ويجعلونه مقصد حياتهم عملةً نادرة لابد من المحافظة عليها مع التصحيح المستمر بنية النصيحة لا الفضيحة .. تصحيحاً لا تجريحاً .. لأنهم أبناء الإسلام - الذى لا شرك ولا بدعة فيها - وهم أفضل بكثير من المسلمين المستهترين بالدين والمستهزئين بأهله والذى لم يشارك فى دعوة الجماهير لا يعرف ذلك والذى يكتفى بالحديث إلى الصالحين ولا يدعو الظالمين لا يدرك ذلك. فكل من رضى بالله رباً لم يطلب من غيره العون والمدد ورضى بمحمدٍ رسولاً فلم يجعل قدوته شيخاً أو إماماً، ورضى بالإسلام ديناً يشعر بالغيرة عليه فهو من جماعة المسلمين وإن شرب الخمر، ندعوه إلى التوبة ثم ندعو جميع من تخلص من الكبائر والمعاصى أن يتوبوا من الانشغال بالحلال

فإنه ذنب يحتاج إلى توبة {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا} (¬1). الانشغال بالمال (الوظيفة والورشة والمزرعة) والأهل (زوجه - أولاده) عن الدعوة ذنب يحتاج إلى مغفرة وبذلك يكتمل تعريف التوبة وتعريف الفقه وتعريف التوحيد الخالص. ولابد من إحياء كل عمل جماعى - فى مقدورنا - كان فى العهد النبوى وإلا سنحاسب عن ذلك وبذلك يتحول الدعاء إلى عمل {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي} (¬2) فلنستجب لله حتى يستجيب لنا. {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (¬3) يرشدون باستجابتهم لله واتباعهم للخلفاء الراشدين الذين هداهم الله لأرشد أمورهم لأنهم كانوا يتشاورون كيف ينصرون هذا الدين وينشروه بين الناس يبتغون بذلك وجه الكبير المتعال الحى القيوم. ¬

_ (¬1) سورة الفتح - من الآية11. (¬2) سورة البقرة - من الآية186. (¬3) سورة البقرة - الآية 186.

اللهم ردنا وجميع المسلمين المريدين للحق إلى الإسلام المحمدى الأصيل الذى كان فى المدرستين: (دار الأرقم بمكة. . مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة). وهذا الإسلام يسر لا عسر ومادته العلمية فى متناول كل مسلم حتى لو كان أمياً ولكنه يحمل قلباً شغوفاً بالتلقى عن الوحى ويتحمل مسئولية هذا الإرث ويبلغ ما سمع ووعى حتى لو كان قليل البضاعة فإنها بذلك ستزيد {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} (¬1) العلم الذى ينبغى تبليغه للناس أى القرآن والسنة وليس الآراء والخلافات التى ليس فيها نص قاطع. " رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه " لو كان الأفقه منه منكسراً لله مفتقراً إليه " ورب حامل فقه ليس بفقيه " لو عادت الأمة إلى صفات الصحابة تشجع كل ناصح ولا تعنفه بقولة فرعون {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ} (¬2) وشتان بين المذيعين وبين صانعى الحدث، فالصحابة بذلوا ونحن نتحدث عنهم فهلا نجيد العمل الصالح مثلهم وأعظم الأعمال الصالحة استمالة قلوب العباد إلى رب العباد وهذا يأخذ جهداً أكثر من مجرد النهى عن المنكر والأمر بالمعروف والكل مطلوب، ولكن على منهج السابقين الأولين. ¬

_ (¬1) سورة طه - من الآية114. (¬2) سورة الزخرف - الآية 52.

انظر إلى المحدث العظيم الصحابى الجليل جابر بن عبد الله فى الصحيحين يخرج مع النبى وقد تزوج حديثاً والنبى لا يعلم بذلك وترك له أبوه سبعة من البنات وليس معهم رجل وترك له ديوناً أليس مثل هذا الرجل يجز له أن يعتذر عن ذلك العمل الثقيل على النفس، فهؤلاء سلفنا فى البذل والعطاء: الله أكبر من كل شئ، وصلوا إلى كمال التوحيد: اليقين بوعد الله فلما أنفقوا من راحتهم وأخروا ديناهم من أجل دينهم مكن الله لهم وهذه هى الكرامة {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (¬1)، {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} (¬2) رغم أن هذا الرجل استهزئ به وضرب حتى الموت فى بلده ووسط أهله. ولقد تشبه أبو بكر بمؤمن آل فرعون وتشبه عروة بن مسعود بمؤمن سورة يس. هكذا كان الصحابة أهلاً للقرآن يعملون به، كانوا قرآناً يمشى على الأرض، وأثبتوا لنا أن قصص القرآن لابد أن يتكرر فى كل زمان ومكان وبالدعوة ستكرر الكرامة وستكون العزة خلف سيدنا محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذى كان يعرض نفسه على القبائل ولم يكتف بدعوة عشيرته الأقربين كما يريد المرجئة الجدد بل كان يخرج فى نفر من أصحابه إلى سوق عكاظ الذى ¬

_ (¬1) سورة الحجرات - من الآية 13. (¬2) سورة يّس - الآيتان 26، 27.

كان ينعقد مرة كل عام ثم يتلوه سوقان آخران وذلك فى شهور الحج شوال - ذو القعدة - ذو الحجة، وقد روى البخارى عن ابن عباس أنه لما كان فى عكاظ يصلى الفجر بأصحابه آمن أول طائفة من الجن ودعوا إخوانهم إلى الإسلام دون أن يأخذوا إجازة من النبى - صلى الله عليه وسلم - لأن الإجازة فى الفتوى ليست فى الدعوة {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} (¬1) إذا كان الإنس لا يستجيب، فقد يهتدى الجن بإخلاصك، وأنت لا تدرى. السؤال: لماذا كان النبى - صلى الله عليه وسلم - يذهب إلى سوق عكاظ ومعه أصحابه؟ لعلهم يجدون من يقف معهم ويحمل الأمانة وكان المستجيب يتعلم قيام الليل والقيام بالدعوة نهارا {قُمِ اللَّيْلَ} (¬2) {قُمْ فَأَنْذِرْ} (¬3) مما حدا بكل مسلم جديد أن يصبح داعية فى قومه ثم انتظم الجميع بعد الهجرة فى جيوش تدعو وتقاتل وفى بعوث تدعو ولا تقاتل، هذه سنة وهذه سنة فإن عجز المسلمون عن الأولى فلا يعجزون عن الثانية. ولله الحمد وحده: نجح المسلمون فى العصر الحديث فى موادٍ كثيرة .. مثل اللحية والنقاب وصلاة العيد فى الخلاء والاعتكاف فى العشر الأواخر .. ¬

_ (¬1) سورة الأحقاف - الآية 29. (¬2) سورة المزمل - من الآية2. (¬3) سورة المدثر - الآية 2.

وغيرها من الخيرات وبقيت المادة الأولى التى تعلمها الصحابة فى أول يوم .. وهى الدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى - .. عليها تربوا ونزل كل القرآن فى مكة والمدينة يؤكدها ويحكى عن الأنبياء وأقوامهم. - س: فماذا كانت مادة الدعوة التى تقال وتعرض؟ ج: انظر كتاب الله - سبحانه وتعالى - ستجد ما قاله كل نبى لقومه .. نعم الله لا تحصى وأولها أنه خالقهم ورازقهم ولكن الناس لا يبصرون ولا يعرفون ربهم حقاً فيا من نزل عليه القرآن ويا من تقرأ القرآن بيَّن للناس عظمة ربك وكبره تكبيرا {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} (¬1) ولا تسب أصنامهم واذهب إليهم بنفسك وجهاً لوجه وتحمل وستجد المعرضين مثل أبى جهل وستجد المقبلين مثل أبى بكر. - يا علماء الأمة أحيوا هذه السنة .. وابذلوا من أوقاتكم لإحيائها وتصحيح الأخطاء فتعود المساجد إلى رسالتها الأولى دعوة للمعرضين وتعليماً للمقبلين .. خطان متوازيان وكذلك يا كل مسلم: احرص على مجالس تفسير القرآن وقصص الأنبياء وشرح البخارى ومسلم، على العلم الذى ينفع للدعوة واحرص أيضاً على نوبتك فى بعوث الدعوة فى خطين متوازيين .. الدروس مع البعوث والدعوة الانفرادية لا تغنى عن الدعوة الجماعية متعاونين كما لا تغنى صلاة النافلة عن صلاة الجماعة. ¬

_ (¬1) سورة المدثر - الآية 3.

- وهذا الكتاب الذى بين أيدينا .. يلقى المزيد من الضوء على هذا العلم المهمل المظلوم - علم الدعوة - وهو علم لا ينسخ نأخذه من قصص الأنبياء جميعاً. فالكتاب والشريط من وسائل الدعوة الجميلة ولكن تبقى الطريقة النبوية هى الطريقة المثلى للدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى - وتحمل أذى الناس رغم أننا ضيوف عليهم ذهبنا إليهم بأنفسنا ونتحين الفرصة المناسبة {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} (¬1) ولا نسألهم أجراً .. فإن شتمونا أو احتقرونا بجهلهم نعذرهم كما فعل النبى - صلى الله عليه وسلم - ونرجوا لهم الهداية وهذه سنة نبوية قلبية لا ينالها إلا المخلصون. - وهذا العلم العظيم العريق .. علم الدعوة .. يفهم عملياً بالبعوث ونظرياً بالبحوث والدروس .. فشكر الله لأخينا محمد على إمام الذى صنف هذا الكتاب ورزقه حسن النية حتى ينفع الله المسلمين به بفضل الله وكرمه على المفتقرين إليه ... آمين .. آمين الشيخ / على سعد أبو الخير * * * * ¬

_ (¬1) سورة الأعلى - الآية 9.

مقدمة

مقدمة الحمد لله الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ... وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين .. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .. أفضل من بعث بالرسالة واشتكت إليه الغزالة وكلمه الحجر وآمن به المدر وانشق له القمر ولبى دعوته الشجر واستجار به الجمل وشكا إليه شدة العمل وحن إليه الجذع ودر عليه يابس الضرع وسبحت فى كفه الحصباء ونبع من بين أصابعه الماء. ، ... أما بعد ... ، أكتب هذه الرسالة من منطلق قول ربنا عز وجل {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} (¬1). لمن؟ إلى كل نفس مؤمنة تتطلع شوقاً إلى رؤية راية الإسلام خفاقة على ¬

_ (¬1) سورة الذاريات - الآية 55.

ربوع العالم. إلى كل نفس مؤمنة تتطلع شوقاً إلى رؤية شمس الإسلام تشرق من جديد تأخذ بيد البشرية الضالة المتحيرة ببعدها عن منهج الله ويتجه بها: من .. الظلمات إلى النور .. ومن الجهل إلى المعرفة .. ومن الباطل إلى الحق .. ومن الشر إلى الخير .. ومن الشقاء إلى السعادة .. ومن الضلالة إلى الهداية .. ومن الخوف والقلق والحيرة إلى الأمن والطمأنينة .. ومن الأثرة والأنانية إلى الإيثار والتضحية .. ومن التناكر والتخالف إلى التعارف والتآلف .. إلى كل نفس تريد حمل أمانة الدعوة إلى الله - عز وجل - وتحمل أعباء الجهد والتضحية، لإعلاء كلمة التوحيد. فى هذه الآونة التى التبس فيها الحق بالباطل .. والمعروف بالمنكر .. والخير بالشر .. وكل يوم تعرض الفتن على القلوب، فما يفيق المسلمون من فتنة حتى يقعوا فى غيرها، فأصبح المسلم تائهاً لا يدرى ماذا يفعل .. ؟ ولا يدرى ما وظيفته .. ؟ وما مقصده فى هذه الحياة .. ؟ وللأسف مالت الأمة عن طريق الحق والنور الذى أراده الله - عز وجل - للبشرية كما قال الله - عز وجل -: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً} (¬1) ¬

_ (¬1) سورة النساء - الآيتان 26، 27.

فأخذت الأمة طريق اليهود والنصارى وتركت طريق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - وتمزقت وأصبحت الأمة ليست أمة لأن كل واحد فى الأمة أصبح له مقصد مختلف. فهذا مقصده المال .. وهذا مقصده الجاه .. وهذا مقصده المنصب .. وهذا مقصده الأولاد .. وهذا مقصده الزراعة .. وهذا مقصده التجارة .. وهذا مقصده الصناعة .. وكثير جعل الدنيا مقصده وهى لا تغنى من الله شيئا. ولكن الأمة .. هى التى مقصدها واحد وفكرها واحد ومنهجها واحد. فلنقف ولنتساءل: ماالعلاج؟! العلاج فى التعرف على الله - عز وجل - .. العلاج فى رجوع الأمة إلى دينها وجهد نبيها عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .. العلاج فى خروج الأمة فى سبيل ربها لحمل أمانة دينها .. والتعرف على ذلك يتم من خلال قراءتك لهذه الرسالة، راجياً الله - سبحانه وتعالى - أن ينفع بها كل من وعى حقيقتها .. وتكون شمعة نحو إضاءة طريق الحق والخير والسلام .. آمين .. آمين .. آمين .. محمد على محمد إمام * * * * *

البشارة بالرسول الخاتم - صلى الله عليه وسلم - وأمته فى الكتب المتقدمة

البشارة بالرسول الخاتم - صلى الله عليه وسلم - وأمته فى الكتب المتقدمة عن عطاء بن يسار قال، لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) فقلت أخبرني عن صفة رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - فى التوراة قال: أجل والله إنه لموصوف فى التوراة ببعض صفته فى القرآن {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً} (¬1) وحرزاً للأميين أنت عبدى ورسولى سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخَّاب (¬2) فى الأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله فيفتح بها أعيناً عُميا وآذاناً صُما وقلوباً غُلفا" (أخرجه البخارى والإمام أحمد) (¬3). ¬

_ (¬1) سورة الأحزاب - الآية 45. (¬2) سخًّاب: أى كثير الصخب وهو الذى يرفع صوته فى الأسواق. (¬3) مشكاة المصابيح - باب فضائل سيد المرسلين 3/ 1602.

وقال وهب ابن منبه: إن الله تعالى أوحى إلى نبى من أنبياء بنى إسرائيل يقال له (شعياء) أن قم فى قومك بنى إسرائيل فإنى منطق لسانك بوحى وأبعث أمياً من الأميين أبعثه ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب فى الأسواق، لو يمر إلى جنب سراج لم يطفئه من سكينته، ولو يمشى على القصب لم يسمع من تحت قدميه، أبعثه مبشراً ونذيراً لا يقول الخنا، أفتح به أعيناً كمهاً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً، أسدده لكل أمر جميل وأهب له كل خلقٍ كريم وأجعل السكينة لباسه، والبر شعاره، والتقوى ضميره، والحكمة منطقه، والصدق والوفاء طبيعته، والعفو والمعروف خُلقه، والحق شريعته، والعدل سيرته، والهدى إمامه، والإسلام ملته، وأحمد اسمه، أهدى به بعد الضلال، وأعلَّم به بعد الجهالة، وأرفع به بعد الخمالة، وأُعرف به بعد النكرة، وأكثر به بعد القلة، وأغنى به بعد العيلة، وأجمع به بعد الفرقة، وأؤلف به بين أمم متفرقة، وقلوب مختلفة وأهواء متشتتة، وأستنقذ به فئاماً من الناس عظيمة من الهلكة، وأجعل أمته خير أمه أُخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر موحدين مؤمنين مخلصين مصدقين لما جاءت به رسلى، ألهمهم التسبيح والتحميد والثناء والتكبير والتوحيد فى مساجدهم ومجالسهم ومضاجعهم ومنقلبهم ومثواهم، يصلون لى قياماً وقعوداً، ويقاتلون فى سبيل الله صفوفاً وزحوفاً، ويخرجون من ديارهم ابتغاء مرضاتى ألوفاً يطهرون الوجوه والأطراف، ويشدون الثياب فى

الأنصاف (¬1)، قربانهم دماؤهم، وأناجيلهم فى صدورهم، رهبان بالليل، ليوث بالنهار، وأجعل فى أهل بيته وذريته السابقين والصديقين والشهداء والصالحين أمته من بعده، يهدون بالحق وبه يعدلون، وأعز من نصرهم، وأؤيد من دعا لهم، وأجعل دائرة السوء على من خالفهم أو بغى عليهم أو أراد أن ينتزع شيئاً مما فى أيديهم، أجعلهم ورثة لنبيهم، والداعية إلى ربهم، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويوفون بعهدهم، أختم بهم الخير الذى بدأته بأولهم ذلك فضلى أوتيه من أشاء وأنا ذو الفضل العظيم ". (أخرجه ابن أبى حاتم عن وهب) (¬2). وذكر وهب بن منبه فى قصة داود عليه السلام وما أوتى إليه فى الزبور: يا داود: " إنه سيأتى من بعدك نبى اسمه أحمد ومحمد صادقاً سيداً، لا أغضب عليه أبداً، ولا يغضبنى أبداً، وقد غفرت له قبل أن يعصينى ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أمته مرحومة أعطيتهم من النوافل مثل ما أعطيت الأنبياء وافترضت عليهم الفرائض التى افترضت على الأنبياء والرسل حتى يأتونى يوم القيامة ونورهم مثل نور الأنبياء، وذلك أنى افترضت عليهم أن ¬

_ (¬1) إشارة إلى ما رواه أبو سعيد الخدرى - رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه، لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين، ما أسفل ذلك ففى النار - قال ذلك ثلاث مرات - ولا ينظر الله إلى من جر إزاره بطراً .. " رواه أبو داود وابن ماجة (مشكاة المصابيح - كتاب اللباس - 2/ 1243). (¬2) مختصر تفسير ابن كثير - سورة الأحزاب – 3/ 102.

يتطهروا إلى كل صلاة كما افترضت على الأنبياء قبلهم، وأمرتهم بالغسل من الجنابة كما أمرت الأنبياء قبلهم، وأمرتهم بالحج كما أمرت الأنبياء قبلهم، وأمرتهم بالجهاد كما أمرت الرسل قبلهم. يا داود: إنى فضلت محمداً وأمته على الأمم كلها، أعطيتهم ست خصال لم أعطها غيرهم من الأمم: - لا آخذهم بالخطأ والنسيان. - وكل ذنب ارتكبوه على غير عمد إن استغفرونى منه غفرته لهم. - وما قدموا لآخرتهم من شئ طيبة به أنفسهم جعلته لهم أضعافاً مضاعفة وأفضل من ذلك. - وأعطيهم على المصائب فى البلايا إذا صبروا وقالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون، الصلاة والرحمة والهدى إلى جنات النعيم، فإن دعونى استجبت لهم فإما أن يروه عاجلاً وإما أن أصرف عنهم سوءاً وإما أن أدخره لهم فى الآخرة. يا داود: من لقينى من أمة محمد يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له صادقاً بها فهو معى فى جنتى وكرامتى، ومن لقينى وقد كذب محمداً أو كذب بما جاء به واستهزأ بكتابى صببت عليه فى قبره العذاب صبا، وضربت

الملائكة وجهه ودبره عند منشره من قبره ثم أدخله فى الدرك الأسفل من النار " (¬1). وعن كعب يحكى عن التوراة قال: " نجد مكتوباً محمدٌ رسول الله عبدى المختار لا فظ ولا غليظ ولا سخاب فى الأسواق ولا يجزى بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر مولده فى مكة وهجرته بطيبة وملكه بالشام وأمته الحمادون، يحمدون الله فى السراء والضراء، يحمدون الله فى كل منزلة، ويكبرونه على كل شرف، رعاة الشمس يصلون الصلاة إذا جاء وقتها، يأتزرون على أنصافهم، ويتوضئون على أطرافهم، مناديهم ينادى فى جو السماء، صفهم فى القتال وصفهم فى الصلاة سواء، لهم بالليل دوى كدوى النحل ". (هذا لفظ المصابيح ورواه الدارمى بتغيير يسير) (¬2). وروى الحافظ البيهقى بسنده عن وهب بن منبه اليمانى قال: إن الله - عز وجل - لما قرب موسى نجيا، قال: رب! إنى أجد فى التوراة أمة خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله، فاجعلهم أمتى، قال: تلك أمة أحمد، قال: رب! إنى أجد فى التوراة أمة هم خير الأمم السابقون يوم القيامة فاجعلهم أمتى، قال تلك أمة أحمد، قال: رب! إنى أجد فى التوراة أمة أناجيلهم فى صدورهم ¬

_ (¬1) البداية والنهاية - 6/ 63. (¬2) مشكاة المصابيح – باب فضائل سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم - 3/ 1606.

يقرؤونها وكان من قبلهم يقرءون كتبهم نظراً ولا يحفظونها، فاجعلهم أمتى، قال تلك أمة أحمد، قال: رب! إنى أجد فى التوراة أمة يؤمنون بالكتاب الأول والآخر، ويقاتلون رؤوس الضلالة حتى يقاتلوا الأعور الكذاب فاجعلهم أمتى، قال: تلك أمة أحمد، قال: رب! إنى أجد أمة يأكلون صدقاتهم فى بطونهم وكان من قبلهم إذا أخرج صدقته بعث الله عليها ناراً فأكلتها، فإن لم تقبل لم تقربها النار، فاجعلهم أمتى، قال: تلك أمة أحمد، قال رب! إنى أجد فى التوراة أمة إذا همَّ أحدهم بسيئة لم تكتب عليه فإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة، وإذا همَّ بحسنه ولم يعملها كتبت له حسنة كاملة فإن عملها كتبت له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف، فاجعلهم أمتى، قال: تلك أمة أحمد. قال: رب! إنى أجد فى التوراة أمة هم المستجيبون والمستجاب لهم فاجعلهم أمتى، قال: تلك أمة أحمد " (¬1). وعن مقاتل بن حيان قال: أوحى الله - عز وجل - إلى عيسى ابن مريم .. جد فى أمرى ولا تهزل، واسمع وأطع يابن الطاهر البتول، إنى خلقتك من غير فحل، وجعلتك آية للعالمين، فإياى فاعبد وعلى فتوكل، فبين لأهل سوران أنى أنا الحق القائم الذى لا أزول، صدقوا بالنبى العربى صاحب الجمل والمدرعة والعمامة والنعلين والهراوة، الجعد الرأس، الصلت الجبين، المقرون الحاجبين، الأدعج العينين، الأقنى الأنف، الواضح الخدين، الكث ¬

_ (¬1) البداية والنهاية لابن كثير – المجلد 6/ 62.

اللحية، عرقه فى وجهه كاللؤلؤ، ريحه المسك ينفح منه، كأن عنقه إبريق فضه، وكأن الذهب يجرى فى تراقيه له شعرات من لبته إلى سرته، تجرى كالقضيب، ليس على صدره ولا بطنه شعر غيره، ششن الكفين والقدم، إذا جامع الناس غمرهم، وإذا مشى كأنما ينقلع من الصخر وينحدر من صبب، ذو النسل القليل (¬1) (¬2). * * * * * ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬2) كل هذه الآثار عن بنى إسرائيل الذين أسلموا كما فى البخارى (وحدثوا عن بنى إسرائيل ... ولا حرج) ونستثنى ما خالف صريح القرآن والسنة المحمدية فلا نصدقه لقول النبى - صلى الله عليه وسلم - لا تصدقوهم ولا تكذبوهم أى نرفض فقط ما خالف الوحيين.

الإعداد لبعثة الرسول الخاتم - صلى الله عليه وسلم -

الإعداد لبعثة الرسول الخاتم - صلى الله عليه وسلم - عن ابن عباس - رضي الله عنهم - قال: كان لنزار (¬1) أربعة أولاد: مضر وربيعة وإياد وأنمار، فلما حضرته الوفاة وصاهم فقال: يا بنى هذه القبة الحمراء من أدَمَ وما أشبهه من المال لمضر، وهذا الخباء الأسود وما أشبهه لربيعة، وهذه الخادمة وكانت شمطاء وما أشبهها لأياد، وهذه الندوة والمجلس وما أشبهه لأنمار، فإن أشكل عليكم واختلفتم فعليكم بالأفعى الجرهمى بنجران، فلما مات واختلفوا وأشكل عليهم أمر القسمة فتوجهوا إليه فبينما هم يسيرون إذ رأى مضر كلأ قد رُعى فقال: إن البعير الذى رعى هذا الكلأ ¬

_ (¬1) نزار: هو جد من أجداد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وإليك النسب النبوى الشريف: محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو القاسم سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد بن عبد الله بن عبد المطلب (شيبة الحمد) بن هاشم (عمرو) بن عبد مناف (المغيرة) بن قصى (زيد) بن كلاب بن مرة ... بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر (قريش) بن مالك بن النضر (قيس) بن كنانة بن خزيمة بن مدركة (عامر) بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان (وعدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهم السلام بإجماع الناس والنسب من فوق عدنان إلى إبراهيم عليه السلام مختلف فيه) تاريخ الإسلام للذهبى - 1/ 21.

أعور، وقال ربيعة: هو أزور، وقال أياد: هو أبتر، وقال أنمار: هو شرود. فلم يسيروا قليلاً حتى لقيهم رجل يوضع على راحلته فسألهم عن البعير. فقال مضر: أهو أعور .. ؟ قال: نعم. وقال ربيعة: أهو أزور .. ؟ قال: نعم. وقال أياد: أهو أبتر .. ؟ قال: نعم. وقال أنمار: أهو شرود .. ؟ قال: نعم، وهذه صفة بعيرى فدلونى عليه، فقالوا: والله ما رأيناه قال: قد وصفتموه بصفته فكيف لم تروه؟ وسار معهم إلى نجران حتى نزلوا بالأفعى الجرهمى فناداه صاحب البعير: هؤلاء أصحاب بعيرى وصفوه لى بصفته وقالوا لم نره، فقال لهم الأفعى الجرهمى: كيف وصفتموه ولم تروه؟ فقال مضر: رأيته يرعى جانباً ويترك جانباً فعرفت أنه أعور. وقال ربيعة: رأيت إحدى يديه ثابتة الأثر والأخرى فاسدة الأثر فعرفت أنه أزور. وقال إياد: رأيت بعره مجتمعاً فعرفت أنه أبتر، ولو كان ذيالاً لمصعه بذيله. وقال أنمار: رأيته يرعى المكان الملتف نبته ثم يجوزه إلى مكان أرق منه وأخبث فعرفت أنه شرود.

فقال الجرهمى لصاحب البعير: ليسوا أصحاب بعيرك فاطلب من غيرهم ثم سألهم من هم؟ فأخبروه أنهم بنو نزار بن معد بن عدنان. فقال: أتحتاجون إلىَّ وأنتم كما أرى فى جزالتكم وصحة عقولكم وآرائكم على ما أرى؟ ثم خرج عنهم وأرسل لهم بطعام فأكلوا وبشراب فشربوا. فقال مضر: لم أر كاليوم خمراً أجود لولا أنها نبتت على قبر. وقال ربيعة: لم أر كاليوم لحماً أطيب لولا أنه ربى بلبن كلبه. وقال إياد: لم أر كاليوم رجلاً أسرى لولا أنه يدعى لغير أبيه. وقال أنمار: لم أر كاليوم كلاماً أنفع فى حاجتنا. وسمع الجرهمى الكلام .. فتعجب لقولهم وقال ما هؤلاء الشياطين وأتى أمه فسألها فأخبرته أنها كانت تحت ملك لا ولد له فكرهت أن يذهب الملك فأمكنت رجلاً من نفسها كان نزل به فوطئها فحملت منه به. وسأل القهرمان عن الخمر.؟ فقال: من كرمة غرستها على قبر أبيك. وسأل الراعى عن اللحم .. ؟ فقال شاه أرضعتها بلبن كلبه لأن الشاه حين ولدت ماتت ولم يكن ولد فى الغنم شاه غيرها. فقيل لمضر من أين عرفت أن الخمر ونباتها على قبر؟ قال: لأنى أصابنى عليها عطش شديد. وقيل لربيعة: من أين عرفت أن الشاه ارتفعت على لبن كلبة .. ؟

قال: لأننى شممت فيها رائحة الكلب. ولأن لحم الكلب يعلو شحمه بخلاف لحم الشاه فإن شحمها يعلو لحمها. وقيل لإياد: من أين عرفت أن الرجل يدعى لغير أبيه .. ؟ قال: لأنى رأيته يتكلف ما يعمله. ولأنه وضع الطعام ولم يجلس معنا فيكون أصله دنيئاً. ثم أتاهم الجرهمى وقال: صفوا لى صفتكم فقصوا عليه ما أوصاهم به أبوهم نزار فقضى لمضر: بالقبة الحمراء والدنانير والإبل وهى حُمر فسمى مضر الحمراء. وقضى لربيعة: وما أشبه الخباء الأسود من دابة ومال فهو لربيعة فصارت إليه الخيل وهى دهم فسمى ربيعة الفرس. وقضى لإياد: وما أشبه الخادم وكانت شمطاء من مال فيه بلق فهو لإياد فصارت الماشية البلق له فقيل إياد الشمطاء. وقضى لأنمار: بالأرض والدراهم. وهذا الذى ظهر فى أولاد نزار من قوة الذكاء وحدة الفطنة، تأسيساً لتميزهم بالفضل، واختصاصهم بوفور العقل، مقدمة لما يراد بهم من بعثة النبى محمد - صلى الله عليه وسلم - (¬1). * * * * ¬

_ (¬1) من كتاب أعلام النبوة - أبو الحسن على بن حبيب البصرى الماوردى - الباب الثامن عشر فى مبادئ نسبه وطهارة مولده - صلى الله عليه وسلم -، فتوح البلدان للبلاذرى، التاريخ الكبير - الطبرى، سبل الهدى والرشاد فى سيرة خير العباد – 1/ 342.

إمام الدعاة - صلى الله عليه وسلم - يتحدث عن نفسه

إمام الدعاة - صلى الله عليه وسلم - يتحدث عن نفسه 1) عن واثلة بن الأسقع - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشاً من كنانة واصطفى من قريش بنى هاشم واصطفانى من بنى هاشم (رواه مسلم). 2) وعن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع. (رواه مسلم). 3) وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة. (رواه مسلم). 4) وعن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مثلى ومثل الأنبياء كمثل قصرٍ أحسن بنيانه وترك منه موضع لبنة، فطاف به النظار يتعجبون من

حسن بنيانه، إلا موضع تلك اللبنة، فكنت أنا سددت موضع اللبنة، ختم بى البنيان وختم بى الرسل. وفى رواية: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين. (متفق عليه). 5) وعن جابر - رضي الله عنه - أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: " أنا قائد المرسلين ولا فخر، وأنا خاتم النبيين ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر". (رواه الدارمى). 6) وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أنا أول الناس خروجاً إذا بُعثوا، وأنا قائدهم إذا وفدوا، وأنا خطيبهم إذا أنصتوا، وأنا مستشفعهم إذا حُبسوا، وأنا مبشرهم إذا أيسوا الكرامة، والمفاتيح يومئذٍ بيدى ولواء الحمد يومئذٍ بيدى، وأنا أكرمُ ولدُ آدم على ربى يطوفُ علىَّ ألف خادم كأنهن بيضٌ مكنون أو لؤلؤ منثور ". (رواه الترمذى والدارمى) 7) وعن أبى سعيد الخدرى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدى لواء الحمد ولا فخر، وما من نبى يومئذٍ آدم فمن سواه إلا تحت لوائى، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر ". (رواه الترمذى).

8) وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: جلس ناسٌ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون قال بعضهم: إن الله اتخذ إبراهيم خليلاً، وقال آخر: موسى كلمه الله تكليما، وقال آخر: فعيسى كلمة الله وروحه، وقال آخر: آدم اصطفاه الله، فخرج عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: قد سمعت كلامكم وعجبكم إن إبراهيم خليل الله وهو كذلك، وموسى نجى الله وهو كذلك، وعيسى روحه وكلمته وهو كذلك، وآدم اصطفاه وهو كذلك ألا وأنا حبيب الله ولا فخر، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة تحته آدم فمن دونه ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح الله لى فيدخلنيها ومعى فقراء المؤمنين ولا فخر، وأنا أكرمُ الأولين والآخرين على الله ولا فخر ". (رواه الترمذى والدارمى) (¬1). * * * * * ¬

_ (¬1) أحاديث الباب من مشكاة المصابيح - كتاب الفضائل والشمائل - باب فضل سيد ... المرسلين - 3/ 1600.

الحبيب - صلى الله عليه وسلم - يصفه أصحابه

الحبيب - صلى الله عليه وسلم - يصفه أصحابه 1) عن أبى عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال، قلت للرُبيع بنت معوذ ابن عفراء: صفى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قالت: يابنى لو رأيته رأيت الشمس ساطعة. (رواه الدارمى). 2) وعن جابر ابن سمرة - رضي الله عنه - قال: رأيت النبى - صلى الله عليه وسلم - فى ليلة أضحيان (¬1) فجعلت أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإلى القمر وعليه حُلة حمراء فإذا هو أحسن عندى من القمر. (رواه الترمذى والدارمى). 3) وعن جابر بن سُمرة - رضي الله عنه - قال: كان فى ساقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حموشة وكان لا يضحك إلا تبسماً وكنت إذا نظرتُ إليه قلت أكحل العينين وليس بأكحل. (رواه الترمذى). 4) وعن كعب بن مالك - رضي الله عنه - قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سُر إستنار وجهه حتى كأن وجهه قطعة قمر وكنا نعرف ذلك. (متفق عليه). ¬

_ (¬1) أى ليلة مقمرة مضيئة.

5) وعن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأن الشمس تجرى فى وجهه، وما رأيت أحد أسرع فى مشيته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأنما الأرض تطوى له وإنا لنجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث. (رواه الترمذى) 6) وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفلج الثنيتين إذا تكلم رُئى كالنور يخرج من بين ثناياه. (رواه الدارمى) 7) وعن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد شمط مقدم رأسه ولحيته وكان إذا دهن لم يتبين (¬1) وإذا شعث رأسه تبين وكان كثير شعر اللحية. فقال رجل: وجهه مثل السيف، قال: بل كان مثل الشمس والقمر وكان مستديراً، ورأيت الخاتم عند كتفه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده. ... (رواه مسلم) 8) وعن أم سُليم رضى الله عنها أن النبى - صلى الله عليه وسلم - كان يأتيها فيقيل عندها (¬2) فتبسط نطعاً فيقيل عليه وكان كثير العرق فكانت تجمع عرقه فتجعله فى ¬

_ (¬1) أى لم يظهر الشيب. (¬2) قال الإمام النووى: اتفق العلماء على أن أم سليم وأختها أم حرام بنت ملحان رضى الله عنهما كانتا خالتين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - محرمين، واختلفوا فى كيفية ذلك فقال ابن عبد البر وغيره من الرضاعة، وقال آخرون: بل كانتا خالتين لأبيه أو لجده لأن عبد المطلب كانت أمه من بنى النجار، فتحل له الخلوة بهما وكان يدخل عليهما خاصة لا يدخل على غيرهما من النساء إلا أزواجه، وقالوا ففيه جواز دخول المحرم على محرمه، وفيه إشارة إلى منع دخول الرجل على الأجنبية وإن كان صالحاً. (صحيح مسلم بشرح النووى – باب فضائل أم سليم – 10/ 16).

الطيب فقال النبى - صلى الله عليه وسلم - يا أم سليم ما هذا .. ؟ قالت عرقك نجعله فى طيبنا وهو من أطيب الطيب. وفى رواية قالت: يا رسول الله نرجو بركته لصبياننا قال: أصبت. (متفق عليه) (¬1). * * * * * ¬

_ (¬1) أحاديث الفصل من مشكاة المصابيح - باب أسماء النبى - صلى الله عليه وسلم - 3/ 1609.

الجاهلية الأولى والحاجة إلى بعثة نبى

الجاهلية الأولى والحاجة إلى بعثة نبى بعث الله - - سبحانه وتعالى - - نبينا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - على حين فترة من الرسل وانقطاع من الوحى، وفى الحين الذى بعث فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - " نظر الله إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب " (¬1). لأن الناس قد نسوا رسالة ربهم منذ عهد عيسى - - عليه السلام - إلى أن بعث الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - وأظلمت الدنيا وعادت الجاهلية فى حياة الناس وبَعُدَ الناس عن مقتضى الإيمان بالله تعالى وعن عبادة الله تعالى وعن دعوة الله، ولقد ضربت الوثنية بجرانها. ويصور الشيخ أبو الحسن الندوى (رحمه الله) حال الناس فى تلك الفترة فيقول: بعث محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - والعالم بناء أصيب بزلزال شديد هزه هزاً عنيفاً، فإذ كل شيء فيه في غير محله، فمن أساسه ومتاعه ما ¬

_ (¬1) جزء من حديث رواه الإمام مسلم عن عياض بن حمار المجاشعى (مشكاة المصابيح - باب الإنذار والتحذير - 3/ 1476).

تكسر، ومنه ما التوى وانعطف، ومنه ما فارق محله اللائق به وشغل مكاناً آخر، ومنه ما تكدس وتكوم. نظر إلى العالم بعين الأنبياء فرأى إنساناً قد هانت عليه إنسانيته، رآه يسجد للحجر والشجر والنهر، وكل مالا يملك لنفسه النفع والضر. رأى إنساناً معكوساً قد فسدت عقليته، فلم تعد تسيغ البديهيات، وتعقل الجليات، وفسد نظام فكره، فإذا النظري عنده بديهي وبالعكس، يستريب في موضع الجزم، ويؤمن في موضع الشك، وفسد ذوقه فصار يستحلي المر ويستطيب الخبيث، ويستمرئ الوخيم، وبطل حسه فأصبح لا يبغض العدو الظالم، ولا يحب الصديق الناصح. رأى مجتمعاً هو الصورة المصغرة للعالم، كل شيء فيه في غير شكله أو في غير محله، قد أصبح فيه الذئب راعياً والخصم الجائر قاضياً، وأصبح المجرم فيه سعيداً حظيا، والصالح محروماً شقياً لا أنكر في هذا المجتمع من المعروف، ولا أعرف من المنكر، ورأى عادات فاسدة تستعجل فناء البشرية، وتسوقها إلى هوة الهلاك. رأى معاقرة الخمر إلى حد الإدمان، والخلاعة والفجور إلى حد الاستهتار، وتعاطي الربا إلى حد الاغتصاب واستلاب الأموال ورأى الطمع وشهوة المال إلى حد الجشع والنهامة ورأى القسوة والظلم إلى حد الوأد وقتل الأولاد.

رأى ملوكاً اتخذوا بلاد الله دولاً، وعباد الله خولاً، ورأى أحباراً ورهباناً أصبحوا أرباباً من دون الله، يأكلون أموال الناس بالباطل، ويصدون عن سبيل الله. رأى المواهب البشرية ضائعة أو زائغة لم ينتفع بها ولم توجه التوجيه الصحيح، فعادت وبالا على أصحابها وعلى الإنسانية، فقد تحولت الشجاعة فتكاً وهمجية، والجواد تبذيراً وإسرافاً، والأنفة حمية جاهلية، والذكاء شطارة وخديعة، والعقل وسيلة لابتكار الجنايات، والإبداع في إرضاء الشهوات. رأى أفراد البشر والهيئات البشرية كخامات لم تحظ بصانع حاذق، ينتفع بها في هيكل الحضارة، وكألواح الخشب لم تسعد بنجار يركب منها سفينة تشق بحر الحياة. رأى الأمم قطعاناً من الغنم ليس لها راع، والسياسة كجمل هائج حبله على غاربه، والسلطان كسيف في يد سكران يجرح به نفسه، ويجرح به أولاده وإخوانه. وانتشرت عبادة الأصنام قلما يخلو بيت من صنم، وكان فى جوف الكعبة المشرفة البيت الذى بنى لعبادة الله تعالى وحده، وفى فنائها ثلاث مائة وستون صنماً يعبدون من دون الله وإذا سُئلوا عن ذلك قالوا: ... {مَا

نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (¬1) وهو الشرك بعينه وكثرت الآلهة من الجن والملائكة والكواكب. قال الكلبى: كانت بنو مليح من خزاعة يعبدون الجن وقال صاعد: كانت حمير تعبد الشمس وكنانة تعبد القمر وتميم الدبران ولخم وجذام المشترى وطئ وسهيلا وقيس الشعرى وأسد عطارداً، وكثُرت شرب الخمور، وفشي الربا، وكانوا لا يفرقون بينه وبين التجارة وقالوا {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا} (¬2)، وكان من شيوع تجارة الخمر أن أصبحت كلمة التجارة مرادفاً لبيع الخمر، وكان القمار من مفاخر الجاهلية، فكان الرجل يقامر على أهله وماله فيقعد حزيناً سليباً ينظر إلى زوجته وماله فى يد غيره فكانت تورث بينهم العداوة والبغضاء، وكثرت الأنكحة الفاسدة، وانتشر الزنا وكانت البغايا ينصبن الرايات الحمر على أبوابهن علماً على ذلك، وكان من العادات أن الرجل يتخذ الخليلات، ويتخذ النساء أخلاء بدون عقد. وقال ابن عباس – - رضي الله عنه -: كانوا فى الجاهلية يكرهون إماءهم على الزنا يأخذون أجورهم، وكانت المرأة فى المجتمع الجاهلى تُورث كما يورث المتاع ... أو الدابة وبلغت كراهية البنات إلى حد الوأد وهن أحياء، قال تعالى: ... {وَإِذَا ¬

_ (¬1) سورة الزمر - الآية 3. (¬2) سورة البقرة - الآية 275.

الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} (¬1)، وكانت العصبية القبلية التى ملأت السكك والدور بالدماء، وكان جمهور الجاهلية لا يصدق بالميعاد والبعث بعد الموت وقالوا: {مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ} ... (¬2) {إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} (¬3). { ... أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً} (¬4). والقرآن الكريم مليئ بالآيات التى تؤكد إنكارهم للبعث بعد الموت .. فبالجملة: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (¬5) (¬6). وما كان على الحنيفية السمحة دين إبراهيم الخليل - عليه السلام - إلا القليل مثل قس بن ساعدة وزيد بن عمرو بن نفيل .. وغيرهم. ¬

_ (¬1) سورة التكوير – الآيتان 8، 9. (¬2) سورة الجاثية - الآية 24 (¬3) سورة المؤمنون - الآية 37. (¬4) سورة الإسراء - الآية 49. (¬5) سورة الروم - الآية 41. (¬6) مقتبس من كتاب .. ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين - أبو الحسن للندوى.

والله - عز وجل - خلق الإنسان ليرحمه وليبين له ما يصلحه فقال تعالى {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً} (¬1). وقال تعالى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} (¬2). وقال تعالى {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} (¬3) وقال تعالى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} (¬4). وقال تعالى {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} (¬5). ¬

_ (¬1) سورة النساء - الآيتان 26، 27. (¬2) سورة التوبة - الآية 115. (¬3) سورة النساء - الآية 165. (¬4) سورة الإسراء - الآية 15. (¬5) سورة فاطر - الآية 24.

وقال تعالى {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} (¬1). والمقصود بالقرية فى لغة أهل العلم وفى لغة القرآن الكريم أهل المدن وأهل الأمصار العظيمة فالله - عز وجل - أرسل الأنبياء فى تلك المدن ومن تلك المدن تنطلق دعوة الأنبياء عليهم السلام إلى القرى المجاورة لها وما أهلك الله قوماً حتى يبين لهم. قال تعالى {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} (¬2) فكيف كان حال الناس حين بعث الله نبيه محمد – - صلى الله عليه وسلم - كانت الجاهلية ضربت أطنابها على البشرية كلها وكان كل شئ معكوس ومنكوس كما قال الله تعالى {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (¬3) أو كما قال الله تعالى {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ ¬

_ (¬1) سورة الشورى - الآية 7. (¬2) سورة الإسراء - الآية 16. (¬3) سورة الملك - الآية 22.

نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} (¬1). كان الناس أحياء بأجسادهم ولكن أمواتاً بقلوبهم وأرواحهم .. هكذا كان الحال فى جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء .. لا يعرفون إلى الله سبيلا .. فالله - عز وجل - اختار حبيبه ونبيه ومصطفاه محمداً – - صلى الله عليه وسلم - ليكون للثقلين بشيراً ونذيراً قال تعالى {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} (¬2) وقال تعالى {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاس} (¬3)، وقال تعالى {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} (¬4). ¬

_ (¬1) سورة الأنعام - الآية 122. (¬2) سورة القصص - الآية 68. (¬3) سورة الحج - الآية 75. (¬4) سورة الزخرف - الآيتان 31، 32.

فما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلتفت إلى شئ من هذا فالله الذى اختاره، وبعثه يتولى الرد عنه (¬1) فيقول الله - عز وجل - {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَه} (¬2). وماذا بعد الصادق الأمين .. ؟! قالوا عنه (شاعر، مجنون، كاهن، ساحر، كذاب .. ). فالله - عز وجل - كذلك يتولى الرد عنه، قال الله - عز وجل - {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ * وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} (¬3). وقال الله - سبحانه وتعالى - {: وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} (¬4). وعجباً لهم ... فما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببدعاً من القول فما جاء إلا بما جاء به إخوانه من الرسل - عليه السلام - وهو التوحيد الخالص لله - عز وجل - والإقرار بعبوديته: ¬

_ (¬1) بخلاف من تقدمه من الأنبياء فإنهم كانوا يدافعون عن أنفسهم ويردون على أعدائهم كما قال نوح {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (سورة الأعراف– الآية 61)، وقال هود {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (سورة الأعراف– ... الآية 67) (سبل الهدى والرشاد للصالحى – 11/ 66). (¬2) سورة الأنعام - الآية 124. (¬3) سورة الحاقة - الآيات 40: 42. (¬4) سورة التكوير - الآية 22.

قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (¬1). وقال تعالى {: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (¬2). وقال تعالى {: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاتَّقُونِ} (¬3). وقال تعالى: {إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ} (¬4). وقال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (¬5). وقال تعالى {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (¬6). ¬

_ (¬1) سورة الأنبياء - الآية 25. (¬2) سورة النحل - الآية 36. (¬3) سورة النحل - الآية 2. (¬4) سورة فصلت - الآية 14. (¬5) سورة الأعراف - الآية 59. (¬6) سورة الأعراف - الآية 65.

وقال تعالى {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (¬1). وقال تعالى {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (¬2). ولذا كانت دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - هى الدعوة إلى توحيد الله - عز وجل -، فعن أشعث بن كنانة قال رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسوق ذى المجاز يتخللها يقول .. يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا .. (رواه الإمام أحمد بسند صحيح). وعن ابن عمر - رضي الله عنهم - قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله " (متفق عليه) (¬3). وعن معاذ - رضي الله عنه - قال كنت ردف الرسول - صلى الله عليه وسلم - على حمار ليس بينى وبينه إلا مؤخرة الرحل، فقال .. يا معاذ .. هل تدرى ما حق الله على عباده؟ وما حق العباد على الله؟ قلت الله ورسوله أعلم. قال .. فإن حق الله على العباد: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا ¬

_ (¬1) سورة الأعراف - الآية 73. (¬2) سورة الأعراف - الآية 85. (¬3) مشكاة المصابيح - كتاب الإيمان - 1/ 11.

يشرك بالله شيئاً، فقلت يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفلا أبشر به الناس .. قال لا تبشرهم فيتكلوا. (متفق عليه) (¬1). لذلك كانت بعثة الأنبياء - عليه السلام - لتحرير الإنسان من عبادة غير الله - عز وجل - ومن الخضوع لما سواه، والخضوع له وحده والرجوع إليه والإنابة إليه والاستعانة به والتوكل عليه، فلا يرجى سواه ولا يقصد إلا إياه ولا يُلاذ إلا بجنابه ولا تطلب الحوائج إلا منه .. فلا معطى لما منع، ولا مانع لما أعطى، ولا معز لمن أذل، ولا مذل لمن أعز، ولا قابض لما بسط، ولا باسط لما قبض .. كل قوى غيره ضعيف .. وكل عزيز غيره ذليل .. وكل عالم غيره متعلم .. لم يخلق ما خلق لتشييد سلطان ولا خوف من عاقبة زمان .. بل كل خلقه عبادٌ ضارعون وخلائق مربوبون. * * * * * ¬

_ (¬1) مشكاة المصابيح - كتاب الإيمان - 1/ 14.

موازنة بين الجاهلية الأولى وجاهلية اليوم

موازنة بين الجاهلية الأولى وجاهلية اليوم ليست الجاهلية الأولى بأحوج إلى الإصلاح الدينى من الجاهلية الأخرى، بل ربما كانت هذه أحوج من تلك إليه .. فقد كانت الجاهلية الأولى تعبد الأوثان لتقربها إلى الله زلفى بينما جاهليتنا تعبد الأحجار والأشجار والأحياء والأموات والأبواب تبركاً وتقرباً (والدرهم والدينار والقطيفة والخميصة والموضة والسفور والخلاعة والمجون وقلة الحياء والتكالب على الدنيا ... ) (وإن كانت الجاهلية الأولى تنكر البعث بعد الموت وجاهليتنا أصبح فيها من يشك فى البعث بعد الموت). وكانت الجاهلية الأولى متفرقة قبائل وشعوب وجاهليتنا متفرقة منازل وبيوت بل آحاداً وأفراداً .. فلا تراحم ولا تعارف ولا تعاطف ... حتى بين الأخ وأخيه .. والأب وبنيه. كانت جاهليتهم تسفك الدماء فى طلاب الأوتار وجاهليتنا تسفكها فى سبيل السرقات وقضاء الشهوات، وكان أفظع ما فى جرائمهم وأد البنات .. فصار فى جرائمنا الانتحار، وكان بعضهم يبغى على بعض بسرقة ماله أو

إستياق ماشيته .. ففعلنا مثلما فعلوا وفوق ما فعلوا، وليتنا إذ أخذنا جاهليتهم أخذناها كما هى رذائل وفضائل فيهون على المصلحين أمرها ولكن أسأنا الاختيار فلنا خرافتهم الدينية وأمراضهم الاجتماعية وليس لنا كرمهم ووفائهم وغيرتهم وحميتهم وعزتهم ومنعتهم ... فكيف لا يكون الأمر خطير .. وكيف لا تكون الجاهلية الأخرى أحوج إلى دعوة كدعوة النبوة الأولى من الجاهلية الأولى (¬1). * * * * * ¬

_ (¬1) من كتاب النظرات - المنفلوطى - مع زيادة ما بين الأقواس.

إفتقار العباد إلى الهداية

إفتقار العباد إلى الهداية قال الله - سبحانه وتعالى - {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاح} (¬1). قال أُبى بن كعب: مثل نوره فى قلب المؤمن. ويقال: هو نور الرب .. والمراد نور الإيمان الذى جعله الله فى قلبه. كما قال تعالى {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} (¬2) فهذا النور إذا تمكن من القلب أشرق فيه .. وفاض على الجوارح .. فيرى أثره فى الوجه والعين ويظهر فى القول والعمل. فالهداية: هى نور يقذفه الله فى قلب العبد على قدر تضحيته للدين، وبهذا النور يميز العبد بين .. الخير والشر .. النافع والضار .. الحق والباطل .. المعروف والمنكر .. الباقى والفانى .. العاجل والآجل .. وبهذا النور يسهل على الإنسان امتثال أوامر الله - عز وجل - على طريق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - ... وبهذا النور يأتى فى قلب الإنسان اليقين على ذات الله - عز وجل - وصفاته. ¬

_ (¬1) سورة النور - الآية 35. (¬2) سورة النور - الآية 40.

ولذلك فالهداية هى أغلى شئ فى خزائن الله - عز وجل - ولكن إذا فقدَ هذا النور وجاءت الظلمة فى القلب فيصير هذا القلب أعمى فيرى .. المعروف منكراً .. والمنكر معروفاً .. والحق باطلاً .. والباطل حقاً .. فانتكاس القلب بسبب ضعف نور الإيمان والهداية فى القلب فلما تعرض عليه الفتن فيقبلها لأن المعاصى حجبت عنه النور. قال تعالى: {كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (¬1). وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً فأى قلب أُشرِبها نَكت فيه نُكتة سوداء وأى قلب أنكرها نُكتت فيه نُكتة بيضاء حتى يصير على قلبين: أبيض بمثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض والآخر أسود مرباداً (¬2) كالكوز مُجخيَّاً (¬3) لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أُشرب من هواه " رواه مسلم (¬4). ¬

_ (¬1) سورة المطففين - الآية 14. (¬2) مرباداًً: أى صار كلون الرماد من الربده (¬3) مجخياًً: أى مائلاًً منكوساًً (¬4) مشكاة المصابيح - باب الفتن - 3/ 1480.

ولهذا كان مقصد بعثة الأنبياء أن يهتدى الناس، والهداية درجات ليس لها منتهى. فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام فى ترقى كل يوم تزداد هدايتهم يوماً بعد يوم ولم يصل لهدايتهم أحد. . وكذلك الأتباع بقدر متابعتهم لأنبيائهم عليهم الصلاة والسلام. دعونا نتساءل .. كم تحصل أبوبكر الصديق - رضي الله عنه - من الهداية .. ؟ لو وضع إيمان أبى بكر - رضي الله عنه - فى كفه وإيمان الأمة فى كفه لرجح إيمان أبى بكر - رضي الله عنه -، ففى الحديث الذى رواه أبى سعيد الخدرى - رضي الله عنه - قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى مرضه الذى مات فيه ونحن فى المسجد عاصباً رأسه بخرقة حتى أهوى نحو المنبر فاستوى عليه واتبعناه قال: والذى نفسى بيده إنى لأنظر إلى الحوض من مقامى هذا ثم قال: إن عبداً عرضت عليه الدنيا وزينتها فاختار الآخرة قال: فلم يفطن لها أحد غير أبى بكر فذرفت عيناه فبكى ثم قال: بل نفديك بآبائنا وأمهاتنا وأنفسنا وأموالنا يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ثم هبط فما قام عليه حتى الساعة. " رواه الدارمى (¬1). وفى الصحيحين .. عن أبى سعيد الخدرى - رضي الله عنه - قال: خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس فقال: " إن عبداً خيره الله بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند ¬

_ (¬1) المرجع السابق - باب الهجرة - 3/ 1684.

الله فبكى أبو بكر - رضي الله عنه - فعجبنا لبكائه فكان المخير رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان أبو بكر أعلمنا به فقال: لا تبك يا أبا بكر إن أمنَّ الناس علىَّ فى صحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخذاً خليلاً لإتخذته خليلا ولكن أخوة الإسلام ومودته لا يبقى فى المسجد باب إلا سُد إلا باب أبى بكر " (¬1). ففهم أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - مراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. لماذا؟! لأن قلبه ممتلئ بنور الإيمان وكذلك فى حرب المرتدين لما عارضه بعض الصحابة - رضي الله عنهم - عند الشورى وقال يعنى نتألف الناس وفى ذلك يقول عمر - رضي الله عنه - فلما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ارتدت العرب وقالوا لا نؤدى الزكاة، فقال: لو منعونى عقالاً لجاهدتهم عليه فقلت يا خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تألف الناس وارفق بهم، فقال لى: أجبار فى الجاهلية وخوار فى الإسلام، إنه قد انقطع الوحى وتم الدين، أينقص الدين وأنا حى. رواه رزين (¬2). وفى رواية عندما قال أبو بكر الصديق لأسامة بن زيد - رضي الله عنه - انفذ لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال عمر: كيف ترسل هذا الجيش والعرب قد اضطربت عليك فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: لو لعبت الكلاب بخلاخيل نساء المدينة ما رددت جيشاً أنفذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له عمر وغيره إذا منعوك الزكاة فاصبر عليهم فقال والله لو منعونى عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم عليه، والله ¬

_ (¬1) تاريخ الإسلام للذهبى - 1/ 228. (¬2) مشكاة المصابيح - 3/ 1701.

لأقاتلن من فرق بين الزكاة والصلاة قيل ومع من تقاتل .. ؟ قال: وحدى .. حتى تنفرد سالفتى (¬1) (¬2). ويقول عمر فى هذا الموقف: فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبى بكر للقتال فعرفت أنه الحق (¬3). وفى رواية أخرى عن عمر - رضي الله عنه - قال: لما اجتمع رأى المهاجرين وأنا فيهم حين ارتدت العرب فقلنا يا خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اترك الناس يصلون ولا يؤدون الزكاة فإنهم لو قد دخل الإيمان فى قلوبهم لأقروا بها. فقال أبو بكر - رضي الله عنه - والذى نفسى بيده لأن أقع من السماء أحب إلىَّ من أن أترك شيئاً قاتل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أقاتل عليه فقاتل العرب حتى رجعوا إلى الإسلام (¬4). ولذلك يقول أحد العلماء: أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - قد قام فى مقام الردة مقام نبى .. وقال أبو هريرة: لولا موقف أبى بكر لانهدم الدين. فهذا الفهم لأن نور الهداية يشرق فى قلبه وكان أكثر الصحابة - رضي الله عنهم - تضحية لهذا الدين وأكثر الصحابة - رضي الله عنهم - جهداً لهذا الدين، ما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منذ أسلم. ¬

_ (¬1) سالفتى: صفحة العنق. (¬2) العواصم من القواصم - لابن العربى. (¬3) عمدة القارئ - شرح صحيح البخارى. (¬4) حياة الصحابة - 1/ 418.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إنى لواقف فى قوم فدعوا الله لعمر وقد وضع على سريره إذا رجل من خلفى قد وضع مرفقه على منكبى يقول يرحمك الله إنى لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك لأنى كثيراً ما كنت أسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: كنت وأبو بكر وعمر، وفعلت وأبو بكر وعمر، وانطلقت وأبو بكر وعمر، ودخلت وأبو بكر وعمر، وخرجت وأبو بكر وعمر، فالتفت فإذا على ابن أبى طالب - رضي الله عنه -. " متفق عليه " (¬1). وصدق الله - عز وجل - حيث يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (¬2). وهذا حارثه بن مالك - رضي الله عنه - عندما سأله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف أصبحت يا حارثة؟ قال: أصبحت مؤمناً بالله حقاً يا رسول الله قال: إن لكل حق حقيقة فما حقيقة قولك؟ قال: عزفت نفسى عن الدنيا فاستوى عندى ذهبها بترابها فأظمأت نهارى وأسهرت ليلى وكأنى أرى عرش ربى بارزاً وكأنى أرى أهل الجنة فى الجنة يتزاورون، وكأنى أرى أهل النار فى النار يتعاوون، قال: إنك إمرؤ نوَّر الله قلبك بالإيمان، عرفت فالزم. أخرجه ابن عساكر عن أنس والعسكرى فى الأمثال وأخرجه النجار وابن المبارك فى الزهد (¬3). ¬

_ (¬1) مشكاة المصابيح - باب فضائل أبى بكر وعمر - 3/ 1708. (¬2) سورة العنكبوت - الآية 69. (¬3) حياة الصحابة - باب حقيقة الإيمان وكماله - 3/ 20.

فبنور الإيمان رأى الحقائق الغيبية، ورأى أن الدنيا حقيرة، فاستوى عنده ذهبها بترابها. ولذلك طلب الهداية ضرورى فكما أن الصلاة فرض إلى الموت، فكذلك طلب الهداية فرض إلى الموت، ففى الصلاة نقرأ الفاتحة سبعة عشر مرة يومياً غير النوافل .. ونقرأ فيها {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (¬1). فما هو الصراط المستقيم المقصود فى الآية الكريمة .. ؟ هو الطريق الذى يوصل إلى الجنة وهو طريق واحد يقول الله - عز وجل -: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (¬2). وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً وعن جنبتى الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة وعند رأس الصراط داعٍ يقول استقيموا على الصراط ولا تعوجوا وفوق ذلك داعٍ يدعو كلما همَّ عبد أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب قال: ويحك لا تفتحه فإنك إن فتحته تلجه ثم فسره فأخبره أن الصراط هو الإسلام وأن الأبواب المفتحة محارم الله وأن الداعى على رأس الصراط هو ¬

_ (¬1) سورة الفاتحة - الآية 6. (¬2) سورة الأنعام - الآية 153.

القرآن الكريم وأن الداعى من فوقه واعظ الله فى قلب كل مؤمن ". (رواه رزين والإمام أحمد والآجرى والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبى) (¬1). فانظر يا أخى الحبيب بعين البصيرة إلى خطر هذا الصراط .. إنه صراط واحد ومستقيم ليس فيه اعوجاج، وإذا أردت أن تسير على هذا الصراط فلا بد لك من: النظر فى سيرة الذين نهجوه قبلك وكيف مشوا عليه .. ؟ فإنهم هم السبب فى هدايتك فعندما يدخل أهل الجنة كل فوج يدخل الجنة يسلم على الذين سبقوه لأنهم كانوا سبباً لهدايته كما أن أهل الضلال كلما دخلت أمة النار لعنت أختها (اللاحقة تلعن السابقة). فلننظر فى حياة الذين سبقونا بالجهد .. فكل فعل فعلوه، وكل أذى تحملوه، وكل نهج نهجوه، لنا فيه أسوة (الأنبياء عليهم السلام والصحابة رضى الله عنهم). {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} (¬2). ¬

_ (¬1) مشكاة المصابيح - باب الاعتصام بالسنة - 1/ 67. (¬2) سورة الفاتحة - الآيتان 6، 7.

ومن هم الذين أنعم الله عليهم .. ؟! هم الأنبياء والرسل والصديقين والشهداء والصالحين، قال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} (¬1). فأول سبب فى هدايتنا من البشر هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أجمعين، فيجب النظر فى حياتهم والإقتداء بهم وعلى رأسهم أولى العزم من الرسل (نوح، إبراهيم، موسى، عيسى، محمد، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين). فانظر فى حياة نوح - عليه السلام - (ألف سنة إلا خمسين عاماً) مجاهدة وتعب ومشقة. {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلا فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً} (¬2) وكم لاقى من الإيذاء والاستهزاء والسخرية. ¬

_ (¬1) سورة النساء - الآية 69. (¬2) سورة نوح - الآيات 5:9.

وانظر فى حياة إبراهيم - عليه السلام - كم لاقى من النمرود ومن قومه ألقوه فى النار وابتلاه الله بترك وطنه وأمره بذبح ولده إسماعيل – - عليه السلام - وأمره بتركه هو وأمه بوادٍ غير ذى زرعٍ حتى اتخذه الله - عز وجل - خليلاً وأمر سيد الخلق محمد - صلى الله عليه وسلم - باتباع ملته، قال تعالى {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين} (¬1). وأمر أمته باتباعه قال تعالى {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيم} (¬2)، وقال تعالى {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} (¬3) وقال عنه ربه: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} (¬4) بذل نفسه للنيران، وماله للضيفان، وولده للقربان .. لذلك سمى خليل الرحمن. ¬

_ (¬1) سورة النحل - الآيات 120: 123. (¬2) سورة الممتحنة - الآية 4. (¬3) سورة البقرة - الآية 130. (¬4) سورة النجم - الآية 37.

وانظر إلى حياة النبى موسى - عليه السلام - كم لاقى من فرعون ومن قارون عليهما اللعنة ومن بنى إسرائيل وما آذوه به وجاهد فى الله شديد المجاهدة .. وانظر إلى حياة سيدنا عيسى - عليه السلام - وصبره على قومه واحتماله الأذى منهم حتى رفعه الله - عز وجل - إليه وطهره من الذين كفروا وانتقم من أعدائه. وإذا نظرت إلى حياة النبى محمد - صلى الله عليه وسلم - وتأملت سيرته مع قومه وصبره فى الله واحتماله من الأذى ما لم يحتمله نبى قبله وتلون الأحوال عليه - صلى الله عليه وسلم - من سلم وحرب، وأمن وخوف، وغنى وفقر، وإقامته فى وطنه وظعنه عنه وتركه لله، وقتل أحبابه وأوليائه بين يديه، وأذى الكفار له، وطرده من بلده مكة وهى أحب البلاد إليه، وألقى فرث الجذور على رأسه وهو ساجد يصلى، ودميت قدماه يوم الطائف وخرج من عندهم هائماً على وجهه ولم يستفق إلا بقرن الثعالب (¬1)، وما استطاع أن يدخل مكة إلا فى جوار كافر (المطعم بن عدى)، وفى غزوة أحد شج رأسه وكسرت رباعيته ودخلت حلقة المغفر فى وجنته، وقتل عمه الحمزة - رضي الله عنه - (أسد الله) .. وأوذى بسائر أنواع الأذى من القول والفعل .. ولُقِّب بأحقر الألقاب كالسحر والكذب والافتراء والبهتان تنابذاً .. وهو صابر على أمر الله يدعو إلى الله - عز وجل - فلم يؤذ نبى مثلما أوذى وفى ذلك روى عن أنس رضى الله عنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لقد أخفت فى الله وما يخاف أحد ولقد أوذيت فى الله لم ¬

_ (¬1) هو الموضع الذى يحرم منه الحجاج والمعتمرون القادمون من ناحية الطائف.

يؤذى أحد " (أخرجه أحمد والترمذى وابن حبان وقال الترمذى هذا حديث حسن صحيح) (¬1) ولم يحتمل أحد فى الله ما احتمله - صلى الله عليه وسلم - ولذلك لم يعط نبى ما أعطيه فرفع له ذكره وقرن اسمه باسمه، كما قال حسان بن ثابت: وضم الإله اسم النبى إلى اسمه ... إذ قال المؤذن فى الخمس أشهدُ وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمودٌ وهذا محمدٌ (¬2) وجعله سيد المرسلين كلهم، وجعله أقرب الخلق إليه وأعظمهم عنده جاهاً وأسمعهم عنده شفاعة كانت تلك المحن والابتلاء عين كرامته وزاده بها شرفاً وفضلاً ورفعه بها إلى أعلى المقامات (مقام الإسراء – مقام الشفاعة – مقام الدعوة – مقام التحدى) (¬3) وهذا حال ورثته من بعده فإذا أردت الهداية فاجعل حياتك شبيهة بحياة الأنبياء والمرسلين عليهم جميعاً ¬

_ (¬1) مشكاة المصابيح – كتاب الرقاق – باب فضل الفقراء – 3/ 1464. (¬2) سبل الهدى والرشاد فى سيرة خير العباد - 1/ 501. (¬3) مقام الإسراء: قال تعالى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} (سورة الاسراء - الآية1). مقام الشفاعة: فى حديث الشفاعة الطويل الذى رواه الإمام مسلم عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبى - صلى الله عليه وسلم - .. فيأتون عيسى روح الله وكلمته فيقول لست هناكم ولكن أئتوا محمداً - صلى الله عليه وسلم - عبداً قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .. (صحيح مسلم بشرح النووى – 3/ 57). مقام الدعوة: قال تعالى {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} (سورة الجن – من الآية19). مقام التحدى: قال تعالى {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (سورة البقرة – الآية 23).

الصلاة والسلام .. قال تعالى {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (¬1). وعليك بحياة الأتباع - رضي الله عنهم - جميعاً من بعده، انظر فى حياة الصديق أبو بكر وعمر الفاروق، عثمان ذو النورين، على كرم الله وجهه، طلحة بن عبيد الله، الزبير بن العوام، سعد بن أبى وقاص، سعيد بن زيد، عبد الرحمن بن عوف، أبى عبيدة بن الجراح .. (¬2) وباقى الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - أجمعين .. قال تعالى {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم} (¬3) فمنهم من قطعت يداه مثل جعفر الطيار، ومنهم من بقر بطنه وقطعت أذناه ومثل به مثل حمزة أسد الله، ومنهم من جدع أنفه وأذنه مثل عبد الله بن جحش، ومنهم من طعن أكثر من سبعين طعنه مثل أنس بن النضر .. وإذا أردت الاستزادة فارجع إلى التاريخ الإسلامى فستجد الكثير والكثير .. فكلهم أوذوا وتحملوا وابتلوا وصبروا من أجل الدين وتركوا الأوطان وترملت نسائهم ويُتمت أولادهم وهم فى طريقهم لنشر دين الله - عز وجل -. ¬

_ (¬1) سورة الأنعام - الآية 90. (¬2) العشرة المبشرون بالجنة. (¬3) سورة التوبة - الآية 100.

فإذا أردت الهداية فعليك بطريقهم لا بطريق غيرهم {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} (¬1). لا بطريق المغضوب عليهم .. وهم اليهود، ولا بطريق الضالين .. وهم النصارى. فإذا رأيت مالك ينقص، ومالهم يزيد .. فلا تحزن .. وإذا رأيت تجارتك تنقص، وتجارتهم تزداد .. فلا تحزن .. مثلهم مثل قارون وفرعون وأبى بن خلف وأبى جهل .. وغيرهم من اليهود والنصارى فى كل زمان ومكان .. فلا تحزن ومعك فاتحة الكتاب. قال تعالى {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ * لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} (¬2). ولقد سميت بالسبع المثانى لأنها تُثنى فى الصلاة كل يوم سبعة عشرة مرة فى الفرائض وكذلك فى النوافل فى كل ركعة لأن أمر الهداية أمر عظيم. ، .. اللهم اهدنا الصراط المستقيم .. ، ¬

_ (¬1) سورة الفاتحة – الآيه 7. (¬2) سورة الحجر - الآيتان 87، 88.

ميادين الهداية

ميادين الهداية - أول ميدان: " النهار ": قال تعالى: مخبراً عن نوح - عليه السلام - {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً} (¬1) وقال الله - عز وجل - لحبيبه محمد المصطفى - صلى الله عليه وسلم - {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} (¬2). قم فأنذر .. قم للأمر العظيم الذى ينتظرك، قم للجهد والتعب والكد وعظم ربك وخصه بالتمجيد والتقديس وأفرده بالعظمة والكبرياء فليس هناك من هو أكبر من الله تعالى (¬3) ولذلك كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يُرى إلا غادياً أو رائحاً يقول للناس .. قولوا لا إله إلا الله تفلحوا .. ¬

_ (¬1) سورة نوح - الآية 5. (¬2) سورة المدثر - الآيات 1: 7 (¬3) صفوة التفاسير - 3/ 473.

وقد قيل أنه لما أنزلت هذه الآيات قال المصطفى الكريم - صلى الله عليه وسلم - .. اطوى الفراش يا خديجة، فقد انتهى عهد الراحة .. وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دائم الفكرة، متواصل الأحزان، ليس له راحة .. (¬1) وقال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً} (¬2). فمكة ليس فيها نهر يسبح فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واتباعه ولكن يسبح فى قلوب الخلق يكلمهم عن عظمة الله وقدرته وأسمائه وصفاته وبره وعطفه وجوده وكرمه وعن اليوم الآخر والجنة والنار .. فالداعى مثل السابح فى النهر فالذى يسبح فى النهر لا يغفل دقيقة واحدة وكذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الدعوة إلى الله. - الميدان الثانى: الليل: قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً * إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً} (¬3). ¬

_ (¬1) الترمذى فى الشمائل. (¬2) سورة المزمل - الآية 7. (¬3) سورة المزمل - الآيات 1: 7.

فالله - عز وجل - أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يقوم فى الليل بين يدى الله - عز وجل - يدعوه جلا وعلا ينزل رحمته على عباده الذين يقوم بدعوتهم فى النهار {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً} (¬1) لذلك فقيام الليل يقّوم اللسان أثناء الدعوة فى النهار. ورضى الله عن صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا يسارعون فى امتثال أوامر الله - عز وجل - حتى ذكرهم الله - عز وجل - فى قرآن يتلى إلى يوم الدين .. {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُون} (¬2)، وقال الله - عز وجل - فى موضع آخر {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (¬3). وعن أبى أراكة يقول: صليت مع على - رضي الله عنه - صلاة الفجر فلما انفتل عن يمينه مكث كأن عليه كآبة حتى إذا كانت الشمس على حائط المسجد قيد رمح صلى ركعتين ثم قلب يده فقال: والله لقد رأيت أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - فلما أرى اليوم شيئاً يشبههم، لقد كانوا يصبحون صفراً شعثاً غبراً، بين أعينهم كأمثال ركب المعزى، قد باتوا لله سجد .. قيام .. يتلون كتاب الله يتراوحون ¬

_ (¬1) سورة المزمل - الآية 6. (¬2) سورة الذاريات – الآيتان 17، 18. (¬3) سورة السجدة - الآية 16.

بين جباههم وأقدامهم فإذا أصبحوا فذكروا الله مادوا كما يميد الشجر فى يوم الريح هملت أعينهم حتى تبل ثيابهم والله فكأن القوم باتوا غافلين ثم نهض فما رؤى بعد ذلك مفتراً يضحك حتى قتله ابن ملجم عدو الله الفاسق. (أخرجه ابن أبى الدنيا) (¬1). بل إن الأمر ازداد وضوحاً إلى أن شهد به أعدائهم بأنهم يقومون الليل ويصومون النهار (فرسان بالنهار ورهبان بالليل) والفضل ما شهد به الأعداء. - الميدان الثالث: الدعاء فى كل وقت وكل حين: يقول الله - عز وجل - لنبيه وحبيبه - صلى الله عليه وسلم - {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} (¬2) أى فارغب إلى الله فى الدعاء بعد أن قال عنه فى سورة الضحى {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} (¬3) وقال الله - عز وجل - {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (¬4). ¬

_ (¬1) حياة الصحابة – باب الآثار فى صفة الصحابة الكرام رضى الله عنهم – 1/ 19. (¬2) سورة الشرح - الآيتان 7، 8. (¬3) سورة الضحى - الآية 11. (¬4) سورة العنكبوت - الآية 69.

وعلى الداعى أن: • يدعو حتى تتنزل الهداية على المدعو. • يدعو فى سبيل الله حتى يموت المدعو (كما حدث مع عم النبى - صلى الله عليه وسلم - أبو طالب) .. وأن يستمر فى الدعوة حتى الموت.

من علامات الهداية

من علامات الهداية 1) انشراح الصدر: (للطاعة، العبادة، الجهد) لقول الحق - عز وجل - {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} (¬1) ولحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن النور إذا دخل الصدر انفسح "، فقيل يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ‍‍! هل لتلك من علم (¬2) يعرف به .. ؟ قال: " نعم .. التجافى عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزوله " (رواه البيهقى فى شعب الإيمان) (¬3). 2) وجود الأعمال: يقول الله - عز وجل - {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا ¬

_ (¬1) سورة الأنعام - الآية 25. (¬2) أى علامة. (¬3) مشكاة المصابيح - كتاب الرقاق - 3/ 1441.

رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬1). فلينظر كلٌ منا إلى نفسه .. ويواجه نفسه بالحقيقة .. لو كنا مصدقين لقدمنا دنيانا لأُخْرَانا .. ولقدمنا أُخْرَانا على دنيانا .. قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (¬2). فعلامة التصديق التضحية .. قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (¬3). يقول العلماء: كلما ضعف الإيمان .. ضعف العمل الصالح، ولو ضعف أكثر يتوقف العمل الصالح كما فى حديث الشفاعة .. عن أبى سعيد الخدرى - رضي الله عنه - أن ناساً قالوا يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعم " ¬

_ (¬1) سورة البقرة - الآيات 1: 5. (¬2) سورة القصص – الآية (¬3) سورة الحجرات - الآية 15.

هل تضارون فى رؤية الشمس بالظهيرة صحواً ليس معها سحاب؟ وهل تضارون فى رؤية القمر ليلة البدر صحواً ليس فيها سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله قال ما تضرون فى رؤية الله يوم القيامة إلا كما تضارون فى رؤية أحدهما إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن ليتبع كل أمة ما كانت تعبد فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون فى النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر أتاهم رب العالمين فقال فماذا تنظرون؟ يتبع كل أمة ما كانت تعبد قالوا ... يا ربنا فارقنا الناس فى الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم. وفى رواية أبى هريرة - رضي الله عنه - .. فيقولون: هنا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا جاء ربنا عرفناه. وفى رواية أبى سعيد: .. فيقول هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون: نعم فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله بالسجود ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة، كلما أراد أن يسجد خر على قفاه ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة ويقولون: اللهم سلم .. سلم فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب فناجِ مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس (¬1) فى نار جنهم حتى إذا خلص المؤمنون من النار، فو الذى نفسى بيده ما من أحد منكم بأشد مناشدة فى الحق قد تبين لكم من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين فى النار يقولون: ربنا كانوا ¬

_ (¬1) وفى رواية لمسلم عن حذيفة وأبى هريرة رضى الله عنهما .. فمخدوقٍ ناجٍ ومكردس فى النار .. (مشكاة المصابيح – باب الحوض والشفاعة – 3/ 1560).

يصومون معنا ويصلون ويحجون فيقال لهم أخرجوا من عرفتم فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقاً كثيراً ثم يقولون ربنا ما بقى فيها أحد ممن أمرتنا به فيقول: ارجعوا فمن وجدتم فى قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقاً كثيراً ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم فى قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقاً كثيراً ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم فى قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقاً كثيراً ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها خيراً فيقول الله شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط قد عادوا حمماً فيلقيهم فى نهر فى أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة من حميل السيل فيخرجون كاللؤلؤ فى رقابهم الخواتم فيقول أهل الجنة هؤلاء عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة .. بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه، فيقال لهم لكم ما رأيتم ومثله معه. متفق عليه (¬1) ومن هنا نفهم أنه .. إذا ضعف نور الإيمان فى القلب يكون مثل المصباح الذى فى الحجرة إذا كانت إضاءته ضعيفة فهو لا يقضى على جميع الظلمات التى فى الحجرة، وكذلك الإيمان الموجود اليوم لدى المسلمين إلا من رحم ربى وعصم .. !! مثل المريض الذى نقل إلى غرفة الإنعاش فهو فى حياة ولكن أقرب منها إلى الموت. ¬

_ (¬1) مشكاة المصابيح – باب الحوض والشفاعة - 3/ 1551

والإيمان الضعيف لابد له من التضحية فى سبيل الله ولذلك مقصود الخروج فى سبيل الله - عز وجل - أن يتقوى الإيمان واليقين .. فأعلى شعبة من شعب الإيمان هى .. لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله .. إذا صحت فى القلب صح ما بعدها من الشعب وإذا ضعفت فى القلب ضعف ما بعدها من الشعب. * * * * *

الدعوة وسيلة الإيمان الإيمان: أمر غيبى غير ملموس .. وغير مرئى .. وهو التصديق واليقين بالأمور الغيبية غير الملموسة .. وقد عرفه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقوله: " الإيمان .. أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره .. " (رواه مسلم - عن عمر بن الخطاب) (¬1). وبما أن الإيمان غير ملموس ومشاهد .. فالله ما قبل إيمان فرعون – عليه اللعنة – عندما رأى الآيات، والله - عز وجل - لا يقبل إيمان آخر الزمان عندما تظهر الآيات (طلوع الشمس من مغربها، خروج الدابة ... الخ). س: ولكن كيف أؤمن بشئ لم أراه .. ؟ ¬

_ (¬1) رياض الصالحين - باب المراقبة.

الدعوة وسيلة الإيمان

الدعوة: هى وسيلة الإيمان .. فهذا حصين الخزاعى والد عمران بن الحصين وكانت قريش تعظمه وتُجله .. فطلبت منه أن يكلم محمد - صلى الله عليه وسلم - فى آلهتها فقد كان محمد - صلى الله عليه وسلم - يذكرها فجاء حصين ومعه قريش حتى جلسوا قريباً من باب النبى - صلى الله عليه وسلم - فلما رآه النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: أوسعوا للشيخ فقال حصين .. ما هذا الذى بلغنا عنك؟ أنك تشتم آلهتنا .. فقال: يا حصين .. كم تعبد من إله؟ قال: سبعاً فى الأرض وواحد فى السماء. فقال: فإذا أصابك الضر فمن تدعو؟ قال الذى فى السماء، قال: فإذا هلك المال .. فمن تدعو؟ قال: الذى فى السماء. قال - صلى الله عليه وسلم -: فيستجيب لك وحده وتشركهم معه يا حصين .. أسلم تسلم .. فأسلم فقام إليه ولده عمران فقبل رأسه ويديه ورجليه فلما أراد الحصين - رضي الله عنه - الخروج قال الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - شيعوه إلى منزله (¬1). وجاء رجل للنبى - صلى الله عليه وسلم - فقال: أنت رسول الله أو قال أنت محمد .. ؟ فقال: نعم. قال: ما تدعو .. ؟ قال: أدعو الله - عز وجل - وحده من إذا كان لك ضر فدعوته كشفه عنك ومن إذا أصابك عام فدعوته أنبت لك ومن إذا كنت فى أرض قفر فأضللت فدعوته رد عليك فأسلم الرجل، ثم قال: أوصنى يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال: لا تسبن شيئاً أو قال أحداً، قال فما سببت بعيراً ولا شاة منذ أوصانى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (رواه الإمام أحمد) (¬2). ¬

_ (¬1) حياة الصحابة - 1/ 46 (¬2) المرجع السابق - 1/ 48

فعرفه فاعلية الله وقدرة الله وعظمته - عز وجل - فلابد أن نبين للناس فاعلية الله وقدرة الله .. الله على كل شئٍ قدير .. الله فعال لما يريد .. لله ملك السماوات والأرض .. لله خزائن السماوات والأرض (¬1) ¬

_ (¬1) من كلام الشيخ فريد العراقى.

وجوب الدعوة إلى الله - عز وجل - على الأمة المحمدية فى ضوء الكتاب والسنة

وجوب الدعوة إلى الله - عز وجل - على الأمة المحمدية فى ضوء الكتاب والسنة بعض الناس يريد أن يتهرب من مسئولية الدعوة بحجة أنه ليس من العلماء وأن واجب الدعوة على العلماء فقط، وأن واجب الدعوة على سبيل الكفاية ويتحجج بالآية الكريمة {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬1). والجواب على هذه الحجج الواهية يمكن أن نوجزها كما سيأتى: يقول الإمام ابن كثير: ¬

_ (¬1) سورة آل عمران - الآية 104.

