كشف المناهج والتناقيح في تخريج أحاديث المصابيح

المُنَاوِي، صدر الدين

كَشْفُ المنَاهِجِ وَالتَّنَاقِيحِ في تَخْريِجِ أحَادِيثِ المَصَابِيحِ تَأليفُ صَدْر الدَّينِ مُحَمَّد بْنِ إبْرَاهِيم السُّلَمِيّ المُنَاوِيّ (ت: 803 هـ) قَدَّم له سَمَاحَة الشيخ/ صالح بن محمَّد اللحيْدان رئيس مجلس القضاء الأعلى وعضو هيئة كبار العلماء دِرَاسَة وتحقيق د. مُحمَّد إِسْحَاق مُحَمَّد إبْرَاهِيم جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية المُجَلّد الأوّل الدار العربية للموسوعات

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تقديم سماحة الشيخ: صالح بن محمد اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، أنعم على عباده بنعم لا تحصى، وأجلّ ذلك ما فتح به عليهم من معارف علوم الشريعة، فهو سبحانه الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، وشرف العلم فشرف به حاملوه، وتسابق الراغبون في ميراث النبوة للأخذ منه بأوفر حظٍّ وأتم نصيب، وقاموا بنشر هذا العلم، ودونوا فيه الأسفار وضربوا فيه بأسهمٍ عالية وافرة في كل مجال من مجالات المعرفة، فتميز العلماء بالعلم الذي هو زينٌ لحامليه، وإن اختلفت أصناف العلم وتفاوت شرفه، ولا شك أن أجلَّه وأشرفه ما تعلق بخدمة كتاب الله دراسةً واستنباطًا واستدلالًا وتوضيحًا وبيانًا، لأن كتاب الله أساس العلم وهو الأصل العظيم من أصول الأحكام في العقائد والمعاملات وبيان الحلال والحرام وغير ذلك. وقد خدم علماء الإسلام كتاب الله خدمةً جليلة فائقة في بيان أحكامه وغرائب لغته وبلاغة عباراته، وكانت السنة النبوية وهي المصدر الثاني من مصادر التشريع تبين مجمل القرآن وتوضح مقاصده وتضيف إليه ما أمر الله به نبيه مما ليس في القرآن، فتسابق العلماء في التأليف في السنة رواية ودراية

تصنيفًا وجمعًا وتنقيحًا وشرحًا وانتقاءً. فكان ذلك من أعظم الأسباب في حفظ السنة نقيةً واضحةً مصونة عن عبث كل عابث وبه انغلق الباب على من يريد الاعتداء على الشريعة. وكتاب مصابيح السنة للإمام المحدث المفسر الفقيه محيي السنة أبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي من أنفع الكتب التي اعتنى مؤلفوها بحسن الجمع والانتقاء والتبويب، فصار محل اعتناء العلماء لأنهم وجدوه من أفضلها وأوفاها مادةً وأكثرها فائدةً، فاعتنى به العلماء شرحًا وتخريجًا وزيادةً وانتقادًا، وكل عالم يريد إكمال ما يراه لازمًا من إضافةٍ أو شرحٍ أو إيضاح غامض أو استدراك. ومن هؤلاء العلّامة صدر الدين أبو المعالي محمد بن إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم المناوي الشافعي الذي ألف كتاب (كشف المناهج والتناقيح في تخريج أحاديث المصابيح) وهو كتابٌ حقيقته أوسع من عنوانه، إذ إن عنوانه يوهم أنه مجرد تخريج لأحاديث المصابيح بينما حقيقةُ الأمر أنه تخريجٌ ونقدٌ، وإيضاحُ مبهمٍ، وشرحُ مغلقٍ ونقلٌ لما تدعو الحاجة إلى نقله من خلاف، مع ترجيح ما يترجح لديه، فهو كتابٌ جديرٌ بأن يقتنى خليقٌ بأن يرجع إليه في الأحكام والعقائد، ولا أحب أن أسهب في وصفه فإن مخبره يفوق وصفه بسطورٍ وكلمات. وقد تولى تحقيقه وإظهاره من خزائن المكتبات الخطية إلى مجال العرض والمراجعة والدراسة والاستفادة فضيلة الدكتور محمد إسحاق محمد إبراهيم أحد رجال الحديث المهتمين به، الحريصين على إبراز مكنونات السنة وتسهيل تناولها للدارسين، إذ هو أحد أساتذة هذا الفن والمعتنين به في فترة تدريسه مادة الحديث في كليات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، هذه الجامعة العريقة المتفوقة في خدمة علوم الشريعة وتدريسها. وقد رغب مني كتابة مقدمة للكتاب وألح عليَّ في ذلك، ولأني أعلم أن الحديث عن كتابٍ كهذا يستدعي مراجعةً له وتتبعًا لمضامينه فاعتذرت، لكنه أكد عليَّ بأن أقوم بكتابة مقدمةٍ ولو مختصرة، ولأن ذلك نافعٌ

لي لأراجع بعض مباحث الكتاب فاستجبت لفضيلته وقرأتُ مواضيعَ متعددة من الكتاب وراجعتُ ما عمله فضيلة الدكتور على المباحث التي قرأتها، فوجدت أنه بذل جهدًا كبيرًا وأجاد كثيرًا وتعقب المؤلف في بعض المواضع وأكمل بعض المواضع التي تستدعي تكميلًا، ورأيته قد أحسن كثيرًا، ولا شك أن عمل أي إنسان لا بد أن يجد فيه متتبعه ما ينتقده لكن قديمًا قيل: (كفى المرءَ نبلًا أن تعدَّ معايبه). ولئلا يظنَّ من يقرأ كلامي أنني كتبت ما كتبت دون قراءة، فإنني أؤكد كبير فائدة الكتاب وما قام به المحقق، وإن كنت لاحظت بعض المآخذ النحوية والإملائية وترك ذكر راوي الحديث عندما يغفله المناوي في كثيرٍ مما وقفت عليه، ولكن ذلك شيءٌ قليل أكثره يستبينه القارئ، وهي مغتفرة في الكم الكثير من الصواب والإفادة المتعددة تخريجًا واستدراكًا. ولهذا أوصي بالاهتمام بالكتاب قراءةً ومراجعةً فإن بحوثه على قصرها غزيرة الفائدة. أسأل الله أن يبارك بجهد الدكتور محمد إسحاق وأن ينفعه بعلمه، وأن ينفع به طلاب العلم، ويثيبه على ما عمل وأعِدهُ أن أقرأ الكتاب إن شاء الله كاملًا، وأرجو أن يكون ما لم أقرأه أسلم وأكمل مما قرأته، ومع ذلك فإن وجدتُ ملاحظةً فسوف أخبره بها وظني أنني لن أجد، فقد اعتنى واهتمَّ بإخراج الكتاب بهذه الصورة المشرقة، ولا يضيره وجود زلة قلم أو سبق رقم، والله وليُّ التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. رئيس مجلس القضاء الأعلى صالح بن محمد اللحيدان 6/ 7 / 1425 هـ

[مقدمة التحقيق]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة عبده وابن عبده وابن أمته، ومن لا غنى له طرفة عين عن فضله ورحمته، ولا مطمع له بالفوز بالجنة والنجاة من النار إلا بعفوه ومغفرته. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، أرسله رحمة للعالمين وحجة على العباد أجمعين. فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فإن سنة المصطفى هي أحد الوحيين وثاني الأصلين، إن الله وفق لها حفاظا عارفين، وجهابذة عالمين، وصيارفة ناقدين، ينفون عنها تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحَمَلتها بالنضرة، فقال: "نضر الله امرأً سمع منا حديثًا فحفظه حتى يبلغه، فرب مبلغ أحفظ له من سامع" (¬1)، ولذا شَرُف أهل الحديث بحملها، وعلت رُتَبهم بخدمتها وتبليغها (¬2)، فنشطوا في القرون الثلاثة الأولى لاختراع طرقٍ متنوعة لجمعها وترتيبها، وقواعِدَ لتحملها وأدائها، وضوابط لتحديد درجات المقبول منها والمردود، فصنفت الدواوين كالصحاح والسنن والمسانيد والجوامع والمعاجم والصنفات والموطآت ... ، حرصا على حفظها، وخوفا عليها من الضياع، ثم تفنن العلماء في القرون التالية يجمع السنة بطرق مختلفة فمنهم من ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند (1/ 437) والترمذي (5/ 34) رقم (2657) وابن ماجه (232) من حديث ابن مسعود، وأطال ابن عبد البر في ذكر طرقه في جامع بيان العلم وفضله (1/ 175 - 191) من رقم 184 إلى 200، طبعة دار ابن الجوزي. (¬2) انظر: شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي ص: 25 - 27.

جمع بين الصحيحين (¬1) ومنهم من جمع بين الكتب الستة (¬2) ومنهم من جمع أحاديث في أبواب العلم المختلفة، ولكل من هذه الكتب مزية يعرفها أهل هذا الشأن، فاشتهرت هذه الكتب بين الأنام، وانتشرت في بلاد الإسلام، وعظم الانتفاع بها، وحرص طلاب العلم على تحصيلها، ومن هؤلاء الإمام البغوي -رحمه الله- فجمع كتاب "المصابيح"، من مصادر مختلفة. ولقد نال كتاب البغوي هذا استحسان أكثر من جاء بعده لحسن جمعه وترتيبه، كما وصفه الصدر المناوي بقوله: "فإن أجمعَ المصنفات المختصرات في الأخبار النبوية، وأحسن المؤلفات الجامعات للآثار المحمدية كتابُ "المصابيح" وهو الكتاب الذي عكف عليه المتعبدون، واشتغل بتدريسه الأئمة المعتبرون، وأقر بفضله وتقديمه الفقهاء والمحدثون، وقال بتميزه الموافقون والمخالفون" (¬3). والأحاديث التي وردت في كتاب المصابيح قد رواها البغوي بأسانيده المتصلة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكنه حذف أسانيدها طلبًا للاختصار، وعوض عن هذا فحكم على كثير من الأحاديث بتبيين المقبول منها والمردود وعلق بعض رواتها فذكر ما يتعلق بهم من جرح، فاحتل كتاب "المصابيح" مرتبة عالية من بين كتب السنة، وأقبل العلماء عليه إقبالًا شديدًا، فألفوا حوله الكتب الكثيرة ما بين شرح وتخريج، أو جمع بين الشرح والتخريج. ¬

_ (¬1) منها الجمع بين الصحيحين للحميدي (ت 488 هـ) بتحقيق د. علي البواب، والجمع بين الصحيحين للإشبيلي (ت 581 هـ) وكذلك للصاغاني (ت 650 هـ) مطبوع. (¬2) ومنها: أنوار المصباح في الجمع بين الكتب الستة الصحاح للتجيبي (ت 646 هـ) والتجريد للصحاح والسنن لرزين العبدري (535 هـ)، وتابعه ابن الأثير (ت 606 هـ) في كتابه: جامع الأصول .... طبع في 11 مجلدا. وغيرها .. (¬3) انظر: مقدمة كتابنا هذا (ص: 39).

ومن أبرزها كتاب "كشف المناهج والتناقيح في تخريج أحاديث المصابيح" للحافظ الصدر محمد بن إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم السلمي المناوي (ت 803هـ) -شيخ الحافظ ابن حجر- رحمهما الله. وقد حاول المؤلف -رحمه الله- أن يُسهم في خدمة هذا الكتاب النفيس، ويقدم شيئًا يتميز به عمله، فخدم الكتاب خدمة جُلَّى تمثلت في تخريج أحاديثه وعزوها إلى الكتب التي خرجتها، فاستوعب ذلك كله، فعزى كل حديث إلى من أخرجه، ولم يكتف بالعزو بل حدد المكان الذي ذكره مخرِّجه فيه وعدّد أماكن تخريجه في الكتاب إن ذكر في أكثر من مكان، وقد بذل الجهد في تحديد لفظ الروايات، وحدد من روى المتن كله أو بعضه أو زاد فيه أو نقص محددا ذلك بدقة، وينقل الحكم على الحديث إن كان هناك حكم، ويتعقب ذلك إن كان الحكم يحتاج إلى إيضاح أو استدراك أو تعليق، وإن كان في سند الرواية كلام في أحد رواته ذكر ذلك، وقد يشير إلى علة الحديث إن كان فيه علة، ويبين تلك العلة باختصار، ويحكم على الرواة جرحا وتعديلا، ولم يقتصر كلامه على الأسانيد والحكم على الحديث، بل حاول جاهدا أن يشرح بعض الأحاديث مهتما بشرح الألفاظ وتبيين معاني بعض العبارات، وكثيرًا ما يهتم بتوضيح العبارات المغلقة فيوضحها، وينقل عن الأئمة ما يراه ملائما لذلك، ويزيد بعض النقول شرحا إن رأى أن ما نقله يحتاج إلى شرح. وإذا مرت عبارات يفيد ظاهرها التعارض، حاول الجمع والتوفيق أو الترجيح والبيان، كل ذلك بأسلوب متين دقة واختصار، وقد يبين أوهاما وقعت لبعض العلماء، ويتبع ذلك كله بفوائد ومسائل مهمة. ولما لهذا كله من الأهمية والفائدة رأيت خدمةَ هذا الكتاب وتقديمَه للطبع، فهو لم يُطبع قبل ذلك. وقد بذلت جهدا كبيرا في طباعته وإِخراجه على الشكل الذي أرجو أن يحوز رضى القاريء، وقد وضحت تفصيل عملي هذا فيما سيأتي مفصلًا.

ولا يفوتني أن أتوجه بالشكر الجزيل إلى سماحة الوالد الشيخ/ صالح بن محمد اللحيدان/ رئيس مجلس القضاء الأعلى وعضو هيئة كبار العلماء -حفظه الله تعالى بخير وعافية، وأمد في عمره وأعانه وسدد خطاه وأجزل له الأجر والمثوبة- الذي تجشم عناء الاطلاع على هذا الكتاب وقراءة جزء كبير منه على كثرة مشاغله، وضيق أوقاته، ولم يبخل علي بآرائه السديدة، وتوجيهاته الرشيدة، ثم تقديمه لهذا الكتاب، فجزاه الله خير الجزاء، ووفقه لكل خير. وأثني بشكر والديَّ حفظهما الله وأمدَّ في عمرهما وبارك لهما في أوقاتهما، فلهما عليّ فضلٌ، أسأل الله أن يوفقني لبرهما ورعايتهما. كما أتوجه بالشكر إلى كل من أعانني من مشايخي وإخواني وزملائي سائلا المولى عز وجل أن يجزيهم من عنده خير الجزاء، إنه ولي ذلك والقادر عليه. فهذا جهد المقل، فلقد أمضيت في إخراجه خمس سنوات كاملات من عمري، وهأنذا أضعه أمام طلاب العلم رجاء أن يستفيدوا منه، وراجيا من الله القبول. وأسأل الله العلي العظيم، رب العرش الكريم أن يرزقني الإخلاص في القول والعمل وأن ينفعني بما علمني، وأن يرزقني علمًا نافعًا وأن يمن علي بالاستقامة والثبات على الدين حتى ألقاه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه وسلم. محمد إسحاق محمد إبراهيم جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الرياض

ترجمة المؤلف

ترجمة المؤلف (¬1) اسمه ونسبه: هو: محمد بن إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن السلمى المناوي (¬2) ثم القاهري، صدر الدين أبو المعالي الشافعي القاضي. ولادته ونشأته: ولد في رمضان سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة وأبوه حينئذ ينوب في القضاء عن عز الدين ابن جماعة، وأمه بنت قاضي القضاة زين الدين عمر البسطامي، فنشأ في حجر السعادة، وحفظ القرآن الكريم والتنبيه في الفقه وغيره. شيوخه: سمع من: عبد الرحمن بن محمد بن عبد الحميد المقدسي بالقاهرة، وأبي الفتح محمد ابن محمد بن إبراهيم الميدومي، وحسن بن السديد الإربلي، وعبد الله بن خليل المكي، وعبد الرحمن بن عبد الهادي، وعبد الله بن قيم الضيائية، وأجاز له أبو الحرم محمد ابن محمد القلانسي الحنبلي (ت 765هـ)، ومظفر بن النحاس، والقطرواني، وابن الأكرم، قال الحافظ ابن حجر: يجمعهم مشيخته التي خرجها له أبو زرعة -يعني: ابن شيخه العراقي واسمه أحمد (ت:826 هـ) في خمسة أجزاء وسمعناها عليه (¬3). ¬

_ (¬1) مصادر ترجمته: إنباء الغمر بأبناء العمر (4/ 315 - 317). والضوء اللامع (6/ 249). والنجوم الزاهرة (13/ 25). ووجيز الكلام في الذيل على دول الإسلام للسخاوي (1/ 354) والسلوك للمقريزي (3/ 3/ 1073). وطبقات قاضي شهبة (4/ 59) والدليل الشافي على المنهل الصافي لابن تغري بردي (2/ 57). وذيل التقييد للفاسي (1/ 148 - 151). (¬2) المناوي: نسبة لمنية القائد فضل بن صلح في أول الصعيد، بينها وبين مدينة مصر يومان انظر: معجم البلدان (5/ 219). (¬3) إنباء الغمر (4/ 315)، والضوء اللامع (6/ 249).

أهم تلاميذه المشهورين

أهم تلاميذه المشهورين: سمع منه الحافظ ابن حجر، وأبو الفتح ابن أبي بكر بن الحسين المراغي، وأبو زرعة العراقي -ولي الدين أحمد ابن الحافظ العراقي-. قال السخاوي: أخذ عنه الأكابر، وقال: حدث ودرس وأفتى، روى لنا عنه الجم الغفير. أعماله: درّس، وأفتى، وولي إفتاء دار العدل، ودرس "بالشيخونية" و "المنصورية" بالقاهرة والسكرية بمصر وغير ذلك. وولي قضاء الديار المصرية أربع مرات: أولها: أول ذي القعدة سنة 791 هـ. ثانيها: بعد صرف، عماد الدين الكركي في ثاني المحرم سنة 795 إلى أثناء ربيع الآخر سنة 796 هـ. ثالثها: بعد زين الدين أبي البقاء سنة 797 هـ في جمادى الأولى إلى سنة 799 هـ في رجب. رابعها: في رجب سنة 801 هـ حتى أسره بدمشق أصحاب تيمور لنك سنة 803 هـ. ودرس كذلك بجامع طولون والشافعي وغيرهما، وقام بعدد من الوظائف المضافة للقضاء. ومات الملك الظاهر برقوق في أثناء عمله بالقضاء آخر مرة، وكان يهابه فأمن على نفسه لكونه كان لا يطمئن إليه. ثناء العلماء عليه: قال تلميذه ابن حجر: كان كثير التودد إلى الناس معظمًا عند الخاص والعام محببًا إليهم لكثرة تودده وإحسانه، وكان قبل الاستقلال بالقضاء يسلك طريق ابن جماعة في التعاظم، فلما استقل لان جانبه كثيرًا، وكانت له عناية بتحصيل الكتب النفيسة على طريقة ابن جماعة فحصل منها شيئًا كثيرًا.

مؤلفاته

وقال الفاسي: وكان ذا هيبة عظيمة ونزاهة وقوة نفس وحشمة ودنيا متسعة. قال السخاوي: وكان ذا عناية بتحصيل الكتب النفيسة، زائد الكرم، عظيم الرئاسة. مؤلفاته: 1 - "كشف المناهج والتناقيح في تخريج أحاديث المصابيح". قال الحافظ ابن حجر: وخرّج أحاديث المصابيح وتكلم على مواضع منه، حدث به، وسمعت قطعة منه. 2 - وله حاشية على "جامع المختصرات". 3 - وله تأليف في فرائد الفوائد، ذكره في كتابه هذا تحت حديث رقم: (1472). وفاته: توفي سنة 853 هـ في شوال، وذلك لما سافر الناصر فرج إلى البلاد الشامية، لقتال الطاغية تيمور لنك، فكان مؤلفنا ممن برز معه، فأسره اللنكية حتى مضوا به أسيرًا إلى صوب العراق فلما جاوزوا نهر الفرات خاض الأمير في النهر هو وأتباعه لأجل ازدحام غيرهم على القنطرة، فغرق القاضي وهو في القيد، فمات غريقًا في نهر الزاب (¬1) بالفرات عند قنطرة باشا. والعجب أنه كان شديد الخوف من ركوب البحر، لمنام رآه أو رؤي له، بحيث لم يكن يركب نهر النيل إلا نادرًا. وشغر القضاء بعده نحو شهرين رجاء تخليصه من الأسر. ¬

_ (¬1) الزاب: نهران أحدهما يسمى الزاب الصغير والآخر يسمى الزاب الكبير، وهما من روافد دجلة، ومخرجهما قرب جبال أذربيجان، (انظر المسالك والممالك للكرخي 54) وسمي بنهر الزاب نسبة إلى زاب ملك من قدماء ملوك الفرس، حفر عدة أنهر بالعراق، فسميت باسمه، معجم البلدان (3/ 123).

التعريف بكتاب: "المصابيح"

التعريف بكتاب: "المصابيح" حظي كتاب "المصابيح" بمكانة عظيمة، ولقي عناية خاصة من مؤلفه فقد أخلص النية فيه، وبذل فيه من الجهد والعناية ما جعله مقبولًا لدى الخاص والعام، فاستخرج أحاديثه من كتب متفرقة ثم رتب هذه الأحاديث على الأبواب بحيث استوعب الأبواب كلها، كالعقائد، والأحكام، والسير، والآداب، والرقاق، والفتن، وأشراط الساعة، والمناقب، والفضائل، ولم يفته سوى أبواب التفسير، والمغازي. منهج البغوي في "المصابيح" بيّن البغوي طريقته في مقدمة كتابه وأوضح بعض جوانب منهجه فيه وهي كما يلي: 1 - السبب الباعث على تأليف الكتاب، وهو أن يكون عونًا للمنقطعين للعبادة. 2 - عدم ذكره للأسانيد خوف الإطالة، واعتمادًا على نقل الأئمة، وقد يسمي الصحابي أحيانًا لمعنى دعا إليه. 3 - تبيين اصطلاحه في تقسيم الأحاديث إلى صحاح: وهي ما أخرجه الشيخان، أو أحدهما، وحسان: وهي ما أخرجه أبو داود، والترمذي، وغيرهما من الأئمة. 4 - إِن أحاديث قسم الحسان أكثرها صحاح بنقل العدل عن العدل، غير أنها لم تبلغ غاية شرط الشيخين في علو الدرجة من صحة الإسناد، إذ أكثر الأحكام ثبتت بطريق حسن. 5 - اشتراط أن يشير إلى الأحاديت الضعيفة، والغريبة. 6 - اشتراط عدم ذكر المنكر والموضوع. 7 - إِن المقصود بهذا الكتاب هو جمع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم المرفوعة، دون غيرها، من آثار الصحابة والتابعين.

ترتيبه

ترتيبه: رتب البغوي كتابه على ترتيب كتب الجوامع من حيث العموم. حيث افتتح كتابه بكتاب الإيمان، ثم العلم، ثم بدأ بكتب الأحكام من عبادات ومعاملات، وختمه بكتاب الآداب والفتن وأحوال القيامة والفضائل والمناقب. وهذا الترتيب هو ما تشتمل عليه كتب الجوامع في الغالب، ولم يخالف إلا بتقديم كتاب فضائل القرآن والدعوات حيث جعلهما بعد الصيام وقبل المناسك وسار في كتب الأحكام على طريقة الشافعية من حيت العموم، حيث بدأ بالعبادات، ثم بالبيوع وفروعاته، ثم النكاح وأحكامه، ثم العتق والديات، والحدود، فالجهاد، ثم الأطعمة ... ومن المعلوم أن كتب المذاهب تختلف في هذا الأمر، خاصة في إدخال بعض الأبواب في العبادات فالحنابلة والمالكية يدخلون الجهاد ضمن العبادات. بينما الحنفية والشافعية يعدونه في المعاملات، كذلك تختلف كتب المذاهب في ترتيب أبواب المعاملات المحضة فالأحناف والمالكية يضعون النكاح بين العبادات والمعاملات، بينما يضع الحنابلة والشافعية البيوع ثم النكاح، وهكذا (¬1). ثم قسم كل كتاب إلى أبواب، وكل باب إلى قسمين: الصحاح، والحسان. وأورد تحت كل قسم طائفة من الأحاديث تغطّي الباب على طريقته. وهو يترجم لكل باب بترجمة مشهورة مختصرة وقد يهمل ذكر الترجمة ويكتفي بذكر "باب" هكذا مهملًا أو "فصل" كما فعل في كتاب فضائل القرآن وهذا قليل جدًّا. إعجاب العلماء بهذا الترتيب لقد أثنى العلماء على هذا الترتيب فقد قال محمد بن عتيق الغرناطي (ت 646 هـ) بعد أن ذكر طائفة من كتب الحديث: والمصابيح أحسن ترتيبًا، فإنه وضع دلائل ¬

_ (¬1) انظر ترتيب الموضوعات الفقهية ومناسباته 9.

تقسيم البغوي لأحاديث كتابه

الأحكام على نهج يستحسنه الفقيه، فوضع الترغيب والترهيب على ما يقتضيه العلم، ولو فكر أحد في تغيير باب عن موضعه لم يجد له موضعًا أنسب مما اقتضى رأيه (¬1). تقسيم البغوي لأحاديث كتابه قسم البغوي أحاديث كتابه إلى قسمين: صحاح وحسان، فبعد كل ترجمة يذكر بابا يعنونه بقوله: ومن الصحاح، ثم يورد تحته ما في الصحيحين ثم بعد إيراده لأحاديثهما تحت هذا العنوان، يتبعه بعنوان آخر: ومن الحسان. وقد نص على ذلك في مقدمة كتابه، فقال: وتجد أحاديث كل باب منها تنقسم إلى صحاح، وحسان (¬2) أعني بالصحاح: ما أخرجه الشيخان، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي البخاري، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري -رحمهما الله- في جامعهما، أو أحدهما، وأعني بالحسان: ما أورده أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، وأبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، وغيرهما من الأئمة في تصانيفهم -رحمهم الله- وأكثرها صحاح بنقل العدل عن العدل، غير أنها لم تبلغ غاية شرط الشيخين في علو الدرجة، من صحة الإسناد، إذ أكثر الأحكام ثبوتها بطريق حسن، وما كان فيها من ضعيف أو غريب أشرت إليه، وأعرضت عن ذكر ما كان منكرًا، أو موضوعًا. وقد انتقد البغوي في تقسيم أحاديث الكتاب إلى صحاح وحسان، وفق الاصطلاح الذي اتخذه: فقال ابن الصلاح (¬3): ما صار إليه صاحب المصابيح من تقسيم أحاديثه إلى نوعين: الصحاح والحسان، مريدًا بالصحاح ما ورد في أحد الصحيحين .. فهذا اصطلاح لا يعرف، وليس الحسن عند أهل الحديث عبارة عن ذلك. ¬

_ (¬1) البضاعة المرجاة 58. (¬2) المصابيح 1/ 110، 2/ 305. (¬3) مقدمة ابن الصلاح (37).

مراد البغوي بالأحاديث الصحاح والحسان

وقال النووي (¬1): وأما تقسيم البغوي أحاديث المصابيح مريدًا بالصحاح ما في الصحيحين، وبالحسان ما في السنن، فليس بصواب، لأن في السنن: الصحيح والحسن والضعيف والمنكر. وممن ردّه أيضًا: ابن كثير (¬2) والطيبي (¬3) والعراقي (¬4) وغيرهم. وفي المقابل قبل بعض العلماء هذا الاصطلاح ودافعوا عنه، فقال التبريزي (¬5): ولا أزال أتعجب من الشيخين -يعني: ابن الصلاح والنووي- في اعتراضهما على البغوي، مع أن المقرر أنه لا مشاحة في الاصطلاح. وقد أيد التبريزي على قوله هذا الحافظ ابن حجر (¬6) فقال: ومما يشهد لصحة كونه أراد بقوله الحسان اصطلاحا خاصا له، أن يقول في مواضع من قسم الحسان: هذا صحيح تارة، وهذا ضعيف تارة، بحسب ما يظهر له ذلك. وقال الكافيجي (¬7): ثم إن تقسيم البغوي حديث المصابيح إلى صحاح، وحسان، تقسيم يستحق القبول لا الرد، وإن كان مخالفا لما اشتهر عندهم، فإن ذلك اصطلاح، ولا مشاحة في الاصطلاح. وهذا هو الراجح. مراد البغوي بالأحاديث الصحاح والحسان قال البغوي (¬8): فالصحاح منها ما أورده الشيخان البخاري ومسلم في كتابيهما الصحيحين، وشرطهما مراعاة الدرجة العليا في الصحة، وهو أن يكون الحديث يرويه الصحابي المشهور بالرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك الراوي الصحابي ثقتان من التابعين، ثم يرويه التابعي المشهور بالرواية عن الصحابة، وله راويان من ¬

_ (¬1) التقريب والتيسير (30). (¬2) الباعث الحثيث (21). (¬3) الخلاصة (46). (¬4) التقييد والإيضاح (58). (¬5) انظر: تدريب الراوي (1/ 180). (¬6) قاله بعد أن ذكر قول التبريزي انظر: النكت (1/ 445 - 446). (¬7) المختصر في علم الأثر (114) وانظر أيضا: المقنع في علوم الحديث (1/ 97). (¬8) المصابيح 1/ 305، وقد أورده في آخر المجلد الأول بتجزئته هو أي بعد فراغه من كتاب المناسك.

رأي العلماء في هذا

أتباع التابعين ثم يرويه عنه من أتباع التابعين، الحافظ المتقن المشهور، وله رواة من الطبقة الرابعة. وأردت بالحسان ما لم يخرجاها في كتابيهما ..... ثم منها ما يكون صحيحًا بنقل العدل عن العدل إلى الصحابي، ولكن لا يكون للصحابي إلا راو واحد بنقل العدل عن العدل أو إلى التابعي ولا يكون للتابعي، إلا راو واحد ثم قال: مستدلًا لكلامه هذا فكان مسلم يخرج الصحيح على ثلاثة أقسام في الدرجة، فلما فرغ من القسم الأول أدركته المنية -رحمه الله-. رأي العلماء في هذا يمكن تلخيص كلام البغوي بالآتي: أنه يقسم الصحيح إلى قسمين: 1 - ما كان رواته مشهورين بالرواية من الصحابي فمن دونه، ويكون لكل راو منهم راويان، مع اشتراط الثقة، والإتقان، وهذا هو ما أخرجه البخاري ومسلم في كتابيهما، وأورده البغوي في قسم الصحاح، وهو أعلى درجات الصحيح. 2 - ما هو دون ذلك، وهو ما يكون بنقل العدل عن العدل إلى الصحابي، لكن لا يكون للراوي إلا راو واحد، أو في رواته من ليس له إلا راو واحد. وهذا النوع من الصحيح جعله البغوي في قسم الحسان لأنه دون الأول في القوة في اجتهده ونظره. أقول: ليس صنيع البغوي في القسم الأول -غريبًا- بل هو ما نص عليه الحاكم في كتابيه "المدخل" والمعرفة (¬1) والميانجي (¬2) والجويني (¬3) والبيهقي (¬4) وابن الأثير (¬5). ¬

_ (¬1) المدخل إلى الإكليل 29، معرفة علوم الحديث 62. (¬2) ما لا يسع المحدث جهله ص: 24. (¬3) النكت لابن حجر (1/ 238). (¬4) السنن الكبرى للبيهقي (4/ 105) قال البيهقي في كتاب الزكاة عند ذكر حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: أخرجه أبو داود، فأما البخاري ومسلم فإنهما لم يخرجاه، جريا على عادتهما في أن الصحابي والتابعي إذا لم يكن له إلا راو واحد لم يخرجا حديثه في الصحيحين. (¬5) جامع الأصول (1/ 160).

والبيضاوي (¬1). ولكن الحافظ أبو بكر الحازمي في "شروط الأئمة الخمسة" (¬2) رد هذا الرأي وقال: إِن اختيار البخاري ومسلم إخراج الحديث عن عدلين إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا غير صحيح طردًا وعكسًا، وقال: لو استقرأ الكتاب -أي كتاب البخاري- حق استقرائه لوجد جملة من الكتاب ناقضة عليه دعواه. وقد دافع ابن الأثير عن دعوى الحاكم هذه، وقال عنه: إنه كان عالمًا بهذا الفن، خبيرًا بغوامضه، عارفًا بأسراره، وما قال هذا القول، وحكم على الكتابين بهذا الحكم، إلا بعد التفتيش والاختبار، والتيقن لما حكم به عليهما، ثم قال: على أن قول الحاكم له تأويلان: أحدهما: أن يكون الحديث قد رواه عن الصحابي المشهور بالرواية راويان، ورواه عن ذينك الراويين أربعة، عن كل راو راويان، وكذلك إلى البخاري ومسلم. والثاني: أن يكون للصحابي راويان، ويروي الحديث عنه أحدهما، ثم يكون لهذا الراوي راويان، ويروي الحديث عنه أحدهما، وكذلك لكل واحد ممن يروي ذلك الحديث راويان، فيكون الغرض من هذا الشرط تزكية الرواة، واشتهار ذلك الحديث بصدوره عن قوم مشهورين بالحديث. والنقل عن المشهوربن بالحديث والرواة، لا أنه صادر عن غير مشهور بالرواية، والرواة، والأصحاب (¬3). وأشار إلى ذلك البيهقي بقوله (¬4): إن البخاري ومسلمًا لم يخرجا في الصحيحين حديث الصحابي أو التابعي إذا لم يكن له إلا راو واحد. ¬

_ (¬1) شرح البيضاوي للمصابيح (3/ 1). (¬2) ص 37. وقال: وقد صرح بنحو ما قلت من هو أمكن منه في الحديث وهو أبو حاتم ابن حبان البستي. (¬3) جامع الأصول (1/ 162). (¬4) السنن الكبرى (4/ 105).

تسمية البغوي لكتابه

وذكر مثله أبو علي الجياني كما نقله عنه القاضي عياض (¬1). وقال أبو عبد الله ابن المواق متعقبًا الجياني وعياضا بأن هذا الحمل ليس بينًا ولم يصرحا به (¬2). والذي يظهر -والله أعلم- أن الشيخين لم يصرحا بما سبق ذكره، وواقع كتابيهما لا يؤيد ذلك لأن أول حديث في صحيح البخاري وهو "إنما الأعمال بالنيات" وآخر حديث فيه "كلمتان خفيفتان" وهما فردان غريبان، باعتبار المخرج، بل في الصحيحين ما يزيد على مائتي حديث من الغرائب مما انفرد به الراوي في طبقة من الطبقات. إذًا اشتراط العدد لرواية الحديث عن الراوي أو للرواية المطلقة عنه في أحاديث الصحيحين ليست صحيحة، ويؤيد ما قلت وجود بعض الصحابة الذين أخرج الشيخان لهم ممن ليس له إلا راو واحد (¬3). تسمية البغوي لكتابه إن البغوي لم يذكر تسمية مستقلة لكتابه هذا، إنما وصف أحاديثه بقوله: أما بعد: فهذه ألفاظ صدرت عن صدر النبوة، وسنن سارت عن معدن الرسالة، وأحاديث جاءت عن سيد المرسلين، وخاتم النبيين، هن مصابيح الدجى، خرجت من مشكاة التقوى ........ وهذا مجرد وصف، وليست تسمية، ولذا اختلفت أقوال العلماء في تسميته: فأكثر العلماء اقتصروا على تسميته بالمصابيح منهم: ابن خلكان، وابن الصلاح، والطيبي، وأبو الفداء، والنووي، والذهبي، وزين العرب، والصفدي، والعلائي، والتاج السبكي، والمؤلف، وابن حجر، ¬

_ (¬1) تدريب الراوي (1/ 135). (¬2) تدريب الراوي (1/ 135). (¬3) مثل حديث مرداس الأسلمي عند البخاري (6434) وحديث المسيب بن حزن في الصحيحين البخاري (1360) وفي مسلم (24) مع أنه ليس لهما إلا راو واحد.

مكانة "المصابيح" العلمية

والسيوطي، وابن العماد، والملا علي القاري، وطاش كبري زاده (¬1)، وسماه السخاوي (¬2) والتبريزي (¬3): "المصابيح في الحديث". وسماه الكتاني (¬4) "مصباح السنة". وقد طبع قديمًا في بولاق، ثم طبع حديثًا طبعةً جديدةً محققة باسم: مصابيح السنة، واشتهر بهذا الاسم حتى أصبح عَلَمًا عليه، عند أهل العصر (¬5)، وقد يطلق عليه "المصابيح" اختصارًا. مكانة "المصابيح" العلمية لقد رزق كتاب "المصابيح" حسن القبول من العلماء، فأثنوا عليه وشهدوا بحسن ترتيبه وشمول مادته، وأقبلوا عليه، وقبلوه قبولًا حسنًا، ويبدو أنه رزق القبول لحسن قصد مؤلفه وصدق نيته. قال التبريزي: وكان كتاب المصابيح أجمع كتاب صنف في بابه، وأضبط لشوارد الأحاديث وأوابدها (¬6). وقال المناوي: فإن أجمع المصنفات المختصرات في الأخبار النبوية، وأحسن المؤلفات الجامعات المحمدية، كتاب المصابيح (¬7). وقال الجشتي: طبقت شهرته في الآفاق، واتخذت الأعاجم قراءته ديدنها، ¬

_ (¬1) انظر على الترتيب: وفيات الأعيان (2/ 136)، علوم الحديث 37، الكاشف عن حقائق السنن (1/ 84)، المختصر في أخبار البشر (2/ 229)، التقريب والتيسير 30، سير أعلام النبلاء (19/ 440)، الوافي بالوفيات (13/ 63)، النقد الصحيح 25، طبقات الشافعية الكبرى (4/ 214)، هداية الرواة من طبقات الحفاظ 457، شذرات الذهب (4/ 49)، المرقاة (1/ 10)، مفتاح السعادة (1/ 189)، البضاعة المزجاة 58. (¬2) فتح الغيث (1/ 81). (¬3) شرح مشكلات المصابيح ق 1. (¬4) الرسالة المستطرفة 133. (¬5) انظر: الحديث والمحدثون 431، علوم الحديث لصبحي الصالح 161. (¬6) المشكاة (1/ 3). (¬7) كشف المناهج (1/ 5).

عناية العلماء بالمصابيح

وظنوا أن من قرأه بإمعان، فقد وصل إلى درجة المحدثين. وقال أيضًا: ولا شك أنه لم ير مثله من حيث تنوع أبوابه وجودة ترتيبه، وغزارة مادته في تآليف معاصريه، وكان كتاب المصابيح للقراء كالمثل السائر القائل: "كل الصيد في جوف الفرا" فقد تداولته أيدي النظار، وانثال عليه علماء الأمصار، مطالعة وقراءة، وإقراء، وتلخيصًا، وشرحًا، وتعليقًا، فاشتهر في الأقطار كالشمس في رابعة النهار (¬1). وقال الذهبي: بورك لمؤلفه في تصانيفه، ورزق فيها القبول التام، لحسن قصده وصدق نيته (¬2). عناية العلماء بالمصابيح لقد سبق أن كتاب المصابيح طبقت شهرته في الآفاق، واتخذت الأعاجم قراءته ديدنها، وظنوا أن من قرأه بإمعان فقد وصل إلى درجة المحدثين، ولا شك أنه لم ير مثله من حيث تنوع أبوابه وجودة ترتيبه، وغزارة مادته. ولعل من أسباب قبول العلماء لكتابه هذا هو حسن قصد مؤلفه ونيته الصالحة في تأليفه. فلهذا اعتنى العلماء بكتاب المصابيح تخريجًا وشرحًا وتعليقًا واختصارًا وهذه عناية لم تحصل إلا لكتب معدودة من كتب الحدبث، مما يدل على المكانة التي تبوأها هذا الكتاب بين كتب العلم. أولًا: كتب تخريج أحاديث المصابيح: 1 - كشف المناهج والتناقيح في تخريج أحاديث المصابيح "وهو كتابنا هذا" وسيأتي الكلام عنه مفصلًا. ¬

_ (¬1) البضاعة المزجاة ص 59. (¬2) سير أعلام النبلاء (19/ 441).

ثانيا: الشروح

2 - هداية الرواة إلى تخريج المصابيح والمشكاة، تأليف الحافظ ابن حجر العسقلاني (852 هـ) لخص فيه كتاب المناوي حيث قال في مقدمته: وقفت على تخريج المصابيح لقاضي القضاة صدر الدين محمد بن إبراهيم المناوي، وقد سمعت عليه بعضه، ثم ذكر أن المناوي أطال النفس في التخريج، وتجاوز ذلك إلى بيان الغريب، وربما نقل الخلاف (¬1) وتبرز أهمية هذا الكتاب أنه اشترط على نفسه في مقدمته أن يبين الصحيح، والضعيف، والمنكر، والموضوع، وما سكت عن بيانه، فهو حسن. 3 - تخريج التبريزي في المشكاة. وهو يعتبر تخريجا للمصابيح بالعزو. لأنه قام بعزو كل حديث إلى مُخَرِّجِه. 4 - تخريج المصابيح الذي قام به محققو المصابيح في أربع مجلدات وهم: يوسف مرعشلي، ومحمد سمارة، وجمال الذهبي، وهو مطبوع. ثانيًا: الشروح: للمصابيح شروح كثيرة، منها: 1 - التلويح في شرح المصابيح تأليف أبي الحسن ابن محمد الخاوراني (ت 571هـ) (بروكلمان 6/ 237). 2 - تصحيح المصابيح أو التوضيح في شرح المصابيح تأليف شمس الدين محمد بن محمد الجزري (ت 633 هـ) في 3 مجلدات (كشف الظنون 2/ 1699). 3 - شرح المصابيح تأليف علم الدين أبي الحسن علي بن محمد السخاوي (ت 643 هـ) (كشف الظنون 2/ 1700). 4 - شرح المصابيح تأليف علي بن عبد الله بن أحمد المعروف بزين العرب المعري (ت 650). ذكر له بروكلمان (6/ 236) عشر نسخ خطية وحدَّد أماكن ¬

_ (¬1) هداية الرواة (1/ 57 - 58).

وجودها، وانظر أيضا كشف الظنون (2/ 1698)، (ومنه نسخة كاملة بمكتبة جامعة الإمام برقم 7022 تقع في 509 لوحة). 5 - الميسَّر في شرح مصابيح السنة تأليف شهاب الدين فضل الله بن حسين التور بشتي (ت 661 هـ). طبع في 4 مجلدات، وقد حقق في جامعة الإمام، كلية أصول الدين، في رسائل لنيل درجة علمية. 6 - شرح البيضاوي تأليف ناصر الدين عبد الله بن عمر البيضاوي (ت 685هـ)، ذكر له بروكلمان 6 نسخ خطية وحدد أماكن وجودها (6/ 236)، ومنه نسخة كاملة بجامعة الإمام برقم 3529/ ف وتقع في 493 لوحة. 7 - التلويح في شرح المصابيح تأليف صدر الدين أبي المعالي المظفر العمري (ت 688 هـ) (البضاعة المزجاة 59). 8 - شرح المصابيح تأليف أبي عبد الله إسماعيل بن محمد البقاعي، الملقب بالأشرف البقاعي (ت 715 هـ) (بروكلمان 6/ 236) وكشف الظنون (2/ 1698). 9 - المفاتيح في شرح المصابيح تأليف مظهر الدين الحسين بن محمود الزيداني (ت 727 هـ) (بروكلمان 6/ 236)، وكشف الظنون (2/ 1699). ومنه نسخة مصورة بجامعة الإمام برقم 3752/ف تقع في 325 لوحة. 10 - شرح المصابيح تأليف شمس الدين محمد بن المظفر الخلخالي (ت 745) بروكلمان 6/ 237، وفهرس المجمع الملكي (3/ 1545). 11 - الأزهار في شرح المصابيح من أحاديث سيد الأبرار تأليف يوسف عز الدين الأردبيلي الشافعي (ت 775 هـ). ذكر له في فهرس المجمع الملكي 1/ 170 ثماني نسخ. 12 - شرح المصابيح تأليف غياث الدين محمد بن محمد الواسطي المعروف بابن العاقولي (797 هـ)، بروكلمان (6/ 236) كشف الظنون (2/ 1698).

ثالثا: الاستدراكات والمكملات والحواشي

13 - التجاريح في فوائد متعلقة بأحاديث المصابيح تأليف مجد الدين أبي طاهر محمد بن يعقوب الفيروز آبادي (ت 817 هـ) بروكلمان (6/ 236). هذه أهم الشروح، وقد ذكر محقق المصابيح 43 شرحا للمصابيح (1/ 64 - 73)، وانظر كذلك كشف الظنون (2/ 1698 - 1701). ثالثًا: الاستدراكات والمكملات والحواشي: 1 - مشكاة المصابيح تأليف ولي الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله التبريزي (ت: 741 هـ) أكمل فيه المصابيح وقال في مقدمته: "وكان كتاب المصابيح الذي صنفه الإمام محيي السنة، وقامع البدعة، أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي -رفع الله درجته- أجمع كتاب صنف في بابه، وأضبط لشوارد الأحاديث وأوابدها، ولما سلك طريق الاختصار، وحذف الأسانيد، تكلم فيه بعض النقاد. . . فاستخرت الله تعالى واستوفقت منه، فأعلمت ما أغفله، إلى أن قال: وسردت الكتب والأبواب كما سردها، واقتفيت أثره فيها، وقسمت كل باب غالبا على فصول ثلاثة:. . ."فأضاف التبريزي فصلا ثالثا، وقد بلغت زياداته على البغوي (1511) حديث، (انظر: المرقاة 1/ 10) وقد طبع الكتاب طبعات كثيرة في العالم: ففي بومبائي الهند سنة 1270 هـ وفي دهلي سنة 1300 هـ وفي كلكتة سنة 1319 هـ وفي بطرسبرج سنة 1315 هـ وفي تتارستان بروسيا سنة 1909 م وفي القاهرة 1309 هـ وفي دمشق سنة 1381 هـ، وأخيرا صدر عن المكتب الإسلامي في ثلاثة مجلدات بتحقيق الشيخ/ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- وترجم إلى الإنجليزية، وطبع بكلكتة سنة 1809 م، والأردية باسم: "أنوار المصابيح في شرح وترجمة مشكاة المصابيح ".

وقد اشتهر هذا الكتاب ورزق القبول والعناية، ووصفه بعضهم بأنه "أجمع كتاب في بابه" فأقبل عليه العلماء قراءة وتدريسا وتعليقا وشرحا، ولقد كثر عدد شروحه بحيث لا يتسع المجال هنا لتعدادها، ومنها: أ- الكاشف عن حقائق السنن تأليف الحسين بن عبد الله الطيبي (ت: 743 هـ)، وهو أول شرح للمشكاة، وقد طبع في كراتشي، باكستان، في 12 مجلدا، في عام 1413 هـ. ب- حاشية الجرجاني على المشكاة تأليف الشريف علي بن محمد الجرجاني (ت: 816 هـ) انظر: كشف الظنون (2/ 1700)، البضاعة المزجاة 63، وفهرس المجمع الملكي (2/ 688). ج- شرح غريب المشكاة لجلال الدين السيوطي (ت: 911 هـ) فهرس المجمع (2/ 1000). د- فتح الإله شرح المشكاة تأليف ابن حجر الهيتمي (ت:974 هـ) منه نسخة مصورة في مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى برقم: 277، وتقع في 852 لوحة، البضاعة المزجاة 64. هـ- مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح تأليف الملا علي القاري المكي (ت: 1014 هـ)، وقد طبع قديما في الهند بحاشية المشكاة، وطبع في القاهرة سنة 1309 هـ، ثم طبع في باكستان، وطبع أخيرا سنة 1413 هـ في بيروت. و- لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح تأليف عبد الحق الدهلوي (ت: 1052 هـ)، وبدأت مكتبة المعارف العلمية بلاهور باكستان بطبعه وصدر منه حتى الآن أربعة مجلدات. ز- التعليق الصبيح على مشكاة المصابيح تأليف محمد بن إدريس الكاندهلوي (ت: 1394 هـ)، وقد طبع في لاهور سنة 1354 هـ في سبعة مجلدات.

رابعا: الانتقادات على كتاب المصابيح

ح- مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح تأليف أبي الحسن عبيد الله بن محمد بن عبد السلام المباركفوري (ت: 1414هـ)، ولم يتمه، بل وصل فيه إلى نهاية كتاب المناسك، وطبع من قبل الجامعة السلفية بالهند في تسعة مجلدات، وهناك المجلد العاشر أنجزه المؤلف قبل وفاته ولم يطبع بعد. وغيرها من الشروح، انظر: المجلة السلفية العدد الخامس عام 1398. 2 - تكملة المشكاة المسمى: المنتخب من أنوار المشكاة صنفه معين الملة والدين جنيد الواعظ، وهو عبارة عن فصل رابع أكمل به فصول المشكاة الثلاثة. انظر: كشف الظنون (1/ 1700). 3 - الرحمة المهداة إلى من يريد زيادة العلم على أحاديث المشكاة لأبي الخير نور الحسن خان الحسيني القنوجي البخاري ابن النواب صديق حسن خان، طبع في الهند طبعة حجرية سنة 1301 هـ، بروكلمان (6/ 242). انظر: مقدمة المصابيح للمرعشلي، ومقدمة الميسّر في شرح المشكل من مصابيح السنة للتوربشتي (من أول المناسك إلى نهاية الجهاد) للدكتور/ إبراهيم الناصر. 4 - تنقيح الرواة في تخريج أحاديث المشكاة تأليف أبي الوزير أحمد حسن الدهلوي (ت 1338 هـ) ومات قبل أن يتمه، ثم أكمله بعد وفاته تلميذه: أبو سعيد محمد شرف الدين (ت: 1381هـ)، وهو تخريج مع شرح مختصر، وقد طبع في أربعة أجزاء، عن المجلس العلمي السلفي، باكستان. رابعا: الانتقادات على كتاب المصابيح: استخرج الحافظ سراج الدين عمر بن علي القزويني (ت:748 هـ)، تسعة عشر حديثا من المصابيح، وعدها موضوعة، اعتمادا على ذكر الحافظ ابن الجوزي لها في كتابه "الموضوعات"، ودافع الحافظ صلاح الدين أبو سعيد العلائي (ت: 761 هـ) عن هذه الأحاديث، وتكلم عليها بما يقوي حالها، ويرفعها عن ما رماها به ابن

الجوزي والقزويني، في جزء سماه: "النقد الصحيح لما اعترض عليه من أحاديث المصابيح" وقد طبعت أجوبة العلائي مرتين: الأولى بتحقيق الدكتور/ عبد الرحيم القشقري، ثم بتحقيق الشيخ/ محمود سعيد. ثم أجاب الحافظ ابن حجر (ت: 852 هـ) عن هذه الأحاديث التي رميت بالوضع، وزاد عليها حديثا واحدا، وقد طبعت أجوبة الحافظ ابن حجر في آخر شرح المشكاة للطيبي كما طبعت في آخر كتاب المشكاة بتحقيق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- وفي طبعة المرعشلي للمصابيح. انظر المصدرين السابقين. وألحقت تلك الأجوبة في آخر الكتاب.

دراسة عن كتاب: "كشف المناهج والتناقيح في تخريج أحاديث المصابيح"

دراسة عن كتاب: "كشف المناهج والتناقيح في تخريج أحاديث المصابيح" اسم الكتاب ونسبته إلى المؤلف - سمى المناوي كتابه هذا بـ "كشف المناهج والتناقيح في تخريج أحاديث المصابيح" كما ذكر ذلك في مقدمة الكتاب. - سماه بهذا الاسم كل من ترجم له، إلا الذي ورد في "الضوء اللامع": كشف المناهي والتناقيح .. " ويبدو أنه خطأ من الناسخ. - كما أن هذا العنوان هو الذي أثبت على الصفحات الأولى من المخطوطات للكتاب. - ذكره صاحب كشف الظنون (2/ 1701). - نسبته إلى المؤلف ثابتة بدون أدنى شك، ويدل على ذلك: إسناده في الكتاب تحت حديث رقم (131)، ورقم (139)، وكذلك برقم (4004) وإحالته إلى كتابه فقال تحت حديث رقم (1472): "وقد أوضحت ذلك في فرائد الفوائد". ونقول العلماء من كلام المؤلف من هذا الكتاب موجودة فيه، كما سأذكر ذلك في اعتماد المتأخرين عليه. سبب تأليف الكتاب ذكر المناوي في مقدمة كتابه أسباب تأليف هذا الكتاب فقال: "فإن أجمع المصنفات المختصرات في الأخبار النبوية، وأحسن المؤلفات الجامعات للآثار المحمديةكتاب "المصابيح" ... وهو الكتاب الذي عكف عليه المتعبدون وانشغل بتدريسه الأئمة المعتبرون وأقر بفضله وتقديمه الفقهاء المحدثون وقال بتمييزه الموافقون والمخالفون، لكنه لطلب الاختصار لم يذكر كثيرا من الصحابة رواة الآثار، ولا تعرض

وصف النسخ المعتمدة في التحقيق

لتخريج تلك الأخبار، بل اصطلح على أن جعل الصحاح هو ما في الصحيحين أو أحدهما، والحسان ما ليس في واحد منهما، والتزم أن ما كان من ضعيف نبه عليه، وأن ما كان منكرا أو موضوعا لم يذكره ولا يشير إليه، فوقع له بعد ذلك أن ذكر أحاديث من الصحاح وليست في واحد من الصحيحين، وأحاديث من الحسان وهى في أحد الصحيحين، وأدخل في الحسان أحاديث ولم ينبه عليها وهي ضعيفة واهية، وربما ذكر أحاديث موضوعة في غاية السقوط متناهية، فجعلت موضوع كتابي هذا لتخريج أحاديثه ونسبة كل حديث إلى مخرجه ... وصف النسخ المعتمدة في التحقيق نسخ مخطوطة كتابنا هذا كثيرة متناثرة في مكتبات العالم، ولما كان غرض المحقق جمع أكبر عدد من المخطوطات والإطلاع عليها، ليختار ما يحقق عنه النص، فقد سعيت وبذلت جهدي للوصول إلى ما يمكن من هذه النسخ. وبعد جولة في هذه النسخ اخترت نسخة واحدة وهي الوحيدة الكاملة التي جعلتها أصلا للتحقيق. تحتفظ بأصلها مكتبة برلين برقم: 493، وتقع في مجلدين كبيرين: المجلد الأول: وعدد أوراقه: 381 ورقة، وكل ورقة تتألف من وجهين، وعدد الأسطر في كل وجه 23 سطرًا، وهو مكتوبٌ بخط نسخي واضح، وكتب في آخره: آخر الجزء الأول ويتلوه في الثاني إن شاء الله كتاب الإمارة والقضاء، من الصحاح، وحليت هذه النسخة بحواشٍ كثيرة، وفوائد هامة، وغالبها تكملة وتتمات، تكمل عبارات المؤلف أو تشرحها، وزيادات لها ارتباط وتعلق بأصل الشرح. أما المجلد الثاني: فيقع في: 250 ورقة، في كل صفحة 29 سطرا، واختلف خط هذا المجلد، ففي البداية نسخي واضح كالمجلد الأول ثم نستعليق ثم نسخي وهكذا إلى أن انتهى المجلد.

هذه النسخة منقولة عن نسخة المؤلف، وقد قرئت على المؤلف لأنها نسخت في حياته، فقد ختمت بما يلي. قال مصنفه سيدنا ومولانا قاضي قضاة المسلمين واحد زمانه ملك العلماء بالديار المصرية أعز الله به الدين ونفع به المسلمين أبو عبد الله محمد السلمي الشافعي: هذا آخر ما وفق الله الكريم من تخاريج أحاديث المصابيح على سبيل الاختصار والإيجاز، ولله الحمد وبه التوفيق ولا حول ولا قوة إلا بالله ... ثم قال: وكان الفراغ منه في أول يوم من جمادى الأولى سنة 794، أحسن الله خاتمتها، جعله الله خالصا لوجهه ونفعنا بذلك إنه حسبنا ونعم الوكيل، ثم قال الناسخ: وكان الفراغ من هذه النسخة يوم الأحد المبارك، بعد صلاة الظهر عشري شهر الله المحرم سنة 797، والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، حسبنا الله ونعم الوكيل. وهذه النسخة منقولة عن نسخة المؤلف وقرئت وقوبلت على المؤلف أيضا، وأثبتت المقابلة في مواضع كثيرة من المخطوط، انظر على سبيل المثال: ورقة: 125/ أوردت عبارة صريحة بقوله: بلغ قراءة على المصنف سلمه الله. وورقة: 63، 64، 65/ 2، وأحيانا كما في ورقة: 50/ ب: بلغ قراءة على الشارح سلمه الله. وقد حصل في المجلد الثاني تقديم وتأخير في بعض الصفحات. وكتب على هامش النسخة بإزاء كل حديث اسم الصحابي، صاحب الحديث. 2 - : نسخة مصورة من المكتبة السليمانية برقم 288، وهذه المخطوطة من أول الكتاب إلى نهاية: باب بيان الخمر ووعيد شاربها. وخطها نسخي جميل، كتبت عناوينها بخط كبير، وعدد أسطر كل صفحة 21 سطرا، وعدد أوراقها 435 ورقة. وكتب اسم الصحابي راوي الحديث إزاء كل حديث في هامش النسخة، وكتبت هذه النسخة في القرن الثامن، كتبها أحمد بن محمد بن عثمان الخطيب الطوخي السُّعودي.

3 - : نسخة مصورة في الجامعة الإسلامية تحت رقم 595، وتقع في 246 ورقة، وفي كل صفحة 27 سطرا، سقطت صفحتان تقريبا من أول الكتاب، إلى نهاية: باب حرم المدينة، وفي صفحة العنوان ختم كتب في داخله "مدرسة المحمودية في المدينة المنورة"، وكتب على الوجه الأول اسم الكتاب واضحا، وكتب في آخره: آخر الجزء الأول من شرح المصابيح يتلوه .... وكان الفراغ منه في يوم الخميس الثاني من شعبان المكرم سنة ... 4 - : نسخة مصورة عن نسخة أصلية تحتفظ بها مكتبة جامعة الملك عبد العزيز برقم: 142، وعدد أوراقها: 205، وأسطر كل صفحة 29 سطرا، وهي من أولها إلى نهاية كتاب اللعان فقط. وكتبت النسخة بخط نسخي جيد، وعلى هامش النسخة بلاغات مقيدة بعنوان: بلغ قراءة عليّ، أو بلغت القراءة عليّ، بدأت هذه القراءات وتحتها رقم واحد ثم تسلسلت هذه البلاغات حتى انتهت ببلاغ رقم 63، وبه ينتهي القسم ويدل هذا على عدد مجالس البلاغات. وهي بخط: صالح بن الصديق النمازي الخزرجي الأنصاري (ت: 975 هـ) انظر ترجمته في: البدر الطالع (1/ 284)، وانتهى من كتابتها في شهر ربيع الأول من سنة: 953 هـ وفي نهايتها توقيع الناسخ. اتضح مما سبق أن هناك أكثر من نسخة جيدة للكتاب، لكنها قطع غير كاملة، والنسخة الكاملة الوحيدة التي اخترتها نسخت في حياة المؤلف وقد قرئت عليه بكاملها وكل هذا مثبت على هامشها. فلأجل ذلك كان اعتمادي في التحقيق على هذه النسخة وقد اتخذتها أصلا، وعند وجود كلمة مطموسة أو غير واضحة اضطررت إلى الرجوع إلى بقية النسخ لإثبات الكلمة المطموسة أو التأكد من الكلمة التي لم أتبينها، وقد قابلت ما نسخته عن النسخة الأصلية على بقية النسخ فوجدته مطابقا لما في الأصل، ولم أجد مغايرات ذات

منهج المؤلف في الكتاب

أهمية تحوج إلى إثباتها أو التنبيه عليها، لذلك اكتفيت بإثبات نص النسخة الأصلية وطرّقت احتمال كون النسخ التي قابلت عليها فروعا لهذه النسخة أو منقولة عن نسخة قريبة من النسخة الأصلية. منهج المؤلف في الكتاب مما يتميز به هذا الشرح على غيره من شروح المصابيح، اهتمامه بالجانب الحديثي بخلاف معظم شروح المصابيح مما اطلعت عليها فليس فيها اهتمام بهذا الجانب، وقد بين المؤلف منهجه فقال: "فجعلت موضوع كتابي هذا لتخريج أحاديثه ونسبة كل حديث إلى مخرجه من أصحاب الكتب الستة: صحيحي البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، إن كان فيها أو في شيء منها، وربما أضيف إليها غيرها. فإن لم يكن الحديث في شيء من الكتب الستة خَرّجته من غيرها، كمسند الشافعي وموطأ مالك ومسند الإمام أحمد ومسند الدارمي وأبي يعلى الموصلي وسنن الدارقطني وسنن البيهقي وشعب الإيمان له ودلائل النبوة له، وصحيح ابن حبان البستي ومستدرك الإمام أبي عبد الله الحاكم، وغير ذلك من مسانيد الأئمة المعتبرين والعلماء المتقدمين. وأبيّن الصحيح، والحسن، والضعيف، والمسند، والمتصل، والمرفوع، والموقوف، والمقطوع، والمنقطع، والمعضل، والمرسل، والشاذ، والمنكر، والغريب، والعزيز، والمشهور، والمعلل، والمضطرب، والموضوع، والناسخ، والمنسوخ. وأبيّن جرح رواته، وتعديلهم، من كلام أئمة الجرح والتعديل وأذكر اسم الصحابي الراوي وربما أذكر غيره من رواته لأمر اقتضى ذلك، وأضيف توثيق كل راو أو تجريحه، إلى من وثقه، أو جَرّحه، وكل حديث إلى من رواه، وفي أي باب أخرجه، ليسهل مراجعة أصوله، مع شريطة الاختصار، فإن الإطالة تورث السآمة.

أولا: عنايته بعلل الحاديث

وإذا كان الحديت في الصحيحين، أو في أحدهما، عزوته إليه، وجعلت تخريج غيره كالنافلة عليه، وما ليس في واحد من الصحيحين، إن صححه إمام معتبر أو ضعفه اكتفيت بنقل تصحيحه أو تضعيفه عنه. وإن لم أقف على تصحيح لذلك الحديث ولا تضعيف، فإن كان في أبي داود وسكت عليه فهو صالح للاحتجاج فأنسبه إليه، وأقول إِنه سكت عليه ليعلم الناظر أنه صالح للاحتجاج، لأنه قد جاء عنه أنه يذكر الصحيح وما يشبهه ويقاربه وما كان فيه وهن شديد بينه وما لم يذكر فيه شيئًا فهو صالح. وإن لم يكن الحديث في أبي داود، ولم يصححه إمام، ولا ضعفه، اعتبرت سنده وتكلمت على رجاله وكشفت حال من يحتاج الحديث إلى كشفه، وحيث أقول رواه الثلاثة فهم: أبو داود والترمذي والنسائي، وحيث أقول رواه الأربعة فهم: مع ابن ماجه، وحيث أقول رواه الجماعة فهم: مع البخاري ومسلم وقد أتعرض إلى ضبط ألفاظ الحديث إذا كان يحتاج إلى ذلك، وكذلك اسم الراوي، وأتعرض أيضًا إلى ذكر فوائد مهمات وإلى تنبيهات كالتتمات، وإلى بيان أوهام وقعت لبعض أصحاب الروايات" (¬1). وقد برزت في منهجه السمات التالية: أولًا: عنايته بعلل الحاديث اعتنى المناوي كثيرا بكشف علل الأحاديث، فقد تكلم على علل الأحاديث كثيرا ومنها: الاختلاف على الراوي، والاختلاف بين الرواة في الضبط والحفظ، والاختلاف في الرفع والوقف، وغيرها من أنواع العلل انظر على سبيل المثال: 220، 296، 285، 328،352، 361، 363، 374، 384، 443، 1027، 1156، 1254، وغيرها. ¬

_ (¬1) انظر: مقدمة كشف المناهج (7).

ثانيا: حكمه على الأحاديث

كما اهتم كثيرا باختلاف الروايات والترجيح بينها وبيان فروق النسخ، انظر على سبيل المثال: 3، 139، 296، 328، 374، 384، 443، 1192، 1254 وغيرها. ثانيا: حكمه على الأحاديث حكم المؤلف كثيرا على الأحاديث الواردة خاصة في قسم الحسان، ومن أقواله في بيان درجة الأحاديث الضعيفة: في إسناده مقال، منقطع الإسناد، إسناده منكر، في إسناده مجاهيل، في إسناده اضطراب، إسناده ضعيف، في إسناده رجل مجهول، وصيغ أخرى. أما في بيان درجة الأحاديث المقبولة فمن قوله: إسناده جيد، وسنده حسن، بسند صحيح، وعبارات أخرى. انظر على سبيل المثال: 171، 177، 191، 218، 220، 238، 249، 349، 352، 369، 513، 551، 714، 937، 969، 1091، 1092، 1129، 1140، 1286، 1775، 1756، 1809، 2812، 2875، 2959، 2997، 4353. وأحيانا ينقل حكم أحد الأئمة على الحديث تصحيحا أو تضعيفا ويكتفي به، ويعقب على حكمهم أحيانا كقوله بعد قول الترمذي: حديث حسن صحيح) وفي سنده عبد الأعلى بن عامر فكيف يصححه الترمذي؟ وكقوله: رواه ابن ماجه، ورواه في شرح السنة، وسند ابن ماجه جيد. وكقوله أيضا: وأما حديث أبي داود هذا فمنقطع. انظر مثلا: 81، 240، 177. وقد يذكر شواهد لتصحيح الحديث، وقد يوردها من نفس أحاديث المصابيح، وغالبا يوردها من خارج أحاديث المصابيح، ويقول في مثل ذلك: فإن له شاهدا بإسناد صحيح، له شاهد صحيح من رواية فلان، وقد يقول: "فتلخص أن الحديث ضعيف"، انظر على سبيل المثال: 333، 369، 1025، 1121.

تعريفه بالرواة وبيان أحوالهم

تعريفه بالرواة وبيان أحوالهم: أ- اعتنى المناوي بتعريف الرجال بما يقتضيه المقام، فيعرّف براوي الحديث من الصحابة، ويذكر جوانب من أحواله، وهذا كثير انظر على سبيل المثال: 529، 824، 924، 940، 1233، 1284، 1792، 2871. ب- بيانه للمبهم في المتن والإسناد: انظر على سبيل المثال: 544، 1192، 2868، 4762، 4103، وغيرها. ج- كلامه عن الرواة جرحا وتعديلا: فهو يحكم عليهم، ويضبط أسمائهم، أو ينقل فيهم أقوال أئمة الجرح والتعديل، أو يرجح بين الأقوال في حالة تعارض الجرح والتعديل، مثال ذلك: وسهل بن معاذ ضعيف، أبو الشمال مجهول، وأبو يحيى هذا لم ينسب فيعرف حاله، إبراهيم الواسطي منكر الحديث، في إسناده بقية بن الوليد والوضين بن عطاء وفيهما مقال، وفي سنده جعفر بن ميمون وليس بالقوي، ومثله كثير جدا، انظر على سبيل المثال: 79، 97، 136، 145، 157، 218، 262، 463، 544، 509، 937، 1078، 1206، 1756، 2997، 133، 216، 244، 303، 373، 961، 220، 245، 1225، وغيرها. عنايته بترتيب الحديث: اعتنى المناوي كثيرا بشرح الألفاظ الغريبة الواردة في الأحاديث، معتمدا في ذلك على كتب غريب الحديث، واللغة، وهذه ميزة لهذا الكتاب، فإنه نادرًا ما يترك غريبا إلا ويشرحه، انظر على سبيل المثال: 92، 96، 109، 111، 260، 536، 571، 1275، 1277، 1781، 2886، 2952، وغيرها.

عنايته بضبط ألفاظ الحديث النبوي

عنايته بضبط ألفاظ الحديث النبوي: انظر على سبيل المثال: 1، 15، 174، 329، 341، 529، 555، 624، 1105، 1257، 4461، وغيرها. عنايته بفقه الحديث: قلت مما يتميز به هذا الكتاب اعتناؤه بفقه الحديث وبالمسائل الفقهية التي فيها خلاف بين المذاهب، فتناولها بأسلوب جيد، وعلق عليها بما يسهل الاستفادة ويوضح المراد، انظر على سبيل المثال: 79، 111، 227، 311، 324، 343، 531، 546، 556، 571، 1252، 1258، 1274، 1820، 2507، وغيرها. اعتماده على أصول مقروءة على الحفاظ، ومقابلته بين النسخ: اعتماد المؤلف على النسخة المسموعة على المؤلف من "المصابيح" كما أنه اعتمد في التخريج على الكتب المقروءة على مؤلفيها، واستفاد من أكثر من رواية لبعض الكتب وبين الفروق بين تلك الروايات، كقوله: "تنبيه: قولي أن هذا الحديث رواه مسلم، تبعت فيه عبد الحق في الجمع بين الصحيحين والمزي في الأطراف، ولم أره في نسخة سماعنا، وما كنت أعلم كيف سقط من نسخة السماع، إلى أن وقفت على قول النووي: هذا الحديث وجد في رواية أبي العلاء بن ماهان لأهل المغرب ولم يوجد في نسخة بلادنا من رواية عبد الغافر بن محمد الفارسي، فعلمت أنه إنما سقط في نسخة السماع لأنني أروي مسلما من طريق عبد الغافر بن محمد الفارسي، ولكن قد رواه المصنف في شرح السنة عن مسلم من طريق عبد الغافر وأظنه وهم". وكقوله: "ذكر أبو مسعود الدمشقي في تعليقه أن مسلما أخرجه بهذا اللفظ، كذا نقله عن أبي مسعود الدمشقي الحميدي وتبعه المزي في الأطراف ولم أر هذا الحديث في

تعقبه للبغوي في إيراده بعض الأحاديث في قسم "الصحاح" أو "الحسان"

مسلم في نسخة سماعنا ولا في النسخ التي وقفت عليها ببلادنا، ولا ذكره عبد الحق في جمعه بين الصحيحين، بل الذي في مسلم لفظ الحديث الذي قبله كما بينا، والله أعلم". وقوله: "ووقع في المصابيح: جابر بن سمرة في النسخ المسموعة على المصنف وهو وهم أو غلط من الناسخ .. " وقوله: "ولا هذا الحديث في نسخة سماعنا من أبي داود وذكره المزي في الأطراف فيما استدركه على أبي القاسم". وقال أيضًا: "فإني لم أرها في نسخة سماعي، وإن كان معناها صحيح". انظر: 37، 109، 127، 648، 785، 1064، 1138، 1253، 3399، 3490، وغيرها. تعقبه للبغوي في إيراده بعض الأحاديث في قسم "الصحاح" أو "الحسان": تعقب المؤلف البغوي كثيرا، فتراه يقول: "فكان من حق المصنف أن يذكره في الصحاح، ولهذا لما ذكره المنذري في مختصر سنن أبي داود عزاه للشيخين". وكقوله: "هذه الرواية لم أرها في الصحيحين ولا في أحدهما ورواها أبو داود .. إذا علمت ذلك فكان من حق الشيخ ألا يذكر هذه الرواية في الصحاح لأنها ليست في شيء من الصحيحين ولا صحت على شرط واحد منهما". وقال أحيانا: "فكان من حق المصنف أن يذكره في الصحاح لا في الحسان". وقال أيضا: "فركّب الشيخ من رواية الشيخين هذا اللفظ من حديثين لأنه قصد حكاية الواقعة .. ولم يضف إلى رواية صحابي بعينه فليتنبه لذلك فإنه مهم". وغيرها، انظر على سبيل المثال: 260، 293، 367، 571، 657، 833، 1030، 1034، 1166، 1200، 2846، 3150، 4532، 4539، 4724، وغيرها. بيانه لبعض أوهام العلماء: لا شك أن المناوي وجد أمامه مكتبة حديثية هائلة اطلع عليها، وتظهر سعة اطلاعه وقابليته للنقد في بيان أوهام العلماء والمصنفين السابقين، فقد كشف في مواضع كثيرة عن أوهام وأخطاء وقع فيها علماء كبار ثم صححها، وأبرز العلماء الذين

استدرك عليهم أخطاءهم هم: الحاكم، وابن الأثير، وابن دقيق العيد، والمجد ابن تيمية، ومحب الدين الطبري، والمنذري، والذهبي، وغيرهم. فيقول كثيرا: "ذكر الحاكم هذا الحديث فيما استدركه على الصحيحين من حديث الليث وهو وهم، فإنه ثابت في مسلم كما بينته والعجب من تقرير الذهبي له على ذلك في تلخيصه". وكقوله كذلك: "وصححه الحاكم وأقره الذهبي، في مختصر المستدرك على تصحيحه، وفي ذلك نظر، فإن في سند أبي داود والحاكم فلانًا". وقوله: "ومن العجب استدراك الحاكم هذا الحديث في المستدرك بهذا السند، وأعجب منه سكوت الذهبي على ذلك". وكقوله: "ذكر الحاكم هذا الحديث في المستدرك وقال: على شرط مسلم، واعترض عليه الذهبي بأن العلاء بن خالد الكاهلي هو راويه عن .. قال: والعلاء كذبه أبو سلمة التبوذكي، انتهى، ثم قال: وهذا وهم من الإمامين، أما الحاكم فوهم فيما استدركه على مسلم، والحديث ثابت في صحيح مسلم، وأما الذهبي فأقره واعترض بطعنه في العلاء وقد رواه مسلم من حديث العلاء عن سفيان كما رواه الحاكم، والله أعلم". وقال أيضا: "ذكر الذهبي شعيب بن رزيق هذا في الكاشف وعلم عليه علامة أبي داود خاصة، وهو وهم فإن الترمذي روى له ولم يرو له أبو داود، إلا في كتاب الرد على القدرية .. ". انظر على سبيل المثال: 457، 625، 743، 2959، 4208،4463، 4816، وغيرها كثير. ويقول: "قال ابن الأثير في جامع الأصول: رواه الشيخان، وما قاله الظاهر أنه وهم، فإنني تصفحت عن أنس "كان ربعة من القوم" فلم أقف عليها في مسلم، بل هي رواية البخاري، ولذلك قال الإمام عبد الحق أن رواية: "كان ربعة من القوم" من زيادات البخاري على مسلم". وقوله: "وقد وهم ابن الأثير في جامع الأصول حين ذكر الحديث في باب الكبائر فجعل ... ". وأيضا: "وعزاه ابن الأثير لمسلم أيضا، والظاهر أنه وهم لأن الذي في مسلم من حديث سهل". انظر: 33، 291، 531، 690، 2920، 4532، 4572، وغيرها.

وقال: "ذكر صاحب العمدة الحديث وذكر فيه لفظة "ثلاثا" ولم ينبه على أنها من أفراد مسلم عن البخاري، وكان من حقه أن ينبه على ذلك". انظر مثلا: 265، وغيرها. وقال: "ذكر في المنتقي حديث ابن عمر هذا، وعزاه للجماعة كلهم، وهو وهم فإنه ليس في أبي داود". انظر: 371، وغيرها. وقال: "ذكر الشيخ محب الدين الطبري في "أحكامه" هذا الحديث من رواية أبي سعيد وقال فيه: أخرجه السبعة يعني أصحاب الكتب الستة وأحمد وهذا عجب منه، كيف يجعل الحديث في الصحيحين وليس هو كذلك، بل ولا هو حديث صحيح بل ضعيف كما بيناه، وهذا وهم فاحش نبهت عليه، لا يغتر به الناظر في كلامه، فاعلم ذلك". وقال أيضا: "وقد وهم الطبري فجعل حديث عائشة بهذا اللفظ رواه الشيخان وأصحاب السنن وليس كذلك، بل الذي رواه الجماعة حديث الأسود عن عائشة بمعناه". وكثيرا ما يقول: "ووهم الطبري فعزاه لمسلم أيضا". ويقول أيضا: وقد عزى الشيخ محب الدين الطبري هذا الحديث للنسائي خاصة، وهو قصور، فإن الحديث في الصحيحين بهذا اللفظ". انظر على سبيل المثال: 240، 325، 571، 573، 2318، 2319، 2345، وغيرها. وقال: "وقد وهم الحافظ المنذري فنسب الحديث إلى رواية مسلم دون البخاري وليس كذلك". انظر مثلا: 3658، وغيرها. وسائر هؤلاء الأعلام من المتضلعين في الحديث ورجاله، وبالطبع فلن يقدح فيهم أن يخطئوا فحسبهم أن أخطائهم أمكن حصرها وعدها عليهم، لكن مما يعلي من شأن المناوي وعلمه أن يتفطن لهذه الأخطاء ويصححها، وهذا يدل على سعة اطلاعه، لأن معرفة ذلك تقتضي الإحاطة بسائر الروايات وألفاظها وأسانيدها ومخرجيها.

اهتمام العلماء بهذا الكتاب واستفادتهم منه

اهتمام العلماء بهذا الكتاب واستفادتهم منه: حوى هذا الكتاب كثيرا من الفوائد العلمية التي جعلت العلماء يهتمون به وينهلون منه ومن أبرزها أربع فوائد: 1 - شرح الغريب، حيث لا يكاد يخلو حديث من وجود شرح لغريب، ولذا صار مرجعا في شرح غريب كتاب المصابيح. حتى إن تلميذه الحافظ ابن حجر نقل عنه في الفتح (11/ 71)، وعبد الرؤف المناوي في الفيض: 2/ 268. 2 - ضبط وتحرير لفظ الحديث، فلقد عُني المؤلف بذلك عناية بالغة، فنقل عنه عبد الرؤف المناوي كثيرا في كتابه "فيض القدير شرح الجامع الصغير" فانظر مثلا: 3/ 255، 6/ 283. 3 - الدقة في عزو الحديث، مما جعل عبد الرؤف المناوي يعتمد عليه كثيرا في عزو الحديث فانظر مثلا: 2/ 267: قال: فقد عزاه الصدر المناوي للأربعة، وفي: 2/ 360 قال عبد الرؤف: كلام المصنف صريح في أن الجماعة كلهم رووه، ورأيت الصدر المناوي استثنى منهم ابن ماجه. وانظر: 2/ 576، 5/ 74، 5/ 144، 5/ 195، 6/ 390، 6/ 414، 6/ 461 وغيرها. 4 - ظهرت في الكتاب شخصية المؤلف من خلال كثرة أحكامه على الأحاديث، مما جعل المصنفين بعده ينقلون حكمه ويعتمدونه ومنهم الحافظ عبد الرؤف المناوي في فيض القدير، إذ بلغ عدد الأحاديث التي نقل فيها كلامه في فيض القدير أكثر من مائة حديث وجعل كلامه حجة في الحكم على الحديث أو على الرواة، انظر على سبيل المثال: 1/ 89، 32، 269، 2/ 15، 25، 185، 376، 3/ 43، 331، 335، 504، 4/ 222، 433، 5/ 93، 100، 144، 191، 229، 401، 467، 495، 509، 6/ 7، 82، 105، 127، 200، 300، 332، وغيرها من المواضع.

عملي في الكتاب

هذا ومن أبرز من اهتم بالكتاب تلميذه الحافظ ابن حجر فلخص هذا الكتاب الذي طبع أخيرا باسم: "هداية الرواة إلى تخريج أحاديث المصابيح والمشكاة". عملي في الكتاب: - قمت بعزو كل الأحاديث إلى مظانها من كتب الصحاح والسنن والمعاجم والمسانيد وغيرها التي يشير إليها المناوي، حيث قمت بذكر رقم الحديث فقط، ورقم الجزء والصفحة إن لم يوجد له رقم. - قمت بعزو النصوص والاقتباسات إلى الكتب التي نقل منها المؤلف، خاصة عند تصريح المؤلف بالصدر الذي نقل منه، فإن لم يصرح اجتهدت في معرفة ذلك. - ترجمت للرجال الواردين في النص، فإن كانوا من رجال الكتب الستة، فالاعتماد في ذلك على "تقريب التهذيب" للحافظ ابن حجر غالبا، وأضيف إليه "تهذيب الكمال" أحيانا، وإن لم يكونوا من رجال الكتب الستة فإنني أنقل أقوال العلماء فيهم من كتب الجرح والتعديل التي بين يدي، وأحيانا لا أترجم للبعض، استنادا إلى توسّع المؤلف في أقوال العلماء فيهم جرحا وتعديلا بل أَكتفي بذكر المراجع للترجمة. قمت بتخريج الأحاديث التي جاءت عرضا أثناء النص. - بالنسبة للأحاديث التي لم يحكم المناوي عليها، حاولت جاهدا أن أجد حكما عليها لعلماء هذا الشأن، واعتمدت غالبا كلام الشيخ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- بل حاولت أن أذكر حكمه على جميع الأحاديث خاصة من قسم الحسان. - ما كان من زيادة ضرورية في النص مما أراه ساقطًا من الأصل جعلتها بين معقوفتين. - قمت بضبط الكلمات التي تحتاج إلى ضبط بالشكل.

- عرفت بالأماكن والبلدان الواردة في النص، تاركا من ذلك المشهور .. - تعقبت المؤلف فيما ذكره من تأويلات بعض النصوص العقدية التي قد لا يسلم له بها، مبينا فيها الحق والصواب من أقوال علماء السلف. كما في الحديث رقم: 4424، 2803، 4469، وغيرها. هذا وأسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ينفعني بعملي هذا حيًّا وميتًا، وأن ينفع به عباده إنه سميع قريب، وصلى الله على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

صفحة العنوان من النسخة المعتمدة

الورقة الأولى من النسخة المعتمدة

الورقة الأخيرة من النسخة المعتمدة (الجزء الأول)

الورقة الأخيرة من النسخة المعتمدة (الجزء الثاني)

صفحة العنوان من النسخة الثانية

الورقة الأولى من النسخة الثانية

الورقة الأخيرة من النسخة الثانية

صفحة العنوان من النسخة الثالثة

الورقة الأخيرة من النسخة الثالثة

الورقة الأولى من النسخة الرابعة

الورقة الأخيرة من النسخة الرابعة

[مقدمة المصنف]

بِسمِ اللهِ الرَحمنِ الرَحِيمِ الحمد لله كاشف مصابيح الهدى، وجاعلها نجاة لمن استضاء بها واهتدى، الذي هدى قلوب أوليائه باقتفاء آثار نبيه المصطفى، ورسوله المجتبى صلى الله عليه وعلى آله أهل البر والوفاء، صلاة دائمة إلى يوم العرض والجزاء. أما بعد: فإن أجمع المصنفات المختصرات في الأخبار النبوية، وأحسن المؤلفات الجامعة للآثار المحمدية، كتاب "المصابيح" جمع العلامة الإمام أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي، شكر الله مسعاه، وجعل الجنة مثواه. وهو الكتاب الذي عكف عليه المتعبدون واشتغل بتدريسه الأئمة المعتبرون وأقر بفضله وتقديمه الفقهاء المحدثون وقال بتمييزه الموافقون والمخالفون. لكنه لطلب الاختصار لم يذكر كثيرًا من الصحابة رواة الآثار، ولا تعرض لتخريج تلك الأخبار، بل اصطلح على أن جعل الصحاح هو ما في الصحيحين أو أحدهما، والحسان ما ليس في واحد منهما. والتزم أن ما كان من ضعيف نبّه عليه، وأن ما كان منكرًا أو موضوعًا لم يذكره ولا يشير إليه، فوقع له بعد ذلك أن ذكر أحاديث من الصحاح وليست في واحد من الصحيحين، وأحاديث من الحسان وهي في أحد الصحيحين وأدخل في الحسان أحاديث ولم ينبه عليها وهي ضعيفة واهية، وربما ذكر أحاديث موضوعة في غاية السقوط متناهية. فجعلت موضوع كتابي هذا لتخريج أحاديثه ونسبة كل حديث إلى مخرجه من أصحاب الكتب الستة: صحيحي البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، إن كان فيها أو في شيء منها، وربما أضيف إليها غيرها،

فإن لم يكن الحديث في شيء من الكتب الستة خَرّجته من غيرها، كمسند الشافعي وموطأ مالك ومسند الإمام أحمد ومسند الدارمي وأبي يعلى الوصلي وسنن الدارقطني وسنن البيهقي. وشعب الإيمان له ودلائل النبوة له، وصحيح ابن حبان البستي ومستدرك الإمام أبي عبد الله الحاكم، وغير ذلك من مسانيد الأئمة المعتبرين والعلماء المتقدمين، وأبيّن الصحيح، والحسن، والضعيف، والمسند، والمتصل، والمرفوع، والموقوف، والمقطوع، والمنقطع، والمعضل، والمرسل، والشاذ، والمنكر، والغريب، والعزيز، والمشهور، والمعلل، والمضطرب، والموضوع، والناسخ، والمنسوخ. وأبيّن جرح رواته، وتعديلهم، من كلام أئمة الجرح والتعديل وأذكر اسم الصحابي الراوي وربما أذكر غيره من رواته لأمر اقتضى ذلك، وأضيف توثيق كل راو أو تجريحه، إلى من وثقه، أو جَرّحه، وكل حديث إلى من رواه، وفي أي باب أخرجه، ليسهل مراجعة أصوله، مع شريطة الاختصار، فإن الإطالة تورث السآمة. وإذا كان الحديث في الصحيحين، أو في أحدهما، عزوته إليه، وجعلت تخريج غيره كالنافلة عليه، وما ليس في واحد من الصحيحين، إن صححه إمام معتبر أو ضعفه اكتفيت بنقل تصحيحه أو تضعيفه عنه. وإن لم أقف على تصحيح لذلك الحديث ولا تضعيف، فإن كان في أبي داود وسكت عليه فهو صالح للاحتجاج فأنسبه إليه، وأقول أنه سكت عليه ليعلم الناظر أنه صالح للاحتجاج، لأنه قد جاء عنه أنه يذكر الصحيح وما يشبهه ويقاربه وما كان فيه وهن شديد بينه (¬1) وما لم يذكر فيه شيئًا فهو صالح. ¬

_ (¬1) قال الحافظ ابن حجر في: (النكت على ابن الصلاح (1/ 435): (يفهم أن الذي يكون فيه وهن غير شديد أنه لا يبينه، ومن هنا يتبين أن جميع ما سكت عليه أبو داود لا يكون من قبيل الحسن الاصطلاحي ..) ولكشف وجه الصواب من كلام أبي داود هذا، وبيان حقيقة مراده، انظر: (النكت على ابن الصلاح) =

وإن لم يكن الحديث في أبي داود، ولم يصححه إمام، ولا ضعفه، اعتبرت سنده وتكلمت على رجاله وكشفت حال من يحتاج الحديث إلى كشفه، وحيث أقول رواه الثلاثة فهم: أبو داود والترمذي والنسائي، وحيث أقول رواه الأربعة فهم: مع ابن ماجه، وحيث أقول رواه الجماعة فهم: مع البخاري ومسلم وقد أتعرض إلى ضبط ألفاظ الحديث إذا كان يحتاج إلى ذلك، وكذلك اسم الراوي، وأتعرض أيضًا إلى ذكر فوائد مهمات وإلى تنبيهات كالتتمات، وإلى بيان أوهام وقعت لبعض أصحاب الروايات. وأرجو إن تم هذا الكتاب أن يكون كافيًا للمتعبدين في طلب الصواب، وعمدة للفقهاء في الاستدلال، وموصلًا لهم إلى أقصى الآمال وقد سميته: "كشف المناهج والتناقيح في تخريج أحاديث المصابيح" والله يجعله أحسن زاد إلى المسير إليه، وأعظم عدة ليوم القدوم عليه فإنه تعالى بكل خير كفيل وهو حسبنا ونعم الوكيل. وها أنا أذكر مقدمة تشتمل على ثلاثة فصول: الفصل الأول: في ذكر ترجمة البغوي ليعرف قدر جلالته. الفصل الثاني: في ذكر طرف من بيان ألفاظ قدمنا ذكرها اصطلح عليها المحدثون لابد من معرفتها ليكون عونًا للناظر في هذا التأليف. الفصل الثالث: في نص خطبة المصابيح وما التزمه في غرة ديباجته ليعلم مضمون مراده ومكنون مصون أسراره حتى لا يخلو هذا الكتاب عن مجموع ما في المصابيح. ¬

_ = (1/ 438 - وما بعد)، والتعليق على (قواعد في علوم الحديث) (ص 83). وقد تكلم عليه السيوطي في "البحر الذي زخر". أما كلام أبي داود فهو في "رسالته لأهل مكة" ص 27.

الفصل الأول: في ذكر طرف من أحواله

الفصل الأول: في ذكر طرف من أحواله: هو الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي إمام الأئمة بلا منازعة ومحيي السنة بلا مدافعة، صنف كتاب "شرح السنة" (¬1) والتفسير المسمى بـ "معالم التنزيل" (¬2) و "التهذيب" الذي فاق به المصنفين واغترف من بحره جميع المتأخرين (¬3) وله فتاوى مشهورة لنفسه غير فتاوى القاضي الحسين التي علقها هو عنه وكان إمامًا جليلًا ورعًا زاهدًا فقيهًا، محدثًا مفسرًا، جامعًا بين العلم والعمل، سالكًا سبيل السلف، له في الفقه اليد الباسطة، تفقه على القاضي الحسين (¬4)، وهو أخص تلامذته ¬

_ (¬1) وهو كتاب عظيم في بابه لا يستغني عنه طالب علم، فإنه من أجل كتب السنة التي انتهت إلينا من تراث السلف ترتيبًا وتنقيحًا، وتوثيقًا وإحكامًا، وإحاطة بجوانب ما ألف فيه، وهو يُبيّن سعة إطلاع مؤلفه رحمه الله على الحديث الشريف ونقلته، ودرايته بالروايات وعللها، ومعرفة مذاهب الصحابة والتابعين، وأئمة الأمصار المجتهدين. وقد طبع الكتاب كاملًا -والحمد لله- في ستة عشر مجلدًا الطبعة الأولى بدئ فيها 1390 وانتهت 1400 بدمشق، والطبعة الثانية 1403 هـ-1983 م. بيروت بتحقيق زهير الشاويش وشعيب الأرناؤوط. (¬2) وهو تفسير متوسط جامع لأقاويل السلف في تفسير الآي، محلى بالأحاديث النبوية التي جاءت على وفاق آية، أو بيان حكم، وقد تجنب فيه إيراد كل ما ليس له صلة بالتفسير، وقد سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن ثلاثة تفاسير كما في "الفتاوى" 2/ 193، فقال: وأما التفاسير الثلاثة المسؤول عنها، فأسلمها من البدعة والأحاديث الضعيفة البغوي. وقد طبع الكتاب أكثر من مرة، وجميع طبعاته لا تخلو من تحريف وتصحيف وسوء إخراج، وهو جدير بأن يعنى به وأجود الطبعات الموجودة هي طبعة "دار طيبة" بالرياض. وطبع قديما مع كتاب آخر في مطبعة المنار. (¬3) هو تأليف محرر مهذب، مجرد من الأدلة غالبًا، لخصه من تعليقة شيخه القاضي حسين، وزاد فيه ونقص، وهو مشهور متداول عند الشافعية يفيدون منه، وينقلون عنه، ويعتمدونه في كثير من المسائل، والإمام النووي رحمه الله يكثر النقل عنه وكتاب (التهذيب) طبع. (¬4) هو القاضي شيخ الشافعية -حسين بن محمد المَرْورّوذي، صاحب "التعليقة".

وكان رجلًا مخشوشنًا يأكل الخبز وحده، فعُذِلَ في ذلك فصار يأكله بالزيت، سمع الحديث من جماعات منهم: أبو عمر عبدالواحد المليجي وأبو الحسن عبد الرحمن محمد الداووري، وأبو بكر يعقوب بن أحمد الصيرفي وأبو الحسن على بن يوسف الجويني، وغيرهم، وروى عنه جماعات آخرهم: أبو المكارم فشضل الله بن محمد النُّوقانِي -روى عنه بالإجازة- وبقي إلى سنة ستمائة، وأجاز لقاضي القضاة أبي الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر بن قدامة، ولأبي الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن البخاري، فروينا نحن تصانيفه عن جماعات من أصحاب ابن قدامة والفخر بن البخاري منهم الشيخ الإمام المعمر صدر الدين محمد ابن محمد بن إبراهيم الميدومي، فوقع لنا هذا الكتاب عاليًا عن الشيخ صدر الدين الميدومي عن قاضي القضاة ابن قدامة والفخر بن البخاري كتابة له، كلاهما عن أبي الكارم النُّوقانِي عن المصنف. تُوفي البغوي في شوال سنة ست عشرة وخمس مائة بمرو الرُّوذ، وبها كانت إقامته ودفن عند شيخه القاضي الحسين. قال الذهبي: ولم يحج وأظنه جاوز الثمانين ومن غرائب مسائله أنه قال في "مسائله" التي خَرَّجها: لو لم يكن من يصلي على الميت إلا النساء لم يجب عليهن. وقال في "فتاويه": من لا جمعةَ عليه إذا حضرها وأراد أن يصلي الظهر خلف الإمام فإن كان صبيًّا جاز، أو إن كان بالغًا لم يجز (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: سير أعلام النبلاء (19/ 441). مصادر ترجمته: التقييد لابن نقطة (1/ 305)، طبقات السبكي (4/ 214)، سير أعلام النبلاء (19/ 439)، تذكرة الحفاظ (4/ 1257)، وفيات الأعيان (2/ 136)، الوافي بالوفيات (13/ 63)، النجوم الزاهرة (4/ 223)، طبقات المفسرين للسيوطي (49) وقد أفردت ترجمة البغوي ودراسات عن بعض كتبه ومنهجه فيها، منها: البغوي ومنهجه في التفسير لعفاف عبد الغفور، منهج الإمام البغوي في تقرير عقيدة السلف لمحمد الخضير، المدخل إلى شرح السنة لعلي بادحدح، الإمام البغوي وأثره في الفقه الإسلامي لصلاح الشرع وغيرها.

الفصل الثاني: في ذكر طرف من بيان ألفاظ -قدمنا ذكرها- اصطلح عليها المحدثون لابد من معرفتها.

الفصل الثاني: في ذكر طرف من بيان ألفاظ -قدمنا ذكرها- اصطلح عليها المحدثون لابد من معرفتها. اعلم أنما الحديث الصحيح هو: "الحديث المسند المتصل بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه من غير شذوذ ولا عله". وفى هذه الأوصاف الاحتراز من المرسل، والمعضل، والشاذ، وما فيه علة قادحة، وما في رواته نوع جرح. (¬1) قال ابن الصلاح: هذا هو الحديث المحكوم له بالصحة بلا خلاف بين أهل العلم (¬2). تنبيه: ما اختلف في صحته من الأحاديت قد يكون سبب اختلافهم انتفاء شرط من هذه الشروط وبينهم اختلاف في اشتراطه كما إذا كان بعض الرواة مستورًا أو كان الحديث مرسلًا، وقد يكون سبب اختلافهم أنه هل اجتمعت فيه هذه الشروط أو انتفى بعضها، وهذا هو الأغلب في ذلك كما إذا كان الحديث من رواية من اختلف في كونه من شرط الصحيح، فإذا كان الحديث رواته كلهم ثقات غير أن فيهم أبا الزبير المكي مثلًا، أو سهيل بن أبي صالح، أو العلاء بن عبد الرحمن، أو حماد بن سلمة، قالوا فيه هذا حديث صحيح على شرط مسلم، وليس بصحيح على شرط البخاري، لأن هؤلاء عند مسلم ممن اجتمعت فيهم الشروط المعتبرة، ولم يثبت عند البخاري ذلك فيهم، وكذا حال البخاري فيما خرجه من حديث عكرمة مولى ابن عباس، وإسحق بن محمد الفروي، وعمرو بن ميمون، وغيرهم ممن احتج بهم البخاري ولم يحتج بهم مسلم. (¬3) ¬

_ (¬1) انظر التفصيل في (علوم الحديث) (ص 11) و (الباعث الحثيث) (1/ 99). (¬2) علوم الحديث ص 11. (¬3) انظر لشروط الصحيحين، شروط الأئمة الستة للحازمي، وشروط الأئمة لابن منده، وقد شرط كل واحد منهما لنفسه في الصحيح شرطًا احتاط فيه لدينه، وأن كتابيهما لا يشتملان على كل ما يصح من الحديث، وانظر تفصيل هذا الموضوع في الكتب الآتية: النكت على ابن الصلاح لابن حجر، وفتح المغيث للسخاوي.

قال الحافظ أبو عبد الله الحاكم النيسابوري في كتاب "المدخل إلى معرفة المستدرك": عدد من أخرج لهم البخاري في الجامع الصحيح ولم يخرج لهم مسلم أربع مائة وأربعة وثلاثون شيخًا، وعدد من احتج بهم مسلم في المسند الصحيح ولم يحتج بهم البخاري في جامعه ست مائه وعشرون شيخًا، والله أعلم. (¬1) والحسن: قال الإمام أبو سليمان الخطابي (¬2): ما عرف مَخْرَجُه، واشتهر رجالُه، قال: وعليه مدار أكثر الحديث وهو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله عامَّةُ الفقهاء، وروينا عن أبى عيسى الترمذي في كتاب "العلل" أنه يريد بالحسن أن لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون حديثًا شاذًا، ويروى من غير وجه نحو ذلك، فهو عندنا حسن (¬3)، قال بعض المحدثين: وهذا يشكل عليه بما يقال فيه: أنه حسن مع أنه ليس له مخرج إلا من وجه واحد (¬4). والضعيف: هو ما لم يجتمع فيه صفات الحديث الصحيح، ولا صفات الحسن، وأطنب ابن حبان في تقسيمه فبلغ به خمسين قسمًا إلا واحدًا. (¬5) والمسند: ما اتصل إسناده من راويه إلى منتهاه، وأكثر ما يستعمل فيما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) انظر: المدخل إلى الصحيح للحاكم بتحقيق الدكتور إبراهيم الكليب، آخر الكتاب. (¬2) في معالم السنن (1/ 11). (¬3) (العلل) (5/ 758 - المُلحق بـ (الجامع))، و (شرح ابن رجب) (1/ 340) وانظر للمآخذ على تعريف الخطابي تدرلب الراوي (1/ 153). (¬4) انظر التفصيل في (علوم الحديث) (ص/29)، و (الباعث الحثيث) (1/ 129)، و (النكت على نزهة النظر) (ص/97 - 98). (¬5) انظر التفصيل في (علوم الحديث) (ص/41)، و (الباعث الحثيث) (1/ 142)، و (النكت على ابن الصلاح لابن حجر) (1/ 491)، وانظر للتفصيل في أسباب الضعف، وهل يعمل بالحديث الضعيف أم لا؟ كتاب: الحديث الضعيف للدكتور عبد الكريم الخضير.

دون ما جاء عن الصحابة وغيرهم. (¬1) قال ابن عبد البر (¬2): المسند ما رفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة، وقد يكون متصلًا مثل: مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد يكون منقطعًا، مثل: مالك عن الزهري عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهذا مسند لأنه قد أسند إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو منقطع لأن الزهري لم يسمع من ابن عباس. والمتصل: وهو الموصول، وهو الذي اتصل إسناده فكان كل واحد من رواته قد سمعه ممن فوقه حتى انتهى إلى منتهاه. ويقع على المرفوع والوقوف. (¬3) مثال المتصل المرفوع: مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ومثال المتصل الموقوف: مالك عن نافع عن ابن عمر عن عمر قوله. والمرفوع: ما أضيف إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة قولًا أو فعلًا أو تقريرًا، ويدخل فيه المتصل والمنقطع والمرسل ونحوها. والموقوف: ما أضيف إلى صحابي كذلك. والمقطوع: ما أضيف إلى تابعي أو من دونه كذلك (¬4). والمنقطع: ما لم يتصل سنده على أي وجه كان انقطاعه (¬5) فإن سقط منه رجلان فأكثر سمي أيضًا معضلًا بفتح الضاد المعجمة. ¬

_ (¬1) انظر التفصيل في (علوم الحديث) (ص/42)، و (النكت على ابن الصلاح لابن حجر) (1/ 505)، و (الباعث الحثيث) (1/ 144)، و (الاقتراح) (ص/ 196). (¬2) في (التمهيد) (1/ 21 - 24). (¬3) انظر التفصيل في (علوم الحديث) (ص/44)، و (الباعث الحثيث) (1/ 145)، و (النكت على ابن الصلاح لابن حجر) (1/ 510). (¬4) انظر التفصيل في (علوم الحديث) (ص/46)، و (الباعث الحثيث) (1/ 147)، و (النكت على ابن الصلاح لابن حجر) (1/ 512). (¬5) انظر التفصيل في (علوم الحديث) (ص/56)، و (النكت على ابن الصلاح) (2/ 572)، و (الباعث =

والمرسل: مذهب الفقهاء وجماعة من المحدثين أنه ما انقطع سنده كالمنقطع، وقال جماعة من المحدثين أو أكثرهم: لا يسمى مرسلًا إلا ما أخبر التابعي فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذهب الشافعي وجماهير المحدثين إلى أن المرسل لا يحتج به، وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد وأكثر الفقهاء: يحتج به، ومذهب الشافعي أنه إذا انضم إلى المرسل ما يعضده احتج به، وبان بذلك صحته، وذلك بأن يروى مسندًا أو مرسلًا من جهة أخرى، أو يعمل به بعض الصحابة، أو أكثر العلماء، سواء في هذا مرسل سعيد بن المسيب وغيره. هذا هو الصحيح عنده، وهذا في مرسل غير مرسل الصحابي، أما مرسله وهو روايته ما لم يدركه أو يحضره، كقول عائشة رضي الله عنها: كان أول ما بدىء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصالحة. فمذهب الشافعي والجماهير أنه حجة، وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني: ليس بحجة إلا أن يقول لا أروي إلا عن صحابي لأنه قد يروي عن تابعي والصواب الأول. ولو روي الحديث متصلًا ومرسلًا أو مرفوعًا وموقوفًا فالذي عليه الفقهاء وأهل الأصول وجماعة من المحدثين أن الحكم للوصل والرفع، وقيل للإرسال والوقف ونقله الخطيب عن أكثر المحدثين (¬1). والشاذ: وفي تفسيره اختلاف، والصحيح ما لخصه ابن الصلاح وتبعه النووي، أنه ما انفرد به الراوي مخالفًا لما رواه من هو أحفظ منه، وأضبط، أو انفرد به ولم يخالفه غيره، لكن ليس عنده من الثقة والحفظ ما يجيز تفرده فخرج من ذلك أن الشاذ المردود قسمان: أحدهما: أنه الفرد المخالف، والثاني: الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والضبط ما يجيز تفرده. ¬

_ = الحثيث) (1/ 162). (¬1) انظر التفصيل في (علوم الحديث) (ص/ 85)، و (النكت) (2/ 694)، وتدريب الراوي (1/ 198 - 199) وذكر العلائي أن حاصل المذاهب في المرسل ثلاثة هي: القبول مطلقًا والرد مطلقًا والتفصيل، انظر: جامع التحصيل في أحكام المراسيل ص: 27 وما بعدها.

والمنكر: الصواب فيه أنه بمعنى الشاذ. والغريب: ما انفرد به أو ببعضه رجل عن من يُجْمَعُ حديثه كالزهري وينقسم إلى غريب متنًا وإسنادًا، وإلى غريب إسنادًا، وإلى غريب متنًا. (¬1) والعريز: ما انفرد به اثنان أو ثلاثة عن من يجمع حديثه. (¬2) والمشهور: قسمان: صحيح وغيره، ومشهور بين أهل الحديث خاصة وبينهم وبين غيرهم، ومنه المتواتر: -ولا يكاد يوجد في الحديث- وهو ما نقله جمع يحصل العلم بصدقهم مع استواء طرفيه والواسطة، وقد عد بعضهم حديث "من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار" متواترًا وهو في الصحيحين عن جماعة. (¬3) وذكر البزار: أنه رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو من أربعين رجلًا من الصحابة قال ابن الصلاح، وقال بعضهم: اثنان وستون نفسًا من الصحابة، فيهم العشرة المشهود لهم بالجنة قال: وليس في الدنيا حديث أجمع عليه العشرة غيره، ولا يُعرف حديث يُروى عن أكثر من ستين من الصحابة، وليس حديث إنما الأعمال بالنيات من ذلك. والمعلل: ولا يقال المعلول فإنه لحن، وهو عبارة عن سبب غامض قادح مع أن الظاهر السلامة منه، ويتطرق إلى الإسناد الجامع لشروط الصحة ظاهرًا، ويدرك بتفرد الراوى ¬

_ (¬1) انظر التفصيل في (علوم الحديث) (ص/ 270)، و (الباعث الحثيث) (ص/ 460)، و (النكت على نزهة النظر) (ص/ 70). وعرفه ابن حجر: بأنه "ما يتفرد بروايته شخص واحد، في أي موضع وقع التفرد به من السند"، وينقسم إلى غريب مطلق: وهو الغريب متنًا وإسنادًا، وغريب نسبي: وهو الغريب إسنادًا أو متنًا. (¬2) انظر التفصيل في (علوم الحديث) (ص/ 270)، و (الباعث الحثيث) (ص/ 460)، و (النكت على نزهة النظر) (ص/ 64). (¬3) انظر التفصيل في (علوم الحديث) (ص/265)، و (الباعث الحثيث) (ص/455)، و (النكت على نزهة النظر) (ص/62). وانظر كتاب: "طرق حديث: من كَذَب عليّ متعمدًا" للطبراني. ط. المكتب الإسلامي.

ومخالفة غيره له، مع قرائن تنبه العارف على وهم بإرسال أو وقف أو غير ذلك. والطريق إلى معرفته مذكور في المبسوطات. (¬1) والمضطرب: هو الذي يُروى على أوجه مختلفة متفاوتة، فإن ترجحت إحدى الروايتين بكثرة الحفظ، وقدم صحبة الراوي، فالحكم للراجح وإلا اضطراب. (¬2) والمدرج: هو الكلام الملحق بآخر كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - من كلام الراوي، أو يلحق متن بمتن بإسناد أحدهما، وهذا قد استعمله المصنف في المصابيح. (¬3) والموضوع: هو المختلق، وهو شر الضعيف، ويحرم روايته مع العلم به في أي معنى كان إلا مبينًا، ويعرف الوضع بإقرار الواضع، أو قرينة في الراوي أو المروي. (¬4) والناسخ والمنسوخ: المختار أن النسخ رفع الشارع حكمًا منه متقدمًا بحكم منه متأخر. (¬5) فرع في معرفة الاعتبار والمتابعة والشاهد: فإذا روى حماد مثلًا حديثًا عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ينظر هل رواه ثقة غير حماد ¬

_ (¬1) انظر التفصيل في (علوم الحديث) ص (89) و (الباعث الحثيث) (1/ 196)، و (النكت على ابن الصلاح) (2/ 711). (¬2) انظر التفصيل في (علوم الحديث) (ص/93)) و (الباعث الحثيث) (1/ 221)، و (النكت على نزهة النظر) (ص/126 - 127) (والنكت على ابن الصلاح لابن حجر 2/) وبحثنا: "الاضطراب في الحديث. دراسة منهجية تطبيقية". (¬3) انظر التفصيل في (علوم الحديث) (ص/95)، و (الباعث الحثيث) (1/ 224)، و (النكت على ابن الصلاح) (2/ 811). (¬4) انظر التفصيل في (علوم الحديث) (ص/98)، و (الباعث الحثيث) (1/ 237)، و (النكت على ابن الصلاح) (2/ 838). (¬5) انظر التفصيل في (علوم الحديث) (ص/276)، و (الباعث الحثيث) (2/ 466)، و (النكت على نزهة النظر) (ص/ 105).

الفصل الثالث: قال البغوي

عن أيوب، أو عن ابن سيرين غير أيوب، أو عن أبي هريرة غير ابن سيرين، أو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير أبي هريرة، فأي ذلك وجد علم أن له أصلًا يرجع إليه، فهذا النظر والتفتيش يسمى اعتبارًا. وأما المتابعة: فأن يرويه عن أيوب غير حماد، أو عن ابن سيرين غير أيوب، أو عن أبي هريرة غير ابن سيرين، أو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير أبي هريرة، فكل واحد من هذه الأقسام يسمى متابعة، وأعلاها الأولى، وهي متابعة حماد في الرواية عن أيوب ثم ما بعدها على الترتيب. وأما الشاهد: فأن يروى حديث آخر بمعناه، ويسمى المتابعة شاهدًا ولا يسمى الشاهد متابعة، وإذا قالوا تفرد به أبو هريرة، أو ابن سيرين، أو أيوب، أو حماد، كان مشعرًا بانتفاء المتابعات كلها. الفصل الثالث: قال البغوي: الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، والصلاة التامة الدائمة على رسوله المجتبى، محمد سيد الورى، وعلى آله نجوم الهدى، أما بعد: فهذه ألفاظ صدرت عن صدر النبوة، وسنن سارت عن معدن الرسالة، وأحاديث جاءت عن سيد المرسلين، وخاتم النبيين، هن مصابيح الدجى خرجت عن مشكاة التقوى، مما أوردها الأئمة في كتبهم. جمعتها للمنقطعين إلى العبادة، لتكون لهم بعد كتاب الله حظًّا من السنن، وعونًا على ما هم فيه من الطاعة، وتركت ذكر أسانيدها حذرًا من الإطالة عليهم، واعتمادًا على نقل الأئمة، وربما سميت في بعضها الصحابي الذي يرويه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمعنى دعا إليه (¬1) وتجد أحاديث كل باب منها تنقسم إلى ¬

_ (¬1) يقصد المؤلف بهذا الكلام: أن الحديث الواحد ربما روي عن جمع من الصحابة بطرق شتى وألفاظ مختلفة، يرويه كل واحد منهم على سياق آخر، فإذا حدث المحدث به وساقه على سياق واحد ذكر الصحابي الذي يرويه على ذلك السياق لتمييز حديث بعضهم عن البعض، وقد يروي أحد الصحابة حكمًا مطلقًا ويرويه الآخر مقيدًا فيذكر الراوي حينئذ رفعًا للخلاف ودفعًا للالتباس. وقد يسند =

صحاح وحسان، أعني بالصحاح: ما أخرجه الشيخان أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي البخاري، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري، رحمهما الله، في جامعهما، أو أحدهما. وأعني بالحسان: ما أورده أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، وأبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي، وغيرهما من الأئمة في تصانيفهم رحمهم الله، وأكثرها صحاح، بنقل العدل عن العدل، غير أنها لم تبلغ غاية شرط الشيخين في علو الدرجة من صحة الإسناد إذ أكثر الأحكام ثبوتها بطريق حسن. وما كان فيها من ضعيف أو غريب أشرت إليه، وأعرضت عن ذكر ما كان منكرًا أو موضوعًا، والله المستعان، وعليه التكلان. روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنما الأعمال بالنية وإنما لامرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله وإلى رسوله فهجرته إلى الله وإلى رسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه. قلت: رواه الجماعة: البخاري في سبعة مواضع: في بدء الوحي، وفي الإيمان، وفي العتق، وفي الهجرة، وفي النكاح، وفي النذور. وبلفظه فيه رواه المصنف، إلا أن البخاري قال: عن عمر سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو قريب من لفظ المصنف، وترك الحيل، ومسلم في الجهاد، وأبو داود في الطلاق، والترمذي في الحدود، والنسائي في مواضع منها في الأيمان والنذور، وابن ماجه في الزهد، كلهم من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي المدني عن عمر بن الخطاب القرشي العدوي أمير المؤمنين يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬1) ¬

_ = الحديث إلى جمع من الصحابة بروايات مختلفة وبعضها لا يكاد يصح إما لضعف في الرجال أو خلل في الإسناد، فيعين الصحابي إزالة للشبهة وقطعًا للاعتراض. (¬1) أخرجه البخاري في بدء الوحي (1)، وفي الإيمان (54) وفي العتق (2529)، وفي الهجرة (3898)، وفي النكاح (5070)، وفي ترك الحيل (1907)، وفي الأيمان (6689)، ومسلم (1907)، والنسائي (1/ 58)، وأبو داود (2201)، والترمذي (1647)، وابن ماجه (4227).

وهذا الحديث أحد الأحاديث الأربعة التي نقل عن أبي داود أنه قال: إنها تكفي الإنسان لدينه، نقل ذلك عنه صاحبه أبو بكر محمد بن بكر بن داسة قال: سمعت أبا داود يقول: كتبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمس مائة ألف حديث انتخبت منها ما تضمنه هذا الكتاب يعني كتاب السنن جمعت فيه أربعة آلاف وثمان مائة حديث، ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه ويكفي الإنسان لدينه، من ذلك أربعة أحاديث أحدها: قوله - صلى الله عليه وسلم - إنما الأعمال بالنيات، والثاني: قوله - صلى الله عليه وسلم - من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، والثالث: قوله - صلى الله عليه وسلم - لا يكون المؤمن مؤمنًا حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه، والرابع: قوله - صلى الله عليه وسلم - الحلال بين والحرام بين وبين ذلك أمور مشتبهات. الحديث. قوله: وإنما لامرئ ما نوى، فائدة ذكره بعد ذكره إنما الأعمال بالنيات بيان أن تعيين المنوي شرط فلو كان على إنسان صلاة مقضية لا يكفيه أن ينوي الصلاة الفائتة بل يشترط أن ينوي كونها ظهرًا أو عصرًا، ولولا اللفظ الثاني لاقتضى الأول صحة النية بلا تعيين أو أوهم ذلك. والهجرة: أصلها الترك، والمراد هنا ترك الوطن، ومعناه: من قصد بهجرته وجه الله وقع أجره على الله ومن قصد دنيا، أو امرأة، فهي حظه ولا نصيب له في الآخرة، وهذا قيل إنه جاء على سبب وهو أن رجلًا هاجر ليتزوج امرأة يقال لها أم قيس، فقيل: مهاجر أم قيس. والله أعلم. (¬1) ¬

_ (¬1) انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري (1/ 10 - 18).

كتاب الإيمان

بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الإيمان من الصحاح 1 - بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأسند ركبتيه الى ركبتيه، ووضع يديه على فخذيه، فقال: يا محمد أخبرني عن الإيمان، فقال: "الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره" فقال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإسلام، قال: "الإسلام أن تشهد أن لا إله الا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا" قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان قال: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" قال: فأخبرني عن الساعة، قال: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل" قال: فأخبرني عن أماراتها، قال: "أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة، رعاء الشاء يتطاولون في البنيان"، ثم انطلق فلبثت مليًّا ثم قال لي: "يا عمر أتدري من السائل؟ " قلت: الله ورسوله أعلم قال: "فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم". قلت: رواه مسلم في هذا الباب من حديث عمر بن الخطاب، قال الحميدي (¬1): وفي بعض الروايات زيادة ونقصان، ولم يخرج البخاري في هذا عن عمر شيئًا وروى ¬

_ (¬1) الجمع بين الصحيحين للحميدي (1/ 142)، وفي الجمع بين الصحيحين للإشبيلي (1/ 12): "ولم يخرج البخاري ... ".

أبو داود في السنة حديث عمر هذا بكماله، ورواه النسائي والترمذي هنا، وفي الترمذي تقديم وتأخير. (¬1) و"بينما" بين كلمة معناها التوسط تقول: جلست بين القوم أي في وسطهم وزيدت "ما" فيها عوضًا عما يستحقه من المضاف إليه ولذلك لا يضاف والمعنى بين أوقات أو حالات نحن جالسون فيها زمان طلوع هذا الرجل. "لا يرى" بالياء المثناة من تحت المضمومة وضبطه بعضهم بالنون المفتوحة، "ووضع يديه على فخذيه" معناه الداخل وضع كفيه على فخِذَي نفسه. ومناداته له - صلى الله عليه وسلم - باسمه، يجوز أن يكون قبل نزول قوله تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} ويجوز أن يكون ذلك لعدم دخول الملك في النهي، قلت: وهذا ضعيف، لأنه وإن لم يكن داخلًا فقد أتى ليعلمنا ديننا. "والقدر" قال: في "النهاية" (¬2): هو التقدير، والقضاء للخلق، وهما متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر، لأن القدر بمنزلة الأساس، والقضاء بمنزلة البناء. "أماراتها" -بفتح الهمزة: وهي العلامات، "أن تلد الأمة ربتها" قال الأكثرون: هو إخبار عن كثرة السراري فإن ولدها من سيدها بمنزلة السيد. "العالة": الفقراء. "رعاء": بكسر الراء وبالمد. "فلبث" قلت: قال النووي (¬3): ضبطناه فلبث، آخره ثاء مثلثة وفي كثير من نسخ مسلم بزيادة تاء المتكلم في آخره (يعني: فلبثتُ) والكل صحيح. مليًّا بتشديد الياء معناه: وقتًا طويلًا. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (8)، والترمذي (2610)، والنسائي (8/ 97)، وفي الكبرى (11721)، وأبو داود (4695)، وابن ماجه (63). (¬2) النهاية (4/ 78). (¬3) المنهاج (1/ 159).

قوله ورواه أبو هريرة وفي روايته: وأن ترى الحفاة العراة، الصم البكم، ملوك الأرض في خمس لا يعلمهن إلا الله، إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث الآية. قلت: رواه الشيخان (¬1) هنا من حديث أبي هريرة وأعاده البخاري في تفسير سورة لقمان، وفي كلا الموضعين لم يقل: الصم البكم ملوك الأرض بل قال في التفسير: وإذا كان الحفاة العراة رؤوس الناس فذاك من أشراطها، وقال في الإيمان: وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان، وروى أبو داود والنسائي معناه. من حديث أبي هريرة، وأبي ذر. الحفاة العراة: المراد بهم الجهلة السفلة الرعاع، كما قال تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} أي لما لم ينتفعوا بجوارحهم فكأنهم عدموها. 2 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان". قلت: رواه الشيخان، والترمذي، والنسائي، أربعتهم (¬2) هنا من حديث ابن عمر، وقد وقع في جامع الأصول (¬3) إن هذا لفظ مسلم خاصة، وأن لفظ البخاري ومسلم: أن رجلًا قال لابن عمر: ألا تغزو، فقال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن الإسلام بني على خمس. وذكر الحديث، هذا كلامه، وليس كما قال، بل ما ذكره المصنف هو رواية الصحيحين، وما عزاه هو إلى الصحيحين ليس كذلك، بل هو في مسلم خاصة في الإيمان وقد نبه على ذلك الحافظ عبد الحق في الجمع بين الصحيحين (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (50)، وفي التفسير (4777) ولفظه في الموضعين كما ذكر المؤلف، ومسلم (10)، وأبو داود (4698)، والنسائي (8/ 101) وكذلك أخرجه ابن ماجه (64)، انظر تحفة الأشراف (10/ 451) (14929). (¬2) أخرجه البخاري (8) ومسلم (16) والترمذي (2736) والنسائي (8/ 107). (¬3) جامع الأصول (1/ 208). (¬4) الجمع بين الصحيحين (1/ 21).

حين ذكر رواية مسلم في الحديث أن البخاري لم يقل ما قيل لا بن عمر ألا تغزو انتهى. وأعاده البخاري في التفسير فقال من حديث نافع: أن رجلًا أتى ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن ما حملك على أن تحج عامًا وتعتمر عامًا وتترك الجهاد في سبيل الله، وقد علمت ما رغب الله فيه، قال: يا ابن أخي بني الإسلام على خمس وساقه مطولًا بلفظ آخر. فاعتمد ما ذكرته ولا تغتر بما وقع في جامع الأصول فإنه وهم وهو أول حديث في جامع الأصول والله تعالى أعلم. قوله على خمس: أي خمس خصال أو دعائم، وقد صح أيضًا ثبوت الهاء أي: خمسة أركان أو أشياء. 2 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان". قلت: رواه مسلم، والترمذي، والنسائي، في هذا الباب، وأبو داود، وابن ماجه في السنة (¬1)، كلهم من حديث عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة، وأسقط الترمذي من روايته: والحياء من الإيمان، قال عبد الحق (¬2): ولم يخرج البخاري هذا الحديث إنما أخرج من حديث أبي هريرة: الإيمان بضع وستون شعبة والحياء شعبة من الإيمان (¬3). قال: وفي رواية لأبي أحمد الجرجاني (¬4) بضع وسبعون. قال النووي (¬5): ورواية البخاري في أول كتابه بضع وستون من رواية العقدي يعني أبا عامر قال: ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (57)، وأبو داود (4676)، والنسائي (8/ 110)، وابن ماجه (57). (¬2) انظر الجمع بين الصحيحين لعبد الحق الإشبيلي (1/ 38). (¬3) أخرجه البخاري (9). (¬4) هو: أبو أحمد محمد بن محمد الجرجاني أحد من يروي صحيح البخاري عن الفربري عن البخاري انظر: التقييد لمعرفة الرواة والسنن والمسانيد (1/ 102) وكتابنا: "الأصول الستة، رواتها، ونسخها". (¬5) المناهج (2/ 4).

واختلف العلماء في الراجح من الروايتين فقال عياض: الصواب ما وقع في سائر الأحاديث ولسائر الرواة بضع وسبعون. (¬1) وقال ابن الصلاح: جاء في الصحيحين من رواية سليمان بن بلال عن عمرو بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة فيما عندنا في كتاب مسلم بضع وسبعون وفيما عندنا من كتاب البخاري بضع وستون وقد ثبتت كل واحدة منهما عن كل واحد من الكتابين ولا إشكال في أن كل واحدة منهما رواية معروفة في طرق هذا الحديث واختلفوا في الترجيح، قال: والأشبه بالإتقان والاحتياط ترجيح رواية الأقل، قال: وممَّن رجح رواية الأكثر واختارها أبو عبد الله الحليمي، وقال: الحكم لمن حفظ الزيادة جازمًا بها. (¬2) البضع: بكسر الباء وفتحها وكذلك البضعة هذا في العدد، وأما بَضعة اللحم فبالفتح لا غير وهو في العدد ما بين الثلاث والعشرة وقيل غير ذلك (¬3)، الشعبة: القطعة من الشيء فمعناه بضع وسبعون خصلة. 4 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه". قلت: رواه البخاري بهذا اللفظ هو والنسائي في الإيمان وأبو داود في الجهاد إلا أن النسائي قال: من هجر ما حرم الله عليه، كلهم من حديث عبد الله بن عمرو وليس هذا ¬

_ (¬1) إكمال المعلم بفوائد مسلم (1/ 273). (¬2) صيانة صحيح مسلم لإبن الصلاح ص (196 - 197). (¬3) استعملت العرب (البضع) فيما بين الثلاث إلى العشر، وقيل: من ثلاث إلى تسع، وقال الخليل: البضع سبع، وقيل هو: ما بين اثنين إلى عشرة وما بين اثنتي عشرة إلى عشرين، ولا يقال: في أحد عشر ولا اثنتي عشرة وقيل: من واحد إلى أربعة. انظر: الصحاح للجوهري (3/ 1186) وتهذيب اللغة للأزهري (1/ 488)، والنهاية لابن الأثير (1/ 133).

الحديث في مسلم، لكن الذي في مسلم أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أي المسلمين خير قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده"، وليس هذا في البخاري كذا قاله عبد الحق. (¬1) 5 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والد هو ولده والناس أجمعين". قلت: رواه الشيخان والنسائي ثلاثتهم في الإيمان وابن ماجه في السنة، كلهم من حديث أنس يرفعه (¬2) قال ابن بطال (¬3) وغيره: المحبة ثلاثة أقسام: محبة إجلال وإعظام كمحبة الوالد، ومحبة شفقة ورحمة كمحبة الولد، ومحبة مشاكلة واستحسان كمحبة سائر الناس، فجمع - صلى الله عليه وسلم - أصناف المحبة في محبته فمن استكمل الإيمان علم أن حق النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه آكد من حق أبيه وابنه والناس أجمعين، ومن محبته - صلى الله عليه وسلم - نصرُ سنته والذبُ عن شريعته وامتثال أوامره - صلى الله عليه وسلم -. 6 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن أحب عبدًا لا يحبه إلا لله، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله، كما يكره أن يلقى في النار". قلت: رواه الشيخان والنسائي ثلاثتهم في الإيمان من حديث شعبة عن قتادة عن أنس يرفعه (¬4)، ¬

_ (¬1) الجمع بين الصحيحين (1/ 40) ويقصد لفظ: "أي المسلمين خيرًا" أخرجه البخاري (10) ومسلم (40)، وأبو داود (2481)، والنسائي (8/ 105)، وفي الكبرى (8701) بلفظ المصنف. قلت: لفظ النسائي لم أجده وكأنه تبع في ذلك ابن الأثير في جامع الأصول (1/ 241). انظر تحفة الأشراف (6/ 8834). (¬2) أخرجه البخاري (15)، ومسلم (44)، والنسائي (8/ 15، 114)، وابن ماجه (167). (¬3) شرح ابن بطال للبخاري (1/ 66) وقد نقل ذلك عن أبي الزناد. (¬4) أخرجه البخاري (21)، ومسلم (43)، والنسائي (8/ 96).

ونقل النووي (¬1) عن العلماء أن معنى حلاوة الإيمان: استلذاذ الطاعات وتحمل المشقات في رضى الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وإيثار ذلك على عَرَض الدنيا، ومحبة العبد ربه بفعل الطاعات، وترك مخالفته، وكذلك محبة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. ومعنى يعود إلى الكفر: أي يصير إليه، وقد جاء العود بمعنى الصيرورة. 7 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ذاق طعم الايمان من رضي بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولًا". قلت: رواه مسلم والترمذي في الإيمان كلاهما من حديث العباس بن عبد المطلب ولم يخرجه البخاري. (¬2) 8 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار". قلت: رواه مسلم في الإيمان من حديث عمرو بن الحارث عن أبي يونس عن أبي هريرة. (¬3) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يسمع بي أحد من هذه الأمة": أي ممن هو موجود في زمني وبعدي إلي يوم القيامة فكلهم ممن يجب عليه الدخول في طاعته - صلى الله عليه وسلم -، وخص اليهود والنصارى وإن كان الوجوب على الكل لأن اليهود والنصارى لهم كتاب، وإذا كان هذا شأنهم مع أن لهم كتابًا فغيرهم ممن لا كتاب له أولى. 9 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثة لهم أجران رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه ورجل كانت عنده أمة يطوها فأدبها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران". ¬

_ (¬1) المنهاج (2/ 14). (¬2) أخرجه مسلم (34)، والترمذي (2623). (¬3) أخرجه مسلم (153).

قلت: رواه البخاري في العلم، وفي العتق، وفي الجهاد، وفي أحاديث الأنبياء، وفي النكاح، ومسلم في الإيمان، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه ثلاثتهم في النكاح (¬1) من حديث أبي موسى الأشعري يرفعه. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (97) واللفظ للبخاري دون قوله "يطؤها"، وفي النكاح (2544، 2547، 2551)، والجهاد (3011)، وفي العتق (2544)، وأحاديث الأنبياء (3446)، ومسلم (154)، والترمذي (1116)، والنسائي (6/ 115)، وابن ماجه (1956). (¬2) "ثلاثة لهم أجران رجل من أهل الكتاب". المراد بأهل الكتاب في هذا الحديث: هم الذين كانوا على الحق في شرعه عقدًا وفعلًا، ثم لم يزل متمسكًا بذلك إلى أن جاء نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فآمن به، واتبع شريعته، فهذا الذي يؤجر على اتباع الحق الأول والحق الثاني، ويؤيد هذا المعنى ما رواه الطحاوي بإسناده -عن الشعبي عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ورجل من أهل الكتاب آمن بنبيه ثم أدرك النبي فآمن به" (مشكل الآثار (2/ 394) وذكر الحافظ ابن حجر أنه يدخل في هذا الحكم من دخل في اليهودية ولم تبلغه دعوة عيسى عليه السلام، ثم أورد إشكالًا على هذا القول وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهرقل: "أسلم يؤتك الله أجرك مرتين" وهرقل كان ممن دخل في النصرانية بعد التبديل ثم أجاب عنه في موضع آخر باحتمال أن يكون إيتاؤه الأجر مرتين لإسلامه لأنه يكون سببًا لدخول أتباعه ونقل عن شيخه العراقي بأن من دان دين أهل الكتاب دخل في حكمهم. ويبدو -والله أعلم- أن الحديث يشمل من دخل في النصرانية بعد التحريف لأمور منها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال هذا الحديث لأهل زمانه من اليهود والنصاري وحالهم في التحريف والتبديل معلوم، ومنها: حديث كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لهرقل: "أسلم يؤتك الله أجرك مرتين"، ومنها أن الكافر يكتب له أجر عمله الصالح إذا أسلم فهذا من جنسه، فالإيمان المذكور في قوله: (آمن بنبيه) إيمان مجمل ولو مع التحريف، قال الطيبي: فإن قلت: أي فائدة في ذكر (آمن بنبيه) وقد علم ذلك من قوله: (من أهل الكتاب) قلت: يشعر بعلية الأجر أي سبب الأجر (الإيمان بالنبيين). والحديث عام في اليهود والنصاري وذهب إليه الطيبي وقال: ويحتمل إجراء الحديث على عمومه. إذ لا يبعد أن يكون طريان الإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم - سببا لثوابه على الإيمان السابق وسببا بقبول تلك الأعمال والأديان وإن كانت منسوخة كما ورد في الحديث أن مبرات الكفار وحسناتهم مقبولة بعد إسلامهم، أ. هـ. أما قوله سبحانه {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ} فلفظه عام ومعناه خاص أي المنزل من عند الله والمراد به التوراة والإنجيل كما تظاهرت به نصوص الكتاب والسنة حيث يطلق أهل الكتاب، ويؤيد العموم بما رواه أحمد في مسنده (5/ 259) عن أبي أمامة مرفوعًا قال: "من أسلم من أهل الكتاب فله أجره مرتين وله ما لنا وعليه ما علينا .... " فالقول بعموم الحديث أظهر =

10 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله". قلت: رواه الشيخان في الإيمان من حديث واقد بن محمد عن أبيه عن ابن عمر، إلا أن مسلمًا لم يذكر "إلا بحق الإسلام"، ورواه أيضًا النسائي في المحاربة وابن ماجه في الفتن كلاهما من حديث أبي سفيان عن جابر يرفعه. (¬1) 11 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله فلا تخفروا الله في ذمته". ¬

_ = ويؤيد ذلك أيضًا أن اليهود والنصارى يشتركون في التحريف والتبديل لديانتهم فلا فرق بينهم فالثواب لهم كثواب الكافر غير الكتابي على عمله الحسن بعد أن يسلم. والله أعلم. انظر فتح الباري (1/ 38 و 191)، مشكل الآثار (2/ 399)، المفهم للقرطبي (1/ 369). (¬1) أخرجه البخاري (25)، ومسلم (22)، والنسائي (7/ 79)، وابن ماجه (3928) كلاهما من رواية جابر، استشكل في هذا الحديث عدم ذكر الصوم والحج فنقول: إنما خصت الصلاة والزكاة بالذكر لكبر شأنهما على النفوس وصعوبة موقعهما في الطباع، ونقل الحافظ ابن حجر عن شيخه العراقي قال: إذا كان الكلام في الدعاء إلى الإسلام اكتفى بالأركان الثلاثة الشهادة والصلاة والزكاة كحديث ابن عمر: "أمرت أن أقاتل .... " والحكم في ذلك أن الأركان الخمسة اعتقادي وهو الشهادة وبدني وهو الصلاة ومالي وهو الزكاة، اقتصر في الدعاء إلى الإسلام عليها لتفرع الركنين الأخيرين عليها، فإن الصوم بدني محض والحج بدني مالي، وأيضًا فكلمة الإسلام هي الأصل وهي شاقة على الكفار، والصلوات شاقة لتكررها، والزكاة شاقة لما في جبلة الإنسان من حب المال فإذا أذعن المرء لهذه الثلاثة كان ما سواها أسهل عليه بالنسبة إليها، انظر (فتح الباري (3/ 361). وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الجواب على ترك ذكر الصوم والحج في بعض الأحاديث جوابين، أحدهما: إنه كان يذكر في كل مقام ما يناسبه فيذكر تارة الفرائض التي يقاتل عليها كالصلاة والزكاة ويذكر تارة الصلاة والصيام إن لم يكن عليه زكاة ... وأما الصلاة والزكاة فلهما شأن ليس كسائر الفرائض، ولهذا ذكر الله تعالى في كتابه القتال عليهما، لأنهما عبادتان ظاهرتان بخلاف الصوم فإنه أمر باطن وهو مما ائتمن عليه الناس .. "انظر تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد ص 104". وأخرجه الترمذي (2606)، وابن ماجه (3927)، والنسائي (7/ 79) عن أبي هريرة.

قلت: رواه البخاري في الصلاة في فضل استقبال القبلة من حديث ميمون ابن سياه عن أنس، وميمون هذا روى له البخاري * ولم يرو له أحد من أصحاب السنن الأربعة سوى النسائي، وروى أبو داود في الجهاد، والترمذي، والنسائي كلاهما في الإيمان، معناه مع تغيير في اللفظ من غير طريق ميمون. (¬1) 12 - أتى أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة قال: "تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان" قال: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا فلما ولى قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا". قلت: رواه الشيخان: البخاري في الزكاة ومسلم في الإيمان (¬2) من حديث أبي هريرة قال عبد الحق: لم يذكر البخاري لفظة "شيئًا". 13 - قال: قلت يا رسول الله: قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا غيرك، قال: "قل آمنت بالله ثم استقم". ¬

_ (*) ورد في الأصل "الشيخان" ويبدو أنه خطأ، وانظر ترجمة ميمون في التقريب (7094) قال الحافظ: صدوق عابد يخطىء. (¬1) أخرجه البخاري (391)، وأخرجه أبو داود (2641)، والترمذي (2608)، والنسائي (7/ 76) و (8/ 109) من طريق حميد بن أنس. والظاهر أن المعنيّين بهذا القول هم أهل الكتاب لأن الكتابي هو الذي يمتنع عن أكل ذبيحتنا، ويقال: خفرت الرجل أخفره بالكسر إذا أجرته، وكنت له جارًا يمنعه وأخفرته إذا انقضت عهده، وغدرت به، والخفرة بالضم: العهد، والمعنى: أن الذي يظهر عن نفسه شعار أهل الإسلام والتدين بدينهم فهو في أمان الله تعالى لا يستباح منه ما حرم على المسلم فلا تنقضوا عهد الله وذمته فيه. "انظر: في اللسان مادة خفر" (4/ 253 - 254). (¬2) أخرجه البخاري (1397)، ومسلم (14) ولفظة "شيئًا" موجودة في نسخ البخاري المطبوعة المنتشرة في الشرق، لعل الإشبيلي اعتمد على رواية المغاربة للبخاري وليس منها "شيئًا" وانظر كلام عبد الحق في الجمع بين الصحيحين (1/ 20).

قلت: رواه مسلم هنا من حديث سفيان بن عبد الله ولم يخرجه البخاري، (¬1) ولا أخرج عن سفيان بن عبد الله شيئًا في كتابه، وزاد الترمذي في هذا الحديث: قلت: يا رسول الله ما أخوف ما تخاف عليَّ؟ فأخذ بلسان نفسه ثم قال: "هذا" وقال: حديث حسن صحيح، ذكره في الزهد، والنسائي في التفسير والرقائق، وابن ماجه في الفتن، ولم أر لسفيان بن عبد الله في مسلم ولا في السنن الأربعة غير هذا الحديث. 14 - قال: جاء رجل من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دويّ صوته ولا نفقه ما يقول، حتى دنا، فإذا هو يسأل عن الإسلام فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خمسُ صلوات في اليوم والليلة"، فقال: هل عليَّ غيرهن؟ فقال: "لا إلا أن تطوّع"، قال: "وصيام شهر رمضان"، قال: هل عليَّ غيره؟ قال: "لا إلا أن تطوّع" وذكر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزكاة، فقال: هل عليَّ غيرها؟ فقال: "لا إلا أن تطوع"، قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أفلح الرجل إن صدق". قلت: رواه البخاري في الشهادات وفي الصوم وفي ترك الحيل، ومسلم في الإيمان وأبو داود والنسائي كلاهما في الصلاة إلا أن أبا داود والنسائي قالا: (الصدقة) عوضَ (الزكاة) قال أبو داود: أفلح وأبيه إن صدق، كلهم من حديث طلحة بن عبيد الله - قوله - صلى الله عليه وسلم -: وأبيه، الواو واو القسم. (¬2) 15 - قال: إن وفد عبد القيس لما أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَن القوم أو مَن الوفد؟ " قالوا: ربيعة. قال: "مرحبًا بالقوم أو بالوفد غير خزايا ولا ندامى" قالوا: يا رسول الله ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (38)، والترمذي (2410)، وابن ماجه (3972)، والنسائي في الكبرى (11489). (¬2) رواه البخاري (46)، كتاب الصوم (1891)، الشهادات (2678)، وفي الحيل (6956)، ومسلم (11)، وأبو داود (391)، والنسائي (4/ 121).

إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام وييننا وبينك هذا الحي من كفار مضر فمرنا بأمر فَصْل نخبر به من وراءنا وندخل به الجنة، وسألوه عن الأشربة فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع: أمرهم بالإيمان بالله وحده قال: "أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم قال: "شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وأن تعطوا من المَغْنم الخُمس" ونهاهم عن أربع: عن الحَنْتم، والدّباء، والنّقير، والمزفّت، وقال: "احفظوهن وأخبروا بهنّ مَن وراءكم". قلت: رواه الشيخان: البخاري في مواضع كثيرة من كتابه منها: في العلم، ومسلم في الإيمان، وهو وأبو داود في الأشربة، والترمذي في السير، والنسائي في العلم، كلهم من حديث ابن عباس يرفعه. ومرحبا: منصوب على المصدر يراد به الود وحسن اللقاء، ومعناه: صادفت رحبًا وسعة. و"غيرَ" الرواية فيها نصب الراء على الحال ونقل بعضهم فيها الكسر على الصفة للقوم. وخزايا: جمع خزيان كحيران وحيارى، والخزيان: المستحي وقيل الذليل المهان، والندامى: قيل جمع ندمان بمعنى نادم وهي لغة في نادم وعلى هذا هو على بابه، وقيل جمع نادم اتباعًا للخزايا وكان الأصل نادمين فاتبع تحسينا للكلام، و"مرنا بأمر فصل" أي بيّن واضح، و"من وراءكم" روي بفتح الميم وبكسرها والمعنى واحد، وسيأتي الكلام على بقيته في كتاب الأشربة إن شاء الله تعالى من حديث ابن عمر وكانت وفادتهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح قبل خروجه - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة وكانت فريضة الحج في السنة التاسعة. (¬1) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الإيمان (53) (1398) (3095)، وفي العلم (87). ومسلم (17) (3510) (4369) (6176) (7556)، وأبو داود (3692)، والترمذي (1741)، والنسائي (8/ 120) (322).

16 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحوله عصابة من أصحابه: "بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئًا ثم ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عفى عنه وإن شاء عاقبه، فبايعناه على ذلك". قلت: رواه البخاري في مواضع: هنا وفي المغازي وفي الحدود وفي التوحيد، ومسلم والترمذي في الحدود، والنسائي في البيعة والتفسير، كلهم من حديث عبادة بن الصامت. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم - "فمن وفى"، بتخفيف الفاء. وفيه دليل لمذهب أهل الحق أن الحدود كفارات. والشرك ليس بداخل في ذلك بالإجماع، وفيه: أن الكبائر لا يكفر صاحبها ولا يخلد في النار وإن لم يتب منها. 17 - خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أضحى أو فطر إلى المصلّى فمرّ على النساء فقال: "يا معشر النساء تصدقن فإني أُرِيتُكُنَّ أكثر أهل النار، فقلن وبم يا رسول الله؟ قال: "تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن" قلن وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله قال: "أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل" قلن بلى قال: "فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم" قلن بلى قال: "فذلك من نقصان دينها". قلت: رواه البخاري في العيدين بطوله وفي الطهارة وفي الزكاة وفي الصوم مقطعًا، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (18)، وفي التفسير (4894)، والتوحيد (8468)، ومسلم (1709)، وفي الحدود (6801)، وفي البيعة (7213)، والترمذي (1439)، والنسائي (7/ 148).

ورواه مسلم في الإيمان، والنسائي وابن ماجه في الصلاة، كلهم من حديث عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري. (¬1) والمعشر: هم الجماعة الذين أمرهم واحد، والعشير: بفتح العين وكسر الشين المراد به الزوج. 18 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قال الله تعالى: "كذَّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه أياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أولُ الخلق بأهون عليّ من إعادته، وأما شتمه إيّاي فقوله: اتخذ الله ولدًا وأنا الأحد الصمد الذي لم ألِدْ ولم أُولَد ولم يكن كفوًا أحد". قلت: رواه البخاري في تفسير سورة "قل هو الله أحد" من حديث أبي هريرة وفي رواية ابن عباس: "فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدًا". قلت: رواه البخاري في تفسير سورة البقرة من حديث ابن عباس. (¬2) 19 - قال الله تعالى: "يؤذيني ابن آدم: يسب الدهر وأنا الدهر، أقلّب الليل والنهار". قلت: رواه البخاري في التفسير وفي التوحيد، ومسلم وأبو داود في الأدب، والنسائي في التفسير كلهم من حديث أبي هريرة، وهذا الحديث آخر حديث في سنن أبي داود وبه ختم كتابه. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الحيض (304)، وفي العيدين (956)، وفي الزكاة (1462)، وفي الصوم (1951)، وفي الشهادات (2658)، ومسلم في الإيمان (80)، والنسائي (3/ 187)، وابن ماجه (1288)، وابن ماجه (4003) من رواية ابن عمر. تحفة الأشراف (3/ 438) (4371). (¬2) أخرجه البخاري (4974) من رواية أبي هريرة، ومن رواية ابن عباس (4482). (¬3) أخرجه البخاري (4826)، وفي التوحيد (7491)، ومسلم (2246)، وأبو داود (5274)، والنسائي السنن الكبرى (11487).

20 - قال الله تعالى: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري، تركته وشِركه". قلت: رواه مسلم في آخر الكتاب من حديث أبي هريرة، ولم يخرجه البخاري، وقد أعاد المصنف هذا الحديث في باب الرياء والسمعة. (¬1) 21 - قال الله تعالى: "الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدًا منهما أدخلته النار". قلت: رواه مسلم في الأدب من حديث الأغر أبي مسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "العِزُّ إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني فيهما عذبته"، ورواه أبو داود في اللباس وابن ماجة في الزهد. (¬2) 22 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أحد أصبر على أذى يسمعه من الله، يَدّعُون له الولد، ثم يعافيهم ويرزقهم". قلت: رواه البخاري في الأدب، والتوحيد، ومسلم في التوبة، والنسائي في التفسير، كلهم من حديث ابي موسى الأشعري واسمه عبد الله بن قيس يرفعه (¬3). 22 - قال: كنت رِدْفَ النبي - صلى الله عليه وسلم - على حمار فقال: "يا معاذ هل تدري ما حق الله على عباده وما حق العباد على الله؟ " قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "فإن حق الله على ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2985). (¬2) أخرجه أحمد في المسند (2/ 248)، وأبو داود (4090)، وابن ماجه (4174) بلفظه. وإنما أخرجه مسلم بمعناه ولفظه: العز إزاره والكبرياء رداؤه فمن ينازعني عذبته، أخرجه مسلم (2620)، والبخاري في الأدب المفرد (552). (¬3) أخرجه البخاري من الأدب (6099)، والتوحيد (7378)، ومسلم (2804)، والنسائي في الكبرى (7708).

العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا، فقلت: يا رسول الله أفلا أبشّر به الناس قال: "لا، فيتَّكلُوا". قلت: رواه البخاري في التوحيد وفى غيره، ومسلم في الإيمان، وأبو داود في الجهاد، والترمذي في الإيمان، والنسائي في العلم وفي عمل اليوم والليلة، كلهم من حديث معاذ بن جبل. (¬1) 24 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسولُ الله صدقًا من قلبه إلا حرّمه الله على النّار". قلت: رواه الشيخان: البخاري في العلم في باب من خص بالعلم قومًا دون آخرين كراهية أن لا يفهموا، ومسلم في الإيمان، واللفظ للبخاري من حديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعاذ بن جبل رديفه على الرحل قال: يا معاذ بن جبل قال: لبيك يا رسول الله وسعديك قال: يا معاذ قال: لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثًا قال: "ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صدقًا من قلبه إلا حرمه الله على النار"، قال: يا رسول الله أفلا أخبر به الناس فيستبشروا قال: إذا يتكلوا، وأخبر بها معاذ عند موته تأثمًا. وخرجه البخاري أيضًا في باب إرداف الرجل الرجل من آخر كتاب اللباس بمعناه وخرجه أيضًا في كتاب الرقائق. (¬2) 25 - أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه ثوب أبيض وهو نائم ثم أتيته وقد استيقظ فقال: "ما من عبد قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة" قلت: وإن زنا وإن سرق؟ قال: "وإن زنا وإن سرق" قلت: وإن زنا وإن سرق؟ قال: "وإن زنا وإن سرق" ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد (2856)، واللباس (5967)، والتوحيد (7373)، ومسلم (30)، وأبو داود (2559)، والترمذي (2643)، والنسائي في الكبرى (5877) وفي عمل اليوم والليلة (186) وفاته أن يعزوه إلى ابن ماجه (4296). (¬2) أخرجه البخاري في العلم (128)، وفي اللباس (5967)، وفي الرقاق (6500)،ومسلم (32).

من الحسان

قلت: وإن زنا وإن سرق؟ قال: "وإن زنا وإن سرق على رغم أنف أبي ذر"، وكان أبو ذر إذا حدث بهذا الحديث قال: وإن رغم أنف أبي ذر. قلت: رواه البخاري في اللباس، ومسلم في الإيمان كلاهما من حديث أبي ذر. (¬1) 26 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وابن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل". قلت: رواه البخاري في أحاديث الأنبياء، ومسلم هنا والنسائي في التفسير، ثلاثتهم من حديث عبادة يرفعه (¬2). 27 - قال أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت له: ابسط يمينك فَلأُبايعك فبسط يمينه، فقبضتُ يدي فقال: ما لك يا عمرو؟ قلت: أردت أن أشترط قال: تشترط ماذا؟ قلت: أن يُغفَر لي قال: "أما علمتَ يا عمرو أن الإسلام يهدِمُ ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبلَه". قلت: رواه مسلم في قصة طويلة في كتاب الإيمان من حديث عمرو بن العاص ولم يخرجه البخاري (¬3). من الحسان 28 - قال: قلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار، قال: "لقد سألتَ عن عظيم، وإنه ليسيرُ على من يسّره الله عليه: تعبد الله ولا تشرك به ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5827)، ومسلم (94). (¬2) أخرجه البخاري (3435)، ومسلم (28)، والنسائي في الكبرى (10970، 11132). (¬3) أخرجه مسلم (121).

شيئًا، وتقيم الصلاة، وتُؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيتَ" ثم قال: "ألا أدلُّك على أبواب الخير: الصوم جنة، والصدقةُ تطفيئُ الخطيئةَ كما يطفئ الماءُ النارَ، وصلاة الرجل من جوف الليل، ثم تلا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} حتى بلغ {يعملُون} ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده، وذروة سنامه قلت: بلى يا رسول الله قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد. ثم قال: ألا أخبرك بملاكِ ذلك كله، قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه وقال: كُفّ عليك هذا. فقلت: يا نبيَّ الله! إنا لمؤاخذون بما نتكلّم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يَكبُّ الناسَ في النار على وجوهِهم أو على مناخِرِهم الا حصائدُ ألسنتهِم". قلت: رواه الترمذي في الإيمان، والنسائي في التفسير، وابن ماجه في الفتن، ثلاثتهم من حديث معاذ بن جبل، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح (¬1). وثكلتك: بالثاء المثلثة أي فقدتك، والظاهر أنه ليس المراد به هنا الدعاء. 29 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أحبَّ لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان". قلت: رواه أبو داود في السنة من حديث أبي أمامة الباهلي (¬2) واسمه: صُدي ابن ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2616)، والنسائي في الكبرى (3973)، وابن ماجه (3973). قلت: إسناده ضعيف وإن قال الإمام الترمذي حسن صحيح وذلك لأمرين: 1 - سماع أبي وائل -شقيق ابن سلمة- من معاذ لم يثبت، ذكر ذلك غير واحد من العلماء. 2 - أنه رواه حماد بن سلمة عن عاصم بن أبي النجود وعن شهر بن حوشب عن معاذ. قال الدارقطني في العلل (6/ 78): وهو أشبه بالصواب وشهر ضعيف وهو لم يلق معاذًا، أخرجه أحمد (5/ 248) وجميع الطرق إلى معاذ في هذا الحديث ضعيفة والله أعلم. (¬2) أخرجه أبو داود (4681) وإسناده حسن والقاسم بن عبد الرحمن الدمشقي أبو عبد الرحمن. وقد ترجم له الحافظ في التقريب (5505) فقال صدوق يغرب كثيرًا. =

عجلان، قال المنذري (¬1): وفي إسناده القاسم بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن الشامي وقد تكلم فيه غير واحد، انتهى كلامه. وقد قيل أن القاسم هذا لم يسمع من صحابي سوى من أبي أمامة. 30 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أفضل الأعمال الحب في الله، والبغض في الله". قلت: رواه أبو داود في السنة عن مجاهد عن رجل عن أبي ذر، وفيه رجل مجهول (¬2). 31 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب". قلت: هذا الحديث بجملته رواه الحاكم في المستدرك عن أبي صالح وسعيد بن أبي مريم قالا: حدثنا الليث قال: حدثني أبو هانئ الخولاني عن عمرو بن مالك الليثي عن فضالة بن عبيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع: ألا أخبركم بالمؤمن، وساق الحديث بلفظه، غير أنه قدم "المؤمن" في الرواية على "المسلم"، وقد سكت عليه الذهبي فيما لخصه من المستدرك ولم يتكلم في سنده ولا استدرك على الحاكم فيه، وقد تقدم عن الشيخين "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه" من حديث ابن عمرو بن العاص. ¬

_ = والصحيح: أنه قد أبان غير واحد من العلماء الجهابذة مثل البخاري وأبي حاتم وابن معين أن المناكير في حديثه إنما تجئ من رواية بعض الضعفاء عنه مثل جعفر بن الزبير وعلي ابن يزيد وبشر بن نمير ونحوهم. ويشهد له حديث معاذ بن أنس الجهني عند الترمذي (2523). (¬1) مختصر سنن أبي داود للمنذري (7/ 51). (¬2) أخرجه أبو داود (4599) وإسناده ضعيف. وقال المنذري: في إسناده: يزيد بن أبي زياد الكوفي، ولا يحتج بحديثه، وقد أخرج له مسلم متابعة، وفيه أيضًا رجل مجهول. ذكر الحافظ في التقريب (7776) يزيد هذا وقال: متروك من السابعة.

وبقية الحديث جاء في السنن مقطعًا من حديث فضالة وأبي هريرة وابن عمرو بن العاص. (¬1) 32 - قلّ ما خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا قال: لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له. قلت: رواه المصنف في شرح السنة بسنده والبيهقي في شعب الإيمان كلاهما من حديث أنس يرفعه (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم (1/ 10 - 11) وقال: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه، وقد وهم في ذلك فإن حميدا لم يخرج له البخاري في الصحيح بل أخرج له في الأدب المفرد، وأخرجه ابن ماجه (3934) وهو عنده بلفظ (المؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب). وأحمد (6/ 21) وكذلك ابن حبان (4862). وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه في شرح السنة (38)، والبيهقي في الشعب (4354). قلت: اقتصار عزوه إلى البغوي والبيهقي في (الشعب) قصور منه رحمه الله. فقد أخرجه أحمد (3/ 154) والبيهقي في الكبرى (6/ 288) (9/ 231) وإسناده حسن فإن رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي هلال وهو -محمد بن سليم الراسبي- فقد روى له أصحاب السنن وعلق له البخاري، وضعفه البخاري والنسائي وابن سعد وغيرهم. ووثقه أبو داود وقال ابن معين: صدوق وقال مرة: ليس به بأس. قلت: هو ضعيف يعتبر به، وحديثه هذا لم يتفرد به هو بل روي من طريق أخرى عن أنس وهي -وإن كانت ضعيفة- فيشدّ بعضها بعضًا وبها يحسن الحديث إن شاء الله. وقد أخرجه ابن أبي شيبة (11/ 11)، وعبد بن حميد (1198)، وأبو يعلى (2863)، والبزار (100 كشف)، والطبراني في الأوسط (2627)، والقضاعي في (مسند الشهاب) (849) (850). وفي الباب عن ابن عمر عند الطبراني في الأوسط (2313) وفيه زيادة. وفيه مندل بن علي وهو ضعيف. عن أبي أمامة عند الطبراني في الكبير (7798)، (7972) وفيه القاسم أبو عبد الرحمن وهو ضعيف عند الأكثرين كما في مجمع الزوائد (1/ 96).

باب الكبائر وعلامات النفاق

باب الكبائر وعلامات النفاق من الصحاح 32 - قال رجل: يا رسول الله أي الذنب أكبر عند الله؟ قال: "أن تدعو لله نِدًّا وهو خلقك" قال: ثم أي؟ قال: "ثم أن تقتل ولدك خشية أن يَطعم معك" قال: ثم أي؟ قال: "ثم أن تزانِيَ حليلة جارك" فأنزل الله تصديقها {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} الآية. قلت: رواه الشيخان: البخاري في مواضع منها في الديات، ومسلم في الإيمان، وأبو داود في الطلاق، والترمذي والنسائي كلاهما في التفسير، كلهم من حديث عمرو بن شرحبيل عن ابن مسعود يرفعه (¬1). وقد وهم ابن الأثير في جامع الأصول (¬2) حين ذكر الحديث في باب الكبائر فجعل أن تلاوة الآية من زيادة الترمذي والنسائي على الصحيحين وليس كذلك بل الآية ثابتة في الصحيحين أيضًا وإنما أوقعه في ذلك أنهما في بعض طرق الحديث لم يذكرا الآية. والند: بالكسر، المثل والنظير. ويطعم بفتح الياء، أي يأكل وهو معنى قول الله: "ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق" أي: فقر. وحليلة الجار: بالحاء المهملة زوجته، ومعنى يزاني يزني بها برضاها، وذلك يتضمن الزنا وإفسادها على زوجها، واستمالة قلبها إلى الزاني. 34 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمينُ الغموسُ". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6861)، ومسلم (86)، وأبو داود (2310)، والترمذي (3183)، والنسائي (7/ 90)، وفي الكبرى (3478). (¬2) انظر جامع الأصول. (10/ 626).

قلت: رواه البخاري في كتاب الأيمان والنذور، والترمذي والنسائي كلاهما في التفسير، كلهم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص يرفعه (¬1). وفي رواية أنس: "وشهادة الزور" بدل "اليمين الغموس". قلت: رواها البخاري في كتاب الشهادات من حديث أنس (¬2). والعقوق: مأخوذ من العق وهو القطع يقال: عق والدَه يعقه بضم العين عقوقًا إذا قطعه، وجمع العاق عققة بفتح الحروف كلها، أو عُقُق بضم العين والقاف، وحقيقة العقوق المحرم شرعًا قلّ مَن ضبطه، وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام (¬3): لم أقف في عقوق الوالدين وفيما يخصان به من الحقوق على ضابطٍ أعتمد عليه لأنه لا يجب طاعتهما في كل ما يأمران به ولا ينهيان عنه باتفاق العلماء، وقد حرم على الولد الجهاد بغير إذنهما، لما يشق عليهما من توقع قتله أو قطع عضو من أعضائه، ولشدة تفجعهما على ذلك، وقد ألحق بذلك كل سفر يخافان فيه على نفسه أو عضو من أعضائه. وقال أبو عمرو ابن الصلاح في فتاويه (¬4): العقوق المحرم كل فعل يتأذى به الوالد أو نحوه تأذيًا ليس بالهين مع كونه ليس من الأفعال الواجبة، قال: وربما قيل: طاعة الوالدين واجبة في كل ما ليس بمعصية ومخالفة أمرهما في ذلك عقوق، وقد أوجب كثير من العلماء طاعتهما في الشبهات. قال: وليس قول من قال من علمائنا: يجوز السفر في طلب العلم والتجارة بغير إذنهما ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الأيمان (6675) وكذلك في استتابة المرتدين (6920) بزيادة: "قلت: وما اليمين الغموس؟ قال: الذي يقتطع مال امرئ مسلم هو فيها كاذب". والترمذي (3024)، والنسائي (7/ 89). (¬2) أخرجه البخاري (2653). (¬3) انظر كتابه: قواعد الأحكام في مصالح الأنام 1/ 24 ط. الثانية عام 1400 هـ. (¬4) انظر فتاوى ابن الصلاح (1/ 201).

مخالفًا لما ذكرناه، قال: هذا كلام مطلق وفيما ذكرته بيان لتقييد ذلك المطلق وظاهر الحديث يدل على أنه لا فرق في شهادة الزور بين أن يكون ذلك بحق كبير أو صغير. 35 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات". قلت: رواه البخاري في الوصايا وفي الطب وفي المحاربين، ومسلم في الإيمان، وأبو داود في الوصايا، والنسائي فيها وفي التفسير، كلهم من حديث أبي هريرة يرفعه. (¬1) والموبقات: المهلكات، والمحصنات: بكسر الصاد وفتحها قراءتان في السبع. قال النووي (¬2): وقد ورد الإحصان في الشرع على خمسة أقسام: العفة والإسلام والنكاح والتزوج والحرية، والمراد بالمحصنات هنا العفائف. والغافلات: هن الغافلات عن الفواحش وما قذفن به. 36 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا ينتهب نُهبةً يرفع الناس إليه فيها أبصارَهم حين ينتهبُها وهو مؤمن، ولا يَغُل حين يغُل وهو مؤمن فإياكم إياكم". قلت: رواه البخاري في الأشربة، ومسلم في الإيمان من حديث يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة، (¬3) ولم يذكر البخاري الغلول ولا ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2766)، وفي الطب (5764)، وفي المحاربين (6857)، ومسلم (89)، وأبو داود (2874)، والنسائي (6/ 257)، وفي الكبرى (6498) (11361). (¬2) المنهاج (2/ 83). (¬3) أخرجه البخاري في الأشربة (5578) وفي المظالم (2475)، ومسلم (57).

فإياكم إياكم، وقد ادعى بعضهم أن ذكر النهبة موقوف على أبي هريرة ليس بمرفوع لأن في الصحيحين وقال ابن شهاب: وأخبرني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن أن أبا بكر كان يحدثهم هؤلاء عن أبي هريرة ثم يقول وكان أبو هريرة يلحق معهن ولا ينتهب نهبة (¬1) يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن، ورد ذلك ابن الصلاح والنووي (¬2) وبينا أنها مرفوعة، والحديث مُؤوَّل على: أن المراد نفي كمال الإيمان لا حقيقته وقيل: هذا مما نؤمن به ونكل معناه إلى الله وإلى رسوله وقال البزار في مسنده: ينزع الإيمان من قلبه فإن تابَ تاب الله عليه. 37 - وفي رواية ابن عباس: "ولا يقتل حين يقتل وهو مؤمن". قلت: هذه رواية البخاري في باب: إثم الزناة في كتاب الحدود من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يزني العبد حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب حين يشرب وهو مؤمن ولا يقتل وهو مؤمن (¬3). قال عكرمة: فقلت لابن عباس: كيف ينزع الإيمان منه؟ قال: هكذا وشبك بين أصابعه ثم أخرجها فإن تاب عاد إليه هكذا وشبك بين أصابعه، وروى أبو داود والترمذي والنسائي قطعة منه. (¬4) 38 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "آية المنافق ثلاث وإن صام وصلّى وزعم أنه مسلم: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5578)، ومسلم (57). (¬2) المنهاج (2/ 43). (¬3) البخاري في كتاب الحدود (6809). انظر تفصيل هذا الموضوع في مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (7/ 670 - 676). (¬4) النسائي (8/ 63)، والترمذي (2625)، والنسائي كذلك في الكبرى (7135).

قلت: رواه البخاري ومسلم كلاهما في الإيمان إلا أن البخاري لم يذكر "وإن صام وصلّى وزعم أنه مسلم"، ورواه النسائي والترمذي فيه، كلهم من حديث أبي هريرة يرفعه. (¬1) 39 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر". قلت: رواه الشيخان في الإيمان واللفظ للبخاري، وقال في مسلم: "وإذا وعد أخلف" بدل "وإذا اؤتمن خان"، ورواه أبو داود في السنة، والترمذي والنسائي كلاهما في الإيمان، كلهم من حديث عبد الله بن عمرو ابن العاص يرفعه (¬2). 40 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين، تَعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة". قلت: رواه مسلم في أواخر الصحيح قبل صفة القيامة والجنة والنار من حديث ابن عمر ولم يخرجه البخاري. والعائرة: بالعين المهملة المترددة المتحيرة لا تدري لأيهما تتبع، ومعنى تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة أي تتردد وتذهب بين الغنمين أي القطيعين من الغنم، ويقال: عارت الدابة إذا انقلبت وذهبت (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (33)، ومسلم (59)، والنسائي (8/ 116) وفي الكبرى (11127) تحفة الأشراف (10/ 14341)، والترمذي (2631). (¬2) أخرجه البخاري (34)، ومسلم (58)، وأبو داود (4688)، والترمذي (2632)، والنسائي (8/ 116) والنسائي في الكبرى (8734). (¬3) أخرجه مسلم (2784)، وكذلك النسائي (8/ 124) وفي الكبرى (11768).

من الحسان

من الحسان 41 - قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي فقال له صاحبه: لا تقل نبي إنه لو سمعك كان له أربعة أعين، فأتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألاه عن تسع آيات بينات، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تَزنوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الربا، ولا تقذفوا محصنة، ولا تولّوا الفرار يوم الزحف، وعليكم خاصة اليهود أن لا تعتدوا في السبت" قال: فقبّلا يديه ورجليه ثم قالا: "نشهد أنك نبي" قال: "فما يمنعكم أن تَتَّبعوني" قالا: إن داود دعا ربه أن لا يزال من ذريته نبي وإنا نخاف إِن اتَّبعناك أن تقتلنا اليهودُ. قلت: رواه الترمذي في الاستئذان وفي التفسير والنسائي في السير وابن ماجه في الأدب كلهم من حديث صفوان بن عسال. وقال الترمذي: حسن صحيح، ورواه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح لا نعرف له علة بوجه من الوجوه ولم يخرجاه، ولا ذكرا لصفوان بن عسال حديثًا واحدًا، وأقر الذهبي في تلخيصه المستدرك ذلك. قال الحاكم: سمعت أبا عبد الله محمد ابن يعقوب الحافظ وسأله محمد بن عبيد فقال: لِمَ تركا حديث صفوان؟ فقال: لفساد الطريق إليه قال الحاكم: وإنما أراد أبو عبد الله بهذا حديث عاصم عن زر فإنهما تركا عاصم بن بهدلة، فأما عبد الله بن سلمة المرادي ويقال: الهمداني، وكنيته أبو العالية فإنه من كبار أصحاب علي وقد روى عن سعد بن أبي وقاص وجابر بن عبد الله وغيرهما من الصحابة وهو راوي هذا الحديث عن صفوان بن عسال انتهى كلام الحاكم، وعاصم الذي أشار إليه هو عاصم بن أبي النجود أحد القراء السبع يقال له: عاصم بن بهدلة قال المحدثون: هو ثبت في القراءات وهو في الحديث دون الثبت، يهم وقد خرج له الشيخان لكن مقرونا بغيره

لا أصلًا وانفرادًا. والله أعلم (¬1). قوله: "إنه لو سمعك كان له أربعة أعين": هو كناية عن المسرة التامة أي يسر بقولك سرورا يزداد به نورًا إلى نور كذي عينين أصبح يبصر بأربعة أعين وإنما قال اليهودي ذلك لأن السرور يمد القوة الباصرة كما أن الهم يخل بها ولهذا يقال لمن أحاطت به الهموم: أظلمت عليه الدنيا. (¬2) 42 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاث من أصل الإيمان: الكف عمن قال لا إله إلا الله، لا تكفّره بذنب، ولا تخرجه من الإسلام بعمل، والجهاد ماضٍ مُذْ بعثني الله إلى أن يقاتل آخرُ أمتي الدجال، لا يُبطله جور جائر، ولا عدل عادل، والإيمان بالأقدار". قلت: رواه أبو داود في الجهاد من حديث يزيد بن أبي نُشُبَه عن أنس، ويزيد هذا لم يخرج له من أصحاب الكتب الستة غير أبي داود، وهو مجهول كما قاله المزي وغيره ونشبه بضم النون وسكون الشين المعجمة وبعدها باء موحدة مفتوحة وتاء تانيث (¬3). 43 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا زنى العبد خرج منه الإيمان، فكان فوق رأسه كالظلة، فإذا خرج من ذلك العمل رجع إليه الإيمان". قلت: رواه أبو داود في السنة من حديث أبي هريرة وسكت عليه هو والمنذري ورواه ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3144)، (2733)، والنسائي (7/ 111 - 112) ومن الكبرى (3541)، وابن ماجه (3705)، والحاكم (1/ 29) وقال: صحيح لا نعرف له علة بوجه من الوجوه. وعزاه الحافظ ابن حجر في إتحاف المهرة (6548). إلى الطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 215)، وأحمد (4/ 239). وذكره الشيخ الألباني -رحمه الله- في ضعيف الترمذي (517)، وفي ضعيف ابن ماجة (808). (¬2) جاء في حاشية الأصل: وأما قولهما: إن داود عليه السلام دعا ربه إلى آخره فهذا كذب على داود ولا يجوز اعتقاد ذلك فإنه كان عالمًا بالتوراة والزبور وفيهما أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين وأن شريعته ناسخة لكل شريعة. (¬3) أخرجه أبو داود (2532) وإسناده ضعيف لأن فيه: يزيد بن أبي نشبه وهو مجهول. قال في (نصب الراية) (3/ 377): يزيد قال المنذري في مختصره (3/ 380) يزيد ابن أبي نشبه في معنى المجهول، وقال عبد الحق يزيد بن أبي نشبة من بني سلم لم يرو عنه إلا جعفر بن يرقان، انظر التقريب (7838).

فصل في الوسوسة

الحاكم وقال: هو على شرط الشيخين ولم يعترضه الذهبي ورواه الترمذي في الإيمان تعليقًا فقال: وقد روى عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكره (¬1). فصل في الوسوسة من الصحاح 44 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تجاوز عن أمتي ما وسوست به صدورها، ما لم تعمل أو تتكلم". قلت: رواه الجماعة كلهم في الطلاق إلا مسلمًا فإنه رواه في الإيمان ورواه البخاري أيضًا في العتق وفي النذور، كلهم من حديث قتادة عن زرارة بن أوفى عن أبي هريرة، وعزا المزى رواية الترمذي إلى النكاح وصوابه الطلاق (¬2). 45 - جاء ناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألوه إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به قال: "أو قد وجدتموه" قالوا: نعم، قال: "ذاك صريح الإيمان". قلت: رواه مسلم في الإيمان، والنسائي في اليوم والليلة، وأبو داود في الأدب، ثلاثتهم من حديث سهل بن أبي صالح عن أبي هريرة ولم يخرجه البخاري (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4690)، (وانظر مختصر سنن أبي داود للمنذري 7/ 55 - 4525)، والترمذي (2625)، والحاكم (1/ 22) وقال صحيح على شرط الشيخين. قلت: أما الصحة فنعم وأما على شرط الشيخين فلا لأن في الإسناد نافع بن يزيد وهو الكلاعي أخرج له مسلم، والبخاري لم يخرج له إلا تعليقًا فهو على شرط مسلم فقط. (¬2) أخرجه البخاري في العتق (2528) وكذلك في الأيمان (6664)، ومسلم (127)، والنسائي (6/ 156)، وابن ماجه (2044)، وأبو داود (2209)، والترمذي (1183). انظر تحفة الأشراف (9/ 450) (12896) وقد نبه الحافظ على وهم المزي في النكت الظراف في الصفحة المذكورة. (¬3) أخرجه مسلم (132)، وأبو داود (5112)، والنسائي في الكبرى (10500) وفي عمل اليوم والليلة =

ومعنى الحديث: أن استعظام ذلك هو صريح الإيمان لا أن الوسوسة به صريح الإيمان، والله أعلم. 46 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته". قلت: رواه البخاري في صفة إبليس، ومسلم في الإيمان، والنسائي في اليوم والليلة، كلهم من حديث الزهري عن عروة عن أبي هريرة يرفعه. (¬1) 47 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا خَلق الله الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئًا فليقل: آمنت بالله ورسله". قلت: رواه مسلم في الإيمان، وأبو داود في السنة، والنسائي في اليوم والليلة، كلهم من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن أبي هريرة (¬2)، وأخرج البخاري معناه في بدء الخلق في باب صفة إبليس، وأخرج أيضًا الشيخان معناه من حديث أنس ولفظ البخاري قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لن يبرح الناس يتساءلون هذا الله خلق كل شيء فمن خلق الله؟ ". (¬3) 48 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما منكم من أحد إلا وقد وُكّل به قرينُه من الجن قالوا: وإياك يا رسول الله! قال: "وإيّايَ إلا أن الله أعانني عليه فأَسْلم فلا يأمرني إلا بخير". قلت: رواه مسلم في صفة القيامة وهو بعد باب التوبة من حديث سالم بن أبي الجعد عن أبيه عن ابن مسعود ولم يخرجه البخاري. (¬4) ¬

_ = (664). (¬1) أخرجه البخاري (3276)، ومسلم (134)، وأبو داود (5112). والنسائي في عمل اليوم والليلة (663)، وفي الكبرى (10499). (¬2) أخرجه مسلم (134)، وأبو داود (4721)، والنسائي في اليوم والليلة (662). (¬3) أخرجه البخاري (7296)، ومسلم (136). (¬4) أخرجه مسلم (2814). والرواية الثانية كذلك برقم (2/ 2814) كما قال المؤلف.

- وفي رواية: "ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة". قلت: رواها مسلم وهي رواية من الحديث قبله. 49 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم". قلت: رواه البخاري في مواضع منها في الاعتكاف في موضعين منه، ومسلم في الاستئذان، وأبو داود في الصوم، والنسائي في الاعتكاف، وابن ماجه في الصوم، كلهم من حديث صفية أم المؤمنين بنت حيي، (¬1) وفيه قصة زيارتها للنبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف ورواه مسلم أيضًا في الاستئذان وأبو داود في السنةكلاهما من حديث أنس (¬2) ولم يخرجه البخاري من حديث أنس ورواه الدارمي في كتاب الاستئذان في باب الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم من حديث جابر بن عبد الله. (¬3) 50 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من بني آدم مولود إلا يَمسُّه الشيطان حين يولد فيستهل صارخًا من مسّ الشيطان، غيرَ مريمَ وابنها عليهما السلام". قلت: رواه الشيخان في أحاديث الأنبياء من حديث الزهري عن سعيد عن أبي هريرة، ورواه البخاري أيضًا في التفسير، وظاهر الحديث اختصاص هذه الفضيلة بعيسى وأشار القاضي عياض إلى أن جميع الأنبياء يتشاركون فيها. (¬4) 51 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صِياحُ المولود حين يقع، نزغة من الشيطان". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الاعتكاف (2038)، و (2039)، ومسلم (2175)، وأبو داود (2470) (2471) (4994)، والنسائي في الكبرى (370357)، وابن ماجه (1779). (¬2) أخرجه مسلم (2174)، وأبو داود (4719). (¬3) أخرجه الدارمي (2/ 411) (21782). (¬4) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء (3431) وفي التفسير (4548)، ومسلم (2366/ 146 و147) وانظر كلام القاضي عياض في كتابه: إكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 337).

من الحسان

قلت: رواه مسلم في أحاديث الأنبياء من حديث سهيل عن أبيه عن أبي هريرة يرفعه ولم يخرجه البخاري. (¬1) 52 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه يفتنون الناس، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجئ أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئًا، ثم يجئ أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه ويين امرأته، فيدنيه منه فيقول: ونِعم أنت" قال الأعمش: أراه قال: فيلتزمه. قلت: رواه مسلم في أواخر الصحيح قبل صفة الجنة والنار من حديث جابر ولم يخرجه البخاري (¬2). والعرش: سرير الملك، ومعناه: أن مركزه البحر ومنه يبعث سراياه في نواحي الأرض، "ونعم أنت" هو بكسر النون وإسكان العين وهي نعم الموضوعة للمدح. 53 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الشيطان قد آيس أن يعبده المُصَلّون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم". قلت: رواه مسلم من حديث جابر في أواخر الصحيح بعد حديث الإفك ولم يخرجه البخاري. (¬3) من الحسان 54 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاءه رجل فقال: إني أحدث نفسي بالشيء، لأَن أكون حُمَمَةً أحب إليّ من أن أتكلم به، قال: "الحمد لله الذي ردّ أمرَه إلى الوسوسة". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2367). (¬2) أخرجه مسلم (2813). (¬3) أخرجه مسلم (2812).

قلت: رواه أبو داود في الأدب والنسائي في اليوم والليلة كلاهما عن ابن عباس، وسند أبي داود سند الصحيحين (¬1). والحممة: الحمم الفحم والرماد وكل ما أحرق بالنار. 55 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن للشيطان لَمَّةً بابن آدم، وللمَلك لَمّة، فأما لَمّة الشيطان: فإيعاز بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملَك: فإيعاز بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك، فليعلم أنه من الله، فليحمد الله، ومن وجد الأخرى، فليتعوذ بالله من الشيطان ثم قرأ: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ}. قلت: رواه الترمذي والنسائي كلاهما في التفسير من حديث مرة عن عبد الله بن مسعود، قال الترمذي: حسن غريب، ولا نعلمه مرفوعًا إلا من حديث أبي الأحوص وسندهما سند مسلم إلا عطاء بن السائب فإنه لم يخرج له مسلم إلا متابعة (¬2). والَلمَّة: قال ابن الأثير (¬3): الهمة والخطرة تقع في القلب. 56 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا خَلَق الله الخلق فمن خلَق الله؟ فإذا قالوا ذلك فقولوا: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} ثم ليتفل عن يساره ثلاثًا، وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم". قلت: رواه أبو داود في السنة والنسائي في اليوم والليلة كلاهما من حديث ابن إسحاق عن عمه ابن مسلم عن أبي سلمة عن أبي هريرة ومحمد بن إسحاق بن يسار كان من ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (5112)، والنسائي في اليوم والليلة (667) وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه الترمذي (2988)، والنسائي في الكبرى (11051) تحفة الأشراف (7/ 139)، ورجّح بعض العلماء وقفه عن عبد الله وما الذي يمنع أن تكون زيادة ثقة، لأن أبا الأحوص ثقة. أو أنه من الموقوف الذي له حكم الرفع. انظر علل الرازي (2/ 244). (¬3) النهاية (4/ 273).

باب الإيمان بالقدر

بحور العلم صدوقًا روى له أصحاب السنن ومسلم مقرونًا واختلف في الاحتجاج به قال المزي: حديثه فوق الحسن. (¬1) 57 - سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في حجة الوداع: "ألا لا يجني جان على نفسه، ألا لا يجني جان على ولده، ولا مولود على والده، ألا إن الشيطان قد آيس أن يعبد في بلادكم هذه أبدًا، ولكن ستكون له طاعة فيما تحتقرون من أعمالكم فسيرضى به". قلت: رواه الترمذي في التفسير وابن ماجه في المناسك في الخطبة يوم النحر كلاهما من حديث سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أبيه أطول مما ذكره المصنف، وقال الترمذي: حديث صحيح. (¬2) باب الإيمان بالقدر من الصحاح 58 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلقَ السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشُه على الماء". قلت: رواه مسلم والترمذي كلاهما في هذا الباب من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4721) (4722)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (669). قلت: ولكن ابن إسحاق مدلس وقد صرح بالتحديث وإسناده حسن. (¬2) أخرجه الترمذي (2159)، وابن ماجه (3055)، وكذلك النسائي في الكبرى (4100). وإسناده صحيح، انظر طرقه في الإرواء (7/ 333) (2303). (¬3) أخرجه مسلم (2653)، والترمذي (2156).

قوله - صلى الله عليه وسلم -: كتب الله مقادير الخلائق أي قدرها أو أجرى القلم على اللوح المحفوظ بتحصيل مقادير الخلائق على وفق ما تعلقت إرادته به، وأما قبل أن يخلق الخلائق بخمسين ألف سَنة: فمعناه طول الأمد وتمادي ما بين التقدير والخلق من المدة خمسون ألف سنة مما تعدون، وفيه دليل على أن الماء والعرش لم يخلق شيء قبلهما وأيهما سابق للآخر؟ الله أعلم بذلك. 59 - ابن عمر، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كل شيء بقدر، حتى العجز والكَيْس". (¬1) قلت: رواه مسلم في هذا الباب من حديث طاوس بن كيسان قال: أدركت ناسًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقولون: كل شيء بقدر، وسمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كل شيء بقدر وساقه. قوله: العجز والكَيْس، قال القاضي (¬2): رويناه برفع العجز والكيس عطفًا على كل، وبجرهما عطفاً على شيء، قال: ويحتمل أن العجز هنا على ظاهره وهو عدم القدرة. وقيل: هو ترك ما يجب فعله والتسويف به وتأخيره عن وقته قال: ويحتمل العجز عن الطاعة، ويحتمل العموم في أمر الدنيا والآخرة، والكَيْس: ضد العجز وهو النشاط والحذق بالأمور ومعناه أن العاجز قد قدر عجزه والكيس قد قدر كيسه. 60 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "احتج آدم وموسى عند ربّهما، فحجّ آدمُ موسى، قال موسى: أنت آدم الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته وأسكنك في جنته ثم أهبطّت الناس بخطيئتك إلى الأرض؟، فقال آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه وأعطاك الألواح فيها تبيان كل شيء، وقَرّبك نجيا، فبكَم وجدتَ الله كتب التوراةَ قبل أن أُخْلق، قال موسى: بأربعين عامًا، قال آدم: فهل ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2655). (¬2) إكمال المعلم (8/ 143).

وجدت فيها {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}؟ قال: نعم، قال: أفتلُومني على أن عملت عملًا كتبه الله عليَّ أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فَحَجّ آدمُ موسى". قلت: رواه مسلم بهذا اللفظ والبخاري ولم يقل: خلقك الله بيده إلى في جنته ولا أعطاك الألواح إلى قال نعم، والترمذي مختصرًا ثلاثتهم هنا وأبو داود وابن ماجه كلاهما في السنة، والنسائي في التفسير كلهم من حديث أبي هريرة يرفعه (¬1). وفي رواية: "فقال موسى: يا آدم أنت أبونا أخرجتنا من الجنة فقال آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخَطّ لك التوراة بيده، تلومني على أمرٍ قد قَدّره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة". قلت: رواه الشيخان (¬2) هنا وهي رواية من الحديث، وليست هذه الرواية في كثير من نسخ المصابيح ولا في نسخة السماع. 61 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن خَلْق أحدكم يُجمع في بطن أمه أريعين يومًا نطفة، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مُضغةً مثل ذلك، ثم يبعث الله اليه ملَكًا بأربع كلمات، فيكتب عملَه وأجلَه ورزقه وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، وإنّ الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها الا ذراع، فيسبقُ عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة، وإنّ الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها الا ذراع، فيسبق عليه الكتابُ فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2652). ورواه الترمذي (2134)، وابن ماجه (80)، والنسائي في التفسير من الكبرى (10986). تحفة الأشراف (10/ 13529) (9/ 12389) (9/ 12360). (¬2) أخرجه البخاري (6614)، ومسلم (2652).

قلت: رواه البخاري في هذا الباب وفي التوحيد وفي خلق آدم ومسلم والترمذي هنا وأبو داود وابن ماجه كلاهما في السنة والنسائي في التفسير كلهم من حديث عبد الله بن مسعود. (¬1) قال في النهاية (¬2): يجوز أن يراد بالجمع مكث النطفة في الرحم أي تمكث النطفة في الرحم أربعين يومًا حتى تهيأ للخلق. وقد روي عن ابن مسعود (¬3) في تفسير هذا الحديث: أن النطفة إذا وقعت في الرحم فأراد الله أن يخلق منها بشرًا طارت في بشرة المرأة تحت كل ظفر وشعر ثم تمكث أربعين ليلة ثم تنزل دمًا في الرحم فذلك جمعها. والعلقة: الدم الغليظ الجامد. والنطفة: الماء القليل، والمضغة: القطعة من اللحم قدر ما يمضغ. قوله - صلى الله عليه وسلم -: وشقي أو سعيد، بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هو شقي أو سعيد. 62 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن العبد ليعمل عمل أهل النار وإنه من أهل الجنة، ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار، وإنما الأعمال بالخواتيم". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6594)، وفي التوحيد (7454)، وفي خلق آدم (3208)، ومسلم (2643)، والترمذي (2137)، وأبو داود (4708)، وابن ماجه (76)، والنسائي في الكبرى (11246) تحفة الأشراف (9228). (¬2) النهاية (1/ 297). (¬3) أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير من رواية الأعمش عن خيثمة بن عبد الرحمن عن ابن مسعود دون قوله: (فذلك جمعها) فإنه من كلام الخطابي أو من تفسير بعض رواة الحديث) انظر تفسير ابن كثير. (3/ 266 ط دار السلام). وجامع الأصول (10/ 114). وقد تولى شرح هذا الحديث الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم، وجمع بينه وبين حديث حذيفة بن أسيد، المخرّج في صحيح مسلم فيحسن الرجوع إليه فارجع إليه غير مأمور.

قلت: رواه الشيخان في هذا الباب من حديث سهل بن سعد واللفظ للبخاري، ولم يقل مسلم: وإنما الأعمال بالخواتيم (¬1). 63 - دُعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جنازة صبي من الأنصار، فقلت: طوبى لهذا، عصفور من عصافير الجنة، لم يعمل سوءًا، قال: "أو غير ذلك يا عائشة، إن الله خلق الجنة وخلق النار، وخلق لهذه أهلًا، ولهذه أهلًا، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم". قلت: رواه مسلم في هذا الباب ولم يخرجه البخاري ورواه أبو داود وابن ماجه في السنة، والنسائي في الجنائز كلهم من حديث عائشة (¬2). طوبى: اسم الجنة وقيل هي شجرة فيها، وأصلها فُعْلى من الطيب فلما ضمت الطاء انقلبت الياء واوًا. 64 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما منكم من أحد إلا وقد كتب له مقعده من النار ومقعده من الجنة، قالوا: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما من كان من أهل السعادة فسييسّر لعمل السعادة وأما من كان من أهل الشقاوة فسيُيَسّر لعمل الشقاوة ثم قرأ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} الآية". قلت: رواه البخاري في التفسير وفي الجنائز وفي القدر وفي الأدب وفي التوحيد، ومسلم والترمذي هنا وأبو داود وابن ماجه في السنة، والنسائي في التفسير ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6607)، ومسلم (112). (¬2) أخرجه مسلم (2662)، وأبو داود (4713)، وابن ماجه (82)، والنسائي (4/ 57) انظر تحفة الأشراف (12/ 403) حديث (17873). والنسائي في الكبرى (2074).

كلهم من حديث علي رضي الله عنه. (¬1) وميسر: أي مهيأ ومصروف إليه. 65 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزِّنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر وزنا اللسان النطق، والنفس تتمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك ويكذبه". قلت: رواه الشيخان: البخاري في الاستئذان وفي القدر، ومسلم هنا، وأبو داود في النكاح، والنسائي في التفسير، كلهم من حديث عبد الله بن عباس (¬2) قال: لم أر شيئًا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الله كتب على ابن آدم. الحديث. وفي رواية: الأذنان زناهما الاستماع واليد زناها البطش والرِّجل زناها الخُطا، قلت: هذه الرواية في مسلم (¬3) ولفظه: "كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخُطا، والقلب يهوى، ويتمنى ويصدق ذلك الفرج ويكذبه". 66 - أن رجلَيْن من مُزَينة قالا: يا رسول الله أرأيت ما يعملُ الناسُ ويكدحون فيه، أشيءٌ قضي عليهم ومضى فيهم من قَدَر سَبق، أم فيما يستقبلون، فقال: "لا بل شيء قضي عليهم وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)} ". قلت: رواه مسلم هنا من حديث عمران بن حصين ولم يخرج البخاري هذا اللفظ. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4949)، وفي الجنائز (1362)، وفي القدر (6605)، وفي الأدب (6217)، وفي التوحيد (7552)، ومسلم (2647)، والترمذي (2136) (3344) وابن ماجه (78)، والنسائي في الكبرى (11679)، انظر تحفة الأشراف (7/ 398)، (10167). (¬2) أخرجه البخاري (6343)، وفي القدر (6612). ومسلم (2675)، وأبو داود (2152) والنسائي في الكبرى (1544). (¬3) أخرجها مسلم (2657). (¬4) أخرجه مسلم (2650).

ويكدحون: قال الجوهري (¬1): الكدح العمل والسعي، والخدش والكسب يقال: هو يكدح في كذا أي يكد. 67 - قلت: يا رسول الله إني رجل شاب وأنا أخاف على نفسي ولا أجد ما أتزوج به النساء كأنه يستأذنه في الاختصاء قال: فسكت عني، ثم قلت مثل ذلك، فسكت عني، ثم قلت مثل ذلك، فسكت عني، ثم قلت مثل ذلك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (يا أبا هريرة جف القلم بما أنت لاق، فاختَصِ على ذلك أو ذر). قلت: رواه البخاري والنسائي كلاهما في النكاح من حديث الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة. (¬2) 68 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد يُصَرِّفه كيف يشاء"، ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم مصرِّف القلوب صرّف قلوبنا على طاعتك". قلت: رواه مسلم هنا، والنسائي في النعوت (¬3)، كلاهما من حديث عبد الله ابن يزيد أبي عبد الرحمن الحُبلِّي عن عبد الله بن عمرو بن العاص يرفعه ولم يخرجه البخاري. 69 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه كما تُنتج البهيمة بهيمةً جَمعاء، هل تُحسون فيها من جَدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها" ثم يقول أبو هريرة: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا (30)}. ¬

_ (¬1) انظر: الصحاح للجوهري (1/ 398). (¬2) أخرجه البخاري (5076)، والنسائي (6/ 59). (¬3) أخرجه مسلم (2654)، والنسائي في الكبرى (7739).

قلت: رواه البخاري في الجنائز واللفظ له ومسلم في القدر، وأبو داود في السنة من حديث أبي هريرة (¬1). وتُنتَج: بضم التاء الأولى وفتح الثانية ورفع البهيمة ونصب بهيمة أي كما تلد البهيمة بهيمة. وجمعاء: بالمد أي مجتمعة الأعضاء سليمة من النقص. وجدعاء: بالمد مقطوعة الآذان أو غيرها من الأعضاء، ومعناه: أن البهيمة تلد البهيمة كاملة الأعضاء لا نقص فيها وإنما يحدث فيها النقص بعد ولادتها من الجدع وغيره. 70 - قال قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بخمس كلمات فقال: "إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفِضُ القِسْطَ ويرفعه، يُرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقَتْ سُبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خَلْقه". قلت: رواه مسلم في الإيمان، وابن ماجه في السنة، من حديث أبي موسى الأشعري واسمه عبد الله بن قيس (¬2). والقسط: الميزان وقد جاء مصرحًا به في رواية أبي هريرة: يرفع الميزان ويخفِضه وفسر بعضهم القسط هنا بالرزق أي يقتّره ويوسِّعه، ويحتمل أن يراد برفع الميزان ما يوزن من الأرزاق النازلة من عنده تعالى وأعمالهم المرتفعة إليه، قال النووي (¬3): ذهبوا إلى أن معنى سبحات وجهه: نوره وجلاله وبهاؤه، وأما الحجاب: فأصله في اللغة المنع والستر، وحقيقته إنما يكون للأجرام المحدودة والله تعالى منزه عن ذلك والمراد هنا: مجرد ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الجنائز (1358) (1359) وكذلك في التفسير (4775)، وفي كتاب القدر (6599)، ومسلم (2658)، وأبو داود (4705) و (4706). (¬2) أخرجه مسلم (179)، وابن ماجه (195). (¬3) المنهاج (3/ 390).

المنع من رؤيته، وسُمّي نورا ونارًا لأنهما يمنعان من الإدراك في العادة لشعاعهما، والمراد بالوجه: الذات المقدسة وبما انتهى إليه بصره، من خلقه: جميع المخلوقات، لأن بصره تعالى محيط بجميع الكائنات، ولفظة "من" لبيان الجنس. 71 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يد الله ملأى لا تَغيضها نفقة سَحّاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق مُذْ خلقَ السموات والأرض فإنه لم يَغِض ما في يده، وكان عرشه على الماء، وييده الميزان يخفض ويرفع". وفي رواية: يمين الرحمن ملأَى سحاء. قلت: رواه البخاري في التوحيد وفي تفسير سورة هود، ومسلم في الزكاة، وأبو داود في التفسير، والنسائي في النعُوت، وابن ماجة في السنة، كلهم من حديث أبي هريرة (¬1) ولفظ "يد الله" للبخاري دون مسلم ولفظ مسلم وكذا البخاري في بعض طرقه يمين الله قوله - صلى الله عليه وسلم -: يد الله ملأ، (¬2) قال عياض (¬3): كذا رويناه وهي عبارة عن كثرة الجود، وسعة العطاء ورواه بعضهم في كتاب مسلم مَلَى بفتح اللام على وزن بَلَى على نقل حركة الهمزة. ووقع في مسلم أيضًا من رواية ابن نمير ملآن قال النووي (¬4): وهو غلط منه وصوابه ملأى كما في سائر الروايات ثم ضبطوا رواية ابن نمير بوجهين أحدهما: إسكان اللام وبعدها همزة والثاني: ملآن بفتح اللام بلا همزة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (7419) وفي التفسير (4684). والنسائي في الكبرى (11239) كما في تحفة الأشراف (10/ 13740). وابن ماجه (197) وفاته أنه في الترمذي أيضًا (3045). (¬2) رواه مسلم (993). (¬3) إكمال المعلم (3/ 509). هذا التأويل ليس له وجه، والصواب إجراء الحديث على ظاهره، لأن عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بما جاء في الكتاب والسنة الصحيحة من أسماء الله وصفاته وإثبات ذلك على وجه الكمال مع تنزيهه سبحانه عن مشابهة المخلوقات. (¬4) المنهاج (7/ 66).

من الحسان

لا يغيضها: قال الجوهري (¬1): يقال غاض الماء يغيض غيضًا أي قل ونضب. وسحّاء: ضبطوه بوجهين أحدهما: سحاء بالتنوين على المصدر وهذا هو الأصح الأشهر، والثاني: سحاء بالمد على الوصف ووزنه فعلاءَ صفة لليد، والسح: الصب الدائم، والليل والنهار منصوبان على الظرف. 72 - أبو هريرة قال: وسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذراري المشركبن، فقال: "الله أعلم بما كانوا عامِلين". قلت: رواه البخاري في الجنائز، وفي القدر، ومسلم هنا، والنسائي في الجنائز، من حديث عطاء بن يزيد عن أبي هريرة، ورووه أيضًا في الأبواب المذكورة بنحوه، وأبو داود في السنة من حديث ابن عباس. (¬2) من الحسان 73 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن أول ما خلق الله القلم فقال له: كتب، قال: ما أكتب؟ قال: القدر، ما كان وما هو كائن إلى الأبد". غريب. قلت: رواه الترمذي في القدر مطولًا بعضه من حديث عبد الواحد عن عطاء ابن أبي رباح عن الوليد عن عبادة بن الصامت عن أبيه يرفعه بهذا اللفظ، وقال: حديث حسن صحيح غريب ورواه أبو داود في السنة مع اختلاف في لفظه من حديث أبي حفصة (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: الصحاح للجوهري (3/ 1096). (¬2) أخرجه البخاري (1384)، وفي القدر (6600)، ومسلم (2659)، والنسائي في الجنائز (4/ 58 - 59)، وأبو داود (4711) من رواية ابن عباس. (¬3) أخرجه الترمذي (2155)، وقال: حديث غريب وكذلك أخرجه في التفسير (3319)، وقال: حديث حسن غريب، وأخرجه أبو داود (4700). قلت: وقول الترمذي غريب فالاستغراب إنما هو بالنظر في هذا الوجه. وعلته عبد الواحد بن سليم وهو =

وهو حُبَيْش الحبشي ويقال له أبو حفص، قال: قال عبادة بن الصامت: يا بني إنك لن تجد طعم الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب، قال: رب وماذا أكتب قال: اكتب مقادير كل شئ حتى تقوم الساعة يا بني! سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من مات على غير هذا فليس مني. 74 - سئل عن هذه الآية {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ} الآية. قال عمر: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأل عنها، فقال: "إن الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذريته فقال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون فقال رجل: ففيم العمل يا رسول الله؟ ففال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيُدخله به الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعملَه بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فُيدْخله به النار". قلت: رواه أبو داود في السنة والترمذي والنسائي كلاهما في التفسير والحاكم في المستدرك في كتاب الإيمان، كلهم من حديث مسلم بن يسار أن عمر سئل عن هذه الآية إلى آخر الحديث، فقال الحاكم: على شرط الشيخين واعترضه الذهبي، فقال: فيه ¬

_ = ضعيف، والتحسين باعتبار أنه لم ينفرد به، وهو رواه عن عطاء بن أبي رباح عن الوليد بن عبادة قال حدثني أبي، وأخرجه أحمد (5/ 317) من طريق عبادة بن الوليد بن عبادة ويزيد بن أبي حبيب. كلاهما عن الوليد به. وله طريق أخرى عن عبادة بن الصامت رواها أبو داود كما سبق فالحديث صحيح إن شاء الله.

إرسال، وقال الترمذي: حسن، (¬1) ومسلم بن يسار لم يسمع من عمر قال المنذري: ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4703)، والترمذي (3075)، والنسائي في الكبرى (11190) وانظر: تحفة الأشراف (8/ 114). والحاكم (1/ 27)، (2/ 324 - 325، 544). ووافقه الذهبي في الموضعين الثاني والثالث وخالفه في الموضع الأول فقال: فيه إرسال. قلت: ذكر المؤلف رحمه الله ما قيل من العلل في هذا الحديث وسأفصلها: أ- لم يذكر الموضعين من المستدرك وقد ذكره الحافظ ابن حجر في إتحاف المهرة (15794). ب- قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: (3/ 503) بعد أن نقل قول الترمذي حديث حسن: ومسلم بن يسار لم يسمع من عمر، وقد ذكر بعضهم في هذا الإسناد بين مسلم بن يسار وبين عمر رجلًا. هكذا قال أبو حاتم وأبو زرعة وزاد أبو حاتم: وبينهما نعيم بن ربيعة وهذا الذي قاله أبو حاتم: رواه أبو داود عن بقية بن الوليد عن عمر بن جُعثُم عن زيد بن أبي أنيسة عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن يزيد عن مسلم بن يسار عن نعيم بن ربيعة، قال: كنت عند عمر بن الخطاب وقد سئل عن هذه الآية. وقال الدارقطي في العلل (2/ 222) لما سئل عن هذا الحديث: يرويه زيد بن أبي أنيسة عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن مسلم بن يسار عن نعيم بن ربيعة عن عمر حدث عنه كذلك يزيد بن سنان أبو فروة الرهاوي وجوّد إسناده ووصله أهـ. ورواية يزيد بن سنان هذه أخرجها محمد بن نصر في كتاب "الرد على محمد ابن الحنفية" كما في "النكت الظراف" (8/ 113) حدثنا الذهلي حدثنا محمد بن يزيد ابن سنان، حدثنا أبي ... وقال الدارقطني: وخالفه مالك بن أنس، من رواه عن زيد بن أبي أنيسة ولم يذكر في الإسناد نعيم بن ربيعة وأرسله عن مسلم بن يسار عن عمر وحديث يزيد بن سنان متصل وهو أولى بالصواب والله أعلم. وقال الحافظ ابن كثير: (الظاهر أن الإمام مالكا إنما أسقط ذكر نعيم بن ربيعة عمدًا لما جهل حال نعيم ولم يعرفه، فإنه غير معروف إلا في هذا ولذلك يسقط ذكر جماعة ممن لا يرتضيهم ولهذا يرسل كثيرًا من المرفوعات ويقطع كثيرًا من الموصولات والله أعلم. قلت: وللحديث شواهد من حديث عمران بن حصين وعلي وجابر وعبد الرحمن ابن قتادة السلمي. عند ابن حبان (333، 338 - الإحسان) وكذلك من حديث عمر نفسه عند الآجري في "الشريعة" (صـ 170 - 171]). =

وذكر بعضهم في هذا الإسناد بين مسلم بن يسار وبين عمر رجلًا وقال أبو القاسم حمزة بن محمد: لم يسمع مسلم بن يسار هذا من عمر، رواه نُعيم بن ربيعة عن عمر. وقال ابن عبد البر: هذا حديث منقطع بهذا الإسناد، لأن مسلم بن يسار هذا لم يلق عمر بن الخطاب، وبينهما في هذا الحديث نعيم بن ربيعة، وهذا -أيضًا مع هذا الإسناد- لا تقوم به حجة، ومسلم بن يسار هذا مجهول قيل: إنه مدني، وليس بمسلم بن يسار البصري، قال: وجملة القول في هذا الحديث أن إسناده ليس بالقائم لأن مسلم بن يسار ونعيم بن ربيعة جميعًا غير معروفين بحمل العلم، ولكن معنى هذا الحديث قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه ثابتة كثيرة يطول ذكرها من حديث عمر بن الخطاب وغيره انتهى ما نقله المنذري عن ابن عبد البر وغيره. (¬1) 75 - قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي يده كتابان، فقال: "للذي في يده اليمنى: هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء، آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم، فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدًا" ثم قال للذي في شماله: "هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل النار وأسماء، آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدًا" ثم قال: "بيده فنبذهما ثم قال: فرغ ربكم من العباد {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7)} ". قلت: رواه الترمذي في القدر، والنسائي في التفسير من حديث ابن عمرو، وقال ¬

_ = ج- ذكر الشيخ ناصر الدين -رحمه الله- في تخريج المشكاة (95) بأن رجال إسناده ثقات، رجال الشيخين، غير أنه منقطع بين مسلم بن يسار وعمر، لكن له شواهد كثيرة. ويبدو أنه ليس كذلك فإن مسلم بن يسار الجهني لم يخرج له أحد الشيخين، ولم يوثقه غير ابن حبان والعجلي راجع جامع التحصيل للعلائي (279، 763). (¬1) انظر كلام المنذري في مختصر سنن أبي داود (7/ 72 - 73) وانظر كذلك التمهيد لابن عبد البر (6/ 3 - 6).

الترمذي: حسن صحيح. (¬1) 76 - قلت: يا رسول الله أرأيت رُقى نسترقيها ودواءً نتداوى به وتُقاة نَتَّقيها، هل تَردّ من قَدَر الله شيئًا؟، قال: "هي من قدر الله". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في الطيب من حديث أبي خِزامة عن أبيه وقال الترمذي: حسن صحيح وقد اختلف فيه فروي هكذا وروى عن ابن أبي خزامة عن أبيه قال الترمذي: والأول أصح، قال: ولا يعرف لأبي خزامة عن أبيه غير هذا ورواه ابن ماجه عن ابن أبي خزامة عن أبيه ورواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين في كتاب الإيمان وصححه (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2141). والنسائي في الكبرى (11473). إسناده ضعيف لأن فيه أبا قبيل المعافري -وهو حيي بن هانئ مختلف فيه وثقه أحمد وابن معين في رواية، وأبو زرعة والفسوي والعجلي وأحمد بن صالح المصري وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال: كان يخطئ، وقال أبو حاتم: صالح الحديث وذكره الساجي في "الضعفاء" له انظر ترجمة أبي قبيل المعافري تهذيب الكمال (7/ ت 1586 و 34/ 194) وقال الحافظ في التقريب: صدوق يهم (1616). وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/ 3) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن مردويه. وله شاهد -لا يفرح به- عن ابن عمر أخرجه البزار (2156) واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1088) وفي إسناده عبد الله بن ميمون القداح قال فيه البخاري: ذاهب الحديث. قال الحافظ: منكر الحديث متروك. التقريب (3677). وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 212) وقال: وفيه عبد الله بن ميمون القداح وهو ضيعف جدًّا. (¬2) أخرجه الترمذي (2148) (2065)، وابن ماجه (3437). وأحمد (3/ 421)، من حديث أبي خزامة عن أبيه، وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 32) من رواية حكيم بن حزام في كتاب الإيمان، وأورده الحافظ في إتحاف المهرة (4337) وعزاه للحاكم فقط. قلت: أما قول الترمذي روي عن ابن أبي خِزامة عن أبيه فهو خطأ، وصوابه عن أبي خزامة عن أبيه، وقد نبه على ذلك الدارقطني في العلل (2/ 251)، وابن أبي حاتم في العلل (2/ 338) ويضعف الإسناد لجهالة أبي خِزامة. وأما أبو خزامة: فهو ابن يعمر أحد بني الحارث بن سعد ويقال: اسمه زيد بن الحارث ويقال: الحارث، =

77 - خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علينا ونحن نَتَنازع في القَدَر فغَضب حتى احمرّ وجهه، فقال: "أبهذا أُمِرتم أَمْ بهذا أُرسِلتُ إليكم، إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر عزمت عليكم أن لا تنازعُوا فيه" (غريب). قلت: رواه الترمذي في القدر من حديث أبي هريرة، وقال: لا نعرفه إلا من طريق صالح المُرِّي، وصالح له غرائب تفرد بها انتهى (¬1). وصالح قال أبو داود: لا يكتب حديثه. قال الذهبي: ضعفوه ولم يخرج له سوى الترمذي من أصحاب الكتب الستة فيها. 78 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، منهم الأحمر، والأبيض، والأسود، ويين ذلك والسَّهل، والحَزْن، والخبيثُ والطَّيّبُ". قلت: رواه أبو داود في السنة والترمذي في التفسير كلاهما من حديث أبي موسى وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬2) ¬

_ = قال ابن حجر في "التقريب": صحابي، وقد وهم في ذلك، مع أنه أشار إلى الصواب في التهذيب. وذكر أنه أورده مسلم في الطبقة الأولى من أهل المدينة في التابعين (1/ 247). وقال ابن عبد البر: ذكره بعضهم في الصحابة لحديث أخطأ فيه راويه عن الزهري وهو من التابعين لا من الصحابة، على أن حديثه هذا مختلف فيه جدًّا. قلت: انفرد بالرواية عنه الزهري، ولم يُؤثر توثيقه عن أحد. انظر الاستيعاب (4/ 1640) والتقريب (8137) وتهذيب التهذيب (12/ 85). (¬1) أخرجه الترمذي (2133) وفي إسناده صالح المري. وذكره الذهبي في الميزان (3773) وذكر هذا الحديث. وقال البخاري منكر الحديث. وقول أبي داود ذكره الذهبي في الكاشف (2326)، وقال الحافظ: صالح بن بشير المُرّي، ضعيف، من السابعة. التقريب (2861). قلت: ولكن للحديث شاهد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أخرجه أحمد (2/ 178)، وابن ماجه (85) وقال في الزوائد: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات. (¬2) أخرجه أبو داود (4693)، والترمذي (2955). وكذلك الحاكم (2/ 261 - 262) وقال: إسناده صحيح.

والسهل: هو الذي فيه رفق ولين، والحزن: الذي فيه عنف وغلظ. 79 - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الله خلق خلقَه في ظُلْمة، فألقى عليهم من نوره، فمن أصابَه من ذلك النور اهتدى، ومَن أخطأهُ ضَلّ، فلذلك أقول: جفّ القلم على عِلم الله". قلت: رواه الترمذي في الإيمان عن الحسن بن عرفة عن إسماعيل بن عياش عن يحيى بن أبي عمرو السَّيْباني عن عبد الله بن الديلمي قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول إن الله خلق خلقه، وساقه. (¬1) فائدة مهمة: ذكر المزي والذهبي الحسن بن عرفة ووثقاه، وقالا: أخرج له الترمذي وابن ماجه، وذكرا: ابن عياش هذا وقالا: روى له أصحاب السنن، وذكرا: يحيى بن أبي عمرو السَّيْباني ووثقاه، وقالا: أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجه واقتصرا على ذلك ولم يذكرا له علامة الترمذي بل أسقطاها وكان من حقهما أن ينّبها على أن الترمذي أخرج له، وكذلك فعلا في عبد الله بن فيروز الديلمي رضي الله عنه ووثقاه، وقالا: أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجه ولم يذكرا الترمذي وهو في الترمذي كما ذكرت لك. ولم أر المزي ذكر هذا الحديث في "الأطراف" في مسند عبد الله بن عمرو من رواية عبد الله بن الديلمي، وقد راجعت نسخًا أصولًا من الترمذي فرأيت الحديث ثابتًا في جميعها من غير اختلاف (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2642)، وأخرجه الحاكم (1/ 30) وقال صحيح على شرط الشيخين. قلت: أما عبد الله بن الديلمي فهو ابن فيروز هو ثقة ولم يخرج له الشيخان وروى له أصحاب السنن إلا ابن ماجه، وأخرجه أحمد (2/ 176)، والبزار (2145). وذكره الهيثمي في المجمع (7/ 193 - 194) وقال: رواه أحمد بإسنادين والبزار والطبراني ورجال أحد إسنادي أحمد ثقات. (¬2) انظر ترجمة: الحسن بن عرفة في الكاشف رقم (1042)، وتهذيب الكمال (6/ 201) وإسماعيل بن عيّاش الكاشف رقم (400) وتهذيب الكمال (3/ 163) ويحيى بن أبى عمرو السَّيباني الكاشف رقم (6222) وعليه رموز د س ق فقط، وتهذيب الكمال (31/ 480) وعبد الله بن فيروز الديلمي =

تنبيه: يحيى بن أبي عمرو السَّيْباني بالسين المهملة المفتوحة وسكون الياء المثناة من تحت ثم باء موحدة مفتوحة وبعد الألف نون، هذه النسبة إلى سيبان وهو بطن من حمير. وقد خرج هذا الحديث مطولًا الحاكم في المستدرك في كتاب الإيمان، وقال: هو على شرط الشيخين رواه من طريق الأوزاعي، قال: حدثني ربيعة بن يزيد ويحيى بن أبي عمرو السيباني، قالا: حدثنا عبد الله بن فيروز، قال: دخلت على عبد الله بن عمرو بن العاص وهو في حائط له في الطائف، يقال له الوهط وهو محاصر فتى من قريش وذلك الفتى يُزَنّ بالشرب فقلت لعبد الله: خصال تبلغني عنك تحدث بها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من شرب الخمر شربة لم تقبل توبته أربعين صباحًا فاختلج الفتى يده من يد عبد الله، ثم ولى وإن الشقي من شقي في بطن أمه، وأنه من خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة ببيت المقدس خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه فقال: اللهم إني لا أحل لأحد أن يقول عليَّ ما لم أقل، إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين صباحًا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم تقبل له صلاة أربعين صباحًا. فلا أدري في الثالثة أو الرابعة قال: فإن عاد كان حقًّا على الله أن يسقيه من ردغة الخبال يوم القيامة وسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن الله خلق خلقه في ظلمة ثم ألقى عليها من نوره فمن أصابه من ذلك النور يومئذ شيء، اهتدى، ومن أخطاه ضَلّ، فلذلك جف القلم على علم الله، وسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن سليمان سأل ربه ثلاثًا فأعطاه اثنتين ونحن نرجو أن يكون أعطاه الثالثة، سأله حكمًا يصادف حكمه فأعطاه إياه، وسأله ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه إياه، وسأله أيما رجل خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد أن يخرج من خطيئته كيوم ولدته أمه، ونحن نرجو أن يكون أعطاه إياه. وقال: حديث صحيح وقد تداولته الأئمة وقد احتجا بجميع رواته ولم يخرجاه ولا ¬

_ = الكاشف رقم (2911) وعليه رموز د س ق وتهذيب الكمال (15/ 435).

أعلم له علة (¬1). والله أعلم. وردغة الخبال: بالدال المهملة وبالغين المعجمة وقد فسره في حديث آخر أنها عصارة أهل النار. 80 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول: "يا مقلِّب القلوب ثَبِّت قلبي على دينك، فقلت: يا نبي الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟ "، قال: نعم إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله يُقلِّبها كيف يشاء". قلت: رواه الترمذي في هذا الباب من حديث أبي سفيان واسمه طلحة بن نافع عن أنس قال: ورواه بعضهم عن أبي سفيان عن جابر وحديث أبي سفيان عن أنس أصح، انتهى كلام الترمذي، ورجاله رجال مسلم في الصحيح. (¬2) 81 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَثَلُ القلب كريشةٍ بأرض فلاةٍ تقلّبها الرياح ظهرًا لبطن". قلت: رواه ابن ماجه في هذا الباب من حديث غنيم بن قيس عن أبي موسى وليس فيه ظهرًا لبطن، ورواه في شرح السنة بتمامه وسند ابن ماجة جيد. (¬3) 82 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، بعثني بالحق، ويؤمن بالموت، وبالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر". قلت: رواه الترمذي هنا ورجاله رجال الصحيحين ورواه ابن ماجه في السنة كلاهما عن علي بن أبي طالب. (¬4) 83 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: المرجئة ¬

_ (¬1) مستدرك الحاكم (1/ 30). (¬2) أخرجه الترمذي (2140) وإسناده صحيح. (¬3) أخرجه ابن ماجه (88) وإسناده صحيح وانظر شرح السنة للمؤلف (1/ 64) رقم (87). (¬4) أخرجه الترمذي (2145) وابن ماجه (81)، وكذلك الحاكم في المستدرك (1/ 32 - 33) وقال صحيح على شرط الشيخين.

والقدرية" غريب. قلت: رواه الترمذي هنا وابن ماجه في السنة وقال الترمذي: حسن غريب انتهى (¬1). وفي سندهما علي بن نزار عن أبيه نزار قال الذهبي (¬2): هما ضعيفان قال ابن عدي: هذا الحديث أنكروه على علي وعلى والده وقال ابن حبان: يأتي نزار عن عكرمة بأحاديث حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمّد لذلك. 84 - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يكون في أمتي خسف ومسخ وذلك في المكذبين بالقدر". قلت: رواه أبو داود في السنة والترمذي في القدر وابن ماجه في الفتن من حديث ابن عمر وحسّنه الترمذي (¬3). 85 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "القَدَريّة مجوسُ هذه الأمة، إن مَرِضُوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدُوهم". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2149) وابن ماجه (62). قلت: وهذا من الأحاديث التي استخرجها أبو حفص عمر بن عمر القزويني من كتاب = = المصابيح، وقال: إنه موضوع وقد أجاب عنه الحافظ ابن حجر في أجوبته عن أحاديث المصابيح وسوف أذكرها في نهاية الكتاب فراجعه. والحق أن الحديث له شواهد ولكنها كلها واهية والراجح ما قاله العلائي: "والحق أنه ضعيف لا موضوع". (¬2) الميزان (3/ 159) رقم 5957) وذكر الذهبي هذا الحديث في ترجمته، والمجروحين لابن حبان (2/ 112) والكامل لابن عدي (5/ 1838). (¬3) أخرجه أبو داود (4613) والترمذي (2152) وقال حديث حسن صحيح غريب، ورواه ابن ماجه (4061)، (4062) دون قوله: "ذلك ... " ورجاله ثقات إلا أنه منقطع. حيث أن أبا الزبير لم يلق عبد الله بن عمرو بن العاص. وفي الباب: عن حذيفة عند النسائي والبيهقي، وابن عمر عند أحمد والبخاري في التاريخ والطبراني في الأوسط.

قلت: رواه أبو داود في السنة (¬1) من حديث عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال المنذري (¬2): وهو منقطع وأبو حازم: بالحاء المهملة واسمه سلمة بن دينار لم يسمع من ابن عمر وقد روي هذا الحديث من طرق عن ابن عمر ليس منها شيء يثبت انتهى كلام المنذري. وقد رواه الحاكم في أوائل كتاب الإيمان وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين إن صح سماع أبي حازم من ابن عمر ولم يخرجاه انتهى. 86 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا تجالسوا أهل القدر ولا تفاتحوهم". قلت: رواه أبو داود في السنة وسكت هو والمنذري عليه ورواه الحاكم وجعله شاهدًا لصحة الحديث الذي قبله (¬3). 87 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ستّة لعنتُهُمْ لعنهم الله وكل نبي مجاب: الزائد في كتاب الله، والمكذّب بقدر الله، والمتسلّط بالجبروت، ليُعزّ مَن أذل الله ويُذل من أعَزّ الله، والمستحل لحُرَم الله، والمستحل مِن عِترتي ما حرّم الله، والتارك لسُنَّتي". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4691)، والحاكم في المستدرك (1/ 85) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين إن صح سماع أبي حازم من ابن عمر. وهو من الأحاديث التي انتقدها الإمام القزويني من كتاب المصابيح فراجعه من نهاية الكتاب وما أجاب عنه الحافظ ابن حجر. والحديث كما قال المؤلف منقطع. ولكن أحمد أخرجه في المسند (2/ 86، 125) موصولا وفيه رجل ضعيف وله طريق ثالث عند الآجري في الشريعة (ص190) وفيه ضعف أيضًا فالحديث حسن لغيره -إن شاء الله-. (¬2) مختصر سنن أبي داود (7/ 58 حديث رقم (4526)). (¬3) أخرجه أبو داود (4710)، والحاكم (1/ 85). وإسناده ضعيف لجهالة حكيم بن شريك الهذلي ولم يوثقه إلا ابن حبان (6/ 215) انظر الميزان (1/ 223) الجرح والتعديل (3/ 894)، التهذيب (2/ 450)، والتقريب (1483) وقال: مجهول.

قلت: رواه الحاكم في "المستدرك" (¬1) في الإيمان من حديث عائشة وقال: حديث صحيح الإسناد ولا أعرف له علة ولم يخرجاه، وقد احتج البخاري بعبد الرحمن بن أبي الموال وعبد الرحمن هذا رواه عن عبيد الله بن مَوْهَب عن أبي بكر بن حزم عن عمرة عن عائشة، وأقره الذهبي على ما قال، وفي ذلك نظر، لأن عبيد الله بن موهب لم يخرج له الشيخان وقال أحمد: أحاديثه مناكير. قوله - صلى الله عليه وسلم -: وكل نبي مجاب: من رواه بالميم أو بالياء مع الرفع فيهما فهو خبر وكل مبتدأ، والجملة معترضة والواو واو الحال، ومن رواه مجاب بالميم مع الجر فهو صفة لنبي، وكل على هذا معطوف على الجلالة تقديره: ولعنهم كل نبي مجاب. قوله - صلى الله عليه وسلم -: المستحلّ لحُرَم الله: هو بضم الحاء وفتح الراء وزعم بعضهم أنه بفتحهما وما قدمنا أعم إلا أن تكون الرواية كما قال: ولم يثبت ذلك. 88 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قضى الله لعبدٍ أن يموت بأرضٍ جعل له إليها حاجةً". قلت: رواه الترمذي في القدر من حديث مَطر بن عُكامِس وقال: حسن غريب لا نعرف لمطر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير هذا الحديث. قال ابن عبد البر (¬2): ولم يرو عنه غير أبي إسحاق السبيعي حديثه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر هذا الحديث، وقال عثمان بن سعيد الدارمي (¬3): قلت ليحيى بن معين: مطر بن عكامس لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا أعلمه روى عنه غير هذا الحديث، وقد رواه الحاكم من طريق أبي إسحاق عنه به، وقال: صحيح ¬

_ (¬1) قوله رواه الحاكم (1/ 369) يوهم أنه لم يروه من أشهر وأعلى طبقة من الحاكم وليس كذلك. فقد رواه الترمذي (2154). وأعله الترمذي بالإرسال وقال إنه أصح. وفي الإسناد: عبيد الله بن عبد الرحمن بن مَوْهَب مختلف فيه، ذكره الحافظ في التقريب (4343) وقال: ليس بالقوي، وانظر: تهذيب الكمال (19/ 84). وعبد الرحمن بن أبي الموال: صدوق ربما أخطأ، انظر: التقريب (4047). (¬2) الاستيعاب (4/ 1475) وقال: له حديث واحد ليس له غيره. ونقل كلام ابن معين أيضًا. (¬3) انظر تاريخه ت 767.

باب إثبات عذاب القبر

على شرطهما وأقره الذهبي. (¬1) 89 - قلت: يا رسول الله ذراري المؤمنين؟ قال: "مِن آبائهم" قلت: بلا عمل؟ قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين". قلت: رواه أبو داود في السنة من حديث عائشة وبقية الحديث يا رسول الله: فذرارى المشركين؟ قال: من آبائهم. قلت: بلا عمل؟ قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين" وسكت عليه أبو داود ولم يعترضه المنذري. (¬2) 90 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الوائدةُ والموؤودةُ في النار". قلت: رواه أبو داود في "السنة" من حديث ابن مسعود وسكت هو والمنذري عليه. (¬3) الموؤودة: هي المدفونة في القبر وهي حية، كانت العرب تفعل ببناتها ذلك خشية الفقر والعار. باب إثبات عذاب القبر من الصحاح 91 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "المسلم إذا سئل في القبر، شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله فذلك قوله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2146)، والحاكم (1/ 42) وعزاه الحافظ ابن حجر إليه في إتحاف المهرة (16576) وإسناده صحيح، وانظر المصادر السابقة. (¬2) أخرجه أبو داود (4712) وإسناده صحيح. (¬3) أخرجه أبو داود (رقم 4717) وانظر كذلك مختصر المنذري (7/ 90 رقم 4552).

قلت: رواه الجماعة: البخاري في الجنائز وفي التفسير ومسلم في صفة النار وأبو داود في السنة والترمذي في التفسير والنسائي في الجنائز وإبن ماجه في الزهد كلهم من حديث البراء ابن عازب (¬1). - وفي رواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ (27)} نزلت في عذاب القبر، إذا قيل له: مَنْ ربّك وما دينك ومن نبيك؟ فيقول: ربي الله ونبيي محمد وديني الإسلام. قلت: هذه الرواية لفظ مسلم والأول لفظ البخاري (¬2). 92 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن العبد إذا وُضع في قبره وتولى عنه أصحابُه، إنه ليسمع قرع نِعالهم، أتاه مَلَكان فيقعدانه فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ لمحمد - صلى الله عليه وسلم - فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدًا من الجنة فيراهما جميعًا، وأما المنافق والكافر فيقال له: ما كنت نقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيقال: لا دريت ولا تليت ويُضرب بمطرقة من حديد ضربةٌ فيصيح صيحة يسمعها من يليه غيرَ الثقلين". قلت: رواه البخاري في الجنائز بطوله ورواه مسلم إلى قوله: فيراهما جميعًا، في أواخر الصحيح، قال مسلم: وقال قتادة: ذكر لنا أنه يفسح له في قبره سبعون ذراعا ويملأ عليه خضرا إلى يوم يبعثون، ولم يذكر البخاري من قول قتادة إلا قوله: وذكر لنا أنه يفسح له في قبره. وروأه أبو داود والنسائي في الجنائز كلهم من حديث أنس. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1369)، وفي التفسير (4699)، ومسلم (2871)، وأبو داود (4750)، والترمذي (312)، والنسائي (4/ 101)، والنسائي (2183) في الكبرى، وابن ماجه (4269). (¬2) أخرجها مسلم (2871). (¬3) أخرجه البخاري (1338) (1374)، ومسلم (2870)، وأبو داود (4751)، والنسائى (4/ 597)، وفي الكبرى (2178).

قوله: "لا دريت ولا تليت" قال الخطابي (¬1): هكذا يقول المحدثون وهو غلط وقال القتيبي: وفيه قولان بلغني عن يونس البصري أنه قال: لا اتَّليْتَ ساكنة التاء يدعون عليه، بألّا تُتْلى إبلُه أي لا يكون لها أولاد تتلوها، يقال للناقة: قد أتلت فهي مُتلية وتلاها ولدها إذا تبعها قال: وقال غيره: هو ولا ائتَلَيْتَ افتعَلت من قولهم ما ألوت هذا ولا استطعته، كأنه يقول: لا دريت ولا استطعت أن تدري أنت، وقيل معناه: تلوت أي قرأت، حولوا الواو ياء على موافقة دريت. 93 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أحدكم إذا مات عُرض عليه مقعَدُه بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة". قلت: رواه البخاري في الجنائز ومسلم في صفة أهل النار كلاهما من حديت عبد الله بن عمر (¬2). 94 - أن يهودية دخلت عليها [عائشة] فقالت: "أعاذكِ الله من عذاب القبر، فسألت عائشة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عذاب القبر فقال: "نعم، عذاب القبر حق"، قالت عائشة: فما رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بعدُ صلّى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر". قلت: رواه البخاري والنسائي كلاهما في الجنائز ومسلم في الصلاة كلهم من حديث عائشة. (¬3) 95 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لولا أن لا تَدَافنوا لدعوتُ الله أن يُسمعكم من عذاب القبر، ثم قال: "تعوذوا بالله من عذاب النار" فقالوا: نعوذ بالله من عذاب النار ثم قال: تعوّذوا بالله من عذاب القبر فقالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر قال: "تعوذوا بالله ¬

_ (¬1) انظر: أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري (1/ 694) ومعالم السنن (7/ 138). (¬2) أخرجه البخاري (1379)، ومسلم (2866). (¬3) أخرجه البخاري (1372)، والنسائي (3/ 56) وفي الكبرى (1140)، ومسلم (586) واللفظ للبخاري.

من الحسان

من الفتن ما ظهر منها وما بطن" قالوا: "نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن" قال: "تعوّذوا بالله من فتنة الدجال، قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدجال". قلت: رواه مسلم في صفة النار من حديث زيد بن ثابت قال: بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - في حائط لبني النجار على بغلة له ونحن معه إذ حَادَتْ به فكادت تُلقيه، وإذا أقْبُرٌ ستَّة أو خَمْسَة أو أَرْبعة، فقال: من يعرف أصحاب هذه الأَقْبُر فقال رجل: أنا. قال: فمتى مات هؤلاء؟ قال: ماتوا في الإشراك، فقال: إن هذه تبتلى في قبورها فلولا أن لا تدافنوا لدعوتُ الله أن يُسمِعكم عذابَ القبر الذي أسمع، ثم أقبل علينا بوجهه وقال: تعوّذوا وساق الحديث، ولم أره في شيء من الكتب الستة غير مسلم وراويه عن زيد أبو سعيد الخدري واسمه سعد بن مالك (¬1). من الحسان 96 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قُبر الميّت أتاه ملكان أسودان أزرقان، يقال: لأحدهما المنكر والآخر النكير. فَيقولان: ما كنتَ تقول في هذا الرجل؟ فيقول: هو عبد الله لرسوله، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول هذا، ثم يُفسح له في قبره سبعونَ ذراعًا في سبعين، ثم يُنَوّر له فيه، ثم يقال: نَمْ، فيقول: أرجع إلى أهلي فأخبرهم، فيقولان: نَمْ كنومة العَروس الذي لا يُوقِظُه إلا أحبّ أهله اليه، حتى يبعثَه الله من مضجعه ذلك، وإن كان منافقًا قال: سمعت الناسَ يقولون فقلت مثلهم، لا أدري، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول ذلك، فيقال للأرض: التئمي عليه، فتلتئم عليه، فتختلف أضلاعه، فلا يزال فيها معذبًا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك". قلت: رواه الترمذي في الجنائز من حديث أبي هريرة يرفعه وقال: حسن غريب، ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2867) وحَادت: حاد عن الطريق: إذا مال عنه، جامع الأصول (11/ 172).

انتهى. ورجاله رجال مسلم (¬1). قال صاحب الغريبين: يقال: قبرته أي دفنته وأقبرته أي جعلت له قبرًا (¬2)، وأسودان: أراد به سواد منظرهما، وأزرقان: أراد به زرقة أعينهما، لما في سواد اللون وزرقة العين من الهول. 97 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يأتيه مَلَكان فيُجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله، فيقولان: وما يدريك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدّقت، فذلك قوله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ (27)} الآية قال: فينادي مناد من السماء: أنْ صَدَق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابًا إلى الجنة، قال: فيأتيه من رَوْحها وطيبها ويُفسح له فيها مد بصره، وأما الكافر فذكر موته قال: ويُعاد رُوحه في جسده، ويأتيه مَلَكان فيُجلسانه فيقولان: من ربك؟ فيقول: هاه، هاه، لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه، هاه، لا أدري، فيقولان: ما هذا الرجل الذي بُعث فيكم؟ فيقول هاه، هاه، لا أدري، فينادي مناد من السماء: أن كذب، فافرشوه من النار، وألبسوه من النار، وافتحوا له بابًا إلى النار. قال: فيأتيه من حَرّها وسَمُومها. قال: ويُضَيَّق عليه قَبره حتى تَختلف فيه أضلاعُه، ثم يُقَيَّض له أعمى أصمّ ومعه مِرزبّة من حديد، لو ضُرب بها جبل لصار تُرابًا، فيَضربه بها ضَربة يسمعها ما بين المشرق والمغرب إلا الثقلين، فيصير ترابًا، ثم يُعاد فيه الرُّوح". قلت: رواه أبو داود في السنة بطوله والنسائي وابن ماجه كلاهما مختصرًا في الجنائز ثلاثتهم من حديث المنهال بن عمرو عن زاذان عن البراء بن عازب وكذلك رواه الحاكم ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1071) وإسناده حسن. (¬2) انظر: الغريبين (4/ 386).

في "المستدرك" وقال: صحيح على شرط الشيخين، وقد احتجا بالمنهال بن عمرو وزاذان، قال: وفيه شواهد كثيرة لأهل السنة وقمع للمبتدعة انتهى كلامه. وأقره الذهبي وما قاله صحيح، فإن المنهال احتج به البخاري، روى له في صحيحه حديثًا واحدًا، وزاذان احتج به مسلم في صحيحه، روى له حديثين وقال الذهبي في "الميزان" (¬1): وقد تكلم ابن حزم في المنهال ولم يحتج بحديثه الطويل في عذاب القبر، انتهى. ولا يلتفت لكلام ابن حزم فيه بعد احتجاج الشيخين به ولمّا رأى ابن حزم حديثه هذا رادا على معتقده في إنكار تعذيب الأجساد في قبورها (¬2) طعن فيه، وطعنه مردود والحديث صحيح، دال على أن عذاب القبر يلحق الجسد على الكيفية التي علمها الله سبحانه وتعالى. قوله: أن صدق عبدي، أن تفسيرية أي صدق عبدي، ويجوز أن تكون مصدرية وهي مع ما بعدها مجرور، والجار محذوف ويكون علة لما بعده، تقديره: لئن صدق عبدي فافرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة. وكذلك قوله: إن كذب، وأفرشوه: بألف القطع أي اجعلوا له فرشًا من فرش الجنة وقال: في المؤمن: أن صدق عبدي فذكره بالعبودية، وأضافها إليه ولم يقل في الكافر شيئًا من ذلك تشريفًا للمؤمن دون الكافر. قوله: فيقيض له أي يقدّر له، قوله - صلى الله عليه وسلم -: معه مِرزبة، بتخفيف الباء لا غير، وأما أرزبه: بالهمز وهي لغة في مرزبّة فهي بتشديد الباء، وأصل المرزبة: مدقة يدق بها الحنطة. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4753)، والنسائي (4/ 78)، وابن ماجه (1549)، والحاكم (1/ 37 - 0) وقال صحيح على شرط الشيخين وأورده الحافظ في إتحاف المهرة (2063). وصححه ابن القيم إعلام الموقعين (1/ 214)، وتهذيب السنن (4/ 337)، وانظر كلام الذهبي في الميزان (4/ 192). (¬2) انظر المحلى لابن حزم (1/ 22). (¬3) وفي القاموس: عصية من حديد. في باب الباء فصل الراء.

98 - أنه كان إذا وقف على قبر بكى حتى يبُلّ لحيَته، فقيل له: تذكرُ الجنّة والنّار فلا تبكي، وتبكي من هذا؟ فقال: إن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن القبر أوّلُ منزلٍ من منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشدُّ منه. قال: وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما رأيت منظرًا قط إلا والقَبَر أفظعُ منه". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في "الزهد" من حديث هانيء مولى عثمان عن عثمان يرفع المرفوع منه، وقال الترمذي: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث هشام بن يوسف انتهى. وهشام بن يوسف أخرج له الستة غير مسلم وبقية رجاله موثقون (¬1). 99 - كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: "استغفروا لأخيكم ثم سلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل". قلت: رواه أبو داود في الجنائز من حديث عثمان بن عفان وسكت هو والمنذري عليه (¬2). 100 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُسَلَّط على الكافر في قبره تسعة وتسعون تِنّينًا تنهشه وتلدغه حتى تقوم الساعة، لو أن تِنّينًا منها نفخ في الأرض ما أنبتت خضراء". قلت: رواه الترمذي في حديث طويل ذكره في الزهد بعد باب صفة أواني الحوض من حديث عطية عن أبي سعيد إلا أنه قال: سبعون، والذي ذكره أبو الحسن رزين في كتابه الذي جمع فيه بين الكتب الستة: ثم يقيض له تسعين، أو تسعة وتسعين كذا، وفي ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2308)، وابن ماجه (4267)، وكذلك أخرجه الحاكم (4/ 330 - 331) وصححه. وهشام بن يوسف: هو هشام بن يوسف الصنعاني الأبناوي قاضي صنعاء ترجم له الحافظ في (التقريب) (7309) وقال: ثقة. (¬2) أخرجه أبو داود (3221)، وكذلك الحاكم (1/ 370) وقال: صحيح الإسناد. وقال النووي في المجموع (5/ 292) إسناده جيد.

باب الاعتصام بالكتاب والسنة

سنن الترمذي عبيد الله بن الوليد عن عطية، قال الذهبي: ضعفوهما (¬1). والتّنين: الحية الكبيرة وتخصيص العدد يحتمل أن يكن توقيفًا لا مجال للعقل فيه، ويحتمل أن يكون مقابلًا لما أعده الله لعباده في الآخرة من الرحمات وهي تسعة وتسعون رحمة، ويحتمل أن يكون الكافر لما كفر بأسماء الله تعالى ولم يوف لها حقها سلط عليه عددها من الحيات. والله أعلم. باب الاعتصام بالكتاب والسنة من الصحاح 101 - قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ". قلت: رواه البخاري في الصلح ومسلم في الأقضية وأبو داود وابن ماجه كلاهما في السنة كلهم من حديث عائشة (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2460) وقال حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وقال الحافظ ابن حجر: عبيد الله الوصافي، ضعيف، انظر: التقريب (4381)، وقول الذهبي في الكاشف (1/ 688)، وعطية العوفي: صدوق يخطيء كثيرا، وكان شيعيا مدلسا التقريب (4649)، وقول الذهبي في الكاشف (2/ 27). وللحديث شاهد يتقوى به من رواية أبي هريرة عند الطبري في "التفسير" (16/ 228) والآجري (ص 358)، وابن ماجه (3122) والبيهقي "في إثبات عذاب القبر" (68) وانظر جامع الأصول (11/ 170 رقم 8696). وأخرجه البزار (2233). وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (5/ 608، 607) وزاد نسبته إلى ابن أبي الدنيا في "ذكر الموت" والحكيم الترمذي وأبي يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه. (¬2) أخرجه البخاري (2697)، ومسلم (1718)، وأبو داود (4606)، وابن ماجه (14).

وهذ الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام وهو من جوامع كلامه - صلى الله عليه وسلم - فإنه صريح في رد كل البدع والمخترَعات. قال أهل اللغة: الرد هنا بمعنى المردود ومعناه: فهو باطل غير معتدٍ به. وفي هذا الحديث دليل لمن يقول من الأصوليين أن النهي يقتضي الفساد ومن قال: لا يقتضي الفساد، يقول: هذا خبر واحد، لا يكفي في إثبات هذه القاعدة العظيمة، قال النووي: وهذا جواب فاسد (¬1). 102 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أما بعد: فإن خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتُها، وكل بدعة ضلالة". قلت: رواه مسلم في الصلاة (¬2) من حديث أبي جعفر الباقر واسمه محمد ابن علي عن جابر قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب احمرّت عيناه وعلا صوته واشتدّ غضبه حتى كأنه منذر جيش، يقول: صّبحكم ومسّاكم، ويقول: بعثت أنا والساعة كهاتين، ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى، ويقول: أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، ثم يقول: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، من ترك مالًا فلأهله، ومن ترك دينًا أو ضياعًا فإليَّ وعليَّ. ولم يخرج البخاري من هذا الحديث إلا قوله: إنّ خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: أنا أولى بكل مؤمن إلى آخره (¬3). وخرج أيضًا من حديث عبد الله بن مسعود قال: "إن أحسن الحديت كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور ¬

_ (¬1) انظر المنهاج للنووي (12/ 24). (¬2) أخرجه مسلم (43/ 867)، وأحمد (3/ 371)، وأخرجه ابن ماجه (2416) مختصرا. وأخرجه النسائي (2/ 188)، وابن خزيمة. (1785) وزادا فيه: "وكل ضلالة في النار". (¬3) البخاري (6098).

محدثاتها، وإنما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين". ذكره في كتاب الاعتصام (¬1). قوله - صلى الله عليه وسلم -: وخير الهدي هدي محمد: قال النووي: ضبطناه بالوجهين: بضم الهاء وفتح الدال، وبفتح الهاء وإسكان الدال. وزعم القاضي عياض أن رواية مسلم بالضم وفي غيره بالفتح (¬2) وفسره الهروي على رواية الفتح أي أحسن الطريق طريق محمد، وأما رواية الضم فمعناه الدلالة والإرشاد (¬3). قوله - صلى الله عليه وسلم -: وكل بدعة ضلالة: هذا عام مخصوص والمراد: غالب البدع، والبدعة في اللغة: كل شيء عمل على غير مثال سابق وهي خمسة أقسام: واجبة: كتنظيم أدلة المتكلمين للرد على الملاحدة، ومندوبة: كتصنيف كتب العلم وبناء المدارس والرُّبُطْ، ومباحة: كالتبسط في أواني الأطعمة، وحرام ومكروه: وهما ظاهران ولا يمنع من كون الحديث عامًّا مخصوصًا. قوله: كل بدعةٍ: مؤكدا بكل، بل يدخله التخصيص مع ذلك كقوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ (25)}. 103 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم ومُبتَغٍ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطّلب دمَ امرئ بغير حق ليهريق دمَه". قلت: رواه البخاري في الديات من حديث نافع بن جبير عن ابن عباس يرفعه ولم يخرجه مسلم (¬4). والملحد في الحرم: هو الذي يظلم فيه، ويهريق دمه. يقال: هراق الماء يهريقه بفتح الهاء هراقة أي صبّه، وأصله أراق يريق إراقة. ¬

_ (¬1) البخاري (7277). (¬2) انظر إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 269)، والمنهاج للنووي (6/ 220). (¬3) المصدر السابق والغريبين للهروي 6/ 226. (¬4) أخرجه البخاري (6882).

104 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى" قيل ومن يأبى؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى". قلت: رواه البخاري في هذا الباب وهو باب الاعتصام بالكتاب والسنة في أواخر الصحيح من حديث أبي هريرة يرفعه ولم يخرجه مسلم (¬1). فائدة: حديث أبي هريرة هذا رواه الحاكم في المستدرك في الإيمان من حديث فلَيْح عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: كل أمتي يدخل الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من عصاني فقد أبى، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأقره الذهبي على ذلك في "تلخيص المستدرك"، فلا تغتر بذلك، بل الصواب: أَن البخاري أخرجه دون مسلم والعجب: أن البخاري رواه من حديث فلَيْح عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بلفظ المصنف، وهو أتم من رواية الحاكم. 105 - قال: "جاءت ملائكة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو نائم، فقالوا: إن لصاحبكم هذا مثلًا فاضربوا له مثلًا، قال بعضهم: إنه نائم وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: مثله كمثل رجل بنى دارًا وجعل فيها مأدُبة، وبعث داعيًا فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة فقالوا: أوّلوها له يَفقَهها، قال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلبَ يقظان. فقالوا: فالدار الجنّة، والداعي: محمد، فمن أطاع محمدًا فقد أطاعَ الله، ومن عصى محمدًا فقد عصى الله، ومحمدُ فرق بينَ الناس". قلت: رواه البخاري في الاعتصام من حديث جابر (¬2) وهذا الحديث يحتمل أن يكون حكاية سمعها جابر من النبي - صلى الله عليه وسلم - فحكاه، ويجوز أن يكون خبرًا عمّا شاهده هو بنفسه ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (7280)، وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 55). (¬2) أخرجه البخاري (7281).

فانكشف له. وقول بعضهم: إنه نائم وقول بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، مناظرة جرت بينهما ليحققوا أن النفوس القدسية الكاملة لا يضعف إدراكها بنوم العين واستراحة البدن. والمأدبة: اسم لطعام الدعوة، قال الجوهري (¬1): يقال: فيه مأدَبَة ومأدُبة يعني بالضم والفتح. قوله: أوّلوها له يفقهها: أي فسروا الحكاية لمحمد - صلى الله عليه وسلم -، من أوّل تأويلًا إذا فسره بما يؤول إليه، ويفقَهْها مجزوم جواب الأمر. قوله: ومحمد فرق بين الناس، روي بالتشديد على صيغة الفعل وبسكون الراء أيضًا فهو مصدر وصف به للمبالغة، كالعدل والصوم، أي محمد هو الفارق بين المؤمن والكافر وبين المطيع والعاصي. 106 - جاء ثلاثة رهط إلى أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما أُخِبروا بها كأنهم تقالّوها، فقالوا: أين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدًا، وقال الآخر: أنا أصوم النهار ولا أفطر، وقال الآخر: أنا أعتزل النساء، فلا أتزوج أبدًا، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم، وقال: "أنتم الذين قلتم: كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني". قلت: رواه البخاري في النكاح، وفي الأطعمة، عن حميد عن أنس، ومسلم والنسائي في النكاح، (¬2) ولفظ مسلم: أن نفرًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سألوا أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عمله في السر، فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: ما بال أقوام قالوا: ¬

_ (¬1) انظر: الصحاح للجوهري (1/ 86). (¬2) أخرجه البخاري في النكاح (5063)، ومسلم (1401)، والنسائي (6/ 60).

كذا وكذا، لكني أصلي وأنام وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني، هذا لفظه. والرهط: قال الجوهري (¬1): هو ما دون العشرة من الرجال، لا يكون فيهم امرأة قال تعالى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ} وليس له واحد من لفظه مثل ذود، وتقالوها: أي رأوها قليلة. 107 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه، فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية". قلت: رواه البخاري في الأدب وفي الاعتصام ومسلم في فضائل النبي - صلى الله عليه وسلم - والنسائي في" اليوم والليلة" واللفظ للبخاري. (¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم -: يَتَنَزّهون عن الشيء أصنعه، قال بعضهم: أصنعه، في محل جر، على أنه نعت للشيء، وهو وإن كان معرّفًا لفظًا فهو منكر معنى، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم. 108 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنتم أعلم بأمر دنياكم، إذا أمرتكم بشيء من أمر دينكم فخذوا به". قلت: هذا الحديث اشتمل على جملتين: الجملة الأولى: أنتم أعلم بأمر دنياكم رواها مسلم في آخر مناقب النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أنس وعائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مَرّ بقوم يلقّحون، فقال: لو لم تفعلوا لصلح، قال: فخرج شيصًا، فمرّ بهم، وقال: ما لنخلكم؟ قالوا: قلت: كذا وكذا قال: أنتم أعلم بأمر دنياكم (¬3)، والجملة الثانية: رواها مسلم أيضًا ¬

_ (¬1) انظر: الصحاح للجوهري (3/ 1128). (¬2) أخرجه البخاري في الأدب (6101)، وفي الاعتصام (7301)، ومسلم (2356)، وعمل اليوم والليلة للنسائي (234) كلهم عن عائشة رضي الله عنها. (¬3) أخرجه مسلم (2363).

من حديث رافع بن خديج قال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم يؤبّرون، يقول: يلقِّحون النخل، فقال: ما تصنعون؟ قالوا: كنا نصنعه، فقال: لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرًا، فتركوه، فَنَفَضَتْ أو نقصَتْ، فذكروا ذلك له، فقال: إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر (¬1)، فجمع المصنف ورواه حديثًا واحدًا ولم يخرج البخاري هذا الحديث. 109 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومًا فقال: يا قوم! إني رأيت الجيش بعينيَّ، وإني أنا النذير العُرْيان، فالنجاء، النجاء، فأطاعه طائفة من قومه، فأدلجوا، فانطلقوا على مَهلهم فنجوا، وكذّبت طائفة منهم، فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش، فأهلكهم، واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني فاتَّبع ما جئت به من الحق، ومثل من عصاني وكذّب بما جئت به من الحق". قلت: رواه البخاري في الرقائق وفي الاعتصام ومسلم في فضائل النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي موسى يرفعه (¬2). قوله - صلى الله عليه وسلم -: أنا النذير العريان: قال العلماء: أصله أن الرجل إذا أراد إنذار قومه وإعلامهم بما يوجب المخافة، نزع ثوبه، وأشار به إليهم، إذا كان بعيدًا منهم، فيخبرهم بما دهمهم، وأكثر من يفعل هذا ربيئة القوم وهو طليعتهم ورقيبهم. قالوا: وإنما يفعل ذلك لأنه أبين للناظر وأشنع منظرًا، فهو أبلغ في استحثاثهم في التأهب للعدو، وقيل معناه: أنا النذير الذي أدركني جيش العدو فأخذوا ثيابي، فأنا أنذركم عُريانًا. قوله: فالنجا: ممدود أي إنجوا النجاء، قال القاضي (¬3): المعروف في النجاء إذا أفرد ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2362) ومعنى فنَفَضَتْ أي أسقطَتْ ثمرها، ويقال لذلك المتساقط: النَّفَض، بمعنى المنفوض، وأنفض القوم فنى زارهم. (¬2) أخرجه البخاري في الرقائق (6482)، وفي الاعتصام (7283)، ومسلم (2283). (¬3) هو القاضي عياض في إكمال المعلم (7/ 252) وانظر أيضًا: المنهاج (15/ 449).

المد، حكى أبو زيد فيه: القصر أيضًا، فأما إذا كرروه فقالو: النجاء النجاء ففيه المد والقصر. ومعنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: فأدلجوا: فانطلقوا على مهلهم، وأدلجوا: بإسكان الدال ومعناه: ساروا من أول الليل، يقال: أدلجت بإسكان الدال أدلج إدلاجًا، كأكرمت أكرم إكرامًا والاسم الدَّلجة بفتح الدال، فإن خرجت من آخر الليل، قلت: ادَّلَجْتُ بتشديد الدال أَدَّلِجُ اِدّلاجًا بالتشديد أيضًا. والاسم الدُّلجة بضم الدال، قال ابن قتيبة وغيره: ومنهم من يجيز الوجهين في كل واحد منهما. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فانطلقوا على مَهَلهم": هكذا هو في نسخ المصابيح المسموعة بفتح الميم والهاء، وكذا هو في الجمع بين الصحيحين ووقع في جميع نسخ مسلم مُهلتهم بضم الميم وإسكان الهاء وبالتاء بعد اللام، وهما صحيحان. فاجتاحهم: أي استأصلهم. 110 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَثَلي كمثَل رجلٍ استوقد نارًا فلما أضاءت ما حولها جعل الفراشُ وهذه الدواب التي تقع في النار، يقعن فيها، وجَعل بحجُزُهُن وَيغْلِبنَه فيقتَحمنَ فيها، قال: فذلك مَثلي وَمثلكم، أنا آخذ بُحجَزِكم عن النار، هلُمّ عن النار، هلُمّ عن النار هلم عن النار فتغلبوني فتقحَّمُون فيها". قلت: رواه الشيخان (¬1) وهذا لفظ مسلم في الفضائل، ولم يقل البخاري: هلم عن النار هلم عن النار، ورواه الترمذي في الأمثال، ورواية مسلم أتم، كلهم من حديث أبي هريرة يرفعه. واستوقد: بمعنى أوقد، قال تعالى: {كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا (17)} بمعنى أوقد قوله: "فلما أضاءت ما حولها" الإضاءة: فرط الإنارة من الضوء، وأضاء جاء متعديًا ولازمًا، فعلى الأول فاعله ضمير يعود على النار، وما بصلته مفعول به، وعلى الثاني "ما حولها" فاعل وإنما أُنِّث الفعل لأن ما حول النار أشياء وأماكن وحولها: نصب على الظرف، ويقعن فيها خبر جعل، لأنه من أفعال المقاربة ويحجزهن: أي يمنعهن من ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الرقاق (6483)، وفي الأنبياء (3426)، ومسلم (2284)، والترمذي (2874).

الوقوع من الحجز وهو المنع، قوله - صلى الله عليه وسلم -: فيتقحّمن فيها: بالقاف والحاء المهملة المفتوحة المشددة أي يلقين أنفسهن فيها، والتقحم: هو الدخول في الأمر الضيق لجاجًا. قوله: "هلُمَّ": هو بفتح الميم بمعنى تعال. 111 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير، أصاب أرضًا، فكانت منها طائفةٌ طيبة قَبلت الماء فأنبتت الكلأ والعُشب الكثير، وكانت منها أجادبُ أمسكت الماءَ فنفع الله بها الناس فشربوا وسَقوا وزَرَعوا، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تُمسكُ ماءً ولا تُنبت كلأ، فذلك مثل منَ فقِه في دين الله ونفعه الله بما بعثني الله به فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هُدَى الله الذي أرسلتُ به". قلت: رواه الشيخان: البخاري في العلم ومسلم في المناقب، وقال مسلم: ورَعَوْا بدل وزرعوا، والنسائي في العلم (¬1)، والغيث: المطر، والكلأ: بالهمزة يطلق على اليابس والرطب من النبات، والعشب: يختص بالرطب، وأجادب: بالجيم والدال المهملة وهي الأرض التي لا تنبت كلأ، وقال الخطابي (¬2): هي الأرض التي تمسك الماء فلا يسرع فيها النضوب، قال: وقال بعضهم: أحادب بالحاء المهملة والدال قال: وليس بشيء، قال: وقال بعضهم: أَجارد بالجيم والراء والدال وهو صحيح المعنى إن ساعدته الرواية، قال الأصمعي: الأَجارِدُ من الأرض ما لا تُنْبت الكلأ، معناه أنها جرداء بارزة لا يسترها النبات قال: وقال بعضهم: إنما هي إخاذات: بالخاء والذال المعجمتين وبالألف وهو جمع إخاذة وهو ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في العلم (79)، ومسلم (15/ 2282)، والنسائي في العلم من (الكبرى)، كما في التحفة (6/ 439). (¬2) أعلام الحديث للخطابي (1/ 198) - ونقل عنه المؤلف بتصرف.

الغدير الذي يمسك الماء، وهذه الأوجه جعلها صاحب "المطالع" (¬1) روايات منقولة. وقال القاضي عياض (¬2): لم يرو هذا الحديث في مسلم ولا في غيره إلا بالدال المهملة من الجدب الذي هو ضد الخصب. والقيعان: بكسر القاف جمع قاع وهو الأرض المستوية، وقيل الملساء، وقيل التي لا نبات فيها، وهذا هو المراد في هذا الحديث كما صرح به - صلى الله عليه وسلم -، قال الأصمعي: قاعة الأرض ساحتها، والفقه: في اللغة الفهم يقال منه فقِه بكسر القاف يفقه فَقَهًا بفتحها، كفرح يفرح فرحًا. وأما الفقه الشرعي: فقال صاحب العين (¬3) والهروي وغيرهما: يقال منه فقُه بضم القاف وقال ابن دريد بكسرها كالأول والمراد بقوله: "فقه في الدين" هذا الثاني فيكون مضموم القاف على المشهور وعلى الثانى مكسورها، وقد روي بالوجهين، والمشهور الضم. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فكانت طائفة منها طيبة قبلت الماء" هكذا هو في جميع نسخ مسلم طائفة، ووقع في البخاري فكان منها، "نقيَّة" بنون مفتوحة ثم قاف مكسورة ثم ياء مثناة من تحت مشددة وهو بمعنى طيبة، هذا هو المشهور في روايات البخاري، ورواه الخطابي وغيره "ثغبة" بالثاء المثلثة والغين المعجمة والباء الموحدة، قال الخطابي (¬4): وهو مستنقع الماء في الجبال والصخور، وقال بعضهم: هذه الرواية غلط وتصحيف وإحالة للمعنى، لأنه إنما جعلت هذه الطائفة الأولى مثلًا لما ينبت والثغبة لا تنبت (¬5). قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وسقوا"، قال أهل اللغة: سقى وأسقى بمعنى لغتان، وقيل: سقاه ناوله ليشرب وأسقاه جعل له سقيًا، قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وزرعوا" بالزاي ¬

_ (¬1) مطالع الأنوار على صحاح الآثار لابن قرقول إبراهيم بن يوسف (ت سنة: 569 هـ) لم يطبع. (¬2) انظر إكمال العلم بفوائد مسلم (7/ 250). (¬3) انظر: العين للخليل الفراهيدي (3/ 370). (¬4) أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري (1/ 198). (¬5) المنهاج (15/ 46 - 47) وانظر فتح الباري (1/ 176).

والراء هكذا وقع في البخاري ووقع في جميع نسخ مسلم بالراء من الرعي وكلاهما صحيح، وأما معنى الحديث ومقصوده: فقال النووي: هو تمثيل الهدى الذي جاء به - صلى الله عليه وسلم - بالغيث، ومعناه: أن الأرض ثلاثة أنواع كذلك الناس، فالنوع الأول من الأرض: ينتفع بالمطر فيحيى بعد أن كان ميتًا وينبت الكلأ فينتفع به الناس والدواب بالشرب والرعي والزرع وغيرها، وكذلك النوع الأول من الناس يبلغه الهدى والعلم فيحفظه فيحيى قلبه ويعمل به ويعلمه غيره فينتفع به وبنفع، والنوع الثاني من الأرض: ما لا تقبل الانتفاع في نفسها لكن فيها فائدة وهي إمساك الماء لغيرها فينتفع بها الناس والدواب، وكذا النوع الثاني من الناس لهم قلوب حافظة لكن لا أفهام لهم ثاقبة ولا رسوخ لهم في العلم يستنبطون به المعاني والأحكام، وليس عندهم اجتهاد في الطاعة والعمل به، فهم يحفظونه حتى يأتي طالب محتاج متعطش لما عندهم من العلم أهل للنفع والانتفاع فيأخذ منهم فينتفع به، فهؤلاء نفعوا بما بلغهم. النوع الثالث من الأرض: السباخ التي لا تنبت فهي لا تنتفع بالاء ولا تمسكه لينتفع به غيرها، وكذلك النوع الثالث من الناس: ليست لهم قلوب حافظة ولا أفهام واعية فإذا سمعوا العلم لا ينتفعون به ولا يحفظونه لينتفع به غيرهم. (¬1) والله أعلم. 112 - تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ (7)} الآية قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى الله، فاحذروهم". قلت: رواه البخاري في التفسير ومسلم في القدر وأبو داود في السنة والترمذي في التفسير كلهم من حديث القاسم عن عائشة. (¬2) 113 - هجَّرت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا، فسمع صوت رَجلين اختلفا في آية، فخرج ¬

_ (¬1) المصدر السابق (15/ 67 - 69) وفتح الباري (1/ 176). (¬2) أخرجه البخاري (4547)، ومسلم (2665)، وأبو داود (4598)، والترمذي (2993، 2994).

يُعرف في وجهه الغضب فقال: "إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب". قلت: رواه مسلم في كتاب العلم والنسائي في فضائل القرآن وفي المواعظ كلاهما من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص (¬1) ولم يخرج البخاري عن عبد الله بن عمرو في هذا شيئًا، وخرج عن الننّرال بن سبرة عن عبد الله بن مسعود (¬2) قريبًا من معناه، ورواه النسائي في فضائل القرآن وفي المواعظ. والتهجير: السير عند اشتداد الحر، قوله - صلى الله عليه وسلم -: إنما هلك من كان قبلكم أي هلاكهم في الدين تكفيرهم وابتداعهم، وهذا محمول على اختلاف لا يجوز، أو اختلاف يوقع في شك أو شبهة أو فتنة وخصومة أو شحناء ونحو ذلك، وأما الاختلاف في الاستنباط ومناظرة أهل العلم في ذلك على سبيل الفائدة وإظهار الحق واختلافهم في ذلك فليس منهيا عنه بل هو مأمور به. 114 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه". قلت: رواه البخاري في الاعتصام ومسلم في الفضائل والترمذي مختصرًا في العلم، وألفاظهم متقاربة كلهم من حديث أبي هريرة يرفعه. (¬3) 115 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن أعظم المسلمين جُرْمًا من سأل عن شيء لم يُحَرّم فحُرّم من أجل مسألته". قلت: رواه الشيخان: البخاري في الاعتصام ومسلم في فضائل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأبو داود ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2666)، والنسائي (8095). (¬2) أخرجه البخاري في الخصومات (2410)، وفي أحاديث الأنبياء (3479)، وفي فضائل القرآن (5062)، والنسائي في فضائل القرآن (8094). (¬3) أخرجه البخاري (7288)، ومسلم (41337)، والترمذي (2679).

في السنة ثلاثتهم من حديث سعد بن أبي وقاص يرفعه (¬1). 116 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يكون في آخر الزمان دجّالون كذابون، يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإيّاكم وإيّاهم، لا يُضلُّونكم ولا يفتِنُونَكم". قلت: رواه مسلم في مقدمته من حديث مسلم بن يسار عن أبي هريرة يرفعه (¬2). 117 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُصدّقوا أهلَ الكتاب ولا تكذّبوهم و {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا (136)} الآية. قلت: رواه البخاري في تفسير قوله تعالى: {آمَنَّا بِاللَّهِ] وفي باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء من كتاب الاعتصام وفي باب ما يجوز من تفسير التوراة من كتاب التوحيد من حديث أبي هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا تصدقوا. الحديث. (¬3) 118 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كفى بالمرء كذبًا أن يحدّث بكل ما سَمع". قلت: راوه مسلم في المقدمة من حديث حفص بن عاصم عن أبي هريرة وأبو داود في الأدب مرسلًا (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (7289)، ومسلم (2358)، وأبو داود (4610). (¬2) أخرجه مسلم في المقدمة (6). (¬3) أخرجه البخاري في التفسير (4485)، والاعتصام (7362)، وفي التوحيد (7542) سورة التوبة: 136. (¬4) أخرجه مسلم في المقدمة (5)، وأبو داود (4992) مرسلًا عن حفص بن عمر وآدم بن أبي إياس وسليمان بن حرب قالوا: حدثنا شعبه عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص ابن عاصم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يضر إرسالهم فإن الوصل زيادة، وهي من الثقات مقبولة. وله شاهد من حديث أبي أمامة عند الحاكم (2/ 21) وسنده حسن في الشواهد.

119 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من نبي بعثه الله في أمته قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحابٌ يأخذون بسنّته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلُف من بعدهم خُلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يُؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، ليس وراء ذلك من الإيمان حَبّة خَرْدل". قلت: رواه مسلم في (¬1) الإيمان من حديث ابن مسعود ولم يخرجه البخاري. والحواري: الناصر، وقد اختلف في الحواريين المذكورين فقال الأزهري (¬2) وغيره: هم أصفياء الأنبياء من خلص لهم الذين نُقُّوا من كل عيب، وقيل: هم أنصارهم، وقيل: المجاهدودن، وقيل: الذين يَصلُحون للخلافة بعدهم. قوله - صلى الله عليه وسلم -: ثم إنها تخلف من بعدهم خُلوف: الضمير في إنها هو ضمير الشأن والقصة، ومعنى تخلف: تحدث وهو بضم اللام، وأما الخُلوف: فبضم الخاء هو جمع خَلْف بإسكان اللام وهو الخالف بشَرٍّ، وأما بفتح اللام: فهو الخالف بخير هذا هو الأشهر وجوز بعضهم في كل واحد منهما الفتح والإسكان. 120 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمرُ الله وهم على ذلك". قلت: رواه الشيخان البخاري في باب علامات النبوة ومسلم في الجهاد كلاهما من حديث معاوية يرفعه. (¬3) 121 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرين إلى يوم القيامة". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (80). (¬2) انظر تهذيب اللغة (5/ 229). (¬3) أخرجه البخاري في المناقب (3641)، وفي التوحيد (7460)، ومسلم (1037).

قلت: رواه مسلم في الإيمان وأعاده في الجهاد (¬1) من حديث أبي الزبير عن جابر ولم يخرجه البخاري ولا أخرج عن أبي الزبير شيئًا (¬2)، وهذه الطائفة قال البخاري: هم أهل العلم وقال الإمام أحمد: إن لم يكونوا من أهل الحديث فلا أعرف من هم. انتهى. وفيه دليل على أن الإجماع حجة. 122 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تَبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا". قلت: رواه مسلم في آخر كتاب العلم وأبو داود في السنة والترمذي في العلم وابن ماجه في السنة بعد المناقب، أربعتهم من حديث أبي هريرة يرفعه ولم يخرجه البخاري (¬3). 123 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود كما بدأ غريبًا، فطوبى للغرباء". قلت: رواه مسلم في الإيمان وابن ماجه في الفتن كلاهما من حديث أبي حازم عن أبي هريرة ولم يخرجه البخاري (¬4). 124 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جُحرها". قلت: رواه الشيخان البخاري وابن ماجه كلاهما في الحج، ومسلم في الإيمان ثلاثتهم من حديث أبي هريرة يرفعه (¬5). قوله - صلى الله عليه وسلم -: إن الإيمان ليأرز إلى المدينة: أي إنّ أهل الإيمان. ويأرز بهمزة ساكنة ثم راء مهملة ثم راء معجمة معناه ينضم إليها ويجتمع بعضه إلى بعض فيها. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في الإيمان (156)، وفي الجهاد (1926). (¬2) انظر دراسات في صحيح مسلم ص 59 - 73. (¬3) أخرجه مسلم (2674)، وأبو داود (4609)، والترمذي (2674)، وابن ماجه (206). (¬4) أخرجه مسلم (145)، وابن ماجه (3986). (¬5) أخرجه البخاري (1876)، ومسلم (147)، وابن ماجه (3111).

من الحسان

من الحسان 125 - أُتي نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فقيل له: لتنم عينُك ولتسمع أذنك وليعقل قلبك، قال: فنامت عيني، وسمعت أذني، وعقل قلبي، قال: فقيل لي: "سيدٌ بنى دارًا، فصنع فيها مأدُبة وأرسل داعيًا، فمن أجاب الداعي دخلَ الدار وأكل من المأدبة ورضي عنه السيد، ومن لم يجب الداعيَ لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة وسخط عليه السيد. قال: فالله: السيد، ومحمد: الداعي، والدار: الإسلام، والمأدبة: الجنّة". قلت: رواه الدارمي (¬1) في أول مسنده عن مجاهد بن موسى ثنا ريحان هو ابن سعيد ثنا عباد هو ابن منصور عن أيوب عن أبى قلابة عن عطية أنه سمع ربيعة الجرشي يقول: أتي نبي الله وساقه بلفظه، قوله ربيعة الجرشي: في صحبته نظر قال أبو حاتم: قال بعض الناس: إن له صحبة وليس له صحبة (¬2). قال أبو المتوكل الناجي: سألت ربيعة الجرشي وكان فقيه الناس في زمن معاوية وقال ابن سعد: قتل يوم مرج راهط سنة أربع وستين. قوله: لتنم عينك: يجوز أن يكون معناه الخبر ويجوز أن يكون أمرًا على بابه - صلى الله عليه وسلم - ويكون ¬

_ (¬1) أخرجه الدارمي (11)، وأخرجه أيضًا الطبراني في الكبير (5/ 65 برقم 4597) والمروزي في السنة برقم (109) من طريق ريحان بن سعيد، بهذا الإسناد. (¬2) ربيعة الجرشي وكنيته أبو الغاز الدمشقي اختلف في صحبته فأثبتها له البخاري والواقدي وابن سعد وابن عبد البر وابن حبان ونفاها أبو حاتم وأبو زرعة، والحديث ضعيف بهذا الإسناد لضعف عباد بن منصور لأنه قال فيه الحافظ: صدوق رمي بالقدر، وكلان يدلس، تغيَّر بآخره. (التقريب رقم 3159) لكنه يشهد له حديث جابر عند الترمذي فيتقوى به ويكون حسنا لغيره. انظر الفتح (13/ 256) وكنز العمال برقم (1019). انظر ترجمة ربيعة في: الطبقات الكبرى (7/ 438)، الجرح (3/ ت 2116). تهذيب الكمال ت: (1870)، والإصابة (3/ 268 - 269).

- صلى الله عليه وسلم - أمر بذلك ليجمع الحواس. 126 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ألفيَنّ أحَدكم متكئًا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرتُ به أو نهيتُ عنه، فيقول: لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه كلاهما في السنة، والترمذي في العلم (¬1) ثلاثتهم من حديث أبي رافع، وقال الترمذي: حسن، قال: وروى بعضهم هذا الحديث عن سفيان عن ابن المنكدر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا وسالم عن عبيد الله عن أبيه وكان ابن عيينة إذا روى هذا الحديث على الانفراد بيّن حديث ابن المنكدر من حديث سالم وإذا جمعهما روى هكذا وأبو رافع مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - اسمه أسلم، انتهى كلام الترمذي. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ألفين أحدكم متكئًا على أريكته": ألفيت الشيء وجدته، قال الأزهري (¬2): كل ما يتّكأ عليه فهو أريكة. قال البغوي (¬3): أراد بهذه الصفة أصحاب الترف والدعة الذين لزموا البيوت وقعدوا عن طلب العلم. 127 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه وإنما حرّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما حرم الله، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع، ولا لُقَطَةُ معاهد إلَّا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يَقروه، فإن لم يقرُوه فله أن يعقّبهُم بمثل قَراه". قلت: رواه أبو داود في السنة بهذا اللفظ إلا قوله: وأن ما حَرّم رسول الله كما حَرَم الله، فإني لم أرها في نسخة سماعي وإن كان معناها صحيحًا وهي في الترمذي ورواه ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4605)، وابن ماجه (13)، والترمذي (2663) وإسناده صحيح. (¬2) انظر: تهذيب اللغة للأزهري (10/ 354). (¬3) شرح السنة (1/ 201).

ابن ماجه في السنة والترمذي في العلم مختصرًا كلهم من حديت المقدام بن معدي كرب وقال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه. ولفظ أبي داود أتم من حديثهما وسكت عليه أبو داود والمنذري (¬1)، قال في شرح السنة (¬2): أراد - صلى الله عليه وسلم - أنه أوتي من الوحي غير المتلو والسنن التي لم ينطق القرآن بنصها مثل ما أوتي من المتلو قال تعالى: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ (2)} فالكتاب هو القرآن والحكمة هي السنة. أو أوتي مثله من بيانه فإن بيان الكتاب إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (44)} انتهى. قوله: ألا يوشك رجل شبعان على أريكته أي أنبهكم بأنه قَرُب أن يقول، رجل شبعان، وخص الشبعان بالذكر إشارة إلى أن سبب هذا القول البطر والحماقة. ويَقروه: بفتح الياء يقال قَريت الضيف قِرىً مثل قَلَيتهُ قِلًى. 128 - قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أيحسِب أحدكم متكئًا على أريكته يظنّ أن الله لم يحرّم شيئًا، إلا ما في هذا القرآن، ألا وإني والله قد أمرتُ ووعظتُ ونهيتُ عن أشياء، إنها لمثل القرآن أو أكثر، وإن الله لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن، ولا ضرب نسائهم، ولا أكلَ ثمارهم، إذا أعطوكم الذي عليهم". قلت: رواه أبو داود في الخراج في باب تعشير أهل الذمة إذا اختلفوا بالتجارات، من حديث العرباض بن سارية السلمي قال: نزلنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - خيبر ومعه مَن مَعَه من أصحابه وكان صاحب خيبر رجلًا ماردًا منكرًا، فأقبل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد إنكم إن تذبحوا حمرنا، وتأكلوا ثمرنا، وتضربوا نساءنا، فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: يا ابن عوف اركب فرسك ثم ناد: إن الجنة لا تحل إلا لمؤمن، وأن اجتمعوا للصلاة، فاجتمعوا ثم ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4604)، والشطر الأخير في الأطعمة (3804)، والترمذي (2664)، وابن ماجه (12) وإسناده صحيح. وانظر: مختصر المنذري (7/ 8 - 9) وفيه كلام مفيد لابن القيم. (¬2) شرح السنة (1/ 202).

صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قام فقال: أيحسب أحدكم وساقه إلى آخره، وفي إسناده أشعث بن شعبة المصيصي وفيه مقال (¬1). 129 - قال: وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل: يا رسول الله! كأنها موعظة مودّع فأوصنا فقال: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبدًا حبشيًّا فإنه من يعشْ منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها، وعَضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة". قلت: رواه أبو داود في السنة وفيه قصة، والترمذي في العلم وقال: حسن صحيح، ورواه ابن ماجه أيضًا، والحاكم في المستدرك في كتاب العلم، وقال: صحيح على شرطهما وليس له علة، ورواه الدارمي في باب اتباع السنة أوائل مسنده كلهم من حديث العرباض بن سارية يرفعه. (¬2) وذرفت منها العيون: بالذال المعجمة والراء المهملة المفتوحتين، قال الجوهري (¬3): يقال ذرفت عينه أي سال منها الدمع، والنواجذ: بالذال المعجمة قيل هي الأنياب ومنه: ضحك حتى بدت نواجذه وقيل: هي الأضراس ومعناه: المبالغة في التمسك بهذه الوصية، والخلفاء: قال المنذري: هم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين (¬4). 130 - خَطّ لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطًّا ثم قال: "هذا سبيل الله ثم خطّ خطوطًا عن يمينه ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3050) وإسناده ضعيف، لأن فيه أشعث بن شعبة الصيصي قال فيه أبو زرعة: ليِّن، وقال الحافظ: مقبول، التقريب (529). وتهذيب الكمال (ت 517). (¬2) أخرجه أبو داود (4607)، والترمذي (2676)، والدارمي (96) وكذلك ابن ماجه (43). (¬3) انظر: الصحاح للجوهري (4/ 1361). (¬4) مختصر المنذري (7/ 12).

وعن شماله وقال: "هذه سُبل، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه وقرأ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ (153)} " الآية. قلت: رواه النسائي في السنن، والدارمي في العلم من حديث عاصم بن أبي وائل عن ابن مسعود ورجاله ثقات، ورواه ابن ماجه في السنة من حديث الشعبي عن جابر (¬1) قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخط خطًّا وخط خطين عن يمينه وخط خطين عن يساره ثم وضع يده في الخط الأوسط فقال: هذا سبيل الله ثم تلا هذه الآية {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ (153)}. (¬2) 131 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به". قلت: رواه أبو القاسم التميمي في كتاب الحجة قال النووي: وإسناده صحيح انتهى (¬3). قلت: وقد أنبأناه أبو عبد الله محمد بن أحمد اللخمي ابن بنت الأعز عن أبي الروح عيسى بن الحسن المعروف بابن القاهري قال: أخبرنا أبو الفضل أحمد بن محمد السعدي ¬

_ (¬1) أخرجه النسائي في الكبرى (تحفة الأشراف 7/ 25، ت 9215)، (7/ 49، ت 9281) وإسناده حسن. والدارمي (1/ 67) وإسناده حسن، وابن ماجه (11) من رواية جابر بن عبد الله وإسناده فيه مقال من أجل مجالد بن سعيد ويتقوى الحديث بما سبق. (¬2) الأنعام: (153). (¬3) انظر الحجة (1/ 251) رقم (103)، وأخرجه أيضًا ابن أبي عاصم في السنة برقم (15)، والخطيب البغدادي في تاريخه (4/ 469) رقم (2239)، والبغوي في شرح السنة (1/ 212 رقم 104) وأورده النووي في "الأربعين" رقم (41) وقال: حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح. وقال الحافظ في الفتح (13/ 289) أخرجه الحسن بن سفيان وغيره ورجاله ثقات ووافق على تصحيح النووي. وأعله الحافظ ابن رجب وتعقب على النووي في تصحيحه له وقال: تصحيح هذا الحديث بعيد جدا من وجوه، ويبدو أن الحديث ضعيف فانظر كتابه (جامع العلوم والحكم) (2/ 394).

أنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد الحافظ السلفي في "أربعينه" (¬1) أخبرنا أبو القاسم ميمون بن عمر بن محمد الفقيه الثاني أخبرنا أبو حفص عمر بن الحسن الأرجي أنا أبو حامد أحمد ابن أبي طاهر الأسفرايني حدثنا إبراهيم بن محمد بن عبدل الشعراني أخبرنا الحسن بن سفيان النسوي حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين الأعين حدثنا نعيم بن حماد حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عقبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - به. 132 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أحيا سنة من سنتي قد أُميتَتْ بعدي فإن له من الأجر مثل أجور من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا ومن ابتدع بدعة ضلالة لا يرضاها الله ورسوله كان عليه من الإثم مثل آثام من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئًا". قلت: رواه الترمذي في العلم وابن ماجه في السنة كلاهما من حديث كثير عن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لبلال بن الحارث: اعلم، قال: أعلم يا رسول الله قال: اعلم يا بلال، قال: أعلم يا رسول الله قال: إن من أحيا سنة من سنتي قد أميتت من بعدي وساقه بلفظه وقال: هذا حديث حسن. قلت: بل سنده ضعيف وكثير بن عبد الله هذا واه، وقال أبو داود: كذاب وضرب الإمام أحمد على حديثه في المسند ولم يحدث به (¬2). ¬

_ (¬1) انظر الأربعين البلدانية لأبي طاهر السلفي ص: 94 رقم: (45) باب: أبواب المعروف بدربند. (¬2) أخرجه الترمذي (2677) وابن ماجه (210) وإسناده ضيعف جدًّا وفيه كثير بن عبد الله ضعفه الجمهور ونسبه الشافعي وأبو داود إلى الكذب وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه وقال ابن حبان: روى عن أبيه عن جده نسخة موضوعة لا يحل ذكرها في الكتب ولا الرواية عنه إلا على وجه التعجب. (تهذيب الكمال 24/ 137 - 140). قلت: وزد على ذلك أن أباه عبد الله بن عمرو بن عوف مجهول وإن قال ابن حجر في التقريب "مقبول" فقد تفرد بالرواية عنه ابنه كثير.

133 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الدين ليأرِزُ إلى الحجاز كما تأرِزُ الحيّة إلى جُحْرها، وليعْقلَنّ الدين من الحجاز معقلَ الأرْوِيّة من رأس الجبل، إن الدين بدأ غريبًا ويرجع غريبًا، فطوبي للغرباء الذين يُصلحون ما أفسد الناسُ من بعدي من سُنَّتي". قلت: رواه الترمذي في الإيمان (¬1) عن عبد الله بن عبد الرحمن أنا إسماعيل ابن أبي أويس حدثني كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف بن يزيد بن ملحة عن أبيه عن جده وقال الترمذي: هذا حديث حسن. قلت: وكثير بن عبد الله قد تقدم ذكره في الحديث قبله وقد ذكر الشيخ هذا الحديث في شرح السنة (¬2) منقطعًا بصيغة التمريض ونسبه إلى يزيد بن ملحة عن أبيه عن جده فقال: وروى عن يزيد بن ملحة عن أبيه عن جده عن رسول الله وساقه، وهو وهم، وصوابه: عن كثير بن عبد الله ابن عمرو بن عوف بن يزيد بن ملحة عن أبيه عن جده يعني عن أبي كثير وهو عبد الله عن جده وهو عمرو بن عوف وأما يزيد بن ملحة فجاهلي. قوله - صلى الله عليه وسلم -: وليعقلن الدين من الحجاز إلى آخره أي ليمنعن، والعقل: المنع، يقال عقل الوعل أي امتنع في الجبال العوال، يعقل عقولًا وسمي العقل عقلًا لأنه يمنع صاحبه مما لا يليق، فيحتمل أن يكون معنى الحديث: ليمنعن الدين ويتخذ من الدين الحجاز ملجأ وحصنًا كما يتخذ الأروية من الجبل. قال في النهاية (¬3): أي ليتحصن ويعتصم ويلتجئ إليه كالوعل إلى رأس الجبل والأروية: الأنثى من الوعل انتهى. ويحتمل أن يكون المعنى: أن بعد انضمام أهل الدين إلى الحجاز يعرضون عنه ولم يبق منهم فيه أحد والأول أظهر. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2630) وإسناده ضعيف جدًّا. (¬2) شرح السنة (1/ 120). (¬3) النهاية (2/ 280).

134 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليأتينّ على أمتي كما أتى على بني إسرائيل حذو النَّعل بالنَّعل حتى إن كان منهم من أتى أُمَّه علانيةً لكان من أمتي من يصنع ذلك، وإنّ بني إسرائيلَ تفرَّقَتْ على ثِنتين وسبعينَ مِلَّة، وتفترق أُمَّتي على ثلاث وسبعين مِلّة، كلّهم في النار إلا مِلَّة واحدة" قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: "ما أنا عليه وأصحابي". قلت: رواه الترمذي في الإيمان من حديث عبد الله بن عمرو وقال: هذا حديث غريب لا نعرف مثل هذا إلا من هذا الوجه انتهى (¬1). قلت: وفي سنده عبد الرحمن بن زياد الأفريقي قال الذهبي فيه: ضعفوه (¬2). وأمتي: يجوز أن يراد بهم أمة الدعوة فيندرج سائر أرباب الملل الذين ليسوا على قبلتنا، أو أمة الإجابة، فالمراد أهل القبلة. والملة: لما شرع الله لعباده على لسان النبي ليتوصلوا به إلى النجاة ثم توسع فيها بعد ذلك فاستعملت في الملل الباطلة. والحذو: بالحاء المهملة والذال المعجمة وهو القطع وحذوت النعل بالنعل إذا قدرت كل واحدة على صاحبتها. 135 - وفي رواية معاوية: "وواحدة في الجنة وهي الجماعة، وإنه سيخرج في أمتي قوم تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه، لا يبقى منه عِرْق ولا مَفْصِل إلا دخله". قلت: رواه أبو داود في السنة (¬3) من حديث معاوية بن أبي سفيان أنه قام فقال: ألا إن ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2641) وإسناده ضعيف. ولكن الحديث يتقوى بما رواه أبو داود (4596)، والترمذي (2640)، وابن ماجه (3991)، وأحمد (2/ 3332) من رواية أبي هريرة وإسناده حسن. وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير (5343) دون قوله: "حتى إن كان من أتى أمه علانية، لكان من أمتي من يصنع ذلك". (¬2) انظر: الكاشف (1/ 627 رقم 3194)، وقال الحافظ في التقريب (3887): ضعيف في حفظه. (¬3) أخرجه أبو داود (4597) وإسناده حسن.

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام فينا فقال: ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة وأن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهى الجماعة، وأنه ستخرج من أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه لا يبقى منهم عرق ولا مفصل إلا دخله، وسكت هو والمنذري عليه (¬1). قوله - صلى الله عليه وسلم -: وأنه سيخرج من أمتي قوم تتجارى بهم تلك الأهواء إلى آخره أي يتواقعون في الأهواء الفاسدة ويتداعون فيها كما يتجارى الكَلَب بصاحبه، والكَلَب: بالتحريك، قال ابن الأثير (¬2): هو داء يَعْرض للإنسان من عضّ الكَلْب الكَلِب، فيُصيبه شِبْه الجنون فلا يعَضّ أحدًا إلا كَلِب، وتَعْرض له أعراض رديئة، ويمتنع من شرب الماء حتى يموت عطشًا، وأجمعت العرب على أن دواءه قَطْرة من دم مَلِك، تُخلط بماء فيُسقاه. 136 - لا تجتمع هذه الأمة أو قال أمة محمد: على ضلالة، ويد الله على الجماعة ومن شذّ شذّ في النار". قلت: رواه الترمذي في الفتن (¬3) من حديث ابن عمر يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: حديث غريب من هذا الوجه، قلت: وفي سنده سليمان بن سفيان المدني وقد ضعفوه. (¬4) 137 - ويروى "اتَّبعوا السَّواد الأعظم، فإنه من شذَّ شذَّ في النار". قلت: رواه ابن ماجه من حديث أنس (¬5) ولفظه سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ¬

_ (¬1) انظر مختصر سنن أبي داود (7/ 4). (¬2) النهاية (4/ 195). (¬3) أخرجه الترمذي (2167) وإسناده ضعيف. (¬4) الكاشف (ت: 2092) وقال الحافظ في التقريب (2578): ضعيف. ورواية ابن عمر أخرجها أيضًا: الحاكم في المستدرك (1/ 115 - 116) وفي إسناده كذلك سليمان بن سفيان المدني وقد تقدم ذكره. (¬5) أما رواية أنس أخرجها ابن ماجه (3950) وإسناده ضعيف جدًّا لأن فيه سليمان بن سفيان المدني =

إن أمتي لا تجتمع على ضلالة فإذا رأيتم اختلافًا فعليكم بالسواد الأعظم. 138 - قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا بُني إن قدرت أن تُصبح وتمسي ليس في قلبك غِشّ لأحد فافعل، ثم قال: يا بُني وذلك من سُنَّتي، ومن أحيا سُنَّتي فقد أحبَّني ومن أحبَّني كان معي في الجنة". قلت: راوه الترمذي في العلم (¬1) عن مسلم بن حاتم الأنصاري البصري قال ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري عن أبيه عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب قال: قال أنس بن مالك: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا بني وساقه بلفظه قال: وفي الحديث قصة طويلة وهو حديث حسن غريب من هذا الوجه، ومحمد بن عبد الله الأنصاري ثقة وأبوه ثقة وعلي بن زيد صدوق إلا أنه ربما يرفع الشيء الذي لا يرفعه غيره قال: وسمعت محمد بن بشار يقول: قال أبو الوليد: قال شعبة: ثنا علي بن زيد وكان رفّاعًا ولا نعرف لسعيد بن المسيب عن أنس رواية إلا هذا الحديث بطوله، وقد روى عبّاد الِمْنقَري هذا الحديث عن علي بن زيد عن أنس ولم يذكر فيه عن سعيد بن المسيب قال أعني الترمذي: وذاكرت به محمد بن إسماعيل فلم يعرفه، ولم يعرف لسعيد بن المسيب عن أنس هذا الحديث ولا غيره ومات أنس بن مالك سنة ثلاث وتسعين، ومات سعيد بعده بسنتين مات سنة خمس وتسعين انتهى كلام الترمذي (¬2). 139 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من تمسك بسنتي عند فساد أمتي فله أجر مائة شهيد". قلت: هذا الحديث رويناه في كتاب الزهد للبيهقي كما أخبرنا به قاضي القضاة عبد العزيز بن محمد الكتاني سماعًا سنة خمسين وسبع مائة قال: أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن عساكر وأبو إسحاق إبراهيم بن عثمان المؤذن سماعًا قالا: أخبرنا ¬

_ = وكذلك شيخه أبو خلف الأعمى: متروك رماه ابن معين بالكذب. انظر التقريب (8143). (¬1) أخرجه الترمذي (2678) وإسناده ضعيف. (¬2) انظر سنن الترمذي (2678) وضعيف الترمذي للشيخ الألباني -رحمه الله- (90).

زين الأمناء أبو البركات الحسن بن محمد بن عساكر وأبو بكر محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن غسان سماعا، قالوا: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن عساكر قال: أخبرنا القاسم زاهر بن طاهر الشحاميح قال شيخنا: وأنبانا أبو الفضل ابن عساكر قال: أنبأنا أبو روح عبد المعز بن محمد وزينب بنت عبد الرحمن الشَّعْرية قالا: أنبأنا زاهر قال: أخبرنا الحافظ أبو بكر أحمد بن حسين البيهقي قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال: أخبرنا أبو أحمد حمزة بن محمد بن العباس قال: حدثنا عبد الله بن روح قال: حدثنا الحسن بن قتيبة قال: حدثنا عبد الخالق بن المنذر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من تمسك بسنتي عند فساد أمتي فله أجر مائة شهيد (¬1). 140 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أتاه عمر فقال: "إنّا نسمعُ أحاديث من يهود تُعجبنا، أفترى أن نكتب بعضها؟ فقال: أمتهوّكُون أنتم! كما تهوّكت اليهود والنصارى، لقد جئتكم بها بيضاءَ نقية، ولو كان موسى حيًّا ما وسعه إلا اتّباعي". قلت: رواه الدارمي في العلم من حديث مجالد عن الشعبي عن جابر ورواه البيهقي في "شعب الإيمان" والمصنف في "شرح السنة" بسندهما من طريق أبي عبيد القاسم بن سلام قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله أيضًا بلفظه، ورواه الإمام أحمد بنحوه عن شريح بن النعمان عن هشيم به. قال البيهقي: قال ابن عون: قلت للحسن: ما متهوِّكون؟ قال: متحيّرون (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي في الزهد (207) من حديث ابن عباس وقد رواه من هو أعلى طبقة منه وهو ابن عدي في الكامل (460)، وابن بشران في أماليه برقم (503) و (701) وإسناده ضعيف جدًّا لأنه فيه الحسن بن قتيبة المدائني وهو هالك كما قال الذهبي في الميزان (2/ 270)، وقال الدارقطني: متروك الحديث. (¬2) أخرجه الدارمي (435)، والبيهقي في الشعب (177)، والبغوي في شرح السنة (126)، وأحمد =

141 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أكل طيبًا وعمل في سنة، وأمن الناس بوائقه دخل الجنة، فقال رجل: يا رسول الله! إن هذا اليوم في الناس لكثير قال: وسيكون في قرونٍ بعدي". قلت: رواه الترمذي قبيل باب صفة الجنة من حديث أبي وائل عن أبي سعيد يرفعه وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، قال: وسألت محمدًا عنه فلم يعرفه إلا من حديث إسرائيل ولم يعرف اسم أبي بشر أحد رواته. (¬1) قال الهروي: البوائق: الدواهي (¬2). 142 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنكم في زمان من ترك منكم عُشْرَ ما أُمِر به هلك، ثم يأتي زمان من عمل منهم بعُشرْ ما أمر به نجا". قلت: رواه الترمذي في آخر الفتن من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة يرفعه وقال غريب (¬3). 143 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"ما ضل قوم بعد هُدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل، ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58)} ". قلت: رواه الترمذي في التفسير في الزخرف من حديث أبي أمامة يرفعه وقال: حديث حسن صحيح (¬4). ¬

_ = (3/ 387)، وإسناده ضعيف لأن مجالد بن سعيد: ليس بالقوي، وقد تغير في آخر عمره انظر: التقريب (6520). (¬1) أخرجه الترمذي (2520) وإسناده ضعيف وأبو بشر عن أبي وائل مجهول. (¬2) الغريبين للهروي (1/ 230). (¬3) أخرجه الترمذي (2267) لأن فيه نعيم بن حماد وهو ضعيف. انظر ضعيف الترمذي للشيخ الألباني -رحمه الله- (394). (¬4) أخرجه الترمذي (2993)، وكلذلك ابن ماجه (47) وإسناده صحيح.

144 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول:"لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم، فإن قومًا شدّدوا على أنفسهم فشُدّدَ عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديار {رَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} ". قلت: رواه أبو داود في الصلاة وفي الأدب من حديث أنس يرفعه ورجاله موثقون (¬1). 145 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نزل القرآن على خمسة وجوه: حلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال، فأحلُّوا الحلال، وحرِّموا الحرام، واعملوا بالمحكم وآمنوا بالمتشابه، واعتبروا بالأمثال". قلت: رواه البيهقي في شعب الإيمان (¬2) في فضل قراءة القرآن بالتفخيم والإعراب من حديث معارك بن عباد عن عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أعربوا القرآن واتبعوا غرائبه وفرائضه وحدوده، فإن القرآن نزل على خمسة أوجه وساقه، ومعارك وشيخه عبد الله بن سعيد ضعيفان (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في الأدب (4904) وإسناده ضعيف فيه سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء لم يوثقه غير ابن حبان وقال في "التقريب" (2366): مقبول. (هذا آخر حديث في باب الاعتصام في النسخة المطبوعة من المصابيح). (¬2) أخرجه البيهقي "في شعب الإيمان " (2292، 2291). ورواه الهروي في "ذم الكلام " (3/ 230)، وأبو يعلى (6560)، وأورده الدراقطني في العلل (2055)، ورواه الحاكم في المستدرك (2/ 439) وقال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد على مذهب جماعة من أئمتنا ولم يخرجاه وتعقبه الذهبي بقوله: بل أجمع على ضعفه. وفي الإسناد معارك بن عباد وشيخه ضعيفان. (¬3) انظر ترجمة معارك بن عبّاد في التقريب (6791) وقال: ضعيف، وعبد الله بن سعيد ابن أبي سعيد المقبري: متروك، التقريب (3376).

146 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الأمر ثلاثة: أمرٌ بيِّنٌ رُشْدُه فاتبعه، وأمرٌ بيّن غيّه فاجتنبه، وأمر اختلف فيه فكِلْه إلى الله عز وجل". قلت: رواه الإمام أحمد بن حنبل من حديث ابن عباس يرفعه (¬1). ¬

_ (¬1) أما عزو الحديث للإمام أحمد في "المسند" فهو يبدو وهم منه رحمه الله، فإني لم أجده فيه وقد عزاه السيوطي في "الجامع الكبير". إلى ابن منيع واسمه أحمد أيضًا، وقد رواه بنحوه الطبراني في الكبير (10774)، والحاكم في المستدرك (4/ 270)، ورواه بنحوه أيضًا ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" صـ 311، وقد سقط من إسناده أربعة رجال وتحرف خامس كما يتضح بالمقارنة مع إسناد الطبراني. وقال البيهقي (1/ 158) رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون وقد وهم أيضًا رحمه الله فإن في الإسناد أبا المقدام وهو هشام بن زياد وهو متروك. انظر ترجمة هشام (تاريخ بن معين 4/ 616) التاريخ الكبير (8/ 199 - 200)، الجرح والتعديل (9/ 58)، الكامل (7/ 105)، تهذيب الكمال (30/ 200)، والتقريب (7342).

كتاب العلم

كتاب العلم من الصحاح 147 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بلّغوا عني ولو آية، وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار". قلت: رواه البخاري في بني إسرائيل والترمذي في العلم من حديث عبد الله ابن عمرو (¬1). 148 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من حدث عني بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين". قلت: رواه مسلم في أول كتابه وابن ماجه في السنة كلاهما من حديث سمرة بن جندب يرفعه ولم يخرجه البخاري (¬2). 149 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من يُرد الله به خيرًا يفقّهه في الدين وإنما أنا قاسم والله يُعطي، ولا تزال من أمتي أمةٌ قائمة بأمر الله لا يضُرّهم مَن خَذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك". قلت: رواه الشيخان البخاري في العلم ومسلم في الزكاة كلاهما من حديث معاوية يرفعه. (¬3) 150 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "الناس معادن كمعادن الفضّة والذّهب، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3461)، والترمذي (2669). (¬2) أخرجه مسلم (1/ 9) في المقدمة باب وجوب الرواية عن الثقات وترك الكاذبين، وابن ماجه (39). (¬3) أخرجه البخاري (171)، في فرض الخمس (3116)، وفي الاعتصام (2/ 73)، ومسلم (1037).

قلت: رواه مسلم في الأدب والبخاري في مناقب قريش ولم يقل كمعادن الفضة والذهب من حديث المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة يرفعه (¬1). 151 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالًا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلّمها". قلت: رواه البخاري في العلم وفي الزكاة وفي الأحكام وفي الاعتصام ومسلم في الصلاة والنسائي في العلم وابن ماجه في الزهد كلهم من حديث قيس بن أبي حازم عن ابن مسعود يرفعه (¬2). 152 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له". قلت: رواه مسلم وأبو داود والنسائي ثلاثتهم في الوصايا والترمذي في الأحكام كلهم من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة يرفعه ولم يخرجه البخاري (¬3). 153 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من نفّس عن مؤمن كربة من كُرَب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كُرَب يوم القيامة، ومن يَسّر على معسر يَسّر الله عليه في الدنيا والأخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في مسجد من ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3496)، ومسلم (2526). (¬2) أخرجه البخاري في العلم (73)، وفي الزكاة (1409)، وفي الأحكام (7141)، وفي باب ما جاء في اجتهاد القضاء بما أنزل الله (7316) ومسلم (268/ 816)، والنسائي في الكبرى (5840)، وابن ماجة (4208)، وابن حبان (90)، والبيهقي في السنن (10/ 88)، والبغوي في "شرح السنة" (138). (¬3) أخرجه مسلم (1631)، وأبو داود (3880)، والنسائي (67/ 251)، والترمذي (1376).

مساجد الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفت بهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطّأ به عملُه لم يُسرع به نسبُه". قلت: رواه مسلم في الدعوات والترمذي في القراءة كلاهما من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة ولم يخرج البخاري هذا الحديث، لكنه خرج المعونة والستر وتنفيس الكربة من حديث ابن عمر يرفعه (¬1). 154 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن أول الناس يُقضى عليه يوم القيامة: رجل استشهد، فأتى به فعرّفه نعَمه فعَرَفها قال: فما عمِلْت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استُشْهدت، قال: كذبتَ، ولكنك قاتلت لأن يُقال رجل جريء فقد قيل، ثم أُمِر به فسُحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأُتي به فعرّفه نعمه فعَرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال قاريء، فقد قيل، ثم أمر به فسُحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال: هو جواد فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار". قلت: رواه مسلم والنسائي كلاهما في الجهاد من حديث سليمان بن يسار عن أبي هريرة يرفعه (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2699)، والترمذي (2945)، وكذلك ابن ماجه في المقدمة (225). وأخرج الترمذي في العلم (2646) من قوله من سلك طريقًا، وأخرج البخاري من حديث ابن عمر الستر والمعونة برقم (2442). (¬2) أخرجه مسلم (1905)، والنسائي (6/ 23).

155 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تعالى لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالمًا اتخذ الناسُ رؤسًا جهالًا، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا". قلت: رواه البخاري في العلم وفي الاعتصام ومسلم والنسائي والترمذي ثلاثتهم في العلم وابن ماجه في السنة كلهم من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص يرفعه (¬1). 156 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يتخوّلنا بالموعظة في الأيام، كراهة السآمة علينا". قلت: رواه البخاري والنسائي كلاهما في العلم ومسلم في التوبة والترمذي في الاستئذان كلهم من حديث عبد الله بن مسعود (¬2). والتخول: التعهد، يقال تخوّلت الريحُ الأرضَ تَعَاهدتها. 157 - كان النبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا حتى تفهم عنه، وإذا أتى على قوم فسلّم عليهم سلّم عليهم ثلاثًا. قلت: رواه البخاري في العلم وفي الاستئذان والترمذي في الاستئذان كلاهما من حديث ثمامة بن عبد الله بن أنس عن جده أنس (¬3). 158 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله". قلت: رواه مسلم قي الجهاد وفيه قصة وأبو داود في الأدب والترمذي في العلم ثلاثتهم من حديث أبي مسعود الأنصاري البدري يرفعه (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (100)، وفي الا عتصام (7307)، ومسلم (2673)، والترمذي (2652)، وابن ماجه (52). (¬2) أخرجه البخاري (70)، والنسائي (5889) من الكبرى، ومسلم (2821)، والترمذي (2855). (¬3) أخرجه البخاري (95)، وفي الاستئذان (6244)، والترمذي (2723). (¬4) أخرجه مسلم (1893)، وأبو داود (5129)، والترمذي (2671).

