كشف المنن في علامات الساعة والملاحم والفتن
محمود رجب حمادي الوليد
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
كَشْفُ المِنَن فِي عَلامَاتُ السَّاعَةِ وَالملاحِم وَالفِتَن
جَمِيع الْحُقُوق مَحْفُوظَة الطبعة الأولى 1423 هـ - 2002 م الْكتب والدراسات الَّتِي تصدرها الدَّار تعبر عَن آراء واجتهادات أَصْحَابهَا نشر مكتبة عباد الرَّحْمَن جمهورية مصر الْعَرَبيَّة - هَاتِف وفاكس: 957619 دَار ابْن حزم للطباعة والنشر والتوزيع بيروت - لبنان - ص ب: 6366/ 14 - تليفون: 701974
الإهداء
الإهداء * إلى والديَّ -يرحمهما اللَّه- اللذين رَعياني صغيًرا وأدباني كبيرًا. . . * إلى إخوة الدرب وحراس العقيدة. . . * إلى القابضين على الجمر في زمن الفتن. . . * إلى طلاب الحق وأهله. . . أُهدي ثمرة جهدي وهو جهد المقلِّ، وأسأله تعالى القبول. . . محمود أبو عمر
مقدمة
مقدمة إن الحمد للَّه نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70 - 71] أما بعد: فإن خير الحديث كتاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وخير الهدي هدي محمَّد -صلى اللَّه عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار (¬1). وبعد: فقد كان يخالجنى وازع في نفسي أن أكتب بحثًا جامعًا عن علامات الساعة الصغرى والكبرى والملامح التي تحدث والفتن لأن هذا الموضوع يهمني كثيرًا ويفقهني في أمور كثيرة أعيشها وأتحسسها من أمر ¬
ديني وصلب عقيدتي. فعلامات الساعة الصغرى أرى كثيرًا منها واقعًا أعيشه؟ والكبرى غيب لا نعرف عنها سوى ما أخبرنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عنه، والفتن التي تموج موج البحر في دنيانا والتي حذر منها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جدير بالمسلم أن يعرفها ويتفقه فيها كي يتجنبها ولا يقع فيها، ويظل صامدًا ثابتًا على دينه، والملاحم التي تحدث مستقبلًا بين جيش الخلافة الراشدة وجيوش الكفار وعودة الخلافة الراشدة على ضوء الكتاب والسنة إلى ربوع المعمورة وكيف تكون نهاية العالم. كل هذه العناوين استهوتنى وظلت هاجسًا أعيشه وأفكر فيه إلى أن شرح اللَّه تعالى صدري لذلك، فعزمت على كتابة هذا البحث متوكلًا على اللَّه تعالى؟ وعسى أن أكون موفقًا في رفد المكتبة الإسلامية بهذا الموضوع العقائدى المهم، لا سيما ونحن اليوم نعيش في زمن عزف الناس فيه عن الخير وأشرأبت الأعناق إلى المادة والتطلع إلى متاع الدنيا ولو كان بخسًا زهيدًا. إن المسلمين عامة والشباب منهم خاصة بحاجة ماسة إلى هذه الدروس الإيمانية العقائدية لأنها من صميم دينهم وعقيدتهم وفيها المحفز للتشمير عن ساعد الجد وذلك بالإنابة والتوبة وأخذ الدين بهمة عالية ويقظة دائمة قبل فوات الأوان. إن الفقه بعلامات الساعة من العقائد الأساسية التي تدخل ضمن "الإيمان بالغيب" لا سيما وأن هذه الدروس تعتمد على آي القرآن الكريم التي تكلمت بإسهاب عن بعض هذه العلامات أو أشارت إلى بعضها الآخر إشارة واضحة أو تركت بعضها لغاية معينة سوف تجدها في هذا البحث، وهذا العلم معزز أيضًا بالأحاديث النبوية المتواترة والصحيحة والحسنة أو الضعيفة والتي تكون حسنة لغيرها إذا عضدها أحاديث أخرى صحيحة أو
حسنة مطابق لمعناها وكذلك أراء الفقهاء والعلماء والمفسرين والمحدثين الذين ملئوا بطون الكتب في الكلام عن هذا الموضوع وغيره رحمهم اللَّه جميعًا. أنني أرى من اللازم على المسلم المعاصر أن يتفقه في أمور عقيدته ويتعلم الكثير منها لأن قسمًا ممن يعيشوا معنى ينكر كثيرًا من هذه العقائد أو ينظر إليها باستهذاء أو يؤولها حسب هواه أو حسب ما يتلقى من ناقص الفهم وأرباب الغزو الفكرى بل إن قسمًا من المسلمين لا يكاد يصدق أن العلامات الصغرى كلها متحققة الآن ونحن نعيش بانتظار ظهور الجزء الأول الممهد للعلامات الكبرى التي ما أن ظهر أولها حتى تتابعت كحبات العقد المنفرط واحدة تلو الأخرى ولا يتصور هؤلاء المسلمين أننا نعيش في نهاية العالم أو قريب منه {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} [الأحزاب: 63]. بل إن قسمًا آخر أخذ يتجرأ على اللَّه تعالى فيحدد وقتًا معينًا لقيامها ومثل هذا وأمثاله قد أعظموا على اللَّه تعالى الفرية؛ إذ أن الساعة غيبًا اختصه اللَّه تعالى بنفسه لم يطلع عليها أحد لا نبيّ مرسل ولا ملك مقرب. ولما لهذا الموضوع من أهمية بالغة على صعيد العقيدة -أو لما له من أثر بالغ على النفوس- نرى أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يعلم أصحابه -رضي اللَّه عنهم- الاستعاذة من الفتن كما يعلمهم السورة من القرآن، كان -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "أيكم استعاذ، فليستعذ باللَّه من مضلات الفتن" (¬1). بل أن فتنة المسيح الدجال مثلا، ما خلا نبي من الأنبياء إلا وأنذر قومه منها، وهكذا كان دأب السلف الصالح من بعدهم يربون أبنائهم على تعلم ¬
هذه العقائد وسبكها في نفوسهم. قال مسلم بن الحجاج: بلغني أن طاووسًا قال لابنه: "أدعوت بها في صلاتك؟ (¬1) فقال: لا. قال: أعد صلاتك" (¬2) فقل لي يا سيدي المسلم: كيف لا تكون هذه المواضيع مهمة في حياتنا ونحن نقرأ أن الأنبياء والمرسلين صلوات اللَّه تعالى عليهم ومنهم سيدنا محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- كانوا لا يتوانون في تعليم هذه الأخبار لجلاسهم وحوارييهم؟ أليس جدير بنا أن نتعلمها ونعلمها لأبنائنا وبناتنا وللجيل كله بإمعان وهمة؟. * وهذا وقد قسمت بحثى كما يلي: 1 - المقدمة وأهمية هذا الموضوع. 2 - تمهيد للبحث وتقسيم لعلامات الساعة من حيث ظهورها. 3 - علامات الساعة الصغرى، وأجزم أنها متحققة كلها الأن ونحن نعيش على أعتاب ظهور مقدمة العلامات الكبرى كما سترى من خلال هذه البحث. 4 - الفتن التي حدثت بعد وفاة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وتحديدًا بقتل الفاروق عمر -رضي اللَّه عنه- ولا تزال مستمرة إلى هذا الوقت، وكيف يتعامل المسلم معها، وما هو العاصم له، من خلال وصايا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. 5 - ظهور الرايات السوداء مواطئة لظهور الهدى. 6 - الأحداث التي تكون علامة على ظهور المهدى. ¬
7 - الملاحم التي تحدث بين جيش المسلمين وجيش الروم ثم مقاتلة المسلمين للدجال ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام. 8 - القتال الذي يدور بين المسلمين والدجال ومعه اليهود ثم القضاء على الدجال واجتثاث شأفة النسل اليهودى القذر نهائيًا. 9 - الوعد الحق الذي يؤمن به المسلمون والوعد المفترى الذي يثقف له قادة الغرب. 10 - ثم إلى نهاية علامات الساعة الكبرى المألوفة. 11 - العلامات الكبرى غير المألوفة. 12 - الأحداث التي تكون قبيل الساعة. 13 - آخر من تقوم عليهم الساعة. 14 - خاتمة موجزة ومختصرة لخلاصة البحث. ولقد اعتمدت في هذا البحث على كتاب اللَّه تعالى وسنة نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- وآراء العلماء وتعليقاتهم من المفسرين والمحدثين والفقهاء رحمهم اللَّه جميعًا، واعتمدت في تخريج الأحاديث على أمهات كتب السنة الطهرة، وأحيانًا ولظروفى القاهرة اضطررت أن أعتمد في تخريج الأحاديث على الكتب التي طالعتها (مصادر البحث) لأنها محققة ومخرجة كما سترى وكذلك لقلة بضاعتى في علم الحديث وقد حاولت أن أرضى ربى تعالى أولًا وأرضى قارئى الكريم، وأسأله الدعاء لي ولوالدى وللمسلمين، وعسى أن يكون هذا العمل خالصًا لوجه اللَّه الكريم وأن ينفع به المسلمين، ويساهم في تصحيح عقائدهم وتأصيلها في نفوسهم وأن يكون زادًا على الطريق ينهل منه كل من يريد السير على هدى كتاب اللَّه وسنة نبيه ومنهج الإِسلام الحق، وعسى أن
تكون هذه الكلمات نورًا لي في قبرى ويكون هذا العلم مما يلحقنى من حسناتى بعد الموت، فإن أصبت ووفقت فمن اللَّه تعالى منة وفضل وإن أخطأت أو قصرت، فأنا أهل للتقصير والخطأ والعصيان، وما أبرئ نفسى إن النفس لأماره بالسوء إلا ما رحم ربى. والحمد للَّه أولًا وأخرًا وصلى اللَّه تعالى على النبي الأمى وآله وصحبه وسلم، وأخر دعوانا أن الحمد للَّه رب العالمين، وأستغفر اللَّه في كل وقت وحين. محمود رجب حمادى الوليد العراق - الرمادى الإمارات العربية المتحدة - دبي 16/ غرة شعبان / 1421 هـ 12/ تشرين الثاني/ 2000 م
تمهيد البحث
تمهيد البحث 1 - أشراط الساعة: الأشراط لغة: "العلامات، أول الشيء، ما يوضح ليلتزم في عمل أو نحوه" (¬1) إصطلاحًا: "العلامات التي تسبق يوم القيامة وتدل عليها" (¬2) أو "جمع شرط وهو العلامة وأصله الأعلام، يقال أشرط فلان نفسه بكذا، أعلمها له أو أعدها، ومنه الشرطى -كزكى وجهنى -والجمع شرط- سموا بذلك لأنهم أعلموا أنفسهم بعلامات يعرفون بها" (¬3). أما الساعة لغة: "هي جزء من أجزاء الليل أو النهار وجمعها ساعات. إصطلاحات: "الوقت الذي تقوم فيه القيامة" (¬4) قال تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد: 18] أي هل ينظر هؤلاء الكافرون الجاحدون المعاندون إلا أن تأتيهم الساعة على حين غفلة فتأخذهم ونحن إذ نذكرهم وننذرهم بعلامات وأشراط لحدوث ذلك اليوم العظيم، وهذه العلامات مؤشر دال على قربها ووشوك حدوثها؛ كى يكونوا على بينة من أمرهم، وإستعداد دائم ليتداركوا ما فات وينيبوا إلى اللَّه تعالى بالتوبة والإستغفار والندم على التقصير في أوامر اللَّه. "ويلاحظ أن قراءة أخبار الساعة واليوم الآخر وما يكون قبله لها الأثر الكبير البالغ في تصحيح سلوك الناس وتحسين أعمالهم، كما أن بعد الناس ¬
2 - قرب قيام الساعة
عن قراءتها ومعرفتها يتسبب عنه سوء العمل وينسى على طول الزمن تلك الحقائق من الأذهان، ويقلصها في النفوس حتى يقع الإستبعاد والإستخفاف بها، والإنكار لوقوعها مما لا علم عندهم، ولذلك كان السلف الصالح يداومون على تعليم تلك الأخبار والأحاديث ويذكرونها للناس حتى للأولاد في الكتاب -المدرسة- يتوارثوا معرفتها بعلم وبصيرة، ولتكون لهم بها عقيدة راسخة أصلية تزيد متانة على مرور الأيام" (¬1). 2 - قرب قيام الساعة: قال تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: 1]. قال ابن كثير: "هذا تنبيه من اللَّه عَزَّ وَجَلَّ على اقتراب الساعة ودنوها، وأن الناس في غفلة عنها، أي: لا يعملون لها، ولا يستعدون لأجلها" (¬2). وقال تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [النحل: 1]. قال ابن كثير. يخبر تعالى عن اقتراب الساعة ودنوها معبرًا بصيغة الماضي الدال على التحقيق والوقوع لا محالة (¬3). وقال تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)} [القمر: 1]. قال ابن كثير: يخبر تعالى عن اقتراب الساعة وفراغ الدنيا وانقضائها (¬4). يشير القرآن الكريم إلى الساعة وقرب وقوعها وذلك حين يحين الحساب وتجزى كل نفس بما سعت وعملت في الدنيا، ولكن الناس عن هذا اليوم ¬
العظيم لاهون سادرون معرضون، بل منهمكون في توافه الدنيا وزخرفها وملذاتها، ناسون أنهم ما خلقوا للعبث واللهو وإنما خلقوا لمهمة أعظم وأكبر من ذلك وهي مهمة عبادة اللَّه. والاستخلاف في الأرض. • ويراد بقيام الساعة أمران: أ- قيام ساعة كل إنسان وذلك حين يحين الوت، إذ تقوم قيامته ويتحول إلى دار أخرى وعالم آخر هو عالم البرزخ الذي هو إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، ومما يشير إلى هذا المعنى قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: "كان الإعراب إذا قدموا على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سألوه عن الساعة، متى الساعة؟ فينظر إلى أحدث إنسان منهم فيقول: إن يعش هذا لم يدركه الهرم حتى قامت عليكم الساعة"، قال هشام: يعني موتهم (¬1). واضح من خلال هذا الحديث أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صرف الناس عن أمر الساعة الكبرى وإنما وجههم إلى الاستعداد للموت والتزود له، ولما ينتظرهم من مصير في ذلك العالم البرزخى، وعليه يتبين أن الموت والانتقال إلى الدار الآخرة هو قيام قيامة الإنسان على الخصوص ويؤيد الحديث السابق الحديث الأتى: عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: "أن رجلًا سأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- متى الساعة؟ فسكت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هنيهة، ثم نظر إلى غلام بين يديه من إزد شنوءة فقال: إن عمر هذا الغلام لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة. ¬
3 - متى الساعة؟
قال أنس: وذلك الغلام من أترابى يومئذ" (¬1). ب- أما عن الساعة وقيام قيامتها الكبرى، وما يعترى الكون من خراب ودمار وبعث الأرواح فقد جاءت آيات قرآنية وأحاديث نبوية كثيرة ومفصلة حول هذا الموضوع، ولسنا بصدد الكلام عن ذلك اليوم في هذا البحث، وإنما المقصود هو إشعار الناس عمومًا والمسلمين خصوصًا بقرب قيام الساعة وبصدد التطلع إلى الفقه بعلاماتها المؤذنة بوشوك وقوعها. 3 - متى الساعة؟ إن الساعة وموعد قيامها غيب اختصه اللَّه تعالى بعلمه، فلم يطلع عليه نبيًا مرسلًا ولا ملكًا مقربًا ومصداق ذلك حديث جبريل قال: ". . . قال: فأخبرنى عن الساعة؟ قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل. . . " (¬2). قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 187]. قال ابن كثير: أمر تعالى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا سئل عن الساعة، أن يرد علمها إلى اللَّه تعالى، فإنه هو الذي يجليها لوقتها، أي: يعلم جلية أمرها، ومتى يكون على التحديد، لا يعلم ذلك إلا هو تعالى، ولهذا قال: {ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله: {ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، قال: ثقل علمها على أهل السماوات والأرض أنهم لا ¬
يعلمون، واختار هذا القول ابن جرير رحمه اللَّه (¬1). وقال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46)} [النازعات: 42 - 46]. قال ابن كثير: "أي: ليس علمها إليك، ولا إلى أحد من الخلق، بل مردها ومرجعها إلى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، فهو الذي يعلم وقتها على التعيين" (¬2). إذًا فعلم الساعة علم اختصه اللَّه تعالى بنفسه وأنت يا محمد أيها النبي المرسل ليس لك سبيل إلى معرفة وقتها وأنت لا تدرى لعل ذلك اليوم يكون قريبًا ولا يأتي ذلك اليوم العظيم إلا بغتة في حين غرة وغفلة والناس عنه لاهون. وعليه أخي المسلم: إن سمعت من يحدد للدهر عمرًا أو يضع ليوم القيامة وقتًا محددًا فاعلم أنه مغمور في جهل عميق أو هو ربيبة من أرباب الغزو الفكرى وفرخ من أفراخ أعداء الإِسلام والمسلمين من الدساسين الكذابين الذين يكيدون للإسلام وأهله (¬3). وقد قسم العلماء علامات الساعة من حيث ظهورها إلى ما يلي: 1 - علامات ظهرت وانقضت وهي جزء من العلامات الصغرى. 2 - علامات ظهرت ولا تزال تتابع باستمرار إلى يومنا هذا. 3 - علامات تظهر قبيل علامات الساعة الكبرى المألوفة وهي: ¬
أ - ظهور الرايات السود موطئة لخروج المهدي. ب- انحسار الفرات عن كنز من ذهب واقتتال الناس عليه. ج - المعارك التي تنشب بين المهدي وأعدائه وأخرها الخسف الذي يحل بجيش السفيانى على مشارف مكة (ذي الحليفة). د- ظهور المهدي قائدًا للمسلمين وقدوم أبدال الشام وعصائب أهل العراق مبايعين له. 4 - ظهور العلامات الكبرى وتنقسم إلى قسمين: أ - العلامات المألوفة: وهي الدجال، عيسى بن مريم، يأجوج ومأجوج. ب- العلامات غير المألوفة: وهي ظهور الشمس من المغرب، الدابة، الدخان، الخسوفات. 5 - أحداث أخرى: تخريب الكعبة، ترك المدينة النبوية، رفع القرآن من المصاحف. 6 - أخر من تقوم عليهم الساعة ونهاية العالم. * * *
الباب الأول
الباب الأول • الفصل الأول: علامات الساعة الصغرى. • الفصل الثاني: الفتن. • الفصل الثالث: ظهور الرايات السود.
الفصل الأول علامات الساعة الصغرى
الفصل الأول علامات الساعة الصغرى أولًا: بعثة النبي محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-. كما أراد اللَّه تعالى لنبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يكون خاتم الأنبياء ونهاية المرسلين جعل بعثته وإكماله للدين ومحوه للشرك إيذانًا بقرب قيام الساعة وختمه للرسالات السماوية. 1 - عن سهل بن سعد -رضي اللَّه عنه-: "رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال بأصبعيه هكذا الوسطى والتي تلى الإبهام، وقال: بعثت أنا والساعة كهاتين" (¬1) 2 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "بعثت أنا والساعة كهاتين -يعني أصبعين" (¬2) 3 - عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بعثت أنا والساعة كهاتين، كفضل إحداهما على الأخرى، وضم السبابة والوسطى" (¬3) 4 - عن أبي جبيرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "بعثت في نسم الساعة" (¬4). ¬
ثانيا: موته -صلى الله عليه وسلم-.
قوله: في نسم الساعة: "هو من النسيم: أي أول هبوب الريح الضعيفة، أي: بعثت في أول أشراط الساعة وضعف مجيئها" (¬1) ثانيا: موته -صلى اللَّه عليه وسلم-. أخبر -صلى اللَّه عليه وسلم- أن موته ودنو أجله من علامات قرب القيامة وشرط من أشراط الساعة، وهي أعظم مصيبة انتابت المسلمين بل كان موته -صلى اللَّه عليه وسلم- مصيبة المصائب إذ بموته بدأت الفتن تموج حتى تبلورت وانتشرت بقتل عمر الفاروق -رضي اللَّه عنه- (¬2). 1 - عن عوف بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: "أتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم، فقال: أعدد ستًا بين يدي الساعة: موتى، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كعقاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطًا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغذرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية أثنا عشر ألفًا" (¬3). 2 - عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: "لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة؛ أضاء منها كل شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه؛ أظلم منها كل شيء، وما نفضنا عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الأيدى حتى أنكرنا قلوبنا" (¬4). حقًا لقد كان يوم وفاة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يومًا مظلمًا أنكر فيه المسلمون ¬
ثالثا: انشقاق القمر
قلوبهم وهم يدفنون رسول اللَّه ويواروه التراب فقد إنخلعت قلوبهم وأشرأبت أعناقهم لهذا الحادث الجلل، فمنهم من أستلقى على الأرض بلا حراك ومنهم من أوجم فاه عن الكلام ومنهم من شهر سيفه قائلًا: من زعم أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مات قطعت عنقه. . . وأختل التوازن وأضطربت النفوس إلى أن جاء الصديق أبو بكر -رضي اللَّه عنه- وقال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ. . .} [آل عمران: 144]. لذلك على المسلمين إذا أصابتهم مصيبة أو نزلت بهم كارثة أن يتسلوا عنها بمصيبة فقده -صلى اللَّه عليه وسلم- إذ بفقده إنقطع الوحى من السماء وماتت النبوة. 4 - عن عائشة رضي اللَّه عنها، قالت: "فتح رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بابًا بينه وبين الناس أو كشف سترًا، فإذا الناس يصلون وراء أبي بكر، فحمد اللَّه على ما رأى من حسن حالهم، ورجاء أن يخلفه اللَّه فيهم بالذى رأهم، فقال: يا أيها الناس! أيما أحد من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبة، فليعتز بي عن المصيبة التي تصيبه بغيرى، فإن أحدًا من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتى" (¬1). قال الشاعر: فإذا أتتك مصيبة تشجو بها ... فأذكر مصابك بالنبى محمد ثالثًا: انشقاق القمر حدث هذا الانشقاق في عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهي معجزة من معجزات النبوة وبرهان ساطع في البراهين الكثيرة التي تدفع عقول الجاحدين، إذ أن القمر بعيد عن متناول الناس وهو في السماء بلا شك وليس مما يطمع في الوصول ¬
إليه، وقد كان هذا الإنشقاق كإعجاز لأهل مكة عندما سألوه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يريهم آية معجزة قال تعالى. {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2)} [القمر: 1 - 2]. قال ابن كثير: {وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} قد كان هذا في زمان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كما وورد ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة، وهذا أمر متفق عليه بين العلماء؛ أي: إنشقاق القمر، وأنه وقع في زمان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات (¬1). 1 - روى الشيخان عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه-؛ قال: "انشق القمر على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شقتين، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: اشهدوا" (¬2). 2 - وروى الشيخان عن أنس -رضي اللَّه عنه-: "أن أهل مكة سألوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يريهم آية، فأراهم إنشقاق القمر" (¬3) 3 - عن عبد اللَّه بن مسعود؛ قال: "بينما نحن مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بمنى، إذ إنفلق القمر فلقتين، فكانت فلقة وراء الجبل وفلقة دونه، فقال لنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إشهدوا" قال الحافظ في (الفتح) في الرد على المنكرين لهذه الحادثة: "وقال الخطابى: وقد أنكر بعضهم إنشقاق القمر فقال: لو وقع ذلك لم ¬
رابعا: فتح بيت المقدس وطاعون عمواس
يجز أن يخفى أمره على عوام الناس؛ لأنه أمر صدر عن حس ومشاهدة، فالناس فيه شركاء، والدواعى متوفرة على رؤية كل غريب ونقل ما لم يعهد، فلو كان لذلك أصل لخلد في كتب أهل التفسير والتنجيم، إذ لا يجوز إطباقهم على نزكه وإغفاله مع جلالة شأنه ووضوح أمره. والجواب على ذلك: أن هذه القصة خرجت عن بقية الأمور التي ذكروها؛ لأنه شيء طلبه خاصة في الناس، فوقع ليلًا لأن القمر لا سلطان له بالنهار، ومن شأن الليل أن يكون أكثر الناس فيه نيامًا ومستكينين بالأبنية، والبارز بالصحراء منهم إذا كان يقظان يحتمل أنَّه كان في ذلك الوقت مشغولًا بما يلهيه من سمر وغيره، ومن المستبعد أن يقصدوا إلى مركز القمر ناظرين إليه لا يغفلون عنه، فقد يجوز أنه وقع ولم يشعر به أكثر الناس وإنما رأه من تصدى لرؤيته ممن إقترح وقوعه". رابعًا: فتح بيت المقدس وطاعون عمواس يعتبر بيت المقدس من الأماكن المقدسة لدى المسلمين فهو أولى القبلتين وثالث الحرمين، وهو المسجد الذي تضاعف فيه الحسنات ويجوز شد الرحال إليه كما يجوز شد الرحال إلى الحرمين الآخرين البيت الحرام ومسجد الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- ولا يجوز ذلك لغير هذه المساجد الثلاثة. ونظرًا لهذه المكانة المرموقة للأقصى عند المسلمين حرر هذا المسجد من الرومان (النصارى) في زمن الفاروق عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- حيث حاصرت جيوشه بيت المقدس واصطلح معهم بعد أن ذهب إلى الأقصى من المدينة المنورة فأعطوه مفاتيح المدينة والقدس معها. إن فتح بيت المقدس من المعجزات النبوية التي أخبر عنها -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل موته
خامسا: استفاضة المال وإخراج الأرض كنوزها
وهو من علامات الساعة الصغرى ودليل ذلك ما ورد عن عوف بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: أتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم، فقال: "أعدد ستًا بين يدي الساعة: موتى، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كعقاص الغنم، ثم إستفاضة المال. . ." (¬1). وكذلك إخباره -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الموتان الذي يصيب المسلمين والموتان: بضم الميم وسكون الواو هو الموت الكثير الوقوع، والعقاص: بضم العين وتخفيف القاف. . . وهو: داء يأخذ الدواب فيسيل من أنوفها شيء فتموت فجأة، وقال بن فارس كما ذكره الحافظ في الفتح: العقاص داء يأخذ في الصدر كأنه يكسر العنق (¬2). وقد حدث هذا المرض وهو وباء الطاعون (الكوليرا) في خلافة سيدنا عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- ومات فيه كثير من صحابة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ورضي اللَّه عنهم وممن مات فيه أمين هذه الأمة أبو عبيدة عامر بن الجراح وكان في بلدة عمواسًا من تخوم الشام وهي في فلسطين وكان ذلك في السنة الثامنة عشر للهجرة وبعد فتح بيت المقدس كما أشار الحديث النبوى السالف. خامسًا: استفاضة المال وإخراج الأرض كنوزها 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-قال: ". . . وحتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهم رب المال (¬3) من يقبل صدقته، حتى يعرضه فيقول الذي عرض عليه: لا أرب لي فيه. . . " (¬4) أي: لا حاجة لي بهذا المال. ¬
2 - روى أحمد والشيخان والنسائي عن حارثة بن وهب؛ قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "تصدقوا؛ فسيأتى عليكم زمان يمشي الرجل بصدقته، فيقول الذي يأتيه بها: لو جئت بالأمس؛ لقبلتها، فأما الأن؛ فلا حاجة لي فيها، فلا يجد من يقبلها" (¬1). 3 - روى الشيخان عن أبي موسى -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب، ثم لا يجد أحدًا يأخذها منه، ويرى الرجل الواحد يتبعه أربعون أمرأة يلذن به من قلة الرجال وكثرة النساء" (¬2). لقد تحقق الرخاء الإقتصادي في زمن الخليفة الراشد عثمان بن عفان وذلك بسب ما فتح اللَّه عليهم من البلدان وعم الخير والرخاء وكذلك حدث بعد ذلك أيام الخليفة عمر بن عبد العزيز وكان الرجل يخرج زكاة ماله فلا يجد من يأخذها فعلًا ولكن كل هذا لم يكن إلى المستوى الذي أشارت إليه الأحاديث النبوية ولا أظن ذلك يكون إلا أيام المهدي وخروج الدجال ونزول عيسى بن مريم حيث ينشغل الناس عن المال وتكون الساعة قد أصبحت قريبة منهم واللَّه أعلم. قال الحافظ في (الفتح): (يقع ذلك في الزمان الذي يستغنى فيه الناس عن المال: إما لاشتغال كل منهم بنفسه عن طرق الفتنة، فلا يلوى على الأهل، فضلًا عن المال، وذلك في زمن الدجال، وإما بحصول الأمن المفرط والعدل البالغ، بحيث يستغنى كل أحد بما عنده عما في يد غيره، وذلك في زمن المهدي وعيسى بن مريم، ¬
وإما عند خروج النار التي تسوقهم إلى المحشر، فيعز حينئذ الظهر، وتباع الحديقة بالبعير الواحد، ولا يلتفت أحد إلى ما يثقله من المال، بل يقصد نجاة نفسه ومن يقدر عليه من ولده وأهله، وهذا أظهر الاحتمالات) (¬1). وقال الحافظ في الفتح مشيرًا إلى حديث أبي هريرة قوله: (وحتى يكثر فيكم المال فيفيض)، يشعر أنه محمول على زمن الصحابة، فيكون إشارة إلى ما وقع من الفتوح، وإقتسامهم أموال الفرس والروم، ويكون قوله: (فيفيض حتى يهم رب المال) إشارة إلى ما وقع في زمن عمر بن عبد العزيز، فقد وقع في زمنه أن الرجل كان يعرض ماله للصدقة، فلا يجد من يقبل صدقته، ويكون قوله: (وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه: لا إرب لي به)، إشارة إلى ما سيقع في زمن عيسى بم مريم -فيكون- في الحديث إشارة ثلاثة أحوال: الأولى: إلى كثرة المال فقط، وقد كان ذلك في زمن الصحابة، ومن ثم قيل فيه: (يكثر فيكم). الثانية: الإشارة إلى فيضة من الكثرة، بحيث أن يحصل إستغناء كل أحد عن أخذ مال غيرها، وكان ذلك لي آخر عصر الصحابة وأول عصر من بعدهم ومن ثم قيل: (يهم رب المال)، وذلك ينطبق على ما وقع في زمن عمر بن عبد العزيز. الثالثة: الإشارة إلى فيضه وحصول الاستغناء ولكل أحد حتى يهتم صاحب المال بكونه لا يجد من يقبل صدقته، ويزداد بأنه يعرضه على غيره، ولو كان ممن يستحق فيأبى أخذه، فيقول: لا حاجة لي فيه، وهذا في زمن ¬
سادسا: قتل الإمام
عيسى عليه السلام، ويحتمل أن يكون هذا الأخير خروج النار، واشتغال الناس بأمر الحشر، فلا يلتفت أحد إلى المال، بل يقصد أن يتخفف ما استطاع (¬1). سادسًا: قتل الإمام 1 - قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "والذي نفسى بيده، لا تقوم الساعة حتى تقتلوا إمامكم، وتجتلدوا بأسيافكم، ويرث دنياكم شراركم" (¬2). والإمام هو أمير المؤمنين والخليفة الراشد عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه-، إذ خرج عليه المنافقون واستباحوا مدينة الرسول، وأراقوا دمًا طاهرًا ذكيًا، فأحدثوا من الفتن والظلم ما ينفطر منه فؤاد المسلم، فقتل شهيد الدار مظلومًا على أيدى أناس حاقدين لم يراعوا حرمة خليفة من خلفاء الرسول ولم يراقبوا في المسلمين إلا ولا ذمة. وقد شهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لعثمان -رضي اللَّه عنه- بالشهادة وأنه على الحق. 1 - روى أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي عن أنس -رضي اللَّه عنه-، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صعد أحدًا (¬3) وأبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم (¬4)، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان) (¬5). فالنبى هو محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- والصديق هو أبو بكر والشهيدان هما: عمر وعثمان -رضي اللَّه عنهم- وشهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لعثمان -رضي اللَّه عنه- بأن الخارجين عليه هم منافقون خارجون عن طاعة الأمير الراشد. ¬
سابعا: اقتتال فئتين عظيمتين من المسلمين دعواهما واحدة
2 - روى أحمد والترمذي وابن ماجة عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (يا عثمان إن ولاك اللَّه هذا الأمر يومًا، فأدرك المنافقون أن تخلع قميصك الذي قمَّصَك اللَّه، فلا تخلعه ويقول ذلك ثلاث مرات. . .) (¬1). وقد يتساءل المسلم: لماذا لم يدافع عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه- عن نفسه ويحث المسلمين على قتال الخارجين عليه، ويوقفهم عند حدهم؟!. 1 - إن عثمان -رضي اللَّه عنه- لشدة شفقته بالمسلمين وروعة تقواه، آثر أن يقتل ولا تراق قطرة دم واحدة من المسلمين بسببه، فآثر الموت دون دماء المسلمين. 2 - إن امتناع عثمان -رضي اللَّه عنه- عن القتال يوم الدار كان تنفيذًا لأمر عهد إليه الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- به، إذ أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أوصى عثمان بالصبر، حيث كان يعرف ما سيجرى من الفتن والاقتتال بين أصحابه من إزهاق الأنفس والخروج على طاعة الأمراء. (. . . لما كان يوم الدار، قيل لعثمان: ألا تقاتل؟ فقال: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عهد إليَّ عهدًا، وإني صابر عليه. . .) (¬2). سابعًا: اقتتال فئتين عظيمتين من المسلمين دعواهما واحدة 1 - روى أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان، فكون بينهما مقتلة عظيمة، دعواهما واحدة. . .) (¬3). ¬
في هذا الحديث النبوى إشارة إلى ما وقع من الاقتتال بين فئة أمير المؤمنين على ومعاوية -رضي اللَّه عنهما- وهي واقعة صفين التي أزهقت فيها أرواح كثير من الصحابة -رضي اللَّه عنهم. وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (دعواهما واحدة) أي أنهم مسلمون ودينهم واحد، ولكن منهم من كان يدعى أنه على حق، وهذا اجتهادهم وكل قد أفضى إلى ما قدم. • القول في الاقتتال بين الصحابة رضي اللَّه عنهم. 1 - أن صحابة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كلهم ثقات عدول وقد ترضي اللَّه تعالى عنهم في كتابه العزيز قائلًا: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)} [الفتح: 29]. 2 - سئل أحمد عن القتال بين الصحابة -رضي اللَّه عنهم- فقال: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (141)} [البقرة: 141]. 3 - كل منهم كان مجتهدًا فيما ذهب إليه، والمجتهد إن أصاب له أجران وإن أخطأ له أجر واحد. 4 - الكف عما شجر بينهم أولي وأورع لمن يبتغى اللَّه تعالى والدار الآخرة. 5 - المسلم يحب صحابة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كلهم ولا ينال من أحد منهم، وكل
ثامنا: خروج الكذابين أدعياء النبوة
قد أفضى إلى ما قدم، واللَّه تعالى وحده أعلم بالسرائر، وكلهم -رضي اللَّه عنهم- مغفور لهم. ثامنًا: خروج الكذابين أدعياء النبوة 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان عظيمتان. . .، وحتى يبعث دجالون كذابون، قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول اللَّه، وحتى. . . إلخ) (¬1). ليس المراد بالبعث هنا هو البعث المقارن بالنبوة، بل هو مما يندرج تحت قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا. . .} [مريم: 83]. وقد ادعى خلق كثير النبوة وهم لا يحصون عددًا، ولكن المراد من هذا الحديث إنهم من قامت لهم شوكة وبدت لهم شبهة وصار لهم أنصار حتى أخزاهم اللَّه تعالى فخابوا وخسروا. وقد ظهرت من أمثال هؤلاء الكذابين الذين ادعوا النبوة في عصر الصحابة (كمسيلمة الكذاب) فكثر اتباعه وعظم شره وارتد من العرب من ارتد، فوقف اللَّه تعالى الصديق أبا بكر فجهز جيشًا من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- فقضوا عليه وعلى فتنته بواقعة اليمامة. ومنهم (الأسود العنسى) و (طليحة بن خويلد) و (سجاح الكاهنة)، وهؤلاء ظهروا في عصر الصحابة فمنهم من قتل على أيدى الصحابة ومنهم من تاب (¬2). (وظهر في عصر التابعين: المختار الثقفى مدعيًا النبوة، ومنذ قرن تقريبًا ظهر (الميرزا عباس) في إيران مدعيًا النبوة عام 1233 هـ. . . وظهر في ¬
تاسعا: وضع الأحاديث المكذوبة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
السودان (محمود محمد طه) وقد أضل كثيرًا من الخلق ثم أعدم عام 1985 م. ولا يستبعد أن يظهر دجالون آخرون، إلى أن يظهر الدجال الكبير الأعور، نعوذ باللَّه من فتنته، فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن سمرة بن جندب -رضي اللَّه عنه-، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في خطبته يوم كسفت الشمس على عهده: (. . . وإنه واللَّه لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابًا، آخرهم الأعور الكذاب) (¬1). تاسعًا: وضع الأحاديث المكذوبة على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (يكون في آخر الزمان دجالون كذابون، يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم، لا يضلونكم ولا يفتنونكم) وفي رواية أخرى قال: (سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم ما لم تسمعوا أنتم ولا آبائكم، فإياكم وإياهم) (¬2). وقد وقع ما أخبر عنه الصادق والمصدوق -صلى اللَّه عليه وسلم- حيث انتشر الكذب وظهرت الفرق والمذاهب المبتدعة، ونشبت المطاحنات السياسية العصبية والمذهبية، وظهرت الفرق الباطنية والشعوبية، وتعددت الأهواء والمشارب، فصار كل داعية إلى ضلالته يضع من الأحاديث ما يدعم قوله ويعزوه إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، مضللًا بذلك الفئام من المسلمين، حتى قيض اللَّه تعالى ¬
عاشرا: ظهور الخوارج
لهذه الأمة رجالًا ذبوا عن سنته ونافحوا عنها وبينوا للأمة الصحيح من السقيم. • يقول الإمام مالك في هذا الشأن: (كنا نرسل الحديث إلى العراق شبرًا فيأتينا ذراعًا)!! وذلك لكثرة الوضاعين الكذابين وانتشار الفرق الخارجة عن مذهب أهل السنة والجماعة، فكانوا يأخذون الحديث من مصدر السنة (المدينة النبوية) ويضيفون إليه أشياء تدعم بدعهم وإرهاصاتهم وخصوصًا منهم الروافض والمتصوفة. إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حذر من هذا الصنيع وبشر صاحبه بالنار لأن الكذب على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ليس بالهين وإن كلامه يعتبر مصدرًا للتشريع، فإن من كذب على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقد خان اللَّه ورسوله وضلل المسلمين وافترى على الإسلام والمسلمين. قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن كذبًا على ليس ككذب على أحد، فمن كذب على متعمدًا فليتبوأ مقعده في النار). وفي رواية أخرى: (من حدث عني بحديث يرى انه كذب، فهو أحد الكذابين) (¬1). عاشرًا: ظهور الخوارج الخوارج قوم مبتدعون، سموا بذلك لخروجهم على أئمة المسلمين، وتكفيرهم لعثمان وعلى -رضي اللَّه عنهما-، وتأولوا في الدين، فكفروا مرتكب الكبيرة، واستباحوا دماء المسلمين وحرماتهم، وهم من أهل التنطع في الدين، حيث أظهروا التقشف والزهد، وكان منهم قراء للقرآن لشدة ¬
اجتهادهم في العبادة والتلاوة، إلا أنهم كانوا يستبدون برأيهم ويؤولون أحكام القرآن حسب أهوائهم فجرهم ذلك الكبر إلى مزالق الشيطان. حاول الإمام على -رضي اللَّه عنه- تبصيرهم وإرجاعهم إلى الصواب ولكن دون جدوى، فلما أفسدوا في الأرض واستباحوا الحرمات قتلهم شر قتلة واستباح دمائهم فقتلوه -رضي اللَّه عنه- غدرًا وظلمًا. صفاتهم (¬1): 1 - هم كلاب النار: عن أبي أمامة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (الخوارج كلاب النار) (¬2). 2 - شر الخلق والخليقة: عن أبي ذر -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن بعدي من أمتي -أو سيكون بعدي من أمتي قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرقبة، ثم لا يعودون فيه، هم شر الخلق والخليقة) (¬3). 3 - الدجال يخرج في عراضهم (¬4): قال ابن عمر: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول. (كلما خرج قرن قطع) (¬5) أكثر من عشرين مرة، حتى يخرج في عراضهم الدجال (¬6). ¬
4 - آيتهم التي ميزتهم يوم النهروان: روى الشيخان عن أبي سعيد الخدرى -رضي اللَّه عنه- قال: (بينما نحن عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو يقسم قسمًا، آتاه ذو الخويصرة، وهو رجل من بني تميم، فقال: يا رسول اللَّه إعدل!! فقال: ويلك!! ومن يعدل إذا لم أعدل؟! قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل. فقال له عمر: يا رسول اللَّه، إئذن لي فيه فاضرب عنقه. فقال: دعه: فإن له أصحاب يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله (¬1) فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافه (¬2) فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه (¬3) فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى قذذه (¬4) فلا يوجد منه شيء، قد سبق الفرث والدم، آيتهم (¬5) رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدى المرأة أو مثل البضعة (¬6) تدردر (¬7) ويخرجون على حين فرقة من الناس (¬8) قال أبو سعيد: فأشهد أنى سمعت هذا الحديث في رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأشهد أن على بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل، فالتمس ¬
فأتى به، حتى نظرت إليه على نعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي نعته (¬1) 5 - يقتلون أهل الإِسلام ويوادعون أهل الأوثان روى الشيخان وأبو داود والنسائي عن أبي سعيد الخدرى -رضي اللَّه عنه- قال: (بعث على -رضي اللَّه عنه- إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بذهيبة (¬2) فقسمها بين الأربعة: الأقرع بن حابس الحنظلى ثم المجاشعى، وعيينة بن بدر الفزارى، وزيد الطائي ثم أحد بني نبهان وعلقمة بن علاثة العامرى ثم أحد بني كلاب، فغضبت قريش والأنصار، قالوا: يعطى صناديد أهل نجد ويدعنا؟ قال: إنما أتألفهم. فأقبل رجل غائر العينين (¬3)، مشرف الوجنتين (¬4)، ناتئ الجبين (¬5)، كث اللحية (¬6)، محلوق (¬7). فقال: اتق اللَّه يا محمد!! فقال: من يطع اللَّه إذا عصيت؟! أيأمننى اللَّه على أهل الأرض ولا تأمنونى؟!. فسأله رجل قتله -أحسبه خالد بن الوليد- فمنعه، فلما ولى، قال: إن من ضئضئ هذا -أو في عقب هذا- قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل ¬
الأوثان، لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل (¬1) عاد (¬2). 6 - سيماهم التحليق روى أحمد والشيخان عن سهل بن حنيف قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (يخرج من المشرق أقوام محلقة رؤوسهم، يقرؤون القرآن بألسنتهم لا يعدون تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) (¬3). 7 - يقرؤون القرآن كشربهم اللبن!! روى الطبراني عن عقبة بن عامر قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (سيخرج قوم من أمتي يشربون القرآن كشربهم (¬4) اللبن) (¬5). 8 - أهل قول لا عمل: روى أبو داود والحاكم عن أبي سعيد وأنس معًا: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (سيكون في أمتي إختلاف وفرقة، قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم (¬6)، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، لا يرجعون حتى يرتد على فوقه، هم شرار الخلق والخليقة، طوبى لمن قتلهم وقتلوه، يدعون إلى كتاب اللَّه وليسوا منه في شيء من قاتلهم، كان أولى باللَّه منهم، سيماهم التحليق) (¬7). ¬
9 - يرى الناس أعمالهم حقيرة بالنسبة لأعمالهم (الخوارج): روى الشيخان وابن ماجة عن أبي سعيد الخدرى -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (يخرج فيكم قوم تحقرون (¬1) صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم، ويقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية. . .) (¬2). 10 - هم المارقون من الدين: روى البزار وابن عاصم في السنة عن على بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-، قال يوم النهروان: (أمرت بقتال المارقين، وهؤلاء المارقون) (¬3). 11 - تقتلهم أولى الطائفتين بالحق: عن أبي سعيد الخدرى -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين، يقتلها أولى الطائفتين بالحق) (¬4). وهذه المارقة هي فرق الخوارج، وقتلها أولى الطائفتين بالحق وهي طائفة على -رضي اللَّه عنه- فهي التي كانت على الحق. 12 - تحريض رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على قتلهم وأجر من قتلهم: روى الشيخان وأبو داود عن علي -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان (¬5)، سفهاء الأحلام (¬6)، ¬
أحد عشر: خروج نار من الحجاز تضئ لها أعناق الإبل ببصرى
يقولون من خير البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم، فاقتلوهم، فإذ قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة) (¬1). 13 - نظرتهم لخروجهم على أنه هجرة في سبيل اللَّه تعالى. روى أحمد وابن أبي عاصم في السنة عن أبي حفص، قال: سمعت عبد اللَّه بن أبي أوفى وهم يقاتلون الخوارج، وكان غلام له قد لحق بالخوارج من الشق الآخر، فناديناه: يا فيروز! يا فيروز! هذا عبد اللَّه بن أبي أوفى فقال: نعم الرجل لو هاجر! قال عبد اللَّه: ما يقول عدو اللَّه؟ فقيل له: يقول: نعم الرجل لو هاجر! فقال: أهجره بعد هجرتى مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقد سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (طوبى لمن قتلهم وقتلوه) (¬2). أحد عشر: خروج نار من الحجاز تضئ لها أعناق الإبل ببصرى 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز، تضئ لها أعناق الإبل ببصرى) (¬3). لقد أخبر الصادق المصدوق -صلى اللَّه عليه وسلم- بأن من علامات الساعة خروج هذه النار من أرض الحجاز، تضئ منها أعناق الإبل ببصرى والتي هي مدينة من مدن الشام، وقد ذكر ذلك ابن كثير رحمه اللَّه تعالى ذلك فقال: (ثم دخلت سنة أربع وخمسين وستمائة وفيها كان ظهور النار في أرض الحجاز التي أضاءت لها أعناق الإبل ببصرى كما نطق بذلك الحديث المتفق عليه، وقد ¬
بسط القول في ذلك الشيخ العلامة الحافظ شهاب الدين أبو شامة المقدسى في كتابه "الذيل" وشرحه، واستحضره من كتب كثيرة وردت متواترة إلى دمشق في الحجاز بصفة أمر هذه النار التي شوهدت معاينة، وكيفية خروجها وأمرها) (¬1) • وقال القرطبي عن هذه النار: (قد خرجت نار بالحجاز بالمدينة، وكان بدؤها زلزلة عظيمة في ليلة الأربعاء بعد العتمة الثالث في جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة، واستوت إلى ضحى النهار يوم الجمعة فسكتت، وظهرت النار بقريظة بطرف الحرة ترى في صورة البلد العظيم عليها سور محيط عليه شراريف وأبراج ومأذن، وترى رجال يقودونها، لا تمر على جبل إلا دكته وإذابته، ويخرج في مجموع ذلك مثل النهر أحمر أزرق له دوى كدوى الرعد يأخذ الصخور بين يديه، وينتهى إلى محط الركب العراقى، واجتمع في ذلك ردم صار كالجبل العظيم، فانتهت النار قرب إلى المدينة، ومع ذلك فكان يأتي المدينة نسيم بارد، وشوهد لهذه النار غليان كغليان البحر، وقال لي بعض أصحابنا: رأيتها صاعدة في الهواء من نحو خمسة أيام وسمعت أنها رؤيت من مكة ومغ جبال بصرى) (¬2). وقال النووي رحمه اللَّه في شرحه لصحيح مسلم: (وقد خرجت في زماننا نار بالمدينة سنة أربع وخمسين وستمائة، وكانت نارًا عظيمة جدًا في جنب المدينة الشرقى، وراء الحرة، تواتر العلم بخروج هذه النار عند جميع أهل الشام) (¬3). ¬
اثنا عشر: رفع العلم وفشو الجهل وافتاء من ليسوا أهلا لذلك
اثنا عشر: رفع العلم وفشو الجهل وافتاء من ليسوا أهلًا لذلك 1 - عن أبي موسى الأشعرى وعبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنهما- قالا: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن بين يدي الساعة أيامًا ينزل فيها الجهل ويرفع فيها العلم. . .) (¬1). 2 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن من أشراط الساعة. . .، وينقص العلم، وتظهر الفتن، ويلقى الشح. . .) (¬2). 3 - روى الطبراني عن أبي أمية الجمحى أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر. . .) (¬3). 4 - روى أحمد والشيخان والترمذي وابن ماجة عن بن عمرو قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (إن اللَّه لا يقبض العلم إنتزاعًا ينتزعه في العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالمًا، اتخذ الناس رؤوسًا جهالًا، فسئلوا، فافتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا) (¬4). 5 - روى الترمذي والحاكم عن أبي الدرداء، قال: كنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فشخص ببصره إلى السماء ثم قال: (هذا أوان يختلس العلم من الناس حتى لا يقدروا منه على شيء) فقال زياد بن لبيد الأنصارى: كيف يختلس منا وقد قرأنا القرآن؟ فو اللَّه لنقرأنه ولنقرئنه نسائنا وأبنائنا؟ ¬
قال: ثكلتك أمك يا زياد!! (¬1) إن كنت لأعدك من فقهاء أهل المدينة، هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى، فما تغنى عنهم؟! قال جبير: فلقيت عبادة بن الصامت، فقلت: ألا تسمع ما يقول أخوك أبو الدرداء؟ فأخبرته بالذى قال أبو الدرداء. قال: صدق أبو الدرداء، إن شئت لأحدثك بأول علم يرفع من الناس: (الخشوع، يوشك أن تدخل المسجد الجامع، فلا ترى فيه رجلًا خاشعًا) (¬2). 6 - روى عبد الرزاق في المصنف عن علي -رضي اللَّه عنه-: (أنه ذكر فتنًا تكون في آخر الزمان، فقال له عمر: متى ذلك يا على؟ قال: إذا تفقه لغير الدين، وتعلن العلم لغير العمل، والتمست الدنيا بعمل الآخرة (¬3) يتبين من خلال هذه الأحاديث اضطراب الأحوال قبل الساعة حيث يرفع العلم، والذي أراه الآن أن ليس معنى رفع العلم عدم وجوده، فالعلم موجود والجامعات مشرعة أبوابها ولكن المقصود هو ندرة وجود علماء ربانيين موحدين يحملون هذا العلم الشرعى فيطبقونه على أنفسهم ويعلمونه للناس، فقد كثر وعاظ السلاطين والتمست الدنيا بالعلم وتفقه لغير الدين، وتعلم لغير العمل، والتمست الدنيا بعمل الآخرة فقلما تجد رجلًا خاشعًا في صلاته، حيث يرفع الخشوع وتتبلد القلوب ويران عليها، وتصدر للفتوى أناس جهال فضللوا الناس وأهلكوهم بالبدع والخرافات والضلالات التي ما ¬
ثلاثة عشر: قلة البركة في الوقت والبخل في الخير وكثرة القتل
أنزل اللَّه بها من سلطان واللَّه المستعان. قال الحافظ في الفتح. (وأما قوله: (ويلقى الشح): فالمراد لقاؤه في قلوب الناس على اختلاف أحوالهم حتى يبخل العالم بعلمه فيترك التعليم والفتوى، ويبخل الصانع بصناعته حتى يترك تعليم غيره. . .) (¬1). أو قد يكون زهد الناس عمومًا بالتعليم الشرعى وإنصرافهم إلى تعلم العلوم الأخرى التي قدر عليهم وتطغي عليهم حضرة دنيوية، فيقل المتعلمون ويندر الفقهاء ويصبح العلماء الربانيون أندر من الكبريت الأحمر، فيضطر الناس للجوء إلى أدعياء العلم من الجهال والمشعوذين فيضلونهم. قال الحافظ ابن حجر عن قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ينزل فيها الجهل ويرفع فيها العلم) (ومعناه أن العلم يرفع بموت العلماء فكلما مات عالم ينقص العلم بالنسبة إلى فقد حامله، وينشأ عن ذلك الجهل بما كان ذلك العالم ينفرد به عن بقية العلماء) (¬2). ثلاثة عشر: قلة البركة في الوقت والبخل في الخير وكثرة القتل 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن من أشراط الساعة أن يتقارب الزمان، وينقص العلم، وتظهر الفتن، ويلقى الشح، ويكثر الهرج، قالوا: يا رسول اللَّه، وما الهرج؟ قال: القتل القتل (¬3). معنى "يتقارب الزمان": ¬
(أن يعتدل الليل والنهار أو يدنو قيام الساعة أو تقصر الأيام والليالى أو يتقارب في الشر والفساد أو تسارع الدول إلى الانقضاء والقرون إلى الانقراض. . .؟. في قلة الدين حتى لا يكون فيهم من يأمر بمعروف وينهى عن منكر لغلبة الفسق. . . والحق: أن المراد نزع البركة من كل شيء (¬1). 2 - أخرج الترمذي من حديث أنس، وأحمد من حديث أبي هريرة مرفوعًا: (لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم ويكون اليوم كالساعة كاحتراق السعفة) (¬2). قال الحافظ في الفتح تعقيبًا على هذا الحديث: (فالذي تضمنه الحديث قد وجد في زماننا هذا فإنا نجد من سرعة مر الأيام ما لم نكن نجده في العصر الذي قبل عصرنا هذا وإن لم يكن هناك عيش مستلذ، والحق أن المراد نزع البركة من كل شيء من الزمان وذلك من علامات قرب الساعة). ثم قال: قال النووي: المراد بقصده عدم البركة فيه وأن اليوم مثلًا يصير الانتفاع به بقدر الانتفاع بالساعة الواحدة. . .). (يلقى الشح): هو البخل في قلوب الناس على إختلاف أحوالهم، حتى يبخل العالم بعلمه، ويبخل الصانع بصناعته حتى يترك تعليم غيره، ويبخل الغنى بماله حتى يهلك الفقير، وليس المراد أصل الشح لأنه لم يزل موجودًا) (¬3). ¬
قال القرطبي في التذكرة عن معنى الشح: (يجوز أن يكون "يلقى" بتخفيف اللام والفاء أي يترك لأجل كثرة المال وإفاضته حتى يهم ذو المال من يقبل صدقته فلا يجد، ولا يجوز أن يكون بمعنى يوجد لأنه ما زال موجودًا، كذا جزم به، وقد تقدم ما يرد عليه) (¬1). ولكن ذكر ابن حجر المعنى الآخر بالتشديد وهو الصحيح أى "يلقى" قال: (ويحتمل أن يكون بفتح اللام وتشديد القاف أي يتلقى ويتعلم ويتواصى به كما في قوله تعالى: {وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ}. قال: والرواية بسكون اللام تفسد المعنى لأن الإلقاء بمعنى الترك ولو ترك لم يكن موجودًا وكان مدحًا والحديث ينبئ بالذم. قلت: وليس المراد بالإلقاء هنا أن الناس يلقونه، وإنما المراد أنه يلقى إليهم أي يوقع في قلوبهم ومنه: (إنى ألقى إلى كتاب كريم) (¬2). قوله: "وتظهر الفتن": قال الحافظ بن حجر: (المراد كثرتها واشتهارها وعدم التكاتم بها واللَّه المستعان). قال ابن أبي جمرة: يحتمل أن يكون إلقاء الشح عامًا في الأشخاص، والمحذور من ذلك ما يترتب عليه مفسده، والشحيح شرعًا هو من يمنع ما وجب عليه وإمساك ذلك ممحق للمال مذهب لبركته ويؤيده (ما نقص مال من صدقة) (¬3). معنى "الهرج": قال الحافظ ابن حجر: ¬
(والهرج القتل. . . وأصل الهرج في اللغة العربية الإختلاط يقال: هرج الناس اختلطوا واختلفوا وهرج القوم في الحديث إذا كثروا وخلطوا. . . ثم قال: وذكر صاحب "المحكم" للهرج معانى أخرى ومجموعها تسعة: شدة القتل، كثرة القتل، الاختلاط، الفتنة في آخر الزمان، كثرة النكاح، كثرة الكذب، كثرة النوم، وما يرى في النوم غير منضبط، وعدم الإتقان للشئ. وقال الجوهرى: أصل الهرج: الكثرة في الشيء حتى لا يتميز (¬1). 3 - روى مسلم عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج) قالوا: وما الهرج يا رسول اللَّه؟ قال: القتل، القتل (¬2). 4 - روى مسلم عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- والذي نفسى بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدرى القاتل فيم قتل ولا المقتول فيم قتل فقيل: كيف يكون ذلك؟ قال: الهرج، القاتل والمقتول في النار (¬3) 5 - روى أحمد وابن ماجة عن أبي موسى قال: حدثنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إن بين يدي الساعة لهرجًا قال: قلت يا رسول اللَّه: وما الهرج؟ ¬
قال: القتل فقال بعض المسلمين: يا رسول اللَّه إنا نقتل الآن في العام الواحد من المشركين كذا وكذا. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ليس بقتل المشركين، ولكن يقتل بعضكم بعضًا، حتى يقتل الرجل جاره وابن عمه وذا قرابته. فقال بعض القوم: يا رسول اللَّه، ومعنا عقولنا ذلك اليوم؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا، تنزع عقول أكثر ذلك الزمان، ويخلف له هباء في الناس لا عقول لهم) (¬1). يتبين من هذا الحديث أمورًا نراها ونعيشها ونتحمسها، فقد اضطربت الموازين وقل الورع، وابتعد الناس عن دينهم، وإذا حصل مثل هذا إشرأبت الأعناق إلى المفاسد واستشرت الشهوات. انتشرت الحروب وتمادى القتلة في قتلهم وأصبح إراقة الدم شيئًا عاديًا بل إن هناك حروبًا يدخلها الناس مجبورين ولا يدرون على أي شيء يقاتلون، وتزهق أرواحهم إلى باريها وهم لا يعرفون السبب، بل لا نكاد نسمع نشرة للأخبار إلا ونجد قتلًا في مكان ما من العالم، فقد صدق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بذلك وهو الصادق المصدوق. ¬
أربعة عشر: فشو الزنا وشرب الخمر وظهور المنكرات وكثرة النساء وقلة الرجال
أربعة عشر: فشو الزنا وشرب الخمر وظهور المنكرات وكثرة النساء وقلة الرجال 1 - روى البخاري وأبو داود عن أبي عامر وأبي مالك الأشعرى: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال. (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر (¬1) والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم (¬2)، يروح عليهم (¬3) بسارحة لهم، يأتيهم (¬4) لحاجة، فيقولوا: ارجع إلينا غدًا، فيبيتهم اللَّه (¬5) ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة) (¬6). قال الحافظ ابن حجر في "الفتح": (قال ابن العربي: يحتمل الحقيقة كما وقع للأمم السالفة، ويحتمل أن يكون كناية عن تبدل أخلاقهم) قلت: أي الحافظ: (والأول أليق). ثم قال: (في هذا الحديث وعيد شديد على من يتحيل ما يحرم بتغير اسمه، وأن الحكم يدور مع العلة، والعلة في تحريم الخمر الإسكار، فمهما وجد الإسكار، وجد التحريم، ولو لم يستمر) (¬7). 2 - روى أحمد والضياء وابن ماجة عن عبادة الصامت، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ¬
(لتستلحن طائفة من أمتي الخمر باسم يسمونها إياه) (¬1). كما يسمونها الآن المشروبات الروحية بدلًا عن الخمر!!. 3 - عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: عند قرب موته، ألا أحدثكم حديثًا عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، لا يحدثكم به أحد عنه بعدي؟ سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (لا تقوم الساعة -أو قال: إن من أشراط الساعة: أن يرفع العلم، ويظهر الجهل، ويشرب الخمر، ويفشو الزنا، ويذهب الرجال، ويبقى النساء، حتى يكون لخمسين امرأة قيم (¬2) واحد) (¬3). وقد وقع كل هذا الذي أخبر عنه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فانتشرت الرذائل وعمت وحلل الزنا باسم الحرية وانتشرت الإباحية وأصبحت الخيانة الجنسية موضة العصر، وأضحى الذين يدعون إلى الطهر والعفاف والشرف رجعيون، يوصمون بذلك من قبل أهل الديانة الذين يرضون بالخنا والزنا في أهلهم. . . لقد انتشرت المخدرات التي هي نوع من أنواع المسكرات وفتحت لها أسواق حتى غدا مروجوها تجارًا يشار إليهم بالبنان، وأصبح خطر تعاطيها يهدد الأمة بأسرها إذ يترتب عن تعاطى الخمر والمخدرات من الجرائم ما لا يعلم بها إلا اللَّه تعالى، جرت هذه المنكرات على الأمة والمجتمع الويلات، فأصبح كثير من الشباب عاطل عن العمل بل عاطل عن التفكير بسبب المخدرات والخمور وترتب على ذلك آثار وخيمة لا حصر لها، كالقتل، والعدوان، والفحش، وإفشاء الأسرار، والخيانة الزوجية، وخيانة الأوطان إلى غير ذلك من العواقب الوخيمة التي تنذر بتفكك الأسر وبالتالى تفكك ¬
المجتمع وبيع الأعراض والعياذ باللَّه. إن من ينظر إلى حال الأمة يرى العجب العجاب، فـ باسم الحرية الفردية روج الزنا، وباسم التقدم والرقى فتحت بيوت الدعارة، وهي لذلك كل الوسائل التي تؤدى إليها كالاختلاط والرقص، والصور المثيرة، والغناء الفاحش، وأصبح مروجوا هذه المنكرات أصحاب شأن وقيمة في المجتمع لهم أجهزة مرئية ومسموعة!!. إن الأمة أصبحت مهددة بالانقراض والفناء لأن الزنا سبب مباشر لكثير من الأمراض سواء منها البدنية والإجتماعية، فعن طريقه تنتشر أمراض الزهري والسيلان ومرض العصر الإيدز الذي هو عقوبة ربانية أنزلها اللَّه على العصاة الإباحيين، كذلك الأمراض الاجتماعية التي يجرها الزنا، كبيع الأعراض وتفكك الأسر وضياع الأنساب، وأمور لا يمكن التصريح بها واللَّه المستعان. أما قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ويذهب الرجال، ويبقى النساء، حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد)، أما ذهاب الرجال وقلة النساء، فهذا الذي نراه في المجتمعات المعاصرة وهو مؤشر خطير وظاهرة وخيمة العواقب، وهذا ليس بدعًا بل حقيقة واقعة إذ أن انتشار الحروب في كل مكان واستشراء القتل في أغلب المجتمعات هذه الظاهرة الخطيرة تنذر بذلك، إذ أن محصلة الحروب هو ذهاب الرجال وبقاء النساء والذي يتعرض للقتل هم الرجال أكثر من النساء. إن في مجرى تعدادًا للسكان يجد هذه الحقيقة النبوية ماثلة للعيان أمامه، فإن كل الإحصائيات السكانية تشير إلى ازدياد نسبة النساء إزاء نسبة عدد الرجال.