قال أبو جعفر الباقر: قرأ رسول الله {: - صلى الله عليه وسلم - وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ .. ... } ثم قال: " الخيرإتباع القرآن وسنتى ". والمقصود فى هذه الآية أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن وإن كان ذلك واجباً على كل مسلم فى هذه الأمة ثم ثبت فى صحيح مسلم عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان " وفى رواية .. وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل. ينهى الله - عز وجل - هذه الأمة أن يكونوا كالأمم الماضية فى افتراقهم واختلافهم وتركهم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر مع قيام الحجة عليهم (¬1). ويقول الإمام الفخر الرازى: فى قوله منكم أن (من) هنا ليست للتبعيض لدليلين: • الأول: أنه تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر على كل الأمة فى قوله تعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ .. } الآية (¬2). ¬

_ (¬1) مختصر تفسير بن كثير - 1/ 306. (¬2) سورة آل عمران - الآية 110.

الثانى: هو أنه لا مكلف إلا ويجب عليه الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إما بيده وإما بلسانه وإما بقلبه. فكلمة (من) للتبيين لا للتبعيض .. كقوله تعالى {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} (¬1) ثم قالوا وإن كان واجباً على الكل إلا أنه متى قام به قوم سقط التكليف عن الباقين فالأمر عام إذا قامت به طائفة وقعت الكفاية وزال التكليف عن الباقين (¬2) (¬3). قال الزجاج .. ظاهر الخطاب فيه مع أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ولكنه عام فى كل الأمة ونظيره {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} (¬4)، {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاص} (¬5) فإن ذلك خطاب مع الحاضرين بحسب اللفظ ولكنه عام فى حق الكل. وقال القفال رحمه الله: ¬

_ (¬1) سورة الحج – الآية 30. (¬2) مفاتيح الغيب للرازى - 4/ 375. (¬3) وتقع الكفاية بأن يشارك كل مسلم فى ذلك بالتناوب كلٌ فى نوبته فى كل عام مرة أو مرتين كما فى صحيح مسلم (لينبعث من كل رجلين أحدهما والأجر بينهما). (¬4) سورة البقرة - الآية 183. (¬5) سورة البقرة - الآية 178.

أصل الأمة المجتمعة على الشئ الواحد فأمة نبينا - صلى الله عليه وسلم - هم الجماعة الموصوفون بالإيمان به والإقرار بنبوته، وقوله تعالى {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوف} لبيان علة تلك الخيرية به .. كما نقول زيد كريم يُطعم الناس ويقوم بما يصلحهم وتحقيق الكلام أنه ثبت فى أصول الفقه أن ذكر الحكم مقروناً بالوصف المناسب له يدل على كون ذلك الحكم معللاً بذلك الوصف فهاهنا حكم الله تعالى وصف الخيرية للأمة ثم ذكر عقب هذا الحكم بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والإيمان بالله فدل على أن تلك الخيرية معلقة بهذه العبادات (¬1). ويقول الشيخ ابن جبرين رحمه الله: وقد دلت الأدلة على آكدية الدعوة إلى الله وإلى الخير، قال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬2). الخير: هو الإسلام كله وشعائره وعلومه كلها من الخير، ومن دعا إليها فإنه يعتبر داعيا إلى الخير وله الأجر المرتب في هذا الحديث وغيره. جاءت آية أخرى تدل على الدعوة إلى سبيل الله؛ في قوله تعالى {: ادْعُ ¬

_ (¬1) مفاتيح الغيب للرازى - 4/ 390 (¬2) سورة آل عمران _ الآية 104.

إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (¬1) فهاهنا أمر الله تعالى بالدعوة إلى سبيله {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} سبيل الله: دينه وشريعته وأمره ونهيه وهو الإسلام كله وما جاء به، وأدلة ذلك من الكتاب والسنة كله داخل في سبيل الله تعالى، وفي صراطه المستقيم الذي أمر بالتمسك به، والسير على نهجه. هذا سبيل الله رسمه النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديثه المشهور: أنه خط خطا مستقيما وخط عن يمينه وعن يساره خطوطا وقال للخط المستقيم: هذا سبيل الله يعني الذي أمر بالسير عليه وهذه السبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه فقوله تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ يعني إلى هذا الصراط السوي الذي من سار عليه نجا، ومن انحرف عنه ضل. فالدعوة إليه إيضاحه وبيانه للناس وبيان فوائده، والحث على التمسك به، وعلى العمل بتعاليمه، وعلى الاجتهاد في تحقيق الأدلة التي تدل عليه، والحكم والمصالح التي تترتب عليه. كذلك جاءت بلفظ الدعوة إلى الله في قوله تعالى {: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا} (¬2) دعا إلى الله؛ أي إلى دينه وإلى ¬

_ (¬1) سورة النحل _ الآية 125. (¬2) سورة فصلت - الآية 33.

شرعه وإلى عبادته وتوحيده الذي أمر به في قوله: اعْبُدُوا رَبَّكُمُ دعا الناس إلى عبادة ربهم، إذا كان كذلك فإنه من أحسن الطرق طريقه {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} أي دعا الناس إلى الله تعالى {: وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} وهكذا قال تعالى {: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} (¬1) يعني إلى هدى الله وشريعته ودينه وأمره ونهيه، أدعو إلى عبادته، وإلى اتباع رسله، من دعا إلى ذلك فقد دعا إلى الله؛ فقوله في هذا الحديث: من دعا إلى هدى يعم من دعا إلى الله، ومن دعا إلى سبيل الله، ومن دعا إلى الخير، فكل ذلك من الهدى." (¬2). ويقول الشيخ الشعراوى: يعنى أن يكون منكم أيها المخاطبون أمة تدعو إلى الخير ومعناه أيضاً .. أن تكونوا أمة تدعون إلى الخير .. وقيل معناه .. أن تكون منكم جماعة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .. ولكن هناك فهم أعمق من هذا: ¬

_ (¬1) سورة يوسف الآية 108. (¬2) شرح كتاب بهجة قلوب الأبرار لابن السعدي _ شرح حديث من دعا إلى هدى.

وهو أن هذه الآية تأمر بأن تكون كل جماعة المسلمين أمة تدعوا إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر (¬1). وقد تكلم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن هذه الآية {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه} فقال .... لو شاء الله تعالى لقال أنتم فكنا كلنا ولكن كنتم خاصة فى أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن صنع مثل صنيعهم كانوا خير أمة أُخرجت للناس" (¬2). ويقول الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي (رحمه الله) (¬3): فى الحديث الذى رواه الإمام البخارى ومسلم عن عمران بن حصين - رضي الله عنهم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " خير أمتى قرنى ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم .. " الحديث .. فالخيرية ليست فى القرن ذاته بل الخيرية بالأعمال الموجودة فى القرن، فالعرب من عادتهم يذكرون الظرف ويريدون المظروف الذى بداخل الظرف ... مثلاً يقولون .. جرى النهر .. ، ولكن ما ¬

_ (¬1) تفسير الشيخ الشعراوى. (¬2) حياة الصحابة - 1/ 17. (¬3) هو العالم الرباني الشيخ محمد يوسف ابن الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي، مسئول عمل الدعوة بعد أبيه، وكان له من المؤلفات العظيمة مثل: كتاب حياة الصحابة .. وكتاب أماني الأحبار.

جرى النهر بل الماء الذى فى النهر " خير أمتى قرنى .. " المقصود به مظروف القرن والمظروف فى قرنه كانت الأعمال والذكر والدعوة والتزكية والتعليم والعبادات. فأى قرن فيه هذه الأعمال فهو من خير القرون وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده - رضي الله عنهم - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول فى قوله تعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} قال: " أنتم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله ". رواه الترمذى وحسنه وصححه الحاكم ووافقه الذهبى (¬1). ويقول الشيخ فريد العراقى (¬2): جميع الأوامر الإلهية التى نزلت فى القرآن الكريم باسم النبى - صلى الله عليه وسلم - هى له خاصة ثم لكل فرد من أمته إلى يوم القيامة. فكل أمر فى القرآن مقصود به الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - فهذا الأمر تشترك فيه الأمة إلا إذا إقترن هذا الأمر بقرينة تدل على أنه خاص بالنبى الكريم - صلى الله عليه وسلم - كما يقول الله - عز وجل - {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيّ} الآية (¬3)، فهذا ¬

_ (¬1) مشكاة المصابيح – باب ثواب هذه الأمة – 3/ 1771. (¬2) من مشايخ التبليغ والدعوة - مصر. (¬3) سورة الأحزاب - الآية 50.

أمر خاص به، أما أمر الدعوة والتبليغ فهذا أمر عام موجه للأمة فى شخص النبى - صلى الله عليه وسلم -. فأول أمر لهذه الأمة هو الدعوة إلى الله - عز وجل - لقول النبى الكريم - صلى الله عليه وسلم - ... " يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا " فما كان هناك صلاة ولا صوم ولا زكاة ولا حج فكان الأمر الموجه هو التوحيد وكل فرد يدعوا لتوحيد الله على حسب قدرته. قال النبى - صلى الله عليه وسلم - لمعاوية بن حيده - رضي الله عنه - وهو يعلمه الإسلام قال .. أن تقول أسلمت وجهى لله وتخليت وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة وكل مسلم على كل مسلم محرم أَخَوان نصيران لا يقبل الله ممن أشرك بعدما أسلم عملاً حتى يفارق المشركين، مالى أمسك بحجزكم عن النار. ألا وإن ربى داعى وإنه سائلى .. هل بلغت عبادى .. ؟ فأقول: رب قد بلغت. ألا فليبلغ شاهدكم غائبكم (أخرجه ابن عبد البر فى الاستيعاب) (¬1). فهذا تكليف مباشر لمن دخل فى الدين بالدعوة ومنهم من يقول ائذن لى يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى دعوة قومى لعل الله يمنَّ بى عليهم كما منَّ بك علىَّ (¬2). وربما تكون الدعوة فطرة فى الإنسان بعدما يدخل فى الإسلام (كضمام بن ثعلبة) وإليك قصة إسلامه .. ¬

_ (¬1) حياة الصحابة - 1/ 48. (¬2) انظر حياة الصحابة – باب دعوة الصحابة فى القبائل وأقوام العرب – دعوة عمرو بن مرة الجهنى فى قومه – 1/ 179.

عن ابن عباس - رضي الله عنهم - قال: بعث بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة وافداً إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقدم إليه وأناخ بعيره على باب المسجد ثم عقله ثم دخل المسجد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس فى أصحابه وكان ضمام رجلاً جلداً، أشعر، ذا غديرتين، فأقبل حتى وقف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى أصحابه. فقال أيكم بن عبد المطلب .. ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنا بن عبد المطلب. فقال: يا محمد. قال: نعم. قال: يا ابن عبد المطلب. إنى سائلك ومغلظ عليك فى المسألة فلا تجدن فى نفسك. قال: لا أجد فى نفسى. فسل عما بدا لك. فقال: أنشدك إلهك وإله من قبلك وإله من هو كائن بعدك. آلله بعثك إلينا رسولاً .. ؟ قال: اللهم نعم .. حتى عدد عليه شرائع الإسلام كلها ينشده عند كل فريضة منها كما ينشده فى التى قبلها حتى إذا فرغ قال: فإنى أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله وسأؤدى هذه الفرائض وأجتنب ما نهيتنى عنه ثم لا أزيد ولا أنقص ثم انصرف إلى بعيره راجعاً. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن صدق ذو العقيصتين دخل الجنة. قال: فأتى بعيره فأطلق عقاله ثم خرج حتى قدم على قومه فاجتمعوا إليه فكان أول ما تكلم قال: بئست اللات والعزى فقالوا: مه يا ضمام، اتق البرص، اتق الجذام، اتق الجنون. قال: ويلكم، إنهما والله لا يضران ولا ينفعان، إن الله قد بعث رسولاً وأنزل عليه كتاباً استنقذكم به مما كنتم فيه وإنى أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وقد جئتكم من عنده بما آمركم

به وأنهاكم عنه. قال فو الله ما أمسى فى ذلك اليوم وفى حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلماً. ويقول ابن عباس - رضي الله عنهم - فما سمعنا بوافد قوم أفضل من ضمام بن ثعلبه (¬1). ماذا كانت حصيلة ضمام من علوم الدين .. ؟ مع أنه ما جلس مع ... النبى - صلى الله عليه وسلم - إلا وقت قليل، فالعلم المفيد علم التوحيد الذى تعلمه {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ} خلق الخلق ليعرف وإذا عُرف عُبد وإذا عُبد شكر وإذا شكر أعطى عطاءاً لا نفاد له. ولا يطلب العلم إلا من أجل الدعوة، فإذا كان هناك طلب العلم بدون الدعوة قد يكون فتنة لأصحابه. علم الدين يزداد بركة بالدعوة إلى الله - عز وجل -. ومن هذا يعلم أن عمل الدعوة واجب على كل فرد فى الأمة. * * * * ¬

_ (¬1) أخرجه الإمام أحمد والحاكم فى المستدرك وصححه ووافقه الذهبى (حياة الصحابة 1/ 178).

عظم المسئولية

عظم المسئولية فى يوم من الأيام قال رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن مسعود " أقرأ علىَّ القرآن. قلت يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل .. ‍! قال - - صلى الله عليه وسلم -: " إنى أحب أن اسمعه من غيرى فقرأت عليه من سورة النساء حتى جئت إلى هذه الآية {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} (¬1) قال حسبك الآن، فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان " متفق عليه (¬2) عينا المصطفى الكريم - - صلى الله عليه وسلم - تذرفان بالدموع .. لماذا .. ؟!! من عظم المسئولية .. وعن أبى سعيد الخدرى - - رضي الله عنه - قال، قال رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - " يجاء بنوح - عليه السلام - يوم القيامة فيقال له هل بلغت فيقول نعم يارب، فتسأل أمته هل بلغكم نوح؟ فيقولون: ما جاءنا من نذير، فيقال له من شهودك؟ فيقول محمد وأمته، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيجاء بكم فتشهدون أنه قد بلغ ثم قرأ ¬

_ (¬1) سورة النساء - الآية 41. (¬2) كتاب رياض الصالحين - باب فضل البكاء من خشية الله.

رسول الله – - صلى الله عليه وسلم - {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} (¬1) رواه البخارى (¬2). وسطاً: يعنى عدول تقبل شهادتهم .. لماذا؟!! لأنهم يشهدون على الأمم ولا يشهد عليهم أحد إلا نبيهم ... من هنا أصبحت الأمة تحمل وظيفة النبى – - صلى الله عليه وسلم - وهى الدعوة إلى الله - عز وجل - تحملها إلى نفسها أولاً .. ثم إلى جميع الأمم فى جميع الأرض لأنها مسئولة عن كل فرد فى كل الأرض إلى يوم القيامة. وهى كما يقول الله - عز وجل - {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (¬3) .. هذه الآية تكلم عنها أهل العلم .. قل هذا القول وهذا الأمر من الله .. برقية إلهية نبوية تستمر تتلى على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى يوم الدين .. فأنا وأنت مسئول عن تبليغ رسالة النبى - صلى الله عليه وسلم -. والسبيل: هو الطريق الواضح المستقيم الذى لا اعوجاج فيه .. الذى يوصل إلى الجنة ... ¬

_ (¬1) سورة البقرة - الآية 143. (¬2) مشكاة المصابيح - باب الحساب والقصاص والميزان - 3/ 1540 (¬3) سورة يوسف - الآية 108.

فمن الناس من يختار العبادة والعزلة ثمناً للجنة، والعبادة والعزلة طيبة ولكنها ليست مقصودة .. فالمقصود بالذات أن تبلغ هذه العبادة للناس لأنك من أمة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - ولست من أمة سيدنا نوح - عليه السلام -. فعن أبى هريرة – - رضي الله عنه - قال: مر رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشعب فيه عيينة من ماء عذبة فأعجبته فقال: لو اعتزلت الناس فأقمت فى هذا الشعب فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " لا تفعل، فإن مقام أحدكم فى سبيل الله أفضل من صلاته سبعين عاماً ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة، اغزوا فى سبيل الله، من قاتل فى سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة ". رواه الترمذى (¬1) والعزلة: إنما هى أمر طارئ ضرورى قد يلجأ إليه الإنسان حينما تأتى ظروف معينة، كما فى الحديث الذى رواه أبو ثعلبه فى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (¬2) فقال: أما والله، لقد سألت عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحاً مُطاعاً وهوى مُتبعاً ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذى رأى برأيه ورأيت أمراً لابد لك منه فعليك بنفسك ودع ¬

_ (¬1) مشكاة المصابيح - باب الجهاد - 2/ 1126. (¬2) سورة المائدة - الآية 108

أمر العوام، فإن وراءكم أيام الصبر فمن صبر فيهن قبض على الجمر للعامل فيهن أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله قالوا: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أجر خمسين منهم؟ قال أجر خمسين منكم (رواه الترمذى وابن ماجه) (¬1) يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (فى الآية الكريمة): والاهتداء إنما يتم بأداء الواجب فإذا قام المسلم بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر كما قام بغيره من الواجبات الأخرى لم يضره ضلال الضالين وانحراف المنحرفين الذين ركبوا رؤوسهم وتمادوا فى غيهم وأعرضوا عن منهج ربهم (¬2). ونقل ابن جرير الطبرى فى تفسير الآية: عن حذيفة - رضي الله عنه - قال: " إذا أمرتم ونهيتم ". وعن سعيد بن المسيب: إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر لا يضرك من ضل إذا اهتديت. فنحن الآن مطالبين بتبليغ رسالة الله - عز وجل - مادام ميدان الدعوة إلى الله - عز وجل - مفتوحاً أمامنا .. وأبشر يا أخى فإن الباب سيظل مفتوحاً. لحديث الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - الذى رواه عبد الرحمن بن العلاء الحضرمى قال حدثنى من سمع النبى - صلى الله عليه وسلم - يقول: " إنه سيكون فى آخر هذه الأمة قوم لهم مثل أجر أولهم ¬

_ (¬1) مشكاة المصابيح - باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر - 3/ 1423. (¬2) رسالة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لابن تيمية.

يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقاتلون أهل الفتن " رواه البيهقى وصححه الألبانى (¬1). وعن معاوية - رضي الله عنه - قال: سمعت النبى - صلى الله عليه وسلم - يقول: " لا يزال من أمتى أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتى أمر الله وهم على ذلك " متفق عليه (¬2). فالميدان مفتوح .. حتى قيام الساعة. نرجع ثانية .. إلى الآية الكريمة {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي} سبيل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. وما هى سبيلك يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. ؟!! {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (¬3) والبصيرة هنا: هى الأمر اليقينى المجزوم به الذى لا يخالطه شك، وقيل: البصيرة العبرة، وقيل: على ثبات فى الدين واستمرار .. والبصيرة .. عطاء ربانى على قدر الاتباع للنبى علماً وعملاً. ¬

_ (¬1) مشكاة المصابيح - باب ثواب هذه الأمة - 3/ 1770. (¬2) المرجع السابق - 3/ 1769. (¬3) سورة يوسف - الآية 108.

ويقول ابن القيم (رحمه الله): قال الفراء وجماعه: ومن اتبعنى: معطوف على الضمير فى أدعو يعنى ومن اتبعنى يدعو إلى الله كما أدعو يعنى حق على كل من اتبعه يدعو إلى ما دعا إليه ويُذكِّر بالقرآن والموعظة الحسنة. قال ربيع بن أنس: ينبغى على من اتبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو كما دعا رسول الله وأن ينذر بما أنذر. وقال ابن الأنبارى: ويجوز أن يتم الكلام عند قوله إلى الله ثم يبتدئ بقوله {عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} فيكون الكلام على جملتين أولاهما أن يدعو إلى الله، وفى الثانية بأنه من اتباعه على بصيرة والقولان متلازمان. وعلى التقدير فسبيله وسبيل من اتبعه الدعوة إلى الله، فلا يكون الرجل من أتباعه حقاً حتى يدعوا إلى ما دعا إليه .. وقول الفراء أحسن وأقرب إلى الفصاحة والبلاغة .. والله سبحانه وتعالى يقول مرغباً حبيبه - صلى الله عليه وسلم - فى الدعوة إليه {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (¬1). ¬

_ (¬1) سورة فصلت - الآية 33.

قال الحسن: هو المؤمن أجاب الله فى دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته وعمل صالحاً فى إجابته فهذا حبيب الله، هذا ولى الله، أسلم لله وعمل بطاعته، ودعا إلى الله، فالدعوة إلى الله أفضل مقامات العبد (¬1). وقال ابن كثير رحمه الله: هذه الآية عامة فى كل من دعا إلى خير وهو فى نفسه مهتد (¬2) .. وهذا النوع أفضل أنواع الإنسان وأعلاهم درجه عند الله يوم القيامة وهم ثنية الله تعالى فى الخاسرين فى قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (¬3). فأقسم الله - عز وجل - على خسران نوع الإنسان إلا من كمُل نفسه وكمَّل غيره بوصيته له بها ولهذا قال الإمام الشافعى – رحمه الله – لو فكر الناس كلهم فى سورة العصر لكفتهم ثم قال: وبيان ذلك أن المراتب أربعة باستكمالها يحصل للشخص غاية كماله: أحدهما: معرفة الحق. ¬

_ (¬1) مفتاح دار السعادة لابن القيم. (¬2) مختصر تفسير ابن كثير. (¬3) سورة العصر.

الثانية: عمله به. الثالثة: تعليمه من لا يحسنه {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ}. الرابعة: صبره على تعلمه والعمل به وتعليمه {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}. فذكر الله - عز وجل - فى المراتب الأربعة فى هذه السورة وأقسم بالعصر أن كل أحد فى خسر إلا من كمل فيه المراتب الأربعة وهذه نهاية الكمال أن يكون الشخص كاملاً فى نفسه مُكملاً لغيره، فهذه السورة مع اختصارها هى من أجمع سور القرآن الكريم للخير بحذافيره .. والحمد لله الذى جعل كتابه كافياً على كل ما سواه .. شافياً من كل داء .. هادياً إلى كل خير (¬1). * * * * * ¬

_ (¬1) مفتاح دار السعادة لابن القيم.

الإحساس بمسئولية الدعوة

الإحساس بمسئولية الدعوة عن علقمة بن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن جده قال: خطب رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فأثنى على طوائف من المسلمين خيراً ثم قال: " ما بال أقوام لا يفقهون جيرانهم ولا يعلمونهم ولا يعظونهم ولا يأمرونهم ولا ينهونهم؟ وما بال أقوام لا يتعلمون من جيرانهم ولا يتفقهون ولا يتعظون، والله ليعلمن قوم جيرانهم ويفقهونهم ويعظونهم ويأمرونهم وينهونهم، وليتعلمن قوم من جيرانهم ويتفقهون ويتعظون أو لأعاجلنهم العقوبة ثم نزل. فقال قوم: من ترونه عَنّى بهؤلاء؟ فقال: الأشعريين هم قوم فقهاء ولهم جيران جفاه من أهل المياه والأعراب فبلغ ذلك الأشعريين فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا رسول الله، ذكرت قوماً بخير وذكرتنا بشر فما بالنا؟ فقال ليعلمن قوم جيرانهم وليعظنهم وليأمرنهم ولينهونهم وليتعلمن قوم من جيرانهم ويتعظون ويتفقهون أو لأعاجلنهم العقوبة فى الدنيا. فقالوا يا رسول الله: أنفطن غيرنا فأعاد قوله عليهم فأعادوا قولهم: (أنفطن غيرنا) فقال ذلك أيضاً فقالوا: أمهلنا سنه، فأمهلهم سنة ليفقهوهم ويعلموهم ويعظوهم ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي

إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ .. الخ الآية} (¬1) (رواه الطبرانى فى الكبير) (¬2). انظر .. كيف شدد النبى الكريم - صلى الله عليه وسلم - على العلماء بتعليم الجهلاء أمر دينهم وأنذرهم بالعقوبة .. إن لم يفعلوا .. ‍‍!! وحملهم مسئولية الدعوة والتعليم .. !! فما هو سبب عدم شعور المسلم بالمسئولية تجاه الدين .. ؟! اليوم .. عُدم المسلمون الإحساس بالمسئولية وذلك بسبب وجود سكرتان .. وهما: سكرة الجهل، سكرة حب العيش. ويوضح لنا ذلك الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - فى الحديث الذى رواه البزار عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إنكم على بينة من ربكم ما لم تظهر فيكم سكرتان، سكرة الجهل وسكرة حب العيش وأنتم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتجاهدون فى سبيل الله، فإذا ظهر فيكم حب الدنيا فلا تأمرون بالمعروف ولا تنهون عن المنكر ولا تجاهدون فى سبيل الله القائلون يومئذٍ بالكتاب والسنة كالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار " (¬3). ¬

_ (¬1) سورة المائدة - الآية 78. (¬2) الترغيب والترهيب للإمام المنذرى – باب من كتم العلم – 1/ 61. (¬3) كتاب حياة الصحابة – باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر - 2/ 633.

فالسكران كلامه خطأ وكل ما يصدر منه فهو خطأ .. فالمسلم اليوم – إلا من رحم ربى – حياته خطأ فى خطأ لأنه سكران بحب الدنيا. وسكران الخمر يفيق بعد وقت قليل أو كثير .. ولكن سكران حب الدنيا لا يفيق إلا مع الموت. قال على ابن أبى طالب - رضي الله عنه - الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا .. وإذا انتبهوا ندموا .. ولا ينفع الندم (¬1). فالرجل عندما يخدر أثناء العمليات الجراحية .. فلا يشعر بشئ على الإطلاق .. ولكنه عند الإفاقة .. يشعر بالآلام وبمن حوله ويبدأ فى التألم من آثار ما أجرى له .. كذلك لو أفاق المسلمون من سكرتهم .. لقالوا: آهٍ على بنات المسلمين .. آهٍ على نساء المسلمين .. آهٍ على شباب المسلمين .. آهٍ على دين المسلمين .. فلا يفيق الإنسان إلا بالجهد والتضحية وإنفاق المال والوقت فى سبيل الله - عز وجل -، قال تعالى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (¬2). * * * * * ¬

_ (¬1) كتاب نهج البلاغة. (¬2) سورة العنكبوت - الآية 69.

بعثة المسلم

بعثة المسلم الله - عز وجل - بعث الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام لجهد الدين .. ولإرشاد العباد إلى ما يصلح العباد .. ولتوضيح منهج الله - عز وجل - .. وكيفية الالتزام بهذا المنهج .. قال تعالى {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ} (¬1) والله - عز وجل - ختم النبوة بالنبى - صلى الله عليه وسلم -. ومن أجل إسعاد البشرية كلها فى الدنيا والآخرة أنزل الله - عز وجل - دينه كاملاً وجعل جهد الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - وعلى منهاجه سبباً وحيداً لنشر هذا الدين فى ربوع العالم. وحيث أنه لا نبوة بعد النبى الكريم - صلى الله عليه وسلم - فلا أحد بعد النبى ينبغى له أن يدعى ذلك لقول الله - عز وجل - {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} (¬2) .. ومن أجل ذلك .. الله سبحانه وتعالى اجتبى هذه الأمة وانتخبها واصطفاها لجهد النبى - صلى الله عليه وسلم - ويتجلى ذلك واضحاً فى قول ربعى بن عامر - رضي الله عنه -: لرستم قائد الفرس .. عندما قال له ما الذى جاء بكم .. ؟ ¬

_ (¬1) سورة الحج - الآية 75. (¬2) سورة الأحزاب - الآية 40.

قال ربعى: إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله - عز وجل -، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام .. فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه (¬1). ويقول الشيخ فاروق: (¬2) سألنى رجل فقال .. يا شيخ .. كيف تقولوا أن المسلم مبعوث .. والبعثة فقط للأنبياء .. ؟!! فكان ردى .. أن الله - عز وجل - استعمل لفظ البعثة كثيراً فى القرآن .. قال تعالى {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ} (¬3)، وقال - عز وجل - {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} (¬4) .. فالله كره انبعاث المنافقين والله بعث المؤمنين، ويقول الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - " إنما بُعثتم ميسرين ولم تُبعثوا معسرين " رواه البخارى (¬5) أهـ. ¬

_ (¬1) حياة الصحابة - 1/ 203. (¬2) من علماء التبليغ والدعوة الأجلاء بباكستان، وقد التقيتُ به أول مرة في اجتماع بالأردن بمسجد مدينة الحجاج لمدة ثلاثة أيام، ثم انتقل وانتقلنا معه إلي المسجد القبلي بمدينة إربد لمدة ثلاثة أيام أخري. (¬3) سورة المائدة - الآية 31. (¬4) سورة التوبة - الآية 46. (¬5) رياض الصالحين - الحلم والآناه.

وقال ابن عباس - رضي الله عنهم - لما نزلت الآية {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً} (¬1) وكان النبى - صلى الله عليه وسلم - قد أمر معاذاً وأبا موسى الأشعرى – - رضي الله عنهم - أن يسيرا إلى اليمن، فقال - صلى الله عليه وسلم -: " انطلقا فبشرا ولا تنفرا، ويسرا ولا تعسرا .. إنه قد أُنزل علىَّ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً} الآية ". رواه ابن أبى حاتم والطبرانى (¬2). إذن .. فالمسلم ليس نبى ولكنه مبعوث .. الله بعثه ... والمسلم خليفة الله فى أرضه .. والمسلم نائب عن الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - .. والمسلم سفير على الأرض، أرسله الله - عز وجل - للعالم أجمع .. * * * * * ¬

_ (¬1) سورة الأحزاب - الآيتان 45، 46. (¬2) مختصر تفسير ابن كثير - سورة الأحزاب.

عالمية الرسالة والدعوة

عالمية الرسالة والدعوة قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} (¬1). وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً} (¬2). وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (¬3). وقال تعالى {:قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} (¬4). وقال تعالى: {وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} (¬5). وقال تعالى: {وَمَا هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} (¬6). وقال تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ (¬7)} (¬8) ¬

_ (¬1) سورة الأعراف - من الآية158. (¬2) سورة سبأ - من الآية28. (¬3) سورة الأنبياء - الآية 107. (¬4) سورة الأنعام - من الآية90. (¬5) سورة يوسف - الآية 104. (¬6) سورة القلم - الآية 52. (¬7) قوله " ومن بلغ " عطف على المخاطبين من أهل مكة أى لأنذركم به، وأنذر كل من بلغة القرآن من العرب والعجم، وقيل من الثقلين، وقيل من بلغه إلى يوم القيامة وقيل: أى من احتلم وبلغ حد التكليف. (مفاتيح الغيب للرازى، 6/ 253). (¬8) سورة الأنعام - من الآية19.

وقال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} (¬1). وقال تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ * لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً (¬2) وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} (¬3). ... وفى الحديث عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أعطيت خمساً لم يعطهن أحدٌ قبلى، نُصرتُ بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لى الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتى أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لى الغنائم ولم تحل لأحدٍ قبلى، وأعطيت الشفاعة، وكان النبى يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة " متفق عليه (¬4). * * * * * ¬

_ (¬1) سورة الفرقان – الآية 1. (¬2) أى لينذر هذا القرآن المبين كل حى على وجه الأرض وينتفع بنذارته من هو حى القلب مستنير البصيرة. (مختصر تفسير ابن كثير - 3/ 170). (¬3) سورة يس – الآيتان 69، 70. (¬4) مشكاة المصابيح - كتاب الفضائل والشمائل - باب فضل سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - 3/ 1601

شرف الأمة المسلمة وعزها

شرف الأمة المسلمة وعزها قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ (¬1) لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ} (¬2) وقال تعالى: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ} (¬3) وقال تعالى: {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ} (¬4). فإذا كان هذا الدين هو شرف هذه الأمة وعزها وكرامتها .. أليس من الواجب علينا أن نضحى من أجله ونقوم بالدعوة إليه حتى يعلو وينتشر فى جميع ربوع الدنيا .. ويعبد الله - عز وجل - فى كل مكان من أرض المعمورة. ولا تنسوا: { ... وَسَوْفَ تُسْأَلونَ} ¬

_ (¬1) (الذكر) فى هذه الآية .. الشرف، أى الشرف لك ولقومك كما فسره ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدى وبن زيد واختاره بن جرير ولم يحكى سواه. انظر تفسير ابن كثير. (¬2) سورة الزخرف - الآية 44. (¬3) سورة الأنبياء - الآية 10. (¬4) سورة المؤمنون - الآية 71.

رحماء بينهم

رحماء بينهم قال الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} (¬1). أى عزيز عليه عنتكم ومشقتكم، حريص على هدايتكم، رؤوف رحيم بكم فى كل أحواله .. ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما لأمته - صلى الله عليه وسلم - {مِنْ أَنْفُسِكُمْ} أن الشفقة هى الخوف على وجه المحبة والرأفة وهى شدة الرحمة. وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (¬2) (¬3) وهى الرحمة العامة على كل الخلق. وقال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (¬4). ¬

_ (¬1) سورة التوبة - الآية 128. (¬2) سورة الأنبياء - الآية 105. (¬3) إعلان فريد من نوعه فى تاريخ الرسالات والديانات، جاء فى كتاب خالد قدر الله سبحانه وتعالى له أن يتلى فى كل مكان وزمان، يبلغ عدد قرائه ملايين الملايين، فإن مساحته الزمنية تحوى جميع الأجيال، والأدوار التاريخية التى تتلو البعثة المحمدية ومساحته المكانية تسع العالم كله (السيرة النبوية للندوي). (¬4) سورة آل عمران - الآية 159.

وقال تعالى {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (¬1). روى ابن جرير عن قتادة فى قوله تعالى ... {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} قال جعل الله الرحمة فى قلوب بعضهم لبعض (¬2). وقال ابن عباس - رضي الله عنه - فى تفسير قوله تعالى: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} يدعو صالحهم لطالحهم وطالحهم لصالحهم، فإذا نظر الطالح للصالح من أمة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - قال: اللهم بارك له فيما قسمت له من الخير، وإذا نظر الصالح إلى الطالح قال: اللهم اهده وتب عليه واغفر له عثرته. وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء " (رواه أبو داود والترمذى) (¬3). وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنهم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ترى المؤمنين فى تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " متفق عليه (¬4). ¬

_ (¬1) سورة الفتح - الآية 29. (¬2) سبل الهدى والرشاد فى سيرة خير العباد. (¬3) مشكاة المصابيح – باب الشفقة والرحمة على الخلق - 3/ 1387. (¬4) المرجع السابق - 3/ 1385.

وعن جرير بن عبد الله - رضي الله عنهم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا يرحم الله من لا يرحم الناس " متفق عليه (¬1). وعن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال سمعت أبا القاسم الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - يقول: " لا تُنزع الرحمة إلا من شقى ". (رواه أحمد والترمذى) (¬2) وقال - صلى الله عليه وسلم -: " رحمة الله على خلفائى، قيل: ومن خلفاؤك يا رسول الله؟ قال: الذين يحيون سُنتى ويعلمونها الناس " (¬3). وقال - صلى الله عليه وسلم - " خاب عبدٌ وخسر لم يجعل الله فى قلبه رحمة للبشر " (¬4). * * * * * ¬

_ (¬1) المرجع السابق – 3/ 1384. (¬2) المرجع السابق – 3/ 1387. (¬3) رواه ابن عساكر عن الحسن بن على (جمع الجوامع للسيوطى - حديث رقم 14400). (¬4) رواه الحسن بن سفين والدولابى والديلمى وابن عساكر عن عمرو بن حبيب (المرجع السابق - حديث رقم 13490).

الدين النصيحة

الدين النصيحة عن جرير بن عبد الله - رضي الله عنهم - قال بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم. متفق عليه (¬1). وعن أبى رقية تميم بن أوس الدارى - رضي الله عنهم - أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال " الدين النصيحة (ثلاثاً) قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " رواه مسلم (¬2). عن أنس - رضي الله عنهم - يرفعه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من لم يهتم بأمر المسلمين ومن لم يصبح ويمسى ناصحاً لله ولرسوله ولكتابه ولإمامه ولعامة المسلمين فليس منا " (رواه البيهقى والطبرانى) (¬3). وعن أبى أمامه - رضي الله عنه - عن النبى المصطفى الكريم - صلى الله عليه وسلم - قال: قال الله - عز وجل -: أحب ما تعبدنى به عبدى النصح لى .. وفى رواية لكل مسلم (رواه أحمد والحكيم وأبو نعيم) (¬4). ¬

_ (¬1) رياض الصالحين - باب النصيحة. (¬2) المرجع السابق. (¬3) جامع العلوم والحكم - لابن رجب. (¬4) الاتحافات السنية للمناوى.

وقيل " لا خير فى قوم لا يتناصحون فيما بينهم ولا خير فى قومٍ لا يقبلون النصيحة ". وقال الفضيل بن عياض: المؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويعير. قال المازرى: نصيحة مشتقة من نصحت العسل أى صفيته. يقال نصح الشىء إذا خلص ونصح له القول إذا أخلص. أو مشتقة من النصح وهى الخياطة بالمنصحة وهى الإبرة. والمعنى أنه يلم شعث أخيه بالنصح كما تلم المنصحة الثوب ومنه التوبة النصوح كأن الذنب يمزق الدين والتوبة تخيطه. وقال الخطابى: النصيحة كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للمنصوح له. النصيحة لله: 1) وصفة بما هو له أهل. 2) الخضوع له ظاهراً وباطناً. 3) الرغبة فى محابه بفعل طاعته. 4) الجهاد فى رد العاصين إليه. قال الحواريون لعيسى - عليه السلام -: يا روح الله من الناصح لله؟ قال: الذى يقدم حق الله على حق الناس.

النصيحة لكتاب الله: وتتم بتعلمه وتعليمه وإقامة حروفه فى التلاوة وتحريرها فى الكتابة وتفهم معانيه، والعمل بما فيه وذب تحريف المبطلين عنه. النصيحة لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: وذلك يتحصل بتعظيمه ونصره حياً وميتاً وإحياء سنته وتعليمها والإقتداء به فى أقواله وأفعاله ومحبته ومحبة أتباعه. النصيحة لأئمة المسلمين: 1) إعانتهم على ما حملوا القيام به. 2) تنبيههم عند الغفلة. 3) سد خلتهم عند الهفوة. 4) جمع الكلمة عليهم. 5) رد القلوب النافرة إليهم. 6) ومن أعظم نصيحتهم دفعهم عن الظلم بالتى هى أحسن. ومن جملة أئمة المسلمين: أئمة الاجتهاد وتقع النصيحة لهم .. ببث علومهم، ونشر مناقبهم، وتحسين الظن بهم.

النصيحة لعامة المسلمين: 1) الشفقة عليهم. 2) السعى فيما يعود عليهم بالنفع. 3) تعليمهم ما ينفعهم. 4) كف وجوه الأذى عنهم. 5) يحب لهم ما يحب لنفسه. 6) ويكره لهم ما يكره لنفسه. والدين النصيحة .. يحتمل أن يحمل على المبالغة أى معظم الدين النصيحة كما قيل فى الحديث الشريف (الحج عرفه (¬1)، ويحتمل أن يحمل على ظاهره لأن كل عمل لم يرد به عامله الإخلاص فليس فى الدين (¬2). ولذلك كانت عاطفة كل الأنبياء (عليهم السلام): الشفقة والرحمة والنصح لأقوامهم، ولهذا أخبر الله - سبحانه وتعالى - عن حبيبه ومصطفاه محمد - صلى الله عليه وسلم - { ¬

_ (¬1) رواه أحمد وأصحاب السنن وابن حبان والحاكم والدارقطنى. (¬2) فتح البارى شرح صحيح البخارى - لابن حجر العسقلانى – 1/ 137.

لقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} (¬1). وقال الله جل ثناؤه إخباراً: عن نوح - عليه السلام -: {وَأَنْصَحُ لَكُم} (¬2) وعن هود - عليه السلام -: {وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} (¬3)، وهذا نبى الله صالح - عليه السلام - قد ذكر الله نصحه لقومه فقال الله - سبحانه وتعالى - {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ * فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} (¬4). وعن صاحب ياسين: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (¬5). ¬

_ (¬1) سورة التوبة - الآية 128. (¬2) سورة الأعراف - الآية 62. (¬3) سورة الأعراف - الآية 68. (¬4) سورة الأعراف – الآيتان 78، 79. (¬5) سورة يس – الآيات 20: 27.

وعن مؤمن آل فرعون {: وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ * يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ * وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ * فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} (¬1). ومع هموم إبراهيم الخليل - عليه السلام - مع أبيه الكافر .. قال تعالى {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً * يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً * قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ ¬

_ (¬1) سورة غافر – الآيات 38: 44.

لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً * وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّاً} (¬1). وننتقل من ابن مع أبيه .. إلى والدين مع ابنهما الملحد الذى ينكر البعث حرصاً منهما على هدايته: وإليك حوار الدعوة المملوء بالشفقة والرحمة كما يصوره الله - عز وجل -: قال تعالى: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} (¬2). وتأمل معنى قول الله - عز وجل -: {وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ} أى يطلبان من الله الهداية لولدهما الضال (بِهَم .. حُرقة .. حزن .. شفقة) ويلك آمن إن وعد الله حق .. نسأل الله - عز وجل - أن يرزقنا الشفقة والرحمة التى كانت فى قلوب الأنبياء - عليه السلام - * * * * ¬

_ (¬1) سورة مريم - الآيات 41: 48. (¬2) سورة الأحقاف - الآية 17.

وتعاونوا

وتعاونوا قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (¬1). فى هذه الآية الكريمة يبين الله - عز وجل - أنه يوجد نوعان من التعاون: النوع الأول: وهو التعاون على البر وهو فعل الخيرات. النوع الثانى: وهو التعاون على التقوى وهو ترك المنكرات. . والتعاون على البر الآن كثير، ومن أمثلته: أنك تجد فقيراً محتاجاً فتضع يدك فى يده بالعطاء، قال الله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (¬2). وإذا رأيت رجلاً أعمى فى الطريق فتقوده حتى يصل المكان الذى يريده. ¬

_ (¬1) سورة المائدة - الآية 2. (¬2) سورة آل عمران - الآية 92

وإذا وجدت جارك أو ابنه أو أى رجل لا تعرفه قد كسرت رجله تقوم فوراً وتحمله إلى الطبيب .. فهذه أمثلة للتعاون على البر. ومن أمثلة التعاون على التقوى: أنك إذا وجدت رجلاً لا يصلى وينتهك حرمات الله - عز وجل - ترشده وتنصحه وتُعينه على امتثال أمر الله وتقوى الله .. فهذا وللأسف قل فى حياتنا .. فالذى كسرت رجله أو يده فى ميزان الله لم يخسر ولكن له الثواب إذا صبر ففى الحديث الذى رواه الإمام البخارى ومسلم عن أبى سعيد وأبى هريرة - رضي الله عنهم - عن النبى الكريم - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه " (¬1). ولكن الذى ترك أمر الله فقد ضل ضلالاً كبيراً وخسر خسراناً مبينا .. قال الله تعالى {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} (¬2) وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} (¬3). ¬

_ (¬1) رياض الصالحين - باب الصبر. (¬2) سورة الأحزاب - الآية 36. (¬3) سورة الزمر - الآية 15.

يقول الشيخ إلياس - رحمه الله (¬1) – معلقاً على الحديث الشريف الذى رواه عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء. رواه ... أبو داود والترمذى (¬2). مع الأسف أن الناس قد خصوا هذا الحديث على الجوعى وأهل الفاقة فلذا صار الناس إذا رأوا الجائع والمحتاج والعارى فيرحموه ولكن المحروم من الدين لا يرحموه، فخسارة الدنيا يعتبرونها خسارة .. ولكن خسارة الدين لا يعتبرونها خسارة، فكيف يرحمنا من فى السماء، فإنما أساس عمل الدعوة والتبليغ قائم على هذه الرحمة فلذا علينا أن نعمل هذا العمل بالشفقة والرحمة فإذا أحس الداعى بالأسف والحزن على إساءة أحوال إخوانه الدينية فحينئذٍ يؤدى واجبه بالرحمة والشفقة لهم ويعمل بالإخلاص ويشعر بالتقصير ولكن إن لم يكن فى قلبه ذلك فيُبتلى بالتكبر والعجب فلا ينتظر منه المنفعة (¬3). ¬

_ (¬1) محيى عمل التبليغ والدعوة فى بعوث جماعية، بالهند، وينتهى نسبه إلى سيدنا أبو بكر الصديق. (¬2) مشكاة المصابيح - 3/ 1387. (¬3) كتاب ملفوظات - الشيخ إلياس.

وقال أحد العلماء: ما أقل التعاون على التقوى الآن وكثرته عند الصحابة - رضي الله عنهم - فكان النبى الكريم - صلى الله عليه وسلم - يربط الحجرين على بطنه الشريف وما انشغل الصحابة بجمع الطعام للنبى - صلى الله عليه وسلم - ولا لأنفسهم وهو من أعمال البر ولكن انشغلوا بالتعاون على التقوى وخرجوا فى سبيل الله - عز وجل - ليبلغوا رسالة النبى الكريم - صلى الله عليه وسلم -. فالله - عز وجل - يقول: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} (¬1). أى ليس معاملتكم لمحمد - صلى الله عليه وسلم - معاملة الابن لأبيه ولكن معاملة النبوة والرسالة، فمعاملة الأب بأن تقبل يده، وتقدم له الطعام والشراب وتخدمه حتى يرضى عنك ولكن عليكم أن تعاملوا محمداً - صلى الله عليه وسلم - معاملة خاتم النبوة بأن تحملوا هديه إلى المشارق والمغارب .. ¬

_ (¬1) سورة الأحزاب - الآية 40.

أنصر أخاك

، .. أنصر أخاك .. ، عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً أرأيت إن كان ظالماً كيف أنصره؟ .. قال: أن تحجزه عن الظلم فإن ذلك نصره ". رواه البخارى (¬1) والمظالم كثيرة وأنواع الظلم كثيرة وقد بين الله - سبحانه وتعالى - من هم أشد الناس ظلماً قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} (¬2). فهؤلاء المعرضون عن آيات الله - عز وجل - هم أعتى الظلمة فكيف تكون نصرتهم ومنعهم من الظلم .. ؟ ¬

_ (¬1) رياض الصالحين - باب تعظيم حرمات المسلمين وبيان حقوقهم والشفقة عليهم. (¬2) سورة السجدة - الآية 22.

حقائق فى الدعوة إلى الله

الجواب: أن ندعوهم إلى الله - عز وجل - ونذكرهم بالله - عز وجل - ونحببهم فى الله - عز وجل - بذكر آيات قدرته وعظمته وبذكر نعمه وآلائه وإحسانه وبره وعطفه ومنه وجوده وكرمه. * * * * * حقائق فى الدعوة إلى الله قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (¬1)، فالله - عز وجل - جعل الدعوة إليه وأجرها عليه ونصرتها عليه. {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} ثم نراه فى آية أخرى يقول الله - عز وجل - {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ .. الآية} (¬2). إذن .. فالدعوة إلى الله، فمن أين تأخذ أجرك .. ؟! ¬

_ (¬1) سورة فصلت - الآية 33. (¬2) سورة يوسف - الآية 108.

قال الله - عز وجل - {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} (¬1). وقال تعالى {لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ} (¬2). وقال تعالى {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (¬3). ولكن .. كيف تُنصر وتوفق فى هذه الدعوة .. ؟! قال تعالى {إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (¬4). * * * * * ¬

_ (¬1) سورة الشعراء - الآية 109. (¬2) سورة هود - الآية 29. (¬3) سورة هود - الآية 29. (¬4) سورة هود - الآية 88.

من مرتبة الحسن إلى الأحسن

من مرتبة الحسن إلي الأحسن قال تعالى {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (¬1). وقال تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (¬2). وقال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (¬3). الله سبحانه وتعالى يأمرنا أن ننتقل من مرتبة الحسن إلى الأحسن .. فما هو الأحسن .. ؟! يقول الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (¬4). ¬

_ (¬1) سورة النحل - الآية 125. (¬2) سورة الإسراء - الآية 53. (¬3) سورة فصلت - الآية 34. (¬4) سورة فصلت - الآية 33.

الموعظة فى آيات

الموعظة فى آيات قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} (¬1). قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} (¬2). قال تعالى (على لسان شعيب - عليه السلام -) {: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْه} (¬3). * * * * * ¬

_ (¬1) سورة البقرة - الآية 44. (¬2) سورة الصف - الآيتان 2، 3. (¬3) سورة هود - الآية 88.

أحوال الناس أمام الدعاة

أحوال الناس أمام الدعاة 1) المحبين: عشاق الحق (يحبون الحق وأهله). 2) المتردد أو المتشكك .. التردد جبن .. والخوف طبع. 3) المنتفع: عبيد المصالح .. قال تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} (¬1). 4) الحقود: المؤمن .. محسود، حب الشهرة هلاك، العطاء يسع الجميع، الفرح بهداية الناس ولو كان على يد غيرك. 5) المتربص أو المتحامل: كل ابن آدم خطاء .. المتربص أعمى عن الحسنات .. العفو زينة المؤمن .. كما نقول للمسئ أسأت ينبغى أن نقول للمحسن أحسنت .. ¬

_ (¬1) سورة الحج - الآية 11.

6) العدو: العداء قديم .. (كفار مكة – منافقوا المدينة – اليهود). 7) فتنة العلماء: مثل فتنة القول بخلق القرآن وتعذيب العلماء وحملهم على القول بذلك .. وعُذِبَ فيها خلق كثير مثل الإمام أحمد بن حنبل – جزاه الله خيراً – بصبره أزاح الله - عز وجل - هذه الفتنة. * * * * *

من أنوار القرآن

من أنوار القرآن قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً} (¬1). لماذا شبه الله - عز وجل - النبى - صلى الله عليه وسلم - بالسراج دون الشمس، والشمس أتم وأكمل فى قوله تعالى: " سراجاً منيرا " .. ؟!! قيل إنما شبه بالسراج لأن السراج يتفرع ويتولد منه سرج لا تعد ولا تحصى بخلاف الشمس والنبى - صلى الله عليه وسلم - تفرع منه بواسطة إرشاده وهدايته جميع العلماء والدعاة فى عصره والعصور التالية .. إلى يومنا هذا وهلم جرا إلى يوم القيامة أشعلت جميع الأمة من النبى - صلى الله عليه وسلم - (¬2). * * * * * ¬

_ (¬1) سورة الأحزاب - الآيتان 45 - 46. (¬2) كتاب غرائب آى التنزيل للرازى (سورة الأحزاب - صـ 391).

القدوة

القدوة قال الله - عز وجل - {أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه} (¬1). • أسوة الأمة: رسولها محمد - صلى الله عليه وسلم - قال الله - عز وجل - {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} (¬2). • الصحابة على الطريق .. قال الله - عز وجل - {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (¬3). ¬

_ (¬1) سورة الأنعام - الآيتان 89، 90. (¬2) سورة الأحزاب - الآية 21. (¬3) سورة التوبة - الآية 100.

• قال تعالى {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} (¬1) (¬2). • السابقون واللاحقون فى الحق ملة واحدة. • ابدأ بنفسك. • دعاه لا قضاة. • خفايا القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب. • أخرج أبو نعيم فى الحلية عن حسان بن عطية قال لما عزل عمر بن الخطاب معاوية عن الشام بعث سعيد ابن عامر - رضي الله عنهم - قال فخرج معه بجارية من قريش فما لبث إلا يسيراً حتى أصابته حاجة شديدة قال: فبلغ ذلك عمر - رضي الله عنه - فبعث إليه بألف دينار، قال: فدخل بها على امرأته فقال أن عمر بعث إلينا بما ترين فقالت لو أنك اشتريت لنا أدماً وطعاماً وادخرت سائرها، فقال لها: أولا أدلك على أفضل من ذلك؟ نعطى هذا المال من ¬

_ (¬1) سورة النساء – الآية 115. (¬2) وقد دلت هذه الآية الكريمة على أنه يجب الاقتداء بالرسول - صلى الله عليه وسلم - فى أفعاله ووجوب اتباع سبيل المؤمنين وهم الصدر الأول (الصحابة رضى الله عنهم) ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم فيما اتفق عليه واجتمع عليه وأن اتباع غير سبيل المؤمنين حرام، وبهذه الآية استدل الإمام الشافعى – رحمه الله – على أن الإجماع حجة. (انظر مفاتيح الغيب للرازى – 5/ 445، مختصر تفسير ابن كثير – 1/ 437، بهجة النفوس لابن أبى جمرة).

يتجر لنا فيه فنأكل من ربحها وضمانها عليه. فقالت إذن فاشترى أدماً وطعاماً واشترى بعيرين وغلامين يمتاران عليهما حوائجهم وفرقها فى المساكين وأهل الحاجة قال فما لبثت إلا يسيراً حتى قالت له امرأته: إنه نفد كذا وكذا، فلوا أتيت ذلك الرجل فأخذت لنا من الربح فاشتريت لنا مكانه، قال: فسكت عنها قال: ثم عاودته قال: فسكت عنها حتى آذته ولم يكن يدخل بيته إلا من ليل إلى ليل قال: وكان رجل من أهل بيته ممن يدخل بدخوله فقال لها: ما تصنعين؟ إنك قد آذيته وأنه قد تصدق بذلك المال، قال: فبكت أسفاً على ذلك المال، ثم إنه دخل عليها يوماً فقال: على رسلك إنه كان لى أصحاب فارقونى منذ قريب ما أحب أنى صددت عنهم وأن لى الدنيا وما فيها ولو أن خيره من الخيرات الحسان اطلعت فى السماء لأضاءت أهل الأرض ويقهر ضوء وجهها الشمس والقمر ولنصيف (¬1) تكسى خير من الدنيا وما فيها فلأنت أحرى فى نفسى أن أدعك لهن من آن أدعهن لك قال فسمحت ورضيت (¬2). • وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدى إلا هالك " رواه أحمد والحاكم (¬3). ¬

_ (¬1) لنصيف: هو الخمار الذى ترتديه الحور العين فى الجنة. (¬2) حياة الصحابة - باب الإنفاق على الفقراء - 2/ 158. (¬3) فى مستدركه – كتاب العلم – 1/ 96.

• وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ... لقد جئتكم بها بيضاء نقية ... " رواه أحمد والبيهقى فى شعب الإيمان (¬1). • وكل واحد يبدأ بنفسه. * * * * * ¬

_ (¬1) مشكاة المصابيح – باب الاعتصام بالكتاب والسنة – 1/ 63.

الحكمة والموعظة الحسنة

الحكمة والموعظة الحسنة قال الله - عز وجل -: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} (¬1). وقال الله - سبحانه وتعالى - {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} (¬2). قال الحافظ ابن حجر فى الفتح: أصح ما قيل فى الحكمة هى وضع الشىء فى محله. أ. هـ. ¬

_ (¬1) يقول الإمام القرطبى: نزلت هذه الآية (ادع إلى سبيل ربك) بمكة المكرمة فى وقت الأمر بمهادنة قريش وأمره أن يدعو إلى الله بتطلف ولين دون مخاشنة وتعنيف وهكذا ينبغى أن يوعظ المسلمون إلى يوم القيامة. (الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة النحل). والموعظة الحسنة: فى اللغة التذكير والنصح. قال ابن سيده: هى تذكيرك الإنسان بما يلين قلبه من ثواب وعقاب ... . وقال صاحب المنار: الوعظ والنصح والتذكير بالخير والحق على الوجه الذى يرق له القلب وتنبعث فيه الرغبة للعمل الصالح. (تفسير المنار- 2/ 404). وقال الشيخ عبد الواحد (أحد علماء الدعوة بباكستان): الموعظة الحسنة هى الكلام بين الحزن والشفقة. والموعظة الحسنة لون من ألوان الحكمة ومظهر من مظاهرها. (¬2) سورة البقرة - الآية 269.

والحكمة: هي نور يقذفه الله - سبحانه وتعالى - فى قلب العبد على قدر التضحية وهى عطاء من الله - عز وجل - قال الله - سبحانه وتعالى - {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُف} (¬1) أى علمناه الحكمة بوضع صواع الملك فى وعاء أخيه ويبدأ بالتفتيش بوعاء الآخرين، فمن أوتى الحكمة فقد أوتى خيراً كثيرا ومن حرمها فقد حرم خيراً كثيراً. والحكمة: تحتاج إلى تمرين وتدريب وتعليم وصحبة ممن سبقوك فى الدعوة بالصبر والتحمل وغض الطرف عن أخطائهم كما فى قصة موسى - عليه السلام - مع الخضر - عليه السلام -، فلو صبر عليه لتعلم منه الكثير والكثير، قال تعالى {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} (¬2). والحكمة: تحتاج إلى دراسة وتحليل لحياة الأنبياء عليهم السلام فى الدعوة إلى الله، وكذلك أتباع الأنبياء - عليه السلام - والأمثلة كثيرة منها: ¬

_ (¬1) سورة يوسف – من الآية 76. (¬2) سورة السجدة – الآية 24.

انظر إلى حكمة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة لما مر سعد بن عبادة بأبى سفيان بن حرب فى كتيبة الأنصار قال له: اليوم يوم الملحمة .. اليوم تستحل الحرمة .. اليوم أذل الله قريشاً .. فلما حاذاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى كتيبته شكا إليه ذلك أبو سفيان قال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألا تسمع ما قال سعد .. ؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: وما قال؟ قال: كذا وكذا ... فاستنكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقالة سعد وقال: بل اليوم يوم المرحمة، اليوم يعز الله قريشاً ويعظم الكعبة، فأرسل إلى سعد فنزع منه اللواء ودفعه إلى قيس ابنه ورأى أن اللواء لم يخرج عن سعد إذ صار إلى ابنه (¬1). يقول أبو الحسن الندوى: ولم يزد الرسول - صلى الله عليه وسلم - الملهم أن أبدل حرفاً بحرف وأباً بابن، فعالج نفس أبى سفيان المكلومة وكان فى حاجة إلى تأليف القلب من غير أن يسيئ إلى سعد صاحب سوابق فى الإسلام (¬2). وتجلت حكمة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قسم غنائم حنين فقسمها فى المهاجرين من الطلقاء ولم يعط الأنصار شيئاً. فقالت الأنصار: إذا كانت الشدائد فنحن ندعى ويعطى الغنيمة غيرنا. فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأنصار فجمعوا فى حظيرة فخطب خطبة عظيمة قال فيها .. ألم آتكم ضُلالاً فهداكم ¬

_ (¬1) زاد المعاد – 2/ 260. (¬2) السيرة النبوية - لأبي الحسن الندوى.

الله بى، وعالة فأغناكم الله بى، وأعداء فألف الله بين قلوبكم .. ؟ قالوا: لله ولرسوله المنَّ. ولما سكتوا قال: ألا تجيبوني يا معشر الأنصار: قالوا: بماذا نجيبك يا رسول الله. لله ولرسوله المن والفضل. قال: أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصدقتكم. آتيتنا مكذباً فصدقناك، ومخذولاً فنصرناك، وطريداً فآويناك، وعائلاً فواسيناك. ثم انعطف عليهم بكلمة فيها الثقة. فقال: أوجدتم علىًّ يا معشر الأنصار فى أنفسكم فى لعاعة (¬1) من الدنيا تألفت بها قوماً ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم. ثم قال كلمة لم يتمالكوا أمامها فانفجر الإيمان والحنان فى نفوسهم وتدفق قال: ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاء والبعير وترجعون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رحالكم؟ فو الذى نفس محمدٌ بيده لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ولو سلك الناس شعباً وسلكت الأنصار شعباً ووادياً لسلكت شعب الأنصار وواديها، الأنصار شعار والناس دثار، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار ¬

_ (¬1) لعاعة: نبات ناعم أخضر قليل البقاء، يعنى أن الدنيا كالنبات الأخضر قليل البقاء.

، وبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا رضينا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسماً وحظاً (¬1). فانظر كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يداوى الجراح ويداوى النفوس ويأتيه الرجل يستأذنه فى الزنا ويستأذن ممن .. ؟ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! وأمام صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فماذا فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فعن أبى أمامة - رضي الله عنه - قال: إن فتى شاباً أتى النبى - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله ائذن لى بالزنا. فأقبل عليه القوم وزجروه. وقالوا مه مه. فقال: ادنه. فدنا منه قريباً قال: فجلس. قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك. قال ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك. قال والناس لا يحبونه لبناتهم. قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله يارسول الله جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم. قال أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلنى الله فداك. قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله يارسول الله جعلني الله فداءك. قال ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه، فلم يكن بعد ذلك اليوم الفتى ¬

_ (¬1) حياة الصحابة، باب صبر الانصار عن اللذات الدنيوية والأمتعة الفانية والرضا بالله ورسوله - 1/ 379، تاريخ الإسلام للذهبي، 1/ 502.

يلتفت إلى شئ. رواه الإمام أحمد والطبرانى فى الكبير وقال الهيثمى رجاله رجال ... الصحيح (¬1). انظر كيف يأتى له بالأقرب فالأقرب ثم يدعو له بطهارة القلب وحصانة الفرج وما عنفه وما زجره. ومن الحكمة: اختيار الوقت المناسب لزيارة من تدعوه إلى الله - عز وجل -: فعن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهم - قال: لما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت لرجل من الأنصار (¬2): هلم لنسأل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنهم اليوم كثير، فقال الرجل: واعجباً لك يا ابن عباس أترى الناس يفتقرون إليك وفى الناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فيهم، فتركت ذلك وأقبلت أسأل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن كان يبلغنى الحديث عن الرجل فآتى بابه تسفى الريح علىَّ من التراب، فيرانى فيقول يا ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هلا أرسلت إلىَّ فآتيك فأقول أنا أحق أن آتيك. قال: فأسأله عن الحديث فعاش هذا الرجل الأنصارى حتى رآنى وقد اجتمع الناس حولى يسألونني فيقول هذا الفتى كان أعقل منى. رواه الحاكم فى المستدرك. ¬

_ (¬1) حياة الصحابة – باب آداب العلماء والطالبين – 3/ 213. (¬2) لم يسمَّ ابن عباس هذا الأنصارى احتراماً له، وهكذا أدب الصحابة فى الرواية.

انظر إلى هذا الأدب الذى تأدبه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو يختار الوقت الذى يجد فيه الصحابى ولا يوقظه حتى لا يزعجه ويربى نفسه على مشقة الدعوة والتواضع فى طلب العلم (¬1). وعن أبى وائل شقيق بن سلمة قال: كان ابن مسعود - رضي الله عنه - يذكرنا فى كل خميس مرة فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم .. فقال: أما أنه يمنعنى من ذلك أنى أكره أن أملكم وأن أتخولكم بالموعظة كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخولنا بها مخافة السآمة علينا (¬2). وذكر البيهقى وغيره .. من علامات السآمة، عن بن مسعود - رضي الله عنه - قال: حدث الناس ما أقبلت عليك قلوبهم فإذا حدقوك بأبصارهم وإذا انصرفت عنك قلوبهم فلا تحدثهم، وذلك إذا اتكأ بعضهم على بعض. وأخرج أبو نعيم عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: إن للقلوب شهوة وإقبالا، وإن للقلوب فترة وإدبارا، فاغتنموها عند شهواتها وإقبالها، ودعوها عند فترتها وإدبارها (¬3). فالقلوب متقلبة .. لها إقبال ولها إدبار .. ومن حكمة الداعي اغتنام فرصة إقبال القلوب واشتياقها إلى الموعظة. ¬

_ (¬1) قد أورد الأئمة حديث " بلغوا عنى " فى باب العلم، إذن فمقتضى العلم التبليغ. (¬2) رياض الصالحين - باب الوعظ والاقتصاد فيه. (¬3) حياة الصحابة – باب مواعظ عبد الله بن مسعود – 3/ 512.

ومن الحكمة فى الدعوة إلى الله - عز وجل -: اللين والرفق وذلك ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - قال بال أعرابى فى المسجد فقام الناس إليه ليقعوا فيه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعوه وأريقوا على بوله سجلاً من ماء أو ذنوباً من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين. رواه البخارى (¬1). وعن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من يحرم الرفق يُحرم الخير كله ". رواه مسلم (¬2). ووعظ أحد العلماء الخليفة المأمون (رحمه الله): فعنفه وشدد عليه فى الموعظة فتركه حتى أفرغ ما كان عنده وقال له: يا هذا .. اجلس وانتظر واسمع منى .. أأنت خير أم موسى نبى الله - عليه السلام - فقال العالم: بل موسى نبى الله - عليه السلام - لأنه كليم الله واصطفاه الله برسالته ثم قال له: أأنا خير أم فرعون الطاغية المتكبر عليه اللعنة .. ؟ قال له: بل أنت. قال: فلماذا هذا التعنيف وقد قال الله لمن هو خير منك أن يقول لمن هو شر منى {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (¬3). ¬

_ (¬1) رياض الصالحين - باب الحلم والأناه والرفق. (¬2) المرجع السابق. (¬3) سورة طه - الآية 44.

ومن الحكمة: تحمل الأذى والإعراض عن الجاهلين .. فكان النبى - صلى الله عليه وسلم - يتحمل أذى الجاهل ويعرض عنه وليس ذلك فحسب بل يكرمهم ويحلم عليهم وهذا ما رواه أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كنت أمشى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه برد نجرانى غليظ الحاشية فأدركه أعرابى فجبذه بردائه جبذة شديدة فنظرت إلى صفحة عاتق النبى - صلى الله عليه وسلم - وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال: يا محمد مر لى من مال الله الذى عندك. فالتفت إليه فضحك فى وجهه ثم أمر له بعطاء. متفق عليه (¬1). انظر إلى حلم سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف تحمل له ذلك مع إيذائه له ثم يضحك فى وجهه ويأمر له بعطاء. وهذا معاوية بن الحكم السُلمى - رضي الله عنه - قال بينما أنا أصلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ عطس رجل من القوم فقلت يرحمك الله فرمانى القوم بأبصارهم فقلت واثكل أمياه ماشأنكم تنظرون إلىَّ .. ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتونى لكنى سكت فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبأبى وأمى ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه فو الله ما كهرنى ولا ضربنى ولا شتمنى قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس إنما هى التسبيح والتكبير وقراءة القرآن. رواه مسلم (¬2). ¬

_ (¬1) رياض الصالحين - باب العفو والإعراض عن الجاهلين. (¬2) المرجع السابق - باب الوعظ والاقتصاد فيه.

فحسن التوجيه بالحكمة والموعظة الحسنة جعلهم يحبون دين الله ويحبون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر من آبائهم وأبنائهم وأنفسهم. ومن الحكمة أن يخاطب الناس على قدر عقولهم: فعن على - رضي الله عنه - قال: " حدثوا الناس على قدر عقولهم أتريدون أن يكذب الله ورسوله ". رواه البخارى. وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: " ما أنت محدثاً قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة ". رواه مسلم. فنزول الداعى إلى مستوى من يدعوه .. واجب يحث عليه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - .. فقد كان يأتيه البدوى فيخاطبه بأسلوبه والمثقف يدعوه بأسلوبه وكذلك صاحب المنطق والحيلة فيرتفع إلى مستواه ويدعوه. ومن الحكمة: البشاشة فى وجه من تدعوه إلى الله - سبحانه وتعالى -، فالابتسامة طبيب يعالج بلا دواء .. والابتسامة تكون من القلب ولا تكون ابتسامة محزونة. قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - " تبسمك فى وجه أخيك صدقة ". رواه ابن حبان والترمذي وحسنه (¬1). ¬

_ (¬1) المتجر الرابح فى ثواب العمل الصالح – باب ثواب طلاقة الوجه – للدمياطى

وقال - صلى الله عليه وسلم - " إنكم لا تسعون الناس بأموالكم وليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق ". رواه الحاكم (¬1). ومن الحكمة .. أن تقدر الناس وتحترمهم وتصغى إليهم إذا تكلموا. فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يأتيه عتبة بن ربيعة ليعرض عليه أموراً أرسله بها قومه لعله يقبل أحدها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قل يا أبا الوليد أسمع، قال يا ابن أخى: إن كنت تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جعلنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد شرفاً سودناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا، وإن كان هذا الذى يأتيك رئياً تراه لا تستطيع أن ترده عن نفسك طلبنا لك الأطباء وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه .. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أفرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم. قال - صلى الله عليه وسلم -: فاستمع منى. قال: أفعل. فقرأ عليه أول سورة فصلت ... الخ (¬2). تأمل أدب النبوة .. يكنيه .. ويسمع منه حتى يفرغ من كلامه ثم يبدأ فى الكلام .. ولقد صدق الصادق الأمين حين قال أدبنى ربى فأحسن تأديبى .. وكان ذلك تأكيداً لقول الحق {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (¬3). ¬

_ (¬1) فى المستدرك – كتاب العلم – 1/ 124. (¬2) مختصر تفسير بن كثير - سورة فصلت - 3/ 355 (¬3) سورة القلم - الآية 4.

ومن الحكمة: أن تثير فى نفس أخيك الذى تدعوه خصال الخير فكل إنسان فيه من خصال الخير وتشعره بأن قضية الدين والدعوة قضيته لأنه إذا أحس بها تبناها وتظهر له المنافع التى تعود عليه فى الدنيا والآخرة. ومن الحكمة: المشاركة الوجدانية فى الأفراح والأحزان، فإنها تؤلف القلوب .. فعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " خالطوا الناس بما يشتهون وزايلهم بما يشتهون ودينك فلا تكلمه (¬1) " رواه الطبرانى (¬2). وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " خالطوا الناس بأخلاقكم وخالفوهم فى أعمالكم ". رواه العسكرى فى الأمثال (¬3). وفى مجمع الزوائد - باب كيف يفعل من بقى فى حثالة. وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: خالطوا الناس وصافوهم بما يشتهون ودينكم فلا تَكْلَمَنَّه. رواه الطبرانى (¬4). واذا اتهمك أحد بالعيب أو التقصير فاعترف بذلك فمهما قدمت فأنت مقصر .. فعن الزهري أخبرني ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنه قدم وافداً على معاوية فى خلافته قال: فدخلت المقصورة .. فسلمت على مجلس ¬

_ (¬1) أى: لا تجرح دينك. (¬2) جمع الجوامع للسيوطى - برقم 13495. (¬3) المرجع السابق برقم 12496. (¬4) المرجع السابق. نقلاً من الهامش.

من أهل الشام وجلست بين أظهرهم فقال لى رجل منهم .. من أنت يافتى؟ قلت: أنا إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف. قال: يرحم الله أباك .. أخبرنى فلان لرجلٍ قد سماه أنه قال: والله لألحقن بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلأحدثن بهم عهداً ولأكلمنهم، فقدمت المدينة فى خلافة عثمان، فلقيتهم إلا عبد الرحمن بن عوف أخبرت أنه بأرضٍ له بالجرف (¬1) فركبت إليه حتى جئته فإذا هو واضع ردائه يحول الماء بمسحاة فى يده فلما رآنى استحى منى، فألقى المسحاة وأخذ ردائه فسلمت عليه وقلت له قد جئت لأمرٍ وقد رأيت أعجب منه، هل جاءكم إلا ما جاءنا .. ؟ وهل علمتم إلا ما قد علمنا .. ؟ قال عبد الرحمن: لم يأتنا إلا ما جاءكم ولم نعلم إلا ما قد علمتم. قال: قلت فما لنا نزهد فى الدنيا وترغبون ونخف فى الجهاد وتتثاقلون، وأنتم سلفنا وخيارنا وأصحاب نبينا. فقال عبد الرحمن: لم يأتنا إلا ما قد جاءكم ولم نعلم إلا ما قد علمتم، ولكنا بلينا بالضراء فصبرنا وبُلِينا بالسراء فلم نصبر (¬2). انظر كيف يتهمه بالتقصير .. ويتهم من .. ؟! وزير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأحد حواريه وأهل مشورته وأحد العشرة المبشرين بالجنة وأحد أحباء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما ترك غزوة إلا وهو ينافح فيها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأحد الذين مات عنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راضٍ، وأحد الذين جعلهم عمر - رضي الله عنه - من ¬

_ (¬1) الجرف: اسم موضع قريب من المدينة وأصله ما تجرفه السيول من الأودية. (¬2) صحيح، أخرجه ابن المبارك فى الزهد والترمذى وقال حديث حسن (انظر كتاب ذم الدنيا للحافظ ابن أبى الدنيا).

أهل الشورى فى أمر الخلافة من بعده ومع ذلك يعترف بالتقصير ولا يغضب عليه. ومن الحكمة: أن يبدأ الداعى فى دعوته بالأهم ثم المهم .. قال تعالى ... {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ * وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (¬1). فإن الأنبياء عليهم السلام كانوا يبدأون بالدعوة إلى التوحيد ثم يشرعون فى الأهم ثم المهم. ومن الحكمة فى الدعوة إلى الله: التدرج مع المدعو كما فعل إبراهيم - عليه السلام - مع قومه. قال تعالى {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ ¬

_ (¬1) سورة هود – الآيتان 84، 85.

قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (¬1). هذا ربى .. أى فى زعمكم واعتقادكم. لا أحب الآفلين: رداً عليهم وتنبيهاً لهم على فساد قولهم، وقد أجرى إبراهيم - عليه السلام - هذا الحوار مناظرة لقومه ليبطل لهم ما كانوا عليه من عبادة النجوم والكواكب (¬2). ومن الحكمة أن يكون الوعظ بالقول البليغ قال تعالى {وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً} (¬3) أن يكون كلاماً حسن الألفاظ، حسن المعانى، مشتمل على الترغيب والترهيب والتحذير والإنذار، والثواب والعقاب، فإن الكلام إذا كان هكذا عظم وقعه فى القلب، وإذا كان مختصراً ركيك اللفظ قليل المعنى لم يؤثر البته فى القلب (¬4). ومن الحكمة تنويع الأسلوب كما فعل نوح - عليه السلام - مع قومه قال تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلا ¬

_ (¬1) سورة الأنعام – الآيات 76: 79. (¬2) مفاتيح الغيب – 6/ 391. (¬3) سورة النساء - من الآية63. (¬4) مفاتيح الغيب للرازى – 5/ 285.

فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً} (¬1). قال القرطبى: وأسررت لهم أى أتيتهم فى منازلهم. وقال ابن كثير: نوَّع عليهم الدعوة لتكون أنجح (¬2). والكلام فى حكمة الدعوة إلى الله - عز وجل - كثير .. وكثير .. نكتفى بهذا الشئ القليل والذى يريد المزيد فعليه بكتب السيرة النبوية المطهرة والسنة الشريفة. ¬

_ (¬1) سورة نوح – الآيات 5: 9. (¬2) مختصر تفسير ابن كثير – 3/ 553

من الصفات التى يجب أن يتحلي بها الداعي إلي الله

من الصفات التى يجب أن يتحلى بها الداعى إلى الله - عز وجل - الداعى لا يزال يُبتلى ويمتحن فتارة يصيبه الأذى من أصحابه وتارة من أقاربه وتارة من زوجته وتارة من أولاده وفى هذا ارتقاء عظيم، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (¬1). فعلى الداعى أن يصبر ويصابر فى بيان الحق والدعوة إليه ويتسم بطول النفس وبُعْدَ النظر حتى تتحقق له الغاية المنشودة (وهى هداية جميع الناس) يقول الشيخ إلياس - رحمه الله - لابد لأحبابنا أن ينتبهوا أنهم إذا لم تقبل منهم الدعوة والتبليغ بل سُبَوا واتُهُمُوا فلا ييأسوا ولا يملوا بل عليهم فى هذه الحالة أن يتذكروا أحوال الأنبياء عليهم السلام فى الدعوة إلى الله وخاصة حال سيد الأنبياء سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - فإنها سُنته ووراثته ولا تحصل ¬

_ (¬1) سورة التغابن - الآية 14.

هذه المشقة فى سبيل الله - عز وجل - إلا لذو حظٍ عظيم، وأما إذا اُستقبلوا بإعزاز وإكرام وسُمع كلامهم بشوقٍ واحترام وتقدير فليعلموا أنها منَّة من الله عليهم فلا يكفرن هذه النعمة، وعلينا فى هذه الحالة أن نخشى من مكر النفس فلا ندعها تظن أن هذا القبول من كمالنا نحن، فيخشى فى هذه الحالة عجب النفس فيجب الحذر (¬1). · على الداعى أن لا يغضب على مخالفيه: قال تعالى {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (¬2) فالداعى مثل البحر إذا ألقى فيه ميت لا يتغير. والداعى مثل النخلة تُرمى بالحجر وتعطى الثمر. · على الداعى أن يتيقن على ما يدعو إليه مثل: - يقين سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - فى الغار {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} (¬3). - يقين سيدنا إبراهيم - عليه السلام - حينما ألقى فى النار (حسبى الله ونعم الوكيل). - يقين سيدنا موسى - عليه السلام - أمام البحر {قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} (¬4). ¬

_ (¬1) ملفوظات الشيخ إلياس. (¬2) سورة فصلت - من الآية34. (¬3) سورة التوبة - من الآية40. (¬4) سورة الشعراء – الآية 62.

- يقين الصديق أبو بكر فى الإسراء (إن كان قال ذلك فقد صدق). ولا يكون الداعى كأتباع موسى - عليه السلام - {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} (¬1). ويتيقن أن الله ينصره وينشر دعوته ولو بعد حين فعن أبى ثعلبه الخشنى قال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزاةٍ له فدخل المسجد فصلى فيه ركعتين – وكان يعجبه إذا قدم من سفر أن يدخل المسجد فيصل فيه ركعتين ثم يثنى بفاطمة - رضي الله عنه - ثم بأزواجه – فقدم من سفر مرة فأتى فاطمة فبدأ بها قبل بيوت أزواجه فاستقبلته على باب البيت فاطمة فجعلت تقبل وجهه وفى لفظ: فاه وعينيه وتبكى، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يبكيك؟ قالت: أراك يا رسول الله! قد شحب لونك واخلولقت ثيابك فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا فاطمة! ... لا تبكى فإن الله باعث أباك على أمر لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر ولا شعر إلا أدخله الله به عزاً أو ذلاً حتى يبلغ حيث يبلغ الليل. رواه الطبرانى والحاكم (¬2). · التواضع .. إذا يأتى التواضع فى الداعى فيبوأ بمحبة الناس. ¬

_ (¬1) سورة الشعراء – الآية 61. (¬2) حياة الصحابة - باب حب الدعوة والشغف بها - 1/ 34.

- الداعى إلى الله فى تواضعه مثل الأرض الكل يمشى عليها الطائع والعاصى - الداعى إلى الله فى تواضعه مثل الشجرة المثمرة، فمن كثرة ثمارها تنزل فروعها وتميل إلى الأرض ولكن الشجرة الغير مثمرة تجد أغصانها مرتفعة إلى أعلى (كبر)، وعندما تزيد الثمرة حلاوة واستواء تسقط على الأرض لأنها اكتملت حلاوتها فالداعى إذا اكتمل إيمانه اكتمل تواضعه. _ الداعي في تواضعه مثل الكوبري الكل يعبر من عليه. فعلى الداعى أن يختار التواضع فى كلامه .. قيامه .. جلوسه .. أكله .. شربه .. معاملاته .. معاشراته .. أخلاقه .. ويكون أكثر لزوماً للتواضع فى خطابه وبيانه فلا يرى نفسه أعلم من غيره، ولا يستصغر الآخرين، ويدعو الناس إلى حياة النبى - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام فبذلك يأتى التواضع، ولو دعا الناس إلى حياته (هو) يأتى الكبر، وبالكبر ترفع نصرة الله - عز وجل -. · وليحرص الداعى على أن يكون سره وعلانيته سواء، فلا يظهر للناس ما ليس فيه، كمن يظهر للناس أنه من أهل الزهد وقلبه مليئ بحب الدنيا، وليعلم أن الناس يراقبون كل شئ فى حياته حتى ذهابه وإيابه ويتأثرون به .. لماذا .. ؟! لأنه قدوة.

· على الداعى أن يتمسك بوصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - " أزهد فى الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس " رواه الترمذى وابن ماجة عن سهل بن سعد (¬1). يقول الحسن البصرى: لا تزال كريماً على الناس مالم تعاط مافى أيديهم فإذا فعلت ذلك استخفوا بك وكرهوا حديثك وأبغضوك (¬2). فالدعوة سلعة شريفة لا تباع بالأعراض الدنيوية والأجر الدنيوى يفسد المروءة ولا يصلح الدعوة (¬3). فإذا عرف الناس أن الداعى يميل إلى دنياهم ولا يلتمس بدعوته أى منفعة دنيوية فإنهم يحبونه وتجذبهم دعوته (¬4). فإن الدعوة إلى الإسلام، سواء بالالتزام به أو بالدخول فيه، لا تؤتى ثمارها وأكلها كاملة إلا إذا عرف الناس الذين ندعوهم إليه، الصدق والإخلاص فى نوايانا، وقد لمس الناس فى مختلف الأماكن التى حل بها المسلمون فاتحين أو تجاراً أو مدرسين، أو طلاباً، صدق نواياهم فى هداية الناس، وابتعادهم عن تحقيق أغراض دنيوية أو مادية عن طريق الجهاد ¬

_ (¬1) مشكاة المصابيح - كتاب الرقاق - 3/ 1433. (¬2) رواه أبو نعيم فى كتاب حلية الأولياء. (¬4) انظر كتاب قواعد الدعوة إلى الله – د. همام عبد الرحيم سعيد.