159 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعدَه، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء". قلت: رواه مسلم في العلم من حديث جرير وجاء على سبب، حذفه المصنف قال جرير: جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليهم الصوف، فرأى سوء حالهم قد أصابتهم حاجة فحثّ الناس على الصدقة، فأبطأوا عنه، حتى رُئي ذلك في وجهه، قال: ثم أن رجلًا من الأنصار جاء بصرة من وَرِقٍ ثم جاء آخر ثم تتابعوا حتى عرف السرور في وجهه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من سنّ في الإسلام ... " الحديث. ولم يخرج البخاري هذا ورواه النسائي في الزكاة وابن ماجه في السنة مقتصرًا على ما ذكره المصنف (¬1). 160 - قال - صلى الله عليه وسلم -:"لا تُقتل نفسٌ ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كِفل من دمها، لأنه أول من سَنّ القتل". قلت: رواه الشيخان: البخاري في خلق آدم وفي الديات وفي الاعتصام ومسلم في الحدود والترمذي في العلم والنسائي في التفسير وابن ماجه في الديات كلهم من حديث مسروق عن ابن مسعود يرفعه (¬2). الكِفل: بكسر الكاف والمراد هنا الحظ والنصيب، وابن آدم الأول هو قابيل. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (69/ 1017) في العلم، والنسائي في الزكاة (5/ 75 - 77)، وابن ماجه (203). وكذلك الترمذي (2675) في العلم. (¬2) أخرجه البخاري (3335)، وفي الديات (6861)، وفي الاعتصام (7321)، ومسلم (1677)، والترمذي (2673)، والنسائي (7/ 81)، وابن ماجه (2616).

من الحسان

من الحسان 161 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا سلك الله به طريقًا من طرق الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضًا لطالب العلم وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإنّ فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر". قلت: رواه أبو داود والترمذي كلاهما في العلم وابن ماجه في السنة أما أبو داود وابن ماجه فروياه عن كثير بن قيس قال: كنت جالسًا مع أبي الدرداء في مسجد دمشق فجاءه رجل فقال: يا أبا الدرداء! إني جئتك من مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لحديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ما جئت لحاجة، قال: فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: وساقه. ورواه الترمذي عن قيس بن كثير عن أبي الدرداء. قال الترمذي: ولا نعرف هذا الحديث إلا من حديث عاصم بن رجاء بن حيوة، وليس إسناده عندي بمتصل، قال: وهكذا حدثنا محمود بن خداش البغدادي عن محمد بن يزيد الواسطي قال عاصم بن رجاء بن حيوة: عن قيس بن كثير قال: وإنما يروى هذا الحديث عن عاصم بن رجاء عن حيوة عن داود بن جميل عن كثير بن قيس عن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا أصح من حديث محمود ابن خداش انتهى كلام الترمذي (¬1). ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3741)، والترمذي (2682)، وابن ماجه (223) وفي الإسناد داود ابن جميل وكثير بن قيس ويضعف الإسناد لجهالتهما. ولكن رواه أبو داود (3642) من طريق محمد بن الوزير الدمشقي حدثنا الوليد قال: لقيت شبيب بن شيبة فحدثني عن عثمان بن أبي سَوْدة عن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا سند حسن في الشواهد فيتقوّى به الحديث وأورد البخاري طرفًا من الحديث في = = صحيحه في العلم (وأن العلماء هم ورثة الأنبياء ورثوا العلم، من أخذه أخذه بحظ وافر ومن سلك طريقًا يطلب به علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة). وقال الحافظ في الفتح (1/ 160): طرف من حديث: أخرجه أبو داود والترمذي، وابن حبان =

قال المنذري: وقد اختلف في هذا الحديث اختلافًا كثيرًا فقيل فيه: كثير بن قيس وقيل: قيس بن كثير، وفيه: أن كثير بن قيس ذكر أنه جاءه رجل من أهل مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي بعضها عن كثير بن قيس قال: أتيت أبا الدرداء وهو جالس في مسجد دمشق، فقلت: يا أبا الدرداء إني جئتك من مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث بلغني عنك، وفي بعضها: جاءه رجل من أهل المدينة وهو بمصر ومنهم من أثبت في إسناده داود بن جميل ومنهم من أسقطه. وروي عن كثير بن قيس عن يزيد بن سمرة عن أبي الدرداء وروي عن يزيد بن سمرة وغيره من أهل العلم عن كثير بن قيس قال: أقبل رجل من أهل المدينة إلى أبي الدرداء (¬1). 162 - ذكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلان أحدهما عالم والآخر عابد فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَضْل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله وملائكته، وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جُحرها وحتى الحوت لَيُصلُّون على معلِّم الناس الخير". قلت: رواه الترمذي في العلم من حديث أبي أمامة وقال: حديث غريب انتهى. في سنده الوليد بن جميل وقد ليّنه أبو زرعة (¬2). ¬

_ = والحاكم مصححًا من حديث أبي الدرداء وحسنه حمزة الكناني وضعّفه غيرهم بالاضطراب في سنده، لكن له شواهد يتقوى بها ولم يفصح المصنف بكونه حديثًا فلهذا لا يعد في تعاليقه لكن إيراده في الترجمة يشعر بأن له أصلًا وشاهده في القرآن: قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} (انتهى كلام الحافظ ابن حجر). (¬1) مختصر السنن (5/ 243 - 244). (¬2) أخرجه الترمذي (26859). قلت: الوليد بن جميل فيه ضعف من قبل حفظه وقال أبو زرعة شيخ لين الحديث (تهذيب الكمال ت 7295). وقال الحافظ: ضعيف، التقريب (1788) في ترجمة داود ورقم (7469/ 1).

162 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الناس لكم تَبَع وإن رجالًا ليأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون في الدين، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرًا". قلت: رواه الترمذي في العلم وابن ماجه في السنة كلاهما من حديث أبي هارون العبدي واسمه عمارة بن جوين عن أبي سعيد يرفعه، وقال الترمذي: كان شعبة يضعف أبا هارون العبدي. قال يحيى بن سعيد: مازال ابن عون يروي عن أبي هارون حتى مات انتهى. قال الذهبي: هو تابعي ضعيف (¬1). 164 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "الكلمة الحكمة ضالة الحكيم، فحيث وجدها فهو أحق بها" (غريب). قلت: رواه الترمذي وهو آخر حديث في العلم وابن ماجه في الزهد كلاهما من حديث إبراهيم بن الفضل عن سعيد المقبري عن أبي هريرة يرفعه قال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وإبراهيم بن الفضل المديني يضعف في الحديث. (¬2) 165 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد". قلت: رواه الترمذي في العلم وابن ماجه في السنة كلاهما من حديث روح ابن جناح عن مجاهد عن ابن عباس، وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه انتهى، وروح هذا وثقه دحيم وقال النسائي ليس بالقوي (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2651، 2650)، وابن ماجه (249) وفي الإسناد أبو هارون العبدي واسمه عمارة بن جوين: متروك، كذّبه الجوزجاني، وقال ابن حبان: كان يروي عن أبي سعيد ما ليس من حديثه لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب. (تهذيب الكمال 21/ 232 - 2369). والتقريب (4874) وقال: متروك، ومنهم من كذَّبه، شيعي من الرابعة. أما قول الذهبي فهو في المغني في الضعفاء (2/ 460) وقال في الكاشف (2/ 53): متروك. (¬2) أخرجه الترمذي (2687)، وابن ماجه (4169) قلت: وأما إبراهيم بن الفضل هو المخزومي المدني فهو متروك كما في "التقريب" (230)، وانظر تحفة الأشراف (9/ 467 (12940). (¬3) أخرجه ابن ماجه (224) وقال في الزوائد: إسناده ضعيف لضعف حفص بن سليمان أهـ. =

166 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "طلب العلم فريضة على كل مسلم". قلت: رواه ابن ماجه في السنة من حديث ابن سيرين عن أنس، وقال فيه: وواضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب، وفي إسناده حفص بن سليمان ابن امرأة عاصم، ثبت في القراءة لا في الحديث، وقال البخاري: تركوه، وقال الحافظ محمد بن طاهر المقدسي: روى هذا الحديث أحمد بن إبراهيم بن موسى عن مالك عن نافع عن ابن عمر وهذا حديث لا أصل له من حديث مالك عن نافع وإنما هو من حديث أنس بن مالك، وأحمد هذا كذاب انتهى (¬1). قال البيهقي (¬2): هذا الحديث متنه مشهور وقد روي من طرق كلها ضعيفة. 167 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "خصلتان لا تجتمعان في منافق: حُسْنُ سَمْت ولا فقه في الدين". قلت: رواه الترمذي في العلم من حديث عوف عن ابن سيرين عن أبي هريرة وقال: غريب لا نعرفه من حديث عوف إلا من هذا الشيخ خلف بن أيوب العامري ولم أر أحدًا يروي عنه غير أبي كريب محمد بن العلاء ولا أدري كيف هو؟ انتهى كلام الترمذي. وقال غيره: ثقة (¬3). ¬

_ = قلت: حفص بن سليمان متروك الحديث مع إمامته في القراءة. التقريب (1414). وروح ابن جناح الأموي، ضعيف، اتهمه ابن حبان، التقريب (1972). (¬1) قال ذلك في كتابه: "تذكرة الحفاظ، أطراف أحاديث كتاب المجروحين" لابن حبان ص 216 رقم 520 وفيه زيادة بعد كذاب: لا تحل الرواية عنه. وانظر لتفصيل هذا الحديث: ذخيرة الحفاظ المخرج على الحروف والألفاظ للمقدسي (3/ 1561 - 1564). (¬2) قول البيهقي في "الشعب" [1663]. وتصحف فيه "متنه". إلى "شبه". (¬3) أخرجه الترمذي (2684). قلت: أما خلف بن أيوب رماه أحمد وابن حبان وتبعهما ابن القطان بالإرجاء. وقال ابن معين: بلخي ضعيف كذا نقله العقيلي في الضعفاء الكبير (2/ 24) وقال الخليلي: صدوق مشهور كان يوصف بالستر والصلاح وكان فقيها على رأي الكوفيين. وقال أحمد: حدث عن قيس بمناكير وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الحافظ: ضعفه ابن معين ورمي بالإرجاء. =

168 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع". قلت: رواه الترمذي في العلم من حديث الربيع بن أنس عن أنس يرفعه وقال: حسن غريب، قال: ورواه بعضهم فلم يرفعه (¬1). 169 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من طلب العلم كان كفّارة لما مضى". (ضعيف). قلت: رواه الترمذي في العلم من حديث أبي داود عن عبد الله بن سخبرة عن أبيه سخبرة، يرفعه وقال: حديث ضعيف الإسناد، وأبو داود وهو نفيع الأعمى يضعف، ولا نعرف لعبد الله بن سخبرة كبير شيء انتهى. قال الذهبي: نفيع تركوه، وكان يترفض. (¬2) ¬

_ = قلت: أما الإرجاء فإنه ليس بعلة إذا لم يكن داعية إليه لأن مبنى الرواية على الثقة والضبط وتضعيف ابن معين له لم يفسر فيتوقف فيه لكون أحد المعتبرين لم يوثقه. وللحديث شاهد مرسل عن محمد بن عبد الله بن سلام أخرجه عبد الله بن المبارك في الزهد 155 ز، وعنه القضاعي في مسند الشهاب (1/ 210) وفي الزهد عن محمد بن حمزة بن عبد الله بن سلام مرفوعًا وهو الأقرب، إلا أنه مرسل. وصححه الشيخ ناصر -رحمه الله- في الصحيحه (278) تبعًا لعبد الحق الأشبيلي في "الأحكام الوسطى" (1/ 90)، وتهذيب الكمال (8/ 273). (¬1) أخرجه الترمذي (2647)، وفي الإسناد خالد بن يزيد قال العقيلي. لا يتابع على كثير من حديثه ثم ساق له هذا الحديث. وقال أبو زرعة: لا بأس به، وفي التقريب "صدوق يهم". وكذلك شيخه أبو جعفر الرازي صدوق سيئ الحفظ. والربيع بن أنس: صدوق له أوهام كما في التقريب، وقال ابن حبان في "الثقات" والناس يتقون من حديثه ما كان من رواية أبي جعفر عنه لأنما في أحاديثه عنه اضطرابًا كثيرًا وهذا منها. ذكره الشيخ الألباني في ضعيف الترمذي (494)، وانظر ترجمة خالد بن يزيد العتكي في ضعفاء العقيلي (2/ 17)، وتهذيب الكمال (8/ 210)، والتقريب (1702)، وترجمة الربيع بن أنس في تهذيب الكمال (9/ 60)، والتقريب (1892). (¬2) أخرجه الترمذي (2648) وإسناده موضوع. وأما نفيع بن الحارث الأعمى فضعفه الجمهور وهو رافضي وكذبوه، وكذلك سخبرة في صحبته اختلاف كما قال المنذري (1/ 55) وقول الذهبي فهو في الكاشف (2/ 325)، وقال الحافظ: نفيع بن الحارث =

170 - قال - صلى الله عليه وسلم -:"لن يشبع المؤمن من خير يسمعُه حتى يكون منتهاه الجنة". قلت: رواه الترمذي في العلم من حديث درّاج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري يرفعه وقال: حسن غريب انتهى. (¬1) قال أبو داود: حديث دراج مستقيم إلا ما كان من أبي الهيثم. 171 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من سئل عن علم ثم كتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار". قلت: رواه أبو داود والترمذي كلاهما في العلم وابن ماجه في السنة كلهم من حديث عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة وقال الترمذي: حديث حسن (¬2). قال المنذري: وقد روي عن أبي هريرة من طرق فيها مقال، والطريق الذي خرجها أبو داود طريق حسن فإنه رواه عن التبوذكي وقد احتج به الشيخان، عن حماد بن سلمة، وقد احتج به مسلم واستشهد به البخاري عن علي بن الحكم قال الإمام أحمد: ليس به بأس عن عطاء وقد احتج به الإمامان وروي هذا الحديث أيضًا من رواية عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وعمرو بن عَبَسة وعلي بن طلق وفي كل منها مقال. (¬3) ¬

_ = متروك، وقد كذبه ابن معين، من الخامسة. التقريب (7230) وسَخْبرة: قال الحافظ: صحابي، في إسناد حديثه ضعف، التقريب (2226). (¬1) أخرجه الترمذي (2686). وإسناده ضعيف لأنه من رواية دراج عن أبي الهيثم وهو ضعيف في روايته عنه. انظر التقريب (1824)، والكاشف (1473) وفيه قول أبي داود. (¬2) أخرجه أبو داود (3658)، والترمذي (2649)، وابن ماجه (261) وإسناده صحيح. (¬3) انظر مختصر السنن (5/ 251 - 252). قلت: أما رواية عبد الله بن مسعود. فأخرجها الطبراني في الكبير (10/ 125) والخطيب في تاريخه (6/ 77) وإسناده تالف، فيه سوار بين مصعب، قال البخاري: منكر الحديث. وأما رواية عبد الله بن عباس. فأخرجها أيضًا الطبراني في الكبير (11/ 145) وفيه جابر ابن يزيد الجعفي =

172 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من طلب العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء ويصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار". قلت: رواه الترمذي في العلم من حديث كعب بن مالك وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وفي سنده إسحاق بن يحيى بن طلحة وليس بذاك القوي عندهم، تكلم فيه من قبل حفظه انتهى كلام الترمذي. (¬1) ¬

_ = متروك الحديث، وأما رواية عبد الله بن عمر رواها ابن الجوزي في العلل (1/ 98). وفي إسناده خالد بن يزيد، قال: يحيى هو كذاب، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات. وأما رواية عبد الله بن عمرو فأخرجها الحاكم (1/ 102)، ابن حبان (96)، والخطيب في تاريخه (5/ 38)، ونسبه الهيثمي في "المجمع" (1/ 163) إلى الطبراني في الكبير والأوسط، وقال: رجاله موثقون، وأما رواية أبي سعيد الخدري. فأخرجها ابن ماجه (265). وإسناده ضعيف جدًّا كما قال: (البوصيري) في الزوائد. ورواية جابر بن عبد الله أخرجها ابن ماجه (263) وفيه الحسين بن أبي السري كذاب أخرجها الخطيب في الفقيه والمتفقه (1145)، ولا يصح. ورواية أنس بن مالك. أخرجها ابن ماجه (264) وإسنادها ضعيف جدًّا قال البوصيري: "فيها يوسف بن إبراهيم"، قال ابن حبان: روى عن أنس ما ليس من حديثه لا تحل الرواية عنه. وحديث عمرو بن عَبَسة، أخرجه ابن مردويه وعنه ابن الجوزي في العلل (1/ 100) وفيه محمد بن القاسم، قال ابن الجوزي: كان يضع الحديث. وحديث علي بن طلق. أخرجه ابن عدي (1/ 345)، وابن الجوزي (104 - 105). في إسنادهما حماد بن محمد الفزاري وأيوب بن عتبة وهما ضعيفان، راجع العلل المتناهية (1/ 88 - 100). جامع بيان العلم (1/ 2 - 18) (1 - 9) والروض البسام (1/ 163 - 170). (¬1) أخرجه الترمذي (2654)، وفيه إسحاق بن يحيى ليس بذاك القوي كما قال الترمذي. ومن طريق الترمذي أخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 72) (86) والحاكم (1/ 86) ومن طريق الحاكم، أخرجه البيهقي في الشعب (4/ 00 رقم 1636)، والطبراني في الكبير (19/ 100) جميعهم من طرق عن إسحاق بن يحيى وقد مر حاله. وأما رواية أبي هريرة فقد أخرجها ابن ماجة (252) وأما رواية ابن عمر فقد أخرجها ابن ماجه أيضًا (253) وإسناده ضعيف كما قال البوصيري في الزوائد: إسناده ضعيف =

وروى ابن ماجة نحوه في السنة من حديث أبي هريرة ورواه أيضًا في السنة من حديث أبي كَرِب الأزدي عن نافع عن ابن عمر ورواه أيضًا من حديث حذيفة بصيغة: "لا تَعَلَّموا العلم لتباهوا به العلماء ولتماروا به السفهاء". الحديث. وأسانيده كلها فيها مقال. قوله: ليجاري به العلماء ويماري به السفهاء، قال ابن الأثير (¬1): ليجري مع العلماء في المناظرة والجدال ليظهر علمه إلى الناس رياء وسمعة، والمماراة: المجادلة. 173 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من تعلَّم علمًا مما يبتغى به وجه الله، لا يتعلمه إلا ليصيب به عَرَضًا من الدنيا لم يجد عَرْف الجنة يوم القيامة" يعني ريحها. قلت: رواه أبو داود في العلم وابن ماجه في السنة من حديث سعيد بن يسار عن أبي هريرة يرفعه ورجاله رجال الصحيحين (¬2). عَرْف الجنة: بفتح العين وسكون الراء، ريحها. 174 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "نَضَّر الله عبدًا سمع مقالتي فحفظها وَوَعاها وأدّاها فربّ حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، وقال: ثلاث لا يُغَلّ ¬

_ = لضعف حماد بن عبد الرحمن وأبي كرب. أهـ. قلت: أبو كرب الأزدي مجهول. ورواية حذيفة أخرجها ابن ماجه (259) وإسناده ضعيف جدًّا فيه: بشير بن ميمون الواسطي متروك اتهمه البخاري بالوضع انظر: التقريب (732) وحَسّنه الألباني -رحمه الله-. والحديث بمجموع طرقه حسن -إن شاء الله- من رواية أبي هريرة وإن كان فيها فليح بن مسلم وهو كثير الخطأ لكن تشهد له رواية أنس عند البزار (178). ويشهد له حديث جابر عند ابن ماجه (254)، وابن حبان (77)، والحاكم (1/ 86). (¬1) انظر: النهاية (1/ 264). (¬2) أخرجه أبو داود (3664)، وابن ماجه (252)، وقوله ورجاله رجال الصحيح نعم ولكن تبقى العلة في فليح بن سليمان وهو وإن أخرج له الشيخان , فإن ابن حجر قال: "صدوق كثير الخطأ" وضعّفه يحيى بن معين وأبو حاتم وأبو زرعة الرازيان كما في تهذيب الكمال (23/ 119 - 322) ولكن يُحَسن الحديث بما ذكر في الحديث السابق.

عليهنّ قلب مسلم، إخلاص العمل لله، والنصيحة للمسلمين، ولزوم جماعتهم، فإنّ دعوتَهم تُحيط من ورائهم". قلت: رواه الترمذي في العلم وهو يتلو كتاب الإيمان من حديث عبد الله بن مسعود وقال: حديث صحيح، ورواه ابن ماجة في السنة عن زيد بن ثابت ولم يقل فيه: "فإنما دعوتهم تحيط من ورائهم". (¬1) ونضر الله: يروى بتخفيف الضاد وتشديدها، وأكثر الشيوخ يشدِّدون وأكثر أهل الأدب يخففون، وقال النضر بن شميل: نضَّر الله وجهه ونضر وأنضر معناه: نَعَّمه وحَسّنه وقيل: أوصله نضرة النعيم وقيل: وجهُه في الناس وحَسّن حاله، ووَجُهه ناضر ونضير ومنضور والاسم النضرة والنضارة والنضور. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: وثلاث لا يُغِل بفتح الياء وضمها وكسر الغين فيهما قال الهروي: في الغريبين فمن فتح الياء جعله من الغل وهو الحقد والضغن يقول: لا يدخله حقد يزيله عن الحق، ومَن ضم الياء جعله من الخيانة انتهى (¬2). قال الجوهري: يقال من الخيانة، أغل يُغِل بضم الياء وكسر الغين، ومن الحقد: غل يَغِل بفتح الياء وكسر الغين، ومن الغلول غل يغُل بالضم انتهى (¬3). ولا وجه لكونه من الغلول هنا، قال في النهاية: يروى يَغل بفتح الياء من الغل وهو الحقد والشحناء أي لا يدخله حقد يزيله عن الحق. ويروى يغل بالتخفيف من الوغول وهو الدخول في الشر والمعنى أن هذه الخلال الثلاث تستصلح بها القلب فمن تمسك بها ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2656)، وابن ماجة (232)، والحميدي (88)، وأبو يعلى (5126)، وابن حبان (66) و (68) و (69) وأطال ابن عبد البر في تخريجه وذكر طرقه في جامع بيان العلم وفضله (1/ 175 - 189). (¬2) الغريبين (4/ 266). (¬3) الصحاح (5/ 1784).

طهر قلبه من الخيانة والدغل والشر، "وعليهن": في موضع الحال تقديره لا يغل كائنًا عليهن قلب مؤمن (¬1). قوله - صلى الله عليه وسلم -: فإن دعوتهم تحيط من ورائهم، قال في النهاية (¬2): الدعوة: المرة الواحدة من الدعاء أي يَحُوطهم ويحفظهم والظاهر فتح اليم في مَنْ وراءهم فهي موصولة مفعولًا ليحيط. 175 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "نَضّر الله امرءًا سمع منا شيئًا فبلغه كما سمعه، فربَّ مبلّغ أوعى له من سامع". قلت: رواه الترمذي في العلم وابن ماجه في السنة كلاهما من حديث عبد الله بن مسعود وقال: حديث حسن صحيح (¬3). 176 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم، فمن كذبَ علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار". قلت: رواه الترمذي في التفسير من حديث ابن عباس وقال: حسن (¬4). قلت: وشيخ الترمذي فيه سفيان بن وكيع وهو ضعيف. 177 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار". قلت: رواه الترمذي في آخر الحديث الذي قبله ورواه عبد بن حميد في مسنده بهذا ¬

_ (¬1) النهاية (3/ 381). (¬2) النهاية (2/ 122). (¬3) أخرجه الترمذي (2657) , وابن ماجه (232) وإسناده حسن من أجل سماك بن حرب الذهلي الكوفي. قال الحافظ: صدوق، وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وقد تغير بأخره فكان ربما يلقن التقريب (2639). (¬4) أخرجه الترمذي (2951)، قال الحافظ: سفيان بن وكيع أبو محمد الكوفي، كان صدوقًا إلا أنه ابتلي بوراقه فأدخل عليه ما ليس من حديثه فنصح فلم يقبل فسقط حديثه، من العاشرة. التقريب (2469).

اللفظ من حديث ابن عباس وفي سنده عبد الأعلى بن عامر الكوفي روى له الأربعة وضعفه أحمد (¬1). - وفي رواية: "من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار". قلت: رواه أبو داود في العلم والترمذي في أول التفسير والنسائي في فضائل القرآن كلهم من حديث ابن عباس وقال الترمذي: حسن صحيح. قلت: وفي سنده عبد الأعلى بن عامر فكيف يصححه الترمذي. (¬2) 178 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ". قلت: رواه أبو داود في العلم والترمذي في التفسير والنسائي في فضائل القرآن كلهم من حديث جندب في سنده سهيل بن عبد الله بن أبي حزم قال الترمذي: وقد تكلم بعض أهل الحديث فيه انتهى. (¬3) قال المنذري (¬4): وسهيل بن أبي حزم بصري واسم أبي حزم مهران وقد تكلم فيه الإمام أحمد والبخاري والنسائي وغيرهم. 179 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المِراء في القرآن كفر". قلت: رواه أبو في داود في السنة من حديث أبي هريرة وسكت هو والمنذري (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2951)، وسنن البيهقي (5/ 31). وضعيف الترمذي (570) قال الحافظ: عبد الأعلى الثعلبي "صدوق يهم" التقريب (3755) وانظر: تهذيب الكمال (16/ 352). (¬2) أخرجه الترمذي (2950)، والنسائي في الكبرى (8085) وإسناده ضعيف. (¬3) أخرجه أبو داود (3652)، والترمذي (2953)، والنسائي في الكبرى كما ذكر المزي في تحفة الأشراف (3262)، وسهيل بن عبد الله ليس بالقوي وقال الحافظ: ضعيف، التقريب (2687)، وانظر: تهذيب الكمال (12/ 217). (¬4) مختصر السنن (5/ 249). (¬5) أخرجه أبو داود (4603) وإسناده حسن، رجاله رجال الشيخين غير محمد بن عمرو ابن علقمة بن وقاص الليثي فهو "صدوق له أوهام" التقريب (6228) وأخرجه أحمد (2/ 424، 286، 300)، وابن =

عليه قال في "شرح السنة" (¬1): قيل معنى المراء: الشك، وقيل: هو الجدال المشكك وذلك أنه إذا جادل في القرآن أداه إلى أن يرتاب في الآي المتشابهة منه فيؤديه ذلك إلى الجحود، فسمّاه كفرًا باسم ما يخشى من عاقبته إلا من عصمه الله، وقيل هو المراء في قراءته وهو أن يُنْكر بعض القراءات المرويّة. 180 - سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - قومًا يتدارؤون في القرآن فقال: "إنما هلك من كان قبلكم بهذا، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض، وإنّما نزل كتاب الله يصدِّق بعضه بعضا فما علمتم منه فقولوه وما جهلتم فكِلُوه إلى عالمه". قلت: رواه المصنف في "شرح السنة" (¬2) في باب الخصومة في القرآن في أوائل الكتاب من حديث عبد الرازق عن معمر عن الزهريّ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (¬3). قوله يتدرؤون: أي يتدافعون أي يدفع كل من المتخاصمين قول صاحبه بما يقع له من القول، قال تعالى: {وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} وأشار بهذا إلى التدافع الذي كان بينهم. وضربوا كتاب الله بعضه ببعض، بيان لاسم الإشارة والمضاف محذوف أي مثل هذا. 181 - قال - صلى الله عليه وسلم -: " ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإِنما شفاء العِيّ السؤال". قلت: سيأتي في التيمم من حديث جابر. (¬4) ¬

_ = حبان (1464)، والحاكم (2/ 223) وقال: صحيح على شرط مسلم. (¬1) شرح السنة (1/ 261). (¬2) شرح السنة (1/ 260). (¬3) في عزو المصنف إلى "شرح السنة" قصور فقد أخرجه أحصد (2/ 196، 178)، وابن ماجه (85)، وقال في الزوائد: هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات. (¬4) أخرجه ابن حبان (75)، والطبري في تفسيره (10)، والطبراني (10090)، والبزار (2312) وهو في المطالب العالية (3489) ونسبه للبزار، وأورده الهيثمي في المجمع (7/ 152)، ونسبه للبزار أيضًا وأبي يعلى والطبراني في الأوسط، وقال رجال أحدهما ثقات. وسيأتي تخريجه.

182 - قال - صلى الله عليه وسلم -: " أنزل القرآن على سبعة أحرف، لكل آية منها ظهر وبطن ولكل حد مطلع". قلت: رواه المصنف في "شرح السنة" من طريق أبى عبيد عن حجاج عن حماد بن سلمة عن على بن زيد عن الحسن يرفعه، قال المصنف: ويروى هذا عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكره. قوله - صلى الله عليه وسلم -: لكل آية منها ظهر وبطن. قال المصنف في "شرح السنة" (¬1) الظهر: لفظ القرآن، والبطن: تأويله، وقيل: الظهر: ما حدَّث فيه عن أقوام أنهم عَصَوا فعوقبوا وأهلكوا بمعاصيهم فهو في الظاهر خبر، وباطنه عِظَة وتحذير أن يفعل أحد مثل فعلهم، وقيل: ظاهره التنزيل الذي يجب الإيمان به وباطنه وجوب العمل به، وقيل معنى الظهر والبطن التلاوة والتفهم، ونقل الزمخشري عن بعضهم: أن ظَهْره ما استوى المكلفون فيه من الإيمان والعمل بمقتضاه، وبَطْنه ما وقع التفاوت في فهمه على حسب مراتبهم في الْفَهْم. قوله - صلى الله عليه وسلم -: ولكل حدّ مطّلع: قال في "شرح السنة" (¬2): أي لكل حرف حد ولكل حد مطلع، يقول: لكل حرف حد في التلاوة ينتهي إليه، فلا يجاوَزْ، وكذلك في التفسير، ففي التلاوة لا يُجاوزُ المصحف الذي هو الإمام، وفي التفسير لا يجاوز المسموع، وقيل: الحد: الفرائض والأحكام، والمطلع ثوابه وعقابه وقيل: المطلع: هو الفهم وقد يفتح الله على المتدبّر والمتفكر فيه من التأويل والمعاني ما لا يفتحه على غيره وفوق كل ذي علم عليم. 183 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "العلم ثلاثة: آية محكمة أو سنة قائمة، أو فريضة عادلة، وما كان سوى ذلك فهو فضل". ¬

_ (¬1) شرح السنة (1/ 263). (¬2) شرح السنة (1/ 263 - 264).

قلت: رواه أبو داود في الفرائض وابن ماجه في السنة (¬1) وفي سنده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي وهو أول مولود ولد بأفريقية في الإسلام، ولي القضاء بها، وقد تكلم فيه غير واحد، وفيه أيضًا عبد الرحمن ابن رافع التنوخي قاضي أفريقية وقد غمزه البخاري وابن أبي حاتم. 184 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقُص إلا أمير، أو مأمور، أو مختال". قلت: رواه أبو داود في العلم (¬2) من حديث عوف بن مالك الأشجعي يرفعه، وفي سنده عباد بن عباد الخواص وثقه ابن معين وقال ابن حبان فيه: يأتي بالمناكير فاستحق الترك قال في "شرح السنة" (¬3): عن بعضهم أنه قال: هذا في الخطبة لأن الأمراء كانت الخطبة لهم، يعظون فيها الناس. والمأمور: من يقيمه الإمام خطيبًا، والمختال: من نصب نفسه لذلك اختيالًا وتكبرًا طلبًا للرياسة، والمُختال: بضم الميم وبالخاء المعجمة والتاء المثناة يقال: ختله وخاتله أي خدعه والتخاتل التخادع. 185 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من أفتى بغير علم كان إثمه على من أفتاه، ومن أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرُّشْد في غيره فقد خانه". قلت: راوه أبو داود في العلم وسكت هو والمنذري عليه وأخرجه ابن ماجه مقتصرًا ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2885)، وابن ماجه (54) وإسناده ضعيف كما قال المؤلف، وسبقت ترجمة الأفريقي وهو ضعيف في حفظه. أما عبد الرحمن التنوخي فقال الحافظ إنه: ضعيف من الرابعة، التقريب (3881). (¬2) أخرجه أبو داود (3665) وإسناده محتمل التحسين، لأن فيه: عباد بن عباد الخواص وقد أورده الذهبي في الكاشف (2567) وقال وثقوه. وقد شذ ابن حبان فذكره في المجروحين (2/ 170)، وقال الحافظ: صدوق يهم وأفحش ابن حبان فقال: يستحق الترك، من التاسعة, التقريب (3151). (¬3) شرح السنة (1/ 303).

على الفصل الأول كلاهما من حديث أبي هريرة. (¬1) 186 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نهى عن الأغلوطات". قلت: رواه أبو داود في العلم (¬2) من حديث معاوية وفي إسناده عبد الله بن سعد قال أبو حاتم الرازي: هو مجهول. 187 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تعلموا الفرائض والقرآن فإني مقبوض". قلت: رواه الترمذي في الفرائض (¬3) من حديث شهر بن حوشب عن أبي هريرة وقال: هذا حديث فيه اضطراب. 188 - كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فشخص ببصره إلى السماء ثم قال: "هذا أوان يُختلس فيه العلم من الناس، حتى لا يقدروا منه على شيء". قلت: رواه الترمذي في العلم (¬4) من حديث جبير بن نفير عن أبى الدرداء يرفعه وقال فيه: قال زياد بن لبيد الأنصاري: كيف يُختلس منا، وقد قرأنا القرآن فوالله لنقرأنّه ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3657)، وأحمد (2/ 321)، وابن ماجه (53) وإسناده حسن. (¬2) أخرجه أبو داود (3656) وإسناده ضعيف. انظر ترجمة عبد الله بن سعد الدمشقي في: الميزان (2/ رقم 4348)، وفي التقريب (3369) "مقبول"، والكاشف (2747). (¬3) أخرجه الترمذي (2091). قلت: وكذلك في الحديث محمد بن القاسم الأسدي ضعّفه أحمد والدارقطني انظر "العلل" لابنه عبد الله 1: (1813)، والتاريخ الصغير للبخاري (2: 312) وزكره الشيخ الألباني في ضعيف الترمذي (368) وذكر الترمذي سبب الاضطراب فقال: وروى أبو أسامة هذا الحديث عن عوف، عن رجل عن سليمان بن جابر، عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬4) أخرجه الترمذي (2653) وإسناده حسن بشواهده من حديث عوف بن مالك الأشجعي والتي أشار إليها المؤلف عند ابن حبان (4572). والنسائي في العلم من "الكبرى" (5909)، والتحفة (8/ 211)، وكذلك الطبراني (18/ 75)، والبزار (232)، وأحمد (6/ 26). والدارمي (296)، والحاكم في المستدرك (1/ 99)، وقال: "هذا إسناد صحيح من حديث البصريين" ووافقه الذهبي، والبيهقي في "المدخل إلى السنن" ص 452.

ولنُقْرأَنَّه لنسائنا وأبنائنا, فقال: ثكلتك أمك يا زياد! إن كنت لأعدّك من فقهاء أهل المدينة، هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى فماذا تغني عنهم؟ قال جبير: فلقيت عبادة بن الصامت قلت: ألا تسمع ما يقول أخوك أبو الدرداء قال: صدق أبو الدرداء إن شئت لأُحدّثنّك بأول علم يرفع من الناس الخشوع، يوشك أن تدخل مسجد جماعة فلا ترى فيه رجلًا خاشعًا، وقال الترمذي: حسن غريب نتهى. وقد رواه النسائي في العلم وأبو حاتم ابن حبان من حديث جبير ابن نفير عن عوف بن مالك وذكر بدل عبادة بن الصامت شداد بن أوس. 189 - "يُوشِك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون أحدًا أعلم من عالِم المدينة". قلت: رواه الترمذي في العلم من حديث أبي الزبير عن أبي صالح عن أبي هريرة يرفعه وقال: حديث حسن (¬1). قوله في المصابيح: قال ابن عيينة: هو مالك ومثله عن عبد الرزاق وقيل: هو العُمَرِيُّ الزاهد. قلت: ما حكاه الشيخ عن ابن عيينة وعبد الرازق قاله الترمذي عنهما (¬2)، وقول الشيخ: وقيل: هو العمري، حكاه الترمذي عن ابن عيينة أيضًا (¬3) , والعمري هو: عبد العزيز بن عبد الله من ولد عمر بن الخطاب. 190 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدّد لها دينها". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2680) وإسناده ضعيف فيه ابن جريج وأبو الزبير وهما مدلسان ومعروفان بذلك. (¬2) أخرجه الترمذي (2680)، وقال: هذا حديث حسن. وقال الذهبي: هذا حديث نظيف الإسناد غريب المتن، رواه عدة عن سفيان بن عيينة ... انظر: سير أعلام النبلاء (8/ 56). (¬3) ذكره عقب الحديث السابق انظر سنن الترمذي (4/ 413).

قلت: رواه أبو داود في أول كتاب الملاحم من حديث شراحيل بن يزيد المعافري عن علقمة عن أبي هريرة فيما أعلم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، (¬1) وقال أبو داود: رواه عبد الرحمن بن شريح الإسكندراني لم يَجُزْ به شراحيل انتهى قال المنذري (¬2): فعَضَل الحديث، يريد بذلك أنه أسقط اثنين هما علقمة وأبو هريرة والله أعلم. 191 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "يَحْمل هذا العلم من كل خَلَف عُدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين". قلت: رواه البيهقي في كتاب المدخل إلى السنن (¬3) في باب: "تبين حال من وجد منه ما يوجب رد خبره". من طريق بقية بن الوليد عن معان بن رفاعة عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يرث هذا العلم من كل خلف عدوله" وذكره، ثم قال: تابعه إسماعيل بن عياش عن معان، ورواه الوليد بن مسلم عن إبراهيم بن عبد الرحمن عن الثقة من أشياخهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وروي أيضًا من أوجه أخر ضعيفة، ومعان بالنون دمشقي قال أبو حاتم وغيره لا يحتج به. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4291) وإسناده صحيح. (¬2) مختصر السنن (6/ 163). (¬3) أخرجه البيهقي في الكبرى (10/ 209) قلت: وإبراهيم بن عبد الرحمن العذري تابعي مقل كما قال الذهبي في الميزان (1/ 45) رقم (137). وراويه عنه معان بن رفاعة ليس بعمدة. لكن الحديث قد روي موصولًا من طريق جماعة من الصحابة وصحح بعض طرقه الحافظ العلائي في "بغية الملتمس" وروى الخطيب في شرف أصحاب الحديث (35/ 2) عن مهنا بن يحيى قال: سألت أحمد يعني ابن حنبل من حديث معان ابن رفاعة عن إبراهيم هذا، فقلت لأحمد: كأنه كلام موضوع، فقال: لا هو صحيح فقلت له: ممن سمعت أنت؟ قال: من غير واحد، قلت: من هم قال حدثني به مكين إلا أنه يقول معانا عن القاسم بن عبد الرحمن، قال أحمد: معان بن رفاعة لا بأس به. انظر ترجمة معان بن رفاعة: تهذيب الكمال (28/ 157) وقال الحافظ: ليّن الحديث كثير الإرسال، التقريب (6795).

كتاب الطهارة

كتاب الطهارة من الصحاح 192 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "الطُهُور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن -أو تملأ- ما بين السماوات والأرض والصلاة نور، والصدقة برهان والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدوا، فبائع نفسه فمعتِقُها أو موبقها". قلت: رواه مسلم من حديث (¬1) أبي مالك الأشعري يرفعه واستفتح به كتاب الطهارة كما فعله المصنف ورواه النسائي في "اليوم والليلة" مختصرًا: "الحمد لله تملأ الميزان ولا إله إلا الله والله أكبر تملأ ما بين السماء والأرض". ولم يُخرجه البخاري ولا أخرج عن أبي مالك الأشعري في صحيحه شيئًا، كذا قاله عبد الحق. قلت: وأراد عبد الحق بذلك أن البخاري ما خرج له بالجزم وإلا فقد خرج له بالشك فقال تعليقًا في كتاب الأشربة عن أبي مالك الأشعري أو أبي عامر سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر" الحديث (¬2). وسيأتي التنبيه على هذا الحديث عند ذكر الشيخ له في باب البكاء والخوف، وذكره في الصحاح ولكن في أكثر نسخ المصابيح عن أبي عامر. والله أعلم. - وفي رواية: "ولا إله إلا الله والله أكبر يملآن ما بين السماء والأرض". قلت: هذه الرواية لم أقف عليها في مسلم إنما رواها النسائي في "اليوم والليلة" من حديث أبي مالك الأشعري (¬3) وليس لأبي مالك في مسلم غير حديثين: أحدهما: ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (223)، والنسائي في اليوم والليلة (168). (¬2) انظر: تغليق التعليق على صحيح البخاري (5/ 17 - 22 رقم 5590)، وفتح الباري (10/ 51). (¬3) عمل اليوم والليلة للنسائي (168)، وأخرجه أيضًا الدارمي في سننه (679)، وأحمد في المسند (5/ 342).

الذي بدأ به المصنف، والثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أربع من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة" الحديث (¬1) والله أعلم. 193 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخُطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرّباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط". قلت: رواه مسلم في الطهارة وكذلك النسائي كلاهما من حديث أبي هريرة يرفعه. (¬2) 194 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من توضَّأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره". قلت: تفرد مسلم بهذا اللفظ في الطهارة من حديث حمران عن عثمان بن عفان. (¬3) 195 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا توضَّأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعَيْنَيْه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة بَطشَتْها يداه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرج كل خطيئة مَشَتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيًّا من الذنوب". قلت: رواه مسلم والنسائي (¬4) كلاهما في الطهارة من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يخرجه البخاري في الصحيح. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (934)، وأخرجه كذلك أحمد في السند (5/ 342 - 343)، وأبو يعلى (1577)، والبيهقي (4/ 63) وغيرهم. وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه مسلم (251)، والنسائي (1/ 89). (¬3) أخرجه مسلم (245). (¬4) أخرجه مسلم (244)، ولم أجده عند النسائي عن أبي هريرة وهو عند الترمذي (2)، وأحمد (2/ 303)، والدارمي (745)، والبيهقي (1/ 81).

196 - قال - صلى الله عليه وسلم -:" ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة، فيُحسن وضوؤَها وخشوعَها وركوعها، إلا كانت كفّارة لما قبلها من الذنوب، ما لم يأت كبيرة، وذلك الدهرَ كلّه". قلت: رواه مسلم في الطهارة من حديث عثمان وتفرد بهذا اللفظ عن البخاري. (¬1) 197 - "أنه توضَّأ فأفرغ على يديه ثلاثًا فغَسَلهما، ثم مضمض واستنثر ثم غسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثًا، ثم غسل يده اليسرى إلى المرفق ثلاثًا ثم مسح برأسه، ثم غسل رجله اليمنى ثلاثًا ثم اليسرى ثم قال رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ نحو وضوئي هذا ثم قال: "من توضَّأ وضوئي هذا ثم يصلي ركعتين لا يحدث نفسه فيهما بشيء غُفر له ما تقدم من ذنبه". قلت: رواه الشيخان في الطهارة من حديث عثمان بن عفان. (¬2) 198 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما من مسلم يتوضأ فحسن وضوءه ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبلًا عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة". قلت: رواه مسلم وأبو داود والنسائي كلهم من حديث عقبة بن عامر ولم يخرج البخاري هذا الحديث. (¬3) 199 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من توضَّأ فأحسن الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا الله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، فتحت له ثمانية أبواب من الجنة يدخل من أيها شاء". قلت: رواه مسلم وأبو داود والنسائي كلهم في الطهارة من حديث عقبة ابن عامر ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (228). (¬2) أخرجه البخاري (159)، (234)، ومسلم (226). (¬3) أخرجه مسلم (234)، وأبو داود (169)، والنسائي (148)، والبغوي (1/ 149).

من الحسان

عن عمر بن الخطاب يرفعه (¬1) وهو بقية الحديث الأول، وأوله: "ما من مسلم" لكن صدر الحديث: سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وباقيه تكلم به النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل حضور عقبة فأخبره به عمر رضى الله عنهما ورواه الترمذي في الطهارة كما رواه المصنف. 200 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن أمتي يُدعون يوم القيامة غرًّا محجلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل". قلت: رواه الشيخان في الطهارة من حديث أبي هريرة (¬2)، وقال مسلم: يأتون بدل يُدعون. 201 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء". قلت: رواه الشيخان في الطهارة من حديث أبي هريرة (¬3) والحلية ها هنا المراد بها التحجيل يوم القيامة من أثر الوضوء يفسره الحديث الذي قبله. من الحسان 202 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "استقيموا ولن تُحصُوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يُحافظ على الوضوء إلا مؤمن". قلت: رواه ابن ماجه في الطهارة من حديث سالم بن أبي الجعد عن ثوبان، قال أحمد بن حنبل: لم يسمع سالم من ثوبان بينهما معدان. والحديث ذكره مالك في الموطأ في الوضوء من بلاغاته وقال ابن حبان: في أول الطهارة من صحيحه هو خبر ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (234)، وأبو داود (169)، والنسائي (1/ 92) والزيادة أخرجها الترمذي (55) وهي زيادة صحيحة وقد رجحها الشيخ الألباني في الإرواء (96). (¬2) أخرجه البخاري (136)، ومسلم (246). (¬3) أخرجه البخاري (5953)، ومسلم (250).

منقطع، قال في "شرح السنة": هذا حديث منقطع، ويروى متصلًا عن حسان بن عطية عن أبي كبشة السلولي عن ثوبان، ورواه الحاكم في المستدرك من حديث سالم بن أبي الجعد عن ثوبان وقال: صحيح على شرط الشيخين. (¬1) 203 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من توضَّأ على طهر كتب له عشر حسنات". قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه كلهم في الطهارة من حديث ابن عمر قال الترمذي: وهو إسناد ضعيف، قلت: ومدار الحديث على عبد الرحمن بن زياد الأفريقي قال الذهبي: ضعفوه. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه ابن ماجه (277)، ومالك في الموطأ (1/ 34 بلاغًا) وقال ابن عبد البر في التمهيد (24/ 318): وهذا الحديث يتصل مسندًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث ثوبان وحديث عبد الله ابن عمرو بن العاص. وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 130) من طريق في سالم عن ثوبان وقال: صحيح على شرط الشيخين وقد وهم في ذلك وقد نَبّه على انقطاعه البغوي في شرح السنة (1/ 327)، والبوصيري في "مصباح الزجاجة" وقد أشارا إلى الطريق المتصلة كما بيّنها المؤلف وأخرجه أحمد (5/ 277)، وأخرجه أيضًا من طريق حسان بن عطية (5/ 282)، وابن حبان (1037)، وقال: وخبر سالم بن أبي الجعد عن ثوبان خبر منقطع. قوله "استقيموا" قال المناوي في "فيض القدير": أي على الطريق الحُسنى، وسدّدوا وقاربوا، فإنكم لن تطيقوا الإحاطة في الأعمال، ولابد للمخلوق من تقصير وملال، وكأن القصد به تنبيه المكلف على رؤية التقصير وتحريضه على الجد، لئلا يتكل على عمله. (¬2) أخرجه أبو داود (62)، والترمذي (59)، وابن ماجه (512) وإسناده ضعيف. وسبقت ترجمة الأفريقي.

باب ما يوجب الوضوء

باب ما يوجب الوضوء من الصحاح 204 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُقبل صلاةُ مَن أحدث حتى يتوضأ". قلت: رواه الشيخان وأبو داود والترمذي كلهم في الطهارة من حديث أبي هريرة. (¬1) 205 - قال - صلى الله عليه وسلم -:"لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صَدقة من غُلول". قلت: رواه مسلم في الطهارة عن مصعب بن سعد قال: دخل عبد الله بن عمر على ابن عامر يعوده وهو مريض فقال: ألا تدعو الله لي يا ابن عمر قال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: وساقه بلفظه وقال: وكنت على البصرة، ولم يخرجه البخاري ورواه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي: وهذا أصح شيء في الباب. (¬2) 206 - كنت رجلًا مذاء، فكنت أستحيى أن أسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمرت المقداد فسأله فقال: "يغسِل ذكَره ويتوضأ". قلت: رواه الشيخان والنسائي كلهم في الطهارة من حديث علي كرم الله وجهه. (¬3) مذاء: هو بالذال المعجمة وبالمد. 207 - قال - صلى الله عليه وسلم -:"توضؤوا مما مست النار". وهذا منسوخ بما روي. 208 - عن عبد الله بن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكل كَتِف شاةٍ ثم صلّى ولم يتوضأ. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (135) (6954)، ومسلم (225)، وأبو داود (60)، والترمذي (76). (¬2) أخرجه مسلم (224)، والترمذي (1)، وابن ماجه (272). (¬3) أخرجه البخاري في العلم (132) وفي الطهارة (269)، ومسلم (303)، والنسائي (1/ 96)، وفي الكبرى (148).

قلت: حديث أبي هريرة رواه مسلم والنسائي (¬1) كلاهما في الطهارة ولم يخرجه البخاري وحديث ابن عباس رواه الشيخان فيها. (¬2) 209 - أن رجلًا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إنْ شئت فتوضأ وإن شئت فلا، قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم فتوضأ من لحوم الإبل قال: أأصلي في مرابض الغنم؟ قال: نعم قال: أأصلي في مبارك الإبل قال: لا. قلت: رواه مسلم وابن ماجه هنا وابن حبان في صحيحه كلهم من حديث جابر بن سمرة ولم يخرجه البخاري. (¬3) 210 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا وجد أحدكم في بطنه شيئًا فأشكل عليه، أَخَرَجَ منه شيء أم لا فلا يخرجَنّ من المسجد حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا". قلت: رواه مسلم وأبو داود والترمذي بنحوه كلهم في الطهارة من حديث أبي هريرة ولم يخرج البخاري في هذا عن أبي هريرة شيئًا. (¬4) 211 - إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شرب لبنًا فمضمض وقال: "إنْ له دسمًا". قلت: رواه الجماعة كلهم في الطهارة من حديث ابن عباس. (¬5) 212 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "صلى الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد ومسح على خفيه". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (352)، والنسائي (1/ 105). (¬2) أخرجه البخاري (207)، ومسلم (354). (¬3) أخرجه مسلم (360)، وابن ماجه (495)، وابن حبان (1126، 1127). (¬4) أخرجه مسلم (362)، وأبو داود (177)، والترمذي (74، 75) وقال: هذا حديث حسن صحيح. (¬5) أخرجه البخاري (211)، ومسلم (358)، وابن ماجه (498)، وأبو داود (196)، والترمذي (89)، والنسائي (1/ 109).

من الحسان

قلت: رواه الجماعة كلهم في الطهارة (¬1) إلا البخاري فإنه لم يخرج في هذا عن بريدة شيئًا، وأخرج منه ذكر المسح من حديث المغيرة وغيره وأخرج عن عمرو بن عامر عن أنس قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ عند كل صلاة قلت: كيف كنتم تصنعون، قال: يجزئ أحدنا الوضوء ما لم يحدث. 213 - "أنه خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام خيبر حتى إذا كانوا بالصهباء -وهي أدنى خيبر- فصلى العصر ثم دعا بالأزْواد فلم يؤت إلا بالسويق، فأمر به فثُريَ فأكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأكلنا، ثم قام إلى المغرب فمضمض ومضمضنا ثم صلى ولم يتوضأ". قلت: رواه البخاري والنسائي وابن ماجه كلهم في الطهارة من حديث سويد بن النعمان الأنصاري ولم يخرجه مسلم ولا أخرج في كتابه عن سويد بن النعمان شيئًا. (¬2) قوله: فأمر به فثُرِّي: هو بالثاء المثلثة أي نُدِّي بالماء ولُيِّن حتى صار كالثري. من الحسان 214 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا وضوء إلا من صوت أو ريح". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في الطهارة من حديث أبي هريرة يرفعه قال الترمذي: حسن صحيح. (¬3) 215 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من المذي الوضوء ومن المني الغسل". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في الطهارة من حديث علي وقال الترمذي: ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (277)، وأبو داود (172)، والترمذي (61)، والنسائي (1/ 86)، وابن ماجه (510). (¬2) أخرجه البخاري (209)، والنسائي (1/ 108)، وابن ماجه (492). (¬3) أخرجه الترمذي (74) , وابن ماجه (515) وإسناده صحيح.

حسن صحيح. (¬1) المذي: بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وكسرها معًا وهو الماء الرقيق الذي يخرج عند الملاعبة. والمنيّ: بكسر النون وتشديد الياء. 216 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم". قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه (¬2) كلهم في الطهارة ومدار الحديث عندهم على عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن الحنفية عن علي بن أبي طالب: يرفعه قال الترمذي: وعبد الله بن محمد بن عقيل هو صدوق، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه وقال: وسمعت محمد ابن إسماعيل يقول كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم بن راهويه والحميدي يحتجون بحديثه، قال محمد بن إسماعيل: وهو مقارب، وقال أبو عيسى: وهذا الحديث أصح شيء في الباب. 217 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا فسا أحدكم فليتوضأ". قلت: رواه أبو داود في الصلاة والترمذي في الرضاع والنسائي (¬3) في عشرة النساء بنحوه كلهم من حديث علي بن طلق قال الترمذي: حديث حسن، وسمعت محمدًا يقول: لا أعرف لعلي بن طلق غير هذا الحديث ولا أعرف هذا من حديث طلق بن علي السحيمي. كأنه رأى أن هذا رجلٌ آخر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - انتهى. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (114)، وابن ماجه (504) وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه أبو داود (61)، والترمذي (3)، وابن ماجه (275). وفي الإسناد عبد الله بن محمد بن عقيل وهو ضعيف ولكنه يعتبر به. ومتن الحديث له شواهد كثيرة، انظرها في نصب الراية (1/ 308)، وإرواء الغليل (301). (¬3) أخرجه أبو داود (205)، والترمذي (1164) (1166)، والنسائي في "عشرة النساء" رقم (137، 138، 139، 140). وكما في تحفة الأشراف (7/ 471 رقم 10344)، وذكره الشيخ الألباني في ضعيف الترمذي (201، 202)، وانظر للتفصيل: ابن حبان (2237)، وتهذيب الكمال (20/ 495).

218 - قال - صلى الله عليه وسلم -:"وِكاءُ السَّه العَينان فمن نام فليتوضّأ". قلت: رواه ابن ماجه وأبو داود كلاهما في الطهارة عن علي بن أبي طالب يرفعه (¬1) وفي إسناده بقية بن الوليد والوضين بن عطاء وفيهما مقال. 219 - كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينتظرون العشاء فينامون حتى تخفق رؤسهم ثم يصلون ولا يتوضؤون. قلت: رواه أبو داود في باب الوضوء من النوم من حديث أنس (¬2) قال: وفي لفظ على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - قال المنذري: وأخرج مسلم من وجه آخر عن أنس (¬3) قال: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينامون ثم يصلون ولا يتوضؤون. 220 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الوضوء على من نام مضطجعًا فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله". قلت: رواه أبو داود والترمذي (¬4) كلاهما في الوضوء من النوم ولفظهما عن ابن عباس كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسجد وينام وينفخ ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ فقلت له: ¬

_ (¬1) أخرجه ابن ماجه (477)، وأبو داود (203). وإسناده ضعيف، بقية بن الوليد يدلس تدليس التسوية والوضين بن عطاء مختلف فيه وقال الحافظ في "التقريب": صدوق سيء الحفظ ورمي بالقدر "وعبد الرحمن بن عائذ عن علي مرسل، وقال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 47) عنهما: ليسا بقويَّين وسئل أبو زرعة عن حديث ابن عائذ عن علي بهذا الحديث فقال: ابن عائذ عن علي مرسل. انظر ترجمة الوضين في تهذيب الكمال (30/ 449)، والتقريب (7458)، وانظر كذلك التلخيص الحبير (1/ 208). (¬2) أخرجه أبو داود (200). (¬3) أخرجه مسلم (376) دون قوله "حتى تخفق رؤوسهم". (¬4) أخرجه أبو داود (202)، والترمذي (77). وأحمد (1/ 256)، وأبو يعلى (2487)، والدارقطني (1/ 159)، والبيهقي (1/ 121)، وضعيف الترمذي للشيخ الألباني (12).

صليت ولم تتوضأ فقال: إنما الوضوء على من نام مضطجعًا فإذا اضطجع استرخت مفاصله" وروياه من حديث قتادة عن أبي العالية واسمه رافع عن ابن عباس يرفعه. وقال الترمذي: وقد روى حديث ابن عباس سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن عباس قوله: ولم يذكر فيه أبا العالية ولم يرفعه وقال أبو داود: الوضوء على من نام مضطجعًا هو حديث منكر، لم يروه إلا يزيد الدالاني عن قتادة وروى أوله جماعة عن ابن عباس لم يذكروا شيئًا من هذا وقال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - محفوظًا وقالت عائشة: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: تنام عيناي ولا ينام قلبي. قال المنذري (¬1): وذكر أبو داود ما يدل على أن قتادة لم يسمع هذا الحديث من أبي العالية فيكون منقطعًا وقال أبو القاسم البغوي: يقال أن قتادة لم يسمع هذا الحديث من أبي العالية وقال الدارقطني: تفرد به يزيد وهو الدالاني عن قتادة ولا يصح، وذكر ابن حبان: أن يزيد الدالاني كان كثير الخطأ فاحش الوهم يخالف الثقات في الروايات، حتى إذا سمعها المبتدئ في هذه الصناعة علم أنها معلولة أو مقلوبة، ولا يجوز الاحتجاج به إذا وافق الثقات فكيف إذا انفرد عنهم بالمعضلات، وسئل أبو حاتم الرازي عن الدالاني فقال: صدوق ثقة، وقال يحيى بن معين والنسائي: ليس به بأس، وقال البيهقي: فأما هذا الحديث فإنه قد أنكره على أبي خالد الدالاني جميعُ الحفاظ وأنكر سماعه من قتادة أحمد بن حنبل ومحمد بن إسماعيل البخاري وغيرهما، ولعل الشافعي رضي الله عنه وقف على علة هذا الأثر حتى رجع عنه في الجديد. هذا آخر كلامه ولو فرض استقامة حال الدالاني كان فيما تقدم من الانقطاع في إسناده والاضطراب ومخالفة الثقات ما يعضد قول من ضعفه من الأئمة رضي الله عنهم أجمعين والدالاني كان منسوب إلى دالان بطن من هَمْدان ولم يكن هذا منهم كان نازلًا فيهم (¬2). ¬

_ (¬1) مختصر السنن (1/ 144). (¬2) انظر ترجمة: يزيد بن عبد الرحمن أبو خالد الدالاني، في العلل الكبير للترمذي (43)، وتهذيب الكمال (33/ 273 - 275) وفيه أقوال العلماء والمجروحين (3/ 105)، والتقريب (8132)، وقال =

221 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ". قلت: رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه (¬1) كلهم من حديث بسرة في الطهارة وقال الترمذي: حديث حسن صحيح وقال: قال محمد يعني بن إسماعيل البخاري: أصح شيء في هذا الباب حديث بسرة انتهى. وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: قد روينا قولنا عن غير بسرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والذي يعيب علينا الرواية عن بسرة، يروي عن عائشة بنت عجرد وأم خداش وعدة من النساء لَسْن بمعروفات في العامة. ويحتج بروايتهن ونُضعّف بسرة مع سابقتها وقديم هجرتها وصحبتها النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد حدثت بهذا في دار المهاجرين والأنصار وهم متوافرون ولم يدفعه منهم أحد، بل علمنا بعضهم صار إليه عن روايتها، منهم! عروة بن الزبير وقد دفع وأنكر الوضوء من مس الذكر قبل أن يسمع الخبر فلما علم أن بسرة روته قال به، وترك قوله، وسمعها ابن عمر تحدث به فلم يزل يتوضأ من مس الذكر حتى مات وهذه طريقة الفقه والعلم. انتهى. قال المنذري (¬2): وقد وقع لنا هذا الحديث من رواية عبد الله بن عمرو، وابن عمر، وجابر وزيد بن خالد وأبي أيوب الأنصاري وأبي هريرة وعائشة وأم حبيبة رضي الله عنهم. ¬

_ = الحافظ: "صدوق يُخطئ كثيرًا، وكان يدلس". وانظر تفصيل الموضوع في: شرح السنة للبغوي (1/ 338)، وعارضة الأحوذي (/ 104 - 108)، ونصب الراية (1/ 44 - 47)، والمحلى لابن حزم (1/ 222 - 231)، ومعالم السنن (1/ 71)، ونيل الأوطار (1/ 239 - 244)، وشرح مسلم للنووي (/677 - 679)، ففيها الكثير من الفوائد، والتلخيص الحبير (1/ 211). (¬1) أخرجه أبو داود (181)، والترمذي (82)، والنسائي (1/ 100)، وابن ماجه (479)، وإسناده صحيح والموطأ لمالك (1/ 42)، وترتيب مسند الشافعي (1/ 34)، وأحمد (6/ 406)، وانظر التلخيص الحبير (1/ 613 - 615). انظر تفصيل هذا الموضوع في الخلافيات للبيهقي (502 - 503)، والبغوي في شرح السنة (165)، وابن عبد البر في التمهيد (17/ 185)، والتلخيص الحبير (1/ 213 - 215). (¬2) مختصر سنن أبي داود (1/ 132).

222 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عنه فقال: "هل هو إلا بضعة منك" منسوخ لأن أبا هريرة أسلم بعد قدوم طلق. قلت: هذا حديث قيس بن طلق رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه كلهم في الطهارة عن قيس بن طلق (¬1) عن أبيه ولفظ أبي داود قال: قدمنا على نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءه رجل كأنه بدوي فقال: يا نبي الله! ما ترى في مس الرجل ذكره بعد ما يتوضأ فقال: هل هو إلا بضعة أو مضغة منه. قال الشافعي رحمه الله: قد سألنا عن قيس بن طلق فلم نجد من يعرفه بما يكون لنا قبول خبره وقد عارضه من وصفنا نعته ورجاحته في الحديث وثبته، وقال يحيى بن معين: لقد أكثر الناس في قيس بن طلق وأنه لا يحتج بحديثه، وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زرعة عن هذا الحديث فقالا: قيس بن طلق ليس ممن تقوم به حجة، ووهناه، ولم يثبتاه (¬2). 223 - وقد روى أبو هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره ليس بينه وبينها شيء فليتوضأ". قلت: رواه الشافعي بهذا اللفظ ورواه ابن ماجه ولفظه: "إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما ستر ولا حجاب فليتوضأ" ورواه أحمد والدارقطني قال الحافظ ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (182)، والترمذي (62)، والنسائي (1/ 101)، ابن ماجه (483) وإسناده صحيح. (¬2) العلل 1/ 48، وانظر تفصيل هذا الموضوع في الخلافيات للبيهقي (565)، والتمهيد لابن عبد البر (17/ 205، 196)، وابن حبان في الصحيح (1120)، وابن حزم في المحلى (1/ 239)، وعارضة الأحوذي لابن العربي (1/ 117)، وانظر ما قاله شيخ الإسلام في الجمع بين الأحاديث الواردة في هذا الباب في مجموع الفتاوى (21/ 241): "والأظهر أيضًا أن الوضوء من مس الذكر مستحب لا واجب، وهكذا صرح به الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه، وبهذا تجتمع الأحاديث والآثار بحمل الأمر به على الاستحباب، ليس فيه نسخ قوله: "وهل هو إلا بضعة منك؟ " وحمل الأمر على الاستحباب أولى من نسخه". والله أعلم.

عبد الحق: وهو صحيح (¬1). 224 - قالت كان النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يقبل بعض أزواجه ثم يصلي ولا يتوضأ". (ضعيف). قلت: رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه كلهم في الطهارة (¬2) بألفاظ متقاربة من حديث عائشة، قال أبو عيسى: وهذا لا يصح عند أصحابنا بحال، قال: وسمعت أبا بكر العطار البصري يذكر عن علي بن المديني قال: ضَعّف يحيى القطان هذا الحديث جدًّا وقال: هو شبه لا شيء، قال: وسمعت محمد بن إسماعيل يضعف هذا الحديث، وقال: -أعني البخاري- حبيب بن ثابت راويه عن عروة وهو لم يسمع من عروة وقد رُوي عن إبراهيم التيمي عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَبّلها ولم يتوضأ، وهذا لا يصح أيضًا ولا يُعرف لإبراهيم التيمي سماع من عائشة وليس يصح في هذا الباب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء انتهى كلام الترمذي. 225 - "أكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتفا ثم مسح يده بمَسْح كان تحته، ثم قام فصلى". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان في صحيحه في الطهارة من حديث ابن عباس يرفعه وسكت عليه أبو داود والمنذري. (¬3) 226 - "أنها قَرّبت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - جنبًا مشويًّا فأكل منه ثم قام إلى الصلاة وما توضَّأ". ¬

_ (¬1) أخرجه الشافعي في الأم (1/ 34 - 35)، وأحمد (2/ 333)، والدارقطني (1/ 147)، والبيهقي في الكبرى (1/ 133)، وانظر قول عبد الحق في الأحكام الوسطى (1/ 140) وللتفصيل: الخلافيات للبيهقي (2/ 247)، والدارقطني في العلل (8/ 132)، والتلخيص الحبير (1/ 219 - 220). (¬2) أخرجه أبو داود (178) (179)، والترمذي (86)، والنسائي (1/ 105، 104)، وابن ماجه (502)، وإسناده صحيح وإن أعله بعض العلماء بالانقطاع فذكروا أن حبيب بن أبي ثابت لم يسمعه من عروة بن الزبير وهو مردود انظر نصب الراية (1/ 74)، والأحكام الوسطى (1/ 142)، وأبو يعلى (4407)، والبغوي (168)، وقد صححه العلامة أحمد شاكر في شرح الترمذي (1/ 133 - 1429). (¬3) أخرجه أبو داود (189)، وابن ماجه (488)، وابن حبان (1129) (1162) وإسناده صحيح.

باب آداب الخلاء

قلت: رواه الترمذي في الأطعمة والنسائي في الحدود كلاهما من حديث عطاء بن يسار عن أم سلمة وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. (¬1) باب آداب الخلاء من الصحاح 227 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شَرِّقوا أو غَرِّبوا". قلت: رواه الجماعة كلهم في الطهارة من حديث أبي أيوب الأنصاري (¬2) يرفعه. والغائط: المنخفض من الأرض كانوا ينتابونه للحاجة لأنه أستر ثم اتسع حتى صار يطلق على النّجْوِ نفسه. قال المصنف: هذا الحديث في الصحراء أما في البنيان فلا بأس لما روي: عن عبد الله بن عمر أنه قال: ارتقيت فوق بيت حفصة لبعض حاجتي فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقضي حاجته مستدبر القبلة مستقبل الشام. رواه الشيخان والنسائي. وروى الترمذي وأبو داود ومالك معناه كلهم في الطهارة من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب، وأما النهي عن استقبال القبلة بالبول والغائط فقد اختلف العلماء فيه، فذهب الشافعي ومالك إلى تحريمه في الصحاري دون الأبنية جمعا بين الحديثين، والاستدبار كالاستقبال (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1829)، والنسائي (1/ 108)، وابن ماجه (491) وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه البخاري (394)، ومسلم (264)، وأبو داود (9)، والترمذي (8)، والنسائي (1/ 23، 22)، وابن ماجه (318)، ومالك (1/ 193). (¬3) أخرجه البخاري (148)، ومسلم (62/ 266)، والنسائي (1/ 33)، وأبو داود (12)، والترمذي =

228 - قال: "نهانا يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو عظم". قلت: رواه مسلم في الطهارة من حديث سلمان الفارسي ولم يخرجه البخاري. (¬1) والنهي عن الاستنجاء باليمنى نهي تنزيه عند جماهير العلماء خلافا للظاهرية، والرجيع: الروث ونبّه به - صلى الله عليه وسلم - على كل نجس في معناه وكذلك العظم لأنه طعام الجن وكل مطعوم كذلك. 229 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أراد أن يدخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث". قلت: رواه الجماعة كلهم في الطهارة من حديث أنس (¬2). الخبث: بضم الباء جمع الخبيث الخبائث جمع الخبيثة يريد ذكور الشياطين وإناثهم. 230 - مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقبرين فقال: "إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير، أمّا أحدهما فكان لا يستتر من البول -ويروى: لا يستنزه من البول- وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ثم أخذ جريدةً رطبة فشقّها نصفين ثم غرزَ في كل قبر واحدة" قالوا يا رسول الله لم صنعت هذا؟ فقال: "لعله أن يخفَّفَ عنها ما لم يَيْبَسا". قلت: رواه الجماعة كلهم في الطهارة إلا النسائي فإنه ذكره في التفسير والجنائز، وذكره البخاري أيضا في الجنائز وفي باب النميمة من الكبائر من كتاب الأدب قال ¬

_ = (11)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. ومالك (516)، وابن حبان (1418)، والبيهقي (1/ 92)، والبغوي في شرح السنة (1/ 359 - 360). (¬1) أخرجه مسلم (262) وانظر "شرح السنة" (1/ 364 - 365 و 368). (¬2) أخرجه البخاري (142)، ومسلم (375)، وأبو داود (5)، والترمذي (5)، وقال: حديث أنس أصح شيء في هذا الباب، والنسائي (1/ 20)، وفي الكبرى (19) وفي "عمل اليوم والليلة" (74)، وابن ماجه (298)، والبغوي (1/ 376 - 377).

عبد الحق: وليس في شيء من طرقه يعني طرق البخاري "يستنزه" وقد أخرج الحديث ابن حبان وفهم منه: أن الرطب يسبّح ما دام رطبًا فترجم على الحديث بذكر الخبر الدال على أن الأشياء الجامدة التي لا روح فيها تسبّح ما دامت رطبة وهذا مخالف لما ذهب إليه الخطابي فإنه قال: هذا من بركة أثره - صلى الله عليه وسلم - ودعائه بالتخفيف عنهما، وكأنه جعل - صلى الله عليه وسلم - مدة النداوة فيهما حدًّا لما وقعت فيه المسألة من تخفيف العذاب عنهما، قال: وليس ذلك من أجل أن في الرطب معنى ليس في اليابس. ومعني يستنزه: لا يبعد ويحتفظ، ومعنى يستتر: يجوز أن يكون لا يبالي بكشف عورته، وهو ما فهمه البغوي، ويجوز أن يريد أن لا يجعل بينه وبين بوله حجابًا توفيقا بين المعنيين وهو أولى. (¬1) قوله: وما يعذبان في كبير يحتمل أن يريد التنزه أمر سهل فعله، وكذلك النميمة لا يعظم أمرها على الإنسان إذ مكنه أن يحفظ لسانه من غير مؤنة ويحتمل أن يريد ليس بكبير عندكم لا تعدونه كبيرًا وإن كان في نفس الأمر كبير. 231 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "اتقوا اللاعنين قالوا وما اللاعنان يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلّى في طريق الناس أو في ظلّهم". قلت: رواه مسلم وأبو داود كلاهما في الطهارة ولم يخرجه البخاري. (¬2) اللاعنين: الأمرين الجالبين للّعن الباعثين للناس عليه؛ لأن من فعلهما يلعن ويسب فلما كانا سببًا للعن أسند إليهما الفعل، وقيل لاعن بمعنى ملعون كما قيل سر كاتم ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الطهارة (218) وفي الجنائز (1361) وفي الأدب (6052)، ومسلم (292)، والنسائي (1/ 28)، (4/ 106)، وأبو داود (20)، والترمذي (70)، وابن ماجه (347)، وابن حبان (3128)، وانظر معالم السنن (1/ 18) والإحسان في تقريب صحيح ابن حبان (7/ 398)، وشرح السنة للبغوي (1/ 370 - 372). (¬2) أخرجه مسلم (269)، وأبو داود (25).

من الحسان

بمعنى مكتوم. والتخلي الجلوس للحاجة وعبر عنه بذلك لأنه لا يكون إلا خاليًا. 232 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء وإذا أتى الخلاء فلا يَمَسّ ذَكَره بيمينه ولا يتمسّح بيمينه". قلت: رواه الجماعة كلهم في الطهارة من حديث أبي قتادة يرفعه واسمه الحارث بن ربعي الأنصاري السلمي (¬1). 233 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من توضأ فليستنثر ومن استجمر فليوتر". قلت: رواه الشيخان في الطهارة من حديث أبي هريرة. (¬2) 224 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلامٌ إداوةً من ماء وعنزة، يستنجي بالماء". قلت: رواه الشيخان في الطهارة من حديث أنس. (¬3) والإداوة: بكسر الهمزة الإناء الصغير من جلد يتخذ للماء. والعنزة: قدر نصف الرمح أو أكثر منه قليلًا وفيها سنان مثل سنان الرمح. من الحسان 235 - كان النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دخل الخلاء نزع خاتمه" (غريب). قلت: رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم في المستدرك وقال: على شرط الشيخين، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب وضَعَّفه أبو ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (153)، ومسلم (64/ 267)، وأبو داود (31)، والترمذي (15)، والنسائي (1/ 43)، وابن ماجه (310)، وابن حبان (5228)، والبغوي في شرح السنة (3034)، وأخرجه كذلك أحمد (4/ 383). (¬2) أخرجه البخاري (161)، ومسلم (237). (¬3) أخرجه البخاري (150) (500)، ومسلم (271).

داود والنسائي والبيهقي وقال أبو داود: والوهم فيه من همام ولم يروه إلا هَمّام، انتهى (¬1) وهمام هو: أبو عبد الله همام بن يحيى بن دينار الأزدي وقد اتفق الشيخان على الاحتجاج به وقد وثّقه ابن معين وقال أحمد: هو ثبت في كل المشايخ، وقال ابن عدي: هو أصدق وأشهر من أن يذكر له حديث منكر وأحاديثه مستقيمة انتهى. ولهذا صوّب المنذري (¬2) قول الترمذي وقال: تفرده به لا يوهن الحديث وإنما يكون غريبًا كما قاله الترمذي. والخلاء: ممدود المكان الذي يتخلّى فيه لحاجته. 236 - كان النبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا أراد البَراز انطلق حتى لا يراه أحد. قلت: رواه أبو داود وابن ماجه كلاهما (¬3) في الطهارة من حديث جابر ابن عبد الله وفي سنده إسماعيل بن عبد الملك الكوفي نزيل مكة شرفها الله تعالى، قال المنذري (¬4): وقد تكلم فيه غير واحد. والبَراز: بفتح الباء اسم للفضاء الواسع فكنوا به عن قضاء الحاجة كما كنوا عنه ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (19)، والترمذي (1746)، والنسائي (8/ 178)، وابن ماجه (303)، والحاكم (1/ 187). وابن حبان (1413)، والبغوي (189) ورد النووي على تصحيح الترمذي بقوله: هذا مردود عليه قاله في الخلاصة (1/ 151). وقد أعله النسائي وأبو داود والدارقطني. انظر التلخيص الحبير (1/ 190)، الجوهري النقي (1/ 94 - 95)، الاقتراح (ص 433) قال الحافظ: همّام بن يحيى: ثقة ربما وهم من السابعة، انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/ 302 - 310)، وميزان الاعتدال (4/ ت 9253)، والتقريب (7369). (¬2) مختصر سنن أبي داود (1/ 26). (¬3) أخرجه أبو داود (2)، وابن ماجه (335) وإسناده ضعيف فيه إسماعيل بن عبد الملك يعتبر به عند المتابعة ولم يتابع وفيه أيضًا عنعنة أبي الزبير عن جابر. ولكن الحديث حسن بشواهده. وقد حسّن إسناده الحافظ بن حجر. (¬4) مختصر السنن (1/ 14).

بالخلاء لأنهم كانوا يتبرزون في الأماكن الخالية، وأما البراز: بالكسر فهو مصدر للمبارزة وروى بعضهم هذا الحديث بكسر الباء وغلّطه الخطابي فيه (¬1). 237 - كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فأراد أن يبول فأتى دمثًا في أصل جدار فبال ثم قال: "إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله". قلت: رواه أبو داود في الطهارة (¬2) عن أبي التَيّاح قال: حدثني شيخ قال: لما قدم عبد الله بن عباس البصرة فكان يُحدِّث عن أبي موسى فكتب عبد الله إلى أبي موسى يسأله عن أشياء فكتب إليه أبو موسى: أني كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وساقه وفي سنده مجهول، وقال النووي: حديث ضعيف (¬3). والدمث: بكسر الميم وبالثاء المثلثه، المكان الليّن. والارتياد: الطلب أي يطلب مكانًا لينًا حذرًا من تراجع الرشاش، قال المنذري: ويشبه أن يكودن الجدار عاديًا أو أن يكون - صلى الله عليه وسلم - جلوسه متراخيًا عن حَريمه، قلت: ولا يحتاج إلى ذلك فإن اعتقادنا طهارة بوله - صلى الله عليه وسلم - (¬4). 238 - كان النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض". قلت: رواه الترمذي في الطهارة عن عبد السلام بن حرب عن الأعمش عن أنس ورواه أبو داود عن الأعمش عن رجل عن ابن عمر، وأشار الترمذي إلى هذه الرواية أيضًا، وقال: كلا الحديثين مرسل ويقال: لم يسمع الأعمش من أنس بن ¬

_ (¬1) معالم السنن (1/ 9). (¬2) أخرجه أبو داود (3) وإسناده ضعيف. وقال النووي: حديث ضعيف. وقال ابن حجر: فيه راو لم يسم. (¬3) انظر شرح السنة للبغوي (1/ 375) ومختصر سنن أبي داود (1/ 15)، والخلاصة للنووي (1/ 149). (¬4) غريب هذا القول، ولا أظنه صحيحًا، لأنه لا دليل عليه بل قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} ثم الأحاديث الواردة الصحيحة في التجنب عن البول والتنزه عنه.

مالك ولا من أحد من الصحابة وقد نظر إلى أنس بن مالك قال: رأيته يصلي فذكر عنه حكاية في الصلاة، وقال أبو داود: عبد السلام بن حرب رواه عن الأعمش عن أنس وهو ضعيف، فالحديث ضعيف من رواية ابن عمر (¬1) ومن رواية أنس. 239 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إنما أنا لكم مثل الوالد فإذا ذهب أحدكم إلى الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها لغائط ولا بول، وليستنج بثلاثة أحجار، ونهى عن الرَّوْث والرِّمَّةِ وأن يستنجي الرجل بيمينه". قلت: رواه الشافعي وابن حبان وأبو داود والنسائي وابن ماجه بألفاظ متقاربة كلهم في الطهارة من حديث أبي هريرة وأخرجه أيضًا مسلم مختصرًا. (¬2) والروث: بالثاء المثلثة رجيع دواب الحوافر، والرمّة: بكسر الراء المهملة وتشديد الميم العظم البالي، وهو الرميم أيضًا. 240 - "كانت يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اليمنى لطهوره وطعامه، وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذى". قلت: رواه أبو داود (¬3) في الطهارة من حديث إبراهيم بن يزيد النخعي عن عائشة وإبراهيم النخعي لم يسمع من عائشة فهو منقطع، قال المنذري وغيره: وقد وهم الطبري فجعل حديث عائشة بهذا اللفظ رواه الشيخان وأصحاب السنن وليس كذلك، بل الذي رواه الجماعة حديث الأسود عن عائشة بمعناه، وأما حديث أبي ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (14)، وأبو داود معلقًا (14). ورواه أبو داود عن ابن عمر وفيه رجل لم يُسم وسماه البيهقي (1/ 96): من حديث الأعمش عن القاسم بن محمد عن ابن عمر وهو ثقة، فالسند صحيح، انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (1071). (¬2) أخرجه الشافعي في المسند (1/ 24 - 25)، وابن ماجه (313)، وابن حبان (1431)، وأبو داود (8)، والنسائي (1/ 38)، وأخرجه مسلم مختصرًا (265)، الخلاصة للنووي (1/ 152). (¬3) أخرجه أبو داود (33) وانظر مختصر المنذري 1/ 31.

داود هذا فمنقطع، والله أعلم. 241 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار ليستطيب بهن فإنها تجزئ عنه". قلت: رواه أبو داود والنسائي وأحمد والدارقطني وقال: إسناد صحيح، كلهم من حديث عائشة. (¬1) 242 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تستنجوا بالرَّوْث ولا بالعظام فإنه زاد إخوانكم من الجن". قلت: رواه الترمذي في الطهارة من حديث علقمة عن ابن مسعود وقال: العمل على هذا الحديث عند أهل العلم. (¬2) 243 - قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا رويفع لعل الحياة ستطول بك بعدي فأخبر الناس أن من عقد لحيته أو تقلد وترًا أو استنجى برجيع دابة أو عظم فإن محمدًا منه بريء". قلت: رواه أبو داود والنسائي كلاهما هنا من حديث رويفع بن ثابت (¬3) وسكت عليه أبو داود والمنذري. قال ابن الأثير (¬4): وعقد لحيته معناه: عالجها حتى تتعقَّد وتتجعَّد. وقيل: كانوا ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (40)، والنسائي (1/ 41)، وفي الكبرى (42)، وأحمد (6/ 108، 133)، والدارقطني (1/ 54)، ورد في المطبوع من السنن: "إسناده صحيح" ولكن المعلق عليه نقل عن الدارقطني أنه قال: إسناده حسن، نقل الحافظ في التهذيب (10/ 134) عن الدارقطني في ترجمة مسلم بن قرط: أن الدارقطني حَسَّن حديثه. (¬2) أخرجه الترمذي (18)، وكذلك النسائي (1/ 37 - 38) ولكنه لم يذكر "زاد إخوانكم من الجن". (¬3) أخرجه أبو داود (36) وفيه جهاله لكن رواه من حديث عبد الله بن عمرو وإسناده صحيح وأخرج النسائي (8/ 135 - 136). (¬4) النهاية (3/ 270)، والغريبين للهروي (4/ 172).

يَعقِدُونها في الحروب فأمَرهم بإرسالها، كانوا يفعلون ذلك تكبّرًا وعُجبًا انتهى. وقوله - صلى الله عليه وسلم - أو تقلد وترًا قال أبو عبيدة (¬1): الأشبه أنه نهى عن تقليد الخيل أوتار القِسي، نهوا عن ذلك إما لاعتقادهم أن تقليدها بذلك يدفع عنها العين أو مخافة اختناقها به لا سيما عند شدة الركض بدليل ما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بقطع الأوتار من أعناق الخيل. 244 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من اكتحل فليوتر، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج، ومن استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج، ومن أكل فما تَخلّل فليلفِظ وما لاك بلسانه فليبتلع، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج، ومن أتى الغائط فليستتر فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبًا من رمل فليستدبره، فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه (¬2) كلاهما في الطهارة من حديث حُصَيْن الحُبراني عن أبي سعيد عن أبي هريرة وحصين الحبراني قال الحافظ الذهبي: لا يعرف في زمن التابعين (¬3). وأبو سعيد قال أبو زرعة: لا أعرفه، قال الذهبي: أبو سعيد الحبراني عن أبي هريرة وعنه حصين في وتر الاستجمار والكحل، هو عند ابن ماجه أبو سعد الخير وكذا سماه في ثقاته ابن حبان، ولا يُدرى مَن ذا ولا مَن حصين. (¬4) ¬

_ (¬1) غريب الحديث (2/ 2)، والغريبين (6/ 108)، وانظر كذلك تهذيب سنن أبي داود لابن القيم مع مختصر المنذري (1/ 36 - 37). (¬2) أخرجه أبو داود (35)، وابن ماجه (337) (338). وأحمد (2/ 371) وإسناده ضعيف فإن حصين الحبراني مجهول وشيخه أبو سعيد الخير مجهول أيضًا وهو بعد ذلك مختلف فيه، ذكره أبو الحسن الدارقطني في كتابه النافع "العلل" انظر التلخيص الحبير (1/ 179 - 180). (¬3) انظر: ميزان الاعتدال (2/ 555). (¬4) انظر: ميزان الاعتدال (4/ 530).

245 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يبولن أحدكم في مستحمه فإن عامة الوسواس منه". قلت: رواه أبو راود والترمذي وابن ماجه والحاكم جميعهم هنا وأبو حاتم ابن حبان صحيحه ورواه أحمد بزيادة: "ثم يتوضأ فيه" كلهم من حديث عبد الله بن مغفل وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين انتهى (¬1). قلت: وفي سنده أشعث بن عبد الله الحدّاني وقد أورده العقيلي في الضعفاء وقال: في حديثه وهم، وذكر له هذا الحديث ولكن قال الحافظ الذهبي في "الميزان" (¬2): إن ما قاله العقيلي ليس بمسلّم له، وأنا أتعجب كيف لم يخرج له البخاري ومسلم انتهى. والصواب ما قاله الذهبي فقد وثقه النسائي وغيره والله أعلم. وهذا الحديث قد ترجم عليه ابن حبان "ذكر الزجر عن البول في المغتسل الذي لا مجرى له" وما فهمه أبو حاتم صحيح لأنه إذا كان له مجرى اندفع ما فيه من البول بأول اغتساله وإلى ذلك أشار الخطابي فقال: إنما نهي عن ذلك إذا لم يكن له مسلك يذهب منه البول ويسير منه الماء أو كان المكان صلبًا يتخيل المغتَسِل أنه أصابه شيء من رشاشه فيحصل منه الوسواس. (¬3) وقد كره قوم من أهل العلم البول في المغتسل ورخص فيه ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (27)، والترمذي (21)، وقال: هذا حديث غريب، والنسائي (1/ 34)، وابن ماجه (304) وإسناده صحيح. والراجح أنه صحيح وسماع الحسن من عبد الله بن مغفل فقد صرح به أحمد بن حنبل كما قال العراقي. راجع كلام ابن القطان في بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام (2/ 573)، وأحمد (5/ 56)، والبيهقي في السنن (1/ 98)، وابن حبان (4/ 66 رقم 1255)، والحاكم (1/ 167)، وصححه ووافقه الذهبي. (¬2) انظر: الميزان (1/ 266)، وانظر: الضعفاء للعقيلي (1/ 29)، وتهذيب التهذيب (1/ 355). (¬3) انظر معالم السنن (1/ 20) ونقل كلامه بتصرف.

بعضهم. (¬1) 246 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يبولن أحدكم في جحر". قلت: رواه أبو داود والنسائي والحاكم في المستدرك وقال: على شرط الشيخين كلهم في الطهارة (¬2) من حديث عبد الله بن سَرْجس وسكت عليه المنذري وأبو داود وقال: قالوا لقتادة ما يكره من البول في الجُحر قال: كان يقال: إنها مساكن الجن. 247 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه جميعًا هنا من حديث معاذ بن جبل يرفعه. (¬3) والملاعن: جمع ملعنة وهو الموضع الذي يلعن فيه، وقارعة الطريق: وسطه وقيل: أعلاه، والموارد: مشارع الماء، والظل: يريد به الذي يتخذه الناس مقيلًا ومناخًا وليس كل ظل يمتنع القعور فيه للحاجة فقد قعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ظل نخل لحاجته. ¬

_ (¬1) قال ابن ماجه في السنن: سمعت محمد بن يزيد يقول: سمعت علي بن محمد الطنافسي يقول: إنما هذا في الحفيرة، فأما اليوم, فلا، فمغتسلاتهم الجَصّ والصاروج والقِيْر، فإذا بال فأرسل عليه الماء، لا بأس به. (1/ 111) وقال المنذري: إسناده صحيح متصل، وأشعث بن عبد الله ثقة صدوق، وكذلك بقية رواته، والله أعلم، الترغيب (1/ 137). (¬2) أخرجه أبو داود، والنسائي (1/ 33)، والحاكم (1/ 186)، وأحمد (5/ 82)، وإسناده ضعيف. وقال الحافظ في "التلخيص الحبير" (1/ 106): ابن قتادة لم يسمع من عبد الله بن سرجس حكاه حرب عن أحمد وأثبت سماعه منه علي بن المديني وصححه ابن خزيمة وابن السكين أهـ. وللحديث علة أخرى وهي تدليس قتادة كما هو معروف عنه وذكره الحافظ برهان الدين بن العجمي في التبيين (صـ 12) وقال: (إنه مشهور به). والحافظ في طبقات المدلسين ص 67 وضعفه الألباني في الإرواء (55). (¬3) أخرجه أبو داود (26)، وابن ماجه (328)، والحاكم (1/ 167)، والبيهقي (1/ 97) من طرق عن أبي سعيد الحميري عن معاذ رفعه، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، مع أن أبا سعيد الحميري لم يسمع من معاذ. ولكن له شواهد كثيرة صحيحة. انظر ترجمة أبي سعيد الحميري في تهذيب الكمال (33/ 354)، والتقريب (8189) وقال الحافظ: شامي مجهول، وروايته عن معاذ بن جبل مرسلة.

248 - قال - صلى الله عليه وسلم -:" لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشِفَيْن عن عورتهما. يتحدثان فإن الله يمقُت على ذلك". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه كلاهما في الطهارة (¬1) من حديث أبي سعيد وقال أبو داود: لم يسنده إلا عكرمة يعني ابن عمار البجلي وقد احتج به مسلم في صحيحه ورواه ابن حبان في صحيحه ولفظه: "لا يقعد الرجلان على الغائط يتحدثان يرى كل واحد منهما عورة صاحبه فإن الله يمقت على ذلك" وظاهر سياق اللفظ يدل على أن المقت على المجموع لا مجرد الكلام، والمقت: أشد البغض. قوله يضربان قال بعض أهل اللغة: يقول ضربت الأرض إذا أتيت الخلاء، وضربت في الأرض إذا سافرت، وقال غيره: يقال: يضرب الغائط والخلاء والأرض إذا ذهب لقضاء حاجته. 249 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الحُشُوش محتَضَرة، فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل: أعوذ بالله من الخبُث والخبائث". قلت: رواه أصحاب السنن الأربعة في الطهارة (¬2) من حديث زيد بن أرقم وقال الترمذي: حديث أنس أصح شيء في الباب وأحسن، وحديث زيد في إسناده اضطراب وأشار إلى اختلاف الرواة فيه ومراده بحديث أنس الحديث المتقدم في الصحاح (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (15)، وابن ماجه (342)، وابن حبان (1422) وإسناده ضعيف. في رواية عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير اضطراب، ويحيى مدلس، وقد = = عنعن، وهلال بن عياض أو عياض بن هلال مجهول كما قال الذهبي في "الميزان" (3/ 307). (¬2) أخرجه أبو داود (6)، والترمذي (5)، والنسائي (1/ 20)، وعمل اليوم والليلة (74)، وابن ماجه (296) وإسناده صحيح وقد دفع الاضطراب الشيخ المباركفوري في التحفة وقد أوضح الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (1070) الاضطراب ثم دفعه وحكم عليه بالصحة، فراجعه. (¬3) برقم (229).

والحشوش: الكُنُف واحدها حَشّ ومحتضرة: تحضرها الشياطين وتنتابها، وأصله من الحش وهو البستان لأنهم كانوا كثيرًا ما يتغوطون في البساتين، والخبث والخبائث تقدما. 250 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "سِتْر ما بين أعيُن الجنّ وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول: بسم الله". قلت: رواه الترمذي في آخر الصلاة وابن ماجه (¬1) في الطهارة كلاهما من حديث علي رضي الله عنه وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وإسناده ليس بالقوي. والسِّتر: بالكسر الحجاب وبالفتح: مصدر سترت الشيء أستره إذا غطيته. 251 - قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا خرج من الخلاء قال: غُفرانك". قلت: رواه أصحاب السنن الأربعة في الطهارة إلا النسائي فإنه في اليوم والليلة، وابن حبان في صحيحه، من حديث عائشة وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب ولا نعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة هذا انتهى كلامه (¬2). قال المنذري: وفي الباب حديث أبي ذر (¬3) قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج من الخلاء قال: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني، وحديث أنس (¬4) بن مالك ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (606)، وابن ماجه (297). وقد صححه الألباني في الإرواء (50) بمجموع طرقه. وكذلك صححه العلامة أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي. (¬2) أخرجه أبو داود (30)، والترمذي (7)، وابن ماجه (300)، وأما النسائي فإنه في "عمل اليوم والليلة" (79)، وفي الكبرى (9907) وإسناده صحيح. (¬3) حديث أبي ذر؛ أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (22)، والنسائي (301)، وعبد الرزاق وسعيد بن منصور كما في كنز العمال (5/ 126 رقم 2579). وقال الحافظ ابن حجر كما في الفتوحات الربانية (1/ 405): وحديث أبي ذر حسن. وذكره الشيخ الألباني في "الارواء" (53). (¬4) حديث أنس؛ أخرجه ابن ماجه (301)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (24) وقال الشيخ =

عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله وفي لفظ: "الحمد لله الذي أحسن إليّ في أوّله وآخره". وحديث (¬1) عبد الله بن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني كان إذا خرج قال: الحمد لله الذي أذاقني لذته وأبقى فيّ قوته وأذهب عني أذاه. غير أن هذه الأحاديث أسانيدها ضعيفة. ولهذا قال أبو حاتم الرازي: أصح ما فيه حديث عائشة. (¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم -: غفرانك، الغفران مصدر كالمغفرة ونصبه بإضمار الطلب كأنه قال: أسألك غفرانك. 252 - كان النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أتى الخلاء أتيته بماء في تَوْر أو رَكْوَة فاستنجى، ثم مسح يده على الأرض، ثم أتيته بإناء آخر فتوضأ". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه كلاهما في الطهارة (¬3) من حديث أبي زرعة عن أبي هريرة وسكت عليه أبو داود والمنذري، وروى الترمذي في هذا المعنى حديثا عن عائشة وصححه وقال: وعليه العمل عند أهل العلم، يختارون الاستنجاء بالماء، وإن كان الاستنجاء بالحجارة يُجزي عندهم، فإنهم استحبُّوا الاستنجاء بالماء ورأَوْه أفضل، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق انتهى (¬4). التور: بفتح التاء المثناة من فوق وبعد الواو الساكنة راء مهملة: إناء شبه الإجّانة وهي القصرية تكون من صفر أو حجارة. 253 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا بال توضَّأ ونَضَحَ فَرْجَه". ¬

_ = الألباني في ضعيف الجامع (4384): موضوع. (¬1) حديث ابن عمر؛ أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (25). (¬2) انظر كلام المنذري هذا في "مختصر سنن أبي داود" (1/ 32 - 33). (¬3) أخرجه أبو داود (45)، وابن ماجه (358)، وكذلك النسائي (1/ 45)، وفي الكبرى (48) وإسناده حسن وقد تكلم عليه ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" (4/ 102). (¬4) انظر: سنن الترمذي (19) ورَكْوة: إناء صغير من جلد يشرب منه.

قلت: رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه كلهم في الطهارة، قال أبو داود: عن سفيان بن الحكم الثقفي أو الحكم بن سفيان الثقفي (¬1) وفي رواية عن الحكم أو ابن الحكم عن أبيه وقد اختلفوا في سماع الثقفي هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال ابن عبد البر: له حديث واحد في الوضوء وهو مضطرب الإسناد، وقال أبو عيسى الترمذي: واضطربوا في هذا الحديث وأخرج الترمذي وابن ماجه (¬2) من حديث الحسن بن علي الهاشمي عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: جاءني جبريل فقال: يا محمد إذا توضأت فانتضح وقال الترمذي: هذا حديث غريب سمعت محمدا يقول: الحسن بن علي الهاشمي منكر الحديث، هذا آخر كلامه. والهاشمي هذا ضعفه غير واحد من الأئمة. 254 - كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - قدح من عيدان تحت سريره. يبول فيه بالليل. قلت: رواه أبو داود والنسائي كلاهما في الطهارة من حديث أميمة بنت رُقَيْقَة وسكت عليه أبو داود والمنذري. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (166)، وكذلك ابن ماجه (461)، والنسائي (1/ 86) وفي إسناده اضطراب. (¬2) أخرجه أبو داود (168)، والترمذي (50)، وابن ماجه (463)، والنسائي (1/ 86) وانظر: الاستعياب لابن عبد البر (2/ 629)، وذكر الحافظ في تهذيب التهذيب (2/ 425) جميع وجوه الخلاف في هذا الحديث. وتهذيب الكمال (6/ 265). وقال الحافظ: الحسن بن علي الهاشمي ضعيف. التقريب (1273). (¬3) أخرجه أبو داود (24)، والنسائي (1/ 31)، وانظر مختصر سنن أبي داود للمنذري (1/ 30) رقم (22) وفي الإسناد حكيمة بنت أميمة قال عنها الذهبي في "الميزان" (4/ 606): تفرد عنها ابن جريج وهذا يدل على أنها مجهولة العين وقال الحافظ في "التقريب" (8683): لا تعرف. وقد صححه الشيخ الألباني في "صحيح أبي داود" والله أعلم.

255 - رآني النبي - صلى الله عليه وسلم -: أبول قائمًا فقال: "يا عمر لا تبل قائمًا". قلت: رواه ابن ماجه في الطهارة ورواه الترمذي في الطهارة منقطعًا (¬1) فقال عقيب حديث المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة: من حدثكم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يبول قائمًا فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا قاعدًا. قال: وفي الباب عن عمر وبريدة وقال: وحديث عائشة أحسن شيء في الباب وأصح، وحديث عمر إنما روي من حديث عبد الكريم بن أبي المخارق عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال: رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وذكر الحديث، قال: وإنما رفع هذا الحديث عبد الكريم بن أبي المخارق وهو ضعيف عند أهل الحديث ضعفه أيوب السختياني وتكلم فيه، وروى عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال عمر: ما بلت قائمًا منذ أَسلمت وهذا أصح من حديث عبد الكريم وحديث بريدة هذا غير محفوظ انتهى كلام الترمذي. 256 - "أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -: سباطة قوم فبال قائمًا" قيل كان ذلك لعذر. قلت: رواه الجماعة كلهم في الطهارة من حديث حذيفة وذكره البخاري أيضا في الظالم مختصرًا كما ذكره المصنف. (¬2) والسباطة: بضم السين الهملة وهي الكناسة قاله الجوهري وقيل: الموضع الذي يلقى فيه الكناسة. قوله: قائمًا قال الشافعي كانت العرب تستشفى لوجع الصلب بالبول قائمًا فترى أن فعله ذلك كان لوجع في صلبه. وقيل لمعنى غير ذلك. والله أعلم. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي معلقًا ضمن حديث (12)، وفيه كلام الترمذي هذا، وابن ماجه (308)، والبيهقي (1/ 102). (¬2) أخرجه البخاري (224)، ومسلم (273)، وأبو داود (23)، وابن ماجه (305)، والترمذي (13)، والنسائي (1/ 25). انظر ابن حبان (1424)، وشرح السنة للبغوي (193).

باب السواك

باب السواك من الصحاح 257 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء وبالسواك عند كل صلاة". قلت: رواه الجماعة البخاري في الصلاة وقال: "مع كل صلاة" والباقون في الطهارة إلا ابن ماجه فإنه روى في الصلاة، كلهم من حديث أبي هريرة. (¬1) 258 - سألت عائشة بأي شيء كان يبدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل بيته، "قالت: بالسواك". قلت: رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه كلهم في الطهارة (¬2) من حديث المقدام بن شريح بن هانئ عن أبيه ولم يخرج البخاري هذا الحديث. 259 - كان النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قام للتهجد من الليل يشوص فاه بالسواك". قلت: رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه كلهم في الطهارة (¬3) بن حديث شقيق عن حذيفه يرفعه. يشوص: بفتح الياء وضم الشين المعجمة وبالصاد المهملة والشوص: دلك الأسنان بالسواك عرضًا وقيل: التنقية وقيل: الحك. 260 - قالت: قال - صلى الله عليه وسلم -: "عشر من الفطرة: قصّ الشارب، وإعفاء اللحية، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (887)، ومسلم (252)، وأبو داود (46)، والنسائي (1/ 266)، وابن ماجه (287)، والترمذي (22). (¬2) أخرجه مسلم (253)، وأبو داود (51)، والنسائي (1/ 13)، وابن ماجه (290). (¬3) أخرجه البخاري (245) (1136)، ومسلم (255)، وأبو داود (55)، والنسائي (1/ 8) (3/ 212)، وابن ماجه (286).

والسواك، واستنشاق الماء، وقصّ الأظفار، وغسل البَرَاجم، ونتْف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء يعني الاستنجاء. قال الراوي: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة". قلت: رواه الجماعة من حديث عبد الله بن الزبير عن عائشة إلا البخاري (¬1) فإنه لم يخرج هذا الحديث من حديث عائشة ولا أخرجه بكماله وأخرج منه قطعة من حديث ابن عمر وأبي هريرة. والبراجم: بفتح الباء وبالجيم جمع بُرجُمة بضم الباء والجيم وهو عقد الأصابع ومفاصلها كلها. وانتقاص الماء: بالقاف والصاد المهملة وقد فسره وكيع في كتاب مسلم بأنه الاستنجاء. قال أبو عبيد (¬2) وغيره: معناه انتقاص البول بسبب استعمال الماء في غَسْل مذاكيره وقيل: هو النضح وقد جاء في بعض الروايات الانتضاح بدل الانتقاص وهو نضح الفرج بماء قليل بعد الوضوء لينفي عنه الوسواس، وقيل: هو الاستنجاء بالماء. وذكر ابن الأثير (¬3): أنه روى انتفاص بالفاء والصاد المهملة وقال: في فصل الفاء قيل: الصواب أنه بالفاء والمراد نضحه على الذكر. قال النووي (¬4): وهذا الذي نقله شاذ، وفي رواية "الختان" بدل "إعفاء اللحية". قلت: هذه الرواية لم أرها في الصحيحين ولا في أحدهما ورواها أبو داود في الطهارة ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (261)، وأبو داود (53)، والترمذي (2757)، والنسائي (8/ 126)، وابن ماجه (293)، وحديث ابن عمر: أخرجه البخاري (5890) و (5888)، وحديث أبي هريرة أخرجه البخاري (5889)، (5891)، ومسلم كذلك (257). (¬2) الغريبين (6/ 63). (¬3) النهاية لابن الأثير (5/ 97) و (5/ 107). (¬4) هذا الكلام نقله بتصرف يسير من شرح النووي لمسلم (1/ 191 - 192).

من الحسان

من حديث سلمة بن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه وفي رواية عن سلمة بن محمد عن عمار بن ياسر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن من الفطرة المضمضة والاستنشاق فذكر نحو حديث عائشة ولم يذكر "إعفاء اللحية" وذكر بدله "الختان" وأخرجه ابن ماجه (¬1). قال المنذرى: وحديث سلمة بن محمد عن أبيه مرسل وقال غيره: إنه لم ير جده (¬2) إذا علمت ذلك فكان من حق الشيخ ألا يذكر هذه الرواية في الصحاح لأنها ليست في شيء من الصحيحين ولا صحت على شرط واحد منهما. من الحسان 261 - قالت: قال - صلى الله عليه وسلم -: "السِّواك مطهرة للفم مرضاة للرَّب". قلت: رواه النسائي في الطهارة من حديث عبد الله بن أبي عتيق عن عائشة (¬3). واسم أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ورواه الدارمي من حديث القاسم بن محمد عن عائشة ورواه البخاري تعليقًا في كتاب الصيام فقال: وقالت عائشة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وساقه. 262 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أربع من سنن المرسلين: الحياء -ويروى: الختان- والتعطّر، والسواك، والنكاح". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (54)، وابن ماجه (294). وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف وسلمة بن محمد بن عمار بن ياسر مجهول، التقريب (2523). ولكن الحديث يتقوى بالحديث الذي قبله في الجملة. (¬2) مختصر سنن أبي داود (1/ 43) رقم (49). (¬3) أخرجه البخاري تعليقًا بصيغة الجزم (4/ 158)، والدارمي (1/ 174)، والنسائي (1/ 10) وإسناده صحيح.

باب سنن الوضوء

قلت: رواه الترمذي (¬1) في أول النكاح من حديث أبي الشمال بن ضباب عن أبي أيوب الأنصاري واسمه خالد بن زيد وقال الترمذي: حديث حسن غريب انتهى وأبو الشمال مجهول، والحياء تقدم ذكره أنه ممدود. 263 - كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يرقُد من ليل ولا نهار فيستيقظ، إلا يتسوّك قبل أن يتوضأ. قلت: رواه أبو داود هنا (¬2) من حديث علي بن زيد عن أم محمد واسمها أميمة وهي امراة أبيه عن عائشة، وعلي بن زيد هذا هو ابن جُدعان وقد أخرج له مسلم وأصحاب السنن. 264 - كان النبي - صلى الله عليه وسلم -: يستاك فيُعطيني السِّواك لأغسِلَه، فأبدأُ به فأستاكُ، ثم أغسلُه وأدفَعُه إليه. قلت: رواه أبو داود هنا من حديث كثير بن عبيد رضيع عائشة رضي الله عنها وسكت عليه هو والمنذري. (¬3) باب سنن الوضوء من الصحاح 265 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا، فإنه لا يدري أين باتت يدُه". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1080) وإسناده ضعيف. قال الحافظ: أبو الشمال مجهول، التقريب (8222)، وانظر ضعيف الترمذي للشيخ الألباني (184). (¬2) أخرجه أبو داود (57) وإسناده حسن دون قوله (ولا نهار) فإنه ضعيف، وعلي بن زيد بن جدعان , قال الحافظ: ضعيف. تقريب التهذيب (ص 696) رقم (4768)، انظر البدر المنير (3/ 104). (¬3) أخرجه أبو داود (52) وإسناده حسن. انظر مختصر سنن أبي داود للمنذري (1/ 41).

قلت: رواه البخاري ومسلم كلاهما في الطهارة واللفظ له ولم يقل البخاري ثلاثًا ورواه أبو داود والترمذي والنسائي أيضًا في الطهارة وهو أول حديث في كتاب النسائي. (¬1) تنبيه: ذكر صاحب العمدة الحديث وذكر فيه لفظة "ثلاثًا" ولم يُنَبِه على أنها من أفراد مسلم عن البخاري وكان من حقه أن يُنَبّه على ذلك. والله أعلم. (¬2) 266 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضّأ فليستنثر ثلاثًا، فإن الشيطانَ يبيتُ على خَيْشومِه". قلت: رواه الشيخان: البخاري واللفظ له في باب صفة إبليس وجنوده من كتاب بدء الخلق، ومسلم والنسائي كلاهما في الطهارة (¬3) ثلاثتهم من حديث عيسى بن طلحة عن أبي هريرة يرفعه. والخيشوم: بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء المثناة من تحت وبالشين المعجمة قال العلماء: هو أعلى الأنف وقيل: الأنف كله وقيل: هي عظام رقاق ليّنة في أقصى الأنف. 267 - قيل له: كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ؟ فدعا بوَضوء فأفرغ على يده اليمنى، فغسل يديه مرتين، ثم مضمض واستنثر ثلاثًا، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (162)، ومسلم (278)، والنسائي (1/ 7، 6) / أبو داود (103)، (104)، والترمذي (24) كلهم عن أبي هريرة. (¬2) العمدة رقم (4)، لفظ الحديث في الجمع بين الصحيحين للحميدي (3/ 144) رقم (2361): فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه، ولم يذكر فيه: الإناء، ولا ثلاثا، في شيء من روايات المتفق عليه. وقال الزركشي في النكت على عمدة الأحكام ص (15) وفي المعتبر ص (135): لفظ ثلاثا: لم يروها البخاري ومن ذكرها في المتفق عليه كصاحب العمدة فقدوهم. (¬3) أخرجه البخاري (3295)، ومسلم (238)، والنسائي (90).

يديه مرتين إلى المرفقين ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدّم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردّهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه ثم غسل رجليه. قلت: رواه الجماعة في الطهارة بألفاظ متقاربة من حديث عبد الله بن زيد ابن عاصم. (¬1) وفي رواية: "فمضمض واستنشق ثلاثًا بثلاث غرفات من ماء". قلت: رواها البخاري بزيادة "واستنثر". (¬2) وفي رواية: "فمضمضَ واستنشق من كف واحدة فعل ذلك ثلاثًا". قلت: رواها مسلم والترمذي. (¬3) وقال: "مسح رأسه فأقبل بهما وأدبر مرّة واحدة ثم غسل رجليه إلى الكعبين" قلت: رواها البخاري. (¬4) وفي رواية: "فمضمض واستنثر ثلاث مرات من غرفة واحدة". قلت: رواها البخاري (¬5) وهذه الروايات كلها من حديث عبد الله بن زيد. 268 - رُوِي عن ابن عباس قال "توضَّأ النبي - صلى الله عليه وسلم - مرّة مرّة". قلت: رواه الجماعة إلا مسلمًا من حديث عطاء بن يسار عن ابن عباس واللفظ للبخاري والترمذي. (¬6) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (185)، ومسلم (235)، وأبو داود (118)، والترمذي (32)، والنسائي (1/ 71)، وابن ماجه (434). (¬2) أخرجه البخاري (186). (¬3) أخرجه مسلم (235)، والترمذي (28). (¬4) البخاري (192). (¬5) البخاري (191). (¬6) أخرجه البخاري (157)، وأبو داود (138)، والترمذي (42)، والنسائي (1/ 62)، وابن ماجه (411).

269 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "توضَّأ مرتين مرتين". قلت: رواه البخاري في الطهارة من حديث عبد الله بن زيد. (¬1) 270 - وروي عن عثمان: "أنه توضَّأ ثلاثًا ثلاثا". قلت: رواه مسلم (¬2) من حديث أنس أن عثمان توضَّأ بالمقاعد فقال: ألا أريكم وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم توضَّأ ثلاثًا ثلاثًا. ولم يخرج البخاري هذا اللفظ إنما أخرج حديث عثمان في صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس فيه هذا اللفظ. 271 - رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - أقوامًا وأعقابهم تلوح، لم يمسَّها الماء، فقال: "ويل للأعقاب من النار، أسبغوا الوُضُوء". قلت: رواه مسلم في الوضوء من حديث عبد الله بن عمرو ولم يخرج البخاري هذا اللفظ وأصل الحديث عنده. (¬3) 272 - إن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "توضَّأ فمسح بناصيته وعلى عمامته وخُفّيْه". قلت: رواه مسلم في الوضوء (¬4) ولم يذكر البخاري في كتابه المسح على الناصية ولا المسح على العمامة من حديث المغيرة بن شعبة ولكنه خرج عن عمرو بن أمية الضمرى عن أبيه قال رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسمح على عمامته وخفيه ولم يخرجه مسلم. 273 - كان النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله، في طهوره، وترجله، وتنعّله". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (158). (¬2) أخرجه مسلم (230). (¬3) أخرجه مسلم (240)، ونحوه عند البخاري (60). (¬4) أخرجه مسلم (274)، ورواية عمرو بن أمية الضمري أخرجها البخاري (205).

من الحسان

قلت: رواه البخاري بهذا اللفظ في باب التيمن في دخول المسجد وروى مسلم معناه بغير هذا اللفظ في الطهارة. (¬1) من الحسان 274 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا لبستم وإذا توضأتم فابدؤا بأيامنكم". قلت: رواه أبو داود في اللباس وابن ماجه في الطهارة كلاهما من طريق زهير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة ولم يذكر ابن ماجه إذا لبستم. (¬2) 275 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في الطهارة من حديث سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ورجال الترمذي مُوَثَّقُون وكذلك رجال ابن ماجه إلا يزيد بن عياض بن جُعدبة فإنه قال فيه النسائي وغيره متروك. (¬3) 276 - قلت: يا رسول الله أخبرني عن الوضوء، قال: "أسبغ الوضوء وخَلِّل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا". قلت: رواه أبو داود في الطهارة مطولًا والترمذي في الصيام مقتصرًا على ما ذكره المصنف وقال: حسن صحيح، ورواه النسائي في الطهارة وفي الوليمة وابن ماجه في ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (426)، ومسلم (267) واللفظ للبخاري. (¬2) أخرجه أبو داود (4141)، وابن ماجه (402)، وصححه ابن حبان (الإحسان 2/ 209 رقم 1087). (¬3) أخرجه الترمذي (25) (26)، وابن ماجه (398)، وفي إسناده عند ابن ماجه يزيد بن عياض كذاب انظر التقريب رقم (7813) ولكن الحديث يتقوى بشواهده وحَسّنه الترمذي، وقال المنذري في الترغيب والترهيب (1/ 164): ولا شك أن الأحاديث التي وردت في البسملة وإن كان لا يسلم شيء منها عن مقال فإنها تتعاضد بكثرة طرقها وتكتسب قوة. والله أعلم.

الطهارة كلاهما مختصرًا. (¬1) ولقيط بن صبرة قال المنذري (¬2): يقال فيه لقيط بن عامر بن صبرة وقيل: أن لقيط بن عامر غير لقيط بن صبرة، وليس بشيء وهو أبو رزين العقيلي وصَبِرة بفتح الصاد المهملة وكسر الباء الموحدة وفتح الراء المهملة وبعدهما تاء تأنيث وبعضهم يُسكن الباء. 277 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا توضأت فَخَلِّل أصابعَ يدَيْكَ ورجلَيْكَ". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما هنا من حديث صالح مولى التوأمة عن ابن عباس يرفعه وقال الترمذي حديث غريب حسن. (¬3) 278 - رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا توضَّأ يدلك أصابع رجليه بخِنْصَره". قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه كلهم هنا من حديث المستورد ابن شدّاد واللفظ لأبي داود وقال الترمذي: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة. (¬4) 279 - كان - صلى الله عليه وسلم -: "إذا توضَّأ أخذ كفًّا من ماء فأدخله تحت حَنَكه فخلّل به لحيته، وقال هكذا أمرني ربي". قلت: رواه أبو داود هنا من حديث الوليد بن زروان عن أنس يرفعه. (¬5) 280 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كان يخلل لحيته". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (142)، والترمذي (788)، والنسائي (1/ 66)، وابن ماجه (407) (448). (¬2) انظر: مختصر سنن أبي داود للمنذري (7/ 299). (¬3) أخرجه الترمذي (39)، (وفي المطبوع: حسن غريب) وابن ماجه (447) وإسناده حسن. (¬4) أخرجه أبو داود (148)، والترمذي (40)، وابن ماجه (446) وإسناده صحيح. (¬5) أخرجه أبو داود (145)، والحاكم في المستدرك (1/ 149)، والوليد بن زروان قال الحافظ: ليّن الحديث. التقريب (7473).

قلت: رواه الترمذي هنا من حديث أبي وائل عن عثمان بن عفان وقال: حديث حسن صحيح. (¬1) 281 - قال: رأيت عليًّا توضَّأ فغسل كفيه حتى أنقاهما، ثم مضمض ثلاثًا، واستنشق ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، وذراعيه ثلاثًا، ومسح برأسه مرةً ثم غَسل قَدَميه إلى الكعبين، ثم قام فأخذ فضل طهوره فشربه وهو قائم، ثم قال: "أحببت أن أريكم كيف كان طُهور رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". قلت: رواه الترمذي في الطهارة بهذا اللفظ من حديث أبي حَيّة قال: رأيت عليًّا وساقه, وقال: حديث حسن صحيح ورواه أبو داود والنسائي كلاهما في الطهارة بألفاظ متقاربة. (¬2) وأبو حَيّة بالحاء المهملة والياء المثناة من تحت هو ابن قيس الهمداني الوادعي. - ويروى: "فمضمض واستنشق ونَثَر بيده اليسرى فعل ذلك ثلاثًا". قلت: رواه النسائي من حديث عبد خير عن علي أنه دعا بوضوء، فتمضمض واستنشق ونثر بيده اليسرى، فعل هذا ثلاثا، وقال: هذا وضوء نبي الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3). - ويروى: "ثم تمضمض واستنشق بكف واحدة ثلاث مرات". قلت: رواه النسائي عن عبد خير عن علي وقد جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد في صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال فيه: "ثم أدخل يده فمضمض واستنشق من كف ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (32)، وابن ماجه (430) وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه الترمذي (48)، والنسائي (1/ 70 - 71)، وأبو داود مختصرًا في السنن (116) وإسناده صحيح. (¬3) أخرجه النسائي (1/ 67 - 69).

واحد، فعل ذلك ثلاثًا" وقد قدمها المصنف في الصحاح (¬1). 282 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مسح برأسه وأُذُنَيْه، باطنهما بالسبّابتَيْن، وظاهِرِهما بإبهاميه". قلت: رواه النسائي وابن ماجه هنا واللفظ للنسائي من حديث ابن عباس. (¬2) 283 - أنها: رأت النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ وقالت: "ومسح رأسه ما أقبل منه وما أدبر، وصدغيه وأذنيه مرّة واحدة". قلت: رواه أبو داود والترمذي كلاهما من حديث الربَيَّع بنت مُعَوّذ وقالت: وأدخل أُصبُعَيْه في جُحْرَيْ أُذُنَيْه. قلت: رواه أبو داود وابن ماجه كلاهما (¬3) هنا من حديث الربيع قالت: توضَّأ النبي - صلى الله عليه وسلم - فأدخل إصبعيه في جحري أذنيه. 284 - "أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم -: توضَّأ، وأنه مسح رأسه بماء غَيْر فضل يَدَيه". قلت: رواه الترمذي في الطهارة (¬4) من حديث عبد الله بن زيد وهو بعض حديث رواه مسلم من حديث عبد الله بن زيد. أيضًا ولفظ مسلم أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضَّأ فمضمض ثم استنثر ثم غسل وجهه ثلاثًا ويده اليمنى ثلاثًا والأخرى ثلاثًا ومسح برأسه بماء غير فضل يديه وغسل رجليه حتى أنقاهما ولم يخرجه البخاري بهذا اللفظ فكان من حق الشيخ أن يذكره في الصحاح لا في الحسان. 285 - ذكر وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يمسح المأقين" قال: وقال: "الأذنان من الرأس، وقيل هذا من قول أبي أمامة". ¬

_ (¬1) أخرجه النسائي (1/ 68)، وابن ماجه (404). وقد تقدم الحديث برقم (266). (¬2) أخرجه النسائي (1/ 74)، وابن ماجه (439). وإسناده صحيح. (¬3) أخرجه أبو داود (129)، والترمذي (34) وقال حسن صحيح. (¬4) أخرجه الترمذي (35) وقال: حسن صحيح وأخرجه مسلم مطولًا (236).

قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه كلهم في الطهارة من حديث أبي أمامة (¬1). قال حماد: لا أدري هو من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو من قول أبي أمامة يعني قصة الأذنين. وقال الترمذي: هذا الحديث ليس إسناده بذاك القائم، وقال الدارقطني: رفعه وهم، والصواب أنه موقوف. ومأق العين: طرفها مما يلي الأنف واللحاظ طرفها مما يلي الأذن وفيه ثلاث لغات مأق بالهمز وماق بألف ساكنة وموق بالواو. 286 - أن أعرابيًّا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الوضوء، فأراه ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال: "هكذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدّى وظلم". قلت: رواه النسائي في الطهارة مقتصرًا على هذا اللفظ وأخرجه أبو داود (¬2) أطول من هذا وقال فيه: فقد أساء وظلم، أو ظلم وأساء، كلاهما من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. 287 - أنه سمع ابنه يقول: "اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة" قال: "أيْ بني سل الله الجنة وتعوّذ به من النار فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنّه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطَّهور والدعاء". قلت: رواه أبو داود بهذا اللفظ هنا وابن ماجه (¬3) في الدعاء ولم يقل في الطهور، كلاهما من حديث عبد الله بن مغفل، ومغفل: بالغين المعجمة والفاء المشددة. 288 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن للوضوء شيطانًا يقال له الولهان، فاتقوا وَسْوَاس الماءِ" ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (34)، والترمذي (37)، وابن ماجه (444)، والدارقطني في سننه (1/ 102 - 103)، وقد حسنه الشيخ الألباني في الصحيحة (1/ 47). (¬2) أخرجه النسائي (1/ 88)، وأبو داود (135)، وإسناده صحيح. (¬3) أخرجه أبو داود (96)، وابن ماجه (3864). وإسناده صحيح.

(ضعيف). قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما من طريق الحسن عن عتي بن ضمرة عن أبي بن كعب قال الترمذي: غريب وليس إسناده بالقوي عند أهل الحديث لا نعلم أحدًا أسنده غير خارجة بن مصعب وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن الحسن قوله، ولا يصح في هذا الباب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء وخارجة ليس بالقوي عند أصحاب الحديث وضعفه ابن المبارك انتهى (¬1) قال الذهبي خارجة بن مصعب وَهُّوه جدًّا. (¬2) 289 - رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا توضَّأ مسح وجهه بَطَرف ثوبه". قلت: رواه الترمذي في الطهارة من حديث معاذ بن جبل (¬3)، وقال: حديث غريب وإسناده ضعيف وفي سنده رشدين بن سعد وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي يضعفان في الحديث انتهى كلام الترمذي، قال أبو زرعة: رشدين ضعيف، وكان رجلا صالحًا عابدًا سيء الحفظ. انتهى. وعبد الرحمن بن أنعم قال الذهبي: ضعفوه. 290 - ورُوي عن عائشة: "كانت للنبي - صلى الله عليه وسلم - خرقة يُنَشِّف بها بعد الوُضُوء". وهو (ضعيف). قلت: رواه الترمذي في الطهارة من حديث عائشة وقال: ليس بالقائم ولا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب شيء، وفي سنده أبو معاذ وهو سليمان ابن أرقم وهو ضعيف عند أهل الحديث وقد رخّص قوم من أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومَنْ بعدهم في ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (57)، وابن ماجه (421)، وإسناده ضعيف جدًّا. (¬2) هكذا في المخطوط، ولم أجد في كتب الذهبي إلا "واهٍ". (الكاشف ت 1303). وقال الحافظ: متروك، وكان يدلس عن الكذابين ويقال: إن ابن معين كذبه، التقريب (1622). (¬3) أخرجه الترمذي (54) وإسناده ضعيف، رشدين بن سعد، قال الحافظ: ضعيف، وقال ابن يونس: كان صالحًا في دينه فأدركته غفلة الصالحين فخلط في الحديث. التقريب (1953) وسبقت ترجمة الأفريقي.

باب الغسل

التَّمَنْدُل بعد الوضوء ومن كرهه إنما كرهه من قِبَل أن الوضوء نور انتهى كلام الترمذي (¬1). باب الغسل من الصحاح 291 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا جَلَس بين شُعَبِها الأَرْبَع ثم جهدها، فقد وجب الغسل وإن لم يُنْزل". قلت: رواه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه كلهم في الطهارة (¬2) من حديث أبي هريرة وانفرد مسلم بقوله: "وإن لم ينزل" ولم يُنَبّه على ذلك ابن الأثير بل عزاه للصحيحين والصواب أَنّ: وإن لم يُنْزِل ليس في البخاري كذا نَبّه عليه جماعة من الحفاظ ولفظ أبي داود: وألزق الختان بالختان. شعبها: قيل: اليدان والرجلان وقيل: الرجلان والفخذان وقيل: الرجلان والشفران. قال القاضي عياض: المراد شعب الفرج الأربع والشعب النواحي واحدتها شعبة، قال ابن الأعرابي: الجهد من أسماء النكاح والمراد به الجماع ها هنا. قال الشيخ الإمام رضي الله عنه: وما رُوي. 292 - عن أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الماء من الماء" فمنسوخ، وقال ابن ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (53) وفيه: " ... أن الوضوء يُوزن". وسليمان بن أرقم أبو معاذ قال الحافظ: ضعيف، التقريب (2547). (¬2) أخرجه البخاري (291)، ومسلم (348)، وأبو داود (216)، والنسائي (1/ 110)، وابن ماجه (610) وانظر جامع الأصول (7/ 271) وفيه كما ذكر المؤلف، وانظر كذلك إكمال المعلم للقاضي عياض (2/ 197).

عباس: إنما الماء من الماء في الاحتلام. (¬1) حديث أبي سعيد الخدري رواه أبو داود بهذا اللفظ ورواه مسلم ولفظه إنما الماء من الماء. (¬2) 293 - قالت: يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: "نعم إذا رأت الماء، فغَطّت أم سلمة وجهها وقالت: يا رسول الله، أو تحتلم المرأة؟ قال: "نعم، تربت يمينك فبم يشبها ولدها" إن ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر، فمِنْ أيهما علا أو سبق يكون منه الشَّبَه". قلت: رواه مسلم في الطهارة والنسائي في عشرة النساء (¬3) من رواية أنس أن أم سليم حدثته أنها سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - وروياه أيضًا من حديث أنس أن أم سليم جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مختصرًا، ولم يخرج البخاري عن أنس في هذا شيئًا إنما خَرّج هو ومسلم (¬4) حديث أم سلمة قالت: جاءت أم سليم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحوه، وليس فيه ذكر صفة ماء الرجل وماء المرأة ولم أقف في روايات مسلم على لفظة "فغطت أم سلمة وجهها" إنما روى هذه اللفظة البخاري في كتاب العلم، فركّب الشيخ من رواية الشيخين هذا اللفظ من حديثين لأنه قصد حكاية الواقعة، ولذلك قال وقالت أم سليم: ولم يضف إلى رواية صحابي بعينه فليتنبه لذلك فإنه مهم والله أعلم. 294 - "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا اغتسل من الجنابة بدأ فَغَسل يديه ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلّل بها أصول شعره، ثم ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (112). (¬2) أخرجه مسلم (343)، وأبو داود (217) وانظر الاستذكار (3/ 82)، وفيض القدير شرح الجامع الصغير (2/ 561)، وإكمال المعلم (2/ 193 - 197). (¬3) أخرجه مسلم (311)، والنسائي في الكبرى (9076) (9077). (¬4) أخرجه البخاري (130)، ومسلم (313).

يصب على رأسه ثلاث غُرفاتٍ بيديه، ثم يُفيض الماء على جلده كُلّه". قلت: رواه الشيخان هنا من حديث عائشة واللفظ للبخاري. (¬1) ويُروى: "يبدأ فيغسل يديه قبل أن يُدخلهما الإناء، ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجَه ثم يتوضأ". قلت: رواه مسلم من حديث عائشة في سياقين (¬2). 295 - قالت ميمونة: "وضعتُ للنبي - صلى الله عليه وسلم - غُسلا فسترته بثوب، وصبّ على يديه فغسلهما، ثم أدخل يمينه في الإناء فأفرغ بها على فرجه ثم غسله بشماله، ثم ضرب بشماله الأرض، فدلكها دلْكًا شديدا، ثم غسلها، فمضمض واستنشق وغسل وجهه وذراعيه، ثم أفرغ على رأسه ثلاث حَفَنَات ملء كفيه، ثم غسل سائر جسده، ثم تنحَّى فغسل قَدَميه، فناولته ثوبًا فلم يأخذه، فانطلق وهو ينفُضُ يَدَيه". قلت: رواه الشيخان في الطهارة من حديث ميمونة (¬3) ولفظ المصنف أقرب إلى لفظ البخاري. 296 - إنّ امرأة سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن غُسْلها من المحيض فأَمَرَها كيف تغتسل، ثم قال: "خُذي فرصة من مِسْك فتطهَّري بها"، قالت: كيف أتطهر بها؟ فاجتذبتها إليَّ، فقلت: "تتَبَّعِيْ بها أثر الدم". قلت: رواه الشيخان في الطهارة من حديث عائشة (¬4). ¬

_ (¬1) أخرحه البخاري (248)، ومسلم (316). (¬2) أخرجه مسلم (316/ 35) و (316/ 36). (¬3) أخرحه البخاري (276)، ومسلم (317). (¬4) أخرجه البخاري (314)، ومسلم (332)، انظر: إكمال العلم (2/ 171)، وغريب الحديث (1/ 62)، ومعالم السنن (1/ 97).

والفِرْصَة: هي القطعة من الصوف أو القطن وفَرِصْت الشيءَ قطعته بالمِفْراص وهي حديدة يقطع بها، وفي رواية: فرصة من مَسْك بفتح الميم أي من جلدة فيها شعر وفي رواية بكسر الميم وهو الطيب، قال عياض وبالفتح قيدها الأصيلي ورواه مسلم وبالكسر هي رواية الطبري عن مسلم وبعض رواة البخاري وكذا رواها الشافعي وجماعة ويدل على ترجيحه: قوله في بعض الأحاديث فإن لم تجد فطيبا، فإن لم تجد فالماء كاف. 297 - قالت: قلت: "يا رسول الله إني امرأة أشُدُّ ضَفْرَ رأسي، أفأنقُضُه لغُسل الجنابة؟ "، فقال: "لا، إنما يكفيك أن تَحْثي على رأسك ثلاثَ حثيات، ثم تفيضين عليكِ الماءَ فتَطهُرين". قلت: رواه مسلم والترمذي كلاهما في الطهارة من حديث أم سلمة. (¬1) 298 - كان النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يتوضأ بالمدّ ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد". قلت: رواه الشيخان (¬2) هنا من حديث أنس بهذا اللفظ. 299 - قالت عائشة كنت أغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد بيني وبينه، فيبادرني فأقول: دع لي، دع لي، قالت: "وهما جُنُبان". قلت: رواه الشيخان في الطهارة (¬3) من حديث عائشة ولم يقل البخاري: فيبادرني فأقول: دع لي دع لي. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (330)، والترمذي (105)، وأبو داود (251)، والنسائي (1/ 131)،= = وابن ماجه (603). (¬2) أخرجه البخاري (201)، ومسلم (325). (¬3) أخرجه مسلم (321) واللفظ له والبخاري (250).

من الحسان

من الحسان 300 - سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يجد البَلَلَ ولا يذكر احتلامًا؟ قال: "يغتسل". وعن الرجل يرى أنّه قد احتَلَمَ ولا يجد بللًا؟ قال: "لا غُسل عليه" قالت أم سُليم: "هل على المرأة ترى ذلك غُسْل؟ " قال: "نعم أَنْ النساء شقائق الرجال". قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه كلهم في الطهارة من حديث عائشة وليس في ابن ماجه قول أم سليم وأشار الترمذي إلى أن راويه هو عبد الله بن عمر بن حفص العُمري ضعفه يحيى بن سعيد من قبل حفظه في الحديث. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: شقائق الرجال أي نظائرهم وأمثالهم في الخلق والطباع فكأنهن شققن من الرجال ولأن حواء خلقت من آدم. 301 - قال - صلى الله عليه وسلم - "إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما هنا من حديث عائشة وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬2) 302 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "تحت كل شَعرة جنابة، فاغسلوا الشعر وأنقُوا البَشَرة". (ضعيف). قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه (¬3) من حديث أبي هريرة قال أبو داود: فيه: الحارث بن وجيه، حديثه منكر وهو ضعيف وقال الترمذي: حديث الحارث بن وجيه غريب، لا نعرفه إلا من حديثه، وهو شيخ ليس بذاك وذكر ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (236)، الترمذي (113) وإسناده صحيح وأما رواية ابن ماجه (612) إلى قوله: "لا غسل عليه"، ضعيفة لأن مدارها على عبد الله العمري المكبر وهو ضعيف من قبل حفظه. ضعفه يحيى بن سعيد من قبل حفظه في الحديث. قال الحافظ: ضعيف عابد، التقريب (3514). (¬2) أخرجه الترمذي (109)، وابن ماجه (608)، وإسناده صحيح على شرط الشيخين. (¬3) أخرجه أبو داود (248)، والترمذي (106)، وابن ماجه (597) وإسناده ضعيف، وقال الحافظ: الحارث، ضعيف التقريب (1063).

الدارقطني: أنه غريب من حديث محمد بن سيرين عن أبي هريرة تفرد به مالك بن دينار وعنه الحارث بن وجيه، وذكر الترمذي أيضًا أن الحارث تفرد به عن مالك بن دينار قال: ويقال فيه الحارث بن وَجْبَةَ والحارث بن وجيه يعنى بالياء آخر الحروف وبالباء الموحدة. 303 - قال علي: إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من ترك شعرة من الجنابة لم يغسلها، فُعل به كذا وكذا من النار، قال علي: "فَمِنْ ثَمَّ عاديتُ رأسي". (¬1) قلت: رواه أبو داود وابن ماجه كلاهما في الطهارة من حديث علي وفي إسناده عطاء بن السائب، قال المنذري: وقد وثقه أيوب السختياني وأخرج له البخاري حديثًا مقرونًا بأبي بشر وقال يحيى بن معين: لا يحتج بحديثه وتكلم فيه غيره، وقد كان تغير في آخر عمره قال الإمام أحمد: من سمع منه قديمًا فهو صحيح ومن سمع منه حديثًا لم يكن بشيء ووافقه على هذه التفرقة غير واحد وقد وقع في الكاشف للذهبي (¬2) أن مسلمًا ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (249) وابن ماجه (599)، وأحمد (1/ 104، 94)، والدارمي (778) واختلفوا في تصحيحه وتضعيفه كثيرًا، وسبب الاختلاف، أن عطاء بن السائب اختلط في آخر عمره، فمن روى عنه قبل اختلاطه فروايته عنه صحيحة، ومن روى عنه بعد اختلاطه، فروايته عنه ضعيفة، وحديث علي هذا، اختلفوا هل رواه قبل الاختلاط أو بعده فلذا اختلفوا في تصحيحه وتضعيفه، والحق الوقف في تصحيحه وتضعيفه حتى يتبين الحال فيه. وانظر: العلل للدارقطني (3/ 207 - 208)، والمجموع للنووي (2/ 180)، والتلخيص الحبير (1/ 249)، وصحح الحافظ إسناده وتكلم الصنعاني في سبل السلام (1/ 191) نقلًا عن ابن كثير، وانظر الإرواء (1/ 166 - 167). (¬2) قلت: والذي في الكاشف تحت رقم (3798) ع تبع. وقال محقق كتاب الكاشف: ومما يحتاج إلى تنبيه أن كلام الحافظ ابن حجر في "النكت على ابن الصلاح" (1: 434) مشعر بأن الإمام مسلمًا أخرج لعطاء بن السائب في المتابعات وتابعه تلميذه السخاوي من "فتح المغيث" (1/ 78) وهو كلام غريب جدًّا فليس لعطاء ذكر في "رجال صحيح مسلم" ولا رمز له المزي ولا الحافظ نفسه في كتابه ولا في "مقدمة الفتح" ولا المصنف أي الذهبي في كتبه كلها، "الكاشف"، و "التذهيب" و "الميزان" و "ديوان الضعفاء" و "ذيله" إلا "المغني" فقد حصل خطأ مطبعي. وغاية ما في الأمر أن مسلمًا ذكر في مقدمة صحيحه (1: 50) أن مراتب الرواة ثلاثة فمثل للأولى بالأعمش ومنصور ومثل للثانية بعطاء وليث بن =

روى له متابعة والصواب ما قاله المنذري؛ فإن مسلمًا لم يخرج له وإنما أخرج له البخاري حديثًا واحدًا مقرونا بأبي بشر فقال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا هشيم أخبرنا أبو بشر وعطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: الكوثر: الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه قال أبو بشر: قلت لسعيد: إن أناسًا يزعمون أنه نهر في الجنة؟ قال: فقال سعيد: النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه إياه (¬1). 304 - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يتوضأ بعد الغُسل". قلت: رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث عائشة (¬2) وفي حديث ابن ماجه: "بعد الغسل من الجنابة" وقد رواه أبو داود ولفظه عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسل ويصلي ركعتين وصلاة الغداة ولا أراه يُحْدث وضوءًا بعد الغُسْل. 305 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَغْسِلُ رأسَه بالخِطْمي وهو جُنُب, يجتزئُ بذلك ولا يصبُّ عليه الماء". قلت: رواه أبو داود في الطهارة (¬3) عن رجل من سُواءَة عن عائشة رضي الله عنها في سنده رجل من بني سُواءَة مجهول. والخطمي: بكسر الحاء المعجمة الذى يغسل به الرأس. 306 - إنَّ نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنّ الله حَيِي سِتّير يحب الحياءَ والتستّر، فإذا اغتسل أحدكم فليستَتِر". ¬

_ = أبي سليم، وللثالثة: بالمدائني والمصلوب. (¬1) انظر مختصر سنن أبي داود للمنذري (1/ 165)، ورواية البخاري هذه في الفتح (8/ 563) وفيه فوائد كثيرة حول هذه الرواية، وما مراد سعيد بن جبير من قوله هذا، فراجعه. (¬2) أخرجه الترمذي (107)، والنسائي (1/ 137) (1/ 209)، وابن ماجه (579)، وإسناده صحيح، والرواية الثانية في أبي داود برقم (250). (¬3) أخرجه أبو داود (256) وإسناده ضعيف.

باب مخالطة الجنب وما يباح له

قلت: رواه أبو داود في الحمام والنسائي في الطهارة (¬1) من حديث يعلى ابن أمية وسكت عليه أبو داود والمنذري. قوله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله حييّ ستّير أي تارك لحب الفضائح أي يكرهها، ساتر للعيوب والقبائح وسِتّير فعيل بمعنى فاعل أي ساتر. باب مخالطة الجنب وما يباح له من الصحاح 307 - " لَقِيَني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا جُنُب، فأخذ بيدي فمشيتُ معه حتى قَعد، فانسلَلْتُ فأتيتُ الرحل فاغتسلتُ، ثم جئت وهو قاعد ففال: "أين كنت يا أبا هريرة؟ " فقلت له: لقيتَني وأنا جُنب، فكرِهْت أن أجالِسَك وأنا جُنُب. فقال: "سبحان الله، إن المؤمن لا يَنْجُس". قلت: رواه الجماعة كل من حديث بكر بن عبد الله عن أبي رافع عن أبي هريرة واللفظ للبخاري. (¬2) 308 - ذكر عمر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه تصيبه الجنابة من الليل، ففال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "توضَّأ واغْسِل ذكرك ثم نم". قلت: رواه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي كلهم هنا من حديث عمر بن ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4012)، والنسائي (1/ 200) وإسناده حسن. (¬2) أخرجه البخاري (285)، ومسلم (371)، وأبو داود (231)، والترمذي (121)، والنسائي (1/ 145)، وابن ماجه (534).

الخطاب رضي الله عنه. (¬1) 309 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان جنبًا فأراد أن يأكل أو ينام تَوضّأ وُضُوءه للصلاة". قلت: رواه الشيخان واللفظ لمسلم من حديث عائشة. (¬2) 310 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أتى أحدكم أهله، ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضُوءًا". قلت: رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي كلهم في الطهارة من حديث أبي سعيد الخدري ولم يخرجه البخاري. (¬3) 311 - كان النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يطوف على نسائه بغُسْل واحدٍ". قلت: رواه مسلم (¬4) من حديث هشام بن زيد عن أنس وأبو داود والنسائي كلاهما من طريق حميد الطويل عن أنس ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه (¬5) من حديث قتادة عن أنس ورواه البخاري (¬6) من حديث قتادة أيضًا عن أنس ولفظه: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (290)، ومسلم (306)، وأبو داود (221)، والترمذي (120)، والنسائي (1/ 140)، وابن حبان (1215)، والبغوي (264). (¬2) أخرجه البخاري (288)، ومسلم (305). (¬3) أخرجه مسلم (309)، وأبو داود (220)، والترمذي (141)، والنسائي (1/ 142)، وابن ماجه (587). (¬4) أخرجه مسلم (309)، وأبو داود (218)، والنسائي (1/ 143). (¬5) الترمذي (140)، وابن ماجه (588)، والنسائي (1/ 143). (¬6) أخرجه البخاري (268) وورد عنده أيضا برقم (5215) وفيه "تسعُ نِسْوَة" وذكر الحافظ خلاف العلماء في المسألة، وجمع بين الروايات في هذا الموضوع - انظر فتح الباري (1/ 377 - 379).

من الحسان

قال: قلت لأنس بن مالك: أو كان يطيقه، قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين، لم يذكر مسلم عدد النسوة ولا ذكر البخاري الغسل. تنبيه: هذا الذي وقع في البخاري فيه نظر، فإنه لم يجتمع عنده - صلى الله عليه وسلم - هذا العدد من الزوجات في وقت واحد فيتعين أن يحمل ذلك على الزوجات والسراري واسم النساء يتناول الجميع وإن كان المتبادر إلى الذهن الزوجات ولكن صدنا عنه ما قلناه والله أعلم. 312 - كان النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يذكر الله على كُل أحْيانه". قلت: رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه كلهم في الطهارة والترمذي في الدعوات من حديث عائشة ولم يخرج البخاري هذا الحديث لكن علقه بترجمة في كتاب الصلاة ولم يذكر له إسنادًا. (¬1) 313 - خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - من الخلاء، فأتي بطعام، فذكروا له الوضُوء، فقال: "أريد أن أصلِّي فأتوضأ؟ ". قلت: رواه مسلم في الطهارة من حديث ابن عباس ولم يخرجه البخاري. (¬2) من الحسان 314 - أجَنبْتُ أنا ورسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "فاغْتَسَلت من جفنة وفضل فيها فضلة، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ليغتسل منها، فقلت: إني قد اغتسلت منها، فاغتَسَل وقال: إن الماء ليس عليه جَنابة". قلت: هذا الحديث رواه المصنف في شرح السنة (¬3) من حديث عكرمة عن ابن عباس ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (373)، والبخاري تعليقًا في الصحيح (الفتح) (1/ 407)، كتاب الحيض، باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت. فوق حديث رقم (305). (¬2) أخرجه مسلم (374). (¬3) أخرجه المصنف في شرح السنة (259). وأخرجه باللفظ الذي أشار إليه المؤلف الترمذي (65)،

عن ميمونة بلفظه في المصابيح وعزاه للترمذي وقال: قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح والذي وقفت عليه في الترمذي في الطهارة أنه روي من حديث عكرمة عن ابن عباس أنه قال: اغتسل بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في جفنة فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتوضأ فقالت: يا رسول الله إني كنت جنبًا قال: "إن الماء لا يُجْنِب". وقال: هذا حديث حسن صحيح هذا اللفظ للترمذي ورواه ابن ماجه بلفظ الترمذي وأما لفظ المصنف فلم أره في الترمذي. 315 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يجنب فيغتسل ثم يستدفيء بي قبل أن أغتسل". (¬1) قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في الطهارة من حديث مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت: ربما اغتسل النبي - صلى الله عليه وسلم - من الجنابة ثم جاء فاستدفأ بي فضممته إليَّ ولم أغتسل، قال أبو عيسى: هذا حديث ليس بإسناده بأس، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين، أن الرجل إذا اغتسل فلا بأس أن يستدفئ بامرأته وينام معها قبل أن تغتسل المرأة وبه يقول سفيانا الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق انتهى كلام الترمذي. 316 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كان يخرج من الخلاء فُيقرئنا القرآن ويأكل معنا اللحمَ وكان لا يُحجُزه أو يحجُبُه عن قراءة القرآن شيء ليس الجنابة". قلت: رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه كلهم في الطهارة (¬2) من حديث ¬

_ = وأبو داود (68)، وابن ماجه (370). (¬1) أخرجه الترمذي (123)، وابن ماجه (580) وإسناده ضعيف. لأن فيه حريث وهو: ابن أبي مطر أبو عمر الحنّاط وهو ضعيف وتركه البخاري والنسائي فهو آفة هذا الخبر. قال الحافظ: ضعيف، التقريب (1192) وقال أبو بكر بن العربي في شرحه للترمذي (1/ 191) "حديث لم يصح ولم يستقم فلا يثبت به شيء". (¬2) أخرجه أبو داود (229)، والترمذي (146)، والنسائي (1/ 144)، وابن ماجه (594)، وأحمد =

عبد الله بن سلمة عن علي قال الترمذي: حسن صحيح، وذكر أبو بكر البزار أنه لا يُروى عن علي إلا من حديث عمرو بن مرّة عن عبد الله بن سلمة وحكى البخاري عن عمرو بن مرّة قال: كان عبد الله يعني ابن سلمة يحدثنا فيعرف، وينكر، وكان قد كبر، لا يتابع في حديثه وذكر الإمام الشافعي رضي الله عنه هذا الحديث وقال: وإن لم يكن أهل الحديث يثبتونه، قال البيهقي: وإنما توقف الشافعي في ثبوت الحديث لأن مداره على عبد الله بن سلمة الكوفي وكان قد كبر وأنكر من حديثه وعقله بعض النكرة وإنما روى هذا الحديث بعد ما كبر قاله شعبة وذكر الخطابي أن الإمام أحمد رضي الله عنه كان يوهن حديث علي هذا ويضعف أمر عبد الله بن سلمة (¬1)، قوله ليس الجنابة يعني إلا الجنابة فليس بمعنى ألا نقول ما جاءني القوم ليس زيدًا وتضمر اسمها فيها وتنصب خبرها بها. 317 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقرأ الحائض ولا الجنب شيئًا من القرآن". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه (¬2) وكلاهما من حديث موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر وضعفه البخاري والترمذي والبيهقي وغيرهم. ¬

_ = (1/ 84)، والبيهقي (1/ 88) وإسناده ضعيف وقال النووي في المجموع (2/ 159) "قال غيره أي الترمذي من الحفاظ المحققين: "هو حديث ضعيف" انظر: صحيح ابن حبان (الإحسان) (799). ومعالم السنن (1/ 65 - 66)، وشرح السنة (273)، راجع الإرواء (485). (¬1) هذا كلام المنذري في "مختصر السنن" (1/ 156) وانظر كلام الحافظ ابن حجر حول هذا الحديث في "التلخيص الحبير" (1/ 241 - 242)، والخلاصة للنووي (1/ 208). (¬2) أخرجه الترمذي (131)، وقال: لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن عياش. وابن ماجه (595). وإسناده ضعيف لأن فيه: إسماعيل بن عيّاش وهو منكر الحديث عن أهل الحجاز وأهل العراق وهذا الحديث من روايته عن أهل الحجاز راجع العلل لابن أبي حاتم (1/ 49)، والتلخيص الحبير (1/ 240)، والإرواء (1/ 192 - 206 - 210).

318 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "وجِّهوا هذه البيوتَ عن المسجد، فإني لا أحلّ المسجد لحائضٍ ولا جنبٍ". قلت: رواه أبو داود (¬1) من حديث أفلت بن خليفة عن جسرة بنت الدجاجة عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد ثم دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يصنع القوم شيئًا رجاء أن تنزل فيهم رخصة فخرج إليهم، فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل. وذكره، وخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" وفيه زيادة، وذكر بعده حديث عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - سدوا هذه الأبواب إلا باب أبي بكر ثم قال: وهذا أصح، قال البخاري: وعند جسرة بنت دجاجة عجائب وقال البيهقي: فيها نظر، قال الخطابي: وضعفوا هذا الحديث وقالوا: أفلت راويه مجهول لا يصح الاحتجاج بحديثه، وذكر النووي هذا الحديث في الأحاديث الضعيفة (¬2). قوله - صلى الله عليه وسلم -: وجهوا هذه البيوت عن المساجد يعني اصرفوها عن المساجد ولذلك تعدى بعن، يقال: وجه عنه أي صرف عينه ووجهه إليه أي أقبل. 319 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورة ولا كلب ولا جُنُب". قلت: رواه أبو داود في الطهارة وفي اللباس والنسائي في الطهارة وفي الصيد وابن ماجه (¬3) في اللباس ثلاثتهم من حديث عبد الله بن نجى الحضرمي عن أبيه عن علي يرفعه، وقال البخاري: عبد الله بن نجيّ الحضرمي عن أبيه عن علي: فيه نظر، قال الطبري: وقد خرج أبو حاتم الحديث في صحيحه انتهى. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (232)، والبيهقي في السنن (2/ 442) وإسناده ضعيف. (¬2) انظر: التاريخ الكبير (2/ 67)، والخلاصة للنووي (1/ 210)، ومعالم السنن (1/ 67)، والتلخيص الحبير (1/ 243)، وراجع الإرواء (1/ 162). (¬3) أخرجه أبو داود (227)، والنسائي (1/ 141) (7/ 185)، وابن ماجه (3650)، وابن حبان (1205) وإسناده ضعيف، وانظر التاريخ الكبير (5/ 214).

ونُجَيّ بضم النون وفتح الجيم وتشديد الياء آخر الحروف وروى (¬1) الشيخان من حديث أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة. والصورة قيل كلما تصور من الحيوان سواء القائمة التي لها شخص وما لا شخص لها من المنقوشة في الجدارات، وفيه اختلاف وتفصيل للعلماء، والكلب إذا اتخذه لا لحاجة مأذونا فيها، والجنب: الذي يترك الاغتسال ويتخذه عادة. 320 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثة لا تقربهم الملائكة: جيفة الكافر، والمتضمِّخ بالخَلوق، والجُنُب إلا أن يتوضأ". قلت: رواه أبو داود (¬2) في الترجل من حديث الحسن بن أبي الحسن عن عمار بن ياسر ولم يسمع منه. 321 - قوله في المصابيح: وفي الكتاب الذي كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم: "أنْ لا يمسَّ القرآنَ إلا طاهر". قلت: رواه أبو حاتم والدارقطني من حديث أبي بكر بن محمد بن عمرو ابن حزم عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى أهل اليمن كتابًا فيه: ولا يمس القرآن إلا طاهر، ورواه مالك مرسلًا في الموطأ. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2106)، والبخاري (3322). (¬2) أخرجه أبو داود (4180) وإسناده حسن، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (168)، انظر: تهذيب الكمال (6/ 98) وقال المزي: روى عن عمار بن ياسر، ولم يسمع منه. (¬3) أخرجه مالك في الموطأ (1/ 99 رقم1)، والدارقطني في السنن (1/ 121 - 122) رقم (5، 4, 2، 1)، (3) وابن حبان في صحيحه (الإحسان) (14/ 501 رقم 6559) وقد ذكره الحافظ في "التلخيص الحبير" (1/ 227 - 228) و (4/ 177 - 178) وقال: وقد صحح= = الحديث جماعة من الأئمة من حيث الشهرة، وقال الشافعي: ثبت عندهم أنه كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال ابن عبد البر: هذا الكتاب مشهور عند أهل السير معروف عند أهل العلم معرفة تستغني بشهرتها عن الإسناد لأنه أشبه التواتر مجيئه لتلقي الناس =

322 - مر رجل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبول فسلم عليه فلم يَرُدّ عليه، حتى كاد الرجل أن يتوارى، وضرب بيديه على الحائط ومسح بهما وجهه، ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه، ثم رد على الرجل السلام، وقال: "إنه لم يمنعني أن أردّ عليك السلام إلا أنّي لم أكن على طُهر". قلت: رواه أبو داود (¬1) في التيمم من حديث محمد بن ثابت العبدي قال حدثنا نافع قال: انطلقت مع ابن عمر في حاجة إلى ابن عباس فقضى ابن عمر حاجته وكان من حديثه يومئذ أن قال: مر رجل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكره وقد أنكر البخاري على محمد بن ثابت رفع هذا الحديث قال البيهقي: رفعه غير منكر وقال الخطابي: حديث ابن عمر لا يصح لأن محمد بن ثابت العبدي ضعيف جدًّا لا يحتج بحديثه. (¬2) 323 - وروي: أنه لم يرد عليه حتى توضأ ثم اعتذر إليه فقال: "إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر". قلت: هذه الرواية في أبي داود والنسائي وابن ماجه في الطهارة (¬3) من حديث المهاجر بن قنفذ أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه إلى آخره وسكت عليه هو والمنذري. ¬

_ = له بالقبول والمعرفة). انظر نصب الراية (1/ 196). (¬1) أخرجه أبو داود (330) وإسناده ضعيف في إسناده محمد بن ثابت وهو ضعيف. (¬2) محمد بن ثابت ليس بالقوي (الكاشف ت 4756)، وقال الحافظ في التقريب (5808) صدوق لين الحديث، التاريخ الكبير (1/ 50)، انظر قول الخطابي في معالم السنن (1/ 86)، والبيهقي (1/ 206). (¬3) أخرجه أبو داود (17)، والنسائي مختصرًا (1/ 37) وإسناده صحيح.

باب أحكام المياه

باب أحكام المياه من الصحاح 324 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذى لا يجرى ثم يغتسل فيه". قلت: رواه الجماعة (¬1) واللفظ للبخاري ولفظ الترمذي: ثم يتوضأ منه، ولفظ الباقين: ثم يغتسل منه، إلا ابن ماجه فإنه ما ذكر وضوءًا ولا غسلًا، قوله - صلى الله عليه وسلم -: ثم يغتسل الرواية بالرفع أي لا يبل ثم أنت تغتسل منه وذكر ابن مالك النحوي أنه يجوز أيضًا جزمه على موضع لا يبولنّ، ونصبه بإضمار أن وأعطى ثم حكم واو الجمع، فأما الجزم: فظاهر، وأما النصب: فلا يجوز لأنه يقتضي أن المنهي عنه الجمع بينهما دون إفراد أحدهما، وهذا لم يقله أحد بل البول فيه منهي عنه سواء أراد الاغتسال فيه أو منه أم لا، وأما الدائم: فهو الراكد وهذا النهي عندنا محمول على الكراهة ومنطوق الحديث يقتضي النهي عن البول في الماء الراكد سواء كان قليلًا أو كثيرًا ومفهومه: أن الجاري لا نهي فيه وهو كذلك إذا كان كثيرا أما القليل منه فقال: جماعة من أصحابنا يكره لدليل آخر واختار النووي أنه يحرم في القليل راكدًا كان أو جاريًا لإضاعة المال. 325 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب". قلت: رواه الشيخان والنسائي في الطهارة من حديث أبي هريرة وقد عزى الشيخ محب الدين الطبري هذا الحديث للنسائي خاصة وهو قصور فإن الحديث في الصحيحين بهذا اللفظ. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (239)، ومسلم (282)، وأبو داود (69)، والنسائي (1/ 124)، والترمذي (68)، وابن ماجه (605). (¬2) أخرجه مسلم (283)، والنسائي (1/ 197)، ويبدو أن المؤلف قد وهم أيضًا فإنني لم أجده في البخاري، وأخرجه النسائي إلى قوله "وهو جنب" انظر جامع الأصول لابن الأثير (7/ 68 - 5031)، =

من الحسان

326 - نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أن يُبال في الماء الرَّاكِد". قلت: رواه مسلم في الطهارة من حديث جابر بن عبد الله ولم يخرج البخاري عن جابر في هذا شيئًا. (¬1) 327 - "ذهَبَت بي خالتي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إن ابن أختي وَجعَ، فمسحَ رأسي ودَعَا لي بالبَركة، ثم توضَّأ فشَرِبت من وَضوئه، ثم قمت خلفَ ظهره فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه مثل زِرّ الحَجَلة". قلت: رواه البخاري في مواضع متعددة منها في الطهارة (¬2) وهو ومسلم في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - والترمذي في المناقب وقال: حسن غريب والنسائي في الطب كلهم من حديث السائب بن يزيد. والحجلة: بالحاء المهملة المفتوحة وبالجيم واللام المفتوحتين قال ابن الأثير: بيت كالقُبَّة يُستر بالثياب، وتكون له أزرار كبار، ويُجمع على حِجَال (¬3). من الحسان 328 - إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسًا". ويُروى: "فإنه لا ينجس". قلت: رواه أبو داود والترمذي والنسائي كلهم (¬4) في الطهارة من حديث محمد بن ¬

_ = وراجع: صحيح ابن حبان (الإحسان) (4/ 63 - 1252). (¬1) أخرجه مسلم (281). (¬2) أخرجه البخاري (190)، ومسلم (2345)، والترمذي (3643)، والنسائي (في الكبرى 7518). (¬3) النهاية (1/ 346). (¬4) أخرجه أبو داود (63) والترمذي (67)، والنسائي (1/ 46)، وابن ماجه (517) (518)، وابن =

إسحاق عن محمد بن جعفر عن عبيد الله ورواه أبو داود أيضًا من حديث حماد عن عاصم بن المنذر عن عبيد الله وهو ابن عبد الله بن عمر عن أبيه يرفعه ولفظه فإنه لا ينجس ورواه ابن حبان والحاكم من حديث الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر به وقال الحاكم: على شرطهما وتركاه للخلاف فيه يعني على أبى أسامة الراوى عن الوليد فرواه عنه طائفة عن الوليد عن محمد بن عباد بن جعفر ولفظه لم يحمل الخبث وكذا رواه الشافعي عن الثقة وهو أبو أسامة وقال لم يحمل نجسًا أو خبثا ورواه بعضهم عن أبي أسامة عن الوليد عنهما معًا، وسئل يحيى بن معين عن حديث حماد بن سلمة عن عاصم بن المنذر فقال: هذا جيد الإسناد فقيل له إن ابن علية لم يرفعه، قال يحيى: وإن لم يحفظه ابن علية فالحديث جيد الإسناد قال البيهقي: وهذا إسناد صحيح موصول. 329 - قيل يا رسول الله: "أنتوضأ من بئر بُضاعة؟، وهي بئر تُلقى فيها الحيَضُ ولُحومُ الكلاب والنَّتِن"، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الماء طهور لا ينجّسه شيء". (¬1) قلت: رواه أبو داود والترمذي والنسائي، قال المنذري (¬2): وحكي عن الإمام أحمد ¬

_ = حبان (1253 و 1249)، والحاكم (1/ 133)، وإسناده صحيح. وأخرجه الشافعي (1/ 21) عن الثقة، والبيهقي في السنن (1/ 260 - 262)، والحاكم (1/ 133) وقال: هكذا رواه الشافعي عن الثقة وهو أبو أسامة بلا شك فيه. وانظر للتفصيل: تلخيص الحبير (1/ 18 - 24)، ونصب الراية (1/ 104 - 111)، والبدر المنير لابن الملقن (2/ 87/ 114) وقال: هذا الحديث صحيح ثابت من رواية عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن أبيه. (¬1) أخرجه أبو داود (66)، والترمذي (66)، والنسائي (1/ 174)، وابن ماجه (519). وقد صححه الإمام أحمد وابن معين وابن حزم كما في تلخيص الحبير (2) وقد استوفى الحافظ في التلخيص طرقه وشواهده وانظر كذلك: البدر المنير لابن الملقن (2/ 51 - 69 - رقم 2)، وكتاب "الإمام" لابن دقيق العيد (1/ 114 - 121). (¬2) مختصر السنن (1/ 73 - 74).

بن حنبل أنه قال: حديث بئر بضاعة صحيح وقال الترمذي: "هذا حديث حسن وقد جَوّد أبو أسامة هذا الحديث ولم يرو أحد حديث أبي سعيد". في بئر بضاعة أحسن مما رواه أبو أسامة، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي سعيد وقول الدارقطني: غير ثابت فليس بمسلّم له، وقول الإمام أحمد وغيره ممن صححه مقدّم على قول الدارقطني، قال أبو داود: سمعت قتيبة بن سعيد قال: سألت قيّم بئر بضاعة عن عمقها، قال: أكثر ما يكون الماء فيها إلى العانة، قلت: فإذا نقص، قال: دون العورة، قال أبو داود: وقدّرت أنا بئر بضاعة برداء مددته عليها ثم ذرعته فإذا عرضها ستة أذرع، وسألت الذي فتح لي باب البستان فأدخلني إليه، هل غيّر بناؤها عما كانت عليه؟ قال: لا، ورأيت فيها ماءً متغير اللون انتهى. وبُضاعة: بضم الباء الموحدة وبالضاد المعجمة دار لبنى ساعدة بالمدينة ولم يذكر عياض غير ضم الباء وقال الجوهري (¬1): بئر بضاعة التي في الحديث تكسر وتضم وحكى في المجمل فيها الكسر الضم. 330 - سأل رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته". قلت: رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وصححه البخاري وابن خزيمة وابن حبان وابن عبد البر وغيرهم، قال الحاكم: هو أصل صدّر به مالك كتاب الموطَّأ ورواه الشافعي في مسنده وهو أول حديث فيه قال البيهقي: وإنما لم يخرجه البخاري ومسلم في الصحيح لأجل اختلاف وقع في اسم سعيد بن سلمة والمغيرة بن أبي بردة وقد رفعه أيضًا علي ¬

_ (¬1) في الصحاح (3/ 1187).

وابن عمر وجابر (¬1). 331 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له ليلة الجن: "ما في إدواتِك؟ قال قلت له: نبيذ" قال: "تمرة طبِّية وماء طهور، فتوضأ منه"، وهذا حديث ضعيف وأبو زيد مجهول. قلت: حديث أبي زيد عن ابن مسعود رواه الترمذي بهذا اللفظ وأبو داود وابن ماجه، ولم يقولا فيه: "فتوضأ منه" وقد ضَعّفه المصنف وكفى المؤنه، قال الترمذي: وأبو زيد رجل مجهول عند أهل العلم لا تُعْرف له رواية غير هذا الحديث، وقال أبو زرعة: ليس هذا الحديث بصحيح، وقال أبو أحمد الكرابيسي: ولا يثبت في هذا الباب من هذه الرواية حديث بل الأخبار الصحيحة عن عبد الله بن مسعود ناطقة بخلافه انتهى كلامه (¬2) وقد خرج البيهقي هذا الحديث من طرق وبين هو والحافظ الدارقطني (¬3) ضعفها كلها وعِلَلها. ونقل النووي (¬4) في الخلاصة الإجماع على ضعف هذا الحديث، وأما ما روي عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - النبيذ وضوء لمن لم يجد الماء فقال الدارقطني: أن رفعه لا يصح ولا ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (83)، والترمذي (69)، وفي "علله الكبير" (ص 41 رقم 33)، والنسائي (1/ 176، 50) (7/ 207)، وابن ماجه (386)، والبيهقي في المعرفة (1/ 228 رقم 486)، وفي السنن (1/ 3)، ومالك في الموطأ (12)، والشافعي (ص 7) وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات وصححه البخاري والترمذي والحاكم وابن حبان وابن المنذر والطحاوي. كما في التخليص الحبير (1/ 9 - 12)، والاستذكار لابن عبد البر (2/ 94)، والتمهيد (16/ 219)، والأوسط لابن المنذر (1/ 247)، وانظر للتفصيل شرح السنة (2/ 55)، كتاب الإمام لابن دقيق العيد (1/ 96 - 114)، والبدر المنير لابن الملقن (2/ 2 - 50) فقد استقصى جميع طرقه تقريبًا. (¬2) أخرجه الترمذي (88)، وأبو داود (84)، وابن ماجه (384) وإسناده ضعيف. (¬3) البيهقي في السنن الكبرى (1/ 9)، والدارقطني (1/ 77 - 78). وابن أبي حاتم في العلل (1/ 17)، وابن حبان في المجروحين (3/ 158)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (587)، وتهذيب الكمال (33/ 333). (¬4) انظر: الخلاصة (1/ 7) رقم (29) وقال مثله كذلك في المجموع (1/ 142).

وقفه على ابن عباس بل هو من قول عكرمة. 332 - وقد صح عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال: لم أكن ليلة الجن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت: رواه مسلم من حديث إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود. (¬1) 333 - أن أبا قتادة دخل فسكبت له وَضُوءًا فجاءت هِرّة تشرب منه فأصغى لها الإناء قالت: "فرآني أنظر إليه فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم". قلت: رواه الأربعة والدارمي (¬2) كلهم من حديث كبشة بنت كعب من طريق مالك بن أنس وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح قال: وهذا أحسن شيء في الباب وقد جَوّد مالك هذا الحديث عن إسحاق ابن عبد الله عن أبي طلحة ولم يأت به أحد أتم من مالك وقال محمد بن إسماعيل البخاري: جَوّد مالك بن أنس هذا الحديث وروايته أصح من رواية غيره وقد صحح هذا الحديث ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال الدارقطني: رواته ثقات معروفون وقال الحاكم: وهذا الحديث مما صححه مالك واحتج به في الموطأ ومع ذلك فإن له شاهدا بإسناد صحيح. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (450). (¬2) أخرجه أبو داود (75)، والترمذي (92)، والنسائي (1/ 55)، وابن ماجه (367)، والدارمي (1/ 187 - 188). ومالك في الموطأ (13)، وأحمد في المسند (5/ 303)، وأبو عبيد في "الطهور" (206). وإسناده صحيح كما قال الترمذي. وصححه ابن حبان (1299)، وابن خزيمة (104)، والحاكم (1/ 160)، وابن حزم في المحلى (1/ 117)، والبيهقي في السنن (1/ 245)، وابن عبد البر في التمهيد (1/ 319)، والبغوي في شرح السنة (286)، والدراقطني (1/ 70)، والحافظ في "التلخيص الحبير" (1/ 41 - 42)، ونصب الراية (1/ 133 - 134).

334 - قالت: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ بفَضْلها". قلت: رواه أبو داود (¬1) قال الدارقطني: تفرد به عبد العزيز بن محمد الداراوردي عن داود بن صالح عن أمه عن عائشة بهذا اللفظ، والضمير في بفضلها عائد على الهرة فإن في الحديث قصة ذكرت فيها الهرة. 335 - سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنتوضأ بما أفْضَلَتْ الحمر؟ قال: "نعم، وبما أفْضَلَتِ السِّباعُ كُلُّها". قلت: رواه الشافعي (¬2) في مسنده من حديث داود بن الحصين عن أبيه عن جابر وفي بعض رواياته داود بن الحصين عن جابر ولم يذكر أباه. 336 - "اغتسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو وميمونة في قصعة فيها أثر العَجين". قلت: رواه النسائي وابن ماجه (¬3) كلاهما في الطهارة من حديث أم هانيء ورواه ابن حبان أيضًا في صحيحه عنها. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (76) ورجاله ثقات غير أم داود بن صالح فهي مجهولة ولكن الحديث صحيح بطرقه ويشهد له الحديث السابق، وأخرجه الدارقطني (1/ 66 - 67) قال الحافظ: أم داود بن صالح لا تعرف، التقريب (8826). (¬2) أخرجه الشافعي في مسنده (40)، وفي الأم (1/ 6)، وكذلك الدارقطني في السنن (1/ 62 رقم 2 - 3)، وفي الإسناد داود بن الحصين عن أبيه. والبيهقي في السنن (1/ 249). (¬3) أخرجه النسائي (1/ 131)، وابن ماجه (378)، وابن ماجه (1245) من طريق إبراهيم بن نافع عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أم هاني. والحديث فيه انقطاع بين مجاهد وأم هانيء وبه أعله البيهقي في الكبرى (1/ 7 - 8)، ولكن رواه النسائي (1/ 71) من طريق عطاء قال حدثني أم هانيء به وهو متصل، وسنده حسن. انظر: التلخيص الحبير (1/ 16)، وإرواء الغليل (27).

باب تطهير النجاسات

باب تطهير النجاسات من الصحاح 337 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا". قلت: رواه الجماعة إلا الترمذي (¬1) كلهم هنا من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة. 338 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "طُهور إناء أحدِكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب". قلت: رواه مسلم في الطهارة من حديث محمد بن سيرين عن أبي هريرة يرفعه. (¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم - طُهور: الأَشْهَر فيه ضم الطاء ويقال بفتحها لغتان، قوله - صلى الله عليه وسلم -: إذا ولغ الكلب يقال: ولغ الكلب يلَغ بفتح اللام فيهما ولوغًا إذا شرب بطرف لسانه. وفيه دليل لوجوب الغسل من ولوغ الكلب سبع مرات وإليه ذهب الشافعي ومالك وأحمد وقال أبو حنيفة: يكفي غسله ثلاث مرات لعمل أبي هريرة فإنه كان يغسل ثلاثًا وقد اختلف العلماء فيما إذا عمل الصحابي بغير ما روى هل العبرة بما روى أو بما عمل، فيه كلام ليس هذا محله. 339 - قام أعرابي فبال في المسجد فتناوله الناس فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "دَعُوه وأهريقُوا على بوله سَجْلًا -أو ذنوبًا- من ماء، فإنما بُعثتم مُيَسِّرين، ولم تُبعثُوا معسِّيرين". قلت: رواه البخاري في الطهارة وفي الأدب وأبو داود والترمذي والنسائي (¬3) كلهم في الطهارة من حديث أبي هريرة ولم يخرج مسلم هذا الحديث. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (172)، ومسلم (279)، والنسائي (1/ 52)، وابن ماجه (364). (¬2) أخرجه مسلم (279)، انظر شرح صحيح مسلم للنووى (3/ 234 - 240). (¬3) أخرجه البخاري (220)، وأبو داود (380)، والترمذي (147)، والنسائي (3/ 14)، انظر: إكمال المعلم (2/ 107)، والصحاح للجوهري (5/ 1725).

والسَجْل: بفتح السين الهملة وسكون الجيم قال القاضي هو الدلو مملوءةً ماء ولا يقال لها سجل إلا مملوءة وإلا فهي دلو. قال الجوهري: تذكر وتؤنث ولا يقال لها وهي فارغة ذنوب. 340 - ويروى أنه دعاه فقال: "إن هذه المساجدَ لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القَذَر، إنما هي لذكر الله تعالى والصلاة وقراءةِ القرآن"، أو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قلت: رواه مسلم في الطهارة من حديث أنس بن مالك. (¬1) 341 - سألت امرأةٌ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: "يا رسولَ الله! أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة؟ " فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أصاب ثوبَ إحداكن الدم من الحَيضة فلتقرصه ثم لتنضحه بماء ثم تصلّي فيه". قلت: رواه الجماعة في الطهارة من حديث هشام بن عروة عن زوجته فاطمة بنت المنذري عن جدتها أسماء. والحيضة: بفتح الحاء أي الحيض". (¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم -: فلتقرصه قال ابن الأثير القرص الدلك وهو بالقاف والراء والصاد المهملتين انتهى (¬3). وقد روي بفتح التاء وإسكان القاف وضم الراء وروي بضم التاء وفتح القاف وكسر الراء المشددة وتنضحه: تغسله وهو بكسر الضاد كذا قال الجوهري وغيره والنضح هنا المراد به الغسل قال به عياض (¬4). 342 - إنها سئلت عن المني يصيب الثوب فقالت: "كنت أغسله من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيخرج إلى الصلاة وأَثَر الغَسْل في ثوبه". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (285). (¬2) أخرجه البخاري (307)، ومسلم (291)، وأبو داود (360) (361) (362)، والترمذي (138)، والنسائي (1/ 155)، وابن ماجه (629). (¬3) النهاية لابن الأثير (4/ 40). (¬4) إكمال المعلم لقاضي عياض (2/ 117).

قلت: رواه الجماعة كلهم هنا من حديث سلمان بن يسار قال سألت عائشة. (¬1) 343 - قالت: "كنت أفرك المني من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم يُصلي فيه". قلت: رواه مسلم في الطهارة (¬2) من حديث علقمة والأسود عن عائشة ولم يخرجه البخاري، وهذا يدل للقائلين بطهارة المني وهم: علي وابن عمر وسعد بن أبي وقاص وعائشة، وإليه ذهب الشافعي وقال مالك: هو نجس لابد من غسله وقال أبو حنيفة هو نجس يكفي فركه. (¬3) 344 - أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فأجلسه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حِجْره، فبال على ثوبه، فدعا بماء فنَضَحَه ولم يَغسِلْه". قلت: رواه مالك في الموطأ في بول الصبي، والجماعة في الطهارة كلهم من حديث أم قيس بنت محصن أخت عكاشة بن محصن والنضح هنا الرش. (¬4) 345 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"إذا دُبِغَ الإهاب فقد طَهُر". قلت: رواه مسلم وأبو داود (¬5) كلاهما في الطهارة من حديث ابن عباس ولم يخرجه البخاري. والإهاب: قال الجوهري: الجلد ما لم يدبغ (¬6)، قال النضر بن شميل ولا يقال إهاب إلا لجلد ما يؤكل لحمه. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (230)، ومسلم (289)، وأبو داود (373)، الترمذي (117)، والنسائي (1/ 156)، وابن ماجه (536). (¬2) أخرجه مسلم (288)، وأبو داود (372)، والنسائي (1/ 156)، وابن ماجه (539). (¬3) قلت: راجع المسألة مع أدلتها في مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (21/ 587 - 607)، وبدائع الفوائد (3/ 119 - 126)، والمبسوط (1/ 18)، والهداية (1/ 34). (¬4) أخرجه البخاري (223)، ومسلم (287)، ومالك في الموطأ (63)، وأبو داود (374)، والترمذي (71) والنسائي (1/ 1579)، وابن ماجه (524). (¬5) أخرجه مسلم (366)، وأبو داود (4123). (¬6) الصحاح للجوهري (1/ 89).

من الحسان

346 - تُصُدِّق على مولاةٍ لميمونة بشاة، فماتت، فمر بها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "هلّا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به؟ فقالوا: إنها مَيْتَةٌ فقال: إنما حَرُم أكلها". قلت: رواه الشيخان (¬1) في الطهارة من حديث ابن عباس ولم يقل البخاري في شيء من طرقه "فدبغتموه". 347 - "ماتَتْ لنا شاة فدبغنا مَسكها، ثم ما زلنا نَنبذُ فيه حتى صارت شَنًّا". قلت: رواه البخاري والنسائي كلاهما في الطهارة (¬2) من حديث سودة بنت زمعة ولم يخرجه مسلم، ومَسكها بفتح الميم جلدها. من الحسان 348 - قالت: كان الحسين بن علي في حِجْر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبال، فقلت: أعطني إزارك حتى أغسله، قال: "إنما يُغسل من بول الأنثى، وينضح من بول الذَّكر". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه (¬3) في الطهارة من حديث لبابة بنت الحارث ورواه أحمد أيضًا ولم يضعّفه أبو داود وسكت عليه هو والمنذري. قوله: في حجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بفتح الحاء وكسرها، قال الجوهري: حجر الإنسان وحجره بالفتح والكسر والجمع الحجور. (¬4) - وفي رواية: "يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (363)، وأبو داود (4120)، والنسائي (7/ 171)، وابن ماجه (3610). وليس عند البخاري في الطهارة بل أخرجه البخاري في الزكاة (1492)، وفي البيوع (2221) وفي الذبائح والصيد (5531). (¬2) أخرجه البخاري (6686) في الأيمان والنذور، والنسائي (7/ 173). (¬3) أخرجه أحمد (6/ 340، 339)، وأبو داود (375)، وابن ماجه (522)، وإسناده حسن، لأن سماك بن حرب صدوق، التقريب (2639) وشيخه قابوس بن أبي المخارق، لا بأس به، التقريب (5481) وانظر: مختصر السنن للمنذري (1/ 223 - 352). (¬4) الصحاح للجوهري (2/ 623).

قلت: رواها أبو داود والنسائي وابن ماجه (¬1) كلهم من حديث أبي السمح خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقال إسمه إياد. 349 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا وطئ أحدكم بنعله الأذى فإن التراب له طهور". قلت: رواه أبو داود في الطهارة (¬2) من حديث أبي هريرة وفي رواية في أبي داود "إذا وطيء الأذى بخفيه فطهورهما التراب" وأُسنِد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمعناه، ولم يُذكر لفظ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث عائشة بل اُقتصر على قوله بمعناه، وفي رواية أبي هريرة الأولى: رجل مجهول، وفي الثانية: محمد بن عجلان. وقد أخرج له البخاري في الشواهد ومسلم في المتابعات ولم يحتجا به، قال المنذري: وقد وثقه غير واحد وتكلم فيه غير واحد، وأما حديث عائشة فحديث حسن غير أنه لم يذكر لفظه، وكان الأوزاعي يذهب إلى ظاهره ويقول: يجزئه أن يمسح القذر من نعله أو خفه بالتراب ويصلّي فيه. (¬3) 350 - سألتْ امرأةٌ أمَّ سلمة فقالت: إني أُطيل ذيلي، وأمشي في المكان القَذِر، فقالت أم سلمة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُطَهِّره ما بعده". قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه (¬4) من حديث أم سلمة وسكت عليه أبو داود والمنذري ورواه الشافعي أيضًا. ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم (1/ 166)، وأبو داود (376)، والنسائي (283) وابن ماجه (526) وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه أبو داود (385) من ثلاثة طرق ومن طريقه البغوي (300) عن الأوزاعي. والطريق الثاني من طريق محمد بن عجلان. أخرجه أبو داود (386)، وللحديث== شاهدان يتقوى بهما: الأول: من حديث أبي سعيد عند أحمد (3/ 20) وأبي داود (650). والثاني: من حديث عائشة عند أبي داود (387) والله أعلم. (¬3) هذا كلام المنذري في مختصر السنن (1/ 228). (¬4) أخرجه أبو داود (383)، والترمذي (143)، وابن ماجه (531) وإسناده ضعيف لجهالة أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ولكن له شاهد من رواية امرأة من بني عبد الأشهل أخرجه أبو داود (384)، وابن ماجه (533). وانظر مختصر السنن للمنذري (1/ 227).

351 - "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لُبْس جُلود السِّباع والركوب عليها". قلت: رواه أبو داود في اللباس والنسائي في الذبائح من حديث بقية عن بجير بن سعد عن خالد بن معدان عن المقدام بن معدي كرب يرفعه وبقية فيه مقال. (¬1) 352 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى: "عن جُلود السِّباع أن تُفْترش". قلت: رواه الترمذي بهذا اللفظ وأبو داود كلاهما في اللباس والنسائي في الذبائح ورواه أحمد (¬2) وليس في رواية غير الترمذي أن يفترش كلهم من حديث سعد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي المليح عن أبيه، قال الترمذي: ولا نعلم أحدا قالا عن أبيه غير ابن أبي عروبة ثم رواه أعني الترمذي من حديث شعبة عن يزيد الرِّشك عن أبي المليح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا، قال: وهذا أصح فتلخص: أن إرسال هذا الحديث أصح من إسناده والله أعلم. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4131)، والنسائي (7/ 176 - 177). (¬2) أخرجه أحمد (5/ 75، 74)، والدارمي (1983)، والضياء في المختارة (1394) و (1396) و (1395)، والترمذي (1771، 1770)، والنسائي (7/ 176)، وأبو داود (4132). وفي إسناده سعيد بن أبي عروبة مهران اليشكري مولاهم، قال أبو زرعة: ثقة مأمون، وقال ابن أبي خيثمة: أثبت الناس في قتادة سعيد بن أبي عروبة وهشام الدستوائي، وقال أبو حاتم: سعيد بن أبي عروبة قبل أن يختلط ثقة وكان أعلم = = الناس بحديث قتادة أهـ. وقال الحافظ: ثقة حافظ, له تصانيف، لكنه كثير التدليس، واختلط، وكان من أثبت الناس في قتادة، التقريب (2378). والحديث يرويه ابن أبي عروبة عن قتادة كما ترى. نعم خالفه هشام الدستوائي فرواه عن قتادة عن أبي المليح مرسلًا، ومن ثم قال الترمذي: هذا أصح، يعني أن المرسل أصح من موصول ابن أبي عروبة ولكن تابع ابن أبي عروبة على وصله، شعبة وأخرجه البيهقي (1/ 21) من طريق يزيد بن هارون عن شعبة عن يزيد الرشك عن أبيه قال: فذكره. ويزيد الرشك هو ابن أبي يزيد , قال الحافظ في "التقريب": ثقة عابد وهِم من لينه (7846). وأبو المليح هو ابن أسامة بن عمير ثقة كما في "التقريب" (8456) فصح الحديث موصولًا والحمد لله.

واسم أبي المليح: عامر بن أسامة وهو بفتح اليم وكسر اللام وآخره حاء مهملة. قال البيهقي: يحتمل أن النهي لما يبقى عليها من الشعر لأن الدباغ لا يؤثر فيه وقال غيره: يحتمل النهي لما لم يدبغ منها أو: من أجل أنها مراكب أهل السرف والخيلاء. (¬1) 353 - ورُوي عن أبي المليح: "أنه كره ثمن جُلود السِّباع". قلت: رواه الترمذي (¬2) في اللباس ولفظه: "كره جلود السباع" وسند الأثر جيد. 354 - أتانا كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عَصَبًا. قيل هذا فيما لم يُدبغ لما رُوي: 355 - عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمر أن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت". قلت: أما الحديث الأول فرواه الأربعة وأحمد، زاد أبو داود، وأحمد (¬3): "قبل وفاته - صلى الله عليه وسلم - بشهر". كلهم من حديث عبد الله بن عكيم. قال الترمذي: هذا حديث حسن، قال: وكان أحمد بن حنبل يقول به ثم تركه لما اضطربوا في إسناده وقد روي أن هذا قبل موته بشهرين وروي بأربعين ليلة، قال البيهقي (¬4) وآخرون: هو مرسل ولا صحبة لابن عكيم قال الخطابي (¬5): وعلله عامة العلماء لعدم صحبة بن عكيم وعللوه أيضًا بأنه مضطرب ولأن الإهاب الجلد قبل الدباغ عند جمهور أهل اللغة وأكثر أهل العلم على أن الدباغ مطهر في الجملة لصحة النصوص به وخبر بن عكيم لا يقاربها وعكيم ¬

_ (¬1) وانظر: شرح مشكل الآثار (8/ 290 - 299)، والتمهيد لابن عبد البر (1/ 164 - 165)، وتهذيب الكمال (34/ 316). (¬2) أخرجه الترمذي (770) من طريق أبي عروبة وقد تقدم. (¬3) أخرجه أبو داود (4127) (4128)، والترمذي (1729)، والنسائي (7/ 174 - 175)، وابن ماجه (3612)، وأحمد (4/ 420)، وأخرجه ابن حبان (1279) وصححه. (¬4) السنن (1/ 15، 14). (¬5) معالم السنن (4/ 203).

باب المسح على الخفين

بضم العين المهملة وفتح الكاف ثم ياء آخر الحروف ساكنه ثم ميم وأما الحديث الثاني فهو حديث عائشة فرواه الأربعة إلا الترمذي (¬1)، قال النووي: وأسانيده حسنة. 356 - مر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برجال يجرُّون شاة، فقال: "لو أخذتم إهابَها"، قالوا: "إنها ميتة"، فقال: "يطهرّه الماءُ والقرظُ". قلت: رواه أبو داود والنسائي (¬2) قال النووي: بإسنادين حسنين. (¬3) وروى البيهقي (¬4) معناه من حديث ابن عباس وقولهم في كتب الفقه الشِّتُّ والقرط لا أصل له انتهى كلام النووي. ويروى دباغها طهورها. قلت رواه أبو داود في اللباس (¬5) من حديث سلمة بن المحبق يرفعه. باب المسح على الخفين من الصحاح 357 - سُئل عن المسح على الخفين فقال: "جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويومًا وليلة للمقيم". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2124)، والنسائي (7/ 176)، وابن ماجه (3612) وإسناده حسن. انظر نصب الراية (1/ 120 - 122)، والتلخيص الحبير (1/ 46 - 48)، وإرواء الغليل (1/ 76 - 79). (¬2) أخرجه أبو داود (4126)، والنسائي (7/ 174)، وصححه ابن حبان (1291) وقد صححه ابن السكين كما في التلخيص الحبير (1/ 42). (¬3) الخلاصة (1/ 77). (¬4) السنن الكبرى (1/ 20). (¬5) أخرجه أبو داود (4125) وإسناده حسن.

من الحسان

قلت: رواه مسلم (¬1) في الطهارة من حديث شريح بن هانئ قال أتيت عائشة أسألها من المسح على الخفين فقالت: عليك بابن أبي طالب فاسأله فإنه كان يسافر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألناه فقال وساقه بلفظه ولم يخرجه البخاري. 358 - "أنه غزا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة تبوك، قال المغيرة: فتبرَّزَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ الغائط فحملتُ معه إداوة قَبْل الفجر، فلما رجع أخذت أهريق على يديه من الإداوة، فغسل يديه ووجهه، وعليه جبة من صوف، ذهب يَحْسِر عن ذراعيه، فضاق كم الجبة، فأخرج يديه من تحت الجبة، وألقى الجبة على منكبيه، وغسل ذراعيه ثم مسح بناصيته وعلى العِمامة، ثم أهويتُ لأنزع خُفّيه، فقال: "دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين" فمسح عليهما ثم ركب وركبت فانتهينا إلى القوم وقد قاموا إلى الصلاة يُصلِّي بهم عبد الرحمن ابن عوف وقد ركع بهم ركعة، فلما أحَسّ بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ذهب يتأخر، فأومأ إليه، فأدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - إحدى الركعتين معه، فلما سلَّمَ قام النبي - صلى الله عليه وسلم - وقُمت معه فركعنا الركعة التي سبقتنا". قلت: رواه مسلم في الطهارة (¬2) من حديث المغيرة بن شعبة وروى البخاري أصل هذا الحديث في اللباس وفي غيره ولم يذكر المسح على الناصية في كتابه ولا ذكر المسح على العمامة من حديث المغيرة ولا ذكر في كتابه صلاة عبد الرحمن بن عوف بالناس ولا بالنبي - صلى الله عليه وسلم -. من الحسان 359 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنه أرخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يومًا وليلة، إذا تطهّر فلبس خُفّيه أن يمسح عليهما". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (276). (¬2) أخرجه مسلم (274)، والبخاري (203)، (206).

قلت: رواه الترمذي في الطهارة (¬1) من حديث أبي بكرة وقال. قال البخاري: حديث حسن ورواه ابن خزيمة والدارقطني وقال الخطابي: هو صحيح الإسناد. 360 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يأمرنا إذا كنا سفرًا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا مِن جَنابة، لكن من غائط وبول ونوم". قلت: رواه الترمذي والنسائي في الطهارة (¬2) من حديث صفوان بن عسال وقال الترمذي: حسن صحيح. 361 - "وضَّأتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، فمسح أعلى الخف وأسفله". قال الشيخ الإمام الأجل رضي الله عنه: هذا مرسل لا يثبت ورُوي متصلًا قلت: حديث المغيرة هذا رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه (¬3) وضعف الإمام الشافعي رضي ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في العلل الكبير (34). وأخرجه ابن خزيمة (192)، والدارقطني (1/ 194 رقم (11))، وإسناده فيه مهاجر بن مخلد ذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن معين صالح وقال الساجى صدوق ولينه أبو حاتم، قال الحافظ عنه في "التقريب" (6973) مقبول، وقد تابعه خالد الحذاء أخرجه البيهقي (1/ 276) وإسناده حسن. وانظر معالم السنن (1/ 52)، وأخرجه كذلك ابن حبان (2/ 309)، والشافعي (1/ 42)، ونقل البيهقي: أن الشافعي صححه في سنن حرملة، وانظر التلخيص الحبير (1/ 277). (¬2) أخرجه الترمذي (96)، والنسائي (1/ 83 - 84)، وابن ماجه (2857)، وإسناده صحيح. انظر التلخيص الحبير (1/ 277 - 278). (¬3) أخرجه أبو داود (164)، والترمذي (97)، وابن ماجه (550)، وأحمد (4/ 251)، والدارقطني (1/ 195)، والبيهقي في معرفة السنن والآثار (1/ 350) وفيه كلام الشافعي وفي السنن الكبرى (1/ 290) ورجاله ثقات لكنه معلول. قال أبو داود: لم يسمع ثور هذا الحديث من رجاء، وقال الترمذي: وهذا حديث معلول لم يسنده عن ثور بن يزيد غير الوليد بن مسلم، وسألت أبا زرعة ومحمد بن إسماعيل (البخاري) عن هذا الحديث فقالا: ليس بصحيح، لأن ابن المبارك روى هذا عن ثور عن رجاء بن حيوة، قال: حدثت عن كاتب المغيرة، مرسل، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يذكر فيه المغيرة. وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص (280 - 283): قال الأثرم عن أحمد: إنه كان يضعفه ويقول ذكرته لعبد الرحمن مهدي، فقال: عن ابن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = المبارك عن ثور حُدثت عن رجاء عن كاتب المغيرة، ولم يذكر المغيرة، قال أحمد: وقد كان نعيم بن حماد حدثني به عن ابن المبارك كما حدثني الوليد بن مسلم به عن ثور فقلت له: إنما هذا الوليد، فأما ابن المبارك فيقول: حُدثت عن رجاء ولا يذكر المغيرة. فقال لي == نعيم: هذا حديثي الذي أسأل عنه، فأخرج إليّ كتابه القديم بخط عتيق، فإذا فيه ملحق بين السطرين بخط ليس بالقديم عن المغيرة فأوقفته عليه وأخبرته أن هذه زيادة في الإسناد لا أصل لها , فجعل يقول للناس بعدُ، وأنا أسمع: اضربوا على هذا الحديث. ومثل ذلك قال الدارقطني. وقال العلامة الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- متعقبًا على هذا الكلام: فكلام أحمد وأبي داود والدارقطني يدل على أن العلة أن ثورًا لم يسمعه من رجاء، وهو ينافي ما نقله الترمذي هنا عن البخاري وأبي زرعة أن العلة أن رجاء لم يسمعه من كاتب المغيرة، وأنا أظن أن الترمذي نسي فأخطأ فيما نقله عن البخاري وأبي زرعة، وهذه العلة التي أعل بها الحديث ليست عندي بشيء. واستدل على ذلك بأن الوليد بن مسلم كان ثقة حافظًا متقنًا، فإن خالفه ابن المبارك في هذه الرواية فإنما زاد أحدهما على الآخر وزيادة الثقة مقبولة، وبأن الدارقطني والبيهقي روياه من طريق داود بن رشيد -وهو ثقه- عن الوليد، عن ثور: حدثنا رجاء بن حيوة، فثور صَرّح بالسماع من رجاء، وبأن الشافعي رواه عن إبراهيم بن يحيى عن ثور كرواية الوليد عن ثور. وهذا الكلام يمكن أن يرد بالآتي: 1 - أن جهابذة أهل الحديث -أبو زرعة والبخاري وأحمد بن حنبل وأبو داود والترمذي- قد حكموا بانقطاعه وإرساله معًا، ولا أدري كيف فهم الشيخ كلامهم على غير هذا، فحينما قال ابن المبارك (حُدثت عن كاتب المغيرة مرسل عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يذكر فيه المغيرة). هو حكم واضح بانقطاعه وإرساله. 2 - أن ابن المبارك أعلى وأحفظ من الوليد بن مسلم، والوليد فيه كلام معروف في تدليسه وتساهله، فلا يمكن أن يتعادلا إذا اختلفا. 3 - أن رواية إبراهيم بن يحيى للحديث عن ثور كرواية الوليد شبه لا شيء لما هو معروف من شدة ضعف إبراهيم واتفاق أهل العلم على طرح حديثه وأن توثيق الشافعي له شذوذ منه رحمه الله لم يوافقه عليه أحد من الكبار. انظر التلخيص الحبير (1/ 280 - 283) وضعيف أبي داود ح (30/ 165).

الله عنه هذا الحديث وقال أبو داود: بلغني أنه لم يسمع ثور هذا الحديث من رجاء، وقال الترمذي: هذا حديث معلول وقال: سألت أبا زرعة ومحمدا عن هذا الحديث فقالا: ليس بصحيح. 362 - رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يمسح على الخفين على ظاهرهما". قلت: رواه الترمذي في الطهارة بهذا اللفظ وأبو داود (¬1) وأحمد ولفظهما على ظهور الخفين ثلاثتهم من حديث المغيرة بن شعبة وقال الترمذي: حسن. 363 - توضَّأ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ومسح على الجوربين والنعلين". قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث المغيرة (¬2) في الطهارة بهذا اللفظ قال الترمذي: حسن صحيح انتهى. قال أبو داود: وكان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث لأن من المعروف عن المغيرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح على الخفين. ورُوي هذا أيضًا عن أبي موسى الأشعري (¬3) رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه مسح على الجوربين وليس بالمتصل ولا بالقوي، قال أبو داود: ومسح على الجوربين علي بن أبي طالب وابن مسعود والبراء بن عازب وأنس بن مالك وسهل بن سعد وعمرو بن حريث ورُوي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس (¬4). وذكر أبي بكر البيهقي حديث المغيرة هذا وقال: وذاك حديث منكر ضعفه سفيان الثوري وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني ومسلم بن الحجاج انتهى. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (169)، والترمذي (98)، وأحمد (4/ 246، 254)، والدارقطني (1/ 195)، والبيهقي (1/ 291). (¬2) أخرجه أبو داود (159)، والترمذي (99)، وابن ماجه (559)، وابن حبان (1338) وإسناده ضعيف ضعّفه الأئمة، قال الدارقطني في العلل (7/ 112) لم يروه غير أبي قيس (عبد الرحمن بن تَرْوان) وهو مما يغمز عليه به. (¬3) أخرجه ابن ماجه (560) وإسناده ضعيف لأن فيه عيسى بن سنان وهو ليّن الحديث، التقريب (5330). (¬4) انظر (المجموع (1/ 499 - 500) وابن القيم في تهذيب السنن (1/ 121 - 122).

باب التيمم

قال النووي (¬1): وقد اتفق الحفاظ على تضعيف حديث المغيرة هذا ولا يقبل قول الترمذي أنه حسن صحيح والله أعلم. باب التيمم من الصحاح 364 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "فُضِّلنا على الناس بثلاث: جُعلت صُفُوفنا كصفوف الملائكة، وجُعلت لنا الأرض كلها مسجدًا، وجعلت تربتها لنا طَهورًا إذا لم نجد الماء". قلت: رواه مسلم (¬2) في الصلاة من حديث حذيفة ولم يخرجه البخاري. 365 - كُنّا في سَفَر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فصلّى بالناس، فلما انفتلَ إذا هو برجل معتزل لم يصلِّ مع القوم، فقال: "ما منعك أن تصلي مع القوم؟ " قال: "أصابتني جنابة ولا ماءَ"، قال: "عليك بالصعيد فإنه يكفيك". قلت: رواه الشيخان (¬3) في حديث طويل: البخاري في علامات النبوة ومسلم في الصلاة كلاهما من حديث عمران بن حصين. 366 - كنا في سريّة فأجنبت فتمعَّكْت في التراب فصليت، فذكرت للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إنما كان يكفيك هكذا، فضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - بكفيه الأرض ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكَفَّيه". قلت: رواه الشيخان وأبو داود والترمذي كلهم في الطهارة من حديث عمار. (¬4) ¬

_ (¬1) الخلاصة (1/ 129). وانظر البيهقي في السنن (1/ 283). (¬2) أخرجه مسلم (522). (¬3) أخرجه البخاري (344)، ومسلم (682). (¬4) أخرجه البخاري (338) (339)، ومسلم (369) معلقا، وأبو داود (326)، والنسائي (1/ 169).

وفي رواية: قال: فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إنما يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ فيهما ثم تمسح بهما وجهك وكفيك". قلت: رواه الشيخان في الطهارة من حديث عبد الرحمن بن أبَزي عن عمار بن ياسر (¬1). 367 - قال: "مررت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبول فسلمت عليه، فلم يَرُدّ عليّ حتى قام إلى جدارٍ فحتَّه بعصا كانت معه، ثم وضع يده على الجدار فمسح وجهه وذراعَيْه ثم ردّ عليّ". قلت: هذا الحديث رواه البخاري وأبو داود كلاهما في الطهارة من حديث عمير عن أبي جُهيم عبد الله بن الحارث بن الصّمّة (¬2). وأخرجه مسلم في صحيحه معلقًا وقال: قال الليث: عن جعفر. وساقه بسند البخاري وهو أحد الأحاديث المنقطعة في صحيحه ولفظهم عنه: أقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه ثم رد عليه السلام وليس لأبي جهيم في الصحيحين غير حديثين هذا أحدهما والثاني قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه .... الحديث. (¬3) وأما لفظ المصنف فلم أره في الصحيحين ولا في أحدهما والظاهر أن الشيخ تبع الشافعي في هذا اللفظ فإنه كذلك ساقه في شرح السنة من طريقه عن إبراهيم بن محمد عن أبي الحويرث عن الأعرج عن أبي الصمة قال: مررت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبول، باللفظ الذي ذكره في المصابيح، وقال: حديث حسن ولم ينسبه للصحيحين ولا ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (341، 340)، ومسلم (368). (¬2) أبو جُهيم بن الحارث بن الصمة قيل اسمه عبد الله وقد ينسب إلى جده وقيل عبد الله بن جهيم بن الحارث وقيل الحارث بن الصمة، صحابي معروف، وهو ابن أخت أبي بن كعب، التقريب (8083). (¬3) أخرجه البخاري (510)، ومسلم (507)، وأبو داود (701)، والترمذي (336)، والنسائي (2/ 66).

من الحسان

لأحدهما، فكان من حقه أن يؤخره إلى الحسان أو يذكره بلفظ الصحيحين والله أعلم. (¬1) تنبيه: قال البيهقي: وقد وقع في إسناد الشافعي اختصار من جهة إبراهيم ابن محمد أو أبي الحويرث لأن الأعرج لم يسمعه من ابن الصمّة وإنما سمعه من عمير عن ابن الصمّة انتهى. من الحسان 368 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الصَّعِيدَ الطَيِّب وَضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليُمسَّه بَشَرته فإن ذلك خير". قلت: رواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث أبي ذر قال الترمذي: حسن (¬2) صحيح. 369 - خرجنا في سفر فأصاب رجلًا منا حَجر فشجّه في رأسه، فاحتلم فسأل أصحابه: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ قالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر بذلك، قال: "قتلوه قتلهم الله، ¬

_ (¬1) إسناده ضعيف. ولفظ المصنف ليس في الصحيحين كما قال المؤلف. وأخرجه الشافعي في المسند (132)، وفي الأم (1/ 48) مختصرًا، والدارقطني (1/ 176)، والمصنف في شرح السنة (310)، والبيهقي (1/ 205). وأعله بالانقطاع فالأعرج لم يسمعه من أبي جهيم وإنما سمعه من عمير مولى ابن عباس عن أبي جهيم وبأن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى وهو الأسلمي وأبا الحويرث وهو عبد الرحمن بن معاوية قد اختلف في عدالتهما أهـ. قلت فالأول فيه متروك الحديث، التقريب (243)، والآخر صدوق، سيء الحفظ، التقريب (4037). وكذلك أعله الحافظ ابن حجر في الفتح (1/ 442 - 443)، والتلخيص الحبير (1/ 269)، واتحاف المهرة (ج 14/ 66 - 67). (¬2) أخرجه أبو داود (332)، والترمذي (124)، والنسائي (1/ 171) وصححه ابن حبان والدارقطني وأبو حاتم والحاكم والذهبي والنووي.

باب الغسل المسنون

ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العيّ السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمَّم ويعصِّب على جرحه خِرقة، ثم يمسح عليها ويغسِلَ سائرَ جسدِه". قلت: رواه أبو داود (¬1) في الطهارة من حديث جابر وكذا الدارقطني وضعفه، والبيهقي وقال: لا يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب شيء يعني باب المسح على العصائب والجبائر. ولكن صح عن ابن عمر من فعله فتلخص أن الحديث ضعيف والله أعلم. باب الغسل المسنون من الصحاح 370 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل". قلت: رواه الجماعة إلا أبا داود كلهم في الصلاة. (¬2) تنبيه: ذكر في المنتقى حديث ابن عمر هذا وعزاه للجماعة كلهم وهو وهم فإنه ليس في أبي داود. (¬3) 371 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "غسل الجمعة واجب على كل محتلم". قلت: رواه الشيخان في الصلاة، وأبو داود والنسائي في الطهارة كلهم من حديث عطاء بن يسار مولى ميمونة أم المؤمنين عن أبي سعيد يرفعه. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (336)، والبيهقي (1/ 227)، والدارقطني (1/ 189) وإسناده ضعيف. في سنده الزبير بن خريق وليس بالقوي، قال الحافظ: ليّن الحديث، التقريب (2005) وانظر للتفصيل في موضوع المسح على الجبائر والعصائب، التلخيص الحبير (1/ 259 - 261). (¬2) أخرجه البخاري (877)، ومسلم (844)، والترمذي (492)، والنسائي (3/ 93)، وابن ماجه (1088). (¬3) ولم ينبه عليه الشوكاني ولا محقق كتاب "نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار" (1/ 355). (¬4) أخرجه البخاري (879)، (895)، ومسلم (846)، وأبو داود (341)، والنسائي (3/ 93).

من الحسان

372 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يومًا يغسل فيه رأسه وجسده". قلت: رواه الشيخان في الصلاة من حديث أبي هريرة يرفعه. (¬1) من الحسان 373 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من توضَّأ يوم الجمعة فيها ونِعْمَتْ، ومن اغتسل فالغُسل أفضل". قلت: رواه أبو داود والترمذي والنسائي كلهم من حديث الحسن عن سمرة (¬2) وقال الترمذي: حسن، قال: ورواه بعضهم عن قتادة عن الحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا، وقال أبو عبد الرحمن النسائي: الحسن عن سمرة ولم يسمع الحسن من سمرة إلا حديث العقيقة وهذا آخر كلامه، وقد قيل: أن الحسن لم يسمع من سمرة شيئًا ولا لقيه وقيل إنه سمع منه، ومنهم من عيّن سماعه بحديث العقيقة كما ذكره النسائي. 374 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من غَسَّل ميتًا فليغتسل، ومن حمله فليتوضَّأ". قلت: رواه أبو داود والترمذي (¬3) ولفظه: "من غسله الغسل ومن حمله الوضوء" كلاهما في الجنائز من حديث أبي هريرة وحسّنه الترمذي، وضعفه الجمهور وبسط ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (897)، ومسلم (849). (¬2) أخرجه أبو داود (354)، والترمذي (497)، والنسائي (3/ 94) قال ابن دقيق العيد: ولأصحاب الحديث فيه ثلاثة مذاهب: أحدها: أنه لم يسمع منه (أي الحسن عن سمرة). الثاني: إجراء حديثه على الاتصال. الثالث: قال النسائي: الحسن عن سمرة كتاب ولم يسمع الحسن من سمرة إلا حديث العقيقة. ثم ذكره طرق أخرى لهذا الحديث، الإمام (3/ 49 - 51) وانظر كذلك التلخيص الحبير (2/ 134 - 135). (¬3) أخرجه أبو داود (3161، 3162)، والترمذي (993)، وابن ماجه (1463) ولم يذكر ابن ماجه الوضوء. قال ابن كثير في "إرشاد الفقيه" (1/ 69). في إسناده اضطراب قال أبو حاتم: رفعه خطأ إنما هو موقوف لا يرفعه الثقات أهـ. وله شواهد ذكرها الشيخ الألباني في أحكام الجنائز. وقد حسن الحديث الترمذي وصححه ابن حبان وقال الحافظ في "التلخيص الحبير" (1/ 236 - 239): وفي الجملة هو بكثرة طرقه أسوأ أحواله أن يكون حسنًا.

البيهقي القول في طرقه وقال: الصحيح أنه موقوف على أبي هريرة وقال أبو داود هذا منسوخ سمعت أحمد بن حنبل وسئل عن الغسل من غسل الميت فقال: يجزئه الوضوء، وروى الترمذي عن البخاري أن أحمد بن حنبل وعلي ابن المديني قالا: لا يصح في الباب شيء، وقال محمد بن يحيى شيخ البخاري: لا أعلم في الباب حديثًا ثابتًا، وقال ابن المنذر: ليس فيه حديث ثابت وقد أنكروا على الترمذي تحسين هذا الحديث. (¬1) 375 - " أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: كان يغتسل من أربع: من الجنابة، ويوم الجمعة، ومن الحجامة وغسل الميت". قلت: رواه أبو داود في غسل الجمعة من حديث عائشة (¬2) وفي سنده مصعب بن شيبة وهو ضعيف قال الدارقطني: "ليس بالقوي ولا بالحافظ" وقال الخطابي: في إسناد ¬

_ (¬1) محمد بن يحيى -هو الذهلي. وكلام الترمذي في العلل الكبير ص (142 - 143)، والعلل لابن أبي حاتم (1/ 351)، والعلل للدارقطني (10/ 378 - 379). وأكثر كلام المؤلف في الخلاصة للنووي (2/ 941 - 942). "وذكر ابن القيم في تهذيب السنن إحدى عشر طريقًا عنه ثم قال وهذه الطرق تدل على أن الحديث محفوظ"، وقد صححه ابن القطان، وكذا ابن حزم في المحلى (1/ 250، 2/ 23 - 25). انظر: السنن الكبرى للبيهقي (1/ 301 - 303)، وأحكام الجنائز رقم (31)، وإرواء الغليل (1/ 137 - 175)، ومختصر السنن للمنذري ومعه تهذيب السنن (4/ 305 - 306)، و"الإمام" لابن دقيق العيد (2/ 372 - 391) راجعه ففيه فوائد جمة. (¬2) أخرجه أبو داود (348) (3160)، وأحمد (1/ 152)، وابن خزيمة في صحيحه (256)، والحاكم في المستدرك (1/ 163)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، والبيهقي في الخلافيات (3/ 271 - 272)، وقال بعدما روى هذا الحديث: "رواة هذا الحديث كلهم ثقات فإن طلق بن حبيب ومصعب بن شيبة قد أخرج مسلم حديثهما في الصحيح"، والدارقطني (1/ 113) وفيه قوله الذي ذكره المؤلف وقال في (1/ 134): ضعيف. وانظر كلام الخطابي في معالم السنن (1/ 267)، وكلام النووي في الخلاصة (2/ 942)، وانظر الاستذكار لابن عبد البر (8/ 202).

باب الحيض

الحديث مقال وقال النووي: إسناده ضعيف قال أبو داود: وليس العمل على هذا الحديث. (¬1) 376 - "أنه أسلم: فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يغتسل بماء وسِدْر". قلت: رواه الترمذي في الصلاة والنسائي وأبو داود (¬2) كلاهما في الطهارة ولفظ أبي داود عن قيس بن عاصم قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمرني أن أغتسل بماء وسدر، وقال الترمذي: حديث حسن، ولم يضعفه أبو داود ولا المنذري. باب الحيض من الصحاح 377 - إنّ اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوها، فسأل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} الآية. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح". قلت: رواه الجماعة: إلا البخاري، مسلم وأبو داود وابن ماجه ثلاثتهم في الطهارة والترمذي في التفسير والنسائي في الصلاة وفي عشرة النساء كلهم من حديث أنس. (¬3) ¬

_ (¬1) مصعب بن شيبة، انفرد ابن معين بتوثيقه وقال أحمد روى أحاديث مناكير وقال أبو حاتم لا يحمدونه وليس بقوي وقال النسائي منكر الحديث وعده الذهبي في الميزان (4/ 120) من مناكيره. وقال الحافظ: لين الحديث، التقريب (6736). وانظر تهذيب الكمال (28/ 33 و 31). (¬2) أخرجه أبو داود (355)، والترمذي (605)، والنسائي (1/ 109)، وأحمد (5/ 61)، وابن خزيمة (254، 255)، وابن حبان (1240)، والبيهقي (1/ 171)، وقال الحافظ= = في الفتح: إسناده حسن وله شاهد من حديث عائشة عند البخاري ومسلم وأبي داود. انظر الإرواء (128)، والتلخيص (2/ 136). (¬3) أخرجه مسلم (302)، وأبو داود (258)، وابن ماجه (644)، والترمذي (2977)، وقال: هذا حديث حسن صحيح, والنسائي (1/ 187 , 152)، وعشرة النساء (212).

378 - "كنت أغتسل أنا والنبي - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد كلانا جنب، وكان يأمرني فَأتَّزِر فيباشرني وأنا حائض، وكان يخرج رأسه إليّ وهو معتكف فأغسِلُه وأنا حائض". قلت: رواه البخاري في الحيض (¬1) بهذا اللفظ ومسلم بمعناه مفرقًا جميعًا من حديث عائشة. 379 - "كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبي - صلى الله عليه وسلم -: فيضع فاه على موضع فيَّ فيشرب، وكنت أتعرّق العرق وأنا حائض ثم أناوله النبي - صلى الله عليه وسلم - فيضع فاه على موضع فيَّ وأنا حائض". قلت: رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه ثلاثتهم في الطهارة والنسائي في عشرة النساء كلهم من حديث المقدام عن أبيه عن عائشة. ولم يخرجه البخاري. (¬2) وقول عائشة رضي الله عنها: أتعرق العَرْق هو بفتح العين وإسكان الراء وهو العظم الذي عليه بقية من لحم هذا هو الأشهر في معناه وجمعه عُراق بضم ويقال: تعرقت العرق. واعترقته إذا أخذت عنه اللحم بأسنانك. (¬3) 380 - "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتَّكئ في حجري وأنا حائض، ثم يقرأ القرآن". قلت: رواه الجماعة إلا الترمذي كلهم في الطهارة من حديث منصور عن أمه صفية عن عائشة. (¬4) 381 - "كان: رسول الله يصلي في الكساء بعضه عليَّ وبعضه عليه وأنا حائض". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (299) (301). (¬2) أخرجه مسلم (300)، وأبو داود (259)، وابن ماجه (643)، والنسائي (1/ 149، 190). وفي عشرة النساء (234). (¬3) انظر النهاية لابن الأثير (3/ 220). (¬4) أخرجه البخاري في كتاب الحيض (297) وفي التوحيد (7549)، ومسلم (301)، والنسائي (1/ 191، 147)، وأبو داود (260)، وابن ماجه (634).

من الحسان

قلت: لم أجده في الصحيحين ولا في أحدهما ولا في الحميدى ولا في عبد الحق بهذا اللفظ وإنما لفظ البخاري في الصلاة من حديث ميمونة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي وأنا حذاءه وأنا حائض، وربما أصابني ثوبه إذا سجد، وأخرج مسلم (¬1) من حديث عائشة مثل معناه وأبو داود وابن ماجه في الطهارة (¬2) نحوه من حديث عبد الله بن شداد عن خالته ميمونة ولفظه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلّى وعليه مِرْط، على بعض أزواجه منه وهي حائض، وهو يصلي وهو عليه. من الحسان 382 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من أتى حائضًا أو امرأة في دبرها أو كاهنًا فقد كفر بما أنزل على محمد" (ضعيف). قلت: رواه الترمذي (¬3) في الطهارة وقد ضعفه المصنف وهو كما قال: وقد ضعفه البخاري من قِبل إسناده. 383 - "سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عما يَحِلُّ للرجل من امرأته وهي حائض؟ قال: ما فوق الإزار والتعفُّف عن ذلك أفضل" (إسناده ليس بقوي). قلت: رواه أبو داود من حديث معاذ قال أبو داود ليس بالقوي. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (513)، وانظر لفظ البخاري برقم (333) و (379)، وأحمد (6/ 137، 204، 330)، والبيهقي في السنن (3/ 107). (¬2) أخرجه أبو داود (369)، وابن ماجه (653)، وفي المطبوع من المصابيح رواية ميمونة رضي الله عنها "كان يصلي في مِرْط .... ". (¬3) أخرجه الترمذي (135) وإسناده صحيح وأخرجه الدارمي (1/ 259)، وأحمد (2/ 476، 408)، وأبو داود (3904)، والنسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف (13536)، وابن ماجه (639)، وصححه الشيخ الألباني في الارواء (2006). (¬4) أخرجه أبو داود (213) والطبراني في الكبير (20/ 99) وإسناده ضعيف، وانظر: "التلخيص الحبير" (1/ 293 - 294).

384 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا وقع الرجل بأهله وهي حائض فليتصدق بنصف دينار". قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه (¬1) كلهم في الطهارة من حديث ابن عباس وقال: كذا قال علي بن بذيمة: عن مقسم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: وهذا مرسل، قال: وروى الأوزاعي عن يزيد بن أبي مالك عن عبد الحميد ابن عبد الرحمن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أمره أن يتصدق بخُمسَ دينار انتهى كلام أبي داود، قال المنذري: وهذا معضل وأخرجه الترمذي وابن ماجه مرفوعا وأخرجه النسائي مرفوعا وموقوفًا ومرسلًا. (¬2) وقال الخطابي: قال أكثر العلماء لا شيء عليه ويستغفر الله تعالى وزعموا أن هذا الحديث مرسل أو موقوف على ابن عباس ولا يصح متصلًا مرفوعًا والذمم بريئة إلا أن تقوم الحجة بشغلها. انتهى كلام الخطابي. (¬3) قال المنذري: وهذا الحديث قد وقع اضطراب في إسناده ومتنه فروي مرفوعًا وموقوفًا ومرسلًا ومُعْضَلًا، وقال عبد الرحمن بن مهدي: قيل لشعبة: إنك كنت ترفعه؟ قال: إني كنت مجنونًا فصححت، وأما الاضطراب في متنه: فروي "بدينار أو بنصف دينار"، على الشك وروي "يتصدق بدينار فإن لم يجد فبنصف دينار" وروي فيه التفرقة بين أن يصيبها في الدم أو في انقطاع الدم، وروي "يتصدق بخُمْسي دينار" وروي "يتصدق بنصف دينار" وروي "إذا كان دمًا أحمر فدينار، وإن كان ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (266)، الترمذي (136)، وابن ماجه (640)، والنسائي (1/ 153). وفي الكبرى (9099)، وانظر العلل لابن أبي حاتم (1/ 50 - 51)، والتلخيص الحبير (1/ 291 - 292) والحافظ ابن القيم في تهذيبه للسنن (1/ 173 - 174) مع مختصر المنذري. وقد بيّن العلامة أحمد شاكر رحمه الله في تحقيقه للمسند أقوال العلماء في هذا الحديث (1/ 229) وطرق الحديث ودرس قضية الرفع والوقف فيه ورجّح الرفع. فراجعه غير مأمور. (¬2) مختصر السنن للمنذري (1/ 175). (¬3) معالم السنن (1/ 72).

باب المستحاضة

أصفر فنصف دينار" وروي "إن كان الدم عبيطًا فليتصدق بدينار، وإن كان صفرة فنصف دينار" وسيذكره المصنف. (¬1) - ويروى: "إذا كان دمًا أحمر فدينار، وإن كان دمًا أصفر فنصف دينار". قلت: رواه الترمذي في الطهارة من حديث ابن عباس. (¬2) باب المستحاضة من الصحاح 385 - قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: "يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ " فقال: "لا إنما ذلك عِرْق وليس بحيض، فإذا أقبلَتْ حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدَّم ثم صَلِّي". قلت: رواه الشيخان وأبو داود والترمذي (¬3) والنسائي في الطهارة من حديث عائشة. قوله - صلى الله عليه وسلم -: إن ذلك عرق، هو بكسر العين وإسكان الراء وهذا العرق يقال له: العاذل بكسر الذال المعجمة، وحيضتك يجوز فيه فتح الحاء أي حيضتك وكسرها أي حالتك والأول أظهر. ¬

_ (¬1) مختصر السنن (1/ 174 - 175). (¬2) أخرجه الترمذي (137)، وأحمد (1/ 229)، والدارمي (1110، 1114، 1116)، والبيهقي (1/ 317)، والبغوي (315)، وإسناده صحيح. (¬3) أخرجه البخاري (228) (306)، ومسلم (333)، وأبو داود (282)، والترمذي (125)، والنسائي (1/ 186، 185، 181).

من الحسان

من الحسان 386 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة بنت أبي حبيش: "إذا كان دم الحيض فإنّه دم أسود يُعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضَّئي وصَلّي، فإنما هو عِرق". قلت: رواه أبو داود والنسائي (¬1) كلاهما في الطهارة من حديث عروة بن الزبير عن فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - وساقه. 387 - أنَّ امرأة كانت تُهراق الدم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستَفْتَت لها أم سلمة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضَهُن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا خلّفت ذلك فلتغتسل، ثم لتستثفر بثوب، ثم لتُصلِّي". قلت: رواه أبو داود والنسائي ومالك والشافعي وأحمد (¬2) بأسانيد على شرط الشيخين كلهم في الطهارة من حديث أم سلمة. قال أبو داود: وسَمَى المرأة التي كانت استحيضت حمادُ بن زيد عن أيوب في هذا الحديث فقال: فاطمة بنت أبي حبيش. والاستثفار: هو التلجم وسيأتي في حديث حمنة. 388 - ويُروى عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده [قال يحيى بن معين جد عدي اسمه دينار] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في المستحاضة: "تدع الصلاة أيام أقرائها التي تحيض فيها ثم تغتسل وتتوضأ عند كل صلاة، وتَصوم وتُصلّي". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (286)، والنسائي (1/ 185)، والدارقطني (1/ 207)، والحاكم في المستدرك (1/ 174)، وقال: صحيح على شرط مسلم، وأقره الذهبي. وإسناده حسن لأن فيه محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي. قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (حديثه في عداد الحسن)، وقال في الميزان (3/ 673): شيخ مشهور حسن الحديث، وقال الحافظ: صدوق له أوهام، التقريب (6228). (¬2) أخرجه أبو داود (274)، والنسائي (1/ 119 - 120)، ومالك (1/ 62)، الشافعي في المسند (139)، وفي الأم (1/ 60)، وأحمد (6/ 320، 293) وانظر: التمهيد لابن عبد البر (16/ 56).

قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه (¬1) كلهم في الطهارة من حديث عدي بن ثابت عن أبيه عن جده. وقال الترمذي: حديث حسن، وقد تفرد به شريك عن أبي اليقظان، وسألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: عدي بن ثابت عن أبيه عن جده، جد عدي ما اسمه؟ فلم يعرف محمدٌ اسمه. وذكرت لمحمد قول يحيى بن معين: أن اسمه دينار فلم يعبأْ به انتهى. (¬2) وقد قيل أن جده هو أبو أمه عبد الله بن يزيد الخطمي وقال الدارقطني: ولا يصح من هذا كله شيء. وقال أبو نعيم: قال غير يحيى اسمه: قيس الخطمي انتهى، قال المنذري: وقيل لا يعلم مَنْ جده، وكلام الأئمة يدل على ذلك وشريك هو ابن عبد الله النخعي قاضي الكوفة تكلم فيه غير واحد وأبو اليقظان هذا هو عثمان بن عمير الكوفي ولا يحتج بحديثه. (¬3) 389 - قالت كنت استحاض حيضة كثيرة شديدة، فجئت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - استفتيه، فقال: "إني أنعت لك الكُرْسُف، فإنه يذهب الدم"، فقلت: هو أكثر من ذلك، قال: "تَلَجَّمي"، فقلت: هو أكثر من ذلك، إنما أثُجّ ثجًّا. قال: "إنما هي ركْضة من ركضات الشيطان، فتحيضي ستة أيام أو سبعة في علم الله، ثم اغتسلي، فصلّي أربعًا وعشرين ليلة وأيامَها، أو ثلاثًا وعشرين ليلة وأيامها، وصومي، وكذلك افعلي في كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن، ميقاتَ حَيْضِهِنّ وطُهْرهِنّ". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (126 و 127)، وأبو داود (297)، وابن ماجه (625). وإسناده ضعيف، وقال ابن عبد البر: وحديثه في المستحاضة يضعّفونه، الاستيعاب (2/ 463). وللحديث شاهد من حديث عائشة رواه النسائي (1/ 183)، انظر الإرواء (68) (69). (¬2) جزم ابن الأثير بأن جَدَّ عدي بن ثابت هو: دينار، انظر: أسد الغابة (2/ 164) طبعة الشعب، وكتاب مَنْ روى عن أبيه عن جده لقطلوبغا (ص 474). (¬3) مختصر السنن (1/ 1919). قال الحافظ: عثمان بن عمير، أبو اليقظان ضعيف واختلط، وكان يدلّس ويغلو في التشيّع. التقريب (4539)، وتهذيب الكمال (19/ 469 - 472).

قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه (¬1) واللفظ مختلف، ولفظ الترمذي أقرب إلى لفظ المصنف، ثلاثتهم في الطهارة من حديث حمنة بنت جحش أخت زينب بنت جحش، وقال الترمذي: حسن صحيح، قال: وسألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث فقال: حديث حسن وهكذا قال أحمد بن حنبل: هو حديث حسن صحيح، وقال الخطابي (¬2): وقد ترك بعض العلماء القول بهذا الحديث لأن في سنده عبد الله بن محمد بن عقيل وهو مختلف بالاحتجاج به انتهى. وقال البيهقي (¬3): تفرد به عبد الله بن محمد بن عقيل وهو مختلف في الاحتجاج به، وقال ابن خزيمة: لا أحتج به. والكرسف: بضم الكاف والسين المهملة هو القطن. والتلجّم: هو أن تشد على وسطها خرقة أو خيطًا أو نحوه على صورة التكة وتأخذ خرقة أخرى مشقوقة الطرفين فتدخلها بين فخذيها واليتيها وتشد الطرفين بالخرقة التي في وسطها أحدهما قدامها عند سُرتها والأخرى لخلفها وتحكم ذلك الشد وتلصقها هذه الخرقة المشدودة بين الفخذين بالقطنة التي هي حشو الفرج إلصاقًا جيدًا وهذا الفعل يسمى تلجمًا واستثفارًا وتعصبًا وهو واجب إلا في موضعين أحدهما إذا كان يؤذيها، والثاني: إذا كانت صائمة فإنها تترك حشو الفرج نهارًا وتقتصر على الشدّ. والثج بالثاء المثلثة وبالجيم يقال ثججت الماء والدم أثجّه ثجًّا إذا سيّلته. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (287)، والترمذي (128)، وابن ماجه (622) (627)، وإسناده حسن. (¬2) معالم السنن (1/ 89). (¬3) السنن الكبرى (1/ 338 - 339). وقال الحافظ: عبد الله بن محمد بن عقيل، أبو محمد، صدوق في حديثه لين، ويقال: تغيّر بآخره، التقريب (3617)، وانظر: التلخيص الحبير (1/ 288)، والإرواء (1/ 203).

كتاب الصلاة

كتاب الصلاة من الصحاح 390 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "الصلواتُ الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفِّرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر". قلت: رواه مسلم في الطهارة والترمذي في الصلاة (¬1) ولم يذكر رمضان كلاهما من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة يرفعه. 391 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمسًا هل يبقى من دَرَنه شيء؟ فذلك مثل الصلوات الخمس يمحُو الله بهِنّ الخطايا". قلت: رواه الشيخان والنسائي ثلاثتهم في الصلاة والترمذي في الأمثال من حديث أبي سلمة (¬2) بن عبد الرحمن. عن أبي هريرة يرفعه. 392 - أنّ رجلًا أصاب من امرأة قبلة، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره فأنزل الله: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}. فقال الرجل: "يا رسول الله أليَّ هذا؟ "، قال: "لجميع أمتي كلِّهم". قلت: رواه الشيخان البخاري في الصلاة والتفسير ومسلم في التوبة والترمذي والنسائي كلاهما في التفسير وابن ماجه في الصلاة (¬3) كلهم من حديث أبي عثمان النهدي عن ابن مسعود. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (233)، والترمذي (214). (¬2) أخرجه البخاري (528)، ومسلم (667)، والترمذي (2868)، والنسائي (1/ 230 - 231). (¬3) أخرجه البخاري (4687)، ومسلم (2763)، والترمذي (3112)، والنسائي (11247) في الكبرى، وابن ماجه (1398).

- وفي رواية: "لمن عمل بها من أمتي". قلت: رواها الشيخان (¬1). وفي اسم الرجل ثلاثة أقوال: أحدها أنه عمرو ابن غزية الأنصاري التمار كان يبيع التمر فجاءته امرأة تبتاع منه فأعجبته فقال: إن في البيت تمرًا أجود من هذا فانطلقي معي أعطيك منه، الثاني: أنه أبو مقبل عامر بن قيس الأنصاري الثالث: أنه أبو اليسر كعب ابن عمرو الأنصاري. 393 - "جاء رجل فقال: يا رسول الله إني أصبت حدًّا فَأقِمْه عليّ قال: ولم يسأله عنه، وحضرت الصلاة فصلّى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة قام الرجل، فقال: يا رسول الله إني أصبت حدًّا فأقم فيّ كتابَ الله، قال: "أليس قد صليت معنا؟ "، قال: نعم، قال: "فإن الله قد غفر لك ذنبك أو حدَّك". قلت: رواه الشيخان وليس في مسلم (¬2) ولم يسأله عنه، بل انفرد بها عنه البخاري، وترجم عليه: باب إذا أقر بالحد ولم يبين هل للإمام أن يستر عليه، وذكره مسلم في باب التوبة كلاهما من حديث أنس بن مالك. 394 - قال سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أي الأعمال أحب إلى الله؟ "، قال: "الصلاة على وقتها"، قلت: "ثم أي؟ "، قال: "بر الوالدين" قلت: "ثم أي؟ "، قال: "الجهاد في سبيل الله عز وجل"، قال: "حدَّثني بهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو استزدته لزادني". قلت: رواه الشيخان والترمذي والنسائي (¬3) كلهم في الصلاة إلا مسلمًا ففي الإيمان ورواه البخاري في الأدب أيضًا وفي غيره. 395 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (526)، ومسلم (2763)، والترمذي (3114)، وابن ماجه (1198). (¬2) أخرجه البخاري في الحدود (6823)، ومسلم في التوبة (2764). (¬3) أخرجه البخاري (527)، وفي الأدب (5970)، ومسلم (85)، والنسائي (1/ 292)، والترمذي (173).

من الحسان

قلت: رواه مسلم والترمذي كلاهما في الإيمان وأبو داود والنسائي وابن ماجه كلهم في الصلاة (¬1) ولم يخرجه البخاري لأنهم رووه عن أبي الزبير عن جابر والبخاري لم يرو عن أبي الزبير شيئًا واسم أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس. من الحسان 396 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "خمس صلوات افترضهن الله تعالى، من أحسن وضُوءَهُنّ، وصلّاهُنّ لوقتهن، وأَتَمّ ركوعهن وخشوعهن، كان له على الله عهدٌ أن يغفر له، ومن لم يفعل فليس له على الله عهد، إن شاء غفر له، وإن شاء عَذَّبه". قلت: رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه (¬2) كلهم في الصلاة من حديث عبادة بن الصامت واللفظ لأبي داود وسكت عنه، فهو صالح. 397 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدّوا زكاة أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم، تدخُلُوا جَنّة ربِّكم". قلت: رواه الترمذي (¬3) في الصلاة من حديث سليم بن عامر عن أبي أمامة وقال: حسن صحيح. 398 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناءُ عشر سنين، وفرِّقوا بينهم في المضاجع". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (82)، وأبو داود (4678)، والنسائي (1/ 232)، وابن ماجه (1078)، الترمذي (2620). (¬2) أخرجه أبو داود (1425)، والنسائي (1/ 230)، وابن ماجه (1401)، وأحمد (5/ 315، 319) وصححه كذلك ابن عبد البر والنووي. (¬3) أخرجه الترمذي (616) وإسناده صحيح.

باب المواقيت

قلت: رواه أبو داود والترمذي كلاهما في الصلاة من حديث سبرة بن معبد الجهني (¬1) وقال الترمذي: حسن صحيح، وسبرة بفتح السين المهملة وسكون الباء الموحدة وبعدها راء مهملة وتاء تأنيث. 399 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر". قلت: رواه الأربعة والحاكم وصححه، وابن حبان كلهم من حديث بريدة. (¬2) باب المواقيت من الصحاح 400 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "وقت الظهر إذا زالت الشمس ما لم يحضر العصر، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس، ووقت صلاة المغرب إذا غابت الشمس ما لم يسقط الشَفَق، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط، ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس فأمسك عن الصلاة، فإنها تطلع بين قرنَيْ شيطان". قلت: رواه مسلم في الصلاة من حديث عبد الله بن عمرو ولم يخرج البخاري من حديث عبد الله بن عمرو في الأوقات شيئًا، ووقع لمسلم بعد ذكر الحديث عن يحيى بن أبي كثير: لا يستطاع العلم براحة الجسد، ولم يذكر البخاري هذا الكلام ورواه أبو ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (495)، والترمذي (407) وورد في النسخة المطبوعة من سنن الترمذي من قوله: حديث سبرة الجهني حسن. وورد عند المنذري عن الترمذي بأنه قال: حسن صحيح. والله أعلم. (¬2) أخرجه الترمذي (2621)، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. والنسائي (1/ 231)، وابن ماجه (1079)، ولم أجده في أبي داود. وابن حبان (1454). والحاكم (1/ 7) وقال: حديث صحيح الإسناد، لا تعرف له علة، وأقره الذهبي، والبيهقي (3/ 366).

من الحسان

داود والنسائي (¬1) ولم يقولا: فإذا طلعت الشمس إلى آخره، وقال شعبة أحد رواته: كان قتادة يرفعه أحيانًا وأحيانًا لا يرفعه. ومعنى "تطلع بين قرني الشيطان": أنه يدني رأسه إلى الشمس في هذه الأوقات ليكون الساجد لها من الكفار كالساجد له في الصورة وحينئذ يكون له ولشيعته تسلط ظاهر وتمكن من أن يلبسوا على المصلين صلاتهم فكرهت الصلاة حينئذ صيانة لها كما كرهت في الأماكن التي هي مأوى الشياطين. 401 - أن رجلًا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن وقت الصلاة، فقال: "صلِّ معنا هذين -يعني اليومين- فلمّا زالت الشمس أمر بلالًا فأذن، ثم أمره فأقام الظهر، ثم أمره فأقام العصر، والشمس مرتفعة بيضاء نقية، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أمره فأقام الفجر، حين طلع الفجر، فلما أن كان اليوم الثاني أمره فأبرَدَ بالظهر، فأنعم أن يُبْرِدَ بها، وصلى العصر والشمس مرتفعة، أخّرها فوق الذي كان بالأمس، وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وصلى العشاء بعد ما ذهب ثُلُث الليل، وصلى الفجر فأسفر بها"، ثم قال: "أين السائل عن وقت الصلاة؟ "، فقال الرجل: أنا يا رسول الله! قال: "وقت صلاتكم بين ما رأيتم". قلت: رواه مسلم (¬2) في الصلاة من حديث بريدة ولم يخرج البخاري عن بريدة في الأوقات شيئًا. من الحسان 402 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّني جبريل عند باب البيت مَرّتين، فصلى بي الظهر حين زالت الشمس وكان الفَيْءُ مثلَ الشِّراك، وصلى بي العصر حين كان كل شيء مثل ظله، وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء حين غاب الشَّفَق وصلى ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (612)، وأبو داود (396)، والنسائي (1/ 260). (¬2) أخرجه مسلم (613).

باب تعجيل الصلاة

بي الفَجْر حين حَرُم الطعام والشراب على الصائم، وصلى بي الغَدَ الظهر حين كان كل شيء مثل ظله، وصلى بي العصر حين كان ظل كل شيء مثليه، وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء حين ذهب ثلث الليل، وصلى بي الفجر حين أسفر، ثم التفت إليّ، فقال: يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت ما بين هذين الوَقتَيْن". قلت: رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن، كلاهما من حديث ابن عباس (¬1). وليس فيهما ذكر الباب إنما رواها الشافعي فقال: عند باب البيت. والفيء: مهموز ما كان شمسًا فنسخها الظل، والظل: ما لم تغشه الشمس، وأصل الفيء الرجوع أي ما رجع من الظل من جهة المغرب إلى المشرق، قالوا: والظل ما قبل الزوال ممتدًا من المشرق إلى المغرب على ما لم تطلع الشمس عليه، قيل: والفيء بعد الزوال لأنه يرجع من جهة المغرب إلى جهة المشرق لأنها ترجع إلى ما كانت عليه قبل. باب تعجيل الصلاة من الصحاح 403 - قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الهجيرة التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس، ويصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حَيّة، ونسيت ما قال في المغرب، وكان يستحب أن يؤخِّر العشاء، ولا يُحبّ النوم قبلَها ولا الحديث بعدها، وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه، ويقرأ بالستِّين إلى المائة". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (393)، والترمذي (149)، وحسنه، والشافعي في المسند (1/ 50 - ترتيب المسند)، وأحمد (1/ 333)، وصححه النووي في المجموع (3/ 23)، انظر "التلخيص الحبير" (1/ 307 - 311) وفيه كلام مفيد جدًّا.

قلت: رواه الجماعة إلا الترمذي، رووه في الصلاة من حديث أبي برزة الأسلمي. (¬1) - وفي رواية: "ولا يبالى بتأخير العشاء إلى ثلث الليل". قلت: رواه الشيخان (¬2) في الصلاة من حديث شعبة عن أبي المنهال عن أبي برزة قال شعبة: ثم لقيته فقال: إلى شطر الليل. وتدحض الشمس: بدال مهملة وبحاء مفتوحة مهملة وضاد معجمة معناه: تزول عن كبد السماء. 404 - سئل عن صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "كان يصلي الظهر بالهاجرة، والعصر والشمس حية، والمغرب إذا وجبت، والعشاءَ إذا كثر الناس عَجَّل وإذا قَلّوا أَخّر، والصُّبح بغَلَس". قلت: رواه الشيخان وأبو داود والنسائي (¬3) كلهم في الطهارة من حديث جابر. والهاجرة: نصف النهار. 405 - قال: "كنا إذا صلّينا خلفَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالظهائر سجدنا على ثيابنا اتقاء الحرّ". قلت: رواه الجماعة كلهم (¬4) في الصلاة من حديث بكر بن عبد الله المزني عن أنس، وحمله غير واحد على ظاهره وأجاز ذلك وحمله الشافعي على أنه يبسط ثويًا هو غير لابسه. 406 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا اشتد الحرّ فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيْح جهنم". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (547)، ومسلم (461)، وأبو داود (398)، والنسائي (1/ 262)، وابن ماجه (674، 701). (¬2) أخرجه البخاري (541)، (771)، ومسلم (647). (¬3) أخرجه البخاري (565)، ومسلم (646)، وأبو داود (397)، والنسائي (1/ 264). (¬4) أخرجه البخاري (660)، ومسلم (584)، وأبو داود (660)، والترمذي (584)، والنسائي (2/ 216)، وابن ماجه (1033).

قلت: رواه الجماعة هنا من حديث أبي هريرة (¬1) ورواه البخاري (¬2) أيضًا من حديث ابن عمر وأبي سعيد. - وفي رواية: "أبردوا بالظهر". قلت: رواها البخاري من حديث أبي سعيد (¬3) ولم يخرجها مسلم. 407 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "اشتكت النار إلى ربها فقالت: ربِّ أكلَ بعضي بعضًا، فأذنَ لها بنَفَسَيْن: نَفَسٍ في الشتاء ونَفَس في الصيف، أشدُّ ما تجدون من الحر، وأشدّ ما تجدون مِن الزَّمهرير". قلت: رواه البخاري في صفة النار (¬4) ومسلم في الصلاة كلاهما من حديث الزهريّ عن أبي سلمة عن أبي هريرة يرفعه. 408 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يصلي العصر والشمس مرتفعة حيّة، فيذهب المذاهب إلى العَوالي فيأتيهم والشمس مرتفعة، وبعض العوالي من المدينة على أربعة أميال أو نحوه". (¬5) قلت: رواه الجماعة في الصلاة إلا الترمذي فإنه لم يخرجه وانفرد البخاري بقوله: وبعض العوالي إلى آخره ولأبي داود معنى ذلك، كلهم من حديث أنس. 409 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس، حتى إذا اصفرت وكانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعًا لا يذكر الله فيها إلا قليلًا". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (536) (533)، ومسلم (615)، وأبو داود (402)، والترمذي (157)، والنسائي (1/ 262)، وابن ماجه (677). (¬2) أخرجه البخاري (535)، ومسلم (616). (¬3) رواية أبي سعيد أخرجها البخاري (538). (¬4) أخرجه البخاري (3260)، ومسلم (617). (¬5) أخرجه البخاري (550)، ومسلم (621)، وأبو داود (404)، والنسائي (1/ 252)، وابن ماجه (682).

قلت: رواه الجماعة إلا البخاري (¬1) وابن ماجه أربعتهم في الصلاة من حديث أنس. 410 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "الذي تفوته صلاة العصر فكأنه وُتِرَ أهله وماله". قلت: رواه الشيخان كلاهما من حديث ابن عمر (¬2) في الصلاة، قال البخاري: وترت الرجل إذا قتلت له قتيلا وأخذت ماله. 411 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من ترك صلاة العصر حَبِط عمله". قلت: رواه البخاري والنسائي (¬3) في الصلاة من حديث بريدة ولم يخرجه مسلم. 412 - كنا: "نصلِّي المغرب مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نَبْله". قلت: رواه الشيخان وابن ماجه (¬4) كلهم في الصلاة من حديث رافع بن خديج، ومعناه: أنه يبكر بها - صلى الله عليه وسلم - في أول وقتها بمجرد غروب الشمس حتى ننصرف ويرمى أحدنا النبل عن قوسه ويبصر موقعه لبقاء الضوء. 413 - قالت: "كانوا يُصَلُّون العَتمة فيما بين أن يغيب الشَّفق إلى ثُلُث الليل الأول". قلت: رواه البخاري في باب خروج النساء إلى المسجد بالليل والتغليس وفي باب النوم قبل العشاء والنسائي في الصلاة من حديث عائشة (¬5). 414 - "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الصبح فتنصرف النساء مُتلفِّعات بمروطهن ما يُعْرفن من الغَلَس". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (622)، وأبو داود (413)، والترمذي (160)، والنسائي (1/ 253). (¬2) أخرجه البخاري (552)، ومسلم (626). (¬3) أخرجه البخاري (553)، والنسائي (1/ 236). (¬4) أخرجه البخاري (559)، ومسلم (637)، وابن ماجه (687). (¬5) أخرجه البخاري (864).

قلت: رواه الجماعة (¬1) في الصلاة من حديث عائشة. والتلفّع بالثوب: الاشتمال به, والمروط: الأَردية الواسعة واحدها مِرْط. 415 - أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وزيد بن ثابت تسحّرا، فلما فرغا من سحورهما قام نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الصلاة فصلّى، فقلنا لأنس: كم كان بين فراغهما مِنْ سَحورهما ودُخولهما في الصلاة؟ قال: قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية. قلت: رواه البخاري في الصلاة والنسائي في الصوم من حديث قتادة عن أنس. (¬2) 416 - قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا أبا ذر كيف بك إذا كانت عليك أمراء يُميتون الصلاة، أو قال يؤخرون الصلاة؟ " قلت: يا رسول الله فما تأمرني؟ قال: "صلِّ الصلاة لوقتها فإن أدركتها معهم فصلِّها فإنها لك نافلة". قلت: رواه مسلم (¬3) وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه كلهم في الصلاة من حديث أبي ذر ولم يخرجه البخاري. 417 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر". قلت: رواه الجماعة كلهم في الصلاة من حديث أبي هريرة. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (867)، ومسلم (645)، وأبو داود (423)، والترمذي (153)، والنسائي (1/ 271)، وابن ماجه (669). (¬2) أخرجه البخاري (576)، والنسائي (4/ 143). (¬3) أخرجه مسلم (238)، وأبو داود (431)، والترمذي (176)، والنسائي (2/ 75، 113)، وابن ماجه (1256). (¬4) أخرجه البخاري (579)، ومسلم (608)، وأبو داود (1121)، والترمذي (524)، والنسائي (1/ 274)، وابن ماجه (1122).

من الحسان

418 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليُتِمّ صلاَته، وإذا أدرك سَجدةً من صلاة الصبح قبل أن تَطْلُعَ الشمس فليُتِمَّ صلاته". قلت: رواه البخاري والنسائي (¬1) كلاهما في الصلاة واللفظ للبخاري من حديث أبي هريرة يرفعه. 419 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من نسي صلاة أو نام عنها، فكفارتها أن يُصلِّيها إذا ذكرها". وفي رواية: "لا كفّارة لها إلا ذلك". قلت: رواه الجماعة (¬2) كلهم من حديث أنس يرفعه. 420 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ليس في النوم تفريط، إنما التفريط في اليقظة، فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليُصلِّها إذا ذكرها فإن الله تعالى قال: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}. قلت: رواه مسلم وأبو داود (¬3) مطولًا كلاهما في الصلاة من حديث أبي قتادة، ذكر الشيخ قطعة من الحديث ولم يخرج البخاري هذا اللفظ. من الحسان 421 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "يا علي، ثلاث لا تؤخّرها: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأَيِّم إذا وجدت لها كُفْوءًا ". قلت: رواه الترمذي في الصلاة من حديث علي بسند رجاله كلهم ثقات. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (556)، والنسائي (1/ 257). (¬2) أخرجه البخاري (597)، ومسلم (684). (¬3) أخرجه مسلم (681)، وأبو داود (441)، والترمذي (177)، والنسائي (1/ 294)، وابن ماجه (698). (¬4) أخرجه الترمذي (171) و (1075)، وأحمد (1/ 105)، والبيهقي (7/ 132)، أضاف العلامة أحمد شاكر بعد هذا الحديث من طبعة بولاق عبارة: "قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، وقد روى ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه". وإسناد هذا الحديث ضعيف لجهالة سعيد بن عبد الله الجهني، كما بينه =

422 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "الوقت الأول من الصلاة رضوانُ الله، والوقت الآخِر عَفوُ الله". قلت: رواه الترمذي (¬1) في الصلاة من حديث ابن عمر قال: وفي سنده عبد الله بن عمر العمري وهو ليس بالقوي عند أهل الحديث واضطربوا في هذا الحديث وقد تكلم فيه يحيى بن سعيد من قبل حفظه. (¬2) 423 - قالت: سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - أي الأعمال أفضل؟ قال: "الصلاة لأول وقتها". قلت: رواه الترمذى وأبو داود (¬3) هنا من حديث أم فروة وفي سنده عبد الله بن عمر العمرى. 424 - "قالت: ما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة لوقتها الآخِر مرتين حتى قبضه الله". قلت: رواه الترمذي (¬4) في الصلاة من حديث عائشة وقال: حديث حسن غريب وليس إسناده بمتصل انتهى. ¬

_ = الترمذي نفسه في حديث رقم (1075) فقال: هذا حديث غريب وما أرى إسناده بمتصل، وقال الذهبي في الميزان (2/ 146): مجهول، وقال الحافظ: مقبول، التقريب (2354)، وبهذا يتبين عدم صحة قول المؤلف. (¬1) أخرجه الترمذي (172)، وابن عدي في الكامل (7/ 2606) وإسناده موضوع لأن فيه يعقوب بن الوليد المدني قال الحافظ: كذبه أحمد وغيره التقريب (7889). أما ما ذكره المؤلف عن عبد الله بن عمر العمري فقال الحافظ عنه: ضعيف عابد من السابعة، التقريب (3/ 35) وهي علة ثانية في الحديث. انظر: التلخيص الحبير (1/ 321 - 322)، وإرواء الغليل (259). (¬2) هذا الكلام قاله الترمذي عن حديث أبي فروة الآتي لكن قاله بعد حديث ابن عمر، وبدأه بقوله: "حديث أبي فروة لا يُروَى إلا ... ". (¬3) أخرجه الترمذي (170)، وأبو داود (426)، وإسناده ضعيف لضعف عبد الله العمري، وشيخه القاسم ابن غنام قال عنه الحافظ: صدوق مضطرب الحديث، التقريب (5516). (¬4) أخرجه الترمذي (174) وقد وصله الحاكم (1/ 190)، وقال: صحيح على شرط الشيخين. والبيهقي (1/ 435).

425 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخِّروا المغرب إلى أن تَشْتَبك النُّجوم". قلت: رواه أبو داود (¬1) في الصلاة من حديث أبي أيوب وفي إسناده محمد ابن إسحاق بن يسار. 426 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخِّروا العشاءَ إلى ثُلُث الليل أو نِصْفه". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه (¬2) كلاهما في الصلاة من حديث أبي هريرة، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. 427 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أعتموا بهذه الصلاة، فإنكم قد فُضّلتم بها على سائر الأمم ولم تُصلّها أمة قبلكم". قلت: رواه أبو داود في الصلاة من حديث معاذ بن جبل يرفعه وسكت عليه فهو صالح. (¬3) 428 - قال: "كان - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّيها لسقوط القمر ليلةَ الثالثة". قلت: رواه أبو داود والترمذي والنسائي (¬4) كلهم في الصلاة من حديث النعمان بن بشير ولم يضَعِّفه أبو داود فهو صالح. 429 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أسْفروا بالفجْر فإنه أعظمُ للأَجرِ". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (418)، والبيهقي في السنن (1/ 370)، وإسناده حسن ومحمد بن إسحاق: صدوق يدلّس، وسبقت ترجمته. (¬2) أخرجه الترمذي (167)، وابن ماجه (691)، وإسناده صحيح. (¬3) أخرجه أبو داود (421)، وإسناده صحيح. (¬4) أخرجه أبو داود (419)، والترمذي (165، 166)، والنسائي (1/ 264)، وإسناده صحيح.

فصل

قلت: رواه الترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه (¬1) كلهم في الصلاة من حديث رافع ابن خديج واللفظ للترمذي وقال: حسن صحيح. فصل من الصحاح 430 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لن يلِجَ النارَ أحد صلّى قبلَ طُلوع الشمس وقبل غروبها" يعني الفجر والعصر. قلت: رواه مسلم وأبو داود والنسائي كلهم في الصلاة من حديث عمارة ابن رُوَيْبَة يرفعه ولم يخرجه البخاري. (¬2) 431 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من صَلَّى البَرْدَين دَخَل الجنّة". قلت: رواه الشيخان في الصلاة من حديث أبي موسى. (¬3) والبردان: هما صلاة الفجر وصلاة العصر، لكونهما في طرفي النهار، وإنما خُصّتا بهذا الفضل لكونهما مشهودتين تشهدهما الملائكة كما دل عليه الحديث الذي بعده. 432 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل، وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرُجُ الذين باتوا فيكم فيسألهم ربُّهم، وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يُصلُّون". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (424)، والترمذي (45)، وابن ماجه (672)، والنسائي (1/ 272)، وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه مسلم (634)، وأبو داود (427)، والنسائي (1/ 235). (¬3) أخرجه البخاري (574)، ومسلم (635).

قلت: رواه الشيخان والنسائي كلهم في الصلاة من حديث مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة يرفعه. (¬1) 433 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من صلّى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يَطْلُبَنّكُمُ الله من ذِمَّته بشيء، فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يُدركه، ثم يَكُبُّه على وجهه في نار جهنم". قلت: رواه مسلم والترمذي (¬2) كلاهما في الصلاة من حديث جندب بن عبد الله البجلي. وذمة الله: أمانه تعالى أي لا تتعرضوا لمن صلى الصبح فإنه في ذمة الله فمتى فعلتم ذلك تعرضتم لمطالبته إياكم بنقض العهد وإخفار ذمته. قوله - صلى الله عليه وسلم -: فلا يطلبنكم الله بذمته: ظاهره النهي عن مطالبته إياكم بشيء من عهده لكن النهي إنما وقع على ما يوجب المطالبة في نقض العهد وإخفار الذمة لا على نفس المطالبة. 434 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العَتَمة والصبح لأتوْهما ولو حَبْوًا". قلت: رواه الشيخان في الصلاة وأحمد (¬3) من حديث أبي هريرة، زاد أحمد في روايته عن عبد الرزاق فقلت لمالك: أما يكره أن تقول العتمة؟ قال: هكذا قال الذي حدثني. والاستهام: الاقتراع، والتهجير: التبكير. والهاجرة: نصف النهار، وقيل: أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتهجير التكبير لكل صلاة. والحبو: أن يمشي على يديه وركبتيه أو إسته. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (555)، وفي التوحيد (7429)، وفي باب كلام الرب مع جبربل ونداء الله الملائكة (7486)، ومسلم (632)، والنسائي (1/ 240، 241). (¬2) أخرجه مسلم (657)، والترمذي (222). (¬3) أخرجه البخاري (615) (654) (721) (2689)، ومسلم (437)، وأحمد (2/ 236، 278، 303، 374، 375، 533).

435 - قال - صلى الله عليه وسلم -:"ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حَبْوًا". قلت: رواه الشيخان في الصلاة من حديث أبي هريرة يرفعه. (¬1) 436 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من صلى العشاء في جماعة كانت كقيام نصف ليلة، ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان كقيام ليلة". قلت: رواه مسلم (¬2) وأبو داود والترمذي كلهم في الصلاة من حديث عبد الرحمن ابن أبي عمرة عن عثمان يرفعه ولم يخرجه البخاري. 437 - قال - صلى الله عليه وسلم -:"لا يغلبَنّكم الأعراب على اسم صلاتكم المغرب، قال: وتقول الأعراب هي العشاء". قلت: رواه البخاري (¬3) في الصلاة عن عبد الله بن مغفل المزني ولم أره في غير البخاري. 438 - قال - صلى الله عليه وسلم -:"لا يغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العِشاء، فإنها في كتاب الله العشاء، فإنها تُعْتِم بحِلاب الإبل". قلت: رواه أحمد في مسنده ومسلم والنسائي وابن ماجه كلهم في الصلاة ولم يخرج البخاري عن ابن عمر في هذا شيئًا. (¬4) 439 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم الخندق: "حبسونا عن صلاة الوسطى، صلاة العصر، ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارًا". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (657)، ومسلم (651). (¬2) أخرجه مسلم (656)، وأبو داود (555)، والترمذي (221). (¬3) أخرجه البخاري (563). (¬4) أخرجه أحمد (2/ 18، 10)، ومسلم (644)، والنسائي (1/ 270)، وابن ماجه (704).

من الحسان

قلت: رواه الشيخان في الصلاة من حديث علي رضي الله عنه. (¬1) من الحسان 440 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلاة الوسطى صلاة العصر". قلت: رواه الترمذي في الصلاة من حديث ابن مسعود وقال: حديث حسن صحيح. (¬2) 441 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "في قوله تعالى: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)} قال: "تشهده ملائكة الليل، وملائكة النهار". قلت: رواه الترمذي في التفسير وابن ماجه في الصلاة من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، وقال: حسن صحيح. (¬3) باب الأذان من الصحاح 442 - " ذكروا النار والناقوس، فذكروا اليهود والنصارى، فأُمِرَ بلال أن يشفع الأذان وأن يُوتِر الإقامة" إلا الإقامة. قلت: رواه الجماعة وليس في الترمذي وابن ماجه والنسائي إلا الإقامة ولا في النسائي، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4533) (4111) (6396)، ومسلم (627). (¬2) رواية ابن مسعود أخرجها كذلك مسلم (628)، والترمذي (181)، وفي التفسير (2985)، وأحمد (1/ 392)، وابن ماجه (686). (¬3) أخرجه الترمذي (3135)، وابن ماجه (670) وإسناده صحيح.

من الحسان

غير "أمر بلال" إلى آخره. (¬1) 443 - قال: ألقى عليّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - التأذين هو بنفسه، فقال: "قل: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله، ثم قال: ارجعْ فمُدّ من صوتك أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله". قلت: رواه الجماعة في الأذان من حديث أبي محذورة (¬2) إلا البخاري فإنه لم يخرج عن أبي محذورة شيئًا، واسم أبي محذورة قيل: أوس بن مِعْير وقيل: سلمة بن مِعْير. (¬3) تنبيه: في أكثر أصول مسلم في أوله الله أكبر مرتين، ونبّه القاضي عياض على أن بعض رواة مسلم رووه بأربع مرات وقد تبع البغوي هذه الرواية وكذلك البيهقي وابن الأثير وجماعات نسبوا رواية الأربع لمسلم أيضًا (¬4) والله أعلم. من الحسان 444 - " كان الأذان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرتين مرتين، والإقامة مرّة مرّة، غير أنه يقول: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (603)، ومسلم (378)، وأبو داود (508)، (509)، والنسائي (2/ 3)، والترمذي (193)، وابن ماجه (729). (¬2) أخرجه مسلم (379)، وأبو داود (503)، وقال الترمذي: حديث أبي محذورة في الأذان حديث صحيح والنسائي (2/ 6)، وابن ماجه (708)، والدارقطني (1/ 233). (¬3) انظر الإصابة (7/ 365) والتقريب (8407). (¬4) انظر: إكمال المعلم للقاضي عياض (2/ 244 - 246)، وشرح السنة للبغوي (2/ 257 - 262)، وشرح مسلم للنووي (4/ 81).

قلت: رواه أبو داود والنسائي (¬1) في الصلاة من حديث ابن عمر وسكت عليه أبو داود فهو صالح. 445 - "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عَلَّمه الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة". قلت: رواه أبو داود والترمذي والنسائي (¬2) واللفظ للترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وقد عدها أبو داود فجعل الإقامة مثل الأذان إلا أدن الأذان فيه ترجيع وليس في الإقامة ترجيع لكن فيها: قد قامت الصلاة مرتين. 446 - قال: "قلت: يا رسول الله علمني سُنَّة الأذان، فذكر الأذان، وقال بعد قوله حي على الفلاح: فإن كان صلاة الصبح قلت: الصلاة خير من النوم، قلت: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله". قلت: رواه أبو داود والنسائي (¬3) كلاهما من حديث أبي محذورة قال النووي: وهو حديث حسن. 447 - قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"لا تَثُوبَنّ في شيء من الصلوات إلا في صلاة الفجر". (ضعيف) قلت: رواه الترمذي وابن ماجه (¬4) كلاهما من حديث بلال وقد ضعفه الشيخ وقال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث أبي إسرائيل الملائي وأبو إسرائيل لم يسمع هذا ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (510)، والنسائي (2/ 21)، وإسناده حسن. (¬2) أخرجه أبو داود (502)، (503) و (505)، والنسائي (2/ 5، 4)، والترمذي (192)، وابن ماجه (709) وإسناده حسن. وأورده ابن كثير في إرشاد الفقيه (1 - 100) وقال صحيح على شرط مسلم. (¬3) أخرجه أبو داود (500)، والنسائي (2/ 4)، وإسناده حسن، وانظر قول النووي في الخلاصة (1/ 286). (¬4) أخرجه الترمذي (198)، وابن ماجه (715) وإسناده ضعيف، وكلام النووي في الخلاصة (1/ 287) أي ذكره في "فصل في ضعيفه" وفيه كذلك أن الحسن بن عمارة متروك، وابن أبى ليلى لم يسمع من بلال. فلهذا قال النووي: وهو ضعيف ومرسل. وراجع كلام الشيخ الألباني في الإرواء (235).

الحديث من الحكم، قال: إنما رواه عن الحسن بن عمارة عن الحكم وأبو إسرائيل اسمه: إسماعيل بن أبي إسحاق، وليس هو بذاك القوي عند أهل الحديث انتهى. وقد ذكره النووي في الأحاديث الضعيفة. 448 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال: إذا أذَّنْتَ فترسَّلْ، وإذا أقَمْتَ فاحْدُرْ، واجعل بين أذانك وإقامتكَ قَدْر ما يَفرُغ الآكِلُ من أكلِه، والشارب مِنْ شُرْبه، والمُعْتَصِر إذا دخل لقضاء حاجته، ولا تقوموا حتى تروني" (ضعيف). قلت: رواه الترمذي في الصلاة من حديث جابر وقال: لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وهو إسناد مجهول انتهى كلام الترمذي. ورواه الحاكم في المستدرك (¬1) بلفظه، إلا قوله: "ولا تقوموا حتى تروني". قال الذهبي: في إسناده عمرو بن فائد، قال الدارقطني فيه: متروك وذكره النووي في الأحاديث الضعيفة. 449 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من أذَّن فهو يقيم". قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه (¬2) أطول من هذا من حديث زياد بن الحارث الصُّدَائيّ، وقال الترمذي: حديث زياد إنما من حديث الأفريقي ضعيف عند أهل الحديث، ضعّفه يحيى بن سعيد القطان وغيره وقد ذكر النووي هذا الحديث في الأحاديث الضعيفة. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (195)، (196)، قال الترمذي: وهو إسناده مجهول.، وأخرجه الحاكم (1/ 204)، وقال: ليس في إسناده مطعون غير عمرو بن فائد. وقال الذهبي في التلخيص: قال الدارقطني: عمرو بن فائد متروك أهـ. وانظر ميزان الاعتدال (3/ 283). أما إسناد الترمذي ففيه: عبد المنعم بن نعيم الأسواري قال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة وقال الحافظ في التقريب: "متروك" (4262) وقال الحافظ في "التلخيص" (1/ 360): وهو كافٍ في تضعيف الحديث. والنووي ذكره في الخلاصة (1/ 296). (¬2) أخرجه أبو داود (514)، والترمذي (199)، وابن ماجه (717) وإسناده ضعيف. وانظر الخلاصة للنووي (1/ 297).

باب فضل الأذان وإجابة المؤذن

باب فضل الأذان وإجابة المؤذن من الصحاح 450 - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "المؤذِّنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة". قلت: رواه مسلم (¬1) وابن ماجه في الأذان من حديث معاوية ولم يخرجه البخاري. 451 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا نُودي للصلاة أدبر الشيطانُ له ضُراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضى النداء أقبل، حتى إذا ثُوِّبَ بالصلاة أدبر، حتى إذا قضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا، واذكُر كذا، لما لم يكن يذكُرْ حتى يظلّ الرجل لا يدري كم صلّى". قلت: رواه الشيخان (¬2) في الصلاة من حديث أبي هريرة. 452 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنسٌ ولا شيء إلا شهد له يومَ القيامة". قلت: رواه البخاري (¬3) من حديث عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبي سعيد الخدري أنه قال له: إني أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في غنمك وباديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن ... وساقه، وقال فيه: سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورواه أحمد والنسائي وابن ماجه ولم يخرجه مسلم. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (387)، وابن ماجه (725). (¬2) أخرجه البخاري (608)، ومسلم (389). (¬3) أخرجه البخاري (609)، وأحمد (3/ 6)، والنسائي (2/ 12)، وابن ماجه (732).

453 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلّوا عليَّ، فإن من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عَشْرًا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تَنْبَغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة". قلت: رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي كلهم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ولم يخرجه البخاري بهذا اللفظ من حديث ابن عمرو بن العاص. (¬1) 454 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا الله إلا الله، قال: أشهد أن لا الله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، ثم قال: حيّ على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حيّ على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله، من قلبه دخل الجنة". قلت: رواه مسلم وأبو داود والنسائي ثلاثتهم في الصلاة من حديث عمر ولم يخرجه البخاري. (¬2) 455 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من قال حين يسمع النداء: اللهم ربِّ هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته، حلَّت له شفاعَتي يومَ القيامة". قلت: رواه الجماعة إلا مسلمًا من حديث جابر بن عبد الله في الصلاة (¬3) قوله - صلى الله عليه وسلم -: وابعثه مقامًا محمودًا كذا هو في صحيح البخاري وفي كثير من كتب السنن ورواه النسائي وابن حبان والبيهقي: وابعثه المقام المحمود، بلفظ التعريف. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (384)، والنسائي (2/ 25)، وأبو داود (523) ولم أجد هذا اللفظ عند الترمذي. (¬2) أخرج مسلم (385)، وأبو داود (527)، والنسائي في اليوم والليلة (40)، وانظر كذلك تحفة الأشراف (10475). (¬3) أخرجه البخاري (614) (4719)، والنسائي (2/ 46)، وأبو داود (529)، والترمذي (211)، وابن ماجه (722) وابن حبان (1689)، والبيهقي (1/ 410).

456 - قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُغير إذا طلع الفجر، وكان يستمع الأذان، فإن سمع أذانًا أمسك، وإلا أغار، فسمع رجلًا يقول: الله أكبر الله أكبر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "على الفطرة" ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خرجتَ من النار" فنظروا فإذا هو راعي مِعْزَى. قلت: رواه مسلم في الأذان (¬1) من حديث أنس وأخرج البخاري منه ذكر الإغارة ولم يذكر قصة الرجل. 457 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، رضيت بالله ربًّا وبمحمد رسولًا وبالإسلام دينًا، غفر له ذنبه". قلت: رواه مسلم وأصحاب السنن (¬2) الأربعة كلهم في الأذان من حديث الليث بن سعد عن الحكيم بن عبد الله عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه به ولم يخرجه البخاري. تنبيه: ذكر الحاكم هذا الحديث فيما استدركه على الصحيحين من حديث الليث وهو وهم فإنه ثابت في مسلم كما بينته والعجب من تقرير الذهبي له على ذلك في تلخيصه. 458 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة، ثم قال في الثالثة: لمن شاء". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (382). (¬2) أخرجه مسلم (386)، وأبو داود (525)، والترمذي (210)، وقال: وهذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث الليث بن سعد عن حُكَيْم بن عبد الله. والنسائي (2/ 26)، وابن ماجه (721)، والحاكم (1/ 203)، وابن حبان (1693)، والبيهقي (1/ 410).

من الحسان

قلت: رواه الجماعة كلهم (¬1) في كتاب الصلاة من حديث عبد الله بن مغفل يرفعه. من الحسان 459 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الأئمة ضُمناء، والمؤذِّنون أمناء، فأرشد الله الأئمة وغَفَر للمؤذِّنين". قلت: رواه أبو داود والترمذي (¬2) ولفظهما: "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين" من حديث أبي صالح عن أبي هريرة قال الترمذي: وسمعت أبا زرعة يقول: حديث أبي صالح, عن أبي هريرة أصح من حديث أبي صالح عن عائشة، قال: وسمعت محمدًا يعني البخاري يقول: حديث أبي صالح عن عائشة أصح، وذكر عن علي بن المديني أنه لم يثبت حديث أبي صالح عن أبي هريرة ولا حديث أبي صالح عن عائشة في هذا وقد ذكره النووي في الأحاديث الضعيفة. (¬3) 460 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أذّن سبع سنين محتسبًا كُتب له براءة من النار". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6279)، ومسلم (838)، وأبو داود (1283)، والترمذي (185)، والنسائي (1/ 28)، وابن ماجه (1162). (¬2) أخرجه أبو داود (517)، (518)، والترمذي (207)، والشافعي في المسند (1/ 58) ترتيب، وابن خزيمة (1528)، والترمذي في العلل الكبير (91)، والبيهقي (1/ 430) و (3/ 127)، وانظر العلل لابن أبي حاتم (1/ 81). (¬3) الخلاصة (1/ 278 رقم (787)). وصحح ابن حبان (1669) كلا الطريقين ثم قال: قد سمع أبو صالح هذين الخبرين من عائشة وأبي هريرة جميعًا، انظر: التلخيص الحبير (1/ 369 - 371)، ونيل الأوطار للشوكاني (2/ 13)، والشيخ الألباني في الإرواء (1/ 213 - 235) ورواية عائشة - رضي الله عنها - أخرجها البيهقي (1/ 431).

قلت: رواه الترمذي وابن ماجه (¬1) كلاهما في الأذان من حديث ابن عباس قال الترمذي: وفي سنده جابر بن يزيد الجعفي وقد ضعفوه وتركه يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي. وذكره النووي في الأحاديث الضعيفة. (¬2) 461 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "يَعجَب ربك من راعي غنم في رأس شظيِّة للجبل يؤذن للصلاة، ويصلي، فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدي هذا، يؤذّن ويُقيم الصلاة، يخاف مني، قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة". قلت: رواه أبو داود والنسائي (¬3) كلاهما في الصلاة والإمام أحمد كلهم من حديث عقبة بن عامر ورجال وإسناده ثقات. 462 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة: عبد أدّى حقّ الله وحق مولاه، ورجل أم قومًا وهم به راضون، ورجل ينادي بالصلوات الخمس كل يوم وليلة". قلت: رواه الترمذي في الأدب (¬4) من حديث ابن عمر وقال: حسن غريب انتهى. وفي سنده أبو اليقظان واسمه عثمان بن عمير قال الذهبي: كان شيعيًّا ضعفوه. 463 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المؤذن يُغفر له مدى صوته، ويشهد له كل رطب ويابس، وشاهد الصلوات يُكتب له خمس وعشرون صلاة، ويُكَفّر عنه ما بينهما". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (206)، وابن ماجه (727)، وإسناده ضعيف جدًّا لأن فيه جابر بن يزيد الجعفي ضعفوه وتركه يحيى بن سعيد وغيره. انظر التلخيص الحبير (1/ 372) , والسلسلة الضعيفة (850). (¬2) الخلاصة (1/ 277) رقم (785). (¬3) أخرجه أحمد (4/ 157)، وأبو داود (1203)، والنسائي (2/ 20)، وإسناده صحيح. (¬4) أخرجه الترمذي (1986)، وبرقم (2566)، وانظر كذلك العلل الكبير له (586) وإسناده ضعيف. ولعل الترمذي حسّنه لطرقه، وقال الحافظ: عثمان بن عمير البجلي، أبو اليقظان الكوفي، ضعيف واختلط، وكان يدلّس ويغلو في التشيع. التقريب (4539) وانظر كلام الذهبي في المغني في الضعفاء (2/ 428 رقم 4051).

قلت: رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه (¬1) كلهم في الأذان من حديث أبي يحيى عن أبي هريرة وأبو يحيى هذا لم ينسب فيعرف حاله. 464 - قلت: يا رسول الله! اجعلني إمام قومي، قال: "أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم، واتخذ مؤذّنا لا يأخذ على آذانه أجرًا". قلت: رواه أبو داود والنسائي والحاكم في المستدرك (¬2) وأخرج مسلم الفصل الأول (¬3) وأخرج ابن ماجه الفصلين في موضعين (¬4) وأخرج الترمذي (¬5) الفصل الأخير كلهم من حديث عثمان بن أبي العاص. 465 - "عَلّمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقول عند أذان المغرب: اللهم هذا إقبال ليلك، وإدبار نهارك، وأصوات دُعاتك، فاغفر لي". قلت: رواه أبو داود في الصلاة من حديث القاسم بن معن عن المسعودي عن أبي كثير عن أم سلمة، واسم المسعودي عبد الرحمن، والترمذي في الدعوات من حديث حفصة ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (515)، والنسائي (2/ 13)، وابن ماجه (724)، وابن حبان (1666) وإسناده حسن. أبو يحيى اسمه: سمعان الأسلمي لا بأس به والراوي عنه موسى بن أبي عثمان روى عن جمع وروى عنه جمع وذكره ابن حبان في الثقات (7/ 454)، وقال الثوري: وإن مؤدبًا ونعم الشيخ كان. وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (8/ 1539): سألت أبي عنه فقال: كوفي شيخ. وشيخه أبو يحيى اسمه سمعان الأسلمي مولاهم المدني روى عن جمع وروى عنه ابناه محمد وأنيس وموسى بن أبي عثمان وذكره ابن حبان في ثقاته (4/ 345) , وقال النسائي: لا بأس به، وانظر التلخيص الحبير (1/ 366 - 367)، والعلل لابن أبي حاتم (1/ 193)، وكلام ابن حبان في صحيحه كذلك برقم (1666) وهذا يخالف ما قاله الشيخ الألباني في تعليقه على صحيح ابن خزيمة (390). (¬2) أخرجه أبو داود (531)، والنسائي (2/ 23)، والحاكم (1/ 199) وقال صحيح على شرط مسلم. (¬3) أخرجه مسلم (4681). (¬4) أخرجه ابن ماجه (714)، وإسناده ضعيف. (¬5) أخرجه الترمذي (209)، وقال: حديث عثمان حديث حسن. وابن حزم في المحلى (3/ 145)، وانظر الإرواء (1492) وتعليق العلامة أحمد شاكر على الترمذي.

بنت أبي كثير عن أبيها عن أم سلمة، وقال: غريب، إنما نعرفه من هذا الوجه، ورواه الحاكم في المستدرك من حديث القاسم بن معن به وأقره الذهبي على تصحيحه (¬1) وقد ذكر النووي هذا الحديث في الأحاديث الضعيفة. (¬2) 466 - ويروى أن بلالًا أخذ في الإقامة، فلما أن قال: قد قامت الصلاة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أقامها الله وأدامها" وقال في سائر الإقامة: كنحو حديث عمر في الأذان. قلت: رواه أبو داود وهو بعض حديث من حديث شهر بن حوشب عن أبي أمامة أو عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفى إسناده رجل مجهول وشهر بن حوشب تكلم فيه غير واحد ووثقه أحمد ويحيى بن معين. (¬3) 467 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُردّ الدعاءُ بَيْن الأذان والإقامة". قلت: رواه أبو داود والترمذي كلاهما في الصلاة والنسائي في اليوم والليلة (¬4) كلهم عن معاوية بن قُرّة عن أنس، قال الترمذي: حديث حسن، وأخرجه النسائي من ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (530)، والترمذي (3589)، وقال أيضًا: وحفصة بنت أبي كثير لا نعرفها ولا أباها. والحاكم (1/ 199)، وإسناده ضعيف. والمسعودي هو: عبد الرحمن بن عبد الله بن عنبة بن مسعود الكوفي قال الإمام أحمد: ثقة كثير الحديث، اختلط ببغداد. وهنا يرويه عن المسعودي القاسم بن معين وسمع عن المسعودي في زمن الاختلاط. وفي سنده كذلك أبو كثير وهو مجهول كما قال النووي وغيره. انظر النكت الظراف (مع التحفة) (13/ 44 - حديث 18246)، وتهذيب الكمال (34/ 224). (¬2) الخلاصة (1/ 294 رقم (842)). (¬3) أخرجه أبو داود (528)، وإسناده ضعيف، قال الحافظ: وهو ضعيف، والزيادة فيه لا أصل لها، التلخيص الحبير (1/ 378). وشهر بن حوشب قال الحافظ: صدوق، كثير الإرسال والأوهام، التقريب (2846). (¬4) أخرجه أبو داود (521)، والترمذي (212)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (68 - 70)، وأحمد (1/ 119). قلت: حديث معاوية بن مرّة عن أنس يروي من طريق زيد العَمِّي قال يحيى بن معين ليس بشيء ولخص الحافظ حاله في "التقريب" ضعيف (2143). ورواية بريد بن أبي مريم عن أنس =

حديث بريد بن أبي مريم عن أنس. قال المنذري: وهو أجود من حديث معاوية بن قُرّة، وقد روي عن قتادة عن أنس موقوفًا. (¬1) وبريدة بضم الباء الموحدة وفتح الراء وبالياء آخر الحروف. وقرة: بضم القاف وتشديد الراء المهملة وهاء التأنيث. 468 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ثنتان لا تُرّدان: الدعاء عند النداء، وعند البأس حين يَلحَم بعضهم بعضًا". قلت: رواه أبو داود في الجهاد والحاكم في المستدرك. (¬2) وفي رواية في أبي داود قال: وقت المطر (¬3) رواه من حديث سهل بن سعد يرفعه، وفي إسنادهما موسى بن يعقوب الزمعي روى له أصحاب السنن قال النسائي: ليس بالقوي ووثقه ابن معين، قال الذهبي (¬4): صويلح فيه لين , وقال الحاكم: تفرد به موسى، وله شواهد. ¬

_ = أخرجها أيضًا أحمد (3/ 225)، وابن خزيمة (427). وأبو يعلى (3679) من طريق أبي إسحاق الهَمْداني عن بريد به وهذا إسناده صحيح رجاله رجال مسلم غير بريد وهو ثقة، وبه يتقوّى الحديث. (¬1) مختصر سنن أبي داود للمنذري (1/ 283). (¬2) أخرجه أبو داود (2540) / والحاكم (1/ 198) , وقال: هذا حديث ينفرد به موسى بن يعقوب، وأقره الذهبي، وموسى سيء الحفظ، وحديثه حسن في الشواهد وأخرجه ابن حبان (1720)، عن مالك وقال ابن عبد البر فيما نقله عنه الزرقاني (1/ 46)، هذا الحديث موقوف عن جماعة، رواه الموطأ، ومثله لا يقال بالرأي، وقد رواه أيوب بن سويد ومحمد بن مخلد وإسماعيل بن عمرو عن مالك مرفوعًا. وأخرجه الطبراني في الكبير (5847) من طريق عبد الحميد بن سليمان عن أبي حازم عن سهل بن سعد مرفوعًا وعبد الحميد ضعيف. وعن مكحول عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا عند الشافعي في الأم (1/ 123 - 224) فالحديث صحيح بمجموع طرقها. ومن هنا يتبين أن موسى بن يعقوب لم ينفرد به. (¬3) زيادة "وقت المطر" إسنادها ضعيف في سندها رجل مجهول. (¬4) الكاشف (ت 5744).

فصل

469 - قال رجل: يا رسول الله إن المؤذنين يفضُلوننا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قل كما يقولون، فإذا انتهيت فسَل تُعْطَ". قلت: رواه أبو داود في الأذان والنسائي في اليوم والليلة كلاهما من حديث عبد الله بن عمرو ولم يضعفه أبو داود. (¬1) فصل من الصحاح 470 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن بلالًا ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم". قلت: رواه الشيخان في كتاب الصوم والترمذي والنسائي كلاهما في الصلاة كلهم من حديث ابن عمر يرفعه. (¬2) 471 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل، ولكن المستطير في الأُفُق". قلت: رواه مسلم في الصيام من حديث سمرة بن جندب (¬3) ولم يخرج البخاري عن سمرة في هذا شيئًا. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (524) والنسائي في اليوم والليلة (44) وإسناده حسن. وفي إسناده حيي بن عبد الله مختلف فيه قال الحافظ في "التقريب" (1615) صدوق يهم فمثله يكون حديثه حسنًا -إن شاء الله-. (¬2) أخرجه البخاري (617)، ومسلم (1092)، والترمذي (203)، والنسائي (2/ 10)، وفي الكبرى (1518)، وابن حبان (3469). (¬3) أخرجه مسلم (1094)، بلفظ مقارب وبلفظه التام أخرجه الترمذي (706)، وانظر إرواء الغليل (915).

472 - قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا وابن عم لي فقال لنا: "إذا سافرتما فأذَّنا وأَقِيما، وليؤُمَّكُما أكْبركما". قلت: رواه الجماعة بألفاظ مختلفة ومعنى متقارب في الصلاة من حديث مالك بن الحويرث ومنهم من يذكر فيه قصة، وأعاده البخاري في مواضع منها في الأدب وفي الجهاد. (¬1) 473 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا كما رأيتموني أُصلِّي، فإذا حضرت الصلاة فليؤذّن لكم أحدكم ثم ليؤمكم أكبركم". قلت: رواه البخاري في مواضع منها في باب "ليؤذّن في السفر مؤذن واحد"، وفي باب "الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة" بهذا اللفظ، ومسلم في الصلاة ولم يقل فيه: "صلوا كما رأيتمونى أصلّي" كلاهما من حديث مالك بن الحويرث يرفعه. (¬2) 474 - قال: "إنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - حين قَفل من خيبر سار ليلة، حتى إذا أدركه الكرى عرَّس، ونام هو وأصحابه، فلم يستيقظ أحد من الصحابة حتى ضربَتْهم الشمس، فكان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أولهم استيقاظًا، فقال: اقتادوا، فاقتادوا رواحِلهم شيئًا ثم توضَّأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأمر بلالا فأقام الصلاة، فصلّى بهم الصبح، فلما قضى الصلاة قال: من نسي الصلاة فليصلّها إذا ذكرها فإن الله تعالى قال: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)}. قلت: رواه مسلم من حديث أبي هريرة (¬3) ولم يخرجه البخاري. واقتادوا معناه: أسرعوا، واختُلف في معنى مفارقة ذلك المكان، فمن لم يجوّز قضاء الفائتة في وقت الكراهة قال: إنه - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك حتى ترتفع الشمس فيخرج وقت ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (628) (630)، وفي أخبار الآحاد (7246) وفي الجهاد (2848)، وفي الأدب (6008)، ومسلم (674)., وأبو داود (589)، والنسائي (2/ 9)، والترمذي (205)، والنسائي (2/ 8 - 9)، وابن ماجه (979). (¬2) أخرجه البخاري (631) (6008)، ومسلم (674) وانظر جامع الأصول (5/ 576 - 577). (¬3) أخرجه مسلم (680) وانظر جامع الأصول (5/ 194).

الكراهة، ومن جوّز وعليه الأ كثرون قال: معناه أنه أراد أن يتحول عن المكان الذي أصابتهم فيه النومة والنسيان، وقد جاء في رواية أبي حازم عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ليأخذ كل واحد برأس راحلته فإن هذا منزل حضرنا فيه الشياطين. (¬1) 475 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني خرجت". قلت: رواه الشيخان (¬2) في الصلاة من حديث أبي قتادة ولم يذكر البخاري "خرجت". 476 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تَسْعون، وأتوها تمشون وعليكم السكنية، فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتِمُّوا". قلت: رواه الشيخان (¬3) في الصلاة من حديث أبي هريرة. وفيه دليل على أن ما يدرك المرء من صلاة إمامه فهو أول صلاته لأن لفظ الإتمام يقع على باقي شيء تقدم أوله، وهو رأى الجماعة من الصحابة، وإليه ذهب الشافعي، ومن قال: ما بقى فهو أول صلاته، استدل برواية: "وما فاتكم فاقضُوا". ويروى: "فإنّ أحدكم إذا كان يَعْمِد إلى الصلاة فهو في صلاة". قلت: رواه مسلم وهي رواية من الحديث الذي قبلها ولم يخرج البخاري هذه الرواية. ¬

_ (¬1) انظر مسلم (2/ 680). (¬2) أخرجه البخاري (637)، ومسلم (604). (¬3) أخرجه البخاري (908)، ومسلم (602).

باب المساجد ومواضع الصلاة

باب المساجد ومواضع الصلاة من الصحاح 477 - " لما دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - البيت دعا في نواحيه كلّها ولم يصلّ حتى خرج، فلما خرج ركع ركعتين في قُبُل الكعبة وقال: هذه القبلة". قلت: رواه الشيخان البخاري في الصلاة (¬1) ومسلم في الحج كلاهما من حديث ابن عباس عن أسامة بن زيد (¬2) يرفعه وكذلك النسائي. والقبل: بضم القاف والباء الموحدة ويجوز إسكانها قيل معناه ما استقبلك منها وقيل مقابلها والمراد هنا عند بابها وكانت الصلاة ركعتين. قال الخطابي: ومعنى هذه القبلة أن أمر القبلة قد استقر على هذا البيت لا ينسخ بعد اليوم فصلوا إلى الكعبة. ويحتمل أن معناه هذه الكعبة هي المسجد الحرام الذي أمرتم باستقباله لا كل الحرام ولا مكة ولا كل المسجد الذي حول الكعبة بل هي الكعبة نفسها فقط. (¬3) 478 - إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل الكعبة هو وأسامة بن زيد وعثمان بن طلحة الحَجَبي وبلال بن رباح، فأغلقها عليه ومكث فيها، فسألت بلالا حين خرج: ماذا صنع رسول ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (398). (¬2) أخرجه مسلم (1330)، والنسائي في السنن الكبرى (3892)، وابن عباس ثبت في السنن الكبرى ولم يثبت في المجتبى (5/ 218)، ورجح الحافظ في الفتح (1/ 501) أن الحديث عن أسامة. (¬3) تكملة كلام الخطابي: .. فصلوا إلى الكعبة أبدًا، فهي قبلتكم، قال: ويحتمل وجهًا آخر، وهو أنه علمهم السنة في مقام الإمام واستقباله القبلة من وجه الكعبة دون أركانها وجوانبها الثلاثة، وإن كانت الصلاة من جميع جهاتها مجزئة. انظر: أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري (1/ 380 - 381)، وشرح السنة للبغوي (2/ 334)، وفتح الباري (3/ 468 - 469) وفيه تفصيل جيد.

الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: "جعل عمودًا على يساره وعمودين عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه، ثم صلى". قلت: رواه الشيخان البخاري (¬1) في مواضع منها في الصلاة وفي المغازي ومسلم في الحج واللفظ له كلاهما من حديث عبد الله بن عمر عن بلال رضي الله عنهم. 479 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام". قلت: رواه البخاري والترمذي وابن ماجه في الصلاة ومسلم والنسائي في الحج كلهم من حديث سليمان الأغر عن أبي هريرة يرفعه. (¬2) ورواه مسلم (¬3) أيضًا من حديث ابن عمر ولم يخرج البخاري عن ابن عمر في هذا شيئًا. 480 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا". قلت: رواه البخاري في الصلاة بيت القدس. وفي الحج وفي الصوم، ومسلم في المناسك كلاهما من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة، والترمذي والنسائي كلاهما في الصلاة. (¬4) 481 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (505)، ومسلم (1329). (¬2) أخرجه البخاري (1190)، ومسلم (1394)، والنسائي (2/ 35) (5/ 214)، والترمذي (325)، وابن ماجه (1403). (¬3) أخرجه مسلم (1396). (¬4) أخرجه البخاري في الجمعة (1197)، وفي الصوم (1995)، وفي الحج (1864)، ومسلم (827)، والترمذي (326)، وابن ماجه (1410). وانظر شرح السنة للبغوي (2/ 336).

قلت: رواه البخاري في الصلاة وفي الحوض ومسلم في المناسك كلاهما من حديث أبي هريرة يرفعه. (¬1) 482 - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يأتي مسجد قباء كل سبت ماشيا وراكبا فيصلِّي فيه ركعتين". قلت: رواه البخاري في الصلاة ومسلم في أواخر الحج وكذلك أبو داود كلهم من حديث ابن عمر. (¬2) 483 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أحب البلاد إلى الله مساجدها وأبغض البلاد إلى الله أسواقها". قلت: رواه مسلم (¬3) في الصلاة وابن حبان في صحيحه كلاهما من حديث عبد الرحمن بن مهران عن أبي هريرة يرفعه ولم يخرجه البخاري. 484 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من بنى لله مسجدًا بنى الله له بيتًا في الجنة". قلت: رواه الشيخان في الصلاة من حديث عثمان بن عفان يرفعه. (¬4) 485 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له منزلة من الجنة كلما غدا أو راح". قلت: رواه الشيخان في الصلاة من حديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة يرفعه. (¬5) 486 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أعظم الناس أجرًا في الصلاة أبعدهم، فأبعدهم مَمْشىً، والذي ينتظر الصلاة حتى يُصَلِّيْها مع الإمام أعظمُ أجرًا من الذي يُصلّي ثم ينام". قلت: رواه الشيخان في الصلاة من حديث أبي بردة عن أبي موسى يرفعه. (¬6) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الصلاة (1196)، وفي الرقاق (6588)، ومسلم (1391). (¬2) أخرجه البخاري (1193)، ومسلم (1399)، والنسائي (2/ 37). (¬3) أخرجه مسلم (671)، وابن حبان (1600). (¬4) أخرجه البخاري (450)، ومسلم (533). (¬5) أخرجه البخاري (662)، ومسلم (669). (¬6) أخرجه البخاري (651)، ومسلم (662).

487 - قال: أراد بنو سلمة أن ينتقلوا قُرْبَ المسجد فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا بني سلمة! دياركم، تُكْتَب آثارُكم، دياركم، تُكْتَبُ آثاركم". قلت: رواه مسلم (¬1) في الصلاة من حديث جابر يرفعه، ولم يخرجه البخاري من حديث جابر وخرّج معناه من حديث أنس. (¬2) 488 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سبعه يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظلّه: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه، وتفرقا عليه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات حسب وجمال فقال: أني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شمالُه ما تُنْفق يمينُه". قلت: رواه الشيخان في الزكاة (¬3) من حديث حفص بن عاصم عن أبي هريرة والترمذي في الزهد عن حفص عن أبي هريرة وعن أبي سعيد بالشك، والنسائي في القضاء، وفي الرقائق عن أبي هريرة من غير شك وقد أعاده البخاري في مواضع. 489 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "صلاة الرجل في الجماعة تُضَعَّف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسًا وعشرين ضعفًا، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يَخْطُ خطوة إلا رفعت له بها درجة وحُطّ عنه بها خطيئة، فإذا صلّى لم تزل الملائكة تصلّي عليه ما دام في مُصلاّه". قلت: رواه البخاري في فضل صلاة الجماعة واللفظ له ومسلم في الصلاة كلاهما من ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (665). (¬2) أخرجه البخاري (655)، (1887). (¬3) أخرجه البخاري في الأذان (660)، وفي الزكاة (1423)، وفي الحدود (6806)، وفي الرقاق (6479)، ومسلم في الزكاة (1031)، والترمذي (2391).

حديث أبي هريرة يرفعه. (¬1) 490 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزال أحدكم في صلاة ما دام ينتظرها، ولا تزال الملائكة تصلّي على أحدكم ما دام في المسجد: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يُحْدِثْ". قلت: رواه مسلم وأبو داود والترمذي ثلاثتهم في الصلاة من حديث أبي هريرة يرفعه ورواه البخاري في بدء الخلق وفي غيره بألفاظ متقاربة (¬2). 491 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: "اللهم افتح لي أبواب رحمتك"، وإذا خرج فليقل: "اللهم إني أسألك من فضلك". قلت: رواه مسلم وأبو داود والنسائي كلهم في الصلاة من حديث أبي حميد أو أبي سيد على الشك، إلا النسائي فإنه رواه عنهما جميعًا من غير شك ورواه ابن ماجه عن أبي حميد وحده (¬3) ولم يخرج البخاري هذا الحديث. 492 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس". قلت: رواه الجماعة في الصلاة من حديث أبي قتادة يرفعه. (¬4) 493 - "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يقدم من سفر إلا نهارًا في الضحى، فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلى فيه ركتين ثم جلس فيه". قلت: رواه الشيخان البخاري في الجهاد ومسلم في الصلاة واللفظ له وأبو داود في الجهاد والنسائي في السير من حديث كعب بن مالك. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (647)، ومسلم (649)، وأبو داود (559)، والترمذي (603). (¬2) أخرجه مسلم (649/ 4)، وأبو داود (469) و (470)، والترمذي (330)، والنسائي (2/ 55)، وفي الكبرى (723)، وابن حبان (1753). وانظر رواية البخاري (647) و (2119) و (3229). (¬3) أخرجه مسلم (713)، وأبو داود (465)، والنسائي (2/ 53)، وابن ماجه (772). (¬4) أخرجه البخاري (444)، ومسلم (714)، وأبو داود (467)، والترمذي (316)، والنسائي (2/ 53)، وابن ماجه (1013). (¬5) أخرجه البخاري (3088)، ومسلم (716)، وأبو داود (2781)، والنسائي في الكبرى (8775).

494 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من سمع رجلًا ينشُد ضالة في المسجد فليقل: لا ردّها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا". قلت: رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه (¬1) ثلاثتهم في الصلاة من حديث أبي هريرة ولم يخرج البخاري هذا الحديث. 495 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من أكل من هذه الشجرة المنتنة فلا يَقْرَبنّ مسجدنا فإن الملائكة تتأذّى مما يتأذّى منه الإنس". قلت: رواه مسلم في الصلاة بهذ اللفظ من حديث جابر بن عبد الله ولم يخرجه البخاري بهذا اللفظ. (¬2) 496 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "البزاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها". قلت: رواه الشيخان في الصلاة من حديث أنس. (¬3) 497 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "عرضت على أعمال أمتي حَسَنها وسَيِّئُها، فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يُماط عن الطريق، ووجدت في مساوىء أعمالِها النُّخاعة تكون في المسجد لا تُدْفَن". قلت: رواه مسلم في الصلاة وابن حبان في صحيحه كلاهما من حديث أبي ذر ولم يخرجه البخاري. (¬4) 498 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصق أمامه، فإنما يناجي الله ما دام في مصلاه، ولا عن يمينه، فإن عن يمينه ملكًا لِيبصق عن يساره، أو تحت قدميه فيدفنها". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (568)، وأبو داود (473)، وابن ماجه (767). (¬2) أخرجه مسلم (568). (¬3) أخرجه البخاري (415)، ومسلم (552). (¬4) أخرجه مسلم (554)، وابن حبان (1640).

من الحسان

قلت: رواه البخاري منفردًا بهذا اللفظ من حديث أبي هريرة في الصلاة. (¬1) - وفي رواية: أو تحت قدمه اليسرى. قلت: رواها البخاري من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة. (¬2) 499 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". قلت: رواه الشيخان في الصلاة من حديث عائشة وابن عباس. (¬3) 500 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك". قلت: رواه مسلم في الصلاة من حديث جندب بن عبد الله قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور" .. الحديث. ولم يخرج البخاري عن جندب في هذا شيئًا. (¬4) 501 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبورا". قلت: رواه الشيخان وأبو داود وابن ماجه كلهم في الصلاة من حديث عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر يرفعه. (¬5) من الحسان 502 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ما بين المشرق والمغرب قبلة". قلت: رواه الترمذي في الصلاة من حديث أبي هريرة وقال: قد روي من غير هذا الوجه، ثم ذكر الترمذي له طرقًا وصححها، ورواه الحاكم في المستدرك ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (416)، ومسلم (550) بمعناه. (¬2) أخرجه البخاري (408)، (409)، ومسلم (548) عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة وعنهما بمعناه. (¬3) أخرجه البخاري (435)، (436)، ومسلم (531). (¬4) أخرجه مسلم (532). (¬5) أخرجه البخاري (1043)، (1448)، وابن ماجه (1377)، والنسائي (3/ 197).

وقال: على شرط الشيخين وأقره الذهبي على ذلك. (¬1) 503 - خرجنا وفدًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فبايعناه وصلينا معه وأخبرناه أن بأرضنا بيعة لنا فقال: "إذا أتيتم أرضكم فاكسروا بيعتكم وانضحوا مكانها بهذا الماء واتخذوها مسجدًا". قلت: رواه النسائي (¬2) في الصلاة عن هناد عن ملازم عن عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق عن أبيه، ورواه ابن ماجه في صحيحه مطولًا عن أبي خليفة قال: حدثنا مسدد بن مسرهد قال: حدثنا ملازم بالسند قال: خرجنا ستة وفدًا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسة من بني حنيفة وسادس رجل من بني ضبيعة بن ربيعة حتى قدمنا علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبايعناه صلّينا معه وأخبرناه أن بأرضنا بيعةً لنا واستوهبناه من فضل طهوره فدعا بماء فتوضأ منه، وتمضمض ثم صبّه لنا في إداوة ثم قال: اذهبوا بهذا الماء، فإذا قدمتم بلدكم فاكسروا بيعتكم ثم انضحوا مكانها من هذا الماء، واتخذوا مكانها مسجدًا، فقلنا: يا رسول الله البلد بعيد، والماء ينشف، قال: فامِدّوه من الماء فإنه لا يزيد إلا طيبًا، فخرجنا فتشاححنا على حمل الإداوة أينا يحملها فجعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكل رجل منا يومًا وليلةً، فخرجنا بها حتى قدمنا بَلَدنا فعملنا الذي أمَرَنا، وراهب ذلك القوم رجل من طي فنادينا بالصلاة فقال الراهب: دعوة حق ثم هرب فلم يعد والبيعة بالكسر للنصارى. 504 - "أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ببناء المساجد في الدور وأن تنظّف وتطيّب". قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه في الصلاة وابن حبان في صحيحه (¬3) كلهم ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (344)، وابن ماجه (1011)، والحاكم (1/ 9205) وقال صحيح على شرط الشيخين، وليس كذلك، فإن شعيب بن أيوب صدوق يدلس كما في "التقريب" (2809) وليست له رواية عند الشيخين ولا عند الأربعة. لكن إسناده يتقوى بالطرق، انظر الإرواء (292). (¬2) وأخرجه النسائي (2/ 38 - 39)، وابن حبان (1602 - الإحسان) وإسناده صحيح. (¬3) أخرجه أبو داود (455)، والترمذي (594)، وابن ماجه (758)، وابن حبان (1634)، وأخرجه الترمذي (595، 596) مرسلًا، ولا يُعل المسند بالرسل لأن الوصل من الثقة زيادة مقبولة. وانظر شرح السنة للبغوي (499).

من حديث عائشة رضي الله عنها وأخرجه الترمذي مرسلا وقال: وهذا أصح من الحديث الأول. 505 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما أمرت بتشييد المساجد". قال ابن عباس: لتزخرفُنَّها كما زخرفت اليهود والنصارى". قلت: رواه أبو داود في الصلاة من حديث ابن عباس وسكت عليه هو والمنذري. (¬1) 506 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن من أشراط الساعة أن يتباهى الناس في المساجد". قلت: رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه ثلاثتهم في الصلاة من حديث أنس وسكت عليه أبو داود واللفظ له. (¬2) 507 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "عرضت علي أجورُ أمتي حتى القَذَاة يُخرجُها الرجل من المسجد، وعرضت عليّ ذنوب أمتي، فلم أر ذنبًا أعظم من سورة من القرآن أو آية أُوتيها رجلٌ ثم نَسيِها". قلت: رواه أبو داود (¬3) والترمذي كلاهما في الصلاة من حديث المطلب ابن عبد الله بن حنطب عن أنس يرفعه، قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، قال: وذاكرت به محمد بن إسماعيل يعني البخاري فلم يعرفه واستغربه، قال محمد: ولا أعرف للمطّلب بن عبد الله سماعًا من أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا قولَه: حدثني من شهد خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: وسمعت عبد الله بن عبد الرحمن يقول: لا نعرف ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (448)، وإسناده صحيح على شرط مسلم. (¬2) أخرجه أبو داود (449)، والنسائي (2/ 32)، وابن ماجه (739)، وإسناده صحيح. (¬3) أخرجه أبو داود (461)، والترمذي (2916)، وأبو يعلى (4265)، وابن خزيمة (1297)، والبيهقي في السنن (2/ 440) وله أكثر من علة فلذا أورده ابن الجوزي في العلل المتناهية (158).