إن هذه الظاهرة لو تمعنها اللبيب يجد حجم المأساة التي تترتب على ذلك، إذ أن المجتمع الذي يتعرض رجاله للقتل والإبادة، وتكثر أعداد نسائه هو مجتمع شقى، إذ أن إزدياد عدد النساء وقلة عدد الرجال وعزوف الرجال عن الزواج يجعل ظاهرة الفساد منتشرة على كل الأصعدة وهذا ما يجر إلى ما لا يحمد عقباه من الفتن والمحن واللَّه المستعان. أما أن يكون لكل خمسين امرأة (قيم واحد)، هذا واللَّه اعلم لا يكون إلا قبيل قيام الساعة بقليل، حيث تهب ريح تأخذ نفس كل مسلم ومسلمة، فلا يبقى إلا شرار الذين هم أشقى عباد اللَّه إذ عليهم تقوم الساعة، فينتشر الفساد ويتسافد الرجال والنساء في الطرقات كالبهائم ويكون للخمسين امرأة قيم واحد يقيم عليهن وعلى شؤونهن وسيأتى ذلك لاحقًا. أو أن تنشب حرب عالمية نووية يكون ضحيتها بالتأكيد الرجال أكثر من النساء فتكون هذه الظاهرة التي أشار إليها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أما في وقتنا الراهن فلا توجد هذه الظاهرة، ولا ندرى ماذا يخبئ القدر لهذه الإنسانية من أحداث. قال القرطبي: (يحتمل أن يراد بالقيم من يقوم عليهن، سواء كن موطوءات أم لا، ويحتمل أن يكون ذلك يقع في الزمان الذي لا يبقى فيه من يقول: اللَّه اللَّه، فيتزوج الواحد بغير عدد، جهلًا بالحكم الشرعى) (¬1). 4 - روى الطبراني والحاكم عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إذا ظهر الزنا والربا في قرية، فقد أحلوا بأنفسهم عذاب اللَّه) (¬2). أما الزنا والآثار المترتبة عليه من الأمراض الخطيرة واختلاط الأنساب ¬
خمسة عشر: فشو المعازف والقينات وإستحلالها وظهور الخسف والمسخ والقذف وكثرة الزلازل
وتفكك الأسر. . . فقد مر التعليق عليه، وأما الربا واستحلاله وتعاطيه في أغلب البنوك والمصارف فهذه تعتبر ظاهرة العصر الراهن ويكفى في هذا أن اذكر الآية القرآنية التالية، وما فيها من إنذار ووعيد للذين يتعاملون بالربا. قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)} [البقرة: 278 - 279]. إن اليهود -قاتلهم اللَّه- هم أول من تعامل بالربا واستغلوا حاجات الناس وعذرهم فساموا البشرية سوء العذاب، إلى أن انتشرت هذه الظاهرة الخطيرة في أغلب المجتمعات المعاصرة، وحلل هذا المنكر الذي يبيح استغلال الإنسان لأخيه الإنسان. خمسة عشر: فشو المعازف والقينات وإستحلالها وظهور الخسف والمسخ والقذف وكثرة الزلازل 1 - روى البخاري وأبو داود عن أبي عامر وأبي مالك الأشعرى، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر. . . والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم. . . ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة) (¬1). أما عن فشو المعازف التي هي الآلات الموسيقية فهذا واقع نراه ونعيشه فقد غزت هذه الآلات البيوت عن طريق الأجهزة المسموعة والمرئية، وأصبح روادها من الذين يشار إليهم بالبنان وأصحاب خطوة وسمعة وجاه علاوة على ما تدره عليهم هذه المهنة من أموال طائلة. وأما: القينات (اللاتى هن المغنيات فهن من الصنف الذي أشرت إليه ¬
آنفًا وما يتمتعن به في حظوة في المجتمعات، وقد خصص لرفد هذه المنكرات وإشاعة مروجيها من المطربين والمطربات ما يعجز القلم عن وصفه في هذه الأيام ولا حول ولا قوة إلا باللَّه. قال الشافعي رحمه اللَّه: تموت الأسد في الغابات جوعًا ... ولحم الضأن يرمى للكلاب وذو جهل ينام على حرير ... وذو علم ينام على التراب والغريب المدهش أن بعضًا من طلبة العلم الشرعى ونظرًا لاستحكام هذه الظاهرة "المعازف والقينات" في مجتمعاتنا أخذوا يلوون النصوص الشرعية ويجعلونها تصب في خدمة هذه الظاهرة الخطيرة، فأخذوا يحللون سماع هذه المنكرات وقد نسوا أو تناسوا ما في هذه الأغانى من ميوعة وغزل وتشبيب وإثارة ومنكرات. . . إضافة إلى ما يتمتع به أصحابها من مكانة لا تكون ويجب أن لا تكون إلا للأبطال وخدام الأمة!!. الخسف: هو انشقاق الأرض وغورها بساكنيها، وقد حدث في هذا العام (¬1) والذي قبله ما يجعل هذه الأحاديث النبوية تصرخ بوجه المنكرين والمعاندين والعصاة، أن توبوا إلى ربكم وعودوا إلى رشدكم. فحوادث الزلازل المروعة في تركيا من دمار وفجيعة خير شاهد على صدق هذه الإرهاصات النبوية، وقد رأى هذه الزلازل كل من على هذه المعمورة عن طريق الأجهزة المرئية وما التقط من في صور تشيب منها الولدان. وأعقب زلازل تركيا زلازل اليونان وتايوان وأمريكا، حيث ابتلعت مدن ¬
بكاملها وما يحدث مستقبلًا قد يكون أشد، وهو المعول عليه من خلال الأحاديث النبوية. إنها إنذارات ربانية وتحذيرات نبوية صادقة، تلوح للبشرية بالإنذار وقرب قيام الساعة، وهي واللَّه دعوة للعصاة بتعجيل التوبة قبل فوات الأوان. أما عن المسخ: وهو تحويل خلقة أناس مخصوصين إلى قردة وخنازير وكذلك القذف: الذي هو رمى العصاة بالحجارة من السماء، فهذا واللَّه اعلم لم يحدث بعد، وسيحدث عاجلًا أم آجلًا كما أخبر الصادق -صلى اللَّه عليه وسلم-. 2 - روى أحمد والبخاري وابن ماجه عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان. . .) (¬1). 3 - ذكر ابن حجر في "فتح الباري"، قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة) (¬2). 4 - روى الطبراني عن سعيد ابن أبي راشد، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن في أمتي خسفًا ومسخًا وقذفًا) (¬3) (¬4). 5 - روى ابن ماجه عن سهل ابن سعد: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (يكون في آخر الزمان الخسف والقذف والمسخ) (¬5). 6 - روى الترمذي عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ¬
(يكون في آخر هذه الأمة خسف ومسخ وقذف. قالت: قلت: يا رسول اللَّه، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كَثُرَ الخبث) (¬1) (¬2). 7 - روى الطبراني عن سهل بن سعد، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ، إذا ظهرت المعازف والقينات واستحلت الخمر) (¬3). 8 - روى الترمذي عن ابن عمران بن الحصين، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف، إذا ظهرت القيان والمعازف وشُرِبَت الخمور) (¬4). 9 - روى الطبراني عن أبي أمامة -رضي اللَّه عنه-: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ليبيتن أقوامٌ من أمتي على أكلٍ ولهوٍ ولعبٍ، ثم لَيُصْبِحَنَّ قردةً وخنازير) (¬5). 10 - روى ابن ماجه وابن حبان والطبراني والبيهقي عن أبي مالك الأشعرى -رضي اللَّه عنه- أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (ليشربن من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها (¬6) ويضرب على رؤوسهم بالمعازف والقينات، يخسف اللَّه بهم الأرض، ويجعل منهم قردة وخنازير) (¬7). 11 - روى أبو داود عن أنس -رضي اللَّه عنه-: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: ¬
(يا أنس، إن الناس يمصرون (¬1) أمصارًا، وإن مصرًا منها يقال لها البصرة (¬2) أو البصيرة، فإن مررت بها أو دخلتها، فإياك وسباخها (¬3) وكلاءها وسوقها وباب أمرائها، وعليك بضواحيها، فإنه سيكون بها خسف وقذف ورجف وقوم يبيتون يصبحون قردة وخنازير) (¬4). يظهر من خلال هذه الأحاديث النبوية العطرة التي نشم منها عبير النبوة، أن المجتمع أو الأمة التي تظهر فيها المنكرات وتسود كشرب الخمر والزنا والمعازف وما يجر ذلك إلى استشراء المنكرات والإبتعاد عن شرع اللَّه وذلك بإفساد الناس وإلهائهم عن طريق المعازف والقينات مما يؤدى إلى استهوان المعصية وغشيان الخبث والفساد. وعندما تسود هذه المنكرات في مجتمع ما، فلا ينتظرون من اللَّه تعالى إلا العقوبة الموجعة التي تتلاءم مع شدة المعصية، وعند ذلك يكون العقاب والعياذ باللَّه هو الخسف أو المسخ أو القذف. وقد رأينا الخسف وابتلاع الأرض لأحياء كاملة وغورها بساكنيها وننتظر والعياذ باللَّه المسخ والقذف الذي يحل بالعصاة والجبارين الذين يصدون عن سيبل اللَّه، ويقفون حجر عثرة بوجه الرسالة الربانية، ويفسدون في الأرض. ¬
ستة عشر: مقاتلة الأقوام عراض الوجوه، كأنها المجان المطرقة
ستة عشر: مقاتلة الأقوام عراض الوجوه، كأنها المجان المطرقة 1 - روى مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: ان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا تقوم الساعة حتى يتقاتل المسلمون الترك، قومًا وجوههم كالمجان المطرقة، يلبسون الشعر، ويمشون في الشعر) (¬1). 2 - روى الشيخان وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قومًا نعالهم الشعر، وحتى تقاتلوا الترك، صغار الأعين حمر الوجوه، ذلف الأنوف (¬2)، كأن وجوههم المجان المطرقة (¬3) وليأتين على أحدكم زمان لأن يرانى أحب إليه من أن يكون له مثل أهله وماله) (¬4). 3 - روى البخاري عن عمرو بن تغلب، قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول (بين يدي الساعة تقاتلون قومًا ينتعلون الشعر، وتقاتلون قومًا كأن وجوههم المجان المطرقة) (¬5) 4 - روى أحمد وابن ماجة وابن حبان عن أبي سعيد الخدرى -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قومًا: صغار الأعين، عراض الوجوه، كأن أعينهم حدق الجداد (¬6)، كأن وجوههم المجان المطرقة، ¬
ينتعلون الشعر، ويتخذون الدرق (¬1)، يربطون خيلهم بالنخل) (¬2). 5 - روى أحمد وأبو داود عن أبي بكر -رضي اللَّه عنه- عن رسول اللَّه قال: (ينزل ناس من أمتي بغائط (¬3) يسمونه البصرة، عند نهر يقال له: دجلة، يكون عليه جر، يكثر أهلها، وتكون من أمصار المسلمين، فإذا كان في آخر الزمان، جاء بنو قنطوراء (¬4) قوم عراض الوجوه صغار الأعين، حتى ينزلوا على شط النهر، فيفترق أهلها ثلاث فرق، فرقة يأخذون أذناب البقر (¬5) والبرية وهلكوا، وفرقة يأخذون لأنفسهم (¬6) وكفروا، وفرقة يجعلون ذراريهم خلف ظهورهم ويقاتلون وهم الشهداء) (¬7). قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: (قد وجد قتال هؤلاء بجميع صفاتهم التي ذكرها -صلى اللَّه عليه وسلم-: صغار الأعين، حمر الوجوه، ذلف الأنوف، عراض الوجوه، كأن وجههم المجان المطرقة، ينتعلون الشعر، فوجدوا بهذه الصفات ككلها في زماننا، وقاتلهم المسلمون مرات، وقتالهم الآن،. . . وصلى على رسوله الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى) (¬8). قال ابن كثير: (والمقصود أن الترك قاتلهم الصحابة فهزموهم وغنموهم وسبوا نسائهم وأبنائهم، وظاهر هذا الحديث يقتضى أنه يكون هذا من ¬
أشراط الساعة، فإن كانت من أشراط الساعة لا تكون إلا بين يديها قريبًا: فقد يكون هذا أيضًا واقعًا مرة أخرى عظيمة بين المسلمين وبين الترك، حتى يكون أخر ذلك خروج يأجوج ومأجوج، وإن كانت أشراط الساعة أعم من أن تكون مما يقع في الجملة، ولو تقدم قبلها بدهر طويل، إلا أنه مما وقع بعد زمن من النبي وهذا الذي يظهر بعد تأمل الآحاديث الواردة في هذا الباب (¬1). قلت: هذا الذي ذكره ابن كثير هو المعول عليه، إذ أن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- قاتلوا الترك وانتصروا عليهم، ثم تعقب ذلك إن غزى الأتراك بلاد المسلمين وحدث بينهم من الحروب ما حدث. وقد يكون هذا واقع ضمن الأحاديث عن غزو الأعاجم لبلاد المسلمين، إذ أن الترك اسم عام وشامل لأجناس مختلفة من الأعاجم: كالتتار وخوز وكرمان وأصحاب بابك الخرمى وأقوام نعالهم الشعر، وهم جملة من الذين غزوا بلاد المسلمين واستباحوا بيضتهم أيام ضعف الدولة العباسية وما تبعها. . . وهناك فرق بين غزو الترك لبلاد المسلمين أيام كانوا كفارًا مشركين، وبين غزوهم لبلاد المسلمين أيام دخولهم في الإِسلام ورفعهم رايته واعتبار فتوحاتهم جهادًا في سبيل اللَّه ونشر الدعوة الإِسلامية لا سيما، فتوحات الدولة العثمانية التي اتخذت الإِسلام دينًا رسميًا، وانساح جيشها في أصقاع المعمورة فاتحًا للبلاد ناشرًا دعوة الإِسلام، حتى وصلوا إلى شرق أوربا، وهم الذين أدخلوا الإِسلام إلى تلك البلاد كالبوسنة والهرسك وبلغاريا، حتى تاَمر اليهود على هذه الدولة، وأدخلوا أنياب غدرهم فيها حتى ضعفت وسقطت ¬
أخيرًا، بعد تأريخ حافل بحب الإِسلام والتزامه منهجًا وسلوكًا لا سيما السلطان عبد الحميد الثاني، والقائد محمد الفاتح الذي فتح القسطنطينية، وسيأتى الكلام عن ذلك مفصلًا في الكلام عن فتح القسططينية لاحقًا فيرجى الانتباه لذلك. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: وقاتل المسلمون الترك في خلافة بني أمية، وكان بينهم وبين المسلمين مسدودًا إلى أن فتح ذلك شيئًا بعد شيء، وكثر السبى منهم وتنافس الملوك فيهم لما فيهم من الشدة والبأس، حتى كان أكثر عسكر المعتصم منهم. ثم غلبوا الأتراك على الملك فقتلوا ابنه المتوكل، ثم أولاده واحدًا بعد واحد، إلى أن خالط المملكة الديلم، ثم كان الملوك السامانية منة الترك أيضًا فملكوا بلاد العجم. ثم غلب على تلك المماليك آل سبكتكين، ثم آل سلجوق، وامتدت مملكتهم إلى العراق والشام والروم، ثم كان باقيًا اتباعهم بالشام وهم آل زنكى واتباع هؤلاء بيت أيوب، واستكثر هؤلاء أيضًا من الترك فغلبوهم على المملكة بالديار المصرية والشامية والحجازية. ثم خرج على آل سلجوق في المائة الخامسة الغز فخربوا البلاد وفتكوا في العباد. ثم جاءت الطامة الكبرى بالتتر فكان خروج جنكيزخان بعد الستمائة فأسعرت بهم الدنيا نارًا، خصوصًا المشرق بأسره، حتى لم يبق بلد منه حتى دخله شرهم، ثم كان خراب بغداد وقتل الخليفة المعتصم آخر الخلفاء على أيديهم في سنة ست وخمسين وستمائة، ثم لم تزل بقاياهم يخربون إلى أن
سبعة عشر: تضييع الأمانة ورفعها من القلوب وصيرورة الأمور إلى غير أهلها
كان آخرهم (اللنك)، ومعناه الأعرج واسمه تمر، فطرق الديار الشامية وعاش فيها، وحرق دمشق حتى صارت خاوية على عروشها، ودخل الروم والهند وما بين ذلك، وطالت مدته إلى أن أخذه اللَّه وتفرق بنوه في البلاد، وظهر بجميع ما أوردته مصداق قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن بنى قنطورًا أول من سلب أمتي ملكهم) والمراد ببنى قنطورًا الترك) (¬1). سبعة عشر: تضييع الأمانة ورفعها من القلوب وصيرورة الأمور إلى غير أهلها إن الأمانة تبعة جسيمة عظيمة، وعقبة كئداء، وحمل ثقيل، أشفقت السماوات والأرض والجبال والوجود كله عن تحمل مسئوليتها، وحملها الإنسان الظلوم الجهول، وتحمل أعبائها فأنيطت إليه، ولا يستطيع أي أحد تحملها إلا الرجال الأكفاء الذين يقدرون ضخامتها ومسئوليتها وما يترتب عليها. لذلك لا ينبغى لمن تحملها أن يستهين بها، أو يفرط فيها مما يؤدى إلى ضياعها، وما يترتب على ذلك من الوزر الشديد. أنها عقد وميثاق بين اللَّه تعالى وعباده، أن يصلوا ما أمر اللَّه به أن يوصل، وأن يقطعوا ما أمر اللَّه به أن يقطع، فيخشون ويخافون حسابه، ويمضون في الطريق المملوء بالأشواك إلى نهاية المطاف، زادهم تقوى اللَّه والصبر على ذلك. قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)} [الأحزاب: 72]. إن لمفهوم الأمانة معان شتى، ومفاهيم كثيرة، ومن الخطأ حصرها في ¬
حفظ الودائع حسب، بل هي ترمز إلى العهد الذي ترتب بين العبد وربه تعالى في الشعور بتبعة كل ما أنيط إليه، وذلك بتطبيق أوامر اللَّه والانتهاء عما نهى عنه، فيكون مفهومها الدين كله، يكللها التقوى والصبر على تطبيق الأوامر. 1 - عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: (ما خطبنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - إلا قال: لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له) (¬1). 2 - روى الشيخان عن حذيفة بن اليمان -رضي اللَّه عنه- قال: (حدثنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حديثين قد رأيت أحدهما، وأنا انتظر الآخر، حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال (¬2)، ونزل القرآن، فقرؤوا من القرآن، وعملوا من السنة، ثم حدثنا عن رفعها قال: ترفع الأمانة، فينام الرجل، ثم يستيقظ، وقد رفعت الأمانة من قلبه، ويبقى أثرها مثل الوكت (¬3)، ثم ينام النومة، فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل المجل (¬4) دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبرًا (¬5) وليس فيه شيء، ثم أخذ حصى فدحرجه على رجله، فيصبح الناس يتبايعون، لا يكاد أحد يؤدى الأمانة. حتى يقال للرجل: ما أجلده، ما أظرفه، ما أعقله، وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان) يقول حذيفة: (ولقد أتى على زمان، وما أبالى أيكم بايعت، لئن كان ¬
مسلمًا ليردنه على دينه، ولئن كان نصرانيًا أو يهوديًا ليردنه على ساعيه (¬1) وأما اليوم فما كنت لأبايع منكم إلا فلانًا وفلانًا) (¬2). قال الحافظ في الفتح: (حاصل الخبر أنه أنذر برفع الأمانة، وأن الموصوف بالأمانة يسلبها حتى يصير خائنًا بعد أن كان أمينًا، وهذا إنما يقع على ما هو شاهد لمن خالط أهل الخيانة، فإنه يصير خائنًا؛ لأن القرين يقتدى بقرينه) (¬3). ثم قال الحافظ ابن حجر: قال ابن التين: الأمانة كل ما يخفى ولا يعلمه إلا اللَّه من المكلف. وعن ابن عباس: هي الفرائض التي أمروا بها ونهوا عنها. وقيل: هي الطاعة. وقيل: التكاليف. وقيل العهد الذي أخذه اللَّه على العباد. وهذا الاختلاف وقع في تفسير الأمانة المذكورة في الآية {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ} وقال صاحب التحرير: الأمانة المذكورة في الحديث هي الأمانة المذكورة في الآية، وهي عين الإيمان, فإذا استمكنت في القلب، قام بأداء ما أمر به، واجتنب ما نهى عنه. وقال ابن العربي: المراد بالأمانة في حديث حذيفة: الإيمان, وتحقيق ذلك فيما ذكر من رفعها لا تزال تضعف الإيمان, حتى إذا تناهى الضعف، لم يبق أثر الإيمان, وهو التلفظ باللسان، والاعتقاد الضعيف في ظاهر القلب. أما قول حذيفة: (ولقد أتى على زمان): قال ابن العربي: قال حذيفة هذا القول لما تغيرت الأحوال التي كان يعرفها على عهد النبوة ¬
والخليفتين، فأشار إلى ذلك بالمبايعة، وكنى عن الإيمان بالأمانة، وعما يخالف أحكامه بالخيانة، واللَّه أعلم (¬1). 2 - روى أحمد وأبو داود ابن ماجه والحاكم عن عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما-: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (كيف بكم بزمان يوشك أن يأتي يغربل الناس فيه غربلة ويبقى حثالة من الناس قد فرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا وكانوا هكذا (وشبك بين أصابعه) تأخذون بما تعرفون، وتدعون ما تنكرون، وتقبلون على أمر خاصتكم، وتذرون أمر عامتكم (¬2). قال الحافظ في الفتح: (يجتمع الحديثان في قلة الأمانة وعدم الوفاء بالعهد وشدة الاختلاف، وفي كل منهما زيادة ليست في الآخر) (¬3). في حديث حذيفة وحديث عبد اللَّه بن عمرو من الفتن وتقلب القلوب واختلال النظرات واضطراب الموازين ما يشيب منه الرضيع، فإن الناس تمتزج عهودهم وأماناتهم، والأمانة ترفع من قلوب الرجال، حتى يصبح الناس يتبايعون فلا يجدون رجلًا أمينًا بل هو أندر من الكبريت الأحمر!!. وقد حدث حذيفة عن عصرين: الأول هو عصر النبوة ثم الخليفتين أبو بكر وعمر -رضي اللَّه عنهما- حيث أن الأمانة نزلت في عمق قلوب الرجال، فأخذوا من القرآن ونهلوا من السنة وكانت العهود يومذاك صحيحة معافاة، فعملوا بالوحيين الكتاب والسنة وصانوا الأمانة. ثم حدث عن العهد الآخر وهو عهد الخليفة عثمان -رضي اللَّه عنه- وما جرى به من ¬
الفتن وما لحقه من الدواهى والاقتتال، حيث أن الأمانة تنتزع من قلوب الرجال والعياذ باللَّه فكيف بعهدنا الراهن، وما يحتويه من الفتن وانقلاب الموازين وقلة الدين والزهد بالآخرة!! فلا تجد أحد يؤدى الأمانة ويفى بالعهود. وانظر إلى حذيفة وهو يروى الحديث في زمن الخليفة الراشد عثمان -رضي اللَّه عنه- وكأنه الآن يعيش بيننا، انظر إلى انقلاب الموازين، واختلاف المقاييس فما أضحى الناس يقيسون الرجل بتقواه وخلقه وأصالته وإنما ينظرون إلى الرجل ويقيمونه ويقيسونه بالمنظار المادى حسب فهم يتحدثون عن الرجل بقيمته المادية وما ملك من أرصدة في البنوك وضياع وعمارات!! فيقولون عن الرجل: (ما أجلده، ما أظرفه، ما أعقله!!) إنها النظرة المادية كما نعيشها في مجتمعاتنا المعاصرة. إن الرجل الغنى هو: جلد! وظريف! وعاقل! إذ أنهم لا يحسبون للإيمان حسابه ولا للتقوى معيارها ولكنه كما يشير الحديث النبوى: (وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان). فحذار أخي المسلم من هذه النظرة السقيمة والتي هي ثمرة من ثمرات حب الدنيا وكراهية الآخرة، فإن الرجال يجب أن يوزنوا بميزان القرآن الكريم وهو ميزان التقوى والعمل الصالح كما قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}. ثم يقول حذيفة -رضي اللَّه عنه- ما معناه: كنت في العهد الأول وهو عهد النبوة والعهدين الراشدين، لا أجد غضاضة في أن أتعامل وأتبايع مع أي شخص في المجتمع، لماذا؟
لأن الناس تتعامل وفق المقياس الشرعى والأمانة التي كانت سائدة، فإذا كان التعامل مع مسلم، فإن المسلم لا يخون ولا يغش، وإن له رادعًا من دينه وعقيدته، وإن التعامل مع النصرانى أو اليهودى لا يجلب الحذر أو الخوف لأن ساعيه والقائم عليه يرد الحقوق إلى أهلها إذا خان صاحبه. ثم يقول في نهاية الحديث ما معناه: أما الآن -أي العصر الذي كان يعيش فيه حذيفة!! - فلا أتعامل إلا مع أشخاص معينين أعرف دينهم وأمانتهم فأتعامل معهم؛ لأنهم أوفياء أمناء لا يخونون، أما الذي لا أعرفه ولم أتمكن من سيرته وتقواه ودينه، فأدعه ولا أتعامل معه؛ لأنه -حذيفة- يخاف من الخيانة ونقض الأمانة!! أرأيت أخي المسلم عن هذا الحديث النبوى؟ أرأيت لو جاء حذيفة الآن إلى واقعنا المعاصر، فماذا يقول؟؟!! واللَّه المستعان. ثم يسدى الصادق المصدوق -صلى اللَّه عليه وسلم- النصيحة لأمته ويضع النقاط على الحروف في الحديث الآخر، حديث عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنه-، فيقول -صلى اللَّه عليه وسلم- ما معناه: إذا رأيتم هذه المنكرات، واختلاف الأحوال، واضطراب الوازين، حيث نقض العهود وخيانة الأمانات، وغربلة الناس فلا يبقى إلا حثالات المجتمع، ولا يسود إلا التناحر والتنافس على الدنيا فعليكم بما يلي: 1 - تأخذون بما تعرفون. 2 - تدعون ما تنكرون. 3 - تقبلون على أمر خاصتكم. 4 - تذرون أمر عامتكم. إنه -صلى اللَّه عليه وسلم- يضع الترياق للجروح ويصف الدواء لأمته بأن يعملوا بما يعلمون
من كتاب اللَّه وسنة نبيه، وأن يكونوا أمة دون الناس الآخرين، ينضوون مع المؤمنين في بوتقة واحدة، فلا يذوبون في المجتمع الجاهلى ولا يوالون العصاة والطغاة، بل عليهم بأمر خاصتهم، أي الذين يخصونهم في اعتقادهم وسلوكهم، ويدعون العموم الغالب الذين ليسوا على طريقتهم والتزامهم. وأن يدعوا ما ينكرون، بأن يتركوا كل المنكرات ولا يوالون من يتعاطونها ويشجعون عليها، ويعتزلونها وإذا استطاعوا النصح وإنكار المنكر فيها ونعمت. ويكون للمؤمنين صحبة خاصة، يوالى المسلم؟ أخاه المسلم، فلا يسكن إلا إليه ولا يطمئن إلا في رحابه، ويذرون أمر العامة الذين لا التزام لهم ولا عهود لهم مع اللَّه تعالى. 3 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: (بينما رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في مجلس يحدث القوم، إذ جاءه أعرابي، فقال: متى الساعة؟؟ فمضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديثه، فقال القوم: سمع ما قال، فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه، قال: أين السائل عن الساعة؟؟ قال: ها أنذا يا رسول اللَّه. قال: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة. قال: وكيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله، فانتظر الساعة) (¬1). هذا الحديث النبوى يعتبر متممًا للحديثين السالفين، فعندما ترفع الأمانة من القلوب، وتمتزج عهود الناس ومواثيقهم تضيع الأمانة، وهذا المؤشر ¬
الخطير هو نذير من نذر الساعة، فإذا أصبح الناس هذا عن ذلك، توسد الأمور إلى غير أهلها. وعندما توسد الأمور إلى غير أهلها, ولا يوضع كل شيء في محله اللائق به، حيث لا يسند منصب لصاحبه الجدير به، ولا تملأ وظيفة برجل كفء يليق بها, ولا يكون أهل الحجى والتربية الصحيحة هم السائدون، فعند ذلك تختل الموازين وتضطرب الأمور كما يقول الأفوه الأودى: لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهالهم سادوا تبنى الأمور بأهل الرأى ما صلحت ... فإن تولت فبالأشرار تنقاد البيت لا يبتنى إلا له عمد ... ولا عماد إذا لم تبن أوتاد إن هذه المؤشرات الخطيرة تنذر بهذا الويل والدمار وتفصح عن فوضى عارمة لا يعلم تبعتها إلا اللَّه تعالى، فها نحن نرى الطاقات الجسام تحل بأمة الإِسلام، فقد تولى الأمور في أغلب البلدان رجال مستبدون لا هم لهم إلا ما يخطون به من أراء لغرائزهم وشهواتهم ومنافعهم، فانتشرت البدع وعمت الضلالات وساد أهل الفجور والسوء وانزوى أهل الحق والصالحات، يقول القرطبي في (التذكرة): (ما أخبر به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا الباب وغيره قد شاع بين الناس معظمه، ودسه الأمر إلى غير أهله، وصار رؤوس الناس أسافلهم، وفشت في الناس الخيانة وسوء الأخلاق) (¬1). وهذا الذي أخبر عنه القرطبي رحمه اللَّه في زمانه، فكيف بزماننا هذا. . .؟؟!! ¬
ثمانية عشرة: نزول المصائب وتمنى الموت
ثمانية عشرة: نزول المصائب وتمنى الموت 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيقول: يا ليتنى مكانه) (¬1). 2 - وعنه أيضًا قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (والذي نفسى بيده لا تذهب الدنيا، حتى يمر الرجل على القبر فيتمرغ عليه، ويقول: يا ليتنى كنت مكان صاحب هذا القبر، وليس به الدين إلا البلاء) (¬2). قال ابن حجر في الفتح: قوله: (حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتنى مكانه): أي كنت ميتًا. قال ابن بطال: تغبط أهل القبور، وتمنى الموت عند ظهور الفتن إنما هو خوف ذهاب الدين بغلبة الباطل وأهله وظهور المعاصى والمنكر. وليس هذا عامًا في حق كل أحد وإنما هو خاص بأهل الخير، وأما غيرهم فقد يكون لما يقع لأحدهم من المصيبة في نفسه وأهله أو دنياه وإن لم يكن في ذلك شيء يتعلق بدينه. ثم قال الحافظ: (والسبب في ذلك أنه يقع البلاء والشدة حتى يكون الموت الذي هو أعظم المصائب أهون على المرء فيتمنى أهون المصيبتين في اعتقاده، وبهذا جزم القرطبي، ثم قال القرطبي: كأن في الحديث إشارة إلى أن الفتن والمشقة البالغة ستقع حتى يخف أمر الدين ويقل الاعتناء بأمره ولا يبقى لأحد اعتناء إلا بأمر دنياه ومعاشه ونفسه وما يتعلق به، ومن ثم عظم أمر العبادة أيام الفتنة) (¬3). ¬
3 - أخرج الحاكم عن أبي سلمة -رضي اللَّه عنه- قال: عدت أبا هريرة -رضي اللَّه عنه- فقلت: اللهم أشف أبا هريرة، فقال: اللهم لا ترجعها، إن استطعت يا أبا سلمة فمت، والذي نفسى بيده ليأتين على العلماء زمان الموت أحب إلى أحدهم من الذهب الأحمر. وليأتين أحدهم قبر أخيه فيقول: ليتنى مكانه) (¬1). 4 - وفي كتاب الفتن من رواية عبد اللَّه بن الصامت عن أبي ذر -رضي اللَّه عنه- قال: يوشك أن تمر الجنازة في السوق على الجماعة فيراها الرجل فيهز رأسه فيقول: يا ليتنى مكان هذا. قلت: يا أبا ذر إن ذلك لمن أمر عظيم، قال: أجل. إن شدة المحن والإبتلاء وما يصيب الناس من ضيم وفتن تجعل الرجل يتمنى الموت الذي هو من أعظم المصائب في الدنيا، وسماه القرآن الكريم (الفزع الأكبر) و (مصيبة الموت) (¬2) وهذا التمنى ليس من باب التدين والتقرب إلى اللَّه تعالى وحبًا في لقائه، وإنما بسبب المعاناة التي تنتاب الناس وقسوة العيش وضراوة الفتن واختلافها وتعددها، بل إن الحديث النبوى ليصور حجم هذه المأساة التي تصيب الناس حتى تجعل الرجل يتمرغ بقبر أخيه وصاحبه لا حبًا واشتياقًا له!! وإنما حبًا بالتخلص من العيش وفرارًا من ضراوة المعاناة وضنك العيش. قال عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه-: (سيأتى عليكم زمان لو وجد أحدكم الموت يباع لاشتراه). ¬
وقال الشاعر: وهذا العيش ما لا خير فيه ... ألا موت يباع فاشتريه وقال آخر: أيا دهر أعملت فينا أراكًا ... ووليتنا بعد هجر قفاكا قبلت الأشرار علينا رؤوسأ ... ووليت سفلتنا مستواكا فيا دهر إن كنت عاديتنا ... فها قد عملت بنا ما كفاكا • هل يجوز تمنى الموت؟ في الأحاديث السالفة إشارة إلى جواز تمنى الموت خوفًا على الدين ولا ينافى ذلك قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا يتمنين أحدكم الموت من ضرٍّ أصابه، فإن كان لا بد فاعلًا فليقل: اللهم أحيني ما دامت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي) (¬1). لأن هذا النهي إنما وارد إذا كان التمنى بسبب في أمر دنيوى أو مصيبة في النفس أو الأهل أو المال، أما إذا كان تمنى الموت خوفًا على ذهاب الدين لفساد الزمان وتمادى الفتن، فلا مانع من ذلك، وهذا موافق لما ورد في الدعاء: (وإذا أردت فتنة في قوم فتوفنى غير مفتون) (¬2). قال الحافظ في الفتح نقلا عن ابن عبد البر: (ظن بعضهم أن هذا الحديث معارض للنهى عن تمنى الموت، وليس كذلك وإنما في هذا أن هذا القدر سيكون لشدة تنزل بالناس من فساد الحال في الدين أو ضعفه أو خوف ذهابه، لا لضرر ينزل في الجسم) (¬3). ¬
تسعة عشر: تداعى الأم على الأمة الإسلامية
وقال الحافظ ابن حجر: (ويمكن أخذ الحكم من الإشارة في قوله: (وليس به اليد إنما هو النبلاء) فإنه سيق مساق الذم والإنكار، وفيه إيماء إلى أنه لو فعل ذلك بسبب الدين لكان محمودًا، ويؤيده ثبوت تمنى الموت عند فساد أمر الدين عن جماعة من السلف. قال النووي. لا كراهة في ذلك بل فعله خلائق من السلف منهم عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز وغيرهم ثم قال: قال القرطبي: كأن في الحديث إشارة إلى أن الفتن والمشقة البالغة ستقع حتى يخف أمر الدين ويقل الاعتناء بأمره ولا يبقى لأحد إعتناء إلا بدنياه ومعاشه ونفسه وما يتعلق به، ومن ثم عظم قدر العبادة، ويؤخذ من قوله: (حتى يمر الرجل بقبر الرجل) أن التمنى المذكور وإنما يحصل عند رؤيته القبر، وليس ذلك مرادًا، بل فيه إشارة إلى قوة هذا التمنى؛ لأن الذي يتمنى الموت بسبب الشدة التي تحصل عنده قد يذهب ذلك التمنى أو يخف عند مشاهدة القبر فيتذكر هول المقام فيضعف تمنيه. فإذا تمادى على ذلك دل على تأكد أمر تلك الشدة عنده حيث لم يصرف ما شاهده منة وحشة القبر وتذكر ما فيه عن استمرار على تمنى الموت) (¬1). وقد وقع هذا التمنى فعلًا في وقتنا الحاضر بسبب ضنك العيش واستشراء الفساد وغلبة أهل الباطل وصولان أهل البدع والضلالات واللَّه المستعان. تسعة عشر: تداعى الأم على الأمة الإِسلامية 1 - عن ثوبان -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم ¬
كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: من قلة نحن يومئذ؟؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن اللَّه من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، قيل: وما الوهن يا رسول اللَّه؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت) (¬1). ومن علامات الساعة التي أخبر عنها نبى اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هي هذه العلامة، بل الظاهرة الخطرة التي توحى بأن بلاد العرب والمسلمين تكون كالبقرة الحلوب لأعدائها، فقد استطاع الغرب إيجاد عملاء له في الداخل، وهم من أبناء جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، قلوبهم قلوب الشياطين، تطفح بالحقد على الإِسلام وأهله، واستطاع أعداء المسلمين تمكين هؤلاء وذلك عن طريق مدهم ماديًا ومعنويًا ومنهم من وصل إلى سدة الحكم، فقاموا بالتبشير بقوميتهم المزعومة وعلمانيتهم المستورة، وساموا العباد سوء العذاب، وفرضوا أفكارهم الصليبية بالحديد والنار، والأدهى من هذا كله، إننا نجد صورة هذا التداعى على أمتنا وديارنا وإسلامنا في هذه الأيام أوضح ما تكون، حيث استطاعوا تمرير مؤامراتهم عن طريق عملائهم، وأوجدوا جوًا مناسبًا وتبريرات مصطنعة لكى يدوم هذا التداعى، وتستمر المنطقة تحت نير استعمار جديد ولكن بأثواب مزركشة تختلف عن الأثواب القديمة, وتحت أسماء وغايات ومبررات لا تنطلى على اللبيب. إن أمم الغرب قاطبة تتابعت على ديار المسلمين، وأصبح الدم المسلم أرخص شيء في هذه الدنيا، مما يدل على أن ثمة مخططًا رهيبًا وقديمًا قد حيك على هذه الأمة من أجل نجاح هذه الهجمة الشرسة، وإمرار هذه ¬
المؤامرة، ولكنهم لم يجدوا تلميذًا بارًا من تلاميذهم يستطيع أن يمرر هذه الخطة بإحكام، حتى استطاعوا أخيرًا تمثيل هذه المسرحية وإيجاد أبطالها الذين هم (من أبناء جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا) لكي يمعن الغرب الصليبى في امتصاص خيراتنا ونهب ثرواتنا وإذلال شعوبنا والأهم من ذلك، إفساد هذه الشعوب وطعنها في صميم عقيدتها وأخلاقها، ووأد الصحوة الإِسلامية المباركة التي تقض مضاجعهم، وتوحى لهم بالويل والثبور. إن الذي ينظر في أحداث التأريخ يلاحظ وقوع هذه الهجمة مرات عديدة، فكان ذلك مرة بهجوم الأمم التركية وأجناسهم المختلفة ومنهم التتار الذين دمروا بغداد وأسقطوا الخلافة العباسية، ومن هذه الهجمات، الهجمة الصليبية الماكرة والذي وقف قائدها (اللنبى) على قبر صلاح الدين الأيوبي وركل قبره بحذائه وهو يناديه: (ها قد عدنا يا صلاح الدين!! ومنها تآمر الأمم قاطبة على إسقاط الخلافة الإِسلامية وتقاسم ديار المسلمين، وبشكل استعمار جديد. ولا يزال الغرب يرقب ديار المسلمين وينظر إليها نظرة حذر وتخوف وتوجس، ما دامت عقيدة الإِسلام تنبض فينا وما دام القرآن مدويًا بيننا، وما دامت الصحوة الإِسلامية المباركة مضطردة مستمرة، قال تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217]. ورب سائل يسأل عن سر هذا التداعى وأسبابه، هل لأن العرب والمسلمين قليلوا العدد أو ضعفاء اقتصاديًا أو معنويًا؟ والجواب على هذا يجيب عليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا الحديث، والسر في ذلك، هو أننا لسنا قلة ولسنا ضعفاء اقتصاديًا ولا معنويًا ولكن المشكلة هي
الركون إلى الدنيا وكراهية الموت والذي سببه حب الدنيا الذي هو رأس كل خطيئة، فالمسلمون كثرة ولكنهم غثاء كغثاء السيل. إن ضعف الروح وسقوط الهمة وقلة النخوة والانهزام الداخلى والتنازل عن الكرامة التي وهبها اللَّه تعالى للمسلمين، وانصراف المسلمين عن دينهم وإيجاد الطواغيت الذين أذلوا الشعوب وساموهم وسلطوا عليهم السياط وأوجدوا حمامات الدم في كل مكان، جعلت الشعوب ترضى بالخنوع وتستكين للخذلان والذل، وهذه هي الوسيلة الوحيدة التي نجح الطواغيت في تمرير مؤامراتهم وفرض أفكارهم المستوردة والحاقدة. إننا نشاهد الآن أن أهل الباطل يضحون من أجل باطلهم ويبذلون الغالى والنفيس في سبيله، فهم يخلصون لباطلهم ويصرفون جل أوقاتهم وإمكانياتهم في سبيله، في حين نرى العموم الغالب من المسلمين قد ركنوا إلى الدنيا وملذاتها وانهمكوا فيها حتى أصبحت أكبر همهم فصرفتهم عن آخرتهم، وعن القضايا العقدية والمصيرية التي هي من مقومات دينهم. وثمة حالة أخرى توحى بالثبور وتشجع على هذا التداعى ألا وهو حالة التفرق والتمزق والتشرذم التي تعيشها أمة العرب والمسلمين اليوم، وعيون الأعداء ترض ذلك وترقبه عن كثب ولكن ببشر وفرح أنها ترى ألد أعدائها وهم المسلمون متفرقون متخاصمون وأصبح بأسهم بينهم شديدًا، فعاقبها اللَّه تعالى على خذلانها للدين الحق وعدم اعتصامها بكتابه المبين وسيرة نبيه الأمين، فأصبحت بذلك لقمة سائغة لأعدائها, ولن يرفع اللَّه تعالى هذا الذل عن هذه الأمة حتى تعود إلى سالف عزها وسر نهضتها وهو الإِسلام العظيم دينًا ومنهجًا وسلوكًا، وواللَّه: (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح أولها)
عشرون: ولادة الأمة ربتها وتطاول الحفاة العراة رعاء الشاء بالبنيان
قال الشاعر وليد الأعظمى: شباب الجيل للإسلام عودوا ... فأنتم روحه وبكم يسود وأنتم سر نهضته قديمًا ... وأنتم فجره الزاهى الجديد نهوضًا يا بني قومى نهوضًا ... فقد عادت إلى الدنيا ثمود شباب الحق والإِسلام حق ... ويعلوا الحق إن صدق الجنود عليكم بالعقيدة فهي درع ... نصون به كرامتنا حديد وصارعنا الفساد ولم ترعنا ... دعاوى بات يدفعها يهود رسول اللَّه يا رمز المعالى ... ونورًا لا تضيق به الحدود نصحت لنا وكنت بنا رحيمًا ... وأنت القائد البطل النجيد دعوتى إلى التحرر من أمور ... يتوقف لها الأراذل والعبيد شباب الجيل لي معكم حديث ... عليه ينطوى القلب العميد حذار حذار من كل اختلاف ... به البغضاء والشحنا تعود فصونوا وحدة الآمال فيكم ... ولا تتفرقوا شيعًا تسود ودرب الصاعدين كما علمتم ... به الأشواك تكثر لا الورود (¬1) عشرون: ولادة الأمة ربتها وتطاول الحفاة العراة رعاء الشاء بالبنيان 1 - عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، في حديث جبريل للنبى -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الإِسلام والإيمان والإحسان قال له جبريل: (. . . فأخبرنى عن الساعة؟؟ فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، قال: فأخبرنى عن أماراتها، قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في ¬
البنيان. . .) (¬1). قال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم: (والمراد بقوله: أن تلد الأمة ربتها: أي سيدتها ومالكتها، قال العلماء: هو إخبار عن كثرة السرارى وأولادهن، فإن ولدها من سيدها بمنزله سيدها؛ لأن مال الإنسان سائر إلى ولده، وقد ينصرف فيه في الحال تصرف المالكين، إما بتصريح أبيه له بالإذن، وإما بما يعلمه بقرينه الحال أو عرف الاستعمال، وقيل: معناه، أن يلدن الملوك فتكون أمه من جملة رعيته وهو سيدها، وسيد غيرها من رعيته) (¬2). وقال ابن حجر في الفتح عن معنى: (أن تلد الأمة ربها). وقد اختلف العلماء قديمًا وحديثًا في معنى ذلك، قال ابن التين اختلف فيه على سبعة أوجه وقد لخصتها بلا تداخل فإذا هي أربعة أقوال: أ - قال الخطابي: معناه اتساع الإِسلام واستيلاء أهله على بلاد الشرك وسبي ذراريهم، فإذا ملك الرجل الجارية واستولدها كان الولد منها بمنزلة ربها؛ لأنه ولد سيدها. • قال النووي وغيره: إنه قول الأكثرين. قلت: لكن في كونه المراد نظر؛ لأن استيلاء الإماء كان موجودًا حين المقالة والإستيلاء على بلاد الشرك وسبى ذراريهم واتخاذهم سرارى وقع أكثره في صدر الإِسلام، وسياق الكلام يقتضى الإشارة إلى وقوع ما لم يقع مما سيقع قرب قيام الساعة,. قال العيني: (1/ 289): (في نظره نظر!! لأن قوله (إذا ولدت الأمة ربها)، كناية عن كثرة التسرى من كثرة فتوح المسلمين واستيلائهم على بلاد ¬
الشرك وهذا بلا شك لم يكن واقعًا وقت المقالة، والتسرى وإن كان موجودًا حين المقالة ولكنه لم يكن من استيلاء المسلمين على بلاد الشرك، والمراد: أن يكون من هذه الجهة) (¬1). وقال الحافظ في الانتقاض: (1/ 102): (محصل نظر الأول: أن الخطابي إن كان أراد مطلق التسرى فلا يصح؛ لأنه كان موجودًا عند المقالة، وإن كان أراد بقيد من الإستيلاء فلا يصح؛ لأن الإستيلاء قد وجد في صدر الإِسلام، والسؤال إنما وقع عن العلامات التي إذا وجدت قامت الساعة، وإنما لم يجزم الشارح برده (يعني نفسه) الإحتمال أن يكون المراد بالعلامة: ما يتجدد بعد وقت المقالة سواء قرب عهد تجدده أم بعد فأقتصر على قوله: (ففيه نظر) واللَّه الموفق) (¬2). • ثم قال الحافظ في الفتح: (وقد فسره وكيع. في رواية ابن ماجه بأخص من الأول. قال: أن تلد العجم العرب، ووجهه بعضهم بأن الإماء يلدن الملوك فتصير الأم من جملة الرعية والملك سيد رعيته، وهذا لإبراهيم الحربي، وقربه بأن الرؤساء في الصدر الأول كانوا يستنكفون غالبًا من وطأ الإماء ويتنافسون في الحرائر، ثم انعكس الأمر ولا سيما في أثناء دولة بني العباس، ووجهه بعضهم. بأن إطلاق ربتها على ولدها مجاز, لأنه كان سببًا في عتقها بموت أبيه أطلق عليه ذلك، وخصة بعضهم بأن السبى إذا كثر فقد يسبى الولد أولا وهو صغير ثم يعتق ويكبر ويصير رئيسًا بل ملكًا ثم تسبى أمه فيما بعد فيشتريها عارفًا بها، أو وهو لا يشعر أنها أمه، فيستخدمها أو يتخذها موطوءة أو يعتقها ¬
ويتزوجها). ب- أن تبيع السادات أمهات أولادهم ويكثر ذلك فيتداول الملاك المستولدة حتى يشتريها ولدها ولا يشعر بذلك، وعلى هذا فالذي يكون من الأشراط غلبة الجهل بتحريم بيع أمهات الأولاد أو الإستهانة بالأحكام الشرعية. جـ - وهو من نمط الذي قبله، قال النووي: لا يختص شراء أمه الولد بأمهات الأولاد، بل يتصور في غيرهن بأن تلد الأمة حرًا من غير سيدها بوطأ شبهة أو رقيقًا بنكاح أو زنًا ثم تباع الأمة في الصورتين بيعًا صحيحًا وتدور في الأيدى حتى يشتريها ابنها أو ابنتها. د- أن يكثر العقوق في الأولاد فيعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من الإهانة بالسب والضرب والإستخدام فأطلق عليه ربها مجازًا لذلك أو المراد بالرب المربى فيكون حقيقة، وهذا أوجه الأوجه عندي لعمومه، ولأن المقام يدل على أن المراد حالة تكون جمع كونها تدل على فساد الأحوال مستغربة ومحصلة: الإشارة إلى أن الساعة يقرب قيامها عند إنعكاس الأمور بحيث يصير المربى مربيًا والسافل عاليًا، وهو مناسب لقوله في العلامة الأخرى: (أن تفسير الحفاة ملوك الأرض) (¬1). قال العيني: (1/ 289): (هذا ليس بأوجه الأوجه بل أضعفها؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إنما عد هذا من أشراط الساعة، لكونه على نمط خارج على وجه الاستغراب أو على وجه دال على فساد أحوال الناس، والذي ذكره هذا القائل ليس من هذا القبيل فافهم. ¬