والدعوة .. فكانت النتيجة أن الناس دخلوا فى دين الله أفواجاً وانتشر الإسلام بسرعة لا مثيل لها فى تاريخ العالم كله (¬1). · الاستقامة .. قال تعالى {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (¬2). فعلى الداعى أن يستمر فى دعوته حتى لو عابه الناس، ولا يخضع لوسوسة الشيطان يقول له قولك غير مسموع فيجلسه عن الدعوة، بل عليه أن يستمر فإن أول الغيث قطرة، وكما هو معلوم أن كثيراً من الأنبياء عليهم السلام لم تقبل دعوتهم وقوبلوا بالاستهزاء والسخرية. قال تعالى {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} (¬3). وأخيراً .. على كل داعى أن لا يغيب عنه حال النبى - صلى الله عليه وسلم - عند عودته من دعوة أهل الطائف، وايذائهم له، وتوجهه إلى ربه ضارعاً يقول: اللهم إليك أشكو ضعف قوتى، وقلة حيلتى، وهوانى على الناس، ... يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربى، إلى من تكلنى؟ إلى ¬

_ (¬1) انظر كتاب إلى الإسلام من جديد – أبو الحسن الندوى. (¬2) سورة هود - 112. (¬3) سورة العنكبوت – 14.

بعيد يتجهمنى؟ أم إلى عدو ملكته أمرى؟ إن لم يكن بك غضبٌ علىَّ فلا أبالى، غير أن عافيتك هى أوسعُ لى، أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بى غضبك، أو يحل علىَّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بالله. * * * * *

بركات الدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى -

بركات الدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى - - بالدعوة إلى الله - عز وجل - يكون الأجر والثواب والرفعة فى الدرجات. - بالدعوة إلى الله - عز وجل - يكون الفلاح فى الدنيا والآخرة. - بالدعوة إلى الله - عز وجل - يكون الحصول على ميراث النبوة. - بالدعوة إلى الله - عز وجل - تحيى القلوب الميتة. - بالدعوة إلى الله - عز وجل - تكون الحفاظة من شياطين الأنس والجن. - بالدعوة إلى الله - عز وجل - تكون نضارة الوجه. - الدعوة إلى الله - عز وجل - تنفى الشرك عن الداعى. - بالدعوة إلى الله - عز وجل - تحل البركة فى الداعى والمدعو.

_ بالدعوة إلى الله يكون الأجر والثواب والرفعة فى الدرجات.

بالدعوة إلى الله يكون الأجر والثواب والرفعة فى الدرجات عن أبى مسعود الأنصارى قال جاء رجل إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنه أُبدع (¬1) بى فاحملنى فقال ما عندى، فقال رجل: يا رسول الله أنا أدله على من يحمله. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من دل على خير فله مثل أجر فاعله " (¬2) رواه مسلم (¬3). ¬

_ (¬1) أى انقطعت راحلتى. (¬2) المتسبب إلى الهدى بدعوته له مثل أجر من اهتدى به لأنه بذل مافى وسعه فى هداية الناس، والمتسبب فى الضلالة بدعوته عليه مثل أثم من ضل به لأنه بذل ما فى وسعه فى ضلالتهم قال تعالى (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُون َ) ... (سورة النحل - الآية 25) وقال تعالى (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ) (سورة العنكبوت - الآية 13). (¬3) مشكاة المصابيح - كتاب العلم - 1/ 72.

وعن أبى هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً ". رواه مسلم (¬1) وعن الحسن مرسلاً قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من جاءه الموت وهو يطلب العلم ليُحيى به الإسلام فبينه وبين النبيين درجة واحدة فى الجنة ". رواه الدارمى (¬2). وأوحى الله - سبحانه وتعالى - إلى سيدنا موسى - عليه السلام - إن فى أمة محمد لرجالاً يقومون على كل شرف وواد ينادون بشهادة أن لا إله إلا الله جزائهم علىَّ كجزاء الأنبياء. رواه الديلمى عن أنس (¬3). وأخرج البيهقى والنقاش فى معجمه وابن النجار عن واقد بن سلامة عن يزيد الرقاشى عن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ألا أخبركم بأقوامٍ ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم يوم القيامة الأنبياء والشهداء بمنازلهم من الله على منابر من نور يعرفون، قالوا: من هم يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: الذين يحببون عباد الله إلى الله ويحببون الله إلى عباده. ويمشون على الأرض نصحاً، فقلت هذا يحبب الله - سبحانه وتعالى - إلى عباده فكيف يحببون عباد الله ¬

_ (¬1) رياض الصالحين - باب الدلالة على الخير. (¬2) مشكاة المصابيح - 1/ 83. (¬3) كتاب الإتحافات السنية للأحاديث القدسية، المناوى.

إلى الله؟ قال: يأمرونهم بما يحب الله وينهونهم عما يكره الله فإذا أطاعوهم أحبهم الله - عز وجل - " كذا فى الكنز (¬1). وعن أبى العباس سهل بن سعد - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم خيبر: " لأعطين هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلهم يرجوا أن يعطاها فقال أين على بن أبى طالب فقيل: يا رسول الله هو يشتكى عينيه قال: فأرسلوا إليه. فأتى به فبصق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى عينيه ودعا له فبرئ حتى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية، قال على - رضي الله عنه -: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا فقال: أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم أدعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه فو الله لئن يهدى الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم ". متفق عليه (¬2). فإذا كان هذا الأجر لمن كان سبباً فى هداية رجل واحد .. فكيف بمن كان سبباً فى هداية خلق كثيرً كل يوم. وعن الحسن مرسلاً قال: سٌئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رجلين كانا فى بنى إسرائيل أحدهما كان عالماً يصلى المكتوبة ثم يجلس فيعلم الناس الخير والآخر يصوم النهار ويقوم الليل أيهما أفضل؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " فضل ¬

_ (¬1) حياة الصحابة - باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر - 2/ 634. (¬2) رياض الصالحين - باب الدلالة على الخير والدعاء إلى هدى أو ضلالة.

هذا العالم الذى يصلى المكتوبة ثم يجلس فيعلم الناس الخير على العابد الذى يصوم النهار ويقوم الليل كفضلى على أدناكم ". رواه الدارمى (¬1). وذلك لأن العابد لا تتعدى منفعته لغيره بل أعماله تكون سبباً لهدايته وحده ولكن العالم الذى يعلم الناس الخير تتعدى منفعته لغيره وبه يصلح كثير من الخلق ولهذا روى فى الأثر إذا كان يوم القيامة يقول الله - عز وجل - للعابد ادخل الجنة فإنما كانت منفعتك لنفسك ويقال للعالم اشفع تشفع فإنما كانت منفعتك للناس. وروى عن ابن عباس مثله. وقال الفضيل بن عياض: العالم العامل المعلم يدعى فى ملكوت السماوات عظيماً. * * * * * ¬

_ (¬1) مشكاة المصابيح - كتاب العلم - 1/ 83.

_ بالدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى - يكون الفلاح فى الدنيا والآخرة.

بالدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى - يكون الفلاح فى الدنيا والآخرة قال الله - عز وجل - {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬1). فالمفلح: هو الذى أخذ الصفقة الرابحة والكلمة مأخوذة من فلح الأرض، فالذى يفلح الأرض ويحرثها ثم يزرعها يجد الثمرة تجيئه فى النهاية قد جاء الحق بالمسألة المعنوية من أمر محسوس، وبعد ذلك يريد أن يعطينا شيئاً آخر فيقول: إياك أن تظن أن المشقة التى تُصيبك حين تفعل الخير من (الدعوة - الأمر بالمعروف - النهى عن المنكر) لا تعود عليك بالراحة أو أن النقص الذى تفعل به الخير لا يعود عليك بالكمال. فمثلاً الإنسان الذى فلح الأرض وأخرج كيلة من القمح وبذرها فيها هذا الإنسان قد تكون له زوجة حمقاء تقول له: إننا لا نملك إلا أربع كيلات من القمح فكيف تأخذ كيلة لترميها فى الأرض .. ؟! ¬

_ (¬1) سورة آل عمران - الآية 104.

إن هذه المرأة لا تعرف أن هذه الكيلة التى أخذها الزوج الله يعطى بدلاً منها عدد من الأرادب من القمح. فإياك أن تفهم أن الإسلام يأخذ منك شيئاً ولا يعوضك عنها فهو لا يأخذ شيئاً إلا وهو يريد أن يعطيك أشياء، إن الفلاح الذى يشقى بالحرث والرى وتراه وقد علا جبهته العرق وتراب الأرض وتغوص أقدامه فى الطين والمياه، إنك تراه يوم الحصاد وهو فرح مسرور بالثمرة التى تحصل عليها. فالداعى إلى الله - عز وجل - بإذن الله تعالى سوف يفرح بدعوته وبجهده الذى قدمه من أجل الدعوة إلى الله - عز وجل - عندما يرى ثواب الله - سبحانه وتعالى - يوم القيامة (¬1). * * * * * ¬

_ (¬1) تفسير الشيخ الشعراوى.

_ بالدعوة إلى الله يكون الحصول على ميراث النبوة.

بالدعوة إلى الله يكون الحصول على ميراث النبوة عن أبى الدرداء - رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من سلك طريقاً يبتغى فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع وإن العالم ليستغفر له من فى السموات ومن فى الأرض حتى الحيتان فى الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظٍ وافر ". رواه أبو داود والترمذى (¬1). فى هذا الحديث العظيم الشأن أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - شبه العالم بالقمر دون الشمس وهى أعظم نوراً لماذا .. ؟ لأن نور القمر مستفاداً من غيره والعالم كذلك نوره مستفاد من شمس الرسالة. وإذا قيل أن تشبيه العلماء بالنجوم شئ معلوم مثل قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم - " أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " .. فلماذا شبه العلماء هنا بالقمر ¬

_ (¬1) رياض الصالحين - باب فضل العلم.

؟ ... الجواب .. إن العلماء والدعاة إلى الله - سبحانه وتعالى - مثل النجوم كما قال أصحابى كالنجوم. فإن النجوم يهتدى بها فى ظلمات البر والبحر وكذلك العلماء، والنجوم زينة للسماء وكذلك العلماء زينة للأرض، والنجوم رجوم للشياطين حائلة بينهم وبين استراق السمع لئلا يلبسوا بما يسترقونه من الوحى الوارد إلى الرسل من الله - عز وجل - على أيدى ملائكته كذلك العلماء رجوم شياطين الإنس والجن لئلا يلبسوا بما يسترقونه من الوحى الذى يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، فالعلماء رجوم لهذا الصنف من الشياطين ولولاهم لطمست معالم هذا الدين الحنيف بتلبيس المضلين فالله أقامهم حرساً وحفظاً لدينه ورجوماً لأعدائه فلهذا شبههم بالنجوم وأما تشبيههم بالقمر وذلك لتفضيلهم على أهل العبادة كفضل القمر على سائر الكواكب، وكذلك يرث الإنسان أقرب الناس إليه ولذلك العلماء هم أقرب الخلق إلى الله ورسله فجعلهم ورثة أنبيائه وكما أن الأنبياء خير الخلق فكذلك ورثتهم خير الخلق ولذلك محبتهم من الدين. قال على - رضي الله عنه - محبة العلماء دين يدان به (¬1). {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} (¬2). ¬

_ (¬1) كتاب مفتاح دار السعادة - ابن القيم. (¬2) سورة الحشر - الآية10

_ بالدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى - تحيى القلوب الميتة.

بالدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى - تحيى القلوب الميتة عن أبى موسى الأشعرى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن مثلى ومثل ما بعثنى الله من الهدى والعلم كمثل الغيث (¬1) الكثير أصاب أرضاً فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا ورعوا - وفى لفظ وزرعوا - وأصاب منها طائفة أخرى إنما هى قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه فى دين الله ونفعه الله بما بعثنى الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذى أرسلت به ". متفق عليه (¬2). ضرب النبى - صلى الله عليه وسلم - لما جاء به من الدين مثلاً بالغيث العام الذى يأتى الناس فى حال حاجتهم إليه وكذا كان حال الناس قبل مبعثه على حين فترة من ¬

_ (¬1) الغيث .. المطر واختار الغيث على سائر أسماء المطر لإضطرار الخلق إليه ولذا قال الله - عز وجل - ... {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} (سورة ... الشورى - الآية 28). (¬2) رياض الصالحين - باب السنة وآدابها.

الرسل وقد امتحنوا بموت القلوب حتى أصابهم الله برحمة من عنده وأنزل عليهم مدراراً من السماء بوحيه، فكما أن الغيث يحيى البلد الميت كذا علوم الدين تحيي القلوب الميتة، ثم شبه السامعين له بالأرض المختلفة التى نزل الغيث بها .. فمنها: العالم المعلم فهو بمنزلة الأرض الطيبة التى شربت فانتفعت فى نفسها وأنبتت فنفعت غيرها. ومنهم الجامع للعلم المستغرق لزمانه يتعلم علم الدين ولم يعمل بنوافله ولم يتفقه فيما جمع لكنه أداه لغيره فهو بمنزلة الأرض التى يستقر فيها الماء فينتفع الناس. ومنهم من سمع العلم فلا يحفظه ولا يعمل به ولا ينقله لغيره فهو بمنزلة الأرض السبخة أو الملساء التى لا تقبل الماء وتفسده على غيرها (¬1). * * * * * ¬

_ (¬1) سبل الهدى والرشاد فى سيرة خير العباد - محمد يوسف الصالحى الشامى - 2/ 373 (بتصرف).

_ بالدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى - تكون الحفاظة من شياطين الإنس والجن

بالدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى - تكون الحفاظة من شياطين الإنس والجن الله يحمى الداعى من شياطين الإنس والجن وسلاحهم الدعوة إلى الباطل. {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬1) (¬2). ولا يفل الحديد إلا الحديد فمن لم يكن فى دعوة الرحمن كان فى دعوة الشيطان. ¬

_ (¬1) سورة إبراهيم - الآية 22.

الإنسان إما داعى وإما مدعو .. فإذا قام بالدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى - يحفظه من دعوة الشيطان (دعوة الباطل) قال تعالى: {شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} (¬1) (¬2). وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد ". رواه الترمذى وابن ماجة (¬3). قال المزنى روى عن ابن عباس أنه قال: إن الشياطين قالوا يا سيدنا مالنا نراك تفرح بموت العالم ولا تفرح بموت العابد والعالم لا تصيب منه والعابد تصيب منه .. ؟ قال: فانطلقوا .. فانطلقوا إلى عابد فأتوه فى عبادته قالوا إنا نريد أن نسألك فانصرف. فقال ابليس: هل يقدر ربك أن يجعل الدنيا فى جوف بيضة .. ؟ فقال: لا أدرى. فقال: أترونه كفر فى ساعة. ثم جاءوا إلى عالم فى حلقته يضحك أصحابه ويحدثهم فقالوا إنا نريد أن نسألك .. فقال سل: فقال: هل يقدر ربك أن يجعل الدنيا فى جوف بيضة .. ؟ قال: نعم. قالوا كيف ... ؟ قال: يقول كن فيكون. فقال ابليس: أترون ذاك لا يعدوا نفسه وهذا يفسد عليَّ عالماً كثيراً. ورويت هذه الحكاية من وجه آخر: ¬

_ (¬1) سورة الأنعام - الآية 112. (¬2) مقتطف من بيان للشيخ فريد العراقى. (¬3) مشكاة المصابيح - كتاب العلم - 1/ 75.

أنهم سألوا العابد فقالوا: هل يقدر ربك أن يخلق مثل نفسه فقال العابد: لا أدرى. فقالوا أترونه تنفعه عبادته مع جهله، وسألوا العالم عن ذلك فقال: هذه المسألة محال .. لأنه لو كان مثله لم يكن مخلوقاً وهو مثل نفسه مستحيل، فإذا كان مخلوقاً فلا يكون مثله بل كان عبداً من عبيده وخلقاً من خلقه. فقال أترون هذا يهدم فى ساعة ما أبنيه فى سنين (¬1). فالعابد يا إخوانى منشغل بنفسه ومقبل على عبادة ربه، والعالم منشغل بمعرفة ربه ودعوة الخلق إليه. * * * * * ¬

_ (¬1) مفتاح دار السعادة - ابن القيم.

_ نضارة الوجه بالدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى -.

نضارة الوجه بالدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى - عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: سمعت النبى - صلى الله عليه وسلم - يقول: " نضر الله امرئ سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه فرب مبلغ أوعى له من سامع ". رواه الترمذى وابن ماجه (¬1). وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: " نضر الله امرئ سمع مقالتى ووعاها وأداها فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله - عز وجل -، النصيحة للمسلمين، لزوم جماعتهم فإن دعوتهم تحيط من وراءهم. " رواه الشافعى والبيهقى والإمام أحمد والترمذى وأبو داود وابن ماجة والدارمى. والحاكم فى كتاب العلم (¬2). وهذا من شرف الدعوة إلى الله - عز وجل - أن الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - دعا لمن سمع كلامه وبلغه بالنضارة والبهجة والحسن الذى يكساه الوجه من آثار الإيمان لأن الدعوة تزيد الإيمان وتبهج الباطن وتفرح القلب وتسره فتظهر هذه ¬

_ (¬1) مشكاة المصابيح - كتاب العلم - 1/ 78. (¬2) المرجع السابق.

البهجة والسرور والفرحة نضارة على وجه الداعى كما قال ربنا - عز وجل - {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً} (¬1). وقوله .. فإن دعوتهم تحيط من ورائهم .. هذا من أحسن الكلام فقد شبه دعوة المسلمين بالسور والسياج المحيط بهم المانع دخول عدوهم عليهم فتلك الدعوة دعوة الإسلام والنصيحة للمسلمين والإخلاص لله ولزوم جماعة المسلمين وهم داخلها أحاطت بهم تلك الدعوة التى هى دعوة الإسلام فالدعوة تجمع شمل الأمة وتلم شعثها وتحيط بها فمن دخل فى جماعتها أحاطت به وشملته (¬2). * * * * * ¬

_ (¬1) سورة الإنسان - الآية 11. (¬2) مفتاح دار السعادة - ابن القيم.

_ الدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى - تنفى الشرك عن الداعى.

الدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى - تنفى الشرك عن الداعى قال تعالى {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (¬1). وقال تعالى {وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (¬2). وقال تعالى {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (¬3). فأهل السفينة الذين كانوا مع نوح عليه السلام لم يكن على وجه الأرض غيرهم مؤمنين ولكن بترك الدعوة ظهر الشرك والكفر والفساد، وهذه سنة الله - عز وجل - إذا تركت الدعوة إلى الله - عز وجل - ابتعد الناس عن منهج الله رويداً .. رويداً .. وأنساهم الشيطان دعوة الرحمن فوقعوا فى الشرك والكفر وحل بهم الدمار والهلاك. ¬

_ (¬1) سورة يوسف - الآية 108. (¬2) سورة القصص - الآية 87. (¬3) سورة فصلت - الآية 33.

_ بالدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى - تحل البركة فى الداعى والمدعو.

بالدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى - تحل البركة فى الداعى والمدعو قال تعالى مخبراً عن سيدنا عيسى - عليه السلام - حين نطق فى المهد {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً} (¬1). مباركاً أينما كنت: أى معلماً للخير داعياً إلى الله جل وعلا مذكراً به مرغباً فى طاعته فهذا من بركة الرجل ومن خلا من هذه الخصال فقد خلا من هذه البركة ومحقت بركة لقائه والاجتماع به بل تمحق بركة من لقيه واجتمع به. بل بحركة الداعى إلى الله تحل البركة فى الأرض لحديث جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أعطيت خمساً لم يعطهن أحدٌ قبلى نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجُعلت لى الأرض مسجداً وتربتها طهوراً فأيما رجل من أمتى أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لى الغنائم ولم تحل لأحد قبلى، وأعطيت ¬

_ (¬1) سورة مريم - الآيتان 30 - 31.

الشفاعة وكان النبى يبعث إلى قومه خاصة وبُعثت إلى الناس عامة " متفق عليه (¬1). فالله - سبحانه وتعالى - بسبب أن هذه الأمة داعية إلى الله تكمل رسالة نبيها - صلى الله عليه وسلم - فيتحركون فى العالم لنشر دين الله - عز وجل - فتأتى عليهم أوقات الصلاة فى أثناء سفرهم وحركتهم، فالله - سبحانه وتعالى - جعل لهم الأرض كلها مسجداً وتربتها طهوراً فيصلون فى أى مكان تدركهم فيه الصلاة فبارك الله - عز وجل - فى الأرض كلها وجعلها لهم مسجداً وذلك بسبب " بُعثت إلى الناس عامة "، وفى الحديث الذى رواه أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من عاد مريضاً أو زار أخاً له فى الله ناداه منادٍ أن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلا " رواه الترمذى وقال حديث حسن (¬2). * * * * * ¬

_ (¬1) مشكاة المصابيح - باب فضائل سيد المرسلين - 3/ 1601. (¬2) رياض الصالحين - باب زيارة أهل الخير.

عاقبة ترك الدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى -

عاقبة ترك الدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى - وسنتناول هذا الموضوع من عدة جوانب هى: - الله يحذر الأمة من ترك الدعوة إلى الله - عز وجل -. - بترك الدعوة إلى الله - عز وجل - يصبح فكر مشاع. - بترك الدعوة إلى الله - عز وجل - تقع الأمة فى الذل والهوان. - بترك الدعوة إلى الله - عز وجل - تحرم الأمة بركة الوحى وتذهب هيبتها. - بترك الدعوة إلى الله - عز وجل - تقع الأمة فى الحيرة.

- الله جل جلاله يحذر هذه الأمة من ترك الدعوة إلى الله

الله جل جلاله يحذر هذه الأمة من ترك الدعوة إلى الله قال تعالى {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا ... مُصْلِحُونَ} (¬1). فهلا وجد من القرون الماضية (أُولُو بَقِيَّةٍ) أولوا فضل وخير. . أي بقايا من أهل الخير ينهون عما كان يقع بينهم من الشرور والمنكرات والفساد فى الأرض. إلا قليلاً: أى قد وجد منهم من هذا الضرب قليل لم يكونوا كثيراً وهم الغرباء الذين أشار إليهم النبى - صلى الله عليه وسلم - فى الحديث الشريف الذى أخرجه الإمام ¬

_ (¬1) سورة هود - الآيتان 116: 117.

مسلم .. عن أبى هريرة - رضي الله عنه - عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: " بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ غريباً فطوبى (¬1) للغرباء " (¬2). وفى رواية: قيل يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. ومن الغرباء .. ؟ قال: النزاع (¬3) من القبائل. وفى رواية: الذين يفرون بدينهم من الفتن. وفى رواية: الذين يزيدون إذا نقص الناس. وفى رواية: الذين يصلحون حين فساد الناس. وفى رواية: الذين يصلحون إذا فسد الناس. وفى رواية: الذين يصلحون ما أفسده الناس من سنتى. وفى رواية: قوم قليل فى ناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم. وفى رواية: الفرارون بدينهم .. يجتمعون إلى عيسى بن مريم - عليه السلام - يوم القيامة (¬4) .. وهم الذين أنجاهم الله عند حلول غضبه وفجأة نقمته، ولهذا ¬

_ (¬1) عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال طوبى معناه: فرح وقرة عين، وقال عكرمة: نعم ما لهم. وقال الضحاك: غبطة لهم. وقال قتادة: حسنى لهم وأصابهم خيراً. وقال إبراهيم: خيراً لهم وكرامة. وقال ابن عجلان: دوام الخير. وقيل: الجنة. وقيل: شجرة فى الجنة، وكل هذه الأقوال محتملة فى الحديث (صحيح مسلم – بشرح النووى – 2/ 176). (¬2) صحيح مسلم بشرح النووى – 2/ 176. (¬3) يقول ابن الأثير فى النهاية .. النزاع جمع نازع ونزيع وهو الغريب الذى نزع على أهله وعشيرته أى بعد وغاب أى طوبى للمهاجرين الذين هجروا أوطانهم فى الله تعالى. (¬4) مدارج السالكين - ابن القيم - باب الغربة - 3/ 203، رسالة كشف الكربة فى وصف حال أهل الغربة - ابن رجب.

أمر الله - عز وجل - هذه الأمة الشريفة أن يكون فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر (¬1) حتى لا يحل بهم ما حل بالأمم السابقة من العذاب والهلاك والاستئصال بسبب ترك الدعوة إلى الله - عز وجل - {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} (¬2) بظلم .. أى بمجرد ظلم، وأهلها مصلحون .. مجرد الإصلاح. فعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن أول ما دخل النقص على بنى إسرائيل أنه كان الرجل يلق الرجل فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ .. إلى قوله .. فَاسِقُونَ} (¬3). ثم قال: كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه ¬

_ (¬1) مختصر تفسير ابن كثير - 2/ 236. (¬2) سورة هود - الآية 117. (¬3) سورة المائدة - الآيات 78: 81.

على الحق أطراً ولنقصرنه على الحق قصراً أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم ". رواه أبو داود والترمذى وقال حديث حسن وهذا لفظ أبو داود. ولفظ الترمذى .. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لما وقعت بنوا إسرائيل فى المعاصى نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم فى مجالسهم وواكلوهم وشاربوهم فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان متكئاً فقال: والذى نفسى بيده .. حتى تأطروهم على الحق أطراً (¬1). أصحاب السبت: قال تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} (¬2). وهم أهل إيلة .. قرية كانت على البحر الأحمر بين مدين والطور وقيل بين مصر والمدينة أراد الله أن يبتليهم وقد حرم الله على اليهود العمل فى يوم السبت فيظهر السمك على وجه الماء يوم السبت وهو اليوم المحرم عليهم فيه الصيد ويخفيه عنهم فى اليوم الحلال فيه الصيد فينزل إلى قاع البحر فذلك قول الله - عز وجل - {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ ¬

_ (¬1) رياض الصالحين - باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. (¬2) سورة البقرة - الآية 65.

إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} (¬1). وظلوا على ذلك فترة من الزمن ثم أخذوا يتحايلون على أمر الله - عز وجل - فقام أحدهم وأخذ الحوت وخزمه فى أنفه وربطه فى وتد على الشاطئ وأخذه يوم الأحد وأخذ يشوى السمك فيشم جاره رائحته فيسأله فيخبره الخبر فيعمل مثله وبعضهم جعل يحفر الحفرة ويجرى لها نهراً من البحر فيفتح النهر يوم السبت فتأتى الأمواج بالحيتان فتلقيها فى الحفرة فإذا أرادت العودة لا تستطيع من قلة الماء وهكذا انتشر الخبر وظهرت المعصية حتى أصبحت علانية فقامت منهم طائفة تعظهم وتنهاهم عن هذا الفعل وتبين لهم أن هذا احتيال على أمر الله - عز وجل - الذى لا يغفل ولا ينام وطائفة ثالثة قالت لهم كما قال الله - عز وجل - {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً} (¬2) قالت لهم الطائفة الواعظة {قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (¬3) أى فيما أخذ علينا من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ولعلهم يرجعون ويتوبون إلى الله - عز وجل - قال تعالى {فَلَمَّا نَسُوا مَا ¬

_ (¬1) سورة الأعراف - الآية 163. (¬2) سورة الأعراف - الآية 164. (¬3) نفس الآية السابقة

ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} (¬1). فمسخهم الله - عز وجل - قردة بمعصيتهم ونجى الناهين وأهلك الظالمين وسكت عن الساكتين وقيل أنه أهلك الساكتين مع الهالكين وقيل أنهم لم يهلكوا (¬2). فيا إخوانى .. احذروا المعاصى واعملوا على إزالتها لأنه إذا حدثت معصية فى مكان فأثرها السيئ يؤثر على الأرض كلها لحديث النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " مثلُ القائم فى حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها وكان الذين فى أسفلها إذا ستقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا فى نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعاُ وإن أخذوا على أيديهم نجو ونجوا جميعاً. رواه البخارى (¬3). ¬

_ (¬1) سورة الأعراف - الآيتان 165، 166. (¬2) مختصر تفسير بن كثير، سورة البقرة. (¬3) رياض الصالحين - باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

والمعصية إذا أخفيت لم تضر إلا صاحبها وإن أعلنت ولم تنكر ولم تغير أهلك الله - عز وجل - العامة والخاصة. قال الله - سبحانه وتعالى - {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} (¬1). يقول ابن عباس - رضي الله عنه - فى تفسير هذه الآية .. أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين ظهرانيهم فيعمهم الله بالعذاب. ويدل على ذلك الأحاديث الواردة فى الفتنة. فعن عميرة الكندى - رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " أن الله - عز وجل - لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة ... والعامة ". رواه فى شرح السنة ورواه الإمام أحمد (¬2). وعن حذيفة - رضي الله عنه - أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: " والذى نفسى بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذاباً من عنده ثم لتدعنه فلا يستجاب لكم ". رواه الترمذى (¬3). وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أوحى الله - سبحانه وتعالى - إلى جبريل - عليه السلام - أن أقلب مدينة كذا وكذا بأهلها قال: يارب إن فيهم عبدك فلاناً لم يعصك ¬

_ (¬1) سورة الأنفال - الآية 25. (¬2) مشكاة المصابيح - باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر - 3/ 1424. (¬3) المرجع السابق.

طرفة عين. قال: فقال: اقلبها عليه وعليهم فإن وجهه لم يتمعر فىَّ ساعة قط " (¬1). وعن أم المؤمنين أم الحكم زينب بنت جحش رضى الله عنها أن النبى - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها فزعاً يقول: " لا إله إلا الله. ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بإصبعيه الإبهام والتى تليها فقلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون.؟ قال: نعم إذا كثر ... الخبث (¬2) " متفق عليه (¬3). وهذا بيان لشؤم المعصية والتحريض على إنكارها فمع وجود الصالحين قد يحصل الهلاك والتدمير. يقول الشيخ الشعراوى (رحمه الله): يأمرنا الحق - عز وجل - أن نتقى الفتن من بدئها قبل أن يستفحل شأنها وأن يتجنب الإنسان المعصية وأن يضرب المجتمع على يد أى منحرف .. فمن يسرق الآن الخزائن قد بدأ أولاً بسرقة اليسير .. سرق من أخيه .. أو من البيت ثم من الجيران .. ثم من البنك .. ولو أن كل انحراف عوجل بالضرب على يد من فعله وهو صغير لما كبر المنحرف والانحراف ولتم وأد الجرائم الكبيرة فى مهدها لأن من ارتكب الصغيرة قد عوقب. ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬2) الخبث: المعاصى. (¬3) رياض الصالحين - باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

وإياكم أن يقول أحدكم مادام مثل هذا الانحراف لا يمسنى فليس لى به شأن لأن الذى اجترأ على مثلك من السهل أن يجترئ عليك ونحن نعرف جميعاً قصة الثيران الثلاثة (الأحمر، الأبيض، الأسود) فقد هاجم الأسد الثور الأبيض فأكله ولم يدافع عنه الثور الأحمر أو الأسود، ثم هاجم الأسد الثور الأحمر بعد ذلك .. فقال الثور الأسود لنفسه: مادام الأسد لم يأكلنى فلا دخل لى بهذا الأمر، ثم جاء الأسد إلى الثور الأسود وبينما هو يقترب منه قال: لقد أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض. وهذا القول يدلنا على .. أن اتقاء الفتنة يبدأ من الضرب على أيدى صانع الفتة وهى فى بدايتها، وأضرب هذا المثل ليبقى فى الذاكرة دائماً .. إن الأم التى قسمت الأكل بما فيه من لحم وخضر وفاكهة على الأبناء، فأكل أحد الأبناء نصيبه ثم احتفظت الأم ببقية أنصبة اخوته فى الثلاجة .. وبعد ذلك لاحظت الأم أن الإبن الذى أكل نصيبه يأكل نصيب إخوته من خلف ظهرها ودون استئذانها وهنا يجب أن تؤنبه وتعاقبه على مثل هذا الفعل حتى لا يتمادى فى ذلك. كذلك .. إذا دخل الابن بلعبة أو بشئ يفوق ثمنه قدرة مصروف يده على الشراء .. فعلى الأب أن يضرب على يد الابن حتى لا يتمادى الولد فى إفساد نفسه ولذلك .. نجد الحق - سبحانه وتعالى - جعل الدية فى القتل الخطأ على العاقلة وهم العصبة أى قرابة القاتل من جهة أبية ويطلق عليهم العائلة أى عائلة القاتل

- لأن أفراد العائلة حين يرون أن كلا منهم سوف يصيبه جزء من الغرم فإنه يضرب على يد من يتمادى فى إرهاب الغير وتهديدهم إن كان من عائلته. ولذلك .. ترى الناس إذا رأوا الظالم ثم لم يضربوا على يده فإن الله يعمهم بغضب من عنده لأن الظالم يتمادى فى ظلمه ويعربد فى الآخرين فيستشرى الظلم فى المجتمع ويحق على الجميع عقاب الله (¬1). فعن أبى بكر الصديق - رضي الله عنه - قال: يا أيها الناس .. إنكم تقرأون هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (¬2) فإنى سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه يوشك أن يعمهم الله بعقابه ". وفى رواية أبى داود: " إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب ". وفى أخرى له: " مامن قوم يُعمل فيهم بالمعاصى ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لا يغيرون إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب " (¬3). فبقاء الأمة ببقاء الدعوة .. وفناء الأمة بترك الدعوة .. فعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا تقوم الساعة حتى لا يقال فى الأرض ¬

_ (¬1) تفسير الشيخ الشعراوى - سورة الأنفال. (¬2) سورة المائدة – الآية 105. (¬3) مشكاة المصابيح، باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

الله .. الله " وفى رواية: " لا تقوم الساعة على أحد يقول الله .. الله (¬1) ". رواه مسلم (¬2). وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا تقوم الساعة حتى لا يقال فى الأرض لا إله إلا الله " رواه الحاكم (¬3). وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" والذى نفسي بيده لا تقوم الساعة على رجل يقول لا إله إلا الله ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر " رواه الحاكم (¬4) وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا تقوم الساعة حتى يأخذ الله شريطته من أهل الأرض فيبقى عجاج (¬5) لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا ". رواه أبو يعلى برجال ثقات والإمام أحمد والحاكم (¬6). ¬

_ (¬1) قال القرطبى: قال علماؤنا رحمة الله عليهم: قيد " الله " برفع الهاء ونصبها، فمن رفعها فمعناه: ذهاب التوحيد، ومن نصبها فمعناه: انقطاع الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أى لا تقوم الساعة على أحد يقول: اتق الله. فإذا أراد الله زوال الدنيا قبض أرواح المؤمنين وانتزع هذا الاسم من ألسنة الجاحدين وفجأهم عن ذلك الحق اليقين (كتاب التذكرة - ص 798) (¬2) صحيح مسلم بشرح النووى - باب ذهاب الايمان آخر الزمان 2/ 178. (¬3) فى مستدركه – باب الفتن والملاحم – 4/ 494. (¬4) المرجع السابق – 4/ 495. (¬5) العجاج: الأراذل ومن لا خير فيه. (¬6) فى مستدركة – باب الفتن والملاحم – 4/ 435.

ولهذا .. يا إخوانى .. إذا تركت الأمة الدعوة إلى الله تكون إيذاناً بنهاية العالم وقرب قيام الساعة ويظهر المسخ والقذف والخسف وإرسال الصواعق والشياطين وظهور الآيات والعلامات الكبرى للساعة (¬1). * * * * * ¬

_ (¬1) انظر سبل الهدى والرشاد فى سيرة خير العباد - الصالحى - 10/ 663، والتذكرة للقرطبى - باب الفتن.

_ بترك الدعوة يصبح فكر المسلم مشاع.

بترك الدعوة يصبح فكر المسلم مشاع بدون الجهد والدعوة يكون الإنسان مثل الأرض الفضاء بدون زرع ولا أسوار ولا حارس .. يُلقى فيها الزبالة وكذلك بدون جهد الرسول المصطفى الأمين - صلى الله عليه وسلم - يصبح فكر المسلم مشاع للبث اليهودى والنصرانى والشيوعى والعلمانى، مثل شاشة التليفزيون، فيعرض الباطل على فكر المسلم وقلبه فيمتلئ فكره وقلبه بالباطل ولذلك لما يعرض الحق على المسلم يرفضه لامتلاء فكره وقلبه بالباطل. وبسبب جهد الدعوة كانت حياة الصحابة مملوءة بالحق والأمثلة كثيرة فى عرض الباطل عليهم ولكنهم يرفضون لامتلاء حياتهم بالحق. أمثلة ذلك: أخرج البيهقى وابن عساكر عن أبى رافع قال: وجه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - جيشاً إلى الروم وفيهم رجل يقال له عبد الله بن حذافة من أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - فأسره الروم فذهبوا به إلى ملكهم فقالوا له: إن هذا من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال له الطاغية هل لك أن تَنَصَّر وأشركك فى ملكى وسلطانى .. ؟ فقال له عبد الله: لو أعطيتنى ما تملك وجميع ما ملكته العرب على أن أرجع عن دين محمد - صلى الله عليه وسلم - طرفة عين ما فعلت. قال: إذاً أقتلك. قال

: أنت وذاك فأمر به فصلب وقال للرماة أرموه قريباً من يديه قريباً من رجليه وهو يعرض عليه وهو يأبى ثم أمر به فأنزل ثم دعا بقدر فصب فيها ماء حتى إحترقت ثم دعا بأسيرين من المسلمين فأمر بأحدهما فألقى فيها وهو يعرض عليه النصرانية ثم أمر به أن يلقى فيها فلما ذهب به فبكى فقيل له إنه قد بكى فظن أنه قد جذع فقال: ردُوه .. فعرض عليه النصرانية فأبى فقال: ما أبكاك إذاً؟ قال: أبكانى أنى قلت فى نفسى تلقى الساعة فى هذه القدر فتذهب فكنت أشتهى أن يكون بعدد كل شعره فى جسدى نفسٍ تلقى فى الله قال له الطاغية: هل لك أن تقبل رأسى وأخلى عنك .. ؟ قال له عبد الله: وعن جميع أسارى المسلمين. قال: وعن جميع أسارى المسلمين. قال عبد الله فقلت فى نفسى عدو من أعداء الله أقبل رأسه يخلى عنى وعن جميع أسارى المسلمين لا أبالى فدنا منه فقبل رأسه فدفع إليه الأسارى فقدم بهم على عمر فأخبر عمر بخبره فقال عمر: حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة وأنا أبدأ فقام عمر فقبل رأسه. (كذا فىلكنز العمال ج 7 صـ62) (¬1). وعندما تخلف كعب بن مالك - رضي الله عنه - عن غزوة تبوك مع النبى – - صلى الله عليه وسلم - ضمن الثلاثة الذين خُلفوا وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهجرهم وعدم الكلام معهم قال بينما أنا أمشى بسوق المدينة إذا نبطى من أنباط أهل الشام ممن قدم ¬

_ (¬1) حياة الصحابة - باب تحمل الصحابة الشدائد فى الدعوة إلى الله - 1/ 284.

بطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدلنى على كعب بن مالك فطفق الناس يشيرون له حتى إذا جاءنى دفع إلىَّ كتاب من ملك غسان فى سرقة من حرير فإذا فيه " أما بعد فإنه قد بلغنى أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسيك ". فقلت لما قرأتها وهذا أيضاً من البلاء فتيممت بها التنور فسجرته بها. رواه البخارى ومسلم (¬1). قلبه مملوء بالحق فلم تجد الفتنة إلى قلبه سبيلا. وهذا خبيب - رضي الله عنه - لما رفعوه على الخشبة ليقتلوه نادوه يناشدونه أتحب أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - مكانك؟ قال: لا والله العظيم ما أحب أن يفدينى بشوكة يشاكها فى قدمه فضحكوا منه (¬2). وهذا زيد بن الدثنة - رضي الله عنه - قال له أبو سفيان بن حرب عندما قدموه ليقتل أنشدك بالله يا زيد أتحب أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - الآن عندنا مكانك تضرب عنقه وأنك فى أهلك؟ قال والله ما أحب أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - الآن فى مكانه الذى هو فيه تصيبه شوكه تؤذيه وأنى جالس فى أهلى. فقال أبو سفيان ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - محمداً (¬3). * * * * * ¬

_ (¬1) المرجع السابق - 1/ 453. (¬2) المرجع السابق - 1/ 510. (¬3) المرجع السابق - 1/ 508.

_ بسبب ترك الدعوة وقعت الأمة فى الذل والهوان.

بسبب ترك الدعوة وقعت الأمة فى الذل والهوان حينما تركت الأمة المسلمة جهد نبيها - صلى الله عليه وسلم - وغرتهم الحياة الدنيا وانشغلوا بالزراعة والتجارة وتركوا حمل الرسالة أصابهم الذل والهوان ودب فيهم الضعف وصدق فيهم قول الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - " إذا تبايعتم بالعينة (¬1) وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد فى سبيل الله سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم " رواه الإمام أحمد. (إلى دينكم: إلى جهادكم). وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يوشك الأمم أن تتداعى عليكم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذٍ؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: لا بل أنتم كثير ولكن غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن فى قلوبكم الوهن. قال قائل: وما الوهن؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: حب ¬

_ (¬1) أن يبيع الرجل شيئاً من غيره بثمن مؤجل ويسلمه للمشترى ثم يشتريه منه قبل قبض الثمن أقل من ذلك القدر يدفعه نقداً (توجيهات إسلامية - جميل زينوا).

الدنيا وكراهية الموت ". (رواه أبو داود، والبيهقى، فى دلائل النبوة وصححه الألبانى) (¬1). ورضيتم بالزرع: أى ملتم إلى الدنيا والمقامة فيها، فى الدعة وطيب الثمار وملتم إلى شهواتها، واطمأنت إليها نفوسكم، ورضيتم بالخسيس على النفيس، فالمتأمل يرى أنه لا عيب على الإنسان أن يشتغل بالزراعة وتربية البقر ولكن العيب أن يتخذها مقصداً ويترك جهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال الحق - سبحانه وتعالى - {إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (¬2). ... وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ} (¬3). * * * * * ¬

_ (¬1) مشكاة المصابيح - باب تغير الناس – 3/ 1474. (¬2) سورة يونس – الآيتان 7، 8. (¬3) سورة التوبة – الآية 38.

_ بسبب ترك الدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى - تحرم الأمة بركة الوحى وتذهب هيبتها.

بسبب ترك الدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى - تحرم الأمة بركة الوحى وتذهب هيبتها قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا عظمت أمتى الدنيا نزع منها هيبة الإسلام وإذا تركت الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر حرمت بركة الوحى وإذا تسابت أمتى سقطت من عين الله " (¬1) بركة الوحى: أى فهم القرآن أى يأتى من يؤول القرآن والحديث على غير معناه، تتعامى عقولهم عن فهم النصوص الشرعية فيصبح تأويل النصوص الشرعية على غير معناها .. كالعمل عبادة .. الوجه غير عورة لدى المرأة .. ويأتى بالدليل من الكتاب والسنة ليؤيد الباطل الذى عنده .. فمثلاً رجل يأكل لحم الخنزير .. فأنكر عليه رجل آخر. وقال له: إن لحم الخنزير حرام .. ‍‍! فقال له: من أين جئت بالتحريم .. ؟! ففى القرآن أنه حلال .. قال الرجل: وكيف ... ذلك ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ بن أبى الدنيا فى كتاب ذم الدنيا، عن فضيل والترمذى فى الدر.

؟! قال: قال الله - عز وجل - {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (¬1) فقال له الرجل: سبحان الله .. !! ليس كل طعام أهل الكتاب حلٌ لنا .. بل ما حرمه الله - عز وجل - علينا فهو حرام .. قال الله - عز وجل - {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (¬2) فقال الرجل: هذا بالنسبة للخنزير الذى كان فى عهد النبى - صلى الله عليه وسلم - حرام .. لأنه كان يأكل النجاسة .. وهذا من علامات الساعة .. فالكل يفسر القرآن على هواه وحسب مزاجه ورأيه دون فهم للقرآن والسنة وحياة الصحابة رضى الله عنهم أجمعين. فحرمت الأمة بترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فهم القرآن الكريم وترك العمل بالقرآن وأصول الإسلام. فالقرآن منهج حركى لا يفهم إلا بالحركة. فالذى ينظر إلى القرآن الكريم يجده نزل فى الحضر والسفر حسب الأحوال والظروف فلا يفهم إلا مع الحركة والجهد. ¬

_ (¬1) سورة المائدة - الآية 5. (¬2) سورة المائدة - الآية 3

_ بترك الدعوة إلى الله تقع الأمة فى الحيرة.

بترك الدعوة إلى الله تقع الأمة فى الحيرة بنو إسرائيل عندما تركوا جهاد القوم العمالقة مع موسى - عليه السلام - وقعوا فى التيه أربعين سنة يسيرون ولا يهتدون للخروج منه، المكان الذي يبدأون منه يعودون إليه. قال الحق - سبحانه وتعالى - {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ * يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ * قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي

وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ * قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (¬1). لهذا السبب الأمة الإسلامية اليوم فى الحيرة لا يدرون أين يسيرون .. ولا إلى أى طريق يهتدون بسبب ترك جهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -. وقد أخبر الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - عن حال الأمة المسلمة اليوم فقال: " كيف بكم إذا فجر نساؤكم وفسق شبانكم وتركتم الجهاد. قالوا: وإن ذلك لكائن يا رسول الله؟ قال: والذى نفسى بيده وأشد منه سيكون، كيف بكم إذا لم يؤمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر.؟ قالوا: وإن ذلك لكائن يا رسول الله؟ قال: والذى نفسى بيده وأشد منه سيكون. كيف بكم إذا رؤى المعروف منكراً والمنكر معروفاً. قالوا: وإن ذلك لكائن يا رسول الله؟ قال: والذى نفسى بيده وأشد منه سيكون، كيف بكم إذا أمر بالمنكر ونهى عن المعروف. قالوا: وإن ذلك لكائن يا رسول الله؟ قال: والذى نفسى بيده وأشد منه سيكون، يقول الله تعالى بى حلفت لأسلطن عليهم فتنة تدع الحليم فيهم حيران، قال وما المخرج يا رسول الله؟ قال: حتى تأطروهم على الحق أطراً ". فبسبب ترك الدعوة يصبح الإنسان أعمى يقع فى الضلالة والفتن. فعن حذيفة - رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول " تعرض الفتن على القلوب ¬

_ (¬1) سورة المائدة - الآيات 20: 26.

كالحصير عوداً عوداً فأى قلب أُشربها نكتت فيه نكتة سوداء. وأى قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى يصير على قلبين أبيض (¬1) مثل الصفا فلا تضره فتنة مادامت السماوات والأرض والآخر أسود مرباداً (¬2) مجخياً (¬3) لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه " (رواه مسلم) (¬4). فكم من قلب منكوس متحير بسبب ترك الدعوة إلى الله - عز وجل - وترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .. نسأل الله السلامة. * * * * * ¬

_ (¬1) ومن هنا يتبين كذب من يدعى أن قلبه أبيض وهو لا يصلى بل يجب أن ينكر المنكر حتى يصبح قلبه سليماً {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}. (¬2) أى صار لون الرماد من الربدة. (¬3) أى مائلاً معكوساً. (¬4) مشكاة المصابيح، باب الفتن - 3/ 1480.

لماذا يتكرر قصص الأنبياء فى القرآن .. ؟

لماذا يتكرر قصص الأنبياء فى القرآن .. ؟ لو نظرنا وتأملنا فى كتاب الله - عز وجل - لوجدنا فى كل ربع من القرآن الكريم سيرة نبى من أنبياء الله - سبحانه وتعالى - فالله سبحانه يشوقنا لجهد الأنبياء، فقصة سيدنا موسى - عليه السلام - تجدها فى ثمانية وعشرين جزءاً من القرآن الكريم أما الجزء الخامس والجزء الثامن عشر ليس بالصراحة والله - سبحانه وتعالى - ما قص علينا صلاة الأنبياء عليهم السلام ولا زكاة الأنبياء عليهم السلام ولا حج الأنبياء عليهم السلام ولكن قص علينا جهدهم لنقوم بجهد الأنبياء عليهم السلام. فهمنا .. خطأ .. أن القرآن للعبادة فقط بل هو منهج للدعوة والدعاة، فقص علينا قصص الدعاة لأننا دعاة إلى الله - عز وجل - مكلفين برسالة الأنبياء، فالحج لمن استطاع إليه سبيلا ولكن إقامة الناس على الحج فريضة (أى بدعوتهم إلى الحج).

هل تجب الدعوة إلى الله - عز وجل - على المقصر .. ؟

هل تجب الدعوة إلى الله - عز وجل - على المقصر .. ؟ نعم تجب الدعوة إلى الله - عز وجل - والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وإن لم نكن نفعل الخير كله ولم ننته عن المنكر كله بنية أن يأتى فينا ما ندعو إليه وأن ننتهى عما ننهى عنه. وعن بعض السلف الصالح قال: مروا بالخير وإن لم تفعلوه. وعن الحسن أنه سمع مطرف بن عبد الله يقول: لا أقول مالا أفعل. قال الحسن: وأينا يفعل ما يقول؟ ود الشيطان لو ظفر بهذه الكلمة منكم فلا يُأمر بمعروف ولا يُنهى عن منكر. وقال مالك بن ربيعة عن أبى عبد الرحمن سمعت سعيد بن جبير يقول: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شئ، ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر. قال مالك: وصدق من ذا الذى ليس فيه شئ. وقيل: لو لم يعظ الناس من هو مذنباً ... فمن يعظ العاصين بعد محمد - صلى الله عليه وسلم -؟! وجاء فى كتاب الأمالى للأصمعى: قال: بلغنى أن بعض الحكماء كان يقول إنى لأعظكم وأنا كثير الذنوب، مسرف على نفسى غير حامد لها، ولا حملها على المكروه طاعة لله تعالى، وقد بلوتها فلم أجد لها شكراً فى الرضا، ولا صبراً على البلاء، ولو أن المرء لا يعظ أخاه حتى يُحْكِّم نفسه

لتُرك الأمر بالخير والنهى عن المنكر، ولكن محادثة الإخوان حياة للقلوب، وجلاء للنفوس، وتذكير من النسيان. وقال العلماء: لا يشترط فى الآمر بالمعروف والناهى عن المنكر أن يكون كامل الحال، ممتثلاً ما يأمر به، مجتنباً ما ينهى عنه، بل عليه الأمر وإن كان مرتكباً خلاف ذلك لأن المكلف يجب عليه شيئان: - أحدهما: أن يأمر نفسه بالخير وينهاها عن الشر. - الثانى: أن يأمر غيره بالخير وينهاه عن الشر. والإخلال بأحد التكليفين لا يقتضى الإخلال بالآخر، واعلم أن التوبيخ فى الآية {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} (¬1) بسبب ترك فعل البر، لا بسبب الأمر بالبر، لأن الأولى بالداعى والآمر بالمعروف والناهى عن المنكر أن لا يخالف قوله فعله، كما قال شعيب – - عليه السلام - {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ((¬2) (¬3). ¬

_ (¬1) سورة البقرة – الآية 44. (¬2) سورة هود - من الآية88. (¬3) انظر مفاتيح الغيب للرازى - 2/ 68، تفسير القرطبى - 1/ 367، مختصر تفسير ابن كثير - 1/ 59

ويقول الشيخ الشعراوى: الإنسان مطالب بأمرين: • الأول: ألا يصنع المنكر. • الثانى: أن ينهى عن المنكر. ولذلك إذا جاء نصح من إنسان ينهاك عن المنكر وهو قد فعله فلا تقل له أصلح نفسك واتبع أنت ما تنصح به أولاً حتى لا يقول لك كما قال الشاعر: خذ بعلمى ولا تركن إلى عملى ... واجن الثمار وخل العود للنار (¬1) وقيل: اعمل بقولى وإن قصرت فى عملى ... ينفعك قولى ولا يضرك تقصيرى ويقول معاوية – - رضي الله عنه -: أيها الناس لا يمنعكم سوء ما تعلمون عنا، أن تعملون بأحسن ما تسمعون منا. ولعل سائل يسأل: فماذا نفعل بهذه الآية الكريمة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} (¬2). ¬

_ (¬1) تفسير الشيخ الشعراوى (¬2) سورة الصف - الآيتان 2، 3.

والحديث الذى رواه أسامة بن زيد بن حارثة - رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى فى النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار فى الرحا فيجتمع إليه أهل النار فيقولون .. يا فلان .. مالك؟ ألم تكُ تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه. متفق عليه (¬1). نعم يكون المقت من الله - عز وجل - والعذاب للعبد يوم القيامة إذا أمر بالمعروف والخير وليس فى نيته أن يأتيه ونهى عن المنكر وفى نيته ألا ينتهى عنه فيحسن بالداعى إلى الله والآمر بالمعروف أن يكون مطبقاً لما يأمر به ومبتعداً عما ينهى عنه حتى تكون الفائدة أتم وأنفع. قال أحد السلف الصالح: إذا أردت أن يُقبل منك الأمر والنهى فإذا أمرت بشئ فكن أول الفاعلين له، أول المؤتمرين به، وإذا نهيت عن شئ فكن أول المنتهين عنه. لأنك إذا قرت عينك بالله، قرت عيون الناس بك، صرت لقلوبهم كالكحل لعيونهم. ولذا قيل: يا أيها الرجل المعلم غيره ... هلا لنفسك كان ذا التعليم فإذا انتهيت عنه فأنت حكيم ¬

_ (¬1) كتاب رياض الصالحين، باب تغليظ عقوبة من أمر بمعروف أو نهى عن منكر وخالف قوله فعله.

بالعلم منك وينفع ذا التعليم ابدأ بنفسك فانهها عن غيها ... فهناك يقبل ما تقول ويقتدى ويقول ابن القيم رحمه الله: علماء السوء جلسوا على باب الجنة يدعون إليها الناس بأقوالهم ويدعونهم إلى النار بأفعالهم فكلما قالت أقوالهم للناس هلموا قالت أفعالهم لا تسمعوا منهم فلو كان ما دعوا إليه حقاً كانوا أول المستجيبين له فهم فى الصورة أدلاء وفى الحقيقة قطاع الطرق (¬1). فاحذر أخى الداعى أن تكون من علماء السوء. فإن من الخيبة أن يدعو الإنسان إلى الخير وهو نفسه عاكف على هواه، ويأمر بالمعروف وهو متعلق بأذيال المنكر. ، .. نسأل الله السلامة والتوفيق وعدم الخذلان .. ، ¬

_ (¬1) كتاب الفوائد المشوقة إلى علوم القرآن - ابن القيم.

مع آية الخيرية

مع آية الخيرية - س: لماذا أورد الله - عز وجل - مسألة الإيمان بعد الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى قوله - سبحانه وتعالى - {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} (¬1)} .. ؟! يقول الإمام الفخر الرازى: إن الإيمان بالله - سبحانه وتعالى - أمر مشترك بين جميع الأمم المحقة فيمتنع أن يكون المؤثر فى حصول هذه الخيرية هو الإيمان الذى هو القدر المشترك بين الكل بل المؤثر فى هذه الزيادة هو كون هذه الأمة أقوى حالاً فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من سائر الأمم. فإذن .. المؤثر فى حصول الخيرية هو الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وأما الإيمان فهو شرط لتأثير هذا المؤثر فى هذا الحكم. فلهذا السبب قدم الله تعالى ذكر الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر على ذكر الإيمان (¬2). يقول الشيخ الشعراوي (مجيبا علي هذه المسألة): لأنه من الجائز أن يوجد إنسان له صفات الإنسانية ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويصنع الخير ويقدم الصدقات ويقيم مؤسسات رعاية المحتاجين والعاجزين، سواء كانت صحية أو اقتصادية .. لكنه يفعل ذلك من زاوية نفسه الإنسانية لا من زاوية ¬

_ (¬1) سورة آل عمران - الآية 110. (¬2) مفاتيح الغيب للرازى - 4/ 395.

منهج الله - سبحانه وتعالى - فيكون كل ما فعله حابطاً ولا يعترف له بشئ لأنه لم يفعل ذلك فى إطار الإيمان بالله فمن صنع خيراً من أمة الشهادة والإنسانية والجاه والمركز والسمعة فإنه ينال جزاءه ممن عمل له ومادام قد صنع ذلك من أجل أن يقال عنه ذلك فقد قيل كما فى الحديث الذى رواه الإمام مسلم عن أبى هريرة – - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به فعرَّفَهُ نعمته فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت حتى استشهدت. قال: كذبت. ولكنك قاتلت لأن يقال جرئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى فى النار. ورجل تعلم العلم وقرأ القرآن فأتى به فعرفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعملت وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت. ولكنك تعلمت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل ثم أُمر به فسحب على وجهه حتى ألقى فى النار. ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال فأتى به فعرفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال جواد، فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى فى النار (¬1) (¬2). ¬

_ (¬1) مشكاة المصابيح - كتاب العلم - 1/ 71، رياض الصالحين - باب تحريم الرياء. (¬2) انظر تفسير الشعراوى فى تفسير الآية {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ .. الآية} ... (سورة آل عمران – الآية 110)

ويقول الشيخ إلياس (رحمه الله):إن معنى قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} هو أنكم ظهرتم كالأنبياء للناس .. بينما تجد الإشارة في قوله: (أُخْرِجَتْ) أن العمل لا يكتمل في مكان واحد، بل تُبذل الجهود بالذهاب إلي كل بيت ومكان، فعملكم هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أما المراد بقوله تعالي: (وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) بعد ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو: أن الحقائق الإيمانية تتقدم وتترقي بهذا العمل، إذ أن أصل الإيمان وحصوله مترسخة في القلوب يؤكد قوله تعالي: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} فالإيمان كان موجودا في الأمم السابقة .. ولكن سبب فضل هذه الأمة علي سائر الأمم ليس هو إلا: الأمربالمعروف والنهي عن المنكر، والذي هو أحسن الطرق لترسيخ حقائق الإيمان في القلوب (¬1). - هل الأمر بالمعروف يختص بطائفة .. ؟ ¬

_ (¬1) ملفوظات الشيخ محمد إلياس ترتيب الشيخ محمد منظور نعماني.

قال العلماء: لا يختص الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بأصحاب الولاية بل ذلك ثابت لآحاد المسلمين وإنما يأمر وينهى من كان عالماً بما يأمر به، وبما ينهى عنه. فإن كان من الأمور الظاهرة مثل (الصلاة، الصوم، الزكاة، الحج، الزنا وشرب الخمور .. الخ) فكل المسلمين علماء بها وإن كان من دقائق الأفعال والأقوال وما يتعلق بالاجتهاد فهو مسئولية العلماء (¬1). - متى يكون الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .. ؟ يكون الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إذا وجد الدين .. مثال يوضح ذلك: لو العمارة موجودة وحدث خلل بعد إتمام البناء فهو يُصلح الخلل مثلاً يقوم بإصلاح الشباك، الباب، السباكة، الكهرباء .. فيكون إصلاح الخلل بعد إتمام الشئ وحدوث النقص (وهو ما يسمى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر). ولكن العمارة غير موجودة فتكون الدعوة لإقامة العمارة .. يعنى الدين غير موجود .. فتكون الدعوة أولاً لإيجاد الدين فبعد وجود الدين وحدث خلل فيكون الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. ¬

_ (¬1) انظر صحيح مسلم بشرح النووى – 2/ 23.

- س: هل يترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إذا ظن صاحبه أنه لا ينفع؟ قال الإمام النووى: قال العلماء: لا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لكونه لا يفيد فى ظنه، بل يجب عليه فعله لأن الله - سبحانه وتعالى - قال {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} (¬1) وإذا لم يمتثل المخاطب فلا عتب بعد ذلك على القائم بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لكونه أدى ما عليه، فإنما عليه الأمر والنهى لا القبول. كما قال الله - عز وجل - {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ} (¬2) (¬3). * * * * * ¬

_ (¬1) سورة الذريات – الآية 55. (¬2) سورة المائدة - من الآية99. (¬3) صحيح مسلم بشرح النووى – 2/ 22.

شروط إنكار المنكر

شروط إنكار المنكر لو تأملنا لرأينا النبى - صلى الله عليه وسلم - شرع لأمته إنكار المنكر ليحصل بإنكاره ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم، فإنه أساس كل فتنة وشر، وقد استأذن الصحابة رضى الله عنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى قتال الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، وقالوا: أفلا نقاتلهم .. ؟ فقال: " لا، ما أقاموا الصلاة " (¬1) وقال: " من رأى من أميره ما يكرهه فليصبر ولا ينزعن يداً من طاعته " (¬2). ومن تأمل ما جرى على الإسلام فى الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل وعدم الصبر على المنكر، فطلب إزالته فتولد ما هو أكبر منه فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرى بمكة أكبر المنكرات مثل الأصنام التى كانت حول الكعبة وعددها ثلاثمائة وستون صنماً، ولما دخلها يوم الفتح فأشار ¬

_ (¬1) رواه مسلم وأحمد والترمذى وأبو داود. (¬2) رواه البخارى ومسلم وأحمد الدارمى.

إلى كل صنم بعصا من غير أن يمسها وقال: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} (¬1) فكان لا يشير إلى صنم إلا سقط. وبعد أن فتح مكة وصارت دار إسلام عزم على تغيير البيت ورده على قواعد إبراهيم - عليه السلام -، ومنعه من ذلك – مع قدرته عليه – خشية وقوع ماهو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك لقرب عهدهم بالإسلام وكونهم حديثى عهد بكفر، فعن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال لها: " يا عائشة، لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهدم، فأدخلت فيه ما أخرج منه، وألزقته بالأرض وجعلت له بابين باباً شرقياً وباباً غربياً، فبغلت به أساس إبراهيم " (¬2). وقال الحافظ بن حجر: لأن قريشاً كانت تعظم الكعبة فخشى - صلى الله عليه وسلم - أن يظنوا لأجل قربهم بالإسلام أنه غير بناءها لينفرد بالفخر عليهم فى ذلك ويستفاد منه ترك المصلحة لأمن الوقوع فى المفسدة. ولهذا لم يأذن فى الإنكار على الأمراء باليد لما يترتب عليه من وقوع ما هو أعظم منه. فإنكار المنكر يحتاج إلى فقه وعلم حتى لا يزال ضرر أصغر بضرر أكبر. ¬

_ (¬1) سورة الإسراء – الآية 81. (¬2) رواه البخارى ومسلم والنسائى وفى موطأ مالك ومسند أحمد.

درجات إنكار المنكر: الأولى: أن يزول المنكر ويخلفه ضده. الثانية: أن يقل المنكر وإن لم يزل بجملته. الثالثة: أن يخلفه ما هو مثله. الرابعة: أن يخلفه ما هو شر منه. فالدرجتان الأوليان مشروعتان، والثالثة موضع اجتهاد والرابعة محرمة. فإذا رأيت أهل الفجور والفسوق يلعبون بالشطرنج كان إنكارك عليهم من عدم الفقه والبصيرة إلا إذا نقلتهم منه إلى ما هو أحب إلى الله ورسوله كرمى النشاب وسباق الخيل ونحوك ذلك، وإذا رأيت الفساق قد اجتمعوا على لهو ولعب أو سماع مكاء وتصدية فإن نقلهم عنه إلى طاعة الله فهو المراد، وإلا كان تركهم على ذلك خيراً من أن تفرغهم لما هو أعظم من ذلك فكان ما هم فيه شاغلاً لهم عن ذلك، وكما إذا كان الرجل مشتغلاً بكتب المجون ونحوها وخفت من نقله عنها انتقاله إلى كتب البدع والضلال والسحر فدعه وكتبه الأولى (¬1). ¬

_ (¬1) انظر كتاب إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم – فتح البارى لابن حجر.

الباعث على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر

الباعث على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر - يقول ابن رجب (رحمه الله): واعلم أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر: تارة يحمل على رجاء الثواب. وتارة خوف العقاب من تركه (¬1). وتارة الغضب لله على انتهاك محارمه. وتارة النصيحة للمسلمين والرحمة لهم ورجاء إنقاذهم مما أوقعوا أنفسهم فيه من التعرض لغضب الله وعقوبته فى الدنيا والآخرة. وتارة يُحمل على إجلال الله - عز وجل - وتعظيمه ومحبته وأنه أهل أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر، وأن يفتدى من انتهاك محارمه ¬

_ (¬1) وقد سبق أن بينا وجوب الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى فى ضوء الكتاب والسنة.

بالنفوس والأموال كما قال بعض السلف: وددت أن الخلق كلهم أطاعوا الله وأن لحمى قرض بالمقاريض. وقال عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز لأبيه: وددت أنى غَلت بى وبك القدور فى الله - عز وجل - ومن لحظ هذا المقام والذى قبله هان عليه كل ما يلقى من الأذى فى الله تعالى وربما دعا لمن آذاه كما قال النبى - صلى الله عليه وسلم - لمَّا ضربه قومه فأدموه فجعل يمسح الدم عن وجهه الشريف ويقول: " رب اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون ". متفق عليه (¬1) (¬2). * * * * * ¬

_ (¬1) رياض الصالحين – باب الإخلاص. (¬2) جامع العلوم والحكم - لابن رجب الحنبلى.

نصاب جهد الدين

نصاب جهد الدين - س: ما هو النصاب الشرعى لجهد الدين .. ؟!! أجاب أحد علماء الدعوة فقال: نأخذ كل أمر من أمور الدين على حده ونوضح نصابه على حده فمثلاً: أولا: الصلاة: قال الله تعالى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} (¬1) .. فالله - عز وجل - أمرنا بالصلاة .. والنبى المصطفى الكريم - صلى الله عليه وسلم - هو الذي بين لنا نصاب الصلاة .. الصبح ركعتين .. والظهر أربع ركعات .. والعصر أربع ركعات .. والمغرب ثلاث ركعات .. والعشاء أربع ركعات .. فلا نستطيع الزيادة أو النقصان .. لقول النبى الكريم - صلى الله عليه وسلم -: " صلوا كما رأيتمونى أصلى ". رواه البخارى عن مالك بن الحويرث (¬2). ثانيا: الزكاة: قال تعالى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} الله أمرنا بالزكاة. .والرسول - صلى الله عليه وسلم - بين النصاب كما هو واضح فى كتب الفقه. ¬

_ (¬1) سورة البقرة - الآية 43. (¬2) مشكاة المصابيح - باب تأخير الآذان - 1/ 215.

ثالثا: الصوم: قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (¬1) .. فالله - عز وجل - أمرنا بالصيام وبين لنا نصاب الصيام والرسول - صلى الله عليه وسلم - وضح لنا أحكام الصيام. رابعا: الحج: قال تعالى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (¬2) فالله - عز وجل - أمرنا بالحج .. والرسول - صلى الله عليه وسلم - وضح لنا المناسك فعن جابر - رضي الله عنه - قال: رأيت النبى - صلى الله عليه وسلم - يرمى على راحلته يوم النحر ويقول - صلى الله عليه وسلم - " لتأخذوا مناسككم فإنى لا أدرى لعلى لا أحجُ بعد حجتى هذه ". (رواه مسلم) (¬3). وكذلك الزواج وجميع شئون الحياة. لكن .. جهد الدين .. تولى الله - سبحانه وتعالى - بنفسه بيانه .. حيث قال تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ¬

_ (¬1) سورة البقرة – الآية 183. (¬2) سورة آل عمران - من الآية97. (¬3) مشكاة المصابيح – باب رمى الجمار – 2/ 805.

فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} (¬1). إذن .. فتفريغ الوقت والجهد والتضحية فى سبيل الله - عز وجل - والدعوة إليه - عز وجل - هى واجب حتمى على كل مسلم ولكن تحديد بعض الوقت .. ما هى إلا أوقات للتمرين والتدريب على التضحية حتى يأتى فينا مزاج النبوة .. مزاج التضحية للدين .. كل الحياة، ولقد علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضعفنا بما أطلعه الله عليه من العلم بأحوال الأمة فقال للصحابة رضى الله عنهم أجمعين: " إنكم فى زمان من ترك منكم عُشر ما أُمر به هلك ثم يأتى زمان من عمل منهم بعُشر ما أمر به نجا " (¬2). والمقصود عُشر التضحية وليس عٌشر الأوامر. * * * * * ¬

_ (¬1) سورة الحج - الآية 78. (¬2) رواه الترمذى، وأبو داود والنسائى عن أبى هريرة - رضي الله عنه - (كتاب مشكاة المصابيح - باب الإعتصام بالكتاب والسنة 1/ 63، وكتاب المتجر الرابح فى ثواب العمل الصالح - باب ثواب العمل الصالح عند فساد الأمة).

هل تقدم الدعوة على القتال؟

هل تقدم الدعوة على القتال؟ الدعوة الإسلامية للعرض وليس للفرض فمطلوب عرضها على الناس ومن فرضها عليهم خاطئ .. فما كانت العقائد تفرض بالإكراه أبداً لا فى القديم ولا الحديث. والله - عز وجل - يقول عن نوح - عليه السلام -: {أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} (¬1). ويقول للنبى - صلى الله عليه وسلم - {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} (¬2). ويقول - سبحانه وتعالى - {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} (¬3) وهى شعار كل داعى يدعو إلى الله - سبحانه وتعالى -. ¬

_ (¬1) سورة هود - الآية 28. (¬2) سورة يونس - الآية 99. (¬3) سورة البقرة - الآية 256.

ويقول: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر} (¬1). وهذا هو طابع الدعوة فى الدور المكى مع قلة المسلمين وضعف شوكتهم. وفى الدور المدنى: مع كثرة المسلمين وقوتهم قال الله - سبحانه وتعالى - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - فى المدينة {وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} (¬2). وكان فى كتب النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى الملوك لدعوتهم للإسلام آية {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ ... وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (¬3). وعندما أرسل النبى - صلى الله عليه وسلم - سيدنا على إلى خيبر فقال أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال له: " انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام ¬

_ (¬1) سورة الكهف - الآية 29. (¬2) سورة آل عمران - الآية 20. (¬3) سورة آل عمران - الآية 64.

وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه، فوالله لئن يهدى الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم " (¬1). (متفق عليه) (¬2). وعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: بعث النبى - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد إلى بنى جذيمة فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا فجعل خالد يقتل ويأسر ودفع كل رجل منا أسيره حتى إذا كان يوم أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره فقلت والله لا أقتل أسيرى ولا يقتل رجل من أصحابى أسيره حتى قدمنا على النبى - صلى الله عليه وسلم - فذكرناه فرفع يديه فقال: " اللهم إنى أبرأ إليك مما صنع خالد مرتين " (رواه البخارى) (¬3). وعن عبد الرحمن بن عائذ - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث بعثاً قال: " تألفوا الناس ولا تغيروا عليهم حتى تدعوهم فما على الأرض من أهل بيت مدر ولا وبر إلا تأتونى بهم مسلمين أحب إلىَّ من أن تأتونى بنسائهم وأولادهم وتقتلوا رجالهم ". أخرجه ابن منده وابن عساكر والترمذى (¬4). وعن أبى وائل قال: كتب خالد بن الوليد إلى أهل فارس: بسم الله الرحمن الرحيم .. من خالد بن الوليد إلى رستم ومهران فى ملاء (بلاد) فارس سلام على من اتبع الهدى .. أما بعد .. فإنا ندعوكم إلى الإسلام فإن ¬

_ (¬1) الإبل والحمر منها: أنفس أموال العرب. (¬2) رياض الصالحين – باب فى الدلالة على خير والدعاء إلى هدى أو ضلالة. (¬3) مشكاة المصابيح – باب حكم الإسراء - 2/ 1163. (¬4) حياة الصحابة – باب الدعوة إلى الله تعالى فى القتال – 1/ 86.

أبيتم فاعطوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، فإن أبيتم فإن معى قوماً يحبون القتل فى سبيل الله كما تحب فارس الخمر. والسلام على من اتبع الهدى. رواه فى شرح السنة (¬1). فكان القتال يسبقه الدعوة، فالدعوة مقدمة على القتال وقال ابن عباس - رضي الله عنه - " ما قاتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوماً حتى دعاهم (¬2) ". رواه الحاكم فى المستدرك والإمام أحمد فى مسنده والطبرانى فى معجمه (¬3). وورد أن قتيبة بن مسلم الباهلى الذى فتح ما وراء النهر وانساب فى الأرض حتى قارب حدود الصين ودخل مدينة صفد من أعمال (سمرقند) دون أن يقدم لذلك بالدعوة فشكوا إلى عمر بن عبد العزيز فكتب إليه بنظر القاضى فى أمرهم فحكم بأن يخرج العرب إلى معسكرهم وينابذونهم على سواء ويكون صلحاً جديداً. فقال أهل صفد: بل نرضى بما كان ولا نحدث شيئاً وأسلموا (¬4). ¬

_ (¬1) المرجع السابق – باب الكتاب إلى الكفار ودعائهم - 2/ 1152. (¬2) أما غزوة بدر فكانت ضد قريش التى دعاها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ثلاثة عشر عاماً. (¬3) حياة الصحابة - 1/ 86. (¬4) فتوح البلدان - البلاذرى.

وعندما بدأ الناس يدخلون فى الإسلام فى عهد عمر بن عبد العزيز بعث إليه قواد الجيوش أن أكتب شرائط الدخول فى الإسلام خوفاً من الجزية فقال: ويحك .. إن محمداً - صلى الله عليه وسلم - قد بعث هادياً ولم يبعث جابياً (¬1). ولقد أثر أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - جاءته عجوز فى حاجة وكانت غير مسلمة فدعاها للإسلام فأبت وتركها عمر وخشى أن يكون فى قوله وهو أمير المؤمنين إكراه لها فاتجه إلى ربه ضارعاً معتذراً .. اللهم أرشدت ولم أكره .. وتلا الآية {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيّ} (¬2) (¬3). * * * * * ¬

_ (¬1) سيرة عمر بن عبد العزيز - ابن عبد الحكم. (¬2) سورة البقرة – الآية 256. (¬3) انظر كتاب بيان للناس من الأزهر الشريف – 1/ 256.

هل هناك فرق بين لفظ الجهاد ولفظ الدعوة .. ؟!

هل هناك فرق بين لفظ الجهاد ولفظ الدعوة .. ؟! يعتبر كلا من اللفظين دلالة على معنى واحد .. الجهاد هو الدعوة .. والدعوة هى الجهاد .. لأن الله - عز وجل - يقول {فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً} (¬1) فهذه الآية نزلت فى مكة المكرمة قبل الهجرة والقتال لم يفرض إلا بعد الهجرة فما كان هناك حرب بين المسلمين والمشركين فى مكة، والله سمى الدعوة جهاداً كبيراً، فإذا أطلقنا لفظ الجهاد على الدعوة .. والدعوة على الجهاد فما يكون هناك أى تغيير .. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم " رواه أبو داود والنسائى والدارمى عن أنس (¬2). فالجهاد باليد والمال يكون أثناء القتال .. ولكن الجهاد باللسان معناه الدعوة. ولذلك اعتبر العلماء أن الدعوة إلى الله - عز وجل - صورة من صور الجهاد فى سبيل الله - عز وجل - (¬3). ¬

_ (¬1) سورة الفرقان - الآية 52. (¬2) رياض الصالحين - باب الجهاد. (¬3) أقرأ فى الصفحة التالية أنواع الجهاد لابن القيم.

ويقول الشيخ محمد عمر البالمبورى (رحمه الله): معني الجهاد إعلاء كلمة الله عز وجل .. أما القتال فهو آخر مرحلة فى الجهاد مثل العملية الجراحية، أو مثل الحشائش الضارة في الأرض والفلاح يقوم بتقطيعها حتى لا تؤثر في الزرع، ولو كان الجهاد هو القتال فما تفسير الآية المكية التي في سورة الفرقان حيث يقول الله - عز وجل - {فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً} (¬1) فهل كان فى مكة رفع سيف؟! ... ولكن الدين رحمة للناس نجتهد عليهم بجهد الدعوة إلى الله - عز وجل - ليسلموا ثم يدخلوا الجنة أهـ. ولهذا قال العلماء: القتال هدف لغيره وهو التمهيد للدعوة وإزالة ما يعوقها، والدعوة هدف لذاتها، فاستخدام لفظ الجهاد للاثنين تشريع قرآنى ونبوى ولا عبرة لمن لم يقدم الدليل على غير ذلك، والقتال أعلى أجراً لأن المشقة فيه أكبر إلا يوماً مثل يوم الطائف. * * * * * ¬

_ (¬1) سورة الفرقان – الآية 52.

ما هى مراتب الجهاد .. ؟!

ما هى مراتب الجهاد؟! للجهاد أربعة مراتب: 1) جهاد النفس. 2) جهاد الشيطان. 3) جهاد الكفار والمشركين. 4) جهاد المنافقين وأهل البدع والزيغ. أولاً: جهاد النفس: وذلك بحثها على تعلم الدين .. وكأن طلب العلم جهاد .. لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - " من خرج فى طلب العلم فهو فى سبيل الله حتى يرجع " (¬1). مجاهدة النفس للعمل بما علمت من أوامر الله - عز وجل -. مجاهدة النفس للدعوة إلى ما علمت من أوامر الله - عز وجل -. مجاهدة النفس على تحمل الأذى الذى ينال الإنسان من دعوة الغير إلى الله - عز وجل -. ثانياً: جهاد الشيطان: ¬

_ (¬1) رياض الصالحين - باب العلم.

الشيطان عدو للإنسان .. ويصرف الإنسان عن الدين بطريقين: 1) طريق الشبهات. ... 2) طريق الشهوات. ويشكك الإنسان فى عقيدته ويلقى له الشبهات حتى ينصرف عن دينه، ثم يلقى أمامه الشهوات حتى يضيع فيها ماله .. وقته .. فكره .. وعواطفه .. فلا يبقى له شئ من الدين. ومجاهدة الشيطان فى دفع الشبهات لا يكون إلا باليقين .. وهو قوة الإيمان وصدقه فى القلب والوجدان .. فباليقين تدفع الشبهات .. ودفع الشهوات يكون بالصبر عن المعاصى والمخالفات والإغراءات وكل ما يفتن به الإنسان فى هذه الدنيا، وبهذا الصبر واليقين يتحصل الإنسان على الإمامة فى الدين .. قال الله - عز وجل - {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} (¬1). ثالثاً: جهاد الكفار والمشركين: ويكون هذا الجهاد باليد لقول النبى - صلى الله عليه وسلم - " جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم " رواه أبو داود والنسائى والدارمى (¬2)، ولا يتم قتال المشركين إلا بعد الدعوة .. لقول ابن عباس - رضي الله عنه - ما قاتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوماً حتى دعاهم .. (رواه الحاكم فى مستدركه وقال حديث صحيح الإسناد ¬

_ (¬1) سورة السجدة - الآية 24. (¬2) مشكاة المصابيح – كتاب الجهاد – 2/ 1124.

) (¬1) وكان إذا أمر أميراً على جيش أو سرية أوصاه فى خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً ثم قال اغزوا باسم الله فى سبيل الله قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعوهم إلى ثلاث خصال فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم .. ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعوهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين واخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين فإن أبوا أن يتحولوا (يعنى عن ديارهم ويجاهدوا) فأخبرهم أنهم يكونوا كأعراب المسلمين يجرى عليهم حكم الله الذى يجرى على المؤمنين ولا يكون لهم فى الغنيمة والفيئ شئ إلا أن يجاهدوا مع المسلمين فإن أبوا فسلهم الجزية فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم (رواه مسلم) (¬2) فيدفعون الجزية ويكونوا فى حماية المسلمين. وتتطلب هذه الحماية وجود المسلمين بين ظهرانى المشركين، فيرى صفات المسلمين وأخلاقهم (العفة، الأمانة، الصدق، الحلم، الرحمة، .. الخ) فيتأثروا بأخلاق المسلمين .. فيدخلوا فى دينهم .. لما يروا فى دينهم من الصفات .. والأعمال التى يرونها لصلاح حياتهم .. ¬

_ (¬1) وعبد الرازق فى مصنفه وأحمد فى مسنده والطبرانى فى معجمه والبيهقى فى سننه وابن النجار (حياة الصحابة – باب الدعوة إلى الله تعالى فى القتال – 1/ 86). (¬2) مشكاة المصابيح – باب الكتاب إلى الكفار ودعائهم إلى الإسلام – 2/ 1150.

ولذلك كثير من الناس دخلوا فى الإسلام بعدما فرض عليهم الجزية، بعد أن رأوا أخلاق وصفات المسلمين .. وكأن الجزية صورة عملية للدعوة، فإذا رفضوا كلا الأمرين (الدعوة، الجزية) حينئذٍ يقول الله - عز وجل -: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (¬1). ومن هنا يتبين أن النصر لا يأتى للمسلمين إلا بعد أن يقوموا بالدعوة لهؤلاء الكفار قبل أن يقاتلوهم. ورفض الكفار للدعوة كأنهم رفضوا الرحمة الموجهة إليهم من الله - عز وجل - ولما رفضوا هذه الرحمة برفض الدعوة حينئذٍ يحل عليهم العذاب .. يقول الله - سبحانه وتعالى - لعباده المؤمنين " قاتلوهم " رفضوا رحمتى إذاً يستحقوا القتل .. وكأن المرحلة الأخيرة من مراحل الدعوة هى القتال. ولهذا لا نشعر أن هناك فرق كبير بين عمل الدعوة وعمل القتال فى سبيل الله - عز وجل - ولهذا نستشهد بالآيات والأحاديث التى جاءت فى الجهاد نستشهد بها فى عمل الدعوة إلى الله - عز وجل - وهذا استشهاد صحيح. وحينما يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " لغدوة فى سبيل الله أو روحه خير من الدنيا وما فيها .. هل هذه الروحه فقط فى القتال .. ؟ لا .. بل إن الإمام ¬

_ (¬1) سورة التوبة – الآيتان 14، 15.