للمطّلب سماعا من أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال عبد الله: وأنكر عليُّ بن المديني أن يكون المطّلب سمع من أنس. 508 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "بشّر المشّائين في الظُّلَم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة". قلت: رواه الحاكم من حديث سهل وقال: على شرطهما ولم يخرجاه انتهى. ورواه أبو داود والترمذي كلاهما في الصلاة من حديث بريدة بن الحصيب قال الترمذي: هذا حديث غريب وقال الدراقطني: تفرد به إسماعيل بن سليمان الضبي البصري الكحال عن عبد الله بن أوس عن بريدة. (¬1) 509 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا رأيتم الرجل يتعاهد المساجد فاشهدوا له بالإيمان، فإن الله يقول: {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر} ". قلت: رواه الترمذي في الإيمان وابن ماجه (¬2) في الصلاة في باب المساجد والحاكم في المستدرك ثلاثتهم من حديث أبي سعيد وقال الترمذي: حسن غريب، وقال الحاكم: صحيح، قال الذهبي: في سنده، دراج وهو كثير المناكير. 510 - قال عثمان بن مظعون: يا رسول الله ائذن لنا في الاختصاء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس منا من خَصَى ولا من اختصى إنّ خصاء أمتي الصيام" فقال: ائذَنْ لنا في ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (561)، والترمذي (223)، والحاكم (1/ 212) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. والحديث قال المنذري في الترغيب (1/ 212) رجال إسناده ثقات، والهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 30 - 31)، وقد ذكرا للحديث شواهد كثيرة بمعناه وبلفظه وبنحوه عن جماعة من الصحابة، فانظرها. وانظر طرقه كذلك في شرح سنن ابن ماجه لمغلطاي (حديث 780، 781). وقول الدارقطني في كتابه "أطراف الغرائب والأفراد" تصنيف محمد بن طاهر المقدسي (2/ 316)، أما إسماعيل بن سليمان الكحّال الضَّبَي أبو سليمان، فقال أبو حاتم: صالح الحديث. وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: "صدوق يخطيء" (455)، وانظر: تهذيب الكمال (3/ 106) وذكر المنذري في مختصر السنن هذا القول (1/ 295). (¬2) أخرجه الترمذي (3235)، وابن ماجه (802)، والحاكم (1/ 212). وإسناده ضعيف.

السياحة، قال: "إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله" فقال: ائذن لنا في الترهّب، فقال: "إن ترهّب أمتي الجلوس في المساجد انتظار الصلاة". قلت: رواه المصنف في شرح السنة بسنده المتصل من حديث سعد بن مسعود الصحابي أن عثمان بن مظعون أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله ائذن لنا في الاختصاء وساقه بسند فيه مقال. (¬1) 511 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "رأيت ربي تبارك وتعالى في أحسن صورة فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟ قلت: أنت أعلم أي رب -مرتين- قال: فوضع كفّه بين كَتِفَيّ فوجدت بردها بين ثدْيَيَّ فعلمت ما في السماء والأرض، ثم تلا هذه الآية {وكذلك نُري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين} ثم قال: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟ قلت: في الكفَّارات قال: وما هن؟ قلت: المشي على الأقدام إلى الجماعات، والجلوس في المساجد خلاف الصلوات، وإبلاغ الوضوء أماكنه في المكاره، من يفعل ذلك يعِشْ بخير وَيَمُتْ بخير، ويكون من خطيئته كيوم ولدته أمُّه، ومن الدرجات إطعام الطعام، ويذل السلام، وأن يقوم بالليل والناس نيام قال: قل اللهم إني أسألك الطيبات، وترك المنكرات وفعل الخيرات وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني وتتوب عليّ، وإذا أردت فتنة في قوم فتوفّني إليك غير مفتون". قلت: رواه المصنف في شرح السنة بسنده إلى عبد الرحمن بن عايش يرفعه وعبد الرحمن بن عائش لم يدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - ورواه الترمذي في التفسير في سورة الصافات، وذكره بطرق، منها ما حكم بصحته من حديث عبد الرحمن بن عائش الحضرمي عن مالك بن يُخامر السَّكسكي، عن معاذ بن جبل، قال: احتبس عنّا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ذات غَداة عن صلاة الصبح حتى كدنا نتراءَى عين الشمس، فخرج ¬

_ (¬1) أخرجه المصنف في شرح السنة (2/ 370 رقم 484) وفي إسناده رشدين بن سعد وابن أنعم الأفريقي فيهما ضعف. انظر ترجمة رشدين في الميزان (2/ 49)، وابن أنعم الأفريقي في الميزان أيضًا (2/ 561).

سريعًا فثوَّب بالصلاة، فصلّى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وتَجوز في صلاته، فلما سَلّم دعا بصوته فقال لنا: "على مصافِّكم كما أنتم" ثم انفَتَل إلينا ثم قال: "أَما إنّي سأحدثكم ما حبسني عنكم الغداة" إني قمت من الليل فتوضأت وصليت ما قُدّر لي فَنَعست في صلاتي حتى استثقلت، فإذا أنا بربّي تبارك وتعالى في أحسن صورة، فقال: يا محمد، قلت: لبّيك ربِّ، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري، قالها ثلاثًا، قال: فرأيته وضع كفه بين كتفيّ، قد وجدت برد أنامله بين ثَدْييَّ، فتجلّى لي كل شيء وعرفت، قال: يا محمد، قلت: لبيك ربِّ، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الكَفّارات، قال: ما هُنّ؟ قلت: مَشيُ الأقدام إلى الحسنات، والجلوس في المساجد بعد الصلوات، وإسباغ الوضوء حين الكريهات، قال: فيمَ؟، قلت: إطعام الطعام، ولين الكلام، والصلاة بالليل والناس نيام، قال: سل، قال: اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحبَّ المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة في قوم فتوفَّني غير مفتون، أسألك حبك وحبّ من يحبك، وحبّ عمل يقرب إلى حبك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنها حقٌ فادْرُسُوها ثمّ تَعْلَمُوْها. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال: هذا حديث حسن صحيح والله أعلم. (¬1) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3235)، وقال أيضًا: وروى بشر بن بكر عن عبد الرحمن بن يزيد ابن جابر هذا الحديث بهذا الإسناد عن عبد الرحمن بن عائش عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا أصح، وعبد الرحمن بن عائش لم يسمع من النبي - صلى الله عليه وسلم -، والطبري في تفسيره (7/ 162)، والدارمي في السنن (2/ 126)، وأخرجه أحمد (5/ 243)، والترمذي في العلل الكبير (661)، وابن خزيمة في التوحيد (ص 218)، والطبراني في الكبير (20/ 216)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (13)، وانظر الاختلاف في صحبة ابن عائش في الإصابة (2/ 397) والحديث صحيح إن شاء الله. وقد اختلف فيه على عبد الرحمن بن عائش رضي الله عنه إذ عده البعض من الصحابة ولم يعده آخرون. وقد ذكره البيهقي في الأسماء والصفات (40) بعد أن ذكر حديث ابن عائش.

512 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثة كلهم ضامن على الله: رجل خرج غازيا في سبيل الله فهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيُدخله الجنة أو يَرُدّه، بما نال من أجر أو غنيمة، ورجل راح إلى المسجد فهو ضامن على الله، ورجل دخل بيته بسلام فهو ضامن على الله". قلت: رواه أبو داود في الجهاد من حديث أبي أمامة (¬1) ولم يضعّفه. قوله - صلى الله عليه وسلم -: ضامن على الله أي مضمون، كقوله تعالى: {في عيشة راضية} أي مرضية قوله - صلى الله عليه وسلم -: دخل بيته بسلام قيل يحتمل وجهين، أحدهما: أن يُسلم إذا دخل منزله كما قال تعالى: {فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة} والآخر: أن يكون أراد بدخول بيته بسلام أي لزوم البيت لطلب السلامة من الفتن، يرغب بذلك في العزلة ويأمن من الفتنة. 513 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من خرج من بيته متطهرا إلى صلاة مكتوية فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمِر، وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في علِّيين". قلت: رواه أبو داود في الصلاة من حديث أبي أمامة يرفعه. قال المنذري: وفي سنده القاسم أبو عبد الرحمن وفيه مقال. (¬2) 514 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا مررتم برياض الجنة فارتعُوا، قيل: يا رسول الله! وما رياض الجنة؟ "، قال: المساجد، قيل: وما الرَّتْع يا رسول الله؟، قال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2494)، وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه أبو داود (558) وإسناده حسن. لأن القاسم أبو عبد الرحمن هو ابن عبد الرحمن الدمشقي صاحب أبي أمامةُ صدوق يغرب كثيرًا كما في "التقريب" (5505) قيل لم يسمع من أحد من الصحابة سوى أبي أمامة وعليه فالحديث حسن بهذا الإسناد. وانظر: مختصر السنن للمنذري (1/ 294).

قلت: رواه الترمذي في الدعوات في باب ذكر فيه أسماء الله الحسنى من حديث حميد المكي عن عطاء عن أبي هريرة يرفعه وقال غريب. (¬1) 515 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من أتى المسجد لشيء فهو حظُّه". قلت: رواه أبو داود (¬2) في الصلاة من حديث أبي هريرة يرفعه، وفي إسناده عثمان بن أبي العاتكة. قال المنذري: وقد ضعفه غير واحد وقال الذهبي: ضعّفه النسائي ووثقه غيره. 516 - قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم وقال: رب اغفر لي ذُنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج صلى على محمد وسلم وقال: رب اغفر لي ذُنوبي وافتح لي أبواب فضلك". (ليس بمتصل). قلت: رواه الترمذي في الصلاة من حديث فاطمة بنت الحسين عن جدتها فاطمة الكبرى وقال: حديث حسن، وليس إسناده بمتصل، وفاطمة بنت الحسين لم تدرك فاطمة الكبرى إنما عاشت بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أشهرا. (¬3) 517 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أنه نهى عن تناشد الأشعار في المسجد، وعن البيع والاشتراء فيه، وأن يتحلّق الناس يوم الجمعة قبل الصلاة". قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه كلهم في الصلاة، قال الترمذي: حديث حسن، وعمرو بن شعيب هو ابن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص قال محمد بن إسماعيل: رأيت أحمد وإسحاق، وذكر غيرهما: يحتجُّون بحديث عمرو بن شعيب، ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3509)، وإسناده ضعيف. حميد المكي قال الحافظ في "التقريب" مجهول، (1559) وذكر ابن عدي في الكامل (2/ 689) أنه لا يتابع على حديثه هذا. (¬2) أخرجه أبو داود (472)، وفي إسناده عثمان بن أبي العاتكة انظر "الضعفاء والمتروكون" للنسائي (437)، والجرح (896). وقال الحافظ: صدوق، ضعّفوه في روايته عن علي بن يزيد الألهاني (4515)، وقول الذهبي في الكاشف (2/ 8)، أما قول المنذري فهو في مختصر السنن (1/ 262). (¬3) أخرجه الترمذي (314)، وإسناده ضعيف كما قال المؤلف: وكذلك في الإسناد ليث بن أبي سليم وهو كما قال الحافظ: صدوق اختلط جدًّا ولم يتميز حديثه فترك، التقريب (5721).

قال محمد: وقد سمع شعيب بن محمد من عبد الله بن عمرو، قال: وقد تكلّم في حديث عمرو بن شعيب وأنه إنما ضعُف لأنه يحدّث عن صحيفة جده، كأنهم رأو أنه لم يسمع هذه الأحاديث من جده، قال علي بن عبد الله: عن يحيى بن سعيد أنه قال: حديث عمرو بن شعيب عندنا واهٍ انتهى كلام الترمذي. (¬1) 518 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أريح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشُد فيه ضالّة فقولوا: لا ردّ الله عليك ضالتك". قلت: رواه الترمذي في آخر البيوع والنسائي في اليوم والليلة كلاهما من حديث محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة يرفعه، ورواه ابن حبان القطعة الأولى من هذا الوجه والقطعة الثانية من وجه آخر، وقال الترمذي: حديث حسن غريب. (¬2) 519 - "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يستقاد في المسجد، وأن يُنْشَد فيه الأشعار، وأن تُقام فيه الحدود". قلت: رواه أبو داود (¬3) في آخر الحدود من حديث حكيم بن حزام. قال المنذري (¬4): وفي إسناده محمد بن عبد الله الشعيثي النصري الدمشقي وقد وثقه غير واحد وقال أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه ولا يحتج به. والشعيثي بضم الشين المعجمة وفتح العين المهملة وسكون الياء أخر الحروف وبعدها ثاء مثلثة. والنصري بفتح النون وسكون الصاد المهملة ويقال فيه أيضًا العقيلي. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1079)، والترمذي (322)، وابن ماجه (749)، والنسائي (2/ 47) (48)، وفي عمل اليوم والليلة (173). وإسناده حسن من انظر حول رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. (¬2) أخرجه الترمذي (1321)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (176)، وابن حبان (1650)، والدارمي (1408)، وابن خزيمة (1305)، والبيهقي (2/ 447)، وانظر: إرواء الغليل للشيخ الألباني (1295). (¬3) أخرجه أبو داود (4490). (¬4) مختصر السنن (6/ 292). (¬5) قال الحافظ ابن حجر: صدوق من السابعة، التقريب (6090).

520 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نهى عن هاتين الشجرتين -يعني البصل والثوم- وقال: "من أكلهما فلا يقرَبنّ مسجِدَنا" وقال: "إن كنتم لا بد أكليهما فأميتوهما طبخًا". قلت: رواه أبو داود في الأطعمة والنسائي في الوليمة ولم يضعّفه أبو داود. (¬1) 521 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمّام". قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه (¬2) كلهم في الصلاة من حديث أبي سعيد الخدري وروى هذا الحديث مسندًا ومرسلًا. قال الترمذي: وهذا حديث فيه اضطراب، وذكر أن سفيان الثوري أرسله، وكأَنَّ رواية الثوري عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا أثبت وأصح انتهى كلام الترمذي. 522 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نهى أن يصلّى في سبعة مواطن: في المَزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، وفي الحمام، ومعاطن الإبل، وفوق ظهر بيت الله". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه (¬3) من حديث ابن عمر، وقال الترمذي: ليس إسناده بذاك القوي. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3827)، والنسائي في الكبرى (6680/ 2) (تحفة الأشراف 8/ 281 رقم 11080)، عن معاوية بن قرة عن أبيه. وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه الترمذي (317)، وأبو داود (492)، وابن ماجه (745)، وأحمد (3/ 83)، وأبو يعلى (1350)، وابن حبان (1699) وإسناده صحيح. قلت: وإعلال الحديث بالإرسال ليس قويًّا فقد رواه موصولًا غير واحد من الثقات والزيادة من الثقة مقبولة، انظر سنن البيهقي (2/ 434 - 435). قال صاحب الإمام: حاصل ما علل به الإرسال، وإذا كان الواصل له ثقة فهو مقبول. انظر: التلخيص الحبير (1/ 500 - 501) وقد أجاد العلامة الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى في بيان صحة الرفع فراجع تعليقه على الترمذي. (¬3) أخرجه الترمذي (346)، وابن ماجه (746) وفي إسناد ابن ماجه عبد الله بن صالح، وعبد الله بن عمر العمري، وذكر ابن أبي حاتم في "العلل" (148): هما جميعًا واهيان، وفي سند الترمذي: زيد بن =

523 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل". قلت: رواه الترمذي (¬1) في الصلاة من حديث ابن سيرين عن أبي هريرة وقال: حديث حسن صحيح. ومرابط: جمع مربط وهو مأوى الغنم، والأعطان: جمع العطن وهو الموضع الذي ينحّى إليه الإبل، يقرب الماء ليرد غيرها وتعاد إلى الشرب مرة أخرى. 524 - لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج". قلت: رواه أبو داود والنسائي كلاهما في الجنائز والترمذي في الصلاة وابن ماجه مختصرًا في الجنائز كلهم من حديث أبي صالح عن ابن عباس وقال الترمذي: حديث حسن. (¬2) قال المنذري (¬3): وفيما قاله: نظر، فإن أبا صالح -هذا- هو باذام، ويقال: باذان، مكي مولى أم هانىء بنت أبي طالب، وهو صاحب الكلبي، وقد قيل إنه لم يسمع من ابن عباس، وقد تكلم فيه جماعة من الأئمة، وقال ابن عدي: ولم أعلم أحدًا من المتقدمين رضيه، وقد نقل عن يحيى بن سعيد القطان وغيره تحسين أمره، فلعله يريد: رضيه حجة، أو قال: هو ثقة، انتهى كلام المنذري. 525 - "إن حَبْرًا من اليهود سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أي البقاع خير؟ فسكت عنه وقال: "أسكت حتى يجيء جبريل، فسكت، وجاء جبريل عليه السلام فسأل فقال: "ما المسؤل ¬

_ = جَبيرة. وهو متروك، التقريب (2134). انظر: التلخيص الحبير (1/ 386 - 387)، وضعيف الترمذي (161). (¬1) أخرجه الترمذي (348)، وابن ماجه (768)، وإسناه صحيح. (¬2) أخرجه ابو داود (3236)، والنسائي (4/ 94 - 95)، والترمذي (320)، وابن ماجه (1575)، وإسناده ضعيف. (¬3) مختصر السنن (4/ 349 - 350) وانظر ما قاله ابن القيم في تهذيبه للسنن في المصدر السابق ففيه فوائد عظيمة حول زيارة النساء، والجمع بين الروايات.

باب الستر

عنها بأعلم من السائل، ولكن أسأل ربي تبارك وتعالى، ثم قال جبريل: يا محمد إنّي دنوت من الله دُنُوًّا ما دنوت منه قط، قال: كيف كان يا جبريل؟ قال: كان بيني وبينه سبعون ألف حجاب من نور، فقال: شرّ البقاع أسواقُها وخير البقاع مساجدُها". قلت: روى ابن حبان (¬1) في صحيحه من حديث محارب بن دثار عن ابن عمر أن رجلًا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أي البقاع شر قال: لا أدري، حتى أسأل جبريل فسأل جبريل، فقال: لا أدري حتى أسأل ميكائيل، فجاء فقال: خير البقاع المساجد، وشرها الأسواق. باب الستر من الصحاح 526 - " رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يصلي في ثوب واحد مشتملًا به في بيت أم سلمة واضعًا طرفيه على عاتقيه". قلت: رواه الشيخان بهذا اللفظ ومالك وأبو داود والترمذي والنسائي كلهم في الصلاة من حديث عمر بن أبي سَلَمة. (¬2) 527 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُصَلّين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقيه منه شيء". ¬

_ (¬1) أخرجه ابن حبان (1599). وإسناده حسن رجاله ثقات إلا أن في الإسناد عطاء بن السائب وقد رمي بالاختلاط، وجرير بن عبد الحميد ممن روى عنه بعد الاختلاط لكن يشهد له حديث أبي هريرة عند مسلم (671). وحديث جبير بن مطعم عند أحمد (4/ 81)، والحاكم (1/ 89) وصححه. (¬2) أخرجه البخاري (356)، ومسلم (517)، وأبو داود (628)، والترمذي (339)، والنسائي (2/ 170)، ومالك (1/ 140)، وابن ماجه (1049). هذا الحديث هو أول حديث من "الحسان" في المطبوع من المصابيح.

قلت: رواه الشيخان وأبو داود والنسائي كلهم في الصلاة من حديث أبي هريرة. (¬1) 528 - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من صلّى في ثوب فليخالف بين طرفيه". قلت: رواه البخاري فيه من حديث أبي هريرة. (¬2) 529 - "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلّى في خميصة لها أعلام، فنظر إلى أعلامها نظرة، فلما انصرف قال: "اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم واتوني بأَنْبجانية أبي جهم فإنها ألهتني آنفًا عن صلاتي". قلت: رواه الشيخان في الصلاة (¬3) من حديث عائشة. - وفي رواية: "كنت أنظر إلى عَلَمِها وأنا في الصلاة، فأخاف أن تفتنني". قلت: هذه الرواية في البخاري بهذا اللفظ وليس بمتصل. (¬4) الخميصة: هي كساء مربع من صوف. قوله: بأنبجانية قال القاضي عياض (¬5): رويناه بفتح الهمزة وكسرها وبفتح الباء وكسرها أيضًا في غير مسلم، وبالوجهين ذكرها ثعلب قال: ورويناه بتشديد الياء في آخره وتخفيفها معًا في غير مسلم، إذ هو في رواية لمسلم: بأنبجانية مشدد مكسور على الإضافة إلى أبي جهم، وقال ثعلب: يقال ذلك لكل ما كثف والتف به، وقال غيره: إذا كان الكساء لا علم له فهو أنبجانية، وإن كان له علم فهي خميصة، وقال ابن قتيبة وذكره عن الأصمعي: إنه منبجاني منسوب إلى منبج ولا يقال: أنبجاني، وفتحت الباء ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (359)، ومسلم (516)، وأبو داود (626)، ولفظه وليس على منكبيه. (¬2) أخرجه البخاري (360). (¬3) أخرجه البخاري (373)، ومسلم (556). (¬4) أي من المعلقات، لأن البخاري قال فيه: وقال هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، ثم ذكره. (¬5) إكمال المعلم (2/ 489 - 490). والاستذكار لابن عبد البر (4/ 389 و 391) وفيهما سبب ردّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - الخميصة إلى أبي جهم.

في النسب، لأنه خرج مخرج مخبراني (¬1) ومنظراني قالوا: وهي أكسية تصنع بحلب ثم تحمل إلى جسر منبج (¬2) قال الباجي: وما قاله ثعلب أظهر لأن النسب إلى منبج منبجي، قال القاضي: النسب مسموع، فيه تغيير البناء كثير، فلا ينكر على أئمة هذا الشأن، لكن الحديث المتفق فيه على نقل هذه اللفظة يصحح ما أنكره. و"ألهتني" و "أخاف أن تفتنني": معناهما متقارب وهو: اشتغال القلب بها عن كمال الحضور في الصلاة، وهذا منه - صلى الله عليه وسلم - على سبيل التعليم لنا، إذ هو قلبه منزه عن كل ما يشغله عن الله تعالى. وآنفًا: معناه الساعة، مأخوذ من استأنفت الشيء إذا ابتدأته، واسم أبي جهم هذا: عامر بن حذيفة القرشي العدوي المدني الصحابي (¬3) وهو غير أبي جُهَيْم بضم الجيم وزيادة ياء آخر الحروف. 530 - كان قرامٌ لعائشة سترت به جانب بيتها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اميطي عنّا قِرامَك، فإنه لا تزال تصاويرُه تَعْرض في صلاتي". قلت: رواه البخاري (¬4) في الصلاة في: باب إن صلّى في ثوبٍ مصلّبٍ أو تَصاوير هل تَفْسُد صلاته؟. وخرّجه أيضًا في اللباس. قال: "تصاويره تعرض لي في صلاتي" من حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس وهذا الحديث مما انفرد به عن الكتب الستة. وأميطي: أي أزيلي. والقرام: قال الجوهري: ستر، فيه رقم ونقوش. ¬

_ (¬1) حسن المخبر. (¬2) بفتح الميم وسكون النون وكسر الباء الموحدة وفي آخره جيم بلده من كور قنسرين بناها الأكاسرة الذي غلب على الشام وسماها منبه وهي من ضواحي حلب الآن. (¬3) الاستيعاب (4/ 1623). (¬4) أخرجه البخاري (374)، وفي اللباس (5959).

من الحسان

531 - قال: "أُهديَ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرّوج حرير، فلبسه ثم صلّى فيه، ثم انصرف فنزعه نزعًا شديدًا كالكاره له، ثم قال: "لا ينبغي هذا للمتقين". قلت: رواه البخاري (¬1) في الصلاة ومسلم في اللباس والنسائي في الصلاة من حديث عقبة بن عامر. تنبيه: ذكر ابن الأثير حديث عقبة هذا في كتاب الصلاة وعزاه للنسائي خاصة، وهو وهم، فإنه ثابت في الصحيحين بهذا اللفظ والله أعلم. (¬2) قوله فَرُّوج حرير بفتح الفاء وتشديد الراء، ويقال: بتخفيفها أيضًا وهو القباء الذي فيه شق من خلفه، قال النووى: وتخفيف الراء غريب ضعيف قال: وهذا اللبس المذكور في هذا الحديث كان قبل تحريم الحرير على الرجال. (¬3) من الحسان 532 - قلت: يا رسول الله إني رجل أصيد أفَأُصلِّي في القميص الواحد؟ قال: "نعم وأزرره ولو بشوكة". قلت: رواه أبو داود والنسائي (¬4) بمعناه كلاهما في الصلاة من حديث سلمة بن الأكوع، قال ابن الأثير: وفي كتاب أبي داود حاشية، قال: كان بخط المقدسي أَصْيَدُ وليس بمعروف، قال: وهو الذي في رقبته علة لا يمكنه الالتفات معها. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (375)، وفي اللباس (5801)، ومسلم (2075)، والنسائي (2/ 72). (¬2) انظر جامع الأصول (5/ 464) ولكن أعاده ابن الأثير في اللباس من جامعه عن عقبة أيضًا (10/ 684 برقم 8336) وعزاه للصحيحين. (¬3) انظر المنهاج (14/ 71). (¬4) أخرجه أبو داود (632)، والنسائي (2/ 70)، والحاكم (1/ 250). وحسن إسناده النووي في المجموع (3/ 174).

قال ابن الأثير: وقد روي في بعض ألفاظ هذا الحديث ما يدل على أنه أَصِيْد وهي السماع (¬1) والله أعلم. 533 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله لا يقبل صلاة رجل مسبلٍ إزارَه". قلت: رواه أبو داود في الصلاة (¬2) وأعاده في اللباس من حديث أبي هريرة يرفعه وقال: بينما رجل يصلي مسبلًا إزاره إذ قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اذهب فتوضأ، فذهب فتوضأ. فقال له رجل: يا رسول الله مالك أمرته أن يتوضأ، قال: "إنه كان يصلي وهو مسبلٌ إزاره، وأن الله جل ذكره لا يقبل صلاة رجل مسبل إزاره". في إسناده أبو جعفر وهو رجل من المدينة لا يُعرف اسمه قاله المنذري. (¬3) 534 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله لا يقبل صلاة حائضٍ إلا خِمار". قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه في الصلاة من حديث عائشة ترفعه (¬4)، وقال الترمذي: حديث حسن، وقال أبو داود: رواه سعيد يعني بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬5) 535 - سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَتُصَلِّي المرأةُ في دِرْع وخمار ليس عليها إزار؟ قال: "إذا كان الدِّرْع سابغًا يغطّي ظهور قدميها". ووقفه جماعة على أم سلمة. ¬

_ (¬1) انظر جامع الأصول (5/ 459). (¬2) أخرجه أبو داود (638). (¬3) مختصر السنن (1/ 324). (¬4) أخرجه أبو داود (641)، والترمذي (377)، وابن ماجه (655)، وابن حبان (1711) و (1712)، والبيهقي (2/ 233) وإسناده صحيح، انظر الإرواء (196). (¬5) ذكر قول أبي داود هذا المنذري في مختصر السنن (1/ 325).

قلت: رواه أبو داود (¬1) وقال: رواه جماعة موقوفًا على أم سلمة ولم يذكروا النبي - صلى الله عليه وسلم -. 536 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نهى عن السَّدْل في الصلاة، وأن يُغَطِّي الرجلُ فاه". قلت: رواه أبو داود (¬2)، ورواه الترمذي مقتصرًا على الفصل الأول، وقال: لا يُعرف من حديث عطاء عن أبي هريرة مرفوعًا، إلا من حديث عِسْل بن سفيان هذا أخر كلامه، وقد أخرج أبو داود مرفوعًا من حديث سليمان الأعمش عن عطاء مرفوعًا أيضًا. وعِسْل: بكسر العين وسكون السين المهملتين هو ابن سفيان التميمي اليربوعي كنيته أبو قرة ضعيف الحديث. (¬3) والسدل في الصلاة: قال البغوي (¬4): هو إرسال الثوب حتى يصيب الأرض وقال في النهاية (¬5): هو أن يلتحف الرجل بثوبه ويدخل يديه من داخل فيركع ويسجد وهو كذلك، وكانت اليهود تفعله، فنهوا عن ذلك، وهذا مطرد في القميص وغيره، وقيل أن يضع وسط الإزار على رأسه ويرسله عن يمينه وشماله من غير أن يجعلهما على كتفيه. قال بعضهم: والسدل منهي عنه على الإطلاق لأنه من الخيلاء وهو في الصلاة أقبح فخصت بالذكر. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (640)، وإسناده ضعيف. (¬2) أخرجه أبو داود (643)، والترمذي (378)، وكذلك الحاكم (1/ 253)، وصححه على شرطهما، ووافقه الذهبي. (¬3) انظر: التقريب (4610) وقال الحافظ: ضعيف من السادسة. (¬4) شرح السنة حديث (518). (¬5) النهاية (2/ 355).

قوله - صلى الله عليه وسلم -: وأن يغطي الرجل فاه. قال البغوي (¬1): من عادة العرب التلثم بالعمائم على الأفواه فنهوا عن ذلك في الصلاة فإن عرض له التثاؤب جاز له أن يغطي فمه بثوبه ويده لحديث ورد فيه. 537 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا في خِفافهم". قلت: رواه أبو داود في الصلاة (¬2) من حديث يعلي بن شداد بن أوس عن أبيه يرفعه ولم يضعفه أبو داود ولا المنذري. 538 - "بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته قال: "ما حَمَلكم على إلقائكم نعالكم؟ " قالوا: "رأيناك ألقيت نعلك"، فقال: "إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرًا، إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر فإن رأى في نعلَيْه قذرًا فليمسَحْه ولْيُصَلِّ فيهما". قلت: رواه أبو داود (¬3) في الصلاة من حديث أبي سعيد ولم يضعّفه. وفي رواية: "خبثًا" قلت: رواها أبو داود. (¬4) 539 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا صلى أحدكم فلا يضع نعليه عن يمينه ولا عن يساره، فيكون على يمين غيره، إلا أن لا يكون على يساره أحد وليضَعْهما بين رجليه". ¬

_ (¬1) شرح السنة للبغوي (2/ 428) وذكره البغوي نقلًا عن أبي سليمان الخطابي، وانظر كذلك معالم السنن للخطابي (1/ 154). (¬2) أخرجه أبو داود (652) وإسناده صحيح. (¬3) أخرجه أبو داود (650)، والحاكم (1/ 260)، وقال إسناده صحيح على شرط مسلم، وصححه ابن حبان (2186). (¬4) أخرجها أبو داود (651).

باب السترة

قلت: رواه أبو داود (¬1) في الصلاة بهذا اللفظ من حديث يوسف بن ماهك عن أبي هريرة وفي إسناده عبد الرحمن بن قَيْس قال المنذري (¬2): ويشبه أن يكون الزعفراني البصري كنيته أبو معاوية ولا يحتج به. - وفي رواية: "أو ليُصَلِّ فيهما". قلت: رواه أبو داود في الصلاة (¬3) من حديث سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة. باب السترة من الصحاح 540 - " كان النبي - صلى الله عليه وسلم -: يغدو إلى المصلَّى والعَنَزَةُ بين يديه تُحْمَل وتُنْصَب بالمصلّى بين يديه، فيصلّي إليها". قلت: رواه الشيخان في الصلاة من حديث ابن عمر واللفظ للبخاري. (¬4) 541 - "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأبطح في قبة حمراء من أدم، ورأيت بلالًا أخذ وَضُوءَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورأيتُ الناس يبتدرون ذلك الوضوء، فمن أصاب منه شيئًا تمسّح به، ومن لم يصب أخَذ من بَلل يدِ صاحبه، ثم رأيت بلالًا أخذ عنزة فركزها، وخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - في حُلّة حمراء مشمِّرًا صلّى إلى العنزة بالناس الظُّهر ركعتين، ورأيت الناس والدّوابّ يمرُّون بين يدَي العَنَزَة". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (654)، وإسناده صحيح وصححه ابن حبان (2188)، وابن خزيمة (1016). (¬2) مختصر السنن (1/ 329). (¬3) أخرجه أبو داود (655). (¬4) أخرجه البخاري (973)، ومسلم (501).

قلت: رواه البخاري في الصلاة وفي اللباس واللفظ له ومسلم في الصلاة كلاهما. (¬1) من حديث أبي جُحَيْفة واسمه: وهب بن عبد الله السَّوائي. الأبطح: هو المعروف على باب مكة ويقال له: البطحاء أيضًا. والحلة: قال أهل اللغة: ثوبان وهما إزار ورداء أو نحوها، وفيه جواز لباس الأحمر. مشمِّرًا: معناه رافعها إلى أنصاف ساقيه ونحو ذلك. 542 - "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُعرّض راحلته فيُصلّي إليها، قلت: أفرأيت إذا هبّت الركاب؟ قال: كان يأخذ الرحل فيعدِّله فيصلّي إلى آخِرَتِه". قلت: رواه البخاري بهذا اللفظ من حديث نافع عن ابن عمر، ولم يخرجه مسلم بهذا اللفظ. (¬2) "يُعَرّض": هو بفتح الياء وكسر الراء ورُوِي بضم الياء وتشديد الراء ومعناه: يجعلها معترضة بينه وبين القبله. قوله: "هبّت الركاب" قال في المشارق (¬3): معناه ها هنا ثارت من مناخها، وتأتي بمعنى أسرعت، وقيده الأصيلي هُبت على لفظ ما لم يسم فاعله، والأول الصواب. آخِرته: بهمزة ممدودة وكسر الخاء، وهي العود الذي في آخِر الرَّحل، وسيأتي في الحديث بعده أن فيه لغات. 543 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا وضع أحدكم بين يديه مثلَ موخِرة الرَّحل فليصلِّ، ولا يبال بمن مرَّ وراء ذلك". قلت: رواه مسلم في (¬4) الصلاة من حديث طلحة بن عبيد الله ولم يخرجه البخاري. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (376)، (633)، ومسلم (503). (¬2) أخرجه البخاري (507)، ومسلم (502). (¬3) مشارق الأنوار على صحاح الآثار لقاضي عياض (2/ 264). (¬4) أخرجه مسلم (499).

مُؤَخِّرة الرحل: بضم اليم وهمزة ساكنة وخاء مكسورة، ويقال: بفتح الخاء وفتح الهمزة وتشديد الخاء مع إسكان الهمزة وتخفيف الخاء فهذه ثلاث لغات وقد تقدم في الحديث قبله لغة رابعة وهي آخرته. 544 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لو يعلم المار بين يَدي المصلِّي ماذا عليه، لكان أن يقف أربعين خيرًا له مِنْ أن يمرّ بين يديْه" قال الراوي: لا أدري؟ قال: أربعين يومًا أو شهرًا أو سنة؟ ". قلت: رواه الجماعة (¬1) كلهم في الصلاة من حديث بُسر بن سعيد أن زيد ابن خالد الجهني أرسله إلى أبي جُهيم يسأله: ماذا سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المارّ بين يدي المصلّي؟ قال أبو جهيم: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لو يعلم المار وساقه. وأبو جهيم هو: ابن الحرث بن الصمّة، قيل: اسمه عبد الله، وهو ابن أخت أبي بن كعب. وأبو جهيم هذا هو راوي حديث التيمم في الحضر الذي قال فيه: أقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - من نحو بئر جمل، فسلّم عليه، فلم يرد عليه، الحديث، وقد تقدم. كذا صّرح به القاضي عياض والنووي وجمع من الحفاظ، وكلام ابن عبد البر مصرح بأن راوي حديث المرور هو: أبو الجهيم عبد الله بن جهيم، وأن راوي حديث التيمم أبو الجهيم بن الحارث بن الصمّة، وما قاله مخالف لما نقلناه عن غيره، ولما قاله الحافظ تقي الدين في العمدة حيث قال: في حديث المرور عن أبي الجهيم بن الحارث بن الصمّة والله أعلم. (¬2) 545 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا صلّى أحدكم إلى شيء يَسْترُه من الناس فأراد أحدٌ أن يجتاز بين يديه فليدفَعْه، فإنْ أبي فليقاتِلْه فإنما هو شيطان". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (510)، ومسلم (507)، وأبو داود (701)، والترمذي (336)، والنسائي (2/ 66)، وابن ماجه (944). (¬2) انظر الاستيعاب (4/ 1624 - 1625)، وذكرهما برقمين مختلفين (2900) و (2901)، وعمدة الأحكام (ص 52 رقم 113)، وإكمال المعلم (2/ 421)، ومشارق الأنوار (1/ 173)، والمنهاج للنووي (4/ 300).

قلت: رواه الشيخان وأبو داود كلهم في الصلاة من حديث أبي صالح السمان عن أبي سعيد الخدري، وفيه قصة، وأعاده البخاري في صفة إبليس وجنوده من كتاب بدء الخلق. (¬1) قال الخطابي (¬2): معناه أن الشيطان يحمله عليه ويجوز أن يكون جعله شيطانًا، لأن الشيطان هو المارد من الجن والإنس. 546 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب، ويَقي ذلك مثلُ مؤخّرة الرحل". قلت: رواه مسلم في الصلاة (¬3) من حدبث أبي هريرة، ولم يخرجه البخاري وقد اختلف العلماء في الأخذ بظاهر هذا الحديث، فقال بعضهم: يقطع هؤلاء الصلاة، وقال الإمام أحمد: يقطعها الكلب الأسود، وفي قلبي من الحمار والمرأة شيء، ووجه قوله: ذلك أن الكلب لم يجيء في الترخيص فيه شيء يعارض هذا الحديث، وأما المرأة: ففيها حديث عائشة المذكور بعد هذا وفي الحمار: حديث ابن عباس الآتي، وقال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وجمهور العلماء من السلف والخلف: لا تبطل الصلاة بمرور شيء من هؤلاء ولا من غيرهم، وتأول هؤلاء الحديث على أن المراد بالقطع نقص الصلاة، لشغل القلب بهذه الأشياء وليس المراد إبطالها، ومنهم من يدعي نسخه بحديث أبي سعيد الخدري الآتي آخِر الباب، "لا يقطع صلاة المرء شيء وادرأوا ما استطعتم" وهذا غير مرضي، لأن النسخ لا يصار إليه إلا عند تعذر الجمع بين الأحاديث وتأويلها وعلم التاريخ. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الصلاة (509)، وفي بدء الوحي (3274)، ومسلم (505)، وأبو داود (700)، والنسائي (2/ 66)، وابن ماجه (954). (¬2) معالم السنن (1/ 163). وأعلام الحديث في شرح صحيح البخاري للخطابي (1/ 420). (¬3) أخرجه مسلم (511).

تنبيه: قدّم المصنف حديث أبي هريرة في باب ما يقطع الصلاة وأخّر حديث عائشة وابن عباس، ليعلم أن العمل على هذين الحديثين المتأخرين، ولم يذكر في الصحاح غيرهما، وذكر حديث الكلب آخر الباب في الحسان، لينّبه على أن ليس في الصحيحين ما يدل على أن الكلب لا يقطع، وإذا تأمل الناظر كلامه في جميع هذا الكتاب وجده على هذا الأسلوب البديع والله أعلم. (¬1) 547 - "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل وأنا معترضة بينه وبين القبلة كاعتراض الجنازة". قلت: رواه الشيخان في الصلاة من حديث عائشة. (¬2) 548 - "أقبلت راكبًا على أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس بمنىً إلى غير جدار، فمررت بين يَدَيْ بعضِ الصفّ فنزلت وأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك عليّ أحد". قلت: رواه البخاري (¬3) في مواضع منها: في الصلاة وفي الحج وفي باب متى يصح سماع الصبي من كتاب العلم، ومسلم في الصلاة واللفظ للبخاري. والأتان هي: الأنثى من جنس الحمر. قوله: وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام: معناه قاربته. ¬

_ (¬1) انظر تفصيل هذه المسألة: المغني لابن قدامة (3/ 97 - 100)، وإكمال المعلم (2/ 424 - 426)، المنهاج للنووي (4/ 302 - 303)، والمجموع للنووي (3/ 250 - 251). (¬2) أخرجه البخاري (383)، ومسلم (512). (¬3) أخرجه البخاري في الصلاة (493)، وفي الأذان (861)، وفي العلم (76)، وفي الحج (1857)، ومسلم (504).

من الحسان

واختلف العلماء في سن ابن عباس عند وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقيل عشر سنين وقيل ثلاث عشرة، وقيل خمس عشرة وهو رواية سعيد بن جبير عنه، قال أحمد بن حنبل: وهو الصواب. ومنى: فيه لغتان: الصرف وعدمه، ولهذا تكتب بالألف والياء، والأجود صرفها وكتابتها بالألف، سميت منى لما يُمنى بها من الدماء أي تراق. من الحسان 549 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئًا، فإن لم يجد فلينصب عصاه، فإن لم يكن معه عصًا فليخطُطْ خطًّا، ثم لا يضُره ما مرّ أمامه". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه (¬1) كلاهما في الصلاة من حديث أبي هريرة، قال سفيان بن عيينة: لم نجد شيئًا نشدّ به هذا الحديث، ولم يجيء إلا من هذا الوجه، وكان إسماعيل بن أمية إذا حدث بهذا الحديث يقول: عندكم شيء تشدونه به؟ وقد أشار الشافعي إلى ضعفه، قال أبو بكر البيهقي: ولا بأس به في مثل هذا الحكم إن شاء الله ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (689)، وابن ماجه (943)، وأحمد (2/ 249)، والبيهقي في معرفة السنن والآثار (2/ 118)، وفي السنن الكبرى (2/ 270)، وابن حبان (2355، 2369) وإسناده ضعيف لجهالة أبي عمرو بن محمد بن عمرو بن حريث ويقال: أبو محمد بن عمرو بن حريث ولجهالة حريث بن سليم. إضافة إلى أن فيه اضطراب كما قيل. انظر التلخيص (1/ 518) وقال الحافظ فيه: أورده ابن الصلاح مثالًا للمضطرب ونوزع في ذلك كما بينته في "النكت". انظر: النكت على ابن الصلاح (2/ 772) وقال الحافظ: قول ابن عيينة: لم نجد شيئًا يشد به هذا الحديث ولم يجيء إلا من هذا الوجه، فيه نظر، فقد رواه الطبراني من طريق أبي موسى الأشعري وفي إسناده أبو هارون العبدي وهو ضعيف. انتهى كلام الحافظ. قلت: رواية أبي هارون، لا يعتبر بها لأن الحافظ نفسه قال عنه في التقريب (4874): متروك -ومنهم من كذَّبه- شيعي، فلا يشدبه هذا الحديث ولا يرد قول ابن عيينة رواية العبدي.

تعالى، قال أبو داود: سمعت أحمد يعني ابن حنبل رحمه الله سئل عن وصف الخط غير مرة فقال: هكذا عرضا مثل الهلال. قال أبو داود: وسمعت مسددًا قال: قال ابن داود -يعني عبد الله بن داود الخريبي- الخط بالطول. (¬1) قال القاضي عياض: وقد اختلف في الخط فقيل: يكون مقوسًا كهيئة المحراب وقيل: قائمًا بين يدي المصلّي إلى القبلة، وقيل: من جهة يمينه إلى شماله، قال: ولم ير مالك ولا عامة العلماء الخط انتهى. وقد اختلف قول الشافعي فيه فقال به في سنن حرملة ونفاه في البويطي. قال النووي: وقال جمهور أصحابه باستحبابه. (¬2) 550 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا صلى أحدكم إلى سترة فلْيَدْن منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاته". قلت: رواه أبو داود والنسائي (¬3) كلاهما في الصلاة من حديث سهل بن أبي حَثْمة، قال أبو داود: واختلف في إسناده قال أصحابنا: ينبغي أن يدنو من السترة ولا يزيد ما بينهما على ثلاثه أذرع. 551 - "ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي إلى عودٍ، ولا عمود، ولا شجرة، إلا جعله على حاجبه الأيمن أو الأيسر، ولا يصمُدُ له صمدًا". ¬

_ (¬1) ذكر هذا الكلام المنذري في مختصر السنن (1/ 340). (¬2) قال القاضي عياض: أخذ به أحمد بن حنبل وهو ضعيف، انظر كلامه في إكمال المعلم (2/ 414)، والمؤلف نقل هذا الكلام عن النووي في المنهاج (4/ 288 - 289). (¬3) أخرجه أبو داود (695)، والنسائي (2/ 62)، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.

قلت: رواه أبو داود في الصلاة (¬1) من حديث ضباعة بنت المقداد بن الأسود عن أبيها، وفي إسناده أبو عبيدة الوليد بن كامل البجلي الشامي وفيه مقال وذكر الذهبي حديثه هذا في الميزان، وضعفه. قال الجوهرى: صمده يصمده صمدا أي قصده انتهى. (¬2) قال أصحابنا: والأفضل أن لا يصمد إليها بل يجعلها عن يمينه أو عن شماله كما جاء في الحديث. 552 - قال: "أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن في بادية لنا، فصلّى في صحراءَ ليس بين يديه سُترة، وحمارةٌ لنا، وكلبة، تعبثان بين يديه فما بالَى ذلك". قلت: رواه أبو داود (¬3) بهذا اللفظ في الصلاة من حديث الفضل ابن عباس، والنسائي بنحوه، قال المنذري (¬4): وذكر بعضهم أن في إسناده مقالًا، وقال: إنه لم يذكر فيه عبث الكلب، وقد يجوز أن يكون الكلب ليس بأسود. 553 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقطع الصلاة شيء، وادرَؤُوا ما استطعتم، فإنّما هو شيطان". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (693)، وإسناده ضعيف لأنه فيه الوليد بن كامل بن معاذ ليّن الحديث كما في "التقريب" (7500)، وميزان الاعتدال (4/ 345)، وقال الذهبي بعد ذكر الحديث: فاختلف بقية وعلي بن عياش في المتن والإسناد، فبقيَّة يقول: ضُبيعة بنت المقدام، والآخر قال: ضباعة بنت المقدار، فهي مجهولة، والمهلب كلذلك، وراويه عنه ضعيف. والهلب بن حُجر: مجهول، كما في "التقريب" (6985). (¬2) الصحاح (2/ 499). (¬3) أخرجه أبو داود (718)، والنسائي (2/ 65). وفي سنده عباس بن عبيد الله بن عباس الهاشمي يروي عن عمه الفضل وعنه محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب وابن جريج وثقه ابن حبان وقال الحافظ في "التقريب" مقبول (3195). (¬4) مختصر السنن (1/ 350).

باب صفة الصلاة

قلت: رواه أبو داود (¬1) في الصلاة من حديث أبي الوَدّاك وهو جبر بن نوف عن أبي سعيد وهو الخدري قال: وفي رواية عن أبي الوَدّاك قال: مرّ شاب من قريش بين يدي أبي سعيد الخدري وهو يصلي فدفعه ثم عاد فدفعه ثلاث مرات فلما انصرف قال: إن الصلاة لا يقطعها شيء، ولكن قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ادرؤوا ما استطعتم فإنه شيطان، قال أبو داود: إذا تنازع الخبران عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نظر ما عمل به الصحابة من بعده انتهى. قال المنذري (¬2): وفي إسناده مجالد هو ابن سعيد بن عمير الهمداني الكوفي وقد تكلم فيه غير واحد وأخرج له مسلم حديثا مقرونا بجماعة من أصحاب الشعبي والله أعلم. باب صفة الصلاة من الصحاح 554 - أن رجلًا دخل المسجد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس في ناحية المسجد، فصلّى، ثم جاء فسلّم عليه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وعليك السلام"، فقال: "ارجع فصلّ فإنك لم تصلّ"، فرجع فصلّى، ثم جاء فسلّم، فقال: "وعليك السلام، ارجع فصلّ فإنك لم تصلّ"، فرجع فصلى، ثم جاء فسلم، فقال: "وعليك السلام، ارجع فصل فإنك لم تصلّ"، فقال: "علّمْني يا رسول الله! فقال: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة، فكبّر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (719). وفي إسناده مجالد بن سعيد قال عنه الحافظ: ليس بالقوي، وقد تغيّر في آخر عمره، التقريب (6520) وقد اضطرب فيه فمرة رفعه ومرة وقفه والوقوف أشبه بالصواب. وأبو الودّاك هو جبر بن نَوْف البكالي قال الحافظ: صدوق يهم، التقريب (902) ثم إن الشطر الأول مع ضعفه يعارض الصحيح في أن المرأة وغيرها تقطع الصلاةكما سبق. (¬2) مختصر السنن (1/ 350).

تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تستوي قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تستوي قائمًا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها". قلت: رواه الشيخان، واللفظ للبخاري، رواه في مواضع منها: في الأيمان والنذور في باب (¬1) (من حنث ناسيًا) ومسلم في الصلاة من حديث أبي هريرة. 555 - "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة {بالحمد لله رب العالمين}، وكان إذا ركع لم يُشْخِصْ رأسه ولم يُصَوِّبه، ولكن بين ذلك، وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائمًا، وكان إذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوي جالسًا، وكان يقول في كل ركعتين التَّحِيَّة، وكان يفرش رجله اليسرى ويَنْصِب رجلَه اليمنى، وكان ينهى عن عُقْبة الشيطان وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراشَ السَّبع، وكان يختم الصلاة بالتسليم". قلت: رواه مسلم (¬2) في الصلاة من حديث عائشة ولم يخرج البخاري هذا الحديث. قوله: والقراءة: بالنصب عطفًا على الصلاة أي ويبتدىء القراءة {بالحمد لله} وليس في هذا ما يدل على أن البسملة ليست من الفاتحة، إذ المراد أنه كان يبتدىء القراءة بالسورة التي تُعرف بالحمد الله، قولها: بالحمدُ لله هو بالرفع على الحكاية. ولم يشخص رأسه: أي لم يرفعه ومادة الأشخاص تدل على الارتفاع، ولم يصوّبه: هو بضم الباء أخر الحروف وفتح الصاد وكسر الواو المشددة أي لم ينكسه. قولها: لكن بين ذلك: هو إشارة إلى المسنون في الركوع بأن يكون معتد لا فيه باستواء الظهر والعنق. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الأذان (793)، وفي الاستئذان (6251)، وفي الأيمان والنذور (6667)، ومسلم (397). (¬2) أخرجه مسلم (498).

قولها: وكان يقول في كل ركعتين التحيه: أرادت به، التشهد كلّه من باب إطلاق اسم الجزء على الكل. ويفرُش: بضم الراء وكسرها والضم أشهر. وعُقبة الشيطان: بضم العين وسكون القاف وفسره أبو عبيدة وغيره بالإقعاء المنهي عنه، وهو أن يلصق إليتيه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض كما يفرش الكلب، وقيل: هو أن يفترش قدميه ويجلس باليتيه على عقبيه، ويسمى ذلك أيضًا إقعاء، وأما الإقعاء: الذي هو سنّة الثابت في صحيح مسلم من رواية ابن عباس (¬1) فهو أن ينصب أصابع قدميه ويجلس بوركه على عقبيه وليس من هذين التفسيرين بشيء. قولها: وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع: هو أن يضع ذراعيه على الأرض في السجود، وفي الحديث حجة لأبي حنيفة على أن جلسات الصلاة كلها على هيئة الافتراش قيل: وهو حجة لمن ذهب إلى وجوب التسليم مع قوله - صلى الله عليه وسلم - صلوا كما رأيتموني أصلي، وهو مذهب الجماعة إلّا الإمام أبا حنيفة. 556 - قال أبو حميد الساعدي في نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنا أحفظكم لصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، رأيته إذا كبّر جعل يديه حِذاء منكبيه، (98 / أ) وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هَصَر ظهرَه، فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه، فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة، فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليُسرى ونصَب اليمنى، فإذا جلس في الركعة الأخيرة قدّم رجله اليسرى ونَصَب الأخرى، وقَعد على معقدته". قلت: رواه الجماعة كلهم في الصلاة من حديث أبي حميد الساعدي إلا مسلم بن الحجاج واللفظ للبخاري والباقون باختلاف. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (536). (¬2) أخرجه البخاري (828)، وأبو داود (732)، والترمذي (304)، والنسائي (3/ 34).

وهصر ظهره: هو بتخفيف الصاد المهملة أي ثناه وعطفه للركوع قال في شرح السنة (¬1): أي ثناه ثنيًا شديدًا في استواء بين رقبته وظهره. قوله: وضع يديه غير مفترش: يريد لا يفترش ذراعيه بل يرفعهما عن الأرض، قوله: ولا قابضهما يريد لا يضم أصابعهما، ويحتمل: أنه أراد لا يضم الذراعين والعضُدين إلى الجنبين بل يجافيهما عن الجنبين كما جاء في حديث آخر (¬2)، وهذا الحديث حجة للشافعي على استحباب الافتراش في التشهد الأول، والتورك في الأخير، وحمل حديث عائشة على الجلوس في غير التشهد الأخير جمعًا بين الحديثين. 557 - "إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه حَذْو مَنكبَيه إذا افتتح الصلاة، وإذا كبّر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك وقال: سمع الله لمن حمده ربّنا ولك الحمد، وكان لا يفعل ذلك في السجود". قلت: رواه الشيخان (¬3) في الصلاة من حديث سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه. 558 - "كان ابن عمر إذا دخل الصلاة كبّر ورفع يديه، وإذا ركع رفع يديه، وإذا قال سمع الله لمن حمده رفع يديه، وإذا قام من الركعتين رفع يديه، ورفع ذلك ابن عمر إلى نبي الله - صلى الله عليه وسلم -". قلت: رواه البخاري (¬4) بهذا اللفظ من حديث نافع عن عبد الله بن عمر بن الخطاب. 559 - "عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفع اليدين إذا كبر وإذا ركع، وإذا رفع رأسَه من الركوع، وقال: حتى يُحاذي بهما أُذُّنيه". ¬

_ (¬1) شرح السنن (3/ 15). (¬2) لعله أشار إلى حديث: "ونَحّى يديه عن جَنبَيْه" أخرجه أبو داود (734) وإسناده صحيح، وانظر شرح السنة (3/ 16). (¬3) أخرجه البخاري (735)، ومسلم (390). (¬4) أخرجه البخاري (739)، وأبو داود (745).

قلت: رواه الشيخان (¬1) وأبو داود وابن ماجه كلهم في الصلاة من حديث مالك بن الحويرث. وفي رواية: "فروع أُذُنيه" قلت: روى مسلم وأبو داود هذه اللفظة ولم يخرجها البخاري، وفروع أذنيه: أي أعلاهما وفرع كل شيء أعلاه. 560 - "أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدًا". قلت: رواه البخاري والترمذي والنسائي كلهم في الصلاة من حديث مالك ابن الحويرث. (¬2) 561 - "أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه حين دخل في الصلاة كبّر، ثم التَحَف بثوبه، ثم وضع يدَه اليُمنى على اليسرى، فلمّا أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب، ثم رفعهما وكبّر فركع، فلمّا قال: سمع الله لمن حمده رفع يديه، فلما سجد سجد بين كفيّه". قلت: رواه مسلم (¬3) في الصلاة من حديث عبد الجبار بن وائل، عن علقمة ابن وائل ومولى لهم أنهما أخبراه عن أبيه وائل بن حجر، وساقه بهذا اللفظ، ولم يخرجه البخاري، وقرأت بخط الحافظ عبد المؤمن بن خلاف: أن ابن أبي خيثمة قال: سئل ابن معين عن علقمة بن وائل عن أبيه فقال: مرسل، وعبد الجبار عن أبيه أيضًا، فقال: مرسل مات أبوه وأمه حامل به. قال الترمذي: قلت لمحمد: علقمة بن وائل سمع من أبيه؟ قال: نعم، وعبد الجبار بن وائل لم يسمع من أبيه ولد بعد موت أبيه بستة أشهر. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (737)، ومسلم (391)، وأبو داود (745)، والنسائي (2/ 123)، وابن ماجه (859). (¬2) أخرجه البخاري (823)، وأبو داود (844)، والترمذي (287)، والنسائي (2/ 234). (¬3) أخرجه مسلم (401). (¬4) انظر قول الترمذي وابن أبي خيثمة في علل الترمذي الكبير (1/ 542)، وسنن الترمذي (1454) قال الذهبي في الميزان: صدوق إلا أن يحيى بن معين يقول فيه: روايته عن أبيه مرسلة (3/ ت 5761)، =

من الحسان

562 - "كان الناس يُؤمرون أن يضع الرجلُ اليدَ اليمني على زراعه اليسرى في الصّلاة". قلت: رواه البخاري (¬1) في الصلاة من حديث أبي حازم عن سهل بن سعد وساقه، قال أبو حازم: لا أعلمه إلا ينتهي بذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يخرجه مسلم. 563 - "كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة كبّر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: سمع الله لمن حمده، حين يرفع صلبه من الركعة، ثم يقول وهو قائم: ربنا لك الحمد، ثم يكبّر حين يهوي ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يكبّر حين يسجد، ثم يكبّر حين يرفع رأسَه، ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها، ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس". قلت: رواه الشيخان في الصلاة من حديث أبي هريرة يرفعه. (¬2) 564 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أفضل الصلاة طول القنوت". قلت: رواه مسلم والترمذي كلاهما في الصلاة من حديث جابر ولم يخرجه البخاري. (¬3) من الحسان 565 - قال - صلى الله عليه وسلم - في عشرة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنا أعَلمُكم بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: فأعْرض، قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يحاذيَ بهما مَنْكِبيه، ثم يكبر، ثم يقرأ، ثم يكبّر، يرفع يديه حتى يحاذيَ بهما مَنكِبيه ثم يركع ويضع راحَتيه على رُكبتيه، ثم يعتدلُ فلا يُصَبّي رأسَه ولا يُقنع، ثم يرفع رأسه، فيقول: سمع الله لمن حمده، ثم يرفع يديه حتى يحاذي منكبيه معتدلًا، ثم يقول: الله كبر، ثم يهوي ¬

_ = وقال ابن حجر في التقريب: صدوق إلا أنه لم يسمع من أبيه (4718)، وانظر كذلك جامع التحصيل (ت: 537). (¬1) أخرجه البخاري (740). (¬2) أخرجه البخاري (789)، ومسلم (392). (¬3) أخرجه مسلم (756)، والترمذي (387).

إلى الأرض ساجدًا فيُجافى يديه عن جَنْبيه ويفتخ أصابع رِجْليه، ثم يرفع رأسه ويثني رِجْله اليسرى فيقعد عليها، ثم يَعْتدل حتى يرجع كل عظم في موضعه معتدلًا، ثم يسجد، ثم يقول: الله أكبر، ويرفع ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها، حتى يرجع كل عظم إلى موضعه، ثم ينهض، ثم يصنع في الركعة الثانية مثل ذلك، ثم إذا قام من الركعتين كبّر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما كبّر عند افتتاح الصلاة، ثم يصنع ذلك في بقية صلاته، حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخّر رجله اليسرى وقعد متوركًا على شقه الأيسر، ثم سلّم، قالوا: صدقت هكذا كان يصلي". (صحيح). قلت: رواه أبو داود (¬1) هنا، قال النووي: وإسناده على شرط مسلم، ورواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، ورواية أبي داود أتم، ورواه ابن حبان في صحيحه كلهم من حديث أبي حميد الساعدي واسمه عبد الرحمن وقيل غير ذلك. قال البخاري في "كتاب رفع اليدين": ما زاده ابن عمر وعلي وأبو حميد في عشرة من الصحابة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع إذا قام من الركعتين، كله صحيح، لأنهم لم يحكوا صلاة واحدة ويختلفون فيها، مع أنه لا اختلاف في ذلك، وإنما زاد بعضهم والزيادة مقبولة من الثقة انتهى. وأشار بحديث ابن عمر إلى حديثه المتقدم في الصحاح وبحديث علي إلى ما رواه الترمذي وصححه من حديث علي يرفعه، وقال فيه: وإذا قام من الركعتين يرفع يديه كذلك وكبر، قال البيهقي: وقد روى الشافعي حديث أبي حميد هذا، وقال: وبه أقول، فَبَان بذلك أن رفع اليدين عند القيام من الركعتين قال به: الشافعي تصريحا ووصية فإنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي، وقد صح الحديث والله أعلم. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (730)، وكذلك (731) و (732) و (963)، والترمذي (304) (305)، وابن ماجه (803) و (862) و (1061)، والنسائي (2/ 187) و (211)، وابن حبان (1865) و (1866) و (1867)، والبغوي (557) وإسناده صحيح على شرط مسلم. وانظر خلاصة الأحكام للنووي (1/ 346). (¬2) انظر رفع اليدين للبخاري (3) و (4).

قوله: فلا يصبي رأسه: قال في شرح السنة (¬1): يقال صبّى الرجل رأسه يصبِّيْه إذا خفضه جدًّا، أخذ من صَبا إذا مال إلى الصبَّا، ومنه قوله تعالى: {أصْبُ إليهن} أي أميل إليهن، قال الأزهري: يقال: الصواب يصوّب وقال: هو يُصَبِّئ مهموز، من قولهم: صَبَأ الرجل عن دينه أي خرج فهو صابئ. (¬2) ولا يقنع: أي لم يرفعه حتى يكون أعلا من ظهره. وقد أقنعه يقنعه إقناعًا ومنه قوله تعالى: {مقنعي رؤسهم} أي رافعي رؤسهم، وقال ابن عرفة، يقال: أقنع رأسه إذا نصبه لا يلتفت يمينًا ولا شمالًا، انتهى. والمعنى: لا يرفع رأسه ويقال أيضًا لمن خفض رأسه قد أقنع رأسه، وهو من الأضداد. ومعنى سمع الله لمن حمده: أن من حمد الله تعالى متعرضًا لثوابه استجاب له فأعطاه ما تعرض له. قوله: فيجافي يديه عن جنبيه: أي يباعد، والجفا بين الناس التباعد. قوله: وفتح أصابع رجليه هو بفتح الفاء وبالتاء المثناة من فوق وبالخاء المعجمة أي ليّن أصابع رجليه حتى تثنى فيوجهها نحو القبلة والفتخ لين واسترخاء في جناح الطائر. - وفي رواية: من حديث أبي حميد: "ثم ركع فوضع يديه على ركبتيه كأنَّه قابض عليهما ووتَّر يديه فنحّاهما عن جَنَبيه، وقال: ثم سجد فأمكن أنفَه وجبهتَه الأرض، ونحّى يديه عن جَنَبيه، ووضع كفّيه حَذو مَنكبيه، وفَرَّج بين فخذَيه غيرَ حامل بطنه على شيء من فخذَيْه حتى فرغ، ثم جلس فافترش رجلَه اليسرى، وأقبل بصدْر اليُمني على قبلته، ووضع كفه اليُمنى على ركبته اليُمنى، وكفّه اليُسرى على كبته اليُسرى، وأشار بإصبعِه يعني السبابة". قلت: رواها أبو داود (¬3) من حديث أبي حميد. ¬

_ (¬1) شرح السنة (3/ 13). (¬2) تهذيب اللغة للأزهري (12/ 257). (¬3) أخرجه أبو داود (731) وفي إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف.

- وفي رواية: "وإذا قعد في الركعتين قعد على بطن قدمه اليسرى، ونَصَب اليمنى، وإذا كان في الرابعة أفضى بوَرِكه اليسرى إلى الأرض، وأخرج قدميه من ناحية واحدة". قلت: رواها أبو داود وفي إسنادها عبد الله بن لهيعة وفيه مقال. 566 - "أنَّه أبصَرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قام إلى الصلاة رفع يديه حتّى كانتا بحيالِ منكبيه، وحاذى إبهامَيه أذنَيه، ثم كبّر". قلت: رواه أبو داود (¬1) في الصلاة من حديث عبد الجبار بن وائل عن أبيه، وعبد الجبار لم يسمع من أبيه كما تقدم. - وفي رواية: "يرفع إبهامَيْه إلى شَحْمَة أُذنَيه". قلت: رواها أبو داود والنسائي (¬2) من حديث عبد الجبار عن أبيه وقد بينا أنه لم يسمع منه. وحيال منكبيه، هو: بالحاء المهملة والياء المثناة من تحت، وحيال الشيء وحذوه واحد. 567 - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَؤمُّنا فيأخُذُ شِمالَه بيمينه. قلت: رواه الترمذي وابن ماجه (¬3) كلاهما في الصلاة من حديث قَبيصة ابن هُلْب عن أبيه، وقال الترمذي: حديث حسن، واسم هلب، قال البخاري: يزيد وقيل سلامة بن عدي، وإنما قيل له هلب لأنه: كان أقرع فمسح النبي - صلى الله عليه وسلم - رأسه فنبت شعر كثير فسمي هلبًا. 568 - قال: جاء رجل فصلّى في المسجد، ثم جاء فَسلّم على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أعدْ صلاتَك فإنك لم تُصَلِّ" فقال: علّمني يا رسول الله كيف أصلي؟ قال: " ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (724) وإسناده ضعيف لانقطاعه. (¬2) أخرجه أبو داود (737)، والنسائي (2/ 123) وفيها انقطاع أيضًا. (¬3) أخرجه الترمذي (252)، وابن ماجه (809) وإسناده ضعيف قَبيصة بن هُلْب: مجهول حكم بجهالته علي بن المديني والنسائي وتفرد بالرواية عنه سماك بن حرب وقال الحافظ: مقبول، من الثالثة، التقرب (5551) والحديث صحيح من حديث وائل بن حجر.

إذا توجَّهت إلى القبلة فكبّر، ثم اقرأ بأمّ القرآن وما شاءَ الله أن تقرأ، فإذا ركَعْتَ فاجعَل راحتَيكَ على رُكبتَيْكَ ومكّنْ ركوعَك، وامدُدْ ظَهرك، فإذا رفعت فاقم صُلبك، وارفع رأسَك حتى ترجِعَ العظامُ إلى مفاصلها، فإذا سجدتَ فمكّنْ السجود، فإذا رفعتَ فاجْلس على فخذك اليسرى، ثم اصنع ذلك في كل ركعة وسجدة حتى تطمئن". - وفي رواية: "إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله، ثم تشهَّدْ فأقِمْ، فإن كان معك قرآن فاقرأ، وإلا فاحمَدِ الله وكبّره وهَلّله، ثم ارْكع". قلت: رواه أبو داود (¬1) من حديث يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي عن أبيه عن جده عن رفاعة بن رافع. 569 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الصلاة مثنى مثنى، تَشهّد في كل ركعتين، وتخشَّع، وتضرّع، وتمسْكن ثم تُقنِع يَدْيك -يقول: ترفعهما- إلى ربّك مستقبلًا ببُطُونهما وجهك، وتقول: يا ربّ يا ربّ ومن لم يفعل ذلك فهو خِدَاج". قلت: رواه الترمذي في الصلاة من حديث الفضل بن عباس، وفي سنده: عبد الله بن نافع بن أبي العَمْياء، قال البخاري: لم يصح حديثه. (¬2) فهو خِداج: أي نقصان وتقديره: فهو ذو خداج، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، أو فهو مخدوج فوضع المصدر موضع المفعول. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (859) وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه الترمذي (385)، والنسائي في الكبرى (528)، وأبو يعلى (6738)، وابن خزيمة (1213)، والبغوي (740)، وإسناده ضعيف. وقول البخاري في التاريخ الكبير (685)، وانظر الجرح والتعديل (583)، والكاشف (ت 3016)، وضعيف الترمذي (60).

باب ما يقرأ بعد التكبير

باب ما يقرأ بعد التكبير من الصحاح 570 - كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يسكت بين التكبير وبين القراءة إسْكاتة، فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله، إسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: "أقول اللهم باعِدْ بَيني وبين خطايايَ كما باعَدْتَ بين المشرق والمغرب، اللهم نَقِّني من الخطايا والذنوب كما ينقَّى الثوبُ الأبيضُ من الدَّنس، اللهم اغسل خطايايَ بالماءِ والثلج والبَرَد". قلت: رواه الجماعة كلهم إلا ابن ماجه. (¬1) قوله: إسكاتك بين التكبير والقراءة وما تقول، قال في "شرح السنة": إسكاتك إفعال من السكوت، ولم يُرِد به ترك الكلام، بل أراد ترك رفع الصوت بالكلام (¬2)، ألا تراه يقول: ما تقول في إسكاتك؟ انتهى. وانتصب إسكاتك بإسقاط حرف الجر أي ما تقول: في إسكاتك، ويجوز أن تكون منصوبا على الظرفية تقديره: ما تقول وقت إسكاتك. 571 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة قال: -وفي رواية: كان إذا افتتح الصلاة كبّر ثم قال-: "وجّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين، إنَّ صلاتي ونسُكي ومحيايَ ومماتي لله ربِّ العالمين لا شريك له وبذلك أُمِرْت وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، سبحانك وبحمدك، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفتُ بذنبي فأغفر لي ذنوبي جميعًا، إنه لا ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (744)، ومسلم (598)، وأبو داود (781)، والنسائي (2/ 129)، وابن ماجه (805)، لم أجده في سنن الترمذي. (¬2) إلى هنا انتهى كلام البغوي في شرح السنة (3/ 40).

يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصْرف عني سَيِّئَها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخيرُ كله في يديك، والشَّرُّ ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركتَ وتعاليتَ، استغفرك وأتوب إليك"، وإذا ركع قال: "اللهم لك ركعتُ، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشعَ لك سَمْعي، وبصَري، ومُخِّي، وعَظْمي، وعَصَبي"، وإذا رفع رأسَه من الركوع قال: "اللهم ربنا لك الحمد ملءَ السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بَعْدُ"، وإذا سجد قال: "اللهم لك سجدتُ، وبك آمنتُ، ولك أسلمت، سجد وجْهِي للذي خلقه وصوّره وشَقّ سَمْعَه وَبَصَره، فتبارك الله أحسن الخالقين"، ثم يكون مِنْ آخِرِ ما يقول بين التشهد والتسليم: "اللهم اغفر لي ما قَدّمتُ وما أخَّرتُ، وما أسرَرْت وما أعلنتُ، وما أسرَفْتُ، وما أنت أعلمُ به منّي، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت". قلت: رواه مسلم (¬1) في صلاة الليل من حديث عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب ولم يخرجه البخاري. تنبيه: قد وهِمَ الطبري في الأحكام فنسب هذا الحديث إلى البخاري أيضًا وليس كذلك بل هو فيما انفرد به مسلم عن البخاري. ووجّهت وجهي: قصدت بعبادتي وتوحيدي إليه، وقوله تعالى: {فأقم وجهك للدين القيم} أي: أقم قصدك، وفطر السماوات والأرض: أي ابتدأ خلقهما على غير مثال سابق وجمع السماوات ووحّد الأرض وإن كانت سبعًا كالسماوات لأنه أراد جنس الأرضين وجمع السماوات لشرفها. قال النووي (¬2): وهذا يؤيد المذهب الصحيح المختار الذي عليه الجمهور: أن السماوات أفضل من الأرضين وقيل الأرض أفضل، لأنها مستقر الأنبياء ومدفنهم وهو ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (771). (¬2) نقل المؤلف هذا الكلام بتصرف يسير من المنهاج للنووي (6/ 83 - 86).

ضعيف، وهذا الخلاف في غير الموضع الذي ضم النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ لا نزاع في أفضليته وحنيفا: أي مائلًا إلى الإسلام، والحنيف: عند العرب من كان على ملة إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -، وانتصب حنيفًا على الحال من المشركين بيان للحنيف، وإيضاح لمعناه، والمشرك يطلق على كل كافر، من عابد صنم ووثن ويهودي ونصراني وزنديق وغيرهم. {ونسكي}: أي عبادتي وهو ما يتقرب به إلى الله تعالى، وقولهم: فلان ناسك من النساك أي: عابد من العُبّاد، يؤدي الناسك، وما يتقرب به إلى الله تعالى: {ومحياي ومماتي}: أي: حياتي ومماتي له تعالى، وهو خالقهما والمدبّر فيهما لا تصرف لغيره فيهما ويجوز فتح الياء فيهما وإسكانها قال النووي: والأكثرون على فتح محياي وإسكان مماتيْ لله: قال العلماء: هذه اللام لام الإضافة، ولها معنيان: الملك والاختصاص وكلاهما مراد هنا، رب العالمين: في معنى رب أربعة أقوال: المالك، والسيد، والمدبر، والمولى، فالأوّلان: من صفات الذات، والأخيران: من صفات الفعل، ومتى دخلت الألف واللام، فقيل: الرّب، اختص بالله تعالى، وإذا حذفتا جاز إطلاقه على غيره، والعالمين: جمع عالم وليس للعالم واحد من لفظه، وهو عند جمهور المتكلمين، وجماعة من المفسّرين: كل المخلوقات، وقيل: هم الملائكة والجن والإنس، وزاد بعضهم الشياطين، لبيك: معناه: أنا مقيم على طاعتك، إقامة بعد إقامة، وسعديك: معناه: مساعدة لأمركَ بعد مساعدة، ومتابعة لدينك بعد متابعة. والخير كله في يديك والشر ليس إليك: قال الخطابي وغيره: فيه الإرشاد إلى الأدب في الثناءِ على الله عز وجل بأن يضاف إليه محاسن الأمور، دون مساوئها على جهة الأدب، وقد أوّل أهل السنة قوله: والشر ليس إليك، لأن مذهبهم أن كل المحدثات بفعل الله تعالى وخلقه، فقالوا معناه: لا يتقرب به إليك، وقيل: لا يضاف إليك على انفراده، لا يقال: يا خالق القردة والخنازير ونحو هذا، كان كان خالق كل شيء، وقيل معناه: والشر لا يصعد إليك، وقيل: والشر ليس شرًّا بالنسبة إليك. أنا بك وإليك: هذا الجار والمجرور يتعلق بمحذوف، قال الخطابي: أي اتق بك، وألجأ إليك، وقال غيره: إني بك

أحيى وأموت، وإليك المصير، تباركت: أي استحقيت الثناء، وقيل: ثبت الخير عندك، وقيل: تبارك العباد بتوحيدكَ! مِلءَ السماوات وملء الأرض: هو بكسر ميم ملء وبنصب الهمزة بعد اللام ورفعها، والنصب أشهر، وتقديره: لو كان الحمد جسمًا لملأ ذلك. قوله: وشق سمعه: فيه دليل لمن قال: إن الأذنين من الوجه، وقال آخرون: أعلاهما من الرأس وأسفلهما من الوجه، وذهب الشافعي والجمهور إلى أنهما عُضوانِ مستقلان، وأجابوا عن هذا الحديث بأن: الوجه يطلق ويراد به الذات، قال تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه}. أحسن الخالقين: أي المقدرين والمصورين. - وفي رواية: "والشَرُّ ليس إليك، والمهدِيّ من هَدَيْتَ، أنا بك وإليك، لا منجا منك ولا ملجأ إلا إليك، تباركت". قلت: رواها الشافعي (¬1) عن مسلم بن خالد وعبد المجيد عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن أبي رافع عن علي بن أبي طالب يرفعه، وليست هذه الرواية في الصحيحين ولا في أحدهما، فكان من حق المصنف أن يؤخرِّها إلى الحسان. قوله - صلى الله عليه وسلم -: لا منجا منك ولا ملجأ إلا إليك: أي لا مهرب ولا مخلص ولا ملاذ لمن طلبته إلا إليك، ومنجا: مقصور لا يجوز أن يمد ولا يهمّز، والأصل في الملجأ الهمز، وقد يترك للازدواج مع منجا. 572 - قال: أن رجلًا جاء إلى الصلاة وقد حَفَزه النَّفَس فقال: الله أكبر، الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مُباركًا فيه، فلما قَضى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - صلاتَه قال: "أيكم المتكلِّمُ بالكلمات؟ لقد رأيت اثنَيْ عشر مَلَكًا يَبتدِرُونها؛ أيُّهم يرفعُها". ¬

_ (¬1) أخرجه الشافعي (1/ 35) رقم (216).

من الحسان

قلت: رواه مسلم في الصلاة (¬1) من حديث أنس ولم يخرج البخاري عن أنس في هذا شيئًا، إنما أخرج عن رفاعة في فضل هذه الكلمات وسيأتي في باب الركوع. وحفزه النفس: بالحاء المهملة وبالفاء والزاي العجمة أي: كدّه واستعجله واستَوْفَزَه. من الحسان 573 - قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة قال: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جَدُّك، ولا إله غيرُك". (ضعيف). قلت: رواه أبو داود (¬2) من حديث أبي الجوزاء عن عائشة، والترمذي، وابن ماجه (¬3) من حديث أبي الرجال عن عمرة، وقد ضعف هذا الحديث أبو داود والترمذي وقد رواه أبو داود أيضًا من حديث أبي سعيد بزيادة فيه وهو أيضًا ضعيف. تنبيه: ذكر الشيخ محب الدين الطبري في أحكامه (¬4) هذا الحديث من رواية أبي سعيد، وقال فيه: أخرجه السبعة يعني أصحاب الكتب الستة وأحمد وهذا عجب منه كيف يجعل الحديث في الصحيحين وليس هو كذلك، بل ولا هو حديث صحيح بل ضعيف كما بيناه، وهذا وهم فاحش نَبّهت عليه، لا يَغْتَرّ به الناظر في كلامه فاعلم ذلك. وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث عبدة بن أبي لبابه: أن عمر بن الخطاب كان يجهر بهؤلاء الكلمات يقول: سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (600). (¬2) أخرجه أبو داود (776). (¬3) أخرجه الترمذي (243) وقال: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وابن ماجه (806) وإسناده ضعيف، لضعف حارثة بن أبي الرجال وقد تكلم فيه من قبل حفظه، وقال الحافظ: ضعيف، التقريب (1069). (¬4) لم يطبع كتاب الطبري هذا، بل لا أعلم عن وجوده.

غيرك وهو موقوف على عمر (¬1). قال المنذري: وعبدة لا نعرف له سماع من عمر، وإنما سمع من عبد الله بن عمر ويقال: رأى عمر رؤية، وقد روي هذا الكلام عن عمر بن الخطّاب مرفوعًا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال الدارقطني: المحفوظ عن عمر من قوله، وذكر من رواه موقوفًا وقال: وهو الصواب انتهى كللام المنذري (¬2). وقال الذهبي: في ترجمة عبدة بن أبي لبابه أنه لقي ابن عمر، وله في مسلم عن عمر، قال: وذا مرسل انتهى (¬3). فتلخص أن الحديث رُوي مرفوعًا عن عائشة، وأبي سعيد، وعمر، والكل ضعيف، ورواه مسلم موقوفًا على عمر، وهو مرسَل. قوله - صلى الله عليه وسلم - سبحانك اللهم وبحمدك: قال الخطابي (¬4): أخبرني ابن الخلّاد قال: سألت الزجاج عن الواو في "وبحمدك" فقال: معناه سبحانك اللهم وبحمدك سبحتك، قال ابن الأثير: ومعنى تبارك اسمك وتعالى جدك أي: على جلالك وعظمتَك. (¬5) 574 - أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُصلّي صلاة، قال: "الله أكبر كبيرًا، الله أكبر كبيرًا، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا ثلاثًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا ثلاثًا، أعوذ بالله من الشيطان، من نَفْخه، ونَفْثه، وهَمْزه". قلت: رواه أبو داود في باب ما يستفتح به الصلاة وابن ماجه (¬6) في الصلاة كلاهما من حديث جبير بن مطعم، وفي أبي داود قال: نفثه الشعر، ونفخه: الكبر، وهمزه: الموتة انتهى. والموتة: الجنون. ¬

_ (¬1) أثر عمر أخرجه مسلم برقم (399/ 3). (¬2) مختصر السنن للمنذري (1/ 376). (¬3) انظر الكاشف (1/ 678 رقم 3530) وليس فيه: ذا مرسل، بل فيه: وهذا منقطع. وعبدة ابن أبي لبابة الأسدي مولاهم،. أبو القاسم الكوفي نزيل دمشق، ثقة، من الرابعة، التقريب (4302). (¬4) معالم السنن (1/ 171). (¬5) جامع الأصول (4/ 188). (¬6) أخرجه أبو داود (764)، وابن ماجه (807) وإسناده ضعيف في إسناده عاصم بن عمير العنزي مجهول الحال تفرد بالرواية عنه عمرو بن مرة ومحمد بن إسماعيل وذكره ابن حبان في ثقاته ولأجل هذا قال الحافظ: مقبول، التقريب (3091).

قوله: الله أكبر كبيرًا، نصب "كبيرًا" على الحال، ويجوز أن يكون بإضمار فعل أي أكبر كبيرًا. وسبحان الله: معناه تنزيهًا له من النقائص كلها، وهو اسم منصوب على أنه واقع موقع المصدر بفعل محذوف تقديره: سبّحت الله سبحانًا، قال النحويون واللغويون: سبّحت لله سبحانًا، قال النحويون واللغويون: سبّحت الله تسبيحًا وسبحانًا، قالوا: ولا تستعمل سبحان غالبًا إلا مضافًا كسبحان الله، وهو مضاف إلى المفعول، أي سبّحت الله السبَّح المنزَّه. والأصيل: الوقت بعد العصر إلى المغرب وجمعه أصل وأصال. 575 - أنه حفظ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سكتتين: سكتةً إذا كبّر، وسكتةً إذا فرغ من قراءة {غير المغضوب عليهم ولا الضالين}، فصدَّقه أبيّ ابن كعب". قلت: رواه أبو داود في الصلاة (¬1) من حديث يونس بن عبيد عن الحسن وهو البصري عن سمرة وساقه وقال فيه: فأنكر ذلك عليه عمران بن حصين قال: فكتبوا في ذلك إلى المدينة إلى أبيّ فصَدّق سَمُرةَ، وأخرجه ابن ماجة وقد اختلف في سماع الحسن من سمرة. 576 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نهض من الركعة الثانية، استفتح القراءة بالحمد لله ربّ العالمين ولم يسكتْ. قلت: رواه الحاكم في المستدرك (¬2) في كتاب الصلاة من حديث أبي هريرة وقال: على شرط الشيخين وأقره الذهبي. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (777) وإسناده ضعيف. وابن ماجه (844). (¬2) أخرجه مسلم معلقًا (599) ووصله الحاكم (1/ 215 - 216).

باب القراءة في الصلوات

باب القراءة في الصلوات من الصحاح 577 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب". ويروى: "لمن لم يقرأ بأم القرآن فصاعدًا". قلت: رواه الشيخان ولم يخرج البخاري قوله: "فصاعدًا" ورواه أصحاب السنن أيضًا كلهم في الصلاة، من حديث عبادة بن الصامت وحمله الشافعي على نفي الصحة، ويؤيد ذلك ما رواه ابن خزيمة بإسناد صحيح وكذا ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة: "لا يجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب". (¬1) 578 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صلّى صلاةً لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج، -ثلاثًا- غير تمام، فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام؟ قال: اقرأ بها في نفسك، فإني سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: قال الله: قَسَمْتُ الصلاة، بيني وبين عبدي نِصْفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، قال الله: حَمَدني عَبْدي، وإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، قال الله: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، قال: مَجّدني عبدي، وإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، وإذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (756)، ومسلم (394)، وأبو داود (822)، والنسائي (4/ 137)، وابن ماجه (837)، والترمذي (311)، وابن حبان (1789)، وابن خزيمة (488).

قلت: رواه مسلم في الصلاة من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه واللفظ لمسلم. (¬1) قوله تعالى: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين" قال الخطابي (¬2): قد تسمى القراءة صلاةً لوقوعها في الصلاة، ولكونها جزءًا منها كما قال تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} قيل معناه: القراءة والصلاة قرآنًا كما قال: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} أي صلاة الفجر فتسمى الصلاة مرةً قرآنًا، والقرآن مرة صلاة، لانتظام أحدهما بالآخر، قال في شرح السنة (¬3): وحقيقة هذه القسمة منصرفة إلى المعنى لا إلى متلوّ اللفظ، وذلك أن هذه السورة من جهة المعني نصفها ثناء ونصفها مسألة ودعاء، وقسم الثناء ينتهي إلى قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} وما في الآية وهو قوله تعالى: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} من قسم الدعاء والمسألة، ولذلك قال تعالى هذه الآية. بيني وبين عبدي، قال الخطابي: والفاتحة سبع آيات ثلاث منها ثناء من قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} إلى {يَوْمِ الدِّينِ} وثلاث منها دعاء ومسألة، وهي من قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} إلى آخرها، والآية المتوسطة نصفها ثناء، وهو قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ونصفها دعاء، وهو قوله تعالى: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ولهذا قال تعالى: "هذا بيني وبين عبدي" وهذا التأويل إنما يتوجّه عند من لم يجعل التسمية آية من الفاتحة. 579 - قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون الصلاة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (395)، والترمذي (2953)، وأبو داود (821)، والنسائي (2/ 136)، وابن ماجه (3784). (¬2) معالم السنن (1/ 176). (¬3) شرح السنة (3/ 49).

قلت: رواه البخاري بهذا اللفظ، ومسلم بمعناه كلاهما هنا من حديث أنس (¬1) قال الشافعي رحمه الله: ومعنى الحديث أنهم كانوا يبتدئون بقراءة فاتحة الكتاب قبل السورة، وليس معناه أنهم كانوا لا يقرؤون بسم الله الرحمن الرحيم، بل هو كما يقول الرجل: قرأت البقرة وآل عمران، يريد السورة التي يذكر فيها البقرة والتي يذكر فيها آل عمران. 580 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أمّن الإمام فأمِّنوا، فإنه من وافق تأمينُه تأمينَ الملائكة، غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنبه". قلت: رواه الشيخان هنا هن حديث أبي هريرة. (¬2) 581 - وفي رواية: "إذا أَمَّن القارِئ فأمِّنوا، فإن الملائكة تؤمِّن، فمن وافق تأمينُه تأمينَ الملائكة غُفِر له ما تقدّم من ذَنْبه". قلت: رواها البخاري (¬3) من حديث أبي هريرة منفردًا عن مسلم بهذا اللفظ، إذ ليس في مسلم: "فإن الملائكة تؤمّن". 582 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا صلَّيْتم فأقيموا صفَوفكُم، ثم ليؤُمُّكم أحدُكم، فإذا كبّر فكبِّروا، وإذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين يُجِبْكم الله فإذا كبّر وركَع فكبّروا وارْكَعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد يَسْمَع الله لكم". قلت: رواه مسلم (¬4) وأبو داود والنسائي ثلاثتهم في الصلاة من حديث حطان بن عبد الله عن أبي موسى. - وفي رواية: "فإذا قرأ فأنْصِتُوا". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (743)، ومسلم (399). (¬2) أخرجه البخاري (780)، ومسلم (410). (¬3) أخرجه البخاري (782). (¬4) أخرجه مسلم (404)، وأبو داود (972)، والنسائي (2/ 96).

قلت: رواها مسلم وابن ماجه (¬1) كلاهما في الصلاة من حديث أبي موسى. وآمين: معناه: اللهم اسمع واستجب، وقيل معناه: كذلك فليكن، وقيل: هو اسم من أسماء الله تعالى، وقيل: هو طابع الله على عباده، يدفع الله به الآفات والبلايا عنهم كخاتم الكتاب الذي يصونه عن إفساده. وسيأتي في الحديث ما يشهد لهذا. قوله - صلى الله عليه وسلم -: يجبْكم: هو مجزوم، وكذلك قوله: يسمع الله لكم بالكسر جوابين للأمر. 583 - قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الظهر في الأوليين بأم الكتاب وسورتين، وفي الركعتين الأخيرتين بأم الكتاب، ويُسمعنا الآية أحيانًا، ويطوّل في الركعة الأولى ما لا يطيل في الركعة الثانية، وهكذا في العصر وهكذا في العصر وهكذا في الصبح. قلت: رواه البخاري في الصلاة من حديث أبي قتادة. (¬2) 584 - قال: كنا نَحزُرُ قيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الظهر والعصر، فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر قراءة {الم تَنْزِيلُ} السجدة. قلت: رواه مسلم في الصلاة من حديث أبي سعيد ولم يخرجه البخاري. (¬3) - وفي رواية: "في كل ركعةٍ قدر ثلاثين آية، وفي الأُخْرَيين: قَدْر النصف من ذلك، وفي الركعتين الأولَيين من العصر قَدْر قيامِه في الأُخْريين من الظهر، وفي الأخْريين من العصر على النصف من ذلك". قلت: رواها مسلم في الصلاة من حديث أبي سعيد (¬4) ولم يخرجها البخاري أيضًا. 585 - قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الظهر بـ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} - ويُروى بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} - وفي العصر نحو ذلك، وفي الصبح أطول من ذلك". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (404)، وابن ماجه (847). (¬2) أخرجه البخاري (776). (¬3) أخرجه مسلم (452). (¬4) أخرجها مسلم (156/ 252).

قلت: رواه مسلم في الصلاة من حديث جابر بن سمرة ولم يخرجه البخاري. (¬1) 586 - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب بالطُّور. قلت: رواه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجة كلهم في الصلاة من حديث جبير بن مطعم (¬2). 587 - قالت: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأُ في المغرب بـ {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا}. قلت: رواه الجماعة كلهم في الصلاة من حديث أم الفضل بنت الحارث (¬3) واسمها: لُبَابَة الهلالية زوج العباس. 588 - قال: "كان معاذ بن جبل يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يأتي قومه فيصلِّي بهم، فصلّى ليلةً مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء، ثم أتَى قومه فأَمَّهم فافْتَتَح سورةَ البقرة، فانْحَرَف رجلٌ فسلّم ثم صلّى وحدَه، وانصرف، فبلغ ذلك معاذًا فقال: إنه منافق، فبلغ ذلك الرجلَ فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إنَّا قوم نعمل بأيدينا ونسقي بنواضحنا، وإن معاذًا صلّى بنا البارحةَ فقرأ البقرة فتجوَّزْتُ، فزعم أني منافق، فقال النبى - صلى الله عليه وسلم -: "يا معاذ أفتّان أنت؟ -ثلاثًا- اقرأ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ونحوهما". قلت: رواه الشيخان واللفظ للبخاري ورواه أبو داود والنسائي كلهم في الصلاة (¬4) من حديث عمرو بن دينار عن جابر. والنواضح: جمع ناضح وهو الإبل والبقر وسائر الحيوانات التي تسقى بها المزارع، والنخل وغيره من الأشجار، ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (459). (¬2) أخرجه البخاري (765)، ومسلم (463). (¬3) أخرجه البخاري (763)، ومسلم (462)، وأبو داود (810)، والترمذي (308)، والنسائي (2/ 168)، وابن ماجه (831). (¬4) أخرجه البخاري (700) (6106)، ومسلم (465)، وأبو داود (600)، والنسائي (2/ 102).

قال الأزهري: وواحدها ناضح وناضحة. (¬1) 589 - قال: "سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في العشاء {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} وما سمعت أحدًا أحسن صوتًا منه". قلت: رواه الجماعة هنا من حديث البراء بن عازب (¬2) وذكر عبد الحق أن قوله: وما سمعت إلى آخره، من زيادات مسلم على البخاري. 590 - "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الفجر بـ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} ونحوها". (ق: 1) قلت: رواه مسلم في الصلاة من حديث جابر بن سمرة ولم يخرجه البخاري. (¬3) 591 - أَنَّه سَمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الفجر {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ}. (التكوير: 17). قلت: رواه مسلم في الصلاة (¬4) من حديث عمرو بن حُرَيث، ولم يخرجه البخاري ولا أخرج في كتابه عن عمرو بن حُرَيث شيئًا. 592 - قال: صلّى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح بمكة فاستفتحَ سورة (المؤمنين) حتى جاء ذكر موسى وهارون، -أو ذكر عيسى- أخذتِ النبي - صلى الله عليه وسلم - سَعْلَةٌ فركَعَ. قلت: رواه مسلم في الصلاة (¬5) من حديث عبد الله بن السائب، وعلق البخاري هذا الحديث بباب القراءة بأول سورة، ولم يسنده، ولم يخرج في كتابه عن عبد الله بن السائب غيره. ¬

_ (¬1) تهذيب اللغة (4/ 213). (¬2) أخرجه البخاري (767) (7546)، ومسلم (464)، وأبو داود (1221)، والترمذي (310)، والنسائي (2/ 173)، وابن ماجه (834). (¬3) أخرجه مسلم (458). (¬4) أخرجه مسلم (456). (¬5) أخرجه مسلم (455)، وعلقه البخاري (2/ 255) في الأذان، باب الجمع بين السورتين في الركعة. راجع تغليق التعليق (2/ 311).

593 - كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الفجر يوم الجمعة بـ {الم تَنْزِيلُ} في الركعة الأولى، وفي الثانية: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ}. (الإنسان: 1). قلت: رواه الشيخان والنسائي وابن ماجه (¬1) من حديث سعد بن إبراهيم عن الأعرج عن أبي هريرة. 594 - "قال: صلّى لنا أبو هريرة رضي الله عنه الجمعة، فقرأ سورة الجمعة في السجدة الأولى وفي الآخرة: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} فقال: سمعت رسول الله يقرأ بهما يوم الجمعة". قلت: رواه الجماعة كلهم إلا البخاري رووه من حديث عبيد الله بن أبي رافع عن أبي هريرة في الصلاة، وأبو رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اسمه إبراهيم وقيل أسلم وقيل ثابت وقيل هو هرمز. (¬2) 595 - "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في العيدين وفي الجمعة بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} وإذا اجتمع العيدُ والجمعةُ في يوم واحد قرأ بهما في الصلاتين". قلت: رواه مسلم في الجمعة من حديث النعمان بن بشير ولم يخرجه البخاري. (¬3) 596 - "سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبا واقد الليثي ما كان يقرأ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأضحى والفطر؟ فقال: كان يقرأ فيهما بـ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} و {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} ". (القمر: 1) قلت: رواه مسلم في العيدين من حديث عبيد الله بن عبد الله أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي وساقه، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (891)، ومسلم (880)، والنسائي (2/ 159)، وابن ماجه (823). (¬2) أخرجه مسلم (877)، وأبو داود (1124)، والترمذي (519)، والنسائي (3/ 110)، وابن ماجه (1118). ورد في الأصل: "من حديث عبيد الله بن عبد الله أبي رافع بن مسعود". (¬3) أخرجه مسلم (878).

من الحسان

ولم يخرج البخاري هذا الحديث. (¬1) 597 - "إنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ في ركعتي الفجر {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ". قلت: رواه مسلم في الصلاة من حديث أبي هريرة ولم يخرج البخاري هذا الحديث. (¬2) 598 - "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في ركعتي الفجر {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} والتي في "آل عمران" {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} ". قلت: رواه مسلم في الصلاة من حديث ابن عباس ولم يخرجه البخاري. (¬3) من الحسان 599 - " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفتتح صلاته بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم} ". (ضعيف). قلت: رواه الترمذي في الصلاة (¬4) من حديث ابن عباس وقال: ليس إسناده بذاك، وقال أصحابنا: أقوى الأدلة فيها إجماع الصحابة على ثبوتها في المصحف بخطه. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (891). (¬2) أخرجه مسلم (726). (¬3) أخرجه مسلم (727). (¬4) أخرجه الترمذي (245)، والبيهقي (2/ 46) وإسناده ضعيف، وقال العقيلي في ترجمة إسماعيل بن حماد: "حديثه غير محفوظ ويحكيه عن مجهول". وقال ابن عدي بعد أن ساق الحديث في ترجمة إسماعيل أيضًا: "وهذا الحديث لا يرويه غير معتمر، وهو غير محفوظ سواء قال عن أبي خالد، أو عن عمران بن خالد، جميعًا مجهولين "انظر: الضعفاء للعقيلي (1/ 80 - 81)، والكامل لابن عدي (1/ 305)، وقال البزار: إسماعيل لم يكن بالقوي، وقال أبو زرعة: أبو خالد، لا أعرف من هو، وقال البزار وابن حبان: هو الوالبي، وقيل: لا يصح ذلك، وقال أبو داود: حديث ضعيف. انظر: التلخيص الحبير (1/ 424).

وعن أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ بسم الله الرحمن الرحيم في أول الفاتحة في الصلاة وعدها آية، رواه ابن خزيمة في صحيحه والدارقطني وقال الحاكم: هو صحيح على شرطهما. (¬1) وعن أنس أنه سئل عن قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: كانت مَدًّا ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يَمُدّ بسم الله ويمُدّ الرحمن ويمُدّ الرحيم رواه البخاري (¬2) وعن ابن عباس: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يَعرف فَصْل السورة حتى تنزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم، رواه أبو داود والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم (¬3) وعن أبي هريرة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا قرأ تم الحمد فاقرءوا بسم الله الرحمن الرحيم، إنها أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني، وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها. رواه الدارقطني وقال: رجال إسناده ثقات كلُهم ورُوي موقوفًا. (¬4) وعن نعيم المجمر قال صليت وراء أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن حتى إذا فرغ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قال: آمين، قال الناس: آمين فلما سلّم قال: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم -. رواه ابن حبان في صحيحه. (¬5) وروى إسماعيل بن عبيد بن رفاعة أن معاوية قدم المدينة، فصلّى ¬

_ (¬1) أخرجه ابن خزيمة (493)، والدارقطني (1/ 307)، والحاكم في المستدرك (1/ 232) كلهم من حديث عمر بن هارون وهو ضعيف، وفيه عنعنة ابن جريج وهو مدلّس. ورواه الطحاوي في معاني الآثار (1/ 199) وأعلّ الطحاوي الخبر بالانقطاع وانظر: التلخيص الحبير (1/ 421). (¬2) أخرجه البخاري (5045) (5046). (¬3) أخرجه أبو داود (788)، والحاكم (1231) وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال الشيخين عدا أحمد بن محمد وهو ابن ثابت الخزاعي من رجال أبي داود وحده، ورواه أبو داود في المراسيل (ص 90 رقم 36) عن سعيد بن جبير مرسلًا وقال: والمرسل أصح. (¬4) أخرجه الدارقطني (1/ 312) والرواية الموقوفة هي الراجحة كما قال الحافظ في التلخيص (1/ 421) وقال: وصحح غير واحد من الأئمة وقفه على رفعه .. أ. هـ. (¬5) أخرجه ابن حبان (1801)، وابن خزيمة (499)، والنسائي (2/ 134) وإسناده صحيح.

بهم، فلم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ولم يكبر إذا خفض ورفع، فناداه المهاجرون والأنصار حين سلّم: أي معاوية سَرقتَ صلاتك! أين بسم الله الرحمن الرحيم؟ وأين التكبير؟ إذا خفضت وإذا رفعت، فصلّى بهم صلاةً أخرى وقال: ذاك الذي عابوا عليه. أخرجه الشافعي. (¬1) 600 - "سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقال: "أمين" مدّ بها صوته". قلت: رواه أبو داود والترمذي في الصلاة، وقال: حسن، ورواه (¬2) شعبة، وقال: خَفَض بها صوتَه، واتفق الحفاظ على غلطه فيها، وأن الصوابَ المعروف مدّ ورفَع بها صوته. 601 - قال: خرجْنَا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة فأتينا على رجل قد أَلَحّ في المسألة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أوجب أن ختم! "، فقال رجل من القوم: بأي شيء يختم؟ قال: "بآمين". قلت: رواه أبو داود في الصلاة (¬3) من حديث أبي مصبِّح المقرائي قال: كنا نجلس إلى أبي زُهير النُّميري، وكان من الصحابة، فيتحدث أحسن الحديث، فإذا دعا الرجل منا بدعاء قال: اختمه بآمين، فإن آمين مثل الطابع على الصحيفة، وقال أبو زهير: أُخبركم عن ذلك: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة نمشي، فأتينا على رجل قد ألَحّ ¬

_ (¬1) أخرجه الشافعي في المسند (ترتيب) (224) وفيه "عن أبيه". (¬2) أخرجه الترمذي (248)، وأبو داود (932) عن وائل بن حُجْر وإسناده صحيح. ونبّه الترمذي على ما ورد في رواية شعبة من أخطأ في مواضع من هذا الحديث (1/ 289) تحت رقم (248) انظر: التلخيص الحبير (1/ 427 - 429). (¬3) أخرجه أبو داود (938) وإسناده ضعيف في إسناده صبيح بن محرز قال الذهبي: تفرد عنه محمد بن يوسف الفريابي أي أنه مجهول وإن وثقه ابن حبان وقال ابن عبد البر في الاستيعاب (4/ 80) ليس إسناد حديثه بالقائم.

في المسألة، فوقف النبي - صلى الله عليه وسلم - يستمع منه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أوجب إن ختم! " فقال رجل من القوم: بأي شيء يختم قال: "بآمين، فإنه إن ختم بآمين فقد أوجب" فانصرف الرجل الذي سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتى الرجل فقال: اختم يا فلان بآمين، وأبشر، قال أبو داود: المقرائي قبيلة من حمير وهكذا ذكره غيره. قال المنذري: وذكر أبو سعيد المروزي أن هذه النسبة إلى مقرى: قرية بدمشق، والأول أشهر ويقال: بضم الميم وفتحها، وصوّب بعضهم الفتح، قال المنذري: وأبو زهير النميري قيل اسمه: فلان بن شرحبيل، وقال أبو حاتم الرازي: أنه غير معروف بكنيته فكيف يعرف اسمه؟ وذكر له أبو عمر ابن عبد البر هذا الحديث، وقال ليس إسناده بالقائم. ومصبح: بضم الميم وفتح الصاد المهملة وكسر الباء الموحدة وتشديدها وبعدها حاء مهملة والله أعلم. (¬1) 602 - "أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في صلاة المغرب بسورة الأعراف، فَرّقَها في ركعتين". قلت: رواه النسائي من حديث عائشة قال النووي: وإسناده حسن (¬2) وذكره الترمذي منقطعًا من غير إسناد، فقال: ورُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وساقه، وروى أبو داود في الصلاة (¬3) من حديث مروان بن الحكم قال: قال لي زيد بن ثابت: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب بطوال الطوليين، قال: قلت ما طوال الطوليين؟ قال: "الأعراف"، قال وسألت أنا ابن أبي مليكة؟ فقال لي: من قبل نفسه المائدة والأعراف، وأخرجه ¬

_ (¬1) إلى هنا انتهى كلام المنذري انظر مختصر المنذري (1/ 440 - 441)، وكلام ابن عبد البر في الاستيعاب (4/ 1662)، وكلام أبي حاتم الرازي في الجرح والتعديل (9/ 374). (¬2) أخرجه النسائي (2/ 170)، وانظر الخلاصة (1/ 386 - رقم 1314). (¬3) أخرجه أبو داود (812).

البخاري (¬1) مختصرًا فروى عن مروان بن الحكم قال: قال لي زيد بن ثابت ما لك تقرأ في المغرب بقصار المفصل؟ وقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بطوال الطوليين. (¬2) 603 - قال: كنتُ أقود لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - نَاقَته في السفر، فقال لي: "يا عقبة ألا أعلِّمُك خيرَ سورتين قُرِئَتا؟ فعلّمني {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} قال: فلم يَرَني سُررت بهما جدًّا، فلما نزل لصلاة الصبح صلى بهما صلاة الصبح للناس، فلما فرغَ التفتَ إليّ فقال: يا عقبةُ كيف رأيتَ". قلت: رواه أبو داود والنسائي كلاهما (¬3) في الصلاة من حديث القاسم مولى مُعَاوية عن عقبة، والقاسم هو: أبو عبد الرحمن القاسم بن عبد الرحمن القرشي وثَقَه يحيى بن معين وغيره وتكلم فيه غير واحد. 604 - "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في صلاة المغرب ليلة الجمعة و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. قلت: رواه ابن ماجه في الصلاة من حديث عبيد الله عن نافع عن ابن عمر ولم يقل ليلة الجمعة. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (764). (¬2) قال الخطابي: أصحاب الحديث يقولون: بطول الطوالين، وهو غلط، والطول: الحبل، وليس هذا بموضعه، إنما هو طُولى الطُوليين، يريد أطول السورتين، "وطولى" وزنه "فُعلى" تأنيث أطول، و "الطوليين" تثنية الطولى، ويقال: إنه أراد سورة الأعراف، وهذا يدل على أن للمغرب وقتين، كسائر الصلوات. انظر: معالم السنن (1/ 175)، ومختصر المنذري (1/ 386)، وفتح الباري (2/ 246 - 247). (¬3) أخرجه أبو داود (1462)، والنسائي (2/ 158) وإسناده صحيح. والقاسم بن عبد الرحمن هو أبو عبد الرحمن الدمشقي قال الحافظ: صدوق يغرب كثيرًا، التقريب (5505)، انظر للتفصيل: ميزان الاعتدال (3/ 373 - 374). (¬4) أخرجه ابن ماجه (833)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 391)، والبغوي في شرح السنة (605) معلقًا. قال ابن حجر في الفتح (2/ 248): ولم أر حديثًا مرفوعًا فيه التنصيص على القراءة فيها (أي =

605 - "ما أحصي ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الركعتين بعد المغرب، وفي الركعتين قبل صلاة الفجر بـ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. قلت: رواه الترمذي في الصلاة من حديث ابن مسعود وقال لا نعرفه إلا من حديث عبد الملك بن معدان عن عاصم انتهى. (¬1) قلت: عبد الملك بن الوليد بن معدان هذا روى له الترمذي وابن ماجه قال الذهبي: ضَعَّفه أبو حاتم وغيره. 606 - "ما صلّيتُ وراء أحدٍ أَشْبَه صلاةً برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فلان، قال سليمان: صليت خَلْفه وكان يطيل الركعتين الأوليين من الظهر، ويخفّف الأخريين، ويخفّف العصر، ويقرأ في الركعتين من المغرب بقِصار المفَصّل، وفي العشاء بوسَط المفصّل، وفي الصبح بطوال المفصل". قلت: رواه النسائي وابن ماجه كلاهما في الصلاة من حديث سليمان بن يسار عن أبي هريرة واللفظ للنسائي واختصره ابن ماجه. (¬2) ¬

_ = المغرب) بشيء من قصار المفصل إلا حديثًا في ابن ماجه عن ابن عمر نص فيه على "الكافرون" "والإخلاص" ومثله لابن حبان عن جابر بن سمرة فأما حديث ابن عمر فظاهر إسناده الصحة إلا أنه معلول، قال الدارقطني: أخطأ فيه بعض رواته، وأما حديث جابر بن سمرة، ففيه سعيد بن سماك وهو متروك. انظر ابن حبان برقم (1841). (¬1) أخرجه الترمذي (431) وإسناده ضعيف. في إسناده عبد الملك بن الوليد بن معدان لا يتابع عليه كما قال العقيلي في الضعفاء الكبير (3/ 38). وأخرجه ابن عدي في الكامل (5/ 1945 - 1946) ضمن ترجمته، وانظر كلام الذهبي في الكاشف برقم (3490). (¬2) أخرجه النسائي (2/ 167)، وابن ماجه (827) وإسناده حسن.

607 - "كُنّا خلفَ النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الفجر فقرأ فَثَقُلَتْ عليه القراءة، فلما فَرَغ قال: "لعلكم تقرؤون خلفَ إمامكم"، قلنا: نعم يا رسول الله، قال: "لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها". قلت: رواه أبو داود والترمذي في الصلاة كلاهما من حديث عُبادةَ بن الصامت (¬1) وقال الترمذي: حسن، ولم يضعفه أبو داود ولا المنذري. 608 - وفي رواية قال: "وأنا أقول مالي يُنازِعُني القرآن! فلا تقرؤوا بشيءٍ من القرآن إذا جهرت، إلا بأُمِّ القرآن". قلت: رواه أبو داود والنسائي (¬2) كلاهما من حديث عُبادة بن الصامت وفيه قِصَّة. 609 - أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال: "هل قرأ معي أحد منكم آنفًا؟ " فقال رجل: نعم يا رسول الله، قال: "إني أقول ما لي أُنازع القرآن؟ " قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما جَهر فيه بالقراءة من الصلوات حين سمعوا ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قلت: رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه (¬3) من حديث ابن أُكيمة الليثي عن أبي هريرة في الصلاة، وقال الترمذي: هذا حديث حسن. قال النووي (¬4): وأنكر الأئمة على الترمذي تحسينه، واتفقوا على ضعف هذا الحديث لأن أكيمة مجهول، وعلى أن قوله: فانتهى الناس عن القراءة، إلى آخره، ليست من الحديث، بل هي من كلام الزهري مدرجة فيه، هذا متفق عليه عند الحفاظ المتقدمين ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (823)، والترمذي (311) وإسناده حسن. (¬2) أخرجه أبو داود (824)، والنسائي (2/ 141). (¬3) أخرجه أبو داود (826)، والترمذي (311)، والنسائي (2/ 140)، وابن ماجه (848) وإسناده صحيح وقد أخرجه ابن حبان (1850)، وأبو يعلى (5861). (¬4) الخلاصة (1/ 378) رقم (1176).

والمتأخرين، منهم الأوزاعي، ومحمد بن يحيى الذهلي، والبخاري وأبو داود، والخطابي، والبيهقي، وغيرهم. وابن أكيمة الليثي اسمه عُمارة، ويقال: عمرو بن أكيمة، ويقال غير ذلك، وفي رواية لأبي داود: عن الزهري قال: سمعت ابنَ أكيمة يحدث سعيد بن المسيب قال: سمعت أبا هريرة يقول: صلّى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة نظن أنها الصبح، بمعناه إلى قوله: ما لي أنازع القرآن، وفيها قال معمر: فانتهى الناس عن القراءة فيما جهرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي رواية: قال معمر: عن الزهري قال أبو هريرة: فانتهى الناس، وقال أبو داود: سمعت محمد بن يحيى بن فارس قال: قوله فانتهى الناس من كلام الزهري. وآنفًا: أي الآن. وأنازع: يعني أجاذَبُ في قراءته، كأنهم جهروا بالقراءة فشغلوه. 610 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن المصلِّي يناجي ربه فلينظر ما يناجيه به، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن". قلت: رواه مالك في الموطأ، في الصلاة، عن يحيى بن سعيد عن محمد ابن إبراهيم التيمي عن أبي حازم التمار عن البياضي يرفعه، ورواه أحمد عن عبد الرحمن عن مالك، ورواه البيهقي من طريق مالك أيضا به، والنسائي من حديث أبي سعيد نحوه. والبياضي بالباء الموحدة، والياء آخر الحروف، والضاد المعجمة، واسمه فروة بالفاء. (¬1) 611 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما جُعل الإمام ليُؤْتَمّ به، فإذا كَبّر فكَبِّروا، وإذا قرأ فانصتوا". ¬

_ (¬1) أخرجه مالك (1/ 80) رقم (29)، وأخرجه أحمد (4/ 344)، والنسائي في الكبرى (3364) و (8091)، والبيهقي في السنن (3/ 11 - 12)، وفي الشعب (2656)، والبغوي في شرح السنة (608)، وانظر: التمهيد لابن عبدالبر (23/ 309)، وانظر: معرفة الصحابة لأبي نعيم (5/ 2872)، والإصابة (7/ 82 - 83) وإسناده صحيح.

قلت: رواه أبو داود وابن ماجه كلهم (¬1) في الصلاة من حديث أبي هريرة قال أبو داود: وهذه الزيادة: "إذا قرأ فأنصتوا" ليست بمحفوظة، الوهم عندنا من أبي خالد هذا آخر كلامه. قال النووي (¬2) وغيره: نقلا عن مسلم بن الحجاج أنه قيل له عن حديث أبي هريرة هذا، أصحيح هو؟ قال: نعم، قيل له لِمَ لَمْ تضعه هنا؟ فقال ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هنا، إنما وضعتُ هنا ما اجتمعوا عليه، قال النووي: قال جمهور الحفاظ: قوله: "وإذا قرأ فأنصتوا" ليست صحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأطْنَب البيهقي (¬3) في بيان بطلانها وذكر عللها ونقل بطلانها عن يحيى بن معين وأبي حاتم وأبي داود وأبي علي النيسابوري. (¬4) 612 - جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئا فعلِّمْني ما يجزئني قال: "قل سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله"، قال يا رسول الله: هذا لله فما لي؟ قال: "قل اللهم ارحمني وعافني واهدني وارزقني". قلت: رواه أبو داود والنسائي كلاهما (¬5) في الصلاة من حديث إبراهيم السكسكي عن عبد الله بن أبي أوفى، قال النسائي: إبراهيم السكسكي ليس بذاك القوي، وقال ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (604)، والنسائي (2/ 142)، وابن ماجه (846) وإسناده حسن. (¬2) خلاصة الأحكام (1/ 375) رقم (1169). (¬3) البيهقي (1/ 156). (¬4) وقد ردّ ابن التركماني على البيهقي في بيان بطلان الزيادة "وإذا قرأ فأنصتوا" فراجعه (1/ 156). ولهذه الزيادة متابعة قوية من محمد بن سعد الأنصاري أخرجها النسائي. وبهذه المتابعة القوية تكون هذه الزيادة صحيحة إن شاء الله. (¬5) أخرجه أبو داود (832)، والنسائي (2/ 143)، وإسناده ضعيف ولكنه قد توبع فقد تابع إبراهيم السكسكي طلحة بن مصرف وأخرجه ابن حبان في صحيحه (1810) من حديث الفضل بن موفق وفيه ضعف، وله شاهد أيضًا من حديث رفاعة بن رافع عند أبي داود (861)، والترمذي (302)، =

يحيى بن سعيد القطان: كان شعبة يضعف إبراهيم السكسكي، قال المنذري: وقد احتج البخاري في صحيحه بإبراهيم السكسكي. (¬1) وقد ذكر النووي هذا الحديث في الأحاديث الضعيفة. (¬2) 613 - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قرأ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} قال: "سبحان ربي الأعلى". قلت: رواه أبو داود في الصلاة من حديث ابن عباس وقال إنه روي موقوفًا أيضًا. (¬3) 614 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قرأ {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} فليقل: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين، ومن قرأ {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} فليقل: بلى، ومن قرأ {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} فليقل: آمنّا بالله". قلت: رواه أبو داود في الصلاة في باب مقدار الركوع والسجود بتمامه والترمذي (¬4) في تفسير سورة "والتين" القطعة الأولى منه، كلاهما من حديث إسماعيل بن أمية قال: سمعت رجلا بدويا أعرابيا يقول: سمعت أبا هريرة يرويه ¬

_ = والنسائي (1136) وسنده حسن في الشواهد، فحديث ابن أبي أوفى حسن بمجموع طريقيه وشاهده والله أعلم. وقال ابن القيم: وصحح الدارقطني هذا الحديث، تهذيب سنن أبي داود (1/ 395). (¬1) مختصر سنن أبي داود (1/ 395) وقال الحافظ ابن حجر: إبراهيم بن عبد الرحمن السَكْسَكي، أبو إسماعيل الكوفي، صدوق ضعيف الحفظ. التقريب (206). (¬2) خلاصة الأحكام (1/ 383) رقم (1198). (¬3) أخرجه أبو داود (883) وإسناده صحيح. (¬4) أخرجه أبو داود (887)، والترمذي وإسناده ضعيف في إسناده أعرابي لم يسم. قال الحافظ المزي في "تحفة الأشراف" (11/ 105): وروى زياد بن أيوب عن إسماعيل بن عليه عن إسماعيل بن أمية عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبي هريرة قوله، ولم يرفعه. وهذا أحسن طرقه، رجاله ثقات لكنه منقطع، عبد الرحمن بن القاسم بن محمد أبي بكر الصديق من أقران محمد بن شهاب الزهري لم يدرك الرواية عن أبي هريرة والله أعلم.

باب الركوع

فيقول: من قرأ {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} فقرأ {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} فليقل: بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين، وقال الترمذي: إنما رُوي بهذا الإسناد عن الأعرابي ولم يُسَمّ. 615 - قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه سورة الرحمن فسكتوا، فقال: لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردودا منكم، كلما أتيت على قوله {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبانِ} قالوا: لا بشيءٍ من نِعَمِك ربَّنا نكذب، فلك الحمد. (غريب). قلت: رواه الترمذي في التفسير (¬1) من حديث زهير بن محمد عن ابن المنكدر عن جابر، قال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم عن زهير بن محمد، قال ابن حنبل: كأنّ زُهير بن محمد الذي وقَعَ بالشام ليس هو الذي يُروى عنه بالعراق، كأنّه رجل آخر، وافق اسمه، وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: أهل الشام يروون عن زهير بن محمد مناكير، وأهل العراق يروون عنه أحاديث مقاربة انتهى كلام الترمذي. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كانوا أحسن مردودًا منكم" أي ردًّا، مفعول بمعني المصدر، كالمخلوق بمعني الخلق. باب الركوع من الصحاح 616 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أقيموا الركوع والسجود فوالله إني لأراكم من بعدي". قلت: رواه الشيخان والنسائي (¬2) كلهم من حديث أنس. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3291). وفي المطبوع من الترمذي (5/ 322) "قلبوا اسمه" بدل "وافق اسمه". (¬2) أخرجه البخاري (742)، ومسلم (425) والنسائي (2/ 216).

قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إني أراكم من بعدي" أي: من ورائي كما جاء مصرحًا به في بعض الروايات، وحمله بعضهم على ما بعد الوفاة، وهو ضعيف، قال العلماء: إن الله تعالى خلق له - صلى الله عليه وسلم - إدراكًا في قفاه، يبصر به من ورائه، وقد انخرقت العادة له - صلى الله عليه وسلم - أكثر من هذا، وليس يمنع من هذا عقل ولا شرع، بل ورد الشرع بظاهره فوجب القول به، قال الإمام أحمد: وجمهور العلماء: هذه الرؤية رؤية بالعين حقيقة. 617 - "كان ركوع النبي - صلى الله عليه وسلم - وسجوده وجلوسه بين السجدتين، وإذا رفع من الركوع ما خلا القيام والقعود، قريبًا من السَّواء". قلت: رواه الشيخان في الصلاة من حديث البراء بن عازب، واللفظ في قوله: "ما خلا القيام والقعود" للبخاري. (¬1) 618 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قال: سمع الله لمن حمده، قام، حتى نقول قد أوهَم، ثم يسجد ويقعد بين السجدتين حتى نقول قد أوهمَ". قلت: رواه الشيخان (¬2) وأبو داود هنا من حديث أنس، واقتضى كلام ابن الأثير (¬3) أن قوله: قد أوهم رواية أبي داود وليست في الصحيح، وأن الذي في الصحيح قد نسي، وليس كذلك فاعتمد ما قلناه. قوله: حتى نقول قد أوهم: يقال أوهم في صلاته، إذا أسقط منها شيئًا والمعني أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يمكث في الاعتدال من الركوع وفي الجلوس بين السجدتين زمنًا حتى يقول القائل: إنه أسقط الركوع الذي ركعه وعاد إلى القيام وكذا في الجلوس بين السجدتين. 619 - "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربَّنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، يتأَوَّلُ القرآن". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (792)، ومسلم (471). (¬2) أخرجه البخاري (821)، ومسلم (473)، وأبو داود (853). (¬3) انظر كلام ابن الأثير في جامع الأصول (5/ 363).

قلت: رواه أصحاب الكتب الستة وأحمد إلا الترمذي كلهم في الصلاة من حديث عائشة (¬1). ومعني يتأول القرآن: يعمل بما أمر به في قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} فكان - صلى الله عليه وسلم - يقول هذا الكلام البديع في الجزالة المستوفي ما أمر به في الآية، وكان يأتي به في الركوع والسجود، لأن حالة الصلاة أفضل من غيرها، فكان يختارها لأداء الواجب الذي أمر به ليكون أكمل. 620 - أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في ركوعه وسجوده: "سُبّوح قُدُّوس ربُّ الملائكة والروح". قلت: رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث عائشة ولم يخرجه البخاري (¬2). وسبوح وقدوس: بضم السين والقاف وبفتحهما، والضم أفصح وأكثر، قال الجوهري (¬3): سُبُّوح من صفات الله تعالى، قال ثعلب: كل اسم على فُعُّول مفتوح الأول، إلا السُّبُّوح والقُدُّوس، فإن الضَمَّ فيهما أكثر، وكذلك الذُرُّوحُ وهي دُويبة حمراء مُنَقَّطة بسوادٍ تطير، وهي من ذوات السموم، قال ابن فارس وغيره: سبوح هو الله عز وجل، فالمراد بالسُّبوح والقُدوس: المسبّح والمقدّس، فكأنه قال مسبّح مقدّس رب الملائكة والروح، ومعنى سُبّوح: المبرأ من النقائص، والشريك، وكل ما لا يليق بإلالهية، وقدوس: المطهّر عن كل ما لا يليق بالخالق. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (817)، مسلم (484)، وأبو داود (877)، والنسائي (2/ 219)، وابن ماجه (889)، وأحمد (6/ 43)، وأخرجه الطبراني في الدعاء (600)، والبيهقي في السنن (2/ 109)، وفي الدعوات الكبير (76)، والبغوي في شرح السنة (1618). (¬2) أخرجه مسلم (487)، وأحمد (6/ 34)، وأبو داود (872)، والنسائي (2/ 224). (¬3) الصحاح للجوهري (1/ 372 و 362)، وانظر مجمل اللغة (2/ 482).

قال القاضي عياض (¬1): وقد قيل فيه سبوحًا قدوسًا على تقدير أسبّح سُبّوحًا أو أذكر أو أعظّم أو أَعْبُد. قوله: رب الملائكة والروح: قيل الروح: ملك عظيم، وقيل: خلق لا تراهم الملائكة، كما لا نرى نحن الملائكة، وقيل: يحتمل أن يكون جبريل، والله أعلم. 621 - "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألا إني نُهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا، فأما الركوع فعظِّموا فيه الربّ وأما السجود، فاجتهدوا في الدعاء فَقَمِنٌ أن يُستجاب لكم". قلت: رواه أحمد ومسلم وأبو داود كلهم في الصلاة من حديث ابن عباس ولم يخرجه البخاري. (¬2) قَمِن: بفتح القاف وبفتح الميم وكسرها لغتان مشهورتان، فمن فتح فهو عنده مصدر لا يثنّى ولا يجمع، ومن كسر فهو وصف يثنّى ويجمع، وفيه لغة ثالثة قَمِين بزيادة ياء وفتح القاف وكسر الميم ومعناه حقيق وجدير. 622 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، فإنه من وافق قولُه قولَ الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه". قلت: رواه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي كلهم في الصلاة من حديث أبي هريرة (¬3) وأعاده البخاري في بدء الخلق. 623 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع ظهره من الركوع، قال: "سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد، ملء السماوات وملءَ الأرض وملءَ ما شئت من شيء بعدُ". ¬

_ (¬1) إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/ 402). (¬2) أخرجه أحمد (1/ 155)، ومسلم (479)، وأبو داود (876)، والنسائي (2/ 189). (¬3) أخرجه البخاري (796) و (3228)، ومسلم (409)، وأبو داود (848)، والترمذي (267)، والنسائي (2/ 144).

قلت: رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه كلهم في الصلاة من حديث عبد الله ابن أبي أوفى ولم يخرجه البخاري. (¬1) 624 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع رأسه من الركوع، قال: "اللهم ربنا لك الحمد، ملءَ السماوات وملء الأرض، وملء ما شئتَ من شيء بعد، أهلَ الثناءِ والمجد، أَحَقُّ ما قال العبد، وكُلّنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أَعطَيت ولا مُعْطي لما منعتَ، ولا ينفعُ ذا الجدِّ منكَ الجدُّ". قلت: رواه مسلم والنسائي هنا من حديث أبي سعيد الخدري ولم يخرج البخاري هذا الحديث. (¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أهل الثناء" هو منصوب على النداء، وجوّز بعضهم رفعَه، على تقدير: أنت أهل الثناء، والثناء: الوصف الجميل، والمدح: هو المجد والعظمة ونهاية الشرف، وهذا هو المشهور في الرواية، في مسلم وغيره، وفي رواية حكاها عياض أهل الثناء والحمد، والمشهور الأول. (¬3) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد" قال النووي: هذا هو الصحيح في مسلم وغيره، أحق: بالألف، وكلّنا بالواو وأما ما وقع في كتب الفقه، حق ما قال العبد، كلنا بحذف الألف والواو فغير معروف من حيث الرواية، وإن كان كلاما صحيحا، وعلى الرواية المعروفة: أحق قول العبد لا مانع لما أعطيت إلى آخره، واعترض بينهما بقوله: وكلنا لك عبد ونكتة الاعتراض بهذه الجملة، بيان الاهتمام بها، والتقدير أحق قول العبد لا مانع لما أعطيت، وكلنا لك عبد، فينبغي لنا أن نقوله، والجدّ: المشهور فيه فتح الجيم هكذا ضبطه المتقدمون والمتأخرون، قال ابن عبد البر: ومنهم من رواه بالكسر، وضَعّف الطبري ومن بعده الكسر قالوا: ومعناه على ضعفه ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (476)، وأبو داود (846)، وابن ماجه (878). (¬2) أخرجه مسلم (477)، والنسائي (2/ 189). (¬3) إكمال المعلم (2/ 391) ونسب هذه الرواية لابن ماهان. وانظر: المنهاج للنووي (4/ 259).

من الحسان

الاجتهاد. أي لا ينفع ذا الاجتهاد منك اجتهاده، إنما ينفعه وينجيه رحمتك، والصحيح المشهور الجَدّ بالفتح، وهو الحظ والغنى والعظمة والسلطان أي لا ينفع ذا الحظ في الدنيا بالمال والولد والعظمة والسلطان أي لا ينجيه حظه منك إنما ينفعه وينجيه العمل الصالح. (¬1) 625 - كنا نُصلِّي وراءَ النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما رفع رأسه من الركوع، قال: سمع الله لمن حمده، فقال رجل وراءه: ربَّنا ولك الحمد، حمدًا كثيرًا طبيًا مباركًا فيه، فلما انصرف، قال: "مَنْ المتكلم؟ رأيت بضعةً وثلاثين مَلَكًا يبتدرونها أَيُّهم يكتبها أَوّل". قلت: رواه البخاري من حديث رفاعة بن رافع ولم يخرج مسلم هذا الحديث (¬2) ولا أخرج عن رفاعة بن رافع في صحيحه شيئًا والله أعلم. تنبيه: روى الحاكم هذا الحديث في المستدرك على الصحيحين، وهو ثابت في البخاري ورجاله رجال الحاكم، إلا أن الحاكم رواه من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن مالك والبخاري رَوَاه عن القَعْنَبي عن مالكٍ، والله أعلم. من الحسان 626 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُجزِئ صلاةُ الرجل حتى يُقيم ظهرَه في الركوع والسجود". (صحيح). قلت: رواه أصحاب السنن الأربعة، كلهم في الصلاة من حديث أبي مسعود واسمه: عقبة بن عمرو وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬3) ¬

_ (¬1) إلى هنا انتهى كلام النووي، انظر: المنهاج (4/ 260 - 261). (¬2) أخرجه البخاري (799)، والحاكم في المستدرك (1/ 348) رقم (819). (¬3) أخرجه أبو دود (855)، والترمذي (265)، والنسائي (2/ 183)، وابن ماجه (870) وإسناده صحيح.

627 - قال: لما نَزَلَتْ {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اجعلوها في ركوعكم"، فلما نزلت {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} قال: "اجعلوها في سجودكم". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه. قال النووي: وإسناده حسن، ورواه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح، قال الذهبي: في سنده إياس بن عامر وليس بالمعروف. (¬1) 628 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا ركع أحدكم فقال في ركوعه: سبحان ربي العظيم ثلاث مرات، فقد تم ركوعه، وذلك أدناه، وإذا سجد فقال في سجوده: سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات، فقد تم سجوده، وذلك أدناه". (ليس بمتصل). قلت: رواه الترمذي في الصلاة من حديث عون بن عبد الله بن عتبة عن ابن مسعود وقال: ليس إسناده بمتصل، عون بن عبد الله بن عتبة لم يلق ابن مسعود. (¬2) 629 - أنه صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده، سبحان ربي الأعلى، وما أَتَى على آيةِ رحمةٍ إلا وقَف وسألَ، وما أتى على آيةِ عذابٍ إلا وقفَ وتَعوَّذ". (صحيح). قلت: رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوه مختصرًا ومطولًا هنا من حديث حذيفة. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (869)، وابن ماجه (887)، والحاكم (2/ 477) وإسناده حسن. وإياس بن عامر هو الغافقي قال الحافظ: صدوق، من الثالثة. التقريب (594). (¬2) أخرجه الترمذي (261)، وأبو داود (886) وقال أبو داود: "هذا مرسل: عون لم يدرك عبد الله"، وابن ماجه (890)، والدارقطني (1/ 343)، والبيهقي (2/ 86 و 110)، والبغوي (621) وإسناده ضعيف. (¬3) أخرجه أبو داود (871)، والترمذي (194)، والنسائي (2/ 190) وإسناده صحيح، وابن ماجه (888) وإسناده ضعيف.

باب السجود وفضله

باب السجود وفضله من الصحاح 630 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أُمرتُ أن أسجد على سبعة أعظُم: على الجبهة واليدين والركبتين وأطراف القدمين ولا نَكفِتَ الثيابَ والشَّعْر". قلت: رواه الشيخان وأحمد في الصلاة من حديث ابن عباس. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: سبعة أعظم أي: أعضاء، فسمّى كل عضو عظمًا، وإن كان فيه عظام كثيرة. قوله - صلى الله عليه وسلم -: ولا نَكفِت: هو بفتح النون وكسر الفاء أي لا يضمهما ولا يجمعهما والكفت: الجمع والضَمّ ومنه قوله تعالى {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا} أي تجمع الناس في حياتهم وموتهم. 631 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "اعتدلوا في السجود، ولا يبسطُ أحدكم زِراعَيْه انبساطَ الكلب". قلت: رواه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث أنس يرفعه. (¬2) 632 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا سجدتَ فضَعْ كَفّيك وارفع مرفقيك". قلت: رواه مسلم من حديث البراء ولم يخرجه البخاري. (¬3) 633 - كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد جافَى بينَ يديه، حتى لو أن بُهمةً أرادت أن تمرَّ تحت يديه لمرَّت. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (812)، ومسلم (490)، وأحمد (1/ 292). (¬2) أخرجه البخاري (822)، ومسلم (493)، وأبو داود (897)، والترمذي (276)، والنسائي (2/ 213). (¬3) أخرجه مسلم (494).

قلت: رواه مسلم (¬1) من حديث ميمونة ولم يخرجه البخاري من حديثها وأخرج معناه من حديث غيرها وسيأتي تلو هذا. والبهمة: قال أبو عبيد وغيره من أهل اللغة: واحدة البهم، وهي أولاد الغنم من الذكور والإناث، وجمع البُهم بِهام بكسر الباء. قال الجوهري (¬2): من أولاد الضأن خاصة وتطلق على الذكر والأنثى، قال: والسخال أولاد المعز. 634 - "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد فَرَّج بين يديه، حتى يبدو بياض إِبْطَيْه". قلت: رواه الشيخان والنسائي كلهم في الصلاة من حديث عبد الله بن مالك ابن بُحَيْنَة. (¬3) 635 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في سجوده: "اللهم اغفر لي ذنبي كلَّه، دِقَّه وجِلَّه، وأوَّلَه وآخِره وعلانيتَه وسِرَّه". قلت: رواه مسلم من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬4) ودِقّه وجِلّه: هو بكسر أولهما أي قليله وكثيره. 636 - فقدتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ليلةً من الفِراش فالتمستُه، فوقعتْ يدي على بطنِ قدمْيه -وهو في المسجد- وهما منصوبتان، وهو يقول: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أُحصي ثناءً عليك أنتَ كما أثنيتَ على نفسك". قلت: رواه مسلم في الصلاة من حديث عائشة ولم يخرجه البخاري. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (496). (¬2) الصحاح للجوهري (5/ 1875). (¬3) أخرجه البخاري (390)، ومسلم (495)، والنسائي (2/ 212). (¬4) أخرجه مسلم (483). (¬5) أخرجه مسلم (486).

قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك .. " إلى أخره، قال الخطّابي (¬1): في هذا معنى لطيف وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - استعاذ بالله وسأله أن يجيره برضاه من سخطه، وبمعافاته من عقوبته، والرضى والسخط: ضدان متقابلان، وكذلك المعافاة والمعاقبة، فلما صار إلى ما لا ضد له وهو الله تعالى استعاذ به منه لا غير، ومعناه: الاستغفار من التقصير في بلوغ الواجب من حق عبادته، والثناء عليه ليعلمنا ذلك. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا أحصي ثناء عليك" أي لا أطيقه ولا آتي عليه، ولا أحيط به، وقال مالك معناه: لا أحصي نعمك وإحسانك والثناء بها عليك. وقوله: "أنت كما أثنيت على نفسك"؛ اعتراف بالعجز عن تفصيل الثناء، وأنه لا يقدر على بلوغ حقيقته، قال له النووي في شرح مسلم. (¬2) 637 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء". قلت: رواه مسلم في الصلاة من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬3) ومعنى الحديث: أقرب ما يكون من رحمة ربه وفضله، وفيه دليل لمن يقول أن السجود أفضل من القيام وسائر أركان الصلاة، وفي المسألة ثلاثة مذاهب: أحدها هذا، والثاني: وهو مذهب الشافعي وجماعة أن تطويل القيام أفضل لحديث جابر في صحيح مسلم، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أفضل الصلاة طول القنوت" والمراد بالقنوت: القيام، ولأن ذكر القيام القراءة، وهي واجبة، وذكر السجود التسبيح، والقراءة أفضل، والثالث: أنهما سواء. ¬

_ (¬1) معالم السنن (1/ 185). (¬2) المنهاج للنووي (4/ 272). (¬3) أخرجه مسلم (482).

638 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي ويقول: يا ويلتي! أُمِر ابن آدم بالسجود فسجد، فله الجنة، وأُمِرت بالسجود فأَبيتُ فلي النار". قلت: رواه مسلم (¬1) في الإيمان وابن ماجه في الصلاة كلاهما من حديث أبي صالح عن أبي هريرة ولم يخرج البخاري هذا الحديث. 639 - كنت أَبِيْتُ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فآتيه بوَضُوئه وحاجته، فقال لي: "سل"، فقلت: أسألك مرافقتَك في الجنة، قال: "أو غير ذلك"، قلت: هو ذلك، قال: "فأَعِنِّي على نفسك بكثرة السجود". قلت: رواه الجماعة (¬2) من حديث ربيعة إلا البخاري فإنه ما رواه، ولا أخرج عن ربيعة بن كعب الأسلمي في صحيحه شيئًا، ذكره مسلم، وأبو داود والنسائي في الصلاة والترمذي وابن ماجه في الدعوات. 640 - قال معدان بن طلحة: لقيتُ ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: أَخبرني بعمل يدخلني به الله الجنة، فقال: سألت عن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "عليك بكثرة السجود لله، فإنك لا تسجد لله سجدةً إلا رفعك الله بها درجةً، وحَطّ عنك بها خطيئة". قلت: رواه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة كلهم في الصلاة (¬3) من حديث ثوبان، زاد مسلم والترمذي في حديثهما: ثم لقيت أبا الدرداء فقال لي: مثل ذلك، ولم يخرج البخاري هذا الحديث ولا أخرج في كتابه عن ثوبان شيئًا. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (81)، وابن ماجه (1052). (¬2) أخرجه مسلم (489)، والنسائي (2/ 227 - 228)، والترمذي (3416)، وابن ماجه (3879) ولم أجده عند أبي داود. وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (1218)، وابن حبان (2595). (¬3) أخرجه مسلم (4889)، والترمذي (388)، والنسائي (2/ 228)، وابن ماجه (1423).

من الحسان

من الحسان 641 - " رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا سجد وضع ركبتيه قبل يَدَيه، وإذا نهضَ رفع يديه قبل ركْبَتَيْه". قلت: رواه أصحاب السنن الأربعة والدارقطني والحاكم (¬1)، وقال: على شرط مسلم، وقال الترمذي: حسن غريب، قال الدارقطني: تفرد بهذا الحديث يزيد عن شريك، ولم يحدث به عن عاصم بن كليب غير شريك، وشريك: ليس بالقوي فيما تفرد به، وقال البيهقي: هذا حديث يعد في أفراد شريك القاضي، وإنما تابعه همام مرسلًا، هكذا ذكره البخاري وغيره من الحفاظ المتقدمين رحمهم الله، هذا آخر كلامه. وشريك القاضي: فيه مقال، أخرج له مسلم متابعةً. 642 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا سجد أحدكم فلا يبرُكُ كما يبرُكُ البعير وليضعْ يديه قبل رُكبتيه". قلت: رواه أبو داود واللفظ له، والترمذي والنسائي (¬2)، وقال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه من حديث أبي الزناد إلا من هذا الوجه انتهى، وذكر البخاري أن محمد بن عبد الله بن الحسن راويه عن أبي الزناد لا يتابع عليه، وقال: ولا أدري أسمع من أبي الزناد أم لا. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (838)، والترمذي (268)، والنسائي (2/ 205)، وابن ماجه (882)، والحاكم (1/ 226)، والدارقطني (1/ 345)، والبيهقي (2/ 98)، وقال الحافظ في التقريب: شريك بن عبد الله النخعي، الكوفي، القاضي بواسط، أبو عبد الله، صدوق يخطىء كثيرًا، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة، وكان عادلًا فاضلًا عابدًا شديدًا على أهل البدع. التقريب (2802). (¬2) أخرجه أبو داود (840)، والترمذي (269)، والنسائي (2/ 207) ورجاله ثقات رجال مسلم غير محمد بن عبد الله بن الحسن وهو ثقة، وقد جوّد إسناده النووي في المجموع (3/ 421) والزرقاني في شرح المواهب اللدنية (7/ 320) وقال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام (ص 62). وهو أقوى من حديث وائل بن حجر فإن له شاهدان من حديث ابن عمر رضي الله عنه، صححه ابن خزيمة وذكره البخاري معلقًا وموقوفًا.

باب التشهد

قوله في المصابيح: "وحديث وائل بن حجر أثبت من هذا ". قلت: هكذا قاله الخطابي. قوله في المصابيح: وقيل: هذا منسوخ. هذا قول زعمه بعض العلماء. (¬1) 643 - كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "بين السجدتين اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني". قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه كلهم في الصلاة من حديث ابن عباس، وقال الترمذي: حديث غريب، وقال: وروى بعضهم هذا الحديث عن كامل أبي العلاء مرسلًا، وكامل وثّقه ابن معين وتكلم فيه غيره. (¬2) 644 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول بين السجدتين: "رب اغفرْ لي". قلت: رواه ابن ماجه في الصلاة من حديث حذيفة يرفعه. (¬3) باب التشهد من الصحاح 645 - " كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قعدَ في التشهد وضع يدَه اليُسرى على ركبته اليُسرى، ووضع يَدَه اليُمنى على ركبته اليُمْنى، وعقد ثلاثةً وخمسينَ وأشار بالسَّبَّابة". قلت: رواه مسلم في الصلاة من حديث عبد الله بن عمر. (¬4) ¬

_ (¬1) راجع المسألة في فتح الباري (2/ 291). ودعوى النسخ لابن خزيمة في صحيحه (1/ 318 - رقم 171)، وانظر قول الخطابي في معالم السنن (1/ 180). (¬2) أخرجه أبو داود (850)، والترمذي (284)، وابن ماجه (898) وإسناده صحيح. وكامل بن العلاء التميمي أبو العلاء الكوفي صدوق يخطىء، من السابعة. التقريب (5639). (¬3) أخرجه ابن ماجه (897)، وأبو داود (874)، والنسائي (2/ 231) وإسناده صحيح. (¬4) أخرجه مسلم (115/ 580).

- وفي رواية: "وضع يديه على ركبتَيْه، ورفع إصبَعَه التي تلي الإبهامَ اليُمنى يدعو بها، ويدُه اليُسرى على ركبته باسِطَها عليها". قلت: رواها مسلم أيضًا من حديث عبد الله بن عمر. (¬1) 646 - "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قعد يدعو وضعَ يده اليُمنى على فخذه اليمنى، ويدَه اليُسرى على فخذه اليُسرى، وأشار بإصبعه السّبّابة ووضع إبهامه على إصبعه الوسطى ويلقمُ كفّه اليسرى ركبتَه". قلت: رواه مسلم من حديث عبد الله بن الزبير ولم يخرجه البخاري. (¬2) 647 - "كنا إذا صلينا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - قلنا: السلام على الله -قبل عباده- السلام على جبربل، السلام على ميكائيل، السلام على فلان، فلما انصرف النبي - صلى الله عليه وسلم - أقبل علينا بوجهه، قال: "لا تقولوا السلام على الله، فإن الله هو السلام، فإذا جلس أحدكم في الصلاة فليقل: التحياتُ لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاتُه، السلام علينا وعلى عبادِ الله الصالحين، فإنّه إذا قال ذلك، أصاب كل عبدِ صالح في السماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، ثم ليتخيَّرْ من الدعاءِ أعجبَهُ إليه فيدعو". قلت: رواه الشيخان في الصلاة من حديث عبد الله بن مسعود وأعاده البخاري في الاستئذان في باب: السلام اسم من أسماء الله عز وجل. (¬3) 648 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلّمنا التشهّد كما يعلّمنا السورة من القرآن، وكان يقول: التحيات المباركاتُ الصلواتُ الطيباتُ لله، سلامٌ عليك أيها النبي ورحمةُ الله وبركاته، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهدُ أنّ محمدًا رسولُ الله. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (116/ 580). (¬2) أخرجه مسلم (579). (¬3) أخرجه البخاري (835)، وفي الاستئذان (6230)، ومسلم (402).

من الحسان

قلت: رواه مسلم وأبو داودَ والترمذي والنسائي هنا من حديث ابن عباس (¬1) إلا أن مسلمًا وأبا داود ذكرا "السلام" معرّفًا: السلام عليك، السلام علينا، وذكره الترمذي والنسائي منكرًا (¬2)، وكذا رواه الشافعي وأحمد، وكان من حق المصنف أن يذكره معرفًا، كما هو في مسلم، والذي وقفت عليه في نسخ المصابيح المسموعة تنكيره تبعًا للترمذي والنسائي، وليس بجيد، ولم يخرج البخاري عن ابن عباس في التشهد شيئًا. من الحسان 649 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثم جلس فافترش رجلَه اليُسرى ووضَع يدَه اليُسرى على فخذه اليسرى، وحدّ مِرفَقه اليُمني على فخذه اليُمني، وقبض ثنتين، وحلّق حَلْقةً ثم رفع إصبعَه فرأيته يُحَرِّكُها، يدعو بها". قلت: رواه أبو داود وسكت عليه المنذري. (¬3) 650 - "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يشير بإصبعِه إذا دعا، ولا يحرِّكُها لا يجاوزُ بصرُه إشارتَه". قلت: رواه أبو داود هنا من حديث عبد الله بن الزبير (¬4) قال النووي: إسناده صحيح. (¬5) 651 - أن رجلًا كان يدعو بإصبَعَيْه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أحِّدْ أحِّدْ". قلت: رواه الترمذي في الدعوات، والنسائي في الصلاة من حديث القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة، وقال الترمذي: حسن غريب (¬6). ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (403)، وأبو داود (974)، والترمذي (290)، والنسائي (2/ 242)، وابن ماجه (900)، وأخرجه الشافعي (1/ 89 - 90)، وأحمد (1/ 292). (¬2) وذكر مثل هذا الكلام ابن الأثير في جامع الأصول (5/ 395 - رقم 3544). (¬3) أخرجه أبو داود (957)، والنسائي (3/ 37)، والترمذي (292) وإسناده صحيح. (¬4) أخرجه أبو داود (990) وإسناده حسن على شرط مسلم. (¬5) الخلاصة (1/ 427 رقم 1389). (¬6) أخرجه الترمذي (3557)، والنسائي (3/ 38) وإسناده حسن.

ورواه أبو داود والنسائي أيضًا كلاهما في الصلاة من حديث الأعمش عن أبي صاع عن سعد بن أبي وقاص قال: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا أدعو بإصبعيَّ فقال: "أحِّد أحِّد وأشار بالسّبّابة". (¬1) 652 - نهى النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أن يجلس الرجل معتمدًا على يديه". قلت: رواه أبو داود من حديث ابن عمر. (¬2) 653 - ويروى: "نهى أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهضَ في الصلاة". قلت: رواه أبو داود من حديث ابن عمر أيضًا. (¬3) 654 - "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في الركعتين الأُوليينِ كأنّه على الرضْفِ حتى يقوم". قلت: رواه أبو داود والترمذي والنسائي في الصلاة من حديث عبد الله بن مسعود. (¬4) والرضف بالراء المهملة والضاد المعجمة: الحجارة المحماة واحدتها: رضفة. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1499) والنسائي (3/ 38). (¬2) أخرجه أبو داود (992) وإسناده صحيح. (¬3) أخرجها أبو داود ضمن حديث (992) وهي رواية منكرة، وفي إسنادها رجل مجهول وهي مخالفة للرواية السابقة. (¬4) أخرجه أبو داود (995)، والترمذي (366)، والنسائي (2/ 243) وقال الترمذي: حسن، وتعقبه النووي في الخلاصة (1/ 436) وليس كما قال: لأن أبا عبيدة لم يسمع أباه ولم يدركه باتفاقهم وقيل: ولد بعد موته فهو منقطع. أهـ. وقد ذكره الحافظ في التلخيص (1/ 474) وقال: رواه الأربعة، ولكني لم أجده في سنن ابن ماجه وذكره المزي في "التحفة". وعزاه للثلاثة فقط. وقال الحافظ: وروى ابن أبي شيبة: كان= = أبو بكر إذا جلس في الركعتين كأنه على الرضْف، وإسناده صحيح، وعن ابن عمر نحوه. الرضْف. الحجارة المحماة على النار واحدها رضفة وهو كناية عن التخفيف في الجلوس.

باب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -

باب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصحاح 655 - سأَلْنا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا: يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟ فإنّ الله قد علّمنا كيف نسلّم عليك، قال: "قولوا اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، كما صلّيت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركتَ على إبراهيم وآل ابراهيم إنك حميد مجيد". قلت: رواه الجماعة في الصلاة من حديث كعب بن عجرة، واللفظ للبخاري ورواه أيضًا في أحاديث الأنبياء وفي غيره. (¬1) 656 - قالوا يا رسول الله: كيف نصلّي عليك؟ قال: "قولوا اللهم صلّ على محمد وأزواجه وذريته كما صلّيت على آل ابراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل ابراهيم إنك حميد مجيد". قلت: رواه الجماعة كلهم في الصلاة من حديث عمرو بن سليم عن أبي حميد الساعدي إلا البخاري فإنه رواه في أحاديث الأنبياء وفي الدعوات. (¬2) 657 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من صلّى عليَّ صلاةً صلى الله عليه عشرًا". قلت: رواه مسلم والترمذي (¬3) في الصلاة من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري، ولفظ مسلم: من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرًا، ولفظ الترمذي: من صلّى ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3370)، ومسلم (406)، وأبو داود (976)، (977)، والترمذي (483)، والنسائي (3/ 47)، وابن ماجه (904). (¬2) أخرجه البخاري في التفسير (4797)، والدعوات (6357)، ومسلم (407)، وأبو داود (979)، وأشار الترمذي إلى حديث أبي حميد تحت الحديث السابق وقال: وفي الباب عن أبي حميد .... والنسائي (3/ 49)، وابن ماجه (905). (¬3) أخرجه الترمذي (485)، ومسلم (408).

من الحسان

عليّ صلاةً وهو لفظ المصابيح، وهذا اللفظ ليس في مسلم فكان من حق الشيخ أن يذكر لفظ مسلم أو يؤخر هذا الحديث في الحسان. من الحسان 658 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من صلّى عليّ صلاةً صلى الله عليه عشرًا، وحُطت عنه عشرُ خطيئات، ورُفعت له عشرُ درجات". قلت: رواه النسائي من حديث أنس في الصلاة. (¬1) 659 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليّ صلاةً". قلت: رواه الترمذي في الصلاة من حديث عبد الله بن شداد عن ابن مسعود في باب ما جاء في فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال: حديث حسن غريب. (¬2) 660 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن لله ملائكة سَيّاحين في الأرض يبلّغوني عن أمَّتي السَّلام". قلت: رواه النسائي من حديث ابن مسعود في الصلاة. (¬3) 661 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما من أحد يسلّم عليّ إلا ردّ الله عليّ رُوحي، أردّ عليه السلام". قلت: رواه أبو داود في الحج من حديث يزيد بن عبد الله بن قُسَيط عن أبي هريرة. (¬4) 662 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تجعلوا قبري عيدًا، وصَلُّوا عليّ، فإن صلاتَكم تَبْلُغني حيث كنتم". ¬

_ (¬1) أخرجه النسائي (3/ 50) وإسناده صحيح وأخرجه أيضًا في عمل اليوم والليلة (63). (¬2) أخرجه الترمذي (484) وإسناده ضعيف لضعف موسى بن يعقوب الزمعي، وفيه عبد الله بن كيسان وهو الزهري مولى طلحة بن عبد الله بن عوف لم يوثِّقه غير ابن حبان، وقال ابن القطان: لا تعرف حاله، ولا يعرف روى عنه إلا موسى بن يعقوب الزمعي انظر: بيان الوهم والإيهام لابن القطان (3/ 613). (¬3) أخرجه النسائي (3/ 43) وإسناده صحيح. وأخرجه الحاكم (2/ 421) وقال: صحيح الإسناد. (¬4) أخرجه أبو داود (2041)، وإسناده حسن.

قلت: رواه النسائي في الصلاة من حديث أبي هريرة. (¬1) 663 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "رَغِم أنفُ رجل ذُكرتُ عنده فلم يصلّ عليّ، ورَغِم أنفُ رجل دخل عليه رمضان ثم انْسلخَ قبل أن يُغفر له، ورَغِم أَنْفُ رجلٍ أدرك عنده أَبَواه الكِبَر أو أحَدُهما فلم يُدخِلاه الجنَّة". قلت: رواه الترمذي في الدعوات في باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - رَغِم أنف من حديث أبي هريرة وقال: حديث حسن غريب من هذا الوجه. (¬2) 664 - أَنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - جاء ذاتَ يومٍ والبشْر في وجهه فقال: إنّه جاءني جبريل فقال: "إنّ ربّك يقول: أما يُرضيك يا محمد أن لا يُصلِّي عليك أحد من أمتك إلا صَلّيتُ عليه عَشْرًا ولا يُسَلِّمُ عليك أَحَد مِنْ أُمتك إلا سَلُّمت عليه عَشْرًا". قلت: رواه النسائي في الصلاة من حديث عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه. (¬3) 665 - قلت: يا رسول الله! إني أُكثِر الصلاةَ عليك، فكَمْ أجْعَلُ لك من صلاتي؟ فقال: "ما شئتَ، قلت: الربع؟ قال: "ما شئت، فإن زِدْتَ فهو خير لك، قلت النصف؟ قال: ما شئت، فإن زِدْتَ فهو خير لك، قلت: فالثلثين؟ قال: ما شئتَ، فإن زدتَ فهر خير لك، قلت: أَجْعَلُ لك صلاتي كلّها؟ قال: إذًا تُكْفَى همُّك، ويُكَفّر لك ذَنْبك". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2042) وهو ليس في المجتبى ولم يعزه المزي في التحفة (9/ 490) للنسائي بل عزاه لأبي داود فقط وإسناده حسن. قال ابن القيم في "تهذيب سنن أبي داود" (2/ 447): نهي لهم أن يجعلوه مجمعًا، كالأعياد التي يقصد الناس الاجتماع إليها للصلاة، بل يزار قبره صلوات الله وسلامه عليه، كما كان يزوره الصحابة رضوان الله عليهم، على الوجه الذي يرضيه ويحبه صلوات الله عليه. (¬2) أخرجه الترمذي (3545) وله شاهد من حديث كعب بن عجرة مرفوعًا بتمامه. وأخرجه الحاكم (1/ 549) الفقرة الأولى من هذا الوجه، والحديث له شواهد كثيرة ذكرها المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 282 - 283)، وأخرجه أحمد (2/ 254)، وإسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي (16)، وابن حبان (908) ويصح الحديث بطرقه إن شاء الله. (¬3) أخرجه النسائي (3/ 44)، وإسناده صحيح وأخرجه الحاكم (2/ 420) وقال: صحيح الإسناد.

باب الدعاء في التشهد

قلت: رواه الترمذي في الزهد من حديث الطفيل بن أُبي عن أبيه، وقال: حديث حسن، رواه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإسناد. (¬1) 666 - دخلَ رجلٌ فصلّى فقال: اللهم اغفر لي وارحمني، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عَجلْت أيها المصلِّي، إذا صلّيتَ فقعدتَ فاحمَد الله بما هو أهله، وصلِّ عليّ، ثم ادعه قال: ثم صلّى رجلٌ آخر بعد ذلك، فحَمِد الله، وصلّى على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له النبي: "أيها المصلّي! ادعُ تُجبْ". قلت: رواه الترمذي في الدعاء من حديث فَضالة بن عبيد وَحسَّنَهُ. (¬2) 667 - كنت أصلّي، فلمّا جلستُ بدأت بالثناء على الله تعالى، ثم الصلاةِ على النبيّ، ثم دعوتُ لنفسي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "سَلْ تُعْطَهْ، سَلْ تُعْطَهْ". قلت: رواه الترمذي في الصلاة وابن ماجه في السنة من حديث عاصم عن زِرّ عن عبد الله، وقال الترمذي: حديث صحيح. (¬3) باب الدعاء في التشهد من الصحاح 668 - كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو في الصلاة: "اللهم إني أعوذ بك من عذابِ القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2457) وإسناده حسن، والحاكم في المستدرك (2/ 421) وقال: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه. (¬2) أخرجه الترمذي (3476) وقال: حديث حسن، وفي سنده رشدين بن سعد وهو ضعيف، لكن تابعه عبد الله بن وهب عند النسائي (1/ 189). (¬3) أخرجه الترمذي (593)، وفي المطبوع من الترمذي: "حسن صحيح" (1/ 588)، وفي تحفة الأشراف (7/ 24) "صحيح" فقط. وأخرجه البغوي في شرح السنة (1401).

اللهم إني أعوذ بك من المأْثَمِ والمَغْرَمِ" فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم!، فقال: "إن الرجلَ إذا غَرِم حدَّثَ فكذَبَ ووَعَدَ فأَخْلَفَ". قلت: رواه الشيخان في الصلاة من حديث عائشة. (¬1) 669 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا فرغ أحدكم من التشهد الأَخِير فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذابِ القَبْر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شَرّ المسيح الدجّال". قلت: رواه مسلم في الصلاة من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬2) 670 - أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان يُعلّمهم هذا الدعاء، كما يعلِّمهم السورةَ من القرآن، يقول: "قولوا: اللهم إني أعوذ بك من عذابِ جهنم، وأعوذ بك من عذابِ القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات". قلت: رواه مسلم في الصلاة من حديث ابن عباس. (¬3) 671 - قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: علّمني دعاءً أدعو به في صلاتي، قال: "قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفِرْ لي مغفرةً من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرَّحيم". قلت: رواه الجماعة: البخاري في الصلاة والتوحيد، ومسلم في الدعوات، والترمذي وابن ماجه كلاهما فيه، والنسائي (¬4) في الصلاة من حديث أبي بكر الصديق، وقد جعله بعض الرواة من مسند عبد الله بن عمرو بن العاص لأنه قال فيه: عن عبد الله أن ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (832)، ومسلم (589). (¬2) أخرجه مسلم (588). (¬3) أخرجه مسلم (590). (¬4) أخرجه البخاري (834) ومسلم (2075)، والترمذي (3531)، والنسائي (3/ 53)، وابن ماجه (3835).

أبا بكر قال لرسول الله: وهذا الحديث هو أول حديث في كتاب الجمع بن الصحيحين للحميدي. (¬1) 672 - كنتُ أرى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُسَلِّم عن يمينه ويساره حتى أرى بياضَ خَدِّه. قلت: رواه مسلم والنسائي وابن ماجه كلهم في الصلاة من حديث عامر ابن سعد بن أبي وقاص عن أبيه يرفَعُه. (¬2) 673 - "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلّى صلاة أقبلَ علينا بوَجْهِه". قلت: رواه البخاري في عشرة مواضع مُطَوَّلًا ومُقَطّعًا منها في الصلاة، ومسلم، والترمذي، والنسائي كلهم في الرؤيا من حديث سمرة بن جندب. (¬3) 674 - "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينصرف عن يمينه". قلت: رواه مسلم والنسائي هنا من حديث أنس. (¬4) 675 - "لا يجعل أحدُكم للشيطان شيئًا من صلاته، يَرى أنّ حقًّا عليه أَنْ لا ينصرِفَ إلا عن يمينه، لقد رأيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - كثيرًا ينصرفُ عن يسارِه". قلت: رواه الجماعة إلا الترمذي كلهم هنا من حديث عبد الله بن مسعود. (¬5) ¬

_ (¬1) انظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي بتحقيق الدكتور/ علي البواب (1/ 8). (¬2) أخرجه مسلم (582)، والنسائي (3/ 691)، وابن ماجه (915). (¬3) أخرجه البخاري (845) وفي الجنائز (1386)، وفي البيوع (285)، وفي الجهاد (2791)، وبدء الخلق (3236)، وفي الأدب (6096)، وفي الصلاة (1143)، وأحاديث الأنبياء (3354)، وفي التفسير (4674)، وفي التعبير (7047)، ومسلم (2275)، والترمذي (2294)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي في الكبرى (7658) و (11226)، وابن خزيمة (942)، وابن حبان (655)، والبيهقي (2/ 187)، والبغوي في شرح السنة (2053)، كلهم مختصرًا ومطولًا. (¬4) أخرجه مسلم (708)، والنسائي (3/ 81). (¬5) أخرجه البخاري (852)، ومسلم (707)، وأبو داود (1042)، والنسائي (3/ 81)، وابن ماجه (930).

من الحسان

676 - "كنا إذا صلّينا خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - أحببنا أن نكون عن يمينه، يُقْبِل علينا بوجهه، قال: فسمعته يقول: "ربِّ قِني عذابك يوم تَبْعَثُ عبادك أو تجمَعُ عبادَك". قلت: رواه مسلم وأبو داود في الصلاة من حديث البراء. (¬1) 677 - "إنّ النساء في عَهْدِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كنّ إذا سلّمن من المكتوبة قُمْنَ، وثَبَتَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ومن صلّى من الرجال ما شاءَ الله، فإذا قامَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قامَ الرِّجال". قلت: رواه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه كلهم في الصلاة من حديث أم سلمة وألفاظهم متقاربة. (¬2) 678 - "كان -يعني رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لا يقوم مِنْ مصلّاه الذي يصلّي فيه الصبحَ حتى تطلع الشمس، وكانوا يتحدّثُون فيأخذون في أمرِ الجاهلية فيضحَكُون ويتبسّم". قلت: رواه مسلم وأبو داود في الصلاة والنسائي فيه وفي اليوم والليلة ثلاثتهم من حديث سماك بن حرب عن جابر بن سمرة. (¬3) من الحسان 679 - أخذ بيدِيْ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إني لأُحبّك يا معاذ. فقلت: وأنا أحبّك يا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: "فلا تَدَعْ أن تقولَ في دُبُر كلِّ صلاةٍ: ربِّ أعِنِّي على ذِكرِك وشكرِك وحُسْن عِبادتِكَ". قلت: رواه أبو داود والنسائي (¬4) هنا من حديث معاذ بن جبل، وقال النووي: إسناده صحيح. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (709) وأبو داود (615). (¬2) أخرجه البخاري (866)، وأبو داود (1040)، والنسائي (3/ 67)، وابن ماجه (932). (¬3) أخرجه مسلم (670)، وأبو داود (1294)، والنسائي (3/ 80) والنسائي في اليوم والليلة (170). (¬4) أخرج الترمذي (1522)، والنسائي (3/ 53). (¬5) خلاصة الأحكام (1/ 467 رقم 1548).

680 - "أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسلِّم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله، حتى يُرى بياضُ خَدِّه الأيمن، وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله حتى يُرى بياضُ خدِّه الأيسر". قلت: رواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث عبد الله بن مسعود (¬1) وقال الترمذي: حسن صحيح وليس في روايته: "حتى يُرى بياض خده". 681 - وقال: "كان أكثر انصراف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من صلاته على شِقّه الأَيْسر إلى حُجْرته". قلت: لم أره في شيء من الكتب الستة ورواه المصنف في شرح السنة. (¬2) 682 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُصلِّي الإمامُ في الموضِع الذي صلّى فيه حتى يَتَحَوّلَ". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه (¬3) في الصلاة كلاهما من حديث عطاء الخراساني عن المغيرة، قال أبو داود: وعطاء لم يدرك المغيرة انتهى. ولذلك ضَعَّف الحديثَ غيرُ أبي داود أيضًا. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (699)، والترمذي (295)، والنسائي (3/ 63) وإسناده صحيح. (¬2) يبدو أنه جزء من حديث عبد الله بن مسعود الذي تقدم برقم (679)، وأخرج البخاري (852)، ومسلم (707)، وأبو داود (1042)، والنسائي (3/ 81)، وابن ماجه (930)، والبغوي (3/ 211)، وأخرج الإمام أحمد في المسند (1/ 408) وفيه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان عامة ما ينصرف من الصلاة على يساره إلى الحجرات، وأخرجه كذلك ابن حبان (1998)، وانظر للجمع بين الأحاديث في الانصراف عن يمينه أو عن يساره، فتح الباري (2/ 338). (¬3) أخرجه أبو داود (616)، وابن ماجه (1428)، قال الحافظ في الفتح (2/ 335): إسناده منقطع. . وانظر كذلك: مختصر المنذري (1/ 317). وكذلك فيه علة أخرى وهي: جهالة عبد العزيز بن عبد الملك القرشي، التقريب (4138) وقد روي الحديث عن علي وأبي هريرة، أما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن ماجه (1428)، والبيهقي (2/ 90). وحديث علي قال فيه: "من السنة أن لا يتطوع الإمام حتى يتحول من مكانه" أخرجه ابن أبي شيبة (6021) والبيهقي (2/ 191)، قال الحافظ في الفتح (2/ 335): إسناده حسن.

باب الذكر عقب الصلاة

683 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهاهم أن ينصرفوا قبل انصرافه من الصلاة. قلت: رواه أبو داود ولفظه من حديث أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حضّهم على الصلاة ونهاهم أن ينصرفوا قبل انصرافه في الصلاة وسكت عليه هو والمنذري. (¬1) باب الذكر عقب الصلاة من الصحاح 684 - قال كنت أعرف انقضاء صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتكبير. قلت: رواه الشيخان من حديث ابن عباس في الصلاة. (¬2) وفي هذا الحديث دليل على استحباب رفع الصوت بالذكر عقب الصلاة، وقد قال به جماعة، وحمله الشافعي على أنه جهر - صلى الله عليه وسلم - وقتًا يسيرًا حتى علّمهم صفة الذكر لا أنهم جهروا دائمًا، قال: فاختار للإمام والمأموم أن يذكر الله بعد الفراغ ويخفيان ذلك إلا أن يكون إمامًا يريد تعليمهم فيجهر فإذا علموا أسَرَّ. (¬3) 685 - "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سلّم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام". قلت: رواه مسلم في الصلاة من حديث عائشة ولم يخرج البخاري هذا الحديث. (¬4) 686 - "كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثًا، وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (624) وانظر مختصر المنذري (1/ 320) وفي إسناده حفص بن بُغَيْل المُرهِبي وهو مستور، التقريب (1409). لكنه أخرجه أحمد (3/ 240) بسند صحيح وأتم منه. (¬2) أخرجه البخاري (842)، ومسلم (583). (¬3) انظر: المنهاج (5/ 117). (¬4) أخرجه مسلم (592).

قلت: رواه الجماعة هنا (¬1) من حديث ثوبان إلا البخاري فإنه لم يخرج هذا الحديث ولا أخرج عن ثوبانَ شيئًا كما قدمنا التنبيه عليه. 687 - "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في دُبُر كلِّ صلاةٍ مكتوبةٍ: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له المُلك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانِعَ لما أعطيتَ، ولا مُعْطِيَ لما مَنَعْتَ، ولا ينفع ذا الجَدِّ منك الجَدُّ". قلت: رواه الشيخان في الصلاة من حديث المغيرة واللفظ للبخاري. (¬2) 688 - كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سَلَّم من صلاته قال بصوته الأعلى: "لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبدُ إلا إيّاه، له النِّعمةُ، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مُخلصين له الدين ولو كره الكافرون". قلت: رواه مسلم وأبو داود والنسائي هنا من حديث ابن الزبير ولم يخرجه البخاري. (¬3) 689 - أنه كان يُعَلِّم بَنِيْه هؤلاء الكلمات ويقول: إنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان يتعوّذ بهن دُبُرَ كلِّ صلاة: "اللهُمّ إني أعوذ بك من الجُبْن وأعوذ بك من البُخْلِ وأَعوذُ بك من أَرذَلِ العُمُر، وأعوذُ بك من فتنة الدنيا وعذابِ القَبْر". قلت: رواه البخاري في الجهاد والترمذي في الدعوات والنسائي في الاستعاذة من حديث عَمرو بن ميمون عن سعد بن أبي وقاص (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (591)، وأبو داود (1513)، والترمذي (300)، والنسائي (3/ 68)، وابن ماجه (928). (¬2) أخرجه البخاري (844)، ومسلم (593). (¬3) أخرجه مسلم (5940)، وأبو داود (1507)، والنسائي (3/ 70). (¬4) أخرجه البخاري (2822)، والترمذي (3567)، والنسائي (8/ 256، 266).

690 - قالوا: يا رسولَ الله! ذهب أهلُ الدُّثور بالدَّرَجَات، والنّعيم المُقيم، صلّوا كما صلّينا، وجاهدوا كما جاهدنا، وَأنْفَقُوا من فُضول أموالِهم، وليست لنا أموال، قال: "أفلا أخبركم بأمر تدركون به من قبلكم، وتَسْبقُون من جاء بعدكم، ولا يأتي أحد بمثل ما جئتم به، إلا من جاء بمثله، تسبّحون في دُبُر كل صلاة عشرًا، وتحمدون عشرًا، وتكبرون عشرًا". قلت: رواه البخاري في كتاب الأدعية بهذا اللفظ من حديث أبي هريرة (¬1) وأصل الحديث في مسلم وغيره ولكن هذا اللفظ للبخاري، والعجب أن ابن الأثير في "جامع الأصول" (¬2) لم يذكر هذا اللفظ الذي ذكره المصنف وهو في البخاري، والله أعلم. - وفي رواية: "تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثًا وثلاثين". قلت: رواها الشيخان من حديث أبي هريرة. (¬3) 691 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "معقِّبات لا يَخيب قائلهن -أو فاعلهن- دُبُرَ كُلِّ صلاة مكتوبة: ثلاثَ وثلاثون تسبيحةً، وثلاثَ وثلاثون تحميدةً، وأربعُ وثلاثون تكبيرةً". قلت: رواه مسلم والترمذي والنسائي هنا من حديث كعب بن عجرة ولم يخرجه البخاري (¬4) وقد ذكر الدارقطني (¬5) حديث كعب، بن عجرة هذا في استدراكاته على مسلم وقال: الصواب أنه موقوف على كعب، لأن من رفعه لا يقاومون من وقفه في الحفظ. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6329). (¬2) انظر جامع الأصول (4/ 221). (¬3) أخرجه البخاري (843)، ومسلم (595). (¬4) أخرجه مسلم (5960)، والترمذي (3412)، والنسائي (3/ 75). (¬5) الإلزامات والتتبع للدارقطني (ص 350 - 351).

من الحسان

قال النووي (¬1): وما قاله الدارقطني مردود لأن مسلمًا رواه من طرق كلها مرفوعة، وذكره الدارقطني أيضًا من طرق أخرى مرفوعة، وإنما روي موقوفًا من جهة منصور وشعبة وقد اختلف عليهما في رفعه ووقفه، وبين الدارقطني ذلك، والحديث إذا روي موقوفًا ومرفوعًا يحكم بأنه مرفوع على المذهب الصحيح الذي عليه الأصوليون والفقهاء والمحقِّقون من المحدثين، منهم البخاري وآخرون، حتى لو كان الواقفون أكثر من الرافعين حكم بالرفع، ودليله أن هذه زيادة ثقة فوجب قبولها ولا ترد لتقصير أو نسيان حصل ممن وقفه. قوله - صلى الله عليه وسلم - معقبات: قال شمر معناه تسبيحات تفعل أعقاب الصلوات. وقال أبو الهيثم: سميت معقّبات لأنها تفعل مرة بعد أخرى، وقوله تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ} أي ملائكة يعقب بعضهم بعضًا. 692 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من سبّح الله في دُبُر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وحَمِد الله ثلاثًا وثلاثين، وكبّر الله ثلاثًا وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لاشريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غُفرتْ خَطاياه وإنْ كانت مِثلَ زَبَد البَحْر". قلت: رواه مسلم في الصلاة من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخارى بهذا اللفظ. (¬2) من الحسان 693 - قيل يا رسول الله! أيُّ الدُّعاء أسْمَع؟ قال: "جوفُ الليل الآخِر، ودُبُر الصلواتِ المكتوبات". ¬

_ (¬1) شرح مسلم (5/ 95). (¬2) أخرجه مسلم (597).

قلت: رواه الترمذي في الدعوات والنسائي في اليوم والليلة (¬1) جميعًا من حديث عبد الرحمن بن سابط عن أبي أمامة وقال الترمذي: حسن انتهى، ورجاله ثقات، لكن قال ابن معين: عبد الرحمن بن سابط لم يسمع من أبي أمامة. 694 - "أَمَرني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقرأَ المعوِّذَتَيْن في دُبُر كلّ صلاة". قلت: رواه أحمد وأبو داود في أواخر الصلاة قبيل الزكاة والترمذي في فضائل القرآن والنسائي في الصلاة وفي اليوم والليلة (¬2) كلهم من حديث عقبة بن عامر، وقال الترمذي: حسن غريب. 795 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لأَنَ أقعدَ مع قوم يذكرونَ الله من صلاة الغَداةِ حتى تَطْلُع الشمسُ أحَبّ إليّ من أن أعتِقَ أربعةً من ولد إسماعيل، ولأَن أقعُدَ مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر إلى أن تَغْرُبَ الشمسُ أحبُّ إليّ من أن أعتِق أربعةً". قلت: رواه أبو داود في العلم من حديث قتادة عن أنس. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3499)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (108). الحديث رجاله ثقات، وقد تكلّم عليه الزيلعي في نصب الراية (2/ 235) وأعله ابن القطان بالانقطاع، وقال الحافظ في "نتائج الأفكار" (2/ 232): بعد نقل كلام الترمذي: (هذا حديث حسن غريب). "وفيما قاله نظر، لأن له عللًا: إحداها: الانقطاع، قال العباس الدوري في تاريخه عن يحيى بن معين: لم يسمع عبد الرحمن بن سابط من أبي أمامة، ثانيتها: عنعنة ابن جريج. ثالثتها: الشذوذ، فإنه جاء عن خمسة من أصحاب أبي أمامة، أصل هذا الحديث من رواية أبي أمامة عن عمرو بن عَبسة". (¬2) أخرجه أحمد (4/ 155)، وأبو داود (1523)، والنسائي (3/ 68)، وفي الكبرى (1168)، وفي المطبوع من عمل اليوم والليلة. والترمذي (2903)، وابن خزيمة (755)، وابن حبان (2004)، والبيهقي في الدعوات الكبير (105)، وانظر نتائج الأفكار (2/ 274) وإسناده صحيح انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (645) و (1514). (¬3) أخرجه أبو داود (3667)، والطبراني في الدعاء (1878)، وقال الحافظ: هذا أصح من حديث أبي ظلال: نتائج الأفكار (2/ 302).

باب ما لا يجوز من العمل في الصلاة وما يباح منه

796 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من صلّى الفجرَ في جماعة، ثم قَعَد يذكُرُ الله حتى تطلُع الشمسُ، ثم صلّى ركعتين كانت له كأجرِ حَجّة وعُمرة -قال- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تامةٍ تامةٍ تامةٍ". قلت: رواه الترمذي (¬1) في الصلاة من حديث أبي ظلال واسمه هلال بن أبي هلال عن أنس وقال: حسن غريب، وسألت محمد بن إسماعيل عن أبي ظلال فقال: هو مقارب الحديث. باب ما لا يجوز من العمل في الصلاة وما يباح منه من الصحاح 697 - قال: بينا أنا أصلّي معَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إذ عَطس رجل، فقلتُ: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارِهم، فقلت: ما شأنكم تنظرون إليَّ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذِهم فلما رأيتهم يُصَمِّتونَني سكتُّ، فلما صلّى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلِّمًا قبله ولا بعدَه أحسَنَ تعليمًا منه، والله ما كَهَرني ولا ضربني ولا شتمني، قال: "إن هذه الصلاة لا يَصْلُح فيها شيء من كلام الناس، إنّما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن" أو كما قال رسول الله. قلت: يا رسول الله إني حديثُ عهد بجاهلية، وقد جاء الله بالإسلام، وإنّ منّا رجالًا يأتون الكُهّان؟ قال: "فلا تَأتِهِمْ". قلت: ومنّا رجالٌ يَتَطَيَّرون؟ قال: "ذلك شيءٌ يجدونَه في صدورهم، فلا يَصُدَّنَّهم". قلت: ومنّا رجالٌ يَخُطُّون؟ قال: "كان نبيٌّ من الأنبياء يَخُطّ فمَنْ وافق خَطَّه فذاكَ". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (856) وقال: حسن غريب، لكن الحديث قد ذكره المنذري في الترغيب (1/ 164 - 165) وذكر له شواهد يرتقي بها الحديث إلى درجة الحسن -إن شاء الله-. وأبو ظلال: قال الحافظ: بكسر الظاء وتخفيف اللام اسمه هلال، ضعفوه، ولم أر فيه أحسن مما نقل الترمذي عن البخاري أنه سأل عنه؟ فقال: مقارب الحديث. نتائج الأفكار (2/ 302)، وقال في التقريب: ضعيف (7399).

قلت: رواه مسلم في الصلاة من حديث معاوية بن الحكم (¬1) بلفظ المصنف مع زيادة في آخره، ولم يخرج البخاري هذا الحديث، لكنه ذكر نَسْخ الكلام في الصلاة من حديث عبد الله بن مسعود الآتي، وزيد بن أرقم، وجابر ولم يخرج عن معاوية بن الحكم في كتابه شيئًا. قوله: فرماني القوم بأبصارهم: أي أشاروا إليّ بأعينهم، وما كهرني: أي ما زَبَرني ولا استقبلني بوجه عبوس. 698 - "كنّا نُسلّم على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وهو في الصلاة، فيَرُدّ علينا، فلما رجَعْنا من عند النَّجاشِيّ سَلّمْنا عليه فلَمْ يَرُدّ علينا، وقال: إن في الصلاةِ شُغُلًا". قلت: رواه الشيخان وأبو داود في الصلاة من حديث عبد الله بن مسعود. (¬2) 699 - أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الرجل يُسَوِّي الترابَ حيث يَسْجُد قال: "إنْ كانَ فاعلًا فواحدةً". قلت: رواه الجماعة في الصلاة من حديث معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي. (¬3) 700 - "نهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخَصْر في الصلاة". قلت: رواه الشيخان في الصلاة من حديث أبي هريرة واللفظ للبخاري (¬4). والصحيح أن المختَصِر هو الذي يصلي ويديه على خاصرته، وقال الهروي (¬5): هو الذي يأخذ بيده عضوًا يتوكأ عليه، وقيل أن يختصر السورة فيقرأ من آخرها آية أو آيتين وقيل: والذي لا يمدّ من الصلاة قيامَها وركوعَها وسجودَها وحدودَها والصحيح الأول. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (537). (¬2) أخرجه البخاري (1199)، ومسلم (546) و (538)، وأبو داود (923). (¬3) أخرجه البخاري (1207)، ومسلم (546)، وأبو داود (946)، والترمذي (380)، والنسائي (3/ 79)، وابن ماجه (1026). (¬4) أخرجه البخاري (1220)، ومسلم (545)، ولفظه: "أنه نهى أن يُصلّيَ الرجل مختَصِرًا". (¬5) كتاب الغريبين (2/ 213 - 214).

701 - سألتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عن الالتفات في الصلاة، فقال: "هو اختلاس يَخْتَلِسُه الشيطانُ من صلاةِ العبْد". قلت: رواه البخاري من حديث عائشة ولم يخرجه مسلم. (¬1) 702 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لينتهيَن أقوامٌ عن رفعِهم أبصارَهُم عند الدُّعاءِ في الصلاةِ إلى السماء أو لتُخْطَفَنّ أبصارُهم". قلت: رواه مسلم من حديث (¬2) أبي هريرة ولم يخرجه البخاري ولا أخرج عن أبي هريرة في هذا شيئًا. 703 - "رأيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يَؤُمّ النَاس وأُمامةُ بنتُ أبي العاص على عاتِقِه، فإذا ركَعَ وضعها، فإذا رفَعَ رأسه من السجود أَعادَها". ويُروى "رَفَعَها". قلت: رواه الشيخان (¬3) في الصلاة من حديث أبي قتادة ولم يقل البخاري يؤم الناس وأمامة هذه بنت زينب بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - ويشبه أن يكون هذا الفعل منه - صلى الله عليه وسلم - لبيان الجواز، ويدل على أن ثياب الأطفال وأبدانهم على الطهارة إلى أن يثبت غير ذلك، وأن العمل اليسير لا يضر، وأن الأفعال المتعددة إذا تفاصَلَتْ لا تبطل الصلاة. 704 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنّ عِفْريتًا من الجن تَفلّت البارِحة ليقطَع عليّ صلاتي، فأمكَنَني الله منه، وأخَذْتُه، فأردت أن أرْبْطَه على سارية مِن سَواري المسجد حتى تَنظُروا إليه كُلُّكم، فذكرتُ دعوَةَ أخي سليمان {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} فرَدَدْتُه خاسِئًا". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (7519). (¬2) أخرجه مسلم (429). (¬3) أخرجه البخاري (516)، ومسلم (543).

من الحسان

قلت: رواه الشيخان في الصلاة والنسائي في التفسير كلهم من حديث أبي هريرة. والخاسىء: المبعَد. (¬1) 705 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا تثاءب أحدكم في الصلاة فليكْظِم ما استطاع، فإن الشيطان يدخل في فيه". قلت: رواه مسلم في آخر الصحيح (¬2) وأبو داود في الأدب من حديث أبي سعيد الخدري يرفعه، ولم يخرجه البخاري من حديث أبي سعيد إنما خرّج معناه من حديث أبي هريرة. 706 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من نابه شيءٌ في صلاته فليُسبِّح، وإنّما التصفيق للنساء". قلت: رواه الشيخان في الصلاة من حديث سهل بن سعد. (¬3) 707 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "التسبيح للرجال، والتصفيقُ للنساء". قلت: رواه الشيخان من حديث سهل بن سعد. (¬4) من الحسان 708 - قال: كنّا نُسلِّم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في الصلاة قبل أن نأتيَ أَرْضَ الحبشة فيرُدّ علينا، فلما رجَعنا من أرضِ الحبشة أتيتُه فوجدتُه يُصلي، فسلّمتُ عليه، فلم يَرُدَّ عليّ، حتى إذا قَضى صلاتَه قال: "إن الله يُحدِث مِن أمْره ما يشاءُ، وإنّ مِمّا أحْدَثَ أَنْ لا تَكَلّمُوا في الصلاة، فردّ علي السلام". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (461)، ومسلم (541)، والنسائي (1440). (¬2) أخرجه مسلم (9995)، وأبو داود (5026). (¬3) أخرجه البخاري (684)، ومسلم (421). (¬4) البخاري (1203)، ومسلم (422).

قلت: رواه أبو داود والنسائي جميعًا في الصلاة من حديث وائل بن حُجر عن ابن (¬1) مسعود. 709 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الصلاة لقراءةِ القُرآن وذِكْرِ الله فإذا كنتَ فيها فليكُنْ ذلك شأنْك". قلت: رواه أبو داود هنا من حديث معاوية بن الحكم السلمي في حديث طويل وسكت عليه. (¬2) 710 - "قلت لبلال: كيف كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يرُدّ عليهم حين كانوا يسلِّمُون عليه وهو في الصلاة؟ قال: كان يشير ييَدِه". قلت: رواه الترمذي في الصلاة من حديث ابن عمر، قلت لبلال وساقه. وقال: حديث حسن صحيح. (¬3) 711 - صليتُ خلفَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَعَطَسْتُ فقلت: الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه مباركًا عليه كما يُحبّ ربّنا ويرضى، فلما صلّى النبي - صلى الله عليه وسلم - انصرف فقال: "مَنْ المتكلم؟ قال رِفاعة: أنا يا رسول الله، قال: "لقد رأيتُ بضعةً وثلاثين مَلَكًا أيهم يَصْعَدُ بها". قلت: رواه أبو داود والترمذي والنسائي كلهم في الصلاة من حديث رفاعة بن رافع وقال الترمذي: حديث حسن. (¬4) 712 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنّ التثاؤُب في الصلاة من الشيطان، فإذا تثاءَبَ أحدكم فليَكْظم ما استطاع". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (924)، والنسائي (3/ 19) وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه أبو داود (931) وإسناده صحيح. (¬3) أخرجه الترمذي (368) وإسناده صحيح. (¬4) أخرجه أبو داود (773)، والترمذي (404)، والنسائي (2/ 196) وإسناده صحيح.

قلت: رواه الترمذي في الصلاة من حديث إسماعيل بن جعفر عن العلاء ابن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة وقال: حديث حسن صحيح (¬1). ورواه ابن حبان من حديث زيد بن أبي أنيسة عن العلاء به. - وفي رواية: "فليضَع يَدَه على فيه". قلت: رواها ابن ماجه في الصلاة (¬2) من حديث أبي هريرة يرفعه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا تثاءَب أحدُكم فليضَع يده على فيه، ولا يَعْوِي فإنّ الشيطان يضحك منه". ورجاله رجال الصحيحين إلا محمد بن الصباح شيخ ابن ماجه وثَّقه أبو زرعة. 713 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدا إلى المسجد فلا يشبكن بين أصابعه فإنه في الصلاة". قلت: رواه أحمد وأبو حاتم وأبو داود والترمذي كلهم من حديث سعيد المقبري عن ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (370)، وابن حبان (2359) و (2357)، والبغوي (728)، وقوله: "التثاؤب من الشيطان". قال ابن بطال: إضافة التثاؤب إلى الشيطان بمعنى إضافة الرضاء والإرادة، أي أن الشيطان يحب أن يرى الإنسان متثاثبًا، لأنها حالة تتغير فيها صورته فيضحك منه، لا أن المراد أن الشيطان فعل التثاؤب، وقال ابن العربي: قد بينا أن كل فعل مكروه نسبه الشرع إلى الشيطان، لأنه واسطته، وأن كل فعل حسن نسبه الشرع إلى الملك، لأنه واسطته. وقال النووي: أضيف التثاؤب إلى الشيطان، لأنه الذي يدعو إلى الشهوات، إذ قد يكون غالبًا عن ثقل البدن وامتلائه واسترخائه، وميله إلى الكسل، والمرار: التحذير من السبب الذي يولد منه ذلك. وهو التوسع في المأكل وإكثار الأكل. انظر: المنهاج (18/ 122). (¬2) أخرجه ابن ماجه (968) وإسناده ضعيف وأما قول المؤلف: رجاله رجال الصحيحين، فوهم. فإنّ العلّة الحقيقية في الإسناد: عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري وهو متروك، التقريب (3376). وقال في الزوائد: في إسناده عبد الله بن سعيد اتفقوا على ضعفه. انظر مصباح الزجاجة للبوصيري (1/ 327 - 328). وأخرجه الترمذي (2746)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (216) و (217)، وابن حبان (2358)، وانظر إرواء الغليل (776)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن.

رجل غير مسمى عن كعب بن عجرة ولم يذكر الرجل. (¬1) 714 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزال الله عز وجل مُقبلًا على العبد وهو في صلاته ما لم يَلتَفت فإذا التفَتَ أعْرضَ عنه". قلت: رواه أبو داود والنسائي كلاهما في الصلاة، من حديث أبي الأحوص عن أبي ذر وأبو الأحوص لا يعرف اسمه، ولم يَرْوِ عنه غيرُ الزهريّ، قال ابن معين: ليس هو بشيء، وقال أبو أحمد الكرابيسي: ليس بالمتين عندهم، وهذا الحديث لم يضعفه أبو داود فهو حسن عنده. (¬2) 715 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا أنس اجعَلْ بصَرَك حيثُ تَسجد". قلت: رواه البيهقي في السنن من حديث الحسن عن أنس يرفَعُه. (¬3) 716 - قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا بُنَي إياكَ والالتفاتَ في الصلاة، فإنَّ الالتفاتَ في الصلاةِ هَلكة، فإنْ كان لا بُدّ، ففي التَّطوّع، لا في الفَرِيضة". قلت: رواه الترمذي في الصلاة من حديث سعيد بن السيب عن أنس وقال: ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (4/ 241)، وابن حبان (2036) (الإحسان)، وأبو داود (909)، والترمذي (386)، والنسائي (3/ 8) والحديث له شاهدان أحدهما: عن أبي هريرة عند الدارمي (1/ 327)، والآخر عن أبي سعيد الخدري عند أحمد (3/ 42، 45). (¬2) أخرجه أبو داود (909)، والنسائي (3/ 8) وفيه أبو الأحوص شيخ الزهريّ، وهو مجهول لم يرو عنه غيره كما قال المنذري: (1/ 190) فإسناده ضعيف. انظر التقريب (7983) وستأتي ترجمة أبي الأحوص قريبًا وقد سبق الكلام عن سكوت أبي داود. (¬3) أخرجه البيهقي (2/ 284) وكذلك العقيلي في الضعفاء الكبير (3/ 427) وقال عنه: مجهول بالنقل، حديثه غير محفوظ، روى عنه الربيع بن بدر، والربيع متروك، وقال بعد ذكر الحديث: ولا يُعرف إلا به وذكره الذهبي في الميزان (3/ 303) وقال عنه: "لا يُدرَى من هذا لكن تفرد به عُليلة بن بدر واهٍ وقال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (4/ 385). الربيع هو عُلَيْلَة بن بدر.

حسن صحيح. (¬1) 717 - أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان يلحظ في الصلاةِ يمينًا وشمالًا ولا يلْوِي عُنُقَه خَلْفَ ظَهره. قلت: رواه الترمذي والنسائي (¬2) من حديث عكرمة عن ابن عباس ورواه في المستدرك وقال: على شرط البخاري، وسكت عليه الذهبي، وقال الترمذي: حديث غريب قال النووي: وإسناده صحيح. (¬3) وقد رُوِي مرسلًا. (¬4) 718 - "العُطاس، والنُّعاس، والتثاؤب في الصلاة، والحَيْض، والقيءُ، والرُّعاف من الشيطان". قلت: رواه الترمذي في الاستئذان وابن ماجه في الصلاة كلاهما من حديث عدي بن ثابت عن أبيه عن جده يرفعه، وجده قيل اسمه: دينار، ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (589) وفي إسناده علي بن قلد بن جُدعان وهو ضعيف، وضعفه ابن القيم في "زاد المعاد" وقال: ولكن للحديث علتان: إحداهما: أن رواية سعيد عن أنس لا تعرف. الثانية: أن في طريقه علي بن زيد بن جدعان. ثم نقل عن الإمام أحمد أنه وهَّن حديث سعيد هذا، وضعّف إسناده، وقال: إنما هو عن رجل عن سعيد. زاد المعاد (1/ 248 - 250) وأشار إلى ذلك أيضًا المنذري في الترغيب (1/ 191). (¬2) أخرجه الترمذي (587)، والنسائي (3/ 9)، والحاكم (1/ 236 - 237)، وأحمد (1/ 275)، والدارقطني (2/ 83) وإسناده صحيح. قال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 195 - 194): فالحديث صحيح وإن كان غريبًا، لا يعرف إلا من هذا الطريق، فإن عبد الله بن سعيد وثور بن زيد ثُقتان وعكرمة الحق فيه أنه ثقة، والبخاري محتج به. وانظر: نصب الراية (2/ 90). (¬3) خلاصة الأحكام (1/ 480). (¬4) أخرجه الترمذي (585) وأبو داود في رواية ابن الأشناني كما في "التحفة" (5/ 117) وقال أبو داود: وهذا أصح يعني من حديث عكرمة عن ابن عباس! وأخرجه كذلك أحمد (1/ 275)، والبيهقي (2/ 13).

ومدار الحديث على شريك وقد تقدم ذكره. (¬1) 719 - "أتيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يُصلِّي ولجَوْفِه أزيز كأزيزِ المرْجَل من البكاء". قلت: رواه أبو داود والنسائي جميعًا الصلاة والترمذي في الشمائل كلهم من حديث مُطَرّف بن عبدِ الله بن الشخير، عن أبيه يرفعه. (¬2) 720 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمسَح الحَصَى فإن الرَّحْمَة تُواجهْه". قلت: رواه أحمد والأربعة (¬3) في الصلاة من حديث أبي الأحوص شيخ من أهل المدينة أنه سمع أبا ذر ورفَعَه، وأبو الأحوص هذا لا يعرف اسمه. وتكلم فيه يحيى بن معين وغيره وتقدم قريبًا. 721 - قال: رَأى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - غلامًا لنا يقال له "أفلح" إذا سَجَد نَفَخ، فقال: "يا أفْلَحُ تَرِّبْ وَجْهَك". قلت: رواه الترمذي في الصلاة من حديث أم سلمة (¬4) وقال: إسناده ليس بذاك، وفي سنده ميمون أبو حمزة، وقد ضَعّفه بعضُ أهل الحديث انتهى وقال الذهبي: ضَعَّفُوه. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2748) وليس عنده الرعاف وابن ماجه (969) بلفظ: "البزاق المخاط والنعاس في الصلاة من الشيطان". وإسناده ضعيف. قلت: إضافة إلى ما ذكر المؤلف فإن في الإسناد: أبا اليقظان واسمه: عثمان بن عمير وهو الكوفي الأعمى، ضعيف. وكذلك جهالة ثابت وضعف شريك بن عبد الله القاضي. (¬2) أخرجه أبو داود (94)، والنسائي (3/ 13)، والترمذي في الشمائل (315) وإسناده صحيح. (¬3) أخرجه أحمد (5/ 150)، وأبو داود (945)، والترمذي (379)، والنسائي (3/ 6)، وابن ماجه (1027). وإسناده ضعيف لضعف أبي الأحوص، قال الدُّوري في تاريخه عن ابن معين (2/ 690): أبو الأحوص الذي يروي عنه الزهري ليس بشيء. وقال المزي: وقال النسائي فيما قرأت بخطه: أبو الأحوص لم نقف على اسمه ولا نعرفه ولا نعلم أن أحدًا روى عنه غير ابن شهاب الزهريّ. انظر ترجمته في تهذيب الكمال (33/ 17 - 19) والتقريب (7983). (¬4) أخرجه الترمذي (381) وإسناده ضعيف، ومع أنه توبع عند ابن حبان (1913) من طريق داود بن أبي هند -وهو ثقة- عن أبي صالح. وتبقى العلة في شيخه أبي صالح مولى طلحة، ولا يعرف، انظر كلام =

722 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "الاختصارُ في الصلاة راحةُ أهْلِ النار". قلت: رواه المصنف مقطوعًا بغير سند (¬1) فقال: وفي بعض الأحاديث الاختصار راحةُ أهلِ النار (¬2)، وقد صَحَّ النهيُ عن الاختصار في الصلاة من حديث أبي هريرة. (¬3) والاختصار: أن يضَع الرجلُ يَدَه على خاصِرته، ويُروى: أنّ إبليسَ إذا مشَى، مشَى مختصرًا، ذكره الترمذي. (¬4) 723 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "اقتُلوا الأَسْودَين في الصلاة: الحيَّة والعَقرب". قلت: رواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث أبي هريرة وحسّنه الترمذي. (¬5) 724 - "كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلي تَطَوّعًا والبابُ عليه مُغْلق، فجئت فاستفتحتُ، فمشَى فَفَتَح لي، ثم رَجع إلى مُصلّاه، وذكَرَتْ أن البابَ كانَ في القبلة". قلت: رواه الثلاثة أيضًا من حديث عائشة وحَسَّنه الترمذي (¬6). 725 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا فَسَا أحدُكم في الصلاة فليَنْصَرِف، فليتوَضَّأ ولْيُعِد الصلاة". ¬

_ = الذهبي في ميمون في الكاشف (2/ 312 - 5769). وكلامه في أبي صالح، الميزان (4/ 538) وذكر الذهبي هذا الحديث وقال أنه ضعيف. (¬1) أشار المؤلف إلى البغوي مؤلف المصابيح في كتابه "شرح السنة" وهذا لفظ البغوي فيه، انظر (3/ 248). (¬2) أخرجه ابن خزيمة (909)، وابن حبان (480)، والبيهقي (2/ 287 - 288). (¬3) حديث أبي هريرة نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي الرجل مختصرًا أخرجه البخاري (1220)، ومسلم (545)، والنسائي (2/ 127)، وأبو داود (947)، والترمذي (383)، وابن حبان (2285)، والحاكم (1/ 264). (¬4) انظر سنن الترمذي (1/ 408)، وشرح السنة (3/ 248)، وفتح الباري (3/ 71). (¬5) أخرجه أبو داود (921)، والترمذي (390)، والنسائي (3/ 10)، وابن ماجه (1245) وإسناده صحيح. (¬6) أخرجه أبو داود (922)، والترمذي (601)، والنسائي (3/ 11) وإسناده صحيح.

قلت: رواه أبو داود واللفظ له في الصلاة والترمذي في الرضاع والنسائي في عشرة النساء (¬1). وقال الترمذي: حسن، وسمعت محمدًا يقول: لا أعرف لعلي بن طلق غير هذا الحديث الواحد، ولا أعرف هذا من حديث علي بن طلق السُّحَيْمي فكأنه رأى أن هذا رجل آخر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. 726 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أحدث أحدُكم في صلاته فليأخُذ بأنْفِه ثم لينصرفْ". قلت: رواه أبو داود في الصلاة من حديث عائشة (¬2). 727 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أحدَثَ أحدُكم وقد جَلَس في آخِر صلاته قبل أن يسلّم فقد جازَتْ صلاتُه". (ضعيف). قلت: رواه أبو داود والترمذي (¬3) كلاهما في الصلاة من حديث عبد الله ابن عمرو بن العاص يرفعه، قال الترمذي: -واللفظ له- وليس إسناده بذاك القوي، وقد اضطربوا في إسناده، وفيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وهو الإفريقي، وقد ضَعّفه بعضُ أهل الحديث منهم: يحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل انتهى كلام الترمذي. وقال الخطابي: حديث ضعيف وقد تكلم الناس في بعض نَقَلَتِه. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (205) (1005)، والترمذي (1164)، والنسائي في الكبرى (9025). وفي "عشرة النساء" (138) وإسناده ضعيف فيه عيسى بن حِطّان قال ابن عبد البر: ليس ممن يحتج به وأشار إلى ذلك الحافظ في التهذيب، وقال ابن القطان (الوهم والإيهام 5/ 191) ونقله عنه صاحب نصب الراية (2/ 62): وهذا حديث لا يصح، فإن مسلم ابن سلام الحنفي أبا عبد الملك مجهول الحال، وانظر كلام الترمذي عن البخاري في العلل الكبير (1/ 146)، والاستيعاب (2/ 536). (¬2) أخرجه أبو داود (1114)، وابن ماجه (1222)، وكذلك الحاكم (1/ 184) وقال صحيح على شرطهما. (¬3) أخرجه أبو داود (617)، والترمذي (408) وإسناده ضعيف، إضافة إلى أنه يعارض الحديث الصحيح "وتحليلها التسليم" وتقدمت ترجمة الإفريقي وهو ضعيف في حفظه، التقريب (3887). (¬4) معالم السنن (1/ 151).

باب السهو

باب السهو من الصحاح 728 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنّ أحدكم إذا قام يُصلِّي جاءَ الشيطان فلبَّس عليه حتي لا يدري كم صلّى، فإذا وجَد ذلك أحدُكم فليسجُدْ سجدتين وهو جالِس". قلت: رواه الجماعة هنا كلهم من حديث أبي هريرة يرفعه. (¬1) "فلبس عليه" هو بتخفيف الباء الموحدة المفتوحة ومعناه: خلَط عليه صلاته. 729 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا شك أحدُكم في صلاته فلم يَدْر كم صَلّى، ثلاثًا أم أربعًا، فليَطْرَحْ الشَّكّ وليبن على ما استَيقَنَ ثم يَسْجُدُ سَجْدَتين قبْلَ أنْ يُسلّم، فإنْ كان صَلّى خَمسًا شَفَعَها بهاتَين السْجْدَتَين وإنّ كانَ صلّى إتمامًا لأَربع كانتا ترغيمًا للِشَّيطانِ". قلت: رواه مسلم (¬2) في الصلاة من حديث أبي سعيد الخدري، ولم يخرجه البخاري ولا أخرج عن أبي سعيد في هذا شيئًا. وفيه دليل على الأخذ بالأقل وأن السجود قبل السلام. 730 - قال: "أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - صَلّى الظّْهْرَ خَمسًا، فقيل له: أزيد في الصلاة؟، فقال: وما ذاك؟ قالوا صَلّيتَ خمسًا، فسَجَد سَجْدَتَيْن بَعْدَ ما سَلّم". قلت: رواه الشيخان والترمذي كلهم في الصلاة من حديث علقمة عن ابن مسعود. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1232)، ومسلم (389)، وأبو داود (1030) (1031)، والترمذي (397)، والنسائي (3/ 30)، وابن ماجه (216). (¬2) أخرجه مسلم (571). (¬3) أخرجه البخاري (401)، ومسلم (572)، والترمذي (392)، وأبو داود (1019)، والنسائي (3/ 31)، وابن ماجه (1205).

731 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إنما أنا بَشَر مثلُكم أَنْسى كما تنسونَ، فإذا نسيتُ فذكِّروني، وإذا شَكّ أحَدُكم في صلاته فليَتَحرَّ الصَّواب، فليُتِمّ عليه، ثُمّ ليُسَلِّمْ، ثم يَسْجُد سجدتين". قلت: رواه الشيخان في الصلاة من حديث عبد الله بن مسعود (¬1). 732 - قال: صلّى لنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - صلاةَ العصر، فسلَّم في ركعتين، فقامَ إلى خَشبةٍ مَعْرُوضَة في المَسْجِد، فاتَّكأ عليها كأنّه غَضبان، ووَضَع يَدَه اليُمْنَى على اليُسْرى وشَبَّكَ بَيْن أصابعِه، ووضَعَ خدّه الأَيْمن على ظهرِ كفه اليُسرى، وفي القوم أبو بكر وعُمر، فهاباه أن يُكَلِّماه، وفي القوم رجُل في يَدَيْه طولٌ يقال له "ذو اليدين"، قال: يا رسول الله! أقُصِرت الصلاة أم نَسيت؟، فقال: "كُلّ ذلك لم يكن" فقال: قد كان بعض ذلك، فأقبلَ على الناس، فقال: "أصَدق ذو اليدين؟ " قالوا: نعم، فتقدّم فصَلَّى ما تَرَك، ثم سَلّم، ثم كبَّر وسَجَد مِثْلَ سجودِه أو أَطوَل، ثم رَفَع رأسَه وكَبَّر ثم كبّر وسَجَد مثلَ سُجودِه أو أطْول، ثم رفَع رأسَه وكبّر ثم كبّر وسَجَد مثل سُجُوده أو أطْوَل ثم رفَع وكبّر". قلت: رواه الجماعة كلهم في الصلاة من حديث ابن سيرين عن أبي هريرة (¬2). والخشبة المعروضة: هي جِذع من نخل، كذا جاء في صحيح مسلم، وكانت في قبلة المسجد، واسم ذي اليدين: الخِرباق بكسر الخاء المعجمة وبالباء الموحدة ثم القاف. قوله في المصابيح: "قال عِمرانُ بن حصين: ثم سَلّم" هذه الزيادة هي في آخر الحديث المتقدم، قال محمد بن سيرين: ثبت أن عمران بن حصين قال: ثم سلّم، ورواها أيضًا ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (482)، ومسلم (573)، وأبو داود (1008) (1009) (1010)، والترمذي (394)، والنسائي (3/ 20)، وابن ماجه (1214) في المطبوع من المصابيح عدّهما حديثًا واحدًا. (¬2) أخرجه البخاري (401)، ومسلم (572).

من الحسان

مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي (¬1) من حديث أبي المهلب عن عمران بقصة ذي اليدين، وقال في آخره: ثم سلّم. 733 - "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلّى بهم الظُّهر، فقام في الركعتين الأولَيَيْن لم يَجْلِسْ فقام الناسُ معَه، حتى إذا قَضى الصلاةَ وانتظر الناسُ تسليمه كبّر وهو جالسٌ فسَجَد سَجْدَتين قبل أن يُسَلِّمَ ثم سَلِّمَ". قلت: رواه الشيخان في الصلاة من حديث عبد الله بنُ بَحْينَة، مع اختلاف في اللفظ. (¬2) من الحسان 734 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلّى بهم فسَها، فسجَد سَجْدَتين، ثم تَشَهَّد، ثم سَلِّمَ. قلت: رواه الترمذي في الصلاة من حديث عمران بن حصين وقال: حسن غريب. (¬3) 735 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قام الإمام في الركعتين، فإنْ ذَكَر قَبْلَ أن يَسْتَوِيَ قائمًا فَلْيَجْلِس، فإن استوى قائمًا فلا يَجلِسْ، ويسجُد سَجْدَتَي السهو". قلت: رواه أبو داود وأخرج الترمذي نحوه من حديث المغيرة بن شعبة (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (574)، والترمذي (395)، والنسائي (3/ 26، 66)، وابن ماجه (1215). (¬2) أخرجه البخاري (829)، ومسلم (570). (¬3) أخرجه الترمذي (395)، وأبو داود (1039)، والنسائي (3/ 26)، وابن حبان (2670)، والبغوي (761)، والحديث ضعيف، لمخالفة أشعث بن عبد الملك الحمراني الثقات في رواية زيادة في الحديث وهي ذكر التشهد. والمتن مشهور بدونها. (¬4) أخرجه أبو داود (1036)، وابن ماجه (1208) وإسناده ضعيف لأن فيه جابر الجعفي ولا يحتج بحديثه.

باب سجود القرآن

باب سجود القرآن من الصحاح 736 - سَجَد النبي - صلى الله عليه وسلم - بـ (النجم) وسجد معَه المسلِمونَ، والمشركون، والجن، والإنس. قلت: رواه البخاري من حديث ابن عباس في سجود القرآن وفي التفسير والترمذي في الصلاة ولم يخرجه مسلم. (¬1) 737 - سَجَدْنا مع النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في {إذا السماء انشقت} و {اقرأ باسم ربك}. قلت: رواه مسلم بهذا اللفظ من حديث أبي هريرة (¬2) وخرج البخاري {إذا السماء انشقت} خاصّة. 738 - "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ السجدة، ونحن عندَه فيسجُد ونَسْجُدُ معه، فنزدحِمُ حتى ما يَجِدُ أحَدُنا لجبهتِه موضِعًا يسجُد عليه". قلت: رواه البخاري في سجود القرآن، ومسلم وأبو داود كلاهما في الصلاة من حديث ابن عمر. (¬3) 739 - قال: قرأت على النبي - صلى الله عليه وسلم - {والنجم} فلم يَسْجُد فيها. قلت: رواه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي كلهم في الصلاة من حديث زيد بن ثابت، قال أبو داود: وكان زيد الإمام فلم يسجد. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1071)، وفي التفسير (4862)، والترمذي (575). (¬2) أخرجه مسلم (578). (¬3) أخرجه البخاري (1075)، ومسلم (575)، وأبو داود (1412). (¬4) أخرجه البخاري (1072)، ومسلم (577)، وأبو داود (1404، 1405)، والترمذي (576).

من الحسان

740 - سجدة {ص} ليس من عزائم السجود، وقد رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يسجد فيها. قلت: رواه البخاري من حديث ابن عباس في سجود القرآن وفي أحاديث الأنبياء وأبو داود والترمذي في الصلاة والنسائي في التفسير بمعناه. (¬1) 741 - وفي رواية أنه قرأ {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده}. وقال: "كان داود ممن أُمِر نبيُّكم أن يَقْتدِيَ به فسَجَدَها داود فسجدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". قلت: رواه البخاري في تفسير سورة {ص} من حديث ابن عباس ولم يخرجه مسلم. (¬2) من الحسان 742 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرأه خمسَ عشرةَ سجدة: منها ثلاث في المُفصَّل، وفي سورة الحجِّ سجدتان". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه من حديث عمرو بن العاص (¬3)، قال النووي (¬4): إسناده حسن، قال أبو داود: ورُوي عن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إحدى ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1069)، وفي أحاديث الأنبياء (3422)، وأبو داود (1409)، والترمذي (577). (¬2) أخرجه البخاري في التفسير (4806) و (4807) وأخرجه كذلك البخاري في أحاديث الأنبياء (3421)، وفي التفسير (4632). (¬3) أخرجه أبو داود (1401)، وابن ماجه (1057) وإسناده ضعيف، لأن فيه الحارث بن سعيد العُتَقي قال الحافظ في "التلخيص الحبير" (2/ 18): لا يعرف، وقال ابن ماكولا: ليس له غير هذا الحديث، وقال في التقريب: مقبول (1030) وقال في التلخيص: وفيه عبد الله بن منين وهو مجهول، وقال الذهبي: لا يعرف، ميزان الاعتدال (1/ 434). (¬4) الخلاصة (2/ 630 رقم 2133).

عشرة سجدة، وإسناده واهي، قال المنذري (¬1): وحديث أبي الدرداء -هذا الذي أشار إليه أبو داود- أخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي: غريب. (¬2) وأخذ الإمام أحمد بظاهر هذا الحديث، وأدخل سجدة (ص) فيها، وقال الشافعي وطائفة من العلماء: هُنّ أربع عشرة سجدة، منها سجدتان في الحج وثلاثة في المفصّل، وليست سجدة (ص) منهن، وقال مالك: هُن إحدى عشرة، أسقط سجدات المفصّل، وقال أبو حنيفة: هُنّ أربع عشرة، أثبت المفصّل وسجدة (ص) وأسقط السجدة الثانية من الحج. 743 - قلت: يا رسولَ الله فُضِّلَتْ سُورةُ الحج بأَنّ فيها سجدَتين؟ قال: "نعم، ومن لم يَسجُدْهما فلا يقرأهما". (ضعيف). قلت: رواه أبو داود والترمذي كلاهما (¬3) في الصلاة، من حديث عقبة بن عامر قال الترمذي: وإسناده ليس بالقوي انتهى وفيه ابن لَهِيْعَةَ ومِشْرَح بن هاعان ولا يحتج بحديثهما كله، قاله الحافظ المنذري (¬4)، ومن العجب استدراك الحاكم هذا الحديث في المستدرك بهذا السند وأعجب منه سكوت الذهبي على ذلك. 744 - "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سَجَد في صلاة الظهر، ثم قام فركع، فَرَأوا أَنّه قرأ: {آلم تنزيل} السجدة". ¬

_ (¬1) مختصر سنن أبي داود (2/ 117). (¬2) أخرجه الترمذي (568) و (569)، وابن ماجه (1055). (¬3) أخرجه أبو داود (1402)، والترمذي (578) وإسناده ضعيف وأخرجه الحاكم (1/ 221) و (2/ 390) وقال الحاكم: هذا حديث لم نكتبه مسندًا إلا من هذا الوجه، وقد صحت الرواية فيه من قول عمر بن الخطاب .. وقال الذهبي: صحت الرواية في هذا من قول عمر وطائفة. فلعل المؤلف لم يطلّع على الموضع الثاني في المستدرك. (¬4) مختصر المنذري (2/ 117).

قلت: رواه أبو داود (¬1) من حديث ابن عمر بن الخطاب، وأخرجه أحمد وزاد في الركعة الأولى من صلاة الظهر ورواه الحاكم، وقال: على شرطهما وأقره الذهبي. 745 - كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ علينا القرآن، فإذا مرَّ بالسَّجْدة كَبَّر وسَجَدَ، وسَجَدْنا. قلت: رواه أبو داود (¬2) في الصلاة من حديث ابن عمر، قال عبد الرزاق: وكان الثوري يُعْجِبه هذا الحديث، وفي إسناده عبد الله بن عمر بن حفص ابن عاصم بن عمر بن الخطاب، وقد تكَلّم فيه غيرُ واحد من الأئمة، وأخرج له مسلم مقرونًا بأخيه عبيد الله بن عمر، وقد روى هذا الحديث الحاكم في المستدرك وقال: على شرطهما وهو سنة عزيزة في سجود المستمعين خارج الصلاة، وأصل هذا الحديث ثابت في الصحيحين أيضًا من حديث ابن عمر. 746 - إنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ عامَ الفتح سَجْدَة، فسَجَد الناس كُلُّهم، منهم الراكب والساجد على الأرض، حتى أنّ الراكب ليَسْجُدُ على يَدِه. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (807)، وأحمد (2/ 83)، والحاكم (1/ 221). وإسناده فيه انقطاع لأن سليمان بن طرخان التيمي لم يسمع من أبي مجلز وهو لاحق بن حميد. وقد صرّح بذلك في آخر الحديث عند الإمام أحمد، وذكر الحافظ في التلخيص (2/ 20) علة أخرى في الحديث وقال: وفيه أمية شيخ لسليمان التيمي رواه له عن أبي مجلز، وهو لا يعرف، قاله أبو داود في رواية الرملي عنه. قال ابن قدامة المقدسي (2/ 371) قال بعض أصحابنا: يكره للإمام قراءة السجدة في صلاة لا يجهر فيها، وإن قرأ لم يسجد، وهو قول أبي حنيفة، لأن فيها إيهامًا على المأموم، ولم يكرهه الشافعي، لأن ابن عمر روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سجد في الظهر، ثم قام فركع، فرأى أصحابه أنه قرأ سورة السجدة، رواه أبو داود، واتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى، وإذا سجد الإمام سجد المأموم معه. (¬2) أخرجه أبو داود (1413)، وابن خزيمة (557)، والحاكم (1/ 221) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يُخرجاه، وهو سنة صحيحة غريبة، أن الإمام يسجد فيما يُسر بالقراءة، مثل سجوده فيما يُعلن. وقال في (1/ 222): هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يُخرجاه وسجود الصحابة بسجود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خارج الصلاة سنة عزيزة. وانظر: مختصر المنذري (2/ 120) وعبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم أبو عبد الرحمن قال الحافظ: ضعيف عابد، التقريب (3513).

قلت: رواه أبو داود في الصلاة والحاكم في المستدرك في الصلاة وقال: صحيح، وأقره الذهبي. (¬1) 747 - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يَسجُدْ في شَيْء من المُفَصَّل، مُنْذ تَحّولَ إلى المدينة. قلت: رواه أبو داود في الصلاة من حديث ابن عباس (¬2) وفي إسناده أبو قدامة واسمه: الحارث بن عبيد بصري لا يحتج بحديثه، وقد صح أن أبا هريرة سجد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في {إذا السماء انشقت} كما تقدم وأبو هريرة إنما قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السنة السابعة من الهجرة قال النووي (¬3): حديث ابن عباس هذا ضعيف الإسناد ولا يجوز الاحتجاج به. 748 - "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في سجود القرآن بالليل: سَجَد وَجْهي للذي خَلَقَه وشَقّ سمْعَه وَبَصره بحولهِ وقُوَّته" (صح). قلت: رواه أبو داود والترمذي والنسائي كلهم في الصلاة من حديث عائشة وقال الترمذي: حسن صحيح، ورواه الحاكم وقال: على شرطهما وأقرّه الذهبي. (¬4) 749 - جاء رجل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله رَأيتُني الليلةَ وأنا نائم كأنِّي أصلِّي خَلْفَ شجرةٍ، فسجدتُ، فسَجَدَتْ الشجَرَةُ لِسُجودي، فسَمِعتُها تقول: "اللهم اكتبْ لي بها عِندَك أجرًا، وضَعْ عَنِّي بها وِزْرًا، واجْعَلْها لي عندك ذخْرًا، وتقبَّلْها مِنّي كما ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (887)، والحاكم (1/ 219). (¬2) أخرجه أبو داود (1403)، والبيهقي (2/ 312 - 313) وإضافة إلى ما ذكره المؤلف فيه مطر بن طهمان الوراق، صدوق كثير الخطأ، وحديثه عن عطاء ضعيف، التقريب (6744) والحارث بن عبيد البصري قال الحافظ عنه: صدوق يخطيء. التقريب (1040) وإسناده ضعيف. (¬3) الخلاصة للنووي (2/ 624 - 625) وفيه: وضعفه البيهقي وغيره. (¬4) أخرجه أبو داود (1414)، والترمذي (580، 3425)، والنسائي (2/ 222)، والحاكم في الستدرك (1/ 220)، وأحمد (6/ 30)، والبغوي (770).

باب أوقات النهي

تَقبَّلْتَها من عَبْدِك داودَ". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه (¬1) كلاهما في الصلاة وقال الترمذي: هذا غَريب من حديث ابن عباس لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ورَوَاه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح، وأقَرّه الذهبي. 750 - وقال: "فقرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - سجدةً ثم سَجَد، فسمِعْتُه وهو يقول مثلَ ما أخْبَرَه الرجُلُ عن قولِ الشَّجَرةِ". (غريب). قلت: رواه الترمذي تِلو الحديث الذي قبله، وكذلك الحاكم جَعَله قطعة من الحديث الذي قبله وسكت عليه الذهبي. (¬2) باب أوقات النهي من الصحاح 751 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَتَحرَّى أحَدُكمْ فيُصَلِّي عندَ طُلُوع الشَّمسٍ وعند غُروبها". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (585) (3424)، وابن ماجه (1053) وإسناده صحيح. والحاكم (1/ 219 - 220). قال الحافظ في التلخيص (2/ 21): ضعَّفه العقيلي بالحسن بن محمد ابن عبيد الله بن أبي يزيد فقال: فيه جهالة. (¬2) ذكر الحافظ في التهذيب (2/ 319) الحسن بن محمد هذا وقال: أخرجا له حديثًا واحدًا في سجود الشجرة واستغرب الترمذي حديثه -قلت-: وحكى الذهبي عمن لم يسمعه أن فيه جهالة، ولم يرو عنه غير ابن خنيس، -قلت- وقد أخرج ابن خزيمة وابن حبان حديثه في صحيحهما، وذكره ابن حبان في الثقات. وانظر المصدر السابق. وصحيح ابن حبان، الإحسان (2757).

قلت: رواه الشيخان في الصلاة من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عمر. (¬1) 752 - وفي رواية: "إذا طلَع حاجبُ الشمس فدَعُوا الصلاةَ حتى تبرزَ، وإذا غابَ حاجبُ الشمسِ فدَعُوا الصلاةَ حتى تَغيب، ولا تحيَّنوا بصلاتكم طلوعَ الشمس ولا غروبَها، فإنها تَطْلعُ بين قَرْنَيْ الشَّيطان". قلت: رواه الشيخان أيضًا من حديث ابن عمر (¬2). ولا تحيّنوا: أي لا تطلبوا الحين وهو الوقت، والعنى لا تَطلُبوا طُلوعَ الشمس ولا غُروبَها بسبب صلاتكم لتوقعوها ذلك الوقت، والمراد بقَرْنَيْ الشيطان، قيل: حزبه وأتباعه، وقيل: قوّته وغَلَبته وانتشار فساده. 753 - "ثلاثُ ساعاتٍ كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهانا أن نصلّيَ فيهِنَّ، وأن نَقْبُر فيهِنّ موتانا: حين تَطلُع الشَّمْسُ بازِغَةً حتى تَرتَفِع، وحين يقومُ قائَم الظهيرة حتى تمَيل الشمسُ، وحين تضَيِّفُ الشمسُ للغروب حتى تغرُبَ". قلت: رواه الجماعة في الصلاة من حديث عقبة بن عامر إلا البخاري. فإنّه لم يخرجه. (¬3) قوله كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ينهانا أن نقبر فيهن موتانا" بضم الباء وفتحها، قال بعضهم: المراد بالقبر: صلاة الجنازة، وهذا ضعيف، لأن صلاة الجنازة لا تكره في هذا الوقت بالإجماع، فلا يجوز تفسير الحديث بما يخالف الإجماع، بل الصواب أن معنَاه ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (585)، ومسلم (828). (¬2) أخرجه البخاري (583) (3272)، ومسلم (829). (¬3) أخرجه مسلم (831)، وأبو داود (3192)، والترمذي (1030)، وابن ماجه (1519)، والنسائي (4/ 82).

تعمّد تأخير الدفن إلى هذه الأوقات، كما يكره تعمّد تأخير صلاة العصر إلى اصفرار الشمس بلا عذر، فأما إذا وقع الدفن في هذه الأوقات بلا تعمّد فلا يكره. وبازغةً: هو منصوب على الحال أي حتى تخرج الشمس ظاهرةً من المشرق لا وقت ظهور شُعاعها، ولم يظهر شيء من قرصها. قوله - صلى الله عليه وسلم -: حتى يقومَ قائمُ الظهيرة: الظهيرة: حال استواء الشمس، ومعناه: حتى لا يبقى للقائم في الظهيرة ظل في المشرق ولا في المغرب كذا قاله النووي. وقال ابن الأثير: أي قيام الشمس وقتَ الزوال، من قولهم: قامت به دابته: أي وقفَتْ، والمعنى: أن الشمس إذا بلغت وسَطَ السماء أَبطأتْ حركة الظِّلّ إلى أن تزول فَيحْسَب الناظر المُتأَمّل أنها قد وقَفَتْ وهي سائرة، لكن سيرًا لا يظهر له أثر سريع، كما يظهر قبل الزوال وبعده، فيقال لذلك الوقت المشاهد: قام قائم الظَّهِيْرة. قوله - صلى الله عليه وسلم -: وحتى تَضَيّف الشمس للغروب: هو بفتح التاء والضاد المعجمة وتشديد الياء أي تميل كذا قاله النووي. (¬1) 754 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا صلاةَ بعد الصُّبح حتى تَرْتَفِع الشمس، ولا صلاةَ بعد العصر حتى تغيب". قلت: رواه الشيخان في الصلاة من حديث أبي سعيد الخدري. (¬2) 755 - قال: قدِمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المدينةَ، فقدِمتُ المدينة، فدخلتُ عليه، فقلت: أخبرني عن الصلاة؟ فقال: "صلِّ صلاةَ الصُّبحِ ثم أَقْصر عن الصلاة حين تطلع الشمس حتى ترتفع، فإنها تَطلُعُ حين تَطلُع بين قرنيْ الشيطان، وحينئذ يسجُدُ لها الكفار، ثم صَلِّ، فإنّ الصلاةَ مشهودةٌ محضورةٌ حتى يستَقِلّ الظّل بالرُّمْح، ثم أقصر عن الصلاة، فإن حينئذٍ تُسَجّر جهنم، فإذا أقبل الفَيْءُ فَصَلّ، فإنّ الصلاةَ مشهودةٌ ¬

_ (¬1) انظر: النهاية لابن الأثير (4/ 125)، والمنهاج للنووي (6/ 164 - 165). (¬2) أخرج البخاري (8569)، ومسلم (827).

محضورةٌ حتى تُصلَّي العَصْرَ، ثم أقصر عن الصلاة حتى تَغرُب الشمسُ، فإنها تَغرُب بين قَرْنَي الشيطان، وحينئذ يَسْجُد لها الكفارُ قلت: يا رسولَ الله! فالوضوء؟ حدِّثني عنه، قال: ما منكم رجل يُقرِّب وضوءَهُ فيتمَضْمَضُ ويستنشق فينتثر إلا خرّت خطايا وجْهَه وفيه وخياشيمه مع الماء ثم إذا غسل وجهه كما أمَرهُ الله إلا خَرّت خطايا وجهه من أطراف لِحْيِتهِ مع الماء، ثم يَغسلُ يَدَيه إلى المرْفَقَين إلا خرّت خطايا يَديْه من أنامِله مع الماء، ثم يمسَحُ رأسه إلا خرّتْ خطايا رأسه مِن أطْراف شَعْرِه مع الماء، ثم يَغْسل قَدَمَيْه إلى الكعبين إلا خرّت خطايا رِجْلَيْه من أنامِله مع الماش، فإن هو قامَ فَصَلَّى، فحَمِدَ الله وأثنى عليه ومجَّدَه بالذي هُوَ لَه أهلٌ، وفرَّغ قلبه لله إلا انْصَرَف من خَطيئته كهَيْئته يَومَ ولَدَته أُمُّهُ". قلت: رواه مسلم (¬1) في الصلاة، وذكر قصة في أوله وقصة في آخره من حديث عمرو بن عَبَسَةَ، ولم يخرج البخاري هذا الحديث ولا أخرج في كتابه عن عمرو بن عَبسة شيئًا. ومشهودة محضورةٌ: أي تشهدها الملائكة وتكتب أجرها للمصلي. قوله: "حتى يستقل الظل بالرمح" أي يقوم مقابله في جهة الشمال ليس مائلا إلى المغرب ولا إلى المشرق وهذه حالة الاستواء، وفي الحديث: التصريح بالنهي عن الصلاة حينئذ حتى تزول الشمس، وهو مذهب الشافعي، وجماهير العلماء واستثنى الشافعي حالة الاستواء يوم الجمعة. ومعنى تسجر جهنم: يُوقد عليها إيقادًا بليغًا، واختلف في جهنم: قال الأكثرون: امتنع صرفها للعلمية والعجمة. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإذا أقبل الفيء" أي: ظهر إلى جهة المشرق، والفَيْء: مختص بما بعد الزوال، وأما الظل: فيقع على ما قبل الزوال وبعده، وقد تقدم. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (832).

من الحسان

قوله - صلى الله عليه وسلم -: يُقَرِّب وضوءه: هو بضم الياء وفتح القاف وكسر الراء المشدّدة والوَضُوء هنا: بفتح الواو، وهو الماء الذي يتوضأ به. قوله - صلى الله عليه وسلم -: إلا خرّت خطايا وجهه وخياشمه، قال النووي: هو بالخاء المعجمة كذا نقله القاضي عياض عن جميع الرواة، إلا ابن أبي جعفر فرواه بالجيم. ومعنى خرّت: بالخاء أي سقطت، ومعنى جرت ظاهر، والمراد بالخطايا الصغائر، وخياشيم: جمع خيشوم، وهو أقصى الأنف، والخياشيم عظام رقاق في أصل الأنف بينه وبين الدماغ. 756 - وعن كريب أن ابن عباس والمسورَ بن مخرمةَ وعبدَ الرحمن بن أزْهَرَ أَرسلوه إلى عائشة، فقالوا: "اقرأ عليها السلام وسَلْها عن الركعتين بعدَ العصر، قال: فدخلت على عائشةَ فبَلّغْتُها ما أرسلوني به، فقالت: سَلْ أم سلمة، فخرجت إليهم، فردّوني إلى أم سلمة، فقالت أم سلمة: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ينهى عنهما، ثم رأيته يصليهما، ثم دخَل، فأرسلتُ إليه الجارية. فقلت: قولي له: تقول أم سلمة يا رسول الله سمعتك تنهى عن هاتين وأراك تصليهما؟ قال: يا ابنَة أبي أمية! سألتِ عن الركعتين بعد العصر وإنه أتاني ناس مِنْ عبد القيس فشَغَلوني عن الركعتين الّلتَين بعد الظهر فهما هاتان". قلت: رواه الشيخان من حديث أم سلمة في الصلاة. (¬1) من الحسان 757 - رآني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أصلّي ركعتَيْن بعد الصبح، فقال: "ما هاتان الركعتان؟ " فقلت: إني لَمْ أكنْ صَلّيتُ ركعتَي الفجر، فسكت عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (غير متصل). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الصلاة (1233)، وفي المغازي (4370)، ومسلم (834).

قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه كلهم في الصلاة (¬1) من حديث محمد بن إبراهيم عن قيس بن عَمْرو بن سهل ويقال: قيس بن فهد الأنصاري يرفعه، قال الترمذي: ومحمد بن إبراهيم لم يسمع من قيس، قال: ورواه بعضهم عن محمد بن إبراهيم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج فرأى قيسًا، فهو مرسل. 758 - إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا بني عبد مناف! من وَلِي منكم مِنْ أمر الناس شيئًا فلا يمنعَنّ أحدًا طاف بهذا البيت، وصَلّى أيّ ساعةٍ شاءَ من ليل أو نهارٍ". قلت: رواه الأربعة في الحج إلا ابن ماجه في الصلاة من حديث جبير بن مطعم وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬2) 759 - "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة نصف النهار، حتى تزول الشمسُ إلا يومَ الجمعة". قلت: رواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد عن إسحاق بن عبد الله عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وساقه بلفظه وفي سنده إبراهيم بن أبي يحيى. (¬3) 760 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنه كَرِه الصلاةَ نصفَ النهار إلا يومَ الجمعة" (وهذا غير متصل). ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1267)، والترمذي (422)، وابن ماجه (1154) وإسناده صحيح بطرقه كما في التخليص الحبير (1/ 337 - 338)، وذكر الحافظ الخلاف في قيس بن فهد: فراجعه وراجع رسالة الشيخ شمس الحق العظيم آبادي في كتابه: إعلام أهل العصر بأحكام ركعتي الفجر. (¬2) أخرجه أبو داود (1894)، والترمذي (868)، والنسائي (1/ 284)، وابن ماجه (1254) وإسناده صحيح. (¬3) أخرجه الشافعي في المسند (408) وإسناده ضعيف جدًّا لأن فيه إبراهيم بن محمد وهو ابن أبي يحيى الأسلمي، وإسحاق بن عبد الله وهو ابن أبي فروة وهما متروكان. انظر الأسلمي في التقريب (243)، وابن أبي فروة فيه برقم (371).

باب الجماعة وفضلها

قلت: رواه أبو داود في الصلاة من حديث مجاهد عن أبي الخليل واسمه صالح بن أبي مريم عن أبي قتادة ومجاهد أكبر من أبي الخليل قال المصنف في "شرح السنة" وقد رُوِي عن أبي قتادة من طريق منقطع (¬1). باب الجماعة وفضلها من الصحاح 761 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صلاةُ الجماعة تَفْضُلُ صلاة الفَذّ بسَبْعٍ وعشرينَ دَرَجةً". قلت: رواه الشيخان في الصلاة من حديث ابن عمر (¬2). والفذ: الواحد، وقد فَذّ الرجل في أصحابه إذا شَذّ عنهم. 762 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "والذي نَفْسي بيَدِه لقد هَمَمْتُ أن آمُرَ بحطبٍ يُحْتَطَبُ، ثم آمُرَ بالصلاةِ فيؤَذَّنَ لها، ثم آمُرَ رَجُلًا فيَؤُمّ النّاسَ، ثم أُخَالِفُ إلى رجالٍ لا يَشْهَدُون الصلاةَ، فأحَرِّقَ عليهم بيوتَهم، والذي نفسي بيَدِه لو يعلَمُ أحدُهم أنه يجد عِرْقًا سَمينًا أو مِرْماتين حَسَنَتَين لشَهِد العِشاء". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1083) وإسناده ضعيف فيه انقطاع أبو الخليل لم يسمع من أبي قتادة وذكر الحافظ ابن حجر له علة أخرى في التلخيص الحبير (1/ 339): وفيه ليث ابن أبي سليم وهو ضعيف قال الأثرم: قدّم أحمد، جابر الجعفي عليه في صحة الحديث. قال البيهقي (2/ 464) "وله شواهد، وإن كانت أسانيدها ضعيفة". وانظر: شرح السنة (3/ 329)، وفيه أقوال العلماء في هذه المسألة. (¬2) أخرجه البخاري (645)، ومسلم (650).

قلت: رواه البخاري بهذا اللفظ في الصلاة من حديث أبي هريرة وروى مسلم (¬1) معناه. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "عِرْقًا سَمينًا" هو بفتح العين وسكون الراء: العظم إذا أخذ عنه معظم اللحم، وجمعه عُرَاق وهو جمع نادر. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أو مرماتين حسنتين": المِرْماة: بكسر الميم وفتحها، ما بين ظِلفَي الشاة، وقال ابن الأعرابي: المِرماة: السهم الذي يرمى به، ويقال: المرماتان: هُما سَهْمان، يَرمي بهما الرجل فيجوز سبقه، والمعنى يسابق إلى سَبَقِ الدنيا ويدع سَبق الآخرة، وقال أبو عبيد: هذا حرف لا أدري ما وجهه إلا إنّه هكذا يفسر بما بين ظِلْفَي الشاة، يريد به حقارته. 763 - أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ أعمى فقال: يا رسولَ الله إِنّه ليسَ لي قائد يَقُودُني إلى المسجد، فسَأل أن يُرَخِّصَ له فيصلّي في بيته، فقال: "هل تَسمعُ النداء بالصلاة؟ " قال: نعم، قال: "فأَجِبْ". قلت: رواه مسلم (¬2) والنسائي في الصلاة من حديث أبي هريرة. 764 - "إنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر المؤَذِّن إذا كانت ليلة ذات بَرد ومَطر أن يقول: ألا صَلُّوا في الرِّحال". قلت: رواه الشيخان والموطأ وأبو داود كلهم في الصلاة من حديث ابن عمر. (¬3) قوله: "أَلا صلّوا في الرِّحال" يعني الدور والمساكن والمنازل وهو جمع رحل، ويقال لمنزل الإنسان ومسكنه رحله. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (644)، ومسلم (651) (¬2) أخرجه مسلم (653)، والنسائي (2/ 109). (¬3) أخرجه البخاري (632)، ومسلم (697)، وأبو داود (1062)، ومالك في الموطأ (1/ 73).

765 - وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا وُضع عَشاء أحَدِكم، وأقيْمت الصلاة، فابدؤا بالعَشاءِ، ولا يَعْجَلْ حتى يَفرغ منه". قلت: رواه الشيخان في الصلاة من حديث ابن عمر. (¬1) 766 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا صلاة بحضرة طعام، ولا هو يُدافِعه الأَخبثان". قلت: رواه مسلم وأبو داود كلاهما في الصلاة من حديث عائشة. (¬2) 767 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاةَ إلا المكتوبة". قلت: رواه مسلم من حديث أبي هريرة. (¬3) 768 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا استأذَنَت امرأةُ أحدكم إلى المسجد فلا يَمنعْها". قلت: رواه الشيخان في الصلاة من حديث ابن عمر (¬4). 769 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا شهدَت إحداكُنَّ المسجدَ فلا تمَسَّ طيبًا". قلت: رواه مسلم في الصلاة من حديث ابن عمر ولم يخرجه البخاري. (¬5) 770 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أيُّما امْرأةٍ أصابت بَخورًا فلا تَشْهدْ مَعَنَا العِشَاء الآخِرَة". قلت: رواه مسلم في الصلاة من حديث أبي هريرة يرفعه، ولم يخرجه البخاري. (¬6) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أيما امرأة أصابت بخورًا" هو بالفتح، وهو ما يتبخَّر به، قاله الجوهري (¬7) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (673)، ومسلم (559). (¬2) أخرجه مسلم (560)، وأبو داود (89). (¬3) أخرجه مسلم (710). (¬4) أخرجه البخاري (5238)، ومسلم (442). (¬5) أخرجه مسلم (443). (¬6) أخرجه مسلم (444). (¬7) انظر: الصحاح للجوهري (2/ 586).)

من الحسان

كالعطور والبخور كالفَطور والسَحور والوَضوء. من الحسان 771 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تمنَعُوا نساءكم المساجدَ، وبيوتُهن خَيْرٌ لهن". قلت: رواه أبو داود في الصلاة من حديث ابن عُمر ولم يضعفه أبو داود ولا المنذري. (¬1) 772 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "صلاةُ المرأة في بيتها أفضَلُ من صلاتِها في حُجْرتِها وصلاتُها في مُخدَعِها أفضلُ من صلاتِها في بيتها". قلت: رواه أبو داود (¬2) من حديث عبد الله بن مسعود وسكت عليه هو والمنذري. وفي المخدع: ثلاث لغات: ضم الميم وفتحها وكسرها وهو الخزانة. 773 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُقبل لامرأةٍ صلاةٌ تَطيَّبت لهذا المسجد حتى تَرجع فَتَغتَسل غُسْلَها مِنَ الجَنابة". قلت: رواه أبو داود في كتاب الترجّل، وابنُ ماجه، وفي إسناده: عاصم ابن عبيد الله العمري ولا يحتج بحديثه. (¬3) 774 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كلُّ عَينٍ زانيةٌ، فالمرأةُ إذا استَعْطَرَت فمَرَّتْ بالمجلس فهي ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (567) وإسناده صحيح. وانظر: مختصر سنن أبي داود للمنذري (1/ 297). (¬2) أخرجه أبو داود (570) وإسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه الحاكم (1/ 209) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وانظر: مختصر المنذري (1/ 297). (¬3) أخرجه أبو داود (4174)، وابن ماجه (4002) وعاصم بن عبيد الله ضعيف التقريب (3082) ومولى أبي رهم روى عنه أربعة: اثنان منهم مجهولان، وواحد ضعيف، والرابع لا بأس به، وهو مقبول كما قال الحافظ في "التقريب" وله طريق أخرى عند البيهقي (3/ 133) وإسناده حسن.

كذا وكذا، يعني زَانية". قلت: رواه أبو حاتم في صحيحه، وأبو داود في الترجّل، والترمذي في الاستئذان والنسائي في الزينة، كلهم من حديث أبي موسى (¬1) ولم يقل أبو داود: "وكل عين زانية" ولا قال: "يعني زانية" فحذف أول الحديث وأخره، وقال الترمذي: حسن صحيح. 775 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنّ صلاةَ الرَّجل مع الرّجل أزكى من صلاته وَحْدَه، وصلاتُه مع الرَّجُلَيْن أزكى من صلاتِه مع الرَّجُل، وما كثُر فهو أحَبُّ إلى الله". قلت: رواه الأربعة إلا الترمذي من حديث أُبَيّ بن كعب في الصلاة، قال البيهقي: أقام إسناده شعبة والثوري وإسرائيل في آخرين يرفعه. (¬2) 776 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "ما من ثلاثة في قريةٍ ولا بَدْو لا تُقَام فيهم الصلاةُ إلا قد استَحْوَذ عليهم الشيطانُ، فعليك بالجماعة، فإنما يأكلُ الذّئبُ القاصيةَ". قلت: رواه أبو داود (¬3) والنسائي كلاهما في الصلاة، من حديث أبي الدرداء وسكت عليه أبو داود والمنذري، ورواه الحاكم في المستدرك من حديث زائدة عن السائب بن حُبَيْش وقال: إن مذهبَ زائدة أَنْ لا يحدّث إلا عن ثقة. والقاصية: المنفردة عن القطيع، البعيدة منه، يريد أن الشيطان يتسلَّطُ على الخارج عن الجماعة وأهل السنة. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو حاتم ابن حبان (4424 - الإحسان)، وأبو داود (4173)، والنسائي (8/ 153)، والترمذي (2786). (¬2) أخرجه أبو داود (554)، والنسائي (2/ 104)، وابن ماجه (790) وإسناده صحيح. وأخرجه أحمد (5/ 140)، والبيهقي في السنن (3/ 67 - 68). (¬3) أخرجه أبو داود (547)، والنسائي (22/ 106 - 107)، والحاكم (1/ 246) وإسناده حسن. وانظر: مختصر المنذري (1/ 290).

777 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "من سمع المنادِيَ فلم يمنعه من اتّباعه عُذْرٌ، قالوا: وما العُذر؟ قال: "خوف، أو مرض، لم تُقبل منه الصلاة التي صلّاها". قلت: رواه أبو داود في الصلاة من حديث ابن عباس. (¬1) وفي إسناده أبو جناب يحيى بن أبي حية الكلبي وهو ضعيف. 778 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أقيمت الصلاةُ ووجَد أحدكم الغائِطَ فليبدأ بالغائِط". قلت: رواه الترمذي وأبو داود والنسائي في الصلاة من حديث عبد الله بن الأرقم. (¬2) 779 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثٌ لا يحلّ لأحدٍ أن يفعَلَهنّ: لا يؤُمّ رجُل فيخُصّ نفسَه بالدُّعاء دونُهم، فإنْ فَعل ذلك فقد خانَهم، ولا ينظُرُ في قَعْر بيتٍ قبلَ أن يستأذن، فإن فَعل ذلك فقد دخل، ولا يُصلّي وهو حَقِن حتى يتخفَّف". قلت: رواه أبو داود في الطهارة بلفظه والترمذي في الصلاة بمعناه وابن ماجه بالقصة الأولى في الصلاة ثلاثتهم من حديث ثوبان يرفعه (¬3). 780 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تُؤَخِّروا الصلاةَ لطَعامٍ ولا لغَيْره". قلت: رواه أبو داود في (¬4) الأطعمة من حديث محمد بن ميمون عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر يرفعه، ومحمد بن ميمون هذا هو الكوفي الزعفراني المفلوج وثقه ابن ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (551)، وابن ماجه (193) يحيى بن أبي حيّة، قال الحافظ: ضعّفوه لكثرة تدليسه. التقريب (7587). (¬2) أخرجه أبو داود (88)، والترمذي (142)، وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي (2/ 110 - 111)، وابن ماجه (616) وإسناده صحيح. (¬3) أخرجه أبو داود (90)، والترمذي (357)، وقال: حديث حسن، وابن ماجه (923). (¬4) أخرجه أبو داود (3758) وإسناده ضعيف. ومحمد بن ميمون قال الحافظ عنه: صدوق له أوهام، التقريب (6386).

باب تسوية الصف

معين وأبو داود، وقال البخاري والنسائي: منكر الحديث وقال الدارقطني: ليس به بأس. باب تسوية الصف من الصحاح 781 - كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُسَوّي صفوفَنا حتى كأنّما يُسوِّي القِداح، فرأي رجلًا باديًا صدرُه من الصفّ فقال: "عبادَ الله لتُسَوُّنّ صُفوفَكمْ أو ليخالِفَنّ الله بين وُجوهكم". قلت: رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي (¬1) كلهم في الصلاة بهذا اللفظ، من حديث النعمان بن بشير. والقِداح: جمع القدح وهو بالكسر السهم، قبل أن يُراش ويركب نَصْله. واللام في لَتسوّن صفوفكم لام القسم. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أو ليخالِفَنّ الله بين وجوهكم "أراد وجوه القلوب، للحديث الآخر: ولا تختَلِفوا فتختلف قلوبُكم أي هواها وإرادتها. 782 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أقيْمُوا صُفوفَكم وتراصُّوا، فإنّي أراكم مِنْ وراءِ ظَهري". قلت: رواه البخاري (¬2) من حديث أنس بهذا اللفظ، والتراص التلاصق. - وفي رواية: "أتموا الصفوف". قلت: رواها الشيخان في الصلاة من حديث أنس. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (436)، وأبو داود (663)، والترمذي (227)، والنسائي (2/ 89). وأخرجه البخاري (717) وليس عنده (النصف الأول من الحديث). (¬2) أخرجه البخاري (719). (¬3) أخرجها البخاري (718)، ومسلم (434).

783 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "سَوُّوا صفوفَكم، فإنّ تَسْوِية الصُّفوف من إِقامَة الصلاةِ". قلت: رواه البخاري (¬1) من حديث أنس بهذا اللفظ. - وفي رواية: "من تمام الصلاة". قلت: رواها مسلم من حديث أنس بهذا اللفظ. (¬2) 784 - كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يمْسَحُ مناكِبَنا في الصلاة، ويقول: استَوُوا ولا تَخْتَلِفوا فتختلف قلوُبكم". قلت: رواه مسلم (¬3) في الصلاة من حديث أبي مسعود ولم يخرجه البخاري. 785 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليَلنِي منكم أولُوا الأحلام والنُّهى، ثم الذين يَلُونَهم، ثم الذين يلونهم، -ثلاثًا- وإيّاكم وهَيْشَاتِ الأَسْواق". قلت: رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي (¬4) كلهم في الصلاة من حديث عبد الله بن مسعود ولم يخرجه البخاري وقد عزاه عبد الحق لمسلم إلى رواية أبي مسعود وجعله روايةً من حديث أبي مسعود الذي قبله، وليس كذلك، بل الذي قبله عن أبي مسعود وليس فيه "وإيّاكم وهَيْشاتِ الأسواق" وهذا عن عبد الله بن مسعود كذا رأيته في مسلم في نسخة بخط الحافظ شرف الدين عبد المؤمن الدمياطي، وفي غيرها من النسخ المعتمدة، فاعلم ذلك، والله أعلم. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لِيَلِني منكم أولوا الأحلام والنهى": هو بكسر لامي ليلني وتخفيف النون من غير ياء قبل النون ويجوز إثبات الياء مع تشديد النون على التوكيد. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (723). (¬2) أخرجه مسلم (433). (¬3) أخرجه مسلم (432). (¬4) أخرجه مسلم (432)، وأبو داود (675)، والترمذي (228)، وأصاب المؤلف، وفي النسخة المطبوعة من صحيح مسلم كما ذكر المؤلف.

وأولو الأحلام: هم العقلاء وقيل: البالغون. والنُّهى: بضم النون العُقول وقيل الثبات. وهَيْشاتِ الأَسْواق: هو بفتح الهاء وإسكان الياء وبالشين المعجمة أي: أخلاطها والمنازعة والخصومات وارْتفاع الأصوات، واللغط والفتن التي فيها. 786 - "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى في أصحابه تأخّرًا فقال لهم: تَقدَّموا وأتُّمْوا بي، ولْيَأتمّ بكم مَنْ بَعدكم، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله". قلت: رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه في الصلاة من حديث أبي سعيد الخدري. (¬1) قيل: هذا في المنافقين، ويحتمل أن يكونَ في تأخرهم في العلم أو في السبق والمنزلة عنده - صلى الله عليه وسلم -، ومرّبى في بعض الكتب أن هذا في قوم يتأخرون ليكونوا آخِر صُفوف الرجال، فَيلِيهم النساء، وقصدهم مسارقة النظر إليهن، أو نحو ذلك، فإن ثبت ذلك فما يفعله إلا منافق إذ الصحابة محفوظون من ذلك. 787 - خرج علينا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فرآنا حِلَقًا فقال: "ما لي أراكم عِزين؟ ثم خرج علينا فقال: ألا تَصُفُّون كما تَصُف الملائكة عندَ ربِّها؟ " قلنا: "يا رسول الله! وكيف تَصُف الملائكة عند ريها؟ قال: يُتِمُّون الصُفوف الأولى، وَيتَراصُّون في الصَّفِّ". قلت: رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه (¬2) كلهم في الصلاة من حديث جابر بن سمرة وأخرجه أبو حاتم، واللفظ بتمامه في مسلم ولم يخرجه البخاري. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (438)، وأبو داود (680)، والنسائي (2/ 83)، وابن ماجه (978). (¬2) أخرجه مسلم (430)، وأبو داود (661)، والنسائي (2/ 92)، وابن ماجه (922)، وابن حبان (2154) الإحسان.

من الحسان

والحِلَق: بكسر الحاء وفتح اللام جمع حَلْقَة مثل قَصْعَة وقِصَع. وعزين: قال في النهاية: جمع عِزَة، وهي: الحَلْقَة المجتَمَعَة من الناس، وأصلها عِزْوُة، فحذفت الواو وجُمِعت جمعَ سلامة على غير قياس. (¬1) 788 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "خير صُفوف الرّجال أوّلها، وشرّها آخرها، وخيرُ صفوف النساء آخِرها، وشرّها أوّلها". قلت: رواه مسلم (¬2) في الصلاة من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. والحديث على عمومه، أن خيرَ صفوف الرجال أوّلها، وشرها آخرها، وأما النساء فخير صفوفها آخرها، وشرّها أولها، ليس هو على عمومه، بل هذا محمول على ما إذا صَلَّين مع الرجال، فإنْ صلَّين متميزات لا مع الرجال، فهنّ كالرجال: خيرها أولها، وشرَّها آخرها، والمرادُ بشرّها أقلها ثوابًا. واعلم أن الصف الأول الصف الممدوح الذي يلي الإمام، سواء كان صاحبه بعد من الإمام أو قرب وسواء تخلّله مقصورة ونحوها أم لا، هذا هو الصحيح، وقالت طائفة: الصف الأول هو المتصل من طرف المسجد إلى طرفه، لا يتخلله مقصورة ونحوها فإن تخلل الذي يلي الإمام شيء فليس بأول، بل الأول ما لا يتخلله شيء وإن تأخر وقيل: الصف الأول عبارة عن مجيء الإنسان إلى المسجد أولًا وإن صلى في صف متأخر. (¬3) من الحسان 789 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "رُصُّوا صُفوفكم، وقاربوا بينَها وحاذُّوا بالأعناق، فوالذي نفسي بيَدِه! إنّي لأرى الشيطانَ يدخُل من خلَلِ الصف كأنها الحذَفُ". ¬

_ (¬1) النهاية (3/ 233). (¬2) أخرجه مسلم (440). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (4/ 160).

قلت: رواه أبو داود في الصلاة وأخرجه النسائي (¬1) مختصرًا كلاهما من حديث أنس، والحذَفُ: بالحاء المهملة والذال المعجمة والفاء، قال في الصحاح (¬2): الحذَفُ بالتحريك: غنم سُودٌ صغار من غنم الحجاز، الواحدة حَذَفَة. 790 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أتِمّوا الصّف المُقدَّم ثم الذي يليه، فما كان من نَقْص فليكن في الصَّفّ المُؤَخَّرِ". قلت: رواه أبو داود والنسائي (¬3) كلاهما في الصلاة من حديث أنس وسكتَ عليه أبو داود والمنذري. 791 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله وملائكتَهُ يُصلّونَ على الذين يَلونَ الصُّفوفَ الأولى وما من خُطْوة أحبّ إلى الله من خطوة تمشيها تَصل بها صفًّا". قلت: رواه أبو داود والنسائي في الصلاة من حديث البراء. (¬4) 792 - ويُروى: "إنّ الله وملائكتَه يُصلُّون على مَيامِن الصُّفوفِ". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه (¬5) كلاهما في الصلاة من حديث عائشة وسكت عليه أبو داود والمنذري. 793 - "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُسَوّي صُفوفَنا إذا قُمنا إلى الصلاة، فإذا اسَتَوْينا كَبَّر". قلت: رواه أبو داود في الصلاة من حديث النعمان بن بشير. (¬6) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (667)، والنسائي (2/ 92) وإسناده صحيح. (¬2) الصحاح للجوهري (4/ 1342). (¬3) أخرجه أبو داود (671)، والنسائي (2/ 93) وإسناده صحيح. (¬4) أخرجه أبو داود (543)، والنسائي (2/ 90) وإسناده صحيح. (¬5) أخرجه أبو داود (676)، وابن ماجه (1005) وإسناده حسن كما قال الحافظ في الفتح (2/ 213). (¬6) أخرجه أبو داود (665) وإسناده صحيح على شرط مسلم.

باب الموقف

794 - ورُوِي: "أنّه كان يقولُ عن يمينه: "اعتَدلوا وسوّوا صُفوفكم، وعن يساره: اعتدلوا وسوُّوا صُفُوفَكم". قلت: رواه أبو داود في الصلاة من حديث أنس وسكت عليه هو والمنذري. (¬1) 795 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "خِياركم أَلْينُكُم مَناكِبَ في الصلاة". قلت: رواه أبو داود في الصلاة من حديث ابن عباس وسكت عليه. (¬2) باب الموقف من الصحاح 796 - " بِتُّ في بيتِ خالتي ميمونةَ فقام رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصلّي، فقمتُ عن يساره، فأخذ بيدي من وراءِ ظَهره فعَدَلَني كذلك مِنْ وراء ظهره إلى الشَقّ الأيمن". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (670) وإسناده ضعيف فيه مصعب بن ثابت ضعفه أحمد وابن معين وأبو حاتم والنسائي وقال ابن حبان في المجروحين (3/ 29) منكر الحديث، ممن ينفرد بالمناكير عن المشاهير فلما أكثر ذلك منه استحق مجانبة حديثه، وكذلك فيه محمد بن مسلم بن السائب بن خباب وهو مجهول. (¬2) أخرجه أبو داود (672) وفي الإسناد عمارة بن ثوبان ليس بالقوي ولم يوثّقه سِوى ابن حبان. وقال الحافظ في التقريب "مستور" (4873). وللحديث شاهد عن ابن عمر عند البزار (512)، والطبراني في الكبير (12/ 405) وفي سنده ليث ابن أبي سليم، وهو ضعيف ولكن لا بأس به في الشواهد، وقال المنذري في الترغيب عن البزار: إسناده حسن، يعني بشواهده، وإلا ففيه ما علمت. وأخرحه عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم مرسلًا (2/ 85) وهذا يقوّي المتصل. وعن فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخرجه الخطيب في تاريخه (2/ 50) ترجمة على بن الفتح العسكري وفيه ليث بن أبي سليم عن طريق فاطمة، وبهذين الشاهدين مع المرسل المذكور يرتقي الحديث إن شاء الله إلى درجة الصحة.

قلت: رواه الشيخان وأبو داود كلهم في الصلاة من حديث ابن عباس وقال في شرح السنة: فيه دليل على أنه لا يجوز التقدّم على الإمام وإلا كانت إدارة ابن عباس من بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسهل انتهى، وللخصم أن ينازع في ذلك ويقول: بل الذي منع من إدارته بين يديه - صلى الله عليه وسلم - النهي عن المرور بين يدي المصَلِّي. (¬1) 797 - قامَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ليُصلِّي، فجئت حتى قمتُ عن يسارِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ بيدي فأدَارني حتى أقامَني عن يمينه، ثم جاء جبّار بن صَخر فقام عن يسارِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخذ بيَدَينا جميعًا فدَفَعنا حتى أقامَنا خَلْفَه. قلت: رواه مسلم (¬2) في آخر صحيحه قبل التفسير بنحو ورقتين من حديث جابر بن عبد الله في حديث طويل هذه قطعة منه. 798 - "صلّيت أنا ويتيم في بيتنا خَلْف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأُمّ سُليم خَلْفنا". قلت: رواه مسلم والنسائي هنا من حديث أنس. (¬3) 799 - "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلّى به وبأمه -أو خَالَته- فأقامَني عن يمينه، وأقام المرأة خَلْفَنا". قلت: رواه مسلم والنسائي أيضًا هنا من حديث أنس. (¬4) 800 - أَنّه انتهى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو راكع، فركع قبلَ أن يَصِل إلى الصَّفّ، ثم مشىَ إلى الصَّفّ، فذكر ذلك لِلنّبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "زادك الله حِرصًا ولا تَعُدْ". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (699) (6316)، ومسلم (763)، وأبو داود (611)، والترمذي (232)، وانظر شرح السنة (3/ 383 - 384). (¬2) أخرجه مسلم (3010). (¬3) أخرجه مسلم (658)، والنسائي (2/ 85، 86). (¬4) أخرجه مسلم (660)، والنسائي (2/ 86).

من الحسان

قلت: رواه أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي ثلاثتهم في الصلاة من حديث أبي بَكْرة. (¬1) من الحسان 801 - قال: "أمَرَنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كنا ثلاثةً أن يتقدَّمنا أَحَدُنا". قلت: رواه الترمذي (¬2) في الصلاة من حديث إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن سمرة وقال: حسن غريب، وقد تكلّم بعضُ الناس في إسماعيل من قبل حفظه انتهى كلام الترمذي. 802 - أنه قام على دُكّان يُصلّي، والناسُ أسفلَ منه فَتَقدَّم حُذَيفَة فأخَذَ على يَدْيه فأتبعه عمار حتى أنزَله، فلما فَرغ من صلاته قال له حذيفة: ألم تَسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا أمَّ الرجلُ القومَ فلا يَقِفُ في مقامٍ أرْفَعَ من مقامهم؟ " -أو نحو ذلك- قال عمار: لذلك اتبعتُك. قلت: رواه أبو داود في الصلاة (¬3) من حديث عَدي بن ثابت الأنصاري قال: حَدّثني رجل أنه كان مع عَمّار بن ياسر بالمدائن فأقيمت الصلاة فتقدّم عمار وقامَ على دُكّان يُصلّي والناس أسفل منه وساقه وفي إسناده رجل مجهول. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (5/ 39، 45)، والبخاري (783)، وأبو داود (684)، والنسائي (2/ 118). (¬2) أخرجه الترمذي (233) وإسناده ضعيف، لضعف إسماعيل بن مسلم هو المكي، أبو إسحاق البصري، قال الحافظ: ضعيف الحديث التقريب (489)، وتهذيب الكمال (3/ 198) وكذلك الحسن مدلس وقد عنعن. ولعل الترمذي إنما حسَّن متنه لأحاديث الباب. (¬3) أخرجه أبو داود (598) وفي إسناده رجل مجهول، ولكن ورد معناه في حديث آخر عند أبي داود (597). وإسناده صحيح، وفيه: أن حذيفة هو الإمام، وأن الذي جَذَبه هو أبو مسعود. وأخرجه أيضًا: ابن خزيمة (1523)، وابن حبان (2143)، والحاكم (1/ 210).

803 - قد صَحّ عن سهل بن سعد الساعدي "أنّه سُئل: من أي شيء المنبر؟ فقال: هو من أثل الغابة، عَمَلَه فلان مَولى فلانَة، وقام عليه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فاستقبل القِبلة وكبّر، وقامَ الناس خَلْفه، فقَرَأ فركَع، وركَع الناسُ خلفه، ثم رجع القَهْقَرَى، فسجد على الأرض، ثم عادَ إلى المِنْبر، ثم قرأ ثم ركع ثم رفَع رأسَه، ثم رجع القَهْقَرى، ثم سجد بالأرض، فلما فَرَغ أقْبَل على الناس فقال: "إنما صنعتُ هذا لتَأتَمُّوا بي، ولِتَعْلَمُوا صلاتي". قلت: هذا الحديث رواه الجماعة كلهم، إلا الترمذي بألفاظ مختلفة، وألفاظ متقاربة، في الصلاة من حديث سهل الساعدي. والأثل: شجر يشبه الطرفاء إلا أنه أعظم منه، والغابة: غيضة ذات شجر كبير، قال الحافظ أبو موسى: الغابة بباء واحدة من تحت أرض على تسعة أَمْيال من المدينة، كانت إبلُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مقيمة بها وبها قصة العُرَنِيين. (¬1) 804 - قالت: "صلّى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في حُجرته، والناس يأَتُّمون به من وراء الحُجرةِ". قلت: رواه أبو داود في أبواب صلاة الجمعة من حديث عائشة قال المنذري: وأخرج البخاري بنحوه (¬2). قال بعضهم: والمراد بحجرته - صلى الله عليه وسلم - المكان الذي اتخذه النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد من حُصْر حين أراد الاعتكاف، وقد جاء في البخاري وغيره من حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اتخذ حجرة في المسجد من حصير صلّى فيها ليالي، كما سيأتي في أول باب قيام شهر رمضان ويؤيد ذلك قولُ عائشة في حجرته، ولو كان ذلك في بيتها لقالت في حجرتي، وأيضًا فحجرة عائشة لم يكن بابها في قبلة المسجد حتى يتأتى ذلك والله أعلم. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (917)، ومسلم (273)، وأبو داود (1080)، وابن ماجه (1416)، والنسائي (2/ 57). (¬2) أخرجه أبو داود (1126) وإسناده صحيح. وانظر: مختصر المنذري (2/ 25).

باب الإمامة

باب الإمامة من الصحاح 805 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَؤُمّ القومَ أقرؤُهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعْلَمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدَمُهم سنًّا ولاَ يؤُمَّنّ الرجلُ الرجلَ في سُلطانِه". قلت: رواه مسلم والترمذي في الصلاة، وقال فيها: فأكبَرُهم سِنّا كلاهما من حديث أبي مسعود البدري. (¬1) 806 - ويُروى: "في أهلِه، ولا يقعُد في بيته على تَكْرمته إلا بإذنه". قلت: رواها مسلم في بعض طرق الحديث. (¬2) والتَكْرِمة: بفتح التاء وكسر الراء، وهي ما يختص به من فراش ووسادة ونحوها. 807 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كانوا ثلاثة فليؤُمّهم أحدُهم، وأحقّهم بالإمامة أقرؤهم". قلت: رواه مسلم والنسائي كلاهما في الصلاة من حديث أبي سعيد. (¬3) 808 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا حَضَرت الصلاة فليُؤَذن أحدكم وليؤُمَّكم أكثركم قرآنًا". قلت: رواه البخاري في غزوة الفتح مطولًا، والنسائي في الصلاة، كلاهما من حديث عمرو بن سَلِمة بكسر اللام، وفيه قصة إسلامه، وأبو داود في الصلاة (¬4) من حديث ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (673)، والترمذي (235)، وأبو داود (584)، والنسائي (2/ 76)، وابن ماجه (980). (¬2) أخرجه مسلم (673). (¬3) أخرجه مسلم (672)، والنسائي (2/ 77). (¬4) أخرجه البخاري (3/ 144)، وأبو داود (585)، والنسائي (1/ 127).

من الحسان

عمرو بن سلمة عن أبيه، ولم يُخرج مسلم هذا الحديث، ولا أخرج عن عمرو بن سلمة في كتابه شيئًا، ولم يخرج له البخاري سوى هذا الحديث. من الحسان 809 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لِيُؤذِّنْ لكم خيارُكم وليؤمّكم قراؤُكم". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه كلاهما في الصلاة من حديث ابن عباس. (¬1) وفي إسناده: الحسين بن عيسى الحنفي الكوفي، وقد تكلّم فيه أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان، وقال الذهبي: ضُعِّف، وذكر الدارقطني أن الحسين ابن عيسى تفرد بهذا الحديث عن الحكم بن أبان. (¬2) 810 - قال: إنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - استَخْلَف ابنَ أُمِّ مكتوم يؤُمّ الناسَ وهو أعْمى. قلت: رواه أبو داود في الصلاة من حديث أنس وسكت عليه أبو داود. (¬3) 811 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من زار قومًا فلا يؤُمُّهم، ولْيَؤمُّهم رجلٌ منهم". قلت: رواه الأربعة إلا ابن ماجه (¬4) من حديث أبي عطية وهو العقيلي مولاهم، قال: كان مالك بن الحويرث يأتينا إلى مصلّانا هذا، فأقيمت الصلاة، فقُلنا له تقدّم فصلّ، فقال لنا: قدّموا رجلًا منكم يصلي بكم، وسأحدّثكم لم لا ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (590)، وابن ماجه (726) وإسناده ضعيف (نصب الراية 1/ 279). (¬2) انظر كلام الذهبي في الكاشف (1/ 335 رقم 1103) وقال الحافظ: ضعيف، التقريب (1350). وانظر كلام الدارقطني في "أطراف الغرائب والأفراد" (3/ 229 - 250). (¬3) أخرجه أبو داود (595) وإسناده حسن. (¬4) أخرجه أبو داود (596)، والترمذي (356)، وقال الترمذي: هذا حديث صحيح. والنسائي (2/ 80) وحكم الترمذي بالنسبة إلى متن الحديث، لكن هذا الإسناد ضعيف، لجهالة أبي عطية مولى بني عقيل، فهو مجهول: انظر تهذيب الكمال (34/ 93).

أصلّي بكم: سمعت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: وساقه، واختصره الترمذي، وسئل أبو حاتم الرازي عن أبي عطية هذا فقال: لا يعرف ولا يسمى. 812 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثةٌ لا تُجاوز صلاتُهم آذانُهم: العبدُ الآبق حتى يرجع، وامرأةٌ باتَتْ وزوجُها عليها ساخِط، وإمامُ قومٍ وهُمْ له كارهون". (غريب). قلت: رواه الترمذي في الصلاة من حديث أبي أمامة وقال: حسن غريب من هذا الوجه. (¬1) 813 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثةٌ لا تُقبل منهم صلاةٌ: من تقدّم قومًا وهم له كارهون، ورجلٌ أتَى الصلاةَ دبارًا -والدِّبار: أن يأتيها بعد أن تفُوتَه- ورجل اعْتَبَدَ محرَّرَهُ". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه (¬2) وقال فيه: يعني بعد ما يفوته الوقت، كلاهما من حديث عبد الله بن عمرو وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد وهو ابن أنعم الإفريقي وهو ضعيف، وقد صرّح بتضعيف هذا الحديث الشافعي وغيره. والدِّبار: قال ابن الأعرابي: جمع دَبر ودُبرْ وهو آخر أوقات الشيء، معناه: بعد ما يفوت الوقت، واعتبد محررًا: معناه: اتخذه عبدًا بعد ما أعتقه، بأن يعتقه ثم يكتمه ذلك، استدامة لمنافعه، يُقال: أعبدتُه، واعتبدته: إذا اتخذته عبدًا. 814 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إنّ مِن أشراط الساعة أن يَتَدافَع أهلُ المسجد لا يجدون إمامًا يُصَلّي بهم". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (360)، والبغوي في شرح السنة (838). وقال الشيخ أحمد شاكر: إن أبا غالب واسمه: حزوَّر، ثقة وثّقه موسى بن هارون الحمال والدارقطني وغيرهما. (¬2) أخرجه أبو داود (593)، وابن ماجه (970) وإسناده ضعيف. وسلامة بنت الحرّ صحابية لها حديث، التقريب (8713) وخَرشة بن الحرّ الفزاري، كان يتيما في حجر عمر، قال: أبو داود: له صحبة، وقال العجليّ: ثقة، من كبار التابعين، التقريب (1717).

قلت: رواه أبو داود وابن ماجه (¬1) كلاهما في الصلاة من حديث سلامة بنت الحر، أخت خَرشَة بن الحر الفزاري وسكت عليه أبو داود والمنذري. 815 - وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الجهاد واجب عليكم مع كل أمير بَرًّا كان أو فاجرًا، والصلاة واجبةٌ عليكم خَلْفَ كلِّ مسلم بَرًّا كان أو فاجرًا، وإنْ عَمِل الكبائر، والصلاةُ واجبة على كل مسلم بَرًّا كان أو فاجِرًا كان عمل الكبائر". قلت: رواه أبو داود من حديث مكحول عن أبي هريرة يرفعه، وروى الدارقطني معناه وقال: مكحول لم يلقَ أبا هريرة. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (581)، وابن ماجه (982) وإسناده ضعيف. عقيلة جدة علي بن غراب مجهولة والراوية عنها أم غراب مجهولة أيضًا. (¬2) أخرجه أبو داود (2533)، والدارقطني في السنن (2/ 56)، والبيهقي في السنن (3/ 121)، ورجاله ثقات لكن العلاء بن الحارث كان اختلط ومكحول لم يلق أبا هريرة، قال الحافظ في "التلخيص الحبير" (2/ 75): وهو منقطع، وله طريق أخرى عند ابن حبان في الضعفاء، من حديث عبد الله بن محمد بن عروة عن هشام، عن أبي صالح عنه، وعبد الله متروك، ورواه الدارقطني من حديث الحارث، عن علي (2/ 57)، ومن حديث علقمة والأسود عن عبد الله (2/ 57)، ومن حديث مكحول أيضًا، عن واثلة (2/ 57)، ومن حديث أبي الدرداء، من طرق كلها واهية جدًّا، قال العقيلي: ليس في هذا المتن إسناد يثبت ونقل ابن الجوزي عن أحمد أنه سئل عنه فقال: ما سمعنا بهذا، وقال الدارقطني: ليس فيها شيء يثبت، وللبيهقي في هذا الباب أحاديث كلها ضعيفة غاية الضعف، وأصح ما فيه حديث مكحول، عن أبي هريرة على إرساله، وقال أبو أحمد الحاكم: هذا حديث منكر، انتهى كلام الحافظ ابن حجر.

باب ما على الإمام

باب ما على الإمام من الصحاح 816 - " ما صلّيت وراءَ إمام أخفّ صلاة ولا أتمّ من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان لَيسمعُ بكاءَ الصبيِّ فيخفِّف مخافةَ أن تُفتَن أُمّه". قلت: رواه الشيخان في الصلاة، من حديث أنس. والافتتان: الابتلاء، والمراد هنا: الحزن: قال الخطابي: وفيه دليل على أن الإمام إذا أحسّ بداخلٍ وهو راكع، جازَ أن ينتظره. (¬1) 817 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني لأَدخل في الصلاة وإنّي أريد إطالتها، فأسمعُ بكاءَ الصبيّ فأتجوَّزُ في صلاتي، مما أعلمُ من شدّةِ وَجْد أمه من بكائِه". قلت: رواه البخاري من حديث أنس وأبي قتادة. (¬2) 818 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا صلى أحدكم للناس فليُخَفِّف، فإنّ فيهم السقيم، والضعيف، والكبير، وإذا صَلّى أحدُكم لنفسه فليطوِّل ما شاء". قلت: رواه الشيخان في الصلاة من حديث أبي هريرة. (¬3) 819 - قال: أخبرني أبو مسعود: أنّ رجلًا قال: والله يا رسول الله إني لأتأخَّر عن صلاة الغداةِ من أجلِ فلانٍ مما يُطيل ينا، فما رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - في موعِظة أشدَّ غضبًا ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (708)، ومسلم (469). وانظر كلام الخطابي في أعلام الحديث (1/ 482)، وبوّب ابن أبي شيبة في مصنفه (1/ 337): "باب من قال: انتظر إذا ركعت، أو ما سمعت وقع نعل أو حِسَ أحد". (¬2) أخرجه البخاري (709)، ومسلم (470) من رواية أنس، والبخاري فقط (707) من رواية أبي قتادة. (¬3) أخرجه البخاري (703)، ومسلم (67).

باب ما على المأموم وحكم المسبوق من المتابعة

منه يومئذٍ، ثم قال: "إنّ فيكم منفِّرين فأيُّكم ما صلّى بالناس فليتَجَوّز فإنّ فيهم الضعيف، والكبير، وذا الحاجة". قلت: رواه الشيخان والنسائي وابن ماجه كلهم في الصلاة (¬1) من حديث قيس بن أبي حازم عن أبي مسعود، واسمه عقبة بن عمرو الأنصاري البدري. 820 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "يُصَلُّون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإنّ أخطأوا فلَكم وعَلَيْهم". قلت: رواه البخاري في الصلاة من حديث أبي هريرة. (¬2) باب ما على المأموم وحكم المسبوق من المتابعة من الصحاح 821 - كُنّا نُصلِّي خلفَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا قال: "سَمِع الله لمن حمده، لم يَحْنِ أحدٌ منا ظَهْرَه حتى يضعَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - جبهتَه على الأرض". رواه الجماعة إلا ابن ماجه في الصلاة من حديث عبد الله بن يزيد عن البراء بن عازب (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (702)، ومسلم (466)، والنسائي (5891)، وابن ماجه (984). (¬2) أخرجه البخاري (694). (¬3) أخرجه البخاري (811)، ومسلم (474)، وأبو داود (622) (620)، والنسائي (830)، والترمذي (281).

822 - صَلّى بنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ذاتَ يومٍ فلما قضى أقبلَ علينا بوجهه فقال: "أيها الناس إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالانصراف، فإني أراكم أمامي ومِن خَلْفي". قلت: رواه مسلم في الصلاة من حديث أنس بهذا اللفظ. (¬1) 823 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إنما جُعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا ركع فاركعوا وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربَّنا لك الحمد". قلت: رواه الشيخان في الصلاة من حديث أبي هريرة. (¬2) 824 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إنما جُعل الإمامُ ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالسًا فصَلّوا جُلوسًا أجمعون". قلت: رواه الشيخان هنا من حديث أبي هريرة (¬3) يرفعه. وقوله في المصابيح: "فصَلّوا جلوسًا" منسوخ. قلت: صَدَق الشيخ فيما قال: وهو قد تَبع ما نقله البُخاريّ فإنه قال: قال الحُميدِيّ: وهذا منسوخ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - آخر ما صلّى قاعدًا والناس خَلْفَه قِيام، والحميدي هذا هو: عبد الله بن الزبير (¬4) صاحب سفيان بن عيينة. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (426). (¬2) أخرجه البخاري (689)، ومسلم (411). (¬3) أخرجه البخاري (689)، ومسلم (411). (¬4) هو: الثقة الإمام، عبد الله بن الزبير بن عيسى بن عبد الله بن الزبير بن عبيد الله بن حميد القرشي الأسَدي، أبو بكر الحُميدي المكي، توفي بمكة سنة (219 هـ) انظر ترجمته في: طبقات ابن سعد (5/ 368)، وتهذيب الكمال (14/ 514 - 515)، وسير أعلام النبلاء (10/ 616 - 621).

من الحسان

825 - قالت: لما ثَقُلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - جاء بلال يُؤْذِنُه بالصلاة، فقال: "مُرُوا أبا بكر أن يُصلّيَ بالناس، فصلّى أبو بكر تلك الأيام، ثم إنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وجد في نفسه خِفّة، فقام يُهادَى بين رجلين، ورِجْلاه تَخُطّان في الأرض حتى دخل المسجد، فلما سَمِع أبو بكر حِسَّه ذهَبَ يتأخر، فأوْمَأ إليه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ لا يتأَخّر، فجاء حتى جلسَ عن يسار أبي بكر، فكانَ أبو بكر يُصلّي قائمًا، وكان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصلّي قاعدًا يقتدي أبو بكر بصلاةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، والناس يقتدون بصلاة أبي بكر". قلت: رواه الشيخان في الصلاة من حديث عائشة (¬1). - وفي رواية: "وأبو بكر يُسمع النَّاس التكبير". قلت: رواها الشيخان من طريق أبي هريرة. (¬2) و"يهادَى بين رجلين": أي يمشي بينهما معتمدًا عليهما من ضعفه وتمايله - صلى الله عليه وسلم -. 826 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَا يخشى الذي يرفعُ رأسَه قبل الإمام أن يُحَوِّلَ الله رأسَه رأسَ حمار". قلت: رواه الشيخان وأبو داود والترمذي كلهم في الصلاة، من حديث أبي هريرة. (¬3) من الحسان 827 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أتى أحدُكم الصلاة والإمام على حالٍ، فليصنَعْ كما يصنعُ الإمامُ". (غريب). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (687)، ومسلم (418). (¬2) أخرجه البخاري (712)، ومسلم (418). (¬3) أخرجه البخاري (691)، ومسلم (427)، وأبو داود (623)، والترمذي (582)، والنسائي (2/ 96)، وابن ماجه (961).

قلت: رواه الترمذي (¬1) في أواخر الصلاة من حديث علي ومعاذ، وقال: غريب لا نعرف أحدًا أسنده إلا ما رُوي من هذا الوجه، قال: والعمل على هذا عند أهل العلم قال النووي: وإسناده ضعيف. (¬2) 828 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سُجود، فاسجدوا ولا تَعُدّوه شيئًا، ومن أدْرك الركعةَ فقد أدرك الصلاة". قلت: رواه أبو داود في الصلاة (¬3) من حديث أبي هريرة بإسناد فيه: يحيى بن أبي سليمان المديني وهو ضعيف، قال البخاري: منكر الحديث (¬4)، قال أبو حاتم: مضطرب (¬5) ورواه الحاكم في المستدرك، وقال: صحيح، ووثّق يحيى بن أبي سليمان. 829 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من صَلِّى لله أربعين يومًا في جماعة يُدرك التكبيرة الأولى، كُتِب له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق". قلت: رواه الترمذي في فضل التكبيرة الأولى، وقال: وقد رُوي هذا الحديث عن أنس ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (591) وفي إسناده: الحجاج بن أرطأة وهو مدلس وقد عنعنه. وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على جامع الترمذي (2/ 486) ولكن له شاهد من حديثه أيضًا -يعني حديث معاذ- عند أبي داود (ج 1 ص 193 - 196). وحديث معاذ عند أبي داود (506) وإسناده جيد. (¬2) الخلاصة (2/ 671) رقم (2328). (¬3) أخرجه أبو داود (893) وفيه يحيى بن أبي سليمان وهو "لين الحديث". التقريب (7615). ومن طريقه أخرجه الحاكم (1/ 216) وفال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي انظر: التلخيص الحبير (2/ 87). (¬4) الكامل لابن عدي (3/ 236). (¬5) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (9/ 154 رقم 640).

باب من صلى صلاة مرتين

موقوفًا (¬1). 830 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من توضأ فأحسنَ وضوءَه ثم راح فوجدَ الناس قد صَلِّوا، أعطاهُ الله مثل أجر مَنْ صلّاها وحَضرها، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا". قلت: رواه أبو داود والنسائي، كلاهما (¬2) في الصلاة، من حديث أبي هريرة وسكت عليه أبو داود والمنذري. 831 - جاء رجل وقد صَلّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ألا رجل يتصدق على هذا فيصلِّي معه؟ فقام رجل فصلّى معه". قلت: رواه الترمذي بهذا اللفظ هنا من حديث أبي سعيد وأبو داود ولم يقل: فقام رجل فصلّى معه، وسكت عليه. (¬3) باب من صلى صلاة مرتين من الصحاح 832 - " كان معاذُ بن جبل يصلّي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يأتي قومَه فيُصلّي بهم". قلت: رواه الشيخان وأبو حاتم من حديث جابر بن عبد الله. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (241)، والبيهقي في الشعب (2612) وحسّنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير (6241). (¬2) أخرجه أبو داود (564)، والنسائي (2/ 111) وإسناده صحيح. (¬3) أخرجه أبو داود (574)، والترمذي (220) وإسناده صحيح. راجع الإرواء (535). (¬4) أخرجه البخاري (700)، ومسلم (465)، وابن حبان (2401).

من الحسان

833 - "كان معاذ بن جبل يصلّي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء، ثم يرجع إلى قومه فيصلي لهم العشاء وهي له نافلة". قلت: هذه الرواية بهذه الزيادة وهي قوله: "وهي له نافلة"، رواها البيهقي وأخرج الحديث الدارقطني، وقال: وهي له تطوع ولهم مكتوبة. العشاءَ قال الشافعي في الأم: هذه الرواية صحيحة انتهى. وقد صححها البيهقي وغيره، فكان من حق المصنف أن يذكرها في الحسان. (¬1) من الحسان 834 - شهدتُ مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حَجّته، فصلّيت معه صلاة الصبح في مسجد الخَيْف، فلما قضى صلاته وانحرف، فإذا هو برجلين في آخر القوم لم يصليا معه، قال: "عليَّ بهما"، فجِيءَ بهما تَرْعُد فَرائِصُهما قال: "ما منعكما أن تُصَلِّيا معنا؟ " فقالا: يا رسول الله: إنا كنا صلينا في رِحَالنا، قال: "فلا تفعلا، إذا صليتُما في رِحالكما ثم أتيتما مسجدَ جماعة فصلَّيا معهم، فإنها لكما نافلة". قلت: رواه أبو داود والترمذي والنسائي ثلاثتهم في الصلاة من حديث يزيد بن الأسود وقال الترمذي: حسن صحيح. ورواه الحاكم في المستدرك وقال: على شرط مسلم. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه الشافعي في المسند (306)، وفي الأم (1/ 173 - 174)، والدارقطني (1/ 274)، والبيهقي في الكبرى (3/ 86) وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه أبو داود (575)، والترمذي (219) والنسائي (2/ 112) وإسناده صحيح. وأخرجه الحاكم (1244).

باب السنن وفضلها

والخَيْف: ما انحدر عن غليظ الجبل وارتفع على المسيل، وسُمِّي مسجد مِنى "مسجد الخيف" لأنه في سَفح جبلها، والفَريصة: اللحمة التي بين جنب الدابة وكتفها، ومعناه: ترجُف من الخوف. باب السنن وفضلها من الصحاح 835 - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من صلّى كلَّ يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة تطوعًا بُني له بيتٌ في الجنة: أربعًا قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العِشاء، وركعتين قبل صلاة الفجر". قلت: هذا اللفظ ليس بتمامه في الصحيحين ولا في أحدهما، إنما هو لفظ الترمذي من حديث أم حبيبة، وقد رواه المصنف في شرح السنة بهذا اللفظ من طريق الترمذي، ومعنى الحديث في مسلم، من حديث عائشة وسيأتي، ولم يخرجه البخاري، وإنما أخرج منه مسلم من حديث عَنْبسة عن أم حبيبة إلى قوله - صلى الله عليه وسلم -: بُني له بيت في الجنة، وليس في الصحيحين لعَنْبَسة عن أم حبيبة إلا هذا الحديث، قاله الإمام أبو بكر محمد بن عبد الله الجَوْزَقي. (¬1) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (415)، والنسائي (3/ 262) ومعنى الحديث في مسلم (728)، وأبي داود (1250)، وابن ماجه (1141)، مختصرًا، انظر: شرح السنة للبغوي (3/ 443 رقم 866)، والجوزقي: هو الإمام الحافظ البارع أبو بكر، محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا الشَّيْباني الخراساني المعدّل، صاحب "الصحيح" المخرّج على كتاب مسلم، وله تصانيف أخرى، توفي سنة 388 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي (16/ 493 - 494)، والطبقات للسبكي (3/ 184 - 185)، والنجوم الزاهرة (4/ 199). وعنبسة هو: ابن أبي سفيان واسمه صَخْر بن حرب بن أمية بن عبد =

836 - "صلّيت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العِشاء في بيته". قلت: رواه الشيخان هنا من حديث ابن عمر. (¬1) 837 - قال حدثتني حفصة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي ركعتين خفيفتين في بيته حين يَطْلُع الفجر. قلت: رواه الشيخان (¬2) هنا من حديث ابن عمر عن حفصة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -. - وفي روايةٍ: "وكان لا يُصلّي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلِّي ركعتين في بيته". قلت: رواها مسلم هنا من حديث ابن عمر (¬3). 838 - سُئلت عائشة عن صلاة رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - من التطوع فقالت: "كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعًا، ثم يخرُج فيصلي بالناس، ثم يدخل فيصلي ركعتين، ويصلي بالناس المغرب، ثم يدخل فيصلي ركعتين، ثم يصلي بالناس العشاء، ثم يدخل بيتي فيصلي ركعتين، وكان يصلي من الليل تسع ركعات فيهن الوتر، وكان يصلي ليلًا طويلًا قائمًا، وليلًا طويلا قاعدًا، وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسَجد وهو قائم، وإذا قرأ وهو قاعد ركعَ وسجدَ وهو قاعد، وكان إذا طلع الفجر صلّى ركعتين، ثم يخرج فيصلي بالناس صلاة الفجر". ¬

_ = شمس القرشي الأموي، أخو معاوية وأم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال أبو نعيم الأصبهاني: أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا تصح له صحبة ولا رؤية، وقال المزي: واتفق متقدوا أئمتنا أنه من التابعين. وذكر له هذا الحديث انظر: تهذيب الكمال (22/ 414 - 415). (¬1) أخرجه البخاري (9379)، ومسلم (729). (¬2) أخرجه البخاري (1180 - 1181)، ومسلم (729). (¬3) أخرجه البخاري (937)، ومسلم (729).

قلت: رواه مسلم (¬1) إلى قوله: وإذا طلع الفجر صلى ركعتين، والسائل لعائشة هو: عبد الله بن شقيق، وأخرجه جميعه بالزيادة أبو داود (¬2) في الصلاة، وذكر البخاري من حديث عائشة هذا صلاة الليل، وركعتي الفجر، والأربع التي قبل الظهر، ولفظه عن عائشة أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يَدع أربعًا قبلَ الظهر، وركعتين قبلَ الغَداة، وذكر صلاة الليل في طريق آخر. 839 - "لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - على شيءٍ من النوافلِ أشدّ تعاهدًا منه على ركعتي الفجر". قلت: رواه الشيخان هنا في الصلاة من حديث عائشة. (¬3) 840 - وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها". قلت: رواه مسلم من حديث عائشة ولم يخرجه البخاري. (¬4) 841 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "صلُّوا قبل المغرب ركعتين، صلّوا قبل المغرب ركعتين: قال في الثالثة: لمن شاء، كراهية أن يتخذها الناس سُنَّة". قلت: رواه البخاري (¬5) من حديث عبد الله بن مغفل في باب الصلاة قبل المغرب وخرّجه في الاعتصام في "باب نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - على التحريم، إلا ما تعرف إباحته" وكذلك أمره"، وذكر حديث جابر إذ أمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يُحِلوا بعمرة، وفي بعض طرق عبد الله بن مغفل: ولم يكن بين الأذان والإِقامة شيء، لم يكن بينهما إلا قليل. 842 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من كان منكم مصلِّيًّا بعدَ الجمعة فليُصلِّ أربعًا". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (730). (¬2) أخرجه أبو داود (1250). (¬3) أخرجه البخاري (1169)، ومسلم (724). (¬4) أخرجه مسلم (725). (¬5) أخرجه البخاري (1183) في التهجد، وفي الاعتصام (7368).

من الحسان

قلت: رواه مسلم هنا من حديث أبي هريرة (¬1). - وفي رواية: "إذا صلّى أحدُكم الجمعة فليصلّ بعدها أربعًا". قلت: رواها الجماعة إلا البخاري من حديث أبي هريرة. (¬2) من الحسان 843 - سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من حافَظَ على أربع ركعات قبل الظهر، وأربع بعدَها حرّمه الله على النار". قلت: رواه الأربعة في الصلاة (¬3) من حديث مكحول، عن عنبسة بن أبي سفيان قال قالت: أم حبيبة بلفظه، وذكر أبو زرعة وهشامُ بن عمار وأبو عبد الرحمن النسائي أن مكحولًا لم يسمع من عنبسة بن أبي سفيان، وصححه الترمذي من حديث أبي عبد الرحمن القاسم بن عبد الرحمن صاحب أبي أمامة، والقاسم هذا اختلف الناس فيه، فمنهم من يضعّف روايته، ومنهم من يوثِّقه. (¬4) 844 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أربعٌ قبلَ الظهر ليس فيهن تسليم، تُفْتَحُ لهُنّ أبوابُ السماء". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (881). (¬2) مسلم (881)، وأبو داود (1131)، والنسائي (3/ 113)، وابن ماجه (1132)، والترمذي (523). (¬3) أخرجه أبو داود (1269)، والترمذي (427)، وقال: حسن غريب، ورواه (428) من حديث القاسم بن عبد الرحمن. وقال: هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه. والنسائي (2/ 2656)، وابن ماجه (1160) وإسناده ضعيف، ولعل الترمذي حسّنه لحديث القاسم. (¬4) هذا كلام المنذري في مختصر المنذري (2/ 79) والقاسم بن عبد الرحمن الدمشقي، أبو عبد الرحمن، صاحب أبي أمامة، قال الحافظ: صدوق، يغرب كثيرًا، التقريب (5505).

قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه كلهم في الصلاة، من حديث أبي أيوب، وفي سنده عُبيدة بن معَتّب الكوفي، قال أبو داود: عبيدة، ضعيف (¬1)، وقال المنذري (¬2): لا يحتج بحديثه وهو بضم العين المهملة وفتح الباء الموحدة وقد ضَعّف الحديثَ يحيى بن سعيد القطان وغيره من الحفاظ. (¬3) 445 - ورُوي: "أنه عليه السلام كان يصلّي أربع ركعات بعد الزوال، لا يسلّم إلا في آخرهن، فقال إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء، فأُحبّ أن يَصْعَد لي فيها عمل صَالح". قلت: رواه الترمذي والنسائي كلاهما من حديث عبد الله بن السائب. (¬4) 846 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "رحمَ الله امْرءًا صلّى قبلَ العصر أربعًا". قلت: رواه أبو داود والترمذي (¬5) من حديث أبي المثنى عن ابن عمر، وقال الترمذي: حسن غريب، وأبو المثنى اسمه: مسلم بن المثنى، وقيل: ابن مهران الكوفي وقال المنذري: ثقة. 847 - ورُوي: "أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلِّي قبلَ العصر أربعَ ركعات". ¬

_ (¬1) وقال الحافظ: عُبيدة بن معتَّب الضبّي، أبو عبد الرحيم الكوفي الضرير، ضعيف واختلط بآخره، وماله في البخاري سوى موضع واحد في "الأضاحي" التقريب (4448)، وراجع المجروحين (2/ 173). (¬2) انظر: مختصر سنن أبي داود (2/ 79). (¬3) أخرجه أبو داود (1270)، وابن ماجه (1157) وإسناده ضعيف. (¬4) أخرجه الترمذي (478)، وفي الشمائل (289)، والنسائي في الكبرى (331) وإسناده صحيح. (¬5) أخرجه الترمذي (430)، وأبو داود (1271) وإسناده حسن، كما قال النووي في خلاصة الأحكام (1/ 539 رقم 1822). وانظر كلام المنذري في أبي المثنى في مختصر سنن أبي داود (2/ 79 - 80)، ووثقه الحافظ كذلك، التقريب (6686).

قلت: رواه الترمذي في الصلاة، من حديث علي، وتمام الحديث: "يفْصِل بينهن بالتسليم على الملائكة المقربين، ومن تَبِعَهم من المسلمين والمؤمنين"، وقال: حسن، ورواه الإمام أحمد، وقال: على الملائكة المقرَّبين والنبييّن ومن تبعهم من المؤمنين والمسلمين. (¬1) 848 - ورُوي: "أنه كان يُصلِّي قبلَ العصر ركعتين". قلت: رواه أبو داود (¬2) في الصلاة من حديث عاصم بن ضَمْرة عن علي، وعاصم هذا: وثَّقه يحيى بن معين وغيره، وتكلم فيه غير واحد قاله المنذري. وقال النووي: إسناد هذا الحديث صحيح. (¬3) 849 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من صلى بعدَ المغرِب ستَّ ركعات لم يتكلم فيما بينهنّ بسوء عُدِلْنَ له بعبادة ثنتي عشرةَ سنةً". قلت: رواه الترمذي في الصلاة من حديث أبي هريرة، وقال: غريب، لا نعرفه إلا من حديث زيد بن حباب عن عمر بن أبي خَثْعم، قال: وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: عمر بن أبي خَثْعم منكر الحديث، وضَعّفه جدًّا. انتهى كلام الترمذي (¬4). 850 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من صلى بعد المغرب عشرين ركعة بنى الله له بيتًا في الجنة". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (424) و (429)، والنسائي (2/ 119 - 120)، وابن ماجه (1161) وإسناده حسن، وأخرجه أحمد (2/ 79). وحسّنه النووي كما في "خلاصة الأحكام" (1/ 447 رقم (1468). (¬2) أخرجه أبو داود (1272). انظر كلام المنذري في مختصر المنذري (2/ 80) ولخّص الحافظ في التقريب (3080) حال عاصم هذا فقال: "صدوق". (¬3) خلاصة الأحكام (1/ 539) رقم (1821). (¬4) أخرجه الترمذي (435)، وابن ماجه (1374) وإسناده ضعيف جدًّا.

قلت: رواه الترمذي مقطوع السند بعد الحديث الذي قبله وقال فيه: ورُوي عن عائشة. (¬1) 851 - "ما صلَّى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - العِشاء قطّ، فدخل عليّ إلا صلّى أربعَ ركعاتٍ، أو ستَّ ركعاتٍ". قلت: رواه أبو داود في الصلاة (¬2) من حديث عائشة، وتمام الحديث: "ولقد مُطِرْنا مرةً بالليل فطرحنا له نِطْعًا فكأني أنظر إلي ثُقْب فيه، ينبع الماء منه، وما رأيته مُتَّقِيًا الأرض بشيء من ثيابه قط". وسكت عليه هو والمنذري. 852 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: {إدْبارَ النجوم} الركعتين قبل الفجر و {إدبار السجود} الركعتين بعد المغرب". قلت: رواه الترمذي (¬3) في التفسير، من حديث رِشْدين بن كريب، عن ابن عباس يرفعه، وقال: غرب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (عقب الحديث 435) معلقًا. وأخرجه ابن ماجه موصولًا (1373) وفي إسناده يعقوب بن الوليد المدني، قال الإمام أحمد: كان من الكذابين الكبار، يضع الحديث، وكذّبه غيره أيضًا. قال الحافظ: كذّبه أحمد وغيره. التقريب (7889). (¬2) أخرجه أبو داود (1303) وانظر: مختصر المنذري (2/ 90) وفي إسناده مقاتل بن بشير العجلي قال الحافظ: مقبول. التقريب (6914). (¬3) أخرجه الترمذي (3275) في إسناده: رِشدين بن كُريب، وهو ضعيف، التقريب (1954) راجع: الضعيفة للألباني (2178).

باب صلاة الليل

باب صلاة الليل من الصحاح 853 - " كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يصلّي فيما بين أن يَفرُغ من صلاةِ العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلّم من كل ركعتين، ويوتر بواحدة، فيسجد السجدةَ من ذلك قدر ما يقرأُ أحدكم خمسين آيةً قبل أن يرفع رأسَه، فإذا سكت المؤذنُ من صلاة الفجر وتبين له الفجر، قام فركَع ركعتين خفيفتين، ثم اضطجع على شقّه الأيمن، حتى يأتيَه المؤذنُ للإقامة فيخرجُ". قلت: مجموع هذا الحديث ثابت في الصحيحين من حديث عائشة. (¬1) والظاهر أن قولَ الراوي: "سكت" هو بالتاء المثناة من فوق، ومعناه ظاهر، ولكن ضبَطه في الفائق: بالباء الموحدة من تحت، وكذا ابن الأثير أورده في السين مع الكاف والباء الموحدة، وقالا: أرادت عائشة: إذا أذّن فاستعير السَّكْبُ للإفاضة في الكلام، كما يقال أفرغ في أُذُني حديثا أي ألقى وصبّ، وقال في الفائق: كما يقال هَضَب في الحديث، وأخذ في الخطبة فسَحَلها وهكذا صرح به في الغريبين أيضًا. وذكر ما ذكراه. (¬2) 854 - "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلّى ركعتي الفجر فإنْ كنت مستيقظةً حدثني، وإلا اضطجعَ". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (994)، ومسلم (736). (¬2) انظر: النهاية لابن الأثير (2/ 382)، والفائق للزمخشري (2/ 190)، والغريبين للهروي (3/ 164 - 165).

قلت: رواه الشيخان في الصلاة من حديث، عائشة (¬1) واللفظ لمسلم ولم يقل البخاري: "ركعتي الفجر" وإنما قال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كان إذا صلّى فإنْ كنت مستيقظة الحديث. 855 - "كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلّى ركعَتي الفجرِ اضطجعَ على شقّةِ الأيمنِ". قلت: رواه الشيخان هنا في الصلاة، من حديث الزهري، عن عروة عن عائشة. (¬2) 856 - "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُصلِّي من الليل ثلاثَ عشرةَ ركعةً، منها الوتر، وركعتا الفجر". قلت: رواه البخاري في صلاة الليل، ومسلم وأبو داود والنسائي ثلاثتُهم في الصلاة، من حديث حنظلة بن أبي سُفيان عن القاسم عن عائشة. (¬3) 857 - سألتُ عائشةَ عن صلاةِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالليل، فقالت: "سَبع، وتِسع وإحدى عشرة، سوى ركعَتْي الفجر". قلت: رواه البخاري منفردًا عن مسلم بهذا اللفظ من حديث عائشة. (¬4) 858 - "كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وإذا قامَ من الليل ليُصَلّيَ افتتح صلاته بركعتين خفيفتين". قلت: رواه مسلم في الصلاة من حديث عائشة ولم يخرجه البخاري. (¬5) 859 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قامَ أحدُكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1168)، ومسلم (743). (¬2) أخرجه البخاري (626)، ومسلم (736). (¬3) أخرجه البخاري (1140)، ومسلم (738)، وأبو داود (1340)، والنسائي (392). (¬4) أخرجه البخاري (1139). (¬5) أخرجه مسلم (767).

قلت: رواه مسلم من حديث أبي هريرة، ولم يخرجه البخاري أيضا. (¬1) 860 - "بِتُّ عند خالتي ميمونة ليلةً والنبي - صلى الله عليه وسلم - عندها، فتحدّث رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مع أهله ساعة ثم رَقد، فلما كان ثُلُث الليلِ الآخر أو بعضُه قعدَ فنَظَر إلى السماء فقرأ: {إنّ في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب} حتى خَتَم السورة، ثم قام إلى القِربة فأطلق شِنَاقَها ثم صبّ في الجَفْنَة ثم تؤضأ وضوءًا حسنًا بين الوضؤين لم يُكثر، وقد أبْلَغ، فقامَ يصلي، فقمْتُ فتوضأت فقمت عن يساره، فأخذ بأذني فأدارني عن يمينه فَتَتَامَّتْ صلاتُه ثلاثَ عشرةَ ركعةَ، ثم اضطجَع فنام حتى نفخَ، وكان إذا نام نفخَ، فآذنَه بلال بالصلاة فصلّى ولم يتوضأ، وكان في دعائه: اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي بصري نورًا، وفي سمعي نورًا، وعن يميني نورًا، وعن يساري نورًا، وفوقي نورًا، وتحتي نورًا، وأمامي نورًا، وخلفي نورًا، واجعل لي نورًا". قلت: رواه الجماعة إلا الترمذي: البخاري في الأدب ومسلم في الصلاة وأبو داود في الأدب مختصرًا، والنسائي في الصلاة بطوله، وابن ماجه في الطهارة مختصرًا كلهم من حديث كريب عن ابن عباس يرفعه. (¬2) قوله: "فأطلق شِنَاقها": هو بكسر الشين المعجمة، وهو: خيط يُشَد به فم القربة. قوله: "فنام حتى نفخَ وصلّى ولم يتوضأ": قال الخطابي (¬3): نومه - صلى الله عليه وسلم - مضطجعًا حتى نفخ، وقيامه إلى الصلاة من خصائصه، لأن عينه كانت تنام ولا ينام قلبه فيقظَة قلبه تمنعه من حدث، وإنما منع قلبه النوم ليعي الوحي إذا أوحي إليه في منامه - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (768). (¬2) أخرجه البخاري (183) (992) (4571) (4572)، وفي الدعوات (6316)، ومسلم (763)، وأبو داود (1367)، وفي الأدب (5043)، والنسائي (3/ 210)، وابن ماجه (1363)، وابن حبان في صحيحه -الإحسان- (2636). (¬3) انظر: غريب الحديث للخطابي (1/ 178).