وأما رواية (بعلها) فالصحيح في معناها: أن البعل هو السيد أو المالك فيكون بمعنى ربها على ما سلف. قال أهل اللغة: بعل الشيء: ربه ومالكه، قال تعالى: {أَتَدْعُونَ بَعْلًا} [الصافات: 125] أي ربًا، قاله ابن عباس والمفسرون. وقيل المراد هنا الزوج، وعلى هذا أن الأول أظهر؛ لأنه إذا أمكن حمل الروايتين في القضية الواحدة على معنى واحد كان أولى (¬1). معنى قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان (¬2). قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (وإذا كان الحفاة العراة، زاد الاسماعيلى في روايته: الصم البكم. وقيل لهم ذلك: مبالغة في وصفهم بالجهل، أي: لم يستعملوا أسماعهم ولا أبصارهم في شيء من أمر دينهم وإن كانت حواسهم سليمة. قوله: (رؤوس الناس) (¬3): أي ملوك الأرض. . . والمراد بهم. أهل البادية. قال: ما الحفاة العراة؟ قال: العريب. ثم قال ابن حجر: (قال القرطبي: المقصود الإخبار عن تبدل الحال بأن يستولى أهل البادية على الأمر ويتملكوا البلاد بالقهر فتكثر أموالهم وتنصرف هممهم إلى تشييد ¬
البنيان والتفاخر به، وقد شاهدنا ذلك في هذه الأزمان) (¬1) (¬2). 1 - قال الحافظ في الفتح: (ومعنى التطاول في البنيان: أن كل من كان يبنى بيتًا يريد أن يكون ارتفاعه أعلى من ارتفاع الآخر, ويحتمل أن يكون المراد: المباهاة في الزينة والزخرفة، أو أعم من ذلك، وقد وجد الكثير من ذلك وهو في ازدياد) (¬3). 2 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا تقوم الساعة حتى يبنى الناس بيوتًا يوشونها وشى المراحيل) (¬4) والمراحيل: هي الثياب المخططة. إن هذا التصوير النبوى لما يحدث قبيل الساعة يشير لك أخي القاري إلى حقيقة النبوة وصدق صاحب الرسالة -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنه يصف الحالة التي نعيشها نحن أبناء القرن العشرون الميلادى، وإذا تأملت في حياتنا تجد مصداق هذا القول النبوى الذي تشم منه رائحة النبوة وحقيقة الإعجاز، والتباهى بذلك، بل والتنافس فيه أصبح واقعًا نعيشه ونتحسسه. قال الحافظ ابن رجب الحنبلى: (فإذا صار الحفاة العراة رعاء الشاة وهم أهل الجهل والجفاء رؤوس الناس وأصحاب الثروة والأموال حتى يتطاولوا في البنيان فإنه يفسد بذلك نظام الدين والدنيا) (¬5). ¬
واحد وعشرون: تسليم الخاصة (السلام على المعارف) وفشو التجارة، وقطع الأرحام، وشهادة الزور
3 - وفي رواية مسلم عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: (ولكن سأحدثك عن أشراطها: إذا ولدت الأمة ربها، فذاك من أشراطها، وإذا كانت العراة الحفاة رؤوس الناس (¬1)، فذاك من أشراطها، وإذا تطاول رعاة البهم في البنيان، فذاك من أشراطها، في خمس لا يعلمهن إلا اللَّه، ثم تلا -صلى اللَّه عليه وسلم-: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ}. . . إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (¬2). واحد وعشرون: تسليم الخاصة (السلام على المعارف) وفشو التجارة، وقطع الأرحام، وشهادة الزور 1 - عن طارق بن شهاب قال: كنا عند عبد اللَّه ابن مسعود جلوسًا، فجاء رجل فقال: قد أقيمت الصلاة، فقام وقمنا معه، فلما دخلنا المسجد رأينا الناس ركوعًا في مقدم المسجد، فكبر وركع وركعنا، ثم مشينا، وصنعنا مثل الذي صنع، فمر رجل يسرع فقال: عليك السلام يا أبا عبد الرحمن، فقال: صدق اللَّه ورسوله، فلما صلينا ورجعنا دخل أهله، فجلسنا، فقال بعضنا لبعض. أما سمعتم رده على الرجل: صدق اللَّه وبلغت رسله؟ أيكم يسأله؟ دقال طارق: أنا أسأله فسأله حين خرج، فذكر عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أن بين يدي الساعة تسليم الخاصة وفشو التجارة حتى تعين المرأة زوجها على التجارة، وقطع الأرحام، وشهادة الزور، وكتمان شهادة الحق، وظهور القلم) (¬3). ¬
إنما من علامات الساعة التي أخبر عنها المصطفى -صلى اللَّه عليه وسلم- حيث يدع الناس تحية الإِسلام التي شرعها اللَّه ورسوله للمسلمين وجعلها سببًا للتآلف والمحبة بين أبناء المجتمع، وإذا تحول المجتمع إلى مادى بحت وصارت العلامات مبنية على المادة حسب فقد تودع من الدنيا، وإذا أشير على الرجل وأثنى عليه وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، فقد عمت الفوضى وانحسرت الأخلاق وولت القيم، وعند ذلك يكون السلام متداولًا بين المعارف فقط فلا يسلم المسلم على أخيه المسلم إلا إذا عرفه وإلا فلا!! فأساس المعرفة على المادة والعلاقة التجارية المادية، فتقطع الأرحام التي أمر اللَّه ورسوله أن توصل، وتكثر شهادة الزور لأن الورع والتقوى مفقود، وتؤكل أموال الناس بالباطل والإثم والعدوان، وتكتم شهادة الحق، ويزخرف الباطل ويدعى له عن طريق أرباب الغزو الفكرى حيث ينشروا أراجيفهم ومعتقداتهم الجاهلية ويزوقوا الباطل عن طريق الكتب والصحف المأجورة. إنه واللَّه وصف نبوى دقيق لحالة مجتمعاتنا وما داهما من فتن ومحن تدع الحليم حيرانًا، فالناس قد هجروا تحية الإِسلام ونتج عن ذلك تقطع وشائج المحبة وتنافر القلوب، وانتشرت التجارة وتوسعت وأصبح هم الناس جمع أكبر قدر ممكن من المال، ولا يبالون إن كان حلالًا أم سحة حرامًا, ولم يكتف الرجال بذلك بل جلبوا معهم نسائهم وكلهم يلهث وراء جمع المال، ونظرًا للتنافس الشديد بين الناس مما يؤدى إلى التباغض والتحاسد، تجد الرجل يسافر لجمع المال فإذا جاء إلى ذويه وأقاربه ومعارفه قال: لم أربح شيئًا!! 2 - قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (وحتى يخرج الرجل مسألة إلى أطراف الأرض فيرجع فيقول:
اثنان وعشرون: المرور في المساجد واتخاذها طرقا وعدم الصلاة فيها
لم أربح شيئًا) (¬1). 3 - عن عبد اللَّه ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن من أشراط الساعة إذا كانت التحية على المعرفة، وفي رواية: أن يسلم الرجل على الرجل لا يسلم عليه إلا للمعرفة) (¬2). 4 - روى أحمد والطبراني عن عبد اللَّه ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن من أشراط الساعة: إذا كانت التحية على المعرفة) (¬3). اثنان وعشرون: المرور في المساجد واتخاذها طرقًا وعدم الصلاة فيها 1 - روى أبي خزيمة في صحيحه عن عبد اللَّه ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن من أشراط الساعة أن يمر الرجل في المسجد لا يصلى فيه ركعتين) (¬4) 2 - روى الطبراني عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (من اشراط الساعة أن يمر الرجل في المسجد لا يصلى فيه ركعتين، وأن لا يسلم الرجل على من يعرف) (¬5). هذان الحديثان يشيران إلى حالة ضعف الوازع الديني وعزوف الغالبية في المجتمع عن المساجد وانصرافهم إلى اللعب واللهو وعدم الاكتراث بأوامر اللَّه، إن الصلاة في المساجد من سنن الهدى وأن الذين يتخلفون عن الصلاة ¬
ثلاثة وعشرون: زخرفة المساجد والتباهى بها
فيها هم المنافقون الذين لا يعرفون من الإِسلام إلا اسمه ولا من المصحف إلا رسمه، وهذه حالة نشهدها ونعيشها كما أخبر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أن كثيرًا ممن ينتسبون إلى الإِسلام في شهادة الميلاد لا يدخلون المساجد أحيانًا إلا للمناسبات أو يدخلونها وهم موتى محمولين على النعش ليصلوا عليهم!! وقد كانوا في حياتهم زاهدين في المساجد التي هي للمسلم كالماء للسمك، ولا يدخلونها كى يصلوا فيها وإنما يدخلونها مرورًا بها لقضاء حاجة، يتخذونها طرقًا لهم!! ثلاثة وعشرون: زخرفة المساجد والتباهى بها 1 - روى أحمد وأبو داوود والنسائي وابن خزيمة عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إن من أشراط الساعة أن يتباهى الناس في المساجد) (¬1). 2 - وفي رواية: (لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد) (¬2). من علامات الساعة التي أخبر عنها رسول -صلى اللَّه عليه وسلم- ما نراه في الوقت الراهن الذي نعيشه ألا وهو زخرفة المساجد والتباهى في بنائها والمبالغة في تزيينها مضاهاة لأعداء اللَّه اليهود والنصارى. إن اليهود والنصارى عندما حرفوا دينهم وبدلوا عقيدتهم وكتموا الحق الذي أخذ اللَّه عليهم العهد أن يبينوه للناس ولا يكتمونه، وصدقوا الناس عن الهدى، أخذوا بالتعتيم على أكلهم السحت واتباعهم غواية الشيطان، فأمعنوا المضاهاة بتشييد بيعهم وكنائسهم وزوقوها أنهم ما بنوها على تقوى اللَّه ولا حبًا بالحق واتباعه. ¬
وفي وقتنا الحاضر تسللت هذه العادة السيئة إلى المسلمين عن طريق التقليد الأعمى لأعداء الإِسلام، ونظرًا لانحسار المفاهيم الصحيحة عند المسلمين، وانتشار البدع التي ما أنزل اللَّه بها من سلطان، طغت هذه العادة السيئة على عموم مساجدنا، فأنَّى اتجهت في رحاب المجتمعات الإِسلامية تجد الزخارف والنقوش والقباب المزركش والثريات البراقة والقناديل المذهبة والمفضضة. لقد كان الإنسان المسلم يهرب من زخارف الدنيا ليضئ إلى رحاب الآخرة في المساجد، بها التواضع والبساطة وإذابة الآن يجد المساجد تعج بالزينة والترف وإبراز زخرف الحياة الدنيا. قال الصحابي الجليل أبو الرداء -رضي اللَّه عنه-: (إذا حليتم مصاحفكم، وزخرفتم مساجدكم، فالدمار عليكم). لقد صدق واللَّه هذا الصحابي الجليل، فلقد حلينا مصاحفنا وزخرفنا مساجدنا، وقتلنا روح الجهاد في نفوسنا وفي نفوس الناشئة، فحل بنا الدمار والتصق بنا العار، وبعنا أخرانا بدنيانا، وسلمنا زمام أمورنا لأعداء ديننا، فحرفت العقائد، وراجت بضاعة الشياطين، واستولى أرباب الغزو الفكرى على أغلب مجتمعاتنا، وفرضوا القومية ونادوا بالعلمانية، ووأدوا الصحوة الإِسلامية، لقد حولوا المساجد إلى أبواق تلهج بباطلهم وصرفوها عن مهمتها الحقيقية ألا وهي عبادة اللَّه وحده وتربية الأجيال المسلمة على مفهوم (لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه) والولاء للمؤمنين والبراء من المشركين. وانظر أخي المسلم إلى واقع مساجدنا الآن، وإلى واقع مساجد المسلمين أيام سالف عزهم ومجدهم، انظر إلى واقع المسلمين عندما كانت مساجدهم عامرة بذكر اللَّه يجللها التواضع والبساطة والترفع عن زينة الدنيا، وانظر إلى
واقع مساجدنا وواقعنا وكيف أصبحنا، مضاعة مقدساتنا بيد يهود وأذنابهم. لقد كانت مساجد المسلمين مبنية باللبن وسقوفها الجريد وعمدها خشب النخل، وأرضها الحصباء والتراب، ففتحوا البلاد وهدموا العروش الكافرة الظالمة، ودانت لهم الأمم والشعوب بأسرها، وانظر إلى مساجدنا التي تنعم بالكبرياء والبهارج والنقوش والزخرفة والثريات والتذهيب والتفضيض، وكيف أصبح حالنا، لقد أصبحنا أيتامًا على موائد اللئام وأبناء الغرب وتلاميذهم من الحاقدين على أمتنا وديننا وعقيدتنا، وأصبح اليهود الذين هم أقذر جنس بشرى يقتلون أبنائنا على مرآى ومسمع من كل الدنيا ولا أحد يجيب ولا حول ولا قوة إلا باللَّه. دعوة صادقة إلى الموسرين وبهذه المناسبة اغتنم هذه الفرصة لأشير إلى حالة سلبية خطيرة تعيشها أغلب المجتمعات الإِسلامية، وهي دعوة صادقة أضعها أمام الموسرين الذين أفاء اللَّه عليهم من بركاته وأرزاقه: يبذل أغلب الأغنياء الأموال الطائلة على بناء المساجد وزخرفتها ويجلب لهذه المساجد أفخر البسط وأبهى الرخام وأثمن الثريات. . . إلخ. وهناك آلاف من الأكباد الجائعة والبطون الخاوية التي عضها الجوع وذلها الفقر والحاجة، وهم ينؤون تحت وطأة تحمل أعباء أسر وأطفال وشيوخ وعجائز ومرضى. . . إلخ هم بأمس الحاجة إلى هذه الأموال فضلًا عن أن تصرف على التباهى في تزويق المساجد وزخرفتها من أجل السمعة الزائغة والرياء البغيض. (إن الأكباد الجائعة أولى من بناء البيت الحرام) هذه العبارة أكتبها
أربعة وعشرون: تدافع المصلين لعدم وجود إمام يصلى بهم
بحروف من ذهب على صحائف من نور، إن هذا الأثر (¬1) أضحه أمام أعينكم أيها الموسرون وبين أيديكم، وإنها لصرخة غضب أصرخها في وجوهكم أيها المراؤون، صيحة تصور أنات الثكالى وآهات المعذبين الذين دارت عليهم الأيام وجار عليهم الزمن، وتخلى عنهم أقرب الناس إليهم. قال الشاعر: ورب إشارة تعطى بيانًا ... وتصريحًا إذا إحتبس القصيد أربعة وعشرون: تدافع المصلين لعدم وجود إمام يصلى بهم 1 - قال رسول اللَّه-صلى اللَّه عليه وسلم-: (. . وإن من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد، لا يجدون إمامًا يصلى بهم) (¬2). هذه الحالة المؤلمة عشناها في وقتنا الراهن، حيث زهد طلبة العلم في وظيفة الإمامة لا سيما وهي أشرف وظيفة في الدنيا وهي مهمة الأنبياء والمرسلين، وذلك لأسباب منها الواقعية ومنها السلبية. أما الأسباب الواقعية فهي: 1 - ضعف المرتب الشهرى الذي يتعاطاه الإمام والخطيب. 2 - مهمة الإمامة والخطابة تحتاج إلى وقت كاف ومتسع، إذ مطلوب من طالب العلم أن يطور إمكانياته العلمية والفقهية ويتفرغ لطلب العلم والتفقه في الدين، ولما كان المرتب الشهرى لا يسمن ولا يغنى من جوع يضطر طالب العلم إلى الإنصراف عن هذه الوظيفة إلى التجارة أو ما يشابهها لكي يوفر لقمة العيش لعياله ولنفسه. ¬
3 - عزوف أغلب الموسرين عن مساعدة طلبة العلم وأئمة المساجد وذلك بسبب الحرص على جمع أغلب قدر ممكن من حطام الدنيا وفقدان الغيرة على الدين وأهله. 4 - ضعف الوازع الديني وغلبة الأنانية والحرص مما يصرف الموسرين عن مد طلبة العلم ومساعدتهم. 5 - تسلط الطغاة وإجبارهم طلبة العلم أن يكونوا أبواقًا لباطلهم الآثم وأراجيفهم المضللة، مما يجعل المخلصين يعزفون عن هذه المهمة. أما الأسباب السلبية فهي: 1 - حب الدنيا: وحب الدنيا رأس كل خطيئة، فإذا ما استولى حب الدنيا على القلوب خارت العزائم وضعفت الهمم. 2 - ضعف الإيمان: إذ أن الإيمان العميق يولد الخشية والخشية تولد التقوى، والتقوى تولد حب الدعوة إلى اللَّه والتفانى في سبيل نشر الإِسلام والتبشير به وصرف الأوقات، في سبيل اللَّه وتبليغ دعوة الإِسلام، إذ يعتبر هذا ضمن واجب الأمانة الملقاة على كأهل الإنسان المسلم. 3 - عدم تطبيق الأوامر الشرعية أو التفقه لغير الدين: إذ أننا نجد أن أغلب طلبة العلم ولا سيما (العلم الشرعى) يطلبون العلم من أجل الشهادات لكي يحصلوا على مكانة مرموقة في المجتمع وليشار إليهم بالبنان، ولكى يقال (هذا عالم!!). أما دراسة العلم الشرعى لكي يعمل به ويطبق على النفس وفي المجتمع أو دراسته لكي يدعى به إلى اللَّه ورسوله فهذا الجانب أضحى أصحابه أندر من الذهب الأحمر في واقعنا والعياذ باللَّه.
خمسة وعشرون: عودة جزيرة العرب مروجا وأنهارا
ولقد أشار النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى هذه الحالة في أحاديث كثيرة منها: أ- روى الدارمى والحاكم عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- أنه قال: (كيف بكم إذا لبستكم فتنة: يربو فيها الصغير, ويهرم فيها الكبير وتتخذ سنة (¬1)، فإن غيرت يومًا قيل: هذا منكر (¬2). قيل: ومتى ذلك؟؟ قال: إذا قلت أمناؤكم وكثرت أمراؤكم، وقلت فقهاؤكم وكثرت قراؤكم، وتفقه لغير الدين (¬3)، والتمست الدنيا بعمل الآخرة) (¬4) (¬5). خمسة وعشرون: عودة جزيرة العرب مروجًا وأنهارًا 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال. . . وجتى تعود جزيرة العرب مروجًا وأنهارًا) (¬6). المعروف عن جزيرة العرب أنها أرض غير ذات زرع اللهم إلا ما يتخللها ¬
من العيون والآبار هنا وهناك!!، والذي أراه أن النعمة التي أنعمها اللَّه تعالى على أهل الجزيرة وذلك بتدفق النفط فيها وجعل شريان العلم يمر منها وما در تصدير هذا النفط إلى الأسواق العالمية من رفاه مادى وإنتعاش إقتصادى رفع أهل الجزيرة في مصاف الدول الغنية المرفهة، وهذا الخير الإلهى العميم جعل أهل الجزيرة العربية ينصرفون إلى تطوير نشاطهم الزراعى، وإمكانياتهم العلمية في هذا المحال وغيره. وقد تواردت الأنباء أن أهل الجزيرة أخذوا يصدرون الحنطة إلى الأسواق العالية حيث أنها تفيض عن حاجتهم، وهذا مؤشر إيجابي وتطور بارع وإسهام مبدع ومفرح. . . إن ما يقوم به أهل تلك المنطقة من حفر الآبار وزراعة الأرض بشكل لم يكن معهودًا من قبل يؤيد هذه النبوءة التي أشارت لذلك. أو ربما أن في هذا الحديث إشارة إلى الإمكانيات الواسعة التي يتحلى بها أهل الجزيرة العربية حاليًا من وافر العيش والتقدم العمرانى والمروج الزاهرة التي نراها ونشاهدها في كل مكان، نتيجة للإزدهار الإقتصادى وإرتفاع المستوى المعيشى للأفراد والحكومات. ومما يؤيد ذلك الحديث الذي رواه مسلم عن معاذ بن جبل وهذا نصه: 2 - قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إنكم ستأتون غدا إن شاء اللَّه عين تبوك، وإنكم لم تأتوها حتى يضحى النهار، فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئًا حتى آتى. فجئناها وقد سبقنا إليها رجلان، والعين مثل الشراك تبض (¬1) بشئ من ماء، قال: فسألهما رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وقال لهما ما شاء اللَّه ¬
ستة وعشرون: رفض السنة النبوية
أن يقول، ثم غرفوا بأيديهم من العين قليلًا حتى اجتمع في شيء، قال: وغسل رسول اللَّه فيه يديه ووجهه، ثم أعاده فيها فجرت العين ماء بماء منهمر، أو قال غزير، حتى استقى الناس، ثم قال: يوشك (¬1) يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما ها هنا قد ملئ جنانًا) (¬2). ولقد صدق -صلى اللَّه عليه وسلم- فيما أخبر سواء بهذا الحديث أو غيره من الأحاديث، فما حدث صحابته عما يجرى مستقبلًا إلا ورأوه رأى العين ورآه الأجيال من بعدهم رأى العين. وها نحن نرى مصداق هذه البشارة النبوية عن أرض تبوك فقد ملئت الأرض واللَّه جنانًا وبساتين وحدائق ذات بهجة، وانتشرت الزراعة بكل أنواعها، بل فاضت عن الحاجة المحلية وصدرت إلى الأسواق العربية والعالمية، وربما تنتشر هذه الظاهرة الإيجابية في كل دول الجزيرة العربية وليس ذلك على اللَّه ورسوله ببعيد. ستة وعشرون: رفض السنة النبوية 1 - عن المقدام بن معد يكرب -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم -: (يوشك أن يقعد الرجل متكئا على أريكته، يحدث بحديث من حديثى، فيقول: بيننا وبينكم كتاب اللَّه، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وأن ما حرم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مثل ما حرم اللَّه) (¬3). 2 - في رواية أخرى عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ألا وأنى أتيت هذا الكتاب ¬
ومثله معى، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته، يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلى، ولا كل ذي ناب من السباع، ولا لقطة (¬1) معاهد (¬2)، إلا أن يستغنى عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقرؤه (¬3)، فإن لم يقرؤه، فله أن يعقبهم (¬4) بمثل قراه) (¬5). 3 - عن أبي رافع -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا ألفين (¬6) أحدكم متكئًا على أريكته، يأتيه أمرى مما أمرت به، أو نهيت عنه، فيقول: (لا أدرى، ما وجدنا في كتاب اللَّه اتبعناه) (¬7). من علامات الساعة التي أخبر عنها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ظهور أناس يرفضون اتباع السنة النبوية والعمل بها زاعمين أن السنة النبوية قد وصلت إليهم عن طريق خبر الآحاد، وخبر الآحاد لا يفيد إلا الظن في الحكم أو أنها -السنة- تخالف العقل والمنطق والعلم في بعض جوانبها!! فأطلقوا على أنفسهم زورًا وبهتانًا (القرآنيون) وهي كلمة حق أريد بها باطل، زاعمين أن القرآن قد وصل إليهم عن طريق التواتر القطعى الدلالة، ¬
وأن اللَّه تعالى قد تعهد بحفظه، فهم لا يأخذون إلا منه حسب. لقد جهل هؤلاء أو تجاهلوا أن السنة النبوية هي الأصل الثاني من المصادر التشريعية وهي مفصلة القرآن وشارحه له، وموضحه مجملة مبينة محكمة، مطلقة مقيدة، مخصصة عامة، وساء في ذلك الأمور الغيبية الإعتقادية أو الأحكام العملية والسياسية والتربوية، ولا يجوز في حال من الأحوال ردها أو مخالفتها بزعم أنها تخالف الرأى أو الاجتهاد أو القياس أو العقل أو أنها من أخبار الآحاد (¬1). إن الدين لا يؤخذ بالعقل بل يؤخذ بالوحى، والسنة النبوية من الوحي ومصدر من مصادر التشريع الإسلامي، يقول الإمام على -رضي اللَّه عنه-: (لو كان الدين بالعقل، لكان مسح باطن الخف أولى من مسح ظاهره) أي أعلاه، والمعنى واللَّه اعلم: أن لو كانت الأحكام التشريعية تؤخذ عن طريق العقل من دون الرجوع إلى تعاليم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يمسح ظاهر الخف فأتبعه وطبق سنته من دون الرجوع أو الإلتفات إلى العقل. إن الذين يتبجحون بأنهم اتباع القرآن حسب إنما يريدون بذلك رفض الإِسلام كله، وهي دعوة عملية ومأجورة جاءت من أرباب الغزو الفكري وأوحوها إلى فروخهم في الشرق ليطعنوا الإسلام وينفثوا سمومهم الخبيثة وأفكارهم الماكرة في ربوع المجتمع الإِسلامي وبالتالى يؤولون القرآن كما يشاؤون وبما يوحى إليهم أساتذتهم ودهاقنتهم من أعداء الإسلام. لقد ظهر أهل التأويل من قبل، فأولوا القرآن حسب بدعهم وأراجيفهم المسمومة والحاقدة، واتبعهم في ذلك ذيولهم من الفرق والملل الضالة، وظهر ¬
في العصر الحديث (القرآنيون) الذين هم فروخ المعتزلة ومن المتأثرين بمنهجهم العقلى السقيم، فأخذوا يؤولون القرآن حسب ما توحى إليهم عقولهم الناقصة وانكروا كثير من الأحاديث الصحيحة بزعمهم أنها تتضارب مع العقل، وتأثر بهم وشجعهم واتبع منهجهم قوم ممن ضللهم الغرب ودهاقنته فسموا أنفسهم (العصرانيون) أي الذين يؤولون النصوص حسب مقتضيات العصر، وبذلك تجرؤوا على السُّنَّة وطعنوا في صحيح البخاري وغيره من كتب السنة التي تلقتها الأمة الإِسلامية منذ عهودها النيرة بالقبول والاستحسان. إن اللَّه تعالى قد تعهد بحفظ القرآن الكريم وإن من ضمن هذا الحفظ، حفظ السنة النبوية؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (ألا وأنى أتيت القرآن ومثله معى) وقد أمر اللَّه تعالى باتباع نبيه فقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}، فكيف نأخذ ما أتانا الرسول وننتهى عما نهانا عنه إلا باتباع سنته؟ على أن من جوانب حفظ السنة النبوية هو ما هيئه اللَّه تعالى لسنة -صلى اللَّه عليه وسلم- من رجال بذلوا مهجهم وأرواحهم وأموالهم وعقولهم وأوقاتهم في سبيل خدمة السنة النبوية وتنقية الصحيح من السقيم وبذلك نقلوها إلينا رحمهم اللَّه مصفاة منقاة، وتخصصت الأمة الإِسلامية بعلم لم يسبقها إلى مثله أحد، ألا وهو علم الرجال (الجرح والتعديل)، وفي هذا العلم يكمن السر الإلهى في تسخير هؤلاء الرجال لحفظ السنة النبوية وإظهارها للأمة الإِسلامية مصانة معافاة من كل يد مسمومة تمتد إليها أو عقل سقيم مأجور يشكك فيها. قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إنى قد خلفت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما أبدًا: كتاب اللَّه وسنتى، ولن يفترقا حتى يرد على الحوض).
وبهذا الحديث الشريف يصفع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هؤلاء العملاء المشبوهين في وجوههم، إذا أعطانا -صلى اللَّه عليه وسلم- العاصم لنا في حياتنا بحيث لا نضل ولا نزيغ عن الهدى إذا اتبعناهما ألا وهما كتاب اللَّه وسنة نبيه، وبذلك يتبين لك أخي المسلم ضلال هؤلاء الطاغين وانكشاف عوارهم. قال ابن أبي العز الحنفى: (فالواجب كمال التسليم للرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- والإنقياد لأمره، وتلقى خبره بالقبول والتصديق، دون أن نعارضه بخيال باطل نسميه معقولًا، ونحمله شبهة أو شكًا، أو تقدم عليه أراء الرجال وزبالة أذهانهم، فنوحده بالتحكيم والتسليم والانقياد والإذعان كما نوحد المرسل (¬1) بالعبادة والخضوع والإنابة والتوكل، فهما توحيدان لا نجاة للعبد من عذاب اللَّه إلا بهما: توحيد المرسل، وتوحيد متابعة الرسول) (¬2). 4 - روى أبو داوود وابن ماجه والحاكم عن حيوة بن شريح أن أبا سعيد الحميرى حدثه، قال: (كان معاذ بن جبل يتحدث بما لم يسمع أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ويسكت عما سمعوا، فبلغ عبد اللَّه بن عمرو ما يتحدث به فقال: واللَّه ما سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول هذا، وأوشك معاذ أن يفتنكم في الخلاء، فبلغ ذلك معاذ، فلقيه، فقال: معاذ: يا عبد اللَّه بن عمرو، وإن التكذيب بحديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نفاق، وإنما أثمه على من قاله، لقد سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، والظل، وقارعة الطريق) (¬3). فالتكذيب بحديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بحجة أن المكذب لم يسمع به نفاق، فكيف بمن يكذب بحديث رسول ¬
سبعة وعشرون: يكرم الرجل مخافة شره وأمور تجلب البلاء
اللَّه الذي اتفقت الأمة الإسلامية بأسرها على قبوله -لأنه لا يوافق عقله ومنهجه وفهمه السقيم؟؟!! إن التمسك بالقرآن دون السنة ضلال وإن التمسك بالسنة دون القرآن ضلال وإن الحق في التمسك بهما واتباعهما معًا. سبعة وعشرون: يكرم الرجل مخافة شره وأمور تجلب البلاء 1 - اخرج الترمذي عن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا: (إذا فعلت أمتي خمسة عشرة خصلة، حل البلاء: إذا كان المغنم دولًا (¬1)، والأمانة مغنمًا (¬2)، والزكاة مغرمًا (¬3)، وأطاع الرجل زوجه وعق أمه، وبر صديقه وجفا أباه، وارتفعت الأصوات في المساجد، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل مخافة شره، وشربت الخمور، ولبس الحرير، واتخذت القينات والمعازف، ولعن آخر هذه الأمة أولها (¬4)، فليترقبوا عند ذلك ريحًا حمراء ¬
أو خسفًا أو مسخًا (¬1). 2 - عن حذيفة بن اليمان مرفوعًا قال: (من اقتراب الساعة اثنتان وسبعون خصلة: إذا رأيتم الناس أماتوا الصلاة، وأضاعوا الأمانة، وأكلوا بالربا، واستحلوا الكذب، واستخفوا بالدماء، واستعملوا البناء، وباعوا الدين بالدنيا، وتقطعت الأرحام، ويكون الحكم ضعفًا، والكذب صدقًا، والحرير لباسًا، وظهر الجور، وكثر الطلاق، وموت الفجأة، وائتمن الخائن، وخون الأمين، وصدق الكاذب وكذب الصادق، وكثر القذف، وكان المطر قيظًا، والولد غيظًا، وفاض اللئام فيضًا، وغاض الكرام غيضًا، وكان الأمراء فجرة، والوزراء كذبة، والأمناء خونة، والعرفاء ظلمة، والقراء فسقة، إذا لبسوا مسوك الضأن، قلوبهم أنتن من الجيفة وأمر من الصبر، يغشيهم اللَّه فتنته يتهوكون فيها تهاوك اليهود الظلمة، وتظهر، الصفراء -يعني الدنانير-، وتطلب البيضاء -يعنى: الدراهم، وتكثر الخطايا، وتغل الأمراء، وحليت المصاحف، وصورت المساجد، وطولت المنائر، وخربت القلوب، وشربت الخمور، وعطلت الحدود، وولدت الأمة ربتها، وترى الحفاة العراة وقد صاروا ملوكًا، وشاركت المرأة زوجها في التجارة، وتشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، وحلف باللَّه من غير أن يستحلف، وشهد المرء من غير أن يستشهد، وسلم للمعرفة، وتفقه لغير الدين، وطلبت الدنيا بعمل الآخرة، وأتخذ المغنم دولًا، والأمانة مغنمًا، والزكاة مغرمًا، وكان الزعيم القوم أرذلهم، وعق الرجل أباه، وجفا أمه، وبر صديقه، وأطاع زوجته، وعلت أصوات الفسقة في المساجد، واتخذت ¬
القينات والمعازف، وشُرِبَت الخمور في الطريق، واتُخِذِ الظلم فخرًا، وبيع الحكم، وكثرت الشرط، وأتخذ القرآن مزامير، وجلود السباع صفافًا، والمساجد طرقًا, ولعن آخر هذه الأمة أولها، فليتقوا عند ذلك رياحًا حمراء وخسفًا ومسخًا وآيات) (¬1). هذا الحديث يشير إلى جملة من الأعمال القبيحة التي توحى بخفة العقل ونقص اليد وانحلال القيم وتفسخ المجتمعات وقلة الورع وانقلاب الموازين، يعضدها بقية الأحاديث التي أشار النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيها إلى ابتعاد العموم الغالب عن دينهم واتباعهم الأهواء والشهوات المهلكة ورواج بضاعة الشيطان بينهم إلا ما رحم ربى من أهل الحق الذين يمسكون بالكتاب والسنة وعضوا عليها بالنواجذ وقبضوا على الجمر في سبيل عقيدتهم، فأصغوا إلى عز الدنيا وهنئوا في بحبوحة الصالحات ولهم في الآخرة نعيم مقيم وخلود سرمدى في مقعد صدق عند مليك مقتدر. وترى في هذه الإرهاصات النبوية إرشادات وصيحات في وجه الذين يقولون مالا يفعلون فحذر -صلى اللَّه عليه وسلم- أمته من هذا السلوك المشين وكذلك ناصحًا الذين يتركون كتاب اللَّه وسنة نبيه ويتمسكون بالرأى والأهواء والأفكار المستوردة والدساتير الأرضية مبينًا أن الحكم للَّه وحده وما شرعه لرسوله وما سواه فهي الأهواء المضلة والبدع المهلكة والتيه والضلال والحيرة، نعوذ باللَّه من أن نرد على أعقابنا أو نعرض عن كتاب اللَّه وسنة نبيه. ¬
ثمانية وعشرون: تخوين الأمين وائتمان الخائن، ووضع الخيار ورفع الأشرار، والفحش والتفحش
ثمانية وعشرون: تخوين الأمين وائتمان الخائن، ووضع الخيار ورفع الأشرار، والفحش والتفحش 1 - روى أحمد والبوار عن ابن عمرو والطبراني في الأوسط عن أنس -رضي اللَّه عنه-: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (من أشراط الساعة: الفحش (¬1) والتفحش (¬2)، وقطيعة الرحم، وتخوين الأمين، وائتمان الخائن) (¬3). 2 - روى الحاكم عن عمرو بن قيس السكونى، قال: (خرجت مع أبي في الوفد إلى معاوية، فسمعت رجلًا يحدث الناس، يقول: (إن من أشراط الساعة أن: ترفع الأشرار، وتوضع الأخيار، وأن يخزن الفعل والعمل (¬4)، ويظهر القول، وأن يقرأ بالمثناه في القوم ليس فيهم من يغيرها أو ينكرها، فقيل: وما المثناه؟؟ قال: ما اكتتب سوى كتاب اللَّه عز وجل. . .) (¬5). 3 - قال ابن حجر في الفتح: (أخرج الطبراني في الأوسط من طريق سعيد بن جبير عنه رفعه: (لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والبخل ويخون الأمين، ويؤتمن الخائن، وتهلك الوعول، وتظهر التحوت، قالوا: يا رسول اللَّه وما التحوت والوعول؟؟ قال: الوعول وجوه الناس وأشرافهم، التحوت الذين كانوا أقدام الناس لا يعلم بهم) ¬
ثم قال الحافظ في الفتح: (. . . قلنا وما التحوت؟ قال: فسول الرجال (¬1) وأهل البيوت الغامضة، قلنا: وما الوعول؟ قال: أهل البيوت الصالحة) (¬2). 4 - قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن بين يدى الساعة سنين خداعة، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويخون فيها الأمين، ويؤمن فيها الخائن) (¬3). 5 - وفي رواية أخرى: (. . . وينطق فيها الرويبضة. قيل: وما الرويبضة؟؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة) (¬4). ومن علامات الساعة التي أخبرنا عنها نبى اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هي بروز طبقة في المجتمع كانوا أسافل لا يعبأ بهم ولا يلتفت إليهم وهم أهل البيوت الغامضة من ناقصى التربية وأبناء الشوارع الذين لا يعرفون معروفًا ولا ينكرون منكرًا، ولا يتورعون عن حرام ولا يشفقون على معوز اللهم إلا ما تملى عليهم أهوائهم وشهواتهم ونزواتهم الحيوانية، فمسكوا زمام الأمور واعتلوا سدة المجتمع، فضاعفت الأمانة وانتشرت الخيانة، وساد التفسخ والانحلال وسوء الأخلاق. . . الذئب ذئب شعوبها ... خانت طريق كفاحها واستسلمت للبغى حتى ... قادها جلادها ¬
وهكذا انقلبت الموازين واضطربت الأحوال فتجرع الأحرار العلقم الزئام وأصبحت حياتهم جحيمًا وضيمًا ومرارًا بسب سيادة العبيد والبغاة والطغاة الذين لا يرعون إلَّا ولا ذمة. هؤلاء الأحرار هم أهل البيوت الصالحة الذين نهلوا التدين والأخلاق والقيم منذ نعومة أظافرهم وتربوا في جو ملئه الطهر والعفاف والشعور بالمسؤولية والركون إلى الآخرة، هؤلاء أصبحوا غرباء في مجتمعاتهم مستضعفين، إذا قالوا لا يصدقون وإذا شفعوا لا يشفعون، وهذه واللَّه حالة يشيب منها الولدان وتنفطر لها القلوب. هي الأمور كما شاهدتها ... دول من سره زمن سائته أزمان وتتجسد هذه المعانى النبوية في التصوير البديع الذي يصوره الحديث الشريف موضحًا عمق المأساة وضراوة الضيم وضنك العيش قبيل الساعة، وهذا واللَّه نراه ونعيشه بل نذوق مرَّة ونتجرع صابه في حياتنا الراهنة، ألا وهو رجحان كفة الرويبضة، والرويبضة جامعة للرجل الفاجر الفاسق التافه عديم الأخلاق والقيم والمروءة، الذي يعتلى ويبرز بين عشية وضحاها في غفلة عن أعين الناس وانتباههم، حيث يأتون به أسياده وأربابه ليجعلوا منه منقذًا بزعمهم، فيرفع الشعارات البراقة ويلقى الخطب الرنانة التي ظاهرها الشهد وباطنها السم الزعاف فيتكلم هذا الرويبضة في أمور الناس ويسودهم وبالتالي يجرهم إلى عواقب وخيمة وفقر مدقع وبؤس مقيم وديكتاتورية ما بعدها دكتاتورية واللَّه المستعان. 6 - عن حذيقة بن اليمان -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا تقوم الساعة حتَّى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع) (¬1). ¬
تسعة وعشرون: ظهور أعوان الظلمة الذين يجلدون الناس بسياطهم
واللكع هو: اللئيم وقيل: العبد وقيل: ردئ الحسب والنسب الذي لا يعرف له أصل، ولا يحمد علي سيرة وأخلاق. قال ابن حجر في الفتح: (. . . وحديث بن مسعود، لا تقوم الساعة حتى يسود كل قبيلة منافقوها) أخرجه الطبراني، وفى لفظ (رذالها) وعند الترمذي من حديث أبي هريرة: (وكان زعيم القوم أرذلهم وساد القبيلة فاسقهم). وحديث ابن مسعود: (لا تقوم الساعة حتى يكون الولد غيظًا، والمطر قيظًا وتفيض الأيام فيضًا) أخرجه الطبراني. وعن أم الضراب مثله وزاد: (ويجترئ الصغير على الكبير واللئيم على الكريم ويخرب عمران الدنيا ويعمر خرابها) (¬1). تسعة وعشرون: ظهور أعوان الظلمة الذين يجلدون الناس بسياطهم 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (يوشك إن طالت بك مدة -وفى رواية حياة- أن ترى قومًا في أيديهم مثل أذناب البقر، يغدون (¬2) في غضب اللَّه، ويروحون (¬3) في سخط اللَّه) (¬4). ومن علامات الساعة التي أخبر عنها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ظهور الأنظمة الديكتاتورية الظالمة، حيث يترأس شدة الحكم رجال لا يعرفون معروفًا إلَّا ما أشرب هواهم، يتسلطون على رقاب الناس ويسودونهم بالحديد والنار، ¬
ويملون عليهم أفكارهم المستوردة بالجبر والقهر الإذلال، ويتخذ هؤلاء الظلمة للمحافظة على عروشهم أعوانًا قساة جبابرة، يرهبون الناس ويخوفوهم ويسومونهم أشد أنواع العذاب والتنكيل إرضاءً لأسيادهم وطواغيتهم، وإذا أصبح التنكيل والتعذيب شعارًا للحكام فإن الأفواه تكمم وأن الألسنة تخرس، فتضيع الحقوق ويسود قانون الغاب حيث يأكل القوى الضعيف ويظلم الغني الفقير وتنتهك الحرمات بشتى أنواعها وألوانها وعلى الجمهور أن يصفق ويهتف بملأ حناجره!!! يقول الشاعر الشهيد هاشم الرفاعى في قصيدته، (رسالة في ليلة التنفيذ): مصورًا ما تلقاه على أيدى الطغاة. أبتاه ماذا قد يحظ بنانى ... والحبل والجلاد منتظران هذا الكتاب إليك في زنزانة ... مقرورة صخرية الجدران قد عشت أؤمن بالإله ولم أذق ... إلا أخيرًا نعمة الإيمان أبتاه أن طلع الصباح على الدنا ... وأضاء نور الشمس كل مكان وأتى يدق كما تعود -بابكم ... سيدق باب السجن جلادان وأكون يا أبتاه بعد هنيهة متأرجحًا ... في الحبل مشدودًا إلى الحيطان ما ضرنى لو قد سكت وكلما ... زاد الأذى بالغت في الكتمان أو لم يكن خير لنفسى أن أرى ... مثل الجموع أسير في أذعان أهوى الحياة كريمة لا قيد ... لا إرهاب لا استخفاف بالإنسان فإذا سقطت سقطت أحمل عزتى ... يغلى دم الأحرار في وجدانى أنفاسك الحرى وإن هي أخمدت ... ستظل تغمر أفقهم بمعان وقروح جسمك وهى تحت سياطهم ... صرخات حق يتقنها الجانى لكن إذا انتصر الضياء ومزقت ... بيد الجموع شريعة القرصان
فلسوف يذكر في ويكبر همتى ... من كان في بلدى حليف هوان إلى اللقاء تحت ظل عدالة ... قدسية الأحكام والميزان 2 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر، يضربون بها الناس،. . .) (¬1). (ومن قدر اللَّه له دخول أحد السجون في البلاد التي لم تحكم بغير ما أنزل اللَّه ليستشعر تمامًا حديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو يجلد بأنواع السياط التي تشبه أذناب البقر، وذات المقاسات المختلفة (12، 16، 18،. . . إلخ) والتى يتسابق الجلادون أعوان الظلمة، بل ويراهنون على من يستطيع أن يشق جلد السجين المسلم بضربة واحدة أو ضربتين -ناهيك عن آلات التعذيب التي لا تخطر على بال، جلادون ظلمة أشبه بالوحوش الكاسرة قلوبهم متحجرة، لذتهم الوحيدة رؤية السياط العنيفة تهوى على أجساد المؤمنين، وسماع أزيزها الحاقد المخلوط بأنين المظلومين على الأنماط البشرية الفريدة في عقيدتها المترفعة في إسلامها، والتى لا ذنب لها إلا أن قالت ربي اللَّه، فهذا مصلوب على خشبة، وهذا منكفئ على وجهه في دولاب التعذيب والسياط تمزق الجلد عن جسمه، وذاك تنزف الدماء من جبينه الذي لم ينحن إلا للَّه. . . أما العذاب الواقع على الفتيات المسلمات فحدث ولا حرج، فالقلم يخجل أن يسجل قاذورات أعوان الظلمة الطواغيت الذين يمارسون -قاتلهم اللَّه- احدث ما توصلت إليه التكنولوجيا الغربية في بلاد أسيادهم في فن التعذيب والتنكيل بالسياط المحمومة كألسنة اللهب. وتيارات الكهرباء العالية والصلب و. . . والألفاظ القبيحة النابية، ناهيك عن الممارسات القذرة الوحشية في الإعتداء على الأعراض، ممَّا يدل ¬
على حقد وكراهية للإسلام وأهله، نسأل اللَّه أن يكشف الغمة، وأن يهيئ للمسلمين طريق الخروج من هذه الفتنة، أنه سميع مجيب) (¬1). أسمعت بالإنسان ينفخ بطنه ... حتى يرى في هيئة البالون؟ أسمعت بالإنسان يلهب ظهره بالسوط ... حتى يقول: أنا المسئ خذونى؟ وآسأل ثرى الحربى أو جدرانه ... كم من قتيل فيه أو مدفون 3 - روى أحمد والحاكم والطبراني عن أبي أمامة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (سيكون في آخر الزمان شرطة يغدون في غضب اللَّه ويروحون في سخط اللَّه) (¬2) 4 - روى ابن حبان في (صحيحه) عن أبي سعيد وأبي هريرة عنهما قالا: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ليأتين عليكم أمراء، يقربون شرار الناس، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فمن أدرك ذلك منكم، فلا يكونن عريفًا ولا شرطيًا ولا جابيًا ولا خازنًا) (¬3). في هذا الحديث يحث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمته أنه إذا ظهر هؤلاء الطغاة الذين يظلمون الناس ويذلون الأحرار ويبشرون بأفكار علمانية مستوردة فلا -يجوز شرعًا للمسلم أن يكون من أنصارهم ناهيك عن أن يكون في أعوانهم أو موظفيهم، وعلى المسلم أن يمتثل لأوامر اللَّه تعالى ويضع نصب أعينه قوله تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} [هود: 113]. ويجسد في حياته معنى الولاء والبراء، الولاء للَّه ورسوله والمؤمنين والبراء ¬
ثلاثون: ظهور الكاسيات العاريات والتقليد الأعمى لأعداء الإسلام
من اليهود والنصارى والمبتدعين والملحدين والعلمانيين وكل أعداء اللَّه والإسلام. ثلاثون: ظهور الكاسيات العاريات والتقليد الأعمى لأعداء الإسلام 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتى مآخذ القرون قبلها شبرًا بشير، وذراعًا بذراع، قيل له: يا رسول اللَّه، كفارس والروم؟ قال: ومن الناس إلا أولئك؟) (¬1). 2 - عن أبي سعيد الخدرى -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا حجر ضب لتبعتموهم، قلنا: يا رسول اللَّه، اليهود والنصارى؟؟ قال: فمن؟؟) (¬2). 3 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: قوم معهم سياط. . . ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة (¬3) البخت (¬4) المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وأن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا) (¬5). هكذا تحدث الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- عما يجرى من خطوب وما يحدث من فتن وما ¬
يطرأ من عادات وتقاليد وشرائع ما أنزل اللَّه بها من سلطان، حيث انسلخت ثلة كبيرة من هذه الأمة ولا سيما شبابها وشاباتها عن قيم الأمة الإسلامية ومبادئها السامية نظرًا للانهزام الداخلى الذي يشعر به هؤلاء المقلدون للغرب والتوهم والانخداع بالمظاهر الجوفاء والتوحل في أتون الأهواء والشهوات. إن الأمة التي عزفت عن قيمها ومبادئها وانتكست عن مصدر عزتها واستعلائها لا غير أنها أمة شقية ضالة، وإذا حدث هذا فأعلن أن الساعة توشك أن تكون أقرب إلى أحدنا من حبل الوريد!!. إن الاتباع الأعمى لليهود والمغضوب عليهم والنصارى الضالين والذين يمثلون في المصطلح الحديث (الغرب) هي مصيبة المصائب وهي الطامة التي نزلت بهذه الأمة، فقد أضحى وأمسى أبناء المسلمين ألعوبة بيد هؤلاء الغربيين فما من عادة إلا وأوحوها إليهم وما من منهج شيطانى إلا وصدروه، حتى أصبحنا كالنعاج الضالة التي تبحث عن صاحبها إزائهم، إنه التقليد الأعمى والتسليم المطلق لكل شئ غربي مستورد، وإنك لترى هذا مجسدًا في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (شبرًا بشير) و (ذراعًا بذراع) و (حتى لو دخلوا ضب لدخلتموه)، وهذه كلها إشارات لشدة الاتباع والتقليد والاستسلام لكل ما يأتي منهم -الغرب- حتى غدا كثير ممن ينتسبون لهذه الأمة يكبرون كل شئ غربى لأنهم فتنوا بالقوة والتقدم الماديين لدى الغرب، ونظروا إلى حال المسلمين وواقعهم وقارنوا بين الواقعين، فتبلورت لديهم هذه الانهزامية المقيتة، والذنب ليس ذنب الإسلام ومبادئه بالنظر لواقع المسلمين، فالإسلام دين يدعو إلى العلم والتعليم والأخذ بناصية التقدم والتسابق في كل ما يدعو إلى القوة والحرية ولكن تداعى الأم الضالة علينا واستعمارهم لنا وأخذهم لكل شئ إيجابي في ديننا ونقلهم لعاداتهم السيئة إلينا وكأنه تقدم وتطور.