البخارى أورد فى باب المشى إلى المساجد .. " عن أبى هريرة - رضي الله عنه - أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: " من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له فى الجنة نزلاً كلما غدا أو راح. متفق عليه (¬1). وفى صحيح الإمام البخارى فى باب المشى إلى الجمعة عن عباية بن رافع قال: أدركنى أبو عبس وأنا أذهب إلى الجمعة فقال سمعت النبى - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من أغبرت قدماه فى سبيل الله حرمه الله على النار " وقد نقل الإمام ابن حجر العسقلانى فى شرحه لهذا الحديث عن ابن بطال أنه قال: والمراد فى سبيل الله كل طاعة (¬2). ولهذا تعتبر الغدوة إلى المسجد والروحة منه جهاداً فى سبيل الله، وطالب العلم كالغادى الرائح فى سبيل الله. وقال أبو الدرداء - رضي الله عنه - من رأى الغدو والرواح إلى العلم ليس بجهاد فقد نقص فى عقله ورأيه (¬3). رابعاً: جهاد المنافقين وأهل البدع والزيغ: وهذا الجهاد .. يكون باليد .. فإن عجز فبلسانه .. فإن عجز فبقلبه .. وذلك أضعف الإيمان. فأكمل الخلق عند الله - عز وجل -، من كمل مراتب الجهاد كلها، والخلق متفاوتون فى منازلهم عند الله، تفاوتهم فى مراتب الجهاد، ولهذا كان أكمل ¬

_ (¬1) رياض الصالحين - باب فضل المشى إلى المساجد. (¬2) فتح البارى شرح صحيح البخارى لابن حجر العسقلانى – 6/ 36. (¬3) المتجر الرابح فى ثواب العمل الصالح – باب العلم – الدمياطى.

الخلق وأكرمهم على الله خاتم أنبيائه ورسله، فإنه كمل مراتب الجهاد، وجاهد فى الله حق جهاده وشرع فى الجهاد من حيث بعث إلى أن توفاه الله - عز وجل -، فإنه لما نزل عليه {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} (¬1) شمر عن ساق الدعوة وقام فى ذات الله - عز وجل - أتم قيام ودعا إلى الله ليلاً ونهاراً، وسراً وجهاراً، ولما نزل عليه {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (¬2). ... فصدع بأمر الله - عز وجل - لا تأخذه فيه لومة لائم فدعا إلى الله الصغير والكبير، والحر والعبد، والذكر والأنثى، والأحمر والأسود، والجن والأنس (¬3). ... ويحسن بنا أن نختم هذا الباب بالحديث الشريف الذى رواه الإمام مسلم عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من مات ولم يغزو ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق " (¬4). * * * * * ¬

_ (¬1) سورة المدثر – الآية 1. (¬2) سورة الحجر – الآية 94. (¬3) انظر زاد المعاد لابن القيم - 2/ 72. (¬4) رياض الصالحين - كتاب الجهاد.

الرباط

الرباط قال الحق - عز وجل - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (¬1). اصبروا: على أوامر الله - عز وجل -. صابروا: فى الدعوة على إيذاء الناس لكم. رابطوا: مع الله - عز وجل -. وسمى المرابط مرابطاً .. لأن المرابطين يربطون خيولهم ينتظرون الفزع. ثم قيل لكل منتظر .. قد ربط نفسه لطاعة .. مرابطاً .. ولذلك الرباط نوعين: 1) رباط فى الثغور: لئلا يهجم منه العدو الخارجى (وهو جهاد أعداء الله - عز وجل -) فعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " رباط يوم فى سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل ". رواه الترمذى (¬2). ¬

_ (¬1) سورة آل عمران - الآية 200. (¬2) رياض الصالحين - باب الجهاد.

2) رباط فى المساجد: على ثغر القلوب .. لئلا يهجم عليه العدو الداخلى .. الشيطان .. فعن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ألا أدلكم على ما يمحوا الله به الخطايا ويرفع به الدرجات قالوا بلى يا رسول الله قال إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذالكم الرباط .. فذالكم الرباط. رواه مسلم (¬1) (¬2). فالخروج للدعوة إلى الله - عز وجل - ولطلب العلم ونشره مرابطة فى سبيل الله، فكان أصحاب الصفة يرابطون فى المسجد النبوى الشريف لاستقبال الوفود وفى خدمة الدين. قال الله تعالى {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (¬3). قال ابن كثير (رحمه الله): ¬

_ (¬1) المرجع السابق - باب فضل المشى إلى المساجد. (¬2) انظر مدارج السالكين – منزلة الصبر - ابن القيم – 2/ 166. (¬3) سورة البقرة – الآية 273.

يعنى المهاجرين الذين قد انقطعوا إلى الله وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - وسكنوا المدينة وليس لهم سبب يردون به على أنفسهم ما يغنيهم (¬1). وقال الرازى: نزلت فى فقراء المهاجرين وكانوا نحو أربعمائه، وهم أصحاب الصفة، لم يكن لهم مسكن ولا عشائر بالمدينة، وكانوا ملازمين المسجد ويتعلمون القرآن ويصومون ويخرجون فى كل غزوة. والقول الأول: أنهم أحصروا أنفسهم ووقفوها على الجهاد وأن قوله تعالى {فِي سَبِيلِ اللَّهِ} مختص بالجهاد فى عرف القرآن وكانت تشتد الحاجة إلى من يحبس نفسه للمجاهدة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيكون مستعداً لذلك متى مست الحاجة، فالله - عز وجل - رغب فى الصدقة عليهم لإزالة علتهم، وتقوية قلوبهم لما انتصبوا له .. وتقوية الإسلام بتقوية المجاهدين. والإحصار فى اللغة: أن يعرض للرجل ما يحول بينه وبين سفره من مرض وكبر أو عدو أو ذهاب نفقة أو نصرة الدين، أحصرتهم عن الانشغال بسائر المهمات (¬2). ¬

_ (¬1) مختصر تفسير ابن كثير – 1/ 244. (¬2) مفاتيح الغيب للرازى – 3/ 637.

وقال قتادة بن دعامة: حبسوا أنفسهم فى سبيل الله أى فى طاعته، فلا يتفرغون إلى طلب المعاش (¬1). ودين الله فى هذا الزمان فى أمس الحاجة إلى مرابطة المسلمين لإقامة دين الله - عز وجل - فى الأرض. (اللهم فهمنا جهد حبيبك علي منهاج حبيبك، حسب مرضاتك.) * * * * * ¬

_ (¬1) تذكرة الحفاظ للذهبى – 1/ 49.

أقوال السلف فى آية المجاهدة

أقوال السلف فى آية المجاهدة قال تعالى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (¬1). قال السدى: هذه الآية نزلت قبل فرض الجهاد (أى قبل الإذن بالقتال). وقال ابن عطية: قبل الجهاد العرفى وإنما هو جهاد عام فى دين الله وطلب مرضاته. وقال أبو سليمان الدارانى: ليس الجهاد فى الآية قتال الكفار بل هو نصر الدين والرد على المبطلين وقمع الظالمين وعظمة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ومنها مجاهدة النفوس فى طاعة الله - عز وجل - وهذا من الجهاد الأكبر. وقال سفيان بن عيينه لابن المبارك: إذا رأيت الناس قد اختلفوا فعليك بالمجاهدين وأهل الثغور فإن الله قال لنهدينهم. ¬

_ (¬1) سورة العنكبوت - الآية 69.

وقال الضحاك: معنى الآية والذين جاهدوا فينا فى الهجرة لنهدينهم سبل السلام على الإيمان. وقال ابن عباس: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبل ثوابنا. وقال الحسن بن الفضل: فيه تقديم وتأخير .. أى الذين هديناهم .. هم الذين جاهدوا فينا، لنهدينهم سُبلنا أى طريق الجنة وهو سبحانه وتعالى معهم بالنصرة والمعونة والحفظ والهداية ومع الجميع بالإحاطة والقدرة. وقيل: والذين أرادوا سبيل المجاهدة فينا لنهدينهم سبل مجاهدتنا. وقيل معناه: والذين جاهدوا فينا لتحصيل درجة لنهدينهم لتحصيل درجة أعلى منها. وحاصله لنزيدنهم هداية وتوفيقاً للخيرات كقوله - سبحانه وتعالى - {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدى} (¬1) وقال تعالى {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً} (¬2). وقيل معناه: والذين جاهدوا فيما علموا لنهدينهم إلى ما لم يعلموا .. ولذلك قال بعض العلماء: من عمل بما علم وُفق لما لا يعلم، إن الذى نرى من جهلنا لما لا نعلم هو من تقصيرنا فيما نعلم .. ¬

_ (¬1) سورة محمد - الآية 17. (¬2) سورة مريم - الآية 76

وقال الإمام الفخر الرازى: الجهاد على ثلاثة أنواع: 1) جهاد فيما بينه وبين نفسه. 2) جهاد فيما بينه وبين الخلق وهو أن يدع الطمع فيهم ويشفق عليهم ويرحمهم 3) جهاد أعداء الله بالنفس والمال ونصرة دين الله. فعلق الله جل جلاله الهداية بالجهاد فأكمل الناس هداية أعظمهم جهاداً .. جهاد النفس .. جهاد الهوى .. جهاد الشيطان .. جهاد الدنيا .. وجهاد الكفار والمنافقين (¬1). * * * * * ¬

_ (¬1) تفسير القرطبى (سورة العنكبوت) - غرائب آى التنزيل (سورة العنكبوت) - تفسير الصابونى (سورة الصف).

مزاج النبوة فى الدعوة إلى الله

مزاج النبوة فى الدعوة إلى الله الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أخروا جميع الحوائج من أجل هداية الناس حتى جاءهم الأذى من الذين يدعونهم وهم يعفون عنهم مثل حبيب النجار .. قال الله - عز وجل - {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ * وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ * إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} (¬1). قاموا عليه فضربوه حتى قتلوه .. وما دعا عليهم {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ¬

_ (¬1) سورة يس - الآيات 20: 25.

الْمُكْرَمِينَ} (¬1) دعا لقومه حياً وميتاً، والنبى محمد - صلى الله عليه وسلم - عندما آذاه قومه وآذاه أهل الطائف قال: " اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون " إغفر لقومى دعا لهم، فإنهم لا يعلمون قدم لهم العذر. فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام ما اشتكوا الأقوام إلى الله - عز وجل - مع أنهم آذوهم فى أولادهم ونساءهم بل تحملوا وقدموا العذر للأقوام أمام الله، فهذا هو مزاج الدعوة .. مزاج الأنبياء عليهم الصلاة وأتم التسليم. ولذلك .. نفرغ الوقت ونخرج فى سبيل الله - عز وجل - حتى نتحكم فى مزاجنا والذى يفعل ذلك هو الداعى الحقيقى إلى الله ولو كان لا يتكلم إلا القليل لكن الذى لم يتعلم كيف يقود نفسه، كيف يكون داعى إلى الله حتى يقود نفس غيره فتمريننا فى الدعوة حتى نؤخر حاجات النفس. * * * * * ¬

_ (¬1) سورة يس - الآيتان 26، 27.

مقصد الأمة

مقصد الأمة - هذه الأمة مكلفة بـ 3 مقاصد (كل فرد مكلف بها): - العبادة. - الخلافة. - النيابة. • أولاً: العبادة: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} (¬1) (¬2) ويشترك معنا فى العبادة: 1) الملائكة: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (¬3)، فالساجد ساجد إلى يوم القيامة .. والراكع راكع إلى يوم الدين .. وهكذا .. ¬

_ (¬1) سورة الذاريات - الآية 56. (¬2) يقول الرازى: العبادة التى خلق الجن والأنس من أجلها هى .. التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله .. ولهذا قد أنعم الله على عباده بإرسال الرسل (مفاتيح الغيب). (¬3) سورة التحريم - الآية 6.

2) الجن: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ}. 3) الكون كله: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} (¬1). والعبادة هى: 1) المعرفة بالله: لأسمائه وصفاته وأفعاله وآياته وكتبه ورسله. 2) الطاعة: للأمر والنهى. 3) الشكر: ... {إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} (¬2). {لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} (¬3). {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} (¬4) {ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ} (¬5). ¬

_ (¬1) سورة الإسراء - الآية 44. (¬2) سورة الإنسان - الآية 3. (¬3) سورة النمل - الآية 44. (¬4) سورة إبراهيم - الآية 7. (¬5) سورة النساء - الآية 70.

• ثانياً: الخلافة: قال تعالى {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ ... خَلِيفَةً} (¬1). وفى الحديث الطويل الذى أخرجه الخطيب من رواية مالك عن ابن عمر - رضي الله عنه - أن أبا بكر - رضي الله عنه - شاور أصحابه وبعد المشورة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد .. فإن الله بعث محمداً - صلى الله عليه وسلم - والحق قلَّ شريد، والإسلام غريب طريد، قد رثَّ حبله، وقلَّ أهله، فجمعهم الله بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وجعلهم الله الأمة الباقية الوسطى، والله لا أبرح أقوم بأمر الله - عز وجل -، وأجاهد فى سبيل الله حتى ينجز الله لنا ويفى لنا بعهده، فيقتل من قتل منا شهيداً، ويبقى من بقى منا خليفة الله فى أرضه، ووارث عباده الحق، فإن الله تعالى قال {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ ¬

_ (¬1) سورة البقرة - من الآية30.

الْفَاسِقُونَ} (¬1). والله لو منعونى عقالاً مما كانوا يعطون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أقبل معهم الشجر والمدر، والجن والإنس، لجاهدتهم حتى تلحق روحى بالله - عز وجل -، إن الله لم يفرق بين الصلاة والزكاة، ثم جمعهما، فكبر عمر وقال: قد علمت والله حين عزم الله بأبى بكر على قتالهم أنه الحق. (كذا فى الكنز) (¬2). وهى تنفيذ قوانين الله - عز وجل - فى الأرض (أمناء على شرع الله فى الأرض) فلا يطبق فى الأرض إلا شرع الله ونحزن إذا وجدنا الله يُعصى فى الأرض ونفرح إذا وجدنا الله - عز وجل - يُطاع فى الأرض، ونغار على أوامر الله - عز وجل -، ونبذل الغالى والنفيس حتى تكون كلمة الله هى العليا .. وكلمة الذين كفروا هى السفلى .. فقد قال النبى الكريم - صلى الله عليه وسلم - " تخلقوا بأخلاق الله " ولم يشترك معنا فى هذا المقصد الجن. {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} (¬3)، وهذا الشرف طمع فيه الملائكة ولم يعطوه وأسجد الملائكة للإنسان لهذا الشرف وهو منصب ¬

_ (¬1) سورة النور – الآية 55. (¬2) انظر الحديث بطوله فى حياة الصحابة – 1/ 417. (¬3) سورة النور – الآية 55.

الخلافة .. فشرف المُستَخلَف من المُستخلِف .. ويشترك معنا فى هذا المقصد سبعين أمة. • ثالثاً: النيابة: قال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً} (¬1). هذه مهمة خاتم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام " .... بُعثت إلى كل أحمر وأسود ... .. " (رواه مسلم عن جابر بن عبد الله) (¬2) والأمة فى نيابة النبى - صلى الله عليه وسلم -، قال تعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} (¬3) والنيابة هى تعريف الخلق بالخالق (¬4). * * * * * ¬

_ (¬1) سورة سبأ - الآية 28. (¬2) صحيح مسلم بشرح النووى – كتاب المساجد ومواضع الصلاة – 5/ 3. (¬3) سورة آل عمران - الآية 110. (¬4) من كلام د / شكرى عرفه من مشايخ التبليغ والدعوة بمصر.

النبوة والخلافة والنيابة

النبوة والخلافة والنيابة فى أى شئ يقال الدين .. ؟ يتصور الناس أن الدين يعنى بعض الأحكام والعبادات وآدائها على طريق مخصوص إسم الدين ولكن حقيقة الدين كما بينه الله - عز وجل - والنبى الكريم - صلى الله عليه وسلم - والصحابة رضى الله عنهم أجمعين أن الدين هو إرتفاع الإنسان إلى الأعلى أى وصول الإنسان إلى الله. - ومن الدين يُجعل الإنسان نائباً عن الله - عز وجل - فى الأرض أى خليفة الله فى الأرض. - وإذا صار خليفة الله فيجعله خليفة على جميع الكائنات ويصير حاكماً لها. - فهو فى جانب مخلوق وفى جانب آخر حاكم على المخلوقات (¬1). - والله جعل فى الإنسان شيئين: الحاكمية ... والمحكومية ... ¬

_ (¬1) (1) قال الإمام القرطبى: آدم هو خليفة الله فى إمضاء أحكامه وأوامره لأنه أول رسول إلى أهل الأرض - الجامع لأحكام القرآن للقرطبى. والخليفة هو الحاكم ومنه قوله تعالى {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقّ} (سورة صّ - من الآية26) ويكون المعنى على هذا أن الله - عز وجل - خلق لآدم وذريته ما فى الأرض جميعاً، وسخرها لهم، وجعله حاكماً عليها لينشر فيها العدل بما هداه الله إليه من العلم، وإجراء أحكام بين الناس وسياسة خلقه، وتختص بآدم والخواص من بنيه (التفسير الوسيط -1/ 71).

يعنى محكوم من الله ومأمور من الله .. وبعد ذلك يجعله حاكماً على الكائنات .. ولهذا بين للإنسان أن مقامك عند الله - عز وجل - الخلافة والنيابة: قال الله - عز وجل - {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} (¬1). وقال الله - عز وجل - {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} (¬2). - فمن كان فيه مادة الخلافة فهذا الإنسان يصير إنسان .. ومن ليس فيه هذه الصفة فهو ليس إنسان بل فقط صورة إنسان .. - فالمقصود .. أن يكون الله معه والكائنات تحته. - بعض الناس يظنون أن اسم الخلافة أن يكون لهم فى بعض المناطق حكومة وهذا ليس صحيح .. ولكن فى الحقيقة .. الخلافة اسم ليتعلق الإنسان بخالقه حتى يصير نائباً من الله على المخلوقات سواء له حكومة أم لا وهذا يصير خليفة الله. - وبعض الناس يظنون .. أن من له مال يكون سعيد ولهذا صار الناس مختلفون، ولذا أصبح عقيدة المسلمين كعقيدة الكفار، فقارون .. قد بين الله قصته فى القرآن الكريم {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} (¬3) وليس مع موسى شئ ولكن معه الله - عز وجل - قال له موسى - عليه السلام - ¬

_ (¬1) سورة الذاريات - الآية 56. (¬2) سورة البقرة - الآية 30. (¬3) سورة القصص - الآية 76.

{وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} (¬1) الله أعطاه المال لينفقه على الناس فقال {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} (¬2) أى اكتسبته بكمالى ليس لأحد فيه دخل لا خالق ولا مخلوق .. قال له موسى {وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْض إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (¬3). وفى إرتكاز المال فى بعض الناس .. يأتى الفساد .. بل ويخرج منه الفساد .. فهو لا ينفق ما عنده .. والآخرون ينتظرون الأخذ منه ولو بالسرقة. فيجب على كل فرد فى الأمة أن يأخذ ضروريته والباقى يوزعه على الناس لأن المال الذى بيده ليس ملكه بل ملك لله الذى أعطاه له، فقد قال تعالى - صلى الله عليه وسلم - {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} (¬4) فالضرورة تكفى لأننا كالمسافرين ومنزلنا الأصلى الجنة {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} (¬5). ويجب على المسلم أن يختار لنفسه القليل ¬

_ (¬1) سورة القصص - الآية 77. (¬2) سورة القصص - الآية 78. (¬3) سورة القصص - الآية 77. (¬4) سورة النور- من الآية33. (¬5) سورة فصلت - الآية 31.

من الأشياء فى المأكولات والملبوسات والمسكن .. فإذا كان على هذا الترتيب .. لا يأتى الخراب فى المملكة. وقارون أعطى المرأة المال حتى تتهم سيدنا موسى - عليه السلام - بالزنا واعترفت المرأة أمام موسى - عليه السلام - بذلك، والله خسف به وبداره الأرض، وقال موسى للأرض خذيه، وهذا مقام الخلافة، فهو حاكم على الأرض .. من هذا عُلم أن الخلافة فى أداء أمر الله - عز وجل -. بعض الأشياء صنعها الإنسان وركبها كالسيارة وصار مالكاً لها وبعض الأشياء الله خلقها وجعله خليفة عليها مثل الأرض .. سيدنا عيسى بن مريم - عليه السلام - كان خليفة الله - عز وجل - ولهذا أحى الله الأموات بدعائه، وفى الحقيقة هذا أمر الله لأنه خليفة الله وبذلك صار الناس مرتدين، فمن الناس من قال هذا هو الله جاء فى صورة عيسى .. ومنهم من قال أنه ابن الله ولكنهم ما فهموا .. إذا كان هذا الإحياء فى اختيار عيسى - عليه السلام - فهو شرك .. وإن كان من اختيار الله - عز وجل - فالله بصير والإنسان بصير .. ولكن هناك فرق بين بصر الله وبصر الإنسان .. فبصر الله من نفسه .. وبصر الإنسان من الله - عز وجل -، قال الله - سبحانه وتعالى - {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} (¬1). ¬

_ (¬1) سورة الروم - الآية 30.

وإذا كان هذا الإنسان خليفة الله يصير إنسان .. والله - عز وجل - يعطيه عوض عن هذه الإنسانية أن يكون معه .. فيعرض الترتيب على الإنسان ولكن الإنسان بحماقته يعرض ويختار غير ذلك ولذلك قال قولوا .. {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (¬1). والله - عز وجل - أرسل الأنبياء ليعلموا الناس هذا الترتيب .. حاكماً ومحكوماً .. وفلق البحر وعدم الحرق .. هذه الأشياء ليست قصراً على الأنبياء بل لكل الناس كما قال الله - عز وجل - {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (¬2). والله - عز وجل - قال للنبى الكريم - صلى الله عليه وسلم - انقل عملك للغير .. وانتقال عمل النبى هو الدعوة .. والناس يحبون أن تأتى حياة النبى - صلى الله عليه وسلم - وعمله ولكن بدون جهد النبى وهذا لا يأتى فى الناس إلا بالجهد .. والإنسان بهذا الدين يصير فيه الأخلاق ويصير إنسان .. فالنبى - صلى الله عليه وسلم - جاء بالحياة .. وجاء بالجهد لإحياء الحياة. وقد كان للصحابة أربعة أدوار: • الدور الأول: يخرجون الناس من الشرك والكفر. • الدور الثانى: بعد أن صار الناس مسلمون يعلمونهم عمل الدعوة. ¬

_ (¬1) سورة الفاتحة - الآية 5. (¬2) سورة الروم - الآية 47.

• الدور الثالث: كيف يفعلون بمن يصد عن هذا العمل. • الدور الرابع: يصيرون مستقيمين على هذا العمل حتى ينتشر الدين فى العالم. قال موسى - عليه السلام - لفرعون {قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى* إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} (¬1) يعنى إذا اتبعتنى فأنت محبوب الله - عز وجل - وإذا خالفتنى فأنت عدو لله - عز وجل -. وحتى يكون الله - عز وجل - مع الداعى لابد أن يأتى فيه صفات الداعى .. ولهذا كان النبى - صلى الله عليه وسلم - قبل الدعوة فى الغار وسيدنا موسى - عليه السلام - فى مدة أربعين يوماً {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} (¬2) حتى يتحصل على صفات الداعى .. وعلى هذه الأمة أن تخرج لتتحصل على صفات الداعى حتى يقول الله .. الآن جميع قدرتى معكم .. الآن الله - عز وجل - ليس معنا لأننا فقط نحب الدعوة وليس فينا صفات الداعى، وكلاً منا يقول بلسان حاله .. ابذل حياتك كما شئت .. ولكن أنا أظل هكذا .. ¬

_ (¬1) سورة طه - الآيتان 47، 48. (¬2) سورة الأعراف - من الآية 142.

الصحابة قالوا للناس .. كونوا مثلنا .. فهم صاروا عاملين حتى يقولوا للناس كونوا مثلنا ونحن نقول للناس كونوا بهذه الصفات ونجعلها فى أنفسنا وليس فينا حياة ندعو الناس إليها. وأنا لا أقول ليست الدعوة موجودة .. بل أقول ليست على ترتيب الصحابة موجودة لأى شئ يُؤخذ منكم أربعة شهور .. ؟ (1) لتكون نيتكم إصلاح أنفسكم. (2) وأن يأتى فيكم صفات الداعى. (3) وأن يأتى فيكم الحياة التى تدعو الناس إليها. الناس فى زمن النبى - صلى الله عليه وسلم - رفضوا الإسلام ليس من أجل الإسلام بل لأنهم دُعوا ليُغيروا حياتهم .. وهم يقولوا إذا أخذنا هذه الحياة تذهب عنا أموالنا .. لأنهم يتعاملون بالربا .. والله - عز وجل - يقول لهم .. إذا قمتم على هذه الحياة أكون معكم (¬1) وإلا فلا أكون معكم. قال الله - عز وجل - {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} (¬2) وقال الله ¬

_ (¬1) قال تعالى {وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} (سورة المائدة – الآية 12). (¬2) سورة آل عمران - الآية 142.

- عز وجل - {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} (¬1). • نحن نقول اللهم انصرنا على الكفار والله يقول أنا لا أكون معكم حتى تغيروا حياتكم لحياة الأنبياء وحياة الصحابة ولهذا فالله - عز وجل - ليس معنا. • ونحن نقول هذا العمل - عمل الدعوة - صار فى كل العالم ومع هذا الله لم ينصرنا .. ؟! نعم .. فالدعوة وصلت لكل العالم ولم تتغير حياتنا. • البعض يقول نحن خرجنا لنصلح أنفسنا ونحن مرضى وأنتم مرضى والمريض يشاور المريض .. فيقول الناس فلماذا خرجتم كيف يكون علاجنا معاً .. ؟! نحن عندما نكون مستعدين لتبديل الحياة فيأتى فينا الإصلاح ولكن إن لم نكن مستعدين لتغيير حياتنا .. لأن البعض غصب مال غيره وإرجاع هذا الشئ لمالكه صعب. • فإذا لم تكن الصفات فى الداعى فلا تقبل دعوته، ولا يأتى بدعوته الإصلاح وإن قام عليها كثير من الناس. • وعلينا أن نجعل دعوتنا كدعوة الصحابة رضى الله عنهم .. نبذل حياتنا ونجتهد على الناس أن يبدلوا حياتهم وإذا كان الجهد بهذا الترتيب يأتى التغيير فى العالم. ¬

_ (¬1) سورة البقرة - الآية 214.

• بعض الناس خرج فى الدعوة لمدة طويلة ثم جلس .. لماذا .. ؟! قال الشيخ إلياس - رحمه الله -: لأنهم اجتهدوا على الناس ونسوا أنفسهم. • الصحابة أخذوا بكل الدين الصعب والسهل كما قال الصديق الأعظم أبو بكر - رضي الله عنه - فى وصيته لعمر: وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق فى دار الدنيا وثقله عليهم (¬1). • إذا لم تكن حياتنا مثل حياة النبى - صلى الله عليه وسلم - والصحابة رضى الله عنهم أجمعين لم تكن نصرة الله معنا وهذا ليس بصعب بل هذه فطرة الله التى فطر الناس عليها. • الله - عز وجل - يحب أن نكون مثل الصحابة ونحن نحب أن نكون مثل فرعون وقارون ونحب أن تكون نصرة الله معنا مثل ما كانت مع موسى - عليه السلام -، فنحن نقول اخرجوا .. خذوا حياة نبيكم - صلى الله عليه وسلم -. • المشايخ يقولون فى هذا الزمان الأمة جُعلت سداً لدخول الكفار فى الإسلام لأن حياتهم ليست كحياة النبى - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضى الله عنهم. • ذهبت جماعة - داعية إلى الله - عز وجل - إلى الخارج .. قال لها أحد علماء النصارى: أرونا فى بلادكم قرية صغيرة فيها الإسلام كما فى عهد النبى وأصحابه لندخل فى الإسلام .. ؟! فلم يستطيعوا الجواب. ¬

_ (¬1) حياة الصحابة للكاندهلوى - 2/ 103.

صفة الداعى مقام عظيم لو جاء فينا فهو مقام عظيم بعد مقام الأنبياء وهذا المقام مخصوص لهذه الأمة ومن جاء فيه هذا المقام يحشر مع الأنبياء والصحابة ولتحصيل هذا المقام لابد من الجهد (¬1). * * * * * ¬

_ (¬1) محاضرة ألقاها الشيخ / محمد أحمد الأنصارى - مدنية بهاول بور - باكستان - الخميس ... الموافق 12/ 11/1987م.

العقيدة أولا أم الحاكمية؟

العقيدة أولاً أم الحاكمية؟ نقرأ فى كتاب الله - عز وجل - بياناً لواجب أناطه الله بأعناق عباده وألزمهم النهوض به. ونقرأ فيه إلى جانب ذلك وعداً بحق تكفل لهم الله به، إن هم أتقنوا القيام بالواجب الذى كلفهم به {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} (¬1)، وفى قوله - عز وجل - {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} (¬2) وفى قوله تعالى {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (¬3) وفى قوله - عز وجل - {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬4) وفى قوله - عز وجل - {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا ¬

_ (¬1) سورة الذاريات - الآية 56. (¬2) سورة العنكبوت - الآية 56. (¬3) سورة النحل - الآية 125. (¬4) سورة آل عمران - الآية 104.

زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} (¬1). وأما الحق الذى وعدهم وتكفل لهم به فقد عرفناه وقرأناه فى قوله - عز وجل - {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (¬2)، وفى قوله تعالى {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْض} (¬3)، وفى قوله - عز وجل - {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ ¬

_ (¬1) سورة النساء - الآية 1. (¬2) سورة النور - الآية 55. (¬3) سورة القصص – الآيتان 5، 6.

مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} (¬1) وفى قوله - عز وجل - {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (¬2). وقد شاء الله - سبحانه وتعالى - بواسع رحمته ودقيق حكمته، أن يختار من عباده قلة يجعل منهم المثل الذى يحتذى والنموذج الذى يقتدى به فى الانصياع لأوامر الله - عز وجل - وتطبيق تعاليمه وأحكامه، وكأنه - سبحانه وتعالى - قضى بباهر حكمته أن يجعل من حياتهم وواقع سلوكهم فى الجملة، وسيلة إيضاح لمن بعدهم، يهتدون بهديهم كلما غم عليهم الأمر والتبست عليهم الحقائق بأشباهها. وقد تمثلت هذه القلة المختارة فى صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رضوان الله عليهم. وليس فى اختيار الله لهم ما يثير دهشة أو يبعث على تساؤل، فهم الرعيل الأول الذين بلغوا عن الله وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بعد فترة من الرسل، وهم الذين رأوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخذوا منه وتعلموا على يديه، وهم الذين سرى نور النبوة إلى أبصارهم التى اكتحلت بمرأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم سرى منها إلى قلوبهم التى فاضت بمحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحق أن يكونوا ظلاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أن يكونوا من بعده الهداة الذين يقتدى بهم والنموذج الأسمى لكيفية السير على صراط الله - عز وجل -. ¬

_ (¬1) سورة إبراهيم – الآيتان 13، 14. (¬2) سورة الروم - الآية 47.

وقد نظرنا، ثم تأملنا طويلاً فى موقف هؤلاء الصحابة الذين جعلهم الله، بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدوة لنا، من كل من الواجبات التى كلفهم الله بها وأنهضهم إليها، والحقوق التى بشرهم بها وتكفل لهم بإنجازها، فرأينا أنهم توجهوا بكل مشاعرهم وقدراتهم إلى الواجبات التى حملهم الله إياها، وسعوا فى ثبات واستمرار إلى النهوض بها، دون أن تطوف بأذهانهم أحلام تلك الحقوق التى وعدهم بها، ودون أن يدخروا شيئاً من جهودهم للبحث عن تلك الحقوق، بل دون أن يربطوا بين تلك الواجبات وهذه الحقوق بشئ من رابطة العلة والمعلول، أو الثمن والسلعة .. بل تأملنا فلم نجد إلا دافعاً خفياً واحداً ينهضهم إلى القيام بالوظائف التى ألزمهم الله بها، ألا وهو دافع العبودية والمملوكية لإلههم المالك. ما إن يبايع الواحد منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مؤمناً بالله رباً وبمحمدٍ رسولاً، حتى يعود إلى نفسه فيلزمها باتباع أوامر الله والانتهاء عن نواهيه، مجاهداً نفسه ضد أهوائها مطهراً ذاته من بقايا الجاهلية، ثم يقبل إلى من يعيل، ثم إلى سائر من حوله من عباد الله - سبحانه وتعالى - يعرفهم على الله ويبلغهم أوامره وأحكامه، مخترقاً إلى ذلك المخاطر كلها، مضحياً بحقوق نفسه إن أهينت، متجملاً بمشاعر الحب لعباد الله - عز وجل - والشفقة عليهم جميعاً، وقدوتهم فى ذلك كله سيدهم وحبيبهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ولم يكن من شأن أى منهم أن يعود فى المساء إلى داره ليسأل نفسه: ومتى ننال الحق الذى وعدنا الله به؟ ومتى وكيف تكون الحاكمية فى الأرض

عن الله لنا؟ .. كما لم يكن من شأن أى منهم أن ينقلب ذات ليلة فى أحلام هذا النعيم الذى وعدهم الله به، كيف يكون مذاقه، أو إلى أى مدى يمتد ظله. بل كانوا يقطعون الليل، بعد أخذ حظهم من الراحة والرقاد، بنجوى الخائف من تقصيره الطامع فى تجاوز الله وعفوه، وربما اتهم أحدهم نفسه، لتقصير تخيل أنه قد ألم به، بلون من النفاق قد ابتلى به، فيتقلب من ذلك فى هم يكاد يذيبه، ثم لا يسكن روعه حتى يشكو أمره إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيذكره بعظيم رحمة الله - سبحانه وتعالى - وكرمه، ويبشره بأن إحسان الله لعباده يأتى على قدر ضعفهم وعجزهم، إن هم عظموا حرمات الله، واستشعرت قلوبهم مهابته. تحت سلطان هذه الدوافع والمشاعر، أدوا واجباتهم هذه، وصمدوا لكل ألوان الأذية فى مكة .. وتحت سلطان هذه الدوافع والمشاعر ذاتها، هاجروا فى سبيل الله إلى المدينة، وقد نفضوا أيديهم عن كل زاد إلا زاد التقوى والعمل الصالح .. وهم خلال ذلك يعرفون الناس على الله ويبلغونهم كلمات الله، ويقدمون نفوسهم وحظوظها قرابين رخيصة على طريق تطبيق أوامر الله. هل كان أى منهم يخلط بين قيامه بواجباته هذه، والتخطيط لكيفية القضاء على الإمبراطورية الساسانية أو الرومانية؟ .. هل كان فيهم من

يفكر بكيفية الانتقام من قريش التى أخرجتهم من ديارهم، أو يفكر بالغد القريب الذى يصبحون فيه الحكام المهيمنين عليهم والمتنفذين فيهم؟ معاذ الله .. لم يكن هذا شأن أحدٍ منهم. بل كانوا قد وضعوا همهم كله فى أن يوفقوا إلى أداء حقوق العبودية التى فى أعناقهم لله - عز وجل -، وأن يرحلوا إليه وهو راضٍ عنهم غفار لهم. فلما صدقوا فيما ألزموا أنفسهم به من حق الله - عز وجل -، وفاهم الله حقهم الذى تكفل لهم به، فأعادهم إلى الأرض التى أخرجوا منها، وأورثهم أرضاً ودياراً أخرى لم يعرفوها ولم يحلموا بها، وجعل منهم قادة العالم، ووراث الحضارة، فكانوا بحق سدى ولحمة المجتمع الإسلامى. هل كان سعيهم وجهادهم قبل ذلك تخطيطاً لبلوغ حكم، أو إمعاناً فى قهر حاكم، أو مناورة لإنشاء حلف؟ لم يكن هذا شأنهم قط، بل لم يخطر لهم شئ من هذا على بال، بل مما لا شك فيه أنهم لو ولوا وجوههم شطر شئ من هذه المشاغل أو صرفوا أفكارهم إليها، لما حقق الله لهم شيئاً مما قد أكرمهم به، ولما جعل منهم أئمة الأرض ووراث الحكم وقادة العالم. بل لو وكلهم عندئذٍ إلى أفكارهم المخططة، وأحلامهم المهتاجة، ولما جاءت قدراتهم من ذلك كله بشئ. فذلك ما نقرؤه واضحاً فى كتاب الله - عز وجل -: واجبات كلفنا بها وأناطها بأعناقنا وحقوق تكفل لنا بها، إن نحن أخلصنا القيام بتلك الواجبات.

وهذا ما فعله أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفعله الله لهم: عاهدوا أن ينفذوا أوامره وأن يمارسوا عبوديتهم له بإخلاص وصدق، وقد صدقوا ما عاهدوا الله عليه .. وعندئذٍ وفى الله وعده لهم فورثهم الأرض والديار، وألقى أزمة الحكم فى أيديهم، وبث الهيبة منهم فى قلوب الناس. وقد علمنا أن الله - عز وجل - جعل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النموذج الذى يُتبع فى صحة التوجه والسلوك، فهم الذين يصدق عليهم قول الله - سبحانه وتعالى - ... {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (¬1). وإذا كان الأمر كذلك، فليس لنا عن الإقتداء بهم أى محيص، إلا أن أردنا أن نسلك سبل الغواية بدل الرشاد، أو أن نغامر فى إتباع مالا يجدى أو غرس مالا يثمر. ونسأل الله أن يسلمنا ويقينا من الوقوع فى هذا التيه. ونحن اليوم نعلن عن صدق إيماننا بالله واستسلامنا لألوهيته وحكمه، تماماً كما أعلن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ويظهر اليوم فى الساحة الإسلامية بعض المسلمين يضعون أنفسهم من عامة الناس موضع الصحابة ممن بعدهم، فهم النموذج الذى ينبغى أن يقتدى به اليوم بعدهم، إذ هم طليعة رجال الدعوة إلى الله، والقائمون بأمر الله، والمجاهدون فى سبيله، والمنافحون عن حرماته. والحق أن على عامة المسلمين، فى هذا الحال، أن يقتدوا بهم ¬

_ (¬1) سورة الأنعام - الآية 90.

وينهجوا نهجهم إذ هم الوراث للخصائص التى تميز بها الصحابة عمن سواهم، وليت .. هؤلاء المسلمين يسلكون مسلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن ثم مسلك أصحاب رسول الله؟ فيحصرون أنفسهم، فعلاً، فى نطاق الواجبات التى كلفهم الله بها، فى حق أنفسهم والناس الذين من حولهم، ويفوضون ما التزم لهم به الله إلى الله؟ إننا ننظر، فنجد، ويا للأسف، عكس ذلك تماماً. لقد نامت فى نفوسهم مشاعر الواجبات الذاتية، التى أذاب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنفسهم فى ضرام السعى إليها والنهوض بها، واستيقظت بدلاً من ذلك لديهم مشاعر التطلع إلى الوعود التى تكفل الله لهم بها. أمرهم الله - عز وجل - أن يصطبغوا بذل العبودية لله - سبحانه وتعالى - شعوراً وتبتلاً وأخلاقاً وسلوكاً، فشردوا عن واجبهم هذا بأحلام السعى إلى إقامة الحكم الإسلامى .. ! وأمرهم الله - عز وجل - أن يعرفوا الناس على الله وأن يبلغوهم كلماته وأحكامه، وناشدهم ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائلاً: " بلغوا عنى ولو آية " فتشاغلوا عن واجبهم هذا بهموم الوصول إلى الحكم، ومناوأة من يصدهم عن ذلك. والخلاصة .. أنهم قصروا كل التقصير فيما طلبه الله منهم، واجتهدوا كل الاجتهاد فيما ضمنه الله لهم .. ! فصدق عليهم قول ابن عطاء الله السكندرى .. اجتهادك فيما ضُمن لك، وتقصيرك فيما طُلب منك، دليل على انطماس البصيرة منك .. هما كلمتان، خاطب الله بهما عباده المسلمين من

خلال قرآنه: حققوا فى أنفسكم أهلية الحكم فى الأرض عبودية وإخلاصاً لله، وتزكية نفسية ومن ثم أخلاقاً زكيه مع عباد الله، أصعد بكم إلى سدة القيادة فى الأرض، وأضع بين يديكم مقاليد الحكم من حيث لا تحتسبون. وقد رأينا كيف وعى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هاتين الكلمتين، فعكفوا على الواجب الذى ألزمهم به الله عبودية وإخلاصاً وتزكية وأخلاقاً .. وما هو إلا أن ورثهم الله مقاليد الحكم، من حيث لا يحتسبون .. أجل من حيث لا يحتسبون .. ! ثم خلف من بعدهم خلف، تجملوا من حيث الألفاظ والشعارات، بما يرقى بهم إلى مصاف صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتنكبوا من حيث العمل والسلوك عن هذا النهج الذى كان عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم جعلوا كل همهم بدلاً عن ذلك فى طرق أبواب الحكم، بكل ما تطول إليه أيديهم من الوسائل التكتيكية والأسباب المتنوعة. أين هى ليالى التبتل بين يدى الله - عز وجل - .. ؟ وأين هى مجالس " تعالوا بنا نؤمن ساعة .. "؟ وأين هى معارج التزكية بالنفس إلى حيث الإيثار بدلاً من الأثرة، والحب بدلاً من الحقد، والتضحية بالحظوظ بدلاً من التضحية بالخصوم؟ وأين هى حِلق الذكر التى كانت تزدان بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتورثهم الأفئدة الرقيقة والعيون الدامعة .. ؟ أين هى مجالس التبليغ عن الله - عز وجل - .. والتعريف بألوهية الله وعظيم سلطانه .. ؟ أين هو البحث عن التائهين والشاردين والضالين، وما أكثرهم

فى كل فجٍ وصوب، للحوار معهم والإجابة عن مشكلاتهم وتذويب شبهاتهم والصبر فى سبيل ذلك على آذاهم .. ؟ أين هو السلاح الأول فى حياة المسلم الربانى القائم على حدود الله وأوامره؟ وهل إلا صدق التوكل على الله والثقة بالله والرضا عن الله، ثم الاصطباغ فى التعامل مع الناس بأخلاق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذى قال فيما صح عنه " إنكم لن تسعون الناس بأموالكم، فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق " (¬1). إننى أنظر .. وينظر الناس جميعاً معي، فلا نرى إلا انصرافاً عن هذا كله .. آلاف التائهين والشاردين، تتصيدهم كل يوم شباك الشهوات والأهواء، أو تتربص بهم جهود الدعاة إلى النار، وقد تسلحوا بما كان أولى بالمسلمين أن يتسلحوا به، من حسن المعشر وخفض الجناح ولين الجانب، والصبر على مشاق الرحلة، ومخلوف الصد والرد .. ولسان حال هؤلاء التائهين والجاهلين يصرخ قائلاً ألا من منقذ يخلصنا من رق أهوائنا التى تحكمت بنا، أو من هؤلاء الماكرين المبشرين الذين يحيطون بنا .. ؟ أين هم وراًّث شريعة الله ورجال الدعوة إلى الله، ينتشلوننا من عذاب نفوسنا ومن كيد المتربصين بنا .. ؟ غير أن لسان حال بعض المسلمين يرد قائلاً: نحن فى شغل شاغل عن هذا الذى تدعوننا إليه وتستنجدون بنا من أجله، إننا مشغولون عنكم باتخاذ ¬

_ (¬1) رواه الحاكم فى المستدرك – كتاب العلم - 1/ 124.

أسباب الوصول إلى الحكم ولسوف نتعطف عليكم من فوق كراسى الحكم، لنقودكم إلى الحق عندئذٍ كرهاً، بدلاً من أن نحاوركم وندعوكم إليه عن طواعية ورضا .. ! أجل .. هذا ما يقوله اليوم لسان حال هؤلاء المسلمين .. بل هذا ما يقوله كثير منهم بألسنتهم عندما يأتى من يذكرهم بتنكبهم عن الطريق، وهذا ما قاله لى كثير منهم فى كثير من المناسبات. ولكن .. ألا ترى يا قارئى الكريم .. أن هذا الاعتذار الذى يأتى بلسان الحال أو بلسان المقال، إنما هو فى الحقيقة تطاول إلى تصحيح النهج الذى قد قضى وأمر به الله .. ؟ إن المضمون الذى يختفى وراء هذا الاعتذار، ليس إلا قراراً تصحيحياً لما أمر الله به عباده ولما تعهد لهم به، ثم للسلوك التطبيقى الذى لبى من خلاله الصحابة أمر الله وللعهد الذى أنجزه الله لهم لقاء ذلك، وإن هذا القرار التصحيحى لينطق قائلاً: خير من سلوك هذا الطريق الطويل إلى نشر دين الله فى الأرض وبسط سلطانه على النفوس والبلاد، عن طريق دعوة الناس ومحاورتهم فرداً فرداً .. ، أن نقفز إلى كراسى الحكم فنتبوءها، فنفرض سلطان الإسلام على الناس من هناك شرعة ومنهاجاً، والحكم الذى سيحققه الله لنا، بإتباع هذا المنهج الطويل، من حيث لا يحتسب بوسعنا أن نناله الآن بسلوك الأسباب والوسائل التى يسلكها غيرنا من حيث ندري ونحتسب .. !

هذه هى مأساة العمل الإسلامى الذى تحول إلى جهد خائب وسعى ضائع، وأخفى عن كثير من الأذهان الحقيقة العلوية المشرقة للإسلام، ثم أبرز له صورة زائفة أخرى ما هو منها فى شئ تبعث على الإستيحاش والنفور منه، بل وربما بعثت على الارتياب فى مصدره وحقيقته. غير أنا لابد أن نستثنى قلة من المسلمين يسلكون سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فى سكينة وهدوء، يبلغون عن الله كما كانوا يبلغون ويلقون بالدعوة إليه فلول التائهين والشاردين والفاسقين فى حوار لين مشفق كما كانوا يفعلون، وقد تركوا النتائج التى تكفل لهم بها الله لمشيئته وحكمته .. وإنى لأعُدُّ جماعة التبليغ أول السالكين فى هذا الطريق وخير القائمين بهذا الواجب، ولكنهم من القلة بحيث لا يسدُّون مسداً، وربما كانوا بحاجة إلى دعامة من العلم والعلماء يكونون رفداً لهم فى سلوكهم، وسلاحاً إضافياً أمام الشبهات وعكر الفلسفات الجانحة (¬1). البعض يقول إن الإسلام سيعود من قبل الحاكمية .. والبعض الآخر يقول سيعود الإسلام عن طريق تصحيح العقيدة والتربية الجماعية .. أيهما أصح .. ؟! من أين تأتى حاكمية هذا الدين فى الأرض إن لم يوجد دعاة يصححون العقيدة ويؤمنون إيماناً صحيحاً ويُبتلون فى دينهم فيصبرون ويجاهدون فى سبيل الله - سبحانه وتعالى - فيحكم دين الله فى الأرض .. قضية واضحة جداً ما يأتى الحكم من السماء، نعم كل شئ يأتى من السماء .. لكن بجهد من البشر فرضه الله - عز وجل - على البشر. ¬

_ (¬1) انظر كتاب الجهاد - د. محمد سعيد البوطى.

قال تعالى: {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} (¬1). لابد من أن نبدأ بتصحيح العقيدة وتربية جيل على العقيدة الصحيحة .. جيل يبتلى فيصبر على البلاء كما صبر الجيل الأول (¬2). * * * * * ¬

_ (¬1) سورة محمد - الآية 4. (¬2) من كتاب الفرقة الناجية والطائفة المنصورة - د. محمد جميل زينو.

هل ننصر بدون الدعوة؟

هل ننصر بدون الدعوة؟ إذا جاءت التعليمات الإلهية ينقسم الناس إلى 4 طبقات: الأولى: المؤمنون بالتعليمات الإلهية ويطبقونها ثم يجتهدون لنشر هذه التعليمات فى المجتمع الإسلامى. الثانية: مؤمنون بالتعليمات ويطبقونها ولكن لا همَّ لهم بنشرها. الثالثة: مؤمنون بالتعليمات الإلهية ولكن لا يطبقونها ولا ينشرونها. الرابعة: الكافرون .. بالتعليمات الإلهية. الله - سبحانه وتعالى - قسم هذه الأقسام وبين لكل قسم حكمه: فالقسم الأول: هم الأنبياء والرسل - صلى الله عليه وسلم - وأصحابهم والله - عز وجل - يبين فى محكم كتابه: قال تعالى {الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (¬1). وقال تعالى {الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ ¬

_ (¬1) سورة التوبة - الآية 112.

} (¬1). وقال تعالى {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} (¬2). وقال تعالى {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} (¬3). وهذه الأمة التي ذكره الله فيكتابه هى أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -. وقال تعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (¬4). هذا القسم: وعدهم الله - عز وجل - بالغلبة على أعدائهم سواء كانوا بالعدة أو بغيرها، فالله - سبحانه وتعالى - جعل لهم الغلبة على المخالفين: قال تعالي: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} (¬5). وقال تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} (¬6). ¬

_ (¬1) سورة آل عمران - الآية 21. (¬2) سورة الأعراف - الآية 159. (¬3) سورة الأعراف - الآية 181. (¬4) سورة آل عمران - الآية 110. (¬5) سورة غافر - الآية 51. (¬6) سورة الصافات - الآيات 71: 73.

الأنبياء كانوا أصحاب دعوة وكانوا يغلبون على أعدائهم لأنهم ليسوا فقط من العبَّاد والزهَّاد بل فى الحقيقة مبعوثون من الله - عز وجل - وسفراء لله - عز وجل - ولذلك جعل نصرهم مؤكد لأنهم سفراء من الله - سبحانه وتعالى - ومن مد يده إلى السفير بالشر كأنه مد يده على كرامة الحكومة .. لذا فهى تعاقبه أشد العقاب .. وهؤلاء هم سفراء لله - عز وجل - ومن مد يده إلى أحدهم فكأنه مد يده إلى الله - عز وجل - ولذا قال الله - سبحانه وتعالى - لموسى {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (¬1) قال موسى أنت ترسلنى إلى جبار وعنيد وليس معى قوة .. قال الحق - سبحانه وتعالى - {قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} (¬2). فالدعوة أمر الله إلى النواب والله وعدهم بالغلبة .. فهذا القسم يكون فى جميع الأحوال غالباً على غيره ومن خالفهم أو حاربهم أو مد يده إليهم بالسوء .. لا يتركهم الله - عز وجل - ولكن ينتقم منهم .. الله جعل أمر الدعوة إلى الأنبياء وبعد خاتم النبيين انتقلت هذه الوظيفة إلى هذه الأمة بجميع الوعود وجميع العهود ... ولكن الفرق أن كل واحد منهم كان داعياً ورسولاً وسفيراً عن النبى - صلى الله عليه وسلم - ولكن هذه الأمة إذا قامت بهذه الوظيفة ¬

_ (¬1) سورة طه - الآيتان 43، 44. (¬2) سورة طه - الآيتان 45، 46.

أعطاهم الله الغلبة، فالله - سبحانه وتعالى - ما جعل هذه الوظيفة لأى أمة قبل الأمة المحمدية، لكن كان عليهم العبودية والدعوة إلى أنبيائهم ولذا فإذا احتاجت الأمة شئ كانوا يذهبون إلى أنبيائهم ويقولون: يا موسى ادعُ لنا ربك ... يا عيسى ادعُ لنا ربك ... ومن طريق أنبيائهم ينصرون، فمن تعلم وتبحر يجد أنه لا يقوم بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى الأمم السابقة إلا أشخاص معدودون ... القسم الثانى .. يتحصلون على الجنة بأعمالهم وإن حوسبوا على التقصير ولكن ليس لهم الموعود الذى وعده الله - سبحانه وتعالى - للقسم الأول. القسم الثالث .. الذين آمنوا ولم يطبقوا .. لهم النجاة فى الآخرة بعد شفاعة الأنبياء ولهم الخزى والعار فى الدنيا. القسم الرابع .. يكون لهم الغلبة فى الدنيا إن لم يوجد القسم الأول .. وتكون لهم جهنم يوم القيامة. ولحماية القسم الثانى .. لابد من القسم الأول، ولإخراج القسم الثالث من الأهواء إلى الأعمال لابد من القسم الأول، ولإخراج القسم الرابع من الكفر إلى الإيمان لابد من القسم الأول. فبسبب هذا القسم يكون النصرة، ولذا فالله - عز وجل - نقل هذا القسم إلى هذه الأمة ووعدهم بما وعد به الأنبياء .. ويتضح ذلك جلياً فيما أخرجه بن ماجة وابن حبان

عن عائشة رضى الله عنها قالت: دخل علىَّ النبى - صلى الله عليه وسلم - فعرفت فى وجهه أنه قد حضره شئ فتوضأ وما كلَّم أحداً فلصقت بالحجرة أستمع ما يقول فقعد على المنبر فحمد الله - سبحانه وتعالى - وأثنى عليه وقال: " .. يا أيها الناس إن الله يقول لكم: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا أجيبكم وتسألونى فلا أعطيكم وتستنصرونى فلا أنصركم .. فما زاد عليهن حتى نزل. " كذا فى الترغيب (¬1). وهذا يعنى أن العبَّاد والزهَّاد لا يستجاب لهم إذا لم يقوموا بهذه الوظيفة فالصحابة كانوا يفهمون هذا الأمر حتى أعدائهم كانوا يفهمون أن نصرة الصحابة بسبب الدعوة، وفى التاريخ لما كتب سعد بن أبى وقاص إلى سيدنا عمر - رضي الله عنه - بأموال القادسية وطلب منه المدد كتب له رسالة هى قانون لنصرة هذه الأمة .. أما بعد: فإنى آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال .. الخ (¬2). ولما جيئ بالهرمزان أسيراً وسأله عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كيف رأيت وبال الغدر وعاقبة أمر الله؟ قال الهرمزان قول لا يستطيع أن يقوله أعلم الناس اليوم .. حين أمره عمر بالكلام بعد أن جاء أسيراً فقال يا عمر: إنا وإياكم فى الجاهلية كان الله خلا بيننا وبينكم فغلبناكم، إن لم يكن معنا ولا معكم، فلما كان معكم غلبتمونا. فقال عمر: إنما غلبتونا فى الجاهلية باجتماعكم وتفرقنا (¬3). وعندما ذهب ربعى بن عامر إلى رستم وقال إن الله إبتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله - سبحانه وتعالى - ... الخ وعرض عليه قبول الإسلام أو الجزية ¬

_ (¬1) حياة الصحابة - 3/ 414. (¬2) نقلاًً من كتاب فقه السنة - 2/ 642. (¬3) البداية والنهاية – 7/ 87.

أو السيف، ولما سمع رستم الكلام قال: أنظر .. حتى نتشاور .. فقال ربعى بن عامر: إن رسولنا أمرنا أن لا نترك عدونا فوق ثلاثة أيام، فأرسل رستم إلى سعد بن أبى وقاص - رضي الله عنه - أن يرسل له رسول آخر فأرسل له المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - فوجدوا كلام المغيرة مثل كلام ربعى بن عامر .. المقصد .. أن الأمة فى ذلك الزمان كان يعرفون وظيفتهم، وبها كانت لهم الغلبة على أعدائهم. وفى هذا الزمن .. لو سألت المسلم ما وظيفتك .. ؟ فما يعرف شئ .. ويقول التجارة .. الزراعة .. الوظيفة ... الخ. والصحابة - رضي الله عنهم - لما قاموا على وظيفة الدعوة غلبوا على البلاد .. لا بالعدد والعدة وإنما بمعية الله - سبحانه وتعالى -، ولما خلف من بعدهم خلفٌ ظنوا أن حرب الكفار يأتى بنصرة الله - عز وجل - والله - عز وجل - يقول {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (¬1). يعنى إن بقى التقوى .. يأتى النصر من الله - سبحانه وتعالى -. انتقل المسلمون بالتدريج من حياة الدين إلى إتباع أعدائهم، ويريدون الغلبة على أعدائهم مع أن مزاجهم مثل مزاج أعدائهم، ولباسهم مثل لباسهم .. فى جميع ما يتعلق بشئون الحياة .. ثم يريدون الغلبة عليهم ... !!. وكيف تكون الغلبة للتابع على المتبوع؟. ¬

_ (¬1) سورة التوبة - الآية 123.

وفى هذا الزمن نريد مجد الإسلام .. كان الشيخ يوسف رحمه الله (¬1) يقول: نريد شوكة الإسلام ومجد الإسلام، والله - سبحانه وتعالى - يقول: {وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (¬2). الآن لا يريدون الإسلام .. بل يريدون مجد الإسلام ... !!! ولحصول مجد الإسلام .. لا يأتى إلا بالدعوة إلى الله - عز وجل - فتتحقق العبودية وبالعبودية تأتى حياة التقوى والإيمان، فالله - سبحانه وتعالى - يكون معهم ويكون لهم الغلبة على أعدائهم. ولذلك لابد للمسلم من المرور بأربع مراحل: 1) الدعوة إلى الله - عز وجل -. 2) العبودية لله - عز وجل -. 3) المعية الإلهية. 4) الخلافة: (وهي الغلبة والإقتدار علي الأعداء). قال الله - سبحانه وتعالى - {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ ¬

_ (¬1) مؤلف كتاب حياة الصحابة. (¬2) سورة آل عمران - الآية 139.

دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (¬1). الناس يريدون الخلافة أولاً .. ثم الدين .. (العبودية) .. ولكن لابد من أربع مراحل .. الدعوة .. التربية .. وهى تغيير الحياة إلى حياة الإسلام .. ثم ظهور النصرة من الله - سبحانه وتعالى - كما فعل مع بنى إسرائيل. فكان بعض الأنبياء يحب النصر على الأعداء. قال الله - عز وجل - {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} (¬2). فالآن المسلمون يريدون المرحلتين الآخيرتين .. ظهور النصرة .. الخلافة ... وأما مرحلة التربية والدعوة فلا يريدون. وفى عام 1954م .. كنت خارجاً فى سبيل الله - عز وجل - فى سوريا فى حماه ووقتئذٍ .. كان اجتماع الملوك والسلاطين المسلمين .. فى مكة المكرمة، وكان هناك عالم يحاضر فى ساحة كبيرة فى حماه، وينادى بإقامة الدولة الإسلامية الكبرى والخلافة الإسلامية، فقال له أحد الحاضرين: ولكن .. هذا الشيخ يخالفك فى ذلك .. فالتفت إلىَّ الأستاذ المحاضر وقال لى: كيف تخالفنى يا شيخ .. القضية واضحة .. وساطعة ولم يكن الأمر يتحمل المناقشة .. والأخذ والرد فى ¬

_ (¬1) سورة النور - الآية 55. (¬2) سورة الأعراف - الآية 89.

هذه القضية الهامة، فقلت له: اسمع يا شيخ .. أنت تريد خلافة إسلامية حقاً .. ؟ قال: نعم ولا شك .. فقلت له كلاماً مختصراً جداً: لما وجد الدين .. وجدت الخلافة .. ولما ضعف الدين .. ضعفت الخلافة .. ولما ضاع الدين .. ضاعت الخلافة .. فقال لى: نحن نريد الخلافة .. حتى يوجد بها الدين .. أنت تقول بالعكس .. نحن نريد الدين أولاً ثم تكون الخلافة، فعليك الدليل .. ؟ فقلت هذه الآية الكريمة {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (¬1). ثم قلت له: يا أخى الأمر يشبه أنك تريد بيتاً كاملا ً. فقال لك المهندس: أنت عليك القيام بالأساس والقواعد والأعمدة والجدران، وأنا أقوم بوضع السقف، ولكنك تقول: لا .. نريد السقف أولاً .. مما قد يؤدى للموت تحت أنقاضه .. وكنت فى لبنان وقال عميد الكلية .. لابد من الجهاد وإقامة الدين .. قلت له: هل تستطيع أن تعطى الشهادة النهائية لمن هو فى المرحلة الإبتدائية.؟! قال: لا. قلت الخلافة .. هى المرحلة النهائية، فكان بعض الصحابة ¬

_ (¬1) سورة النور – الآية 55.

عندهم هذا الفكر، فقال الله - عز وجل - لهم {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} (¬1). والله - عز وجل - بين لنا أنه ابتلى أهل الكتاب .. اليهود والنصارى .. ، اليهود بالمال .. والنصارى بالملك .. فاليهود تركوا حياة الدين لاشتغالهم بالأموال، والنصارى تركوا حياة الدين لانشغالهم بالملك. والله عاقب اليهود بالذل والمسكنة والهوان .. وعاقب النصارى بالبغضاء والشحناء إلى يوم القيامة .. والله - عز وجل - أكرم المسلمين بالإتباع والدين والأوامر .. وكأن الله يقول للمسلمين .. إن تركتم التعليمات الإلهية من أجل المال .. فسأعذبكم مثلهم .. وإن تركتم التعليمات الإلهية من أجل الملك فسأعذبكم مثلهم .. وكثير من المسلمين اليوم منهمكين فى كسب الأموال، وما فى أيدى المسلمين من أموال أكثر مما فى أيدى أعدائهم والله - سبحانه وتعالى - جعل بينهم الشحناء والبغضاء .. يقولون التبليغ للكفار .. ولكن من يبلغ .. ؟ ‍‍! المسلم يقول .. ليس عندى وقت .. فنحن نأخذ وقت المسلمين حتى يتعلموا الدعوة ويتصلوا بالله - عز وجل - ويتحصلوا على الصفات ثم يمشوا بها بين الناس (¬2) ¬

_ (¬1) سورة محمد - الآية 22. (¬2) محاضرة ألقاها الشيخ / أحمد الأنصارى - بمسجد كلية الطب بمدينة بهاول بور– باكستان، الخميس الموافق 19/ 11/1987م.

الدعوة طريق العودة

الدعوة طريق العودة نظام العبودية: خوطب به جميع الأنبياء عليهم السلام وأمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، ونظام العبودية لا يقوم إلا بالدعوة، وليس مفهوم الدعوة هو فقط الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، بل بذل جميع القوى والأوقات والأموال والتضحية لإحياء نظام العبودية. والأنبياء عليهم السلام - اشغلوا كل أوقاتهم وأحوالهم مائة فى المائة لإحياء الدين وكذلك الصحابة رضى الله عنهم وهذه الأمة كذلك لو اجتهدت مائة فى المائة يحيي الله - عز وجل - الدين كله فى العالم كله. وقيام الأمة على وظيفة الدعوة تصبح أمة قيادية .. وعدم قيامها على هذه الوظيفة تصبح أمة انقيادية .. فعندما تتوقف الدعوة تسقط الأمة كما فى عهد الأمويين (¬1) (¬2). ويقول الشيخ أبو الحسن الندوى (رحمه الله): بعد أن تحدث عن نعمة الله - عز وجل - على العرب وإخراجهم من جزيرة العرب إلى العالم الفسيح وفى الحياة القبلية إلى الإنسانية الواسعة التى يشرفون عليها ¬

_ (¬1) مختصر من بيان للشيخ أحمد الأنصارى (من علماء التبليغ والدعوة بباكستان). (¬2) حتمية دراسة تاريخ السقوط لنتعلم كيف نقوم؟

ويوجهونها يقول: وأصبحوا بفضل هذا التطور العظيم الذى فجأ العرب والمملكة الفارسية العظيمة والمملكة الرومية بل العالم كله يقولون بكل صراحة ووضوح .. الله ابتعثنا ليخرج بنا من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام .. وبقيت هذه القيادة الشاملة الكاملة مدة طويلة والناس لا يفكرون فى ثورة عليها وفى التخلص منها كما هى عادة المفتوحين والأمم المغلوبة على أمرها فى كل عهد لأن صلتهم بهذه القيادة صلة المفتوح بالفاتح أو المحكوم بالحاكم أو الرقيق بالسيد إنما هى صلة المتمدين بالمتدين أو المؤمن بالمؤمن وعلى الأكثر أنها صلة التابع بالمتبوع الذى سبقه إلى معرفة الحق والإيمان بالدعوة والتفانى فى سبيلها .. فاعترفوا لهم بالفضل، وهذه هى القيادة التى هيأتها البعثة المحمدية والتى أعلنتها سورة الإسراء (¬1) وهى القيادة التى يجب أن يحرص عليها العرب أشد الحرص ¬

_ (¬1) يقول الشيخ جاد الحق – شيخ الأزهر الشريف سابقاً – رحمة الله عليه: لعل ما توحى به مسيرة الإسراء والمعراج أن الله - سبحانه وتعالى - قد أذن بتغيير القيادة المتمثلة فى الرسل بعد أن ظلت الرسالات من الله تعالى تتابع فى بنى إسرائيل الذين عبثوا بالمبادئ وباعوها بثمنٍ بخس وحرفوا الدين وشوهوا معالمه، قال تعالى {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} (سورة المائدة – الآية 78) وحكم الله - عز وجل - عليهم بالذلة وباءوا بغضبٍ من الله لما ارتكبوا من آثام {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} (سورة البقرة – الآية 61)، ومن ثم فقد انتهكت المبادئ السامية التى جاء بها أولئك الرسل وشوهت معالمها فلم تعد صالحة لقيادة العالم، كما أن حاملى هذه المبادئ فقدوا الصلاحية بعد إذ عاثوا = = فى الأرض فساداً وقتلوا الأنبياء، وكان لابد من انتزاع القيادة منهم واسنادها إلى قومٍ آخرين أقوم وأقدر على حمل هذه الأمانة. فإمامة الرسول - صلى الله عليه وسلم - للأنبياء والمرسلين فى بيت المقدس ليلة الإسراء إعلام للناس كافة بالتحول وانتقال الرسالة من فرع اسحاق إلى فرع إسماعيل أبى العرب وجد النبى - صلى الله عليه وسلم - {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} (سورة الأنعام، من الآية124 - مقال بعنوان إيماءات وإيحاءات من الإسراء والمعراج نشر بمجلة الأزهر الشريف). وكانت صلاة الأنبياء خلفه إيذاناً بعموم رسالته وخلود إمامته وإنسانية تعاليمه وصلاحيتها على المكان والزمان، وأفادت هذه الصورة تعيين شخصية النبى - صلى الله عليه وسلم - ووصف إقامته وقيادته وتحديد مكانة الأمة التى بعث فيها وآمنت به وبيان رسالتها ودورها الذى ستمثله فى العالم من بين شعوب الأمم. (السيرة النبوية لأبى الحسن الندوى).

ويعضوا عليها بالنواجذ ويسعوا إليها بكل ما أوتوا من مواهب ويتواصى بها الآباء والأبناء ولا يجوز لهم فى شريعة العقل والدين والغيرة أن يتخلوا عنها فى زمن من الأزمان ففيها عوض عن كل قيادة وهى تسيطر على القلوب والأرواح أكثر من سيطرتها على الأجسام والأشباح. إن الطريق إلى هذه القيادة صورة ميسورة للعرب وهى الطريق التى جربوها فى عهدهم الأول. الإخلاص للدعوة الإسلامية واحتضانها والتفانى فى سبيلها وتفضيل منهج الحياة الإسلامى على جميع مناهج الحياة. وبذلك من غير قصد وإرادة لنيل هذه القيادة تخضع لهم الأمم الإسلامية فى أنحاء العالم وتتهالك على حبهم وإجلالهم وتقليدهم.

وبذلك تنفتح لهم أبواب جديدة وميادين جديدة فى مشارق الأرض ومغاربها الميادين التى استعصت على غزاة الغرب ومستعمريه وثارت عليه وتدخل أمم جديدة فى الإسلام أمم فتيه فى مواهبها وقواها وذخائرها أمم تستطيع أن تعارض أوروبا فى مدنيتها وعلومها إذا وجدت إيماناً جديداً وديناً جديداً وروحاً جديداً ورسالة جديدة. إلى متى أيها العرب تصرفون قواكم الجبارة التى فتحتم بها العالم القديم فى ميادين ضيقة محدودة وإلى متى ينحصر هذا السيل الهرم الذى جرف بالأمس بالمدنيات والحكومات فى حدود هذا الوادى الضيق. واليكم هذا العالم الإنسانى الفسيح الذى اختاركم الله لقيادته واجتباكم لهدايته وكانت البعثة المحمدية فاتحه هذا العهد الجديد فى تاريخ أمتكم وفى تاريخ العالم جميعاً .. فاحتضنوا هذه الدعوة الإسلامية من جديد .. وتفانوا فى سبيلها .. وجاهدوا فيها .. { ... وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ} (¬1) (¬2). ***** ¬

_ (¬1) سورة الحج - الآية 78. (¬2) انظر كتاب ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين للندوي.

الداعي إلي الله مؤيد من الله

الداعى إلى الله مؤيد من الله - عز وجل - عندما نقوم بالدعوة نكون مؤيدين من الله - عز وجل - .. فالذى يعادينا، كأنه يعادى الله - سبحانه وتعالى -. نوح - عليه السلام - قام على مراد الله - عز وجل - (ليل - نهار) دعوة {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ} (¬1). فالله - سبحانه وتعالى - استجاب دعاءه، والفاء للتعقيب والسرعة. وموسى - عليه السلام - ونجاة الله له، وإغراق فرعون عليه اللعنة، وإهلاك قارون .. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: عندما أتى موسى قومه أمرهم بالزكاة فجمعهم قارون فقال لهم جاءكم بالصلاة وجاءكم بأشياء فتحملتموها فتحملوا أن تعطوه أموالكم، فقالوا: لا نتحمل أن نعطيه أموالنا فما ترى، فقال: لهم أرى أن أرسل إلى بغى بنى إسرائيل فنرسلها إليه فترميه بأنه أرادها على نفسها فدعا موسى - عليه السلام - عليهم فأمر الله الأرض أن تطيعه فقال موسى للأرض خذيهم فأخذتهم إلى أعقابهم فجعلوا يقولون يا موسى .. يا موسى، ثم قال للأرض خذيهم فأخذتهم إلى ركبهم فجعلوا يقولون يا موسى .. يا موسى، ثم قال للأرض خذيهم فأخذتهم إلى أعناقهم فجعلوا يقولون يا ¬

_ (¬1) سورة القمر - الآيتان 10، 11.

موسى .. يا موسى فقال للأرض خذيهم فأخذتهم فغيبتهم فأوحى الله إلى موسى - عليه السلام - سألك عبادى وتضرعوا إليك فلم تجبهم وعزتى لو أنهم دعونى لأجبتهم قال ابن عباس - رضي الله عنهم - وذلك قول الله - عز وجل -: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ} (¬1) خسف به إلى الأرض السفلى (¬2). وإبراهيم - عليه السلام -: وتأييد الله - عز وجل - له وحفظه فى النار فالقرآن الكريم مليئ بتأييد الله - عز وجل - للأنبياء - عليه السلام -. فعندما نقوم على الدعوة نكون مؤيدين من الله - عز وجل -، قال الهرمزان حين أمره عمر بالكلام بعد أن جاء أسيراً: إنا وإياكم معشر العرب ما خلى الله بيننا وبينكم كنا نغصبكم ونقتلكم ونفعل، فلما كان الله معكم لم يكن بكم يدان (¬3). وفى رواية ابن سعد قال عمر للهرمزان .. كيف رأيت صنيع الله بكم؟ قال يا معشر العرب كنتم وأنتم على غير دين نستعبدكم ونقتلكم وكنتم أسوأ الأمم عندنا حالاً فلما كان الله معكم لم يكن لأحدٍ بالله طاقة (¬4). ¬

_ (¬1) سورة القصص - الآية 81. (¬2) مستدرك الحاكم - 2/ 408. (¬3) تاريخ الإسلام، للذهبى - 2/ 81. (¬4) المرجع السابق – 2/ 117.

قال الله - عز وجل - فى الحديث القدسى: " من عادى لى ولياً فقد آذنته بالحرب " رواه البخارى. (¬1) تقف بجوار الواحد جل جلاله يمدك بقدرته وقوته وعزته. وعن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " رُب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره " رواه مسلم (¬2). الصحابة - رضي الله عنهم - لما وصفهم يزدجرد لملك الصين فقال هؤلاء القوم: " لو يحاولون (¬3) الجبال لهدوها (¬4) " (رواه ابن جرير فى تاريخه) (¬5). لما رأى ربنا - سبحانه وتعالى - فى قلوب الصحابة - رضي الله عنهم - الرغبة الشديدة لهداية الناس أشغل معهم فى الدعوة (الذئاب، الضب، الشجر، الجن، الهواتف .. ) حياتهم شديدة جداً .. ولكن جهدهم قوى جداً .. تعجز البشرية أن تقدم مثلهم .. فمن الآن يترك بناته مثل الصديق يترك بناته وابنه كافر وأبوه ضرير. فالله - سبحانه وتعالى - اختار هذه الأمة لهذا المقصد ونصرة الله - سبحانه وتعالى - مع المسلم على الدعوة .. على الحرص لهداية الناس. ¬

_ (¬1) رياض الصالحين - باب المجاهدة. (¬2) المرجع السابق - باب فضل ضعفة المسلمين والفقراء والخاملين. (¬3) أى يريدون. (¬4) أى لهدومها. (¬5) انظر حياة الصحابة - باب التأييدات الغيبية - 3/ 705.

التأييد .. كرامة من الله - عز وجل - يريها الله - عز وجل - للعبد حتى لا يتأثر بمن حوله يعنى طريقك صحيح. النصرة .. قبول الناس للدعوة ولذلك كان النبى الكريم - صلى الله عليه وسلم - يفرح بقبول دعوته أكثر من انتصاره فلما أسلمت همدان سجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شكراً لله - عز وجل - .. فالنصر .. قبول الأعداء للحق .. والفتح .. جهادهم مع النبى - صلى الله عليه وسلم -. يقول الشيخ إلياس - رحمه الله - نصرة الله - عز وجل - تتوجه إليكم إذا أنتم تحملتم المشاق فى سبيل الله - سبحانه وتعالى -. *****

إيمان الجند سبيل النصر

إيمان الجند سبيل النصر قال تعالى: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} (¬1). أخرج الإمام مسلم، عن بريده - رضي الله عنه - قال، كان النبى - صلى الله عليه وسلم - إذا أمَّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه فى خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً (¬2). وكتب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى سعد بن أبى وقاص - رضي الله عنه - ومن معه من الأجناد .. أما بعد: فإنى آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو وأقوى المكيدة فى الحرب وآمرك ومن معك أن تكون أشد احتراساً من المعاصى منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة لأن عددنا ليس كعددهم ولا عدتنا كعدتهم، فإن إستوينا فى المعصية كان لهم الفضل علينا فى القوة وإلا ننصر عليهم بفضلنا، لم نغلبهم بقوتنا، فاعلموا أن عليكم فى سيركم حفظة من الله - سبحانه وتعالى - يعلمون ما تفعلون فاستحيوا منهم ولا تعملوا بمعاصى الله وأنتم فى سبيل الله - عز وجل -، ولا تقولوا عدونا شرٌ منا فلن يسلط علينا فرب قوم سُلط عليهم شرٌ منهم كما سلط على بنى إسرائيل لما عملوا ¬

_ (¬1) سورة الصافات - الآية 173. (¬2) مشكاة المصابيح - باب الكتاب إلى الكفار ودعائهم إلى الإسلام - 2/ 1150.

بمساخط الله كفار المجوس، فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولا، سلوا الله - عز وجل - العون على أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوكم، أسأل الله ذلك لنا ولكم (¬1). وأخرج بن عبد الحكم عن زيد بن أسلم قال: لما أبطأ على عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - فتح مصر كتب إلى عمرو بن العاص - رضي الله عنه -: أما بعد فقد عجبت لإبطائكم عن فتح مصر تقاتلونهم منذ سنين ومازال .. إلا لما أحدثتم وأحببتم من الدنيا ما أحب عدوكم وإن الله - عز وجل - لا ينصر قوماً إلا بصدق نياتهم وقد كنت وجهت إليك أربعة نفر وأعلمت أن الرجل منهم بمقام ألف رجل على ما أعرف إلا أن يكون غيرهم ما غير غيرهم فإذا آتاك كتابى هذا فاخطب الناس وحضهم على قتال عدوهم ورغبهم فى الصبر والنية وقدم أولئك النفر الأربعة فى صدور الناس وأمر الناس أن يكون لهم صدمة رجل واحد وليكن ذلك عند الزوال يوم الجمعة فإنها ساعة تنزل فيها الرحمة ووقت الإجابة وليعج الناس إلى الله وليسألوه النصر على عدوهم. فلما أتى عمرو الكتاب جمع الناس وقرأ عليهم ثم دعا أولئك النفر فقدمهم أمام الناس وأمر الناس أن يتطهروا ويصلوا ركعتين ثم يرغبون إلى الله ويسألون النصر ففتح الله عليهم. وفى رواية أخرى: أن عمرو بن العاص لما أبطأ عليه فتح مصر كتب إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن يستمده فأمده عمر بأربعة آلاف رجل على كل ألف رجل رجل وكتب إليه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنى قد أمددتك بأربعة آلاف رجل على كل ألف ¬

_ (¬1) البداية والنهاية لابن كثير - نقلاً من كتاب فقه السنة – 2/ 642.

رجل منهم رجل مقام الألف: (الزبير بن العوام. . المقداد بن الأسود .. عبادة بن الصامت. . مسلمة بن مخلد - رضي الله عنهم -) وأعلم أن معك إثنى عشر ألف ولا يغلب إثنا عشر ألف من قلة (¬1). وعندما كان المسلمون يحاصرون الروم فى مصر أرسل المقوقس إلى عمرو بن العاص رسلاً يفاوضونه على الصلح فحبس عمرو الرسل فى معسكر المسلمين ليروا بأعينهم حالة الجنود مع الله - سبحانه وتعالى - ومع الناس ومع بعضهم البعض وعاد الرسل إلى المقوقس فقالوا له: لقد رأينا قوماً: الموت أحب إليهم من الحياة والتواضع أحب إليهم من الرفعة، ليس لهم رغبة فى الدنيا ولا نهمة وما يعرف قادتهم من جنودهم وإذا حضرت الصلاة لم يتخلف منهم أحد ويغسلون أطرافهم بالماء ويخشعون فى الصلاة فلما سمع المقوقس مقالتهم قال: هؤلاء لو استقبلوا الجبال لأزالوها وما مثلهم يغلب من قلة. وأخرج أحمد بن مروان بن المالكى فى المجالسة عن أبى إسحاق قال كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يثبت لهم العدو فواق ناقة عند اللقاء فقال هرقل للروم وهو فى إنطاكية حين جاءوه منهزمين أمام المسلمين ويلكم؟ أخبرونى عن هؤلاء الذين يقاتلونكم. أليسوا بشراً مثلكم؟ قالوا: نعم. قال: أفأنتم أكثر أم هم؟ فقالوا: بل نحن أكثر منهم أضعافاً فى كل موطن. ... فقال: فما بالكم تنهزمون؟ فقال له شيخ من عظمائهم: نحن ننهزم وهم ينتصرون من أجل أنهم يقومون الليل ويصومون النهار، ويوفون بالعهد، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن ¬

_ (¬1) حياة الصحابة - 3/ 691.

المنكر ويتناصفون بينهم .. ومن أجل أنا نشرب الخمر، ونزنى، ونركب الحرام، وننقض العهد، ونغصب، ونظلم، ونأمر بالسخط، وننهى عما يرضى الله، ونفسد فى الأرض فقال. أنت صدقتنى (¬1). وعن أبى الزهراء القشيرى عن رجل من بنى قشير قال لما خرج هرقل نحو القسطنطينية لحقه رجل من الروم كان أسيراً فى أيدى المسلمين فأفلت، فقال أخبرنى عن هؤلاء القوم فقال أحدثك كأنك تنظر إليهم فرسان بالنهار ورهبان بالليل ما يأكلون فى ذمتهم إلا بثمن ولا يدخلون إلا بسلام يقفون على من حاربهم حتى يأتوا عليه فقال: لئن كنت صدقتنى ليرثن ما تحت قدمى هاتين (¬2). وقال رستم عندما سمع وصفهم أكل كبدى عمر (¬3). وقال القبقلار: عندما أخبرته الجواسيس بصفتهم .. لئن كنت صدقتنى لبطن الأرض خيرٌ من لقاء هؤلاء على ظهرها ولوددت أن حظى من الله أن يخلى بينى وبينهم فلا ينصرنى عليهم ولا ينصرهم علىًّ (¬4). ***** ¬

_ (¬1) حياة الصحابة - 3/ 702. (¬2) حياة الصحابة - 3/ 704. (¬3) المرجع السابق – 3/ 704. (¬4) المرجع السابق – 3/ 703.

الأفراح

الأفراح 1) أفراح المؤمنين: أ - الفرح بنصر الله - عز وجل -: قال الله - سبحانه وتعالى - {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} (¬1). ب _ الفرح بفضل الله ورحمته: قال الله - سبحانه وتعالى - {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} (¬2) (¬3). 2) أفراح الكفار: ¬

_ (¬1) سورة الروم - الآيتان 4، 5. (¬2) سورة يونس - الآية 58. (¬3) سورة يونس - الآية 58.

أ _ الفرح بالمال: (فرح قارونى): قال تعالى {: إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} (¬1). ب ـ الفرح بالحياة الدنيا: قال تعالى: {وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ ... إِلا مَتَاعٌ} (¬2). 3) أفراح المنافقين: أ _ فرح بترك الخروج: قال الله - سبحانه وتعالى - {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} (¬3). ¬

_ (¬1) سورة القصص - الآية 76. (¬2) سورة الرعد - الآية 26. (¬3) سورة الحج - الآية 78. سورة التوبة - الآية 81

ب ـ فرح بغير الحق: قال الله - سبحانه وتعالى - {ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ} (¬1). ***** ¬

_ (¬1) سورة غافر - الآية 75.