861 - وزاد بعضهم: "وفي لساني نورًا -وذكر- وعصبي، ولحمي، ودمي، وشعري، وبشري". قلت: رواها الشيخان. (¬1) - وفي رواية: "واجعل في نفسي نورًا، وأعْظِم لي نورًا". قلت: رواها الشيخان. (¬2) - وفي رواية: "اللهم أعطني نورًا". قلت: رواها مسلم. (¬3) - وفي رواية: عن ابن عباس: "أنه رقد عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستيقظ، فتسوّك وتوضأ، وهو يقول: {إن في خلق السموات والأرض} حتى خَتم السورة، ثم قام، فصلى ركعتين أطالَ فيهما القيامَ والركوعَ والسجودَ، ثم انصرفَ فنام حتّى نفخَ، ثم فعل ذلك ثلاثَ مرات ستَّ ركعات، كلّ ذلك يستاكُ ويتوضأُ، ويقرأُ هؤلاء الآيات، ثم أوتَر بثلاثٍ". قلت: رواها مسلم (¬4) وهذه الروايات كلها من حديث ابن عباس. 862 - "لأَرْمُقَنّ صلاةَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - الليلة، فصلّى ركعتين خفيفتين، ثم صلّى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثم صلّى ركعتين وهما دون اللتين قبلَهما، ثم صلّى ركعتين وهما دونَ اللتين قبلَهما، ثم صلّى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم أوتَر، فذلك ثلاثَ عشرةَ ركعة". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6316) في الدعوات، ومسلم (763). (¬2) أخرجه مسلم (189/ 763) وهذه الرواية من أفراد مسلم، وليست عند البخاري، قاله الشيخ عبيد الله الرحماني في "مرعاة المفاتيح" (4/ 178). (¬3) أخرجه مسلم (191/ 763). (¬4) أخرجه مسلم (191/ 763).

قلت: رواه مسلم في الصلاة (¬1) من حديث زيد بن خالد الجهني ولم يخرجه البخاري. 863 - "لمّا بَدّنَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وثَقُل كان أكثرُ صلاتِه جالسًا". قلت: رواه مسلم في الصلاة من حديث عروة عن عائشة، والبخاري أخرجه (¬2) ولم يقل: "أكثر" وفي بعض طرقه: "فلما كثُر لحمُه، صلّى جالسًا" ذكره في تفسير سورة الفتح. وبدّن: بتشديد الدال المهملة أي أسَنّ. 864 - لقد عرفتُ النظائرَ التي كانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرِنُ بينهن، فذكر عشرين سورةً من أول المفصّل على تأليف ابن مسعود، سورتين في ركعة، آخرُهن {حم} الدخان، و {عم يتساءلون}. قلت: رواه الشيخان والنسائي ثلاثتهم في الصلاة (¬3) من حديث أبي وائل عن عبد الله بن مسعود، وقد جاء في أبي داود (¬4) تفسير هذا الحديث، فأخرج في الصلاة في باب تحزيب القرآن، من حديث علقمة والأسود، قالا: أتى ابنَ مسعود رجلٌ فقال: إنّي أقرأ المفصَّلَ في ركعةٍ، فقال: أهذًّا كهذِّ الشعر ونثرًا كنثر الدَّقَل؟، لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأُ النظائر السورتين في ركعة، {الرحمن، والنجم} في ركعة، {واقتربت، والحاقة} في ركعة، {والطور، والذاريات} في ركعة، {وإذا وقعت، والنون} في ركعة، {وسأل سائل، والنازعات} في ركعة، {وويل للمطففين، وعبس} في ركعة، {والمدثر، والمزمل} في ركعة، {وهل أتى، ولا أقسم بيوم القيامة} في ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (765). (¬2) أخرجه البخاري (1118)، وفي التفسير (4837)، ومسلم (732). (¬3) أخرجه البخاري (775)، وفي فضائل القرآن (4996)، ومسلم (722)، في كتاب صلاة المسافرين، والنسائي (2/ 175). (¬4) أخرجه أبو داود (1396).

من الحسان

ركعة، {وعم يتساءلون، والمرسلات} في ركعة، {والدخان، وإذا الشمس كورت} في ركعة. قال أبو داود: وهذا تأليف ابن مسعود رحمه الله. (¬1) والهذُّ: سرعة القراءة، وانتصب على المصدر. والدَّقَل: بفتح الدال الهملة وبعدها قاف ولام قيل: هو رديء التمر، وقيل: ثمر الدَّوْم، وهو يشبه النخل، وله حَب كثير، وله نوى كبير (¬2). من الحسان 865 - أنه رأى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يصلّي من الليل فكان يقول: "الله أكبر -ثلاثًا- ذو الملكوت والجَبَرُوْت والكبرياء والعظمةِ، ثم استفتحَ فقرأ البقرةَ، ثم ركع، فكان ركوعُه نحوًا من قيامه يقول: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، ثم رفع رأسه، وكان قيامه نحوًا من ركوعه يقول: لِربِّيَ الحمد، ثم سجد، فكانَ في سجوده نحوًا من قيامه، يقول: سبحان ربي الأعلى، ثم رفع رأسه، وكانَ يقعد فيما بين السجدتين نحوًا من سجوده يقول: رب اغفر لي، ربّ اغفر لي، فصلّى أربعَ ركعات قرأ فيهنّ البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدةَ". قلت: رواه أبو داود والنسائي كلاهما الصلاة (¬3) والترمذي في الشمائل، كلهم من حديث أبي حمزة مولى الأنصار عن رجل من بني عَبْس عن حُذيفة وقال الترمذي: أبو ¬

_ (¬1) وقع في النسخة المطبوعة من سنن أبي داود (2/ 117): (النجم، والرحمن)، ويعني أبو داود بهذا القول: الترتيب في مصحف ابن مسعود. (¬2) انظر: النهاية لابن الأثير (2/ 127)، وإكمال المعلم (3/ 196). (¬3) أخرجه أبو داود (874)، والنسائي (2/ 199 - 200)، والترمذي في الشمائل (270) وإسناده صحيح.

حمزة عندنا طلحة بن زيد وقال النسائي: أبو حمزة عندنا طلحة بن يزيد قال: وهذا الرجل يشبه أن يكون صله انتهى. قال المنذرى (¬1): وطلحة بن يزيد أبو حمزة الأنصاري مولاهم الكوفي احتج به البخاري، وصله بن زفر العَبْسي الكوفي احتج به الشيخان. (¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ذو الملكوت والجبروت". قال في شرح السنة (¬3): الملكوت هو المُلْك، زيدت فيه التاء كما يقال رهبوت ورحمُوت كما قال تعالى: {فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء}، قال في النهاية (¬4): والجبروت هو فعلوت من الجبر وهو القهر. 866 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قام بعشر آياتٍ لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائةٍ آيةٍ كتبَ من القانتين، ومن قام بألفٍ آية كتب من المُقَنْطِرين". قلت: رواه أبو داود في "تحزيب القرآن" من حديث عبد الله بن عمرو ابن العاص. (¬5) ومعنى من المقنطرين: أي أعطي قنطارًا من الأجر. ورُوي عن معاذ بن جبل أنه قال: القنطار ألف ومائتا أوقية، والأوقية: خير مما بين السماء والأرض. وقال أبو عبيد: القناطير: واحدها، قنطار، ولا نجد العرب تعرف وزنه وقيل غير ذلك. (¬6) ¬

_ (¬1) انظر: مختصر سنن أبي داود (1/ 419). (¬2) طلحة بن يزيد، أبو حمزة، قال الحافظ: وثقه النسائي، ورمز له بـ "خ 4" التقريب (3055) وصِلَة بن زُفَر العَبْسي، تابعي كبير، ثقة جليل، التقريب (2968). (¬3) شرح السنة (4/ 23). (¬4) النهاية (1/ 236). (¬5) أخرجه أبو داود (1398) وصححه ابن حبان -الإحسان- (2574) وأخرجه ابن السني (701). (¬6) غريب الحديث (4/ 164 - 165)، والغريبين (5/ 64).

867 - كانت قراءةُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بالليل يرفع طَوْرًا ويخفِضُ طَوْرًا. قلت: رواه أبو داود هنا من حديث أبي هريرة وسكت عليه هو والمنذري. (¬1) 868 - "كانت قراءة رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - على قدر ما يسمَعه مَن في الحجرة وهو في البيت". قلت: رواه أبو داود (¬2) في الصلاة من حديث ابن عباس، وفي سنده ابن أبي الزناد وهو: عبد الرحمن بن عبد الله بن ذكوان وفيه مقال، وقد استشهد به البخاري. 869 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا أبا بكر مررتُ بك وأنتَ تصلّي تخفض صوتَك"، قال: قد أسمعتُ مَنْ ناجيت يا رسول الله، فقال لعمر: "مررتُ بك وأنتَ تصلي رافعًا صوتَك"، قال: أُوقِظ الوَسْنان، وأطرُد الشيطان، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا أبا بكر ارفعْ مِن صوتك شيئًا"، وقال لعمر: "اخفِضْ مِن صوتك شيئًا". قلت: رواه أبو داود (¬3) مسندًا ومرسلًا، والترمذي، وقال: حديث غريب، وإنما أسنده يحيى بن إسحاق عن حماد بن سلمة وأكثر الناس إنما رووا هذا الحديث عن ثابت عن عبد الله بن رباح مرسلًا. 870 - "قام رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أصبَحَ بآيِةٍ، والآية: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} ". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1328) فيه زائدة بن نشيط الكوفي: روى عنه ابنه عمران ووثقه ابن حبان، وقال الحافظ: في "التقريب" مقبول، يعني عند المتابعة وإلا فهو بين الحديث (1994). (¬2) أخرجه أبو داود (1327)، والترمذي في الشمائل (314) وإسناده حسن. وقال الحافظ: عبد الرحمن بن أبي الزناد عبد الله بن ذكوان المدني، مولى قريش، صدوق، تغيّر حفظه لما قدم بغداد وكان فقيهًا، من السابعة. التقريب (3886). (¬3) أخرجه أبو داود (1329)، والترمذي (447) وإسناده صحيح. وفي الباب عن أبي هريرة عند أبي داود (1330) وآخر عن علي عند الإمام أحمد (1/ 190).

قلت: رواه النسائي في الصلاة وفي التفسير وابن ماجه في الصلاة من حديث أبي ذَر (¬1). 871 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا صلّى أحدكم ركعتي الفجرِ فَلْيَضطَجِعْ على يمينه". قلت: رواه أبو داود والترمذي كلاهما (¬2) في الصلاة من حديث أبي هريرة وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، غريب من هذا الوجه، قال المنذري (¬3): وقد قيل: إن أبا صالح لم يسمع هذا الحديث من أبي هريرة، فيكون منقطعًا وفي حديث عائشة الذي قدّمه الشيخ في الصّحاح ما يدُل على استحبابه. ¬

_ (¬1) أخرجه النسائي (2/ 177)، وابن ماجه (1350) وفي الإسناد جسرة بنت دجاجة لم يوثّقها سوى العجلي وابن حبان. وقال البخاري: عند جَسْرة عجائب. وقال الدارقطني: يعتبر بحديثها (يعني في الشواهد والمتابعات)، إلا أن يحدث عنها من يترك ومع ذلك قال البوصري: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، وصححه الحاكم (1/ 241) وحسنه العراقي، انظر ترجمة جَسْرة في: التاريخ الكبير (2/ ت 1710)، تهذيب الكمال (35/ 143)، والتقريب (8649) وقال: مقبولة، من الثالثة ويقال: إن لها إدراكًا. (¬2) أخرجه أبو داود (1261)، والترمذي (420) وقد أعلّه البيهقي في السنن (3/ 45). (¬3) مختصر سنن أبي داود (2/ 76) وتكلّم الذهبي عن هذا الحديث في ميزان الاعتدال (2/ ت 5287) وقال الترمذي: وقد رأى بعض أهل العلم أن يُفعل هذا استحبابًا.

باب ما يقول إذا قام من الليل

باب ما يقول إذا قام من الليل من الصحاح 872 - " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قامَ من الليل يتهجدُ قال: اللهم لك الحمدُ أنت قيِّم السماوات والأرضِ ومن فيهنّ، ولك الحمد أنتَ نور السماوات والأرض ومن فيهنّ، ولك الحمد لك ملك السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق ووعدُك الحق ولقاؤُك حق، وقولك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيُّون حق، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمتُ، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدّمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت". قلت: رواه البخاري في التوحيد ومسلم هنا والترمذي في الدعاء ثلاثتهم من حديث ابن عباس يرفعه. والقيّم، والقيام، والقيّوم، والقوام: القائم بالأمر وقيل القيُّوم: القائم، وهو الدائم الذي لا يزول. والنور: قال في "النهاية": هو الذي يبصر بنوره ذو العماية، ويرشُد بهداه ذو الغواية، ومعنى وإليك أنبت: أي رجعت. (¬1) 873 - كان -تعني النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل افتتح صلاتَه قال: اللهم ربَّ جبريلَ وميكائيل وإسرافيل، فاطرَ السموات والأرض، عالمَ الغَيب والشهادة، أنتَ تحكُم بين ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1120)، ومسلم (769)، والترمذي (3418).

من الحسان

عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدِني لما اختُلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلي صراط مستقيم". قلت: رواه مسلم في الصلاة من حديث عائشة ولم يخرجه البخاري. (¬1) 874 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من تعارَّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حولَ وقوة إلا بالله، ثم قال: رب اغفر لي -أو قال- ثم دعا استُجيب له، فإن توضأَ ثم صلّى قُبلت صلاته". قلت: رواه البخاري من حديث عبادة بن الصامت ولم يخرجه (¬2) مسلم. و"تعار من الليل"، معناه: استيقظ. وقال الجوهري: تعارّ من الليل إذا هبّ من نومه. (¬3) من الحسان 875 - " كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استيقظ من الليل، قال: لا إله إلا أنت سبحانك، اللهم أستغفرك لذنبي، وأسألك رحمتك، اللهم زدني علمًا، ولا تُزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهَبْ لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب". قلت: رواه أبو داود والنسائي هنا وأبو حاتم ثلاثتهم من حديث عائشة. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (770). (¬2) أخرجه البخاري (1154). (¬3) الصحاح للجوهري (2/ 743)، وفيه: إذا هب من نومه بصوت.

876 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من مسلم يبيت على ذكرٍ طاهرًا فيتعارُّ من الليل، فيسألُ الله خيرًا إلا أعطاهُ إياه". قلت: رواه أبو داود في الأدب والنسائي في اليوم والليلة وابن ماجه في الدعاء (¬1) ثلاثتهم من حديث معاذ بن جبل يرفعه. 877 - أنها سُئِلت: "بمَ كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يفتَتِحُ إذا هبّ من الليل؟، فقالت: كان إذا هبّ من الليل كبَّر عشرًا، وحَمِد عشرًا، وقال: "سبحانَ الله وبحمده عشرًا، وقال: سبحانَ الله الملك القدوس عشرًا، واستغفَر عشرًا، وهلّل عشرًا، ثم قال: "اللهم إني أعوذ بك من ضِيْق الدنيا، وضِيْق يوم القيامةِ عشرًا، ثم يفتتحُ الصلاة". قلت: رواه أبو داود والنسائي في الصلاة من حديث عائشة. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (5042)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (805) (806)، وابن ماجه (3881) وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه أبو داود (5085)، والنسائي (8/ 284). وفي إسناده شريق الهوزني: لا يعرف، كما قال الذهبي في (الميزان 2/ ت 3691) وكذلك فيه علة أخرى: بقية بن الوليد وهو مدلس ولكن أخرجه أبو داود (766) من طريق آخر عنها دون قوله: (وقال: سبحان الملك القدوس عشرًا)، دون الاستعاذة من ضيق الدنيا وإسناده صحيح. وله طريق عند ابن ماجه (1356) من طريق عاصم بن حميد عن عائشة وإسناده حسن، من أجل معاوية بن صالح، فإن حديثه لا يرتقي إلى الصحة.

باب التحريض على قيام الليل

باب التحريض على قيام الليل من الصحاح 878 - وقال رسول - صلى الله عليه وسلم -: "يعقدُ الشيطانُ على قافيةِ رأسِ أحدِكم إذا هو نامَ ثلاثَ عُقَد، يضربُ على كلِّ عقدةٍ: عليكَ ليل طويل فارقُدْ، فإن استيقظ فذكرَ اللهَ انحلِّتْ عقدةٌ، فإن توضأ انحلِّتْ عقدة، فإن صلى انحلِّتْ عقدة، فأصبح نشيطًا طيِّبَ النفس، وإلا أصبحَ خبيثَ النفسِ كسلانَ". قلت: رواه الشيخان في صلاة الليل، واللفظ للبخاري، ورواه أبو داود والنسائي وأبو حاتم (¬1) فيه، كلهم من حديث أبي هريرة يرفعه، وبوّب عليه البخاري: "باب عقد الشيطان على قافية من لم يصل "فأنكر عليه المازري وقال: الذي في الحديث أنه يعقد على قافيته، وإن صلّى، وإنما ينحل بالذكر والوضوء والصلاة، قال: ويتأول كلام البخاري بأنه أراد أن استدامة العقد إنما يكون على من ترك الصلاة، فإن من صلى وانحلت عقده كمن لم يُعقد عليه. والقافية: القفا وقيل: قافية الرأس: مؤخّره، وقيل وسطه، أراد تثقيله في النوم وإطالته، فكأنه شد عليه شدادًا، وعقده ثلاث عُقد، وقيل: هو عقد حقيقي يعني عقد السحر للإنسان ومنعه من القيام وقال تعالى: {ومن شرّ النفاثات في العُقَد} فعلى هذا هو قول يقوله يؤثر في تثبيط النائم كتأثير السحر. وقوله: ليلًا طويلًا، قال النووي: هكذا هو في معظم نسخ مسلم بالنصب على الإغراء ورواه بعضهم بالرفع. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1142)، ومسلم (776)، وأبو داود (1306)، والنسائي (3/ 203 - 204)، وابن حبان (2553). (¬2) كل ما ذكر تحت هذا الحديث مأخوذ -باختصار- من النووي في كتابه: المنهاج (6/ 93 - 95)، وانظر: المعلم بفوائد مسلم للمازري (1/ 305).

879 - قام النبي - صلى الله عليه وسلم - من الليل حتى تورَّمَتْ قدماه، فقيل له: لم تصنع هذا وقد غفر لك ما تقدَّمَ من ذنبك وما تأخر؟ قال: "أفلا أكون عبدًا شكورًا". قلت: رواه البخاري في صلاة الليل وفي الرقايق وفي التفسير، ومسلم في أواخر الكتاب والترمذي والنسائي وابن ماجه ثلاثتهم في الصلاة كلهم من حديث المغيرة بن شعبة. (¬1) 880 - قال: ذُكِر عندَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ فقيل: ما زالَ نائمًا حتى أصبَحَ -ما قام إلى الصلاة- قال: "بالَ الشيطان في أُذنِه". قلت: رواه الشيخان والنسائي وابن ماجه وابن حبان كلهم في قيام الليل من حديث عبد الله بن مسعود (¬2) قال ابن حبان: وقال سفيان الثوري: هذا عندنا يشبه أن يكون نام عن الفريضة. وقد اختلفوا في معناه، فقال ابن قتيبة: معناه أفسده يقال بال في أُذْنِه إذا أفسده. وقال الطحاوي وغيره: هو استعارة وإشارة إلى انقياده للشيطان وتحكمه فيه. وقيل معناه: استخف به واستعلى عليه، يقال لمن استخف بإنسان وخدعه: بال في أذنه، وأصل ذلك في دابَّةٍ تفعل ذلك بالأسد إذلالًا له، قال عياض: ولا يبعد أن يكون ذلك على ظاهره، قال: وخصّ الأُذن لأنها حاسَّة الانتباه. 881 - استيقظَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ليلةَ فَزِعًا يقول: "سبحانَ الله! ماذا أُنزل الليلة من الخزائن، وماذا أُنزل من الفتن، مَنْ يُوقِظ صواحبَ الحُجُرات -يريد أزواجَه- لكي يُصلّين؟ رُبّ كاسيةٍ في الدنيا عاريةٌ في الآخرة". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في التهجد (1130)، وفي التفسير (4836)، وفي الرقايق (6471)، ومسلم (2819)، والنسائي (3/ 219)، والترمذي (412)، وابن ماجه (1419) (1420). (¬2) أخرجه البخاري (1144)، ومسلم (774)، والنسائي (3/ 204)، وابن ماجه (1330)، وابن حبان (2562). وانظر: إكمال المعلم لقاضي عياض (3/ 139 - 140).

قلت: رواه البخاري في مواضع، بألفاظ متقاربة المعنى، منها: في العلم وفي الأدب وهو أقرب إلى لفظ المصنف وفي الفتن، والترمذي في الفتن كلاهما من حديث هند بنت الحارث عن أم سلمة ولم يُخرجه مسلمٌ في صحيحه. (¬1) 882 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "يَنزِل ربُّنا تبارَك وتعالى كلّ ليلة إلى السماءِ الدنيا حين يبقى ثُلث الليل الآخرُ يقول: من يدعوني فأستجيبَ له، من يسألني فأعطِيَه، مَن يستغفرني فأغفر له". قلت: رواه الجماعة: البخاري في التوحيد وفي الدعوات وفي صلاة الليل ومسلم وأبو داود وابن ماجه جميعًا في الصلاة والترمذي في الدعوات والنسائي في النعوت (¬2). كلهم من حديث سليمان الأغر عن أبي هريرة. - وفي رواية: ثم يبسُطُ يديه يقول: "من يُقرِض غير عدوم ولا ظَلُوم؟ حتى ينفجر الفجر". قلت: رواها مسلم في الصلاة من حديث أبي هريرة. (¬3) 883 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن في الليل ساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيرًا، من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إيّاه، وذلك كل ليلة". قلت: رواه مسلم في الصلاة من حديث أبي الزبير عن جابر ولم يخرجه البخاري. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في العلم (115)، وفي التهجد (1126)، وفي اللباس (5844)، وفي الأدب (6218)، وفي الفتن (7069)، والترمذي (2196). (¬2) أخرجه البخاري في التهجد (1145)، وفي الدعوات (6321)، وفي التوحيد (7494)، ومسلم (758)، وأبو داود (1315)، والترمذي (446)، وابن ماجه (1366)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (480)، وفي الكبرى، كتاب النعوت (4/ 420 رقم 7768/ 17). (¬3) أخرجه مسلم (758). (¬4) أخرجه مسلم (757).

من الحسان

884 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أحبّ الصلاة إلى الله صلاة داود، وأحبّ الصيام إلى الله صيام داود، وكان ينام نصفَ الليل، ويقوم ثُلثه، وينام سُدُسه، ويصوم يومًا ويُفطِر يومًا". قلت: رواه الشيخان: البخاري في قيام الليل ومسلم والنسائي وابن ماجه ثلاثتهم في الصوم من حديث عمرو بن أوس عن عبد الله بن عمرو بن العاص يرفعه. (¬1) 885 - "كان -تعني رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ينامُ أوّلَ الليل ويُحيي آخِره، ثم إن كانت له حاجة إلى أهله قضى حاجته ثم ينام، فإذا كان عند النداء الأول جُنُبا وثَبَ فأفاضَ عليه الماء، وإن لم يكن جُنبًا توضأ للصلاة ثم صلّى الركعتين". قلت: رواه الشيخان والنسائي واللفظ لمسلم ثلاثتهم في الصلاة من حديث الأسود بن يزيد عما حدثته عائشة. (¬2) من الحسان 886 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عليكم بقيام الليل فإنه دَأبُ الصالحينَ قبلَكم، وهو قُربةٌ لكم إلى ربِّكم ومَكْفَرة للسيئات ومَنْهاة عن الإثم". قلت: رواه الطبراني في "معجمه الكبير" والمصنف في "شرح السنة" كلاهما من حديث عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن أبي أمامة (¬3) يرفعه. ¬

_ (¬1) أخرج البخاري (1131)، ومسلم (1159)، والنسائي (4/ 210)، وابن ماجه (1712). (¬2) أخرجه البخاري (1146)، ومسلم (739)، وابن ماجه (1365)، والنسائي (3/ 218). (¬3) أخرجه الطبراني في الكبير (7466) عن أبي أمامة و (6154) عن سليمان في الأوسط (3/ 311 - 3253) وقال: لم يرو هذا الحديث عن أبي أمامة إلا أبو إدريس، ولا عن أبي إدريس إلا ربيعة، تفرد به معاوية بن صالح. والبغوي في شرح السنة (929)، وأخرجه الترمذي (3549) (3549/ 2)، وابن نصر في "قيام الليل" (18)، والبيهقي في السنن (2/ 502)، والبغوي (4/ 922)، وقال الترمذي -بعد أن ذكر من طريق معاوية عن ربيعة عن الخولاني عن أبي أمامة- وهذا أصح من حديث أبي =

ورواه الطبراني أيضًا من حديث سلمان الفارسي يرفعه بزيادة "ومَطْرَدة للدّاء عن الجسد". 887 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثةٌ يضحكُ الله إليهم: الرجلُ إذا قام بالليل يصلي، والقومُ إذا صفُّوا في الصلاة، والقومُ إذا صفُّوا في قتال العدو". قلت: رواه ابن ماجه في "السنة" في "باب ما أنكرت الجهمية" من حديث أبي سعيد مع بعض تغيير في اللفظ. (¬1) 888 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أقربُ ما يكونُ الرُّب مِن العبد في جوفِ الليل الآخرِ، فإن استطعتَ أن تكونَ ممن يذكرُ الله في تلك الساعة فكُنْ". قلت: رواه الترمذي من حديث عمرو بن عَبَسَة وصححه. (¬2) 889 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "رحِمَ الله رجلًا قام من الليل فصلّى، وأيقظَ امرأته فصلّتْ، فإن أَبَتْ نضحَ في وجهها الماءَ، رحم الله امرأةً قامتْ من الليل فصلّتْ، وأيقظَتْ زوجَها فإن أَبَى نضحَتْ في وجهه الماء". قلت: رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه (¬3) كلهم في الصلاة من حديث أبي هريرة. وفي إسناده محمد بن عجلان، وقد وثّقه الإمام أحمد وابن معين وأبو حاتم الرازي واستشهد به البخاري وروى له مسلم متابعة وتكلم فيه بعضهم. ¬

_ = إدريس، عن بلال، وانظر: إرواء الغليل (452)، وقال الحافظ العراقي في تخريج الإِحياء (1/ 321) رواه الطبراني في الكبير والبيهقي بسند حسن. (¬1) أخرجه ابن ماجه (200)، والبغوي في شرح السنة (4/ 42 رقم 929) وفيه مجالد بن سعيد قال الحافظ: ليس بالقوي، وقد تغير في آخر عمره، التقريب (6520). (¬2) أخرجه الترمذي (3579)، وابن ماجه (1251) وإسناده صحيح. (¬3) أخرجه أبو داود (1308)، والنسائي (3/ 205)، وابن ماجه (1336) وإسناده حسن، ومحمد بن عجلان المدني، صدوق إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة، من الخامسة. التقريب (6176) ورمز له بـ (ختام 4).

890 - قيلَ يا رسولَ الله أيُّ الدعاءِ أسْمَعُ؟ قال: "جوفَ الليل الآخر، ودُبر الصلواتِ المكتوباتِ". قلت: رواه الترمذي في كتاب الدعاء من حديث أبي أمامة وحَسَّنه. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: جوف الليل الآخر: هو منصوب على الظرف أي الدعاء في جوف الليل، والآخر: منصوب، صفة للجوفِ، والرفع محتمل على تقدير حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه أي دعاء جوف الليل الآخر. 891 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إنّ في الجنةِ غُرَفًا يُرى ظاهِرُها من باطِنها، وباطنها من ظاهِرها أَعَدّها الله لمن ألان الكلام، وأطعَمَ الطعام، وتابَع الصيام، وصلى بالليل والناسُ نيامٌ". - وفي رواية: "لمن أطابَ الكلام". قلت: رواه الترمذي (¬2) في صفة الجنة من حديث علي بن أبي طالب، ولفظه: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن في الجنة لغرفًا يُرى ظهورُها من بطونِها وبطونُها من ظهورِها فقام إليه أعرابي فقال: لمن هي يا رسول الله؟ قال: هي لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وأدامَ الصيامَ، وصلى بالليل والناس نيام"، وقال: حديث غريب، وقد تكلم بعض أهل الحديث في عبد الرحمن بن إسحاق أحد رواته من قبل حفظه، وهو كوفي وعبد الرحمن بن إسحاق القرشي مدني، وهو أثبت من هذا. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3499)، وأورده الزيلعي في نصب الراية (2/ 235) وأعلّه بالانقطاع: فإن عبد الرحمن بن سابط لم يسمع من أبي أمامة كما قال ابن معين. (¬2) أخرجه الترمذي (1985)، وأحمد (1/ 156)، وابن أبي شيبة (8/ 625)، وعبد الرحمن ابن إسحاق بن الحارث الواسطي، أبو شيبة، كوفي، ضعيف، التقريب (3823)، أما عبد الرحمن المدني، نزيل البصرة، صدوق رمي بالقدر، التقريب (3824).

باب القصد في العمل

باب القصد في العمل من الصحاح 892 - كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُفْطِرُ من الشهر حتى نظنَّ أَنْ لا يصومَ منه، ويصومُ حتى نظنَّ أن لا يفطرَ منه شيئًا، وكان لا تشاءُ تراه من الليل مصليًّا إلا رأيته، ولا نائمًا إلا رأَيته". قلت: رواه البخاري في الصلاة وفي الصوم من حديث حميد عن أنس. (¬1) 893 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أحبُّ الأعمالِ إلى الله تعالى أدْوَمُها وإن قَلّ". قلت: رواه الشيخان: البخاري في الإيمان ومسلم في الصلاة من حديث عائشة. (¬2) 894 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "خذوا من الأعمال ما تُطيقونَ، فإن الله لا يَمَلُّ حتى تَمَلُّوا". قلت: رواه الشيخان وهو قطعة من الحديث قبله. (¬3) 895 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ليُصَلّ أحدُكم نشاطَه، فإذا فَتَر فليقعدْ". قلت: رواه الشيخان وأبو داود والنسائي (¬4) أربعتهم في الصلاة من حديث عبد العزيز بن صهيب في آخر حديث أوله: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل السجدَ وحبلٌ ممدود. 896 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا نَعِسَ أحدُكم وهو يُصلّي فليَرْقُدْ حتى يذهبَ عنه النوم، فإنَّ أحدكم إذا صلّى وهو ناعِس لا يدري لعلّه يستغفر فيسُبّ نفسه". قلت: رواه الشيخان في الصلاة من حديث عائشة. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1141)، ومسلم (1158). (¬2) أخرجه البخاري (43)، ومسلم (782). (¬3) أخرجه البخاري (1150)، ومسلم (785). (¬4) أخرجه البخاري (1151)، ومسلم (784)، وأبو داود (1312)، والنسائي (3/ 218 - 219)، وابن ماجه (1371). (¬5) أخرجه البخاري (212)، ومسلم (786).

897 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الدِّيْنَ يُسْر، ولَنْ يُشادَّ الدينَ أحدٌ إلا غَلَبَه، فسدِّدُوا وقارِبُوا، وأبشِروا، واستَعِيْنوا بالغَدْوةِ والرَّوْحَة وشيءٍ من الدُّلْجَة". قلت: رواه البخاري والنسائي في الإيمان (¬1) من حديث معن بن محمد الغفاري عن سعيد المقبري عن أبي هريرة يرفعه. ومعنى فسدِّدُوا: أي الزموا السداد، وهو الصواب، وقاربوا في العبادة، ومعنى بقية الحديث: احرصُوا على العبادة في أوقات نشاطكم، ولا تديموا العملَ في جميع الأوقات فتملوا. والغَدْوة: بفتح الغين العجمة، المرَّة من الغدو، وهو سير في أوّل النهار، نقيض الرواح. والغدوة: بالضم ما بين صلاة الغدأة، وطلوع الشمس، وشيء من الدّلْجة: وهو سير الليل، يقال أدلج بالتخفيف إذا سار من أول الليل، وادلج بالتشديد إذا سار من آخره والاسم منهما الدُلجة. والدُلجة: بضم الدال وفتحها، والمعنى: استعينوا على الجنّة ونَعِيْمها بالطاعة في الغُدو والرّواح، وشيء من الليل، والمراد: الحثّ على الطاعة في الأوقات الثلاثة، وهو بيان لقوله تعالى: {أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل}. 898 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من نامَ عن حِزبه، أو عن شيءٍ منه، فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كُتِبَ له كأنَّما قرأه من الليل". قلت: رواهُ الجماعة كُلّهم إلا البخاري (¬2) ذكروه في الصلاة من حديث عمر بن الخطاب يرفعه، وكلام المصنف في "شرح السنة" صريح في أن رواية مسلم إنما هي من نام عن حِزْبه أو عن شيء، فقرأه إلى آخره، وأن أبا عيسى الترمذي روى أو عن شيء منه، والذي قاله الحافظان: الحميدي وعبد الحق عن رواية مسلم أو عن شيء منه. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (39)، والنسائي (8/ 122). (¬2) أخرجه مسلم (747)، وأبو داود (1313)، والترمذي (581)، والنسائي (3/ 259)، وابن ماجه (1343).

من الحسان

899 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "صلِّ قائما، فإن لم تستطعْ فقاعدًا، فإن لم تستطعْ فعلى جَنبٍ". قلت: رواه البخاري في باب إذا لم يُطِق قاعدًا فعلى جَنْبه، من حديث عمران بن حصين ولم يخرجه مسلم. (¬1) 900 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "من صلى قاعدًا فله نِصْفُ أجر القائِم، ومن صلّى نائمًا فله نصف أجرِ القاعدِ". قلت: رواه البخاري في باب صلاة القاعد بالإيماء من حديث عمران بن حصين ولم يخرجه مسلم. (¬2) من الحسان 901 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من أَوَى إلى فِراشِه طَاهرًا يذكر الله حتى يُدرِكه النُّعاس، لم يَنْقَلِبْ ساعةً من الليل يسأل الله شيئًا من خيرِ الدنيا والآخِرة إلا أعطاهُ إياه". قلت: رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" من حديث أبي أمامة (¬3) كذا قاله النووي في الأذكار في باب ما يقول عند النوم. وأَوى: بهمزة مقصورة أي إلى فراشه. 902 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "عَجِب ربُّنا من رجلين: رجل ثار عن وِطِائه ولِحافه من بين حِبّه وأهله إلى صلاته، فيقول الله لملائكته: انظروا إلى عبدي ثارَ عن فِراشه ووِطائِه من بين حِبّه وأهله إلى صلاته، رغبةً فيما عندي وشفقًا مما عندي، ورجلُ غزا في سبيل الله فانهزَم مع أصحابه فعلمَ ما عليه في الانهزامِ ومالَه في الرجوع، فرجع حتى هُريق دمُه، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1117). (¬2) أخرجه البخاري (1116). (¬3) أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (719)، قال الحافظ: "أخرجه ابن السني من طريق إسماعيل بن عياش، روايته عن الحجازيين ضعيفة، وهذا منها، وشيخه عبد الله ابن عبد الرحمن مكي، وشهر بن حوشب فيه مقال، انظر: الفتوحات الربانية". (3/ 165).

باب الوتر

فيقولُ الله لملائكته: انظروا إلى عبدي رجَع رغبة فيما عندي، وشفقًا مما عندي حتى هُريق دمُه". قلت: رواه الإمام أحمد (¬1) من حديث ابن مسعود، بسند صحيح، ليس فيه إلا عطاء بن السائب، أخرج له الأربعة والبخاري مقرونًا. قوله - صلى الله عليه وسلم -: عجِب ربُّنا: أي عظم ذلك عنده، وكبُر لديه، وقيل معناه: رضِيَ وأناب: فسمّاه بذلك على سبيل التجوّز لأنّ حقيقته محال على الله تعالى: وشفقًا: أي خوفًا وخشيةً. باب الوتر من الصحاح 903 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صلاةُ الليل مثنى مثنى، فإذا خَشي أحدُكم الصبح صلّى ركعة واحدة توتِر له ما قد صَلّى". قلت: رواه البخاري في الوتر، ومسلم وأبو داود والنسائي ثلاثتهم (¬2) في الصلاة، كلهم من حديث عبد الله بن عمر يرفعه. 904 - وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الوتر ركعة من آخِر الليل". قلت: رواه مسلم وأبو داود والنسائي كلهم من حديث عبد الله (¬3) بن عمر وروى مسلم مثله أيضًا من رواية ابن عباس. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (1/ 416)، وأبو داود (2536) مختصرًا. وإسناده صحيح عطاء بن السائب قد اختلط لكنه يروي هنا عن حماد بن سلمة، وهو ممن سمع منه قبل الاختلاط وبعد الاختلاط. (¬2) أخرجه البخاري (990)، ومسلم (749)، والنسائي (3/ 233). (¬3) أخرجه مسلم (752)، وعن ابن عباس (753)، والنسائي (3/ 232)، وابن ماجه (1175)، وأبو داود (1421).

905 - "كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصلي من الليل ثلاثَ عشرةَ ركعةً يوتِرُ من ذلك بخمسٍ لا يجلسُ في شيءٍ إلا في آخِرها". قلت: رواه مسلم من حديث عائشة (¬1) في الصلاة ولم يخرج البخاري هذا اللفظ. 906 - "انطلقنا إلى عائشة، فقلث: يا أمَّ المؤمنين أنْبئيني عن خُلُقِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: ألستَ تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قالت: فإنَّ خُلُقَ نبيِّ الله - صلى الله عليه وسلم - كان القرآن. قلت: يا أمَّ المؤمنين أنبِئيني عن وِتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: كُنّا نُعِدّ له سِواكه وطَهُورَه فيَبْعَثُه الله ما شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوّك، ويتوضأ، ويُصلِّي تسعَ ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة، فيذكرُ الله ويحمَدُه ويدعُوه، ثم ينهضُ ولا يسلّم فيُصَلّي التاسعة، ثم يقعدُ فيذكرُ الله ويحمدُه ويدعُوه، ثم يسلّم تسليمًا يُسمِعُنا، ثم يصلي ركعتين بعد ما يُسلّم وهو قاعد، فتلك إحدى عشرةَ ركعةً، فلمّا أَسَنّ وأخذ اللحْمَ أوترَ بسبعٍ، وصنعَ في الركعتين مثل صنيعه في الأولى، فتلك تسع يا بُنَيّ، وكان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلّى صلاةً أحبّ أن يداوم عليها، وكان إذا غَلَبَه نوم أو وجعٌ عن قيام الليل صلّى من النهار ثنتَيْ عشرةَ ركعةً، ولا أعلمُ نبيَّ الله قرأ القرآن كلَّه في ليلةٍ، ولا صلى ليلة إلى الصبح، ولا صامَ شهرًا كاملًا غير رمضان". قلت: رواه مسلم (¬2) وأبو داود والنسائي كلهم في الصلاة من حديث سعد ابن هشام قال انطلقنا إلى عائشة، الحديث، ولم يخرجه البخاري. 907 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "اجْعَلوا آخرَ صلاتِكم بالليل وترًا". قلت: رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي هنا من حديث عبد الله بن عمر. (¬3) 908 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "بادِرُوا الصُّبحَ بالوِتر". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (737). (¬2) أخرجه مسلم (746)، وأبو داود (1342)، والنسائي (3/ 241). (¬3) أخرجه البخاري (998)، ومسلم (751)، وأبو داود (1438)، والنسائي (3/ 227).

من الحسان

قلت: رواه مسلم وأبو داود والترمذي كلهم في الصلاة من حديث ابن عمر. (¬1) 909 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "مَن خاف أن لا يقومَ من آخر الليل فليُوتر أوَّلَه، ومن طَمِع أن يقوم آخِره فليوتر آخِر الليل، فإنّ صلاةَ آخِر الليل مشهودة، وذلك أفضل". قلت: رواه أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه هنا من حديث جابر يرفعه. (¬2) 910 - "مِن كُلّ الليل أَوْتَرَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أوّل الليل، وأوْسَطه، وآخِرهِ، فانتهى وِتره إلى السَّحَر". قلت: رواه الجماعة (¬3) كلهم هنا من حديث عائشة ولفظ أبي داود: ولكن انتهَى وِتره حين مات إلى السّحَر. 911 - "أَوْصَاني خليلي بثلاثٍ: صيامِ ثلاثةِ أيامٍ من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أُوتِر قبل أن أنامَ". قلت: رواه الشيخان، وزاد البخاري: لا أَدَعهن، ورواه أبو داود وزاد: في سفر ولا حضر، وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة وقال: وأن أصلي الضّحى فإنها، صلاة الأَوّابين، وأخرجه النسائي وقال: ركعتي الفجر ولم يذكر الضّحى، كُلُّهم في الصلاة من حديث أبي هريرة. (¬4) من الحسان 912 - " قلت لعائشة: أرأيتِ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسلُ من الجنابةِ في أولِ الليل أَمْ في آخِره؟ قالت: رُبّما اغتسل في أولِ الليل ورُبَّما اغتسل في آخِره، فقلت: الحمد لله ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (750)، وأبو داود (1438)، والترمذي (467). (¬2) أخرجه أحمد (3/ 315، 389)، ومسلم (755)، والترمذي (455)، وابن ماجه (1187). (¬3) أخرجه البخاري (996)، ومسلم (745)، وأبو داود (1435)، والترمذي (456)، والنسائي (3/ 230)، وابن ماجه (1185). (¬4) أخرجه البخاري (1178) (1981)، ومسلم (721)، وأبو داود (1432)، والنسائي (3/ 229)، وابن أبي شيبة في مصنفه (2/ 410).

الذي جعلَ في الأمر سَعَةً، قلت: كان يُوتِرُ في أولِ الليل أم في آخره؟ قالت: رُبّما أوتر في أول الليل ورُبما أوتر في آخره، قلت: كان يجهر بالقراءة أم يَخْفِت؟ قالت: رُبَّما جهر ورُبّما خَفتَ، قلت: الله أكبر، الحمد لله الذي جعل في الأمر سَعَة". قلت: رواه أبو داود في الطهارة بهذا اللفظ والنسائي فيه مقتصرًا على الفصل الأول وابن ماجه في الصلاة مقتصرًا على الفصل الأخير كلهم من حديث غُضَيْف بن الحارث، قال: قلت: لعائشة، وسكت عليه أبو داود والمنذري. (¬1) 913 - "وسُئِلَتْ بكَمْ كان يُوتِر رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: كان يُوتِر بأربع وثلاثٍ، وستٍّ وثلاثٍ، وثمانٍ وثلاثٍ، وعشرٍ وثلاثٍ، ولم يكن يُوتِر بأنقصَ من سبعٍ، ولا بأكثرَ من ثلاثَ عشرة". قلت: رواه أبو داود (¬2) في الصلاة، والذي سألَ عائشةَ هو: عبدُ الله بن أبي قيس ولم يضعّف أبو داود ولا المنذري هذا الحديث. 914 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الوِتر حق على كل مسلم، فمن أحبّ أن يُوتر بخمسٍ فليفعل، ومن أحب أن يُوتر بثلاثٍ فليفعل، ومن أحبّ أن يُوتِرَ بواحدةٍ فليفعل". قلت: رواه أبو داود والنسائي، كلاهما من حديث أبي أيوب (¬3) قال النووي: وإسناده صحيح، وخرجه الحاكم وقال: على شرط البخاري ومسلم. 915 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله وتر يحب الوترَ فأوتروا يا أهلَ القرآن". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (226)، والنسائي مختصرًا (1/ 125)، وابن ماجه (1354)، وإسناده صحيح. وانظر: مختصر المنذري (1/ 152)، وغضيف كنيته، أبو أسماء حمصي السُّكوني، مختلف في صحبته، التقريب (5396). (¬2) أخرجه أبو داود (1362)، وانظر: مختصر المنذري (2/ 105). (¬3) أخرجه أبو داود (1422)، والنسائي (3/ 238)، والحاكم (1/ 302). وانظر كلام النووي في الخلاصة (1/ 548).

قلت: رواه الأربعة (¬1) وقال الترمذي: حديث حسن، كلهم من حديث عاصم وهو ابن ضَمْرَةَ عن علي بن أبي طالب، وابن ضَمْرة تكلم فيه غير واحد. 916 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله أمدّكم بصلاة هي خير لكم من حُمْرِ النَّعَم، الوتر، جَعَلَه الله فيما بينَ صلاةِ العشاءِ إلى أن يطلُعَ الفجرُ". قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه (¬2) كلهم، من حديث خارجة بن حُذافة، وقال الترمذي: حديث غريب، لا يُعرف، إلا من حديث يزيد بن أبي حبيب انتهى كلامه، وقال البخاري: لا يُعرف لإسناد هذا الحديث سماعُ بعضِهم من بعض. 917 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من نام عن وِترِه فليُصَلّ إذا أصبحَ". قلت: رواه المصنف من حديث عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه يرفعه، وهو مرسَل، فإن زيد بن أسلم الفقيه تابعي جليل. (¬3) 918 - سُئلت عائشة بأي شيء كان يُوتِر النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: كان يقرأ في الأولى بـ {سبح اسم ربك الأعلى} وفي الثانية بـ {قل يا أيها الكافرون} وفي الثالثة بـ {قل هو الله أحد} والمعوّذتين. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1416)، والترمذي (453)، والنسائي (3/ 228)، وابن ماجه (1169). في الإسناد: عاصم بن ضمرة، فيه كلام لا يرتقي حديثه إلى درجة الصحة ومن أجل ذلك حسّن إسناده الترمذي، وقد سبق الكلام عنه، وانظر الخلاصة للنووي (1/ 547). (¬2) أخرجه أبو داود (1418)، والترمذي (452)، وابن ماجه (1168)، وابن عدي في الكامل (4/ 1537)، والبيهقي (2/ 478)، وإسناده ضعيف، وفي الباب عن أبي سعيد الخدري أخرجه البيهقي (2/ 469) ورجاله ثقات. وفي الباب عن عمرو بن العاص أخرجه أحمد (2/ 206)، وإسناده حسن لولا المثنى بن الصباح ضعيف اختلط بآخر عمره وكان عابدًا. وفي الباب عن أبو بَصْرة الغِفاري أخرجه أحمد (6/ 7)، وصححه الشيخ الألباني في "الصحيحة" (108)، راجع نصب الراية (1/ 109). (¬3) أخرجه أحمد (3/ 31)، وأبو داود (1431)، والترمذي (466)، والبغوي في شرح السنة (4/ 88)، ورُوي الحديث عن أبي سعيد متصلًا، وقال الترمذي: وهذا أي المرسل أصح، وقال مثله البغوي.

قلت: رواه أبو داود (¬1) والترمذي وابن ماجه وقال الترمذي: حديث حسن غريب، من حديث عبد العزيز بن جريج، قال: سألنا عائشةَ، وعبد العزيز هذا، والد ابن جريج، انتهى. قال المنذري (¬2): وفي إسناده خُصيف وهو أبو عون خصيف بن عبد الرحمن الحراني وقد ضعفه غير واحد من الأئمة. 919 - "علّمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلمات أقولهن في قُنوت الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولّني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يُقضى عليك، وإنه لا يذِل من واليتَ تباركتَ ربنا وتعاليت". قلت: رواه الأربعة (¬3) هنا، من حديث الحسن بن علي، قال الترمذي: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي الحوراء السعدي واسمه رَبيْعَةُ بن شَيْبَان، ولا نعرف في القنوت شيئًا أحسن من هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. 920 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سلّم في الوتر قال: "سبحان الملك القدوس ثلاثَ مرات يرفع في الثالثة صوتَه". قلت: رواه أبو داود والنسائي واللفظ له من حديث أبي بن كعب. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1424)، والترمذي (463)، وابن ماجه (1173)، ولعل الترمذي حسنه لمتنه، وإلا فإسناد الحديث ضعيف، فخصيف ضعيف وشيخه عبد العزيز بن جريج ضعيف أيضًا، قال البخاري: لا يتابع على حديثه، وذكر ابن حبان أنه لم يسمع من عائشة وخصيف قال عنه الحافظ: صدوق سيء الحفظ، خلط بآخره ورُمي بالإرجاء، التقريب (1728). ولكن رواه الحاكم (1/ 305) من طريق آخر وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. (¬2) مختصر السنن للمنذري (2/ 125). (¬3) أخرجه أبو داود (1425)، والترمذي (464)، والنسائي (3/ 248)، وابن ماجه (1178). (¬4) أخرجه أبو داود (1430)، والنسائي (3/ 235)، وإسناده صحيح.

باب القنوت

921 - أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في آخر وتره: "اللهم إني أعوذُّ برضاكَ من سَخَطِك وبمعافاتِك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليكَ أنت كما أثنيتَ على نفسك". قلت: رواه الأربعة (¬1): أبو داود وابن ماجه كلاهما في الصلاة والترمذي في الدعوات والنسائي في النعوت كلهم من حديث علي بن أبي طالب يرفعه، وقال الترمذي: حسن غريب. باب القنوت من الصحاح 922 - " أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن يدعوَ على أحد، أو يدعوَ لأحد قنتَ بعد الركوع فرُبَّما قال -إذا قال سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد- اللهم أنْجِ الوليدَ بن الوليد، وسَلَمة بن هشام، وعيَّاش بن أبي ربيعة، اللم اشدُدْ وطأتك على مُضَرَ واجعلها سنين كَسنِيِّ يوسفَ يجهر بذلك، وكان يقول في بعض صلاته: اللهم العن فلانًا وفلانًا لأحياءٍ من العرب، حتى أنزل الله: {ليس لك من الأمر شيء} الآية". قلت: رواه البخاري بهذا اللفظ في التفسير وأصل الحديث في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة. (¬2) ¬

_ (¬1) أبو داود (1427)، والترمذي (3566)، والنسائي (3/ 248)، وفي الكبرى، كتاب النعوت (4/ 417)، وابن ماجه (1179). (¬2) أخرجه البخاري (4590)، ومسلم (675)، وانظر للتفصيل فتح الباري (8/ 226).

من الحسان

923 - "سألتُ أنس بن مالك عن القنوت في الصلاة كان قبل الركوع أو بعده؟ قال: قبله، إنما قَنَتَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد الركوع شهرًا، إنه كان بعثَ أناسًا يقال لهم: القراء، سبعون رجلًا فأصيبوا فقنتَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعدَ الركوع شهرًا يدعو عليهم". قلت: رواه الشيخان في الوتر، من حديث عاصم الأحول قال: سألت أنس ابن مالك عن القنوت (¬1) وساقه. من الحسان 924 - " قَنَتَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهرًا متتابعًا في الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وصلاةِ الصبح، إذا قال: سمعَ الله لمن حمده من الركعة الآخرة، يدعو على أحياءٍ من سُلَيم على: رِعْل، وذكْوان، وعُصيَّة، ويؤمِّن من خَلْفَه". قلت: رواه أبو داود (¬2) في الصلاة، وفي إسناده: هلال بن خبَّاب أبو العلاء العبدي، وثَّقه جماعة، وقال أبو حاتم: كان يقال تغيّر قبل موتِه من كبر السن، وقال العقيلي: في حديثه وهم، وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد. ورِعْل: بكسر الراء وسكون العين المهملتين ولام. وذكوان: بفتح الذال المعجمة وسكون الكاف وبعدها واو وألف ونون. وعُصَيّة: بضم العين وفتح الصاد المهملتين وتشديد الياء آخر الحروف وفتحها وتاء تأنيث، كلها أحياء من بين سُلَيْم. 925 - "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت شهرًا ثم تركه". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1002)، ومسلم (677). (¬2) أخرجه أبو داود (1443)، وإسناده حسن، وهلال بن خبّاب، قال الحافظ عنه: صدوق تغيّر بآخره، التقريب (7384)، وانظر أقوال العلماء فيه، في تهذيب الكمال (3/ 330).

باب قيام شهر رمضان

قلت: رواه أبو داود في الصلاة من حديث أنس وأخرجه مسلم أتم منه وليس فيه: "ثم تركه" (¬1). 926 - "قلت لأبي: إنك قد صلّيت خلفَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم ههنا بالكوفة نحوًا من خمسِ سنينَ أكانوا يقنتون؟ قال: أي بُنَيْ، مُحْدَثٌ". قلت: رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه كلهم في الصلاة، من حديث أبي مالك الأشجعي عن أبيه، واسم أبي مالك سعد، واسم أبيه طارق بن أشيم، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. (¬2) باب قيام شهر رمضان من الصحاح 927 - " إنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - اتخذ حُجرةً في المسجد من حَصير، فصلّى فيها ليالي حتى اجتمع إليه ناسٌ، ثم فَقَدوا صوتَه ليلة، وظنُّوا أنه قد نام فجعل بعضُهم يتنَحْنَحُ ليخرج إليهم، فقال: "ما زال بكم الذي رأيتُ من صَنيعكم حتى خشيت أن يُكتب عليكم، ولو كُتب عليكم ما قُمتم به، فصَلُّوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضلَ صلاة المرء في بيته إلا الصلاةَ المكتوبة". قلت: رواه البخاري بهذا اللفظ، وأصله في الصحيحين، وفي أبي داود والترمذي والنسائي (¬3) كلهم في الصلاة من حديث زيد بن ثابت، ومن تراجم البخاري ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1445)، والنسائي (2/ 203 - 204)، وابن ماجه (1243). (¬2) أخرجه الترمذي (402)، والنسائي (2/ 204)، وابن ماجه (1241)، وابن حبان (1989)،وإسناده صحيح. (¬3) أخرجه البخاري (731)، وفي الاعتصام (7290)، وفي الأدب (6113)، ومسلم (781)، وأبو داود (1447)، والترمذي (450)، والنسائي (3/ 197)، وأحمد (5/ 182)، وابن خزيمة (1204)، وابن حبان (2491).

من الحسان

على هذا الحديث: "باب ما يجوز من الغضب لأمرِ الله"، وقعت له هذه في كتاب الأدب. 928 - "كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُرغِّب في قيام رمضانَ من غير أن يأمرَهم فيه بعزيمةٍ، فيقول: من قام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدّم من ذنبه، فتوفي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - والأمرُ على ذلك، ثم كانَ الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصَدْرٍ مِن خِلافةِ عمر". قلت: رواه الشيخان (¬1) من حديث أبي هريرة ولم يذكر البخاري في هذا الحديث قوله: يرغّب في قيام رمضان إلى قوله بعزيمة، وهذا الكلام: "توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" إلى آخره، هو قول ابن شهاب، وذكر ذلك البخاري رحمه الله تعالى. 929 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قضى أحدُكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبًا من صلاته، فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيرًا". قلت: رواه مسلم في الصلاة من حديث جابر. (¬2) من الحسان 930 - صُمْنا مع رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "فلم يَقُم بنا شيئًا من الشهر، حتى بقي سبع، فقام بنا حتى ذهب ثُلث الليل، فلما كانت السادسة لم يقم بنا، فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل، فقلت: يا رسولَ الله لو نَفلتنا قيام هذه الليلة، فقال: إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف، حُسِب له قيام ليلة، فلما كانت الرابعة لم يقم بنا حتى بقي ثلث، فلما كانت الثالثة جَمَع أهله ونساه والناس، فقام بنا حتى خَشينا أن يفوتنا الفلاح -يعني السُّحور- ثم لم يقم بنا بقيةَ الشهر". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (37) مختصرًا على قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخرجه مسلم (759). (¬2) أخرجه مسلم (778).

قلت: رواه الأربعة (¬1) واللفظ لأبي داود في الصلاة من حديث أبي ذر وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، ولم يقل الترمذي: "ثم لم يقم بنا بقية الشهر". 931 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنّ الله تبارك وتعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدَدِ شَعَر غَنم كلب". (ضعيف). قلت رواه: الترمذي في الصَّوم وابن ماجه في الصلاة (¬2) كلاهما من حديث الحجاج بن أرطاة عن يحيى بن أبي كثير عن عروة عن عائشة، قال الترمذي: لا نعرفه إلا من هذا الوجه، من حديث الحجاج، وسمعت محمدًا: يضعف هذا الحديث، وقال: يحيى بن أبي كثير لم يسمع من عروة، والحجاج لم يسمع من ابن أبي كثير. (¬3) 932 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلاةُ المرء في بيته أفضلُ من صلاتِه في مسجدي هذا إلا المكتوبة". قلت: رواه أبو داود والترمذي والنسائي كلهم هنا، من حديث زيد بن ثابت وقال الترمذي: حديث حسن، وسكت عليه أبو داود والمنذري. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1375)، والترمذي (806)، والنسائي (3/ 83 - 84)، وابن ماجه (1327)، وابن خزيمة (2206)، وابن حبان (2547)، وانظر: إرواء الغليل (447) وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه الترمذي (739)، وابن ماجه (1389) وإسناده ضعيف. (¬3) إلى هنا انتهى كلام الترمذي (2/ 108)، والحجاج بن أرطاة، صدوق كثير الخطأ والتدليس، التقريب (1127)، وابن أبي كثير، ثقة ثبت لكنه يدلّس ويرسل، التقريب (7682). (¬4) أخرجه أبو داود (1044)، والترمذي (450)، والنسائي (3/ 197)، وانظر: مختصر المنذري (1/ 473).

باب صلاة الضحى

باب صلاة الضحى 933 - " أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - دخل بيتَها يوم فتح مكة فاغتسل وصلى ثماني ركعات، فلم أرَ صلاة قط أخفُّ منها، غير أنّه له يتم الركوع والسجودَ وذلك ضُحىً". قلت: رواه الشيخان (¬1) في الصلاة من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: ما حدَّثنا أحدٌ أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يُصلي الضُّحى غيرُ أم هاني، الحديث. 934 - سألت عائشة كم كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي صلاة الضحى؟ قالت: "أربعُ ركعات ويزيدُ ما شاءَ الله". قلت: رواه مسلم والنسائي وابن ماجه، ثلاثتهم في الصلاة والترمذي في الشمائل من حديث معاذ أنها سألت عائشة به. (¬2) 935 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُصبح على كل سُلامَى من أحدِكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمرٌ بالمعروف صدقة، ونهيٌ عن المنكر صدقة، ويُجزىءُ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى". قلت: رواه مسلم في الصلاة من حديث أبي ذر ولم يخرجه البخاري. (¬3) والسُّلامى: بضم السين وتخفيف اللام هو: المِفصَلْ، وثبت في صحيح مسلم من رواية عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: خلق كَل إنسان من بني آدم على ستين وثلثمائة مفصل. 936 - قال - صلى الله عليه وسلم -: صلاةُ الأوّابين حين ترمَضُ الفِصال. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (357)، ومسلم (336). (¬2) أخرجه مسلم (719)، والنسائي (401)، وابن ماجه (1381)، والترمذي في الشمائل (288). (¬3) أخرجه مسلم (720).

من الحسان

قلت: رواه مسلم (¬1) من حديث القاسم بن عوف عن زيد بن أرقم ولم يخرجه البخاري. وتَرمضَ: بفتح التاء والميم يعني: يشتد حر الأرض. والفصال: جمع فصيل وهو صغير الإبل ومعناه حين تصيبها الرمضاء فتحترق أخفافها، واستدلوا به على أن تأخير الضحى إلى اشتداد الحر أفضل. من الحسان 937 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عن الله تعالى أنه قال: ابن آدم اركع لي أربع ركعاتٍ من أول النهار، أكفك آخِره". قلت: رواه الترمذي (¬2) من حديث أبي الدرداء وأبي ذر، ورواه أبو داود والنسائي كلاهما من حديث نعيم بن همّار الغطفاني، وقال الترمذي: حسن غريب انتهى. وفي إسناده: إسماعيل بن عيّاش، وفيه مقال، ومن الأئمة من يصحّح حديثه عن الشاميين، وهذا الحديث شامي الإسناد، وحديث نعيم بن همّار: قد اختلف الرواة فيه اختلافًا كثيرًا وقد جمع بعض الحفاظ طرقه في جزء مفرد، وحمل العلماء هذه الركعات على صلاة الضحى، وقال بعضهم: النهار يقع عند أكثرهم على ما بين طلوع الشمس إلى غروبها، ولهذا أخرج المصنف هذا الحديث في: باب صلاة الضحى، وتبع في ذلك أبا داود والترمذي. ونعيم بن همّار قد اختلف في اسم أبيه فقيل: بالميم وقيل هبّار: بالباء الوحدة، وقيل: هدّار بالدال المهملة، وهمام: بميمين وخمّار بالخاء المعجمة المفتوحة، وحمّار: بالحاء المهملة المكسورة والله أعلم. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (748). (¬2) أخرجه الترمذي (475)، وأبو داود (12899)، والنسائي (. . .)، وإسناده صحيح، بمجموع طرقه من رواية: نعيم بن همار وأبي ذر وأبي الدرداء. (¬3) انظر ترجمة نعيم وهو صحابي، في الإصابة (6/ 462)، وقال الحافظ: رجّح الأكثر أن اسم أبيه همّار، وانظر كذلك التقريب (7226).

938 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "في الإنسان ثلثمائة وستون مفصلًا، فعليه أن يتصدّق عن كلّ مفصل منه بصدقة، قالوا: ومن يطيق ذلك يا نبي الله؟ قال: النخاعة في المسجد تدفنها، والشيء تنحّيه عن الطريق، فإن لم تجد فركعتا الضحى تجزئك". قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث بريدة، وفي سنده: علي بن الحسين بن واقد قال الذهبي ضعفه أبو حاتم وقواه غيره. (¬1) 939 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من صلى الضحى ثنتي عشرةَ ركعة، بنىَ الله له قصرًا من ذهب في الجنة". (غريب). قلت: رواه الترمذي (¬2) وابن ماجه كلاهما هنا، من حديث أنس يرفعه وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وذكر النووي هذا الحديث في الأحاديث الضعيفة. (¬3) 940 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من قعد في مُصلاة حين ينصرف من صلاة الصبح حتى يسبّح ركعتي الضحى، لا يقول إلا خيرًا، غفر له خطاياه، وإن كانت أكثر من زَبَد البحر". قلت: رواه أبو داود في الصلاة (¬4) من حديث سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه، وسهل ضعيف، والراوي عنه زَبّان بن فايد الحمراوي ضعيف أيضًا، ومعاذ ابن أنس جهني له صحبة معدود في أهل مصر. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (5242) انظر قول الذهبي في الكاشف (2/ 38 - 3902)، وقال عنه الحافظ: صدوق يهم، من العاشرة، التقريب (4751). (¬2) أخرجه الترمذي (473)، وابن ماجه (1380)، وإسناده ضعيف لأن فيه موسى بن فُلان بن أنس هو: موسى بن حمزة بن أنس بن مالك قال الحافظ: مجهول، التقريب (7076). (¬3) خلاصة الأحكام (1/ 571)، رقم (1938). (¬4) أخرجه أبو داود (1287)، تفرد به أبو داود، وسهل بن معاذ قال عنه الحافظ: لا بأس به إلا في روايات زبّان عنه، من الرابعة، التقريب (2682) أما زبّان بن فايد فقال عنه الحافظ: ضعيف الحديث مع صلاحه وعبادته، التقريب (1996).

باب صلاة التطوع

وزَبّان بفتح الزاي وبعدها باء بواحدة مشددة مفتوحة وبعد الألف نون، وفايد بالفاء وبعدها ألف وبعد الألف ياء آخر الحروف ودال مهملة. باب صلاة التطوع من الصحاح 941 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لبلال عند صلاة الفجر: "يا بلال حدثني بأرْجَى عمل عملته في الإسلام؟ فإني سمعت دَفّ نعليكَ بين يديَّ في الجنة، قال: ما عملت عملًا أرْجى عندي أني لم أتطهّر طُهورًا في ساعةٍ من ليل ولا نهارٍ، إلا صلَّيتُ بذلك الطُّهور ما كُتب لي أن أُصلّي". قلت: رواه الشيخان من حديث أبي هريرة واللفظ للبخاري. (¬1) والدَّفّ: بالفاء صوتُ النعل وحركته على الأرض. 942 - كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يعلّمنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: "إذا همَّ أحدُكم بالأمر فليركع من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علّام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أنّ هذا الأمر -ويسمي حاجته- خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، فاقدره لي، ويسّره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنتَ تعلم أن هذا الأمر شَرّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفْه عني واصرفني عنه، واقدرْ لي الخير حيث كان ثم أرْضِني به". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1149)، ومسلم (2458).

من الحسان

قلت: رواه الجماعة إلا مسلمًا: البخاري في صلاة الليل وفي الدعوات وفي التوحيد، وأبو داود والترمذي وابن ماجه كلهم في الصلاة، والنسائي في النكاح من حديث جابر بن عبد الله (¬1). من الحسان 943 - حدّثني أبو بكر رضي الله عنه -وصَدق أبو بكر- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من رجل يُذنب ذنبًا ثم يقوم فيتطهّر ثم يُصلّي ثم يستغفر الله إلا غَفَر له ثم قرأ {والذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسَهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم} ". قلت: رواه أبو (¬2) داود والترمذي وابن ماجه كلهم في الصلاة، والنسائي في اليوم والليلة من حديث علي بن أبي طالب قال: حدثني أبو بكر به، ولا يذكر ابن ماجه الآية. 944 - كان النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا حَزَبَه أمرٌ صلّى". قلت: رواه أبو داود (¬3) في الصلاة من حديث حذيفة، وذكر بعضهم أنه روى مرسلًا. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الدعوات (6382)، وفي التوحيد (7390)، وفي الصلاة (1162)، وأبو داود (1538)، والترمذي (480)، وابن ماجه (1383)، والنسائي (6/ 80). (¬2) أخرجه أبو داود (1521)، والترمذي (406)، وقال: حديث علي حديث حسن، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، من حديث عثمان بن المغيرة، وروى عنه شعبة وغير واحدٍ فرفعوه مثل حديث أبي عوانة، ورواه سفيان الثوري ومِسْعر فأوقفاه، ولم يرفعاه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي أبواب التفسير (3006) وزاد: ولا نعرف لأسماء بنت الحكم حديث إلا هذا، وابن ماجه (1395)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (414) و (417)، والبزار (6، 7، 8، 9، 10، 11)، وابن حبان (623)، والبيهقي في الدعوات الكبير (141)، والمروزي في مسند أبي بكر (11) وجوّد إسناده الحافظ في "تهذيب التهذيب" (1/ 267 - 268)، وقال عن أسماء بن الحكم الفزاري: صدوق، التقريب (412). (¬3) أخرجه أبو داود (1319)، وأحمد (5/ 388) وفي الإسناد محمد بن عبد الله الدُّؤَلي عن عبد العزيز وهو أخو حذيفة وقيل ابن أخيه وهما مجهولان فالإسناد ضعيف. انظر: الإصابة لابن حجر (5/ 942).

وحَزَبه: بفتح الحاء المهملة وبعدها زاي وباء موحدة مفتوحة وهاء أي: إذا نَزل به مُهِمّ وأَلَمَّ به. 945 - أصبَحَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فدعا بلالًا فقال: "بِمَ سبقتني إلى الجنة؟ ما دخلت الجنةَ قط إلا سمعت خَشْخَشَتَكَ أمامي" قال: يا رسول الله ما أذَّنْتُ قط إلا صليت ركعتين، وما أصابني حدَث قطّ إلا توضأتُ عنده، ورأيت أنّ لله تعالى عليّ ركعتين، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بهما". قلت: رواه الترمذي في المناقب من حديث بُريدة وقال: حسن صحيح. (¬1) 946 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كانت له حاجة إلى الله تعالى، أو إلى أحد من بني آدم فليتوضأ وليُحسن الوضوءَ، ثم ليُصلّ ركعتين ثم ليُثنِ على الله، وليُصلّ على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم ليقل: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، والحمد لله ربه العالمين، أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، لا تدَع لي ذنبًا إلا غفرته، ولا هَمًّا إلا فَرّجته ولا حاجة هي لك رِضًا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين". (غريب). قلت: رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما، في الصلاة من حديث عبد الله ابن أبي أوفى، وقال الترمذي: حسن غريب، وفي إسناده مقال، فائد بن عبد الرحمن أحد رواته يُضّعف في الحديث، انتهى كلام الترمذي، وقد ضَعّف هذا الحديث غير الترمذي أيضًا. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3689) وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه الترمذي (479)، وابن ماجه (1384)، والحاكم (1/ 320) وفي النسخة المطبوعة من الترمذي: غريب، فقط بدون حسن، وفي التحفة: حسن غريب، انظر (4/ 288).

باب صلاة التسبيح

باب صلاة التسبيح (¬1) من الحسان 947 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعبّاس بن عبد المطلب: "يا عمّاه ألا أعلِّمُك، ألا أمنَحُك، ألا أفعل بك عشرَ خصالٍ إذا أنت فعلتَ ذلك غُفر لك ذنبك، أولهُ وآخره، خطؤه وعمدُه، صغيرُه وكبيرُه، سرّه وعلانيته، أن تُصلِّي أربع ركعاتٍ تقرأ في كل ركعةٍ فاتحة الكتاب مرة، وسورةً، فإذا فرغت من القراءة، قلتَ: -وأنت قائم- سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، خمسَ عشرة مرة، ثم تركع فتقولها عشرًا، ثم تَرفع رأسَك من الركوع فتقولها عشرًا، ثم تهوي ساجدًا فتقولها عشرًا، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشرًا، ثم تسجد فتقولها عشرًا، ثم ترفع رأسك فتقولها عشرًا، قبل أن تقوم، فذلك خمسٌ وسبعونَ في كلِّ ركعةٍ، إن استطعتَ أن تُصلِّيها في كل يومٍ مرة فافْعَلْ، فإن لم تفعل ففي كل جمعة، فإن لم تفعل ففي كل شهر، فإن لم تفعل ففي كل سنة، فإن لم تفعل ففي عمرِك مرةً". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه وابن خزيمه في صحيحه، والبيهقي (¬2) وغيرهم من حديث ابن عباس ورواه الترمذي من حديث أبي رافع بمعناه. قال الترمذي: ورُوِيَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة التسبيح غيرُ حديث، قال: ولا يصح منه كبير شيء قال: وقد روى ابن المبارك وغيرُ واحد من أهل العلم صلاة التسبيح وذكروا الفضل فيها، وكذا قال العقيلي، وابن العربي وآخرون: أنه ليس فيها حديث صحيح ولا حسن، ¬

_ (¬1) لم يقسّم البغوي أحاديث هذا الباب كعادته إلى صحاح وحسان، بل بدأ بالحسان. (¬2) أخرجه أبو داود (1297)، وابن ماجه (1386)، وابن خزيمة (1216)، والبيهقي (3/ 51). وقد اختلف الأئمة في تصحيح وتضعيف الحديث كثيرًا، وعدّه ابن الملقن من الموضوعات في "المصابيح"، انظر جواب الحافظ ابن حجر حول هذا الحديث في أجوبته حول أحاديث "المصابيح" رقم (3). وذكره ابن الجوزي في الموضوعات.

قال المنذري (¬1): وأمثَلُ حديث في الباب حديث عكرمة عن ابن عباس وهو هذا الحديث، فإن أبا داود وأبن ماجه أخرجاه عن عبد الرحمن بن بشر بن الحكم العبدي النيسابوري، وهو ممن اتفق الشيخان على الاحتجاج بحديثه في صحيحهما، عن موسى بن عبد العزيز القنباري، قال يحيى بن معين: لا أرى به بأسًا عن الحكم بن أبان، وقد وثّقه يحيى بن معين وكان أحد العبّاد. وعكرمة مولى ابن عباس احتج به البخاري في صحيحه انتهى كلام المنذري. وقال القاضي الحسين، والروياني والبغوي والغزالي والمتولي والمحامل يستحب صلاة التسبيح وهو أن يصلي أربع ركعات قال الغزالي ويستحب أن لا يخلي الأسبوع منها، أو الشهر، والأحسن إذا صلاها نهارًا أن تكون بتسليمة واحدة وإذا صلاها ليلًا أن تكون بتسليمتين وأفتى ابن الصلاح بأنها سنة، وتوقف فيها النووي. (¬2) 948 - سمعت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن أولَ ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاتُه، فإن صلَحت فقد أفلح وأنجحَ، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب تبارك وتعالى: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فيكمّل بها ما انتقصَ من الفريضة، ثم يكون سائرُ عَمَله على ذلك". قلت: رواه الترمذي بهذا اللفظ، ورواه أبو داود وابن ماجه (¬3) كلهم في الصلاة، الترمذي: من حديث حريث بن قبيصة، وهما من حديث أنس بن حكيم كلاهما عن أبي هريرة، وقال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه. ¬

_ (¬1) مختصر السنن له (2/ 89). (¬2) فتاوي ابن الصلاح (1/ 235 - 236)، واعتبرها النووي بدعة قبيحة، منكرة أشد الإنكار، وقال: وعلى ولي الأمر منع الناس من فعلها، وقال أيضًا: ولا يغتر بكثرة الفاعلين لها في كثير من البلدان، ولا بكونها مذكورة في "قوت القلوب" و "إحياء علوم الدين" ونحوهما، فإنها بدعة باطلة. انظر فتاوى النووي (ص 57). (¬3) أخرجه أبو داود (864)، والترمذي (413)، وابن ماجه (1425)، والنسائي (1/ 232)، وإسناده صحيح بشواهده. ومنها عند أحمد في المسند (5/ 22)، والحاكم (1/ 263) عن رجل.

باب صلاة السفر

- وفي رواية: "ثم الزكاةُ مثل ذلك، ثم تُوخذُ الأعمالُ على حسب ذلك". قلت: رواها أبو داود وابن ماجه في الصلاة من حديث تميم الداري يرفعه. (¬1) 949 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما أَذِن الله لعبد في شيء أفضلَ من ركعتين يُصليهما، وإن البِرّ ليُذَرُّ على رأس العبد ما دام في صلاته، وما تقرّب العبادُ إلى الله بمثل ما خرَج منه، يعني القرآن". قلت: رواه الترمذي في فضائل القرآن من حديث أبي أمامة، وقال: غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وبَكْر بن خُنَيْس أحد رواته تكلم فيه ابن المبارك، وتركه في آخِر أمره، انتهى كلام الترمذي: وقال الذهبي: واه. (¬2) باب صلاة السفر من الصحاح 950 - " إنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - صلّى الظهر بالمدينة أربعًا، وصلى العصرَ بذي الحُلَيفةِ ركعتين". قلت: رواه الجماعة في الصلاة من حديث إبراهيم بن ميسرة عن أنس إلا ابن ماجه. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (866)، وابن ماجه (1426). (¬2) أخرجه الترمذي (2911)، وأحمد (5/ 268)، والطبراني في الكبير (7637)، وإسناده ضعيف وفيه كذلك: ليث بن أبي سليم وهو ضعيف أيضًا. وانظر كلام الذهبي في الكاشف (1/ 274 رقم 624)، وقال الحافظ عن بكر: صدوق له أغلاط، أفرط فيه ابن حبان، التقريب (747)، وانظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة (1957). (¬3) أخرجه البخاري (1089)، ومسلم (690)، وأبو داود (1202)، والترمذي (546)، والنسائي (1/ 235).

951 - "صلّى بنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن أكثر ما كنا قط، وآمنُه بمنى، ركعتين". قلت: رواه الشيخان في الصلاة والثلاثة في الحج كلهم من حديث حارثة ابن وهب الخزاعي. (¬1) 952 - قلت لعُمر بن الخطاب: "إنما قال الله تعالى: {أن تقصروا من الصلاة إن خفتم} فقد أمِنَ الناس؟ قال عمر: عجبتُ مما عجبتَ منه فسألتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: صدقةٌ تصدّق الله بها عليكم، فاقبلوا صَدَقَته". قلت: رواه الشافعي، والجماعة إلا البخاري: مسلم وأبو داود وابن ماجه في الصلاة والترمذي والنسائي في التفسير. (¬2) والجُناح: الإثم. والقصر: النفص. والفتنة: القتل. قال بعضهم: وفيه: دليل على أن القصر ليس بعزيمة من قوله - صلى الله عليه وسلم - صدقة إلى آخره. قلت: وقد لا يسلم ذلك بل يدعى أن ذلك يدل على أنه عزيمة من قوله - صلى الله عليه وسلم -: فاقبلوا صدَقَته، وهو أمر، والظاهر فيه الوجوب، وفيه دليل على جواز إطلاق الصدقة على الله فيقال: اللهم تصدّق علي، ورُويَ عن عمر بن عبد العزيز ومجاهد منع ذلك، وقالا: المتَصَدِّق من يطلب الثواب. 953 - "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة إلى مكة فكان يُصلّي ركعتين ركعتين، حتى رجعنا إلى المدينة، قيل له أقمتم بمكة شيئًا؟ قال أقمنا بها عشرًا". قلت: رواه الجماعة كلهم في الصلاة من حديث يحيى بن أبي إسحق عن أنس. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1083)، ومسلم (696)، وأبو داود (1965)، والترمذي (882)، والنسائي (3/ 119). (¬2) أخرجه مسلم (686)، والشافعي في "السنن المأثورة" (15)، وابن ماجه (1065)، والترمذي (3034)، وأبو داود (1199)، والنسائي (3/ 116). (¬3) أخرجه البخاري (1081)، ومسلم (693)، وأبو داود (1233)، والترمذي (548)، والنسائي (3/ 121)، وابن ماجه (1077).

954 - "أقامَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بمكة تسعةَ عشَرَ يومًا يُصلي ركعتين". قلت: رواه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجه كلهم في الصلاة، من حديث عكرمة عن ابن عباس. (¬1) 955 - "صحبتُ ابن عمر في طريق مكة، فصلّى لنا الظهر ركعتين، ثم جاء رَحْلَه وجلسَ، فرأى ناسًا قيامًا فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قلت: يُسبّحون، فقال: لو كنت مسبِّحًا أتممت صلاتي، صحبتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فكان لا يزيد في السفر على ركعتين، وأبا بكر، وعمر، وعثمان رضي الله عنهم كذلك". قلت: رواه الجماعة كلهم في الصلاة من حديث حفص بن عاصم إلا الترمذي. (¬2) 956 - "كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يجمعُ بينَ صلاة الظهر والعصر إذا كان على ظهر سَيْر، ويجمعُ بين المغرب والعشاءِ"، ورواه ابن عمر، وأنس، ومعاذ. قلت: رواه البخاري في تقصير الصلاة بهذا اللفظ من حديث ابن عباس (¬3) ولمسلم مثل معناه من حديث ابن عباس (¬4) ومن حديث معاذ (¬5) هنا ولم يخرج البخاري عن معاذ في هذا شيئًا، وأخرجا مثل معناه من حديث أنس (¬6) ومن حديث ابن عمر (¬7)، إلا أنهما لم يذكرا فيه: إلا المغرب مع العشاء، ذكراه هنا، ولم يصل البخاري سنده به ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (180)، وأبو داود (1232)، والترمذي (549)، وابن ماجه (1075). (¬2) أخرجه البخاري (1101) (1102)، ومسلم (689)، وأبو داود (1223)، والنسائي (3/ 123)، وابن ماجه (1071). (¬3) أخرجه البخاري (1107). (¬4) أخرجه مسلم (705). (¬5) أخرجه مسلم (706). (¬6) أخرجه البخاري (1108). (¬7) أخرجه مسلم (706).

من الحسان

لكن أسنده في باب: هل يؤذن أو يقيم، وفي الحج، في باب: المسافر إذا جدّ به السَّيْر، وفي كتاب الجهاد، في باب: السرعة في السَّيْر. (¬1) 957 - كان النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يصلّي في السفر على راحلته حيث توجَّهَتْ به، يوميء إيماءَ صلاةِ الليل إلا الفرائض، ويُوتِرَ على راحلته". قلت: رواه البخاري بهذا اللفظ، وأصل الحديث في الصحيحين وفي أبي داود والنسائي من حديث ابن عمر. (¬2) من الحسان 958 - قالت عائشة: "كلّ ذلك قد فعلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، قَصَر الصلاةَ وأتمّ". قلت: رواه الشافعي والبيهقي وفي سندهما إبراهيم بن أبي يحيى. (¬3) 959 - "غزوتُ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشهدتُ معه الفتح، فأقام بمكة ثماني عشرةَ ليلةً لا يصلي إلا ركعتين، يقول: يا أهل البلد صلّوا أربعًا فإنّا سَفْرٌ". قلت: رواه أبو داود والترمذي في الصلاة من حديث عمران بن حصين وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. (¬4) ¬

_ (¬1) انظر فتح الباري (2/ 581 رقم 1109) و (3/ 624 رقم 1805) و (6/ 138 رقم 3000). (¬2) أخرجه البخاري (1106) و (1000)، ومسلم (38/ 700)، وأبو داود (1224)، والنسائي (1/ 244). (¬3) أخرجه الشافعي في المسند (1/ 182) (518)، والبيهقي في الكبرى (3/ 142)، والدارقطني في السنن (2/ 189)، والبغوي في شرح السنة (1023). وإسناده ضعيف لأن فيه: طلحة بن عمرو قال الدارقطني: ضعيف، وإبراهيم هو: ابن محمد بن أبي يحيى الأسلمي قال الحافظ: متروك من السابعة. التقريب (243). (¬4) أخرجه أبو داود (1229)، والترمذي (545). وإسناده: ضعيف، فيه علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف.

960 - صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في السفر الظهر ركعتين، وبعدها ركعتين، والعصر ركعتين، ولم يصلِّ بعدَها، والمغربَ ثلاثَ ركعاتٍ وبعدَها ركعتين. قلت: رواه الترمذي (¬1) في التطوع في السفر من حديث ابن عمر وقال: حديث حسن، سمعت البخاري يقول: ما روى ابن أبي ليلى حديثًا أعجب إليّ من هذا. 961 - "أَنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمسُ قبل أن يرتحِل جمعَ بين الظهر والعصر، كان تَرَحّل قبل أن تزيغَ الشمس أَخّر الظهر حتى ينزِل للعصر، وفي المغرب مثلَ ذلك، إن غابت الشمسُ قبل أن يرتحِلَ جمعَ بين المغرب والعشاء، وإن ارتحَلَ قبل أن تغيبَ الشمسُ أخّر المغرب حتى ينزل للعشاء ثم جمع بينهما". قلت: رواه أبو داود (¬2) في الصلاة من حديث أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل. قال المنذري (¬3): وحكي عن أبي داود أنه أنكره، وقال أبو داود: رواه هشام بن عروة عن حسين بن عبد الله عن كريب عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو حديث المفضل يعني حديث أبي الطفيل عن معاذ هذا، وذكر أبو بكر محمد بن عبد الله الأندلسي أن حديث ابن عباس (¬4) في الباب صحيح وليس له علة، قال المنذري: ويشبه أن يكون سكن إلى ما رآه في كتاب الدارقطني من جوابه عن اختلاف الطرق فيه، وحسين بن عبد الله هذا ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (552) وتتمة كلام البخاري: " ... ولا أروي عنه شيئًا" وهو سيء الحفظ، قلت: وكذلك في الإسناد: عطية العوفي وهو ضعيف ومدلس. (¬2) أخرجه أبو داود (1220)، والترمذي (553). (¬3) مختصر السنن (2/ 57). (¬4) حديث ابن عباس أخرجه الترمذي في رواية أبي حامد المروزي عنه، وهو ليس في رواية المحبوبي المطبوعة، وذكره المزي في تحفة الأشراف (5/ 120 ح 6021) وقال: حسن صحيح غريب من حديث ابن عباس، وأخرجه كذلك أحمد في المسند (1/ 376)، والدارقطني (1/ 388)، والبيهقي (3/ 164)، وقال المزي في تهذيب الكمال (18/ 97 - 98) وهو في عدة نسخ من رواية أبي العباس المحبوبي وغيره، وسقط من النسخ المتأخِّرة.

هو حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب ولا يحتج بحديثه، قال أبو حاتم الرازي: هو ضعيف يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال ابن معين: هو ضعيف، وقال أحمد بن حنبل: له أسانيد منكرة، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال السعدي: لا يشتغل بحديثه، وقال ابن حبان: يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل، وقد حكي عن أبي داود أنه قال: ليس في تقديم الوقت حديث قائم، ورواه أبو داود أيضًا، والترمذي عن قتيبة عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل بمعناه، قال الترمذي: لم يرو هذا الحديث إلا قتيبة وحده، وقال حديث حسن غريب تفرد به قتيبة، لا نعرف أحدًا رواه عن الليث غيره، انتهى. (¬1) قال المنذري: قال أبو سعيد بن يونس الحافظ: لم يحدّث به إلا قتيبة، ويقال: إنه غلط، وإن موضع يزيد بن أبي حبيب: أبو الزبير، وذكر الحاكم أبو عبد الله: أن الحديث موضوع، وقتيبة بن سعيد ثقة مأمون، وحكي عن البخاري أنه قال: قلت لقتيبة بن سعيد: مع من كتبت عن الليث بن سعد، حديث يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل؟ فقال قتيبة: مع خالد المدائني، قال البخاري: وكان خالد المدائني يدخل الأحاديث على الشيوخ انتهى. (¬2) 962 - "أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ إذا سافرَ وأراد أن يتطوّع استقبل القبلةَ بناقَتِه فكبّر ثم صلّى حيث وجهه رِكابُه". ¬

_ (¬1) سنن الترمذي (554) (1/ 556) وانظر ترجمة الحسين بن عبد الله في المصادر الآتية: التاريخ الكبير (2/ ت 2872)، والضعفاء الصغير (ت: 78)، وضعفاء النسائي (ت: 145)، والمجروحين لابن حبان (1/ 242)، وتهذيب الكمال (6/ 383)، وميزان الاعتدال (1/ 2012)، وتهذيب التهذيب (2/ 341)، والتقريب (1353) وقال: ضعيف. (¬2) مختصر السنن للمنذري (2/ 57)، وأطال الحاكم في معرفة علوم الحديث في بيان علة هذا الحديث فليراجع (ص 148 - 150)، وانظر كذلك التلخيص الحبير (2/ 101 - 102).

باب الجمعة

قلت: رواه أحمد وأبو داود (¬1) في الصلاة ولم يضّعفه كلاهما من حديث أنس بن مالك. 963 - "بعثني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في حاجةٍ فجئتُ وهو يُصلّي على راحلته نحو المشرق ويجعل السجود أخفضَ من الركوع". قلت: رواه الأربعة في الصلاة من حديث أبي الزبير المكي عن جابر (¬2). واللفظ للترمذي وقال: حسن صحيح. باب الجمعة من الصحاح 964 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نحن الآخِرون السابقون يوم القيامة، بَيْدَ أنهم أوتوا الكتابَ من قبلنا وأوتيناهُ من بعدهم، ثم هذا يومُهم الذي فُرِض عليهم -يعني الجمعة- فاختلَفوا فيه فَهدانا الله له، والناسُ لنا فيه تَبَعٌ، اليهود غدًا والنصارى بعد غد". قلت: رواه الشيخان في الصلاة (¬3) من حديث أبي هريرة. وبيد أنهم: بباء موحدة مفتوحة وياء مثناه من تحت ساكنة، قال ابن الأثير (¬4): أي غير أنهم، وقيل معناه: على أنّهم، وقال ابن مالك في الاستثناء بعد ذكر إلا وتساويها في ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (3/ 332)، وأبو داود (1225)، والدارقطني في السنن (1/ 396). (¬2) أخرجه الترمذي (351)، وأبو داود و (926) و (1227)، وابن ماجه (1018)، والنسائي (3/ 6)، وابن حبان (2516) و (2519)، والدارقطني (1/ 397)، والبيهقي (2/ 258) وإسناده صحيح. (¬3) أخرجه البخاري (876)، ومسلم (855). (¬4) النهاية (1/ 171).

الاستثناء المنقطع بيد مضافًا إلى أنّ واستشهد في شرحه بقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الآخر: "بيد أني من قريش". - وفي رواية: "نحن الآخرونَ الأولون يومَ القيامة، ونحن أولُ من يدخلُ الجنة بَيْد أنهم". قلت: رواها مسلم (¬1) فيه، من حديث أبي هريرة، وليس في البخاري: نحن أول من يدخل الجنة، وبقيته فيه. - وفي رواية: "نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق". قلت: رواها مسلم في الصلاة. (¬2) 965 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "خيرُ يوم طلعتْ عليه الشمسُ يومُ الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقومُ الساعةُ إلا في يوم الجمعة". قلت: رواه مسلم في صلاة الجمعة من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬3) 966 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إن في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم يسأل الله فيها خيرًا إلا أعطاه إياه، قال: وهي ساعة خفيفة". قلت: رواه الشيخان فيه من حديث أبي هريرة. (¬4) - وفي رواية: "لا يوافقُها مسلم قائم يصلي يسألُ .... ". قلت: رواه الشيخان فيه من حديث أبي هريرة. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (855). (¬2) أخرجه مسلم (856). (¬3) أخرجه مسلم (854). (¬4) أخرجه البخاري (925)، ومسلم (852). (¬5) أخرجه البخاري (935)، ومسلم (852).

من الحسان

967 - سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تُقْضَى الصلاة". قلت: رواه مسلم في الجمعة (¬1) من حديث أبي بردة عن أبي موسى قال: قال لي عبد الله بن عمر: أسَمعتَ أباك يحدّث عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في شأن ساعة الجمعة؟ قال: قلت: نعم، سمعته يقول: سمعت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: هي فيما بين أن يجلس الإمام إلى أن تُقْضى الصلاة، ولم يخرجه البخاري. من الحسان 968 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خير يومٍ طلعت عليه الشمس يومُ الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أهبط، وفيه مات، وفيه تيبَ عليه، وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا وهي مُسِيْخَة يومَ الجمعة من حين تُصبح حتى تَطْلُع الشمسُ، شفقًا من الساعة، إلا الجنَّ والإنسَ، وفيه ساعة لا يصادفها عبدٌ مسلمٌ وهو يصلي، يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه". قلت: رواه الثلاثة فيه، من حديث أبي هريرة، قال الترمذي: حديث صحيح. (¬2) ومُسِيْخة: بالسين المهملة والياء آخر الحروف، والخاء المعجمة أي: مصغية مستمعة، يقال أصاخ وأساخ بمعنى واحد، قال في النهاية (¬3): ويُروى بالصاد وهو الأصل. ويصلّي معناه: يدعو. قال: لقيتُ عبدَ الله بن سلام فحدّثته، فقال عبد الله بن سلام: قد علمتُ أية ساعة هي، هي آخر ساعة في يوم الجمعة، قال أبو هريرة: كيف تكون آخر ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (853). (¬2) أخرجه أبو داود (1046)، والترمذي (491)، النسائي (3/ 113 - 115). (¬3) (2/ 433)، ومعالم السنن (1/ 209).

ساعة في يوم الجمعة، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُصادِفُها عبد مسلم وهو يصلّي" وتلك ساعةٌ لا يُصلّى فيها؟ فقال عبد الله ابن سلام: ألم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من جلس مجلسًا ينتظر الصلاة، فهو في صلاة"، قال أبو هريرة: بلى قال، فهو كذلك. قلت: رواه الثلاثة وهو بقية الحديث الذي قبله. (¬1) 969 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "التمسوا الساعةَ التي تُرجى في يوم الجمعة بعد العصر إلى غيبوبةِ الشمس". قلت: رواه الترمذي في صلاة الجمعة من حديث أنس، وقال: غريب، ومحمد بن أبي حميد أحد رواته يُضَعّف من قبل حفظه، يقال له: حماد بن أبي حُمَيْد، ويقال له: إبراهيم الأنصاري وهو منكر الحديث. (¬2) 970 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنّ من أفضل أيامِكم يومَ الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليّ، قالوا: يا رسول الله: وكيف تعرض عليك صلاتُنا وقد أرَمْت؟ -يقول بليت- فقال: "إن الله حَرّم على الأرض أجسادَ الأنبياءِ". قلت: رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه (¬3) من حديث أوس بن أوس الثقفي. ¬

_ (¬1) انظر التخريج السابق وفي أوله قصة مع كعب الأحبار، وأخرجه كذلك الإمام مالك في الموطأ (88). (¬2) أخرجه الترمذي (489)، والبغوي (1051)، وقال الحافظ في التقريب: محمد بن أبي حميد إبراهيم الأنصاري، الزرقي، أبو إبراهيم المدني، لقبه حمّاد، ضعيف، التقريب (5873)، وانظر كذلك تهذيب الكمال (25/ 112 - 115) وقال: محمد بن أبي حميد، واسمه إبراهيم، الأنصاري الزّرقي، أبو إبراهيم المدني، وهو حمّاد بن أبي حميد، وحمّاد لقبّ. وانظر الكامل لابن عدي (6/ 2346) ". ولكن الحديث قد رُوي عن أنس من غير هذا الوجه. وفي الباب عن جابر رواه: أبو داود (1048)، والنسائي (3/ 99)، والحاكم (1/ 279) وقال: صحيح على شرط مسلم. (¬3) أخرجه أبو داود (1047)، والنسائي (3/ 91)، وابن ماجه (1085) وإسناده صحيح وهو في صحيح ابن خزيمة (1733). وصححه الحاكم (1/ 278) وصححه النووي في "الأذكار" (ص: 154).

قال المنذري (¬1): وله علّة دقيقة أشار إليها البخاري وغيره، وعزاه النووي في رياض الصالحين إلى أبي داود خاصة وقال: إسناده صحيح وغفل عما قاله البخاري وغيره. وأرمت: قال الخطابي (¬2): بفتح الراء وسكون اليم وفتح التاء المثناة انتهى، ويُروى أُرِمت بضم الهمزة وكسر الراء، وحكى فيه ابن دحية بفتح الهمزة وكسر الراء من قولهم أرمت الإبل تأرم إذا تناولت العلف، وقيل إنما هو أرَمّت بفتح الراء والميم المشددة وإسكان التاء أي أرمت العظام. 971 - "قال - صلى الله عليه وسلم -: {اليوم الموعود}: يوم القيامة، واليوم المشهود: يوم عرفة، والشاهد: يوم الجمعة، وما طلعَتِ الشمسُ ولا غربت على يومٍ أفضلَ منه، فيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو الله بخير، إلا استجابَ الله له، ولا يستعيذ من شيء إلا أعاذه الله منه". قلت: رواه الترمذي في التفسير في سورة البروج من حديث أبي هريرة، وقال: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث موسى بن عبيدة وموسى بن عبيدة يضعّف في الحديث، ضّعفه يحيى بن سعيد وغيره، انتهى كلام الترمذي. وروى الشافعي صدر الحديث مرسلًا عن عطاء بن يسار من طريق إبراهيم بن أبي يحيى. (¬3) ¬

_ (¬1) مختصر السنن (2/ 4). (¬2) معالم السنن (1/ 209 - 210). (¬3) أخرجه الترمذي (3339)، والشافعي في "مسنده" (863 - ترتيبه-)، وقد صحح الشيخ أحمد شاكر الحديث في المسند برقم (7960)، والطبري في تفسيره (30/ 128)، والطبراني في الأوسط (1091)، راجع السلسلة الصحيحة (1502)، وإبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي قال الحافظ: متروك من السابعة التقريب (243)، وموسى ابن عُبيدة، أبو عبد العزيز المدني قال الحافظ: ضعيف ولا سيما في عبد الله بن دينار وكان عابدًا التقريب (7038).

باب وجوبها

باب وجوبها من الصحاح 972 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لينتَهِيَنّ أقوام عن وَدْعِهم الجماعات، أو ليختهمنَّ الله على قلوبهم، ثم ليكونُنَّ من الغافلين". قلت: رواه مسلم (¬1) في صلاة الجمعة، من حديث ابن عُمر وأبي هريرة أنهما سمعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول على أعواد منبره: لينتهين أقوام الحديث، ولم يخرجه البخاري. ووَدْعهم الجمعات: أي تركهم إياها، والتخلّف عنها يقال: ودع الشيء يدعه، ودعًا: إذا تركه، والنحاة يقولون: إن العرب أماتوا ماضيَه ومصدَره واستغنوا عنه بتركه، وهذا يرد عليهم، وإنما يحمل قولهم على قلة استعماله مع صحته في القياس، والختم: الطبع ومثله الرّين قال القاضي (¬2): وقد اختلف المتكلمون في هذا اختلافًا كثيرًا فقيل هو إعدام اللطف وأسباب الخير، وقيل: هو خلق الكفر في صدورهم وهو قول أكثر متكلمي أهل السنة. من الحسان 973 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من ترك ثلاثَ جُمَع تهاونًا طَبَعَ الله على قلبه". قلت: رواه أبو داود والترمذي والنسائي (¬3) كلهم من حديث أبي الجعد الضَّمْري. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (865). (¬2) انظر إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض (3/ 265). (¬3) أخرجه أبو داود (1052)، والترمذي (500)، والنسائي (3/ 88)، وابن ماجه (1125)، وإسناده حسن فيه محمد بن عمرو بن علقمة لا يرتقي حديثه إلى الصحة. وانظر: التلخيص الحبير (2/ 108)، ومختصر المنذري (2/ 6).

974 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من ترك الجمعةَ من غير عذرٍ فليتصدقْ بدينارٍ، فإن لم يجد فنصفِ دينارٍ". قلت: رواه أبو داود والنسائي (¬1) كلاهما في الجمعة من حديث قدامة بن وَبْرَة عن سمرة، وقيل ليَحْيَى بن مَعين: قُدامة بن وبرة ما حالُه؟ قال: ثقة، وقال أحمد بن حنبل: قدامة بن وبرة لا يعرف، وحُكي عن البخاري أنه قال: لا يصح سِماعُ قُدامَة من سَمُرة، وقد رواه أبو داود أيضًا مرسلًا، عن قدامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد أخرج النسائي أيضًا وابن ماجه هذا الحديث من حديث الحَسَن عن سمرة وهو منقطع. 975 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الجمعةُ على من سَمِعَ النداء". قلت: رواه أبو داود في الجمعة (¬2) من حديث عبد الله بن عمرو، وقال: رَوى هذا الحديث جماعة عن سفيان مقصورًا على عبد الله بن عمرو، ولم يرفَعُوه وإنما أسنده قبيصة، قال المنذري (¬3): وفي إسناده محمد بن سعيد الطائفي وفيه مقال. وسفيان هذا هو الثوري وقبيصة هو ابن عقبة. 976 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الجمعة على من آواه اللَّيلُ إلى أَهْلِه". (ضعيف). ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1053)، والنسائي (3/ 89)، وإسناده ضعيف، وقدامة بن وبرة مجهول كما قال الحافظ في "التقريب" (5566)، وابن ماجه (1128)، وهو منقطع. وانظر مختصر السنن للمنذري (2/ 6)، وأخرجه أبو داود (1054) مرسلًا، ومن طريقه البيهقي (3/ 248)، وانظر: الخلاصة للنووي (2/ 766). (¬2) أخرجه أبو داود (1056)، والطائفي قال عنه الحافظ: ضعيف، التقريب (5954) وفي الإسناد كذلك أبو سلمة بن نُبَيْه وهو مجهول، التقريب (8204)، وكذلك شيخه عبد الله ابن هارون مجهول، التقريب (3698)، وانظر كذلك تهذيب الكمال (16/ 236) وحسَّنه الشيخ الألباني في الإرواء (3/ 58) (593). (¬3) مختصر المنذري (2/ 7).

قلت: رواه الترمذي (¬1) في الجمعة من حديث أبي هريرة وقال: إسناده ضعيف، إنما يُروى من حَديث مُعارِك بن عَبّاد عن عبد الله بن سعيد المقبري، وضَعّف يحيى بن سعيد القطان عبدَالله بن سعيد المقبري في الحديث انتهى كلامه. قلت: ومُعارِك: قال فيه أبو زرعة: واهٍ، وضعّفه الدارقطني وغيره، قال الترمذي: سمعت أحمد بن الحسن يقول: كنا عند أحمد بن حنبل فذكروا على من تجب الجمعة، فلم يذكر أحمد فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئًا، قال أحمد بن الحسن: فقلت لأحمد بن حنبل: فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال أحمد: عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قلت: نعم، قال أحمد بن الحسن: حدثنا حجاج بن نُصَيْر ثنا مُعارك بن عبّاد، عن عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الجمعة على من آواه الليل إلى أهله" قال: فغضِب عليّ أحمد بن حنبل، وقال لي: استغفر ربّك استغفر ربّك قال أبو عيسى: إنما فعل أحمد ابن حنبل هذا لأنه لم يَعُدّ هذا الحديث شيئًا وضعّفه لحال إسناده انتهى كلام الترمذي. (¬2) 977 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "تجب الجمعة على كل مسلم إلا امرأة، أو صبيًّا، أو مملوكًا". قلت: رواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد، قال: حدثني سلمة بن عبد الله الخُطْمي عن محمد بن كعب أنه سمع رجلًا من بني وائل يقول: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - وساقه، ورواه أبو ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (502) وإسناده ضعيف جدًّا. قال البيهقي في السنن الكبرى (3/ 176): "تفرّد به مُعارك، عن عبد الله بن سعيد أبي عباد، والأول مجهول، والثاني منكر الحديث، متروك". عبد الله بن سعيد المقبري: متروك، التقريب (3376)، ومُعارك بن عبّاد كذلك، قال أبو زرعة: واهي الحديث، وقال الحافظ: ضعيف، التقريب (6791)، وأورد ابن الجوزي هذا الحديث في "العلل المتناهية" (1/ 460). وذكره النووي من الأحاديث الضعيفة في الخلاصة (2/ 765 - 2676)، وقال الحافظ في "التلخيص الحبير" (2/ 111): ضعفه أحمد والترمذي، وله شاهد من حديث أبي قلابة مرسل رواه البيهقي (3/ 176). (¬2) سنن الترمذي (1/ 511 - 512).

داود (¬1) من حديث طارق بن شهاب، وزاد فيه: أو مريضًا، وقال أبو داود: طارق بن شهاب، قد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يسمع منه شيئًا، وقال الخطابي: ليس إسناد هذا الحديث بذاك، وقال النووي في "الخلاصة" (¬2): إسناد هذا الحديث في أبي داود على شرط الصحيحين، إلا أن أبا داود قال: طارق رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يسمع منه شيئًا، وهذا الذي قاله أبو داود لا يقدح في صحة الحديث، لأنه إن ثبت عدمُ سماعه يكون مرسل صحابي وهو حجة انتهى كلام النووي (¬3) وفيما قاله نظر من وجهين: أحدهما: أن في سند أبي داود: عبّاس بن عبد العظيم ولم يخرج له البخاري إلا تعليقاً كما نبه عليه الحفاظ، فكيف يقول: على شرط الصحيحين. الثاني: أن مرسل الصحابي إنما يكون حجة إذا ثبت سماعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجملة أما إذا لم يسمع ففي كونه حجة نظر. ¬

_ (¬1) أخرجه الشافعي في المسند (385)، وأبو داود (1067) ورجاله ثقات رجال مسلم غير أن أبا داود أشار إلى أنه منقطع. وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (756) أن طارق بن شهاب صحابي كما قاله: ابن منده وأبو نعيم وأبو عمرو بن حباب والحاكم، وقال أبو زرعة وأبو داود: كان له رؤية وليست له رواية وتبعهما على ذلك الخطابي، وقال أبو حاتم حديثه مرسل. وقال الحافظ أبو عبد الله الذهبي في تجريد أسماء الصحابة (1/ 274 - 2892) له رؤية ورواية. قلت: وعلى تقدير ثبوتها يكون مرسل صحابي وهو حجة عند الناس كلهم إلا عند أبي إسحاق الإسفرائيني وحده، على أن الحاكم (1/ 288) رواه عن طارق هذا عن أبي موسى الأشعري مرفوعًا ثم قال: صحيح على شرط الشيخين. وذكر البيهقي للحديث شواهد في السنن الكبرى (3/ 183 و185)، وانظر كذلك مختصر المنذري (2/ 9)، وصحح هذا الحديث بشواهده الشيخ الألباني في الإرواء (3/ 54)، أما رواية الشافعي فأخرجها في مسنده (385)، وهي ضعيفة لأنها من طريق إبراهيم بن محمد ابن أبي يحيى الأسلمي وهو قال عنه الحافظ: متروك، التقريب (243)، وانظر الإرواء (3/ 58). (¬2) انظر معالم السنن (1/ 211). (¬3) الخلاصة (2/ 757). وقال مثله الحافظ في الإصابة (3/ 414) ورجّح الحافظ صحبة طارق بن شهاب.

باب التنظف والتبكير

باب التنظف والتبكير من الصحاح 978 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يغتسلُ رجل يوم الجمعة ويتطَهّر ما استطاع من طهور، ويَدَّهِن من دُهن، أو يمسّ من طيبِ بيتهِ، ثم يخرجُ فلا يفرِّقُ بين اثنين، ثم يُصلي ما كُتِب له، ثم يُنْصِت إذا تكلّم الإمام، إلا غُفِر له ما بينَه وبين الجمعةِ الأخرى". قلت: رواه البخاري من حديث سلمان الفارسي يرفعه، ولم يخرجه مسلم (¬1). - وفي رواية: "وفضلَ ثلاثة أيام" (¬2). قلت: هذه الرواية رواها مسلم في الجمعة، من حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من اغتسل ثم أتى الجمعةَ فصلّى ما قدر له، ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته ثم يصلّي معه، غُفر له ما بينه وبين الجمعة، وفضلَ ثلاثة أيام، ولم يخرجه البخاري، ورواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه بمعناه، وفضل: منصوب على الظرف. 979 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "من مَسّ الحَصَى فقد لغا". قلت: رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي كلهم هنا، من حديث أبو هريرة يرفعه، ولم يخرجه البخاري. قال الزمخشري (¬3): يقال: لَغَى يَلْغَى ولَغِيَ يَلْغُو، إذا تكلّم بما لا يعني، وهو اللغو. والمراد بمس الحصى: هو تسوية الأرض للسجود، فإنهم كانوا يسجدون عليها، وقيل: ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (883). (¬2) أخرجه مسلم (857)، وأبو داود (343)، وابن ماجه (1090)، والترمذي (498). (¬3) انظر الفائق (3/ 322).

من الحسان

هو تقليب السّبحة وعدّها. (¬1) 980 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان يوم الجمعة وقَفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول، ومثلُ المهجّر كمثل الذي يُهدي بَدَنة، ثم كالذي يُهدي بقرة، ثم كبشًا، ثم دجاجة، ثم بيضة، فإذا خرج الإمام طَوَوُا صُحَفهم ويستمعون الذكر". قلت: رواه الشيخان في الصلاة. من حديث أبي هريرة. (¬2) 981 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قلتَ لصاحبك يوم الجمعة: أنصتْ، والإمام يخطب، فقد لغَوْتَ". قلت: رواه الشيخان من حديث أبي هريرة. (¬3) 982 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُقيمنّ أحدُكم أخاه يومَ الجمعة ثم يخالفُ إلى مقعده فيقعدَ فيه، ولكن يقول: افسحوا". قلت: رواه مسلم من حديث جابر بن عبد الله يرفعه، ورواه الشافعي بمثل بمعناه، عن سفيان عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن (¬4) عمر رواه أيضًا من حديث جابر. من الحسان 983 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من اغتَسلَ يوم الجمعة، وليس من أحسن ثيابه، ومسَّ من طيب إن كان عنده، ثم أتَى الجمعة فلم يتخطّ أعناقَ الناس، ثم صلّى ما كتب الله تعالى، ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (857)، وأبو داود (857)، وأبو داود (1050)، والترمذي (498) ولم أجده عند النسائي ولم يعزه المزي إليه في التحفة (9/ 376). وانظر كذلك ابن حبان (1231)، والبيهقي (3/ 223)، والبغوي (1059). (¬2) أخرجه البخاري (929)، ومسلم (850). (¬3) أخرجه البخاري (394)، ومسلم (851). (¬4) أخرجه مسلم (2178)، والشافعي (663) ورواية جابر برقم (665).

ثم أنصَتَ إذا خرج إمامُه حتى يفرغَ من صلاتِه، كانت له كفارةً لما بينها وبين جمعته التي قبلها". قلت: رواه أبو داود في آخر كتاب الطهارة بهذا اللفظ من حديث أبي هريرة قال: ويقول أبو هريرة: وزياده ثلاثة أيام، ويقول: إن الحسنة بعشر أمثالها، ورواه البيهقي هنا، بإسناد حسن، فيه: محمد بن إسحاق، وهو مدلس، لكنه قد قال في رواية البيهقي: "حدثني" فصار حسنًا وقال الحاكم: هو صحيح. (¬1) 984 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "من غسّل يومَ الجمعةِ واغتسلَ، وبكّر وابتَكَر، ومَشَى ولم يركبْ، ودَنَا من الإمام، واستمع ولم يلغُ، كان له بكل خطوةٍ عملُ سنة: أجرُ صيامِها وقيامها". قلت: رواه الثلاثة (¬2) في الطهارة، وقال الترمذي: حسن، وقال النووي: إسناده جيد، وقال الحاكم: صحيح، ورُوي بتخفيف غَسَل، وبكَر، وتشديدهما، والأرجح تخفيف غَسَل، وتشديد بكر، فمن خَفّف غسل، فمعناه: وطىء امرأته قبل الخروج، ليجمع بين غضّ البصر والاغتسال، يقال: غَسَل الرجل امرأته وغسّلها مخففًا ومشدّدًا إذا جامعها، ومَن شدّد قال معناه: غسّل غيره واغتسل هو، لأنه إذا جامع امرأته أحوجها إلى الغسل، وقيل غير ذلك، وقيل معناهما واحد، ومعنى بكّر: يعني للصلاة فأتاها أوّلَ النهار، وابتكر أدرك أول الخطبة، وأولها باكورتها وقيل: بكر تصدّق قبل خروجه، من قوله في الحديث: باكِروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخَطّاها، وقيل معناهما واحد. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (343)، والبيهقي (3/ 243)، والحاكم (1/ 283) وإسناده حسن وانظر الخلاصة للنووي (2/ 780). (¬2) أخرجه أبو داود (345)، والترمذي (496)، والنسائي (3/ 97). وكذلك ابن ماجه (1087) وإسناده صحيح.

985 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "ما على أحدكم إن وجد أن يتَّخِذَ ثوبين ليومِ الجمعة سوى ثَوْبَي مهنتِهِ". قلت: رواه أبو داود (¬1) في الصلاة من حديث محمد بن يحيى بن حبّان يرفعه، وذكره عن موسى بن سعد عن ابن حبان عن ابن سلام أنه سمع رسول لله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ذلك على المنبر، وذكره أيضًا عن موسى بن سعد عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأخرجه ابن ماجه في الصلاة أيضًا، من حديث عبد الله بن سلام عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذكر البخاري أن ليوسف بن عبد الله بن سلام صحبةً وذكر غيره أن له رؤية. قوله - صلى الله عليه وسلم -: ثوبي مهنته: أي بدلته وخدمته، قال ابن الأثير (¬2): والرواية بفتح الميم وقد تكشر، وقال الزمخشري (¬3): وهو عند الإثبات خطأ، قال الأصمعي: بفتح الميم ولا يقال بالكسر وكان القياس لو قيل به. 986 - وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "احْضروا الذِّكرَ، وادْنوا من الإمام، فإن الرجلّ لا يزالُ يتباعدُ، حتى يُوخَّرَ في الجنة، وإنْ دخلها". قلت: وواه أبو داود في الصلاة من حديث سمرة بن جندب، قال المنذري: في إسناده انقطاع. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1078)، وابن ماجه (1095)، وإسناده صحيح. وقال النووي: المهنة: بكسر الميم وفتحها: الخدمة، الخلاصة (2/ 781). (¬2) النهاية (4/ 376). (¬3) الفائق للزمخشري (3/ 394) وذكر كلام الأصمعي أيضًا. (¬4) أخرجه أبو داود (1108)، والحاكم (1289) وقال: صحيح على شرط مسلم، وقال المنذري (مختصر السنن (2/ 20): في إسناده انقطاع ولم يبيّن لي سبب الانقطاع، وحسّن إسناده الشيخ الألباني في الصحيحة (365).

987 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "من تخطَّي رقابَ الناس يوم الجمعة اتخذ جسرًا إلى جهنم" (غريب). قلت: رواه الترمذي هنا، من حديث سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه وقال: غريب، لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد، وقد تكلّم بعض أهل العلم في رشدين وضعفوه. (¬1) 988 - "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الحِبْوَة يومَ الجمعة والإمام يخطب". قلت: رواه أبو داود والترمذي كلاهما من حديث أبي مرحوم، عن سهل ابن معاذ بن أنس عن أبيه، وقال الترمذي: حديث حسن، انتهى وسهل بن معاذ ضعّفه يحيى بن معين، وتكلّم فيه غيره، وأبو مرحوم عبد الرحيم بن ميمون مصري، قال المنذري (¬2): ضعّفه ابن معين، وقال أبو حاتم: لا يحتج به (¬3). والحبوة: بضم الحاء وكسرها. 989 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا نَعَس أحدُكم يومَ الجمعة فليتحوّلْ من مجلسه ذلك". قلت: رواه الترمذي في الجمعة، من حديث ابن عمر، وقال: حديث حسن صحيح. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (513)، وابن ماجه (1116) ورشدين بن سعد ضعيف، التقريب (1953) وكذلك فيه زَبَّان بن فائد أبو جوين، ضعيف مع صلاحه وعبادته، التقريب (1996) وحسّنه -بشواهده- الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (3122). (¬2) مختصر السنن (2/ 21). (¬3) أخرجه أبو داود (1110)، والترمذي (514)، وسهل بن معاذ بن أنس، قال الحافظ عنه: لا بأس به إلا في روايات زبان عنه، التقريب (2682)، وعبد الرحيم، أبو مرحوم صدوق زاهد، التقريب (4087) وله شاهدان: من حديث ابن عمر عند ابن ماجه (1134)، وجابر عند ابن عدي في "الكامل" (4/ 1505) وإسنادهما ضعيف، وبهما حسّنه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (1017). (¬4) أخرجه الترمذي (526) وفي إسناده ابن إسحاق، وهو مدلّس، وقد عنعنه ولكنه صرح بالتحديث عند أحمد (2/ 32) فيكون إسناده حسنًا.

باب الخطبة والصلاة

باب الخطبة والصلاة من الصحاح 990 - " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يُصلّي الجمعة حين تميلُ الشمس". قلت: رواه البخاري وأبو داود والترمذي ثلاثتهم هنا، من حديث أنس، ولم يخرجه مسلم. (¬1) 991 - قال: "ما كنا نَقيلُ ولا نتغدى إلا بعدَ الجمعة". قلت: رواه الشيخان بهذا اللفظ وأبو داود والترمذي بمثل معناه كلهم في الصلاة من حديث سهل بن سعد. (¬2) 992 - كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا اشتد البرد بكّر بالصلاة وإذا اشتد الحرّ أبردَ بالصلاة يعني: الجمعةَ. قلت: رواه البخاري (¬3) في باب إذا اشتد الحر يوم الجمعة، من حديث أنس، ولم يخرجه مسلم ولا أصحاب السنن. 993 - "كان النداءُ يومَ الجمعةِ أوله إذا جلس الإمام على المنبر، على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبي بكر، وعمر، فلما كان عثمانُ وكثرَ الناسُ زاد النداءَ الثالث على الزَّوْراء". قلت: رواه الجماعة كلهم إلا مسلمًا من حديث السائب بن يزيد. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (904)، وأبو داود (1084)، والترمذي (503). (¬2) أخرجه البخاري (939)، ومسلم (859)، وأبو داود (1086)، والترمذي (525)، وابن ماجه (1099). (¬3) أخرجه البخاري (906). (¬4) أخرجه البخاري (912)، وأبو داود (1087)، (1088)، والترمذي (516)، والنسائي (3/ 100، 101)، وابن ماجه (1135)، والزوراء: موضع في سوق المدينة.

وهذا النداء الثالث هو النداء قبل خروج الإمام ليحضُر الناس، وكان يفعل في زمن عثمان بعد دخول الوقت، وسمّي بالثالث كان كان باعتبار الوقوع أول، لأنه ثالث النداءين اللذين كانا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهما الأذان بعد صعود الخطيب، وهو المراد بالنداء الأول، وأما النداء الثاني فهو الإقامة. 994 - "قال: كانت للنبي - صلى الله عليه وسلم - خطبتان، يجلس بينهما يقرأ القرآن ويذكّر الناس، وكانت صلاته قصدًا، وخطبته قصدًا". قلت: رواه مسلم (¬1) في الجمعة، وهما حديثان في مسلم من رواية جابر ابن سمرة، ولفظ الثاني: صليتُ مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فكانت صلاته قصدًا، وخُطبته قصدًا. أي بين الطول الظاهر والتخفيف الماحق. 995 - سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنّ طولَ صلاةِ الرجل وقِصَر خُطبته مَئِنَّةٌ من فِقهه، فأطيلوا الصلاة واقصُروا الخطبة، لأنّ من البيان لسحرًا". قلت: رواه مسلم هنا (¬2) من حديث أبي وائل قال: خطبنا عمار فأوجز وأبلغ، فلما نزل قلنا: يا أبا اليقظان: لقد أبلغت وأوجزت فلو كنت تنفست، فقال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: وساقه بلفظه، ولم يخرج البخاري هذا الحديث إلا قوله: "إن من البيان لسحرًا" فإنه أخرجه من حديث ابن عمر. (¬3) ومئنّة: بفتح الميم ثم همزة مكسورة ثم نون مشددة أي علامة، وهمزة واقصروا الخطبة: همزة وصل. 996 - كان رسول لله - صلى الله عليه وسلم - إذا خَطَب احمرّت عيناه، وعلا صوتُه، واشتد غضبُه حتى كأنه منذِرُ جيش، يقول: "صبَّحَكم ومَسَّاكم" ويقول: "بُعثت أنا والساعة كهاتين" ويقرُن بين إصبعَيه السّبّابة والوُسْطى. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (34/ 862) و (41/ 866). (¬2) أخرجه مسلم (869). (¬3) أخرجه البخاري (5767) في الطب، (5146) وفي النكاح.

قلت: رواه مسلم (¬1) في الجمعة من حديث جابر بن عبد الله وفيه: ويقول: "أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة" ثم يقول: "أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، من ترك مالًا فلأهله، ومن ترك دينًا أو ضياعًا فإليّ وعليّ" ولم يخرج البخاري من هذا الحديث إلا قوله: "إنّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد" وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أنا أولى بكل مؤمن إلى قوله إلي وعليّ". قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أنا والساعة" المشهور في الرواية نصبها على أنه مفعول معه، ورُوي الرفع أيضًا ويقرن بضم الراء على المشهور، وحكي كسرها أيضًا، والسبَّابة: سميت بذلك لأنهم كانوا يشيرون بها عند السب. 997 - سمعتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ على المنبر "ونادَوْا يا مالك ليقضِ علينا ربُّك". قلت: رواه البخاري في بدء الخلق ومسلم في الصلاة وأبو داود في الحُرُوْف والنسائي في التفسير كلهم من حديث صفوان بن يعلى عن أبيه يرفعه. (¬2) 998 - قالت: ما أخذت {ق. والقرآن المجيد} إلا عن لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناسَ. قلت: رواه مسلم في الصلاة من حديث أم هشام بنت حارثة، ولم يخرجه البخاري، ولا أخرج عن أم هشام شيئًا، ورواه أيضًا أبو داود والترمذي وابن ماجه كلهم في الصلاة. (¬3) 999 - قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - خَطَب وعليه عمامة سوداء، قد أرخى طَرَفَيْها بين كَتِفَيْه". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (867). (¬2) أخرجه البخاري (4819)، ومسلم (871) (508)، وأبو داود (3992) في الحروف، والنسائي في الكبرى (11479) في التفسير. (¬3) أخرجه مسلم (873)، وأبو داود (1100)، والنسائي (3/ 107)، والترمذي وابن ماجه لم يخرجا هذا الحديث، ولم يخرج الترمذي لأم هشام هذه شيئًا ولم يرمز الحافظ له في ترجمتها.

من الحسان

قلت: رواه مسلم في الحج وأبو داود وابن ماجه في اللباس والترمذي في الشمائل والنسائي في الزينة كلهم من حديث عمرو بن حريث. (¬1) 1000 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا جاء أحدُكم يومَ الجمعة، والإمام يخطب فليركَعْ ركعتين وليتجوّز فيهما". قلت: رواه مسلم في الجمعة من حديث جابر بهذا اللفظ، وروى البخاري معناه وليس في حديثه: "ولتجوز فيهما" (¬2). 1001 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أدرك ركعةً من الصلاةِ مع الإمام فقد أدرك الصلاة". قلت: رواه الشيخان من حديث أبي هريرة (¬3). من الحسان 1002 - " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطُب خُطْبَتَين، كان يجلس إذا صَعد المنبر حتى يفرغ -أراه المؤذن- ثم يقوم فيخطب، ثم يجلس ولا يتكلم، ثم يقومُ فيخطبُ". قلت: رواه أبو داود (¬4) في الجمعة من حديث عبد الله بن عمر، وفي إسناده العمري وهو: عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب قال المنذري: وفيه مقال. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1359)، وأبو داود (4077)، وابن ماجه (1104)، والترمذي في الشمائل (115)، والنسائي (8/ 211). (¬2) أخرجه مسلم (875)، والبخاري بمعناه (930) من حديث جابر. (¬3) أخرجه البخاري (580)، ومسلم (607). (¬4) أخرجه أبو داود (1092) وإسناده ضعيف قال الحافظ: عبد الله بن عمر بن حفص ضعيف عابد، التقريب (3513) وانظر: الصحيحة (2076). (¬5) مختصر السنن (2/ 17).

باب صلاة الخوف

1003 - "كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استَوَى على المنبر استقبلناه بوجوهِنا" (ضعيف). قلت: رواه الترمذي (¬1) في صلاة الجمعة، من حديث عبد الله بن مسعود، وقال: لا نعرفه إلا من حديث محمد بن الفضل بن عطية، ومحمد بن الفضل هذا: ضعيف ذاهب الحديث، عند أصحابنا. باب صلاة الخوف من الصحاح 1004 - " غزوتُ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ نجدٍ، فوَازينا العدُوَّ، فصافَفْنَا لهم، فقامَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي لنا، فقامَتُ طائفة معه وأقبلتْ طائفة على العدو، وركع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمن معَه، وسجد سجدتين، ثم انصرفوا مكانَ الطائفة التي لم تصلّ، فجاؤا فركع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهم ركعة وسجد سجدتين ثم سلم، فقام كل واحد منهم، فركع لنفسه ركعته وسجد سجدتين". قلت: رواه البخاري (¬2) من حديث عبد الله بن عمر وأصل الحديث في الصحيحين وغيرهما، ورواه نافع عن عبد الله بن عمر وزاد: "فإذا كان خوف هو أشد من ذلك صلوا رجالًا قيامًا على أقدامهم أو ركبانًا مستقبلي القبلة أو غير مستقبلها". قال نافع: ولا أرى عبد الله ذكر ذلك إلا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (509) وإسناده ضعيف ومحمد بن الفضل بن عطيّة: كذبوه من الثامنة، التقريب (6265)، وانظر: فتح الباري (2/ 402)، وكذلك: الصحيحة (2080). (¬2) أخرجه البخاري (942).

قلت: رواه البخاري في التفسير (¬1) وفي بعض ألفاظ البخاري في كتاب الصلاة: "قيامًا وركبانا" بالواو. وقِبْل بكسر القاف وفتح الباء الموحدة، وفوازينا أي: قابلنا، والموازاة: المقابلة. 1005 - عن صالح بن خوات عمّن صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يومَ ذات الرقاع صلاةَ الخوف: "أن طائفةً صَفّتْ معه، وطائفةٌ وِجاه العدو، فصلّى بالتي معه ركعة ثم ثبتَ قائمًا وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفوا وُجاه العدوّ، وجاءتِ الطائفة الأخرى، فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالسًا وأتموا لأنفسهم، ثم سلّم بهم". قلت: رواه الشيخان في الصلاة ورواه أبو داود، والنسائي فيه، من حديث يزيد بن رُوْمَان عن صالح بن خوّات. 1006 - ورواه القاسم عن صالح بن خوّات عن سهل بن أبي حَثْمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قلت: رواه الجماعة في صلاة الخوف. (¬2) وذات الرقاع: بكسر الراء وبالقاف وهي: غزوة غزا فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - الحد ابن محارب، وبني ثعلبة بن سعد بن غطفان في سنة أربع من الهجرة بعد منصرفه من بني النضير، وسمّيت ذات الرقاع لأنهم: لفّوا أقدامهم رضوان الله عليهم بالخِرَق، وفيها أبطأ جمل جابر وقصته المشهورة ووِجاه العدو: بكسر الواو أي مقابلة العدو. 1007 - قال جابر: "أقبلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كنا بذات الرقاع فنودي بالصلاة، فصلّى بطائفة ركعتين، ثم تأخروا، وصلّى بالطائفة الأخرى ركعتين، فكانَت لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أربعُ ركعاتٍ وللقوم ركعتان". قلت: رواه مسلم وذكر قصة في صلاة الخوف، ورواه البخاري ولم يصل به سنده. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4535) في كتاب التفسير، و (943) في صلاة الخوف. (¬2) أخرجه البخاري (4129)، ومسلم (842)، وأبو داود (1238)، والنسائي (3/ 171). (¬3) أخرجه البخاري (4136) معلقًا، ومسلم (834).

من الحسان

1008 - "صلّى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - صلاةَ الخوف فصَفَفْنا خلفَه صَفّين، والعدو بيننا وبين القبلة، فكبّر النبي - صلى الله عليه وسلم - وكبّرنا جميعًا، ثم ركَع وركعنا جميعًا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعًا، ثم انحدَرَ بالسجود، والصفَّ الذي يليه، وقام الصف الموخّر في نحر العدو، فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - السجود، وقام الصف الذي يليه انحدر الصفّ المؤخّر بالسجود، ثم قاموا، ثم تقدم الصفّ المؤخر وتأخر المقدم، ثم ركَع النبي - صلى الله عليه وسلم - وركعنا جميعًا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعًا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخرًا في الركعة الأولى، وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - السجود، والصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا، ثم سلّم النبي - صلى الله عليه وسلم - وسلمنا جميعًا". قلت: رواه مسلم هنا، من حديث جابر ولم يخرجه البخاري. (¬1) وهذه صلاةُ النبي - صلى الله عليه وسلم - بعسفان وعسفان: بين مكة والمدينة. من الحسان 1009 - قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بالناس صلاة الظهر في الخوف ببطن نَخْل، فصلى بطائفة ركعتين، ثم سلّم، ثم جاءَ طائفة أخرى، فصلّى بهم ركعتين، ثم سلَّم". قلت: هذا الحديث رواه النسائي مختصرًا من حديث الحسن عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلّى بطائفة من أصحابه ركعتين، ثم سلّم ثم صلى بالآخرين أيضًا ركعتين، ثم سلّم. ورواه أبو داود والنسائي أيضًا من حديث أبي بكرة: صلّى النبي - صلى الله عليه وسلم - الظهر، فصفّ بعضهم خلفه وبعضهم بإزاء العدو، فصلى ركعتين، ثم سلّم، فانطلق اللذين صلوا معه، فوقفوا موقف أصحابهم، ثم جاء أولئك فصلوا خلفه، فصلى بهم ركعتين، ثم سلم، فكانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعًا، ولأصحابه ركعتين، ركعتين قال أبو ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (840).

باب صلاة العيد

داود: وكذلك في المغرب، يكون للإمام ست ركعات وللقوم ثلاثًا، وذكر أعني أبا داود: أنه روى من حديث أبي سلمة عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وسليمان اليشكري عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وروى الدارقطني والبيهقي معناه، بزيادة من حديث الحسن عن جابر، وقال البيهقي: اختلف فيه على الحسن، فرواه بعضهم عنه عن جابر، وبعضهم عنه عن أبي بكرة. (¬1) وبطن نخل: موضع من أرض نجد، وهي وذات الرقاع من أرض غطفان. باب صلاة العيد من الصحاح 1010 - " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرج يومَ الفطر والأضحى إلى المصلّى، فأوّلُ شيء يبدأُ به الصلاةُ، ثم ينصرف فيقوم مقابلَ الناس، والناسُ جلوس على صفوفهم، فيعظهم ويوصيهم ويأمُرُهم، وإن كان يريد أن يقطَعَ بعثًا قطعه، أو يأمر بشيءٍ أمَرَ به، ثم ينصرف". قلت: رواه البخاري في صلاة العيدين، من حديث عياض بن عبد الله عن أبي سعيد بهذا اللفظ، وأصل الحديث ثابت في الصحيحين وفي غيرهما (¬2). 1011 - "صليتُ مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العيدين غيرَ مرةٍ ولا مرتين، بغير أذان ولا إقامة". قلت: رواه مسلم وأبو داود والنسائي في العيدين من حديث جابر بن سمرة (¬3) ولم يخرج البخاري في هذا عن جابر شيئًا. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1248)، والنسائي (3/ 179)، والدارقطني (2/ 60)، وانظر السنن للبيهقي (3/ 259). (¬2) أخرجه البخاري (956)، ومسلم (889). (¬3) أخرجه مسلم (887)، وأبو داود (1148)، والنسائي (3/ 182، 186)، وكذلك الترمذي (532).

1012 - "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبو بكر، وعمر رضي الله عنهما، يصلون العيدين قبل الخطبة". قلت: رواه الشيخان والترمذي والنسائي في العيدين من حديث عبيد الله عن نافع عن ابن عمر. (¬1) 1013 - "سئل ابن عباس: شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العيد؟ قال: نعم، خَرَج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلّى ثم خَطَب، ولم يذكر أذانًا ولا إقامة، ثم أتى النساءَ فوعظهُنّ وذكّرهنّ وأمَرهُنَّ بالصدقة، فرأيتهُنّ يُهوين إلى آذانهن، وحُلوقهن يدفَعْن إلى بلال، ثم ارتفع هو وبلال إلى بيتهِ". قلت: رواه الشيخان بألفاظ متقاربة في صلاة العيدين من حديث ابن عباس. (¬2) 1014 - "إنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - صلّى يومَ الفطرِ ركعتين لم يُصلِّ قبلَهما ولا بعدها". قلت: رواه الجماعة في العيدين من حديث ابن عباس، قال مسلم: يوم أضحى أو فطر، بالشك وجزم البخاري بلفظ المصنف (¬3). 1015 - أُمِرْنا أن نخرج الحُيَّض يومَ العيدين، وذواتِ الخُدُور، فيشهدنَ جماعةَ المسلمينَ ودعوتَهم، وتعتزلُ الحيَّض عن مُصلاهنّ، قالت امرأة: يا رسول الله! إحدانا ليس لها حلباب؟ قال: "لِتُلبِسْها صاحبتُها من جلْبَابِها". قلت: رواه الجماعة في العيدين من حديث أم عطية، والجلباب: الإزار. (¬4) 1016 - "إن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان، في أيام مِنَى تُدَفِّفان، وتضربان". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (963)، ومسلم (888)، والترمذي (531)، والنسائي (3/ 183). (¬2) أخرجه البخاري (5249)، ومسلم (884). (¬3) أخرجه البخاري (964)، ومسلم (13/ 884)، وأبو داود (1159)، والترمذي (537)، والنسائي (3/ 193)، وابن ماجه (1291). (¬4) أخرجه البخاري (351)، ومسلم (890)، وأبو داود (1138)، والترمذي (540)، والنسائي (1/ 193) (3/ 180)، وابن ماجه (1307).

قلت: رواه الشيخان والنسائي من حديث الزهريّ عن عروة عن عائشة. (¬1) قوله: تدفِّفان أي تضربان بالدُّف، والدُفّ: بضم الدال، وهو الذي تضرب به النساء، قال بعضهم: ومعنى تضربان: تضربان الأكف على الأكف، وقيل يرقصان من ضَرْب الأرض إذا وطئها. - وفي رواية: تغنِّيان بما تقَاوَلَتْ الأنصار يومَ بُعاث، والنبي - صلى الله عليه وسلم - متغَشّ بثوبه، فانتهرهما أبو بكر! فكشفَ النبي - صلى الله عليه وسلم - عن وجهِه، فقال: "دعهما يا أبا بكر! فإنها أيام عيد". قلت: رواها الشيخان (¬2) من حديث عائشة. قوله: يوم بعاث: هو بضم الباء الموحدة وبالعين المهملة على الصحيح، وبعدها ألف ثم ثاء مثلَّثة، ويجوز صرفه، وعدمه، وهو: يوم مشهور كانت فيه مقتلة عظيمة بين الأوس والخزرج وبقيت الحرب بينهما مائة وعشرين سنة إلى أن قام الإسلام، وكان ذلك الشعر في وصف الحرب والشجاعة. (¬3) قوله: والنبي - صلى الله عليه وسلم - متغشّ بثوبه: أي متغطي بثوبه، والتغشي: التغطي. قوله: فانتهرها أبو بكر: قال صاحب الغريب: الانتهار: الزجر، يقال: نهوه وانتهره أي زَبَره، ويجوز أن يقرأ بالزاي المعجمة أي دفعهما، يقال: نهره ووكزه وهمزه: أي ضَرَبه ودفعه. - وفي رواية: "يا أبا بكر إن لكل قومٍ عيدًا وهذا عيدنا". قلت: رواها الشيخان في العيدين (¬4) من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. 1017 - "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يغدو يوم الفطر حتى يأكلَ تَمَرَاتٍ ويأكلهن وترًا ". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (952)، ومسلم (17/ 892)، والنسائي (3/ 196 - 197). (¬2) أخرجه البخاري (987)، ومسلم (15/ 892). (¬3) انظر فتح الباري (2/ 441). (¬4) أخرجه البخاري (987)، ومسلم (892).

قلت: رواه البخاري من حديث عبيد الله عن أنس في الصلاة، ولم يخرجه مسلم ورواه الترمذي بمعناه. (¬1) 1018 - "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان يومَ عيدٍ خالفَ الطريق". قلت: رواه البخاري في الصلاة من حديث سعيد بن الحارث عن جابر (¬2) ورواه الترمذي (¬3) فيه من حديث سعيد بن الحارث عن أبي هريرة وذكر أبو مسعود الدمشقي أن الجمهور رووه كما رواه الترمذى لا كما وقع في البخاري. 1019 - خطبنا النبي - صلى الله عليه وسلم - يومَ النحر فقال: "إن أوّل ما نبدأ به في يومنا هَذا أن نصلّيَ، ثم نرجعَ فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنَّتنَا، ومن ذَبح قبل أن يُصلِّي فإنما هو شاةُ لحمٍ عجَّلَه لأهله ليسَ مِن النُّسُك في شيء". قلت: رواه الجماعة هنا من حديث البراء بن عازب. (¬4) 1020 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من ذبح قبلَ الصلاة فليذْبح مكانها أخرى، ومن لم يذبح حتى صلّينا فلْيذبَحْ على اسم الله". قلت: رواه البخاري في العيدين وفي الأضاحي وفي غير موضع، ومسلم والنسائي في ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (953)، والترمذي (543). (¬2) أخرجه البخاري (986). (¬3) ورواية أبي هريرة أخرجها الترمذي (541). وقد رجح البخاري أنه عن جابر، فقال: وحديث جابر أصح. وقال الترمذي: وحديث جابر كأنّه أصح، وخالف أبو مسعود والبيهقي فرجحا أنه عن أبي هريرة وقال ابن حجر في "الفتح" (2/ 474) ولم يظهر لي في ذلك ترجيح والله أعلم. انظر كلام ابن التركماني على سنن البيهقي (3/ 308)، والبغوي (1108)، وابن حبان (2815). (¬4) أخرجه البخاري (968)، ومسلم (1961)، وأبو داود (2800)، والترمذي (10508)، والنسائي (7/ 222)، وابن ماجه.

من الحسان

الأضاحي كلهم من حديث جندب. (¬1) 1021 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من ذبح قبل الصلاة، فإنما يذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نُسُكه وأصاب سنة المسلمين". قلت: رواه الشيخان في الأضاحي من حديث البراء بن عازب يرفعه (¬2) ورواه البخاري أيضًا من حديث أنس بن مالك يرفعه. (¬3) 1022 - "كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يذبح وينحر بالمُصلّى". قلت: رواه البخاري هنا، وكذا أبو داود والنسائي وابن ماجه بنحوه كلهم من حديث ابن عمر بن الخطاب. (¬4) من الحسان 1023 - قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، ولهم يومان يلعبونَ فيهما، فقال: "ما هذان اليومان؟! " قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد أبدلكما الله بهما خيرًا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر". قلت: رواه الثلاثة في العيدين من حديث أنس، وسكت عليه أبو داود والمنذري. (¬5) 1024 - "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يخرج يومَ الفطر حتى يَطْعَمَ، ولا يَطْعم يومَ الأضحى حتى يُصلّي". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في العيدين (985)، وفي الأضاحي (5562)، وفي الذبائح (5500)، وفي الأيمان والنذور (6674)، وفي التوحيد (1960)، ومسلم (1960)، والنسائي (7/ 224)، وابن ماجه (3152). (¬2) أخرجه البخاري (550)، ومسلم (1960). (¬3) أخرجه البخاري (954) (984) (5546) (5549) (5561)، ومسلم (1962). (¬4) أخرجه البخاري (982)، وأبو داود (2811)، والنسائي (3/ 193)، وابن ماجه (3161). (¬5) أخرجه أبو داود (1134)، والنسائي (3/ 179) ولم أجده في الترمذي.

قلت: رواه الترمذي في العيدين (¬1) من حديث ثواب بن عتبة عن عبد الله ابن بريدة عن أبيه وقال: غريب، ونقل عن محمد بن إسماعيل أنه قال: لا أعرف لثواب بن عتبة غير هذا الحديث، قال الترمذي: وحديث أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفطر على تمرات يوم الفطر، قبل أن يخرجَ إلى المصلّى، حديث حسن غريب صحيح. 1025 - "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كبر في العيدين في الأولى سبعًا، قبل القراءة، وفي الأخرى خمسًا قبل القراءة". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في العيدين (¬2) من حديث كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده، قال الترمذي: حديث حسن، وهو أحسن شيء في الباب وجَدُّ كثير هو: عمرو بن عوف المزني، قال الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق ورُوي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: في التكبير في العيدين تسع تكبيرات: في الركعة الأولى خمسًا قبل القراءة، وفي الركعة الثانية يبدأ بالقراءة، ثم يكبر أربعًا مع تكبيرة الركوع، وبه يقول أهل الكوفة وسفيان الثوري انتهى كلام الترمذي. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (542)، وابن ماجه (1756)، فإن ثواب بن عتبة فقد وثّقه ابن معين وأنكر أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان على ابن معين توثيقه مطلقًا وباقي رجال إسناده ثقات معروفون، وقد صححه ابن حبان (2812)، وكذا الحاكم (1/ 294)، ووافقه الذهبي، وكذا صححه ابن خزيمة (1426) فسنده حسن، وثواب بن عتبة قال عنه الحافظ: مقبول، التقريب (865). (¬2) أخرجه الترمذي (536)، وابن ماجه (1279). وفيه كثير بن عبد الله وهو ضعيف. وقد أنكر على الترمذي تحسينه للحديث كما في التلخيص الحببر (2/ 171). وقد روى مثله جماعة من الصحابة. راجع المصنف لعبد الرزاق (5680)، ومصنف ابن أبي شيبة (2/ 175 - 176)، وأخرجه كذلك الدارقطني (2/ 48)، والبيهقي في السنن (3/ 286)، وراجع خلاف العلماء في شرح السنة للبغوي (4/ 308).

قلت: وروى أبو داود (¬1) من حديث عمرو، بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو، قال: قال نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: التكبير في الفطر: سبع في الأولى، وخمس في الآخرة، والقراءة بعدهما كلتيها، قال الترمذي: في كتاب العلل (¬2) سألت البخاري عنه فقال: هو صحيح، ونقل البيهقي أن الترمذي قال في كتاب العلل: سألت البخاري عن حديث كثير بن عبد الله هذا، فقال: ليس في الباب أصح منه، وبه أقول، وفي هذا النقل عن البخاري عندي نظر، فإن كثير بن عبد الله هذا ضعيف جدًّا، قال فيه أبو داود: كذاب، وقال الشافعي: من أركان الكذب، وكذبه ابن حبان، وقال أبو حاتم: ليس بالمتين، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه، فلعل هذا الحديث اعتضد عند من صححه بشواهد وأمور خفيت، وكذلك تصحيح البخاري لحديث عمر بن شعيب الذي ذكرناه عن أبي داود مع أن الكلام في هذه الطريق مشهور والله أعلم. (¬3) 1026 - ورُوي مرسلًا عن جعفر بن محمد "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر كبّروا في العيدين والاستسقاء سبعًا، وخمسًا، وصلّوا قبل الخطبة، وجهروا بالقراءة". ¬

_ (¬1) رواية أبي داود أخرجها في سننه (1151 - 1152)، وأخرجها كذلك أحمد في المسند (2/ 180)، وابن ماجه (1278)، والدارقطني (2/ 48)، وصححه أحمد، وعلي، والبخاري فيما حكاه الترمذي عنه. وكذلك في الباب عن عائشة فعله - صلى الله عليه وسلم - أخرجه أيضًا أبو داود (1150)، والبيهقي (3/ 287). (¬2) انظر: علل الترمذي الكبير (1/ 287 - 289)، ونصب الراية للزيلعي (2/ 217). (¬3) كثير بن عبد الله بن عمرو المزني، المدني، قال الحافظ: ضعيف، أفرط في نسبه إلى الكذب، انظر: التقريب (5652) وراجع أقوال العلماء في ترجمته في تهذيب الكمال (24/ 136 - 140)، والمجروحين (2/ 221)، وابن عدي في الكامل (6/ 58)، والضعفاء والمتروكين (ص 98)، قال الحافظ: وروى العقيلي عن أحمد أنه قال: ليس يروى في التكبير في العيدين حديث صحيح مرفوع، وقال الحاكم: الطرق إلى عائشة، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو، وأبي هريرة فاسدة، التلخيص الحبير (2/ 170 - 172)، وقال الشيخ الألباني: ولكن الحديث قوي بشواهد الكثيرة، وهي مذكورة في كتب التخاريج، وقد استوفيت طرقه، وانتهيت إلى القول بتصحيحه في إرواء الغليل (رقم 639).

قلت: رواه الشافعي فيما نقله عنه البيهقي، من حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن علي يرفعه، وأخرجه في السند، ولفظه: عن علي رضي الله عنه أنه كبّر في العيد والاستسقاء سبعًا، وخمسًا، وجهر بالقراءة. (¬1) 1027 - "سأل أبا موسى: كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبّر في الأضحى والفطر؟ قال: كان يكبر أربعًا تكبيره على الجنائز". قلت: رواه أبو داود في العيدين (¬2) من حديث عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه عن مكحول قال: أخبرني أبو عائشة جليس لأبي هريرة، أن سعيد بن العاص سأل أبا موسى الأشعري وحذيفة بن اليمان: كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبّر في الأضحى والفطر؟ فقال أبو موسى: كان يكبّر أربعًا تكبيره على الجنازة. فقال حذيفة: صدق، قال البيهقي (¬3): قد خولف راوي هذا الحديث في موضعين أحدهما في رفعه والآخر في جواب أبي موسى، والمشهور في هذه القصة: أنهم أسندوا أمرهم إلى ابن مسعود، فأفتى ابن مسعود بذلك ولم يسنده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. والحديث المسند مع ما عليه من عمل المسلمين أولى أن يتبع، وعبد الرحمن بن ثابت ضَعَّفه ابن معين. 1028 - "أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نُووِلَ يومَ العيد قوسًا، فخطب عليه". ¬

_ (¬1) أخرجه الشافعي في المسند (457)، والبيهقي من طريقه في معرفة السنن (5/ 71)، ورواه الشافعي في الأم كذلك (1/ 236)، وعبد الرزاق (3/ 292 رقم 5678) ومع إرساله ضعيف جدًّا، لأن فيه إبراهيم بن محمد وهو ابن أبي يحيى الأسلمى وهو متروك، كما سبق. (¬2) أخرجه أبو داود (1153)، وفي إسناده: عبد الرحمن بن ثوبان وهو صدوق يخطئ، ورمي بالقدر، وتغير بآخره كما في "التقريب" (3844). وفيه أبو عائشة الأموي مولاهم قال الحافظ: مقبول، التقريب (8264) فهذا إسناد ضعيف، وانظر: التلخيص الحبير (2/ 172). (¬3) انظر السنن الكبرى للبيهقي (3/ 290).

قلت: رواه أبو داود في العيدين من حديث يزيد بن البراء عن أبيه وسكت عليه، ونوول: أي أعطي. (¬1) 1029 - وروي مرسلًا "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خَطَب يعتمدُ على عنزةٍ اعتمادًا". قلت: رواه الشافعي في إيجاب الجمعة، عن عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: أكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوم على عصًا، إذا خطب؟ قال: نعم، يعتمد عليها اعتمادًا، ورواه البيهقي. (¬2) والعنزة: رمح قصير. 1030 - "شهدتُ مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في يوم عيدٍ فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، بغير أذان ولا إقامة، فلمّا قَضىَ الصلاة قام متوكِّئًا على بلالِ، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظَ الناس وذكَّرهم وحثَّهم على طاعته، ومضى إلى النساء ومَعَه بلال، فأمرهُنّ بتقوى الله تعالى، ووعَظَهُنّ وذكّرهُنّ". قلت: رواه الشيخان والنسائي (¬3) ثلاثتهم هنا، من حديث جابر مطولًا بأمر النساء بالصدقة، فكان من حق المصنف أن يذكره في الصحاح لا في الحسان ولما كان هذا اللفظ للنسائي ساقه في الحسان لكن لفظ الصحيحين موف بما ذكره فتأخيره إلى الحسان غلط، والله أعلم. 1031 - "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج يومَ العيد في طريقٍ رجَع في غيره". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1145)، وإسناده ضعيف فيه أبو جناب واسمه يحيى ابن أبي حية قال الحافظ: ضعفوه لكثرة تدليسه، التقريب (7587). (¬2) أخرجه الشافعي (422)، والبيهقى (3/ 306). وفي إسناده إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، وهو متروك، كما سبق. (¬3) أخرجه البخاري (979)، ومسلم (885)، والنسائي (3/ 186 - 187)، وأبو داود (1141)، وكذلك أحمد (8/ 313)، وأبو يعلى (2033)، وقال القاري: قال الشيخ الجزري: حديث جابر هذا متفق عليه، ورواه النسائي وهذا لفظه، وكان من حقه أن يذكر في الصحاح كان اختلف اللفظ يسيرًا إذا كان متضمنًا للمعنى على العادة ... " مرقاة المفاتيح (3/ 550).

قلت: رواه الترمذي في العيدين من حديث سعيد بن الحارث عن أبي هريرة وقال: غريب ورواه أيضًا من حديث جابر وقال: حديث جابر كأنه أصح. (¬1) 1032 - "أنه أصابهم مطرٌ في يوم عيد فصلّى بهم النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاةَ العيد في المسجد". قلت: رواه أبو داود في آخر العيدين وابن ماجه في العيد (¬2) وقال ابن الأثير (¬3): وزاد رزين: "ولم يخرج بنا إلى المصلى" وهذه الزيادة مفهومة من قوله صلى بهم في المسجد. 1033 - ورُوي أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى عمرو بن حزم وهو بِنَجْران: "عجِّلْ الأضحى، وأخِّر الفطر، وذكِّر الناس". قلت: رواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد عن أبي الحُويرث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب، قال البيهقي: وهذا مرسل، وقد طلبته في سائر الروايات بكتابه إلى عمرو بن حزم فلم أجده. (¬4) 1034 - ورُويَ عن أبي عُمَيْر بن أنس، عن عُمومةٍ له من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أن ركْبًا جاؤوا إلى النبي عليه السلام يَشْهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم أن يُفطِروا، وإذا أصبحُوا يَغدو إلى مُصَلّاهم". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (541)، وابن ماجه (1301)، وقد سبق الكلام عليه في حديث جابر قبل قليل. (¬2) أخرجه أبو داود (1160)، وابن ماجه (1313)، وفي الإسناد: عيسى بن عبد الأعلى ابن عبد الله بن أبي فَروة، وهو مجهول، التقريب (5340)، وتهذيب الكمال (22/ 626)، وشيخه أبو يحيى عبيد الله بن عبد الله بن موهب قال الحافظ: مقبول، التقريب (4340)، وتهذيب الكمال (19/ 80). (¬3) انظر جامع الأصول (6/ 129 رقم 4236). (¬4) أخرجه الشافعي في المسند (442)، وفي الأم (1/ 232)، والبيهقي في السنن (3/ 282). وفي إسناده: إبراهيم بن محمد الأسلمي وهو متروك وقد تقدم الكلام عليه. وفيه كذلك: أبو الحويرث واسمه: عبد الرحمن بن معاوية بن الحويرث، المدني، قال الحافظ: المشهور بكنيته، صدوق سيء الحفظ، رمي بالإرجاء. التقريب (4037).

فصل في الأضحية

قلت: رواه أبو داود والنسائي وسكت عليه أبو داود والمنذري (¬1) وأبو عمير هو عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري. قال الخطابي (¬2): سنّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى، وحديث أبي عمير صحيح، والمصير إليه واجب، يريد أنه لا فرق بين أن يعلموا بذلك قبل الزوال أو بعده، خلافًا للشافعي ومالك وأبي ثور، وذهب إلى ظاهره الأوزاعي والثوري وأحمد وإسحق، ويحتج للشافعي بأنه ليس في الحديث ما يدل على أنهم شهدوا بذلك بعد الزوال. فصل في الأضحية من الصحاح 1035 - " ضحّى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أمْلَحَين أقرَنين ذبَحهما بيده، وسمَّى وكبَّر، قال: رأيته واضِعًا قدَمه على صفَاحِهما ويقول: بسم الله، والله أكبر". قلت: رواه الشيخان وابن ماجه في الضحايا والنسائي (¬3) في الذبائح، كلهم من حديث شعبة عن قتادة عن أنس. قوله: أملحين، قال الجوهري (¬4): الملحة من الألوان بياض يخالطه سواد. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1157)، والنسائي (3/ 180)، وابن ماجه (1653)، وإسناده صحيح. (¬2) انظر: معالم السنن للخطابي (1/ 218). (¬3) أخرجه البخاري (5564) (5565)، ومسلم (1966)، والنسائي (7/ 230)، وابن ماجه (3120). (¬4) الصحاح (1/ 407).

وقال في النهاية (¬1): هو الذي بياضه أكثر من سواده، وقيل: هو النقي البَياض. والأقرن: العظيم القرون. صفاحهما: أي صفحة العنق من كل واحد منهما وهو جانبه، ليكون أثبت وأمكن قال النووي (¬2): وهذا أصح من حديث النهي عن ذاك. 1036 - أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أمَرَ بكبْشٍ أَقْرَنَ يطأ في سواد، وَيبْرُك في سواد، وينظرُ في سواد، فأتي به ليُضَحِّي به، قال: "يا عائشة هُلمِّي المُدْيَةَ" ثم قال: اشْحَذيها بحجَر. ففعلت، ثم أخذها، وأخذ الكبَش، فأضجَعَه ثم ذَبحه، ثم قال: "بسم الله، اللهم تَقبَّلْ من محمدٍ، وآلِ محمد، ومن أمةِ محمد" ثم ضَحّى به. قلت: رواه مسلم وأبو داود كلاهما في الأضحية من حديث عائشة ولم يخرجه البخاري. (¬3) ومعنى "يطأ في سواد ويبرك في سواد": أي قوائمه وبطنه وما حول عينيه أسود، وهلمي المدية: أي هاتي السكين، وميم المدية مثلثة، واشحذيها: بالشين المعجمة والحاء المهملة المفتوحة وبالذال المعجمة أي: حدّديها، قوله: وأخذ الكبش إلى آخره: قال النووي (¬4): هذا الكلام فيه تقديم وتأخير، وتقديره: فأضجعه ثم أخذ في ذبحه قائلًا: "بسم الله اللهم تَقبل من محمد، وآل محمد، ومن أمة محمد، وثم ضحّى مُضْجِعًا به، ولفظة "ثم" متأوله هنا على ما ذكرته. 1037 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تذبحوا إلا مُسِنّة إلا أن يَعْسر عليكم، فتذبحوا جذعة من الضأن". قلت: رواه مسلم في الضحايا من حديث جابر، ولم يُخرجه البخاري. ¬

_ (¬1) النهاية (4/ 354). (¬2) المنهاج (13/ 177). (¬3) أخرجه مسلم (1967)، وأبو داود (2792). (¬4) المنهاج (13/ 178).

والمُسِنّة: هي الثنية من كل شيء من الإبل والبقر والغنم فما فوقها. (¬1) قال: في شرح السنة (¬2): اتفقوا على أنه لا يجوز من الإبل والبقر والمعز: دون الثني، والثني من الإبل: ما استكمل خمس سنين ومن البقر والمعز، ما استكمل سنتين، وطعن في الثالثة، أما الجذع من الضأن: فاختلفوا فيه، فذهب أكثر أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فمن بعدهم إلى جوازه، وإليه ذهب الشافعي، والجذعة من الضأن: ما لها سنة على الصحيح، قال النووي (¬3): أجمعت الأمة على أن هذا الحديث متروك الظاهر، فجوز الجمهور الجذعة من الضأن، مع وجود غيره وعدمه وابن عمر، والزهري يمنعانه، مع وجود غيره، وعدمه، فتعين حمله على الاستحباب والأفضل، وتقديره: يستحب لكم ألا تذبحوا إلا مسنة، فإن عجزتكم فجذعة ضأن. 1038 - "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاه غنمًا يقسِمُها على أصحابه ضَحَايا، فبقي عتُود فقال: "ضَحِّ به أنت". قلت: رواه الشيخان والترمذي والنسائي كلهم (¬4) في الأضاحي، من حديث عقبة بن عامر الجهني. والعتود: من أولاد المعز خاصة وهو ما رعَى وقوي، وأتى عليه حول، والجمع أعتدة وعدّات وأصله عتدان فأدغم. - وفي رواية: قلت: يا رسول الله أصابني جَذَع، قال: "ضَحّ به". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1963). (¬2) شرح السنة (4/ 329). (¬3) المنهاج (13/ 172). (¬4) أخرجه البخاري (5555)، ومسلم (1965)، والترمذي (1500)، والنسائي (7/ 218)، وابن ماجه (3138).

قلت: رواها الشيخان من حديث عقبة أيضًا (¬1). قال البيهقي (¬2) وغيره من العلماء: هذه رخصة لعقبة بن عامر كما كان مثلها رخصة لأبي بردة، في حديث البراء، قال البيهقي: وقد روينا ذلك من رواية الليث، رَوى ذلك بإسناده الصحيح عن عقبة أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ولا رخصة فيها لأحد بعدك، قال: وعلى هذا يحمل ما رويناه عن زيد بن خالد قال قسّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أصحابه غنمًا فأعطاني عتودًا جذعًا، فقال: ضحّ بها، فقلت: إنه جذع من المعز أُضَحّي به؟ قال: نعم، ضحّ به، فضحيت به، رواه أبو داود (¬3)، ولم يقل من المعز ولكنه معلوم من قوله عتود. 1039 - كان النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يذبح وينحر بالمصلى". قلت: رواه البخاري (¬4) في الأضاحي من حديث ابن عمر وفي رواية عنه يذبح أو ينحر ولم يخرجه مسلم. 1040 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "البقرة عن سبعةٍ، والجَزُور عن سبعةٍ". قلت: رواه مسلم في المناسك وأبو داود والنسائي وابن ماجه كلهم في الأضاحي من حديث جابر بن عبد الله (¬5). 1041 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دخل العَشرُ وأرادَ بعضُكم أن يُضَحِّي، فلا يمسّ من شعرِه وبَشَره شيئًا". قلت: رواه مسلم في الأضاحي من حديث أم سلمة ولم يخرجه البخاري (¬6). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5547)، ومسلم (1965/ 16). (¬2) السنن الكبرى (9/ 269 - 270). (¬3) أخرجه أبو داود (2798). (¬4) أخرجه البخاري (982). (¬5) أخرجه مسلم بالمعنى (1318)، وأبو داود (2808)، والنسائي في الكبرى (4121)، وابن ماجه (3132). (¬6) أخرجه مسلم (39/ 1977).

من الحسان

- وفي رواية: "فلا يأخذن شعرًا، ولا يُقلمنّ ظُفْرًا". قلت: رواها مسلم من حديث أم سلمة. (¬1) - وفي رواية: "من رأى هلالَ ذي الحجة، وأراد أن يضحي، فلا يأخذ من شعره، ولا من أظفاره". قلت: رواها مسلم أيضًا من حديث أم سلمة. (¬2) 1042 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما من أيامٍ العملُ الصالح فيهنّ أحبُّ إلى الله تعالى من هذه الأيام العَشْر"، قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟! قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء". قلت: رواه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجه في الصيام، إلا البخاري ذكره في العيد، وفي غيره من حديث ابن عباس. (¬3) من الحسان 1043 - ذبَح النبي - صلى الله عليه وسلم - يومَ الذبح كبشين أقرنين أملحين موجُوءَين فلما ذبحهما قال: "إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض على ملة إبراهيم حنيفًا، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونُسُكي ومحيايَ ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم منك ولك عن محمد وأُمَّتِه بسم الله، والله أكبر". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه كلاهما في الأضاحي من حديث جابر وفي سنده محمد بن إسحاق. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (40/ 1977). (¬2) أخرجه مسلم (42/ 1977). (¬3) أخرجه البخاري في العيدين (969)، وأبو داود (2438)، والترمذي (757)، وابن ماجه (1727). (¬4) أخرجه أبو داود (2795)، وابن ماجه (3121) وإسناده صحيح بشواهده وقد ذكر الألباني طرقه في الإرواء (1138) فراجعه.

قوله: موجُوْءَيْن: أي مَرْضُوضي الأنثيين رضًا شديدًا بحيث ذهبت شهوة الجماع. قال في النهاية (¬1): أي خصيين، قال: ومنهم من يرويه بغير همز على التخفيف ويكون من وجيته وجيًا فهو موجيّ، قال المنذري: وهذا هو الذي وقع في سماعنا. - وفي رواية: ذبح بيَدِه، وقال: "بسم الله، والله أكبر، اللهم هذا عَنَي، وعمن لم يُضَحّ من أمتي". قلت: رواه أبو داود والترمذي (¬2) كلاهما في الأضاحي من حديث: المُطّلِب بن عبد الله بن حَنْطَب عن جابر، وقال الترمذي: حديث غريب من هذا الوجه ويقال: إن المطلب بن عبد الله بن حنطب لم يسمع من جابر انتهى، وقال أبو حاتم الرازي: لم يسمع من جابر وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: يشبه أن يكون سمعه. 1044 - "رأيت عليًّا يُضحِّي بكَبْشَين وقال إن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أوصاني أن أُضَحِّي عنه، فأنا أضحي عنه". قلت: رواه أبو داود والترمذي (¬3) هنا من حديث حنش، وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك انتهى، وحنش: تكلّم فيه غيرُ واحد، وقال ابن حبان البستي: وكان كثير الوهم في الأخبار، تفرد عن علي بأشياء لا تشبه حديث الثقات ¬

_ (¬1) النهاية (5/ 152). (¬2) أخرجه الترمذي (1521)، وأبو داود (2810). وكذلك أحمد في مسنده (3/ 356)، وقال الحافظ عن المطّلب هذا: بأنه صدوق كثير التدليس والإرسال، التقريب (6756) وانظر أقوال العلماء في سماعه عن جابر في تهذيب الكمال (28/ 81). (¬3) أخرجه أبو داود (2790)، والترمذي (1495) وإسناده ضعيف وفيه ثلاث علل: 1 - شريك بن عبد الله القاضي، قال الحافظ: صدوق يخطىء كثيرًا، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة ... ، التقريب (2802). 2 - أبو الحسناء: قيل اسمه الحسن، وقيل: الحسين، مجهول، التقريب (8112)، 3 - حنش هو ابن المعتمر ويقال: ابن ربيعة بن المعتمر أبو المعتمر الكوفي، قال الحافظ: صدوق له أوهام ويرسل، وأخطأ من عَدَّه من الصحابة، التقريب (1586). شريك ضعيف وأبو الحسناء مجهول.

حتى صار ممن لا يحتج به، وشريك هو: ابن عبد الله القاضي وفيه مقال، وأخرج له مسلم في المتابعات. 1045 - أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أن نستشرف العين والأُذُن، وأن لا نُضَحّي بمقابلة، ولا مدابَرة، ولا شَرْقاء، ولا خَرْقَاء". قلت: رواه الأربعة (¬1) وقال الترمذي: حسن صحيح، كلهم في الأضاحي من حديث علي، وفي بعض طرق الحديث قال زهير بن معاوية: قلت: لأبي إسحق وهو السبيعي فما المقابلة؟ قال: يقطع طرف الأذن، قلت: فما المدابرة؟ قال: يقطع من مؤخر الأذن، قلت: فما الشرقاء؟ قال: تُشق الأذن، قلت: فما الخرقاء؟ قال: تُخرق الأذن. 1046 - قال: "نهى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُضَحّي بأعضَب القرن والأُذن". قلت: رواه الأربعة في الأضاحي من حديث علي، وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2804)، والترمذي (1498)، أضاف الترمذي: "وقال البخاري: لم يثبت رفعه" والنسائي (7/ 216)، وابن ماجه (3142) وإسناده ضعيف. لأن فيه أبو إسحاق وهو عمرو بن عبد الله السبيعي وهو ثقة إلا أنه اختلط بآخره. التقريب (5100) وزهير بن معاوية ثقة إلا أن سماعه عن أبي إسحاق بآخره، التقريب (2062). (¬2) أخرجه أبو داود (2805)، والترمذي (1504)، والنسائي (2/ 204)، وابن ماجه (2145) وفي الإسناد: جُري بن كليب السّدُوسي، قال أبو داود: جُري السدوسي لم يحدث عنه إلا قتادة (3/ 238)، وقال المنذري: وفي تصحيح الترمذي لهذا الحديث نظر، فإن جري بن كليب: هو الذي روى هذا الحديث عن علي، وقد سئل عنه أبو حاتم الرازي؟ فقال: شيخ لا يحتج بحديثه، وقال علي بن المدني، جري بن كليب مجهول، لا أعلم أحدًا روى عنه غير قتادة، مختصر المنذري (4/ 108)، وقال الحافظ: جُري بن كليب، مقبول، التقريب (927)، وانظر أقوال العلماء في تهذيب الكمال (4/ 553 - 554)

قوله: بأعضب القرن والأذن: هو بالعين المهملة والضاد المعجمة. قال الزمخشري: العَضَب في القرن: الداخل الانكسار، ويقال: للانكسار في الخارج: القصم، قال ابن الأنباري: وقد يكون العَضَب في الأذن، إلا أنه في القَرْن أكثر، وقال جمع من العلماء: وتسمية ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعضباء ليس ذلك لعَضَب في أذنها، بل ذلك علم لها. (¬1) 1047 - أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - سئل ماذا يُتَّقى من الضحايا؟ فأشار بيده فقال: "أربعًا: العرجاء البيّن ظَلْعُها، والعَوراء البيّن عَوَرها، والمريضة البيّن مرضُها، والعَجْفاء التي لا تُنْقي". قلت: رواه الأربعة (¬2) في الأضاحي، من حديث البراء بن عازب، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، لا نعرفه إلا من حديث عبيد بن فيروز عن البراء. قوله - صلى الله عليه وسلم -: البيّن ظَلَعُها: هو بالظاء المعجمة المفتوحة واللام المفتوحة، العَرج، قال الجوهري (¬3): ظلع البعير أي غمز في مشيه. ولا تنقي: أي لا منع لعظامها، من الضُعف والهُزال. 1048 - "كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُضحّي بكبش أقرن فَحيل، ينظر في سواد، ويأكل في سواد، ويمشي في سواد". قلت: رواه الأربعة في الأضاحي (¬4) من حديث أبي سعيد، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث حفص بن غياث. والفحيل: بالفاء والحاء المهملة هو المنجب في ضرابه، فأراد به هنا النُبل وعظم الخلق. ¬

_ (¬1) الفائق للزمخشري (2/ 444)، وانظر معالم السنن (2/ 200). (¬2) أخرجه أبو داود (2802)، والترمذي (1497)، والنسائي (7/ 214)، وابن ماجه (2144) وإسناده صحيح، وعبيد بن فيروز ثقة، التقريب (4419). (¬3) الصحاح للجوهري (3/ 1256). (¬4) أخرجه أبو داود (2796)، والترمذي (1496)، والنسائي (7/ 220 - 221)، وابن ماجه (3128) وإسناده صحيح.

1049 - إن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الجَذَع يُوَفّي مما يُوفّي منه الثَّنيّ". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه كلاهما في الأضاحى (¬1) من حديث عاصم بن كليب عن أبيه، قال: كنا مع رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقال له: مجاشع من بني سليم، فأمر مناديًا فنادى: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الجذع يوفي مما يوفي منه الثني". وهو حديث صحيح. وعاصم بن كليب قال ابن المديني: لا يحتج به إذا انفرد، وقال أحمد: لا بأس بحديثه، وقال أبو حاتم الرازي: صالح، وقد أخرج له مسلم ففاز بذلك. 1050 - سمعت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "نعْمَت الأُضحية: الجَذَع من الضَّأن". قلت: رواه الترمذي في الضحايا من حديث أبي هريرة (¬2) وقال: حسن غريب وقد روي هذا عن أبي هريرة موقوفًا انتهى. 1051 - "كنَّا مع رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في سفرٍ فحضَر الأضحى، فاشتركنا في البقرة سبعة، وفي البعير عشرة" (غريب). قلت: رواه الترمذي والنسائي كلاهما في الحج وابن ماجه في الأضاحي. واللفظ له (¬3). في قوله: "وفي البعير عشرة "، ولفظهما "وفي الجزور سبعة" ورواه ابن حبان في صحيحه ولفظه: سبعة أو عشرة، وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث الفضل بن موسى. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2799)، والنسائي (7/ 219)، وابن ماجه (3140)، وإسناده صحيح كما قال ابن حزم في المحلى (7/ 267)، وعاصم بن كليب، قال الحافظ: صدوق رمي بالإرجاء، التقريب (3092). (¬2) أخرجه الترمذي (1499) وإسناده ضعيف، فيه كدام بن عبد الرحمن وأبي كباش مجهولان. ورواية أبي هريرة موقوفة قاله الترمذي أيضا عن البخاري في العلل الكبير (2/ 846) رقم (447)، أما كِدَام بن عبد الرحمن قال الحافظ: مجهول، التقريب (5670)، وأبو كباش مجهول كذلك التقريب (8382)، وانظر إرواء الغليل (4/ 356)، والصحيحة كذلك (64). (¬3) أخرجه الترمذي (1501)، والنسائي (7/ 222)، وابن ماجه (3131)، وابن حبان (4007).

باب العتيرة

1052 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما عَمِل ابنُ آدم من عمل يوم النحر أحبّ إلى الله تعالى من هِراقة الدم، وإنّه لتأتي يوم القيامة بقرويها وأشعارِها وأظلافِها، وإن الدم ليقع من الله بمكانٍ قبل أن يقع بالأرض فَطَيِّبوا بها أنفسًا". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه (¬1) كلاهما في الأضاحي، وقال الترمذي: حسن غريب، لا نعرفه من حديث هشام بن عروة إلا من هذا الوجه. 1053 - ويُروى أنه قال: "ما من أيام أحب إلى الله أن يُتَعبّد له فيها من عشر ذي الحجة، يُعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلةِ القدر". (ضعيف). قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في الصوم، من حديث أبي هريرة يرفعه (¬2)، قال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث مسعود بن واصل، عن النهاس، وسألتُ محمدًا يعني البخاري عن هذا الحديث، فلم يعرفه من غير هذا الوجه، وقال: قد رُوي عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً انتهى كلام الترمذي والنهاس ضعفوه. باب العتيرة من الصحاح 1054 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا فَرَع ولا عَتيرَة" والفَرَعُ: أول نِتاجٍ كان يُنْتَجُ لهم، كانوا يذبحونه لطَواغِيتهم، والعَتيرة في رجبٍ. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1439)، وابن ماجه (3126) وإسناده ضعيف. (¬2) أخرجه الترمذي (758)، وابن ماجه (1728)، والنَّهَّاس بن قهم، أبو الخطاب البصري، ضعيف، التقريب (7246).

من الحسان

قلت. رواه الجماعة: البخاري في العقيقة ومسلم والترمذي كلاهما في الأضاحي وأبو داود وابن ماجه جميعًا في الذبائح والنسائي في الفرع كلهم من حديث أبي هريرة. (¬1) والفَرَع: بالفاء والراء المهملة المفتوحة والعين المهملة وهو مفسر في الحديث. والعتيرة: هي النسيكة التي تعتر أي تذبح وكانوا يذبحونها في رجب، قال أبو داود: في العشر الأول منه تعظيمًا له، لأنّه أول شهر من أشهر الحرم، وكان ابن سيرين من بين أهل العلم يذبح العتيرة في رجب، قال النووي (¬2): وقد صح الأمر بالفرع والعتيرة، والصحيح عند أصحابنا وهو نص الشافعي استحباب الفرع والعتيرة، وأجابوا عن هذا الحديث: بأن المراد نفي الوجوب، أو أن المراد نفي ما كانوا يذبحونه لأصنامهم، أو أنهما ليسا كالأضحية في الاستحباب، أو في إراقة الدم، فأما تفرقة اللحم على المساكين فبر وصدقة، وقد نص الشافعي في سنن حرملة على أنها إن تيسرت كل شهر كان حسنًا. من الحسان 1055 - أنه شهدَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم عرفة، قال: "على كل أهل بيتٍ في كل عامٍ أضحية وعتيرة". (ضعيف ومنسوخ). قلت: رواه الأربعة في الأضاحي، إلا النسائي (¬3) فإنه رواه في الفرع، كلهم من حديث مِخْنَفِ بن سُليم، قال: ونحن وُقوف مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا أيها الناس! إنّ على كل أهل بيت" وساقه، وقال الترمذي: حسن غريب، لا نعرف هذا الحديث ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5474)، ومسلم (1976)، وأبو داود (2831)، والترمذي (1512)، والنسائي (7/ 167)، وابن ماجه (3168). (¬2) المنهاج (13/ 200). (¬3) أخرجه الترمذي (1518)، وأبو داود (2788)، وابن ماجه (3125) وإسناده ضعيف لجهالة أبي رملة.

باب صلاة الخسوف

مرفوعًا إلا من هذا الوجه من حديث ابن عون انتهى كلامه. وقال الخطابي (¬1): هذا الحديث ضعيف المخرج، ومن رواته أبو رملة وهو مجهول. وقال أبو بكر المعافري: وحديث مِخْنَف بن سُليم ضعيف لا يحتج به انتهى. ومِخْنَف: بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح النون وبعدها فاء، قال ابن عبد البر (¬2): لا أحفظ له غير هذا الحديث، وأبو رملة (¬3) اسمه عامر وهو بفتح الراء المهملة وبعدها ميم ساكنة ولام مفتوحة وتاء تأنيث، وقال البيهقي (¬4) في هذا الحديث: وهذا إن صح فالمراد به على طريق الاستحباب وقد جمع بينها وبين العتيرة، والعتيرة غير واجبة بالإجماع. باب صلاة الخسوف من الصحاح 1056 - إن الشمس خَسَفَت على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فبعث مناديًا: "الصلاة جامعة" فتقدّم فصلّى أربَع ركعات في ركعتين، وأربعَ سجدات. 1057 - قالت عائشة: "ما ركعت قط ركوعًا ولا سجدت سجودًا قط كان أطول منه". ¬

_ (¬1) معالم السنن (2/ 195). (¬2) الاستيعاب لابن عبد البر (4/ 1467 رقم 2534). (¬3) أبو رملة اسمه: عامر، شيخ لابن عون، لا يعرف، التقريب (3130). (¬4) السنن الكبرى (9/ 312 - 313)، وقال الخطابي في المعالم (2/ 195) قلت: العتيرة تفسيرها في الحديث، أنها شاة تذبح في رجب، وهذا هو الذي يشبه معنى ويليق بحكم التدين، فأما العتيرة التي كان يعتبرها أهل الجاهلية فهي الذبيحة تذبح للصنم، فيصب دمها على رأسه. وانظر كذلك النهاية (3/ 178).

قلت: المرفوع من هذا رواه الشيخان من حديث عائشة في هذا الباب (¬1) وأما قول عائشة فروياه أيضًا فيه، لكن من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو بن العاص (¬2) وذكر فيه صلاة الكسوف وقال في آخره: فقالت عائشة إلى آخره. وخَسَفت: قال في المشارق (¬3): بفتح الخاء والسين وبضم الخاء وكسر السين على ما لم يسم فاعله، والصلاة جامعة: بنصبهما الأول على الإغراء، والثاني على الحال. 1058 - قالت: جَهَر النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الخسوف بقراءته. قلت: رواه الشيخان في هذا الباب من حديث عائشة. (¬4) 1059 - قالت: "خَسَفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلّى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - والناس معه، فقام قيامًا طويلًا نحوًا من سورة البقرة، ثم ركع ركوعًا طويلًا، ثم رفع، فقام قيامًا طويلًا وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلًا وهو دون الركوع الأول، ثم رفع، ثم سجد، ثم قام قيامًا طويلًا وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلًا وهو دون الركوع الأول، ثم رفَع فقام قيامًا طويلًا وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلًا وهو دون الركوع الأول، ثم رفع، ثم سجد، ثم انصرف، وقد تجلّت الشمس، فقال: "إن الشمسَ والقمَر آيتان من آيات الله، لا يَخْسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله"، قالوا: يا رسول الله رأيناك تناولتَ شيئًا في مقامك هذا، ثم رأيناك تكَعْكَعْت؟ قال: "إني رأيت الجنة فتناولت منها عنقودًا، ولو أخذته لآكلتم منه ما بقيَت الدنيا، ورأيت النار فلم أر كاليوم منظرًا قط، ورأيت أكثرَ أهلِها النساء"، فقالوا: لِمَ يا رسولَ الله؟ قال: "بكفرِهِنّ"، قيل: ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1066)، ومسلم (901). (¬2) أخرجه البخاري (1051)، ومسلم (20/ 910). (¬3) انظر مشارق الأنوار (1/ 246). (¬4) أخرجه البخاري (1065)، ومسلم (5/ 901).

يكفُرن بالله؟ قال: "يكفُرنَ العشير، ويكفُرن الإحسانَ، لو أحسنتَ إلى إحداهُنّ الدهر ثم رأت منك شيئًا، قالت: ما رأيتُ منك خيرًا قَطّ". قلت: رواه البخاري في مواضع منها هنا، وفي الإيمان، ومسلم وأبو داود والنسائي (¬1) كلهم هنا من حديث عطاء بن يسار عن ابن عباس. وتكعكعت: أي تأخرت، وقد احتج الشافعي بهذا الحديث على الإسرار في كسوف الشمس لقول ابن عباس: "فقام قيامًا طويلًا نحوًا من سورة البقرة" وهذا يدل على أنه لم يسمعه لأنه لو سمعه لم يقدره بغيره، وحمل حديث عائشة الذي قبل هذا على أنه كان في خسوف القمر، واحتج البخاري بهذا الحديث على جواز صلاة من صلّى وقدامه تنور أو نار أو شيء مما يعبد فأراد بعبادته الله تعالى. 1060 - وروت عائشة نحو حديث ابن عباس وقالت: "ثم سجد فأطال السجود، ثم انصرف، وقد تجلّت الشمس، فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "إن الشمسَ والقمر آيتان من آيات الله لا يَخْسِفان لموت أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبّروا وصلّوا وتصدِّقوا" ثم قال: "يا أمة محمد! والله ما من أحد أغْيَرُ من الله أن يزني عبدُه أو تزنيَ أمَتُه، يا أمة محمد! والله لو تعلمون ما أعلم لضَحِكْتم قليلًا ولبَكيْتُم كثيرًا". قلت: رواه الشيخان في هذا الباب من حديث عائشة. (¬2) 1061 - قال: خَسَفَت الشمس فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - فزعًا يَخْشى أن تكون الساعة، فأتى المسجدَ فصلّى بأطولِ قيام وركوع وسجود، وما رأيته قطّ يفعله، وقال: "هذه الآيات التي يرسل الله لا تكونُ لموت أحد ولا لحياته، ولكن يخوّف الله بها عبادَه فإذا رأيتم شيئًا من ذلك فافزَعُوا إلى ذكرِه ودعائه واستغفاره". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1052) (29)، ومسلم (907)، وأبو داود (1189)، والنسائي (3/ 146 - 148). (¬2) أخرجه البخاري (1044)، ومسلم (901).

قلت: رواه الشيخان والنسائي كلهم في الصلاة من حديث أبي بريدة عن أبي موسى واسمه عبد الله بن قيس. (¬1) 1062 - قال: "انكسفت الشمسُ في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومَ مات ابراهيمُ بن النبي - صلى الله عليه وسلم - فصلى بالناس ست ركعات بأربع سجدات". قلت: رواه مسلم هنا من حديث جابر مطولًا. (¬2) 1063 - ورُوي عن علي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ثماني ركعات في أربع سجدات. قلت: رواه مسلم هنا من حديث علي وابن عباس ولم يخرجه البخاري (¬3). وظاهر نص الشافعي وبه قطع أكثر أصحابه: أن صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة قيامان وركوعان وسجودان وأنه لا تجوز الزيادة ولا النقصان في ركوع فيها لحديث عائشة وابن عباس المتقدمين، وحديث عبد الله بن عمر وقال ابن عبد البر (¬4): وهذه الأحاديث أصح ما في هذا الباب، قال: وباقي الروايات المخالفة معللة ضعيفة والله أعلم. 1064 - "كسفت الشمس في حياة رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فأتيته وهو قائم في الصلاة رافع يديه، فجعل يسبّح ويهلل ويكبر ويحمد ويدعو حتى حُسِر عنها، فلما حُسر عنها قرأ سورتين وصلّى ركعتين". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1059)، ومسلم (912)، والنسائي (3/ 153). (¬2) أخرجه مسلم (904). (¬3) أخرجه مسلم (902). (¬4) التمهيد (3/ 305).

من الحسان

قلت: رواه مسلم وأبو داود والنسائي كلهم في الصلاة، من حديث عبد الرحمن بن سمرة، ووقع في المصابيح: جابر بن سمرة في النسخ المسموعة على المصنف وهو وهم أو غلط من الناسخ، ولم يخرج البخاري في هذا عن جابر شيئًا. (¬1) وتمسك بهذا من ذهب إلى أن صلاة الكسوف ركعتان كغيرها، وأجاب عنه من منع ذلك: بحمل كلام الراوي على أنه صلّى ركعتين في كل ركعة، جمعًا بينه وبين حديث ابن عباس المتقدم. 1065 - قالت أسماء بنت أبي بكر: "أمَرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعَتاقَة في كسوفِ الشمس". قلت: رواه البخاري من حديث أسماء بنت أبي بكر في مواضع منها: الطهارة والكسوف وأبو داود في الكسوف. (¬2) من الحسان 1066 - قال: "صلّى بنا النبي - صلى الله عليه وسلم - في كسوفٍ لا نسمع له صوتًا". قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث سمرة وهو مطوّل في أبي داود، وهو حديث صحيح الإسناد كما قاله الترمذي. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (913)، وأبو داود (1195)، والنسائي (3/ 124). (¬2) أخرجه البخاري (1054)، وأبو داود (1192). (¬3) أخرجه أبو داود (1184)، والترمذي (562)، وقال: حديث سمرة حديث حسن صحيح، وابن ماجه (1264)، وفيه ثعلبة بن عِبَاد: وهو مجهول كما قال ابن حزم في المحلى (5/ 102) وأشار الحافظ إلى أنه مقبول، التقريب (851) وقال الحافظ في "التلخيص الحبير" (2/ 186): وصححه الترمذي، وابن حبان، والحاكم. وأعله ابن حزم بجهالة ثعلبة بن عباد راويه عن سمرة، وقد قال ابن المديني: إنه مجهول، وقد ذكره ابن حبان في الثقات، مع أنه لا راوي له إلا الأسود بن قيس، وجمع بينه وبين حديث عائشة بأن سمرة كان في أخريات الناس، فلهذا لم يسمع صوته.

فصل في سجود الشكر

1067 - قال عكرمة: "قيل لابن عباس: ماتَتْ فلانةُ -بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، فخرّ ساجدًا، فقيل له: تسجد في هذا الساعة؟ فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا رأيتم آيةً فاسجدوا" وأيُّ آية أعظم من ذهاب أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -". قلت: رواه أبو داود والترمذي (¬1) كلاهما هنا، وقال: حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه انتهى، وفي سنده: سلم بن جعفر، قال يحيى بن كثير: كان ثقة، وقال الموصلي: لا يحتج به وذكر له هذا الحديث. فصل في سجود الشكر من الحسان 1068 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كان إذا جاءه أمر يُسَرُّ به، خرّ ساجدًا شكرًا لله". (غريب) قلت: رواه أبو داود والترمذي (¬2) ذكراه في هذا الباب في آخر كتاب الجهاد، وقال الترمذي: حسن، وفي إسناده: بكار بن عبد العزيز وهو مختلف فيه (¬3) قال الترمذي: لا يُعرف هذا الحديث إلا من هذا الوجه، قال البيهقي (¬4): وفي الباب عن ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1197)، والترمذي (3891) وإسناده حسن. قال الحافظ: سلم بن جعفر البكراوي، صدوق، تكلم فيه الأزدي بغير حجة، التقريب (2476)، وتهذيب الكمال (11/ 214 - 216) وذكر هذا الحديث. وانظر: التلخيص الحبير (2/ 191). (¬2) أخرجه أبو داود (27749)، والترمذي (1578)، وابن ماجه (1394) وإسناده حسن. (¬3) قال الترمذي: وبكار بن عبد العزيز بن أبي بَكْرة مقاربُ الحديث، وضعفه يحيى بن معين، والعقيلي وغيرهما، وقال ابن عدي: "أرجو أنه لا بأس به، وهو من جملة الضعفاء الذين يكتب حديثهم"، وقال الحافظ: صدوق يهم، انظر: سنن الترمذي (3/ 235)، والكامل لابن عدي (2/ 475) وتهذيب الكمال (4/ 201) والتقريب (742)، وانظر: إرواء الغليل (474). (¬4) السنن الكبرى (2/ 370).

جابر وجرير وابن عمر وأنس وأبي جحيفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو مروي عن فعل أبي بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم. 1069 - "ورُوي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأي نُغاشيًّا فسجَد شكرًا لله تعالى". قلت: رواه البيهقي من طريق جابر الجعفي عن محمد بن علي قال: رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نغاشيًّا فخر ساجدًا، ثم قال: "أسأل الله العافية" وهو مرسل وضعيف، محمد تابعي، وجابر ضعيف، ورواه أيضًا الدارقطني مرسلًا من طريق جابر الجعفي عن أبي جعفر. (¬1) والنغاشيّ: بتشديد الياء والنغاش بحذفها هو: القصير جدًّا، الضعيف الحركة، الناقص الخلق، والله أعلم. 1070 - "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة نريد المدينة، فلما كان قريبًا من عَزْوزاء نزل رفع يَديه فدعا الله ساعةً، ثم خرّ ساجدًا فمكث طويلًا ثم قام فرفع يديه فدعا الله ساعة، ثم خرّ ساجدًا فمكث طويلًا ثم قام فرفع يديه ساعة ثم خرّ ساجدًا فقال: إني سألت ربي وشفعت لأمتي، فأعطاني ثُلثَ أمتي فخرَرْتُ ساجدًا لربي شكرًا، ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي، فأعطاني ثلث أمتي فخرَرْتُ ساجدًا لربي شكرًا، ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي، فأعطاني الثلث الآخر فخررت ساجدًا لربي". قلت: رواه أبو داود بإسناد جيد من حديث عامر بن سعد عن أبيه (¬2) ولم يضعفه. وعزوزاء: بعين مهملة مفتوحة ثم زاي ساكنة ثم واو مفتوحة ثم زاي ثم ألف والأشهر حذف الألف هكذا ضبطه الحازمي صاحب نهاية الغريب والجمهور وقالوا هي ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي في السنن (2/ 371)، والدارقطني (1/ 410) رقم (19) وإسناده ضعيف، وانظر التلخيص الحبير (2/ 21 - 22). (¬2) أخرجه أبو داود (2775)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 370).

باب الاستسقاء

ثنية عند الجحفة في الطريق (¬1) وقد صح من حديث البراء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرّ ساجدًا حين جاءه كتاب علي رضي الله عنه من اليمن بإسلام همدان رواه البيهقي في جملة حديث طويل أوله في صحيح البخاري قال وهو على شرط البخاري (¬2). باب الاستسقاء من الصحاح 1071 - قال: "خرج رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بالناس إلى المصلّى يستسقي، فصلّى بهم ركعتين جهر فيهما بالقراءة، واستقبل يدعو، ورفع يديه، وحوّل رداءَه حين استقبلَ القبلة". قلت: هذا الحديث لم أقف عليه في الصحيحين (¬3) ولا في أحدهما ولا في الجمع بين الصحيحين بهذا اللفظ، بل الذي في الصحيحين في هذا الباب من حديث عبد الله بن زيد بن عاصم قال: "خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا المصلى فاستسقى واستقبل القبلة وقلّب رداءه، وصلّى ركعتين" وفي لفظ آخر: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى المصلّى يستسقي، وأنه لما أراد أن يدعُوَ استقبل القبلة وحول رداءَه" وفي آخر: "خرج رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا يستسقي فجعل إلى الناس ظَهْرَه يدعو الله، واستقبل القبلة، وحوّل رداءه ¬

_ (¬1) انظر ما قاله السمهودي في حاشية المغانم المُطابة في معالم طابة (ص 297 - 298). (¬2) انظر السنن الكبرى للبيهقي (2/ 369)، وأخرج البخاري صدره (4349). (¬3) أخرجه أبو داود (1161) انظر البخاري: الأرقام: (1005، 1011، 1012، 1023، 1024، 1025، 1026، 1027، 1028، 6334)، ومسلم (894)، وراجع الجمع بين الصحيحين للحميدي (1/ 487) رقم (778).

ثم صلى ركعتين" وروى البخاري (¬1) من حديث عبد الله بن يزيد الخطمي قال: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج يومًا يستسقي، قال: فحوّل إلى الناس ظَهْرَه واستقبل القبلة يدعو ثم حوّل رداءه، ثم صلّى لنا ركعتين جهر فيهما بالقراءة" ولم يخرج مسلم عن عبد الله بن يزيد شيئًا كذا قاله الحميدي، قال: وليس له في البخاري إلا هذا الحديث وحديث النهي عن الثلة والنُّهْبَى. (¬2) 1072 - "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، فإنه يرفع يديه حتى يُرى بياض إبطيه". قلت: رواه الجماعة إلا الترمذي (¬3) كلهم في الاستسقاء، من حديث أنس، واللفظ للبخاري، وفي الصحيحين أنه - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه في مواطن كثيرة فيتأول حديث أنس على أنه لم يعلم، أو أنه أراد الرفع البليغ، والله أعلم. 1073 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء. قلت: رواه مسلم هنا، من حديث أنس، ولم يخرجه البخاري (¬4). وفيه دليل لما قاله جماعة من أصحابنا وغيرهم أن السنة في كل دعاء لدفع بلاء كالقحط ونحوه أن يرفع ¬

_ (¬1) الجهر من أفراد البخاري، أخرجه (1022) ووهّم الحافظ ابن حجر الحميديَّ في ادعائه أنه مما انفرد به البخاري فقال في الفتح (2/ 513): "أورد الحميدي في "الجمع" هذا الحديث فيما انفرد به البخاري، ووهم في ذلك، وسببه أن رواية مسلم وقعت في المغازي ضمن حديث لزيد بن أرقم" قلت: يبدو أن الوهم قد حصل من الحافظ نفسه، لأنني راجعت صحيح مسلم كتاب المغازي (3/ 1447) (1254) وليس فيه ذكر الجهر، وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 192): بعد ذكر الحديث: "وهو متفق عليه، لكن الجهر من أفراد البخاري". (¬2) انظر الجمع بين الصحيحين للحميدي (1/ 490) مسند رقم (60) وحديث المثلة أخرجه البخاري (2474)، والمثلة: التمثيل في القتيل بقطع أعضائه، والنُّهبي: أخذ المال بغير حق. (¬3) أخرجه البخاري (1031)، ومسلم (8959)، وأبو داود (. . .)، والنسائي (3/ 158)، وابن ماجه (1180). (¬4) أخرجه مسلم (896).

من الحسان

يديه ويجعل ظهر كفيه إلى السماء، وإذا دعا بسؤال شيء وتحصيله، جعل بطن كفيه إلى السماء. 1074 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رأى المطر قال: "صيبًا نافعًا". قلت: رواه البخاري من حديث عائشة، ولم يخرجه مسلم. (¬1) وصَيِّبًا نافعًا: أي اسقنا صيِّبًا نافعًا، قال في النهاية (¬2): أي منهمرًا متدفقًا. 1075 - قال: أصابنا ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مطر، قال: فحَسَر رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ثوبه حتى أصابه من المطر فقلنا: يا رسولَ الله لم صنعت هذا؟ قال: "لأنه حديث عهد بربِّه". قلت: رواه مسلم من حديث أنس، ولم يخرجه البخاري (¬3). وحَسَر عن ذراعيه: أي أخرج ذراعيه من كميه. من الحسان 1076 - " خرجَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المصلّى فاستسقى، وحوّل رداءه حين استقبل القبلة، فجعل عِطافه الأيمنَ على عاتِفه الأيسر، وجعل عِطافه الأيسَر على عاتِقِه الأيمن، ثم دعا الله تعالى". قلت: حديث عبد الله بن زيد: رواه الجماعة بألفاظ مختلفة، والمعنى متقارب، وقد ذكره البخاري في الاستسقاء في كتاب الدعوات، في "باب الدعاء مستقبل القبلة" والباقون في هذا الباب. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1032). (¬2) النهاية (3/ 64). (¬3) أخرجه مسلم (898). (¬4) أخرجه البخاري (6343)، ومسلم (894)، وأبو داود (1163)، والترمذي (556)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، والنسائي (3/ 155)، وابن ماجه (1267)، وانظر الفتح (11/ 144).

1077 - استسقى النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه خَميصة له سوداء، فأراد أن يأخذ أسفلها فيجعله أعلاها، فلما ثقُلت: "قلّبها على عاتِقَيه". قلت: رواه أبو داود والنسائي وغيرهما من حديث عبد الله بن زيد، قال النووي (¬1): وأسانيد هذا الحديث صحيحة أو حسنة، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، وفي رواية الإمام أحمد: "وتحوّل الناس معه". (¬2) 1078 - "أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستسفي عندَ أحجار الزيت، قائمًا يدعُو رافعًا يديه قِبَلَ وجهه لا يجاوِز بهما رأسه". قلت: رواه أبو داود من حديث عمير مولى آبي اللحم أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستسقي، وساقه، وكذا رواه المصنف في شرح السنة، وفي المصابيح، وأخرجه الترمذي والنسائي (¬3) من حديث عمير مولى آبي اللحم عن أبي اللحم ولا يعرف له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذا الحديث الواحد، وعمير مولى آبي اللحم له صحبة (¬4)، روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وخرج له مسلم والأربعة واسم أبي اللحم: عبد الله وقيل: خلاف، وهو بمد الهمزة اسم فاعل من أَبَى، قتل يوم حنين سنة ثمان من الهجرة، وقيل له: آبي اللحم لأنه كان لا يأكل اللحم، وقيل: لا يأكل ما ذبح على النصب، وأحجار الزيت: موضع بالمدينة، كان هناك أحجار علا عليها الطريق فاندفنت. ¬

_ (¬1) الخلاصة (2/ 877 رقم 3100). (¬2) أخرجه أبو داود (1164)، والنسائي (3/ 1569)، وأحمد (4/ 42)، والحاكم (1/ 327). (¬3) أخرجه أبو داود (1168)، والترمذي (557)، والنسائي (3/ 1599)، وإسناده صحيح. راجع كلام الشيخ أحمد شاكر في حاشيته على الترمذي، وأخرجه في شرح السنة (4/ 405 رقم 1162)، وانظر مصابيح السنة رقم (1067) قال الحافظ في "التلخيص الحبير" (2/ 204): قال في الإلمام: إسناده على شرط الشيخين. (¬4) انظر ترجمته في: الإصابة لابن حجر (4/ 731) وذكر هذا الحديث، والتقريب (5226).

1079 - "خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني في الاستسقاء مبتذلًا، متواضعًا، متخشعًا، متضرعًا". قلت: رواه الأربعة في الاستسقاء (¬1) من حديث إسحاق بن عبد الله بن كنانة قال: أرسلني الوليد بن عتبة، وكان أمير المدينة إلى ابن عباس أسأله: عن صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الاستسقاء، فقال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبتذلًا، متواضعًا، متضرعًا، حتى أتى المصلى فرقى على المنبر فلم يخطب خطبتكم هذه ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع، والتكبير، ثم صلّى ركعتين كما يصلي العيد، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وذكر أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتابه (¬2): أن إسحاق بن عبد الله بن كنانة روى عن أبي هريرة مرسلًا وابن عباس مرسلًا. 1080 - أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول إذا استسقى: "اللهم اشق عبادَك وبهيمَتَك وانشُرْ رحمَتك وأحيي بلدَك الميِّت". قلت: رواه مالك: عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول، ولم يذكر عن أبيه عن جده، فهو غير متصل، ورواه أبو داود من حديث سفيان عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. (¬3) 1081 - رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُواكئ فقال: "اللهم اسقنا غَيثًا مُغيثًا، مَريئًا مَريعًا، نافعًا غيرَ ضارٍ، عاجلًا غيرَ آجل، فأطبقت عليهم السماء". قلت: رواه أبو داود بإسناد صحيح (¬4) ولفظه: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يواكي، ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1165)، والترمذي (559)، والنسائي (3/ 156 - 157)، وابن ماجه (1266) وإسحاق بن عبد الله بن الحارث بن كنانة العامري، قال الحافظ: صدوق، التقريب (369). (¬2) الجرح والتعديل (1/ 226). (¬3) أخرجه مالك في الموطأ (1/ 190 - 1919)، رقم (2)، وأخرجه أبو داود (1176) وإسناده حسن. (¬4) أخرجه أبو داود (1169).

فصل

قال النووي (¬1): هكذا هو في جميع نسخ سنن أبي داود، ومعظم كتب الحديث: بَواكي بالباء الموحدة وفي معالم السنن للخطابي (¬2): رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يواكيءُ بالياء المثناة المضمومة وآخره مهموز، قال: ومعناه متحامل على يديه إذا رفعهما ومدَّهما في الدعاء، قال النووي: وهذا الذي ادَّعاه الخطابي لم تأت به الرواية، ولا انحصر الصوابُ فيه، بل ليس هو واضح المعنى، وفي روايةٍ للبيهقي: هَوَازِنُ، بدل: يواكئ. (¬3) فصل من الصحاح 1082 - كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا عَصَفت الريح قال: "اللهم إني أسألك خيرَها وخيرَ ما فيها، وخيَر ما أُرسِلَتْ به، وأعوذُ بك من شرها، وشر ما فيها، وشر ما أرسلت به، وإذا تخيَّلت السماءُ تغيّر لونُه، وخرجَ ودخلَ وأقبلَ وأدبَر، فإذا مَطَرتْ سُرّي عنه فعَرَفَت ذلك عائشةُ فسألتْه؟ فقال: لعلّه يا عائشةُ كما قال قومُ عالم: {فلما رأوه عارضًا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا} ". (سورة الأحقاف: آية 24). قلت: رواه الشيخان من حديث عائشة في هذا الباب. (¬4) وتخيّلت السماء: بفتح التاء المثناة من فوق، والخاء المعجمة وبتشديد الياء. ¬

_ (¬1) الخلاصة للنووي (2/ 879 رقم 3111). (¬2) (1/ 220 - 221). (¬3) في السنن الكبرى (3/ 355) وإلى هنا انتهى كلام النووي. (¬4) أخرجه البخاري (3206)، ومسلم (899).

آخر الحروف، وباللام، قال أبو عبيد (¬1) وغيره: من المَخيلة: بفتح الميم وهي: سحابةٌ فيها رعدٌ وبرق، يخيّل إليه أنها ماطرة، ويقال: أخالت إذا تغيّمت. وسُرّي عنه: بضم السين وبالراء المهملتين أي كشف عنه الخوف. - وفي رواية: ويقول إذا رأى المطر: "رحمة". قلت: رواها مسلم دون البخاري من حديث عائشة. 1083 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مفاتيح الغيب خمسٌ: {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث} الآية". (سورة لقمان: آية 34). قلت: رواه البخاري في الاستسقاء من حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر (¬2). قال في شرح السنة (¬3): ومفاتيح الغيب خزائنه. 1084 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ليست السَّنة بأن لا تُمطروا، ولكن السَّنَة أن تُمطَرُوا وتُمطروا ولا تُنْبِت الأرضُ شيئًا". قلت: رواه مسلم من حديث أبي هريرة. (¬4) والسَّنَة: الجدب، يقال: أخذتهم السَّنَة إذا أجدَبوا وقحطوا وهي من الأسماء الغالبة نحو الدابة في الفرس، والمال في الإبل. 1085 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "نُصرتُ بالصَّبا وأُهِلكتْ عادٌ بالدَّبور". قلت: رواه البخاري في الاستسقاء وفي بدء الخلق وفي غير ذلك، ومسلم في الصلاة، والنسائي في التفسير، ثلاثتهم من حديث مجاهد عن ابن عباس (¬5). والصَّبا: بفتح ¬

_ (¬1) انظر الغريبين (2/ 265). (¬2) أخرجه البخاري (8/ 29). (¬3) (4/ 423). (¬4) أخرجه مسلم (2904). (¬5) أخرجه البخاري (1035)، ومسلم (900)، والنسائي في الكبرى (11617).

من الحسان

الصاد المهملة مقصورة وهي الريح الشرقية. والدَّبور: بفتح الدال المهملة هي الريح الغربية. 1086 - "ما رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ضاحكًا حتى أرى منه لَهَواتهِ، إنما كان يَتَبسَّمُ فكان إذا رأى غَيمًا أو ريحًا عُرِف في وجهه". قلت: رواه البخاري في التفسير ومسلم في الاستسقاء وأبو داود في الأدب ثلاثتهم من حديث سليمان بن يسار عن عائشة. (¬1) واللهوات: جمع لهاة، وهي اللحمة التي بأعلى الحنجرة من أقصى الفم. من الحسان 1087 - سمعت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الريحُ من رَوْح الله تعالى، تأتي بالرحمة وبالعذاب، فلا تَسُبّوها، وسَلوا الله من خيرِها وعُوذوا به من شَرِّها". قلت: رواه أبو داود، وابن ماجه كلاهما في الأدب، والنسائي في اليوم والليلة، كلهم من حديث ثابت بن قيس الأنصاري المدني عن أبي هريرة (¬2) يرفعه، وأخرجه النسائي أيضًا من حديث ابن المسيب عن أبي هريرة، ومن حديث عمرو بن سليم عن أبي هريرة، قال المنذري (¬3): والمحفوظ حديث ثابت بن قيس. ومن روح الله أي من رحمته بعباده. 1088 - أن رجلا لعن الريحَ عندَ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لا تلعنوا الريح، فإنها مأمورةٌ، وإنّه من لعنَ شيئًا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه". (غريب). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4828)، ومسلم (899)، وأبو داود (5098). (¬2) أخرجه أبو داود (5097)، وابن ماجه (3727)، والنسائي في اليوم والليلة (931)، وإسناده صحيح. (¬3) مختصر المنذري (8/ 4).

قلت: رواه الترمذي في البر من حديث ابن عباس، وقال: غريب لا نعرف أحدًا أسنده غير بشر بن عمر. (¬1) 1089 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَسُبّوا الريحَ، فإذا رأيتم ما تكرهون، فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح، وخير ما فيها، وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح، وشر ما فيها وشر ما أمرتْ به". قلت: رواه الترمذي في الفتن، والنسائي في "اليوم والليلة" كلاهما من حديث أبي بن كعب، وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬2) 1090 - ما هَبّتْ ريح قَطّ إلا جَثا النبي - صلى الله عليه وسلم - على ركبتَيه قال: "اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابًا، اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا". قال ابن عباس: -رضي الله عنه- في كتاب الله: {أرسلنا عليهم ريحًا صرصرًا} القمر: 19، و {أرسلنا عليهم الريح العقيم} [الذاريات: 41، وقال: {وأرسلنا الرياح لواقح} الحجر: 22] و {مِن آياته أن يُرسِل الرياح مبشّرات} الروم: 46". قلت: رواه الشافعي في العيدين عمن لا يتهم، قال: أخبرنا العلاء بن راشد عن عكرمة عن ابن عباس، ورواه البيهقي في السنن. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1978)، وأبو داود (4908) وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه الترمذي (2252)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (934) وإسناده صحيح. (¬3) أخرجه الشافعي (1/ 175 رقم 502)، والبيهقي في معرفة السنن والآثار (5/ 189 رقم 7246) وإسناده ضعيف جدًّا فيه العلاء بن راشد مجهول يرويه عن إبراهيم بن أبي يحيى وهو الأسلمي متروك، وقد سبق.

1091 - كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أبصرْنا شيئًا من السماء -تعني السحاب- ترك عمَلَه واستقبَله قال: "اللهم اني أعوذ بك من شر ما فيه، فإن كشَفَه الله حَمِد الله تعالى، وإن مطرَتْ قال: اللهم سُقيًا نافعًا". قلت: رواه الشافعي وأبو داود في الأدب وابن ماجه في الدعاء كلهم من حديث عائشة، وهو حديث حسن. (¬1) 1092 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سمع صوتَ الرعد والصواعق، قال: "اللهم لا تقتلنا بغَضَبك، ولا تُهلكنا بعذابك، وعافِنا قبل ذلك (غريب) ". قلت: رواه الترمذي في كتاب الدعاء في أواخر الجامع بسند جيد (¬2) من حديث ابن عمر، وقد عزاه النووي في الخلاصة (¬3) لرواية البيهقي، وقال: وفي سنده الحجاج بن أرطأة، وهو قصور فإن الحديث في الترمذي من غير طريق الحجاج، والله أعلم. ¬

_ (¬1) أخرجه الشافعي في المسند (1/ 174) رقم (501)، وأبو داود (5099) والنسائي (3/ 164)، وابن ماجه (3889). (¬2) أخرجه الترمذي (3450) وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وفي إسناده الحجاج بن أرطاة ولم أجد طريقا بدونه عند الترمذي. والله أعلم. وقال ابن علان في "الفتوحات الربانية على الأذكار النووية" (4/ 284) عن ابن الجزري أنه قال في "تصحيح المصابيح": "ورواه النسائي في عمل اليوم والليلة" والحاكم وإسناده جيد، وله طرق" وراجع سلسلة الأحاديث الضعيفة (1042). (¬3) الخلاصة (ح 2/ 888 رقم 3148).

كَشْفُ المنَاهِجِ وَالتَّنَاقِيحِ في تَخْريِجِ أحَادِيثِ المَصَابِيحِ تَأليفُ صَدْر الدَّينِ مُحَمَّد بْنِ إبْرَاهِيم السُّلَمِيّ المُنَاوِيّ (ت: 803 هـ) قَدَّم له سَمَاحَة الشيخ/ صالح بن محمَّد اللحيْدان رئيس مجلس القضاء الأعلى وعضو هيئة كبار العلماء دِرَاسَة وتحقيق د. مُحمَّد إِسْحَاق مُحَمَّد إبْرَاهِيم جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية المُجَلّد الثاني الدار العربية للموسوعات

ح محمد إسحاق محمد إبراهيم، 1425 هـ فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر المناوي، محمد بن إبراهيم كشف المناهج والتناقيح في تخريج أحاديث المصابيح./ محمد بن إبراهيم المناوي.- الرياض، 1425 هـ 5 - مج. ردمك: 3 - 134 - 46 - 9960 (مجموعة) × 9960 - 46 - 136 - (ج 2) 1 - الحديث- تخريج أ. العنوان ديوي 237.6 3578/ 1425 رقم الإيداع: 3578/ 1425 ردمك: 3 - 134 - 46 - 9960 (مجموعة) × 9960 - 46 - 136 - (ج 2) الدار العربية للموسوعات الحازمية - ص. ب: 511 - هاتف: 952594/ 009615 - فاكس: 459982/ 009615 هاتف نقال: 388363/ 009613 - 525066/ 009613 - بيروت - لبنان البريد الإلكتروني: E-mail:[email protected] مؤسسها ومديرها العام: خالد العاني

كتاب الجنائز

كتاب الجنائز باب عيادة المريض من الصحاح 1093 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أطعِموا الجائع، وعُودوا المريض، وفكُّوا العاني". قلت: رواه البخاري في مواضع منها في الأطعمة وفي النكاح وفي الجهاد وأبو داود في الجهاد والنسائي في السير وفي الطب كلهم، من حديث أبي موسى يرفعه. (¬1) والعاني: بالعين المهملة هو الأسير. (¬2) 1094 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيتَه فسلِّم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانْصَحّ له، وإذا عَطَسَ فحَمد الله تعالى فشَمِّته، وإذا مَرِض فَعُدْه وإذا مات فاتبعه". قلت: رواه مسلم في الاستئذان من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة، ولم يخرج البخاري مجموع هذا اللفظ كما رواه مسلم. (¬3) 1095 - "أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبع، ونهانا عن سبع، أمَرنا بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، وردّ السلام، وإجابة الداعي، وإبرار المُقْسِم ونصرِ ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5373)، وفي النكاح (5174)، وفي الأطعمة (7173)، وفي كتاب المرضى (5649)، وفي الجهاد (3046)، وأبو داود (3105)، والنسائي في الكبرى (8666). (¬2) سقط حديث بعد هذا الحديث من جميع نسخ "كشف المناهج" وهو في المصابيح المطبوع برقم (1084) ونصه: وقال: "حق المسلم على المسلم خمسٌ: "ردُّ السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس .. ، أخرجه البخاري (1240)، ومسلم (2162) عن أبي هريرة. (¬3) أخرجه مسلم (2162).

المظلوم، ونهانا عن خاتَم الذهب، وعن الحرير، والاستبرق، والديباج، والميثَرة الحمراء، والقَسِّي وآنية الفضة". قلت: رواه البخاري بألفاظ متقاربة في تسعة أبواب منها: في الجنائز وفي المظالم وفي الطب وفي إفشاء السلام، ومسلم في الأطعمة والترمذي في الاستئذان والنسائي في الجنائز وفي مواضع أُخر، وابن ماجه في الكفارات، كلهم من حديث البراء بن عازب. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: وإبرار المقسم: أي تصديق من أقسم عليه، وهو أن يفعل ما مسألة الملتمس، وأقسم عليه أن يفعله، وفي الحديث: "لو أقسم على الله لأبره"، ويجوز أن يكون المراد تصديق من حلف على شيء، ومنه الحديث: "من حلف بالله فصدّقوه". قوله - صلى الله عليه وسلم -: ونهانا عن خاتم الذهب والفضة. قال الخطابي (¬2): هذه الخصال مختلفة المراتب في حكم العموم والخصوص، وفي حكم التحريم، فتحريم خاتم الذهب وما يذكرهر معه من تحريم الحرير والديباج خاص بالرجال دون النساء وتحرم آنية الفضة عام في كل. والميثرة: بالكسر مفعلة وهي: من مراكب العجم تعمل من حرير أو ديباج كالفراش الصغير وتحشى بقطن أو صوف ويجعلها الراكب تحته على رحل أو سرج. والقَسِّي: بفتح القاف وكسر السين المهملة المشددة. قال الجوهري (¬3): ثياب تحمل من مصر يخالطها الحرير، قال: وقال أبو عبيد: هي منسوبة إلى بلاد يقال لها القَسّ، قال: ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الجنائز (1239)، وفي المظالم (2445)، وفي الطب (5650)، وفي إفشاء السلام (6235)، وفي النكاح (5175)، وفي الأشربة (5635)، وفي اللباس (5849)، (5838)، (5863)، وفي الأيمان والنذور (6654)، ومسلم (2069) والنسائي (7/ 8) والترمذي في الكفارات (2809)، وفي الاستئذان (1760) مختصرًا، وابن ماجه (2115) و (3589). (¬2) أعلام الحديث للخطابي (1/ 660 - 663). (¬3) الصحاح للجوهري (3/ 963)، وغريب الحديث لأبي عبيد (1/ 226)، ومعجم البلدان (4/ 346).

وقد رأيتها، ولم يعرِفْها الأصمعي، قال: وأصحاب الحديث يقولونه بالكسر، وأهل مصر بالفتح انتهى كلام الجوهري. - وفي رواية: "وعن الشرب في الفضة، فإنه من شَرِب فيها في الدنيا، لم يشرب فيها في الآخرة". قلت: رواها الشيخان وهي رواية من الحديث المتقدم عن البراء. (¬1) 1096 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم، لم يَزَلْ في خُرْفة الجنة حتى يرجع". قلت: رواه مسلم في الأدب والترمذي في الجنائز (¬2) من حديث ثوبان ولم يخرجه البخاري ولا أخرج في كتابه عن ثوبان شيئًا. وخرفة الجنة: بضم الخاء المعجمة جَنَاها. 1097 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تعالى يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضتُ فلم تعدني، قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمتَ أن عبدي فلانًا مرِض فلم تَعُدْه؟ أما علمتَ أنك لو عُدْتَه لوجدتني عنده؟ ابن آدم! استطعمتُكَ فلم تُطعمني قال: يا رب! كيف أطعمك وأنت رب العالمين قال: أما علمتَ أنه استطعَمَك عبدي فلانٌ فلم تُطعِمه؟ أما علمتَ أنك لو أطعمتَه لوَجدت ذلك عندي؟ يا ابن آدم! قال: استسقيتُك فلم تُسْقني، قال: يا ربّ! كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تُسقه، أما علمتَ أنك لو سقيتَه لوجدتَ ذلك عندي؟ ". قلت: رواه مسلم في الأدب والترمذي في الزهد كلاهما من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2066). (¬2) أخرجه مسلم (2568)، والترمذي (967). و"خُرفة الجنة" أي في روضتها، المرقاة (2/ 295). (¬3) أخرجه مسلم (2569)، والترمذي (967).

1098 - إنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على أعرابي يعودُه، وكان إذا دخل على مريض يعودُه قال: "لا بأس، طَهُور إن شاء الله تعالى فقال: لا بأس، طهور إن شاء الله، قال: كلّا بل حُمّى تفور على شيخ كبير تُزِيْره القبور"، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فَنَعمْ إذًا". قلت: رواه البخاري في الطب، وفي علامات النبوة وفي التوحيد والنسائي في الطب وفي اليوم والليلة كلاهما من حديث عكرمة عن ابن عباس. (¬1) وطَهور: خبر مبتدأ محذوف أي مرضك طهور، وتفور أي يظهر حرها. 1099 - "كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اشتكى منا إنسان مسحه بيمينه ثم قال: أذهِب البأس ربِّ الناس، واشف أنت الشافي لا شفاءَ إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سَقَمًا". قلت: رواه الشيخان والنسائي وابن ماجه، أربعتهم في الطب (¬2) من حديث عائشة. ويغادر: بغين معجمة وقال مهملة أي يترك، والسُّقم: المرض، وهو بضم السين وإسكان القاف وبفتحها لغتان. 1100 - كان إذا اشتكى الإنسانُ الشيءَ منه، أو كانَتْ به قَرْحة أو جَرْح، قال: النبي - صلى الله عليه وسلم - بإصبعه: "بسم الله، تُرْبة أرضِنا، يرِيْقَةِ بعضِنا ليُشفى سقيمُنا بإذن ربنا". قلت: رواه الجماعة إلا الترمذي من حديث عائشة في الطب. (¬3) قال جمهور العلماء: المراد بأرضنا هنا، جملة الأرض، وقيل: أرض المدينة لبركتها. والريقة: أقل من الريق، ومعنى الحديث: أنه يأخذ من ريق نفسه، على أصبعه السبابة ثم يضعها على التراب فيعلق بها منه شيء، فيمسح به على الموضع الجريح أو العليل، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5662)، وفي المناقب (3616)، وفي المرضى (5656)، وفي التوحيد (7470)، والنسائي في الكبرى (7499)، (10878)، وفي عمل اليوم والليلة (1039). (¬2) أخرجه البخاري (5675)، ومسلم (2191)، والنسائي (10855)، وابن ماجه (3520). (¬3) أخرجه البخاري (5743)، ومسلم (2194). وأبو داود (3895)، والنسائي في الكبرى (7550)، وابن ماجه (3521).

ويقول هذا الكلام في حال المسح (¬1)، وقد دلّت الأحاديث الصحيحة، واتفقت الأطباء أيضًا على أن الرقى له مدخل في تعليل المزاج، ولتراب الوطن تأثير في حفظ المزاج الأصلي، ولهذا قيل إنه ينبغي للمسافر أن يستصحب معه تراب أرضه، إن عجز عن استصحاب مائها حتى إذا ورد غير الماء الذي يعتاده جعل منه شيئًا في سقائه وشرب لدفع تغيّر المزاج. (¬2) قال عياض (¬3): واختلف قول مالك في رقية النصراني واليهودي للمسلم وبالجواز قال الشافعي. قوله بأصبعه: هو في موضع الحال من فاعل قال، وتربة أرضنا: خبر مبتدأ محذوف، أي هذه تربة أرضنا، ويريقة بعضنا: في موضع الحال، تقدير الكلام: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - مشيرًا بأصبعه: بسم الله هذه تربة أرضنا، معجونة بريقة بعضنا، فقلنا ذلك ليشفى سقيمنا بإذن ربنا فاللام في ليشفى تعليلية، والله أعلم. 1101 - "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا اشتكى نَفَث على نفسه بالمعوّذات ومسحَ عنه بيده، فلمّا اشتكى وَجَعَه الذي تُوفي فبه، كنتُ أنفث عليه بالمعوّذات التي كان ينفث، وأمسح بيد النبي - صلى الله عليه وسلم -". قلت: رواه البخاري في فضائل القرآن وفي غيره ومسلم وأبو داود وابن ماجه كلهم في الطب (¬4). 1102 - ويُروى: "كان إذا مرض أحد من أهل بيته نَفَث عليه بالمعوّذات". ¬

_ (¬1) إلى هنا مأخوذ من النووي، انظر المنهاج (14/ 263 - 264). (¬2) هذا كلام الفلاسفة، غريب عن المؤلف أن يذكر مثله. (¬3) إكمال المعلم لقاضي عياض (7/ 101). (¬4) أخرجه البخاري في فضائل القرآن (5016)، ومسلم (2192)، وأبو داود (3902)، وابن ماجه (3529).

قلت: رواه مسلم. (¬1) والنفث: بالنون والفاء والثاء الثلثة، شبيه بالنفخ، وهو أقل من التفل لأن التفل لا يكون إلا ومعه شيء من الريق، والمعوّذات: بكسر الواو، قال عياض: وفائدة النفث: التبرك بالهواء والنفس المباشر للرقية، والذكر الحسن كما يتبرك بغسالة ما يكتب من الذكر والأسماء الحسنى، وكان مالك ينفث إذا رقى نفسه، وكان يكره الرقية بالحديدة، والملح والذي يعقد والذي يكتب خاتم سليمان، والعقد يشتد كراهة والله أعلم. (¬2) 1103 - أنه شكى إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وجعًا يجده في جسده، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل: بسم الله ثلاثًا، وقل سبع مرات: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أَجِد وأحاذر" قال: ففعلت، فأذهَبَ الله تعالى ما كان بي. قلت: رواه الجماعة إلا البخاري كلهم في الطب إلا النسائي رواه في اليوم والليلة (¬3). من حديث عثمان بن أبي العاص. 1104 - "أن جبريل أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد اشتكيت؟ فقال: "نعم" قال: بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك، بسم الله أرقيك". قلت: رواه مسلم وابن ماجه كلاهما في الطب والترمذي في الجنائز والنسائي في النعوت أربعتهم من حديث أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2192). (¬2) إكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 101). (¬3) أخرجه مسلم (2202)، وأبو داود (3891)، والترمذي (2080)، وابن ماجه = = (3522)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (999) (1001). (¬4) أخرجه مسلم (2186)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (1005)، والترمذي (972)، وابن ماجه (3523).

وهذا تصريح بمشروعية الرُقى بأسماء الله تعالى، وفيه توكيد الرقية والدعاء وتكريره، قوله: من شر كل نفس، قيل: يحتمل أن يكون المراد نفس الآدمي، وقيل: يحتمل أن المراد بها العين، فإن النفس يطلق على العين، يقال رجل منفوس: إذا كان يصيب الناس بعينه، ويكون قوله: أو من عين حاسد، من باب التوكيد بلفظ مختلف أو شك من الراوي. 1105 - كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوِّذ الحسن والحسين، ويقول: "إن أباكما، يعني إبراهيم عليه السلام، كان يعوّذ بها إسماعيل وإسحاق، أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامّة، ومن كل عين لامّة". قلت: رواه البخاري في أحاديث الأنبياء وأبو داود في السنة والترمذي وابن ماجه كلاهما في الطب، والنسائي في "اليوم والليلة" كلهم من حديث المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. (¬1) وكلمات الله التامة: جمع مضاف فيفيد العموم فدخل في ذلك كل ما أنزله على الأنبياء عليهم السلام، قال ابن الأثير (¬2): وإنما وصف كلامه تعالى بالتمام لأنه لا يجوز أن يكون في شيء منه نقص ولا عيب كما يكون في كلام الناس، واحتج الإمام أحمد بهذا الحديث على القائلين بخلق القرآن، فقال: لو كانت كلمات الله مخلوقة لم أعاذهما النبي - صلى الله عليه وسلم - بها، إذ لا يجوز أن يعيذ مخلوقًا بمخلوق ولما وصفت بالتامة. والهامة: بتشديد الميم واحدة الهوام، قال الجوهري (¬3): ولا يقع هذا الاسم إلا على المخوف من الأحناش، قال ابن الأثير (¬4): هي كل ذات سَمّ يَقْتُل، وأما ما له سم ولا يقتل فقيل هو ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3371)، وأبو داود (4737)، والترمذي (2060)، وابن ماجه (3525)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (1006)، (1007). (¬2) النهاية (1/ 197). (¬3) الصحاح للجوهري (5/ 2062). (¬4) النهاية (5/ 275).

السّامّ، كالعقرب والزنبور، قال: وقد يقع الهوام على كل ما يدبّ من الحشرات، كان لم يقتل، ولامة: قال ابن الأثير (¬1): أي ذات لَمَم، ولذلك لم يقل "مُلِمَّة" وأصْلُها من أَلْمَمْتُ بالشيء، يزاوِجَ قوله "من شرّ كلِّ سامّة". 1106 - وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من يرد الله به خيرًا يُصِبْ منه". قلت: رواه البخاري والنسائي كلاهما في الطب من حديث سعيد بن يسار عن أبي هريرة. (¬2) ويُصِبْ منه: قال الزمخشري (¬3): يَنَلْ منه بالصائب. 1107 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما يُصيبُ المسلِمَ من نَصَبٍ، ولا وَصَبٍ، ولا همّ، ولا حَزَن، ولا أذى، ولا غمّ، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفّر الله تعالى بها من خطاياه". قلت: رواه البخاري في الطب ومسلم في الأدب، واللفظ للبخاري كلاهما من حديث أبي سعيد وأبي هريرة. (¬4) والوصب: بالواو والصاد المهملة المفتوحتين والباء الموحدة، دوام الوجع ولزومه، والهم والحزن: قال بعضهم هما متغايران فالهم يختص بما هو آت والحزن بما مضى. 1108 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إني أُوْعَك كما يُوعَك رجلان منكم" قيل: ذاك لأن لك أجرين؟ قال: "أجل" ثم قال: "ما من مسلم يصيبُه أذى من مرضٍ فما سواه، إلا حطّ الله سيئاتِه كما تَحُطّ الشجرة وَرَقَها". قلت: رواه البخاري في الطب ومسلم في الأدب والنسائي في الطب كلهم. ¬

_ (¬1) المصدر السابق (4/ 272) ووقع في المخطوط: "ليزاوج" "قوله: "من شر كل هامّة" بدل "سامّة". (¬2) أخرجه البخاري (5645)، والنسائي في الكبرى (7478). (¬3) الفائق للزمخشري (2/ 321). (¬4) أخرجه البخاري (5641) (5642)، ومسلم (2573).

من حديث عبد الله بن مسعود. (¬1) والوعك: حرارة الحمّى وأَلَمُها، وقد وَعَكه المرضُ وعكًا فهو موعوك. 1109 - قالت: ما رأيت أحدًا الوجعُ عليه أشدُّ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قلت: رواه الشيخان البخاري في الطب ومسلم في الأدب والنسائي في الطب وابن ماجه في الجنائز كلهم من حديث مسروق عن عائشة. (¬2) 1110 - قالت: مات النبي - صلى الله عليه وسلم - بين حاقنتي وذاقنتي، فلا أكره شدةَ الموت لأحد أبدًا بعدَ النبي - صلى الله عليه وسلم -. قلت: رواه البخاري في أواخر الغزوات في أبواب مرضه - صلى الله عليه وسلم -، من حديث القاسم بن محمد عن عائشة. (¬3) والحاقنة: بالحاء المهملة والقاف والنون، موضع القلادة من الصدر. والذاقنه: بالذال المعجمة والقاف والنون، فوق ذلك، وقيل: الحاقنة النقرة التي بين الترقوة وحبل العاتق، والذاقنة: طرف الحلقوم. 1111 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَثل المؤمن كمثل الخامَة من الزرع، تُفَيّئها الرياح، تصرعها مرة، وتعد لها أُخرى حتى يأتيه أجله، ومثل المنافق كمثل الأَرزة المُجْذيَة التى لا يصيبها شيء، حتى يكون انجعافُها مرةً واحدةً". قلت: رواه البخاري والنسائي كلاهما في الطب ومسلم في التوبة كلهم من حديث كعب بن مالك. (¬4) والخامة من الزرع: بالخاء المعجمة وتخفيف الميم الطاقة، الغضّة اللينة من الزرع، ويُفيئها: يميلها يمينًا وشمالًا، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5648)، ومسلم (2571)، والنسائي (7503). (¬2) أخرجه البخاري (5646)، ومسلم (2570)، ابن ماجه (1622)، والترمذي (2397). (¬3) أخرجه البخاري (4446). (¬4) أخرجه البخاري (5643)، ومسلم (2810)، والنسائي في الكبرى (7479).

والأرزة: قال النووي (¬1): بفتح الهمزة وبراء مهملة ساكنة ثم زاي معجمة، هذا هو المشهور في ضبطها، وهو المعروف في الروايات، وذكر الجوهري وصاحب (¬2) الغريبين أنها تقال أيضًا: بفتح الراء، وهو: شجر معروف، يقال له الأُرْزَن، يشبه شجر الصنوبر، والمجذية: بميم مضمومة وجيم ساكنة، وذال معجمة مكسورة، وياء آخر الحروف وهي الثابتة، قوله - صلى الله عليه وسلم -: حتى يكون انجعافها بالنون والجيم والعين والفاء أي انقلابها. (¬3) 1112 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "مثلُ المؤمن مثلُ الزرع، لا تزال الريح تُميله، ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء، ومثل المنافق كمثل شجرة الأرزة، لا تَهتزّ حتى تُستَحْصَد". قلت: رواه الشيخان: البخاري في الطب وفي باب المشيئة من كتاب التوحيد، ومسلم في التوبة والترمذي في الأمثال من حديث أبي هريرة واللفظ لمسلم والترمذي. (¬4) وتستحصد أي تقطع. 1113 - دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أم السائب فقال: "ما لَكِ تزفزفين؟ "، قالت: الحمّى، لا بارك الله فيها، فقال: "لا تَسُبِّي الحمّى فإنها تُذهِب خطايا بني آدم كما يُذهِب الكير خَبَث الحديد". قلت: رواه مسلم في الأدب من حديث جابر بن عبد الله ولم يخرجه البخاري. (¬5) والكير: بالكسر كير الحداد، وهو المبني بالطين، وقيل: الزق التي تنفخ به النار، والمبنى الكور. ¬

_ (¬1) المنهاج (17/ 221 - 222). (¬2) الصحاح للجوهري (3/ 863)، والغريبين للهروي (1/ 41) وذكر هذا الحديث. (¬3) قال النووي: معنى الحديث أن المؤمن كثير الآلام في بدنه أو أهله أو ماله، وذلك مكفّر لسيئاته ورافع لدرجاته، وأما الكافر فقليلها وإن وقع به شيء لم يكفر شيئًا من سيئاته، بل يأتي بها يوم القيامة كاملة. المنهاج (17/ 223). (¬4) أخرجه البخاري (5644)، وفي التوحيد (7466)، ومسلم (2809)، والترمذي (2866). (¬5) أخرجه مسلم (2575).

1114 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا مرض العبد أو سافر كُتب له بمثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا". قلت: رواه البخاري في الجهاد وأبو داود في الجنائز واللفظ للبخاري من حديث أبي بردة عن أبي موسى ولم يخرجه مسلم. (¬1) 1115 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "الطاعون شهادة كل مسلم". قلت: رواه البخاري في الطب ومسلم في الجهاد كلاهما من حديث حفصة بنت سيرين عن أنس يرفعه. (¬2) والطاعون: قال ابن الأثير (¬3): هو المرض العام والوباء الذي يفسد الهواء فتفسد به الأمزجة والأبدان. 1116 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله تعالى". قلت: رواه البخاري في الصلاة هو ومسلم في الجهاد، والترمذي في الجنائز والنسائي في الطب كلهم من حديث أبي صالح عن أبي هريرة يرفعه. (¬4) والمطعون: هو الذي يموت في الطاعون، والمبطون: هو صاحب ذات البطن وهو الإسهال، قال القاضي (¬5): وقيل: هو الذي به الاستسقاء وانتفاخ البطن، وقيل: من به داء البطن مطلقًا، قال العلماء: وإنما كانت هذه الموتات شهادة بتفضل الله تعالى بسبب شدتها وكثرة ألمها، قالوا: والمراد بشهادة هؤلاء غير المقتول في سبيل الله أنهم ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2996)، وأبو داود (3091). (¬2) أخرجه البخاري (5732)، ومسلم (1916). (¬3) النهاية (3/ 127). (¬4) أخرجه البخاري (653)، وفي الجهاد (2829)، وفي الطب (5733)، ومسلم (1914)، والترمذي (1063)، والنسائي في الكبرى (7528). (¬5) إكمال المعلم (6/ 343 - 344)، وانظر كذلك المنهاج (13/ 92 - 93).

يكون لهم في الآخرة ثواب الشهداء وأما في الدنيا فيغسلون ويصلى عليهم، والشهداء ثلاثة أقسام: شهيد في الدنيا والآخرة، وهو المقتول في حرب الكفار، وشهيد في الآخرة دون الأحكام في الدنيا، وهم هؤلاء المذكورون هنا، وشهيد في الدنيا دون الآخرة، وهو من غلّ في الغنيمة أو قتل مدبرًا. 1117 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس من أحد يقعُ الطاعونُ فيمكث في بلده صابرًا محتسبًا، يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له، مثل أجر شهيد". قلت: رواه البخاري في مواضع منها في الطب وفي القدر (¬1) من حديث يحيى بن يعمر عن عائشة. 1118 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "الطاعون رِجزٌ أرسلَ على طائفة من بني إسرائيل، أو على من كان قبلَكم، فإذا سمعتم به بأرض فلا تَقدُموا عليه، وإذا وقع بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرجوا فِرارًا منه". قلت: رواه البخاري في ذكر بني إسرائيل، ومسلم في الطب والترمذي في الجنائز والنسائي في الطب كلهم من حديث عامر بن سعد عن أسامة ابن زيد. (¬2) والرجز: قال ابن الأثير (¬3): بكسر الراء العذاب والإثم والذنب، ورِجْز الشيطان: وَساوِسه. 1119 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تعالى قال: إذا ابتليتُ عبدي بحبيبتيه ثم صَبَر، عوضتُه منهما الجنة" -يريد عينيه-. قلت: رواه البخاري في كتاب المرضى من حديث أنس. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الطب (5734)، وفي أحاديث الأنبياء (3474). (¬2) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء (3473)، ومسلم (2218)، والترمذي (1065)، والنسائي (7523). (¬3) النهاية (2/ 200). (¬4) أخرجه البخاري (5653).

من الحسان

من الحسان 1120 - سمعت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من مسلم يعود مسلمًا غُدْوَةً إلا صلّى عليه سبعونَ ألف ملَك حتى يُمسي، ولا يعودُه مساءً إلا صلّى عليه سبعونَ ألف ملَك حتى يُصبح، وكان له خريفٌ في الجنة". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه كلاهما في الجنائز والنسائي في الطب موقوفًا على علي، قال أبو داود: وقد أسند هذا عن علي من غير وجه صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬1) 1121 - عادَني النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجع كان بعينيَّ. قلت: رواه أبو داود هنا من حديث زيد بن أرقم وسكت عليه هو والمنذري، ورواه الحاكم، وقال: هو صحيح على شرط الشيخين، قال: وله شاهد صحيح من رواية أنس فذكره بإسناده عن أنس قال: عادَ النبي - صلى الله عليه وسلم - زيد بن أرقم من رمد كانَ به. (¬2) 1122 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من توضأ فأحسنَ الوضوءَ، وعاد أخاه المسلم محتسبًا بُوعِد من جهنم مسيرةَ ستينَ خريفًا". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3098) موقوفًا على علي رضى الله عنه ثم ذكره عنه مرفوعًا. (3099)، والترمذي (969)، وابن ماجه (1442). ورجاله ثقات ولكن اختلف في وقفه ورفعه وقد تناوله الدارقطني في العلل (3/ 261) فرجّح رواية الموقوف وهي رواية شعبة عن الحكم والحديث إسناده صحيح كما قال أبو داود، وصححه الحاكم (1/ 349). وقد صححه الشيخ الألباني في الصحيحة (1367) وذكر طرقه فراجعه. (¬2) أخرجه أبو داود (3102)، والحاكم (1/ 342)، أما قول الحاكم: صحيح على شرط = = الشيخين، فليس بدقيق، لأن في الإسناد: يونس بن أبي إسحاق لم يرو له البخاري في الصحيح إنما روى له في "القراءة خلاف الإمام" فهو ليس على شرطه. ثم إن أبا إسحاق السبيعي كان قد اختل بآخره وكل من روى عنه فقد روى عنه في زمن الاختلاط عدا شعبه والثوري وهذا ليس منها كما ترى. ولكن الحديث يتقوّى بشاهد من حديث أنس عند الحاكم (1/ 342). انظر صحيح أبي داود (2716).

قلت: رواه أبو داود في الجنائز (¬1) من حديث أنس، وفي إسناده: الفضل ابن دَلْهم القصاب، بصري، وقيل: واسطي، قالى يحيى بن معين: ضعيف الحديث، وقال مرة: حديثه صالح، وقال ابن حبان: هو غير محتج به إذا انفرد، وقال أبو داود: ليس بالقوي. 1123 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من مسلم يعود مسلمًا فيقول سبع مراتٍ أسالُ الله العظيم، ربّ العرش العظيم أن يشفيك، إلا شُفي، إلا أن يكون قد حضر أجَله". (غريب) قلت: رواه أبو داود في الجنائز والترمذي في الطب والنسائي في "اليوم والليلة" ثلاثتهم من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس يرفعه، وقال الترمذي: حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث المنهال بن عمرو انتهى (¬2). وفي إسناده يزيد بن عبد الرحمن الدّالاني وثّقه أبو حاتم، وتكلم فيه غير واحد كذا قاله المنذري (¬3). وروى له الأربعة، واختلف في اسم أبيه، قال الذهبي: قال ابن عدي في حديثه لين وقد تقدم. (¬4) 1124 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يُعَلّمهم من الحُمّى ومن الأوجاع كلّها أن يقولوا: "بسم الله الكبير أعوذ بالله العظيم من شر كل عرقٍ نَعَّار، ومن شر حَر النار". (غريب). ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3097) وإسناده ضعيف انظر مختصر السنن للمنذري (4/ 277) وقال الحافظ في التقريب (5437): الفضل بن دلهم: ليّن ورمي بالاعتزال. (¬2) أخرجه أبو داود (3106)، والترمذي (2080)، والنسائي في "اليوم والليلة" (1053)، (1056)، والحاكم (1/ 342). (¬3) انظر مختصر سنن أبي داود (4/ 281). (¬4) ويزيد أبو خالد الدالاني قال الحافظ: صدوق يخطيء كثيرًا. راجع ترجمته في الجرح (9/ 277)، والكامل (7/ 2732)، ولفظه: "له أحاديث صالحة، وفي حديثه لين، إلا أن مع لينه يكتب حديثه". وانظر قول الذهبي في الكاشف (2/ 422)، والتقريب (8132).

قلت: رواه الترمذي وابن ماجه (¬1) كلاهما في الطب من حديث إبراهيم ابن إسماعيل بن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس، قال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم وهو ضعيف انتهى. قال الدارقطني: متروك. ونعَّار بفتح النون والعين المهملة المشددة والألف والراء، قال ابن الأثير (¬2): نَعَر العِرْقُ بالدم إذا ارتفع وعلا. 1125 - سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من اشتكى منكم شيئًا أو اشتكاه أخٌ له فليقل: ربُّنا الله الذي في السماء تقدّس اسمك، أمرُك في السماء والأرض، كما رحمتُك في السماء، فاجعلْ رحمتَك في الأرض، اغفرْ لنا حُوْبَنَا وخطايانا أنتَ رب العالمين، أنزل رحمةً من رحمتِك، وشفاءً من شفائك على هذا الوجع فيبرأ". قلت: رواه أبو داود في الطب والنسائي في "اليوم والليلة" من حديث (¬3) أبي الدرداء يرفعه، وفي إسناد الحديث: زيادة بن محمد الأنصاري، قال البخاري والنسائي وابن حبان وأبو حاتم، منكر الحديث. وحُوبنا: بفتح الحاء المهملة وضمها أي: إثمنا، والوجع: ضبطه بعضهم بكسر الجيم وهو من به وجع. 1126 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا جاء الرجل يعود مريضًا فليقل: اللهم اشف عبدك، يَنكَأُ لك عدوًا، أو يمشي لك إلى جنازة". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2075)، وابن ماجه (3526) وانظر قول الدارقطني في "الضعفاء والمتروكون" (32)، والكاشف (ت 114) وقال الحافظ في "التقريب" ضعيف (147). وأخرجه ابن عدي في الكامل (1235) ضمن ترجمة إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة. (¬2) النهاية (5/ 81). (¬3) أخرجه أبو داود (3892)، والنسائي في اليوم والليلة (1038). وأخرجه ابن عدي في الكامل (3/ 1054) ضمن ترجمة زيادة بن محمد، وذكر قول البخاري فيه. وقد تفرد به زيادة كما قال الذهبي، وقال الحافظ في التقريب (2125): منكر الحديث من السادسة.

قلت: رواه أبو داود في الجنائز، من حديث عبد الله بن عمرو، وسكت عليه هو والمنذري. (¬1) وينكأ: قال ابن الأثير (¬2): نكيتُ في العدُوّ أنكِى نِكايةً إذا أكثرتَ فيهم الجراحة والقتل، فوهنوا لذلك، وقد يهمز، يقال: نكأت القَرْحة أنكؤُها إذا قشرتها. 1127 - سُئِلتْ عائشة رضي الله عنها عن قول الله تعالى: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} البقرة: 284 وعن قوله: {ومن يعمل سوءًا يجز به} النساء: 123 فقالت: سألت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "هذه معاتبةُ الله العبدَ ما يُصيبه من الحُمّى والنَّكبة، حتى البِضاعَة يضعُها في يد قميصه، فيفقِدُها فيفزع لها، حتى إن العبدَ ليخرجُ من ذنوبه كما يخرج التِّبْرُ الأحمرُ من الكيرِ". قلت: رواه الترمذى في التفسير (¬3) من حديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أمية أنها سألت عائشة، وقال: غريب، لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة. هكذا وقع في عدة من الأصول الصحاح القديمة ووقع في بعض النسخ المتأخرة عن أمّه، قال الذهبي (¬4): وهو خطأ. قوله - صلى الله عليه وسلم -: هذه معاتبة الله: الإشارة إلى مفهوم الآية المسؤول عنها أي محاسبة الله تعالى عباده، ومجازاتهم بما يبدون وبما يخفون من الأعمال هو بما يصيبهم في الدنيا من الآفات. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (31107)، وإسناده حسن، وأخرجه الحاكم وصححه وواففه الذهبي (1/ 344، 549)، وأحمد (2/ 172). (¬2) النهاية (5/ 117). (¬3) أخرجه الترمذي (2991). وفي إسناده "علي بن زيد بن جدعان" وهو ضعيف، ولجهالة أمية وهي بنت عبد الله قال الحافظ في التقريب (8637): ويقال: أمينة وهي أم محمد إمرأة والد علي بن زيد بن جدعان ولم يؤثر توثيقها عن أحد، ولم يرو عنها غيره. (¬4) أنكر ذلك الحافظ أيضًا في التقريب (8637) وانظر قول الذهبي في ميزان الاعتدال (4/ 604).

والنكبة: قال الجوهري (¬1): واحدة نَكَبَاتِ الدهر. 1128 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تُصيب عبدًا نكبةٌ فما فوقها أو دونها إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر، وقرأ: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبتْ أيديكم ويعفوا عن كثير} " الشورى: 30. قلت: رواه الترمذي في التفسير (¬2) في سورة الشورى من حديث أبي موسى وقال: حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه انتهى، وفي سنده رجل مجهول. 1129 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة ثم مَرِض، قيل للملَك الموكّل به: اكتب له مثل عمله إذا كان طليقًا حتى أُطلِقَه أو أكفته إليّ". قلت: رواه الإمام أحمد (¬3) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص يرفعه، بسند صحيح، ليس فيه إلا عاصم بن أبي النجود المقرىء، روى له الأربعة وأخرج له الشيخان متابعة. وأكفته بالتاء المثناة من فوق أي أضمه إلى القبر، ومنه قيل: للأرض كفات. 1130 - وفي رواية: "فإن شفاه غَسّله وطهّره، وإنّ قبضه، غفر له ورَحِمَه". قلت: رواه الإمام أحمد (¬4) عن حسن وعفان قالا: ثنا ابن سلمة عن سنان ابن أبي ربيعة عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا ابتلي المسلم ببلاء في جسده قال: للملك اكتب له صالح عمله الذي كان يعمل فإن شفاه، الحديث. ¬

_ (¬1) الصحاح للجوهري (1/ 228). (¬2) أخرجه الترمذي (3252) وفي إسناده: شيخ من بني مُرَّة وهو مجهول وكذلك: عبيد الله ابن الوازع: مجهول. التقريب (4379). (¬3) أخرجه أحمد (2/ 203)، والدارمي (2/ 316)، والحاكم (1/ 348) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. (¬4) أخرجه أحمد (3/ 148)، وصححه الحاكم في المستدرك (1/ 348) ووافقه الذهبي.

1131 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغريق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، وصاحب الحريق شهيد، والذي يموت تحت الهَدْم شهيد، والمرأة تموت بجُمْع شهيد". قلت: رواه أبو داود والنسائي في الجنائز وابن ماجه في الجهاد ومالك في الموطأ في الجنائز من حديث جابر بن عتيك. (¬1) قال ابن عبد البر (¬2): رواه جماعة الرواة عن مالك فيما علمت لم يختلفوا في إسناده ومتنه، وقال غيره: صحيح من مسند مالك. قال النووي (¬3): في شرح مسلم في كتاب الجهاد وهذا الحديث صحيح بلا خلاف، وإن لم يخرجه الشيخان قال: ويجوز في جيم: تموت بجمع الضم والفتح والكسر والضم أشهر وهي التي تموت حاملًا جامعة ولدها في بطنها وقيل: هي البكر والصحيح الأول. وقد أخرج مسلم (¬4) في صحيحه من حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الشهداء خمسة: المطعون المبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله"، قوله - صلى الله عليه وسلم -: "والمرأة تموت" بجمع هو بضم الجيم، قال ابن الأثير (¬5): تموت وفي بطنها ولدها، وقيل: التي تموت بكرا، وكسَر الكسائي الجيم. ¬

_ (¬1) أخرجه مالك (1/ 233 - 234) رقم (36)، وأبو داود (3111)، والنسائي (4/ 13 - 14)، ابن ماجه (2703) وإسناده صحيح. ولفظ مالك في الموطأ "الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله ..... ". (¬2) التمهيد (19/ 203). (¬3) ولفظ النووي: "وهذا الحديث الذي رواه مالك صحيح بلا خلاف وإن كان البخاري ومسلم لم يخرجاه" انظر المنهاج (13/ 92). (¬4) أخرجه مسلم (1914). (¬5) النهاية (1/ 296).

1132 - سُئل النبي - صلى الله عليه وسلم - أيّ الناس أشد بلاءً؟ قال: "الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، ثم الأولياء يُبتلى الرجلُ على حسَب دينه، فإن كان في دينه صلبًا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رِقة هُوّن عليه، فما زال كذلك حتى يمشي على الأرض ما له ذنب". (صحيح). قلت: رواه الترمذي في الزهد والنسائي في الطب وابن ماجه في الفتن (¬1) وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. والأمثل فالأمثل: أي الأشرف فالأشرف والأعلى فالأعلى في الرتبة والمنزلة، وأماثل الناس: خيارهم. 1133 - ما أغبطُ أحدًا بهَوْنِ موتٍ بعد الذي رأيت من شدّةٍ موتِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. قلت: رواه الترمذي (¬2) في كتاب الجنائز، من حديث عبد الرحمن بن العلاء عن أبيه عن ابن عمر عن عائشة، وقال: سألت أبا زرعة عن هذا الحديث، وقلت له: من عبد الرحمن بن العلاء؟ فقال: هو ابن العلاء بن اللجلاج وإنما أعرفه من هذا الوجه، انتهى كلام الترمذي. وأغبط: بالغين المعجمة والباء الموحدة والطاء المهملة يقال: غبطت الرجل أغبطه غبطًا إذا اشتهيت أن يكون لك مثل ما له وأن يدوم عليه ما هو فيه وليس بحسد، والهون: الرفق واللين. 1134 - رأيت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بالموت، وعنده قدح فيه ماء، وهو يدخل يده في القدَح ثم يمسح وجهَه ثم يقول: "اللهم أعِنّي على منكرات الموت، أو سكرات الموت". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2398)، وابن ماجه (4023)، والنسائي في الكبرى (7481)، وابن حبان (2901)، والبيهقي (3/ 372)، والبغوي (1434)، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (رقم 143 - 145). (¬2) أخرجه الترمذي (979).

قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في الجنائز والنسائي في "اليوم والليلة" من حديث موسى بن سرجس عن القاسم بن محمد عن عائشة. (¬1) 1135 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أراد الله بعبده الخير عجّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشرّ أمسك عنه بذنبه حتي يوافيه به يوم القيامة". قلت: رواه الترمذي (¬2) في الزهد من حديث سعد بن سنان عن أنس، وقال: حسن غريب من هذا الوجه انتهى، وسعد بن سنان قال الذهبي: ليس بحجة. 1136 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إنّ عِظَمَ الجزاء مع عِظَم البلاء، كان الله تعالى إذا أحبّ قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سَخِط فله السُّخْط". قلت: رواه الترمذي بسند الحديث الذي قبله في الزهد، وابن ماجه في الفتن كذلك. (¬3) 1137 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزالُ البلاء بالمؤمن أو المؤمنة في نفسه ومالِه وولده، حتى يَلْقَى الله تعالى وما عليه من خطيئة". (صحيح). قلت: رواه الترمذي في الزهد من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وقال: حسن صحيح. (¬4) 1138 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن العبد إذا سَبَقت له من الله تعالى منزلة لم يبلغْها بعمله، ابتلاه الله تعالى في جسده، أو في ماله، أو في ولدهٍ، ثم صبَّره على ذلك، حتى يُبَلِّغَه المنزلة التي سبقتْ له من الله تعالى". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (978)، وابن ماجه (1623)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (1093) وإسناده ضعيف لأن فيه موسى بن سرجس مجهول. التقريب (7013). (¬2) أخرجه الترمذي (2396) سعد بن سنان الكندي. انظر ترجمته في الميزان (2/ 121). وقال الحافظ: صدوق له أفراد من الخامسة، التقريب (369). (¬3) أخرجه الترمذي (2396)، وابن ماجه (4031)، وفيه سعد بن سنان. (¬4) أخرجه الترمذي (2399) وصححه الحاكم في المستدرك (1/ 346) ووافقه الذهبي.

قلت: رواه أبو داود في الجنائز (¬1) عن النفيلي وإبراهيم بن مهدي المصيصي كلاهما عن أبي المليح الرقي عن محمد بن خالد عن أبيه عن جده، وكانت له صحبة، ولم أقف لجده على اسم، ولا هذا الحديث في نسخة سماعنا من أبي داود وذكره المزي في الأطراف فيما استدركه على أبي القاسم. 1139 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "مُثِّلَ ابن آدم وإلى جنبه تسع وتسعون منيّة، إن أخطأته المنايا وقع في الهَرَم حتى يموتَ". (غريب). قلت: رواه الترمذي (¬2) في القدر وفي الزهد من حديث عبد الله بن أبي الشخير وقال: حسن لا يعرف إلا من هذا الوجه. ومُثل: بضم الميم أي صُوِّر، والمنية: الموت. 1140 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَوَدُّ أهل العافية يوم القيامة حين يُعطى أهل البلاءِ الثواب، لو أنّ جلودَهم كانت قُرضت في الدنيا بالمقاريض". (غريب). قلت: رواه الترمذي (¬3) في الزهد من حديث جابر وقال: حديث غريب، لا نعرفه بهذا الإسناد إلا من هذا الوجه انتهى وإسناده حسن. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3090)، وأحمد (5/ 274)، وأبو يعلى (923)، والطبراني في الكبير (22/ 801)، والبيهقي (3/ 374)، وإسناده ضعيف من أجل محمد بن خالد السلمي، قال الحافظ: مجهول التقريب (5887) وقوله لم أقف لجده على اسم فقد قال القارى في المرقاة (2/ 311). عن الجد -راوي الحديث- وقد سماه ابن مندة: اللجلاج ابن حكيم. وقد ذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة (5/ 681) رقم (5752)، كما ذكر أبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2426 رقم 2569)، وابن الأثير في أسد الغابة (4/ 519 رقم 4527) وذكر هذا الحديث. وهذا الحديث لم يذكره المنذري في مختصره (4/ 274) لأنه ليس من رواية اللؤلؤي، وإنما هو من رواية أبي الحسن ابن العبد وابن داسة كما قال المزي في تحفة الأشراف. (¬2) أخرجه الترمذي في الزهد (2456)، وفي القدر (2150) وإسناده حسن. (¬3) أخرجه الترمذي (2402). ولكن الحديث حسن باعتبار أن له شاهد من حديث ابن عباس كما في المجمع (2/ 304 - 305).

1141 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن المؤمن إذا أصابه السَّقَم ثم عافاه الله تعالى كان كفارة لما مضى من ذنوبه، وموعظةً له فيما يستقبل، وإنَّ المنافقَ إذا مرِض ثم أُعفِيَ كان كالبعير عَقَله أهلُه ثم أرسلوه فلم يدرِ لِم عقلُوه ولمَ أرسلوه". قلت: رواه أبو داود (¬1) في الجنائز من حديث، عامر الرام أخي الخضر قال: إني لببلادنا إذا رُفعت لنا رايات وأَلْوية. فقلت: ما هذا؟ قالوا: هذا لواء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتيته، وهو تحت شجرة، قد بُسِط له كساء، وهو جالس عليه. وقد اجتمع إليه أصحابه، فجلست إليهم فذكر رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الأسْقامَ، فقال: إن المؤمن إذا أصابه السَّقَم، وذكره كما ذكره الصنف وفيه زيادة سيذكرها المصنف في الدعوات، وفي سنده: محمد بن إسحاق. وأعفي: بضم الهمزة وسكون العين المهملة وكسر الفاء بمعنى عوفي. 1142 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دخلتم على المريض فَنفِّسُوا له في أجله، فإن ذلك لا يردُّ شيئًا ويُطيِّب نفسه". (غريب). قلت: رواه الترمذي في آخر الطب وابن ماجه في الجنائز (¬2) من حديث محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سعيد الخدري. ونَفِّسوا له: أي وسّعوا له في أجله، بأن تقولوا له: لا بأس عليك طهور إن شاء الله، ونحوه. 1143 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من قتله بطنُه لم يعذّب في قبره". (غريب). ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3089) وإسناده ضعيف، فيه أبو منظور رجل من أهل الشام وهو مجهول كما في "التقريب" (8460) وانظر مختصر سنن أبي داود للمنذري (4/ 273 - 274) وتكلم المنذري عن الراوي. (¬2) أخرجه الترمذي (2087)، وابن ماجه (1438) وفي إسناده موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي: منكر الحديث كما في "التقريب" ت (7055).

باب تمني الموت وذكره

قلت: رواه الترمذي (¬1) في الجنائز من حديث أبي إسحاق السبيعي قال: قال سليمان بن صرد لخالد بن عُرْفُطة أو خالد لسليمان: أما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من قتله بطنه لم يعذب في قبره؟ " فقال أحدهما لصاحبه: نعم، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب في هذا الباب، وقد روي من غير هذا الوجه، ورواه النسائي في الجنائز أيضًا من حديث عبد الله بن يسار قال كنت جالسًا وسليمان وخالد فذكر نحوه. باب تمنِّي الموت وذكره من الصحاح 1144 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يتمنَّينَّ أحدُكم الموت، إما محسنًا فلعله أن يزداد خيرًا، وإما مسيئًا فلعله أن يستَعْتِب". قلت: رواه البخاري (¬2) في الطب مطولًا من حديث أبي هريرة، وهو حديث اشتمل على جملتين: الأولى: خرجها الشيخان وهي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لن يدخل أحدكم الجنة بعمله" قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بفضله ورحمته فسدّدوا وقاربوا". والجملة الثانية: هذه التي اقتصر عليها المصنف. قوله: إما محسنًا، هو بكسر الهمزة على أنها عاطفة، ومحسنًا: إما خبر كان المحذوفة أي إما أن يكون محسنًا أو حال، تقديره إما أن يكون أن يتمناه محسنًا، أو أن يستعتب: بفتح الياء أي يرجع عن الإساءة ويطلب الرضا، يقال: استعتب إذا طلب أن يُرضى عنه. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1064)، والنسائي (4/ 98)، وابن حبان (2933). وإسناد رجاله ثقات، إلا أن أبا إسحاق السبيعي كان قد اختلط، لكن الحديث له إسناد آخر صحيح عند أحمد (4/ 262) والطيالسي (1288). (¬2) أخرجه البخاري (5673).

1145 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يتمنى أحدكم الموت ولا يَدْعُ به من قبل أن تأتيه، إنه إذا مات انقطع عمله، وإنه لا يزيد المؤمنَ عمرُه إلا خيرًا". قلت: رواه مسلم (¬1) في الذكر والدعاء من حديث أبي هريرة ولم يخرج البخاري هذا اللفظ، قال النووي (¬2): هكذا هو في بعض نسخ مسلم، انقطع عمله، وفي كثير منها: انقطع أمله، وكلاهما صحيح والأول أجود وهو المتكرر في الأحاديث. 1146 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يتمنّينّ أحدكم الموت من ضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلًا" فليقل: "اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفّني إذا كانت الوفاة خيرًا لي". قلت: رواه الشيخان: البخاري في الدعوات ومسلم في الذكر والدعاء وأبو داود في الجنائز ثلاثتهم من حديث أنس (¬3). قال النووي (¬4): فيه التصريح بكراهة تمني الموت لضر نزل به من مرض أو فاقة أو محنة من عدو أو نحو ذلك من مشاق الدنيا فأما إذا خاف ضررًا في دينه أو فتنة فيه، فلا يكره، لمفهوم هذا الحديث وغيره، وقد فعل ذلك خلائق من الصحابة عند خوف الفتنة في أديانهم. 1147 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، والموتُ قبل لقاء الله" فقالت عائشة رضي الله عنها: إنا نكره الموت؟ قال: "ليس ذاك! ولكن المؤمن اذ حضَره الموت بُشّر برضوان الله تعالى وكرامته، فليس شيء أحب إليه مما أمامه، فأحبّ لقاء الله وأحبّ الله تعالى لقاءه، وإن الكافر اذ حضره الموت بُشّر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء كره إليه مما أمامَه، فكرِه لقاءَ الله وكرِهَ الله لقاءَه". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2682). (¬2) المنهاج (17/ 14). (¬3) أخرجه البخاري (5673)، ومسلم (2680)، وأبو داود (3108). (¬4) المنهاج (17/ 12).

قلت: هذا الحديث بطوله رواه البخاري في الرقائق، والقطعة الأولى منه إلى قوله: قالت عائشة: شارك مسلم البخاري في روايتها، فرواها في الدعوات، ورواه الترمذي في الزهد والنسائي في الجنائز كلهم من حديث أنس بن مالك عن عبادة بن الصامت، وبقية الحديث لم يروه مسلم من حديث عبادة، إنما روى معناه من حديث عائشة في الدعوات وإذا اختصرت. قلت: أصل الحديث رواه الشيخان واللفظ للبخاري لكن بالطريق التي ذكرناها. (¬1) 1148 - إنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مُرَّ عليه بجنازة، قال: "مستريح ومستراح منه" قالوا: يا رسول الله ما المستريح وما المستراح منه؟ قال: "العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله تعالى، والعبدُ الفاجر يستريح منه العبادُ والبلدُ والشجرُ والدواب". قلت: رواه الشيخان البخاري في الرقائق ومسلم والنسائي كلاهما في الجنائز ثلاثتهم من حديث أبي قتادة. (¬2) 1149 - أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنْكَبي فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل" وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: "إذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخُذْ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك". قلت: رواه البخاري في الرقائق بهذا اللفظ والترمذي وابن ماجه كلاهما في الزهد من حديث مجاهد بن جبير عن ابن عمر. (¬3) 1150 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يموتَنَّ أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6507)، ومسلم (2683)، والترمذي (1066)، والنسائي (4/ 10). (¬2) أخرجه البخاري (6512)، ومسلم (950)، والنسائي (4/ 48). (¬3) أخرجه البخاري (6416)، والترمذي (2333)، وابن ماجه (4114).

من الحسان

قلت: رواه مسلم في التوبة وأبو داود في الجنائز وابن ماجه في الزهد كلهم من حديث أبي إسحق عن جابر. (¬1) من الحسان 1151 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن شئتم أنبأتُكم ما أولُ ما يقول الله تعالى للمؤمنين يوم القيامة، وما أولُ ما يقولون له؟ قلنا: نعم يا رسول الله! قال: "إن الله تعالى يقول للمؤمنين هل أحببتُم لقائي؟ فيقولون: نعم يا ربنا، فيقول: لِمَ أذنبتم؟ فيقولون: رجونا عفوك ومغفرتك، فيقول: قد وجبت لكم مغفرتي". قلت: رواه الطبراني في "معجمه الكبير" عن الحسين بن إسحاق التستري ثنا على بن بحر ثنا قتادة بن الفضل بن قتادة الرهاوي، قال: سمعت ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل يرفعه. (¬2) 1152 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أكثروا ذكر هاذم اللذات" الموت. قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في الزهد والنسائي في الجنائز من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وقال الترمذي: حسن غريب. (¬3) 1153 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذات يوم لأصحابه: "استحيوا من الله تعالى حق الحياء" قالوا: إنا نستحي يا نبي الله والحمد لله قال: "ليس ذاك، ولكن من استحيى من الله حق ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2877)، وأبو داود (3113)، وابن ماجه (4167). (¬2) أخرجه الطبراني في الكبير (20/ 94 - 95 برقم 184). وأخرجه كلذلك أحمد في المسند (5/ 238) من طريق عبيد الله بن زحر. وقال الهيثمي في المجمع (10/ 358)، رواه الطبراني بسندين أحدهما حسن، لعله يقصد هذا الإسناد. وقد رواه الطبراني أيضًا برقم (251)، وقد رواه أيضًا في مسند الشاميين (409)، ويختلف لفظ المصنف عن الطبراني في الكبير ومسند الشاميين وغيرهما، وعن المصابيح المطبوع. والله أعلم. (¬3) أخرجه الترمذي (2307)، والنسائي (4/ 4)، وابن ماجه (4258).

الحياء فليحفظ الرأس وما وَعَى، وليحفظْ البطنَ وما حوى، وليذكر الموتَ والبِلى، ومن أراد الآخرة ترك زينةَ الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيى من الله حقّ الحياء". (غريب). قلت: رواه الترمذي في الزهد (¬1) من حديث مُرّة الهَمْداني عن ابن مسعود وقال: إنما نعرفه من هذا الوجه، من حديث أبان بن إسحاق، عن الصباح ابن محمد وأبان، فيه: لين. 1154 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تحفة المؤمن الموت". قلت: رواه البيهقي في شعب الإيمان من حديث عبد الله بن عمرو. (¬2) 1155 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "المؤمن يموت بعَرَقِ الجبين". قلت: رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه كلهم في الجنائز من حديث قتادة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال الترمذي: حديث حسن. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2458) وأبان بن إسحاق الأسدي قال الحافظ: ثقة، تكلم فيه الأزدي بلا حجة، التقريب (136) والصباح بن محمد البجلي، ضعيف، أفرط فيه ابن حبان، قاله الحافظ في التقريب (2914). (¬2) أخرجه البيهقي في الشعب (9884)، وأخرجه الحاكم (4/ 319) وقال: صحيح الإسناد، فتعقبه الذهبي بقوله: قلت: ابن زياد: هو الأفريقي، ضعيف. (¬3) أخرجه الترمذي (982)، والنسائي (4/ 605)، وابن ماجه (1452).

ورواه الحاكم (¬1) من حديث قتادة به وقال: على شرط الشيخين وأقره الذهبي، وفي ذلك نظر، فقد قال بعض أهل العلم: لا يعرف لقتادة سماعًا من عبد الله بن بريدة قاله الترمذي وغيره. 1156 - ويُروى: "موت الفَجأةِ أخذةُ الأسف". قلت: رواه أبو داود (¬2) في الجنائز من حديث عبيد بن خالد رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال مرة: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال مرة: عن عبيد، كذا قاله أبو داود، وقد روي هذا الحديث من حيث عبد الله بن مسعود وأنس بن مالك وأبي هريرة وعائشة، قال المنذري (¬3): وفي كل منها مقال، قال الأزدي: ولهذا الحديث طرق، وليس فيها صحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتهى كلام الأزدي، قال المنذري: وحديث عبيد هذا -الذي خرجه أبو داود- رجال إسناده ثقات، والوقف فيه لا يؤثر، فإن مثله لا يؤخذ بالرأي، فكيف وقد أسنده الراوي مرة. والأسف: الغضبان ومنه قوله تعالى: {فلما آسَفُونا انتقمنا منهم}. الزخرف: 55. 1157 - دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - على شاب وهو في الموت، فقال: "كيف تجدك" فقال: أرجو الله يا رسولَ الله، وإني أخاف ذنوبي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يجتمعان في قلب عبدٍ في مثل هذا الموطن، إلا أعطاه الله تعالى ما يرجو وآمنَه مما يخاف". (غريب). ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم (1/ 361) واحتجاج المناوي بأن قتادة لا يعرف له سماع من عبد الله بن يزيد، وهو قول البخاري في التاريخ الكبير (4/ 12). لكن رواه عن عبد الله بن بريدة غير قتادة، فأخرجه النسائي من طريقين: طريق قتادة وطريق آخر من حديث: كهمس، عن ابن بريدة وهي تقوّي الطريق الأولى. (¬2) أخرجه أبو داود (3110). وكذلك البيهقي في السنن الكبرى (3/ 378). (¬3) مختصر سنن أبي داود (4/ 282).

باب ما يقال عند من حضره الموت

قلت: رواه الترمذي في الجنائز والنسائي في "اليوم والليلة" وابن ماجه في الزهد (¬1) كلهم من حديث جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس، وقال الترمذي: حديث غريب، وقد روى بعضهم هذا الحديث مرسلًا عن ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. باب ما يقال عند من حضره الموت من الصحاح 1158 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لقّنوا موتاكم لا إله إلا الله". قلت: رواه الجماعة في الجنائز (¬2) من حديث يحيى بن عمارة عن أبي سعيد إلا البخاري فإنه ما روى هذا الحديث. واستحبّ الجمهور تلقين المحتضر لا إله إلا الله لهذا الحديث، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" (¬3) وقال القاضي أبو الطيب: يلقنه الشهادتين جميعًا، والصحيح الأول عملًا بالحديث. 1159 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا حَضَرْتم المريضَ والميت فقولوا خيرًا، فإن الملائكة يؤَمِّنون على ما تقولون". قلت: رواه الجماعة إلا البخاري (¬4) في الجنائز من حديث أم سلمة، وفيه: قالت أم سلمة: "فلما مات أبو سلمة أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله إن أبا سلمة قد مات، ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (983)، وابن ماجه (4261)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (1062)، وأخرجه ابن أبي حاتم في العلل (1806) ورجحه مرسلًا. (¬2) أخرجه مسلم (916)، وأبو داود (3117)، والترمذي (976)، والنسائي (4/ 5)، وابن ماجه (1445)، وانظر شرح السنة للبغوي (5/ 296) رقم (1465). (¬3) أخرجه أبو داود (3116)، والحاكم (1/ 351) وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. (¬4) أخرجه مسلم (919)، وأبو داود (3115)، والترمذي (977)، والنسائي (4/ 4)، وابن ماجه (1447).

قال: "قولي اللهم اغفر لي وله وأعقبني منه عقبى حسنة " قالت: فقلت، فأعقبني الله من هو خير لي منه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - لم يخرج البخاري هذا الحديث، ورواية مسلم: إذا حضرتم المريض أو الميت -هكذا على الشك- ورواية أبي داود: إذا حضرتم الميت، بلا شك. 1160 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من مسلم تُصيبُه مصيبة، فيقولُ ما أمره الله به: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أَجِرْني في مصيبتي وأَخْلِف لي خيرًا منها، إلا أخلف الله له خيرًا منها، فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمينَ خير من أبي سلمة؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم إني قلتها: فأخلَفَ الله تعالى لي رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -". قلت: رواه مسلم في الجنائز وكذلك أبو داود مختصرًا والنسائي (¬1) ولم يخرجه البخاري. قوله: أجرني: روي بالمد وكسر الجيم وبالقصر وضمها ونقل القاضي (¬2) عن أكثر أهل اللغة مقصور لا يمد، ومعنى آجره الله أعطاه الله أجره وجزاء صبره. واخلف لي: قال النووي (¬3): هو بقطع الهمزة وكسر اللام، يقال: لمن ذهب له مال أو ولد أو ما يتوقع حصول مثله: أخلف الله عليك، أي ردّ عليك مثله، فإن ذهب ما لا يتوقع مثله بأن ذهب والد قيل له: خلاف الله عليك مثله، بغير ألف أي كان الله خليفة منه عليك. 1161 - دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي سلمة وقد شق بصرهُ فأغمضه ثم قال: "إن الروح إذا قبض تَبعَه البصر" فضجَّ ناس من أهله، فقال: "لا تدعوا على أنفسكم إلا ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (918)، وأبو داود (. . .)، والنسائي (10911). (¬2) إكمال المعلم لقاضي عياض (3/ 359). (¬3) المنهاج (6/ 312 - 359).

بخير، فإنّ الملائكة يؤمِّنون على ما تقولون" ثم، قال: "اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجتَه في المهديين، واخلفْه في عَقِبه في الغابرين، واغفرْ لنا وله يا ربّ العالمين! وافسَخ له في قبرِه، ونَوِّر له فيه". قلت: رواه مسلم (¬1) في الجنائز من حديث أم سلمة ولم يخرج البخاري هذا الحديث. قوله: شق بصره، قال النووي (¬2): هو بفتح الشين المعجمة ورفع بصره وهو فاعل شق، قال: هكذا ضبطناه وهو المشهور وضبطه بعضهم: بصره بالنصب، وهو صحيح أيضًا، قال: والشين مفتوحة بلا خلاف، وحكى الجوهري (¬3): عن ابن السكيت أنه يقال: شق بصر الميت ولا يقال: شق الميت بصره، وهو الذي حضره الموت، وصار ينظر إلى الشيء ولا يرتد إليه طرفه، ومعنى: إن الروح إذا قبض تبعه البصر أنها إذا خرجت من الجسد تبعه البصر ناظرًا أين تذهب، وفي الروح لغتان: التذكير والتأنيث وهذا الحديث دليل للتذكير، وفيه دليل لمذهب أصحابنا المتكلمين ومن وافقهم أن الروح جسم لطيف متخللة في البدن، وتذهب الحياة من الجسد بذهابها وليس عرضًا كما قاله آخرون ولا دمًا كما قال جماعة، قوله - صلى الله عليه وسلم -: واخلفه في عقبه في الغابرين أي الباقين. 1162 - إن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - حين تُوفي سجي بِبُرْد حِبَرة. قلت: رواه الشيخان في الجنائز واللفظ للبخاري في اللباس ولفظ مسلم في الجنائز: بثوب حبره، وكذا رواه أبو داود فيه، وحبره: بالحاء المهملة والباء الموحدة مثل: عنبة، والجمع حِبَر وحبرات وهي برود يمانية. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (920). (¬2) المنهاج (6/ 315). (¬3) الصحاح (4/ 1503). (¬4) أخرجه البخاري (1241) (1242)، ومسلم (942)، أبو داود (3149).

من الحسان

من الحسان 1163 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة". قلت: رواه أبو داود في الجنائز من حديث معاذ، والحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإسناد. (¬1) 1164 - "اقرؤا على موتاكم يس". قلت: رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه (¬2) كلهم في الجنائز من حديث أبي عثمان -وليس بالنهدي- عن أبيه عن معقل -وهو ابن يسار-. وقال المنذري (¬3): وأبو عثمان وأبوه ليسا بمشهورين، ورواه أبو حاتم أيضًا، وقال: أراد من حضرته المنية لأن الميت يقرأ عليه، وكذلك: لقنوا موتاكم لا إله إلا الله قال بعضهم: أما قوله في التلقين فمسلّم، وأما في قراءة يس فذلك نافع للمحتضر والميت. 1165 - إنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قبَّل عثمان بن مظعون وهو ميت، وهو يبكي حتى سالَ دموع النبي - صلى الله عليه وسلم - على وجه عثمان رضي الله عنه. قلت: رواه أبو داود في الجنائز، ولفظه عن عائشة: رأيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يُقَبّل عثمان بن مظعون وهو ميت، حتى رأيت الدموع تسيل، والترمذي ولفظه: قبّل عثمان به مظعون وهو ميت، وهو يبكي، أو قال: عيناه تهراقان، وابن ماجه ولفظه: قبّل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3116)، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. (¬2) أخرجه أبو داود (3121)، والنسائي في اليوم والليلة (1074)، وابن ماجه (1448)، وأخرجه أبو حاتم -ابن حبان- في صحيحه (7/ 269 رقم 3002). وإسناده ضعيف. قال الحافظ: وأعلّه ابن القطان بالاضطراب وبالوقف، وبجهالة حال أبي عثمان وأبيه، ونقل أبو بكر بن العربي عن الدارقطني أنه قال: هذا حديث ضعيف الإسناد، مجهول المتن، ولا يصح في الباب حديث (التلخيص الحبير 2/ 213). وانظر للتفصيل: "القول المبين في ضعف حديثي التلقين" و "إقرؤوا على موتاكم (يس) " علي بن حسن الحلبي. (¬3) في مختصر سنن أبي داود (4/ 287).

عثمان بن مظعون وهو ميت، فكأني أنظر إلى دموعه تسيل على خدَّيه، كلهم من حديث عائشة في الجنائز، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح وما قاله الترمذي من أنه: صحيح، معترض، فإن مداره على عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر العمري، وقد ضعّفه ابن معين، وقال البخاري وغيره: منكر الحديث، ورواه الحاكم في المستدرك من حديث عاصم به، وعثمان بن مظعون كنيته أبو السائب هاجر الهجرتين وأسلم بعد ثلاثة عشر قرشي شهد بدرًا وهو أول رجل مات بالمدينة من المهاجرين بعد رجوعه من بدر رضي الله عنه. (¬1) 1166 - إن أبا بكر قبّل النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد موته. قلت: هذا الحديث رواه البخاري (¬2) في مناقب أبي بكر في حديث طويل، وهو حديث السقيفة، المشتمل على مبايعة أبي بكر بالخلافة من حديث عائشة، فذِكْرُ المصنف له في الحسان وهم. 1167 - أن طلحة بن البراء مرض، فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوده، فقال: "إني لا أرى طلحة إلا قد حدث به الموت، فآذنوني به، وعجّلوا، فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تُحبس بين ظهراني أهله". قلت: رواه أبو داود في الجنائز من حديث الحصين بن وَحْوَح وسكت عليه هو والمنذري. قال أبو القاسم البغوي: ولا أعلم روى هذا الحديث غير سعيد بن عثمان ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3162)، والترمذي (989)، وابن ماجه (1456)، والحاكم (1/ 361). وقال: هذا حديث متداول بين الأئمة، إلا أن الشيخين لم يحتجا بعاصم بن عبيد الله. والحديث إسناده ضعيف لضعف عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب وهو منكر الحديث. وقال الحافظ: ضعيف، التقريب (3082)، وانظر ترجمة عثمان بن مظعون في الإصابة (4/ 461)، وقال ذلك القاري أيضًا في المرقاة (2/ 332): فالأولى إيراد هذا الحديث في الفصل الأول. (¬2) أخرجه البخاري (1241) و (1242).

باب غسل الميت وتكفينه

البلوي، وهو غريب انتهى كلامه (¬1). والحصين بن وحوح أنصاري، له صحبة، ووحوح بفتح الواو وسكون الحاء المهملة (¬2) وبعدها واو مفتوحة وحاء مهملة أيضًا، وطلحة بن البراء أنصاري له صحبة. قوله - صلى الله عليه وسلم - "بين ظهراني أهله" أصل هذه اللفظة لمن أقام بين قوم على سبيل الاستظهار والاستناد إليهم، وزيدت فيه ألف ونون مفتوحة، ومعناه: أن ظهرا منهم قدامه، وظهرا وراه، فهو مكتوف من جانبيه ومن جوانبه، إذا قيل بين أظهرهم ثم أكثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم مطلقًا. باب غسل الميت وتكفينه من الصحاح 1168 - دخل علينا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نغسل ابنته، فقال: "اغسِلْنَها وِترًا ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا، بماء وسِدْر، واجعلن في الآخرةِ كافورًا، فإذا فرغْتُنّ فآذِنَّني" فلما فرغنا آذنَّاه، فألقى إلينا حِقوه فقال: "اشعِرْنَها إياه". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3159)، وأخرجه ابن أبي عاصم (4/ 155 ر قم 2139)، والطبراني في الكبير (4/ 33)، وقال الهيثمي في المجمع (3/ 37): عزاه صاحب الأطراف بعض هذا إلى أبي داود ولم أره، رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن، وذكر الحافظ في الإصابة (3/ 525) لفظ الحديث كاملًا، وقال: -بعد ذكر لفظ أبي داود هذا- هكذا أورد أبو داود مختصرًا كعادته في الاقتصار على ما يحتاج إليه في بابه، ثم ذكر نقلًا عن ابن الأثير في أسد الغابة (3/ 75) ثم ذكر القصة في الحديث وقال: وفيما صنع (يعني أبا داود) قصور شديد. وإسناده ضعيف، فيه عزرة أو عروة -شك بعض الرواة- سعيد الأنصاري، عن أبيه وهما مجهولان كما في "التقريب" (4594) وسعيد بن عثمان البلوي، مقبول، التقريب (2377). (¬2) صحابي ذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب (2/ 393) وليس له إلا هذا الحديث. وانظر كذلك الإصابة (2/ 92)، وطلحة بن البراء بن عصير البلوي، انظر الإصابة (3/ 525).

قلت: رواه الجماعة (¬1) لكن بعض أصحاب السنن لم يذكروا: سبعًا، بل قال: أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك، كلهم في الجنائز من حديث أم عطية. قوله - صلى الله عليه وسلم -: أشعرنها أي اجعلنه شعارًا لها وهو الثوب الذي يلي الجسد. والدثار ما فوق الشعار. واختلفوا في صورة الإشعار فقيل: يجعل لها مئزرًا، وقيل: تلف فيه، ويكون سائر أكفانها دثارًا، ومعنى إن رأيتن ذلك: أي إن احتجتن إلى الزيادة. والحقو: بفتح الحاء وكسرها الإزار. وهذه البنت هي: زينب زوج أبي العاص بن الربيع وهي أكبر بناته - صلى الله عليه وسلم -. وقيل: أم كلثوم، والصحيح الأول، لأن أم كلثوم توفيت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - غائب ببدر. 1169 - وفي رواية: "ابدأن بميامنها، ومواضع الوضوء منها". قلت: رواها الجماعة كلهم. (¬2) وقالت: فضفرنا شعرها ثلاثةَ قرون، فألقيناها خلفها قلت: رواه الشيخان من حديث أم عطية (¬3) لكن ليس لمسلم فيه: فألقيناها خلفها. 1170 - "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كُفن في ثلاثة أثواب يمانية، بيض، سَحُولية، من كُرْسُف، ليس فيها قميص ولا عمامة". قلت: رواه الجماعة في الجنائز من حديث عائشة. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1253)، (1254)، (1255)، (1257)، (1258)، (1259)، ومسلم (939)، وأبو داود (3142)، (3143)، (3144)، والنسائي (4/ 28)، (4/ 31)، (4/ 30)، والترمذي (990)، وابن ماجه (1459). (¬2) أخرجها البخاري (1255)، ومسلم (42/ 939)، وأبو داود (3145)، والترمذي (990)، والنسائي (4/ 28 و 31 - 33)، وابن ماجه (1459). (¬3) أخرجه البخاري (1263)، ومسلم (37/ 939). (¬4) أخرجه البخاري (1264)، ومسلم (941)، وأبو داود (3151)، (3152)، والترمذي (996)، والنسائي (4/ 35)، وابن ماجه (1469).

وسَحَولية: بفتح السين وضمها، فالفتح: منسوب إلى السحول وهو القصّار، لأنه يسحلها أي يغسلها، أو إلى السحول وهي قرية باليمن، وأما الضم: فهو جمع سحل وهو الثوب الأبيض النقي، ولا يكون إلا من قطن، وفيه شذوذ لأنه نسبة إلى الجمع، وقيل أن اسم القرية بالضم. والكرسف: القطن. قال بعضهم وظاهر هذا يقتضي أن القميص الذي غُسِل فيه - صلى الله عليه وسلم - نزع من عليه، وهذا الحديث أصح من الحديث الذي انفرد به يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس، قال: كُفِن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة أثواب: قميصه الذي مات فيه، وحلة نجرانية (¬1)، وأما قوله عائشة: ليس فيها قميص ولا عمامة، فحمله الشافعي على أن ذلك ليس في الكفن بموجود، قال: فيسن للرجل ثلاثة أثواب خاصة، ليس فيها قميص ولا عمامة، وحمله أبو حنيفة ومالك على أنه ليس بمعدود، بل يحتمل أن يكون الثلاثة الأثواب زيادة على القميص والعمامة فنقل عنهما استحباب زيادة القميص والعمامة على الثلاثة. 1171 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كَفّن أحدُكم أخاه، فليُحْسِن كفنَه". قلت: رواه مسلم (¬2) من حديث جابر في هذا الباب ولم يخرجه البخاري، ولفظ مسلم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب يومًا، فذكر رجلًا من أصحابه قُبض فكُفن في كفن غير طايل، وقبر ليلًا فزجر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقبر الرجل بالليل حتى يُصلّى عليه إلا أن يضطر الإنسان إلى ذلك، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كفن أحدكم .. " الحديث. 1172 - قُتِل مُصعب بن عمير يومَ أُحُد، فلم نجد شيئًا نكفنه فيه إلا نَمِرةَ، كنا إذا غطينا بها رأسَه خرجَتْ رِجلاه، وإذا غطينا رجليه خَرج رأسُه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ضعوها مما يلي رأسَه، واجعلوا على رجليه من الإذخر". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3153)، وابن ماجه (1371). وقال الحافظ: تفرد به يزيد ين أبي زياد، وقد تغيّر، وهذا من ضعيف حديثه. التلخيص الحبير (2/ 221). (¬2) أخرجه مسلم (943).

من الحسان

قلت: رواه الجماعة إلا ابن ماجه كلهم في الجنائز من حديث خَبّاب بن الأَرَتْ، والنَمِرة؛ بفتح النون وكسر الميم وبعدها راء مهمله مفتوحة وتاء تأنيث، شملة مخططة من مأزر الأعراب أخذت من لون النمر لما فيها من السواد والبياض، والإذخر: بكسر الهمزة وسكون الذال المعجمة وآخره راء مهملة حشيشة: معروفة طيبة الريح (¬1). 1173 - إن رجلًا كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فوَقَصَتْه ناقته وهو مُحرم، فمات، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اغسلوه بماءٍ وسدرٍ، وكفنوه في ثوبيه، ولا تُمِسُّوه بطيب، ولا تُخَمِّروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة مُلبيًا". قلت: رواه الجماعة: البخاري (¬2) في الجنائز وفي الحج، وأبو داود في الجنائز والباقون في الحج، كلهم من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس. قال أبو داود، وسمعت أحمد بن حنبل يقول: في هذا الحديث خمس سنن: كفنوه في ثوبيه أي يكفن الميت في ثوبين، واغسلوه بماء وسدر أي في الغَسَلات كلها سدر، ولا تخمروا رأسَه، ولا تقربوه طيبًا، وكان الكفن من جميع المال. قوله: وقصته ناقته، الوقص: كسر العُنق. من الحسان 1174 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم، وكفّنوا فيها موتاكم، ومن خير أكحالكم الإثْمد فإنه ينبت الشعر ويجلو البصر". قلت: رواه أبو داود في اللباس والترمذي وابن ماجه كلاهما مختصرًا في الجنائز، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1276)، ومسلم (940)، وأبو داود (3155)، والنسائي (4/ 38)، والترمذي (3853). (¬2) أخرجه البخاري في الجنائز (1265) وفي الحج (1839)، والنسائي (1206)، وأبو داود (3241)، والنسائي (5/ 196)، والترمذي (951)، وابن ماجه (3084).

ثلاثتهم من حديث ابن عباس وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. (¬1) 1175 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تغَالَوْا في الكفن، فإنه يُسلب سلبًا سريعًا". قلت: رواه أبو داود هنا من حديث عامر الشعبي عن علي بن أبي طالب. (¬2) قال المنذري (¬3): وفي إسناده أبو مالك عمرو بن هاشم الجَنْبي وفيه مقال، وذكر ابن أبي حاتم وأبو أحمد الكرابيسي، أن الشعبي رأى علي بن أبي طالب، وذكر أبو بكر الخطيب: أنه سمع منه، وقد روى عنه عدة أحاديث. 1176 - أنه لما حضره الموت دعا بثياب جدد، فلبسها، ثم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الميّت يُبعث في ثيابه التي يموت فيها". قلت: رواه أبو داود والبيهقي في الجنائز (¬4) كلاهما من حديث أبي سلمة عن أبي سعيد وروى ابن حبان المرفوع منه فقط وقال: المراد بثيابه: أعماله، كما في قوله {وثيابك فطهر} لأن الأخبار تصرح بأن الناس يبعثون عُراة، وما فهمه أبو سعيد مخالف لما فهمه ابن حبان. 1177 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "خير الكفن الحُلَّة، وخير الأضحية الكبش الأَقْرن". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4061)، والترمذي (994)، وابن ماجه (3566). (¬2) أخرجه أبو داود (3154). (¬3) في مختصر سنن أبي داود (4/ 303). وقال الحافظ: عمرو بن هاشم، أبو مالك الكوفي، لين الحديث، أفرط فيه ابن حبان من التاسعة، التقريب (5161) وانظر ترجمته في: تلخيص المتشابه للخطيب البغدادي (2/ 611 رقم 1013)، وتهذيب الكمال (22/ 272 - 274)، أما عامر الشعبي فانظر ترجمته في تاريخ بغداد للخطيب (12/ 227 - 233). (¬4) أخرجه أبو داود (3114)، والبيهقي في السنن الكبرى (3/ 384)، وإسناده صحيح، وأخرجه الحاكم (1/ 340)، وكذلك أخرجه ابن حبان (7316)، الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان (16/ 308).

باب المشي بالجنازة والصلاة عليها

قلت: رواه أبو داود وابن ماجه كلاهما في الجنائز (¬1) لكن اقتصر ابن ماجه على ذكر الكفن، من حديث عبادة بن الصامت، وسكت عليه أبو داود والمنذري. والحلة: قال ابن الأثير (¬2): واحدة الحلل، وهي برود اليمن، ولا تسمى حلة إلا أن تكون ثوبين من جنس واحد. 1178 - "أمرَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بقتلى أحُد أن ينزع عنهم الحديدُ والجُلود، وأن يُدفنوا بدمائهم وثيابهم". قلت: رواه أبو داود في الجنائز (¬3) من حديث ابن عباس، وفي إسناده: علي بن عاصم الواسطي، قال الذهبي: ضَعّفوه، وفيه أيضًا: عطاء بن السائب أحد الأعلام ساء حفظه بآخره، روى له البخاري مقرونًا. باب المشي بالجنازة والصلاة عليها من الصحاح 1179 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3156)، وابن ماجه (1473). وإسناده ضعيف فيه حاتم بن أبي نصر وهو مجهول كما في "التقريب" (1008). (¬2) النهاية (1/ 432). (¬3) أخرجه أبو داود (3134)، وابن ماجه (1515)، علي بن عاصم، ضعيف، انظر كلام الذهبي في الكاشف (2/ 42 رقم 3935)، وقال الحافظ: صدوق يخطيء ويصّر ورمي بالتشيع، من التاسعة. التقريب (4792). وعطاء بن السائب أبو السائب أو أبو محمد الكوفي، قال الذهبي: أحد الأعلام على لين فيه، ثقة ساء حفظه بآخره. الكاشف (2/ 22 رقم 3798)، وقال الحافظ: صدوق اختلط، التقريب (4625).

قلت: رواه الجماعة في الجنائز كلهم من حديث سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة. (¬1) والجنازة: بكسر الجيم وفتحها والكسر أفصح ويقال: بالفتح للميت وبالكسر: للنعش عليه الميت، والجمع: جنائز بفتح الجيم لا غير. 1180 - إذا وُضعت الجنازة فاحتملَها الرجال على أعناقهم فإن كانت صالحة قالت: "قدّموني، وإن كانت غير صالحة قالت لأهلها: يا ويلها أين تذهبون بها! يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمع الإنسان لصعق". قلت: رواه البخاري في باب كلام الميت على الجنازة من حديث أبي سعيد ولم يخرجه مسلم. (¬2) 1181 - قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا رأيتم الجنازة فقوموا، فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع". قلت: رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي كلهم في الجنائز من حديث أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري. (¬3) والمشهور من مذهب الشافعي وهو المنقول عن الإمام أبي حنيفة ومالك أن القيام للجنازة منسوخ، بحديث علي الآتي، وقال أحمد: هو مخيّر، قال النووي (¬4): وهو المختار فيكون الأمر به للندب، والقعود لبيان الجواز، قال: ولا يصح دعوى النسخ في مثل هذا، لأن النسخ إنما يكون إذا تعذر الجمع ولم يتعذر. 1182 - "إن الموتَ فزع، فإذا رأيتم الجنازة فقوموا". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1315)، ومسلم (944)، وأبو داود (3181)، والترمذي (5/ 10)، والنسائي (4/ 41)، وابن ماجه (1477). (¬2) أخرجه البخاري (1316). (¬3) أخرجه البخاري (1310)، ومسلم (959)، الترمذي (1042)، والنسائي (2125). (¬4) المنهاج للنووي (7/ 40).

قلت: رواه مسلم (¬1) بهذا اللفظ في الجنائز، من حديث جابر ولم يخرجه البخاري بهذا اللفظ. 1183 - أنه قال: "كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم للجنازة ثم قعد -بعد-". قلت. حديث علي هذا رواه الجماعة كلهم في الجنائز إلا البخاري (¬2) لم يخرجه، ولفظ مسلم: عن علي رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - قام فقمنا وقعد فقعدنا يعني في الجنازة، ولم أر لفظ المصنف في مسلم ولا في الحميدي ولا في عبد الحق. وهذا الحديث هو الناسخ للأمر بالقيام عند من رآه منسوخًا. 1184 - "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من اتبع جنازة مسلم إيمانًا واحتسابًا، وكان معها حتى يُصلّي عليها ويُفْرَغَ من دَفْنها، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين، كل قيراط مثل أُحُد، ومن صلّى عليها ثم رجعَ قبل أن تُدْفَن فإنه يرجعُ بقيراط". قلت: رواه البخاري في الإيمان بهذا اللفظ، وأصل الحديث في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة، وإنما اختار المصنف لفظ البخاري لنكتة حسنة وهو التصريح بأن القيراطين عن الصلاة وحضور الدفن بخلاف لفظ مسلم، فإنه ربما يتوهم متوهم منه أن قيراطين عن الدفن وواحدًا عن الصلاة. (¬3) 1185 - "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نعى للناس النجاشي اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلّى، فصفّ بهم، وكبّر أربع تكبيرات". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1311)، ومسلم (960). (¬2) أخرجه مسلم (962) ولكن لفظه مغاير لهذا وهذا اللفظ أقرب لرواية مالك في الموطأ (1/ 232) رقم (33). وأخرجه أبو داود (3175)، والترمذي (1044)، والنسائي (4/ 77)، وابن ماجه (1543). وانظر كذلك الجمع بين الصحيحين للحميدي (1/ 157 - 173). (¬3) أخرجه البخاري (1325)، ومسلم (645).

قلت: رواه الجماعة في الجنائز من حديث أبي هريرة (¬1)، قال ابن الأثير (¬2): نعى الميت ينعي نعيًا إذا أذاع موته وأخبر به. 1186 - "ورُوِي: أن زيدًا كبر على جنازة خمسًا، وقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبرها". قلت: رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه كلهم في الجنائز من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى أن زيد بن أرقم. (¬3) 1187 - ورُوِي: أن ابن عباس صلّى على جنازة، فقرأ فاتحةَ الكتاب، قال: "لتعلموا أنها سنة". قلت: رواه الشافعي والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي كلهم في الجنائز من حديث ابن عباس. (¬4) 1188 - صلّى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - على جنازة فحفظتُ من دعائه، وهو يقول: "اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعفُ عنه، وأكرِمْ نزله ووسِّع مُدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقِّه من الخطايا كما نَقّيت الثوبَ الأبيض من الدَّنَس، وأبدِلْه دارًا خيرًا من داره وأهلًا خيرًا من أهله، وزوجًا خيرًا من زوجهِ، وأدخله الجنة وقهِ فتنة القبر وعذابه حتى تمنيتُ أن أكونَ ذلك الميت". قلت: رواه مسلم والنسائي كلاهما في الجنائز (¬5) من حديث عوف بن مالك ولم يخرجه البخاري، وقد وهم الطبري فعزاه للصحيحين وليس كذلك، وليس لعوف فيما ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1318)، ومسلم (951)، وأبو داود (3204)، والنساني (4/ 72)، والترمذي (1022)، وابن ماجه (1534). (¬2) النهاية (5/ 85). (¬3) أخرجه مسلم (957)، وأبو داود (3197)، والترمذي (1033)، وابن ماجه (3069). (¬4) الشافعي (1/ 580)، أخرجه البخاري (1335)، وأبو داود (3198)، والنسائي (4/ 75)، والترمذي (1027). (¬5) أخرجه مسلم (963)، والنسائي (4/ 73).

اتفق عليه الشيخان غير حديث: اعْدُد ستًّا بين يدي الساعة والله أعلم. وهذا أصح ما جاء في الدعاء للميت في الصلاة، قال البخاري: وأصح شيء في الباب حديث عوف بن مالك. 1189 - صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - على ابني بيضاء في المسجد: سهيل وأخيه. قلت: رواه مسلم وأبو داود كلاهما في الجنائز من حديث أبي سلمة عن عائشة (¬1) ورواه الجماعة خلا البخاري بمثل معناه، وأخو سهيل هو: سهل، والبيضاء: أمهما، واسمها: دَعْد، والبيضاء وصف، وأبوهما: وهب بن ربيعة، وكان سهيل قديم الإسلام، هاجر إلى الحبشة ثم عاد إلى مكة وشهد بدرًا وغيرها وتوفي سنة تسع من الهجرة. (¬2) 1190 - "صلّيت وراء رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - على امرأة ماتتْ في نفاسها، فقامَ وسَطَها". قلت: رواه الجماعة كلهم في الجنائز من حديث سمرة بن جندب. (¬3) 1191 - أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مَرّ بقبرٍ دفن بليل، فقال: "متى دفن هذا؟ " قالوا: البارحة، قال: "أفلا آذنتموني؟ " قالوا: دفناه في ظلمة الليل، فكرهنا أن نوقظك، فقام فصَفَفْنا خلفَه، فصلّى عليه". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (973)، وأبو داود (3190)، وأخرجه مسلم (99)، (100)، وأبو داود (3189)، وابن ماجه (1518)، والنسائي (4/ 68)، والترمذي (1033). من طريق حمزة بن عبد الله بن الزبير بلفظ: ما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سهل بن بيضاء إلا في المسجد. (¬2) انظر ترجمة: سهل بن بيضاء القرشي وكان ممن قام في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم قال الحافظ: قال أبو نعيم: اسم أخي سهيل صفوان، ومن سمّاه سهلًا فقد وهم، انظر: ترجمته في معرفة الصحابة لأبي نعيم (3/ 1321 رقم 1199)، والإصابة (3/ 194)، وكذلك ترجمة سهيل بن بيضاء في الإصابة (3/ 208). (¬3) أخرجه البخاري (1332)، ومسلم (964)، وأبو داود (3195)، والترمذي (1035)، والنسائي (4/ 70)، وابن ماجه (1493).