ونتيجة لهذا التقليد الأعمى للغرب الكافر وكثمرة من ثماره طفحت على ساحة المجتمعات الإسلامية عادة والتبرج من قبل ثلة كبيرة من نساء المسلمين، فقد أغوى الشيطان هؤلاء النسوة فانسلخن من لباس العفة والحياء، ولبسن ألبسة ضيقة شفافة تصف عوراتهن، وأرسلن شعورهن على مناكبهن غير آبهات ولا مكترثات لهذه الجريمة التي يفتن الشباب بها. لقد وصف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- هؤلاء النسوة (كاسيات عاريات) لأنهن كاسيات في ظاهر الأمر ولكنهن في الحقيقة عاريات لأنهن يسترن شيئًا ويكشفن شيئًا آخرًا، ووصفن بأنهن (مائلات مميلات) وذلك إمعان في الإغراء وإبداء الزينة وإظهار الفتنة على أشدها، فهن يملن أعجازهن وأعطافهن وأكتافهم ليجلبن أنظار الرجال إليهن، فقد سقطت المغيرة وبيع الشرف بعد أن ذهب العفاف وتبخرت المبادئ. ووصفهن أيضًا بأنهن (رؤوسهن كأسنمة البخت) لأنهن يعملن التسريحات حسب الموضة التي تأتى من الغرب بطريقة التسريحة أو وصل الشعر بالباروكة وما إلى ذلك من ألاعيب وتفنن في الفتنة والإغراء. إنها أسباب متعلقة الواحدة بالأخرى فالتحلل من القيم الإسلامية قال أغلب المسلمين إلى التخلى عن مبادئهم وانصرفوا عن أسمى شيء في هذا الوجود ألا وهو الدعوة إلى اللَّه وحب الإسلام والتبشير به والجهاد وسفك الدماء في سبيله، أدى هذا إلى نوم المسلمين وغفوتهم فقفز إلى أخذ زمام الأمور خروج الغرب والمنبهرين بمبادئه فنشروا الفساد وروجوا الإلحاد ووصموا الإسلام بالرجعية والتأخر، فأدى ذلك إلى فساد المجتمعات شيئًا فشيئًا وطفحت على الساحة هذه العادات السيئة ألا وهي السفور والفجور
إحدى وثلاثون: قطع المال والغذاء عن العراق وغيرها من بلاد المسلمين
كنتيجة لشعار (العصا والخبز) الذي رفعه هؤلاء الظالمون، وسياسة (السياط والجلد)، ففرضوا واقعًا غريبًا مستوردًا على أمة الإسلام، ومع تولى الأيام صرنا إلى ما صرنا إليه الآن. إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يحذر أمته عن المبادئ والذوبان في بوتقة الحضارة الغربية، وإن من ينسلخ عن دينه ويعمل بما يملى عليه الغرب لا شك أنه من أهل السعير في الآخرة، فلا يجد الجنة ولا يشم ريحها. إن الذي ينظر إلى أحاديث الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا المضمار يشم عبير الإعجاز، فالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يصف هذه الحالات التي نعيشها ونراها في مجتمعاتنا وكأنه يعيش معنا، إنها النبوة، أجل إنها النبوة والوحى والإعجاز الإلهى. إحدى وثلاثون: قطع المال والغذاء عن العراق وغيرها من بلاد المسلمين 1 - عن أبي نضرة قال: كنا عند جابر بن عبد اللَّه فقال: (يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز (¬1) ولا درهم. قلنا: من أين ذاك؟ قال: من قبل العجم يمنعون ذاك. ثم قال: يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم دينار ولا مدى (¬2). قلنا: من أين ذاك؟ قال: من قبل الروم. ثم سكت هنية ثم قال:. . . (¬3). وقد حدث هذا الحصار الإقتصادى قديمًا على العراق والشام أيام سيطرة ¬
بريطانيا على بلاد المسلمين فحاصرت العراق والشام ومنعت عن هذين البلدين المسلمين المال والغذاء إلى أن انجلت هذه المحنة. وقد تجدد هذا الظلم الغربي وقتنا الحاضر، وتمادى الغربيون في إثخان جراح المسلمين ومحاصرتهم ماديًا ومعنويًا وعلميًا وغذائيًا، حتى سقط آلاف الشهداء من الأبرياء نظرًا لفقدان الغذاء والدواء عن شعب العراق المسلم، وما ذنب هذه الشعوب المسلمة إلا لأن الغرب اللعين حاقد وجبان وينظر نظرة تخوف وارتياب إليها فربما مسكت بناصية العلم والتطور فتصبح هذه البلدان يومًا ما تضاهى إسرائيل المدللة من ناحية القوة العسكرية والاقتصادية، فهى تحاصر الشعوب وتملى سياسة الجوع والمرض والقتل باسم النظام العالمى الجديد. وربما يحدث هذا للشام ولمصر وغيرها من دول المسلمين، فإن الغرب باستطاعته كتابة مسرحيات وإيجاد أبطال يمثلونها ليمرروا استراتيجيتهم وخططهم على شعوب المسلمين والعرب خصوصًا وما هذا التمادى والتبجح في حصار شعب العراق والإمعان في إثخان الجراح وتعدد أشكال القتل والتدمير إلا إرضاء إسرائيل المجرمة بنت الغرب المدللة، وما نراه ونشاهده ونعيشه من قتل وتعذيب وإذلال لشعب فلسطين ومحاولة وأد ثورة الحجارة المباركة وانتفاضة الأقصى (¬1) إلا خير شاهد على ذلك، والغرب اللعين يتفرج، بل العالم كله ينام ملأ جفونه ويطرب لأناة المعذبين وآهات الثكالى المستضعفين، ودماء الشهداء الخالدين، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه. ¬
اثنان وثلاثون: انتفاخ الأهلة وموت الفجأة
اثنان وثلاثون: انتفاخ الأهلة وموت الفجأة 1 - روى الطبراني في (الكبير) عن ابن مسعود، والطبراني في (الأوسط) و (الصغير) عن أبي هريرة والطبراني في (الأوسط) والضياء عن أنس: رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (من اقتراب الساعة انتفاخ الأهلة) (¬1). 2 - روى الطبراني وغيره عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (من اقتراب الساعة أن يرى الهلال قبلًا (¬2)، فيقال لليلتين، وأن تتخذ المساجد طرقًا، وأن يظهر موت الفجأة) (¬3). أما (انتفاخ الأهلة) فإن هذه العلامة لم تظهر بعد، وأما موت الفجأة، وقد أصبح ظاهرة العصر الراهن، نظرًا لتفشى الأمراض وضنك العيش والأزمات النفسية والقهر والإذلال وإنقلاب الموازين وسيادة اللئام وناقصى المروءة، وبروز أبناء البيوت المشبوهة والمطمورة وإنزوا ابناء البيوت الشريفة والمعرفة، إنها نتيجة لكل ما مر من علامات الساعة التي يدمى من بلائها فؤاد المسلم الحليم. ثلاث وثلاثون: تغيير المظاهر لأخفاء الشيب (الخضاب بالسواد) 1 - روى أبو داود والنسائي عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (يكون في آخر الزمان قوم يخضبون بالسواد (¬4) كحواصل الحمام (¬5) لا ¬
أربعة وثلاثون: تكليم السباع والجماد للإنسان وإخبار الفحذ بما يحدث الأهل
يريحون رائحة الجنة) (¬1). قال الحافظ في الفتح: (اختار النووي أن الصبغ بالسواد يكره كراهية تحريم) (¬2). أربعة وثلاثون: تكليم السباع والجماد للإنسان وإخبار الفحذ بما يحدث الأهل 1 - روى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدرى، قال: (عدا الذئب على شاة فأخذها، فطلبه الراعى، فانتزعها منه، فأقعى الذئب على ذنبه، قال: ألا تتقى اللَّه؟ تنزع منى رزقًا ساقه اللَّه إلى؟ فقال: يا عجبى، ذئب مقع على ذنبه يكلمنى كلام الأنس. فقال الذئب: ألا أخبرك بأعجب من ذلك؟؟ محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق. قال: فأقبل الراعى يسوق غنمه حتى دخل المدينة، فزواها إلى زاوية من زواياها، ثم أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأخبره، فأمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فنودى بالصلاة جامعة، ثم خرج، فقال للراعى: أخبرهم، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: صدق، والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى يكلم السباع الأنس، ويكلم الرجل عذبة سوطه وشراك نعله، ويخبره فخذه بما حدث أهله بعده) (¬3). 2 - روى أحمد والشيخان والنسائي عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال: رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الصبح، ثم أقبل على الناس فقال: (بينما رجل يسوق بقرة، إذ ركبها فضربها، فقالت: إنا لم لخلق لهذا، إنما خلقنا للحرث. فقال الناس: ¬
خمسة وثلاثون: صدق رؤيا المؤمن
سبحان اللَّه. . بقرة تتكلم؟ فقال: إنى أؤمن بهذا أنا وأبو بكر وعمر، وما هما ثم. وبينما رجل في غنمه، إذ عدا الذئب، فذهب منها بشاه، فطلب حتى كأنه استنفذها منه، فقال له الذئب: يا هذا استنفذتها منى فمن لها يوم السبع (¬1)، يوم لا راعى لها غيرى، فقال الناس: سبحان اللَّه! ذئب يتكلم؟ قال: فأنى أؤمن بهذا أنا وأبا بكر وعمر، وما هما ثم) (¬2). خمسة وثلاثون: صدق رؤيا المؤمن 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إذا اقترب الزمان، لم تأكد رؤيا المؤمن تكذب، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة). وفى رواية أخرى: (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب، وأصدقكم رؤيا، أصدقكم حديثًا. . .) (¬3). 2 - عن أبى هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (لم يبق من النبوة إلا المبشرات. قالوا: وما المبشرات؟؟ قال: الرؤيا الصالحة) (¬4). وقد ورد في تفسير قوله تعالى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} هي الرؤيا الصالحة (¬5). ¬
ثم قال الحافظ في الفتح: (والمعنى لم يبق بعد النبوة المختصة بي إلا المبشرات، ثم فسرها بالرؤيا. وقد جاء في حديث ابن عباس أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال ذلك في مرض موته، أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي. . . عن ابن عباس أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كشف الستارة ورأسه معصوب في مرضه الذي مات فيه، والناس صفوف خلف أبي بكر فقال: يا أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له. وقال ابن التين: معنى الحديث أن الوحي ينقطع بموتى ولا يبقى ما يعلم منه ما سيكون إلا الرؤيا (¬1). إن من علامات الساعة ودنو أجلها صدق رؤيا المؤمن، ولأن المؤمن في زمنه يكون غريبًا، فإن الرؤيا تعتبر له أنيس ومبشر في عالم يعج بالماديات والتكالب على الدنيا، إذ قلما تكذب رؤياه. إذ من كان الصدق ملاصقًا له وأساسًا ينتهجه في حياته، تشرق روحه صفاء ويغلب على ظاهره التقوى فيتولد عن ذلك صدقًا في نومه فلا يرى إلا صدقًا، إذ أن فاقد الشيء لا يعطيه، والإناء ينضح بما فيه والعكس بالعكس بالنسبة للكاذب، فهو لا يرى إلا تخليطًا وأوهامًا نظرًا لملاحقة الكذب له في يقظته. قال الحافظ في الفتح: (والحكمة في اختصاص ذلك بآخر الزمان: أن المؤمن في ذلك الوقت يكون غريبًا فيقل أنيسه ومعينه فهي ذلك الوقت فيكرم بالرؤيا الصالحة) (¬2). ¬
الفصل الثاني الفتن
الفصل الثاني الفتن خلق اللَّه تعالى آدم عليه السلام في أحسن تقويم، ونفخ فيه من روحه وأسكنه جنته، وبعد أن وسوس الشيطان له ولزوجه حواء في الجنة، وفشلا في الامتحان بعد أن نهاهما ربهما تعالى عن الأكل من الشجرة، أنزلهما إلى دار الابتلاء والكدح ليختبرهما من جديد وذريتهما في رحلة الحياة المضنية، بعد إنزاله تعالى لمنهجه في الأرض وإرساله الرسل والأنبياء كمرشدين ومنذرين، وعلى هذا الأساس فإن وجودنا على هذه الأرض محض ابتلاء وامتحان، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2] وقال تعالى {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الكهف: 7] إذًا فكل ما حدث ويحدث للإنسان في مضمار حياته، هو فتنة وابتلاء واختبار حتى الخير والشر والسراء والضراء، قال تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35]. الفتنة لغة واصطلاحًا الفتنة لغة: الفتن جمع فتنة، وأصل الفتنة في كلام العرب: الامتحان والاختبار (¬1) وفى الاصطلاح: هي المحنة والعذاب والشدة وكل مكروه وآيل إليه كالكفر والإثم والفضيحة والفجور والمصيبة، فإن كانت من اللَّه تعالى فهى ¬
على وجه الحكمة، وإن كانت من الإنسان بغير أمر اللَّه فهى مذمومة (¬1). قال ابن الجوزي في المدهش: وردت كلمة الفتنة في القرآن الكريم بمعنى الشرك في قوله تعالى {حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193] ويراد بها القتل {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101] ويراد بها المعذرة، ثم لم تكن فتنتهم ويراد بها الضلال، {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ} [المائدة: 41]، ويراد بها القضاء، {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ} [الأعراف: 155] ويراد بها الإثم، {أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} [التوبة: 49] ويراد بها المرض، {يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ} [التوبة: 126] ويراد بها العبرة، {تَجْعَلْنَا فِتْنَةً} [يونس: 85] ويراد بها العقوبة، {أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} [النور: 63] ويراد بها الاختبار، {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [العنكبوت: 3] ويراد بها الإحراق، {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [الذاريات: 13] ويراد بها الجنون، {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} [القلم: 6] (¬2). والفتن التي يتعرض لها الإنسان هي بإرادة اللَّه سبحانه، لا لتعذيبه وإيذائه لأن اللَّه غنى عن عباده، ولكنها تعرض للناس كما يعرض الصائغ الذهب على النار ليطهره من الشوائب الدخيلة عليه ليصفيه ويجعله خالصًا أصيلًا يستهوى المقتنين له، كذلك المؤمن يعرضه ربه للشدائد ليصفو ويزكو وتتطهر نفسه وتخلص للَّه تعالى ليكون أهلًا لوراثة الخلافة في الأرض على منهج اللَّه في الدنيا وكذلك ليكون مستحقًا للنعيم الدائم يوم القيامة قال تعالى {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 3] أما الأدعياء الكاذبون فإنهم يسقطون لا محالة، وأما المخلصون الذين تنورت قلوبهم بنور ¬
الإيمان وذاقوا برد اليقين وصدقوا في عهدهم مع اللَّه فإنهم يثبتون على العهد ولا تؤثر فيهم فتنة ما دامت السموات والأرض، واللَّه تعالى هو المطلع على القلوب يقلبها كيف يشاء وهو سبحانه المصرف للأحوال ويعطى كلًا حسب نيته وصدقه والعكس بالعكس. (إن الإيمان ليصر كلمة تقال، إنما هي حقيقة ذات تكاليف، وأمانة ذات أعباء، وجهاد يحتاج إلى صبر، وجهد يحتاج إلى إحتمال، فلا يكفى أن يقول الناس أمنًا وهم يتركون هذه الدعوى حتى يتعرضوا للفتنة، فيثبتوا عليها ويخرجوا منها صافية عناصرها خالصة قلوبهم. إذ الإيمان أمانة اللَّه في الأرض لا يحملها إلا من هم لها أهل، وفيهم على حملها قدرة، وفى قلوبهم تجرد لها وإخلاص، ولا الذين يؤثرونها على الراحة والدعة وعلى الأمن والسلامة وعلى المتاع والأغراء، وأنها لأمانة الخلافة في الأرض، وتحقيق كلمته في عالم الحياة. وما باللَّه -حاشا للَّه- أن يعذب المؤمنين بالإبتلاء، وأن يؤذيهم بالفتنة، ولكنه الإعداد الحقيقي لتحمل الأمانة. . . والنفس تصهرها الشدائد فتنفى عنها الخبث وتستجيش كامن قواها المذخورة فتستيقظ وتتجمع وتطرقها بعنف وشدة فيشتد عودها ويصلب ويصقل) (¬1) لكل هذا وذاك كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يحدث أصحابه عن الفتن التي ستحدث بعده، وقبيل الساعة، وكيف النجاة منها وتجنبها وكان يدعو قائلًا (اللَّهم أنى أعوذ بك من عذاب جهنم وأعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيخ الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات) (¬2) وكذلك ¬
أولا: حذيفة بن اليمان وأحاديث الفتن
كان حال الصحابه من بعده- يتدارسون موضوع الفتن ويستعيذون باللَّه منها تجنبًا لها وخوفًا على إيمانهم وإستقامتهم وحسن خاتمتهم، كما نرى من خلال الأحاديث النبوية وما فيها من حوار الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- مع صحابته حول هذا الموضوع الذي أقلقهم وقض مضاجعهم. قال عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه-: (لا يقولن أحدكم: اللَّهم أننى أعوذ بك من الفتنة، فإنه ليس منكم أحد إلا وهو مشتمل على فتنة، لأن اللَّه تعالى يقول: {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [الأنفال: 28] فأيكم إستعاذ، فليستعذ باللَّه من مضلات الفتن) (¬1). أولًا: حذيفة بن اليمان وأحاديث الفتن 1 - قال حذيفة -رضي اللَّه عنه- كاتم سر الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: (واللَّه أنى لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة بينى وبين الساعة، وما بي (إلا) أن يكون الرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أسر إلى في ذلك شيئًا لم يحدثه غيري، ولكن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال يومًا وهو في مجلس يتحدث عن الفتن ويعدهن: منها ثلاث لا يكدن يذرن شيئًا، ومنها فتن كرياح الصيف -منها صغار ومنها كبار، فيذهب أولئك الرهط الذي سمعوه معى كلهم غيرى) (¬2). 2 - وفى رواية أخرى قال حذيفة -رضي اللَّه عنه-: (أخبرني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، فما منه شيء إلا قد سألته إلا أنى لم أسأله: ما يخرج أهل المدينة من المدينة)؟ (¬3) 3 - وعن ابن الدرداء -رضي اللَّه عنه- أنه قال لعلقمة: (أليس فيكم صاحب السر الذي لا ¬
يعلمه غيره)؟ (¬1) 4 - قال حذيفة بن اليمان -رضي اللَّه عنه-: (كنا جلوسًا عند عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، فقال أيكم يحفظ قول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فيه الفتنة كما قال؟ فقلت: أنا أحفظه كما قال. . قال: أنت، للَّه أبوك! هات. إنك عليه لجرئ (¬2)، فكيف، قلت. فتنة الرجل فيه أهله وماله ونفسه وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر قال: ليس هذا ما أريد، إنما أمريد الفتنة التي تموج كموج البحر فقلت: مالك ولها؟ لا بأس عليك منها يا أمير المؤمنين، سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير -تلك القلوب- على قلبين (¬3)، أبيض مثل الصفا (¬4)، فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخر أسودا (مربادًا) (¬5) كالكوز مجخيًا (¬6)، لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا (إلا ما اشرب هواه، وإن بينك وبينها -الفتنة- بابًا) يوشك أن يكسر. فقال عمر: اكسرًا؟ فلو أنه فتح لعله كان يعاد. قلت: لا: بل يكسر، قال: ذلك أحرى أن لا يغلق أبدًا إلى يوم القيامة. ¬
ثانيا: لا فتن وعمر موجود
فقلنا لحذيفة: هل كان عمر يعلم من الباب؟ قال: نعم، كما يعلم أن دون غد الليلة، أنى حدثته حديثًا (ليس بالأغاليط (¬1) فهبنا نسأل حذيفة من الباب؟ فقلنا المسروق: سله فقال: الباب عمر رضي اللَّه عنه) (¬2). أي بموت عمر -رضي اللَّه عنه- يفتح باب الفتنة إلى يوم القيامة لا يغلق، قد تحقق هذا إذ باستشهاد أمير المؤمنين عمر، فتح باب الفتن على مصراعيه، وحدث من الأمور التي ينفطر منها قلب المؤمن، من الإقتتال والتجرأ على الخلفاء ودخول معول الهدم من الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر والزندقة والحقد على الإسلام والمسلمين. . . ومن كلام حذيفة -رضي اللَّه عنه- وقد سئل: أي الفتن أشد؟ فقال: (أن يعرض عليك الخير والشر فلا تدرى أيهما تركب) (¬3). ثانيًا: لا فتن وعمر موجود 1 - روى عن خالد بن الوليد: (أن رجلًا) قال له: يا أبا سليمان اتق اللَّه، فإن الفتن قد ظهرت. فقال أما وابن الخطاب حي فلا، وإنما تكون بعده، فينظر الرجل فيفكر هل يجد مكانًا (لم تنزل به مثل ما نزل بمكانه الذي هو به من الفتنة والشر فلا يجد، فتلك الأيام التي ذكر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بين يدى الساعة -أيام الهرج) (¬4). ¬
ثالثا: الرسول يتحدث عن الفتن
ثالثًا: الرسول يتحدث عن الفتن 1 - عن أسامة بن زيد -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. (اشرف على أطم (¬1) من آطام المدينة ثم قال: هل ترون ما أرى؟ إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر) (¬2) قال النووي: (التشبيه بمواقع القطر: في الكثرة والعموم. أي أنها كثيرة وقع الناس لا تخص بها طائفة، وهذا إشارة إلى الحروب الجارية بينهم كموقعة الجمل وصفين) (¬3) 2 - سئل -صلى اللَّه عليه وسلم-: هل للإسلام من منتهى؟ فقال: أيما أهل بيت من العرب أو العجم أراد اللَّه بهم خيرًا ادخل عليهم الإسلام فقال: ثم ماذا؟ قال: ثم تقع الفتن كالظلل فقال الرجل: كلا واللَّه إن شاء اللَّه. قال: بلى والذي نفسي بيده، لتعودن فيها أساود صبًا (¬4)، يضرب بعضكم رقاب بعض) (¬5). ¬
3 - عن أم سلمه زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالت: (استيقظ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ليلة فزعًا مرعوبًا يقول: سبحان اللَّه ماذا فتح الليلة من الخزائن، وماذا أنزل من الفتن، من يوقض صواحب الحجر، يريد أزواجه- لكى يصلين، رب كاسية في الدنيا عاريةً في الآخرة) (¬1). 4 - خرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: (يا أصحاب الحجرات، سعرت النار، وجاءت الفتن كأنها قطع الليل المظلم، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا) (¬2). 5 - عن عبد اللَّه بن عمر قال سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (إن الفتنة تجئ من هنا وأومأ بيده نحو المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان، وأنتم يضرب بعضكم رقاب بعض، وإنما قتل موسى عليه السلام الذي قتل من آل فرعون خطأ فقال اللَّه عز وجل {وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [طه: 40] (¬3). 6 - عن عبد اللَّه بن عمر أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا- مرتين فقال رجل: وفى مشرقنا يا رسول اللَّه؟ فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: من هناك يطلع قرن الشيطان، وبها تسعة أعشار الشر) (¬4). ¬
7 - عن أبي موسى الأشعري -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في الفتنة: (إكسروا فيها قسيكم، واقطعوا فيها أوتاركم، والزموا فيها اجواف بيوتكم، وكونوا كابن آدم) (¬1). 8 - وأخرجه أبو داود بزيادة له في أوله قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أن بين يدى الساعة فتنًا كقطع الليل المظلم (¬2)، يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، القاعد فيها خيرًا من القائم، والماشي فيها خيرًا من الساعي، فكسروا فيها قسيكم، وقطعوا أوتاركم، وضربوا سيوفكم بالحجارة، فإن دخل على أحد منكم فليكن كخير بنى آدم) (¬3). وفى رواية: قالوا فما تأمرنا؟ قال كونوا أحلاس (¬4)، بيوتكم) (¬5). 9 - عن بكر -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أنها ستكون فتنة ألا ثم تكون فتن، القاعد فيها خير من الماشي فيها، والماشي فيها خير من الساعي إليها، ألا فإذا نزلت أو وقعت، فمن كان له إبل فليلحق بإبله، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه قال: فقال رجل: يا رسول اللَّه: أرأيت من لم يكن له إبل ولا غنم ولا أرض؟ ¬
قال: يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر ثم لينج إن استطاع النجاء، اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ قال: فقال رجل: يا رسول اللَّه: أرأيت إن اكرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين، أو إحدى الفئتين فضربني رجل بسيفه، ويجئ سهم فيقتلنى؟ قال: يبوء بإثمه وإثمك ويكون من أصحاب النار) (¬1). قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (القاعد فيها خير من القائم إلى آخره. . .بمعناه: (بيان عظيم خطرها والحث على تجنبها والهرب منها ومن التشبث في شيء منها، وإن شرها وفتنتها يكون على حسب التعلق بها) (¬2). قال الطبري: (اختلف السلف فحمل ذلك بعضهم على العموم وهم من قعد عن الدخول في القتال بين المسلمين مطلقًا، وقالت طائفة: بلزوم البيوت، وطائفة أخرى بالتحول عن بلد الفتن أصلًا. ومنهم من قال: إذا هجم عليه شيء من ذلك يكف يده ولو قتل، منهم من قال: بل يدافع عن نفسه وعن ماله وأهله وهو معذور إن قتل أو قتل، وقال آخرون: إذا بغت طائفة على الإمام وجب قتالها، ووجب على كل قادر الأخذ على يد المخطئ ونصر المصيب، وفصل آخرون فقالوا: كل قتال وقع بين طائفتين من المسلمين حيث لا إمام ولا جماعة فالقتال حينئذ ممنوع، وقيل: إن أحاديث النهي مخصوصة بآخر الزمان حيث يحصل التحقق بأن المقاتلة إنما هي في طلب الملك، وقد وقع في حديث بن مسعود الذي اشرت إليه (قلت يا رسول اللَّه ومتى ذلك؟ قال أيام الهرج قلت: ومتى؟ قال: حين لا يأمن الرجل جليسه) (¬3). ¬
10 - في رواية عنه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ويل للعرب من شر قد اقترب، قطعًا كالليل المظلم يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا يبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا قليل، المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر أو قال الشوك) (¬1). 11 - وفي رواية عنه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ستكون فتن يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا إلا من أحياه اللَّه بالعلم) (¬2). 12 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ستكون فتن القاعد لها تستشرقه، فمن وجد منها ملجأً أو معاذًا فليعذ به) (¬3). قال ابن حجر: قال بعض الشراح. (في قوله: (والقاعد فيها خيرًا من القائم) أي القاعد في زمانها عنها فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، ومن تشرف قال: والمراد بالقائم الذي لا يستشرفها وبالماشي من يمشي في أسبابه لأمر سواها فربما يقع بسبب مشيه في أمر يكرهه). قال وحكى بن التين عن الداودى: الظاهر أن المراد من يكون مباشرًا لها في الأحوال كلها، يعني أن بعضهم في ذلك أشد من بعض، فأعلاهم في ذلك الساعي فيها بحيث يكون سببًا لإثارتها، ثم من يكون قائمًا بأسبابها وهو الماشي، ثم من يكون مباشرًا لها وهو القائم، ثم من يكوم مع النظارة ولا يقاتل وهو القاعد، ثم من يكون مجتنبًا لها ولا يباشر ولا ينظر وهو المضطجع اليقظان ثم من لا يقع منه شيء من ذلك لكنه راض وهو النائم، والمراد بالأفضلية في هذه الخيرية من يكون أقل شرًا من فوقه). ¬
قوله: (من تشرف لها تستشرفه): (من تطلع لها بأن يتصدى ويتعرض لها ولا يغرض عنها تستشرفه أي تهلكه بأن يشرف منها على الهلاك، يقال: استشرفت الشيء علوته وأشرفت عليه، يريد من انتصب لها انتصبت له ومن اعرض عنها أعرضت عنه، وحاصله بأن من طلع فيها بشخصه قابلته بشرها، ويحتمل أن يكون المراد من خاطر فيها بنفسه أهلكته، ونحو قول القائل من غلبها غلبته. قوله: (فمن وجد فيها ملجأً أو معاذًا فليعذ به): (أي يلتجئ أليه من شرها، أي ليعتزل فيه ليسلم من شر الفتنة وفيه التحذير من الفتن عمومًا والحث على اجتنابها وأن الشر يلق بصاحبها حسب تعلقه بها، وتطلعه إليها وإلا فالأولى به أن يعتزلها كى لا يقع فيها واللَّه أعلم) (¬1). 13 - عن الزبير بن عدي قال: (أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما يلقون من الحجاج، فقال اصبروا، فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا والذى بعده أشر منه حتى تلقوا ربكم، سمعته من نبيكم صلى اللَّه عليه وسلم) (¬2). وفي رواية عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان عند الاسماعيلى: (شكونا إلى أنس ما نلقى من الحجاج) (¬3) قال بن بطال: (هذا الخبر من أعلام النبوة لإخباره -صلى اللَّه عليه وسلم- بفساد الأحوال، وذلم من الغيب الذي لا يعلم بالرأى وإنما يعلم بالوحى) (¬4). قال ابن حجر: (وقد استشكل هذا الإطلاق مع أن بعض الأزمنة تكون ¬
في الشر دون التي قبلها، ولو لم يكن في ذلك إلا زمن عمر بن عبد العزيز وهو بحذر من الحجاج بيسير. . .بل لو قيل: إن الشر اضمحل في زمانه لما كان بعيدًا، فضلًا عن أن يكون شر من الزمن الذي قبله، وقد حمله الحسن البصرى على الأكثر الأغلب. وأجاب بعضهم: أن المراد بالتفضيل، تفضيا مجموع العصر، فإن عصر الحجاج كان فيه كثير من الصحابة في الأحياء وفي عصر عمر بن عبد العزيز انقرضوا، والزمان الذي فيه الصحابة خير من الزمان الذي بعده لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (خير القرون قرني) وهو في الصحيحين، ثم وجدت عن عبد اللَّه بن مسعود التصريح بالمراد وهو أولى بالاتباع، يقول لا يأتي عليكم إلا وهو شر من اليوم الذي كان قبله حتى تقوم الساعة، لست أعنى رخاء من العيش يصيبه ولا مالًا يفيده، ولكن لا يأتي عليكم يوم إلا وهو أقل علمًا من اليوم الذي مضى قبله، فإذا ذهب العلماء واستوى الناس فلا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر فعند ذلك يهلكون). وفى لفظ عنه من هذا الوجه (يعني بن مسعود): (وما ذاك بكثرة الأمطار وقلتها ولكن بذهاب العلماء ثم يحدث قوم يفتون في الأمور برأيهم فيثلمون الإسلام ويهدمونه) (¬1). قال ابن حجر: (قلت: ويحتمل أن يكون المراد بالأزمنة ما قبل وجود العلامات العظام كالدجال وما بعده ويكون المراد بالأزمنة المتفاضلة في الشر من زمن الحجاج فما بعده إلى زمن الدجال، وأما زمن عيسى عليه السلام فله حكم مستأنف واللَّه أعلم، ويحتمل أن يكون المراد بالأزمنة المذكورة أزمنة ¬
الصحابة بناء على أنهم هم المخاطبون بذلك فيختص بهم، فأما من بعدهم فلم يقصد في الخبر المذكور، ولكن الصحابي فهم التعميم فلذلك أجاب من شكا إليه من الحجاج بذلك وأمرها بالصبر) (¬1). قال القسطلاني في شرحه للبخارى: (وعند الطبراني بسند صحيح عن بن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: (امس خير من اليوم، واليوم خير من غد، وكذلك حتى تقوم الساعة) (¬2). 14 - عن هند بنت الحارث الرواسية أن أم سلمه زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالت: (استيقظ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ليلة فزعًا يقول: سبحان اللَّه، ماذا أنزل اللَّه من الخزائن وماذا أنزل من الفتن؟ من يوقظ صوحب الحجرات -يريد أزواجه- لكي يصلين؟ رب كاسية في الدنيا عاريةً في الآخرة) (¬3) قال ابن حجر: قال ابن بطال: (في هذا الحديث أن الفتوح في الخزائن تنشأ عنه فتنة المال بأن يتنافس فيه فيقع القتال بسبه وإن يخل به فبمنع الحق أو يطر صاحبه فيسرف، فأراد -صلى اللَّه عليه وسلم- تحذير أزواجه من ذلك كله وكذا غيرهن ممن بلغه ذلك وأراد بقوله: (من يوقظ) بعض خدمه كما قال يوم الخندق: (من يأتينى بخبر القوم) (¬4). وفى الحديث الندب إلى الدعاء، والتضرع عند نزول الفتنة ولا سيما في الليل لرجاء وقت الإجابة لتكشف أو يسلم الداعي ومن دعا له وباللَّه التوفيق) (¬5). ¬
15 - عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن) (¬1). قوله (يفر بدينه من الفتن): قال ابن حجر: (والخبر دال على فضيلة العزلة لمن خاف على دينه، وقد اختلف السلف في أصل العزلة فقال الجمهور. الاختلاط أولى لما فيه من اكتساب الفوائد الدينية للقيام بشعائر الإسلام وتكثير سواد المسلمين وإيصال أنواع الخير إليهم من إعانة وإغاثة وعبادة وغير ذلك وقال قوم: العزلة أولى لتحقق السلامة بشرط معرفة ما يتعين، وقال النووي: المختار تفضيل المخالطة لمن لا يغلب على ظنه أنه يقع في معصية، فإن أشكل الأمر فالعزلة أولى، وقال غيره: يختلف باختلاف الأشخاص، فمنهم من يتحتم عليه أحد الأمرين، ومنهم من يترجح، وليس الكلام فيه، بل إذا تساويا فيختلف باختلاف الأحوال فإن تعارضا اختلف باختلاف الأوقات، فمن يتحتم عليه المخالطة من كانت له قدرة على إزالة المنكر فيجب عليه إما عينًا وإما كفاية بحسب الحال والإمكان، وممن يترجح من يطلب على ظنه أن يسلم في نفسه إذا قام بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وممن يستوى من يأمن على نفسه ولكنه يتحقق أنه لا يطاع، وهذا حيث لا يكون هناك فتنة عامة، فإن وقعت الفتنة ترجحت العزلة لما ينشأ فيها غالبًا من الوقوع في المحذور، وقد تقع العقوبة بأصحاب الفتنة فتعم من ليس من أهلكها كما قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25] ويؤيد التفضيل المذكور حديث بن سعيد. ¬
رابعا: اللسان في الفتنة
أيضًا (خير الناس رجل جاهد بنفسه وماله ورجل فيه شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره) (¬1) رابعًا: اللسان في الفتنة 1 - قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إنها ستكون فتنة تستنظف العرب قتلاها في النار، اللسان فيها أشد من وقع السيف) (¬2). 2 - وقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ستكون فتنة صماء بكماء عمياء، من أشرف لها استشرفت له، اللسان كوقوع السيف) (¬3). 3 - وقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إياكم والفتن فإن اللسان فيها مثل وقع السيف) (¬4). وقال القرطبي: قوله (تستنظف العرب): (أي ترمى بهم، مأخوذ من نظف الماء أي قطر، والنطفة الماء الصافى قل أو أكثر والجمع نطاف، أي أن هذه الفتنة تقطر قتلاها فلا النار أي ترميهم فيها لاقتتالهم على الدنيا واتباع الشيطان والهوى. قوله: (اللسان فيها أشد من وقع السيف): أي بالكذب عند أئمة الجور ونقل الأخبار إليهم فربما ينشأ عن ذلك من النهب والقتل والجلد والمفاسد العظيمة أكثر مما ينشأ من وقوع الفتنة نفسها) (¬5). 4 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: أمه سمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (إن العبد ليتكلم ¬
بالكلمة ينزل بها في النار ما بين المشرق والمغرب) (¬1). 5 - قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أنا لغير الدجال أخوف علي وعليكم: فقلنا ما هو؟ قال: فتن كأنها قطع الليل المظلم. قال: فقلنا: أي الناس فيها شر؟ قال: كل خطيب مصقع وكل راكب موضع. فقلنا: أي الناس فيها خير؟ قال: كل غنى خفي، فقلت: ما أنا بالغنى ولا بالخفى قال: فكن كابن اللبون: لا ظهر فيه فيركب، ولا ضرع فيحلب) (¬2) قال الشيخ عبد الفتاح أبو عدة: (ويريد به الخطيب البليغ الذي يخدع ببلاغته وفصاحته العقول والألباب، فيريها الباطل حقًا والحق باطلًا) (¬3). 6 - عن عمر -رضي اللَّه عنه- رفعه إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (أتانى جبريل فقال: إذ أمتك مفتتنة من بعدك، فقلت من أين؟: من أقبل أمرائهم وقرائهم؟ يمنع الأمراء الناس الحقوق، فيطلبون حقوقهم فيفتنون، ويتبع القراء أهواء المراء فيفتنون. قلت: فكيف من يسلم منهم؟ قال بالكف والصبر، أن اعطوا الذي لهم أخذوه وإن منعوه تركوه) (¬4). ¬
خامسا: الأمر بالصبر عند الفتن
خامسًا: الأمر بالصبر عند الفتن 1 - روى أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان والحاكم عن أبي ذر قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (كيف أنت يا أبا ذر وموتًا يصيب الناس حتى يقوم البيت بالوصيف (يعني: القبر)؟! قلت: ما خار اللَّه لي ورسوله، قال: تصبر. قال: كيف أنت وجوعًا يصيب الناس حتى تأتى مسجدك فلا تستطيع أن ترجع إلى فراشك ولا تستطيع أن تقوم من فراشك إلى مسجدك؟ قلت: ما خار اللَّه لي ورسوله. قال: عليك بالعفة. ثم قال: كيف أنت وقتلًا يصيب الناس حتى تعرف حجارة الزيت بالدم؟! قلت: ما خار اللَّه لي ورسوله. قال: إلحق بمن أنت منه. قال: قلت: يا رسول اللَّه، أفلا أخذ بسيفى فأضرب به من فعل ذلك؟ قال: شاركت القوم إذًا، ولكن أدخل بيتك. قلت: يا رسول اللَّه: فإن دخل على بيتى؟ قال: إن خشيت أن يبهرك شعاع السيف، فألق طرف ردائك على وجهك فيبوء بإثمه وإثمك، فيكون من أصحاب النار) (¬1). يشير النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى الفتن والحروب والمظالم التي تحدث بعده ويوضح على الخصوص أن أحجار الزيت (¬2) وهو المكان الذي كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يستسقى عنده في المدينة المنورة -ستغرق بالدم من شدة القتل، إشارة إلى استباحة المدينة النبوية الشريفة وما جرى فيها من المظالم التي يندى لها الجبين ¬
سادسا: بادروا بالأعمال عند الفتن
وما احدث من المنكرات حيث قتل ثلة من الصحابة وفيه إشارة إلى الاعتزال أيام اشتداد الفتن لمن لا يستطيع تغييرها، ولأن القتال كائن بين المسلمين، والأمر بالصبر وموالاة المؤمنين وانتظار الرحيل. . . سادسًا: بادروا بالأعمال عند الفتن 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع أحدهم دينه بعرض من الدنيا قليل) (¬1). يشير النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا الحديث إلى حالة يقشعر لها البدن ويرتجف منها القلب، وهي حالة الازدواجية والتذبذب التي تعترى الناس عمومًا، حيث يميل المرء والعياذ باللَّه مع هواه وإن وجد متاع الدنيا ولو كان هذا المتاع زهيدًا وهذه اللذة عابرة، فبهذه البساطة يبيع دينه وعقيدته التي هي أمانة أثقل من الجبال بل أبت السموات والأرض والجبال عن حملها قال تعالى: {وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: 72] فيتحول من مؤمن إلى كافر عشية وضحاها، في هذا السيل المتلاطم من الفتن وبروز الأهواء وإيثار متاع الدنيا، يحسنا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى العمل الصالح والتمسك بأهداب الإسلام صابرين محتسبين واللَّه المستعان. سابعًا: انقلاب الموازين 1 - عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- يرفعه إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: (كيف أنتم إذا لبستكم ¬
ثامنا: فتنة الأحلاس والسراء والدهيماء
فتنة يهرم فيها الكبير ويربوا فيها الصغير (¬1) ويتخذها الناس سنة، إذا ترك منها شئ قيل تركت السنة: قالوا: ومتى ذلك؟ قال: إذا ذهبت علماؤكم وكثر قراؤكم وقلت فقهاؤكم وكثرت أمراؤكم وقلت أمناؤكم والتمست الدنيا بعمل الآخرة، وتفقه لغير الدين) (¬2). ثامنًا: فتنة الأحلاس والسراء والدهيماء - عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: (كنا قعودًا عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكر الفتن فأكثر في ذكرها حتى ذكر فتنة الأحلاس. فقال قائل يا رسول اللَّه: وما فتنة الأحلاس؟ قال هي هرب وحرب. ثم فتنة السراء، دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي. يزعم أنه منى وليس منى، وإنما من أوليائي المتقون، ثم يصلح الناس على رجل كورك على ضلع، ثم فتنة الدهيماء لا تدع أحدًا من هذه الأمة إلا لطمته لطمة فإذا قيل انقضت تمادت، يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، حتى يصير الناس إلى فسطاطين: فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط نفاق لا إيمان فيه، فإذا كان ذاكم فانتظروا الدجال من يومه أو غده) (¬3). قوله: (فتنة الأحلاس): شبه هذه الفتنة بالأحلاس، وهي جمع حلس، وهو كساء يكون على ظهر البعير لدوام هذه الفتنة ولزومها. ¬
قوله: (حرب): بفتح الراء: ذهاب المال والأهل، يقال حرب الرجل فهو حريب، إذا سلب أهله وماله. (كورك على ضلع): هو مثل: أي أنه لا يستقل بالملك ولا يلائمه، كما أن الورك لا تلائم الضلع. (الدهيماء): السوداء المظلمة أو الداهية ومنها: أدهم أي أسود. (الفسطاط): الخيمة الكبيرة والمراد به في هذا الحديث: الفرقة المجتمعة المنحازة عن الفرقة الأخرى) (¬1) الظاهر من هذا الحديث الذي وفعه ابن عمر -رضي اللَّه عنه- إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن فتنة (الأحلاس) هي الفتنة التي نشبت بين المسلمين بعد مقتل عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، وما حدث من الإقتتال بعده حيث أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيها إلى الإعتزال وأن يكون المسلم (حلس بيته) وهي مبالغة في التصوير البلاغي حيث شبه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المسلم بحلس البيت أي يكون كمتاع من متاع بيته وهي إمعان في الأمر بالعزلة وعدم المشاركة في الفتن التي تحدث. أما فتنة (السراء): (فقد تكون سيطرة العباسين على الحكم وما رافق ذلك من ظلم وترف، أي هي فترة الخير الذي يشوبه دخن (¬2) وقد تكون فتنة السراء هي الفتنة التي حصلت من تحت قدمي حاكم الحجاز الملقب (بالشريف) والذى اتفق مع الأنكليز ضد المسلمين العثمانيين، ولا شك أن السراء والترف الذي حصل في ذلك العصر نتيجة اكتشاف النفط كان فتنة عظيمة أصاب نسبة كبيرة من المسلمين والعرب، وهكذا تكون فتنة السراء ¬
هي فتنة (الدعاة على أبواب جهنم) (¬1) الذين تزامن ظهورهم مع ظهور الحسين بن علي حاكم الحجاز واللَّه أعلم. أما فتنة (الدهيماء) فالأرجح أنها الفتنة التي يعيش فيها المسلمون اليوم إذ تنطبق عليها بوضوح المواصفات التي وردت في الحديث النبوى الشريف، فهي (لا تدع أحد من هذه الأمة إلا لطمته لطمة، فإذا قيل انقضت تمادت، يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، حتى يصير الناس إلى فسطاطين، فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط نفاق لا إيمان فيه)، بل هي الفتنة الوحيدة -من بين الفتن التي مرت بالمسلمين- التي تنطبق عليها هذه المواصفات، فمن يدرس حال الفتن السابقة يجد أن تلك الفتن لم تكن تصيب جميع الأمة، بل لابد أن تنجو منها نسبة كبيرة من عامة المسلمين وأهالى القرى والبوادي، أما هذه الفتنة فلم تدع أحدًا إلا لطمته لطمة وذلك لوصول خطرها إلى كل مسلم في أي بقعة من بقاع الأرض، ولا شك أن المسلم الذي يسمع عن فتنة ما، فهو إما أن ينكرها بقلبه أو بلسانه أو يؤيدها بيده أو بلسانه أو بقلبه، كما أن الإنحراف في الفتن السابقة لم يكن يصل لدرجة الكفر والخروج عن الملة، ولم يحصل الكفر والإنسلاخ عن الإسلام إلا في مطلع هذا القرن عندما اتبع أبناء المسلمين الدعاه على أبواب جهنم واعتنقوا الأفكار المادية والإلحادية وآمنوا بالمبادئ الكافرة. كما أن تمايز الناس إلى فسطاطين (فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه) لم يحصل في أية فتنة سابقة، إذ ما من فتنة منها إلا وطرفاها مشتملان على مؤمنين صادقين عدا هذه. ¬
تاسعا: ظهور الدعاة على أبواب جهنم
وقد جاء في معنى (الدهيماء) أنها الداهية (قيل لها ذلك لإظلامها) ولا شك أن هذه الفتنة مظلمة لالتباس الأمور منها على الناس حتى غدا الحليم فيها حيرانًا. ويمكن أن تكون (الدهيماء) هي تصغير (الدهماء) وهم جماعة الناس، وهو تصغير للتحقير، ويكون المقصود به وصف الفتنة بأنها فتنة العوام والرعاع. وقد وردت عدة أحاديث تشير إلى هذا المعنى، فمن هذه الأحاديث قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في أمارات الساعة: (أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان) وفى رواية (إذا رأيت الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض فذاك من أشراطها) (¬1). تاسعًا: ظهور الدعاة على أبواب جهنم 1 - عن حذيفة بن اليمان -رضي اللَّه عنه- قال: (كان الناس يسألون رسول اللَّه عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت يا رسول اللَّه: إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا اللَّه بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم: قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟؟ قال: نعم وفيه دخن (¬2) قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يستهدون بغير هدى، تعرف منهم وتنكر. قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت: يا رسول اللَّه: صفهم لنا. قال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا. ¬
قلت: فما تأمرنى إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قلت: فإن لم يكن لهم إمام ولا جماعة؟ قال: فاعتزل الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل الشجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك (¬1). 2 - وفى رواية أبي داود: (قال. أن كان للَّه خليفة في الأرض، فضرب ظهرك وأخذ مالك، فأطعه، وإلا وأنت عاض بجذل شجرة. قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم يخرج الدجال. . .) (¬2). 3 - رواية أخرى: عن حذيفة -رضي اللَّه عنه- قال: (إن أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كانوا يسألون عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أدركه، وإنى بينما أنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذات يوم قلت: يا رسول اللَّه: أرأيت (¬3) هذا الخير الذي أعطانا اللَّه (¬4). هل بعده من شر كما كان قبله شر؟ قال: نعم قلت: فما العصمة منه؟ قال: السيف (¬5). ¬
قلت: وهل للسيف من بقية (¬1)؟ قال: هدنة على دخن (¬2) قلت: يا رسول اللَّه: ما بعد الهدنة؟ قال: دعاة للضلالة (¬3)، فإن لقيت للَّه يومئذٍ خليفة في الأرض فالزمه، وإن أخذ مالك وضرب ظهرك، فإن لم يكن خليفة فاهربن في الأرض حد هربك (¬4)، حتى يدركك الموت وأنت عاض على أصل شجرة. قلت: يا رسول اللَّه: فما بعد الضلالة؟ قال: خروج الدجال. . .) (¬5). يشير النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذه الأحاديث التي رويت عن الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان -رضي اللَّه عنه- إلى الشر الذي يكون بعد وفاة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، حيث قتل أمير المؤمنين عمر -رضي اللَّه عنه- وفتح باب الفتن على مصراعيه من أوانه ثم مقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه-، والحروب التي نشبت بين الصحابة رضوان اللَّه عليهم أجمعين في صفين والجمل وفتنة الخوارج ودعوتهم الباطلة ثم مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- وتولى الحكم من قبل الغلمان الجائرين ¬
عاشرا: وجوب لزوم الجماعة
ومقتل الحسين بن علي عنهما ومقتل كثير من الصحابة كعبد اللَّه بن الزبير وغيره، واستباحة مدينة الرسول في يوم الحرة وضرب الكعبة بالمنجنيق أيام الحجاج، ثم توقفت الفتن والحروب بعد ذلك وانتشرت الفتوحات الإسلامية فكان خيرًا ولكن فيه دخن، أي خبر غير خالص تشوبه بعض المنكرات والترف وظهور البدع والفرق التي فرقت المسلمين وجعلتهم طرائق قددًا، وهذه الفرق -لا شك- كانت تهدى بغير هدى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حيث كان في أقوالهم حق مشوب بالباطل، لعدم اتباعهم المنهج الذي رسمه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- واتبعه أصحابه من بعده، ثم كان بعد ذلك الخير العميم -الذي استمر أكثر من عشرة قرون- كان بعده الشر الذي تمثل في ظهور الدعاة على أبواب جهنم، وهم دعاة الكفر والإلحاد، الذين ظهروا في منتصف القرن الرابع عشر الهجري ومطلع هذا القرن الميلادى، فقلوبهم قلوب الشياطين الذين توغر بالحقد والكره للحق وأهله، وتطرب للباطل والشر ودهاقنة الكفر والضلال، النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يوصى حذيفة وأمته من خلاله أن تعتزل هذه الفرق الضالة كلها، وتتمسك بأهداب الكتاب والسنة، وعلى المسلم أن يبقى متمسكًا بمبادئ الحق، عاضًا بالنواجذ على إيمانه بأحقية الإسلام، ويعتزل هذه الفرق كلها ولو أن يلزم جزع شجرة ماسكًا به حتى يدركه الموت وهو كذلك على الحق المبين، غير حائر ولا وجل ليأمن الفتنة في دينه، هكذا كانت وصية الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لحذيفة وأمته من بعد حذيفة. عاشرًا: وجوب لزوم الجماعة تبين من خلال الحديث السالف وضع فيه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- النقاط على الحروف لحذيفة، بأن يلزم جماعة المسلمين عند ظهور الدعاة على أبواب جهنم، وهذه
نصوص أخرى تعضد وتؤيد مبدأ لزوم الجماعة. 1 - عن أبي ذر -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال. (من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه) (¬1). 2 - وقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، ألا وهي الجماعة) (¬2). وفى رواية أخرى: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) قال ابن حجر معلقًا على قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في صحيح البخاري: (تلزم جماعة من المسلمين وإمامهم) (وفى رواية الطبراني فإن رأيت خليفة فألزمه وإن ضرب ظهرك، فإنه لم يكن خليفة فالهرب. .) وفى رواية ابن ماجه (فلأن تموت وأنت عاض على جذل خير لك من أن تتبع أحدًا منهم) (الجذل): عود ينصب لتحتك به الإبل. (قوله: وأنت على ذلك): أي العض، وهو كناية عن لزوم جماعة المسلمين). ثم قال ابن حجر: قال البيضاوى: (المعنى إذا لم يكن في الأرض خليفة فعليك بالعزلة والصبر على تحمل شدة ذلك الزمان، وعض أصل الشجرة: كناية عن مكابدة المشقة كقولهم فلان بعض الحجارة من شدة الألم. وقال ابن أبي جمرة: (في الحديث حكمة اللَّه في عباده، كيف أقام كلًا ¬
منهم فيما شاء، فجب إلى أكثر الصحابة السؤال عن وجوه الخير ليعلموا بها -ويبلغوها غيرهم، وجب لحذيفة السؤال عن الشر ليجتبه ويكون سببًا في دفعه عمن أراد اللَّه له النجاة، وفيه سعة صدر النبي صلى اللَّه عليه وسلم ومعرفته بوجوه الحكم حتى كان يجيب كل من مسألة بما يناسبه) (¬1). 3 - خطب عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- بالجابية (¬2) فقال (أيها الناس أنى قمت فيكم كمقام الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- فإنا فقال: أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل ولا يستحلف ويشهد ولا يستشهد، عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد) (¬3). 4 - عن الحارث بن الحارث الأشعرى وذكر حديثًا طويلًا وفيه عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (وأنا آمركم بخمس أمرنى اللَّه بهن، السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة، فإن مكن فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه) (¬4). قال ابن بطال: (مراد الباب الحض على الاعتصام بالجماعة لقوله (لتكونوا شهداء على الناس) وشرط قبول الشهادة العدالة، والمراد بالجماعة: أهل الحل والعقد من كل عصر). وقال الكرماني: (مقتضى الأمر بلزوم الجماعة أنه يلزم المكلف متابعة ما ¬
أحد عشر: الأمر بتعلم كتاب الله
أجمع عليه المجتهدون) (¬1) وقال القسطلاني في شرحه على البخاري (والجماعة التي أمر الشارع بلزومها جماعة أئمة العلماء لأن اللَّه تعالى جعلهم حجة على خلقه، واليهم تفزع العامة في أمر دينها، وقال آخرون: هم جماعة أهل الإسلام ما كانوا مجتمعين). أحد عشر: الأمر بتعلم كتاب اللَّه 1 - قال حذيفة بن اليمان -رضي اللَّه عنه-: (كان الناس يسألون رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الخير وكنت أسأله عن الشر، وعرفت أن الخير لن يسبقني. قال: فقلت يا رسول اللَّه: بعد هذا الخير شر؟ قال: فتنة وشر. قلت، يا رسول اللَّه: بعد هذا الشر خير؟ فقال يا حذيفة تعلم كتاب اللَّه واتبع ما فيه، (ثلاث مرات) قلت يا رسول اللَّه: بعد هذا الشر خير؟ قال: هدنة على دخن، وجماعة على أقذاء فيهم أو فيها. قلت يا رسول اللَّه: الهدنة على الدخن ما هي؟ قال: لا ترجع قلوب أقوام على الذي كانت عليه. قلت: يا رسول اللَّه: بعد هذا الخير شر. قال: فتنة عمياء صماء، عليها دعاة على أبواب النار فإن مت يا حذيفة وأنت عاض على جذل، خير لك من أن تتبع أحد منهم) (¬2). ¬
2 - عن معاذ بن جبل -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (خذوا العطاء ما دام عطاء، فإذا صار رشوة على الدين فلا تأخذوه ولستم بتاركيه، يمنعكم من ذلك الفقر والحاجة، إلا أن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الكتاب حيث دار، إلا أن الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب، إلا أنه سيكون عليكم أمراء يقضون لأنفسهم ولا يقضون لكم، إن عصيتموهم قتلوكم وإن أطعتموهم أضلوكم. قالوا يا رسول اللَّه: كيف نصنع؟ قال كما صنع أصحاب عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، نشروا بالمناشير وحملوا على الخشب، موت في طاعة اللَّه، خير من حياة في معصية اللَّه) (¬1). 3 - عن حذيفة قال: (لا تضرك فتنة ما عرفت دينك، إنما الفتنة إذا اشتبه عليك الحق والباطل) (¬2). وإنما تحصل معرفة الدين بتعلم كتاب اللَّه وسنة نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- ليكون المرء على بينة من الأمر، فلا يختلط عليه الحق بالباطل فيقع بالباطل ظنًا أنه الحق وذلك يكون عند اتباع البدع والأهواء التي ما أنزل اللَّه من سلطان، أما إذا عرف المسلم دينه وأضحى على بينة من أمره فهو لا شك سوف لا تضره الفتنة إن شاء اللَّه تعالى. ¬
اثنا عشر: لماذا يكون القرآن هو العاصم عن الفتن، والمخرج منها؟
اثنا عشر: لماذا يكون القرآن هو العاصم عن الفتن، والمخرج منها؟ 1 - لأن القرآن يصوغ المؤمن صياغة قرآنية، فيخرجه رجلًا ثابتًا صلبًا عزيزًا كريمًا يستعصى على الإفتتان، ويستعلى على الفتن. 2 - يبصر المؤمن ببصائره القرآنية الهادية، فيكشف له حقيقة أعدائه، وأسلحتهم ووسائلهم ومكائدهم ضده، فلا تغبش نظرته، ولا تظلم طريقه، فيواجه الأعداء على بينة وبصيرة. 3 - يحذر المؤمن من الإفتتان بالفتن حيث يعرفه عليها، وعلى أسسها وخلفيتها ويكشف له سرها وزخرفتها، ويريه غرورها وخداعها، ويكسبه بذلك المناعة والحصانة فلا يقع صريعًا لها. 4 - يربط نظر المؤمن بالآخرة، ويجعله يعيش حياته في الدنيا غير مغتر بها وإنما أشواقه ونظراته وآماله موجهة إلى الجنة ونعيمها وخيراتها. 5 - يعرف المؤمن على هدفه من الحياة وعلى وسائله لتحقيق هذا الهدف وعلى همته ووظيفته في الحياة، فلا يعود مفتونًا بتلك الفتن. 6 - يوجه المؤمن إلى مواجهة الجاهلية، وتحدى الكفر والباطل ويقوم بتهيئته للمعركة وتعبئة قواه وحشدها للجهاد، فينوى هذا المؤمن مواجهة الفتن وأصحابها، ويتعامل معها بيقظة وبصيرة واستعلاء) (¬1). ثلاثة عشر: تمنى الموت إذا ظهرت الفتن 1 - عن أبي سلمة قال: (عدت أبا هريرة فقلت: اللهم اشف أبا هريرة فقال: اللهم لا ترجعها، إن استطعت يا أبا سلمة فمت، والذي نفسي بيده ¬
أربعة عشر: أسباب كثرة الفتن في هذا الزمان
ليأتين على العلماء زمان الموت أحب إلى أحدهم من الذهب الأحمر، وليأتين أحدهم قبر أخيه فيقول: ليتنى مكانه) (¬1). وقد كان أبو هريرة -رضي اللَّه عنه- يدعو اللَّه تعالى أن لا يبقيه إلى سنة 60 هـ وما بعدها لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان قد أخبره بما سيحصل من الفتن والظلم الذي ينصب على المسلمين صبًا، وفى سنة 60 هـ لأنت قد وقعت مذبحة الحرة حيث استبيحت مدينة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- وقتل فيها ثلة من الصحابة، فكان أبو هريرة يدعو أن لا يبقى إلى ذلك العهد. أربعة عشر: أسباب كثرة الفتن في هذا الزمان لابد من وجود أسباب وعلل تؤدى إلى كثرة الفتن واستشرائها في الواقع، وقد أشرت إليها ليتسنى للمسلم معرفتها فيجتنبها ويحذر منها (¬2) 1 - الإنحراف عن منهج اللَّه عز وجل، وإقصاء الإسلام عن الوجود الفعلي المؤثر في حياة المسلمين، وإحلال التصورات والنظم الجاهلية مكانه، وتحكمها في حياتهم. 2 - مخالفة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- كما قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]. 3 - تحكم الجاهلية في العالم، وقيادتها للبشرية وبخاصة في رأسيها: الرأس الصليبي الشيطاني المتمثل الآن في أمريكا، والرأس اليهودي الشيطاني المتمثل في تحكم اليهود في العالم وانشاء دولتهم على أرض فلسطين ¬
خمسة عشر: ما موقف المسلم عند الفتن
4 - التقدم المادى والعلمى والتكنلوجى المعاصر، الذي نتج عنه إنتاج العديد من الوسائل الإعلانية والإعلامية، التي لم تكن تخطر على بال أحد واستخدام هذه الوسائل أدوات للتغرير والخداع والتأثير في الآخرين. 5 - ضعف التربية الإسلامية في بلاد المسلمين وقصور منهج التربية في المؤسسات التربوية والتعليمية وعجزها عن التأثير النافع القوى في الأجيال الناشئة، التي تتخرج بدون تربية مؤثرة أو حصانة قوية. 6 - ضعف الصلة باللَّه، وعدم اللجوء والفرار إليه، وعدم العوذ به، وعدم الإعتصام بحبله المتين، ودينه القويم، فضلًا عن ضعف الصلة بالقرآن والإقبال عليه، والحياة في ظلاله، والحركة به. . . 7 - حب الدنيا ونسيان الآخرة. خمسة عشر: ما موقف المسلم عند الفتن (¬1) 1 - الإعتصام بالكتاب والسنة. 2 - الإلتفاف حول العلماء والدعاة إلى اللَّه. 3 - لزوم جماعة المسلمين. 4 - التسلح بالعلم الشرعى ثم العمل به. 5 - الصبر. 6 - كثرة التضرع والإبتهال إلى اللَّه عز وجل، ودعائه أن يكشف الغمة، وأن يرفع النبلاء وأن يهدى إلى الحق، وأنيثبت عليه بالتوبة والإستغفار. 7 - الدعوة إلى اللَّه عز وجل، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وبث ¬
ستة عشر: إعداد الإيمان وإكراه النفوس وفضل العبادة
الطمأنينة في قلوب الناس، ورفع معنوياتهم، وخصوصًا في الفتن الكبرى. 8 - الإكثار من الأعمال الصالحة من ذكر وصلاة وغيرها. 9 - الثقة باللَّه وأن المستقبل للإسلام. ستة عشر: إعداد الإيمان وإكراه النفوس وفضل العبادة يخبر المصطفى -صلى اللَّه عليه وسلم- عن أيام تستشرى فيها الفتن وتشرأب القلوب إلى الحناجر، حيث تنتاب الناس أمور شداد وأهوال عظام، ويعتريهم زمن صعب فيه شدة ومرارة ويمتلك فيه الأراذل واللئام، ويسود فيه الفسقة والطغاة البهم والأسافل سادات الناس ووجهائهم، وفى ظل هذه الأيام المضنية التي تحدث عنها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذ يصير المعروف منكرًا والمنكر معروفًا وتكون باطن الأرض خيرًا من ظاهرها، ويضام أهل الحق ويعز أهل الباطل، في هذه الأيام يحثنا الصادق المصدوق -صلى اللَّه عليه وسلم- على إعداد الإيمان العميق والفهم الدقيق، الإيمان بحتمية الإستقامة على صراط اللَّه والصبر على هذه الإستقامة، الإيمان بأحقية منهج اللَّه، الإيمان بيوم الوقوف غدًا بين يدى اللَّه تعالى حثنا على العض على هذا الإيمان بالنواجذ، خوفًا من الإلتواء والذوبان في بوتقة الكفر والرذيلة، وإكراه النفوس على طاعة اللَّه وعدم الإنخراط والميل من الهوى وعند ذلك وعندما نكون كذلك في مستوى هذا التسامى والحب لطاعة اللَّه، يكون المصير والمال هو النعيم الدائم والسعادة الأبدية في بحبوحة الحنان في مقعد صدق عند مليك مقتدر، ولنقرأ معًا هذا النصح النبوى: قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (شمروا فإن الأمر جد، وتأهبوا فإن الرحيل قريب، وتزودوا فإن السفر بعيد، وخففوا أثقالكم فإن روائكم عقبة كوؤدًا لا يقطعها إلا المخففون: أيها الناس: إن بين يدى الساعة أمورًا شدادًا وأهوالًا عظامًا يتملك فيه الظلمة ويتصدر
فيه الفسقة فيضطهد فيه الآمرون بالمعروف ويضام الناهون عن المنكر فأعدوا لذلك الإيمان وعضوا عليه بالنواجذ والجئوا إلى العمل الصالح واكرهوا عليه النفوس واصبروا على الضراء، تفضوا إلى النعيم الدائم) (¬1) وقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (العبادة في الهرج كهجرة إلى) (¬2) حيث يشير النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى أفضلية الانقطاع إلى اللَّه تعالى والملاذ به في أيام الفتن والهرج حيث تكون للعبادة أفضلية خاصة، وذلك عندما تشراءب الأعناق إلى الدنيا وسفاسفها ويزهد الناس في الخير والطاعة، عند ذلك تكون العبادة كهجرة إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وللعابد المتمسك بدينه والصابر على طاعة اللَّه أجر المهاجر إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فهنيأً لمن تمسك بأهداب الكتاب والسنة وصبر على طاعة اللَّه في أيام الفتق فإن له الأجر العظيم في ذلك. قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "عبادة في الهرج والفتنة كهجرة إلى" (¬3) * * * ¬
الفصل الثالث ظهور الرايات السود
الفصل الثالث ظهور الرايات السود وردت عدة أحاديث نبوية توحى بظهور أقوام من قبل المشرق شعارهم السواد، تجتاح هذه الرايات السود العالم العربى، وتخرج من خراسان صوب الغرب أي غرب خراسان وهى المنطقة العربية، ويكون فتح بيت المقدس وتطهيره على أيديهم، كما يتجلى ذلك من خلال أحاديث، ويكون ظهورها تمهيدًا وتوطئة لخروج المهدى الذي يملأ الأرض عدلًا بعد أن ملئت ظلمًا وجورًا وإليك هذه الأحاديث كما وردت في السنة: 1 - قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (يقتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة، ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق، فيقتلونكم (¬1) قتلًا لم يقتله قوم -ثم ذكر شيئًا لا أحفظه- فقال: فإذا رأيتموه فبايعوه، ولو حبوًا على الثلج فإنه خليفة اللَّه المهدى) (¬2) الكنز الذي يتقاتل عليه أبناء الخليفة الثلاثة هو الكنز الذي يحسر عنه الفرات وأبناء الخليفة قد يعنى ثلاث دول تصطرع على هذا الكنز وقد يكون معناه زوال ثلاث دول وسيأتى الكلام لاحقًا عن إنحسار الفرات 2 - قال ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-: (بينما نحن عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذ أقبل فتية من بنى هاشم، فلما رآهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- اغرورقت عيناه وتغير لونه قال: فقلت: ما نزال نرى في وجهك شيئًا نكرهه؟ ¬
فقال: إنا أهل بيت اختار اللَّه لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتى سيلقون بعدى بلاء وتشريدًا وتطريدًا حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود، فيسألون الخير فلا يعطونه فيقاتلون فينصرون فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتى، فيملؤها قسطًا كما ملؤوها جورًا فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبوًا على ثلج) (¬1). 3 - قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (تخرج من خراسان رايات سود لا يردها شئ حتى تنصب بإيلياء) (¬2) قال ابن كثير عن هذا الحديث: (وهذه الرايات السود هي التي أقبل بها أبو مسلم الخراسانى فآستلبت بها دولة بنى أمية في سنة 133 هـ بل رايات سود أخر تأتى بصحبة المهدى) (¬3). * * * ¬
الباب الثاني
الباب الثاني • الفصل الأول: علامات الساعة الكبرى. • الفصل الثاني: الملاحم والغزو وفتح القسطنتينية. • الفصل الثالث: الدجال الأكبر.