الابتلاء طريق الدعاة إلي الله

الابتلاء طريق الدعاة إلى الله - عز وجل - قال الله - سبحانه وتعالى - {: إِنَّا خَلَقْنَا الأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} (¬1). وقال الله - سبحانه وتعالى -: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (¬2). وقال الله - سبحانه وتعالى - {: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} (¬3). فالله - عز وجل - قد اقتضت حكمته: أن يبتلى الرسل بأممهم، والأمم برسلهم، والحكام بالمحكومين، والمحكومين بالحكام، والقوى بالضعيف، والضعيف بالقوى، والغنى بالفقير، والفقير بالغنى، والصحيح بصحته، والمريض بمرضه، والزارع بمزرعته، والتاجر بتجارته، والصانع بصناعته .. الخ. فالكل مبتلى كلٌ على قدر دينه. فعن سعد - رضي الله عنه - قال: سُئل النبى - صلى الله عليه وسلم -: أى الناس أشد بلاءاً؟ قال: " الأنبياء ثم ¬

_ (¬1) سورة الإنسان - الآية 2. (¬2) سورة الملك - الآيتان 1،2. (¬3) سورة الكهف - الآية 7.

الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان صلباً فى دينه اشتد بلاؤه، وإن كان فى دينه رقه هون عليه، فمازال كذلك حتى يمشى على الأرض ماله ذنب " رواه الترمذى فى الزهد، وابن ماجة، والدارمى، وقال الترمذى هذا حديث حسن (¬1). وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وأن الله - عز وجل - إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضى فله الرضا ومن سخط فله السخط " رواه الترمذى وحسنه (¬2). فطريق الدعوة هو طريق الإبتلاء: فالنبى - صلى الله عليه وسلم - قبل الدعوة وهو فى العبادة فى غار حراء يتعبد .. قالوا عنه: الصادق الأمين .. لكن لما جهر بالدعوة قالوا عنه: (ساحر، مجنون، كذاب، كاهن .. ). • الذهب قبل وضعه فى الفاترينة لابد له أن يوضع أولاً فى النار. • فالابتلاء مادة الاختبار لأهل الإيمان. • والابتلاء للمنافق يجعله كعود الكبريت المضىء سريع الإطفاء إذا جاءته الريح. • والبلاء للمؤمن يجعله كالنار فى الغابة كلما جاءتها الريح تزداد اشتعالاً .. وهذا يعنى أنه كلما يأتى المؤمن البلاء يزداد إيماناً على إيمانه وفى هذا يقول الرسول المصطفى الكريم - صلى الله عليه وسلم - " مثل المؤمن مثل السنبلة تستقيم مرة وتخر مرة ¬

_ (¬1) مشكاة المصابيح – باب عيادة المريض وثواب المرض – 1/ 492. (¬2) المرجع السابق – 1/ 493.

، ومثل الكافر مثل الأرزة لا تزال مستقيمة حتى تخر ولا تشعر " رواه الإمام أحمد عن جابر (¬1). • وعن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الريح تميله، ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء، ومثل المنافق كمثل شجرة الأرزة لا تهتز حتى تستحصد " متفق عليه (¬2). • وللبلاء صور مختلفة: قال الله - سبحانه وتعالى - {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (¬3). فالصلوات والرحمة والهداية بعد الإبتلاء والصبر. فمن صور الابتلاء (الخوف) كما فى الأحزاب: أخرج الحاكم والبيهقى عن عبد العزيز ابن أخى حذيفة - رضي الله عنه - قال: ذكر حذيفة - رضي الله عنه - مشاهدهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال جلساؤه: أما والله لو كنا شهدنا ذلك لكنا فعلنا وفعلنا فقال حذيفة - رضي الله عنه -: لا تمنوا ذلك لقد رأيتنا ليلة الأحزاب ونحن صافون قعود وأبو سفيان ومن معه فوقنا وقريظة اليهود أسفل منا ¬

_ (¬1) جمع الجوامع - السيوطى. (¬2) مشكاة المصابيح – باب عيادة المريض وثواب المرض – 1/ 487. (¬3) سورة البقرة - الأيات 155: 157.

نخافهم على ذرارينا وما أتت علينا ليلة قط أشد ظلمة ولا أشد ريحاً منها فى أصوات ريحها أمثال الصواعق وهى ظلمة ما يرى أحدنا إصبعه فجعل المنافقون يستأذنون النبى الكريم - صلى الله عليه وسلم - ويقولون أن بيوتنا عورة وما هى بعورة فما يستأذنه أحد منهم إلا أذن له ويأذن لهم ويتسللون ونحن ثلاثة مائة ونحو ذلك إذا استقبلنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً .. رجلاً حتى أتى علىَّ وما على جنة من العدو ولا من البرد إلا مرط امرأتى ما يجاوز ركبتى قال: فأتانى وأنا جاثٍ على ركبتى فقال من هذا؟ فقلت حذيفة، فقال: حذيفة، فتقاصرت للأرض قلت: بلى يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كراهية أن أقوم فقمت فقال: وأنا من أشد الناس فزعاً وأشدهم قراً قال: فخرجت فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته قال: فو الله ما خلق الله فزعاً ولا قراً إلا خرج من جوفى فما أجد فيه شيئاً. قال: فلما وليت قال: يا حذيفة لا تحدثن فى القوم شيئاً حتى تأتينى قال: فخرجت حتى إذا دنوت من عسكر القوم نظرت ضوء نار لهم توقد وإذا رجل أدهم ضخم يقول بيديه على النار ويمسح بخاصرته ويقول الرحيل .. الرحيل ولم أكن أعرف أبا سفيان قبل ذلك فانتزعت سهماً من كنانتى أبيض الريش فأضعه فى كبد قوس لأرميه به فى ضوء النار فذكرت قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تحدثن فيهم شيئاً حتى تأتينى فأمسكت ورددت سهمى إلى كنانتى ثم إنى شجعت نفسى حتى دخلت العسكر فإذا أدنى الناس منى بنو عامر يقولون: يآل عامر الرحيل .. الرحيل لا مقام لكم وإذا الريح فى عسكرهم ما تجاوز عسكرهم شبراً فو الله إنى لأسمع صوت الحجارة فى رحالهم وفرشهم تضرب بها ثم إنى خرجت نحو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما انتصفت بى الطريق أو نحو من ذلك إذ أنا بنحو من عشرين فارساً أو نحو ذلك معتمين، فقالوا أخبر

صاحبك أن الله قد كفاه فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مشتمل فى شملة يصلى فو الله ما عدا أن رجعت راجعنى البرد وجعلت أقرقف فأومأ إلىًّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلى فدنوت منه فأسبل على شملته وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا حزبه أمر صلى فأخبرته خبر القوم أخبرته أنى تركتهم وهم يرحلون قال وأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً .. إلى قوله تعالى .. وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً} (¬1) (¬2). ومن صور الإبتلاء (الجوع) الذى مر به أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أخرج أبو نعيم فى الحلية عن سعد - رضي الله عنه - قال: كنا قوماً يصيبنا ظلف العيش بمكة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشدته فلما أصابنا البلاء اعترفنا لذلك ومرنَّا عليه وصبرنا له ولقد رأيتنى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة خرجت من الليل أبول وإذا أنا أسمع بقعقعة شئ تحت بولى فإذا قطعة جلد بعير فأخذتها فغسلتها ثم أحرقتها فوضعتها بين حجرين ثم أستفها وشربت عليها من الماء فقويت عليها ثلاثاً (¬3) .. ومن أراد الاستزادة فعليه بكتاب حياة الصحابة - رضي الله عنهم - فهو مليئ بقصص جوع الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - وهى أكثر من أن تحصى. ¬

_ (¬1) سورة الأحزاب - الآيات 9: 25. (¬2) كذا فى البداية ج 4/ 114 وأخرجه أبو داود وابن عساكر (حياة الصحابة 1/ 312). (¬3) المرجع السابق - 1/ 295.

ومن صور البلاء (نقص الأموال): أخرج البيهقى عن أبى عمران قال غزونا المدينة يريد القسطنطينية، وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد والروم ملصقوا ظهورهم بحائط المدينة فحمل رجل على العدو فقال الناس مه مه لا إله إلا الله يلقى بيده إلى التهلكة فقال أبو أيوب - رضي الله عنه - إنما أنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار لما نصر الله نبيه وأظهر الإسلام قلنا: هلم نقيم فى أموالنا ونصلحها فأنزل الله - سبحانه وتعالى - {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (¬1) فالإلقاء بأيدينا إلى التهلكة أن نقيم فى أموالنا ونصلحها وندع الجهاد. قال أبو عمران: فلم يزل أبو أيوب يجاهد فى سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية (¬2). وهذا دليل على أن الصحابة - رضي الله عنهم - بسبب انشغالهم بالدين جاءهم النقص فى الأموال والأنفس فصبروا وابتلوا بالجوع والخوف فصبروا. ومن صور البلاء (الابتلاء فى الجسد بالمرض وفقد الأولاد): - مثل سيدنا أيوب - عليه السلام -: كان سيدنا أيوب - عليه السلام - كثير المال من سائر صنوفه وأنواعه من الأنعام والعبيد والمواشى والأراضى المتسعة وكان له أولاد كثير فسلب منه ذلك جميعه وابتلى فى جسده بأنواع من البلاء ولم يبق منه عضو سليم إلا ¬

_ (¬1) سورة البقرة - الآية 195. (¬2) حياة الصحابة - 1/ 404.

قلبه ولسانه يذكر الله - عز وجل - بهما وهو فى ذلك صابر محتسب ذاكر الله - عز وجل - ليله ونهاره وصباحه ومسائه (¬1). فنادى ربه .. {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (¬2) وقال تعالى {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ *ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لأُولِي الأَلْبَابِ * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} (¬3). - ومثل عروة بن الزبير: عن نافع بن ذؤيب قال: لما قدم عروة بن الزبير على الوليد بن عبد الملك فخرج برجله الأكلة فبعث إليه يعنى الوليد بالأطباء فأجمع رأيهم إن لم ينشروها قتلته، فقال: شأنكم بها. قالوا: نسقيك شيئاً لئلا تحس بما نصنع قال: لا شأن لكم بها. فنشروها بالمنشار فما حرك عضو عن عضو وصبر، فلما رأى القدم بأيديهم دعا بها فقلبها فى يده ثم قال أما والذى حملنى عليك أنه ليعلم انى ما مشيت بك إلى حرام أو قال معصية. وفى رواية أخرى عن هشام بن عروة: ¬

_ (¬1) انظر قصص الأنبياء - ابن كثير. (¬2) سورة الأنبياء - الآية 83 (¬3) سورة ص - الآيات 41: 44.

قيل فقطعت وإنه لصائم فما تضور وجهه قال: ودخل ابن له أكبر ولده اصطبل فرفسته دابة فقتلته فما سمع من أبى فى ذلك شئ حتى قدم المدينة، فقال اللهم إنه كان لى بنون أربعة فأخذت واحداً وأبقيت ثلاثة فلك الحمد وكان لى أطراف أربعة فأخذت واحداً وأبقيت ثلاثة فلك الحمد وإيم الله لئن أخذت فلقد أعطيت ولئن ابتليت طالما عافيت (¬1). ومن صور البلاء أيضاً: (الإبتلاء بالنعم): قال الله - عز وجل - {: فَأَمَّا الأِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} (¬2). وقال - سبحانه وتعالى -: {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (¬3). فلابد أن يبتلى الإنسان بما يسره وما يسوؤه، فالنعم من الله - عز وجل - يظهر بها شكر الشكور وكفر الكفور .. فسيدنا سليمان - عليه السلام - عندما رأى عرش بلقيس عنده قال {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} (¬4). والأبرص والأقرع والأعمى .. كما فى الحديث عن أبى هريرة - رضي الله عنه - أنه سمع النبى - صلى الله عليه وسلم - يقول إن ثلاثة من بنى إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى أراد الله أن يبتليهم فبعث إليهم ملكاً .. فأتى الأبرص فقال (أى شئ أحب إليك .. ؟ قال ¬

_ (¬1) انظر صفة الصفوة - ابن الجوزى، كتاب تاريخ الإسلام للذهبى - 3/ 164. (¬2) سورة الفجر - الآيتان 15، 16. (¬3) سورة الأعراف - الآية 168. (¬4) سورة النمل - الآية 40.

: لون حسن وجلد حسن ويذهب عنى الذى قد قذرنى الناس. فمسحه فذهب عنه قذره وأعطى لوناً حسناً، فقال: فأى المال أحب إليك قال: الإبل أو قال البقر - شك الراوى – فأعطى ناقة عشراء فقال: بارك الله لك فيها. فأتى الأقرع فقال: أى شئ أحب إليك؟ قال شعر حسن ويذهب عنى هذا الذى قذرنى الناس فمسحه فذهب عنه وأعطى شعراً حسناً قال: فأى المال أحب إليك قال: البقر. فأعطى بقرة حاملاً. وقال بارك الله لك فيها. فأتى الأعمى. وقال: أى شئ أحب إليك؟ قال: أن يرد الله إلىَّ بصرى فأبصر الناس فمسحه فرد الله إليه بصره. قال أى المال أحب إليك؟ قال: الغنم. فأعطى شاة والداً فأنتج هذان وولد هذا فكان لهذا وادٍ من الإبل ولهذا وادٍ من بقر ولهذا وادٍ من الغنم. ثم إنه أتى الأبرص فى صورته وهيئته. فقال: رجل مسكين قد انقطعت بى الحبال فى سفرى فلا بلاغ لى اليوم إلا بالله ثم بك. أسألك بالذى أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيراً أتبلغ به فى سفرى. فقال: الحقوق كثيرة. فقال: كأنى أعرفك. ألم تكن أبرص يقذرك الناس. فقيراً فأعطاك الله؟ فقال: إنما ورثت هذا المال كابراً عن كابر. فقال: إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت. وأتى الأقرع فى صورته وهيئته، فقال له مثل ما قال لهذا ورد عليه مثلما رد هذا، فقال: إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت. وأتى الأعمى فى صورته وهيئته فقال رجل مسكين وابن سبيل انقطعت بى الحبال فى سفرى فلا بلاغ لى اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذى رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها فى سفرى. فقال: قد كنت أعمى فرد الله إلىَّ بصرى،

فخذ ما شئت فو الله لا أجهدك اليوم بشئ أخذته لله - عز وجل -. فقال: أمسك مالك فإنما أبتليتم فقد رضى الله عنك وسخط على صاحبيك. متفق عليه (¬1). يقول الشيخ محمد عمر البلامبورى – رحمه الله - (¬2): متى يعرف أنه الابتلاء لترقية العبد ومتى يعرف أنه ابتلاء عذاب ونقمة؟ إذا كان الابتلاء بعد الطاعة وامتثال الأوامر فهو نعمة لترقية العبد، أولاً يأتى المشقة ثم يأتى الراحة. أما إذا جاء الابتلاء بعد المعصية مثل فرعون ... {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا ... تُبْصِرُونَ} (¬3). وقارون {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (¬4) كانا أولاً فى الراحة ثم أتى عليهما المشقة. وقيل: وُكِلَ البلاء بالولاء حتى لا يُدعى .. فالذى يقول أنا مؤمن .. أنا موحد أنا مجاهد يأتيه البلاء. قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} (¬5). ¬

_ (¬1) رياض الصالحين - باب المراقبة. (¬2) أحد علماء الدعوة والتبليغ بالهند. (¬3) سورة الزخرف - الآية 51. (¬4) سورة الحج - الآية 78. سورة القصص - الآية 78. (¬5) سورة البقرة - الآيتان 8، 9.

لذلك يأتى الاختبار من الله - عز وجل - {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (¬1). وقال تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ * وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} (¬2). ولذلك جعل الله - عز وجل - الميزان هو الجهد: قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} (¬3). وقال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} (¬4). ¬

_ (¬1) سورة العنكبوت - الآيات 1: 3. (¬2) سورة العنكبوت، الآيتان 10،11. (¬3) سورة البقرة - الآية 214. (¬4) سورة آل عمران - الآية 142.

وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (¬1). ويقول ابن القيم رحمه الله: البلاء لابد له من صبر ... والصبر ثلاثة أنواع بها يكتمل الصبر: • حبس النفس عن التسخط بالمقدور. • حبس اللسان عن الشكوى. • حبس الجوارح عن المعصية (كلطم الخدود، وشق الجيوب، ودعوى الجاهلية). فإذا صبر الإنسان صارت المحنة منحة .. والبلية عطية .. والمكروه محبوب .. فالله - عز وجل - ما امتحنه ليهلكه ولكن امتحنه ليختبر صبره وعبوديته فإن لله - عز وجل - عبودية فى السراء وله عبودية فى الضراء وله عبودية على العبد فيما يكره كما له عبودية فيما يحب، وأكثر البشر يعطون العبودية فيما يحبون ولكن تتفاوت المنازل عند الله (¬2). والابتلاء ... لماذا .. ؟ 1) ليميز الله - سبحانه وتعالى - الخبيث من الطيب: - وقد سئل الإمام الشافعى: يا أبا عبد الله: أيما أفضل للرجل أن يمكن أو يبتلى؟ ¬

_ (¬1) سورة الحجرات - الآية 15. (¬2) الوابل الصيب من الكلم الطيب – لابن القيم – صـ 9.

- فقال الإمام الشافعى: لا يُمكن حتى يُبتلى فإن الله إبتلى نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فلما صبروا مكنهم (¬1). 2) للإختبار: قال تعالي: {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} (¬2) وقال تعالي: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} (¬3) 3) والله يبتلينا لنرجع إليه بالتوجه والدعاء والذل والمسكنة: " ... اللهم إنى أشكو إليك ضعف قوتى وقلة حيلتى .. الخ ". والصبر على ¬

_ (¬1) فلا يذهبن خيالك إلى حصر البلاء فى نوع واحد مثل دخول سيدنا يوسف - عليه السلام - السجن، بل كل نبى كان له اختبار من الله - عز وجل -، وكذلك كل مسلم يكتب الله له التمكين بعد تحمل البلاء حباً لله وطلباً لمرضاته، فيتحمل لومة كل لائم آثماً كان أو كفورا، فالآثم يحب الفسوق فيدعوك إليه ولا يقبل الدعوة أما الكفور فهو يتقلب فى نعم الله فتشغله عن شكر المنعم فلا يقبل الدعوة حرصاً على أموالاً اقترفها أو تجارة يخشى كسادها أو مساكن تعلق قلبه بها قال تعالى {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} (سورة الانسان – 24) {وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} (سورة المائدة – من الآية54) من الوالدين أو الأبناء أو الإخوان والأخوات أو الزوجة وهى أشد. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (سورة التغابن – الآيتان 14، 15) (¬2) سورة محمد – الآية 4. (¬3) سورة محمد _ الآية 31

محن الدنيا أهون من الصبر على محن النار (¬1). • فالذى يريد الدين بدون أحوال كالذى يريد العوم والسباحة بدون أن يبتل والذى يريد الملاكمة بدون أحد يلمسه. • الأحوال ليس مقصد ولكن مقصود الأحوال التربية. • الله - عز وجل - ربى سيدنا إبراهيم عليه السلام فى النار. • الله - عز وجل - ربى سيدنا إسماعيل - عليه السلام - فى وادى غير ذى زرعٍ. • الله - عز وجل - ربى سيدنا يونس - عليه السلام - فى بطن الحوت. • الله - عز وجل - ربى سيدنا موسى - عليه السلام - فى بيت فرعون. • الله - عز وجل - ربى سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - فى شعب أبى طالب، وفى الغار. • والصحابة تربوا فى شعب أبى طالب ثلاث سنوات لأنهم الذين يذهبون إلى كسرى وقيصر والمقوقس والنجاشى والعالم كله ... فالله - سبحانه وتعالى - يُعدَهم للعمليات الخاصة لذلك فالله - سبحانه وتعالى - ما نزل عليهم المن والسلوى وأكلوا ورق الشجر، الله - سبحانه وتعالى - يربى الداعى ويعلمه بنفسه. • فالحكومة تدرب رجال الصاعقة فى الصحراء وتدربهم على أكل الحيات مع أن الحكومة عندها الطعام الشهى وكذلك الفنادق .. حتى يكونوا رجال عند الشدائد. • س: لماذا تأتى الأحوال على الداعي الخارج في سبيل الله - عز وجل -؟ ج: لأنه على طريق الأنبياء - عليه السلام - وكان يصيبهم البلاء والامتحان والذى تأتى عليه الأحوال ويثبت ينزل الله - عز وجل - كيفيات القلب التى كانت فى قلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). ¬

_ (¬1) انظر زاد المعاد لابن القيم – 2/ 75، والفوائد لابن القيم. (¬2) أجاب عليه الشيخ فاروق - أحد علماء الدعوة والتبليغ - كراتشى - باكستان.

على الداعى أن لا يتأثر من الأحوال: أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - ما تأثر بموت الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - بل تأثر بالأمر (كيف يعزل أسامة وقد عينه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وقال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - كلمة هى سبب قيام الدين فى العالم إلى يوم القيامة .. أينقص الدين وأنا حى .. هذه الكلمة شعار كل مسلم إن لم تكن فى حياته فهو ليس بمبلغ عن الله ورسوله. واصبر .. إن الذين شرفهم ربهم بشرف القيام بالدعوة إليه عليهم أن يصبروا على إيذاء الناس لهم وعلى مقارعة الناس لهم ولا يكون ذلك إلا بالنظر فى سيرة الأنبياء والمرسلين - عليه السلام - والإقتداء بهم فى مواجهة أقوامهم. فقد قال الله - عز وجل - لحبيبه محمد - صلى الله عليه وسلم -: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} (¬1). {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} (¬2). {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ} (¬3). ¬

_ (¬1) سورة المزمل - الآية 10. (¬2) سورة الأحقاف - الآية 35. (¬3) سورة الروم - الآية 60.

{وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ} (¬1). {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} (¬2). ولقد أوصى لقمان - عليه السلام - ابنه وهو يعظه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} (¬3). فالصبر من الصفات الأساسية التى لا غنى عنها للداعى ولا سيما إذا قورن الصبر باليقين فلا تنال الإمامة فى الدين إلا بهما قال الله - عز وجل - {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} (¬4). فبالصبر يبلغ الإنسان حاجته، وباليقين يأتى الثبات على الأمر. والخلاصة .. أن الصبر نوعان: - اختيارى: (الصبر على الطاعة والدعوة كما مر فى الآيات). - اضطرارى (القدر المر): مثل الصبر على المرض، وعلى ألم الضرب، والجراح، والبرد والحر، وفقد الأولاد. ¬

_ (¬1) سورة الأنعام - الآية 34. (¬2) سورة القلم – الآية 48. (¬3) سورة لقمان - الآية 17. (¬4) سورة السجدة - الآية 24.

والصبر الاختيارى أكمل من الاضطرارى، فإن الإضطرارى يشترك فيه الناس برهم وفاجرهم .. مؤمنهم وكافرهم .. (¬1) واعلم أنه ما وصل من وصل إلى المقامات المحمودة والنهايات الفاضلة إلا على جسر المحنة والابتلاء. كذا المعالى إذا ما رمت تدركها فاعبر إليها على جسرٍ من التعب وقال المتنبي: تُرِيدِينَ إِدْرَاكَ الْمَعَالِي رَخِيصَةً ... وَلا بُدَّ دُونَ الشَّهْدِ مِنْ إِبَرِ النَّحْل ***** ¬

_ (¬1) كتاب عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين لابن القيم.

صيحة إلى كل داعى

صيحة إلى كل داعى ما من قائم يقوم فى مجتمع من هذه المجتمعات البشرية داعياً إلى ترك ضلالة من الضلالات أو بدعة من البدع إلا وقد آذن نفسه بحرب لا تخمد نارها ولا يخبوا أوارها حتى تهلك أو يهلك دونها. فليس موقف الجندى فى معترك الحرب بأحرج من موقف المرشد فى معترك الدعوة وليس سلب الأجسام أرواحها بأقرب منالاً من سلب النفوس غرائزها وميولها .. ولا يضن الإنسان بشئ مما تملك يمينه ضنه بما تنطوى عليه جوانحه من المعتقدات وأنه ليبذل دمه صيانة لعقيدته، ولا يبذل عقيدته صيانة لدمه، وما سالت الدماء ولا تمزقت الأشلاء فى موقف الحروب البشرية من عهد آدم - عليه السلام - إلى اليوم إلا حماية للمذاهب وذوداً عن العقائد. لذلك كان الدعاة فى كل أمة أعدائها وخصومها لأنهم يحاولون أن يرزؤها فى نضائر نفوسها ويفجعونها فى أعلاق قلوبها. الدعاة أحوج الناس إلى عزائم ثابتة وقلوب صابرة على احتمال المصائب والمحن التى يلاقونها فى سبيل الدعوة حتى يبغوا الغاية التى يريدونها أو يموتوا فى طريقها.

فالدعاة الصادقون لا يبالون أن يسميهم الناس خونة .. أو جهلة .. ... أو زنادقة .. أو ملحدين .. أو ضالين .. أو كافرين .. لأن ذلك ما لابد أن يكون .. الدعاة الصادقون يعلمون أن سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - عاش (¬1) بين أعدائه ساحراً وكاذباً ومات سيد المرسلين .. وكذلك كل من اتبع نهجه - صلى الله عليه وسلم - .. فالإمام الغزالى .. عاش بالكفر والإلحاد ومات حجة الإسلام .. فهم يحبون أن يكونوا أمثال هؤلاء العظماء أحياءاً وأمواتاً .. سيقول كثير من الناس .. وما يعنى الداعى دعوته فى أمة لا تحسن به ظناً ولا تسمع له قولاً إن يضر نفسه من حيث لا ينفع أمته فيكون أجهل الناس وأحمق الناس ... هذا ما يوسوس به الشيطان للعاجزين الجاهلين وهذا هو الداء الذى ألم بنفوس كثير من العلماء فأمسك ألسنتهم عن قول الحق وحبس نفوسهم عن الانطلاق فى سبيل الهداية والإرشاد فأصبحوا لا عمل لهم يكرروا للناس ما يعلمون ويعيدوا عليهم ما يحفظون فجمدت الأذهان وتبلدت المدارك وأصبحت العقول فى سجن مظلم لا تطلع عليه الشمس ولا ينفذ إليه هواء. الجهل غشاء سميك يغشى العقل .. والعلم نار متأججة تلامس ذلك الغشاء فتحرقه رويداً .. رويداً فلا يزال العقل يتألم لحرارتها مادام الغشاء ¬

_ (¬1) أى أُتهم بالسحر والكذب.

بينه وبينها حتى إذا أتت عليه انكشف له الغطاء فرأى النار نوراً والألم لذة وسرورا. لا يستطيع الباطل أن يصرع الحق فى ميدان .. لأن الحق وجود والباطل عدم .. إنما يصرعه جهل العلماء بقوته وبأسهم فى غلبته وإغفالهم النداء به والدعاء إليه. محال أن يهدم بناء الباطل فرد واحد فى عصر واحد وإنما يهدمه أفراد متعددون فى عصور متعددة فيهزه الأول هزاً تباعد ما بين أحجاره ثم ينقض الثانى منه حجراً والثالث آخر وهكذا حتى لا يبقى منه حجر على حجر. الجهلاء مرضى والعلماء أطباء ولا يجمل بالطبيب أن يحجم عن العمل الجراحى فراراً من إزعاج المريض أو خوفاً من صياحه وعويله أو اتقاءاً لسبه وشتمه فإنه سيكون غداً أصدق أصدقائه وأحب الناس إليه. وبعد فقليل أن يكون الداعى فى الأمة الجاهلة حبيباً لها إلا إذا كان خائناً فى دعوته سالكاً سبيل الرياء والمداهنة فى دعوته وقليل أن ينال حظه من إكرامها وإجلالها إلا بعد أن تتجرع مرارة الدواء ثم تشعر بحلاوة الشفاء. الدعاة فى هذه الأمة كثيرون ملء الفضاء وكظت بهم الأرض والسماء ولكن لا يكاد يوجد بينهم داع واحد لأنه لا يوجد بينهم شجاع واحد. أصحاب الصحف وكتاب الرسائل والمؤلفون وخطباء المجامع وخطباء المنابر كلهم يدعون إلى الحق وكلهم يعظون وينصحون ويأمرون بالمعروف

وينهون عن المنكر ولكن لا يوجد بينهم من يستطيع أن يحمل فى سبيل الدعوة ضراً أو يلاقى فى طريقها شراً. رأيت الدعاة فى هذه الأمة أربعة: رجلاً يعرف الحق ويكتمه عجزاً وجبناً فهو ساكت طول حياته لا ينطق بخير ولا شر. رجلاً يعرف الحق وينطق به ولكنه يجهل طريق الحكمة والسياسة فى دعوته فيهجم على النفوس بما يزعجها وينغصها وكان خيراً له لو صنع ما يصنعه الطبيب الماهر الذى يضع الدواء المر فى برشامه ليسهل تناوله وازدراده. ورجلاً لا يعرف حقاً ولا باطلاً فهو يخبط فى دعوته خبط الناقة العشواء فى بيدائها فيدعو إلى الخير والشر والحق والباطل والضار والنافع فى موقف واحد .. فكأنه جواد امرئ القيس الذى يقول فيه .. مكرٍ .. مفرٍ .. مقبلٍ .. مدبرٍ معاً. ورجلاً يعرف الحق ويدعو الأمة إلى الباطل دعوة المجد المجتهد وهو أخبث الأربعة وأكثرهم غائلة لأنه صاحب هوى يرى أنه لا يبلغ غايته منه إلا إذا أهلك الأمة فى سبيله فهو عدوها فى ثياب صديقها لأنه يوردها موارد التلف والهلاك بإسم الهداية والإرشاد فليت شعرى من أى واحد من هؤلاء الأربعة تستعيد الأمة رشدها وهداها.

ما أعظم شقاء هذه الأمة وأشد بلائها فقد أصبح دعاتها فى حاجة إلى دعاة ينيرون لهم طريق الدعوة ويعلمونهم كيف يكون الصبر والاحتمال فى سبيلها فليت شعرى متى يتعلمون ثم يرشدون (¬1)؟ ***** ¬

_ (¬1) انظر كتاب النظرات - الأديب مصطفى لطفى المنفلوطى - الجزء الثانى.

ما هو الترقى .. ؟!

ما هو الترقى .. ؟! قال الله - عز وجل - {وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ * أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ * أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (¬1). وعلى الرغم من الرقى والتقدم التكنولوجى فى مظاهر الحياة المختلفة الذى جُعل لخدمة الإنسانية وتحقيق الرفاهية وإسعاد البشرية .. إلا أننا نجد أن الأمراض النفسية بصورها المختلفة قد انتشرت. الأمر الذى يجعل الإنسان لا يستمتع بما وصل إليه. فهل هناك علاقة بين التقدم التكنولوجى والأمراض النفسية .. ؟ وهل هناك علاقة بين هذا التقدم وأمراض العصر التى يشكوا منها العالم أجمع .. ؟ ¬

_ (¬1) سورة الروم - الآيات 6: 9.

نعم .. هى ضريبة يجب أن يدفعها الإنسان، فالإنسان يبحث عن الفراغ من أجل تحقيق متعته الدنيوية التى ما تلبث أن تذله ويكثر قلقه لأنه ما استغل هذا الفراغ فى طاعة الله - عز وجل - الذى بيده سعادة البشرية كلها. والتقدم العلمى يعطى الإنسان الكثير فهذا الكمبيوتر الذى يعطيك فى ثوانى بسيطة ناتج عملية حسابية معقدة كان يمكن أن تبذل فيها جهداً ووقتاً. وهذا الإنترنت .. يجوب بك العالم شرقاً وغرباً .. شماله وجنوبه .. ترى الأحداث فى موقعها .. لحظة وقوعها .. أو للحصول على المعلومة .. أو استشارة طبيب .. أو عقد الصفقات .. أو عقد مؤتمرات ومنتديات .. كم يوفر من الوقت والجهد. وهذه القطعة من الترانزستور مم تتألف وبكم تباع .. توفير فى الوقت والجهد والكسب. ولذا نجد الغرب مع وجود الفراغ والانهماك فى الشهوات والملذات والمتع الدنيوية إلا أنهم ما يشعرون بالسعادة فى الحياة لأنهم فقدوا الحياة الروحية من القلوب. لأن الله - سبحانه وتعالى - يقول {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ

رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} (¬1). وقال الله - عز وجل - {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (¬2). ولذلك .. نجد أحد الأطباء النفسيين يتحدث عن ذلك فيقول .. حضرت إحدى المؤتمرات الخاصة بالصحة النفسية فى مدينة استكهولم بالسويد فوجدت عجباً. مدينة ذات جمال فتان .. حدائق رائعة الجمال .. فحدثتنى نفسى بأنه لو بإمكانى إحضار الآلاف من المرضى النفسيين الذين أتعامل معهم فى بلدى يستشفون بين أحضان هذه الجنان اليانعة ولكن فى نفس الوقت نظرت حولى فلم أجد أحداً ثم علمت فيما بعد أن نسبة الأشغال فى هذه الفيلات الجميلة لا يزيد على واحد ونصف .. أى أن واحدة يسكنها فرد والأخرى يسكنها اثنان وفى نفس الوقت وجدت الأمراض الاجتماعية منتشرة (إيدز – انتحار – فراغ .. ). قابلت أحد سكان هذه المدينة وسألته عن أحواله ... ؟ قال: أنه لا توجد متعة فى هذا المكان نهائياً. قلت: وكيف وأنا أرى متع الدنيا تجمعت فى ¬

_ (¬1) سورة طه – الآيات 123: 126. (¬2) سورة النحل - الآية 97.

هذا المكان .. ؟ فقال: أنا خرجت مع الناس أعمل وأَّكل مما يأكلون وقضيت هناك أمتع ستة أشهر فى حياتى. هذا يوضح ما يعود به الفراغ وتوافر الإمكانيات على الإنسان من الاكتئاب والمشاكل وشبابنا يتمنى الخروج إلى أوروبا وهم هناك غير مستمتعين بما لديهم وذلك لأنهم فقدوا الحياة الدينية الروحية التى هى السبب الوحيد لإسعاد البشرية. الناس يعترضون ويقولون: أنتم تتكلمون فى زمن الرقى والسلاح عن السواك وكذا وكذا .. يعنى من سنة الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم -! فما هو الرقى .. ؟! الناس يترقون فى الحياة أم الممات .. ؟! فى تعمير الدنيا أم فى تخريبها وتدميرها .. ؟! الأسلحة .. ما فائدة وجودها الآن .. ؟! هم ما صنعوا السلاح ليدمروا به الحيوان أو الهوام والحشرات والسباع بل ليدمروا به الإنسان .. تحت مسميات غريبة وعجيبة .. ما أنزل الله بها من سلطان .. ففى الزمن الماضى كان السيف والعصا .. فلو يريدوا قتل إنسان أخذوا وقت طويل لذلك .. ولكن السلاح الحديث يستطاع من خلاله تدمير قبائل ومدن فى وقت بسيط .. وهكذا نجد أعداء الإسلام يصنعون السلاح ويريدون بيعه، فيوقعوا بين الدول ثم تنشب الحرب بينهم فيبيعوا

لهم السلاح، وعندما ينفذ سلاحهم يذهبون إليهم ويقولون لهم أنتم ما عندكم عقل .. تعالوا وتصالحوا .. وبالحرب هذه كم من الناس يموتون ويشردون .. ؟! ولما سُئل الشيخ يوسف رحمه الله وهو يتكلم عن السنة وعظمتها .. فقيل له: تتكلم عن السواك والسنة والناس قد وصلوا للقمر .. ؟! فقال الشيخ (رحمه الله (: هم صعدوا على القمر وتعرفوا على القمر ولم يتعرفوا على خالق القمر، فمخلوق تعرف على مخلوق لا يعنى شئ، كما أن الصفر + الصفر = صفر .. والعصفور على الأرض عصفور، ولو صعد على الشجرة فهو عصفور، ولو صعد على الجبل فهو عصفور، فالكافر على الأرض كافر وعلى القمر كافر .. وهؤلاء الذين وصلوا إلى القمر قالوا رأينا الدنيا مثل الكرة فكيف يقتتلون عليها وهى حقيرة، ونحن سعادتنا بأن نبينا وحبيبنا محمد - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا قبل أربعة عشر قرناً من الزمان أن الدنيا لا تساوى جناح بعوضة ومن شرف نبينا - صلى الله عليه وسلم - أنه صعد إلى السماء الأولى ثم الثانية .. وهكذا حتى السابعة حتى سدرة المنتهى .. ورأى الجنة والنار ولم ينزل على القمر ولا الشمس هذه الكواكب السيارة مثل الطرق المتشعبة والنبى - صلى الله عليه وسلم - وهو على الأرض فقط بإشارته .. بإصبعه إلى القمر انشق نصفين، فالوصول إلى القمر لا يساوى شئ أمام الإشارة بالإصبع، والذين وصلوا إلى القمر قالوا نحن رأينا هذا الشق فى القمر.

وفى زمن الصحابة - رضي الله عنهم - لم يكن يستطيع أحد أن يفكر فى الوصول إلى القمر حيث كانت وسيلة الانتقال الجمل ولكن القرآن أخبر .. {وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ * لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ * فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} (¬1) (¬2). وماذا عن الذين وصلوا إلى القمر؟! عندما وصلوا إلى الأرض أحدهم جُن عقله وطلق إمرأته والآخر وضعوه فى غرفة لأنه جاء بجراثيم من القمر. إذن .. الترقى: هو ما كان عليه الصحابة الكرام - رضي الله عنهم -، كانت الملائكة تنزل عليهم، والرياح، والبحار، والنيران ... تسخر لهم، وبحركتهم كانت تتحرك العوالم، فترقى الإنسان ليس فى الأشياء، بل فى حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. قد يقول قائل: هم كانوا صحابة!! فماذا نفعل .. ؟! بل نقول كانوا عبدة الأحجار والأصنام ولما أصبحوا على طريق النبى - صلى الله عليه وسلم - فازوا لأنهم عزموا وصدقوا. الله - سبحانه وتعالى - يريد من الإنسان كما استعمل عقله فى أموره الدنيوية كان ينبغى عليه أن يستعمله فى أموره الدينية فينظر إلى ما حوله فيجد كل ما حوله ¬

_ (¬1) سورة الإنشقاق - الآيات 18: 20. (¬2) سورة الحج - الآية 78.

عبيد مربوبون وعباد مقهورون، ليس على وجه الأرض من يملك لنفسه منهم نفعاً ولا ضراً ولا حياة ولا نشورا، بل ولا فى السماء من أجرامها العظام وطبقاتها المتناهية فى السعة ما يضر أو ينفع بذاته فيحكم بأنه ليس فوقه فى هذا العالم أجمع إلا الله - سبحانه وتعالى - وما عاداه آثار رحمته وأسباب وضعها سبحانه أظهرها لمن أحبه فمن أهمل هذا العقل وقلد غيره تقليداً أعمى من غير حجة ولا برهان كان أضل من الأنعام وقد استوجب عقاب الله - عز وجل - لأن العقول التى تبحث وتخترع الآلات والأدوات التى تغير بها وجه الأرض ولم تبحث فيما أودعه الله - سبحانه وتعالى - فى تلك الكائنات من الدلائل على وحدانيته من الآيات الدالة على قدرته وحكمته وعلى تفرده - سبحانه وتعالى - بالألوهية والربوبية، فكانت تلك العقول أدنى من عقول أخس الحيوانات، لأن من الحيوانات والطيور من هُدى بالفطرة ما يدرك به جلب المنافع ودفع المضار بقدرة، فمنها ما يصنع له الحجرات فى بطن الأرض وفى المغارات وفى كهوف الجبال ومنها ما يصنع له القصور العاليات فوق الأشجار ومنها ما يقود الجيوش لحرب أخصامه كالقردة فى جزيرة مدغشقر ومنها ما يصنع النفق بين البر والبحر ومنها ما يتعاون على جلب ضرورياته ويصنع له بيوتاً هندسية بحجرات مسدسة يعجز عن إتقانها أمهر المهندسين وغير ذلك من أنواع تربية الإناث لأولادهن .. فمن الحيوانات ما يخرج أولاده من بطنه ويضعه فى كيس تحت بطنه ليتم حمله، وبعضها تلد فيفر المولود من أمه بسرعة يكون فيها أسرع من

الريح المرسلة وأمه تجرى وراءه لتنظفه بلسانها، ولسانها كالشوك لو لمسته لقتلته فينجو منها بعدوة، ومنها ما يلد خارج البحر ثم يرجع إلى البحر فيربى أولاده بالنظر إليها .. وسبحان الله القادر الكريم .. {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} (¬1). هذا ما فطرت عليه الأنواع الحية السافلة فيكون ما فطر عليه الإنسان أرقى من هذا بحسب ضرورياته ولا يحكم على الإنسان أنه عاقل حتى يدرك عقله ما هو ظاهر فى الكائنات من الآيات القائمة على وحدانية الله - سبحانه وتعالى - فإذا لم يدرك هذا حكم على نفسه بأنه أخس من البهائم لأنهم لا يعقلون إلا بالعقل المكتسب الذى دعت إليه الضرورة ثم أنها تعمل ما يُعجز الإنسان. وهنا أشير إلى أن .. عالم النبات أكمل وأعظم فى نيل ضرورياته من الإنسان، فإنك ترى فى النباتات الصغيرة أنها تتحول إلى الشمس عند شروقها وتدور معها إلى غروبها وترى الأشجار الضخمة أول فرع منها يتجه حيث شروق الشمس والفرع الثانى إلى غروبها حتى لا يضر أخاه بظله، والفرع الثالث يرتفع إلى أعلى، وكل ذلك لتتمتع الشجرة بحرارة الشمس ونورها وكل نبات يكون فى ظل يمتد رأسه ناحية الشمس. ولذلك فإنك ترى بعض النخيل إذا كان بجانب نخلة تحجب عنه يميل شرقاً أو غرباً وترى فى الشجرة الواحدة أزهاراً إناثاً فيلقح بعضه بعضا. ¬

_ (¬1) سورة طه - الآية 50.

من هنا يتضح .. أن ما بلغ إليه الإنسان مما يقولون عليه مدنية واختراعاً وتفوقاً، كل ذلك مفطور عليه الإنسان كما فطرت عليه الحيوانات والنباتات ولذلك يقول الله - عز وجل - {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} (¬1) .. نفى الله - سبحانه وتعالى - عنهم العقل الذى يعقل عن الله مع أن الإنسان من لدن آدم وهو آخذ فى الرقى حتى أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها لجهلهم بأنفسهم وبربهم أنهم قادرون عليها .. والحقيقة أنهم ما عقلوا شيئاً لأن الذى عقلوه من الصناعات والفنون والزخارف والعلوم المتعلقة بظاهر الحياة الدنيا لا تخرج محصلتها عن أنه نوع من أنواع البهائم الراقية كالقردة والنسانيس والنمل والنحل والخيل والطيور الرحالة والعاقل من عقل عن الله أمره ونهيه (¬2). ***** ¬

_ (¬1) سورة البقرة - الآية 170. (¬2) انظر كتاب أسرار القرآن - الجزء الثانى - مجلة المجاهد - العدد 133.

قطوف من بستان الدعوة إلى الله

قطوف من بستان الدعوة إلى الله الدين .. ! قال تعالى {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} (¬1). وقال تعالى {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (¬2). ... يطلق لفظ الدين على العادة والشأن وهو نظام الحياة (¬3) .. (وهذا فى اللغة) .. أما فى الاصطلاح الإسلامى .. وضع إلهى شرعى لإسعاد البشرية فى معاشهم ومعادهم أى فى حياتهم فى الدنيا والآخرة. يقول الله - عز وجل - {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ¬

_ (¬1) سورة آل عمران - من الآية 19. (¬2) سورة آل عمران - الآية 85. (¬3) تفسير القرطبى - 1/ 144.

* قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} (¬1). وقال الله - عز وجل - {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (¬2). وعن مفهوم الدين يقول الشيخ طه عبد الستار (¬3): الدين: هو امتثال الأمر مع النفع أو الضر مع الحب والكراهية. ولكن الإنسان إذا جاءه الضر يأتى التردد والريب .. فإبراهيم - عليه السلام - عندما أمره ربه أن يترك هاجر بوادٍ غير ذى زرعٍ .. إذا حكَّم عقله ما فعل ولكنه امتثل الأمر دون تفكير ودون تردد .. وكذلك عندما أمره بذبح ولده إسماعيل - عليه السلام -، ما تردد .. وكذلك إسماعيل عليه السلام حينما عرض عليه أبيه الرؤيا ما حكم عقله وما تردد، وقال لأبيه علي الفور، كما قال تعالي: يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} (¬4). ¬

_ (¬1) سورة طه – الآيات 123: 126. (¬2) سورة النحل - الآية 97. (¬3) أحد مشايخ التبليغ والدعوة بمصر. (¬4) سورة الصافات - الآية 102.

وصية الصديق - رضي الله عنه -.

وصية الصديق - رضي الله عنه - أخرج ابن جرير الطبرى من طريق سيف: أن أبا بكر مرض بعد مخرج خالد - رضي الله عنه - إلى الشام مرضته التى مات فيها بأشهر فقدم المثنى - رضي الله عنه - وقد أشفى وعقد لعمر - رضي الله عنه - فأخبره الخبر، فقال علىَّ بعمر. فجاء، فقال له: اسمع يا عمر! ما أقول لك ثم اعمل به إنى لأرجو أن أموت من يومى هذا - وذلك يوم الاثنين - فإن أنا مت فلا تمسين حتى تندب الناس مع المثنى، ولا تشغلنكم مصيبة وإن عظمت عن أمر دينكم ووصية ربكم وقد رأيتنى متوفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما صنعت ولم يصب الخلق بمثله وبالله! لو أنى آنى عن أمر الله - عز وجل - وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - لخذلنا ولعاقبنا فأضرمت المدينة ناراً (¬1). فرحم الله أبا بكر - رضي الله عنه - كان حريصاً على الإسلام وأهله حتى عند موته .. فليت كلٌ منا أبا بكر الصديق. ***** ¬

_ (¬1) حياة الصحابة - باب الجهاد - 1/ 415.

وصية جندب - رضي الله عنه -.

وصية جندب - رضي الله عنه - عن يونس بن جبير قال: شيعنا جندباً، فقلت له: أوصنا. قال: أوصيكم بتقوى الله، وأوصيكم بالقرآن، فإنه نورٌ بالليل المظلم وهدىً بالنهار، فاعملوا به على ما كان من جهد وفاقه، فإن عرض بلاء .. فقدم مالك دون دينك، فإن تجاوز البلاء فقدم مالك ونفسك دون دينك، فإن المخروب من خرب دينه، والمسلوب من سلب دينه، واعلم أنه لا فاقه بعد الجنة، ولا غنى بعد النار. وقيل: إذا الايمان ضاع فلا أمان ... ولا دنيا لمن لم يحيى ديناً ومن رضى الحياة بغير دين ... فقد رضى الفناء له قريناً *******

أذهله أمر آخرته

أذهله أمر آخرته عن موسى بن طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه - قال: خطب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أم أبان بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس فأبته فقيل لها ولمَ .. ؟ قالت: إن دخل دخل ببأس، وإن خرج خرج ببأس، أذهله أمر آخرته عن أمر دنياه كأنه ينظر إلى ربه بعينيه. ثم خطبها الزبير بن العوام فأبته فقيل لها ولمَ؟ قالت: ليس لزوجته منه إلا الإشارة فى قراملها. ثم خطبها على فأبت فقيل لها ولمَ قالت: ليس لزوجته منه إلا قضاء حاجته ويقول كيت وكيت وكان وكان. ثم خطبها طلحة فقالت زوجى حقاً. قالوا: وكيف ذلك. قالت: إنى عارفة بخلائقه، إن دخل دخل ضاحكا، ً وإن خرج خرج بساما، ً إن سألت أعطى وإن، سكت ابتدأ، وإن عملت شكر، وإن أذنبت غفر. فلما ابتنى بها قال على: يا أبا محمد إن أذنت لى أن أكلم أم أبان. قال: كلمها، قال: فأخذ بسجف الحجلة ثم قال: السلام عليكم يا عزيزة نفسها قالت وعليك السلام قال خطبك أمير المؤمنين فأبيتيه، قالت قد كان ذلك وخطبك الزبير ابن عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأحد حواريه فأبيتيه قالت قد كان

ذلك، وخطبتك أنا وقرابتى من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأبيتينى، قالت: قد كان ذلك، قال: أما والله لقد تزوجتى أحسننا وجهاً وأبذلنا كفاً، يعطى هكذ وهكذا (¬1). وروى عن عامر بن ربيعة أنه نزل به رجل من العرب فأكرم عامر مثواه وكلم فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءه الرجل فقال: إنى استقطعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وادياً فى العرب وقد أردت أن أقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك من بعدك، فقال عامر لا حاجة لى فى قطيعتك، نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} (¬2) (¬3). ***** ¬

_ (¬1) مستدرك الحاكم – كتاب معرفة الصحابة – باب مناقب طلحة بن عبيد الله - 3/ 377. (¬2) سورة الحج - الآية 78. سورة الأنبياء - الآية 1. (¬3) مختصر تفسير بن كثير - 2/ 501.

عبرة.

عبرة عن جبير بن نفير - رضي الله عنه - قال: لما فُتحت قبرص فُرق بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض فرأيت أبا الدرداء جالساً وحده يبكى فقلت: يا أبا الدرداء ما يبكيك فى يوم أعزَّ الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال: ويحك يا جبير! ... ما أهون الخلق على الله إذا تركوا أمره. بينما هى أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى ". أخرجه أبو نعيم فى الحلية وابن جرير الطبرى فى تاريخه (¬1). ***** ¬

_ (¬1) حياة الصحابة - باب أسباب النصرة الغيبية - الاعتبار بحال من ترك أمر الله - 3/ 689

صلاح الأحوال.

صلاح الأحوال قال تعالى {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (¬1). وقال تعالى {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُه} (¬2). ... كل ما يصيب الإنسان من الأحوال السارة، ومن الأحوال الضارة ومن الأحوال الحسنة، ومن الأحوال السيئة من الله - سبحانه وتعالى -. وإتيان الأحوال للإنسان سواء سارة أو ضارة تكون تبعاً للأعمال، فالله - عز وجل - ربط الأحوال بالأعمال لا بالأشياء المادية لا وجوداً ولا عدماً، فإذا صلحت الأعمال صلحت الأحوال، وإذا فسدت الأعمال فسدت الأحوال. فالله - عز وجل - أذل فرعون فى ملكه، وملكه لم ينجه من الخسران المبين، وأذل قارون فى ماله، وماله لم ينجه من الخسران المبين. بل العكس بنى إسرائيل ليس معهم شئ والله - عز وجل - أعزهم، وليس كل من يكون معه الملك أو المال يكون فى الذلة، وليس كل من فى الفقر والمسكنة يكون فى العزة، وسليمان وداود عليهما السلام فى الملك والمال والله كتب لهما الفلاح، ¬

_ (¬1) سورة النحل - 97. (¬2) سورة فاطر - من الآية 10.

فليس مدار صلاح الأحوال على الفقر أو الغنى، إنما مدار صلاح الأحوال وفسادها بالأعمال. فالله - عز وجل - ربط الأحوال بالأعمال، وربط الأعمال بالأعضاء والجوارح، وجعل ترتيب صلاح الأعضاء والجوارح مربوط بصلاح القلب. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ألا إن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب " متفق عليه (¬1). فإذا كان القلب متعلقاً بالله تعالى مقبلاً على الآخرة، فيتحصل على نور الهداية من الله تعالى، والقلب عندما يتوجه إلى الله تعالى ويتعلق بالله تعالى يصير صاحبه متديناً، فإذا اشتغل بالتجارة يتحصل ثواب كثير، وتكون التجارة سبباً لسعادته فى الدنيا والآخرة فعن أبى سعيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء " رواه الترمذى والدارقطنى ورواه ابن ماجة عن ابن عمر (¬2). وإذا زرع الأرض، الله يعطيه على كل حبة ثواب الصدقة فعن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه إنسان أو طيراً أو بهيمة إلا كانت له صدقة ". متفق عليه (¬3). ¬

_ (¬1) رياض الصالحين - باب الورع وترك الشبهات. (¬2) مشكاة المصابيح - باب المساهلة فى المعاملات - 2/ 851. (¬3) مشكاة المصابيح - باب فضل الصدقة - 1/ 595.

وإذا وضع اللقمة فى فىَّ امرأته يأجر عليها ويتحصل على ثواب الصدقة كما فى حديث سعد بن أبى وقاص - رضي الله عنه - الطويل - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: " وإنك لن تُنفق نفقة تبتغى بها وجه الله إلا أجرت بها حتى ما تجعل فى فىَّ امرأتك ". متفق عليه (¬1). وإذا يأتى امرأته يأجر عليها ويتحصل على ثواب الصدقة كما فى الحديث عن أبى ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وفى بضع أحدكم صدقة. قالوا يا رسول الله: أيأتى أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم إن وضعها فى حرام، أكان عليه وزر؟ فكذلك، إذا وضعها فى الحلال كان له أجر. رواه مسلم (¬2). وإذا أنفق الأموال على عياله وأهل بيته يأخذ أجر المجاهد فى سبيل الله كما فى الحديث عن كعب بن عجرة - رضي الله عنه - قال: مر على النبى - صلى الله عليه وسلم - رجل فرأى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جلده ونشاطه فقالوا: يا رسول الله: لو كان هذا فى سبيل الله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن كان خرج يسعى على أولاد صغار فهو فى سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو فى سبيل الله، وإن كان خرج رياءً ومفاخرة فهو فى سبيل الشيطان " رواه الطبرانى (¬3) (¬4) ¬

_ (¬1) رياض الصالحين - باب الإخلاص وباب النفقة على العيال. (¬2) مشكاة المصابيح - باب فضل الصدقة - 1/ 495. (¬3) المتجر الرابح فى ثواب العمل الصالح. (¬4) من كلام الشيخ محمد عمر البالمبورى.

المنافع مع الدين الكامل.

المنافع مع الدين الكامل الله ربط المنافع مع الدين الكامل (العزة - النصرة - الحفاظة - الرزق الطيب - قضاء الحوائج - حل المشاكل) وجميع المواعيد فى القرآن على الإيمان الكامل وحقائقه ظاهراً وباطناً. الحياة الطيبة بالإيمان: قال الله - عز وجل - {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (¬1). الفلاح بالإيمان: قال الله - عز وجل - {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ .. الخ} (¬2). العزة بالإيمان: قال الله - عز وجل - {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} (¬3). ¬

_ (¬1) سورة النحل - الآية 97. (¬2) سورة المؤمنون - الآية 1 - 11. (¬3) سورة المنافقون - الآية 8.

العلو بالإيمان: قال الله - عز وجل - {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (¬1). النجاة بالإيمان: قال الله - عز وجل - {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} (¬2). 6) المدافعة عن الشر بالإيمان: قال الله - عز وجل - {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} (¬3). 7) الفضل الكبير بالإيمان: قال الله - عز وجل - {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً} (¬4). 8) المغفرة والأجر العظيم بالإيمان: قال الله - عز وجل - {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} (¬5). ¬

_ (¬1) سورة آل عمران - الآية 139 (¬2) سورة الأنبياء - الآية 88. (¬3) سورة الحج - الآية 38. (¬4) سورة الأحزاب - الآية 47. (¬5) سورة الفتح - الآية 29.

9) النصرة بالإيمان: قال الله - عز وجل - {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} (¬1). وقال الله - سبحانه وتعالى - {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (¬2). وقال {- سبحانه وتعالى - فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} (¬3). وقال {- سبحانه وتعالى - وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} (¬4). يقول ابن القيم: فمن نقص إيمانه نقص نصيبه من النصر والتأييد ولهذا إذا أصيب العبد بمصيبة فى نفسه وماله أو بإدالة عدوه عليه، فإنما هى بذنوبه أو بترك واجب أو فعل محرم وهو من نقص إيمانه. يقول الله - عز وجل - {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} (¬5) فإذا ضعف الإيمان صار لعدوهم عليهم من السبيل بحسب ما نقص من إيمانهم، فهم ¬

_ (¬1) سورة غافر، الآية 51. (¬2) سورة الروم، الآية 47. (¬3) سورة الصف - من الآية 14. (¬4) سورة الصافات – الآيات 171: 173. (¬5) سورة النساء - من الآية141.

جعلوا له عليهم من السبيل بما ترك من طاعة الله - عز وجل -، فالمؤمن عزيز .. غالب .. منصور .. مكفى .. مدفوع عنه بالذات أينما كان ولو اجتمع عليه من بأقطارها، إذا قام بحقيقة الإيمان وواجباته ظاهراً وباطناً .. فقد قال الله - سبحانه وتعالى - {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً * سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} (¬1) وقال تعالى {وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} (¬2) والعاقبة فى الدنيا والآخرة لأنه ذكر ذلك عقيب قصة نوح وصبره على قومه فقال تعالى {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} (¬3) أى عاقبة النصر لك يا محمد ولأمتك من بعدك كما كانت لنوح - عليه السلام - ومن آمن معه. قال تعالى {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (¬4) (¬5). ¬

_ (¬1) سورة الفتح – الآيتان 22، 23 (¬2) سورة طه من الآية132. (¬3) سورة هود – الآية 49 (¬4) سورة آل عمران – الآية 120. (¬5) إغاثة اللهفان من مكائد الشيطان لابن القيم.

10) الأمن بالإيمان: قال الله - عز وجل - {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (¬1). 11) المودة والمحبة بالإيمان: قال الله - عز وجل - {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} (¬2). 12) التثبيت عند الشدائد بالإيمان: قال تعالى {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} (¬3). 13) النجاة من الخسران بالإيمان: قال تعالى {: ... وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا ¬

_ (¬1) سورة الأنعام - الآية 82. (¬2) سورة مريم - الآية 96. (¬3) سورة ابراهيم – الآية 27.

وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (¬1). 14) صلاح البال وتكفير السيئات بالإيمان: قال تعالى {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} (¬2). 15) ولاية الله تعالى لعبده بالإيمان: قال تعالى {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} (¬3). 16) الاستخلاف فى الأرض، والتمكين، وتبديل الأمن بالخوف بالإيمان: قال الله - عز وجل - {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (¬4). ¬

_ (¬1) سورة العصر. (¬2) سورة محمد – الآية 2. (¬3) سورة البقرة - من الآية 257. (¬4) سورة النور - الآية 55.

17) الجنة بالإيمان: قال الله - عز وجل - {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً} (¬1). 18) معية الله - عز وجل - بصفات الإيمان: قال الله - عز وجل - {وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} (¬2). قال الله - عز وجل - {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (¬3). قال الله - عز وجل - {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (¬4). قال الله - عز وجل - {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} (¬5). قال الله - عز وجل - {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (¬6). تأمل معى .. فى الدنيا الوعود غير يقينية: - ليس كل من سافر يرجع بالمال. ¬

_ (¬1) سورة الكهف - الآية 107. (¬2) سورة الأنفال – الآية 19. (¬3) سورة العنكبوت – الآية 69. (¬4) سورة البقرة – الآية 153. (¬5) سورة النحل – الآية 128 (¬6) سورة البقرة – الآية 194.

- ليس كل من يتزوج يرزق بالولد. - ليس كل من يرمى حبة فى الأرض تعطى شجرة. - ولكن وعد الله - سبحانه وتعالى - الغيبى اليقينى الإيمانى على الأعمال يتحقق: - قال الله - عز وجل - {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (¬1). - الذى لدغته عقرب .. قال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لقيت من عقرب لدغتنى البارحة .. " أما إنك لو قلت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضرك شئ " (¬2) - أبو أمامة .. يجلس فى المسجد فى غير الصلاة فيسأله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جلوسه فيقول هموم لزمتنى وديون علىًّ، فيعلمه الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - الدعاء " اللهم إنى أعوذ بك من الهم والحزن .. وأعوذ بك من العجز والكسل .. وأعوذ بك من الجبن والبخل. وأعو ذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال ". قال ففعلت فأذهب الله همى وقضى عنى دينى (رواه أبو داود عن أبى سعيد الخدرى) (¬3) ¬

_ (¬1) سورة الطلاق - الآيتان 2 - 3. (¬2) رياض الصالحين – باب الذكر عند الصباح والمساء. (¬3) حياة الصحابة - 3/ 380.

- ولكن الدعاء بالكيفية الصحيحة فالذى صلى بغير الكيفية الصحيحة بماذا نصحه المصطفى .. صلِّ فإنك لم تصلِّ .. والذى يدعوا بدون اليقين على وعد الله - عز وجل - نقول له ادعو فإنك لم تدعو. - فنحن نخرج حتى يأتى فى حياتنا الدين الكامل وليس جزء من الدين. - متى يتحصل على المحصول؟ بعد استواء الزراعة فنحن نتحصل على المحصول فى الآخرة ولكن فى الدنيا (بركات الدين). - من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً ومن كل هم فرجا ورزقه من حيث لا يحتسب (رواه أبو داود عن ابن عباس) (حديث شريف) (¬1). - أنفق يا ابن آدام ينفق عليك .. (متفق عليه) (حديث قدسى) (¬2). - قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} ونجد من يقرأ هذه الآية السابقة، وبعدها مباشرة يقول الناس لبعضهم .. ماذا نفعل فى هذا الزمن .. ؟ البنت محتاجة عشرة آلاف جنيه والولد كذا وكذا .. والصحابة أكلوا ورق الشجر وما اشتكوا .. هذا فرق ما بيننا وبينهم .. إذن .. فنحن نخرج مجاهدة فى سبيل الله وإتباعاً لرسوله - صلى الله عليه وسلم - حتى يصدق القلب ويتيقن على موعود الله - سبحانه وتعالى -. ¬

_ (¬1) رياض الصالحين - باب الاستغفار. (¬2) المرجع السابق - باب الكرم والجود والإنفاق.

الحقائق الغيبية.

الحقائق الغيبية - ميدان الدعوة يكشف عن الحقائق الغيبية. - بعدم النور لا يعلم حقيقة الأعمال ونفعها. - الذى وعظ أخاه فى الحياء .. قال له النبى المصطفى الكريم - صلى الله عليه وسلم - .. دعه فإن الحياء لا يأتى إلا بخير. - قبولية أوامر الله جاءت فى قلوبهم بعد حصول النور ولذلك بدأوا يسألون. قال الله - عز وجل - {يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ .. } (¬1). وقال الله - عز وجل - {يَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ .. } (¬2). وقال الله - عز وجل - {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ .. } (¬3). وقال الله - عز وجل - {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ .. } (¬4). وقال الله - عز وجل - {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ .. } (¬5). بدأوا يسألون بعد أن تهيأت القلوب لاستقبال أوامر الله - عز وجل -. ¬

_ (¬1) سورة البقرة - الآية 189. (¬2) سورة البقرة - الآية 215. (¬3) سورة البقرة - الآية 216. (¬4) سورة البقرة - الآية 219. (¬5) سورة البقرة - الآية 222.

التكاليف والأوامر

التكاليف والأوامر جميع التكاليف والأوامر فى وسع النفس وفى مقدور النفس الإنسانية ولكن تتفلت بعض الأوامر والتكاليف منا لأن القلوب غير جاهزة للتلقى. مثال: الترعة عندما يطفو الماء فيها ولا تحمل الماء كله تعلم أن الترعة جاء فيها الأشجار والأحجار فلا بد من تطهيرها ثم بعد ذلك تجدها تسع الماء .. فكذلك عندما نرى الأوامر قد خرجت من نطاق التطبيق نعلم أن القلب دخل فيه أشياء وتغير (¬1). ***** ¬

_ (¬1) من كلام الشيخ حسن نصر.

مصحة إيمانية

مصحة إيمانية على مدار اليقين يتعامل الإنسان مع الأعمال الإيمانية مثال: على مدار الصحة يتعامل الإنسان مع الأشياء المادية يركب الدراجة ويحمل الأثقال ... الخ. وعندما تخرج الصحة ويمرض يصبح غير قادر على أن يقوم من مكانه ولكن لو عالجته بعد ذلك يقوم ويتعامل مرة أخرى. فالآن هو طريح الهوى وترك طريق الهدى (فهو لا يصلى الفجر .. لا يقوم الليل .. لا يبر والديه .. لا يكظم غيظه ... الخ) (¬1). ******* ¬

_ (¬1) من كلام الشيخ حسن نصر.

هل أنت مؤمن .. ؟!

هل أنت مؤمن؟! سُئل الإمام الحسن البصري رحمه الله: هل أنت مؤمن؟ فأجاب: الإيمان إيمانان: إن كنت تسألنى عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. فأنا مؤمن. وإن كنت تسألنى عن الإيمان الذى ذكره الله - عز وجل - فى الآية: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (¬1) .. فلا أدرى أنا منهم أم لا. ***** ¬

_ (¬1) سورة الأنفال - الآية 2.

من أجود جودا .. ؟

من أجود جوداً .. ؟ عن أنس ابن مالك - رضي الله عنهم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل تدرون من أجودُ جوداً؟ قالوا الله ورسوله أعلم. قال: الله تعالى أجودُ جوداً، ثم أنا أجود بنى آدم وأجودهم من بعدى رجل علم علماً فنشره يأتى يوم القيامة أميراً وحده أو قال أمة وحده (¬1). ***** ¬

_ (¬1) رواه البيهقى فى شعب الإيمان وأبو يعلى.

سنة الحركة والترك

سنة الحركة والترك سيدنا إبراهيم - عليه السلام - ترك وطنه فى العراق وذهب إلى مصر وإلى الشام " فلسطين " وإلى الحجاز " مكة " وهذه البلاد كان يسكنها الناس كلهم وتسمى بلاد العالم القديم. وحتى يتعلم إبراهيم - عليه السلام - اليقين على الله - عز وجل - أمره بالصعود إلى الجبال {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (¬1). سيدنا موسى - عليه السلام - عندما سئل عن أعلم الناس قال أنا فعتب عليه ربه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى إليه أن لى عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك .. فأمره بالذهاب إليه والتعلم على يده وأمره بالصبر (¬2). وكذلك .. ذو القرنين .. تحرك فى العالم. ¬

_ (¬1) سورة البقرة - الآية 260. (¬2) انظر قصص الأنبياء - ابن كثير.

وكذلك .. الرجل التائب الذى قتل مائة نفس وحركتة إلى القرية الصالحة من أجل التوبة (¬1). وكذلك .. نجد أن حركة النبى - صلى الله عليه وسلم - والصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين – إلى تبوك فى حين أن الثمار قد طابت على النخيل وقد أمره الله - عز وجل - بالخروج مع علمه السابق بأنه لا يكون هناك قتال وسيتم الصلح .. ومع ذلك أمرهم الله - عز وجل - بالحركة .. ومن تخلف أصبح منافقاً .. وغضب الله عليه. وأركان الإسلام فيها ترك. فمثلاً .. لا إله إلا الله .. ترك كل الآلهة إلا الله جل جلاله (لا معبود بحقٍٍ إلا الله). محمدٌ رسول الله .. نترك جميع طرق الأغيار (اليهود، النصارى، المشركين، المجوس، الملحدين ... ) ونتبع طريق النبى - صلى الله عليه وسلم -. الصلاة .. أثناء الصلاة نترك جميع الأسباب .. (الطعام، الشراب، العمل، .. ). ¬

_ (¬1) انظر رياض الصالحين - باب التوبة

الزكاة .. نترك شئ من المال الحلال الذى بلغ النصاب .. للطهر والتزكية قال الله - عز وجل - {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (¬1). الصوم .. ترك (الطعام، الشراب، الجماع) مع كونهم حلال .. الحج .. ترك الوطن والوظيفة والأهل والولد .. حتى نخلع ملابسنا ونلبس لباس الإحرام .. ***** ¬

_ (¬1) سورة التوبة - الآية 103.

من جميل ما يروى فى الحلم.

ومن جميل ما يروى فى الحلم .. أن معن بن زائدة الشيبانى لما ذاع صيته فى البقاع وتناقل الناس ما اتصف به من الحلم وسعة الصدر حتى فى أحرج المواقف التى تهيج فيها الصدور .. تراهن أعرابى مع آخرين على أن يغضبه مقابل مائة بعير يأخذها منهم وإذا أخفق دفع لهم مثلها .. فدخل عليه وهو والى على العراق من غير تحية: أتذكر إذ لحافك جلد شاه ... وإذ نعلاك من جلد البعير قال معن: أذكره ولا أنساه. فقال الأعرابى: فسبحان الذى أعطاك ملكاً ... وعلمك الجلوس على السرير فقال معن: إن الله يعز من يشاء ويذل من يشاء. فقال الأعرابى: فلست مسلماً ما عشتُ دهراً ... على معن بتسليم الأمير فقال معن: السلام خير وليس فى تركه ضير .. فقال الأعرابى: سأرحل عن بلاد أنت فيها ... ولو جار الزمان على الفقير فقال معن: فإن جاورتنا فمرحباً بالإقامة وإن جاوزتنا فمصحوباً بالسلامة. فقال الأعرابى: فجد لى يابن ناقصة بمال ... فإنى قد عزمت على المسير

فقال معن: أعطوه ألف دينار تخفف عنه مشاق الأسفار .. فأخذها الأعرابى وقال: قليل ما أتيت به وإنى ... لأطمع منك فى المال الكثير فثن (¬1) فقد آتاك الملك عفواً ... بلا عقل ولا رأى مستنير فقال معن: أعطوه ألفاً ثانياً كى يكون عنا راضياً. فتقدم الأعرابى إليه وقبل الأرض بين يديه وأنشد يقول: سألت الله أن يبقيك دهراً ... فما لك فى البرية من نظير فمنك الجود والإفضال حقاً ... وفيض يديك كالبحر الغزير فقال معن: أعطيناه ألفين على هجونا فليعط أربعاً على مدحنا. فقال الأعرابى: بأبى أيها الأمير .. فإنك نسيج وحدك فى الحلم ونادرة دهرك فى الجود ولقد كنت فى صفاتك ما بين مصدق ومكذب فلما بلوتك صدَّق الخُبر الخَبر وأذهب ضعف شكٍ قوة اليقين وما بعثنى على ما فعلت إلا مائة بعير جعلت لى على إغضابك. فقال له الأمير معن: لا تثريب عليك ووصله بمائتى بعير فأخذها وانصرف شاكراً (¬2). * * * * ¬

_ (¬1) أى اعطنى مرة ثانية. (¬2) مجلة الأزهر - عدد صفر 1418هـ.

حديث قدسى.

حديث قدسى قال داود فيما يخاطب ربه - عز وجل -: " يارب أى عبادك أحبُ إليك أحبه بِحُبك .. قال: يا داود أحبُ عبادي إلىَّ تقى القلب .. نقى الكفين .. لا يأتى إلى أحد سوءاً ولا يمشى بالنميمة .. تزول الجبال ولا يزول .. أحبنى وأحب من يحبنى وحببنى إلى عبادي. قال: يارب! إنك تعلم أنى أحبك وأحب من يحبك فكيف أحببك إلى عبادك؟ قال: ذكرهم بآلائى وبلائى ونعمائى. يا داود: إنه ليس من عبدٍ يعين مظلوماً أو يمشى معه فى مظلمته إلا أثبت قدمه يوم تزول الأقدام ". رواه البيهقى وابن عساكر عن ابن عباس رضى الله عنهما *****

رسالة عبد الله بن المبارك .. إلى .. فضيل ابن عياض

رسالة عبد الله بن المبارك إلى فضيل ابن عياض يا عابد الحرمين لو أبصرتنا ... لعلمت أنك فى العبادة تلعبُ من كان يخضب خده بدموعه ... فنحورنا بدماءنا تخضبُ أو كان يتعب خيله فى باطلٍ ... فخيولنا يوم الصبيحة تتعبُ ريح العبير لكم ونحنُ ... عبيرنا وهج السنابك والغبار الأطيبُ ولقد آتانا من فعال نبينا ... قول صحيح صادق لا يكذبُ لا يستوى غبار خيل الله ... فى أنف امرئ ودخان نارٍ تلهب وهذا كتاب الله ينطق بيننا ... ليس الشهيد بميت لا يكذبُ فلما قرأ الفضيل الأبيات ذرفت عيناه ثم قال .. صدق أبو عبد الرحمن ونصح (¬1) .. ***** ¬

_ (¬1) سورة الحج - الآية 78. تاريخ الإسلام - ترجمة عبد الله بن المبارك - 5/ 301.

جهد الأعلى وجهد الأدنى.

جهد الأعلى وجهد الأدنى قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} (¬1). يقول الشيخ إلياس (رحمه الله): إن جاء النقص فى الأدنى بالانشغال بالأعلى فهذا النقص ينجبر .. والعكس لا ينجبر، يعنى إذا انشغلنا فى حق الله وجاء النقص فى أى حق من حقوق الآباء .. الزوجات .. فهذا النقص ينجبر .. وهذا الشئ تجلى واضحاً فى قصة جريج العابد وكان رجلاً عابداً فاتخذ صومعة فكان فيها فأتته أمه وهو يصلى فقالت: يا جريج. فقال: (يارب أمى وصلاتى) ولم يخرج من صلاته ليكلم أمه لأنه كان عابد وليس بعالم يعرف الحكم فالله نجاه وأنطق الصبى فى المهد وجُبر التقصير فى حق أمه عندما قام بحق الله - عز وجل - (وقالوا نبنى لك صومعتك بالذهب). قال: لا .. بل بالطين .. (¬2). وسيدنا سعد عندما قالت له أمه لتدعنَّ دينك هذا أو لا آكل ولا آشرب حتى أموت فتعير بى فيقال: يا قاتل أمه، فقلت: لا تفعلى يا أمه فإنى لا أدع دينى هذا لشئ، فمكثت يوماً وليله لا تأكل فأصبحت قد جهدت فمكثت يوماً آخر وليلة لا تأكل فأصبحت وقد اشتد جهدها. قال: فلما رأيت ذلك، ¬

_ (¬1) سورة الإسراء - الآية 23. (¬2) انظر قصة جريج - رياض الصالحين - باب ضعفة المسلمين والفقراء والخاملين.

قلت: تعلمين والله يا أماه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت دينى هذا لشئ فكلى وإن شئت فلا تأكلى. فلما رأت ذلك أكلت (¬1). ***** ¬

_ (¬1) مختصر تفسير ابن كثير.

الأسباب للاختبار والامتحان

الأسباب للاختبار والامتحان يقول الشيخ / محمد عمر البالمبورى (رحمه الله): نشتغل فى الأسباب الظاهرية ولكن لا نتكل عليها ونتوكل على الله تعالى. الاشتغال فى الأسباب الظاهرية ليس ممنوع ولكن الاتكال على الأسباب الظاهرية ممنوع فنتجرد عن الأسباب والوسائل بحسب الاتكال، لا بحسب الاشتغال، نشتغل فى مشاغلنا الكسبية والبيتية، ونشتغل فى الأسباب الظاهرية فالله عز وجل ما منعنا أن نشتغل فى الأسباب الظاهرية. قال الله - عز وجل - لنوح - عليه السلام -: {اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} (¬1). وقال لداود - عليه السلام - {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} (¬2). وقال تعالى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} (¬3). وقال تعالى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} (¬4) والرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - فى غزوة أحد لبس درعين من حديد. ¬

_ (¬1) سورة المؤمنون - من الآية 27. (¬2) سورة الانبياء - الآية 80. (¬3) سورة البقرة - من الآية29. (¬4) سورة لأنفال - من الآية60.

عُلِمَ من ذلك أن الله سبحانه وتعالى لم يمنعنا من الاشتغال بالسبب الظاهرى فلو جاء علينا الجوع فعلينا أن نأكل قال تعالى {كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ} (¬1). ونحتاج إلى الزوجة فنتزوج فالله - سبحانه وتعالى - يقول لنا {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} (¬2). وإذا رزقنا بالمولود فالله يقول {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (¬3) وقال تعالى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} (¬4). من جميع الآيات السابقة عُلِمَ أن الله تعالى ما منعنا من الاشتغال بالأسباب الظاهرية ولكن الله تعالى منعنا من الاتكال على الأسباب الظاهرية. وكيف يُعْلَم ذلك .. ؟ بالامتحان. قال تعالى {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} (¬5). كيف الله - عز وجل - يمتحن عبده؟ ¬

_ (¬1) سورة البقرة - من الآية 60. (¬2) سورة النساء - من الآية 3. (¬3) سورة البقرة - من الآية 233. (¬4) سورة الطلاق - من الآية 6. (¬5) سورة العنكبوت – الآية 2.

الله - عز وجل - يأتى بأوامره، فالأوامر تصير بمقابلة الأسباب الظاهرية، فإذا امتثل الإنسان أوامر الله - عز وجل - وترك السبب الظاهرى، فهذا الإنسان قوى الإيمان، وإذا ترك أمر الله - عز وجل - بسبب الاشتغال بالأسباب الظاهرية فهذا الإنسان ضعيف الإيمان. والإنسان مكلف أن يتحصل سبب ظاهرى الذى فيه منافع وأن يتجنب الأسباب الظاهرية التى فيها مشقة يعنى: يتجنب الجوع ويأكل الطعام. يتجنب البرد ويلبس الثياب ليتحصل على الدفء. يتجنب الظلمة ويضيئ المصباح ليتحصل على النور. سيدنا موسى - عليه السلام - كان عنده سبب ظاهرى " العصا "، الله تعالى قال له: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} (¬1). فأجاب موسى - عليه السلام - {قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} (¬2). ... فالعصا سبب ظاهرى لتربية الغنم وصاحب الغنم، فجاءت المقابلة، أمر الله أمام سبب ظاهرى، قال {قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى} (¬3). ¬

_ (¬1) سورة طه – الآية 17. (¬2) سورة طه – الآية 18. (¬3) سورة طه – الآية 19.

لو يمتثل أمر الله - عز وجل - يترك سبب نافع، ولو يشتغل فى السبب النافع يترك أمر الله - عز وجل -. الآن صار مقابلة أمر الله - عز وجل - وبين سبب ظاهرى الذى فيه منافع، فسيدنا موسى - عليه السلام - كان فى قلبه أن النافع والضار هو الله - عز وجل -، والمعز والمذل هو الله - عز وجل -، وأن النجاح والخسارة من الله - عز وجل -، وأن هذه الأشياء المادية لا تنفعنا ولا تضرنا إلا بمشيئة الله تعالى. فجميع الأشياء المادية مثالها مثال (العصا) فالعصا لا تنفع ولا تضر إلا بمشيئة صاحب العصا، فعندما تكون العصا على الأرض لا تنفع ولا تضر، ولكن صاحب العصا أخذ العصا وضرب الشجر وأخذ الثمر وأعطانا الثمر فنحن نشكر صاحب العصا ولا نشكر العصا. ولو أن صاحب العصا غضب علينا، فأخذ العصا ثم ضربنا فنحن لا نعتب على العصا ونقول لماذا تضربينى يا عصا بل نعتب على صاحب العصا. فالملك والمال والتجارة والدكاكين والمزارع والبساتين .. الخ فكل هذا مثل العصا، والله - سبحانه وتعالى - هو الذى يستعمل العصا. فبعوضة واحدة عرجاء تكفى لإهلاك النمرود .. وذلك بعد إرادة الله تعالى. سيدنا موسى - عليه السلام - ما خاف عندما ترك العصا، ولكن الامتحان الصعب عندما

ألقاها تحولت حية، فهرب موسى - عليه السلام - {فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى} (¬1)، وقال تعالى {فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ} (¬2). فجاء الأمر من الله {قَال خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى} (¬3). ... فلما جاء أمر الله مقابلة ترك سبب نافع، فترك السبب النافع وامتثل أمر الله. ولما جاء أمر الله مقابلة أخذ سبب ضار فتحمل المشقة وأخذ السبب الضار. فكذلك الله - عز وجل - يعطينا الأمر: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (¬4). أنتم أنفقوا أموالكم مثل ترك العصا، ثم تحملوا مشقة أنفسكم مثل أخذ الحية، فإذا فعلتم ذلك فالله - عز وجل - يفعل معكم مثل ما فعل مع موسى - عليه السلام -، فموسى - عليه السلام - لما كان يلقى عصاه بإرادته فما كانت قوة العصا إلا لتربية الغنم وصاحب الغنم، ولما ألقاها بأمر الله - عز وجل - صارت هذه العصا سبباً لتربية الغنم وصاحب الغنم وتربية اثنا عشر أسباطاً، قال تعالى {: فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ ¬

_ (¬1) سورة طه - الآية 20. (¬2) سورة القصص – من الآية 31. (¬3) سورة طه – الآية 21. (¬4) سورة التوبة – الآية 41.

عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (¬1). ولما أتبعه فرعون بجنوده، قال تعالى {: فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ * فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} (¬2) كان رد موسى - عليه السلام -: {قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} (¬3). ماذا كانت النتيجة؟ {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ} (¬4). فأصبحت العصا سبباً لحفاظة موسى - عليه السلام - وقومه، وصارت هذه العصا سبباً لإحياء الدين. قال تعالى {فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} (¬5) ¬

_ (¬1) سورة البقرة - من الآية 60. (¬2) سورة الشعراء- الآيتان 60، 61. (¬3) سورة الشعراء – الآية 62. (¬4) سورة الشعراء – الآيات 63: 65. (¬5) سورة الشعراء - الآيات 45: 48.

قيل كانوا حوالى ستون ألفاً وآمنت زوجة فرعون. فعندما نترك أموالنا النافعة مثل ترك العصا بسبب أمر الله - عز وجل - ونتحمل مشقة أنفسنا مثل أخذ العصا، فكما وعد الله - عز وجل - موسى {قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى} (¬1).فالله - عز وجل - يوعدنا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (¬2). ***** ¬

_ (¬1) سورة طه – الآية 21 (¬2) سورة الصف _ الآيات من

هل نترك الأسباب؟!