قلت: رواه الشيخان في الجنائز من حديث ابن عباس. (¬1) 1192 - أنّ أسود كان يكون في المسجد يَقُمُّ المسجد، فماتَ فأتى -يعني: رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قبره، فصلّى عليه، ثم قال: "إنّ هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينورها لهم بصلواتي عليهم". قلت: رواه الشيخان وأبو داود وابن ماجه كلهم في الجنائز من حديث أبي هريرة، وليس عند البخاري: إن هذه القبور إلى آخره، والصحيح أنها كانت امرأة. ويقم المسجد: أي: يكنسه، والقمامة: الكناسة. (¬2) 1193 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من مسلم يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلًا، لا يشركون بالله شيئًا إلا شفّعهم الله فيه". قلت: رواه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه بنحوه، ثلاثتهم في الجنائز من حديث ابن عباس ولم يخرجه البخاري. (¬3) 1194 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما من ميت تصلي عليه أمة من المسلمين، يبلغون مائة، كلهم يشفعون له إلا شُفعوا فيه". قلت: رواه مسلم هنا من حديث عائشة ولم يخرجه البخاري أيضًا. (¬4) 1195 - مَرُّوا بجنازة فأثنوا عليها خيرًا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وجبت، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرًّا، فقال: "وجبت" فقال عمر: "ما وجبت؟ " قال: "هذا أثنيتم عليه خيرًا فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرًّا فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1247)، ومسلم (954). (¬2) أخرجه البخاري (1337)، ومسلم (956)، وأبو داود (3203)، وابن ماجه (1527)، وكذلك رجح الحافظ ابن حجر في الفتح (3/ 118)، أنها امرأة، وذكر أن اسمها: أم= = محجن. (¬3) أخرجه أحمد (1/ 277)، ومسلم (9479)، وأبو داود (3170)، وابن ماجه (1489). (¬4) أخرجه مسلم (947).

قلت: رواه الشيخان في الجنائز من حديث أنس بن مالك واللفظ للبخاري (¬1) وروى أبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة في الجنائز نحوه. (¬2) - وفي رواية: "المؤمنون شهداء الله في الأرض". قلت: رواه البخاري مختصرًا في باب تعديل كم يجوز في كتاب الشهادات. (¬3) 1196 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة، قلنا وثلاثة؟ قال: وثلاثة، قلنا: واثنان؟ قال: واثنان، ثم لم نسأله عن الواحد". قلت: رواه البخاري في الجنائز وفي كتاب الشهادات (¬4) في باب تعديل كم يجوز من حديث عُمر ولم يخرجه مسلم. 1197 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسبّوا الأموات، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا". قلت: رواه البخاري والنسائي كلاهما في الجنائز (¬5) من حديث شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن عائشة. 1198 - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد، في ثوب واحد، ثم يقول: "أيهم أكثر أخذًا للقرآن؟ " فإذا أشير له إلى أحد، قدمه في اللحد، وقال: "أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة، وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يصلّ عليهم، ولم يُغَسَّلوا. قلت: رواه البخاري هنا من طرق متعددة من حديث جابر ولم يخرجه مسلم. (¬6) 1199 - "أُتي النبيُ - صلى الله عليه وسلم - بفرس مُعْرَوْرَى فركبه حين انصرف من جنازة ابن الدحداح ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1367)، ومسلم (949). (¬2) أخرجه أبو داود (3233)، والنسائي (4/ 50). (¬3) أخرجه البخاري في الشهادات (2642). (¬4) أخرجه البخاري في الجنائز (1368)، وفي الشهادات (2643). (¬5) أخرجه البخاري (1393)، والنسائي (4/ 53). (¬6) أخرجه البخاري (1347) و (1343).

من الحسان

ونحن نمشي حوله". قلت: رواه مسلم في الجنائز بهذا اللفظ، وأبو داود والترمذي والنسائي بمعناه فيه من حديث جابر بن سمرة. (¬1) وابن الدحداح: بدالين مهملتين مفتوحتين وحائين مهملتين الأولى ساكنة واسمه: ثابت بن الدحداح، قال ابن عبد البر (¬2): كنيته أبو الدحداح قال: ولم أقف له على اسم، ومعرور: أي ليس عليه سرج ولا أداة، قال في الصحاح (¬3) اعروريت الفرس: أي ركبته عريانًا. من الحسان 1200 - يقال إنه رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الراكب يسير خلف الجنازة، والماشي يمشي خلفَها وأمامها، وعن يمينها وعن يسارِها قريبًا منها، والسِّقط يُصلّى عليه ويُدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة". قلت: رواه أحمد والأربعة في الجنائز (¬4) واللفظ لأبي داود، وقال فيه: عن زياد بن جبير عن أبيه عن المغيرة بن شعبة، قال: وأحسب أن أهل زياد أخبروني أنه رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكره، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وحديث ابن ماجه مختصر سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: الطفل يصلى عليه وليس في حديث الثلاثة وأحسب أن أهل زياد أخبروني، وكلهم رووه عن المغيرة بن شعبة، والمصنف رواه عن المغيرة بن زياد وأحسب أنه وهم، والله أعلم. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (965). (¬2) الاستيعاب (4/ 1645) وذكره كذلك في (1/ 203). (¬3) المنهاج (7/ 47). (¬4) أخرجه أحمد (4/ 247)، وأبو داود (3180)، والترمذي (1031)، وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي (4/ 55 - 56) وابن ماجه (1481)، دون ذكر الطفل، وإسناده صحيح.

1201 - رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر يمشون أمامَ الجنازة ورواه بعضهم مرسلًا. قلت: رواه الأربعة في الجنائز (¬1) من حديث الزهري عن سالم بن عبد الله ابن عمر عن أبيه، وقال الترمذي: وأهل الحديث كلهم يرون الحديث المرسل في ذلك أصح، وحكي أن البخاري قال: الحديث الصحيح هو هذا -يعني المرسل- وقال النسائي: هذا خطأ، والصواب: مرسل، وقال ابن المبارك: حديث الزهري في هذا مرسل، أصح من حديث ابن عيينة الذي رفعه، وقد قيل: سفيان بن عيينة من الحفاظ الإثبات، وقد أتى بزيادة على من أرسل، فوجب تقديم قوله، وقد تابع ابن عيينة على رفعه: ابن جريج، وزياد بن سعد وغيرهما، وقال البيهقي (¬2): ومن وصله واستقر على وصله، لم يختلف ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3179)، والنسائي (4/ 56)، والترمذي (1007)، وابن ماجه (1482)، وابن حبان (3045 - 3047)، والدارقطني (2/ 70)، والإمام أحمد في المسند (2/ 8) موصولًا، وأخرجه الترمذي (1009) مرسلًا. وذكر ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 226 رقم 751) قول الإمام أحمد فيه: "إنما هو عن الزهري مرسل، وحديث ابن عيينة وهم". وقال ابن التركماني في الجوهر النقي (4/ 24)، (وظاهر كلامه (أي النسائي) يقتضي ترجيح الوصل على الإرسال). وذكر ابن القيم في تهذيب سنن أبي داود (4/ 315 - 316) أقوال العلماء فيه مرجحًا الوصل على الإرسال. وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 5) قد ذكر الدارقطني في العلل اختلافًا كثيرًا فيه على الزهري، قال: والصحيح قول من قال: عن الزهري عن سالم عن أبيه: أنه كان يمشي، قال وقد مشى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر وقال: واختار البيهقي ترجيح الموصول، لأن من رواية ابن عيينة وهو ثقة حافظ، وعن علي بن المديني قال: قلت لابن عيينة: يا أبا محمد خالفك الناس في هذا الحديث، فقال: استيقن الزهري حدثني مرارًا لست أحصيه، يعيد، ويبديه، سمعته من فيه، عن سالم عن أبيه، قلت: -أي ابن حجر- وهذا لا ينفي عنه الوهم، فإنه سمعه منه، عن سالم عن أبيه، والأمر كذلك إلا أن فيه إدراجًا لعل الزهري أدمجه إذا حدث به ابن عيينة وفصله لغيره .. ، وجزم بصحته ابن المنذر وابن حزم) أي بصحته موصولًا لأن الإرسال عله في الحديث. والله أعلم. (¬2) السنن الكبرى (4/ 23).

عليه فيه وهو -سفيان بن عيينة- حجة ثقة، ورواه ابن حبان (¬1) من رواية شعيب عن الزهري عن سالم عن أبيه وفيه ذكر عثمان، والله أعلم. 1202 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الجنازة متبوعة لا تتبعُ" (وإسناده مجهول). قلت: رواه أبو داود وابن ماجه، جميعًا من حديث أبي ماجدة عن عبد الله ابن مسعود في الجنائز، وتتمة الحديث: ليس معها من يقدمها، وقال الترمذي (¬2): حديث غريب، لا نعرفه من حديث عبد الله بن مسعود إلا من هذا الوجه، قال: وسمعت محمد بن إسماعيل يضعف حديث أبي ماجدة هذا، وقال محمد: يعني البخاري، قال الحميدي: قال ابن عيينة ليحيى بن عبد الله التميمي الراوي عن أبي ماجدة: من أبو ماجدة هذا؟ قال: طائر طار فحدثنا، هذا آخر كلامه، وأبو ماجدة هذا ويقال: أبو ماجد، حنفي، ويقال عجلي، قال الدارقطني: مجهول، وقال ابن عدي: منكر الحديث، وقال الذهبي (¬3): تركوه، وقد ذكر البيهقي بابًا في المشي خلفها، أحاديثه كلها ضعيفة، ثم قال: المشي أمامها أكثر وأصح. 1203 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من تبع جنازة وحَمَلها ثلاث مرات، فقد قضى ما عليه من حقها". (غريب). قلت: رواه الترمذي (¬4) هنا من حديث أبي المهزّم عن أبي هريرة، وقال: حديث غريب، ورواه بعضهم بهذا الإسناد ولم يرفعه وأبو المهزّم اسمه: يزيد بن ¬

_ (¬1) في صحيحه (3048)، وانظر مختصر سنن أبي داود للمنذري (4/ 315 - 316). (¬2) أخرجه الترمذي (1011)، وابن ماجه (1484)، والبيهقي (4/ 22 و 25) وإسناده ضعيف لجهالة أبي ماجد. (¬3) الكاشف (ت 6807) سؤالات البرقاني للدارقطني (600)، والميزان للذهبي (4/ت10554)، وتهذيب الكمال (34/ 242) ذكر فيه أقوال العلماء هذه، كما ذكر هذا الحديث. وقال الحافظ: مجهول، التقريب (8399). (¬4) أخرجه الترمذي (1041)، وانظر الخلاصة للنووي (2/ 997 رقم 3564) وقال الحافظ: أبو المهزّم، =

سفيان وضعفه شعبة، انتهى كلام الترمذي، قال النووي: والحديث ضعيف لضعف أبي المهزم. 1204 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حمل جنازة سعد بن معاذ بين العمودين. قلت: رواه الشافعي وغيره بإسناد ضعيف. (¬1) 1205 - خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في جنازة، فرأى ناسًا ركبانًا، فقال: "ألا تستحيون؟ إن ملائكة الله على أقدامهم وأنتم على ظهور الدواب". ووقفه بعضهم على ثوبان. قلت: رواه الترمذي وابن ماجه هنا، وروى أبو داود معناه، كلهم من حديث ثوبان يرفعه وقال الترمذي: يُروى عنه موقوفًا. (¬2) 1206 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ على الجنازة فاتحة الكتاب. قلت: رواه الترمذي وابن ماجه هنا (¬3) كلاهما من حديث ابن عباس، وقال الترمذي: ليس إسناده بذاك القوي، وفي سنده: إبراهيم بن عثمان هو أبو شيبة الواسطي، منكر الحديث. ¬

_ = التميمي، متروك، التقريب (8463) وعليه فإسناد هذا الحديث ضعيف جدًّا. (¬1) ذكره النووي في المجموع (5/ 269) وعزاه إلى الشافعي في "المختصر" وهو في الأم (1/ 269)، والبيهقي في كتاب "المعرفة" (5/ 264) وأشار إلى تضعيفه. والبيهقي في السنن الكبرى (4/ 20)، وأورده البغوي في شرح السنة (5/ 337) معلقًا. (¬2) أخرجه الترمذي (1012)، وابن ماجه (1480)، وإسناده ضعيف، لضعف أبي بكر ابن أبي مريم، وأما رواية أبي داود (3177) فإسنادها صحيح. وقال الترمذي: "حديث ثوبان قد رُوي عنه موقوفًا، قال: محمد -يعني البخاري- الموقوف منه أصح". وأبو بكر بن أبي مريم هو: أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغسّاني الشامي، قال الحافظ: ضعيف، وكان قد سُرق بيته فاختلط, التقريب (8031). (¬3) أخرجه الترمذي (1026)، وابن ماجه (1495) , وفي إسناده إبراهيم بن عثمان وهو: متروك الحديث، انظر التقريب (217).

1207 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه (¬1) هنا من حديث أبي هريرة، وفي إسناده محمد بن إسحاق. 1208 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلّى على الجنازة قال: "اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده". قلت: رواه الأربعة واللفظ لابن ماجه (¬2) وقد روى الترمذي القطعة الأولى إلى قوله: "وذكرنا وأنثانا" من طريق أبي إبراهيم الأشهلي عن أبيه، وقال: حديث حسن صحيح، ورواه كله أيضًا من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة. وليس في رواية الترمذي في هذا الباب قوله "اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده" ورواه الحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم، ووقع في رواية أبي داود: "فأحيه ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3199)، وابن ماجه (1497)، وإن كان ابن إسحاق قد دلّس هنا، لكنه قد صرح بالتحديث عند ابن حبان (3076) فانتفت شبهة تدليسه. وصح الحديث. وأخرجه البيهقي في السنن (4/ 40)، وفي المعرفة (5/ 303 رقم 7622) ذكر هذا الحديث في النسخة المطبوعة من المصابيح قبل ثلاثة أحاديث. (¬2) أخرجه أبو داود (3201)، والترمذي (1024)، وابن ماجه (1498). وذكره المزي في تحفة الأشراف (10/ 472)، ضمن أطراف أبي هريرة رضى الله عنه وعزاه إلى النسائي في عمل "اليوم والليلة" الحديث (14994) وهو في عمل اليوم والليلة (1080)، (1081). وابن حبان في صحيحه (3070)، والبيهقي في السنن (4/ 41). وأخرجه الحاكم (1/ 385) وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وذكره ابن أبي حاتم في العلل (1/ 357) (1058) قال: قال أبي: "رواه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - .. ، مرسل، لا يقول أبو هريرة، ولا يوصله عن أبي هريرة إلا غير متقن، والصحيح مرسل". وقال أيضًا برقم (1047) (1/ 354) سألت أبي عن حديث يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - .. فقال: هذا خطأ، الحفاظ لا يقولون أبا هريرة، إنما يقولون أبو سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا، انظر التلخيص الحبير (2/ 248 - 249). قلت: فإن الذين أوصلوه عن يحيى جماعة، فروايتهم أرجح مع ما فيها من الزيادة.

على الإيمان وتوفه على الإسلام"، والمشهور في معظم كتب الحديث: فأحيه على الإسلام، وتوفه على الإيمان" وقد اختار الشافعي دعاء التقطه من مجموع هذه الأحاديث وغيرها، فيقول: "اللهم هذا عبدك وابن عبدك، خرج من روح الدنيا وسعتها ومحبوبه وأحبائه فيها، إلى ظلمة القبر، وما هو لاقيه، كان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمدًا عبدك ورسولك، اللهم نزل بك وأنت خير منزول به، وأصبح فقيرًا إلى رحمتك، وأنت غني عن عذابه، وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له، اللهم إن كان محسنًا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئًا فتجاوز عنه، ولقه برحمتك، ورضاك، وقه فتنة القبر، وعذابه، وافسح له في قبره، وجاف الأرض عن جنبيه، ولقه برحمتك الأمن من عذابك حتى تبعثه إلى جنتك يا أرحم الراحمين" هذا نص الشافعي في مختصر المزني (¬1) وتبعه صاحب التنبيه وغيره. 1209 - صلّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رجل من المسلمين فسمعته يقول: "اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك، وحبل جوارك، فَقِهِ من فتنة القبر، وعذاب النار، وأنت أهل الوفاءِ والحق، اللهم اغفر له وارحمه، إنك أنت الغفور الرحيم". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه (¬2) في هذا الباب، من حديث واثلة بن الأسقع وسكت عليه أبو داود والمنذري. قال ابن الأثير (¬3): الذمة والذمام: الضمان، تقول: فلان في ذمتي أي في ضماني، وقيل: الذمة والذمام: الأمان والعهد، قال بعضهم: وإنما جعلوه في ذمة الله بشهادة ¬

_ (¬1) قال الحافظ: قال بعض العلماء: اختلاف الأحاديث في ذلك محمول على أنه كان يدعو على ميت بدعاء، وعلى آخر بغيره، والذي أمر به أصل الدعاء، التلخيص الحبير (2/ 249) وانظر مختصر المزني (ص 38). (¬2) أخرجه أبو داود (3202)، وابن ماجه (1499)، وفي إسناده: مروان بن جناح الأموي مولاهم لا بأس به، التقريب (6610). (¬3) النهاية (2/ 168 - 169).

الإيمان التي يشهدون له بها في قوله - صلى الله عليه وسلم -: من قال لا إله إلا الله وصلى صلاتنا وأكل ذبيحتنا فله ذمة الله وذمة رسوله. قوله: وحبل جوارك: الحبل العهد والأمان قال تعالى {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} قال في النهاية (¬1): كان من عادة العرب أن يخيف بعضهم بعضًا، فكان الرجل إذا أراد سفرًا أخذ عهدًا من سَيّد كل قبيلة فيأمن به ما دام في حدودها، حتى ينتهي إلى الأخرى، فيأخذ مثل ذلك، فهذا حبل الجِوار: أي ما دام مجاورًا أرضه. 1210 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اذكروا محاسن موتاكم، وكفوا عن مساوئهم". قلت: رواه أبو داود في الأدب والترمذي في الجنائز (¬2) كلاهما من حديثا عمران بن أنس المكي عن عطاء عن أبي هريرة، وقال: غريب، سمعت محمدًا يعني البخاري يقول: عمران بن أنس المكي منكر الحديث، وقال أبو جعفر العقيلي: عمران لا يتابع على حديثه، وقال أبو أحمد الكرابيسي: حديثه ليس بالمعروف، وذكر له حديث الربا أيضًا، وحديث الربا هو: "لدرهم ربا أعظم حوبًا عند الله من سبعة وثلاثين زنية" وذكر البخاري حديثه في الربا وقال هذا لا يتابع عليه. (¬3) 1211 - صلّى على جنازة رجل فقام حيال رأسه، ثم جاؤوا بجنازة امرأة، فقام عند حيال وسط السرير، فقيل له: هكذا رأيتَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قام على الجنازة مقامك منها، ومن الرجل مقامك منه؟ قال: "نعم". ¬

_ (¬1) المصدر السابق (1/ 332). (¬2) أخرجه أبو داود (4900)، والترمذي (1019)، وابن حبان (3020)، والطبراني في الكبير (12/ 13599)، والبيهقي (4/ 75)، والبغوي (1509)، وعمران بن أنس المكي، انظر: الضعفاء للعقيلي (3/ 1011 رقم 1304)، وقال الحافظ: ضعيف، من السابعة، التقريب (5179)، وانظر: تهذيب الكمال (22/ 307 - 309)، وميزان الاعتدال (3/ ت 6268). (¬3) لم أجد كلام البخاري هذا في ترجمة عمران في تاريخه الكبير (6/ ت 2859) ولا الصغير ولا الضعفاء له. أما حديث: "لدرهم ربا أعظم ... " أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات (1232)، وانظر السلسلة الصحيحة (1033).

باب دفن الميت

قلت: رواه الترمذي وابن ماجه (¬1) هنا بهذا اللفظ، ورواه أبو داود بمعناه أطول منه من حديث أنس بن مالك, والقائل لأنس هو: العلاء بن زياد. وحيال رأسه: بكسر الحاء المهملة والياء المثناة من تحت أي: بإزاء رأسه، وكذا حيال وسط السرير أي: بإزاء وسطه. باب دفن الميت من الصحاح 1212 - قال سعد بن أبي وقاص في مرضه: ألحدوا لي لحدًا، وانصبوا عليّ اللّبن نصبًا كما صُنع برسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قلت: رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه (¬2) كلهم في الجنائز ولم يخرج البخاري هذا الحديث، وفيه استحباب اللحد ونصب اللبن وأنه فعل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك باتفاق الصحابة رضي الله عنهم، وقد نقلوا أن عدد لبناته - صلى الله عليه وسلم - تسع وسيأتي تفسير اللحد وأفضليته في الحسان. 1213 - وقال ابن عباس: "جُعل في قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطيفةٌ حمراء". قلت: رواه مسلم في الجنائز من حديث ابن عباس ولم يخرجه البخاري أيضًا. (¬3) والقطيفة: بفتح القاف وكسر الطاء المهملة وبالمثناة من تحت وبالفاء، هي كساء له خَمْل، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يلبسها ويفترشها فألقاها شقران مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال كرهت أن يلبسها أحد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1034)، وابن ماجه (1494)، وأبو داود (3194) وقال الترمذي: حديث أنس هذا حديث حسن. (¬2) أخرجه أحمد (1/ 169)، ومسلم (966)، والنسائي (4/ 80)، وابن ماجه (1556). (¬3) أخرجه مسلم (967).

قال النووي (¬1): وقد نص الشافعي وجميع أصحابنا وغيرهم من العلماء على كراهة وضع قطيفة أو مخدة بكسر الميم أو مضربة أو نحو ذلك، تحت الميت في القبر، وشذ عنهم البغوي من أصحابنا فقال: لا بأس بذلك. وأجاب الجمهور عن هذا الحديث: بأن شقران فعل ذلك ولم يوافقه أحد من الصحابة، ولا علموا ذلك، وإنما فعله شقران لما قدمناه. وروى البيهقي عن ابن عباس أنه كره أن يجعل تحت الميت ثوب في قبره، وفي الاستيعاب (¬2): أن تلك القطيفة أخرجت، وبتقدير أنها لم تخرج قال وكيع: هذا خاص به - صلى الله عليه وسلم -. 1214 - أنه رأى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - مُسَنَّمًا. قلت: ذكره البخاري (¬3) وتفرد به مسندًا إلى سفيان التمار، وسفيان هذا ولد في زمن معاوية بن أبي سفيان، وروى عن سعيد بن جبير، ولم يخرجه مسلم ولا أخرج في كتابه عن سفيان التمار شيئًا. 1215 - قال علي لأبي الهيّاج الأسدي: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أن لا تدع تمثالًا إلا طمسته، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته". قلت: رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي (¬4) هنا من حديث أبي الهياج الأسدي، قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك، وذكره ولم يخرجه البخاري، وأبو الهياج بفتح الهاء وتشديد الياء واسمه حيّان بالحاء المهملة والياء المثناة من تحت ابن ¬

_ (¬1) المنهاج (7/ 49). (¬2) انظر: السنن الكبرى للبيهقي (4/)، والاستيعاب لابن عبد البر (1/ 48)، والتلخيص الحبير (2/ 262 - 263). (¬3) أخرجه البخاري (1390)، وسفيان هو ابن دينار التمار، أبو سعيد الكوفي ثقة، التقريب (2452). (¬4) أخرجه مسلم (969)، وأبو داود (3218)، والترمذي (1049)، والنسائي (1049).

الحصين (¬1)، والتمثال: الصورة، والطمس: استئصال أثر الشيء، وفي الحديث دليل على أن السنة في القبر ألا يرفع عن الأرض رفعًا كثيرًا. 1216 - "نهى النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن يجصص القبر، وأن يبنى عليه، وأن يقعد عليه". قلت: رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود والترمذي (¬2) أربعتهم هنا من حديث جابر، ولم يخرجه البخاري، وهذا النهي محمول على الكراهة، والمراد بالقعود عليه: الجلوس للحديث الذي بعده، وقيل: ملازمته إحدادًا على الميت فلا يفارقه وقال مالك في الموطأ (¬3): المراد بالقعود الجلوس والصواب الأول، قال النووي في شرح مسلم (¬4): إن الجلوس على القبر حرام، والمعروف في المذهب أنه مكروه ولو بني عليه هدم، إن كانت المقبرة مسبّلة وإن كان في ملكه فلا. 1217 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها". قلت: رواه مسلم والترمذي (¬5) كلاهما هنا من حديث أبي مرثد الغنوي ولم يخرج البخاري في كتابه عن أبي مرثد شيئًا. 1218 - "لأن يجلس أحدكم على جمرة، فتحرق ثيابه، فتخلص إلى جلده، خير له من أن يجلس على قبر". قلت: رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي (¬6) من حديث أبي هريرة في الجنائز. ¬

_ (¬1) حيان بن حصين، أبو الهيّاج الأسدي، الكوفي. ثقة، التقريب (1605). (¬2) أخرجه مسلم (970)، وأحمد (3/ 255)، وأبو داود (3226)، والنسائي (3/ 339). (¬3) قال الإمام مالك: باب الوقوف للجنائز والجلوس على المقابر -ثم ذكر الحديث- وقال: وإنما نهي عن القعود على القبور، فيما نُرى، للمذاهب. الموطأ (1/ 233). (¬4) المنهاج (7/ 53 - 54). (¬5) أخرجه مسلم (972)، والترمذي (1050). (¬6) أخرجه مسلم (971)، وأبو داود (3228)، والنسائي (4/ 95)، وابن ماجه (1566).

من الحسان

من الحسان 1219 - " كان بالمدينة رجلان أحدهما يلحد والآخر لا يلحد، فقالوا: أيهما جاء أولًا عمل عمله، فجاء الذي يلحد فلحد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -". قلت: رواه مالك مرسلًا عن هشام بن عروة عن أبيه، وروى الإمام أحمد وابن ماجه في الجنائز بمثل معناه من حديث أنس، ورواه أحمد أيضًا من حديث ابن عباس (¬1) وقال: كان أبو عبيدة يضرح وكان أبو طلحة يلحد. يقال: لحدت للقبر لحدًا وألحدت له لغتان، واللحد بفتح اللام وضمها مع إسكان الحاء وهو أن يحفر في حائط القبر من أسفله إلى ناحية القبلة قدر ما يوضع الميت فيه ويسكره. 1220 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللّحد لنا والشَّقُّ لغيرنا". قلت: رواه الأربعة (¬2) وقال الترمذي: غريب، انتهى كلامه، وفي إسناده: عبد الأعلى بن عامر الثعلبي ولا يحتج بحديثه، وأخرجه ابن ماجه أيضًا من حديث جرير بن عبد الله البجلي، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي إسناده: أبو اليقظان عثمان بن عمير البجلي الكوفي ولا يحتج بحديثه، وحكى ابن عدي أنه لا يتابعه عليه أحد. والشق بفتح الشين هو: أن يحفر حفيرة كالنهر ويبني جانبيها باللبن أو غيره ويجعل بينهما شقًّا يوضع الميت فيه، ويسقف عليه، ويرفع السقف قليلًا بحيث لا يمس الميت، ¬

_ (¬1) أخرجه مالك (1/ 231 رقم 28)، والبغوي في شرح السنة (5/ 389)، وأخرجه أحمد (3/ 139)، وابن ماجه (1557)، ورواه أحمد أيضًا (1/ 292). (¬2) أخرجه أبو داود (3208)، والترمذي (1045)، والنسائي (4/ 80)، وابن ماجه (1554) و (1555). وفي الإسناد عبد الأعلى بن عامر الثعلبي الكوفي قال الحافظ: صدوق يَهم، التقريب (3755)، وانظر الكامل لابن عدي (5/ 1953)، أما أبو اليقظان عثمان بن عمير فقال فيه الحافظ: ضعيف واختلط، وكان يدلّس ويغلو في التشيع، التقريب (4539)، وانظر: الكامل لابن عدي (5/ 1815)، وراجع أحكام الجنائز (ص 184) للشيخ الألباني -رحمه الله-.

ويجعل في شقوقه قطع اللبن، وتضع عليه التراب، واللحد أفضل إن كانت الأرض صلبة وإن كانت رخوة فالشق أفضل. 1221 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم أحد: "احفروا، وأوسعوا، وأعمقوا، وأحسنوا، وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد، وقدموا أكثرهم قرآنًا". قلت: رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه مختصرًا كلهم في الجنائز (¬1) من حديث هشام بن عامر وقد ترك الشيخ ذكر سبب ذلك، وقد جاء في أبي داود وغيره ذكر السبب، وهو: أن الأنصار جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد فقالوا: أصابنا قرح وجهد فكيف تأمرنا، فقال: "احفروا ... " الحديث وقال الترمذي: حسن صحيح. 1222 - لما كان يوم أحُد، جاءت عَمّتي بأبي لتدفِنه في مقابرنا، فنادى منادي رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: ردُّوا القتلى إلى مضاجعها. قلت: رواه أبو داود في الجنائز (¬2) والثلاثة في الجهاد من حديث نُبيح، عن جابر وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقد روى البخاري في صحيحه (¬3) عن جابر بن عبد الله أنه دفن أباه مع رجل آخر في قبر، قال: ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع آخر، فاستخرجته بعد ستة أشهر، فإذا هو كهيئته يوم وضعته غير أذنه، وفي رواية أخرى للبخاري (¬4): فجعلته في قبر على حدة، وهذا يقتضي جواز النبش والنقل لهذا الغرض ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3215)، والترمذي (1713)، والنسائي (4/ 81)، وابن ماجه (1560) وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه أبو داود (3165)، والترمذي (1717)، والنسائي (4/ 79)، وابن ماجه (1516) وإسناده صحيح. (¬3) أخرجه البخاري في الجنائز (1315) باب: هل يخرج الميت من القبر واللّحْد لعلّة. (¬4) برقم (1352) في الباب السابق.

من غير عذر آخر، ولم يقل به الأصحاب ولا بد لهم من جواب أو نلزمهم القول به فقد صح الحديث. 1223 - سُلَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قبل رأسه. قلت: رواه الشافعي (¬1) عن الثقة عنده، عن عمرو بن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس ورواه البيهقي من طريق الشافعي. 1224 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل قبرًا ليلًا: فأسرج له سراج، فأخذ من قبل القبلة، وقال: "رحمك الله إن كنت لأَوّاهًا تلاءً للقرآن". قلت: رواه الترمذي هنا (¬2) من حديث عطاء عن ابن عباس وقال: حديث حسن. وفي سنده: المنهال بن خليفة، وقد ضعفه ابن معين وفيه: الحجاج بن أرطأة. 1225 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أدخل الميت القبر، قال: "بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه (¬3) كلاهما من حديث ابن عمر وقال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه، قال: وروي مرفوعًا وموقوفًا. ¬

_ (¬1) أخرجه الشافعي في المسند (1/ 215 رقم 598)، والبيهقي (4/ 54). وقال: مشهور عند أهل هذا الشأن أن قولهم: أخبرنا الثقة ليس بتوثيق، وعمرو بن عطاء ضعفه يحيى والنسائي وقال مرة: ليس بشيء. (¬2) أخرجه الترمذي (1057)، وابن ماجه (1520). والمنهال بن خليفة: قال عنه الحافظ: ضعيف، التقريب (6965) والحجاج بن أرطأة: صدوق كثير الخطأ والتدليس. التقريب (1127) وفيه كذلك يحيى بن اليمان. صدوق عابد يخطيء كثيرًا، وقد تغيّر، التقريب (7729) وقال مع ذلك الترمذي: حديث ابن عباس حديث حسن، لعله حسّنه لأحاديث الباب، وله شاهد من حديث جابر أخرجه الحاكم (1/ 368)، وانظر: أحكام الجنائز (ص 180) وفي المطبوع من المصابيح في آخر هذا الحديث "إسناده ضعيف" ولم أجده عندي. (¬3) أخرجه الترمذي (1046)، وابن ماجه (1550)، ورواه أبو داود (3213) بالإسناد الصحيح عن ابن عمر لكن من فعله - صلى الله عليه وسلم -".

- وفي رواية: "وعلى سنة رسول الله". قلت: رواها أبو داود والترمذي وأخرجه النسائي (¬1) أيضًا مسندًا وموقوفًا، قال البيهقي: والحديث ينفرد برفعه: همام بن يحيى، بهذا الإسناد، وهو ثقة إلا أن شعبة وهشام الدستوائي روياه عن قتادة موقوفًا على ابن عمر. 1226 - "أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: حَثَى على القبر ثلاث حثيات بيديه جميعًا، وأنه رشّ على قبر ابنه ابراهيم، ووضع عليه حصباء" (مرسل). قلت: رواه الشافعي (¬2) عن إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه مرسلًا وذكر له البيهقي شاهدًا ضعيفًا من حديث عامر بن ربيعة عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دفن عثمان بن مظعون وحثى بيده ثلاثَ حثيات. 1227 - نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تجصص القبور، وأن يكتب عليها، وأن تُوطَأ. قلت: رواه الترمذي (¬3) هنا وقال: حديث حسن صحيح، قد روي من غير وجه عن جابر، قال: وقد رخص بعض أهل العلم منهم الحسن البصري في تطيين القبور، وقال الشافعي: لا بأس أن يطين القبور. 1228 - "رُشَّ قبرُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: -وكان الذي رَشّ الماء على قبره بلال ابن رباح- بِقِرْبة، بدأ من قِبَلِ رأسه، حتى انتهى إلى رجليه". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3213)، والترمذي عقب الحديث (1046)، عزاه المزي في التحفة (5/ 323) للنسائي في عمل اليوم والليلة فهو فيه برقم (1088)، وابن ماجه عقب الحديث (1550)، والحاكم (1/ 366) وقال حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، والبيهقي (4/ 55). (¬2) أخرجه الشافعي في المسند (599)، وأخرجه أيضًا البغوي في شرح السنة (1515)، والشاهد عند البيهقي في السنن الكبرى (3/ 410)، وانظر البغوي (1517)، وفيه ابن جريج، وأبو الزبير، وهما مدلسان، لكن قد صرحا بالتحديث في رواية أبي داود (3225)، والنسائي (1/ 285) وفي أكثر الروايات ذكر البناء عليها. وانظر: التلخيص الحبير (2/ 265). (¬3) أخرجه الترمذي (1052) وإسناده صحيح كما قال النووي في المجموع (5/ 296).

قلت: رواه البيهقي في السنن (¬1) من طريق الواقدي عن عبد الله بن جعفر عن ابن أبي عوف عن أبي عتيق عن جابر. 1229 - لما مات عثمان بن مظعون فدفن، أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نأتيه بحجر، فلم نستطع حملها، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - وحَسَرَ عن ذراعيه، وحملها، فوضعها عند رأسه، وقال: "أعلم بها قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". قلت: رواه أبو داود (¬2) هنا من حديث المطلب بن عبد الله المدني قال: لما مات عثمان .. وساقه، وقال فيه: قال المطلب: قال الذي يخبرني عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: كأني أنظر إلى بياض ذراعَي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي إسناده: كثير بن زيد مولى الأسلميين تكلم فيه غير واحد. وعثمان بن مظعون قرشي جمحي، أسلم قديمًا بعد ثلاثة عشر رجلًا، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرًا، وكان ممن حرم الخمر في الجاهلية، وقال: لا أشرب ما يضحك بي من هو دوني، وقيل: هو أول من دفن بالبقيع، وأول من مات من المهاجرين بالمدينة، وأول من تبعه من أهل النبي - صلى الله عليه وسلم - هو إبراهيم بن النبي - صلى الله عليه وسلم -". (¬3) 1230 - دخلت على عائشة فقلت: يا أماه اكشفي لي عن قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فكشفت لي عن ثلاثة قبور، لا مشرفة، ولا لاطِئة، مبطوحة ببطحاءِ العَرْصَة الحمراء. ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (3/ 411) وفي إسناده الواقدي انظر: التلخيص الحبير (2/ 266 - 267). (¬2) أخرجه أبو داود (3206) قال الحافظ: وإسناده حسن ليس فيه إلا كثير بن زيد راويه عن المطلب وهو صدوق، وقد بيّن المطلب أن مخبر أخبره به ولم يسمه، ولا يضر إبهام الصحابي، التلخيص الحبير (2/ 267)، وقال في التقريب (5646): صدوق يخطيء. (¬3) ولما توفي إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الحق بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون، انظر الإصابة (4/ 461 - 462).

باب البكاء على الميت

قلت: رواه أبو داود (¬1) هنا، وقال فيه: قال أبو علي: يقال إن رسول الله مقدم وأبو بكر عند رأسه، وعمر عند رجليه، رأسه عند رجلي النبي - صلى الله عليه وسلم -. النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر عمر هكذا هو مكتوب في أبي داود. 1231 - "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة فوجدنا القبر لم يُلحد، فجلس مستقبل القبلة وجلسنا معه". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه كلهم هنا من حديث البراء ابن عازب ولم يضعفه أبو داود ولا المنذري. (¬2) 1232 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كَسْرُ عظمِ الميت، ككسره حَيًّا". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه (¬3) هنا من حديث عائشة وسكت عليه أبو داود، وقال الشافعي: ككسره حيًّا في الإثم. باب البكاء على الميت من الصحاح 1233 - دخلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي سيف القَيْنِ -وكان ظئرًا لإبراهيم- فأخذ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إبراهيمَ فقبّله وشمّه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك، وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلَتْ عينا رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - تَذْرِفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله؟، فقال: "يا ابن عوف إنها رحمة" ثم أتبعها بأخرى فقال: "إن العين تدمع، ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3220) وفي إسناده: عمرو بن عثمان بن هانىء وهو مجهول الحال، قال الحافظ: مستور، التقريب (5113) ولم أجد في سنن أبي داود المطبوع هكذا. (¬2) أخرجه أبو داود (3212)، والنسائي (4/ 78)، وابن ماجه (1549) وإسناده حسن. (¬3) أخرجه أبو داود (3207)، وابن ماجه (1616) وإسناده حسن.

والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون". قلت: رواه البخاري وأبو داود كلاهما هنا ومسلم في الفضائل ثلاثتهم من حديث أنس. (¬1) والقين: بفتح القاف، الحداد، والظِئر بكسر الظاء مهموز ومعناه في الحديث: أنه كان زوج مرضعة إبراهيم، وصاحب لبنها، وتوفي إبراهيم عليه السلام وله ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر، واسم أبي سيف هذا البراء واسم أم سيف زوجته: خولة بنت المنذر أنصارية. 1234 - أرسلَتْ ابنةُ النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه: أن ابنًا لي قُبض فأتنا، فأرسل يقرىء السلام ويقول: إن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب فأرسلَتْ إليه تُقْسِم عليه ليأتينّها، فقام ومعه سعد بن عبادة، ورجال، فرُفِعَ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبي ونفسه تتقعقع، ففاضت عيناه، فقال سعد: يا رسول الله ما هذا؟ قال: "هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، فإنما يرحم الله من عباده الرحماء". قلت: رواه البخاري ومسلم والنسائي كلهم في الجنائز (¬2) من حديث أسامة بن زيد، قوله: يقريء السلام، لفظ البخاري دون مسلم، وفي رواية أبي داود نحو هذه، وهذه أتم، ولم يذكر أسماء الرجال الذين جاؤوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم -. قولها: ابنًا لي قبض، يقال: قبض المريض إذا توفي، وإذا أشرف على الموت، أرادت أنه في حال القبض، ومعالجة النزع، وفلتحتسب: أي لتصبر لوجه الله تعالى، ويقعقع أي بفتح الياء والقافين، وفي رواية في مسلم: تقعقع كأنها في شَنّة والشنة: القربة البالية ومعناه: لها صوت وحشرجة كصوت الماء إذا ألقي في القِربة البالية. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1303)، ومسلم (2315)، وأبو داود (3126). (¬2) أخرجه البخاري (1284)، ومسلم (923)، وأبو داود (3125).

قوله: فقال سعد إلى آخره، معناه: أن سعدًا ظن أن جميع أنواع البكاء حرام، وأنه - صلى الله عليه وسلم - نسي، فأعلمه - صلى الله عليه وسلم - أن مجرد البكاء ودمع العين ليس بحرام ولا مكروه، بل هو رحمة وفضيلة، وإنما المحرم: النوح والندب، للأحاديث الدالة على ذلك. والرحماء: روي بالنصب والرفع، فالنصب: على أنه مفعول يرحم والرفع: على أنه خبر إنّ، ويكون ما بمعنى الذي. 1235 - اشتكى سعد بن عبادة شكوى، فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يعودُه مع عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، فلما دخل وجده في غاشية، فبكى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما رأى القومُ بكاءَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بكَوا، فقال: "ألا تسمعون إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا -وأشار إلى لسانه- أو يرحم، وإن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه". قلت: رواه الشيخان (¬1) هنا من حديث عبد الله بن عمر إلا أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وإن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه" في هذا الحديث من زيادات البخاري، وهذه الزيادة ذكرها مسلم منفصلة، وفي مسلم: "فوجده في غَشِية": بفتح الغين وكسر الشين وتشديد الياء، قال القاضي عياض (¬2): هكذا رواية الأكثرين، قال: وضبطه بعضهم بإسكان الشين وتخفيف الياء، وفي رواية البخاري: "في غاشية" وهي رواية المصابيح، وكله صحيح، وفيه قولان: أحدهما: مَنْ يغشاه من أهله، والثاني: ما يغشاه من كرب الموت، وأما تعذيب الميت ببكاء أهله عليه: فحمله الجمهور على من وصى بأن يبكى عليه ويناح بعد موته، فنفذت وصيته، فهذا يعذب ببكاء أهله عليه ونوحهم، وأما من ناح أهله من غير وصية منه فلا يعذب. 1236 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1304)، ومسلم (924). (¬2) إكمال المعلم (3/ 365).

قلت: رواه الشيخان والترمذي والنسائي من حديث عبد الله ابن مسعود (¬1) وفي رواية لمسلم: أو دعا أو شق بأو. 1237 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أنا بريء ممن حَلَق وصَلَق وخَرَقَ". قلت: رواه الشيخان من حديث أبي موسى. (¬2) والحالقة: هي التي تحلق شعرها عند المصيبة، والصلق: بالصاد والسين المهملتين، والمراد: الرافعة صوتها بالندب والنياحة، ويجوز أن يراد التي تلطم وجهها، وخرق: معناه التي تخرق ثوبها عند المصيبة. 1238 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن، الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة". قلت: رواه مسلم في الجنائز (¬3) من حديث أبي سلام عن أبي مالك الأشعري ولم يخرج البخاري هذا الحديث، وخرج عن ابن عباس موقوفًا، قال: خِلال من خلال الجاهلية: الطعن في الأنساب والنياحة، ونسى يعني الراوي الثالثة قال سفيان: ويقولون إنها الاستسقاء بالنجوم. قال: إن النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سِرْبال من قطران ودرع من جَرَب. قلت: رواه مسلم (¬4) في الجنائز من حديث أبي مالك الأشعري في آخر الحديث قبله، وهو تتمته، ورواه ابن حبان أيضًا، ورواه ابن ماجه من حديث ابن معانق أو أبي معانق عن أبي مالك ولفظه: "النياحة من أمر الجاهلية، والنائحة إذا لم تتب" الحديث. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1294)، ومسلم (103)، والنسائي (4/ 19). (¬2) أخرجه البخاري (1296) , ومسلم (104). (¬3) أخرجه مسلم (934). (¬4) أخرجه مسلم (934)، وابن ماجه (1581)، وابن حبان في صحيحه (3143)، والبغوي (1533) وأبو سلام: هو ممطور الحبشي.

1239 - مَرّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بامرأة تبكي عند قبر، فقال: "اتقي الله واصبري"، قالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبي، ولم تعرفه فقيل لها: إنّه النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتت باب النبي، فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، ففال: "إنما الصبر عند الصدمة الأولى". قلت: رواه الجماعة إلا ابن ماجه واللفظ للبخاري كلهم في الجنائز من حديث أنس. (¬1) 1240 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد، فيلج النار إلا تحلة القسم". قلت: رواه الشيخان: البخاري في الجنائز ومسلم في الأدب من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة. (¬2) وتحلة القسم: قول الله تعالى: {وإن منكم إلا واردها} مريم: 71 والورود: هو العبور على الصراط، وهو جسر منصوب على ظهر جهنم عافانا الله منها. 1241 - قال - صلى الله عليه وسلم - لنسوة من الأنصار: "لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد، فتحتسبه إلا دخلت الجنة" فقالت امرأة: واثنين يا رسول الله؟ قال: "أو اثنين". قلت: رواه مسلم (¬3) في الأدب من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري والذي في مسلم فقالت: امرأة واثنان يا رسول الله فقال أو اثنان. 1242 - وفي رواية: "ثلاثة لم يبلغوا الحنث". قلت: رواها الشيخان موقوفة على أبي هريرة، البخاري في الجنائز ومسلم في الأدب (¬4) ورواه البخاري مرفوعًا من حديث أنس. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1283)، ومسلم (926). (¬2) أخرجه البخاري (6656)، ومسلم (2632). (¬3) أخرجه مسلم (2632). (¬4) أخرجه البخاري (102)، وفي الجنائز (1248) و (1381)، ومسلم (2634).

من الحسان

ومعناه: قبل أن يبلغوا فيكتب عليهم الإثم، ومنه قوله تعالى: {وكانوا يصرون على الحنث العظيم}. 1243 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "يقول الله تعالى: "ما لعبدي المؤمن عندي جزاء، إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا، ثم احتسبه إلا الجنة". قلت: رواه البخاري (¬1) في الرقاق من حديث أبي هريرة ولم يخرجه مسلم. من الحسان 1244 - " لعن رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: النائحة والمستمعة". قلت: رواه أبو داود (¬2) هنا، وفي إسناده: محمد بن الحسن بن عطية العوفي عن أبيه عن جده عن أبي سعيد الخدري وثلاثتهم ضعفاء. 1245 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عجبًا للمؤمن إن أصابه خير فحمد الله وشكر، وإن أصابته مصيبة حمد الله وصبر، فالمؤمن يؤجر في كل أمره، حتى في اللقمة يرفعها إلى في امرأته". قلت: رواه النسائي في اليوم والليلة (¬3) من حديث عمر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه سعد يرفعه، قال ابن معين في عمر بن سعد: كيف يكون من قتل الحسين ثقة؟. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6424). (¬2) أخرجه أبو داود (3128) وإسناده ضعيف، محمد بن الحسن العوفي: صدوق يخطيء، التقريب (5854) والحسن بن عطية العوفي: ضعيف، التقريب (1266)، وعطية بن سعد بن جنادة العوفي، صدوق يخطيء كثيرًا، وكان شيعيًّا مدلّسًا، التقريب (4649). (¬3) أخرجه النسائي في اليوم والليلة (1067) وفات المصنف عزوه إلى أحمد وهو عنده في المسند (1/ 182). وقال الحافظ: عمر بن سعد المدني نزيل الكوفة، صدوق، ولكن مقَتَه الناس لكونه كان أميرًا على الجيش الذين قتلوا الحسين بن علي. ووهم من ذكره في الصحابة، فقد جزم ابن معين بأنه ولد يوم مات عمر بن الخطاب. التقريب (4937)، وانظر: كلام ابن معين في الجرح والتعديل (6/ ت 592)، وتهذيب الكمال (21/ 357).

1246 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من مؤمن إلا وله بابان من السماء: باب يصعد منه عمله، وباب ينزل منه رزقه، فإذا مات بكيا عليه، فذلك قوله تعالى: {فما بكت عليهم السماء والأرض} ". الدخان 29. قلت: رواه الترمذي في التفسير، في سورة الدخان، والحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده (¬1) كلاهما من حديث موسى بن عبيدة عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك يرفعه، وقال الترمذي: غريب، لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه، وموسى ويزيد يُضعّفان انتهى. 1247 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كان له فَرَطان من أمتي، أدخله الله بهما الجنة" فقالت عائشة: فمن كان له فرط من أمتك؟ قال: "ومن كان له فرط يا مُوَفَّقة" فقالت: فمن لم يكن له فرط من أمتك؟ قال: "فأنا فرط أمتي لن يصابوا بمثلي". (غريب). قلت: رواه الترمذي هنا من حديث ابن عباس، وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد ربه (¬2). انتهى، وعبد ربه، قال أحمد: لا بأس به، وقال يحيى: ليس بشيء. وفرطان: تثنية فرط بفتح الفاء والراء المهملة، قال أهل اللغة والغريب: هو الذي يتقدم القوم ليرتاد لهم الماء، ويهيىء لهم الدلاء والأرشية، وفي الحديث: أنا فرطكم على الحوض أي متقدمكم إليه. 1248 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ " ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3255)، وأبو يعلى الموصلى في المسند (4133)، وذكره الحافظ في المطالب العالية (3/ 369 برقم 3733) وعزاه لأبي يعلى وقال: إسناده ضعيف. وموسى بن عبيدة: ضعيف، ولا سيما في عبد الله بن دينار، وكان عابدًا, التقريب (7038)، ويزيد بن أبان الرقاشي: زاهد ضعيف، التقريب (7733). (¬2) أخرجه الترمذي (1062). وعبد ربه هو ابن بارق الحنفي الكوسج أبو عبد الله الكوفي، قال الحافظ: صدوق يخطيء، التقريب (3807).

فيقولون: نعم، فيقول: "قبضتم ثمرة فؤاد؟ ". فيقولون: نعم، فيقول: "ماذا قال عبدي؟ " فيقولون: حمدك، واسترجع، فيقول الله تعالى: "ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة، وسَمُّوه بيتَ الحمد". قلت: رواه الترمذي هنا من حديث أبي موسى وقال: حسن غريب. (¬1) 1249 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من عَزّى مصابًا فله مثلُ أجرِه". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه والبيهقي في السنن الكبير، كلهم هنا من حديث ابن مسعود، وإسناده ضعيف. (¬2) قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام معناه: فله مثل أجر صبره، فإن المصيبة ليست من فعله حتى يؤجر عليها، وقد قال تعالى: {إنما تجزون ما كنتم تعملون} فلا أجر ولا جزاء إلا مكتسب في نفسه أو مكتسب بسببه. 1250 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من عَزّى ثَكْلى كُسِي بُرْدًا في الجنة". (غريب). قلت: رواه الترمذي من حديث أبي برزة، وقال: ليس إسناده بالقوي. (¬3) وثكلى: بفتح المثلثة وسكون الكاف وهي: المرأة الفاقدة لولدها. 1251 - وروي: أنه لما جاء نعيُ جعفر بن أبي طالب قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اصنعوا لآل جعفر طعامًا، فقد أتاهم ما يشغلهم". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1021)، وأخرجه أحمد (4/ 415)، وابن حبان (2948)، والبغوي (1549). (¬2) أخرجه الترمذي (1073)، وابن ماجه (1602)، والبيهقى (4/ 59) وإسناده ضعيف. وقال الترمذي: "هذا حديث غريب، لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث على بن عاصم، وروى بعضهم عن محمد بن سُوقة، بهذا الإسناد، مثله موقوفًا، ولم يرفعه، ويقال: أكثرُ ما ابتلي به عليُ بن عاصم، بهذا الحديث، نَقَمُوا عليه"، أورده ابن الجوزي في الموضوعات (1752، 1753) وقد تعقبه على ذلك غير واحد من العلماء. انظر: أجوبة الحافظ ابن حجر، والتلخيص الحبير (2/ 275)، وكذلك إرواء الغليل (765). (¬3) أخرجه الترمذي (1076) وفي سنده منية ابنة عبيد بن أبي برزة، قال عنها ابن حجر في "التقريب": لا يعرف حالها (8785)، وانظر: التلخيص الحبير (2/ 275 - 276).

باب زيارة القبور

قلت: رواه الأربعة في الجنائز (¬1) من حديث عبد الله بن جعفر، قال الترمذي: حسن صحيح. والنعي بفتح النون وسكون العين: خبر الموت، قال الجوهري (¬2): وكذلك، النعي، بكسر العين قال: والنعي بالكسر أيضًا الناعي، وهو الذي يأتي بخبر الموت. باب زيارة القبور من الصحاح 1252 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث، فأمسكوا ما بدا لكم، ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء، فاشربوا في الأسقية كلها، ولا تشربوا مسكرًا". قلت: رواه مسلم (¬3) في أواخر الجنائز من حديث بريدة ولم يخرجه البخاري، وأخرجه الترمذي مقطعًا في الجنائز، وفي الأضاحي، وفي الأشربة، وقال: حسن صحيح. وهذا من الأحاديث الذي جمع الناسخ والمنسوخ وهو صريح في نسخ نهي الرجال عن زيارتها. قال النووي (¬4): واجمعوا على أن زيارتها سنة لهم، وهل يكره للنساء، وجهان: قطع الأكثرون بالكراهة، ومن قال لا يكره، قال: ذاك إذا أمنت الفتنة. وينبغي للزائر أن يدنوا من القبر بقدر ما كان يدنوا من صاحبه في الحياة لو زاره. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3132)، والترمذي (998)، وابن ماجه (1610) وذكره ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 276) (800) وقال: وصححه ابن السكن. (¬2) الصحاح (. . .). (¬3) أخرجه مسلم (977)، والترمذي (1510). (¬4) المنهاج (7/ 66).

1253 - زار النبي - صلى الله عليه وسلم - قبر أمه فبكى، وأبكى من حوله، فقال: "استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت". قلت: رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه كلهم في الجنائز (¬1) من حديث أبي حازم عن أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. تنبيه: قولي أن هذا الحديث رواه مسلم، تبعت فيه عبد الحق في الجمع بين الصحيحين، والمزي في الأطراف، ولم أره في نسخة سماعنا، وما كنت أعلم كيف سقط من نسخة السماع، إلى أن وقفت على قول النووي (¬2): هذا الحديث وجد في رواية أبي العلاء بن ماهان لأهل المغرب ولم يوجد في نسخة بلادنا من رواية عبد الغافر بن محمد الفارسي فعلمت أنه إنما سقط في نسخة السماع، لأنني أروي مسلمًا من طريق عبد الغافر ابن محمد الفارسي، وقد قال النووي أن هذا الحديث لم يوجد في روايته انتهى. لكن قد رواه المصنف في "شرح السنة" (¬3) عن مسلم من طريق عبد الغافر وأظنه وهم. ويقال: كان قبر أمه بالأبواء، فمرّ به عام الحديبية، ويُروى أنه زار قبر أمه في ألف مقنّع أي ألف فارس مغطى بالسلاح. 1254 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر: "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (976)، وأبو داود (3234)، وابن ماجه (1569). (¬2) انظر المنهاج (7/ 65). (¬3) انظر شرح السنة للبغوي (5/ 463 - 1554).

من الحسان

قلت: رواه مسلم في الجنائز من حديث بريدة ولم يخرجه البخاري. (¬1) قال الخطابي (¬2) فيه: أن السلام على الأموات والأحياء سواء، في تقديم السلام على: عليكم، بخلاف ما كانت الجاهلية عليه، من قولهم: عليك سلام الله قيس بن عاصم .... ورحمته ما شاء أن يترحّما انتهى كلام الخطابي، وهذا الحديث مخالف لحديث أبي جُري الهُجيمي قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: عليك السلام يا رسول الله، قال: "لا تقل عليك السلام، فإن عليك السلام تحية الأموات". رواه أبو داود والترمذي وصححه (¬3)، وسيأتي في باب السلام، فلا بد من الجمع بينهما أو دعوى نسخ حديث الهُجَيْمي بهذا، وهو أولى من عكسه لأنه أقل نسخًا والله أعلم. قوله - صلى الله عليه وسلم -: وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، التقيد بالمشية على سبيل التبرك وقيل عائد على تلك التربة وقيل غير ذلك. من الحسان 1255 - قال: مَرّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بقبور بالمدينة، فأقبل عليهم بوجهه فقال: "السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم أنتم سلفنا ونحن بالأثر". قلت: رواه الترمذي (¬4) في الجنائز وقال: حديث حسن غريب، وفي سنده قابوس بن أبي ظبيان، وقال أبو حاتم وغيره: لا يحتج به. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (957). (¬2) معالم السنن (1/ 276) ولم أجد فيه هذا البيت. (¬3) أخرجه أبو داود (4075) و (4084) و (5209)، والترمذي (2722) وقال: حسن صحيح، انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (1403). (¬4) أخرجه الترمذي (1053) وفي المطبوع من سنن الترمذي بتحقيق بشار "غريب" فقط، وقابوس بن أبي ظبيان، قال عنه الحافظ: فيه لين، من السادسة، التقريب (5480).

كتاب الزكاة

كتاب الزكاة من الصحاح 1256 - أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بعث معاذًا إلى اليمن، فقال: "إنك تأتي قومًا أهلَ كتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك، فأعلمهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوا لك فأعلمهم أن الله قد فرض عليهم صدقة، تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوا لك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب". قلت: رواه الجماعة كلهم هنا، من حديث ابن عباس (¬1). وقد استدل بهذا الحديث من رأى منع نقل الزكاة عن بلد المال، وفي هذا الاستدلال نظر، من جهة أنه يحتمل أن يكون المراد ما أخذ من أغنياء السلمين، من حيث أنهم مسلمون، لا من حيث أنهم أهل اليمن، يرد على فقرائهم، يعني فقراء المسلمين، لأن خطاب الشرع إنما هو للمسلمين من حيث أنهم مسلمون لا من حيث خصوصياتهم. 1257 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقّها، إلا إذا كان يوم القيامة صُفّحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جَنبه وجَبينُه وظهره، كما بَرَدَتْ [أعيدت] رُدّت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله، إما إلى الجنة وإما إلى النار، وقال: ولا صاحب إبل لا يؤدي حقها، ومن حقها حَلْبها يوم وِردها، إلا إذا كان يوم القيامة بُطح لها بقاعٍ قَرْقَرِ أوفر ما كانت، لا يفقد منها فصيلًا واحدًا تطؤه ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1395) (1458) (1496) (4347)، ومسلم (19) (29)، وأبو داود (1584)، والترمذي (625) (2014)، والنسائي (5/ 2، 55)، وابن ماجه (1783).

بأخفافها، وتعَضّه بأفواهها، كما عليه أولها رد عليه آخرها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، قيل يا رسول الله والبقر والغنم؟ قال: ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بُطح له بقاع قرقر لا يفقد منها شيئًا، ليس فيها عقصاء ولا جلحاء، ولا عضباء، تنطحه بقرونها، وتطأوه بأظلافها، كما عليه أولاها رُدّ عليه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار". قلت: رواه مسلم (¬1) بطوله في الزكاة من حديث أبي هريرة. وحلبها: بفتح الحاء المهملة وكذا اللام على المشهور وحكي إسكانها قال النووي (¬2): وهو غريب ضعيف. وبطح بضم الموحدة، قال جماعة ألقي على وجهه، قال القاضي (¬3): قد جاء في رواية البخاري: يخبط وجهه بأخفافها، قال: وهذا يقتضي أنه ليس من شرط البطح أن يكون على الوجه، وإنما هو في اللغة بمعنى البسط، والمد، فقد يكون على وجهه وقد يكون على ظهره. والقاع: بالقاف المستوى الواسع، في سواء من الأرض يعلوه ماء السماء فيمسكه. والقرقر: المستوى أيضًا من الأرض الواسع، وهو بفتح القافين. قوله - صلى الله عليه وسلم - كلما مرت عليه أولاها رد عليه أخراها قال النووي هكذا هو في جميع النسخ في هذا الموضع ونقل عياض (¬4) أنه تغيير وتصحيف، وصوابه ما جاء بعده في الحديث الآخر من رواية أبي ذر كلما مَرّ عليه أخراها رد عليه أولاها، وبهذا ينتظم الكلام. فيرى ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (987). (¬2) المنهاج (7/ 90). (¬3) إكمال المعلم (3/ 488). (¬4) المصدر السابق.

سبيله: قال النووي (¬1): ضبطاه بضم الياء وفتحها. والعقصاء: المكسورة القرن. والجلحاء: التي لا قرن لها. والعضباء: التي انكسر قرنها الداخل. والظلف: للبقر والغنم والظباء، وهو المنشق من القوائم. 1258 - "الخيل ثلاثة: لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر، فأما الذي له أجر: فرجل ربطها في سبيل الله، فأطال لها في مرْج، أو روضة، فما أصابت في طِيَلِها ذلك من المرج والروضة، كان له حسنات، ولو أنها قطعت طيلها، فاسْتَنّت شَرَفًا أو شرفين، كان آثارها وأرواثها حسنات له، ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقيها، كان ذلك حسنات له، وأما الذي هي له ستر: فرجل ربطها تغنيًّا وتعففًا، ثم لم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها، فهي له ستر، وأما الذي هي عليه وزر: فرجل ربطها فخرًا ورياء، ونواء لأهل الإسلام، فهي على ذلك وزر، وسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الحمر؟ قال: ما أنزل الله علي فيها إلا هذه الآية الفاذّة الجامعة {فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرًّا يره} ". قلت: رواه البخاري (¬2) في التفسير بهذا اللفظ وروى مسلم ما يتعلق بالخيل في الزكاة من تتمة الحديث الذي قبله بمثل معنى حديث البخاري وما يتعلق بالحمر بمثل لفظ البخاري. وأطال لها: أي طوّل لها من الحبل الذي تربط فيه والمرج: الأرض الواسعة، ذات نبات كثير، تمرج فيه الدواب، أي تسرح، وطيلها: بكسر الطاء المهملة وفتح الياء المثناة من تحت، ويقال طولها بفتح الواو أيضًا وهو: الحبل الذي تربط به. واستنّت: بسين مهملة ومثناة من فوق مفتوحة ونون مفتوحة مشددة وتاء تأنيث، يقال: استن الفرس إذا عدا. ¬

_ (¬1) المنهاج (7/ 90 - 91). (¬2) أخرجه البخاري (7356) و (2370)، ومسلم (987).

والشرف: بفتح الشين المعجمة والراء المهملة هو: العالي من الأرض، وقيل: المراد هنا طَلَقًا أو طَلَقَيْن. وتغنيًّا وتعففًا أي استغناءً وتعففًا عن السؤال، وهو أن يطلب بنتاجها الغِنى والعفة، أو يظهر الغنا بركوبها، ونحو ذلك، فيكون سترًا له يحجبه عن الفاقة، وتكفه عن التكفف. قوله - صلى الله عليه وسلم -: نواء: بكسر النون وبالمد أي: مناواة ومعاداة. والفاذة: القليلة النظير. والجامعة: أي العامة المتناولة لكل خير ومعروف، واستدل الإمام أبو حنيفة بهذا الحديث على وجوب الزكاة في الخيل، ومذهبه أنها إن كانت ذكورًا كلها فلا شيء فيها، وإن كان إناثًا أو ذكورًا وإناثًا، وجبت الزكاة فيها، وهو بالخيار إن شاء أخرج عن كل فرس دينارًا، وإن شاء قوّمها، وأخرج ربع عشر القيمة، وقال مالك والشافعي لا زكاة فيها، وتأولوا هذا الحديث، واستدل من لم يجوّز الاجتهاد له - صلى الله عليه وسلم - بقوله في الحمر: ما أنزل الله علي فيها إلا هذه الآية، وأجاب الجمهور: بأنه لم يظهر له فيها شيء. 1259 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من آتاه الله مالًا فلم يؤد زكاته، مُثّل له مالُه يوم القيامة شجاعًا أقرع له زبيبتان، يطَوِّقه ثم يأخذ بلِهْزَمَتَيْه يعني شِدْقيه ثم يقول: أنا مالُك، أنا كنزك، ثم تلا: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} الآية آل عمران: 180". قلت: رواه البخاري هنا من حديث أبي هريرة ولم يخرجه مسلم. (¬1) والشجاع: بضم الشين المعجمة الحيَّة الذكر. والأقرع: الذي تمعط شعره لكثرة السم، وقيل الشجاع: الذي يواثب الراجل والفارس ويقوم على ذنبه، وربما بلغ رأس الفارس، ويكون في الصحاري، قال القاضي عياض (¬2): والظاهر أن الله خلق هذا لعذابه ومعنى: "مثّل" نصب، أو صيّر ما له على صورة الشجاع، والزبيبتان: هما ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1402). (¬2) إكمال المعلم (3/ 499).

النكتتان السوداوان فوق عينيه، وقيل: هما الزبَدَتان يكونان في الشدقين إذا غضب ويطوقه: على البناء للمفعول أي يجعل ذلك الشجاع طوقًا في عنقه قال تعالى: {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} آل عمران: 180. قوله: بلهزمتيه: ضبطه الجوهري (¬1) بكسر اللام وكسر الزاي المعجمة واحدها لهزمة بالكسر وقد فسرا في الحديث. 1260 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما من رجل تكون له إبل أو بقر أو غنم لا يؤدي حقها إلا أُتِي بها يوم القيامة أعظم ما يكون وأسمنه، تطؤه بأخفافها وتنطحه بقرونها، كلما جازت أخراها ردَّت عليه أولاها، حتى يقضى بين الناس". قلت: رواه الشيخان هنا وذكره البخاري في مواضع أخر من حديث أبي ذر (¬2). وتنطحه: بكسر الطاء وفتحها قال الجوهري (¬3): يقال: نطحه الكبش ينطِحُه وينطَحُهُ. 1261 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أتاكم المصدق، فليصدر عنكم وهو عنكم راض". قلت: رواه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه كلهم في الزكاة من حديث جرير يرفعه. والمصدق بتخفيف الصاد: الذي يأخذها، وبتشديد الصاد: الدافع. (¬4) 1262 - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: "اللهم صلّ على آل فلان" فأتاه أبي بصدقته فقال: "اللهم صلّ على آل أبي أوفى". قلت: رواه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه كلهم في الزكاة (¬5) من حديث ¬

_ (¬1) الصحاح للجوهري (5/ 2038). (¬2) أخرجه البخاري (1460)، ومسلم (990). (¬3) الصحاح للجوهري (1/ 412). (¬4) أخرجه مسلم (989)، والترمذي (647)، والنسائي (5/ 31)، وابن ماجه (1802). (¬5) أخرجه البخاري (1497)، ومسلم (1078)، وأبو داود (1590)، والنسائي (5/ 31)، وابن ماجه (1795).

عبد الله بن أبي أوفى. - وفي رواية: إذا أتى الرجل النبي - صلى الله عليه وسلم - بصدقته قال: "اللهم صل عليه". (¬1) قلت: رواه البخاري في الدعوات في باب هل يصلى على غير النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث عبد الله بن أبي أوفى واسم أبي أوفى علقمة وقيل طعمة. قال النووي (¬2): ذهب العلماء كافة إلى أن الدعاء لدافع الزكاة سنة، وقال أهل الظاهر: هو واجب، وبه قال بعض أصحابنا، واعتمدوا الأمر في الآية، وأجاب الجمهور: بأن دعائه - صلى الله عليه وسلم - سكن لهم بخلاف غيره، واستحب الشافعي في صفة الدعاء أن يقول: أجرك الله فيما أعطيت، وجعله لك طهورًا وبارك لك فيما أبقيت، وأما قول الساعي: اللهم صلي على آل فلان، فكرهه جمهور أصحابنا، وقال آخرون: يجوز بلا كراهة، قال: واختلف أصحابنا في النهي عن الصلاة على غير الأنبياء، والصحيح أنه تنزيه، وقيل: حرام، وقيل: مجرد أدب، واتفقوا على جوازه تبعًا للأنبياء قال أبو محمد الجويني: -من أئمة أصحابنا- والسلام على غير المخاطب في معنى الصلاة، فلا يقال: قال فلان عليه السلام. 1263 - بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر على الصدقة فقيل: منع ابن جميل وخالد بن الوليد، والعباس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما ينقِمُ ابنُ جميل إلا أنه كان فقيرًا فأغناه الله ورسوله! وأما خالد: فإنكم تظلمون خالدًا، قد احتبس أدراعه، وأعتُدَه، في سبيل الله، وأما العباس: فهي علي ومثلها معها" ثم قال: "يا عمر أمَا شَعرتَ أن عمَّ الرجل صِنْوُ أبيه؟ ". قلت: رواه مسلم هنا بهذا اللفظ، والبخاري (¬3) مع تغيير في بعض الألفاظ كلاهما من حديث أبي هريرة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4166)، ومسلم (1078). (¬2) المنهاج (7/ 259 - 260). (¬3) أخرجه البخاري (1468)، ومسلم (983).

وينقم: بفتح القاف وكسرها وهو أفصح، والأدراع: جمع درع، وهو الزردية والأعتد: بضم التاء المثناة من فوق، جمع قلة للعتاد بفتح العين: وهي آلات الحرب من السلاح والدواب وغيرها، قال النووي (¬1): ومعنى الحديث أنهم طلبوا من خالد زكاة أعتده، ظنًّا منهم أنها للتجارة، وأن الزكاة فيها واجبة، فقال لهم: لا زكاة لكم علي، فقالوا: منع الزكاة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: إنكم تظلمونه لأنه حبسها أي وقفها في سبيل الله قبل الحول عليها فلا زكاة عليها، ويحتمل: أن يكون المراد: لو وجبت عليه زكاة لأعطاها، ولم يشح بها، لأنه قد وقف أمواله لله تعالى متبرعًا، فكيف يشح بالواجب، واستدل بهذا من ذهب إلى صحة وقف المنقول، وقال بعضهم: أن هذه الصدقة التي منعها هؤلاء، كانت صدقة تطوع. وفي مسند عبد الرزاق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ندب الناس إلى الصدقة وذكر تمام الحديث، والصحيح المشهور: أن هذا كان في الزكاة، وعلى هذا، قال جماعة من العلماء "هي علي ومثلها معها" معناه أنى تسلّفت منه زكاة عامين، ويؤيد ذلك أنه قد جاء في بعض الروايات في غير الصحيحين: "أنا تعجلنا منه صدقة عامين". قوله - صلى الله عليه وسلم -: "عم الرجل صنو أبيه" أي مثل أبيه. 1264 - استعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا من الأزد يقال له: ابن اللّتبية على الصدقة فلما قدم قال: هذا لكم، وهذا أهدي إلي، فخطب النبي - صلى الله عليه وسلم - فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أما بعد: فإني أستعمل رجالًا منكم على أمور مما ولّاني الله، فيأتي أحدهم فيقول: هذا لكم، وهذه هدية أهديت إلي، فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر: أيهدى له أم لا؟ والذي نفسي بيده، لا يأخذ أحد منه شيئًا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان لبعيرًا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر" ثم رفع يديه -حتى رأينا عفرة إبطيه- اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ ثلاثًا". ¬

_ (¬1) المنهاج (7/ 79 - 80).

1265 - وقال: "من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مَخِيْطًا فما فوقه، كان غلولًا يأتي به يوم القيامة". (¬1) قلت: رواه الشيخان: البخاري في مواضع منها: في الهبة وفي النذور وفي الزكاة، ومسلم في المغازي وأبو داود في الخراج (¬2) كلهم من حديث أبي حميد الساعدي وذكر البخاري أن هذه الخطبة كانت عشية بعد الصلاة. والأزد بفتح الهمزة، وإسكان الزاي المعجمة، ويقال لهم: الأسد بالسين المهملة وابن اللثبية بضم اللام وسكون التاء المثناة من فوق، ومنهم من فتحها، قيل وهو خطأ، وبكسر الموحدة وتشديد المثناة من تحت: منسوب إلى بني لُتْبٍ بطن من الأزر، واسم ابن اللتيبية عبد الله. والرغاء: بضم الراء المهملة، وبالغين العجمة ممدود، صوت الإبل. والخوار: بضم الخاء المعجمة وبراء مهمله في الآخر صوت البقر. وروي جؤار: بضم الجيم وبعدها همزة، والمعنى واحد، وتيعر: بمثناة من فوق مفتوحة ثم مثناة، من تحت ساكنة، ثم عين مهملة مكسورة ومفتوحة أيضًا ومعناه تصيح. وعفرتى: إبطيه هو بضم العين المهملة وفتحها والفاء ساكنة فيهما والأشهر: ضم العين، وعفرة: الإبط، هو البياض ليس بالناصع. وفي الحديث دليل على: أن هدايا العمال حرام، قال أصحابنا: ويجب ردها على ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1833). وهو من أفراده، كما أخرجه الحميدي (894)، وابن حبان (5078)، وأحمد في المسند (4/ 192)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2427)، وغيرهم. ودمج البغوي بين هذا الحديث والذي قبله، ثم خرجهما المؤلف وبحثت في البخاري فلم أجد هذا اللفظ، وهذا من حديث عدي بن عميرة الكِندي، وعزاه إلى مسلم فقط الحميدي في الجمع بين الصحيحين برقم (3115). (¬2) (هذا تخريج حديث أبي حميد الساعدي) أخرجه البخاري في الهبة (2597)، وفي النذور (6636)، وفي الزكاة (1500)، وانظر أطراف حديث أبي حميد كذلك بالأرقام التالية: (925، 6979، 7174، 7197)، ومسلم (1832)، وأبو داود (2946) , وأحمد (5/ 424).

من الحسان

المُهْدِي فإن تعذر فعلى بيت المال. من الحسان 1266 - لما نزلت هذه الآية {الذين يكنزون الذهب والفضة} التوبة: 34 كبر ذلك على المسلمين فقالوا: يا نبي الله: إنه كبر على أصحابك هذه الآية، فقال: "إنه ما فرض الزكاة إلا لتطيّب ما بقي من أموالكم" فكبّر عمرُ، ثم قال: "ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة، إذا نظر إليها تَسُرّه، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته". قلت: رواه أبو داود (¬1) في الزكاة عن عثمان بن أبي شيبة عن يحيى بن يعلى المحاربي عن أبيه، عن غيلان بن جامع، عن جعفر بن إياس عن مجاهد عن ابن عباس ولم يعترضه المنذري، قال النووي (¬2): وهذا إسناد صحيح، لكن رواه البيهقي فزاد في إسناده عثمان بن عمير أبا اليقظان بين غيلان وجعفر ثم قال: وقصر به بعضهم فلم يذكر عثمان في إسناده فأشار البيهقي بهذا إلى انقطاع رواية أبي داود، وقد اتفقوا على تضعيف عثمان هذا. قال ابن الأثير (¬3): والكنز في الأصل المال المدفون تحت الأرض، فإذا أخرج منه، الواجب عليه، لم يبق كنزًا وإن كان مكنوزًا، وهذا حكم شرعي يجوّز فيه عن الأصل. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1664) وإسناده ضعيف، وأخرجه الحاكم (2/ 333)، وصححه، ورده الذهبي بقوله: عثمان بن القطان لا أعرفه والخبر عجيب، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (4/ 83)، وعثمان بن عمير، أبو اليقظان الكوفي، قال فيه الحافظ: ضعيف واختلط، وكان يدلس ويغلو في التشيع، انظر: التقريب (4539)، فالحديث ضعيف الإسناد لضعف عثمان أبي اليقظان، وللانقطاع بين غيلان وجعفر، ثم بين جعفر ومجاهد، والله تعالى أعلم. (¬2) الخلاصة للنووي (2/ 1077 رقم: 3834 - 3836). (¬3) النهاية لابن الأثير (4/ 203).

1267 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "سيأتيكم ركب مُبَغَّضُون، فإذا جاءوكم فرحبوا بهم، وخلّوا بينهم وبين ما يبتغُون! فإن عَدَلوا فلأنفسهم، وإن ظلموا فعليها، فأرضوهم، فإن تمامَ زكاتِكم رِضاهم، وليدعوا لكم". قلت: رواه أبو داود (¬1) في الزكاة، من حديث عبد الرحمن بن جابر بن عتيك عن أبيه، وعتيك بفتح العين المهملة، وكسر المثناة من فوق ثم بالمثناة من تحت ثم بالكاف، وفي إسناده أبو الغصن وهو: ثابت بن قيس المدني الغفاري مولاهم، وقيل مولى عثمان بن عفان، قال الإمام أحمد: ثقة، وقال يحيى بن معين: ضعيف، وقال ابن حبان البستي: وكان قليل الحديث كثير الوهم فيما يرويه، ولا يحتج بخبره إذا لم يتابع عليه، انتهى كلامه، وفي الرواة خمسة كل منهم اسمه ثابت بن قيس لا يعرف فيهم من تكلم فيه غير. والركب: جمع راكب، كصاحب وصحب، كذا قاله المنذري وغيره، وضعفه ابن الأثير (¬2) وقال: الركب اسم من أسماء الجموع ولهذا صغر على لفظه، ولو كان جمع راكب لقالوا في تصغيره: رويكبون، كما يقال: صويلحون، والركب: ركبان الإبل في السفر. وهم عشرة فما فوقها ثم اتسع فأطلق على كل من ركب دابة، وجعلهم - صلى الله عليه وسلم - مبغضين لما في نفوس أرباب الأموال من حبها، وكراهة فراقها، إلا من عصمه الله تبارك وتعالى، كمن أخلص النية. - وفي رواية: "أرضوا مصدِّقيكم وإن ظلمتم". قلت: رواها أبو داود (¬3) من حديث جرير بن عبد الله، قال: جاء ناس -يعنى من ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1588) في إسناده ثابت بن قيس الغفاري قال فيه الحافظ: صدوق == يهم، التقريب (836) وفي سنده كذلك صخر بن إسحاق، قال عنه الحافظ: لين، التقريب (2918) وعبد الرحمن بن جابر بن عتيك، قال الحافظ: مجهول، التقريب (3850). (¬2) النهاية لابن الأثير (2/ 256). (¬3) أخرجه أبو داود (1589) وإسناده صحيح وأصله عند مسلم (989).

الأعراب- إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "فقالوا: إن ناسًا من المصدقين يأتونا فيظلمونا فقال: "ارضوا مصدقيكم وإن ظلمتم" وأصل حديث جرير في مسلم لكن وإن ظلمتم ليست في مسلم. 1268 - قلنا: إن أهل الصدقة يعتدون علينا، أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا؟، فقال: "لا". قلت: رواه أبو داود في الزكاة (¬1)، قال: وفي رواية: قال بشير: قلنا: يا رسول الله إن أصحاب الصدقة، رفعه عبد الرزاق عن معمر، وراويه: بشير بن معبد بن الخصاصية (¬2)، وما كان اسمه بشيرًا ولكن سماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيرًا. والخصاصية: أمه, وكان اسمه في الجاهلية زحمًا، وأما بشير فبفتح الباء الوحدة وكسر الشين المعجمة وبعدها ياء آخر الحروف ساكنة وراء مهملة، وزحم بفتح الزاي وسكون الحاء المهملة وبعدها ميم. والخصاصية: بفتح الخاء المعجمة وبعدها صاد مهملة مفتوحة وبعد الألف صاد مهملة مكسورة وياء آخر الحروف مفتوحة وتاء تأنيث. وإنما نُهو عن الكتمان بقدر ما يعتدون، لما في الكتمان من خشية الفتنة، فإن الصبر على الظلم اليسير، أولى من تحريك ما هو أشد منه، لأنهم ربما اطلعوا على ما كتمه فلا يقبلون تأويله فيزيد اعتداؤهم. 1269 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "العامل على الصدقة بالحق، كالغازي في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته". قلت: رواه الترمذي هنا من حديث رافع بن خديج وقال: حديث حسن. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1586) وفي إسناده: دَيْسَمْ قال عنه ابن حجر في التقريب (1842): مقبول. وانظر: التهذيب (3/ 214) أيضًا، وذكره ابن حبان في "الثقات". (¬2) انظر ترجمته في الإصابة (1/ 314 رقم 704) وقال الحافظ: قال أبو عمر: ليست الخصاصية أمه, وإنما هي جدته. (¬3) أخرجه الترمذي (645)، وكذا أبو داود (396).

1270 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا جَلَب ولا جَنَب، ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دُورهم". قلت: رواه أبو داود (¬1) هنا، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وأخرجه أيضًا في الجهاد من حديث الحسن البصري عن عمران بن حصين وليس فيه ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم. وأخرجه أيضًا من هذا الوجه الترمذي، والنسائي (¬2) وقال الترمذي: حسن صحيح انتهى كلامه. وقد ذكر علي بن المديني وأبو حاتم الرازي وغيرهما من الأئمة أن الحسن لم يسمع من عمران بن حصين (¬3). والجلب: بفتح الجيم واللام وبالباء الموحدة، قال أهل الغريب: يكون في شيئين أحدهما في الزكاة: وهو أن يقدم المصدق على أهل الزكاة، فيترك موضعًا، ثم يرسل من يجلب إليه الأموال من أماكنها ليأخذ صدقاتهم، فنهى عن ذلك، وأمر أن يأخذ صدقاتهم على مياههم وأماكنهم، الثاني في السباق: وهو أن يتتبع الرجل فرسه فيجلب عليه ويصيح حثاله على الجري فنهى عن ذلك. والجنب: بالجيم والنون المفتوحتين وبالموحدة هو: في السباق أن يجنب فرسًا إلى فرسه الذي سابق عليه، فإذا فتر المركوب تحول إلى المجنوب، وهو في الزكاة: أن ينزل العامل بأقصى موضع أصحاب الصدقات ثم يأمر بالأموال أن تجنب إليه أي تحضر، فنهوا عن ذلك، وقيل أن يجنب رب المال بماله، أي يبعد به عن موضعه فيضر بالعامل الذهاب إليه، ثم بين ما هو العدل في ذلك، وأنه لا عدول عنه، فقال ولا يؤخذ صدقاتهم إلا في ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1591) وفي الجهاد (2581) وإسناده حسن. (¬2) أخرجه الترمذي (1123)، والنسائي (6/ 111، 227، 228)، وابن ماجه (3937)، وابن حبان (3267) و (5170)، والبيهقي (10/ 21). (¬3) انظر مختصر المنذري (2/ 205) وقال الحافظ في الحسن البصري: ثقة فقيه فاضل مشهور، وكان يرسل كثيرًا ويدلّس، قال البزار: كان يروي عن جماعة لم يسمع منهم فيتجوز، ويقول: حدثنا وخطبنا يعني قومه الذين حُدِّثو وخُطبوا بالبصرة، التقريب = = (1237)، وانظر تهذيب الكمال (6/ 95 - 126)، وسير أعلام (4/ 588).

دورهم، وأخرج النهي في صورة النفي تأكيدًا. 1271 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من استفاد مالًا فلا زكاة فيه، حتى يحول عليه الحول". (والوقف على ابن عمر أصح). قلت: رواه الترمذي مرفوعًا من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر (¬1)، قال: وروى موقوفًا من غير طريق عبد الرحمن بن زيد على ابن عمر، قال: والموقوف أصح، وعبد الرحمن بن زيد ضعيف في الحديث، ضعفه أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وغيرهما من أهل الحديث وهو كثير الغلط. (¬2) 1272 - سأل العباس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تعجيل صدقته قبل أن تحل؟ فرخّص له في ذلك. قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه هنا (¬3) من حديث حُجَيَّة وهو ابن عدي عن علي، وحُجَيَّة بن عدي: قال أبو حاتم الرازي: شيخ لا يحتج بحديثه شبيه بالمجهول، وأخرجه أبو داود من حديث هشيم معضلًا، وقال: حديث هشيم أصح، وذكر البيهقي أن هذا الحديث مختلف فيه وأن المعضل فيه أصح. وحجية: بضم الحاء المهملة وفتح الجيم وتشديد الياء آخر الحروف وتاء التأنيث آخره. 1273 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ولي يتيمًا له مال، فليتَّجر فيه، ولا يتركه حتى ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (631) وإسناده ضعيف، وذكره الترمذي موقوفًا أيضًا (632) وقال هذا أصح من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وقال: الموقوف أصح، وكذا قال البيهقي أيضًا (4/ 104) وهو الصحيح. (¬2) إلى هنا انتهى كلام الترمذي، وعبد الرحمن بن زيد، قال فيه الحافظ: ضعيف، التقريب (3890). (¬3) أخرجه الترمذي (678)، وأبو داود (1624)، وابن ماجه (1795)، وإسناده حسن، وذلك لأن الحجاج بن دينار وحجية بن عدي مختلف فيهما وغاية حديثهما أن يكون == حسنًا قال الحافظ: حجية الكندي: صدوق يخطيء، التقريب (1159)، والحجاج بن دينار: لا بأس به، وله ذكر في مقدمة مسلم، التقريب (1133) لكن قد اضطرب الرواة فيه اضطرابًا كثيرًا راجع العلل للدارقطني (3/ 189)، وإرواء الغليل (857).

باب ما تجب فيه الزكاة

تأكله الصدقة". (ضعيف). قلت: رواه الترمذي هنا (¬1) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال أبو عيسى: وإنما روي هذا الحديث من هذا الوجه، وفي إسناده مقال: لأن المثنى بن الصباح يضعّف في الحديث، وهو أحد رواته انتهى، قال الذهبي: قال أبو حاتم وغيره: لين الحديث. باب ما تجب فيه الزكاة من الصحاح 1274 - قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة، وليس فيما دون خمس أواق من الوَرِق صدقة، وليس فيما دون خمس ذَوْد من الإبل صدقة". قلت: رواه الجماعة في الزكاة من حديث أبي سعيد الخدري يرفعه. (¬2) قال النووي في شرح مسلم (¬3): الأوسق جمع وسق وفيه لغتان: فتح الواو وكسرها، وأصله في اللغة الحمل، والمراد بالوسق: ستون صاعًا، كل صاع خمسة أرطال وثلث بالبغداي، وفي رطل بغداد أقوال أظهرها: مائة درهم وثمانية وعشرون درهمًا، وأربعة أسباع درهم، وقيل: بلا أسباع، وقيل: وثلاثون، فالأوسق الخمسة: ألف وستمائة رطل بالبغدادي، والأصح عند أصحابنا أن هذا التقدير بالأرطال تقريب لا تحديد، فإذا نقص عن ذلك يسيرًا وجبت الزكاة. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (641) وهو كما قال: في إسناده مقال، والمثنى بن الصبّاح قال الحافظ: أبو يحيى، نزيل مكة ضعيف اختلط بآخره وكان عابدًا، التقريب (6513). (¬2) أخرجه البخاري (1459)، ومسلم (979)، وأبو داود (1558)، والترمذي (1123) , والنسائي (5/ 17)، وابن ماجه (1793). (¬3) المنهاج (7/ 271 - 273).

وفي الحديث في دليل على أنه يجب الزكاة في هذه المحدودات، وأنه لا زكاة فيما دون ذلك، وخالف في ذلك جماعة من العلماء فقالوا: تجب الزكاة في قليله وكثيره. والأواقي: جمع أوقية، بضم الهمزة وتشديد الياء والجمع تشديد الياء وتخفيفها وحذفها، والأوقية الشرعية: أربعون درهمًا، وهي أوقية الحجاز، قال عياض (¬1): ولا يصح أن تكون الأوقية والدراهم مجهولة في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو يوجب الزكاة في أعداد منها، وتقع بها البياعات والأنكحة، قال: وهذا يبين أن قول من زعم أن الدراهم لم تكون معلومة إلى زمان عبد الملك بن مروان، وأنه جمعها برأي العلماء، وجعل كل عشرة وزن سبعة مثاقيل، ووزن الدرهم ستة دوانيق، قول باطل، وإنما معناه: أنه لم يكن منها شيء من ضرب الإسلام، وعلى صفة لا تختلف، بل كانت مجموعات من ضرب فارس والروم، وكبارًا وصغارًا، غير منقوشة، فرأوا صرفها إلى ضرب الإسلام، ونقشه، وتصييرها وزنًا واحدًا، فجمعوا أكبرها وأصغرها، وضربوه على هذا الوزن. قوله - صلى الله عليه وسلم - ولا فيما دون خمس ذود قال النووي (¬2): الرواية المشهورة "خمس ذود" بإضافة خمس إلى ذود، وروى بتنوين خمس، ويكون ذود بدلًا منه، حكاه ابن عبد البر وقال: والمعروف عن الجمهور الأول، قال أهل اللغة: والذود من الثلاثة إلى العشرة، لا واحد له من لفظه، وهو مؤنث. 1275 - "ليس على المسلم صدقة في عبده ولا فرسه". قلت: رواه الجماعة هنا من حديث أبي هريرة يرفعه. (¬3) 1276 - "ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر". قلت: رواه مسلم هنا من حديث أبي هريرة وخرجه البخاري ولم يقل إلا صدقة ¬

_ (¬1) إكمال المعلم (3/ 460 - 462). (¬2) المنهاج (7/ 70 - 72). (¬3) أخرجه البخاري (1464)، ومسلم (982)، وأبو داود (1595)، والترمذي = = (628) , والنسائي (5/ 35)، وابن ماجه (1812).

الفطر. (¬1) 1277 - أن أبا بكر كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين، والتي أمر الله بها رسولَه - صلى الله عليه وسلم - فمن سئلها من المسلمين على وجهها، فليعطها، ومن سئل فوقها، فلا يعط: في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم، في كل خمس شاة، فإذا بلغت خمسًا وعشرين إلى خمس وثلاثين، ففيها بنت مخاض أنثى، فإذا بلغت ستة وثلاثين إلى خمس وأربعين، ففيها بنت لبون أنثى، فإذا بلغت ستًّا وأربعين إلى ستين، ففيها حقة، طروقة الجمل، فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين، ففيها جذعة، فإذا بلغت ستًّا وسبعين إلى تسعين، ففيها بنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة، ففيها حقتان طروقتا الجمل، فإذا زادت على عشرين ومائة، ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل، فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها، فإذا بلغت خمسًا ففيها شاة ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة، وليست عنده جذعة وعنده حقة، فإنها تقبل منه الحقة، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهمًا، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده الحقة، وعنده الجذعة، فإنها تقبل منه الجذعة، ويعطيه المصدق عشرين درهمًا أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة الحقة، وليست عنده إلا بنت لبون، فإنها تقبل منه بنت لبون، ويعطي شاتين أو عشرين درهمًا، ومن بلغت صدقته بنت لبون وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة ويعطيه المصدق عشرين درهمًا أو شاتين، ومن بلغت صدقته بنت لبون، وليست عنده، وعنده بنت مخاض فإنها تقبل منه بنت مخاض، ويعطي معها عشرين درهمًا أو شاتين، ومن بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده، وعنده بنت لبون فإنها تقبل منه، ويُعطيه المصدق عشرين درهمًا أو شاتين، فإن لم يكن عنده بنت مخاض على وجهها، وعنده ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (982).

ابن لبون فإنه يقبل منه، وليس معه شيء. وفي صدقة الغنم: في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين ففيها شاتان، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة ففيها ثلاث فإذا زادت على ثلاث مائة ففي كل مائةٍ شاة، فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة واحدة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها، ولا تخرج في الصدقة هرمة، ولا ذات عوار، ولا تيس، إلا ما شاء المصدق، ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، وفي الرقة ربع العشر، فإن لم يكن إلا تسعين ومائة، فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها". قلت: كتاب أبي بكر هذا رواه البخاري وَقطَّعه في عشرة مواضع، ورواه أحمد والنسائي وأبو داود والدارقطني (¬1) والشيخ قدم بعض ألفاظه وأخر بعضًا لأن البخاري قطعه ولم يخرج مسلم شيئًا مما في هذا الكتاب. ومعنى فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أوجبها عليهم بأمر الله تعالى، وأصل الفرض: القطع، وقيل: الفرض هنا بمعنى التقدير. قوله: ومن سئل فوق حقها فلا يعط، قيل: أراد فلا يعطى الزيادة، وقيل: لا يعطى شيئًا، لأن الساعي إذا طلب فوق الواجب، كان خائنًا وسقطت طاعته. قوله: من الغنم، خبر لمبتدأ محذوف تقديره: الواجب في أربع وعشرين من الإبل فما دونها مستقر من الغنم في كل خمس شاة. وبنت المخاض: هي التي لها سنة ودخلت في الثانية، سميت بذلك لأن أمها حامل، والمخاض: الحوامل من النوق لا واحد لها من لفظها، ويقال لواحدتها خلفة وإنما ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الزكاة في ستة مواضع (1448)، (1450)، (1453)، (1454) (1455)، وفي الخمس (3106)، وفي الشركة (2487)، وفي اللباس (5878)، وفي ترك الحيل (6655) مطولًا ومقطعًا، وأبو داود (1567)، والنسائي (5/ 18) (5/ 27)، وابن ماجه (1800)، وأحمد (1/ 11)، والدارقطني (2/ 114) , والحاكم (1/ 390)، والبيهقي (4/ 86).

أضيفت إلى المخاض، والواحدة لا تكون بنت نوق، لأن أمها تكون في نوق حوامل، ووصفها بالأنثى تأكيدًا. وبنت اللبون: هي التي لها سنتان ودخلت في الثالثة، سميت بذلك لأن أمها ذات لبن. والحقة: بكسر الحاء المهملة، وهي التي لها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة، وسميت بذلك لأنها استحقت أن تركب، وأن يطرقها الفحل، والجذعة من الإبل: هي التي لها أربع سنين، ودخلت في الخامسة، سميت بذلك لأنها تجذع سنها أي تسقط، وقيل: لأن أسنانها لا تسقط. والغنم: قال الجوهري (¬1): اسم مؤنث موضوع للجنس، يقع على الذكر والأنثى وعليهما جميعًا، فإذا صغّرتها ألحقتها الهاء، فقلت: غنيمة لأن اسم الجموع الذي لا واحد لها من لفظها، إذا كانت لغير الآدميين فالتأنيث لها لازم، يقال: له خمس من الغنم ذكور، فيؤنث العدد، وإن عنيت الكباش، إذا كان يليه من الغنم، لأن العدد يجرى في تأنيثه وتذكيره على اللفظ لا على المعنى، والإبل كالغنم في جميع ما ذكرنا. والسائمة: الراعية، والعَوَار: بالفتح العيب، وقد يضم، قاله في النهاية (¬2): قوله ولا تيس الغنم: أراد فحل الغنم، ومعناه إذا كانت ماشيته كلها أو بعضها إناثًا لا يؤخذ منه الذكور إلا في موضعين أحدهما: أخذ ابن اللبون في خمس وعشرين من الإبل إذا لم يكن عنده بنت مخاض، فأما إذا كانت ماشيته كلها ذكورًا أخذ الذكر، قوله: إلا ما شاء المصدّق، قال في المشارق (¬3): يريد -والله أعلم- أخذها أي ما شاء أخذه من هذه المعيبة إذا رأى ذلك نظرًا للمساكين، لسمنها وكبر جسمها، وكذا قاله في شرح السنة. (¬4) ¬

_ (¬1) الصحاح للجوهري (5/ 1999). (¬2) النهاية لابن الأثير (3/ 318). (¬3) مشارق الأنوار على صحاح الآثار للقاضي عياض (2/ 41). (¬4) شرح السنة للبغوي (6/ 14).

قوله ولا يجمع بين متفرق ولا يفرّق بين مجتمع خشية الصدقة، قال البغوي (¬1): فيه دليل على أن الخلطة تجعل مال الرجلين كمال الرجل الواحد في الزكاة، وهي تارة تؤثر في تقليل الزكاة، وتارة تؤثر في تكثيرها، وهذا نهي من صاحب الشرع للساعي ورب المال جميعًا، نهى رب المال عن الجمع والتفريق، قصدًا إلى تقليل الصدقة ونهى الساعي عنهما قصدًا إلى تكثيرها. والرقة: بكسر الراء المهملة وفتح القاف وهي الفضة مسكوكة وغير مسكوكة. 1278 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريًّا العُشْر، وما سقي بالنضح نصفُ العُشْر". قلت: رواه الجماعة إلا مسلمًا، لكن في لفظ النسائي وأبي داود وابن ماجه "بعلًا" بدل "عثريًّا" كلهم هنا من حديث ابن عمر. تنبيه: من العجب أن الشيخ محب الدين الطبري ذكر هذا الحديث في الأحكام، وعزاه لأبي حاتم خاصةً، وهو ثابت في البخاري وغيره، وإنما نبهت عليه لئلًا يغتر به من ينظر فيه. (¬2) والعَثَريّ: بعين مهملة، ثم ثاء مثلثة مفتوحتين ثم راء مهملة مكسورة ثم ياء مشددة، وروي بسكون المثلثة، والأول أعرف، قال الجوهري (¬3): هذا العِذْيُ، وهو الزرع الذي لا يسقيه إلا ماء المطر، قال ابن الصلاح: والأصح ما قاله الأزهري (¬4) وغيره بأنه مخصوص بماء سقي من ماء السيل فيجعل عاثورا وهو شبه ساقية تحفر له يجري فيها الماء إلى أصوله، وسمي عاثورا لأنه يعثر بها المار الذي لا يشعر بها. ¬

_ (¬1) المصدر السابق. (¬2) أخرجه البخاري (1483)، وأبو داود (1596)، والنسائي (5/ 41)، والترمذي (640)، وابن ماجه (1817). (¬3) الصحاح للجوهري (2/ 737). (¬4) تهذيب اللغة للأزهري (2/ 324).

من الحسان

والنضح: ما سقي بالدواليب، والنواضح: الإبل التي يستقى عليها. 1279 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "العجماء جرحها جُبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس". قلت: رواه البخاري في الديات ومسلم في الحدود وأبو داود في الديات والترمذي والنسائي في الزكاة وابن ماجه في الأحكام وفي الديات كلهم من حديث أبي هريرة (¬1) يرفعه. والعجماء: بالمد، كل حيوان سوى الآدمي وسميت البهيمة عجماء لأنها لا تتكلم. وجرحها: قال بعضهم أنه هنا بفتح الجيم على المصدر لا غير، قاله الأزهري (¬2): فأما الجرح بالضم فالاسم قال المنذري (¬3) وأكثر ما يقرأ هذا بالضم، ومعنى: "والمعدن جبار" أن من هلك بسبب المعدن بأن استؤجر على العمل فيه فوقع عليه أو تعثر به في موات فلا ضمان. والركاز: هو دفين الجاهلية، وقال آخرون: هو والمعدن لفظان مترادفان وهذا الحديث يبعده. والجبار: بضم الجيم وبالموحدة وبالراء المهملة في آخره الهدر. من الحسان 1280 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد عفوت عن الخيل والرقيق، فهاتوا صدقة الرقة من كل أربعين درهمًا درهم، وليس في تسعين ومائة شيء، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم فما زاد فعلى حساب ذلك، وفي الغنم في أربعين شاة شاة إلى عشرين ومائة، فإن زادت واحدة فشاتان إلى مائتين، فإن زادت فثلاث شياه إلى ثلاثمائة، فإذا زادت على ثلاث مائة ففي كل مائة شاة، فإن لم تكن إلا تسعًا وثلاثين فليس عليك فيها شيء، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1499)، ومسلم (1710)، وأبو داود (3085)، والترمذي (1377)، والنسائي (5/ 45)، وابن ماجه (2673). (¬2) تهذيب اللغة (4/ 140). (¬3) مختصر المنذري (5/).

وفي البقر في كل ثلاثين تبيع، وفي الأربعين مُسِنَّة، وليس على العوامل شيء". قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه ثلاثتهم في الزكاة من حديث عاصم بن ضمرة عن علي يرفعه، إلى قوله في الحديث: خمسة دراهم، وروى أبو داود (¬1) خاصة بقية الحديث، من حديث عاصم بن ضمرة والحارث الأعور عن علي يرفعه، والحارث وعاصم بن ضمرة تكلم فيهما، ونبّه أبو داود على أن الحديث روي موقوفًا. والتبيع: بالمثناة من فوق ثم بالموحدة ثم بالمثناة من تحت ثم بالعين المهملة: الذي طعن في السنة الثانية، والأنثى تبيعة، والمسنة: بضم الميم ثم بالسين المهملة المكسورة ثم بالنون المشددة التي طعنت في السنة الثالثة. 1281 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لما وجَّهه إلى اليمن أمره أن يأخذ من البقر من كل ثلاثين: تبيعًا أو تبيعة، ومن كل أربعين: -هكذا- مسنة". قلت: رواه أصحاب السنن وأبو حاتم ومالك، من حديث (¬2) معاذ، وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وذكر أن بعضهم رواه مرسلًا وقال: وهذا أصح. 1282 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المعتدي في الصدقة كمانعها". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1574)، والترمذي (620)، والنسائي (5/ 37)، وابن ماجه (1790)، والحارث الأعور هو: الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني الكوفي، قال الحافظ: كذّبه الشعبي في رأيه، ورُمي بالرفض، وفي حديثه ضعف، التقريب (1036)، وعاصم بن ضمرة السَّلولي، الكوفي، صدوق، التقريب (3080)، وقال عنهما المنذري في مختصره لأبي داود (2/ 191): والحارث وعاصم ليسا بحجة. (¬2) أخرجه أبو داود (1578)، والترمذي (623)، والنسائي (5/ 26)، وابن ماجه (1803)، وابن حبان (4886)، ومالك في الموطأ (1/ 259). وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 299 رقم 815): ورجح الترمذي والدارقطني في العلل الرواية المرسلة، وقال ابن عبد البر في التمهيد: إسناده متصل، صحيح ثابت، انتهى. انظر للتفصيل: العلل للدارقطني (6/ 81)، وإرواء الغليل (3/ 268 - 271).

قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه في الزكاة (¬1) من حديث سعد ابن سنان عن أنس، وقال الترمذي: حديث أنس حديث غريب من هذا الوجه، وقد تكلم أحمد بن حنبل في سعد بن سنان، هذا آخر كلامه، وسعد ابن سنان كندي مصري، قال المنذري: تكلم فيه غير واحد من الأئمة، واختلف فيه فقيل: سعد بن سنان، وقيل: سنان بن سعد، قال البخاري: والصحيح سنان بن سعد والله أعلم، قال النووي: لم يرو هذا الحديث غير سعد بن سنان وهو ضعيف عندهم، وقال الذهبي: ليس بحجة. ومعنى الحديث: أنه يعطيها غير مستحقها، وقيل: أراد الساعي إذا أخذ خيار المال، ربما منعه في السنة الثانية، فيكون الساعي سبب ذلك فهما في الإثم سواء. 1283 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليس في حب، ولا تمر، صدقة، حتى يبلغ خمسة أوسق". قلت: رواه مسلم والنسائي (¬2) كلاهما في الزكاة من حديث أبي سعيد يرفعه وكان من حق المصنف أن يذكر هذا الحديث في الصحاح فإنه في مسلم بهذا اللفظ. 1284 - عندنا كتاب معاذ بن جبل عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: أنه إنما أمره أن ياخذ الصدقة من الحنطة والشعير والزبيب والتمر. (مرسل). قلت: لم أقف عليه في شيء من الكتب الستة، ورواه البيهقي (¬3) من حديث أبي ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1585)، والترمذي (646)، وابن ماجه (1808). في إسناده سعد ابن سنان الكندي، قال عنه الحافظ في التقريب: صدوق له أفراد (2251)، وانظر قول الذهبي في الكاشف (1/ 428 رقم 1828)، وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 295): رواه الترمذي وحسّنه، فإن كان هذا محفوظًا فهو حسن. (¬2) أخرجه مسلم (979)، والنسائي (5/ 40). (¬3) أخرجه الطبراني في الكبير انظر مجمع الزوائد (3/ 75) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. والبيهقي (4/ 128 - 129)، والدارقطني (2/ 96). وأخرجه الحاكم (1/ 401) وقال هذا حديث قد احتجا بجميع رواته ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي فقال: على شرطهما، والبغوي في شرح السنة (6/ 40)، وفي المصابيح (برقم 1270) وقال البيهقي =

طلحة بن يحيى عن أبي بردة عن أبي موسى ومعاذ بن جبل أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-بعثهما إلى اليمن، وقال: لا تأخذا الصدقة إلا من هذه الأصناف الأربعة، فذكرها ورواه الطبراني في "معجمه الكبير" عن علي بن عبد العزيز ثنا أبو حذيفة ثنا سفيان عن طلحة بن يحيى عن أبي بردة عن أبي موسى ومعاذ بن جبل أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعثهما إلى اليمن وأمرهما أن يعلما الناس أمر دينهم وقال: لا تأخذا الصدقة إلا من هذه الأربعة، الحديث، ورواه المصنف في "شرح السنة" من حديث موسى ابن طلحة بن عبيد الله التيمي كما رواه في المصابيح، وموسى بن طلحة تابعي جليل روى له الجماعة وكان يسمى المهدي في زمانه. 1285 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في زكاة الكروم: "إنها تخرص كما تخرص النخل، ثم تؤدى زكاتها زبيبًا، كما تؤدى زكاة النخل تمرًا". قلت: رواه الأربعة في الزكاة (¬1) من حديث سعيد بن المسيب عن عتاب ابن أسيد، قال أبو داود: سعيد لم يسمع من عتاب شيئًا. ولا أدركه. وتخرص: بضم المثناة من فوق وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء المهملة من خرص النخلة، بفتحهما، يخرصها بكسر الراء إذا حزر ما عليها من الرطب تمرًا. 1286 - حدَّث أن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: "إذا خرصتم فدعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع". قلت: رواه أبو داود والترمذي والنسائي كلهم في الزكاة (¬2) من حديث سهل بن أبي ¬

_ = (4/ 125): رواته ثقات وهو متصل، وقال أيضًا: هذه المراسيل طرقها مختلفة، وهي يؤكد بعضها بعضًا. انظر: نصب الراية للزيلعي (2/ 389)، والتلخيص الحبير (2/ 322 - 323)، وإرواء الغليل (3/ 276 - 279)، وموسى بن طلحة التيمي، أبو عيسى، ثقة جليل، التقريب (7027). (¬1) أخرجه أبو داود (1603)، والترمذي (644)، وابن ماجه (1819)، وإسناده منقطع لأن سعيد بن المسيب لم يلق عتاب بن أسيد رض الله عنه. (¬2) أخرجه أبو داود (1605)، والترمذي (643)، والنسائي (5/ 42). وعبد الرحمن بن مسعود بن نيار: قال الحافظ في التلخيص (2/ 333): وقد قال البزار: إنه تفرد به، وقال ابن القطان: لا يعرف حاله، وقال في التقريب (4030): مقبول. وقال الذهبي: وُثّق الكاشف (1/ 643) وقال في الميزان: =

حَثْمة وسكت عليه أبو داود ولم يعترضه المنذري. وإسناده حسن أو صحيح، فإنه ليس فيه من ينظر فيه إلا عبد الرحمن بن مسعود بن نيار, وليس هو مشهورًا بضعف، بل وثقه ابن حبان، وبظاهر هذا الحديث أخذ الشافعي في القديم كما نقله عنه الماوردي من أصحابه. 1287 - كان النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يبعث عبد الله بن رواحة إلى يهود فيخرصُ النخل، حين يطيب قبل أن يؤكل منه". قلت: رواه أبو داود هنا من حديث عائشة (¬1) وفي إسناده رجل مجهول، وقد أخرج أبو داود في كتاب البيوع من حديث أبي الزبير عن جابر أنه قال: أفاء الله على رسوله خيبر فأقرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما كانوا وجعلها بينه وبينهم فبعث عبد الله بن رواحة فخرصها عليهم، ورجاله ثقات. 1288 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "في العسل في كل عشرة أزقاق زِقّ". قلت: رواه الترمذي هنا (¬2) من حديث ابن عمر، وقال: في إسناده مقال، ولا يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الباب كبير شيء. 1289 - قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر النساء تصدقن، ولو من حليكن، فإنكن أكثر أهل جهنم يوم القيامة". ¬

_ = لا يعرف، وقد وثقه ابن حبان على قاعدته، الميزان (2/ت4972) وانظر ثقات ابن حبان (5/ 104). (¬1) أخرجه أبو داود (1605)، وفي البيوع، باب في الخرص (3413)، والترمذي (643)، والنسائي (5/ 42)، وأحمد (3/ 448)، وابن حبان (3280)، والبيهقي (4/ 23)، انظر مختصر المنذري (2/ 213)، والتلخيص الحبير (2/ 332)، وإرواء الغليل (805). (¬2) أخرجه الترمذي (629) وفيه: "أزق" بدل: "أزقاق". والبغوي (1581). قال الترمذي: "سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال: هو عن نافع، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسل، وليس في زكاة العسل شيء يصح، علل الترمذي الكبير (1/ 312 برقم 100)، والبيهقي (4/ 126)، وقال النسائي: هذا حديث منكر، انظر: التلخيص الحبير (2/ 324 برقم 840)، وإرواء الغليل (3/ 286).

قلت: رواه الترمذي هنا من حديث زينب إمراة عبد الله بن مسعود ورجاله ثقات. (¬1) 1290 - إن امرأتين أتتا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- وفي أيديهما سواران من ذهب، فقال: لهما: "أتحبان أن يسوّركما الله سوارين من نار؟، قالتا: لا، قال: "فأديا زكاته". (ضعيف). قلت: رواه الترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وقال: ضعيف، ولا يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الباب شيء. (¬2) 1291 - كنت ألبس أوضاحًا من ذهب، فقلت: يا رسول الله أكنز هو؟ فقال: "ما بلغ أن تؤدى زكاته فزكّي فليس بكنز". قلت: رواه أبو داود هنا بسند جيد من حديث أم سلمة. (¬3) والأوضاح: بواو ساكنة وضاد معجمة وألف ثم حاء مهملة، قال في النهاية (¬4): جمع وضح، وهي نوع من الحلي يعمل من الفضة، سميت بذلك لبياضها، قال ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (635) وإسناده حسن. (¬2) أخرجه الترمذي (637)، والبيهقي (9/ 198)، والبغوي (2753)، قلت: وأما قول الترمذي رحمه الله: ولا يصح في هذا الباب شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، غير صحيح لأنه رواه أبو داود (1563)، والنسائي (5/ 38)، من طريق أخرى، وقال المنذري في مختصره لأبي داود: "إسناده لا مقال فيه، فإن أبا داود رواه عن أبي كامل الجحدري، وحميد بن مسعدة، وهما ثقتان احتج بهما مسلم. وقال: لعل الترمذي قصد الطريقين الذين ذكرهما، وإلا فطريق أبي داود لا مقال فيها، وقال ابن القطان بعد تصحيحه لحديث أبي داود: وإنما ضعف الترمذي هذا الحديث لأن عنده فيه ضعيفين: ابن لهيعة والمثنى بن الصباح" وقال الزيلعي في نصب الراية: قال ابن القطان في كتابه: إسناده صحيح (2/ 365). (¬3) أخرجه أبو داود (1564) وإسناده صحيح. (¬4) النهاية (5/ 196).

الجوهري (¬1): الوضح الدرهم، والأوضاح حلي من الدراهم الصحاح. 1292 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نُعِدُّ للبيع. قلت: رواه أبو داود هنا من حديث سمرة وسكت هو والمنذري عليه. (¬2) 1293 - وروى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقطع لبلال بن الحارث المزني معادن القَبَلِية -وهي من ناحية الفُرْع- فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم. قلت: رواه مالك وأبو داود (¬3) في الخراج والإمارة، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن غير واحد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقطع بلال بن الحارث الحديث، وهذا لفظ أبي داود مرسلًا، وكذلك هو عند مالك مرسلًا، ولفظه عن غير واحد من علمائهم وقال أبو عمر: هكذا في الموطأ عند جميع الرواة مرسلًا، ولم يختلف فيه عن مالك، وذكر أن الدراوردي رواه عن ربيعة عن الحارث بن بلال بن الحارث المزني عن أبيه، وقال أيضًا: وإسناد ربيعة فيه صالح حسن. (¬4) والقبلية: قال ابن الأثير (¬5): منسوبة إلى قبل بفتح القاف والباء الموحدة، وهي ناحية ¬

_ (¬1) الصحاح للجوهري (1/ 416). (¬2) أخرجه أبو داود (1562)، والدارقطني (2/ 127، 128)، وقال الحافظ في التخليص الحبير (2/ 346): وفي إسناده جهالة. وانظر: إرواء الغليل (827). (¬3) أخرجه مالك في الموطأ (1/ 248 - 249) (8)، وأبو داود (3061)، وانظر: مختصر المنذري (4/ 258 - 259)، وإرواء الغليل (830). (¬4) انظر التمهيد (3/ 236 - 238). (¬5) النهاية لابن الأثير (4/ 10).

باب صدقة الفطر

من ساحل البحر بينها وبين المدينة خمسة أيام، وقيل: هي من ناحية الفرع، وهو موضع بين نخلة والمدينة، وكذا فسرها في الحديث، وضبطها بعضهم بكسر الفاء وبعدها لام مفتوحة ثم ياء. باب صدقة الفطر من الصحاح 1294 - قال: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر صاعًا من تمر وصاعًا من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة. قلت: رواه الشيخان في الزكاة البخاري (¬1) في حديث واحد ومسلم في حديثين الثاني منهما: أمر بها أن تؤدى إلى آخره، وأخرج الأول أيضًا أصحاب السنن كلهم من حديث ابن عمر. (¬2) والصاع: أربعة أمداد، والمد: رطل وثلث بالبغدادي، وقد تقدم الكلام على ذلك في أول باب ما يجب فيه الزكاة. وفي الحديث دليل على أن صدقة الفطر فريضة، وإن ملك النصاب ليس بشرط، بل هي واجبة على الفقير والغني عند الشافعي إذا فضل عن قوت المودِّي ومسكنه وخادمه ودَينه وقوت من عليه مؤنته يوم العيد وليلته وإنما يجب أن يؤدّي عن نفسه وعن من عليه مؤنته في ذلك الوقت، ولا تجب لزوجة الأب، ويجب أداؤها عن الصغير والمجنون وعمن ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1503)، ومسلم (984)، أبو داود (1612)، والنسائي (5/ 48)، والترمذي (675)، وابن ماجه (1826). (¬2) أخرجه مسلم (986).

من الحسان

أطاق الصوم ومن لم يطلق، ويجب على المولى أن يؤديها عن عبيده وإمائه المسلمين، فعليه في رقيق التجارة صدقة الفطر، وزكاة التجارة فيه، وأخذ داود بظاهره فأوجبها على العبد نفسه وجعل على السيد أن يمكنه من الاكتساب لها واختلف أصحابنا على وجهين في أنها هل وجبت على السيد ابتداء أو على العبد ثم تحمّلها السيد. قوله وأمر أن تؤدّى قبل خروج الناس إلى الصلاة، هذا أمر استحباب، لجواز التأخير عند الجمهور إلى قبل غروب الشمس يوم العيد. 1295 - كنا نخرج زكاة الفطر صاعًا من طعام، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من زبيب. قلت: رواه الشافعي والشيخان في الزكاة من حديث أبي سعيد الخدري. (¬1) والأقط: بفتح الهمزة وكسر القاف، ويجوز إسكان القاف مع فتح الهمزة وكسرها، لبن يابس غير منزوع الزبد. والطعام في عرف الحجاز: اسم للحنطة خاصة، ويؤكد ذلك أنه في هذا الحديث قرنه بباقي المذكورات، ولهذا ذهب الشافعي ومالك إلى أنه إذا أخرج الحنطة أخرج صاعًا كغيرها من المذكورات، وقال أبو حنيفة: إذا أخرج الحنطة فعليه نصف صاع، لما صح عن معاوية أنه كلم الناس على المنبر فقال: إني أرى أن مدّين من سمراء الشام تعدل صاعًا من تمر. قوله - صلى الله عليه وسلم -: أو صاعًا من كذا أو صاعًا من كذا، وهذه للتنويع دون التخيير ولهذا قال جمهور العلماء: تتعين الفطرة من غالب قوت البلد، ولا يجوز العدول إلى ما هو دونه. من الحسان 1296 - قال في آخر رمضان: "أخرجوا صدقة صومكم، فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الصدقة صاعًا من تمر، أو شعير أو نصف صاع قمح، على كل حر أو مملوك ذكر أو أنثى ¬

_ (¬1) أخرجه الشافعي (1/ 252)، وأخرجه البخاري (1506)، ومسلم (985).

باب من تحل له الصدقة

صغير أو كبير". قلت: رواه أبو داود والنسائي (¬1) كلاهما هنا من حديث الحسن عن ابن عباس وقال النسائي: لم يسمع الحسن من ابن عباس. 1297 - فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر: طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين. قلت: رواه أبو داود من حديث ابن عباس (¬2) هنا، وقال فيه: من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات، وأخرجه ابن ماجه، ولم يضعفه أبو داود ولا المنذري. واللغو: الكلام الباطل، والرفث: بفتح الفاء وبالثاء المثلثة، كل ما يستحيى من ذكره كالجماع ونحوه، وكان ابن عباس يرى تقييد ذلك بحضرة النساء. باب من تحل له الصدقة من الصحاح 1298 - مَرّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بتمرة في الطريق، فقال: "لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها". قلت: رواه الشيخان وأبو داود هنا من حديث أنس بن مالك. (¬3) وفي الحديث بيان ما كان عليه -صلى الله عليه وسلم- من الورع فإن هذه التمرة بمجرد الاحتمال لا تحرم، لكن الورع تركها، وفيه أن التمرة ونحوها من محقرات الأموال، لا يجب تعريفها بل يباح ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1622)، والنسائي (5/ 50) وفيه انقطاع. (¬2) أخرجه أبو داود (1609)، وابن ماجه (1827) وإسناده حسن إن شاء الله. (¬3) أخرجه البخاري (2055)، ومسلم (1071)، وأبو داود (1652).

أكلها. والتصرف فيها في الحال؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما تركها خشية أن يكون من الصدقة لا لكونها لقطة وهذا الحكم متفق عليه. 1299 - أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كِخْ كِخْ! " ليطرحها، ثم قال: "أما شعرت أنَّا لا نأكل الصدقة". قلت: رواه الشيخان هنا من حديث أبي هريرة. (¬1) قال القاضي عياض (¬2): يقال: كخ كخ بفتح الكاف وكسرها وتسكين الخاء المعجمة ويجوز كسرها مع التنوين، وهي كلمة يزجر بها الصبيان عن المستقذرات فقال له كخ أي اتركه وارم به. قال الداوودي: هي أعجميّة معرّبة، بمعنى بئس، وقد أشار البخاري إلى هذا بقوله في ترجمته: باب من تكلم بالفارسية والرطانة (¬3)، وفي الحديث أن الصبيان يوقون ما يوقاه الكبار، وهذا واجب على الأولياء. قوله -صلى الله عليه وسلم-: أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة، هذه اللفظة تقال للشيء الواضح التحريم ونحوه، وإن لم يكن المخاطب عالمًا به، وهذا أبلغ في الزجر عنه، وفيه: تحريم الزكاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وعلى آله وهم: بنو هاشم وبنو المطلب، وقال أبو حنيفة ومالك هم: بنو هاشم خاصة، وقيل: هم قريش كلها، دليل الشافعي أن النبي -صلى الله عليه وسلم-قال: "إن بني هاشم وبني المطلب شيء واحد، وأما صدقة التطوع، فأصح أقوال الشافعي أنها تحرم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتباح لآله، والثاني تحرم عليه وعليهم، والثالث تحل له ولهم". 1300 - قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1491)، ومسلم (1069). (¬2) إكمال المعلم (3/ 624). (¬3) في كتاب الجهاد، باب من تكلم بالفارسية والرطانة (4/ 90).

قلت: رواه مسلم (¬1) في الزكاة، وفيه قصة طويلة من حديث عبد المطلب ابن ربيعة، ولم يخرجه البخاري، ولا أخرج عن عبد المطلب بن ربيعة في كتابه شيئًا، وقد أخرج تحريم الصدقة على آل محمد من حديث أبي هريرة. وفيه دليل على أن الصدقة تحرم على آله -صلى الله عليه وسلم- سواء كانت بسبب العمل أو بسبب الفقر والمسكنة وغيرهما، وهذا هو الصحيح عندنا. ومعنى أوساخ الناس: أنها تطهر أموالهم ونفوسهم، قال تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} فهي كغسالة الأوساخ. 1301 - كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أتي بطعام سأل عنه: "أهدية أم صدقة؟ " فإن قيل: صدقة، قال لأصحابه: "كلوا" ولم يأكل، وإن قيل: هدية، ضرب بيده فأكل معهم. قلت: رواه الشيخان هنا، من حديث أبي هريرة، وفيه دليل على تحريم صدقة التطوع عليه -صلى الله عليه وسلم-. (¬2) 1302 - كان في بريرة ثلاث سنن، إحدى السنن أنها عتقت، فخيرت في زوجها. قلت: رواه البخاري في النكاح وفي الطلاق ومسلم في العتق من حديث عائشة. (¬3) - وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الولاء لمن أعتق". قلت: رواه البخاري في النكاح وفي الطلاق ومسلم في العتق من حديث عائشة. (¬4) ودخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والبُرْمَة تفور بلحم، فُقرّب إليه خبز، وأُدْم من أدم البيت، فقال: "ألم أرَ بُرمةً فيها لحم؟ " قالوا: بلى، ولكن ذلك لحم تصدق به على بريرة، وأنت لا تأكل الصدقة، قال: "هو عليها صدقة، ولنا هدية". قلت: رواه البخاري في النكاح مقطعًا وفي الطلاق ورواه مسلم بلفظ المصنف مجموعًا ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1072). (¬2) أخرجه البخاري (2576)، ومسلم (1077). (¬3) أخرجه البخاري في النكاح (5097)، وفي الطلاق (5279)، ومسلم (1504). (¬4) أخرجه البخاري (5097)، ومسلم (1504).

في حديث واحد في كتاب العتق من حديث عائشة. (¬1) وسيأتي في النكاح الكلام على تخيير المعتقة تحت عبد، وفي الحديث دليل على أن الولاء يثبت للمعتق ولا يثبت لغيره، وأنه إذا تغير صفة الصدقة، تغير حكمها، فيجوز للغني شراء من الفقير وأكلها إذا أهداها إليه وللهاشمي وغيره ممن لا تحل له الزكاة ابتداء. والله أعلم. 1303 - كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبل الهدية ويثيب عليها. قلت: رواه أحمد في مسنده والبخاري في الهبة وأبو داود في البيوع والترمذي في البر وفي الشمائل، كلهم من حديث عيسى بن يونس عن هشام عن أبيه عن عائشة. (¬2) قال أبو سليمان الخطابي (¬3): كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبل الهدية ولا يأخذ الصدقة لنفسه، وكان المعنى في ذلك أن الهدية إنما يراد بها ثواب الدنيا، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبلها ويثيب عليها فتزول المنة، وأما الصدقة فيراد بها ثواب الآخرة، فلم يجز أن تكون يد على يده في ذات الله وفي الآخرة، ولأن الصدقة أوساخ الناس كما تقدم في الحديث فصانه الله تعالى عنها، وأبدلها ماله من الفيء والغنيمة وهذا من الخطابي يوضح لنا القول بحرمة الصدقة الواجبة والمندوبة. 1304 - قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لو دُعيت إلى كراع لأجبت، ولو أهدي الي ذراع لقبلت". قلت: رواه البخاري في النكاح وفي الهبة، والنسائي في الوليمة من حديث الأعمش ¬

_ (¬1) ذكر المؤلف هذه الأحاديث الثلاثة كأنها أحاديث مستقلة، مع أنها حديث واحد وأخرجه البخاري بطوله في الطلاق بهذا اللفظ (5279)، ومسلم في العتق (14/ 1504) كما هو في المصابيح المطبوع، حديث واحد برقم (1288). (¬2) أخرجه أحمد (6/ 90)، والبخاري (2585)، وأبو داود (3536)، والترمذي (1953)، وفي الشمائل (350)، والبيهقي (6/ 180)، والبغوي في شرح السنة (1610). (¬3) معالم السنن للخطابي (3/ 143 - 144).

من الحسان

عن أبي حازم عن أبي هريرة. (¬1) والكراع: بضم الكاف وبالراء والعين المهملتين وبينهما ألف، وهو ما دون الركبة، والذراع: بالذال المعجمة ذراع اليد والمراد به هنا ذراع الشاة. 1305 - قال -صلى الله عليه وسلم-: "ليس المسكين الذي يطوف على الناس، ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنىً يغنيه، ولا يُفطن به فيُتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس". قلت: رواه الشيخان البخاري في التفسير (¬2) ومسلم في الزكاة والنسائي فيهما وأبو داود في الزكاة، كلهم من حديث شريك عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة. ومعناه: المسكين: الكامل المسكنة، الذي هو أحق بالصدقة وأحوج إليها ليس هو بهذا الطواف، بل هو الذي لا يجد غنى، ولا يفطن له، ولا يسأل، وليس معناه نفي أصل المسكنة عن الطواف، بل معناه نفي كمال المسكنة. من الحسان 1306 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بعث رجلًا على الصدقة فقال لأبي رافع: اصحبني كيما تصيب منها فانطلق إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فسأله فقال: "إن الصدقة لا تحل لنا، وإن موالي القوم من أنفسهم". قلت: رواه الثلاثة والإمام أحمد وصححه الترمذي كلهم من حديث أبي رافع، وأبو رافع مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واسمه: أسلم. (¬3) 1307 - قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مِرّة سَوِيّ". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الهبة (2568)، وفي النكاح (5178)، والنسائي في الكبرى (6609). (¬2) أخرجه البخاري (179) ومسلم (1039)، وأبو داود (1631)، والنسائي (5/ 85). (¬3) أخرجه أحمد (6/ 10)، وأبو داود (1650)، والترمذي (657)، والنسائي (5/ 107).

قلت: رواه أبو داود (¬1) في الزكاة من حديث ريحان بن يزيد عن عبد الله ابن عمرو رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي رواية: لذي مرة قوي، وفي رواية: عن عبد الله بن عمرو، قال: إن الصدقة لا تحل لقوي ولا لذي مرة سوي، ولهذا قال بعضهم: لم يصح إسناده، وإنما هو موقوف على عبد الله ابن عمرو، وأخرجه الترمذي، وقال: لذي مرة قوي، وقال: حديث حسن، وذكر أن شعبة لم يرفعه. والمرة: بكسر الميم وفتح الراء المهملة المشدّدة: القوة والشدة، والسوي: الصحيح الأعضاء، وقال الهروي: ولا لذي مرة سوي، أي ذو عقل وشدة، وقال غيره هي هاهنا القدرة على الكسب، والعمل. واختلف العلماء في جواز الصدقة لمن يجد قوة يقدر بها على الكسب، فقال الشافعي: لا يحل له إذا كان الكسب لائقًا به، وقال أبو حنيفة: يجوز له أخذ الصدقة إذا لم يكن له مائتا درهم فصاعدًا. 1308 - ويروى: "لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب". قلت: رواه أبو داود والنسائي (¬2) هنا من حديث عبد الله بن عدي بن الخيار قال: أخبرني رجلان أنهما أتيا النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع، وهو يقسم الصدقة، فسألاه منها، فرفّع فينا البصر وخَفّضه، فرآنا جلدين، فقال: "إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب". 1309 - قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تحل الصدقة لغني، إلا لخمسة: لغاز في سبيل الله، أو لعامل عليها، أو لغارم، أو لرجل اشتراها بماله، أو رجل له جار مسكين، فتصدّق على المسكين، فأهدى المسكينُ للغني". قلت: رواه أبو داود هنا (¬3) من حديث عطاء بن يسار أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: فذكره ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1634)، والترمذي (652) وإسناده صحيح. وانظر: الإرواء (877). (¬2) أخرجه أبو داود (1633)، والنسائي (5/ 99) وإسناده صحيح. (¬3) أخرجه أبو داود (1635) مرسلًا.

مرسلًا، وفي رواية له عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري (¬1) قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: بمعناه، وفي رواية: عن زيد هو ابن أسلم، قال: حدثني الثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأخرجه ابن ماجه مسندًا، وقال ابن عبد البر: قد وصل هذا الحديث جماعة من رواية زيد بن أسلم. وفيه أن الغازي يأخذ الصدقة، وإن كان غنيًّا يستعين به في غزوه، وهو سهم سبيل الله، قالت الحنفية لا يجوز أن يعطى الغازي من الصدقة، إلا أن يكون منقطعًا به، والغارم الغني: هو الذي يحمل الحمالة في المعروف، وإصلاح ذات البين، والمهدى له إذا ملكها خرجت عن أن تكون صدقة. - ويروى: "أو ابن السبيل". قلت: رواها أبو داود (¬2) من حديث أبي سعيد الخدري. 1310 - أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فبايعته، فأتاه رجل فقال: أعطني من الصدقة، فقال: "إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات، حتى حكم فيها هو، فجزّأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1636)، وابن ماجه (1841)، ومالك في الموطأ (1/ 268)، وأحمد (3/ 56)، والحاكم (1/ 407 - 408)، والبيهقي (7/ 15، 22)، ورواه ابن خزيمة في صحيحه ح (2368) و (2374)، وكلام ابن عبد البر ذكره المنذري في مختصر سنن أبي داود (2/ 235)، والتمهيد (5/ 96 - 97)، والبغوي في شرح السنة (1604)، == وفصّل النووي القول في هذا الحديث في المجموع (6/ 218): وقال: هذا الحديث حسن أو صحيح. والموصول أرجح كما بينه الحاكم والبيهقي وابن عبد البر والمنذري وابن حجر وغيرهم، قال الحافظ: اختلف فيه على زيد بن أسلم عنه، فقال أكثر أصحابه عنه هكذا، ورواه الثوري فقيل عنه هكذا، وقيل: عن عطاء: حدثني الثبت، وقيل: عن عطاء، عن أبي سعيد الخدري، ورواه معمر، عن زيد بن أسلم عن عطاء، عن أبي سعيد من غير خلاف فيه. راجع التلخيص الحبير (3/ 237)، والإرواء (870). (¬2) أخرجه أبو داود (1637).

باب من لا تحل له المسألة ومن تحل

قلت: رواه أبو داود (¬1) هنا من حديث زياد بن الحارث الصدائي، وفي سنده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي وقد تكلم فيه غير واحد. باب من لا تحل له المسألة ومن تحل من الصحاح 1311 - تحمّلت حمالةً فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسأله فيها، فقال: "أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها" ثم قال: "يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة، فحلت له المسألة، حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله، فحلت له المسألة، حتى يصيب قِوامًا من عيش، أو قال سدادًا من عيش، ورجل أصابته فاقة، حتى يقوم ثلاثة من ذوى الحجى من قومه: لقد أصابت فلانًا فاقة، فحلت له المسألة، حتى يصيب قوامًا من عيش -أو قال سدادًا من عيش- فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت يأكله صاحبها سحتًا". قلت: رواه مسلم وأبو داود والنسائي كلهم في الزكاة من حديث قبيصة بن مخارق ولم يخرجه البخاري ولا أخرج في كتابه عن قبيصة شيئًا. (¬2) والحمالة: بفتح الحاء المهملة وتخفيف الميم، هي الكفالة، والحميل والكفيل والضمين والزعيم واحد، وتفسيرها هو: أن يقع بين القوم تشاجر بسبب دم، أو مال، فيتحمل شخص مالًا لصاحب الدم أو المال، طلبًا لتسكين الثائرة، والإصلاح بين الناس. الجائحة: هي الآفات التي تستأصل المال كله، أو بعضه، من سيل أو حريق أو غير ذلك. والقوام: بكسر القاف أي ما يقوم به حاله، ويستغني به، والسداد: بالكسر كل شيء سددت به خللًا، ومنه سداد القارورة، وسداد الثغر، وبالفتح إصابة الفضل ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1630) عبد الرحمن بن زياد الأفريقي ضعيف في حفظه، التقريب (3887). (¬2) أخرجه مسلم (1044)، وأبو داود (1640)، والنسائي (5/ 89).

والحجى: بكسر الحاء المهملة مقصور: العقل. قوله - صلى الله عليه وسلم -: حتى تقوم ثلاثة، قال النووي (¬1): هكذا هو في جميع نسخ مسلم، "يقوم ثلاثة" وهو صحيح، أي يقومون بهذا الأمر، فيقولون: لقد أصابت فلانًا فاقة، وإنما قال - صلى الله عليه وسلم - "من قومه" لأنهم أهل الخبرة بباطنه، والمال مما يخفى في العادة، فلا يعلم إلا من كان خبيرًا بصاحبه، وإنما شرط الحجى تنبيهًا على أنه يشترط في الشاهد التيقظ، فلا تقبل من مغفل، وأما اشتراط الثلاثة، فقال به بعض أصحابنا لظاهر الحديث، وقال الجمهور: يقبل من عدلين، وحملوا الحديث على الاستحباب، وهذا محمول على من عرف له مال فلا يقبل. قوله: في تلفه والإعسار إلا ببينة، وأما من لم يعرف له مال فالقول قوله في عدم المال. قوله - صلى الله عليه وسلم -: فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتًا، قال النووي (¬2): هكذا في النسخ من مسلم، ورواه غيره سحت، وهذا واضح، ورواية مسلم صحيحة، وفيه إضمار أي: اعتقده سحتًا أو يؤكل سحتًا. 1312 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من سأل الناس أموالهم تكثرًا، فإنما يسأل جمرًا، فليستقل أو ليستكثر". قلت: رواه مسلم هنا من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬3) قال عياض (¬4): معناه يعاقب بالنار، ويحتمل: أن يكون على ظاهره، وأن الذي يأكله يصير جمرًا يكوى بها كما ثبت في مانع الزكاة. 1313 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما يزال الرجل يسأل الناس، حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم". ¬

_ (¬1) المنهاج (7/ 188). (¬2) المصدر السابق. (¬3) أخرجه مسلم (1041). (¬4) إكمال المعلم (3/ 575).

قلت: رواه الشيخان هنا من حديث ابن عمر. (¬1) ومزعة لحم: بضم الميم وإسكان الزاي المعجمة أي قطعة لحم، قال القاضي (¬2): معناه يأتي يوم القيامة ذليلًا ساقطًا، لا وجه له عند الله تعالى، وقيل: هو على ظاهره فيحشر ووجهه عظم لا لحم عليه عقوبة له، وعلامة بذنبه حين طلب وسأل بوجهه، كما جاءت الأحاديث الأخرى بالعقوبات في الأعضاء التي كانت بها المعاصي، وهذا فيمن سأل لغير ضرورة، وسؤالًا منهيًا عنه. 1314 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُلحفوا في المسألة، فوالله لا يسألني أحد منكم شيئًا فتخرج له مسألته مني شيئًا، وأنا له كاره، فيبارك له فيما أعطيته". قلت: رواه مسلم هنا من حديث معاوية ولم يخرجه البخاري. (¬3) وتلحفوا: بضم التاء المثناة من فوق وبسكون اللام وكسر الحاء المهملة وبالفاء أي يلحوا. قوله في المسألة، قال النووي (¬4): كذا هو في بعض نسخ مسلم بالفاء وفي بعضها بالباء وكلاهما صحيح. 1315 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لأن يأخذ أحدكم حبله، فيأتي بحزمة حطب على ظهره فيبيعها، فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه". قلت: رواه البخاري في كتاب الزكاة من حديث الزبير (¬5) ولم يخرج مسلم عن الزبير في هذا شيئًا، وخرج عن أبي هريرة مثل معناه. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1474)، ومسلم (1040). (¬2) إكمال المعلم (3/ 574). (¬3) أخرجه مسلم (1038). (¬4) المنهاج (7/ 180). (¬5) أخرجه البخاري (1470)، ومسلم (1042)، من حديث أبي هريرة. وأخرجه البخاري (1471) عن الزبير بن العوام.

فيه الحث على الأكل من عمل اليد، وعلى الاكتساب بالمباحات كالحطب والحشيش النابتين في الموات. 1316 - سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال لي: "يا حكيم! إن هذا المال خضر حلو، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يُبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى". قال حكيم، فقلت: يا رسول الله! والذي بعثك بالحق، لا أرزأ أحدًا بعدك شيئًا حتى أفارق الدنيا. قلت: رواه البخاري بهذا اللفظ هنا، وفي الوصايا من حديث حكيم بن حزام، ورواه مسلم أيضًا هنا مختصرًا إلى قوله: "واليد العليا خير من اليد السفلى". (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن هذا المال خضر" بفتح الخاء المعجمة وكسر الضاد المعجمة، أيضًا قوله: حلو: بضم الحاء المهملة وسكون اللام، وشبهه في الرغبة فيه، والميل إليه، بالأخضر الحلو المستلذ، فإن الأخضر مرغوب فيه على انفراده، والحلو كذلك، فاجتماعهما أشد، وفيه إشارة إلى عدم بقائه، فإن الأخضر أسرع الألوان استحالة وتغيرًا. والسخاوة: والسخاء، الجود يقال سخى يسخو وسخي يسخى، والسخاوة هنا يجوز أن تكون راجعة إلى الآخذ -وهو الأظهر- أي من أخذه في حال كون نفسه سخية به لا لكثرة، ويجوز أن يكون راجعة إلى الدافع أي من أخذه ممن يدفعه سخية به نفسه. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كالذي يأكل ولا يشبع"، قيل: هو الذي به داء لا يشبع بسببه، وقيل: المراد تشبيهه بالبهيمة الراعية. وأرزأ: بفتح الهمزة وسكون الراء المهملة وفتح الزاي المعجمة ثم بالهمزة ومعنى لا أرزأ أحدًا بعدك أي لا آخذ منه شيئًا، قاله في المشارق (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1472)، ومسلم (1035). (¬2) انظر: (1/ 288).

1317 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا هي المنفقة، والسفلى هي السائلة". قلت: رواه الشيخان وأبو داود والنسائي أربعتهم (¬1) هنا بهذا اللفظ، وقد روى أبو داود (¬2) أيضًا من حديث مالك بن نضلة بسند جيد، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: الأيدي ثلاث: فيد الله العليا، ويد المعطي تليها ويد السائل السفلى، وروي عن الحسن البصري: أن السفلى الممسكة المانعة، وذهبت المتصوفة إلى أن اليد العليا هي الآخذة لأنها نائبة عن الله تعالى، وما جاء في الحديث الصحيح من التفسير مع فهم المقصد من الحث على الصدقة أولى، قال أبو داود: واختلف على أيوب عن نافع في هذا الحديث قال عبد الوارث: اليد العليا المتعففة، وقال أكثرهم عن حماد بن زيد عن أيوب: اليد العليا المنفقة، وقال واحد يعني حماد بن زيد المتعففة. (¬3) وفي الحديث ندب إلى التعفف عن المسألة، وحض على معالي الأمور وترك دنيها. 1318 - إن أناسًا من الأنصار سألوا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى نفذ ما عنده، فقال: "ما يكون عندي من خير، فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يُعفه الله، ومن يستغن يُغنه الله، ومن يتصبّر يُصَبّره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرًا وأوسع من الصبر". قلت: رواه الشيخان (¬4) هنا من حديث أبي سعيد الخدري، ووقع في بعض نسخ كتاب البخاري: ثم سألوه فأعطاهم ثلاث مرات، وفي بعضها: مرتان، كما في كتاب مسلم. ونفد بكسر الفاء وبالدال المهملة أي فني. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1429)، ومسلم (1033)، وأبو داود (1648)، والنسائي (5/ 61). (¬2) برقم (1649). (¬3) سنن أبي داود (2/ 297). (¬4) أخرجه البخاري (1469)، ومسلم (1053).

والخير: المال، قال تعالى {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} أي لحب المال. قوله - صلى الله عليه وسلم -: ومن يستعفف يعفه الله، والاستعفاف: طلب العفاف، والتعفف: هو الكف عن الحرام، والسؤال من الناس أي من طلب العفة، وتكلفها أعطاه الله إياها ورزقه من حيث لا يحتسب. ويستغن: أي يطلب الغنى من الله، والغنى مقصور هو اليسار. قوله - صلى الله عليه وسلم -: وما أعطى أحد عطاء خير وأوسع من الصبر، قال النووي (¬1): هكذا هو في نسخ مسلم خبر مرفوع، وتقديره: هو خير، كما وقع في رواية البخاري. وفي هذا الحديث: الحث على التعفف والقناعة والصبر على ضيق العيش وغيره من مكاره الدنيا. 1319 - كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعطيني العطاء فأقول: أعطه أفقر إليه مني، فقال: "خذه فتموله، وتصدق به، فما جاءك من هذا المال، وأنت غيرَ مُشرف ولا سائل، فخذه ومالًا، فلا تُتبعه نفسك". قلت: رواه الشيخان (¬2) البخاري هنا، وفي الأحكام، ومسلم هنا من حديث عمر بن الخطاب. قوله - صلى الله عليه وسلم -: فتموله، قال الجوهري (¬3): يقال: تموّل الرجل إذا صار ذا مال. وفي الحديث منقبة لعمر رضي الله عنه وبيان لفضله وزهده وإيثاره. والمشرف إلى الشيء: هو المتطلع إليه الحريص عليه، قوله: ومالا فلا تتبعه نفسك، معناه: ما لم يوجد فيه هذا الشرط فلا تعلق النفس به. واختلف العلماء فيمن جاءه مال، هل يجب عليه قبوله أم يندب؟ على ثلاثة ¬

_ (¬1) المنهاج (7/ 205). (¬2) أخرجه البخاري (1473)، وفي الأحكام (7163 و 7164)، ومسلم (1045). (¬3) الصحاح للجوهري (5/ 1822).

من الحسان

مذاهب: قال النووي (¬1): الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور: أنه يستحب في غير عطية السلطان، وأما عطية السلطان: فحرمها قوم، وأباحها قوم، وكرهها قوم، والصحيح أنه إن غلب الحرام على ما في يد السلطان حرمت، وكذا أن أعطى من لا يستحق، وإن لم يغلب الحرام فمباح، إن لم يكن في القابض مانع يمنعه من استحقاقه الأخذ، وقالت طائفة: الأخذ واجب من السلطان وغيره، وقال آخرون: هو مندوب في عطية السلطان دون غيره. من الحسان 1320 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه، إلا أن يسأل ذا سلطان، أو في أمر لا يجد منه بدًا". قلت: رواه أبو داود والترمذي والنسائي كلهم هنا من حديث سمرة، قال الترمذي (¬2): صحيح. كدوح: بضم الكاف والدال المهملة وبالواو والحاء المهملة. هي الآثار من الخدش والعض ونحوه، وقيل: الكدح أكثر من الخدش. 1321 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سأل الناس وله ما يغنيه، جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش، أو خدوش، أو كدوح، قيل: يا رسول الله وما يغنيه، قال: "خمسون درهمًا أو قيمتها من الذهب". قلت: رواه الأربعة (¬3) هنا من حديث ابن مسعود، وقال الترمذي: حسن، وقد تكلم ¬

_ (¬1) المنهاج للنووي (7/ 189 - 190). (¬2) أخرجه أبو داود (1639)، والترمذي (681)، والنسائي (5/ 100) وإسناده صحيح. (¬3) أخرجه أبو داود (1626)، والترمذي (650)، والنسائي (5/ 97)، وابن ماجه (1840). وحكيم بن جبير: ضعيف، رمي بالتشيع، التقريب (1476)، وانظر قول الحافظ الذهبي في الكاشف (1/ 347 رقم 1197) وكلام الدارقطني في سننه (2/ 122)، وانظر للتفصيل: تهذيب الكمال =

شعبة في حكيم بن جبير من أجل هذا الحديث، وقال النسائي: لا يعرف هذا الحديث إلا من حديث حكيم بن جبير، وحكيم: ضعيف، وسئل شعبة عن حديث حكيم فقال: أخاف النار، وقد كان يروي عنه قديمًا، وقال الذهبي: حكيم بن جبير ضعفوه، وقال الدارقطنى: متروك. والخموش: هي الخدوش، وهو بضم الخاء المعجمة فيهما، وبالشين المعجمة في أحدهما، يقال: خمشت المرأة وجهها تخمشه إذا خدشته بظفر أو حديدة، وكدوح: تقدم تفسيره في الحديث قبله ورأى بعضهم هذا الحديث حدًّا في غني تحرم عليه الصدقة، وأبى ذلك آخرون وضعفوا الحديث. وقال مالك والشافعي: لا حد للغني معلومًا، وإنما يعتبر حال الإنسان. وقال الشافعي رضي الله عنه: قد يكون الرجل بالدرهم غنيًّا مع الكسب ولا يغنيه الألف مع ضعفه في نفسه وكثرة عياله. 1322 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من سأل وعنده ما يغنيه، فإنما يستكثر من النار"، قالوا: يا رسول الله! وما يغنيه؟، قال: "قدر ما يغذيه ويعشّيه". قلت: رواه أبو داود (¬1) هنا من حديث سهل بن الحنظلية، قال: قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، فسألاه، فأمر لهما بما سألا، وأمر معاوية فكتب لهما بما سألا, فأما الأقرع فأخذ كتابه فلفه في عمامته وانطلق، وأما عينية فأخذ كتابه وأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- مكانه، فقال: يا محمد أتراني أحمل إلى قومي كتابًا لا أدري ما فيه؟ كصحيفة المتلمّس، فأخبر معاوية بقوله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سأل وعنده ما يغنيه .. " الحديث. ولم يضعفه ولا المنذري. والمتلمس: هو جرير بن عبد المسيح الضبعي الشاعر المشهور، جاهلي، هجا هو ¬

_ = (7/ 165 - 168) لكن له متابعة من طريق زبيد بن الحارث الكوفي، أشار إليها الترمذي، راجع: الصحيحة (499). (¬1) أخرجه أبو داود (1629) وإسناده صحيح.

وطرفة، عمرو بن هند ملك الحيرة، فكتب له ولطرفة بن العبد كتابين، أوهمهما أنه أمر لهما بجوائز، وكتب له يأمره بقتلهما، والقصة مشهورة عند العرب وإن المتلمس لما علم ما فيها رمى بها وهرب، فضربت العرب المثل بصحيفته، وأما طرفة فوافى بصحيفته فقتل. وقد اختلف الناس في تأويل ما يغديه ويعشيه فقال بعضهم: من وجد غداء يومه وعشاه، لم تحل له المسألة وقال آخرون: من وجد غداء وعشاء دائم الأوقات. فإذا كان عنده ما يكفيه المدة الطويلة حرمت عليه المسألة، وقيل: هذا منسوخ بما تقدم من الأحاديث، ولا شك أنه يجوز لصاحب الغداء والعشاء أن يسأل الجبة والكساء. - وفي رواية: شِبَع ليلةٍ ويومٍ. قلت: رواها أبو داود أيضًا، رواية من الحديث قبلها. 1323 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من سأل منكم وله أوقية أو عدلها، فقد سأل إلحافًا". قلت: رواه أبو داود هنا (¬1) من حديث عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد أنه قال: نزلت أنا وأهلي ببقيع الغرقد. قال لي أهلي: اذهب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسله لنا شيئًا نأكله فجعلوا يذكرون من حاجتهم فذهبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجدت عنده رجلًا يسأله، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: لا أجد ما أعطيك فتولى الرجل، وهو مغضب، وهو يقول: لعمري إنك لتعطي من شئت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يغضب علي أن لا أجد ما أعطيه، من سأل منكم، وله أوقية أو عدلها، فقد سأل إلحافًا" قال الأسدي: فقلت: للقحة لنا خير من أوقية، والأوقية أربعون درهمًا، قال: فرجعت ولم أسأله، فقدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك شعير وزبيب، فقسم لنا منه، أو كما قال، حتى أغنانا الله عز وجل. وأخرجه النسائي ولم يضعفه أبو داود ولا المنذري. وبقيع الغرقد: بالباء الموحدة مدفن المدينة، والغرقد: من شجر العضاه، والعضاه ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1627)، والنسائي (5/ 98) وإسناده صحيح.

شجر له شوك، وقيل: الطلح والسدر، وكان فيه غرقد فذهب، وهو بفتح الغين المعجمة وسكون الراء المهملة وبعدها قاف ودال مهملة، وقد تقدم تفسير الأوقية في أول باب ما تجب فيه الزكاة، قوله: أو عدلها: قال ابن الأثير: العِدْل، والعَدْل بالكسر والفتح بمعنى واحد، وهو المثل. وقيل هو بالفتح ما عادله من جنسه، وبالكسر ما ليس من جنسه، وقيل بالعكس، وإلحافًا: بكسر الهمزة وسكون اللام وبالحاء المهملة والفاء، يقال: ألحف في المسألة إذا بالغ فيها وألح. 1324 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن المسألة لا تحل لغني، ولا لذي مرة سوي، إلا لذي فقر مدقع، أو غرم مفظع، ومن سأل الناس ليثري به ماله، كان خموشًا في وجهه يوم القيامة، ورضفًا يأكله من جهنم، فمن شاء فليُقِلّ ومن شاء فليُكثر". قلت: رواه الترمذي (¬1) هنا من حديث حبشي بن جنادة السلولي، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع، وهو واقف بعرفة، وقد أتاه أعرابي فأخذ بطرف ردائه، فسأله إياه فأعطاه وذهب، فعند ذلك حرمت المسألة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن المسألة لا تحل .. " وساقه، وسنده رجاله موثقون. والمرة: بكسر الميم وبالراء المهملة وتاء التأنيث، هي القوة والشدة، والسوي: الصحيح الأعضاء. وفقر مدقع: أي شديد يفضي بصاحبه إلى الدقعاء أي إلى التراب، وقيل: هو سوء احتمال الفقر، ومفظع: بضم الميم وسكون الفاء وبالظاء المعجمة المشالة، وبالعين المهملة هو الشديد الشنيع، ويثري: بالثاء المثلثة أي يكثر به ماله، والرضف: بالضاد المعجمة، الحجارة المحماة. 1325 - ويروى: "إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو ذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (653) وإسناده ضعيف، لأن فيه مجالد وهو ابن سعيد، وليس بالقوي، قد تغيّر في آخر عمره، التقريب (6520)، وانظر: شرح السنة للبغوي (1599)، والإرواء (877).

باب الإنفاق وكراهية الإمساك

قلت: رواه الأربعة هنا من حديث أنس مطولًا (¬1) وقال الترمذي: حسن، لا نعرفه إلا من حديث الأخضر بن عجلان، قال يحيى بن معين: صالح، وقال أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه. والدم الموجع: هو ما يتحمله الإنسان من الدية فإن لم يتحملها وإلا قتل، فيوجعه القتل. 1326 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن أنزلها بالله أوْشَك الله له بالغنى: إما بموت عاجل، أو غنى عاجل". قلت: رواه أبو داود والترمذي (¬2) كلاهما هنا من حديث عبد الله بن مسعود وقال الترمذي: حسن صحيح غريب. وأوشك بفتح الهمزة وفتح الشين المعجمة ومعناه عند الخليل: أسرع. باب الإنفاق وكراهية الإمساك من الصحاح 1327 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لو كان لي مثل أحد ذهبًا، لسرّني أن لا يمر عليَّ ثلاث ليال وعندي منه شيء، إلا شيء، أرصده لِدَيْنٍ". قلت: رواه البخاري في الرقاق (¬3) من حديث عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة ورواه ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1641)، والنسائي (7/ 259)، والترمذي (1218)، وابن ماجه (2198) قال الحافظ في التلخيص (2/ 34 رقم 1167) وأعله ابن القطان بجهل حال أبي بكر الحنفي ونقل عن البخاري أنه قال: لا يصح حديثه. والأخضر بن عجلان، قال في التقريب (293): صدوق. وأبو بكر الحنفي: لا يعرف حاله، التقريب (3748) , وانظر: ميزان الاعتدال (1/ 168)، والإرواء (867). (¬2) أخرجه أبو داود (1645)، والترمذي (2326) وإسناده حسن لطرقه, راجع: الصحيحة (2787). (¬3) أخرجه البخاري (2389)، وفي التوحيد (7228)، ومسلم (991).

أيضًا في التمني، بمثل معناه، من حديث معمر عن همام عن أبي هريرة ومسلم في الزكاة من حديث أبي هريرة واللفظ للبخاري. وأرصده: بضم الهمزة، وكسر الصاد، أي: أعده. 1328 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا". قلت: رواه الشيخان (¬1) هنا، والنسائي في عشرة النساء، ثلاثتهم من حديث أبي الحباب واسمه سعيد بن يسار عن أبي هريرة، قال العلماء: وهذا في الإنفاق في الطاعات، ومكارم الأخلاق وعلى العيال والضيفان والصدقات، ونحو ذلك، بحيث لا يذم ولا يسمى سرفًا، والإمساك المذموم هو الإمساك عن هذا. 1329 - قال - صلى الله عليه وسلم - لها: "أنفقي، ولا تحصي فيحصي الله عليك، ولا توعي فيوعي الله عليك، ارضخي ما استطعت". قلت: رواه الشيخان والنسائي ثلاثتهم في الزكاة وأعاده البخاري في الهبة أيضًا من حديث أسماء بنت أبي بكر. (¬2) وارضخي: همزته همزة وصل، وبالراء المهملة وبالصاد والخاء المعجمتين، من الرضخ بسكون الضاد، وهو: العطية، وقيل: العطية القليلة. ومعنى الحديث: الحث على النفقة في الطاعة، والنهي عن الإمساك والبخل، وعن ادخار المال في الوعاء. قوله - صلى الله عليه وسلم -: ولا تحصى فيحصي الله عليك، وتوعى عليك هو من باب مقابلة اللفظ باللفظ للتجنيس كما قال تعالى {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} ومعناه يمنعك كما منعت، ويقتر عليك كما قترت، ويمسك فضله عنك كما أمسكت وقيل معنى: ولا تحصي أي لا تعديه ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1442)، ومسلم (57/ 1010)، والنسائي في الكبرى (9178). (¬2) أخرجه البخاري (1434)، وفي الهبة (2591)، ومسلم (1029)، والنسائي (9195).

فتستكثريه، فيكون سببًا لانقطاع إنفاقك، والإحصاء للشيء: معرفته قدرًا أو وزنًا أو عدًّا. 1330 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "قال الله تعالى: أنفق يا ابن آدم أنفق عليك". قلت: رواه الشيخان: البخاري في التوحيد، ومسلم في الزكاة كلاهما من حديث أبي هريرة يرفعه. (¬1) 1331 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "يا ابن آدم إنك إن تبذل الفضل خير لك، وأن تمسكه شر لك، ولا تلام على كفاف، وابدأ بمن تعول". قلت: رواه مسلم هنا من حديث أبي أمامة، ولم يخرجه البخاري بجملته، وأخرج: "ابدأ بمن تعول" من حديث ابن عمر وغيره. (¬2) والفضل هو ما زاد على الحاجة، قوله - صلى الله عليه وسلم -: لا تلام على كفاف، هو بفتح الكاف: القوت، أي لا تلام على طلب القوت أو تحصيله، وهو ما كف عن الناس أي أغنى. 1332 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "مثل البخيل والمتصدق: كمثل رجلين عليهما جُنَّتان من حديد، قد اضطرت أيديهما إلى ثديّهما، وتراقيهما، فجعل المتصدق كما تصدق بصدقة انبسطت عنه، وجعل البخيل كما هم بصدقة قلصت، وأخذت كل حلقة بمكانها". قلت: رواه الشيخان: البخاري في اللباس ومسلم في الزكاة والنسائي فيه من حديث أبي هريرة يرفعه. (¬3) قال النووي في شرح مسلم (¬4): صوابه: جنتان بضم الجيم وبالنون، والجنة: الدرع، ومعنى قلصت: انقبضت، وجاء هذا الحديث على التمثيل لا على الخبر قيل: وإنما ضرب المثل بهما لأن المنفق يستره الله بنفقته، ويستر عوراته في الدنيا والآخرة، كستر ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5352)، ومسلم (993). (¬2) أخرجه مسلم (1036)، وانظر البخاري (1428,1426، 5355، 5356). (¬3) أخرجه البخاري (1443)، ومسلم (1021)، والنسائي (5/ 72). (¬4) المنهاج للنووي (7/ 151).

هذه الجنة لابسها، والبخيل كمن لبس جبة إلى ثدييه، فيبقى مكشوفًا بادي العورة مفتضحًا في الدنيا والآخرة. (¬1) 1333 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "تصدقوا فإنه يأتي عليكم زمان يمشي الرجل بصدقته فلا يجد من يقبلها، يقول الرجل: لو جئت بها بالأمس لقبلتها، فأما اليوم فلا حاجة لي بها". قلت: رواه الشيخان والنسائي كلهم في الزكاة من حديث حارثة بن وهب (¬2) يرفعه. وهذا الزمن الذي أشار إليه في الحديث يكون من مقدمات الساعة، وسبب عدم قبولهم الصدقة: كثرة الأموال وظهور كنوز الأرض، ووضع البركات فيها كما ثبت في الصحيح، وذلك بعد هلاك يأجوج ومأجوج، وقلة الناس، وقلة آمالهم، وقرب الساعة وعدم ادخارهم. 1334 - قال رجل يا رسول الله: أي الصدقة أعظم أجرًا؟ قال: "أن تصّدّق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تُمهل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان". قلت: رواه الشيخان: البخاري في الزكاة وفي الوصايا ومسلم في الزكاة وأبو داود والنسائي كلاهما في الوصايا والنسائي في الزكاة أيضًا. (¬3) قال الخطابي (¬4): الشح أعم من البخل، وكأن الشح جنس، والبخل نوع، وأكثر ما يقال البخل في أفراد الأموال، والشح عام كالوصف اللازم، وما هو من قبيل الطبع قال: فمعنى الحديث: أن الشح غالب في حال الصحة، فإذا سمح فيها وتصدق كان ¬

_ (¬1) بعد هذا الحديث في النسخة المطبوعة من المصابيح حديث "اتقو الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة .... " ولم أجده في جميع نسخ كشف المناهج، والله أعلم. (¬2) أخرجه البخاري (1411)، ومسلم (1011)، والنسائي (5/ 77). (¬3) أخرجه البخاري (1419)، وفي الوصايا (2748)، ومسلم (1032)، وأبو داود (2865)، والنسائي (6/ 237)، وابن ماجه (2706). (¬4) إعلام الحديث (1/ 757).

أصدق في نيته، وأعظم لأجره، بخلاف من أشرف على الموت، وآيس من الحياة، ورأى مصير المال لغيره، فإن صدقته حينئذ ناقصة بالنسبة إلى حالة الصحة والشح ورجاء البقاء وخوف الفقر، وتأمل الغنى: بضم الميم أي تطمع به، ومعنى بلغت الحلقوم: أي قاربت الروح بلوغ الحلقوم، إذ لو بلغته حقيقة لم يصح وصية ولا صدقة، ولا شيء من تصرفاته باتفاق الفقهاء. قوله - صلى الله عليه وسلم - لفلان كذا، ولفلان كذا، الأوقد كان لفلان، قال الخطابي: المراد به الوارث وقال غيره المراد به: سبق القضاء به للموصى له، ويحتمل أن يكون المعنى أنه قد خرج عن تصرفه، وكمال ملكه، واستقلاله بما شاء من التصرف، فليس له في وصيته كبير ثواب بالنسبة إلى صدقة الصحيح الشحيح، والله أعلم. 1335 - انتهيت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو جالس في ظل الكعبة فلما رآني قال: "هم الأخسرون ورب الكعبة" فقلت: فداك أبي وأمي من هم؟ قال: "الأكثرون أموالًا، إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا وهكذا: من بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، وقليل ما هم". قلت: رواه البخاري في الزكاة وفي النذور ومسلم والترمذي والنسائي ثلاثتهم في الزكاة من حديث أبي ذر. (¬1) وفيه الحث على الصدقة في وجوه الخير، وأنه لا يقتصر على نوع من وجوه البر، بل ينفق في كل وجه من وجوه الخير ممكنة. وفيه جواز الحلف من غير تحليف وقد كثر ذلك في الأحاديث الصحيحة فهو مستحب إذا كانت المصلحة فيه، كتوكيد أمر مهم ودفع توهم المجاز، وإنما خص الجهات الأربع ولم يذكر فوقه وتحته موافقة لقوله تعالى حكاية عن إبليس: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} الأعراف: 17. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6638)، ومسلم (990)، والترمذي (617)، والنسائي (5/ 10).

من الحسان

من الحسان 1336 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "السخي: قريب من الله، قريب من الجنة، قريب من الناس، بعيد من النار، والبخيل: بعيد من الله، بعيد من الجنة، بعيد من الناس، قريب من النار، ولجاهل سخي أحب إلى الله من عابد بخيل". قلت: رواه الترمذي في الأدب (¬1) من حديث أبي هريرة، وفي سنده سعيد ابن محمد الوراق، قال الذهبي: ضعيف، وقال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه من حديث يحيى بن سعيد، عن الأعرج، عن أبي هريرة إلا من حديث سعيد بن محمد. والسخاء: الجود. (¬2) 1337 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "مثل الذي يتصدق عند موته أو يعتق، كالذي يهدي إذا شبع". (صح). قلت: رواه الدارمي في الوصايا والبيهقي (¬3) في الزكاة، من حديث شعبة، عن أبي ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1961)، وقال ابن أبي حاتم في علل الحديث (2/ 284)، (2353)، قال أبي: هذا حديث منكر. وانظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة (153)، وسعيد بن محمد الوراق، قال الحافظ في التقريب (2400): ضعيف. (¬2) يوجد في المصابيح المطبوع هنا حديث برقم (1325) "لأن يتصدق المرء في حياته بدرهم، خير له من أن يتصدق بمائة عند موته" وهو غير موجود في جميع نسخ كشف المناهج. (¬3) أخرجه الدارمي (4/ 2050) رقم (3269)، والنسائي (6/ 238)، والترمذي (2123)، وصححه، وأبو داود (3968)، والبيهقي (4/ 190 و 10/ 273)، والحاكم (2/ 213)، والبغوي في شرح السنة (6/ 173)، وابن حبان في صحيحه (3336) مع كون أبو حبيبة الطائي لم يوثقه غير ابن حبان ولا يعرف إلا بهذا الحديث، فقد صححه الترمذي والحاكم ووافقه الذهبي، وحسنه الحافظ في الفتح (5/ 374)، وقال الحافظ في أبي حبيبة: مقبول، التقريب (8097)، وانظر: الضعيفة (1322).

إسحق عن أبي حبيبة عن أبي الدرداء يرفعه، ورواه أبو داود في العتق والترمذي أيضًا في الوصايا، كلاهما من حديث سفيان عن أبي إسحاق، ولم يذكرا لفظ "الصدقة" وقد اقتصرا المصنف في "شرح السنة" على رواية الترمذي بغير سند، ولا عزاه للترمذي، فقال: وروي وساقه، وفي المصابيح روى لفظ الدارمي. 1338 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "خصلتان لا تجتمعان في مؤمن: البخل وسوء الخلق". قلت: رواه الترمذي (¬1) في البر من حديث أبي سعيد وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث صدقة بن موسى. قال الذهبي: صدقة بن موسى ضعيف. 1339 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدًا". قلت: رواه النسائي (¬2) في الجهاد وابن حبان، كلاهما من حديث ابن اللجلاج عن أبي ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1962) وإسناده ضعيف. وانظر قول الذهبي في الكاشف (1/ 502 رقم2388) وقال الحافظ فيه: صدوق له أوهام، التقريب (2937)، وانظر: الضعيفة (1119). (¬2) أخرجه النسائي (6/ 13)، وابن حبان في صحيحه (3251)، وأخرجه أيضًا الحاكم (2/ 72)، والبيهقي (9/ 161)، والبغوي (2619)، والقعقاع بن اللجلاج، ويقال له: حصين، وخالد بن اللجلاج وهو مجهول، التقريب (1390) وله طريق آخر يتقوى به أخرجه أحمد (2/ 340)، والنسائي (6/ 12) من طريق الليث، عن محمد بن عجلان، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رفعه، وهذا إسناد حسن، وانظر: ابن حبان (4606).

باب فضل الصدقة

هريرة يرفعه. 1340 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يدخل الجنة خِبّ، ولا بخيل، ولا مَنّان". قلت: رواه الترمذي في البر (¬1) من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقال: غريب. والخب: بفتح الخاء المعجمة وبالباء الوحدة، الخدّاع، وقد تكسر خاؤه، فأما المصدر فبالكسر لا غير، قاله في النهاية. (¬2) 1341 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "شر ما في الرجل: شُحّ هالِع، وجبن خالع". قلت: رواه أبو داود في الجهاد (¬3) من حديث موسى بن علي عن أبيه عن عبد العزيز بن مروان عن أبي هريرة، قال محمد بن طاهر: وهو إسناد متصل. والهلع: أشد الجزع والضجر. ومعنى جبن خالع: أي شديد، كأنه يخلع فؤاده. باب فضل الصدقة من الصحاح 1342 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من تصدّق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يُرَبِّيها لصاحبها، كما يربي أحدكم فُلّوه، حتى ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1963) وفي المطبوع من الترمذي: حديث حسن غريب. (3/ 512). وإسناده ضعيف، لضعف صدقة بن موسى وشيخه فرقد السبخي، قال عنه الحافظ: صدوق عابد لكنه ليّن الحديث كثير الخطأ، التقريب (5419). ولانقطاعه، فإن مُرّة الطيب لم يدرك أبا بكر. التقريب (5419). (¬2) النهاية لابن الأثير (2/ 4). (¬3) أخرجه أبو داود (2511)، وأحمد (2/ 302)، وانظر الصحيحة (560).

تكون مثل الجبل". قلت: رواه الشيخان: هنا وللبخاري في التوحيد في باب قوله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} مثل معناه، كلاهما من حديث أبي هريرة واللفظ للبخاري. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "بعدل تمرة"، قال في النهاية (¬2): العدل بكسر العين وفتحها بمعنى المثل، وقد تقدم، والفلو: بفتح الفاء وتشديد الواو، وهو المهر. 1343 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عِزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله". قلت: رواه مسلم في الأدب والترمذي في البر كلاهما من حديث أبي هريرة. وأخرجه في الموطأ مرسلًا أنه سمع العلاء بن عبد الرحمن يقول: ما نقصت صدقة من مال: وذكر الحديث، وقال مالك في آخره: لا أدري أيرفع هذا الحديث إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أم لا، ولم يخرج هذا الحديث البخاري. (¬3) 1344 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من أنفق زوجين من شيء في سبيل الله، دعي من أبواب الجنة، وللجنة أبواب: فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد، دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة، دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام، دعي من باب الريان"، فقال أبو بكر: ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال: "نعم، وأرجو أن تكون منهم". قلت: رواه البخاري في فضل أبي بكر الصديق، ومسلم هنا كلاهما من حديث أبي هريرة. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1410) وفي التوحيد (7430)، ومسلم (1014). (¬2) النهاية (3/ 191). (¬3) أخرجه مسلم (2588)، والترمذي (2029)، ومالك في الموطأ (2/ 1000). (¬4) أخرجه البخاري (1897)، ومسلم (1027).

قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أنفق زوجين في سبيل الله" قال القاضي (¬1): قال الهروي في تفسير هذا الحديث: قيل وما زوجان؟ قال: فرسان أو عبدان أو بعيران، قال بعضهم: كل شيء قرن بصاحبه فهو زوج، يقال: زوجت بين الإبل، إذا قرنت بعيرًا ببعير وقيل: درهم ودينار أو درهم وثوب، قال: والزوج يقع على الاثنين، ويقع على الواحد، وقيل: إنما يقع على الواحد إذا كان معه آخر، ويقع الزوج أيضًا على المصنف، وفسر به قوله تعالى: {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً} وأما في سبيل الله: فقيل على عمومه في جميع وجوه الخير، وقيل: هو مخصوص بالجهاد، والأول أصح وأظهر. انتهى كلام القاضي. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فمن كان من أهل الصلاة" إلى آخره أي: من كان الغالب عليه في عمله وطاعته ذلك. وقد جاء أن للجنة ثمانية أبواب، ذكر في هذا الحديث أربعة منها قال القاضي (¬2): وقد جاء ذكر أبواب الجنة في حديث آخر: باب التوبة، وباب الكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس، وباب الراضين، فهذه سبعة أبواب جاءت في الأحاديث، وجاء في حديث السبعين ألفًا الذين يدخلونها بغير حساب أنهم يدخلونها من الباب الأيمن فلعله الثامن. 1345 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أصبح منكم اليوم صائمًا؟ " قال أبو بكر: أنا، قال: "فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ "، قال أبو بكر: أنا، قال: "فمن أطعم اليوم منكم مسكينًا؟ "، قال أبو بكر: أنا، قال: "فمن عاد اليوم منكم مريضًا؟ " قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما اجتمعن في امرىء إلا دخل الجنة". قلت: رواه مسلم هنا من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬3) 1346 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة". ¬

_ (¬1) إكمال المعلم (3/ 554 - 555). (¬2) المصدر السابق (3/ 557). (¬3) أخرجه مسلم (1028).

قلت: رواه البخاري مختصرًا ومطولًا في الأدب في الرقائق وفي صفة النار وفي التوحيد، ومسلم في الزكاة مطولًا كلاهما من حديث أبي هريرة، وأخرجه البخاري أيضًا في الرقاق ومسلم في الزكاة كلاهما من حديث عدي بن حاتم وكذا الترمذي في الزهد وابن ماجه في السنة. (¬1) وشق التمرة: بكسر الشين نصفها وجانبها. 1347 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "يا نساء المسلمات! لا تحقرن جارة لجارتها ولو فِرسِن شاة". قلت: رواه الشيخان البخاري في الأدب ومسلم هنا كلاهما من حديث الليث عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة ورواه البخاري أيضًا في الهبة من غير طريق الليث. (¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "يا نساء المسلمات": ذكر القاضي عياض (¬3) في إعرابه ثلاث أوجه: أصحها وأشهرها نصب نساء، وجر المسلمات على الإضافة، قال الباجي: وبهذا رويناه عن جميع شيوخنا بالمشرق، وهو من باب إضافة الشيء إلى نفسه، والموصوف إلى صفته، والأعم إلى الأخص كمسجد الجامع، وجانب الغربي، ولدار الآخرة، وتقديره هنا يا نساء الأنفس المسلمات أو الجماعات المؤمنات، وقيل تقديره: يا فضلات المسلمات كما يقال هؤلاء رجال القوم أي سادتهم وأفاضلهم. والوجه الثاني: رفع النساء ورفع المسلمات، على معنى النداء أو الصفة قال الباجي: وهكذا يرويه أهل بلادنا. والوجه الثالث: رفع نساء، وكسر التاء من مسلمات على أنه منصوب على الصفة على الموضع، كما يقال: يا زيد العاقل، برفع زيد، ونصب العاقل. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الأدب (6023)، وفي الرقاق (6539)، وفي التوحيد = = (7443)، وفي الزكاة (1413) و (1417)، ومسلم (1016). (¬2) أخرجه البخاري (6017)، وفي الهبة (2566)، ومسلم (1030). (¬3) إكمال المعلم (3/ 561).

والفرسن: بكسر الفاء والسين المهملة من البعير بمنزلة الحافر من الدابة وربما استعير في الشاة قاله الجوهري. وهذا النهي عن الاحتقار، نهي للمعطية المهدية، ومعناه: لا تمتنع جارة من الصدقة والهدية لجارتها، لاستقلالها واحتقارها الموجود عندها، بل تجود بما تيسر وإن كان قليلًا كفرسن شاة، وهو خير من العلم وقد قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} وهذا التأويل هو الظاهر، وهو تأويل مالك لإدخاله هذا الحديث في باب الترغيب في الصدقة، ويحتمل أن يكون نهيًا للمعطاة عن الاحتقار. 1348 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "كل معروف صدقة". قلت: رواه البخاري في الأدب من حديث محمد بن المنكدر عن جابر يرفعه ومسلم في الزكاة وأبو داود في الأدب من حديث ربعي بن حراش عن حذيفة. (¬1) 1349 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تحقرن من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق". قلت: رواه مسلم في الأدب (¬2) من حدبث أبي ذر، والترمذي في الأطعمة ضمن حديث ذكره. 1350 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "على كل مسلم صدقة" قالوا: فإن لم يجد؟ قال: "فيعمل بيديه، فينفع نفسه ويتصدق"، قالوا: فإن لم يستطع أو لم يفعل؟ قال: "فيعين ذا الحاجة الملهوف"، قالوا: فإن لم يفعل؟ قال: "فيأمر بالخير" قالوا: فإن لم يفعل؟ قال: "فيمسك عن الشر، فإنه له صدقة". قلت: رواه البخاري في الأدب وفي الزكاة ومسلم والنسائي كلاهما في الزكاة من حديث سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6021)، ومسلم (1005)، وأبو داود (4947). (¬2) أخرجه مسلم (26269)، والترمذي (1970). (¬3) أخرجه البخاري في الزكاة (1445)، وفي الأدب (6022)، ومسلم (1008)، والنسائي (5/ 64).

والملهوف: عند أهل اللغة، يطلق على المتحير، وعلى المضطر، وعلى المظلوم. 1351 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس، تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل على دابته فتحمل عليها أو ترفع عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة". قلت: رواه البخاري في كتاب الجهاد في باب من أخذ بالركاب ونحوه، وفي باب من حمل متاع صاحبه في السفر، ومسلم في الزكاة كلاهما من حديث أبي هريرة. (¬1) والسلامى: بضم السين المهملة هو تخفيف اللام، وهو المفصل وجمعه سلاميات بفتح الميم وتخفيف الياء. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "تعدل بين اثنين" أي: تصلح بينهما. 1352 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مَفْصِل، فمن كبر الله، وحمد الله، وهلّل الله، وسبح الله، واستغفر الله، وعزل حجرًا عن طريق الناس، أو شوكة، أو عظمًا، أو أمر بمعروف، أو نهى عن منكر، عدد تلك الستين والثلاثمائة فإنه يمشي يومئذ وقد زحزح نفسَه عن النار". قلت: رواه مسلم (¬2) في الزكاة من حديث عائشة وقال فيه: وقال أبو توبة: ربما قال: يمسي، وأبو توبة هذا أحد رواة الحديث، واسمه: الربيع بن نافع ولم يخرج البخاري هذا الحديث. مَفصِل: هو بفتح الميم وكسر الصاد. 1353 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بُضْع ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2989)، ومسلم (1009). (¬2) أخرجه مسلم (1007).

أحدكم صدقة"، قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: "أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر". قلت: رواه مسلم في الزكاة من حديث أبي ذر (¬1) ولم يخرجه البخاري عنه وأخرج عن أبي هريرة في الصلاة مثلَ معناه، وفي هذا زيادة. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "في بضع أحدكم صدقة": هو بضم الباء ويطلق على الجماع، ويطلق على الفرج نفسه، وكلاهما تصح إرادته هنا. وفي هذا دليل على أن المباح يصير طاعة بالنية الصادقة، فالجماع يصير عبادة إذا نوى به قضاء حق الزوجة، وإعفاف نفسه وإعفاف الزوجة، وغير ذلك من المقاصد الصالحة. قوله: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته: إلى آخره، فيه جواز القياس وهو مذهب العلماء كافة ولم يخالف فيه إلا أهل الظاهر، ولا يعتد بهم، وهذا القياس المذكور في هذا الحديث هو قياس العكس، واختلف الأصوليون في العمل به، وهذا الحديث دليل لمن عمل به وهو الأصح. وفيه فضيلة التسبيح وسائر الأذكار، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإحضار النية في المباحات، وذكر العالم دليلًا لبعض المسائل التي تخفى، وجواز سؤال المستفتى عن بعض ما يخفى من الدليل إذا علم من حال المسئول أنه لا يكره ذلك ولم يكن فيه سوء أدب. قوله: كان له أجر، رويناه في مسلم أجرًا بالنصب وبالرفع، وهما ظاهران، والله أعلم. 1354 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "نِعم الصدقة اللقحة الصفي منحة، والشاة الصفي منحة، تغدو بإناء وتروح بآخر". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1006).

قلت: رواه البخاري في الأشربة، من حديث شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، وروى مسلم في الزكاة من حديث سفيان بن عيينة عن أبي الزناد بمثل معناه. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم الصدقة اللقحة" قال في النهاية (¬2) اللقحة: بالكسر والفتح الناقة القريبة العهد بالولادة، والصفي: الكثيرة اللبن. ومنحة: منصوب على التمييز. والمنحة: الناقة التي يعطيها الرجل غيره ليشرب من لبنها مدة ثم يردها على صاحبها. ومعنى تغدو بإناء وتروح بإناء: أي تحلب من لبنها ما يملأ إناء بالغداة، وما يملأ إناء بالعشي. 1355 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما من مسلم يغرس غرسًا، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه إنسان أو طير أو بهمية، إلا كانت له صدقة". قلت: رواه البخاري في المزارعة وفي الأدب، ومسلم في البيوع، والترمذي في الأحكام ثلاثتهم من حديث أنس (¬3) يرفعه. 1356 - ويروى: "ما سرق منه فهو له صدقة". قلت: رواه مسلم (¬4) في البيوع من حديث عطاء عن جابر ولفظه: ما من مسلم يغرس غرسًا إلا كان ما أكل منه له صدقة، وما سرق منه له صدقة، وما أكل منه السبع له صدقة، وما أكلت الطير فهو له صدقة، ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة، ولم يخرجه البخاري. 1357 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "غُفر لامرأة مومسة مرت بكلب على رأس ركي يلهث، كاد يقتله العطش، فنزعت خفها، فأوثقته بخمارها، فنزعت له من الماء، فغفر لها بذلك" قيل: إن لنا في البهائم أجرًا؟ قال: "في كل ذات كبد رطبة أجر". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5608)، ومسلم (1020). (¬2) النهاية (4/ 262). (¬3) أخرجه البخاري (6012) (2320)، ومسلم (1553)، والترمذي (1382). (¬4) أخرجه مسلم (1552).

قلت: رواه الشيخان: البخاري في بدء الخلق من حديث الحسن وابن سيرين كلاهما. (¬1) عن أبي هريرة بهذا اللفظ، ومسلم في الحيوان بمثل معناه، من حديثا هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة. والمؤمسة: الزانية، والركي: البئر التي لم تُطْوَ. 1358 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "عُذبت امرأة في هرة أمسكتها، حتى ماتت من الجوع، فلم تكن تطعمها، ولا ترسلها، فتأكل من خشاش الأرض". قلت: رواه الشيخان (¬2) من طرق عن أبي هريرة وابن عمر، البخاري في باب بدأ الخلق ومسلم في الحيوان. وخشاش الأرض: قال في المشارق (¬3): بفتح الخاء المعجمة وكسرها وبشينين معجمتين بينهما ألف وهو هوامها وحكى فيه ضم الخاء أيضًا. 1359 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق، فقال: لأنّحين هذا عن طريق المسلمين لا يؤذيهم، فأدخل الجنة". قلت: رواه الشيخان: البخاري في الصلاة وفي غيرها، ومسلم والترمذي كلاهما في البر من حديث أبي هريرة يرفعه. (¬4) 1360 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لقد رأيت رجلًا يتقلب في الجنة، في شجرة قطعها من ظهر الطريق، كانت تؤذي الناس". قلت: رواه الشيخان: البخاري في كتاب المظالم ومسلم في البر كلاهما من حديث ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3321)، ومسلم (2245). (¬2) أخرجه البخاري (3318)، ومسلم (2242). (¬3) مشارق الأنوار للقاضي عياض (1/ 247). (¬4) أخرجه البخاري (652)، ومسلم (1914)، (1958) , وأبو داود (5245)، والترمذي (1958)، وابن ماجه (3682)، وابن حبان في صحيحه (536)، والبغوي في شرح السنة (384) و (4146).

من الحسان

أبي هريرة. (¬1) ومعنى يتقلب في الجنة: أي يتنعم فيها بملاذها. 1361 - قلت: يا نبي الله: علمني شيئًا أنتفع به، قال: "اعزل الأذى عن طريق المسلمين". قلت: رواه مسلم في البر من حديث أبي برزة ولم يخرجه البخاري. (¬2) من الحسان 1362 - لما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة جئت فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول ما قال: "يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام". قلت: رواه الترمذي في الزهد وابن ماجه في الصلاة وفي الأطعمة كلاهما من حديث عبد الله بن سلام وقال الترمذي: حديث صحيح. (¬3) 1363 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اعبدوا الرحمن، وأطعموا الطعام، وأفشوا السلام، تدخلوا الجنة بسلام". قلت: رواه الترمذي من حديث عبد الله بن عمر. (¬4) 1364 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الصدقة لتطفيء غضب الرب، وتدفع ميتة السوء". قلت: رواه الترمذي في الزكاة من حديث أنس، وقال: حسن غريب من هذا ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2472) في المظالم، ومسلم (1914). (¬2) أخرجه مسلم (2618). (¬3) أخرجه الترمذي (2485)، وابن ماجه (1334) و (3251)، وإسناده صحيح، وأخرجه أحمد (5/ 451)، والدارمي (1468)، والبغوي (926)، وانظر الإرواء (777). (¬4) الترمذي (1855) وقال: حسن صحيح، وأخرج ابن ماجه الفقرة الأولى والثالثة من الحديث (1334).

الوجه. (¬1) وميتة السوء: بكسر الميم وسكون المثناة من تحت كالجِلْسَة والرِكْبَة للهيئة. 1365 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "الصدقة تطفئ الخطيئة، كما يطفئ الماء النار". قلت: رواه الترمذي من حديث معاذ مطولًا وصححه. (¬2) 1366 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "كل معروف صدقة، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق، وأن تفرغ من دلوك في إناء أخيك". قلت: رواه الترمذي (¬3) في البر من حديث محمد بن المنكدر عن جابر وقال: حسن صحيح، كذا نقله عنه المزي، والذي رأيته في كثير من النسخ الاقتصار على حسن، وليس في سنده غير المنكدر بن محمد بن المنكدر قال الذهبي: فيه لين، وثقه أحمد بن حنبل. وطلق: بفتح الطاء المهملة وسكون اللام يقال: طلُق بالضم طلاقة فهو طلْق وطليق أي منبسط الوجه متهلله. 1367 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "تبسمك في وجه أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (664). وضعفه العراقي كما في فيض القدير (2/ 362) وقال ابن القطان: الحديث ضعيف. انظر الإرواء (885) إلا الشطر الأول انظر الصحيحة (1908). (¬2) أخرجه الترمذي (2616)، وأخرجه أيضًا ابن ماجه (3973)، من حديث طويل وإسناده ضعيف، وإن قال الترمذي: حسن صحيح، لأمرين: (أ) لم يثبت سماع أبي وائل -شقيق بن سلمة- من معاذ. (ب) قد رواه حماد بن سلمة عن عاصم بن أبي النجود، عن شهر بن حوشب، عن معاذ، وشهر ضعيف. ولم يلق معاذًا. والله أعلم. (¬3) أخرجه الترمذي (1970) وإسناده حسن. وفي النسخة المطبوعة من سنن الترمذي: حسن صحيح، والمنكدر بن محمد بن المنكدر قال الحافظ: ليّن الحديث، التقريب (6964) أما قول الذهبي فانظره في الكاشف (2/ 298)، وأخرجه كذلك ابن حبان (3379)، والدارقطني (3/ 28)، والبغوي (1646).

المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، ونصرك الرجل الرديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك صدقة". (غريب). قلت: رواه الترمذي (¬1) في البر من حديث مالك بن مرثد عن أبيه عن أبي ذر وقال: حسن غريب. والتبسم: دون الضحك، والدلو: بفتح الدال المهملة وسكون اللام واحد الدلاء التي يسقى بها. 1368 - أنه قال: يا رسول الله إن أم سعد ماتت فأي الصدقة أفضل؟ قال: "الماء" قال: فحفر بئرًا، وقال: هذه لأم سعد. قلت: رواه أبو داود في الزكاة (¬2) بهذا اللفظ من حديث أبي إسحق السبيعي عن رجل عن سعد بن عبادة، وروي عن سعيد بن المسيب أن سعدًا وهو ابن عبادة أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: أي الصدقة أعجب إليك؟ قال: "الماء" وفي رواية: عن سعيد بن المسيب والحسن عن سعد بن عبادة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحوه، وأخرجه ابن ماجه من حديث ابن المسيب، وهذا الحديث منقطع في رواية ابن المسيب والحسن فإنها لم يدركا سعد بن عبادة، فإن: مولد سعيد بن المسيب سنة خمس عشرة، ومولد الحسن البصري سنة إحدى وعشرين، وتوفي سعد بن عبادة بالشام سنة خمس عشرة، وقيل: سنة أربع عشرة وقيل: إحدى عشرة، فكيف يدركانه؟ وأما رواية السبيعي ففيها رجل مجهول. 1369 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أيما مسلم كسا مسلمًا ثوبًا على عري، كساه الله من خضر الجنة، وأيما مسلم أطعم مسلمًا على جوع، أطعمه الله من ثمار الجنة، وأيما مسلم سقى مسلمًا على ظمإ، سقاه الله من الرحيق المختوم". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1956) انظر: الصحيحة (575). (¬2) أخرجه أبو داود (1679) (1680)، وأخرجه ابن ماجه (3684)، والنسائي (6/ 254)، وإسناده ضعيف كما ذكره المنذري في مختصر سنن، أبي داود (2/ 255).

قلت: رواه أبو داود في الزكاة من حديث أبي سعيد (¬1) وفي إسناده أبو خالد يزيد بن عبد الرحمن وثقه أبو حاتم، ولينه ابن عدي. 1370 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن في المال لحقًّا سوى الزكاة" ثم تلا: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} البقرة: 177. قلت: رواه الترمذي في الزكاة (¬2) من حديث شريك عن أبي حمزة عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس، قالت: سألت أو سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الزكاة فقال: "إن في المال ... " الحديث، وأبو حمزة ميمون الأعور: يضعف، قال: وروى بيان وإسماعيل بن سالم عن الشعبي هذا الحديث قولَه، وهو أصح، انتهى كلام الترمذي ورواه الدارمي (¬3) من طريق شريك أيضًا، ولفظه: "إن في أموالكم حقًّا سوى الزكاة". تنبيه: قال المزي في الأطراف (¬4): إن هذا الحديث أخرجه ابن ماجه عن علي بن محمد ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1682)، والترمذي (2449) وقال: هذا حديث غريب، وقد روي هذا عن عطية عن أبي سعيد موقوفًا، وهو أصح عندنا وأشبه. وانظر كذلك علل ابن أبي حاتم (2/ 171 رقم 2007) وأبو خالد هو الدالاني، قال الحافظ: صدوق يخطيء كثيرًا وكان يدلس، التقريب (8132) وفيه كذلك عطية العوفي وهو معروف بالضعف والتدليس، وقد سبق. (¬2) أخرجه الترمذي (659) (660)، وأخرجه الطبري في تفسيره (2/ 96)، والدارقطني (2/ 125)، والبيهقي (4/ 84) وقال: "فهذا حديث يعرف بأبي حمزة ميمون الأعور كوفي، وقد جرحه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين فمن بعدهما من حفاظ الحديث، والذي يرويه أصحابنا في التعاليق (ليس في المال حق سوى الزكاة) فلست أحفظ فيه إسنادًا" وقال البيهقي في معرفة السنن والآثار (6/ 12) بعد ذكر الحديث: "تفرد = = به أبو حمزة الأعور وهو ضعيف، ومن تابعه أضعف منه". انظر: التلخيص الحبير (2/ 312)، وقال الحافظ في التقريب (7106): ميمون، أبو حمزة الأعور، مشهور بكنيته، ضعيف. (¬3) في السنن (1677). (¬4) انظر تحفة الأشراف (12/ 465 رقم 18026) وأشار إليه الحافظ في النكت الظراف. وحديث ابن ماجه في السنن برقم (1789).

عن يحيى بن آدم عن شريك عن أبي حمزة به، وهذا خطأ، فإن ابن ماجه أخرج في باب ما أدى زكاته فليس بكنز بهذا السند، حديث: "ليس في المال حق سوى الزكاة" وهو ضد الحديث الذي أخرجه الترمذي بهذا السند وهو حديث: "إن في المال حقًّا سوى الزكاة" فهما إذًا حديثان مختلفان. 1371 - سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: "الماء، قيل: ما الشيء: الذي لا يحل منعه؟ قال: "الملح". قلت: رواه أبو داود في الزكاة (¬1) وفي البيوع من حديث بُهيسة الفزارية عن أبيها، ولفظه: استأذن أبي النبي - صلى الله عليه وسلم - فدخل بينه وبين قميصه، فجعل يقبل ويلتزم ثم قال: يا رسول الله ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: "الماء"، قال: يا نبي الله! ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: "الملح"، قال: يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: أن تفعل الخير، خير لك، ورواه النسائي في الزينة بعضه، ولم يضعفه أبو داود ولا اعترضه المنذري فالحديث حسن صالح للاحتجاج به. وبهيسة: بضم الباء الموحدة وفتح الهاء وسكون الياء آخر الحروف وبعدها سين مهملة مفتوحة وتاء تأنيث ولم نقف على اسم أبيها ورواه الدارمي في أبواب البيوع. 1372 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من أحيا أرضًا ميتة فله فيها أجر، وما أكلت العافية منه فهو له صدقة". قلت: رواه الدرامي والنسائي كلاهما في الإحياء من حديث هشام بن عروة عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع عن جابر يرفعه. والعافية: كل طالب رزق من إنسان أو بهيمة أو طير. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3476) وإسناده ضعيف قال ابن حجر في التقريب (8645): بُهيسة الفزارية لا تعرف، ويقال: إن لها صحبة. رواه الدارمي (3/ 1705 رقم 2655)، وأخرجه أيضًا أبو يعلى الموصلي في المسند (7177). (¬2) أخرجه الدارمي (3/ 1700 رقم 2649)، والنسائي في الكبرى (5756) وكما في التحفة (2/ 387) =

1373 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من منح مِنْحة وَرِق، أو هَدي زقاقًا، أو سقي لبنًا، كان له كعدل رقبة أو نسمة". قلت: رواه المصنف في "شرح السنة" (¬1) من حديث شعبة عن طلحة ابن مصرف عن عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء يرفعه، وقال: حسن صحيح، ورواه الترمذي في البر، من حديث أبي إسحق عن طلحة بن مصرف به ولفظه: "من منح منحة لبن أو ورق، أو هدي زقاقًا، كان له مثل عتق رقبة" وقال: حسن صحيح غريب من حديث أبي إسحاق عن طلحة. قوله: هدي زقاقًا: قال المصنف: أراد هداية الطريق، وقيل: أراد من هدَّي بالتشديد أهدي وتصدق بزقاق من النخل وهي السكة منها. - وفي رواية: "كان له مثل عتق رقبة". قلت: رواها الترمذي وقد تقدم ذكر لفظه، وقد أخرج البزار من حديث النعمان بن بشير يرفعه: "من منح منيحة أو هدي زقاقًا كان له صدقة". (¬2) 1374 - رأيت رجلًا يصدر الناس عن رأيه، قلت من هذا؟ قالوا: رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلت: عليك السلام يا رسول الله! مرتين، قال: "لا تقل عليك السلام، عليك السلام تحية الميت! قل: السلام عليك"، قلت: السلام عليك، أنت رسول الله؟، قال: "أنا رسول الله الذي إذا أصابك ضر فدعوتَه كشف عنك، وإن أصابك عام سنة فدعوته أنبتها لك، وإذا كنت بأرض قفر أو فلاة فضلَّت راحلتك فدعوته ردها عليك"، قلت: اعهَدْ إليّ، قال: "لا تسبن أحدًا"، فما سببت بعده حرًّا، ولا عبدًا، ولا ¬

_ = رقم (3129)، وأخرجه أحمد (3/ 313، 327)، وابن حبان (5203)، والبيهقي (6/ 148)، والبغوي (1651)، وإسناده حسن. (¬1) أخرجه الترمذي (1957)، والبغوي في شرح السنة (6/ 162 - 163 رقم 1663)، وأحمد في المسند (4/ 285)، وصححه ابن حبان أيضًا (5096). (¬2) أخرجها الترمذي تحت الحديث السابق وأحمد (4/ 285).

بعيرًا، ولا شاة، قال: "ولا تحقرن شيئًا من المعروف، وأن تكلم أخاك، وأنت منبسط إليه وجهك، إن ذلك من المعروف، وارفع إزارك إلى نصف الساق، فإن أبيت فإلى الكعبين، وإياك وإسبال الإزار، فإنها من المَخْيَلة، وإن الله لا يحب المخيلة، وإن امرؤ شتمك وعيَّرك بما يعلم منك، فلا تعيِّره بما تعلم منه، فإنما وبال ذلك عليه". قلت: رواه أبو داود في اللباس بهذا اللفظ، والترمذي في الاستئذان قطعة منه والنسائي في الزينة مختصرًا. وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬1) قوله: عام سنة، أي عام الجدب والقحط قوله: اعهد إلي: أي أوصني، وفي رواية: فيكون لك أجر ذلك ووباله عليه. 1375 - أنهم ذبحوا شاة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما بقي منها؟ "، فقالت: ما بقي إلا كتفها، قال: "بقي كلها غير كتفها" (صح). قلت: رواه الترمذي (¬2) في الزهد في الباب الرابع عشر من الأبواب التي لا ترجمة لها، من حديث أبي ميسرة عن عائشة واسمه عمرو ابن شرحبيل، وقال: صحيح. 1376 - سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من مسلم كسا مسلمًا ثوبًا، إلا كان في حفظ من الله، ما دام عليه منه خرقة". قلت: رواه الترمذي (¬3) في أبواب الحوض، قبل صفة الجنة، من حديث حصين بن مالك، قال: جاء سائل إلى ابن عباس فقال ابن عباس: أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله؟ قال: نعم، قال: وتصوم؟، قال: نعم، قال سألت وللسائل حق، ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4084)، والترمذي (2721)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (318)، وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه الترمذي (2470)، وأخرجه أحمد (6/ 50)، وهناد في الزهد (611). (¬3) أخرجه الترمذي (2484)، وأخرجه أيضًا البخاري في تاريخه (3/ ت 29)، وانظر: ضعيف الترمذي (443).

إنه لحق علينا أن نصلك فأعطاه ثوبًا، ثم قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من مسلم ... " الحديث، وقال: حسن غريب من هذا الوجه. 1377 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة يحبهم الله: رجل قام من الليل يتلو كتاب الله، ورجل تصدق بصدقة بيمينه يخفيها -أراه قال- من شماله، ورجل كان في سرية فانهزم أصحابه فاستقبل العدو". (غريب). قلت: رواه الترمذي في صفة أهل الجنة (¬1) من حديث أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن منصور عن ربعي بن حراش عن ابن مسعود، قال: وهذا غريب، غير محفوظ، والصحيح ما روى شعبة وغيره، عن منصور، عن ربعي، عن زيد بن ظبيان، عن أبي ذر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأبو بكر بن عياش: كثير الغلط. انتهى كلام الترمذي وأشار بحديث شعبة إلى الحديث الذي بعد هذا. 1378 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاثة يحبهم الله، وثلاثة يبغضهم الله، فأما الذين يحبهم الله: فرجل أتى قومًا فسألهم بالله ولم يسألهم لقرابة بينه وبينهم، فمنعوه، فتخلّف رجل بأعيانهم فأعطاه سرًّا، لا يعلم بعطيته إلا الله، والذي أعطاه، وقوم ساروا ليلتهم حتى إذا كان النوم أحب إليهم مما يعدل به نزلوا فوضعوا رؤوسهم، فقام أحدهم يتملقني ويتلو آياتي، ورجل كان في سرية فلقي العدو فهزموا فأقبل بصدره حتى يقتل أو يفتح له، والثلاثة الذين يبغضهم الله: الشيخ الزاني، والفقير المختال، والغني الظلوم". قلت: رواه الترمذي في صفة الجنة في باب ما جاء في كلام الحور العين والنسائي في الزكاة (¬2) كلاهما من حديث أبي ذر في باب ما جاء في كلام الحور العين، وكذلك ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2567)، وحديث شعبة برقم (2568)، وأخرجه الطبراني في الكبير (10486). (¬2) أخرجه الترمذي (2568)، النسائي (5/ 84) وإسناده صحيح. وأخرجه كذلك ابن حبان في صحيحه (3349)، وابن خزيمة (2456)، وأحمد (5/ 153).

الحديث الذي قبله، ولا تعلق لهما بهذا التبويب، وقال: حديث أبي ذر هذا حديث صحيح. قوله: "فتخلف رجل بأعيانهم" كذا هو في النسخ المسموعة من المصابيح وكذا هو في الترمذي "بأعيانهم" بالعين المهملة وبعدها ياء آخر الحروف وألف ثم نون وفي صحيح ابن حبان "فتخلف رجل بأعقابهم" بالقاف وبالباء الموحده بعد الألف، وهو ظاهر، والظاهر أن الذي وقع في المصابيح تبعًا للترمذي تصحيف وإنما هو بأعقابهم كما هو في ابن حبان، والتملق معناه: التضرع. 1379 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لما خلق الله الأرض جعلت تميد، فخلق الجبال فقال بها عليها، فاستقرت فعجبت الملائكة من شدة الجبال"، فقالوا: يا رب هل من خلقك شيء أشد من الجبال؟ قال: نعم الحديد، فقالوا: يا رب هل من خلقك شيء أشد من الحديد؟ قال: "نعم النار"، فقالوا: يا رب هل من خلقك شيء أشد من النار؟ قال: "نعم الماء"، فقالوا: يا رب هل من خلقك شيء أشد من الماء؟ قال: "نعم الريح" قالوا: يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الريح؟ قال: "نعم ابن آدم تصدق بصدقة بيمينه يخفيها من شماله". (غريب). قلت: رواه الترمذي في آخر التفسير قبيل كتاب الدعاء من حديث سليمان (¬1) بن أبي سليمان عن أنس يرفعه، وقال: غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه انتهى. قلت: وسليمان بن أبي سليمان مجهول. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3369) وإسناده ضعيف.

باب أفضل الصدقة

باب أفضل الصدقة من الصحاح 1380 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول". قلت: رواه البخاري (¬1) والنسائي كلاهما في الزكاة، وأعاده البخاري في النفقات من حديث الزهري عن سعيد عن أبي هريرة ولم يخرج مسلم منه إلا قوله: "وابدأ بمن تعول". قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما كان عن ظهر غنى" قال في النهاية (¬2): أي ما كان عفوا قد فضل عن غِنى، وقيل: أراد ما فضل عن العيال، والظهر قد يزاد في مثل هذا إشباعًا للكلام وتمكينًا، كأنّ صدَقَته مُستَنِدة إلى ظَهْر قوي من المال. ومعنى: وابدأ بمن تعول، وهو بفتح التاء وضم العين المهملة، أي بمن تمون وتلزمك نفقته من عيالك، فإن فضل شيء فليكن للأجانب، يقال: عال الرجل يعول إذا أكثر عياله، قاله ابن الأثير، واللغة الجيدة: أعال يعيل. (¬3) 1381 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أنفق المسلم نفقة على أهله وهو يحتسبها كانت له صدقة". قلت: رواه الشيخان: البخاري في الإيمان. وفي المغازي وفي النفقات، ومسلم في الزكاة كلاهما من حديث عبد الله بن يزيد عن أبي مسعود، ورواه الدرامي في الاستئذان. (¬4) 1382 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "دينار أنفقتَه في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1426)، وفي النفقات (5355) (5356)، ومسلم (1034)، والنسائي (5/ 69). (¬2) النهاية لابن الأثير (3/ 165). (¬3) المصدر السابق (3/ 321). (¬4) أخرجه البخاري في الإيمان (55)، وفي المغازي (4006) وفي النفقات (5351)، ومسلم (1002)، والدارمي (2/ 370).

به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك". قلت: رواه مسلم في الزكاة من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬1) وفي الحديث دليل على أن النفقة على الأهل أعظم أجرًا من النفقة في سبيل الله ومن عتق الرقبة. 1383 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أفضل دينار ينفقه الرجل: دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله". قلت: رواه مسلم في الزكاة من حديث ثوبان، ولم يخرجه البخاري ولا أخرج عن ثوبان شيئًا. (¬2) 1384 - يا رسول الله ألي أجر أن أنفق على بني أبي سلمة؟ إنما هم بَنِيّ، فقال: "أنفقي عليهم فلك أجر ما أنفقت عليهم". قلت: رواه الشيخان: البخاري في الزكاة، وفي النفقات، ومسلم في الزكاة من حديث زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة واللفظ للبخاري. (¬3) 1385 - قالت: انطلقت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فوجدت امرأة من الأنصار على الباب حاجتها مثل حاجتي، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد ألقيت عليه المهابة، فخرج علينا بلال فقلنا له: ائت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانك: أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما؟ وعلى أيتام في حجورهما؟ ولا تخبره من نحن، فدخل فسأله، فقال: "من هما؟ ". قال: "زينب وامرأة أخرى"، قال: "أي الزيانب؟ " قال امرأة عبد الله، قال: "نعم، لهما أجران أجر القرابة وأجر الصدقة". قلت: رواه الجماعة إلا أبا داود، كلهم في الزكاة من حديث زينب الثقفية، واللفظ ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (995). (¬2) أخرجه مسلم (994). (¬3) أخرجه البخاري (1467)، ومسلم (47/ 1001).

لمسلم. (¬1) قوله: "أتجزئ الصدقة عنهما"، قال النووي (¬2): هو بفتح التاء أي يكفي، قال الجوهري: جزى عني هذا الأمر أي قضا ومنه قوله تعالى: {لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا}. قولها: "على أزواجهما" هذه أفصح اللغات، وبها جاء القرآن، قال تعالى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} ويقال: على زوجهما وعلى زوجيهما، وكذلك على أيتام في حجورهما، وشبه ذلك مما يكون لكل واحد من الاثنين منه واحد. وقولها: ولا تخبره من نحن، ثم أخبر بهما، ليس هذا من إفشاء السر المذموم، لأنه في جواب النبي - صلى الله عليه وسلم - وجوابه واجب لا يجوز تأخيره، ولا يتقدم عليه غيره، وإذا تعارضت المصالح بدئ بأهمها. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لهما أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة" فيه الحث على الصدقة على الأقارب وصلة الرحم وأن فيها أجرين، والصدقة في هذا الحديث وفي الحديث قبله المراد بها صدقة التطوع وطرق الأحاديث تدل على ذلك. 1386 - قالت: يا رسول الله اني أعتقت وَلِيدَتي، قال: "أما إنك لو أعطيتها أخوالك، كان أعظم لأجرك". قلت: رواه الشيخان: البخاري في الهبة في باب هبة المرأة لغير زوجها وعتقها، ومسلم في الزكاة كلاهما من حديث كريب عن ميمونة بنت الحارث، وأخرجه أبو داود في الزكاة والنسائي في العتق كلاهما من حديث سليمان بن يسار عن ميمونة. (¬3) قال بعضهم ولم يكن لميمونة قرابة إلا من جهة الأم فلذلك خص الأخوال وإن كان ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1466)، ومسلم (1000)، والترمذي (636)، وابن ماجه (1834)، النسائي في الكبرى (319) (320). (¬2) المنهاج للنووي (7/ 120). (¬3) أخرجه البخاري (2592)، ومسلم (997)، وأبو داود (3957)، والنسائي (30417).

من الحسان

لها قرابة من جهة الأب فيحتمل أنه رآهم أولى، لأن الأم لما كانت أولى بالبر كانت قرابتها أولى بالصدقة، ويحتمل أنهم كانوا أحوج فخصهم لذلك. 1387 - يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال: "إلى أقربهما منك بابًا". قلت: رواه البخاري في الشفعة وفي الأدب وفي الهبة من حديث عائشة. (¬1) 1388 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك". قلت: رواه مسلم في البر من حديث أبي ذر ولم يخرجه البخاري. (¬2) من الحسان 1389 - أنه قال: يا رسول الله أيّ الصدقة أفضل؟ قال: "جهد المقل، وابدأ بمن تعول". قلت: رواه أبو داود (¬3) في الزكاة من حديث أبي هريرة وسكت عليه هو والمنذري. والجهد: بضم الجيم الطاقة، والمقل الفقير، وجمع كثيرٌ من الفقهاء بين هذا الحديث وبين حديث أبي هريرة الوارد في أول الباب: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى" أن هذا الحديث محمول على من صبر على الإضاقة والجوع قال تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} أي جوع، وحديث: "ما كان عن ظهر غني" محمول على من لا يصبر على الجوع، والأفضل في حقه أن يترك قوته ثم يتصدق بما فضل. 1390 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الهبة (2595). (¬2) أخرجه مسلم (2625). (¬3) أخرجه أبو داود (1677).

قلت: رواه الترمذي وابن ماجه والنسائي (¬1) كلهم في الزكاة من حديث سلمان بن عامر وقال الترمذي: حسن، ولفظه عن سلمان بن عامر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا كان أحدكم صائمًا فليفطر على تمر فإنه بركة، فإن لم يجد فالماء فإنه طهور وقال: الصدقة على المسكين صدقة ... الحديث. وفرقه ابن ماجه فروى ما يتعلق بالصوم في الصوم، وما يتعلق بالصدقة في الزكاة وأخرج أبو داود ما يتعلق بالصوم خاصة في الصوم. 1391 - جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: عندي دينار، فقال: "أنفقه على نفسك"، قال: عندي آخر، قال: "أنفقه على ولدك"، قال: عندي آخر، قال: "أنفقه على أهلك"، قال: عندي آخر، قال: "أنفقه على خادمك" قال: عندي آخر قال: "أنت أعلم". قلت: رواه أبو داود والنسائي كلاهما في الزكاة من حديث محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة يرفعه. (¬2) ومحمد بن عجلان تكلم فيه بعضهم، وروى له أصحاب السنن وأخرج له مسلم ثلاثة عشر حديثًا كلها في الشواهد. ورتب النبي -صلى الله عليه وسلم- الأولى فالأولى والأقرب فالأقرب، أمره أن يبدأ بنفسه ثم بولده لأنه كبعضه ثم ثلث بالزوجة، وأخّرها عن الولد لأنها إن لم يجد ما ينفقه عليها فسخت نكاحها منه، وكان لها زوج آخر يمونها، أو قريب تجب نفقتها عليه، ثم ذكر الخادم لأنه ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (658)، والنسائي (5/ 92)، وابن ماجه (1844)، وفي الإسناد الرباب بنت صليع أم الرائح مجهولة، تفردت حفصة بنت سيرين بالراوية عنها ولم يوثقها سوى أن ابن حبان ذكره في الثقات، ومع ذلك فقد حسنه الترمذي وصححه ابن حبان (3515)، وأخرجه أبو داود (2355) في الصيام. انظر: إرواء الغليل (922). (¬2) أخرجه أبو داود (1691)، والنسائي (5/ 62)، وأخرجه كذلك أحمد (2/ 251)، والحاكم في المستدرك (1/ 415)، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، أما محمد بن عجلان فهو المدني، قال الحافظ: صدوق إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة، من الخامسة، التقريب (6176) ورواية مسلم التي ذكرها المؤلف أخرجها برقم (997).

يباع عليه إذا عجز عن نفقته، ثم قال: أنت أعلم، إن شئت تصدقت وإن شئت أمسكت. وفي النسائي تقديم الزوجة على الولد، وروى مسلم من حديث جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك فإن فضل شيء عن أهلك فلذي قرابتك ولهذا قدمت نفقة الزوجة على القريب. 1392 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا أخبركم بخير الناس؟ رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله، ألا أخبركم بالذي يتلوه؟ رجل معتزل في غنيمة له يؤدي حق الله فيها، ألا أخبركم بشر الناس؟ رجل يسأل بالله فلا يعطي به". قلت: رواه الترمذي في فضائل الجهاد من حديث عطاء بن يسار عن ابن عباس وقال: حديث حسن. (¬1) وعنان الفرس بكسر العين. 1393 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ردوا السائل ولو بظلف محرق". قلت: رواه النسائي في الزكاة ومالك في الموطأ (¬2) من حديث أم بجيد، وروى أبو داود والترمذي كلاهما في الزكاة من حديث أم بجيد بمعناه، وقال الترمذي: حسن صحيح. وأم بجيد كانت من المبايعات واسمها جَوا، وبجيد: بضم الباء الموحدة وفتح الجيم وسكون الياء آخر الحروف ودال مهملة. والظلف: بكسر الظاء المعجمة وسكون اللام وبعدها فاء وهو للبقر والغنم، والظباء بمنزلة الخف للبعير، وقد اختلف في تأويله فقيل: ضربه مثلًا للمبالغة وقيل: إن الظلف المحرق كان له عندهم قدر. 1394 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سأل بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له، حتى ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1652)، ومالك في الموطأ (2/ 445) (4). (¬2) أخرجه مالك (2/ 923) رقم (8)، والنسائي (5/ 81)، وأبو داود (667)، والترمذي (665).

باب صدقة المرأة من مال الزوج

تروا أن قد كافأتموه". قلت: رواه أبو داود في الأدب وهو والنسائي في الزكاة من حديث مجاهد عن ابن عمر يرفعه وسكت عليه أبو داود والمنذري. (¬1) 1395 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسأل بوجه الله إلا الجنة". قلت: رواه أبو داود في الأدب (¬2) من حديث سليمان بن معاذ التيمي عن ابن المنكدر عن جابر وسليمان بن معاذ، قال الدارقطني: هو سليمان بن قرم، وذكر أبو أحمد بن عدي هذا الحديث، في ترجمة: سليمان بن قرم، وقال: هذا الحديث لا أعرفه عن محمد بن المنكدر إلا من رواية سليمان بن قرم، قال المنذري: وسليمان بن قرم تكلم فيه غير واحد. (¬3) باب صدقة المرأة من مال الزوج من الصحاح 1396 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئًا". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1672) في الزكاة، وفي الأدب برقم (5109)، والنسائي (5/ 82)، وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 41) وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. (¬2) أخرجه أبو داود (1671)، والنسائي (5/ 82). (¬3) مختصر السنن (2/ 252 - 253)، وسليمان بن قَرْم بن معاذ، أبو داود البصري، سيء الحفظ يتشيع، قاله الحافظ في التقريب (2615)، وانظر: أقوال العلماء فيه، في تهذيب الكمال (12/ 51 رقم 2555) والمجروحين لابن حبان (1/ 332)، والكامل لابن عدي (3/ 1105 - 1108)، وميزان الاعتدال (2/ ت 3599).

قلت: رواه الجماعة: البخاري (¬1) في الزكاة وفي البيوع ومسلم وأبو داود والترمذي في الزكاة والنسائي في عشرة النساء وابن ماجه في التجارات كلهم من حديث سفيان عن عائشة يرفعه. 1397 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها من غير أمره فلها نصف أجره". قلت: رواه البخاري (¬2) في النفقات وفي البيوع ومسلم في باب قوله تعالى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} في الزكاة من حديث همام عن أبي هريرة. قال النووي (¬3): فإنه لا بد في الزوجة وفي العامل والمملوك من إذن المالك في النفقة فإن لم يكن أذن أصلًا فلا أجر لأحد من هؤلاء الثلاثة بل عليهم وزر، والإذن ضربان أحدهما: الإذن الصريح في النفقة والصدقة، والثاني: الإذن المفهوم من إطراد العرف كإعطاء السائل كسرة ونحوها، مما جرت به العادة، وأطرد به العرف، وعلم أن نفسه كنفوس غالب الناس في السماحة بذلك والرضا به، فإذا أطرد العرف وشك في الرضا أو كان شحيحًا يشح بذلك، وعلم من حالة ذلك أو شك فيه لم يجز للمرأة وغيرها التصدق من ماله إلا بصريح إذنه. وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: "وما أنفقت المرأة من كسب زوجها بغير إذنه فلها نصف الأجر" فمعناه: من غير أمره الصريح في ذلك القدر المعين، ويكون معها إذن عام سابق متناول لهذا القدر وغيره، وذلك الإذن إما بالصريح وإما بالعرف كما بيناه، ولا بد من هذا التأويل. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1425) وفي البيوع (2065)، ومسلم (1024)، وأبو داود (1685)، والنسائي (5/ 65)، والترمذي (672)، وابن ماجه (2294). (¬2) أخرجه البخاري (5360)، ومسلم (1026). (¬3) المنهاج للنووي (7/ 156 - 160).

وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فلها نصف أجره" أي قسم مثل أجره، وقد جاء في بعض الروايات: "الأجر بينكما نصفان" أي قسمان وإن كان أحدهما أكثر كما قال الشاعر: إذا مت كان الناس نصفان بيننا. ويحتمل أن يكونا سواء، لأن الأجر فضل من الله، ولا يدرك بقياس ولا هو بحسب الأعمال، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والظاهر الأول، وليس معنى الحديث أن الأجر الذي لأحدهما يزدحمان عليه، بل معناه: أن هذه النفقة والصدقة التي أخرجتها المرأة والخازن الأمين ونحوهما يترتب على جملتها ثواب على قدر المال والعمل، فيكون مقسومًا بينهما: لهذا نصيب ماله ولهذا نصيب بعمله، لا يزاحم أحدهما الآخر، ولا يلزم أن يكون مقدار ثوابهما سواء، بل قد يكون ثواب هذا أكثر وقد يكون عكسه، فإذا أعطى المالك لامرأته أو غيرها مائة درهم لتوصلها لسائل على باب الدار ونحو ذلك فأجر المالك أكثر، وإن أعطاها رغيفًا ونحوه لتذهب به إلى محتاج إلى مسافة بعيدة بحيث يقابل مشي المذاهب إليه بأجرة تزيد على الرغيف فأجر الوكيل أكثر، وقد يستويان، فيكون مقدار الأجر سواء. والمراد بنفقة المرأة والعبد والخازن: النفقة على عيال صاحب المال وغلمانه ومصالحه، وقاصديه، من ضيف وابن سبيل ونحوهما، وكذلك صدقتهم المأذون فيها بالصريح أو العرف. 1398 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "الخازن المسلم الأمين الذي يعطي ما أمر به، كاملًا موفرًا طيبة به نفسه، فيدفعه إلى الذي أمر له به أحد المتصدقين". قلت: رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي كلهم في الزكاة من حديث أبي بردة عن أبي موسى. (¬1) 1399 - قالت: أن رجلًا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن أمي افتلتت نفسُها، وأظنها لو تكلمتْ تصدقتْ، فهل لها أجر إن تصدَّقتُ عنها؟ قال: "نعم". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1438)، ومسلم (1023)، وأبو داود (1684)، والنسائي (5/ 79).

من الحسان

قلت: رواه البخاري في الجنائز ومسلم في الزكاة وفي الوصايا كلاهما من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. (¬1) وافتلتت: بالفاء وبضم المثناة من فوق وكسر اللام وبالمثناة من فوق على البناء لما لم يسم فاعله، أي ماتت فجأة هذا هو الصواب، ورواه ابن قتيبة: "اقتلتت" بالقاف، قال: وهي كلمة تقال لمن مات فجأة، ويقال أيضًا لمن قتله الجن أو العشق. ونفسها: روي بنصب السين ورفعها، فالرفع على أنه مفعول لما لم يسم فاعله، والنصب على أنه مفعول ثان، قال القاضي عياض أكثر رواياتنا فيه بالنصب. قوله: "إن تصدقت" هو بكسر الهمزة، وهذا لا خلاف فيه، وكذا الرواية ولا تصح غيره، لأنه إنما سأله عما لم يفعله بعد. وفي هذا الحديث أن الصدقة عن الميت تنفع الميت ويصله ثوابها، ونُقل فيه إجماع العلماء، وكذلك أجمعوا على وصول الدعاء، وقضاء الدين، بالنصوص الواردة في الجميع، وكذلك الحج عن الميت حجة الإسلام وكذا حجة التطوع إن وصى بها على الصحيح عندنا. واختلف العلماء إذا مات وعليه صوم، والراجح منعه واختار النووي الجواز، والمشهور عندنا وعند الجمهور أن قراءة القرآن لا تصله، وقال أحمد يصله ثواب الجميع كالحج. (¬2) من الحسان 1400 - سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في خطبته عام حجة الوداع: لا تنفق امرأة شيئًا من بيت زوجها، إلابإذن زوجها قيل يا رسول الله ولا الطعام؟ قال: "ذاك أفضل ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1388)، ومسلم (1004). (¬2) المنهاج للنووي (7/ 125 - 126).

باب لا يعود في الصدقة

أموالنا". قلت: رواه الترمذي في الزكاة وابن ماجه في التجارات كلاهما من حديث شرحبيل بن مسلم عن أبي أمامة وقال الترمذي: حسن. (¬1) 1401 - لما بايع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- النساء، قالت امرأة: إنا كَلٍّ على آبائنا وأبنائنا وأزواجنا فما يحل لنا من أموالهم قال: "الرطب تأكلنه وتُهدينه". قلت: رواه المصنف في "شرح السنة" بهذا اللفظ، ورواه أبو داود في الزكاة وقال فيه: كل على آبائنا وأبنائنا وأرى فيه أزواجنا بالشك، وقال أبو داود: الرطب: الخبز والبقل والرطب انتهى. (¬2) والرطب: بفتح الراء وسكون الطاء المهملتين، وإنما خصه من الطعام لأن خَطْبَه أيسر، والفساد إليه أسرع إذا ترك، كالفواكه والبقول، بخلاف اليابس فإنه يبقى على الخزن، فوقعت المسامحة في الرطب بترك الاستئذان وقد قدمنا الكلام في ذلك في هذا الباب. باب لا يعود في الصدقة من الصحاح 1402 - قال: حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي كان عنده، فأردت أن أشتريه، فسألت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "لا تشتره وإن أعطاك بدرهم، فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (670). (¬2) أخرجه أبو داود (1686)، والبغوي في "شرح السنة" (6/ 205 - 206)، وأخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 134) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (4/ 193).

قلت: رواه الشيخان: البخاري في الجهاد ومسلم في الفرائض من حديث ابن عمر، أن عمر حمل .... الحديث، ورواه مسلم في الفرائض أيضًا من حديث ابن عمر عن أبيه، قال: حملت على فرس .. الحديث. (¬1) ومعنى حملت على فرس تصدقت به، ووهبته لمن يقاتل عليه في سبيل الله فأضاعه صاحبه أي قصّر في القيام بعلفه ومؤنته. قوله - صلى الله عليه وسلم -: لا تشتره، هذا نهي تنزيه لا تحريم، فيكره لمن تصدق بشيء أو أخرجه في زكاة أو كفارة أو نحو ذلك أن يشتريه ممن دفعه إليه أو ينهبه أو يتملكه باختياره منه فأما وإذا ورثه منه فلا كراهة، وكذلك لو انتقل إلى ثالث ثم اشتراه منه المتصدق فلا كراهة، هذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال جماعة من العلماء: النهي عن شراء صدقته نهي تحريم. - وفي رواية: "لا تعد في صدقتك، فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه". قلت: رواها الشيخان من حديث أسلم مولى عمر عن عمر: البخاري في الزكاة ومسلم في الفرائض. (¬2) 1403 - كنت جالسًا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ أتته امرأة فقالت: يا رسول الله إني تصدقت على أمي بجارية، وإنها ماتت، قال: "وجب أجرك وردّها عليك الميراث" قالت: يا رسول الله إنه كان عليها صوم شهر أفأصوم عنها؟ قال: "صومي عنها" قالت: إنها لم تحج قط أفأحج عنها؟ قال: "نعم حجي عنها". قلت: رواه مسلم في الصوم والنسائي في الفرائض بقصة الجارية كلاهما من حديث بريدة. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3003)، ومسلم (1620). (¬2) أخرجه البخاري (1490)، ومسلم (1622). (¬3) أخرجه مسلم (1149)، والنسائي (6314).

كتاب الصوم

كتاب الصوم من الصحاح 1404 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا دخل رمضان فتحت أبواب السماء". قلت: رواه البخاري في الصيام من حديث أبي هريرة. (¬1) وفي رواية: "فتحت أبواب الجنة، وغلّقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين". قلت: رواها الشيخان والنسائي ثلاثتهم هنا من حديث أبي هريرة يرفعه. (¬2) وفي رواية: "فتحت أبواب الرحمة". قلت: رواها الشيخان أيضًا. (¬3) وهذا الحديث دليل للمذهب الصحيح الذي ذهب إليه البخاري والمحققون أنه يجوز أن يقال رمضان من غير ذكر الشهر بلا كراهة، وفي المسألة ثلاثة مذاهب أحدها: لا يقال رمضان على انفراده بحال، وإنما يقال شهر رمضان، وهذا قول أصحاب مالك، وزعم هؤلاء أن رمضان اسم من أسماء الله تعالى فلا يطلق على غيره إلا بقيد، وقال أكثر أصحابنا إن كان هناك قرينة تصرفه إلى الشهر فلا كراهة وإلا فيكره، فيقال: صمنا رمضان، ونحو ذلك، وإنما يكره أن يقال: جاء رمضان ودخل رمضان، ونحو ذلك. والثالث: وهو مذهب البخاري والمحققين أنه لا كراهة في إطلاق رمضان بقرينة وبغير قرينة، قال النووي (¬4): وهذا هو الصواب، والمذهبان الأولان فاسدان، لأن الكراهة إنما تثبت بنهي الشرع ولم يثبت فيه شيء، وقولهم: أنه اسم من أسماء الله ليس ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1898) و (1899). (¬2) أخرجه البخاري (1899)، ومسلم (1079)، والنسائي (4/ 16، 126 - 127). (¬3) أخرجه البخاري (3277)، ومسلم (1079) هذا لفظ مسلم، وفي البخاري: "أبواب الجنة". (¬4) المنهاج (7/ 187).

بصحيح ولم يصح فيه شيء وإن كان جاء فيه أثر ضعيف، وأسماء الله توقيفية لا تطلق إلا بدليل صحيح، ولو ثبت أنه اسم لم يلزم منه الكراهة، وهذا الحديث صريح في الرد على المذهبين. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فتحت أبواب السماء وفتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وسلسلت الشياطين" قال القاضي عياض (¬1): يحتمل أنه على ظاهره, وحقيقته, وأن ذلك علامة لدخول الشهر، وتعظيم لحرمته، قال: ويحتمل أن يكون المراد المجاز ويكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو وأن الشياطين يقل إيذاؤهم وإغوائهم فيصيرون كالمسلسلين لقلة أذاهم، ويحتمل أن يكون فتح أبواب الجنة عبارة عما فتحه الله تعالى لعباده من الطاعات في هذا الشهر التي لا تقع في غيره عمومًا كالصيام والقيام وفعل الخيرات والانكفاف عن كثير من المخالفات، وهذه أسباب لدخول الجنة وأبواب لها, كذلك تغليق أبواب النيران عبارة عما ينكفون عنه من المخالفات. والله أعلم. 1405 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "في الجنة ثمانية أبواب، منها باب يسمى الريان، لا يدخله إلا الصائمون". قلت: رواه البخاري في صفة الجنة بهذا اللفظ من حديث سهل بن سعد وخرج مسلم معناه. (¬2) 1406 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر [إيمانًا واحتسابًا] غفر له ما تقدم من ذنبه". قلت: رواه الشيخان في حديثين في الصوم والبخاري ¬

_ (¬1) إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 5 - 6). (¬2) أخرجه البخاري (3257)، ومسلم (1152) بمعناه.

في الإيمان أيضًا من حديث أبي هريرة. (¬1) 1407 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك، والصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: "إني امرؤ صائم". قلت: رواه الشيخان هنا بألفاظ متقاربة من حديث أبي هريرة. (¬2) وقد اختلف العلماء في معنى قوله تعالى: "فإنه لي وأنا أجزي به" مع أن كل العبادات لله تعالى، فقيل: سبب إضافته إليه تعالى أنه لم يعبد أحدًا غير الله تعالى به بخلاف غيره من العبادات فإنهم عبدوا بها آلهتهم في الظاهر، وقيل: لبعده من الرياء، وقيل: لأنه ليس للصائم فيه حظ، وقيل: معناه أنا المنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته وغيره من العبادات. أظهر سبحانه وتعالى بعض مخلوقاته على مقدار ثوابها، وقيل هي إضافة تشريف كقوله: ناقة الله مع أن العالم كله لله تعالى. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولخلوف" هو بضم الخاء المعجمة، وهو تغير رائحة الفم، هذا هو المعروف في كتب اللغة والغريب، قال القاضي عياض: والرواية الصحيحة بالضم، قال وكثير من شيوخنا يروونه بفتحها وهو خطأ، وحكي عن الفارسي فيه الفتح والضم، قال: وأهل المشرق يقولونه بالفتح والصواب بالضم. قال المازري: وكونه عند الله أطيب من ريح المسك، مجاز واستعارة لأن استطابة بعض الروائح من صفات ماله طباع، فيستطيب ويستقذر والله تعالى منزه عن ذلك، قال جماعات: والخلوف أكثر ثوابًا من المسك، حيث ندب إليه في الجمع والأعياد وغيرهما. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (37) و (1901) و (2014)، ومسلم (759) و (760). (¬2) أخرجه البخاري (1904)، ومسلم (1151).

من الحسان

واستدل بعض أصحابنا بهذا الحديث على كراهة السواك للصائم بعد الزوال، لأنه يزيل الخلوف وإن كان السواك فيه فضيلة، إلا أن الخلوف أعظم، قالوا: كما أن دم الشهيد مشهود له بالطيب ويترك له غسل الشهيد، وإن كان الغسل واجبًا، فترك السواك الذي ليس بواجب لبقائه أولى، فإن قيل: فهل لا حرمت إزالة الخلوف كما حرمت إزالة دم الشهيد؟ قلت: هذا سؤال صحيح، فظهر لي في الجواب: أن المزيل للخلوف هو الصائم فلا يمنع من ذلك، كما إذا خرج من صلاة النفل، وأما المجاهد فقد مات فلا يجوز أن يتصرف أحد عليه إلا بالمصلحة ولا مصلحة في إزالة أثر هذه الفضيلة والله أعلم. (¬1) من الحسان 1408 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين، ومردت الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عُتقاء من النار وذلك كل ليلة". (غريب). قلت: رواه الترمذي وابن ماجه هنا من حديث أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، وقال الترمذي: غريب لا نعرفه هكذا إلا من رواية أبي بكر، وسألت محمدًا -يعني البخاري- عن هذا الحديث؟ فقال: حدثنا الحسن الربيع، عن أبي الأحوص، عن الأعمش، عن مجاهد قوله: قال: وهذا أصح عندي من حديث أبي بكر. (¬2) ¬

_ (¬1) انظر: إكمال المعلم للقاضي عياض (4/ 112)، والمنهاج للنووي (8/ 42 - 44). (¬2) أخرجه الترمذي (682)، وابن ماجه (1642)، وأخرجه ابن خزيمة (1883)، وابن حبان (3435)، والبيهقي (4/ 303)، والبغوي في شرح السنة (1705) وفيه: أبو بكر بن عياش ورواية ابن عياش عن الأعمش ضعفها بعض العلماء، وهذه منها، انظر: سنن الترمذي (2/ 61).

باب رؤية الهلال

صفدت: بضم الصاد المهملة وتشديد الفاء أي غلّلت وهو بمعنى سلسلت في الرواية المتقدمة. باب رؤية الهلال من الصحاح 1409 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له". قلت: رواه الشيخان في الصوم من حديث ابن عمر. وقد اختلف العلماء في معنى فاقدروا له، فقالت طائفة: معناه ضيقوا له وقدروه تحت السحاب، وقال بهذا أحمد ومن وافقه، وقال ابن سريج: وابن قتيبة وجماعة معناه: وقدروه بحساب المنازل, وذهب الشافعي وأبو حنيفة ومالك وجمهور السلف والخلف إلى أن معناه: قدروا له تمام العدد ثلاثين يومًا واحتج الجمهور بالرواية التي ذكرها المصنف بعد هذا وهي تفسير لا قدروا له. (¬1) 1410 - وفي رواية: "فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين". قلت: رواها الشيخان من حديث ابن عمر. (¬2) 1411 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين". قلت: رواه الشيخان في الصوم من حديث ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1906)، ومسلم (1080)، وانظر: المنهاج (7/ 266). (¬2) أخرجه البخاري (1907)، ومسلم (1080).

محمد بن زياد عن أبي هريرة واللفظ للبخاري. (¬1) 1412 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إنا أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا وهكذا وعَقَد الإبهام في الثالثة ثم قال: "الشهر هكذا وهكذا وهكذا يعني تمام الثلاثين، يعني: مرة: تسعًا وعشرين، ومرة: ثلاثين". قلت: رواه الشيخان هنا من حديث ابن عمر. (¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم -: إنا أمة أمية، معناه: باقون على ما ولدتنا عليه أمهاتنا، لا نكتب ولا نحسب ومنه النبي الأمي وقيل: هو نسبة إلى الأم، وصفتها لأن هذه صفة النساء غالبًا، ومعنى الحديث: أن الاعتبار بالهلال فقد يكون تامًّا ثلاثين، وقد يكون ناقصًا تسعًا وعشرين، وقد لا يرى الهلال فيجب استكمال العدد ثلاثين، قال بعضهم: قد يقع النقص في شهرين وثلاثة وأربعة ولا يقع في أكثر من أربعة. 1413 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "شهرا عيد لا ينقصان: رمضان، وذو الحجة". قلت: رواه الجماعة هنا من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه يرفعه إلا النسائي (¬3)، والأصح أن معنى الحديث: لا ينقص أجرهما والثواب المرتب عليهما، وإن نقص عددهما، وقيل: معناه لا ينقصان جميعًا في سنة واحدة غالبًا، وقيل: لا ينقص ثواب ذي الحجة عن ثواب رمضان، لأن فيه المناسك حكاه الخطابي. (¬4) 1414 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم، أو يومين، إلا أن يكون رجل كان يصوم صوما فليصم ذلك اليوم". قلت: رواه الشيخان هنا من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1909)، ومسلم (1081). (¬2) أخرجه البخاري (1913) و (5302)، ومسلم (1080). (¬3) أخرجه البخاري (1912)، ومسلم (1089)، وأبو داود (2323)، والترمذي (692)، وابن ماجه (1659). (¬4) انظر معالم السنن (2/ 82). (¬5) أخرجه البخاري (1912)، ومسلم (1089).

من الحسان

من الحسان 1415 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا". قلت: رواه الأربعة هنا من حديث أبي هريرة وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬1) 1416 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أحصوا هلال شعبان لرمضان". قلت: رواه الترمذي هنا من طريق مسلم بن الحجاج صاحب الصحيح قال: حدثنا يحيى بن يحيى قال: حدثنا أبو معاوية عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، ورجاله رجال، الصحيح إلا محمد بن عمرو، فإنه لم يخرج له الشيخان، ورواه الحاكم، وقال: على شرط مسلم، قال الترمذي: ولا يعرف مثل هذا إلا من حديث أبي معاوية، والصحيح ما روي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقدموا شهر رمضان بيوم ولا يومين". (¬2) 1417 - ما رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان". قلت: رواه الترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حسن، ورواه في الشمائل بإسناده في الجامع، وقال: هذا إسناد صحيح، ورواه ابن ماجه مختصرًا "كان يصل شعبان برمضان" وروى أبو داود نحوه، كلهم هنا من حديث أبي سلمة عن أم سلمة. (¬3) 1418 - قال: "من صام اليوم الذي يُشَك فيه فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم -". قلت: رواه الأربعة هنا من حديث صلة بن زفر عن عمار، وقال الترمذي: حسن صحيح، انتهى. قلت: ورواه الحاكم وقال: على شرط الشيخين، ورواه البخاري في ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2237)، والترمذي (738)، وابن ماجه (651). وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬2) أخرجه الترمذي (687)، والحاكم (1/ 425) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. (¬3) أخرجه الترمذي (736)، وفي الشمائل (301)، وأبو داود (2336)، وابن ماجه (1648)، والنسائي (4/ 150) انظر: صحيح الترغيب (1011).

الصوم تعليقًا بصيغة الجزم، فقال: وقال صلة عن عمار: من صام يوم الشك ... وذكره. (¬1) 1419 - جاء أعرابي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني رأيت الهلال، يعني رمضان، فقال: "أتشهد أن لا إله إلا الله؟ " قال: نعم، قال: "أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ " قال: نعم، قال: "يا بلال أذن في الناس فليصوموا غدًا". قلت: رواه الأربعة والحاكم كلهم هنا من حديث سماك عن عكرمة عن ابن عباس مسندًا مرسلًا عن عكرمة إلا الحاكم فإنه لم يروه إلا مسندًا، وقال: احتج البخاري بعكرمة، ومسلم بسماك، انتهى. وقال الترمذي: فيه اختلاف، وذكر النسائي أن المرسل أولى بالصواب، وأن سماكًا إذا انفرد بأصل لم يكن حجة لأنه كان يلقن فيتلقن. (¬2) وفي هذا الحديث حجة لمن أجرى الأمر في رؤية هلال شهر رمضان مجرى الأخبار ولم يحملها على أحكام الشهادات. 1420 - تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أني رأيته، فصام وأمر الناس بصيامه. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري تعليقًا بصيغة الجزم انظر فتح الباري: (4/ 119)، وأبو داود (2334)، والترمذي (686)، والنسائي (4/ 153)، وابن ماجه (1645)، والحاكم (1/ 423 - 424) وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، انظر: الإرواء (925). (¬2) أخرجه أبو داود (2340)، والترمذي (691)، والنسائي (13114)، وابن ماجه (1652)، والحاكم (1/ 424) وفي إسناده سماك بن حرب وهو: مضطرب الحديث، وخاصة في روايته عن عكرمة. وقد اختلفوا عليه في هذا الحديث فروى مرسلًا ورجح غير واحد من الأئمة المرسل على المرفوع، انظر: نصب الراية (2/ 443)، وإرواء الغليل (907). وقال الحافظ في سماك: صدوق، وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وقد تغير بأخرة فكان ربما يلقن، من الرابعة، التقريب (2639).

فصل

قلت: رواه أبو داود هنا من حديث ابن عمر وكذلك الحاكم في المستدرك وقال: على شرط مسلم، قال الدارقطني: تفرد به مروان بن محمد بن وهب وهو ثقة. (¬1) قال بعضهم وفي هذا الحديث دليل على وجوب قبول أخبار الآحاد، وأنه لا فرق بين أن يكون المخبر بذلك منفردًا عن الناس وحده، وبين أن يكون مع جماعة من الناس، ولا مشاركة أصحابه في ذلك، وقال جماعة من العلماء إذا تراءى الناس الهلال، وكان صحوًا فقال واحد رأيته لم يقبل. فصل من الصحاح 1421 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تسحروا فإن في السحور بركة". قلت: رواه الشيخان هنا من حديث أنس. (¬2) والسحور: رووه بفتح السين وضمها، فالفتح اسم للمأكول، والمضموم اسم للفعل وكلاهما صحيح، وأما البركة التي فيه: فظاهره لأنه يقوي على الصوم وينشط له، وقيل لأنه يتضمن الاستيقاظ والذكر والصلاة أو التأهب لها إلى طلوع الفجر، والصواب الأول. 1422 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب: أكلة السحر". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2342)، والحاكم (1/ 423) وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وبه يتقوى الحديث السابق انظر: الإرواء (908). (¬2) أخرجه البخاري (1923)، ومسلم (1095).

قلت: رواه مسلم وأبو داود والترمذي هنا من حديث عمرو بن العاص ولم يخرجه البخاري. (¬1) وأكلة السحر: هي السحور وهي بفتح الهمزة، هكذا ضبطه الجمهور في صحيح مسلم، وهو المشهور في الروايات وهي عبارة عن المرة الواحدة من الأكل كالغدوة والعشوة، وإن كثر المأكول فيه، وأما الأكلة: بالضم فهي اللقمة الواحدة، وادعى بعض شراح مسلم أن الرواية كذلك، وليس كما قال، بل الصواب ما قدمناه، ومعنى الحديث: أن الفارق والمميز بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر لأنهم لا يتسحرون ونحن يستحب لنا السحور. 1423 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزال الناس بخير، ما عجلوا الفطر". قلت: رواه الشيخان والترمذي هنا من حديث سهل بن سعد. (¬2) 1424 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أقبل الليل من ها هنا، وأدبر النهار من ها هنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم". قلت: رواه الجماعة إلا ابن ماجه كلهم هنا من حديث عمر بن الخطاب. (¬3) ومعنى فقد أفطر الصائم: فقد انقضى صومه وثم ولا يوصف الآن بأنه صائم، لأن الليل ليس بمحل الصوم، قال العلماء: وكل واحد من إقبال الليل وإدبار النهار وغروب الشمس يتضمن الآخرين وإنما جمع بينهما لأنه قد يكون في واد ونحوه بحيث لا يشاهد غروب الشمس فيعتمد إقبال الظلام وإدبار الضياء. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1096)، وأبو داود (2343)، والترمذي (709). (¬2) أخرجه البخاري (1957)، ومسلم (1098)، والترمذي (699). (¬3) أخرجه البخاري (1954)، ومسلم (1100)، وأبو داود (2351)، والترمذي (698)، والنسائي (3310). (¬4) انظر: المنهاج للنووي (7/ 295 - 296).

من الحسان

1425 - نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: عن الوصال في الصوم، فقال له رجل: إنك تواصل يا رسول الله. قال: "وأيكم مثلي؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني". قلت: رواه الشيخان: البخاري في المحاربين ومسلم هنا من حديث أبي هريرة. (¬1) وكراهة الوصال عندنا كراهة تحريم على الصحيح، وإباحته من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -، ومعنى: "أبيت يطعمني ربي ويسقيني" يجعل فيّ قوة الطاعم الشارب، وقيل: هو على ظاهره، وأنه يطعم من طعام الجنة كرامة له - صلى الله عليه وسلم - ". من الحسان 1426 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له". قلت: رواه الأربعة والدارمي هنا من حديث ابن عمر عن حفصة يرفعه. ويروى موقوفًا على حفصة، قال أبو داود: وقفه على حفصة: معمر والزبيدي وابن عيينة ويونس الأيلي، قال الترمذي: وقد روي عن نافع عن ابن عمر قوله، وهو أصح، وقال النسائي: الصواب أنه موقوف، ولم يصح رفعه، وقال أبو داود: رواه الليث وإسحق بن حازم، ويحيى بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم مرفوعًا، وقال الدارقطني: رفعه عبد الله بن أبي بكر بن حزم وهو من الثقات، وقال الخطابي: عبد الله بن أبي بكر بن عمر وقد أسنده وزيادات الثقة مقبولة. وقال البيهقي: عبد الله بن أبي بكر أقام إسناده ورفعه وهو من الثقات الأثبات وأخرج الدراقطني الحديث أيضًا عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له وقال: رواته كلهم ثقات. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1965)، ومسلم (1103). (¬2) أخرجه أبو داود (2454)، والترمذي (730)، والنسائي (4/ 196)، وابن ماجه (1700)، والدارمي (2/ 706) (1705)، والبيهقي (4/ 202)، والدارقطني في سننه مرفوعًا وموقوفًا (2/ 172). وإسناده صحيح وقد أطال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 361 رقم 882) في ذكر أقوال العلماء حول =

قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من لم يجمع" هو بضم الياء آخر الحروف وسكون الجيم أي يحكم النية والعزيمة، يقال: أجمعت الرأي وأزمعت بمعنى واحد. 1427 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا سمع النداء أحدكم والإناء في يده، فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه". قلت: رواه أبو داود هنا من حديث أبي هريرة وسكت هو والمنذري عليه، ورواه الحاكم وقال: على شرط مسلم. (¬1) قيل وهذا محمول على قوله - صلى الله عليه وسلم -: أن بلالًا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا، حتى يؤذن ابن أم مكتوم أو يكون معناه: أن يسمع الأذان وهو يشك في الصبح، مثل أن يكون السماء مغيمة، فلا يقع في العلم بأذانه أن الفجر قد طلع، لعلمه أن دلائل الفجر معدومة، ولو ظهرت للمؤذن لظهرت له، ولا بد من حمل الحديث على أنه لم يتحقق طلوع الفجر ولا غلب على ظنه. 1428 - قال - صلى الله عليه وسلم -: قال الله تعالى: "أحب عبادي إليّ أعجلهم فطرًا". قلت: رواه أحمد والترمذي هنا من حديث أبي هريرة، وقال: حسن غريب. (¬2) 1429 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإنه بركة، فإن لم يجد، فليفطر على ماء فإنه طهور". قلت: رواه الأربعة هنا من حديث سلمان بن عامر، ¬

_ = هذا الحديث، وكذلك الألباني في إرواء الغليل (914)، وانظر: كلام الخطابي في معالم السنن (2/ 115). (¬1) أخرجه أبو داود (2350)، والحاكم (1/ 426) وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، انظر: الصحيحة (1394). (¬2) أخرجه أحمد (2/ 329)، والترمذي (700) (701). وفيه علتان: عنعنة الوليد بن مسلم، وضعف قرة بن عبد الرحمن.

وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬1) قال القاضي حسين من أصحابنا: الأولى في زماننا أن يفطر على ما يأخذه بكفه من النهر ليكون أبعد عن الشبهة. 1430 - كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم تكن فتميرات، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء. (غريب). قلت: رواه أحمد وأبو داود والترمذي كلاهما هنا من حديث أنس وقال الترمذي: حسن غريب. (¬2) 1431 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من فطر صائمًا أو جهز غازيًا فله مثل أجره" (صحيح). قلت: رواه النسائي بجملته في الصوم، والترمذي وابن ماجه كلاهما مقطعًا في الصوم، وفي الجهاد، كلهم من حديث زيد بن خالد يرفعه، وقال الترمذي في الموضعين: حسن صحيح. (¬3) 1432 - كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أفطر قال: "ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله عز وجل". قلت: رواه أبو داود والنسائي، كلاهما هنا من حديث مروان بن سالم المقفَّع قال: رأيت ابن عمر قبض على لحيته فقطع ما زادت على الكف، وقال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أفطر قال: ذهب الظمأ .. الحديث، وسكت عليه أبو داود والمنذري. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2355)، والترمذي (658)، وابن ماجه (1699)، والنسائي في الكبرى (3326)، وصححه ابن حبان (3514)، وانظر: الإرواء (922). (¬2) أخرجه أحمد (3/ 164)، وأبو داود (2356)، والترمذي (696). (¬3) أخرجه النسائي في السنن الكبرى (3330)، والترمذي (807)، وابن ماجه (1746). (¬4) أخرجه أبو داود (2357)، والنسائي في السنن الكبرى (3329)، والبيهقي في السنن (4/ 240)، والبغوي في شرح السنة (6/ 377)، وقال: صحيح، وانظر: الإرواء (920).

باب تنزيه الصوم

1433 - ورُوي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أفطر قال: "اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت". قلت: رواه أبو داود هنا من حديث معاذ بن زهرة أنه بلغه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أفطر: الحديث مرسلًا. (¬1) باب تنزيه الصوم من الصحاح 1434 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من لم يدع قول الزور، والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه". قلت: رواه الجماعة إلا مسلمًا والنسائي هنا من حديث أبي هريرة يرفعه. (¬2) 1435 - قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبّل ويباشر وهو صائم، وكان أملككم لإربه". قلت: رواه مالك والجماعة إلا النسائي وابن ماجه هنا من حديث عائشة. (¬3) وإربه: يروى على وجهين أشهرهما، ورواية الأكثرين بكسر الهمزة وإسكان الراء المهملة وبالباء الموحدة، والثاني: بفتح الهمزة والراء معناه بالكسر: الوطر والحاجة، وكذا بالفتح، ويطلق المفتوح أيضًا على البضع ومعنى كلام عائشة: أنه ينبغي لكم ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2358)، وانظر: الإرواء (919) ومعاذ بن زهرة، ويقال: أبو زهرة، قال الحافظ: مقبول، أرسل حديثًا، فوهم من ذكره في الصحابة. التقريب (6777) وانظر كذلك تهذيب التهذيب (10/ 190). (¬2) أخرجه البخاري (1903)، وأبو داود (2362)، والترمذي (707)، والنسائي (3245)، وابن ماجه (1689). (¬3) أخرجه البخاري (1927)، ومسلم (1106)، وأبو داود (2382)، والترمذي (729)، والنسائي في الكبرى (3085)، ومالك في الموطأ (2/ 292)، والبغوي في شرح السنة (6/ 275) رقم (1749).

الاحتراز عن القبلة، ولا تتوهموا من أنفسكم أنكم مثل النبي -صلى الله عليه وسلم- في استباحتها، لأنه -يملك نفسه، فلا تتولد منها ما يخشى منه. 1436 - قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدركه الفجر في رمضان وهو جنب، من غير حلم فيغتسل ويصوم". قلت: رواه الشيخان والنسائي كلهم في الصوم من حديث عائشة. (¬1) 1437 - إن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم". قلت: رواه الشيخان هنا من حديث ابن عباس. ومراد ابن عباس أنه احتجم في حالة اجتماع الصوم مع الإحرام، ويدل على ذلك رواية أبي دواد من حديث ابن عباس أيضًا أنه - صلى الله عليه وسلم - احتجم صائمًا محرمًا، ورواية الترمذي: وهو محرم صائم، والله أعلم. (¬2) 1438 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من نسي وهو صائم، فأكل أو شرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه". قلت: رواه أحمد والجماعة والدارمي هنا من حديث أبي هريرة بألفاظ متقاربة. (¬3) المعنى: وفي هذا الحديث دلالة لقول الأكثرين: أن الصائم إذا أكل أو شرب أو جامع ناسيًا لا يفطر، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وآخرين، وقال ربيعة ومالك: يفسد صومه، وعليه القضاء دون الكفارة وقال عطاء والليث والأوزاعي يجب القضاء في الجماع دون الأكل والشرب، وقال أحمد: يجب القضاء والكفارة في الجماع ولا تجب في غيره. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1930)، ومسلم (11609)، والنسائي (2939). (¬2) أخرجه البخاري (1938)، ومسلم (1202)، وأبو داود (2372)، والترمذي (777). (¬3) أخرجه البخاري (1933) (6669)، ومسلم (1155)، وأحمد (2/ 425، 491)، وأبو داود (2398)، والترمذي (721)، والنسائي في الكبرى (3275)، وابن ماجه (1673)، والدارمي (1733)، والبغوي في شرح السنة (1754).

1439 - جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: هلكت فقال: "ما شأنك؟ "، قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: "فأعتق رقبة" قال: ليس عندي، قال: "فصم شهرين متتابعين" قال: لا أستطيع قال: "فأطعم ستين مسكينًا" قال: لا أجد، قال: "اجلس" فجلس، فأُتِيَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بعَرَقِ فيه تمر، -والعرق: المِكْتَل الضخم- قال: "خذ هذا فتصدق به" قال: على أفقر منا؟! فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه، قال: "أطعِمْه عيالَك". قلت: رواه الجماعة بألفاظ متقاربة المعنى من حديث أبي هريرة. البخاري هنا وفي النفقات وفي الأدب وفي النذور وفي المحاربين وفي الهبة وبقيتهم هنا. (¬1) والعرق: بفتح العين، والراء المهملتين، هذا هو الصواب، المشهور في الرواية واللغة، وهو المحكى عن رواية الجمهور، وحكى بعضهم فيه إسكان الراء، والصواب الأول وهو الزبيل، بفتح الزاي المعجمة وبالباء الموحدة والياء آخر الحروف واللام من غير نون، تَسِع خمسة عشر صاعًا، والصاع أربعة أمداد لكل مسكين. والزنبيل: بكسر الزاي وزيادة نون يقال له: القفة، والمكتل: بكسر الميم وفتح التاء المثناة من فوق، والضخم: بالضاد والخاء المعجمتين هو الغليظ. والنواجذ: بفتح النون وكسر الجيم وبالذال العجمة، قال ابن الأثير (¬2): هي الضواحك والتي تبدوا عند الضحك، والأكثر الأشهر أنها أقصى الأسنان، والمراد الأول، لأنه - صلى الله عليه وسلم - ما كان يبلغ به الضحك حتى تبدوا آخر أضراسه، وإن أريد بها الأواخر ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الصوم (1936)، وفي الهبة (2600)، وفي الكفارات (6710)، وفي الحدود (6821)، وفي النفقات (5368)، وفي الأدب (6087)، ومسلم (1111)، وأبو داود (2390)، والترمذي (724)، والنسائي في الكبرى (3114، 3116)، وابن ماجه (1671). (¬2) النهاية لابن الأثير (5/ 20).

من الحسان

فالوجه فيه أن يراد بها مبالغة مثله في ضحكه، من غير أن يراد ظهور نواجذه في الضحك، وهو أقيس القولين. انتهى كلام ابن الأثير. قال الجوهري (¬1): للإنسان أربعة نواجذ في أقصى الأسنان، وظاهر الحديث يشهد للحنفية من أنه لا يشترط في الرقبة الإيمان، وشرطه الشافعي تنزيلًا لهذا المطلق على ما قيده تعالى في كفارة القتل. من الحسان 1440 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كان يقبلها وهو صائم، ويمص لسانها". قلت: رواه أبو داود وفي إسناده محمد بن دينار الطاحي البصري قال يحيى بن معين: ضعيف، وفي رواية: ليس به بأس، ولم يكن له كتاب، وقال غيره: صدوق، وقال ابن عدي الجرجاني: قوله "ويمص لسانها" في المتن لا يقوله إلا محمد بن دينار وهو الذي رواه، وفي إسناده أيضًا سعد بن أوس، قال ابن معين: بصري ضعيف ويمص: بفتح الميم يقال: مصِصت بالشيء بالكسر، أمصه مصًّا والمصمصة بصادين مهملتين مثل المضمضة بضادين معجمتين، إلا أن المهملة بطرف اللسان والمعجمة بالفم كله. (¬2) ¬

_ (¬1) الصحاح للجوهري (2/ 571). (¬2) أخرجه أبو داود (2386). وإسناده ضعيف، لضعف: محمد بن دينار قال ابن حبان في المجروحين: الإنصاف في أمره ترك الاحتجاج بما انفرد، ونقل الحافظ عن النسائي: هذه اللفظة لا توجد إلا في رواية محمد بن دينار، وقال الحافظ في التقريب: صدوق سيء الحفظ، رمي بالقدر وتغيّر قبل موته، انظر: المجروحين (2/ 272)، وتهذيب الكمال (25/ 176)، وتهذيب التهذيب (9/ 155)، التقريب (5907). 2 - ولضعف سعد بن أوس، العدوي البصري، قال الحافظ عنه: صدوق له أغاليط. التقريب (2244)، وانظر: تهذيب الكمال (10/ 251) وذكر هذا الحديث. 3 - ومِصدع أبو يحيى الأنصاري، وهو الأعرج المعرقب، قال ابن معين: لا أعرفه، وذكره العقيلي في الضعفاء وقال ابن حبان: كان ممن يخالف الأثبات في الروايات، وينفرد عن الثقات بألفاظ الزيادات مما يوجب ترك ما انفرد منها، وقال الحافظ: مقبول. انظر: المجروحين (3/ 39)، وتهذيب الكمال (28/ 14)، التقريب =

1441 - أن رجلًا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المباشرة للصائم فرخص له، وأتاه آخر فنهاه، فإذا الذي رخص له شيخ، والذي نهاه شاب. قلت: رواه أبو داود هنا من حديث أبي هربرة وسكت عليه. (¬1) 1442 - وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من ذرعه القيء وهو صائم، فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمدًا فليقض". (ضعيف). قلت: رواه الأربعة هنا، وقال الترمذي: حسن غريب لا نعرفه من حديث هشام بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا من حديث عيسى بن يونس وقال محمد يعني البخاري: لا أراه محفوظًا، قال أبو عيسى: وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يصح إسناده، قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل قال: ليس من ذا شيء، قال الخطابي: يريد أن الحديث غير محفوظ. (¬2) وذرعة القيء: بذال معجمة وراء وعين مهملتين مفتوحتين، أي سبقه وغلبه واستقاء: أي تكلّفه القيء، قال الخطابي (¬3): ولا أعلم خلافًا بين أهل العلم، أن من ¬

_ = (6728) فهذا الإسناد مسلسل بمن لا يحتج بما انفرد به وقد انفردوا بلفظة "ويمص لسانها" وضعفه الحافظ في الفتح (4/ 153) كما ذكره في التلخيص الحبير (2/ 372)، وأخرجه أيضًا ابن خزيمة (2003)، والبيهقي في السنن (4/ 234)، وقال ابن الأعرابي -وهو راوي سنن أبي داود عنه- عقب رواية أبي داود: بلغني عن أبي داود أنه قال: هذا الإسناد ليس بصحيح. وانظر قول ابن عدي في الكامل (6/ 2205 و 2459). (¬1) أخرجه أبو داود (2387)، انظر: الصحيحة (1606). (¬2) أخرجه أبو داود (2380)، والترمذي (720)، والنسائي في الكبرى (3130)، وابن ماجه (1676)، وأخرجه أحمد (2/ 498)، والدارقطني (2/ 184 - 185)، والحاكم (1/ 426 - 427)، وانظر كلام الخطابي في معالم السنن: (2/ 96). وأورده ابن الملقن في البدر المنير وقال في "الخلاصة" (1097) قد صححه ابن حبان وقال الدارقطني: رواته كلهم ثقات وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي وقال عبد الحق: كل رجاله ثقات. انظر: الإرواء (923). (¬3) معالم السنن (2/ 96 - 97).

ذرعه القيء، فلا قضاء عليه، ولا فيمن استقاء عامدًا أن عليه القضاء، هذا آخر كلامه، وقال بعضهم أنه لو تكلف وتحفظ وعلم أنه لم يرجع شيء لم يفطر، والله أعلم. 1443 - أن أبا الدرداء حدثه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاء فأفطر، قال ثوبان: "صدق وأنا صببت له وَضُوءَه". قلت: رواه الثلاثة هنا من حديث أبي الدرداء، وقال الترمذي: وقد جوّد حسين المعلم هذا الحديث، وحديث حسين أصح شيء في الباب. (¬1) 1444 - رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لا أحصي يتسوك، وهو صائم. قلت: رواه أبو داود والترمذي هنا من حديث عامر بن ربيعة، وقال الترمذي: حسن، انتهى. وفي سنده عاصم بن عبيد الله العمري، وقد تقدم التنبيه على ضعفه، وقال البخاري وغيره: منكر الحديث، وذكر البخاري هذا الحديث في صحيحه معلقًا في ترجمة فقال: ويذكر عن عامر ... (¬2) وأحصي: بضم الهمزة وبالحاء والصاد المهملتين، من أحصى أي عدّ، يقال: أحصيت الشيء أي عددته. 1445 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا". قلت: رواه الأربعة هنا وفي الطهارة إلا ابن ماجه فإنه اقتصر عليه في الطهارة وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2381)، والترمذي (87)، والنسائي في الكبرى (3120). وانظر: الإرواء (111). (¬2) أخرجه أبو داود (2364)، والترمذي (725) وإسناده ضعيف. (¬3) أخرجه أبو داود (144،143،142)، والترمذي (385، 38)، والنسائي (1/ 66)، وابن ماجه (407).

وقد تقدم في الوضوء الكلام على لقيط بن صبرة، وفي الحديث: الحث على المبالغة في الاستنشاق، وفيه: أن وصول الماء إلى الدماغ يفطر الصائم إذا كان يفعله، لأن الدماغ أحد الجوفين، ويقاس عليه كل ما وصل إلى الجوف بفعله. 1446 - قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: اشتكيت عيني أفكتحل وأنا صائم؟ قال: "نعم". (ضعيف). قلت: رواه الترمذي هنا من حديث أبي عاتكة عن أنس، وقال: إسناده ليس بالقوي، ولا يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الباب شيء، وأبو عاتكة: يضعّف انتهى. (¬1) 1447 - روي عن بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لقد رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- بالعَرْج يصب على رأسه الماء، وهو صائم من العطش أو من الحر". قلت: رواه أبو داود هنا من حديث أبي بكر بن عبد الرحمن، عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر، وقال: تقووا لعدوكم، وصام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال أبو بكر: قال الذي حدثني لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: وساقه، وأخرجه النسائي مختصرًا. (¬2) قوله: بالعرج، العرج: قرية من عمل الفرع على نحو من ثمانية وسبعين ميلًا من المدينة الشريفة، شرفها الله تعالى وهو بفتح العين وسكون الراء المهملتين وجيم. (¬3) والفرع: بضمتين وقيل بضم الفاء وسكون الراء المهملة. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (726)، وأبو عاتكة هو البصري أو الكوفي اسمه: طريف بن سلمان أو بالعكس، قال الحافظ: ضعيف، وبالغ السليماني فيه، التقريب (8255). (¬2) أخرجه أبو داود (2378)، والنسائي في الكبرى (3029) وإسناده صحيح. (¬3) وقيل: العرج: عقبة بين مكة والمدينة على جادة الحاج، وقيل غير ذلك، انظر: المغانم المطابة في معالم طابة للفيروز آبادي ص (251). وانظر عن الفرع، المصدر السابق ص (315 - 316).

وفي الحديث دليل لمن ذهب إلى أنه لا يكره للصائم أن يغتسل ويتمضمض من العطش، خلافًا لمن كرهه، وقد بلّ ابن عمر ثوبًا فألقى عليه وهو صائم، وقال أنس: إن لي أبزن أتقحم فيه وأنا صائم، حكى البخاري ذلك في الترجمة. (¬1) والأَبْزن: بفتح الهمزة وكسرها وسكون الباء الموحدة، وزاي مفتوحة ونون، وهو: شبه الحوض الصغير ونحوه وهي كلمة فارسية. (¬2) 1448 - رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا يحتجم، لثماني عشرة خلت من رمضان، قال: "أفطر الحاجم والمحجوم". قلت: رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه هنا من حديث شداد بن أوس (¬3) وقال إسحق: حديث شداد إسناده صحيح، تقوم به الحجة، وقال الإمام أحمد: أحاديث أفطر الحاجم والمحجوم، ولا نكاح إلا بولي، يشد بعضها بعضًا وأنا أذهب إليها. وقد اختلف العلماء في الحجامة للصائم فقال الجمهور: أنها لا تفطر وذهب أحمد في آخرين إلى أنها تفطر، لظاهر هذا الحديث، واحتج الجمهور بحديث ابن عباس المتقدم في الصحاح، وهو ناسخ لحديث شداد هذا، لأنه في بعض طرقه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك عام الفتح في رمضان، وذلك سنة ثمان، وحديث ابن عباس جاء في بعض طرقه التي صححها الترمذي: أن - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو صائم محرم، وذلك كان في حجة الوداع سنة عشر، مع أدلة أخرى تدل على نسخ حديث المنع من الحجامة للصائم، ليس هذا محلها. ¬

_ (¬1) ذكرهما -أي أثر ابن عمر وأنس- البخاري في الصحيح في كتاب الصوم، باب اغتسال الصائم (4/ 153 - الفتح). (¬2) قال الحافظ: الأبزن: حجر منقور، شبه الحوض، وهي كلمة فارسية ولذلك لم يعرفه، وأتقحم فيه أي أدخل، وكان الأبزن كان ملآن ماء، فكان أنس إذا وجد الحر دخل فيه يتبرد بذلك، انظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري (4/ 154). (¬3) أخرجه أبو داود (2369)، والنسائي (3029)، وابن ماجه (1681) وإسناده صحيح.

قال الشيخ الإمام البغوي رضي الله عنه: وتأوله بعض من رخص في الحجامة: أي تعرضًا لإفطار المحجوم للضعف، والحاجم لأنه لا يأمن مِنْ أن يصل شيء إلى جوفه بمصّ الملازم. (¬1) 1449 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أفطر يومًا من رمضان، من غير رخصة، ولا مرض، لم يقض عنه صوم الدهر كله". (ضعيف). قلت: رواه الأربعة والدرامي هنا من حديث أبي المطوس عن أبيه عن أبي هريرة يرفعه (¬2) واللفظ للترمذي، وذكره البخاري تعليقًا، فقال: ويذكر عن أبي هريرة، رفعه: "من أفطر يومًا من رمضان من غير عذر، ولا مرض، لم يقضه صيام الدهر وإن صامه"، قال الترمذي: لا نعرفه إلا من هذا الوجه وسمعت محمدًا -يعني البخاري- يقول: أبو المطوس اسمه: يزيد بن المطوس، ولا أعرف له غير هذا الحديث، ولا أدري سمع أبوه من أبي هريرة أم لا، وقال أبو الحسن علي بن خلف القرطبي: هو حديث ضعيف، لا يحتج بمثله، وقد صحت الكفارة بأحاديث صحيحة، ولا تعارض بمثل هذا. (¬3) ¬

_ (¬1) انظر: شرح السنة للبغوي (6/ 304)، والملازم: جمع الملزمة بكسر الميم: قارورة الحجام التي يجتمع فيها الدم، وسميت بذلك لأنها تلزم على المحل وتقبضه، انظر: المرقاة (2/ 523)، وانظر كذلك: شرح معاني الآثار (2/ 99)، وراجع لتفصيل هذا الموضوع: التلخيص الحبير (2/ 366 - 371)، والإرواء (931). (¬2) أخرجه أبو داود (2396) (2397)، والترمذي (723)، والنسائي في الكبرى (3279) و (3280)، وابن ماجه (1672)، البخاري تعليقًا راجع الفتح (4/ 160)، وانظر: تغليق التعليق (3/ 169 - 175)، والدارمي (2/ 1069 - 1070) رقم (1755) و (1756)، وأخرجه أحمد (2/ 442، 470)، وابن خزيمة (1987)، وابن حزم في المحلّى (6/ 183)، والبيهقي (4/ 228). (¬3) قال الحافظ في الفتح (4/ 161): "وصله أصحاب السنن الأربعة، وصححه ابن خزيمة من طريق شعبة وسفيان الثوري كلاهما عن حبيب بن أبي ثابت عن عمارة بن عمير عن أبي المطوس عن أبيه عن أبي هريرة نحوه، ثم ذكر قول الترمذي عن البخاري ثم قال: واختلف فيه على حبيب بن أبي ثابت اختلافًا =

باب صوم المسافر

وقال الإمام الشافعي: قال ربيعة: "من أفطر من رمضان يومًا قضى اثني عشر يومًا لأن الله جل ذكره اختار شهرًا من اثني عشر شهرًا فعليه أن يقضي بدلًا من كل يوم اثني عشر يومًا"، قال الشافعي: يلزمه أن يقول من ترك الصلاة ليلة القدر فعليه أن يقضي تلك الصلاة ألف شهر لأن الله يقول {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} (¬1) انتهى. تنبيه: سها ابن الأثير عن عز وهذا الحديث للنسائي وهو ثابت فيه فاعلم ذلك. (¬2) 1450 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر". قلت: رواه الحاكم في المستدرك وقال: على شرط البخاري وسنده: إسماعيل بن جعفر ثنا عمرو بن أبي عمرو عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة يرفعه ورواه المصنف في "شرح السنة" بهذا السند. والظمأ بالظاء المشاله وبالهمز: العطش. (¬3) باب صوم المسافر من الصحاح 1451 - إن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أصوم في السفر؟ وكان كثير الصيام، فقال: "إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر". ¬

_ = كثيرًا، فحصلت فيه ثلاث علل: الاضطراب، والجهل بحال أبي المطوس والشك في سماع أبيه عن أبي هريرة، وهذه الثالثة تختص بطريقة البخاري في اشتراط اللقاء". وقال في التقريب (6760): المطوّس ويقال: أبو المطوس، عن أبي هريرة، مجهول. (¬1) والأم (2/ 104)، انظر: خلاف العلماء في هذه المسألة في الفتح (4/ 161 - 162). (¬2) أخرجه النسائي في الكبرى -كما سبق- ونص عليها المزي في تحفة الأشراف (10/ 372 - 373) رقم (14616)، وانظر: جامع الأصول (6/ 421). (¬3) أخرجه الحاكم (1/ 431)، والبغوي في شرح السنة (6/ 274)، والدارمي (3/ 1789).

قلت: رواه الشيخان والنسائي كلهم في الصوم البخاري والنسائي من حديث مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ومسلم من حديث الليث عن هشام به. (¬1) وهذا الحديث دليل لجماهير العلماء وجميع أهل الفتوى على جواز الصوم في السفر، وأنه يجزى ولا يجب مع الصوم القضاء، وخالف في ذلك بعض أهل الظاهر فقال: لا يصح صوم رمضان في السفر، فإن صامه وجب قضاؤه، ولم ينعقد فيه، واختلفوا في: أن الصوم أفضل من الفطر، أم الفطر، أم هما سواء، فقال الشافعي وأبو حنيفة ومالك: أن الصوم أفضل لمن يطيقه بلا مشقة ظاهرة ولا ضرر، فإن تضرر به فالفطر، وقال جماعة: الفطر أفضل مطلقًا، وقال آخرون: الصوم والفطر سواء لتعادل الأحاديث الصحيحة في ذلك. 1452 - غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لست عشرة ليلة مضت من رمضان، فمنا من صام ومنا من أفطر، فلم يعِبْ الصائم على المفطِر ولا المفطِر على الصائم". قلت: رواه مسلم هنا من حديث أبي سعيد ولم يخرجه البخاري. (¬2) 1453 - كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر، فرأى زحامًا ورجلًا قد ظلل عليه، فقال: "ما هذا؟ " قالوا: صائم، قال: "ليس من البر الصوم في السفر". قلت: رواه الشيخان وأبو داود والنسائي هنا واللفظ للبخاري من حديث جابر. (¬3) قال المنذري (¬4) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس من البر" كقوله: ليس البر، و"من" قد تكون زائدة، كقولهم: ما جاءني من أحد ومنع ذلك سيبويه، ورأى أن "من" في قوله: ما جاء من أحد، تأكيدًا للاستغراق، وعموم النفي. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1947)، ومسلم (1121)، والنسائي (4/ 187). (¬2) أخرجه مسلم (1116). (¬3) أخرجه البخاري (1946)، ومسلم (1115)، وأبو داود (2407)، والنسائي (4/ 176، 177). (¬4) مختصر المنذري (3/ 287 - 288).

وهذا الحديث محمول على من شق عليه الصوم، فتقديره: ليس من البر الصوم في السفر، إذا شق عليكم، وخفتم الضرر، وسياق الحديث يقتضي هذا التأويل، وبهذا يجمع بينه وبين الحديث المتقدم الدال على التخيير بين الصوم والفطر. 1454 - كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في السفر، فمنّا الصائم، ومنّا المفطر، فنزلنا منزلًا في يوم حار، فسقط الصوامون، وقام المفطرون، فضربوا الأبنبة وسقوا الركاب، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ذهب المفطرون اليوم بالأجر". قلت: رواه الشيخان هنا من حديث أنس. (¬1) والأبنية: هي البيوت التي يسكنها العرب في الصحاري، والركاب بكسر الراء: الإبل التي يسافر عليها. 1455 - "خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المدينة إلى مكة، فصام، حتى بلغ عسفان، ثم دعا بماء فرفعه إلى يده ليراه الناس، فأفطر، حتى قدم مكة، وذلك في رمضان". قلت: رواه الشيخان وأبو داود والنسائي أربعتهم هنا من حديث ابن عباس. (¬2) 1456 - وروي: عن جابر: "أنه شرب بعد العصر". قلت: رواها مسلم من (¬3) حديث جابر، ولم يخرجه البخاري. وعُسفان: بضم العين وسكون السين المهملتين وبعد السين فاء وألف ونون قرية جامعة على أربعة برد من مكة، وكل بريد: أربعة فراسخ، وكل فرسخ: ثلاثة أميال، فالجملة ثمانية وأربعون ميلًا هذا هو الصواب الذي قاله الجمهور، سميت عسفان لتعسف السيل بها. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2890)، ومسلم (1119). (¬2) أخرجه البخاري (1948) ومسلم (1113)، وأبو داود (2404)، والنسائي (4/ 184). (¬3) أخرجه مسلم (1114). (¬4) كتاب المناسك وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة لأبي إسحاق الحربي ص (415)، ومعجم البلدان =

من الحسان

من الحسان 1457 - وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة والصوم عن المسافر وعن المرضع أو الحبلى". قلت: رواه الأربعة هنا من حديث أنس بن مالك (¬1) رجل من بني عبد الله ابن كعب، أخو بني قشير قال: أغارت خيلٌ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فانتهبت، فانطلقت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو يأكل، فقال: اجلس، فأصِبْ من طعامنا، فقلت: إني صائم، قال: اجلس، أحدثك عن الصلاة وعن الصيام: إن الله وضع شطر الصلاة أو نصف الصلاة، والصوم عن السافر، وعن المرضع، أو الحبلى، والله لقد قالهما جميعًا، أو أحدهما، قال: فتلهفتْ نفسي أن لا أكون أكلت من طعام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: وقال الترمذي: حسن، ولا نعرف لأنس بن مالك هذا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- غير هذا الحديث الواحد. انتهى كلامه. 1458 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من كانت له حمولة تأوي إلى شبع، فليصم رمضان حيث أدركه". قلت: رواه أبو داود من حديث سنان بن سلمة بن المحبق الهذلي، عن أبيه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من كانت له حمولة تأوي إلى شبع ... " الحديث، وفي سنده عبد الصمد بن حبيب العوذي البصري، ضعفه أحمد، وقال البخاري: منكر الحديث، ¬

_ = للحموي (4/ 121 - 122). (¬1) أخرجه أحمد (4/ 347) (5/ 29)، وأبو داود (2458)، والترمذي (715)، والنسائي (4/ 180، 181)، وابن ماجه (16679)، وابن خزيمة (2044)، وإسناده حسن. وأنس ابن مالك هو أبو أمامة الكعبي ويقال العقيلي والعامري أسند حديثًا واحدًا في صوم المسافر والحامل والمرضع انظر ترجمته في الإصابة لابن حجر (1/ 129)، ووقع فيه عند ابن ماجه: أنس بن مالك من بني عبد الأشهل، وهو غلط.

باب القضاء

ولم يعد البخاري هذا الحديث شيئًا، وذكر له أبو جعفر العقيلي هذا الحديث وقال: لا يتابع عليه ولا يعرف إلا به. (¬1) والحمولة: بفتح الحاء المهملة: الإبل التي تحمل، وكذلك كل ما احتمل عليه من حمار وغيره، والشبع: بكسر الشين وسكون الباء الموحدة، اسم لما يشبع، وأما بفتح الباء فهو المصدر. باب القضاء من الصحاح 1459 - " كان يكون عليّ الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان" تعني الشغل بالنبي - صلى الله عليه وسلم -". قلت: رواه مالك والجماعة في الصوم من حديث عائشة. (¬2) قوله: تعني الشغل إلى آخره من كلام يحيى بن سعيد أحد رواته. قال العلماء: وإنما كانت تقتضي ما فات من رمضان في شعبان، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصوم معظم شعبان، فلا حاجة له فيها حينئذ في النهار، ولأنه إذا جاء شعبان يضيق قضاء رمضان، فإنه لا يجوز تأخيره عنه، وذهب الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأحمد وجماهير الخلف والسلف إلى أن قضاء رمضان في حق من أفطر بعذر لحيض وسفر، ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2410، 2411)، والعقيلي في الضعفاء (3/ 837)، وانظر: الضعيفة (981). وقال الحافظ: عبد الصمد بن حبيب الأزدي، ضعّفه أحمد، وقال ابن معين: لا بأس به، وقال أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه، وليس بالمتروك، انظر: الجرح والتعديل (6/ ت 271)، وتهذيب الكمال (18/ 94 - 96) رقم (3428)، ومختصر المنذري (3/ 290)، والتقريب (4105). (¬2) أخرجه مالك (1/ 308 - 680)، والبخاري (1950)، ومسلم (1146)، وأبو داود (2399)، والترمذي (783)، والنسائي (4/ 190، 191)، وابن ماجه (1669).

يجب على التراخي، ولا يجب المبادرة في أول الإمكان، قالوا: ولا يجوز تأخيره عن شعبان الآتي لأنه يؤخره حينئذ إلى زمان لا تقبله وهو في رمضان الآتي، فصار كمن أخره إلى الموت، قال الجمهور: ويستحب المبادرة به للاحتياط فيه، فإن أخره فالصحيح عند المحققين من الفقهاء، وأهل الأصول أنه يجب العزم على فعله، وكذلك كل واجب موسع، وأجمعوا على: أنه إذا مات قبل خروج شعبان لزمته الفدية في تركه عن كل يوم مد، من طعام، ومن جوز الصوم عنه قال: يسقط الفدية بصوم الولي عنه، وهذا إذا تمكن من القضاء ولم يقض، أما إذا لم يتمكن فلا يطعم عنه ولا يقضى عنه. 1460 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل للمرأة أن تصوم، وزوجها شاهد، إلا بإذنه ولا تأذن في بيته إلا بإذنه". قلت: رواه مسلم في الزكاة، والبخاري في النكاح، من حديث أبي هريرة (¬1) وزاد مسلم لفظة: وهو شاهد في الإذن، ولم يقل البخاري: وهو شاهد في الإذن، وأخرجه كاملًا أبو داود، وزاد فيه: غير رمضان. تنبيه: قد وهم الشيخ زكي الدين المنذري في مختصر السنن (¬2): فنسب الحديث لمسلم ولأبي داود قال: وأخرج البخاري في فضل الصوم خاصة فنفى أن يكون في البخاري بقية الحديث، وليس كذلك بل الحديث بتمامه في البخاري في النكاح، وإنما أوقع الشيخ في ذلك، أن البخاري روى قصة الصوم في باب من أبواب النكاح مقتصرًا عليها، فتوهم أنه ليس في البخاري إلا ذلك، وقد وهم الطبري أيضًا، فجعل من زيادات البخاري على مسلم: ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه، وهذا في مسلم أيضًا بعينه، وليس في البخاري في الإذن وهو شاهد، فوهم في نفيه عن مسلم وفي نسبته ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5195)، ومسلم (1026)، وأبو داود (2458). (¬2) انظر: مختصر السنن للمنذري (3/ 336).

للبخاري وهو شاهد في الإذن، وقد اتفق العلماء على أن المراد: لا يحل لها صوم التطوع وزوجها حاضر إلا بإذنه. 1461 - وقالت معاذة لعائشة: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت: "كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة". قلت: رواه الجماعة في الطهارة من حديث معاذة عن عائشة. (¬1) 1462 - إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من مات وعليه صوم، صام عنه وليُّه". قلت: رواه الشيخان وأبو داود كلهم هنا من حديث عائشة (¬2) ولم أقف في كتاب الصوم للثلاثة على "صوم" بل لفظهم "صيام" فقالوا: من مات وعليه صيام ... الحديث. وقد اختلف العلماء فيمن مات وعليه صوم واجب، فذهب الجمهور إلى أنه لا يصام عنه، وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي في أصح قوليه، وتأولوا الحديث على أنه يطعم عنه وليّه، وقد أجاب الشافعي في "الأم" عن هذا الحديث وقد أوضحت ذلك في "فرائد الفوائد" ونقلت فيه ما قاله الشافعي، وذهب آخرون إلى أن الولي يصوم عنه، عملًا بظاهر الحديث، وبه قال أحمد، وهو أحد قولي الشافعي وصححه النووي، ونقله عن جماعات من محققي أصحاب الشافعي، وقال من يقول بالصيام يجوّز الإطعام، ويجعل الولي مخيرًا بين الصيام والإطعام، والمراد بالولي: القريب، سواء كان عصبة أو وارثًا أو غيرهما، هذا هو الصحيح، ولو صام أجنبي بإذن الولي صح، أو ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (321)، ومسلم (335)، والترمذي (130)، وأبو داود (262)، والنسائي (1/ 191 - 192). (¬2) أخرجه البخاري (1952)، ومسلم (1147)، وأبو داود (2400).

من الحسان

دون إذنه فلا، ولا يجب على الولي الصوم عنه، لكن يستحب عند من جوز الصوم عنه والله أعلم. (¬1) من الحسان 1463 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من مات وعليه صيام شهر رمضان، فليُطْعَم عنه، مكان كل يوم مسكين" (والصحيح أنه موقوف على ابن عمر). قلت: رواه الترمذي هنا من حديث ابن عمر يرفعه، وقال الترمذي: لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه والصحيح أنه موقوف على ابن عمر. (¬2) قال النووي (¬3): هذا الحديث ليس بثابت، ولو ثبت أمكن الجمع بينه وبين الحديث الذي قبله، بحمله على جواز الأمرين. باب صيام التطوع من الصحاح 1464 - كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صيامًا في شعبان، كان يصوم شعبان إلا قليلًا. ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (8/ 37 - 39)، وأطال ابن القيم في هذه المسألة في تهذيب سنن أبي داود المطبوع مع مختصر المنذري (3/ 281 - 282). (¬2) أخرجه الترمذي (718)، وابن ماجه (1757)، والبغوي في شرح السنة (1775)، وإسناده ضعيف لضعف: أشعث بن سوار النجار. كما قال الحافظ في التقريب (528) وفيه كذلك محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال عنه الحافظ: صدوق سيء الحفظ جدًّا، التقريب (6121). (¬3) راجع: المجموع شرح المهذب للنووي (6/ 371).

قلت: رواه الشيخان وأبو داود والنسائي كلهم في الصوم من حديث أبي النضر عن أبي سلمة عن عائشة. (¬1) 1465 - قالت: ما علمته صام شهرًا كله إلا رمضان، ولا أفطره كله حتى يصوم منه، حتى مضى لسبيله. قلت: رواه مسلم والنسائي كلاهما هنا من حديث كهمس عن عبد الله بن شقيق عن عائشة. (¬2) 1466 - قال - صلى الله عليه وسلم - له أو لآخر: "أصمت من سرر شعبان؟ قال: لا، قال: فإذا أفطرت فصم يومين". قلت: رواه الشيخان وأبو داود والنسائي كلهم هنا من حديث مطرف عن عمران بن حصين ولم يصل البخاري سنده بلفظة: سرر شعبان، إنما قال: أما صمت سرر هذا الشهر، الحديث، ثم قال: وقال ثابت: عن مطرف عن عمران عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من سرر شعبان. (¬3) قوله: من سرر شعبان، بسين ورائين مهملات، وروي بفتح السين وكسرها وحكى بعضهم فيها الضم، ويقال أيضًا: سَرار وسِرار بفتح السين وكسرها، قال جمهور العلماء: سرر الشهر آخره، سميت بذلك للاستقرار القمر فيها، وقال جماعة: سرر الشهر وسطه، وقال آخرون أوله، والصحيح الأول، وقد صحت الأحاديث في النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين، وقد أجاب المازري وغيره عن هذا الحديث: بأن هذا الرجل كان من عادته أن يصوم آخر الشهر، فتركه لخوف الوقوع في النهي عن تقدم رمضان، فبين له النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الصوم المعتاد لا يدخل في النهي وإنما نهي عن غير المعتاد. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1969)، ومسلم (1156)، وأبو داود (2434)، والنسائي (4/ 150). (¬2) أخرجه مسلم (1156)، والنسائي (4/ 152). (¬3) أخرجه البخاري (1983)، ومسلم (1161)، وأبو داود (2328)، والنسائي (2868).

1467 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل". قلت: رواه مسلم وأبو داود هنا والترمذي والنسائي في الصلاة من حديث أبي هريرة، ولم يخرجه البخاري، ووهم الطبري فنسبه للبخاري أيضًا وليس كذلك. (¬1) وفي هذا الحديث تصريح بأن المحرم أفضل الأشهر للصوم، ويجاب عن إكثار النبي -صلى الله عليه وسلم- صوم شعبان دونه، بأنه إنما علم فضله - صلى الله عليه وسلم - في آخر حياته! ولعله كانت تعترض فيه أحوال من سفر أو غيره. وفيه دليل على أن تطوع الليل أفضل، وفيه: حجة لما قاله أبو إسحاق المروزي من أصحابنا أن صلاة الليل أفضل من الرواتب. 1468 - ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتحرى صيام يوم فضّله على غيره إلا هذا اليوم يومَ عاشوراء، وهذا الشهر، يعني شهر رمضان. قلت: رواه الشيخان والنسائي كلهم هنا من حديث عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس. (¬2) وعاشوراء: اسم إسلامي، لا يعرف في الجاهلية، وهو ممدود، وحكى فيه القصر، والمشهور: أنه العاشر من المحرم، وقال ابن عباس وجماعة هو: التاسع، وقال أبو الليث السمرقندي: بعد أن ذكر القولين، وقال بعضهم: هو يوم الحادي عشر، وذكر الاختلاف في تسميته عاشوراء، فقال: قال بعضهم: لأنه عاشر المحرم، وقيل: لأن الله تعالى أكرم فيه عشرة من الأنبياء، بعشر كرامات، وقيل: أنه عاشر كرامة أكرم الله تعالى بها هذه الأمة، واختلفوا في حكمه أول الإسلام، حتى شرع صومه، قبل صوم ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1163)، وأبو داود (2429)، والترمذي (438)، والنسائي (3/ 206)، وفي الكبرى (2907)، وابن ماجه (1742). (¬2) أخرجه البخاري (1988)، ومسلم (1132)، والنسائي (4/ 204).

رمضان، فقال الإمام أبو حنيفة كان واجبًا، والصحيح عند الشافعية أنه لم يزل سنة، لكنه قبل رمضان كان متأكد الاستحباب، فلما نزل صوم رمضان صار مستحبًّا دون ذلك الاستحباب، وتظهر فائدة الخلاف في اشتراط نية الصوم الواجب من الليل، فأبو حنيفة لا يشترطها، ويقول: كان الناس مفطرين في أول يوم عاشوراء ثم أمرهم - صلى الله عليه وسلم - بصيامه، كما جاء في الصحيح فكانت نيتهم في النهار من غير تبييت، ولم يؤمروا بقضائه بعد صومه، وأصحاب الشافعي يقولون كان مستحبًّا فصح نيته من النهار. 1469 - حين صام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله إنّه يوم تعظمه اليهود، فقال: "لئن بقيت إلى قابل لأصومَنّ التاسع". قلت: رواه مسلم وأبو داود هنا من حديث ابن عباس (¬1). وهذا دليل الحنفية على أنه كان واجبًا. 1470 - "إن ناسًا تماروا يوم عرفة في صيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره بعرفة فشربه". قلت: رواه البخاري في الحج وفي الصوم وفي الأشربة، ومسلم وأبو داود في الصوم ثلاثتهم من حديث أم الفضل بنت الحارث، واسمها: لبابة بباءين موحدتين. وتماروا: بفتح التاء المثناة من فوق، وبميم وألف وراء مهملة مفتوحة: أي تجادلوا، والامتراء في الشيء: الشك فيه، وفيه دليل: لما ذهب إليه الشافعي وأبو حنيفة ومالك من استحباب فطر يوم عرفة بعرفة للحاج. 1471 - ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صائمًا في العشر قط. قلت: رواه مسلم وأبو داود والترمذي كلهم هنا من حديث عائشة ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1176)، وأبو داود (2445).

إلا أن أبا داود أسقط منه لفظة "في" ولم يخرجه البخاري. (¬1) قال العلماء: وهذا الحديث مما يوهم كراهية صوم العشر والمراد بالعشر هنا: الأيام التسعة، من أول ذي الحجة، قالوا: وهذا من ما يتأول وليس في صيام هذه التسعة كراهة، بل هي مستحبة متأكدة، لا سيما التاسع منها، وهو يوم عرفة، وثبت في صحيح البخاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ما من أيام العمل الصالح فيها أفضل منه في هذه يعني العشر الأول من ذي الحجة، فتناول قولها: لم يصم العشر أنه لم يصمه لعارض من مرض أو سفر أو غيرهما أو أنها لم تره صائمًا فيه، ولا يلزم من ذلك عدم صيامه في نفس الأمر، وقد جاء في أبي داود عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر: أول الاثنين من الشهر والخميس. 1472 - قال عمر: يا رسول الله! كيف من يصوم الدهر كله؟ قال: "لا صام ولا أفطر، ثلاث من كل شهر، ورمضان إلى رمضان، فهذا صيام الدهر كله، صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبلها". قلت: رواه الجماعة إلا البخاري كلهم هنا من حديث أبي قتادة ولم يخرج البخاري عن أبي قتادة في هذا شيئًا. (¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا صام ولا أفطر" يحتمل أن يكون ذلك على وجه الدعاء عليه كراهية وزجرًا عن ذلك أو يكون: لا ها هنا كهي في قوله تعالى {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} أما أنه لم يفطر، فلأنه امتنع من الطعام والشراب في النهار، وأما أنه لم يصم، فلأنه لم يحصل له ثواب الصوم، وذهب جماهير العلماء إلى جواز صوم الدهر إذا لم يصم الأيام المنهي ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1176)، وأبو داود (2439)، والترمذي (756). (¬2) أخرجه مسلم (1162)، والترمذي (749)، وأبو داود (2425)، والنسائي (4/ 207 - 208)، وابن ماجه (1730) و (1713)، والبغوي (1789).

عنها، ومنع أهل الظاهر من صيام الدهر، ومذهب الشافعي أنه إن خاف ضررًا أو موت به حقًّا كره له، وإلا فمستحب. 1473 - سئل - صلى الله عليه وسلم - عن صوم يوم الاثنين؟ فقال: "فيه ولدت وفيه أنزل علي". قلت: رواه مسلم فقال من حديث أبي قتادة: وسئل عن صوم يوم الاثنين قال: ذاك يوم ولدت فيه، وفيه أنزل علي، وفي هذا الحديث من رواية شعبة: وسئل عن صوم يوم الاثنين والخميس، قال مسلم: فسكتنا عن ذكر الخميس لما نراه وهمًا ولم يخرجه البخاري. (¬1) فائدة: هذا الحديث استدركه الحاكم على الشيخين وأفهم أنه ليس في واحد منهما وهو في مسلم من طرق متعددة. (¬2) 1474 - سئلَتْ: أكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم من كل شهر ثلاثة أيام؟ قالت: نعم، فقيل: من أي أيام الشهر؟ قالت: لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم. قلت: رواه مسلم والترمذي وأبو داود هنا من حديث معاذة أنها سألت عائشة ولم يخرجه البخاري. (¬3) 1475 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من صام رمضان، وأتبعه ستًّا من شوال، كان كصيام الدهر". قلت: رواه مسلم هنا والأربعة واللفظ لمسلم. (¬4) والترمذي، وعند أبي داود: "فكأنما صام الدهر" من حديث أبي أيوب ولم يخرجه البخاري، وطعن فيه ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1162). (¬2) انظر المستدرك للحاكم (2/ 602) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وذكره الحافظ في "إتحاف المهرة" (4/ 146 رقم 4073) وقال: وقد غفل الحاكم حيث أخرجه، فإن مسلمًا أخرجه ضمن الحديث الطويل. وأخرجه الإمام مسلم برقم (196/ 1162). (¬3) أخرجه مسلم (1160)، وأبو داود (2453)، والترمذي (763). (¬4) أخرجه مسلم (1164)، وأبو داود (2433)، والترمذي (759)، والنسائي (2863)، وابن ماجه =

من لا علم له وغره قول الترمذي فيه: أنه حسن، وبالكلام في راويه وهو سعد بن سعيد، واعتنى الحافظ شرف الدين الدمياطي بجمع طرقه فأسنده عن بضعة وعشرين رجلًا، رووه عن سعد ابن سعيد، أكثرهم حفاظ إثبات، وتابع سعدًا في روايته أخواه يحيى وعبد ربه وصفوان بن سليم وغيرهم، ورواه أيضًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثوبان وأبو هريرة وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس والبراء بن عازب وعائشة ولهذا لم يعتبر جمهور العلماء هذا الطعن، بل ذهبوا إلى العمل بالحديث، فذهب الشافعي ومن وافقه إلى استحباب صوم هذه الستة، وكرهها آخرون، قال مالك في الموطأ (¬1): ما رأيت أحدًا من أهل العلم يصومها، فتكره لئلا يظن وجوبها انتهى. قالت الشافعية: إذا ثبتت السنة لا تترك لترك بعض الناس، أو أكثرهم، ولا يتصور بترك كلهم لها، لأنهم لا يجتمعون على ضلالة، وأما التعليل: فقد يظن وجوبها، فينتقض بسنن كثيرة، قال العلماء: وإنما كان ذلك كصيام الدهر، لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان بعشرة أشهر، والستة بشهرين، وقد جاء هذا في حديث مرفوع في كتاب النسائي. (¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم -: ستًّا من شوال، صحيح، ولو قال: سته بالهاء جاز أيضًا قال أهل اللغة: يقال: صمنا ستًّا وخمسًا وسته وخمسه، وإنما يلتزمون إثبات الهاء في المذكر إذا ذكر والمعدود، فيقولون: ستة أيام، ولا يجوز حذفها، فإذا حذفوا الأيام جاز الوجهان. (¬3) 1476 - قال نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن: "صوم يوم الفطر والنحر". ¬

_ = (1716). (¬1) الموطأ (1/ 311). (¬2) في السنن الكبرى (2861). (¬3) راجع: تهذيب السنن لابن القيم مع مختصر المنذري (3/ 308 - 318) فقد أجاب فيه عن جميع الشبهات حول هذا الحديث بالتفصيل وفيه فوائد حديثية مهمة.

قلت: رواه الشيخان وأبو داود والترمذي كلهم هنا من حديث عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد، واللفظ للبخاري وأبي داود، ولفظ مسلم: صيام يومين، ولفظ الترمذي: صيامين. (¬1) 1477 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا صوم في يومين: الفطر والأضحى". قلت: رواه البخاري في الصلاة في بيت المقدس، وفي الحج، وهنا، بلفظ المصنف، ومسلم في الصوم، ولفظه: لا يصلح الصوم في يومين، والنسائيُّ وابن ماجه هنا كلهم من حديث قزعة بن يحيى عن أبي سعيد. (¬2) 1478 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أيام التشريق: أيام أكل وشرب وذكر لله". قلت: رواه مسلم هنا والنسائي في الحج من حديث نُبيشة، ولم يخرجه البخاري ولا أخرج في كتابه عن نبيشة شيئًا (¬3)، ويقال له نبيشة الخير. وهو بضم النون وفتح الموحدة وبالياء آخر الحروف وبالسين المعجمة وتاء التأنيث. (¬4) وفي الحديث دليل لمن قال: لا يصح صومها بحال، وبه قال الشافعي في أصح قوليه، وأبو حنيفة وآخرون، وقال آخرون: يجوز صيامها لكل أحد، وقال مالك: يجوز صومها للمتمتع إذا لم يجد هديًا ولا يجوز لغيره. 1479 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يصوم أحدكم يوم الجمعة، إلا أن يصوم قبله، أو يصوم بعد". قلت: رواه الشيخان هنا من حديث أبي هريرة. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1991)، ومسلم (827)، وأبو داود (2417)، والترمذي (772). (¬2) أخرجه البخاري (1197) و (1995)، ومسلم (827)، وابن ماجه (1721)، والنسائي (2792). (¬3) أخرجه مسلم (1141)، والنسائي (7/ 170)، وأبو داود (2813). (¬4) قال الحافظ: نبيشة بن عبد الله الهذلي، ويقال له: نبيشة الخير، صحابي قليل الحديث انظر: التقريب (7144). (¬5) أخرجه البخاري (1985)، ومسلم (1144).

1480 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تختصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم". قلت: رواه مسلم هنا من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬1) وفي هذا الحديث والذي قبله: دلالة ظاهرة لقول الشافعية ومن وافقهم أنَّه يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم إلا أن يوافق عادة له، أو يصله بما قبله، وأما قول مالك في الموطأ (¬2): "لم أسمع أحدًا من أهل العلم والفقه ومن يقتدي به، فينهى عن صيام يوم الجمعة، وصيامه حسن، وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه، وأراه كان يتحراه" قال جماعة من أهل العلم: وقد رأى غيره خلاف ما رأى هو، والسنة مقدمة، وقد ثبت النهي عن صوم الجمعة، قال الداوودي من أصحاب مالك: لم يبلغ مالكًا هذا الحديث، ولو بلغه لم يخالفه، قال العلماء: والحكمة في النهي أن يوم الجمعة يوم دعاء، وذكر، وصلاة، واغتسال، وتبكير للصلاة، واستماع، فاستحب الفطر، ليكون أعون له على هذه الوظائف وأدائها بنشاط، وانشراح، وهو نظير الحاج يوم عرفة، فإن السنة له الفطر، فإن قيل: لو كان كذلك لم يزل النهي والكراهة بصوم قبله أو بعده لبقاء المعنى؟ فالجواب: أنَّه تحصل له بفضيلة الصوم الذي قبله أو بعده ما يجبر ما قد يحصل من فتور أو تقصير، كذا قالوا، وعندي في ذلك نظر: لأنَّ هذا التعليل يقتضي أن من لا جمعة عليه لا يكره له الصوم، وليس كذلك بل الذي أطلقوه الكراهة مطلقًا والله أعلم. 1481 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من صام يومًا في سبيل الله، بعَّد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1144). (¬2) الموطأ (1/ 311).