الفصل الأول علامات الساعة الكبرى
الفصل الأول علامات الساعة الكبرى تمهيد بعد ذكر علامات الساعة الصغرى وما يتخللها من الفتن وتغير الأحوال واضطراب الموازين، اذكر في هذا الفصل وما بعده العلامات الكبرى، وأول هذه العلامات ظهور المهدى، ومن العلماء من يعتبر خروج الدجال أول العلامات الكبرى، على خلاف بينهم، وعلامات الساعة الكبرى على نوعين: مألوفة وغير مألوفة أما العلامات المألوفة فهي: ظهور المهدى، خروج الدجال، نزول عيسى بن مريم من السماء، خروج يأجوج ومأجوج، وهذه كلها أمور اعتيادية في ظاهرها، لأنهم بشر عاديون. أما العلامات غير المألوفة فهي: طلوع الشمس من المغرب لا من جهتها التي اعتاد الناس عليها منذ خلق البشرية، وخروج الدابة التي تكلم الناس إلى آخر ذلك من الآيات التي توحى باضطراب في الأمور مذهل للبشرية. قال ابن حجر في الفتح: (والذى يترجح من مجموع الأخبار، أن خروج الدجال أول الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال العامة في معظم الأرض، وينتهى ذلك بموت عيسى عليه السلام، وأن طلوع الشمس من المغرب هو أول الآيات العظام الموذنة بتغير أحوال العالم العلوى وينتهى ذلك بقيام الساعة) (¬1). ¬
أولا: خليفة الله المهدى
ونحن في هذا الفصل بصدد الكلام عن علامات الساعة الكبرى المألوفة، وأولها ظهور المهدى ثم الدجال وعيسى بن مريم ويأجوج ومأجوج وهلاكهم تنتهى بهذه الحادثة علامات الساعة الكبرى المألوفة، ثم تظهر بعد ذلك العلامات الغير مألوفة وأولها ظهور الشمس من المغرب إلى آخر ذلك من العلامات وسيأتى الكلام عنها في حينه. وسأذكر في هذا الفصل الآيات القرآنية الواردة عن كل علامة إن وجدت وإلا فسوف أعرج على أحاديث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- التي تحدثت عن كل موضوع من هذه العلامات ذاكرًا آراء علمائنا الأجلاء وتعليقاتهم عليها، محللًا وموضحًا لذلك ما استطعت واللَّه المستعان. على أن الراجح أن خروج المهدى من العلامات الكبرى، إذ هو مؤيد من قبل اللَّه حيث يخسف اللَّه الأرض بالطاغية السفيانى الذي يخرج من الشام لمقاتلته والقضاء عليه، ثم أن المهدى يعاصر السيد المسيح رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وشهد هلاك الدجال على يديه، فكيف لا يكون المهدى من العلامات الكبرى؟ واللَّه أعلم. والآن نشرع في ذكر أول هذه العلامات وهو خليفة اللَّه المهدى -رضي اللَّه عنه-. أولًا: خليفة اللَّه المهدى هو رجل من أهل بيت النبي محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- عالم ربانى مجدد لهذا الدين يخرجه اللَّه تعالى ليعز به الإسلام والسلمين، يملأ الأرض عدلًا ورحمة بعد أن ملئت ظلمًا وجورًا، ينصر اللَّه به ملة التوحيد، فتقر عيون المؤمنين وتشفى صدور الموحدين، فيخذل الكفر والضلال، وينزوى الملحدون والحاقدون ويعم الخير والبركات والرفاه والتوادد بين الناس أيام حكمه.
يكون قائدًا للمسلمين الذين يعبئون أنفسهم لمقاتلة الدجال، حيث تكون دولته الإسلامية قائمة بقيادته، وعاصمتها دمشق وينزل السيد المسيح عيسى بن مريم -صلى اللَّه عليه وسلم- فيقوى دولته، ويقتل الأعور الدجال بين يديه، وتقام الصلاة في المسجد الأقصى، فيقدم المهدى عيسى بن مريم -صلى اللَّه عليه وسلم- ليصلى بهم إمامًا، فيأبى ويقول (إمامكم منكم) ويصلى مأمومًا خلف المهدى. يولد ولادة طبيعية من أم وأب، خلاف ما يروج عنه الروافض، من أنه غائب حى في سرداب سامراء، ويدرس العلم الشرعى في المدينة المنورة، لا يعرفه الناس، إلى ان يبلغ سنًا معينًا فيصلحه اللَّه في ليلة ويبايعه المسلمون خليفة لهم وقائدًا أمينًا شجاعًا، فيوفقه اللَّه لهذه المهمة الملقاة على كاهله، حيث ينهى صولة الظلم والظالمين في الأرض وإلى الأبد، ثم يتوفى ويصلى عليه المسلمون. • اسمه: محمد بن عبد اللَّه. • كنيته: أبو عبد اللَّه. • أوصافه: (أجلى الجبهة، اكحل العينين، براق الثنايا، في خده الأيمن خال كث اللحية، اقنى الأنف، في كتفه علامة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، يشبه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الخلق ولا يشبهه في الخلق أسمر، مقوس الحاجب، مشرق اللون) (¬1). ¬
ثانيا: أحداث قبل وبين يدى خروجه
ثانيًا: أحداث قبل وبين يدى خروجه 1 - عن ثوبان -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول -صلى اللَّه عليه وسلم- (يقتل عندكم كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة، لا يصير إلى واحد منهم ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق، فيقتلونكم قتلًا لم يقتله قوم، ثم يجئ خليفة اللَّه المهدى فإذا سمعتم به فأتوه ولو حبوًا على الثلج، فإنه خليفة اللَّه المهدى) (¬1). والمقصود بالكنز هنا الذي يتقاتل عليه أبناء الخلفاء، وهو الكنز الذي يحسر عنه نهر الفرات وهذا رأى الشيخ على بن حسام المشهور بالمتقى الهندي (¬2) وأما خروج الرايات السود فقد تقدم الكلام عنها سلفًا. 2 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن مجاهد قال (حدثنى فلان -رجل من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن المهدى لا يخرج حتى تقتل النفس الزكية، فإذا قتلت النفس الزكية غضب عليهم من في السماء ومن في الأرض، فأتى الناس المهدى فزفوه كما تزف العروس إلى زوجها ليلة عرسها، وهو يملأ الأرض قسطًا وعدلًا، وتخرج الأرض نباتها وتمطر السماء مطرها وتنعم أمتى مدة ولايته لم تنعمها قط) (¬3). 3 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (يخرج رجل يقال له ¬
السفيانى في عمق دمشق، وعامة من يتبعه كلب (¬1) فيقتل حتى تبقر بطون النساء، ويقتل الصبيان فيجتمع له قيس (¬2) فيقتلها حتى لا يمتع ذنب تلعة، ويخرج رجل من أهل بيتى في الحرة (¬3)، فيبلغ السفيانى فيبعث إليه جندًا فيهزمهم اللَّه فيسير إليه السفيانى بمن معه، حتى إذا صار ببيداء (¬4) من الأرض خسف بهم، فلا ينجو إلا المخبر عنهم) (¬5). 4 - عن أم سلمه زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (يكون اختلاف عند موت خليفة، فيخرج رجل من أهل المدينة هاربًا إلى مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام، ويبعث إليه بعث من الشام فيخسف بهم البيداء بين مكة والدينة، فإذا رآى الناس ذلك أتاه أبدال الشام وعصائب أهل العراق (¬6) فيبايعونه، ثم ينشأ رجل من قريش، أحواله كلب، فيبعث إليهم بعثًا فيظهرون عليهم، وذلك بعث كلب، والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب، فيقسم المال ويعمل في الناس بسنة نبيهم، ويلقى الإسلام بجرانه (¬7) إلى الأرض فيلبث سبع سنين ثم يتوفى ويصلى عليه ¬
المسلمون) (¬1). 5 - عن عبيد اللَّه بن حارث بن نوفل -رضي اللَّه عنه- قال: (كنت وافقًا مع أبي بن كعب فقال: لا يزال الناس مختلفة أعناقهم في طلب الدنيا، قلت: أجل، قال: فإنى سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: يوشك الفرات أن يحسر عن جبل من ذهب، فإذا سمع به الناس ساروا إليه، فيقول من عنده: لئن تركن الناس يأخذون منه ليذهبن به كله، قال: فيقتتلون عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون (¬2). 6 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل الناس عليه، فيقتل منة كل مائة تسعة وتسعون، فيقول كل رجل منهم لعلى أكون أنا أنجو) (¬3). 7 - وفى رواية أخرى: قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب، فمن حضره فلا يأخذ منه شيئًا) (¬4). 8 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تقئ الأرض أفلاذ كبدها (¬5)، في مثل الأسطون من الذهب والفضة فيجئ القاتل فيقول: في هذا قتلت، ويجئ القاطع فيقول، في هذا قطعت رحمى، ويجئ السارق فيقول: في هذا قطعت يدى ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئًا" (¬6). ¬
ثالثا: كلمة عن انحسار الفرات
9 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب، يقتتل الناس عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، ويقول كل رجل منهم: لعلى أكون أنا الذي أنجو) (¬1). قال ابن حجر حول الكنز الذي يحسر عنه الفرات: (والذى يظهر أن النهي عن أخذه لما ينشأ عن أخذه من الفتنة والقتال عليه) ثم قال: وقد خرج ابن ماجة عن ثوبان رفعه قال: يقتل عند كنزكم ثلاثة كلهم بن خليفة فذكر حديث المهدى فهذا إن كان المراد بالكنز فيه الكنز الذي في حديث الباب دل على أنه إنما يقع عند ظهور المهدى وذلك قبل نزول عيسى وخروج النار جزمًا واللَّه أعلم) (¬2). ثالثًا: كلمة عن انحسار الفرات 1 - أخبر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الأحاديث الصحيحة أن نهر الفرات سينحسر عن جبل أو كنز من ذهب، يقتتل عليه الناس أو تقتتل عليه ثلاث دول حسب اختلاف الروايات. 2 - لم يحدثنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حديثا إلا ورأيناه في واقعنا رأى العين وعشناه بقلوبنا وأجسادنا وأرواحنا، وكلما رأينا ذلك نقول: صدق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. 3 - تواردت الأنباء عن قيام تركيا بإنشاء خمسة وعشرين سدًا على نهر الفرات داخل حدودها الإقليمية، وسيتم إكمال هذه السدود عام 2005 م، وأشهر هذه السدود (الخزانات) وأكبرها السد المسمى (سد ¬
رابعا: يتبين من خلال النصوص ما يلى
أتاتورك). 4 - إذا كملت هذه السدود فستكون تركيا هي المسيطرة على مياه الفرات وسوف تتحكم بمقدار الكمية التي تصل إلى جاراتها سوريا ثم العراق اللتين يمر نهر الفرات عبر أراضيهما. 5 - علينا أن نتذكر العلاقة الحميمة والاستراتيجية بين حكام تركيا وإسرائيل. 6 - هناك تنبؤات سياسية تقول: إن حربًا قادمة ستنشب في غضون السنين المقبلة، وستكون حرب مياه. 7 - ربما تخطط إسرائيل الآن أو مستقبلًا للسيطرة على منابع الفرات وذلك بالتنسيق مع حكام تركيا أصحاب العلاقة الحميمة معها. 8 - الأيام التي نعيشها الآن تشهد أزمة جفاف لا سيما المنطقة العربية وبروز ظاهرة (التصحر) حيث قلة الأمطار: مما ينطوى على هذا قلة السيولة المائية في العيون والأنهار، وما يترتب على ذلك من مخاطر وأزمات. 9 - يشهد نهر الفرات حاليًا نقصًا حادًا في مياهه، وهناك سوء تفاهم بين الدول التي يمر بها الفرات (تركيا، سوريا، العراق) حول الكمية المطلوبة من قبل تركيا إلى سوريا ثم العراق. 10 - هذه الملاحظات أضعها بين يديك -عزيزى القارئ الكريم- واعتبرها تمهيدًا لجفاف الفرات ومقدمة لانحساره. واللَّه أعلم بالغيب وحده. رابعًا: يتبين من خلال النصوص ما يلى: 1 - أن الكنز الذي يقتل عليه أبناء الخليفة هو الكنز الذي يحسر عن الفرات وهذا رأى ابن حجر العسقلاني والمتقى الهندي.
2 - هذا الإقتتال عن كنز الفرات يكون عند ظهور المهدى إذ أن الناس لا يزالون مختلفة أعناقهم في حب الدنيا والتنافس عليها ولم تكن لديهم صحوة الحق التي تثنيهم عن الإقتتال على كنز الفرات، حيث يقتل من كل مائة تسعة وتسعون. 3 - حرمة الأخذ من كنز الفرات كما ثبت ذلك النهي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. 4 - خروج الرايات السود من قبل المشرق توطئة لظهور المهدى ويأتى المهدى كثمرة لهذا الجهاد، إذ أن هذه الرايات تتغلغل صوب المسجد الأقصى حتى تحرره: 5 - يعم في سنى المهدى الرخاء والخير، وتظهر البركات من السماء والأرض، حيث لا تدع السماء فطرًا إلا صبته، ولا تدع الأرض نبتًا إلا أنبتته. 6 - نزول الأحقاد والضغائن بين الناس - إذ كانوا قبل المهدى منهمكين في استجلاب أكبر قدر ممكن من حطام الدنيا، ويعود -بظهور المهدى- الإيمان واليقين والقناعة إلى النفوس، ويضمحل الطمع ويزول، إذ هو السبب الحقيقى في النزاع والتنافس بين الناس. 7 - يسود الرخاء الإقتصادى، إذ أن المهدى يحثو المال حثييًا ولا يعده عدًا، فتنعم الأمة نعمة لم تنعمها من قبل قط. 8 - يتصدى الطاغية السفيانى واسمه (عتبة بن هند) (¬1) للمهدى ويبعث إليه بعثًا من جنوده فيقتلهم أنصار المهدى، ثم يتوجه السفيانى بجيشه لمقاتلة المهدى، فيخسف اللَّه بهم الأرض في ذي الحليفة بين مكة والمدينة. 9 - يخرج المهدى في وقت عم فيه الفساد والكفر حتى لا يكاد أحد يجرؤ ¬
على أن يقول (اللَّه، اللَّه) إلا قتل وهذا على العموم، إذ أن الطائفة المؤمنة والجماعة المقاتلة على الحق لا تزال موجوده وتبقى ثابتة على العهد لا يصرها من خالفها وخذلها حتى يقاتل آخرهم الدجال بقيادة المهدى ومن ثم عيسى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1). 10 - أبدال الشام وعصائب ما أهل العراق، أما أبدال الشام فهم الصالحون من العباد المجاهدين وقد ورد فيهم حديث صحيح في مسند الإمام أحمد كما ذكرت سلفًا، وعصائب أهل العراق هم عشائر العراق المسلمة لربها والمؤمنة بدينها وعقيدتها ينضوون جميعًا تحت راية المهدى، كجنود للحق وأنصار للإسلام. 11 - يهرب المهدى من المدينة إلى مكة بعد أن يعرفه الناس، وهذا الهرب يكون لزهده بالإمارة والخلافة فيحصره الناس بين الركن والمقام في بيت اللَّه الحرام ويضطرونه إلى أن يقبل بالبيعة خليفة للمسلمين وقائدًا للموحدين ومجددًا لمنهج رب العالين. 12 - يحكم سبع سنين وعمل بكتاب اللَّه وسنة نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- ويكون سلطانه عالميًا والغلبة في الأرض والسيادة له وللمسلمين من أنصار، فينعم الناس جميعًا بنعمة الإسلام. 13 - يصلى خلفه السيد المسيح، رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حيث يكون إمامًا للمسلمين في حرم المسجد الأقصى. 14 - يكون أول الأمر من المشرق ثم المدينة المنورة ثم ينكشف أمره للناس ويعرفونه فيهرب إلى مكة، ويتبعه المسلمون يبايعونه إمامًا لهم ويستقر ملكه ¬
خامسا: المهدى في السنة النبوية
في الشام. 15 - واجب على كل مسلم أن يقدم له الولاء والنصرة وأن يأتيه ولو حبوًا على ثلج. خامسًا: المهدى في السنة النبوية 1 - قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا تزال طائفة من أمتى يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، فينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم: تعال صل بنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمير تكرمه اللَّه لهذه الأمة) (¬1). الأمير هنا: هو المهدى إذ يصلى إمامًا وخلفه سيدنا عيسى بن مريم رسول اللَّه في المسجد الأقصى. 2 - قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (تملأ الأرض ظلمًا وجورًا، فيقوم رجل من عترتى فيملؤها قسطًا وعدلًا، يملك سبعًا أو تسعًا) (¬2). 3 - قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول اللَّه ذلك اليوم حتى يبعث اللَّه رجلًا منى -أو من أهل بيتى- يواطئ اسمه اسمى، واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطًا وعدلًا، كما ملئت ظلمًا وجورًا) (¬3). 4 - قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (المهدى من عترتى من ولد فاطمة) (¬4). 5 - قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (المهدى منى، أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض ¬
قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا، ويملك سبع سنين) (¬1). 6 - قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن في أمتى المهدى يخرج ويعيش خمسًا أو سبعًا أو تسعًا -الشك من الراوى- قال: قلنا: وما ذاك؟ قال: سنين. قال: فيجئ إليه الرجل فبقول: يا مهدى أعطنى، أعطنى قال: فيحثو له في ثوبه ما استطاع أن يحمله) (¬2). 7 - قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (يكون في أمتى خليفة يحثو المال حثيًا ولا يعده عدًا) (¬3). 8 - قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أبشركم بالمهدى، بعث على إختلاف من الناس وزلازل، فيملًا قسطًا وعدلًا كما ملئت جورًا وظلمًا، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، يقسم المال صحاحًا، ويملأ اللَّه قلوب أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- غناء ويسعهم بعدله. . . إلى أن قال:. . .فيكون كذلك سبع سنين أو ثمان سنين أو تسع سنين، ثم لا خير في العيش بعده) (¬4). 9 - قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (كيف أنتم إذا نزل بن مريم فيكم، وإمامكم منكم) (¬5). 10 - قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من حديث جابر في الدجال ونزول عيسى بن مريم له: (. . . إذا هم بعيسى، فيقال: تقدم يا روح اللَّه، فيقول: ليتقدم إمامكم بكم) (¬6). ¬
11 - قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حديث أبي أمامة: (. . . وكلهم -المسلمون- ببيت المقدس، وإمامهم رجل صالح، وقد تقدم ليصلى بهم، إذ نزل عيسى، فرجع الإمام ينكص ليتقدم عيسى، فيقف عيسى بين كتفيه ثم يقول: تقدم فإنها لك أقيمت) (¬1). قال الحافظ ابن حجر: (وفى صلاة عيسى خلف رجل من هذه الأمة مع كونه في آخر الزمان وقرب قيام الساعة، دلالة للصحيح من الأقوال أن الأرض لا تخلوا عن قائم للَّه بحجة واللَّه أعلم) (¬2). 12 - قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (. . . يعمل على هذه الأمة سبع سنين وينزل بيت المقدس) (¬3) 13 - قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (لن تهلك أمة أنا أولها وعيسى بن مريم في آخرها والمهدى في وسطها) (¬4). 14 - عن عبد الرحمن بن سمره -رضي اللَّه عنه- قال: (بعثنى خالد بن الوليد بشيرًا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم مؤتة (¬5)، فلما دخلت عليه، قلت: يا رسول اللَّه، فقال على رسلك (¬6) يا عبد الرحمن أخذ اللواء زيد بن حارسة، فقاتل حتى قتل، رحم اللَّه زيدًا، ثم أخذ اللواء جعفر، فقال، رحم اللَّه جعفر، ثم أخذ اللواء ¬
سادسا: الطائفة المنصورة
عبد اللَّه بن رواحة، فقاتل فقتل، رحم اللَّه عبد اللَّه، ثم أخذ اللواء خالد، ففتح اللَّه لخالد، فخالد سيف من سيوف اللَّه، فبكى أصحاب الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: ما يبكيكم؟ قالوا: وما لنا لا نبكى وقد قتل خيرنا وأشرافنا وأهل الفضل منا!! فقال: لا تبكوا فإنما مثل أمتى مثل حديقة قام عليها صاحبها، فاجثت زواكيها وهيأ مساكنها وحلق سعفها (¬1)، فأطعمت عامًا فوجًا ثم عامًا فوجًا فلعل آخرها طعمًا يكون أجودها قنوانًا وأطولها شمراخًا (¬2) والذى بعثنى بالحق نبيًا، ليجدن عيسى بن مريم في أمتى خلفاء من حوارييه) (¬3). 15 - قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوله اللَّه عز وجل حتى يملك رجل من أهل بيتى جبل الديلم والقسطنطينية مدينة الروم وتفتح عند خروج الدجال) (¬4). وسيأتى عنها الكلام لاحقًا. سادسًا: الطائفة المنصورة: قال الشيخ الكشميري عند حديث: (لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين حتى يأتي أمر اللَّه وهم ظاهرون). (أي: لا يخلو زمان إلا وتوجد فيه تلك ¬
الطائفة على الحق، إلا أنهم يكثرون في كل زمان، ولا أنهم يغلبون على من سواهم. حتى أن غلبة الدين في زمن عيسى عليه الصلاة والسلام عندى كما ليس اشتهر على الألسنة، بك الموعود هو الغلبة، حيث يظهر عليه الصلاة والسلام وفيما حواليه، أما فيما وراء ذلك فلم يتعرض إليه الحديث، والمعلومات كلها واردة في البلاد التي يظهر فيها، ولا تتجاوز فيما وراءها، وإنما هو من بداهة الوهم والسبق إلى ما اشتهر بين الأنام) (¬1) ولعل حديث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- القائل: (تقوم الساعة والروم أكثر الناس. . .) (¬2) يعضد هذا الرأى، إذ أن عيسى عليه الصلاة والسلام يسيطر على رقعة معينة من الأرض، لا كل الأرض، وتكون الشام مسرحًا للعمليات الجهادية التي تحدث بينه وبين مناوئيه وأولهم الدجال وتكون دمشق ثم القدس عاصمة له على أن نفوذ الروم ينحسر انحسارًا كبيرًا ويضعف ويسلم كثير منهم وسيأتى الكلام عن هذا خلال فصل الملاحم لاحقًا. • وقال الإمام النووي في بيان هذه الطائفة المنصورة: (يجوز أن تكون هذه الطائفة جماعة متعددة من أنواع المؤمنين، ما بين شجاع وبصير بالحرب وفقيه ومحدث ومفسر، وقائم بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وزاهد وعابد. ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين في بلد واحد، بل يجوز اجتماعهم في قطر واحد،،، وافتراقهم في أقطار الأرض، ويجوز اجتماعهم في البلد الواحد، وأن يكونوا في بعض منه دون بعض، ويجوز إخلاء الأرض كلها من بعضهم ¬
أولًا فأولًا، إلى أن لا يبقى إلا فرقة واحدة ببلد واحد، فإذا انقرضوا جاء أمر اللَّه) (¬1). قال ابن حجر في الفتح: (قال ابن المدينى: هم أصحاب الحديث، ثم قال: واخرج الحاكم في علوم الحديث بسند صحيح عن أحمد: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدرى من هم) (¬2). وقد أورد الإمام البخارى قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق وهم أهل العلم). وكذلك أورد الإمام البخارى في صحيحه قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-:) (لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين حتى يأتيهم أمر اللَّه وهم ظاهرون). قال ابن حجر معلفا على هذا الحديث: (حتى يأتيهم أمر اللَّه وهم ظاهرون) (أي على من خالفهم أي غالبون، أو المراد بالظهور أنهم غير مستترين بل مشهورين والأول أولى، وقد وقع عند مسلم من حديث جابر بن سمرة (لن يرح هذا الدين قائمًا تقاتل عليه عصبة من المسلمين حتى تقوم الساعة) وله في حديث عقبه بن عامر (لا تزال عصابة من أمتى يقاتلون على أمر اللَّه قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة). . . ثم قال ابن حجر: (إن شرار الناس الذين تقوم عليهم الساعة يكونون بموضع مخصوص، وأن موضعًا آخر يكون به طائفة يقاتلون على الحق لا يضرهم من خالفهم، (قيل يا رسول اللَّه وأين هم؟ ¬
قال: ببيت المقدس) (¬1). هذا وقد وردت أحاديث كثيرة بمعنى واحد كلها تشير إلى بقاء الطائفة، المنصورة التي لا يضرها من خالفها، وتنتصر على من يتصدى لها، ويقاتل أفرادها الدجال وهم ظاهرون على الحق وإلى أن تقوم الساعة. ولا داعى إلى سردها كلها وهى أحاديث صحيحة. * * * ¬
الفصل الثاني الملاحم والغزو وفتح القسطنطينية
الفصل الثاني الملاحم والغزو وفتح القسطنطينية أولًا: الملاحم سأقتصر على ذكر الأحاديث التي وردت حول مقاتلة المسلمين للروم والذين يمثلون المعسكر الغربى في المصطلح الحديث، وما دار بين المعسكرين من ملاحم وقتال، حيث تكون للمسلمين دولة تحميهم وجيش يذود عن حمى الدين والذى أراه أن ذلك يكون أيام المهدى وبقيادته، ولأن هذا الجيش العرمرم وهذه القوة المنتظمة لا تكون للمسلمين قبل خروج المهدى، وخروج المهدى يكون إنقاذًا للمستضعفين، فكيف يكون لهم جيش منظم؟ ثم أن حديثًا من رواية أبي داوود يوحى بأن المهدى يملك جبل الديلم والقسطنطينية، وقد مر ذكره في باب المهدى بالرقم 14. وهذا نصه عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوَّلَه اللَّه عز وجل حتى يملك رجل من أهل بيتي جبل الديلم والقسطنطينية) وكذلك ورد حديث عن قيادة المهدى للمسلمين عند مقاتلة الروم وسيأتى قريبًا. وهذا الحديث يؤيد ما ذهبت إليه وكذلك حديث خروج أهل الحجاز الذين هم روقة الإسلام لمقاتلة الروم سيأتى لاحقًا. ثم إن الأحاديث تشير إلى أن هذا الجيش الإسلامى عند فتحه لروما والشروع باقتسام الغنائم، يصيح فيهم صائح: إن الدجال قد خرج في داركم فيرجعون إلى الشام. . . فكيف يخرج الدجال والمهدى غير موجود؟ إذن فهذه الملاحم يشهدها المهدى ويكون قائدًا للمسلمين.
ثانيا: الملاحم في السنة النبوية
ثانيًا: الملاحم في السنة النبوية 1 - عن نافع بن عقبه قال: (حفظت من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (تغزون جزيرة العرب فيفتحها اللَّه، ثم فارس فيفتحها اللَّه، ثم تغزون الروم فيفتحها اللَّه، ثم تغزون الدجال فيفتحه اللَّه). فقال نافع: يا جابر لا نرى الدجال يخرج حتى تفتح الروم) (¬1) 2 - وعن ذي مخمر عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (قال: (ستصالحون الروم صلحًا آمنًا فتغزون أنتم وهم عدوًا من ورائكم، فتنصرون وتغنمون وتسلمون ثم ترجعون حتى تنزلوا بمرج ذي تلول (¬2)، فيرفع رجل من أهل النصرانية الصليب فيقول. غلب الصليب، فيغضب رجل من المسلمين فيدقه، فعند ذلك تغدر الروم وتجمع للملحمة) (¬3). وفى رواية لأبن ماجة: (فيجتمعون للملحمة فيأتون حينئذ تحت ثمانين غاية (¬4)، تحت كل غاية إثنا عشر ألفًا) (¬5). 3 - عن عمرو بن عوف قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا تقوم الساعة حتى تكون أدنى مسالح المسلمين ببؤلاء (¬6). ثم قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: يا على. يا على يا على، قال بأبى أنت وأمى قال: إنكم ستقاتلون بنى الأصفر (¬7) ¬
ثالثا: غزو المعسكر الغربى لبلاد المسلمين
ويقاتلهم الذين من بعدكم حتى تخرج إليهم روقة الإسلام أهل الحجاز الذين لا يخافون في اللَّه لومة لائم، فيفتتحون القسطنطينية بالتسبيح والتكبير، فيصيبون غنائم مثلها، حتى يقتسموا بالأترسة ويأتى آت فيقول: إن المسيح قد خرج في بلادكم، إلا وهى كذبة، فالآخذ نادم والتارك نادم) (¬1). 4 - عن أبي هريرة عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر؟ نعم يا رسول اللَّه قال (لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفًا من بنى إسحاق، فإذا جاؤها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم، قالوا: لا إله إلا اللَّه واللَّه أكبر، فيقسط أحد جانبيها الذي في البحر، ثم يقول الثانية: لا إله إلا اللَّه واللَّه أكبر، فيفرج لهم فيدخلوها فيغنموا، فبينما هم يقتسمون المغانم إذ جاءهم الصريخ فقال: إن الدجال قد خرج) (¬2). ثالثًا: غزو المعسكر الغربى لبلاد المسلمين 1 - عن أبي هريرة أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق (¬3) فيخرج إليهم جيش من المدينة (¬4) من خيار أهل الأرض يومئذ فإذا تصافوا قالت الروم: خلو بيننا وبين الذين سبوا منا ¬
نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا واللَّه لا نخلى بينكم وبين إخواننا (¬1)، فيقاتلونهم، فينهزم ثلث لا يتوب اللَّه عليهم أبدًا ويقتل ثلث هم أفضل الشهداء عند اللَّه، ويفتح الثلث لا يفتنون أبدًا فيفتحون قسطنطينية (¬2) فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم، فيخرجون وذلك باطل فإذا جاءوا الشام خرج (¬3)، فبينما هم يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة، فينزل عيسى بن مريم فأمهم (¬4) فإذا رآه عدو اللَّه ذاب كما يذوب الملح في الماء فلو تركه لا يذاب حتى يهلك، ولكن يقتله اللَّه بيده (¬5)، فيريهم دمه في حربته) (¬6). 2 - عن يسير بن جابر قال: (هاجت ريح حمراء بالكوفة، فجار رجل ليس له هجيرى (¬7) فقال ألا يا عبد اللَّه بن مسعود جاءت الساعة فقال: فقعد وكان متكئًا فقال: إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث ولا يفرح ¬
بغنيمه، ثم قال بيده هكذا ونحاها نحو الشام فقال: عدو يجمعون لأهل الإسلام ويجمع لهم أهل الإسلام: قلت الروم تعنى؟ قال: نعم. وتكون عند ذلكم القتال ردة شديدة، فيشترط المسلمون شرطة (¬1) للموت لا ترجع إلا غالبة فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل فيفئ هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب وتفنى الشرطة، فإذا كان اليوم الرابع نهد (¬2) إليهم بقية أهل الإسلام، فيجعل اللَّه الدائرة عليهم، فيقتتلون مقتله -أما قال: لا يرى مثلها وإما قال: لم يرى مثلها- حتى إن الطائر ليمر بجنباتهم، فما يخلفهم حتى يخر ميتًا، فيتعاد (¬3) بنوا الأم كانوا مائة -فلا يجدونه بقى منهم إلا الرجل الواحد (¬4) فبأى غنيمة يفرح أو أي ميراث يقسم؟ فبينما هم كذلك، إذا سمعوا ببأس هو أكبر (¬5) من ذلك، فجاءهم الصريح: أن الدجال قد خلفهم في ذراريهم، فيرفضون ما بأيديهم ويقبلون فيبعثون- عشرة فوارس طليعة، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (إني لأعرف أسماءهم وأسماء آبائهم، وألوان خيولهم، هم حير فوارس على ظهر الأرض يومئذ وقال: من خير فوارس) (¬6). 3 - وفى حديث آخر عن بن عوف بن مالك قال: (أتيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في غزوة تبوك فقال: أعدد ستًا بين يدى الساعة: موتى ثم فتح بيت المقدس ¬
ثم. . .ثم تكون هدنة بينكم وبين بنى الأصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفًا) (¬1). فتح القسطنطينية 4 - قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (يحبس الروم على وال من عترتى اسمه يواطئ اسمى، فيقبلون بمكان يقال له العماق، فيقتتلون، فيقتل من المسلمين الثلث أو نحو ذلك ثم يقتتلون يومًا آخر، فيقتل من المسلمون نحو ذلك، ثم يقتتلون اليوم الثالث فيكون على الروم (¬2)، فلا يزالون حتى يفتحوا القسطنطينية فبينما هم يقتسمون بالأترسة إذا أتاهم صارخ أن الدجال قد خلفكم في ذراريكم) (¬3). هكذا تحدث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن القتال الذي يدور بين المسلمين بقيادة المهدى، وغزوهم لبلاد الروم وفتح رومية والتى تسمى اليوم (روما) على أيديهم وكذلك القسطنطينية كما ورد في الأحاديث، وكذلك غزو الروم لبلاد المسلمين ومعقلهم الشام وما يجرى بينهم من القتل الشديد وسقوط الشهداء الذين هم خيرة أهل الأرض يومئذ. وجاء في هامش الصحيح قوله عن المدينة: (هذه المدينة في الروم وقيل الظاهر أنها قسطنطينية، ففى القاموس: هي دار ملك الروم وفتحها من أشراط الساعة ويحتمل أنها مدينة غيرها، يلهو الظاهر، لأن قسطنطينية تفتح بالقتال الكثير وهذه المدينة تفتح بمجرد التهليل والتكبير) (¬4). ¬
(وبما أن القسطنطينية قد فتحت على يد (محمد الفاتح) يرحمه اللَّه فلابد أن تكون المدينة التي تفتح قبل الدجال مباشرة هي مدينة آخرى، والأرجح أنها مدينة (روما) أو رومية، ويظهر أنها كانت تسمى بالقسطنطينية أيضًا نسبة إلى (قسطنطين) الذى شجع الدين النصرانى وأطلق الحرية له في روما وبأمره عقد المجمع المسكونى الأول للنصرانية عام 325 م). وقد يفهم هذا -أي أن المدينتين كان لهما نفس الاسم- من حديث عبد اللَّه بن عمرو قال: (بينما نحن حول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أي المدينتين تفتح أولًا؟ القسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: مدينة هرقل تفتح أولًا، يعنى القسطنطينية) (¬1). وعن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: (فتح القسطنطينية مع قيام الساعة) (¬2). ومن هذا يفهم أن المراد بالمدينة التي تفتح بين يدى الساعة هي (روما) الحالية، التي جانب منها في البحر ولآخر في البر أما عن القسطنطينية فقد فتحت قديمًا كما مر وتسمى إسطنبول. قال الأستاذ زاهد الزرقي معلقًا حول هذه الأحاديث: (والمدة الزمنية التي تستغرقها هذه الأحداث قد وردت في حديثين مختلفين: أحدهما: عن عبد اللَّه بن بسر أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (بين الملحمة وفتح المدينة ست سنين ويخرج الدجال في السابعة) رواه أبو داود ابن ماجة واللفظ له. ¬
والثانى: عن معاذ بن جبل عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (الملحمة الكبرى وفتح القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة أشهر) رواه أبو داوود بلفظه والترمذي. وهذان الحديثان لا يمكن الجمع بينهما فلا بد من ترجيح أحدهما، والراجح -واللَّه أعلم- هو الحديث الثاني وذلك لأن الملحمة الكبرى ستحصل في زمن المهدى، وبما أن مدة حكم المهدى هي سبع سنين -أو تسع، كما وردت في بعض الروايات، وبما أن الأحاديث تدل على أن أيام المهدى هي أيام خير وبركة، فالظاهر أن الأيام الأولى من تولِّيه ستكون أيام فتن وحروب: جيش الشام الذي يخسف به، وبعث كلب الملحمة الكبرى، وفتحه روما، ثم الدجال، ومكث الدجال في الأرض أربعين يومًا، منها يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كأسبوع وبقية أيامه إعتيادية أي سنة وشهرين ونصف يضاف إليها سبعة أشهر هي المدة التي بين الملحمة الكبرى وخروج الدجال، فيكون المجموع سنة وتسعة أشهر ونصف، فإذا كانت المدة بين بيعة المهدى والملحمة الكبرى شهران ونصف فإن المجموع سيصبح سنتان، ثم يعقب ذلك سبع سنوات من الخير والرخاء فيكون المجموع تسع سنين أو ثمان، إذا اعتبرنا فترة مكث الدجال في الأرض أربعين يومًا باعتبار شروق الشمس وغروبها لا باعتبار الساعات. ويستأنس لهذا المعنى بحديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: قال نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (ينزل بأمتى في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع بلاء أشد منه حتى تضيق عنهم الأرض الرحبة، وحتى تملأ الأرض جورًا وظلمًا ولا يجد المؤمن ملجأ يلتجأ إليه من الظلم، فيبعث اللَّه عز وجل رجلًا من عشيرتى فيملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت جورًا وظلمًا،
رابعا: إشكال ورده حول فتح القسطنطينية
يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدخر الأرض من بذرها شيئًا إلا وأخرجته ولا السماء من قطرها شيئًا إلا صبه اللَّه عليهم مدرارًا، يعيش فيهم سبع سنين أو ثمان أو تسع تتمنى الأحياء الأموات. مما صنع اللَّه عز وجل بأهل الأرض من خيره (¬1) رابعًا: إشكال ورده حول فتح القسطنطينية وردت عدة أحاديث حول فتح القسطنطينية وكذلك عدة تفسيرات وتأويلات لهذه الأحاديث، فمنهم من يقول أنها المدينة الكائنة في تركيا الآن ومنهم من يقول أنها مدينة روما الحالية وكانت تسمى قسطنطينة نسبة إلى ملكها قسطنطين. ولو أمعنا النظر في هذه الأحاديث مجتمعة نجد أن مدينة (القسطنطينية) التركية قد فتحت في عهد العثمانيين على يد القائد محمد الفاتح العثمانى، وفتحت بالقتال الشديد حتى تحققت النبؤة المحمدية (لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش) (¬2). أما عن الفتح الثاني: فربما تفتح هذه المدينة نفسها مرة ثانية بدون قتال وذلك بالتهليل والتكبير ويكون في طليعة الجيش الفاتح لها ثلة كبيرة من الروم الذين يسلمون لدين اللَّه ويقاتلون مع المسلمين أو يكون هذا الفتح هو لمدينة (روما) الحالية والتى كانت تسمى (رومية) لأن (القسطنطينية) الحالية تعتبر من ضمن بلاد المسلمين، والذى يؤيد هذا ويعضده الحديث الآتى: (عن عمرو بن العاص قال: بينما نحن حول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نكتب ¬
خامسا: الرد على منكرى ظهور المهدى
إذا سئل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أي المدينتين تفتح أولًا القسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: مدينة هرقل تفتح أولًا: يعنى القسطنطينية) (¬1). فالفتح الأول قد وقع وهو في عهد العثمانيين امتثالًا لهذا الحديث وبقى فتح أخر فربما يكون لنفس المدينة التركية الحالية أو لروما؟ إذ يفتحها سبعون ألفًا من بنى إسحاق وهم الروم أي النصارى في المفهوم الحديث وذلك بعد أن يسلموا وينضموا إلى جيش المهدى عليه السلام. واللَّه أعلم. خامسًا: الرد على منكرى ظهور المهدى 1 - (عقد أبو داود في سننه، باب المهدى وأورد في صدره جابر بن سمرة عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (لا يزال الدين قائمًا حتى يكون اثنا عشر خليفة كلهم من قريش) فأشار بذلك إلى ما قاله العلماء أن المهدى أحد الإثنى عشر، فإنه لم يقع إلى الآن وجود اثنى عشر اجتمعت الأمة على كل منهم) (¬2). 2 - فتوى الإمام ابن حجر الشافعى في المهدى مختصرًا (أنه من أهل بيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ويملك شرقها وغربها، ويملؤها عدلًا، لم يسمع بمثله، وأنه يخرج مع عيسى -صلى اللَّه عليه وسلم- وعلى نبينا، فيساعده على قتل الدجال بباب بأرض فلسطين، قريب بيت المقدس، وأنه يؤم هذه الأمة وأن عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام يصلى خلفه، وأنه يذبح السفيانى، وأنه يخسف بجيشه الذي يرسل به إلى المهدى بالبيداء، بين مكة والمدينة (عند ذي الحليفة) ¬
فلا ينجو منهم إلا اثنان، وغير ذلك من العلامات الكثيرة) (¬1). 3 - قال ابن تيمية في المتقى: (الأحاديث على خروج المهدى صحيحة، رواها أحمد وأبو داود والترمذي) (¬2). 4 - قال الشيخ ناصر: (الأحاديث التي وردت في المهدى صحيحة وإليك ما قاله العلماء بشأن المهدى: أ - أبو داود في السنن بسكوته على أحاديث المهدى. ب - العقيلى. ج - ابن العربى في عارضة الأحوذى. د - الطيبى كما في مرقاة المصابيح للشيخ القارى. هـ - ابن القيم الجوزية في المنار المنيف. و- الحافظ ابن حجر في فتح الباري. ز - أبو الحسن الآجرى في مناقب الشافعى. ح - العلامة المباركفورى في تحفة الأحوذى. ثم قال الشيخ ناصر: بعد تصحيح هؤلاء العلماء لصحة أحاديث خروج المهدى فلا يحق لمنكر أن ينكر هذه الحقيقة الماثلة للعيان (¬3). 5 - قال الشوكانى في رسالته المسماة (التوضيح في تواتر ما جاء في الأحاديث في المهدى والدجال والمسيح)؛ وجميع ما سقناه بالغ حد التواتر كما لا يخفى على من له فضل اطلاع فتقرر بجميع ما سقناه أن ¬
سادسا: البشائر
الأحاديث الواردة في المهدى المنتظر واردة (¬1). سادسًا: البشائر وقد جاء في السنة ما يعضد الأحاديث التي وردت في المهدى والتى تبشر بعودة الخلافة الراشدة، وعموم الخير والحق في ربوع المعمورة من جديد بعد أن تنحى الحق وأهله عن تملك زمام الأمور ردحًا من الزمن. 1 - قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك اللَّه بيت مدر ولا بر إلا أدخله اللَّه هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزًا يعز به الإسلام وذلًا يذل اللَّه به الكفر) (¬2). 2 - قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (بشر هذه الأمة بالسناء والنصر والتمكين، ومن عمل منهم عمل الأخرة للدنيا لم يكن له في الأخرة نصيب) (¬3). 3 - قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (تكون النبوة فيكم ما شاء اللَّه أن تكون ثم يرفعها اللَّه إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء اللَّه أن تكون ثم يرفعها اللَّه إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكًا عاضًا فتكون ما شاء اللَّه أن تكون ثم يرفعها اللَّه إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكًا جبريًا فتكون ما شاء اللَّه أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت) (¬4). ¬
4 - وفى رواية أخرى (ثم تكون خلافة على منهاج النبوة تعمل في الناس بسنة النبي، ويلقى الإسلام بجرانه في الأرض يرضى عنها ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدع السماء من قطر إلا صبته مدرارًا ولا تدع الأرض من نباتها وبركاتها شيئًا إلا أخرجته) (¬1). 5 - قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (يا ابن حوالة إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام، والساعة يومئذ أقرب من الناس من يدى هذه من رأسك) (¬2). * * * ¬
الفصل الثالث الدجال الأكبر
الفصل الثالث الدجال الأكبر تبين من خلال الفصل الماضي حول الكلام عن المهدى وفتحه لروما وشروع المسلمين في اقتسام الغنائم، إن المهدى والمسلمين معه كانوا يتوجسون من ظهور الدجال، وفعلًا يصبح فيهم صائح أن الدجال قد خرج في ذراريكم فيرجعون إلى الشام، وكأن لديهم علمًا بأن فتح المدينة الرومية علامة على ظهور الدجال كما ورد في الأحاديث، وفعلًا يظهر عليهم الدجال. والدجال شر غائب ينتظر، وهو أعظم فتنة يبتلى بها المؤمنون على مر التاريخ، يفتن فيها قوم وهم في قبورهم وينأى الناس عنه في الجبال. أولًا: من هو الدجال؟ هو رجل يهودى أعور، عينه اليمنى طائفة جاحظة، أفحج الرجلين يخرج من جهة المشرق من أماكن شديدة البرودة، يتبعه أقوام عراض الوجوه عليهم الطيالسة، وهم سبعون ألفًا من يهود أصبهان يخرج ليعيد مجد اليهود من جديد، وليقضى على الدولة الإسلامية بقيادة المهدى، يخرج كفتنة للعباد وتمحيص لهم، يذبح اليهود بعده شر ذبحة ويسدل الستار عليهم وإلى الأبد. يعطيه اللَّه من خوارق العادات كثيرًا، يتبعه الرعاع من الناس وضعيفوا الإيمان وهم خلق كثير آنذاك يدعى الإصلاح أولًا ثم النبوة ثم الألوهية، لا يولد له ولد، يجوب أنحاء العالمة، ويدخل كل مدينة وقرية إلا مكة المكرمة والمدينة المنورة إذ تمنعه الملائكة من دخولها، حذر منه النبي محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- أمته، وما من نبى إلا وحذر منه أمته. نصح النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من سمع به أو رآه أن ينأى
ثانيا: الدجال في السنة النبوية
عنه ومن واجهه أن يتمسك بإيمانه وعقيدته ويعلم أن اللَّه تعالى ليس بأعور ولا تراه العيون في الدنيا ولا يطرأ عليه ما يطرأ على الحوادث من المخلوقات، وأنه تعالى ليس كمثله شئ، وليقرأ المؤمن عندما يراه أو يسمع به فواتح سورة الكهف، فإنها عصمة له من الوقوع في فتنته، ويقرأ كل مؤمن بين عينى الدجال كلمة كافر، ويتصدى له المؤمنون من أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- ويقاتلونه، يخرج كما جاء في السنة في ثلاث مناطق، وبعدها يتوجه تلقاء الشام، ويقتله رسول اللَّه عيسى بن مريم -صلى اللَّه عليه وسلم- في فلسطين بباب ويقضى على اليهود وإلى الأبد. ثانيًا: الدجال في السنة النبوية 1 - عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ باللَّه من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال) (¬1). • تعوذه -صلى اللَّه عليه وسلم- من فتنة الدجال في صلاته. 2 - ورد عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- استعاذته من الفتن بقوله: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب النار، وعذاب القبر، وفتنة القبر، وشر فتنة الغنى، وشر فتنة الفقر وشر فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من المأثم والمغرم) (¬2). • فتنة الدجال أعظم فتنة: 3 - عن عمران بن حصين -رضي اللَّه عنه- عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: ¬
(ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال (¬1). • من سمع به فلينأ عنه. 4 - عن عمران بن حصين -صلى اللَّه عليه وسلم- عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (من سمع بالدجال فلينأ عنه، فواللَّه إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه، مما يبعث به من الشبهات) (¬2). 5 - عن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: اخبرتنى أم شريك أنها سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: ليفرن الناس من المسيح الدجال في الجبال) قالت أم شريك: قلت: يا رسول اللَّه، فأين العرب يومئذ؟ قال: هم قليل) (¬3). 6 - وقد جاء في حديث النواس بن سمعان -رضي اللَّه عنه- قال: (ذكر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذأت غداة (¬4)، فخفض فيه ورفع (¬5) حتى ضنناه في طائفة النخل (¬6)، ¬
فانصرفنا من عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثم رحنا إليه. فعرف ذلك فينا فقال: ما شأنكم؟ فقلنا: يا رسول اللَّه ذكرت الدجال غداة فخفضت فيه ورفعت، حتى ظنناه في طائفة النخل، فقال، غير الدجال أخوفنى عليكم (¬1)، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه، واللَّه خليفتى على كل مسلم، أنه شاب قطط (¬2) عينه طافئة (¬3)، كأنى أشبهه بعبد العزى بن قطن (¬4)، فمن أدركه فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف (¬5) أنه خارج خلة بين الشام والعراق (¬6) فعاث يمينًا وعاث شمالًا (¬7)، يا عباد اللَّه فأثبتوا (¬8). ¬
فقلنا يا رسول اللَّه: وما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يومًا، يوم كسنة، يوم كشهر. ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم (¬1). ¬
قلنا: يا رسول اللَّه: فذلك اليوم الذي كسنة، أتكفينا فيه صلاة يوم؟ (¬1) قال: لا: اقدروا له قدره. (¬2) قلنا: يا رسول اللَّه: وما اسراعه في الأرض؟ (¬3) قال: كالغيث استدبرته الريح (¬4)، فيأتى على القوم فيدعوهم (¬5) فيؤمنون به ويستجبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت فتروح عليهم سارحتهم (¬6) أطول ما كانت ذرى (¬7)، وأسبغه ضروعًا،. . . ¬
وأمده خواطر. ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله (¬1) فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين (¬2) ليس بأيديهم شئ من أموالهم، ويمر بالخربة (¬3) فيقول لها: اخرجى كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسب النحل (¬4)، ثم يدعو رجلًا شابًا ممتلئًا شبابًا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض (¬5)، ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه ويضحك (¬6) فبينما هو كذلك (¬7) إذ بعث عيسى بن مريم (¬8) فيطلبه حتى يدركه باب لد (¬9)، فيقلته. . (¬10). ¬
8 - عن عبد اللَّه بن عمرو عنهما قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: يخرج الدجال في أمتى فيمكث أربعين، لا أدرى أربعين يومًا أو أربعين شهرًا أو أربعين عامًا (¬1). 9 - عن أبي أمامة الباهلى -رضي اللَّه عنه- قال: خبطنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فكان أكثر خطبته حديثًا حدثناه عن الدجال وحذرناه فكان من قوله أن قال (. . . فإنى سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه نيى قبلى، إنه يبدأ فيقول، أنا نبى، ولا نبى بعدى، ثم يثنى ويقول: أنا ربكم، ولا ترون ربكم حتى تموتوا (¬2). ¬
وأنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، وإنه مكتوب بين عينيه (كافر) يقرأه كل مؤمن كاتب أو غير كاتب (¬1) وأن من فتنته أن معه جنة ونارًا فناره جنه وجنته نار فمن ابتلى بفاره فليستغث باللَّه وليقرأ فواتح الكهف (¬2) فتكون عليه بردًا وسلامًا كما كانت على إبراهيم وإن من فتنته أن يقول لأعرابى: أرأيت (¬3) إن بعثت لك أباك وأمك أن تشهد أنى ربك؟ فيقول نعم. فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه فيقولان: يا بنى اتبعه فإنه ربك: وأن من فتنته أن يسلط على نفس واحدة فيقتلها وينشرها بالمنشار حتى يلقى شقتين (¬4) ثم يقول: انظروا إلى عبدى هذا فإنى أبعثه الآن، ثم يزعم أن له ربًا ¬
غيرى فيبعثه اللَّه- ويقول له الخبيث: من ربك؟ فيقول: ربى اللَّه، وأنت عدو اللَّه، أنت الدجال، واللَّه ما كنت بعد أشد بصيرة بك منى اليوم (¬1) وأن من فتنته أن يأمر السماء فتمطر، ويأمر الأرض تنبت فتنبت، وأن من فتنته أن يمر بالحى فيكذبونه فلا يبقى لهم سائمة (¬2) إلا هلكت وأن من فتنته، أن يمر بالحى فيصدقونه فيأمر السماء أن تمطر فتمطر ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت، حتى تروح مواشيهم من يومهم ذلك اسمن ما كانت وأعظمه، وامده خواطر، وادره ضروعًا، وأنه لا يبقى شئ من الأرض إلا وطئه وظهر عليه إلا مكة والمدينة لا يأتيها من نقب (¬3) من نقابها إلا لقيته الملائكة بالسيوف صلته (¬4). (حتى ينزل عند الظريب الأحمر (¬5)، عند منقطع السبحة (¬6)، فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات (¬7)، فلا يبقى منافق ولا منافقة إلا خرج إليه، فتنفى الخبث منها كما ينفى الكير خبث الحديد (¬8) ويدعى ذلك اليوم يوم ¬
الخلاص (¬1). فقالت أم شريك بنت أبي العكر. يا رسول اللَّه: فأين العرب يومئذ؟ قال: العرب يومئذ قليل، وجلهم ببيت المقدس، وإمامهم رجل صالح، فبينما إمامهم قد تقدم بهم الصبح، إذ نزل عليهم عيسى بن مريم. . .فإذا انصرف قال عيسى عليه السلام: افتحوا الباب (¬2) فيفتح ووراءه الدجال ومعه سبعون ألف يهودى، كلهم ذو سيف محلى وساج (¬3)، فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح بالماء (¬4)، وينطلق هاربًا، ويقول عيسى: إن لي فيك ضربة لن تسبقنى بها فيدركه عند باب اللد الشرقى فيقتله، فيهزم اللَّه اليهود، فلا يبقى شئ مما خلق اللَّه يتوارى به (¬5) يهودى إلا انطق اللَّه ذلك الشئ لا حجر ولا شجر ولا حائط ولا دابة إلا الغرقد (¬6) فأنها من شجرهم لا تنطق -إلا قال: يا عبد اللَّه المسلم هذا يهودى فتعال اقتله. (¬7) ¬
(وإن أيامه أربعون سنة، السنة كنصف السنة، والسنة كالشهر، والشهر كالجمعة وآخر أيامه كالشرره (¬1)، يصبح أحدكم على باب المدينة فلا يبلغ بابها الآخر حتى يمسى. فقيل له: يا رسول اللَّه: كيف في تلك الأيام والأمصار؟ قال: تقدرون فيها الصلاة كما تقدرونها في هذه الأيام، ثم صلوا) (¬2). ¬
9 - عن حذيفة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أن الدجال يخرج وإن معه ماء ونارًا، فأما الذي يراه الناس ماء فنار تحرق، وأما الذي يراه الناس نارًا فماء بارد عذب، فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يراه نارًا، فإنه عذب طيب) (¬1). 10 - عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (أنه يهودى وأنه لا يولد له ولد، وأنه لا يدخل المدينة ولا مكة) (¬2) 11 - قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (وإن عينيه اليمنى عوراء، جاحظة، لا تخفى، كأنها نخاعة) (¬3). فى حائط مجصص، وعينيه اليسرى كأنها كوكب درى (¬4) معه من كل لسان (¬5) ومعه صورة الجنة خضراء ويجرى فيها الماء، وصورة النار سوداء) (¬6) 12 - قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (وبين يديه رجلان ينذران أهل القرى، كلما ¬
خرجا من قرية دخل أوائله) (¬1). 13 - قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن المكان الذي يخرج منه الدجال (أنه يخرج من أصبهان) (¬2). 14 - عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (يخرج الدجال فيتوجه قبله رجل من المؤمنين فتلقاه المسالح (¬3) فيقولون له: أين تعمد؟ فقال: أعمد إلى هذا الذي خرج. قال: فيقولون له: أو ما تؤمن بربنا؟ فيقول: ما بربنا خفاء. فيقولون: اقتلوه. فيقول بعضهم لبعض: أليس نهاكم ربكم أن تقتلوا أحدًا دونه؟ قال: فينطلقون به إلى الدجال، فإذا رآه المؤمن قال: أيها الناس، هذا الدجال الذي ذكر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال: فيأمر الدجال به فيثج، فيقول خذوه وشجوه، فيوسع ظهره وبطنه ضربًا، قال: فيقول أما تؤمن بى؟ فيقول: أنت المسيح الكذاب؟ قال: فيؤمر به، فينشر بالمنشار (¬4) من مفرقه حتى يفرق بين رجليه، ¬
قال: ثم يمشى الدجال بين القطعتين. قال: ثم يقول له قم، فيستوى قائمًا، قال: ثم يقول له، أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة (¬1). قال: ثم يقول: يا أيها الناس: أنه يفعل بعدى بأحد من الناس، قال: فيأخذ الدجال ليذبحه، فيحمل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسًا، فلا يستطيع إليه سبيلًا. قال: فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به، فيحسب الناس إنما قذفه إلى النار، وإنما ألقى في الجنة، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين) (¬2). 15 - عن المغيرة بن شعبة -رضي اللَّه عنه- ما سأل أحد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الدجال أكثر مما سألته وإنه قال لي: ما يضرك منه؟ قلت: إنهم يقولون: إن معه جبل خبز ونهر ماء (¬3)؟ قال: هو أهون على اللَّه من ذلك) (¬4). ¬
16 - عن أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- قال: (حدثنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (الدجال يخرج من أرض بالمشرق لها خراسان، يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان (¬1) المطرقة (¬2). 17 - عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (يتبع الدجال من يهود اصفهان سبعون ألفًا عليهم الطيالسة) (¬3). 18 - وجاء في حديث جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (. . . ويبعث اللَّه معه شياطين تكلم الناس (¬4)، ومعه فتنة عظيمة يأمر السماء فتمطر فيما يرى الناس، ويقتل نفسًا ثم يحييها فيما يرى الناس، لا يسلط على غيرها من الناس، ويقول: يا أيها الناس هل يفعل مثل هذا إلا الرب عز وجل؟ فيفر المسلمون إلى جبل الدخان بالشام، فيأتيهم، فيشتد حصارهم، ويجهدهم جهدًا شديدًا. ثم ينزل عيسى بن مريم. . .) (¬5). 19 - جاء في فضائل سورة الكهف قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- عن أبي الدرداء: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال) وفى رواية: ¬
(من آخر الكهف) (¬1). 20 - قال: -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا يسخر له من المطايا إلا الحمار فهو رجس على رجس. . .) (¬2) 21 - قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (. . . إنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ اللَّه ذرية آدم، أعظم من فتنة الدجال، وأن اللَّه تعالى لم يبعث نبيًا إلا حذر أمته من الدجال) (¬3). * * * ¬
الباب الثالث
الباب الثالث • الفصل الأول: علامات خروج الدجال. • الفصل الثاني: قتل عيسى بن مريم عليه السلام للدجال. • الفصل الثالث: اليهود. • الفصل الرابع: هلاك الدجال وحكم عيسى بن مريم. • الفصل الخامس: ابن الصياد.