هل نترك الأسباب؟! ترك الأسباب مع القدرة عليها معصية بل حرام رجل يستطيع أن يأكل ولم يأكل ومات فقد عصى الله - عز وجل -، وقتل نفسه، فعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته ومن أنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل " رواه أبو داود والترمذى عن ابن مسعود (¬1). وروى البيهقى فى شعب الإيمان عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من جاع أو احتاج فكتمه الناس كان حق على الله - عز وجل - أن يرزقه رزق سنه من حلال " (¬2). يعنى يفتح له باب الرزق. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت " رواه أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص ورواه الحاكم فى كتاب الزكاة وقال صحيح ووافقه الذهبى (¬3). إذا الأولاد تبكى من الجوع أصبح السعى للعمل فرض وأصبح عبادة لعفتهم وعفة زوجته، يكون سعى فى سبيل الله فعن كعب بن عجرة - رضي الله عنه - قال ¬

_ (¬1) رياض الصالحين - باب القناعة والعفاف والاقتصاد فى المعيشة. (¬2) مشكاة المصابيح - كتاب الرقاق - باب فضل الفقر وما كان من عيش النبى - صلى الله عليه وسلم -. (¬3) المرجع السابق - باب النفقة على العيال.

: مر على النبى - صلى الله عليه وسلم - رجل فرأى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جلده ونشاطه. فقالوا يا رسول الله: لو كان هذا فى سبيل الله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن كان خرج يسعى على أولادٍ صغار فهو فى سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو فى سبيل الله، وإن كان خرج رياءً ومفاخرة فهو فى سبيل الشيطان ". (رواه الطبرانى) (¬1). إنما الخطأ الذى يكنز ويريد أن يكون قارون صغير والكنز مسموح لمدة سنة فقط لما رواه مسلم عن عمر - رضي الله عنه - قال: كان أموال بنى النضير مما أفاء الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - مما لم يوجف عليه من خيل ولا ركاب، فكانت للنبى - صلى الله عليه وسلم - خاصة، فكان ينفق على أهله نفقة سنة وما بقى جعله فى الكراع والسلاح عدة فى سبيل الله - سبحانه وتعالى -. قال الإمام النووى (رحمه الله): أما الكراع فهو الخيل، وقوله ينفق على أهله نفقة سنة أى يعزل لهم نفقة سنة، ولكنه كان ينفقه قبل انقضاء السنة فى وجوه الخير فلا تتم عليه السنة، ولهذا توفى - صلى الله عليه وسلم - ودرعه مرهونة على شعير استدانه لأهله، ولم يشبع ثلاثة أيام تباعاً وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بكثرة جوعه - صلى الله عليه وسلم - وجوع عياله (¬2)، فكانوا ينفقون وينتظرون فرج الله - عز وجل -. الله يقضى حاجتك بدون الأسباب إذا كان الدين قرة عينك. ¬

_ (¬1) المتجر الرابح فى ثواب العمل الصالح – باب ثواب النفقة على الزوجة والعيال. (¬2) صحيح مسلم بشرح النووى – باب حكم الفيئ – 12/ 70.

الله يريد أن ننتفع بالأسباب الإيمانية الدعاء، الصلاة، مع وجود السبب المادى ولذلك لما جاءت الأسباب فى حياة الصحابة الكرام رضى الله عنهم ما تغيرت حياتهم لأن القلب صالح " نعمَّا المال الصالح للرجل الصالح " رواه الإمام البغوى فى شرح السنة عن عمرو بن العاص ورواه الإمام أحمد فى روايته قال: " نعم المال الصالح للرجل الصالح " (¬1). المال ما أفسد حياتهم (عطاء عائشة من معاوية 80 ألف درهم قبل الغروب ما بقى ولا درهم). لو جاء المال على صلاح القلب فإن المال للآخرة الله أغناهم بدينه. ***** ¬

_ (¬1) مشكاة المصابيح – باب رزق الولاه وهداياهم – 2/ 1106.

الجهد سببا للورع والتقوى.

الجهد سبباً للورع والتقوى سيدنا عبد الله بن المبارك كان والده يعمل حارساً فى بستان رجل يعتبر من ملوك الدنيا وجاء صاحب البستان إلى بستانه وقال يا مبارك أعطنى رمانه فجاءه بواحدة فوجدها حامضة فرماها وطلب أخرى فكانت كذلك، فقال تعمل فى البستان منذ سنين وما تعرف الرمان الحلو من الحامض. فقال مبارك: وكيف أعرف وأنا لم أذق منه شئ، فبعث إليه وزوجه ابنته فأنجب منها عبد الله بن المبارك العالم الورع الزاهد التقى. إذا جاء الجهد كان سبباً فى ورعك وتقواك. *****

عاطفة نشر الدين

عاطفة نشر الدين وقف عقبة بن نافع على شاطئ البحر الأبيض المتوسط وقال: لو أعلم وراء هذا البحر أحداً من الناس لخضته حتى أبلغه أمر الله. انتهت الأرض من تحت أقدامهم ولكن لم تنتهى عواطف نشر الدين من قلوبهم. *****

مهمة العلماء وعموم الأمة مثال لتوضيح هذا الأمر: مهمة كرات الدم الحمراء توصيل الغذاء إلى باقى الجسم ومهمة كرات الدم البيضاء مهاجمة الأعداء التى تريد الدخول إلى الجسم. والاثنين فى حركة مستمرة مما يعمل على تجديد الدم وكذلك أمة النبى صلى الله عليه وسلم مأمورة بالحركة والدعوة حتى تقوم بإيصال الغذاء الروحى إلى البشرية والعلماء مثل كرات الدم البيضاء للدفاع عن الأمة فى حالة الدعوة والاثنين فى حركة مستمرة مما يعمل على تجديد الإيمان عند الاثنين. *****

النفس النفس حجاب بين العبد وبين ربه وليس للإنسان الوصول إلى معرفة ربه إلا بقطع هذا الحجاب أى بمجاهدة نفسه فيظفر بحب ربه وإلا ظفرت به نفسه فأهلكته والنفس جبل عظيم شاهق وشاق فى طريق السير إلى الله - سبحانه وتعالى - وكل سائر إلي الله - عز وجل - لابد له من السير من على ذلك الجبل، فمن الناس من هو شاق عليه لأن فى هذا الجبل أودية وشوك ولصوص وقطاع طرق وحيات وعقارب فإذا لم يكن معه عُدد الإيمان ومصابيح اليقين توقد بزيت الإخبات فلا يمكن الوصول، وعلى قمة ذلك الجبل يجلس شيطان يخوفهم كلما هموا بالصعود ويقول لهم أين تذهبون الطريق وعر أمامكم .. (¬1) وراءكم الأولاد والوظائف، يعدهم الفقر إذا خرجوا ومع ضعف العزيمة وفساد النية يتولد الانقطاع، والمعصوم من عصمه الله - عز وجل -، ومن الناس من يجد الطريق شاق عليه فلم يتحرك خطوة واحدة، وعاش محبوس فى قفص شهواته فحجبته عن معرفة ربه فهو كذلك محجوب يوم القيامة {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} (¬2) ومنهم من خرج وهو فى الطريق نظر إلى ¬

_ (¬1) مدارج السالكين - 2/ 11. (¬2) سورة المطففين - الآية 15.

نفسه فلما نظر إلى نفسه حُرم التوفيق وكان له الخذلان فرجع ينظر إلى نفسه وما يتحصل عليه من الجاه حتى لو كان باسم الدين. لذلك نضحى ونجتهد ونخرج فى سبيل الله - عز وجل - ولا ننظر لأنفسنا فنسأل الله - سبحانه وتعالى - السداد والتوفيق والمعرفة والعصمة. وقال أحد سلفنا الصالح .. النفس كالدابة الحرون .. والإيمان مثل القائد .. والعمل مثل السائق .. فإن ضعف القائد نفرت من السائق، وكذلك إذا ضُعف السائق نفرت الدابة من القائد .. النفس كالرحى .. فالرحى إن أعطيتها ذرة تعطيك دقيق .. وإن أعطيتها حجارة تعطيك تراب .. كذلك النفس .. إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل .. سئل الشيخ إنعام الحسن (رحمه الله):هل هناك عدواً أشد من ... الشيطان .. ؟ فقال: النفس هى أشد عداوة للإنسان من الشيطان وإذا نريد أن نتغلب على النفس فعلينا بالجوع وتحمل المشاق فى سبيل الله ولذلك الله - سبحانه وتعالى - شرع لنا الصوم. الحريص على تأديب نفسه يقوم بالأعمال الصالحة، فإن فاته عمل يقوم بتأديته قضاءاً، مثل قيام الليل، لو فاته بالليل يؤديه فى النهار قبل صلاة الظهر. ويقول الشيخ إلياس (رحمه الله): إن أول مقتضى العلم أن يحاسب المرء نفسه، ويعلم ما عليه من الفرائض فيقيمها عليها، ويرى تقصيره فى

الدين فينجبر هذا التقصير، وأما من استغنى عن هذا فبدأ بسبب عمله يراقب غيره ويحصى أخطاءه ويحاسبه وينسى نفسه فحينئذٍ يقع فى الكبر الذى هو هلاك أهل العلم (¬1). ***** ¬

_ (¬1) كتاب ملفوظات الشيخ إلياس.

الصفات.

الصفات البيان الأول في صفة اليقين على الله - جل جلاله - لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كل غير الله بغير الله لا يفعل شيئاً، مثلاً: - الشمس بدون الله لا تستطيع أن تعطى الحرارة والضوء. - والعين بدون الله لا تستطيع أن تبصر. - والأذن بدون الله لا تستطيع أن تسمع. - واللسان بدون الله لا يستطيع أن يتكلم. - والرجل بدون الله لا تستطيع أن تمشى. - واليد بدون الله لا تستطيع أن تبطش. - والطعام بدون الله لا يستطيع أن يعطى الشبع. - والماء بدون الله لا يستطيع أن يعطى الرى. - والسحاب بدون الله لا يُعطي المطر.

- والشجر بدون الله لا يعطي الثمر. - والنحل بدون الله لا يُعطي العسل. - والجاموس والبقر بدون الله لا يُعطي اللبن. - والأرض بدون الله لا تُعطي الزرع. - وهكذا كل الأشياء بدون الله لا تستطيع أن تفعل شئ والله بغير غيره يفعل كل شئ .. يفعل ما يشاء على الوجه الذى يشاء فى الوقت الذى يشاء بقدرته وحده - سبحانه وتعالى - ولا يحتاج لأحدٍ من خلقه وهو الصمد (¬1). ***** ¬

_ (¬1) قال ابن مسعود - رضي الله عنه - .. اليقين: الإيمان كله. وقال بشر: لو تفكر الناس فى عظمة الله ما عصوه. وقال سفيان الثورى: لو أن اليقين وقع فى القلب كما ينبغى لطار اشتياقاً إلى الجنة وخوفاً من النار. (تاريخ الإسلام للذهبى – 4/ 558).

البيان الثاني: في صفة اليقين على الله - عز وجل -.

البيان الثاني في صفة اليقين على الله - جل جلاله - لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - المقصد: كيف يتبدل اليقين والعواطف والطريق من: 1) المخلوق إلى الخالق. 2) ومن الأشياء إلى الأعمال الصالحة. 3) ومن الدنيا إلى الآخرة. لأن كل إنسان يمشى تحت يقينه فعندما يتبدل اليقين من الأشياء والمال والذهب والمنصب يأتى فى القلب اليقين على ذات الله وقدرة الله وخزائن الله وعند ذلك يرى النظام الغيبى ويتيقن على الوعد والوعيد أى الجنة والنار لأن صفات الله - عز وجل - أعلى وأشرف لا تجتمع مع حب الدنيا فى قلبٍ واحد. الصحابة قبل الإسلام كان يقينهم على الأصنام ولكن لما قالوا لا إله إلا الله تبدل يقينهم على الله ففهموا أن كل الدنيا لا شئ ... والله سبحانه وتعالى كل شئ.

وأننا لا نتربى من الدكان والوظيفة والزراعة ولكن الذى يربينا هو الله - سبحانه وتعالى - ... العزة بيد الله - سبحانه وتعالى - ... والذلة بيد الله - سبحانه وتعالى - ... والصحة والمرض بيد الله - سبحانه وتعالى - ... والغنى والفقر بيد الله - سبحانه وتعالى - {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (¬1). وقال الله - سبحانه وتعالى - ... {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} (¬2). فالعزة والفلاح ليست فى الأشياء ولكن هى فى الحقيقة من خزائن الله ولكن الإنسان لا يرى إلا السبب الظاهرى مثال الإنسان ينظر إلى الحنفية هو يظن أن الماء من الحنفية ولكنها سبب والماء يأتى من الخزان وكذلك يظن أن الكهرباء من اللمبة ولكن الكهرباء من المحول وهكذا الإنسان ينظر إلى الحليب فيظن أنه من الجاموس ولكن الحليب يأتى من خزائن الله - عز وجل -. والقمح ليس من الأرض ولكن من خزائن الله - سبحانه وتعالى - والربح ليس من الدكان ولكن من خزائن الله - عز وجل -. الأسباب مثل العصا - العصا يضرب بها الرجل ولكن المضروب يقول للعصا لا تضربى ... ؟ - العصا لا تضرب ولكن الذى يضرب هو صاحب ¬

_ (¬1) سورة آل عمران - الآية 26. (¬2) سورة الذاريات – الآية 58.

العصا، كذلك الشفاء ليس من الدواء ولكن الشفاء من خزائن الله - عز وجل -، الجاموسة بعد الحليب تقول لصاحبها قل لا إله إلا الله، والدجاجة تصيح بعد وضع البيضة وتقول لصاحبها قل " لا إله إلا الله "، والدكان أحياناً يأتى بعكس السبب فيأتى بالخسارة بدل الربح والعلاج ممكن أحياناً يكون سبباً لزيادة المرض وكذلك الطعام. الجهد للدين فى الظاهر ينقص الدنيا ولكن فى الحقيقة من أقوى أسباب الرزق (¬1). ***** ¬

_ (¬1) الشيخ محمد يوسف - مؤلف حياة الصحابة.

البيان الثالث: في صفة اليقين على الله - عز وجل -.

البيان الثالث فى صفة اليقين على الله لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله معنى كلمة التوحيد: " لا إله إلا الله " أنه لا معبود بحق إلا الله. مقصد (لا إله إلا الله): نتيقن بأن الله قادر على كل شئ بدون المخلوقات، بدون الأسباب وأن نتيقن بأن المخلوقات مع جميع الأسباب لا يقدرون على شئ بدون إرادة الله - عز وجل -. التفصيل: يعنى أن الله - عز وجل - قادر على إزالة الجوع بدون الطعام، وقادر على إزالة العطش بدون الماء، وقادر على إعطاء الشفاء بدون الدواء، وقادر على خلق الثمر بدون الشجر، وقادر على خلق الإنسان وتربيته بدون الوالدين، وقادر على إنبات النبات بدون المطر، وقادر على إحراق الشئ بدون النار، وقادر على قضاء الحوائج بدون أى سبب وأى كسب، وقادر على إعطاء العزة فى صورة الذلة وقادر على إنزال الذلة فى صورة العزة وقادر على

إعطاء النجاة فى صورة الهلاك، وعلى إعطاء الهلاك فى صورة النجاة، وقادر على إعطاء الغلبة لفئة قليلة بدون السلاح، وقادر على إتيان الخوف فى صورة الأمن، والأمن فى صورة الخوف. وخلاصة الكلام: أن العزة والذلة والمرض والصحة والضر والنفع والأمن والخوف والصلح والحرب والفتح والهزيمة والضحك والبكاء والفقر والغنى والحياة والموت ... الخ. كل ذلك بيد الله - عز وجل - وتصرفه وهو لا يحتاج إلى أحد من خلقه ولا إلى أى سبب والمخلوقات كلها محتاجة إلى الله فى خلقهم وصفاتهم واستعمالهم والمخلوقات كلها لا يملكون مثقال ذرة فى السماوات ولا فى الأرض ولا يملكون ضراً ولا نفعاً. *****

البيان الرابع: في صفة اليقين على الله - عز وجل -.

البيان الرابع فى صفة اليقين على الله لا إله إلا الله محمد رسول الله الله - سبحانه وتعالى - جعل الفلاح التام للإنسانية جمعاء يرتكز على الثروة الداخلية للإنسان لأن الفلاح والخسارة وهى حالة داخلية للإنسان ليس اسم لشئ خارجى، فالعزة والذلة والراحة والشقاء والاطمئنان وعدمه والصحة والمرض حالات داخلية للإنسان. فصلاح هذه الأحوال وفسادها ليس متعلقاً بشئ من الأشياء الخارجية فالله - سبحانه وتعالى - أعز بعض الناس مع الملك والمال وأعز آخرين مع الفقر، فالثروة الداخلية هى يقينة وعمله، فإذا صلح يقين الإنسان فالله سبحانه وتعالى يعطيه حالة الفلاح والطمأنينة وإن كانت الأشياء المادية قليلة. الله تعالى هو خالق ومالك لكل إنسان وخلق كل شئ بقدرته وهو خالق كل شئ وهو غير مخلوق، فالمخلوق لا يستطيع أن يفعل شئ فكل خلقه بالقدرة الإلهية هو تحت القدرة دائماً فكل شئ فى قبضته سبحانه وتعالى فهو الذى يستعمل هذه الأشياء ويتصرف فيها بقدرته تعالى يستبدل شكل هذه

الأشياء وصفاتها أو يتركها كما هى حسب ما يشاء فيجعل من العصا حية ... ومن الحية عصا. وهكذا ... كل شئ وإن كان الملك والمال أو البرق والهواء فهو فى قبضته - سبحانه وتعالى - وتحت تصرفه فمن المكان الذى يرى فيه الإنسان العمار قادر أن يجعل منه الخراب ... والمكان الذى يرى فيه الإنسان الخراب قادر أن يجعل منه العمران. الله جل جلاله قادر أن يربى جميع المخلوقات على التراب وبدون أى شئ من الأسباب وقادر - سبحانه وتعالى - أن يهلك جميع الأشياء مع وجود جميع العدد ووسائل التربية (¬1). ***** ¬

_ (¬1) مؤلف كتاب حياة الصحابة.

صفة الإتباع محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

صفة الإتباع محمدٌ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} (¬1). - وقال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} (¬2). - معنى (محمد رسول الله): طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع. ¬

_ (¬1) سورة الفتح - الآية 29. (¬2) سورة النساء - من الآية 64.

- يقولون: فى هذا الزمن ... لا تنفع سنة النبى صل ويدخل أحدهم الخلاء فيستنجى بيده اليسرى ويأكل بيده اليسرى وكأنه لا يفرق بين فيه وفرجه. - تارك السنة يعاقب: أكل رجل بشماله عند النبى - صلى الله عليه وسلم - فقال له النبى - صلى الله عليه وسلم - كل بيمينك، قال لا أستطيع قال لا استطعت (ما منعه إلا الكبر) فما رفعها إلى فيه (شلت يده). رواه مسلم عن عمرو بن الأكوع (¬1). - الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر الرسول - صلى الله عليه وسلم -. - الحياة لا تسير بدون نهجه. - الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو العبد النموذجى الذى يريده الله قدوة للعالمين. - قال تعالي: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} (¬2) ووراء ذلك رضا الله - عز وجل -. - وقال تعالي: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} (¬3). ¬

_ (¬1) رياض الصالحين - باب السنة وآدابها. (¬2) سورة الأحزاب - الآية 21. (¬3) سورة الفتح - الآية 10.

- الإتباع الكامل دليل الحب الكامل {: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (¬1) حقيقة الإتباع فيما أُحب وفيما أكره .. مثل الوضوء قبل النوم يكون ثقيل على النفس. - الذى يسخر بالسنة ولو كانت بسيطة يخرج من الملة. - والذى يقول أنا عارف أنها سنة ولمَّا أقتنع بها أعملها هذا متردد ويخشى عليه النفاق. - تارك السنة ملعون: فعن عائشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ستة لعنتهم ولعنهم الله وكل نبى مجاب، الزائد فى كتاب الله، والمكذب بقدر الله، والمتسلط بالجبروت ليعز من أذله الله ويذل من أعزه الله، والمستحل لحرم الله، والمستحل من عترتى ما حرم الله، والتارك للسنة " (رواه البيهقى ورزين فى كتابه والترمذى فى القدر والطبرانى فى المعجم والحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبى) (¬2). - الله ختم على كتف النبى - صلى الله عليه وسلم - وقال له توجه حيث شئت فإنك منصور ... فالنصرة بإتباع السنة. ¬

_ (¬1) سورة آل عمران - الآية 31. سورة آل عمران - الآية 31. (¬2) مشكاة المصابيح – باب الإيمان بالقدر – 1/ 38

- الذى يقول عن السنة مثل العمامة واللحية قشور فلا حظ له فى الهدى الظاهر لأن الدين ليس فيه قشور هم عابوا على السنة لأنهم لم يفعلوها. - تارك السنة ضال: فعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال: نزل القرآن وسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السنن ثم قال: اتبعونا. فو الله إن لم تفعلوا تضلوا. وعن أبى قلابه قال، إذا حدثت رجل بالسنة فقال دعنا من هذا وهات كتاب الله فاعلم أنه ضال (¬1). - علامة إتباع السنة يوضع لك القبول فى الأرض لأنك تتبع سيد المقبولين - صلى الله عليه وسلم -. ***** ¬

_ (¬1) تاريخ الإسلام - الذهبى -3/ 343.

صفة الصلاة ذات الخشوع والخضوع.

صفة الصلاة ذات الخشوع والخضوع قال تعالى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (¬1). وقال تعالى {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} (¬2). - لما تحمل حفنة من الماء تعرف قيمتك أنك كنت من نطفة فإذا فقدت الماء تتيمم ترجع إلى أصلك التراب ثم تقف أمام الله تتجه بالجسد إلى القبلة وتتجه بالقلب إلى الله {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (¬3) {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ ¬

_ (¬1) سورة البقرة - 238. (¬2) سورة العنكبوت - من الآية 45. (¬3) سورة الأنعام - الآية 79.

وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (¬1). - الصلاة دورة تدريبية مركزة ولو رسبت فيها كيف تنجح فى غيرها. - دورة مركزة فى كل وقت تحت أمره وفى كل أمر تحت أمره. - فى الصلاة تتمرن الأعضاء والجوارح على امتثال الأوامر. - تصلى باليقين: حى على الفلاح .. أى فيها فلاحى {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (¬2). - وبطريقة الرسول - صلى الله عليه وسلم - " صلوا كما رأيتمونى أصلى " (رواه البخارى عن مالك بن الحويرث) (¬3). - فإذا قضيت بهذا الأمر فانتشروا فى الأرض .. مشيك فى دكانك .. فى وظيفتك .. حسب مشيئة الله - سبحانه وتعالى -. - الصلاة تحكم حركة الأمة فى الحياة إذا صلحت الصلاة صلُح جميع شئون الحياة. ¬

_ (¬1) سورة الأنعام – الآيتان 162، 163. (¬2) سورة المؤمنون - الآية 1. (¬3) مشكاة المصابيح – باب تأخير الآذان – 1/ 215

- وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: " احملوا حوائجكم على المكتوبات " (¬1) (رواه عبد الرازق فى مصنفه) ولكن الصلاة الضعيفة هى مثل الأساس الضعيف لا تقدر أن تحمل عليه شئ. - ما كان يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق .. ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام فى الصف (¬2) .. لماذا .. ؟! لأنه محتاج .. مثل الذى أنهى خدمته فهو يسند حتى يأخذ معاشه (الراتب) لأنه محتاج لذلك .. وأى احتياج .. ونحن جميعنا محتاجين إلى الله - عز وجل -. - إياك نعبد وإياك نستعين .. أولاً العبادة ثم يأتى العون من الله - عز وجل - .. حى على الصلاة .. حى على الفلاح إذا تكون الصلاة يكون الفلاح ... {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (¬3). - أبو العلاء الحضرمى صلى ودعا وقال فى البحر اللهم اجعل لنا سبيلاً إلى عدوك .. ثم عبر بجيشه البحر (¬4). - إذا لم يستجيب لنا ندعو حتى يستجاب لنا الدعاء، نجتهد حتى تكون الصلاة محلاً لقبول الدعاء. - الصلاة ليست للثواب فقط بل للمنافع. ¬

_ (¬1) حياة الصحابة – باب ترغيب الصحابة فى الصلاة. (¬2) رواه مسلم، انظر رياض الصالحين - باب فضل صلاة الجماعة. (¬3) سورة المؤمنون - الآيتان 1، 2. (¬4) حياة الصحابة - باب التأييدات الغيبية - 3/ 612.

- أنس - رضي الله عنه - يصلى حتى ينزل المطر (¬1). - أبو معلق - رضي الله عنه - يصلى وتنزل له النصرة من السماء .. ينزل الملك ويقتل اللص .. لأنه يعرف لمن يصلى (¬2). - سيدنا يعقوب قال لبنيه عندما طلبوا منه أن يستغفر لهم {قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} (¬3) .. أخَّر الدعاء لقيام الليل .. يعرف وقت قبول الدعاء .. نمهل حاجتنا إلى الليل. - قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: مادمت فى الصلاة فأنت تقرع باب الملك ومن يقرع باب الملك يفتح له. - نتمرن فتصبح الصلاة منهج وجميع الحاجات تقضى بالصلاة. - الصلاة سلاح ولكن لا نعرف قيمته. - استقامة الحياة باستقامة الصلاة. - علامة صلاح الداعى بصلاح صلاته. - إذا صلح البصر داخل الصلاة .. صلح خارج الصلاة .. وكذلك الجوارح. - فساد الصلاة .. فساد كل ما حوله من جميع شعب الحياة. - الصلاة نور. ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬2) المرجع السابق - 3/ 541. (¬3) سورة يوسف - الآية 98.

- طريقة الحصول علي الصلاة ذات الخشوع والخضوع: يقول الشيخ سعد هارون (حفظه الله): نحن نتجول لإكمال الإيمان ولإكمال العبادات في حياتنا، وكلما ندعو الناس للإيمان وللعبادات تأتي حقيقة الإيمان وحقيقة العبادات في حياتنا. فأي صفة تريد أن تحييها في حياتك فبجهد الدعوة تحصل عليها. وهكذا لإقامة الصلاة في حياتنا ندعو إلى الصلاة. وإقامة الصلاة معناه إصلاح الصلاة أي نجتهد في صلاتنا ونرتقي بها، هذا من الناحية الفردية. . وأما من الناحية الإجتماعية فمعنى إقامة الصلاة هو إشاعتها ونشرها حتى لا يبقى فرد في المجتمع لا يصلي. الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: (صَلُّوا كما رأيتموني أصلي) فهكذا نصلح ظاهر الصلاة على ترتيبها من قيام وركوع وسجود وكذلك نصلح باطنها فعلى قدر إصلاحنا للصلاة تصلح بقية الأوامر في الحياة فلا أصلي بالغفلة، قالبا حاضر في الصلاة وقلبا خارج الصلاة، ولكن اصلي وأنا أستحضر في كل ركن بأن الله يراني ويرى ما في قلبي وأستحضر عظمته تعالى. يقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه الصلاة العجلى لا تنهى عن المنكر والذي لا تنهاه صلاته عن المنكر يبتعد عن الله. وأما حذيفة بن اليمان رضي الله عنه فقد رأى رجلا يصلي ومستعجل في صلاته فسأله حذيفة منذ كم تصلي هكذا فأجابه الرجل منذ أربعين سنة فقال

له حذيفة لو أنت تصلي هكذا كل عمرك ومت فلن تحشر على دين محمد صلى الله عليه وسلم. وكذلك أربط جميع ما أحتاجه من الدنيا أربطه في صلاتي كما يربط أهل الدنيا دنياهم بالأسباب، فقد كان رسولنا إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة فنحن نصلي ونزيد في صلاتنا حتى تحل مسألتنا ولو استوجب الأمر مائة أو مئتا ركعة. - علامة قبول الصلاة: إذا كانت الصلاة قرة العين كما قال النبى - صلى الله عليه وسلم - (وجعلت قرة عينى فى الصلاة) (رواه أحمد والنسائى بإسناد حسن عن أنس - رضي الله عنه -) (¬1). إذا خشعت الجوارح وخضع القلب وذلك باستحضار عظمة الله - سبحانه وتعالى - والنظر موضع السجود والاطمئنان فى جميع الأركان. ***** ¬

_ (¬1) مشكاة المصابيح – باب فضل الفقراء وما كان من عيش النبى - صلى الله عليه وسلم - 3/ 1448.

العلم الحقيقى

العلم الحقيقي - العلم الحقيقي: هوأن تعرف مراد الله - سبحانه وتعالى - منك فى كل وقت. - الآن نجد العالِم .. ولكنه راسب فى بر الوالدين، راسب فى علاقته بجاره .. فمن هو العالِم .. ؟! هو الذى يعرف كيف يُرضى الله - سبحانه وتعالى - فى كل حال. - المرأة التى ذكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثرة صومها وصلاتها بالليل ولكنها تؤذى جيرانها النبى - صلى الله عليه وسلم - قال عنها: هى فى النار (¬1). - الدرهم لابد أن ننظر فى أى شئ يوضع .. ماذا فعل سعيد بن عامر فى عطاء عمر له .. ؟ (¬2) .. أنفقه على الفقراء .. ادخره لوقت الشدائد .. ونحن الآن عندما تأتى الزيادة فى المرتب نوسع فى حياتنا الخاصة ولا ندخره لآخرتنا. - لما جاء السائل لسيدنا عثمان ووجد الخلاف على زيت اللمبة وترك بيت عثمان ورجع لكن كيف عطاء عثمان له. ¬

_ (¬1) انظر الترغيب والترهيب - المنذرى - 3/ 356. (¬2) اقرأ قصة سعيد بن عامر فى باب القدوة من هذا الكتاب.

- بسبب العلم {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (¬1) فهم يعرفون ماذا يُقدم وماذا يُؤخر. - أبو أيوب الأنصارى - رضي الله عنه - ماذا قال عندما ألقى رجل بنفسه وسط الأعداء .. وقال الناس: سبحان الله ألقى بنفسه إلى التهلكة .. فقال لقد نزلت فينا معشر الأنصار عندما انتشر الدين وكثر ناصروه .. فقلنا فى أنفسنا نجلس ونصلح مزارعنا وأموالنا فقال الله - سبحانه وتعالى - {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (¬2) فكانت التهلكة الإقامة فى الأهل والمال (رواه أبو داود) (¬3). - الحركة على المعاش مقدمة .. صحيح ما ينفقه على عياله ولكن لو يطغى على مقصود حياتك .. فيصبح مالك وولدك وزوجك عدو لك .. ... فانتبه .. ‍‍!! - الذين لم يخرجوا إلى تبوك وهم ثلاثة من أربعين ألف .. تاب الله - سبحانه وتعالى - عليهم بعد خمسين يوم مشقة واعتزلهم الناس من أول يوم .. ويأتيهم الأمر باعتزال النساء بعد ذلك .. فالله تاب عليهم من أى شئ .. ؟! (¬4). ¬

_ (¬1) سورة الحشر - الآية 9. (¬2) سورة البقرة – الآية 195. (¬3) انظر حياة الصحابة - 1/ 454. (¬4) انظر رياض الصالحين - باب التوبة.

- فالجولة دين .. وقراءة القرآن الكريم دين .. ولكن دين أعلى من دين .. ودين مقدم على دين .. فأنت تجلس مع أولادك دين .. ثم يجيئ الضيف .. عندئذٍ تقوم تستقبل الضيف لأنه دين أعلى من دين .. وأنت مع الضيف سمعت عن حريق .. تقوم على الفور مع الضيف لإنقاذ الملهوف .. لأنه دين مقدم على دين .. لكل وقت عمل .. !!. - سيدنا أسامة - رضي الله عنه - عنده بستان نخل وأمه اشتهت الجمار .. فقطع أحسن نخلة .. إنه يعرف كيف يشترى رضى الله - عز وجل -، فعن محمد بن سيرين قال: بلغت النخلة على عهد عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ألف درهم. قال: فعمد أسامة - رضي الله عنه - إلى نخلة فنقرها وأخرج جمارها فأطعمها أمه، فقالوا له: ما يحملك على هذا .. وأنت ترى النخلة قد بلغت ألف درهم .. ؟ قال: إن أمى سألتنيه .. ولا تسألنى شيئاً أقدر عليه إلا أعطيتها (¬1). - جاء للجولة .. هل قام بالأعمال .. بالذكر، بقيام الليل .. ؟!. - روى مسلم عن أبى بن كعب - رضي الله عنه - قال: كان رجل من الأنصار لا أعلم أحداً أبعد من المسجد منه وكانت لا تخطئه صلاة، فقيل له: لو اشتريت حماراً لتركبه فى الظلماء وفى الرمضاء قال: ما يسرنى أن منزلى إلى جنب ¬

_ (¬1) حياة الصحابة - 2/ 467.

المسجد إنى أريد أن يكتب لى ممشاى إلى المسجد ورجوعى إذا رجعت إلى أهلى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قد جمع الله لك ذلك كله (¬1) .. هذا علمه .. !!. - سيدنا ابن عباس - رضي الله عنه - كان معتكف فى مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - فآتاه رجل فسلم عليه ثم جلس فقال له ابن عباس: يا فلان .. أراك مكتئباً حزيناً .. قال نعم يا بن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. لفلان عليَّ حق ولاء وحرمة صاحب هذا القبر ما أقدر عليه، قال ابن عباس: أفلا أكلمه فيك .. ؟ فقال: إن أحببت. قال: فانتعل بن عباس ثم خرج من المسجد فقال له الرجل: أنسيت ما كنت فيه؟ قال: لا .. ولكنى سمعت صاحب هذا القبر والعهد به قريب فدمعت عيناه وهو يقول: من مشى فى حاجة أخيه وبلغ فيها كان خيراً له من اعتكاف عشر سنين ومن اعتكف يوماً ابتغاء وجه الله - سبحانه وتعالى - جعل الله بينه وبين النار ثلاث خنادق أو بُعد ما بين الخافقين (¬2) .. هذا علمه. علم الفضائل ثابت فى أذهانهم .. فكانوا علماء بنسبة مراد ربهم (¬3). ***** ¬

_ (¬1) رياض الصالحين - باب فضل المشى إلى المساجد. (¬2) حياة الصحابة - المشى فى حاجة المسلم - 2/ 422. (¬3) الشيخ / طه عبد الستار.

الفقه.

الفقه - الفقه فى اللغة: الفهم. . ولذلك يقول النبى - صلى الله عليه وسلم -: " من يرد الله به خيراً يفقهه فى الدين " (متفق عليه) (¬1) أى يفهمه. - قال الإمام أبو حنيفة: فى تعريف الفقه .. هو معرفة النفس مالها وما عليها .. أى ما تنتفع به وما تتضرر منه وبهذا يكون شاملاً لعلم التوحيد وعلم الأخلاق. - وقيل: أنه علم الفقه .. إذ به يعرف الحلال والحرام. - وقيل: أنه علم الكتاب والسنة (عموماً). - وقيل أنه علم الأخلاق وآفات النفوس .. والصحيح أنه .. علم معاملة العبد ربه وهو علم العبد بربه وأحوال القلوب من (محبه وخوف ورجاء وإنابة وخشية وتقوى وإخلاص وزهد .. الخ). - قال ابن مسعود: كفى بخشية الله علماً، وبالاغترار بالله جهلاً. ¬

_ (¬1) رياض الصالحين - باب العلم.

- وقال ابن القيم رحمه الله: لم يكن السلف يطلقون اسم الفقه إلا على العلم الذى يصحبه عمل. - وقد سُئل سعد بن إبراهيم عن أفقه أهل المدينة قال .. أتقاهم .. !!. - سئل فرقد السبخى، الحسن البصرى عن شئ فأجابه، فقال: إن الفقهاء يخالفونك فقال الحسن ثكلتك أمك فريقد فهل رأيت فقيهاً ... بعينك؟! إنما الفقيه الزاهد فى الدنيا، الراغب فى الآخرة، البصير بدينه، المداوم على عبادة ربه، الذى لا يهمز من فوقه، ولا يسخر ممن دونه، ولا يبتغى على علم علمه الله الأجر (¬1) .. وهو .. الورع الكاف عن أعراض المسلمين، العفيف عن أموالهم، الناصح لجماعتهم .. - الفقه فى هذا الزمن .. معروف بأنه علم المسائل .. مع أن المقصود من الفقه .. {طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} (¬2). - فالفقه: محله القلب، والمسائل: محلها العقل .. ولذا نجد أساتذة مستشرقين عندهم علم المسائل وليس عندهم علم القلوب. ¬

_ (¬1) المتجر الرابح - باب ثواب العلم والعلماء. (¬2) سورة التوبة - الآية 122.

- ويقول الرازى فى الآية .. دلت الآية على أنه يجب أن يكون المقصود من التفقه والتعلم دعوة الخلق إلى الحق، وإرشادهم إلى الدين القويم والصراط المستقيم، لأن الآية تدل على أنه تعالى أمرهم بالتفقه فى الدين، لأجل أنهم إذا رجعوا إلى قومهم أنذروهم بالدين الحق، وأولئك يحذرون الجهل والمعصية ويرغبون فى قبول الدين. فكل من تفقه وتعلم لهذا الغرض كان على المنهج القويم والصراط المستقيم، ومن عدل عنه وطلب الدنيا بالدين كان من الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا (¬1). - العلم المحمود عند الله - عز وجل - هو علم الآخرة .. وفى زماننا عالم الدين .. له مؤلفات .. كتب، خطب .. الخ ولكن كيف حاله. - قال الله - سبحانه وتعالى - {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ} (¬2) وقال - سبحانه وتعالى - فى سورة طه {إِننِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} (¬3). ¬

_ (¬1) مفاتيح الغيب للرازى – 8/ 220. (¬2) سورة محمد - الآية 19. (¬3) سورة طه - الآية 14.

- هل الدعوة تحتاج إلى علم تخصصى؟ لا تحتاج من الداعى إلا معرفة العلم الذى يتكلم عنه .. يعنى معرفة الله - سبحانه وتعالى - .. صفات الله - عز وجل - .. علم الجنة .. علم النار .. علم الآخرة. فى عام 93 هـ. بعد وفاة النبى - صلى الله عليه وسلم - وصل الإسلام إلى معظم المعمورة على وجه الأرض .. بلاد الشام، شمال إفريقيا، جنوب فرنسا، بلاد ما وراء النهر، وفى هذه الفترة ما بنيت مدرسة واحدة، وما ألف كتاب واحد بينما انتشر الإسلام فقط بحركة القدم. الآن حركة القلم كثير .. فهل زاد الإسلام أم نقص .. ؟، الفرق بين حركة القلم وحركة القدم هو الفرق بيننا وبين الصحابة الكرام رضى الله عنهم أجمعين. - يقول الإمام الذهبى: بدأ التدوين فى عام ثلاث وأربعين ومائه هجرية (143هـ) فى ذلك العصر شرع علماء الإسلام فى تدوين الحديث والفقه والتفسير، فصنف ابن جريج التصانيف بمكة، وصنف سعيد بن أبى عروبة وحماد بن سلمة وغيرهم بالبصرة، وصنف مالك الموطأ بالمدينة، وصنف ابن إسحاق المغازى، وصنف معمر اليمنى، وصنف أبو حنيفة الفقه والرأى بالكوفة والليث بمصر وسفيان الثورى كتابه الجامع، وابن لهيعه وابن المبارك ... وأبو يوسف وابن وهب، وكثر تبويب العلم وتدوينه ودونت كتب اللغة العربية والتاريخ وأيام الناس وقبل هذا العصر كان سائر الأئمة يتكلمون عن

حفظهم ويروون العلم عن صحف صحيحة غير مرتبة .. فسهل الله العلم وأخذ الحفظ فى التناقص (¬1). - وقسم ابن تيميه (رحمه الله) العلم إلى خمسة أقسام: 1) علم فرض: علم معرفة الله - عز وجل - {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ} (¬2). 2) علم زاد: علم الفرائض. 3) علم دواء: الفقه ليعالج الأمور التى تتعرض لها الأمة. 4) علم مباح: علم الطب والهندسة والفلك. 5) علم حرام: علم السحر. - والعلم نوعان: كسبى، ووهبى .. أما الأول فيكون تحصيله بالاجتهاد والمثابرة والمذاكرة .. أما الثانى فطريقهن تقوى الله والعمل الصالح كما قال الله - سبحانه وتعالى - { ¬

_ (¬1) كتاب تاريخ الإسلام - 4/ 141. (¬2) سورة محمد – الآية 19.

وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} (¬1) ويسمى العلم اللدنى {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً} (¬2) وهو العلم النافع (¬3). - وقيل العلم، علمان: 1) علم على اللسان وهو حجة الله - سبحانه وتعالى - على خلقه. 2) وعلم فى القلب وهو العلم النافع. ***** ¬

_ (¬1) سورة البقرة - من الآية282. (¬2) سورة الكهف - من الآية 65. (¬3) صفوة التفاسير للصابونى – 1/ 179.

مقصود العلم إحياء الإسلام.

مقصود العلم إحياء الإسلام عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: تعلموا العلم .. فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عباده، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يحسنه صدقه، وبذله لأهله قربه، به يعرف الحلال من الحرام، وتوصل الأرحام، وهو الأنيس فى الوحدة، والصاحب فى الخلوة، والدليل على السراء، والمعين على الضراء، والوزير عند الأخلاء، والقريب عند الغرباء، ومنار سبيل الجنة، يرفع الله به أقواماً فيجعلهم فى الخير قادة وسادة يُقتدى بهم أدلة فى الخير تقتفى آثارهم وترمق أفعالهم وترغب الملائكة فى خلتهم وبأجنحتها تمسحهم، يستغفر لهم كل رطب ويابس حتى حيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه، والسماء ونجومها، والعلم حياة القلوب من العمى، ونور للأبصار من الظلم، وقوة للأبدان من الضعف، يبلغ به العبد منازل الأبرار والدرجات العلى، التفكر فيه يعدل الصيام، ومدارسته بالقيام، وهو إمام للعمل والعمل تابعه، يلهمه السعداء، ويحرمه الأشقياء. رواه الخطيب أبو النعيم فى المعجم من حديث معاذ مرفوعاً (¬1). قال ربيعة الرأى: العلم وسيلة إلى كل فضيلة (¬2). ¬

_ (¬1) مفتاح دار السعادة - ابن القيم. (¬2) تاريخ الإسلام للذهبى - 4/ 52.

الدعاة هم أولياء الله - عز وجل -.

الدعاة هم أولياء الله - عز وجل - (¬1) أخرج أبو نعيم فى الحلية: عن كميل بن زياد قال: أخذ على بن ... أبى طالب - رضي الله عنه - بيدى فأخرجنى إلى ناحية الجبَّان (¬2) فلما أجلس ثم تنفس ثم قال ياكميل بن زياد .. القلوب أوعية فخيرها أوعاها احفظ ما أقول لك. الناس ثلاثة فعالم ربانى (¬3) ومتعلم على سبيل نجاه وهمج رعاع اتباع ¬

_ (¬1) يقول الإمام الفخر الرازى: فى قوله تعالى {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} (سورة يونس - الآية 62) قال أبو بكر الأصم: أولياء الله هم الذين تولى الله هدايتهم وتولوا القيام بعبودية الله تعالى والدعوة إليه. وظهر فى علم الاشتقاق أن تركيب الواو واللام والياء يدل على معنى القرب، والقرب إنما يكون إذا كان القلب مستغرقاً فى نور معرفة الله تعالى، فإن رأى .. رأى قدرة الله، وإن سمع .. سمع آيات الله تعالى، وإن نطق .. نطق بالثناء على الله، وإن اجتهد .. اجتهد فى طاعة الله تعالى، ولذا قال الله تعالى {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} (سورة يونس - 63) فبذلك يكون فى غاية القرب من الله، وإذا كان كذلك كان الله ولياً له {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} (سورة البقرة - من الآية 257) ... (مفاتيح الغيب للرازى - 8/ 401). (¬2) أى المقابر. (¬3) يقول ابن عباس فى قوله تعالى " كونوا ربانيين " أى كونوا حلماء فقهاء، وقال البخارى يقال: " الربانى " الذى يربى الناس بصغار العلم قبل كباره، وقال ابن حجر المراد من صغار العلم ما وضح من مسائله وبكباره ما دق منها (فتح البارى).

كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجئوا إلى ركن وثيق. العلم خير من المال .. العلم يحرسك وأنت تحرس المال .. العلم يزكوا على العمل. والمال تنقصه النفقة .. ومحبة العالم دين يدان به .. العلم يكسب العالم الطاعة فى حياته وجميل الأحدوثه بعد موته وصنيعة المال تزول بزواله .. مات خزان الأموال وهم أحياء .. والعلماء باقون ما بقى الدهر .. أعيانهم مفقودة .. وأمثالهم فى القلوب موجودة .. هاه إن هاهنا وأشار بيده إلى صدره - علماً لو أصبت له حملة بل أصبته لقناً غير مأمونة عليه يستعمل آلة الدين للدنيا .. يستظهر بحجج الله على كتابه .. وبنعمه على عباده .. أو منقاداً لأهل الحق .. لا بصيرة له فى إحيائه .. يقتدح الشك فى قلبه بأول عارض من شبهه .. لا ذا ولا ذاك .. أو منهوم باللذات .. سلس القيادة للشهوات .. أو مغرى بجمع الأموال .. والادخار وليسا من دعاة الدين أقرب شبهاً بهما الأنعام السائمة، كذلك يموت العلم بموت حامليه. اللهم بلى .. لا تخلو الأرض من قائم لله بحججه لئلا تبطل حجج الله وبيناته، أولئك هم الأقلون عددا والأعظمون عند الله قدرا، بهم يدفع الله عن حججه حتى يؤدونها إلى نظرائهم، ويزرعوها فى قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقيقة الأمر فاستلانوا ما استوعر منه المترفون، وأنسوا ما استوحش منه الجاهلون، صحبوا الدنيا بأبدان أروحها معلقة بالمنظر الأعلى، أولئك

خلفاء الله فى بلاده ودعاته إلى دينه (¬1) هاه .. هاه شوقاً إلى رؤيتهم .. وأستغفر الله لى ولك .. وإذا شئت فقم (¬2). ***** ¬

_ (¬1) قوله (دعاته إلى دينه): الدعاة جمع داعٍ كقاضٍ ورامٍ ورماةٍ وإضافتهم إلى الله - سبحانه وتعالى - للاختصاص، أى الدعاة المخصوصون به الذين يدعون إلى دينه ومعرفته ومحبته وهؤلاء هم خواص خلق الله وأفضلهم عند الله منزلة وأعلاهم قدراً. (الأقلون عدداً) إشارة إلى أنهم أهل الغربة. (مفتاح دار السعادة – لابن القيم). (¬2) حياة الصحابة - 3/ 160.

الذكر

الذكر قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (¬1). ... وعن أبى سعيد الخدرى - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ليذكرن الله أقوامٌ على الفرش الممهدة يدخلهم الدرجات العلى " (رواه ابن حبان) (¬2). - الذكر: عبادة بلا مشقة. - الذكر: يحيى القلب .. ويجليه من الصدأ. - الذكر: يجدد الإيمان .. ويرضى الرحمن .. ويطرد الشيطان. - الذكر: يفتح باب المعرفة. - الذكر: هو روح الأعمال الصالحة. - الذكر: قرين الأعمال الصالحة، قال تعالى {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} (¬3). ¬

_ (¬1) سورة المنافقون - الآية 9. (¬2) المتجر الرابح فى ثواب العمل الصالح - باب ثواب ذكر الله - للحافظ الدمياطى. (¬3) سورة طه - من الآية 14.

- الذكر: يدع القلب الحزين ضاحكاً مسروراً. - الذكر: يوصل الذاكر إلى المذكور .. (الله جل جلاله) .. بل يدع الذاكر مذكوراً .. قال تعالى {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} (¬1). - الذكر: عبودية فى كل حال .. قال تعالى {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِم} (¬2). - يقول ابن عباس - رضي الله عنه -: ما أنزل الله أمراً إلا وجعل له حداً، وجعل له عذراً، إلا ذكر الله، فما جعل الله له حداً ولا عذراً. قال تعالى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (¬3). - يقول بعض الناس: عندى وساوس فى الصلاة .. هذه الوساوس لا تأتى إلا والقلب خاوى من ذكر الله - عز وجل - فإذا يكون الذكر قوى لا تأتى الوساوس. قال تعالى {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} (¬4). ¬

_ (¬1) سورة البقرة – من الآية 152. (¬2) سورة آل عمران - من الآية 191. (¬3) سورة الجمعة - من الآية 10. (¬4) سورة الزخرف – 36.

- الذكر: يغير قلبه .. حتى إذا مشى بين الناس ربما لسانه لا يذكر ولكن قلبه يذكر. - لا حول ولا قوة إلى بالله .. كنز من كنوز الجنة .. كيف تكون كنزٌ فى حياتك وعلاج سبعين داء أدناهم الهَّم .. فعن أبى موسى - رضي الله عنه - قال: قال لى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة، فقلت: بلى ... يا رسول الله، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. متفق عليه (¬1). - بالصلاة على النبى الكريم - صلى الله عليه وسلم - " تكفى همك ويغفر لك ذنبك " (¬2) .. جربنا قضاء الحوائج ولكن بغير الصلاة على النبى - صلى الله عليه وسلم -. - الذى ذكره قوى حاضر عند المعصية .. قال الله - عز وجل - {لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ} (¬3) وقال الله - عز وجل - {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} (¬4)، يذكر أن شاب – فى عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وكان مشهور بالصلاح والمحافظة على الصلاة، اعترضت على طريقه امرأة ودعته إلى نفسها فتذكر الآية .. فغشى عليه .. ¬

_ (¬1) رياض الصالحين - باب فضل الذكر. (¬2) جزء من حديث رواه الترمذى وحسنه عن أبى بن كعب - رضي الله عنه - (انظر رياض الصالحين – باب ذكر الموت وقصر الأمل). (¬3) سورة يوسف - الآية 24. (¬4) سورة الأعراف - الآية 201.

فحملوه إلى بيته .. فهو محمول من مكان المعصية ولكن فيه خشية وإنابة (¬1). - الذى ليس عنده ذكر لا يعرف كيف يخزن لسانه. ***** ¬

_ (¬1) حياة الصحابة - 3/ 594.

الإيثار والإكرام.

الإيثار والإكرام - قال تعالي: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة} (¬1). - وقال تعالى {: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (¬2). - وقال تعالى {: وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} (¬3). - وقال تعالى {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (¬4) قال جعفر بن محمد: أمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - بمكارم الأخلاق. وقال مجاهد: يعنى خذ العفو من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تخسيس مثل " قبول الأعذار .. العفو والمساهلة .. ترك الاستقصاء فى البحث والتفتيش عن حقائق بواطنهم " (¬5). ولذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ". رواه البخارى. ¬

_ (¬1) سورة الحشر - من الآية 9. (¬2) سورة القلم - الآية 4. (¬3) سورة الفرقان - من الآية63. (¬4) سورة الأعراف - الآية 199. (¬5) انظر مختصر تفسير ابن كثير - 2/ 76، مدارك السالكين لابن القيم - 2/ 316.

- تخاصم رجل وزوجته فى نفقة، فقال القاضى للمرأة: قومى واكشفى عن وجهك. فقال الرجل لماذا؟! قال القاضى: ليراها الشهود وهى سافرة عن وجهها. فقال الرجل: ما ادعته علىَّ فهو حق. فقالت المرأة: أنا برأت هذا الرجل من نفقتى فى الدنيا والآخرة. فقال القاضى: يكتب ذلك فى مكارم الأخلاق. - سُئل الإمام على - رضي الله عنه - وكرم الله وجهه: هل نُسلِّم على مذنب هذه الأمة؟ فقال: سبحان الله! يراه الله عز وجل أهلاً للتوحيد ولا نراه أهلاً للسلام .. ؟!. - إبراهيم - عليه السلام - دعا والده بالإكرام {قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً} (¬1)، والنبى - صلى الله عليه وسلم - دعا قومه بالإكرام. - بالإكرام تحيا المعاشرات الإسلامية والأخلاق النبوية فى أمة النبى - صلى الله عليه وسلم -. - نكرم بنسبة الإسلام. - الإكرام يؤلف القلوب ويبعث فيها المحبة. - الأخلاق عطايا يضعها الله حيث شاء. - الزكاة ليست من أعمال السخاء أو الأخلاق فحسب، ولكن دِيِنٌ للأغنياء، ولو تفكر كل الناس فى أداء الحقوق التى عليهم لصلح نظام العالم، ¬

_ (¬1) سورة مريم – الآية 47.

والآن نرى نظام العالم قد فسد .. لماذا .. ؟! لأن كل واحد يطالب بحقوقه ولا يؤدى ما عليه من واجبات. - المؤمن .. يؤثر الغير وهو سعيد. - إعطاء الحق .. يُعلم التواضع. - ينظر ما حوله .. يعرف حقوق الناس عليه فى حضورهم .. وفى غيابهم .. ويعطى كل ذى حقٍ حقه .. - الربا يزول بالتوبة ولكن الكبر لا ينفعه التوبة ولا ينفعه الركعتين ولا الاستغفار ولا العمرة ولكن بخروجه من القلب. - يقدم غيره فى الراحة .. ويقدم نفسه فى المجاهدات .. *****

تصحيح النية وإخلاصها لله - عز وجل -

تصحيح النية وإخلاصها لله - عز وجل - قال تعالى {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} (¬1). وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أنه قال حين بُعث إلى اليمن يا رسول الله أوصنى. قال: أخلص دينك يكفيك العمل القليل " (رواه الحاكم). وروى ابن أبى الدنيا بسند منقطع عن عمر - رضي الله عنه - قال: لا عمل لمن لا نية له ولا أجر لمن لا حسبة له " (¬2). وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: لا ينفع قول إلا بعمل، ولا ينفع قول وعمل إلا بنية، ولا ينفع قول وعمل ونية إلا بما وافق السنة (¬3). ¬

_ (¬1) سورة النساء - الآية 114. (¬2) جامع العلوم والحكم لابن رجب. (¬3) المرجع السابق.

وعن عبد الله بن المبارك قال: رب عمل صغير تُعظمه النية، ورب عمل كبير تصغره النية (¬1). وعن حميد بن عبد الرحمن أن تميماً الدارى أستأذن عمر - رضي الله عنه - فى القصص سنتين ويأبى عليه فلما أكثر عليه قال: ما تقول؟ قال: أقرأ عليهم القرآن وآمرهم بالخير وأنهاهم عن الشر. قال عمر: ذلك الذبح. ثم قال: عظ قبل أن أخرج إلى الجمعة فكان يفعل ذلك. فلما كان عثمان - رضي الله عنه - استزاده فزاده يوماً آخر. وفى رواية قال له: على مثل الذبح، قال إنى أرجو العاقبة. فأذن له. وفى رواية قال له أو لرجل غيره أخشى أن تنتفخ حتى تبلغ الثريا (¬2). وعن الحسن رحمه الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما من عبدٍ يخطب خطبة إلا الله - عز وجل - سائله عنها ما أراد بها؟ " قال جعفر: كان مالك بن دينار إذا حدث هذا الحديث بكى حتى ينقطع ثم يقول: تحسبون أن عينى تقر بكلامى عليكم، فأنا أعلم أن الله - عز وجل - سائلى يوم القيامة ما أردت به. (رواه ابن أبى الدنيا والبيهقى مرسلا باسناد جيد) (¬3). ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬2) تاريخ الإسلام للذهبى – 2/ 241. (¬3) كتاب الترغيب والترهيب للمنذري – باب الترهيب أن يعلم ولايعمل بعلمه وبقوله ولايفعله 1/ 63.

وخطب عمر بن عبد العزيز يوماً فرقَّ الناس وبكَوْا، فقطع خطبته فقيل له: لو أتممت كلامك رجونا أن ينفع الله به. فقال عمر: إن القول فتنة، والفعل أولى بالمؤمن من القول (¬1). ويقول أبو حفص لأبى عثمان النيسابورى: إذا جلست للناس فكن واعظاً لقلبك ونفسك، ولا يغرنك اجتماعهم عليك، فإنهم يراقبون ظاهرك، والله يراقب باطنك. وليس معنى ذلك أن يترك الدعوة إلى الله - عز وجل - خشية الرياء ولكن يجب على كل من قام بعمل الدعوة وتذكير الناس بالله - عز وجل - بمراقبة قلبه ومجاهدة نفسه على الإخلاص والتنزه عن خطرات الرياء، وذلك بتصحيح النية قبل العمل وأثناء العمل والاستغفار بعد الفراغ من العمل. قال الحسن رحمه الله: رحم الله عبداً وقف عند همه فإن كان لله مضى وإن كان لغيره تأخر. يكون الإخلاص هو الباعث على العمل، يعنى أى عمل تعمل تنوى به رضاء الله - سبحانه وتعالى - ونكون دائماً فى كل عمل مشغولين بقبول العمل، فالصحابة رضى الله عنهم كانوا يعملون ويخافون ألا يُقبل منهم، فعن عائشة – رضى الله عنها – قالت: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية { ¬

_ (¬1) جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلى.

وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} (¬1) أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: لا يا بنت الصديق ‍‍‍‍! ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون ألا يُقبل منهم أولئك الذين يسارعون فى الخيرات. (رواه الترمذى وابن ماجة) (¬2). مع أنهم {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} كانت أعمالهم مثل الجبال ولكن يخافون الله - عز وجل - ألا يقبل منهم، وكانوا يتهمون أنفسهم بالنفاق، فعن أبى مليكة - رضي الله عنه -: يقول أدركت ثلاثين من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول إن إيمانه كإيمان جبريل وميكائيل. ... (رواه البخارى). وقالوا: أنفع الأعمال أن تغيب عن الناس بالإخلاص وعن نفسك بشهود المنَّه (¬3). وقالوا: .. فر من الناس فرارك من الأسد .. ولا تفرح بما يقال عنك .. ولا تصدق بما يقال عندك .. ¬

_ (¬1) سورة المؤمنون – الآية 60. (¬2) مشكاة المصابيح – باب البكاء والخوف - 3/ 1470. (¬3) الفوائد لابن القيم.

من علامات إخلاص الداعى إلى الله - عز وجل -: أن لا يتأثر بالذم ولا بالمدح. أنه لو ظهر من هو أحسنُ منه وعظاً وأغزر منه علماً والناس أشدُ له قبولاً فرح به ولم يحسده، ولا بأس بحسد الغبطة وهو أن يتمنى لنفسه مثله. أنه لو حضر الأكابر مجلسه لم يتغير كلامه بل يكون ناظراً للخلق كلهم بعين واحدة، ولا يتأثر بكثرة الناس حوله، ولا بقلتهم، بل يتكلم مع القليل كما يتكلم مع الكثير، وقد حُكى لنا أن الشيخ / محمد إسماعيل (¬1) " ألقى محاضرة لمدة ثلاث ساعات وبعد أن فرغ من إلقاء المحاضرة وانصرف الناس فإذا برجل يدخل المسجد فوجد الشيخ / محمد إسماعيل وهو لا يعرفه، فقال: يا شيخ: أنا جئت من مسافة ثلاثة عشر كيلو متر لأسمع محاضرة الشيخ / محمد إسماعيل، فقال له الشيخ / محمد إسماعيل أتحب أن أسمعك الذى قاله الشيخ محمد إسماعيل؟ قال: نعم. فجلس معه الشيخ / محمد إسماعيل لمدة ثلاث ساعات يلقى عليه المحاضرة (وهذا دليل الإخلاص). ¬

_ (¬1) هو أحد علماء الهند الأجلاء ووالد الشيخ إلياس مؤسس جماعة التبليغ والدعوة.

وأن لا يطلب من وراء دعوته أجر (مال – شهرة – جاه – منصب .. الخ)، قال تعالى {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} (¬1). ويروى عن الأصمعى قال: حدثنا أبو عمرو الصفار قال: حاصر مسلمة حصناً فندب الناس إلى نقب منه، فما دخل أحد، فجاء رجل من عرض الجيش فدخله ففتحه الله عليهم، فنادى مسلمة: أين صاحب النقب؟ فما جاء أحد. فنادى: إنى آمرت الآذِن بإدخاله ساعة يأتى، فعزمت عليه إلا جاء. فجاء رجل فقال: استأذن لى على الأمير. فقال له: أنت صاحب النقب؟ قال: أنا أخبركم عنه. فأتى مسلمة فأخبره عنه فأذن له. فقال لمسلمة: إن صاحب النقب يأخذ عليكم ثلاثاً (¬2): ألا تسود اسمه فى صحيفة إلى الخليفة. ولا تأمروا له بشئ. ولا تسألوا ممن هو؟ قال: فذاك له. قال: أنا صاحب النقب. ¬

_ (¬1) سورة يوسف _ الأية 104. (¬2) سورة الحج - الآية 78.

فكان مسلمة لا يصلى بعدها صلاة إلا قال: اللهم اجعلنى مع صاحب النقب (¬1). قال الشيخ / محمد يوسف الكاندهلوي – رحمه الله: علامات الإخلاص المداومة على الأعمال حتى الموت. لما يأتى الإخلاص عند الإنسان .. يأتى عنده التمييز .. فسيدنا على - رضي الله عنه - عندما أراد أن يقتل الذى قتل تسعة وأوجع فى المسلمين .. فالتفت وبصق فى وجه الإمام على كرم الله وجهه، فتركه بعد أن ظفر به فسأله الرجل: لماذا تركتنى؟! قال: كنت أريد أن أقتلك أولاً لله .. ثم تغيرت النية للثأر لنفسى .. فأسلم الرجل. أستغفرك من كل عملٍ عملته لك ثم خالطته النية لغيرك .. (دعاء). نجعل حال سر وحال علن. هناك شيطان يخرج العمل من السر إلى العلن .. فإذا خرج للعلن يباهى به يخرجه من ديوان السر للعلن حتى يبطله. الثلاثة الذين دخلوا الغار وأطبقت عليهم الصخرة وقالوا .. أدعو الله - عز وجل - بصالح أعمالكم .. فلولا الإخلاص .. كيف يكون مصيرهم. ¬

_ (¬1) عيون الأثر لابن قتيبة.

يكون لنا عمل فى السر ولا حرج أن يكون لنا عمل فى العلن .. فقد سئل الشيخ العز بن عبد السلام الدمشقى: عن العمل الذى ينبغى تركه خوف الشهرة؟ فأجاب رحمه الله: الأعمال ثلاثة أقسام: أحدهما: ما شرع فى السر والخفاء: كقيام الليل وإسرار الذكر والدعاء فهذا لا يظهره ولا يجهر به لأنه إذا أظهره فقد خالف سنته مع تعريضه للسمعة والرياء. الثانى: ما شُرع علانية كالأذان وتشييع الجنائز والجهاد والحج والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والولايات الشرعية (كالقضاء والإمامة) فهذا لا يتركه خوف الرياء والفتنة بل يأتى به ويجاهد نفسه فى دفع الفتنة والرياء وعلى هذا أدرج السلف والخلف. الثالث: ما خير الشرع فيه بين الإظهار والإخفاء: كالصدقات فإنه قال جل وعلا {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} (¬1). ¬

_ (¬1) سورة البقرة – من الآية 271.

فهذا إخفاؤه خير من إظهاره لما فيه من الحزم، وحفظ الأجر، عن خواطر الرياء، إلا أن يكون مظهره ممن يقتدى به فيه إذا أظهره وهو قوى على ضبط نفسه وحفظها من الشبهة والرياء كمن تصدق بدرهم على فقير مثلاً فاقتدى به فى التصدق عليه فهذا إظهاره أفضل لأنه أمن من الرياء فتسبب إلى التوسعة على الفقراء وإلى مثوبة من تصدق عليهم من الأغنياء وفى الحديث من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها (¬1). وأخيراً: نختم باب الإخلاص .. بقول الحق - سبحانه وتعالى - {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الارْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (¬2). ***** ¬

_ (¬1) فتاوى العز بن عبد السلام. (¬2) سورة يونس – الآية 61.

الدعوة إلى الله - عز وجل - والتضحية لدين الله - عز وجل -.

الدعوة إلى الله - عز وجل - والتضحية لدين الله - عز وجل - لو نظرنا فى سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسيرة الصحابة رضى الله عنهم نجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - خلال ثلاث عشرة سنة قد أقام الصحابة على الدعوة مع التضحية وبسب الدعوة رسخ اليقين فى قلوبهم لأنهم كانوا يتحصلون على عظمة الله تعالى وبسبب التضحية جاء أمامهم البحار فصغروا البحار .. وكبروا ذات الله تعالى بقلوبهم لا بألسنتهم فالله سخر لهم البحار. وصغروا النيران فالله سخر لهم النيران .. وصغروا الأسُد فالله سخر لهم الأسُد .. وصغروا كسرى وقيصر فالله سخر لهم كسرى وقيصر ... ونحن فى هذا الزمان نكبر الله بألسنتنا ونعظم الأشياء بقلوبنا .. فلهذا ... الله - سبحانه وتعالى - سلط علينا الأشياء. فنحن نخرج فى سبيل الله - عز وجل - ونخرج الناس فى سبيل الله وفى كل موقف نتكلم عن كبرياء الله وعظمة الله وقدرة الله وخزائن الله - عز وجل - حتى يرسخ فى قلوبنا عظمة الله. وبسبب تضحيتنا بالنفس والمال الله يخرج من قلوبنا غيره ويسخر لنا كل شئ (¬1). ¬

_ (¬1) مقتطف من بيان للشيخ / محمد عمر البالمبورى.

وعندما نخرج ندعو الناس، ندعوهم للدين الذى فى حياتنا .. نريد أن نقول للناس كونوا مثلنا .. وليس مثل أجدادنا الصحابة رضى الله عنهم أجمعين .. دعا الناس للبضاعة التى على السيارة وذهب الناس ولم يجدوا شئ على السيارة .. كيف يكون الحال .. ؟؟ ‍‍‍! الدين ليس وقت الدعوة فقط .. هو منهج حياة طوال النهار والليل .. وفى البيت .. ليس بالتعليم ولكن بصفاته. نخرج لنتمرن على هذه الحياة .. نشكل الناس على الآخرة فكيف نشكل قلوبنا على الآخرة .. " من رأى منكم منكراً فليغيره " .. فهيا نقوم معاً بتغيير المنكر الذى فى قلوبنا .. الجهد والتضحية على خلاف الطبيعة أصل فى هذا العمل .. ولما تكون التضحية .. يكون العمل مزاج فى حياتنا .. الفتور موجود .. لأننا نريد أن يكون العمل موافق لأهوائنا (¬1). ***** ¬

_ (¬1) الشيخ / طه عبد الستار.

ملخص الصفات الطيبة.

ملخص الصفات الطيبة عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان " (متفق عليه) (¬1) نذكر منها بعضها: (1) لا إله إلا الله ... : الإقرار بالعبودية. محمدٌ رسول الله: طريق العبودية. (2) الصلاة: إظهار العبودية. (3) العلم: تصحيح العبودية. الذكر: تكرار العبودية. (4) الإكرام: حفاظة العبودية. (5) الإخلاص: قبول العبودية. (6) الدعوة والتبليغ: نشر العبودية. ويقول الشيخ إنعام الحسن رحمه الله - سبحانه وتعالى -: الإيمان: روح الدين. ¬

_ (¬1) مشكاة المصابيح - كتاب الإيمان - 1/ 10.

الصلاة: عماد الدين. العلم: نور الدين. الإكرام: أخلاق الدين. الإخلاص: قبول الدين. والخروج فى سبيل الله: سبباً وحيداً لنشر الدين (¬1). ***** ¬

_ (¬1) قال الرازى فى قوله تعالى {فِي سَبِيلِ اللَّهِ} السبيل هو الطريق، وسميت العبادات سبيلاً إلى الله من حيث أن الإنسان يسلكها، ليتوصل إلى الله تعالى بها ومعلوم أن الجهاد تقوية للدين فكان طاعة فلذا كان المجاهد مقاتلا فهوً فى سبيل الله. (مفاتيح الغيب للرازى –3/ 478).

المحبة.

المحبة حُكى أن .. رجلاً اجتاز على حجرة نخاس (تاجر الرقيق) فرأى فيها جارية مستحسنة فتعلقت بقلبه، فلم يقدر أن يتجاوز الموضع وكان تحته فرس يساوى مائة دينار وعليه أثواب جميلة وهو مقلد بسيف محلى بالذهب وبين يديه مملوك أسود. فتقدم إلى صاحبها وطلب منه بيعها فقال له: لاشك أنك أحببت جاريتى والمحب يبذل كل ما يملك فى طلب محبوبه. ولا أبيعها إلا بجميع ما تملك يدك فى هذه الساعة. فنزل عن فرسه وخلع جميع ما عليه من الثياب واستعار قميصاً من النخاس وسلم الجميع إليه مع المملوك الذى كان بين يديه وأخذ الجارية ومضى إلى بيته حافياً مكشوف الرأس. لما بذل الثمن .. أخذ الثمن .. عرف ما طلب .. فهان عليه ما بذل .. الصادق المحب .. لا يقف مع غير محبوبه. فإذا سمعت قول الحق - سبحانه وتعالى - {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (¬1) فسألت ما ثمنها .. ؟! ¬

_ (¬1) سورة الزخرف - الآية 71.

قال الله - عز وجل - {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} (¬1). سلم النفس والمال .. وقد صارت لك .. وإذا قلت أريدُ وجهه - سبحانه وتعالى - وقد لمح قلبى باب القرب ورأى المحبين داخلين فيه وخارجين منه وعليهم خلع الملك فما ثمن الدخول .. ؟! قلنا له: ابذل نفسك واترك شهواتك ولذاتك ودع النفس والهوى والطبع ودع الشهوات الدنيوية والأخروية ودع الكل واتركهم وراء ظهرك ثم ادخل فإنك ترى مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر {قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} (¬2). لم يرض الله - عز وجل - لها ثمناً، دون بذل النفس، حينئذٍ تأخر البطالون وقام المحبون ينظرون أيهم يصلح أن يكون ثمناً فدارت السلعة بينهم فوقعت فى يد {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} (¬3)، ولما كثر المدعون للمحبة طولبوا بإقامة البيئة الصحيحة، فتنوع المدعون فى الشهود، فقيل: لا تقبل هذه الدعوى إلا ببينة {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (¬4)، فتأخر الخلق ¬

_ (¬1) سورة التوبة - الآية 111. (¬2) سورة الأنعام - الآية 91. (¬3) سورة المائدة - الآية 54. (¬4) سورة آل عمران - الآية 31.

كلهم وثبت أتباع الحبيب - صلى الله عليه وسلم - (فى أفعاله .. وأقواله .. وأخلاقه) فطولبوا بعدالة البينة بتزكية {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} (¬1)، {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} (¬2). فلما عرفوا عظمة المشتري .. وفضل الثمن .. وجلالة من جرى على يديه عقد البيع .. ورأوا من أعظم الغبن أن يبيعوها لغيره .. فلما تم العقد .. قيل لهم: قد صارت نفوسكم وأموالكم لنا رددناها عليكم وأوفر ما كانت وأضعافها معاً {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} (¬3). المحب الصادق فى محبته يسلم إليه نفسه وماله ويترك اختياره فيه وفى غيره لا تتهمه فى تصرفه لا تستعجله .. لا تبخله .. يحلو عنده كل ما يصدر إليه منه لا تكمل لك محبتك إياه حتى يخرج الخلق من قلبك. من العرش إلى الثرى. ¬

_ (¬1) سورة المائدة - الآية 54. (¬2) سورة التوبة - الآية 111. (¬3) سورة آل عمران - الآيتان 169، 170.

هذا القلب .. إذا عرف الله - عز وجل - أحبه وقرب منه يستوحش من الخلق والكون يستوحش من أكله وشربه ولباسه ونكاحه .. لا يقيده سوى أمر الشرع .. يتقيد بالأمر والنهى .. إذا غُرست شجرة المحبة فى القلب وسُقيت بماء الإخلاص ومتابعة الحبيب - صلى الله عليه وسلم - .. أثمرت أنواع الثمار وآتت أكلها كل حين بإذن ربها، أصلها ثابت فى قرار القلب وفرعها متصل بسدرة المنتهى. أنواع المحبة النافعة: 1) محبة الله - عز وجل -. 2) محبة فى الله - عز وجل -. 3) محبة ما يعين على طاعة الله - عز وجل -. فمن المحبة النافعة محبة الزوجة لإعفاف نفسه وأهله فلا تطمح نفسه إلى غيرها ولا تطمح نفسها إلى غيره. وكلما كانت محبة الزوجين أتم وأقوى تحقق المقصود من قوله تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (¬1) وقوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ ¬

_ (¬1) سورة الروم – الآية 21.

مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} (¬1). فلا عيب على الرجل فى محبته لأهله إلا إذا شغله ذلك عن محبة ما هو أنفع له من محبة الله ورسوله وزاحم حب الله عز وجل وحب رسوله - صلى الله عليه وسلم -. فإن كل محبة زاحمت محبة الله عز وجل ورسوله - صلى الله عليه وسلم - بحيث تضعفها فهى مذمومة وإن أعانت على محبة الله ورسوله وكانت من أسباب قوتها فهى محمودة. ولذلك كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب الشراب البارد الحلو ويحب الحلوى والعسل ويحب الخيل وكان أحب الثياب إليه القميص وكان يحب الدباء فهذه المحبة لا تزاحم محبة الله بل قد تجمع الهَّم والقلب على التفرغ لمحبة الله تعالى فهذه محبة طبيعية تتبع نية صاحبها ومقصده بفعل ما يحبه فإن نوى به القوة على أمر الله تعالى وطاعته كان قربة وإن فعل ذلك بحكم الطبع والهوى والميل المجرد لم يُثب ولم يعاقب. شروط المحبة (المحبوب الأعلى .. الله جل جلاله): موافقة المحبوب فيما يحبه ويرضاه. يكره ما يكرهه المحبوب ويسخطه. ¬

_ (¬1) سورة النساء – الآية 1.

محبة أحبابه وبغض أعدائه. موالاة من والاه ومعاداة من عاداه. أن تهب كلَّك لمن أحببت. إيثار المحبوب على جميع المصحوب. أن يمحى من القلب ما سوى المحبوب. استقلال الكثير فى نفسك واستكثار القليل من حبيبك. استكثار القليل من جنايتك واستقلال الكثير من طاعتك. إقامة العتاب على الدوام (أى معاتبة النفس على التقصير). الميل الدائم بالقلب الهائم. أن لا تؤثر على المحبوب غيره وأن لا يتول أمورك غيره. سفر القلب فى طلب المحبوب ولهج اللسان بذكره، فمن أحب شيئاً أكثر من ذكره. القيام بنصرته والسير على طريقه. الأسباب الجالبة لمحبة الله - سبحانه وتعالى -: قراءة القرآن بالتدبر. التقرب إلى الله - سبحانه وتعالى - بالنوافل. دوام ذكره على كل حال. إيثار محابه على محابك.

مطالعة القلب لأسمائه وصفاته (المعرفة). مشاهدة بره وإحسانه وآلائه ونعمه الظاهرة والباطنة. انكسار القلب بين يدى الله - سبحانه وتعالى -. مجالسة المحبين الصادقين والتقاط أطايب ثمار كلامهم. مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله - عز وجل -. الخلوة به وقت النزول الإلهى لمناجاته وتلاوة كلامه ثم ختم ذلك بالاستغفار وقت السحر (¬1). دليل المحبة: علامة حبك الأعظم للمحب الأعلى الله جل جلاله حينما تترك كل محبوب من أجله سبحانه وتعالى وذلك يظهر حين تترك نفقة لأهل بيتك ثم تخرج وتترك مسكنك الذى ترتضيه وفيه زوجتك وأولادك وتترك بلدتك التى فيها إخوانك وعشيرتك وأصدقاءك وتُخلِف وراءك تجارتك أو مصنعك أو مزرعتك التى تخشى كسادها وتخرج فى سبيل الله - عز وجل - {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} (¬2) مع صحبة صالحة فى بيئة صالحة فى بيت من بيوت الله - عز وجل - لتنطلق من خلاله بالدعوة إلى الله - عز وجل - ولإعلاء كلمته، فإن دل ذلك فإنما يدل ¬

_ (¬1) انظر كتاب الفتح الربانى - الشيخ عبد القادر الجيلانى، ومدارج السالكين - ابن القيم - منزلة المحبة - 3/ 6، إغاثة اللهفان من مكائد الشيطان - لابن القيم - 2/ 135. (¬2) سورة الصافات - من الآية 99.

على محبتك لله - عز وجل - أكثر من محبتك للثمانية التى ذكرها الله جل جلاله فى قوله تعالى {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (¬1). ثم تعود بقلب سليم وهمة عالية بما معك من نور العلم والإيمان لتقيم عمل الدعوة فى أهلك وإخوانك وعشيرتك وتفعل ذلك وإن حدث النقص فى دنياك فإنه يجب تحمل المضار الدنيوية ليبقى الدين سليماً عزيزاً منصوراً، فإنه إذا وقع التعارض بين مصلحة واحدة من مصالح الدين وبين جميع مهمات الدنيا وجب على المسلم ترجيح الدين على الدنيا وإلا وقعت عليه العقوبة من الله تعالى فى دنياه وأخراه. وأنت تقدم مصلحة دينك على دنياك، فتكون خير خلف لخير سلف (صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فقد ضربوا أروع الأمثلة فى التفانى فى حب الله ورسوله وترك لذات الدنيا الفانية. ***** ¬

_ (¬1) سورة التوبة – الآية 24.

أيها الدعاة إلى الله - عز وجل - عليكم بعلو الهمةأيها الدعاة إلى الله - عز وجل - عليكم بعلو الهمة

أيها الدعاة إلى الله - عز وجل - عليكم بعلو الهمة عن عبد الرحمن بن أبى الزناد عن أبيه قال: اجتمع فى الحجر عبد الله بن الزبير، ومصعب بن الزبير، وعروة بن الزبير، وعبد الله بن عمر - رضي الله عنهم - فقالوا: تمنوا. فقال عبد الله بن الزبير: أما أنا فأتمنى الخلافة. وقال عروة بن الزبير: أما أنا فأتمنى أن يؤخذ عنى العلم. وقال مصعب بن الزبير: أما أنا فأتمنى إمرة العراق والجمع بين عائشة بنت طلحة وسكينة بنت الحسين. وقال عبد الله بن عمر: أما أنا فأتمنى المغفرة. فنالوا ما تمنوا .. ولعل ابن عمر قد غفر له (¬1) .. فانووا أيها الدعاة هداية العالم كله إنسه وجنه .. ليعطيكم الله - عز وجل - ما نويتم ويكتب لكم أجر هداية من اهتدى وتبليغ كل البشر. ¬

_ (¬1) تاريخ الإسلام - الذهبى - 2/ 622.

أيها الدعاة إلى الله .. أخلصوا

أيها الدعاة إلى الله أخلصوا .. كان واعظاً قريب من مجلس محمد بن واسع رحمه الله فقال: مالى أرى القلوب لا تخشع والعيون لا تدمع والجلود لا تقشعر ... ؟! فقال محمد: يا فلان .. ما أرى القوم أتوا إلا من قبلك .. إن الذكر إذا خرج من القلب .. وقع على القلب (¬1). ***** ¬

_ (¬1) المرجع السابق - 3/ 564.

من أفواه الدعاة

من أفواه الدعاة (¬1) الله يربى الدعاة بطريقين: 1) الاستقبال: طلع البدر علينا. 2) الاستدبار: أهل الطائف وشدتهم. حتى يجعل الله - عز وجل - علاقة بين الداعى وبين ربه. النصح: النصح ثقيل فلا ترسله جبلاً، ولا تجعله جدلاً، والحقائق مرة فاستعيروا لها خفة البيان. آداب النصح: تعمدنى بنصحك فى انفرادى ... وجنبنى النصيحة فى الجماعة فان النصح بين الناس نوع ... من التوبيخ لا أرضى استماعه وان خالفتنى وعصيت قولى ... فلا تجزع إذا لم تعط طاعة البيئة: ¬

_ (¬1) الذى يتأمل هذا الباب يجد فيه بعض أصول عمل التبليغ والدعوة، وقد أدرجت بين سطوره بعض الكلام للسلف الصالح.

لو أن الطريق من القاهرة إلى أسوان موجود به كوبرى وفيه عطل، فحتى يمر الناس يتركون الطريق ويأخذون طريق جانبى كله مطبات فلما جاء الرئيس على هذا الطريق مشى من الطريق المكسر، مع عدم وجود الطريق الصحيح تجعل الجميع يمشى الكبير والصغير، الحاكم والمحكوم من الطريق الغير صحيح .. فعندما تكون البيئة صالحة .. يصلح الحاكم والمحكوم .. الصغير والكبير .. وإذا فسدت البيئة .. فسد الحاكم والمحكوم .. والصغير والكبير .. أول طريق فى إصلاح البيئة: 1) وأنذر عشيرتك الأقربين (حلق التعليم فى البيت) قال تعالى {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ .. إلى قوله تعالى .. يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} (¬1) وقال تعالى {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً ¬

_ (¬1) سورة الحج - الآية 78.

وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (¬1) وقال تعالى {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً} (¬2). 2) إصلاح بيئة المسجد (حلق التعليم فى المسجد). 3) الجولة المقامية: لإصلاح الحارة. 4) الجولة الانتقالية: لإيجاد البيئة فى المسجد الآخر وإقامة جماعة المسجد قال الله - سبحانه وتعالى - {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالابْصَارُ} (¬3).5) الذين لا يأتون المسجد: نفرغ لهم وقت حتى نزورهم. أثر البيئة: قالوا: أن عمر بن الخطاب قبل إسلامه كان يريد قتل النبى - صلى الله عليه وسلم - .. مع إنها أكبر جريمة قتل نبى .. ولكن لما جاءت البيئة أصبح عمر - رضي الله عنه -، أمير المؤمنين. من وصايا الشيخ إنعام: استمروا فى عملكم بالأصول وعاملوا الناس بحسن الخلق مهما كانت الشدة علينا لا تتغير أخلاقنا ... فالله يرد عن ¬

_ (¬1) سورة البقرة – الآية 133. (¬2) سورة الأحزاب – الآية 34. (¬3) سورة النور الآيات من 36: 37.

الداعى {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ * وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} (¬1). دعاء الصالحين: الله - عز وجل - نهى خلقه عن نهر السائل فقال تعالى {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} (¬2) فكيف وهو أكرم الأكرمين. مر أعرابى بجنازة توضع فى قبرها فناداه أهلها أن يدعوا لها فقال: اللهم إنك تعلم أنه لو نزل بى ضيف فأقوم فانحر له ناقتى وليس عندى غيرها وإنه نزل بك وأنت خير منزول به وأنت أكرم الأكرمين. الله - سبحانه وتعالى - جعل الفوز الحقيقى .. فوز الآخرة، ولكن الإنسان يريد أن يفوز بطريقة (المادة – المنصب – المال .. ) ولكن الله - عز وجل - يريد لنا أن نفوز بطريق الإيمان والأعمال، فالمال والمنصب والجاه ليس محل الفوز والفلاح، فسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - كان يتيماً، والله قد أتم نجاح أتباعه وهم لا يملكون شيئاً. الآن .. نرى بعض الناس يمشى فى الدين ويجعله لصلاح الآخرة وما يجعله لصلاح الدنيا مع أن الدنيا ظل الآخرة، فعلامة صلاح الدنيا .. ¬

_ (¬1) سورة الحاقة – الآيتان 41، 42. (¬2) سورة الضحى - الآية 10.

صلاح الآخرة .. وعلامة فساد الدنيا .. فساد الآخرة .. ، ففساد البيئة هذه علامة طريق الناس إلى جنهم. الله - سبحانه وتعالى - قادر أن يحقق السعادة لشخص ولو كان تحت السكين مثل سيدنا إسماعيل - عليه السلام - والله يعطيه طمأنينة كاملة للقلب مع أنه فى الظاهر فى الضيق والمذلة .. {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} (¬1). فعزة الإنسان فى مراد الله - عز وجل - .. وذل الإنسان ومهانته فى غير هذا الطريق .. ومع ذلك يقول الله - عز وجل - {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} (¬2) أى حظك من الطاعة. الله - عز وجل - ما خلق أعضاءنا وأجسامنا لنستفيد منها على رغباتنا .. ولكن لتكون طوعاً وعوناً لأمر الله - سبحانه وتعالى -. الله - سبحانه وتعالى - حرم السرقة .. والسرقة باليد. فاليد مصونة .. مكرمة .. مادامت تحافظ على أمر الله - عز وجل - .. ومن اعتدى عليها بالقطع .. دفع الدية (التعويض) .. ولكن لو هذه اليد مُدت وسرقت دينار واحد فقط .. تقطع وترفع عنها الحصانة .. قال الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - " لعن الله السارق يسرق ¬

_ (¬1) سورة الصافات - الآية 102. (¬2) سورة القصص - الآية 77.

البيضة (¬1) فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده " متفق عليه (¬2) .. وإن لم تقطع تجر هذا الجسد إلى نار جهنم لما كانت أمينة كانت ثمينة .. فلما خانت هانت. والله - عز وجل - جعل لهذا الجسم الكرامة .. مادام يحفظ أمر الله - عز وجل - والله أمر الخليفة بالمحافظة على هذا الجسم .. فإذا ترك أمر الله وزنى .. فهذا الجسم يرجم .. كما يرجم الكلب .. ويكون الرجم بعد عودته لأمر الله .. فبالرجم ترجع له كرامته .. بامتثال أوامر الله - سبحانه وتعالى -. وعندما قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - للمرأة الزانية وهى ترجم أخزاك الله. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقد تابت توبة لو وزعت على سبعين بيتاً من أهل المدينة لوسعتهم .. أرأيت كيف جادت بنفسها لله - سبحانه وتعالى -. معنى الهداية: .. أن الإنسان يرى الحقائق على حقيقتها .. يرى أن الأرض بنفسها لا تنبت الزرع ولكن الذى أنبت الزرع هو الله. عمل الدعوة والخروج فى سبيل الله - عز وجل - ليس للبركة وليس لرفع البلاء، فالخروج فى كل الأحوال .. ولو نزل البلاء. ¬

_ (¬1) قال العلامة القارى: قيل المراد بيضة الحديد التى توضع على الرأس (الخوذة)، وحبل السفينة. (¬2) مشكاة المصابيح – باب قطع السرقة – 2/ 1066.

نكون مستعدين لمقتضيات الدين على كل الأحوال وإن كان الحال غير موافق للأعمال .. فحال المدينة المنورة بعد وفاة النبى - صلى الله عليه وسلم - وارتداد العرب وأراد ملك الروم أن يغزوا العرب ومع كل هذه الأحوال .. ... أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - ما نظر إلى هذه الأحوال ولكن نظر إلى أمر الله - عز وجل - وأمر الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - وأنفذ جيش أسامة فكانت النصرة من الله مائة فى المائة. قال عبد الله بن مسعود .. أتدرون من ميت القلب .. ؟ قالوا .. ومن هو .. ؟ قال: الذى لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً. بعد القيام بالأوامر تكون الفيصلة من الله إما بهداية أهل الباطل ... أو دمارهم، مثل سحرة فرعون كانوا ستين ألف هداهم الله - سبحانه وتعالى -. الجهد لتهيئة القلوب والنفوس لتقبل الأوامر فى جميع الأحوال .. الآن قد نكون على الأوامر ولكن فى أحوال معينة .. حال الفرح .. أما الحزن لا .. حال الرخاء .. أما الشدة لا .. حال الصحة .. أما المرض لا. الصحابة مع رقيهم فى الجهد زاد خوفهم، سيدنا على - رضي الله عنه - وكرم الله وجهه فى آخر حياته يتململ تململ السليم (الملدوغ) غير مطمئن .. وهكذا نجد خوف الذي على الحصير بسيط، وخوف الذي فى الدور الثلاثين شديد .. وخوف الذي فى الطائرة أشد .. فالصحابة - رضي الله عنه - عنهم كانوا كلما زاد جهدهم زاد خوفهم.

انظر معى .. كيف كانت معاملة الرسول - صلى الله عليه وسلم - للعصاة والملحدين .. فالذى قال زنيت يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (سيدنا ماعز) النبى - صلى الله عليه وسلم - أقام عليه الحد، ثم قال النبى - صلى الله عليه وسلم - " والذى نفسى بيده إنه الآن لفى أنهار الجنة يسبح فيها " رواه أبو داود (¬1). هذه رحمة النبى - صلى الله عليه وسلم - على العاصى .. ! ثم انظر إلى المرأة التى سرقت وشفاعة أسامة بن زيد فيها .. ورد المصطفى - صلى الله عليه وسلم - .. !. أهل الإيمان الذين كانوا مع نوح - عليه السلام - بعد الغرق كلهم كانوا مؤمنين ولكن بدون الدعوة {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (¬2). قديماً قالوا: أسمى ما فى الإنسان الفكر .. وأدنى ما فيه البطن .. وأحسن ما فيه القلب .. وأخطر ما فيه الفرج واللسان. المسلم مثله مثل سائق القطار .. موته يعنى موت الأمة. عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قبّل الحجر من أجل أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قبّله .. لذا نحترم المسلم العاصى من أجل النبى - صلى الله عليه وسلم - الذى بكى من أجله .. ونحزن عليه. ¬

_ (¬1) مشكاة المصابيح – باب مالا يدعى على المحدود – 2/ 1077. (¬2) سورة الروم – الآية 41.

الدين الموافق للنفس ليس دين. الأشياء قتلت فينا قوة الدعاء .. ولكن لما كان العكس عند الصحابة الكرام .. كان .. {مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} (¬1). قال المصطفى - صلى الله عليه وسلم - " ألا إن الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما ولاه وعالماً ومتعلماً "رواه الترمذى وابن ماجه وحسنه الترمذى (¬2) فإذا دخل حب الدنيا فى قلوبنا صارت علينا اللعنة .. والعياذ بالله - عز وجل -. الذى يعتصم بماله وولده وجاهه مثله مثل ابن نوح - عليه السلام - الذى اعتصم بالجبل. لفظ (كن):قال الله - عز وجل - {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (¬3) فخزائن الرب - سبحانه وتعالى - موجودة فى لفظ " كن " ولذا قال الله - عز وجل - فى الحديث قدسى " .. لو أن أولكم وأخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا فى صعيد واحد فسألونى فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندى إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. رواه مسلم عن أبى ذر (¬4). وفى رواية الإمام أحمد والترمذى وابن ماجة: " لو أن أولكم وأخركم وحيكم ¬

_ (¬1) سورة البقرة - الآية 214. (¬2) مشكاة المصابيح – كتاب الرقاق – 3/ 1431. (¬3) سورة يس - الآية 83. (¬4) رياض الصالحين للنووى – باب المجاهدة.

وميتكم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا فى صعيد واحد فسأل كل إنسان منكم ما بلغت أمنيته فأعطيت كل سائل منكم ما نقص ذلك من ملكى إلا كما لو أن أحدكم مر بالبحر فغمس فيه إبرة ثم رفعها ذلك بأنى جواد ماجد أفعل ماأريد عطائى كلام وعذابى كلام إنما أمرى لشىء إذا أردت أن أقول له كن فيكون " (¬1) .. فالخزائن للتقريب للعقول .. فالخزائن لها حدود .. وأنت تسأل من خزائن اللامحدود. عوامل نجاح الجماعة الداعية إلى الله: مسئول متفكر. جماعة مستعدة. بالنسبة لتعامل الأمير مع الجماعة: حسب قدرتها وقدرة كل فرد. بث فكر عمل الدعوة والتبليغ داخل كل فرد فى الجماعة. اثنان لا تنساهما أبداً: ذكر الله - عز وجل - .. ذكر الموت. اثنان لا تذكرهما أبداً: إحسانك إلى الناس .. إساءة الناس إليك. ¬

_ (¬1) مشكاة المصابيح – باب الاستغفار والتوبة – 2/ 727.

إذا جهلت فاسأل .. وإذا أسأت فاندم .. وإذا ندمت فاقلع .. وإذا فُضِّلت على أحد فاكتم. قال حكيم: أعجب شئ رأيته .. رجل بيده القرآن الكريم ويطلب عما سواه .. وأعجب منه قلب عرف الله - سبحانه وتعالى - ثم عصاه. النظرة الحرام .. لا تبطل العمل، ولكنها تسحب النور من جميع الأعمال. يقول الشيخ إلياس رحمه الله: البيان فى هذا العمل .. كاللسان فى هذا الجسد. ويقول الشيخ أنعام الحسن رحمه الله: الدعوة تمشى بالفكر. ويقول الشيخ إلياس رحمه الله: لا يثبت الداعى فى الدعوة إذا لم تتغير حياته إلى ما يدعو إليه. الميزان السليم (الحساس) يتأثر بالزيادة والنقصان ولكن غير السليم لا يتأثر .. فلو كَمُل الإيمان يتأثر بالزيادة والنقصان ولكن لعدم كماله لا يتأثر بالزيادة والنقصان. لكل عمل وقت .. ! فكيف نشعر بالحاجة إلى الطاعة .. ؟! فلو نقصت الطاعة من نسبة 100% إلى نسبة 90% نشعر بالنقص كالذى يأكل ثلاثة أرغفة لو صارت اثنين يشعر بالنقص. بالمداومة على الطاعة والاستمرار عليها نحس بها .. والاهتمام

بالأعمال الله يعطى النور وبعد ذلك الطاعة تطلبك .. {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (¬1) جزء القرآن يطلبك للتلاوة .. الأذكار تطلبك .. الوضوء يطلبك. الناس تريد أن تهتدى .. ولكن بمن تهتدى، الناس تريد حياة الدين .. يدخلوا فى الدين .. الناس تسمع وترى .. {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ} (¬2) الناس تسمع وترى وتقلب فلا تجد فينا الأعمال فلا يقبلون. . فزيد ابن سعنة (الحبر اليهودى) - رضي الله عنه - قلَّب فى صفات النبى - صلى الله عليه وسلم - فوجد الصفات فأسلم (¬3). الدعوة إلى الله - عز وجل - ليست بالطلاقة فقط .. ولكن لابد أن يكون لدى الداعى حياة كاملة فى الدين .. فالذى يعاشرك ينتقل الذى عندك عنده. الدين ينتقل بالمعاشرة {وَاصْبرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} ¬

_ (¬1) سورة السجدة - الآية 16. (¬2) سورة آل عمران - الآية 193. (¬3) انظر حياة الصحابة – باب قصصه - صلى الله عليه وسلم - فى الأخلاق والأعمال المفضية إلى هداية ... الناس (إسلام زيد بن سعنة الحبر الإسرائيلى) – 1/ 125.

(¬1) فلو وجد كلام الدين فقط لكانت الفتن .. ويكون الكلام إزعاج للبشرية بل إن الله - عز وجل - يغضب لذلك {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} (¬2). وقال تعالى {رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (¬3) والفتنة أن ندعو الناس للإسلام ونحن لا نطبقه. نرى سيدنا أنس ابن مالك - رضي الله عنه - حينما خدم النبى - صلى الله عليه وسلم - .. بالمعاشرة تعلم .. فكان يصلى فينزل المطر. نجتهد لصفات الدين ونقول فقط كما رأيتمونى أصلى. المسلم اليوم أشد ما يكون الشبه بالممثل .. فى كل مكان بشكل مختلف .. الناس لا تقبل الدين إلا إذا كان كاملاً .. فالنقص فى الشئ يمنع تداوله .. حاول شراء سيارة بلا باب .. هل تشتريها .. ؟! الاستقامة .. هى فعل الأمر على مراد الله - عز وجل - لا على مراد البشر .. فالفعل على مزاج البشر هوى .. أما الفعل الذى على مراد الله - عز وجل - أمر .. فالله - سبحانه وتعالى - يريد لنا ديناً على مراده وليس على مزاجنا .. فمثلاً .. زكاة الفطر .. ¬

_ (¬1) سورة الكهف - الآية 28. (¬2) سورة الصف - الآيتان 2،3. (¬3) سورة الممتحنة – الآية 5.

ميقاتها رمضان قبل صلاة العيد .. على مراد الله - عز وجل - .. إذا تأخرت بعد الصلاة قل الأجر .. وأصبحت صدقة من الصدقات. الداعى إلى الله - عز وجل - يخدم أقرانه ومن هو دونه بالإضافة لخدمة لما هو أعلى منه .. وخدمته لهم يزرع فى قلبه التواضع .. ومراقبة الله - عز وجل - فى السر والعلن .. وتلك هى مقصود كل الأعمال .. نتدرب جماعى .. ونحاسَب انفرادى. المخدوم لا يكون داعياً .. لذا نجد جميع الأنبياء عملوا بالخدمة .. إلا سيدنا موسى - عليه السلام - لأنه تربى فى بيت فرعون فضرب رجلاً فقتله .. ثم أرسله الله - عز وجل - إلى أهل مدين عشر سنين خدمة ثم بعد ذلك رجع إلى دعوة فرعون. خادم الملك .. هو أعرف الناس بأسراره .. وكذلك الخادم لدين الله - سبحانه وتعالى - يعرف أسرار هذا الدين. الطاعة من أجل الامتثال .. فنطيع أميرنا امتثالاً لأمر الله - عز وجل - لا نلقى بالسواك على الأرض امتثالاً لأمر الله - عز وجل - .. وعندما أخذ صحابى اللقمة من الأرض وأكلها قصد من ذلك امتثال أمر الله - عز وجل - فى طاعته لنبيه - صلى الله عليه وسلم - وليس طمعاً فى اللقمة .. لذا فالتطاول على الأمير تطاول على سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - .. وبالتالى تطاول على أمر الله - عز وجل - لأنه القائل .. {وَمَا

آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (¬1)، {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} (¬2). الذى لا يجتهد فى المسجد بالآداب .. يوشك أن يحرمه الله منه. الشئ تقدر قيمته باقترانه بصاحبه .. فخادم الوزير يكرم من أجل الوزير .. وعندما يحترم السائقون براميل المرور الملونة .. إنما هو احترام للدولة والحكومة .. ونبى الله - صلى الله عليه وسلم - أحق أن يحترم فى سنته - صلى الله عليه وسلم - .. واحترامنا للمسجد .. تعظيماً لشعائر الله - سبحانه وتعالى -. لابد من العمل الجماعى {وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (¬3) ولم يقل أنا مسلم (¬4) .. الله يريد أن نكون أمة ضمن جماعة المسلمين فأنا مسلم بالمسلمين .. فالعضو خارج الجسد لا قيمة له .. وقيمته فى الجسد تتجسد فى قيمة الجسد كله. الجماعة أولاً .. الجماعة أخيراً .. مهما يكن لديك من الفصاحة والبيان .. لا تستطيع السير بمفردك مهما كان ذكاؤك أو عبقريتك .. أنظر ¬

_ (¬1) سورة الحشر - الآية 7. ... . (¬2) سورة النساء - الآية 59. (¬3) سورة فصلت - الآية 33. (¬4) من روائع الأدلة على حتمية العمل الجماعى خاصة فى الدعوة إلى الله رداً على من يزعم أن العمل الجماعى حزبية.

إلى إبليس عليه لعنة الله إلى يوم الدين – ترك السجود مع جماعة الملائكة .. كانت النتيجة الطرد من رحمة الله - عز وجل -. السيارة مفككة .. قطع غيار لا فائدة فيها .. يؤدى وجودها إلى أزمة فى المواصلات .. إلا عند تمام تجميع الأجزاء .. تصبح أداة نافعة تساعد فى حل الأزمة .. وكذلك أمة الإسلام .. عندما تتفكك .. وعندما تتحد .. ! حينما نعرف أن الله - عز وجل - ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا ويقول .. هل من مستغفر فأغفر له .. هل من تائب فأتوب عليه .. هل من كذا .. هل من كذا .. ؟ علمنا الحقيقى بهذا الحديث يعنى قيامنا الليل لله - عز وجل -. معنى العبودية: تقديم أمر الله - عز وجل - على كل أمر .. وكذلك طاعة الله - عز وجل - على كل طاعة .. ومحبة الله - سبحانه وتعالى - على كل محبة. قال ابن تيمية (رحمه الله): من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية. لا تحقرن صغيرة .. إن الجبال من الحصى. الحركة خير من جميع القربات والأعمال .. انظر إلى قصة الصحابى عبد الله بن رواحه فى غزوة مؤتة .. حينما تخلف عن الغزوة حتى يصلى الجمعة مع النبى - صلى الله عليه وسلم - فقال له النبى - صلى الله عليه وسلم - " لو أنفقت ما فى الأرض جميعاً ما

أدركت غدوتهم " (رواه أحمد والدارمى) (¬1). فالحركة فى هذا السبيل مقدمة على جميع القربات والأعمال حتى الصلاة مع النبى - صلى الله عليه وسلم -. الإعداد والتهيئة: الخروج فى سبيل الله إعداد وتهيئة حتى ندرك فى النهاية حياة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - .. كمثل الطالب يدرس ابتدائى، إعدادى، ثانوى .. ثم يدخل كلية الطب مع أن الابتدائى والإعدادى والثانوى لا علاقة لها بالطب .. لكنها الإعداد والتهيئة فقط. التضحية من أجل الدين: خير الأعمال .. انظر خبيب حينما نفذ الرمح فى جسده نجده يقول كلام الواثق من ربه .. فزت ورب الكعبة. النجاة فى العبودية .. والهلاك فى الكبر .. فقد أهلك الله فرعون وقارون وهامان والنمرود. الكلام فى الدعوة يكون على قدر حجمنا .. فالصحابة عندما جهروا بالدعوة وهم قلة ضُربوا .. وأوذوا. الطعام وأثره: جاء رجل للشيخ إنعام رحمه الله .. قائلاً له .. إن زوجتى وأولادى غير قابلين للدين .. فما السبب .. ؟! قال الشيخ: أنظر من أى شئ تطعمهم .. ! قال الرجل: كيف .. ؟! قال الشيخ: الجسم الذى ¬

_ (¬1) انظر حياة الصحابة – باب الإنكار على من أخر الخروج فى سبيل الله - عز وجل - 1/ 445.

نبت من حرام يرفض الحق .. والجسم الذى نبت من حلال ينجذب إلى الحق. تعلم الدين بالجهد .. فالقطة تعلم أولادها بالقفز .. والعصفور يعلم أولاده بالطيران .. ولا يجوز بغير ذلك. خفايا القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب .. فنحن دعاة لا قضاة. لماذا خلق الله - عز وجل - النار .. ؟! قال العلماء: خلق الله - سبحانه وتعالى - النار حتى يحب الناس الجنة، كما أنه بسبب الظلمة يحب الناس النور ... فقد جعلها الله - سبحانه وتعالى - عقاباً لأهل معصيته .. {وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (¬1). إعط الصدقة .. فأنت المحتاج للفقير .. كاحتياجك للمسجد .. فالمسجد محل العبادة والصلاة .. وكذلك الفقير محل الصدقة. يقولون: علامة قبول الداعية – عند الله - .. نقص الدنيا .. أتعقل .. ؟!! حسن الخلق .. يعنى طلاقة الوجه، كف الأذى، بذل المعروف .. فالذى لا يكرم أصحابه يأتى عنده سوء الخلق. التنفيذ الفورى لأوامر الله - سبحانه وتعالى - يقوى الإيمان فى القلوب .. ولكن عدم التنفيذ يجعل فى القلب القساوة .. والبلادة. ¬

_ (¬1) سورة الأنبياء – الآية 90.

استخدام الشىء فى غير موضعه إهانة .. فلا يصح للطبيب أن يبيع الفاكهة .. وقديماً قالوا .. وضع الشىء فى غير محله ظلم. لا رهبانية فى الإسلام وكذلك لا حيوانية فى الإسلام. يُمدح الله - سبحانه وتعالى - وحده فى كل مجلس .. وليس الشيوخ. الله - سبحانه وتعالى - جعل جهد الدين لإقامة الدين قبل وجود الدين. إذا رأيت الجمال فى شئ فلا تنشغل بمدحه .. ولكن انشغل بمدح الذى جمله .. الله - سبحانه وتعالى - .. فجمال المرأة يذهب بعد فترة .. وكذلك كل جمال .. ويبقى جمال الله - سبحانه وتعالى -. قال عبد الله بن عمر - رضي الله عنهم -: لا ينسى الإنسان أنه ضيف مرتحل وأن ما عنده عهدة منتقلة. الدعوة مثل المطر .. بمجرد نزول المطر .. تخرج جميع البذور. ندعوا إلى الله ونحن المحتاجين .. ولا أغتر بنفسى .. فقد قال الله - عز وجل - {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (¬1) ولم يقل دعا إلى الله واغتر بنفسه .. ولكن وعمل صالحاً وقال إننى من المسلمين. ¬

_ (¬1) سورة فصلت – الآية 33.

نخرج فى سبيل الله - عز وجل - حتى نتعلم عمل الدعوة وليس كلام الدعوة .. لذا قد تقابل من يطردك .. ومن يشتمك .. وأنت مستمر بنفس الثقة والاجتهاد .. فليس المقصود تحصيل العلم أو جمع معلومات .. ولكن المقصود تحصيل النور (نور الوحى). سيدنا إبراهيم - عليه السلام - بعد أن بنى الكعبة المشرفة .. ماذا قال .. ؟ {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} (¬1) فقد تعب حتى يقبله الله ويقبل منه. الدين عقل الدنيا. مقصود الخدمة .. خدمة الدين عن طريق الخدمة .. وإعدادك للدعوة. قراءة القرآن دون تدبر جنون .. فما بالنا بامرأة يقولون لها ابنك مات وهى تضحك .. فهى إذن مجنونة .. وكذلك من قرأ آيات الوعد والوعيد فى القرآن وهو يضحك .. ولا يتأثر. الدعاء لا يستجاب حتى يستجيب العبد .. {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي} (¬2). لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم .. كنز من كنوز الجنة انظر إلى سيدنا عوف بن مالك - رضي الله عنه - حينما أسر ابنهما مالك فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) سورة البقرة – الآية 127 (¬2) سورة البقرة - الآية 186.

عليكم بقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، فحينما لزما على قولها .. ماذا حدث لابنهما الأسير .. بناء على توجيهات من سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. فكت قيوده .. ورجع إلى أهله. كل الناس مثل القلم .. والقلم لا يكتب بنفسه بل لابد من حمله والكتابة به .. وكذلك كل المخلوقات الله يفعل بهم. الله - سبحانه وتعالى - قدر الجوع .. حتى الإنسان يتعامل مع الطعام .. فيرى قدرة الله - عز وجل - {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ ... النُّشُورُ} (¬1) يعنى .. وأنت ماشى فى الدنيا (خلى بالك .. إن فيه موت) .. قال تعالى {فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْباً * وَفَاكِهَةً وَأَبّاً * مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ * فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ .. الآيات} (¬2) فما علاقة الطعام باليوم الآخر يوم القيامة؟ .. حتى يعرف الإنسان أن الطعام ليس مقصد ولكن المقصد هو أمر الله - عز وجل - فى الحياة. ¬

_ (¬1) سورة الملك - الآية 15. سورة الملك - الآية 15. (¬2) سورة الملك - الآية 15.

جهود الدنيا مقصدها أن يتحرك الإنسان ويتحصل على المكتوب .. فالنفع ليس بالمكتوب ولكن بنسبة المفروض أى الدين {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} (¬1)، {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} (¬2). قالوا: _ قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: اطلب قلبك فى ثلاث مواطن .. عند سماع القرآن، وفى مجالس الذكر، وفى أوقات الخلوة. فإن لم تجده فى هذه المواطن فسل الله - سبحانه وتعالى - أن يمن عليك بقلب فإنه لا قلب لك. _ وقال الحسن البصرى: تفقد الحلاوة فى ثلاثة أشياء .. فى الصلاة، الذكر، قراءة القرآن. فإن وجدت ذلك فامض وأبشر وإلا فاعلم أن بابك مغلق فعالج فتحه. _ وقال ابن تيمية: إذا لم تجد للعمل حلاوة فى قلبك وانشراحاً فى صدرك فاتهمه فإن الرب شكور. سُئل الشيخ الشعراوى .. لماذا خلق الله - سبحانه وتعالى - الشياطين وما فائدة وجودهم .. ؟ ‍‍‍‍‍‍‍! فقال: إنه إذا لم يوجد ما يهيجك على المعصية تصبح ¬

_ (¬1) سورة النحل - الآية 97. (¬2) سورة طه - الآيتان 123، 124.

الطاعة أمراً اعتياديا .. لكن عظمة الطاعة فى أن واحد يغريك بأن تعصى فتقول له لا .. فوجود الشياطين .. استبقاء لحرارة التكليف. وسأله فتى بعد عقد قرانه قائلاً .. عظنى يا إمام وأوجز .. قال فضيلة الإمام محمد متولى الشعراوى رحمه الله .. اجعلوا سر خلافكم تحت لحافكم. ورد فى الأثر .. إن الذنوب تغير النعم وتبدل القِسم. غض البصر يقوى البصيرة. من نفس الخزينة التى يصرف منها فرعون ليقتل موسى - عليه السلام - يصرف منها أجر أم موسى مقابل إرضاع موسى - عليه السلام - وتربيته لأنها امتثلت الأمر {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ} (¬1). يقول ابن القيم رحمه الله: القلب بين جلال الله - سبحانه وتعالى - وجماله .. فإذا لحظ القلب جلال الله هابه وعظمه .. وإذا لحظ القلب جمال الله - سبحانه وتعالى - أحبه واشتاق إليه .. والقلب بين الشيئين يرث الورع. تباً لمن عرف الله ثم عامل غيره، ما أخسر صفقته! وما أعظم حسرته! ... وإذا سخر الإله أناساً ... لسعيد فإنهم هم السعداء ¬

_ (¬1) سورة الحج - الآية 78.

قال تعالى {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} (¬1) فالذى ليس له نور من الله - عز وجل - مثل السيارة التى تسير بلا فانوس إضاءة .. تقع فى الحوادث. القرآن نزل ليلاً {إِنا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} (¬2) ولذلك له لذة بالليل .. ولا يفهم إلا بالليل .. أشد وطئاً فى القلب. الحرمان من الفهم عقوبة من الله تعالى .. {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} (¬3). س: ما هى أسباب سلب الإيمان عند الموت (سوء الخاتمة) .. ؟! ج: 1 - ظلم العباد .. 2 - ترك شكر نعمة الإيمان. ومن أسباب سوء الخاتمة أيضاً والعياذ بالله: (1) التهاون بالصلاة. (2) شرب الخمر. (3) عقوق الوالدين. (4) أذى المسلمين. س: كيف يتغلب الحق على الباطل؟! ¬

_ (¬1) سورة الأنعام - الآية 122. (¬2) سورة الدخان - الآية 3. (¬3) سورة الأعراف - الآية 146.

ج: (1) نجتهد يومياً فى جهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -. (2) نجتنب الذنوب. (3) غض البصر. (4) نجتنب الجلوس مع المحارم كثيراً. (5) عدم مخالطة المتكبرين إلا للضرورة. س: كيف نحافظ على الإيمان المكتسب داخل المسجد .. ؟! ج: لابد من جهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - .. كان لا يُرى إلا غادياً أو رائحاً، دائم الفكرة، متواصل الأحزان، ليس له راحة، يقول أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا .. س: ما هو مقصد الإنسان .. ؟! ج: هو الشىء الذى لا يمله. س: كيف تأتى المعرفة بالله .. ؟! ج: حتى أتعرف على شخص .. لابد من مجالسته .. ولله المثل الأعلى لابد من المجالسة مع الله - سبحانه وتعالى - بالذكر فى الخلوة (أنا جليس من ذكرنى). سيدنا على كرم الله وجهه يقول .. حلم الله - عز وجل - جعل الناس يغترون {يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} (¬1) ولكن أخذه أليم شديد .. ¬

_ (¬1) سورة الإنفطار - الآية 6.

ليس مقصود العلم .. جمع المعلومات فقط .. ولكنه تغيير القلوب .. إبليس كان لديه العلم ولكن ما تغير قلبه .. فطرد من رحمة الله - عز وجل -. الخروج فى سبيل الله .. يعالج القلوب (جهد العلاج). العمل المقامى .. يعالج القلوب (جهد الوقاية). الدعوة عمل قلبى تنتشر بدون اللسان (بالهم والحزن والعاطفة فى القلب) لو دخلت النجاسة البئر .. لا يتطهر ولو وضعنا فيه ماء كثير حتى تخرج النجاسة .. فالبئر هو القلب والنجاسة التى فيه هى هوى القلب. الدنيا قدر مقدر والإيمان والهداية بقدر الجهد والتضحية. الدنيا مقدر والدين مقرر. الدنيا مثل الماء المالح كلما شربت منه ازددت عطشاً. الزهد: خروج قيمة الأشياء من القلب. الزهد: على قدر الترك. الدنيا: مثل كلب الحراسة، ينام أمام باب المنزل، فهو خارج المنزل ينفع .. ولكن إذا دخل المنزل .. نجس كل الأوانى .. كذلك الدنيا خارج القلب تنفع .. ولو دخلت القلب تنجسه. وجد فى زمن بنى أمية كيس مختوم عليه ففتحوه فوجدوا فيه حبة قمح مثل النواة ووجدوا ورقة مكتوب فيها .. كان هذا فى زمن العدل زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.

قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله: ما ناقشت أحداً فى مسألة إلا وتمنيت أن يظهر الله الحق على لسانه. اعدل فيما وليت .. واشكر الله على ما أوليت .. يمدك الخالق وتودك الخلائق. إن من الشعر لحكمة: إذا ما كنت فى قوم غريبٍ ... فعاملهم بفعل مستطاب ولا تحزن إذا فاهو بفحش ... غريب الدار تنبحة الكلاب وقديماً قالوا: حتى الكلاب إذا رأت ذا ثروة ... ذلت لديه وحركت أذنابها وإذا رأت فقيراً معدماً ... هرعت إليه وكشرت أنيابها قالوا: إذا غامرت فى أمرٍ مروم ... فلا تقنع دون النجوم فطعم الموت فى أمرٍ حقيرٍ ... كطعم الموت فى أمرٍ عظيم قيل لرجل: ما تشتهى .. ؟! فقال: جنى النخل وجنى النحل. فقيل له: أيهما أحب إليك .. ؟ قال: أشفاهما وأنقاهما. قال إبليس لعنة الله: ثلاث من كن فيه أدركت حاجتى منه: من استكثر علمه.

ونسى ذنبه. وأُعجب برأيه. أربع كلمات من أربع كتب: من التوراة: من قنع شبع. من الإنجيل: من اعتزل نجا. من الزبور: من سكت سلم. من القرآن: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (¬1). قيل لأبى حازم: غلت الأسعار .. ! قال: ما يهمكم من ذلك .. ! الذى يرزقنا فى الرخص، هو الذى يرزقنا فى الغلاء. وقيل لبهلول المجنون: قد غلا السعر فادع الله. فقال: ما أبالى ولو الحبة بدينار .. إن لله علينا أن نعبده كما أمرنا، وعليه أن يرزقنا كما وعدنا (¬2). وقيل لعمر بن الخطاب: قل غلا السعر. فقال: اتركوه حتى ترخصوه. قال أحد الحكماء: ¬

_ (¬1) سورة آل عمران - الآية 101. (¬2) تاريخ الإسلام للذهبى – 5/ 247.

لا الأمر أمرى ولا التدبير تدبيرى ولا الشئون التى تجرى بتقديرى لى خالقٌ رازقٌ ماشاء يفعل بى أحاط بى علمه من قبل تصويرى سئل رجل معمر تجاوز مائة وعشرون عاماً ومازال قوياً فيه الحيوية والنشاط .. ما سر شبابك هذا .. ؟! قال: سر قوتى فى ثلاث: لا أحمل همَّاً لغد .. (إلا همَّ الإسلام). لا أحمل بغضاً لأحد. لا أحمل لنفسى نكداً. الرجولة تُكتسب كما تُكتسب أى حرفة .. وميدان الرجولة " جهد الدين " قال تعالى {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} (¬1) وقال الله - عز وجل - {قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا} (¬2). قال ابن تيميه - رحمه الله - .. المحبوس من حُبِسَ قلبه عن ربه .. والمأسور من أسره هواه. ¬

_ (¬1) سورة الأحزاب - الآية 23. (¬2) سورة المائدة - الآية 23.

من كلام الجولة: الله خلقنا من العدم .. وقدر لنا الرزق .. والأجل .. وكتب علينا الحياة والموت .. وما بين الحياة والموت مطلوب منا .. معرفة الله - سبحانه وتعالى - .. عبادة الله - عز وجل - .. دعوة الناس إلى الله - سبحانه وتعالى -. كلام الدعوة واحد: ولما يضيع الدين لا نغير الكلام .. ولكن نظل نردد .. الدين .. الدين .. مثل الرجل الذى فقد ابنه وكان يسمى إبراهيم .. يظل يقول إبراهيم .. إبراهيم .. ولذلك نتكلم عن الدين كلام واحد لأن المفقود شئ واحد .. حتى الموت. قال الله - سبحانه وتعالى - {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (¬1).وكذلك نجد صاحب كل بضاعة .. يظل يردد نفس النداء ولا يغيره. الدين مثل البناء .. نظل نبنى ونقول .. أعطنى طوب .. أعطنى مونه .. الكلام يخدم المقصد ولذا قال الحق - سبحانه وتعالى - {وقل اعملوا .. الآية} الأمة تعمل وإذا احتاجت شئ يخدم المقصد تتكلم. قديماً قالوا: لا تتهافت على اللئيم .. فتتهم فى مروءتك، لا تتهافت على الغنى .. فتتهم فى عفتك، لا تتهافت على الجاهل .. فتتهم فى فطنتك. ¬

_ (¬1) سورة البقرة - الآية 132 ..

المراتب ثلاثة: أعلاها .. أن تشكو نفسك إلى الله - سبحانه وتعالى - .. اللهم إنى أشكو إليك ضعف قوتى أوسطها .. أن تشكو الناس إلى الله - سبحانه وتعالى -. أخسها .. أن تشكو الله - سبحانه وتعالى - إلى خلقه .. ضياع الوقت أخطر من الموت .. فالموت يقطع صلتك بالدنيا وهى حقيرة لا تساوى عند الله - عز وجل - جناح بعوضة .. ولكن ضياع الوقت يقطع صلتك بالله - عز وجل -. كما أن الباطل عالمى فيجب أن يكون الحق عالمياً. الباطل فى العالم كالعنكبوت {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (¬1). الله لا يزيل الباطل إلا بالحق. الله يزيل الباطل من أجل أن يقر عيون أهل الحق. الله أذل فرعون عندما ظهر الحق عند موسى - عليه السلام -. الله - سبحانه وتعالى - أذل النمرود عندما ظهر الحق على يد إبراهيم - عليه السلام -. ¬

_ (¬1) سورة العنكبوت - الآية 41.

ما نجتهد لإزالة الباطل إلا بإيجاد الحق .. والله - سبحانه وتعالى - عليه أن يزيل الباطل. {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا} (¬1)، {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} (¬2). الدين منهج .. مثل الطالب لا يقول أنا فى الجغرافيا أو التاريخ أو العربى .. ولكن يقول أنا فى الثانوية العامة .. والنبى - صلى الله عليه وسلم - قد جاء بالدين الكامل وليس بالأمر الواحد .. وكذلك العضو إذا فسد .. فسد الجسم كله .. مثل الذى توجعه رجله .. يوجعه جسمه كله ويقول أنا مريض ولذلك فساد الأمر يعنى فساد الدين .. ولذلك يقول سيدنا ... أبو بكر - رضي الله عنه - .. أينقص الدين وأنا حى. السفر يُسفر عن أخلاق الرجال .. والخدمة تُسفر عن معادن الرجال. مقاصد الحج .. توبة آدم، تضحية إبراهيم - عليه السلام -، استسلام إسماعيل - عليه السلام -، الدعوة إلى الله لترسيخ العقيدة، والتعرف على أحوال العالم. مقصد الخروج فى سبيل الله - عز وجل -: الإيجاد: إيجاد الفكر بأننا مسئولين عن الدعوة لهذا الدين .. الإعداد: كيف نُعد أنفسنا وغيرنا على المسئولية. ¬

_ (¬1) سورة الشمس - الآية 14. (¬2) سورة الأنفال - الآية 17.

والخروج للتربية .. كالذى يزرع لابد له أولاً أن يمهد ويطهر .. فالدنيا دار الجهد .. القبر دار الموت .. الآخرة دار الراحة. الأموال تُنفق فى الدنيا على كل شئ حتى تبريد الهواء .. فأين حق الله .. وأين حق القبر .. وأين حق الميزان .. وأين حق الصراط .. وأين حق الجنة .. وأين حق الهروب من النار. إن الطيور إذا أصبحت ذكرت ربها وسألت رزقها. الذكر بدون علم يعطى الضلالة .. والعلم بدون ذكر يعطى الكبر. علامة الإخلاص .. أن لا يتأثر بالذم أو المدح .. فالإخلاص توأم الإيمان .. كلما ازداد الإيمان .. ازداد الإخلاص .. والعكس .. الخروج فى سبيل الله .. بيئة تسد منابع الشر عن القلب. تصرفات البشر كاشفة عن فاعلية الله - عز وجل - الأزلية منذ القدم .. (القدر المكتوب). قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة " رواه مسلم (¬1). س: كيف تتحصل على نور القرآن .. ؟! ج: بالدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى -. س: كيف نستقيم فى الدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى - .. ؟! ¬

_ (¬1) مشكاة المصابيح - باب الإيمان بالقدر - 1/ 30.

ج: أن نصغر أنفسنا ونكون طالبين .. س: ماذا تعنى كلمة تضحية .. ؟! ج: تعنى كلمة تضحية .. المجاهدة .. وهى كلمة تزن بميزان الذهب .. كل حرف يدل دلالة عميقة على معنى عظيم .. الميم: تضحية المال. الجيم: تضحية الجسم. الألف: تضحية الأوقات. الهاء: هجرة المكان والمعاصى. الدال: دعوة مستمرة. الهاء: تنزل الهداية بإذن الله - عز وجل -. س: كيف نحافظ على المستوى الإيمانى .. ؟! ج: لابد من المحافظة على بيئة الإيمان وأن تعمل لك بيئة إيمانية فى كل مكان وصحبة الإيمان فى المسجد بالاعتكاف والصلاة والتوبة والاستغفار، والدعاء .. وترك جميع البيئات الفاسدة. س: ما الذى ينير القلب .. ؟! ج: ينير القلب عدة أشياء منها: (1) بطن جائع. (2) صاحب صالح. (3) حفظ الذنب القديم. ... (4) قصر الأمل.

س: ما الذى يساعد على الإخلاص .. ؟! ج: يساعد على الإخلاص الأشياء الآتية: خلع قميص العجب. عدم نسيان الذنوب. عدم ذم النفس أمام الناس لأن ذم النفس أمام الناس مدح. محاسبة النفس. سُئل ذا النون المصرى .. متى يعرف الرجل أنه من الخواص .. ... (صفوة الله) .. ؟! قال: بأربع أشياء: إذا ترك الراحة. وأعطى من الموجود. وأوجب سقوط المنزلة. واستوى عنده المدح والذم. س: ما هى علامات المرائى .. ؟ ‍‍‍‍‍‍‍ ‍‍‍‍! ج: قال على بن أبى طالب - رضي الله عنه - .. علامات المرائى أربع: يكسل إذا كان وحده. وينشط إذا كان مع الناس. يزيد العمل إذا أثنى عليه.

ويُنقص إذا ذُم به. عن الحسن البصرى رحمه الله - عز وجل - أنه قال .. أربع من زاد الآخرة: الصوم صحة النفس. الصدقة ستر بينه وبين النار. الصلاة تقرب العبد إلى ربه. الدموع تمحو الخطيئة. الداعى مثل الكوبرى .. الكل يمشى عليه وهو لا يمشى على أحد. الداعى إلى الله - عز وجل - مثل التاجر يبيع لكل الناس، ولكن الناس تأخذ منه .. كل حسب احتياجه. الداعى .. ينظر للناس مثل النجار للخشب، يتفكر فى كل شئ فى الخشب على أنه فيه المنفعة (أى يحسن الظن بالناس ويتوقع منهم الخير) .. ولا ينظر له كالفران .. يرى أن الخشب كله يستحق الحرق. س: ما الفرق بين الصفة والحال .. ؟! ج: الصفات لا تتغير .. مثل الصبر، فالإنسان الذى يصبر فى كل شئ فهذه صفة، ولكن الذى يخرجه أى شئ عن شعوره فالصبر عنده حال وليس صفة .. لأن الصفة لا تتغير مثل فلان طويل .. فلان قصيرة .. هذه صفة. أصل الطاعة لله - سبحانه وتعالى - ثلاثة أشياء:

الخوف: وعلامته ترك المحارم. الرجاء: وعلامته الرغبة فى الطاعة. الحب: وعلامته الشوق والإنابة. أصل المعصية: الكبر: ظهر فى إبليس حيث أُمر بالسجود فاستكبر حتى صار ملعوناً. الحرص: ظهر فى آدم - عليه السلام - حيث أكل من الشجرة. الحسد: ظهر من ابن آدم حيث حسد أخيه فقتله فدخل النار. س: ما هى أول معصية عُصى الله - سبحانه وتعالى - بها فى الأرض والسماء .. ؟ ‍‍! ج: أول معصية فى السماء والأرض هى الحسد .. ففى السماء حسد إبليس سيدنا آدم - عليه السلام -. وفى الأرض حسد قابيل أخيه هابيل فقتله. س: من أول من مات من خلق الله - سبحانه وتعالى - .. ؟! ج: إبليس .. لأنه أول من عصى الله - عز وجل -. س: ما هو الشىء الذى يمزق الأمة .. ؟! ج: الذى يمزق الأمة: (1) سوء الظن. ... (2) النجوى. (3) التجسس. ... (4) الغيبة.

قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لزوجته عاتكة بنت زيد بن عمرو نفيل – وقد غضب عليها – لأسوأنك .. ؟ فقالت له: أتستطيع أن تصرفنى عن الإسلام بعد إذ هدانى الله - عز وجل - .. ؟ ‍‍! قال: لا .. قالت: فبم تسوءُنى .. إذن .. ؟! س: ما مقصد قراءة حياة الصحابة - رضي الله عنهم - .. ؟ ج: الرجوع إلى الأصول .. ولكى يخرج العجب من القلب .. وتزويد الهمم. العقل مطيتك إلى الملك، وإياك والدخول به عليه .. أى أن العقل بالتفكر فى قدرة الله - عز وجل - وعظمته يوصلك إلى الله ولكن لا تناقش بعقلك أوامر الله - سبحانه وتعالى -. الدين انتشر فى زمن النبى - صلى الله عليه وسلم - بـ 3 أشياء: قول النبى - صلى الله عليه وسلم - .. وتلك هى كلام الدعوة، قدم النبى .. وتلك هى حركة الدعوة، قلم النبى .. وتلك هى الرسائل التى أرسلها لملوك الأرض. الحركة مقدمة على البيان .. فقد قال الله - سبحانه وتعالى - {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} (¬1) فيسعى إشارة إلى الحركة .. ، واتبعوا المرسلين إشارة إلى كلام الدعوة .. منافع الدين وجهد الدين .. (1) المحبة فى قلوب البررة. (2) الهيبة فى قلوب الفجرة. ¬

_ (¬1) سورة يس – الآية 20.

(3) السعة فى الرزق. ... (4) الثقة فى الدين. أربعة غرباء على وجه الأرض .. (1) مسجد لا يصلى فيه. ... (2) مصحف لا يُتلى فيه. (3) قرآن فى جوف ظالم. ... (4) عالم لا يعمل بعلمه. الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها التقطها (فهيا نلتقطها معا): فيْ غرفَتيٌ. . وعلٌى فِراٌشيَ كنتٌ أسِأل نفسَيٌ: ما أسَبابٌ النجاحَ فيٌ الحياة؟!. وجدتٌ الجوابٌ داخل الغرفة: السَقفٌ يقَول: الطمِوحٌ عاليٌ. النافذه تقَول: أنظٍر للعالمٌ .. السَاعه تقَول: كلْ دقيقة غالية .. المراياٌ تقَول: فكِر قبلْ أن تفعلٌ .. التقويمَ يقَول: تابع أولا بأوٌل .. البابَ يقَول: أدفعٌ بقوه للحصَول علىٌ الهدف .. ولمَ أنسَىٌ الأرض قالت: أسَجد وصلِّ وأدعوَ من خلقني.

الشكر .. أن تعمل فى النعمة بما يُرضى المنعم .. لذا فنحن نجتهد .. حتى يكون المطبوع متبوعاً .. {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} (¬1). رب صديق أود من شقيق. قيل لبعض الحكماء .. من أسوأ الناس حالاً .. ؟ ‍‍! قال: من اتسعت معرفته وضاقت مقدرته وبعدت همته. تصحيح الخطأ أثناء الخطأ من أكبر الخطأ. مجاراة أهل الباطل مع عدم فعل الباطل .. ولكن لإخراج الناس من الباطل .. ليس بباطل. العلم .. دنيا آخرته العمل به .. نتعلم حتى نعمل ونبلغ .. نجد بائع الكشرى يقوم بصناعته بالليل ليبيعه بالنهار .. {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ} (¬2). العلم بعد التزكية: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ ¬

_ (¬1) سورة طه - الآية 123. (¬2) سورة التوبة - الآية 122.

وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (¬1) .. ولكن العلم قبل التزكية .. كمن يدهن الزيت على الجير .. بماذا ينفع .. !. مقصد هذا الجهد (جهد الدعوة والخروج فى سبيل الله - عز وجل -) هو إحياء الشعور الذى كان فى قلب أبى بكر الصديق - رضي الله عنه - حينما قال .. أينقص الدين وأنا حى .. ونحيي هذا الشعور فى الأمة كلها .. وأعظم به مقصداً. أى عمل بدون علم يكون سبباً للضلالة ويكون سبباً للمنَّ. قال الشيخ يوسف الكاندهلوى - رحمه الله - .. لا يثبت الداعى فى الدعوة إلا إذا تغيرت حياته إلى ما يدعو إليه. ثمرة هذا الدين .. مكارم الأخلاق وحسن الخلق .. مع الله - عز وجل - ومع خلق الله - سبحانه وتعالى -. الأوامر تحتاج إلى طاقة إيمانية مثل الأشياء المادية تحتاج إلى طاقة مادية وكلما جاء الإيمان واليقين فى القلب الإنسانى يستطيع أن يتعامل مع: العبادات: علاقة العبادات بينك وبين الله - سبحانه وتعالى -. المعاملات: علاقة المعاملات بينك وبين خلق الله - عز وجل - بمقابل. المعاشرات: بينك وبين خلق الله - عز وجل - (فى دائرة الأهل والأقارب) بدون مقابل. ¬

_ (¬1) سورة آل عمران - الآية 164.

الأخلاق: بينك وبين سائر خلق الله - عز وجل - بدون مقابل. قال والد الشاعر الباكستانى العبقرى .. محمد إقبال .. حينما دخل عليه وهو يقرأ القرآن الكريم .. يا بنى .. اقرأ القرآن وكأنما أُنزل عليك. الله - سبحانه وتعالى - .. خلق الكون لمصلحة الإنسان وصلاح الكون بصلاح الإنسان {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (¬1). لو أن الشبع من الطعام .. لمات أهل الكهف جوعاً. الله - سبحانه وتعالى - .. أنزل الأوامر التى بها سعادة الإنسان .. فمقصود الذى معك من دنياك لتتحصل به على أخراك {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ} (¬2). الله - سبحانه وتعالى - .. يحب الإنسان أكثر من حب الأم لولدها .. وأكثر من حب المرء لنفسه .. (حديث المرأة التى وجدت ابنها فى السبى .. ). سئل الإمام أحمد بن حنبل متى يجد العبد طعم الراحة؟ قال: عند أول قدم يضعها فى الجنة. ¬

_ (¬1) سورة الروم - الآية 41. (¬2) سورة القصص - الآية 77.

قال تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ} (¬1) أى مشرقة مضيئة. قال عطاء الخراسانى: " مسفرة " من طول ما اغبرت فى سبيل الله جل ثناؤه. إياك والفراغ فإن الفراغ باب المعصية. قال عمر بن عبد العزيز: وأين الفراغ؟ ذهب الفراغ، فلا فراغ إلا عند الله، لا مستراح إلا عند شجرة طوبى. الراحة للرجال غفلة. قال شعبة: لا تقعدوا فراغاً فالموت يطلبكم. قال عمر - رضي الله عنه -: أتعب الناس من جلت مطالبه. النية الصالحة والهمة العالية نفس تضيئ وهمة تتوقد. كلما تعاظمت الهمم، تصاغرت الجثث. ولست ترى الأجسام وهى ... ضئيلة نواحل إلا والنفوس كبار وقيل: بقدر الكد تكتسب المعالى ... ومن طلب العلا سهر الليالى تريد العز ثم تنام ليلاً ... يغوص البحر من طلب اللآلى قيل أكيس الناس رجل وفقه الله لطاعته فعمل بها، ثم دل الناس عليها. أخى الداعى لا تكن كالإبرة .. تكسو الناس .. وأنت عريان. ¬

_ (¬1) سورة عبس – الآية 38.

لا يحصل خطير إلا بخطير فالدر فى عقر اليم. من لم تبك الدنيا عليه .. لم تضحك الآخرة إليه. قال الشافعى: من وعظ أخاه سراً فقد نصحه وزانه .. ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه. من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف ". من حديث رواه البيهقى. لقمة ولقمة: قال أحد الصالحين: أكلت (لقمة حلال) عند بعض الناس فوجدت بها حلاوة قيام الليل أربعين يوماً وأكلت (لقمة حرام) عند بعض الناس فوجدت بها الرغبة فى الزنا أربعين يوماً. الفوز والفلاح .. عطاء من الله - عز وجل - يبدأ فى الدنيا ويترقى ويزداد ولا يأتى عليه النقصان أبد الآباد. وكل الأغيار والأسباب على غير الإيمان حلمٌ جميل واستدراج وإمهال قال تعالى {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} (¬1) وكل الأغيار والأسباب مع الإيمان خدعة وسراب وامتحان الداعى الذى لا يلتزم بأمر الله - عز وجل - كطبيب مريض يحاول أن يداوى المريض وقديماً قال واعظاً مستنكراً على نفسه: وغير تقى يأمر الناس بالتقى طبيب يداوى والطبيب مريض وقيل: ¬

_ (¬1) سورة الأعراف - من الآية 182.

عجباً لمن يبكى على موت غيره دموعاً ولا يبكى على موته وأعجب من ذا يرى عيب غيره ... عظيماً وفى عينيه عن عيبه عمى الداعى مثل النحلة تأكل طيباً وتضع طيباً. الداعى مثل الظل كل الناس تحب أن تجلس عنده. قال تعالى {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} (¬1). أى شرع لكم يا أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ما وصى به أولى العزم من الرسل (محمد، نوح، إبراهيم، موسى، عيسى) عليهم السلام – أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه وهذه لفته ربانية على أن إقامة الدين تكون من طريق الدعوة إلى الله - عز وجل -. {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} (¬2). يقول ابن القيم – رحمه الله – فى قوله تعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً} (¬3) ¬

_ (¬1) سورة الشورى – الآية 13. (¬2) سورة الشورى - من الآية15. (¬3) سورة المائدة – من الآية 3.

ىتأمل حسن اقتران التمام بالنعمة، وحسن اقتران الكمال بالدين، وأضاف الدين إليهم إذ هم القائمون به المقيمون له، وأضاف النعمة إليه إذ هو وليها ومسديها والمنعم بها عليهم. ولذا قال بعض السلف: يا له من دين لو أن له رجال (¬1). يقول سفيان الثورى: إنى لأرى الشىء يجب علىَّ أن آمر فيه، فلا أفعل فأبول دماً (¬2). قالوا لابد للداعى من: الدعوة مع الدعاء .. الإلحاح مع البكاء .. الصبر على الأذى .. قراءة القرآن .. التضرع فى الصباح والمساء .. إخلاء البطن من الحرام .. قيام الليل .. الفكر المذيب .. الجهد المتعب .. الدعاء المبكى. قال الشيخ يوسف – رحمه الله -: إذا لم يتحرك الداعى للدعوة دليل على أنه سقط. وقال أيضاً: الشمس إذا توقفت تقوم الساعة .. كذلك الداعى إذا توقف عن الدعوة يفسد العالم لا تنظر إلى من قال ولكن انظر إلى ما قال. ¬

_ (¬1) مفتاح دار السعادة لابن القيم. (¬2) تاريخ الإسلام - 4/ 559.

الداعى الحقيقى الذى يتلاشى أى ذره من المضرة التى تضر (الدين – الدعوة – الدعاة). والذى أرقى منه الذى يدفع المضرة قبل وقوعها. من قرت عينه بالله قرت به كل عين، ومن سر بخدمة الله تعالى سرت الأشياء كلها بخدمته. الداعى بلا عمل .. كالرامى بلا وتر. يقول أبا عبد الرحمن العمرى الزاهد: إن من غفلتك عن نفسك إعراضك عن الله - عز وجل - بأن ترى ما يسخطه فتجاوزه ولا تأمر ... ولا تنهى خوفاً ممن لا يملك ضراً ولا نفعاً، ومن ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر مخافة المخلوقين نزعت منه الهيبة فلو أمر بعض ولده لاستخف به (¬1). ميدان جهد الدعوة: هو ميدان العز .. ميدان الكرامة .. ميدان تكوين الشخصية المسلمة التى توجه أنظار أهل الأرض وأنظار أهل السماء، ولذا كانت غزوة تبوك من أصعب الغزوات .. لماذا .. ؟ لأنها كشفت النقاب عن الشخصية المؤمنة والشخصية المنافقة. أخى الداعى .. إذا قرت عينك بالله قرت عيون الناس بك صرت لقلوبهم كالكحل لعيونهم. ¬

_ (¬1) تاريخ الإسلام - 5/ 290.

من خاف ما بين يديه صان دموعه بما فى يديه. إن كنت تريد الجزيل فلا تنم ولا تقيل (¬1). بادر .. قبل نزول ما تحاذر. كم من مذكر بالله ناسٍ لله .. وكم من مخوف بالله جرئ على الله .. وكم من مقرب إلى الله بعيد عن الله .. وكم من داعٍ إلى الله فار من الله .. وكم من تالٍ لكتاب الله منسلخ عن آيات الله .. هل تحب أن تكون كذلك فتخسر الدنيا والآخرة .. ؟!. من لم يصلِّ الفجر لم يرشح لطاعته. خالف سيدنا موسى - عليه السلام - سيدنا الخضر ثلاث مرات فقال .. هذا فراق بينى وبينك .. وأنت كذلك تعصى الله فى اليوم مرات ومرات .. ألا تخشى أن يقول لك مولاك - سبحانه وتعالى - هذا فراق بينى وبينك. إن الأعداء كانوا يتأثرون بيقين الصحابة - رضي الله عنه - أجمعين .. فنجد الهرمزان عندما جاء المدينة ودخل مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى عهد عمر - رضي الله عنه - وسأله عمر .. كيف وجدتم الحرب بيننا وبينكم .. ؟ قال: كنا نحاربكم قبل الإسلام فنغلبكم، فجعلتم الحرب بيننا وبين الله فمن يغلب الله يا عمر. فالصحابة - رضي الله عنهم - كانوا لا يتأثرون من المخلوق ليست عندهم يقين بعدد ولا عدة .. {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ ¬

_ (¬1) كناية عن مواصلة الجهد

إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (¬1) فكان نتيجة الامتثال {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} (¬2). ولننظر إلى نبى الله موسى - عليه السلام - وحاله مع أمر الله بترك العصا مع وجود المنافع فيها .. فهى يتوكأ عليها، ويهش بها على غنمه، وله فيها مآرب أخرى .. كان الامتثال .. والامتثال التام .. فتحولت إلى حية ضارة كل الضرر .. ثم أمره بعد ذلك بأخذها مرة أخرى .. فكان الامتثال التام .. فالأمر فى الحالتين امتثال تام سواء كان فى وجود النفع أو فى وجود ... الضر. لما فعل النبى موسى - عليه السلام - ذلك جعلها الله - عز وجل - سبباً لتربيته وتربية اثنى عشر أسباطاً وفلق بها البحر ويضرب بها الحجر فيخرج منها الماء .. صار فى العصا بركات ومنافع. وانظر إلى أبى بكر الصديق - رضي الله عنه - نجده فى المكان الذى كان يقضى فيه بين الناس ضُرب فيه بالنعال ثم بعد ذلك خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم بعد ذلك يدخل الجنة من أى باب من أبواب الجنة الثمانية شاء .. لماذا .. ؟ لامتثاله لأوامر الله - عز وجل -. ¬

_ (¬1) سورة آل عمران - الآية 173. (¬2) سورة آل عمران – الآية 174.

الدعوة مصنع الرجال

الدعوة مصنع الرجال إذا صلح الإنسان .. صلح العالم وإذا فسد الإنسان فسد العالم .. قال الله - سبحانه وتعالى - {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (¬1). يقول الشيخ يوسف الكاندهلوى (رحمه الله): إذا فسد يقين الإنسان فهو يفسد فى الأرض أكثر من فساد الهوام والحشرات والسباع والدواب لأنه أصبح أضل من الحيوان. فالحيوان المفترس يبدل حياة الآخر من أجل حياته أى يملأ بطنه بهلاك غيره .. والأسد عندما يهجم على الغزالة أو الشاه فهو لا يتفكر فى صغارها بل يفترس ليشبع نفسه. والحيوان المفترس إذا دخل على الشياه هو يفترس شاه .. اثنين .. ثلاثة .. ثم يترك الباقى ويذهب .. ولكن الإنسان الذى فسد يقينه وظن أن عزه وفلاحه فى المال .. فمن أجل حصوله على المال يفعل أى شئ .. لو جاءه الغنى يأخذ منه الرشوة .. لو جاءه الفقير يطلب منه الرشوة .. مثل ¬

_ (¬1) سورة الروم - الآية 41.

هذا الرجل إذا كان موظف فى قرية فهو يسبب الفساد فى القرية .. وإذا كان ملكاً .. أفسد فى المملكة .. عن كعب بن مالك قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ذئبان جائعان أرسل فى غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه (رواه الترمذى وقال حديث حسن صحيح) (¬1). وعن ابن عمر - رضي الله عنهم - قال أقبل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا معشر المهاجرين خمس خصال إذا ابتليتم بهن - وأعوذ بالله أن تدركوهن -: لم تظهر الفاحشة فى قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التى لم تكن فى أسلافهم الذين مضوا. ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم. ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا (¬2). ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعض ما فى أيديهم. ¬

_ (¬1) رياض الصالحين - باب فضل الزهد فى الدنيا. (¬2) سورة الحج - الآية 78. لما منعوا المساكين القوت منع الله عنهم مادة القوت والرزق وحبسها عنهم فقال لهم بلسان الحال .. منعتم الحق فمنعتم الغيث .. فهلا استنزلتموه .. ببذل ما لله قبلكم (مفتاح دار السعادة ... لابن القيم).

ولم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم. رواه بن ماجة واللفظ له والبزار والبيهقى ورواه الحاكم بنحوه موقوفاً عن ابن عباس ولفظه: ما ظهر الغلول فى قوم إلا ألقى الله فى قلوبهم الرعب. ولا فشا الزنا فى قوم إلا كثر فيهم الموت. ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا قطع عنهم الرزق. ولا حكم قوم بغير حق إلا فشا فيهم الدم. ولا ختر قوم بالعهد إلا سلط عليهم عدوهم. رواه الطبرانى (¬1). وقال عطاء الخرسانى: إذا كان خمس كان خمس: إذا أكل الربا كان الخسف والزلزلة. وإذا جار الحكام قحط المطر. وإذا ظهر الزنا كثُر الموت. وإذا منعت الزكاة هلكت الماشية. وإذا تعدى على أهل الذمة كانت الدولة (¬2). ذكره أبو نعيم (¬3) ¬

_ (¬1) انظر كتاب التذكرة للقرطبى - باب الفتن والمحن والبلاء. وكتاب أسباب سعادة المسلمين وشقائهم فى ضوء الكتاب والسنة، محمد زكريا الكاندهلوى. (¬2) سورة الحج - الآية 78. أى لعدوهم. (¬3) كتاب التذكرة للقرطبى - باب الفتن والمحن والبلاء.

ولا شك فى أن هذه الأمور هى التى تسبب حلول الكوارث والمصائب والنكبات والزلازل والبراكين والأعاصير والفيضانات والمجاعات وغلاء الأسعار والأمراض المستعصية. ويقول الشيخ / مفتى زين العابدين (رحمه الله): (¬1): الأشياء التى جعلها الله - عز وجل - سبباً لسعادة الإنسان .. هى ذاتها تكون سبباً لشقاء الإنسان وهلاكه .. ولهذا لم يوجد نبى واحد من أنبياء الله - عليهم السلام - اجتهد على التراب أو الجبال أو الصناعة أو التجارة ... بل اجتهدوا على هذا الإنسان الذى هو أشرف الخلائق .. فميدان جهد الأنبياء هو الإنسان وجهد الأنبياء على جميع الناس ليعلموهم أن الفوز والفلاح بالإيمان والعمل الصالح. فلو نظرنا إلى أهل الصناعة .. لوجدناهم يتنافسون على أن تكون فى مصنوعاتهم ثلاث صفات: أن يكون المصنوع طويل العمر. أن يكون المصنوع أنفع للإنسان. أن يكون المصنوع على قدر الطلب. ¬

_ (¬1) مفتى باكستان سابقاً وأحد علماء الدعوة والتبليغ بباكستان (جزء من محاضرة ألقاها بإحدى اجتماعات التبليغ والدعوة ببنجلاديش عام 1988م.

فإذا كانت هذه الصفات فى مصنوعاتهم فيقبل الناس عليها ويزداد حرصهم عليها. نقول لأهل الصناعة بل للعالم كله: لا شئ أنفع للإنسان من الإنسان .. ولا شئ أطول عمراً من الإنسان فإنه ينتقل من دار إلى دار ولا شئ أطلب من الإنسان .. فإذا أردتم أن تصنعوا .. فاصنعوا الإنسان .. فإذا فعلتم تحصلتم على الفوز والفلاح، وهذا ما جاء به النبى - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: " لئن يهدى الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حُمر النعم " متفق عليه (¬1) .. يعنى لئن تصلح رجلاً واحداً أفضل لك من حُمر النعم. وفى كل مجال من مجالات الحياة نحتاج إلى الأكفاء والصلحاء .. فإذا صلح الإنسان صلح العالم وإذا فسد الإنسان فسد العالم .. ولذا كان جهد الأنبياء عليهم السلام على هذا الإنسان الطويل العمر .. الكثير النفع .. وأول صلاح لهذا الإنسان فى قلبه .. ولكن .. كيف يعرف أن القلب مريض .. ؟! إذا كان القلب مقبلاً على الله وحده، مقبلاً على الجنة والآخرة، مقبلاً على أوامر الله - عز وجل - .. فعلى صاحبه أن يطمئن على نفسه ويفرح وإذا كان على العكس يحب المخلوق أكثر من الخالق يطمع فيما عند المخلوق أكثر مما عند الخالق، يخشى المخلوق أكثر مما يخشى الخالق .. فعليه أن يعرف أن قلبه مريض .. غير سليم. ¬

_ (¬1) رياض الصالحين - باب الدلالة على الخير والدعاء إلى هدى أو ضلالة.

فعلى كل إنسان .. أن ينظر فى قلبه فإذا وجد هذه العلامات التى هى سبب لمرض القلب فعليه أن يبادر بإصلاح قلبه ولا يؤجل العلاج لحظة واحدة لأنه لو مات على هذه الحالة فإنه يقابل الله - عز وجل - بقلب غير سليم والويل كل الويل .. والهلاك كل الهلاك .. والخسران كل الخسران .. لمن مات وقلبه غير سليم. فإذا انصلح القلب .. إنصلحت جميع جوارحه .. فالعين لا تنظر إلى الحرام .. والأذن لا تستمع إلى الحرام .. واللسان لا يشهد الزور ... ولا يغتاب .. واليد لا تسرق ولا تغش ولا تطفف الكيل والميزان ولا تبطش ولا تأخذ الرشوة ولا تعطيها .. والرجل لا تمشى إلى حرام أو فى حرام .. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألا إن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب. متفق عليه (¬1) (¬2). س: وكيف يصلح قلبه .. ؟! ج: أول شئ يدعو إلى الله - سبحانه وتعالى - .. كلما دعوت إلى الله وبينت قدرة الله - عز وجل - وعظمته - سبحانه وتعالى - وحقه من المحبة والخشية والإنابة والرجاء والخوف منه وحقوق الألوهية، كلما دخل الأثر فى قلبك من الله، وكلما تدعو تشعر بدخول اليقين الصحيح فى القلب وبالخلوة مع ذكر الله - عز وجل -. ¬

_ (¬1) رياض الصالحين - باب الورع وترك الشبهات. (¬2) سورة الحج - الآية 78.

وكلما يدعو الإنسان إلى الله ويبين ما فى الغيب وقدرة الله وعظمة الله ويظل مدة طويلة .. فبعد هذه المجاهدة .. الله - سبحانه وتعالى - يحول هذا الغيب إلى مشاهدة .. (على بصيرة ويقين). فالصحابة لما قاموا على الدعوة .. رأوا بأم أعينهم الملائكة فى بدر .. وأحد والخندق .. الله - سبحانه وتعالى - أنزلها لنصرتهم وليس الخبر كالعيان، فالصحابة وصلوا إلى أعلى الدرجات من اليقين .. وأصبح الغيب عياناً لهم بعدما صبروا على الدعوة إلى الله مع وجود الأحوال المختلفة. ولهذا .. فإن صلاح القلوب بالدعوة للإيمان .. والإيمان محله القلب .. والقلب مصنع الإيمان .. يقول أحد الأجانب .. محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - لم يبنى الشارع ولم يصنع القماش ... الخ ولكن صنع رجالاً مثل أبى بكر وعمر - رضي الله عنهم - وكل واحد منهم أصبح نموذجاً لأمة .. ثلاثة عشر سنة يصنع الرجال .. فهذه صناعة محمد - صلى الله عليه وسلم - وصناعة أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - نتحف بها العالم كله. *****

رجال أدهشوا التاريخ

رجال أدهشوا التاريخ!! عن عائشة رضى الله عنها قالت: لما اجتمع أصحاب النبى - صلى الله عليه وسلم - وكانوا ثمانية وثلاثين رجلاً، ألح أبو بكر - رضي الله عنه - على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى الظهور. فقال: يا أبا بكر .. إنا قليل فلم يزل أبو بكر يلح حتى ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتفرق المسلمون فى نواحى المسجد كل رجل فى عشيرته، قام أبو بكر فى الناس خطيباً ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس فكان أول خطيب دعا إلى الله - عز وجل - وإلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وثار المشركون على أبى بكر وعلى المسلمين فضربوا فى نواحى المسجد ضرباً شديداً ووطئ أبو بكر وضرب ضرباً شديداً ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين ويحرفهما لوجهة وترا على بطن أبى بكر حتى ما يعرف وجهه من أنفه وجاءت بنو تيم يعادون فأجلت المشركين عن أبى بكر وحملت بنو تيم (¬1) أبا بكر فى ثوب حتى أدخلوه منزله ولا يشكون فى موته ثم رجعت بنو تيم فدخلوا المسجد وقالوا والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة بن ربيعة فرجعا إلى أبى بكر فجعل أبو قحافة وبنو تيم يكلمون أبا بكر حتى أجاب، فتكلم آخر النهار. فقال: ما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ¬

_ (¬1) قبيلة سيدنا أبى بكر الصديق رضى الله عنه.

فمسوا منه بألسنتهم وعذلوه، ثم قالوا لأمه أم الخير: انظرى أن تطعميه شيئاً أو تسقيه إياه، فلما خلت به ألحت عليه وجعل يقول: ما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقالت: والله مالى علم بصاحبك. فقال: اذهبى إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه. فخرجت حتى جاءت أم جميل فقالت: إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله؟ فقالت: ما أعرف أبا بكر ولا محمد ... بن عبد الله وإن كنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك فعلت. قالت: نعم. فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعاً دنفاً فدنت أم جميل وأعلنت بالصياح. وقالت: والله إن قوماً نالوا هذا منك لأهل فسق وكفر وإنى لأرجو أن ينتقم الله منهم. قال: فما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. ؟ قالت: هذه أمك تسمع. قال: فلا شئ عليك منها. قالت: سالم صالح. قال: أين هو .. ؟ قالت: فى دار الأرقم بن أبى الأرقم. قال: فإن لله علىَّ لا أذوق طعاماً ولا أشرب شراباً أو آت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمهلتا حتى إذا هدأت الرجل وسكن الناس خرجتا يتكئ عليهما حتى أدخلتاه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأكب عليه رسول الله فقبله (¬1) وأكب عليه المسلمون ورقَّ له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رقة شديدة. فقال أبو بكر: بأبى وأمى يا رسول ¬

_ (¬1) جواز معانقة المسلم وتقبيله بعد نجاته من محنة ما حتى لولم يكن مسافراً.

الله! ليس بى بأس إلا ما نال الفاسق من وجهى، وهذه أمى بارة بولدها وأنت مبارك فادعها إلى الله وادع الله لها عسى أن يستنقذها بك من النار. قال: فدعا لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعاها إلى الله فأسلمت ... الخ (¬1). وهذا عروة بن مسعود الثقفى يقول لقومه .. والله لقد وفدت على الملوك على كسرى وقيصر والنجاشى، والله ما رأيت ملكاً يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداً والله إن تنخم نخامة إلا وقعت فى كف ... رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون النظر تعظيماً له (¬2). وعن عمرو بن السائب أنه بلغه أن والد أبى سعيد الخدرى (مالك بن سنان) لما جُرح النبى - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد مصَّ جرحه حتى نقاه ولاح أبيض فقيل له مُجَّه. فقال: لا والله لا أمجه أبداً ثم أدبر فقاتل. فقال النبى - صلى الله عليه وسلم - من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا فاستشهد. وفى رواية أخرى: أنه مصَّ الدم عن وجهه ثم ازدرده فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من مس دمه دمى لم تمسه النار (¬3). ¬

_ (¬1) حياة الصحابة - 1/ 262. (¬2) زاد المعاد - ابن القيم. (¬3) تاريخ الإسلام - الذهبى - 1/ 325.

وعن أنس - رضي الله عنه - قال: انطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر وجاء المشركون فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، قال عمير بن الحمام بخٍ .. بخٍ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما يحملك على قول بخٍ .. بخٍ. قال لا والله يا رسول الله إلا رجاء أكون من أهلها. قال: فإنك من أهلها. قال: فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتى إنها لحياة طويلة. قال: فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل. رواه مسلم (¬1). وعن محمود بن عمرو بن يزيد بن السكن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يوم أحد حين غشيه القوم من رجل يشرى منا نفسه .. ؟ فقام زياد بن السكن فى خمسة من الأنصار وبعض الناس يقول: هو عمارة بن زياد بن السكن فقاتلوا دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل ثم رجل يُقتلون دونه حتى كان آخرهم زياداً أو عمارة فقاتل حتى أثبتته الجراحة ثم فائت من المسلمين فئة فأجهضوهم عنه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أدنوه منى فوسده قدمه فمات وخده على قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وترس دون رسول لله - صلى الله عليه وسلم - أبو دجانة بنفسه يقع النبل فى ظهره وهو منحنٍ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى كثرت فيه النبل (¬2). ¬

_ (¬1) مشكاة المصابيح - باب الجهاد - 2/ 1122. (¬2) تاريخ الإسلام - الذهبى - غزوة أحد - 1/ 317.

وعن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفرد يوم أحد فى سبعة من الأنصار ورجلين فى قريش فلما رهقوه، قال: من يردهم عنا وله الجنة أو هو رفيقى فى الجنة. فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قُتل وتقدم آخر حتى قُتل فلم يزل كذلك حتى قُتل السبعة فقال لصاحبيه: ما أنصفنا أصحابنا. رواه مسلم (¬1). وعن أنس - رضي الله عنه - قال: لما كان يوم أحد انهزم الناس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو طلحة بين يدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجوب عنه بجحفة معه وكان أبو طلحة رجلاً رامياً شديد النزع كسر يومئذٍ قوسين أو ثلاثة وكان الرجل يمر بالجعبة فيها النبل فينثرها لأبى طلحة ويشرف نبى الله فينظر إلى القوم فيقول أبو طلحة: يا نبى الله، بأبى أنت وأمى لا تشرف يصبك سهم من سهام القوم، نحرى دون نحرك. متفق عليه (¬2). وفى رواية أنه ثبت بين يديه ثلاثون رجلاً منهم أبو بكر وعمر وعلى وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبى وقاص وأبو عبيدة ... بن الجراح وسبعة من الأنصار الحُباب بن المنذر وأبو دجانة وعاصم بن ثابت والحارث بن الصُمة وسهل بن ضيف وسعد بن معاذ وقيل سعد بن عبادة ومحمد بن مسلمة. ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬2) المرجع السابق - 1/ 318.

وقيل ثبت بين يديه ثلاثون رجلاً كلهم يقول: وجهى دون وجهك .. ونفسى دون نفسك .. وعليك السلام غير مودع (¬1). وعن أبى بكر بن أبى موسى الأشعرى قال سمعت أبى - رضي الله عنه - وهو بحضرة العدو يقول قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف. فقام رجل رث الهيئة، فقال: يا أبا موسى .. أنت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول هذا .. ؟ قال: نعم. فرجع إلى أصحابه فقال: أقرأ عليكم السلام. ثم كسر جفن سيفه فألقاه ثم مشى بسيفه إلى العدو فضرب حتى قتل. رواه مسلم (¬2). وعن خارجه بن زيد بن ثابت عن أبيه قال: بعثنى النبى - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد لطلب سعد بن الربيع وقال لى: إن رأيته فاقرأه منى السلام وقل له: يقول لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف تجدك .. ؟ فجعلت أطوف بين القتلى فأصبته وهو فى آخر رمق وبه سبعون ضربة. فقلت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ عليك السلام ويقول لك خبرنى كيف تجدك .. ؟ قال: على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السلام وعليك. قل له يا رسول الله: أجدُ ريح الجنة. وقل لقوم الأنصار لا عُذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيكم شفر يطرف وفاضت نفسه (¬3). وعن أنس - رضي الله عنه - قال: غاب عمى أنس بن النضر عن قتال بدر. فقال: غبت عن أول قتال قاتلت المشركين لئن الله أشهدنى قتال المشركين ليرين ¬

_ (¬1) سبل الهدى والرشاد فى سيرة خير العباد - الصالحى - 4/ 292. (¬2) رياض الصالحين - باب الجهاد. (¬3) تاريخ الإسلام - الذهبى - 1/ 322.

الله ما أصنع. فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون فقال اللهم إنى أعتذر إليك مما صنع هؤلاء – يعنى أصحابه – وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء – يعنى المشركين – ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ. فقال: يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر، إنى أجد ريحها من دون أحد .. واهاً لريح الجنة، فقال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع. قال أنس: فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ووجدناه قد قتل ومثل به المشركين فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه. قال أنس: كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفى أشباهه {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} (¬1) متفق عليه (¬2). وفى رواية لما: أنتهى أنس بن النضر إلى عمر وطلحة ورجال ألقوا بأيديهم فقال: ما يجلسكم .. ؟ فقالوا: قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: فما تصنعون بالحياة بعده فقوموا موتوا على ما مات عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل (¬3). ¬

_ (¬1) سورة الأحزاب - الآية 23. (¬2) رياض الصالحين - باب المجاهدة. (¬3) تاريخ الإسلام - الذهبى - 1/ 323.

وكان عمرو بن الجموح أعرج شديد العرج وكان له بنون أربعة مثل الأسد يشهدون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المشاهد وهم خلاد ومعوذ ومعاذ وأبو أيمن فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه قالوا: إن الله قد عذرك فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن بنى يريدون أن يحبسونى عن هذا الوجه وللخروج معك فيه، فو الله إنى لأرجوا أن أطأ بعرجتى هذه فى الجنة فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما أنت فقد عذرك الله تعالى، فلا جهاد عليك وقال لبنيه: ما عليكم ألا تمنعوه لعل الله يرزقه الشهادة. فخرج وهو يقول مستقبل القبلة .. اللهم لا تردنى إلى أهلى خائباً، فقتل شهيداً .. وروى الإمام أحمد عن قتادة بن الحارث بن ربعى الأنصارى قال: أتى عمرو بن الجموح إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أرأيت إن قاتلت فى سبيل الله حتى أُقتل. أمشى برجلى هذه صحيحة فى الجنة - وكانت رجله عرجاء - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعم. فقتلوه يوم أحد هو وابن أخيه ومولى لهم فمر عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: كأنى أنظر إليك تمشى برجلك هذه صحيحة فى الجنة فأمر بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعلوا فى قبر واحد (¬1). وعندما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر لأخذ العير ووجد أن أبا سفيان قد نجا بالقافلة وأتى خبر مسير قريش فاستشار الناس فتكلم المهاجرون فأحسنوا ثم استشارهم. وفى رواية فقام أبو بكر فقال وأحسن. ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن ثم قام المقداد بن الاسود فقال: يا رسول الله أمضِ ¬

_ (¬1) سبل الهدى والرشاد - 4/ 315.

لما أمرك الله فنحن معك والله ما نقول لك كما قال قوم موسى لموسى {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (¬1) ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إن معكما مقاتلون (¬2). عن يمينك وعن شملك وبين يديك ومن خلفك والذى بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى نبلغه فأشرق وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال له خيراً ودعا له. وذكر موسى بن عقبة وابن عائذ، أن عمر قال يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنها قريش وعزها والله ما ذلت منذ عزت ولا آمنت منذ كفرت والله لتقابلنك فأهب لذلك أهبته. وأعد لذلك عُدته ثم استشارهم ثالثاً ففهمت الأنصار أنه يعنيهم وذلك أنهم عدد الناس فقام سعد بن معاذ - رضي الله عنه - وجزاه الله خيراً فقال: يارسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأنك تعرض بنا قال: أجل وكان إنما يعنيهم لأنهم بايعوه على أن يمنعوه من الأحمر والأسود فى ديارهم فاستشارهم ليعلم ما عندهم فقال سعد: يا رسول الله قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامضِ لما أردت ولعلك يا رسول الله تخشى أن تكون الأنصار ترى عليها ألا ينصروك إلا فى ديارهم وإنى أقول عن الأنصار وأجيب عنهم: ¬

_ (¬1) سورة المائدة - الآية 24. (¬2) وفى ابن هشام: متبعون.