قلت: رواه البخاري والترمذي كلاهما في الجهاد ومسلم والنسائيُّ وابن ماجه ثلاثتهم في الصوم من حديث أبي سعيد الخدري. (¬1) والخريف: السنة، والمراد سبعين سنة، وهذا محمول على من لا يتضرر به، ولا يفوت به حقًّا، ولا يختل به قتاله ولا غيره من مهمات غزوه. ومعنى المباعدة من النار: المعافاة منها، كذا قاله النوويّ (¬2) وغيره، والذي يظهر أن سبيل الله تعالى هنا المراد به: التطوع لله واحتسابه عند الله، وليس المراد به حالة الغزو خاصة، والله أعلم. 1482 - قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا عبد الله ألم أُخْبَر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ " فقلت: بلى يا رسول الله، قال: "فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقًّا، وإن لعينك عليك حقًّا، وإن لزوجك عليك حقًّا، وإن لزورك عليك حقًّا، لا صام من صام الدهر، صوم ثلاثة أيام: صوم الدهر كله، صم كل شهر ثلاثة أيام، واقرأ القرآن في كل شهر". قلت: إني أطيق أكثر من ذلك، قال: "صم أفضل الصوم صومَ داود: صيام يوم وإفطار يوم، واقرأ في كل سبع ليال مرة، ولا تزد على ذلك". قلت: رواه الجماعة هنا بألفاظ متقاربة المعنى مختلفة الألفاظ وذكره البخاري أيضًا في أحاديث الأنبياء، كلهم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. (¬3) وقد تقدم الكلام في صيام الدهر، وأما نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن قيام الليل كله: فمحمول على ظاهره، فيكره صلاة كل الليل دائمًا لكل أحد، وفرقوا بينه وبين صوم كل الدهر في حق من لم يتضرر به ولا يفوت حقًّا، بأن صلاة الليل كله لا بد فيها من الإضرار ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2840)، ومسلم (1153)، والنسائي (4/ 173، 174)، وابن ماجه (1717). (¬2) المنهاج للنووي (8/ 47). (¬3) أخرجه البخاري (1975) (1976) (1979) (5052)، ومسلم (1159)، وأبو داود (1388 و 1389، 1390، 1391)، والترمذي (768)، والنسائي (4/ 224)، وابن ماجه (706).

من الحسان

بنفسه، وتفويت بعض الحقوق؛ لأنه إن لم ينم بالنهار فهو ضرر ظاهر، وإن نام يومًا يخلف سهره فوت بعض الحقوق، بخلاف من صلى بعض الليل فإنَّه يستغني بنوم باقيه، وإن نام معه شيئًا من النهار، كان يسيرًا لا يفوت حقًّا، وكذا من قام ليلة كاملة، كليلة القدر وغيرها، لا دائمًا، لا كراهية فيه، وقد تمسك بهذا الحديث من ذهب إلى أن: صوم يوم وفطر يوم، أفضل من سرد الصوم، وإليه ذهب المتولي وجماعة من أصحابنا وفي كلام غيرهم إشارة إلى تفضيل السرد وتخصيص هذا الحديث بعبد الله بن عمرو، ومن في معناه ممن لا يطيقه، وتقديره لا أفضل من هذا في حقك. قوله - صلى الله عليه وسلم -: ولزورك عليك حقًّا، بالزاي المعجمة المفتوحة وسكون الواو وكسر الراء المهملة أي زائرك. قوله - صلى الله عليه وسلم -: في قراءة القرآن في كل سبع ليال مرة ولا تزد على ذلك، فيه الإرشاد إلى الاقتصار في العبادة، والإرشاد إلى تدبر القرآن، وقد كان للسلف عادة مختلفة فيما يقرؤون كل يوم بحسب أحوالهم وأفهامهم ووظائفهم، قال النوويّ في كتاب "آداب القرآن (¬1) " وأكثر ما بلغنا من ذلك أن بعضهم كان يقرأ في كل يوم وليلة: ثمان ختمات، قال: والمختار أنَّه يستكثر منه ما يمكنه الدوام عليه، ولا يعتاد إلا ما يغلب على ظنه الدوام عليه في حال نشاطه وغيره، هذا إذا لم يكن له وظيفة عامة أو خاصة تتعطل، فإن كانت كولاية وتعليم ونحو ذلك، فليوظف لنفسه قراءة تمكنه المحافظة عليها من غير إخلال بشيء من كمال تلك الوظيفة والله أعلم. من الحسان 1483 - كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يصوم يوم الإثنين والخميس". ¬

_ (¬1) التبيان في آداب حملة القرآن للنووي ص (65 - 69) ط. مؤسسة الرسالة. وذكر النووي أمثلة عديدة عن الذين ختموا القرآن في أسبوع واحد، في يوم وليلة، وفي ركعة واحدة، وفي الليل، وفي النهار، وغيرها.

قلت: رواه الأربعة إلا أبا داود واللفظ للنسائي، وقال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه، وقد روى أبو داود معنى حديث عائشة من حديث أسامة بن زيد بسند فيه: رجلان مجهولان. (¬1) 1484 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "تعرض الأعمال يوم الإثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم". قلت: رواه أحمد والترمذي هنا وقال: حسن غريب، كلاهما من حديث أبي هريرة. (¬2) 1485 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا أبا ذر إذا صمت من الشهر فصم ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة". قلت: رواه الترمذي والنسائيُّ هنا واللفظ للترمذي، وقال: حديث حسن. (¬3) وهذا دليل على استحباب صوم أيام البيض، وأنها هذه المعدودات في الحديث، ويرد على من قال: هي الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر. 1486 - كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم من غرة كل شهر ثلاثة أيام، وقَلَّما كان يفطر يوم الجمعة. قلت: رواه الثلاثة هنا من حديث عبد الله بن مسعود، وقال الترمذي: حسن غريب، وليس في أبي داود "وقَلَّما كان يفطر يوم الجمعة". (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (745)، والنسائيُّ (4/ 202)، وابن ماجه (1739). ورواية أسامة بن زيد عند أبي داود (2436). والمجهولان: مولى قدامة بن مظعون، ومولى أسامة بن زيد، انظر: تهذيب التهذيب (12/ 380 - 381)، ومختصر المنذري (3/ 320). (¬2) أخرجه الترمذي (747)، وأحمد (2/ 329)، وانظر: الإرواء (948). (¬3) أخرجه أحمد (5/ 150)، والترمذي (762)، والنسائيُّ (4/ 222)، وراجع الإرواء (947). (¬4) أخرجه أبو داود (2450)، والترمذي (742)، والنسائيُّ (4/ 204)، ورواه ابن ماجه مختصرًا (1725) وإسناده حسن.

1487 - كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم من الشهر: السبت والأحد والإثنين، ومن الشهر الآخر: الثلاثاء والأربعاء والخميس. قلت: رواه الترمذي هنا من حديث خيثمة عن عائشة وقال: حديث حسن. (¬1) 1488 - كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرني أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر، أولها الإثنين والخميس. قلت: رواه أبو داود والنسائيُّ كلاهما هنا من حديث أم سلمة ولم يضعفه أبو داود ولا المنذري. (¬2) قوله: أولها الإثنين والخميس: لأنَّ الشهر إما أن يكون افتتاحه من الأسبوع في القسم الذي بعد الخميس، فتفتتح صومها من ذلك الشهر بالإثنين، وإما أن يكون في القسم الذي بعد الإثنين فتفتتح صومها في شهرها ذلك بالخميس. 1489 - سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صيام الدهر قال: "صم رمضان، والذي يليه، وكل أربعاء وخميس، فإذن أنت قد صمت الدهر". قلت: رواه أبو داود والترمذي والنسائيُّ كلهم في الصيام من حديث مسلم ابن عبيد الله القرشي ويقال عبيد الله بن مسلم وقال الترمذي: غريب ولم يضعفه أبو داود. (¬3) 1490 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة. قلت: رواه الأربعة هنا إلا الترمذي، ورواه الحاكم كلهم من حديث مهدي بن حرب الهجري عن عكرمة عن أبي هريرة قال الحاكم: على شرط البخاري انتهى ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (746) وفي الشمائل (299) وانظر: التلخيص الحبير (2/ 414) وفيه الجمع بين هذا الحديث وحديث: "لا تصوموا يوم السبت، إلا فيما افترض عليكم". (¬2) أخرجه أبو داود (2452)، والنسائيُّ (4/ 221) وانظر مختصر المنذري (3/ 330). (¬3) أخرجه أبو داود (2432)، والترمذي (748)، والنسائيُّ في الكبرى (2779).

كلام الحاكم، وكلامه مردود فإن مهدي الهجري ليس من رجال البخاري ولا مسلم، وقال ابن معين فيه: لا أعرفه، والعجب أن الذهبي أقر الحاكم على ما قال (¬1). وقال الخطابي (¬2): هذا نهي كراهة لا نهي تحريم. 1491 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه". قلت: رواه الأربعة من حديث عبد الله بن بسر عن أخته (¬3) الصماء وقال الترمذي: حديث حسن، وقال أبو داود: هذا الحديث منسوخ وروي هذا الحديث من حديث عبد الله بن بسر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن حديث الصماء عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قال النسائيُّ: وهذه أحاديث مضطربة. وقال مالك: هذا الحديث كذب، وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري، وله معارض، يعني الأحاديث الواردة في صومه، وذهب جمهور أصحاب الشافعي إلى كراهة إفراد في كيوم السبت بالصوم، قالوا ودعوى النسخ ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2440)، وابن ماجه (1732)، والنسائيُّ في الكبرى (2830)، والحاكم (1/ 434)، وأحمد (2/ 304)، والبيهقيُّ (4/ 284)، قال العقيلي كما ذكر الحافظ: (ورواه من طريق مهدي): لا يتابع عليه، وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 407): وفيه مهدي الهجري مجهول، وقال: ووثق مهديًّا المذكور: ابن حبَّان، وقال في التقريب (6977): مقبول، وقد قال الذهبي في الميزان: مجهول، انظر: ميزان == الاعتدال (4/ ت 8824)، وتهذيب الكمال (28/ 586 - 587) وفيه كلام ابن معين. وقال النوويّ: ضعيف، رواه أبو داود والنسائيُّ بإسناد فيه مجهول، المجموع (6/ 380). (¬2) معالم السنن (2/ 112). (¬3) أخرجه أبو داود (2421)، والترمذي (43)، والنسائيُّ (2764)، وابن ماجه (1726)، وأخرجه الدارمي (1749)، وابن خزيمة (2163)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 80)، والبيهقيُّ (4/ 302)، وأحمد (6/ 368) و (4/ 189).

غير مقبولة إلا بدليل، والأحاديث الواردة في صومه ليس فيها أنَّه أفرده بالصوم، فلا معارض، والمعنى فيه تعظيم اليهود له (¬1). واللحاء: بالحاء المهملة وضبطه الجوهري بكسر اللام وبالمد وهو قشر الشجر. 1492 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما من أيام أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة، يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه من حديث قتادة عن سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة، وإسناده ضعيف، قال: وسألت محمدًا عن هذا الحديث فلم يعرفه من غير هذا الوجه. (¬2) 1493 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من صام يومًا في سبيل الله، جعل الله بينه وبين النار خندقًا، كما بين السماء والأرض". قلت: رواه الترمذي في فضائل الجهاد وقال فيه: "خندقًا كما بين المشرق والمغرب" من حديث أبي أمامة. (¬3) 1494 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "الغنيمة الباردة الصوم في الشتاء" (مرسل). ¬

_ (¬1) أعلّ هذا الحديث بالاضطراب والمعارضة، وقال النوويّ في المجموع: والحق أنَّه حديث صحيح غير منسوخ، وذكر الحافظ ابن حجر العلتين بالتفصيل وأجاب عنهما، وذكر الشيخ الألباني رحمه الله له ثلاث طرق صحيحة. وصحح إسناده، والله أعلم. فانظر: المجموع شرح المهذب (6/ 439 - 441)، كذلك أطال في بيان العلتين. والتلخيص الحبير (2/ 414)، والإرواء (960)، وقول مالك ذكره عنه أبو داود. (¬2) أخرجه الترمذي (758)، وابن ماجه (1728) وفيه مسعود بن واصل وهو ليّن الحديث، التقريب (6658) وشيخه النَهّاس بن قَهْم القيس، أبو الخطاب البصري ضعيف أيضًا، التقريب (7246). (¬3) أخرجه الترمذي (1624)، وقال هذا حديث غريب. والطبراني في الكبير (7921) وإسناده صحيح. انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة (563).

فصل

قلت: رواه الترمذي هنا من حديث عامر بن مسعود يرفعه، وقال: هذا حديث مرسل؛ لأنَّ عامر بن مسعود لم يدرك النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو والد إبراهيم ابن عامر القرشي. (¬1) فصل من الصحاح 1495 - دخل على النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم فقال: "هل عندكم شيء؟ " فقلنا: لا، فقال: "فإني إذًا صائم" ثمَّ أتانا يومًا آخر، فقلنا: يا رسول الله أهدي لنا حيس فقال: "أرينيه فلقد أصبحت صائمًا" "فأكل". قلت: رواه مسلم والثلاثة هنا من حديث عائشة ولم يخرجه البخاري. (¬2) والحيس: بفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف والسين المهملة، هو تمر يخلط بسمن وأقط. وفيه دليل لمذهب الجمهور أن صوم النافلة يجوز بنية من النهار، قبل زوال الشمس، وتأوله من منع من ذلك على أن سؤاله - صلى الله عليه وسلم - هل عندكم شيء لكونه ضعف عن الصوم، وكان نواه من الليل فأراد الفطر للضعف، وفيه دليل لمن قال أن صوم النافلة يجوز قطعه. 1496 - دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- على أم سليم، فأتته بتمر وسمن، فقال: "أعيدوا سمنكم في سقائه وتمركم في وعائه، فإني صائم، ثمَّ قام إلى ناحية البيت فصلى غير المكتوبة، فدعا لأم سليم وأهل بيتها". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (797)، وأحمد (4/ 335)، وابن خزيمة (2145)، والبيهقيُّ (4/ 296) وإضافة إلى أنَّه مرسل، فيه نُمَيْر بن عريب وهو مقبول، ووهم من ذكره في الصحابة. التقريب (7240). (¬2) أخرجه مسلم (1154)، وأبو داود (2455)، والترمذي (733)، والنسائي (4/ 195).

في الحسان

قلت: رواه البخاري هنا من حديث خالد بن الحارث عن حميد عن أنس. (¬1) 1497 - وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا دعي أحدكم إلى طعام وهو صائم، فليقل: إني صائم". قلت: رواه مسلم والأربعة هنا من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬2) وهذا محمول على أنَّه يقوله اعتذارًا له وإعلامًا بحاله فإن سمح له ولم يطالبه بالحضور سقط عنه الحضور فإن لم يسمح وطلب الحضور لزمه الحضور، ويسقط بأعذار مذكورة في كتب الفقه، وليس منها الصوم، وإذا حضر وهو صائم صوم تطوع، فإن كان يشق على صاحب الطعام صومه استحب الفطر وإلا فلا. 1498 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان صائمًا فليصل، وإن كان مفطرًا فليطعم". قلت: رواه مسلم في النكاح وأبو داود والترمذي والنسائيُّ ثلاثتهم في الصوم وفي الوليمة كلهم من حديث هشام بن حسان عن محمَّد بن سيرين عن أبي هريرة. (¬3) في الحسان 1499 - لما كان يوم فتح مكة جاءت فاطمة فجلست عن يسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأم هانئ عن يمينه، فجاءت الوليدة بإناء فيه شراب، فناولته، فشرب منه، ثمَّ ناولها أم هانئ فشرب، فقالت: يا رسول الله إني كنت صائمة فقال لها: "أكنت تقضين شيئًا؟ " قالت: لا، قال: "فلا يضرك إن كان تطوعًا". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1982)، وأخرجه النسائيُّ في الكبرى (8292). (¬2) أخرجه مسلم (1150)، وأبو داود (2461)، والترمذي (781)، والنسائيُّ في الكبرى (3269)، وابن ماجه (1750)، والبغويُّ في شرح السنة (1815)، وأحمد (2/ 242). (¬3) أخرجه مسلم (1431)، وأبو داود (2460)، والترمذي (780)، والنسائيُّ (3270).

قلت: رواه الثلاثة هنا من حديث أم هانئ، قال المنذري: وفي إسناده مقال ولا يثبت، وفي إسناده اختلاف كثير أشار إليه النسائيُّ، وقال الترمذي أيضًا: في إسناده مقال. (¬1) وفي رواية: "الصائم المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام وإن شاء أفطر". قلت: رواه الترمذي هنا من حديث أم هانئ وبينا ما في إسناده. (¬2) 1500 - قالت: كنت أنا وحفصة صائمتين، فعرض لنا طعام اشتهيناه، فأكلنا منه، فقالت حفصة: يا رسول الله! إنا كنا صائمتين، فعرض لنا طعام اشتهيناه، فأكلنا منه؟ قال: "اقضيا يومًا آخر مكانه". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2456)، والترمذي (731)، والنسائيُّ في الكبرى (3304 - 3306)، والدارميُّ (2/ 1085)، والبيهقيُّ (4/ 277)، وقال النسائيُّ في الكبرى (2/ 252): "هذا الحديث مضطرب، فقد اختلف فيه على سماك بن حرب، فسماك بن حرب ليس ممن يعتمد عليه إذا انفرد بالحديث لأنه كان يقبل التلقين ... ". وقال ابن التركماني في الجوهر النقي على هامش البيهقي (4/ 278): "هذا الحديث اضطرب متنًا وسندًا: أما اضطراب متنه فظاهر، وقد ذكر فيه أنَّه كان يوم الفتح، وهي أسلمت عام الفتح وكان الفتح في رمضان، فكيف يلزمها قضاؤه؟ وأما اضطراب سنده: فاختلف على سماك فيه: فتارة رواه عن أبي صالح، وتارة عن جعدة، وتارة عن هارون، أما أبو صالح فهو بَاذان ويقال: باذام ضعفوه، قال البيهقي: ضعيف لا يحتج بخبره .. وقال النسائيُّ: هو ضعيف الحديث ... ". أما عن الاضطراب في المتن فقد نقل البيهقي في "معرفة السنن والآثار" رقم (8924) عن أحمد قوله: "وليس هذا باختلاف في الحديث، فقد يكون قال جميع ذلك، فنقل كل واحد منهم ما حفظ". وقال الحافظ عن سماك بن حرب: صدوق، وروايته عن عكرمة مضطربة، وقد تغير بأخرة فكان ربما يلقن، التقريب (2639)، وأبو صالح: باذام قال الحافظ: ضعيف مدلس، التقريب (639) وهارون من ولد أم هاني مجهول التقريب (7300)، وانظر: التلخيص الحبير (2/ 401 - 402)، وفتح الباري (4/ 212). (¬2) أخرجه الترمذي (732)، والنسائيُّ في الكبرى (3309)، والدارقطني (2/ 175)، والبيهقيُّ (4/ 276) وإسناده كسابقة.

وهذا يروى مرسلًا -على الأصح- عن الزهري عن عائشة. قلت: رواه أبو داود والنسائيُّ هنا من حديث يزيد بن الهاد عن زُمَيْل عن عروة عن عائشة، قال البخاري: لا يعرف لزميل سماع من عروة ولا ليزيد عن زميل ولا تقوم به الحجة، وقال الخطابي: إسناده ضعيف، وزميل: مجهول، وزميل: بضم الزاي وفتح الميم وهو ابن عباس أو عياش مولى عروة بن الزبير، ولو صح الحديث حمل الأمر بالقضاء على الاستحباب. (¬1) 1501 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الصائم إذا أكل عنده صلت عليه الملائكة حتى يفرغوا". قلت: رواه الترمذي هنا من حديث حبيب بن زيد عن مولاة لهم يقال لها: ليلى عن جدته أم عمارة بنت كعب ترفعه، وقال: حديث حسن صحيح، وكذلك رواه ابن ماجه ورواه النسائيُّ عن حبيب بن زيد عن ليلى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ... الحديث. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2457)، والنسائيُّ في الكبرى (3291)، وأخرجه أيضًا الترمذي (735) ولكن الحديث أخرجه أحمد موصولًا عن الزهري (6/ 263) وصححه ابن حزم كما في المحلى (6/ 270)، وأخرجه البيهقي موصولًا ومرسلًا في السنن (4/ 279 - 280) وزميل بن عباس المدني، مجهول، التقريب (2047). (¬2) أخرجه الترمذي (7859)، وابن ماجه (1748)، وأخرجه أحمد (6/ 365)، والدارميُّ (2/ 1086)، والنسائيُّ في الكبرى (3267)، والبغويُّ في شرح السنة (1817) وإسناده ضعيف، فيه ليلى، لا تعرف أوردها الذهبي في فصل النسوة المجهولات وقال تفرد عنها حبيب بن زيد، انظر: ميزان الاعتدال (4/ 610 رقم 10993) وقال الحافظ: مقبولة، التقريب (8777).

باب ليلة القدر

باب ليلة القدر في الصحاح 1502 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تحروا ليلة القدر، في الوتر من العشر الأواخر من رمضان". قلت: رواه الشيخان هنا من حديث عائشة وليس في مسلم في الوتر. (¬1) وقد أجمع من يعتد بإجماعه، على وجودها ودوامها إلى آخر الدهر، للأحاديث المشهورة، واختلفوا في محلها: فقيل: هي متنقلة تكون في سنة في ليلة، وفي سنة أخرى في ليلة أخرى، قال هؤلاء: وإنما تنتقل في العشر الأواخر من رمضان، وقيل: في كله، وقيل: إنها معنية لا تنتقل أبدًا، بل هي في ليلة معنية في جميع السنين، لا يفارقها، وعلى هذا قيل: أنها في السنة كلها، ونقل ذلك عن الإمام أبي حنيفة وصاحبيه، وقيل: في رمضان كله، وقيل تختص بأوتار العشر، وقيل: با شفاعة، وهو باطل بهذا الحديث، وقيل: غير ذلك، ويميل الشافعي إلى أنها منحصرة في العشر الأواخر في ليلة معينة منه في نفس الأمر، لا تنتقل عنها، وإن كانت مبهمة علينا، وكل ليالي العشر محتملة لها، لكن ليالي الوتر أرجاها، وأرجى الأوتار ليلة الحادي أو الثالث والعشرين، وهي أفضل ليالي السنة، ومختصة بهذه الأمة، ويفرق فيها كل أمر حكيم على الصواب. (¬2) 1503 - إن رجالًا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أُرُوا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان منكم متحرِّيها فليتحرّها في السبع الأواخر". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2017)، ومسلم (1169). (¬2) انظر المنهاج للنووي (8/ 82 - 83).

قلت: رواه الشيخان هنا وأبو داود في الصلاة مختصرًا من حديث ابن عمر (¬1). 1504 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "التمسوا في العشر الأواخر في رمضان ليلة القدر في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقي". قلت: رواه البخاري هنا وأبو داود في الصلاة كلاهما من حديث ابن عباس. (¬2) 1505 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اعتكف العشر الأوّل من رمضان، ثمَّ اعتكف العشر الأوسط في قبة تركية، ثمَّ اطلع رأسه، فقال: "إني اعتكفت العشر الأوّل ألتمس هذه الليلة، ثمَّ اعتكفت العشر الأوسط، ثمَّ أُتيت فقيل لي: إنها في العشر الأواخر، فمن كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر، فقد أريت هذه الليلة ثمَّ أنسيتها، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من صبيحتها، فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر، قال: فمَطَرَت السماء تلك الليلة، وكان المسجد على عريش، فوكف المسجد، فبصرتْ عيناي رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى جبهته أثر الماء والطين من صبيحة إحدى وعشرين". قلت: رواه مسلم وأصله في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري. (¬3) 1506 - قال: "ليلة ثلاث وعشرين". قلت: رواه مسلم هنا (¬4) من حديث بسر بن سعيد عن عبد الله بن أنيس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أريت ليلة القدر ثمَّ أنسيتها، وأراني أسجد صبيحتها، أسجد في ماء وطين، قال: "فمُطِرْنا ليلة ثلاث وعشرين، فصلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وانصرف، وإن أثر الماء والطين ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2015)، ومسلم (1165)، وأبو داود (1385). (¬2) أخرجه البخاري (20219) وأبو داود (1381). (¬3) أخرجه البخاري (2016) (2018)، ومسلم (1167)، وانظر معاني الكلمات الواردة في الحديث في المنهاج للنووي (8/ 86 - 88). (¬4) أخرجه مسلم (1168).

في جبهته وأنفه، قال: وكان عبد الله ابن أنيس يقول ثلاث وعشرين" لم يخرج البخاري عن عبد الله بن أنيس في ليلة القدر ولا في غيرها شيئًا. 1507 - أنَّه حلف -لا يستثني- أنها ليلة سبع وعشرين، فقيل له: بأي شيء تقول ذلك؟ قال: بالعلامة التي أخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أن الشمس تطلع في صبيحة يومها بيضاء، لا شعاع لها. قلت: رواه مسلم هنا وفي الصلاة وأبو داود في الصلاة والترمذي هنا والنسائيُّ في الاعتكاف، وألفاظهم متقاربة كلهم من حديث أبي بن كعب ولم يخرجه البخاري. (¬1) 1508 - كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجتهد في العشر الأواخر، ما لا يجتهد في غيره. قلت: رواه مسلم والترمذي وابن ماجه ثلاثتهم في الصوم والنسائيُّ في الاعتكاف كلهم من حديث عائشة ولم يخرج البخاري هذا اللفظ. (¬2) 1509 - كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله وأيقظ أهله. قلت: رواه الشيخان وابن ماجه في الصوم وأبو داود والنسائيُّ في الصلاة كلهم من حديث عائشة (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (762)، وأبو داود (1378)، والترمذي (793)، والنسائيُّ في الكبرى (3406). (¬2) أخرجه مسلم (1175)، الترمذي (796)، والنسائيُّ في الكبرى (3390)، وابن ماجه (1767). (¬3) أخرجه البخاري (2024)، مسلم (1174)، وأبو داود (1376)، والنسائيُّ (3/ 217)، وابن ماجه (1768).

من الحسان

من الحسان 1510 - قلت: يا رسول الله أرأيتَ إن علمتُ أي ليلةٍ ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: "قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني" (هذا حديث صحيح). قلت: رواه الترمذي في الدعوات وصححه، والنسائيُّ في النعوت، وفي اليوم والليلة، وأحمد وابن ماجه، وقالا فيه: أرأيت إن وافقت ليلة القدر. (¬1) 1511 - سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "التمسوها يعني ليلة القدر في تسع يبقين، أو سبع يبقين، أو في خمس يبقين، أو ثلاث، أو آخِرِ ليلة". قلت: رواه أحمد والترمذي هنا والنسائيُّ في الاعتكاف كلهم من حديث أبي بكر وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬2) 1512 - سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ليلة القدر فقال: "هي في كل رمضان" (ووقفه بعضهم على ابن عمر). قلت: رواه أبو داود في الصلاة من حديث موسى بن عقبة عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عمر بن الخطّاب، وقال أبو داود: رواه سفيان وشعبة عن أبي إسحاق موقوفًا على ابن عمر ولم يرفعاه. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3513)، وقال: حسن صحيح، والنسائيُّ في الكبرى (10708)، وابن ماجه (3850)، وأحمد (6/ 171، 182). (¬2) أخرجه الترمذي (794)، وأحمد (5/ 36)، والنسائيُّ في الكبرى (3404) بإسناده صحيح. (¬3) أخرجه أبو داود (1387)، والبيهقيُّ في السنن (4/ 307)، وقال الشيخ الألباني رحمه الله: الموقوف أصح؛ لأنَّ أبا إسحاق -وهو السبيعي- كان اختلط، وسفيان وشعبة قد سمعا منه قبل الاختلاط، فتكون روايتهما أرجح من رواية من رواه عنه مرفوعًا، وهو موسى بن عقبة الذي لم يعرف متى كان سماعه منه-، وفيه علة أخرى، وهي عنعنة أبي إسحاق، فإنَّه وصف بالتدليس. هداية الرواة (2/ 355).

باب الاعتكاف

1513 - قلت: يا رسول الله إن لي بادية أكون فيها، وأنا أصلي فيها بحمد الله، فمرني بليلة أنزلها من هذا الشهر إلى المسجد، فقال: "أنزل ليلة ثلاث وعشرين" قال: فكان إذا صلى العصر دخل المسجد فلم يخرج إلا في حاجة حتى يصلي الصبح. قلت: رواه أبو داود في الصلاة من حديث ابن عبد الله بن أنيس عن أبيه (¬1) وقال فيه: فإذا صلى الصبح، وجد دابته على باب المسجد، فجلس عليها فلحق بباديته، وفي سنده: محمَّد بن إسحاق، وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث بسر بن سعيد عن عبد الله بن أنيس الحديث المتقدم. باب الاعتكاف من الصحاح 1514 - " أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، حتى توفاه الله ثمَّ اعتكف أزواجه من بعده". قلت: رواه الجماعة إلا ابن ماجه، كلهم في الاعتكاف من حديث عائشة ولم يذكر الترمذي اعتكاف أزواجه من بعده - صلى الله عليه وسلم -. (¬2) قال الشافعي: الاعتكاف لزوم المرء الشيء، وحبس نفسه عليه برًّا كان أو إثمًا قال تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} وقوله {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ}. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1380) إسناده ضعيف؛ لأنَّ فيه ابن عبد الله بن أنيس، لم يسم، فقيل: هو ضمرة، وقيل: عمرو، وكلاهما ليس بمشهور التقريب (8548/ 10) وفيه عنعنة ابن إسحاق، وهو مشهور بالتدليس. المصدر السابق. (¬2) أخرجه البخاري (2026)، ومسلم (1172)، وأبو داود (2462)، والترمذي (790)، والنسائيُّ (3336).

وفي الشرع: هو المكث في المسجد من شخص مخصوص، بصفة مخصوصة، وقد أجمع المسلمون على استحبابه، وأنه ليس بواجب، وعلى أنَّه متأكد في العشر الأواخر من رمضان، وقد قال بعض فقهاء الشافعية الاعتكاف في الشرع: اللبث في المسجد بقصد القربة من مسلم عاقل طاهر من الجنابة والحيض والنفاس صاح كافٍ نفسه عن قضاء شهوة الفرج مع التذكر، وشرط أبو حنيفة الصوم. 1515 - كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان، كان جبريل يلقاه كل ليلة في رمضان يعرض عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة. قلت: رواه البخاري في بدء الوحي وفي صفة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي بدء الخلق وفي الصوم، وفي فضائل القرآن، ومسلم في فضائل النبي -صلى الله عليه وسلم- والترمذي في الشمائل والنسائيُّ في الصوم وفي فضائل القرآن كلهم من حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس (¬1). وفيه أن جبريل عليه السلام كان يلقاه كل سنة في رمضان - صلى الله عليه وسلم -، حتى ينسلخ، فيعرض عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القرآن. قوله: وكان أجود ما يكون: روى برفع أجود ونصبه، والرفع أصح وأشهر، والريح المرسلة: بفتح السين والمراد: كالريح في إسراعها وعمومها. 1516 - كان يعرض على النبي -صلى الله عليه وسلم- القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الصوم (1902)، وفي بدء الوحي (6)، وفي بدء الخلق (3220)، وفي المناقب (3554)، وفي فضائل القرآن (4997)، ومسلم (2308)، النسائيُّ (4/ 125)، في الكبرى والترمذي في الشمائل (347).

قلت: رواه البخاري في فضائل القرآن والنسائيُّ فيه وابن ماجه في الصوم كلهم من حديث أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة (¬1) ورواه أيضًا البخاري في علامات النبوة وفي غيره، ومسلم في الفضائل، والنسائيُّ في الوفاة وفي غيره، وابن ماجه في الجنائز كلهم من حديث مسروق عن عائشة مطولًا وقالت فيه: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- أسر إلى فاطمة فبكت، ثمَّ سارها فضحكت، وأنها أخبرت أنَّه - صلى الله عليه وسلم - أخبرها في المرّة الأولى أن جبريل كان يعارضه القرآن في كل سنة مرة أو مرتين، وأنه عارضه الآن مرتين، وإني لا أرى الأجل إلا قد اقترب .. الحديث بطوله. 1517 - كان يعتكف - صلى الله عليه وسلم - كل عام عشرًا، فاعتكف عشرين في العام الذي قبض. قلت: رواه البخاري هنا وفي فضائل القرآن وأبو داود والنسائيُّ كلاهما هنا وابن ماجه في الصوم كلهم، من حديث أبي هريرة ولم يخرجه مسلم. (¬2) 1518 - كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا اعتكف أدنى إليّ رأسه وهو في المسجد، فأرجّله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان. قلت: رواه الجماعة: البخاري هنا ومسلم في الطهارة وأبو داود والترمذي وابن ماجه ثلاثتهم في الصوم والنسائيُّ في الطهارة وفي الاعتكاف كلهم من حديث عائشة. (¬3) وفيه: جواز ترجيل المعتكف شعره، وفي معناه حلق الرأس، وتقليم الأظفار، وتنظيف البدن من الشعر، وفيه: أن بدن الحائض طاهر، وفيه: أن من حلف لا يدخل بيتًا فأدخل رأسه فيه وسائر جسده خارج لم يحنث. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4998)، وابن ماجه (1769)، والنسائيُّ في الكبرى (7992). (¬2) أخرجه البخاري في الصوم (2044)، وفي فضائل القرآن (4998)، وأبو داود (4466)، والنسائيُّ (3343)، وابن ماجه (1769). (¬3) أخرجه البخاري (2029)، ومسلم (297)، وأبو داود (2469)، والترمذي (805)، == وابن ماجه (1776)، والنسائيُّ (1/ 193)، وفي الكبرى (3373).

من الحسان

1519 - أنَّه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، قال: "فأوف بنذرك". قلت: رواه البخاري في الصوم ومسلم في النذور كلاهما من حديث نافع عن ابن عمر عن أبيه. (¬1) من الحسان 1520 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فلم يعتكف عامًا، فلما كان العام المقبل اعتكف عشرين. قلت: رواه أحمد والأربعة: أما أحمد: فمن حديث أنس ومن حديث أبي بن كعب وأما الترمذي: فمن حديث أنس خاصة والباقون من حديث أبي خاصة كلهم هنا. وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬2) 1521 - كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثمَّ دخل في معتكفه. قلت: هذا الحديث رواه الشيخان وأصحاب السنن مطولًا هنا من حديث عائشة فكان من حق المصنف أن يذكر الحديث في الصحاح. (¬3) 1522 - قالت: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعود المريض وهو معتكف، فيمر كما هو فلا يعرّج يسأل عنه". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2032)، ومسلم (1656). (¬2) أخرجه أحمد (3/ 10) ومن رواية أبي بن كعب (5/ 141)، وأبو داود (1373) (2463)، والترمذي (803)، والنسائيُّ (3344)، وابن ماجه (1770). (¬3) أخرجه البخاري (2033)، ومسلم (1173)، وأبو داود (2464)، والترمذي (791)، والنسائيُّ (2/ 44 - 45)، وفي الكبرى (3347)، وابن ماجه (1771).

قلت: رواه أبو داود من حديث عائشة. (¬1) وفي سنده ليث بن أبي سليم، روى له الأربعة ومسلم مقرونًا وفيه ضعف يسير من سوء حفظه، وكان ذا صلاة وصيام وعلم كثير وبعضهم يحتج به. 1523 - قالت: السنة على المعتكف أن لا يعود مريضًا، ولا يشهد جنازة، ولا يمس المرأة ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه، ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجدٍ جامعٍ. قلت: رواه أبو داود هنا من حديث عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة، قال أبو داود: وغير عبد الرحمن بن إسحاق لا يقول فيه: قالت: السنة، وأخرجه النسائيُّ من حديث يونس وليس فيه: قالت: السنة، ومن حديث الإمام مالك، وليس فيه أيضًا ذلك، وعبد الرحمن بن إسحاق هذا هو: القرشي المدني، يقال له: عباد، ووثقه يحيى بن معين، وقد زاد هذه الزيادة وهو ثقة والله أعلم. وقولها: السنة، قيل: إن كانت أرادت بذلك إضافة هذه الأمور إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قولًا وفعلًا فهي نصوص لا يجوز خلافها، وإن كانت أرادت به الفتوى على معنى، ما عقلت من السنة، فقد خالفها بعض الصحابة في بعض هذه الأمور وقد بينا أن غير عبد الرحمن بن إسحاق لا يقول: أنها قالت: السنة، فدلّ ذلك على احتمال أنها قالته فتوى منها ليس برواية عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2472). (¬2) أخرجه أبو داود (2473)، والنسائيُّ في الكبرى (3370) الشطر الأخير منه فقط. ورواه الدارقطني (2/ 201)، والبيهقيُّ (4/ 315)، وانظر: مختصر السنن للمنذري (3/ 344)، وراجع الإرواء (966).

كتاب فضائل القرآن

كتاب فضائل القرآن من الصحاح 1524 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه". قلت: رواه الجماعة إلا مسلمًا والبخاري والترمذي والنسائيُّ في فضائل القرآن وأبو داود في الصلاة وابن ماجه في السنة كلهم من حديث أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان يرفعه واسم أبي عبد الرحمن عبد الله. (¬1) 1525 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان، أو العقيق، فيأتي بناقتين كوماوَيْن في غير إثم، ولا قطع رحم؟ قالوا: يا رسول الله كلنا يحب ذلك، قال: فلأن يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل". قلت: رواه مسلم في فضائل القرآن من كتاب الصلاة وكذلك أبو داود كلاهما من حديث علي بن رباح عن عقبة ولم يخرجه البخاري. وبطحان: بضم الباء الموحدة وسكون الطاء المهملة اسم واد بالمدينة كذا قاله النوويّ (¬2) وغيره وضبطه ابن الأثير (¬3) بفتح الباء، قال: وأكثرهم بضمها ولعله الأصح. والعقيق بفتح العين المهملة وبقافين، الأولى مكسورة بينهما ياء آخر الحروف، المراد به العقيق الأصفر. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5027)، وأبو داود (1452)، والترمذي (2907) (2908)، وابن ماجه (211)، والنسائيُّ في الكبرى (8036 و 8037 و 8038). (¬2) المنهاج للنووي (6/ 128). (¬3) النهاية (2/ 134)، وانظر: كذلك المغانم المطابة في معالم طابة ص (56). (¬4) أخرجه مسلم (803)، وأبو داود (1456)، وانظر عن الوادي: المغانم المطابة في معالم طابة ص (266).

وهو واد على ثلاثة أميال، وقيل: على ميلين من المدينة، وخصهما بالذكر لأنهما أقرب أسواق الإبل إلى المدينة. والكوما: من الإبل بفتح الكاف وبالمد العظيمة السنام. 1526 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أيحب أحدكم إذا رجع إلى أهله أن يجد فيه ثلاث خلفات عظام سمان" قلنا: نعم، قال: "فثلاث آيات يقرؤ بهن أحدكم في صلاته، خير من ثلاث خلفات عظام سمان". قلت: رواه مسلم في الصلاة وابن ماجه في ثواب التسبيح كلاهما من حديث وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬1) وخلفات: بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام الحوامل من الإبل إلى أن يمضي عليها نصف أمدها ثمَّ هي عشار والواحدة خلفة وعُشرا بضم العين بالمد. والفاء في قوله: فثلاث آيات، جزاء شرط محذوف والمعنى إذا تقرر ما زعمتنم أنكم تحبون ما ذكرت لكم فقد صح أن يتفصل عليه ما أذكره وهو كذا. 1527 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه، وهو عليه شاق، له أجران". قلت: رواه الجماعة: البخاري في تفسير سورة عبس ومسلم وأبو داود في الصلاة والترمذي والنسائيُّ في فضائل القرآن وابن ماجه في ثواب القرآن كلهم من حديث سعد بن هشام عن عائشة ترفعه. (¬2) والسفرة: جمع سافر ككاتب وكتبه: وهم الرسل لأنهم يسفرون إلى الناس برسالاتهم، وقيل: السفرة: الكتبة. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (802)، ابن ماجه (3782). (¬2) أخرجه البخاري (4937)، ومسلم (798)، وأبو داود (1454)، والترمذي (2904)، وابن ماجه (3979).

والبررة: المطيعون. قوله - صلى الله عليه وسلم -: ويتتعتع فيه، أي يتردد في قراءته لضعف حفظه فله أجران، أجر قراءته وأجر تعتعته في تلاوته ومشقته، وليس معناه أن الذي يتتعتع فيه له من الأجر أكثر من الماهر، بل الماهر أفضل وأكثر أجرًا فإنَّه مع السفرة فله أجور كثيرة، لم تذكر هذه المنزلة لغيره. 1528 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا حسد إلا على اثنتين: رجل آتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالًا، فهو ينفق منه آناء الليل وآناء النهار". قلت: رواه الجماعة إلا أبا داود والبخاري في التوحيد ومسلم في الصلاة والترمذي في البر والنسائيُّ في فضائل القرآن وابن ماجه في الزهد كلهم من حديث سالم عن ابن عمر بن الخطّاب (¬1). والحسد قسمان: حقيقي ومجازي، فالحقيقي: بمعنى زوال النعمة عن صاحبها وهذا حرام بإجماع المسلمين مع النصوص الصريحة الصحيحة، وأما المجاز: فهو الغبطة، وهو أن يتمنى مثل النعمة التي على غيره من غير زوالها عن صاحبها، فإن كانت من أمور الدنيا كانت مباحة، وإن كانت طاعة فهي مستحبة، والمراد في الحديث لا غبطة محبوبة إلا في هاتين الخصلتين. وآناء الليل: ساعاته واحدها إنًى مثل معًا وأنا وإنى وإنو أربع لغات. 1529 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة، ريحها طيب، وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة، لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن، كمثل الحنظلة، ليس لها ريح، وطعمها مر، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب، وطعمها مر". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (7529)، ومسلم (815)، والترمذي (1936)، والنسائيُّ في الكبرى (8072)، وابن ماجه (4209).

قلت: رواه الجماعة: البخاري في التوحيد وفي فضائل القرآن، ومسلم في الصلاة وأبو داود في الأدب والترمذي في الأمثال والنسائيُّ في الوليمة وابن ماجه في السنة كلهم من حديث أنس بن مالك عن أبي موسى يرفعه. (¬1) - وفي رواية: المؤمن الذي يقرأ القرآن، ويعمل به، كالأترجة، والمؤمن الذي لا يقرأ القرآن ويعمل به كالتمرة. قلت: رواها البخاري. (¬2) والأترجة: بضم الهمزة وسكون التاء المثناة من فوق وضم الراء المهملة. وتشديد الجيم واحده الأترج، وحكى أبو زيد تُرنجة بغير همز مع ضم التاء وزيادة نون. والحنظلة: بفتح الحاء المهملة وسكون النون وفتح الظاء المعجمة، معروفة. 1530 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين". قلت: رواه مسلم في الصلاة وابن ماجه في السنة كلاهما من حديث أبي الطفيل عامر بن واثلة عن عمر ولم يخرجه البخاري. (¬3) 1531 - أن أسيد بن حضير بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة، وفرسه مربوطة عنده، إذ جالت الفرس، فسكت فسكنت، فقرأ فجالت، فسكت فسكنت، ثمَّ قرأ فجالت، فلما أصبح حدث النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: فرفعت رأسي إلى السماء، فإذا مثل الظلة، فيها أمثال المصابيح، عرجت في الجو حتى لا أراها؟ قال: "تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت، لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في التوحيد (7560)، وفي فضائل القرآن (5020)، ومسلم (797)، وأبو داود (4830)، والترمذي (2865)، والنسائيُّ (8/ 124 - 125)، وابن ماجه (214). (¬2) أخرجه البخاري في فضائل القرآن (5059) بلفظه. (¬3) أخرجه مسلم (817)، وابن ماجه (218).

قلت: رواه البخاري والنسائيُّ (¬1) كلاهما هنا في فضائل القرآن من حديث أسيد بن حضير واللفظ له ومسلم في الصلاة من حديث عبد الله ابن خَبَّاب عن أبي سعيد فذكره بمعناه. وأُسيد: بضم الهمزة وفتح السين وبالياء آخر الحروف والدال. وحُضير: بضم الحاء المهملة وفتح الضاد وبالياءآخر الحروف ثمَّ بالراء المهملة. (¬2) وجالت الفرس بمعنى دارت. وتؤنثت وقال هنا: جالت ماتت الفرس، وفي بعض الروايات: وعنده فرس مربوط فذكره وهما صحيحان والفرس تقع على الذكر والأنثى. والظلة: سحابة تظل من تحتها. وعرجة: بعين وراء مهملتين وجيم مفتوحات أي ارتقت. والجو: بفتح الجيم وتشديد الواو ما بين السماء والأرض. 1532 - كان رجل يقرأ سورة الكهف وإلى جانبه حصان مربوط بشطنين، فتغشّته سحابة، فجعلت تدنو وندنو، وجعل فرسه ينفر، فلما أصبح أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر ذلك له فقال: "تلك السكينة تنزلّت بالقرآن". قلت: رواه البخاري في علامات النبوة ومسلم في الصلاة والترمذي في فضائل القرآن كلهم من حديث أبي إسحاق عن البراء. (¬3) والحصان: بكسر الحاء وبالصاد المهملتين هو الذكر من الخيل، وقوله: مربوط بشطنين هو بشين وطاء مهملة ونون تثنية شطن: وهو الحبل الطويل والجمع أشطان. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5018)، ومسلم (796)، والنسائيُّ في الكبرى (8016). (¬2) وأسيد بن حضير الأنصاري الأشهل، يكنى أبا يحيى، وكان أسيد من السابقين إلى الإِسلام، وهو أحد النقباء ليلة العقبة، انظر الإصابة (1/ 83 - 83). (¬3) أخرجه البخاري (5011)، ومسلم (795)، والترمذي (11503).

والسكينة: قال النوويّ (¬1): قد قيل في معنى السكينة أشياء، المختار منها: أنها شيء من مخلوقات الله تعالى فيه طمأنينة ورحمة ومعه الملائكة. 1533 - كنت أصلي فدعاني النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم أجبه حتى صليت ثمَّ أتيت فقال: "ما منعك أن تأتي؟ " قلت: كنت أصلي فقال ألم يقل الله: "استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم؟ " ثمَّ قال: "ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن، قبل أن أخرج من المسجد؟ " فأخذ بيدي فلما أردنا أن نخرج. قلت: يا رسول الله إنك قلت: ألا أعلمك أعظم سورة من القرآن قال: "الحمد لله رب العالمين" هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته". قلت: رواه الجماعة إلا مسلمًا والترمذي والبخاري في التفسير وفي فضائل القرآن وأبو داود والنسائيُّ كلاهما في الصلاة وابن ماجه في ثواب التسبيح كلهم من حديث أبي سعيد بن المعَلّى. (¬2) 1534 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سور البقرة". قلت: رواه مسلم في الصلاة والنسائيُّ في فضائل القرآن كلاهما من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬3) 1535 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "اقرؤا القرآن، فإنَّه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، اقرؤا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران، فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان -أو ¬

_ (¬1) المنهاج للنووي (6/ 117). (¬2) أخرجه البخاري في التفسير (4474) و (4647) (4703)، وفي فضائل القرآن (5006)، وأبو داود (1458)، والترمذي (2875) و (3125)، وابن ماجه (3785)، والنسائيُّ (2/ 139)، وأبو سعيد بن المعلّى اسمه: رافع بن المعلّى بن لوذان بن حارثة (صحابي) مات سنة أربع وسبعين، التقريب (8183). (¬3) أخرجه مسلم (780)، والنسائيُّ في الكبرى (8015).

غيابتان- أو فرقان من طير صراف، تحاجان عن أصحابهما، اقرؤا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة". قلت: رواه مسلم في الصلاة (¬1) من حديث أبي أمامة الباهلي وقال: قال معاوية بن سلام وهو أحد رواته: بلغني أن البطلة: السحرة. قوله - صلى الله عليه وسلم -: كأنهما غمامتان أو غيابتان. قال النوويّ (¬2): نقلًا عن أهل اللغة: الغمامة والغيابة كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه من سحابة وغَبَرةٍ وغيرهما، والمراد: أن ثوابهما يأتي كغمامتين. والفِرْقان بكسر وإسكان الراء، وفي رواية: كأنهما "حِزقان" بكسر الحاء المهملة وإسكان الزاي، ومعناهما واحد، وهو قطيعان وجماعتان، يقال في الواحد: فرق وحزق. 1536 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "يؤتى بالقرآن يوم القيامة، وأهله الذين كانوا يعملون به، تقدمه سورة البقرة وآل عمران، كأنهما غمامتان أو ظلتان سوداوان، بينهما شرق، أو كأنهما فِرقان من طير صوافّ، تحاجان عن صاحبهما". قلت: رواه مسلم في الصلاة والترمذي في فضائل القرآن كلاهما من حديث النواس بن سمعان، ولم يخرجه البخاري ولا أخرج عن النواس في كتابه شيئًا (¬3) وشرق: بفتح الراء وإسكانها أي ضياء ونور. 1537 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ معك أعظم؟ " قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "أبا المنذر! أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ " قلت: الله لا إله إلا هو الحي القيوم، قال: فضرب في صدري، فقال: لِيهْنِك العلم يا أبا المنذر". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (804). (¬2) المنهاج للنووي (6/ 130). (¬3) أخرجه مسلم (805)، والترمذي (2883)، وأخرج له البخاري في "الأدب المفرد" فقط.

قلت: رواه مسلم وأبو داود كلاهما في الصلاة من حديث أبي بن كعب (¬1) ولم يخرجه البخاري. (¬2) وفيه حجة للقول بتفضيل بعض القرآن على بعض، ونقل القاضي عياض (¬3) في ذلك خلافًا، وفي تفضيل القرآن على سائر الكتب، قال فمنع منه أبو الحسن الأشعري وأبو بكر الباقلاني وجماعة من الفقهاء لأنَّ تفضيل بعضه على بعض يقتضي نقص المفضول، وليس في كلام الله نقص، وتأول هؤلاء ما ورد من إطلاق أفضل وأعظم في بعض الآيات والسور بمعنى عظيم، وفاضل، وأجاز ذلك إسحاق بن راهويه وغيره من العلماء والمتكلمين، قالوا: وهو راجع إلى عظيم أجر قارئ ذلك، وجزيل ثوابه، وهذا القول ظاهر، ومعنى هذه السورة أو الآية أعظم وأفضل أن ثوابها أكثر. إنما تميزت آية الكرسي بكونها أعظم لما جمعت من أصول الأسماء والصفات من الإلهية، والوحدانية، والحياة، والعلم، والملك، والقدرة، والإراد، وهذ السبعة أصول الأسماء والصفات والله أعلم. 1538 - وكّلَني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام، فأخذته، وقلت: لأرفعنك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: دعني إني محتاج وعليّ عيال، ولي حاجة شديدة، قال: فخليت عنه، فأصبحت، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا أبا هريرة! ما فعل أسيرك البارحة؟ "، قلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالًا، فرحمته فخليت سبيله، فقال: "أما إنه سيعود" فرصدته، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: دعني، فإني محتاج، وعليّ عيال، لا أعود، ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (810)، وأبو داود (1460). (¬2) وفي المطبوع من المصابيح في آخر هذا الحديث: "وفي رواية: ثمَّ قال: والذي نفس محمَّد بيده، إن لهذه الآية لسانًا وشفتين، تقدَّس الملك عند ساق العرش". أخرجه البغوي في شرح السنة (4/ 459) رقم (1195) ولم أجده في نسخ كشف المناهج. (¬3) إكمال المعلم (3/ 177).

فرحمته فخليت سبيله، فأصبحت، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا أبا هريرة ما فعل أسيرك؟ ". قلت: يا رسول الله! شكا حاجة شديدة وعيالًا فرحمته فخليت سبيله، فقال: "أما إنه قد كذبك وسيعود" فرصدته، فجاء يحثو من الطعام فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا آخر ثلاث مرات، إنك تزعم أن لا تعود ثمَّ تعود، قال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها، إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}، حتى تختم الآية، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما فعل أسيرك؟ " قلت: زعم أنَّه يعلمني كلمات ينفعني الله بها، قال: "أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال؟. ذاك الشيطان". قلت: رواه البخاري (¬1) في الوكالة في باب: إذا وكل رجلًا فترك الوكيل شيئًا فأجازه الموكل فهو جائز، وفي باب صفة إبليس وجنوده من كتاب بدء الخلق، قال الحميدي: ولم يصل البخاري سنده بهذا الحديث بل رواه تعليقًا انتهى. (¬2) قال النوويّ (¬3): وما قاله الحميدي غير مسلم، فإن البخاري قال في البابين: وقال: عثمان بن الهيثم ثنا عوف عن محمَّد بن سيرين عن أبي هريرة والمذهب الصحيح المختار عند العلماء المحققين، أن البخاري إذا قال: قال فلان وهو من شيوخه محمول على سماعه واتصاله، وكذلك غيره إذا لم يكن مدلسًا، وعثمان بن الهيثم من شيوخ البخاري الذين روى عنهم في صحيحه انتهى كلام النوويّ (¬4)، ورواه النسائيُّ في اليوم والليلة متصلًا ولم يخرجه مسلم. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الوكالة (2311)، وفي باب بدء الخلق (3275). (¬2) الجمع بين الصحيحين (3/ 258). (¬3) انظر: الأذكار (136 - 137). (¬4) انظر: كلام الحافظ في الفتح (4/ 487)، وتغليق التعليق (2/ 295 - 296)، وراجع: الفتوحات الربانية (3/ 147)، ورواية النسائيُّ في اليوم والليلة برقم (958) و (959).

1539 - بينما جبريل عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ سمع نقيضًا من فوقه، فرفع رأسه فقال: "هذا باب من السماء فتح، لم يفتح قط إلَّا اليوم، فنزل منه ملك إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم فقال: أبشِر بنُوْرَيْن أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته". قلت: رواه مسلم والنسائيُّ كلاهما في الصلاة من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس، ولم يخرجه البخاري ورواه الحاكم في المستدرك (¬1) وقال: على شرطهما، واستدراكه على البخاري صحيح، وأما استدراكه على مسلم فوهم لأنَّ مسلمًا أخرجه. والنقيض بالنون والقاف والياء آخر الحروف والضاد المعجمة هو: الصوت من غير الفم أي سمع صوتًا كصوت الباب إذا فتح. 1540 - لما أسرى برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، انتهى به إلى سدرة المنتهى، فأُعطي ثلاثًا: أعطي الصلوات الخمس، وخواتيم سورة البقرة، وغفر لمن لم يشرك بالله مِنْ أمته شيئًا المقحمات. قلت: رواه مسلم والنسائيُّ كلاهما في الصلاة والترمذي في التفسير من حديث ابن مسعود ولم يخرجه البخاري. (¬2) وسدرة المنتهى سيأتي الكلام عليها. والمقحمات: بضم الميم وبالقاف والحاء المهملة: الذنوب العظام التي تقحم صاحبها في النار أي تلقيه فيها. 1541 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأ بهما في ليلة كفتاه". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (806)، والنسائيُّ (2/ 138)، والحاكم (1/ 558). (¬2) أخرجه مسلم (173)، والنسائيُّ (1/ 223)، والترمذي (3276).

قلت: رواه الجماعة: البخاري في المغازي، وفي فضائل القرآن، ومسلم وأبو داود وابن ماجه كلهم في الصلاة والترمذي والنسائيُّ كلاهما في فضائل القرآن كلهم من حديث أبي مسعود. (¬1) قيل معنى: كفتاه أمر الشيطان في ليلته، وقيل: كفتاه عن قيام الليل، يعني قامت قراءتهما مقامه. 1542 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف، عصم من فتنة الدجال". قلت: رواه مسلم في الصلاة وأبو داود في الملاحم والترمذي في فضائل القرآن وقال: الثلاث آيات من أول سورة الكهف، وقال: حسن صحيح، والنسائيُّ فيه، كلهم من حديث أبي الدرداء ولم يخرجه البخاري. (¬2) وقد جاء في رواية: من آخر الكهف، قيل: سبب ذلك ما في أولها من العجائب والآيات، فمن تدبرها لم يفتتن بالدجال، وهذا في آخرها. (¬3) 1543 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن؟ قالوا: وكيف يقرأ ثلث القرآن؟ قال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن". قلت: رواه مسلم في الصلاة والنسائيُّ في اليوم والليلة من حديث أبي الدرداء ورواه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري. (¬4) قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: "أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة، فشقَّ ذلك عليهم وقالوا: أينا يطيق ذلك يا رسول الله؟ فقال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ} ثلث القرآن". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي (4008)، وفي فضائل القرآن (5009) (5051)، ومسلم (807)، وأبو داود (1397)، وابن ماجه (1368)، والترمذي (2881)، والنسائيُّ في الكبرى (8003) (10555). (¬2) أخرجه مسلم (809)، وأبو داود (4323)، والترمذي (2886)، والنسائيُّ (10787). (¬3) انظر: الصحيحة (582). (¬4) أخرجه مسلم (811)، والنسائيُّ في اليوم والليلة (679)، والبخاري من رواية أبي سعيد (5015).

قوله - صلى الله عليه وسلم -: أيعجز هو بكسر الجيم من عجز بالفتح في الماضي أي ضعف، قال المازري: ومعنى أنها تعدل ثلث القرآن: أن الله تعالى جزء القرآن ثلاثة أجزاء قصص وأحكام، وصفات لله تعالى، وقل هو الله أحد، متخصصة للصفات. 1544 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث رجلًا على سرية، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختم بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟ " فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأها، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أخبروه أن الله يحبه". قلت: رواه البخاري في التوحيد ومسلم والنسائيُّ كلاهما في الصلاة من حديث عمرة عن عائشة رضي الله عنها. (¬1) 1545 - أن رجلًا قال: يا رسول الله! إني أحب هذه السورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} قال: "إن حبك إياها يدخلك الجنة". قلت: رواه البخاري في باب الجمع بين السورتين في ركعة بمعناه، ولم يصل به سنده، فقال: وقال عبيد الله يعني ابن عمر بن حفص عن ثابت عن أنس وذكر قصة، ورواه الترمذي في فضائل القرآن عن محمَّد بن إسماعيل البخاري عن إسماعيل بن أبي أويس عن عبد العزيز بن محمَّد عن عبيد الله به، وقال: حسن غريب صحيح من حديث عبيد الله، ورواه الترمذي أيضًا عن أبي داود صاحب السنن عن أبي الوليد عن مبارك بن فضالة عن ثابت بلفظ المصنف والله أعلم. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في التوحيد (7375)، ومسلم (813)، والنسائيُّ (2/ 170). (¬2) أخرجه البخاري بمعناه تعليقًا بصيغة الجزم (774)، وأخرجه الترمذي موصولًا عن البخاري (2901)، وكذلك روايته عن أبي داود، والبيهقيُّ في الكبرى (2/ 61) ونقل الحافظ في الفتح عن الترمذي (2/ 327) أنَّه قال: حسن صحيح غريب. وفي المطبوع من السنن والتحفة: حسن غريب، انظر سنن الترمذي (5/ 25)، والتحفة (1/ 146).

من الحسان

1546 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط؟ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}. قلت: رواه مسلم في الصلاة والترمذي والنسائيُّ في فضائل القرآن كلهم من حديث قيس بن أبي حازم عن عقبة بن عامر يرفعه. (¬1) 1547 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا آوى إلى فراشه كل ليلة، جمع كفيه ثمَّ نفث فيهما، فقرأ فيهما {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ثمَّ يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه، ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات. قلت: رواه الجماعة: البخاري في الأدب وفي الطب وفي فضائل القرآن ومسلم في الرقاق وأبو داود في الأدب والترمذي وابن ماجه في الدعاء والنسائيُّ في التفسير كلهم من حديث الزهري عن (¬2) عروة عن عائشة. والنفث: نفخ لطيف بلا ريق. من الحسان 1548 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاثة تحت العرش يوم القيامة: القرآن يحاج العباد، له ظهر وبطن، والأمانة، والرحم تنادي: ألا من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (814)، والترمذي (3367)، والنسائيُّ (2/ 158). (¬2) أخرجه البخاري في الأدب (6319)، وفي الطب (5748)، وفي فضائل القرآن (5017)، والترمذي (3402)، وأبو داود (5056)، والنسائيُّ في الكبرى (10624)، وابن ماجه (3875)، ولم أجده في مسلم.

قلت: رواه المصنف في شرح السنة في البر والصلة من طريق حميد بن زنجويه عن مسلم بن إبراهيم عن كثير بن عبد الله اليشكري عن الحسن بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه يرفعه، فيه كثير ابن عبد الله. (¬1) قال ابن الأثير (¬2): قيل: ظهره لفظه، وباطنه معناه، وقيل: أراد بالظهر ما ظهر تأويله وعرف معناه، وبالبطن ما بطن تفسيره، وقيل قصصة في الظاهر إخبار وفي الباطن عبرة وتنبيه وتحذير وقيل أراد بالظهر التلاوة وبالبطن التفهم والتعظيم. 1549 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يقال لصاحب القرآن اقرأ، وارتق، ورتّل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلك عند آخر آية تقرأها". قلت: رواه أبو داود في الصلاة والترمذي والنسائيُّ في فضائل القرآن من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص يرفعه، وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬3) 1550 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب". (صح). قلت: رواه الترمذي في فضائل القرآن من حديث قابوس بن أبي ظبيان عن ابن عباس يرفعه وقال: حسن صحيح، والحاكم في المستدرك وصححه واستدرك عليه الذهبي وقال: قابوس لين، وقال النسائيُّ وغيره: ليس بالقوي. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البغوي في شرح السنة (3433) وإسناده ضعيف، وكثير بن عبد الله قال عنه الحافظ في التقريب "ضعيف أفرط من نسبه إلى الكذب" (التقريب 5652). راجع الضعيفة (1337). (¬2) النهاية (1/ 136). (¬3) أخرجه أبو داود (1464)، والترمذي (2914)، والنسائيُّ في الكبرى (8056). (¬4) أخرجه الترمذي (2913)، والحاكم (1/ 554) وقال صحيح الإسناد ورده الذهبي في التلخيص قال: قابوس لين. وإسناده ضعيف في إسناده قابوس بن أبي ظبيان قال عنه الحافظ في "التقريب": وفيه لين (التقريب 5480).

1551 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "يقول الرب تبارك وتعالى: من شغله القرآن عن ذكري، ومسألتي، أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه". (غريب). قلت: رواه الترمذي في فضائل القرآن من حديث أبي سعيد الخدري، وقال: حسن غريب. (¬1) 1552 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف". (غريب). قلت: رواه الترمذي في فضائل القرآن من حديث محمَّد بن كعب القرظي عن عبد الله بن مسعود يرفعه، وقال: حسن صحيح. (¬2) 1553 - سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ألا إنها ستكون فتنة، فقلت: ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله! فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل، ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حين قالوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ} من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعي إليه هدي إلى صراط مستقيم" (إسناده مجهول). قلت: رواه الترمذي في فضائل القرآن من حديث الحارث الأعور عن علي بن أبي طالب ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2926) وإسناده ضعيف جدًّا. قال أبو حاتم في العلل (1738): "منكر". وفي إسناده عطية وهو العوفي قال عنه الحافظ في "التقريب" صدوق يخطيء كثيرًا وكان شيعيًّا مدلسًا (ت 4649). وانظر: الضعيفة (1335). (¬2) أخرجه الترمذي (2910) وراجع الصحيحة (660).

وقال الترمذي: إسناده مجهول وفي حديث الحارث مقال. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: لم تنته الجن أي لم يتوقفوا حتى قالوا إنا سمعنا قرآنًا عجبًا. 1554 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من قرأ القرآن، وعمل فيه ألبس والداه تاجًا يوم القيامة، ضوءه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا، لو كانت فيكم فما ظنكم بالذي عمل بهذا". قلت: رواه أبو داود في الصلاة من حديث معاذ الجهني وهو حديث ضعيف في سنده زبان بن فائد عن سهل بن معاذ وهما ضعيفان. (¬2) 1555 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لو كان القرآن في إهاب ما مسته النار". قلت: رواه الإمام أحمد (¬3) من حديث عبد الله بن لهيعة عن مشرح بن هاعان ولا يحتج بحديثهما عن عقبة، ولفظه: لو أن القرآن جعل في إهاب ثمَّ جعل في النار ما احترق، ورواه المصنف في شرح السنة من هذا الوجه بلفظ المصابيح. والإهاب بكسر الهمزة: الجلد ما لم يدبغ. 1556 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قرأ القرآن فاستظهره فأحل حلاله وحرم حرامه أدخله الله الجنة، وشفعه في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت له النار". (غريب ضعيف). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2906) وإسناده ضعيف جدًّا. فيه أبو المختار الطائي قال الحافظ في التقريب "مجهول" ت (8414) وابن أخي الحارث والحارث هو الأعور قال عنه الحافظ في "التقريب" كذبه الشعبي في رأيه ورمي بالرفض وفي حديثه ضعف، التقريب (1036). (¬2) أخرجه أبو داود (1453) وفي إسناده زبان بن فائد عن سهل بن معاذ وهما ضعيفان كما قال الحافظ في "التقريب" في ترجمة سهل، التقريب (2682). قال: لا بأس به إلا في روايات زبّان عنه، وقال عن زبان: ضعيف الحديث مع صلاحه وعبادته، التقريب (1996). (¬3) أخرجه أحمد (4/ 151، 155) وفي إسناده مشرح بن هاعان ليس بذاك القوى، قال عنه الحافظ في "التقريب" مقبول (6724) وفي أحاديثه عن عقبة مقال، كما قال ابن حبَّان في المجروحين (3/ 28) يروى عنه أحاديث مناكير لا يتابع عليها. وابن لهيعة: قال الحافظ: صدوق، خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما، التقريب (3587)، والبغويُّ في شرح السنة (4/ 437) رقم (1180).

قلت: رواه الترمذي في فضائل القرآن (¬1) من حديث علي بن أبي طالب وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وليس إسناده بصحيح انتهى. فاستظهره: أي حفظه. 1557 - قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي بن كعب: "كيف تقرأ في الصلاة؟ " فقرأ أم القرآن فقال: "والذي نفسي بيده ما أنزلت في التوراة ولا في الإنجبل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها وإنها السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيت". "صح". قلت: رواه الترمذي في فضائل القرآن من حديث الدراوردي عن العلاء ابن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ورواه الحاكم وقال: على شرط مسلم. (¬2) 1558 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "تعلموا القرآن فاقرؤه، فإن مثل القرآن لمن تعلم فَقَرَأَ وقام به كمثل جراب محشو مسكًا تفوح ريحه كل مكان، ومثل من تعلمه فرقد وهو في جوفه كمثل جراب أوكىء على مسك". قلت: رواه الترمذي في فضائل القرآن والنسائيُّ في السير وابن ماجه في السنة ببعضه كلهم من حديث عطاء مولى ابن أبي أحمد عن أبي هريرة، قال الترمذي: حسن غريب. (¬3) والجراب: بكسر الجيم: معروف، والعامة تفتحها. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2905) وزاد: وحفص بن سليمان -الراوي- يضعّف في الحديث. وحفص بن سليمان قال عنه الحافظ في "التقريب": متروك الحديث مع إمامته في القراءة، التقريب (1414). وأخرجه أحمد في المسند (1/ 148، 149) بإسناده ضعيف جدًّا. (¬2) أخرجه الترمذي (2875)، والحاكم (2/ 258) وإسناده صحيح. (¬3) أخرجه الترمذي (2876)، وابن ماجه (217)، والنسائيُّ (8749) وإسناده ضعيف لأنَّ فيه: عطاء مولى ابن أبي أحمد مجهول، وإن قال الحافظ في التقريب (4640) "مقبول" إذ تفرد المقبري بالرواية عنه ولم يوثقه سوى ابن حبَّان (5: 250). وقال الذهبي في (الميزان 3/ 77): لا يعرف.

1559 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من قرأ {حم} المؤمن -إلى {إليه المصير} - وآية الكرسي حين يصبح، حفظ بهما حتى يمسي، ومن قرأ بهما حين يمسي حفظ بهما حتى يصبح". (غريب). قلت: رواه الترمذي في فضل القرآن وقال: غريب، وقد تكلم بعض أهل العلم في بعض رواته وهو عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي مليكة المليكي من قبل حفظه وقد نقل المزي وغيره أن عبد الرحمن هذا ضعيف. (¬1) 1560 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله كتب كتابًا قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام، أنزل فيه آيتين، ختم بهما سورة البقرة، ولا تقرآن في دار ثلاث ليال فيقربها الشيطان". (غريب). قلت: رواه أبو داود في الفضائل والنسائيُّ في اليوم والليلة والحاكم وقال: صحيح، كلهم من حديث النعمان بن بشير. (¬2) 1561 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من قرأ ثلاث آيات من أول الكهف، عصم من فتنة الدجال". (صح). قلت: رواه الترمذي في فضائل القرآن، من حديث أبي الدرداء وقال: ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2879) وإسناده ضعيف. عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي مليكة قال عنه الحافظ في "التقريب" ضعيف، التقريب (3837)، وانظر: تهذيب الكمال (16/ 553) رقم (3768). (¬2) أخرجه الترمذي (2882)، والنسائيُّ في اليوم والليلة (966) (967)، والدارميُّ (4/ 2132)، والحاكم. (1/ 562)، (2/ 260) وقال في الموضع الأوّل: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال في الموضع الثاني: صحيح على شرط مسلم، قلت: أما الصحة فلا، فإن في الإسناد أشعث بن عبد الرحمن الجرمي وهو صدوق، كما قال الحافظ في التقريب (534) ولم يخرج له مسلم شيئًا. ولم أجده في أبي داود، بل أخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" ص (232) وابن الضريس في "فضائل القرآن" برقم (167)، والبيهقيُّ في "الشعب" برقم (2400).

حسن صحيح. (¬1) 1562 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن لكل شيء قلبًا، وقلب القرآن: {يس} ومن قرأ {يس} كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات". (غريب). قلت: رواه الترمذي في فضائل القرآن، من حديث قتادة عن أنس وقال: غريب، وفي سنده: هارون أبو محمَّد، وهو شيخ مجهول. (¬2) 1563 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله قرأ {طه} و {يس} قبل أن يخلق السموات والأرض بألف عام، فلما سمعت الملائكة القرآن قالت: طوبى لأمة ينزل هذا عليها، وطوبى لأجواف تحمل هذا، وطوبى لألسنة تتكلم بهذا". قلت: رواه الدارمي هنا من حديث إبراهيم بن المهاجر بن المسمار عن عمر بن حفص بن ذكوان عن مولى الحرقة عن أبي هريرة يرفعه، وقد ذكر ابن الجوزي هذا الحديث في "الموضوعات" في أوائل الكتاب، وقال: هذا حديث موضوع، ونقل عن ابن حبَّان أنَّه قال: هذا متن موضوع. (¬3) 1564 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من قرأ (حم الدخان) في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك". (غريب). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2886) وهو مخالف للصحيح: "من حفظ عشر آيات". وانظر: السلسلة الضعيفة (1336). (¬2) أخرجه الترمذي (2887) وإسناده موضوع، أبو محمَّد هارون قال الحافظ عنه في التقريب (7298): شيخ للحسن بن صالح بن حيّ، مجهول. (¬3) أخرجه الدارمي (4/ 2148)، وابن أبي عاصم في السنة برقم (607)، والعقيلي في الضعفاء الكبير (1/ 660) في ترجمة إبراهيم بن المهاجر بن مسمار المديني، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 109 - 110)، وابن حبَّان في المجروحين (1/ 95)، وإبراهيم بن المهاجر قال عنه الحافظ في التقريب "ضعيف" (ت 257) وكذلك في الإسناد عمر بن حفص بن ذكوان وهو متروك كما قال النسائيُّ (المغني ت (4436). الميزان (3/ 189). المجروحين (2/ 84).

قلت: رواه الترمذي هنا من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة وفي سنده عمر بن أبي خثعم وهو ضعيف وقال البخاري: منكر الحديث. (¬1) 1565 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من قرأ الدخان في ليلة الجمعة غفر له". (غريب). قلت: رواه الترمذي من حديث الحسن عن أبي هريرة وقال: لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وهشام بن المقدام أحد رواته: ضعيف، والحسن لم يسمع من أبي هريرة فهو ضعيف منقطع. (¬2) 1566 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ المسبّحات قبل أن يرقد، يقول: "إن فيهن آية خير من ألف آية". (غريب). قلت: رواه أبو داود في الأدب والنسائيُّ والترمذي كلاهما في فضائل القرآن من حديث العرباض بن سارية، وحسنه الترمذي، وفي إسناده بقية بن الوليد: وفيه مقال لأهل الحديث. والمسبحات كل سورة أولها سبح أو يسبح. (¬3) 1567 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن سورة في القرآن ثلاثون آية، شفعت لرجل حتى غفر له، وهي {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} ". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2888) وإسناده موضوع. وعمر بن أبي خثعم قال عنه الحافظ في "التقريب" (4962): ضعيف. (¬2) أخرجه الترمذي (2889) وإسناده ضعيف. وهشام بن المقدام قال عنه الحافظ في "التقريب" متروك (7342). (¬3) أخرجه أبو داود (5057)، والترمذي (2921) (3406)، والنسائيُّ في الكبرى (10594) (10550)، وفي اليوم والليلة (713) (714) وفي إسناده بقية بن الوليد وهو يدلس. ومثله يحتاج إلى التصريح بالتحديث.

قلت: رواه الأربعة أبو داود في الصلاة والترمذي في فضائل القرآن والنسائيُّ في التفسير وفي اليوم والليلة وابن ماجه في ثواب القرآن، وقال الترمذي: حسن، ورواه الحاكم، وقال: صحيح، كلهم من حديث أبي هريرة. (¬1) 1568 - ضرب بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- خِباءَه على قبر، وهو لا يحسب أنَّه قبر، فإذا فيه إنسان يقرأ سورة {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} حتى ختمها، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "هي المانعة، هي المنجية، منجية من عذاب الله". (غريب). قلت: رواه الترمذي في فضائل القرآن من حديث أبي الجوزاء عن ابن عباس وقال: حسن غريب. (¬2) 1569 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا ينام حتى يقرأ: {الم تنزيل} و {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} ". (غريب). قلت: رواه الترمذي في فضائل القرآن والنسائيُّ في اليوم والليلة كلاهما من حديث أبي الزبير عن جابر وفيه: اضطراب. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1400)، والترمذي (2891)، والنسائيُّ في الكبرى (11612)، وفي عمل اليوم والليلة (710)، وابن ماجه (3786)، والحاكم (1/ 565). (¬2) أخرجه الترمذي (2890) وفيه: يحيى بن عمرو بن مالك النكري، قال الحافظ: ضعيف، ويقال: إن حماد بن زيد كذبه، التقريب (7664)، وفي إسناده كذلك أبي الجوزاء وهو أوس بن عبد الله الربعي قال عنه الحافظ في "التقريب". يرسل كثيرًا، ثقة التقريب (2582). (¬3) أخرجه الترمذي (2892)، والنسائيُّ في عمل اليوم والليلة (707) وقوله: فيه اضطراب، لكونه من حديث أبي الزبير عن جابر لكنه قد صرح في رواية الترمذي والنسائيُّ بروايته عن صفوان عن جابر، وقد أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن (ص 251 - 252)، والنسائيُّ في عمل اليوم والليلة (709) من طريق زهير بن معاوية قال: سألت أبا الزبير أسمعت جابرًا يذكر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- الحديث ..... قال: ليس جابر حدثنيه ولكن حدثنيه صفوان أو ابن صفوان قلت: وصفوان الذي يروى عنه أبو الزبير هو صفوان بن عبد الله بن صفوان القرشي المكي وهو ثقة وبه يصح الحديث. انظر: الصحيحة (585).

1570 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: {إِذَا زُلْزِلَتِ} تعدل نصف القرآن و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} تعدل ربع القرآن". قلت: رواه الترمذي هنا من حديث ابن عباس وقال غريب لا نعرفه إلا من حديث يمان بن المغيرة انتهى، ورواه الحاكم، وقال: صحيح، وليس كذلك فإن مداره على يمان، ويمان ضعيف. (¬1) 1571 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قال حين يصبح ثلاث مرات: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم فقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر وكّل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي وإن مات في ذلك اليوم مات شهيدًا، ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة". قلت: رواه الترمذي في فضائل القرآن من حديث معقل بن يسار، وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. (¬2) 1572 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قرأ كل يوم مائتي مرة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} محى الله عنه ذنوب خمسين سنة، إلا أن يكون عليه دين". قلت: رواه الترمذي في فضائل القرآن من حديث أنس وفي سنده ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2894)، والحاكم (1/ 566) وقلت: ويمان بن المغيرة قال عنه الحافظ في التقريب "ضعيف" (7909). (¬2) أخرجه الترمذي (2922) وفيه خالد بن طهمان وهو صدوق رمي بالتشيع ثمَّ اختلط قاله الحافظ في التقريب: (1654). وكذلك ضعفه ابن معين وقال: خلط قبل موته بعشر سنين وكان قبل ذلك ثقة. وذكره الذهبي في الميزان (1/ 632) في ترجمة خالد بن طهمان من هذا الطريق، وقال: لم يحسنه الترمذي، وهو حديث غريب جدًّا.

حاتم بن ميمون قال ابن حبَّان: لا يجوز الاحتجاج به. (¬1) 1573 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أراد أن ينام على فراشه، فنام على يمينه، ثم قرأ مائة مرة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، إذا كان يوم القيامة يقول الرب: يا عبدي ادخل على يمينك الجنة". (غريب). قلت: رواه الترمذي تلو الحديث الذي قبله وفي سنده حاتم بن ميمون. (¬2) 1574 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمع رجلًا يقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فقال: "وجبت"، قلت: وما وجبت؟ قال: "الجنة". قلت: رواه الترمذي في فضائل القرآن والنسائيُّ في الصلاة وفي التفسير وفي اليوم والليلة من حديث أبي هريرة. قال الترمذي: حسن غريب، وقد أخرجه مالك في الموطأ في باب: قل هو الله أحد. (¬3) 1575 - أنَّه قال: يا رسول الله علمني شيئًا أقوله إذا أويت إلى فراشي؟ فقال: "اقرأ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} فإنها براءة من الشرك". قلت: رواه أبو داود في الأدب، وقال فيه: ثمَّ نم على خاتمتها فإنها براءة من الشرك والترمذي في الدعوات بلفظ المصنف والنسائيُّ في التفسير من حديث فروة بن نوفل عن أبيه وذكر الترمذي والنسائيُّ طرفًا من الاختلاف فيه، وذكر ابن عبد البر نوفلًا هذا وقال: حديثه في {قل يا أيها الكافرون}، مضطرب الإسناد لا يثبت. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2898) وإسناده ضعيف. وحاتم بن ميمون قال عنه الحافظ في التقريب "ضعيف" (1007). انظر: المجروحين لابن حبَّان (1/ 271)، وقال ابن عديّ -وذكر هذا الحديث والذي قبله-: لا يرويهما غيره. الكامل (2/ 844 - 845). (¬2) أخرجه الترمذي (2897) وإسناده ضعيف. وحاتم بن ميمون سبق في الحديث السابق. (¬3) أخرجه مالك في الموطأ (1/ 208 رقم 181)، والترمذي (2897)، والنسائيُّ (2/ 171)، وصححه الحاكم (1/ 566)، ووافقه الذهبي. (¬4) أخرجه أبو داود (5055)، والترمذي (3403)، والنسائيُّ في الكبرى (10638)، وأحمد (5/ 456)، والحاكم (2/ 565)، وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وانظر: الاستيعاب (4/ 1513) في ترجمة: نوفل بن فروة الأشجعي، وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة (6/ 482): =

1576 - بينا أنا أسير مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الجحفة والأبواء، إذ غشيتنا ريح وظلمة شديدة، فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتعوذ بـ {أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ويقول: "يا عقبة! تعوذ بهما، فما تعوذ متعوذ بمثلهما". قلت: رواه النسائيُّ في فضائل القرآن من حديث أبي سعيد المقبري (¬1) عن عقبة بن عامر. والجحفة: بضم الجيم وسكون الحاء المهملة، كانت قرية كبيرة على نحو سبع مراحل من المدينة، وثلاث من مكة، قال صاحب المطالع وغيره: سميت الجحفة: لأنَّ السيل أجحفها وحمل أهلها، ويقال لها: مهيعة بفتح الميم وإسكان الهاء. والأبواء: هو بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة والمد، جبل بين مكة والمدينة وعنده بلد ينسب إليه. (¬2) 1577 - قال: خرجنا في ليلة مَطَر، وظلمة شديدة، نطلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأدركناه، فقال: "قل"، قلت: ما أقول؟ قال: " {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، والمعوذتين، حين تصبح وحين تمسي ثلاث مرات، تكفيك من كل شيء". قلت: رواه أبو داود في الأدب والترمذي في الدعوات والنسائيُّ في الاستعاذة كلهم من حديث عبد الله بن حبيب عن أبيه، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب. (¬3) ¬

_ = وزعم ابن عبد البر (أي: في الاستيعاب) بأنّه حديث مضطرب وليس كما قال، بالرواية التي فيها "عن أبيه". أرجح وهي الموصولة رواته ثقات فلا يضره مخالفة من أرسله. وقال أيضًا: في نتائج الأفكار: حديث حسن نقله ابن علان في الفتوحات الربانية (3/ 156). (¬1) أخرجه أبو داود (1463). وقد جمع الحافظ ابن كثير في تفسيره (4/ 611 - 612) طرق هذا الحديث وقال: فهذه طرق عن عقبة كالمتواترة عنه تفيد القطع عند كثير من المحققين في الحديث. (¬2) انظر للأبواء والجحفة: كتاب "المناسك" وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة ص (453 - 459). (¬3) أخرجه أبو داود (5082)، والترمذي (3575)، والنسائيُّ (8/ 250) وإسناده صحيح.

فصل

فصل من الصحاح 1578 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده، لهو أشد تفصِّيًا من الإبل في عُقُلها". قلت: رواه البخاري في فضائل القرآن ومسلم في الصلاة من حديث أبي موسى يرفعه. (¬1) وتفصيًا: بالياء ثالثة الحروف وبالفاء والصاد المهملة، والتفصي معناه التخلص. والعقل: بضم العين والقاف وهو جمع عقال ككتاب وكتب. 1579 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "استذكروا القرآن، فإنَّه أشد تفصيًا من صدور الرجال من النَّعم". قلت: رواه البخاري في فضائل القرآن ومسلم في الصلاة والنسائيُّ فيهما والترمذي في القرآن كلهم من حديث أبي وائل عن ابن مسعود. والنعم: أصلها الإبل والبقر والغنم، والمراد: هنا الإبل خاصة لأنه في بعض الروايات: "أشد تفصيًا من صدور الرجال من النعم بعقلها" ولا يعقل من النعم غير الإبل للحديث الذي بعده. (¬2) 1580 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "مثل صاحب القرآن، كمثل صاحب الإبل المعقَّلة، إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت". قلت: رواه البخاري في فضائل القرآن ومسلم في الصلاة والنسائيُّ فيهما من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر يرفعه. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5033)، ومسلم (791). (¬2) أخرجه البخاري (5032)، ومسلم (790)، والنسائيُّ (2/ 154، 155)، والترمذي (2942). (¬3) أخرجه البخاري (5031)، ومسلم (789)، والنسائيُّ (2/ 154).

1581 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "اقرؤوا القرآن ما ائتلفت قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا عنه". قلت: رواه البخاري والنسائيُّ في فضائل القرآن ومسلم في القدر من حديث جندب بن عبد الله. (¬1) 1582 - سئل أنس: كيف كانت قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: "كانت مدًّا، ثمَّ قرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) يمد ببسم الله ويمد بالرحمن ويمد بالرحيم". قلت: رواه البخاري في فضائل القرآن من حديث همام بن يحيى عن قتادة عن أنس، والسائل لأنس هو: قتادة، هكذا هو في رواية البخاري في الفضائل أيضًا، والأربعة: والترمذي في الشمائل والباقون في الصلاة من سننهم من حديث جرير عن قتادة. (¬2) 1583 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت بالقرآن، يجهر به". قلت: رواه البخاري في فضائل القرآن ومسلم في الصلاة والنسائيُّ فيهما من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة. (¬3) وأذن: بكسر الذال المعجمة معناه في اللغة: استمع، ومنه قوله تعالى {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا} ولا يجوز أن تحمل هنا على الاستماع بمعنى الإصغاء، فإنَّه مستحيل في حق الله تعالى بل هو مجاز، ومعناه الكناية عن تقريبه القارئ وإجزال ثوابه لأنَّ سماع الله تعالى لا يختلف، فوجب تأويله. (¬4) 1584 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ليس منّا من لم يتغن بالقرآن". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5060)، ومسلم (2667)، والنسائيُّ في الكبرى (8098). (¬2) أخرجه البخاري (5046)، وأبو داود (1465)، والترمذي في الشمائل (315)، والنسائيُّ (2/ 179)، وابن ماجه (1353). (¬3) أخرجه البخاري (7544)، ومسلم (792)، والنسائيُّ (2/ 180)، وفي الكبرى (8052). (¬4) هذا قول النوويّ في المنهاج (6/ 112).

قلت: رواه البخاري في التوحيد من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة يرفعه (¬1)، قال البخاري: قال سفيان: يستغني به. قال النوويّ (¬2): ومعناه عن الشافعي وأصحابه وأكثر العلماء من الطوائف وأصحاب الفنون: تحسين صوته به، وقد نقل بعض العلماء الاتفاق على استحباب تحسين الصوت بالقراءة وترتيلها، قال أبو عبيدة: والأحاديث الواردة في ذلك محمولة على التحزين والتشويق، واختلفوا في القراءة بالألحان: فكرهها مالك لخروجها عن ما جاء القرآن له من الخشوع والتفهم، وأباحها أبو حنيفة وجماعات من السلف، للأحاديث، ولأن ذلك سبب للرقة وإثارة للخشية وقال الشافعي في موضع: أكره القراءة بالألحان، وقال في موضع: لا أكرهها، قال أصحابنا: ليس له فيها خلاف، وإنما هو اختلاف حالين، فحيث كرهها أراد إذا مطط وأخرج الكلام عن موضعه بزيادة أو نقص أو مد غير ممدود، أو أدغم ما لا يجوز إدغامه ونحو ذلك، وحيث أباحها إذا لم يكن فيها تغيير لموضع الكلام. 1585 - قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو على المنبر: "اقرأ عليّ" قلت: أقرأ عليك، وعليك أنزل؟ قال: "إني أحب أن أسمعه من غيري" فقرأت سورة النساء، حتى أتيت هذه الآية: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41)} [النساء: 41] فالتفت إليه، فإذا عيناه تذرفان. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (7572)، وانظر: شرح السنة للبغوي (4/ 485). (¬2) المنهاج (6/ 115).

قلت: رواه البخاري والنسائيُّ كلاهما في فضائل القرآن وهما أيضًا والترمذي في التفسير ومسلم في الصلاة وأبو داود في العلم كلهم من حديث عبيدة السلماني واللفظ للبخاري. (¬1) وتذرفان: بالذال المعجمة والراء المهملة المكسورة وبالفاء أي يسيل دمعهما، يقال: ذرفت عينه تذرف أي سال دمعها. 1586 - قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي بن كعب: "إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن قال: الله تعالى سماني لك؟ قال: "نعم"، قال: وقد ذكرت عند رب العالمين؟ قال: "نعم" فذرفت عيناه". قلت: رواه البخاري في التفسير ومسلم في الصلاة كلاهما من حديث قتادة عن أنس. (¬2) وذرفت: بفتح الراء المهملة وفيه فوائد: منها: أنَّه يستحب القراءة على أهل العلم والفضل، وإن كان القارئ أفضل من المقروء عليه، ومنقبة لأبيّ، ولا يعلم أن غيره شاركه في ذلك، ومنقبة بذكر الله تعالى له، ونصه عليه في هذه المنزلة، والبكاء للسرور والفرح، وإنما سأل أبيّ عن تسمية الله تعالى له: لجواز أن يكون الله تعالى أمره أن يقرأ على رجل من أمته ولم يعينه، فأراد أن يتحقق ذلك وهذا ليتعلم وليستن به غيره في القراءة على أهل الفضل، وإن كان القارئ أفضل، وقيل لجلالة أبيّ وإعلامه - صلى الله عليه وسلم - أمته أنَّه أهل لأنَّ يؤخذ عنه. - وفي رواية: "أمرني ربي أن أقرأ عليك {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} ". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في التفسير (4582)، وفي فضائل القرآن (5049) و (5050)، ومسلم (800)، والنسائيُّ في الكبرى (8078)، وفي تفسيره (125)، وأبو داود (3668)، والترمذي (3025)، والبغويُّ في شرح السنة (1220). (¬2) أخرجه البخاري في التفسير (4960) (4961)، ومسلم (799).

في الحسان

قلت: رواها الشيخان من رواية أنس. (¬1) وإنما خص هذه السورة لكونها وجيزة، جامعة لقواعد كثيرة من أصول الدين وفروعه ومهماته، والإخلاص وتطهير القلوب. 1587 - نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو". قلت: رواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه كلهم في الجهاد من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر يرفعه. (¬2) - وفي رواية: "لا تسافروا بالقرآن فإني لا آمن أن يناله العدو". قلت: رواها مسلم في المغازي من حديث أيوب عن نافع عن ابن عمر يرفعه. (¬3) ونبه - صلى الله عليه وسلم - بذلك على العلة المقتضية للنهي عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو، فإن أمنت هذه العلة بأن تسافر به في جيش المسلمين الظاهر عليهم، فلا كراهة ولا منع حينئذ لعدم العلة، هذا هو الصحيح وبه قال أبو حنيفة والبخاري وآخرون، وقال مالك: النهي مطلقًا، وحكى ابن المنذر عن أبي حنيفة: الجواز مطلقًا، والصحيح عنه ما سبق، وهذه العلة المذكور في الحديث هي من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-، كذا ذكره الحفاظ وغلط بعض المالكية، فزعم أنها من كلام مالك، واتفق العلماء على أنَّه: يجوز أن يكتب إليهم كتاب فيه آية أو آيات، والحجة فيه: كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى هرقل وفيه شيء من القرآن. (¬4) في الحسان 1588 - قال: جلست في عصابة من ضعفاء المهاجرين، إن بعضهم ليستتر ببعض من العري، وقارئ يقرأ علينا، إذ جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقام علينا، فلما قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3809)، و (4960)، ومسلم (799). (¬2) أخرجه البخاري في الجهاد (2990)، ومسلم (1869)، وأبو داود (2610)، وابن ماجه (2879). (¬3) أخرجه مسلم (94/ 1869). (¬4) انظر: المنهاج (13/ 20).

سكت القارئ، فسلم ثمَّ قال: "ما كنتم تصنعون؟ " قلنا: كنا نستمع إلى كتاب الله فقال: "الحمد لله الذي جعل من أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم" قال: فجلس وسطنا ليعدل بنفسه فينا، ثمَّ قال بيده هكذا، فتحلقوا، وبرزت وجوههم له، فقال: "أبشروا يا معشر صعاليك المهاجرين، بالنور التام يوم القيامة، تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم، وذلك خمسمائة سنة". قلت: رواه أبو داود في العلم من حديث أبي سعيد الخدري وسنده جيد. (¬1) وله شواهد في صحيح مسلم وغيره. والعصابة: بكسر العين وبالصاد المهملتين، الجماعة من الناس من العشرة إلى الأربعين. قوله: فجلس وسطنا كل موضع يصلح أن يكون مكان. وسط: كلمة "بين" فهو بالسكون على وزن بين، وكل موضع لا يصلح عنه بين، فهو بالفتح، وقيل: كل منهما يقع موقع الآخر. وصعاليك: بفتح الصاد المهملة جمع صعلوك بضمها وهو الفقير. 1589 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "زينوا القرآن بأصوتكم". قلت: رواه أبو داود والنسائيُّ وابن ماجه في الصلاة ورواه البخاري تعليقًا في أواخر صحيحه والحاكم في المستدرك في فضائل القرآن، وزاد في بعض طرقه: "فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنًا" كلهم من حديث البراء بن عازب. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3666) وإسناده ضعيف. لأنَّ في إسناده العلاء بن بشير المزني قال ابن المديني: لم يرو عنه غير المعلي بن زياد فهو مجهول كما قال الحافظ في "التقريب" ت (5264). وقوله: له شواهد في صحيح مسلم يقصد حديث عبد الله بن عمرو (2979) "أن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة بأربعين خريفًا". (¬2) أخرجه أبو داود (1468)، والنسائيُّ (2/ 180، 179)، وابن ماجه (1342)، والحاكم (1/ 571) وإسناده صحيح. وعلقه البخاري في صحيحه في كتاب التوحيد الفتح (13/ 518)، وتغليق التعليق (5/ 374)، فقال: باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الماهر بالقرآن مع سفرة الكرام البررة وزينوا القرآن بأصواتكم".

1590 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما من امرئ يقرأ القرآن ثمَّ ينساه، إلا لقي الله يوم القيامة أجذم". قلت: رواه أبو داود في الصلاة من حديث عيسى بن فائد عن سعد بن عبادة، وفي إسناده: يزيد بن أبي زياد ولا يحتج بحديثه، وقال ابن أبي حاتم: عيسى بن فائد روى عمن سمع سعد بن عبادة فهو على هذا منقطع أيضًا، لأنَّ عيسى هذا لم يدرك سعد بن عبادة. (¬1) وأجذم: بجيم ودال معجمة، قال في النهاية أي: مقطوع اليد، من الجذم وهو القطع. (¬2) 1591 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث". قلت: رواه الأربعة: أبو داود في الصلاة مطولًا ومختصرًا والترمذي في القراءة والنسائيُّ في فضائل القرآن وابن ماجه في الصلاة كلهم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص يرفعه. (¬3) 1592 - عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمُسرُّ بالقرآن كالمسر بالصدقة". (غريب). ¬

_ (¬1) النهاية (1/ 243). (¬2) أخرجه أبو داود (1474) وإسناده ضعيف. لأنَّ فيه: عيسى بن فائد وهو مجهول، وروايته عن الصحابة مرسلة، قاله في التقريب (5354) وفيه أيضًا: يزيد بن أبي زياد قال عنه الحافظ في "التقريب" (ت 7768): ضعيف، كبر فتغير وصار يتلقن وكان شيعيًّا. وقد اضطرب في إسناده فمرة يقول: عن عيسى بن فائد عن رجل عن سعد، ومرة يرويه: بانفاط الرجل، ومرة يرويه: عن عيسى عن عبادة. وانظر: الضعيفة (1354). (¬3) أخرجه أبو داود (1394)، والترمذي (2949) وقال: حسن صحيح، والنسائيُّ (5/ 80)، وابن ماجه (1347).

قلت: رواه أبو داود والترمذي والنسائيُّ كلهم في الصلاة من حديث عقبة ابن عامر وقال الترمذي: حسن غريب. (¬1) 1593 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما آمن بالقرآن من استحل محارمه". (ضعيف). قلت: رواه الترمذي في فضائل القرآن من حديث وكيع عن يزيد بن سنان عن أبي المبارك عن صهيب وقال: ليس إسناده بالقوي، وأبو المبارك هذا شيخ مجهول، ولم يدرك صهيبًا، ورواه البيهقي في "الشعب" في باب الإيمان بالقرآن، من حديث مجاهد عن سعيد بن المسيّب عن صهيب وهذا متصل. (¬2) والحديث محمول على ظاهره: فإن من استحل ما حرمه القرآن فقد كذب به، فهو كافر اتفاقًا، وأما من فعل ما حرمه القرآن من غير استحلال، فهو مذنب وليس بكافر عند العلماء كافة، إلا ما ذهب إليه الخوارج من تكفير أهل المعاصي. 1594 - أنَّه سأل أم سلمة عن قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفًا حرفًا. قلت: رواه أبو داود والنسائيُّ في الصلاة والترمذي والنسائيُّ أيضًا في فضائل القرآن كلهم من حديث يعلى بن مملك أنَّه سأل أم سلمة، وقال الترمذي: حسن صحيح (¬3)، وتنعت: بمعنى تصف. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1333)، والترمذي (2919)، والنسائيُّ (5/ 80). (¬2) أخرجه الترمذي (2919)، وأبو المبارك شيخ مجهول، وروايته عن صهيب مرسلة كما قال الحافظ في التقريب (ت 8404). ورواية البيهقي في الشعب (173) متصلة كما قال المصنف. وقد ضعفه الشيخ الألباني في الجامع الصغير (4975)، وفي المشكاة (2203)! (¬3) أخرجه أبو داود (4001)، والترمذي (2927)، والحاكم (2/ 232) وقال صحيح على شرط الشيخين. قلت: أما الصحة فنعم ولكن ليس على شرطهما فإن في إسناده يحيى بن سعيد القرشي لم يخرج له البخاري، وهو ثقة. فهو على شرط مسلم فقط.

فصل

1595 - وروي أنها قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقطّع قراءته يقول: {الحمد لله رب العالمين} ثمَّ يقف، ثمَّ يقول: {الرحمن الرحيم} ثمَّ يقف، "والأول أصح". قلت: رواه الترمذي في القرآن بهذا اللفظ، وأبو داود في الحروف كلاهما من حديث ابن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة عن أم سلمة ولفظ أبي داود: "أنها ذكرت قراءة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- {بسم الله الرحمن الرحيم} الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، ملك يوم الدين} يقطع قراءته آية آية، وقال الترمذي: حديث غريب وليس إسناده بمتصل، لأنَّ الليث بن سعد روى هذا الحديث عن ابن أبي مليكة عن يعلى بن مملك عن أم سلمة، وحديث الليث أصح. (¬1) فصل من الصحاح 1596 - سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقرأنيها، فجئت به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اقرأ"، فقرأ القراءة التي سمعتها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هكذا أنزلت" ثمَّ قال لي: اقرأ، فقرأت، فقال لي: "هكذا أنزلت، إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1466)، والترمذي (2923)، والنسائيُّ (2/ 181) وإسناده ضعيف. فقد اختلف فيه على ابن أبي مليكة، وأما قول الترمذي في رواية الليث فإنها أصح فلكونها متصلة. وكذلك صححه الحاكم (2/ 231 - 232)، وابن خزيمة (1158)، والدارقطني (1/ 312 - 313)، وبه قال النوويّ في المجموع (3/ 333). ولكن تبقى في الإسناد علة وهي جهالة يعلى بن مملك فقد تفرد بالرواية عنه عبد الله بن أبي مليكة ولم يؤثر توثيقه عن غير ابن حبَّان، وقال الحافظ: مقبول "التقريب" (7904).

قلت: رواه الجماعة: إلا ابن ماجه البخاري في فضائل القرآن وفي التوحيد وفي الأشخاص ومسلم وأبو داود والنسائيُّ ثلاثتهم في الصلاة والترمذي في القراءة كلهم من حديث المسور عن عمر بن الخطّاب. (¬1) وقد جاء في حديث أبيّ الآتي أن سبب إنزاله على سبعة أحرف سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يهون على أمته، قال النوويّ (¬2): واختلف العلماء في المراد بسبعة أحرف: فقيل: هو توسعة وتسهيل لم يقصد به الحصر، ونقل عن الأكثرين أنه حصر للعدد في سبعة، ثمَّ قيل هي سبعة في المعاني، كالوعد والوعيد والمحكم والمتشابه والحلال والحرام والقصص والأمثال والأمر والنهي، وقال آخرون: هي في صورة التلاوة وكيفية النطق بكلماتها، من إدغام وإظهار وتفخيم وترقيق، وإمالة ومد، لأنَّ العرب كانت مختلفة اللغات في هذه الوجوه، فيسر الله تعالى عليهم ليقرأ كل إنسان بما يوافق لغته، ويسهل على لسانه، وقال آخرون: هي الألفاظ والحروف، ثمَّ اختلف هؤلاء: فقيل: سبع قراءات، وقال أبو عبيد (¬3): سبع لغات للعرب، يمنها ومعدها وهي أفصح اللغات وأعلاها، وقيل: بل السبعة كلها لمضر وحدها، وهي سبعة متفرقة في القرآن غير مجتمعة في كلمة واحدة، وقيل: بل هي مجتمعة في كلمة واحدة، وقيل: هي مجتمعة في بعض الكلمات، كقوله تعالى: {وعبد الطاغوت} (¬4) و {يرتع ويلعب} (¬5) و {باعد بين أسفارنا}. (¬6) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الخصومات (2419)، وفي فضائل القرآن (4992) (7550)، وفي التوحيد (7550)، ومسلم (818)، والنسائيُّ (2/ 150)، وأبو داود (1475)، والترمذي (2943). (¬2) المنهاج للنووي (6/ 99). (¬3) في غريب الحديث (3/ 159). (¬4) المائدة: (60). (¬5) يوسف: (12). (¬6) سبأ: (19).

قال القاضي الباقلاني: الصحيح أن هذه الأحرف السبعة اشتهرت، واستفاضت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وضبطها عنه الأمة، وأثبتها عثمان والجماعة في المصحف وأخبروا بصحتها، وإنما حذفوا عنها ما لم يثبت متواترًا، وأن هذه الأحرف تختلف معانيها تارة، وألفاظها أخرى، وليست متضادة ولا متنافية، وذكر الطحاوي أن القراءة بالأحرف السبعة كانت في أول الأمر خاصة لاختلاف لغة العرب، ومشقة أخذ جميع الطوائف بلغة، فلما كثر الناس والكتاب وارتفعت الضرورة عادت إلى قراءة واحدة. قال الداوودي: وهذه القراءات السبع التي يقرأ الناس اليوم بها ليس كل حرف منها هو أحد تلك السبعة بل قد تكون مفرقة فيها. وقال النحاس (¬1): هذه القراءات السبع إنما شرعت من حرف واحد من السبعة المذكورة في الحديث، وهو الذي جمع عليه عثمان المصحف، وقال آخرون: لا يمكن القراءة بالسبعة المذكورة في الحديث في الختمة الواحدة، ولا يدرى إن أي هذه القراءات كان آخر العرض على النبي -صلى الله عليه وسلم-. (¬2) 1597 - سمعت رجلًا قرأ آية، وسمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ خلافها، فجئت به النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته، فعرفت في وجهه الكراهية، فقال: "كلاكما محسن فلا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا". قلت: رواه البخاري والنسائيُّ كلاهما في فضائل القرآن وفي غيره من حديث النزال بن سبرة عن ابن مسعود. (¬3) ¬

_ (¬1) هو أبو عبد الله محمَّد بن أحمد بن أسيد بن أبي صفرة سمع من الأصلي وكان من كبار أصحابه وتوفي بالقيروان (ترتيب المدارك 8/ 36). (¬2) انظر: الفتاوى الكبرى (13/ 390)، والمنتقى (1/ 347)، وتفسير الطبري (1/ 57)، والتمهيد (8/ 291)، ومشكل الآثار (4/ 191). (¬3) أخرجه البخاري (2410) (3476)، والنسائيُّ (8095).

1598 - كنت في المسجد، فدخل رجل يصلي، فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثمَّ دخل آخر، فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعًا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ثمَّ دخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه، فأمرهما النبي -صلى الله عليه وسلم- فقرأ، فحسّن شأنهما، فسُقط في نفسي من التكذيب -ولا إذ كنت في الجاهلية- فلما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما قد غشيني، ضرب في صدري، ففضت عرقًا، وكأنما أنظر إلى الله فرقًا، فقال لي: "يا أبيّ: أرسل إليّ أن أقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هوّن على أمتي، فرد إليّ الثانية: اقرأهُ على حرف فرددت إليه أن هوّن على أمتي، فرد إلي الثالثة: اقرأه على سبعة أحرف، ولك بكل ردة رددتكها مسألة تسألنيها، فقلت: "اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي، وأخّرت الثالثة ليوم يرغب إلي الخلق كلهم، حتى إبراهيم عليه السلام". قلت: رواه مسلم وأبو داود والنسائيُّ كلهم في الصلاة من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بن كعب. ولم يخرجه البخاري. (¬1) قوله: "فسقط في نفسي من التكذيب، ولا إذا كنت في الجاهلية" قال بعضهم: معناه وسوس إلى الشيطان تكذيب النبوة أشد ما كنت في الجاهلية؛ لأنه كان في الجاهلية عاقلًا أو شاكًّا، فوسوس له الشيطان الجزم بالتكذيب، قال القاضي عياض: (¬2) معنى قوله: سقط في نفسي أنَّه اعترته حيرة ودهشة، قال: قوله: ولا إذ كنت في الجاهلية، إن الشيطان نزغ في صدري تكذيبًا لم يعتقده، وهذه الخواطر إذا لم يستمر عليها لم يؤاخذ بها، قال المازري (¬3): معنى هذا أنَّه وقع في نفس أبي بن كعب نزعة من الشيطان غير مستقرة، ثمَّ زالت في الحال حين ضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- في صدره، ففاض عرقًا. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (820)، وأبو داود (1477)، والنسائيُّ (2/ 154). (¬2) إكمال المعلم (3/ 193). (¬3) المعلم بفوائد مسلم للمازري (1/ 309).

من الحسان

قوله: فلما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما قد غشيني إلى آخره، إنما ضربه - صلى الله عليه وسلم - في صدره لتثبيت قلبه، حين رآه قد غشيه ذلك الخاطر المذموم، قال القاضي: ويقال فضت عرقًا، وفضت بكسر الفاء وبالضاد المعجمة أي تصببت كما يفيض الإناء، وحكى في المشارق: أنَّه يقال فصت أي بصاد مهملة وهي بمعنى المعجمة. (¬1) 1599 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني، حتى انتهى إلى سبعة أحرف". قلت: رواه البخاري في بدء الخلق وفي فضائل القرآن ومسلم في الصلاة كلاهما من حديث الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس. (¬2) من الحسان 1600 - قال: لقي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جبريل فقال: "يا جبريل إني بعثت إلى أمة أميين، منهم العجوز، والشيخ الكبير، والغلام، والجارية، والرجل الذي لم يقرأ كتابًا قط" قال: يا محمَّد إن القرآن أنزل على سبعة أحرف. قلت: رواه الترمذي في القراءة من حديث أبي بن كعب (¬3) وقال: حسن صحيح. - وفي رواية: ليس منها إلا شاف كاف. قلت: رواها أبو داود في الصلاة من حديث أبيّ بن كعب ولم يضعفه أبو داود فهو حديث صالح. (¬4) ¬

_ (¬1) مشارق الأنوار (2/ 161). (¬2) أخرجه البخاري (4991)، ومسلم (819). (¬3) أخرجه الترمذي (2944). (¬4) أخرجه أبو داود (1477)، والترمذي (2944) وإسناده صحيح.

- وفي رواية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن جبريل وميكائيل أتياني، فقعد جبريل عن يميني وميكائيل عن يساري فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف قال ميكائيل: استزده حتى بلغ سبعة أحرف وكل حرف شاف كاف. قلت: هذه الرواية رواها ابن حبَّان في صحيحه (¬1) عن أنس بن مالك عن أبي بن كعب. 1601 - أنَّه مر على قاصّ يقرأ، ثمَّ يسأل، فاسترجع ثمَّ قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من قرأ القرآن فليسأل الله به، فإنَّه سيجيء أقوام يقرأون القرآن يسألون به الناس". قلت: رواه الترمذي في فضائل القرآن من حديث عمران بن حصين وقال: حديث حسن، إسناده ليس بذاك. (¬2) ¬

_ (¬1) صحيح ابن حبَّان الإحسان (737)، ورواه أيضًا النسائيُّ (1/ 150)، وأحمد (5/ 114، 122). (¬2) أخرجه الترمذي (2917) وقوله إسناده ليس بذاك لأنَّ في إسناده خيثمة وهو ابن خيثمة قال الحافظ في التقريب "لين" (ت 1782).

كتاب الدعوات

كتاب الدعوات من الصحاح 1602 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعةً لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئًا". قلت: رواه البخاري في الدعوات ومسلم في الإيمان واللفظ له ولم يقل البخاري: فهي نائلة إلى آخره، والترمذي في الدعوات وابن ماجه في الزهد بلفظ مسلم كلهم من حديث أبي هريرة. (¬1) قال النوويّ (¬2): ومعنى الحديث أن كل نبي له دعوة متيقنة الإجابة، وهو على يقين من إجابتها، وأما باقي دعواتهم فهي على طمع من إجابتها بعضها يجاب وبعضها لا يجاب، وذكر القاضي عياض أنَّه يحتمل أن يكون المراد لكل نبي دعوة لأمته، كما جاء في بعض الروايات وفيه بيان ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - من الشفقة على أمته، وحسن نظرة لهم، وفيه دليل لمذهب أهل الحق أن كل من مات غير مشرك بالله تعالى لم يخلد في النار، وإن كان مصرًّا على الكبائر. قوله - صلى الله عليه وسلم -: إن شاء الله، هو على جهة التبرك والامتثال لقول الله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}. 1603 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم إني أتخذ عندك عهدًا لن تُخْلِفَنِيه فإنما أنا بشر، فأي المؤمنين آذيته شتمته لعنته جلدته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6304)، ومسلم (199)، والترمذي (3602)، وابن ماجه (4307). (¬2) المنهاج (3/ 92 - 93).

قلت: رواه الشيخان في الدعوات من حديث أبي هريرة واللفظ لمسلم ولفظ البخاري: "اللهم أيّما عبد مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة" وروى مسلم أيضًا معناه من حديث عائشة وجابر بن عبد الله وأنس ابن مالك ولم يخرج البخاري عن هؤلاء في هذا شيئًا، إنما أخرج ما قدمناه عنه من حديث أبي هريرة. (¬1) 1604 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا دعا أحدكم فلا يقل: اللهم اغفر لي إن شئت، ارحمني إن شئت، ارزقني إن شئت، وليعزم مسألته، إن الله يفعل ما يشاه لا مكره له". قلت: رواه الجماعة إلا النسائي كلهم في الدعوات والبخاري في التوحيد أيضًا بهذا اللفظ من حديث أبي هريرة. (¬2) ومعنى الحديث: استحباب الجزم في الطلب، وكراهة التعليق على المشيئة إلا في حق من يتوجه عليه الإكراه، والله تعالى منزه عن ذلك، وهو معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: لا مكره له، وقيل: سبب الكراهة أن في هذا اللفظ صورة الاستغناء عن المطلوب. - وفي رواية: "ولكن ليعزم وليعظم الرغبة، فإن الله تعالى لا يتعاظمه شيء أعطاه". قلت: رواه مسلم. (¬3) 1605 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل، قيل يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجاب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6361)، ومسلم (2601). ورواية عائشة أخرجها مسلم (2600). ورواية جابر بن عبد الله أخرجها مسلم (2602). ورواية أنس بن مالك أخرجها مسلم (2603). (¬2) أخرجه البخاري في الدعوات (6339)، وفي التوحيد (7477)، ومسلم (2679)، وأبو داود (1483)، والترمذي (3497)، وابن ماجه (3854). (¬3) أخرجه مسلم (2679).

قلت: رواه مسلم في الدعاء (¬1) من حديث أبي هريرة وليس هو في البخاري بهذا اللفظ، إنما خرَّج هو والجماعة: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: قد دعوت ربي فلم يستجب لي". ويستحسر: بياء مثناة من تحت وسين مهملة وتاء مثناة من فوق وحاء وسين وراء مهملات أي يمل، قال أهل اللغة: يقال حسر واستحسر، إذا أعيا وانقطع عن الشيء، والمراد هنا أنَّه ينقطع عن الدعاء، ومنه قوله تعالى: {لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ} (¬2) أي: لا ينقطعون عنها، وفيه أنَّه ينبغي إدامة الدعاء ولا يستبطئ الإجابة. 1606 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل، كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكَّل به آمين، ولك بمثل". قلت: رواه مسلم في الدعوات وابن ماجه في الحج من حديث أبي الدرداء ولم يخرجه البخاري. (¬3) 1607 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "اتق دعوة المظلوم فإنَّه ليس بينها وبين الله حجاب". قلت: رواه الجماعة كلهم وقد تقدم في الزكاة مطولًا من حديث ابن عباس. (¬4) 1608 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2735)، ولفظ البخاري أخرجه في الدعوات (6340)، وأبو داود (1484) في الصلاة، والترمذي في الدعوات (3387)، وابن ماجه في الدعاء (3853) ولم أقف عليه عند النسائي في السنن وقد أخرجه في عمل اليوم والليلة (582) (583). (¬2) الأنبياء: (19). (¬3) أخرجه مسلم (2733)، وابن ماجه (2895). (¬4) تقدم تخريجه في الزكاة البخاري (1496)، ومسلم (29/ 19)، وأبو داود (1584)، والترمذي (2014)، والنسائي (5/ 55)، وابن ماجه (1738).

من الحسان

قلت: رواه مسلم في أثناء حديث جابر الطويل وأبو داود في الصلاة، وزاد فيه: ولا تدعوا على خدمكم. (¬1) من الحسان 1609 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الدعاء هو العبادة ثمَّ قرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (¬2) ". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه كلاهما في الدعوات والترمذي والنسائيُّ كلاهما في التفسير كلهم من حديث النعمان بن بشير، وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬3) 1610 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "الدعاء مخ العبادة". قلت: رواه الترمذي في الدعوات من حديث أنس وقال: غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة. (¬4) 1611 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "ليس شيء أكرم على الله من الدعاء". (غريب). قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في الدعوات، من حديث سعيد بن أبي الحسن عن أبي هريرة، وقال الترمذي: غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من رواية عمران القطان انتهى. وعمران القطان ضعفه النسائيُّ ومشّاه أحمد. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (3009)، وأبو داود (485) (634) (1532). (¬2) الغافر: (60). (¬3) أخرجه أبو داود (1479)، والترمذي (2969) (3247)، وقال حسن صحيح. وابن ماجه (3827)، والنسائي (11464). (¬4) أخرجه الترمذي (3371) وإسناده ضعيف. وفي إسناده ابن لهيعة. قال الحافظ: صدوق خلط بعد احتراق كتبه. التقريب (ت 3587). (¬5) أخرجه الترمذي (33709)، وابن ماجه (3829). قلت: في إسناده عمران القطان. =

1612 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر". قلت: رواه الترمذي في القدر من حديث سلمان وقال حسن غريب انتهى، وسنده جيد. (¬1) 1613 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء". (غريب). قلت: رواه الترمذي في الدعوات من حديث موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر وهو بعض الحديث الرابع من هذا الحديث وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من ¬

_ = قال العقيلي في الضعفاء (3/ 301) لا يتابع عليه ولا يعرف بهذا اللفظ إلا عن عمران وفي فضل الدعاء أحاديث بألفاظ مختلفة، من غير هذا الوجه. وقال ابن القطان (الوهم والإيهام رقم (1423): رواته ثقات ولا موضع في الإسناد للنظر إلا عمران بن داود القطان، وهو رجل ما بحديثه بأس أهـ. وقد انفرد عمران عن قتادة بهذا ولم يتابع عليه كما ذكر الطبراني في الأوسط (2523). فأنى له الصحة كما ذكر الحاكم في المستدرك (1/ 490). وقد حسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (5392)، والمشكاة (223)، وصحيح موارد الظمآن (2397) والله أعلم. (¬1) أخرجه الترمذي (2139)، وابن ماجه (90) (4022). وفي إسناده فضة أبو مودود قال أبو حاتم ضعيف (الجرح والتعديل 7/ 93) وقال في التقريب: فيه لين (785) وللحديث شاهد من حديث ثوبان. وفي إسناده عبد الله بن أبي الجعد (مجهول الحال) الميزان (2/ 400) وقال: وإن كان قد وثق ففيه جهالة. وعبد الله بن أبي الجعد لا يعرف له سماع من ثوبان التاريخ الكبير (5/ 61) فالإسناد ضعيف إلا أنَّه بما قبله إلى الحسن لغيره. وقد حسن حديث سلمان رضي الله عنه الألباني في الصحيحة (154)!

حديث عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي، وهو ضعيف في الحديث، ضعّفه بعض أهل العلم من قبل حفظه. (¬1) 1614 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما من أحد يدعو بدعاء، إلا آتاه الله ما سأل، أو كف عنه من السوء مثله، ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم". قلت: رواه الترمذي في الدعوات من حديث جابر بن عبد الله، وفي سنده: عبد الله بن لهيعة وفيه مقال. (¬2) 1615 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سلوا الله من فضله، فإن الله يحب أن يسأل، وأفضل العبادة انتظار الفرج". (غريب). قلت: رواه الترمذي في الدعوات، من حديث عبد الله بن مسعود (¬3)، وقال: هكذا رواه حماد بن واقد هذا الحديث وحماد بن واقد ليس بالحافظ انتهى، وقد ضعف حمادًا هذا ابن معين وغيره، وروى هذا الحديث أبو نعيم عن إسرائيل عن حكيم بن جبير عن رجل عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال الترمذي: وهذا أصح، وما قاله الترمذي مسلّم، إن كان الرجل من الصحابة والله أعلم. 1616 - قال - صلى الله عليه وسلم - من لم يسأل الله يغضب عليه. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3548)، وأورده الحاكم (1/ 493) وسكت عنه وتعقبه الذهبي في التلخيص بقوله "عبد الرحمن واه". قلت: وعبد الرحمن بن أبي بكر: ذاهب الحديث منكر الحديث لا يتابع في حديثه (التهذيب 5/ 59)، الميزان (2/ 550). وقد تفرد به عن موسى بن عقبة دون عامة أهل المدينة. وقد حسن إسناده الشيخ الألباني (صحيح الجامع 3403). (¬2) أخرجه الترمذي (3381) وفي إسناده ابن لهيعة وفيه مقال، وقد تقدم وجود إسناده المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 272). (¬3) أخرجه الترمذي (3571) وإسناده ضعيف. وحماد بن واقد القيسي أبو عمر الصفار قال عنه الحافظ في التقريب: ضعيف (ت 1516)، وحكيم بن جبير كذلك ضعيف فقد قال الحافظ في التقريب "ضعيف" رمي بالتشيع: (ت 1476).

قلت: رواه الترمذي في الدعوات من حديث أبي المليح عن أبي صالح عن أبي هريرة قال ولا يعرف إلا من هذا الوجه. (¬1) 1617 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد فليكثر الدعاء في الرخاء". (غريب). * قلت: رواه الترمذي في الدعوات من حديث أبي هريرة وقال: غريب. (¬2) 1618 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاه". (غريب). قلت: رواه الترمذي في الدعوات من حديث أبي هريرة، وقال: غريب من حديث عبد الله بن معاوية الجمحي هو رجل صالح ثقة. (¬3) 1619 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم، ولا تسألوه بظهورها". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3373) وفي إسناده أبو صالح وهو الخوزي قال عنه الحافظ في التقريب: لين الحديث ت (8233) وليس له غير هذا الحديث. * في المطبوع من المصابيح حديث قبل هذا الحديث برقم (1604) وهو "من فتح له منكم باب الدعاء، فتحت له أبواب الرحمة، وما سئل الله شيئًا -يعني أحب إليه- من أن يسأل العافية" وأخرجه الترمذي (3548) وقال: "حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي، وهو ضعيف ... " ومن طريقه الحاكم في المستدرك (1/ 498) وصححه، ورده الذهبي بأن القرشي -هذا- ضعيف. ولم أجد هذا الحديث في كشف المناهج. والله أعلم. (¬2) أخرجه الترمذي (3382) وفي إسناده عبيد بن واقد وهو القيسي قال عنه الحافظ في التقريب ضعيف (ت 4431). (¬3) أخرجه الترمذي (3479) وإسناده حسن. وعبد الله بن معاوية الجمحي قال الحافظ عنه: ثقة، التقريب (3655).

قلت: رواه أبو داود في الصلاة من حديث (¬1) مالك بن يسار السكوني ثمَّ العوفي، قال سليمان بن عبد الحميد: له عندنا صحبة، يعني مالك بن يسار وفي نسخة ما له عندنا صحبة، وقد اختلفوا في مالك بن يسار: هل له صحبة أم لا؟ قال أبو القاسم البغوي: ولا نعلم بهذا الإسناد غير هذا الحديث ولا أدري لمالك بن يسار صحبة أم لا، وفي سنده ضمضم بن زرعة وقد اختلف في توثيقه. قال المنذري: وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه استسقى وأشار بظهر كفيه إلى السماء، من رواية أنس بن مالك، وهو اختيار جماعة من العلماء واستحبوه، وهو الذي فسره المفسرون بالرهب في قوله تعالى: {يَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} قالوا: فأما عند المسألة والرغبة فيبسط الأيدي وظهوروها إلى الأرض وهو الرغب. 1620 - ويروى: "فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم". قلت: رواها أبو داود (¬2) في الصلاة مطولًا، وقال فيه "سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها، فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم" قال أبو داود: روي هذا الحديث ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1486) قلت: ومالك بن يسار لم يترجم له البخاري في تاريخه وتبعه على ذلك ابن حبَّان وإنما ترجم له ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (8/ 217) بقوله: مالك بن يسار العوفي شامي روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وذكره ..... = = روى عنه أبو بحرية السكوني، ولم يصرح بأن له صحبة. وقال الذهبي في الميزان (1/ 244) لا يعرف مالك إلا به وعده في غرائب إسماعيل بن عياش. وقال الحافظ في التقريب (6498): مالك بن يسار السكوني، صحابي، قليل الحديث، وانظر للتفصيل: الإصابة (5/ 759 - 760)، وضمضم بن زرعة قال عنه الحافظ في التقريب "صدوق يهم" ت (3009)، وانظر: مختصر المنذري (2/ 143)، وسليمان بن عبد الحميد شيخ أبي داود. (¬2) أخرجه أبو داود (1485)، وابن ماجه (3866) وإسناده ضعيف كما ذكر الحافظ في الإصابة (2/ 412) (3/ 140). فيه صالح بن حسيان المدني الأنصاري منكر الحديث قاله البخاري. (التهذيب 4/ 8)، والميزان (2/ 291)، وكذلك وهيب بن خالد وإن كان ثقة كما قال الحافظ في التقريب (7537) إلا أنَّه قال لكنه تغير قليلًا بآخره. والحمل فيه على سعيد بن هبيرة فإنَّه كان يحدث بالموضوعات عن الثقات لا يحل الاحتجاج به (المجروحين 1/ 326)، الميزان (2/ 162).

من غير وجه من حديث محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس يرفعه، كلها واهية، وهذا الطريق أمثلها وهو ضعيف أيضًا. 1621 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا". قلت: رواه أبو داود في الصلاة والترمذي وابن ماجه كلاهما في الدعوات من حديث سلمان، وقال الترمذي: حسن غريب، ورواه بعضهم، ولم يرفعه. (¬1) وفي إسناده جعفر بن ميمون قال أحمد: ليس بالقوي. والصفر: بكسر الصاد المهملة وسكون الفاء وراء مهملة، الشيء الخالي الفارغ. 1622 - كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه". قلت: رواه الترمذي في الدعوات من حديث عمر، وقال: صحيح غريب. (¬2) 1623 - كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستحب الجوامع من الدعاء، ويدع ما سوى ذلك. قلت: رواه أبو داود في الصلاة من حديث عائشة ولم يضعفه قال المنذري: ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1488)، والترمذي (3556)، وابن ماجه (3865) وفي إسناده جعفر بن ميمون قال الحافظ: صدوق يخطيء (ت 969). ولكنه توبع وحسن إسناده. انظر الحافظ في الفتح (11/ 147)، و (الأمالي الحلبية 26 - 27). (¬2) أخرجه الترمذي (3386) وقال: "حديث صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث حماد ابن عيسى، وقد تفرد به وهو قليل الحديث". قال الشيخ الألباني: "قلت: لم يوثقه أحد، بل ضعفه أبو حاتم وغيره، بل قال الحاكم، والنقاش" يروي عن ابن جريج، وجعفر الصادق: من أحاديث موضوعة فكيف يصح حديثه؟ بل هو شديد الضعف، ولذلك قال ابن أبي حاتم في حديثه هذا عن أبي زرعة (2/ 205): "منكر، أخاف أن لا يكون له أصل". ولذلك فإنَّه يهجس في النفس أن قوله -أي الترمذي- "صحيح" لعله زيادة من بعض النساخ، والله أعلم هداية الرواة (2/ 414)، ولهذا حذف بشار لفظ "صحيح" من سنن الترمذي (5/ 395).

وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجمع في الدعاء تارة ويفصل أخرى. (¬1) 1624 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أسرع الدعاء إجابةً دعوة غائبٍ لغائب". قلت: رواه أبو داود في الصلاة والترمذي في الدعوات من حديث ابن عمر وفي سنده: عبد الرحمن بن زياد الإفريقي وهو يضعف في الحديث. (¬2) 1625 - استأذنت النبي -صلى الله عليه وسلم- في العمرة، فأذن لي، وقال: "أشركنا يا أخي في دعائك، ولا تنسنا"، فقال كلمة ما يسرني أنّ لي بها الدنيا. قلت: رواه أبو داود في الصلاة والترمذي في الدعوات وابن ماجه في الحج كلهم من حديث عبد الله بن عمر عن عمر بن الخطّاب وقال الترمذي: حسن صحيح انتهى، وما قاله الترمذي من تصحيح الحديث، فيه نظر، فإن في سنده عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر العمري وقد ضعفه ابن معين وقال البخاري وغيره متروك. (¬3) 1626 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم، يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي، لأنصرنك ولو بعد حين". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1482) وقال النوويّ في الأذكار: إسناده جيد. (¬2) أخرجه أبو داود (1535)، والترمذي (1980) عبد الرحمن بن زياد قال الحافظ في "التقريب" ضعيف في حفظه (ت 3887). (¬3) أخرجه أبو داود (14989)، والترمذي (3562)، وابن ماجه (2894) وإسناده ضعيف. لأنَّ فيه عاصم بن عبيد الله بن عاصم قال الحافظ في التقريب "ضعف" ت (3082). وقول الترمذي: "حسن صحيح" قد يكون من تساهله.

باب ذكر الله عز وجل والتقرب إليه

قلت: رواه الترمذي في الدعوات وابن ماجه في الصوم كلاهما من حديث أبي هريرة وقال الترمذي: حسن. (¬1) 1627 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاث دعوات مستجابات -لا شك فيهن-: دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم". قلت: رواه أبو داود في الصلاة والترمذي في البر وهو أيضًا وابن ماجه في الدعوات ولفظ الترمذي ودعوة الوالد على ولده كلهم من حديث أبي جعفر المدني عن أبي هريرة وقال الترمذي: حسن. وأبو جعفر: يقال له المؤذن ولا يعرف اسمه. (¬2) باب ذكر الله عَزَّ وَجَلَّ والتقرب إليه من الصحاح 1628 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3598)، وابن ماجه (1752) وحسّن إسناده الحافظ ابن حجر في تخريج الأذكار "هذا حديث حسن" الفتوحات الربانية (4/ 338). (¬2) أخرجه أبو داود (1536)، والترمذي (1905)، وابن ماجه (3862) وإسناده حسن وقد اختلف في أبي جعفر هذا من هو؟ فالأكثرون على أنَّه المؤذن المدني، وقال ابن حبَّان: اسم أبي جعفر محمَّد بن علي بن الحسين وتعقبه الحافظ في التهذيب (ت 9356) وليس هذا بمستقيم لأنَّ محمَّد بن علي لم يكن مؤذنًا ولأن أبا جعفر هذا قد صرح = = بسماعه من أبي هريرة في عدة أحاديث، وأما محمَّد بن علي بن الحسين فلم يدرك أبا هريرة فتعين أنَّه غيره والله تعالى أعلم. قال ابن العربي في العارضة: إن الحديث مجهول وربما شهدت له الأصول (انظر: فتح الوهاب بتخريج أحاديث الشهاب) (1/ 294) انظر: الصحيحة (596).

قلت: رواه مسلم والترمذي كلاهما في الدعوات وابن ماجه في ثواب التسبيح كلهم من حديث الأغر أبي مسلم عن أبي سعيد وأبي هريرة ولم يخرجه البخاري (¬1) والسكينة: قال في المشارق (¬2): هي شيء كالريح الخجوج وقيل كالهر، وقيل خلق له وجه كالإنسان وقيل روح من الله تكلمهم، وتبين لهم ما اختلفوا فيه، وقيل الرحمة، وقيل الوقار والطمأنينة. 1629 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "سبق المفردون" قال: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: "الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات". قلت: رواه مسلم في الدعوات من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬3) وقال عياض (¬4): ضبطناه عن متقني شيوخنا بفتح الفاء وكسر الراء المهملة، وقد فسرهم - صلى الله عليه وسلم - بالذاكرين الله كثيرًا والذاكرات، وهذا التفسير هو مراد الحديث، قال ابن قتيبة وغيره وأصل المفردون: هم الذين هلك أندادهم، وذهب قرنهم الذي كانوا فيه، فبقوا في طاعة الله يذكرون الله، وقد جاء في حديث الترمذي قالوا: يا رسول الله وما المفردون؟ قال: المستهترون بذكر الله، يضع الذكر عنهم أفعالهم، فيأتون يوم القيامة خفافًا، والمستهترون بالشيء: المولعون به المواظبون عليه عن حب ورغبة فيه. 1630 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر: مثل الحي والميت". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2700)، والترمذي (3378)، وابن ماجه (37919). (¬2) مشارق الأنوار (2/ 216). (¬3) أخرجه مسلم (2676). (¬4) إكمال المعلم (8/ 174).

قلت: رواه البخاري في الدعوات ومسلم في الصلاة كلاهما من حديث بريد عن أبي بردة عن أبي موسى. (¬1) 1631 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإذا ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منهم". قلت: رواه البخاري في التوحيد ومسلم والترمذي في الدعوات والنسائيُّ في النعوت وابن ماجه في ثواب التسبيح من حديث أبي هريرة. (¬2) 1632 - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قال الله تعالى: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، وأزيد، ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئة مثلها أو أغفر، ومن تقرب مني شبرًا تقربت منه ذراعًا، ومن تقرب مني ذراعًا تقربت منه باعًا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة، ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئًا، لقيته بمثلها مغفرة". قلت: رواه مسلم في الدعوات وابن ماجه في فضل التسبيح من حديث أبي ذر ولم يخرج البخاري عن أبي ذر في هذا شيئًا. (¬3) قوله تعالى: وأزيد، معناه أن التضعيف بعشرة أمثالها لا بد منه بفضل الله تعالى ووعده الذي لا يخلفه، والزيادة بعده بكثرة التضعيف إلى سبع مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة على حسب منته سبحانه وتعالى. وقوله والقراب: بضم القاف على المشهور، وهو ما يقارب ملأها، وحكي فيه كسر القاف أيضًا. 1633 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تعالى قال: من عادى لي وليًّا، فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6407)، ومسلم (779). (¬2) أخرجه البخاري (7405)، ومسلم (2675)، والترمذي (3603)، والنسائيُّ في الكبرى (7730)، وابن ماجه (3822). (¬3) أخرجه مسلم (2687)، وابن ماجه (3821).

بالنوافل حتى أحببته، فكنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينّه، وإن استعاذني لأعيذنَّه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله تردُّدي عن نفس المؤمن، يكره الموت، وأنا أكره مساءته". قلت: رواه البخاري في الرقائق من حديث عطاء عن أبي هريرة يرفعه. (¬1) وآذنته: بالمد وفتح الذال المعجمة أي أعلمته، وسئل بعض العلماء عن هذا الحديث فقال: كنت أسرع إلى قضاء حوائجه، من سمعه في الاستماع وبصره في النظر، ويده في اللمس، ورجله في المشي، وقال أبو سليمان الخطابي (¬2): هذه أمثال ضربها الله، والمعنى: توفيقه في الأعمال التي يباشرها بهذه الأعضاء، يعني تيسير عليه فيها سبيل ما يحبه ويعصمه من مواقعة ما يكرهه من إصغاء إلى اللغو بسمعه، والنظر إلى ما نهى عنه ببصره، وبطش ما لا يحل بيده، وسعي في الباطل، وقد يكون معناه: سرعة إجابة الدعاء، والإنجاح في الطّلِبَة وذلك أن مساعي الإنسان إنما تكون بهذه الجوارح الأربعة. قوله: وما ترددت في شيء هو أيضًا مَثَل، فإن التردد على الله تعالى على ما هو صفة المخلوقين غير جائز، والبداءُ عليه في الأمور غير سائغ، وتأويله على وجهين: أحدهما: أن العبد قد يشرف له أيام عمره على المهلكات، من آفة تنزل به أو داء يصيبه، فيدعوا الله فيشفيه منها، فهو المراد من التردد، حتى يبلغ الكتاب أجله، وهذا على معنى أن الدعاء يرد البلاء، الثاني: أن يكون المراد منه: ترديد الرسل والمعنى: ما ترددت رسلي في شيء أنا فاعله ترددي إياهم في نفس المؤمن، كما روي في قصة موسى وإرسال ملك الموت إليه، ولطم عينه، ثمَّ رده إليه مرة بعد أخرى، وحقيقة المعنى على الوجهين: عطف الله تعالى على العبد، ولطفه به. قوله: يكره الموت، وأكره مساءته، يريد لما يلقى من كرب الموت وهوله، وليس المعنى أني أكره له الموت؛ لأنَّ الموت يؤدي إلى الرحمة والمغفرة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6502). وانظر: الفتح (11/ 341). (¬2) أعلام الحديث للخطابي (3/ 2258 - 2260)

1634 - إن لله ملائكة يطوفون في الطرق، يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجتكم، قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، فإذا تفرقوا عرجوا إلى السماء، قال: فيسألهم الله وهو أعلم بهم: من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عبادك في الأرض قال: فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم: ما يقول عبادي؟ قالوا: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويهللونك ويمجدونك قال: فيقول هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك قال: فيقول: كيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيدًا وأكثر لك تسبيحًا، قال: فيقول: فما يسألون؟ قالوا يسألونك الجنة، قال: وهل رأوها؟ قال: فيقولون: لا والله يا رب، ما رأوها، قال: فيقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو أنهم رأوها، كانوا أشد عليها حرصًا، وأشد لها طلبًا، وأعظم فيها رغبةً، قال: فمم يتعوذون؟ قال: يقولون: من النار. قال: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا رب، ما رأوها، قال: يقول: كيف لو رأوها؟ يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فرارًا، وأشد لها مخافة، قالوا: ويستغفرونك قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم، وأعطيتهم ما سألوا، وأجرتهم مما استجاروا، قال: يقول ملك من الملائكة: رب فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة. وفي رواية: فيقولون: رب فيهم عبد خطاء، إنما مر فجلس معهم؟ قال: فيقول: وله غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم". قلت: رواه الشيخان في الدعوات واللفظ للبخاري (¬1) إلا قوله: "عبد خطاء، إنما مر فجلس معهم" فإنَّه لمسلم ولفظ الحديث للبخاري، ويحفونهم: بفتح الياء وضم الحاء المهملة أي أطافوا به، واستداروا حولهم قال تعالى: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ}. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6408)، ومسلم (2689). (¬2) (الزمر: 75).

قال القاضي عياض (¬1): ذكر الله تعالى ضربان: ذكر بالقلب وذكر باللسان، وذكر اللسان نوعان: أحدهما: وهو أرفع الأذكار وأجلها التفكر في عظمة الله تعالى وجلاله، وجبروته، وملكوته، وآياته في سمائه، وأرضه، والثاني: ذكره بالقلب عند الأمر والنهي، فيمتثل ما أمر به وينتهي عما نهي عنه، ويقف عما أشكل عليه، وأما ذكر اللسان مجردًا فهو أضعف الأذكار، ولكن فيه فضل عظيم، كما جاءت به الأحاديث وذكر ابن جرير الطبري وغيره اختلاف السلف في: ذكر القلب واللسان أيهما أفضل، قال القاضي: والخلاف عندي إنما يتصور في مجرد ذكر القلب تسبيحًا وتهليلًا وشبههما، وعليه يدلّ كلامهم، لا أنهم يختلفون في الذكر الخفي الذي ذكرنا أولًا، فذلك لا يقاربه ذكر اللسان فكيف يفاضله، وإنما الخلاف في ذكر القلب بالتسبيح المجرد ونحوه. والمراد بذكر اللسان مع حضور القلب فإن كان لاهيًا فلا واحتج من رجح ذكر القلب بأن عمل السر أفضل ومن رجح ذكر اللسان قال: لأنَّ العمل فيه أكثر؛ لأنه زاد باستعمال اللسان فاقتضى زيادة أخرى. قال: واختلفوا هل تكتب الملائكة ذكر القلب؟ فقيل: تكتبه ويجعل الله تعالى لهم علامة يعرفونه بها، وقيل: لا يكتبونه لأنه لا يطلع عليه غير الله تعالى، والمختار أنهم يكتبونه وأن ذكر اللسان مع حضور القلب أفضل من ذكر القلب وحده. 1635 - انطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلت: نافق حنظلة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وما ذاك؟ " قلت: نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنَّا رأي عين، فإذا خرجنا عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرًا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات". ¬

_ (¬1) إكمال المعلم (8/ 189).

من الحسان

قلت: رواه مسلم في آخر الكتاب والترمذي في الزهد مختصرًا وابن ماجه فيه كلهم من حديث حنظلة بن الربيع الأسيدي. (¬1) وعافسنا: بالعين المهملة والألف والفاء المفتوحة والسين المهملة الساكنة والنون والألف قال ابن الأثير: معناه: المعالجة والممارسة والملاعبة. (¬2) من الحسان 1636 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم، فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى، قال: ذكر الله". قلت: رواه الترمذي في الدعوات وابن ماجه في ثواب التسبيح كلاهما عن عبد الله بن قيس عن أبي الدرداء واسمه عويمر. (¬3) 1637 - جاء أعرابي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أي الناس خير؟ فقال: "طوبى لمن طال عمره، وحسن عمله" قال: يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: "أن تفارق الدنيا ولسانك رطب من ذكر الله". قلت: رواه الترمذي في الزهد والمصنف في "شرح السنة" من هذا الوجه بهذا الفظ كلاهما من حديث عبد الله بن بُسر وقال الترمذي: حديث حسن غريب، من هذا الوجه. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2750)، والترمذي (2514)، وابن ماجه (4239). (¬2) النهاية (3/ 238). (¬3) أخرجه الترمذي (3377)، وابن ماجه (3790)، والحاكم (1/ 496) وقال: صحيح الإسناد. (¬4) أخرجه الترمذي (3375) (2329)، والبغويُّ في شرح السنة (1245). وإسناده صحيح.

وطوبى: اسم الجنة، وقيل: هي شجرة فيها وأصلها فُعْلى من الطيب فلما ضمت الطاء انقلبت الياء واوًا. (¬1) 1638 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر". قلت: رواه الترمذي وقال: حسن غريب، من حديث ثابت عن أنس. (¬2) 1639 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من اضطجع مضجعًا لم يذكر الله فيه، كان عليه ترة يوم القيامة" ومن قعد مقعدًا لم يذكر الله فيه، كان عليه ترة يوم القيامة". قلت: رواه أبو داود في الأدب والنسائيُّ مختصرًا بقصة الاضطجاع فقط، وفي إسناده: محمَّد بن عجلان، خرج له مسلم متابعة. (¬3) 1640 - *قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما جلس قوم مجلسًا، لم يذكروا الله فيه، ولم يصلوا فيه على النبي -صلى الله عليه وسلم-، إلا كان عليهم ترة يوم القيامة، إن شاء عفا عنهم وإن شاء أخذهم بها". قلت: رواه الترمذي في الدعوات وقال: حديث حسن. (¬4) والترة: بكسر التاء المثناة من فوق وفتح الراء المهملة: النقص. ¬

_ (¬1) النهاية (3/ 128). (¬2) أخرجه الترمذي (3510) وفي إسناده محمَّد بن ثابت البناني وهو ضعيف كما قال الحافظ في التقريب (ت 5804) وحسنه الألباني بشواهده. انظر: الصحيحة للألباني (2562). (¬3) أخرجه أبو داود (4856)، والنسائيُّ في عمل اليوم والليلة (818) وإسناده حسن في إسناده محمَّد بن عجلان وفيه بعض الكلام جعل حديثه ينزل إلى مرتبة الحسن، وقال الحافظ في التقريب "صدوق" (ت 6176). * في المطبوع من المصابيح حديث برقم (1628) وهو: "ما من قوم يقومون من مجلس، لا يذكرون الله فيه، إلا قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان لهم حسرة". أخرجه أبو داود (4855) وليس في نسخ كشف المناهج. (¬4) أخرجه الترمذي (3380) وقال: ومعنى قوله: تِرة بمعنى حَسْرة وندامة، وقال بعض أهل المعرفة بالعربية: التِّرة هو الثأر.

1641 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "كل كلام ابن آدم عليه لا له، إلا أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر الله". (غريب). قلت: رواه الترمذي في الزهد وابن ماجه في الفتن من حديث أم حبيبة واسمها رملة بنت أبي سفيان وسنده حسن. (¬1) 1642 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله، قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي". قلت: رواه الترمذي في الزهد في باب حفظ اللسان في حديث ابن عمر ابن الخطاب وقال فيه: غريب لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم بن عبد الله بن حاطب وليس في رجاله مضعف. (¬2) 1643 - قال: "لما نزلت: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره، فقال بعض أصحابه: لو علمنا أي المال خير فنتخذه؟ فقال: أفضله لسان ذاكر، وقلب خاشع شاكر، وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه". قلت: رواه الترمذي في التفسير وابن ماجه في النكاح كلاهما من حديث سالم بن أبي الجعد عن ثوبان وسأل الترمذيُّ البخاريَّ هل سمع سالم من ثوبان؟ فقال: لا. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2412) وقال: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث محمد بن يزيد بن خُنيس. هكذا فيه "غريب" فقط. انظر: السنن (4/ 212)، وابن ماجه (3974). وإسناده ضعيف وفيه أم صالح وهي مجهولة لم يرو عنها سوى سعيد بن حسان، وقال عنها الحافظ في "التقريب" لا يعرف حالها. (ت: 8893). (¬2) أخرجه الترمذي (2411) وإبراهيم بن عبد الله بن حاطب قال الحافظ في التقريب صدوق روى مراسيل (ت 196). = = وقال ابن القطان في الوهم والإيهام لا يعرف له حال (حديث 2197). (¬3) أخرجه الترمذي (3094)، وابن ماجه (1856)، وإسناده منقطع.

باب أسماء الله تعالى

باب أسماء الله تعالى من الصحاح 1644 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن لله تسعة وتسعين إسمًا، مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة". قلت: رواه الشيخان والترمذي في الدعوات والنسائيُّ في النعوت. (¬1) - وفي رواية: "وهو وتر يحب الوتر". قلت: رواها الشيخان. (¬2) قال الخطابي وغيره (¬3): وفيه دليل على أشرف أسمائه الحسنى سبحانه وتعالى "الله" لإضافة هذه الأسماء إليه، وقد روي أن "الله" هو الاسم الأعظم، قال أبو القاسم الطبري (¬4): وإليه ينسب كل اسم له، فيقال: الرؤوف، الرحيم، من أسماء الله تعالى، ولا يقال من أسماء الرؤوف والكريم الله سبحانه. واتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى، فليس معناه أنَّه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين، وإنما المراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها، لا الإخبار بحصر الأسماء، ولهذا جاء في الحديث الآخر "أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو استأثرت به في علم ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (7392)، ومسلم (2677)، والنسائيُّ في الكبرى (7659)، والترمذي (3507). (¬2) أخرجها البخاري (6410)، ومسلم (2677). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (17/ 7 - 9). (¬4) أبو القاسم الطبري: هو المتكلم وشيخ الأشاعرة المعروف بالباقلاني سكن بغداد وسمع بها الحديث من أبي بكر بن مالك القطيعي وكان ثقة توفي رحمه الله سنة 403. (تاريخ بغداد 5/ 379)، ترتيب المدارك (4/ 585).

من الحسان

الغيب عندك" (¬1) وقد ذكر الحافظ أبو بكر ابن العربي المالكي عن بعضهم أنَّه قال: لله تعالى ألف اسم واختلفوا في المراد بقوله - صلى الله عليه وسلم -: من أحصاها دخل الجنة، فقال البخاري وغيره من المحققين: حفظها، وهذا هو الظاهر وقيل: من أحصاها عدها في الدعاء، وقيل أحسن المراعاة لها، والمحافظة على ما تقتضيه، وصدق بمعانيها، والصحيح الأوّل. قوله: وهو وتر يحب الوتر: الوتر: الفرد، معناه في حق الله الواحد الذي لا شريك له، ولا نظير، ومعنى يحب الوتر: يفضل الوتر في الأعمال، وكثير من الطاعات، فجعل الصلاة خمسًا والطهارة ثلاثًا والطواف سبعًا والسعي سبعًا ورمي الجمار سبعًا والرمي بسبع وأيام التشريق ثلاثًا والاستنجاء ثلاثًا وكذا الأكفان، وفي الزكاة خمسة أوسق وخمس أواق من الورق ونصاب الإبل وغير ذلك. وجعل كثيرًا من عظيم مخلوقاته، وترًا منها السموات والأرض والبحار وأيام الأسبوع وغير ذلك، وقيل: إن معناها منصرف إلى صفة من يعبد الله تعالى بالوحدانية والتفرد مخلصًا لله تعالى. (¬2) من الحسان 1645 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة: هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، الغفار، القهار، الوهاب، الرزاق، الفتاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرافع، المعز، المذل، السميع، البصير، الحكم، العدل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العلي، الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرقيب، المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشهيد، الحق، الوكيل، القوي، المتين، الولي، الحميد، المحصي، المبديء، المعيد، المحيي، المميت، الحي، القيوم، الواجد، الماجد، ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (1/ 391، 452). (¬2) إلى هنا انتهى كلام النوويّ.

الواحد، الأحد، الصمد، القادر، المقتدر، المقدّم، المؤخر، الأوّل، الآخر، الظاهر، الباطن، الوالي، المتعالي، البر، التواب، المنتقم، العفو، الرؤوف، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغني، المغني، المانع، الضار، النافع، النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرشيد، الصبور." (غريب). قلت: رواه الترمذي في الدعوات من حديث أبي هريرة (¬1)، وقال: غريب، حدثنا به غير واحد عن صفوان بن صالح، ولا نعرفه إلا من حديثه وهو ثقة وقال أبو داود: صفوان حجة، ورواه ابن ماجه وابن حبَّان مع تقديم وتأخير وتغيير. قوله المقيت: بالقاف روي بدله: المغيث بالغين المعجمة، وروي: القريب بدل: الرقيب وروي: المبين بالموحدة بدل المتين بالمثناة فوق والمشهور بالمثناة. 1646 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سمع رجلًا يقول: اللهم إني أسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، فقال: "دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب". قلت: رواه الأربعة: أبو داود في الصلاة والترمذي وابن ماجه في الدعوات والنسائيُّ (¬2) في التفسير كلهم من حديث بريدة بباء موحدة مضمومة وراء مهملة مفتوحة تصغير بردة، وقال الترمذي حديث حسن غريب، قال الحافظ أبو الحسن المقدسي رضي ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3507) وقد ضعف إسناده الحافظ ابن حجر في (الأمالي المطلقة 238 - 244) وصفوان بن صالح يدلّس تدليس التسوية، وكذلك شيخه الوليد بن مسلم، ولم يصرحا بالتحديث في أي من طبقاته بل روياه عمن فوقهما بالعنعنة. فهذه هي العلة، وثمة علة أخرى وهي الشذوذ والنكارة، فقد أخرجه الشيخان به دون سرد الأسماء. قاله الشيخ الألباني في هداية الرواة (2/ 430)، وأخرجه ابن حبَّان في صحيحه (2384)، وابن ماجه (3861)، والحاكم (1/ 16). انظر لصفوان بن صالح التقريب (2950)، والوليد بن مسلم التقريب (7506). (¬2) أخرجه أبو داود (1493)، والترمذي (3475)، وابن ماجه (3587)، والنسائيُّ (3/ 52)، وفي الكبرى (7666) بإسناده صحيح.

الله عنه (¬1): وهو إسناد لا مطعن فيه، ولا أعلم أنَّه روي في هذا الباب حديث أجود إسنادًا منه. وهو يدلّ على بطلان مذهب من ذهب إلى نفي القول أن لله تعالى اسما هو الاسم الأعظم. 1647 - كنت جالسًا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسجد ورجل يصلي فقال: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت المنان، بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم أسألك، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى". قلت: رواه أبو داود والنسائيُّ كلاهما في الصلاة من حديث أنس بن مالك. (¬2) 1648 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (¬3)، وفاتحة آل عمران: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (¬4) ". قلت: رواه أبو داود في الصلاة والترمذي وابن ماجه كلاهما في الدعوات من حديث شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد وقال الترمذي: حسن صحيح، وفي سنده عبيد الله بن أبي زياد القداح وفيه لين، قال أبو داود: أحاديثه مناكير. (¬5) ¬

_ (¬1) في الترغيب في الدعاء (54). (¬2) أخرجه أبو داود (1495)، والنسائيُّ (3/ 52). (¬3) (البقرة: 163). (¬4) (آل عمران: 1 - 2). (¬5) أخرجه أبو داود (1496)، والترمذي (3478)، وابن ماجه (3855) وإسناده فيه عبيد الله بن أبي زياد قال عنه الحافظ في "التقريب". ليس بالقوي (ت 4321). وكذلك فيه شهر بن حوشب قال الحافظ في "التقريب" صدوق كثير الإرسال والأوهام (ت 2846). يعتبر بهما عند المتابعة، وقد تفردا برواية هذا الحديث.

باب ثواب التسبيح والتمجيد والتهليل والتحميد والتكبير

1549 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لم يدع بها رجل مسلم في شيء إلا استجاب له". قلت: رواه الترمذي في الدعوات من حديث سعد بن أبي وقاص. (¬1) باب ثواب التسبيح والتمجيد والتهليل والتحميد والتكبير من الصحاح 1550 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أفضل الكلام أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر". قلت: رواه ابن حبَّان في صحيحه بهذا اللفظ من حديث سمرة بن جندب، ولم أره في الصحيحين ولا في أحدهما (¬2) إنما روى مسلم الرواية التي ذكرها المصنف بعد حيث قال. - وفي رواية: "أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا يضرك بأيهن بدأت". (¬3) قلت: رواه مسلم في الأدب وفي الأسماء والنسائيُّ في اليوم والليلة من حديث سمرة ولم يخرجه البخاري. 1551 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لأنّ أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس". قلت: رواه مسلم والترمذي كلاهما في الدعوات والنسائيُّ في اليوم والليلة كلهم من حديث أبي صالح عن أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3505)، وأخرجه الحاكم (1/ 505)، وقال: صحيح الإسناد. (¬2) أخرجه ابن حبَّان (836)، وأصله عند مسلم (2137). (¬3) أخرجه مسلم (2137)، والنسائيُّ في الكبرى (10681)، وفي عمل اليوم والليلة (846). (¬4) أخرجه مسلم (2695)، والترمذي (3597)، والنسائيُّ في عمل اليوم والليلة (835).

1652 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من قال: سبحان الله وبحمده، في يوم مائة مرة، حطت خطاياه وإن كانت مثل زيد البحر". قلت: هذا بعض حديث ستأتي بقيته في الحديث السادس رواه البخاري في صفة إبليس ومسلم والترمذي كلاهما في الدعوات وابن ماجه في ثواب التسبيح كلهم من حديث أبي صالح عن أبي هريرة. (¬1) 1653 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من قال حين يصبح، وحين يمسي: سبحان الله وبحمده مائة مرة، لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به، إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه". قلت: رواه مسلم والترمذي كلاهما في الدعوات وأبو داود في الأدب والنسائيُّ في اليوم والليلة ولم يخرجه البخاري. (¬2) 1654 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم". قلت: رواه البخاري في الدعوات وفي الأيمان والنذور وفي التوحيد وبه ختم صحيحه ومسلم والترمذي في الدعوات والنسائيُّ في اليوم والليلة وابن ماجه في ثواب التسبيح من حديث أبي هريرة. (¬3) 1655 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة؟ يسبح مائة تسبيحة، فيكتب له ألف حسنة أو يحط عنه ألف خطيئة". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6405)، ومسلم (2691)، والترمذي (3466)، وابن ماجه (3812). (¬2) أخرجه مسلم (2692)، وأبو داود (5091)، والترمذي (3469)، والنسائيُّ في عمل اليوم والليلة (568)، وفي الكبرى (10403). (¬3) أخرجه البخاري (6406)، وفي الأيمان (6682)، وفي التوحيد (7563)، ومسلم (2694)، والترمذي (3467)، والنسائيُّ في اليوم والليلة (830)، وابن ماجه (3806).

قلت: رواه مسلم والترمذي في الدعوات والنسائيُّ في اليوم والليلة من حديث سعد بن أبي وقاص (¬1) وعامة نسخ صحيح مسلم: فيكتب له ألف حسنة أو يحط عنه ألف خطيئة أو يحط بأو وفي بعضها ويحط بالواو. وقال الحميدي (¬2) في "الجمع بين الصحيحين": كذا هو في كتاب مسلم أو يحط بأو ورواه جماعة بالواو وقالوا ويحط بالواو. 1656 - سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أي الكلام أفضل؟ قال: ما اصطفى الله لملائكته سبحان الله وبحمده". قلت: رواه مسلم والترمذي كلاهما في الدعوات من حديث أبي ذر ولم يخرجه البخاري (¬3) وهذا وما أشبهه محمول على كلام الآدميين وإلا فالقرآن أفضل من التسبيح والتهليل المطلق، وأما المأثور في وقت أو حال ونحو ذلك فالإشتغال به أفضل. 1657 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح، وهي في مسجدها، ثمَّ رجع بعد أن أضحى وهي جالسة، قال: "ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟ " قالت: نعم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته". قلت: رواه مسلم والترمذي كلاهما في الدعوات والنسائيُّ في الصلاة وابن ماجه في ثواب التسبيح من حديث جويرية. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2698)، والترمذي (3463)، والنسائيُّ في اليوم والليلة (152)، وفي الكبرى (9980). (¬2) الجمع بين الصحيحين (ح 215). (¬3) أخرجه مسلم (2731)، والترمذي (3593). (¬4) أخرجه مسلم (2726)، والترمذي (3555)، والنسائيُّ (3/ 77)، وابن ماجه (3808).

1658 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من قال لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه". قلت: رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه وقد تقدم التنبيه عليه من حديث أبي هريرة. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: كانت له عدل عشر رقاب، وهو بفتح العين عَدل وكسرها، وتقدم التنبيه على مثل ذلك، وفيه دليل على أنَّه: لو قال هذا التهليل أكثر من مائة مرة في اليوم كان له هذا الأجر المذكور على المائة، ويكون له ثواب آخر على الزيادة، وليس هذا من الحدود التي نهى عن اعتدائها ومجاوزة أعدادها، وأن زيادتها لا فضل فيه أو يبطلها كما في عدد الطهارة، وعدد ركعات الصلاة، ويحتمل أن يكون المراد بقوله - صلى الله عليه وسلم -: إلا رجل عمل أكثر منه، الكثرة من أعمال الخير، لا من نفس التهليل، ويحتمل أن يكون المراد: مطلق الكثرة سواء كانت من التهليل أو من غيره، ولعل هذا أظهر، وظاهر الحديث يقتضي أنَّه: يحصل هذا الأجر المذكور سواء قاله متواليًا أو متفرقًا إذا قاله في يوم واحد. 1659 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة". قلت: رواه الجماعة كلهم في الدعوات إلا النسائيُّ ففي النعوت وإلا ابن ماجه ففي ثواب التسبيح ورواه البخاري في مواضع أخر منها في غزوة خيبر كلهم من حديث أبي موسى يرفعه. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الدعوات (6403)، وفي صفة إبليس (3293)، ومسلم (2691)، والترمذي (3468)، وابن ماجه (3798). (¬2) أخرجه البخاري في الدعوات (6384)، وكذلك في المغازي (4205)، وفي التوحيد (7386)، ومسلم (2704)، والترمذي (3374)، والنسائيُّ (11427)، وفي عمل اليوم والليلة (538)، وابن ماجه (3824)، وأبو داود (1527).

من الحسان

قال أهل العلم وسبب جعلها كنزًا من كنوز الجنة، أنها كلمة استسلام وتفويض إلى الله واعتراف بالإذعان له، وأنه لا صانع غيره ولا رادّ لأمره، وأن العبد لا يملك شيئًا، ومعنى الكنز هنا أنَّه ثواب مدخر في الجنة، وهو ثواب نفيس، كما أن الكنز أنفس أموالكم، قال أهل اللغة: الحول: الحركة، والحيلة أي لا حركة، ولا استطاعة، ولا حيلة إلا بمشيئة الله، وقيل معناه لا دفع شر ولا قوة على تحصيل خير إلا بالله. من الحسان 1660 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من قال: سبحان الله العظيم وبحمده، غرست له نخلة في الجنة". قلت: رواه الترمذي في الدعوات والنسائيُّ في اليوم والليلة من حديث أبي الزبير عن جابر وقال الترمذي: حسن غريب صحيح. (¬1) 1661 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما من صباح يصبح العباد إلا مناد ينادي: سبِّحوا الملك القدوس". قلت: رواه الترمذي في الدعوات من حديث الزبير وقال: غريب، انتهى وفي سنده سفيان بن وكيع وموسى بن عبيدة وهما ضعيفان. (¬2) 1662 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أفضل الذكر: لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء: الحمد لله". قلت: رواه الترمذي في الدعوات والنسائيُّ في اليوم والليلة وابن ماجه في ثواب التسبيح كلهم من حديث طلحة بن خراش عن جابر وقال الترمذي: ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3464) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث أبي الزبير عن جابر. والنسائيُّ في عمل اليوم والليلة (827) وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه الترمذي (3569) وإسناده ضعيف. سفيان بن وكيع بن الجراح كان صدوقًا إلا أنَّه ابتلي بوراقة فأدخل عليه ما ليس من حديثه فنصح فلم يقبل فسقط حديثه (التقريب 2469)، وموسى بن عبيدة: ضعيف ولا سيما في عبد الله بن دينار كما قال الحافظ في التقريب (ت 7038).

حسن غريب. (¬1) فإن قيل ما وجه تسمية الحمد دعاء؟ قلت: لما جاء في الحديث: إن الله تعالى يقول: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته ما لم أعط السائلين (¬2) وقد قال الشاعر: إذا أثنى عليك المرء يومًا ... كفاه من تعرضه الثناء 1663 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "الحمد لله رأس الشكر، ما شكر الله عبد لا يحمده". قلت: رواه البيهقي في الشعب في الثالث والثلاثين من حديث عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن عبد الله بن عمرو يرفعه. (¬3) 1664 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أول من يدعى إلى الجنة يوم القيامة: الذين يحمدون الله في السراء والضراء". قلت: رواه البيهقي في الشعب في الباب المذكور قبله من حديث حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس يرفعه. (¬4) 1665 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "قال موسى: يا رب علمني شيئًا أذكرك به، قال: قل: لا إله إلا الله، لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري، والأرضين السبع وضعن في كفة، ولا إله إلا الله في كفة، لمالت بهن لا إله إلا الله". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3383)، والنسائيُّ في اليوم والليلة (831)، وابن ماجه (3800) إسناده ضعيف. فيه طلحة بن خراش قال الحافظ في التقريب "صدوق" ت (3036). (¬2) أخرجه الترمذي (2926)، والدارميُّ (3359) وإسناده ضعيف قال ابن أبي حاتم في العلل (2/ 82) سألت أبي عن حديث رواه محمَّد بن الحسن -يعني هذا الحديث- فقال حديث منكر ومحمد بن الحسن ليس بالقوي أهـ. (¬3) أخرجه البيهقي في الشعب (4395)، والبغويُّ في شرح السنة (1271) وإسناده ضعيف. فيه انقطاع بين قتادة وعبد الله بن عمرو. قال ابن أبي حاتم ما أعلم قتادة روى عن أحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا عن أنس رضي الله عنه. (المراسيل ص 168). (¬4) أخرجه البيهقي في الشعب (4373) وإسناده ضعيف فيه حبيب بن أبي ثابت وهو مدلس وقد عنعن. راجع السلسلة الضعيفة (632)، وهو في التقريب برقم (1092).

قلت: رواه النسائيُّ في "عمل اليوم والليلة" من حديث دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد يرفعه ورواه ابن حبَّان به بنحوه وقال أبو داود وغيره: حديث دراج مستقيم إلا ما كان عن أبي الهيثم. (¬1) 1666 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قال: لا إله إلا الله والله أكبر صدّقه ربه، قال: لا إله إلا أنا وأنا أكبر، وإذا قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقول الله: لا إله إلا أنا وحدي، لا شريك لي، وإذا قال: لا إله إلا الله، له الملك وله الحمد، قال: لا إله إلا أنا، لي الملك ولي الحمد، وإذا قال: لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال: لا إله إلا أنا ولا حول ولا قوة إلا بي، وكان يقول: من قالها في مرضه ثمَّ مات لم تطعمه النار". قلت: رواه الترمذي في الدعوات والنسائيُّ في "اليوم والليلة" وابن ماجه في ثواب التسبيح من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة. (¬2) وتطعمه: بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الطاء وفتح العين المهملتين: تأكله. 1667 - أنَّه دخل مع النبي -صلى الله عليه وسلم- على امرأة وبين يديها نوى، أو حصى، تسبح به، فقال: "ألا أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا أو أفضل؟: سبحان الله عدد ما خلق في السماء، وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض، وسبحان الله عدد ما بين ذلك، وسبحان الله عدد ما هو خالق، والله أكبر مثل ذلك، والحمد لله مثل ذلك، ولا إله إلا الله مثل ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك". (غريب). ¬

_ (¬1) أخرجه النسائيُّ في عمل اليوم والليلة (834) (1149)، وابن حبَّان (6218). قال الحافظ: دراج بن سمعان أبو السمح، صدوق، في حديثه عن أبي الهيثم ضعف، التقريب (1833). وقال الحافظ في الفتح (11/ 210) إسناده صحيح. (¬2) أخرجه الترمذي (3430)، وقال: حسن غريب، وقد رواه شعبة ... ولم يرفعه"، والنسائيُّ في عمل اليوم والليلة (30)، وابن ماجه (3794). وإسناد رجاله ثقات لكن قول البوصيري: واختلف على الشعبة فقيل عنه هكذا، وقيل عنه عن أبي طلحة عن أبيه، وقيل عنه عن يحيى بن طلحة عن أبيه، وقيل عنه عن يحيى بن طلحة عن أمه سعدى عن طلحة، وقيل عنه عن طلحة مرسلًا.

قلت: رواه أبو داود في الصلاة والترمذي في الدعوات والنسائيُّ في "عمل اليوم والليلة" كلهم من حدثنا سعد بن أبي وقاص، وقال الترمذي: حسن غريب. (¬1) 1668 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من سبح الله مائة بالغداة، ومائة بالعشي، كان كمن حج مائة حجة، ومن حمد الله مائة بالغداة، ومائة بالعشي، كان كمن حمل على مائة فرس في سبيل الله، ومن هلل الله مائة بالغداة، ومائة بالعشي، كان كمن أعتق مائة رقبة من ولد إسماعيل، ومن كبر الله مائة بالغداة، ومائة بالعشي، لم يأت في ذلك اليوم أحد بأكثر مما أتى، إلا من قال مثل ذلك أو زاد على ما قال". (غريب). قلت: رواه الترمذي في الدعوات من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو وقال: حسن. غريب. (¬2) 1669 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "التسبيح نصف الميزان والحمد لله يملؤه، ولا إله إلا الله ليس لها حجاب دون الله حتى تخلص إليه". (غريب). قلت: رواه الترمذي في الدعوات من حديث عبد الله بن عمرو وقال: غريب من هذا الوجه وليس إسناده بالقوي. (¬3) 1670 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما قال عبد: لا إله إلا الله مخلصًا قط إلا فتحت له أبواب السماء حتى يفضي إلى العرش ما اجتنب الكبائر". غريب. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1500)، والترمذي (3568)، والنسائيُّ في "عمل اليوم والليلة" كما في التحفة (3/ 325) ولكنه ليس من طريق سعد وعنده من حديث جويرية. وقد حسنه الحافظ في "أمالي الأذكار" فيما نقله عنه ابن علان (1/ 245). (¬2) أخرجه الترمذي (34719) بإسناده ضعيف؛ لأنَّ فيه الضحاك بن حمرة، منكر الحديث. قال الحافظ في التقريب "ضعيف" ت (2982). (¬3) أخرجه الترمذي (3518) وإسناده ضعيف؛ لأنَّ في إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي وهو ضعيف كما قال الحافظ في "التقريب" ت (3887).

قلت: رواه الترمذي في الدعوات والنسائيُّ في "عمل اليوم والليلة" والحاكم في "المستدرك" وقال: على شرط مسلم، ثلاثتهم من حديث أبي حازم سلمان عن أبي هريرة يرفعه. (¬1) 1671 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لقيت إبراهيم ليلة أسري بي، فقال: يا محمَّد أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم: أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان وأن غراسها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر". (غريب). قلت: رواه الترمذي في الدعوات من حديث ابن مسعود وقال: حسن غريب، والقيعان: جمع قاع، وهو الأرض المستوية التي لا نبات بها ولا غراس وقد تقدم. (¬2) 1672 - وعن يُسيرة -وكانت من المهاجرات- قالت: قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس، واعقدن بالأنامل، فإنهن مسؤولات مستنطقات، ولا تغفلن فتنسين الرحمة". قلت: رواه أبو داود في الصلاة والترمذي في الدعوات واللفظ له كلاهما من حديث يُسيرة، وقال الترمذي: غريب، ولم يضعفه أبو داود فهو صالح. ويسيرة: بضم الياء آخر الحروف وبعد السين المهملة ياء أيضًا وراء مهملة وتاء تأنيث وهي بنت ياسر. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3590)، وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. والنسائيُّ في عمل اليوم والليلة (833)، ولم أجده عند الحاكم ولم يعزه له الحافظ في إتحاف المهرة. (¬2) أخرجه الترمذي (3462). وقال المنذري: أبو القاسم هو عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود وعبد الرحمن هذا لم يسمع من أبيه وكذلك عبد الرحمن بن إسحاق هو أبو شيبة الكوفي واه. الترغيب للمنذري (4/ 159)، و (3/ 63)، وتحفة الأحوذي (9/ 432). (¬3) أخرجه الترمذي (3583)، وأبو داود (1501). ويسيرة أوردها ابن سعد في الطبقات (8/ 310). وليس لها في الكتب الستة غير هذا الحديث. وقد حسَّنه النوويّ في الأذكار، والحافظ ابن حجر في أمالي الأذكار فيما ذكره ابن علان (1/ 247).

باب الاستغفار والتوبة

باب الاستغفار والتوبة من الصحاح 1673 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة". قلت: رواه البخاري في الدعوات من حديث أبي هريرة وكذا الترمذي ولم يخرجه مسلم. (¬1) 1674 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إنه ليغان على قلبي؛ وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة". قلت: رواه مسلم في الدعوات وأبو داود في الصلاة والنسائيُّ في اليوم والليلة كلهم من حديث الأغر بن يسار ولم يخرجه البخاري ولا أخرج في كتابه عن الأغر شيئًا. (¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم -: ليغان، هو بضم الياء وبالغين المعجمة، قال الخطابي (¬3): أصله من الغين وهو الغطاء، وكل حائل بينك وبين شيء فهو غين وقيل: هو همه بسبب أمته، وما اطلع عليه من أحوالهم بعده حتى كان يستغفر لهم، وقيل: هذا الغين هو السكينة التي تغشى قلبه، لقوله تعالى: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} واستغفاره لها إظهار للعبودية والإفتقار وقيل غير ذلك. 1675 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "يا أيها الناس توبوا إلى الله، فإني أتوب في اليوم مائة مرة". قلت: رواه مسلم في الدعوات من حديث الأغر، وهو من إفراد مسلم عن الكتب الستة. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6307)، والترمذي (3259). (¬2) أخرجه مسلم (2702)، وأبو داود (1515)، والنسائيُّ في عمل اليوم والليلة (442)، وانظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (3/ 552). (¬3) معالم السنن (1/ 257)، وانظر كذلك: شرح السنة (5/ 70). (¬4) أخرجه مسلم (2702). وانظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (3/ 552).

1676 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "فيما يروي عن الله تبارك وتعالى أنَّه قال: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا، فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضُرِّي فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم، ما نقص ذلك من ملكي شيئًا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد، فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المِخيَطُ إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم، ثمَّ أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه". قلت: رواه مسلم في الأدب من حديث أبي إدريس الخولاني واسمه عائذ الله بن عبد الله عن أبي ذر ولم يخرجه البخاري (¬1) واسم أبي ذر جندب بن جنادة. ومعنى: حرمت الظلم على نفسي، تقدست عنه، وتعاليت، والظلم مستحيل منه سبحانه وتعالى لأنَّ التصرف في غير ملكه أو مجاوزة الحد، وكلاهما مستحيل في حقه تعالى، وكيف يجاوز سبحانه حدًّا، وليس فوقه من يطيعه، وكيف يتصرف في غير ملكه، والعالم كله ملكه. وأصل التحريم في اللغة: المنع فسمى تقدسه عن الظلم تحريمًا لمشابهة الممتنع في الأصل عدم الشيء. قوله: فلا تظالموا، هو بفتح التاء أي تتظالموا، والمراد لا يظلم بعضكم بعضًا، وهذا توكيد لقوله تعالى: (وجعلته بينكم محرمًا). ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2577).

قوله: (كلكم ضال إلا من هديته) ظاهر، هذا يقتضي أنهم خلقوا على الضلالة إلا من هداه الله تعالى، وفي صحيح مسلم: "إني خلقت الخلق حنفاء كلهم" وقال - صلى الله عليه وسلم -: "كل مولود يولد على الفطرة" قال المازري (¬1): قد يكون المراد بالأول وصفهم على ما كانوا عليه قبل مبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- إليهم، أو أنهم لو تركوا وما في طباعهم من إيثار الشهوات والراحة ولضلوا، وهذا الثاني أظهر. وفي هذا دليل لمذهب أصحابنا وسار أهل السنة أن المهتدي هو من هداه الله تعالى، وبهدى الله اهتدي، وبإرادة الله تعالى ذلك، وأنه سبحانه وتعالى إنما أراد هداية بعض عباده وهم المهتدون، ولم يرد هداية الآخرين، ولو أرادها لاهتدوا خلافًا للمعتزلة في قولهم الفاسد: إن الله تعالى أراد هداية الجميع، جل الله عن أن يريد ما لا يقع أو يقع ما لا يريد. والمخيط: بكسر الميم وفتح الياء هو الإبرة، وهذا تقريب إلى الأفهام ومعناه: لا ينقص شيئًا؛ لأنَّ ما عند الله لا يدخله نقص، وإنما يدخل النقص المحدود الفاني وعطاء الله تعالى من رحمته وكرمه صفتان له قديمتان، لا تطرق إليهما نقص فضرب المثل بالمخيط في البحر، لأنه غاية ما يضرب به المثل في القله، والمقصود التقريب إلى الأفهام بما يشاهدونه، فإن البحر من أكبر المرئيات حجمًا، والإبرة من أصغر الموجودات مع أنها صقيلة لا يتعلق بها ماء، قوله: يا عبادي إنكم تخطئون، الرواية المشهورة في مسلم، تخطئون بضم التاء وروي بفتحها، وفتح الطاء يقال خطأ يخطأ إذا فعل ما يأثم به فهو خاطيء ويقال في الآثم أيضًا أخطأ فهما صحيحان. 1677 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنسانًا، ثمَّ خرج يسأل، فأتى راهبًا فسأله فقال: أَلَه توبة؟ فقال: لا، فقتله، وجعل يسأل، فقال له رجل: ائت قرية كذا وكذا، فأدركه الموت، فنأى بصدره نحوها، فاختصمت فيه ملائكة ¬

_ (¬1) انظر: المعلم بفوائد مسلم (3/ 165)، وإكمال المعلم (8/ 46)، والمنهاج للنووي (16/ 199 - 201).

الرحمة وملائكة العذاب، فأوحى الله إلى هذه: أن تقرّبي، وإلى هذه: أن تباعدي، وقال: قيسوا ما بينهما فوجد إلى هذه أقرب بشبر فغفر له". قلت: رواه البخاري في أحاديث بني إسرائيل واللفظ له، ومسلم في التوبة. وابن ماجه في الديات (¬1) كلهم من حديث أبي الصديق الناجي واسمه بكر بن عمرو عن أبي سعيد الخدري يرفعه. ونأى بصدره: أي نهض، ويجوز تقديم الهمزة على الألف وعكسه. وهذا الحديث دليل على أن توبة القاتل عمدًا مقبولة، ولم يخالف في ذلك إلا ابن عباس، وهذا الحديث وإن كان شرعًا لمن قبلنا، وفي الاحتجاج به خلاف فليس هذا موضع الخلاف وإنما موضعه إذ لم يرد شرعنا بموافقته وتقريره، فإن ورد كان شرعًا لنا بلا شك، وقد ورد في شرعنا قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ} إلى قوله تعالى؛ {إِلَّا مَنْ تَابَ}. 1678 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم". قلت: رواه مسلم في التوبة من حديث يزيد بن الأصم عن أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬2) 1679 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله يبسط يده بالليل، ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها". قلت: رواه مسلم في التوبة والنسائيُّ في التفسير من حديث أبي موسى ولم يخرجه البخاري. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3470)، ومسلم (2766)، وابن ماجه (2622). وبكر بن عمرو قال عنه الحافظ في "التقريب" ثقة (ت 755). (¬2) أخرجه مسلم (2749). (¬3) أخرجه مسلم (2759)، والنسائيُّ في الكبرى (11180)، وفي التفسير (200).

1680 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن العبد إذا اعترف، ثمَّ تاب تاب الله عليه". قلت: رواه الشيخان في حديث الإفك من حديث عائشة. (¬1) 1681 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه". قلت: رواه مسلم في الدعوات من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬2) 1682 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لله أشد فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأَيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، قد أَيس من راحلته، فبينما هو كذلك، إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثمَّ قال -من شدة الفرح-: اللهم أنت عبدي وأنا ربك! أخطأ من شدة الفرح". قلت: رواه مسلم في التوبة من حديث أنس بهذا اللفظ وأخرجه البخاري مختصرًا. (¬3) قال الخطابي (¬4): معناه الرضا، وهو كناية عن الرضا وسرعة القبول وحسن الجزاء، لتعذر إطلاق ظاهر الفرح على الله تعالى. قال بعضهم: الفرح ينقسم على وجوه: منها السرور، والسرور يقارنه الرضى بالمسرور به قال: والمراد هنا أن الله تعالى يرضى بتوبة عبده أشد مما يرضى وأجد ضالته بالفلاة، فعبر عن الرضى بالفرح تأكيدًا لمعنى الرضى في نفس السامع ومبالغة في تقديره. 1683 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن عبدًا أذنب ذنبًا فقال: رب أذنبت فاغفره، فقال ربه: أعلم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثمَّ مكث ما شاء الله، ثمَّ أذنب ذنبًا فقال: رب أذنبت ذنبًا آخر فاغفره، فقال أعلم عبدي أن له ربًّا يغفر ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4141)، ومسلم (2770). (¬2) أخرجه مسلم (2703). (¬3) أخرجه البخاري (6309)، ومسلم (2747). (¬4) أعلام الحديث (3/ 2238).

الذنب ويأخذ به؟ قد غفرت لعبدي، ثمَّ مكث ما شاء الله، ثمَّ أذنب ذنبًا فقال: رب أذنبت آخر فاغفره لي، فقال: أعلم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي فليعمل ما شاء". قلت: رواه البخاري في التوحيد واللفظ له ومسلم في التوبة والنسائيُّ في اليوم والليلة من حديث أبي هريرة (¬1) وفي رواية: اعمل ما شئت فقد غفرت لك. معناه: ما دمت تذنب ثمَّ تتوب غفرته لك، هذا يدلّ على أنَّه لو تكرر الذنب مرارًا كثيرة وتاب كل مرة، قبلت توبته وسقطت ذنوبه، ولو تاب عن الذنوب توبة واحدة صحت توبته. 1684 - إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حدّث أن رجلًا قال: "والله لا يغفر الله لفلان، وأن الله قال: من ذا الذي يتألّى عليّ أني لا أغفر لفلان؟ فإني قد غفرت لفلان وأحبطتُ عملك" أو كما قال. قلت: رواه مسلم في الأدب من حديث جندب بن عبد الله. (¬2) ومعنى: يتألّى؛ يحلف، والألية: اليمين، وفيه دلالة لمذهب أهل السنة من غفران الذنوب بلا توبة، إذا شاء الله غفرانها. 1685 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سيد الاستغفار أن يقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، وأبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي، فإنَّه لا يغفر الذنوب إلا أنت، قال: ومن قالها من النهار موقنًا بها، فمات من يومه، قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها، فمات قبل أن يصبح، فهو من أهل الجنة". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (7507)، ومسلم (2758)، والنسائيُّ في عمل اليوم والليلة (419). (¬2) أخرجه مسلم (2621).

من الحسان

قلت: رواه البخاري في الدعوات والنسائيُّ في "اليوم والليلة" من حديث شداد بن أوس ولم يخرجه مسلم. (¬1) من الحسان 1686 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثمَّ استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو لقيتني بقراب الأرض خطايا ثمَّ لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة". (غريب). قلت: رواه الترمذي في الدعوات من حديث بكر بن عبد الله المزني عن أنس وقال: حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه". (¬2) وعنان السماء: بفتح العين، السحاب وقيل: ما عنّ لك منها بمعنى ما ظهر إذا رفعت رأسك، ويروى أعنان السماء أي نواحيها، وقراب الأرض: ما يقارب ملأها وهو مصدر قارب يقارب. 1687 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "قال الله تعالى: من علم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي، ما لم يشرك بي شيئًا". قلت: رواه المصنف في شرح السنة من حديث حكيم بن أبان عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6306)، والنسائيُّ في عمل اليوم والليلة (19). (¬2) أخرجه الترمذي (3540)، وفيه كثير بن فائد قال عنه الحافظ في "التقريب" مقبول (ت 5655)، وإسناده حسن بشواهده ومنها عند أحمد (5/ 154) من رواية أبي ذر، وعند الطبراني في الكبير (12346) من رواية ابن عباس. (¬3) أخرجه البغوي في شرح السنة (4191)، وأخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 262) من طريق حفص بن عمر العدني عن الحكم بن أبان عن عكرمة، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووقع =

1688 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل هم فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب". قلت: رواه أبو داود في الصلاة في باب الاستغفار والنسائيُّ وابن ماجه من حديث ابن عباس وفي إسناده الحكم بن مصعب ولا يحتج به. (¬1) 1689 - قال - صلى الله عليه وسلم -: " ما أصر من استغفر، وإن عاد في اليوم سبعين مرة". قلت: رواه أبو داود في الصلاة والترمذي في الدعوات كلاهما من حديث مولى لأبي بكر عن أبي بكر وقال الترمذي: غريب، وإسناده ليس بالقوي. (¬2) 1690 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "كل ابن آدم خطّاء، وخير الخطائين التوابون". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في الزهد من حديث أنس وقال الترمذي: غريب، لا نعرفه إلا من حديث علي بن مسعده (¬3) انتهى. وعلي بن مسعدة قال أبو حاتم: لا بأس به، وقال الذهبي: فيه ضعف. قوله - صلى الله عليه وسلم -: وخير الخطائين التوابون، يقال رجل خطّاء إذا كان ملازمًا للخطايا غير تارك لها. ¬

_ = في كلام المناوي "حكم بن أبان" والصواب "حكيم بن أبان"، وتعقبه الذهبي في التلخيص "حفص بن عمر العدني" واه. قالت: وحفص بن عمر قال النسائيُّ ليس بثقة، وقال الحافظ في "التقريب" ضعيف (ت 1429). (¬1) أخرجه أبو داود (1518)، وابن ماجه (3819)، والنسائيُّ (10290) وإسناده ضعيف فيه الحكم بن مصعب قال عنه الحافظ في "التقريب" مجهول (ت 1469). (¬2) أخرجه الترمذي (3559)، وأبو داود (1514). وإسناده ضعيف؛ لأنَّ فيه مولى أبي بكر مجهول وكذلك حسن بن اليزيد قال عنه الحافظ في "التقريب" لين الحديث (ت 1037). (¬3) أخرجه الترمذي (2499)، وابن ماجه (4251) وإسناده ضعيف، فيه علي بن مسعدة الباهلي. انظر: قول الذهبي في الكاشف (2/ 47 رقم 3965)، والجرح والتعديل (6/ 1122)، وقال عنه الحافظ في "التقريب" صدوق له أوهام (ت 4832). وصححه الحاكم (4/ 244)، وتعقبه الذهبي بقوله: "علي بن مسعدة الباهلي، فيه لين".

1691 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب واستغفر صقل قلبه، وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه، فذلكم الران الذي ذكر الله تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} ". (صح). قلت: رواه الترمذي والنسائيُّ كلاهما في التفسير وابن ماجه في الزهد كلهم من حديث أبي صالح عن أبي هريرة وقال الترمذي: حسن صحيح والران: الطبع والتغطية، والران والرين بمعنى واحد. (¬1) 1692 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر". قلت: رواه الترمذي في الدعوات من حديث جبير بن نفير عن عبد الله بن عمر ابن الخطاب، وابن ماجه في الزهد في باب التوبة من حديث جبير بن نفير عن عبد الله بن عمرو بن العاص. (¬2) قال المزي (¬3): وهو وهم، والصواب عبد الله بن عمر كما راوه الترمذي. ويغرغر: بغينين معجمتين الأولى مفتوحة والثانية مكسورة وبراءين مهملتين أي: ما لم تبلغ روحه حلقومه، تكون بمنزلة الشيء الذي يتغرغر به المريض، والغرغرة: أن يجعل المشروب في الفم ويردد إلى أصل الحلق ولا يبلع. 1693 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الشيطان قال: وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الرب جل وعز: وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني، لا أزال أغفر لهم ما استغفروني". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3334)، والنسائيُّ في التفسير (11658)، وابن ماجه (4244)، وصححه الحاكم (2/ 517)، ووافقه الذهبي. (¬2) أخرجه الترمذي (3538)، وابن ماجه (4253) وقال الترمذي حسن غريب. (¬3) تحفة الأشراف (5/ 328).

قلت: رواه الإمام أحمد من حديث أبي الهيثم عن أبي سعيد بهذا اللفظ، إلا قوله: وارتفاع مكاني. (¬1) 1694 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله جعل بالمغرب بابًا، عرضه مسيرة سبعين عامًا للتوبة، لا يغلق ما لم تطلع الشمس من قبله، وذلك قول الله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ} " (¬2). قلت: رواه الترمذي في الدعوات والنسائي في التفسير وابن ماجه في الطهارة كلهم من حديث صفوان بن عسّال، وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬3) 1695 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تنقطع الهجرة حنى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها". قلت: رواه أبو داود في الجهاد والنسائي في السير كلاهما من حديث معاوية. (¬4) وقال الخطابي (¬5): إسناد حديث معاوية فيه مقال. 1696 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن رجلين كانا في بني إسرائيل متحابين، أحدهما مجتهد في العبادة، والآخر مذنب، فجعل يقول: أقصر عما أنت فيه، فيقول: خلني ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (3/ 29) وقال الهيثمي: إسناد أحمد رجال الصحيح، مجمع الزوائد (10/ 207) وأما زيادة: وارتفاع مكاني، بعد وعزتي وجلالي أخرجها، أبو يعلى (1399)، والبيهقي في الأسماء والصفات (ص 133 - 134)، والبغوي في شرح السنة (1293)، وانظر: الصحيحة (104). (¬2) سورة الأنعام: 158. (¬3) أخرجه الترمذي (3536)، وابن ماجه (4070)، والنسائي (11178) وأخرجه أيضًا أحمد (4/ 240 - 241). (¬4) أخرجه أبو داود (2479)، والنسائي (2513) وفي إسناده أبو هند البجلي فقد انفرد بالرواية عنه عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي وهو مجهول. وقال الذهبي: لا يعرف (المغني ت 799)، وقال ابن القطان مجهول. (الوهم والإبهام حديث 1000)، وقال عنه الحافظ في "التقريب" مقبول (ت 8494). (¬5) معالم السنن للخطابي (2/ 203).

وربي. حتى وجده يومًا على ذنب استعظمه، فقال: أقصر، قال: خلني وربي أبعثت علي رقيبًا، فقال: والله لا يغفر الله لك أبدًا، ولا يدخلك الجنة، فبعث الله إليهما ملكًا، فقبض أرواحهما، فاجتمعا عنده، فقال للمذنب: ادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر: أتستطيع أن تحظر على عبدي رحمتي؟ فقال: لا يا رب، قال: اذهبوا به إلى النار". قلت: رواه أبو داود في باب النهي عن البغي من أبواب الأدب من حديث أبي هريرة، وفي سنده علي بن ثابت الجزري، قال الأزدي: ضعيف، ووثقه ابن معين وأبو زرعة. (¬1) 1697 - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} ولا يبالي". (غريب). قلت: رواه الترمذي في التفسير من حديث أسماء بنت يزيد، وقال: حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث ثابت عن شهر بن حوشب انتهى. وشهر فيه مقال. (¬2) 1698 - في قوله: {إِلَّا اللَّمَمَ} قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن تغفر اللهم تغفر جَمًّا ... وأيّ عبد لك لا ألَمَّا" (غريب). قلت: رواه الترمذي في تفسير سورة والنجم من حديث عطاء عن ابن عباس وقال: حديث حسن صحيح غريب. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4901) ومتنه غريب، تفرد به عكرمة بن عمار وهو وإن كان من رجال مسلم إلا أنه فيه كلام ينزل عن رتبة الصحيح وقد روى أحاديث غرائب لم يشركه فيه أحد، وفي الإسناد علي بن ثابت الجزري: قال عنه الحافظ في "التقريب" صدوق ربما أخطأ وقد ضعفه الأزدي بلا حجة. التقريب (ت 4730). والراجح أنه ثقة مطلقًا، انظر: حاشية الكاشف تعليق رقم (3886) وانظر: مختصر المنذري (7/ 225). (¬2) أخرجه الترمذي (3237) وإسناده ضعيف، فيه شهر بن حوشب قال الحافظ: صدوق كثير الإرسال والأوهام التقريب (ت 2846).

واللمم: مقاربة المعصية من غير إيقاع، وقيل: هي صغار الذنوب. (¬1) 1699 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يقول الله: يا عبادي كلكم ضال إلا من هديت، فسلوني الهدى أهدكم، وكلكم فقراء إلا من أغنيت، فسلوني أرزقكم، وكلكم مذنب إلا من عافيت، فمن علم منكم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب فاستغفرني غفرت له ولا أبالي، ولو أن أوّلكم وآخِركم وحيّكم وميتكم ورَطْبَكم ويابسكم اجتمعوا على أتقى قلب عبد من عبادي ما زاد ذلك في ملكي جناح بعوضة، ولو أن أولكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على أشقى قلب عبد من عبادي ما نقص ذلك من ملكي جناح بعوضة، ولو أن أولكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا في صعيد واحد فسأل كل انسان منكم ما بلغت أمنيته، فأعطيت كل سائل منكم، ما نقص ذلك من ملكي إلا كما لو أن أحدكم مر بالبحر فغمس فيه إبرة ثم رفعها، ذلك بأني جوّاد ماجد أفعل ما أريد، عطائي كلام، وعذابي كلام، إنما أمري لشيء إذا أردت أن أقول له كن فيكون". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في الزهد من حديث أبي ذر وقال الترمذي: حسن. (¬2) 1700 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأ: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} قال: "قال ربكم: أنا أهل أن أتَّقى، فمن اتقاني فأنا أهل أن أغفر له". قلت: رواه الترمذي والنسائي كلاهما في تفسير سورة المدثر وابن ماجه في الزهد كلهم من حديث سهيل بن عبد الله القُطعي عن ثابت عن أنس وقال الترمذي: حسن غريب، ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3284) وقال: "حسن صحيح غريب". (¬2) أخرجه الترمذي (2495)، وابن ماجه (4257)، وفي إسناده شهر بن حوشب وهو صدوق كثير الأوهام كما قال الحافظ في التقريب (ت 2846) وقد صح الحديث من رواية أبي ذر عند مسلم (2577) وغيره.

وسهيل ليس بالقوي في الحديث وقد تفرد بهذا عن ثابت. (¬1) 1701 - إنْ كنا لَنَعُدُّ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المجلس يقول: "رب اغفر لي وتب علي، إنك أنت التواب الغفور، مائة مرة". قلت: رواه أبو داود في الصلاة والترمذي في الدعوات والنسائي في اليوم والليلة وابن ماجه في ثواب التسبيح كلهم من حديث ابن عمر، وقال الترمذي: غريب صحيح. (¬2) 1702 - وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر له وإن كان فَرّ من الزحف". (غريب). قلت: رواه أبو داود في الصلاة والترمذي في الدعوات (¬3) عن محمد بن إسماعيل البخاري وقال: غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه انتهى. ووقع في كتاب أبي داود روايته من حديث هلال بن يسار بن زيد عن أبيه عن جده بالهاء ووقع في كتاب الترمذي وغيره وفي بعض نسخ أبي داود: بلال بن يسار بالباء الموحدة. قال المنذري (¬4): وذكره البغوي في معجم الصحابة: بالباء، وقال: لا أعلم لزيد مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير هذا الحديث، وذكره البخاري في تاريخه: بالباء، وذكر أن بلالًا سمع من أبيه يسار وأن يسارًا سمع من أبيه زيد والله أعلم. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3328)، والنسائي (11630)، وابن ماجه (4299)، وإسناده ضعيف لضعف سهيل بن أبي حزم أو عبد الله، قال عنه الحافظ في "التقريب" ضعيف (ت 2687). (¬2) أخرجه أبو داود (1516)، والترمذي (3434)، وفي المطبوع من سننه (5/ 434): حديث حسن صحيح غريب، والنسائي في الكبرى (10292)، وفي عمل اليوم والليلة (458)، وابن ماجه (3814)، والبغوي (1289)، راجع الصحيحة (566). (¬3) أخرجه أبو داود (1517)، والترمذي (3577). (¬4) الترغيب والترهيب (2/ 470)، ومختصر المنذري (2/ 151)، وانظر: تعقب الناجي على المنذري في عجالة الإملاء (4/ 578) ويسار بن زيد أبو بلال مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكره ابن حبان في الثقات، وسكت عنه أبو حاتم، وقال الذهبي: لا يعرف. وقال الحافظ في "التقريب". مقبول (ت 7853). وبلال بن يسار بن زيد: قال الحافظ في "التقريب". مقبول (ت 795)، وكلام البخاري في تاريخه (8/ 420).

فصل

فصل من الصحاح 1703 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لما قضى الله الخلق، كتب كتابًا -فهو عنده فوق عرشه-: إن رحمتي سبقَتْ غضبي". قلت: رواه البخاري في مواضع منها في التوحيد وفي بدء الخلق ومسلم في التوبة والنسائي في النعوت كلهم من حديث أبي هريرة. (¬1) ومعنى لما قضى الله الخلق، لما خلقهم، كقوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} أي خلقهن، قال الخطابي (¬2): ومعنى الحديث والله أعلم: أنه أراد بالكتاب أحد شيئين: إما القضاء الذي قضاه وأوجبه، كقوله تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة: 12] أي قضى الله، ويكون معنى قوله: فهو عنده فوق عرشه، أي علم ذلك عند الله فوق العرش، لا ينساه، ولا ينسخه، ولا يبدله، كقوله عز وجل: {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} [طه: 52] وإما أن يكون أراد بالكتاب اللوح المحفوظ، الذي فيه ذكر الخلق، وبيان أمورهم وذكر أجالهم وأرزاقهم، والأقضية النافذة فيهم، قوله: فهو عنده، أي مذكور عنده فوق عرشه. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في التوحيد (7553) (7554)، وفي بدء الخلق (3194)، ومسلم (2751)، والنسائي في الكبرى (7751). (¬2) أعلام الحديث للخطابي (2/ 1471).

قال الخطابي (¬1): والأولى في هذا وأمثاله وإمراره على ظاهره كما جاء من غير أن يتصرف فيه. قال العلماء (¬2): غضب الله ورضاه يرجعان إلى معنى الإرادة فإرادته الإثابة للمطيع، ومنفعة العبد تسمى رضى ورحمة، وإرادة عقاب العاصي وخذلانه يسمى غضبًا، وإرادته سبحانه وتعالى صفة قديمة، يريد بها جميع المرادات، والمراد بالسبق والغلبة هنا كثرة الرحمة وشمولها، كما يقال غلب على فلان الكرم والشجاعة إذا كثر منه. - وفي رواية: "غلبت غضبي". قلت: رواها البخاري. (¬3) 1704 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن لله مائة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخّر تسعة وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة". قلت: رواه البخاري في الأدب ومسلم في التوبة واللفظ له وابن ماجه في الزهد من حديث أبي هريرة. (¬4) - وفي رواية: "فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة". قلت: رواها مسلم من حديث سلمان الفارسي في التوبة، ¬

_ (¬1) أعلام الحديث (2/ 1473 - 1474) ولم أجد فيه بلفظه، بل هذا كلام البغوي في شرح السنة (14/ 377) وهذا ما يجب أن نلتزم به، وهو يغني عن سائر التأويلات. وعلى هذا مضى سلف الأمة وعلماء السنة، وتجنبوا عن التمثيل والتأويل. (¬2) انظر: المنهاج للنووي (17/ 107 - 108). (¬3) أخرجها البخاري (3194). (¬4) قلت: قد أخرجها الشيخان البخاري (6000)، ومسلم (2752)، وابن ماجه (4293)، من رواية أبي هريرة وهو متفق عليه.

ولم يخرج البخاري عن سلمان في هذا شيئًا. (¬1) 1705 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من رحمته أحد". قلت: رواه الشيخان واللفظ لمسلم في التوبة من حديث أبي هريرة. (¬2) 1706 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك". قلت: رواه البخاري في الرقائق من حديث ابن مسعود ولم يخرجه مسلم. (¬3) 1707 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قال رجل لم يعمل خيرًا قط لأهله -وفي رواية-: أسرف رجل على نفسه، فلما حضره الموت أوصى بنيه: إذا مات فحرّقوه، ثم أذروا نصفه في البر، ونصفه في البحر، فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابًا لا يعذبه أحدًا من العالمين، فلما مات فعلوا ما أمرهم، فأمر الله البحر فجمع ما فيه، وأمر البر فجمع ما فيه، ثم قال له: لم فعلت هذا؟ قال: من خشيتك يا رب، وأنت أعلم فغفر له". قلت: رواه البخاري في التوحيد ومسلم في التوبة والنسائي في الرقائق من حديث أبي هريرة. (¬4) قوله - صلى الله عليه وسلم -: أسرف رجل، أي بالغ وغلا في المعاصي والسرف مجاوزة الحد. وأذروه: بسكون الذال المعجمة وضم الراء المهملة مخففة أي ألقوا. وقدر: بالتخفيف قيل: معناه قدر بالتشديد أي قدر العذاب وعدم العفو، يقال: قدَر وقدّر بالتخفيف والتشديد بمعنى واحد وقيل معناه ضيق. وعلى هذين القولين ليس فيه شك في القدرة، وقالت طائفة: اللفظ على ظاهره ولكن قاله هذا الرجل وهو غير ضابط لكلامه، ولا معتقد لمعناه، فهو في معنى الغافل والساهي، وهذه الحالة لا يؤاخذ ¬

_ (¬1) وأما رواية سلمان فقد تفرد بها مسلم دون البخاري (2753). (¬2) أخرجه البخاري (6469)، ومسلم (2755). (¬3) أخرجه البخاري (6488). (¬4) أخرجه البخاري (6481)، ومسلم (2756)، والنسائي (6293).

فيها، وهو نحو قول القائل الآخر الذي غلب عليه الفرح المتقدم في حديث أنس: أنت عبدي وأنا ربك، فلم يكفر بذلك للدهش، وقيل: هذا رجل جهل صفة من صفات الله تعالى، وقد اختلف العلماء في تكفير جاهل الصفة، فقال ابن جرير الطبري وجماعة: يكفرون، قال أبو الحسن الأشعري: أولًا وقال آخرون: لا يكفر بجهل الصفة، ولا يخرج به عن أصل الإيمان بخلاف جحدها، وإليه رجع أبو الحسن الأشعري وعليه استقر قوله، ولو سئل الناس عن الصفات لوجد العالم بها قليلًا، وقيل كان هذا في زمن فترة، حين ينفع مجرد التوحيد. 1708 - قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - سَبْي فإذا امرأة من السَّبْي قد تحلّب ثديها تسعى، إذا وجدت صبيًّا في السَّبْي أخذته فألصقته ببطنها، وأرضعته، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ قلنا: لا وهي تقدر على أن لا تطرحه، قال: الله أرحم بعباده من هذه بولدها". قلت: رواه البخاري في الأدب، ومسلم في التوبة من حديث عمر بن الخطاب (¬1) والسبي: النهب وأخذ الناس عبيدًا وإماءً، وتحلّب ثديها: أي سال لبنها وهو بالحاء المهملة وثديها بالثاء المهملة. 1709 - قال - صلى الله عليه وسلم -: " لن يُنجي أحدًا منكم عملُه! قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته، فسدّدوا وقاربوا، واغدوا وروحوا، وشيء من الدُّلْجة، والقصد القصد تبلُغوا". قلت: رواه الشيخان: البخاري في الرقائق في باب القصد والمداومة على العمل ومسلم في التوبة كلاهما من حديث أبي هريرة. (¬2) قوله: إلا أن يتغمدني الله برحمته، أي يلبسنيها ويسترني بها، مأخوذة من غمد السيف وهو غلافه. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6481)، ومسلم (2756). (¬2) أخرجه البخاري (5999)، ومسلم (2754).

والغدو: بضم الغين المعجمة هو السير في أول النهار نقيض الرواح، والدلجة: بفتح الدال المهملة وضمها وبالجيم: السير من أول الليل، وتطلق ويراد به السير من آخر الليل، لكنه إذا قيل: أدلج، كان السير من أول الليل، وإذا قيل أدّلج. بتشديد الدال، كان السير آخر الليل. قوله - صلى الله عليه وسلم -: القصد القصد، أي ألزموا القصد وهو العمل الذي بين الإفراط والتفريط. 1710 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُدخِل أحدًا منكم عملُه الجنة، ولا يجيره من النار، ولا أنا إلا برحمة الله". قلت: رواه مسلم في التوبة من حديث جابر بن عبد الله. (¬1) 1711 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أسلم العبد فحسن إسلامه يكفر الله عنه كل سيئة كان زلَفها، وكان -بعد- القصاص: الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسيئة بمثلها، إلا أن يتجاوز الله عنها". قلت: رواه البخاري في الإيمان من حديث أبي سعيد الخدري، ولم يصل سنده فقال: وقال مالك: عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد يرفعه ووصله النسائي ولم يخرج مسلم بن الحجاج عن أبي سعيد في هذا شيئًا. (¬2) وزَلَفها: بزاي معجمة ولام مخففة مفتوحتين وفاء، أي جمعها واكتسبها أو قدمها، قربة لله تعالى. 1712 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله كتب الحسنات والسيئات، فمن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، وإن همّ بها فعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2817). (¬2) أخرجه البخاري (41)، والنسائي (8/ 105) وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (1/ 99) وقد وصله الحسن بن سفيان والبزار والإسماعيلي والدارقطني في غرائب مالك والبيهقي في الشعب من طرق عن مالك به.، (انظر: تغليق التعليق (2/ 44).

من الحسان

سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن همّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة". قلت: رواه الشيخان البخاري في الرقائق ومسلم في الإيمان والنسائي في النعوت كلهم من حديث ابن عباس يرفعه. (¬1) من الحسان 1713 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن مثل الذي يعمل السيئات ثم يعمل الحسنات، كمثل رجل كانت عليه درع ضيقة قد خنقته، ثم عمل حسنة فانفكت حلقة، ثم عمل أخرى فانفكت حلقة أخرى، حتى تخرج إلى الأرض". قلت: رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة يرفعه بلفظ المصنف (¬2). والحلقة: بسكون اللام. 1714 - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقص على المنبر وهو يقول: " {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}. قلت: وإن زني وإن سرق يا رسول الله؟ فقال الثانية: " {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} فقلت الثانية: وإن زني وإن سرق يا رسول الله؟ فقال الثالثة: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} فقلت الثالثة: وإن زني وإن سرق يا رسول الله؟ قال: وإن رغم أنف أبي الدرداء". قلت: رواه النسائي في التفسير من حديث أبي الدرداء ورجاله موثوقون. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6491)، ومسلم (131)، والنسائي في الكبرى (7670). (¬2) أخرجه أحمد (4/ 145) وإسناده حسن وإن كان في الإسناد ابن لهيعة لكنه سمع من ابن المبارك قبل احتراق كتبه كما قال الحافظ في التقريب (ت 3587)، وأخرجه البغوي في شرح السنة (14/ 339). (¬3) أخرجه النسائي (11560) وكذا الإمام أحمد في المسند (2/ 357)، والبغوي في شرح السنة (14/ 386 - 387) وإسناده صحيح.

باب ما يقول عند الصباح والمساء والمنام

1715 - قال: بينا نحن عنده -يعني عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ أقبل رجل عليه كساء، وفي يده شيء قد التف عليه، فقال: يا رسول الله مررت بغيضة شجر فسمعت فيها أصوات فراخ طائر، فأخذتهن فوضعتهن في كسائي، فجاءت أمهن فاستدارت على رأسي، فكشفت لها عنهن فوقعت عليهن، فلففتهن بكسائي فهن أولاء معي، قال: "ضعهن فوضعتهن، وأبت أمهن إلا لزومهن" فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أتعجبون لرُحم أم الأفراخ فراخها؟ فوالذي بعثني بالحق، لله أرحم بعباده من أم الأفراخ بفراخها، ارجع بهن، حتى تضعهن من حيث أخذتهن، وأمهن معهن" فرجع بهن. قلت: رواه أبو داود في الجنائز من حديث عامر الرام وهو حديث طويل قدم الشيخ قطعة منه في الجنائز وتقدم التنبيه عليه. قوله: أتعجبون لرُحم، هو بضم الراء والحاء المهملتين وسكون الحاء أيضًا مصدر بمعنى الرحمة. (¬1) باب ما يقول عند الصباح والمساء والمنام من الصحاح 1716 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمسى قال: "أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم إني أسألك من خير هذه الليلة وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها، اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم، وسوء الكبر، وفتنة الدنيا، وعذاب القبر، وإذا أصبح قال ذلك أيضًا: أصبحنا وأصبح الملك لله". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3089). وقد تقدم في كتاب الجنائز باب " تمني الموت".

قلت: رواه مسلم في الدعوات من حديث عبد الله بن مسعود وأبو داود في الأدب والترمذي في الدعوات والنسائي في اليوم والليلة كلهم من حديث عبد الله بن مسعود ولم يخرجه البخاري. (¬1) قوله: وسوء الكبر، روي بإسكان الباء وفتحها فالإسكان بمعنى التعاظم على الناس، والفتح بمعنى الهرم والخوف، ذكره الخطابي وغيره. (¬2) - وفي رواية: "رب أعوذ بك من عذاب في النار، وعذاب في القبر". قلت: رواها مسلم في حديث ابن مسعود. (¬3) 1717 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أخذ مضجعه من الليل وضع يده تحت خده ثم يقول: "اللهم باسمك أموت وأحيا"، وإذا استيقظ قال: "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور". قلت: رواه البخاري والترمذي وابن ماجه كلهم في الدعوات وأبو داود في الأدب والنسائي في اليوم والليلة كلهم من حديث حذيفة ورواه مسلم في الدعوات من حديث البراء بن عازب (¬4) ولم يقل: وضع يده تحت خده. والمضجع: بفتح الجيم، ومعنى أخذ مضجعه: أراد النوم في مضجعه. 1718 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفُضْ فراشه بداخلة إزاره، فإنه لا يدري ما خلفه عليه، ثم يقول: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، فإن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به الصالحين". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2723)، أبو داود (5071)، والترمذي (3390)، والنسائي في اليوم والليلة (573). (¬2) النهاية (4/ 125). (¬3) أخرجها مسلم (2723). (¬4) أخرجه البخاري (6314)، والترمذي (34179)، وأبو داود (5049)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (747)، وابن ماجه (3880) ورواية البراء عند مسلم برقم (2711).

قلت: رواه البخاري في الدعوات ومسلم فيها بمعناه وأبو داود في الأدب والنسائي في اليوم والليلة كلهم من حديث أبي هريرة. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: إذا أوى أحدكم إلى فراشه، أي انضم إليه ودخل فيه، كما جاء في الحديث قبله إذا أخذ مضجعه. وأوى هنا مقصور وحكي فيه المد، وداخل الإزار طرفه، ومعناه: أنه يستحب أن ينفض فراشه قبل أن يدخل فيه لئلا يكون قد دخل فيه حية أو عقرب أو غيرهما من المؤذيات. - وفي رواية: "ثم ليضطجع على شقّه الأيمن ثم ليقل باسمك .... ". قلت: رواها الشيخان. (¬2) - وفي رواية: "فلينفُضْه بصَنِفَةِ ثوبه ثلاث مرات، وليقل: وإن أمسكت نفسي فاغفر لها". قلت: رواها البخاري. (¬3) قوله: بصنفة ثوبه: هو بفتح الصاد المهملة وكسر النون، طرف الثوب، وهي جانبه الذي لا هدب له، فيقال: هي حاشية الثوب أي جانب كانت قاله الجوهري. (¬4) 1719 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أوى إلى فراشه نام على شقه الأيمن ثم قال: "اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6320)، ومسلم (2714)، وأبو داود (5052)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (791). (¬2) أخرجها البخاري (6320)، ومسلم (2714). (¬3) أخرجها البخاري (7393)، والترمذي كذلك (3401). (¬4) الصحاح للجوهري (4/ 1388).

أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قالهن ثم مات تحت ليلته مات على الفطرة". قلت: رواه الشيخان في الدعوات من حديث البراء واللفظ للبخاري (¬1) ولم يخرجه مسلم من فعله، إنما أخرجه من قوله وتعليمه - صلى الله عليه وسلم -. - وفي رواية: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجل: "إذا أويت إلى فراشك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمت نفسي إليك .... -بهذا وقال-، فإن متّ من ليلتك متّ على الفطرة، وإن أصبحت أصبحت مغفورًا لك وأصبت خيرًا". قلت: رواه البخاري في الطهارة وفي الدعوات ومسلم في الدعوات ولم يقل البخاري: "وإن أصبحت إلى آخره"، وقال مسلم: "وإن أصبحت أصبت خيرًا"، وأبو داود في الأدب والترمذي في الدعوات والنسائي في اليوم والليلة ولم أر مجموع قوله: وإن أصبحت إلى آخره، إلا في شرح السنة. (¬2) والفطرة: دين الإسلام وقد ترد بمعنى السنة. 1720 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أوى إلى فراشه قال: "الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، فكم مِمّن لا كافيَ له، ولا مُؤوِيَ له". قلت: رواه مسلم والترمذي كلاهما في الدعوات وأبو داود في الأدب والنسائي في "اليوم والليلة" كلهم من حديث أنس ولم يخرجه البخاري. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (7488) (247)، ومسلم (2710). (¬2) أخرجه البخاري (7488) و (247)، ومسلم (2710)، وأبو داود (5046)، والترمذي (3574)، وقال: وهذا حديث حسن صحيح. والنسائي في عمل اليوم والليلة (782)، والبغوي في شرح السنة (1317). (¬3) أخرجه مسلم (2715)، والترمذي (3396)، وأبو داود (5053)، والنسائي في اليوم والليلة (799)، والبغوي (1318).

وأوى إلى فراشه: مقصور، وآوانا: ممدود، وحكي القصر فيهما، وحكي المد فيهما، ومعنى آوانا هنا: رحمنا قوله: ولا مؤوِيَ أي لا راحم ولا عاطف عليه، وقيل معناه: لا وطن له ولا سكن يأوي إليه. (¬1) 1721 - أن فاطمة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى، وبلغها أنه جاءه رقيق، فلم تصادفه، فذكرت ذلك لعائشة، فلما جاء أخبرته عائشة قال: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم فقال: "على مكانكما، فجاء فقعد بيني وبينها، حتى وجدت برد قدمه على بطني، فقال: ألا أدلكما على خير مما سألتما؟ إذا أخذتما مضجعكما فسبحا ثلاثًا وثلاثين، واحمدا ثلاثًا وثلاثين، وكبرا أربعًا وثلاثين فهو خير لكما من خادم". قلت: رواه الشيخان في مواضع منها: في الخمس ومن تراجمه على هذا الحديث: باب عمل المرأة في بيت زوجها، وباب خادم المرأة، ومسلم في الدعوات وأبو داود في الأدب كلهم من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي كرم الله وجهه والنسائي في اليوم والليلة مختصرًا. (¬2) والرحى: مقصور مؤنث، والألف منقلبة عن ياء. 1722 - جاءت فاطمة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تسألته خادمًا فقال: "ألا أدلك على ما هو خير من خادم تسبحين الله ثلاثًا وثلاثين وتحمدين الله ثلاثًا وثلاثين وتكبرين الله أربعًا وثلاثين عند كل صلاة، وعند منامك". قلت: رواه مسلم في الدعوات من حديث أبي هريرة ولم يخرج البخاري عن أبي هريرة في هذا شيئًا. (¬3) ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (17/ 54 - 55). (¬2) أخرجه البخاري في الخمس (3113)، وفي عمل المرأة (5361)، وخادم المرأة (5362)، ومسلم (2727)، وأبو داود (5062)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (814، 815). (¬3) أخرجه مسلم (2728).

من الحسان

من الحسان 1723 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أصبح قال: "اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا، وبك نحيا، وبك مموت، وإليك المصير"، وإذا أمسى، قال: "اللهم بك أمسينا، وبك أصبحنا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك النشور". قلت: رواه أبو داود في الأدب والترمذي في الدعوات والنسائي في "اليوم والليلة" وابن ماجه [الدعاء] كلهم من حديث أبي هريرة. (¬1) 1724 - قال أبو بكر: يا رسول الله مرني بشيء أقوله إذا أصبحت، وإذا أمسيت، قال: قل: "اللهم عالم الغيب والشهادة، فاطر السماوات والأرض، رب كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر الشيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءًا أو أجره إلى مسلم، قله إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك". قلت: رواه أبو داود في الأدب والترمذي في الدعوات كلاهما من حديث أبي هريرة ولم أر فيهما قوله: "وأن أقترف على نفسي سوءًا أو أجره إلى مسلم". (¬2) 1725 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات فلم يضره شيء". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما بهذا اللفظ في الدعوات والنسائي في اليوم والليلة كلهم من حديث عثمان وقال الترمذي: ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3388)، وأبو داود (5068)، وابن ماجه (3868)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (8) إسناده صحيح. (¬2) أخرجه الترمذي (3392)، وقال: حسن صحيح. وأبو داود (5067) وإسناده صحيح. وهذه الزيادة غير موجودة في النسخة المطبوعة من المصابيح.

حديث حسن صحيح. (¬1) - وفي رواية: "لم تصبه فجأة بلاء، حتى يصبح ومن قالها حين يصبح لم تصبه فجأة بلاء حتى يمسي". قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث عثمان. (¬2) قوله: فجأة بلاء، الفجأة: مجيء الشيء بغتة من غير تقدم سبب. قال ابن قتيبة: يقال أبلاه الله بلاءً حسنًا وبلاء يتلوه إصابة بشر، وقال غيره: المعروف أن الإبتلاء يكون في الخير والشر معًا من غير فرق بين فعليهما، وقال أبو الهيثم: البلاء يكون حسنًا ويكون سيئًا، وأصله المحنة، والله يبتلي عبده بالصنع الجميل ليمتحن شكره، ويبلوه بالبلوى التي يكرهها ليمتحن صبره، فقيل للحسن بلاء وللسيء بلاء. 1726 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول إذا أمسى: "أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله ولا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، رب أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها، وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما بعدها، رب أعوذ بك من الكسل ومن سوء الكفر". - وفي رواية: "من سوء الكِبَر والكِبْر، رب أعوذ بك من عذابٍ في النار، وعذاب في القبر، وإذا أصبح قال ذلك: أصبحنا وأصبح الملك لله". قلت: رواه مسلم والترمذي في الدعوات وأبو داود في الأدب كلهم من حديث ابن مسعود، واللفظ لمسلم إلا قوله: "الكفر" بالفاء، انفرد بها أبو داود في بعض طرقه، فكان من حق الشيخ أن يذكر هذا الحديث في الصحاح لا في الحسان، والله أعلم، وروى الحديث النسائي أيضًا ولم يخرجه البخاري. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3385)، وابن ماجه (3869)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (15، 346) وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه أبو داود (5088). (¬3) أخرجه مسلم (2723)، وأبو داود (5071)، والترمذي (3390)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (23).

1727 - عن بعض بنات النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعلّمها فيقول: "قولي، حين تصبحين: سبحان الله وبحمده، لا قوة إلا بالله، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، أعلم أن الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علمًا، فإنه من قالها حين يصبح حفظ حتى يمسي، ومن قالها حين يمسي حفظ حتى يصبح". قلت: رواه أبو داود في الأدب والنسائي في اليوم والليلة كلاهما من حديث عبد الحميد مولى بني هاشم أن أمه حدثته وكانت تخدم بعض بنات النبي - صلى الله عليه وسلم - بلفظه وأمه مجهولة. (¬1) 1728 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من قال حين يصبح: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} -إلى قوله-: {وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} أدرك ما فاته في يومه ذلك، ومن قالهن حين يمسي أدرك ما فاته في ليلته". قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث ابن عباس وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن البيلماني عن أبيه وكلاهما لا يحتج به. (¬2) 1729 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال إذا أصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، كان له عدل رقبة من ولد إسماعيل، وكتب له عشر حسنات، وحط عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكان في حرز من الشيطان حتى يمسي، وإن قالها إذا أمسى كان له مثل ذلك حتى يصبح". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (5075)، والنسائي في اليوم والليلة (12). وعبد الحميد مولى بني هاشم قال الحافظ في التقريب "مقبول" ت (3801) وأمه مجهولة. (¬2) أخرجه أبو داود (5076) وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن البيلماني قال الحافظ في "التقريب": ضعيف، وقد اتهمه ابن عدي وابن حبان (ت 6107).= = وأبوه عبد الرحمن البيلماني قال الحافظ في التقريب: "ضعيف" (ت 3843). فإسناده ضعيف جدًّا.

قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث أبي عياش، وفي لفظ أبي داود: "فرأى رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يرى النائم فقال: يا رسول الله! إن أبا عياش يحدث عنك بكذا وكذا؟ قال: صدق أبو عياش"، والنسائي في اليوم والليلة وابن ماجه في الدعاء كلهم من حديث أبي عياش، وقد اختلف فيه فقيل هو أبو عياش، وقيل ابن أبي عياش، وقيل ابن عايش، وعياش بعين مهملة وياء آخر الحروف مشددة وألف ثم شين معجمة. والعدل: بالكسر والفتح، المثل، وقيل بالفتح ما عادله من جنسه، وبالكسر من غير جنسه وقد تقدم. (¬1) 1730 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أسر إليه فقال: "إذا انصرفت من صلاة المغرب فقل قبل أن تكلم أحدًا: اللهم أجرني من النار سبع مرات، فإنك إذا قلت ذلك: ثم مت في ليلتك كتب لك جوار منها، وإذا صليت الصبح فقل كذلك، فإنك إذا مت في يومك كتب لك جوار منها". قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث الحارث بن مسلم عن أبيه مسلم ابن الحارث ومن طريق أخرى مسلم بن الحارث بن مسلم عن أبيه، وسئل أبو زرعة عن ذلك فقال: الصحيح مسلم بن الحارث عن أبيه. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (4/ 60) , وأبو داود (5077)، والنسائي في اليوم والليلة (27)، وابن ماجه (3867). وقد اختلف في صحابيه هل هو الزرقي أم غيره. وجرى على أنه الزرقي: البخاري في (التاريخ الكبير 3/ 381 - 382). وأبو أحمد الحاكم والدولابي في الكنى (1/ 46 - 47) والإمام أحمد في المسند. وفرق بينهما الحافظ في الإصابة والمزي في تهذيب الكمال والخلاف في الصحابي لا يضر. (¬2) أخرجه أبو داود (5079) (5080). في إسناده الحارث بن مسلم وهو الراوي عن أبيه وهو مجهول، وصرح الذهبي في "الميزان" أنه مجهول، وقال أبو حاتم: لا يعرف حاله. ومع ذلك فقد حسنه الحافظ في نتائج الأفكار (2/ 310)، وانظر: الضعيفة (1624)، والصحيحة (2506).

1731 - لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدع هؤلاء الكلمات حين يمسي وحين يصبح: "اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي، وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي" يعني: الخسف. قلت: رواه أبو داود في الأدب والنسائي في الاستعاذة وابن ماجه في الدعاء كلهم من حديث ابن عمر وسكت عليه أبو داود فهو صالح للاحتجاج (¬1). والعفو: محو الذنب، والعافية: أن يسلم من الأسقام والبلاء، وهي الصحة ضد السقم، والعورات: جمع عورة وهي كل ما يستحى منه إذا ظهر، وفي الحديث: المرأة عورة، جعلها نفسها عورة لأنها إذا ظهرت يستحى منها كما يستحى من العورة إذا ظهرت. قوله: وآمن روعاتي، جمع روعة وهي المرة الواحدة من الروع وهو الفزع، قوله: وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي، أي أدهى من حيث لا أشعر، يريد به الخسف، والاغتيال: هو أن يخدع ويقتل في موضع لا يراه فيه أحد. 1732 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من قال حين يصبح: اللهم أصبحنا نُشهدك ونُشهد حَمَلَة عرشك وملائكتك وجميع خلقك: أنك أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمدًا عبدك ورسولك، إلا غفر الله له ما أصابه في يومه ذلك من ذنب، وإن قالها حين يمسي غفر الله له ما أصابه في تلك الليلة من ذنب". (غريب). قلت: رواه الترمذي في الدعوات من حديث أنس وقال "غريب". وفي سنده بقية. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (5074)، والنسائي (8/ 282)، وابن ماجه (3871)، وإسناده صحيح. وأخرجه الحاكم (1/ 517 - 518) وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. (¬2) أخرجه الترمذي (3495)، وأبو داود (5078)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (10) وحسنه الحافظ في تخريج الأذكار بشواهده. نتائج الأفكار (2/ 359 - 361)، وبقية: هو بقيّة ابن الوليد الكلاعي، وهو صدوق كثير التدليس عن الضعفاء. التقريب (741).

1733 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما من عبد مسلم يقول إذا أمسى وإذا أصبح ثلاثًا: رضيت بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيًّا إلا كان حقًّا على الله أن يُرضيه يوم القيامة". قلت: رواه الترمذي في الدعوات من حديث ثوبان وقال: حسن غريب. (¬1) 1734 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: كان إذا أراد أن ينام وضع يده تحت رأسه ثم قال: "اللهم قني عذابك يوم تجمع عبادك أو تبعث عبادك". قلت: رواه الترمذي في الدعوات من حديث حذيفة، وقال فيه: حسن صحيح. (¬2) 1735 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن يرقد: "وضع يده اليمنى تحت خده الأيمن ثم يقول: "اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك ثلاث مرات". قلت: رواه أبو داود في الأدب والنسائي في اليوم والليلة كلاهما من حديث حفصة. (¬3) 1736 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول عند مضجعه: "اللهم إني أعوذ بك بوجهك الكريم، وكلماتك التامات من شر ما أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت تكشف المغرم والمأثم، اللهم أنت الذي لا يُهزم جندك، ولا يُخلف وعدك، ولا ينفع ذا الجد منك الجد سبحانك وبحمدك". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3386) وفي إسناده سعيد بن المرزبان وهو ضعيف ومدلس، كما قال الحافظ في "التقريب" (ت 2402) ويشهد له حديث أبي داود (50729) وفي إسناده سابق بن ناجية: لم يوثقه غير ابن حبان وكذا قال ابن حجر: مقبول، التقريب (2181) ولذلك حسنه الحافظ ابن حجر في نتائج الأفكار (2/ 351 - 355)، والإصابة (4/ 93). (¬2) أخرجه الترمذي (3398) وقال: حسن صحيح. (¬3) أخرجه أبو داود (5045)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (762). وفي إسناده سواء الخزاعي وهو مجهول، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال عنه الحافظ في "التقريب": مقبول (ت 2692) وقد اضطرب فيه عاصم بن أبي النجود فإن في حفظه شيء (الميزان 2/ 357).

قلت: رواه أبو داود في الأدب والنسائي في النعوت وفي اليوم والليلة كلاهما من حديث علي ولم يضعفه أبو داود. (¬1) والمأثم: بالثاء المثلثة قال ابن الأثير (¬2): هو الأمر الذي يأثم به الإنسان، أو هو الإثم نفسه وضعًا للمصدر موضع الإثم، والجد (¬3): بفتح الجيم، قيل: المال، أي لا ينفع ذا الغني منك غناه، وإنما ينفعه الإيمان والطاعة، وقيل: الجد، الحظ والعظمة، ويحتمل: إن الجد، الأب، أي لا ينفع ذا النسب الشريف منك نسبه، ويُروى بكسر الجيم وحملوه على الحرص في أمور دنياه. أي لا ينفعه ذلك، وما كتب له من الرزق لا يزيده الحرص، وأنكر أبو عبيد رواية الكسر. وقوله: سبحانك وبحمدك، قال أبو عبيد: معناه سبحانك بحمدك، جعل الواو صلة، وقال غيره: المعنى: سبحانك اللهم بجميع آلائك وبحمدك سبّحتك، ومعنى سبحانك وسبحان الله: أي سبحت الله ونزهته عن كل عيب، نصبت على المصدر. (¬4) 1737 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من قال حين يأوي إلى فراشه: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، ثلاث مرات، غفر الله له ذنوبه، وإن كانت مثل زبد البحر، أو عدد رمل عالِج، أو عدد ورَق الشجر، أو عدد أيام الدنيا". (غريب). قلت: رواه الترمذي في الدعوات من حديث أبي سعيد وقال: حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (5052)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (767) وصححه النووي في الأذكار وقال ابن علان: قال الحافظ: حديث غريب، والوصافي وشيخه ضعيفان. الفتوحات الربّانية (3/ 160). (¬2) النهاية لابن الأثير (1/ 24). (¬3) المصدر السابق (1/ 244)، والغريبين للهروي (1/ 324). (¬4) انظر: غريب الحديث للقاسم الهروي (3/ 173)، والغريبين (3/ 107).

وفي سنده عبيد الله بن الوليد الوَصَافي وهو ضعيف. (¬1) ورمل عالج: بعين مهملة وجيم في آخره، قال في النهاية (¬2): هو ما تراكم من الرمل، ودخل بعضه في بعض والعوالج جمعه. 1738 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما من مسلم يأخذ مضجعه بقراءة سورة من كتاب الله إلا وكل الله به ملكًا، فلا يقربه شيء يؤذيه، حتى يَهُبَّ متى هبّ". قلت: رواه الترمذي في الدعوات مطولًا من حديث شداد بن أوس وفي سنده مجهول. (¬3) وهبّ: معناه استيقظ، من هبّ النائم هبًّا وهبوبًا أي استيقظ. 1739 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خلتان لا يحصيهما -وفي رواية: لا يحافظ عليهما- رجل مسلم إلا دخل الجنة، ألا وهما يسير، ومن يعمل بهما قليل، يسبّح الله في دبر كل صلاة عشرًا، ويحمده عشرًا، ويكبره عشرًا -قال: فأنا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعقدها بيده، قال-: فتلك خمسون ومائة باللسان، وألف وخمسمائة في الميزان، وإذا أخذ مضجعه، يسبحه ويحمده ويكبره مائة -وفي رواية: يكبر أربعًا وثلاثين، ويحمد ثلاثًا وثلاثين ويسبح ثلاثًا وثلاثين-، فتلك مائة باللسان، وألف في الميزان، فأيكم يعمل في اليوم والليلة ألفين وخمسائة سيِّئة؟ ". قالوا: وكيف لا نحصيها؟، قال: "يأتي الشيطان وهو في صلاته، فيقول: اذكر كذا، اذكر كذا، حتى ينفتل، فلعله أن لا يفعل، ويأتيه في مضجعه، فلا يزال ينّومه حتى ينام". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3397) وفي إسناده عطية العوفي، قال عنه الحافظ: صدوق يخطيء كثيرًا وكان شيعيًّا مدلسًا التقريب (4649) وكذلك عبيد الله بن الوليد الوصافي قال الحافظ عنه: ضعيف التقريب (4381). (¬2) النهاية (3/ 260). (¬3) أخرجه الترمذي (3407) وإسناده ضعيف، فيه الراوي عن شداد بن أوس مجهول.

قلت: رواه أبو داود في الأدب والترمذي في الدعوات والنسائي في الصلاة كلهم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص يرفعه، واللفظ للترمذي، وقوله: وفي رواية هو لفظ أبي داود وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: خلتان، هو تثنية الخلّة بفتح الخاء المعجمة، وهي الحاجة، ولا يحصيهما: أي لا يأتي بهما ولا يحافظ عليهما، والخلة الأولى: هي الذكر دبر الصلاة، والثانية: قبل النوم. قوله - صلى الله عليه وسلم -: فتلك خمسون ومائة، يعني في اليوم والليلة، ولذلك قال: فأيكم يعمل في اليوم والليلة ألفين وخمس مائة سيِّئة؟، وذلك أن عدد الكلمات المحصاة خلف كل صلاة ثلاثون، وعدد الصلوات المفروضات في اليوم والليلة خمس، فإذا ضرب أحدهما في الآخر بلغ هذا المبلغ وإنما كانت ألفًا وخمس مائة في الميزان، لأن الحسنة بعشر أمثالها. 1740 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال حين يصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر، فقد أدى شكر يومه، ومن قال مثل ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته". قلت: رواه أبو داود في الأدب والنسائي في اليوم والليلة (¬2) كلاهما من حديث عبد الله بن غنام البياضي، وغنام: بفتح الغين المعجمة وتشديد النون وفتحها وبعد الألف ميم، والبياضي: منسوب إلى بياضة بطن من الأنصار، وسند الحديث جيد. 1741 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول إذا أوى إلى فراشه: "اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل، والقرآن أعوذ بك ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (5065)، والترمذي (3410)، والنسائي (3/ 74)، وابن ماجه (926)، وأحمد (2/ 204 - 205) وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه أبو داود (5073) , والنسائي في عمل اليوم والليلة (7) وفي إسناده عبد الله بن عنبسة لم يوثقه غير ابن حبان قال الحافظ في التقريب مقبول التقريب (3541). ومع ذلك فقد حسنه الحافظ في نتائج الأفكار (2/ 359 - 361)، إتحاف المهرة (7/ 349 - 350).

من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عني الدين، وأعذني من الفقر". قلت: رواه مسلم والترمذي وابن ماجه كلهم في الدعوات وأبو داود في الأدب واللفظ له، إلا قوله: وأعذني، وإنها ليست فيه ولا في شيء مما ذكرناه، بل لفظ الثلاثة: وأغنني، ولفظ مسلم: وأغننا، كلهم رووه من حديث أبي هريرة ولفظ مسلم أتم، فكان من حق المصنف أن يذكره في الصحاح. (¬1) 1742 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أخذ مضجعه من الليل قال: "بسم الله وضعت جنبي، اللهم اغفر لي ذنبي، واخسأ شيطاني، وفك رهاني، واجعلني في النديِّ الأعلى". قلت: رواه أبو داود في الأدب (¬2) من حديث أبي الأزهر الأنماري يرفعه، قال أبو القاسم البغوي في "معجم الصحابة" أبو الأزهر لم ينسب، روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثًا ولا أدري له صحبة أم لا، وذكر له هذا الحديث. (¬3) واخسأ: بمعنى اطرد من خسأت الكلب إذا طردته، وخسأ الكلب بنفسه، يتعدى ولا يتعدي. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم مع اختلاف يسير (2713)، وأبو داود (5051)، والترمذي (3400)، وابن ماجه (3873). (¬2) أخرجه أبو داود (5054)، والحاكم (1/ 548) وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. وحسن إسناده النووي في الأذكار (الفتوحات الربانية 3/ 158). (¬3) انظر: الإصابة لابن حجر (7/ 11 - 12) وقال: أبو الأزهر الأنماري، ويقال أبو زهير، أخرج حديثه أبو داود في السنن بسند جيد شامي، ثم نقل قول البغوي هذا، وكذلك مختصر المنذري (7/ 322).

وفك رهاني: أي خلصني من عقاب ما اقترفت نفسي من الأعمال التي لا ترتضيها بالعفو عنها، قال الله تعالى: {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:21] والرهن ما يوضع وثيقة أو خلصها عن عهدة ما عليها من التكاليف، بالتوفيق للإتيان بها. والنديِّ: بتشديد الياء، القوم المجتمعون في مجلس، ومثله النادي. والندي الأعلى: الملأ الأعلى من الملائكة. 1743 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أخذ مضجعه قال: "الحمد لله الذي كفاني وآواني، وأطعمني وسقاني، والذي منَّ علي فأفضل، والذي أعطاني فأجزل، الحمد لله على كل حال، اللهم رب كل شيء ومليكه، وإله كل شيء، أعوذ بك من النار". قلت: رواه أبو داود في الأدب والنسائي في اليوم والليلة (¬1) كلاهما من حديث ابن عمر، ولم يضعفه أبو داود وأقره المنذري. 1744 - قال شكا خالد بن الوليد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله ما أنام الليل من الأَرَق، فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أويت إلى فراشك فقل: اللهم رب السماوات السبع وما أظلّت، ورب الأرضين، وما أقلّت، ورب الشياطين وما أضلّت، كن لي جارًا من شر خلقك كلهم جميعًا، أن يفرط علي أحد منهم، أو أن يبغي، عزّ جارك وجل ثناؤك ولا إله غيرك لا إله إلا أنت". (ضعيف). قلت: رواه الترمذي في الدعوات (¬2) من حديث بريدة وقال: ليس إسناده بالقوي، وفي إسناده حكم بن ظهير، قال البخاري: تركوه. والأَرَق: بهمزة مفتوحة وراء مهملة مفتوحة أيضًا وقاف، هو السهر. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (5058)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (798) وإسناده صحيح. وانظر: مختصر المنذري (7/ 324). (¬2) أخرجه الترمذي (3523) وإسناده ضعيف. فيه الحكم بن ظهير قال الحافظ: متروك رمي بالرفض واتهمه ابن معين، التقريب (1454).

باب الدعوات في الأوقات

باب الدعوات في الأوقات من الصحاح 1745 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله، اللهم جَنِّبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبدًا". قلت: رواه الجماعة كلهم في النكاح، وأعاده البخاري في مواضع من حديث ابن عباس. (¬1) قيل: المراد بأنه لا يضره؛ لأنه لا يصرعه شيطان، وقيل: لا يطعن فيه الشيطان عند ولادته، بخلاف غيره، قال بعض شراح مسلم: ولم يحمله أحد على العموم في جميع الضرر والإغواء والوسوسة. 1746 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول عند الكرب: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض رب العرش الكريم". قلت: رواه الجماعة إلا أبا داود، كلهم في الدعوات إلا النسائي ففي "اليوم والليلة" كلهم من حديث ابن عباس. (¬2) وهذا حديث جليل ينبغي الاعتناء به والإكثار منه عند الكرب والأمور العظيمة، قال الطبري (¬3): كان السلف يدعون به ويسمونه دعاء الكرب، فإن قيل: هذا ذكر وليس ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3271) (3283)، ومسلم (1434)، وأبو داود (2161)، والترمذي (1092)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (266)، وابن ماجه (1919). (¬2) أخرجه البخاري (6345)، ومسلم (2730)، والترمذي (3435)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (352)، وابن ماجه (3883). (¬3) إكمال المعلم (8/ 2730)، والمفهم للقرطبي (7/ 56).

فيه دعاء؟ قلنا: قال بعضهم: هذا ذكر يستفتح به الدعاء، ثم يدعوا بما شاء، وقد يجاب بما أجاب به سفيان بن عيينة حيث قال: أما علمت قوله "من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين؟ " وقال الشاعر (¬1): إذا أثنى عليك المرء يومًا ... كَفاه مِنْ تعرضه الثناء 1747 - قال: استبّ رجلان فأحدهما يسب صاحبه مغضبًا قد احمر وجهه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم". قلت: رواه الشيخان وأبو داود ثلاثتهم في الأدب والنسائي في "اليوم والليلة" من حديث سليمان بن صرد. (¬2) 1748 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا سمعتم صياح الديكة فسلوا الله من فضله فإنها رأت ملكًا، وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان الرجيم فإنها رأت شيطانًا". قلت: رواه الجماعة إلا ابن ماجه: البخاري في بدء الخلق ومسلم والترمذي في الدعوات وأبو داود في الأدب والنسائي في "اليوم والليلة" من حديث أبي هريرة. (¬3) قيل السبب في ذكر الله عند صياح الديكة: رجاء تأمين الملائكة على الدعاء واستغفارهم وشهادتهم له بالتضرع والإخلاص، وفيه الدعاء عند حضور الصالحين والتبرك بهم. ¬

_ (¬1) الشاعر المراد به هو: أمية بن أبي الصلت بن أبي ربيعة بن عوف الثقفي. انظر: جمهرة الأنساب لابن حزم (257). (¬2) أخرجه البخاري (61159)، ومسلم (2610)، وأبو داود (4780)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (389). (¬3) أخرجه البخاري (33039)، ومسلم (2729)، والترمذي (3459)، وأبو داود (5102)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (944).

1749 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا استوى على بعيره خارجًا إلى السفر كبر ثلاثًا، ثم قال: " {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} اللهم إنا، نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطوِ لنا بُعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل، وإذا: رجع قالهن، وزاد فيهن: آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون". قلت: رواه مسلم في الحج وأبو داود في الجهاد والترمذي في الدعوات من حديث ابن عمر ولم يخرجه البخاري. (¬1) ومعنى مقرنين: مطيقين أي ما كنا نطيق قهره واستعماله لولا تسخير الله إياه لنا. قوله - صلى الله عليه وسلم -: من وعثاء السفر بفتح الواو وسكون العين المهملة وبالثاء المثلثة والمد أي شدته ومشقته. قوله: كآبة المنظر بفتح الكاف وبالمد وهي: تغير النفس من الحزن فاستعاذ من أن ينصرف إلى أهله سيء المنظر من الحزن. والمنقلب: بفتح اللام المرجع، أي أن ينقلب إلى أهله كئيبًا حزينًا لم يقض حاجته أو مكروبًا قد ذهب ماله أو أصابته فاقة أو ما أشبه ذلك. 1750 - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سافر، يتعوذ من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكور، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في الأهل والمال". قلت: رواه مسلم في المناسك والترمذي وابن ماجه في الدعوات والنسائي في الاستعاذة كلهم من حديث عبد الله بن سرجس. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1342)، وأبو داود (2599)، والترمذي (3447)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (548). (¬2) أخرجه مسلم (1343)، والترمذي (3439)، والنسائي (8/ 272 - 273).

قوله: أعوذ بك من الحور بعد الكور، والحور بحاء وراء مهملتين، والكور، معظم نسخ مسلم بالنون، وكذا ضبطه الحفاظ، وروي أيضًا بالراء المهملة رواه العذري وللباقين الكون بالنون، ومعناه النقصان بعد الزيادة، وقيل من الشذوذ بعد الجماعة أو من الفساد بعد الصلاح أو من القلة بعد الكثرة كأنه من كار عمامته إذا لفها على رأسه، فاجتمعت وحارها إذا نقضها فافترقت، وبالنون قال أبو عبيد من قولهم: حار بعدما كان، أي أنه كان على حالة جميلة فرجع عنها، ووهّم بعضهم رواية النون، وقيل معناه: رجع إلى الفساد والنقص أي بعد أن كان على خير مما رجع إليه. (¬1) 1751 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من نزل منزلًا ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك". قلت: رواه مسلم والترمذي كلاهما في الدعوات والنسائي في اليوم والليلة، وابن ماجه في الطب كلهم من حديث خولة بنت حكيم ولم يخرجه البخاري. (¬2) 1752 - جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة! قال: "أما لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم تضرك". قلت: رواه مسلم في الدعوات والنسائي في "اليوم والليلة"، من حديث أبي هريرة، ولم يخرجه البخاري. (¬3) 1753 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا كان في سفر وأسحر يقول: "سمع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا، ربنا صاحبنا وأفضل علينا، عائذًا بالله من النار". ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (9/ 158 - 159). (¬2) أخرجه مسلم (2709)، والترمذي (3437)، وابن ماجه (3547)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (560) (561). (¬3) رواه مسلم (2709)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (585).

قلت: رواه مسلم في الدعوات وأبو داود في الأدب والنسائي في السير من حديث أبي هريرة. (¬1) وأسحر: أي قام في السحر أو ركب أو انتهى في السحر وهو آخر الليل. وسمع سامع: بكسر الميم معناه: شهد شاهد أي ليستمع سامع، وليشهد الشاهد على ما حمدنا الله تعالى به، ورواه بعضهم بتشديد الميم وفتحها أي بلّغ سامع قولي لغيره، واختار صاحب المشارق وصاحب المطالع التشديد وادّعى أن أكثر رواة مسلم رووه كذلك. قوله: وحسن بلائه: أي: حسن نعمه، والبلاء يكون في الخير والشر، قوله: ربنا صاحبنا وأفضل علينا، أي: احفظنا وحطنا واكلانا وأفضل علينا بجزيل نعمك واصرف عنا كل مكروه، قوله: عائذًا بالله من النار منصوب على الحال أي أقول هذا حال إستعاذتي واستجارتي بالله من النار. 1754 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شَرَف من الأرض ثلاث تكبيرات ثم يقول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده". قلت: رواه الشيخان في الحج وأبو داود والنسائي كلاهما في الجهاد. (¬2) وقفل: معناه رجع من الغزو وغيره، وآيبون، أي: راجعون، وصدق وعده في إظهار الدين، وكون العاقبة للمتقين وغير ذلك من وعده تعالى إن الله لا يخلف الميعاد، وهزم الأحزاب وحده: أي من غير قتال من الآدميين، والمراد: الأحزاب الذين اجتمعوا يوم الخندق وتحزبوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرسل الله عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها وبهذا يرتبط قوله - صلى الله عليه وسلم - صدق الله تكذيبًا لقول المنافقين، والذين في قلوبهم مرض: ما وعدنا الله ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2718)، وأبو داود (5086)، والنسائي في الكبرى (7728). (¬2) أخرجه البخاري (1797)، ومسلم (1344)، وأبو داود (2770)، والنسائي في الكبرى (8773).

ورسوله إلا غرورًا، وهذا هو المشهور، إن المراد أحزاب يوم الخندق، قال بعضهم: ويحتمل أن يكون المراد أحزاب الكفر في جميع الأيام والمواطن. (¬1) 1755 - دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الأحزاب على المشركين ففال: "اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اللهم اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم". قلت: رواه البخاري في مواضع منها في الجهاد ومسلم في المغازي والترمذي في السير وابن ماجه في الجهاد من حديث عبد الله بن أبي أوفي (¬2). 1756 - نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي فقرّبنا إليه طعامًا ووطبة فأكل منها، ثم أتي بتمر فكان يأكله ويلقي النوى بين أصبعيه، ويجمع السبابة والوسطى -وفي رواية: فجعل يلقي النوى على ظهر أصبعيه السبابة والوسطى- ثم أُتِيَ بشراب فشربه، فقال أبي -وأخذ بلجام دابته-: ادع الله لنا، فقال: "اللهم بارك لهم فيما رزقتهم، واغفر لهم وارحمهم". قلت: رواه مسلم في الأطعمة والترمذي في الدعوات وأبو داود في الأشربة والنسائي في اليوم والليلة وليس في مسلم: "على ظهر أصبعيه" إنما هو في أبي داود رووه كلهم من حديث عبد الله بن بسر بضم الموحدة. (¬3) والوطْبة: بالواو وإسكان الطاء وبعدها باء موحدة، وهو مجمع التمر البرني والأقط المدقوق والسمن، كما ضبطه في مسلم أبو مسعود الدمشقي وأبو بكر البرقاني، وكذا هو في معظم النسخ، وفي بعضها: رطبة براء مهملة مضمومة وفتح الطاء، وفي بعضها وطيئة: بفتح الواو وكسر الطاء وبعدها مثناة من تحت ثم همزة، وهو طعام يتخذ من التمر كالحيس، وقد قيل في كيفية أخذ النوى: أن يأخذه على ظهر الأصبعين ثم يلقي ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (9/ 160 - 161). (¬2) أخرجه البخاري (17979)، ومسلم (1344)، والترمذي (1678)، وابن ماجه (2796). (¬3) أخرجه مسلم (2042)، والترمذي (3576)، وأبو داود (3729) والنسائي (10123).

من الحسان

به، والظاهر أن الحكمة في ذلك أنه لو مسك النوى بأصبعيه لتلوث الأصبعان من ريقه ثم يمسك بهما التمر. (¬1) من الحسان 1757 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رأى الهلال قال: "اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، ربي وربك الله". (غريب). قلت: رواه الترمذي في الدعوات من حديث طلحة بن عبيد الله وقال: حديث حسن غريب. (¬2) قال بعضهم: الإهلال في الأصل، رفع الصوت، ثم منه رؤية الهلال، لأن الناس يرفعون أصواتهم إذا رأوه بالإخبار عنه، ثم نقل منه إلى طلوعه، لأنه سبب لرؤيته وهو في هذا الحديث بهذا المعنى أي أطلعه علينا وأرانا إياه مقرونًا بالأمن والإيمان والصحة والسلامة. 1758 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من رجل رأى مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلًا، إلا لم يصبه ذلك البلاء كائنًا ما كان". (غريب). قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في الدعوات من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب عن أبيه وقال الترمذي: غريب، انتهى. وفي سندهما عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج (13/ 324). (¬2) أخرجه الترمذي (3431)، وحسّنه لشواهده، له شاهد عن ابن عمر أخرجه الدارمي (1687)، وابن حبان (888) وفي إسناده ضعف، وحسّنه الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار" (الفتوحات الربّانية 4/ 329 - 330).

شيخ بصري ليس هو بالقوي في الحديث. (¬1) 1759 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال في سوق جامع يباع فيه: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت، وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة، وبنى له بيتًا في الجنة". (غريب). قلت: رواه الترمذي وابن ماجه بسند الحديث الذي قبله، الترمذي في بابه وابن ماجه في التجارات من حديث ابن عمر عن أبيه عمر. (¬2) - وفي رواية: ورفع له ألف ألف درجة. قلت: رواها الترمذي أيضًا. (¬3) 1760 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من جلس مجلسًا فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، إلا غُفر له ما كان في مجلسه ذلك". قلت: رواه الترمذي في الدعوات من حديث أبي هريرة وقال: حسن غريب. واللغط: بالغين المعجمة والطاء المهملة صوت ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3431) وقال: حسن غريب، وابن ماجه (3892) وفي إسناده عمرو ابن دينار مولى آل الزبير، قال الحافظ في "التقريب" ضعيف (ت 5060). وكذلك فيه اضطراب واختلاف. فقد روي عن ابن عمر عن عمر وروي عن سالم مرسلًا. انظر: علل الدارقطني (2/ 53). (¬2) أخرجه الترمذي (3428)، وابن ماجه (2235) وضعفه الحافظ بن حجر في الفتح (11/ 206) وقال: في سنده لين، وقال أبو حاتم: منكر، والله أعلم. وقال في لسان الميزان (6/ 10) روى الدارقطني في غرائب مالك عن سُمَي، عن أبي صالح رفعه: "من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله .... الحديث" ثم قال: مرسل، وهو غير محفوظ عن مالك، ولا عن سُمَي، ومخلد ضعيف، ومن دونه. وقال البغوي في شرح السنة (5/ 132 - 133): حديث حسن غريب. (¬3) برقم (3428).

وضجة لا يفهم معناها. (¬1) 1761 - أنه أتي بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله، فلما استوى على ظهرها قال: الحمد لله، ثم قال: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ}، ثم قال: الحمد لله ثلاثًا، والله أكبر ثلاثًا، سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم ضحك، فقيل من أي شيء ضحكت يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صنع كما صنعت ثم ضحك، فقلت: من أي شيء ضحكت يا رسول الله؟ قال: إن ربك ليعجب من عبده إذا قال: "رب اغفر لي ذنوبي، يعلم أن الذنوب لا يغفرها أحدٌ غيري". قلت: رواه أبو داود في الجهاد والترمذي في الدعوات والنسائي في السير كلهم من حديث علي بن أبي طالب وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. (¬2) 1762 - كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ودع رجلًا أخذ بيده، فلا يدعها حتى يكون الرجل هو يدع يد النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقول: "أستودع الله دينك وأمانتك وآخر عملك". قلت: رواه أبو داود مختصرًا في الجهاد من حديث قزعة عن ابن عمر يرفعه وكذلك النسائي في "اليوم والليلة". والترمذي من حديث نافع عن ابن عمر (¬3) بلفظ المصنف. وإنما قيل للمسافر: أستودع الله دينك وأمانتك؛ لأن السفر يصيب الإنسان فيه المشقة والخوف، فيكون ذلك سببًا لإهمال بعض أمور الدين، فدعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمعونة ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2433) وإسناده صحيح بشواهده انظر: فتح الباري (13/ 554 - 555) والنكت على ابن الصلاح للحافظ ابن حجر (2/ 731) ومعرفة علوم الحديث (113). (¬2) أخرجه أبو داود (2602)، والترمذي (3446)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (4979) وإسناده صحيح. الفتوحات الربانية (5/ 125). (¬3) أخرجه أبو داود (2600)، والترمذي (3442) (3443) وإسناده صحيح.

والتوفيق وأراد بالأمانة ها هنا أهل الرجل وماله الذي يودعه ويستحفظه أمينه ووكيله قاله في النهاية. (¬1) - وفي رواية: "وخواتيم عملك". قلت: رواها أبو داود بدل قوله: "وآخر عملك". (¬2) 1763 - ورُوي: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يستودع الجيش قال: "أستودع الله دينكم وأمانتكم وخواتيم أعمالكم". قلت: رواه أبو داود في الجهاد والنسائي في "اليوم والليلة" كلاهما من حديث عبيد الله بن يزيد الخطمي. (¬3) 1764 - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إني أريد سفرًا فزوّدني قال: "زودك الله التقوى" قال: زدني، قال: "وغفر ذنبك"، قال: زدني بأبي أنت وأمي، قال: "وَيَسّر لك الخير حيثما كنت". (غريب). قلت: رواه الترمذي في الدعوات من حديث أنس بن مالك وقال: حسن غريب. (¬4) 1765 - أن رجلًا قال: يا رسول الله إني أريد أن أسافر فأوصني، قال: "عليك بتقوى الله والتكبير على كل شَرَف" فلما ولى الرجل قال: "اللهم اطو له البعد، وهوّن عليه السفر". قلت: رواه الترمذي أيضًا في الدعوات من حديث أبي هريرة وحَسَّنه. (¬5) ¬

_ (¬1) النهاية (1/ 71). (¬2) أخرجها أبو داود (2600). (¬3) أخرجه أبو داود (2601)، والنسائي في اليوم والليلة (507). (¬4) أخرجه الترمذي (3444) وقال: حسن غريب. وأخرجه الحاكم (2/ 97) وسكت عنه وتابعه الذهبي. (¬5) أخرجه الترمذي (3445). وقال: حديث حسن.

1766 - كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سافر فأقبل الليل، قال: "يا أرض! ربي وربك الله، أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك، وشر ما خُلق فيك، وشر ما يدب عليك، وأعوذ من أسَد وأسْوَد، ومن الحية والعقرب، ومن شر ساكن البلد، ومن والد وما ولد". قلت: رواه أبو داود في الجهاد والنسائي كلاهما من حديث ابن عمر وفي إسناده بقية بن الوليد. (¬1) والأسود: أخبث الحيات وأعظمها، وهي من الصفات الغالبة حتى استعمل استعمال الأسماء وجمع جمعها وهي الأساود، قال بعضهم: وهي من أخبث الحيات، وذكر أن من شأنها أن تعارض الركب وتتبع الصوت، ولهذا خصها بالذكر، وجعلها جنسًا آخر، ثم عطف عليها الحية، وساكن البلد: قيل هم الإنس لأنهم يسكنون البلدان، وقيل هم الجن، والبلد: الأرض، ويحتمل: أن يكون أراد بالوالد إبليس وما ولد الشياطين، ويحتمل أن يراد: جميع ما يوجد بالتوالد من الحيوانات أصولها وفروعها. 1767 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا غزا قال: "اللهم أنت عضدي ونصيري، بك أحول وبك أصول وبك أقاتل". قلت: رواه أبو داود في الجهاد والترمذي في الدعوات والنسائي في السير من حديث أنس بن مالك قال الترمذي: حسن غريب. (¬2) قوله: بك أحول، بالحاء المهملة قال الزمخشري (¬3): من حال يحول حيلة بمعنى احتال، والمراد: كيد العدو، وقيل من حال بمعنى تحرّك، وقيل: ادفع وامنع، من حال بين الشيئين إذا منع أحدهما عن الآخر، وفي حديث آخر: "بك أحاول". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2603)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (562) وإسناده ضعيف. في إسناده بقية بن الوليد قال الحافظ: صدوق كثير التدليس عن الضعفاء التقريب: (741). (¬2) أخرجه أبو داود (2623)، والترمذي (3584)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (604). وإسناده صحيح. (¬3) انظر: الفائق للزمخشري (1/ 334).

قوله: وبك أصول بالصاد المهملة أي أستطيع أو أقهر. 1768 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خاف قومًا قال: "اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم". قلت: رواه أبو داود في الصلاة والنسائي في السير كلاهما عن أبي موسى ولم يضعفه أبو داود فهو صالح. (¬1) وإنما خص النبي - صلى الله عليه وسلم - النحر بالذكر لأن العدو به يستقبل عند المناهضة للقتال أو للتفاؤل بنحرهم أي قتلهم، والمعنى: نسألك أن تصد صدورهم وتدفع شرورهم. 1769 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خرج من بيته، قال: "بسم الله توكلت على الله، اللهم إنا نعوذ بك من أن نزل أو نضل أو نظلم أو نظلم أو نجهل أو يجهل علينا". (صح). قلت: رواه الترمذي في الدعوات والنسائي في الاستعاذة وليس في لفظه: "توكلت على الله" من حديث أم سلمة، وقال الترمذي: حسن صحيح (¬2). - وفي رواية: قالت أم سلمة: ما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بيتي قط إلا رفع طرفه إلى السماء فقال: "اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1537)، والنسائي في الكبرى (8631) (10437) وإسناده حسن، فيه قتادة وهو ابن دعامة مدلس وقد عنعن فنزل الحديث عن رتبة الصحيح، فال ابن علان في الفتوحات (4/ 15 - 17) قال الحافظ: ورجاله رجال الصحيح لكن قتادة مدلس ولم أره عنه إلا بالعنعنة أهـ. وكذلك صححه النووي في الأذكار. وانظر: الأمالي المطلقة ص 127. (¬2) أخرجه الترمذي (3427)، والنسائي (8/ 268). ورجال إسناده ثقات إلا أنه منقطع الشعبي لم يسمع من أم سلمة، وكما قال الحافظ في نتائج الأفكار (1/ 160) فما له علة سوى الانقطاع فلعل من صححه سهل الأمر فيه لكونه من الفضائل، ولا يقال: اكتفى بالمعاصرة لأن محل ذلك أنه لا يحصل الجزم بانتفاء التقاء المتعاصرين إذا كان الناقد واسع الاطلاع مثل ابن المديني.

قلت: رواه أبو داود في الأدب (¬1) وزاد فيه بعد: أو أضل أو أزل أو أزل، وابن ماجه في الدعاء ولفظه: اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أزل أو أظلم، الحديث، كلاهما من حديث أم سلمة. 1770 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قال إذا خرج من بيته: بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: هديت وكفيت ووقيت، فيتنحّى عنه الشيطان، ويقول شيطان آخر: كيف لك برجل هدي وكفي ووقي". قلت: رواه أبو داود في الأدب بطوله والترمذي في الدعوات من حديث أنس ولم يذكر قول الشيطان الآخر، وقال: حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. (¬2) 1771 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا ولج الرجل بيته فليقل: اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج، بسم الله ولجنا، وبسم الله خرجنا، وعلى الله ربنا توكلنا، ثم يسلم على أهله". قلت: رواه أبو داود من حديث أبي مالك الأشعري، وفي إسناده محمد بن إسماعيل بن عياش وأبوه، وفيهما مقال (¬3). وولج: بالجيم أي دخل، يقول ولج يلج وأولج غيره. 1772 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رَفأ الإنسان إذا تزوج قال: "بارك الله لك، وبارك عليكما وجمع بينكما في خير". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (50949). (¬2) أخرجه أبو داود (5095)، والترمذي (3426). (¬3) أخرجه أبو داود (5096). وفيه انقطاع بين شريح بن عبيد وأبي مالك وفي إسناده محمد بن إسماعيل بن عياش: قال الحافظ: عابوا عليه أنه حدث عن أبيه بغير سماع (التقريب: 5772). وإسماعيل بن عياش أبوه، قال عنه الحافظ: صدوق في روايته من أهل بلده، مخلط في غيرهم التقريب (477). انظر: نتائج الأفكار (1/ 172)، المراسيل لابن أبي حاتم (ت 140)، جامع التحصيل (ت 283).

قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه جميعًا في النكاح والنسائي في "اليوم والليلة" من حديث أبي هريرة، وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬1) قوله: رفأ الإنسان: هو بالراء المهملة والفاء يعني: إذا أراد أن يدعو له عند تزويجه بالرفاء والبنين قال بدل ذلك: بارك الله لك إلى آخره، وكانت عادة العرب إذا تزوج الرجل منهم قالوا له: بالرفاء والبنين، فنهى الشرع عن ذلك، وأبدله بالدعاء في ذلك الحديث. 1773 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادمًا، فليقل: اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه، وإذا اشترى بعيرًا فليأخذ بذروة سنامه وليقل مثل ذلك". قلت: رواه أبو داود في النكاح والنسائي في الدعوات وابن ماجه في التجارات وفي النكاح كلهم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. (¬2) - ويروى في المرأة والخادم: "ثم ليأخذ بناصيتها، وليدع بالبركة". قلت: رواها أبو داود في بعض طرق الحديث. وذروة سنامه: بكسر الذال المعجمة وضمها وبالراء المهملة الساكنة هي أعلى سنامه. 1774 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا سمعتم نباح الكلب ونهيق الحمير بالليل، فتعوذوا بالله من الشيطان، فإنهن يرين ما لا ترون". (صح). قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2130)، والترمذي (1091)، والنسائى في عمل اليوم والليلة (259) وابن ماجه (1905). وإسناده صحيح على شرط مسلم كما قال الحاكم في المستدرك (2/ 183). (¬2) أخرجه أبو داود (2160)، وابن ماجه (1918)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (263)، وابن خزيمة (2559). وإسناده حسن.

جابر بن عبد الله وفي إسناده محمد بن إسحاق. (¬1) ونباح: بضم النون وبالباء الموحدة والألف والحاء المهملة، صياحها قال الجوهري (¬2) يقال: نبح الكلب بالفتح وينبح بالكسر نبحًا ونبيحًا ونباحًا بضم النون ونِباحًا بفتحها. 1775 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت". قلت: رواه أبو داود في الأدب في حديث طويل من حديث أبي بكرة واسمه نفيع، وفي سنده جعفر بن ميمون وليس بالقوي. (¬3) 1776 - قال رجل: هموم لزمتني وديون يا رسول الله؟ فال: "أفلا أعلمك كلامًا إذا قلته أذهب الله همك وقضى عنك دينك؟ " قال: قلت: بلى، قال: "قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من البخل والجبن، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، قال: ففعلت ذلك فأذهب الله عني همي وقضى عني ديني". قلت: رواه أبو داود في الصلاة من حديث أبي سعيد الخدري وفي سنده غسان بن عوف بصري ضُعّف. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (5104) وإسناده حسن لأن ابن إسحاق قد صرح بالسماع في بعض الروايات كما عند أحمد (3/ 306). (¬2) الصحاح للجوهري (1/ 408). (¬3) أخرجه أبو داود (5090). وفي إسناده جعفر بن ميمون قال الحافظ عنه: صدوق يخطيء، التقريب (969). وحسن إسناده الحافظ كما في الفتوحات الربانية (4/ 8 - 9). وعزاه إلى أحمد وابن حبان في صحيحه والنسائي في عمل اليوم والليلة. (¬4) أخرجه أبو داود (1555). وفي إسناده غسّان بن عوف المازني البصري، لين الحديث التقريب (5393).

باب الاستعاذة

والهم والحزن: الأكثرون على أنهما متقاربان إلا أن الحزن يكون على أمر قد انقضى والهم فيما يتوقع، والكسل: هو عدم انبعاث النفس للخير، وقلة الرغبة فيه مع القدرة والداعية، والعجز: عدم القدرة عليه، وقيل: هو ترك ما يجب فعله والتسويف به. 1777 - جاء مكاتب فقال: إني عجزت عن كتابتي فأعني قال: "ألا أعلمك كلمات علّمنيهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو كان عليك مثل جبل كبير دينًا أدّاه الله عنك؟ قل: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك". قلت: رواه الترمذي في الدعوات من حديث علي وقال: حسن غريب. (¬1) باب الاستعاذة من الصحاح 1778 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تعوذوا بالله من جهد البلاء ودَرَك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء". قلت: رواه البخاري في الدعوات وفي القدر ومسلم في الدعوات والنسائي في الاستعاذة من حديث أبي هريرة. (¬2) وجهد البلاء: بفتح الجيم وضمها، والفتح أفصح وأشهر. قال في شرح السنة (¬3): هي الحالة التي يمتحن بها الإنسان ويشق عليه بحيث يتمنى فيها الموت ويختاره عليها، عافانا الله من ذلك كله. والدرك: بفتح الراء اسم من الإدراك وذكر فيه بعضهم الإسكان والمعروف الأول. وسوء القضاء: يدخل فيها سوء القضاء في الدين والدنيا والبدن والمال والأهل، وقد ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3563). وفي إسناده عبد الرحمن بن إسحاق وهو ضعيف التقريب (3823). (¬2) أخرجه البخاري (6616)، ومسلم (2707)، والنسائي (8/ 268). (¬3) شرح السنة (5/ 160 رقم 1360).

يكون ذلك في الخاتمة وكذلك درك الشقاء يكون في أمور الآخرة والدنيا، وشماتة الأعداء: أعاذنا الله منها فرح العدو ببلية تنزل بمن يعاديه. 1779 - كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال". قلت: رواه البخاري في الدعوات بهذا اللفظ وأبو داود في الصلاة والترمذي في الدعوات والنسائي في الاستعاذة بألفاظ متقاربة من حديث أنس. (¬1) والهم والحزن: قد مضى تفسيرهما في الباب الذي قبله. ضَلَع الدين: بفتح الضاد واللام فهو شدته، وثقل همه، وغلبة الرجال: هو قهر الرجال. 1780 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم، والمغرم والمأثم، اللهم إني أعوذ بك من عذاب النار وفتنة النار، وفتنة القبر وعذاب القبر، وشر فتنة الغنى وشر فتنة الفقر، ومن شر فتنة المسيح الدجال، اللهم اغسل خطاياي بماء الثلج والبرد، ونَقِّ قلبي كما ينقَّى الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب". قلت: رواه الشيخان في الدعوات والترمذي بتقديم وتأخير وأبو داود والنسائي مختصرًا من حديث عائشة. (¬2) وشر فتنة الغنى: لعل فتنة الغنى هي البطر والطغيان بالمال والتفاخر به، وصرفه في المعاصي إلى غير ذلك، وفتنة الفقر: هي عدم الرضا بما قسم الله والطمع في أموال الأغنياء والحسد، إلى غير ذلك. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6369)، ومسلم (2706)، وأبو داود (1541)، والترمذي (3484)، والنسائي (8/ 274). (¬2) أخرجه البخاري (6275)، ومسلم (589)، والترمذي (3495)، وأبو داود (880)، والنسائي (8/ 262).

1781 - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل والهرم، وعذاب القبر، اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها". قلت: رواه مسلم في الدعوات والنسائي في الاستعاذة والترمذي مختصرًا كلهم من حديث زيد بن أرقم. (¬1) والعجز والكسل سبق تفسيرهما في الباب قبله، وإنما استعاذ - صلى الله عليه وسلم - من الجبن والبخل: فلما فيهما من التقصير عن أداء الواجبات، والقيام بحقوق الله تعالى، وإزالة المنكرات، ولأنه بشجاعة النفس وقوتها المعتدلة تتم العبادات، وتقوم بنصرة المظلوم والجهاد، وبالسلامة من البخل تقوم بحقوق المال، وتنبعث للإنفاق والجود، ومكارم الأخلاق، والهرم: المراد به الرد إلى أرذل العمر، قال بعض العلماء: ومعنى وآت نفسي تقواها: تقوى البدن الكف عما لا يتيقن حله، وتقوى القلب: الإعراض عما سوى الله تعالى، وعدم الالتفات إلى غيره، ومعنى وزكّها: طهرها، ولفظة "خير" ليست للتفضل بل معناه: لا مزكي لها إلا أنت، كما قال: أنت وليها ومولاها، ومعنى "نفس لا تشبع": إستعاذة من الحرص والطمع والشره، وتعلق النفس بالآمال البعيدة. وهذا الحديث وغيره من الأدعية المسجوعة دليل لما قاله كثير من العلماء أن السجع المذموم في الدعاء: هو المتكلف، فإنه يذهب الخشوع والخضوع والإخلاص، ويلهي عن الضراعة والافتقار وفراغ القلب، فأما ما حصل بلا تكلف ولا إعمال فكر لكمال الفصاحة ونحو ذلك، أو كان محفوظًا فلا بأس به. 1782 - كان من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجأة نقمتك، وجميع سخطك". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2722)، والنسائي (8/ 260)، والترمذي (3572).

قلت: رواه مسلم في الدعوات وأبو داود في الصلاة كلاهما من حديث ابن عمر ولم يخرجه البخاري (¬1). 1783 - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اللهم إنى أعوذ بك من شر ما عملت، وشر ما لم أعمل". قلت: رواه مسلم في الدعوات وأبو داود والنسائي وابن ماجه كلهم في الصلاة من حديث عائشه ولم يخرجه البخاري. (¬2) قيل ومعنى: "شر ما لم أعمل"، الاستعاذة من أن يعمل في المستقبل ما لا يرضاه الله ويجوز أن يكون إستعاذة المرء من شر ما يكتب عليه وينسب إليه ولم يعمله وكل هذا تعليم لنا. 1784 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تُضلني، أنت الحي القيوم الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون". قلت: رواه البخاري في التوحيد ومسلم في الدعوات والنسائي في النعوت كلهم من حديث ابن عباس. (¬3) ومعنى "لك أسلمت وبك آمنت": لك انقدت وبك صدقت، "وإليك أنبت": أي أقبلت بهمتي وأعرضت عما سواك، "وبك خاصمت": أي بك أحتج وأدافع وأقاتل. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2739)، وأبو داود (1545). (¬2) أخرجه مسلم (2716)، والنسائي (3/ 56)، وابن ماجه (3839). (¬3) أخرجه البخاري (6317)، ومسلم (2717). (¬4) المنهاج للنووي (17/ 61).

من الحسان

من الحسان 1785 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الأربع: من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعاء لا يسمع". قلت: رواه أبو داود في الصلاة والنسائي في الاستعاذة وابن ماجه في الدعوات ثلاثتهم من حديث عباد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة. ورواه الترمذي في الدعوات من حديث زهير بن الأرقم عن عبد الله بن عمرو بن العاص يرفعه، وقال: حسن غريب من هذا الوجه، وأخرج مسلم في صحيحه من حديث زيد بن أرقم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنحوه أتم منه وأطول، فلو اقتصر المصنف عليه كان أتم. (¬1) 1786 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يتعوذ من خمس: من الجبن، والبخل، وسوء العمر، وفتنة الصدر، وعذاب القبر". قلت: رواه أبو داود في الصلاة والنسائي في الاستعاذة وابن ماجه في الدعاء من حديث عمر بن الخطاب وسكت عليه أبو داود. (¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم -: وفتنة الصدر، هو بفتح الصاد وسكون الدال المهملتين قيل ما ينطوي عليه الصدر من حسد وغل وخلق سيء وعقيدة غير مرضية. 1787 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقِلّة والذلة، وأعوذ بك من أن أظلم أو أظلم". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1548)؛ والنسائي (8/ 263)، وابن ماجه (3837)، والترمذي (3482). ورواية مسلم: أخرجها مسلم (2722). (¬2) أخرجه أبو داود (1539)، والنسائي (8/ 255)، وابن ماجه (3844). وإسناده صحيح.

قلت: رواه أبو داود في الصلاة والنسائي في الاستعاذة كلاهما من حديث سعيد بن يسار عن أبي هريرة وسكت عليه أبو داود ولم يعترضه المنذري، ورواه ابن ماجه في الدعاء من حديث جعفر بن عياض عن أبي هريرة يرفعه بمثل معناه. (¬1) 1788 - وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق". قلت: روه أبو داود في الصلاة والنسائي في الاستعاذة من حديث أبي هريرة وفي إسناده بقية بن الوليد ودويد بن نافع وفيهما مقال. (¬2) والشقاق: المراد به الخلاف لأن كل واحد منهما يكون في شق أي ناحية، والشقاق: العداوة قال تعالى: {فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} [ص: 2] قاله الهروي. (¬3) 1789 - وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الجوع وإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة". قلت: رواه أبو داود في الصلاة والنسائي في الاستعاذة من حديث أبي هريرة، وفي إسناده محمد بن عجلان وخرج له مسلم ثلاثة عشر حديثًا كلها في الشواهد. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1544) , والنسائي (8/ 261)، وابن ماجه (3842) وإسناده ضعيف وذلك لجهالة جعفر بن عياض قال عنه الحافظ في "التقريب" مقبول (ت 957). ولكن الحديث صحيح من رواية إسحاق بن عبد الله عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة أخرجه أحمد (2/ 305)، وأبو داود (1544)، والنسائي (8/ 261). (¬2) أخرجه أبو داود (1546)، والنسائي (8/ 264). وفي إسناده بقية بن الوليد وهو صدوق كثير التدليس عن الضعفاء التقريب (741) وكذلك دويد بن نافع قال الحافظ مقبول وكان يرسل (التقريب 1841). (¬3) الغريبين للهروي (3/ 282). (¬4) أخرجه أبو داود (1547)، والنسائي (8/ 263).

والجوع: لما كان يلازم صاحبه في المضجع قيل له ضجيع، والخيانة ضد الأمانة. 1790 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من البرص، والجذام، والجنون، ومن سيء الأسقام". قلت: رواه أبو داود في الصلاة والنسائي في الاستعاذة من حديث أنس ولم يضعفه أبو داود فهو صالح. (¬1) 1791 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء". قلت: رواه الترمذي في الدعوات من حديث قطبة بن مالك الثعلبي وقال: حسن غريب. (¬2) 1792 - قلت: يا نبي الله علمني تعويذًا أتعوّذ به، قال: "قل أعوذ بك من شر سمعي، وشر بصري، وشر لساني، وشر قلبي، وشر مَنّيي". قلت: رواه أبو داود في الصلاة والترمذي في الدعوات والنسائي في الاستعاذة من حديث شتير بن شكل عن أبيه، وقال الترمذي: حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه (¬3)، انتهى كلامه. وشكل بن حميد له صحبة سكن الكوفة ولم يرو عنه غير ابنه شتير بن شكل وذكر له أبو القاسم البغوي هذا الحديث وقال: ولا أعلم له غيره. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1554)، والنسائي (8/ 270)، والحاكم (1/ 530) وقال: على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. (¬2) أخرجه الترمذي (3591). (¬3) أخرجه أبو داود (1551)، والترمذي (3492)، والنسائي (8/ 255).

وشتير: بضم الشين المعجمة وفتح التاء ثالثة الحروف وسكون الياء آخر الحروف وبعدها راء مهملة وشكل بفتح الشين المعجمة وبعدها كاف مفتوحة أيضًا ولام والحديث صالح. (¬1) 1793 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو: "اللهم إني أعوذ بك من الهدم، وأعوذ بك من التردّي، ومن الغرق والحرق والهرم، وأعوذ بك من أن يتخبطني الشيطان عند الموت، وأعوذ بك من أن أموت في سبيلك مدبرًا، وأعوذ بك من أن أموت لديغًا". وزيد في بعض الروايات: "والغم". قلت: رواه أبو داود في الصلاة والنسائي في الاستعاذة من حديث أبي اليسر (¬2) واسمه كعب بن عمرو بن عباد أبو اليسر بفتح الياء آخر الحروف وبعدها شين مهملة مفتوحة وراء مهملة، والرواية التي أشار إليها الشيخ زادها في بعض الروايات. (¬3) والإستعاذة من تخبط الشيطان عند الموت، هو أن يستولي الشيطان عليه عند قرب مفارقته للدنيا فيضله، ويحول بينه وبين التوبة، أو يعوقه عن الخروج من مظلمة تكون عنده، أو يؤسفه على الحياة فلا يرضى بما قضاه الله عليه، أو نحو ذلك فيختم له بسوء، أو يلقى الله وهو ساخط. واللديغ: بالدال المهملة والغين المعجمة هو الملدوغ فعيل بمعنى مفعول. 1794 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "استعيذوا بالله من طَمَع يهدي إلى طَبَع". ¬

_ (¬1) وشكل بن حميد العَبْسي: صحابي نزل الكوفة وله حديث "التقريب" (2836)، والإصابة (3/ 353) وشُتير: قال الحافظ عنه ثقة "التقريب" (2762). (¬2) أخرجه أبو داود (1552)، والنسائي (8/ 283). وإسناده ضعيف لاضطرابه، فقد اختلف فيه على عبد الله بن سعيد بن أبي هند. انظر: العلل لابن أبي حاتم (2085). (¬3) أخرجها أحمد (3/ 427)، والحاكم (1/ 531)، وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.

قلت: رواه الإمام أحمد من حديث الوليد بن عبد الرحمن عن جبير بن نفير عن معاذ يرفعه ولفظه: "استعيذوا بالله من طمع يهدي إلى طبع، ومِنْ طمع يهدي إلى غير مَطْمَع، ومِنْ طَمَع حيث لا طَمَعَ". (¬1) قال في النهاية (¬2): والطبع بالتحريك، الدنس، وأصله الوسخ والدنس السيف يقال طبع السيف مطبع طبعًا ثم استعمل فيما نسبه ذلك من الأوزار والآثام وغيرهما قوله: يهدي إلى طبع، أي يؤدي إلى شين وعيب، قال: وكأنهم يرون أن الطبع هو الران قال مجاهد (¬3) الران أيسر من الطبع والطبع أيسر من الإقفال والإقفال أشد ذلك كله وهو إشارة إلى قوله تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [المطففين: 13] وقوله تعالى {طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [النحل: 108] وقوله تعالى: {أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24]. 1795 - أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - بيدي فنظر إلى القمر فقال: "يا عائشة استعيذي بالله {مِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} هذا غاسق إذا وقب". قلت: رواه الترمذي في التفسير وفي الدعوات والنسائي في اليوم والليلة من حديث عائشة وقال الترمذي: حسن صحيح (¬4). والغاسق: بالغين المعجمة والسين المهملة وهو القمر، ووقب: دخل، والوقوب: الدخول يريد القمر إذا دخل موضعه. 1796 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي: "يا حصين لو أسلمت علمتك كلمتين تنفعانك" فلما أسلم قال، "قل: اللهم ألهمني رشدي، وأَعِذْني من شرّ نفسي". ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (5/ 232). وإسناده ضعيف، فيه عبد الله بن عامر الأسلمي (يروي عن الوليد بن عبد الرحمن) وهو ضعيف قاله الحافظ في التقريب (3428). وانظر: مسند الشاشي (1365). (¬2) النهاية (3/ 112). (¬3) الطبري (1/ 112). (¬4) أخرجه الترمذي (3366)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (305).

قلت: رواه الترمذي في الدعوات من حديث عمران بن حصين وقال: حسن غريب. (¬1) والرشد: خلاف الغي. 1797 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعلمهم من الفزع: "أعوذ بكلمات الله التامة، من غضبه وعقابه وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون". قلت: رواه أبو داود في الطب والترمذي في الدعوات والنسائي في "اليوم والليلة" جميعًا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وبقيته: وكان عبد الله بن عمرو يعلمهن من عَقَل من بنيه، ومن لم يعقل كتبه وعلقه عليه، وقال الترمذي: حسن غريب، ورواه مالك في التعوذ، آخر الموطأ، عن يحيى بن سعيد بلغني أن خالد بن الوليد قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني أروع في منامي، فقال: قل أعوذ بكلمات الله التامة ... الحديث. (¬2) وهمزات الشياطين: أي نزغات الشياطين الشاغلة عن ذكر الله وهي خطراته التي يخطرها بقلب الإنسان. 1798 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من سأل الله الجنة ثلاث مرات، قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، ومن استجار من النار ثلاث مرات، قالت النار: اللهم أجره من النار". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3483). وفي المطبوع من سنن الترمذي (5/ 468)، وفي تحفة الأشراف (8/ 175): "هذا حديث غريب، وقد روي هذا الحديث عن عمران بن حصين من غير هذا الوجه". وفيه شبيب بن شيبة وهو ضعيف وفيه كذلك الحسن البصري وهو مدلس وقد عنعن، والجملة الأخيرة قد جاءت بطريق آخر عند أحمد (4/ 444) بسند صحيح. (¬2) أخرجه أبو داود (3893)، والترمذي (3528)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (765)، وفي إسناده محمد بن إسحاق وهو مدلس وقد عنعن، ومالك في الموطأ (2/ 950).

باب جامع الدعاء

قلت: رواه الترمذي في صفة الجنة والنسائي في الاستعاذة وفي "اليوم والليلة" وابن ماجه في الزهد من حديث يزيد بن أبي مريم عن أنس يرفعه. (¬1) باب جامع الدعاء من الصحاح 1799 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو: "اللهم اغفر لي خطيئتي، وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير". قلت: رواه الشيخان في الدعوات من حديث أبي موسى. (¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم -: وكل ذلك عندي أي أنا متصف بهذه الأشياء فاغفر لها لي، قيل: قاله تواضعًا, وقيل: أراد ما كان سهوًا، وقيل: ما كان قبل النبوة، وعلى كل حال فهو - صلى الله عليه وسلم - مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فدعا بهذا تواضعًا، ولأن الدعاء عبادة، والظاهر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك تعليمًا لنا. قوله: أنت المقدم وأنت المؤخر: يقدم من يشاء من خلقه إلى رحمته بتوفيقه ويؤخر من يشاء عن ذلك لخذلانه. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2572)، والنسائي (8/ 279)، وفي عمل اليوم والليلة (110)، وابن ماجه (4340)، وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه البخاري (6399)، ومسلم (2719).

1800 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر". قلت: رواه مسلم في الدعوات من حديث أبي صالح ولم يخرجه البخاري. (¬1) 1801 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول: "اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى". قلت: رواه مسلم والترمذي وابن ماجه ثلاثتهم في الدعوات من حديث عبد الله بن مسعود. (¬2) والعفاف: هو التنزه عما لا يباح، والكف والغنى هنا غنى النفس والاستغناء عن الناس وعما في أيديهم. 1802 - قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قل اللهم اهدني وسددني، واذكر بالهدى: هدايتك الطريق، والسداد: سداد السهم". قلت: رواه مسلم في الدعوات وأبو داود في الخاتم في حديث طويل والنسائي في الزينة كذلك ثلاثتهم من حديث علي بن أبي طالب. (¬3) والسداد: سداد السهم هو بفتح السين، وسداد السهم تقويمه، والسداد: بالكسر اسم كل شيء، سددت به خللًا ومعنى سددني: وفقني واجعلني مصيبًا في جميع أموري. ومعنى اذكر بالهدى هدايتك الطريق والسداد سداد السهم: أي تذكر ذلك في حال دعائك بهذين اللفظين، لأن هادي الطريق لا يزيغ عنه ومسدد السهم يحافظ على تقويمه، ولا يستقيم رميه حتى يقومه، فكذا الداعي ينبغي أن يحرص على تسديد عمله وتقويمه ولزومه السنة، وقيل ليذكر بهذا اللفظ السداد والهدى لئلا ينساه. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2729). (¬2) أخرجه مسلم (2721)، والترمذي (3489)، وابن ماجه (3832). (¬3) أخرجه مسلم (2725)، وأبو داود (4225)، والنسائي (8/ 219).

من الحسان

1803 - كان الرجل إذا أسلم علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة ثم أمره أن يدعو بهؤلاء الكلمات: "اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وعافني، وارزقني". قلت: رواه مسلم وابن ماجه كلاهما في الدعوات من حديث طارق بن أشيم والدأبي مالك ولم يخرجه البخاري، ولا أخرج في كتابه عن طارق شيئًا. (¬1) 1804 - كان أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} ". قلت: رواه البخاري في التفسير ومسلم في الدعوات والنسائي في "اليوم والليلة" وأبو داود في الصلاة من حديث أنس بن مالك. (¬2) من الحسان 1805 - كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو يقول: "ربّ أعني ولا تعن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وامكر لي ولا تمكر عليّ، واهدني ويسّر الهدى لي، وانصرني على من بغى عليّ، رب اجعلني لك شاكرًا، لك ذاكرًا، لك راهبًا، لك مطواعًا، لك مخبتًا، إليك أواهًا منيبًا رب تقبل توبتي، واغسل حَوْبتي، وأجب دعوتي، وثبّت حجتي، وسدد لساني، واهد قلبي، واسلل سخيمة صدري". قلت: رواه أبو داود في الصلاة والترمذي وابن ماجه كلاهما في الدعوات والنسائي في "اليوم والليلة" من حديث ابن عباس. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2697)، وابن ماجه (3845)، وأبو مالك هو: سعد بن طارق، أبو مالك الأشجعي الكوفي، وهو ثقة، التقريب (2253). (¬2) أخرجه البخاري (6389)، ومسلم (2690)، وأبو داود (1519)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (1054). (¬3) أخرجه أبو داود (1510)، والترمذي (3551)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (607)، وابن ماجه (3830)، وقال الترمذي: "حسن صحيح" وصححه الحاكم (1/ 520)، ووافقه الذهبي.

قال الأزهري (¬1): المكر من الخلائق خبّ وخداع، ومن الله تعالى مجازاة للماكر، ويجوز أن يكون إستدراجه إياه من حيث لا يعلم مكره وقال غيره: امكر لي ولا تمكر علي، مكر الله إيقاع بلائه بأعدائه دون أوليائه، وقيل: هو استدراج العبد بالطاعات فيتوهم أنها مقبولة وهي مردودة، المعنى الحق مكرك بأعدائي لا لي، قوله: لك راهبًا، يقال رهب -بكسر الهاء- فهو راهب أي خائف، والرهبة الخوف. والإخبات: بالخاء المعجمة والباء الموحدة وبالألف والمثناة من فوق، الخشوع والتواضع، وآواها: بتشديد الواو المفتوحة وهو المتأوه المتضرع، وقيل: هو الكثير البكاء، وقيل: الكثير الدعاء، ومنيبًا: بضم الميم، يقال: أناب إلى الله، أقبل وتاب. وحوبتي: بالحاء المهملة أي إثمي، ومنه الحديث: اغفر لنا حوبنا، قال في النهاية (¬2): وتفتح الحاء وتضم وقيل الفتح لغة الحجاز والضم لغة تميم. ومعنى: وثبت حجتي، أي ثبت إيماني، وقولي في الدنيا وعند جواب الملكين في القبر، قوله - صلى الله عليه وسلم -: واسلل سخيمة صدري، أما اسلل: فبسين مهملة ولامين ومعناه: أخرج، وأما سخيمة: فبفتح السين المهملة وكسر الخاء العجمة ثم بياء مثناة من تحت ساكنة وبعدها ميم مفتوحة وتاء تأنيث وهي الحقد والحسد، وإضافتها إلى الصدر إضافة الشيء إلى محله، والمعنى: أخرج من صدري ما ينشأ عنه ويستولي عليه من مساوئ الأخلاق، وهذا منه - صلى الله عليه وسلم - تعليم لأمته وعبودية لله تعالى فإنه - صلى الله عليه وسلم - مغفور له، مبرأ عن كل ذنب مطلقًا، من الصغائر والكبائر هذا معتقدنا والله أعلم. 1806 - قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر ثم بكى فقال: "سلوا الله العفو والعافية فإن أحدًا لم يعط بعد اليقين خيرًا من العافية". (غريب). قلت: رواه الترمذي في الدعوات من حديث أبي بكر وقال: حديث حسن غريب. (¬3) ¬

_ (¬1) تهذيب اللغة للأزهري (10/ 240). (¬2) النهاية (1/ 455). (¬3) أخرجه الترمذي (3558).

1807 - أن رجلًا قال: يا رسول الله أي الدعاء أفضل؟ قال: "سل ربك العافية والمعافاة في الدنيا والآخرة، فإذا أعطيت العافية في الدنيا والآخرة فقد أفلحت". (غريب). قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في الدعوات من حديث سلمة بن وردان عن أنس وقال الترمذي: حسن، إنما نعرفه من حديث سلمة بن (¬1) وردان انتهى. وسلمة بن ورد ضعفه أحمد. 1808 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول في دعائه: "اللهم ارزقني حبك وحب من ينفعني حبه عندك، اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب، اللهم ما زَوَيت عني مما أحب فاجعله فراغًا لي فيما تحب". قلت: رواه الترمذي في الدعوات من حديث عبد الله بن يزيد الخطمي -بالخاء المعجمة والطاء المهملة والميم المكسورة والياء آخر الحروف- وقال: حسن غريب. (¬2) وزويت عني: أي صرفته عني وقبضته. 1809 - قَلّما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه: "اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا غاية رغبتنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا". (غريب). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3512)، وابن ماجه (3848) وإسناده ضعيف، فيه سلمة بن وردان قال عنه الحافظ: ضعيف، التقريب (2527) وقال الإمام أحمد: منكر الحديث برقم = = (1430)، برقم (2058)، وقال: ضعيف، برقم (3481) من كتابه العلل ومعرفة الرجال. وانظر: الضعفاء للنسائي (293). (¬2) أخرجه الترمذي (3491).

قلت: رواه الترمذي في الدعوات والنسائي في "اليوم والليلة" وقال الترمذي: حسن انتهى (¬1) وفي سنده عبيد الله بن زحر الإفريقي مختلف فيه، وله مناكير ضعفه أحمد وقال النسائي: لا بأس به. (¬2) قوله: واجعله الوارث منا، الضمير عائد على الامتاع أي اتق ذلك إلى الموت، وقيل: أراد استمرار الامتاع بذلك عند الكبر وإخلال القوي النفسانية. قوله: واجعل ثأرنا على من ظلمنا، هو بالثاء الثلثة، والأصل في الثأر الحقد والعداوة يقال: ثارت القتيل بالقتيل أي قتلت قاتله، ومعنى هذا: إجعل إدراك ثأرنا على من ظلمنا، فندرك منهم ثأرنا، قوله: وانصرنا على من عادانا، أفاد ما لم يفده، قوله: واجعل ثأرنا على من ظلمنا، لأن العدو قد يصل إلى الظلم وقد لا يصل إليه، ومن ظلم قد يكون عدوًا وقد لا يكون عدوًا. 1810 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اللهم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني، وزدني علمًا، الحمد لله على كل حال، وأعوذ بالله من حال أهل النار". (غريب). قلت: رواه الترمذي في الدعوات وابن ماجه في السنة (¬3) وفي الدعاء، وقال الترمذي: غريب انتهى، وفي سنده موسى بن عبيدة عن محمد بن ثابت عن أبي ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3502)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (401)، والبغوي في شرح السنة (1374)، وانظر: صحيح الترمذي (2783). (¬2) وفي سنده عبيد الله بن زحر قال الحافظ: صدوق يخطىء التقريب (4319)، وانظر: بحر الدم لابن عبد الهادي رقم (659) وصرح بأنه ضعفه أحمد في رواية حرب بن إسماعيل الكرماني، ونقله عنه كذلك ابن أبي حاتم في الجرح (5/ 315)، والضعفاء للنسائي (327)، وميزان الاعتدال (3/ 7). (¬3) أخرجه الترمذي (3599)، وابن ماجه (3833). وفي سنده موسى بن عبيدة وهو الربذي قال الحافظ: ضعيف التقريب (7038)، ومحمد بن ثابت عن أبي هريرة مجهول كما قال الحافظ في التقريب (5809). انظر: قول الذهبي في الكاشف (2/ 161 رقم 4757).

هريرة، وموسى هذا قال النسائي وغيره: ضعيف وأما محمد بن ثابت فلم يرو عنه غير موسى بن عبيدة قال الذهبي: يُجهل. 1811 - قال: كان النبي الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أنزل عليه الوحي سمع عند وجهه دويٌّ كدوي النحل، فأنزل الله إليه يومًا، فمكثنا ساعة فسُري عنه فاستقبل القبلة فرفع يديه وقال: "اللهم زدنا ولا تنقصنا وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا ثؤثر علينا، وارضنا وارض عنا، ثم قال: أنزل الله علي عشر آيات، من أقامهن دخل الجنة"، ثم قرأ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)} [المؤمنون: 1] حتى ختم عشر آيات". قلت: رواه الترمذي في التفسير والنسائي في الصلاة (¬1) كلاهما من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال النسائي: هذا حديث منكر لا نعلم أحدًا رواه غير يونس بن سليم ويونس لا نعرفه، انتهى. والحديث ضعيف. قوله: سمع عند وجهه دوي كدوي النحل: أي سمع من جانب وجهه صوت خفي كدوي النحل، قوله: فسُرّي عنه بضم السين وتشديد الراء المكسورة المهملتين أي كشف عنه وزال ما اعتراه من برحاء الوحي. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3173)، والنسائي (1439). وإسناده منكر، ويونس بن سليم الصنعاني قال الحافظ في التقريب: مجهول. (ت 7962)، وقال في تهذيب التهذيب (11/ 386)، قال النسائي: هذا حديث منكر.

كتاب المناسك

كتاب المناسك المناسك: جمع منسك، بفتح السين وكسرها وهو المتعَبّد ويقع على المصدر والزمان والمكان، ثم سميت أمور الحج كلها مناسك قاله ابن الأثير (¬1). من الصحاح 1812 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيها الناس: قد فرض الله عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثًا، فقال لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم". قلت: رواه مسلم والنسائي هنا من حديث أبي هريرة. (¬2) والحج بفتح الحاء وكسرها، وهو في اللغة: القصد، وفي الشرع: قصد البيت على الوجه المخصوص في الزمان المخصوص. وهذا الرجل السائل هو: الأقرع بن حابس جاء مبينًا في بعض طرق الحديث. وانتصب: كل عام، بفعل محذوف دل عليه حجوا، تقديره: الحج كل عام، وفيه دليل على أن مجرد الأمر لا يفيد التكرار ولا المرة، وإلا لما صح الاستفهام. وفي المسألة مذاهب: أحدها: هذا، وهو التوقف فيما زاد على المرة على البيان، والثاني: يقتضي التكرار، والثالث: وهو الصحيح عندنا لا يقتضيه له، وفي الحديث دليل على أنه كان له - صلى الله عليه وسلم - الاجتهاد لقوله: لو قلت نعم لوجبت. (¬3) ¬

_ (¬1) النهاية لابن الأثير (5/ 48). (¬2) أخرجه مسلم (1337)، والنسائي (5/ 110). (¬3) المنهاج للنووي (9/ 144 - 145).

1813 - سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله" قيل: ثم ماذا؟ قال: "الجهاد في سبيل الله"، قيل ثم ماذا؟ قال: "حج مبرور". قلت: رواه الشيخان في الإيمان، وترجم عليه البخاري: باب من قال: أن الإيمان هو العمل لقول الله عز وجل {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72)} [الزخرف: 72]، والنسائي فيه مختصرًا كلهم من حديث أبي هريرة. (¬1) والحج المبرور: هو الذي لا يخالطه إثم، وقيل هو المقبول. 1814 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه". قلت: رواه الشيخان في الحج من حديث أبي هريرة. (¬2) ويرفث: بضم الفاء وبالثاء المثلثة من الرفث، وهو التصريح بذكر الجماع والإعراب به، وقال الأزهري (¬3): هو كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة، وقيل: لابن عباس حين أنشد شعرًا فيه ذكر النساء وهو محرم، أتقول الرفث وأنت محرم؟ فقال: إنما الرفث ما روجع به النساء فكان رضي الله عنه يرى الرفث المنهي عنه ما خوطبت به المرأة. 1815 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة". قلت: رواه الجماعة إلا أبا داود، رووه في الحج من حديث أبي هريرة. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (26)، ومسلم (83)، والنسائي (6/ 19). (¬2) أخرجه البخاري (1773)، ومسلم (1349). (¬3) تهذيب اللغة للأزهري (15/ 77 - 78)، والغريبين للهروي (3/ 1 - 2). (¬4) أخرجه البخاري (1773)، ومسلم (1349)، والترمذي (933)، والنسائي (5/ 112)، وابن ماجه (2888).

وفيه دليل على استحباب تكرار العمرة في السنة الواحدة مرارًا وقال مالك: يكره أن يعتمر في السنة الواحدة أكثر من مرة. وقد اختلفوا في وجوب العمرة: فذهب الشافعي والجمهور إلى وجوبها، وقال مالك وأبو حنيفة: هي سنة وليست بواجبة. (¬1) 1816 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن عمرة في رمضان تعدل حجة". قلت: رواه الشيخان والنسائي هنا من حديث ابن عباس. (¬2) 1817 - إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقي ركبًا بالروحاء فرفعت إليه امرأة صبيًّا فقالت: ألهذا حج؟ قال: "نعم، ولك أجر". قلت: رواه الشافعي ومسلم وأبو داود والنسائي كلهم هنا من حديث ابن عباس. (¬3) والروحاء: بفتح الحاء المهملة وسكون الواو وبعدها حاء مهملة ثم ألف ممدودة مكان على ستة وثلاثين ميلًا من المدينة. (¬4) وهذا الحديث حجة لمن ذهب إلى أن حج الصبي منعقد صحيح، يثاب عليه، وإن كان لا يجزئه عن حجة الإسلام، وأما الولي الذي يحرم عنه، فالصحيح عند أصحابنا أنه الذي يلي ماله هذا إذا كان غير مميز، فإن كان مميزًا، أذن له الولي فأحرم، فإن أحرم بغير إذن الولي، أو أحرم الولي عنه لم ينعقد على الأصح، وصفة إحرام الولي عن غير المميز أن يقول بقلبه جعلته محرمًا. ¬

_ (¬1) المنهاج للنووي (5/ 167 - 168). (¬2) أخرجه البخاري (1782)، ومسلم (1256)، وأبو داود (1990)، وابن ماجه = = (2993)، والنسائي (4/ 130، 131). (¬3) أخرجه مسلم (1336)، والشافعي (1/ 283)، وأبو داود (1736)، والنسائي (5/ 120). (¬4) انظر: المغانم المطابة في معالم طابة للفيروزآبادي (ص 160 - 162).

1818 - أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله! إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: "نعم"، وذلك في حجة الوداع. قلت: رواه الشافعي والشيخان وأبو داود والنسائي هنا من حديث ابن عباس يرفعه (¬1) وأخرجه أيضًا الشافعي والشيخان والترمذي والنسائي من حديث عبد الله بن عباس عن الفضل بن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2) قال الترمذي: ورُوي عن ابن عباس عن حصين بن عوف المزني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3) وروي عن ابن عباس عن سنان بن عبد الله الجهني عن عمته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬4) وروي عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال البخاري: ويحتمل أن يكون ابن عباس سمعه من الفضل وغيره، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم روى هذا، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأرسله، ولم يذكر الذي سمعه منه، قال الترمذي: وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا غير حديث. وفي الحديث دليل على وجوب الحج على من هو عاجز بنفسه مستطيع بغيره لأنها قالت: إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا لا يثبت على الراحلة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1513)، ومسلم (1334)، والشافعي (1/ رقم 993)، وأبو داود (1809)، والنسائي (5/ 118 - 119). (¬2) أخرجه الشافعي (1/ 994)، والبخاري (1853)، ومسلم (1335)، والترمذي (928)، وابن ماجه (2909)، والنسائي (8/ 227 - 228). وقال الترمذي: "حديث الفضل بن عباس حديث حسن صحيح". (¬3) أخرجه ابن ماجه (2908). وإسناده ضعيف لضعف محمد بن كريب مولى ابن عباس وأورده المزي في تهذيب الكمال (26/ 339)، وقال الحافظ في التقريب: ضعيف ت (6296). (¬4) انظر: ما قاله صاحب تحفة الأحوذي (3/ 676) في التعقيب على العيني الذي رد على الترمذي بأنه لم يجد حديثًا بهذا الإسناد.