الفصل الأول علامات خروج الدجال
الفصل الأول علامات خروج الدجال أولًا: هل الدجال حي؟ ورد في الحديث الصحيح عن فاطمة بنت قيس -رضي اللَّه عنها-، أن الصحابى الجليل تميمًا الداري وكان رجلًا نصرانيًا فأسلم وحسن إسلامه، وركب البحر فأنكسر لهم المركب وأرفؤوا إلى جزيرة من جزر بحر اليمن، فرأو الدجال هناك وسألهم وسألوه، وهو موثق بالحديد، وأخبرهم عن موعد خروجه وعلاماته، ما سنرى من خلال الحديث. هذا السؤال يبدو غريبًا للوهلة الأولى، هل الدجال حى منذ ذلك الزمان وإلى زمننا هذا ثم يبقى كذلك إلى أن يخرج خرجته المعهودة؟ ثم إن الجزر اكتشفت كلها، ونحن الآن نعيش في أوج التقدم العلمي والاكتشافات قائمة على قدم وساق، فلماذا لم يخبر أحد أنه رأى هذا الشخص وأين هو الآن لا سيما والأقمار الصناعية التجسسية منتشرة في كل أصقاع المعمورة؟ هذه الأسئلة اطرحها وأجيب عليها بعد أن أورد الحديث الذي تكلم فيه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وجمع الصحابة لما رأى رؤية تميم الدارى وكلامه حول الدجال تطابق ما أخبرهم عنه. على أن هناك اختلافًا آخر بين العلماء حول (بن صائد) الذي كان يعيش في زمان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، كما اختلف الصحابة فيه، هل هو الدجال الحقيقى أم هو دجال من الدجاجلة؟
فتعال معى أخي القارئ الكريم لنتأمل في حديث تميم الدارى. . . عن فاطمة بنت قيس -رضي اللَّه عنها- قالت: (سمعت نداء المنادى ينادى، الصلاة جامعة، فخرجت إلى المسجد، فصليت مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فكنت في النساء التي تلى ظهور القوم، فلما قضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلاته جلس على المنبر وهو يضحك، فقال: ليلزم كل إنسان مصلاه ثم قال: أتدرون لما جمعتكم؟ قالوا: اللَّه ورسوله أعلم. قال: إني ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأن تميمًا الدارى كان رجلًا نصرانيًا، فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثًا وافق الذي كنت أحدثكم عن المسيح الدجال، حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلًا من لخم وجذام فلعب بهم الموج شهرًا في البحر، ثم ارفؤوا إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس فجلسوا في أقرب السفينة، فدخلوا الجزيرة فلقيتهم دابة أهلب (¬1)، كثير الشعر لا يدرون ما قبله من دبره فقالوا: ويلك ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة (¬2). قالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل الذي في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق. قال: لما سمت لنا رجلًا فرقنا (¬3) منها أن تكون شيطانه، قال: فانطلقنا سراعًا حتى دخلنا الدير (¬4)، فإذا فيه اعظم إنسان رأيناه قط ¬
خلقًا وأشده وثاقًا، مجموعة يداه إلى عنقه، ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد. قلنا: ويلك، ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبرى، فأخبرونى: ما أنتم؟ قلنا: نحن أناس من العرب، ركبنا في سفينة بحرية، فصادفنا البحر حين اغتلم (¬1)، فلعب بنا الموج شهرًا، ثم ارفأنا إلى جزيرتك هذه فجلسنا في أقربها فدخلنا الجزيرة، فلقيتنا دابة أهلب، كثير الشعر، لا ندرى ما قبله من دبره من كثرة الشعر. فقلنا: ويلك، ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة، قلنا وما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل الذي في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق، فأقبلنا إليك سراعًا، وفزعنا منها ولم نأت من أن تكون شيطانه. فقال: أخبرونى عن نخل بيسان؟ (¬2) قلنا: عن أي شأنها تستخير؟ قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر؟ قال: أخبرونى عن بحيرة الطبرية (¬3) قلنا أي شأنها تستخير؟ فقال: هل فيها ماء؟ قالوا: هى كثيرة الماء. ¬
قال: أما أن ماءها يوشك أن يذهب. قال: أخبرونى عن عين زعر (¬1)؟ قالوا: عن أي شيء تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم، هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها) قال: أخبرونى عن نبى الأميين ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب. قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم، قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب واطاعوه. قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا نعم. قال: أما إن ذلك خير لهم أن يطيعوه، وأنى مخبركم عنى، أنا المسيح، وإنى اوشك أن يؤذن لي في الخروج، فأخرج فسيروا في الأرض فلا ادع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة، غير مكة وطيبة فهما محرمتان عليَّ كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة أو واحدًا منها استقبلنى ملك بيده السيف صلتًا (¬2) يصدنى عنها وأن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها، قلت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: وطعن بمخصرته في المنبر هذه طيبة، هذه طيبة -يعنى المدينة- ألا هل حدثتكم عن ذلك؟ فقال الناس: نعم: قال: فإنه أعجبنى حديث تميم أنه وافق الذي كنت ¬
أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة، ألا أنه في بحر الشام أو بحر اليمن، لا بل من المشرق، ما هو؟ من قبل المشرق ما هو؟ وأومأ بيده المشرق. قالت: (فحفظت هذا من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) (¬1). هذا الحديث صحيح السند وهو يشير إلى أن الدجال موثق بالسلاسل في جزيرة من جزر بحر اليمن، ووردت روايات أخرى أنه يخرج من خراسان أو أصبهان من المشرق، فأما الآن وقد اكتشفت كل الجزر ولم ير أحد الدجال، فكيف التوفيق في ذلك، والجواب أنه إما أن يكون الدجال قد هرب من ذلك المكان بعد فترة واختبأ في مكان آخر، وقد يكون في ديار اليهود القاطنين إقليم اصبهان الآن، وهذا الإنتقال له بإذن اللَّه تعالى، وأن الدجال لا يزال حى وفى ذلك المكان على التحديد ولكن اللَّه طمس عيون الناس عن رؤيته إلى أن يحين الوقت المناسب لرؤيته، وما ذلك على اللَّه بعزيز. وأما رؤية تميم الدارى له موثقًا فى جزر البحر فهي من الكرامات التي يعطيها اللَّه لأوليائه ويخصهم بها من دون الناس، وكانت هذه الرؤيا في حياة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ليكون زيادة في إثبات صدق النبي محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- فيما أخبر الصحابة عن الدجال، لذلك يرى أن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- تهلل وجهه واستبشر بهذا الخبر والناس ليخبرهم بذلك. والخلاصة: المؤمن يؤمن بأن الدجال حى وموجود في مكان ما من الكرة الأرضية، وأن اللَّه تعالى طمس عيون الخلق الآن عن رؤيته إلى أن يحين الوقت المناسب لخروجه بإذن اللَّه (¬2). ¬
ثانيا: علامات خروج الدجال
ثانيًا: علامات خروج الدجال هناك علامات ذكرت في السنة تكون قبل خروجه منها الجدب والقحط ومنها تغير الأحوال ومنها فتح روما وفى حديث تميم الدارى سأل الدجال عن اماكن مخصوصة هل ظلت على حالها أم تغيرت، لأن بتغيرها فيما يبدو من الحديث علامة على ظهوره، إذ سأل عنها بخصوصية وإمعان وإليك ما جاء في السنة حول هذا الموضوع. 1 - قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن أمام الدجال سنين خداعة، يكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب، ويخون فيها الأمين، ويؤتمن الخائن، ويتكلم فيها الرويبضة. قالوا: وما الرويبضة يا رسول اللَّه؟ قال: (التافه يتكلم في شؤون العامة) (¬1). 2 - قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (سيخرج ناس من أمتى من قبل المشرق، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم (¬2)، كلما خرج منهم قرن قطع، حتى عد زيادة عن عشر مرات كلما خرج منهم قرن قطع، ثم قال حتى يخرج الدجال في بقيتهم) (¬3). لعل الذين يخرج فيهم الدجال هم أدعياء الإسلام وهم أشد خطرًا عليه من غيره، وهم أهل البدع والضلالات والأهواء. ¬
3 - عن ابن عباس عنهما قال: (وتكون آية خروجه -الدجال- تركهم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وتهاونًا بالدماء، وإذا ضيعوا الحكم، واكلوا الربا، وشيدوا البناء وشربوا الخمور، واتخذوا القيان، ولبسوا الحرير، واظهروا بزه آل فرعون (¬1)، ونقضوا العهد، وتفقهوا لغير الدين، وزينوا المساجد، وخربوا القلوب، وقطعوا الأرحام، وكثرت القراء (¬2)، وقلت الفقهاء (¬3)، وعطلت الحدود، وتشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال، فتكافى الرجل بالرجال والنساء بالنساء، بعث اللَّه عليهم الدجال فسلط عليهم حتى ينتقم منهم، وينحاز المؤمن إلى بيت المقدس) (¬4). 4 - قال حذيفة بن اسيد: (. . . أن الدجال لو خرج في زمانكم (¬5) لرمته الصبية بالخذف (¬6) لكنه يخرج في نقص من الناس، وخفة من الدين، وسوء ذات البين (¬7)،. . .) (¬8). ¬
5 - قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (. . . ولن يكون (¬1) حتى تروا أمورًا يتفاقم شأنها في أنفسكم، تسألون بينكم، هل كان نبيكم ذكر لكم منها ذكرًا؟ وحتى نزول الجبال عن مراسيها ثم على أثر ذلك القبض (¬2) وأشار بيده) (¬3). 6 - عن أبي أمامة الباهلي -رضي اللَّه عنه- قال: خطبنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (. . . وأن قبل الدجال ثلاث سنوات شداد، يصيب الناس فيها جوع شديد، يأمر اللَّه السماء في السنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها، ويأمر الأرض أن تحبس ثلث نباتها، ثم يأمر السماء في السنة الثانية فتحبس ثلثى مطرها، ويأمر الأرض فتحبس ثلثى نباتها، ثم يأمر السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله فلا تقطره قطرة، ويأمر الأرض فتحبس نباتها كله فلا تنبت خضراء، فلا تبقى ذات ظلف (¬4) إلا هلكت إلا ما شاء اللَّه. قال: فما يعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال: (التهليل والتكبير والتسبيح والتحميد، ويجرى ذلك عليهم مجرى الطعام) (¬5). ¬
7 - ورد في حديث تميم الدارى السابق عند رؤية الدجال مع نفر من أصحابه، ان الدجال سألهم عدة أسئلة، عن أماكن معينة، وعن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، مما يؤكد أنه لا يخرج حتى يتحقق مجئ ذلك أو حدوثه. فقال: أخبروني عن نخل بيسان (¬1)، قلنا: عن أي شئ تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر؟ فقلنا له: نعم قال: أما أنه يوشك أن لا تثمر. قال: أخبروني عن بحيرة الطبرية، قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب. قال: أخبروني عن عين زغر، قالوا: عن أي شيء تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ فقلنا له: نعم، هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها، قال: أخبروني عن نبى الأميين، ما فعل؟ قالوا: (قد) خرج من مكة ونزل يثرب، قال: أقاتله العرب؟ قلنا له: نعم، قال كيف صنع بهم؟ فأخبرناه: أنه قد ظهر على من يليه من العرب، واطاعوه. قال: لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم، قال: أما أنه ذاك خيرهم أن يطيعوه. . .) (¬2) ¬
هذه هي الأسئلة التي سأل عنها الدجال، فأما بعثه النبي محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- وانتصاره على مناوئيه بعد أن اخرجوه، فقد حصلت وتحققت، تبقى أمور محددة -من خلال هذا الحديث- فإذا تحققت، فستكون علامة على ظهوره وهذه العلامات هي: أ - عدم اثمار نخل بيسان. ب - جفاف بحيرة طبرية الكائنة في فلسطين. ج - جفاف العين في مدينة زغر والتى تروى البساتين هناك. هذه الأسئلة التي في هذا الحديث والتى يستخبر فيها الدجال عن عدم إثمار نخل بيسان وعن جفاف بحيرة طبرية وجفاف عين زغر، يعضد الرأى القائل بأن الدجال يخرج وحالة الجفاف والمحل والجوع وشدة العيش تنتاب الناس، والناس في ضيق شديد من جهد العيش، فيستعمل السلاح الأقتصادى، حيث يكون معه جبال من الخبز، وانهار تجرى معه، بل يصور للناس أن الجنة والنار تحت إمرته، وهذا إمعان في الفتنة والشدة على الناس وحسبنا اللَّه ونعم الوكيل وحسب أجيالنا كذلك. 8 - جاء في الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي عن معاذ بن جبل (¬1) -رضي اللَّه عنه- وكذلك الحديث الذي رواه أبو داود وابن ماجة عن عبد اللَّه بن بسر -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أخبر بأن فتح القسطنطينية وحدوث الملاحم علامة على خروج الدجال، وفعلًا ورد في الأحاديث الأخرى أن المسلمين عندما يفتحون عاصمة الروم يشرعون في اقتسام الغنائم يسمعون أن الدجال قد خرج في ذراريهم فيرجعون إلى الشام. ¬
ثالثا: الأمصار التي تتصدى للدجال
وهكذا يتبين أن فتح القسطنطينية وبدأ الملاحم علامة على ظهور الدجال قال ابن كثير: (ثم يؤذن له في الخروج في آخر الزمان بعد فتح المسلمين مدينة الروم المسماة القسطنطينية فيكون بدء ظهوره من أصبهان من حارة يقال لها اليهودية، وينصره من أهلها سبعون ألفًا عليهم السيجان والأسلحة) (¬1). ثالثًا: الأمصار التي تتصدى للدجال 1 - قال عثمان بن العاص: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (يكون للمسلمين ثلاثة أمصار: مصر بملتقى البحرين (¬2)، ومصر بالحيرة (¬3)، ومصر بالشام، فيفزع الناس ثلاث فزعات، يخرج الدجال في أعراض (¬4) الناس فيهزم من قبل المشرق. فأول مصر يرده المصر الذي بملتقى البحرين، فيصير أهله ثلاث فرق: فرقة تبقى تقول: نشامه ننظر ما هو (¬5)؟ وفرقة تلحق بالأعراب، وفرقة تلحق بالمصر الذى يليهم. ومع الدجال سبعون ألفًا عليهم السيجان (¬6)، وأكثر تبعه ¬
اليهود والنساء. ثم يأتي المصر الذي يليه (¬1)، فيصير أهله ثلاث فرق: فرقة تقول: نشامه ننظر ما هو؟ وفرقة تلحق بالأعراب، وفرقة تلحق بالمصر بالمصر الذي يليهم بغربي الشام. وينحاز المسلمون إلى عقبة أفيق (¬2)، فيبعثون سرحًا لهم (¬3)، فيصاب سرحهم، فيشتد ذلك عليهم، ويصيبهم مجاعة شديدة وجهد شديد (¬4)، حتى أن أحدهم ليحرق وتر قوسه فيأكله فبينما هم كذلك، إذ نادى مناد من السحر (¬5): يأيها الناس أتاكم الغوث، ثلاثًا، فيقول بعضهم لبعض: إن هذا الصوت رجل شبعان، وينزل عيسى بن مريم عليه السلام عند صلاة الفجر (¬6). 2 - عن حذيفة بن اليمان -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (. . . إنه يطلع من آخره مرة على بطن الأردن على ثنيه أفيق (¬7)، وكل ¬
رابعا: منزلة الرجل الذي يتصدى للدجال
واحد يؤمن باللَّه واليوم الآخر ببطن الأردن، وأنه يقتل من المسلمين ثلثًا، ويهزم ثلثًا، ويفرغ ثلثًا، ويجن عليهم الليل) (¬1). 3 - عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه-، أنه ذكر عنده الدجال فقال: (يفترق الناس عند خروجه ثلاثة فرق، فرقة تتبعه، وفرقة تلحق بأرض آبائها بمنابت الشيح (¬2)، وفرقة تأخذ شط الفرات، فيقاتلهم ويقاتلونه (¬3)، حتى يجتمع المؤمنون بقرى الشام، فيبعثون إليه طليعة (¬4)، فيهم فارس على فرس أشقر أو أبلق (¬5)، فيقتلون لا يرجع منهم أحد، ثم أن المسيح عليه السلام ينزل فيقتله. . .) (¬6). رابعًا: منزلة الرجل الذي يتصدى للدجال عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى للَّه عليه وسلم-: (ذلك الرجل أرفع أمتى درجة في الجنة. قال أبو سعيد: واللَّه ما كنا نرى ¬
ذلك الرجل إلا عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- حتى مضى لسبيله) (¬1). * * * ¬
الفصل الثاني قتل عيسى بن مريم للدجال
الفصل الثاني قتل عيسى بن مريم للدجال أولًا: عيسى بن مريم يقتل الدجال تبين من خلال الفصول الماضية أن المهدى يقود جموع المسلمين ضد الروم، ثم يأتي الدجال ومعه سبعون ألفًا من اليهود عليهم السيجان والطيالسة، فليعيد بهم مجد اليهود، ويقضى على الخلافة الإسلامية الراشدة، فيصاب المسلمون من جراءة -بمحنة عظيمة وعسر شديد، ويفر الناس منه إلى الجبال، ثم لا يلبث أن ينزل رسول اللَّه عيسى بن مريم عليه السلام فيقتله ويخلص الناس من شره، وشر اليهود وإلى الأبد، وهكذا يقتل عدو اللَّه الدجال على يد عيسى بن مريم -صلى اللَّه عليه وسلم-، كما جاء في السنة النبوية: 1 - جاء في حديث النواس بن سمعان -رضي اللَّه عنه-، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال عن الدجال: (. . . ثم يدعو رجلًا شابًا ممتلئًا شبابًا، فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض، ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك، فبينما هو كذلك إذ بعث عيسى بن مريم فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله. . .) (¬1) 2 - وجاء في حديث أبي أمامة الباهلي -رضي اللَّه عنه- عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه حدثهم عن الدجال فقال: (. . . فقالت أم شريك بنت العكر: يا رسول اللَّه: فأين العرب يومئذ؟ قال: العرب يومئذ قليل، وجلهم ببيت المقدس، وإمامهم رجل صالح، ¬
ثانيا: التوفيق بين الروايات
فبينما إمامهم قد تقدم بهم الصبح إذ نزل عليهم عيسى بن مريم. . .فإذا انصرف قال عيسى بن مريم عليه السلام: افتحوا الباب، فيفتح ووراؤه الدجال ومعه سبعون ألف يهودى، كلهم ذو سيف محلى وساج فإذ انظر إليه الدجال ذاب كما يذوب اللح في الماء، وينطلق هاربًا، ويقل عيسى: أن لي فيك ضربة لن تسبقنى بها، ويدركه عند باب اللد الشرقى فيقتله). 3 - وجاء في حديث عثمان بن أبي العاص قوله سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (. . . فيشتد ذلك عليهم، ويصيبهم مجاعة شديدة وجهد شديد،. . . فبينما هو كذلك، نادى مناد من الشجر: يا أيها الناس أتاكم الغوث، ثلاثًا، فيقول بعضهم لبعض: أن هذا لصوت رجل شبعان. وينزل عيسى بن مريم عليه السلام عند صلاة الفجر) 4 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: (. . . وينزل عيسى بن مريم فيؤمهم، فإذا رفع من الركوع قال: سمع اللَّه لمن حمد، قتل الدجال وأظهر المؤمنين) (¬1) ثانيًا: التوفيق بين الروايات قال الشيخ أبو غدة: (الظاهر أن في ألفاظ هذا الحديث تصرفًا من بعض الرواه، إذ قد تقدم في الأحاديث أن عيسى عليه السلام يقتل الدجال بباب لد، وذهب شيخنا عبد اللَّه الغمارى في كتابه (إقامة البرهان) ص 32 - 34 إلى سلامة هذه الرواية من تصرف الرواة، إذا وسع الكلام في بيان معنى الحديث وتوجيهه فقال: هذا الحديث يفيد أن قتل الدجال يحدث وعيسى ¬
بن مريم في صلاة، مع أن الأحاديث الأخرى التي ذكرت أن عيسى يقتل الدجال بباب لد أو قريب منه لم تذكر أن ذلك يكون أثناء الصلاة، فكيف الجمع بين هذه وذاك؟؟ والجوب عن ذلك سهل بتسهيل اللَّه، غير أنه يتوقف على مقدمه وهي: أن الذي دلت عليه الأحاديث، أن عيسى عليه السلام يصلى أول صلاة بعد نزوله من السماء مؤتمًا بإمام المسلمين، إظهارًا لكرامة هذه الأمة وفضلها ثم بعد ذلك يتقلد عيسى مقاليد الأمور فيصير خليفة المسلمين، وتجمع له الصلاة أي يصير هو الإمام فيها مع قيامه بأعباء الإمامة العظمى، ومن هنا تعلم أن قوله في هذا الحديث: (فيؤمهم) على ظاهره، أي فيؤمهم في الصلوات، ولا شك أن مما شرعه اللَّه لهذه الأمة في جهادها مع العدو صلاة الخوف. إذا تقرر هذا: فالحديث محمول على أن عيسى عليه السلام يؤم المسلمين في صلاة الخوف وهم يقاتلون الدجال ومن معه، فإذا رفع عيسى رأسه من الركوع أمكنته الفرصة من العدو فيحمل على الدجال فيقتله، ومباشرة الأعمال الواجبة الضرورية لا تمنع منها الصلاة كما هو معروف. وهذا معنى قوله (وينزل عيسى بن مريم فيؤمهم، فإذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع اللَّه لمن حمده، قتل اللَّه المسيح الدجال -أي على يد عيسى- وإسناد القتل إلى اللَّه من باب قوله تعالى {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: الآية 17] فبهذا التأويل يتضح المعنى ويكون الحديث متفقًا مع غيره من الأحاديث، متمشيًا مع القواعد الشرعية الغزاء) (¬1). ¬
ثالثا: أسئلة حول الدجال؟
ثالثًا: أسئلة حول الدجال؟ 1 - كيف تظهر الخوارق على يديه مع أنه كذاب؟ قال الحافظ ابن حجر: (قال الخطابي: فإن قيل: كيف يجوز أن يجرى اللَّه الآية على يد الكافر؟ فإن إحياء الموتى آية عظيمة من آيات الأنبياء، فكيف ينالها الدجال وهو كذاب مفتر يدعى الربوبية؟ فالجواب: أنه على سبيل الفتنة للعباد، إذ كان عندهم ما يدل على أنه مبطل غير محق في دعواه، وهو أنه أعور مكتوب على جبينه: كافر، يقرأه كل مسلم، فدعواه داحضة مع وسم الكفر، ونقص الذات والقدر إذ لو كان إلهًا لأزال ذلك عن وجهه، وآيات الأنبياء سالمة من المعارضة فلا يشتبهان) ثم قال الحافظ بن حجر بعد كلام الخطابى هذا: (وفى الدجال دلالة بينة -لمن عقل- على كذبه، لأنه ذو أجزاء مؤلفة، وتأثير الصفة فيه ظاهر، مع ظهور الآفة به من عور عينه أي عيبها- فإذا دعا الناس إلى أنه ربهم، فأسوأ حال من يراه من ذوى العقول أن يعلم أنه لم يكن ليسوى خلق غيره ويعد له ويحسنه ولا يدفع النقص عن نفسه فأقل ما يجب أن يقول: يا من يزعم أنه خالق السماء والأرض، صور نفسك وعدلها، وأزل عنها العاهة. .، فإن زعمت أن الرب لا يحدث في نفسه شيئًا فأَزِلْ ما هو مكتوب بين عينيك). ثم قال الحافظ بن حجر رحمه اللَّه تعالى: (وقال القاضي عياض: في هذه الأحاديث حجة لأهل السنة، في صحة وجود الدجال، وأنه شخص معين، يبتلى اللَّه به العباد ويقدره على الأشياء كإحياء الميت الذي يقتله، وظهور الخصب والأنهار والجنّة والنار، واتباع كنوز الأرض له فتنبت، وكل ذلك
بمشيئة اللَّه تعالى، ثم يعجزه اللَّه فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره، ثم يبطل أمره، ويقتله عيسى بن مريم -عليه الصلاة والسلام). وقال الشيخ أبو بكر بن العربي: (الذي يظهر على يد الدجال من الآيات، من إنزل المطر والخصب على من يصدقه، والجدب على من يكذبه، واتباع كنوز الأرض له، وما معه من جنة ونار، ومياه تجرى، كل ذلك محنة من اللَّه وإختبار، ليهلك المرتاب، وينجو المتقين، وذلك كله أمر مخوف، ولهذا قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: لفتنة أعظم من فتنة الدجال، وكان -صلى اللَّه عليه وسلم- يستعيذ منها في صلاته تشريعًا لأمته -صلى اللَّه عليه وسلم-). وقال الحافظ ابن حجر كثير رحمه اللَّه تعالى في تفسيره قوله تعالى في سورة البقرة: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} قال القرطبي في تفسيره: قال علماؤنا: من اظهر اللَّه على يده -من ليس بنبى- كرامات وخوارق العادات فليس ذلك دالًا على ولايته، خلافًا لبعض الصوفية والرافضة، هذا لفظه، ثم استدرك على ما قال بأنها تقطع بهذا الذي جرى الخارق على يديه أنه يوافى اللَّه تعالى بالإيمان، وهو لا يقطع بنفسه لذلك، يعنى والوالي يقطع له بذلك الأمر. قلت: أي ابن كثير -وقد استدل بعضهم على ان الخارق قد يكون على غير الولى، بل قد يكون على يد الفاجر والكافر أيضًا بما ثبت عن ابن الصياد أنه قال: هو الدخان، حين خبأ له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} وبما كان يصدر عنه أنه كان يملأ الطريق إذا غضب حتى ضربه عبد اللَّه بن عمر، وبما يثبت به الأحاديث عن الدجال. بما يكون على يديه من الخوارق الكثيرة من أنه يأمر السماء أن تمطر،
والأرض أن تنبت فتنبت، وتتبعه كنوز الأرض مثل اليعاسب، وأن يقتل ذلك الشاب ثم يحييه إلى غير ذلك من الأمور المهولة. قال يونس عبد الأعلى الصدفى: قلت للشافعى: كان الليث بن سعد يقول: إذا رأيتم الرجل يمشى على الماء، فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة. فقال الشافعي: قصر الليث رحمه اللَّه، بل إذا رأيتم الرجل يمشى على الماء، ويطير في الهواء فلا تغتروا به، حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة) (¬1). 2 - لماذا لم يذكر في القرآن الكريم مع أنه أعظم فتنة، وحذر منه الأنبياء كلهم؟ قال ابن كثير: الجواب من وجوه: أ- وأنه اشير إلى ذكره في قوله تعالى {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ في إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158]. وهذه الآيات فسرتها السنة الشريفة فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا، الدجال، والدابة، وطلوع الشمس من المغرب أو من مغربها) رواه الترمذي. ب - ولم يذكر بصريح اسمه في القرآن احتقارًا له، حيث يدعو الألوهية، وأمره عند الرب أحقر من أن يذكر، وأصغر وأدحر من أن يحكى على أمر دعواه. فإن قلت: فقد ذكر فرعون في القرآن وقد ادعى ما ادعاه من الكذب والبهتان حيث قال: (أنا ربكم الأعلى) فالجواب: أن أمر فرعون قد انقضى ¬
رابعا: السلف يعلمون هذه الأخبار للناس
وتبين كذبه لكل مؤمن وعاقل، وهذا سيأتى وكائن فيما يستقبل فتنته واختياره للعباد، فترك ذكره فى القرآن احتقارًا له، وامتحانًا به، إذا لأمر في كذبه أظهر من أن ينبه عليه، ويحذر منه، قد يترك الشئ لوضوحه، فالدجال واضح ظاهر النقص بالنسبة للمقام الذي يدعيه هو مقام الربوبية، فترك اللَّه ذكره والنص عليه لما يعلم اللَّه تعالى من عباده المؤمنين، أن مثل هذا لا يهديهم ولا يزيدهم إلا إيمانًا وتسليمًا للَّه ورسوله) (¬1). 3 - كيف قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الدجال أنه لا يضر مسلمًا، وقد قتل الرجل الذي خرج إليه ونشره بالمنشار فصار ذلك أعظم الضرر؟ ليس المراد ذلك وإنما المعنى أن المسلم المحقق لا يفتنه الدجال فيرده على دينه، لما يرى عليه من سيما الحدث، ومن لم يكن بهذه الصفة من الإيمان العميق والفهم الدقيق فقد يفتنه الدجال لما يرى معه من الشبهات، أو أن هذا الحديث عام لكل المؤمنين يخصصه قتل ذلك الشخص الذي يعجز بعدها عن قتله خصوصًا، واللَّه أعلم. رابعًا: السلف يعلمون هذه الأخبار للناس كان السلف الصالحون يداومون على تعليم تلك الأخبار والأحاديث، ويذكرونها للناس حتى الأولاد فى الكتاب -والمدرسة- ليتوارثوا معرفتها بعلم وبصيرة، ولتكن لهم بها عقيدة راسخة أصلية، تزيد متانة على مرور الأيام. روى مسلم فى (صحيحه) عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السور من القرآن، يقول: (قولوا اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، ¬
وأعوذ بك من فتنة السيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات) قال مسلم بن الحجاج: بلغنى أن طاووسًا، -وهو راوى هذا الحديث عن ابن عباس: قال لابنه: أدعوت بها في صلاتك؟ فقال: لا قال أعد صلاتك). وإنما أمر طاووس ابنه بإعادة الصلاة لأنه كان يرى وجوب الدعاء في الصلاة بهذه الدعوات الأربع، ويرى أن المصلى إذا أخل بها بطلت صلاته، وذلك لما فهمه من وجوبها، من إهتمام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بتعليمها للصحابة كما كان يعلمهم السورة من القرآن، وأمر بالدعاء بها في صلواتهم. وقد روى مسلم في (صحيحه) عن عائشة أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يدعو في الصلاة بهذا الدعاء، وروى أيضًا عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إذا تشهد أحدكم فليستعذ باللَّه من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال). وما هذا الاهتمام العظيم من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذا الدعاء عملًا وأمرًا وتعليمًا إلا لما حواه من التعوذ من عظائم الأمور والأهوال الكائنة الحق ولا ريب، ولهذا جزم ابن حزم الظاهرى بفرضية قراءة هذا التعوذ بعد الفراغ من التشهد كما في كتاب (المحلى)، وأخذًا من ظاهر حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-. وبعد أن روى الإمام ابن ماجة في (سننه) حديث أبي أمامة الباهلي وفيه أوصاف الدجال وأحواله وأعماله ونزول عيسى عليه السلام، قال عقبه: سمعت أبا الحسن الطنافسي يقول: سمعت عبد الرحمن المحاربى يقول: ينبغي أن يدفع هذا الحديث إلى المؤدب حتى يعلمه الصبيان في الكتاب وقال العلامة السفارينى في شرح منظومته في العقيدة الإسلامية المسمى (لوامع الأسرار البهية).