فاظعن حيث شئت ... وصل حبال من شئت ... واقطع حبال من شئت ... وخذ من أموالنا ما شئت ... وأعطنا ما شئت ... وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت ... وما أمرت فيه من أمر فأمرنا تبع لرأيك ... فو الله لئن سرت حتى تبلغ البرك من غمدان. وفى رواية برك الغماد من ذى يمن لنسيرن معك. والله لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك ما تخلف منا رجلٌ واحد .. وما نكره أن نلقى عدونا غداً .. وإنا لصبرٌ فى الحرب .. صُدق فى اللقاء .. لعل الله يُريك منا ما تقر به عينك .. ولعلك خرجت لأمر فأحدث الله غيره فسربنا على بركة الله فنحن عن يمينك وشمالك وبين يديك وخلفك ولا نكون كالذين قالوا لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (¬1) ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما متبعون. فأشرق وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسر بقول سعد فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيروا على بركة الله وأبشروا فإن الله وعدنى إحدى الطائفتين والله لكأنى أنظر الآن إلى مصارع القوم (¬2). وعن عامر بن سعد عن أبيه قال: لما حكم سعد بن معاذ فى بنى قريظة أن يقتل من جرت عليه المواسى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لقد حكم فيهم بحكم الله الذى حكم به من فوق سبع سماوات. ¬

_ (¬1) سورة المائدة - الآية 14. (¬2) انظر سبل الهدى والرشاد - 4/ 42، حياة الصحابة - 1/ 396.

وأخرج ابن سعد عن عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استيقظ فجاءه جبريل أو قال ملك فقال من رجل مات من أمتك الليلة استبشر بموته أهل السماء قال: لا أعلمه. إلا أن سعد بن معاذ أمس دنفاً ما فعل سعد .. ؟ قالوا: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. قبض وجاء قومه فاحتملوه إلى دارهم فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالناس الصبح ثم خرج وخرج الناس مشياً حتى إن شسوع نعالهم تقطع من أرجلهم وإن أرديتهم لتسقط من عواتقهم فقال قائل: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد بتت الناس مشياً قال: أخشى أن تسبقنا إليه الملائكة كما سبقتنا إلى حنظله. وفى رواية .. من مات من أمتك قد إهتز له عرش الرحمن فرحاً بقدوم روحه. وعن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اهتز عرش الله لموت سعد بن معاذ (¬1). وعن أبى بريدة عن أبيه قال بينما نحن قعود على شراب لنا ونحن نشرب الخمر حلة (حلالاً) إذ قمت حتى آتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأُسلم عليه قد نزل تحريم الخمر {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (¬2). ¬

_ (¬1) تاريخ الإسلام - الذهبى - 1/ 382. (¬2) سورة المائدة – الآيتان 90، 91.

قال وبعض القوم شربته فى يده قد شرب بعضها وبقى بعضاً فى الإناء فقال بالإناء تحت شفته العليا كما يفعل الحجام ثم صبوا ما فى باطيتهم فقالوا: انتهينا ربنا .. انتهينا ربنا (¬1) (¬2). وأخرج عبد بن حميد عن رجل من بني سليم قال: جاورت أبا ذر بالربذة، وله فيها قطيع إبل. له فيها راع ضعيف فقلت: يا أبا ذر ألا أكون لك صاحبا أكنف راعيك، وأقتبس منك بعض ما عندك، لعل الله أن ينفعني به؟ فقال أبو ذر: إن صاحبي من أطاعني، فإما أنت مطيعي فأنت لي صاحب وإلا فلا. قلت: ما الذي تسألني فيه الطاعة؟ قال: لا أدعوك بشيء من مالي إلا توخيت أفضله. قال: فلبثت معه ما شاء الله، ثم ذكر له في الماء حاجة فقال: ائتني ببعير من الإبل، فتصفحت الإبل فإذا أفضلها فحلها ذلول، فهممت بأخذه ثم ذكرت حاجتهم إليه فتركته، وأخذت ناقة ليس في الإبل بعد الفحل أفضل منها، فجئت بها فحانت منه نظرة فقال: يا أخا بني سليم خنتني. فلما فهمتها منه خليت سبيل الناقة ورجعت إلى الإبل، فأخذت الفحل فجئت به فقال لجلسائه: من رجلان يحتسبان عملهما؟ قال رجلان: نحن. . . قال: أما لا فأنيخاه، ثم اعقلاه، ثم انحراه، ثم عدوا بيوت الماء فجزئوا لحمه على عددهم، واجعلوا بيت أبي ذر بيتا منها ففعلوا. ¬

_ (¬1) مختصر تفسير ابن كثير – 1/ 547. (¬2) مختصر تفسير ابن كثير – 1/ 547.

فلما فرق اللحم دعاني فقال: ما أدري أحفظت وصيتي فظهرت بها، أم نسيت فأعذرك؟ قلت: ما نسيت وصيتك ولكن لما تصفحت الإبل وجدت فحلها أفضلها، فهممت بأخذه فذكرت حاجتكم إليه فتركته فقال: ما تركته إلا لحاجتي إليه؟ قلت: ما تركته إلا لذلك قال: أفلا أخبرك بيوم حاجتي؟ إن يوم حاجتي يوم أوضع في حفرتي، فذلك يوم حاجتي. إن في المال ثلاثة شركاء: القدر لا ينتظر أن يذهب بخيرها أو شرها، والوارث ينتظر متى تضع رأسك ثم يستفيئها وأنت ذميم، وأنت الثالث فإن استطعت أن لا تكونن أعجز الثلاثة فلا تكونن مع أن الله يقول: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ} (¬1) وإن هذا المال مما أحب من مالي فأحببت أن أقدمه لنفسي. (¬2). وفى القادسية أرسل سعد بن أبى وقاص ربعى بن عامر - رضي الله عنهم - إلى رستم قائد الفرس فزينوا له المجلس وبسطوا البسط والنمارق ولم يتركوا شيئاً ووضع لرستم سرير الذهب وألبس زينته فى الأنماط والوسائد المنسوجة بالذهب وأقبل ربعى على فرس قصيرة، ومعه سيف له، وغمده لفافة ثوب خلق، ومعه قوسه ونبله، فلما غشى الملك وانتهى إليه وإلى أدنى البسط قيل له: انزل فحملها على البساط فلما استوت عليه نزل عنها وربطها ¬

_ (¬1) سورة آل عمران _ الآية 92. (¬2) انظر تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور- سورة آل عمران - الآية 92.

بوسادتين فشقها ثم أدخل الحبل فيهما فلم يستطيعوا أن ينهوه وإنما أروه التهاون وعرفوا ما أرادوا. فأراد استخراجهم وعليه درع له كأنها إضاة وعباءة بعير قد جابها وتدرعها وشدها على وسطه بسلب وقد شد رأسه بمعجرته وكان أكثر العرب شعره ومعجرته نسعة بعير ولرأسه أربع ضفائر قد قمن قياماً كأنهن قرون الوعلة فقالوا: ضع سلاحك فقال إنى لم آتكم فأضع سلاحى بأمركم. أنتم دعوتمونى فإن أبيتم أن آتيكم إلا كما أريد وإلا رجعت فأخبروا رستم فقال: ائذنوا له. هل هو إلا رجل واحد فأقبل يتوكأ على رمحه وزجه نصل يقارب الخطو ويزج النمارق والبسط فما ترك لهم نمرقه ولا بساط إلا أفسده وتركه منتهكاً مخرقاً فلما دنا من رستم تعلق به الحرس وجلس على الأرض وركز رمحه بالبسط فقالوا: ما حملك على هذا .. ؟ قال: إنا لا نستحب القعود على زينتكم هذه. فكلمه فقال: ما جاء بكم .. ؟ قال: إن الله - سبحانه وتعالى - ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام. فقاال رستم: ويحكم لا تنظروا إلى الثياب ولكن انظروا إلى الرأى والكلام والسيرة إن العرب تستخف باللباس والمأكل ويصونون الأحساب .. الخ (¬1). وأخرج جرير فى تاريخه عن أبى عبدة العنبرى قال: لما هبط المسلمون المدائن وجمعوا الأقباض أقبل رجل بحق معه فدفعه إلى صاحب ¬

_ (¬1) حياة الصحابة - 3/ 697.

الأقباض فقال الذين معه: ما رأينا مثل هذا قط ما يعدله ما عندنا ولا يقاربه فقالوا من أنت .. ؟ فقال: لا والله! لا أخبركم لتحمدونى ولا غيركم ليقرظونى ولكنى أحمد الله وأرضى بثوابه فأتبعوه رجلاً حتى انتهى إلى أصحابه فسأل عنه فإذا هو عامر بن عبد القيس (¬1). وعن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخى بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع فعرض سعد على عبد الرحمن أن يناصفة أهله وماله. قال سعد: أنا أكثر أهل المدينة مالاً فأقسم لى نصف مالى وانظر أى زوجتى هويت نزلت لك عنها فإذا حلت تزوجتها. فقال عبد الرحمن: بارك الله - عز وجل - لك فى أهلك ومالك .. دلونى على السوق فاشترى وباع (¬2). وقال حذيفة العدوى: انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عم لى ومعى شئ من ماء وأنا أقول إن كان به رمق سقيته ومسحت به وجهه فإذا أنا به فقلت: أسقيك؟ فأشار إلىَّ أن نعم، فإذا رجل يقول: آه فأشار ابن عمى إلىَّ أن انطلق به إليه فجئته فإذا هو هشام بن العاص فقلت: أسقيك؟ فسمع به آخر فقال: آه. فأشار هشام انطلق به إليه فجئته فإذا هو قد مات فرجعت إلى ¬

_ (¬1) المرجع السابق - 3/ 690. (¬2) سبل الهدى والرشاد - 3/ 530.

هشام فإذا هو قد مات فرجعت إلى ابن عمى فإذا هو قد مات .. رحمة الله عليهم أجمعين (¬1). وقيل أن ذلك حدث أيضاً مع كل من عكرمة بن أبى جهل وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام .. أنهم أتوا بماء وهم صرعى فتدافعوا حتى ماتوا ولم يذوقوه (¬2). ومن أمثلة الصدق .. وجاء رجل من الأعراب إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - فآمن به واتبعه فقال أهاجر معك فأوصى به بعض أصحابه فلما كانت غزوة خيبر غنم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً فقسمه له وكان يرعى ظهرهم فلما جاء دفعوه إليه فقال: ما هذا .. ؟ قالوا: قسم قسمه لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذه فجاء إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما هذا ... يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. ؟ قال: قسم قسمته لك. قال: ما على هذا اتبعتك ولكن اتبعتك على أن أُرمى ههنا – وأشار إلى حلقه – بسهم، فأموت فأدخل الجنة. فقال: إن تصدق الله يصدقك ثم نهضوا إلى قتال العدو فأتى به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مقتول. فقال: أهو هو .. ؟ قالوا: نعم. قال صدق الله فصدقه، فكفنه النبى - صلى الله عليه وسلم - فى جبته ثم قدمه فصلى عليه وكان من دعائه له: اللهم هذا عبدك خرج مهاجراً فى سبيلك قتل شهيداً وأنا عليه شهيد (¬3). ¬

_ (¬1) منهاج المسلم - الشيخ أبو بكر الجزائرى. (¬2) منهاج القاصدين - ابن قدامة. (¬3) زاد المعاد - ابن القيم (غزوة خبير).

هؤلاء هم الرجال .. العظماء .. الذين صنعهم النبى - صلى الله عليه وسلم - فى مدرسة الدعوة إلى الله - عز وجل - فى بيت الأرقم بن أبى الأرقم فى مكة المكرمة ثم فى مسجد النبى - صلى الله عليه وسلم - فى المدينة المنورة .. فأخرج رجالاً أدهشوا تاريخ العالم لأنهم صُنعوا على عين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضربوا أروع الأمثلة فى: فى حب الله - سبحانه وتعالى - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ... فى بذل النفوس والأرواح ... فى العطاء والإيثار ... فى الطاعة والانقياد ... فى الاستخفاف بزخارف الدنيا الزائفة وحطامها الفانى ... فى العفة والأمانة ... فى الزهد فى الدنيا والإقبال على الآخرة. فى الإخلاص ... فى الصدق ... وهكذا كان شأن الذين احتضنوا الدعوة إلى الله - عز وجل - من هذه الأمة المباركة فقد كان لكل منهم نصيب من متاعب الجهاد وخسائر النفوس والأموال أعظم من نصيب أى أمة فى العالم وقد خاطبهم الله - عز وجل - بقوله ... {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ

إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (¬1). وقال المولى - سبحانه وتعالى - {مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ} (¬2). لأن سعادة البشرية كانت تتوقف على ما يقدمونه من تضحية وإيثار وما يتحملون من خسائر ونكبات فقال: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (¬3). وقال - سبحانه وتعالى - {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} (¬4). لأن إحجام العرب عن هذه المكرمة وقد ردهم بسبب امتداد الشقاء للإنسانية واستمرار الأوضاع السيئة فى العالم .. فقال - سبحانه وتعالى - {إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} (¬5). ¬

_ (¬1) سورة التوبة - الآية 24. (¬2) سورة التوبة – الآية 120. (¬3) سورة البقرة - الآية 155. (¬4) سورة العنكبوت - الآية 2. (¬5) سورة الأنفال - الآية 73.

فتضحية شباب العرب قنطرة لسعادة البشرية .. فالعالم لا يسعد .. وخيرة الشباب فى العواصم العربية عاكفون على شهواتهم ومدار حياتهم حول المادة والملذات لا يفكرون فى غيرهما ولا يترفعون عن الجهاد فى سبيلهما. إن العالم لا يمكن أن يصل إلى السعادة إلا على قنطرة من جهاد ومتاعب يقدمها الشباب المسلم ومصاعب يواجهها ويتغلب عليها .. إن الأرض لهى فى أشد الحاجة إلى سماد .. وسماد أرض البشرية الذى تصلح به وتنبت زرع الإسلام الكريم هى الشهوات والمطامع المغرية التى يضحى بها الشباب العربى فى سبيل علو الإسلام وبسط الأمن والسلام على العالم وانتقال الناس من الطرق المؤدية إلى جنهم والعياذ بالله إلى الطريق المؤدية إلى الجنة وإنه لثمن قليل جداً لسلعة غالية جداً (¬1). عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة (¬2). ***** ¬

_ (¬1) انظر كتاب ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين - الندوى. (¬2) رياض الصالحين - باب الخوف.

الدعوة إلى الله من البداية إلى النهاية ..

الدعوة إلى الله من البداية إلى النهاية .. أيها السادة المسلمون أنتم شامة بين الناس لا لأنكم تمتازون عن زملائكم في الشارة واللباس، بل لأنكم تمثلون تلك الأمة العظمية التى كانت ولا تزال شامة بين الأمم. حال العالم قبل ظهور الأمة المحمدية: كان العالم قبل ثلاثة عشر قرناً سائراً سيره الطبيعى ... لا ينكر من أمره شئ، فكانت القرى والمدن عامرة بالسكان، وكانت العواصم الكبرى زاخرة العمران، شامخة البنيان، وكانت الحرف البشرية ووجوه المعاش فى ازدهار وانتشار، كانت الزراعة، وكانت التجارة، وكانت الصناعة، فبينما كانت سكة الفلاح فى شغل ونشاط، كانت القوافل التجارية غادية رائحة بين الشرق والغرب، وكانت الأسواق مشحونة بالمتاجر والبضائع وكان الصانعون مكبين على أعمالهم، وكانت الحكومات والإمارات والدول غنية بأموالها ورجالها لكل وظيفة رجل كفؤ بل رجال أكفاء وكان على وجه

ظهور الأمة المحمدية

الأرض من كل نوع من البشر وكل لون من الحياة وكل مظهر من مظاهر المدنية، لا يرى فى الحياة الإنسانية المادية عوزاً وفراغ ولم تكن فى المدنية وظيفة شاغرة يترشح لها مترشح جديد، وكانت كأس الحياة مترعة فائضة لا تطلب المزيد. ظهور الأمة المحمدية: فى هذه الحال ظهرت أمة فى جزيرة العرب ووجد نوع جديد من البشر، وكأنى بالأمم المعاصرة وهى تتساءل: أى داع إلى ظهور أمة جديدة والأمم على وجه الأرض كثيرة منتشرة وما شغل هذه الأمة الحديثة وما مهمتها فى العالم .. ؟! هل بعثت الأمة للزراعة؟ إذا كانت هذه الأمة إنما بعثت للزراعة وعمارة الأرض فقد كان فى فلاحى الطائف وأكارى مدينة يثرب، وزراع وادى الفرات والنيل وربوع كنكا وجمنا غنى عن أمة زراعية جديدة فقد أصبحت أراضى هؤلاء الفلاحين وبلادهم جنة تدر لبناً وعسلا، وإذا كان المسلمون إنما بعثوا ليشتغلوا بالزراعة فقط فلماذا لم يبعثوا فى العراق والشام وفى مصر والهند مثلاً وهى بلاد مخصبة زراعية ولماذا كان مبعثهم فى وادٍ غير ذى زرعٍ؟ وهل بعثت الأمة للتجارة؟

وهل بعثت الأمة للصناعة؟

وإذا كانت هذه الأمة إنما بعثت للتجارة فقد كان فى يهود يثرب وفى أنباط الشام وفى أقباط مصر وتجار السند كفاية، فقد أحكموا فن التجارة وانتشروا فى العالم، وإذا كانوا قد بعثوا ليشتغلوا بالتجارة حقاً، فلماذا لم يبعثوا على طريق القوافل التجارية وبالقرب من أسواق التجارة الكبرى؟ وهل بعثت الأمة للصناعة؟ وإذا كانت هذه الأمة إنما بعثت للصناعة وأعمال اليد فقد كان فى قيون البلاد المتمدنة وأصحاب الصنائع والحرف - وإنهم لكثير - غنى وكفاية .. !! وهل بعثت الأمة لتنضم إلى الحكومات؟ وإذا كانت هذه الأمة بعثت لتنضم إلى الحكومات الرومية والإيرانية وتشغل أفرادها وظائف هذه الحكومات ومناصبها، فقد كان فى أهل الشام وفارس غنى وكفاية فى الإدارة ويزاحمون الأجانب بالمناكب ويدفعونهم بالراح. وهل بعثت الأمة للتوسع في الشهوات والملذات؟ وإذا كانت هذه الأمة إنما بعثت لعيش هنيئ، ومطعم شهى، ومشرب مرئ، وملبس رضى ومسكن بهي لا لشئ آخر، وإنما مناها وهمها أن تلقى لبوساً ومطعماً لم تكن بدعاً من الأمم، وكانت منافسة لنا فحق لنا أن نقاتلها ونذودها عن مناهلنا وقد ضاقت بنا مواردنا فكيف تسع أمة جديدة؟

وهل تريد ملكا؟

* وهل تريد ملكا؟ وإذا كانت هذه الأمة إنما تحاول ملكاً أو تريد أن تؤسس دولة فيجب أن تصرح بذلك ولا تتظاهر بالدين وتتخذ لذلك طريق الملوك والفاتحين. وإن الطريق إلى كل ذلك .. من زراعة وتجارة وصناعة ووظيفة وحياة بذخ وترف وملك وشرف غير الطريق التى سلكتها هذه الأمة الجديدة التى سفهت أحلامنا وعابت آلهتنا ونعت علي عقائدنا وأخلاقنا وأعمالنا ودعت إلى دين جديد وسارت فى سبيل ذلك فى شوكة وقتاد وجاهدت فى غير جهاد، فقد كان الطريق إلى كل ذلك مسلوكة معبدة قد سلكتها الأمم من قبل. هذا يا سادتى ما أظنه قد تناجى به ضمير الإنسان الحى فى فجر الإسلام، ولا ألومه، ولا أستغرب هذا السؤال، فإن هذا السؤال طبيعى ينبغى أن يهجس فى قلب الإنسان وينطق به اللسان عند كل ناشئة، فلماذا لا ينشأ هذا السؤال عند ظهور أمة بأسرها .. ؟ ما هو الجواب .. ؟ إذا كان الجواب فى الإثبات وإذا كان مبعث هذه الأمة فى الحقيقة لشئ مما ذكرنا، ولم تكن لهذه الأمة مهمة جديدة فى العالم ورسالة خاصة إلى الأمم كانت هذه الأمة حقاً من فضول الأمم ومن المتطفلين على مائدة العالم .. !! ولكن لم يكن مبعثها لهذا ولا ذاك، والأمم والأشخاص لا يبعثون لشئ من هذا وإنما هى من طبائع البشر لا تحتاج إلى نبوة النبى وبعثة أمة وجهاد

لقد بعثت الأمة لغرض سام جدا

طويل وزلزال عالمى لم يسبق فى التاريخ، زلزال فى المعتقد والأخلاق والمجتمع والميول والنزعات وفى نظام الفكر ومنهاج الحياة. لقد بعثت الأمة لغرض سام جداً. لقد كان مبعثها لغرض سامٍ جداً، لمهمة غريبة طال عهد الإنسانية بها وتشاغلت أمم الأنبياء عنها حتى نسيتها وذلك ما خاطب به الله - سبحانه وتعالى - هذه الأمة {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (¬1) فنبه على أن هذه الأمة ليست نابتة نبتت فى الأرض كأشجار برية أو حشائش شيطانية بل أنها أمة أخرجت ولأمر ما أخرجت، وإنما لم تظهر لمصلحتها فقط كسائر الأمم بل أنها أخرجت للناس، وذلك ما تمتاز به هذه الأمة فى التاريخ فما من أمة إلا وهى تسعى لأغراضها كأنما خلقت لها، وهى خير أمة أخرجت للناس وذلك يرجع إلى شغلها ومهمتها وهى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والإيمان بالله. في أي مكان ظهرت هذه الأمة؟ ظهرت نواة هذه الأمة فى مكة فى قلب جزيرة العرب. ¬

_ (¬1) سورة آل عمران - الآية 110.

مجابهة قريش لها.

مجابهه قريش لها: فقام العقلاء من قريش وهم الآخذون بزمام الحياة فى البلاد - ونثروا كنانتهم وقاسوا الناشئة الجديدة بمقاييسهم التى عرفوها وألفوها ووزنوها فى ميزان الإنسان الذي طالما وزنوا فيه أصحاب الطموح فوجدهم خفيفة الوزن طائشة الكفة وذهبوا إلى إمام الدعوة الإسلامية وأول المسلمين فى العالم - صلى الله عليه وسلم - فقال قائلهم " إنك قد أتيت قومك بأمرٍ عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم وكفرت به من مضى من آبائهم فاسمع منى أعرض عليك أموراً تنظر فيها، لعلك تقبل منها بعضها. قال فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قل يا أبا الوليد أسمع. قال يا ابن أخى إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً، جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت إنما تريد به شرفاً سودناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا. استمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكل ذلك فى هدوء وتأنٍ، ثم رفضه فى غير شك ولا تأخير، ولم يكن هذا العرض من قريش على شخص الرسول - صلى الله عليه وسلم - بل كان على هذه الأمة التى كان يمثلها ويقودها، ولم يكن رفض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما عرضت قريش رفضاً عن نفسه الكريمة فقط بل كان رفضاً عن أمته إلى آخر الأبد.

غزوة بدر وبيان مهمة الأمة

اقتنعت قريش بهذه المحاورة ويئست من مساومة هذه الأمة ولم تعد تعرض على الرسول - صلى الله عليه وسلم - مباشرة وعلى هذه الأمة بواسطة ما عرضت من قبل وقطعت منها أملها. وكان بعد ذلك صراع مستمر ونزاع طويل ولم يكن نزاعاً فى أغراض المادة، وشهوات البطن والاستئثار بموارد الرزق والتغلب على الأسواق بل كان نزاعاً بين الإسلام والجاهلية بمعنى الكلمتين نزاعاً بين حياة العبودية والانقياد لله - سبحانه وتعالى - ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -، وبين الحياة الحرة المطلقة التى لا تعرف قيداً ولا تخشى معاداً ولا حساباً. * غزوة بدر وبيان مهمة الأمة: وكان فى نتيجة ذلك معركة بدر الحاسمة، وقد قاد النبى الكريم - صلى الله عليه وسلم - إلى ساحة القتال جيشاً لا يزيد عدد المقاتلين فيه على ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً والجيش المنافس فيه ألف، وكان النبى - صلى الله عليه وسلم - يعلم يقيناً أن لو وكل المسلمون إلى أنفسهم وقوتهم المادية لكانت النتيجة معلومة واضحة، نتيجة كل قليل ضعيف أمام قوى كثير العدد. فزع الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - إلى الله - عز وجل - فى إنابة نبى وإلحاح عبد ودعاء مضطر وشفع لهذه العصابة فى كلمات صريحة واضحة نيرة خالدة هى خير تعريف لهذه الأمة وبيان لمهمتها وغرضها الذى خلقت له.

شرط بقاء الأمة؟

لم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو هلكت هذه العصابة وكانت فريسة للعدو أقفرت المدينة وأوحشت أسواقها وكسدت التجارة، وبطلت الزراعة أو تعطل شغل من أشغال الحياة ... أو وقفت إدارة الحكومات، لم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً من ذلك لأن شيئاً منها لم يتوقف على المسلمين ولم يقم بهم بل كان قبل وجود المسلمين ولا يزال فى غنى عنهم. ولكن الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - ذكر شيئاً بعث المسلمون لأجله وقام بالمسلمين وحدهم فقال " اللهم إن تهلك هذه العصابة لن تعبد .. " شرط بقاء الأمة: أجاب الله - عز وجل - دعاء النبى الكريم - صلى الله عليه وسلم - وقضى بانتصار المسلمين على عدوهم وبقائهم، فكأنما كان بقاء المسلمين مشروطاً بقيام حياة العبودية بهم وقيامهم بها، فلو انقطعت الصلة بينهم وبين العبادة ورواجها وازدهارها فى العالم انقطعت الصلة بينهم وبين الحياة ولم يبق على الله لهم حق وذمة، وأصبحوا كسائر الأمم خاضعين لنواميس الحياة وسنن الكون بل كانوا أشد جريمة وأقل قيمة من الأمم الأخرى إذ لم يشترط لبقائها وحياتها مثل ما اشترط لهم وكان كما أخبر الله - عز وجل - {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً} (¬1). ¬

_ (¬1) سورة الفرقان - الآية 77.

ربعي بن عامر رضي الله عنه يبين لرستم قائد الفرس مقصد بعثة الأمة

وقد حافظ المسلمون على هذا الشرط وبروا بهذا العهد وتذكروا أنهم إنما نُصروا على عدوهم، وقد كاد يأتى عليهم ويستأصلهم فى ساحة بدر، وتركوا على ظهر الأرض لأن عبادة الله - سبحانه وتعالى - منوطة بهم على أرض الله - عز وجل -. بهذه الرسالة انبثوا فى العالم وحملوها إلى الملوك والسوقة والأمم، وفى سبيل ذلك هاجروا وجاهدوا ولأجل ذلك حاربوا وعاهدوا، ولم يزالوا يعتقدون أنهم مبعوثون من الله وحاملوا راية الإسلام فى العالم. ربعي بن عامر رضي الله عنه يبين لرستم قائد الفرس مقصد بعثة الأمة: أرسل سعد قبل القادسية ربعى بن عامر إلى رستم قائد الجيوش الفارسية وأميرهم فدخل عليه وقد زينوا مجلسه بالنمارق المذهبة والزرابى الحرير وأظهر اليواقيت واللآلئ الثمينة، والزينة العظيمة وعليه تاجه وغير ذلك من الأمتعة الثمينة وقد جلس على سرير من ذهب ودخل ربعى بثياب صفيقة وسيف وترس وفرس قصيرة ولم يزل راكبها حتى داس بها على طرف البساط ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد وأقبل وعليه سلاحه ودرعه وبيضه على رأسه فقالوا له ضع سلاحك، فقال إنى لم آتكم وإنما جئتكم حين دعوتمونى، فإن تركتمونى هكذا وإلا رجعت، فقال رستم ائذنوا له فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق، فخرق عامتها فقالوا له ما جاء بكم؟ فقال الله إبتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله .. ومن ضيق الدنيا إلى سعتها .. ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه ومن أبى قاتلناه أبداً

عتاب الله لمن تلكأ عن المهمة

حتى نفضى إلى موعود الله - عز وجل -، قالوا: وما موعود الله؟ قال الجنة لمن مات على قتال من أبى والظفر لمن بقى .. !! (¬1). عتاب الله لمن تلكأ عن المهمة: أباح الله - عز وجل - للمسلمين الطيبات وفسح لهم فى طرق الكسب ووجوه المعاش ولم يضيق عليهم فى ذلك فقال {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (¬2) وقال - عز وجل - {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} (¬3) ولكن الله - عز وجل - لم يبعثهم لذلك أمة، ولم يرضه لهم غاية ومهمة بل خلقهم للسعى للآخرة وخلق أسباب الحياة لهم قال النبى الكريم - صلى الله عليه وسلم - " إن الدنيا خلقت لكم وإنكم خلقتم للآخرة " وجعل الحياة وأسبابها خاضعة لمهمتهم التى بعثوا لأجلها فإذا زاحمتهم فى سبيل مهمتهم أو غلبتهم عليها رفضوها وإذا تلكأ المسلمون فى ذلك عاتبهم الله - عز وجل - عتاباً شديداً وقال {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ ¬

_ (¬1) البداية والنهاية - ابن كثير (¬2) سورة الأعراف - الآية 32. (¬3) سورة الجمعة - الآية 10.

إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (¬1). أراد الأنصار - رضي الله عنهم - أن يفرغوا لإصلاح أموالهم لأيام اكتفاء بأنصار الإسلام فعاتبهم الله - عز وجل - على ذلك وأنزل {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (¬2). قال سيدنا أبو أيوب الأنصارى - رضي الله عنه - .. إنما نزلت فينا معشر الأنصار، إنا لما أعز الله دينه وكثر ناصروه قلنا فيما بيننا لو أقبلنا على أموالنا فأصلحناها فأنزل الله هذه الآية (¬3) ولكن مع الأسف الشديد قد تشاغل المسلمون اليوم بالدنيا كالأمم الجاهلية وسعوا ورائها وعقدوا حياتهم بها، فإذا أشرفتم على مدنهم وبلادهم من مرقب عالٍ لم تميزوا بينهم وبين أفراد أمة جاهلية، سعى وراء المادة فى غير اقتصاد، واكتساب من غير احتساب، سهر فى غير طاعة، وعمل فى غير نية، تجارة فى لهو عن ذكر الله وحرفة فى جهل عن دين الله - عز وجل -، ووظيفة فى الإخلاص لغير الله وحكومة فى مشاقة حكم الله، شغل فى ضلالة، وقعود فى بطالة .. !! ¬

_ (¬1) سورة التوبة - الآية 24. (¬2) سورة البقرة - الآية 195. (¬3) واه أبو داود، انظر حياة الصحابة - 1/ 454.

حال الأمة اليوم

حال الأمة اليوم: هل إذا أطلعتم يا سادتى على بلاد إسلامية ورأيتم هذه الأمة فى غدواتها وروحاتها إلى الأسواق والإدارات ومصالح الحكومة عرفتم أنها أمة خلقت لشيء آخر، وبُعثت لغرض آخر أسمى من هذه الأغراض التى يسعى لها الكافر والمؤمن؟ حجة ظاهرة علي المسلمين: إن هذا الأسلوب من الحياة لحجة ظاهرة لأهل الجاهلية على المسلمين فلو نطقوا لقالوا ما ذنبنا أيها المسلمون إذ عرضنا على نبيكم المال والسيادة والملك فأبى ورفض كل ذلك ألا نراكم تسعون وراء الذى رفضه نبيكم كأنما خلقتم لأجله، أما آذيتم نبيكم بقبول ما رفضه عنه وعنكم؟! وإذا كنتم تسعون لمال أو جاه أو شرف أو حكم على قطعة أرض فلماذا تظاهرتم بالدين وأقمتم وأقعدتم الدنيا لأجله وكدرتم علينا صفو العيش، لقد كنتم وكنا فى غنى عن هذه الحروب الطويلة التى أيتمت البنين وأيئمت النساء وأجلت الناس عن الأوطان! أعيدوا إلينا إذاً تلك الدماء التى أريقت فى ساحة بدر وأحد وحنين وخيبر واليرموك والقادسية، وأعيدوا إلينا تلك النفوس التى قتلت فى سبيل الدين!

لماذا كتب الله لنا الخلود والظهور؟

وماذا يكون جوابنا لو تعرض لنا أحد من أخلافهم الأحياء وقال ما غنائكم أيها المسلمون لقد سهمتمونا فى أسباب الحياة وخلفتم لنا فوق ذلك مشاكل كثيرة فى الحياة السياسية والاجتماعية، ولا نراكم تسدون عوزاً وتصلحون خللاً أو تلمون شعثاً أو تقيمون زيغاً فى الحياة .. !! عفواً أيها السادة وسماحاً أيها الكرام فقد طال العتاب وقديماً قال الشاعر العربى " وفى العتاب حياة بين أقوام ". لماذا كتب الله لنا الخلود والظهور؟ إن حياة الأمم أيها السادة الكرام بالرسالة والدعوة وأن الأمة التى لا تحمل رسالة ولا تستصحب دعوة حياتها مصطنعة غير طبيعية، وأنها كورقة انفصلت من شجرتها فلا يمكن أن تحيا بسقى ورى {فأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} (¬1). إننا أيها السادة أمة الحاضر وأمة المستقبل قد كتب لنا الخلود والنصر لأننا أصحاب دعوة ورسالة نبوية وهى الرسالة الأبدية التى قضى الله بخلودها وظهورها، فلسنا تحت سيطرة المادة وحكم الزمان المنقلب بشرط أن نقوم بدعوتنا ونستقل برسالتنا ونعود أمة دعوة نبوية كما بدأنا دعوة فيما بيننا معشر المسلمين ودعوة فى غيرنا من الأجانب فى الدين. ¬

_ (¬1) سورة الرعد - الآية 17.

تخلف الأمة عن الأمم المعاصرة

* تخلف الأمة عن الأمم المعاصرة: لقد تخلفنا عن الأمم المعاصرة فى العلوم الطبيعية والأسباب الحربية وفى الأخذ بأسباب الرقى المادى بعدة قرون، وقد كانت المسابقة بيننا وبينهم كمسابقة الأرنب والسلحفاة إلا أن الأرنب كان ساهراً مع خفته وسرعته والسلحفاة نائمة رغم بطئها وثقلها، ولو جارينا هذه الأمم اليوم لاستغرق ذلك قروناً ثم كانت المقارنة بحساب دقيق، فإذا فاق العدو وسبقنا بشعرة فى القوة المادية والعدد الحربية رجحت كفته لأن المادة عمياء وهى من القساوة والحياد التام بمكان لا تفرق فيه بين المحق والمبطل والشريف والوضيع. ما الذي يقهر المادة؟ ولكن الدعوة والرسالة- وهى الروح التى تقهر المادة وتسخر الأسباب وتستنزل النصر - تأتى بخوارق ومعجزات وطالما قهرت القاهر وفتحت الفاتح، وطالما خضعت الحكومات القاهرة ودانت الملوك الجبابرة بقوة الدعوة والرسالة للمماليك والصعاليك وقد جربت ذلك هذه الأمة مرتين بوضاحة فى التاريخ. مرة لما خرج العرب من جزيرتهم إلى البلاد الرومية والفارسية فى ثياب صفيقة مرقعة وفى نعال وضيعة مخصوفة يحملون سيوفاً بالية الأجفان رثة المحامل على خيل قصيرة متقطعة الغرز وسرعان ما قهرت دعوتهم

العالم بأسره ينتظر رسل المسلمين

ورسالتهم حللاً فاخرة وأعواداً أسندت إلى الجدار لحرمانها من رسالة وقعودها عن دعوة، وكان الانتصار فى الأخيرة للرسالة على النظام وللروح على المادة وللمعنى على الظاهر. ومرة ثانية لما قهر التتار - ذلك الجراد المنتشر - العالم الإسلامى من أقصاه إلى أقصاه وخضدوا شوكة المسلمين فلم تقم لهم قائمة ولم يقف فى وجههم واقف وكاد المسلمون يصبحون أثراً بعد عين واستولى اليأس على قلوبهم حتى كان من الأمثال السائرة " إذا قيل لك أن التتار هُزموا فلا تصدق " هناك فعلت الدعوة الإسلامية فعلها ونفذت فيهم فإذا القاهر يصبح مقهوراً وإذا الفاتح مفتوح لدين المفتوحين وإذا التَتَر يلفظون بكلمة الإسلام ويدينون برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - ويصبحون أمة إسلامية. العالم بأسرة ينتظر رسل المسلمين: وأن الرسالة الإسلامية لتأتى بالمعجزات اليوم وتقهر الأمم - طوعاً لا كرهاً بسلطانها الروحى ونفوذها العجيب. إن آبائكم أيها السادة المسلمون قد انتشروا فى عواصم الجاهلية الأولى ومراكزها الكبرى يقولون " الله إبتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام " وخلصوا الأمة الرومية من عبادة المسيح والصليب والأحبار والرهبان والملوك وخلصوا الأمة الفارسية من عبادة النار وعبودية البيت الكيانى،

انحراف المسلمين عن المثل الكامل

والأمة الطورانية من عبادة الذئب الأبيض والأمة الهندية من عبادة البقر إلى عبادة الله وحده وأخرجوها فعلاً من ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، والعيون تنتظر منذ زمان رسل المسلمين ينتشرون فى عواصم الجاهلية الثانية يهتفون الله إبتعثنا لنخرج العباد من عبادة المادة والبطن إلى عبادة الله وحده ومن ضيق عالم التنافس والأثرة وجشع المادة إلى سعة عالم القناعة والإيثار والزهد ونعيم الروح وطمأنينة القلب، ومن جور النظم السياسية والاجتماعية إلى عدل الإسلام. انحراف المسلمين عن المثل الكامل: لقد انحرفت حياة المسلمين - أيها السادة - ومدنيتهم عن مركزها ومثلها الكامل ولم تزل الشقة تطول بينهما والخرق يتسع حتى أصبحت حياة مدنية لا تشبه أصلها إلا ببعض شعائر الإسلام الظاهرة فى بلاد المسلمين، وصعب على المسلم اليوم أن يتمثل تلك الحياة الماضية فسافروا معى أيها السادة على صفحات التاريخ فى المسافة الزمنية وارجعوا إلى عهد الرسالة المحمدية على صاحبها السلام والتحية وقفوا بنا فى مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ساعة نشاهد حياتها وتصورها لأبناء هذا العصر لعلهم يدركون ما فاتهم. هذه هى المستعمرة الإسلامية الأولى وهى مدينة بمعانى الكلمة ليست بزاوية من زوايا الشيوخ أو مدرسة من مدارس العلم أو مسجد فحسب ولكنها مدينة جامعة قد تمثلت فيها الحياة الإنسانية بجميع معانيها ونواحيها

ماذا كان يفعل الصحابة إذا أسفر النهار

، ففيها الأسواق وفيها المزارع وفيها البساتين وفيها الأسر والبيوت وفيها التاجر وفيها الفلاح وفيها الملاك وفيها من يأكل بعرق جبينه وكد يمينه. ماذا كان يفعل الصحابة إذا أسفر النهار؟ وهاهو ذا قد أسفر النهار والناس راجعون من المسجد النبوى فى سكينة ووقار ولكن فى خفة ونشاط، وهنا دكان يفتح فى السوق، وهنالك سكة تمشى فى الحقل وهذا بستان من نخيل يسقى وذلك أجير يشتغل فى حائط على أجرة يأخذها فى المساء قد اندفعوا إلى أشغالهم بما سمعوا من فضيلة كسب الحلال وعول العيال ولبَّوا مرضاة الله بالمال، قفوا منهم بجنب وارقبوهم عن كثب ترونهم خفاف الأيدى فى العمل ذلل اللسان بذكر الله - عز وجل -، عامرى القلوب بالحسبة، وطلب الأجر يحتسبون فى أشغالهم مالا يحتسب المصلى اليوم فى صلاته مقبلين بقلوبهم إلى الله وبقالبهم إلى شغلهم. وماذا إذا أذن المؤذن؟ وها هو ذا قد أذن المؤذن فإذا بهم ينفضون أيديهم مما كانوا فيه كأن لم يكن لهم به عهد وكأنما نشطوا من عقال وخف إلى المسجد {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} (¬1). ¬

_ (¬1) سورة النور - الآية 37.

مجالس الذكر والعلم

فإذا قد قضوا صلاتهم انتشروا فى الأرض يبتغون من فضل الله ويذكرون الله وقد مالت الشمس إلى الغروب، فرجعوا إلى بيوتهم وقابلوا أهلهم وجلسوا إليهم يتحدثون معهم ويلاطفونهم ويؤنسونهم لما سمعوا بالأمس من فضائله وثوابه، وناموا بعد صلاة العشاء وإذا بهم قائمون أمام ربهم فى الأسحار لهم دوى كدوى النحل وفى صدورهم أزيز كأزيز المرجل، وينصرفون بعد صلاة الصبح إلى أشغالهم فى نشاط الجندى وقوته كأن لم يتعبوا فى النهار ولم يسهروا فى الليل. أليست المدينة إذاً يا سادتى مسجداً واسعاً فهل رأيتم فيها غير عبادة ودين؟ أو ليسوا عاكفين فى هذا المسجد الواسع طول النهار وطول الليل؟ وهل دار الفلك على زاوية أعمر من هذه الزاوية - إن كان لابد من هذا المصطلح - وأكثر منها منقطعين إلى الله .. ؟!! مجالس الذكر والعلم: وانظروا إلى مجالس الذكر والعلم فى المسجد وقد ضمت صنوفاً وأنواعاً من الناس فهذا هو الفلاح الذى رأيناه فى النهار على حافة حقله، وهذا هو الأجير الذى رأيناه ينزع الدلاء ويسقى النخيل فى بستان يهودى، هذا هو التاجر الذى رأيناه فى سوق المدينة يبيع، وهذا هو الصانع الذى وجدناه مشتغلاً بصناعته وليسوا الآن إلا طلبة علم، وقد هجروا راحتهم - وهم فى حاجة إليها بعد شغل النهار - وتركوا أهلهم وهم فى حنين إليهم، لأنهم

حال القراء

سمعوا أن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العالم رضا بما يصنع (¬1)، ولأنهم سمعوا أن من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة (¬2) ولأنهم سمعوا " ما اجتمع قوم فى بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله في ملأ عنده (¬3) وتراهم ساكتين كأن علي رؤوسهم الطير خاشعين كأن الوحي ينزل {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (¬4) يتسابق العلم والخشوع فلا يدرى أيهما أسبق وتبتدر المعاني الى القلوب والكلمات إلى الأذان فلا يدرى أيها أسرع. ومن تفقدونه فى هذا المسجد ممن عرفتموه فى النهار فلأنه قد اتفق مع جاره على التناوب فيحضر يوما ويغيب يوما وهذا دور جاره ولكنه على اتصال بما يدور فى هذا المسجد من حدث وخبر وحكم وآيه بواسطة جاره. حال القراء في الليل والنهار: ¬

_ (¬1) رواه أبو داود والترمذى، انظر رياض الصالحين - باب العلم. (¬2) رواه مسلم - المرجع السابق. (¬3) رواه مسلم، المرجع السابق - باب استحباب الاجتماع على القراءة. (¬4) سورة سبأ - الآية 23.

المعرفة بالحلال والحرام

وهؤلاء هم القراء وقد انقطعوا إلى العلم فإذا جنهم الليل انطلقوا الى معلم لهم بالمدينة فيدرسون الليل حتى يصبحوا فإذا أصبحوا فمن كانت له قوة استعذب من الماء وأصاب من الحطب ومن كانت عنده سعة اجتمعوا فاشتروا الشاة وأصلحوها فيصبح ذلك معلقا بحجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). المعرفة بالحلال والحرام: وما من أحد فى المدينة إلا ويعرف الحلال والحرام وما يتعلق بحياته وحرفته وصناعته وشغله من الأحكام ويحفظ من القرآن ما يقوم به فى صلواته، ثم هو مستمر فى طلب العلم يزداد كل يوم فقها فى الأحكام ورسوخا فى الدين وحرصاً على العمل وشوقاً إلى الآخرة ورغبة فى الثواب وهذا هو العلم الذى يمتازون به وعلمهم بالفضائل أكثر من علمهم بالمسائل، وبأصول الدين أكثر من علمهم بفروعه وبمحكماته أكثر منه بمتشابهاته، " أبر الناس قلوباً وأعمقهم علماً وأقلهم تكلفا " (¬2). التبليغ: وإذا تعلم أحد منهم شيئا من الدين أسرع إلى إخوانه يعلمهم لأنه سمع " ألا فليبلغ الشاهد الغائب .. فرب مبلغ أوعى من سامع .. (¬3) وسمعوا نبيهم ¬

_ (¬1) مسند الإمام أحمد. (¬2) من كلام عبد الله بن عمر، انظر حياة الصحابة - 1/ 18. (¬3) متفق عليه.

الحب .. التضحية .. الإيثار

يقول " إنما بعثت معلما " (¬1) وسمعوه يقول " لا حسد إلا فى اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلطته على هلكته فى الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضى بها ويعلمها " (¬2) وسمعوه يقول " إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة فى جحرها وحتى الحوت يصلون على معلم الناس الخير " (¬3). وهكذا انقسم المسلمون فى المدينة بين طالب ومعلم فإما طالب وإما معلم بل كل واحد منهم طالب ومعلم فى وقت واحد يأخذ من مكان ويدفع إلى مكان. الحب .. التضحية .. الإيثار: أفليست المدينة إذاً مدرسة واسعة عامرة بالطلبة والمعلمين وهل عرف التاريخ مدرسة أوسع وأعمر من هذه المدرسة النبوية التى يتعلم فيها التاجر والفلاح والأجير والصانع والمحترف والمشغول والشاب الناهض والشيخ الفانى، يتعلمون فيها بجميع مشاعرهم، فالأذن تسمع والعين تبصر والقلب يشعر ويتأثر والعقل يفكر والجوارح تعمل، يشاهدون المعانى فى صورها وأمثالها، ولا يقرؤونها بلفظها فقط، فإذا عرفوا الإيثار على النفس مثلاً ¬

_ (¬1) رواه الدارمى، انظر مشكاة المصابيح - كتاب العلم - 1/ 86. (¬2) متفق عليه، رياض الصالحين - باب فضل العلم. (¬3) رواه الترمذى، المرجع السابق.

وضع كل شيء في محله

عرفوه فى ضيافة أبى طلحة لضيوف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد بات هو وأطفاله جياعاً، وفى قصة الجرحى الذى آثروا إخوانهم على أنفسهم فى الماء فماتوا عطاشاً، وإذا عرفوا حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عرفوه فى قصة خبيب - رضي الله عنه - لما رفعوه على الخشبة نادوه يناشدونه أتحب أن محمداً مكانك؟ قال ... لا والله العظيم ما أحب أن يفدينى بشوكة يشاكها فى قدمه فضحكوا منه (¬1) فعرفوا من معانى الإيثار والحب مالا يعرفه أكبر لغوى وأديب وعالم علوم النفس. وضع كل شيء في محله: عرفوا أحكام الاجتماع فى الاجتماع وأحكام الاختلاط فى الاختلاط وأحكام التجارة فى التجارة وأحكام المعاشرة فى المعاشرة، فقدروا أن يحافظوا على دينهم ونياتهم وخشوعهم وذكرهم فى المجامع والمجالس وفى صخب الأسواق وفتنة البيوت وفى مجامع الشياطين ومقاعدهم، فإذا خاضوا فى لجة الحياة واندفع بهم التيار لم يغلبوا على أمرهم، شأن الذى يتعلم السباحة فى بحر متلاطم ونهر فياض فكانوا فى المسجد إذا خرجوا من المسجد، وفى الصلاة إذا انصرفوا من الصلاة، بررة القلوب، صادقى الوعد، سديدى القول فى المساجد والأسواق معاً، وفى المعتكف والحانوت معاً، وفى الحضر والسفر معاً، ومع الصديق والعدو معاً. ¬

_ (¬1) حياة الصحابة - 1/ 510.

ماذا لو نادي منادي الجهاد

ماذا لو نادي منادي الجهاد: حتى إذا نادى منادى الجهاد {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (¬1) وهتف هاتف الجنة {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (¬2) دارت حماليق وجوههم ورقصت قلوبهم فى صدورهم تحولت المدينة إلى ثكنة واسعة فما هى بالتى رأيتموها وأصبح أهلها جنوداً متطوعة فماهم بالذين عرفتموهم، أقفل التاجر دكانه، وترك الفلاح سكنه، ورمى الصانع آلاته وترك الأجير رشاء دلوه وخرجوا فى سبيل الله لا يلوون على شئ كأنهم كانوا من ذلك على ميعاد وفى ديارهم وأهلهم على مسامحة ورخصة. يسيحون في الأرض: وترونهم يتجولون فى البلاد ويسيحون فى الأرض ويتغربون فى دين الله كأنهم خلقوا على ظهور الخيل وولدوا على متون الإبل يعدون غدوة أو روحة فى سبيل الله - عز وجل - أفضل من الدنيا وما فيها فيصلون النهار بالليل ¬

_ (¬1) سورة التوبة - الآية 41. (¬2) سورة آل عمران - الآية 133.

والشتاء بالصيف حتى يحتاج إمامهم إلى تحديد اغترابهم بأربعة أشهر (¬1) وهم أينما رحلوا ونزلوا مدارس سيارة ومساجد متنقلة وهكذا نشروا الدين من أقصى الأرض إلى أقصاها ومن شرقها إلى غربها. هذه مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ساكنها ألف ألف سلام فى القرن الهجرى الأول، وهكذا كان يجب أن يكون العالم الإسلامى كله – إذا كان عالماً إسلامياً – فكما أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إمام المسلمين بأجمعهم والأسوة العامة لجميع المسلمين فى كل زمان ومكان كذلك مدينته إمام المدن الإسلامية والأسوة العامة فى كل زمان فإن النبى - صلى الله عليه وسلم - قد انتهج منهجاً للحياة وهذه الحياة قد تمثلت فى مدينته فى عهده ويجب أن تتمثل فى جميع البلدان الإسلامية فى كل زمان. ¬

_ (¬1) إشارة إلى الخبر الذى أخرجه عبد الرازق فى مصنفه عن ابن جرير قال: أخبرنى من أصدق أن عمر – رضى الله عنه – بينما هو يطوف سمع امرأة تقول: ... تطاول هذا الليل واسود جانبه فلولا ... حذار الله لاشئ مثله ... وأرقنى أن لا حبيب ألاعبه ... لزعزع من هذا السرير جوانبه فقال عمر – رضى الله عنه -: مالك .. ؟ قالت: أغربت زوجى منذ أشهر وقد اشتقت إليه. قال: أردت سوء. قالت: معاذ الله! قال: فأملكى عليك نفسك، فإنما هو البريد إليه. فبعث إليه، ثم دخل على حفصة – رضى الله عنها – فقال: إنى سائلك عن أمرٍ قد أهمنى فأفرجيه عنى، فى كم تشتاق المرأة إلى زوجها؟ فخفضت رأسها واستحيت. قال: فإنى الله لا يستحى من الحق. فأشارت بيديها ثلاثة أشهر، وإلا فأربعة أشهر. فكتب عمر – رضى الله عنه – أن لا تحبس الجيوش فوق أربعة أشهر. كذا فى الكنز (انظر حياة الصحابة – 1/ 459).

كيف السبيل إلى عودة هذه الحياة

كيف السبيل إلى عودة هذه الحياة: ولكن كيف السبيل إلى ذلك وقد انحرفت حياة المسلمين عن مركزها وكأنها رحى لا تزال تدور ولكن ليس حول قطبها، فتسمع جعجعة ولا ترى طحناً، ولا يستقيم سيرها ولا ينتج عملها إلا إذا عادت إلى قطبها، وذلك القطب هو كلمة الشهادة التى يدين بها كل مسلم فينبغى أن تتوغل أصولها وعروقها فى أعماق القلب والذهن وفى أحشاء الحياة وتتمدد فروعها حتى تظل الحياة كلها فلا تخرج ناحية من نواحيها من سماوتها، وذلك بتجديد العهد بها والتفكر فى معانيها ومقتضياتها والتشبع بروحها وتحقيق مطالبها وأحكامها فى الحياة. الكلمة وتغيير منهاج الحياة: والكلمة تقتضى بالطبع تغييراً جوهرياً فى مبدأ الحياة وفى منهاج الحياة، فأما فى مبدأ الحياة فهو معنى قوله تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (¬1) وأما التغيير فى منهاج الحياة فهو نقلها من حياة المادة إلى حياة الإيمان والاحتساب أو بلفظ آخر نقلها من الحياة البشرية العامة إلى الحياة النبوية الخاصة. ¬

_ (¬1) سورة الذاريات - الآية 56.

وما الذي يساعد علي التغيير؟

وما الذي يساعد علي التغيير؟ الصلاة: والذى يساعد فى هذا التغيير ويمهد له السبيل هو الصلاة التى هى الصورة المكبرة للكلمة والصورة المصغرة للحياة الإسلامية، حياة الخضوع والانقياد لله - سبحانه وتعالى - فهى تفصيل الكلمة وإيجاز الحياة، وكأنها جسر منصوب بين الاعتقاد والحياة بين القلب والجسم، لا يصل بغيرها الإنسان من العقيدة إلى العمل. العلم: والذى يساعد فى تغيير منهاج الحياة وأساليبها ووضعها وينتقل بنا من الحياة المادية المحضة إلى حياة الإيمان والاحتساب ويحرض عليه هو العلم الذى يعرف به الإنسان الثواب والعقاب وفضائل الأعمال وصفة الجنة ... وما أعد الله لأهلها فيها من نعيم، وأخبار الصحابة وسلف هذه الأمة التى تبعث فى الإنسان عاطفة العمل وتنفخ فيه روح النشاط، وتهيج فيه الحنين إلى الجنة وذلك هو الروح الذى أتى بخوارق ومعجزات فى التاريخ البشرى وخليق بأن يعيدها فى هذا الزمان.

- الذكر

الذكر: والذى يبعث الاستقامة على هذا المنهاج ويذلل الصعاب هو ذكر الله - عز وجل - وهو عبارة عن طرد الغفلة ومن طرقه التسبيحات والأذكار المأثورة عن النبى - صلى الله عليه وسلم -، فالمحافظة عليها بإيمان واحتساب تطرد الغفلة وتنير القلب وتغذى الروح. الدعوة والتبليغ: ثم الانتقال من حياة اللزوم إلى حياة التعدية ومن الحياة الدينية الفردية إلى حياة الدعوة والرسالة الاجتماعية وهى الميزة التى تمتاز بها هذه الأمة بين الأمم كما قدمنا، وتمرين الدين عمليا في ميادين الجهل والغفلة ومجتمعات الضلالة بالتواصي بالحق والدعوة إلي الدين وليكن ذلك مع مراعاة دقيقة للآداب الدينية ومع محافظة شديدة على احترام شخص المسلم مهما كان جاهلا وبعيدا عن الدين وتقدير إيمانه المستور في حجب الجهل والغفلة ومعرفة حقه وفضلة وألا تنقلب هذه الحركة فتنة وهذا الإصلاح كفاحا ويكون ضرره أكبر من نفعه وكأنى هنا بقائل يقول الكلام كله حسن معقول لا يختلف فيه اثنان ولكن ما هو الطريق .. ؟ قد جربنا الإصلاح الدينى مراراً فلم نفلح، نشرنا فى ذلك الكتب ووزعنا المطبوعات، أسسنا لأجل ذلك جمعيات وألقينا فى هذا الموضوع محاضرات، فكان كل ذلك صيحة فى وادٍ ونفخة فى

- الخروج في سبيل الله

رماد، لأن المسلمين غائصون فى لجة الحياة إلى آذانهم، وماداموا مأسورين لأشغالهم ومحيطهم فإنك تضرب فى الحديد البارد. الخروج في سبيل الله: أقول نعم لا يمكن التغيير فى حياتهم إلا إذا أخرجناهم من هذه اللجة لوقت قليل وخلصناهم من سلطان الأشغال وسيطرة المحيط وتمكنت فيهم التعاليم الدينية، ثم لا بأس أن يرجعوا إلى لجة الحياة ويعودوا إلى أشغالهم فإنهم يؤمن عليهم الغرق. مثلا عمليلا لعودة الحياة بعد ذهابها: وأنا أضرب لكم أيها السادة لذلك مثلاً عملياً، رقعة ذات مساحة واسعة فى جنوب دهلى تقطنها أربعة ملايين من المسلمين وقد أسلموا فى زمن قديم ولكن كان إسلامهم سطحياً فلم يتأثروا بالإسلام كثيراً ولم تنقطع صلتهم بحياتهم الجاهلية الأولى وبقيت فيهم أو تسربت فيهم من جيرانهم الكفار شعائر الجاهلية، أسماء غير إسلامية، أعمال وثنية، أخلاق همجية، وعادات وتقاليد هندكية، يطوف كثير منهم حول الصنم ويقربون له القرابين ويقدسون روث البقر ويخشون آلهة القبائل ويحتفلون بأعياد المشركين، وقد نسى كثير منهم كلمة الإسلام وطال عهدهم بالصلاة حتى نسوا شكلها فإذا رأوا أحداً يصلى كادوا يكونون عليه لبدا ويرمونه بالجنون أو الخبل،

والمساجد فى أرضهم نادرة جداً، وأما العلم الدينى فقد كان فى هذه القطعة كالكبريت الأحمر. وقد أصبحوا ببعدهم عن الدين وتعاليمه والانحطاط فى الخلق والإمعان فى الجهالة والأمية مثلاً فى الأدب الهندى لسوء الأخلاق ورمزاً للصوصية والإغارة وقد أتعبوا حكومة دهلى فى عهد دولة المماليك حتى ألجئوها إلى غزوهم فى بلادهم وكبح جماحهم وقطعت لذلك بعوثاً، وأخيراً أرسلت جيشاً كثيفاً أوغل فى بلادهم وخضد شوكتهم فاستراح أهل دهلى من غارتهم إلا أنهم لم يتركوا اللصوصية وقتل النفوس وسرقة السائمة. بقيت هذه الرقعة الواسعة من أرض الهند وهى من العاصمة الإسلامية والمركز الثقافى على طرف التمام وبقيت هذه الأمة الموهوبة النجيبة القوية مهجورة قروناً طوالاً لا ترغب حكومة فى تعليمها وتثقيفها ولا يعتنى مصلح دينى بتقويم عوجهم حتى كان العقد الثانى من القرن العشرين المسيحى فاشرأب الارتداد فى الأمم التى انتقلت من الوثنية إلا الإسلام قبل قرون وخشى أهل النظر على أهل ميوات الارتداد أيضاً.

الشيخ إلياس وفكرة في الإصلاح

الشيخ إلياس وفكرة في الإصلاح: هنالك قيض الله - سبحانه وتعالى - للإسلام رجالاً من عبادة المخلصين والعلماء العاملين وهو مولانا محمد إلياس الكاندهلوى الدهلوى (¬1) (1303هـ - 1363هـ) فطاف فى هذه القطعة من أقصيها إلى أقصيها وأوغل فى أوديتها وسهولها وجبالها وتحمل فى ذلك مشاق السفر والجوع والسهر وتعرض للخطر إيماناً واحتساباً وجهاداً فى سبيل الدين وشاهد ما عليه الناس من جهالة وغفلة عن الدين فلم ير بداً من نشر الدين فى هذه الأمة الأمية وتأسيس المدارس والمكاتب لذلك. تأسيس المدارس والكتاتيب: حث الشيخ أهل البلاد على تأسيس المدارس الدينية وكانت له معهم أواصر دينية قديمة لأن كثيراً منهم كانوا قد بايعوا (¬2) أباه الشيخ محمد إسماعيل (1315 هـ) وكثير منهم قد قرءوا على أخيه الشيخ محمد (1336هـ) وكثير منهم بايعوه، وألح عليهم فى ذلك فلم ير فيهم رغبة ¬

_ (¬1) الشيخ إلياس: محيي التبليغ والدعوة فى بعوث جماعية بالهند وينتهى نسبه إلى أسرة سيدنا أبوبكر الصديق رضى الله عنه. (¬2) كان النبى - صلى الله عليه وسلم - يبايع أصحابه فى الحرب على ألا يفروا وربما بايعهم على الموت وبايعهم على الجهاد كما بايعهم على الإسلام وبايعهم على الهجرة قبل الفتح وبايعهم على التوحيد والتزام طاعة الله ورسوله وبايع نفراً من أصحابه ألا يسألوا الناس شيئاً (زاد المعاد - 2/ 112).

وإقبالاً عليه ورأى منهم إحجاماً وفراراً، ولم يزل يفتل فى غاربهم حتى تمكن من تأسيس عدة مكاتب بعد جهد طويل وسؤال ملح، وتولى نفقاتها وتكاليفها. تأسست المكاتب وجرت مجريها الطبيعى ولكن تأسف الشيخ جداً لما رأى أن أهل ميوات لا يتعاونون على ذلك، وحتى الناس لا يسمحون لأولادهم بالتعلم فيها ويعدون ذلك ضياعاً للعمر، لأنهم لا يعرفون قيمة العلم والدين ولا يعدونهما حاجة من حاجاتهم، فأصبحت المدارس الدينية فى بلادهم كالقنصلية الأجنبية فى بلاد لا دخل لها فى حياة البلاد ولا رغبة للأمة فى شئونها وإنما تلجأ إليها فى بعض الأحوال. ورأى أن هذه المدارس كجزيرة فى بحر الظلمات يحيط بها الماء من أربعة جوانب، فالذين يتعلمون فيها لا يخرجون من سلطان البيئة ونفوذ المجتمع وإذا خرجوا منها ودخلوا فى معترك الحياة وهى ثائرة على الدين أضاعوا علمهم وضاعت فيهم تلك الجهود التى صرفت فى تعليمهم وتربيتهم الدينية وضاعت فيهم تلك الأموال التى أنفقت عليهم طول المدة. فعرف بعد هذا الاختبار أن الجهود التعليمية لا تثمر ... ولا تنتج مادام المحيط ثائراً عليها مزاحماً لها وأن المدارس والمكاتب والإصلاح لا يؤثر إذا لم تكن للأمة رغبة عامة والتماس للدين وشعور بنقصها الدينى وأن المتخرجين منها لا يؤثرون فى الحياة ولا يقدرون أن يحافظوا على دينهم وخلقهم ماداموا فى الأمة وفى أسرهم ومجتمعهم كالأجانب والغرباء.

الفرق بين المعلمين والمرسلين

ثم رأى أن الذين يتلقون العلم فى المدارس هم عدد قليل جداً يعدون على الأصابع وأن هذا العدد القليل لا يقتنع به فى إصلاح أمة. الفرق بين المعلمين والمرسلين: وأن هذه المدارس إنما تنقل العلم إلى أفراد - والأمة على حالها - ولكن تحتاج إلى مشروع ينقل الأمة فضلاً عن الأفراد إلى الدين والعلم، وذلك هو الفرق بين المعلمين والمرسلين، فإن المعلمين إنما ينقلون العلم إلى الأفراد والأنبياء ينقلون الأمم إلى غايات العلم ولبابه، وأن المشاريع التعليمية تقسم العلم بين الأمة قسمة ضيزى، فتجتمع كميات كبيرة من العلم عند أفراد ويبقى سائر الناس كالهمج الرعاء فلو قسم هذا العلم على الأمة لوسعهم، وإنها كالربا يصبح به أفراد من الناس أصحاب ثروات كبيرة وسائر الناس لا يجدون كفافاً. ثم رأى أن الذين قد خرجوا من سن الدراسة والتعليم وتقدم بهم العمر لا ينتفعون بهذه المدارس ولا يفسح وقتهم للتعلم فيها، فلابد إذاً من دعوة عامة إلى تعليم الدين بطريقة وجيزة سهلة طبيعية لا تشق عليهم ولا تطول وتشمل جميع طبقات الأمة. ولكن كيف السبيل إلى ذلك وقد استولت الحياة الدنيوية وتكاليفها على ابن القرن العشرين أخذت بمجامع القلوب وأسرت الروح وغلت الأيدى وصفدت الأقدام فأصبح الإنسان فى القرية والمدينة رهين بطنه، أسير شغله

فراسة إيمانية

، جليس بيته أو حانوته أو وظيفته وماتت فى الناس العاطفة الدينية ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها. فراسة إيمانية: اهتدى الشيخ بفراسته الإيمانية ونظره الثاقب وبمجاهدة فى سبيل الدين لقول الله - عز وجل - {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} (¬1) وبدراسته العميقة النادرة لأصول الدين إلى مركز العلة فى جسم هذه الحياة وهو الاستغناء فى أمر الدين والإخلاد إلى الحياة فضرب على الوتر الحساس ودعا الناس فى ميوات (¬2) أولاً وفى المدن الهندية آخراً إلى تفريغ أوقاتهم أربعين يوماً أو أربعة أشهر مثلاً، للدين وانقطاع إلى تعلمه لمدة قصيرة فكانت دعوة غريبة طارئه ولكن الشيخ لم يفشل ولم ييئس واستمر فى دعوته ودعائه حتى لبى الناس دعوته وخرجت عصائب إلى مراكز العلم والدين وعليها أمير منهم يرأسهم ومعلم يعلمهم مبادئ الدين وأحكامه والقرآن وقصص الصحابة وأخبار جهادهم وجهدهم فى سبيل الدين وحبهم للرسول - صلى الله عليه وسلم -، واستهانتهم بهذه الحياة وحنينهم للآخرة وتوقهم إلى الجنة وإيثارهم على النفس وزهدهم فى الدنيا ومسارعتهم فى سبيل الخير وخشيتهم لله ¬

_ (¬1) سورة العنكبوت - الآية 69. (¬2) هى منطقة هندية وهى أول منطقة تم فيها إحياء الدعوة.

النتيجة والثمرة

تعالى إلى غير ذلك مما يحرك الساكن من قلوبهم وينير الكامن من عواطفهم ويذرف الجامد من عيونهم ويشعل فيهم الحياة الإسلامية. ثم يخرجون فى أوقات مناسبة فيطوفون فى القرى ويمرون على البيوت ويحادثون الناس فى أمكنتهم ويغشونهم فى أنديتهم فيجلسون إليهم ويحرضونهم على الإقبال على الدين ويفهمونهم الغرض الذى خلقوا لأجله والغاية التى بعثوا لها، وأنهم لم يخلقوا عبثاً ولم يتركوا سدى ويرهبونهم من النار ويشوقونهم إلى الجنة ويرغبونهم فى تعلم الدين والمبادرة إلى ذلك ويخوفونهم من التسويف والمماطلة ويدعونهم إلى مركزهم الذى قد أقاموا فيه ليكلموهم فى تفصيل ذلك كله فى لطف ورفق ولين واحترام لإيمان المخاطب وتقدير لإسلامه فى غير ازدراء ولا فظاظة وهم يغضون الطرف عن الحرام ويلهجون بالذكر أثناء الكلام. وهكذا يقضون أوقاتهم فى طلب العلم والدين وفى العبادة والجهد للدين وفى الاختلاط بجماهير الأمة والاتصال بها فى سبيل الدين تحت نظام محكم متقن لا يتسرب فيه الفساد ولا تتطرق إليه الفتن، لأن حول العاملين والمتطوعين حصناً حصيناً من الذكر والدعاء وحارساً من إكرام المسلمين والتذلل لهم كافة والتجنب عن كل مالا يعنيهم فى الدين والدنيا. النتيجة والثمرة: وكان لذلك نفع ملموس قد تجلى فى ناحيتين:

الأولى: أن المتطوعين الذين قضوا قسطاً صالحاً من أوقاتهم تغيروا فى أنفسهم، عرفوا مبادئ الدين وأحكامه الأولية واستيقظت فيهم العاطفة الدينية وهبت عليهم نفحة من نفحات الحياة الإسلامية. وقد رأينا طلائع هذه الحياة وآيات النهضة الدينية فى ميوات فرأينا تغيراً مشاهداً فى المعتقد والأعمال والأخلاق، رأينا مدارس تشيد ومساجد تبنى وتعمر وجنايات تقل وتندر، وفتناً تضمحل، وبدعاً تموت، وتقاليد جاهلية ترتفع، ودعوات دينية وتعليمية تثمر وتزدهر، ونفوساً جامحة تلين وقلوباً جانية ترق وعيوناً تذرف، وهمماً تعلوا فى سبيل الدين وإجلالاً لأهل العلم والدين وخضوعاً للحق مما لو جاهد الإنسان الواحد منها بالاستقلال لاستغرق وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً. ورأينا كذلك فى أوساط المتصلين بهذه الدعوة والحركة والمتطوعين لها من الناشئة الجديدة والطبقة المثقفة والموظفين والتجار آثار الانقلاب الدينى، رأينا وحشة عن الدين تزول وتتبدل بالأنس، وتنافراً بين طبقتى المتدينين والمتمدينين أو المتنورين – كما يسمون أنفسهم – يرتفع وإجلالاً لشعائر الإسلام وتعظيمها يحل محل الاستهزاء والسخرية منها، ورغبة فى تعلم الدين ومعرفة أحكامه تشتد وتلح إلى غير ذلك مما يمتازون به عن أقرانهم وأترابهم وزملائهم. الثانية: أن الجماهير من المسلمين لم يزالوا يبتعدون عن الدين بالتدريج حتى أصبحوا فى واد والدين فى وادٍ وتشاغل عنهم العلماء وأصحاب

الإصلاح والتعليم حتى انفصلوا عنهم فى كل شئ وأصبح هؤلاء أمة وأولئك أمة، تختلف الأولى عن الثانية فى العادات واللباس ومظاهر الحياة واللغات واللهجات، وأصبح هؤلاء العامة بجهلهم فريسة لكل صائد وأتباع كل ناعق تنهشهم سباع المادية وتغير عليهم لصوص الدين، وأخيراً فشت فيهم دعوة الشيوعية ووجدت أنصارها فى عامة المسلمين مرتعاً خصباً، ولكنا نتوقع أن هذه الدعوة الدينية والحركة الصحيحة والاتصال بالجماهير والطبقات المنحطة فى العلم والدين والمعاش مباشرة وبذل النصح لها يصد هذا التيار إن شاء الله - سبحانه وتعالى - ويكون سداً منيعاً فى وجه الحركات اللادينية. عرفنا كذلك أنه لا يزدهر مشروع إصلاحى أو تكميلى إلا بالدعوة الدينية الأولى عن طريق التحريض والدعاية لا على طريق النظام والسياسة فى البداية، فالحياة المدنية فى الإسلام مبنية دائماً على أساس الحياة المكية، وكل مؤسسة لا تقوم على أساس الدعوة والتحريض الدينى ... ولا تسبقها جهود فى تمهيد الأرض، إلى انهيار فى العاجل أو الآجل، اقتنعنا بهذه المبادئ وجربناها فى بلاد بعيدة عن مركز الإسلام، فى أرض وعرة قد أهملت منذ زمن طويل فرأينا الغراس يثمر والجهد القليل يأتى بحاصل كبير. وها نحن وقد تلقيناها منهم فليتلقوها اليوم من إخوانهم ويقولوا " بضاعتنا أولاء نتحف إخواننا المسلمين فى البلاد الإسلامية عامة وفى

الأقطار العربية خاصة بهذه الدعوة الدينية ومبادئها ردت إلينا " (¬1) ويجربوها فى تربتهم الذكية الندية وفى أممهم النجيبة الذكية بجهودهم المتواصلة القوية ويشاهدوا سنة الله الأبدية فى نصر الأمة المحمدية وخوارق الدعوة الإسلامية (¬2). ¬

_ (¬1) أى أن العرب هم الذين حملوا بضاعة الإسلام إلى العجم ثم هاهم العجم المهتمون بالرسالة يردون الجميل إلى أحفاد العرب. (¬2) محاضرة ألقاها الشيخ أبو الحسن الندوى فى إحدى اجتماعات التبليغ والدعوة، عام 1366هـ.

وقبل الختام

وقبل الختام يا واعظ الناس عما أنت فاعله احفظ لشيبك من عيبٍ يدنسه ... كحامل لثياب الناس يغسلها ... تبغِ النجاة ولم تسلك طريقتها ... ركوبك النعش ينسيك الركوب على يوم القيامة لا مال ولا ولدٍ ... يا من يعد عليه العمر بالنفس ... إن البياض قليل الحمل للدنس وثوبه غارقٌ فى الرجس والنجس إن السفينة لا تجرى على اليبس ما كنت تركب من بغلٍ ومن فرسٍ وضمة القبر تنسى ليلة العرس (¬1) ***** ¬

_ (¬1) من ديوان الإمام الشافعى.

الختام

الختام أخي المسلم من خلال ما قرأت يتبين لك أن الدعوة إلي الله - عز وجل - هى فرض من فروض الإسلام العظيم الذي آمنا به وصدقناه وإذا قمنا بواجب الدعوة إلى الله - عز وجل - فلسنا متطوعين ولا متنفلين، فعندما سئل الشيخ عبد الوهاب (¬1) " عن فرضية الدعوة إلى الله - عز وجل - فقال: إن الدعوة إلي الله - عز وجل - هى أم الفرائض فبها تحي جميع الفرائض فعلى من قعد وتقاعس عن هذا الواجب العظيم (عمل الدعوة إلى الله - عز وجل -) ألا ينسى أن واجب الدعوة إلى الله هو أول التزام بمسئوليات هذا الدين العظيم بعد الإيمان بالخالق ... العظيم - سبحانه وتعالى -. ولا تنس .. يا أخى الكريم أنك خليفة الله فى أرضه وأن ربك رفع منزلتك وشرفك وبين قدرك أمام ملائكته وأعلن عنك وعن وظيفتك ومنصبك فى هذا الكون قبل أن يخلقك وأمر الملائكة أن يسجدوا لك ليبين لهم شرف مهمتك فى هذه الحياة فقال رب العزة - سبحانه وتعالى -. ¬

_ (¬1) سورة الحج - الآية 78.

{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} (¬1). وقال تعالى: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} (¬2). فالخليفة هو آدم - عليه السلام - وأولاده إلى يوم القيامة وليست الخلافة كما هى فى تصور بعض المفسرين أن يخلف بعضناً بعضا ويعنى عمارة الأرض فكان الأمر لا يزيد شيئاً عن الجن فإنهم يخلفون بعضهم بعضاً وما كان للملائكة أن يستغربوا هذا الأمر ويحبونه لأنفسهم إذ جعل لآدم - عليه السلام - وذريته دونهم. أخى المسلم ... ألم تقرأ: قول الحق - سبحانه وتعالى - {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} (¬3). ¬

_ (¬1) سورة البقرة - الآية 30. (¬2) سورة ص - الآيتان 71، 72. (¬3) سورة البقرة - الآية 165.

وحب الله - عز وجل - بالدفاع عن دينه والدعوة إليه. كما قال - عز وجل - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} (¬1). فالذين يدافعون عن دينه ويقاتلون عنه ويدعون إليه هم الذين يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ويجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومه لائم فيا من تدَّعون محبة الله - عز وجل - فداعي الله - عز وجل - يناديكم {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (¬2). لذلك لا يتحقق الإيمان إلا يحب الله - عز وجل - ولا يكون حب الله - عز وجل - إلا بإتباع حبيبه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ولا يتحقق الإتباع الكامل إلا بالدعوة إلى الله - عز وجل -. أخي المسلم لا تنسي سلسلة الأنبياء الكريمة الذين قال الله عنهم {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (¬3). وقد أمرنا بالتأسي بسيد الأنبياء عليهم السلام. {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} (¬4). ¬

_ (¬1) سورة المائدة - الآية 54. (¬2) سورة آل عمران - الآية 31. (¬3) سورة الأنعام - الآية 90. (¬4) سورة الأحزاب - الآية 21.

وبين الله في الآية التي بعدها كيف يكون التأسي {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} (¬1). فيا ليت أنا وأنت نكون مع هؤلاء الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فنفوز فوزاً عظيماً، وفي آخر سورة الأحزاب يقول الله - عز وجل - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (¬2). أخيراً .. يقول الله - عز وجل - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ ¬

_ (¬1) سورة الأحزاب - الآية 23. (¬2) سورة الأحزاب - الآيتان 70، 71.

أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} (¬1)، فالصحابة - رضي الله عنهم - لما حملوا جهد نبيهم - صلى الله عليه وسلم - مع أن آباءهم كانوا مشركين، فالله - سبحانه وتعالى - أعطاهم شهادة الرضوان وقال عنهم {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (¬2). ولكن بني إسرائيل لما تركوا جهد نبيهم - مع أنهم أولاد أنبياء - لعنهم الله - عز وجل - على لسان أنبيائهم، قال الله تعالي {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (¬3). فقوم سيدنا موسى - عليه السلام - قالوا له: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (¬4)، وقوم سيدنا عيسى - عليه السلام - {فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي ¬

_ (¬1) سورة الصف - الآيات 10: 14. (¬2) سورة التوبة - الآية 100. (¬3) سورة المائدة - 78. (¬4) سورة المائدة - الآية 24.

إِسْرائيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ} (¬1)، ولكن أمة النبى الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم -: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون. اللهم وفقنا لجهد حبيبك على نهج حبيبك حسب مرضاتك لإحياء دينك. ***** د د ¬

_ (¬1) سورة الصف - الآية 14.

المراجع

المراجع مختصر تفسير بن كثير - دار التراث العربى للطباعة والنشر. مفاتيح الغيب للرازى - طبعة دار الغد العربى. الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبى - دار الفكر - بيروت - لبنان. غرائب آى التنزيل - الرازى الحنفى - هدية مجلة الأزهر. صفوة التفاسير للصابونى - طبعة مكتبة الغزالى - دمشق. تفسير الشيخ الشعراوى - مطبعة أخبار اليوم. التفسير الوسيط لنخبة من علماء الأزهر الشريف - طبعة مجمع البحوث الإسلامية. رياض الصالحين للنووى - طبعة المكتب الإسلامى - تخريج الألبانى - بيروت - لبنان. الترغيب والترهيب - للحافظ المنذرى - دار المنار للطبع والنشر - القاهرة. المتجر الرابح فى ثواب العمل الصالح - للإمام الدمياطى - مكتبة التراث الإسلامى - القاهرة. مشكاة المصابيح - الخطيب التبريزى - طبعة المكتب الإسلامى - تحقيق الألبانى مستدرك الحاكم - طبعة دار الكتاب العربى - بيروت - لبنان. جمع الجوامع للإمام السيوطى - طبعة مجمع البحوث الإسلامية. فتح البارى شرح صحيح البخارى - دار الفكر - بيروت - لبنان. صحيح مسلم بشرح النووى - طبعة الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية بالقاهرة. ذم الدنيا للحافظ بن أبى الدنيا - مكتبة القرآن - القاهرة.

الإتحافات السنية فى الأحاديث القدسية للشيخ محمد المدنى – دار الريان للتراث بالقاهرة. حياة الصحابة - الشيخ محمد يوسف الكاندهلوى - طبعة دار المعرفة - بيروت - لبنان. تاريخ الإسلام - الذهبى - طبعة دار الغد العربى. سُبل الهدى والرشاد فى سيرة خير العباد - الشيخ محمد يوسف الصالحى الشامى - طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية المسمى بالسيرة الشامية. البداية والنهاية - ابن كثير - دار الحديث. زاد المعاد - ابن القيم - دار القلم للتراث. قصص الأنبياء - ابن كثير - طبعة بغداد. التاريخ الكبير للإمام الطبرى. الرحيق المختوم - مباركفورى – دار البشير للثقافة والعلوم الإسلامية بطنطا. السيرة النبوية - أبو الحسن الندوى - المكتبة العصرية – بيروت - لبنان. ماذا خسر العالم بإنحطاط المسلمين - أبو الحسن الندوى. أعلام النبوة للماوردى. صفوة الصفوة لابن الجوزى – دار الفكر – بيروت – لبنان. الفوائد المشوقة لعلوم القرآن لابن القيم – دار القرآن – القاهرة. مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة لابن القيم – مكتبة حميدو – اسكندرية. مدارج السالكين - ابن القيم - دار الحديث. الوابل الصيب من الكلم الطيب - ابن القيم. عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين لابن القيم – دار التراث – القاهرة.

إغاثة اللهفان من مكائد الشيطان لابن القيم – طبعة مكتبة مصطفى البابى الحلبى بالقاهرة. إعلام الموقعين عن رب العالمين – لابن القيم – دار الحديث – القاهرة – الطبعة الأولى. كشف الكربة فى وصف حال أهل الغربة لابن رجب الحنبلى. جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلى – طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية – القاهرة. التذكرة للإمام القرطبى – دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان. مختصر منهاج القاصدين - ابن قدامة. الفتح الربانى للشيخ عبد القادر الجيلانى – طبعة مكتبة النهضة – بغداد. نهج البلاغة – طبعة مكتبة النهضة – بغداد. منهاج المسلم للشيخ أبوبكر الجزائرى. النظرات للمنفلوطى – مكتبة النهضة – بغداد. كتاب ملفوظات الشيخ إلياس - الشيخ محمد منظور نعمانى – طبعة لاهور – باكستان. كتاب الجهاد - د. محمد سعيد رمضان البوطى. كتاب منهاج الفرقة الناجية والطائفة المنصورة - د. محمد جميل زينو – مطبعة دار الفنون للطباعة والنشر – الرياض. العقيدة الإسلامية – د. محمد جميل زينو – مطبعة دار الفنون. توجيهات إسلامية - د. محمد جميل زينو – مطبعة دار الفنون. أسباب سعادة المسلمين وشقائهم فى ضوء الكتاب والسنة للشيخ / محمد زكريا الكاندهلوى – دار القلم – دمشق.

الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمى - دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان. ديوان الإمام الشافعى - المكتبة التوفيقية - القاهرة. كتاب قواعد الدعوة إلى الله - د. همام عبد الرحيم سعيد - دار العدوى - عمان - الأردن. مجلة الأزهر. مجلة المجاهد.

§1/1