1819 - قال وقال رجل: إن أختي نذرت أن تحج وإنها ماتت، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو كان عليها دين أكنت قاضيه؟ " قال: نعم، قال: "فاقض دَيْن الله، فهو أحق بالقضاء". قلت: رواه الشيخان والنسائي هنا من حديث ابن عباس. (¬1) 1820 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يخلون رجل بامرأة، ولا تسافرن امرأة إلا ومعها محرم، فقال رجل: يا رسول الله! اكتتبت في غزوة كذا وكذا، وخرجت امرأتي حاجة، قال: "اذهب فاحجج مع امرأتك". قلت: رواه الشيخان هنا من حديث ابن عباس. (¬2) وفي هذا الحديث دليل على: أن المرأة لا تسافر إلا ومعها محرم، أو زوج، سواء طال السفر أو قصر، وأجمعت الأمة على وجوب الحج على المرأة إذا استطاعت، واختلفوا في اشتراط المحرم لها: فأبو حنيفة يشرطه في وجوب الحج عليها، ووافقه جماعات من العلماء، وذهب مالك والشافعي في المشهور عنه إلى عدم اشتراط المحرم، بل يشترط الأمن على نفسها، قال أصحاب الشافعي: يحصل الأمن بزوج أو محرم أو نسوة ثقات، ولا يلزمها الحج عندنا إلا بأحد هذه الأمور الثلاثة، فلو وجدت امرأة واحدة لم يلزمها، لكن يجوز لها الحج. واختلف أصحابنا في خروجها لحج التطوع وسفر التجارة وما ليس بسفر واجب، فقال الجمهور: لا يجوز إلا مع زوج أو محرم، ولا يجوز مع نسوة، واتفق العلماء على أنه يجوز لها أن تهاجر إلى دار الإسلام وإن لم يكن معها، قال بعض الفقهاء هذا عندي في الشابة، أما الكبيرة غير المشتهاة فتسافر كيف شاءت في كل الأسفار بلا زوج ولا ¬

_ (¬1) البخاري (6699)، والنسائي (5/ 116). تنبيه: لم يخرجه مسلم فلفظ الحديث عنده "إن أمي ماتت وعليها صوم شهر" برقم (1148). (¬2) أخرجه البخاري (3006)، ومسلم (1341).

محرم، وهذا لا نوافق عليه لأن المرأة مظنة الطمع والشهوة ولو كانت كبيرة، ولكل ساقطة لاقطة. 1821 - استأذنت النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجهاد فقال: "جهادكن الحج". قلت: رواه الشيخان هنا من حديث عائشة. (¬1) 1822 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسافر امرأة مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم". قلت: رواه البخاري في تقصير الصلاة ومسلم في الحج كلاهما من حديث أبي هريرة وفي بعض روايات مسلم: مسيرة ليلة، وفي بعضها: أن تسافر ثلاثًا، ولم يخرج البخاري إلا حديث يوم وليلة وفي رواية لأبي داود: بريدًا، ورواها الحاكم في المستدرك. (¬2) 1823 - وقّت رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجدٍ: قرن المنازل، ولأهل اليمن: يلملم، "فهنّ لهنّ ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهن، لمن كان يريد الحج والعمرة، فمن كان دونهن، فمُهَلّه من أهله، وكذلك حتى أهل مكة يُهِلّون منها". قلت: رواه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي هنا من حديث ابن عباس. (¬3) وذا الحليفة: بضم الحاء المهملة وفتح اللام وبالفاء على نحو ستة أميال من المدينة الشريفة، ومن مكة نحو عشرة مراحل. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2875) (2876)، ولم يخرجه مسلم ولم يعزه إليه المزي في تحفة الأشراف (12/ 402). (¬2) أخرجه البخاري (1088)، ومسلم (1339)، وأبو داود (1725)، والحاكم (1/ 442). (¬3) أخرجه البخاري (1526)، ومسلم (1181)، وأبو داود (1738)، والنسائي (5/ 126)، وأحمد (1/ 2128).

والجحفة: بجيم مضمومة ثم حاء مهملة ساكنة ثم بالفاء، كانت قرية كبيرة على نحو سبع مراحل من المدينة، وثلاث من مكة، سميت الجحفة لأن السيل أجحفها وحمل أهلها، ويقال لها: مهيعة بفتح الميم وإسكان الهاء. وقرن المنازل: بفتح القاف وسكون الراء بلا خلاف، وغلطوا الجوهري (¬1) في فتحها وفي أن أويسًا القرني منسوب إليها، وإنما هو منسوب إلى بني قرن بطن من مراد وقرن المنازل على مرحلتين من مكة. ويلملم: بفتح الياء واللامين وإسكان الميم بينهما، وهو على نحو مرحلتين من مكة، قوله: فمهلة هو بضم الميم وفتح الهاء وتشديد اللام أي موضع إهلاله، والإهلال: رفع الصوت بالتلبية، وإهلال الهلال واستهلاله: هو رفع الصوت بالتكبير عند رؤيته. قوله: فمن كان يريد الحج والعمرة، فيه دليل للمذهب الصحيح وهو أن من مر بالميقات لا يلزمه أن يحرم، إلا أن يكون أراد الحج أو العمرة، قوله - صلى الله عليه وسلم -: فمن كان دونهن فمهلة من أهله، وقد ذكر أن هذا لفظ البخاري وأما لفظ مسلم فقال: وكذا فكذلك وكلاهما صحيح، ومعناه: وهكذا فهكذا من جاوز مسكنه الميقات حتى أهل مكة يهلون منها. وفي هذا الحديث دليل على: أن المكي يحرم من نفس مكة وهذا محمول على ميقات الحج، أما العمرة فيلزم المحرم به أن يخرج إلى أدنى الحل، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عائشة حين أرادت أن تعتمر بعد التحلل من الحج أن تخرج إلى الحل فتحرم منه، والمعنى فيه: هو لأن يجمع المعتمر بين الحل والحرم، وأما الحاج فوقوفه بعرفة هو جامع بينهما إذ عرفة في الحل. 1824 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مُهَلّ أهل المدينة من ذي الحليفة، والطريق الآخر الجحفة، ومهل أهل العراق من ذات عرق، ومهل أهل نجد قرن، ومهل أهل اليمن ¬

_ (¬1) الصحاح للجوهري (6).

يلملم". قلت: رواه مسلم هنا من حديث أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن المهل؟ فقال: سمعت أحسبه رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورواه أحمد وابن ماجه ورفعاه من غير شك، والنص بتوقيت ذات عرق ليس في القوة كغيره، فإن ثبت فليس ببعيد وقوع اجتهاد عمر على وقفه. (¬1) وهذا الحديث لما لم يثبت عند الشافعي، نص في الأم على أن عمر اجتهد فوقت لأهل العراق ذات عرق، فهو عنده ليس بنص من جهة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما هو من اجتهاد عمر كما جاء في صحيح البخاري. وذات عرق: بكسر العين المهملة على مرحلتين من مكة، قال الشافعي: ولو أهلو من العقيق كان أفضل. والعقيق: أبعد من ذات عرق بقليل، فاستحبه الشافعي لأثر فيه، ولأنه قيل: إن ذات عرق كانت أولًا في موضعه ثم حولت وقربت إلى مكة. 1825 - اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي كانت مع حجته عمرة من الحديبية في ذي القعدة، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة، وعمرة من الجعرانة، حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة وعمرة مع حجته. قلت: رواه الشيخان وأبو داود وكذلك الترمذي بمثل معناه، ولم يقل كلهن في ذي القعدة من حديث أنس بن مالك. (¬2) قوله: في ذي القعدة، هو بفتح القاف وحكى فيها الكسر وسمي بذلك لأنهم يقعدون فيه عن القتال لكونه من الأشهر الحرم. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1183)، وأحمد (2/ 9)، وابن ماجه (2915). (¬2) أخرجه البخاري (4148)، ومسلم (1253)، والترمذي (815)، وأبو داود (1994). انظر للتفصيل حول عمر الرسول - صلى الله عليه وسلم -: أجوبة ابن سيد الناس بتحقيقنا.

من الحسان

والحديبية: بضم الحاء وفتح الدال المهملتين ثم بالياء المثناة من تحت ثم بالباء الموحدة المكسورة وبعد ياء مثناة من تحت مفتوحة مخففة، وكثير من المحدثين يشددونها، وهي قرية قريبة من مكة سميت ببئر هناك. والجعرانة: بكسر الجيم وتسكين العين المهملة والتخفيف وقد تكسر وتشدد الراء وهي موضع قريب من مكة في الحل. 1826 - اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذي القعدة الحرام قبل أن يحج مرتين. قلت: رواه البخاري هنا من حديث البراء بن عازب ولم يخرج مسلم عن البراء في هذا شيئًا. (¬1) من الحسان 1827 - قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: "يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج"، فقام الأقرع بن حابس، فقال: أفي كل عام يا رسول الله؟ قال: "لو قلتها لوجبت، ولو وجبت لم تعملوا بها ولم تستطيعوا، الحج مرة، فمن زاد فتطوع". قلت: رواه النسائي هنا من حديث ابن عباس وأبو داود بمثل معناه. (¬2) 1828 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من ملك زادًا وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديًّا أو نصرانيًّا، وذلك أن الله تبارك وتعالى يقول: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97]. قلت: رواه الترمذي هنا من حديث هلال بن عبد الله عن الحارث الأعور عن علي وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وفي إسناده مقال، وهلال مجهول، والحارث ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1781). (¬2) أخرجه النسائي (5/ 11)، وأبو داود (1721) وإسناده صحيح. انظر: الإرواء (980).

ضعيف. (¬1) وقال ابن المديني: كذاب. قوله: من ملك زادًا وراحلة تبلغه، وحد الضمير في تبلغه والبلغ سيان لأنهما في معنى الاستطاعة فأعاد الضمير إليها ويجوز أن يكون أعاد الضمير على الراحلة وفي ذلك ما يدل على أنه حذف من الزاد مثله وهذا الحديث في المعنى مثل قوله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97] بعد قوله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97]. 1829 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا صرورة في الإسلام". قلت: رواه أبو داود، والحاكم وقال: صحيح، وأقره الذهبي، وليس كما قال ولا كما أقر، فإن في إسنادهما عمر بن عطاء وهو ضعيف واه. (¬2) والصرورة: من لم يحج، وقيل: من لم يتزوج وترك النكاح، وهو بفتح الصاد وضم الراء الأولى وفتح الثانية المهملات. 1830 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من أراد الحج فليعجّل". قلت: رواه أبو داود والحاكم في المستدرك هنا من حديث ابن عباس، وفي إسنادهما: مهران أبو صفوان، قال أبو زرعة: لا أعرفه إلا من هذا الحديث، قال المزي: جُهِّل. (¬3) 1831 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (812) وإسناده ضعيف. فيه هلال بن عبد الله قال الحافظ في التقريب: متروك (ت 7393). والحارث الأعور قال الحافظ: كذبه الشعبي في رأيه ورمي بالرفض وفي حديثه ضعف، التقريب (1036). (¬2) أخرجه أبو داود (1729)، والحاكم (1/ 448) وإسناده ضعيف. وعمر بن عطاء قال الحافظ في "التقريب" ضعيف، (ت 4983) انظر: الضعيفة (685). (¬3) أخرجه أبو داود (1732)، والحاكم (1/ 448) وقد صححه الحاكم، وفيه مهران قال الحافظ في التقريب (ت 6934) مجهول، ولكنه قد توبع من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس عند أحمد (1/ 225)، وصححه الألباني في الإرواء (990).

الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة". قلت: رواه الترمذي والنسائي هنا من حديث عبد الله بن مسعود وقال الترمذي: حسن صحيح غريب. (¬1) 1832 - جاء رجل فقال يا رسول الله ما يوجب الحج؟ قال: "الزاد والراحلة". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه هنا من حديث ابن عمر وأعاده في التفسير وفي سنده: إبراهيم بن يزيد الخوزي، وقد تكلم فيه بعض أهل الحديث من قبل حفظه. (¬2) 1833 - سأل رجل رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: ما الحاج؟ قال: "الشَّعث التَّفل"، فقال آخر: أي الحج أفضل؟ قال: "العج والثج"، فقال آخر: ما السبيل؟ قال: "زاد وراحلة". قلت: رواه الترمذي في التفسير إلى قوله والثج، ورواه المصنف في "شرح السنة" بتمامه مسندًا، من حديث ابن عمر، وفي سندهما إبراهيم ابن يزيد وقد تقدم ذكره في الحديث (¬3) قبله. والشعث: بفتح الشين المعجمة وكسر العين المهملة وبالثاء المثلثة، الذي يفرق شعر رأسه. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (810)، والنسائي (5/ 115 - 116). (¬2) أخرجه الترمذي (813)، وابن ماجه (2896)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن، إبراهيم بن يزيد الخوزي، قال ابن معين: ضعيف، وقال الحافظ في التقريب (272) متروك، وانظر: (المغني في الضعفاء 1/ 30)، ميزان الاعتدال (1/ 204) ت (2210). (¬3) أخرجه الترمذي (2998)، وابن ماجه (2906)، والبغوي في شرح السنة (1847). وإسناده ضعيف جدًّا فيه إبراهيم بن يريد وقد سبق الكلام عليه. وقال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه من حديث ابن عمر إلا من حديث إبراهيم بن يزيد الخوزي المكي ....

والتفل: بالتاء المثناة من فوق وبالفاء المكسورة، الذي لا يتطيب فيوجد منه رائحة كريهة، قاله الزمخشري (¬1) من تفل الشيء من فيه: إذا رمى به متكرِّهًا له. والعج: رفع الصوت بالتلبية وهو بفتح العين المهملة وبالجيم. والثج: نحر البدن وهو بفتح الثاء المثلثة وبالجيم. 1834 - أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا رسول الله ان أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج والعمرة ولا الظعن. قال: حُجّ عن أبيك واعتمِرْ". قلت: رواه الأربعة هنا من حديث أبي رزين العقيلي، وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬2) وقال الإمام أحمد: لا أعلم في إيجاب العمرة حديثًا أجود من هذا ولا أصح منه انتهى. (¬3) واسم أبي رزين لقيط بن عامر. والظعن: بفتح الظاء المعجمة والعين المهملة هو السير. 1835 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلًا يقول: لبيك عن شبرمة. قال: "من شبرمة؟ " قال: أخ لي، أو قريب لي. قال: "حججت عن نفسك؟ " قال: لا. قال: "حُجّ عن نفسك ثم حج عن شبرمة". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه هنا من حديث ابن عباس وقال البيهقي: هذا صحيح ليس في الباب أصح منه. (¬4) 1836 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "وقّت لأهل المشرق العقيق". قلت: رواه أبو داود والترمذي هنا من حديث ابن عباس، وفي إسناده ¬

_ (¬1) الفائق للزمخشري (1/ 151). (¬2) أخرجه أبو داود (1810)، والترمذي (930)، والنسائي (5/ 111)، وابن ماجه (2906)، وكذلك صححه ابن حبان والحاكم (1/ 481) وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. (¬3) نقله المنذري عن الإمام أحمد في مختصر السنن (2/ 333). (¬4) أخرجه أبو داود (1811)، وابن ماجه (2903)، والبيهقي (4/ 336).

يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف، وذكر البيهقي أنه تفرد به. (¬1) والمراد بالمشرق: من منزله خارج الحرم من شرقي مكة إلى أقصى بلاد الشرق، وهم العراقيون، ولا منافاة بين هذا الحديث والحديث الذي بعده، فإن ذات عرق: هو ميقات المشرقي، لكن لو أحرم من العقيق فهو أفضل كما تقدم التنبيه عليه. 1837 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقت لأهل العراق ذات عرق. قلت: رواه أبو داود والنسائي هنا من حديث أفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة، وكان الإمام أحمد بن حنبل ينكر هذا الحديث مع غيره على أفلح بن حميد. ورواه أبو داود والنسائي أيضًا من حديث الحارث بن عمرو السهمي قال البيهقي: وفي إسناده من هو غير معروف. (¬2) انتهى. وقد تقدم أن في صحيح البخاري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حدّ لهم ذات عرق. (¬3) 1838 - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر أو وجبت له الجنة". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1740)، والترمذي (832)، والبيهقي (5/ 28)، وفي معرفة السنن (7/ 96)، وإسناده ضعيف وفي إسناده يزيد بن أبي زياد قال عنه الحافظ في "التقريب". ضعيف (ت 7717)، وقال الزيلعي في نصب الراية (3/ 14)، قال ابن القطان: هذا حديث أخاف أن يكون منقطعًا فإن محمد بن علي بن عباس إنما عُهد أنه يروي عن أبيه عن جده ابن عباس. (¬2) أخرجه أبو داود (1742)، والنسائي (5/ 125)، وقال الهيثمي في المجمع (3/ 196): وقد رواه أبو داود باختصار ورجاله ثقات. وأفلح بن حميد قال الحافظ في "التقريب" ثقة (ت 547)، والحارث السهمي صحابي وانظر: كلام البيهقي في معرفة السنن والآثار (7/ 95 - 96)، وقد ذكر كلام الإمام أحمد هذا أيضًا. (¬3) قال البيهقي في المعرفة (7/ 96). ويحتمل إن كانت هذه الأحاديث ثابتة أن يكون عمر لم يبلغه، فحدد لهم ذات عرق، فوافق تحديده توقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

باب الإحرام والتلبية

قلت: رواه أبو داود هنا من حديث أم سلمة (¬1) قال المنذري (¬2): وقد اختلف الرواة في متنه وإسناده اختلافًا كثيرًا. باب الإحرام والتلبية من الصحاح 1839 - كنت أطيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإحرامه قبل أن يحرم، ولحِلِّه قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك، كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو محرم". قلت: رواه الشيخان وأبو داود والنسائي كلهم في الحج من حديث عائشة ولم يذكر البخاري: "المسك". (¬3) وبيص الطيب: بريقه وهو بالواو المفتوحة والباء الموحدة المكسورة والياء آخر الحروف والصاد المهملة. وفي هذا الحديث دليل لا ذهب إليه أبو حنيفة والشافعي وأحمد من استحباب الطيب للمحرم قبل إحرامه، وأنه لا يضر دوام الطيب عليه بعد الإحرام، إنما الممنوع ابتداء ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1741)، وابن ماجه (3001). وإسناده ضعيف، لجهالة أم حكيم بنت أمية بن الأخنس واسمها حكيمة إذ لم يذكر في الرواة عنها سوى اثنين. وقال الحافظ في التقريب مقبولة (8566)، ولاضطرابه فقد اختلف الرواة في متنه وإسناده اختلافًا كبيرًا. وقال ابن القيم في الزاد (3/ 267): قال غير واحد من الحفاظ: إسناده ليس بالقوي. والسنة الإهلال من الميقات لا قبلة، والله أعلم. (¬2) مختصر سنن أبي داود (2/ 285). (¬3) أخرجه البخاري (539)، ومسلم (1189) (1191)، وأبو داود (1746)، والنسائي (5/ 138).

الطيب بعد الإحرام، ومنع مالك إبتداء الطيب ودوامه، وتأول الحديث بما الظاهر خلافه. قوله: ولحله، قال في النهاية (¬1): وفي حديث آخر لإحلاله، حين أحل، يقال: حل المحرم يحل حلالًا، وأحل يُحِلّ إحْلَالًا: إذا حل له ما حرم عليه من محظورات الحج، ورجل حل من الإحرام أي حلال. 1840 - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهل ملبدًا يقول: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك"، لا يزيد على هولاء الكلمات". قلت: رواه الجماعة فيه من حديث ابن عمر (¬2) ولم يقل أصحاب السنن لا يزيد على هؤلاء الكلمات. والتلبيد: أي يجعل في رأسه لزوقًا صمغًا أو غسلًا ليتلبد فلا تقمل قال الخطابي (¬3): تلبيد الشعر قد يكون بالصمغ، وقد يكون بالغسل، وإنما يفعل ذلك بالشعر ليجتمع ويتلبد فلا يتخلله غبار ولا يقع فيه القمل. والتلبية: قال المازري (¬4) وآخرون: هي مثناة للتكثير والمبالغة ومعناه: إجابة بعد إجابة، ولزومًا لطاعتك فتثنى للتوكيد لا تثنية حقيقة، بمنزلة قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64] أي نعمتاه، على تأويل اليد بالنعمة هنا، ونعم الله لا تحصى، وقال آخرون: لبيك اسم مفرد لا مثنى، والأول قول سيبويه، قال ابن الأنباري: ثنوا "لبيك" كما ثنوا "حنانيك"، وقد قيل هذه إجابة لقوله تعالى ¬

_ (¬1) النهاية (2/ 411). (¬2) أخرجه البخاري (5915)، ومسلم (1184) , وأبو داود (1747) , وابن ماجه (3047)، والنسائي (5/ 136)، والترمذي (825). (¬3) معالم السنن (2/ 130) وفيه "بالعسل" بدل "الغسل"، ومختصر المنذري (2/ 288). (¬4) إكمال المعلم (4/ 176).

لإبراهيم {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا} [الحج: 27] وقوله: إن الحمد والنعمة، تروى بكسر الهمزة من "أن" وفتحها، وجهان مشهوران لأهل الحديث وأهل اللغة، قال الجمهور: الكسر أجود، قال الخطابي: الفتح رواية العامة، قوله: والنعمة لك، المشهور نصب النعمة، قال القاضي: ويجوز رفعها على الابتداء، ويكون الخبر محذوفًا، قال ابن الأنباري: وإن شئت جعلت خبر "إن" محذوفًا تقديره: إن الحمد لك والنعمة مستقرة لك. (¬1) 1841 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كان إذا أدخل رجله في الغَرْز واستوت به ناقته قائمة أهلّ من عند مسجد ذي الحليفة". قلت: رواه الشيخان فيه من حديث ابن عمر. (¬2) والغرز: بغين معجمة مفتوحة وراء مهملة ساكنة ثم زاء معجمة: ركاب الرحل -بالحاء المهملة- من جلد، قال الجوهري (¬3): قال بعضهم: فإذا كان من خشب أو حديد فهو ركاب، وقد غرزت رجلي في الغَرْز أغرِزُ غَرْزًا، إذا وضعتها فيه لتركب. 1842 - خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نصرخ بالحج صُراخًا". قلت: رواه مسلم فيه من حديث أبي نضرة عن أبي سعيد ولم يخرجه البخاري ولا أصحاب السنن. (¬4) 1843 - كنت رديف أبي طلحة وإنهم ليصرخون بهما جميعًا: الحج والعمرة. قلت: رواه البخاري في كتاب الجهاد في باب الارتداف في الغزو، من حديث أنس. (¬5) ¬

_ (¬1) المنهاج للنووي (8/ 124 - 125). (¬2) أخرجه البخاري (2865)، ومسلم (1187). (¬3) الصحاح للجوهري (3/ 888). (¬4) أخرجه مسلم (1247). (¬5) أخرجه البخاري (2986).

من الحسان

1844 - خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام حجة الوداع، فمنّا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحجة وعمرة، ومنا من أهلّ بالحج، وأهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحج، فأما من أهل بعمرة فحلّ، وأما من أهل بالحج أو جمع الحج والعمرة، فلم يحلوا حتى كان يوم النحر. قلت: رواه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه فيه مختصرًا ومطولًا كلهم من حديث عائشة. (¬1) 1845 - تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، بدأ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج. قلت: رواه الشيخان فيه من حديث ابن عمر. (¬2) من الحسان 1846 - أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - تجرَّد لإحرامه واغْتسل. قلت: رواه الترمذي من حديث زيد بن ثابت وقال: حسن غريب. (¬3) 1847 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبّد رأسه بالغِسْل. قلت رواه: أبو داود والحاكم في المستدرك كلاهما فيه وقال: صحيح على شرط مسلم، من حديث ابن عمر، وفي سندهما محمد بن إسحاق. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1562)، ومسلم (1211)، وأبو داود (1781)، والنسائي (5/ 145)، وابن ماجه (3075). (¬2) أخرجه البخاري (1661)، ومسلم (1227). (¬3) أخرجه الترمذي (830). (¬4) أخرجه أبو داود (1748)، والحاكم (1/ 450)، وقوله: صحيح على شرط مسلم ومحمد ابن إسحاق لم يحتج به مسلم وإنما استشهد به، وسقط تمام من هذا الحديث، وكلام الحاكم من المطبوع من المستدرك، وقد ذكره الحافظ ابن حجر في إتحاف المهرة (9/ 315)، وراجع تعليق المحقق عليه.

وتلبيد رأس المحرم قد صح من رواية الشيخين وغيرهما من حديث ابن عمر وليس فيه بالغسل، وتلبيد الشعر قد تقدم ذكره. والغسل: بكسر الغين المعجمة ما يغسل به من خطمي وغيره. 1848 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإحرام والتلبية". قلت: رواه الأربعة فيه من حديث خلاد بن السائب الأنصاري عن أبيه وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬1) قوله: أن يرفعوا أصواتهم بالإحرام والتلبية، هذا اللفظ ليس في السنن الأربعة بل الذي في أبي داود والترمذي: أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية، وفي ابن ماجه: أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال، وقد رواه المصنف في شرح السنة (¬2) بلفظ أبي داود، فإن صحت رواية المصنف هنا من الجمع بين اللفظين ومعناهما واحد فهو لتأكيد المعنى المراد، ويحتمل أن يكون سقط من هذا اللفظ ألف. 1849 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من مسلم يلبي، إلا لبّى من عن يمينه وشماله، من حجر أو شجر أو مدر، حتى تنقطع الأرض من ههنا وههنا". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما من حديث سهل بن سعد الساعدي وفي سندهما: إسماعيل بن عياش وبقية رجاله موثقون. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1814)، والترمذي (829)، والنسائي (5/ 162)، وابن ماجه (2922) وإسناده صحيح. (¬2) شرح السنة (1867) قلت: والشك في اللفظ بين التلبية أو الإهلال لا يضر لأن الإهلال هو رفع الصوت بالتلبية. (¬3) أخرجه الترمذي (828)، وابن ماجه (2921). وإسماعيل بن عياش الحمصي ضعيف في روايته عن غير أهل بلده، وشيخه عمارة بن غزية مدني لكن تابعه عبيدة بن حميد عند الترمذي (828 م)، وابن خزيمة (2634) وهو صدوق، فالحديث حسن بهذه =

قصة حجة الوداع

1850 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركع بذي الحليفة ركعتين، ثم إذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهلّ بهؤلاء الكلمات يعني التلبية. قلت: رواه الإمام أحمد من حديث ابن عمر، وروى البخاري معناه من حديث ابن عمر أيضًا مختصرًا أن ابن عمر كان يأتي مسجد ذي الحليفة فيصلي فيه ثم يركب، فإذا استوت به راحلته قائمة أحرم، ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل. (¬1) 1851 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا فرغ من تلبيته سأل الله رضوانه والجنة، واستعفاه برحمته من النار. قلت: رواه الشافعي من حديث عمارة بن خزيمة بن ثابت عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي سنده إبراهيم بن أبي يحيى. (¬2) قصة حجة الوداع من الصحاح 1852 - قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكث بالمدينة تسع سنين لم يحج، ثم أذّن في الناس بالحج في العاشرة، فقدم المدينة بشر كثير، فخرجنا معه، حتى إذا أتينا ذا الحليفة، ولَدَتْ أسماءُ بنت عميس محمدَ بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف أصنع؟ قال: "اغتسلي واستثفِري بثوب وأحرمي، فصلى -يعني- رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين في المسجد، ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء، أهلّ بالتوحيد: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا ¬

_ = المتابعة. إن شاء الله. (¬1) أخرجه أحمد (2/ 34)، والبخاري (1553) (1554)، ومسلم (1184). (¬2) أخرجه الشافعي في الأم (2/ 157). وفي إسناده إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي، قال الحافظ في التقريب: متروك (ت 241)، فهو إسناد ضعيف جدًّا.

شريك لك" قال جابر: لسنا ننوي إلا الحج، لسنا نعرف العمرة، حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن وطاف سبعًا: رمل ثلاثًا ومشى أربعًا، ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]، فصلى ركعتين، جعل المقام بينه وبين البيت. - ويروى: أنه قرأ في الركعتين: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، ثم رجع إلى الركن فاستلمه، ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ: " {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}، أبدأ بما بدأ الله به"، فبدأ بالصفا فرقِيَ عليه، حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة، فوحد الله وكبره، وقال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده"، ثم دعا بين ذلك، وقال مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل فمشى إلى المروة، حتى انصَبّت قدماه في بطن الوادي سَعَى، حتى إذا صعدت قدماه مشى، حتى أتى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصفا، حتى إذا كان آخر طوافه على المروة، نادى -وهو على المروة، والناس تحته- فقال: "لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت، لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل، وليجعلها عمرة"، فقام سراقة بن جعشم، فقال: يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد؟ فشبّك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصابعه، وقال: "دخلت العمرة في الحج -مرتين-، لا، بل لأبدٍ أبدٍ"، وقدِم عَليُّ من اليمن ببُدْن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ماذا قلت حين فَرَضْت الحج؟ " قال: قلت: اللهم إني أهلّ بما أهلّ به رسولك - صلى الله عليه وسلم - قال: فإن معي الهدي فقال: "فأهْد وامكثْ حرامًا فلا تحل"، قال: فكان جماعة الهدي الذي قدم به عَليّ من اليمن، والذي أتى به النبي - صلى الله عليه وسلم -: مائة، قال: فحلّ الناس كلهم وقصّروا، إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن كان معه هدي، فلما كان يوم التروية، توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج، وركب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فصلى بها الظهر والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، ثم مكث قليلًا حتى طلعت الشمس، وأمر بِقُبّة من شَعَر تضرب له

بنمرة فسار فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس، أمر بالقصواء فرُحِلت له، فأتى بطن الوادي، فخطب الناس وقال: "إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قَدَمَيّ موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا: دم ابن ربيعة بن الحارث وكان مسترضعًا في بني سعد، فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربًا أضع من ربانا: ربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله، فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطِئْنَ فُرُشَكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك، فاضربوهن ضربًا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم تسلون عني، فما أنتم قائلون؟ " قالوا: نشهد أنك قد بلّغت وأديت ونصحت، فقال: -بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء، وينكتها إلى الناس- "اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد، ثلاث مرات، ثم أذن بلال، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئًا، ثم ركب حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة، فلم يزل واقفًا حتى غربت الشمس، وأردف أسامة خلفه، ودفع حتى أتى المزدلفة. فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يُسَبّح بينهما شيئًا، ثم اضطجع حتى طلع الفجر، فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، فحمد الله وكبره وهلله ووحده، فلم يزل واقفًا حتى أسفر جدًّا، فدفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن عباس حتى أتى بطن محسّر، فحرك قليلًا، ثم سلك طريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف، فرمى من بطن الوادي، ثم انصرف إلى المنحر، فنحر ثلاثًا وستين بيده، ثم أعطى عليًّا فنحر ما غَبَرَ، وأشركه في هديه، ثم أمر من كل

بَدَنة ببضعة فجعلت في قِدر، فطبخت، فأكلا من لحمها، وشربا من مرقها، ثم ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأفاض إلى البيت، فصلى بمكة الظهر، فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم، فقال: "انزعوا بني عبد المطلب! فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم، لنزعت معكم" فناولوه دلوًا فشرب منه. قلت: رواه مسلم وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه أربعتهم فيه من حديث جابر ولم يخرجه البخاري. (¬1) وقول المصنف في أثناء الحديث: ويروى أنه قرأ في الركعتين {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} إنما عبّر بذلك وإن كانت ثابتة في مسلم لقول الراوي لا أعلمه إلا ذكره عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قوله: ثم أذن في الناس في العاشرة، الأصح في الرواية فيه الفتح على إسناد الفعل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أي أعلم هو بذلك للحج معه، وليتعلموا المناسك والأذان الإعلام، يقال: أذن يؤذن إيذانًا، وأذن يؤذن تأذينًا والإعلام بوقت الصلاة مشدد لا غير، وكان حجه - صلى الله عليه وسلم - في السنة العاشرة من الهجرة، وأما وقت فرضه فالصحيح أنه فرض في السنة السادسة، وقيل في الخامسة وقيل في التاسعة، وقيل قبل الهجرة، وهو أغربها. واستثفري: بسين مهملة وتاء مثناة من فوق مفتوحة وثاء مثلثة ساكنة ثم الفاء وبعدها راء مهملة، والاستثفار: هو أن يشد في وسطها شيئًا، ويأخذ خرقة عريضة يجعلها على محل الدم، ويشد طرفيها من قدامها ومن ورائها في ذلك المشدود في وسطها. وهو شبيه بثغر الدابة بفتح الفاء. والقصواء: بفتح القاف وبالمدّ قال ابن الأعرابي هي التي قطع طرف أذنها. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1218)، وأبو داود (1905، 1907، 1909)، والنسائي (1/ 122) (2/ 15)، وابن ماجه (3074).

والبيداء: قال في النهاية (¬1) هي المفازة التي لا شيء بها، وهي ههنا اسم موضع بين مكة والمدينة. قوله: أهل بالتوحيد، يعني مخالفا للمشركين في قولهم، لبيك اللهم لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك. قوله: لسنا ننوي إلا الحج لسنا نعرف العمرة، فيه دليل لترجيح قول من ذهب إلى أنه - صلى الله عليه وسلم - كان مفردًا وأنه أفضل. والرمل: هو إسراع المشي مع تقارب الخطى، وهو الخبب، والصحيح عندنا أنه لا يستحب الرمل إلا في طواف يعقبه سعي، قوله: وهزم الأحزاب وحده، الأحزاب: الطوائف، والمراد بهم: الذين تحزبوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة الخندق. وانصبت قدماه: يعني انحدرت في المسعى، قوله: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة أي لو عن لي هذا الرائي الذي رأيته وأمرتكم به في أول أمري لما سقت الهدي، وإنما قال هذا من أجل فسخ الحج إلى العمرة الذي هو خاص بهم في تلك السنة لمخالفة الجاهلية، ولم يرد - صلى الله عليه وسلم - بذلك التمتع، إنما أراد فسخ الحج إلى العمرة كما بيناه، وقال هذا القول لتطييب قلوب أصحابه، لأنه كان يشق عليهم التحلل وهو محرم، فقال ذلك لهم لئلا يجدوا في أنفسهم، وليعلموا أن الأفضل لهم قبول ما دعاهم إليه، وأنه لولا الهدي لفعله. قوله: فقام سراقة بن جعشم، أما سراقة: فبضم السين المهملة وبالراء المهملة أيضًا وبالقاف المفتوحة. وأما جعشم: فبضم الجيم والشين المعجمة المضمومة وفتحها، ذكرهما الجوهري. والأبد: هو الدهر، أي هي لآخر الدهر، قوله: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة، قيل معناه: جاز فعلها في أشهر الحج، ونبه بقوله إلى يوم القيامة على أنه لا ¬

_ (¬1) النهاية (1/ 171).

ينسخ، وهذا رد لما كانوا يعتقدونه في الجاهلية من أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، وقيل معناه أن عملها دخل في عمل الحج، فليس على القارن أكثر من عمل الحج، وقيل: دخلت في حكمه فتجب مرة في العمر، قوله: بل لأبد أبد، ويروى لأبد الأبد أي آخر الدهر، قوله: وقصروا، فيه دليل على استحباب التقصير للمتمتع، توفيرًا للشعر للحلق في الحج، قوله: فلما كان يوم التروية هو اليوم الثامن من ذي الحجة سمي بذلك لأنهم كانوا يرتوون فيه من الماء أي يسقون ويستقون، وقيل غير ذلك، وسميت منى لكثرة ما تمنى فيها من الدماء أي يصب ويهراق، وهو بكسر الميم مقصور، قال الجوهري: وهو مذكر يصرف، ونمرة: بفتح النون وكسر الميم هذا أصلها، ويجوز فيها إسكان الميم مع فتح النون وهي موضع جنب عرفات، وليست بعرفات. قوله: فرحلت: هو بتخفيف الحاء المهملة أي جعل عليها الرحل، قوله: فأتى بطن الوادي، وهو وادي عرنة بضم العين وفتح الراء وبعدها نون، وليست عرنة من أرض عرفات عند الشافعي والعلماء كافة، إلا مالكًا فقال: هي من عرفات. قوله: فخطب الناس، ذهبت الشافعية إلى أن في الحج أربع خطب مسنونة: إحداها: يوم السابع من ذي الحجة، عند الكعبة بعد صلاة الظهر، الثانية: هي التي بنمرة يوم عرفة، الثالثة: يوم النحر، الرابعة: يوم النفر، وهو اليوم الثاني من أيام التشريق، قالوا: وكل هذه الخطب أفراد، وبعد صلاة الظهر، إلا التي يوم عرفات، فإنها خطبتان، وقبل الصلاة. قوله: دم ابن ربيعة، قيل اسمه: إياس بن ربيعة، وقيل غير ذلك، وكان صبيًّا يحبو أمام البيوت فأصابه حجر في حرب كانت بين بني سعد، وبني ليث بن بكر، ورواه بعض رواة مسلم: دم ربيعة، وكذلك رواه أبو داود وهو وهم وإنما هو دم ابن ربيعة. قوله: بكلمة الله، قيل هي قوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} وقيل: بإباحة الله المنزلة في كتابه من التزويج وإذنه فيه، وهو قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} وهذا هو الصحيح، وبالأول أجاب الخطابي وغيره.

قوله: غير مبرح، أي غير مؤثر، ولا شاق يعني ضربًا لا يظهر تأثيره، قوله: ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، معناه: أن لا يأذن لأحد من الرجال أن يدخل عليهن فيتحدث إليهن على عادة العرب لا يرون بذلك بأسًا، ولا يعدونه ريبة، ولو كان المراد بوطىء الفرش الزنا لما قيد بالكراهة، لأنه محرم على كل وجه، ولكان الضرب فيه مبرحًا شديدًا وهو الرجم. قوله: وينكتها إلى الناس، قال عياض (¬1): هكذا الرواية، وفي مسلم بالباء ثالثة الحروف، وصوابه: بالباء الموحدة أي يميلها إليهم، ليشهد الله عز وجل عليهم، يقال: نكب الرجل كنانته: إذا كبها وقلبها، وقد روي في سنن أبي داود بالوجهين، ومعناه: يرددها ويقلبها إلى الناس مشيرًا إليهم. قوله: وجعل حبل المشاة بين يديه، روي بالحاء المهملة، وهو المشهور أي ضمهم ومجتمعهم في مشيهم، فكأنه عبر بجبل المشاة عن المشاة أنفسهم، وقيل: حيث تسلك الرجالة أي طريقهم، وهو أشبه، وقد ضبطه بعضهم بالجيم، وصححه أبو عمر وبن الصلاح وذكره كذلك في منسكه، قال ابن حزم: وهناك سقط الرجل المحرم وأمر - صلى الله عليه وسلم - أن يكفن في ثوبيه، ولا يمس بطيب، وكان واقفًا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحجيج، والمشعر الحرام: بفتح الميم، وأكثر كلام الرب بكسرها، وقيل: ولم يقرأ بها أحد، وقيل: قرأ بها في الشاذ ومحسر: بضم الميم وفتح الحاء المهملة، وتشديد السين المهملة وكسرها، واد بين المزدلفة ومنى، وجاء في الحديث: مزدلفة كلها موقف، إلا بطن محسر، وسمي بذلك لأنه يحسر سالكيه أي تتعبهم، قال الشافعي: وتحريكه الراحلة فيه يجوز أن يكون فعل ذلك لسعة الموضع وهذا دأب السائر أبدًا إذا خرج من مضيق إلى متسع ولو لم يقصده فعليه الراحلة، وقيل يجوز أن يكون فعله لأنه مأوى الشياطين، وقيل: لأنه كان موقفًا للنصارى، فاستحب - صلى الله عليه وسلم - الإسراع فيه، وأهل مكة يسمون هذا الوادي وادي ¬

_ (¬1) إكمال المعلم (4/ 277 - 278).

النار، لأنه اصطاد فيه رجل فنزلت نار من السماء فأحرقته، والخذف بفتح الخاء وسكون الذال المعجمتين، قال الشافعي: حصى الخذف أصغر من الأنملة طولًا وعرضًا، قال الهروي (¬1): الخذف، هو رميك حصاة أو نواة تأخذها بين سبابتيك وترمي بها، قال أصحابنا: السنة في الرمي أن تضع حصاة قدر الباقلاء على بطن إبهامه وترميها برأس السبابة، فإن رمى بأصغر أو أكبر كره، وأجزأه، قوله: فنحر ثلاثًا وستين بيده، قال ابن حبان (¬2): لعله - صلى الله عليه وسلم - في نحره ثلاثًا وستين بيده إشارة إلى منتهى عمره، وكان له في ذلك اليوم ثلاث وستون سنة، فنحر بيده لكل سنة من سنينه بدنة. وما غبر: هو بالغين المعجمة وبالباء الموحدة المفتوحتين وبالراء المهملة، أي ما بقي، والبدنة: الناقة، تهدى إلى مكة، سميت بدنة لعظم بدنها، ولا يسمى في الغالب بذلك إلا الإبل، وقد يطلق على البقر، وفي الغنم خلاف، وببضعة بفتح الباء لا غير، وهي القطعة من اللحم، والإفاضة: الدفع في السير، وقيل: لا يكون إلا عن تفرق وجمع، قوله: فصلى بمكة الظهر، وقد ذكر مسلم في أحاديث طواف الإفاضة من حديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أفاض يوم النحر، وصلى الظهر بمنى، ووجه الجمع بينهما: أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى ذلك اليوم الظهر مرتين، مرة بمكة في أول الوقت، وأخرى بمنى حين سأله أصحابه ذلك. قوله: انزعوا، معناه: استقوا بالدلاء، وزمزم: هي البئر المشهورة في المسجد الحرام، بينها وبين الكعبة ثمان وثلاثون ذراعًا. (¬3) 1853 - خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع، فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج ثم قدمنا مكة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منَ أهل بعمرة ولم يُهد، فليَحْلل، ومن ¬

_ (¬1) انظر: الغريبين (2/ 189). (¬2) انظر: الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان (9/ 252). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (7/ 236 - 266)، وإكمال المعلم (4/ 265 - 288).

أحرم بعمرة وأهدى، فليهل بالحج مع العمرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما -وفي رواية: فلا يحل، حتى يحل بنحر هديه- ومن أهل بحج، فليتم حجه" قالت: فحِضْت، ولم أطَفْ بالبيت، ولا بين الصفا والمروة، فلم أزل حائضًا، حتى كان يوم عرفة، ولم أُهْلِلْ إلا بعمرة، فأمرني النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أنقض رأسي وأمتشط، وأُهِلّ بالحج، وأترك العمرة، ففعلت، حتى قضيت حجي، فبعث معي عبد الرحمن ابن أبي بكر, وأمرني أن أعتمر -مكان عمرتي- من التنعيم، قالت: فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة بالبيت، وبين الصفا والمروة، ثم حلوا، ثم طافوا طوافًا بعد أن رجعوا من منى، وأما الذين جمعوا الحج والعمرة، فإنما طافوا طوافًا واحدًا. قلت: رواه الشيخان فيه من حديث عروة عن عائشة. (¬1) 1854 - تمتّع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، فساق معه الهدي من ذي الحليفة، وبدأ فأهلّ بالعمرة، ثم أهل بالحج، فتمتع الناس مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعمرة إلى الحج فكان من الناس من أهدى، ومنهم من لم يهد فلما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة قال للناس: "من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرُم منه حتى يقضي حجه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصّر وليحلل ثم ليهل بالحج وليهد، فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، فطاف حين قدم مكة، واستلم الركن أول شيء، ثم خبّ ثلاثة أطواف، ومشى أربعًا، فركع -حين قضى طوافه بالبيت عند المقام- ركعتين ثم سلّم، فانصرف فأتى الصفا، فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف، ثم لم يحل من شيء حَرُمَ منه، حتى قضى حجّه، ونحر هديه يوم النحر، وأفاض، فطاف بالبيت، ثم حلّ من كل شيء حرم منه، وفعل مثل ما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ساق الهدي من الناس. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3199)، ومسلم (1211).

باب دخول مكة والطواف

قلت: رواه الجماعة فيه إلا الترمذي من حديث ابن عمر. (¬1) 1855 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذه عمرة استمتعنا بها، فمن لم يكن عنده الهدي فليحل الحل كله، فإن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة". قلت: رواه مسلم وأبو داود والنسائي ثلاثتهم فيه من حديث ابن عباس ولم يخرجه البخاري ولكن ذكر إباحة التمتع في غير ما حديث. (¬2) باب دخول مكة والطواف من الصحاح 1856 - إن ابن عمر رضي الله عنهما كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل ويدخل مكة نهارًا، وإذا نفر مر بذي طوى وبات بها حتى يصبح، ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك. قلت: رواه الشيخان وأبو داود والنسائي كلهم من حديث نافع عن ابن عمر (¬3) بن الخطاب. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1691)، ومسلم (12279)، وأبو داود (1805)، والنسائي (5/ 151)، ولم أجده في ابن ماجه. (¬2) أخرجه مسلم (12419)، وأبو داود (1790)، والنسائي (5/ 181). (¬3) أخرجه البخاري (1573)، ومسلم (12599)، وأبو داود (1865)، والنسائي (5/ 200).

وذي طوى: موضع معروف، بقرب مكة يقال بفتح الطاء المهملة وكسرها وضمها، والفتح أفصح وأشهر، والواو مفتوحة ليس إلا وبالقصر، ويصرف ولا يصرف. 1857 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما جاء إلى مكة دخلها من أعلاها وخرج من أسفلها. قلت: رواه البخاري في المغازي وهو ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي كلهم في الحج من حديث عائشة. (¬1) 1858 - حج النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرتني عائشة أنه أول شيء بدأ به حين قدم أنه توضأ، ثم طاف بالبيت، ثم لم تكن عمرة، ثم حج أبو بكر، فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت، ثم لم تكن عمرة، ثم عمر، ثم عثمان، مثل ذلك. قلت: رواه البخاري بلفظه مطولًا وفيه بعد عثمان ذكر الزبير وعبد الله ابن عباس وعبد الله بن عمر بن الخطاب ومعاوية بن أبي سفيان وأسماء بنت أبي بكر والمهاجرين والأنصار ومسلم أطول منه وقال فيه بدل قول البخاري: ثم لم تكن عمرة، ثم لم يكن غيره، كلاهما فيه. (¬2) 1859 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم، سعى ثلاثة أطواف، ومشى أربعة، ثم سجد سجدتين، ثم يطوف بين الصفا والمروة. قلت: رواه الشيخان وأبو داود والنسائي أربعتهم فيه من حديث نافع عن ابن عمر. (¬3) 1860 - رَمَلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحجر إلى الحجر ثلاثًا، ومشى أربعًا، وكان يسعى بين الميلين بطن المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1577)، ومسلم (12589)، والنسائي (42419)، والترمذي (853)، وأبو داود (1869). (¬2) أخرجه البخاري (1641)، ومسلم (1235). (¬3) أخرجه البخاري (1616)، ومسلم (1261)، وأبو داود (1893)، والنسائي (5/ 229).

قلت: هذا الحديث رواه الشيخان في حديثين كلاهما هنا من حديث ابن عمر أحدهما: رمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحجر إلى الحجر ثلاثًا، ومشى أربعًا، وبقيته في حديث آخر. (¬1) 1861 - إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قدم مكة أتى الحَجَر فاستلمه، ثم مشى على يمينه فرمل ثلاثًا ومشى أربعًا. قلت: رواه مسلم هنا فيه من حديث جابر بن عبد الله. (¬2) 1862 - سئل ابن عمر عن استلام الحجر فاستلمه، وقال: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستلمه ويقبّله". قلت: رواه البخاري والترمذي والنسائي ثلاثتهم فيه من حديث الزبير بن عدي، قال: سأل رجل ابنَ عمر وقال فيه: قال الرجل: أرأيت إن زوحمت؟ أرأيت إن غلبت؟ قال: اجعل " أرأيت" باليَمن، رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستلمه ويقبله. ولم يخرجه مسلم وخرج معناه. (¬3) 1863 - لم أر النبي - صلى الله عليه وسلم - يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين. قلت: رواه الجماعة إلا الترمذي، كلهم من حديث ابن عمر. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم القسم الأول من الحديث إلى قوله: "ومشى أربعًا (1262) والقسم الثاني متفق عليه، أخرجه البخاري (1617)، ومسلم (1261) ". لم أجد في الصحيحين "بين الميلين" وانظر: ما قاله الصنعاني في سبل السلام (4/ 220 ط. الحلاق)، عن: "بين الميلين". (¬2) أخرجه مسلم (1218). (¬3) أخرجه البخاري (1611)، والترمذي (861)، وقال: حديث حسن صحيح, وقد روي عنه من غير وجه، والنسائي (5/ 231). (¬4) أخرجه البخاري (1609) , ومسلم (1267)، وأبو داود (1874)، والنسائي (5/ 232)، وابن ماجه (2946).

قوله: إلا الركنين اليمانيين، اللغة الفصيحة المشهورة، تخفيف الياء من اليمانيين وحكى فيها لغة أخرى: بالتشديد، فمن خفف قال: هذه نسبة إلى اليمن، فالألف عوض عن إحدى ياي النسب، فتبقى الياء الأخرى مخففة، ولو شددناها لكان جمعًا بين العوض والمعوض، وذلك ممتنع، ومن شدد قال: الألف في اليماني زائدة، وأصله اليمني، فتبقى الياء مشددة وتكون الألف زائدة، ولبيت الله تعالى أربعة أركان: اثنان على يمين الداخل، وهما: العراقي والشامي، والحجر: بكسر الحاء بينهما وكذا الميزاب، واثنان على يساره وهما: الركن الذي فيه الحجر الأسود، والركن اليماني، ويسمى الأولان: الشاميين، والثانيان: اليمانيين، تغليبًا، فالركن الأسود فيه فضيلتان: كونه على قواعد إبراهيم، وفيه الحجر الأسود، والركن اليماني فيه فضيلة واحدة: وهي كونه على قواعد إبراهيم، والركنان الآخران: ليس فيهما شيء من هاتين الفضيلتين، فلهذا خص الحجر الأسود بشيئين: الاستلام والتقبيل، وأما اليماني فيستلمه ولا يقبله لأن فيه فضيلة واحدة. 1864 - طاف النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن. قلت: رواه الجماعة فيه إلا الترمذي من حديث ابن عباس. (¬1) والمحجن: بكسر الميم، عصا معوجة الرأس يتناول بها ما يسقط منه. 1865 - وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طاف بالبيت على بعير كلما أتى الركن أشار إليه بشيء في يده وكبر. قلت: رواه البخاري والترمذي والنسائي من حديث عكرمة عن ابن عباس. (¬2) 1866 - رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطوف بالبيت، ويستلم الركن بمحجن معه، ويقبل المحجن. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (16079)، ومسلم (1272)، وأبو داود (1877)، والنسائي (5/ 233)، وابن ماجه (2948). (¬2) أخرجه البخاري (1632)، والترمذي (865)، والنسائي (5/ 233).

قلت: رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه ثلاثتهم من حديث أبي الطفيل ولم يخرجه البخاري. (¬1) 1867 - خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا نذكر إلا الحج، فلما كنا بسرف طمثت، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي، قال: "لعلك نفست؟ " قلت: نعم، قال: "فإن ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم، فافعلي ما يفعل الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري ". قلت: رواه البخاري في الطهارة ومسلم والنسائي وابن ماجه هنا من حديث عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة. (¬2) وسَرِف: بكسر الراء موضع من مكة على عشرة أميال وقيل أقل وأكثر. ويروى: بالصرف وعدمه، على تأويل المكان والبقعة. وطمثت: هو بالطاء المهملة والميم المكسورة وبعدها ثاء مثلثة يقال: طمثت المرأة تطمث طمثًا إذا حاضت. قوله: لعلك نفست، قال في المشارق (¬3): وكذا ضبطناه بضم النون وكسر الفاء، قال: وكذا سمعناه من غير واحد. 1868 - بعثني أبو بكر في الحجة التي أمَّره النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عليها قبل حجة الوداع، يوم النحر، في رهط تؤذن في الناس: "ألا لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان". قلت: رواه البخاري في الجزية وفي المغازي وفي التفسير وهو ومسلم وأبو داود والنسائي هنا من حديث أبي هريرة عن أبي بكر الصديق. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1275)، وأبو داود (1879)، وابن ماجه (2949). (¬2) أخرجه البخاري (294)، و (305)، ومسلم (1211)، والنسائي (5/ 156)، وابن ماجه (2963). (¬3) مشارق الأنوار (2/ 21). (¬4) أخرجه البخاري (369) (1622) (3127) (4363)، ومسلم (1347)، وأبو داود (1946)، والنسائي (5/ 234).

من الحسان

من الحسان 1869 - سئل جابر عن الرجل رأى البيت يرفع يديه؟ قال: قد حججنا مع رسول - صلى الله عليه وسلم - فلم نكن نفعله. قلت: رواه الترمذي هنا بهذا اللفظ وأبو داود بنحوه كلاهما فيه من حديث المهاجر بن عكرمة المكي، قال: سئل جابر بن عبد الله. (¬1) وذكر الخطابي: أن سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ضعفوا هذا الحديث لأن مهاجرًا راويه عندهم مجهول انتهى. (¬2) 1870 - أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل مكة، فأقبل إلى الحجر فاستلمه، ثم طاف بالبيت ثم أتى الصفا فعلاه حتى ينظر إلى البيت، فرفع يديه فجعل يذكر الله ما شاء ويدعو. قلت: هذا الحديث قطعة من حديث طويل أخرجه مسلم في المغازي، يتضمن قصة في فتح مكة من حديث عبد الله بن رباح عن أبي هريرة، ورواه أبو داود هنا مقتصرًا على هذه القطعة التي ذكرها المصنف، ولذلك ساقه الشيخ في الحسان وإن كان من حقه أن يذكره في الصحاح. (¬3) 1871 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الطواف حول البيت مثل الصلاة، إلا أنكم تتكلمون فيه، فمن تكلم فيه فلا يتكلمن إلا بخير"، ووقفه الأكثرون على ابن عباس. قلت: رواه الترمذي والحاكم في المستدرك كلاهما هنا، وقال: صحيح، وقال هو والترمذي: وقد روي موقوفًا على ابن عباس. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (855)، وأبو داود (1870)، والنسائي (5/ 212). وفي إسناده المهاجر بن عكرمة قال الحافظ في التقريب مقبول (6921). (¬2) معالم السنن (2/ 165)، وانظر كذلك: مختصر المنذري (2/ 373). (¬3) أخرجه أبو داود (1872)، وأخرجه مسلم بنحوه في حديث طويل في الصحيح (1780). (¬4) أخرجه الترمذي (960)، والحاكم (1/ 459)، وقال: صحيح الإسناد وقد وافقه جماعة، وأخرجه =

1872 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضًا من اللبن فسودته خطايا بني آدم". قلت: رواه الترمذي والنسائي كلاهما في الحج من حديث ابن عباس وقال: حسن صحيح. (¬1) قال بعضهم: يحتمل أن يحمل الحديث على ظاهره، ويحتمل أن يؤل على ما يستقيم عليه المعنى من باب الاتساع، ومن المعلوم أن الجنة وما احتوت عليه من الجواهر خلقت خلقًا غير قابل للزوال والفناء، وهي مباينة لما خلق في هذه الدار الفانية التي هي في حكم الزوال والفناء، وقد كسر الحجر الأسود وذلك من أقوى أسباب الزوال. وتأويله أن الحجر الأسود لما فيه من الشرف والكرامة، وما فيه من اليمن والبركة، يشارك جواهر الجنة، فكأنه نزل منها، وإن خطايا بني آدم تكاد تؤثر في الجماد فتجعل المبيض مسودًا فكيف بقلوبكم. 1873 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحجر: "والله ليبعثنه الله يوم القيامة، له عينان يبصر بهما، ولسان ينطق به، يشهد لمن استلمه بحق وعلى من استلمه بغير حق". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما فيه من حديث ابن عباس وقال الترمذي: حسن. (¬2) ¬

_ = البيهقي (5/ 87) مرفوعًا وموقوفًا على ابن عباس وقد اختلف في رفعه ووقفه ورجح الترمذي وغيره الوقف والصواب أنه مرفوع، وقد صحح الحديث ابن السكن، وابن خزيمة (2739). انظر: إرواء الغليل (121). (¬1) أخرجه الترمذي (877)، والنسائي (5/ 226). وانظر: الصحيحة (2618). (¬2) أخرجه الترمذي (961)، وابن ماجه (2944)، وصححه ابن حبان (3712)، والحاكم (1/ 457)، ووافقه الذهبي، ولم أجد هذا اللفظ في المصادر المذكورة، بل فيها إلى قوله: ويشهد لمن استلمه بحق، فقط.

1874 - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة، طمس الله نورهما، ولو لم يطمس نورهما لأضاءا ما بين المشرق والمغرب". قلت: رواه الترمذي من حديث مسافع الحجبي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ورواه الحاكم في المستدرك، قال الترمذي: وروي موقوفًا على عبد الله بن عمرو. (¬1) 1875 - أنه كان يزاحم على الركنين، وقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن مسحهما كفارة للخطايا"، وسمعته يقول: "من طاف بهذا البيت أسبوعًا يحصيه، وصلى ركعتين، كان كعتق رقبة، وما وضع رجل قدمًا ولا رفعها إلا كتب الله له بها حسنة، ومحا عنه بها سيئة ورفع له بها درجة". قلت: رواه الترمذي فيه من حديث ابن عمر وقال: حديث حسن. (¬2) 1876 - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول فيما بين ركن بني جُمَح والركن الأسود: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار". قلت: رواه أبو داود والنسائي كلاهما فيه من حديث عبد الله بن السائب وهو حديث صالح الاحتجاج به. (¬3) 1877 - أخبرتني بنت أبي تجراة، قالت: "دخلت مع نسوة من قريش دار آل أبي حسين ننظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يسعى بين الصفا والمروة، فرأيته يسعى وإن مئزره ليدور من شدة السعي، سمعته يقول: "اسعوا، فإن الله كتب عليكم السعي". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (878)، وفيه: "لأضاءتا" وقال: حديث غريب، والحاكم (1/ 456). وقال: تفرد به أيوب بن سويد وتعقبه الذهبي في التلخيص بقوله: ضعفه أحمد. وقال أبو حاتم في العلل (1/ 300) رواه الزهري وشعبة كلاهما عن مسافح بن شيبة عن عبد الله بن عمرو موقوفًا وهو أشبه، ورجاء شيخ ليس بقوي. وصححه ابن حبان (3710). (¬2) أخرجه الترمذي (959)، وابن حبان (3797)، والحاكم (1/ 489)، وانظر الصحيحة (2725). (¬3) أخرجه أبو داود (1892)، والنسائي في الكبرى (3934).

قلت: رواه الإمام أحمد فيما انفرد به عن الكتب الستة من حديث حبيبة بنت أبي تجراة، وفي سنده عبد الله بن المؤمل، وحديثه منكر، وقال أبو حاتم: ليس بقوي. (¬1) 1878 - رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يسعى بين الصفا والمروة على بعير، لا ضَرْب ولا طَرْد، ولا إليك إليك. قلت: رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان هنا من حديث قدامة بن عبد الله، ولكن قالوا فيه بدل: يسعى بين الصفا والمروة،: يرمي الجمار، وسيأتي في باب رمي الجمار، وقد رواه المصنف في "شرح السنة" مسندًا بلفظه في المصابيح وروى البيهقي اللفظين جميعًا من طريقين وقال: يحتمل أن يكونا صحيحين. (¬2) 1879 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف بالبيت مضطبعًا ببرد أخضر. قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه ثلاثتهم فيه من حديث صفوان ابن يعلى بن أمية عن أبيه، وليس في حديث الترمذي وابن ماجه: أخضر، وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند (6/ 421). وإسناده ضعيف جدًّا، وكذلك أخرجه الدارقطني (2/ 256)، والحاكم (4/ 70) وقال الذهبي في التلخيص: أورد لها حديث: "اسعو فإن الله كتب عليكم السعي" لم يصح. وقال الزيلعي في نصب الراية (3/ 55): وأعله ابن عدي في الكامل (4/ 1456) باب المؤمل وأسند تضعيفه عن أحمد والنسائي وابن معين وعبد الله بن المؤمل قال الحافظ في التقريب: ضعيف في الحديث (ت 3648). وقد اضطرب فيه عبد الله بن المؤمل، انظر: بيان الوهم والإيهام لابن القطان (5/ 158 - 159). (¬2) أخرجه أحمد (3/ 413)، والترمذي (903)، والنسائي (5/ 270)، وابن ماجه (3035)، وابن حبان لم أجده في صحيحه ولم يعزه إليه الحافظ في إتحاف المهرة (16315)، والبغوي في شرح السنة (1922)، والبيهقي (5/ 101). (¬3) أخرجه أبو داود (1883)، والترمذي (859)، وابن ماجه (2954).

باب الوقوف بعرفة

والاضطباع: أن يأخذ الإزار أو البرد فيجعل وسطه تحت إبطه الأيمن ويلقي طرفيه على كتفه الأيسر من جهتي صدره وظهره. 1880 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه اعتمروا من الجعرانة، فرملوا بالبيت ثلاثًا، وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم، ثم قذفوها على عواتقهم اليسرى. قلت: رواه أبو داود هنا من حديث ابن عباس ولم يضعفه فهو صالح للاحتجاج. (¬1) والجعرانة: موضع قريب من مكة وهي في الحل، وميقات للإحرام، وهي بتسكين العين والتخفيف وقد تكسر وتشدد الراء وقد تقدم. باب الوقوف بعرفة من الصحاح 1881 - أنه سأل أنس بن مالك رضي الله عنه، وهما غاديان من منى إلى عرفة: كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: كان يهل منا المهل فلا ينكر عليه، ويكبر المكبر منا فلا ينكر عليه. قلت: رواه الشيخان والنسائي وابن ماجه أربعتهم في الحج من حديث محمد بن أبي بكر الثقفي أنه سأل أنسًا به. (¬2) 1882 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "نحرت ههنا، ومنى كلها منحر، فانحروا في رحالكم، ووقفت ههنا وعرفة كلها موقف، ووقفت ههنا، وجمع كلها موقف". قلت: رواه مسلم من حديث جابر فيه ولم يخرجه البخاري. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1884) وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه البخاري (1659)، ومسلم (1285)، والنسائي (5/ 250)، وابن ماجه (3008). (¬3) أخرجه مسلم (1218).

من الحسان

1883 - إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟ ". قلت: رواه مسلم من حديث عائشة ولم يخرجه البخاري. (¬1) من الحسان 1884 - وعن عمرو بن عبد الله بن صفوان عن خال له يقال له يزيد بن شيبان قال: كنا في موقف لنا بعرفة يباعده عمرو من موقف الإمام جدًّا، فأتانا ابن مِربَع الأنصاري، فقال: إني رسولُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليكم يقول لكم: "قفوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم عليه السلام". قلت: رواه الأربعة من حديث عمرو بن عبد الله بن صفوان عن يزيد بن شيبان قال: أتانا ابن مربع به، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. (¬2) وابن مربع اسمه: يزيد بن مربع الأنصاري وإنما نعرف له هذا الحديث الواحد انتهى كلامه. ومربع بكسر الميم وسكون الراء المهملة وفتح الباء الموحدة وتخفيفها. (¬3) 1885 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل عرفة موقف، وكل منى منحر، وكل المزدلفة موقف، وكل فجاج مكة طريق ومنحر". قلت: رواه أبو داود فيه من حديث جابر وسكت عليه. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1348). (¬2) أخرجه أبو داود (1919)، والترمذي (883)، وقال حسن صحيح والنسائي (5/ 355)، وابن ماجه (3011) وإسناده صحيح. (¬3) ذكره الحافظ باسم: زيد بن مِرْبع، وهو صحابي وقال: أكثر ما يجيء مبهمًا، وقيل: اسمه يزيد، وقيل: عبد الله، انظر: التقريب (2170)، وراجع الإصابة (2/ 620). (¬4) أخرجه أبو داود (1937)، وابن ماجه (3048). وإسناده حسن في الإسناد أسامة بن زيد =

والمزدلفة: من التزليف والازدلاف وهو التقرب، لأن الحجاج إذا أفاضوا من عرفات ازدلفوا إليها أي: تقربوا ومضوا إليها، والفجاج: جمع فج وهو الطريق الواسع، وكل منحرف بين جبلين فهو فج. 1886 - رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب الناس يوم عرفة على بعير قائم في الركابين. قلت: رواه أبو داود فيه من حديث خالد بن هوذة ولم يضعفه. (¬1) 1887 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير". قلت: رواه الترمذي في الدعوات من حديث حماد بن أبي حميد عن عمرو بن شعيب به، وقال: غريب، وفي إسناده: حماد بن حميد، قال: وليس هو بالقوي عند أهل الحديث انتهى. (¬2) وقال الذهبي: ضعفوه. 1888 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما رؤي الشيطان يومًا هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه يوم عرفة، وما ذاك إلا لما يرى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام، إلا ما كان من يوم بدر، فقيل: وما رأى من يوم بدر؟ قال: إنه قد رأى جبريل وهو يزع الملائكة". (مرسل). قلت: رواه مالك من حديث طلحة بن عبيد الله بن كريز وطلحة ليس بصحابي بل هو ¬

_ = هو الليثي حسن الحديث. (¬1) أخرجه أبو داود (1917). وانظر: الإصابة (2/ 251) و (4/ 466). (¬2) أخرجه الترمذي (3585). وفي إسناده محمد بن أبي حميد لقبه حماد قال الحافظ في التقريب: ضعيف (ت 5836)، وقول الذهبي في الكاشف (2/ 166)، وذكره في المغني (5453). وقال عنه البخاري منكر الحديث، وقال النسائي ليس بثقة الميزان (2/ 112).

تابعي فالحديث مرسل. (¬1) والدحر: (بالدال والحاء والراء المهملات) هو: الدفع بعنف على سبيل الإهانة، ويزع الملائكة: أي يقودهم. 1889 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان يوم عرفة فإن الله ينزل إلى السماء الدنيا، فيباهي بهم الملائكة، فيقول: انظروا إلى عبادي، أتوني شعثًا غبرًا ضاجين من كل فج عميق، أشهدكم أني قد غفرت لهم، فتقول الملائكة: يا رب فلان كان يرهّق وفلان وفلانة، قال: يقول الله عز وجل: قد غفرت لهم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فما من يوم أكثر عتيقًا من النار من يوم عرفة". قلت: رواه النسائي وابن حبان كلاهما فيه والحافظ أبو بكر الإسماعيلي بألفاظ متقاربة من حديث جابر بن عبد الله. (¬2) قوله: كان يُرهق: بضم المثناة من تحت وفتح الراء المهملة وتشديد الهاء أي: يظن به السوء. ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في الموطأ (1/ 422)، (رقم 245)، وعبد الرزاق (5/ 17 - 18)، رقم (8832)، وطلحة بن عبيد الله بن كريز قال الحافظ في التقريب: ثقة، من الثالثة (3045). (¬2) أخرجه ابن حبان (3853)، والنسائي ولم أجده عنده، بل ذكره الهيثمي في المجمع (3/ 253) وفي (4/ 17) وقال: إسناده حسن، ورجاله ثقات. والإسماعيلي في كتاب المعجم (1/ 326)، وأخرجه أيضًا ابن خزيمة في صحيحه (4/ 263)، وأبو يعلى في مسنده (2090)، والبزار (1128) كشف الأستار. انظر: الضعيفة (679).

باب الدفع من عرفة والمزدلفة

باب الدفع من عرفة والمزدلفة من الصحاح 1890 - هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: سئل أسامة: كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسير في حجة الوداع حين دفع؟ قال: كان يسير العَنَقَ، فإذا وجد فجوةً نص. قلت: رواه الجماعة في الحج إلا الترمذي من حديث أسامة بن زيد. (¬1) والعَنَقَ: بفتح العين المهملة، وفتح النون وبالقاف، سير رفيق. والنص: بالنون والصاد المهملة سرعة السير. والفجوة: بفتح الفاء وسكون الجيم المكان المتسع، ومعنى حين دفع أي: انصرف من عرفات، ويسمى ذلك دفعًا لأنهم يزدحمون إذا انصرفوا فيدفع بعضهم بعضًا ولأنهم يدفعون به أنفسهم إلى مزدلفة. 1891 - أنه دفع مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة، فسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وراءه زجرًا شديدًا وضربًا للإبل، فأشار بسوطه إليهم، وقال: "أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس بالإيضاع". قلت: رواه البخاري فيه من حديث ابن عباس. (¬2) والإيضاع: حمل الركاب على سرعة السير، يقال: وضع البعير وغيره أي: أسرع في سيره، قال ورقة: يا ليتني فيها جَذَعْ ... أخُبّ فيها وأَضَعْ. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1666)، ومسلم (283)، وأبو داود (1923)، والنسائي (5/ 258)، وابن ماجه (3017). (¬2) أخرجه البخاري (1671). (¬3) انظر: الصحاح للجوهري (3/ 1300) وفيه قال ابن دريد بدل ورقة.

1892 - أن أسامة بن زيد كان رِدْف النبي - صلى الله عليه وسلم - من عرفة إلى المزدلفة، ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى، فكلاهما قال: لم يزل النبي - صلى الله عليه وسلم - يلَبِّي حتى رمى جمرة العَقَبة. قلت: رواه الشيخان والنسائي ثلاثتهم فيه من حديث ابن عباس عن أسامة والفضل. (¬1) 1893 - جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - المغرب والعشاء بجَمْعٍ، كل واحدٍ منهما بإقامة، ولم يسبح بينهما، ولا على إثر كل واحدة منهما. قلت: رواه البخاري فيه من حديث ابن عمر ولم يخرجه مسلم. (¬2) بهذا اللفظ وإن كان الحافظ عبد الغني (¬3) ذكره في عمدته فيما اتفق عليه الشيخان، وقد أخرج مسلم مثل معناه من حديث ابن عمر أيضًا، فقال جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين المغرب والعشاء بجمع ليس بينهما سجدة، وصلى المغرب ثلاث ركعات، وصلى العشاء ركعتين. قوله: ولم يسبح بينهما ولا على أثر. أي لم يفصل بين الصلاتين بنافلة، والسبحة: النافلة. 1894 - قال ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة إلا لميقاتها، إلا صلاتين: صلاة المغرب والعشاء بجمع، وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها. قلت: رواه الشيخان وأبو داود ثلاثتهم فيه من حديث عبد الله بن مسعود. (¬4) 1895 - أنا ممن قدم النبي - صلى الله عليه وسلم -: ليلة المزدلفة في ضَعَفَةِ أهله. قلت: رواه الشيخان وأبو داود والنسائي كلهم فيه من حديث ابن عباس. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1686)، ومسلم (1280 و 1281)، والنسائي (5/ 256). (¬2) أخرجه البخاري (1673)، ومسلم (1289). (¬3) عمدة الأحكام (رقم 254)، وقال الزركشي في النكت (ص 223)، هذا لفظ البخاري، وانظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (ح 2039)، والإعلام لابن الملقن (6/ 387 - 388). (¬4) أخرجه البخاري (1682)، ومسلم (1289)، وأبو داود (1934). (¬5) أخرجه البخاري (1678)، ومسلم (1293)، وأبو داود (1939)، والنسائي (5/ 261).

1896 - عن الفضل بن عباس وكان رديف النبي -صلى الله عليه وسلم-، أنه قال في عشية عرفة وغداة جَمْع للناس حين دفعوا: "عليكم بالسكينة"، وهو كافّ ناقته، حتى دخل محسرًا، وهو من منى، قال: "عليكم بحصى الخذف الذي يرمى به الجمرة". وقال: لم يزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلبي حتى رمى جمرة العقبة. قلت: رواه مسلم فيه ولم يخرج البخاري هذا الحديث إلا ذكر التلبية (¬1) فإنَّه ذكره من حديث الفضل وحديث أسامة وقد تقدم وكذلك ذكر حديث السكينة من حديث ابن عباس المتقدم. ومحسر: بضم الميم وفتح الحاء وكسر السين المشددة وادٍ من منى. وقال ابن الأثير: هو بين عرفات ومنى. (¬2) 1897 - أفّاض النبي -صلى الله عليه وسلم- من جَمْع وعليه السكينة، وأمرهم بالسكينة وأوْضَعَ في وادي محسّر، وأمرهم أن يرموا بمثل حصى الخذف، وقال: "لعلِّي لا أراكم بعد عامي هذا". قلت: رواه أبو داود والنسائيّ وابن ماجه ثلاثتهم فيه من حديث أبي الزبير عن جابر، وذكره المصنف في "شرح السنة" غير مسند، فقال: وروي عن أبي الزبير عن جابر وساقه، ولم أر هذا الحديث في مسلم بهذا اللفظ، ولم يخرج البخاري في صحيحه لأبي الزبير عن جابر شيئًا. (¬3) وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: لعلي لا أراكم بعد عامي هذا، فليس في أبي داود وفي مسلم معناه، وسيأتي في أول الباب الذي بعد هذا، قوله: أفاض النبي -صلى الله عليه وسلم- من جمع، يقال: أفاض ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1282). (¬2) النهاية (4/ 257). (¬3) أخرجه أبو داود (1944)، والترمذي (886)، وقال: حديث حسن صحيح (897)، والنسائيّ (5/ 258)، وابن ماجه (3032)، والبغويّ في "شرح السنة" (7/ 172) وإسناده صحيح. وروى مسلم معناه في الصحيح برقم (1297) و (1299).

من الحسان

من المكان إذا أسرع منه إلى المكان الآخر، وجمع: المزدلفة وهو المشعر الحرام سميت بذلك لاجتماع آدم وحواء بها. من الحسان 1898 - قال: خطب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إن أهل الجاهلية كانوا يدفعون من عرفة حين تكون الشمس كأنها عمائم الرجال في وجوههم قبل أن تغرب، ومن المزدلفة بعد أن تطلع الشمس حن تكون كأنها عمائم الرجال في وجوههم، وإنا لا ندفع من عرفة حتى تغرب الشمس، وندفع من المزدلفة قبل أن تطلع الشمس، وهدينا مخالف لهدي أهل الأوثان والشرك". قلت: رواه البيهقي فيه من حديث عبد الوارث عن ابن جريج عن محمَّد ابن قيس عن المسور بن مخرمة قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الحديث بنحوه، قال: ورواه قيس مرسلًا أيضًا. (¬1) 1899 - قدمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة المزدلفة أغيلمة بني عبد المطلب على حُمُرات، فجعل يلطح أفخاذنا ويقول: "أبينيّ لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس". قلت: رواه أبو داود والنسائيُّ وابن ماجه ثلاثتهم فيه (¬2) من حديث الحسن العُرَني عن ابن عباس. وقال أبو داود: واللطح: الضرب اللين انتهى والحديث منقطع فإن الحسن العُرَني لم يسمع من ابن عباس شيئًا كذا قاله الإمام أحمد وابن معين. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي في الكبرى (5/ 120)، وقال الهيثمي في الزوائد (3/ 255)، رواه الطبراني (المعجم الكبير 20/ 24) ورجاله رجال الصحيح. وقال النوويّ في المجموع (8/ 128) إسناده جيد. (¬2) أخرجه أبو داود (1940)، والنسائيّ (5/ 270)، وابن ماجه (3025). (¬3) الحسن بن عبد الله العرني ثقة، أرسل عن ابن عباس وهو من الرابعة روى له الجماعة سوى الترمذي =

والعرني: منسوب إلى عرينة بضم العين وفتح الراء المهملتين وسكون الياء آخر الحروف وبعدها نون مفتوحة وتاء تأنيث، بطن من بجيلة. (¬1) وأغيلمة: تصغير غلمة على غير مكبره، كأنهم صغروا أغلمه ولم يقولوه، ويريد بالأغيلمة الصبيان. وحمرات: بضمتين جمع حمار. واللطح: بفتح اللام وسكون الطاء المهملة بعدها حاء مهملة وتقدم تفسيره، وأُبيني: بضم الهمزة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وكسر النون وتشديد الياء، قال الأزهري: تصغير بنين. (¬2) 1900 - قالت: "أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- بأم سلمة ليلة النحر، فرمت الجمرة قبل الفجر، ثمَّ مضت فأفاضت، وكان ذلك اليوم اليوم الدي يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندها". قلت: رواه أبو داود فيه من حديث عائشة، وقال البيهقي: إسناده صحيح لا غبار عليه. (¬3) 1901 - يلبي المعتمر حتى يفتتح الطواف. ¬

_ = التقريب (1262)، وقوله الإمام أحمد في العلل (1/ 46 رقم 29)، وجامع التحصيل (ص 66)، والمراسيل لابن أبي حاتم (ص 46). (¬1) الأنساب للسمعاني (9/ 280) وترجم للحسن بن عبد الله العرني. (¬2) تهذيب اللغة للأزهري (15/ 492) وذكر هذا الحديث. (¬3) أخرجه أبو داود (1942). وإسناده ضعيف، فيه الضحاك بن عثمان وفيه ضعف من قبل حفظه ولذلك قال الحافظ في التقريب (2972): صدوق يهم. وقد خولف في إسناده ومتنه، وتصحيح البيهقي له في السنن (5/ 133). وقال ابن التركماني في الجوهر النقي (5/ 132) وحديث أم سلمة مضطرب سندًا ومتنًا. وكذلك ضعفه ابن القيم وقال: "وحديث أم سلمة، قد أنكره الإمام أحمد وضعفه" تهذيب السنن (2/ 404).

باب رمي الجمار

قلت: رواه الشافعي بسند جيد موقوف على ابن عباس ولم يرفعه. (¬1) - ويروى: حتى يستلم الحجر فرفعه بعضهم. قلت: رواه الشافعي وأبو داود والترمذي والبيهقيّ من حديث (¬2) ابن عباس وقال: صحيح، وقال المصنف: رفعه بعضهم، وكذا قال أبو داود: وأخرجه تمام الرازي في "فوائده" ولفظه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لبّى في العمرة حتى استلم الحجر. باب رمي الجمار من الصحاح 1902 - رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يرمي على راحلته يوم النحر ويقول: "لتأخذوا عني مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه". قلت: رواه مسلم وأبو داود والنسائيّ ثلاثتهم فيه من حديث جابر ولم يخرجه البخاري. (¬3) 1903 - رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- رمى الجمرة بمثل حصى الخذف. ¬

_ (¬1) أخرجه الشافعي في المسند (878)، والبيهقيّ (5/ 104) موقوفًا، وقال الحافظ: أخرجه الشافعي عن ابن عباس بسند جيد. هداية الرواة (3/ 81). (¬2) أخرجه الشافعي في المسند (879)، وأبو داود (1817)، والترمذي (919)، وابن الجارود (451)، والبيهقيّ (5/ 10)، وتمام كما في الروض البسام (620)، وانظر: فوائد تمام (794). والمعروف في الصحيح كما سبق أنه لبّى حتى رمى الجمرة. (¬3) أخرجه مسلم (1297)، وأبو داود (1970) والنسائيّ (5/ 270).

قلت: رواه مسلم والترمذي والنسائيّ من حديث جابر. (¬1) 1904 - قال: رمى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجمرة يوم النحر ضحى، فأما بعد ذلك فإذا زالت الشمس. قلت: رواه الجماعة فيه إلا البخاري من حديث جابر، لكن معلقة. (¬2) 1905 - أنه انتهى إلى الجمرة الكبرى فجعل البيت عن يساره ومِنى عن يمينه، ورمى بسبع حصيات بكبر مع كل حصاة، ثم قال: هكذا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة. قلت: رواه الجماعة فيه من حديث عبد الله ابن مسعود. (¬3) وإنما ذكر سورة البقرة لأنَّ معظم المناسك مذكور فيها، وقال - صلى الله عليه وسلم -: خذوا عني مناسككم فتولى بيانها بنفسه. 1906 - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الاستجمار توّ، ورمي الجمار توّ، والسعي بين الصفا والمروة توّ، وإذا استجمر أحدكم فليستجمر بتوّ". قلت: رواه مسلم فيه من حديث جابر، وفيه: والطواف تو، قبل قوله: "وإذا استجمر أحدكم" واختصر المصنف هذه اللفظة، وقد أخرج البخاري من هذا الحديث "الإستجمار" خاصة، من حديث أبي هريرة. (¬4) وتو: بفتح التاء المثناة من فوق أي فرد. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1299)، والترمذي (897)، والنسائيّ (5/ 274). (¬2) أخرجه مسلم (1300)، وأبو داود (1971)، والترمذي (894)، وابن ماجه (3053)، والنسائيّ (5/ 270)، والبخاري معلقًا (قبل 1746)، وانظر: الفتح (3/ 479). (¬3) أخرجه البخاري (1747)، ومسلم (305)، وأبو داود (1974)، والنسائيّ (5/ 273)، والترمذي (901)، وابن ماجه (3030). (¬4) أخرجه مسلم (315/ 1300).

من الحسان

من الحسان 1907 - قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يرمي الجمرة يوم النحر على ناقة صهباء، ليس ضرب ولا طرد، وليس قيل إليك إليك". قلت: رواه الترمذي والنسائيّ وابن ماجه ثلاثتهم فيه وقد تقدم التنبيه عليه وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬1) قوله: على ناقة صهباء، والأصهب الذي يعلولونه صهبة، وهي كالشقرة، قاله الخطابي (¬2)، قال ابن الأثير (¬3): والمعروف أن الصهبة مختصة بالشعر وهي حُمرة يعلوها سَواد. 1908 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنما جُعل رمي الجمار، والسعي بين الصفا والمروة لإقامة ذكر الله عَزَّ وَجَلَّ". قلت: رواه أبو داود الترمذي كلاهما من حديث عائشة، وكذلك الحاكم وقال: على شرط مسلم، وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬4) 1909 - قالت: قلنا: يا رسول الله ألا نبني لك بناء يظلك بمنى؟، قال: "لا، مني مناخ من سبق". قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه ثلاثتهم فيه من حديث مُسَيْكة عن عائشة وحسنه الترمذي. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (903)، والنسائيّ (5/ 270)، وابن ماجه (3035) وإسناده صحيح. (¬2) غريب الحديث للخطابي (1/ 461). (¬3) النهاية (3/ 58). (¬4) أخرجه أبو داود (1888)، والترمذي (902)، والحاكم (1/ 459). (¬5) أخرجه أبو داود (2019)، والترمذي (881)، وابن ماجه (3006). وإسناده ضعيف، مسيكة مجهوله. انظر: التقريب (8683).

باب الهدي

باب الهدي من الصحاح 1910 - قال: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الظهر بذي الحليفة، ثم دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن، وسلت الدم، وقلدها نعلين، ثمَّ ركب راحلته فلما استوت به على البيداء أهل بالحج. قلت: رواه الجماعة في الحج إلا البخاري من حديث ابن عباس. (¬1) وأما ذو الحليفة: فتقدم الكلام عليه في المواقيت، وأما الإشعار: فهو أن يجرحها في صفحة سنامها الأيمن بحربة أو سكين أو حديدة أو نحوها ثمَّ يسلت الدم عنها، وأصل الإشعار والشعور: الإعلام والعلامة. وإشعار الهدي مستحب. وصفحة السنام: هي جانبه، والصفحة مؤنثة، فقوله: الأيمن بلفظ التذكير يتأول على أنه وصف لمعنى الصفحة لا للفظها، ويكون المراد بالصفحة الجانب، فكأنه قال: جانب سنامها الأيمن، وذهب الشافعي وجماعات إلى استحباب هذه الهيئة، وقال الإمام أبو حنيفة: الإشعار بدعة، لأنه مُثلة، وقال مالك: باستحبابه لكنه في الصفحة اليسرى، وهذا الحديث يشهد لقولنا أنه في الصفحة اليمنى. قوله: ثمَّ سلت الدم عنه، قال الزمخشري: أي مسح، وأصل السلت: القطع والعسر وسلت القصعة: لحستها، وسلتت المرأة حملها أي أزالته، وقال ابن الأثير: معناه أماط الدم عنه. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1243)، أبو داود (1752)، والنسائيّ (5/ 170) والترمذي (906)، وابن ماجه (3097). (¬2) النهاية (2/ 348).

قوله: ثم ركب راحلته، يعني غير التي أشعرها. 1911 - أهدى النبي -صلى الله عليه وسلم- مرة إلى البيت غنما فقلّدها. قلت: رواه الجماعة فيه إلا الترمذي من حديث الأسود عن عائشة (¬1). وهذا يدل على مشروعية تقليد الغنم، وقد قال باستحبابه العلماء كافة، إلا مالكًا وقال صاحبه القاضي عياض لعله لم يبلغه الحديث الثابت، واتفق العلماء على أنها لا تشعر، وقال الشافعي البقر تشعر كالإبل. 1912 - قال: ذبح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن عائشة بقرة يوم النحر. قلت: رواه مسلم من حديث جابر ولم يخرجه البخاري. (¬2) 1913 - وعنه: نحر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن نسائه بقرة في حجته. قلت: رواه مسلم فيه من حديث جابر ولم يخرجه البخاري أيضًا. (¬3) 1914 - قالت: فتلت قلائد بُدن النبي -صلى الله عليه وسلم- بيدي، ثمَّ قلدها وأشعرها وأهداها فما حَرُم عليه شيء كان أُحِلَ له. قلت رواه الجماعة إلا الترمذي من حديث عائشة رضي الله عنها. (¬4) 1915 - قالت: فتلت قلائدها من عِهْنٍ كان عندي ثمَّ بعث بها مع أبي. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1701)، ومسلم (367)، وأبو داود (1755)، والنسائيّ (5/ 173)، وابن ماجه (3096). (¬2) أخرجه مسلم (1319). (¬3) أخرجه مسلم (1319). (¬4) أخرجه البخاري (1696)، ومسلم (1321)، وأبو داود (1757)، والنسائيّ (5/ 171)، وابن ماجه (3094).

قلت: رواه الشيخان فيه من حديث عائشة. (¬1) والعِهْن: بكسر العين المهملة وسكون الهاء وبالنون هو الصوف، والقطعة منه عهنة والجمع عهون. 1916 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلًا يسوق بَدَنة فقال: "اركبها"، فقال: إنها بَدَنة قال: "اركبها، ويلك، في الثانية أو الثالثة". قلت: رواه الشيخان وأبو داود والنسائيّ أربعتهم فيه من حديث أبي هريرة. (¬2) 1917 - سُئل جابر بن عبد الله عن ركوب الهَدْي فقال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اركبها بالمعروف إذا أُلجِئْت إليها، حتى تجد ظهرا". قلت: رواه مسلم وأبو داود والنسائيّ ثلاثتهم فيه من حديث أبي الزبير قال: سمعت جابر بن عبد الله يُسأل .. وساقه، ولم يخرج البخاري عن جابر في هذا شيئًا. (¬3) وقد استدل بهذا من يرى أنها لا تركب إلا عند الاضطرار إلى ذلك، والحديث الذي قبله يشهد لما قاله الشافعي ومالك وأحمد: من جواز ركوبها غير مضربها وله الحمل عليها. 1918 - بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ست عشرة بدنة مع رجل، وأمَّرَهُ، فقال: يا رسول الله كيف أصنع بما أبدع عليّ منها؟ قال: "انحرها، ثمَّ اصبغ نعليها في دمها ثمَّ اجعلها على صفحتها، ولا تأكل منها أنت ولا أحد من رفقتك". قلت: رواه مسلم وأبو داود والنسائيّ ثلاثتهم فيه من حديث ابن عباس، وقال أبو داود: ثمان عشرة. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1705)، ومسلم (1321). (¬2) أخرجه البخاري (1689)، ومسلم (1322)، والنسائيّ (5/ 167)، وأبو داود (1760). (¬3) أخرجه مسلم (1324)، وأبو داود (1761)، والنسائيّ (5/ 177). (¬4) أخرجه مسلم (1325)، وأبو داود (1763)، والنسائيّ (4136).

قوله: كيف أصنع بما أبدع عليّ منها، قال في المشارق (¬1): هو بضم الهمزة وكسر الدال وفتح العين، قال بعضهم: هكذا استعملت هذه اللفظة فيمن وقفت به دابته وأعيت كلالا، وقيل لا يكون الإبداع إلا مع ضلع. قوله: ثمَّ أصبغ نعلها في دمها أي النعل التي قلدها، وقد جاء في رواية الترمذي: ثمَّ ألق قلائدها في دمها، وخل بينها وبين المساكين يأكلون منها، وهذا الحكم في الهدي عند الشافعي إذا كان واجبًا، أما إذا كان تطوعًا، فقال له: أن يتموله ويأكله ولا شيء عليه، وذهب بعضهم إلى أن التقليد كالإيجاب فلا يحل له ولا لرفقته، فمن أكل شيئًا غرمه حيث كان الهدي واجبًا، فليس للمهدي ولا لرفقته الأكل منه إذا عطب قبل محله، وإن كانوا فقراء، لهذا الحديث، وإنما منعت الرفقة من ذلك سدًّا للذريعة، لئلا يتوصل بعض الناس إلى نحره أو تعييبه قبل أوانه. والرفقة: بضم الراء وكسرها لغتان مشهورتان. (¬2) 1919 - نحرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الحديبية البدنة: عن سبعة والبقرة: عن سبعة. قلت: رواه الجماعة فيه إلا البخاري من حديث جابر بن عبد الله. (¬3) 1920 - أنه أتى على رجل قد أناخ بدنته ينحرها، فقال: ابعثها قيامًا مقيّدة سنة محمد صلى الله عليه وسلم. قلت: رواه الشيخان وأبو داود والنسائي أربعتهم فيه من حديث ابن عمر. (¬4) ¬

_ (¬1) مشارق الأنوار (1/ 80 - 81). (¬2) المنهاج للنووي (9/ 111 - 112) يقال: أبدعت الناقة إذا انقطعت عن السير. (¬3) أخرجه مسلم (1318)، وأبو داود (2807) (2808) (2809)، والنسائيّ (7/ 222)، والترمذي (904)، وابن ماجه (3132). (¬4) أخرجه البخاري (1713)، ومسلم (1320)، وأبو داود (1768)، والنسائيّ في الكبرى (4134).

قوله: قد أناخ بدنته: في موضع جرّ صفة لرجل، وينحرها: في موضع نصب، نعتًا لبدنته أو حالًا منها، والعامل أناخ، وقيامًا: نصب على الحال، وهو بمعنى قائمةً، والعامل فعل محذوف دلت عليه قرينة الحال أي انحرها قائمة مقيدة، ولا يجوز أن يكون العامل ابعثها لأنَّ البعث إنما يكون قبل القيام، فاجتماعهما في حالة واحدة غير ممكن. قوله: سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، مفعول بفعل مضمر أي مقتفيًا في نحرها سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويستحب نحر الإبل وهي قائمة، معقولة اليد اليسرى، لما صح في سنن أبي داود (¬1) من حديث جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى، قائمة على ما بقي من قوائمها، وإسناده على شرط مسلم. وهذا مذهب الشافعي ومالك وأحمد وقال الإمام أبو حنيفة والثوري يستوي نحرها قائمة وباركة في الفضيلة. 1921 - أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أقوم على بدنه، وأن أتصدق بلحمها وجلودها وأجلتها، وأن لا أعطي الجزار منها، قال: "نحن نعطيه من عندنا". قلت: رواه الجماعة هنا إلا الترمذي من حديث علي بن أبي طالب ولم يقل البخاري نحن نعطيه من عندنا. (¬2) قال أهل اللغة: سميت البدنة بدنة لعظمها وتطلق على الذكر والأنثى، وتطلق على الإبل والبقر والغنم، هذا قول أكثر أهل اللغة، ولكن معظم استعمالها في الأحاديث وفي كتب الفقه في الإبل خاصة، وفي الحديث دليل على أن ما ذبح قربةٌ إلى الله تعالى لا يجوز بيع شيء منه، ولهذا منع أن يعطى الجزار منها، لأنَّ عطيته عوض عن عمله، فيكون في معنى بيع جزء منها، ومذهبنا أنَّه لا يجوز بيع جلد الهدي، ولا الأضحية، ¬

_ (¬1) انظر: مختصر سنن أبي داود للمنذري (2/ 296)، باب كيف تنحر البدن؟. (¬2) أخرجه البخاري (1717)، ومسلم (1317)، وأبو داود (1769)، والنسائيُّ في الكبرى (2142)، وابن ماجه (3099).

من الحسان

ولا شيء من أجزائها سواء كانا تطوعًا أو واجبتين، لكن إن كان تطوعًا فله الانتفاع بالجلد وغيره، ولا يجوز إعطاء الجزار منها شيئًا، بسبب جزارته، فأما إذا تصدق عليه فلا بأس. 1922 - كنا لا نأكل من لحوم بُدننا فوق ثلاث، فرخّص لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "كلوا وتزوّدوا، فأكلنا وتزوّدنا". قلت: رواه الشيخان والنسائيُّ هنا من حديث جابر. (¬1) وأعلم أنَّه إذا كان الهدي تطوعًا يجوز للمهدي أن يأكل منه وكذلك أضحية التطوع، فأما ما كان واجبًا مثل دم التمتع والقران وإفساد الحج ونحو ذلك، فلا يجوز للمهدي أن يأكل منها شيئًا عند الشافعي. من الحسان 1923 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أَهدي عام الحديبية في هدايا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جملا كان لأبي جهل، في رأسه بُرَة من فضة، يغيظ بذلك المشركين. - ويروى: بُرة من ذهب. قلت: رواه أبو داود هنا من حديث ابن عباس وفي إسناده: محمَّد بن إسحاق. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1719)، ومسلم (1972)، والنسائيُّ في الكبرى (4141)، وفي الصغرى (7/ 233). (¬2) أخرجه أبو داود (1749). وكذلك ابن ماجه (3100) (3076). = = وفي إسناده محمَّد بن إسحاق ولم يصرح بالتحديث وقد توبع ابن إسحاق على رواية هذا الحديث من طريق ابن أبي ليلى من الحكم عن مقسم عن ابن عباس عند أحمد (1/ 234) وكذلك عن مجاهد عن ابن عباس عند أحمد أيضًا (1/ 269) وبه يكون الحديث حسنًا إن شاء الله. وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث عند أحمد أيضًا (1/ 261).

والبرة: بضم الباء الموحدة وبعدها راء مهملة مفتوحة مخففة وتاء تأنيث، حلقة تجعل في أنف البعير من صفر وغيره، وجمعها برون في حال الرفع وبرين في حال النصب والخفض، وفيه جواز استعمال اليسير من الذهب والفضة وكان هذا الجمل معروفًا فأخذه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سلبه. 1924 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "البدنة عن سبعة والجزور عن سبعة". قلت: رواه أبو داود في الأضاحي من حديث جابر ولم يضعفه فهو صالح. (¬1) والبدنة: تقدم الكلام عليها في الباب قبله، والجزور: بالجيم والزاي المعجمة والواو والراء المهملة، البعير ذكرًا كان أو أنثى إلا أن اللفظة مؤنثة تقول هذه الجزور وإن أردت ذكرا والجمع جزر وجزاير. 1925 - كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر فحضر الأضحى، فاشتركنا في البقرة سبعة وفي الجزور عشرة. غريب. قلت: رواه أحمد والترمذي وابن ماجه كلهم في الأضاحي ورواه النسائي أيضًا من حديث ابن عباس (¬2)، وقال الترمذي: حسن غريب انتهى، ورجاله رجال مسلم إلا عكرمة فإنَّه وإن كان لم يخرج له مسلم إلا مقرونًا، فقد أخرج له البخاري محتجًا به. تنبيه: وعزا المزي رواية الترمذي إلى الحج، وهو وهم، والصواب ما قلناه. 1926 - قال: قلت: يا رسول الله كيف أصنع بما عطب من البدن؟ قال: "انحرها ثمَّ اغمس فنعلها في دمها، ثمَّ خَلِّ بين الناس وبينها فيأكلونها". قلت: رواه الأربعة هنا من حديث ناجية الخزاعي وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2807). (¬2) أخرجه أحمد (1/ 275)، والترمذي (905)، والنسائيُّ (7/ 222)، وابن ماجه (3131) وإسناده حسن. (¬3) أخرجه الترمذي (910)، والنسائيُّ في الكبرى (4137)، وأبو داود (1762)، وابن ماجه (3106) =

باب الحلق

1927 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن أفضل الأيام عند الله يوم النحر، ثمَّ يوم القَرّ". قال وأتي النبي -صلى الله عليه وسلم- ببدنات خمس أو ست، فطفقن يزدلفن إليه، بأيتهن يبدأ، فلما وجبت جُنوبها، قال: فتكلم بكلمة خفية لم أفهمها، فسألت الذي يليه فقال: قال: "من شاء فليقتطع". قلت: رواه أبو داود والنسائي كلاهما هنا من حديث عبد الله بن قرط (¬1) وكان اسمه شيطان بن قرط فسماه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عبد الله وهو بضم القاف وسكون الراء المهملة وبعدها طاء مهملة أيضًا. والقر: بفتح القاف، وهو اليوم الذي يلي يوم النحر، لأنَّ الناس يقرون فيه بمنى. وطفق يفعل كذا أي: جعل وهو بفتح الطاء وكسر الفاء، ويزدلفن: معناه يقتربن وهو يفتعلن من القرب. فأبدل التاء دالًا، ووجبت جنوبها: زهقت أنفسها فسقطت على جنوبها. باب الحلق من الصحاح 1928 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حلق رأسه في حجة الوداع، وأناس من أصحابه، وقصّر بعضهم. قلت: رواه الشيخان والترمذي ثلاثتهم في الحج من حديث ابن عمر ورواه أبو داود مختصرًا. (¬2) ¬

_ = وإسناده صحيح. (¬1) أخرجه أبو داود (1765)، والنسائيُّ في الكبرى (4098). وانظر: الإرواء (1958). (¬2) أخرجه البخاري (1726)، ومسلم (1301)، والترمذي (913)، وأبو داود (1980).

1929 - قال: لي معاوية أني قصّرت من رأس النبي - صلى الله عليه وسلم - عند المروة بمِشْقَص. قلت: رواه الشيخان وأبو داود والنسائيُّ كلهم فيه من حديث ابن عباس عن معاوية. (¬1) وهذا لا يعارض حديث ابن عمر الذي قبله، لأنَّ حديث ابن عمر في الحلق كان في حجة الوداع، وحديث معاوية كان في عمرة الجعرانة، التي اعتمرها النبي -صلى الله عليه وسلم- لما فتح مكة سنة ثمان من الهجرة، وحديث ابن عمر قال فيه أنَّه كان في حجة الوداع وهي في العاشرة. 1930 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في حجة الوداع: "اللهم ارحم المحلّقين"، قالوا: والمقصّرين يا رسول الله؟ قال: "اللهم ارحم المحلّقين"، قالوا: والمقصّرين يا رسول الله؟، قال: "والمقصرين". قلت: رواه الشيخان وأبو داود ثلاثتهم من حديث ابن عمر. (¬2) قال ابن الأثير (¬3): إنما خص المحلقين بالدعاء دون المقصرين، وهم الذين أخذوا من أطراف شعورهم، ولم يحلقوا، لأنَّ أكثر من أحرم مع النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن معهم هدي، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد ساق الهدي، ومن معه هدي فإنه لا يحلق حتى ينحر هَدْيه، فلما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- من ليس معه هدي أن يحلق ويُحل وجدوا في أنفسهم من ذلك، وأحبوا أن يأذن لهم في المُقام على إحرامهم حتى يُكملوا الحج، وكانت طاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- أولى لهم فلما لم يكن لهم بد من الإحلال كان التقصير في نفوسهم أخف من الحلق، فمال كثير ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1730)، ومسلم (1236)، وأبو داود (1802)، والنسائي (5/ 244). (¬2) أخرجه البخاري (1727)، ومسلم (1301)، وأبو داود (1979). (¬3) النهاية لابن الأثير (1/ 427).

منهم إليه، وكان فيهم من بادر إلى الطاعة وحلق ولم يراجع، فلذلك قدم المحلقين وأخر المقصرين. 1931 - ويروى: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع دعا للمحلقين ثلاثًا وللمقصرين مرة. قلت: رواه مسلم فيه من حديث يحيى بن حصين عن جدته أنها سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- وساقه. (¬1) 1932 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتى منى، فأتى الجمرة فرماها، ثمَّ أتى منزله بمنى ونحر نسكه، ثمَّ دعا بالحلّاق، وناول الحالق شقه الأيمن فحلقه، ثمَّ دعا أبا طلحة الأنصاري فأعطاه إياه، ثمَّ ناوله الشق الأيسر، فقال: "احلق"، فحلقه فأعطاه أبا طلحة، فقال: "اقسمه بين الناس". قلت: رواه الشيخان وأبو داود ثلاثتهم فيه وابن حبَّان من حديث أنس. (¬2) وفي الحديث: استحباب البداءة بالرمي ثمَّ بالنحر ثمَّ بالحلق، وبهذا أخذ الشافعي فقال: يستحب في الحلق البداءة بالجانب الأيمن، وقال الإمام أبو حنيفة: يبدأ بالجانب الأيسر، واسم هذا الذي حلق لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: معمر بن عبد الله العدوي، وفي صحيح البخاري قال: زعموا أنَّه معمر بن عبد الله. وقيل اسمه: خراش بكسر الخاء المعجمة وآخره شين معجمة، ابن أمية، واسم أبي طلحة: زيد بن سهل الأنصاري وهو الذي حفر قبره - صلى الله عليه وسلم - ولحده. (¬3) 1933 - كنت أطيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يحرم، ويوم النحر قبل أن يطوف بالبيت، بطيب فيه مسك. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1303) عن أم الحصين. (¬2) أخرجه البخاري (1719)، ومسلم (1305)، وأبو داود (1982)، وابن حبَّان (3879). (¬3) انظر: ترجمة أبي طلحة في الإصابة (2/ 607).

من الحسان

قلت: رواه الجماعة فيه من حديث عائشة ولم يذكر البخاري ولا أبو داود المسك. (¬1) 1934 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفاض يوم النحر، ثمَّ رجع فصلّى الظهر بمنى. قلت: رواه مسلم فيه من حديث ابن عمر يرفعه ولم يخرجه البخاري. (¬2) من الحسان 1935 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن تحلق امرأة رأسها. قلت: رواه الترمذي فيه من حديث علي رضي الله عنه، وقال: فيه اضطراب، قال: ورُوي هذا الحديث عن حماد بن سلمة عن قتادة. عن عائشة ترفعه، والعمل على هذا عند أهل العلم انتهى. (¬3) 1936 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ليس على النسائي الحلق إنما على النساء التقصير". قلت: رواه أبو داود فيه من حديث ابن عباس وسكت عليه فهو صالح للاحتجاج به. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1539)، ومسلم (1191)، وأبو داود (1745)، والترمذي (917)، والنسائيُّ (5/ 137)، وابن ماجه (2926). (¬2) أخرجه مسلم (308). (¬3) أخرجه الترمذي (915). وفيه اضطراب فإنَّه قد رواه همام عن قتادة عن خلاس بن عمرو، مرة مسندًا بذكر علي، ومرة مرسلًا من غير ذكر علي، انظر: الضعيفة (678). (¬4) أخرجه أبو داود (1984) (1985)، والدراقطني (2/ 271). وقد ضعفه الزيلعي في نصب الراية (3/ 96) وتكلم عليه ابن القطان في الوهم والإيهام (1/ 545 حديث 546). وقد صحح الحديث ابن أبي حاتم في العلل (1/ 281)، وقال الحافظ في التلخيص: إسناده حسن (2/ 498). وانظر: الصحيحة (605).

فصل

فصل من الصحاح 1937 - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه، فجاءه رجل، فقال: لم أَشْعُر فحلفت قبل أن أذبح؟ فقال: "اذبح ولا حرج"، فجاءه آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي، فقال: "ارم ولا حرج"، فما سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن شيء قُدّم ولا أخّر، إلا قال: "افعل ولا حرج". قلت: رواه الجماعة في الحج من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. (¬1) واعلم أن الذي يُفعل يوم النحر أربعة: رمي جمرة العقبة، ثمَّ الذبح، ثمَّ الحلق، ثمَّ طواف الإفاضة، وترتيبها كذلك مستحب عند الشافعي، فلو قدّم وأخّر فلا شيء عليه، وقال الإمام أبو حنيفة ومالك أنَّه لو قدم الحلق على الرمي والطواف لزمه دم، وهو قول للشافعي ضعيف، بناه على قوله: أن الحلق ليس بنسك وهو ضعيف أيضًا. - وفي رواية: أتاه رجل فقال: حلقت قبل أن أرمي، قال: "ارم ولا حرج" وأتاه آخر فقال: أفضت إلى البيت قبل أن أرمي، قال: "ارم ولا حرج". قلت: رواها الشيخان من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. (¬2) 1938 - كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُسأل يوم النحر بمنى فيقول: لا حرج، فسأله رجل فقال: رميت بعد ما أمسيت؟ فقال: "لا حرج". قلت: رواه البخاري فيه من حديث ابن عباس. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1736)، ومسلم (1306)، وأبو داود (2014)، والترمذي (916)، والنسائيُّ في الكبرى (4107)، وابن ماجه (3051). (¬2) أخرجها البخاري (124)، ومسلم (333/ 1306). (¬3) أخرجه البخاري (1723) (1735).

من الحسان

من الحسان 1939 - أتاه رجل فقال: يا رسول الله أني أفضت قبل أن أحلق؟ قال: "احلق أو قصّر ولا حرج"، وجاءه آخر، فقال: ذبحت قبل أن أرمي؟ قال: "ارم ولا حرج". قلت: رواه أحمد وأشار إليه الترمذي فيه من حديث علي رضي الله عنه. (¬1) باب خطبته يوم النحر ورمي أيام التشريق والتوديع من الصحاح 1940 - خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر قال: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مُضَر الذي بين جمادى وشعبان، قال: أي شهر هذا؟ فقلنا: الله ورسوله أعلم، قال: أليس ذا الحجة؟ قلنا: بلى، قال: أي بلد هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: أليس البلدة؟ قلنا: بلى، قاله فأي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: أليس يوم النحر؟ قلنا: بلى، قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، وستلقون ربكم، فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي ضُلّالًا، يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد، فليبلغ الشاهدُ الغائبَ، فرب مبلغ أوعى من سامع". ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (1/ 157)، والترمذي (885) قال: حديث حسن صحيح، وفيه عبد الرحمن ابن عياش قال الحافظ في التقريب: صدوق له أوهام (ت 3831).

قلت: رواه الشيخان: البخاري في مواضع منها: في التفسير وفي بدء الخلق وفي العلم وفي الحج وفي بعضها اخصار، ومسلم في الديات، والنسائيُّ في الحج من حديث أبي بكرة واسمه نفيع. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، قال جمهور العلماء: معناه أنهم في الجاهلية كانوا يتمسكون بملة إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - في تحريم الأشهر الحرم، وكان يشق عليهم تحريم القتال ثلاثة أشهر متوالية، فكانوا إذا احتاجوا إلى قتال أخّروا المحرم إلى الشهر الذي بعده، وهو صفر، ثمَّ يؤخرونه في السنة الأخرى إلى شهر آخر وهكذا، يفعلون في سنة بعد سنة، حتى اختلط عليهم الأمر، فصادف حجة النبي -صلى الله عليه وسلم- تحريمهم المطابق للشرع، وكانوا في تلك السنة قد حرموا ذا الحجة، لموافقة الحساب الذي ذكرناه، فأخبر - صلى الله عليه وسلم - الاستدارات صادفت ما حكم الله به يوم خلق السموات والأرض. وقال أبو عبيد: كانوا ينسؤن أي يؤخرون وهو الذي قال الله فيه: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ}، فربما احتاجوا إلى الحرب في المحرم، فيؤخرون تحريمه إلى صفر، ثمَّ يؤخرون صفر في سنة أخرى، فصادف في تلك السنة رجوع المحرم إلى موضعه، وأما ذو القعدة: فبفتح القاف، وذو الحجة: بكسر الحاء، على المشهور، ويجوز في لغة قليلة كسر القاف، وفتح الحاء. واختلفوا في الإذن المستحب في كيفية عد الأشهر الحرم، فقالت طائفة: تعد من سنة واحدة، فيقال: المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة، وقال جماهير العلماء: هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، ثلاثة سرد، وواحد فرد، لهذا الحديث وغيره من الأحاديث الصحيحة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في التفسير (4406)، وبدء الخلق (3197)، والعلم (105)، والحج (1741)، ومسلم (1679)، والنسائيُّ في الكبرى (4091) (4092).

قوله - صلى الله عليه وسلم -: ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان، إنما قيّد هذا التقييد مبالغة في إيضاحه، وقد كان بين مضر وبين بني ربيعة اختلاف في رجب، وكانت مضر تجعل رجبًا هذا الشهر المعروف، وهو الذي بين جمادى وشعبان، وكانت ربيعة تجعله رمضان، فلهذا أضافه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى مضر، وقيل: لأنهم كانوا يعظمونه أكثر من غيرهم، قوله - صلى الله عليه وسلم -: أليس البلدة، أي البلدة المحرمة، قال تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا} وقال: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} ويقال: إن البلدة اسم خاص لمكة. قوله - صلى الله عليه وسلم -: وأعراضكم، قال في النهاية (¬1): العرض موضع المدح والذم من الإنسان، سواء كان في نفسه أو في سَلَفه، أو من يلزمه أمره، وقيل: هو جانبه الذي يصونه من نفسه وحَسَبه، ويُحامِي عنه أن ينتقص، وقال ابن قتيبة: عِرض الرجل: نفسه وبدنه لا غير، واحتج بما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في وصف أهل الجنة: لا يتغوطون ولا يبولون وإنما هو عرق تجري من أعراضهم مثل ريح المسك، يعني من أبدانهم، والأول أولى، ولو كان المراد من الأعراض النفوس، لكان ذكر الدماء كافيًا، لأنَّ المراد من الدماء النفوس. 1941 - قال: سألت ابن عمر متى أرمي الجمار؟ قال: إذا رمى إمامُك فارمه، فأعدت عليه المسألة، فقال: كنا نتحين، فإذا زالت الشمس رمينا. قلت: رواه البخاري وأبو داود من حديث وبرة بن عبد الرحمن ولم يخرجه مسلم. (¬2) قوله: كنا نتحين أي يتفعّل من الحين أي يطلب الحين وهو الزمان. 1942 - سالم عن ابن عمر أنَّه كان يرمي جمرة الدنيا بسبع حصيات، يكبر على أثر كل حصاة، ثمَّ يتقدم حتى يُسهِل فيقوم مستقبل القبلة طويلًا، ويدعوا ويرفع يديه، ثمَّ ¬

_ (¬1) النهاية لابن الأثير (3/ 209). (¬2) أخرجه البخاري (1746)، وأبو داود (1972).

يرمي الوسطى بسبع حصيات، يكبر كلما رمى بحصاة، ثمَّ يأخذ بذات الشمال فيسهل ويقوم مستقبل القبلة، ثمَّ يدعو ويرفع يديه ويقوم طويلًا، ثمَّ يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي بسبع حصيات، يكبّر عند كل حصاة، ولا يقف عندها، ثمَّ ينصرف، فيقول: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله. قلت: رواه البخاري والنسائيُّ كلاهما في الحج من حديث الزهري عن سالم عن ابن عمر. (¬1) قوله: الجمرة الدنيا، يعني التي تلي مسجد الخيف وهي تأنيث الأدنى، وإنما وصفت بالدنيا لأنها أقرب إلى الجبل، وإلى منازل النازلين عند مسجد الخيف وهناك مناخ النبي -صلى الله عليه وسلم-. قوله: حتى يسهل، يقال أسهل يسهل إذا صار إلى السهل من الأرض وهو ضد الحزن أراد به صار إلى بطن الوادي. 1943 - استأذن العباس بن عبد المطلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، فأذن له. قلت: رواه الشيخان وأبو داود من حديث نافع عن ابن عمر. (¬2) واتفق العلماء على أن المبيت بمنى ليالي أيام التشريق مأمور به، واختلفوا هل هو واجب أم سنة؟ والأصح من مذهب الشافعي أنَّه واجب، وبه قال مالك وأحمد، وقال أبو حنيفة وآخرون: هو سنة، ومن أوجبه أوجب الدم بتركه، لكن يجوز لأهل السقاية أن يتركوا المبيت ويذهبوا إلى مكة ليسقوا الماء بالليل من زمزم، ويجعلوه في الحياض مسبلًا للشاربين، ولا يختص ذلك عند الشافعي بآل العباس ولا بسقايته، بل لو حدثت ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1752). (¬2) أخرجه البخاري (1634)، ومسلم (1315)، وأبو داود (1959).

سقاية أخرى كان حكمها كذلك، ورعاة الإبل كأهل السقاية، وعلى هذا القياس من له متاع يخشى عليه، أو مريض يريد تعهده جاز له ترك المبيت بها. 1944 - إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاء إلى السقاية فاستسقى، فقال العباس: يا فضل اذهب إلى أمك فات رسول الله بشراب من عندها، فقال: اسقني، فقال: يا رسول الله أنهم يجعلون أيديهم فيه، فقال: "اسقني"، فشرب منه، ثمَّ أتى زمزم وهم يسقون ويعملون فيها، فقال: "اعملوا فإنكم على عمل صالح"، ثمَّ قال: "لولا أن تُغلبوا لنزلت حتى أضع الحبل على هذه وأشار إلى عانقه". قلت: رواه البخاري من حديث ابن عباس. (¬1) 1945 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثمَّ رقد رقدة بالمحصّب، ثمَّ ركب إلى البيت فطاف به. قلت: رواه البخاري والنسائيُّ من حديث أنس. (¬2) والمحصّب: بضم الميم وفتح الحاء والصاد المهملتين وتشديد الصاد، هو الشعب الذي مخرجه إلى الأبطح بين مكة ومنى، والتحصيب هو إذا نفر من منى إلى مكة للتوديع بعد الفراغ من الرمي أن يقيم بالشعب الذي يخرج منه إلى الأبطح حتى يرقد ساعة من الليل ثمَّ يدخل مكة، واستحب الشافعي ومالك النزول بالمحصب للحاج عملًا بهذا الحديث. قوله: بالمحصب تنازع فيه الفعلان وهما صلى ورقد. 1946 - سئل أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أين صلى الظهر والعصر يوم التروية؟ قال: بمنى، قبل: فأين صلى العصر يوم النفر؟ قال: بالأبطح، ثمَّ قال: افعل كما يفعل أمراؤك. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1635). (¬2) أخرجه البخاري (1756)، والنسائيُّ في الكبرى (4204).

قلت: رواه الجماعة إلا ابن ماجه من حديث عبد العزيز بن رفيع، قال: سألت أنس بن مالك، قلت: أخبرني بشيء عقلته عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أين صلى ... الحديث، وليس في مسلم: وكذا العصر يوم التروية. (¬1) ولما اتصل المحصب بالأبطح لم يفرق الراوي بينهما فذلك ذكر في الحديث الذي قبل هذا، أنَّه صلى العصر بالمحصب وفي هذا بالأبطح وكلاهما من حديث أنس. 1947 - نزول الأبطح ليس بسنة، إنما نزله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأنه كان أسمح لخروجه إذا خرج. قلت: رواه مسلم بهذا اللفظ من حديث عائشة وأخرجه البخاري ولم يقل فيه: نزول الأبطح ليس بسنة، وكذلك بقية أصحاب السنن. (¬2) تنبيه: قال المزي في الأطراف (¬3): حديث نزول الأبطح ليس بسنة، رواه البخاري عن أبي نعيم عن سفيان عن هشام عن أبيه عن عائشة، وليس كما قال، إنما لفظه: إنما كان منزلًا نزله النبي -صلى الله عليه وسلم- ليكون أسمح لخروجه يعني بالأبطح، ولهذا قال عبد الحق: تفرد مسلم بقول عائشة: نزول الأبطح ليس بسنة. ومعنى أسمح لخروجه: أي أسهل لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان ينزل بالأبطح فيترك به نعله ومتاعه، ثمَّ يدخل مكة ليكون خروجه منها أسهل. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1653)، ومسلم (1309)، وأبو داود (1912)، والترمذي (964)، والنسائيُّ (5/ 249). (¬2) أخرجه البخاري (1765)، ومسلم (1311)، وأبو داود (2008)، والترمذي (923)، وابن ماجه (3067)، والنسائيُّ في الكبرى (4207). (¬3) انظر تحفة الأشراف للمزي (12/ 149) حديث (16912) وقد ذكره أيضًا برقم (16788)، وقال: رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن حفص بن غياث عن هشام عن أبيه عن عائشة.

1948 - أحرمت من التنعيم بعمرة، فدخلت فقضيت عمرتي، وانتظرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالأبطح حتى فرغت فأمر الناس بالرحيل، فخرج فمر بالبيت، فطاف به قبل صلاة الصبح، ثمَّ خرج إلى المدينة. قلت: لم أقف على هذا الحديث بجملته في شيء من الصحيحين إنما الذي في الصحيحين القطعة الأخيرة منه وهي قولها: فأمر الناس بالرحيل إلى آخره، وأول الحديث معناه في الصحيحين لا لفظه، ولفظه في أبي داود (¬1) هذا ما ظهر لي بعد الكشف. 1949 - كان الناس ينصرفون في كل وجه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا ينفرنّ أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت، إلا أنَّه خُفف عن الحائض". قلت: رواه مسلم في حديثين آخر الأوّل منهما: حتى يكون عهده بالبيت والحديث الثاني: عن ابن عباس قال: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنَّه خفف عن المرأة الحائض، وروى هذا الثاني البخاري أيضًا ورواه الشافعي في حديثين كمسلم، ورواهما المصنف في شرح السنة من طريق الشافعي ونبّه على أن الأوّل من إفراد مسلم. (¬2) والطواف ثلاثة: طواف القدوم: وهو سنة لا شيء على من تركه، وطواف الإفاضة: وهو ركن لا يقوم شيء مقامه، وطواف الوداع: وهو واجب من تركه فعليه دم إلا الحائض والنفساء لا شيء عليهما. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2005)، وأخرج معناه عن عائشة في حديث طويل، البخاري (1560) (1788)، ومسلم (1211). (¬2) أخرجه الشافعي (1/ 362)، ومسلم (1327)، وأخرجه الشافعي أيضًا (1/ 364)، ومسلم (1328)، وكذلك البخاري (1755)، والبغويّ في شرح السنة (7/ 232).

من الحسان

1950 - حاضت صفية ليلة النفر، فقالت: ما أراني إلا حابستكم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "عَقْرى حَلْقى، أطافت يوم النحر؟ " قيل: نعم. قال: "فانفِري". قلت: رواه الشيخان وأبو داود والنسائيُّ من حديث عائشة واللفظ للبخاري. (¬1) ومعنى الحديث: أن صفية أم المؤمنين حاضت قبل طواف الوداع، فلما أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- الرجوع إلى المدينة قالت: ما أراني إلا حابستكم، لانتظار طهري وطوافي للوداع، لأني لم أطف للوداع، وقد حضت، وظننت أن طواف الوداع لا يسقط عن الحائض، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أما كنت طفت طواف الإفاضة يوم النحر؟ قالت: بلى، قال: يكفيك ذلك" لأنه هو الركن لا يسقط بوجه. وأما عقرى حلقى: فهكذا رواه المحدثون بالألف التي هي ألف التأنيث ويكتبونه بالياء ولا ينوّنونه وهو فصيح صحيح، قال الأزهري (¬2): قال أبو عبيد: معنى عقرى، عقرها الله، وحلقى: حلقها الله، قال يعني: عقر الله جسدها وأصابها يوجع في حلقها، وهذا على عادة العرب في الدعاء على الشيء من غير إرادة لوقوعه. من الحسان 1951 - سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "في حجة الوداع: أي يوم هذا؟ " قالوا: يوم الحج الأكبر، قال: "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، ألا لا يجني جان إلا على نفسه، ألا لا يجني جان على ولده، ولا مولود على والده، ألا وإن الشيطان قد أيس أن يعبد في بلدكم هذا أبدًا، ولكن ستكون له طاعة فيما تحتقرون من أعمالكم فسيرضى به". (صحيح). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1771) (1772)، ومسلم (1211)، وأبو داود (2003)، وابن ماجه (3073)، والنسائيُّ في الكبرى (4191). (¬2) تهذيب اللغة للأزهري (1/ 215 - 216).

قلت: رواه الترمذي من حديث عمرو بن الأحوص وقال: حديث حسن صحيح. ويوم الحج: هو يوم العيد الأكبر يوم الأضحى كذا جاء في الصحيحين. (¬1) 1952 - رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى على بغلة شهباء، وعليّ يعبّر عنه، والناس بين قائم وقاعد. قلت: رواه أبو داود والنسائيُّ من حديث رافع بن عمرو، ولم يضعفه أبو داود. (¬2) والشهبة: البياض الذي غلب على السواد، قاله المنذري، وقال ابن الأثير (¬3): الشهبة: البياض، وفي حديث حليمة "خرجت في سنة شهباء، أي ذات قحط وجَدْب، والشهباء: الأرض التي لا خضرة فيها لقلة المطر، فسميت سنة الجدب بها، واسم هذه البغلة الدلدل أهداها له المقوقس وكان يركبها - صلى الله عليه وسلم - في الأسفار قيل هي أول شهباء كانت في الإسلام وقيل أول بغلة رئيت في الإسلام وعاشت إلى زمن معاوية وكانت لها الشعير. (¬4) قوله: وعليّ يعبر عنه، أي يبلغ عنه. 1953 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخّر طواف الزيارة يوم النحر إلى الليل. قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث أبي الزبير عن عائشة وابن عباس، وقال الترمذي: حديث حسن. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2159)، (3087). (¬2) أخرجه أبو داود (1956)، والنسائيُّ (4094) وإسناده صحيح. (¬3) النهاية لابن الأثير (2/ 512). (¬4) المصدر السابق (2/ 129). (¬5) أخرجه أبو داود (2000)، والترمذي (920)، في نسخة أحمد شاكر: "حديث حسن صحيح"، وفي نسخة بشار معروف: "هذا حديث حسن" وما ذكره المؤلف أقرب إلى الصواب، لأنَّ في الإسناد أبا الزبير وهو مدلس، وقد عنعنه وهو لم يسمع من عائشة ورأى ابن عباس رؤية، انظر: الإرواء =

1954 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه. قلت: رواه الترمذي والنسائيُّ وابن ماجه من حديث ابن عباس ولم يضعفه أبو داود. (¬1) 1955 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا رمى أحدكم جمرة العقبة، فقد حل له كل شيء إلا النساء". (ضعيف منقطع). قلت: رواه أبو داود من حديث عائشة وقال فيه أبو داود: هذا حديث ضعيف يرويه الحجاج عن الزهري، والحجاج لم ير الزهري، ولم يسمع منه انتهي كلامه، والحجاج هو ابن أرطأة، قد ذكر غير واحد من الحفاظ أنَّه لا يحتج بحديثه، وذكر ابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة الرازيان أن الحجاج لم يسمع من الزهري شيئًا. (¬2) 1956 - أفاض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أخر يومه حين صلى الظهر، ثمَّ رجع إلى منى، فمكث بها ليالي أيام التشربق، يرمي الجمرة إذا زالت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ويقف عند الأولى والثانية فيطيل القيام ويتضرع، ويرمي الثالثة فلا يقف عندها. قلت: رواه أبو داود من حديث القاسم عن عائشة، وفي إسناده: محمَّد بن إسحاق بن يسار. (¬3) ¬

_ = (1070)، ولكن تابعه محمَّد بن طارق عند ابن ماجه (3059) وهو ثقة، وصحح الشيخ الألباني -رحمه الله- هذا الحديث في حاشية = = هداية الرواة (3/ 100)، وابن ماجه (3059). (¬1) أخرجه أبو داود (2001) وابن ماجه (3060) والنسائيُّ في الكبرى (4170). (¬2) أخرجه أبو داود (1978) وإسناده ضعيف، والحجاج لم يسمع من الزهري (انظر: تاريخ يحيى بن معين برواية الدوري (2/ 99 - 100)، والمراسيل لابن أبي حاتم (ص 47)، وقال الحافظ في التقريب (1127): صدوق كثير الخطأ والتدليس، وانظر: تهذيب الكمال (5/ 420)، وانظر: الصحيحة (239). (¬3) أخرجه أبو داود (1973). وقاله المنذري: حديث حسن فيما نقله عنه الزيلعي في نصب الراية =

باب ما يجتنبه المحرم

1957 - رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرِعاء الإبل في البيتوتة: أن يرموا يوم النحر، ثمَّ يجمعوا رمي يومين بعد يوم النحر، فيرموه في أحدهما. قلت: رواه الأربعة (¬1) من حديث أبي البداح بن عاصم بن عديّ عن أبيه وقال الترمذي: حسن صحيح. وأبو البداح: بفتح الباء الموحدة وتشديد الدال المهملة وفتحها وبعد الألف حاء مهملة. ويوم النفر هذا هو: يوم النفر الآخر وهو الثالث من أيام التشريق. باب ما يجتنبه المحرم من الصحاح 1958 - أن رجلًا سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال: "لا تلبسوا القُمُص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخِفاف، إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئًا مسه زعفران ولا ورس". قلت: رواه الشيخان وأبو داود والنسائيُّ بنحوه هنا من حديث ابن عمر ابن الخطاب. (¬2) ¬

_ = (3/ 83)، رواه ابن حبَّان في صحيحه (3868) وقد صرح عنده ابن إسحاق بالتحديث، والحاكم (1/ 477). (¬1) أخرجه أبو داود (1975)، والترمذي (955)، والنسائيُّ (5/ 273)، وابن ماجه (3037)، وأخرجه ابن حبَّان (3888) وصححه، والبغويُّ في شرح السنة (1970). (¬2) أخرجه البخاري (1542)، وكذلك مسلم (177)، وأبو داود (1823)، والنسائيُّ (5/ 129)، وابن ماجه (2929).

والبرانس: قال في النهاية (¬1): كل ثوب رأسه منه، ملتزق به من دُرّاعة أو جبة أو غيرهما قال الجوهري (¬2): هو قلنسوة طويلة، كان النساك يلبسونها في صدر الإِسلام وهو من البِرس، بكسر الباء القطن، والنون زائدة. والورس (¬3): نبت أصفر يصبغ به، وهو بالواو والراء والسين المهملتين. - وفي رواية: ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين. قلت: رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائيُّ من حديث ابن عمر، ولم يخرجه مسلم. (¬4) 1959 - سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب وهو يقول: "إذا لم يجد المحرم نعلين لبس خفين، وإذا لم يجد إزارًا لبس سراويل". قلت: رواه الجماعة من حديث ابن عباس. (¬5) 1960 - كنا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- بالجعرانة إذ جاءه رجل أعرابي عليه جبة، وهو متضمخ بالخلوق، فقال: يا رسول الله إني أحرمت بالعمرة، وهذه عليّ، فقال: أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات، وأما الجبة فانزعها، ثمَّ اصنع في عمرتك كما تصنع في حجك". قلت: رواه الجماعة إلا ابن ماجه من حديث يعلى بن أمية، وألفاظهم متقاربة. (¬6) ¬

_ (¬1) النهاية (1/ 121). (¬2) الصحاح للجوهري (3/ 908). (¬3) المصدر السابق (3/ 988). (¬4) أخرجه البخاري (1838)، وأبو داود (1825)، والترمذي (833)، والنسائيُّ (5/ 131). (¬5) أخرجه البخاري (1841) (5804)، ومسلم (1178)، وأبو داود (3497)، وابن ماجه (2227)، والترمذي (1291)، والنسائيُّ (5/ 135). (¬6) أخرجه البخاري (1536) (4329) (4985)، ومسلم (1180)، وأبو داود (1819) (1820) =

والجعرانة (¬1): فيها لغتان مشهورتان، إسكان العين وتخفيف الراء وكسر العين وتشديد الراء، والأولى أفصح، وقد تقدم، وهي قريبة من مكة وهي في الحل، وميقات لإحرام العمرة، وفي الحديث دليل على أن المحرم إذا لبس أو تطيب جاهلًا لا شيء عليه، وبه قال الشافعي، والناسي كالجاهل. قوله - صلى الله عليه وسلم -: ثمَّ اصنع في عمرتك ما تصنع في حجك يريد به اجتناب النساء والطيب واللباس دون أعمال النسك. 1961 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا ينكح المحرم، ولا يُنْكح، ولا يخطب". قلت: رواه الجماعة إلا البخاري من حديث عثمان بن عفان هنا إلا مسلمًا وابن ماجه فإنهما ذكراه في النكاح ولم يقل الترمذي: "ولا يخطب". (¬2) 1962 - وروي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم. قلت: رواه الجماعة: من حديث ابن عباس الشيخان، وابن ماجه في النكاح والباقون هنا. (¬3) 1963 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: تزوجها وهو حلال. قلت: رواه الجماعة إلا البخاري من حديث يزيد بن الأصم عن ميمونة. (¬4) ¬

_ = (1821) (1822)، والنسائيُّ (5/ 130)، والترمذي (835). (¬1) انظر: معجم البلدان لياقوت (2/ 142). (¬2) أخرجه مسلم (1409)، وأبو داود (1841)، والنسائيُّ (5/ 192)، والترمذي (840)، وابن ماجه (1966). (¬3) أخرجه البخاري (1837)، و (5114)، ومسلم (1410)، والترمذي (842)، وأبو داود (1844)، والنسائيُّ (5/ 191)، وابن ماجه (1965). (¬4) أخرجه مسلم (1411)، والترمذي (841)، وأبو داود (1843)، والنسائيُّ في الكبرى (3232)، وابن ماجه (1964).

قال الشيخ الإمام الأجل رضي الله عنه وعن والديه: والأكثرون على أنَّه تزوجها حلالًا. قلت: روى أبو داود عن سعيد بن المسيّب أنَّه قال: وهم ابن عباس في تزويج ميمونة وهو محرم، قال ابن عبد البر (¬1): والرواية أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تزوج ميمونة وهو حلال، عن ميمونة وعن أبي رافع مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعن سليمان بن يسار مولاها، وعن يزيد بن الأصم وهو ابن أختها وهو قول سعيد بن المسيّب وسليمان بن يسار وأبي بكر بن عبد الرحمن وابن شهاب، وجمهور علماء المدينة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم ينكح ميمونة إلا وهو حلال، قبل أن يحرم، وما أعلم أحدًا من الصحابة روى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نكح ميمونة وهو محرم إلا عبد الله بن عباس، ورواية من ذكرنا معارضة لروايته، والقلب إلى رواية الجماعة أميل، لأنَّ الواحد أقرب إلى الغلط، وأقرب أحوال حديث ابن عباس أن يجعل معارضًا مع رواية من ذكرنا، فإذا كان كذلك سقط الاحتجاج بجميعها، ووجب طلب الدليل على هذه المسألة من غيرها، فوجدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه نهى عن نكاح المحرم، فوجب المصير إلى هذه الرواية التي لا معارض لها، والله أعلم. (¬2) 1964 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يغسل رأسه وهو محرم. قلت: رواه الجماعة إلا الترمذي من حديث أبي أيوب في قصة تنازع ابن عباس والمسور في غسل المحرم رأسه. (¬3) ¬

_ (¬1) كلام أبي داود في سننه (2/ 434)، وكلام ابن عبد البر في التمهيد (3/ 152). (¬2) قلت: وقد ذهب ابن حبَّان إلى التوفيق بين حديث ابن عباس وعثمان بأن ابن عباس أراد بقوله هذا: "داخل الحرم، لأنه كان محرمًا في ذلك الوقت كما تستعمل العرب ذلك في لغتها فتقول لمن دخل النجد: أنجد، ولمن دخل الظلمة: أظلم، أراد أنَّه كان داخل الحرم لأنه كان محرمًا بنفسه في ذلك الوقت. قلت: هذا التأويل بعيد لم يوافقه عليه العلماء. راجع فتح الباري (9/ 166). (¬3) أخرجه البخاري (1840)، ومسلم (1205)، وأبو داود (1840)، والنسائيُّ (5/ 128)، وابن ماجه =

1965 - احتجم النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو محرم. قلت: رواه الجماعة إلا ابن ماجه من حديث ابن عباس. (¬1) 1966 - حدّث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الرجل إذا اشتكى عينيه، وهو محرم ضَمَّدهما بالصَّبر. قلت: رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه (¬2) من حديث عثمان. وضمدها بالصبر: هو بتخفيف الميم وتشديدها يقال ضمد وضمد بالتخفيف والتشديد ومعناه اللطخ أي جعل الصبر عليهما، وأصل الضَّمْد بالإسكان: الشد بالعصابة، ثمَّ قيل لوضع الدواء على الجرح وغيره وإن لم يُشد. وأما الصبر: فبكسر الباء ويجوز إسكانها، واتفق العلماء على أن للمحرم أن يكتحل بكحل لا طيب فيه إذا احتاج إليه، ولا فدية عليه، وأما الاكتحال للزينة فمكروه عند الشافعي. 1967 - رأيت أسامة وبلالًا، وأحدهما آخذ بخطام ناقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والآخر رافع ثوبه يستره من الحر، حتى رمى جمرة العقبة. قلت: رواه مسلم وأبو داود والنسائيُّ مختصرًا من حديث أم الحصين. (¬3) وفيه دليل على أنَّه لا بأس للمحرم أن يستظل، وهو قول عامة أهل العلم وكره مالك وأحمد للمحرم أن يستظل. ¬

_ = (2934). (¬1) أخرجه البخاري (1835)، ومسلم (1202)، وأبو داود (1835)، والنسائيُّ (5/ 193)، والترمذي (839). (¬2) أخرجه مسلم (1204)، وأبو داود (1838)، والترمذي (952)، والنسائيُّ (5/ 143). (¬3) أخرجه مسلم (1298)، أبو داود (1834)، والنسائيُّ (5/ 269).

من الحسان

1968 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مَرّ به وهو بالحديبية، قبل أن يدخل مكة وهو محرم، وهو يوقد تحت قدر والقمل يتهافت على وجهه، فقال: "أيؤذيك هوامك؟ قال: نعم. قال: فاحلق رأسك، وأطعم فَرَقا بين ستة مساكين -والفَرْق ثلاثة أصْوعُ- أوصم ثلاثة أيام، أو أنسك نسيكة". قلت: رواه الجماعة إلا ابن ماجه من حديث كعب بن عجرة. (¬1) والحديبية: قرية قريبة من مكة سميت ببئر هناك، وهي مخففة وكثير من المحدثين يشدّدونها وقد تقدم. قوله: والقمل يتهافت على وجهه: أي يتساقط، من الهفت وهو السقوط قطعة قطعة وأكثر ما يستعمل في الشر. والفرق: بفتح الراء وإسكانها، لغتان وهو مكيال يسع ستة عشر رطلًا، وهو اثنا عشر مدًّا. والنسيكة: شاة وشرطها أن يجزي في الأضحية، ويقال للشاة وغيرها مما يجزي في الأضحية نسيكة، ويقال: نسك ينسك وينسك بضم السين وكسرها في المضارع والضم أشهر. من الحسان 1969 - أنَّه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى النساء في إحرامهن عن القفازين، والنقاب، وما مس الورس والزعفران من الثباب، ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب: معصفر، أو خز، أو حلي، أو حلل، أو سراويل، أو قميص، أو خف. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1814) و (1815)، ومسلم (1201)، وأبو داود (1856) (1857)، والترمذي (953)، والنسائيُّ (5/ 194).

قلت: رواه أبو داود من حديث ابن عمر بن الخطّاب، وفي إسناده محمَّد ابن إسحاق. (¬1) والقفاز: بضم القاف وتشديد الفاء وبالزاي بعد الألف، وهو شيء تلبسه نساء العرب في أيديهن، يغطي الأصابع والكف والساعد من البرد، ويكون فيه قطن محشو، وقيل: هو ضرب من الحلي، تتخذه المرأة ليديها. والنقاب: بكسر النون نقاب المرأة. 1970 - كان الركبان يقرون بنا ونحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- محرمات، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه. قلت: رواه أبو داود وابن ماجه من حديث مجاهد عن عائشة، وذكر شعبة ويحيى بن سعيد القطان ويحيى بن معين أن مجاهدًا لم يسمع من عائشة، وقال أبو حاتم الرازي: مجاهد عن عائشة مرسل، وأخرج الشيخان من حديث مجاهد عن عائشة أحاديث، ومنها ما هو ظاهر في سماعه منها، وفي إسناد هذا الحديث أيضًا يزيد بن أبي زياد، تكلم فيه غير واحد وأخرج له مسلم في جماعة غير محتج به. (¬2) 1971 - أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدَّهِن بالزيت وهو محرم غير المقتَّتِ، يعني غير المطيَّب. قلت: رواه أحمد والترمذي وابن ماجه (¬3) من حديث ابن عمر وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث فرقد السَّبخي عن سعيد بن جبير. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1827)، وإسناده حسن، محمَّد بن إسحاق وهو مدلس، ولكنه صرح بالتحديث عند أحمد (2/ 22). (¬2) أخرجه أبو داود (1833)، وابن ماجه (2935) وإسناده ضعيف، فيه يزيد بن أبي زياد وهو القرشي، قال الحافظ في التقريب (7716): متروك، وانظر: نصب الراية (3/ 94)، ومعالم السنن للخطابي (2/ 179)، ومختصر المنذري (2/ 354)، والتلخيص الحبير (2/ 518). وقال المنذري: قد اختار جماعة العمل بظاهر هذا الحديث، وذكر الخطابي أن الشافعي علق القول فيه على صحة الحديث. (¬3) أخرجه أحمد (2/ 25)، والترمذي (962)، وابن ماجه (3083) وإسناده ضعيف، وفي إسناده فرقد =

باب المحرم يجتنب الصيد

وقد تكلم يحيى بن سعيد في فرقد، وقال الذهبي: ضعّفوه. والمقتت المطيب: وهو الذي يطبخ فيه الرياحين حتى يطيب ريحه، وهو بضم الميم وفتح القاف وبعدها ياء مشددة مثناه من فوق ثمَّ ياء ثانية. باب المحرم يجتنب الصيد من الصحاح 1972 - أنَّه أهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمارًا وحشيًّا وهو بالأبواء أو بودّان فرد عليه، فلما رأى ما في وجهه قال: "إنا لم نرده عليك إلا أنا حُرُم". قلت: رواه الشيخان وأحمد من حديث الصعب بن جثامة. (¬1) والصعب: بالصاد المهملة المفتوحة وبالعين المهملة الساكنة والباء الموحدة، وأما جثامة فبجيم مفتوحة ثمَّ ثاء مثلثة مشددة. قوله: وهو بالأبواء أو بودان، أما الأبواء (¬2): فبفتح الهمزة وإسكان الموحدة وبالمد، ¬

_ = السبخي قال الحافظ في "التقريب": صدوق عابد لكنه لين الحديث كثير الخطأ (5384) وقد روى موقوفًا وهو الصحيح. وانظر: كلام الذهبي في الكاشف (2/ 120)، وقال أيضًا: لكن قال عثمان الدارمي عن يحيى: ثقة. (¬1) أخرجه البخاري (1825) و (2573)، ومسلم (1193)، وأحمد (4/ 38). (¬2) الأبواء: قال الفيروز آبادي: وهي قرية من أعمال الفُرع، من المدينة، بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلًا، وقيل: الأبواء جبل عن يمين آرة، ويمين الطريق، للمصعد إلى مكة من المدينة، وهناك بلد ينسب إلى هذا الجبل، وقد جاء ذكره في حديث الصعب بن جثامة، وغيره، انظر: المغانم المطابة في معالم طابة (ص 5).

وودان (¬1): بفتح الواو وتشديد الدال المهملة، وهما مكانان بين مكة والمدينة، قوله - صلى الله عليه وسلم -: إنا لم نردّه عليك إلا أنا حُرم، وحرم: بضم الحاء والراء، أي محرمون، قال القاضي عياض (¬2): رواية المحدثين في هذا الحديث: "لم نرده" بفتح الدال، قال: وأنكره محققو شيوخنا من أهل العربية وقالوا: هذا غلط من الرواة، وصوابه: ضم الدال، قال: ووجدته بخط بعض الأشياخ بضم الدال، وهو الصواب عندهم على مذهب سيبويه في مثل هذا من المضاعف إذا دخلت عليه الهاء، أن يضم ما قبلها في الأمر ونحوه من المجزوم، مراعاة للواو التي توجبها ضمة الهاء بعدها، لخفاء الهاء، فكان ما قبلها ولي الواو، ولا يكون ما قبل الواو إلا مضمومًا، هذا في المذكر، وأما المؤنث مثل "ردها" فمفتوح الدال ونظائرها مراعاة للألف انتهى كلامه. فأما ردها ونظائرها: ففتحة الدال لازمة بالاتفاق، وأما رده ونحوه للمذكر ففيه ثلاثة أوجه: أصحها وجوب الضم كما ذكره، والثاني: الكسر، وهو ضعيف، والثالث: الفتح، وهو أضعف منه، وممن ذكره ثعلب في الفصيح لكن غلطوه، لكونه أوهم فصاحته. (¬3) 1973 - خرج مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتخلف مع بعض أصحابه وهم محرمون، وهو غير محرم، فرأوا حمارًا وحشيًّا قبل أن يراه، فلما رأوه تركوه حتى رآه أبو قتادة، فركب فرسًا له، فسألهم أن يناولوه سوطه فأبوا، فتناوله فحمل عليه فعقره، ثمَّ أكل فأكلوا، ¬

_ (¬1) ودّان: قال الفيروز آبادي: قرية من نواحي الفُرع، بينها وبين الأبواء ثمانية أميال، وينسب إلى ودّان، الصعب بن جثامة الليثي الودّاني، كان ينزله فينسب إليه، هاجر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وروى عنه ابن عباس وشريح الحضرمي ومات في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، راجع المغانم المطابة (ص 426 - 427). (¬2) إكمال المعلم (4/ 197). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (8/ 148).

فندموا، فلما أدركوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسألوه قال: "هل معكم منه شيء؟ " قالوا: معنا رجله، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم فأكلها. قلت: رواه الجماعة إلا ابن ماجه (¬1) من حديث أبي قتادة. - وفي رواية: فلما أتو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: هل منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها؟ قالوا: لا، قال: "فكلوا ما بقي من لحمها". قلت: رواه الشيخان. (¬2) 1974 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "خمس لا جناح على من قتلهن في الحرم والإحرام: الفأرة والغراب والحدأة والعقرب والكلب العقور". قلت: أخرجه مسلم وأبو داود والنسائيُّ من حديث ابن عمر (¬3) يرفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يخرج البخاري سماع ابن عمر لهذا من النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولكن أخرجه بمثل معناه هو ومسلم والنسائي من حديث ابن عمر عن حفصة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. والفأرة: مهموزة، ويجوز ترك الهمز، والغراب: معروف، وجمعه: غربان، والحدأة: بكسر الحاء وفتح الدال وبعدها همزة على وزن عنبة والجماعة حدأ بكسر الحاء مهموز، ومقصور، كعنب، والعقربة والعقرب والعقربات: كله للأنثى، والذكر عقربان بضم العين والراء، واختلف العلماء في المراد بالكلب العقور، فقيل هو الكلب المعروف وقيل: كل ما يفترس، لأنَّ كل مفترس من السباع يسمى كلبًا عقورًا في اللغة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1824) و (2854) و (2914)، ومسلم (1196)، والترمذي (847)، والنسائيُّ (5/ 182)، وأبو داود (1852). (¬2) أخرجه البخاري (1824)، ومسلم (1196). (¬3) أخرجه مسلم (1199)، وأبو داود (1846)، والنسائيُّ (5/ 190)، وأخرجه البخاري = = (3315) من حديث ابن عمر عن حفصة مرفوعًا.

من الحسان

1975 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الحية، والغراب الأبقع، والفأرة، والكلب العقور، والحُدَيّا". قلت: رواه أحمد والشيخان والترمذي والنسائيُّ من حديث عائشة. (¬1) والحية: للذكر والأنثى كالدجاجة والبطة. والغراب الأبقع: هو الذي في بطنه وظهره بياض، والحديا: بضم الحاء وفتح الدال وتشديد الياء مقصور على وزن الثريا. من الحسان 1976 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لحم الصيد لكم في الإحرام حلال، ما لم تصيدوه أو يصاد لكم". قلت: رواه أبو داود والنسائي والترمذي من حديث المطلب بن عبد الله ابن حنطب عن جابر، قال الترمذي: والمطلب لا نعرف له سماعًا من جابر، وقال في موضع آخر: المطلب يقال أنه لم يسمع من جابر، وذكر أبو حاتم الرازي أنه لم يسمع من جابر وقال ابنه عبد الرحمن يشبه أن يكون أدركه. (¬2) 1977 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الجراد من صيد البحر". قلت: رواه أبو داود من حديث أبي هريرة وروى الترمذي (¬3) وأبو داود أيضًا نحوه من حديث أبي المهزم عن أبي هريرة أيضًا، قال أبو داود: وأبو المهزم، ضعيف، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3314)، ومسلم (1198)، والترمذي (837)، والنسائيُّ (5/ 209). (¬2) أخرجه الترمذي (846)، وأبو داود (1851)، والنسائيُّ (5/ 187). وانظر: قول أبي حاتم في المراسيل (ص 209 - 210)، وجامع التحصيل (ص 281 - 282)، والمطلب ابن عبد الله قال عنه الحافظ في التقريب (6756): صدوق كثير التدليس والإرسال، من الرابعة. وقد عنعنه المطلب. (¬3) أخرجه أبو داود (1853)، والترمذي (850)، وضعفه، وابن ماجه (322). ويزيد بن سفيان ذكره الحافظ في التقريب (8397) وقال: متروك. وميمون بن جابان ترجم له الحافظ في التقريب (7044) =

والحديثان جميعًا وَهْم، هذا آخر كلامه، وأبو المهزم اسمه يزيد بن سفيان بصري، متروك، وهو بضم الميم وفتح الهاء وكسر الزاي وتشديدها وبعدها ميم، والضعف في الحديث الأول من قبل ميمون بن جابان فإنه ضعيف، وجابان بفتح الجيم وبعد الألف باء بواحدة مفتوحة وبعدها ألف ونون، قال أبو بكر المعافري: ليس في هذا الباب حديث صحيح. قال بعضهم: إنما عده - صلى الله عليه وسلم - من صيد البحر لأنه يتولد من الحيتان كالديدان. 1978 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يقتل المحرم السَّبُع العادي". قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه كلهم (¬1) مطولًا بذكر الحية والعقرب والكلب العقور والفويسقة وهي الفأرة، من حديث أبي سعيد الخدري، ولم يذكر الترمذي: الحية، وقال: حديث حسن انتهى. وفي إسناده يزيد بن أبي زياد، روى له الأربعة وخرج له مسلم مقرونًا بغيره قال الذهبي: صدوق رديء الحفظ ليّن ولم يترك، وقد تقدم ذكر يزيد. 1979 - عبد الرحمن بن أبي عمّار قال: سألت جابر بن عبد الله عن الضَّبُع أصَيْد هي؟ فقال: نعم، فقلت: أتؤكل، قال: نعم، فقلت: سمعتَه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟، قال: نعم. (صح) قلت: رواه الشافعي والترمذي وابن ماجه من حديث عبد الرحمن ابن أبي عمار أنَّه سأل جابر بن عبد الله، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. (¬2) ¬

_ = وقال: مقبول. راجع الإرواء (1031). (¬1) أخرجه أبو داود (1848)، والترمذي (838). ويزيد بن أبي زياد الهاشمي ترجم له الحافظ في التقريب (7717) وقال: ضعيف كبر فتغيّر وصار يتلقن وكان شيعيًّا. وقول الذهبي في الكاشف (2/ 382) وفيه: شيعي عالم فهم، صدوق رديء الحفظ لم يُترك، وقد حسّن له الحافظ حديثًا في كتابه الدراية (2/ 210). (¬2) أخرجه الشافعي (1/ 330)، والترمذي (851)، وأحمد (3/ 318)، وابن ماجه = = (3436).

1980 - قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الضبع؟ فقال: "هو صيد، ويَجْعل فيه كَبْشًا إذا أصابه المحرم". قلت: رواه الأربعة: أبو داود في الأطعمة والترمذي في الحج وفي الأطعمة والنسائيُّ وابن ماجه كلاهما في الحج، كلهم من حديث جابر بن عبد الله يرفعه، وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬1) 1981 - رُوي عن خزيمة بن جُزئي قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أكل الضبع؟ فقال: "أو يأكل الضَّبُعَ أحدٌ؟ " وسألته عن أكل الذئب؟ قال: "أو يأكل الذئبَ أحدٌ فيه خير؟ ". (ليس إسناده بالقوي). قلت: رواه الترمذي في الأطعمة وابن ماجه (¬2) في الصيد مقطعًا كلاهما من حديث خزيمة بن جُزئي وقال الترمذي: ليس إسناده بالقوي، لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن مسلم عن عبد الكريم بن أبي المخارق، وقد تكلم بعض أهل الحديث في إسماعيل، وعبد الكريم وهو ابن قيس انتهى وإسماعيل ابن مسلم ضعفه ابن المبارك. قلت: وعبد الكريم بن أبي المخارق تابعي، ضعفه أحمد وغيره. ¬

_ = راجع الإرواء (1050). (¬1) أخرجه أبو داود (3801)، والترمذي (1791)، والنسائيُّ (5/ 191)، وابن ماجه (3085). (¬2) أخرجه الترمذي (1792)، وابن ماجه (3237). وفي إسناده إسماعيل بن مسلم ترجم له الحافظ في "التقريب" وقال: ضعيف الحديث (ت 484)، وعبد الكريم بن أبي المخارق ترجم له الحافظ في "التقريب" وقال: ضعيف (ت 4156)، وانظر: كذلك العلل لأحمد (1/ 401) رقم (820)، وخزيمة بن جزئي أو جزء ذكره الحافظ في الإصابة (1/ 425) ت (2254).

باب الإحصار وفوت الحج

باب الإحصار وفوت الحج من الصحاح 1982 - قد أحصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحلق وجامع نساءه ونحر هديه، حتى اعتمر عاما قابلًا. قلت: رواه البخاري هنا من حديث عكرمة عن ابن عباس ولم يخرجه مسلم. (¬1) والإحصار: المنع والحبس عن الوجه الذي يقصده، يقال: أحصره المرض والسلطان إذا منعه من مقصده فهو مُحصر، وحصره إذا حبسه فهو محصور. 1983 - خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحال كفار قريش دون البيت، فنحر النبي -صلى الله عليه وسلم- هداياه، وحلق، وقصّر أصحابه. قلت: رواه البخاري في الحديبية من حديث ابن عمر ولم يخرجه مسلم ولا أصحاب السنن. (¬2) 1984 - إِن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نحر قبل أن يحلق، وأمر أصحابه بذلك. قلت: رواه البخاري هنا في باب النحر قبل الحلق في الحصر من حديث المسور، ولم يخرج مسلم عن المسور في هذا شيئًا. (¬3) 1985 - أليس حسبكم سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنْ حُبِس أحدكم عن الحج، طاف بالبيت وبالصفا والمروة، ثم حلّ من كل شيء، حتى يحج عامًا قابلًا، فيهدي، أو يصوم إن لم يجد هديًا. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1809). (¬2) أخرجه البخاري (1807) (1812) (4185). (¬3) أخرجه البخاري في الحج (1811).

قلت: رواه البخاري والترمذي والنسائيُّ ثلاثتهم هنا من حديث ابن عمر ابن الخطاب ولم يخرجه مسلم. (¬1) 1986 - دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ضُباعة بنت الزبير فقال لها: "لعلك أردت الحج؟ " قالت: والله ما أجدني إلا وجعة، فقال لها: "حُجي واشترطي وقولي: اللهم مَحِلّي حيث حبستني". قلت: رواه البخاري في النكاح ومسلم هنا من حديث عائشة وفيه أنها كانت تحت المقداد. (¬2) ورواه الجماعة كلهم إلا البخاري من حديث ابن عباس بمثل معناه. (¬3) وضُباعة: بضم الضاد المعجمة وبعدها باء موحدة وبعد الألف عين مهملة وتاء تأنيث، لها صحبة وهي بنت الزبير بن عبد المطلب فهي بنت عمه - صلى الله عليه وسلم -. ومحلي: بكسر الحاء. واختلف العلماء في هذا الاشتراط فمنهم من جوّزه، وبه قال جماعات من الصحابة والتابعين، ومنهم من منعه ولم يره نافعًا، وقال: هذه قضية عين خصت بها هذه المرأة، وتكلم بعضهم في إسناده، وما قاله ليس بمسلّم، فقد اتفق الشيخان على إخراجه من حديث عروة بن الزبير عن عائشة كما بيناه، وأخرجه مسلم من حديث ابن عباس كما تقدم، وقد ثبت عن ابن عمر أنَّه كان ينكر الاشتراط في الحج (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1810)، والنسائيُّ (5/ 169)، والترمذي (942). (¬2) أخرجه البخاري (5089)، ومسلم (1207). (¬3) أخرجه مسلم (1208)، وأبو داود (1776)، والترمذي (941)، والنسائيُّ (5/ 168)، وابن ماجه (2938). (¬4) أخرجه عن ابن عمر الإمام أحمد (2/ 33)، والترمذي (942)، والنسائيُّ (5/ 169).

من الحسان

قال البيهقي (¬1): ولو بلغه حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ضباعة لم ينكره كما لم ينكره أبوه فيما روينا عنه، والله أعلم. من الحسان 1987 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر أصحابه أن يُبدلوا الهَدْي الذي نحروا عام الحديبية في عمرة القضاء. قلت: رواه أبو داود (¬2) من حديث ابن عباس وفيه قصة، وفي إسناده محمَّد بن إسحاق، وقال البيهقي (¬3): ولعله إن صح الحديث استحب الإبدال، وإن لم يكن واجبًا، كما استحب الإتيان بالعمرة، وإن لم يكن قضاء ما أحصر عنه واجبًا، والله أعلم. 1988 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من كُسِر أو عَرِجَ أو مَرِض فقد حلّ، وعليه الحج من قابل". (ضعيف). قلت: رواه الأربعة من حديث الحجاج بن عمرو الأنصاري، وقال الترمذي: حسن، ولم يضعفه أبو داود. (¬4) ¬

_ (¬1) انظر: كلام البيهقي في السنن (5/ 223). (¬2) أخرجه أبو داود (1864)، وأورده الحاكم في المستدرك (1/ 485 - 486)، وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وقال ابن التركماني (5/ 218 - 219): أخرجه أبو داود بسند حسن. (¬3) انظر: كلام البيهقي في معرفة السنن والآثار (7/ 496). (¬4) أخرجه أبو داود (1862)، والترمذي (940)، والنسائيُّ (5/ 198)، وأحمد (3/ 450)، وابن ماجه (3077). وإسناده صحيح.

وقال المصنف في شرح السنة (¬1): وقد ضعف هذا الحديث بما ثبت عن ابن عباس أنه قال: لا حصر إلا حصر العدو، وتأوله بعضهم على أنه إنما يحل بالعرج والكسر، إذا كان قد شرط ذلك في عقد إحرامه، على معنى حديث ضباعة المتقدم انتهى كلامه. وقوله: أو عرج، هو بفتح الراء، يقال: عرج بالفتح إذا أصابه شيء في رجله فخمع، ومشى مشية العرجان وليس بخلْقة، فإذا كان ذلك خلْقة، قيل عُرِج بالكسر. (¬2) 1989 - سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الحج عرفة، من أدرك عرفة ليلة جمع قبل طلوع الفجر، فقد أدرك الحج، أيامُ مني ثلاثة، {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} ". قلت: رواه الأربعة من حديث عبد الرحمن بن يعمر الدَّيْلي (¬3) وفي الحديث قصة ولم يضعفه أبو داود. والديلي بكسر الدال وسكون الياء. آخر الحروف، ويعمر: بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة وفتح الميم وبعدها راء مهملة، وذكر ابن عبد البر: أنَّه لم يرو عنه غير هذا الحديث، وليس كذلك بل قد أخرج له الترمذي والنسائيُّ وابن ماجه حديثًا آخر في النهي عن الدباء والمزفّت، نبه على ذلك أبو القاسم البغوي. (¬4) ¬

_ (¬1) انظر (7/ 288). (¬2) انظر: الصحاح للجوهري (1/ 328)، وهذا كلام الجوهري بلفظه. (¬3) أخرجه أبو داود (1949)، والترمذي (889)، والنسائيُّ (5/ 256)، وابن ماجه (3015)، وأحمد (4/ 335). (¬4) الاستيعاب (2/ 856)، وتهذيب الكمال للمزي (18/ 21)، والإصابة (4/ 268) وقال الحافظ: وصحّح حديثه ابن خزيمة وابن حبَّان والحاكم والدارقطني، وصرّح بسماعه = = من النبي -صلى الله عليه وسلم- في بعض الطرق إليه. أما الحديث فأخرجه الترمذي (5/ 761 في كتاب العلل)، والنسائيُّ (8/ 305)، وابن ماجه (3404). =

باب حرم مكة حرسها الله

ومعنى الحج عرفة: معظم الحج الوقوف بعرفة. باب حرم مكة حرسها الله من الصحاح 1989 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم فتح مكة: "لا هجرة، ولكن جهاد ونية، فإذا استنفرتم فانفروا، وقال يوم فتح مكة: "إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرّفها، ولا يختلى خلاه"، فقال العباس: يا رسول الله إلا الإذخر، فإنَّه لَقِيْنِهِمْ ولبيوتهم؟ فقال: "إلا الإذخر". قلت: رواه الجماعة إلا ابن ماجه من حديث مجاهد عن طاوس عن ابن عباس يرفعه، الشيخان وأبو داود هنا وفي الجهاد والترمذي والنسائيُّ في السير. (¬1) ومعنى لا هجرة: أي أن الهجرة من مكة إلى المدينة، بعد أن فتحت مكة، انقطع وجوبها لأنها صارت دار إسلام، ومعنى ولكن جهاد ونية: ولكن لكم طريق إلى تحصيل الفضائل التي في معنى الهجرة، وذلك بالجهاد ونية الخير في كل شيء. والاستنفار: الاستنجاد، والاستنصار: أي إذا طلب منكم النصر فأجيبوا، وانفروا خارجين إلى الإعانة، وهذا حث على الجهاد وأمر بإجابة الداعي إليه. ¬

_ = وذكره كذلك الحافظ في الإصابة والمزي في التهذيب. (¬1) أخرجه البخاري (1834)، ومسلم (1353)، وأبو داود (2018)، والترمذي (1590)، والنسائيُّ (5/ 203).

قوله - صلى الله عليه وسلم -: أن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض: وقد جاء في صحيح مسلم (¬1) أيضًا: أن إبراهيم حرم مكة. وقد اختلف العلماء في وقت تحريم مكة: فقيل بظاهر الحديث الأوّل، وتأويل الثاني: بأن إبراهيم عليه السلام أظهره بعد اندراسه، وقيل بظاهر الحديث الثاني وتأول الأوّل: بأن الله كتب في اللوح المحفوظ أو في غيره يوم خلق السموات والأرض إن إبراهيم سيحرم مكة. وأما تحريم القتال في الحرم: فأوله الشافعي على القتال بما يعم كالمنجنيق وغيره، إذا أمكن إصلاح الحال بدون ذلك، بخلاف ما إذا تحصن الكفار في بلد آخر، فإنَّه يجوز قتالهم على كل وجه بكل شيء. (¬2) والعضد: القطع. واللّقطة: بفتح القاف، ما يلتقط، والخلا: بفتح الخاء المعجمة مقصور، هو الرطب من الكلأ، قال أهل اللغة: الخلا والعشب: اسم للرطب منه، والحشيش والهشيم: اسم لليابس منه، والكلأ: مهموز يقع على الرطب واليابس. وعدوا من لحن العوام إطلاق اسم الحشيش على الرطب، ومعنى يختلى خلاه: يؤخذ ويقطع، والإذخر: نبت معروف طيب الرائحة، وهو بكسر الهمزة والخاء المعجمة. قوله: لقينهم وبيوتهم: هو بفتح القاف وهو الحداد والصائغ، ومعناه: يحتاج إليه القين لوقود النار، ويحتاج إليه في سقف البيوت، ويجعل فوق الخشب. ¬

_ (¬1) برقم (1360) ولفظه: عن عبد الله بن زيد بن عاصم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن = = إبراهيم حَرَم مكة ودعا لأهلها، وإنِّي حرمت المدينة كما حَرّم إبراهيم مكة، وإنّي دعوت في صاعها ومدّها بمِثْلَيْ ما دعا به إبراهيم لأهل مكة". وأخرج مثله الترمذي في السنن (3922) عن أنس بن مالك. وأبو داود (2995)، وابن حبَّان (4725). (¬2) انظر للتفصيل في هذه المسائل: المنهاج للنووي (9/ 176 - 178).

قوله: إلا الإذخر، محمول على أنَّه - صلى الله عليه وسلم - أوحى إليه في الحال باستثناء الإذخر وتخصيصه من العموم، أو أوحى إليه قبل ذلك: أنَّه إن طلب أحد استثناء شيء فاستثنه، أو أنَّه اجتهد في الجميع - صلى الله عليه وسلم -، والأظهر عند أصحاب الشافعي: جواز قطع حشيش الحرم وهو اليابس من النبات للدواب، وكذا الشجر اليابس، ويكره نقل تراب الحرم وإخراج الحجارة عنه ليعلق حرمة الحرم بها، ولا يكره نقل ماء زمزم. - وفي رواية: "لا يعضد شجرها، ولا يلتقط ساقطتها إلا منشد". قلت: رواه الشيخان من حديث أبي هريرة. (¬1) 1990 - سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يحل لأحدكم أن يحمل بمكة السلاح". قلت: رواه مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر ولم يخرجه البخاري (¬2) وأخرج قول ابن عمر لم يكن السلاح يدخل الحرم. وهذا النهي محمول على ما إذا لم يكن حاجة فإن كانت حاجة جاز. 1991 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاء رجل فقال: إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال: "اقتله". قلت: رواه الجماعة: البخاري هنا وفي اللباس وفي المغازي، وهو أيضًا وأبو داود والترمذي وابن ماجه في الجهاد ومسلم والنسائيُّ هنا من حديث الزهري عن أنس (¬3) ولفظ "اقتله" للبخاري في المغازي، والمشهور "اقتلوه" بالجمع. والمغفر: بكسر الميم وإسكان الغين المعجمة وفتح الفاء، زَرَد ينتج على قدر ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (112) (6880)، ومسلم (1355). (¬2) أخرجه مسلم (1356)، وأخرج البخاري في صحيحه قول ابن عمر - رضي الله عنه - برقم (966). (¬3) أخرجه البخاري (5808)، ومسلم (1357)، وأبو داود (2685)، والترمذي (1693)، وابن ماجه (2805)، والنسائي (5/ 200).

الرأس. (¬1) وابن خطل: بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة ثمَّ باللام، قيل ارتد عن الإسلام، وفيه دليل على أن الحرم لا يعصم من إقامة عقوبة وجبت على إنسان، ولا يوجب تأخيرها، وذلك أن ابن خطل كان بعثه النبي -صلى الله عليه وسلم- في وجه رجل من الأنصار، وأمر عليه الأنصاري، فلما كان ببعض الطريق وثب على الأنصاري فقتله وذهب بماله، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقتله لخيانته. (¬2) 1992 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء، بغير إحرام. قلت: رواه مسلم هنا والترمذي في الجهاد والنسائيُّ في الزينة من حديث أبي الزبير عن جابر ولم يخرجه البخاري. (¬3) 1993 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يغزو جيشٌ الكعبةَ، فإذا كانوا ببيداء من الأرض، يخسف بأولهم وآخرهم"، قلت: يا رسول الله كيف يخسف بأولهم وآخرهم، وفيهم أسواقهم، ومن ليس منهم؟، قال: "يُخسَف بأولهم وآخرهم، ثمَّ يبعثون على نيَّاتهم". قلت: رواه البخاري في البيع بهذا اللفظ، ومسلم في الفتن بمعناه (¬4)، من حديث عائشة - رضي الله عنها -. 1994 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة". قلت: رواه البخاري هنا ومسلم في الفتن من حديث أبي هريرة. (¬5) ¬

_ (¬1) النهاية لابن الأثير (3/ 374). (¬2) انظر المنهاج للنووي (9/ 186 - 187). (¬3) أخرجه مسلم (1358)، والترمذي (1735)، والنسائيُّ (8/ 211). (¬4) أخرجه البخاري (2118)، ومسلم (2884). (¬5) أخرجه البخاري (1596)، ومسلم (2909).

من الحسان

ذو السويقتين: تصغير الساق، صغّرهما لدقتهما وصِغرهما، وهي مؤنثة فلذلك صغرت بالهاء. (¬1) 1995 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كأني به أسودَ أفحج يقلعها حجرًا حجرًا". قلت: رواه البخاري من حديث ابن عباس ولم يخرجه مسلم. (¬2) الأفحج: بالفاء والحاء المهملة ثمَّ بالجيم، البعيد ما بين الرجلين وذلك من نعوت الحبشان. (¬3) من الحسان 1996 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "احتكار الطعام في الحرم إلحاد فيه". قلت: رواه أبو داود من حديث يعلى بن أمية (¬4) يرفعه، وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير عن يعلى بن أمية أنَّه سمع عمر بن الخطّاب يقول: احتكار الطعام بمكة إلحاد، والظاهر أن البخاري علل المسند بهذا. 1997 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمكة: "ما أطيبكِ من بلد وأحبك إليّ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك". (صحيح). قلت: رواه الترمذي في فضل مكة في آخر جامعه من حديث ابن عباس. ¬

_ (¬1) شرح السنة للبغوي (7/ 306). (¬2) أخرجه البخاري (1595). (¬3) انظر: شرح السنة للبغوي (7/ 306). (¬4) أخرجه أبو داود (2020)، والبخاري في التاريخ الكبير (4/ 255 ت (1083)، وفي إسناده مجاهيل موسى بن باذان مجهول كما في التقريب (6949) وعنه عمارة بن ثوبان وهو مستور، انظر التقريب (4873).

باب حرم المدينة حرسها الله

وقال: حديث حسن صحيح. (¬1) 1998 - رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واقفًا على الحَزوَرَةِ فقال: "والله إنكِ لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله عَزَّ وَجَلَّ، ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت". قلت: رواه الترمذي في آخر جامعه، والنسائيُّ وابن ماجه كلاهما هنا، كلهم من حديث عبد الله بن عديّ بن الحمراء، وليس له في الكتب الستة غيره، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. (¬2) والحزورة: موضع بمكة عند باب الحناطين وهو بفتح الحاء المهملة وبالزاي المعجمة والواو ثمَّ بالراء المهملة وتاء التأنيث، وهو بوزن قَسْورة، قال الشافعي: الناس يشددون الحزورة والحديبية، وهما مخففان. باب حرم المدينة حرسها الله من الصحاح 1999 - قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "المدينة حرام، ما بين عَيْر إلى ثَوْر، فمن أحدث فيها حَدَثًا أو آوى مُحْدِثًا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل، ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخْفَر مسلمًا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل، ومن والى قومًا بغير إذن مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل". قلت: رواه الجماعة إلا ابن ماجه كلهم هنا إلا الترمذي، فرواه في الهبة والولاء من حديث علي رضي الله عنه، ولم يقل البخاري إلى ثور، وإنما قال إلى كذا، في طرقه ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3926)، وصححه ابن حبَّان (3709)، والحاكم (1/ 486)، ووافقه الذهبي. (¬2) أخرجه الترمذي (3925)، وابن ماجه (3108)، والنسائيُّ في الكبرى (4252) وإسناده صحيح.

كلها إلا في رواية الأصيلي أبي محمَّد في كتاب الجزية والموادعة، فإنَّه وقع له فيها إلى ثور، والله أعلم. (¬1) وعَيْر: بفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبعدها راء مهملة. ثور: بفتح الثاء المثلثة وسكون الواو وبعدها راء مهملة، جَبَلان، قال بعضهم: وليس بالمدينة، ولا على قربها جبل يسمى بواحد من هذين الاسمين، ولهذا ترك بعض الرواة موضع ثور بياضًا، وقال بعضهم: أما عَيْر فجبل معروف بالمدينة، وأما ثور: فالمعروف أنَّه بمكة، وفيه الغار الذي بات فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما هاجر، ورواه بعضهم إلى أُحد، وجعل إلى ثور غلطا من الراوي، وإن كان هو الأشهر، وقال بعضهم: عير جبل بمكة، والمراد أنَّه - صلى الله عليه وسلم - حرم من المدينة قدر ما بين عور وثور بمكة، وقال الشيخ محب الدين الطبري (¬2): أخبرني الثقة الصدوق الحافظ العالم المجاور لحرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن حذا أحد عن يساره جانبا إلى ورائه جبل صغير يقال له: ثور وأخبر أنَّه تكرر سؤاله طوائف من العرب عنه كلهم يذكر أنَّه يسمى بثور، فصح بذلك أن الحديث على بابه، ولا يحتاج إلى تأويل والله أعلم. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الجزية والموادعة (3179)، وفضائل المدينة (1870)، ومسلم (1370)، وأبو داود (2034)، والترمذي (2127)، والنسائي (8/ 23)، وابن حبَّان (3716)، والبغويُّ (2009). (¬2) انظر القِرى لقاصد أم القرى للطبري (ص 674). (¬3) جبل عَيْر: هو جبل ممتد من الغرب إلى الشرق، ويشرف طرفه الغربي على ذي الحليفة، وطرفه الشرقي على المنطقة المتصلة بمنطقة قباء من جهة الجنوب الغربي، وهو حدّ المدينة من جهة الجنوب، انظر آثار المدينة للأنصاري (ص 209)، والمغانم الطابة للفيروزآبادي (ص 287) و (ص 81). = = وجبل ثور: وهو جبل صغير شمالي أحد، وهو حدّ المدينة من جهة الشمال، انظر القِرى لقاصد أم القرى لمحب الدين الطبري (ص 674)، والمغانم المطابة في معالم طابة ص (81 - 84)، ونشر في جريدة المدينة عدد رقم (8329) بتاريخ 4/ 8/ 1410 هـ (ملحق ألوان من التراث)، كتبه الدكتور/ عبد العزيز قارئ بالاشتراك مع الشيخ/ عمر فلاته، والشيخ/ حماد الأنصاري -رحمهما الله- والدكتور/ مرزوق الزهراني، توصلوا فيه إلى أن جبل ثور يقع على ضفاف وادي النقمى، يحده الوادي من =

ومحدثًا: بكسر الدال أي أوى من أحدث فيها، ومن رواه بفتح الدال آوى بدعة أو رضي بها. والعدل: الفريضة، والصرف: النافلة، وقيل: العدل الفدية، والصرف: التوبة، ومعنى الفدية: أنَّه يعطى يوم القيامة من يفتدي به، وأخفرتَ الرجل: إذا غدرته، وخفرته إذا حفظته وآجرته. - وفي رواية: "من ادعى إلى غير أبيه أو تولّى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل". قلت: رواه الشيخان من حديث على واللفظ لمسلم ولم يقل البخاري: من ادعى إلى غير أبيه. (¬1) 2000 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إني أحرم ما بين لابتي المدبنة: أن يقطع عِضاهها، أو يقتل صيدها"، وقال: "لا يدعها أحد رغبة عنها، إلا أبدل الله فيها من هو خير منه، ولا يثبت أحد على لأَوائها وجهدها، إلا كنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة". قلت: رواه مسلم من حديث سعد ولم يخرجه البخاري. (¬2) ولابتي المدينة: تثنية لابة، وهي الحرة، والحرة: هي الأرض ذات الحجارة السود. وعضاهها: بالقصر وكسر العين وتخفيف الضاد المعجمة واحدها عضاهة وعضهة وعضة بحذف الهاء الأصلية كما حذفت من الشفة: وهي شجر أم غيلان، وكل شجر عظيم له شوك. ¬

_ = الشمال، وطريق الخُليل من الغرب، ويسميه بعض العوام في هذه الأيام "جبل الدقّاقات". وانظر فضائل المدينة للرفاعي (ص 40 - 41). (¬1) أخرجه البخاري (3172) (6755)، ومسلم (1370)، وأخرجه الطبري -وذكر له طرقًا- في تهذيب الآثار رقم (318 إلى 342) من مسند علي بن أبي طالب. (¬2) أخرجه مسلم (1363).

واللأَواء: بالمد، الشدة، والجوع. والجهد: هو المشقة وهو بفتح الجيم، وفي لغة قليلة بضمها، وأما الجهد: بمعنى الطاقة، فبضمها على المشهور، وحكي فتحها. قوله - صلى الله عليه وسلم - إلا كنت له شفيعًا أو شهيدًا، قيل إن "أو" للشك من الراوي والأظهر أنها ليست للشك، لأنَّ الحديث رواه جابر وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وأبو سعيد وأبو هريرة وأسماء بنت عميس وصفية بنت أبي عبيد رضي الله عنهم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا اللفظ (¬1) ويبعد اتفاقهم على الشك، بل الأظهر أنَّه قاله - صلى الله عليه وسلم - هكذا، فإما أن يكون أعلم بهذه الجملة هكذا، وإما أن يكون "أو" للتقسيم ويكون شهيدًا لبعض أهل المدينة، وشفيعًا لنا فيهم، أو شفيعًا للعاصين، وشهيدًا للمطيعين، وأما شهيدًا لمن مات في حياته وشفيعًا لمن مات بعده أو غير ذلك، وهذه خصوصية زائدة على الشفاعة للمذنبين، أو للعالمين في القيامة، وعلى شهادته لجميع الأمة، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - في قتلى أحد: "أنا شهيد على هؤلاء"، فلهم بذلك مزية وزيادة منزلة. 2001 - إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يصبر على لأواء المدينة وشدتها أحد من أمتي إلا كنت له شفيعًا يوم القيامة". قلت: رواه مسلم من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬2) 2002 - كان الناس إذا رأوا أول الثمرة جاؤا به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإذا أخذه قال: "اللهم بارك لنا في ثمرنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مدنا، اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك، وإني عبدك ونبيك، وإنه دعاك لمكة وإني ¬

_ (¬1) رواية ابن عمر أخرجها مالك (2/ 885)، وأحمد (2/ 113، 119)، ومسلم (1377)، والترمذي (3918). ورواية أبي سعيد أخرجها مسلم (1374). ورواية أبي هريرة أخرجها أحمد (2/ 397)، ومسلم (1378)، والترمذي (3924). ورواية أسماء بنت عميس أخرجها أحمد (6/ 369 - 370). (¬2) أخرجه مسلم (1378).

أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه، قال: ثمَّ يدعوا أصغر وليد له فيعطيه ذلك الثمر". قلت: رواه مسلم هنا والترمذي في الدعوات والنسائيُّ في اليوم والليلة (¬1) من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. 2003 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن إبراهيم حرم مكة فجعلها حرامًا، وإني حرمت المدينة حراما ما بين مأزِمَيْها أن لا يهراق فيها دم، ولا يحمل فيها سلاح لقتال، ولا تخبط فيها شجرة إلا لعلف". قلت: رواه مسلم والنسائيُّ من حديث أبي سعيد الخدري ولم يخرجه البخاري. (¬2) والمأزم: بهمزة بعد الميم وبكسر الزاي المعجمة، وهو الجبل، وقيل: المضيق بين الجبلين ومعناه: ما بين جبليها، وانتصب حرامًا على المصدر أي: حرمت المدينة، فحرمت حرامًا، ومثله قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} ويجوز نصبه بفعل محذوف تقديره: وجعلت حرامًا ما بين مأزميها، فما بين مأزميها مفعول أول، وحرامًا مفعول ثان، وقوله: ولا تخبط فيها شجر، الخبط: ضرب الشجر بالعصا ليتناثر ورقها. قوله: إلا لعلْف هو بإسكان اللام وهو مصدر علفت علفًا، وأما العلَف: بفتح اللام قاسم للحشيش والتبن والشعير ونحوها. 2004 - وروي: أن سعدًا وجد عبدًا يقطع شجرًا أو يخبطه، فسلبه، فجاءه أهل العبد، فكلموه أن يرد ما أخذ من غلامهم، فقال: معاذ الله أن أرد شيئًا نفّلنيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1373)، والترمذي (3454)، والنسائيُّ في عمل اليوم والليلة (302). (¬2) أخرجه مسلم (1374)، والنسائيُّ (4276).

قلت: رواه مسلم من حديث عامر بن سعد: أن سعدا ركب إلى قصره بالعقيق، فوجد عبدا إلى آخره، ولم يخرجه البخاري وخرجه أبو داود، وزاد في آخره: ولكن إن شئتم دفعت لكم ثمنه. (¬1) وقد ذهب الشافعي ومالك وجماعة إلى تحريم صيد المدينة وشجرها، وجوّزه أبو حنيفة، مستدلًا بحديث: "يا أبا عمير ما فعل النغير" (¬2)، والمشهور مذهب الشافعي، والجمهور: أنَّه لا ضمان في صيد المدينة وشجرها، وللشافعي قول قديم اختاره النوويّ: إنه يضمن، فيسلب الصائد وقاطع الشجر والكلأ، ويأخذ السلب السالب. (¬3) 2005 - لما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة، وُعِك أبو بكر وبلال، فجئت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته، فقال: "اللهم حبّب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، وصححها لنا، وبارك لنا في صاعها ومدها، وانقل حُمّاها فاجعلها بالجحفة". قلت: رواه الشيخان هنا والنسائيُّ في الطب من حديث عائشة. (¬4) وأما الجحفة فقد تقدم ذكرها. 2006 - ابن عمر في رؤيا النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة: "رأيت امرأة سوداء ثائرة الرأس، خرجت من المدينة، حتى نزلت مهيعة، فتأولتها أن وباء المدينة نقل إلى مهيعة -وهي الجحفة-". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1364)، وأبو داود (2037). (¬2) أخرجه البخاري (6129)، ومسلم (2150)، وأبو داود (4969)، والترمذي (333)، والنسائيُّ في الكبرى (10166)، وابن ماجه (3720). (¬3) انظر للتفصيل المنهاج للنووي (9/ 196)، وشرح السنة للبغوي (7/ 309 - 310). (¬4) أخرجه البخاري (3926) (5654)، ومسلم (1376)، والنسائيُّ في الكبرى (7495).

قلت: رواه البخاري والترمذي والنسائيُّ وابن ماجه (¬1) كلهم في تعبير الرؤيا من حديث عبد الله بن عمر بن الخطّاب. والوباء: بالقصر والمد والهمز: الطاعون، والمرض العام. ومهيعة: هي الجحفة وأرض مهيعة أي مبسوطة فلما ذهب السيل بأهلها سميت جحفة. 2007 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يفتح اليمن فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ويفتح الشأم فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم، ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ويفتح العراق فيأتي فوم يبسون فيتحملوا بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون". قلت: رواه مالك آخر الموطأ والشيخان والنسائيُّ ثلاثتهم في الحج كلهم من حديث سفيان بن أبي زهير (¬2). ويبسون: بضم الباء الموحدة وبالسين المهملة المشددة، قال المصنف (¬3): قيل البسُّ سرعة الذهاب، وقيل: السَّوْق اللين، وقال الزمخشري في "فائقة" (¬4) أنَّه يخرج قوم من المدينة إلى العراق والشام يَبُسُّون، قال: والبسُّ: السَّوق والطرد، وبه فسر قوله تعالى: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا}، والمعنى: يسوقون بهائمهم سائرين، ولا محل له من الإعراب، لأنه بدل من "يخرج قوم" ولا يجوز أن يقال: هو في محلّ النصب على الحال، لأنَّ الحال لا ينتصب عن النكرة، ويجوز أن يكون في محلّ رفع صفة لقوم. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (7039)، والترمذي (2290)، والنسائيُّ (7651)، وابن ماجه (3924). (¬2) أخرجه البخاري (1875)، ومسلم (1388)، ومالك (2/ 887)، والنسائيُّ (4262). (¬3) شرح السنة (7/ 323). (¬4) الفائق (1/ 107).

2008 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت بقرية تأكل القرى، يقولون: يثرب، وهي المدينة تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد". قلت: رواه البخاري ومسلم والنسائيُّ ثلاثتهم في الحج من حديث أبي هريرة. (¬1) تنبيه: لا يغتر مغتر بقول الشيخ محب الدين الطبري في هذا الحديث: أخرجه أبو حاتم مقتصرًا على ذلك، فيظن الظان أنَّه ليس في شيء من الصحيحين وليس كذلك والله أعلم، قال ابن حبَّان (¬2): ومعنى تأكل القرى: أن الإسلام يكون ابتداؤه منها، ثمَّ يغلب على سائر القُرى، ويعلو على سائر الملك، وقال بعضهم: يحتمل أن يراد أنها تجبى إليها الحقوق من القرى كأنها أكلتها بأكل مالها. 2009 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تعالى سمّى المدينة طابة". قلت: رواه مسلم والنسائيُّ من حديث جابر بن سمرة (¬3) ولم يخرج البخاري: إن الله سمى المدينة طابة، ولا أخرج عن جابر في هذا شيئًا. 2010 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إنما المدينة كالكير تنفي خبثها، وينصع طيبُها". قلت: رواه الشيخان والنسائيُّ ثلاثتهم هنا والترمذي في آخر الجامع من حديث جابر بن عبد الله (¬4). وينصع طيبها: قال النوويّ (¬5): هو بفتح الياء والصاد المهملة، من يصفوا ويخلص ويتميز، والناصع: الصافي، ومنه قولهم: ناصع اللون أي صافيه وخالصه، ومعنى ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1871)، ومسلم (1382)، والنسائيُّ (4261). (¬2) الإحسان (9/ 39 - 40) (3723)، وشرح السنة (7/ 320). (¬3) أخرجه مسلم (1385)، والنسائيُّ في الكبرى (4260). (¬4) أخرجه البخاري (7209)، (7322)، (1883)، (7211)، ومسلم (1383)، والنسائي (7/ 151)، والترمذي (3920). (¬5) المنهاج للنووي (9/ 220).

الحديث: أنَّه يخرج من المدينة من لم يخلص إيمانه، ويبقى فيها من خلص إيمانه، قال أهل اللغة: يقال نصع الشيء ينصع، بفتح الصاد فيهما نصوعًا إذا خلص ووضح انتهى كلام النوويّ. وذكر الزمخشري (¬1) هذه اللفظة في باب الباء الموحدة والصاد المعجمة والعين المهملة وقال: هو من أنصعته نصاعة إذا دفعتها إليه معنى أن المدينة تعطي طيبها ساكنها، قال ابن الأثير (¬2): والمشهور بالصاد المهملة، قال: وقد روي بالضاد والخاء المعجمتين، وبالحاء المهملة من النصح. 2011 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد". قلت: رواه مسلم في (¬3) حديث طويل أوله: يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه أو قريبه هلم إلى الرخاء، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، والذي نفسي بيده! لا يخرج منها أحد رغبة عنها إلا أخلف الله فيها خيرًا منه، ألا إن المدينة كالكير تخرج الخبيث، لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارَها كما تنفي الكير خبث الحديد، من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري ولا هو في السنن الأربعة. 2012 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "على أنقاب المدينة ملائكة، لا يدخلها الطاعون ولا الدجال". قلت: رواه الشيخان هنا والنسائيُّ في الطب من حديث أبي هريرة. (¬4) والنقب: بفتح النون على المشهور، وحكي ضمها هو الشعب، وقيل: هو الطريق في الجبل، قال الأخفش: أنقاب المدينة طرقها وفجاجها. ¬

_ (¬1) الفائق للزمخشري (1/ 117) و (3/ 290). (¬2) النهاية (1/ 134) و (5/ 65). (¬3) أخرجه مسلم (1381). (¬4) أخرجه البخاري (1880)، ومسلم (1379)، والنسائيُّ في الكبرى (4273) و (7526).

من الحسان

2013 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال، إلا مكة والمدينة، ليس نقب من أنقابها إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها، فينزل السبخة، فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات، فيخرج إليه كل كافر ومنافق". قلت: رواه مسلم في الفتن من حديث أنس. (¬1) 2014 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يكبد أهل المدينة أحد، إلا انماع كما ينماع الملح في الماء". قلت: رواه البخاري من حديث سعد بن أبي وقاص ولمسلم (¬2) بمعناه. وانماع: أي ذاب كما يذوب الملح ويسيل. 2015 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- طلع له أحد فقال: "هذا جبل يحبنا ونحبه، اللهم إن إبراهيم عليه السلام حرم مكة، وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها". قلت: رواه البخاري في غزوة أحد، ومسلم هنا والترمذي في آخر كتابه من حديث أنس. (¬3) 2016 - وروي: أن قال: "أحد جبل يحبنا ونحبه". قلت: رواه الشيخان والبخاري في المغازي ومسلم من حديث أنس أيضًا. (¬4) من الحسان 2017 - روي أن سعد بن أبي وقاص أخذ رجلًا يصيد في حرم المدينة، فسلبه ثيابه، فجاء مواليه فكلموه فيه، فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حرم هذا الحرم، وقال: ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2943). (¬2) أخرجه البخاري (1877)، ومسلم (1387). (¬3) أخرجه البخاري (2889) (2893) (4084) (7333)، ومسلم (1365)، والترمذي. (¬4) أخرجه البخاري (4422)، ومسلم (1392).

"من أخذ أحدا يصيد فيه فليسلبه، فلا أرد عليكم طعمة أطعمنيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكن إن شئتم دفعت إليكم ثمنه". قلت: رواه أبو داود في الحج من حديث سليمان بن أبي عبد الله، قال: رأيت سعد بن أبي وقاص أخذ رجلًا .. وساقه بلفظه، وسئل أبو حاتم الرازي عن سليمان بن أبي عبد الله، فقال: ليس بالمشهور، فيعتبر حديثه، وقال فيه المزي: وثق. (¬1) - ويروى: "من قطع منه شيئًا، فلمن أخذه سلبه". قلت: رواه أبو داود (¬2) من حديث صالح مولى التوأمة عن مولى لسعد أن سعدا وجد عبيدا من عبيد المدينة، يقطعون من شجر المدينة، فأخذ متاعهم، وقال لمواليهم: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهى أن يقطع من شجر المدينة شيء، وقال: من قطع منه شيئًا، فلمن أخذه سلبه وفي سنده صالح مولى التوأمة، قال أبو حاتم الرازي وغيره: ليس بقوي، وقال أحمد: صالح الحديث، ومولى سعد: مجهول. 2018 - وروى الزبير عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "أن صيد وجّ وعضاهه حرْم محرم لله". (ووج ذكروا أنها من ناحية الطائف). ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2037)، وفي إسناده سليمان بن أبي عبد الله، قال الحافظ: مقبول، التقريب (2597). انظر كلام أبي حاتم في الجرح والتعديل (4/ث 549)، وانظر كذلك تهذيب الكمال (12/ 19) لعل المناوي أراد الذهبي بدل المزي؛ لأنَّ الذهبي هو الذي قال: وثق، في الكاشف (1/ 461) (ت 2106). (¬2) أخرجه أبو داود (2038). وفي إسناده صالح مولى التوأمة قال الحافظ في "التقريب". صدوق اختلط، قال ابن عديّ: لا بأس برواية القدماء عنه كابن أبي ذئب وابن جريج ت (2908)، وانظر قول أبي حاتم في الجرح والتعديل (4/ ت 1830)، وقول أحمد في العلل (1/ رقم 3234)، وقال أيضًا (3979): ليس بالقوي. انظر تهذيب الكمال (13/ 99 - 104) وذكر هذا الحديث.

قلت: رواه أبو داود (¬1) من حديث الزبير وفي الحديث قصة، وفي سنده محمَّد بن عبد الله بن إنسان الطائفي، وأبوه، فأما محمَّد: فسئل عنه أبو حاتم الرازي فقال: ليس بالقوي، وفي حديثه نظر، وذكره البخاري في تاريخه الكبير، وذكر له هذا الحديث، وقال: لم يتابع عليه، وذكر أباه وأشار إلى هذا الحديث، وقال: لم يصح حديثه، وكذا قال ابن حبَّان أيضًا. ووج: بفتح الواو وتشديد الجيم قيل: هو أرض الطائف، وقيل: الطائف نفسه، وقيل: هو اسم الوادي، وسمي وجا بوج بن عبد الحي من العمالقة ويقال: وج واج بالهمز. قوله - صلى الله عليه وسلم -: حرم أي حرام وهما لغتان، كحل وحلال، ومحرم جاء على وجه التأكيد لقوله حرم. 2019 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها، فإني أشفع لمن يموت بها". (صح). قلت: رواه الترمذي في أواخر الجامع، وابن ماجه هنا من حديث ابن عمر وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب. (¬2) 2020 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "آخر قرية من قرى الإسلام خرابا المدينة". (غريب). قلت: رواه الترمذي في أواخر جامعه من حديث أبي هريرة وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث جنادة بن سلم انتهى. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2032)، والبخاري في التاريخ الكبير (1/ 140) رقم (420)، وكذلك (5/ 45) رقم (90)، وفي إسناده محمَّد بن عبد الله بن إنسان قال الحافظ في التقريب: لين ت (6039)، وأبوه: عبد الله بن إنسان الطائفي، قال الحافظ: لين الحديث، التقريب (3232)، وانظر الجرح والتعديل (7/ ت 1593)، والثقات لابن حبَّان (9/ 33) و (7/ 17)، وراجع تهذيب الكمال (25/ 452) و (14/ 313). (¬2) أخرجه الترمذي (3917)، وابن ماجه (312) وإسناده صحيح.

وجنادة قال المزي: ضُعّف. (¬1) 2021 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله تعالى أوحى إليّ: أيّ هؤلاء الثلاثة نزلتَ فهي دار هجرتك: المدينة أو البحرين، أو قنسرين". قلت: رواه الترمذي في أواخر جامعه من حديث جرير (¬2) بن عبد الله وقال: غريب. وقِنَّسرين: بلد بالشام بكسر القاف، والنون مشددة تكسر وتفتح. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3919). وفي إسناده جنادة بن سلم قال الحافظ عنه في "التقريب" صدوق له أغلاط (ت 974). وأظن أن المؤلف قصد الذهبي بدل المزي، لأنَّ الذهبي هو الذي قال عنه: ضعّف. انظر: الكاشف (1/ 297) رقم (816). (¬2) أخرجه الترمذي (3923). وفي إسناده غيلان بن عبد الله العامري، قال الحافظ في "التقريب": لين ت (5405) وقال في هداية الرواة: وفي سنده غيلان بن عبد الله وهو مجهول. وقال الحافظ أيضًا في الفتح (7/ 266) استغربه الترمذي وفي ثبوته نظر. (¬3) انظر: معجم البلدان (4/ 403 - 404).

كتاب البيوع

كتاب البيوع باب الكسب وطلب الحلال من الصحاح 2022 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يديه، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يديه". قلت: رواه البخاري من حديث المقدام بن معدي كرب، في باب كسب الرجل وعمل يده، في البيوع ولم يخرجه مسلم. (¬1) 2023 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ}. وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}. ثمَّ ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟ ". قلت: رواه مسلم في الزكاة والترمذي في التفسير من حديث أبي هريرة يرفعه. (¬2) ويطيل السفر: جملة في محلّ نصب، صفة لرجل، وإن كان فيه الألف واللام فإن التعريف فيه غير مراد، كقوله: ولقد أمر على اللئيم يسبني. وانتصب "أشعث أغبر"، على الحال، من فاعل يطيل، وكذا "يمد يديه إلى السماء". 2024 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه، أَمِن الحلال أم من الحرام؟ ". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2072). (¬2) أخرجه مسلم (1015)، والترمذي (2989).

قلت: رواه البخاري في باب قول الله عَزَّ وَجَلَّ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} والدارميُّ هنا كلاهما من حديث أبي هريرة ولم يخرجه مسلم. (¬1) 2025 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "الحلال بيّن، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب". قلت: رواه الجماعة كلهم هنا إلا ابن ماجه (¬2) فإنَّه ذكره في الفتن كلهم من حديث العمان بن بشير وذكره البخاري في الإيمان أيضًا. قوله - صلى الله عليه وسلم -: الحلال بين والحرام بين إلى آخره، أراد - صلى الله عليه وسلم - أن الله تعالى بيّن الحلال وكشف القناع عن الحرام بتمهيد القواعد الشرعية، بحيث يميز أكثر الناس بين مسلكيهما ويفصل بين مأخذيهما فلا يشتبه أحدهما بالآخر، لكن بينهما ما يختص التميز بين حله وحرمه بالعلماء لوقوعه بين أصل الحل والحرمة. ومعنى استبرأ لدينه: أي احتاط لنفسه، وطلب البراءة لدينه، وصان عرضه عن أن يتهم بعدم المبالاة بالمعاصي. والعرض: فسره في النهاية (¬3): بأنّه موضع المدح والذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو سَلَفه، أو من يلزمه أمره، وقيل: هو جانبه الذي يصونه من نفسه وحَسَبه، ويُحامي عنه أن ينقص. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2059)، والدارمي (2539). (¬2) أخرجه البخاري (52) (2051)، ومسلم (1599)، وأبو داود (3329)، والترمذي (1205)، والنسائيُّ (7/ 242). (¬3) النهاية لابن الأثير (3/ 208 - 209).

قوله: ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، أي من هون على نفسه حتى وقع في الشبهات، وتعود ذلك وقع في الحرام، لأنَّ الشيطان يستدرج الإنسان، والمضغة: القطعة من اللحم قدر ما يمضغ، وسمي القلب بها لأنه قطعة لحم من الجسد. 2026 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث، وكسب الحجام خبيث". قلت: رواه مسلم وأبو داود والترمذي في البيوع والنسائيُّ في الصيد من حديث رافع بن خديج يرفعه ولم يخرجه البخاري. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم - ثمن الكلب خبيث إلى آخره، الخبيث في الأصل: ما يكره لخسته ورداءته، ويستعمل للحرام من حيث أنه كرهه الشرع واستردأه، كما يستعمل الطيب للحلال، قال الله تعالى: {وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ}، أي الحرام بالحلال، والرديء من المال، قال الله تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} أي لا تقصدوا الرديء من المال، ولما ثبت أن الزنا محرم، وعلمنا أن الخبيث من مهر البغي هو الحرام، لأن مهرها هو ما تأخذه عوضًا عن الزنا، وبذل العوض في الزنا ذريعة إلى التوصل إليه، وما هو ذريعة إلى الحرام حرام، ولما لم يكن كسب الحجام حرامًا لأنه قد ثبت في الصحيح أنَّه - صلى الله عليه وسلم - احتجم وأعطى الحجام أجرة، كان المراد من الخبيث في قوله - صلى الله عليه وسلم - كسب الحجام خبيث المعنى الثاني، وأما خُبْث ثمن الكلب فالجمهور حملوه على المعنى الأوّل. (¬2) 2027 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن: ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1568)، وأبو داود (3421)، والترمذي (1275)، والنسائيُّ (7/ 190). (¬2) انظر خلاف العلماء في هذه المسائل في المنهاج للنووي (10/ 331 - 335).

قلت: رواه الجماعة هنا وأعاده الترمذي في النكاح والنسائيُّ في الصيد، ورواه البخاري في مواضع من حديث أبي مسعود الأنصاري واسمه عقبة ابن عمرو. (¬1) والبغي: بفتح الموحدة وكسر الغين المعجمة هي الزانية، ومهرها هو ما تعطاه في مقابلة الزنا. وحلوان الكاهن: هو ما يعطاه من الأجرة والرشوة على كهانته، قال في النهاية (¬2): والحلوان: مصدر كالغفران ونونه زائدة، وأصله من الحلاوة، قال في الغريبين (¬3): شبه بالشيء الحلو يقال: حلوت فلانًا إذا أطعمته الحلو، كما يقال عسلته: إذا أطعمته العسل. والكاهن: هو الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان، ويدعي معرفة الأسرار، وقد كان في العرب كهنة، فمنهم من يدعي أن له تابعًا من الجن وربنا يلقي إليه الأخبار، ومنهم من كان يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله أو فعله أو حاله وهذا يخصونه باسم العراف كالذي يدعي معرفة المسروق والضالة. 2028 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن ثمن الدم، وثمن الكلب، وكسب البغي، ولعن آكل الربا، وموكله، والواشمة، والمستوشمة، والمصور. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2237) (2086)، (2562)، ومسلم (1567)، وأبو داود (3428) (3481)، والترمذي (1276) (1133) (2071)، والنسائيُّ (7/ 309) (189)، وابن ماجه (2159). (¬2) النهاية (1/ 418). (¬3) الغريبين للهروي (2/ 131).

قلت: رواه البخاري منفردًا به في باب ثمن الكب من حديث أبي جحيفة ولم يخرجه غيره من أصحاب الكتب الستة (¬1)، لكن روى أبو داود منه "نهى عن ثمن الكلب" ولم يزد على ذلك. تنبيه: قد وهم صاحب المنتقى (¬2) فعزاه لمسلم أيضًا وليس كذلك فلا يغتر به والله أعلم. قوله آكل الربا: آخذه، وموكله: معطيه. والواشمة: التي تغرز الجلد بالإبرة ثمَّ تجعل عليه الكحل أو النيل فيزرق أو يخضر. والمستوشمة: هي التي يفعل بها ذلك، والمصور: الذي يصور الحيوان، دون من يصور صور الأشجار والنبات. 2029 - أنَّه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول عام الفتح وهو بمكة: "إن الله تعالى ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام"، فقيل: يا رسول الله! أرأيت شحوم الميتة، فإنَّه يطلى بها السفن، فيدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: "لا، هو حرام" ثمَّ قال -عند ذلك-: "قاتل الله اليهود إن الله لما حرم شحومها، جملوه ثمَّ باعوه، فأكلوا ثمنه". قلت: رواه الجماعة (¬3) هنا، وأعاده البخاري في مواضع من حديث جابر بن عبد الله. وقاتل الله اليهود: أي قتلهم، وقيل: لعنهم، والمحرم من الشحوم عليهم: شحم الكلى والكرش والأمعاء، وأما شحم الظهر والإلية فلا، قال الله تعالى: {إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا}. الآية. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2086) (5962)، وأبو داود (3483). (¬2) المنتقى في الأخبار لمجد ابن تيمية. (¬3) أخرجه البخاري (2236) (4296) (4633)، ومسلم (1581)، وأبو داود (3486)، والنسائيُّ (7/ 177) (309 - 310)، وابن ماجه (2167)، والترمذي (1297).

وجملوه: يقال جملت الشحم وأجملته إذا أذبته، واستخرجت دهنه، وجملت أفصح من أجملت. 2030 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "قاتل الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها". قلت: رواه الشيخان هنا والنسائيُّ في الذبائح وابن ماجه في الأشربة كلهم من حديث عمر بن الخطّاب رضي الله عنه. (¬1) 2031 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن ثمن الكلب والسنور. قلت: رواه مسلم هنا من حديث أبي الزبير عن جابر (¬2)، ولم يذكر البخاري "السنور" ولا خرج عن جابر في هذا شيئًا، وذهب جمهور العلماء إلى جواز بيع السنور المنتفع به، وتأولوا الحديث على ما لا ينتفع به أو على أنَّه نهي تنزي. وأما ما ذكره الخطابي وابن عبد البر من أن الحديث في النهي عنه ضعيف، فليس كما قالا بل الحديث صحيح رواه مسلم وغيره، وقول ابن عبد البر لم يروه عن أبي الزبير غير حماد بن سلمة غلط منه أيضًا، لأنَّ مسلمًا رواه في صحيحه من حديث معقل بن عبيد الله عن أبي الزبير، فهذان ثقتان روياه عن أبي الزبير وهو ثقة أيضًا. (¬3) 2032 - قال: حجم أبو طيبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأمر له بصاع من تمر، وأمر أهله أن يخففوا عنه من خراجه". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2223)، ومسلم (1582)، والنسائيُّ (7/ 177)، وابن ماجه (3383). (¬2) أخرجه مسلم (1569). (¬3) هذا كلام النوويّ في المنهاج (10/ 335)، وانظر معالم السنن للخطابي (3/ 111)، والتمهيد لابن عبد البر (8/ 402 - 403).

من الحسان

قلت: رواه الشيخان وأبو داود والترمذي من حديث أنس واللفظ للبخاري (¬1)، وأبو طيبة (¬2): بطاء مهملة مفتوحة ثمَّ ياء مثناة من تحت ثمَّ باء موحدة وهو عبد لبني بياضة، واسمه نافع وقيل غير ذلك. من الحسان 2033 - قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم". قلت: رواه الأربعة هنا إلا الترمذي ففي الأحكام من حديث عائشة واللفظ للترمذي، وقال: حسن. (¬3) - وفي رواية: "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه". قلت: هذه الرواية لفظ أبي داود وابن ماجه كلاهما من حديث عائشة أيضًا ورواه الدارمي ولفظه: "إن أحق ما يأكل الرجل من أطيب كسبه وإن ولده من أطيب كسبه". (¬4) 2034 - عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يكسب عبد مال حرام فيتصدق منه فيقبل منه، ولا ينفق منه فيبارك له فيه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار، إن الله لا يمحو السيء بالسيء، ولكن يمحو السيء بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2102)، ومسلم (1577). (¬2) انظر الإصابة لابن حجر (7/ 233). (¬3) أخرجه الترمذي (1358)، وابن ماجه (2290)، والنسائيُّ (7/ 241). (¬4) أخرجه أبو داود (3528)، وابن ماجه (2137)، والدارميُّ (2/ 247).

قلت: رواه المصنف (¬1) من حديث الصباح بن محمَّد عن مرة الهمداني عن ابن مسعور يرفعه، والصباح بن محمَّد قال ابن حبَّان: يروي الموضوعات، وقال في الميزان (¬2): له حديثان رفعهما وهما من قول ابن مسعود. (¬3) 2035 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يدخل الجنة لحم نبت من السحت، وكل لحم نبت من السحت كانت النار أولى به". قلت: روى القطعة الأولى منه الدارمي في الرقائق من حديث عبد الرحمن بن سابط عن جابر بن عبد الله يرفعه (¬4)، ورواه بتمامه البيهقي في شعب الإيمان (¬5) والسحت الحرام: الذي لا يحل كسبه، لأنه يسحت البركة أي يذهبها. 2036 - قال: حفظت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة، وإن الكذب ريبة". قلت: رواه الترمذي في الزهد والنسائيُّ في الأشربة والدارميُّ (¬6) هنا من حديث الحسن بن علي وقال الترمذي: صحيح. ¬

_ (¬1) أخرجه في شرح السنة (8/ 10) (2030)، وأخرجه كذلك أحمد (1/ 387). (¬2) والصباح بن محمَّد بن أبي حازم البجلي الأحمسي، قال الحافظ: ضعيف، أفرط فيه ابن حبَّان، التقريب (2914)، وقول ابن حبَّان في المجروحين (1/ 377) وذكر هذا الحديث. وانظر ميزان الاعتدال للذهبي (2/ 306). (¬3) في الأصل هنا بياض، واستدركته من الميزان. (¬4) أخرجه الدارمي (2/ 318). (¬5) شعب الإيمان (5761)، وكذا رواه الإمام أحمد (3/ 321)، وصححه الحاكم (4/ 127). (¬6) أخرجه الدارمي (2/ 245)، والترمذي (8/ 25)، والنسائيُّ (8/ 327) وإسناده صحيح.

ويريبك: قال في النهاية (¬1): يروى بفتح الياء من راب، وبضمها من أراب ومعناه الشك. 2037 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا وابصة، جئت تسأل عن البر والإثم؟ " قلت: نعم، قال: فجمع أصابعه فضرب بها صدره، وقال: "استفت نفسك، استفت قلبك، ثلاثًا، البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردّد في الصدر، وإن أفتاك الناس". قلت: رواه الدارمي (¬2) هنا عن سليمان بن حرب ثنا حماد بن سلمة عن الزبير أبي عبد السلام عن أيوب بن عبد الله بن مكرز الفهري عن وابصة بن معبد الأسدي بلفظه. وحاك في النفس: بالحاء المهملة والكاف أي أثر فيها ورسخ، يقال ما يحيك كلامك في فلان أي يؤثر. قوله: وإن أفتاك الناس أي جعلوا لك رخصة، وهو بالفاء والتاء المثناة من فوق. 2038 - قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرًا لما به بأس". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في الزهد من حديث عطية السعدي وقال الترمذي: ¬

_ (¬1) النهاية (2/ 286). (¬2) أخرجه الدارمي (3/ 1649)، وإسناده ضعيف من أجل الزبير أبي عبد السلام، قال البخاري في التاريخ الكبير (3/ 413)، روى عنه حماد بن سلمة مراسيل (انظر تعجيل المنفعة (ت 327). وفيه كذلك الانقطاع بين الزبير وأيوب، وأيوب بن عبد الله بن مكرز، مستور التقريب (622) جاء في المخطوط "عن أبي الزبير عن أبي عبد السلام" وهو خطأ صححته من الدارمي، وله شاهد عند مسلم (2553) من حديث النواس بن سمعان.

حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. (¬1) 2039 - لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الخمر عشرة: "عاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وبائعها، وآكل ثمنها، والمشتري لها، والمشترى له". قلت: رواه الترمذي هنا وابن ماجه في الأشربة من حديث أنس وقال الترمذي: غريب. (¬2) 2040 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه". قلت: رواه أبو داود في الأشربة من حديث أبي علقمة مولاهم، وعبد الرحمن بن عبد الله الغافقي أنهما سمعا ابن عمر، ورواه ابن ماجه فيه عن أبي طعمة، وعبد الرحمن الغافقي، وقد سئل ابن معين عن الغافقي فقال: لا أعرفه، وأبو علقمة مولى ابن عباس، ولي قضاء أفريقية، وأما أبو طعمة: فمولى عمر بن عبد العزيز، رماه مكحول الهذلي بالكذب، فتلخص أن سند أبي داود أحسن من سند ابن ماجه في هذا الحديث. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2451)، وابن ماجه (4215). في إسناده عبد الله بن يزيد الدمشقي، عن ربيعة بن يزيد وهو ضعيف قال الحافظ: ضعيف، التقريب (3738). (¬2) أخرجه الترمذي (1295)، وابن ماجه (3381). وقال المنذري: ورواته ثقات، (3/ 250)، وقال الضياء في المختارة: إسناده حسن (6/ 181). (¬3) أخرجه أبو داود (3674)، وابن ماجه (3380). وقال الحافظ في التلخيص (4/ 136): وصححه ابن السكن، وقول ابن معين عن الغافقي لا أعرفه قال ابن عديّ: إذا قال ابن معين لا أعرفه فهو مجهول، غير معروف، فقد تعقبه الحافظ في التهذيب (ت 4487). قد عرفه ابن يونس وإليه المرجع في معرفة أهل مصر والمغرب وقد ذكره ابن خلفون في الثقات. وقال في التقريب (3952): مقبول، وفي إسناد ابن ماجه: "عن عبد الرحمن الغافقي وأبي طعمة مولاهم أنهما سمعا ابن عمر ... " قال الحافظ في التقريب (8325): أبو علقمة، عن ابن عمر، (كذا وقع عنده في بعض الرواية) أي عند أبي داود، وصوابه: أبو طعمة، ثمَّ قال: (8247) أبو طعمة =

2041 - أنَّه استأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في إجارة الحجام؟ فنهاه، فلم يزل يستأذنه حتى قال: "أعلفه ناضحك وأطعمه رقيقك". قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه ثلاثتهم هنا من حديث محيصة ولم يضعفه أبو داود. (¬1) 2042 - نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عن ثمن الكلب وكسب الزمارة". قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة. (¬2) قال ابن الأثير (¬3): الزمارة بتقديم الزاي المعجمة هي الزانية. وقيل: هي بتقديم الراء المهملة على الزاي من الرمز وهي الإشارة بالعين أو الحاجب أو الشفه، والزواني يفعلن ذلك، قال: والأول الوجه، قال ثعلب: الزمارة هي البغي الحسناء، والزمير: الغلام الجميل، قال الأزهري: يحتمل أن يكون أراد المغنية، يقال غنا زمير أي حسن وزمّر إذا غنى، والقصبة التي يزمّر بها زمارة. 2043 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تبيعوا القينات، ولا تشتروهن، ولا تعلموهن، وثمنهن حرام"، وفي مثل هذا أنزلت: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ}. [سورة لقمان: 6]. قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما هنا، وأعاده الترمذي في التفسير واللفظ له فيه، من حديث أبي أمامة وقال: لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقد تكلم بعض أهل ¬

_ = شامي، سكن مصر، وكان مولى عمر بن عبد العزيز يقال: اسمه هلال، مقبول. ولم يثبت أن مكحولًا رماه بالكذب. (¬1) أخرجه أبو داود (3422)، والترمذي (1277)، وابن ماجه (2166) وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وانظر الصحيحة (1400). (¬2) أخرجه أبو داود (3484)، والترمذي (1281)، وابن ماجه (2160)، والبغويُّ في شرح السنة (2038). (¬3) النهاية (2/ 312)، وتهذيب اللغة للأزهري (13/ 207 - 208).

العلم في أحد رواته، وهو علي بن يزيد، وقال الذهبي: ضعفه جماعة، وقال الترمذي: يضعف. (¬1) والقينات: بالقاف المفتوحة والياء آخر الحروف والنون والألف والتاء، المراد بهن هنا المغنيات. 2044 - نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أكل الهر وثمنه. (غريب). قلت: رواه أبو داود والترمذي والنسائيُّ ثلاثتهم هنا وابن ماجه في الصيد من حديث جابر بن عبد الله (¬2)، وقال الترمذي: حديث غريب، وقال النسائيُّ: هو منكر انتهى وفي إسناده عمر بن زيد الصنعاني، قال ابن حبَّان: تفرد بالمناكير عن المشاهير، حتى خرج عن حد الاحتجاج به، وقال الخطابي: وقد تكلم بعض العلماء في إسناد هذا الحديث وزعم أنه غير ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال ابن عبد البر: حديث بيع السنور لا يثبت رفعه انتهى كلامه. وقد تقدم حديث جابر "نهى عن ثمن الكلب والسنور" فقيل إنما نهى عن بيع الوحشي منه دون الإنسي. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1282)، وفي التفسير (3195)، وابن ماجه (2168). وفي إسناده علي بن يزيد وقول الذهبي في الكاشف (8983)، وقال الحافظ: علي بن يزيد بن أبي زياد الألهاني الدمشقي صاحب القاسم بن عبد الرحمن: ضعيف، التقريب (4851). (¬2) أخرجه أبو داود (3480) (3807)، والترمذي (1280)، والنسائيُّ (7/ 192)، وابن ماجه (3250) وإسناده ضعيف فيه عمر بن زيد الصنعاني قال الحافظ: ضعيف (4898)، وانظر معالم السنن للخطابي (3/ 111)، والتمهيد لابن عبد البر (8/ 402 - 403)، وقول ابن حبَّان في المجروحين (2/ 82).

باب المساهلة في المعاملة

باب المساهلة في المعاملة من الصحاح 2045 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى". قلت: رواه البخاري وابن ماجه كلاهما هنا، وأبو حاتم في صحيحه ثلاثتهم من حديث محمَّد بن المنكدر عن جابر يرفعه. (¬1) وسمحًا بسكون الميم: من سمح بمعنى سهلًا، واقتضى: أي تقاضى الحق، وهو طلب قضاء الحق. 2046 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن رجلًا كان فيمن قبلكم أتاه الملك ليقبض روحه، فقيل له: هل عملت من خير؟ قال: ما أعلم، قيل له: انظر، قال: ما أعلم شيئًا غير أني كنت أبايع الناس في الدنيا وأجازيهم فأُنظِر الموسر وأتجاوز عن المعسر، فأدخله الله الجنة". قلت: رواه البخاري في مواضع منها: في بني إسرائيل بهذا اللفظ، وهو ومسلم هنا بمعناه وابن ماجه في الأحكام كلهم من حديث حذيفة. (¬2) قوله: وأجازيهم يقال: جازيت فلانًا وتجازيته إذا تقاضيته، ومن جزى دينه أي قضاه، والمتجازي: المتقاضي، والإنظار: الإمهال، قوله: وأتجاوز عن المعسر أي أعفو عنه. - وفي رواية: "قال الله: أنا أحق بذا منك، تجاوزوا عن عبدي". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2076)، وابن ماجه (2203)، وابن حبَّان (4903). (¬2) أخرجه البخاري (3451)، ومسلم (1560)، وابن ماجه (2420).

قلت: رواها مسلم، ووقفها على حذيفة ورفعها من حديث عقبة بن عامر (¬1) وأبي مسعود الأنصاري، وذكر عقبة بن عامر وهم، والصواب عقبة بن عمرو وهو أبو مسعود الأنصاري وليس لعقبة بن عامر فيه رواية، نبه على ذلك الدارقطني وغيره (¬2)، كلهم يقولون إنما هو محفوظ من حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري وحده. 2047 - قال - صلى الله عليه وسلم - "إياكم وكثرة الحلف في البيع، فإنَّه ينفق ويمحق". قلت: رواه مسلم والنسائيُّ وابن ماجه ثلاثتهم هنا من حديث أبي قتادة. (¬3) 2048 - وفي رواية: "الحلف مَنفقة للسلعة مَمحقة للبركة". قلت: رواها الشيخان هنا واللفظ للبخاري من حديث أبي هريرة ولفظ مسلم: "ممحقة للربح". (¬4) والمنفقة والممحقة: بفتح أولهما وثالثهما وإسكان ثانيهما على وزن مفعلة، وهذا البناء موضوع للمبالغة، كما يقال: "الولد مَجبنة مَبخلة" (¬5) والمحدثون يقولون منفقة ممحقة بالتشديد فيهما والوجه الأول ذكره صاحب المفهم (¬6) ومعناه: أنَّه مظنة لنفاقها، وموضوع له من قولهم: نفق البيع بالفتح ينفق بالضم إذا أكثر المشترون له والرغبات فيه، والنفاق ضد الكساد، ونفقت الدابة أي ماتت. 2049 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم"، ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قال أبو ذر: ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1560). (¬2) انظر العلل للدارقطني (6/ 180 - 181). (¬3) أخرجه مسلم (1607)، والنسائيُّ (7/ 246)، وابن ماجه (2209). (¬4) أخرجه البخاري (2087)، ومسلم (1606)، والنسائيُّ (7/ 246)، ابن ماجه (2209). (¬5) الصحاح للجوهري (5/ 2090). (¬6) المفهم للقرطبي (4/ 522)، والنهاية لابن الأثير (4/ 303).

من الحسان

خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال: "المسبل إزاره والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب". قلت: رواه مسلم في الأيمان وأبو داود في اللباس والترمذي وابن ماجه في البيوع والنسائيُّ في الزكاة من حديث أبي ذر يرفعه. (¬1) ومعنى لا يكلمهم: أي لا يكلمهم كلامًا ينفعهم ويسرهم، ومعنى لا ينظر إليهم: أي يعرض عنهم، ومعنى لا يزكيهم: لا يطهرهم من دنس ذنوبهم، وقال الزجاج: معناه لا يثني عليهم، ومعنى أليم: مؤلم، ومعنى المسبل إزاره: المرخي له، الجار طرفه خيلًا كما جاء مفسرًا في الأحاديث الآخر، والخيلاء: الكبر، والمنان: من المنة التي هي الاعتداد بالصنيع وهي إن وقعت في الصدقة أبطلت الأجر، وإن وقعت في المعروف كذوب، وقيل: من المن وهو النقص يريد النقص في الحق، قال تعالى: {وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ} أي: منقوص، والمنفق بالتخفيف وقد تقدم، والحلف بكسر اللام وحكى ابن السكيت فيها الإسكان. من الحسان 2050 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء". (غريب). قلت: رواه الترمذي والدارميُّ كلاهما في البيوع من حديث الحسن عن أبي سعيد، وقال الترمذي: حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه انتهى. قال الدارمي: لا علم لي بأن الحسن سمع من أبي سعيد انتهى. له شاهد رواه الدارقطني ¬

_ (¬1) مسلم (106)، وأبو داود (4087)، الترمذي (1211)، ابن ماجه (2208).

والبيهقيُّ من حديث ابن عمر وصححه الحاكم وأتى بحديث أبي سعيد شاهدًا له. (¬1) 2051 - قال: مر بنا النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا معشر التجار! إن البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة". قلت: رواه الأربعة فيه من حديث قيس بن أبي غرزة وقال الترمذي: حسن صحيح (¬2)، وقال: لا نعرف لقيس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- غير هذا. وغرزة: بغين معجمة وراء وزاي مفتوحتين. 2052 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "التجار يحشرون يوم القيامة فجارًا، إلا من اتقى وبر وصدق". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما فيه وابن حبَّان والبيهقيُّ من حديث إسماعيل بن عبيد بن رفاعة بن رافع عن أبيه عن جده يرفعه، قال الترمذي: حسن صحيح. (¬3) والفجار: جمع فاجر وهو المنبعث في المعاصي والمحارم. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1209)، والدرامي (3/ 1653)، والحاكم (2/ 6)، والدراقطني (3/ 7)، والبيهقيُّ (5/ 266)، والبغويُّ في شرح السنة برقم (2025) وقال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 386) قال أبي هذا حديث لا أصل له، وكلثوم ضعيف في الحديث. قال الحافظ: كلثوم ضعيف، التقريب (5655). وهو كلثوم بن جوشن القشيري. (¬2) أخرجه أبو داود (3326)، والترمذي (3/ 514)، والنسائيُّ (7/ 14 - 15)، وابن ماجه (2145). وإسناده صحيح، وقيس بن أبي غرزة، الغفاري، صحابي نزل الكوفة، الإصابة (5/ 493). (¬3) أخرجه الترمذي (1210)، وابن ماجه (2146)، وابن حبَّان (4910) والبيهقيُّ (5/ 266)، وفي الشعب (4/ 219) رقم (4849)، وروى البيهقي في الشعب أيضًا (4/ 219) رقم (4848) عن البراء بن عازب بإسناد جيد. أما إسماعيل بن عبيد الله بن رفاعة بن رافع فقال عنه الحافظ في التقريب (471): مقبول.

باب الخيار

باب الخيار من الصحاح 2053 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار". قلت: رواه الجماعة إلا ابن ماجه. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: إلا بيع الخيار قال في النهاية (¬2): أي إلا بيعًا شرط فيه الخيار، فإنَّه لا يلزم بالتفرق، وقيل معناه: إلا بيعًا شرط فيه نفي خيار المجلس فيلزم بنفسه عند قوم. وقال في شرح السنة (¬3): معناه إلا أن يقول أحدهما لصاحبه اختر فيقول: اخترت فيكون هذا إلزامًا للبيع منهما وإن كان المجلس قائمًا. - وفي رواية: "إذا تبايع المتبايعان فكل واحد منهما بالخيار من بيعه ما لم يتفرقا أو يكون بيعهما عن خيار فإذا كان بيعهما عن خيار فقد وجب". قلت: رواها الشيخان هنا بهذا اللفظ وقالا فيه: قال نافع: كان ابن عمر إذا بايع رجلًا فأراد أن لا يقيله قام فمشى هنيهة ثمَّ رجع إليه، وأخرجه بقية الجماعة ومالك والشافعيُّ وأحمد بلفظ آخر من حديث ابن عمر. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2111)، ومسلم (1531)، وأبو داود (3454)، والترمذي (1245)، والنسائيُّ (7/ 248). (¬2) النهاية (2/ 92). (¬3) شرح السنة: (8/ 41). (¬4) أخرجها البخاري (2107)، ومسلم (1531)، وأبو داود (3455)، والترمذي (1245)، والنسائيُّ (7/ 249)، وابن ماجه (2181)، وأحمد (2/ 119)، ومالك (2/ 671)، والشافعيُّ في المسند (1/ 137) رقم (651) و (652)، وفي الرسالة (863).

- وفي رواية: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يختارا". قلت: لم أر هذه الرواية في شيء من الصحيحين، ورواها الترمذي هنا بهذا اللفظ (¬1) من حديث ابن عمر فكان من حق المصنف أن يؤخرها إلى الحسان، وفي الصحيحين معنى هذه الرواية. 2054 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما". قلت: رواه الجماعة إلا ابن ماجه من حديث حكيم بن حزام في البيوع. (¬2) 2055 - قال رجل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: إني أخدع في البيوع فقال: إذا بايعت فقل: "لا خلابة"، فكان الرجل يقوله". قلت: رواه الشيخان ومالك وأبو داود والنسائيُّ كلهم فيه من حديث ابن عمر. (¬3) وخلابة: بخاء معجمة مكسورة وتخفيف اللام وبالباء الموحدة، أي لا خديعة ومعناه: لا يحل لك خديعتي، أو لا يلزمني خديعتك، وهذا الرجل اسمه حبَّان بفتح الحاء المهملة وبالباء الموحدة ابن منقذ الأنصاري، وقيل هو منقد والدحبان. وروى البيهقي (¬4) بسند حسن وقال فيه: أنه منقذ بن عمرو، وكان رجلًا قد أصيب في رأسه آمة فكسرت لسانه، ونقضت عقله، وكان يغر في البيع، وكان لا يدع التجارة، فشكا ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إذا ابتعت فقل لا خلابة" وأنت في كل بيع تبتاعه بالخيار ¬

_ (¬1) أخرجها الترمذي (1245). (¬2) أخرجه البخاري (2079)، ومسلم (1532)، وأبو داود (3459)، والنسائيُّ (7/ 244)، والترمذي (1246). (¬3) أخرجه البخاري (2117) (2407)، ومسلم (1533)، ومالك (2/ 685)، وأبو داود (3500)، والنسائيُّ (7/ 252). (¬4) انظر السنن الكبرى للبيهقي (5/ 273).

من الحسان

ثلاث ليال، إن رضيت فأمسك وإن سخطت فرد، فبقي حتى أدرك زمان عثمان وهو ابن مائة وثلاثين سنة، وكذلك روى ابن ماجه بسند حسن (¬1)، وأما ما وقع في الوسيط (¬2) وللغزالي: في كثير من كتب الفقه في هذا الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - قال له: "واشترط الخيار ثلاثة أيام"، فلا يعرف بهذا اللفظ في كتب الحديث، وأقوى ما يحتج به في صحة شرط الخيار الإجماع وهو كاف. من الحسان 2056 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن يكون صفقة خيار، ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله". قلت: رواه الثلاثة والدارقطني والبيهقيُّ كلهم هنا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وقال الترمذي: حديث حسن. (¬3) 2057 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يتفرق عن بيع إلا عن تراض". قلت: رواه أبو داود والترمذي كلاهما هنا من حديث أبي هريرة وقال: غريب، ولم يضعفه أبو داود. (¬4) ¬

_ (¬1) سنن ابن ماجه (2355). (¬2) الوسيط (3/ 108) ط. دار السلام، القاهرة. وانظر كذلك التلخيص الحبير (3/ 50). (¬3) أخرجه أبو داود (3456)، والترمذي (1247)، والنسائيُّ (7/ 251 - 252)، والدارقطني (3/ 50)، والبيهقيُّ (8/ 271). وإسناده حسن دون قوله "ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله" فإنه يعارض ما أخرجه البخاري في الباب الأول (2107)، ومسلم (1531) من حديث ابن عمر وقد ذكر ابن حجر في الفتح (4/ 331 - 332) تأويل هذه الزيادة والجمع بينهما. (¬4) أخرجه أبو داود (3458)، والترمذي (1248) وإسناده حسن.

باب الربا

باب الربا من الصحاح 2058 - لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه. قلت: رواه مسلم هنا من حديث جابر بن عبد الله (¬1) وأخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه بتمامه من حديث ابن مسعود (¬2) وأخرجه مسلم أيضًا من حديث ابن مسعود: في آكل الربا وموكله فقط (¬3)، وأخرج البخاري من حديث أبي جحيفة: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ثمن الكلب، وعن ثمن الدم، ونهى عن الواشمة والمستوشمة، وآكل الربا، وموكله، ولعن المصورين. (¬4) قوله: وموكله، أي معطيه. 2059 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح: مثلًا بمثل، سواء بسواء، يدًا بيد، فإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد". قلت: رواه الجماعة هنا من حديث عبادة إلا البخاري، فإنَّه لم يخرج عن عبادة في هذا شيئًا. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1598). (¬2) أخرجه أبو داود (3333)، والترمذي (1206)، وابن ماجه (2277). (¬3) أخرجه مسلم (1597). (¬4) أخرجه البخاري (2086) (2238) و (5347). (¬5) أخرجه مسلم (1587)، وأبو داود (3349)، والترمذي (1240)، والنسائي (7/ 276)، وابن ماجه (2254).

2060 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح: مثلًا بمثل، يدًا بيد، فمن زاد واستزاد، فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء". قلت: رواه مسلم في الربا من حديث أبي سعيد الخدري ولم يخرجه البخاري. (¬1) قوله: فمن زاد أي: أعطى الزيادة أو استزاد، أي أخذ الزيادة، قوله: الآخذ، هو أكل الربا، والمعطي: هو موكلها، سواء: أي في الإثم. 2061 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلًا بمثل، ولا تُشِفُّوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورِق بالورِق إلا مثلًا بمثل، ولا تُشِفّوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبًا بناجز". قلت: رواه الشافعي والشيخان والترمذي والنسائيُّ كلهم هنا من حديث أبي سعيد الخدري. (¬2) وتشفوا: هو بضم التاء وكسر الشين المعجمة وتشديد الفاء، أي لا تفضّلوا. قوله - صلى الله عليه وسلم -: ولا تبيعوا منها غائبًا بناجز: المراد بالناجز الحاضر والغائب المؤجل. - وفي رواية: "لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق، إلا وزنًا بوزن". قلت: رواها مسلم هنا من حديث أبي سعيد. (¬3) 2062 - قال كنت أسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الطعام بالطعام مِثلًا بمثل". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1584). (¬2) أخرجه الشافعي (2/ 156)، والبخاري (2177)، ومسلم (1584)، والترمذي (1241)، والنسائيُّ (7/ 278). (¬3) أخرجه مسلم (1584).

قلت: رواه مسلم هنا من حديث معمر بن عبد الله بن نافع وفيه قصة وهو من أفراد مسلم، ولم يخرج البخاري عن معمر بن عبد الله شيئًا. (¬1) 2063 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الذهب بالورِق ربًا إلا هاء وهاء، والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء". قلت: رواه الشيخان فيه من حديث عمر بن الخطّاب. (¬2) وإلا هاء وهاء: فيه لغتان المد والقصر، والمد أشهر وأفصح، وأصله هاك، فأبدلت المدة من الكاف، ومعناه: خذ هذا ويقول له صاحبه مثله. ومعنى اشتراط التقابض في بيع الربوي إذا اتفقا في علة الربا، سواء اتفق جنسهما كذهب بذهب أم اختلف كذهب بفضة، ونبه - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث بمختلف الجنس على متفقه، واستدل أصحاب مالك بهذا على أنه يشترط التقابض عقب العقد، حتى لو أخره عن العقد، وقبض في المجلس لا يصح عندهم، ومذهبنا صحة التقايض في المجلس، وإن تأخر عن العقد يومًا أو أيامًا أو أكثر ما لم يتفرقا، وبه قال أبو حنيفة وآخرون. (¬3) 2064 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استعمل رجلًا على خيبر، فجاءه بتمر جنيب، فقال: "أكل تمر خيبر هكذا؟ " قال: لا والله يا رسول إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال: "لا تفعل! بع الجمع بالدراهم، ثمَّ ابتع بالدراهم جنيبًا". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1592). (¬2) أخرجه البخاري (2134) (2174)، ومسلم (1586). وفيه: "الورق بالذهب .. "، وفي البخاري في الموضعين المذكورين "الذهب بالذهب" وفي الحاشية نبهوا على أن هناك رواية: "الذهب بالورق" وذكر المقدسي في عمدة الأحكام (278) بلفظ: "الذهب بالورق ربًا .. "، وانظر: فتح الباري (4/ 316). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (11/ 17).

قلت: رواه الشيخان ومالك والنسائيُّ والدارميُّ كلهم هنا من حديث أبي هريرة وأبي سعيد. (¬1) والجنيب: بجيم مفتوحة ثمَّ نون مكسورة ثمَّ ياء مثناة تحت ثمَّ باء موحدة، وهو نوع من أعلى التمر. والجمع: بفتح الجيم وإسكان الميم، وهو تمر رديء، وقد فسره في بعض الروايات بأنّه الخلط من التمر، ومعناه: مجموع من أنواع مختلفة. 2065 - جاء بلال إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بتمر برني فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أين هذا؟ " قال: كان عندنا تمر رديء، فبعت منه صاعين بصاع، فقال: "أوّهَ! عين الربا، عين الربا، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري، فبع التمر ببيع آخر، ثمَّ اشتر به". قلت: رواه الشيخان هنا من حديث أبي سعيد. (¬2) وأوه: كلمة توجع وتحزن. ومعنى عين الربا: أي حقيقة الربا المحرم. وفي أوه لغات أفصحها وأشهرها: بهمزة مفتوحة، وواو مفتوحة مشددة، وهاء ساكنة، ويقال بنصب الهاء منونة ويقال: أوه بإسكان الواو وكسر الهاء، منونة وغير منونة ويقال: أوّ بتشديد الواو مكسورة منونة بلا هاء، ويقال: آهٍ بمد الهمزة، وبتنوين الهاء وساكنة من غير واو. (¬3) 2066 - قال: جاء عبد فبايع النبي -صلى الله عليه وسلم- على الهجرة، ولم يشعر أنه عبد، فجاء سيده يريده، فاشتراه بعبدين أسودين، ولم يبايع أحدا بعده حتى يسأله: "أعبد هو أم حر؟ ". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2201)، ومسلم (1593)، والنسائيُّ (7/ 271)، والدارمي (2/ 335). (¬2) أخرجه البخاري (2312)، ومسلم (1594). (¬3) انظر المنهاج للنووي (11/ 30 - 31).

من الحسان

قلت: رواه الجماعة هنا من حديث جابر إلا البخاري. (¬1) 2067 - قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الصُّبْرة من التمر لا يعلم مكيلتها بالكيل المسمى من التمر. قلت: رواه مسلم والنسائيُّ هنا من حديث جابر (¬2) ووهم الطبري فنسبه للبخاري أيضًا وليس هو فيه. 2068 - اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر دينارًا، فيها ذهب وخرز، ففصلتها فوجدتها أكثر من اثني عشر دينارًا، فذكرت للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "لا تباع حتى تفضل". قلت: رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائيُّ فيه من حديث فضالة بن عبيد. (¬3) من الحسان 2069 - عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليأتين على الناس زمان، لا يبقى أحد إلا أكل الربا، فإن لم يأكله أصابه من بخاره". ويروى: "من غباره". قلت: رواه أبو داود والنسائيُّ وابن ماجه هنا من حديث الحسن البصري عن أبي هريرة وصححه الحاكم، قال الذهبي: إن صح سماع الحسن من أبي هريرة فهذا صحيح انتهى. والرواية في أبي داود خاصة. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1602)، وأبو داود (3358)، والترمذي (1239)، والنسائيُّ (7/ 150)، وابن ماجه (2869). (¬2) أخرجه مسلم (1530)، والنسائيُّ (7/ 270). (¬3) أخرجه مسلم (1591)، وأبو داود (3352)، والترمذي (1255)، والنسائيُّ (7/ 279). (¬4) أخرجه أبو داود (3331)، والنسائيُّ (7/ 243)، وابن ماجه (2278)، والحاكم (2/ 11)، والبغويُّ (2055). وفي الإسناد: عباد بن راشد ترجم له الحافظ في التقريب (3143) وقال: صدوق له أوهام. =

ومعنى الحديث: أنه يصل إليه أثر الربا وإن لم يأكله، بأن كان موكله أو متوسطًا أو كاتبًا أو شاهدًا فيه أو كان عامل مع آكل الربا أو مع من عامله، إلى غير ذلك من الملابسة، والمراد أن الربا يكثر في ذلك الزمان. 2070 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق، ولا البر بالبر، ولا الشعير بالشعير، ولا التمر بالتمر، ولا الملح بالملح، إلا سواء بسواء عينًا بعين، يدًا بيد، ولكن بيعوا الذهب بالورق، والورق بالذهب، والبر بالشعير، والشعير بالبر، والتمر بالملح، والملح بالتمر، يدًا بيد كيف شئتم". قلت: رواه الشافعي من حديث عبادة بن الصامت. (¬1) 2071 - قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن شراء التمر بالرطب؟ فقال: "أينقص الرطب إذا يبس؟ " فقال: نعم، فنهاه عن ذلك. قلت: رواه الأربعة هنا (¬2) من حديث زيد أبي عياش أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن البيضاء بالسلت؟ فقال له سعد: أيهما أفضل قال البيضاء، فنهاه عن ذلك، ¬

_ = ثمَّ إن الحسن لم يسمع من أبي هريرة، انظر: تهذيب الكمال (6/ 99)، وقال المنذري: الحسن لم يسمع من أبي هريرة، فهو منقطع. مختصر المنذري (5/ 8). (¬1) أخرجه الشافعي (2/ 158)، رقم (546). (¬2) أخرجه أبو داود (3359)، والترمذي (1225)، والنسائيُّ (7/ 268)، وابن ماجه (2264)، ومالك في الموطأ (2/ 624) رقم (22)، والشافعيُّ (2/ 159) (551). وفي إسناده زيد أبو عياش فهو ثقة، لا يضره من جهّله، لأنه روى عنه أكثر من واحد، وثقه ابن حبَّان وكذلك الدارقطني، وقال الذهبي: مشهور، وصحح له غير واحد، وقال الحافظ في التقريب (2166): صدوق. وانظر ميزان الاعتدال (2/ 105)، وتهذيب التهذيب (3/ 424)، وقال المنذري: وقد حكي عن بعضهم: أنه قال: زيد أبو عياش مجهول، وكيف يكون مجهولًا؟ وقد روى عنه اثنان ثقتان: عبد الله بن يزيد وعمران بن أبي أنس، وهما ممن احتج به مسلم في صحيحه، وقد عرفه أيمة هذا الشأن؟ هذا الإمام قد أخرج حديثه في موطئه، مع شدة تحرية في الرجال ونقده وتتبعه لأحوالهم، .. وما علمت أحدًا ضعفه، والله عَزَّ وَجَلَّ أعلم، مختصر المنذري (5/ 34).

وقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسأل عن شراء التمر بالرطب فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الحديث، وقال الترمذي: حسن صحيح، ورواه الشافعي من طريق مالك. قال الخطابي (¬1): وقد تكلم بعض الناس في إسناد هذا الحديث، وقال: زيد أبو عياش راويه ضعيف، ومثل هذا الحديث على أصل الشافعي لا يجوز أن يحتج به، وليس الأمر على ما توهمه، وأبو عياش هذا مولًا لبني زهرة، معروف، وقد ذكره مالك في الموطأ وهو لا يروي عن رجل متروك الحديث بوجه، وهذا من شأن مالك وعادته معلومة انتهى كلامه. وما قاله الخطابي صحيح، وقد صحح الحديث مع الترمذي، الحاكم، وذكر مسلم بن الحجاج في كتاب الكنى (¬2) أبا عياش وقال: سمع من سعد بن أبي وقاص. قوله: أينقص الرطب إذا يبس: سؤال تقرير لينبههم به على علة الحكم لا سؤال استفهام، لأنَّ انتقاص الرطب بالجفاف مما لا يخفى. 2072 - وروى سعيد بن المسيّب مرسلًا: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع اللحم بالحيوان. قال سعيد: كان من ميسر أهل الجاهلية. قلت: رواه الشافعي عن مالك (¬3) عن زيد بن أسلم عن سعيد بن المسيّب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلًا، قال البيهقي: وقد صح من حديث الحسن عن سمرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن تباع الشاة باللحم، ومن أثبت سماع الحسن من سمرة عده موصولًا، ومن لم يثبته فهو ¬

_ (¬1) معالم السنن (3/ 67). (¬2) انظر الكنى والأسماء (1/ 636) رقم (2591). (¬3) أخرجه الشافعي في الأم (3/ 118)، ومالك في الموطأ (2/ 655) رقم (64) (66)، والبيهقيُّ (5/ 296)، ومرسل القاسم بن أبي بزّة أخرجه الشافعي في المسند (2/ 145 رقم 484)، وقول أبي بكر أيضًا برقم (485)، انظر الإرواء (1351).

مرسل جيد، انضم إلى مرسل سعيد بن المسيّب والقاسم بن أبي بزة وقول أبي بكر الصديق. وفيه دليل على أنه لا يجوز بيع اللحم بالحيوان سواء أكان من جنس ذلك الحيوان، أو من غير جنسه، سواء أكان الحيوان مما يؤكل لحمه أم لا وإلى هذا ذهب الشافعي. 2073 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة. قلت: رواه الأربعة والبيهقيُّ والدارميُّ هنا من حديث الحسن عن سمرة وقال الترمذي: حسن صحيح، وسماع الحسن من سمرة صحيح، هكذا قال علي بن المديني وغيره انتهى كلامه. (¬1) وعن القاسم بن محمَّد وسعيد بن المسيّب، وعروة بن الزبير وأبي بكر بن عبد الرحمن أنهم كانوا يحرمون بيع اللحم الموضوع بالحيوان عاجلًا وآجلًا، ويعظمون ذلك ولا يرخصون فيه، ذكر جميع ذلك البيهقي. 2074 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أمره أن يجهز جيشًا فنفدت الإبل، فأمره أن يأخذ على قلائص الصدقة، فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة". قلت: رواه أبو داود فيه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وفي إسناده محمَّد بن إسحاق، وقد اختلف أيضًا على محمَّد بن إسحاق في هذا الحديث ذكر ذلك البخاري وغيره. (¬2) والقلائص: جمع قلوص وهو الفتي من الإبل، ومعناه أنه يستدين على أن يؤدي منها أوان أخذها أو وصولها. ¬

_ (¬1) أخرجه الدارمي (2/ 254)، وأبو داود (3356)، والترمذي (1237)، والنسائيُّ (7/ 292)، وابن ماجه (2270)، والبيهقيُّ في السنن الكبرى (5/ 288). (¬2) أخرجه أبو داود (3357). وإسناده حسن، محمَّد بن إسحاق، صدوق حسن الحديث، انظر نصب الراية (4/ 47).

باب المنهي عنها من البيوع

باب المنهي عنها من البيوع من الصحاح 2075 - نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المزابنة: أن يبيع ثمر حائطه إن كان نخلًا بتمر كيلًا، وإن كان كرمًا أن يبيعه بزبيب كيلًا، أو كان زرعًا أن يبيعه بكيل طعام، نهى عن ذلك كله. قلت: رواه الشيخان في البيوع من حديث عبد الله بن عمر. (¬1) والمزابنة: قد فسرت في الحديث، مشتقة من الزبن وهو المخاصمة والمدافعة، وقد اتفق العلماء على تحريم بيع الرطب بالتمر في غير العرايا وأنه ربا، وأجمعوا أيضًا على تحريم بيع العنب بالزبيب، وسواء عند الشافعي كان الرطب أو العنب على النخل أو مقطوعًا، وقال أبو حنيفة: إن كان مقطوعًا جاز بيعه بمثله من اليابس. والحائط قال ابن الأثير (¬2): هو البستان من النخيل إذا كان عليه حائط وهو الجدار. - ويروى: المزابنة: أن يباع ما في رؤوس النخل بتمر بكيل مسمى، إن زاد فلي وإن نقص فعلي. قلت: رواه الشيخان والنسائيُّ فيه من حديث عبد الله بن عمر. (¬3) 2076 - نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المخابرة والمحاقلة والمزابنة، والمحاقلة: أن يبيع الرجل الزرع بمائة فرق حنطة، والمزابنة: أن يبيع التمر في رؤوس النخل بمائة فرق، والمخابرة: كراء الأرض بالثلث أو الربع. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2205)، ومسلم (1540). (¬2) النهاية لابن الأثير (1/ 462). (¬3) أخرجه البخاري (2172)، ومسلم (1542).

قلت: رواه الشيخان هنا والإمام الشافعي (¬1) واللفظ له ثلاثتهم من حديث ابن جريج عن عطاء عن جابر. والمحاقلة: بضم الميم وبالحاء المهملة وبالقاف المفتوحة: هي بيع الحنطة في سنبلها بحنطة صافية مأخوذة من الحقل وهو الحرث. وموضع الزرع هو المخابرة: بضم الميم وفتح الخاء المعجمة والباء الموحدة والراء المهملة، وهي والمزارعة متقاربتان، وهما المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها من الزرع كالثلث والربع لكن في المزارعة يكون البذر من مالك الأرض، وفي المخابرة يكون البذر من العامل، كذا قاله الجمهور ونص عليه الشافعي، والمخابرة مشتقة من الخبر وهو الفلاح. (¬2) 2077 - نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة، والمعاومة، وعن الثُّنيا، ورخّص في العرايا. قلت: رواه مسلم هنا من حديث جابر ولم يخرجه البخاري (¬3) وقد تقدم في الحديث قبله تفسير المحاقلة والمزابنة والمخابرة. وأما المعاومة: فهو بيع النخل والشجر المثمر سنتين أو ثلاثًا ونحو ذلك. والثُّنيا: أن يستثني من المبيع شيئًا مجهولًا فيفسد البيع، وسيأتي في الحسان. والعرايا: عند الشافعي بيع الرطب على رؤوس النخل بالتمر على وجه الأرض، والعنب في الكرم بالزبيب على وجه الأرض فيما دون خمسة أوسق، هذا هو المرخص فيه، وهو مستثنى من المزابنة كما استثني السلم بالجواز من بيع ما ليس عنده. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2381)، ومسلم (1536)، والشافعيُّ (2/ 152) (525)، وورد في الأصل "ابن عباس" وهو وهم من الناسخ والصحيح أنه في رواية جابر كما أثبت في الهامش. (¬2) المنهاج للنووي (10/ 275). (¬3) أخرجه مسلم (1536).

وفسرت الحنفية العرايا: بأن يعري الرجل من حائطه ثمرة نخلات، ثمَّ يبدوا له فيبطلها ويعطيه مكانها تمرًا، وقال مالك: العرية أن يعري الرجل ثمرة نخلة أو نخلتين فيعطيها رجلًا، ثمَّ يتأذى بدخوله فيشتريها منه بالتمر. 2078 - نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع التمر بالتمر، إلا أنه رخص في العرية أن تباع بخرصها تمرًا، يأكلها أهلها رطبًا. قلت: رواه الشافعي والشيخان وأبو داود والنسائيُّ كلهم من حديث سهل ابن أبي حثمة في البيوع. (¬1) 2079 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أرخص في بيع العرايا بخرصها من التمر بما دون خمسة أوسق، أو في خمسة أوسق، شك داود. قلت: رواه مالك والشافعيُّ والجماعة هنا (¬2) من حديث أبي هريرة. شك داود بن الحصين شيخ مالك في الخمسة أوسق، فأخذ الشافعي بدونها لأنه هو المحقق. 2080 - نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها: نهى البائع والمشتري. قلت: رواه مالك والشيخان وأبو داود هنا من حديث عبد الله بن عمر (¬3) ابن الخطاب. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2191)، ومسلم (1540)، والشافعيُّ في مسنده (2/ 151)، وأبو داود (3363)، والنسائيُّ (7/ 268). (¬2) أخرجه البخاري (2190)، (2382)، ومسلم (1541)، وأبو داود (3364)، والترمذي (1301)، والنسائيُّ (7/ 268)، ومالك (2/ 620)، والشافعيُّ (1/ 144). ولم أجده عند ابن ماجه في هذا الباب وداود بن الحصين أبو سليمان المدني، ثقة إلا في عكرمة، ورُمي برأي الخوارج، التقريب (1789). (¬3) أخرجه البخاري (2194)، ومسلم (1534)، ومالك (2/ 618)، وأبو داود (3367)، والنسائيُّ (7/ 262)، وابن ماجه (2214).

- ويروى: نهى عن بيع النخل حتي تزهو، وعن السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة. قلت: رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائيُّ (¬1) هنا. قوله: حتى تزهو يقال: زهى النخل إذا ظهرت ثمرته، وأزهى إذا احمر واصفر، قاله ابن الأعرابي وقال غيره: تزهو خطأ وإنما هو يزهي. والعاهة: الآفة التي إذا أصابت الثمرة والزرع فسد. 2081 - نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الثمار حتى تزهي، قيل: وما تزهي؟ قال: "حتى تحمر" قال: "أرأيت إذا منع الله الثمرة، بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟ ". قلت: رواه مالك والشيخان والنسائي هنا من حديث أنس. (¬2) 2082 - نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع السنين وأمر بوضع الجوائح. قلت: رواه الشافعي وأبو داود بهذا اللفظ، وأخرج مسلم والنسائيُّ الفصلين مفرقين، وأخرج ابن ماجه النهي عن بيع السنين (¬3) خاصة، كلهم من حديث سفيان بن عيينة عن حميد الأعرج عن سليمان بن عتيق عن جابر، ولم أر الحديث بكماله مجموعًا في شيء من الصحيحين، إنما في مسلم ما ذكرته، وقال الشافعي بعد أن روى الحديث: سمعت سفيان يحدث هذا الحديث كثيرًا في طول مجالستي له، ما لا أحصي ما سمعته يحدثه من كثرته، ولم يذكر فيه: أمر بوضع الجوائح، لا يزيد على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع السنين، ثم زاد بعد ذلك: وأمر بوضع الجوائح، قال سفيان: وكان حميد يذكر بعد بيع السنين كلامًا قبل وضع الجوائح، لا أحفظه، وكنت أكف عن ذكر وضع ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1535)، وأبو داود (3368)، والترمذي (1227)، والنسائيُّ (7/ 270). (¬2) أخرجه البخاري (2198)، ومسلم (1555)، ومالك (2/ 618)، والنسائيُّ (7/ 264). (¬3) أخرجه الشافعي (2/ 151 - 152)، وأبو داود (3374)، والنسائيُّ (7/ 266)، وأخرجه مسلم (1191)، (1536) (1554)، وابن ماجه (2218).

الجوائح لأني لا أدري كيف كان الكلام، وفي الحديث أمر بوضع الجوائح انتهى كلام الشافعي. قوله: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع السنين، هو أن يبيع الثمرة لأكثر من سنة في عقد واحد، وهو بيع غرر لأنه بيع ما لم يخلقه الله بعد، والجوائح: هي الآفات التي تصيب الثمار فتهلكها، وسيأتي الحكم في ذلك. (¬1) 2083 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لو بعت من أخيك ثمرًا، فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟ ". قلت: رواه مسلم وأبو داود والنسائيُّ وابن ماجه كلهم هنا من حديث جابر ولم يخرجه البخاري. (¬2) وقد اختلف العلماء في الثمرة إذا بيعت بعد بدو الصلاح، وسلمها البائع إلى المشتري بالتخلية بينه وبينها، ثم تلفت قبل أوان الجذاذ بآفة سماوية، هل تكون من ضمان البائع أو المشتري؟ فذهب الشافعي في أصح قوليه، إلى أنه لا يجب وضع الجوائح بل يستحب، وله قول قديم أنه يجب، وقال مالك إن كان الثلث فأكثر وجب وضعها وكانت في ضمان البائع، وإن كان دون الثلث لم يجب. (¬3) 2084 - قال: كانوا يبتاعون الطعام في أعلى السوق، فيبيعونه في مكانهم، فنهاهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبيعوه في مكانه حتى ينقلوه. قلت: رواه الشيخان هنا وروى الأربعة إلا الترمذي نحوه، كلهم هنا من حديث ابن عمر. (¬4) ¬

_ (¬1) المنهاج للنووي (10/ 310 - 312). (¬2) أخرجه مسلم (1554)، وأبو داود (3470)، والنسائيُّ (7/ 264)، وابن ماجه (2219). (¬3) انظر المنهاج للنووي (10/ 310). (¬4) أخرجه البخاري (2167)، ومسلم (1527)، وأبو داود (3493)، والنسائيُّ (7/ 287)، وابن ماجه (2229).

2085 - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من ابتاع طعامًا، فلا يبعه حتى يستوفيه". - ويروى: "حتى يكتاله". قلت: الحديث رواه الشيخان هنا من حديث ابن عمر، والرواية رواها مسلم من حديث ابن عباس وليست في البخاري. (¬1) 2086 - قال ابن عباس: أما الذي نهى عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو الطعام أن يباع حتى يقبض، ولا أحسب كل شيء إلا مثله. قلت: رواه الشيخان هنا من حديث ابن عباس. (¬2) وفي هذه الأحاديث النهي عن بيع الطعام حتى يقبضه البائع، واختلف العلماء فقال الشافعي لا يصح بيع المبيع قبل قبضه، سواء كان طعامًا أو عقارًا أو منقولًا أو غير ذلك، وقال الإمام أبو حنيفة: لا يجوز في كل شيء إلا العقار، وقال مالك: لا يجوز في الطعام ويجوز فيما سواه. 2087 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تلقّوا الركبان لبيع، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد، ولا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك، فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعًا من تمر". قلت: رواه الشيخان هنا من حديث أبي هريرة. (¬3) وتلقي الركبان: هو أن يتلقى القافلة ويخبرهم بكساد ما معهم ليشتريه، فإن قدموا وبأن لهم الغبن كان لهم الخيار، وإن لم يبن الغبن فلا خيار، وليس التلقي شرطًا ولا الإخبار بكساد ما معهم عندنا والله أعلم. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2126)، ومسلم (1526). ورواية ابن عباس في مسلم (1525). (¬2) أخرجه البخاري (2135)، ومسلم (1525). (¬3) أخرجه البخاري (2150)، ومسلم (1515).

والبيع على البيع: هو أن يقول لمن اشترى شيئًا بشرط الخيار: افسخ البيع فإني أبيعك مثله بأقل من هذا الثمن، والنجش: هو أن يزيد في الثمن ليغر غيره فيشتريه. وبيع الحاضر للبادي: هو أن يقدم رجل ومعه سلعة يريد بيعها، ويحتاج إليها في البلد، فيجئ إليه رجل فيقول له لا تبع حتى أبيع لك قليلًا قليلًا وأزيد في ثمنها، قوله - صلى الله عليه وسلم -: لا تُصروا الإبل، هو بضم التاء ثالثة الحروف وفتح الصاد المهملة. ونصب الإبل، من التصرية وهي الجمع، يقال صرى يصرى تصرية كزكى يزكى تزكية (¬1). قال في المشارق (¬2): ورويناه في غير صحيح مسلم عن بعضهم: لا تصر بفتح التاء وضم الصاد من الصر والأول هو الصواب، ومعناه لا تجمعوا اللبن في ضرعها عند إرادة بيعها حتى يعظم ضرعها فيظن المشتري أن كثرة لبنها عادة لها مستمرة. 2088 - ويروى: "من اشترى شاة مصرّاة، فهو بالخيار ثلاثة أيام، فإن ردها، ردّ معها صاعًا من طعام لا سمراء". قلت: رواه مسلم هنا من حديث أبي هريرة. (¬3) والصحيح أن التقدير بالثلاث ورد على الغالب، لأنَّ الغالب أنه لا يقف عليها قبل الثلاث، فإن أخر بعد العلم بالتصرية بطل حقه، ومنهم من حمله على ظاهره وجعل الخيار مستمرًا إلى ثلاثة أيام. والسمراء: بالمد، الحنطة وأخذ الشافعي بظاهره فقال: يتعين التمر وإن زادت قيمته على قيمة الشاة. (¬4) ¬

_ (¬1) انظر المنهاج للنووي (10/ 223 - 226). (¬2) مشارق الأنوار (2/ 42 - 43)، ولم أجد فيه هذه العبارة، بل وجدتها في إكمال المعلم للقاضي (5/ 142)، وفيه كلام مفيد جدًّا من (142 - 148) عن "المصراة". (¬3) أخرجه مسلم (1524). (¬4) انظر المنهاج للنووي (10/ 233 - 237)، وإكمال المعلم (5/ 142 - 148).

2089 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تلقوا الجلب، فمن تلقاه فاشترى منه، فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار". قلت: رواه الجماعة إلا البخاري كلهم هنا من حديث أبي هريرة. (¬1) وظاهر هذا الحديث يقتضي تحريم تلقي الجلب، وبه قال الشافعي ومالك، وحمله الإمام أبو حنيفة والأوزاعي على ما إذا أضر بالناس، فإن لم يضرهم جاز، وشرط التحريم عندنا أن يعلم النهي عن التلقي، وليس قصد التلقي شرطًا بل لو خرج لشغل فاشترى فالأصح التحريم. 2090 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تلقوا السلع، حتى يهبط بها إلى السوق". قلت: رواه الشيخان هنا وكذلك أبو داود بزيادة (¬2) في أوله، وهي: لا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تتلقوا السلع ... الحديث، والنسائيُّ (¬3) وقال: الجلب عوض السلع. 2091 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يبع أحدكم على بيع أخيه، ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه، حتى يترك الخاطب قبله، أو يأذن له الخاطب". قلت: رواه مسلم وأبو داود والنسائيُّ هنا من حديث ابن عمر. (¬4) 2092 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يسم الرجل على سوم أخيه المسلم". قلت: رواه الشيخان هنا من حديث أبي هريرة. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1519)، وأبو داود (3437)، والترمذي (1221)، والنسائيُّ (7/ 257)، وابن ماجه (2178). (¬2) أخرجه البخاري (2165)، ومسلم (1517)، وأبو داود (3436). (¬3) النسائيُّ (7/ 257). (¬4) أخرجه مسلم (1412)، وأبو داود (2081)، والنسائيُّ (6/ 71). (¬5) أخرجه البخاري (2140)، ومسلم (1515).

والسوم على السوم: هو أن يكون قد اتفق مالك السلعة والراغب فيها على البيع، ولم يعقداه فيقول آخر للبائع: أنا أشتريه، وهذا حرام بعد استقرار الثمن، وأما السومة في السلعة التي تباع ممن يزيد، فليس بحرام، وأجمع العلماء على منع البيع على بيع أخيه، والشراء على شرائه، والسوم على سومه، والخطبة على خطبته، فإن خالف فقد عصى، وهل ينعقد؟: ذهب الشافعي وأبو حنيفة إلى انعقاده، وداود إلى عدم انعقاده، وعن مالك روايتان كالمذهبين. 2093 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يبيع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض". قلت: رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائيُّ هنا من حديث جابر ولم يخرج البخاري عن جابر في هذا شيئًا ولا ذكر هذه الزيادة: دعوا الناس ... إلى آخره. (¬1) 2094 - نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن لبستين وعن بيعتين: "نهى عن الملامسة والمنابذة في البيع، والملامسة: لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار، ولا يقلبه إلا بذلك، والمنابذة: أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه وينبذ الآخر ثوبه، ويكون ذلك بيعهما عن غير نظر ولا تراض، واللبستين: اشتمال الصماء، والصماء: أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه، فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب، واللبسة الأخرى: احتباؤه بثوبه وهو جالس، ليس على فرجه منه شيء". قلت: رواه الشيخان واللفظ للبخاري وهو أتم، وأبو داود والنسائيُّ بنحوه كلهم هنا من حديث أبي سعيد. (¬2) والمنابذة: هو بالذال المعجمة من نبذ الشيء إذا طرحه. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1522)، والترمذي (1223)، وأبو داود (3442)، والنسائيُّ (7/ 256). (¬2) أخرجه البخاري (5820)، و (2144)، ومسلم (1512)، وأبو داود (3379)، والنسائيُّ (7/ 260).

قوله: في البيع، متعلق بالملامسة والمنابذة، وللفقهاء في تفسير الملامسة ثلاثة أقوال: أحدها: أن يلمس ثوبًا مطويا ثمَّ يشتريه على أن لا خيار له إذا رآه، والثاني: أن يقول إذا لمسته فقد بعتك، وهذان القولان مأخوذان من هذا الحديث على اختلاف الروايتين، فرواية: لا يقلبه، بتقديم اللام على الباء الموحدة، شاهده للقول الأول، ورواية: لا يقبله، بتقديم الباء على اللام شاهده للقول الثاني، وأما القول الثالث: فهو أن يبيعه شيئًا على أنَّه متى لمسه وجب البيع، واختار الشافعي وجمهور أصحابه التفسير الأول، والبيع باطل على التأويلات الثلاثة. أما المنابذة: فللفقهاء في تفسيرها أيضًا ثلاثة أقوال، أحدها: أن يجعل النبذ بيعًا قائمًا مقام الصيغة قاله الشافعي، الثاني: أن يقول: إذا نبذت الثوب فقد وجب البيع، والثالث: أن المراد نبذ الحصى، وسيأتي، وعلى التأويلات هو باطل أيضًا. وأما اشتمال الصماء: بالمد، فقد فسرها الفقهاء بالمذكور في هذا الحديث، وقال الأصمعي وأكثر أهل اللغة: أن يشتمل بثوب حتى يجلل به جسده لا يرفع منه جانبًا فلا يبقى ما يخرج منه يده، فعلى تفسير أهل اللغة يكره بالاحتمال أن تعرض له حاجة من دفع بعض الهوام ونحوها، أو غير ذلك فيعسر عليه، أو يتعذر، فيلحقه الضرر، وعلى التفسير الواقع في الحديث يحرم. وأما الاحتباء: بالمد، فهو أن يقعد الإنسان على إليتيه وينصب ساقيه ويحتوي عليهما بثوب أو نحوه، أو بيده، وهذه القعدة يقال لها: الحبوة بضم الحاء وكسرها وكان هذا الاحتباء عادة العرب في مجالسهم، فإن انكشف معه شيء من العورة فهو حرام. 2095 - نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر". قلت: رواه مسلم وأبو داود والترمذي كلهم من حديث أبي هريرة. (¬1) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1513)، وأبو داود (3376)، والترمذي (1230).

أما بيع الحصاة: ففيه تأويلات: أحدها: أن يقول: بعتك من هذه الأثواب ما وقع عليه الحصاة التي أرميها، أو بعتك من هذه الأرض من هنا إلى ما انتهت إليه هذه الحصاة، والثاني: أن يقول بعتك على أنك بالخيار إلى أن أرمي هذه الحصاة، والثالث: أن يجعلا نفس الرمي بالحصاة بيعًا فيقول: إذا رميت هذا الثوب بالحصاة فهو مبيع منك بكذا. وأما النهي عن بيع الغرر فهو أصل عظيم من أصول كتاب البيع وتدخل فيه مسائل كثيرة كبيع الآبق، والمعدوم، والمجهول، وبيع السمك في الماء، واللبن في الضرع، وغير ذلك من أشياء غير محصورة. 2096 - نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع حبل الحبلة، وكان بيعًا يتبايعه أهل الجاهلية: كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة، ثمَّ تنتج التي في بطنها. قلت: رواه مالك والشيخان وأبو داود والنسائيُّ كلهم هنا من حديث ابن عمر (¬1)، واللفظ للبخاري، وهذا التفسير المذكور في الحديث هو تفسير ابن عمر وبه أخذ الشافعي، وقيل هو البيع بثمن إلى نتاج النتاج. والحبل: بفتح الباء وغلط من سكنها وهو مختص بالآدميات إلا ما جاء في هذا الحديث. 2097 - نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن عَسْب الفحل. قلت: رواه البخاري في كتاب الإجارات وأبو داود والترمذي والنسائيُّ ثلاثتهم هنا من حديث ابن عمر بن الخطّاب. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2143)، ومسلم (1514)، ومالك (2/ 653 - 654)، وأبو داود (3380)، والنسائيُّ (7/ 293). (¬2) أخرجه البخاري (2284)، وأبو داود (3429)، والترمذي (1273)، والنسائي (7/ 310).

وعَسْب الفحل: بفتح العين وسكون السين المهملتين، وهو ضرابه على المشهور ويقال: ماؤه، وعلى هذين القولين يكون التقدير: بدل عسب الفحل، ويقال: أجرة ضرابه، وعلى هذا لا تقدير لكن هذا مردود من جهة اللغة. 2098 - قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع ضراب الجمل، وعن بيع الماء والأرض لِتُحْرَثَ. قلت: رواه مسلم والنسائيُّ كلاهما هنا من حديث جابر ولم يخرجه البخاري. (¬1) 2099 - نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع فضل الماء. قلت: رواه مسلم والنسائيُّ هنا من حديث جابر ولم يخرجه البخاري أيضًا. (¬2) قال ابن الأثير (¬3): هو أن يسقي الرجل أرضه ثمَّ تبقى بقية لا يحتاج إليها، فلا يجوز له أن يبيعها ولا يمنع منها أحدًا ينتفع بها، هذا إذا لم يكن الماء ملكه أو على قول من يرى أن الماء لا يملك. 2100 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يباع فضل الماء ليباع به الكلأ". قلت: رواه الشيخان هنا من حديث أبي هريرة. (¬4) قال في النهاية (¬5): معناه أن البئر يكون في البادية وقد يكون قريبًا منها كلأ، فإذا ورد عليها وارد فغلب على مائها، ومنع من يأتي بعده من الاستقاء منها، فهو بمنعه الماء مانع من الكلأ. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1565)، والنسائيُّ (7/ 306). (¬2) أخرجه مسلم (1565)، والنسائيُّ (7/ 370). (¬3) النهاية لابن الأثير (3/ 455). (¬4) أخرجه مسلم (2353)، ومسلم (1566). (¬5) النهاية (4/ 194).

من الحسان

2101 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مر على صُبرة طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللًا، فقال: "ما هذا يا صاحب الطعام؟ " قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: "أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس؟، من غشّ فليس مني". قلت: رواه مسلم والترمذي من حديث أبي هريرة، وأخرج أبو داود بمثل معناه. (¬1) والغش نقيض النصح قوله: فليس مني، أي ليس على سنتي وطريقي في مناصحة الإخوان، هذا كما يقول الرجل لصاحبه أنا منك، يريد به الموافقة والمتابعة قال الله تعالى إخبارًا عن إبراهيم عليه السلام: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي}. من الحسان 2102 - قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الثُّنيا، إلا أن يُعلم. قلت: رواه أبو داود والترمذي والنسائيُّ ولفظهم من حديث جابر: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المحاقلة والمزابنة والثنيا إلا أن يعلم، وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬2) والثنيا: أن يستثني من المبيع شيئًا مجهولًا فيفسد البيع، وقيل: هو أن يبيع الشيء جزافًا، فلا يجوز أن يستثني منه شيئًا، قل أم كثر، وتكون الثنيا في المزارعة أن يستثني بعد النصف أو لثلث كيلًا معلومًا. قوله: إلا أن يعلم أي يعلم المبيع بعد الاستثناء، كبيع عشرة أقفزة إلا قفيزًا، لأنَّ المستثنى معلوم، والباقي معلوم، وإن جهل كبيع الصبرة إلا قفيزًا لم يصح لأنَّ المبيع ما يبقى بعد القفيز وذلك مجهول. 2103 - قال: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بيع التمر حتى تزهو، وعن بيع العنب حتى يسود، وعن بيع الحب حتى يشتد. (غريب). ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (102)، والترمذي (1315)، وأبو داود (3452). (¬2) أخرجه الترمذي (1290)، وأبو داود (3404)، والنسائيُّ (7/ 37).

قلت: الجملة الأولى وهي: النهي عن بيع التمر حتى يزهو، رواها الشيخان ومالك والنسائيُّ، وبقية الحديث رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث أنس وقال الترمذي: حسن غريب. (¬1) 2104 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الكالىء بالكالىء. قلت: رواه الدارقطني والبيهقيُّ من حديث ابن عمر بن الخطّاب ولم يضعفاه. وقال: قال اللغويون: وهو النسيئة بالنسيئة. (¬2) 2105 - نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع العُربان. قلت: رواه أبو داود من حديث مالك أنه بلغه عن عمرو بن شعيب، به وهذا منقطع وأخرجه ابن ماجه مسندًا، وفيه حبيب كاتب الإمام مالك وعبد الله بن عامر الأسلمي ولا يحتج بهما. (¬3) والعُربان: فيه ست لغات بضم العين وسكون الراء المهملتين وعربون: بفتح العين والراء وهي النصيحة، وضم العين وإسكان الراء وإبدال العين همزة مع الثلاثة: وهو أعجمي معرب، وصورته: أن يشتري ويعطي دراهم لتكون من الثمن إن رضي السلعة وإلا فهبة. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3371)، والترمذي (1228)، وابن ماجه (2217) وعند الشيخين أوله: البخاري (2195)، ومسلم (1555)، والنسائيُّ (7/ 264)، والبغويُّ (2082). (¬2) أخرجه الدارقطني (3/ 71 - 72)، والبيهقيُّ (5/ 190)، وكذلك أخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 57)، وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي، انظر الإرواء (1382). (¬3) أخرجه أبو داود (3502)، ومالك (2/ 609) رقم (1)، وابن ماجه (2192) وإسناده ضعيف لانقطاعه، فقد رواه مالك بلاغًا عن عمرو بن شعيب. والرواية عن ابن ماجه (2193) فيها عبد الله بن عامر الأسلمي ضعيف كما قال الحافظ في التقريب (3428)، وحبيب كاتب مالك هو: حبيب بن أبي حبيب المصري، يكنى أبا محمد، واسم أبيه: إبراهيم، وقيل: مرزوق، قال الحافظ: متروك، كذبه أبو داود وجماعة، انظر التقريب (1095).

2106 - نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع المضطرين وعن بيع الغَرر. قلت: رواه أبو داود (¬1) من حديث شيخ من بني تميم، قال: خطبنا عليّ ابن أبي طالب قال: قال علي: سيأتي على الناس زمان عضوض يعض الموسر على ما في يديه، ولم يؤمر بذلك، قال الله عَزَّ وَجَلَّ {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} ويتبايع المضطرون، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بيع المضطر وبيع الغرر وبيع الثمرة قبل أن تدرك، في إسناده رجل مجهول. وبيع المضطر على وجهين، أحدهما: أن يضطر إلى العقد من طريق الإكراه، وهذا فاسد، والآخر أن يضطر إلى البيع لدين ركبه أو مؤونة ترهقه فيبيع ما في يده بالوكس، وهذا سبيله من جهة المروءة والدين ألا يباع على هذا الوجه، ويعان ويقرض ويمهل عليه إلى الميسرة فإن عقد البيع على هذه الحالة جاز، ولم يفسخ. 2107 - أن رجلًا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن عَسْب الفَحْل؟ فنهاهُ، فقال: إنا نُطرِقُ الفحل فنُكْرم؟ فرخَّص له في الكرامة. قلت: رواه الترمذي والنسائيُّ هنا من حديث أنس وقال الترمذي (¬2): حسن غريب. وقد تقدم تفسير "عسب الفحل" وأنه بإسكان السين. قوله: إنا نطرق الفحل إلى آخره، فيه دليل على أنه لو أعاره الفحل للإنزال فأكرمه المستعير بشيء جاز، وله قبوله، وإن لم يجز أخذ الكرامة. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3382). وإسناده ضعيف لجهالة الشيخ من بني تميم. وكذلك في إسناده أبو عامر المزني -صالح بن رستم الخزاز- قال الحافظ في التقريب (2877): صدوق كثير الخطأ. (¬2) أخرجه الترمذي (1274)، والنسائيُّ (7/ 310).

2108 - نهاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع ما ليس عندي. (¬1) 2109 - وقال حكيم: يا رسول الله يأتيني الرجل فيريد مني البيع ليس عندي فأبتاع له من السوق؟، قال: "لا تبع ما ليس عندك". قلت: رواه الأربعة هنا من حديث حكيم بن حزام، وقال الترمذي: حديث حسن. (¬2) قال الخطابي (¬3): ويدخل في ذلك بيع الرجل مال الغير موقوفًا على إجازة المالك، وكذلك بيع كل شيء ليس بمضمون عليه، مثل أن يبيع السلعة قبل القبض. 2110 - نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيعتين في بيعة. قلت: رواه أبو داود، والترمذي، والنسائيُّ من حديث أبي هريرة وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬4) قال الشافعي (¬5): له تأويلان، أحدهما: أن يقول بعتك بألفين نسيئة وبألف نقدًا فأيهما شئت أخذت به فأخذ بأحدهما، والآخر: أن يقول بعتك عبدي على أن تبيعني فرسك أو أن تشتري مني داري بكذا، وعلى التقادير كلها البيع باطل إجماعًا. 2111 - نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عن بيعتين في بيعة صفقة واحدة". ¬

_ (¬1) أخرجه الشافعي في مسنده (2/ 143) رقم (478) واللفظ له. والترمذي في السنن (3/ 534). (¬2) أخرجه أبو داود (3503)، والترمذي (1232)، والنسائي (7/ 289)، وابن ماجه (2187) وإسناده صحيح. انظر الإرواء (1292)، واعتبرهما المؤلف حديثًا واحدًا. (¬3) معالم السنن (3/ 120). (¬4) أخرجه الترمذي (1231)، والنسائيُّ (7/ 295)، وأبو داود (3461). (¬5) انظر معرفة السنن والآثار للبيهقي (8/ 157)، والفقة الإسلامي وأدلته (4/ 471).

قلت: رواه البيهقي من حديث داود بن قيس وغيره عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، في جملة الحديث الذي بعده، والمصنف في "شرح السنة" من حديث عمرو بن شعيب به. (¬1) 2112 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ريح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك". (صح). قلت: رواه الأربعة من حديث عمرو بن شعيب قال: حدثني أبي عن أبيه عن أبيه حتى ذكر عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذكره، قال الترمذي: حسن صحيح. (¬2) قال المنذري (¬3): ويشبه أن يكون صححه لتصريحه فيه بذكر عبد الله بن عمرو، ويكون مذهبه في الامتناع من الاحتجاج بحديث عمرو بن شعيب: إنما هو للشك في إسناده، لجواز أن يكون الضمير عائدًا على محمد بن عبد الله بن عمرو، فإذا صرح بذكر عبد الله بن عمرو انتفى ذلك، والله أعلم. والبيع والسلف أن يقول: بعتك هذا الثوب بعشرة على أن تقرضني عشرة دراهم، والمراد بالسلف القرض، فهذا فاسد، لأنه جعل العشرة ورفق القرض ثمنًا للثوب، فإذا بطل الشرط سقط بعض الثمن، فيكون ما بقي من المبيع بمقابلة الباقي من الثمن مجهولًا. ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي (5/ 343)، والبغويُّ في شرح السنة (8/ 144) (1112)، وأخرجه كذلك الحاكم في المستدرك (2/ 17). (¬2) أخرجه أبو داود (3504)، والترمذي (1234)، والنسائيُّ (7/ 288)، وابن ماجه (2188) وإسناده حسن. (¬3) تهذيب السنن (5/ 147 - 150).

قوله: ولا شرطان في بيع، معناه: معنى البيعين في بيعة، وقيل: معناه بعتك ثوبي بكذا وعليّ قصارته وخياطته، فهذا أيضًا فاسد، وهذا محمول على شرط لا يقتضيه العقد ولا هو من مصلحته. قوله: ولا ربح ما لم يضمن، هو أن يبيع ما اشتراه قبل القبض. قوله: ولا بيع ما ليس عندك، المراد بيع ما لم ير وما أشبهه كالضال والآبق، ومال الغير وهذا مخصوص بالأعيان، أما السلم فجائز في غير المرئي بل في غير الموجود حالة العقد. (¬1) 2113 - كنت أبيع الإبل بالبقيع بالدنانير، فآخذ مكانها الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ مكانها الدنانير، فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرت ذلك له؟ فقال: "لا بأس أن تأخذها بسعر يومها، ما لم تفترقا وبينكما شيء". قلت: رواه الأربعة هنا من حديث ابن عمر، وقال الترمذي: لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث سماك بن حرب، وذكر أنه روي عن ابن عمر موقوفًا، وأخرجه النسائيُّ أيضًا عن ابن عمر. (¬2) قوله: والنقيع بنون مفتوحة وقاف مكسورة: موضع بالمدينة كان ينتقع فيه الماء أي يجتمع، وفيه دليل على جواز استبدال النقد عن النقد وإن كان ثمنًا، وذهب آخرون إلى أنه لا يجوز الاستبدال عن الثمن بحال، كما لا يجوز بيع المبيع قبل القبض، وقيل: يجوز ذلك في النقدين، لأنَّ أخذ الدراهم عن الدنانير وبالعكس، لا يقصد به الربح، إنما ¬

_ (¬1) انظر تهذيب سنن أبي داود لابن القيم مع مختصر المنذري (5/ 146 - 151). (¬2) أخرجه أبو داود (3354)، والترمذي (1242)، والنسائيُّ (7/ 282)، وابن ماجه (2262) وإسناده ضعيف، لتفرد سماك بن حرب، يرفعه، وأعله ابن حزم في المحلّى (8/ 503 - 504) بسماك بن حرب، ولعل الصواب وقف هذا الخبر على ابن عمر كما في التلخيص (3/ 26).

يقصد به الاقتضا والتقابض بالطريق الأسهل، ولا يجوز في غيرهما لأنه يقصد به طلب الربح، وقد ورد النهي عن ربح ما لم يقبض. قوله: ما لم تتفرقا وبينكما شيء، فيه دليل على وجوب التقابض في المجلس في الاستبدال، والعمل على هذا عند من لم يجوز بيع المبيع قبل قبضه سواء استبدل عن الثمن ما يوافقه في علة الربا أو غيره، وكذلك في القرض، وبدل الإتلاف، وقيل: لا يشترط إلا أن يوافقا في علة الربا. 2114 - أنه أخرج كتابًا: "هذا ما اشترى العدّاء بن خالد بن هوذة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اشترى منه عبدًا أو أمة، لا داء ولا غائلة ولا خبثة: بيع المسلم المسلم". (غريب). قلت: رواه الترمذي هنا والنسائيُّ في الشروط وابن ماجه هنا من حديث العدّاءُ ابن خالد بن هوذة، وقال الترمذي: حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث عباد انتهى، وعباد هذا هو: عباد بن ليث الكرابيسي، قال فيه ابن معين وأحمد: ليس بشيء، وقال النسائيّ وغيره: ليس بالقوي. (¬1) والعداء: راوي الحديث، هو بفتح العين وتشديد الدال المهملتين، وهوذة: بفتح الهاء، أسلم عام الفتح وحسن إسلامه، والداء: قال قتادة: الجنون والجذام والبرص ونحوها مما يردّونه، والغائلة: الزنا والسرقة والإباق، والخبثة: ما كان خبيث الأصل، بأن يكون الرقيق من قوم لا يحل سبيهم. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1216)، وابن ماجه (2251). ولم أجده في النسائيُّ وعزاه إليه المزي في التحفة (7/ 270)، وعباد ضعيف كما قال الحافظ في التقريب (3158): صدوق يخطيء. ولكن تابعه أبو رجاء العطاردي وهو ثقة عند البيهقي (5/ 327 - 328)، الطبراني (18/ 15) فيما ذكر ابن حجر في تغليق التعليق (3/ 219) وبهذه الطرق حسنه أهل العلم، منهم الترمذي وابن حجر وعباد الكرابيسي انظر ترجمته في منهج النسائيّ (5/ 2309).

فصل

قوله: بيع المسلم المسلم، يجوز نصبه على المصدر المضاف إلى الفاعل، أي باعه بيع المسلم ويجوز رفعه على حذف المبتدأ أي: هذا بيع المسلم أو على حذف الخبر أي بيع المسلم المسلم يكون هكذا. 2115 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- باع حلسًا وقدحًا، فقال: "من يشتري هذا الحلس والقدح؟ " فقال: رجل: آخذهما بدرهم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من يزيد على درهم؟ " فأعطاه رجل درهمين، فباعهما منه. قلت: رواه أبو داود في الزكاة والترمذي والنسائيُّ وابن ماجه هنا من حديث أنس وترجم عليه الترمذي: باب ما جاء في بيع من يزيد، وقال: حسن، لا نعرفه إلا من حديث الأخضر بن عجلان عن عبد الله الحنفي عن أنس انتهى، وقال الذهبي: عبد الله الحنفي عن أنس لا يعرف، وروى عنه الأخضر بن عجلان حديثًا واحدًا وذكر هذا الحديث. (¬1) والحِلس: بكسر الحاء المهملة، الكساء الذي يلي ظهر البعير تحت القتب لا يفارقه. فصل من الصحاح 1116 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من ابتاع نخلًا بعد أن تؤبَّر، فثمرتها للبائع، إلا أن يشترط المبتاع، ومن ابتاع عبدًا وله مال، فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1641)، والترمذي (1218)، والنسائيّ (7/ 259)، وابن ماجه (2198) وإسناده ضعيف، أبو بكر الحنفي مجهول. قال الحافظ في التقريب (3748) لا يعرف حاله. = = وقال الذهبي في الكاشف (1/ 610 رقم 3071): عبد الله أبو بكر الحنفي، عن أنس، وعنه الأخضر، حسّن له الترمذي، أما قوله هذا ففي الميزان (2/ ت 4718).

قلت: رواه الجماعة (¬1) في البيوع من حديث ابن عمر إلا البخاري، فإنَّه رواه في كتاب الشرب قبل الإستقراض وأخرج المعنيين الموطأ مفرقًا. تنبيه: وهم ابن الأثير (¬2) فجعل البخاري لم يخرج إلا المعنى الأول وليس كما قال بل روى المعنيين، والله أعلم. قوله - صلى الله عليه وسلم -: بعد أن تؤبر، قال أهل اللغة: يقال أبرت النخل بالتخفيف أبره أبرًا، كأكلته أكله أكلًا، وأبرتُه بالتشديد أؤبره تأبيرًا، كعلمته أعلمه تعليمًا، وهو أن يشق طلع النخل لتذر فيه شيء من طلع ذكر النخل، فالإبار: هو شقه سواء حط فيه شيء أم لا، ولو تأبرت بنفسها أي تشققت، فحكمها في البيع حكم المؤبرة بفعل آدمي، وقد أخذ الشافعي وجماعة بظاهر هذا الحديث، فقالوا: إذا باع نخلة وعليها ثمرة مؤبرة، فالثمرة للبائع، إلا أن يشترطها المبتاع، بأن يقول: إشتريت النخلة بثمرتها هذه. وإن باعها قبل التأبير، فثمرتها للمشتري، فإن شرطها البائع لنفسه جاز، ونقل عن الإمام أبي حنيفة أن الثمرة للبائع قبل التأبير وبعده، وقال ابن أبي ليلى: هي للمشتري قبل التأبير وبعده، وأخذ أبو حنيفة منطوق الحديث في المؤبرة، وهو لا يقول بدليل الخطاب، فالحق غير المؤبرة بالمؤبرة ولعل ابن أبي ليلى لم يبلغه الحديث. قوله - صلى الله عليه وسلم -: ومن ابتاع عبدًا إلى آخره، أخذ بظاهره مالك والشافعيُّ في القديم فقالا: إن العبد إذا ملكه سيده مالًا ملكه، لكن إذا باعه بعد ذلك كان ماله للبائع، إلا أن يشترطه المشتري، وقال الشافعي في الجديد، وأبو حنيفة: لا يملك العبد شيئًا أصلًا، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2379)، ومسلم (1543) وأبو داود (3433)، والترمذي (1244)، والنسائيّ (7/ 297)، وابن ماجه (2210)، والموطأ (2/ 617). قال ابن القيم -رحمه الله- في تهذيب السنن (5/ 79): "اختلف سالم ونافع على ابن عمر في هذا الحديث، فسالم رواه عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرفوعًا في القضيتين: قضية العبد وقضية النخل جميعًا، ورواه نافع عنه ففرق بين القضيتين، فجعل قضية النخل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقضية العبد عن ابن عمر عن عمر ... ". (¬2) انظر: جامع الأصول (1/ 601 رقم 446).

وتأولا الحديث على أن المراد إضافة الاختصاص كجل الدابة وسرج الفرس، فقالا: إذا باع السيد العبد فذلك المال للبائع، لأنه ملكه، إلا أن يشترطه المبتاع فيصح، لأنه يكون قد باع شيئين: العبد والمال الذي في يده، بثمن واحد، جائز، يشترط فيهما ما يشترط في المبيع. (¬1) 2117 - أنه كان يسير على جمل له قد أعيى، فمر النبي - صلى الله عليه وسلم - به فضربه، فسار سيرًا ليس يسير مثله، ثم قال: "بعنيه بوُقّية" قال: فبعته، فاستثنيت حُملانه إلى أهلي، فلما قدمت المدينة، أتيته بالجمل ونقدني ثمنه. ويروى: فأعطاني ثمنه وردهّ عليَّ. قلت: رواه البخاري في مواضع، منها: في الشروط، وهو ومسلم في النكاح وفي الجهاد، وأعاده مسلم في البيع بألفاظ من حديث جابر. (¬2) والوقية: بغير ألف لغة عامرية، وغير العامرية: أوقية بضم الهمزة، وقد تقدم في الزكاة وأخذ بظاهر هذا قوم فجوزوا بيع الدابة والدار مع استثناء مدة لنفسه، ومنع من ذلك أبو حنيفة والشافعيُّ وتأولا الحديث. - وروي: أنه قال لبلال: "اقضه وزده"، فأعطاه وزاده قيراطًا. قلت: رواه البخاري. (¬3) وفيه دليل على أن من اشترى شيئًا يكون وزن الثمن على المشتري، لأنه من باب تسليم الثمن، وقياس هذا أن من باع مكيلًا أو موزونًا فالكيل والوزن على البائع، أما ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (10/ 271 - 274). (¬2) أخرجه البخاري في الشروط (2718)، وفي الجهاد (2967)، ومسلم (715). (¬3) أخرجه البخاري (2309)، ومسلم كذلك (715) في كتاب المساقاة.

لو اشترى زرعًا أو ثمرًا على شجرة، فالحصاد والجذاذ يكون على المشتري لأنه من باب القبض. (¬1) 2118 - جاءت بريرة، فقالت إني كاتبت على تسع أواق، في كل عام وقية، فأعينيني، فقالت عائشة: إن أحب أهلك أن أعُدها لهم عَدّة واحدة وأعتقك فعلت، ويكون ولاؤك لي، فذهبت إلى أهلها، فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خذيها وأعتقيها" ثمَّ قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثمَّ قال: "أما بعد: فما بال رجال يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله؟ ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق". قلت: رواه الشيخان: البخاري في مواضع منها في الشروط وفي المكاتب ومسلم في العتق. (¬2) قال في شرح السنة (¬3): إنما ذكرت بلفظ العدّ، لأنَّ أهل المدينة كانوا يتعاملون بالدراهم عدًّا وقت مقدم النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أن أرشدهم النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الوزن، وجعل المعيار وزن أهل مكة، وأول الشافعي هذا الحديث على أن بريرة رضيت فكان رضاها فسخا منها للكتابة، وحمله جماعة على ظاهره فجوزوا بيع المكاتب. 2119 - نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الولاء وعن هبته. ¬

_ (¬1) انظر المنهاج للنووي (11/ 42 - 47) باب بيع البعير واستثناء ركوبه. (¬2) أخرجه البخاري في الشروط (2168)، وفي المكاتب (2563)، ومسلم (1504). (¬3) شرح السنة (8/ 152).

من الحسان

قلت: رواه الجماعة: البخاري في الفرائض. ومسلم في العتق وأبو داود في الفرائض .. من حديث ابن عمر. (¬1) من الحسان 2120 - ابتعت غلامًا فاستغللته، ثمَّ ظهرت منه على عيب، فقضى عليَّ عُمر بن عبد العزيز بردّ غلّته، فراح إليه عروة، فأخبره أن عائشة أخبرتني: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قضى في مثل هذا: أن الخراج بالضمان، فقضى لي آخذ الخراج. قلت: رواه الشافعي (¬2) فقال: أخبرني من لا أتهم عن ابن أبي ذئب عن مخلد بن خفاف به، والبيهقيُّ من حديث القعنبي عن ابن أبي ذئب، والمرفوع منه رواه الأربعة، من حديث مخلد عن عروة عن عائشة ترفعه، قال البخاري: هذا حديث منكر، ولا أعرف لمخلد بن خفاف غير هذا الحديث، قال الترمذي: فقلت له فقد روي هذا الحديث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة؟، فقال: إنما رواه مسلم بن خالد الزنجي، وهو ذاهب الحديث، وقال ابن أبي حاتم: سئل أبي عن مخلد بن خفاف؟، فقال: لم يرو عنه غير ابن أبي ذئب وليس هذا بإسناد تقوم بمثله الحجة، يعني هذا الحديث، وقال الأزدي: مخلد بن خفاف ضعيف. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2535)، ومسلم (1506)، وأبو داود (2919)، والترمذي (1236)، والنسائيُّ (7/ 306)، وابن ماجه (2747)، وفي الأصل بياض أثناء تخريج هذا الحديث. (¬2) أخرجه الشافعي (2/ 44) رقم (482)، والبيهقيُّ (5/ 321). (¬3) مسلم بن خالد الزنجي، قال الحافظ: فقيه صدوق كثير الأوهام، التقريب (6669) وانظر أقوال علماء الجرح فيه في تهذيب الكمال (27/ 508 - 514)، وضعفه أبو داود لكثرة غلطه، أما مخلد بن خفاف فقال عنه الحافظ: مقبول، التقريب (6580)، وقول ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (8/ ت 1590)، وقال ابن عديّ: لا يعرف له غير هذا الحديث، انظر الكامل لابن عديّ (5/ 2436)، وقال ابن =

معنى واستغللته: أي أخذت أجرته، واستغللته أي أخذت غلته أي أجرته وكراه، قوله: الخراج بالضمان، يريد بالخراج ما يحصل من غلة العين المبتاعة، وذلك أن يشتريه فيستعمله زمنًا ثمَّ يعثر منه على عيب قديم، فله رد العين وأخذ الثمن ويكون للمشتري ما استعمله لأنَّ المبيع لو تلف في يده كان من ضمانه، وبالضمان متعلق بمحذوف أي الخراج مستحق بالضمان أي بسببه. 2121 - قال أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الخراج بالضمان". قلت: رواه أبو داود من طريق مسلم بن خالد الزبخي عن عروة عن عائشة وفيه قصة، وقال: هذا إسناد ليس بذاك، يشير إلى ما تقدم نقله عن البخاري، وقد رواه الترمذي من حديث عمر بن علي المقدمي عن هشام ابن عروة مختصرًا وقال: حديث حسن صحيح غريب، قال: واستغرب البخاري هذا الحديث من حديث عمر بن علي، قلت: تراه تدليسًا؟ فقال: لا، وحكى البيهقي عن الترمذي أنه ذكره لمحمد بن إسماعيل البخاري فكأنه أعجبه انتهى، وعلي بن حفص المقدمي قد اتفق الشيخان على الاحتجاج بحديثه، وراويه عن عمر بن علي أبو سلمة يحيى بن خلف، واحتج به مسلم فتلخص أن هذا إسناد جيد، ولهذا صححه الترمذي. (¬1) ¬

_ = عبد البر في الاستيعاب (2/ 450) (673) في ترجمة خفاف: يقولون: هو والد مخلد بن خفاف الذي روى عنه ابن أبي ذئب، ولا يصح. واستوفى تخريج هذا الحديث العلامة أحمد شاكر -رحمه الله- في تعليقاته على "الرسالة" للشافعي (ص 449). وانظر الإرواء (1315). (¬1) أخرجه أبو داود (3511) (3512)، والنسائيُّ (7/ 302)، وابن ماجه (2243)، ورواه الترمذي (1286) من طريق عمر بن علي المقدمي عن هشام بن عروة دون ذكر القصة. انظر العلل الكبير (1/ 514 - 515)، وسنن الترمذي (2/ 562)، والبيهقيُّ (5/ 321)، والبغويُّ في شرح السنة (2119)، نقل المؤلف هذا الكلام مختصرًا من المنذري في مختصره للسنن (5/ 161).

2122 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا اختلف البيعان، فالقول قول البايع، والمبتاع بالخيار". قلت: رواه الترمذي من حديث عون بن عبد الله عن ابن مسعود يرفعه، وقال: هذا مرسل، عون بن عبد الله لم يدرك ابن مسعود. (¬1) ورواه الشافعي وقال: هذا حديث منقطع لا نعلم أحدًا يصله عن ابن مسعود وقد جاء من غير وجه. (¬2) - وفي رواية: "البيعان إذا اختلفا، والمبيع قائم ليس بينهما بينة، فالقول ما قال البائع، أو يترادّان في البيع". قلت: رواها ابن ماجه، وأحمد (¬3)، وقال فيه: "والسلعة كما هي"، والبيهقيُّ من حديث ابن مسعود من طرق، وضعفها، قال المنذري: وقد روي من طرق ولا يصح، قال: وقال البيهقي: وأصح إسناد روي في هذا الباب، رواية أبي العميس عن عبد الرحمن بن قيس عن أبيه عن جده عن ابن مسعود يرفعه: "إذا اختلف المتبايعان ليس بينهما بينة فهو ما يقول رب السلعة أو يتتاركان"، رواه أبو داود والنسائيّ. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1270) وبرقم (261)، وأخرجه أبو داود كذلك (886) وقال: هذا مرسل، عون لم يدرك عبد الله. وقال الدارقطني: وذاك واضح كما في سؤالات البرقاني للدارقطني (385)، وانظر تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل (ص 397)، وانظر أيضًا سنن الدارقطني (3/ 21). (¬2) أخرجه البيهقي عن طريق الشافعي في معرفة السنن والآثار (8/ 139 - 140) (1141) وذكر قول الشافعي هذا وقال: إنه في القديم في رواية الزعفراني. (¬3) أخرجه ابن ماجه (2186)، وأحمد (1/ 466). (¬4) أخرجه أبو داود (3511) (3512)، والنسائي (7/ 302)، والبيهقيُّ (5/ 333)، وانظر كلام المنذري في مختصر سنن أبي داود (5/ 164).

باب السلم والرهن

2123 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أقال أخاه المسلم صفقة كرهها، أقال الله عثرته يوم القيامة". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه من حديث أبي هريرة ولم يضعفه أبو داود. (¬1) باب السَّلَم والرهن من الصحاح 2124 - قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة وهم يُسلفون في الثمار السنة والسنتين والثلاث، فقال: "من أسلف في شيء، فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم". قلت: رواه الشافعي وأحمد والجماعة من حديث ابن عباس (¬2)، والسلم والسلف: وهو تسليم مال عاجل في مقابلة موصوف في الذمة بشرطه، سمي سلمًا لتسليم رأس المال في المجلس، وسلفًا لتقدم رأس المال، وقد اختلف العلماء في جواز السلم في الحال مع إجماعهم على جواز المؤجل، فجوّز الحال الشافعي وآخرون، ومنعه مالك وأبو حنيفة. 2125 - إن النبي -صلى الله عليه وسلم- اشترى طعامًا من يهودي، إلى أجل ورهنه درعًا من حديد. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3460)، إلا أنه لم يقل يوم القيامة، وابن ماجه (2199) وإسناده صحيح. كما قال البوصيري في الزوائد (3/ 18)، وانظر الإرواء (1334). (¬2) أخرجه الشافعي (2/ 161)، وأحمد (1/ 217)، والبخاري (2239) (2240)، ومسلم (1604)، وأبو داود (3463)، وابن ماجه (2280)، والترمذي (1311)، والنسائيّ (7/ 290).

من الحسان

قلت: رواه البخاري في مواضع منها: في الاستقراض، وفي الجهاد وفي السلم وفي الشركة، وهو ومسلم والنسائيّ وابن ماجه في البيوع من حديث عائشة. (¬1) 2126 - توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودرعه مرهونة عند يهودي، بثلاثين صاعًا من شعير. قلت: رواه البخاري من حديث عائشة (¬2) في مواضع منها هنا وعزاه صاحب المنتقى والطبري، لمسلم أيضًا ولم أره فيه في هذا الباب، بل الذي فيه من حديث عائشة الحديث الذي قبل هذا. 2127 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونًا، ولبن الدر يشرب بنفقته إذ كان مرهونًا، وعلى الذي يركب ويشرب: النفقة". قلت: رواه البخاري في باب: الرهن محلوب ومركوب، وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة ولم يخرجه مسلم. (¬3) من الحسان 2128 - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يغلق الرهن الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه". قلت: رواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: على شرط الشيخين، ورواه الشافعي مرسلًا عن سعيد بن المسيب ومتصلًا عن أبي هريرة ورواه الدارقطني والبيهقيّ ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2068)، و (2096)، و (2200)، و (2251)، و (2386)، و (2509)، ومسلم (1603)، والنسائيُّ (7/ 288)، وابن ماجه (2436). (¬2) أخرجه البخاري (2916)، و (4467)، وأبو داود (3526)، والترمذي (1254)، وابن ماجه (2440). (¬3) أخرجه البخاري (2512)، وأبو داود (3526)، والترمذي (1254)، وابن ماجه (2440).