(ينبغي لكل عالم أن يبث أحاديث الدجال بين الأولاد والنساء والرجال، ولا سيما في زماننا هذا الذي إشرأبت فيه الفتن، وكثرت فيه المحن، واندرست فيه معالم السنن، وصارت السنة فيه كالبدع، والبدعة شرع يتبع) (¬1). * * * ¬
الفصل الثالث اليهود
الفصل الثالث اليهود أولًا: قضاء اللَّه على اليهود في القرآن قال تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ في الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ في الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا}. بهذا القضاء الإلهى، أخبر اللَّه بنى اسرائيل بما سيؤول إليه أمرهم من الإفساد في الأرض لا أنه قضاء قسرى، لأن اللَّه تعالى لا يأمر بالفساد ولا يجبر عباده على الشر. لقد قضى عليهم بذلك في التوراة التي أنزلت عليهم، أنهم سيفسدون في الأرض ويعبثون بها شرًا، ويذلون أعدائهم، ويخربون عليهم ديارهم، وينغصون عليهم عيشهم، لما تنطوى عليه نفوسهم من الشر والرذيلة والحقد على البشرية، إذ أنهم يعتقدون أن غيرهم من الأجناس الأخرى أراذل وأنهم -اليهود شعب اللَّه المختار، فهم يبيحون لأنفسهم قتلهم وإغتصاب أموالهم وأعرضهم. إذن، فبنو اسرائيل سيعلون في الأرض المقدسة علوًا كبيرًا -كما بين ذلك
القرآن- بحيث تكون لهم الصولة والقوة والتمكين على أعدائهم، ولأن ليهو قتلة الأنبياء وأعداء الفضيلة وأصحاب السجل الأسود الحافل بالجرائم فلا يمد اللَّه لهم الحبل على الغارب، بل يسلط عليهم من ينتقم منهم ويستأصل بيضتهم. إذا تحقق هذا الوعد -هو الوعد الحق- من الإفساد في الأرض -وقد تحقق سلفًا: بعث اللَّه عليهم عبادًا له أشداء أقوياء يسومونهم سوء العذاب، يخربون عليهم ديارهم- ويشربوهم كأس الذل والهوان، بحيث يستأصلون شأفتهم ويشردونهم ويمزَّقون شرَّ مُمزَّق، وهذا وعد من اللَّه تعالى قضاه عليهم لما يعلمه تعالى بأنهم يستحقون كل هذا العذاب فهم أهل الشر والقتل والخديعة على مر العصور. بعد أن يلقنهم اللَّه تعالى هذا الدرس على أيدى عباده الذين وصفهم بأنهم أولو البأس شديد، ولعلهم استفادوا من هذا الدرس القاسى، أنعم عليهم بأن مدهم بالمال والبنين وجعلهم أكثر رخاء ونعمة من ذي قبل، فعسى أن يتوبوا إلى ربهم ويعودوا إلى رشدهم، ويرعووا عن غيهم، حتى إذا استعلوا وتجبروا وأفسدوا بما أعطاهم اللَّه تعالى من القوة والتمكين والمنعة، وفوضوا هذا الفضل الإلهي عليهم في غير المحل الذي أراده اللَّه لهم أن يضعوه، مكن المغلوبين والمستضعفين من النصر على المتجبرين والمستهترين من اليهود وأعوانهم. والذى يجرى فى الوقت الراهن هو عين ما أخبر به القرآن الكريم، من وضع العرب والمسلمين مع اليهود في اسرائيل، فاللَّه تعالى كتب عليهم -اليهود- الذل والهوان {إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ} [آل عمران: 112]. وهنا استثناء عن هذا القضاء الإلهى عليهم، وذلك إذا أراد اللَّه تعالى لهم
الغلبة والنصر) {وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ} [آل عِمرَان: الآية 112]. أو إذا التزمهم الناس وهم الدول الغربية التي تلتزم اسرائيل وتمدها بالقوة والطغيان، فإذا أراد اللَّه لهم ذلك بحيث يصيرون أعزاء أقوياء، وهذا من الإبتلاء الذي ابتلى اللَّه به العرب والمسلمين. لكن إذا جاء وعد الآخرة، أي قضاء اللَّه عليهم الأخير، سلط عليهم عبادًا يدخلون البؤس والشقاء عليهم من شدة بأسهم وبطشهم وانتقامهم، إذ عزاهم اللَّه إلى نفسه فقال {عِبَادًا لَنًا} [الإسراء: الآية 5] فيدخلون عليهم المسجد ويخربون ديارهم فوقهم، {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحمَكُمْ} [الإسراء: 8] أي عسى يا بنى اسرائيل أن يعطف عليكم ربكم نتيجة هذا الذل الذي اشربتموه، والتسلط الذي ابتلاكم به: {وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا} [الإسراء: 8] أي كما أفسدتم في الأرض عدنا إلى عهدنا معكم، بأن نسلط عليكم عبادًا لنا أشداء أقوياء وهكذا إلى يوم القيامة. وإذا استطردنا الأحداث التاريخية نرى ذلك واضحًا جليًا، في عهد اللَّه مع اليهود، فهم كلما أفسدوا في الأرض، سلط اللَّه عليهم من يهينهم، فمن هؤلاء: ونبوخذ نصر والإسكندر، إلى أن جاء الفتح الإسلامى حيث أجلى الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قسمًا منهم عن ديارهم إلى أن أجلاهم عمر بن الخطاب من الجزيرة العربية، وفى العصر الحديث سلط اللَّه عليهم هتلر فظلوا مشردين مشتتين في الأرض أذلاء إلى أن حان وعد بلفور وجاء هرتزل فأقامهم في قلب الأمة الإسلامية في فلسطين، وهم اليوم يتجمعون من كل أنحاء العالم، ويذلون أعدائهم ويصبون عليهم جام غضبهم من جديد، إلى أن يحين القضاء الإلهى عليهم الذي ننتظره نحن المسلمون، بأن يسلط اللَّه عليهم أمة محمد العائدين إلى سلف مجدهم وقوتهم وهو الإسلام العظيم، ليحملوه
ثانيا: اليهود والدجال
ويدركوا به معاقل الظالمين من اليهود وأذنابهم، وذلك في ظل الخلافة الراشدة ويأمره خليفة اللَّه المهدى، ومعاونة السيد المسيح صلى اللَّه عليه وسلم الذي ينزل فيقتل الدجال ويحكم بالشريعة المحمدية ويقضى على اليهود إلى الأبد، وهذا عندنا يقين كما أخبر اللَّه تعالى في هذه الآيات من سورة الإسراء، وبما أخبر النبي محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- حيث يقول: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودى من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر يا مسلم يا عبد اللَّه، هذا يهودى خلفى فتعال فاقتله) (¬1) ثانيًا: اليهود والدجال على أن اليهود يبشرون بقدوم زعيمهم المنقذ، وهو الأعور الدجال، ويتوعدون أعدائهم به -وهو وعد الباطل- إذ هم يعتقدون بخروجه ليحقق لهم حلمهم المنشود، السيادة على العالم من النيل إلى الفرات، وللانتقام من أعداء اليهود. والدجال يخرج ليعيد مجد اليهود وليطوى صفحة المسلمين ويقضى على التوحيد الذي نشروه من جديد، يخرج ومعه أزلامه من يهود اصفهان وهم سبعون ألفًا فضلًا عن رعاع الناس الذين يضلهم فينضوون في جيشه والشياطين الذين معه، فيفتن الناس الذين تستجبش كوامن الفتنة والشر في نفوسهم قبل مجيئه، أما المسلمون الصادقون فلا يقدر على غوايتهم، حيث يصطدم بصخرة الطائفة المنصورة بقيادة المهدى -حيث الخلافة الراشدة- التي لا يضرها من خذلها حتى يقاتلون الدجال وينزل السيد المسيح ليذبحه ¬
ثالثا: قتال اليهود في السنة
بيده، فيقضى على بؤرة الشر وينتهى ذلك النسل الحقير إلى الأبد. (لذلك قفز اليهود بعيدًا بعيدًا عن المهمة الإنسانية، وبمقدار هذه القفزة كان العقاب، فهم من دون خلق اللَّه جميعًا الذين يأتي الدجال على هواهم، لقد وقع اليهود على الدجال، واعتبروه أميرًا من الأمراء ومن أجله صنعوا استراتيجية توصلهم به، فاستخدموا كل الإمكانيات المتاحة التي تحقق لهم هذه الغاية العليا. اخترقوا العمل السياسى والدبلوماسى في أماكن كثيرة من العالم، اخترقوا الإقتصاد وأمسكوا بزمامه في أماكن كثيرة من العالم، اخترقوا المجتمعات بنقل وجهة نظرهم عبر وسائل الإعلام التي يسيطرون عليها، وكل هذا من أجل الدجال الذي يعيش بيننا الآن في هذا لعالم، ويعلم الحدود التي عندما تصل اسرئيل عندها وتعيش فيها، يخرج هو من المكان الذي يعيش فيه) (¬1) ثالثًا: قتال اليهود في السنة 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودى من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم، يا عبد اللَّه، هذا يهودى خلفى، تعال فاقتله، إلا الغرقد، فإنه من شجر اليهود) (¬2). 2 - وفى رواية أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يقول الحجر ووراءه اليهود: يا مسلم، هذا يهودى ورائى، فاقتله) (¬3). ¬
رابعا: الوعد الحق والوعد المفترى
3 - جاء في حديث أبي أمامة الباهلى قال: خطبنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (. . . فيدركه عند باب اللد الشرقى فيقتله، فيهزم اللَّه اليهود، فلا يقى شيء مما خلق اللَّه يتوارى به يهودى إلا انطق اللَّه ذلك الشيء، لا حجر ولا شجر ولا حائط، ولا دابة -إلا الغرقد فإنها من شجرهم لا تنطق- إلا قال: يا عبد اللَّه المسلم هذا يهودى فتعال. . .) (¬1). رابعًا: الوعد الحق والوعد المفترى هذا الصراع القائم بين اليهود من جهة وأعدائهم من الجهة الأخرى، هو صراع بين الحق والباطل، وعد الحق للمؤمنين بالخلافة الراشدة والتمكين في الأرض ومحق الكافرين، ووعد الباطل وهو وعد الكفرة والمشعوذين والمبتدعين الكافرين إلى أوليائهم بالنصر والتمكين، وعد اللَّه للطائفة المنصورة بالحكم على مناهج النبوة، وعودة الإسلام في ربوع المعمورة بقيادة المهدى ثم عيسى بن مريم عليه السلام ورجوع أرض العرب تزخر بالخير مروجًا وأنهارًا، ووعد اليهود إلى أوليائهم وشياطينهم بالخلافة في الأرض وخروج الدجال على هواهم ليعيد لهم آمالهم المزعومة من جديد. (إنه في الحقيقة صراع بين عقيدة التوحيد وبين عقيدة الشرك والخرافة، ألا إنه بين عقيدة الحق التي جاء بها أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام ثم جددها محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- وسيجددها عيسى بن مريم عليه السلام في آخر الدنيا، وبين عقيد القساوسة والرهبان رواد الدجل والشعوذة الذين افتروا على اللَّه الكذب، وكتبوا باطلًا من عندهم وقالوا هذا من عند اللَّه بزعمهم. لقد ابتدأت هذه الدعوة الضالة بحاخامات اليهود والبابوات الضالون ثم ¬
خامسا: المستند التأريخى للوعد المفترى وموقف الغرب منه
انتهاء بهرتزل وبلفور ثم ينتهى الأمر في نهاية الزمن بظهور مسيحهم الدجال، حيث تنتهى المعركة بين الحق والباطل، بين الحق بقيادة عيسى عليه الصلاة والسلام وبين الباطل بقيادة الأعور الدجال، بين أمة التوحيد والإسلام من جهة وبين اليهود والنصارى أهل الكتاب من جهة أخرى) (¬1). خامسًا: المستند التأريخى للوعد المفترى وموقف الغرب منه (تقول التوراة المحرفة، حيث يتكلم السياق فيها عن نوح عليه السلام: (وابتدأ نوح يكون فلاحًا، وغرس كرمًا وشرب من الخمر، فسكر وتعرى داخل خبائه، فأبصر حام أبو كنعان عورة أبيه وأخبر أخويه خارجًا وقال لهم: إن أبي هكذا، فأخذ سام ويافث الرداء ووضعاه على أكتافهما ومشيا إلى الوراء وسترا عورة أيهما ووجهاهما إلى الوراء فلم يبصر عورة أبيهما، فلما استيقظ نوح من خمره علم ما فعل به أبنه الصغير فقال: ملعون كنعان، عبد العبيد يكون لأخوته. وقال: مبارك الرب اله سام، وليكن كنعان عبد لهم، وليفتح اللَّه ليافث، فيسكن في مساكن سام، وليكن كنعان عبد لهم، وليفتح اللَّه ليافث فيسكن في مساكن سام وليكن كنعان عبد لهم) (¬2). من هو كنعان يا ترى؟ كنعان هو أبو العرب، ويمثل الجنس العربى، واللعن هنا ينصب عليه مدرارًا في كتب اليهود. .، لأنه يمثل الجنس العربى، فيكون العرب من خلاله ملعونين مطرودين، وفيه إشارة إلى أن كنعان سيكون عبدًا مستباحًا لأخوته، بلسان أبيه النبي نوح عليه السلام، ومن باب ¬
أولى أن يكون بنوه ونسله كذلك مثله!! أليس في هذا الكلام انتقاصًا للعرب الذين هم مادة الإسلام، وهم الذين شرفهم اللَّه تعالى بحمل الرسالة وتبليغها إلى الناس كافة، وحملهم هذه المسؤولية خلال مخاطبة القرآن الكريم للنبى محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- وقومه العرب من خلاله بهذه الأمانة، {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}. أليس في هذا الكلام تصريح واضح وبيان سافر، بأن يكون العرب اذلاء لغيرهم من الأجناس الأخرى مستباحة بيضتهم؟؟ (هذا الكلام وأمثاله تقرأه المدارس اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية وعموم أوربا، حيث أن أول ما يدخل الطالب إلى هذه المدارس من الإبتدائية وإلى آخر مرحلة، يقرأ هذا الكلام عن العرب. وإليك ما تقوله التوراة في الإصحاح العاشر: (كان التخوم الكنعانى من صيدون حينما تجئ نحو جراء إلى غزة، وحين تجئ نحو سدوم وعمورة إلى لاشا). وهنا يخاطب الرب إبراهيم - بزعمهم قائلًا كما في الإصحاح الثاني عشر: (اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريد (¬1)، فجعلك أمة عظيمة، وبارك وأعظم اسمك وتكون بركة، وبارك مباركيك، ولاعنك اللعنة، وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض، واجتاز إبراهيم في الأرض إلى مكان شكيم إلى مكان بلوط، وكذلك تجلى الرب لابراهيم وقال له: لنسلك اعطى هذه الأرض). ¬
وفى الإصحاح الثالث عشر ما يلي: (سكن إبراهيم أرض كنعان (¬1) وقال الرب: ارفع عينيك وانظر في الموضع الذي أنت فيه شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا، إن جميع الأرض الذي أنت ترى، لك أعطها ولنسلك إلى الأبد، وجعل نسلك كتراب الأرض) (¬2). وفى الإصحاح السابع عشر يقول الرب لإبراهيم: (اقيم عهدى بينى وبينك وبين نسلك من بعدك في أجيالهم عهدًا أبديًا، لأكون إلهًا لك ولنسلك من بعدك، وأعطى لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك، كل أرض كنعان ملكًا أبديًا). وفى الإصحاح الخامس عشر تحدد التوراة الأرض التي هي ملك وحق أبدى لليهود، وفيها يخاطب الرب إبراهيم عليه السلام: (لنسلك أعطى هذه الأرض، من نهر مصر إلى النهر الكبير (الفرات)). ويقول الرب تعالى ليعقوب (¬3) عليه السلام: (يستعبد لك شعوبك وتسجد لك قبائل، كن سيدًا لأخوتك، وليسجد لك بنو أمك، ليكن لاعنوك ملعونين ومباركوك مباركين). وتذكر التوراة أن يعقوب عليه السلام نام يومًا عند بئر سبع وحاران في أرض فلسطين، فرأى اللَّه تعالى فقال له: (أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله إسحاق، الأرض التي أنت مضطجع عليها أعطها لك ولنسلك، ويكون ¬
نسلك كتراب الأرض، تمتد غربًا وشرقًا وشمالًا وجنوبًا، ويتبارك بك وبنسلك جميع قبائل) (¬1). لاحظ في هذا الكلام الذي يبشر به اليهود ويعتقدونه يتبين ما يلى: 1 - تأكيدهم على أن العرب الذين هم مادة الإسلام وأهله مستباحون في أرضهم وديارهم، لأنهم ملعونون بلعنة أبيهم كنعان!!، كما يزعم اليهود. 2 - أرض العرب وتحديدًا من الفرات إلى النيل أرضهم وأرض أبائهم ولا يمكن التفريط بها فهم -بزعمهم- أحق بها من العرب الكنعانين. .، لذلك هم لا يفرطون فيها، وسيظلون يتطلعون إلى اليوم الذي يحققون فيه آمالهم بالسيطرة عليها. 3 - التضارب الكبير والبون الشائع بين دعاواهم في توراتهم المحرفة وبين الواقع المعاصر، إذ أن اليهود المعاصرين هم أقل الأجناس البشرية، وأن أغلب اليهود الموجودين الآن هم ليسوا من ذرية يعقوب، وإنما هم شتات من يهود الخرز الأوربيين، أما اليهود الذين هم من صلب إبراهيم ويعقوب عليهما السلام فهم النزر اليسير قياسًا لغيرهم، فتأمل. . . 4 - كذبهم وأفترائهم حتى في كتبهم المقدسة التي ينسبونها للتوراة ويشرون بها وتضارب نبؤاتهم، حيث أن اللَّه تعالى -بزعمهم- قد وعد يعقوب عليه السلام بأن يجعل من نسله من حيث الكثرة مثل ذرات التراب، والواقع يثبت العكس تمامًا، إذ أن اليهود هم أقل الناس على أرجاء المعمورة إطلاقًا. ¬
سادسا: الدجال في منظور اليهود والنصارى
سادسًا: الدجال في منظور اليهود والنصارى (من باب أولى أن يكون النصارى مع المسلمين في موضوع الدجال، لأن الذين قتلوا المسيح بزعم النصارى هم اليهود، وهذا موجود في كتبهم. بل أن اضطهاد اليهود لحواريى المسيح وما فعلوه بالمسيح عيسى عليه السلام أشهر من أن يعرف، وهم -المسيحيين- يعتقدون أن عيسى سيبعث من جديد في آخر الزمان وينتقم من اليهود فهم يعتقدون أن عيسى نبى دجال كذاب، ولن يعود مرة أخرى، وهنا كان أولى بالمسيحيين أن يكونوا مع المسلمين في هذا المضمار، حيث أن المسلمين يعتقدون أن المسيح عليه السلام سينزل في آخر الزمان ويحكم بالشريعة المحمدية ويملأ الأرض عدلًا. لكن اليهود استطاعوا بخبثهم ومكرهم أن يمرروا كذبهم على النصارى لأن الآخرين منساقون وراء اليهود، حيث استطاعوا أن يقلبوا عليه الحقائق رأسًا على عقب، واستغلوا فكرة أن الكتاب الذي يؤمن به اليهود والنصارى معًا هو الكتاب المقدس، حيث يتكون من عهدين، العهد القديم والعهد الجديد، أما العهد القديم فهو التوراة متضمنة هذا الكلام الذي قرأناه سلفًا، فأي نصرانى يقرأ الكتاب المقدس، يجد تلك النصوص في العهد القديم الذي يؤمن به كمسيحى، هذا السبب الأول. أما السبب الثاني فهو ما جبل عليه أهل الكتاب مما بينه اللَّه تعالى في كتابه الكريم من الحسد لهذه الأمة، أنهم عرفوا الحق ولكنهم حادوا عنه، ومنهم من عرف الحق وآمن به وهو النجاشى وعبد اللَّه بن سلام وغيرهم كثير، وكاد هرقل ملك الروم أن يؤمن لولا الظالمون من حاشيته. فالمعركة إذن أضحت بين مسيحيين، الأول هو المسيح الدجال الذي
سابعا: عقيدة النصارى الألفية
يؤمن به اليهود ويثقفون به الناس ويهيئون لخروجه، حيث يسمونه ملك السلام ومعهم النصارى في ذلك، أما المسيح الثاني فهو سيدنا عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، وأما نحن المسلمين فنؤمن بالوعد بنزوله. إذن هنا نعرف الطريق بين المفهومين اليهوى والنصرانى. . .) (¬1). سابعًا: عقيدة النصارى الألفية روج النصارى لخروج السيد المسيح عليه الصلاة والسلام مرة أخرى، بعد غيابه الأول وذلك بعد ألف عام من قتله كما يزعمون، حيث سيحكم العالم وينتقم من أعدائه، وانتطر النصارى هذا الخروج ولكن دون جدوى. . ولما أوشك هذا القرن الميلادى على الإنتهاء، بدأت هذه الدعوات تظهر من جديد وبنفس المفهوم السابق وفى جميع العالم النصرانى الغربى، وتسربت هذه الدعايات التى يعتقدها النصارى إلى المسلمين، في إطار المقولة (ألف ولا تؤلفان) كثيرًا ما يطرح المسلمون هذا السؤال في الوقت الحاضر داخل مجتمعاتنا: • هل صحيح أن الساعة ستقوم عام 2000 م؟؟ والحقيقة أن الساعة غيب اختص اللَّه تعالى بعلمه، من رحمته تعالى بعباده أن جعل لها علاقات تنبئ بقرب قيامها، أما تحديد موعد لها ومتى فهذا غير صحيح، ومن ادعى أنه يعلم متى تقوم الساعة فقد افترى على اللَّه الكذب. إن السيد المسيح عليه الصلاة والسلام سيعود فى فلسطين، وهذا التجمع لليهود من كل مكان فى العالم إلى فلسطين المحتلة، هو مقدمة لهذا الظهور، ¬
ثامنا: إيمان قادة الغرب بمعركة (هرمجدون)
وهذا التبنى لهذه الفكرة من قبل مسيحى العالم هو نتيجة لما يؤمن به النصارى والغرب النصرانى على الخصوص لهذه الفكرة التي يؤمنون بها ويروجون لها. (ظهر كتاب في أمريكا وأشتهر جدًا واسمه (دراما نهاية الزمن) لمؤلفه (لوترال لوب روبرنس) وهناك كتاب آخر اسمه (نهاية أعظم كرة أرضية) لمؤلفه (لامسى بي) هذان الكتابان يفترضان ويروجان لعام 2000 م أو قريب منه ستكون نهاية العالم. . • وكيف ينتهى العالم؟؟ قالوا: كل الحضارات ستنتهى ولا داعى أن تفكروا في المصائب الإقتصادية والديون العالمية وبمستقبل الأجيال القادمة، لأن العالم سيعيش بضع سنوات وبعدها ستقوم المعركة الكبرى العالمية في سهل (هرمجدون) (¬1) ويسمونها معركة (هرمجدون) وهذه المعركة ستكون بين النصارى والوثنين. ويقول المراقبون السياسيون المعنيون بهذا المضمار، أن الرأى العام في أوروبا وأمريكا حشد حشدًا قويًا للتصديق بأن الحرب بين العراق ودول التحالف هي بداية المعركة (هرمجدون) أو ستكون عام (2000 م) أو قريبًا من هذا العام وستكون حربًا نووية، وهناك -كما يزعمون- سيأتي المسيح فيرفع المؤمنين به فوق السحاب (¬2). ثامنًا: إيمان قادة الغرب بمعركة (هرمجدون) كنتيجة لهذا التثقيف الصليبى لهذه الدعوات، أضحى قادة الغرب في ¬
طليعة المؤمنين بهذه لمعركة، وعلى رأسهم الرئيس الأمريكى (ريغان) و (بوش) فضلًا عن الطبقة المثقفة في المجتمع الأمريكى ورجال الدين. (الرئيس الأمريكى نيكسون هو أكبر أمريكى تنظيرًا وفكرًا لهذه العقيدة، ألف كتابًا عنوانه (1999 م نصر بلا حرب) يقول فيه: (أنه في عام 1999 م سنكون قد حققنا السيادة الكاملة على العالم من غير حرب) ويختتم كتابه بقوله (عندما كانت أمريكا ضعيفة وفقيرة قبل (200 سنة) مضت، كانت عقيدتنا هي المبقية علينا، وعلينا ونحن ندخل قرننا الثالث بالنسبة في أمريكا، ونستقبل الألف سنة المقبلة أن نعيد اكتشاف عقيدتنا ونبث فيها الحيوية) (¬1). وكتاب اسمه (البعد الدينى أولًا) (¬2) يؤمن رؤساء أمريكا بهذه العقيدة الألفية وعودة المسيح، يقول الرئيس الأمريكى (كارتر) في هذا الكتاب (¬3): (لقد آمن رؤساء أمريكان وجسدوا هذا الإيمان بأن جعلوا علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع إسرائيل هي أكثر من علاقة خاصة، بل هي علاقة فريدة لأنها متجذرة في ضمير وأخلاق ودين ومعتقدات الشعب الأمريكى نفسه، لقد شكلت اسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية مهاجرين طليعيين، ونحن نتقاسم تراث التوراة، أن الصراع بين العرب واليهود هو صراع بين داود وجالوت) (¬4) ¬
تاسعا: إن الذي يقرأ هذا الفصل يتبين له ما يلي
تاسعًا: إن الذي يقرأ هذا الفصل يتبين له ما يلي: 1 - إن الوعد الحق هو الذي يؤمن به المسلمون حسب عقيدتهم، وهو أن عيسى بن مريم -صلى اللَّه عليه وسلم- ينزل من السماء ويقتل الدجال ويحكم بالشريعة الإسلامية. 2 - إن الوعد المفترى هو الذي يؤمن به أهل الكتاب (اليهود والنصارى) ويثقفون له، ويبشرون بالدجال وأنه هو المنقذ لهم أو أن السيد المسيح سيعود من جديد ويقضى على أعدائهم. 3 - من ضمن الوعد المفترى ما يسمى بمعركة (هرمجدون) وهي التي يؤمن بها الغرب ويثقف لها السياسيون والمفكرون ورجال الدين، وهذه المعركة (هرمجدون) بزعمهم تكون في فلسطين وينتصر فيها الغربيون على أعدائهم المسلمين إ! 4 - لقد أخطأ من قال: إن معركة (هرمجدون) هي أخر علامات الساعة الصغرى ولوى النصوص وحرفها وأخضع أحاديث صحيحة عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لما يراه أو يحلله أو لما يؤمن به الغرب ويثقف له. 5 - جاء في كتاب (عمر أمة الإسلام وقرب ظهور المهدى) لأمين محمد جمال ما ملخصه: إن معركة (هرمجدون) ستكون أخر العلامات الصغرى وهي حرب عالمية ثالثة، وتكون نتيجة لهدنة بين العرب المسلمين وأوروبا وأمريكا، وعلى أثر هذه الهدنة يكون تحالف بيننا وبينهم وتغزو معًا عددًا أخر، قد يكون روسيا واليابان والصين، وهذه المعركة هي (هرمجدون) فينتصر هذا التحالف وبعد ذلك يغدر (المعسكر الغربي) بنا ويكون المهدى بعد ذلك خارجًا فيقود الملحمة أو الملاحم، ونتيجة
لمعركة (هرمجدون) العالمية يبطل السلاح المتطور الحديث وتعود الأسلحة القديمة كالسيف والحربة. . . إلخ. 6 - أدلته على ذلك حديثان لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (. . . ثم هدنة تكون بينكم وبين بنى الأصفر فيعذرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية. . .) وحديث (ستصالحون الروم صلحًا أمنًا فتغزون أنتم وهم عدوًا من ورائهم فتسلمون وتغنمون. . .). 7 - هذه الأدلة من الأحاديث كما ترى أخي المسلم ليس فيها إشارة لمعركة (هرمجدون) بل هي معارك تكون بين المهدى ومناوئيه ثم تحالف المسلمين مع الروم وغدرهم بالمسلمين. . . إلخ. 8 - ثم أين هذا التحالف بين العرب المسلمين والغرب ونحن الآن في عام 2002 م ولم نر هذا التحالف، ومعركة (هرمجدون) يؤمن بها الغرب على أنها قبل عام 2000 م!!!. * * *
الفصل الرابع هلاك الدجال وحكم عيسى بن مريم
الفصل الرابع هلاك الدجال وحكم عيسى بن مريم أولًا: عيسى بن مريم في المنظور القرآنى إن قضية قتل عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام وصلبه، قضية يتخبط فيها اليهود والنصارى، فاليهود يزعمون أنهم قتلوه، ويخرون من كونه نبيًا من الأنبياء، والنصارى يزعمون أنه صلب وانتهى وأنه عاد بعد الصلب بفترة، وسيعود من جديد -بعد أن مات- ليرفع المؤمنين به فوق السحاب. والتاريخ سكت عن هذه القضية، والأناجيل التي كتبت عنه ينقصها الصدق لأنها كتبت عنه بعد فترة طويلة من إسدال الستار عليه فضلًا عن كونها محرفة، فلم يبق لنا من الحق والحقيقة لهذا الموضوع إلا كتاب رب العالمين، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد. إن القرآن الكريم يقرر أن: {قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء: 157] {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} [النساء: 157] {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا}. في هذا البيان القرآنى يتبين ضلال أهل الكتاب وكفرهم، وأن السيد المسيح السلام لم يقتل ولم يصلب ولكن شبه لمناوئيه ذلك والتبس الأمر عليهم فقتلوا غيره ورفعه اللَّه إليه، وأن الذين يقولون بقتله ليس لهم حجة دامغة، اللهم إلا الظن واتباع الهوى، وأنه سينزل من السماء ويؤمن به أهل
الكتاب الذين كانوا يعتقدون موته، ويوم القيامة -أمام اللَّه تعالى- يشهد عليهم بذلك. قال ابن كثير: (لا شك أن هذا هو الصحيح، لأنه المقصود من سياق الآية في تقرير بطلان ما ادعته اليهود في قتل عيسى عليه السلام وصلبه وتسليم من سلم لهم من النصارى الجهلة في ذلك، فأخبر اللَّه أنه لم يكن الأمو كذلك، وإنما شبه لهم فقتلوا الشبه وهم لا يتبينون ذلك، ثم أنه رفعه اللَّه إليه، وأنه باق حى وأنه سينزل قبل يوم القيامة، كما دلت عليه الأحاديث المتواترة. .، فيقتل مسيح الضلالة ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية، يعنى لا يقبلها من أحد من أهل الأديان بل لا يقبل إلا الإسلام أو السيف) (¬1). أما قولى تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [آل عمران الآية 55]. . . فقد جاء في تفسيرها: (أي آخذك وافيًا بروحك وجسمك، ورافعك إلى محل كرامتى، فالعطف للتفسير، يقال: وفيت فلانًا حقه، أي أعطيته إياه وافيًا فاستوفاه وتوفاه أي آخذه وافيًا. أو قابضك ومستوفى شخصك من الأرض، من توفى المال بمعنى استوفاه وقبضه، واعلم أن عيسى عليه السلام لم يقتل ولم يصلب كما يدعى النصارى قال تعالى {قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء: 157] وما قتلوه يقينًا، فاعتقاد النصارى القتل والصلب كفر لا ريب فيه، وقد اخبر اللَّه تعالى أنه رفع إليه عيسى كما قال: {وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55] قال: {بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِليَهِ} [النساء: 158] فيجب الإيمان به، والجمهور على أنه حيًا من غير موت بجسده وروحه إلى ¬
ثانيا: عيسى بن مريم في السنة النبوية
السماء، والخصوصية له عليه السلام هي رفعه جسده وبقاؤه فيها إلى الأبد المقدر له) (¬1). وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} قال قتادة وغيره: هذا من المقدم والمؤخر، بتقدير أنى رافعك إلى متوفيك يعنى بعد ذلك -وقال على بن طلحة عن ابن عباس: إني متوفيك، أي مميتك في المستقبل) (¬2). وقال تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النساء: 159] فالضمير في قوله تعالى {قَبْلَ مَوْتِهِ} [النساء: 159] عائد على عيسى عليه السلام، أي أن أهل الكتاب سيؤمن بعيسى حتمًا عندما ينزل مرة أخرى إلى الدنيا من السماء. وقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} بفتح اللام الأولى وسكون الثانية، إذ الضمير في (أنه) يعود على السيد المسيح عليه السلام، أي أن نزول المسيح من السماء إلى الأرض مرة أخرى في دلالة وإشارة إلى قرب قيام الساعة، وفى قراءة أخرى، {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} [الزخرف: 61] بفتح اللام الأولى وفتح الثانية، أي أن ظهوره عليه السلام علم يعلم به دنو قيام الساعة. ثانيًا: عيسى بن مريم في السنة النبوية 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (والذي نفسى بيده، ليوشكن (¬3) أن ينزل فيكم ابن مريم، حكمًا عدلًا (¬4)، فيكسر الصليب (¬5)، ¬
ويقتل الخنزير (¬1)، ويضع الحرب (¬2)، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيرًا من الدنيا وما فيها) (¬3). ثم يقول أبو هريرة -رضي اللَّه عنه-: واقرؤوا إن شئتم {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} (¬4). قال الحافظ بن حجر في (فتح الباري): (والمعنى أنه عليه السلام، ينزل حاكمًا بهذه الشريعة فإن هذه الشريعة باقية لا تنسخ، بل يكون عيسى عليه السلام حاكمًا من حكام هذه الأمة) (¬5) وقال القرطبي: (ذهب قوم إلى أن بنزول عيسى عليه السلام ترفع التكاليف، لئلا يكون رسولًا إلى أهل ذلك الزمان، يأمرهم عن اللَّه وينهاهم. وهذا مردود بقوله تعالى {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40]، وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
ثالثا: الأيام بعد هلاك الدجال وحكم عيسى عليه السلام
(لا نبى بعدى) وغير ذلك من الأخبار، وإذا كان ذلك فلا يجوز أن يتوهم أن عيسى عليه السلام ينزل نبيًا بشريعة متجددة غير شريعة محمد نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم-، بل إذا نزل عيسى عليه السلام فإنه يكون يومئذ من أتباع محمد عليه الصلاة والسلام حيث قال لعمر بن الخطاب (لو كان موسى حيًا ما وسعه إلا اتباعى) (¬1). ثالثًا: الأيام بعد هلاك الدجال وحكم عيسى عليه السلام 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (الأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد (¬2)، وإنى أولى الناس بعيسى بن مريم، لأنه لم يكن نبى بينى وبينه، وإنه نازل، فإذا رأيتموه فأعرفوه، رجل مربوع، وإلى الحمرة والبياض (¬3)، عليه ثوبان ممصران (¬4) كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل (¬5)، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ويدعو الناس إلى الإسلام، فيهلك اللَّه في زمانه الملل ¬
كلها إلا الإسلام، ويهلك اللَّه في زمانه المسيح الدجال، وتقع الأمة على الأرض (¬1) حتى ترتع الأسود مع الإبل، والنمار مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم، فيمكث في الأرض أربعين سنة، ثم يتوفى ويصلى عليه المسلمون ويدفنونه) (¬2). 2 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (كيف انتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم). قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري): (وعند أحمد من حديث جابر في قصة الدجال ونزول عيسى، فيقال: تقدم يا روح اللَّه، فيقول: ليتقدم إمامكم فليصل بكم) (¬3). (ولابن ماجة في حديث أبي أمامة: (وكلهم -أي المسلمون- ببيت المقدس، وإمامهم رجل صالح قد تقدم ليصلى بهم، إذ نزل عيسى، فرجع الإمام ينكص ليتقدم عيسى، فيقف عيسى بين كتفيه ثم يقول: فإنها لك أقيمت). وهناك أحاديث أخرى وردت بهذا المعنى مع بعض الزيادات في سياق الحديث لا في معناه. قال الحافظ ابن حجر بعد هذه الأحاديث: (وفى صلاة عيسى خلف رجل من هذه الأمة مع كونه في آخر الزمان وقرب قيام الساعة، دلالة للصحيح من الأقوال أن الأرض لا تخلو عن قائم للبحجة واللَّه اعلم) (¬4). ¬
وقيل في معنى (وإمامكم منكم): وهو منكم أي عيسى، فوضع الاسم الظاهر موضع السم المضمر، تعظيمًا له وتربية للمهابة في النفوس. وفي رواية أخرى لحديث أبي هريرة المتقدم: (فأمكم) وفي لفظة أخرى: (فأمكم منكم) حكى مسلم في (صحيحه) عقب هذه الرواية: (أن الوليد بن مسلم قال لشيخه في هذا المسند ابن أبي ذئب: أن الاوزاعى حدثنا عن الزهري عن نافع عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- (وأمامكم منكم)؟ قال: ابن أبي ذئب: تدرى ما (أمكم منكم)؟. قلت: تخبرنى؟ قال: فأمكم بكتاب ربكم تبارك وتعالى وسنة نبيكم -صلى اللَّه عليه وسلم-. وقد رحج الإمام الكشميري رحمه اللَّه تعالى في كتابه (فيض الباري على صحيح البخاري) رواية البخاري (وإمامكم منكم) على هذه الرواية) (¬1). 3 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (والذي نفسي بيده: ليهلن ابن مريم بفج الروحاء (¬2) حاجًا أو معتمرًا ليثنيها) (¬3). قال ابن كثير في (تفسيره): (وقد ثبت في الحديث أن عيسى ابن مريم يحج البيت العتيق، واستشهد بذلك رواية الإمام أحمد عن أبي سعيد قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ليحجن هذا البيت، وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج) ثم قال ابن كثير: انفرد ¬
بإخراجه البخاري). 4 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- في رواية أخرى أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (وليأتين قبرى حتى يسلم على ولأردن عليه). يقول أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: (أي بنى أخى: إذا رأيتموه فقولوا: أبو هريرة يقرئك السلام) (¬1) 5 - عن ثوبان -رضي اللَّه عنه- مولى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: (عصابتان من أمتى احرزهما (¬2) اللَّه تعالى من النار، عصابة تغزو الهند، وعصابة تكون مع عيسى ابن مريم عليه السلام) (¬3). 6 - عن مجمع ابن جارية الأنصارى رضى اللَّه عنه يقول: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (يقتل ابن مريم الدجال بباب لد) (¬4). 7 - عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (كيف تهلك أمة أنا أولها، وعيسى بن مريم آخرها) (¬5). 8 - قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لن تهلك أمة أنا أولها وعيسى بن مريم في آخرها والمهدى في وسطها) (¬6). ¬
9 - عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (أنا أول من يدخل الجنة يوم القيامة وأشفع، وسيدرك رجل من أمتى عيسى بن مريم، ويشهدون قتال الدجال) (¬1). 10 - عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (من أدرك منكم عيسى بن مريم فليقرئه منى السلام) (¬2). 11 - في حديث عبد الرحمن بن سمرة -رضي اللَّه عنه- الذي تقدم في فصل المهدى: (. . . والذي بعثني بالحق نبيًا، ليجدن عيسى بن مريم في أمتى خلفًا من حواريه) (¬3). 12 - في حديث النواس بن سمعان -رضي اللَّه عنه- الذي تقدم في فصل الدجال: (. . . فبينما هو كذلك. .الدجال -إذ بعث اللَّه المسيح بن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء شرقى دمشق (¬4) بين مهروذتين (¬5) واضعًا كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ ¬
رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ (¬1)، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات (¬2)، ونفسه ينتهى حيث ينتهى طرفه (¬3)، فيطلبه (¬4) حتى يدرك باب لد (¬5) فيقتله (¬6). . .) 13 - عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (. . . فيبعث اللَّه عيسى بن مريم كأنه عروة بن مسعود، فيطلبه، فيهلكه، ثم يمكث الناس سبع سنين) (¬7). ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
14 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (. . . فبينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف، إذ أقيمت الصلاة، فينزل عيسى بن مريم فأمهم (¬1)، فإذا رآه عدو اللَّه ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لا نذاب حتى يهلك، ولكن يقتله اللَّه بيده (¬2)، فيريهم دمه في حربته) (¬3). 15 - في حديث أبي أمامة الباهلى -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: قال: (. . . فقالت أم شريك إلى قوله. . . إذ نزل عليهم عيسى بن مريم الصبح، فرجع ذلك الإمام ينكص يمشى القهقرى (¬4) ليقدم عيسى ويصلى، فيضع عيسى عليه السلام يده بين كتفيه ثم يقول له: تقدم فصل، فإنها لك أقيمت، فيصلى بهم إمامهم. فإذا انصرف قال عيسى عليه السلام: افتحوا الباب فيفتح وورأؤه الدجال. . . إلى قوله: -عيسى-: (وإن لي فيك ضربة لن تسبقنى بها، فيدركه عند باب اللد الشرقى فيقتله، فيهزم اللَّه اليهود. . .) (¬5). 16 - عن عبد اللَّه بن سلام -رضي اللَّه عنه- قال: (مكتوب في التوراة: صفة محمد وعيسى بن مريم يدفن معه) (¬6). ¬
رابعا: التوفيق بين الروايات في كيفية قتل عيسى للأعور الدجال
17 - عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ينزل عيسى بن مريم إلى الأرض فيتزوج ويولد له، ويمكث خمسًا وأربعين سنة، ثم يموت فيدفن معى في قبرى، فأقوم أنا وعيسى بن مريم من قبر واحد بين أبي بكر وعمر) (¬1). 18 - (. . . ثم يتوفى فيصلى عليه المسلمون) (¬2). 19 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ينزل عيسى بن مريم، فيقتل الدجال، يمكث أربعين عامًا، يعمل فيهم بكتاب اللَّه وسنتى ويموت، فيستحلفون بأمر عيسى رجلًا من بنى تميم يقال له: المقعد، فإذا مات المقعد لم يأت على الناس ثلاث سنين حتى يرفع القرآن من صدور الرجال ومصاحفهم) (¬3). رابعًا: التوفيق بين الروايات في كيفية قتل عيسى للأعور الدجال عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: (. . . وينزل عيسى بن مريم فيؤمهم، فإذا رفع من الركوع قال: سمع اللَّه لمن حمد، قتل الدجال واظهر المؤمنين) (¬4). قال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة: (الظاهر أن في ألفاظ هذا الحديث تصرفًا ¬
من بعض الرواة، إذ قد تقدم في الأحاديث أن عيسى عليه السلام يقتل الدجال باب لد، وذهب شيخنا عبد اللَّه الغمارى في كتابه (إقامة البرهان) إلى سلامة هذه الرواية من تصرف الرواة، إذا وسع الكلام في بيان معنى الحديث وتوجيهه فقال: هذا الحديث يفيد أن قتل الدجال يحدث وعيسى بن مريم في صلاة، مع أن الأحاديث الأخرى التي ذكرت أن عيسى يقتل الدجال بباب لد أو قريب منه، لم تذكر أن ذلك يكون أثناء الصلاة، فكيف الجمع بين هذه وذاك؟ والجواب: عن ذلك سهل بتسهيل اللَّه، غير أنه يتوقف على مقدمة وهى: إن الذي دلت عليه الأحاديث أن عيسى عليه السلام يصلى أول صلاة بعد نزوله من السماء -وهى صلاة الصبح- مؤتمًا بإمام المسلمين، إظهارًا لكرامة هذه الأمة وفضلها، ثم بعد ذلك يتقلد عيسى مقاليد الأمور، ويصير خليفة المسلمين، وتجمع له الصلاة أي يصير هو الإمام فيها مع قيامه بأعباء الإمامة العظمى، ومن هنا تعلم أن قوله في هذا الحديث: (فيؤمهم) على ظاهره، أي فيؤمهم في الصلوات، ولا شك أن مما شرعه اللَّه لهذه الأمة في جهادها مع العدو صلاة الخوف. إذا تقرر هذا: فالحديث محمول على أن عيسى عليه السلام يؤم المسلمين في صلاة خوف وهم يقاتلون الدجال ومن معه، فإذا رفع عيسى رأسه من الركوع أمكنته الفرصة من العدو، فيحمل على الدجال فيقتله، ومباشرة الأعمال الضرورية لا تمنع منها الصلاة كما هو معروف. وهذا معنى قوله (وينزل عيسى بن مريم فيؤمهم، فإذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع اللَّه لمن حمد، قتل الدجال). أي على يد عيسى عليه السلام وإسناد القتل إلى اللَّه من باب قوله تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ
خامسا: ماذا بعد قتل عيسى عليه السلام للدجال
اللَّهَ قَتَلَهُمْ} [الأنفال: 17] {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17] فبهذا التأويل يتضح المعنى ويكون الحديث متفقًا مع غيره من الأحاديث متمشيًا مع قواعد الشريعة الغراء) (¬1). خامسًا: ماذا بعد قتل عيسى عليه السلام للدجال قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (. . .فبينما هم كذلك، إذْ أوحى اللَّه إلى عيسى عليه السلام: إني قد أخرجت عبادًا لي لا يد لهم أن لأحد بقتالهم (¬2)، فحرز عبادى إلى الطور. . .) (¬3). * * * ¬
الفصل الخامس ابن الصياد
الفصل الخامس ابن الصياد أولًا: ابن الصياد ولد هذا الرجل في المدينة النبوية على ساكنها الصلاة والسلام، من أبوين يهوديين، تظاهر بالإسلام وأداء الشعائر التعبدية، ولكن كانت له قرائن توحى بالريب لناظره، فقد كان يلوح بأنه يرى عرش الشيطان، وإذا غضب ينفتح فيملأ السكة، ويدعى أنه رسول اللَّه!! وأنه يأتيه تخليط. . . وعندما حدث النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- صحابته عن الدجال وفتنته تراءى للصحابة أن ابن الصياد هو الدجال بعينه حتى هم عمر -رضي اللَّه عنه- بقتله فمنعه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد استشكل على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمره لأنه لم يوح إليه -صلى اللَّه عليه وسلم- بأمره شئ، فكان يمنحه ويستنطقه ويحاوره ليرى حقيقته. . . تزوج في المدينة النبوية وولد له أولاد، وكان ورافق الصحابة في سفرهم، وحج مع أبي سعيد الخدري إلى بيت اللَّه الحرام، وكان الصحابة يتوجسون منه، وينظرون إليه بارتياب وحذر، لوجود هذه القرائن فيه. • وهناك روايات مختلفة عن نهايته وهي: أ- أنه تاب بعد ذلك ومات في المدينة مسلمًا وصلى عليه المسلمون بعد أن تبين برئته وتوبته. ب- فقد في مذبحة الحرة أيام حكم يزيد. ج- فقد في فتوحات المسلمين لبلاد فارس بمنطقة تسمى "الحارة اليهودية" في أصفهان. واللَّه تعالى أعلم.
ثانيا: ابن الصياد في السنة النبوية
ونظرًا لإختلاف هذه الروايات في السنة، اختلف العلماء في شأنه، وإليك ما جاء في السنة عن ابن الصياد ثم أقوال العلماء فيه: ثانيًا: ابن الصياد في السنة النبوية: أ- عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: (إن عمر بن الخطاب انطلق مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في رهط من الصحابة قبل الصياد، حتى وجده يلعب مع الصبيان عند أطم (¬1) بنى مغالة وقد قارب بن الصياد يومئذ الحلم، فلم يشعر حتى ضرب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ظهره بيده، ثم قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لابن الصياد: أتشهد أنى رسول اللَّه؟ فنظر إليه ابن الصياد فقال: أشهد أنك نبى الأميين، فقال ابن الصياد لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أتشهد أنى رسول اللَّه؟ فرفضه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقال: (آمنت باللَّه ورسله). ثم قال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ماذا ترى؟ قال ابن الصياد: يأتنى صادق وكذاب (¬2)، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (خلط عليك الأمر). ثم قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إني قد خبأت لك خبيئًا) (¬3) فقال ابن الصياد: هو الدخ، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إخسأ فلن تعدو قدرك) (¬4). ¬
قال عمر بن الخطاب: ذرنى يا رسول اللَّه أضرب عنقه، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن يكنه فلن تسلط عليه (¬1)، وإن لم يكن فلا خير لك في قتله. وقال سالم بن عبد اللَّه: سمعت عبد اللَّه بن عمر يقول: انطلق بعد ذلك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبى بن كعب الأنصارى إلى النخل التي فيها ابن الصياد، حتى إذا دخل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- النخل طفق يتقى بجذوع النخل (¬2)، وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئًا قبل أن يراه ابن صياد، فرآه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو مضطجع على فراش في قطيفة له فيها زمزمة (¬3)، فرأت أم ابن صياد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو يتقى بجذوع النخل، فقالت لابن صياد: يا صاف -وهو اسم ابن صياد- هذا محمد، فثار ابن صياد، فقال: رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لو تركته بين (¬4). قال سالم: قال عبد اللَّه بن عمر: فقام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الناس فأثنى على اللَّه بما هو له أهل، ثم ذكر الدجال، فقال: إني لأنذركوه، ما من نبى إلا وقد أنذره قومه، لقد أنذر نوح قومه ولكن أقول لكم فيه قولًا لم يقله نبى لقومه: (تعلموا أنه أعور (¬5)، وأن اللَّه تبارك وتعالى ليس بأعور). ¬
وزاد مسلم في صحيحه: 2 - قال ابن شهاب: وأخبرنى عمر بن ثابت الأنصارى: أنه أخبره بعض أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال يوم حذار الناس الدجال: (أنه مكتوب بين عينيه كافر. . .) وقال: (تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه عز وجل حتى يموت) (¬1) (¬2). 3 - عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: (لقيه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبو بكر وعمر -يعنى ابن صياد- في بعض طرق المدينة، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أتشهد أنى رسول اللَّه؟ فقال هو: أتشهد أنى رسول اللَّه؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: آمنت باللَّه، وملائكته، وكتبه، ما ترى؟ قال: أرى عرشًا على الماء، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ترى عرش إبليس على البحر، وما ترى؟ قال: أرى صادقين وكاذبًا -أو كاذبين وصادقًا- فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. لبس عليه (¬3)، دعوه) (¬4). 4 - وعن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- أيضًا قال: (خرجنا حجاجًا أو عمارًا ومعنا بن صائد، قال: منزلنا منزلًا، فتفرق الناس وبقيت أنا وهو (¬5)، فأستوحشت منه وحشة شديدة مما يقال عليه، قال: وجاء بمتاعه فوضعه ¬
ثالثا: أقوال العلماء في ابن صياد
مع متاعى، فقلت: إن الحر شديد، فلو وضعته تلك الشجرة قال ففعل، قال: فرفعت لنا غنم، فانطلق فجاء بعس (¬1) فقال: اشرب أبا سعيد!! فقلت إن الحر شديد واللبن حار. ما بي إلا أنى أكره أن أشرب عن يده -فقال: أبا سعيد، لقد هممت أن آخذ حبلًا فأعلقه بشجرة ثم اختنق مما يقول لي الناس، يا أبا سعيد: من خفى عليه حديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما خفى عليكم معشر الأنصار، ألست من أعلم الناس بحديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ أليس قد قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هو عقيم (¬2) لا يولد له وقد تركت ولدى بالمدينة؟ أو ليس قد قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا يدخل المدينة ولا مكة، وقد أقبلت من المدينة وأنا أريد مكة؟؟ قال أبو سعيد الخدري: حتى كدت أعذره، ثم قال: أما واللَّه إني لأعرفه (¬3) وأعرف مولده وأين هو الآن. قال: قلت له: تبًا لك سائر اليوم (¬4) (¬5). ثالثًا: أقوال العلماء في ابن صياد 1 - قال القرطبي في التذكرة: (والصحيح أن ابن صياد هو الدجال بدلالة ما تقدم من أدلة) (¬6). ¬
2 - قال الحافظ في الفتح: (وأقرب ما يجمع به بين ما تضمنه حديث تميم الدارى، وكون ابن صياد هو الدجال، إن الدجال بعينه هو الذي شاهده تميم موثقًا، وأن ابن صياد شيطان تبدى في صورة الدجال في تلك المدة إلى أن توجه إلى أصبهان فأستتر مع قرينه إلى أن تجئ المدة التي قدر اللَّه تعالى خروجه فيها) (¬1). 3 - قال النووي في شرح مسلم: (قال العلماء: وقصته مشكلة، وأمره مشتبه في أنه هل هو المسيح الدجال المشهور أم غيره، ولا شك في أنه دجال من الدجاجلة. قال العلماء: وظاهر الأحاديث أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يوح إليه بأنه المسيح الدجال ولا غيره، وإنما أوحى إليه بصفات الدجال، وكان في ابن صياد قرائن محتملة فلذلك كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يقطع بأنه الدجال ولا غيره، ولهذا قال لعمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-: (إن لم يكن هو فلن تستطيع قتله). وإما إحتجاجه هو بأنه مسلم لي الدجال كافر، بأنه لا يولد للدجال وقد ولد له هو، وإنه لا يدخل مكة والمدينة وأن ابن صياد قد دخل المدينة وهو متوجه إلى مكة، فلا دلالة له فيه، لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إما أخبر عن صفاته وقت فتنته وخروجه في الأرض. وفى اشتباه قصته وكونه أحد الدجاجلة الكذابين قوله للنبى -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أتشهد أنى رسول اللَّه)، ودعواه أن يأتيه صادق وكاذب، وأنه يرى عرشًا فوق الماء، وأنه لا يكره أن يكون هو الدجال، وأنه يعرف موضعه وقوله: إني لأعرفه وأعرف مولده وأين هو الآن، وانتفاضة حتى ملأ السكة. ¬
وأما إظهار الإسلام وحجة جهاده، وإقلاعه عما كان عليه فليس بصريح في أنه غير الدجال) (¬1). 4 - قال ابن كثير في النهاية: (قال بعض العلماء: إن ابن صياد كان بعض الصحابة يظنه الدجال وهو ليس به، وإنما كان رجلًا صغيرًا. . . ثم قال: والمقصود إن ابن صياد ليس بالدجال الذي يخرج في آخر الزمان قطعًا وذلك لحديث فاطمة بنت قيس الفهرية، فإنه فيصل في هذا المقام واللَّه أعلم) (¬2). * * * ¬
الباب الرابع
الباب الرابع • الفصل الأول: ذو القرنين ويأجوج ومأجوج. • الفصل الثاني: علامات الساعة الكبرى غير المألوفة. • الفصل الثالث: تخريب الكعبة.
الفصل الأول
الفصل الأول أولًا: يأجوج ومأجوج هذان الاسمان -يأجوج ومأجوج- يطلقان على أمة كبيرة من الناس، وهم محجوزون الآن في مكان ما، بين الجبال، جهة المشرق من الأرض، يخرجون بمشيئة اللَّه تعالى لهم، كما أشار بذلك القرآن الكريم (¬1). هذه الأمة تظهر فجأة على العالم، تنساب عليهم من كل مكان، تنشر الرعب والفساد والدمار في الأرض، على نحو مذهل وطريقة مخيفة، حتى إنهم إذا مروا بقرية يدمرونها حتى يقال، قد كان في هذا المكان قرية كذا- ويمرون ببحيرة طبرية فيشربونها كلها، وأوان خروجهم هذا من العلامات الكبرى للساعة (¬2). قال تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} [الأنبياء: 96] {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنبياء: 97] {يَاوَيْلَنَا قَدْ كنا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كنا ظَالِمِينَ} [الأنبياء: 97]. في هذا البيان القرآنى يشير تعالى إلى خروج يأجوج ومأجوج، من كل مكان مرتفع من الأرض يسرعون إلى الفساد فيها، وخروجهم هذا هو من علامات الساعة الكبرى، وإيذانًا باقتراب الوعد الحق، إذ تشخص أبصار الذين كفروا، وتبدو عليهم علامات الويل والثبور لظلمهم وتكذيبهم وغيهم ¬
عن الوعد الحق، واستهزائهم برسل اللَّه وما جاءوا به من عند اللَّه العزيز العظيم سبحانه. تخرج هذه الأمة الكافرة بعد أن يقتل السيد المسيح عيسى بن مريم -عليه السلام- المسيح الأعور الدجال، كما دل على ذلك القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة. قال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة: (كل واحد من هذين الفظين اسم لقبيل وأمة من الناس، مسكنهم في أقصى الشرق، وما يقال في خلقتهم وصفاتهم مما يخيل إني سامعه أنهم ليسوا من طبيعة البشر ولا على خلقة الناس فكذب أصل له) (¬1). قال الحافظ ابن كثير في (تفسيره) سورة الكهف: (هم من سلالة آدم -عليه السلام- كما ثبت في (الصحيحين) أن اللَّه تعالى يقول (أي يوم القيامة: يا آدم فيقول: لبيك وسعديك، فيقول: ابعث بعث النار، -أي: ميز أهل النار من غيرهم- فيقول: وما بعث أهل النار؟ وما مقدارهم؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة، فحينئذ يشب الصغير. . وتضع كل ذات حمل حملها. . . فقال: أي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن فيكم أمتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه: يأجوج ومأجوج). وفى رواية البخاري: (ابشروا، فإن من يأجوج ومأجوج ألفًا ومنكم رجل). ثم قال الحافظ ابن كثير: (وما يذكر في الأثر عن وهب بن منبه في ¬
أشكالهم وصفاتهم وآذانهم وطولهم وقصر بعضهم ففيه غرابة ونكارة، وروى بن حاتم عن أبيه في ذلك أحاديث غريبة لا تصح أسانيدها). وقال الشيخ أبو حيان الأندلسى في تفسيره (روح المعانى) مرتضيًا له، ويعنى أبو حيان أن الأخبار التي تروى في ذلك ضعيفة لا تثبت على محك النقد. وقد اتفقت كلمة القرآن الكريم والحديث الشريف على كثرة يأجوج ومأجوج، وشدة إفسادهم كما هو صريح في الحديث الذي نشرحه، وكما هو صريح في حديث (الصحيحين) الذي نقلناه عن الحافظ ابن كثير، وذكرناه بعض رواياته، وكما جاء ذلك في أحاديث كثيرة لا تحصى. . . وقد افصح القرآن الكريم عن هذا أيضًا فقال تعالى في سورة الكهف مخبرًا عن ذي القرنين وعنهم، قال تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)}. ثم قال سبحانه وتعالى: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ}. قال العلامة الآلوسى في تفسيره (تفسيره): (قال أبو حيان (في البحر): (والأظهر كون الضمير في {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ} هو ليأجوج ومأجوج (أي وتركنا بعض يأجوج ومأجوج يموج في بعضهم آخر منهم حين يخرجون من السد، مزدحمين في البلاد وذلك بعد نزول عيسى -عليه السلام-) ثم عزز الآلوسى ذلك واستشهد له رحمه اللَّه تعالى بحديث النواس بن سمعان. وقال الحافظ ابن كثير في (تفسيره): (وقال السدى في قوله تعالى:
{وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} قال: ذاك حين يخرجون على الناس، وهذا كله قبل يوم القيامة وبعد الدجال، كما سيأتى بيانه عند قوله تعالى في سورة الأنبياء: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ}. قال: (وهذه صفتهم في حال خروجهم كأن السامع مع شاهد لذلك، ولا ينبئك مثل خبير. رأى بن عباس صبيانًا يلعبون ينزو -يثب- بعضهم على بعض، فقال: هكذا يخرج يأجوج ومأجوج، وقد ورد ذكر خروجهم في أحاديث متعددة من السنة النبوية، منها ما رواه الإمام أحمد في مسنده (مسنده) وابن ماجة في (سننه) واللفظ لأحمد من أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (تفتح يأجوج ومأجوج فيخرجون على الناس كما قال اللَّه عز وجل) وهم من كل حدب ينسلون (فيغشون الناس -لفظ ابن ماجة- فيعمون الأرض -وينحاز المسلمون عنهم إلى مدائنهم وحصونهم ويضمون إليهم مواشيهم، ويشربون مياه الأرض، حتى أن بعضهم ليمر بالنهر فيشربون ما فيه حتى يتركوه يابسًا. . حتى أن من بعدهم ليمر بذلك النهر فيقول: قد كان ها هنا ملء مرة!! حتى إذا لم يبق من الناس أحدًا، إلا أحد في حصن أو مدينة قال قائلهم: هؤلاء أهل الأرض قد فرغنا منهم، بقى أهل السماء، قال: ثم يمر أحدهم حربته ثم يرمى بها إلى السماء فترجع إليه مخضبة دمًا، للبلاء والفتنة. فبينما هم على ذلك إذ بعث اللَّه عز وجل دودًا في أعناقهم كنغف الجراد الذي يخرج في أعناقهم، -لفظ ابن ماجة- كنغف الجراد فتأخذ بأعناقهم -فيصبحون موتى لا يسمع لهم حس فيقول المسلمون: ألا رجل يشرى لنا نفسه، فينظر ما فعل هذا الدود؟ قال: فينحدر رجل منهم محتسبًا نفسه قد
ثانيا: ذو القرنين ويأجوج ومأجوج
أوطنها على أنه مقتول، فيجدهم موتى بعضهم على بعض فينادى: يا معشر المسلمين ألا ابشروا أن اللَّه عز وجل قد كفاكم عدوكم، فيخرجون من مدائنهم وحصونهم، ويسرحون مواشيهم، فما يكون لهم رعى إلا لحومهم، فتشكر عنهم -تسمن وتمتلئ شحمًا- كأحسن ما شكرت عن شئ من النبات أصابته قط) (¬1). ثانيًا: ذو القرنين ويأجوج ومأجوج قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84)} (¬2). جاء في التفسير: (بعث كفار مكة إلى أوليائهم من أهل الكتاب أن يعلمونهم سؤالًا يحرج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالوا لهم: سلوه عن رجل طواف في الأرض، وعن فتية ما يدرى ما صنعوا، وعن الروح، فنزلت سورة الكهف) (¬3). وسئل على بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- عن ذي القرنين فقال: (كان عبدًا ناصحًا للَّه، فناصحه دعا قومه إلى اللَّه فضربوه على قرنه، فمات، فأحياه اللَّه، فدعا قومه إلى اللَّه فضربوه على قرنه فمات، فسمى ذا القرنين). ويقال: أنه إنما سمى ذا القرنين لأنه بلغ المشارق والمغارب من حيث يطلع قرن الشمس ويغرب) (¬4). ¬
ثالثا: ذو القرنين في القرآن
قال ابن حجر في الفتح: (روى الفاكهى أن ذا القرنين حج ماشيًا فسمع به إبراهيم فتلقاه ومن طريق عطاء عن ابن عباس: (إن ذا القرنين دخل المسجد الحرام فسلم على إبراهيم وصافحه) ومن طريق عثمان بن ساج: (إن ذا القرنين سأل إبراهيم أن يدعو له، فقال: كيف وقد أفسدتم بئرى؟ يعنى زمزم. فقال: لم يكن ذلك عن أمرى، يعنى أن بعض الجند فعل ذلك بغير أذنى. قال ابن حجر: (فهذه الآثار يشد بعضها بعضًا) (¬1). إذن: ذو القرنين رجل صالح مكن اللَّه له في الأرض فبلغ ملكه المشارق والمغارب، وآتاه اللَّه العلم والحكمة ومباشرة أسباب التمكن في الأرض. ثالثًا: ذو القرنين في القرآن أما قصته مع يأجوج ومأجوج، هذه الأمة الطاغية، فقد جاء ذكرها في القرآن. قال تعالى: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99). . .} [الكهف: 92 - 99]. أي أن ذا القرنين اتبع طريقًا آخر في الأرض فوصل إلى السدين، وهما ¬
جبلان شاهقان بينها ثغرة يخرج منها يأجوج ومأجوج، وهذان الجبلان هما في شرق الأرض، ومن المفسرين من يزعم أن هذه الأمة هي أمة الصين وما جاورها من الشعوب، لأنهم أوباش لا دين لهم ولا قيم، حتى إذا أيقنوا بالانتصار على من في الأرض، تطلعوا إلى السماء ليحاربوا من فيها كما ورد في السنة، وسيأتى لاحقًا. فوجد ذو القرنين قومًا لا يكاد يفهم كلامهم لعجمتهم وبعدهم عن الناس، فعرضوا عليه أن يجعلوا له مكافأة، على أن يبنى لهم سدًا يكون حاجزًا بينهم وبين أمة يأجوج ومأجوج، لأن الآخرين مفسدون في الأرض، فأبى أن يأخذ منهم مكافأة لأن اللَّه تعالى مكنه في الأرض وآتاه الملك، فهو ليس بحاجة إلى هديتهم وذلك من باب العفة والدين، ولكن عرض عليهم أن يساعدوه ليبنى لهم هذا البناء الذي طلبوه منه، وقال لهم: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} وهى قطع الحديد كاللبن، فبنى لهم هذا البناء من الأساس، حتى حاذى به رأسي الجبلين المذكورين، وأضاف عليه النحاس المذاب ليزداد قوة فوق قوته ورصانته. عن أبي قتادة قال: ذكر لنا أن رجلًا قال: يا رسول اللَّه، قد رأيت سد يأجوج ومأجوج قال: انعته لي؟ قال: كالبرد الحبر -طريقه سوداء وطريقة حمراء. قال: قد رأيته) (¬1). ثم أخبر جل وعلا: أن يأجوج ومأجوج لم يستطيعوا أن يصعدوا فوق هذا ¬
السور ولا نقبه وذلك بأمر اللَّه تعالى ومشيئته. عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم، حتى إذا كانوا يرون شعاع الشمس، قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غدًا، فيعودون إليه أشد ما كان، حتى إذا بلغت مدتهم وأراد اللَّه أن يبعثهم على الناس، حفروا حتى إذا كانوا يرون الشعاع قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدًا، إن شاء اللَّه، فيستثنى فيعودون إليه، وهو كهيئته حين تركوه، فيحفرونه ويخرجون على الناس فينشفون المياه، ويتحصن الناس منهم في حصونهم، فيرمون بسهامهم إلى السماء فترجع وعليها كهيئة الدم، فيقولون: قهرنا أهل الأرض، وعَلَوْنَا أهل السماء. فيبعث اللَّه عليهم نغفًا فيهم في رقابهم فيقتلهم بها، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: والذى نفسى محمد بيده، أن دواب الأرض لتسمن وتشكر شكرًا من لحومهم ودمائهم) (¬1). ثم قال ذو القرنين: إن بناء هذا السد ووقوفه وعدم استطاعة يأجوج ومأجوج استظهاره أو نقبه هى من رحمة اللَّه بالناس، لكن إذا حان وقت خروجهم وشاء اللَّه لهم ذلك، جعل هذا السد دكاء، أي مستويًا، (تقول العرب: ناقة دكاء: إذا كان ظهرها مستويًا لا سنام لها) (¬2). فتخرج هذه الأقوام، ويكون خروجها فتنة للناس ومحنة قاسية، وهذا الخروج يكون بين يدى الساعة، وهو حق صائر لا محالة لأنه من عند اللَّه وبأمره. قال صاحب الظلال: (كشف سد بمقربه من مدينة (ترفد) عرف بباب الحديد، وقد مر به في أوائل القرن الخامس عشر الميلادى العالم الألمانى ¬
رابعا: يأجوج ومأجوج في السنة
(سيادبرجر) وسجله في كتابه، وكذلك المؤرخ الأسبانى (كلافيجو) في رحلته سنة 1403 وقال: أن سد مدينة الحديد على طريق سمرقند والهند، وقد يكون هو السد الذي بناه ذو القرنين). وسواء أكان هذا السد أو ذاك، فإنهم على كل حال من شعوب الشرق الأقصى والغالب الأرجح إنهم من سكان الصين، ويبلغ سكان الصين اليوم أكثر من ألف مليون، يعنى ثلث سكان الأرض أو قريبًا من ذلك، واللَّه اعلم. . رابعًا: يأجوج ومأجوج في السنة 1 - قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (. . . ويبعث اللَّه يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية (¬1) فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماء. ويحصر نبى اللَّه عيسى عليه السلام وأصحابه (¬2)، حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرًا من مائة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبى اللَّه عليه السلام وأصحابه إلى اللَّه تعالى (¬3)، فيرسل اللَّه عليهم النغف في رقابهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة) (¬4). ¬
2 - قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (. . . فيرسل اللَّه عليهم ريحًا فتقذفهم في البحر أجمعين) (¬1). 3 - عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن يأجوج ومأجوج من ذرية آدم، ولن يموت منهم رجل إلا ترك من ذريته ألفًا فصاعدًا) (¬2) 4 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ولد لنوح سام وحام ويافث، فولد لسام العرب وفارس الروم، وولد لحام القبط والبربر والسودان، وولد ليافث يأجوج ومأجوج والترك والصقالية) (¬3). قال ابن حجر: (ووقع فيه فتاوى الشيخ محيى الدين: يأجوج ومأجوج من أولاد آدم من غير حواء، فيكونون إخواننا لأب، كذا قال، ولم نر هذا عن أحد من السلف إلا عن كعب الأحبار، ويرده الحديث المرفوع أنهم من ذرية نوح، ونوح من ذرية حواء قطعًا) (¬4) بعد أن يهلك اللَّه يأجوج ومأجوج ويرسل عليهم النغف: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (. . . ثم يهبط عيسى نبى اللَّه ¬
وأصحابه إلى الأرض، فلا يجدون موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبى اللَّه عيسى وأصحابه إلى اللَّه فيرسل طيرًا كأعناق البخت (¬1)، فتحملهم حيث شاء اللَّه، ثم يرسل اللَّه مطرًا لا يكن منه مدر ولا وبل، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة (¬2)، ثم يقال للأرض: انبتى ثمرتك وردى بركتك، فيومئذ تأكل العصابة (¬3) من الرمانة ويستظلون تحتها، فبينما هم كذلك، إذ بعث اللَّه ريحًا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن ومسلم، فيبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحمير (¬4) فعليهم تقوم الساعة) (¬5). قال النووي: (إن يأجوج ومأجوج خلقوا من منى خرج من آدم، فاختاط بالتراب فخلقوا من ذلك فعلى هذا يكونون مخلوقين من آدم وليس من حواء. قال ابن كثير معقبًا على قول النووي هذا: (وهذا قول غريب جدًا، ثم لا دليل عليه لا من عقل ولا من نقل، ولا يجوز الاعتماد هاهنا على ما يحكيه بعض أهل الكتاب لما عندهم من الأحاديث المفتعلة) (¬6). عن سمرة أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ولد نوح ثلاثة: سام أبو العرب، وحام أبو السودان، ويافث أبو الترك) (¬7). ¬
خامسا: أوصافهم
قال بعض العلماء: (هؤلاء -يأجوج ومأجوج- من نسل يافث أبي الترك، وإنما سمى هؤلاء تركًا لأنهم تركوا من وراء السد من هذه الجهة، وإلا فهم أقرباء أولئك، ولكن كان في أولئك بغى وفساد وجراءة) (¬1). خامسًا: أوصافهم 1 - عن ابن حرملة عن خالته قالت: خطب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو عاصب إصبعه من لدغة عقرب، فقال: (إنكم تقولون لا عدو لكم، وإنكم لا تزالون تقاتلون عدوًا حتى يأتي يأجوج ومأجوج: عراض الوجوه، صغار الأعين، صهب الشغاف (¬2) من كل حدب ينسلون، كأن وجوههم المجان المطرقة) (¬3). هذه الأوصاف التي ذكرها النبي محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- لهذه الأقوام -يأجوج ومأجوج- تبدو واضحة لكل ذي لب، إذ هي تنطبق تمامًا على الشعوب الساكنة في أقصى الشرق من هذه الأرض، وبالتحديد سكان الصين وجنوب شرق آسيا، من الأقوام الذين ديانتهم بوذية وعقائدهم شيوعية ملحدة، وقد جاء في القرآن الكريم إن بناء مكان السد هو في الشرق قطعًا من هذه الأرض قال تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ} والشمس تطلع من جهة المشرق، فتأمل. . . ولعل بعض العلماء الذين قالوا عن يأجوج ومأجوج إنهم من سكان الصين وما حولها مصيب في ذلك، إذ أن هذه الأوصاف تنطبق على هذه الشعوب ¬
تمامًا. أما قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (عراض الوجوه، صغار الأعين) فسكان الشرق الأقصى كذلك وأما (صهب الشغاف): فهي الصفرة في شعورهم. 2 - عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لقيت ليلة أسرى لى إبراهيم وموسى وعيسى -عليهم السلام- قال: فتذكروا أمر الساعة، فردوا أمرهم إلى إبراهيم، فقال: لا علم لي بها، فردوا أمرهم إلى موسى فقال: لا علم لي بها، فردوا أمرهم إلى عيسى فقال: أما وجبتها (¬1) فلا يعلم بها أحد إلا اللَّه، وفيما عهد إلى ربي أن الدجال خارج ومعى قضبان، فإذا رآنى ذاب كما يذوب الرصاص، قال: فيهلكه اللَّه إذا رآنى، حتى إن الحجر والشجر يقول: يا مسلم إن تحتى كافرًا فتعال فأقتله، قال: فيهلكهم اللَّه ثم يرجع الناس إلى ربهم وأوطانهم. قال: فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدب ينسلون، فيطؤن بلادهم، ولا يأتون على شئ إلا أهلكوه، ولا يمرون على ماء غلا وشربوه، ثم يرجع الناس إلى أوطانهم يشكونهم، فأدعوا اللَّه عليهم فيهلكهم ويميتهم حتى تجوى الأرض من نتن ريحهم، وينزل اللَّه المطر فيجترف أجسادهم حتى يقذفهم في البحر، ففيما عهد إلى ربي أن ذلك إذا كان كذلك، إن الساعة كالحامل المتم لا يدرى أهلها متى تفجؤهم بولادتها ليلًا أو نهارًا) (¬2). 3 - عن أبي الصيف قال: قال كعب: (إذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج، حفروا حتى يسمع الذين يلونهم ¬
قرع فؤوسهم فإذا كان الليل ألقى اللَّه على لسان رجل منهم يقول: نجئ غدًا فنخرج، فيعيده اللَّه كما كان، فيجيئون من الغد فيجدونه قد أعاد اللَّه كما كان، فيحفرونه حتى يسمع الذين يلونهم قرع فئوسهم، فإذا كان الليل ألقى اللَّه على لسان رجل منهم يقول: نجيئ غدًا فنخرج إن شاء اللَّه، فيجيئون من الغد فيجدونه كما تروه، فيحفرون حتى يخرجوا فتمر الزمرة الأولى بالبحيرة فيشربون ماءها، ثم تمر الزمرة الثانية فيلحسون طينها، ثم تمر الزمرة الثالثة فيقولون: قد كان ههنا مرة ماء، فيفر الناس منهم فلا يقوم لهم شئ، ثم يرمون بسهامهم إلى السماء فترجع إليهم مخضبة بالدماء، فيقولون غلبنا أهل الأرض وأهل السماء، فيدعو عليهم عيسى بن مريم عليه السلام، فيقول: اللهم لا طاقة ولا يد لنا بهم، فأكفناهم بما شئت، فيسلط اللَّه عليهم دودًا يقال له: النغف، فيفرس رقابهم، ويبعث اللَّه عليهم طيرًا تأخذهم بمناقيرها فتلقيهم في البحر، ويبعث اللَّه عينًا يقال لها: الحياة، يطهر اللَّه الأرض وينبتها، حتى إن الرمانة ليشبع منها السكن، قيل وما السكن، قال: أهل البيت، قال: فبينما الناس كذلك إذا أتاهم الصريخ أن ذا السويقتين يريده قال: فيبعث عيسى بن مريم طليعة سبعمائة، أو بين السبعمائة والثمانمائة حتى إذا كانوا ببعض الطريق، بعث اللَّه ريحًا يمانية طيبة فيقبض فيها روح كل مؤمن، ثم يبقى عجاج الناس (¬1)، فيتسافدون كما تتسافد (¬2) البهائم، فمثل الساعة كمثل رجل يطيف حول فرسه متى تضع. قال كعب: فمن قال بعد قولى هذا شيئًا، وبعد علمى هذا شيئًا فهو المتكلف) (¬3) ¬
سادسا: هل فتح السد وخرج يأجوج ومأجوج؟
وقد مر في فصل عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام أنه يحج البيت أو يعتمر بعد أن يهلك اللَّه يأجوج ومأجوج ويموت ويدفن مع النبي محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- بجوار قبره الشريف. سادسًا: هل فتح السد وخرج يأجوج ومأجوج؟ جاء في السنة النبوية أن السد قد فتح منه قدر يسير، وأنذر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- العرب من شر يحيق بهم، ولعل ذلك الشر الذي نزل بالعرب هو اجتياح المغول التتار لبلاد العرب وإسقاطهم الخلافة العباسية كما قال بعض العلماء حول هذا الموضوع، إذ أن الحديث أشار بابتداء انشقاق السد، وفتح منه فتحة صغيرة، ولكن هذا الخروج الذي حصل أوائل القرن السابع للهجرة، ليس هو الخروج الذي يحصل لهم عند نهاية العالم وبين يدى قيام الساعة، بل الخروج كأنه عقاب للأمة لما ارتكبت من ذنوب وخطايا وهكذا شاء اللَّه أن يحل بها ما حل من تدمير وتقتيل إلى أن يشاء اللَّه لهم بالخروج وهو الإجتياح الأكبر الذي ثبت في الأحاديث الصحيحة. عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (فتح اللَّه من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وعقد بيده تسعين) (¬1). قال ابن حجر: (وعقد التسعين أن يجعل طرف السبابة اليمنى في أصلها ويضمها ضمًا محكمًا بحيث تنطوى عقدتاها حتى تصير مثل الحية المطوقة، ونقل ابن التين عن الداودى: أن صورته: أن يجعل السبابة في وسط ¬
الإبهام) (¬1). وعن أم المؤمنين زينب بنت جحش -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقد دخل عليها يومًا فزعًا يقول: (لا إله إلا اللَّه، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، قالت زينب: فقلت يا رسول اللَّه: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث) (¬2). * * * ¬
الفصل الثاني علامات الساعة الكبرى غير المألوفة
الفصل الثاني علامات الساعة الكبرى غير المألوفة تمهيد بعد أن يهلك اللَّه تعالى الدجال على يد السيد المسيح -عليه السلام- ويعم الرخاء في الأرض، وتظهر البركة حيث تصب السماء ماءها وتخرج الأرض بركاتها بإذن اللَّه تعالى، حتى إن الجماعة تستظل بقحف الرمانة، ويلعب الأطفال بالحيات لا تؤذيهم إلى آخر ذلك كما ورد في السنة. . . عند ذلك يعم الهدوء والطمأنينة في الأرض، ويشكر السيد المسيح عليه السلام والمسلمون معه ربهم أن خلصهم من شر يأجوج ومأجوج يقيم عيسى عليه السلام وجهه شطر المسجد الحرام حاجًا أو معتمرًا ثم يموت بعد ذلك ويدفن بجوار النبي محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-. عند هذه الحالة التي عليها المسلمون تظهر العلامات الكبرى، التي توحى أن الساعة أصبحت كالحامل المتم لا يدرى أهلها متى تلد، فتظهر العلامات الكبرى غير المألوفة، حيث طلوع الشمس من المغرب على غير عادتها وظهور الدابة التي تكلم الناس، والدخان والريح والخسوفات الثلاثة مع ما يتخلل هذه العلامات من ظهور ذي السويقتين وتهديمه للكعبة ورفع القرآن أي كلمات القرآن من المصاحف حتى تغدو مجرد صحف بلا حروف، ورفع القرآن من الصدور على ما ورد، وهذه العلامات الكبرى الغير مألوفة رتبتها في هذا الفصل كما يلى: طلوع الشمس من المغرب، الدابة، الدخان، الريح الطيبة، المار،
أولا: طلوع الشمس من المغرب
الخسوفات الثلاثة، والناس التي تقوم عليهم الساعة، ثم خراب مكة والمدينة وخروج الناس من المدينة، وظهور ذو السويقتين إلى آخر العلامات وهى إثنان من مدينة مزينة تقوم عليها الساعة وإلى آخر حشر الناس إلى الشام. على أننى أعتمد على الأحاديث وحاولت أن ارتبها ما استطعت حسب الأحداث التي وردت في كتب السنة أو الكتب التي تكلمت عن موضوع العلامات. أولًا: طلوع الشمس من المغرب قال تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} قال ابن كثير: (يقول تعالى متوعدًا للكافرين به والمخالفين لرسله والمكذبين بآياته والصادين عن سبيله {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا. . .}. . وذلك كائن يوم القيامة. . {أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} وذلك قبل يوم القيامة كائن من إمارات الساعة واشراطها، حين يرون شيئًا من أشراط الساعة كما قال البخاري في تفسير هذه الآية). 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا رآها الناس آمن من عليها) فذلك حين (لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل). وقال ابن كثير: (أي إذا أنشأ الكافر إيمانًا يومئذ لا يقبل منه، فأما من كان مؤمنًا قبل ذلك فإن كان مصلحًا في عمله فهو بخير عظيم، وإن لم يكن مصلحًا فأحدث توبة، حينئذ لم تقبل منه توبته كما دلت عليه الأحاديث،
وعليه يحمل قوله تعالى: {أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} أي لا يقبل منها كسب عمل صالح إذا لم يكن عاملًا قبل ذلك) (¬1). 2 - وعن أبي ذر -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال له: (أتدرى أين تذهب الشمس إذا غربت؟ قلت: لا أدرى، قال: إنها تنتهى دون العرش، فتخر ساجدة ثم تقوم حتى يقال لها ارجعى، فيوشك يا أبا ذر، أن يقال لها ارجعى من حيث جئت، وذلك حين (لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل) (¬2). 3 - عن حذيفة بن أسيد -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها، والدخان، والدابة، وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج عيسى بن مريم، وخروج الدجال، وثلاثة خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس -أو تحشر الناس- تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا) (¬3). 4 - عن صفوان بن عسال -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (إن اللَّه فتح بابًا قبل المغرب عرضه سبعون عامًا للتوبة، لا يغلق حتى تطلع الشمس منه) (¬4). قال محمد بن جبر سلامة: (قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (أول الآيات خروجًا طلوع ¬
الشمس -يعنى أول أشراط الساعة الكبرى المؤذنة بقرب إنتهاء العالم قربًا عظيمًا، فإن طلوع الشمس من المغرب إيذان باضطراب هذا الكون وخراب العالم، وهذا يقين إن شاء اللَّه تعالى، ومن أظهر الأدلة على ذلك أن باب التوبة يغلق بطلوع الشمس من المغرب، بينما يقبل الإسلام ممن أسلم في زمن عيسى عليه السلام) (¬1). 5 - عن عمرو بن جرير قال: (جلس ثلاثة نفر من المسلمين إلى مروان بالمدينة فسمعوه وهو يحدث عن الآيات يقول: إن أولها خروج الدجال، قال: فانصرفوا إلى عبد اللَّه بن عمرو فحدثوه بالذى سمعوه من مروان في الآيات فقال: لم يقل مروان شيئًا، حفظت من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن أول الآيات خروجًا طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة ضحى، فأيتهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها). ثم قال عبد اللَّه وكان يقرأ الكتب: وأظن أولها خروجًا طلوع الشمس من مغربها وذلك أنها كلما غربت أتت تحت العرش وسجدت وأستأذنت في الرجوع، أذن لها في الرجوع، حتى إذا بدا اللَّه أن تطلع من مغربها فعلت كما كانت تفعل، أتت تحت العرش فسجدت فاستأذنت في الرجوع فلم يرد عليها شئ، ثم استأذنت في الرجوع فلا يرد عليها شئ، حتى إذا ذهب من الليل ما شاء اللَّه أن يذهب وعرفت أنه إذا أذن لها في الرجوع لم تدرك المشرق، قالت: رب ما أبعد المشرق، من لي بالناس؟. حتى إذا ما صار الأفق كأنه طوق، استأذنت في الرجوع فيقال لها: مكانك فاطلعى، فطلعت على الناس من مغربها، ثم تلا عبد اللَّه هذه الآية {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ¬
آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ. . .} الآية) (¬1). 6 - عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إن الهجرة خصلتان، وإحداهما تهجر السيئات والأخرى تهاجر إلى اللَّه ورسوله ولا تنقطع ما قبلت التوبة، ولا تزال التوبة تقبل حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت طبع على كل قلب بما فيه وكفى الناس العمل) (¬2). 7 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (بادروا بالأعمال ستًا (¬3)، طلوع الشمس من مغربها، أو الدخان أو الدجال، والدابة (¬4)، أو خاصة (¬5) أحدكم أو أمر العامة) (¬6). 8 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون، فذلك حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن أمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا) ولتقومن من الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه. . ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته (¬7) فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه (¬8) فلا يسقى ¬
ثانيا: الدابة
منه (¬1)، ولتقومن الساعة وقد رفع أحدكم أكلته إلى فيه (¬2) فلا يطعمها (¬3). ثانيًا: الدابة قال تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82)} (¬4). قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: (هذه الدابة تخرج في أخر الزمان عند فساد الناس وتركهم أوامر اللَّه تعالى، وتبديلهم الدين الحق، يخرج اللَّه لهم دابة من الأرض فتكلم الناس على ذلك). قال ابن عباس والحسن وقتاده: (تكلمهم كلامًا، أي تخاطبهم مخاطبة). قال الألوسى في (روح المعانى): (أي تكلمهم بأنهم لا يتيقنون بأيات اللَّه تعالى الناطقة بمجئ الساعة ومباديها، أو بجميع أياته التي من جملتها تلك الأيات وقصارى ما أقول في هذه الدابة: أنها دابة عظيمة ذات قوائم، ليست من نوع الإنسان أصلًا، يخرجها اللَّه تعالى أخر الزمان من الأرض، وتخرج وفى الناس مؤمن وكافر) (¬5)، ويدل على ذلك ما روى عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: 1 - أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (تخرج الدابة ومعها خاتم سليمان بن داوود، وعصا موسى بن عمران عليهما السلام، فتجلوا وجه المؤمن (¬6) بالخاتم، ¬
وتخطم أنف الكافر (¬1) بالعصا، حتى أن أهل الحواء (¬2) ليجتمعون، فيقول هذا: ويقول هذا يا مؤمن ويقول هذا يا كافر). ثم قال (الألوسى): وهذا الخبر أقرب الأخبار المذكورة في الدابة للقبول) (¬3) (¬4). قال الإمام القرطبي: (قال بعض العلماء: قد جاء في الروايات، إذا خرج يأجوج ومأجوج وقتلهم اللَّه بالنغف في أعناقهم، وقبض اللَّه نبيه عيسى -عليه السلام-، وخلت الأرض منهم، وتطاولت الأيام على الناس، وذهب معظم دين الإسلام، أخذ الناس في الرجوع إلى عاداتهم. . وأحدثوا الأحداث من الكفر والفسوق، كما أحدثوه بعد كل قائم نصبه اللَّه تعالى بينه وبينهم حجة عليهم ثم قبضه، فيخرج اللَّه تعالى لهم دابة من الأرض فتميز المؤمن من الكافر ليرتدع بذلك الكفار عن كفرهم، والفساق عن فسقهم، ويستبصروا ويرجعوا عما هم فيه من الفسوق والعصيان، ثم تغيب الدابة عنهم ويمهلون، فإذا اصروا على طغيانهم طلعت الشمس من مغربها، ولم يقبل بعد ذلك من كافر ولا فاسق توبة، وأزيل الخطاب والتكليف عنهم، ثم كان قيام الساعة على إثر ذلك قريبًا، لأن اللَّه تعالى يقول:) وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون (فإذا قطع عنهم التعبد لم يقرهم بعد ذلك في زماننا طويلًا) (¬5). ¬
قال الشيخ عبد الفتاح أبو غده: (جرى قائل هذا الكلام على أن خروج الدابة يكون قبل طلوع الشمس من مغربها واستظهر الحاكم أبو عبد اللَّه النيسابورى: أن طلوع الشمس من مغربها يسبق خروج الدابة، ثم تخرج الدابة في ذلك اليوم أو الذي يقرب منه. وقال الحافظ ابن حجر بعد نقله قول الحاكم في (فتح الباري): (والحكمة في ذلك: أن طلوع الشمس من المغرب يغلق باب التوبة، فتخرج الدابة تميز المؤمن من الكافر تكميلًا للمقصود من إغلاق باب التوبة. ففى المسألة قولان، رجح الحافظ ابن حجر منهما أسبقية طلوع الشمس من مغربها) (¬1). فالدابة إذن: مخلوق من خلق اللَّه تعالى، تخرج بأمره تعالى، وهى ذات قوائم ولا يعلم كنهها إلا اللَّه، ويكون خروجها مؤذنًا بوشوك القيامة، وهى ظاهرة غير مألوفة من قبل، معها عصا موسى وخاتم سليمان، تخرج على الناس في مكة، فتميز المؤمن بأن تسمه بالخاتم على جبهته وتضرب الكافر بالعصا على أنفه فتسمه بوسم الكفر، فيمسى الناس ويصبحوا بين مؤمن وكافر لا غير، إذ أن باب التوبة يكون موصدًا ساعة إذ، واللَّه أعلم. 2 - عن بريدة -رضي اللَّه عنه-: (ذهب بي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى موضع بالبادية قريب من مكة، فإذا أرض يابسة حولها رمل، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: تخرج الدابة من هذا الموضع، فإذا شبر بشبر) (¬2). ¬
ثالثا: الدخان
ثالثًا: الدخان قال تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12)} [الدخان: 10]. قال ابن كثير في تفسير هذه الآيات: (فيه دلالة ظاهرة على أن الدخان من الآيات المنتظرة، مع أنه ظاهر القرآن، قال تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)} أي بين واضح يراه كل أحد (يغشى الناس) أي يتغشاهم ويعمهم (هذا عذاب أليم) أي يقال لهم ذلك تقريعًا وتوبيخًا، أو يقول ذلك بعضهم لبعض {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12)} أي يقول الكافرون ذلك إذا عاينوا عذاب اللَّه وعقابه سائلين رفعه وكشفه عنهم كقوله جلت عظمته {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}. قال بعض المفسرين: (لم يمض الدخان بعد، بل هو من أمارات الساعة، كما ورد في حديث أبي سريحة، حذيفة ابن اسيد الغفارى -رضي اللَّه عنه- قال: اشرف علينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من عرفة ونحن نتذاكر الساعة فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات (¬1): طلوع الشمس من مغربها، والدخان والدابة وخروج يأجوج ومأجوج وخروج عيسى ابن مريم والدجال وثلاثة خسوف، خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، ونار من قعر عدن تسوق الناس -تحشر الناس- تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا) (¬2) ¬
وقد نقل الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) عن الإمام الطيبى رحمه اللَّه قوله: (وهذه الآيات، إمارات وعلامات للساعة إما على قربها وإما على حصولها وقيامها، فمن أمارات قربها: الدجال، ونزول عيسى -عليه السلام-، ويأجوج ومأجوج والخسف، ومن أمارات قيامها: الدخان وطلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة، والنار التي تحشر الناس). قال ابن كثير في (تفسيره): (عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- يخرج الدخان فيأخذ المؤمن كهيئة الزكام، ويدخل في مسامع الكافر والمنافق حتى يكون كالرأس الحنيذ أي كالرأس المشوى على الجمر) رواه بن جرير في تفسيره. ثم قال (ابن كثير): (وقد جاء تفسير (الدخان) بهذا المعنى عن عدد من أجلاء الصحابة رفعه بعضهم إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كأبي سعيد الخدري وأبي مالك الأشعرى -رضي اللَّه عنهما- ووقفه بعضهم كعلي بن أبي طالب وعبد اللَّه ابن عباس -رضي اللَّه عنهما). قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لابن صياد: (إني خبأت لك، قال: هو الدخ فقال -صلى اللَّه عليه وسلم- له اخسأ فلن تعدو قدرك، قال: وخبأ له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)} (¬1). قال ابن كثير: (وهذا فيه إشعار بأنه من المنتظر المرتقب -الدخان- وابن صياد. كاشف على طريقة الكهان بلسان الجان، وهم يقرظون العبارة، ولهذا قال: الدخ، يعنى الدخان، فعندها عرف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مادته وأنها شيطانية ¬
رابعا: الريح الطيبة
فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (اخسأ فلن تعدو قدرك) (¬1). 1 - عن أبي مالك الأشعرى -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (إن ربكم أنذركم ثلاثًا: الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة، ويأخذ الكافر فينتفخ حتى يخرج من كل مسمع منه، والثانية الدابة، والثالثة الدجال) (¬2). 2 - وعن ابن أبي مليكة قال: غدوت على ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- ذات يوم فقال: ما نمت الليلة حتى أصبحت، قلت: لم؟ قال: قالوا طلع الكوكب ذو الذنب، فخشيت أن يكون الدخان قد طرق فما نمت حتى أصبحت) (¬3). رابعًا: الريح الطيبة 1 - جاء في حديث النواس بن سمعان الذي أخرجه مسلم أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (. . . فبينما هم كذلك (¬4)، إذ بعث اللَّه ريحًا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن ومسلم، وييقى شرار الناس، يتهارجون تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة) (¬5) 2 - وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (. . . ثم يرسل اللَّه ريحًا باردة من قبل الشام، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته، حتى لو أن أحدكم دخل في كير جبل لدخلته عليه حتى تقبضه، فيبقى شرار الناس ¬
خامسا: خروج النار
في خفة الطير وأحلام السباع، لا يعرفون معروفًا ولا ينكرون منكرًا) (¬1). 3 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن اللَّه يبعث ريحًا من اليمن ألين من الحرير فلا تدع أحدًا في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضته) (¬2). هنا ورد تعارض بين الروايتين، ففى الأولى (يبعث اللَّه ريحًا من قبل اليمن) وفى الثانية (ثم يرسل اللَّه ريحًا باردة من قبل الشام) وقد أجاب الإمام النووي عن هذا فقال: (ويجاب عن هذا بوجهين: أحدهما: يحتمل أنهما ريحان شامية ويمانية. والثانى: يحتمل أن مبدأها من أحد الإقليمين، ثم تصل الآخر وتنتشر عنده واللَّه اعلم. وقال رحمه اللَّه: أما الحديث الآخر: (لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق إلى يوم القيامة) فليس مخالفًا لهذه الأحاديث، لأن معنى هذا أنهم لا يزالون على الحق حتى تقبضهم هذه الريح اللينة قرب القيامة، وعند تظاهر أشراطها، فأطلق في هذا الحديث بقاءهم إلى قيام الساعة على أشراطها ودنوها المتناهى في القرب واللَّه اعلم، وأما قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ريحًا ألين من الحرير) ففيه واللَّه اعلم إشارة إلى الرفق بهم والإكرام لهم) (¬3). خامسًا: خروج النار قد وردت أحاديث مختلفة عن خروج النار، وأنها تسوق الناس إلى مكان ¬
حشرهم، وهذا المكان هو بلاد الشام، وقد أورد الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) عدة أحاديث تثبت ذلك، حيث ينصح النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمته أن يلزموا أي يسكنوا مهاجر إبراهيم أي الشام. 1 - عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ستخرج نار من حضرموت قبل يوم القيامة، تحشر الناس، قلنا يا رسول اللَّه. فما تأمرنا؟؟ قال: عليكم بالشام (¬1). 2 - عن معاوية بن حيدة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إنكم محشورون ونحا بيده نحو الشام، رجالًا (¬2) وركبانًا (¬3) وتجرون على وجوهكم) (¬4). 3 - عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ستكون هجرة بعد هجرة، فخيار أهل الأرض الزمهم مهاجر إبراهيم (¬5)، ويبقى في الأرض شرار أهلها، تلفظهم أرضوهم وتقذرهم نفس اللَّه (¬6)، فتحشرهم النار مع القردة والخنازير) (¬7). 4 - عن أنس -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (أول أشراط الساعة، نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب) (¬8). ¬
5 - عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (تبعث نارًا على أهل المشرق فتحشرهم إلى المغرب، تبيت معهم حيث باتوا (¬1)، وتقيل معهم حيث قالوا ويكون لها ما سقط منهم وتخلف، وتسوقهم سوق الجمل الكسير) (¬2) (¬3). 6 - عن حذيفة بن أسيد رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (. . . وآخر ذلك نار (¬4) تخرج من قعر عدن، ترحل الناس إلى المحشر) (¬5). قال الحافظ ابن حجر: (ووجه الجمع بين هذه الأخبار أن كون النار تخرج من قعر عدن لا ينافى حشرها من المشرق إلى المغرب، وذلك أن إبتداء خروجها من قعر عدن، فإذا خرجت انتشرت في الأرض كلها، والمقصود بقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (تحشر الناس من المشرق إلى المغرب) هو إرادة تعميم الحشر، لا خصوص المشرق والمغرب، وأما الغاية إلى المغرب فلأن الشام بالنسبة للمشرق: مغرب. وقد تضمنت هذه الأحاديث بيان كون خروج النار، وبيان وقت خروجها، وكيفية سوقها للناس، ومنتهاها بهم، وجاء في حديث آخر بيان حال الناس حين يساقون إلى المحشر في الشام: إذ روى البخاري في ¬
سادسا: الخسوفات الثلاثة
(صحيحه) ومسلم في (صحيحه) عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (يحشر الناس على ثلاث طرائق (¬1)، راغبين وراهبين، اثنان على بعير (¬2)، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وتحشر بقيتهم النار، تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسى معهم حيث أمسوا) (¬3). قال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة: (ذهب صديقى وأخى العلامة الشيخ عبد العزيز عيون السود أمين الفتوى بمدينة حمص رحمه اللَّه تعالى: إلى أن النار التي تحشر الناس هي: البترول، وقد جمع الأحاديث الواردة في تلك النار الحاشرة) (¬4). سادسًا: الخسوفات الثلاثة 1 - جاء في حديث حذيفة بن أسيد -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (. . . وثلاثة خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب) (¬5). والذى يبدو من خلال هذا الحديث أن هذه الخسوفات تكون غير الخسوفات المعهودة التي نسمع عنها في هذه الأيام، بل تنتاب الكرة الأرضية خسوفات شديد وقعها، مؤذنة بدنو قيام القيامة ووشوكها، وفعلا فقد ¬
حدثت خسوفات كثيرة قديمًا وحديثًا، اللهم أن تكون هذه الخسوفات الثلاتة غير معتادة من قبل وشديدة الوقع على الناس، بحيث يشعر الناس أنهم على باب القيامة. ولعل الخسف الذي يكون في جزيرة العرب هو الذي أشار إليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أو غيره فقد ورد عن عائشة -رضي اللَّه عنها- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم، قالت عائشة: كيف يخسف بأولهم وآخرهم، وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم. . قال: يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم) (¬1). قد يكون هذا الخسف هو الذي أشار إليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه سيقع في جزيرة العرب فلعله يكون في نهاية العالم أو الخسف الذي يكون في زمن المهدى عندما يقود السفيانى جيشًا لمقاتلة المهدى، فيخسف اللَّه به الأرض بين مكة والمدينة في ذي الحليفة، ولكن حديث الخسف بالجيش الذي يغزو الكعبة وليس من ضمن هذه الخسوفات: بل هي خسوفات شديدة وقوية ومتوالية توحى لحاضريها أن القيامة توشك واللَّه أعلم. * * * ¬
الفصل الثالث تخريب الكعبة
الفصل الثالث تخريب الكعبة الأحداث التي يحتويها هذا الفصل هي خرب الكعبة على يد ذي السويقتين، وخراب المدينة المنورة على ساكنها الصلاة والسلام، والناس الذين تقوم عليهم الساعة وذلك حين يكون للخمسين امرأة القيم الواحد، ويتسافد الناس في الطرقات كالبهائم، وآخر اثنين تقوم عليهما الساعة إلخ. . . هذه الأحداث ليست منفصلة عن الأحداث التي في الفصل الثاني السابق، لكن قد تتخللها وقد تكون هذه الأحداث بين تلك الأحداث السابقة، وقد وضعتها في فصل مستقل لا لغرض فصلها عن سابقتها ولكن لضرورة الترتيب في هذا البحث واللَّه اعلم. أولًا: تخريب الكعبة: 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (يخرب الكعبة ذو السويقتين، رجل من الحبشة) (¬1). صفاته: 2 - عن ابن عباس عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (كأنى به، أسود أفحج (¬2)، يقلعها حجرًا حجرًا). 3 - وفى رواية أخرى عن حذيفه بن اليمان -رضي اللَّه عنه-: (حبشى أفحج الساقين، ¬
ثانيا: كيف تخرب الكعبة
ازرق العينين، افطس الأنف، كبير البطن) (¬1). 4 - قال ابن كثير في (تفسيره) للآية: (حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج). (إن أول ظهور ذي السويقتين في أيام عيسى بن مريم -عليه الصلاة والسلام، وذلك بعد هلاك يأجوج ومأجوج فيبعث عيسى بن مريم طليعة ما بين السبعمائة إلى الثمانمائة، فبينما هم يسيرون إليه، إذ بعث اللَّه ريحًا يمانية، فتقبض فيها روح كل مؤمن، ويبقى عجاج من الناس- رعاع الناس وغوغائهم، يتسافدون (¬2) كما تتسافد البهائم). ثانيًا: كيف تخرب الكعبة 1 - عن عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة، ويسلبها حليتها، ويجردها من كسوتها ولكأنى انظر إليه، اصيلع (¬3) افيدع (¬4) يضرب عليها بمسحاته (¬5) معوله) (¬6) (¬7) 2 - عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (سيخرج أهل مكة، ثم يعبر بها أو لا يعبر عنها، إلا قليل، ثم تمتلئ وتبنى تم يخرجون منها فلا يعودون فيها أبدًا) (¬8). ¬
ثالثا: القحطانى يقتل ذا السويقتين
3 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا تذهب الأيام والليالى حتى يملك رجل يقال له الجهجاه) (¬1). قال ابن كثير: (يحتمل أن يكون هذا الاسم ذي السويقتين الحبشى واللَّه اعلم) (¬2). وقال النووي في شرح صحيح مسلم عن (ذي السويقتين): (هما تصغير ساقى الإنسان لرقتهما وهى صفة سوق السودان غالبًا ولا يعارض هذا لقوله تعالى {حَرَمًا آمِنًا} لأن معناه آمنًا إلى قرب القيامة وخراب الدنيا، وقيل. يحض منه قصة ذي السويقتين، قال القاضى: القول الأول أظهر) (¬3). ثالثًا: القحطانى يقتل ذا السويقتين 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه) (¬4). قال ابن حجر في (الفتح): (وجدت في كتاب (التيجان لأبن هشام) ما يعرف منه ثبت اسم القحطانى وسيرته وزمانه، فذكر أن عمران بن عامر كان ملكًا متوجًا وكان كاهنًا معمرًا وأنه قال لأخيه لما حضرته الوفاة، إن بلادكم ستخرب، وأن للَّه في أهل اليمن سخطتين ورحمتين، فالسخطة الأولى هدم سد مأرب وتخرب البلاد بسببه، والثانية غلبة الحبشة على أرض ¬
رابعا: المدينة المنورة والحث على سكناها
اليمن، والرحمة الأولى بعثة نبى من تهامة اسمه محمد، يرسل بالرحمة ويغلب أهل الشرك، والثانية إذا خرب بيت اللَّه، يبعث اللَّه رجلًا يقال له: شعيب بن صالح فيهلك من خربه، ويخرجهم حتى لا تكون بالدنيا إيمان إلا بأرض اليمن. ثم قال ابن حجر: (إن البيت يحج بعد خروج يأجوج ومأجوج، وتقدم الجمع بينه وبين حديث (لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت، وأن الكعبة يخربها ذو السويقتين من الحبشة)، فينتظم من ذلك أن الحبشة إذا خربت البيت، خرج عليهم القحطانى فأهلكهم، وإن المؤمنين قبل ذلك يحجون في زمن عيسى بعد خروج يأجوج ومأجوج وهلاكهم، وأن الريح التي تقبض أرواح المؤمنين تبدأ بمن بقى بعد عيسى، ويتأخر أهل اليمن بعدها، ويمكن أن يكون هذا مما يفسر به قوله: (الإيمان يملن) أي يتأخر الإيمان بها بعد فقده من جميع الأرض. وقد أخرج مسلم حديث القحطانى في عاقب حديث تخريب الكعبة وذى السويقتين، فلعله رمزًا إلى هذا، واستبدل بقصة القحطانى عن أن الخلافة يجوز أن تكون في غير قريش وأجاب ابن العربي: بأنه إنذار بما يكون من الشر في آخر الزمان من تسور العامة على منازل الإستقامة) (¬1) رابعًا: المدينة المنورة والحث على سكناها 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (يأتي على الناس زمن يدعو الرجل بن عمه وقرية، هلم إلى الرخاء هلم إلى الرخاء والمدينة خير ¬
خامسا: خراب المدينة المنورة
لهم لو كانوا يعلمون. والذى نفسى بيده، لا يخرج أحد منهم رغبة عنها إلا أخلف اللَّه فيها خيرًا منه، إلا أن المدينة كالكير تخرج الخبث، لا تقوم الساعة حتى تنفى المدينة شرارها، كما ينفى الكير الخبث من الحديد) (¬1). قال القرطبي: (الحث على سكناها ربما كان عند فتح الأمصار ووجود الخيرات بها كما جاء في الحديث سفيان بن أبي زهير قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (تفتح اليمن فيأتى قوم يعيشون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ثم تفتح العراق فيأتى قوم يعيشون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون) (¬2). فحض -صلى اللَّه عليه وسلم- سكناها حين أخبر بانتقال الماس عنه عند فتح الأمصار، لأنها مستقر الوحى وفيها مجاورته، ففى حياته صحبته ورؤية وجهه الكريم، وبعد وفاته مجاورة جسده الشريف ومشاهدة آثاره العظيمة، ولهذا قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها فإني أشفع لمن مات بها). ثم إذا كان تغيرت الأحوال واعتورتها الفتن والأهوال كان الخروج منه غير فادح، والانتقال منها حسن غير فادح) (¬3). خامسًا: خراب المدينة المنورة 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: ¬
سادسا: رفع القرآن من الصدور والمصاحف
(تتركون المدينة على خير ما كانت، لا يغشاها إلا العوافى (¬1)، يريد عوافى السباع والطير، ثم يخرج راعيان من مزينة يريدان المدينة، ينعقان بغنمهما فيجدانها وحشًا (¬2)، حتى إذا بلغ ثانية الوداع خرا على وجهيهما) (¬3). 2 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (للمدينة، ليتركها أهلها على ما كانت، مذللة للعوافى) (¬4). 3 - عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: ليسيرن الراكب بجنبات المدينة، ثم يقولون: لقد كان في هذا حاضر من المسلمين كثير) (¬5) سادسًا: رفع القرآن من الصدور والمصاحف 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ينزل عيسى بن مريم، فيقتل الدجال، ويمكث أربعين عامًا يعمل فيهم بكتاب اللَّه وسنتى، ويموت فيستخلفون بأمر عيسى رجلًا من بنى تميم يقال له: المقعد، فإذا مات المقعد لم يأت على الناس ثلاث سنين حتى يرفع القرآن من صدور الرجال ومصاحفهم) (¬6). 2 - عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: (لينزعن القرآن من بين اظهركم ¬
سابعا: الناس الذين تقوم عليهم الساعة
يسرى عليه ليلًا، فذهب من أجواف الرجال، فلا يبقى في الأرض شئ منه) (¬1). سابعًا: الناس الذين تقوم عليهم الساعة أما الناس الذين تقوم عليهم الساعة فهم شرار الخلق على اللَّه، ونعوذ باللَّه أن نكون منهم أو يكون أجيالنا منهم. .، فهؤلاء الخلق كما سترى من خلال الأحاديث هم الأشقياء عند اللَّه، الذين يتسافدون في الطرقات، ويأتى عليهم الشيطان فيزين لهم عادات الجاهلية ويحبب إليهم عبادة الأصنام، يرجعون على دين الجاهلية من عبادة وديانة الأصنام إلى أن يهلكهم اللَّه وعليهم تقوم الساعة. 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (لا تقوم الساعة حتى تضرب أليات (¬2) نساء دوس على ذي الخلصة، وذو الخلصة: طاغية دوس التي كانوا يعبدون في الجاهلية) (¬3). 2 - وفى رواية: (وذو الخلصة: صنم كان يعبده دوس في الجاهلية بتبالة) (¬4). 3 - عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا تقوم الساعة على أحد يقول: اللَّه اللَّه) وفى رواية: (حتى لا يقال في الأرض اللَّه اللَّه) (¬5). 4 - عن عبد الرحمن بن سماسة -رضي اللَّه عنه- قال: (كنت عند مسلمة بن مخلد ¬
وعنده عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، فقال عبد اللَّه: ألا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق، هم شر من أهل الجاهلية لا يدعون اللَّه بشئ إلا رده عليهم، فبينما هم على ذلك، أقبل عقبة بن عامر فقال له مسلمة: يا عقبة اسمع ما يقول عبد اللَّه. فقال عقبة: هو أعلم، وأما أنا سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (لا تزال عصابة من أمتى يقاتلون على أمر اللَّه، قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة، وهم على ذلك، قال عبد اللَّه: أجل، ثم يبعث اللَّه ريحًا كريح المسك مسها مس الحرير، فلا تترك نفسًا في قلبه مثقال حبة من إيمان إلا قبضته، ثم يبقى شرار الناس، عليهم تقوم الساعة) (¬1). 5 - وعن عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (فيبقى شرار الناس في خفة الطير، وأحلام السباع، لا يعرفون معروفًا، ولا ينكرون منكرًا، فيمتثل لهم الشيطان فيقول: ألا تستجيبون؟ فيقولون: فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان، وهم في ذلك دار رزقهم، وحسن عيشهم، ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد غلا أصغى ليتًا (¬2)، فأول من يسمعه: رجل يلوط إبله (قال) فيصعق (¬3)، ويصعق الناس، قال: ثم يرسل اللَّه، أو قال: ينزل اللَّه مطرًا كأنه الطل (¬4)، أو الظل، فينبت من أجساد الناس، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون، ثم يقال: أيها الناس هلموا إلى ربكم) (¬5). ¬
6 - عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (لا يذهب الليل والنهار، حتى تعبد اللات والعزى، قلت يا رسول اللَّه: إن كنت لأظن حين أنزل اللَّه تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} إن ذلك تام، قال: أنه سيكون من ذلك ما شاء اللَّه، ثم يبعث اللَّه ريحًا طيبة، فتتوفى كل من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، فيبقى من لا خير فيه، فيرجعون إلى دين آبائهم) (¬1). 7 - عن حذيفة بن اليمان -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس لكع بن لكع) (¬2). 8 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول.: (ثم يخرج راعيان من مزينة يريدان المدينة. . . حتى إذا بلغ ثانية الوداع خرا على وجهيهما وهذان الرجلان هما اللذان تقوم عليهم الساعة). * * * ¬
الخاتمة
الخاتمة بعد هذا السرد الشامل لعلامات الساعة والملاحم والفتن؛ استطيع أن أخرج بخاتمة ملخصة لأهم المواضيع كما يلي: 1 - إن علامات الساعة الصغرى متحققة كلها، ونحن الآن نتطلع لظهور العلامات الكبرى. 2 - الفتن التي أخبر عنها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- اعتبرها من ضمن العلامات الصغرى متخللة فيها. 3 - العاصم من الفتن كتاب اللَّه. 4 - ظهور الرايات السود موطئة لظهور المهدي. 5 - انحسار الفرات عن جبل أو كنز من ذهب واقتتال الناس عليه علامة على ظهور الهدي. 6 - الخسف الذى يكون في ذى الحليفة يعتبر تأييدًا للمهدى من قبل اللَّه تعالى وانتشار خبره ثم تأييده. 7 - الطائفة المنصورة لا يضرها من خذلها أو خالفها حتى تقاتل الدجال بقيادة المهدي. 8 - الطائفة المنصورة يقودها المهدي وعلى يديها تفتح "روما". 9 - الملاحم وفتح القسططينية ممهدة لخروج الدجال. 10 - فتح القسطنطينية على يد جيش أغلبه من الروم أبناء إسحاق الذين يسلمون ويعطون ولائهم للإسلام. 11 - فتح القسطنطينية علامة على خروج الدجال.
12 - أخبار المهدي بلغت حد التواتر ولا حجة للمنكرين. 13 - المهدي مجدد لهذا الدين، يملأ الأرض عدلًا وقسطًا بعد أن ملئت ظلمًا وجورًا. 14 - صلاة عيسى بن مريم -صلى اللَّه عليه وسلم- خلف المهدي إكرام اللَّه لهذه الأمة المحمدية. 15 - يتنازل المهدي بالخلافة لعيسى بن مريم -صلى اللَّه عليه وسلم- ويكون جنديًا من جنوده ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون. 16 - المهدي أول علامات الساعة الكبرى المألوفة. 17 - علامات الساعة الكبرى قسمان: المألوفة وهي: المهدي، الدجال، عيسى بن مريم ثم يأجوج ومأجوج أما غير المألوفة فهي: ظهور الشمس من المغرب، الدابة، الدخان، الريح ثم الخسوفات. 18 - الدجال شر غائب ينتظر، وما خلا نبي إلا وحذر أمته منه. 19 - الدجال حي في مكان من الأرض وله علامات على ظهوره لم تتحقق بعد. 20 - من رأى الدجال أو سمع به فلينأ عنه "يهرب" ومن واجهه فليثبت على دينه فإنه لا يضره وليقرأ عشر آيات من أوائل سورة الكهف عاصمة له منه. 21 - الدجال يخرج ليعيد مجد اليهود ويقضى على الخلافة الراشدة. 22 - الغرب يؤمن بمعركة "هرمجدون" ويثقف قادته لها ويعتبرها مسألة عقائدية لكنها في ميزان الشرع الإسلامى مجرد خرافة ووهم. 23 - الدجال يدعي الصلاح أولًا ثم النبوة الألوهية ولا تبقى مدينة إلا ويدخلها عدا مكة المكرمة والمدينة المنورة تحرسهما الملائكة.
24 - الدجال يخرج إثر غضبة يغضبها ومعه سبعون ألفًا من يهود أصفهان عليهم الطيالسة والسيجان ومعه سحرة وترجمان وجنة ونار!! ويستعمل السلاح الاقتصادي ضد مناوئيه. 25 - أول خروجه من مكان شديد البرودة جهة المشرق ثم أصفهان "الحارة اليهودية" ويتجه نحو الخليج ويقاتل ثم يظهر خلة بين الشام والعراق ويتجه بعد ذلك إلى منطقة ذبحة -فلسطين- باب لد. 26 - عيسى بن مريم -صلى اللَّه عليه وسلم- حي في السماء رفعه اللَّه إليه، ينزل على المنارة البيضاء كمنقذ للمسلمين ومجدد لهذا الدين. 27 - عيسى بن مريم -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي خلف المهدي في المسجد الأقصى صلاة الفجر. 28 - عيسى بن مريم -صلى اللَّه عليه وسلم- يحكم بشريعة الإسلام فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويريق الخمر ولا يرضى بالجزية فإما الإسلام أو القتل. 29 - يؤمن به أهل الكتاب ويسلمون معه للَّه رب العالمين ويدينون بالإسلام. 30 - عيسى بن مريم -صلى اللَّه عليه وسلم- يقتل الدجال ويقضي على النسل اليهودي القذر حتى إن الحجر والشجر يناديان المسلمين لقتلهم، فتطوى صفحتهم إلى الأبد. 31 - عيسى بن مريم -صلى اللَّه عليه وسلم- يتزوج ويولد له ثم يحج أو يعتمر ويموت ويدفن بجنب النبي محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- ومع أبي بكر وعمر رضي اللَّه عنهما. 32 - ظهور يأجوج ومأجوج من جهة الشرق الأقصى وهم بوذيون لا دين لهم، يفسدون في الأرض أيما إفساد. 33 - يأمر اللَّه تعالى نبيه عيسى -صلى اللَّه عليه وسلم- بتحرير المسلمين في جبل الطور اتقاء شرهم.
34 - دعاء عيسى -صلى اللَّه عليه وسلم- والمسلمون معه على يأجوج ومأجوج فيهلكهم اللَّه بالنغف وتمطر السماء فتلقى بهم السيول في البحار. 35 - عموم الخير والبركات بعد هلاكهم حتى أن الأطفال يلعبون بالحيات لا تؤذيهم والسباع تحرس الغنم والعصابة من الناس تستظل بقحف الرمانة من كثرة الخير والبركة. 36 - ظهور العلامات الكبرى غير المألوفة بطلوع الشمس من المغرب وانسداد باب التوبة. 37 - الدابة تُعَرِّ المؤمن فتجلوه بخاتم سليمان على جبهته وتخطم أنف الكافر بعصا موسى تعريفا بكفره. 38 - الدخان يكون للمؤمن كالزكام وللكافر عذاب. 39 - الريح الطيبة تقبض أرواح المؤمنين فلا يبقى أحد يقول: اللَّه، اللَّه. 40 - خروج النار وحشرها الناس إلى محشرهم -الشام- يكون أول الحشر. 41 - الخسوفات الثلاثة الكبيرة إيذان بانتهاء الدنيا. 42 - تخريب الكعبة وهجر المدينة المنورة ورفع القرآن من المصاحف والصدور عندما لا يكون مؤمن على وجه الأرض. 43 - يخرب الكعبة ويخرج كنزها "ذو السويقتين" من الحبشة. 44 - تقوم الساعة على شرار الخلق على اللَّه وهم يتسافَدون كالبهائم في الطرقات. 45 - يكون القيم الواحد للخمسين امرآة. 46 - أخر العلامات راعيان من "مزينة" يخرَّان على وجهيهما، حيث تقوم
عليهما الساعة. واللَّه تعالى أعلم وصلى اللَّه تعالى على محمد وآله وصحبه وسلم والحمد للَّه رب العالمين. . .
مراجع الكتاب
مراجع الكتاب 1 - القرآن الكريم. 2 - تفسير ابن كثير 3 - صفوة البيان محمد حسنين مخلوف 4 - في ظلال القرآن سيد قطب 5 - صحيح البخاري. 6 - صحيح مسلم. 7 - مختصر صحيح مسلم المنذري تحقيق الألباني 8 - الترغيب والترهيب المنذري 9 - صحيح الترغيب والترهيب الألباني 10 - التاج الجامع للأصول. 11 - رياض الصالحين النووي 12 - إرشاد الساري إلى صحيح البخاري القسطلاني 13 - فتح الباري شرح صحيح البخاري ابن حجر العسقلاني 14 - شرح صحيح مسلم النووي 15 - سلسلة الأحاديث الصحيحة الألباني 16 - سلسلة الأحاديث الضعيفة الألباني 17 - جامع العلوم والحكم ابن رجب الحنبلي 18 - النهاية في غريب الحديث ابن الأثير 19 - الرائد جبران مسعود 20 - البرهان في أخبار مهدي آخر الزمان للمتقي الهندي تحقيق: جاسم محمد إلياسين المهلهل.
21 - العقيدة الطحاوية ابن أبي العز تحقيق الألباني 22 - التصريح بما تواتر في نزول المسيح الكشميرى تحقيق أبي غدة 23 - التذكرة القرطبي 24 - اليوم الآخر في ظلال القرآن أحمد فائز 25 - الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- سعيد حوى 26 - حياة الشيخ ناصر الدين الألباني وآثاره محمد الشيباني 27 - أشراط الساعة وأسرارها محمد جبر سلامه 28 - فقد جاء أشراطها محمود عطيه محمد علي 29 - المسيح الدجال قراءة في أصول الديانات الثلاثة سعيد أيوب 30 - فتنة المسيح الدجال ومقدماتها زاهد الزرقي 31 - قبسات من هدي الرسول الأعظم محمد الشربجي 32 - صحيح أشراط الساعة مصطفى أبو النصر شلبي 33 - نهاية البداية والنهاية والملاحم ابن كثير 34 - علامات يوم القيامة ابن كثير 35 - إيماننا الحق بين النظر والدليل إبراهيم النعيمه 36 - الوعد الحق والوعد المفترى سفر الحوالي 37 - حمى عام 2000 عبد العزيز مصطفى كامل 38 - حجة اللَّه على العالمين في معجزات سيد المرسلين 39 - عقيدة أهل السنة والفرقة الناجية ابن تيمية 40 - منهاج السنة النبوية ابن تيمية 41 - السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي مصطفى السباعي 42 - الفتن ومواقف السلف رعد كامل الحيالي 43 - عمر أمة الإسلام وقرب ظهور المهدي أمين محمد جمال الدين.
44 - ديوان الزوابع وليد الأعظمي 45 - ديوان الشافعي 46 - صور وخواطر إبراهيم النعمه 47 - الجامع الصحيح الألباني 48 - اللؤلؤ والمرجان محمد فؤاد عبد الباقي 49 - المنار المنيف في الصحيح والضعيف ابن قيم الجوزيه 50 - السنة لابن أبى عاصم. * * *