متصلًا أيضًا وقالا هذا إسناد حسن متصل (¬1). وقد صحح ابن عبد البر (¬2) اتصاله والمحفوظ إرساله. ولا يغلق الرهن: بالغين المعجمة قال في الفائق (¬3): يقال: غلق الرهن غلوقًا، إذا بقي في يد المرتهن، لا يقدر على تخليصه، وكان من أفاعيل الجاهلية أن الراهن إذا لم يؤد ما عليه في الوقت المؤقت مَلَك المرتهن الرهن، وعن إبراهيم النخعي أنه سئل عن غلق الرهن؟ قال: يقول إن لم أفتكه إلى غد فهو لك، قال بعضهم: والمراد بالرهن الأول في الحديث المصدر، وبالرهن الثاني المرهون، يعني لا يمنع الرهن المرهون من مالكه، بحيث تزول عنه منفعته، وتسقط عنه نفقته، بل يكون المرهون على ملك الراهن، له غنمه أي منفعته وفوائده، وعليه غرمه وضمانه. 2129 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "المكيال مكيال أهل المدينة، والميزان ميزان أهل مكة". قلت: رواه أبو داود النسائيّ من حديث ابن عمر ولم يضعفه أبو داود. (¬4) قال في شرح السنة (¬5): هذا الحديث فيما يتعلق بالكيل والوزن من حقوق الله تعالى، كالزكاة والكفارة ونحوها حتى لا تجب الزكاة في الدراهم حتى تبلغ مائتي درهم بوزن مكة، والصاع في صدقة الفطر صاع أهل المدينة، كل صاع خمسة أرطال وثلث. ¬

_ (¬1) أخرجه ابن حبان (5934)، وأخرجه الحاكم (2/ 51)، والشافعيّ (2/ 163) رقم (567)، والدارقطني (3/ 32 - 33)، والبيهقيّ (6/ 39). قال الزيلعي: وقال صاحب التنقيح: وقد صحح اتصال هذا الحديث الدراقطني وابن عبد البر وعبد الحق. نصب الراية (4/ 320). (¬2) التمهيد (6/ 430). (¬3) الفائق (3/ 72). (¬4) أخرجه أبو داود (3340)، والنسائي (5/ 54). (¬5) شرح السنة (8/ 69).

باب الاحتكار والتسعير وأموال بني النضير

2130 - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحاب الكيل والميزان: "إنكم قد وليتم أمرين، هلك فيهما الأمم السالفة قبلكم". قلت: رواه الترمذي في البيوع من حديث الحسين بن قيس عن عكرمة عن ابن عباس يرفعه، وقال: لا نعرفه إلا من حديث الحسين وهو ضعيف، قال: وقد روي بإسناد صحيح عن ابن عباس موقوفًا انتهى، وقد رواه الحاكم مرفوعًا من طريق الحسين بن قيس وقال: صحيح، ولا يسلم له. (¬1) باب الاحتكار والتسعير وأموال بني النضير من الصحاح 2131 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من احتكر فهو خاطئ". قلت: رواه مسلم وأبو داود والترمذي (¬2) وابن ماجه كلهم هنا من حديث سعيد بن المسيّب عن معمر يرفعه، قيل لسعيد: إنك تحتكر؟، قال سعيد: أن معمرًا الذي كان يحدث هذا الحديث كان يحتكر، قال أبو داود: كان سعيد بن المسيّب يحتكر النَّوى والخَبَط والبزر ولم يخرج البخاري هذا. ومعمر هذا هو: معمر بن عبد الله القرشي العدوي ممن هاجر إلى الحبشة وبهذا السبب تأخرت هجرته إلى المدينة أسلم قديمًا. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1217)، وفي إسناده حسين بن قيس الرحبي قال الحافظ في التقريب (1351): متروك، والحاكم (2/ 31). (¬2) أخرجه مسلم (1605)، وأبو داود (3447)، والترمذي (1267)، وابن ماجه (2154).

من الحسان

قال ابن عبد البر (¬1): وكان معمر وسعيد يحتكران الزيت، قال: فدلّ على أنه أراد بالحكرة الحنطة، وما يكون قوتًا في الأغلب، والله أعلم، ولم يخرج البخاري في صحيحه عن معمر هذا شيئًا. ومعنى خاطىء: آثم، قال الله تعالى: {إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا}. 2132 - كانت أموال بني النضير مما آفاء الله على رسوله لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة ينفق على أهله منها نفقة سنته، ثمَّ يجعل ما بقي في السلاح والكراع، عدة في سبيل الله. قلت: رواه الجماعة إلا ابن ماجه: البخاري في التفسير وفي الجهاد ومسلم في المغازي وأبو داود في الخراج والترمذي في الجهاد والنسائيّ في عشرة النساء كلهم من حديث مالك بن أوس عن عمر ابن الخطاب. (¬2) والكُراع: بضم الكاف، الخيل، قوله: عدة في سبيل الله، انتصب عدة على أنه مفعول من أجله، أو مفعول مطلق بمحذوف أي عده عدة، وبين المصنف بهذا الحديث أن حبس الطعام لنفقة العيال سنة ليس من الاحتكار. من الحسان 2133 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الجالب مرزوق والمحتكر ملعون". قلت: رواه ابن ماجه والبيهقيّ هنا من حديث عمر بن الخطّاب يرفعه، وفي سند الحديث: علي بن سالم وهو مجهول، وقال البخاري لا يتابع في حديثه. (¬3) ¬

_ (¬1) الاستيعاب (3/ 1434). (¬2) أخرجه البخاري في التفسير (4885)، وفي الجهاد (2904)، ومسلم (1757)، وأبو داود (2965)، والترمذي (1719)، والنسائي في الكبرى (9187). (¬3) أخرجه ابن ماجه (2153)، والبيهقيُّ (6/ 30). وفي إسناده علي بن سالم قال الحافظ في التقريب (4770): ضعيف.

باب الإفلاس والإنظار

2134 - غلا السعر على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا رسول الله! سَعِّر لنا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله هو المسعِّر، القابض، الباسط، الرازق، وإني لأرجو أن ألقى ربي، وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة بدم ولا مال". قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه هنا من حديث أنس، وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬1) باب الإفلاس والإنظار من الصحاح 2135 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أيّما رجل أفلس فأدرك رجل ماله بعينه فهو أحق به من غيره". قلت: رواه الجماعة هنا من حديث أبي هريرة. (¬2) 2136 - أصيب رجل في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ثمار ابتاعها، فكثر دينه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تصدقوا عليه"، فتصدق الناس عليه، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لغرمائه: "خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك". قلت: رواه الجماعة إلا البخاري من حديث أبي سعيد. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3451)، والترمذي (1314)، وابن ماجه (2200) وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه البخاري (2402)، ومسلم (1194)، وأبو داود (3519)، والترمذي (1262)، والنسائيّ (7/ 311)، وابن ماجه (2358). (¬3) أخرجه مسلم (1556)، وأبو داود (3469)، والنسائيّ (7/ 265)، والترمذي (655)، وابن ماجه (2356).

2137 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كان رجل يداين الناس، فكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسرًا، فتجاوز عنه، لعل الله أن يتجاوز عنا، قال: فلقي الله فتجاوز عنه". قلت: رواه الشيخان والنسائيُّ في البيوع من حديث أبي هريرة. (¬1) 2138 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من سره أن ينجيه الله تعالى من كرب يوم القيامة، فلينفّس عن معسر، أو يضع عنه". قلت: رواه مسلم في البيوع من حديث أبي قتادة (¬2) ولم يخرجه البخاري ومعنى التنفيس عنه: أن يؤخر مطالبته، وأما الوضع عنه فالبراءة من الدين أو من بعضه. 2139 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من أنظر معسرًا، أو وضع عنه، أنجاه الله من كرب يوم القيامة". قلت: رواه مسلم في البيوع من حديث أبي قتادة يرفعه ولم يخرجه البخاري وهذا الحديث وإن كان لفظه ليس في مسلم لكنه أشار إليه فإنه قال بعد أن ذكر الحديث الذي قبله، وبهذا الإسناد نحوه أي نحو الحديث الذي قبله. (¬3) 2140 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من أنظر معسرًا أو وضع عنه أظله الله في ظله". قلت: رواه مسلم في حديث طويل في آخر صحيحه وابن ماجه في الأحكام مقتصرًا على هذه القطعة من حديث أبي اليسر واسمه كعب بن عمرو. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2078)، و (3480)، ومسلم (1562)، والنسائي (7/ 318). (¬2) أخرجه مسلم (1563). (¬3) هذا الحديث بهذا اللفظ غير موجود في مسلم، أما ما أشار إليه المؤلف فهو في صحيح مسلم (3/ 1196) كتاب المساقاة. بعد حديث رقم (1563)، وأخرجه البغوي في شرح السنة (2138). (¬4) أخرجه مسلم (3006)، وابن ماجه (2419).

2141 - قال: استسلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكرًا، فجاءته إبل من الصدقة، قال أبو رافع: فأمرني أن أقضي الرجل بكره، فقلت: لا أجد إلا جملًا خيارًا رباعيًّا؟، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أعطه أياه، فإن خير الناس أحسنهم قضاء". قلت: رواه الجماعة إلا البخاري من حديث أبي رافع مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يخرج البخاري عن أبي رافع أكثر من حديث واحد في الشفعة. (¬1) والبكر: بفتح الباء الموحدة وسكون الكاف، قال الخطابي (¬2): البكر في الإبل بمنزلة الغلام من الناس، والقلوص: بمنزلة الجارية من الإناث، وأما الرباع من الإبل: فقال ابن الأثير (¬3): هو الذي أتت عليه ست سنين ودخل في السابعة فإذا طلعت رباعية قيل للذكر رباع والأنثى رباعية بتخفيف الياء. 2142 - وروي: أن رجلًا تقاضى على النبي -صلى الله عليه وسلم- فأغلظ له، فهمَّ به أصحابه، فقال: "دعوه، فإن لصاحب الحق مقالًا". قلت: رواه الشيخان واللفظ للبخاري من حديث أبي هريرة. (¬4) 2143 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مطل الغني ظلم، فإذا أتبع أحدكم على مليء، فليتبع". قلت: رواه البخاري في الحوالة، ومسلم وأبو داود والنسائيّ في البيوع من حديث أبي هريرة. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1600)، وأبو داود (3346)، والنسائي (7/ 291)، والترمذي (1318)، وابن ماجه (2285). (¬2) معالم السنن للخطابي (3/ 57). (¬3) المصدر السابق والنهاية (2/ 188). (¬4) أخرجه البخاري (2306)، ومسلم (1601). (¬5) أخرجه البخاري (2287)، ومسلم (1564)، أبو داود (3345)، والنسائي (7/ 317).

والمطل معناه هنا: منع قضاء ما استحق أداؤه فمطل الغني ظلم وحرام، ومطل غير الغني ليس بحرام، ولا ظلم لمفهوم هذا الحديث. وأتبع: بإسكان التاء فيه وفي فليتبع، مثل أخرج فليخرج قال النوويّ (¬1): هذا هو المشهور في الرواية، والمعروف في كتب اللغة وغريب الحديث، وعن بعض المحدثين أنه يشددها في فليتّبع، والصواب الأوّل، والعنى: إذا أحيل بالدين على مليء فليحتل، والأمر هنا عند الجمهور للاستحباب. 2144 - أنه تقاضى ابن حدرد دينًا له عليه، فارتفعت أصواتهما، فخرج إليهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ونادى كعب بن مالك، فأشار بيده أن: "ضع الشطر من دينك" قال: قد فعلت، فقال: "قم فاقضه". قلت: رواه الجماعة إلا الترمذي: البخاري في الصلاة وفي الصلح ومسلم في البيوع وأبو داود والنسائيّ في القضاء وابن ماجه في الأحكام من حديث كعب بن مالك. (¬2) والتقاضي: طلب قضاء الدين. 2145 - كنا جلوسًا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ أتي بجنازة، فقالوا: صل عليها، فقال: "هل عليه دين؟ " قالوا: لا، فصلّى عليه، ثمَّ أتي بجنازة أخرى، فقال: "هل عليه دين"، قيل: نعم، قال: "فهل ترك شيئًا؟ " قالوا: ثلاثة دنانير، فصلّى عليها، ثمَّ أتي بالثالثة، فقال: "عليه دين؟ "، قالوا: ثلاثة دنانير، قال: "هل ترك شيئًا؟ " قالوا: لا، قال: "صلوا على صاحبكم" قال أبو قتادة: صلّ عليه يا رسول الله، وعليّ دينه، فصلى عليه. ¬

_ (¬1) المنهاج (10/ 228). (¬2) أخرجه البخاري (457) (471)، وفي الصلح (2710)، ومسلم (1558)، وأبو داود (3595)، والنسائيّ (8/ 239)، وابن ماجه (2429).

قلت: رواه البخاري في الحوالة والنسائيّ في الجنائز من حديث سلمة بن الأكوع. (¬1) 2146 - قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها، أدى الله عنه، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله". قلت: رواه البخاري في الاستقراض وابن ماجه في الأحكام من حديث أبي هريرة ولم يخرجه مسلم. (¬2) 2147 - قال رجل: يا رسول الله! أرأيت إن قتلتُ في سبيل الله صابرًا محتسبًا مقبلًا غير مدبر، يكفر الله عني خطاياي؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "نعم"، فلما أدبر ناداه، فقال: "نعم، إلا الدين، كذلك قال جبريل". قلت: رواه مسلم والترمذي والنسائيّ في الجهاد من حديث أبي قتادة. (¬3) 2148 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين". قلت: رواه مسلم في الجهاد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ولم يخرجه البخاري. (¬4) 2149 - كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين، فيسأل: "هل ترك لدينه فضلًا؟ " فإن حُدث أنه ترك وفاء صلَّى عليه، وإلا قال للمسلمين: "صلوا على صاحبكم"، فلما فتح الله عليه الفتوح، قام فقال: "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي من المؤمنين فترك دينًا، فعلي قضاؤه، ومن ترك مالًا، فهو لورثته". قلت: رواه البخاري في الكفالة ومسلم في الفرائض والترمذي في الجنائز من حديث أبي هريرة. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2289)، والنسائيُّ (4/ 65). (¬2) أخرجه البخاري (2387)، وابن ماجه (2411). (¬3) أخرجه مسلم (1885)، والترمذي (1712)، والنسائيّ (6/ 34). (¬4) أخرجه مسلم (1886). (¬5) أخرجه البخاري (2298)، ومسلم (1619)، والترمذي (1070).

من الحسان

من الحسان 2150 - جئنا أبا هريرة في صاحب لنا قد أفلس، فقال: هذا الذي قضى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيّما رجل مات أو أفلس، فصاحب المتاع أحق بمتاعه، إذا وجده بعينه". قلت: رواه الشافعي وأبو داود وابن ماجه من حديث أبي المعتمر بن عمرو عن عمر بن خلدة به، وحكي عن أبي داود أنه قال: من يأخذ بهذا وأبو المعتمر من هو؟، لا يعرف. (¬1) 2151 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يُقضى عنه". قلت: رواه الشافعي وأحمد، ورواه الترمذي في الجنائز وابن ماجه في الأحكام وقال الترمذي: حديث حسن، ورواه الحاكم، وقال: على شرط الشيخين، كلهم من حديث أبي هريرة. (¬2) 2152 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "صاحب الدين مأسور بدَينه، يشكو إلى ربه الوَحْدة يوم القيامة". قلت: رواه المصنف في "شرح السنة" مسندًا من حديث كثير عن البراء بن عازب. (¬3) 2153 - وروي: أن معاذًا كان يدّان فأتى غرماؤه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فباع النبي -صلى الله عليه وسلم- ماله كله في دينه، حتى قام معاذ بغير شيء (مرسل). ¬

_ (¬1) أخرجه الشافعي (2/ 163) رقم (564)، وأبو داود (3523)، وابن ماجه (2360) وإسناده ضعيف، لأنَّ فيه كذلك هشام بن عمار وهو ضعيف، كما قال الحافظ في القريب (7353)، وأبو المعتمر بن عمرو بن رافع المدني، قال الحافظ: مجهول الحال، التقريب (8444). (¬2) أخرجه أحمد (2/ 440)، والشافعيّ (2/ 190)، والترمذي (1079)، وابن ماجه (2413)، والحاكم (2/ 26 - 27)، وقال صحيح على شرط الشيخين. (¬3) أخرجه البغوي في شرح السنة (2148)، وأورده المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 605). انظر الضعيفة (1376).

قلت: رواه سعيد بن منصور في سننه مرسلًا من حديث عبد الرحمن بن كعب بن مالك أن معاذًا، وذكره. (¬1) ويدّان: بتشديد الدال يفتعل من دان يدين إذا استقرض وصار عليه دين فهو دائن، وفيه دليل على الحجر على الفلس بسؤال الغرماء. 2154 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لي الواجد يُحِلُّ عرضه وعقوبته". قلت: رواه أبو داود في الأقضية والنسائيُّ في البيوع وابن ماجه في الأحكام من حديث عمرو بن الشريد ولم يضعفه أبو داود. (¬2) واللي: المطل، يقال: لواه عربته بدينه يلويه إذا مطله، والواجد: الغني، وفيه دليل على أن المعسر لا يحبس، لأنَّ المعسر غير واجد، والعرض موضع المدح والذم من الإنسان، سواء أكان في نفسه أو سلفه أو من يلزمه أمره، وقيل: هو الجانب الذي يصونه من نفسه وحسبه، ويحامي عنه، أن ينتقص ويثلب، وقال ابن قتيبة: عرض الرجل نفسه وبدنه لا غير وقد تقدم. 2155 - قال: أتي النبي -صلى الله عليه وسلم- بجنازة ليصلى عليها، فقال: "هل على صاحبكم دين؟ "، قالوا: نعم، قال: "هل ترك وفاء؟ "، قالوا: لا، قال: "صلوا على صاحبكم"، قال علي بن أبي طالب: علي دينه، فتقدم فصلَّى عليه، وقال: "فك الله رهانك من النار كما فككت رهان أخيك المسلم، ليس من عبد مسلم يقضي عنه أخيه دينه، إلا فك الله رهانه يوم القيامة". ¬

_ (¬1) أخرجه عبد الرزاق (8/ 268) (15177)، وأبو داود في المراسيل (152)، وأورده الحافظ في المطالب العالية (1/ 416 - 417) رقم (1389) وعزاه إلى إسحاق بن راهوية. وأورده مجد الدين بن تيمية في المنتقى برقم: (2996)، وقال رواه سعيد بن منصور في سننه هكذا مرسلًا. انظر الإرواء (1435). (¬2) أخرجه أبو داود (3628)، والنسائيُّ (7/ 316)، وابن ماجه (2427). وفي إسناده محمَّد بن ميمون، قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب (6091) مقبول، وعمر بن الشريد، ثقة، التقريب (5084).

قلت: رواه الدارقطني من حديث أبي سعيد ومن حديث علي بن أبي طالب. (¬1) والبرهان: جمع رهن، وفك الرهن تخليصه، والمراد بقوله - صلى الله عليه وسلم - فك الله رهانك أي خلص رقبتك بالعفو عنها، والتجاوز عن سيئاتها التي تحبس بها وتعذر يوم القيامة، قوله: كما فككت رهان أخيك أي: كما خلصته من تعلق الدين، فإن نفس المؤمن مرهونة بدينه بعد الموت، كما هي محبوسة مطالبة به في الدنيا. 2156 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من مات وهو بريء من الكبر والغلول والدَّين، دخل الجنة". قلت: رواه الترمذي في كتاب السير والنسائيّ فيه وابن ماجه في الأحكام كلاهما بمعناه من حديث ثوبان. (¬2) 2157 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن أعظم الذنوب عند الله أن يلقاه بها عبد بعد الكبائر التي نهى الله عنها: أن يموت رجل وعليه دين لا يدع له قضاء". قلت: رواه أبو داود في البيوع من حديث أبي موسى الأشعري ولم يضعفه. (¬3) 2158 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحًا حرم حلالًا، أو أحل حرامًا، والمسلمون على شروطهم، إلا شرطًا حرم حلالًا، أو أحلّ حرامًا". ¬

_ (¬1) أخرجه الدارقطني (3/ 78)، والبيهقيُّ في الكبرى (6/ 73)، والبغوي في شرح السنة (8/ 213)، رقم (2155)، وقال البيهقي: عطاء بن عجلان ضعيف وقال الحافظ في = = التقريب (4627): متروك، بل أطلق عليه ابن معين والفلاس وغيرهما الكذب. والروايات في تحمل أبي قتادة دين الميت أصح والله أعلم. (¬2) أخرجه الترمذي (1572) (1573)، وابن ماجه (2412)، والنسائيُّ في الكبرى (8764). وإسناده صحيح، صححه ابن حبَّان (1676)، والحاكم (2/ 26)، والذهبي. (¬3) أخرجه أبو داود (3342). وفي إسناده أبو عبد الله القرشي ويقال: أبو عبيد والأول أصح فقد تفرد بالرواية عند سعيد بن أبي أيوب وحيوة بن شريح. وترجم له الحافظ في "التقريب" (8273) وقال: مقبول.

باب الشركة والوكالة

قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في الأحكام من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده يرفعه. وقال الترمذي: حسن صحيح، ورواه أبو داود في الأقضية من حديث أبي هريرة، وفي سند حديث عمرو بن عوف، كثير بن عبد الله وفيه كلام كثير لا يخفى، وأما حديث أبي هريرة فحديث حسن، وفي سنده كثير بن زيد أبو محمَّد الأسلمي مولاهم المدني قال فيه أبو زرعة: صدوق فيه لين. (¬1) باب الشركة والوكالة من الصحاح 2159 - أنه كان يخرج به جده عبد الله بن هشام إلى السوق فيشتري الطعام، فليقاه ابن عمر وابن الزبير، فيقولان له: أشركنا، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد دعا لك بالبركة فيشركهم، فربما أصاب الراحلة كما هي، فيبعث بها إلى المنزل، وكان عبد الله بن هشام ذهبتْ به أمه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فمسح رأسه ودعا له بالبركة. قلت: رواه البخاري في الدعوات (¬2) من حديث زهرة بن معبد، ولم يخرجه مسلم. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1352)، وابن ماجه (2353)، وأبو داود (3594) وفي إسناده كثير أجمعوا على ضعفه، حتى قال الشافعي: أنه ركن من أركان الكذب، وذكره ابن حجر في التقريب (5652) وقال: ضعيف أفرط من نسبه إلى الكذب، وانظر تهذيب الكمال (28/ 136). ورواية أبي هريرة أخرجها أبو داود (3594)، وأحمد في المسند (2/ 366). وفي إسناده كثير بن زيد قال الحافظ في التقريب (5646): صدوق يخطيء. وانظر ترجمة كثير بن زيد في تهذيب الكمال (28/ 113)، وقول أبي زرعة في الجرح والتعديل (7/ ت 641). (¬2) أخرجه البخاري (6353).

من الحسان

قوله أشركنا: فيه دليل على مشروعية الإشراك وهو: أن يشتري شيئًا ثمَّ يقول العالم بالثمن مناصفة مثلًا، فيقبل فيصير بينهما بمثل نصف الثمن على القائل. 2160 - قالت الأنصار للنبي -صلى الله عليه وسلم-: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل، قال: "لا تكفوننا المؤونة ونشرككم في الثمرة"، قالوا سمعنا وأطعنا. قلت: رواه البخاري في فضائل الأنصار من حديث المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ولم يذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- (¬1)، قال الحميدي (¬2): وهو المراد بلا شك، وأخرجه البخاري أيضًا في الشروط وفي المزارعة من حديث شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بلفظ المصابيح، ورواه النسائيّ في الشروط بهذا الإسناد. 2161 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعطاه دينارًا ليشتري له شاة، فاشترى له شاتين، فباع إحداهما بدينار، وأتاه بشاة ودينار، فدعا له النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيعه بالبركة، فكان لو اشترى ترابًا لربح فيه. قلت: رواه البخاري في علامات النبوة ورواه أبو داود والترمذي وابن ماجه بمعناه من حديث عروة بن الجعد، ويقال: ابن أبي الجعد البارقي، ولم يخرجه مسلم. (¬3) من الحسان 2162 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله عَزَّ وَجَلَّ يقول: أنا ثالث الشريكين، ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خانه خرجت من بينهما". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المزارعة (2325)، وفي المناقب (3782)، والنسائيّ في الكبرى (8321). (¬2) الجمع بين الصحيحين للحميدي (3/ 250 رقم 2547). (¬3) أخرجه البخاري (3642)، وأبو داود (3384)، والترمذي (1258)، وابن ماجه (2402).

قلت: رواه أبو داود في البيوع والحاكم والبيهقيّ من حديث أبي هريرة يرفعه ولم يضعفاه، وصححه الحاكم. (¬1) 2163 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". قلت: رواه أبو داود والترمذي في البيوع من حديث أبي هريرة يرفعه، وقال الترمذي: حسن غريب، ورواه الدارقطني من حديث أبي بن كعب ومن حديث أنس، ورواه أبو داود أيضًا في البيوع من حديث يوسف بن ماهك المكي، قال: كنت أكتب لفلان نفقة أيتام كان وليهم، فغالطوه بألف درهم، فأداها إليهم، فأدركت لهم من مالهم مثليها، قال: قلت اقبض الألف الذي ذهبوا به منك؟ قال: لا، حدثني أبي أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول وساقه، وفي هذه الرواية مجهولٌ. (¬2) 2164 - أردت الخروج إلى خيبر، فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فسلمت عليه، فقال: "إذا أتيت وكيلي، فخذ منه خمسة عشر وسقًا، فإن ابتغى منك آية، فضع يدك على ترقوته". قلت: رواه أبو داود في الأقضية من حديث جابر وفي سنده: محمَّد بن إسحاق بن يسار. (¬3) والترقوة: بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الراء وبالقاف والواو: العظم الذي بين ثغرة النحر والعانق. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3383)، والبيهقيُّ (6/ 78)، والحاكم (2/ 52) وقال: حديث صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وانظر الإرواء (1468). وأعله الدارقطني بالإرسال فلم يذكر فيه أبا هريرة وقال: إنه الصواب، انظر (التلخيص الحبير 3/ 49)، وعون المعبود (9/ 170). (¬2) أخرجه أبو داود (3535)، والترمذي (1264) والدارقطني (3/ 35)، ورواية يوسف المكي عند أبي داود برقم (3534). (¬3) أخرجه أبو داود (3632)، وإسناده حسن لأنّ فيه محمد بن يسار قال الحافظ في التقريب (5762): صدوق يدلس ورمي بالتشيع والقدر، وقد سبق. انظر تغليق التعليق (3/ 476).

باب الغصب والعارية

باب الغصب والعارية من الصحاح 2165 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا، فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين". قلت: رواه البخاري في المظالم ومسلم في البيوع من حديث سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. (¬1) والأرضون: بفتح الراء، وفيها لغة قليلة وهي الإسكان، والمراد: أنه يكلف حمله من سبع أرضين، ويجوز أن يكون يجعل ذلك له كالطوق في عنقه يوم القيامة، أو يطوق إثم ذلك، وقد غلط من جعل سبع أرضين معناه سبع أقاليم صرح بتغليطه النوويّ (¬2) وغيره. 2166 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحلبن أحد ماشية امرئ بغير إذنه، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته، فتكسر خزانته، فينتثل طعامه؟، فإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعماتهم". قلت: رواه البخاري ومسلم في اللقطة وأبو داود في الجهاد من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر (¬3) وهو في مسلم في أواخر اللقطة قبيل الجهاد. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2452)، ومسلم (1610). (¬2) المنهاج للنووي (11/ 70). (¬3) أخرجه البخاري (2435)، ومسلم (1726)، وفيهما "فينتقل طعامه"، وأبو داود (2623)، وفيه "فينتثل طعامه".

والمشربة: بالشين المعجمة وبضم الراء وفتحها، كالغرفة موضع فيها المتاع، وينتثل: بضم الياء المثناة من تحت وسكون النون، وفتح الثاء المثناة من فوق والمثلثة ثم باللام أي: يستخرج ويخرج. (¬1) 2167 - قال كان النبي -صلى الله عليه وسلم- عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربت التي النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيتها يد الخادم، فسقطت الصحفة، فانفلقت، فجمع النبي -صلى الله عليه وسلم- فَلِق الصحفة، ثمَّ جعل يجمع فيها الطعام، ويقول: "غارت أمكم" ثمَّ حبس الخادم، حتى أتى بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع إلى التي كُسرت صحفتُها وأمسك المكسورة. قلت: رواه البخاري في النكاح من حديث أنس بن مالك. (¬2) والتي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيتها: عائشة والمرسلة زينب، وقيل أم سلمة وقيل صفية. والصحفة: إناء كالقصعة، قال الكسائي: أعظم القصاع الجفنة ثمَّ القصعة يليها تشبع العشرة ثمَّ الصحفة تشبع الخمسة. 2168 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن النهبة والمثلة. قلت: رواه البخاري في المظالم من حديث عبد الله بن يزيد الأنصاري (¬3) ولم يخرجه من أصحاب الكتب الستة سوى البخاري. وقد تأول في "شرح السنة" (¬4): النهبة: في هذا الحديث على الجماعة ينتهبون الغنيمة، قبل القسمة، والقوم يقدم إليهم الطعام فينتهبونه، وكل يأخذ بقدر قوته ونحو ذلك، وإلا فنهب المسلمين حرام لا إشكال فيه. ¬

_ (¬1) المنهاج للنووي (12/ 43)، وقال: وفي روايات: فينتثل، ومعنى ينتثل: ينثر كله ويرمى. (¬2) أخرجه البخاري (5225). (¬3) أخرجه البخاري (2474) (5516). (¬4) انظر شرح السنة للبغوي (8/ 228).

2169 - انكسف الشمس في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم مات إبراهيم ابن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلى بالناس ست ركعات بأربع سجدات، فانصرف وقد آضت الشمس، وقال: "ما من شيء توعدونه، إلا قد رأتيه في صلاتي هذه، لقد جيء بالنار، وذلك حين رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيبني من لفحها، حتى رأيت فيها صاحب المحجن يجر قُصبه في النار، وكان يسرق الحاج بمحجنه، فإن فُطن له قال: إنما تعلّق بمحجني، وإن غُفل عنه ذهب به، وحتى رأيت فيها صاحبة الهرة التي ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض، حتى ماتت جوعًا، ثمَّ جيء بالجنة، وذلك حين رأيتموني تقدّمت، حتى قمت في مقامي، ولقد مددت يدي وأنا أريد أن أتناول من ثمرها لتنظروا إليه، ثمَّ بدا لي أن لا أفعل". قلت: رواه مسلم في الصلاة من حديث جابر ولم يخرجه البخاري من حديث جابر (¬1). والمحجن: عصا في رأسها اعوجاج. والقُصْب: بضم القاف وسكون الصاد وبالباء الموحدة قال في النهاية (¬2): وهو عمر بن لحي. وخشاش الأرض: هوامها وحشراتها وهو بالخاء المعجمة، ويروى: بالحاء المهملة وهو يابس النبات، وهو وهم. 2170 - كان فزع بالمدينة، فاستعار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرسًا من أبي طلحة، فركب، فلما رجع قال: "ما رأينا من شيء، وإن وجدناه لبحرًا". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (904). (¬2) النهاية (4/ 59).

من الحسان

قلت: رواه البخاري في مواضع منها: في الهبة وفي الجهاد وفي الأدب، ومسلم في فضائل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو داود في الأدب والترمذي في الجهاد والنسائيُّ في السير من حديث أنس. (¬1) واسم هذا الفرس: مندوب، ومناسبة ذكر مسلم له في الفضائل أنه جاء في بعض الروايات أن هذا الفرس كان يبطيء أي يعرف بالبطء والعجز في السير، فببركته - صلى الله عليه وسلم - اتسع جريه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "وإن وجدناه لبحرًا" أي: واسع الجري. من الحسان 2171 - عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أحيا أرضًا ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق" (مرسل). قلت: رواه أبو داود في الخراج والترمذي في الأحكام والنسائيّ في إحياء الموات والبيهقيّ في البيع من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن سعيد بن زيد يرفعه، وقال الترمذي: حسن غريب، قال: ولقد رواه بعضهم عن هشام عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلًا. (¬2) وقوله: وليس لعرق ظالم حق، يروى بالتنوين. وظالم نعت، والصفة ها هنا راجعة إلى صاحب العرق أي الذي عرق ظالم، وقد يرجع إلى العرق أي عرق ذي ظالم فيه، ويروى: بغير تنوين على الإضافة، فيكون الظالم صاحب العرق، والعرق أحد عروق الشجر. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الهبة (2627)، وفي الجهاد (2968)، وفي الأدب (4988)، ومسلم (2307)، وأبو داود (4988)، والترمذي (1685) و (1686)، والنسائيّ في "الكبرى" (8821). (¬2) أخرجه أبو داود (3073)، والترمذي (1378)، والنسائيّ في الكبرى (5761). قال في خلاصة البدر المنير (2/ 98) رواه أبو داود بإسناده على شرط الصحيح ورواه الترمذي وقال: حسن غريب، ورواه مالك في الموطأ مرسلًا (2/ 743 رقم 29)، وقال الدارقطني في علله: أنه أصح.

2172 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ألا لا تظلموا، ألا لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه". قلت: روى الدارقطني القطعة الأخيرة من حديث أنس، قال البيهقي: أصح ما روي في هذا المعنى حديث أبي حميد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا يحل لامرئ أن يأخذ عصى أخيه بغير طيب نفس منه، وذلك لشدة ما حرم مال المسلم على المسلم، وأخرجه أبو حاتم في صحيحه. (¬1) 2173 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا جلب ولا جنب، ولا شغار في الإسلام، ومن انتهب نهبة، فليس منا". قلت: رواه أبو داود في الجهاد والترمذي والنسائيّ في النكاح وابن ماجه في الفتن وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬2) والجلب والجنب تقدما وكذلك النهبة والشغار سيأتي في النكاح. 2174 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: "لا يأخذ أحدكم عصا أخيه لاعبًا جادًا، فمن أخذ عصا أخيه فليردها إليه". قلت: رواه أبو داود في الأدب والترمذي في الفتن من حديث السائب بن يزيد بن سعيد الكندي عن أبيه يرفعه، وقال الترمذي: حسن غريب. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه الدارقطني (3/ 26)، وحديث أبي حميد أخرجه ابن حبّان في صحيحه (5978)، والبيهقيُّ في السنن الكبرى (9/ 358)، وفي الشعب (5493)، وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1591). ورواه البيهقي في "خلافياته" من رواية أبي حميد الساعدي وعبد الله بن السائب عن أبيه عن جده وقال: إسناده حسن، وانظر الإرواء (1459). (¬2) أخرجه أبو داود (2581)، والترمذي (1123)، والنسائيُّ (6/ 111)، وابن ماجه (3937) فيه عنعنة الحسن البصري، وقد حسنه. (¬3) أخرجه أبو داود (5003)، والترمذي (2160) وفي جميع المصادر "لاعبًا ولا جادًا" إلا في شرح السنة، والنهاية، كما نبه عليه المؤلف. وانظر الإرواء (1518)، وقد حسنه، ولم يشر إلى هذا.

ونبه بالعصى على ما فوقها، قوله: لاعبًا جادًا: قال أبو عبيد: هو أن يأخذ متاعه، لا يريد سرقته، إنما يريد إدخال الغيظ لاعب في السرقة جاد في إدخال الغيظ، والمروي في المصابيح وشرح السنة وفي النهاية (¬1): "لاعبًا جادًا"، بلا حرف العطف بينهما وبلا حرف النفي، قال في النهاية: أن يأخذه ولا يريد سرقته ولكن يريد إدخال الهم والغيظ عليه فهو لاعب في السرقة جادٌّ في الأذيَّة. 2175 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: "من وجد عين ماله عند رجل، فهو أحق به، ويتّبع البيع من باعه". قلت: رواه أبو داود والنسائيّ في البيوع من حديث الحسن عن سمرة. (¬2) 2176 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "على اليد ما أخذت حتى تؤدِّي". قلت: رواه أبو داود والترمذي في البيع والنسائيّ في العارية وابن ماجه في الأحكام من حديث الحسن عن سمرة يرفعه. قال قتادة: ثم نسي الحسن، فقال: هو أمينك ولا ضمان عليه، قال الترمذي: حديث حسن. (¬3) 2177 - أنّ ناقةً للبراء بن عازب دخلت حائطًا فأفسدت، فقضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار، وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها. قلت: رواه مالك في الموطأ والشافعيُّ في المسند والمصنف في شرح السنة وابن ماجه في الأحكام من حديث حرام بن سعد بن محيصة: أن ناقة للبراء وذكره، ورواه أبو داود، ¬

_ (¬1) انظر النهاية (4/ 252)، وشرح السنة (10/ 264). (¬2) أخرجه أبو داود (3531)، والنسائيّ (7/ 313). الحسن وهو البصري لم يصرح بسماعه من سمرة وله طرق عند أحمد في المسند (5/ 13)، وابن ماجه (2331)، وانظر: الصحيحة (609). (¬3) أخرجه أبو داود (3561)، والترمذي (1266)، وابن ماجه (2400)، والنسائيُّ في الكبرى (5783)، وفيه عنعنة الحسن البصري، انظر الإرواء (1516)، وفي المسند (5/ 13)، عن الحسن أنه قال: لا يضمن.

وبه ختم البيوع، والنسائيُّ في العارية من حديث حرام بن محيصة عن أبيه أن ناقة للبراء، وذكراه، ورواه أيضًا الشافعي وأبو داود وابن ماجه من حديث حرام بن محيصة عن البراء بن عازب أن ناقة له دخلت حائطًا وذكروه بنحوه. (¬1) وزاد أبو داود: وأن حفظ الماشية بالليل على أهلها، وقال ابن عبد البر (¬2) في كلامه على رواية مالك: هكذا روى هذا الحديث جميع رواة الموطأ مرسلًا، ورواه الإمام أحمد موصولًا، وأطال البيهقي الكلام في كتاب "المعرفة" (¬3) عليه، وقال الطحاوي: هو مرسل، وقال ابن حزم (¬4): خبر ناقة البراء، خبر لا يصح، لأنه إنما رواه الزهري عن حرام بن محيصة عن أبيه، ورواه الزهري أيضًا عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف: أن ناقة البراء، فصح أنه مرسل، لأنّ حراما ليس هو ابن محيصة لصلبه، إنما هو ابن سعد بن محيصة وسعد لم يسمع من البراء ولا أبو أمامة، ولا حجة في منقطع، انتهى. (¬5) وحرام بفتح الحاء والراء المهملتين. ¬

_ (¬1) أخرجه مالك (2/ 747 - 748)، والشافعيّ في المسند (2/ 107)، وفي السنن المأثورة (526)، وأحمد (5/ 436)، وأبو داود (3569)، وابن ماجه (2332)، والنسائي في الكبرى (5785). والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 203)، وفي المشكل (6156)، وفي وصله مقال. (¬2) التمهيد (11/ 81 - 90). (¬3) معرفة السنن والآثار للبيهقي (13/ 94 - 96)، وفي السنن (8/ 279 و 341). (¬4) المحلى (11/ 4). (¬5) وأخرجه عبد الرزاق في المصنف (18437)، وابن حبّان (6008)، والدارقطني (3/ 155)، والطحاوي في اختلاف العلماء كما في مختصره للجصّاص (5/ 211)، وقال ابن عبد البر (11/ 82): "هذا الحديث وإن كان مرسلًا، فهو حديث مشهور أرسله الأئمة وحدث به الثقات، واستعمله فقهاء الحجاز وتلقّوه بالقبول، وجرى في المدينة به العمل، وقد زعم الشافعي أنّه تتبع مراسيل سعيد بن المسيّب فألقاها صحاحًا، وأكثر الفقهاء يحتجون بها ... "، وانظر الصحيحة (238)، والإرواء (1527).

2178 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الرجل جبار". قلت: رواه أبو داود في الديات والنسائيّ في [القصاص] من حديث سعيد ابن المسيّب عن أبي هريرة (¬1) يرفعه. ومن العجب أن الشيخ محب الدين الطبري نسب الحديث إلى تخريج الشيخين، وهو وهم، قال الشافعي (¬2) ما روي من "الرجل جبار" غلط والله أعلم، لأنَّ الحفاظ لم يحفظوه هكذا، ولهذا قال الدارقطني (¬3): لم يرو "الرجل جبار" غير سفيان بن حسين وخالفه الحفاظ عن الزهري منهم مالك وابن عيينة ويونس ومعمر وابن جريج والليث بن سعد وغيرهم كلهم رووه عن الزهري فقالوا: "العجماء جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، ولم يذكروا: الرجل، وسفيان بن حسين لم يتابعه أحد، قال: وهو وهم". وقال الخطابي (¬4): وقد تكلم الناس في هذا الحديث، وقيل إنه غير محفوظ، وسفيان بن حسين، معروف بسوء الحفظ، وذكر غيره: أن أبا صالح السمان وعبد الرحمن الأعرج ومحمد بن سيرين ومحمد بن زياد قالوا: إنما هو العجماء جرحها جبار، ولو صح الحديث لكان القول به واجبًا، وقد بسط الدارقطني والبيهقيّ (¬5) القول في ضعف الحديث، وأخذاه من كلام الشافعي. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4592)، والنسائيُّ في الكبرى (5788). وفي الأصل بياض بعد: "والنسائيُّ في ... من حديث" وأثبتها من النسائي. (¬2) الأم (7/ 150). (¬3) العلل للدارقطني (9/ 120)، وكلامه هذا في السنن (3/ 152)، وفي أطراف الغرائب (5112). (¬4) في معالم السنن (4/ 35 - 36). (¬5) في السنن الكبرى (8/ 343).

وسفيان بن حسين هو أبو محمد السلمي استشهد به البخاري وخرج له مسلم في المقدمة، قال المنذري (¬1): ولم يحتج به واحد منهما وتكلم فيه غير واحد. وجبار: أي هدر، وهو بضم الجيم وبالموحدة والألف والراء المهملة. 2179 - وقال: "النار جبار". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه في الديات والنسائيّ في العارية من حديث همام بن منبه عن أبي هريرة يرفعه. (¬2) قال الخطابي (¬3): لم أزل أسمع أهل الحديث يقولون غلط فيه عبد الرزاق إنما هو "البئر جبار" حتى وجدته لأبي داود عن عبد الملك الصنعاني عن معمر، فدلّ على أن الحديث لم ينفرد به عبد الرزاق، هذا آخر كلامه، وعبد الملك الصنعاني (¬4) ضعفه هشام بن يوسف وأبو الفتح الأزدي ولهذا قال الذهبي: ليس بحجة. 2180 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا أتى أحدكم على ماشية، فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه، فإن لم يكن فيها فليصوّت ثلاثًا، فإن أجابه أحد فليستأذنه، فإن لم يجبه أحد فليحلب وليشرب ولا يحمل". قلت: رواه أبو داود في الجهاد والترمذي في البيع من حديث الحسن عن سمرة، وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬5) ¬

_ (¬1) مختصر سنن أبي داود (6/ 383). (¬2) أخرجه أبو داود (4594)، وابن ماجه (2676)، والنسائي في الكبرى (5789). (¬3) الخطابي (4/ 37). (¬4) وعبد الملك الصنعاني هو ابن محمَّد البرسمي، قال الحافظ في التقريب (4239) "لين الحديث". وقول الذهبي في الكاشف (1/ 669). (¬5) أخرجه أبو داود (2619)، والترمذي (1296)، وفي المطبوع من سنن الترمذي (2/ 568) بتحقيق بشار: حديث سمرة حديث حسن صحيح غريب، ثمَّ نقل الترمذي قول علي ابن المديني: "إن سماع الحسن من سمرة صحيح"، والله أعلم.

2181 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: "من دخل حائطًا، فليأكل ولا يتخذ خُبْنة" (غريب). قلت: رواه الترمذي في البيوع وابن ماجه في التجارات من حديث ابن عمر وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. (¬1) والخبنة: بضم الخاء المعجمة وسكون الموحدة وفتح النون وبتاء التأنيث، معطف الإزار وطرف الثوب أي لا يأخذ منه في ثوبه. 2182 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الثمر المعلّق؟ فقال: "من أصاب بفيه من ذي حاجة، غير متخذ خبنة، فلا شيء عليه". قلت: رواه النسائيّ في الزكاة من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وسيأتي هذا مطولًا. (¬2) 2183 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استعار منه أدراعه يوم حنين، فقال: أغصبًا يا محمَّد؟ قال: "بل عارية مضمونة". قلت: رواه أبو داود في البيوع والنسائيّ في العارية من حديث أمية بن صفوان بن أمية وسكت عليه أبو داود. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1287)، وابن ماجه (2301). قال ابن أبي حاتم: حديث منكر، العلل (2/ 325)، لكن له شاهد من حديث ابن عمرو: رواه أحمد (2/ 224)، فالحديث حسن. (¬2) أخرجه النسائيّ (8/ 85). (¬3) أخرجه أبو داود (3562)، والنسائيّ في الكبرى (5779) وفيهما: "قال: لا، بل عارية مضمونة"، وفي مختصر المنذري (5/ 198) كذلك. وإسناده فيه شريك بن عبد الله ضعيف، وأمية بن صفوان فيه جهالة فإنه لم يوثقه أحد ولم يرو عنه غير اثنين، ثم إنه قد اضطرب في هذا الحديث وأشار بذلك البخاري في التاريخ الكبير (2/ 8)، والطحاوي في مشكل الآثار (11/ 292)، وابن التركماني في الجوهر النقي (6/ 190)، انظر الإرواء (1513).

وروي من حديث عبد العزيز بن رفيع عن أناس من آل عبد الله بن صفوان، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا صفوان هل عندك من سلاح؟ " فذكره، وفيه: أنه أعاره ما بين الثلاثين إلى الأربعين درعًا، وفيه: أنه فقد منها أدراعًا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لصفوان: "إنا فقدنا من أدراعك أدراعًا، فهل نغرم لك؟ " قال: لا يا رسول الله، لأنَّ في قلبي اليوم ما لم يكن يومئذ. وهذا مرسل و"أناس" مجهولون. (¬1) والعارية: بتشديد الياء على المشهور، وحكى الخطابي في غريب الحديث (¬2)، وغيره من العلماء بتخفيفها، وجمعها العواري، مشدد ومخفف، قال الجوهري (¬3): منسوبة إلى العار لأنَّ طلبها عار، وعيب، وحقيقة العارية الشرعية: إباحة الانتفاع، بما يحل الانتفاع به، مع بقاء عينه. قوله: أغصبًا، منصوب بفعل مقدر أي تأخذ غصبًا أو تغصب غصبًا. 2184 - سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "العارية مؤداة، والمنحة: مردودة، والدين: مقضي، والزعيم: غارم". قلت: رواه أبو داود في البيوع والترمذي وابن ماجه كلاهما في الوصايا من حديث أبي أمامة وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬4) والمنحة: الشاة المستعارة، لينتفع بلبنها ودرها، وكذا ما أشبه الشاة، قوله - صلى الله عليه وسلم -: والدين مقضي، أي يجب قضاؤه شرعًا والزعيم: الكفيل. ¬

_ (¬1) انظر مختصر المنذري (5/ 198 - 199). (¬2) غريب الحديث (3/ 232). (¬3) الصحاح للجوهري (2/ 761). (¬4) أخرجه أبو داود (3565)، والترمذي (2120)، وابن ماجه (2398).

باب الشفعة

2185 - كنت غلامًا أرمي نخل الأنصار، فأتي بي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا غلام لم ترمي النخل؟ "، قال: آكل، قال: "فلا ترم، وكل مما سقط في أسفلها" ثمَّ مسح رأسه فقال: "اللهم: أشبع بطنه". قلت: رواه أبو داود في الجهاد والترمذي في البيوع وابن ماجه في التجارات من حديث رافع بن عمرو الغفاري، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. (¬1) باب الشفعة من الصحاح 2186 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق، فلا شفعة". قلت: رواه البخاري في البيوع وفي الشفعة وفي الشركة، وأبو داود في البيوع والترمذي وابن ماجه في الأحكام من حديث جابر بن عبد الله. (¬2) والشفعة: من شفعت الشيء إذا ضممته وثنيته، ومنه شفع الأذان، وسميت شفعة لضم نصيب إلى نصيب. قوله: فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة، ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2622)، والترمذي (1288)، وابن ماجه (2299). وفي المطبوع من سنن الترمذي (2/ 563): "حديث حسن صحيح غريب" وهو الذي نقله المزي كذلك في تهذيب الكمال (13/ 27). (¬2) أخرجه البخاري في البيوع (2213) (2214)، وفي الشفعة (2257)، وأبو داود (3514)، والترمذي (1370)، وابن ماجه (2499).

قال في شرح السنة (¬1): المراد منه الطريق في الشارع فإن الطريق في المشاع يكون سائغًا بين الشركاء، فكل واحد يدخل من حيث شاء، فإذا قسم العقار بينهم منع كل واحد منهم أن يتطرق من حق صاحبه فتصير الطريق بالقسمة معروفة. 2187 - قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالشفعة في كل شركة لم تقسم رَبْعَة أو حائط: "لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ، وإن شاء ترك، فإذا باع ولم يؤذنه، فهو أحق به". قلت: رواه مسلم وأبو داود من حديث جابر ولم يخرجه البخاري. (¬2) والربعة: تأنيث الربع، وهما بفتح الراء وسكون الباء الموحدة، والربع: الدار والمسكن، ومطلق الأرض، وأصله المنزل الذي كانوا يربعون فيه، وأخذ الشافعي وجماعات بهذا الحديث والذي قبله، فقالوا لا تثبت الشفعة إلا في عقار محتمل القسمة. 2188 - "الجار أحق بسقبه". قلت: رواه البخاري وأبو داود والنسائيّ من حديث أبي رافع مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يخرجه مسلم. (¬3) والسقب: القرب، بالسين والصاد أي بما يليه وبما يقرب منه، وقد تمسك الإمام أبو حنيفة ومن وافقه، فقالوا: تثبت الشفعة للجار، وحمل الشافعي ومن وافقه الجار هنا على الشريك. 2189 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يمنع جار جارَه أن يغرز خشبة في جداره". قلت: رواه مالك في الأقضية والبخاري في المظالم ومسلم في البيوع وأبو داود في القضاء والترمذي ¬

_ (¬1) شرح السنة (8/ 244). (¬2) أخرجه مسلم (1608)، وأبو داود (3513)، والبغويّ في شرح السنة (2173). (¬3) أخرجه البخاري (2258)، وأبو داود (3516)، والنسائي (7/ 320).

وابن ماجه في الأحكام من حديث أبي هريرة يرفعه. (¬1) وفي بعض الروايات ثمَّ يقول أبو هريرة: ما لي أراكم عنها معرضين؟ والله لأرمين بها بين أكتافكم. وخشبه: قال القاضي عياض (¬2) روينا في صحيح مسلم وغيره من الأصول والمصنفات خشبة بالإفراد، وخشبه بالجمع، قال الطحاوي: قد سئل الحارث بن مسكين ويونس بن عبد الأعلى فقالا: خشبة بالتنوين على الإفراد، وأكتافكم: هو بالتاء المثناة من فوق أي بينكم، قال القاضي عياض: وقد رواه بعض رواة الموطأ بالنون ومعناه أيضًا، بينكم، وذهب أبي حنيفة إلى أن هذا للندب وهو أصح القولين عند الشافعي وأصحاب مالك، وقال أحمد وأبو ثور وأصحاب الحديث يجب على الجار أن يمكن جاره من ذلك لظاهر الحديث. 2190 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا اختلفتم في الطريق جعل عرضه سبعة أذرع". قلت: رواه البخاري ومسلم في البيوع من حديث أبي هريرة يرفعه. (¬3) وأما قدر الطريق: فإن جعل الرجل بعض أرضه طريقًا مسبلة فقدرها إلى خيرته وليس هذه الصورة مراده في الحديث، وإن كان الطريق بين أرض لقوم وأرادوا إحياءها، فإن اتفقوا على شيء فذاك، وإن اختلفوا في قدره جعل سبعة أذرع وهذا مراد الحديث، ولو وجدنا طريقًا مسلوكًا تزيد على سبعة أذرع فليس لأحد أن يستولي على شيء منها. ¬

_ (¬1) أخرجه مالك (2/ 745)، والبخاري (2463)، ومسلم (1609)، وأبو داود (3634)، والترمذي (1353)، وابن ماجه (2335). (¬2) إكمال المعلم (5/ 317)، والمشارق (1/ 247). (¬3) أخرجه البخاري (2473)، ومسلم (1613).

من الحسان

من الحسان 2191 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من باع منكم دارًا أو عقارًا، فقمن أن لا يبارك له، إلا أن يجعله في مثله". قلت: رواه ابن ماجه في الأحكام والدارميّ في البيوع كلاهما من حديث سعيد بن عمرو، ليس له في الكتب الستة غير هذا الحديث، وفي سندهما إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر، وقد ضعف، ورواه ابن ماجه أيضًا من حديث حذيفة بن اليمان بنحوه، وفي سنده يوسف بن ميمون، قال الذهبي: ضعفوه، ولا عبرة بذكر ابن حبَّان له في الثقات. (¬1) وقمن: بفتح القاف وكسر الميم أي خليق وجدير. 2192 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "الجار أحق بشفعته، ينتظر بها إن كان غائبًا، إذا كان طريقهما واحدًا". قلت: رواه أبو داود في البيع والترمذي وابن ماجه في الأحكام والنسائيّ في الشروط وفي الشفعة قال الترمذي: حسن غريب، ولا نعلم أحدًا روى هذا الحديث غير عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر، وقد تكلم شعبة في عبد الملك بن أبي سليمان من أجل هذا الحديث، وعبد الملك هو ثقة مأمون عند أهل الحديث، ¬

_ (¬1) أخرجه الدارمي (2/ 873)، وابن ماجه (2490). وإسناده فيه إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر قال الحافظ في التقريب: (421): ضعيف. ورواية حذيفة أخرجها ابن ماجه (2491). وفي إسناده يوسف بن ميمون قال الحافظ في التقريب (7945): ضعيف. وقول الذهبي أورده في الكاشف (6455) وذكره ابن حبان في ثقاته (7/ 637)، وهو سعيد بن حريث بن عمرو، صحابي، التقريب (2294).

لا نعلم أحدًا تكلم فيه غير شعبة من أجل هذا الحديث انتهى كلامه. (¬1) وقال الإمام الشافعي (¬2): نخاف ألا يكون محفوظًا، وأبو سلمة حافظ، وكذلك أبو الزبير، ولا يعارض حديثهما بحديث عبد الملك، وسئل الإمام أحمد عن هذا الحديث فقال: هذا حديث منكر، وقال يحيى: لم يحدث به إلا عبد الملك، وقد أنكره الناس عليه، وقال الترمذي: سألت محمَّد ابن إسماعيل البخاري عنه فقال: لا أعلم أحدًا رواه عن عطاء غير عبد الملك تفرد به، ويروى عن جابر خلاف هذا انتهى. وقد احتج مسلم في صحيحه بعبد الملك بن أبي سليمان، وخرج له أحاديث واستشهد به البخاري ولم يخرجا له هذا الحديث، ويشبه أن يكونا تركاه لتفرده به، وإنكار الأئمة عليه فيه، وجعله بعضهم رأيًا لعطاء أدرجه عبد الملك في الحديث. (¬3) 2193 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "الشريك شفيع، والشفعة في كل شيء". ويُروى: عن ابن أبي مليكة .... مرسلًا. قلت: رواه الترمذي في الأحكام من حديث أبي حمزة السكري، عن عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس يرفعه، وقال: هذا حديث أبي حمزة السكري، ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3518)، والترمذي (1369)، والنسائي في الكبرى (6304)، وابن ماجه (2494)، وأحمد (3/ 303)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 120)، والبيهقيّ (6/ 106)، وعبد الملك بن أبي سليمان قال الحافظ في التقريب (4212): صدوق له أوهام. وانظر نصب الراية (4/ 174). (¬2) في اختلاف الحديث المطبوع في حاشية "الأم" (4/ 6)، وانظر معرفة السنن والآثار (8/ 315). (¬3) هذا كلام المنذري في مختصر أبي داود (5/ 171 - 172)، وانظر لزامًا كلام ابن القيم في تهذيب السنن (5/ 167 - 172)، والتمهيد لابن عبد البر (7/ 47)، وشرح السنة للبغوي (8/ 242)، وفتح الباري (4/ 438)، والإرواء (1540).

وقد روى غير واحد هذا الحديث عن عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مليكة مرسلًا وهو أصح من رفعه. (¬1) وأبو حمزة: ثقة يمكن أن يكون أخطأ انتهى كلام الترمذي، واسم أبي حمزة محمَّد بن ميمون. 2194 - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قطع سدرة، صوّب الله رأسه في النار". قلت: رواه أبو داود في الأدب والنسائيّ في السير من حديث عبد الله بن حبشي يرفعه. (¬2) وحبشي: بضم الحاء المهملة وسكون الباء الموحدة وكسر الشين المعجمة وياء النسب. قال أبو داود: هذا الحديث مختصر، يعني: "من قطع سدرة في فلاة يستظل بها ابن السبيل والبهائم، غشمًا وظلمًا بغير حق يكون له فيها، صوّب الله رأسه في النار". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1371) قلت: وأخرجه موصولًا الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 125)، وأبو حمزة محمَّد بن ميمون قال الحافظ في التقريب (6388): ثقة. وراجع: الضعيفة (1009). (¬2) أخرجه أبو داود (5239)، والنسائيّ في السنن الكبرى (8611). والسدرة: قيل: أراد به سدر مكة، لأنها حرم وقيل: سدر المدينة نهى عن قطعه ليكون آمنًا وظلًّا لمن يهاجر إليها، وقيل: أراد السدر الذي يكون في الفلاة يستظل به أبناء السبيل والحيوان أو في ملك إنسان فيتحامل عليه ظالم فيقطعه بغير حق (النهاية 2/ 353)، الأولى حمله على سدر الحرم، انظر الأحاديث الصحيحة (614، 615).

باب المساقات والمزارعة

باب المساقات والمزارعة من الصحاح 2195 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها، على أن يعتملوها من أموالهم، ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شطر ثمرها. قلت: رواه مسلم وأبو داود في البيوع والنسائيُّ هنا، وفي الشروط من حديث ابن عمر (¬1). ويُروى: "على أن يعملوها ويزرعوها، ولهم شطر ما يخرج منها". قلت: رواه البخاري هنا من حديث ابن عمر. (¬2) واستدل بهذا الشافعي ومالك وأحمد على جواز المساقاة، وقال أبو حنيفة: لا يجوز، وتأول الحديث على أن خيبر فتحت عنوة، فكان أهلها عبيدًا له - صلى الله عليه وسلم -، فما أخذه فهو له وما تركه فهو له. وقد اختلف العلماء في أن خيبر فتحت صلحًا أو عنوة أو تخلى أهلها عنها بغير قتال أو بعضها صلحًا وبعضها عنوة؟. قال القاضي عياض (¬3): وهذا أصح الأقوال، وهي رواية مالك، وبه قال ابن عيينة قال: وفي كل قول أثر يروى. وفي رواية لمسلم: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما ظهر على خيبر أراد إخراج اليهود منها، وكانت الأرض حين ظهر عليها لله ولرسوله وللمسلمين، وهذا يدل لمن قال عنوة، إذ ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1551)، وأبو داود (3408)، والنسائيّ (7/ 53). (¬2) أخرجه البخاري (2285)، و (2331). (¬3) إكمال المعلم (5/ 209).

حق المسلمين إنما هو في العنوة، وظاهر قول من قال صلحًا أنهم صالحوا على كون الأرض للمسلمين. 2196 - كنا نخابر ولا نرى بذلك بأسًا، حتى زعم رافع بن خديج، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عنها، فتركناها من أجل ذلك. قلت: رواه مسلم وأبو داود في البيوع والنسائيّ في المزارعة. (¬1) 2197 - قال: أخبرني عماي أنهم كانوا يكرون الأرض على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- بما ينبت على الأربعاء، أو شيء يستثنيه صاحب الأرض، فنهانا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فقلت لرافع: فكيف هي بالدراهم والدنانير؟، فقال: "ليس بها بأس". وكان الذي نهي من ذلك ما لو نظر فيه ذو الفهم بالحلال والحرام لم يجيزوه لما فيه من المخاطرة. قلت: رواه البخاري في المزارعة من حديث حنظلة بن قيس عن رافع ابن خديج (¬2) به، وقد تم الحديث عند قوله: "ليس بها بأس"، وما بعد من كلام الليث، قال فيه البخاري: قال الليث: أراه كان الذي نهى من ذلك إلى آخره. قوله: بما ينبت على الأربعاء، الأربعاء: بالمد جمع الربيع وهو النهر الصغير. 2198 - كان أحدنا يكري أرضه فيقول: هذه القطعة لي، وهذه لك، فربما أخرجت ذِه، ولم تُخرج ذه، فنهاهم النبي -صلى الله عليه وسلم-. قلت: رواه البخاري في المزارعة ومسلم في البيع من حديث رافع واللفظ للبخاري. (¬3) 2199 - قال: إن أعلمهم أخبرني يعني: ابن عباس، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ينه عنه، ولكن قال: "أن يمنح أحدكم أخاه: خير له من أن يأخذ عليه خرجًا معلومًا". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1547)، وأبو داود (3395)، والنسائي (7/ 48). (¬2) أخرجه البخاري في المزارعة (2346). (¬3) أخرجه البخاري (2332)، ومسلم (1547).

من الحسان

قلت: رواه البخاري في المزارعة ومسلم وأبو داود في البيوع والترمذي وابن ماجه في الأحكام والنسائيّ في المزارعة من حديث طاووس به واللفظ للشيخين. (¬1) 2200 - قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من كانت له أرض، فليزرعها، أو ليمنحها أخاه، فإن أبي فليمسك أرضه". قلت: رواه البخاري في المزارعة ومسلم في البيع والنسائي في المزارعة وابن ماجه في الأحكام من حديث جابر يرفعه. (¬2) 2201 - ورأى سكة وشيئًا من آله الحرث فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يدخل هذا بيتَ قوم، إلا دخله الذل". قلت: رواه البخاري في المزارعة من حديث أبي أمامة. (¬3) من الحسان 2202 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: "من زرع في أرض قوم بغير إذنهم، فليس له من الزرع شيء، وله نفقته". (غريب). قلت: رواه أبو داود في البيوع والترمذي وابن ماجه في الأحكام من حديث رافع بن خديج، وقال الترمذي: حسن غريب، لا نعرفه من حديث أبي إسحاق إلا من هذا الوجه، من حديث شريك بن عبد الله عنه، وقال: سألت محمَّد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال: حديث حسن، وقال: لا أعرفه من حديث أبي إسحاق إلا من رواية شريك. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2330)، ومسلم (1550)، وأبو داود (3389)، والترمذي (1385)، وابن ماجه (2456)، والنسائيّ (7/ 36). (¬2) أخرجه البخاري (2340) و (2632)، ومسلم (1536)، والنسائي (7/ 36، 37، 38)، وابن ماجه (2451). (¬3) أخرجه البخاري (2321).

باب الإجارة

وقال الخطابي (¬1): هذا الحديث لا يثبت عند أهل الحديث، وحدثني الحسن بن يحيى عن موسى بن هارون الجمال، أنه كان ينكر هذا الحديث، ويضعّفه، ويقول: لم يروه عن أبي إسحاق غير شريك، ولا رواه عن عطاء غير أبي إسحاق، وعطاء لم يسمع من رافع بن خديج شيئًا، وضعفه البخاري أيضًا، وقال: تفرد بذلك شريك عن أبي إسحاق، وشريك يهم كثيرًا، وقال الخطابي أيضًا: وحكى ابن المنذر عن أبي داود، قال: سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن حديث رافع بن خديج فقال: عن رافع ألوان، ولكن أبا إسحاق زاد فيه: زرع بغير إذنه، وليس غيره يذكر هذا الحديث. (¬2) باب الإجارة من الصحاح 2203 - زعم ثابت: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى: عن المزارعة وأمر بالمؤاجرة، وقال: لا بأس بها. قلت: رواه مسلم في البيوع من حديث عبد الله بن مغفل. (¬3) قال: زعم ثابت ... بلفظ المصنف ولم يخرجه البخاري. ¬

_ (¬1) معالم السنن (3/ 82 - 83). (¬2) أخرجه أبو داود (3403)، والترمذي (1366)، وابن ماجه (2466). وإسناده ضعيف لانقطاعه فإن عطاء لم يسمع من رافع بن خديج قاله الشافعي، كما قال البيهقي (6/ 136)، والمراسيل لابن أبي حاتم (155)، والعلل الكبير للترمذي (377)، والعلل لابن أبي حاتم (1427)، والإرواء (1519). (¬3) أخرجه مسلم (1549).

2204 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم وأعطى الحجام أجره واستعط. قلت: رواه البخاري هنا ومسلم في البيوع وهو والنسائيّ في الطب وابن ماجه في التجارات من حديث عبد الله بن عباس. (¬1) قوله: واستعط، الاستعاط: صب دواء في الأنف ويسمى ذلك الدواء السّعوط بالفتح. 2205 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما بعث الله نبيًّا إلا رعى الغنم"، فقال أصحابه: وأنت، فقال: "نعم كنت أرعى على قراريط لأهل مكة". قلت: رواه البخاري في الإجارة وابن ماجه في التجارات من حديث أبي هريرة يرفعه، ولم يخرجه مسلم. (¬2) وقراريط: قيل اسم موضع بمكة، وقيل: جمع قيراط وهو جزء من أجزاء الدينار وهذا هو الذي فهمه المصنف ولذلك أورد الحديث في الإجارة. 2206 - قال: "قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثمَّ غدر، ورجل باع حرًّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه، ولم يعطه أجره". قلت: رواه البخاري في البيوع وفي الإجارة وابن ماجه في الأحكام من حديث سعيد المقبري عن أبي هريرة (¬3) يرفعه. قال بعضهم: ومعنى أعطى بي أي أعطى الأمان باسمي أو بذكري أو بما شرعته من ديني، وكذلك بأن يقول للمستجير: لك ذمة الله أو عهد الله ثمَّ يغدره بعد ذلك. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5691)، ومسلم (1202)، والنسائيُّ في الكبرى (7580)، وابن ماجه (2162). (¬2) أخرجه البخاري (2262)، وابن ماجه (2149). (¬3) أخرجه البخاري (2227)، وابن ماجه (2442).

2207 - أن نفرًا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- مروا بماء فيهم لديغ، فعرض لهم رجل من أهل الماء، فقال: هل فيكم من راق، إن في الماء رجُلًا لديغًا، فانطلق رجل منهم، فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء، فبرأ، فجاء بالشاء إلى أصحابه، فكرهوا ذلك وقالوا: أخذت على كتاب الله أجرًا؟ حتى قدموا المدينة، فقالوا: يا رسول الله أخذ على كتاب الله أجرًا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا، كتاب الله". قلت: رواه البخاري من حديث عبد الله بن الأخنس عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس في الطب ورواه أيضًا في الإجارة بمعناه من حديث أبي سعيد. (¬1) قوله: مروا بماء أي بأهل ماء، على حذف المضاف، والمراد به: الحي النازلون عليه ولهذا جمع الضمير في قوله: فيهم لديغ. واللديغ والملدوغ: أكثر ما يستعمل فيمن لدغته العقرب، والسليم يستعمل تفاؤلًا فيمن لدغته الحية. وفي الحديث دليل على جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وعلى جواز شرطه، وبه قال مالك والشافعيّ، وفيه دليل على جواز الرقية بالقرآن، وبذكر الله تعالى وأخذ الأجرة عليه، لأنّ القراءة والنفث من الأفعال المباحة، وفيه إباحة أجرة الطبيب والمعالج، وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن أخذ الأجرة والعوض على تعليم القرآن غير مباح وهو قول أبي حنيفة. - وفي رواية: "أصبتم اقسموا واضربوا لي معكم سهمًا". قلت: رواها البخاري (¬2)، وإنما قال - صلى الله عليه وسلم - ذلك: إعلامًا بحل ذلك، وأنه لا شبهة فيه. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5737). (¬2) أخرجه البخاري (5749)، و (2276).

من الحسان

من الحسان 2208 - أنه مر بقوم، فقالوا: إنك جئت من عند هذا الرجل بخير، فارق لنا هذا الرجل، وأتوه برجل مجنون في القيود، فرقاه بأم القرآن ثلاثة أيام غدوة وعشية، كلما ختمها جمع بُزاقه ثمَّ تفل، فكأنما أُنشط من عقال، فأعطوه مائة شاة، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر له؟ فقال: "كُلْ، فلعمري لمن أكل برقية باطل، لقد أكل برقية حقّ". قلت: رواه أبو داود في البيوع وهو والنسائيّ في الطب من حديث خارجة بن الصلت عن عمه، واسم عم خارجة: علاقة بن صحار التميمي. (¬1) 2209 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفّ عرقه". قلت: رواه ابن ماجه في الأحكام من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه، عن ابن عمر بن الخطاب يرفعه. (¬2) وعبد الرحمن بن زيد: ضعفوه، ورواه ابن عديّ في "الكامل" من حديث محمَّد بن عمار المؤذن عن المقبري عن أبي هريرة يرفعه، وقال: هذا يعرف بابن عمار، هذا وليس بالمحفوظ، قال: ورواه عبد الله بن جعفر المديني، عن سهل عن أبيه عن أبي هريرة، وعبد الله: ليس بشيء في الحديث، انتهى كلام ابن عديّ. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3420) (3896)، والنسائيّ (10867). وعلاقة بن صُحار، صحابي، له حديث في الرقية، التقريب (5301). (¬2) أخرجه ابن ماجه (2443). وإسناده ضعيف، لضعف عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال عنه الحافظ في التقريب (3890): ضعيف، وأورده ابن عديّ في الكامل في ترجمة محمَّد بن عمار المؤذن (7/ 1702)، ورواه حميد بن زنجويه في الأموال (2091) من طريق عثمان بن عثمان الغطفاني عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار مرسلًا، وهو أصح من المسند. انظر الإرواء (1498).

باب إحياء الموات والشرب

2210 - "أعطوا السائل، وإن جاء على فرس". (مرسل). قلت: رواه أبو داود في الزكاة من حديث الحسين بن علي يرفعه (¬1). وفي سنده يعلى بن أبي يحيى، سئل عنه أبو حاتم؟ فقال: مجهول، قال أبو علي سعيد بن عثمان بن السكن: قد روي من وجوه صحاح، حضور الحسين بن علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولعبه بين يديه وتقبيله إياه، فأما الرواية التي يرويها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكلها مراسيل، وقال أبو القاسم البغوي (¬2) نحوًا من ذلك، وقيل سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يكن بينه وبين الحسن إلا طهر واحد. باب إحياء الموات والشرب من الصحاح 2211 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أعمر أرضًا ليست لأحد، فهو أحق بها". قلت: رواه البخاري في المزارعة من حديث عروة عن عائشة. (¬3) 2212 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا حمى إلا لله ولرسوله". قلت: رواه البخاري في الجهاد وفي الشرب، وأبو داود في الخراج والنسائيّ في الحمى وفي الشرب من حديث الصعب بن جثامة. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1665)، وإسناده ضعيف، فيه يعلى بن أبي يحيى، وهو مجهول، وانظر ذيل القول المسدد (ص 84 - 86)، والتقريب (7905)، وقال الذهبي: مجهول، وُثّق، انظر الكاشف (2/ 398). = ورد في الأصل: يعلى بن أبي يعلى وهو خطأ، وصححته من التقريب، وسنن أبي داود. وانظر قول أبي حاتم في الجرح والتعديل (9/ ت 1304)، وذكره ابن حبَّان في الثقات (7/ 652). (¬2) انظر الإصابة (2/ 76 - 81). (¬3) أخرجه البخاري (2335). (¬4) أخرجه البخاري (2370)، وأبو داود (3083)، والنسائي في الكبرى (8624).

وقد تأول الشافعي رضي الله عنه هذا الحديث على إبطال ما يفعله أهل الجاهلية. قال (¬1): كان الشريف في الجاهلية إذا نزل أرضًا في حيه استعوى كلبًا فحمى مَدَى عُواء الكلب لا يشركه فيه غيره، وهو يشارك القوم في سائر ما يرعون فيه، قال: فنرى أن قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا حمى إلا لله ولرسوله" لا حمى على هذا المعنى الخاص، وأن قوله لله، فلله كل شيء ورسوله - صلى الله عليه وسلم - إنما يحمي مصالح المسلمين لا كما يحمي غيره لخاصة نفسه انتهى كلام الشافعي رضي الله عنه. قال البغوي في شرح السنة (¬2): وكان الحمى جايزًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم - لخاصة نفسه، لكنه لم يفعل، إنما حمى النقيع -بالنون- لمصالح المسلمين للخيل المعدّة لسبيل الله، وما أشبهها، والصحيح: أن للإمام بعده - صلى الله عليه وسلم - أن يحمي لرعى نعم الجزية، وخيل المقاتلة والأموال الضالة، والصدقة، ومال من يضعف عن الإبعاد في طلب النجعة ولم يضر ذلك بالناس ولا يحمي لنفسه. 2213 - قال: خاصم الزبير رجلًا من الأنصار في شراج من الحرة، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اسق يا زبير! ثمَّ أرسل الماء إلى جارك"، فقال الأنصاري: يا رسول الله أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجهه ثمَّ قال: "اسق يا زبير! ثمَّ احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، ثمَّ أرسل الماء إلى جارك"، فاستوعى النبي -صلى الله عليه وسلم- للزبير حقه في صريح الحكم حين أحفظه الأنصاري، وكان أشار عليهما بأمر لهما فيه سعة. قلت: رواه البخاري في مواضع منها في الشرب [وفي التفسير] ومسلم في فضائل النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو داود في القضاء والترمذي في الأحكام وفي التفسير والنسائيّ في القضاء وفي التفسير وابن ماجه في السنة وفي الأحكام كلهم من حديث عروة بن الزبير بن العوام ¬

_ (¬1) انظر الأم للشافعي (4/ 47)، وشرح السنة (8/ 272 - 273). (¬2) شرح السنة (8/ 273).

عن أخيه عبد الله بن الزبير، وصاحب المصابيح ذكره من حديث عروة بن الزبير، وهذا منقطع، ووقع كذلك في بعض رواية الصحيحين، والمتصله أولى بالذكر. (¬1) وشراج الحرة: بكسر الشين المعجمة وبالجيم وهي مسايل الماء. والحرة: الأرض بها حجارة سود. وأن كان ابن عمتك: هو بفتح الهمزة أي فعلت هذا لكونه ابن عمتك. قوله: فتلون وجهه: أي تغير من الغضب لانتهاك حرمة النبوة. والجدر: بفتح الجيم وكسرها وبالدال المهملة وهو الجدار وجمع الجدار جدر ككتاب وكتب وجمع الجدر جدور كفلس وفلوس. ومعنى يرجع إلى الجدار: يصير إليه، والمراد بالجدار: أصل الحائط، وقيل أصول الشجر والصحيح الأوّل. قال النوويّ (¬2): وقدره العلماء أن يرتفع الماء في الأرض كلها حتى يبلغ كعب رجل الإنسان، ورواه بعضهم بالذال المعجمة يريد مبلغ تمام الشرب من جذر الحساب، وجذر الحساب كل شيء ضرب في نفسه، وجذر كل شىء أصله والأول أصح. قوله: فاستوعى النبي -صلى الله عليه وسلم- للزبير حقه أي استوفاه مأخوذ من الوعاء الذي تجمع فيه الأشياء. قوله: حتى أحفظه الأنصاري، أي أغضبه وهو بالحاء المهملة والفاء والظاء المثلثة. 2214 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا فضل الكلأِ". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الشرب (2359)، وفي التفسير (4585)، ومسلم (2357)، وأبو داود (3637)، والترمذي (1363) (3027)، والنسائي (8/ 245)، وابن ماجه (2480). (¬2) المنهاج (5/ 158).

من الحسان

قلت: رواه البخاري في الشرب ومسلم في البيوع من حديث أبي هريرة. (¬1) 2215 - نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: عن بيع فضل الماء. قلت: رواه مسلم في الشرب وابن ماجه في الأحكام من حديث جابر ولم يخرجه البخاري. (¬2) 2216 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم: رجل حلف على سلعة: لقد أعطى بها أكثر مما أعطى وهو كاذب، ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر، ليقتطع بها مال رجل مسلم، ورجل منع فضل ماء، فيقول الله: اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك". قلت: رواه البخاري في التوحيد بهذا اللفظ ومسلم في الإيمان من حديث أبي هريرة. (¬3) من الحسان 2217 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أحيى أرضًا ميتة فهي له". قلت: رواه الترمذي في الأحكام من حديث وهب بن كيسان عن جابر وقال: حديث حسن صحيح. (¬4) وأخرجه النسائيّ في إحياء الموات بهذا الإسناد ولفظه: "من أحيا أرضًا ميتة فله فيها أجر وما أكلت العوافي منها فهو صدقة" ورواه أبو داود والترمذي والنسائيّ (¬5) من حديث سعيد بن زيد أيضًا بزيادة: "وليس لِعِرْق ظالم حق". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2354)، ومسلم (1566). (¬2) أخرجه مسلم (1565)، وابن ماجه (2477). (¬3) أخرجه البخاري (2369)، ومسلم (108). (¬4) أخرجه الترمذي (1379)، والنسائيّ في الكبرى (5756). (¬5) أخرجه أبو داود (3073)، والنسائيّ (5761)، والترمذي (1378).

2218 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أحاط حائطًا على أرض فهي له". قلت: رواه أبو داود في إحياء الموات من حديث الحسن عن سمرة. (¬1) 2219 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أقطع للزبير نخيلًا. قلت: رواه أبو داود في الخراج من حديث أسماء بنت أبي بكر ولم يضعفه. (¬2) قال المنذري (¬3) وغيره: قيل: النخل مال ظاهر العين، حاضر النفع، كالمعادن الظاهرة، وقد تقرر أنه لا يجوز إقطاعها، ويشبه أن يكون إنما أعطاه ذلك من الخمس الذي هو سهمه، والله أعلم. 2220 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: أقطع للزبير حُضر فرسه، فأجرى فرسه حتى قام، ثمَّ رمى بسوطه، فقال: "أعطُوه من حيث بلغ السوط". قلت: رواه أبو داود في الخراج من حديث ابن عمر. (¬4) وفي إسناده: عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطّاب، وفيه مقال. والحُضْر: بضم الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة وبعدها راء مهملة وهو العدو، وقوله: قام أي وقف. 2221 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقطعه أرضًا بحضرموت. قلت: رواه أبو داود في الخراج والترمذي في الأحكام كلاهما من حديث علقمة بن وائل عن أبيه وقال: حسن صحيح، وزاد في روايته: وبعث معه معاوية ليقطعها إياه. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3077). فيه عنعنة الحسن البصري، انظر الإرواء (1554). (¬2) أخرجه أبو داود (3069). (¬3) مختصر السنن (4/ 263)، ويبدو أنه كلام الخطابي ... (¬4) أخرجه أبو داود (3072)، وعبد الله بن عمر بن حفص قال الحافظ في التقريب (3513): ضعيف. (¬5) أخرجه أبو داود (3058)، والترمذي (1381)، انظر صحيح أبي داود (2691).

وحضرموت: قال المنذري (¬1): أحد مخاليف اليمن في أقصاها، وقال الجوهري (¬2): حضرموت: اسم بلد وقبيلة أيضًا، وهذا مخالف لمن قال: فيه مخلاف، فإن المخلاف كالرستاق، وأما القبيلة ففي حمير حضرموت وهو ابن قيس، ويشبه أن تكون القبيلة نزلت هذا الموضع فسمي الموضع بها وله نظائر كثيرة. (¬3) 2222 - أنّه وفد إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاستقطعه الملح الذي بمأرب فأقطعه إياه، فلما ولّى قال رجل: يا رسول الله! إنما أقطعت له الماء العدّ؟ قال: فرجعه منه، قال: وسأله: ماذا يُحمى من الأراك؟ قال: "ما لم تنله أخفاف الإبل". قلت: رواه أبو داود في الخراج والترمذي في الأحكام والنسائيّ في إحياء الموات وابن ماجه في الأحكام والدارميّ في البيع من حديث أبيض ابن حَمَّال المأربي، وحمال: بالحاء المهملة وتشديد الميم. (¬4) ومأرب: بهمزة ساكنة بعد الميم ثمّ راء مكسورة ثمَّ باء موحدة، ويجوز تخفيف الهمزة كرأس ونحوه، والعد: الدائم الذي لا انقطاع لمادته، وجمعه أعداد. 2223 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المسلمون شركاء في ثلاث في الماء والكلأ والنار". قلت: رواه أبو داود في البيوع من حديث رجل من المهاجرين من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- (¬5)، قال: غزوت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاثًا أسمعه يقول ... بلفظه، ولم يسم الرجل ولا يضر ذلك، فإنَّه صحابي والصحابة عدول. ¬

_ (¬1) مختصر السنن (2/ 258). (¬2) الصحاح للجوهري (2/ 634). (¬3) انظر معجم البلدان للحموي (2/ 269 - 271). (¬4) أخرجه الدارمي (2/ 268)، وأبو داود (3094)، والترمذي (1381)، والنسائيُّ في الكبرى (5767)، وابن ماجه (2475)، وإسناده ضعيف لجهالة ثابت بن سعيد بن أبيض بن جمال وأبيه. وقال الحافظ عنه في "التقريب": مقبول (823). (¬5) أخرجه أبو داود (3477). انظر الإرواء (1552).

2224 - قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فبايعته فقال: "من سبق إلى ماء لم يسبقه إليه مسلم، فهو له". قلت: رواه أبو داود في الخراج من حديث أسمر بن مُضَرِّس (¬1)، وفيه: فخرج الناس يتعادون يتخاطون. 2225 - وروي مرسلًا، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أحيا مواتًا من الأرض فهو له، وعادي الأرض لله ولرسوله، ثمّ هي لكم مني". قلت: رواه الشافعي في كتاب الطعام والشراب وعمارة الأرضين مما لم يسمع الربيع من الشافعي مرسلًا منقطعًا، فقال (¬2): أخبرنا سفيان عن طاووس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: وساقه، كذا هو في المسند، ورواه في القديم عن سفيان بن هشام بن حجر عن طاوس، ورواه أيضًا ابن طاوس عن أبيه، ورواه قبيصة عن سفيان عن ابن طاوس عن طاووس عن ابن عباس موقوفًا عليه. قوله: عاديّ الأرض أي قديمها، نسبه إلى عاد قوم هود لتقادم زمانهم، والمراد: ما لا يعرف له مالك من الأرض. 2226 - وروي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقطع لعبد الله بن مسعود الدور، وهي بين ظهرانَي عمارة الأنصار من المنازل والنخل، فقال بنو عبد بن زهرة: نكّبْ عنا ابن أم عبد، فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فلم ابتعثني الله إذًا؟ إن الله لا يقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيهم حقه". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3071) وحسن إسناده الحافظ ابن حجر في الإصابة (1/ 56) في ترجمة أسمر بن مضرس وقال في التلخيص الحبير (3/ 139): صححه الضياء في المختارة، وقال البغوي: لا أعلم بهذا الإسناد غير هذا الحديث. (¬2) أخرجه الشافعي (2/ 133) (438) عن ابن عطاء مرسلًا وأخرجه في الأم (4/ 45) عن طاووس مرسلًا. وأخرجه البيهقي في السنن (6/ 143)، وأفاض فيه الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 138)، وانظر: الإرواء (1549).

قلت: رواه الشافعي عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن يحيى ابن جعدة، ويحيى هذا: تابعي ثقة. (¬1) قوله: بين ظهراني عمارة الأنصار. قال ابن الأثير (¬2): قد تكررت هذه اللفظة، والمراد بها أنهم أقاموا بينهم على سبيل الاستظهار والاستناد إليهم، وزيدت فيه ألف ونون مفتوحة تأكيدًا، ومعناه: أن ظهرًا منهم قُدّامه وظهرًا وراءه، وهو مكتوف عن جانبيه، ومن جوانبه إذا قيل بين أظهرهم، ثمَّ كثر حتى استُعمل في الإقامة بين القوم مطلقًا. قوله: ومن المنازل والنخيل بيان لعمارة الأنصار، قوله: نكب عنا ابن أم عبد: أي نحه عنا، وقد نكب عن الطريق إذا عدل عنه. قوله: ابن أم عبد، هو مفعول لنكب، وابن أم عبد هو ابن مسعود، والخطاب مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قوله - صلى الله عليه وسلم -: لا يقدس الله أمة، أي لا يطهرهم من الذنوب، قوله - صلى الله عليه وسلم -: فلم ابتعثني الله إذًا أي ما الفائدة في ابتعاثي إذا لم أسوّ بين الضعيف والقوي في أخذ الحق من صاحبه، فإن الذي بعثني الله به إقامة الحق وفعل العدل. 2227 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من ضارّ أضرّ الله به، ومن شاق شق الله عليه". قلت: رواه أبو داود في القضاء والترمذي في البر والنسائيّ في الأحكام من حديث أبي صرمة صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال الترمذي: حسن غريب، انتهى. ولم يضعفه أبو داود. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه الشافعي (2/ 133) (435)، والبيهقيُّ في السنن الكبرى (6/ 145). وقال ابن حجر في التلخيص (3/ 140 رقم 1330) وهو مرسل. (¬2) النهاية لابن الأثير (3/ 166). (¬3) أخرجه أبو داود (3635)، والترمذي (1940)، وابن ماجه (2342)، لم أجده عند النسائيّ، إنما أخرج حديث أبي صرمة في العزل، كما بين ذلك المزي في تحفة الأشراف (9/ 228)، وفي الحديث لؤلؤة مولاة الأنصار وفيها جهالة وقد ذكرها الحافظ الذهبي في المجهولات الميزان (4/ 610). =

وأبو صِرْمة: بكسر الصاد المهملة وإسكان الراء وفتح الميم واسمه مالك ابن قيس، ويقال: ابن أبي أنس وقيل قيس بن مالك أنصاري نجاري. (¬1) 2228 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في السيل المهزور: أن يُمسَكَ حتى يبلغ الكعبين، ثم يُرسل الأعلى على الأسفل". قلت: رواه أبو داود في القضاء وابن ماجه في الأحكام من حديث عبد الرحمن بن الحارث المخزومي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده يرفعه، وقد تكلم الإمام أحمد في عبد الرحمن بن الحارث. (¬2) ومهزوز: بفتح الميم وسكون الهاء وبعدها زاي مضمومة وواو ساكنة وراء مهملة، وادي بني قريظة، وأما مهزوز: بتقديم الراء المهملة وآخره زاي، فموضع سوق المدينة، تصدق به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين. 2228 - أنه كانت له عضد من نخل في حائط رجل من الأنصار، ومع الرجل أهله، فكان سمرة يدخل عليه فيتأذى به، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له؟، فطلب إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ليبيعه، فأبى، فطلب أن يناقله، فأبى، فال: "فهبه له ولك كذا"، أمرًا رغّبه فيه، فأبى، فقال: "أنت مُضار"، فقال للأنصاري: "اذهب فاقطع نخله". قلت: رواه أبو داود في القضاء من حديث أبي جعفر محمد ابن علي الباقر عن سمرة بن جندب. (¬3) ¬

_ = وذكرها ابن حجر في التقريب (8775) وقال: مقبولة. (¬1) أبو صِرْمة المازني، الأنصاري، صحابي، وكان شاعرًا، الإصابة (7/ 218). (¬2) أخرجه أبو داود (3639)، وابن ماجه (2482)، وفي إسناده عبد الرحمن بن الحارث ابن عبد الله بن عياش قال الحافظ في التقريب (3885) "صدوق له أوهام"، وقال الإمام أحمد: متروك، انظر: بحر الدم فيمن تكلم فيه الإمام أحمد بمدح أو ذم لابن عبد الهادي (ص 258)، والميزان للذهبي (2/ 554). وحسن إسناده الحافظ في الفتح (5/ 40). (¬3) أخرجه أبو داود (3636)، والراجح أن جعفر لم يسمع من سمرة بن جندب رضي الله عنه.

باب العطايا من الوقف والعمرى والرقبى

قال الحافظ زكي الدين: وفي سماع الباقر من سمرة بن جندب، نظر، وقد نقل من مولده ووفاة سمرة: ما يتعذر معه سماعه منه وقيل: ما يمكن معه السماع منه. (¬1) قوله: عضد من نخل، قال في النهاية (¬2): أراد طريقة من النخل، بالعين المهملة والضاد المعجمة، وقيل: إنما هو "عضيد من نخل"، وإذا صار للنخل جذع يتناول منه المتناول، فهو عضيد. باب العطايا من الوقف والعمرى والرقبى من الصحاح 2229 - أن عمر أصاب أرضًا بخيبر، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله! إني أصبت أرضًا بخيبر، لم أصب مالًا قط أنفس عندي منه، فما تأمرني به؟ قال: "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، فتصدق بها عمر: أنه لا يباع أصلها، ولا يوهب، ولا يورث، وتصدق بها في الفقراء، وفي القربى، وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف، لا جناح على من وليّها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم، غير متمول. قال: ابن سيرين: غير متأثل مالًا. قلت: رواه الجماعة: البخاري في الشروط وفي الوصايا ومسلم وأبو داود في الوصايا والترمذي وابن ماجه في الأحكام والنسائيُّ في الأحباس من حديث ابن عمر. (¬3) ¬

_ (¬1) مختصر السنن (5/ 239 - 240). (¬2) النهاية (3/ 252). (¬3) أخرجه البخاري (2737) و (2764)، ومسلم (1632)، وأبو داود (2878)، والترمذي (1375)، والنسائي (6/ 230)، وابن ماجه (2396).

وغير متأثل: أي غير جامع له وهو بضم الميم وبالتاء المثناة من فوق ثمَّ همزة ثمَّ مثلثة، وقد ذهب عامة أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم من المتقدمين، لم يختلفوا في جواز وقف الأرضين، وللمهاجرين والأنصار أوقاف بالمدينة، واسم هذا المال الذي وقفه عمر "ثمغ" بثاء مثلثة مفتوحة ثمَّ ميم ساكنة ثمَّ غين معجمة، وفيه دليل على أنه لو وقف شيئًا ولم ينصب له قيمًا معينًا جاز، لأنه قال: لاجتاح علي من وليّها أن يأكل منها، ولم يعين له قيمًا، وفيه دليل على أنه يجوز للواقف أن ينتفع بوقفه لأنه أباح الأكل لمن وليه، وقد يليه الواقف، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من يشتري بئر رومة فيكون دلوه فيها، كدلاء المسلمين فاشتراها عثمان". 2230 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "العمرى جائزة". قلت: رواه البخاري في الهبة ومسلم في الفرائض وأبو داود في البيوع والنسائيّ في العمرى من حديث أبي هريرة يرفعه (¬1)، وسيأتي تفسير العمرى في آخر الباب. 2231 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "العمرى ميراث لأهلها". قلت: رواه مسلم قبل الحديث الذي قبله من حديث جابر ولم يخرجه عنه البخاري. (¬2) 2232 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أيّما رجل أعمر عمرى له ولعقبه، فإنها للذي أعطيها، لا ترجع إلى الذي أعطاها، لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث". قلت: رواه مسلم في الفرائض وأبو داود في البيوع والترمذي في الأحكام والنسائيّ في العمرى وابن ماجه في الأحكام أيضًا من حديث جابر. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2626)، ومسلم (1626)، وأبو داود (3548)، والنسائيّ (6/ 277). (¬2) أخرجه مسلم (1625). (¬3) أخرجه مسلم (1625)، وأبو داود (3551)، والترمذي (1350)، والنسائي (6/ 274)، وابن ماجه (2380).

من الحسان

2233 - إنما العمرى التي أجاز رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقول: هي لك لعقبك، فأمَّا إذا قال: هي لك ما عشت، فإنها ترجع إلى صاحبها. قلت: رواه مسلم في الفرائض وأبو داود في البيع من حديث جابر. (¬1) تنبيه: لم يخرج البخاري عن جابر في العمرى غير حديث واحد وهو: قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالعمرى لمن وهبت له. قوله: ولعقبك: عقب الرجل، بكسر القاف ويجوز إسكانها مع فتح العين ومع كسرها والعقب هم أولاد الإنسان ما تناسلوا. من الحسان 2234 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تُعمروا ولا تُرقبوا، فمن أعمر شيئًا أو أرقبه، فهو سبيل الميراث". قلت: رواه أبو داود في البيع والنسائيّ في العمرى من حديث جابر ولم يضعفه أبو داود. (¬2) 2235 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "العمرى جائزة لأهلها، والرقبى جائزة لأهلها". قلت: رواه أبو داود في البيوع والترمذي وابن ماجه في الأحكام والنسائيّ في العمرى من حديث جابر بن عبد الله. (¬3) قال العلماء: والعمرى هي: قولك أعمرتك هذه الدار مثلًا، أو جعلتها لك عمرك أو حياتك أو ما عشت أو بقيت أو ما يفيد هذا المعنى. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1625)، وأبو داود (3555). (¬2) أخرجه أبو داود (3556)، والنسائي (6/ 273). وذكره ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 71) وقال: وصححه أبو الفتح القشيري على شرطهما. (¬3) أخرجه أبو داود (3558)، والترمذي (1351)، والنسائيّ (6/ 274)، وابن ماجه (2383).

فصل

قال أصحابنا: العمرى لها ثلاثة أحوال، أحدها: أن تقول أعمرتك هذه الدار، فإذا مت فهي لورثتك، أو لعقبك، فيصح بلا خلاف، ويملك بهذا اللفظ رقبة الدار، وهي هبة، لكنها بعبارة طويلة، فإذا مات فلورثته، فإن لم يكن له وارث فلبيت المال، ولا تعود إلى الواهب بحال، الحال الثاني: أن يقتصر على جعلها لك عمرك، ولا تتعرض لما سواه، ففي صحته قولان للشافعي أصحهما أن له حكم الأول، الثالث: أن يقول جعلتها لك عمرك، فإذا من عادت إليّ أو إلى ورثتي، إن كنت مت، فالأصح أيضًا أن له حكم الحال الأول. فصل من الصحاح 2236 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من عرض عليه ريحان، فلا يرده، فإنه خفيف المحمل طيب الريح". قلت: رواه مسلم في الطب وأبو داود في الترجل والنسائيّ في الزينة وابن حبَّان في صحيحه في الهبة من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬1) 2237 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يرد الطيب. قلت: رواه البخاري في الهبة في باب ما لا يرد من الهدية والترمذي في الاستئذان (¬2) وقالا فيه: عن ثمامة بن عبد الله، قال: كان أنس لا يرد الطيب، وزعم أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يرد الطيب، ولم يخرجه مسلم. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2253)، وأبو داود (4172)، والنسائي (8/ 189)، وابن حبّان (5109). (¬2) أخرجه البخاري (5929)، والترمذي (2789).

2238 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "العائد في هبته، كالكلب يعود في قيئه، ليس لنا مثل السوء". قلت: رواه البخاري والترمذي والنسائيُّ في الهبة من حديث ابن عباس. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: ليس لنا مثل السوء، أي لا ينبغي لنا أن نتصف بصفة نشابه فيها أخس الحيوانات في أخس أحوالها. 2239 - أن أباه أتى به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني نحلت ابني هذا غلامًا، فقال: "أكل ولدك نحلت مثله؟ " قال: لا، قال: "فارجعه". قلت: رواه البخاري في الهبة ومسلم في الفرائض والترمذي وابن ماجه في الأحكام والنسائيّ في الهبة من حديث النعمان بن بشير. (¬2) قوله: إني نحلت ابني، قال الجوهري وغيره (¬3): النحلى بضم النون وسكون الحاء المهملة على وزن فعلى: العطية ابتداء من غير عوض، يقال نحله نُحلًا بالضم، والنحلة: بالكسر العطية. وفي الحديث دليل على أنه ينبغي أن يسوى بين الأولاد في الهبة، ويهب لكل واحد مثل الآخر، ولا يفضل، ويسوى بين الذكر والأنثى ولو فضل أو وهب لبعض دون بعض فمذهب الشافعي وأبي حنيفة ومالك أنه: مكروه وليس بحرام، والهبة صحيحة، وقال أحمد وإسحاق وداود: حرام واحتجوا برواية: "لا أشهد على جور" واحتج الشافعي بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أشهد على هذا غيري"، ولو كان حرامًا أو باطلًا لما قال هذا الكلام، فإن قيل: قاله تهديدًا، قلنا: الأصل في كلام الشَّارع على هذا، وأما قوله: لا ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2622)، ومسلم (1622)، وأبو داود (3538)، والترمذي (1298)، والنسائيّ (6/ 267)، وابن ماجه (2385). (¬2) أخرجه البخاري (2586)، ومسلم (1623)، والترمذي (1367)، وابن ماجه (2375)، والنسائيّ (6/ 259، 260). (¬3) الصحاح للجوهري (5/ 1826).

من الحسان

أشهد على جور، فالجور الميل عن الاستواء والاعتدال، فكلما خرج عن الاعتدال فهو جور، سواء كان مكروهًا أو حرامًا، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أشهد على هذا غيري" دليل على أنه ليس بحرام. (¬1) - ويروى أنه قال: "أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟ " قال: بلى، قال: "فلا إذًا". قلت رواه مسلم من حديث النعمان بن بشير. (¬2) - ويروى أنه قال: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم". قلت: رواه البخاري في الهبة ومسلم في الفرائض من حديث النعمان. (¬3) - ويروى أنَّه قال: "لا أشهد على جَوْر". قلت: رواه الشيخان من حديث أبي هريرة. (¬4) من الحسان 2240 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل لواهب أن يرجع فيما وهب إلا الوالد من ولده". قلت: رواه الشافعي عن مسلم بن خالد عن ابن جريج عن الحسن بن مسلم عن طاوس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلًا، ورواه البيهقي من حديث عبد الرزاق عن ابن جريج به. (¬5) ¬

_ (¬1) انظر المنهاج للنووي (11/ 96 - 97). (¬2) أخرجه مسلم (1623). (¬3) أخرجه البخاري (2587)، ومسلم (1623). (¬4) أخرجه البخاري (2650)، ومسلم (1623). (¬5) أخرجه الشافعي في المسند (2/ 168) رقم (584)، والييهقي (6/ 179 - 180)، وانظر الإرواء (1622).

2241 - عن ابن عمر، وابن عباس -يرفعان الحديث- قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل لرجل أن يعطي عطية ثمَّ يرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده، ومثل الذي يعطي العطية ثمَّ يرجع فيها: كمثل الكلب أكل، حتى إذا شبع قاء، ثمَّ عاد في قيئه". (صحيح). قلت: رواه أبو داود في البيوع والترمذي فيه وفي الهبة والنسائيُّ في الهبة وابن ماجه في الأحكام من حديث عمرو بن شعيب عن طاوس عن ابن عباس وابن عمر، ورواه أيضًا أبو يعلى الموصلي وابن حبَّان في صحيحه والحاكم في مستدركه وقال الترمذي: حديث ابن عباس حسن صحيح. (¬1) 2242 - أن أعرابيًّا أهدى للنبي -صلى الله عليه وسلم- بكرةً فعوّضه منها ست بكرات، فتسخّط، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-، فحمد الله وأثنى عليه، ثمَّ قال: "إن فلانًا أهدى إليّ ناقة، فعوضته منها ست بكرات، فظل ساخطًا! لقد هممت أن لا أقبل هدية إلا من قرشي، أو أنصاري، أو ثقفي، أو دَوْسي". قلت: رواه الترمذي في آخر جامعه بهذا اللفظ، وأبو داود في البيوع مختصرًا من حديث أبي هريرة. والبكر: بفتح الموحدة وسكون الكاف من الإبل بمنزلة الفتى من الناس، والبكرة: بمنزلة الفتاة. (¬2) 2243 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أعطي عطاء فوجد، فليجز به، ومن لم يجد فليثن، فإن من أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر، ومن تحلّى بما لم يعط، كان كلابس ثوبَيْ زور". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3539)، والترمذي (2132)، والنسائيّ (6/ 264 - 265)، وابن ماجه (2377 - 2378)، وابن حبَّان (5123)، والحاكم (2/ 46)، وأبو يعلى (2405)، و (2717)، وإسناده حسن، لحال عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وانظر نصب الراية (4/ 124). (¬2) أخرجه أبو داود (3537)، والترمذي (3945)، والنسائيّ (6/ 280).

قلت: رواه الترمذي في البر من حديث جابر بن عبد الله، وقال: حديث حسن انتهى وفي سنده إسماعيل بن عياش. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: كلابس ثوبي زور، قال أبو عبيد: هو المرائي يلبس ثياب الزهاد ويري أنه زاهد، وقال غيره: هو أن يلبس قميصًا بكمه كمين آخرين يري أنه لابس قميصين فكأنه يسخر من نفسه، ومعناه: أنه بمنزلة الكاذب القائل ما لم يكن. 2244 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من صُنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيرًا فقد أبلغ في الثناء". قلت: رواه الترمذي في البر والنسائيّ في "اليوم والليلة" من حديث أسامة بن زيد قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب. (¬2) 2245 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من لم يشكر الناس لم يشكر الله". قلت: رواه الترمذي في البر من حديث أبي سعيد الخدري وقال فيه: حسن، ورواه أبو داود في الأدب والترمذي أيضًا من حديث أبي هريرة بنحوه، وقال: حسن صحيح. (¬3) 2246 - لما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة أتاه المهاجرون، فقالوا: يا رسول الله ما رأينا قومًا أبذل من كثير، ولا أحسن مواساة من قليل: من قوم نزلنا بين أظهرهم، لقد كفونا المؤونة، وأشكرونا في المهنإ، حتى لقد خفنا أن يذهبوا بالأجر كله، فقال: "لا، ما دعوتم الله لهم، وأثنيتم عليهم". (صح). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2034)، وأبو داود (4813) والبخاري في الأدب المفرد (215). (¬2) أخرجه الترمذي (2035)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (180)، وابن السني (276)، وفي المطبوع من سنن الترمذي: حديث حسن جيد غريب (3/ 557)، والذي نقله المؤلف هو في التحفة (1/ 51 رقم 103)، وأخرجه كذلك ابن حبّان (3413). (¬3) أخرجه الترمذي (1955) من رواية أبي سعيد ومن رواية أبي هريرة أخرجه أبو داود (4811)، والترمذي (1954).

قلت: رواه الترمذي في الزهد في أواخره من حديث أنس وقال: حسن صحيح غريب. (¬1) قوله: وأشركونا في المهنىء، بفتح الميم وسكون الهاء وفتح النون ومهموز الآخر قال الجوهري (¬2): هو كل أمر يأتيك من غير تعب، قوله - صلى الله عليه وسلم -: لا ما دعوتم لهم، وأثنيتم عليهم، أي لا يذهب الأنصار بالأجر كله، مدة دعائكم لهم، وثنائكم عليهم. 2247 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "تهادوا، فإن الهدية تذهب بالضغائن". قلت: رواه الترمذي في من حديث عائشة. (¬3) 2248 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "تهادوا، فإن الهدية تذهب وحر الصدر، ولا تحقرن جارة لجارتها ولو بشق فرسن شاة". قلت: رواه الترمذي في [الهبة والولاء] بهذا اللفظ من حديث أبي هريرة (¬4) وقد أخرج الشيخان الفصل الأخير من حديث أبي هريرة أيضًا. قوله: تذهب وحر الصدر، بالواو والحاء المهملة المفتوحتين وبالراء المهملة وهو: الغل والغش، وفرسن الشاة: تقدم تفسيره في فضل الصدقة. 2249 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاث لا ترد: الوسائد، والدهن، واللبن". (غريب). قيل: أراد بالدهن: الطيب. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2487). (¬2) الصحاح للجوهري (1/ 84). (¬3) لم أجده في الترمذي بل أخرجه القضاعي في مسنده (660)، وقال الحافظ في التلخيص (3/ 69): في إسناده نظر أهـ. قلت: وعلته المثنى أبو حاتم قال الدارقطني: متروك وقال العقيلي لا يتابع على حديثه. (¬4) أخرجه الترمذي (2130)، وقال الحافظ بن حجر في التلخيص الحبير (3/ 69) في إسناده أبو معشر المدني وتفرد به، وهو ضعيف. وأبو معشر هو نجيح مولى بني هاشم قال الحافظ في التفريب (7150): ضعيف، من السادسة، أسس واختلط.

باب اللقطة

قلت: رواه الترمذي في أبواب الاستئذان من حديث عبد الله بن مسلم عن أبيه عن ابن عمر يرفعه وقال: حديث غريب. (¬1) 2250 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أعطي أحدكم الريحان فلا يرده، فإنَّه خرج من الجنة". (مرسل). قلت: رواه الترمذي (¬2) في الاستئذان من حديث حنان بحاء مهملة ونونين عن أبي عثمان النهدي، وقال: حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ولا نعرف حنان إلا في هذا الحديث، وأبو عثمان النهدي اسمه عبد الرحمن بن مل، وقد أدرك زمان النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يره ولم يسمع منه. باب اللقطة من الصحاح 2251 - جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسأله عن اللقطة؟ فقال: "اعرف عِفاصها ووكاءها، ثمَّ عرفها سنة، فإن جاء صاحبها، وإلا فشأنك"، بها قال: فضالة الغنم؟ قال: "هي لك أو لأخيك أو للذئب"، قال: فضالة الإبل؟ قال: "ما لك ولها؟، معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء وتأكل الشجر، حتى يلقاها ربها". قلت: رواه البخاري في مواضع منها: في اللقطة وفي الشرب، ومسلم في القضاء وأبو داود في اللقطة والترمذي وابن ماجه في الأحكام والنسائيّ في الضّوال. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2790)، وانظر الصحيحة (619). (¬2) أخرجه الترمذي (2791). وحنان البصري هو عم مسرهد والد مسدد أورد له المزي هذا الحديث في تهذيب الكمال (7/ 427) ت (1553). وقال الحافظ في التقريب (1583): مقبول.

من حديث زيد بن خالد. (¬1) واللقطة: بفتح القاف على اللغة المشهورة، ويجوز إسكانها. والعِفاص: بكسر العين وبالفاء والصاد المهملة، وهو الوعاء الذي يكون فيه النفقة جلدًا كان أو غيره، والوكاء: هو الخيط الذي يشد به الوعاء. وشأنك: بفتح النون. وسقاؤها: معناه أنها تقوى على ورود المياه، وتشرب في اليوم الواحد، وتملأ أكراشها بحيث يكفيها لأيام. وحذاؤها: بالمد وهو أخفافها لأنها تقوى بها علي السير، وقطع المفاوز. وقد اختلف العلماء في تأويل قوله: اعرف وكاءها وعفاصها وأنه لو جاء رجل وادعى اللقطة، وعرف عفاصها ووكاءها هل يجب الدفع إليه أم لا؟: فذهب مالك وأحمد إلى أنه يجب الدفع إليه من غير بينة، وهو المقصود من معرفة العفاص والوكاء، وقال الشافعي وأبو حنيفة: إذا ذكر صفاتها ووقع في نفسه أنه صادق، فله أن يعطيه، ولا يجبر عليه إلا ببينة لأنه قد يصيب الصفة لأنه قد يسمع الملتقط يصفها، فقوله: "اعرف عفاصها ووكاءها" لئلا تختلط بماله فلا يمكن تمييزها إذا جاء ربها. (¬2) وفي رواية: "ثمَّ استنفق، فإن جاء ربها فأدّها إليه". قلت: رواه مسلم من حديث زيد بن خالد. (¬3) 2252 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من آوى ضالة، فهو ضال، ما لم يعرّفها". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2429) (2372)، ومسلم (1722). وأبو داود (1706)، والترمذي (1373)، وابن ماجه (2507)، والنسائي في الكبرى (5816). (¬2) المنهاج للنووي (12/ 31 - 35). (¬3) أخرجه مسلم (1722).

من الحسان

قلت: رواه مسلم في القضاء والنسائيّ في الضّوال من حديث زيد المذكور ولم يخرجه البخاري. (¬1) وهذا دليل للمذهب المختار، أنه يلزمه تعريف اللقطة مطلقًا سواء أراد تملكها أو حفظها على صاحبها، وهذا هو الصحيح، ويجوز أن يكون المراد بالضالة هنا ضالة الإبل ونحوها، مما لا يجوز التقاطها للتملك، بل إنما تلتقط للحفظ على صاحبها، فيكون معناه: من أوى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها أبدًا ولا يتملكها. 2253 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن لقطة الحاج. قلت: رواه مسلم في القضاء وأبو داود والنسائيّ في اللقطة من حديث عبد الرحمن بن عثمان التيمي، ولم يخرجه البخاري، ولا أخرج في كتابه عن عبد الرحمن التيمي شيئًا. (¬2) تنبيه: ذكر المزي هذا الحديث في الأطراف في مسند عبد الرحمن بن عثمان التيمي ونسبه لأبي داود والنسائي خاصة، وهو وهم، فإنه في مسلم أيضًا كما نبهت عليه والله أعلم. ومعنى الحديث: النهي عن لقطة الحاج للتملك وأما التقاطها للحفظ فقط فلا منع. من الحسان 2254 - عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنَّه سئل عن الثَّمر المعلق؟ قال: "من أصاب بفيه من ذي حاجة، غير متخذ خُبنة، فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه، فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق منه شيئًا بعد أن يؤوِيَه الجرين، فبلغ ثمن المجن، فعليه القطع"، وذكر في ضالة الإبل والغنم كما ذكر غيره، وقال: وسئل عن اللقطة؟ فقال: "ما كان ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1724)، والنسائيّ في الكبرى (5806). (¬2) أخرجه مسلم (1724)، وأبو داود (1719)، والنسائي في الكبرى (5805).

منها في طريق الميتاء والقرية الجامعة، فعرّفوها سنة، فإن جاء صاحبها فادفعها إليه، وإن لم يأت، فهو لك، وما كان في الخراب العادي، ففيه وفي الركاز الخمس". قلت: رواه أبو داود في اللقطة والترمذي في البيوع والنسائي في القطع وفي الزكاة مفرقًا وابن ماجه في الحدود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (¬1)، فمنهم من قال عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص، ومنهم من لم يسمه، وقال الترمذي: حديث حسن. والخبنة: معطف الإزار، وقد تقدم في باب الغصب والعارية، وإيجاب غرم مثليه يجوز أن يكون كان ذلك في ابتداء الإسلام حين كان التعزير بالمال. قوله - صلى الله عليه وسلم -: ويؤويه الجرين: أي يضمه البيدر، ويجمعه، والجرين موضع تجفيف التمر وهو له كالبيدر للحنطة، ويجمع على جرن بضمتين. والمجن: بكسر الميم وفتح الجيم، الترس، والمراد بلغ نصاب السرقة. قوله - صلى الله عليه وسلم -: وما كان منها في طريق الميتاء والقرية الجامعة، والميتاء: بكسر الميم وبالمد: الطريق المسلوك الذي يأتيه الناس، وقيل: ميتاء الطريق محجّته. 2255 - أن علي بن أبي طالب وجد دينارًا، فأتى به فاطمة، فسألت عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هذا رزق الله"، فأكل منه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأكل علي وفاطمة، فلما كان بعد ذلك أتت امرأة تنشد الدينار، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا علي! أد الدينار". قلت: رواه أبو داود في اللقطة عن رجل عن أبي سعيد به وفي إسناده رجل مجهول. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1710)، والترمذي (1289)، والنسائيّ (8/ 85)، وابن ماجه (2596). (¬2) أخرجه أبو داود (1714)، والشافعيُّ في الأم (4/ 67).

ورواه أبو داود أيضًا من حديث سهل بن سعد (¬1)، أن عليًّا وجد دينارًا وذكر مثل معنى حديث أبي سعيد، وفي سنده موسى بن يعقوب، قال الذهبي: صويلح، فيه لين، وفي رواية الشافعي أنه أمره - صلى الله عليه وسلم - أن يعرفه فلم يعرف، فأمره أن يأكله. 2256 - قال - صلى الله عليه وسلم - "ضالة المسلم حرق النار". قلت: رواه النسائيُّ في الضّوال مطولًا ومختصرًا كما ذكره المصنف من حديث الجارود ابن المعلى. (¬2) وحرق النار: بالتحريك، لهبها، وقد تسكن، والمعنى: أن ضالة المسلم إذا أخذها إنسان فيتملكها أدته إلى النار، قال في النهاية (¬3): وقد تكرر ذكر "الضالة" في الحديث، وهي: الضائعة في كل ما يقتنى من الحيوان وغيره، يقال: ضل الشيء: إذا ضاع، والمراد بها في هذا الحديث: الإبل وما يقدر على الإبعاد في طلب الماء والمرعى، وقد جاء في هذا الحديث في بعض طرقه التصريح بذكر الإبل في سؤال السائل للنبي -صلى الله عليه وسلم- وللجمع بين الأحاديث. 2257 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من وجد اللقطة، فليُشهد ذا عدل -أو ذوي عدل- ولا يكتم ولا يغيّب، فإن وجد صاحبها فليردّها عليه، وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء". قلت: رواه أبو داود والنسائيُّ هنا وابن ماجه في الأحكام من حديث عياض بن حمار. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1716) وفي إسناده موسى بن يعقوب الزمعي، قال الحافظ في التقريب (7075): صدوق سيء الحفظ. وقول الذهبي في الكاشف (5744)، وانظر الأم (4/ 67). (¬2) أخرجه النسائيّ (5810)، ومختصرًا (5792). (¬3) النهاية لابن الأثير (3/ 98). (¬4) أخرجه أبو داود (1709)، وابن ماجه (2505)، والنسائيّ في الكبرى (5808)، وكذلك أحمد (4/ 161)، وإسناده صحيح.

باب الفرائض

وحِمار: بكسر الحاء المهملة وميم مفتوحة وبعد الألف راء مهملة، وليس لعياض هذا في الصحيحين غير حديث واحد في مسلم ولم يخرج له البخاري شيئًا. (¬1) 2258 - رخّص لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العصا والسوط والحبل وأشباهه، يلتقطه الرجل، ينتفع به. قلت: رواه أبو داود هنا من حديث جابر يرفعه، وبعضهم وقفه على جابر ولم يرفعه، وفي إسناده المغيرة بن زياد وقد تكلم فيه غير واحد. (¬2) 2259 - عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا لا يحل ذو ناب من السباع، ولا الحمار الأهلي، ولا اللقطة من مال معاهد، إلا أن يستغني عنها". قلت: رواه أبو داود في الأطعمة من حديث المقدام بن معدي كرب، وذكره الدارقطني وأشار إلى غرابته، ولم يضعفه أبو داود. (¬3) باب الفرائض من الصحاح 2260 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن مات وعليه دين، ولم يترك وفاء، فعلينا قضاؤه، ومن ترك مالًا فلورثته". قلت: رواه الشيخان هنا من حديث أبي هريرة واللفظ للبخاري. (¬4) ¬

_ (¬1) وهو صحابي سكن البصرة، انظر الإصابة (4/ 752). (¬2) أخرجه أبو داود (1717)، وفي إسناده أبو الزبير وقد عنعنه وهو مدلس والمغيرة بن زياد قال الحافظ في التقريب (6882): صدوق له أوهام. انظر الوهم والإيهام لابن القطان (4/ 300)، والإرواء (1558). (¬3) أخرجه أبو داود (3804)، والدارقطني (4/ 187). (¬4) أخرجه البخاري (6731)، ومسلم (1619).

وفي رواية: "من ترك دينًا أو ضياعًا، فليأتني فأنا مولاه". قلت: رواها الشيخان من حديث أبي هريرة. (¬1) والضياع: بفتح الضاد العيال المحتاجون الضائعون، قال الخطابي (¬2): الضياع هنا وصف لورثة الميت بالمصدر أي ترك أولادًا وعيالًا ذوي ضياع أي لا شيء لهم، وهذا قاله النبي -صلى الله عليه وسلم- بعدما فتح الله عليه الفتوح، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - في ابتداء الإسلام: من ترك عليه دينًا لا وفاء له، لا يصلى عليه فلما فتح الله عليه، عاد يصلي عليهم، ويقضي دين من لم يخلف وفاء، قوله: فأنا مولاه، أنا وليه وناصره. - وفي رواية: "من ترك مالًا فلورثته ومن ترك كلًّا فإلينا". قلت: رواها الشيخان أيضًا من حديثه. (¬3) والكل: بفتح الكاف قال الخطابي (¬4): وغيره المراد به هنا: العيال، وأصله الثقل. 2261 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر". قلت: رواه الجماعة إلا ابن ماجه من حديث ابن عباس (¬5) يرفعه. قوله - صلى الله عليه وسلم -: فلأولى رجل ذكر: المراد بأولى رجل أقرب رجل، وليس المراد بأولى: أحق، ووصف الرجل بأنّه ذكر تنبيهًا على سبب استحقاقه، وهو الذكورة التي هي سبب العصوبة، وسبب الترجيح في الإرث، ولهذا جعل للذكر مثل حظ الأنثيين. 2262 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم". ¬

_ (¬1) أخرجها البخاري (2399)، ومسلم (1619). (¬2) انظر: أعلام الحديث للخطابي (2/ 1192)، وغريب الحديث له (3/ 260). (¬3) أخرجها البخاري (6763)، ومسلم (1619). (¬4) أعلام الحديث (2/ 1193). (¬5) أخرجه البخاري (6732)، ومسلم (1615)، وأبو داود (2898)، والترمذي (2098)، والنسائيّ في الكبرى (6331)، وابن ماجه (2740).

قلت: رواه الجماعة، كلهم في الفرائض من حديث أسامة بن زيد يرفعه (¬1) وأجمع المسلمون على أنه لا يرث الكافر المسلم، واختلفوا في أنه هل يرث المسلم الكافر؟ والجمهور على المنع، والكفار وإن اختلفت مللهم، يتوارثون عند الشافعي وأبي حنيفة، وخالف في ذلك مالك، لكن قال الشافعي: لا يرث حربي من ذمي، ولا ذمي من حربي. 2263 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "مولى القوم من أنفسهم". قلت: رواه البخاري هنا من حديث أنس. (¬2) 2264 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الولاء لمن أعتق". قلت: رواه البخاري وأبو داود هنا ومسلم في العتق والنسائيّ في البيوع من حديث ابن عمر. (¬3) 2265 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ابن أخت القوم منهم". قلت: رواه البخاري هنا وفي مناقب قريش وفي المغازى مختصرًا ومطولًا ومسلم في الزكاة مطولًا وذكر فيه دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- للأنصار وفيه: "إني أعطي قريشًا أتألفهم" والترمذي في المناقب والنسائيّ في الزكاة من حديث أنس. (¬4) 2266 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "الخالة بمنزلة الأم". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6764)، ومسلم (1614)، وأبو داود (2909)، والترمذي (2107)، وابن ماجه (2729)، والنسائي في الكبرى (6376). (¬2) أخرجه البخاري (6761)، وانظر فتح الباري (12/ 48). (¬3) أخرجه البخاري (6752)، ومسلم (1504)، وأبو داود (2915)، والنسائيّ (7/ 300). (¬4) أخرجه البخاري في الفرائض (6762)، وفي فرض الخمس (3146)، وفي المناقب (3528)، ومسلم (1059)، والترمذي (3901)، والنسائيّ (5/ 106).

من الحسان

قلت: رواه البخاري في الحج وفي غيره مطولًا، وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم - لجعفر: "أشبهت خلقي وخلقي" والترمذي في البر من حديث البراء بن عازب. (¬1) من الحسان 2267 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يتوارث أهل ملتين شتّى". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه كلاهما في الفرائض (¬2). من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وسماه أبو داود فقال: عن جده عبد الله ابن عمرو، ورواه النسائيّ والإمام أحمد، قال ابن الصلاح: وهو حديث حسن انتهى، ورواه الترمذي أيضًا في الفرائض من حديث محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي الزبير عن جابر (¬3) يرفعه، وذكر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك: يوم فتح مكة، وأخرجه البيهقي، ولم يقل الترمذي ولا ابن ماجه: "شتى" ولم يضعف الحديث أبو داود، ولا تعقبه المنذري (¬4)، وأما حديث الترمذي من طريق أبي الزبير عن جابر ففي سنده: محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وقال الترمذي: لا يعرف من حديث جابر إلا منه انتهى، وهو لا يحتج به. 2268 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "القاتل لا يرث". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2699)، والترمذي (3765)، و (1904). (¬2) أخرجه أبو داود (2911)، وابن ماجه (2731)، والنسائيّ في الكبرى (6384)، وأحمد (2/ 178، 195)، والبيهقيّ (6/ 218) وإسناده حسن، فيه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وانظر: الإرواء (1675). (¬3) أخرجه الترمذي (2108). (¬4) بل قال المنذري: وابن أبي ليلى هذا لا يحتج به، انظر مختصر المنذري (4/ 181)، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال الحافظ: صدوق سيء الحفظ جدًّا التقريب (6121).

قلت: رواه الترمذي وابن ماجه في الفرائض من حديث أبي هريرة وقال الترمذي فيه: لا يصح، ولا يعرف إلا من هذا الوجه، وفي سنده إسحاق ابن عبد الله بن أبي فروة، قد تركه بعض أهل العلم انتهى، ورواه الدارقطني والبيهقي من طريق إسحاق، وقال البيهقي: إسحاق ابن عبد الله لا يحتج به إلا أن شواهده تقويه. (¬1) 2269 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "جعل للجدة السدس، إذا لم تكن دونها أم". قلت: رواه أبو داود والنسائيّ كلاهما في الفرائض وفي سنده عبيد الله بن عبد الله أبو المنيب المروزي، وثقه ابن معين وغيره وقال البخاري: عنده مناكير. (¬2) 2270 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا استهل الصبي، صلي عليه ووُرّث". قلت: رواه ابن ماجه في الفرائض من حديث الربيع بن بدر عن أبي الزبير عن جابر يرفعه، والربيع بن بدر، قال الذهبي: واه، ورواه الدارمي من طريق محمَّد بن إسحاق عن عطاء عن جابر. (¬3) 2271 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "مولى القوم منهم، وحليف القوم منهم، وابن أخت القوم منهم". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2109)، وابن ماجه (2735)، والدارقطني (4/ 96)، والبيهقيّ (6/ 220) وإسناده صحيح، انظر: خلاصة البدر المنير (1747)، والإرواء (1671)، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة الأموي، قال الحافظ: متروك، التقريب (371). (¬2) أخرجه أبو داود (2895)، والنسائيّ في الكبرى (6338) في إسناده عبيد الله بن عبد الله أبو المنيب، قال الحافظ ابن حجر في التقريب (4341): صدوق يخطيء. قال في خلاصة البدر المنير (1736): وثق، وقال أبو حاتم: صالح، وأنكر على البخاري إدخاله في الضعفاء، قال الحافظ في التلخيص الحبير صححه ابن السكن (3/ 83). (¬3) أخرجه ابن ماجه (2750)، والدارمي (2/ 392). وأما إسناد ابن ماجه فإن فيه الربيع بن بدر وهو ضعيف جدًّا، قال الحافظ في التقريب (1893): متروك. ولكنه لم ينفرد به، وللحديث شواهد تقويه، انظر الإرواء (1707)، والصحيحة (152).

قلت: رواه الدارمي من حديث كثير بن عبد الله. (¬1) 2272 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أنا مولى من لا مولى له: أَرِثُ ماله، وأعقل له، وأفك عانيه، والخال وأرث من لا وارث له: يرث ماله ويفك عانيه". قلت: رواه أبو داود هنا بأطول من هذا، إلا قوله - صلى الله عليه وسلم -: وأعقل له، والحاكم في المستدرك إلا هذه اللفظة أيضًا، كلاهما من حديث المقدام بن معدي كرب، وقال: على شرط الشيخين، قال الذهبي: وفي سنده علي بن أبي طلحة، ولم يخرج له البخاري انتهى. وأما لفظة: وأعقل له، فقد رواها أبو داود في الفرائض أيضًا في متن آخر، وأصل الحديث عند النسائيّ وابن ماجه وعند الترمذي منه الخال وارث من لا وارث له من حديث طاوس عن عائشة مرفوعًا وقال غريب وقد أرسله بعضهم ولم يذكر فيه عائشة انتهى. وفي إسناده اضطراب، قال البيهقي: وكان يحيى بن معين يضعفه ويقول ليس فيه حديث قوي. وروي بأسانيد متعددة ضعاف، والمحفوظ من قول عائشة رضي الله عنها موقوف عليها، كذا رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن سلمة عن طاوس عن عائشة موقوفًا. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه الدارمي (2/ 243 - 244)، والطبراني في الكبير (17/ 12) رقم (2) وكثير بن عبد الله، قال الحافظ في التقريب (5652): ضعيف، أفرط من نسبه إلى الكذب. الجملة الأولى والأخيرة من الحديث تقدمتا من رواية البخاري عن أنس، والجملة الوسطى لها شاهد من حديث رفاعة بن رافع، مرفوعًا به: أخرجه أحمد (4/ 340)، وصححه الحاكم (2/ 328) و (4/ 73)، ووافقه الذهبي، انظر هداية الرواة (3/ 232). وفي الأصل بياض بمقدار نصف سطر، في تخريج هذا الحديث، بعد قوله: من حديث كثير بن عبد الله .... (¬2) أخرجه أبو داود (2900)، والنسائي في الكبرى (6356) كما في تحفة الأشراف (8/ 510)، وابن ماجه (2738)، والحاكم (4/ 344)، وأما قول الذهبي في سنده علي بن أبي طلحة فإنه صدوق كما قال الحافظ في التقريب (4788) وهو من رجال مسلم لكن ليس على شرط الشيخين. وقد حسنه أبو زرعة فيما ذكره ابن أبي حاتم في العلل (2/ 50).

قوله: عانه: يريد عانيه فحذف الياء، والعاني: الأسير، وأراد ما يلزمه بسبب الجنايات التي سبيلها أن يتحملها العاقلة كما صرح به في رواية أخرى، فقال: يعقل عنه، قال الشافعي: قد أجمعوا على أن الخال الذي لا يكون ابن عم أو مولى لا يعقل بالخؤولة، فخالفوا الحديث الذي احتجوا به في العقل، فإن كان ثابتًا، فيشبه أن يكون في وقت كان يُعقل بالخؤولة، ثمَّ صار الأمر إلى خلاف ذلك، أو أراد خالا يكون ابن عم، أو اختار الإمام وضع ماله فيه، إذ لم يكن له وارث سواه، وسمّي وارثًا تجوزًا، لأنه صار المال إليه انتهى، ويحتمل أن يكون السلطان فإنَّه يسمّى خالًا، ويحتمل أن يكون قال ذلك على وجه السلب، كما يقال: الصبر حيلة من لا حيلة له. (¬1) 2273 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "تحوز المرأة ثلاث مواريث: عتيقها، ولقيطها، وولدها الذي لاعَنتْ عنه". قلت: رواه أبو داود والترمذي والنسائيُّ وابن ماجه والدارقطني والبيهقيّ كلهم هنا من حديث واثلة بن الأسقع (¬2)، وقال الترمذي: حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث محمَّد بن حرب انتهى كلامه، وفي إسناده عمر بن رؤبة الثعلبي قال البخاري: فيه نظر، وسئل أبو حاتم الرازي فقال: صالح الحديث، قيل تقوم به الحجة؟ قال: لا، ولكن صالح. وقال الخطابي (¬3): وهذا الحديث غير ثابت عند أهل النقل، وقال البيهقي: لم يثبت البخاري ولا مسلم هذا الحديث لجهالة بعض رواته. ¬

_ (¬1) انظر مختصر المنذري (4/ 170). (¬2) أخرجه أبو داود (2906)، والترمذي (2115)، والنسائيُّ (6360)، وابن ماجه (2742)، والدارقطني (4/ 89)، والبيهقي (6/ 240). وابن عديّ في الكامل في ترجمة عمر بن رؤبة، وقال الحافظ في التقريب (4929): عمر بن رؤبة: صدوق، وانظر ترجمته في الميزان للذهبي (3/ 196)، وانظر الإرواء (1576). (¬3) معالم السنن (4/ 92)، والبيهقيّ (6/ 240).

2274 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أيّما رجل عاهر بحرة أو أمة، فالولد ولد زنا لا يرث ولا يورث". قلت: رواه الترمذي (¬1) هنا من حديث عبد الله بن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: وقد روى غير ابن لهيعة هذا الحديث عن عمرو بن شعيب قال: والعمل على هذا عند أهل العلم: أن ولد الزنا لا يرث من أبيه. والعاهر: الزاني. 2275 - أن مولى للنبي -صلى الله عليه وسلم- مات ولم يدع ولدًا ولا حميمًا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أعطوا ميراثه رجلًا من أهل قريته". قلت: رواه الأربعة هنا من حديث عروة عن عائشة وقال الترمذي: حديث حسن. (¬2) والحميم: بفتح الحاء المهملة وبعدها ميم مكسورة، قرابة الإنسان ومن يهمه أمره، قال في "شرح السنة" (¬3): وليس هذا عند أهل العلم على سبيل توريث أهل القرية والقبيلة، بل مال من لا وارث له لعامة المسلمين يضعه الإمام حيث يراه على وجه المصلحة. 2276 - مات رجل من خزاعة، فأتي النبي -صلى الله عليه وسلم- بميراثه، فقال: "التمسوا له وارثًا، أو ذا رحم"، فلم يجدوا، فقال: "أعطوه الكُبْر من خزاعة". - ويروى: انظروا إلى أكبر رجل من خزاعة. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2113) والحديث بشواهده ومتابعاته صحيح، انظر: هداية الرواة (3/ 233). (¬2) أخرجه أبو داود (2902)، والترمذي (2105)، والنسائيّ (6391)، وابن ماجه (2733) وإسناده صحيح. (¬3) شرح السنة (8/ 361).

قلت: رواه أبو داود هنا مسندًا والنسائيّ مسندًا ومرسلًا كلاهما من حديث جبريل بن أحمر عن عبد الله بن بريدة عن أبيه، قال النسائيّ: جبريل ابن أحمر ليس بالقوي، والحديث منكر، انتهى. (¬1) 2277 - قال قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات: الرجل يرث أخاه لأبيه وأمه، دون أخيه لأبيه. قلت: رواه الترمذي وابن ماجه والدارقطني هنا من حديث الحارث عن علي وقال الترمذي: لا نعرفه إلا عن الحارث، وقد تكلم بعض أهل العلم في الحارث، والعمل على هذا عند عامة أهل العلم انتهى. (¬2) 2278 - جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها من سعد إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد، قتل أبوهما معك يوم أحد، وإن عمهما أخذ مالهما، فنزلت آية الميراث، فبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى عمهما، فقال: "أعط ابنتي سعد الثلثين، وأعط أمهما الثمن، وما بقي فهو لك". (غريب) قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه هنا من حديث جابر بن عبد الله وقال الترمذي: حديث صحيح. (¬3) 2279 - قال: في بنت، وبنت ابن، وأخت لأب وأم: أقضي فيهما بما قضى النبي -صلى الله عليه وسلم-: "للابنة النصف، ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2904)، والنسائيّ (6394). وفي إسناده جبريل بن أحمر قال الحافظ في التقريب (903): صدوق يهم، وانظر قول النسائيّ في تهذيب الكمال (4/ 497)، وميزان الاعتدال (1/ 388). (¬2) أخرجه الترمذي (2094)، وابن ماجه (2739)، والدارقطني (4/ 86)، وفي إسناده الحارث وهو ابن عبد الله الأعور قال الحافظ في التقريب (1036): كذّبه الشعبي في رأيه ورمى بالرفض، وفي حديثه ضعف. (¬3) أخرجه أبو داود (2892)، والترمذي (2092)، وابن ماجه (2720)، انظر الإرواء (1677).

قلت: هذا الحديث رواه البخاري (¬1) في صحيحه وأصحاب السنن كلهم هنا من حديث ابن مسعود ولفظ البخاري: قال عبد الله: لأقضين بينكما بقضاء النبي - صلى الله عليه وسلم - أو قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- للابنة النصف، ولابنة الابن السدس، وما بقي فللأخت، فكان من حق المصنف أن يذكر ذلك في الصحاح لا في الحسان. والله أعلم. 2280 - جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إن ابن ابني مات، فما لي من ميراثه؟، قال: "لك السدس" فلما ولى دعاه، قال: "إن السدس الآخر طعمة لك". (صح). قلت: رواه أبو داود والترمذي والنسائيّ هنا من حديث عمران بن حصين قال الترمذي: حديث حسن صحيح. (¬2) 2281 - جاءت الجدة إلى أبي بكر، تسأله ميراثها، فقال لها: ما لك في كتاب الله شيء، وما لك في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيء، فارجعى حتى أسأل الناس، فسأل فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعطاها السدس، فقال أبو بكر: هل معك غيرك؟، فقال محمَّد بن مسلمة: مثل ما قال المغيرة، فأنفذه لها أبو بكر، ثمَّ جاءت الجدة الأخرى إلى عمر، تسأله ميراثها، فقال: هو ذلك السدس، فإن اجتمعتما فهو بينكما، وأيتكما خلت به فهو لها. قلت: رواه أبو داود والترمذي والنسائيّ وابن ماجه هنا من حديث قبيصة بن ذؤيب (¬3) وقال الترمذي: حسن صحيح، وفي لفظ الترمذي: جاءت الجدة أم الأم أو أم الأب إلى أبي بكر، وفي لفظ النسائيّ: أن الجدة أم الأم أتت أبا بكر. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6736)، وأبو داود (2890)، والترمذي (2093)، والنسائيّ في الكبرى (6328)، وابن ماجه (2721). (¬2) أخرجه أبو داود (2896)، والترمذي (2099)، والنسائيّ في الكبرى (6337)، وفي إسناده الحسن وهو ابن أبي الحسن البصري، لم يسمع من عمران بن حصين. (¬3) أخرجه الترمذي (2100)، وأبو داود (2894)، وابن ماجه (2724) وإسناده ضعيف. فإن رواية قبيصة بن ذؤيب مرسلة كما في تهذيب الكمال (23/ 476). وقال الحافظ في التلخيص (3/ 82): =

2282 - قال في الجدة مع ابنها: أطعمها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سدسًا مع ابنها. (ضعيف). قلت: رواه الترمذي هنا من حديث عبد الله بن مسعود وفي سنده محمَّد ابن سالم الهمداني، قال أبو حاتم: هو شبه المتروك، وقال النسائيّ: لا يثبت حديثه. (¬1) 2283 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتب إليه أن: "ورّث امرأة أَشْيَم الضبابي من دية زوجها". (صح). قلت: رواه الأربعة هنا إلا ابن ماجه رواه في الديات كلهم من حديث الضحاك بن سفيان قال الترمذي: حديث حسن صحيح، ورواه مالك في الموطأ في العقول. (¬2) وأشيم: بفتح الهمزة وبعدها شين معجمة ساكنة وياء آخر الحروف مفتوحة وميم، والضبابي: بكسر الضاد المعجمة وبعدها باء موحدة مفتوحة وبعد الألف باء موحدة أيضًا هو: ابن معاوية بن كلاب بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر هوازن، بطن من مضر، وقيده بعضهم: بفتح الضاد، وهو وهم، وهو منسوب إلى محله بالكوفة يقال لها: قلعة الضباب. 2284 - سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما السنة في الرجل من أهل الشرك يُسْلم على يدي رجل من المسلمين؟ فقال: "هو أولى الناس بمحياه ومماته". قلت: رواه الأربعة هنا من حديث تميم الداري (¬3) وقال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن وهب، ويقال ابن موهب عن تميم الداري، وقد أدخل بعضهم بين ¬

_ = إسناده صحيح لثقته رجاله إلا أن صورته مرسل أهـ. ورغم ذلك أي أن ظاهره الإرسال فقد صححه الترمذي. (¬1) أخرجه الترمذي (2102)، وفي إسناده محمَّد بن سالم الهمداني قال الحافظ في التقريب (5935): ضعيف. انظر: الضعفاء والمتروكين للنسائي (212)، وتهذيب الكمال (1200). (¬2) أخرجه مالك في الموطأ (2/ 866 - 867)، وأبو داود (2927)، والترمذي (1415)، والنسائيّ في الكبرى (6363) (6364)، وابن ماجه (2642). (¬3) أخرجه أبو داود (2918)، والترمذي (2112)، وابن ماجه (2752)، والنسائيُّ في الكبرى (6411 - 6413).

عبد الله بن موهب، وبين تميم الداري، قبيصة بن ذؤيب وهو عندي ليس بمتصل، انتهى كلامه. قال الشافعي (¬1) في هذا الحديث: أنه ليس بثابت، إنما يرويه عبد العزيز ابن عمر عن ابن موهب عن تميم الداري وابن موهب، ليس بالمعروف عندنا، ولا نعلمه لقي تميمًا، ومثل هذا لا يثبت عندنا من قِبَل أنه مجهول، ولا أعلمه متصلًا، وقال الخطابي (¬2): ضعف أحمد بن حنبل حديث تميم الداري هذا، وقال: عبد العزيز -راويه- ليس من أهل الحفظ والإتقان، وقال البخاري في الصحيح: واختلفوا في صحة هذا الخبر، انتهى كلامه، وقد احتج البخاري في صحيحه بحديث عبد العزيز هذا، وذكر له عن نافع مولى ابن عمر حديثًا واحدًا (¬3)، وقال الحاكم والدارقطني: إن البخاري ومسلمًا خرجا له. (¬4) ¬

_ = وقد أعله الترمذي بالإنقطاع وذهب إليه كذلك البيهقي في السنن (10/ 296) وقال ابن التركماني في "الجوهر النقي": أن أبا نعيم ووكيع وهما ثقتان جليلان قد روياه عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز وقد صرح فيه بسماع ابن موهب بن تميم، ثمَّ قال: "فإن كان الأمر كما ذكر أبو نعيم ووكيع حمل على أنه سمع منه بواسطة وبدونها وإن ثبت أنه لم يسمع منه ولا لحقه فالواسطة وهو قبيصة ثقة أدرك زمان تميم بلا شك فعنعنته محمولة على الاتصال، وانظر كلام الحافظ ابن حجر في الفتح (12/ 47). (¬1) انظر الأم (7/ 466) (468) رقم (2902 و 5/ 164) رقم 1759 ط. فوزي، وذكره البيهقي في المعرفة (14/ 412) ف (20517). (¬2) انظر معالم السنن (4/ 95 - 96). (¬3) انظر الفتح (12/ 45). (¬4) انظر مختصر سنن أبي داود للمنذري (4/ 185 - 186).

وقد اختلف العلماء فيمن أسلم على يدي رجل من المسلمين، فقال الحسن البصري ومالك والشافعيّ وجماعات: ميراثه لجماعة المسلمين، إذا لم يكن له وارث، ولا ميراث لمن أسلم على يديه، وقال أبو حنيفة وجماعة: ميراثه له، قال بعض من منع ذلك لو صح الحديث لكان تأويله هو أحق به، يواليه ويناصره ويرعى ذمامه ويغسله ويصلي عليه ويدفنه، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: إنما الولاء لمن أعتق أصح من هذا. (¬1) 2285 - قال أن رجلًا مات ولم يدع وارثًا، إلا غلامًا كان أعتقه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "هل له أحد؟ " قالوا: لا: إلا غلامًا له كان أعتقه، فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- ميراثه له. قلت: رواه الأربعة هنا من حديث عوسجة عن ابن عباس (¬2)، وقال الترمذي: حديث حسن انتهى، قال البخاري: عوسجة مولى ابن عباس الهاشمي روى عنه عمرو بن دينار ولم يصح حديثه، وقال أبو حاتم الرازي: ليس بالمشهور، وقال النسائيّ: عوسجة ليس بالمشهور ولا نعلم أحدًا يروي عنه غير عمرو. 2286 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يرث الولاء من يرث المال". (ضعيف). قلت: رواه الترمذي هنا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده يرفعه، وقال: إسناده ليس بالقوي. (¬3) ¬

_ (¬1) راجع تهذيب السنن لابن القيم (4/ 184 - 187). (¬2) أخرجه أبو داود (2905)، والترمذي (2106)، والنسائي في الكبرى (6405)، وابن ماجه (2741) وإسناده ضعيف. فيه عوسجة مولى ابن عباس قال الحافظ في التقريب (5249): ليس بمشهور وقد وثق أهـ. قلت: وعوسجة ذكره العقيلي في الضعفاء (3/ 414) وساق له هذا الحديث وقال: لا يتابع عليه. ووثقه أبو زرعة وذكره ابن حبّان في الثقات وحسن الترمذي حديثه هذا، انظر: ثقات ابن حبان (5/ 281)، والتاريخ الكبير (7/ ت 347)، والجرح والتعديل (7/ ت 129)، وتهذيب الكمال (1065)، وانظر منهج النسائيّ في الجرح والتعديل (5/ 2300). (¬3) أخرجه الترمذي (2114). لأن فيه ابن لهيعة، وهو ضعيف من قبل حفظه.

باب الوصايا

باب الوصايا من الصحاح 2287 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما حق امرىء مسلم له شيء يوصي فيه، يبيت ليلتين، إلا ووصيته مكتوبة عنده". قلت: رواه الجماعة هنا من حديث عبد الله بن عمر بن الخطّاب. (¬1) وقد أجمع المسلمون على الأمر بالوصية، لكن مذهب جماهير العلماء أن الأمر هنا للندب، وذهب داود إلى إيجابها، قال الشافعي: معنى الحديث ما الحزم والاحتياط للمسلم إلا أن تكون وصيته مكتوبة عنده، فيستحب تعجيلها، وأن يكتبها في صحته، ويشهد عليها فيها، فإن كان عليه حق أو دين أو عنده وديعة ولا إشهاد بذلك فالوصية واجبة بذلك. 2288 - مرضت عام الفتح مرضا أشفيت على الموت فأتاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعودني، فقلت: يا رسول الله! إن لي مالًا كثيرًا، وليس يرثني إلا ابنتي، أفأوصي بمالي كله؟ قال: "لا" قلت: فثلثي مالي؟ قال: "لا"، قلت: فالشطر؟ قال: "لا"، قلت: فالثلث؟ قال: "الثلث، والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله، إلا أجرت بها، حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2738)، ومسلم (1627)، والترمذي (974)، وابن ماجه (2699)، وأبو داود (2862)، والنسائيّ (6/ 238).

من الحسان

قلت: هذا الحديث رواه الشافعي والجماعة كلهم هنا، وقد ذكره البخاري في الهجرة وفي المغازي وفي الدعوات وفي الجنائز وفي الطب وقال فيها كلها من حديث سعد بن أبي وقاص: عادني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام حجة الوداع، أو في حجة الوداع، ولم يقل في شيء منها عام الفتح، وذكر الحديث أيضًا في الفرائض وفي النفقات، وقال فيهما: عادني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا مريض بمكة، ولم يقل عام الفتح، وذكره مسلم بطرق في الوصايا، ولم يقل إلا عام حجة الوداع، أو يطلق فيقول بمكة، ولم أر في شيء من الصحيحين إن ذلك عام الفتح، كما رواه المصنف، إنما ذلك في الترمذي والنسائيّ، ولفظ المصنف لفظ الترمذي، وقد روى الحديث البيهقي، وقال: كل من رواه عن الزهري قال فيه: عام حجة الوداع إلا سفيان بن عيينة، فإنه قال: عام الفتح، قال: والمحفوظ عام حجة الوداع، هذا هو الصحيح، وقد رواه كذلك مالك وإبراهيم بن سعد ومعمر ويونس عن الزهري ولم يخالف إلا سفيان، فإنه رواه عن الزهري وقال فيه: عام الفتح. (¬1) قوله: اشفيت على الموت: يقال اشفى على الشيء إذا أشرف عليه، ولا يكاد يقال إلا في الشر. قوله: فالشطر: الشطر النصف، قوله: يتكففون الناس: يقال: تكفف السائل واستكف إذا بسط كفه للسؤال أو سأل الناس كفا كفا من طعام. من الحسان 2289 - رُوي: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لسعد: "أوص بالعُشرْ"، قال سعد: فما زلت أناقصه حتى قال: "أوص بالثلث، والثلث كثير". ¬

_ (¬1) أخرجه الشافعي في السنن المأثورة (536)، والبخاري في الفرائض (6733)، وفي الإيمان (56)، وفي الوصايا (2744)، وفي النفقات (5354)، ومسلم (1628)، وأبو داود (2864)، والترمذي (2116)، والنسائيّ (6/ 241)، وابن ماجه (2708)، وابن حبّان في صحيحه (4249) و (6026)، وابن الجارود (947)، والبيهقيّ (6/ 268)، والبغويّ في شرح السنة (1458).

قلت: رواه الترمذي، وقال: وقد روي "كثير" و"كبير" من حديث سعد بن أبي وقاص. (¬1) 2290 - سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في خطبته عام حجة الوداع: "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث، الولد للفراش، وللعاهر الحجر، وحسابهم على الله، ومن ادعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه، فعليه لعنة الله التابعة إلى يوم القيامة، لا تنفق المرأة من بيت زوجها إلا بإذن زوجها" قيل: يا رسول الله ولا الطعام؟ قال: "ذلك أفضل أموالنا"، ثمَّ قال: "العارية مؤداة، والمنحة مردودة، والدين مقضي، والزعيم غارم". قلت: رواه مطولًا بهذا اللفظ الترمذي هنا وأبو داود مختصرًا في البيوع وكذا ابن ماجه (¬2) في الوصايا كلهم من حديث إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم، عن أبي أمامة يرفعه، وإسماعيل قد تقدم الكلام فيه، ولكن قال الترمذي: حديث حسن صحيح. (¬3) قوله: الولد للفراش، معناه: أن الولد منسوب لصاحب الفراش سواء كان زوجًا أو سيدًا أو واطئ بشبهة، والعاهر الزاني ليس له إلا الحد وليس له نسب. 2291 - ويروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا وصية لوارث، إلا أن يشاء الورثة". (منقطع). قلت: رواه الدارقطني والبيهقيّ من حديث عطاء الخراساني عن ابن عباس يرفعه، وعطاء لم يدرك ابن عباس، ولم يره، وروياه أيضًا من حديث عطاء الخراساني عن ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (975) وقال: حسن صحيح، وفيه عطاء بن السانب، كان قد اختلط، قال الحافظ: صدوق اختلط، التقريب (4625). (¬2) أخرجه أبو داود (2870)، والترمذي (2120) وابن ماجه (2713) وإسناده صحيح. وأما قوله إسماعيل بن عياش قد تقدم الكلام فيه، ولكن إسماعيل صدوق حسن الحديث في روايته عن أهل بلده وهذا منه. وهو شرحبيل بن مسلم الخولاني. (¬3) انظر مختصر المنذري (4/ 150).

عكرمة عن ابن عباس، قال البيهقي: وعطاء غير قوي، ورواه الدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا، قال البيهقي: وليس بالقوي. (¬1) 2292 - عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الرجل ليعمل -والمرأة- بطاعة الله ستين سنة، ثمّ يحضرهما الموت، فيضاران في الوصية، فتجب لهما النار"، ثم قرأ أبو هريرة رضي الله عنه {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ} [النساء: 12]. قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والبيهقيّ هنا من حديث شهر ابن حوشب عن أبي هريرة يرفعه (¬2)، قال الترمذي: حسن غريب، انتهى. وشهر بن حوشب قد تكلم فيه غير واحد من الأئمة ووثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين. ¬

_ (¬1) أخرجه الدراقطني (4/ 97 - 98) والبيهقيّ (6/ 263). وإسناده صحيح فقد وصله يونس بن راشد فرواه عن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس. وقال ابن القطان في كتابه الوهم والإيهام (2/ 325) (314): ويونس بن راشد قاضي خراساني، قال أبو زرعة: لا بأس به، وقال البخاري: كان مرجئًا انتهى. وقال عبد الحق في أحكامه الوسطى (6/ 280 - 281): وقد وصله يونس بن راشد فرواه عن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس. أهـ. انظر نصب الراية (4/ 404)، والإرواء (1656 - 1657). (¬2) أخرجه أبو داود (2867)، والترمذي (2117)، وابن ماجه (2704)، والبيهقيّ (6/ 271)، وفيه شهر بن حوشب، قال الحافظ: صدوق كثير الإرسال والأوهام، التقريب (2846)، وانظر: مختصر المنذري (4/ 149)، وفي بعض نسخ الترمذي: "حسن صحيح غريب".

كَشْفُ المنَاهِجِ وَالتَّنَاقِيحِ في تَخْريِجِ أحَادِيثِ المَصَابِيحِ تَأليفُ صَدْر الدَّينِ مُحَمَّد بْنِ إبْرَاهِيم السُّلَمِيّ المُنَاوِيّ (ت: 803 هـ) قَدَّم له سَمَاحَة الشيخ/ صالح بن محمَّد اللحيْدان رئيس مجلس القضاء الأعلى وعضو هيئة كبار العلماء دِرَاسَة وتحقيق د. مُحمَّد إِسْحَاق مُحَمَّد إبْرَاهِيم جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية المُجَلّد الثالث الدار العربية للموسوعات

ح محمد إسحاق محمد إبراهيم، 1425 هـ فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر المناوي، محمد بن إبراهيم كشف المناهج والتناقيح في تخريج أحاديث المصابيح./ محمد بن إبراهيم المناوي.- الرياض، 1425 هـ 5 - مج. ردمك: 3 - 134 - 46 - 9960 (مجموعة) 8 - 137 - 46 - 9960 (ج 3) 1 - الحديث- تخريج أ. العنوان ديوي 237.6 3578/ 1425 رقم الإيداع: 3578/ 1425 ردمك: 3 - 134 - 46 - 9960 (مجموعة) 8 - 137 - 46 - 9960 (ج 3) الدار العربية للموسوعات الحازمية - ص. ب: 511 - هاتف: 952594/ 009615 - فاكس: 459982/ 009615 هاتف نقال: 388363/ 009613 - 525066/ 009613 - بيروت - لبنان البريد الإلكتروني: E-mail:[email protected] مؤسسها ومديرها العام: خالد العاني

كتاب النكاح

كتاب النكاح من الصحاح 2293 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنَّه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنَّه له وجاء". قلت: رواه الجماعة: البخاري في الصوم والباقون هنا من حديث علقمة عن ابن مسعود. (¬1) والنكاح: في اللغة الضم ويطلق على العقد وعلى الوطء، وأما حقيقته عند الفقهاء ففيها ثلاثة أوجه لأصحابنا، أصحها: أنه حقيقة في العقد، مجاز في الوطء، وبه جاء القرآن والأحاديث، وقوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} إنما حمل على الوطء للحديث: "حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" والثاني: عكسه، والثالث: أنه حقيقة فيهما بالاشتراك، وفائدة الخلاف تظهر بيننا وبين الإمام أبي حنيفة في أن الزنا هل يحرم النكاح فعندنا لا، وعنده نعم. والمعشر: هم الطائفة الذين شملهم وصف، فالشباب معشر، والشيوخ معشر، والأنبياء معشر، والنساء معشر، فكذا ما أشبهه. والشباب: جمع شاب وهو عند الشافعية من بلغ ولم يجاوز ثلاثين سنة. والباءة: فيها ثلاث لغات أفصحها بالمد والهاء. والثانية: بلا مد، والثالثة: بالمد، بلا هاء، وأصلها في اللغة: الجماع، وفي المراد بالباءة قولان: أصحهما: معناها اللغوي، وهو الجماع، فتقديره: من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤنة النكاح فليتزوج. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1905)، ومسلم (1400)، وأبو داود (2046)، والترمذي (1081)، والنسائيّ (6/ 58)، وابن ماجه (1845).

والثاني: أن المراد بالباءة هنا مؤن النكاح، سميت باسم ما يلازمها. والوجاء: بكسر الواو وبالمد هو: رضّ الخصيتين، والمراد هنا أن الصوم يقطع الشهوة، ويقطع شر المني كما يقطع الوجاء. 2294 - ردّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا. قلت: رواه الجماعة إلا أبا داود، وكلهم هنا من حديث سعد بن أبي وقاص. (¬1) والتبتل: هو الانقطاع إلى عبادة الله، وأصل التبتل القطع عن النساء وترك النكاح انقطاعًا لعبادة الله تعالى. وقوله: رد على عثمان التبتل، معناه نهاه عنه، وهذا محمول على من تاقت نفسه إلى النكاح ووجد مؤنه، وعلى من أضربه التبتل بالعبادات، أما الإعراض عن الشهوات من غير إضرار بنفسه ولا تفويت حق عليه ففضيلة، لا منع منها. وأما قوله: ولو أذن له لاختصينا، قال النوويّ: معناه لو أذن له في الانقطاع عن النساء، لاختصينا لدفع شهوة النساء، ليمكننا التبتل، وهذا محمول على أنهم كانوا يظنون جواز التبتل وهو الاختصاء باجتهادهم، ولم يكن ظنهم هذا موافقًا، فإن الاختصاء في الآدمي حرام، صغيرًا كان أو كبيرًا، قال البغوي: من أصحابنا: وكذا يحرم خصاء كل حيوان لا يؤكل، وأما المأكول فيجوز خصاؤه في صغره ويحرم في كبره (¬2). 2295 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5073)، ومسلم (1402)، والترمذي (1083)، والنسائي (6/ 58)، وابن ماجه (1848). (¬2) انظر المنهاج للنووي (9/ 251 - 252).

قلت: رواه الجماعة إلا الترمذي كلهم هنا من حديث أبي هريرة (¬1)، والصحيح في معنى هذا الحديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر بما يفعله الناس في العادة، فإنهم يقصدون هذه الخصال، وآخرها عندهم: ذات الدين، فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين، لا أنه أمر بذلك، والحسب هنا: الفعل الحسن من الشخص، ومن آبائه، مأخوذ من الحساب، وذلك أنهم إذا تفاخروا عدّ كل واحد منهم مناقبه، ومآثر آبائه، وحسبها، والحسب بالسكون العدد المعدود كالعد والعدد. 2296 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة". قلت: رواه مسلم والنسائي هنا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ولم يخرجه البخاري. (¬2) 2297 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "خير نساء ركبن الإبل: نساء قريش، أحْناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده". قلت: رواه البخاري في النفقات وفي غيره ومسلم في الفضائل من حديث أبي هريرة، وفيه: قال أبو هريرة: ولم تركب مريم بنت عمران بعيرًا قط، والنسائي في عشرة النساء. (¬3) ومعنى أحناه: أشفقه، والحانية على ولدها: التي تقوم عليهم بعد تيتمهم، فلا تتزوج، فإن تزوجت فليست بحانية، ومعنى ذات يده: أي ماله المضاف إليه، ومعنى ركبن الإبل: نساء العرب، ولهذا قال أبو هريرة في الحديث: "لم تركب مريم بنت عمران بعيرًا قط". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5090)، ومسلم (1466)، وأبو داود (2047)، والنسائي (6/ 68)، وابن ماجه (1858). (¬2) أخرجه مسلم (1467)، والنسائي (6/ 69). (¬3) أخرجه البخاري (5082)، ومسلم (2527)، والنسائي في الكبرى (9134).

2298 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء". قلت: رواه الجماعة إلا أبا داود: البخاري في النكاح ومسلم في آخر كتاب الدعوات والترمذي في الاستئذان والنسائي في عشرة النساء وابن ماجه في الفتن من حديث أسامة بن زيد يرفعه. (¬1) 2299 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء". قلت: رواه مسلم في أواخر الدعوات والنسائي في عشرة النساء من حديث أبي سعيد الخدري. (¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم -: فاتقوا الدنيا، كذا هو في المصابيح ومسلم، ومعناه: فاجتنبوا الافتتان بها وبالنساء، وتدخل في النساء الزوجات وغيرهن، ومعنى خضرة حلوة: يجوز أن يراد بذلك حسنها للنفوس، ونضارتها، ولذتها، كالفاكهة الخضراء الحلوة، فإن النفوس تطلبها طلبًا حثيثًا، ويجوز أن يراد سرعة ذهابها كالفاكهة الخضراء فإنها سريعة الذهاب، ومعنى: مستخلفكم فيها، جعلكم خلفاء من القرون الذين قبلكم، فينظر هل تعملون بطاعته أم بمعصيته وشهواتكم. 2300 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "الشؤم في المرأة، والدار، والفرس". قلت: رواه البخاري في النكاح ومسلم وأبو داود كلاهما في الطب والترمذي في الاستئذان والنسائي في الخيل وفي عشرة النساء، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5096)، ومسلم (2740)، والترمذي (2780)، والنسائي في الكبرى (9270)، وابن ماجه (3998). (¬2) أخرجه مسلم (2742)، والنسائي في الكبرى (9269).

من حديث ابن عمر. (¬1) - وفي رواية: "الشؤم في ثلاث: في المرأة، والمسكن، والدابة". قلت: رواها الشيخان في الطب. (¬2) والشؤم: ضد اليمن، يقال: تشاءمت بالشيء وتيمنت به فالواو في الشؤم همزة، لكنها خففت فصارت واوًا، وغلب عليها التخفيف حتى لم ينطق بها مهموزة، وحمل مالك وطائفة من العلماء هذا الحديث على ظاهره، وأن الدار قد يجعل الله سكناها سببًا للضرر، وكذلك المرأة المعينة، والفرس، وقيل: شؤم الدار ضيقها وجيرانها، والفرس أن لا يُغزى عليها، والمرأة أن لا تلد، وقيل غير ذلك. 2301 - كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة، فلما قفلنا، كنا قريبًا من المدينة، قلت: يا رسول الله! إني حديث عهد بعرس، قال: "تزوجت؟ "، قلت: نعم، قال: "أبكر أم ثيب؟ "، قلت: بل ثيب، قال: "فهلا بكرًا تلاعبها وتلاعبك؟ "، فلما قدمنا المدينة ذهبنا لندخل، فقال: "أمهلوا حتى ندخل ليلًا -أي عشاء- لتمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة". قلت: رواه الشيخان هنا من حديث جابر. (¬3) وتلاعبها: حمله الجمهور على اللعب المعروف، ويؤيده "تضاحكها وتضاحكك" وقيل: يحتمل أن يكون من اللعاب وهو الريق. (¬4) والاستحداد: استعمال الحديدة، في شعر العانة، وهو إزالته بالموسى، والمراد هنا: إزالته كيف كان. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5093)، ومسلم (2225)، وأبو داود (3922)، والترمذي (2824)، والنسائي في الكبرى (4409/ 9275). (¬2) أخرجها البخاري (5772)، ومسلم (2226). (¬3) أخرجه البخاري (5247)، ومسلم (1466). (¬4) انظر فتح الباري (9/ 122).

من الحسان

والمغيبة: بضم الميم وكسر الغين المعجمة وإسكان الياء وهي التي غاب زوجها. من الحسان 2302 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثة حق على الله عونهم: المكاتَب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف، والمجاهد في سبيل الله". قلت: رواه الترمذي والنسائي في الجهاد وابن ماجه في الأحكام وابن حبان في صحيحه والحاكم هنا وقال: على شرط مسلم، كلهم هنا من حديث سعيد المقبري عن أبي هريرة يرفعه، وقال الترمذي: حديث حسن. (¬1) 2303 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه، فزوجوه، إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم، وقال: صحيح، كلهم رووه هنا من حديث عبد الحميد بن سليمان عن ابن عجلان عن ابن وثيمة عن أبي هريرة يرفعه، وقال الترمذي: قد خولف عبد الحميد في هذا الحديث، فرواه الليث بن سعد عن ابن عجلان عن أبي هريرة مرسلًا، وقال محمد يعني البخاري: حديث الليث أشبه، ولم يعد حديث عبد الحميد محفوظًا انتهى كلام الترمذي (¬2)، وقال أبو داود: ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1655)، والنسائي (6/ 61)، وابن ماجه (2518)، وابن حبان (4030)، والحاكم (2/ 160) وقال: صحيح على شرط مسلم، قلت: أما الصحة فلا لأن في إسناده محمد بن عجلان وفيه كلام، ينزل حديثه إلى رتبة الحسن، وروى له مسلم متابعة والبخاري تعليقًا. ومحمد بن عجلان قال الحافظ عنه في التقريب (6176): صدوق إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة، ورمز له (خت م 4). (¬2) أخرجه الترمذي (1084)، وابن ماجه (1967)، والحاكم (2/ 164). وإسناده حسن، انظر الصحيحة (1022) , والإرواء (1868)، وعبد الحميد بن سليمان الخزاعي أبو عمر المدني، ضعيف، التقريب (3788)، ووثيمة هو: ابن موسى، قال ابن أبي حاتم، حدث عن سلمة ابن الفضل بأحاديث موضوعة، وقال الذهبي: وله عن مالك حديث منكر، انظر الجرح والتعديل (9/ 51 - 52)، =

عبد الحميد غير ثقة، ووثيمة لا يعرف، ورواه أبو داود في "المراسيل" والترمذي أيضًا من حديث أبي حاتم المزني يرفعه، قال أبو داود: قد أخطأ من أسنده يعني أن الصواب إرساله. وأبو حاتم المزني: لا يعرف إلا بكنيته، وذكره ابن عبد البر في الصحابة، وذكر له هذا الحديث ولا يعرف له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غيره، قال المزي: واختلفوا في صحبته. 2304 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "تزوجوا الولود الودود، فإني مكاثر بكم الأمم". قلت: رواه أبو داود والنسائي في النكاح من حديث معقل بن يسار (¬1) ولم يقولا: "الأمم"، بل اقتصرا على قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإني مكاثر بكم". ورواه البيهقي، وقال فيه: "مكاثر بكم الأمم" كما رواه المصنف ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث أنس وقال: "مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة". 2305 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عليكم بالأبكار، فإنهن أعذب أفواهًا، وأنتق أرحامًا، وأرضى باليسير". (مرسل). قلت: رواه ابن ماجه هنا وأبو نعيم والبيهقي (¬2) كلهم من حديث عبد الرحمن بن سالم بن عتبة بن عويم بن ساعدة الأنصاري عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكره، قال في شرح السنة: وابن عويم: ليست له صحبة فلهذا، قال هنا: إنه مرسل، ¬

_ = وميزان الاعتدال (4/ 331)، وأبو حاتم المزني: انظر ترجمته في: الاستيعاب لابن عبد البر (4/ 1625)، والإصابة لابن حجر (7/ 81)، وذكر الحافظ خلاف العلماء في صحبته، وتهذيب الكمال (33/ 214)، وانظر المراسيل لأبي داود (224). (¬1) أخرجه أبو داود (2050)، والنسائي (6/ 65 - 66)، وابن حبان (4057)، والبيهقي (7/ 81 - 82)، والبغوي في شرح السنة (9/ 16)، وانظر الإرواء (1784). (¬2) أخرجه ابن ماجه (1861)، والبيهقي (7/ 81)، والبغوي في شرح السنة (2246). وعزاه السيوطي في الجامع الصغير إلى الطبراني في "الأوسط" والضياء في الأحاديث المختارة. وإسناده صحيح.

باب النظر إلى المخطوبة وبيان العورات

وقد ذكر في الأطراف (¬1) هذا الحديث في حرف العين في مسند عتبة بن عويم، ولم يذكره في المراسيل، وهذا يقتضي أنه صحابي، ولم أر في الكاشف عتبة بن عويم فما أدري لأي شيء أهمله وهو من رجال ابن ماجه وذكر عويمًا وقال: عَقَبيٌّ بدريٌّ. (¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم -: أعذب أفواهًا، العذب: الماء الطيب، ويقال: للريق والخمر الأعذبان، وأضاف العذوبة إلى الأفواه، لاحتوائها على الريق، قوله: وأنتق أرحامًا، بالهمزة المفتوحة والنون والمثناة من فوق والقاف، وأكثر أولادًا: يقال للمرأة الكثيرة الولد: ناتق، لأنها ترمي بالأولاد رميًا، والنتق: الرمي. باب النظر إلى المخطوبة وبيان العورات من الصحاح 2306 - جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار، قال: "فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئًا". قلت: رواه مسلم والنسائي هنا من حديث أبي هريرة ورواه ابن حبان (¬3) في صحيحه، وزاد: يعني صغرًا، ولم يخرجه البخاري، ووهم الشيخ محب الدين الطبري فعزاه للبخاري أيضًا وليس كذلك. ¬

_ (¬1) تحفة الأشراف (7/ 232). وذكره البخاري في تاريخه (6/ 522)، وقال: لم يصح حديثه. قال (محقق تحفة التحصيل ص 337): قلت: ما أراد البخاري بقوله: لم يصح حديثه إلا الاضطراب الواقع في الإسناد، فظن ابن عدي أنه ضعفه، فذكره في الكامل، وقال: لا بأس به، ولا أدرى أنه صحابي، ولم يفطن لذلك محققًا الكامل لابن عدي. انظر تهذيب الكمال (10/ 164). وتهذيب التهذيب (7/ 99 - 100). (¬2) الكاشف للذهبي (2/ 102). (¬3) أخرجه مسلم (14249)، والنسائي (6/ 779)، وابن حبان (4041).

قوله: تزوجت، الظاهر أن مراده خطبت، أو أردت التزويج، لأن النظر بعد التزوج لا فائدة فيه، وقد جاء مصرحًا بذلك عند ابن حبان، قال: عن أبي هريرة أن رجلًا أراد أن يتزوج امرأة من الأنصار فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإن في أعين الأنصار شيئًا" هكذا الرواية بالهمزة، وهو واحد الأشياء، وقيل المراد: صغر، وقيل: زرقة، ويستحب النظر إذا عزم على الخطبة، وله ذلك بغير رضاها، وإنما ينظر إلى الوجه والكفين. 2307 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تباشر المرأة المرأة، فتنعتها لزوجها كأنه ينظر اليها". قلت: رواه البخاري وأبو داود كلاهما هنا والترمذي في الاستئذان والنسائي في عشرة النساء (¬1) كلهم من حديث أبي وائل، واسمه: شقيق عن عبد الله بن مسعود يرفعه، ولم يخرجه مسلم، ووهم الطبري فعزاه لمسلم أيضًا. والمباشرة هنا: كناية عن النظر، والأصل فيها: التقاء البشرتين، فاستعير للنظر إلى البشرة، والتقدير لا ينظر إلى بشرتها. 2308 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد". قلت: رواه مسلم وابن ماجه في الطهارة وأبو داود في الحمام والترمذي في الاستئذان والنسائي في عشرة النساء من حديث أبي سعيد ولم يخرجه البخاري. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5240) و (6290)، وأبو داود (2150)، والترمذي (2792)، والنسائي في الكبرى (9231). (¬2) أخرجه مسلم (338)، وأبو داود (4018)، والترمذي (2793)، والنسائي في الكبرى (9229)، وابن ماجه (661).

2309 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ألا لا يبيتن رجل عند امرأة ثيب، إلا أن يكون ناكحًا أو ذا محرم". قلت: رواه مسلم في الاستئذان والنسائي في عشرة النساء من حديث أبي الزبير عن جابر ولم يخرجه البخاري. (¬1) ومفهوم هذا الحديث دليل على التوسع في البكر، فإن الإحجام عنها أكثر منه في الثيب وهي تخشى الافتضاح، والظاهر التسوية بينهما، فقد أخرج ابن حبان الحديث، ولم يقيده بالثيب، والظاهر عمومه، ويدل عليه ما رواه أحمد وغيره من حديث جابر يرفعه: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم فإن الشيطان ثالثهما"، وإذا قلنا بالعموم، فإنما خص الثيب لكونها التي يدخل عليها غالبًا، وأما البكر فمصونة، في الغالب ومجانبة للرجال، فلم يحتج إلى ذكرها، ولأنه من باب التنبيه لأنه إذا نهي عن الثيب التي يتساهل الناس في الدخول عليها في العادة فالبكر أولى. 2310 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إياكم والدخول على النساء"، فقال رجل: يا رسول الله! أرأيت الحمو؟ قال: "الحمو الموت". قلت: رواه البخاري والترمذي كلاهما في النكاح ومسلم في اللباس والنسائي في عشرة النساء من حديث عقبة بن عامر (¬2) قال مسلم: عن ابن وهب سمعت الليث يقول: الحمو أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج، هذا هو المراد هنا فإنه لا يكون محرمًا للمرأة. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2171)، والنسائي في الكبرى (9215). (¬2) أخرجه البخاري (5232)، ومسلم (2172)، والترمذي (1171)، والنسائي في الكبرى (9216).

قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الحمو الموت": قال أبو عبيد (¬1): يقول: فليمت ولا يفعلن ذلك، قال ابن الأعرابي: هذه كلمة تقولها العرب، كما تقول: الأسد الموت، أي لقاؤه مثل الموت، فعنى بهذا الكلام: أن خلوة الحمو معها أشد من خلوة غيره من البعداء. 2311 - أن أم سلمة استأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحجامة، فأمر أبا طيبة أن يحجمها، قال: حسبت أنه كان أخاها من الرضاعة، أو غلامًا لم يحتلم. قلت: رواه مسلم وابن ماجه كلاهما في الطب وأبو داود في اللباس من حديث جابر ولم يخرجه البخاري. (¬2) وأبو طيبة: بفتح الطاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبعدها باء موحدة مفتوحة وتاء تأنيث واسمه دينار، وقيل: نافع وهو مولى لبني حارثة. (¬3) 2312 - سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نظر الفجأة؟: فأمرني أن أصرف بصري. قلت: رواه مسلم والترمذي كلاهما في الاستئذان وأبو داود في النكاح والنسائي في عشرة النساء من حديث جرير بن عبد الله ولم يخرجه البخاري (¬4). والفجاءة: بضم الفاء وفتح الجيم وبالمد، ويقال بفتح الفاء وإسكان الجيم والقصر، لغتان هي: البغتة، ومعنى نظر الفجاءة: أن يقع بصره على الأجنبية من غير قصد، فلا إثم عليه في أول ذلك وهو مأمور بأن يصرف بصره. ¬

_ (¬1) الغريبين (2/ 145). (¬2) أخرجه مسلم (2206)، وأبو داود (4105)، وابن ماجه (3480). (¬3) انظر الإصابة (7/ 233)، وقال الحافظ: ولا يصح أن اسمه دينار، لأن دينار الحجام آخر تابعي، وأخرج ابن منده حديثًا لدينار الحجام عن أبي طيبة. (¬4) أخرجه مسلم (2159)، وأبو داود (2148)، والترمذي (2776)، والنسائي في الكبرى (9233).

من الحسان

2313 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن المرأة تُقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان، إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه، فليعمد إلى امراته فليواقعها، فإن ذلك يردّ ما في نفسه". قلت: رواه مسلم وأبو داود والترمذي ثلاثتهم هنا والنسائي في عشرة النساء من حديث جابر بن عبد الله واللفظ لمسلم ولم يخرجه البخاري. (¬1) ومعنى تُقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان: قال العلماء: معناه الإشارة إلى الهوى، والدعاء إلى الفتنة بها، لما جعل الله تعالى في نفوس الرجال من الميل إلى النساء والالتذاذ بنظرهن، فهي شبيهة بالشيطان في دعائه إلى الشر بوسوسته وتزيينه. من الحسان 2314 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها، فليفعل". قلت: رواه أبو داود هنا من حديث جابر يرفعه، وفيه: فقال جابر: فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها، حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها، وتزوجتها، ورواه الحاكم، وقال: على شرط مسلم، قلت: وفي إسناده محمد ابن إسحاق ولم يرو له مسلم إلا مقرونًا. (¬2) 2315 - خطبت امرأة، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هل نظرت إليها؟، قلت: لا، قال: "فانظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1403)، وأبو داود (2151)، والترمذي (1158)، والنسائي في الكبرى (9121). (¬2) أخرجه أبو داود (2082)، والحاكم (2/ 165)، وانظر الصحيحة (95 - 99).

قلت: رواه الشافعي والأربعة إلا أبا داود كلهم في النكاح من حديث المغيرة ورواه أيضًا ابن حبان في صحيحه واللفظ له وللشافعي. (¬1) وأحرى: بهمزة مفتوحة، وحاء مهملة ساكنة وراء مهملة أيضًا، أي أحق وأجدر. ويؤدم بينكما: أي يكون بينكما المحبة، والموافقة من أدم الطعام، لأن طيبه يكون به. 2316 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أيما رجل رأى امرأة تعجبه، فليقم إلى أهله، فإن معها مثل الذي معها". قلت. رواه الدارمي هنا من حديث عبد الله بن مسعود. (¬2) 2317 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان". قلت: رواه الترمذي في النكاح من حديث أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود يرفعه، وقال الترمذي: حديث غريب. (¬3) والعورة: كل ما يستحيى منه. 2318 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي: "يا علي لا تُتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى، وليست لك الأخرى". قلت: رواه أبو داود هنا والترمذي في الاستئذان من حديث بريدة، وقال: حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث شريك. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1087)، وحسنه، والنسائي (6/ 69)، وابن ماجه (1866)، وابن حبان (4043)، وقد أعل بالانقطاع، انظر: الصحيحة (96)، والبغوي في شرح السنة (2247). (¬2) أخرجه الدارمي (2/ 1469) واختلف في رفعه ووقفه، راجع الصحيحة (235). (¬3) أخرجه الترمذى (1173)، وصححه الألباني، انظر: إرواء الغليل (273). (¬4) أخرجه أبو داود (2149)، والترمذي (2777)، وفي إسناده أبو ربيعة واسمه عمر بن ربيعة الإيادي قال الحافظ في التقريب (8153): مقبول، وكذلك في الإسناد شريك، وهو ابن عبد الله النخعي، وهو كما قال الحافظ في التقريب (2802): صدوق يخطىء كثيرًا تغير حفظه.

2319 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا زوّج أحدكم عبده أمته، فلا ينظر إلى عورتها". قلت: رواه أبو داود في اللباس من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده يرفعه، ولم يضعفه أبو داود، ولا تكلم فيه المنذري، غير أن قال: قد اختلف في الاحتجاج بحديث عمرو بن شعيب. (¬1) - وفي رواية: "فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة". قلت: رواها أبو داود في اللباس أيضًا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. (¬2) 2320 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أما علمت أن الفخذ عورة؟ ". قلت: رواه أبو داود في الحمام (¬3) من حديث القعنبي عن مالك عن زرعة ابن عبد الرحمن بن جرهد عن أبيه قال: وكان جرهد من أصحاب الصفة أنه قال: جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندنا وفخذي مكشوفة فقال: أما علمت الحديث وهو عند القعنبي خارج الموطأ، وهو في موطأ مَعْن بن عيسى، ويحيى بن بكير، وسليمان بن بُرْد، وليس هو عند غيرهم من رواة الموطأ، هكذا ذكره ابن الورد، وذكر غيره: أن عبد الله بن نافع الصائغ رواه عن مالك، فقال فيه: عن زرعة عن أبيه عن جده، ورواه معن وإسحاق وابن وهب وابن أبي أويس عن مالك عن أبي النضر عن زرعة بن عبد الرحمن عن أبيه ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4113)، وانظر مختصر المنذري (6/ 61)، وفي إسناده سوار بن داود قال الحافظ في التقريب (2697): صدوق، انظر العلل للإمام أحمد (1/ 12، 249، 357)، وتهذيب الكمال (12/ 236). (¬2) أخرجها أبو داود (4114). (¬3) أخرجه أبو داود (4014)، والترمذي (2795)، وهو إسناد حسن بشواهده.

يرفعه، وذكره البخاري في "التاريخ الكبير" (¬1) وذكر فيه الاختلاف وقال في الصحيح: حديث أنس أسند، وحديث جرهد أحوط، يشير إلى حديث أنس بن مالك قال: حسر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن فخذه، ورواه أيضًا الترمذي في الاستئذان من حديث سفيان بن عيينة عن أبي النضر عن زرعة عن جده جرهد وقال: ما أرى إسناده بمتصل، وذكره من طريقين وفيهما مقال قال ذلك كله المنذري. (¬2) 2321 - قال - صلى الله عليه وسلم - لعلي: "لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت". قلت: رواه أبو داود في الحمام وفي الجنائز وابن ماجه في الجنائز من حديث عاصم بن ضمرة عن علي يرفعه (¬3) قال أبو داود: وهذا الحديث فيه نكارة، وعاصم بن ضمرة قد وثقه ابن معين وعلي بن المديني، وتكلم فيه غير واحد، وقال البخاري في الصحيح: ويروى عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الفحذ ¬

_ (¬1) التاريخ الكبير (2/ 249) و (3/ 440). (¬2) أخرجه مالك في الموطأ برواية أبي مصعب الزهري رقم (2122)، وقد أخرجه البخاري تعليقًا (1/ 478)، وأخرجه الترمذي في سننه (2795)، والحاكم (4/ 180) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وأطال الحافظ حول هذا الحديث في تغليق التعليق (2/ 209) فراجعه لزامًا، وانظر كلام المنذري في مختصره (6/ 16 - 18). (¬3) أخرجه أبو داود (3140)، وابن ماجه (1460). وحديث ابن عباس، أخرجه الترمذي (2796)، وأبو يحيى القتات قال أحمد: روى عنه إسرائيل أحاديث كثيرة، مناكير جدًّا وقال الحافظ: لين الحديث، وذكر الخلاف في اسمه انظر: التقريب (8512). حديث محمد بن جحش فقد أخرجه أبو داود (4015)، وابن ماجه (1460)، وقال الحافظ في "الفتح": رجاله رجال الصحيح غير أبي بكر، وقال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد" بعد أن عزاه إلى أحمد (5/ 290) والطبراني: رجال أحمد رجال ثقات. وانظر: العلل لابن أبي حاتم (2/ 271)، والتلخيص الحبير (1/ 279)، وأطال الحافظ حول طرق هذا الحديث في كتابه: موافقة الخبر الخبر (2/ 117 - 125) فراجعه لزامًا.

عورة" انتهى كلامه، قال المنذري: أما حديث ابن عباس الذي أشار إليه، فأخرجه الترمذي وقال: حديث حسن غريب انتهى كلام الترمذي، قال: -أعني المنذري- وفي إسناده: أبو يحيى القتات، واسمه عبد الرحمن بن دينار، وقيل: اسمه زاذان، وقيل: عمران، وقيل: غير ذلك، وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة، أما حديث جرهد: فقد تقدم الكلام عليه، وأما حديث محمد بن جحش: فأخرجه البخاري في تاريخه الكبير، وأشار إلى اختلاف فيه. (¬1) 2322 - قال - صلى الله عليه وسلم - لمعمر: "يا معمر! غط فخذيك، فإن الفخذين عورة". قلت: قد قدمنا في الحديث قبله أن البخاري علقه في صحيحه من حديث محمد بن جحش وأسنده في تاريخه وأشار إلى اختلاف فيه. (¬2) 2323 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إياكم والتعري، فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط، وحين يفضي الرجل إلى أهله، فاستحيوهم وأكرموهم". قلت: رواه الترمذي في الاستئذان من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب يرفعه وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. (¬3) 2324 - أنها كانت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وميمونة، إذ أقبل ابن أم مكتوم فدخل عليه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "احتجبا منه" فقلنا: يا رسول الله أليس هو أعمى لا يبصرنا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أفعَمياوان أنتما، ألستما تبصرانه". ¬

_ (¬1) انظر كلام المنذري في مختصر سنن أبي داود (6/ 18 - 19)، وانظر كذلك: الإرواء (269). (¬2) أخرجه البخاري في تاريخه (1/ 13 - 14)، ورواه معلقًا في صحيحه انظر تغليق التعليق (2/ 212)، وأخرجه أحمد (5/ 290)، وابن قانع (3/ 18)، والحاكم (4/ 180)، وسكت عنه، والبغوي في شرح السنة (2251)، والمزي في تهذيب الكمال (25/ 460)، في ترجمة محمد بن عبد الله بن جحش. (¬3) أخرجه الترمذي (2800). وفي إسناده ليث بن أبي سليم، قال الحافظ في التقريب (5721): صدوق اختلط جدًّا ولم يتميز حديثه فترك.

قلت: رواه أبو داود في اللباس والترمذي في الاستئذان والنسائي في عشرة النساء من حديث أم سلمة وقال الترمذي: حديث حسن صحيح انتهى. (¬1) وابن أم مكتوم اسمه عبد الله بن قيس على الصحيح، وقد روي لفظ: وميمونة مرفوعًا، عطفًا على الضمير في كان، ومجرورًا عطفًا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 2325 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "احفظ عورتك إلا من زوجتك، أو ما ملكت يمينك". قلت: أفرأيت إذا كان الرجل خاليًا؟ قال: "فالله أحق أن يستحى منه". قلت: رواه أبو داود في الحمام والترمذي في الاستئذان والنسائي في عشرة النساء وابن ماجه في النكاح من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وروى البخاري آخر الحديث تعليقًا في الطهارة في "باب من اغتسل مستترًا" فقال: وقال بهز عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الله أحق أن يستحيى منه" وقال الترمذي فيه: حديث حسن وجد بهز معاوية ابن حيدة القشيري له صحبة. (¬2) 2326 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يخلون رجل بامرأة، فإن الشيطان ثالثهما". قلت: رواه الترمذي في الفتن من حديث طويل والنسائي في "عشرة النساء" كلاهما من حديث عمر بن الخطاب يرفعه، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب من هذا الوجه. (¬3) 2327 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تلجوا على المغيبات، فإن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4112)، والترمذي (2778)، والنسائي في الكبرى (9241). (¬2) أخرجه البخاري معلقًا (1/ 385)، كتاب الغسل (5)، وأبو داود (4017)، والترمذي (2794)، والنسائي في الكبرى (8972)، وابن ماجه (1920)، (انظر: تغليق التعليق (2/ 159 - 160)، وفتح الباري (1/ 386)). (¬3) أخرجه الترمذي (2165)، والنسائي (9221).

قلت: رواه الترمذي في النكاح من حديث جابر بن عبد الله وقال: حديث غريب من هذا الوجه. (¬1) والمغيبات: بضم الميم وكسر الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالباء الموحدة، جمع مغيبة، بضم الميم وبالهاء وهي المرأة التي غاب زوجها، قال الجوهري (¬2): يقال أغابت المرأة إذا غاب زوجها فهي مغيبة. 2328 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها، وعلى فاطمة ثوب، إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها، وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها، فلما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما تلقى، قال: "إنه ليس عليك بأس، إنما هو أبوك وغلامك". قلت: رواه أبو داود في اللباس من حديث أنس بن مالك (¬3)، وفي إسناده أبو جميع سالم بن دينار الهجمي البصري، قال ابن معين: ثقة، وقال أبو زرعة البصري: لين الحديث، وهو سالم بن أبي راشد. وقد قال أكثر العلماء: عبد المرأة محرم لها، بمنزلة الأقارب لظاهر هذا الحديث وغيره من الأحاديث. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1172). وقال: "وقد تكلم بعضهم في ومجالد بن سعيد من قبل حفظه". مجالد بن سعيد قال الحافظ عنه في التقريب (6520): ليس بالقوي وقد تغير في آخر عمره. (¬2) الصحاح للجوهري (1/ 196). (¬3) أخرجه أبو داود (4106). وفي إسناده سالم بن دينار قال الحافظ ابن حجر عنه في التقريب (2185): مقبول. وانظر الإرواء (1799).

باب الولي في النكاح واستئذان المرأة

باب الولي في النكاح واستئذان المرأة من الصحاح 2329 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تنكح الثيب حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، وإذنها الصُّموت". قلت: رواه الجماعة هنا من حديث أبي هريرة، وأعاده البخاري في الحيل ولفظ الجميع قالوا: يا رسول الله كيف إذنها؟، قال: "أن تسكت"، إلا الترمذي فإنه قال: "وإذنها الصموت"، فلفظ المصنف إنما هو للترمذي، وليس في الصحيحين ولا في أحدهما. (¬1) 2330 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صُماتها". قلت: رواه مالك والشافعي والجماعة، إلا البخاري كلهم في النكاح من حديث ابن عباس. (¬2) والأيم: المراد بها هنا الثيب، كذا قاله علماء الحجاز وآخرون، واستدلوا بأنه جاء في الرواية الأخرى مفسرًا بالثيب، ولأنها جاءت مقابلة للبكر وبأن أكثر استعمالها في اللغة للثيب. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6968)، ومسلم (1419)، وأبو داود (2092)، والترمذي (1107)، والنسائي (6/ 85)، وابن ماجه (1871). (¬2) أخرجه مالك (2/ 524 - 525)، والشافعي (2/ 12)، ومسلم (1421)، وأبو داود (2098)، والترمذي (1108)، والنسائي (6/ 84)، وابن ماجه (1870).

ونقل عن أبي حنيفة وزفر أن الأيم هنا: كلل امرأة لا زوج لها، بكرًا كانت أم ثيبًا كما هو مقتضاه في اللغة، قالا: فكل امرأة بلغت فهي أحق بنفسها من وليها، وعقدها النكاح على نفسها صحيح، وليس الولي من أركان صحة النكاح، بل من تمامه، وقال أبو يوسف ومحمد: يتوقف صحة النكاح على إجازة الولي. قوله - صلى الله عليه وسلم -: أحق بنفسها من وليها، قال القاضي عياض (¬1): يحتمل من حيث اللفظ أن المراد: أحق من وليها في كل شيء من عقد وغيره، كما قاله أبو حنيفة وداود، ويحتمل أنها أحق بالرضى، أي لا تزوج حتى تنطق بالإذن بخلاف البكر، كما قاله الجمهور، لكنه إن صح قوله - صلى الله عليه وسلم - "لا نكاح إلا بولي" مع غيره من الأحاديث الدالة على اشتراط الولي تعين الاحتمال الثاني. ولفظ "أحق" هنا للمشاركة، معناه أن لها حقًّا، ولوليها حقًّا، وحقها أوكد من حقه، فإنه لو أراد أن يزوجها كفؤًا وامتنعت لم تجبر، ولو أرادت أن تتزوج كفؤًا فامتنع الولي أجبر، فإن أصر زوَّجها القاضي، فدل على تأكد حقها ورجحانه، وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "والبكر تستأذن" وفي الحديث الذي قبله "ولا تنكح البكر حتى تستأذن" فاختلفوا فيه: فقال الشافعي، وجماعة الاستئذان في البكر مأمور به، ولو كان الولي أبًا أو جدًّا كان الاستئذان مندوبًا إليه، ولو زوجها من غير استئذان صح، لكمال شفقته، وإن كان غيرهما من الأولياء وجب الاستئذان ولم يصح بدونه، وقال أبو حنيفة وجماعة يجب الاستئذان في كل بكر بالغة. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وإذنها صماتها" هو؛ بضم الصاد: السكوت. (¬2) - ويروى: "الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر". ¬

_ (¬1) إكمال المعلم (4/ 566 - 567). (¬2) انظر المنهاج للنووي (9/ 292 - 293).

قلت: هذه الرواية في مسلم من حديث ابن عباس. (¬1) - ويروى: "والبكر يستأذنها أبوها، وإذنها صماتها". قلت. رواها مسلم من حديث ابن عباس (¬2) ولم يخرج البخاري عن ابن عباس في هذا شيئًا. 2331 - أن أباها زوجها وهي ثيب، فكرهت، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فردّ نكاحه. قلت: رواه البخاري هنا وفي الإكراه وفي ترك الحيل وأبو داود والنسائي وابن ماجه (¬3) هنا من حديث خنساء بنت خذام الأنصارية، ولم يخرجه مسلم ولا أخرج عن الخنساء شيئًا ولا الترمذي أيضًا، ووهم الطبري فعزاه لمسلم والترمذي أيضًا. 2332 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "تزوجها وهي بنت سبع سنين، وزفت إليه وهي بنت تسع سنين، ولعبها معها، ومات عنها وهي بنت ثماني عشرة". قلت: رواه أحمد ومسلم هنا من حديث عائشة (¬4) وفي لفظ آخر تزوجها لست سنين وكذا قال البخاري: ولم يقل البخاري ولعبها معها لكنه ذكر لعبها والبنات عند النبي - صلى الله عليه وسلم -. واللُعب: بضم اللام جمع لعبة، كركبة وركب، وهذه اللعب المسماة بالبنات التي تلعب بها الجواري، وفيه التنبيه على صغر سنها، ويحتمل أن يكون من أحاديث النهي عن اتخاذ الصور، ويحتمل أن يكون ذلك قبل النهي عن اتخاذ الصور فإن قصة عائشة كانت في أول الهجرة. ¬

_ (¬1) أخرجها مسلم (1421). (¬2) أخرجها مسلم (68/ 1421). (¬3) أخرجه البخاري (5138)، وفي الحيل (6969)، وأبو داود (2101)، والنسائي (6/ 86)، وابن ماجه (1873). (¬4) أخرجه أحمد (6/ 280)، ومسلم (1422)، وأصله في البخاري (5133).

من الحسان

من الحسان 2333 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا نكاح إلا بولي". قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه (¬1) هنا من حديث أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري يرفعه، قال الترمذي: وحديث أبي موسى هذا فيه اختلاف، وذكر أن بعضهم رواه مرسلًا عن أبي بردة، وقال بعد ذكر الاختلاف: ورواية هؤلاء الذين رووا عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا نكاح إلا بولي"، عندي أصح انتهى كلام الترمذي، قال الحاكم: وفي الباب عن علي (¬2) ومعاذ وابن عباس (¬3) وابن عمر (¬4) وأبي ذر والمقداد وابن مسعود (¬5) وجابر (¬6) وأبي هريرة (¬7) وعمران بن حصين (¬8) وعبد الله بن عمرو (¬9) والمسور (¬10) وأنس (¬11) وأكثرها صحيح، ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2085)، والترمذي (11019)، وابن ماجه (1881)، والحاكم (2/ 171). (¬2) أخرجه البيهقي (7/ 11)، وفيه الحارث الأعور قال الحافظ في التقريب (1036): كذبه الشعبي في رأيه ورمي بالرفض، وفي حديثه ضعف. (¬3) أخرجه أحمد (1/ 250)، وابن ماجه (1880)، والطبراني (11/ 1298). (¬4) أخرجه الدارقطني (3/ 225)، وفيه ثابت بن زهير وهو منكر الحديث، والعقيلي في الضعفاء (3/ 294). (¬5) أخرجه الدارقطني (3/ 225) وفيه عبد الله بن محرز وهو متروك. (¬6) أخرجه الطبراني في الأوسط (4/ 184) وفيه عمرو بن عثمان الرقي وهو متروك. (¬7) أخرجه الطبراني في الأوسط (6/ 264). (¬8) أخرجه في تاريخ جرجان (1/ 490)، والطبراني في الكبير (18/ 142). (¬9) أخرجه في تاريخ جرجان (1/ 169). (¬10) أخرجه ابن عدي في الكامل (7/ 109) في ترجمة هشام بن سعد. (¬11) أخرجه ابن عدي في الكامل (7/ 107) في ترجمة هشام بن سلمان المجاشي.

وصحت الرواية فيه عن عائشة (¬1) وأم سلمة وزينب بنت جحش. 2334 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أيما امراة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها، فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا، فالسلطان ولي من لا ولي له". قلت: رواه الشافعي والأربعة إلا النسائي كلهم هنا من حديث ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة يرفعه، وسليمان ابن موسى ثقة جليل، روى له الأربعة ومسلم في المقدمة وهو فقيه أهل الشام، ويعرف بالأشدق، قال الترمذي: حديث حسن، وقد تكلم بعض أهل الحديث فيه، قال ابن جريج: ثم لقيت الزهري فسألته عنه فأنكره، فضعفوا هذا الحديث من أجل هذا، وذُكر عن يحيى بن معين أنه قال: لم يذكر هذا الحرف عن ابن جريج إلا ابن علية، قال يحيى: وسماع ابن علية من ابن جريج ليس بذاك، ما سمع من ابن جريج وإنما صحح كتبه على كتب عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، وضعف يحيى رواية ابن علية عن ابن جريج انتهى كلام الترمذي، ورواه الحاكم في المستدرك وقال: قد سمعه أبو عاصم وعبد الرزاق ويحيى بن أيوب وحجاج بن محمد من ابن جريج، مصرحين بالسماع من الزهري، فلا يعلل بهذا فقد ينسى الثقة. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2083)، والترمذي (1102)، وابن ماجه (1879)، وحسنه الترمذي. راجع روايات هؤلاء في قطر الولي على حديث الولي للشوكاني، تحقيق الدكتور/ إبراهيم هلال، وكتاب التحقيق الجلي في طرق حديث "لا نكاح إلا بولي" لمفلح الرشيدي. (¬2) أخرجه الشافعي (2/ 11 رقم 19)، والأم (5/ 11)، والترمذي (1102)، وابن ماجه (1879)، وأبو داود (2083)، والحاكم (2/ 168) وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. قلت: وسليمان بن موسى قال الحافظ عنه في التقريب (2631): صدوق، فقيه، في حديثه بعض لين، وخولط قبل موته بقليل. =

قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإن اشتجروا" أي تنازعوا، ومنه قوله تعالى: {فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} أي: فيما أوقع خلافًا بينهم وأراد به تشاجر المرأة والأولياء في الفضل، فإن الولي إذا عضل ولم يكن في درجته غيره كانت الولاية للسلطان. 2335 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "البغايا: اللاتي يُنكحن أنفسهن بغير بينة". والأصح أنه موقوف على ابن عباس. قلت: رواه الترمذي هنا من حديث ابن عباس، وقال: لم يرفعه غير عبد الأعلى ووقفه مرة والوقف أصح انتهى، وهذا لا يقدح، فإن عبد الأعلى ثقة فيقبل رفعه وزيادته، وقد يرفع الراوي الحديث وقد يقفه. (¬1) 2336 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اليتيمة تستأمر في نفسها، فإن صمتَتْ فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها". قلت: رواه الثلاثة هنا من حديث أبي هريرة وقال الترمذي: حديث حسن، وقال ¬

_ = وقال الحافظ في التلخيص (3/ 324): وليس أحد يقول فيه هذه الزيادة غير ابن علية، وأعل ابن حبان وابن عدي وابن عبد البر والحاكم وغيرهم الحكاية عن ابن جريج، وأجابوا عنها على تقدير الصحة، بأنه لا يلزم من نسيان الزهري له أن يكون سليمان ابن موسى وهم فيه. أ. هـ. وانظر فتح الباري (9/ 191). ثم سليمان بن موسى لم يتفرد به فقد تابعه جعفر بن ربيعة عند أحمد وأبي داود والطحاوي والبيهقي. انظر: شرح معاني الآثار (3/ 7)، وأحمد (6/ 165)، والبيهقي في السنن (7/ 105)، والعلل الكبير للترمذي (1/ 430)، وابن حجر في موافقة الخبر الخبر (2/ 205)، وانظر: مرويات الإمام الزهري المعلّة في كتاب العلل للدارقطني تأليف الدكتور/ عبد الله دمفو، (4/ 2114 - 2130)، فلقد أحصى طرقه، فراجعه لزامًا. (¬1) أخرجه الترمذي (1103) ثم أورده موقوفًا (1104) وقال هذا أصح. وعبد الأعلى بن عبد الأعلى قال الحافظ في التقريب (3758): ثقة.

باب إعلان النكاح والخطبة والشرط

الحاكم: هو على شرط مسلم، ولم يعترض عليه الذهبي في مختصره. (¬1) 2337 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أيما عبد تزوج بغير إذن سيده، فهو عاهر". قلت: رواه أبو داود والترمذي هنا من حديث جابر وقال الترمذي: حديث حسن انتهى. وفي إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل، احتج به غير واحد من الأئمة وتكلم فيه غير واحد من الأئمة. (¬2) باب إعلان النكاح والخِطبة والشرط من الصحاح 2338 - جاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، فدخل حين بنى علي، فجلس على فراشي، فجعلت جويريات لنا يضربن الدف، ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر، إذ قالت إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في غدٍ، فقال: "دعي هذه، وقولي ما كنت تقولين". قلت: رواه البخاري في المغازي وفي النكاح وأبو داود في الأدب والترمذي والنسائي وابن ماجه في النكاح من حديث الربيع بنت معوذ بن عفراء الأنصارية. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2093)، والترمذي (1109)، والنسائي (6/ 87)، والحاكم (2/ 166) وقد سقط من المطبوع وهو في مختصره للذهبي. (¬2) أخرجه أبو داود (2078)، والترمذي (1111). وعبد الله بن محمد بن عقيل قال الحافظ في التقريب (3617): صدوق، في حديثه لين، ويقال: تغير بآخره. انظر: الإرواء (1933).

ولم يخرجه مسلم. (¬1) والدف: بضم الدال المهملة والفتح لغة فيه، والبناء بالزوجة: الدخول بها، وأصله أن الرجل إذا تزوج امرأة بنى عليها قبة، ودخل عليها فيه، وقد جاء بنى بأهله، وبنى بامرأته في أحاديث صحاح، وأنكر ابن السكيت بنى بأهله، والحديث الصحيح يرد قوله، والندب أن تذكر النائحة الميت بأحسن أفعاله وأوصافه، والاسم منه النُّدبة بالضم. 2339 - زُفت امرأة إلى رجل من الأنصار، فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما كان معكم لهو؟ فإن الأنصار يُعجبهم اللهو". قلت: رواه البخاري في النكاح من حديث عائشة ولم يخرجه مسلم. (¬2) 2340 - تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شوال، وبنى بي في شوال، فأي نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أحظى عنده مني؟. قلت: رواه مسلم هنا من حديث عائشة وفيه: وكانت عائشة تستحب أن تدخل نساءها في شوال، ولم يخرج البخاري هذا الحديث. (¬3) وفيه استحباب التزويج والدخول في شوال، وقصدت عائشة بهذا ردّ ما كانت الجاهلية عليه، وما يتخيله ببعض العوام اليوم من كراهة التزويج والتزوج والدخول في شوال، وهذا باطل لا أصل له، وهو من آثار الجاهلية كانوا يتطيرون بذلك لما في اسم شوال من الإشالة والرفع. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5147)، وأبو داود (4922)، والترمذي (1090)، وابن ماجه (1897)، والنسائي (5563). (¬2) أخرجه البخاري (5162). (¬3) أخرجه مسلم (1423). (¬4) انظر: المنهاج للنووي (9/ 298 - 299).

2341 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أحق الشروط أن توفوا به: ما استحللتم به الفروج". قلت: رواه الجماعة هنا من حديث عقبة بن عامر. (¬1) وذهب الشافعي وأكثر العلماء إلى أن هذا محمول على شروط لا تنافي مقتضى النكاح، بل تكون من مقتضياته ومقاصده، كشرط العشرة بالمعروف والإنفاق والكسوة والقسم لغيرها، وما أشبه ذلك، فأما شروط تخالف مقتضاه كشرط أن لا يقسم ولا يتسرّى عليها، فلا يجب الوفاء بها، بل تلغو، ويصح النكاح، وقال أحمد وجماعة: يجب الوفاء بالشروط مطلقًا لحديث: "أحق الشروط". 2342 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يخطب الرجل على خطبة أخيه، حتى ينكح أو يترك". قلت: رواه البخاري في النكاح بهذا اللفظ في حديث طويل، من حديث أبي هريرة، وهو ومسلم هنا بمثل معناه من حديث ابن عمر. (¬2) 2343 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها، ولتنكح، فإن لها ما قدّر لها". قلت: رواه الجماعة إلا ابن ماجه كلهم من حديث أبي هريرة يرفعه: البخاري في القدر وفي غيره ومسلم في النكاح وأبو داود والترمذي في الطلاق والنسائي في "عشرة النساء" واللفظ للبخاري. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5151)، ومسلم (1418)، وأبو داود (2139)، والترمذي (1127)، والنسائي (6/ 92)، وابن ماجه (1954). (¬2) أخرجه البخاري (5144)، ومسلم (1413). (¬3) أخرجه البخاري (5152)، ومسلم (1408)، وأبو داود (2080)، والنسائي (6/ 73)، والترمذي (1134).

قال النووي (¬1): معنى الحديث نهي المرأة الأجنبية أن تسأل الزوج طلاق زوجته، وأن ينكحها ويصير لها من نفقته ومعروفه ما كان للمطلقة، والمراد بأختها غيرها، سواء كانت أختها من النسب، أو من الإسلام أو كافرة، يجوز في "تسأل" الرفع والكسر. 2344 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الشّغار. والشّغار: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته ليس بينهما صداق. قلت: رواه البخاري ومسلم والنسائي هنا، ورواه أبو داود والترمذي مختصرًا أنه نهى عن الشغار (¬2)، لم يزيدا على هذا، والتفسير لنافع مولى ابن عمر، ولذلك اقتصرا على المرفوع منه. والشغار: بكسر الشين وبالغين المعجمتين، أصله في اللغة الرفع، يقال شغر الكلب إذا رفع رجله ليبول، كأنه قال: لا ترفع رجل بنتي حتى أرفع رجل بنتك، وقيل هو من شغر البلد إذا خلا، لخلوه عن الصداق. 2345 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا شِغار في الإسلام". قلت: رواه مسلم هنا من حديث ابن عمر ولم يخرجه البخاري. (¬3) 2346 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية. قلت: رواه الجماعة إلا أبا داود، البخاري في المغازي وفي الذبائح وفي النكاح وفي ترك الحيل ومسلم والترمذي وابن ماجه ثلاثتهم في النكاح والنسائي في الصيد وفي النكاح من ¬

_ (¬1) المنهاج (9/ 275). (¬2) أخرجه البخاري (5112)، ومسلم (1415)، وأبو داود (2074)، والنسائي (6/ 112)، والترمذي (1124). (¬3) أخرجه مسلم (1415).

من الحسان

حديث علي بن أبي طالب. (¬1) 2347 - رخّص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام أو طاس في المتعة ثلاثًا، ثم نهي عنها. قلت: رواه مسلم هنا من حديث سلمة بن الأكوع بهذا اللفظ (¬2)، وأخرج البخاري معناه تعليقًا، وحديث علي بن أبي طالب وسلمة بن الأكوع يشهدان لصحة ما قاله النووي (¬3): من أن الصواب أن تحريم نكاح المتعة والإباحة كانا مرتين، فكانت حلالًا قبل خيبر، ثم حرمت يوم خيبر، ثم أبيحت يوم فتح مكة، وهو يوم أوطاس لاتصالهما، ثم حرمت يومئذ بعد ثلاثة أيام تحريمًا مؤبدًا إلى يوم القيامة، واستمر التحريم، وكان ابن عباس يقول بإباحتها، وروي عنه أنه رجع عنه، ومذهبنا أنه لا حد على من نكح نكاح المتعة، لشبهة العقد وشبهة الخلاف، واختلف أصحاب مالك في وجوب الحد، ومأخذ الخلاف في هذه المسألة اختلاف الأصوليين في أن الإجماع بعد الاختلاف هل يرفع الخلاف، والأصح عند أصحابنا أنه لا يرفعه بل يدوم الخلاف، ولا تصير المسألة مجمعًا عليها، وبه قال القاضي أبو بكر الباقلاني. من الحسان 2348 - علّمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التشهد في الصلاة، والتشهد في الحاجة فذكر التشهد في الصلاة كما ذكر غيره، والتشهد في الحاجة: "إن الحمد لله، نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي (4216)، (5115)، (5523)، (6961)، ومسلم (1407)، والترمذي (1121)، و (11794)، والنسائي (6/ 125) (7/ 202)، وابن ماجه (1961). (¬2) أخرجه مسلم (1405)، والبخاري تعليقًا كما في تغليق التعليق (4/ 412). (¬3) المنهاج (9/ 269).

ويقرأ ثلاث آيات، ففسّره سفيان الثوري: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} {اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}. {اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا}. قلت: رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه هنا من حديث ابن مسعود واللفظ للترمذي، وقال: حديث حسن، ولم يضعفه أبو داود. (¬1) ويروى: عن ابن مسعود في خطبة الحاجة: من النكاح وغيره. قلت: هذه الرواية رواها المصنف في "شرح السنة" من حديث ابن مسعود. (¬2) 2349 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كل خطبة ليس فيها تشهد، فهي كاليد الجذماء". (غريب). قلت: رواه أبو داود في الأدب والترمذي هنا وقال: حسن غريب. (¬3) - وفي رواية: "كل كلام لا يبدأ فيه بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ} فهو أجذم". قلت: رواها أبو داود في الأدب والنسائي في "اليوم والليلة" وابن ماجه هنا ولفظة "أقطع" كلهم من حديث قرة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة (¬4)، والأجذم: المقطوع اليد والمراد هنا الناقص. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2118)، والترمذي (1105)، والنسائي (6/ 89)، وابن ماجه (1892). (¬2) شرح السنة للبغوي (9/ 51). (¬3) أخرجه أبو داود (4841)، والترمذي (1106). وفي المطبوع من الترمذي: حسن صحيح غريب، وكلمة "صحيح" لم ترد عند المزي في تحفة الأشراف (10/ 299)، وانظر الصحيحة (169). (¬4) أخرجه أبو داود (4840)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (494) (497)، وابن ماجه (1894). وإسناده ضعيف لضعف قرة بن عبد الرحمن قال الحافظ في التقريب (5576): صدوق له مناكير. وقد رواه الثقات من أصحاب الزهري يونس وعقيل وشعيب وسعيد بن عبد العزيز عن الزهري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا. قال الدارقطني: والمرسل هو الصواب، انظر الإرواء رقم (2).

2350 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أعلنوا هذا النكاح، واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدفوف". (غريب). قلت: رواه الترمذي هنا من حديث عيسى بن ميمون عن القاسم عن عائشة ترفعه، قال: وهو حديث حسن غريب، وعيسى بن ميمون يضعف في الحديث انتهى كلام الترمذي. (¬1) 2351 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فصل ما بين الحلال والحرام: الصوت والدف في النكاح". قلت: رواه الأربعة إلا أبا داود كلهم هنا من حديث محمد بن حاطب، وقال الترمذي: حديث حسن انتهى، ومحمد بن حاطب أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - صغيًرا وولد بأرض الحبشة ومات أبوه حاطب بها. (¬2) 2352 - كانت عندي جارية من الأنصار زوجتها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا عائشة ألا تغنين، فإن هذا الحي من الأنصار يحبون الغناء؟ ". قلت: رواه ابن حبان في صحيحه من حديث عائشة. (¬3) 2353 - أن جارية من الأنصار زوجت، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ألا أرسلتم معهم من يقول: أتيناكم أتيناكم ... فحيّانا وحيّاكم". قلت: رواه ابن ماجه هنا من حديث ابن عباس قال: أنكحت عائشة ذات قرابة لها من الأنصار، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أهديتم الفتاة؟ " قالوا: نعم، قال: "هل ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1089) وإسناده ضعيف، وعيسى بن ميمون قال البخاري فيه: منكر الحديث. وقال الحافظ ابن حجر في التقريب (5370): ضعيف. (¬2) أخرجه الترمذي (1088)، والنسائي (6/ 127)، وابن ماجه (1896)، ذكره الحافظ في التقريب (8060) وقال: صدوق ربما أخطأ. (¬3) أخرجه ابن حبان (5875).

باب المحرمات

أرسلتم معها من يغني؟ " قالت: لا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الأنصار قوم فيهم غزل، فلو بعثتم معها من يقول: أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم". (¬1) 2354 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أيما امرأة زوجها وليّان، فهي للأول منهما، ومن باع بيعًا من رجلين فهو للأول منهما". قلت: رواه الأربعة والحاكم كلهم هنا إلا ابن ماجه فإنه رواه في التجارات وأعاده النسائي في مواضع، جميعًا من حديث الحسن عن سمرة، وقال الترمذي: حسن انتهى (¬2) وقد تقدم ما قيل من أن الحسن لم يسمع من سمرة شيئًا، وقيل: إنه سمع منه حديث العقيقة فقط. وبظاهر هذا الحديث أخذ عامة أهل العلم إلا ما حكي عن عطاء أنه قال: إن دخل بها الثاني فهي له وبه قال مالك. باب المحرمات من الصحاح 2355 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها". قلت: رواه الشيخان هنا من حديث أبي هريرة. (¬3) 2356 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة". ¬

_ (¬1) أخرجه ابن ماجه (1900)، وانظر الإرواء (1995). (¬2) أخرجه أبو داود (2088)، والترمذي (1110)، والنسائي (7/ 314)، وابن ماجه (2190)، والحاكم (2/ 175) وإسناده ضعيف الحسن البصري في سماعه من سمرة كلام وقد سبق، وهنا لم يصرح بسماعه. (¬3) أخرجه البخاري (5109)، ومسلم (1408).

قلت: رواه الشيخان هنا من حديث عائشة. (¬1) والرضاعة: بفتح الراء وكسرها. 2357 - جاء عمي من الرضاعة فاستأذن علي، فأبيت أن آذن له، حتى أسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسألته فقال: "إنه عمّك، فأذني له". قلت: رواه الشيخان والنسائي هنا من حديث عائشة. (¬2) وعم عائشة هذا هو: أفلح أخو أبيها الذي هو أبو القعيس، وكان لها عمان من الرضاعة هذا أحدهما، وأما الثاني: فهو أخو أبيها أبي بكر رضي الله عنه من الرضاعة، ارتضع هو وأبو بكر من امرأة واحدة، وما قلناه هو طريق الجمع بين الحديث وبين حديث عائشة أيضًا، الثابت في الصحيحين أنها قالت: يا رسول الله لو كان فلان حيًّا لعمها من الرضاعة دخل علي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نعم، إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة وهذا هو الصواب في الجمع بين الحديثين، ومن قال: هو عم واحد فقد غلط، والله أعلم. والقعيس: بضم القاف وفتح العين وبالسين المهملتين. 2358 - أنه قال: يا رسول الله هل لك في بنت عمك حمزة، فإنها أجمل فتاة في قريش؟ فقال له: "أما علمت أن حمزة أخي من الرضاعة؟ وإن الله حرم من الرضاعة ما حرم من النسب". قلت: هذا الحديث بهذا اللفظ رواه الشافعي (¬3) عن ابن عيينة قال: سمعت ابن جدعان قال: سمعت ابن المسيب عن علي بن أبي طالب أنه قال: يا رسول الله هل لك في بنت حمزة ... وذكره بلفظ المصنف حرفًا بحرف، ولم أره في الصحيحين، أما ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5099)، ومسلم (1444). (¬2) أخرجه البخاري (5239)، ومسلم (1445)، والنسائي (6/ 103). (¬3) أخرجه الشافعي في المسند (2/ 20 - 21) رقم (61)، ومسلم (1446).

البخاري فلم يخرج عن علي في هذا شيئًا، وأما مسلم فروى في باب الرضاع من حديث علي قال: قلت: يا رسول الله مالك تتنوّق في قريش وتدعنا؟ قال: وعندكم شيء؟ قلت: نعم، بنت حمزة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنها لا تحل لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة، هذا لفظ مسلم، فما قاله المصنف ليس في شيء من الصحيحين قوله: تتنوق في قريش هو بالنون قبل الواو أي: تختار وتبالغ فيما يعجبك، والأنيق: المعجب. 2359 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تحرم الرضعة أو الرضعتان". قلت: رواه مسلم والنسائي وابن ماجه هنا من حديث أم الفضل، ولم يخرجه البخاري. (¬1) 2360 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تحرم المصّة والمصّتان". قلت: رواه مسلم هنا من حديث عائشة، ولم يخرجه البخاري. (¬2) 2361 - "لا تحرم الإملاجة والإملاجتان". قلت: رواه مسلم هنا من حديث أم الفضل ولم يخرجه البخاري. (¬3) والإملاجة: بكسر الهمزة وبالجيم المخففة، وهي المصّة. 2362 - كان فيما أنزل من القرآن: {عشر رضعات معلومات يحرمن} ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي فيما يقرأ من القرآن. قلت: رواه الجماعة إلا البخاري (¬4) كلهم هنا من حديث عائشة. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1451)، والنسائي (6/ 100)، وابن ماجه (1940). (¬2) أخرجه مسلم (1450). (¬3) أخرجه مسلم (1451). (¬4) أخرجه مسلم (1452)، وأبو داود (2062)، والترمذي (1150)، والنسائي (6/ 100)، وابن ماجه (1942).

ويقرأ: هو بضم الياء ومعنى ما قالته عائشة: أن النسخ تأخر إنزاله جدًّا، حتى أنه - صلى الله عليه وسلم - توفي وبعض الناس يقرأ خمس رضعات قرآنًا متلوًا، لكونه لم يبلغه النسخ لقرب عهده، فلما بلغهم رجعوا عن ذلك، وأجمعوا على أن هذا لا يتلى، والنسخ ثلاثة أنواع: ما نسخ حكمه وتلاوته، كعشر رضعات، وما نسخ تلاوته دون حكمه، كخمس رضعات، وكالشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما، وما نسخ حكمه وبقيت تلاوته، وهذا هو الأكثر ومنه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ}. (¬1) 2363 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها وعندها رجل، فكأنه كره ذلك، فقالت: إنه أخي؟ فقال: "انظري ما أخوانكن؟ فإنما الرضاعة من المجاعة". قلت: رواه البخاري في الشهادات ومسلم هنا وأبو داود وابن ماجه في النكاح من حديث مسروق عن عائشة رضي الله عنها. (¬2) 2364 - أنه تزوج ابنة لأبي إهاب بن عزيز، فأتت امرأة، فقالت: قد أرضعت عقبة والتي تزوج بها، فقال: لها عقبة: ما أعلم أنك أرضعتيني ولا أخبرتيني! فأرسل إلى آل أبي إهاب فسألهم؟ فقالوا: ما علمنا أرضعت صاحبتنا! فركب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة فسأله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كيف وقد قيل؟ ففارقها"، ونكحت زوجًا غيره. قلت: رواه البخاري في الشهادات وفي غيره بألفاظ متقاربة، وأخرج أبو داود في القضاء أصل الحديث، والترمذي في الرضاع والنسائي في النكاح من حديث عقبة بن الحارث. (¬3) ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (10/ 44). (¬2) أخرجه البخاري (5102)، ومسلم (1455)، وأبو داود (2058)، والنسائي (6/ 102)، وابن ماجه (1945). (¬3) أخرجه البخاري (2640)، وأبو داود (3603)، والنسائي (6/ 109)، والترمذي (1151).

وهذا إشارة منه - صلى الله عليه وسلم - إلى مفارقتها من طريق الورع، لا من طريق الحكم، أخذًا بالاحتياط في القدح، وليس فيه دلالة على وجوب الحكم بقول المرأة الواحدة، لأن سبيل الشهادات أن تقام عند الحكام، ولم يوجد ها هنا إلا إخبار امرأة عن فعلها في غير مجلس الحكم، والزوج مكذب لها. وقد اختلفوا في عدد من يثبت الرضاع به من النساء، فذهب بعضهم إلى ثبوته بشهادة المرأة الواحدة، وتستحلف، وروي ذلك عن ابن عباس وهو قول الحسن وأحمد وإسحاق، وذهب بعضهم إلى أنه لا يثبت بأقل من أربع نسوة، وكذلك كل ما لا يطلع عليه إلا النساء غالبًا كالثيوبة والبكارة والولادة والحيض وهو قول الشافعي، وقال مالك: يثبت بشهادة امرأتين، ونقل عن أبي حنيفة ثبوت الولادة بشهادة القابلة وحدها، إذا كان الحمل ظاهرًا، والفراش قائمًا، وعن علي أنه أجاز شهادة القابلة وحدها في الاستهلال. 2365 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث جيشًا يوم حنين إلى أوطاس، وأصابوا سبايا، فكأن ناسًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - تحرّجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين، فأنزل الله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}، أي فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن. قلت: رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي كلهم في النكاح من حديث أبي سعيد. (¬1) وأوطاس: بهمزة مفتوحة وواو ساكنة وطاء وسين مهملتين بينهما ألف موضع بالطائف يصرف ولا يصرف، ومعنى تحرجوا: خافوا الحرج، وهو الإثم، من غشيانهن: أي من وطئهن من أجل أنهن زوجات، والمزوجة لا تحل لغير زوجها، فأنزل ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1456)، وأبو داود (2155)، والنسائي (6/ 110).

الله إباحتهن بهذه الآية، والمراد بالمحصنات هنا: المزوجات، ومعناه والمزوجات حرام على غير أزواجهن، إلا ما ملكتم بالسبي، فإنه يفسخ نكاح زوجها الكافر، وتحل لكم، وهذا متفق عليه إذا سبى أحد الزوجين دون الآخر. أما إذا سبيا معًا فذهب الشافعي ومالك وطائفة إلى ارتفاع النكاح، لأنه - صلى الله عليه وسلم - أباح وطئهن بعد الاستبراء من غير تفصيل بين ذات زوج وغيرها وبين من سبيت مع زوجها أو وحدها، وقد قيل أنه كان في ذلك السبي كل هذه الأنواع، وقالت الحنفية إذا سبيا معًا فهما على النكاح. قوله - صلى الله عليه وسلم -: إذا انقضت عدتهن أي إذا انقضى استبراؤهن، بوضع الحمل من الحامل، وبحيضة من الحائل كما جاءت به الأحاديث الصحيحة، واعلم أن الشافعي وجماعة ذهبوا إلى أن المسبية من عبدة الأوثان وغيرهم من الكفار الذين لا كتاب لهم، لا يحل وطؤها بملك اليمين حتى تسلم، وهؤلاء السبايا كنّ من مشركي العرب عبدة الأوثان، فيتأول هذا الحديث وشبهه على أنهن أسلمن. واختلف العلماء في الأمة إذا بيعت وهي مزوجة مسلمًا هل ينفسخ النكاح وتحل لمشتريها أم لا؟ فقال ابن عباس: ينفسخ لعموم قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}، وقال سائر العلماء: لا ينفسخ، وخصوا الآية بالملوكة بالمسبيات، وظاهر الآية مع ابن عباس لأن السبب لا يخصص، لكن ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خير بريرة بعد الشراء وهذا يخصص الكتاب، عند من يجوز تخصيص الكتاب بخبر الواحد. (¬1) ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (10/ 52 - 54).

من الحسان

من الحسان 2366 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تنكح المرأة على عمتها، أو العمة على بنت أخيها، والمرأة على خالتها، أو الخالة على بنت أختها، لا تنكح الصغرى على الكبرى، ولا الكبرى على الصغرى. قلت: رواه أبو داود والترمذي والنسائي في النكاح من حديث أبي هريرة، وقال الترمذي: حسن صحيح، ورواه البخاري في النكاح تعليقًا، فقال: وقال داود وابن عون عن الشعبي: عن أبي هريرة وساقه. (¬1) 2367 - مر بي خالي ومعه لواء فقلت: أين تذهب فقال: بعثني النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إلى رجل تزوج امرأة أبيه أن آتيه برأسه". قلت: رواه الأربعة وابن حبان (¬2) في صحيحه وأبو داود وابن ماجه في الحدود والترمذي في الأحكام والنسائي في الرجم وفي النكاح، وحسنه الترمذي. وقد اختلف في هذا الحديث اختلافًا كثيرًا، فروى أبو داود عن البراء، قال: لقيت عمي ومعه راية، وفي رواية له: بينما أنا أطوف في إبل لي إذ أقبل ركب أو فوارس معهم لواء، وروى الترمذي عن البراء: مر بي خالي أبو بردة ابن نيار ومعه لواء، وفي لفظ النسائي: إني لأطوف على إبل لي ضلت في تلك الأحياء في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2065)، والترمذي (1126)، والنسائى (6/ 98)، وقد علقه البخاري في كتاب النكاح عقب حديث (5108). وأورده الحافظ في التغليق (4/ 409)، ووصله من طريق الدارمي (2/ 60) رقم (2184)، وانظر الإرواء (1882). (¬2) أخرجه أبو داود (4456)، والترمذي (1362)، والنسائي (6/ 109)، وابن ماجه (2607)، وابن حبان (4112)، والدارمي (2245)، وأحمد (4/ 290)، والبيهقي (7/ 162)، والبغوي في شرح السنة (2592). والحديث فيه اضطراب، انظر: علل الدارقطني (6/ 22)، وكذلك الإرواء (2351).

إذ جاءهم رهط معهم لواء، وروى ابن حبان عن البراء، قال: لقيت خالي أبا بردة ومعه الراية. - وفي رواية: فأمرني أن أضرب عنقه، وآخذ ماله. قلت: هذه الرواية في لفظ أبي داود، والتي قبلها في لفظ الترمذي (¬1)، قيل، وإنما أمر - صلى الله عليه وسلم - بقتله لاستحلاله ذلك، وقد اختلف العلماء فيمن نكح ذا رحم محرم، فقال الحسن البصري: عليه الحد، وهو قول مالك والشافعي، وقال أحمد بن حنبل وإسحاق: يقتل ويؤخذ ماله، عملًا بالحديث، وقال أبو حنيفة: يعزر، وخالف صاحباه، وذهب بعضهم إلى أن ذلك كان قبل نزول الحد في سورة النور. 2368 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحرم من الرضاع، إلا ما فتق الأمعاء في الثدي، وكان قبل الفطام". قلت: رواه الترمذي في الرضاع (¬2) من حديث فاطمة بنت المنذر بن الزبير بن العوام عن أم سلمة، وقال: حسن صحيح، انتهى كلامه، قال أبو محمد (¬3): فاطمة لم تلق أم سلمة ولم تسمع منها، ولا من عائشة، وإن كانت تربت في حجرها. وفتق: أي شق، والمراد ما شق الأمعاء شق الطعام، ووقع موقع الغذاء، وهذا يدل على أنه لا تأثير له في الكبر، ولذلك صرح النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "وكان قبل الفطام". 2369 - أنه قال: يا رسول الله ما يذهب عني مذمَّة الرضاعة؟ فقال: "غرة: عبد أو أمة". ¬

_ (¬1) أخرجها أبو داود (4457)، والترمذي (1362). (¬2) أخرجه الترمذي (1152) وصححه البوصيري في الزوائد كما في مصباح الزجاجة (896). (¬3) وقوله: "أبو محمد" هو ابن حزم (انظر: تحفة التحصيل في ذكر المراسيل ص 636/ والمراسيل لأبي داود) (ص 316 رقم 450).

قلت: رواه أبو داود في النكاح والترمذي والنسائى هنا من حديث حجاج ابن (¬1) حجاج بن مالك عن أبيه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وذكر أبو القاسم البغوي: أنه لا يعلم للحجاج بن مالك غير هذا الحديث. ومذمة الرضاع: قال ابن الأثير (¬2): المذمة بالفتح مفعلة، من الذم، وبالكسر من الذمة والذمام، وقيل: هي بالكسر، والفتح: الحق، والحرمة: التي يذم مضيعها، والمراد بمذمة الرضاع الحق اللازم بسبب الرضاع، فكأنه سأل ما يُسقط عني حق المرضعة، حتى أكون قد أديته كاملًا، وكانوا يستحبون أن يهبوا للمرضعة عند فصال الصبي شيئًا سوى أجرتها. 2370 - كنت جالسًا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ أقبلت امرأة، فبسط النبي - صلى الله عليه وسلم - رداءه، حتى قعدت عليه، فلما ذهبت قيل: هذه أرضعت النبي - صلى الله عليه وسلم -. قلت: رواه أبو داود في الأدب (¬3)، من حديث أبي الطفيل قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقسم بالجعرانة لحمًا، قال أبو الطفيل: وأنا يومئذ غلام، أحمل عظم الجزور، إذ أقبلت امرأة وساقه، ولم يضعفه أبو داود. 2371 - إن غيلان بن سلامة الثقفي أسلم وله عشرة نسوة في الجاهلية، فأسلمن معه، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أمسك أربعًا، وفارق سائرهن". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (20649)، والترمذي (11503)، والنسائي (6/ 18) وحجاج بن حجاج الأسلمي، قال الحافظ: مقبول، انظر التقريب (1129). (¬2) النهاية (2/ 156). (¬3) أخرجه أبو داود (5144) وفي إسناده جعفر بن يحيى بن عمارة بن ثوبان، قال علي ابن المديني: شيخ مجهول، لم يرو عنه غير أبي عاصم قال الحافظ في التقريب (970) "مقبول"، وله شاهد مرسل عن عطاء بن يسار عند أبي يعلى (900)، وابن حبان في صحيحه.

قلت: رواه الشافعي واللفظ له والترمذي وابن ماجه والبيهقي كلهم في النكاح من حديث معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أن غيلان ... الحديث، قال الترمذي: هكذا رواه معمر عن الزهري، وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: هذا غير محفوظ، والصحيح ما روى شعيب وغيره عن الزهري، قال: حدثت عن محمد بن سويد الثقفي أن غيلان ... فذكره، قال محمد: وإنما حدث الزهري عن سالم عن أبيه أن رجلًا من ثقيف طلق نساءه، فقال له عمر: لتراجعن نساءك، أو لأرجمن قبرك كما رجم قبر أبي رغال، انتهى كلامه. وأخرجه مالك في جامع الطلاق من الموطأ عن الزهري بلاغًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬1) وغيلان: بفتح الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف، أسلم يوم الطائف وكان من وجوه ثقيف ومقدمتهم، وكان شاعرًا توفي في آخر خلافة عثمان. (¬2) وفي الحديث دلالة على اختيار أربع، ولا فرق في ظاهر الدلالة بين أن يكون عقد عليهن معًا أو مرتبات، فإنه يجوز إمساك من شاء منهن من الأوائل والأواخر، وهو قول مالك والشافعي وأحمد وجماعة، وذهب الإمام أبو حنيفة وجماعة إلى أنه إن نكحهن معًا فليس له إمساك واحدة منهن، وإن نكحهن متفرقات فيمسك أربعًا من الأوليات، ويفارق الأخريات، وظاهر الحديث مع الأولين مع حديث نوفل الذي بعد هذا. ¬

_ (¬1) أخرج الشافعي (2/ 16) (43)، والترمذي (1128)، وابن ماجه (1953)، والبيهقي (7/ 181 - 182)، ومالك (2/ 586) رقم (76). انظر: العلل الكبير للترمذي (1/ 445)، التلخيص الحبير (3/ 168). ورواية سالم عن أبيه أخرجها الإمام أحمد (2/ 14)، والبزار (113). (¬2) انظر ترجمة غيلان في الإصابة (5/ 330 - 336)، وذكر الحافظ هذا الحديث وقال: وفي إسناده مقال، وفيه غيلان بن سلمة.

2372 - أسلمت وتحتي خمس نسوة، ففال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فارق واحدة وأمسك أربعًا"، فعمدت إلى أقدمهن صحبة عندي عاقر منذ ستين سنة ففارقتها. قلت: رواه الشافعي في مسنده (¬1) في باب أحكام القرآن، فقال: أخبرنا بعض أصحابنا عن أبي الزناد عن عبد المجيد بن سهل بن عبد الرحمن بن عوف عن عوف بن الحارث عن نوفل بن معاوية، قال: أسلمت ... وساقه. 2373 - قلت يا رسول الله إني أسلمت وتحتي أختان، قال: "اختر أيتهما شئت". قلت: رواه الشافعي في أحكام القرآن، وأبو داود في الطلاق والترمذي وابن ماجه في النكاح من حديث الضحاك بن فيروز الديلمي عن أبيه واللفظ للترمذي وقال: حديث حسن، وهذا يؤيد قول من قال: يخير أيتهما شاء ولا تتعين الأولى. (¬2) 2374 - أسلمت امرأة فتزوجت، فجاء زوجها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إني أسلمت وعلمت بإسلامي، فانتزعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من زوجها الآخِر، وردها إلى زوجها الأول. قلت: رواه أبو داود في الطلاق وابن ماجه في النكاح من حديث ابن عباس ولم يضعفه أبو داود. (¬3) وروي أنه قال: إنها أسلمت معي فردّها عليه. قلت: رواه أبو داود في الطلاق والترمذي في النكاح من حديث ابن عباس وقال ¬

_ (¬1) أخرجه الشافعي (1/ 274)، والبيهقي (7/ 184)، وانظر الإرواء (1884). (¬2) أخرجه أبو داود (2243)، والترمذي (1129)، وابن ماجه (1951)، والشافعي (2/ 16)، وإسناده ضعيف فيه أبو وهب الجيشاني، قال البخاري في تاريخه (3/ 249): في إسناده نظر وجهل حاله ابن القطان. وقال الحافظ في التقريب (8508): مقبول. (¬3) أخرجه أبو داود (2239)، وابن ماجه (2008).

الترمذي: حسن صحيح. (¬1) 2375 - وروي: أن جماعةً من النساء ردهن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنكاح الأول على أزواجهن عند اجتماع الإسلامين بعد اختلاف الدين والدار. منهن: بنت الوليد بن المغيرة، كانت تحت صفوان بن أمية، فأسلمت يوم الفتح، وهرب زوجها من الإسلام، فبعث إليه ابن عمه وهب بن عمير برداء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمانًا لصفوان، فلما قدم جعل له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسيير أربعة أشهر، حتى أسلم، فاستقرت عنده. قلت: هذا الحديث رواه مالك في الموطأ مطولًا عن ابن شهاب مرسلًا فقال فيه: عن ابن شهاب أنه بلغه أن نساءكن في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وساقه، بمثل معناه بزيادات، ورواه الشافعي مختصرًا في باب اختلاف مالك والشافعي من طريق مالك هذه، وذكره المصنف (¬2) في شرح السنة بصيغه: وروي، كما ذكره هنا، قال ابن عبد البر: هذا الحديث لا أعلمه يتصل من وجه صحيح، وهو حديث مشهور معلوم عند أهل السير، وابن شهاب إمام أهل السير وعالمهم، وشهرة هذا الحديث أقوى من إسناده، قال: وليس في هذا الباب من المسند الحسن الإسناد، إلا حديث رواه وكيع عن إسماعيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس، وأشار ابن عبد البر بذلك إلى حديث ابن عباس الذي قبل هذا الحديث، وقال مالك: عن ابن شهاب أنه كان بين إسلام صفوان وبين إسلام إمرأته نحو من شهر. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2238)، والترمذي (1144). (¬2) أخرجه مالك في الموطأ (2/ 543 - 545) رقم (44 - 46)، والبغوي (9/ 96). (¬3) انظر: التمهيد لابن عبد البر (12/ 19).

باب المباشرة

قوله: جعل له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسيير أربعة أشهر، أي تمكينه من السير في الأرض آمنًا، قال بعض الشارحين: أضاف المصدر، وهو التسيير إلى الظرف، وهو أربعة أشهر على الاتساع وأصل التسيير الإخراج من بلده إلى أخرى. وأسلمت أم حكيم بنت الحارث بن هشام امرأة عكرمة بن أبي جهل، يوم الفتح بمكة، وهرب زوجها من الإسلام حتى قدم اليمن، فارتحلت أم حكيم حتى قدمت عليه اليمن، فدعته إلى الإسلام فأسلم فثبتا على نكاحهما. قلت: رواه مالك في مراسيل ابن شهاب (¬1)، كالحديث الذي قبله، وقال فيه: وقدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وثب إليه فرحًا وما عليه رداء حتى بايعه فثبتا على نكاحهما. باب المباشرة من الصحاح 2376 - كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قُبلها، كان الولد أحول، فنزلت: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}. قلت: رواه البخاري في التفسير ومسلم وابن ماجه في النكاح والترمذي في التفسير والنسائي في عشرة النساء كلهم من حديث جابر. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في الموطأ (2/ 543 - 545) رقم (44 - 46). (¬2) أخرجه البخاري (4528)، ومسلم (1435)، والترمذي (2978)، والنسائي (8974)، وابن ماجه (1925).

قوله تعالى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أي موضع الزرع من المرأة، وهو قبلها الذي تزرع فيه المنى لابتغاء الولد، وفيه إباحة الوطىء في قبلها أنى شاء، من بين يديها أو من ورائها، وأما الدبر فليس هو بموضع الحرث ولا الزرع، ومعنى {أَنَّى شِئْتُمْ} أي كيف شئتم، واتفق العلماء إلا من شذ منهم، ولم يعتدوا بخلافه, على تحريم وطء المرأة في دبرها حائضًا كانت أو طاهرًا. 2377 - قال جابر: كنا نعزل والقرآن ينزل، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -: فلم ينهنا. قلت: رواه مسلم في النكاح من حديث أبي الزبير عن جابر ولم يخرجه البخاري. (¬1) والعزل: هو أن يجامع، فإذا أراد الإنزال نزع فأنزل خارج الفرج، وكرهه الشافعية في كل حال، وبكل امرأة سواء رضيت أم لا، ولا يحرم في مملوكته ولا في زوجته الأمة ولا في الحرة إن أذنت، وكذا إن لم تأذن في الأصح. 2378 - أن رجلًا أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن لي جارية هي خادمتنا، وأنا أطوف عليها، وأكره أن تحمل؟ فقال: "اعزل عنها إن شئت، فإنه سيأتيها ما قدر لها"، فلبث الرجل ثم أتاه فقال: إن الجارية قد حبلت، فقال: "قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدّر لها". قلت: رواه مسلم وأبو داود في النكاح من حديث جابر ولم يخرجه البخاري أيضًا. (¬2) 2379 - خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة بني المصطلق، فأصبنا سبيًا، فاشتهينا النساء وأحببنا العزل، قلنا: نعزل ورسول الله بين أظهرنا فبل أن نسأله؟، فسألناه عن ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم من رواية أبي الزبير عن جابر (1440)، واتفقا عليه من رواية عطاء عن جابر البخاري (5208)، ومسلم (1440). (¬2) أخرجه مسلم (1439)، وأبو داود (2173).

ذلك؟ لقال: "ما عليكم أن لا تفعلوا، ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة". قلت: رواه البخاري في مواضع: منها هنا وفي القدر وفي التوحيد، ومسلم وأبو داود في النكاح والنسائي في العتق من حديث أبي سعيد. (¬1) وقال محمد بن سيرين: قوله: ما عليكم أن لا تفعلوا، أقرب إلى النهي، وفي بعض طرق البخاري لا عليكم لا تفعلوا، وأما الرواية التي ذكرها المصنف لا عليكم ألا تفعلوا، فمعناها: ما عليكم ضرر في ترك العزل، لأن كل نسمة قدر الله خلقها لا بد أن يخلقها، سواء عزلتم أم لا، وما لم يقدر خلقه لا يقع سواء عزلتم أم لا. وفي الحديث دليل لما قاله مالك وهو الأصح من قولي الشافعي أن الرق يجرى على العرب، لأن بني المصطلق عرب من خزاعة، وقد استرقوهم، ووطئوا سباياهم واستباحوا بيعهم وأخذوا فداهم، وقال الإمام أبو حنيفة: لا يجري عليهم الرق لشرفهم والله أعلم. (¬2) 2380 - سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العزل؟ فقال: "ما من كل الماء يكون الولد، فإذا أراد الله خلق شيء، لم يمنعه شيء". قلت: رواه مسلم في النكاح (¬3) من حديث أبي سعيد. 2381 - أن رجلًا جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني أعزل عن امرأتي؟، فقال: "لم تفعل ذلك؟ " فقال: أشفق على ولدها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو كان ذلك ضارًّا، ضر فارس والروم". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي (4138)، وفي العتق (2542)، وفي النكاح (5210)، ومسلم (1438)، أبو داود (2173)، والنسائي (9088). (¬2) انظر: المنهاج (10/ 14 - 15). (¬3) أخرجه مسلم (1438).

قلت: رواه مسلم في النكاح من حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص أن أسامة بن زيد أخبر والده سعد بن أبي وقاص أن رجلًا ... الحديث. وهو من أفراد مسلم، ولم يخرجه البخاري. (¬1) 2382 - حضرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أناس وهو يقول: "لقد هممت أن أنهي عن الغِيلة، فنظرت في فارس والروم، فإذا هم يُغيلون أولادهم، فلا يضر أولادهم"، ثم سألوه عن العزل؟، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ذلك الوأد الخفي". قلت: رواه الجماعة من حديث جدامة بنت وهب إلا البخاري، فإنه لم يخرجه ولا أخرج عن جدامة شيئًا، وكلهم رووه في النكاح إلا أبا داود، فإنه رواه في الطب. (¬2) وجُدامة: بضم الجيم وفتح الدال المهملة ويقال بالمعجمة، والصحيح الأول. قال الجوهري (¬3): يقال أضرت الغيلة بالكسر بولد فلان: إذا أُتِيَتْ أمه وهي ترضعه، وكذلك إذا حملت أمه وهي ترضعه. والغيل بالفتح: اسم ذلك اللبن، انتهى. واختلف العلماء في المراد بالغيلة في الحديث: فقال مالك في الموطأ والأصمعي وغيره من أهل اللغة هي: أن يجامع الرجل امرأته وهي مرضع، يقال منه: أغال الرجل وأغيل إذا فعل ذلك، وقال ابن السكيت: هي أن ترضع المرأة وهي حامل يقال منه غالت وأغيلت. قال العلماء: وسبب همه - صلى الله عليه وسلم - بالنهي عنها أنه يخاف من ضرر الولد الرضيع، قالوا: والأطباء يقولون: إن ذلك اللبن داء، والعرب تكرهه وتتقيه. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1443). (¬2) أخرجه مسلم (1442)، وأبو داود (3882)، والترمذي (2077)، والنسائي (6/ 106)، وابن ماجه (2011). (¬3) الصحاح للجوهري (5/ 1787).

من الحسان

وفي الحديث جواز الغيلة فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم ينه عنها، قوله - صلى الله عليه وسلم -: يغيلون أولادهم، هو بضم الياء لأنه من أغال يغيل. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ذلك الوأد الخفي" هو بالهمز دفن البنت وهي حية، وكانت العرب تفعله خشية الإملاق، وربما فعلوه خشية العار، والموءودة: هي البنت المدفونة حية، سميت بذلك لأنها تثقل بالتراب. (¬1) 2383 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة: الرجلُ يُفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها". قلت: رواه مسلم في النكاح من حديث أبي سعيد الخدري ولم يخرجه البخاري. (¬2) - وفي رواية: "إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة ... ". قلت: رواها مسلم من حديث أبي سعيد. (¬3) قال القاضي عياض (¬4): هكذا وقع في الرواية. "أشر" بالألف، وأهل النحو يقولون لا يجوز "أشر وأخير" وإنما يقال: "هو خير منه وشر منه" قال: وقد جاءت الأحاديث الصحيحة باللغتين جميعًا، وهي حجة في جوازهما، وأنهما لغتان. والله أعلم. من الحسان 2384 - أُوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ...} الآية "أقْبِل وأدبر، واتق الدبُر والحيضة". ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (10/ 24 - 26). (¬2) أخرجه مسلم (1437). (¬3) أخرجها مسلم (123/ 1437). (¬4) إكمال المعلم (4/ 614).

قلت: رواه الترمذي في التفسير وذكر قصة من حديث ابن عباس، وقال: حسن غريب. (¬1) 2385 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله لا يستحي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن". قلت: رواه الشافعي في أحكام القرآن، والنسائي في عشرة النساء، وابن ماجه في النكاح من حديث خزيمة بن ثابت. (¬2) 2386 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ملعون من أتى امرأة في دُبُرها". قلت: رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه في النكاح من حديث أبي هريرة. (¬3) 2387 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الذي يأتي امرأته في دبرها لا ينظر الله إليه". قلت: رواه في "شرح السنة" بسنده المتصل من حديث أبي هريرة يوفعه ورواه البيهقي (¬4) بنحوه. 2388 - ويُروى: "لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلًا أو امرأة في الدبر". قلت: رواه الترمذي في النكاح، والنسائي في عشرة النساء من حديث ابن عباس. (¬5) 2389 - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تقتلوا أولادكم سرًّا، فإن الغيل يدرك الفارس فَيُدَغْثِره". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2980). (¬2) أخرجه الشافعي (2/ 29) (90)، والنسائي في الكبرى (8985)، وابن ماجه (1924) وإسناده صحيح، انظر الإرواء (2005). (¬3) أخرجه أبو داود (2162)، والنسائي (9014) (9015)، وابن ماجه (1932). (¬4) أخرجه البغوي في شرح السنة (2297)، والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 198)، وفي شعب الإيمان (4/ 355)، وكذلك أخرجه أحمد (2/ 344)، وابن ماجه (1923). (¬5) أخرجه الترمذي (1165)، وقال: حديث حسن غريب، والنسائي (9001).

فصل

قلت: رواه أبو داود في الطب، وابن ماجه في النكاح من حديث أسماء بنت يزيد، والله أعلم. (¬1) والغيل: بالفتح قدمنا أنه اسم لبن المرأة التي وطئت وهي ترضع. ويدعثره: بعين مهملة وثاء مثلثة مكسورة وراء مهملة أي: يصرعه ويهلكه بعد ما صار رجلًا. فصل من الصحاح 2390 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها في بريرة: "خذيها فأعتقيها"، وكان زوجها عبدًا، فخبرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاختارت نفسها، ولو كان حرًّا لم يخيرها. قلت: رواه مسلم والترمذي كلاهما في النكاح وأبو داود والنسائي كلاهما في الطلاق، كلهم بهذا اللفظ من حديث عروة عن (¬2) عائشة. 2391 - كان زوج بريرة عبدًا أسود، يُقال له: مُغيث، كأني أنظر إليه يطوف خلفها في سكك المدينة يبكي، ودموعُه تسيل على لحيته، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للعباس: "يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة، ومن بغض بريرة مغيثًا؟ "، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو راجعتيه"، فقالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال: "إنما أشفع"؛ قالت: لا حاجة لي فيه". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3881)، وابن ماجه (2012). (¬2) أخرجه مسلم (1504)، وأبو داود (3929)، والترمذي (2124)، والنسائي (7/ 305).

من الحسان

قلت: رواه البخاري وأبو داود وابن ماجه في الطلاق (¬1)، والنسائي في القضاء من حديث ابن عباس. تنبيه: روى البخاري من حديث الأسود عن عائشة أن زوج بريرة كان حرًّا، فلما عُتقت خيرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاختارت نفسها، قال المنذري (¬2) وجماعات من الحفاظ: قوله، كان حرًّا: هو من كلام الأسود بن يزيد، جاء ذلك مفسرًا وإنما وقع مدرجًا في هذا الحديث، قال البخاري: وقول الأسود: كان حرًّا منقطع (¬3)، وقول ابن عباس: رأيته عبدًا أصح. انتهى كلامه. قال المنذري وغيره: وقد روي عن الأسود عن عائشة أن زوجها كان عبدًا، فاختلفت الرواية عن الأسود ولم يختلف عن ابن عباس وغيره ممن قال: كان عبدًا، ثم إن عائشة عمة القاسم بن محمد، وخالة عروة بن الزبير، وقد رويا عنها أنه عبد، وروايتهما أولى من أجنبي، يسمع كلامها من وراء حجاب، وهما يدخلان عليها ويباشران الأخذ عنها، ثم لو تعارضت الروايات عن عائشة فحديث ابن عباس بأنه كان عبدًا لا معارض له، وقال إبراهيم بن أبي طالب: خالف الأسود الناس في زوج بريرة، فقال: إنه حر، وقال الناس: إنه عبد. من الحسان 2392 - أنها أرادت أن تعتق مملوكين لها، زوجين، فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فأمرها أن تبدأ بالرجل قبل المرأة". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5283)، والنسائي (8/ 245 - 246)، وأبو داود (2231)، وابن ماجه (2075). (¬2) مختصر السنن (3/ 148). (¬3) انظر فتح الباري (12/ 41) تعليقًا على قوله "وقول الأسود منقطع".

باب الصداق

قلت: رواه أبو داود في الطلاق، والنسائي فيه وفي العتق وابن ماجه في الأحكام من حديث عائشة، وفي إسناده عبد الله بن عبد الرحمن بن موهب، وقد ضعفه ابن معين، وقال مرة: ثقة، وقال النسائي: ليس بذاك القوي. (¬1) 2393 - أن بريرة عُتقت وهي عند مغيث، فخيرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال لها: "إن قرُبك، فلا خيار لك". قلت: رواه أبو داود في الطلاق من حديث عائشة، وفي إسناده محمد بن إسحق. (¬2) باب الصداق من الصحاح 2394 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءته امرأة، فقالت: يا رسول الله! إني وهبت نفسي لك، فقامت طويلًا، فقال رجل: يا رسول الله زوجنيها إن لم تكن لك فيها حاجة؟، فقال: هل عندك من شيء تصْدقُها؟ قال: ما عندي إلا إزاري هذا، قال: فالتمس ولو خاتمًا من حديد، فالتمس فلم يجد شيئًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هل معك من القرآن شيء؟ " قال: نعم، سورة كذا وسورة كذا، فقال: "قد زوجتكها بما معك من القرآن". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2237)، والنسائي (6/ 161)، وابن ماجه (2532). وإسناده ضعيف. عبد الله بن عبد الرحمن بن موهب التيمي، ويقال له: عبد الله، قال الحافظ في التقريب (4343): ليس بالقوي. (¬2) أخرجه أبو داود (2236). وإسناده ضعيف فيه عنعنة ابن إسحاق وهو مدلس، انظر الإرواء (1908).

قلت: رواه مالك والشافعي والجماعة كلهم هنا من حديث سهل بن سعد الساعدي. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "انظر ولو خاتمًا من حديد" وفي بعض نسخ مسلم، "ولو خاتم من حديد" الأول واضح، وأما الثاني فله وجه صحيح أي ولو حضر خاتم. وقول المرأة: إني وهبت نفسي لك، وسكوت النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيه دليل على جواز هبة المرأة نكاحها له - صلى الله عليه وسلم -، كما قال تعالى {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}، فهذه الآية والحديث دليلان لذلك، فإذا وهبت المرأة نفسها له - صلى الله عليه وسلم - فتزوجها بلا مهر حل له ذلك، ولا يجب عليه بعد ذلك مهرٌ بالدخول ولا بالوفاة، ولا بغير ذلك، بخلاف غيره، فإنه لا يخلو نكاحه عن مهر إلا فيما استثني. قال الخطابي (¬2): وفيه جواز تزويج المرأة من غير أن تسأل هل هي في عدة أم لا، حملًا على ظاهر الحال انتهى. وقد قال الشافعي لا يزوج القاضي المرأة حتى يشهد عدلان أنها ليست في عدة ولا زوجية، ولا لها ولي حاضر، فمن أصحابه من قال: هذا شرط، والأصح عندهم أنه استحباب واحتياط وليس بشرط. وفيه أن يجوز إصداق القليل والكثير، ونقل عن الإمام أبي حنيفة أن أقله عشرة دراهم. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "زوجتكها بما معك من القرآن"، قال بعض العلماء: والباء في قوله: بما معك، ليست للمقابلة بل للسببية، والمراد كما وهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم -، لعلها وهبت ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في الموطأ (2/ 526)، والشافعي (2/ 7 - 8)، والبخاري (5135)، ومسلم (1425)، وأبو داود (2111)، والنسائي (6/ 54، 91، 113، 123)، وابن ماجه (1889). (¬2) انظر: معالم السنن (3/ 181).

من الحسان

صداقها لذلك الرجل، قالوا: والمعنى زوجتها منك بسبب ما معك من القرآن، وقال الخطابي (¬1): هي باء التعويض كما يقال: بعت هذا الثوب بدينار، ولو كان معناه ما أولوه، لم يكن لسؤاله - صلى الله عليه وسلم -: هل معك من القرآن شيء، معنى، لأن التزويج ممن لا يحسن القرآن جائز، جوازه ممن يحسنه انتهى، فتلخص أن معنى الكلام: زوجتكها بتعليم ما معك من القرآن. - ويروي: قد زوّجتكها فعلمها. قلت: رواها البخاري في باب التزويج على القرآن وعلى غير صداق. (¬2) 2395 - وسُئلتْ عن صداقِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: "كان صداقُه لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونشًا، قالت: أتدري ما النش؟ نصف أوقية، فتلك خمسمائة درهم". قلت: رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه هنا من حديث عائشة (¬3). والسائل لعائشة هو: أبو سلمة بن عبد الرحمن ولم يخرج البخاري هذا الحديث، والمراد أوقية الحجاز: وهي أربعون درهمًا. والنش: بنون مفتوحة ثم شين معجمة. من الحسان 2396 - " ألا لا تُغالوا صدُقة النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، وتقوى عند الله، لكان أولاكم بها نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، ما علمت رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - نكح شيئًا من نسائه، ولا أنكح شيئًا من بناته على أكثر من اثنتي عشرة أوقية". ¬

_ (¬1) المصدر السابق (3/ 181). (¬2) أخرجها البخاري (5149)، ولم أر فيه لفظ " ... فعلّمها". (¬3) أخرجه مسلم (1426)، وأبو داود (2105)، والنسائي (6/ 116)، وابن ماجه (1886).

قلت: رواه الأربعة هنا من حديث عمر بن الخطاب (¬1). وقال الترمذي: حسن صحيح، انتهى، وفي سنده أبو العجفاء يقال اسمه: هرم، وقيل: نشيب، وقيل: هرم بن نشيب. قال يحيى بن معين: بصري ثقة. قال البخاري: وفي حديثه نظر، وقال أحمد الكرابيسي: حديثه ليس بالقائم. والمكرمة: بفتح الميم وسكون الكاف وضم الراء المهملة واحدة المكارم. 2397 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أعطى في صداق امرأته ملأ كفيه سويقًا أو تمرًا فقد استحل". قلت: رواه أبو داود هنا من حديث جابر بن عبد الله وفي إسناده موسى بن مسلم وهو ضعيف (¬2). قال أبو داود: وبعضهم رواه موقوفًا. 2398 - أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل من بني فزارة، ومعه امرأة له، فقال: إني تزوجتها بنعلين، فقال لها: "رضيت؟ " قالت: نعم ولو لم يعطني لرضيت، قال: "شأنك وشأنها". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه هنا من حديث عامر بن ربيعة، ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2106)، والترمذي (1114)، والنسائي (6/ 117)، وابن ماجه (1887). وإسناده ضعيف، فإن أبا العجفاء: ضعيف، يعتبر به عند المتابعة وقد تفرد به. وقد وثقه ابن معين، والدارقطني ولكن جرحه البخاري بعد أن ذكر له هذا الحديث، وقال: وفي حديثه نظر. وقال الحافظ ابن حجر في التقريب (8309): مقبول، وانظر أقوال العلماء فيه في تهذيب الكمال (34/ 78 - 81)، وذكر المزي هذا الحديث، والجرح والتعديل (9/ ت 464). (¬2) أخرجه أبو داود (2110) وإسناده ضعيف. وموسى بن مسلم قال الحافظ في التقريب (7060): ضعيف.

وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬1) 2399 - أنه سُئل عن رجل تزوج امرأة، ولم يفرض لها شيئًا، ولم يدخل بها حتى مات؟ فقال ابن مسعود: لها مثل صداق نسائها، وعليها العدة، ولها ميراث. فقام معقل بن سنان الأشجعي، فقال: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بروع بنت واشق امرأة منا بمثل ما قضيت، ففرح بها ابن مسعود. قلت: رواه الأربعة هنا وابن حبان في صحيحه من حديث علقمة، عن ابن مسعود، واللفظ للترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. (¬2) ومعقل: بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف. وسنان بكسر السين المهملة وبالنون المفتوحة، وبعد الألف نون. وبروع: بكسر الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وفتح الواو وبعدها عين مهملة هذا هو المشهور، وقيل بفتح الباء. وقيل: تزوع: بكسر التاء ثالثة الحروف وزاي ساكنة. وواشق: بفتح الواو وبعد الألف شين معجمة مكسورة. قال الشافعي: إن صح حديث بروع بنت واشق فلا حجة في قول أحد دون النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإن لم يثبت فلا مهر لها ولها الميراث، وجمهور أصحاب الشافعي على أن لا مهر، وقال أبو حنيفة رحمه الله يجب المهر، واختاره النووي من الشافعية وجماعة. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1113)، وابن ماجه (1888). وإسناده ضعيف لضعف عاصم بن عبيد الله وهو ابن عاصم بن عمر بن الخطاب وهذا الحديث مما استنكره عليه أبو حاتم الرازي في العلل (1/ 424). وقال الحافظ في التقريب (3082): ضعيف. (¬2) أخرجه أبو داود (2115)، والنسائي (6/ 121)، والرمذي (1145)، وابن ماجه (1891)، وابن حبان (4098)، (4099) وإسناده صحيح. (¬3) انظر: شرح السنة للبغوي (9/ 126 - 127).

باب الوليمة

باب الوليمة من الصحاح 2400 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة، فقال: "ما هذا؟ " قال: إني تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب، قال: "بارك الله لك، أولم ولو بشاة". قلت: رواه الجماعة كلهم في النكاح من حديث أنس. (¬1) قوله: أثر صفرة معناه: أنه يعلق به أثر من الزعفران وغيره من طيب العروس ولم يقصده. قوله: "وزن نواة" قيل هو اسم لما زنته خمسة دراهم ذهبًا كان أو فضة، كما يقال للعشرين: نش، وللأربعين: أوقية. وقيل: كانت قدر نواة من ذهب، قيمتها خمسة دراهم، وقيل: ربع دينار والأول أشهر. قوله - صلى الله عليه وسلم -: أولم، الوليمة: الطعام المتخذ للعرس، والصحيح عند الشافعي أنها مستحبة، وليست بواجبة، ويحمل الأمر على الندب، قال القاضي عياض: الأصح عند مالك وغيره أنه يستحب فعل وليمة العرس بعد الدخول، وعند جماعة يستحب عند العقد، وعند ابن حبيب: عند العقد، وعند الدخول، انتهى كلامه، ولم أر لأصحابنا من الشافعية تصريحًا بوقت العرس ابتداء وانتهاء، وقال الماوردي -من أصحابنا-: يستحب عند الدخول، وهو كلام يحتمل أن يريد به قبل الدخول أو بعده، والله أعلم. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5148)، ومسلم (1427)، وأبو داود (2109)، والترمذي (1094)، والنسائي (6/ 128)، وابن ماجه (1907).

2401 - ما أولم النبي - صلى الله عليه وسلم - على أحد من نسائه ما أولم على زينب، أولم بشاة. قلت: رواه البخاري ومسلم وابن ماجه في النكاح، وأبو داود في الأطعمة والنسائي في الوليمة من حديث أنس. (¬1) 2402 - أولم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين بنى على زينب بنت جحش، فأشبع الناس خبزًا ولحمًا. قلت: رواه الشيخان من حديث أنس أيضًا. (¬2) 2403 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعتق صفية وتزوجها، وجعل عتقها صداقتها، وأولم عليها بحيس. قلت: رواه الشيخان من حديث أنس أيضًا. (¬3) واختلف في معنى قوله: وجعل عتقها صداقها، والصحيح الذي اختاره المحققون أنه أعتقها تبرعًا بلا عوض ولا شرط، ثم تزوجها برضاها بلا صداق، وهذا من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - أنه يجوز نكاحه بلا مهر، لا في الحال ولا في المآل بخلاف غيره، وقد تقدم. وقيل معناه: شرط عليها أن يعتقها ويتزوجها، فقبلت فلزمها الوفاء به، وقيل: أعتقها وتزوجها على قيمتها وكانت مجهولة، وكل ذلك من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -. واختلف العلماء فيمن أعتق أمته على أن تتزوج به، ويكون عتقها صداقًا، فقال الجمهور: لا يلزمها أن تتزوج به، ولا يصح هذا الشرط، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك ومحمد بن الحسن وزفر، قال الشافعي: فإن أعتقها على هذا الشرط فقبلت عتقت، ولا يلزمها أن تتزوج به، بل له عليها قيمتها، لأنه لم يرض بعتقها مجانًا، فإن ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5168)، ومسلم (1428)، وأبو داود (3743)، والنسائي (6908)، وابن ماجه (1908). (¬2) أخرجه البخاري (4794)، ومسلم (1428). (¬3) أخرجه البخاري (5169)، ومسلم (1365).

تزوجها استحقت عليه المهر، وإن تزوجها على قيمتها التي استحقها عليها، فإن كانت معلومة صح الصداق، وإن كانت مجهولة فلا، في الأصح، وقال أحمد وأبو يوسف وجماعة: يجوز أن يعتقها على أن تتزوج به، ويكون عتقها صداقها، ويلزمها ذلك، ويصح الصداق أخذًا بظاهر لفظ الحديث. (¬1) 2404 - أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بين خيبر والمدينة ثلاث ليال، يبني عليه بصفية، فدعوت المسلمين إلى وليمته، وما كان فيها من خبز ولا لحم، وما كان فيها إلا أن أمر بالأنطاع فبُسطت، فألقي عليها التمر والأقط والسمن. قلت: رواه البخاري في غزوة خيبر من حديث أنس، ولم يخرج مسلم هذا اللفظ. (¬2) 2405 - أولم النبي - صلى الله عليه وسلم - على بعض نسائه بمُدّين من شعير. قلت: رواه البخاري في باب: من أولم بأقل من شاة، من حديث صفية بنت شيبة ولم يخرجه مسلم. (¬3) تنبيه: اختلف الحفاظ في حديث البخاري هذا، هل هو مُرسل أو مسند؟ وذلك بسبب اختلافهم في صفية بنت شيبة هل هي صحابية؟ قال الدارقطني: ولا يصح رؤيتها للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وذكرها ابن عبد البر في الصحابة. (¬4) وقد أخرج أبو داود وابن ماجه (¬5) عن صفية بنت شيبة أنها قالت: لما اطمأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة عام الفتح، طاف على بعيره يستلم الركن بمحجن في يده، ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (9/ 314 - 315). (¬2) أخرجه البخاري (4213). (¬3) أخرجه البخاري (5172). (¬4) وصفية بنت شيبة بن عثمان لها رؤية وحدثت عن عائشة وغيرها من الصحابة، وفيها خلاف، انظر تهذيب الكمال (35/ 211)، والإصابة (4/ 348)، وأسد الغابة (7/ 172)، وتحفة الأشراف (11/ 342). (¬5) أخرجه أبو داود (1878)، وابن ماجه (2947) بإسناد صحيح.

قالت: وأنا أنظر إليه، قال الحافظ عبد العظيم: وصفية هذه أخرج لها البخاري حديثًا، وقيل: إنها ليست صحابية، وإن الحديث مرسل، حكي ذلك عن النسائي وأبي بكر البرقاني، وقد ذكرها ابن السكن في الصحابة، وقال بعضهم لها رؤية، وهذا الحديث الذي ذكره أبو داود تقول فيه: وأنا أنظر إليه. وقد أخرج ابن ماجه عنها أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب عام الفتح، غير أن هذين الحديثين من رواية محمد بن إسحاق. 2406 - "إذا دُعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها". قلت: رواه الشيخان، ومالك، وأبو داود. (¬1) وهذا يدل لما ذهب إليه الشافعي وجماعة أن إجابة وليمة العرس فرض على كل من دعي إليها، لكن تسقط بأعذار مذكورة في كتب الفقه. - وفي رواية: "فليجب عُرسًا كان أو نحوه". قلت: رواها مسلم وأبو داود كلاهما من حديث ابن عمر. (¬2) 2407 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا دُعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن شاء طَعِم، وإن شاء ترك". قلت: رواه مسلم في النكاح، وأبو داود وابن ماجه، وقال فيه: وهو صائم من حديث جابر، ولم يخرجه البخاري. (¬3) 2408 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "شر الطعام طعام الوليمة: يدْعى لها الأغنياء، ويُترك الفقراء، ومن ترك الدعوة، فقد عصى الله ورسوله". ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في الموطأ (2/ 546)، والبخاري (5173)، ومسلم (1429)، وأبو داود (3736). (¬2) أخرجه مسلم (1429)، وأبو داود (3738). (¬3) أخرجه مسلم (1430)، وأبو داود (3740)، وابن ماجه (1750) (1751).

من الحسان

قلت: رواه البخاري بهذا اللفظ، ومسلم وابن ماجه في النكاح، وأبو داود في الأطعمة والنسائي في الوليمة من حديث ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة موقوفًا على أبي هريرة غير مرفوع (¬1) وأخرج مسلم من حديث ثابت بن عياض عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "شر الطعام طعام الوليمة يمنعها من يأتيها، ويدعى إليها من يأباها، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله". ولم يخرج البخاري هذا المرفوع. (¬2) 2409 - كان رجل من الأنصار يُكنى أبا شُعيب كان له غلام لحام، فقال: اصنع لي طعامًا يكفي خمسة، لعلي أدعو النبي - صلى الله عليه وسلم - خامس خمسة، فصنع له طعيمًا، ثم أتاه فدعاه، فتبعهم رجل، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا أبا شُعيب إن رجلًا تبعنا، فإن شئت أذنت له، وإن شئت تركته"، قال: لا، بل أذنت له. قلت: رواه البخاري في البيوع وفي غيره، ومسلم في الأطعمة والترمذي في النكاح، والنسائي هنا من حديث أبي مسعود الأنصاري واسمه عقبة بن عمرو. (¬3) من الحسان 2410 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوْلم على صفية بسويق وتمر. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5177)، ومسلم (1432)، وابن ماجه (1913)، وأبو داود (3742)، والنسائي (6613). (¬2) أخرجه مسلم (1432). (¬3) أخرجه البخاري (5461)، ومسلم (2036)، والترمذي (1099)، والنسائي في الكبرى (6614).

قلت: رواه الأربعة: أبو داود في الأطعمة، والترمذي وابن ماجه في النكاح، والنسائي هنا من حديث أنس، ومعناه ثابت في الصحيحين. (¬1) 2411 - أن رجلًا ضاف علي بن أبي طالب، فصنع له طعامًا، فقالت فاطمة: لو دعونا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأكل معنا، فدعوه، فجاء فوضع يديه على عِضادتي الباب، فرأى القرام قد ضُرب في ناحية البيت فرجع، قالت فاطمة: فتبعته، فقلت: يا رسول الله ما ردّك؟ قال: "إنه ليس لي أو لنبي أن يدخل بيتًا مُزَوّقًا". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه في الأطعمة (¬2) من حديث سفينة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي سنده سعيد بن جمهان وهو صدوق، وقال أبو حاتم الرازي: لا يُحتج به. قوله: أن رجلًا ضاف علي بن أبي طالب: أي صار ضيفًا له. عضادتي الباب: هما خشبتاه من جانبيه. والقرام: بكسر القاف وبعدها راء مهملة وألف وميم، وهو الستر الرقيق، وراء الستر، ويُؤيده أنه قد جاء في الحديث، قرام ستر أي ستر لستر، وقيل هو ثوب من صوف فيه ألوان يُتخذ سترًا. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس لي أو لنبي، هكذا هو في نسخ أبي داود وفي المصابيح أو لنبي بألف وواو. وقال في النهاية (¬3): ليس لي ولنبي بواو بغير ألف، والمزوق: المزَين. 2412 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من دعي إلى وليمة فلم يجب فقد عصى الله ورسوله، ومن دخل على غير دعوة دخل سارقًا وخرج مُغيرًا". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3744)، والترمذي (1095)، والنسائي (6601)، وابن ماجه (1909). (¬2) أخرجه أبو داود (3755)، وابن ماجه (3360). وفيه سعيد بن جمهان قال الحافظ في التقريب (2292): صدوق له أفراد. (¬3) النهاية لابن الأثير (2/ 319).

قلت: رواه أبو داود في الأطعمة (¬1). وفي سنده أبان بن طارق البصري، سُئل عنه أبو زرعة الرازي فقال: شيخ مجهول، وقال أبو أحمد بن عدي: أبان بن طارق لا يُعرف إلا بهذا الحديث، وهذا الحديث معروف به، وفي إسناده أيضًا دُرست بن زياد وهو ضعيف. والدعوة: بفتح الدال هي الطعام المدعو إليه، وضم الدال فيه خطأ. 2413 - وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا اجتمع الداعيان فأجب أقربهما بابًا، وإن سبق أحدهما فأجب الذي سبق". قلت: رواه أبو داود في الأطعمة (¬2) من حديث حميد بن عبد الرحمن الحميري عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يرفعه، وفي سنده يزيد بن عبد الرحمن المعروف بالدالاني، قال الذهبي في المغني: مشهور حسن الحديث، قال أحمد: لا بأس به، وقال ابن حبان: فاحش الوهم لا يجوز الاحتجاج به وقد تقدم. 2414 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "طعام أول يوم حق، وطعام يوم الثاني سنة، وطعام يوم الثالث سُمْعة، ومنْ سَمّعَ سَمّعَ الله به". قلت: رواه الترمذي في النكاح بهذا اللفظ من حديث ابن مسعود، وقال: لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث زياد بن عبد الله، وزياد بن عبد الله كثير الغرائب والمناكير، وسمعت محمد بن إسماعيل يذْكر عن محمد بن عقبة قال: قال وكيع: زياد بن عبد الله مع شرفه يكذب في الحديث، ورواه بمعناه أبو داود في الأطعمة عن رجل من أصحاب ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3741)، وابن عدي في الكامل (1/ 380 - 381) ضمن ترجمة أبان ابن طارق. وترجم له الحافظ في التقريب (140) وقال: مجهول. ودرست بن زياد ذكره الحافظ في التقريب (1834) وقال: ضعيف. (¬2) أخرجه أبو داود (3756) وإسناده ضعيف. فيه يزيد بن عبد الرحمن، ذكره الحافظ في التقريب، (7800) وقال: صدوق ربما وهم. وانظر: العلل ومعرفة الرجال للإمام أحمد (1/ 423)، والميزان (4/ 432)، وقول الذهبي في المغني في الضعفاء (2/ 751) رقم (7122).

النبي - صلى الله عليه وسلم - وابن ماجه في النكاح من حديث أبي هريرة وقالا: "في اليوم الثالث رياءً وسمعة". (¬1) قوله: "ومَن سَمّعَ سَمّعَ الله به" قال في الفائق (¬2): التسمعة: أن يُسْمع الناس عمله وينوه به على سبيل الرياء، يقال إنما يفعل هذا تسمعة وتريئة أي ليسمع به ويُرى ومعنى سمع الله به: أي نوه الله بريائه وتسميعه، وقرع به أسماع خلقه فأشهروه بذلك، فيفتضح فينعكس مقصودة. 2415 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نهى عن طعام المتباريَيْن أن يؤكل". قلت: رواه أبو داود في الأطعمة (¬3) من حديث جرير بن حازم عن الزبير ابن حريث قال: سمعت عكرمة يقول: كان ابن عباس يقول: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى ... وساقه، قال أبو داود: وأكثر من رواه عن جرير لا يذكر فيه ابن عباس، يريد أن أكثر الرواة أرسلوه. والمتباريان: هما المتعارضان بفعلهما ليعجز أحدهما الآخر بصنيعه، يقال: تبارى الرجلان إذا فعل كل واحد منهما مثل صاحبه ليرى أيهما يغلب صاحبه. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1097)، وابن ماجه (1915) وإسناده ضعيف. في إسناده زياد بن عبد الله وهو البكائي قال الحافظ في التقريب (2096) صدوق ثبت في المغازي وفي حديثه عن غير ابن إسحاق لين ولم يثبت أن وكيعًا كذبه، وانظر: التلخيص الحبير (3/ 195)، ورواه أبو داود بمعناه عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - (3745). (¬2) انظر: الفائق للزمخشري (2/ 196). (¬3) أخرجه أبو داود (3754)، وأخرجه -مرسلًا- البغوي في مسند ابن الجعد (2/ 1112) رقم (3257)، والحاكم -متصلًا- (4/ 128) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، والبيهقي (7/ 274)، وقال البغوي في شرح السنة (9/ 144): أن الصحيح: عن عكرمة مرسل.

باب القسم

باب القَسْم من الصحاح 2416 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبض عن تسع نسوة، فكان يقسِمُ منهن لثمان. قلت: رواه الشيخان في النكاح من حديث ابن عباس. (¬1) والتسع: عائشة، وحفصة، وسودة، وزينب، وأم سلمة، وأم حبيبة، وميمونة، وجويرية، وصفية رضي الله عنهن. ويقال: نِسوة ونُسوة: بالكسر والضم لغتان، الكسر أفصح وأشهر، وبه جاء القرآن العزيز. 2417 - أن سودة لما كبرت قالت: يا رسول الله قد جعلت يومي منك لعائشة، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقسم لعائشة يومين: يومها ويوم سودة. قلت: رواه البخاري ومسلم في النكاح والنسائي في عشرة النساء من حديث عائشة. (¬2) وفي رواية: كانت سودة أول امرأة تزوجها بعدي، تعني بذلك عقد عليها بعد العقد علي، وأما الدخول فكانت سودة قبلها رضي الله عنها. 2418 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسأل في مرضه الذي مات فيه: "أين أنا غدًا؟ أين أنا غدًا؟ " يريد يوم عائشة، فأذن له أزواجه يكون حيث شاء فكان في بيت عائشة، حتى مات عندها. قلت: رواه البخاري في النكاح بهذا اللفظ، ومسلم في الفضائل ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5067)، ومسلم (1465). (¬2) أخرجه البخاري (5212)، ومسلم (1463)، والنسائي في الكبرى (8934).

بنحوه كلاهما من حديث عائشة. (¬1) 2419 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا أراد سفرًا، أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه. قلت: رواه الشيخان في حديث الإفك من حديث عائشة رضي الله عنها. (¬2) وبهذ قال العلماء لكنه محمول عند الشافعية على غير سفر النقلة، أما سفر النقلة فلا يجوز أن يستصحب البعض ويترك الباقي مع وكيله أو غيره، سواء كان ذلك بقرعة أو بغير قرعة لا يجوز. 2420 - من السنة إذا تزوج البكر على امرأته، أقام عندها سبعًا وقَسَم، وإذا تزوج الثيب، أقام عندها ثلاثًا ثم قسم. قال أبو قلابة: ولو شئتُ لقلت: إن أنسًا رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. قلت رواه: الجماعة إلا النسائي من حديث أبي قلابة عن أنس، ولم يقل ابن ماجه ما قاله أبو قلابة "ولا، من السنة". (¬3) 2421 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين تزوج أم سلمة وأصبحت عنده، قال لها: "ليس بك على أهلك هوان، وإن شئت سبعتُ عندك، وسبعتُ عندهن، وإن شئت ثلّثتُ عندك ودرتُ" قالت: ثَلِّث. قلت: رواه مسلم في النكاح من حديث أبي بكر بن عبد الرحمن عن أم سلمة ورواه أيضًا من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن ولم يقل عن أم سلمة، ورواه أبو داود وابن ماجه في النكاح. والنسائي في عشرة النساء. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5217)، ومسلم (2443). (¬2) أخرجه البخاري (2688)، ومسلم (2770). (¬3) أخرجه البخاري (5214)، ومسلم (1461)، وأبو داود (2124)، والترمذي (1139)، وابن ماجه (1916). (¬4) أخرجه مسلم (1460)، وأبو داود (2122)، وابن ماجه (1917)، والنسائي (8925).

من الحسان

- ويروى أنه قال لها: "للبكر سبع وللثيب ثلاث". قلت: رواها مسلم في النكاح أيضًا. (¬1) من الحسان 2422 - روي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقسم بين نسائه فيعدل، ويقول: "اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك". قلت: رواه الأربعة هنا من حديث عائشة. (¬2) وذكر الترمذي والنسائي أنه روي مرسلًا. وقال الترمذي: إن المرسل أصح. وأراد به - صلى الله عليه وسلم - مَيْل القلب، وهو لا يملك ابن آدم دفعه، وهذا منه - صلى الله عليه وسلم - تعليم لنا. 2423 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كان عند الرجل امرأتان، فلم يعدل بينهما، جاء يوم القيامة وشِقّه ساقط". قلت: رواه الأربعة هنا من حديث أبي هريرة يرفعه، وقال الترمذي: ولا يعرف مرفوعًا إلا من حديث همام بن يحيى. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجها مسلم (1460). (¬2) أخرجه أبو داود (2134)، والترمذي (1140)، والنسائي (7/ 63 - 64)، وابن ماجه (1971) والمرسل أقرب إلى الصواب كما قال الدارقطني في العلل، انظر: نصب الراية (3/ 214)، وخلاصة البدر المنير (2/ 177)، والإرواء (2018). (¬3) أخرجه أبو داود (3133)، والترمذي (1141)، والنسائي (7/ 63)، وابن ماجه (1969) وإسناده صحيح، وصححه الحاكم (2/ 186) وقال: على شرط الشيخين، وقال الخطابي في معالم السنن (3/ 218 - 219): في هذا دلالة على توكيد وجوب القسم بين الضرائر الحرائر، وإنما المكروه من الميل هو ميل العشرة الذي يكون معه بخس الحق دون ميل القلوب، فإن القلوب لا تملك فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسوى في القسم بين نسائه.

باب عشرة النساء وما لكل واحدة من الحقوق

باب عشرة النساء وما لكل واحدة من الحقوق من الصحاح 2424 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "استوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج". قلت: رواه البخاري في بدء الخلق وفي النكاح ومسلم فيه والنسائي في عشرة النساء من حديث أبي هريرة. (¬1) والضلع: بكسر الضاد وفتح اللام. 2425 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها استمتعت وبها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها". قلت: رواه مسلم في النكاح من حديث أبي هريرة. (¬2) قال النووي (¬3): العوج: ضبطه بعضهم هنا بفتح العين، وبعضهم بكسرها، ولعل الفتح أكثر، قال: وضبطه الحافظ أبو القاسم بن عساكر وآخرون بالكسر، وهو الأرجح. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء (3331)، وفي النكاح (5186)، ومسلم (1468)، والنسائي في الكبرى (9140). (¬2) أخرجه مسلم (1468). (¬3) المنهاج (10/ 83 - 84).

قال أهل اللغة: العوج: بالفتح في كل منتصب كالحائط والعود ونحو ذلك، وبالكسر ما كان من كلام أو معاش أو دين. يقال: فلان في دينه عوج بالكسر. وقال صاحب المطالع: قال أهل اللغة: العوج بالفتح في كل شخص مرئي، وبالكسر فيما ليس بمرئي كالرأي والكلام، وانفرد عنهم أبو عمرو الشيباني فقال: كلاهما بالكسر. انتهى كلام النووي. 2426 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يفْرَكْ مؤمن مؤمنةً، إن كره منها خلقًا رضي منها آخر". قلت: رواه مسلم في النكاح من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬1) ويفرك: بفتح الياء والراء وإسكان الفاء بينهما، قال أهل اللغة: فركه بكسر الراء، يفركه بفتحها إذا أبغضه، والفرك بفتح الفاء وإسكان الراء البغض، قال القاضي (¬2): هذا ليس هو على النهي بل هو خبر أي لا يقع منه بغض تام لها، قال: وبغض الرجال للنساء خلاف بغضهن لهم، ولهذا قال: إن كره منها خلقًا رضي منها آخر. قال النووي (¬3): وما قاله ضعيف أو غلط، والصواب أنه نهي، أي لا ينبغي أن يبغضها لأنه إن وجد فيها خلقًا يكرهه وجد فيها خلقًا مرضيًا، بأن تكون شرسة الخلق لكنها دينة، أو جميلة، أو عفيفة، أو رفيقة أو نحو ذلك، وهذا الذي ذكرته متعين لوجهين، أحدهما: أن المعروف في الروايات "لا يفرك" بإسكان الكاف لا برفعها، وهذا يتعين فيه النهي، ولو روي مرفوعًا لكان نهيًا بلفظ الخبر، والثاني: أنه وقع ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1469). (¬2) انظر: إكمال المعلم (4/ 680). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (10/ 85 - 86).

خلافه، فبعض الناس يبغض زوجته بغضًا شديدًا، ولو كان خبرًا لم يقع خلافه، وهذا واقع. انتهى. 2427 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر". قلت: رواه البخاري في أحاديث الأنبياء ومسلم في النكاح. (¬1) يخنز: بفتح الياء وسكون الخاء المعجمة وفتح النون وكسرها وبالزاى المعجمة بمعنى: ينتن، والماضي منه خنز بكسر النون وفتحها، وقال العلماء: ومعناه أن بني إسرائيل لما أنزل الله عليهم المن والسلوى نهوا عن ادخارهما، فادخروا ففسد وأنتن، واستمر من ذلك الوقت. وقوله: ولولا حواء، بالمد سميت بذلك لأنها: أم كل حي، قيل ولدت لآدم - صلى الله عليه وسلم - أربعين ولدًا في عشرين مرة، كل بطن ذكر وأنثى، قيل: خلقت من ضلع آدم قبل دخول الجنة، وقيل: في الجنة. ومعنى الحديث: أن إبليس دلها على الشجرة وأغواها فأخبرت آدم بها فأكل منها. (¬2) 2428 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يجامعها في آخر اليوم". قلت: رواه البخاري في مواضع منها في النكاح بهذا اللفظ ومسلم في صفة النار من حديث عبد الله بن زمعة يرفعه. (¬3) - وفي رواية: "يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد، فلعله يضاجعها في آخر يومه" ثم وعظهم في ضحكهم للضرطة، قال: "لم يضحك أحدكم مما يفعل؟ ". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3399)، ومسلم (1470). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (10/ 86 - 87). (¬3) أخرجه البخاري (5204)، ومسلم (2855).

قلت: رواه البخاري في النكاح والترمذي في التفسير ومسلم في صفة النار -أعاذنا الله منها- وابن ماجه في النكاح بقصة ضرب المرأة خاصة من حديث عبد الله بن زمعة. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: يعمد هو بكسر الميم في المضارع، يقال: عمدت للشيء بالفتح أعمد بالكسر عمدًا أي قصدت له أي: تعمدت وهو نقيض الخطأ. 2429 - كنت ألعب بالبنات عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان لي صواحب يلعبن، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل ينقمعن منه، فيسر بهن إلي فيلعبن معي. قلت: رواه البخاري في الأدب ومسلم في فضائل عائشة من حديثها. (¬2) وينقمعن: بياءٍ آخر الحروف ونون ساكنة وقاف أي يدخلن البيت حياء وهيبة له - صلى الله عليه وسلم -، ويسر بهن: أي يرسلهن. وأما اللُعب باللعب فقيل منسوخ وقال القاضي (¬3): القول بجوازه للبنات ذهب إليه جمهور العلماء، أجازوا بيعهن وشراهن ولم يغيروا أسواقها. 2430 - والله لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم على باب حجرتي، والحبشة يلعبون بالحراب في المسجد، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسترني بردائه أنظر إلى لعبهم بين أذنه وعاتقه، ثم يقوم من أجلي، حتى أكون أنا التي أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن، الحريصة على اللهو. قلت: رواه البخاري في النكاح ومسلم في العيدين من حديث عائشة. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4942)، ومسلم (2855)، والترمذي (3343)، وابن ماجه (1983). (¬2) أخرجه البخاري (6130)، ومسلم (2440). (¬3) إكمال المعلم (7/ 448). (¬4) أخرجه البخاري (5236)، ومسلم (892).

2431 - قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني لأعلم إذا كنتِ عني راضية، وإذا كنت علي غَضْبى، فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: "إذا كنت عني راضية، فإنك تقولين: لا، ورب محمد، وإذا كنت غضبى قلت: لا، ورب إبراهيم"، قالت: قلت: أجل يا رسول الله ما أهجر إلا اسمَكَ. قلت: رواه البخاري في النكاح في غيرة النساء ومسلم في الفضائل من حديث عائشة. (¬1) 2432 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشها فأبت، فبات غضبان، لعنتها الملائكة حتى تصبح". قلت: رواه الشيخان في النكاح والنسائي في عشرة النساء من حديث أبي هريرة. (¬2) - وفي رواية: "إلا كان الذي في السماء ساخطًا عليها حتى يرضى عنها". قلت: رواها مسلم في النكاح (¬3) ولم يخرج البخاري هذا اللفظ. 2433 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خطبة حجة الوداع: "اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتُموهُنَّ بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يُوطِئنَ فُرُشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن، فاضربوهن ضربًا غير مُبَرَّح، ولهنَّ عليكم رزقهنَّ وكسوتهن بالمعروف". قلت: رواه مسلم في حجة الوداع من حديث جابر (¬4)، وقد ذكره المصنف في الحج وتقدم شرحه. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5228)، ومسلم (2439). (¬2) أخرجه البخاري (3237)، ومسلم (1436)، والنسائي في الكبرى (8970). (¬3) أخرجها مسلم (1436). (¬4) أخرجه مسلم (1218).

2434 - قالت امرأة: يا رسول الله! إن لي ضرة، فهل علي جناح إن تشبعت من زوجي غير الذي يعطيني؟ فقال: "المتشبع بما لم يعط، كلابس ثوبي زور". قلت: رواه البخاري في النكاح ومسلم في اللباس وأبو داود في الأدب والنسائي في عشرة النساء من حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق. (¬1) ومعنى الحديث: المتكثّر بما ليس عنده بأن يظهر أن عنده ما ليس عنده يتكثر بذلك عند الناس ويتزين بالباطل فهو مذموم، كما يذم من لبس ثوبي زور. قال أبو عبيد وغيره: هو الذي يلبس ثياب أهل الزهد والعبادة والورع، ومقصوده ليظهر للناس بأنه أن يظهر للناس أنه متصف بتلك الصفة، ويظهر من التخشع والزهد أكثر مما في قلبه، فهذه ثياب زور ورياء، وقيل: هو كمن لبس ثوبين لغيره وأوهم أنهما له، وقيل هو من يلبس قميصًا واحدًا ويصل بكميه كمين، فيظهران عليه قميصين. وحكى الخطابي (¬2) قولًا آخر: أن المراد هنا بالثوب الحالة والمذهب والعرب تكني بالثوب عن حال لابسه، ومعناه كالكاذب القائل ما لم يكن، وقيل: هو الذي تطلب منه شهادة زور فيلبس ثوبين يتجمل بهما فلا ترد شهادته لحسن هيئته. (¬3) 2435 - آلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نسائه، وكانت انفكت رجله، فأقام في مشربة تسعًا وعشرين ليلة، ثم نزل، فقالوا يا رسول الله! آليت شهرًا؟ فقال: "إن الشهر يكون تسعًا وعشرين". قلت: رواه البخاري في النذور وفي غيره من حديث أنس. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5219)، ومسلم (2130)، وأبو داود (4997)، والنسائي في الكبرى (8920). (¬2) أعلام الحديث (3/ 2021 - 2022)، ونقله كذلك ابن حجر عن الخطابي في الفتح (9/ 318). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (14/ 157 - 158). (¬4) أخرجه البخاري (5201).

قوله: آلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقال: آلى يولي إيلاء والاسم: الألية ومعناه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حلف لا يدخل عليهن، وإنما عداه ممن حملًا على المعنى وهو الامتناع. قوله: وكانت انفكت رجله، قال ابن الأثير (¬1): الانفكاك ضرب من الوهن والخلع، وهو أن ينفك بعض أجزائها عن بعض، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - ركب فرسًا فسقط فانفكت رجله - صلى الله عليه وسلم -، قوله: فأقام في مشربة، المشربة: بالضم والفتح، الغرفة، والمشربة: بفتح الراء من غير ضم الموضع الذي يشرب منه كالمشرعة. 2436 - قال جابر: عزلهن شهرًا أو تسعًا وعشرين، ثم نزلت هذه الآية: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} إلى قوله: {لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا}، فبدأ بعائشة وقال: "يا عائشة إني أريد أن أعرض عليك أمرًا، أحب أن لا تعجلي فيه، حتى تستشيري أبويك"، قالت: وما هو يا رسول الله؟ فتلا عليها الآية فقالت: أفيك يا رسول الله أستشير أبوي؟ أختار الله ورسوله والدار الآخرة، وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت، قال: "لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها، إن الله لم يبعثني معنتًا ولا متعنتًا، ولكن بعثني معلمًا ميسرًا". قلت: رواه مسلم في النكاح (¬2) من حديث جابر بن عبد الله، ولم يخرج البخاري من هذا الحديث، إلا ذكر التخيير فإنه أخرجه عن عائشة وغيرها. قوله - صلى الله عليه وسلم -: فلا عليك أن لا تعجل، إنما قال لها هذا شفقة عليها، وعلى أبويها ونصيحة لهم في مقامها عنده - صلى الله عليه وسلم -، فإنه خاف أن يحملها صغر سنها وقلة تجاربها على اختيار الفراق، فيجب فراقها، وفي هذا الحديث منقبة ظاهرة لعائشة رضي الله عنها ثم لسائر أمهات المؤمنين رضي الله عنهن. ¬

_ (¬1) النهاية لابن الأثير (3/ 466). (¬2) أخرجه مسلم (1478).

من الحسان

2437 - كنت أغار على اللائي وهبن أنفسهن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: أتهب المرأة نفسها؟ فلما أنزل الله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} قلت: ما أرى ربّك إلا يسارع في هواك. قلت: رواه البخاري في التفسير ومسلم في النكاح والنسائي فيهما وفي عشرة النساء من حديث عائشة. (¬1) من الحسان 2438 - أنها كانت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، قالت: فسابقته فسبقته على رجليّ، فلما حملت اللحم، سابقته فسبقني، قال: "هذه بتلك السبقة". قلت: رواه أبو داود في الجهاد والنسائي في عشرة النساء من حديث عائشة ولم يضعفه أبو داود. (¬2) وقد استدل بهذا الحديث من جوز المسابقة على الأقدام، وأجاب من منع بأن ذلك كان بغير عوض، وأما مع العوض فلا، وهذا هو الصحيح عندنا. 2439 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي، وإذا مات صاحبكم فدعوه". قلت: رواه الترمذي في المناقب وابن حبان في صحيحه كلاهما من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬3) قال ابن حبان (¬4): قوله "فدعوه" يعني: لا تذكروه إلا بخير. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4788)، ومسلم (1464)، والنسائي (6/ 54)، وفي الكبرى (8927). (¬2) أخرجه أبو داود (2578)، والنسائي (8943)، وفي عشرة النساء (56). (¬3) أخرجه الترمذي (3895)، وابن حبان (4177) وصححه، وانظر الصحيحة (285). (¬4) الإحسان (9/ 484).

يعني إذا مات المسلم فلا تذكروه إلا بخير، وهذا عن ابن حبان تفسير ظاهر يجب المصير إليه، وقد فسره بعضهم بأمر لا يجوز اعتقاده، إلا إن جاءت به سنة وهو أنه قال يعني بالصاحب نفسه، ومعناه اتركو التكلف والتحسر عليَّ، وقيل معناه: إذا مت فدعوني ولا تؤذوني بإيذاء عترتي وأهل بيتي، وما قاله ابن حبان هو المتبادر إلى الذهن، وما قاله غيره يحتاج إلى توقيف، ومعنى: خيركم لأهله، الإشارة إلى الحث على صلة الرحم. 2440 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "المرأة إذا صلت خمسها، وصامت شهرها، وأحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، فلتدخل من أي أبواب الجنة شاءت". قلت: رواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة، وقال: تفرد به عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وما رواه عن عبد الملك إلا هدبة بن المنهال وهو شيخ أهوازي. (¬1) ورواه الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الرحمن بن عوف مرفوعًا بنحوه ورواه أبو نعيم في الحلية من حديث أنس. 2441 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها". قلت: رواه الترمذي في النكاح من حديث أبي هريرة يرفعه وقال: حسن غريب، ورواه ابن ماجه فيه من حديث عائشة ترفعه. (¬2) 2442 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض، دخلت الجنة". ¬

_ (¬1) أخرجه ابن حبان (4163)، وأحمد (1/ 191)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 308) ضمن ترجمة الربيع بن صبيح وعبد الملك بن عمير، ثقة، تغير حفظه وربما دلس، قاله الحافظ في التقريب (4228)، وهدبة بن المنهال الأسدي كوفي، ذكره البخاري في تاريخه (8/ 247)، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (9/ 114) ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وانظر قول ابن حبان في الإحسان (9/ 472). (¬2) أخرجه الترمذي (1159)، وعند ابن ماجه (1852) من حديث عائشة.

قلت: رواه الترمذي وابن ماجه في النكاح من حديث أم سلمة ترفعه، وقال الترمذي: حسن غريب. (¬1). 2443 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا الرجل دعا زوجته لحاجته، فلتأته وإن كانت على التنور". قلت: رواه الترمذي في النكاح والنسائي في عشرة النساء من حديث طلق ابن علي يرفعه وقال الترمذي: حسن غريب. (¬2) 2444 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا، إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلك الله! فإنما هو عندك دخيل، يوشك أن يفارقك إلينا". (غريب). قلت: رواه الترمذي وابن ماجه في النكاح من حديث معاذ، وقال الترمذي: غريب. (¬3). قوله: "فإنما هو عندك دخيل" الدخيل بالدال والخاء المعجمة المكسورة والياء المثناة من تحت هو الضيف والنزيل. 2445 - قلت: يا رسول الله! ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: "أن تُطعِمها إذا طَعِمْتَ، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر، إلا في البيت". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه في النكاح والنسائي في عشرة النساء من حديث حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه ولم يضعفه أبو داود. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1161)، وابن ماجه (1854). (¬2) أخرجه الترمذي (1160)، والنسائي في الكبرى (8971) وإسناده حسن. (¬3) أخرجه الترمذي (1174)، وابن ماجه (2041) وإسناده حسن، انظر الصحيحة (173). (¬4) أخرجه أبو داود (2142)، والنسائي في الكبرى (9171)، وابن ماجه (1850)، إسناده حسن، لحال حكيم بن معاوية، والدَبْهز وهو صدوق، التقريب (1486).

قوله: ولا تقبح، معناه لا تسمعها المكروه، ولا تشتمها بأن تقول قبحك الله، وما أشبهه من الكلام. وقوله: ولا تهجر إلا في البيت أي لا تهجرها إلا في المضجع ولا يتحول إلى دار أخرى قال الله تعالى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ}. 2446 - قلت: يا رسول الله إن لي امرأة في لسانها شيء يعني: البذاء؟ قال: "طلقها"، قلت: إن لي منها ولدًا ولها صحبة؟، قال: "فمرها، يقول: عظها، فإن يك فيها خير فستقبل، ولا تضربن ظعينتك ضربك أُميتك". قلت: رواه أبو داود في الوضوء مطولًا ذكر فيه إسباغ الوضوء من حديث لقيط بن صبره. (¬1) والظعينة: بالظاء المفتوحة والعين المهملة المكسورة وبعدها ياء مثناة من تحت ثم نون هي: المرأة التي في الهودج، والمراد بها الزوجة من الظعن الذي هو الذهاب لأنها تذهب إلى بيت زوجها، والمعنى لا يضرب الحرة الكريمة من النساء، مثل ضربك الأمة الخسيسة منهن. وظعينتك: منصوب على المفعول به لتضربن، وانتصب ضربك على المفعول المطلق النوعي، وانتصب أميتك على أنه مفعول به للمصدر. 2447 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تضربوا إماء الله"، فأتاه عمر بن الخطاب، فقال: يا رسول الله ذئر النساء على أزواجهن؟ فأذن في ضربهن، فأطاف بآل محمد نساء كثير، كلهن يشتكين أزواجهن، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لقد طاف بآل محمد سبعون امرأة، كلهن يشتكين أزواجهن، ولا تجدون أولئك خياركم". قلت: رواه الشافعي وأبو داود وابن ماجه في النكاح والنسائي في عشرة النساء من ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (142) وإسناده صحيح.

حديث إياس بن عبد الله (¬1) يرفعه. قال أبو القاسم البغوي: ولا أعلم روى إياس بن عبد الله غير هذا الحديث وذكر البخاري هذا الحديث في تاريخه وقال: ولا نعرف لإياس صحبة، وقال ابن أبي حاتم: إياس بن عبد الله مدني له صحبة سمعت أبي وأبا زرعة يقولان ذلك. (¬2) ذئر النساء: بالذال المعجمة وكسر الهمزة وفتح الراء، يقال: ذئرت المرأة إذا نشزت، ونفرت تذأر فهي ذائر بغير هاء والرجل ذائر، الذكر والأنثى فيه سواء. وطاف بالشيء: أحاط به، والكاف في خياركم راجعة للأزواج أي لا تجدون الأزواج الذين يضربون نساءهم خياركم. 2448 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس منا من خبّب امرأة على زوجها، أو عبدًا، على سيده". قلت: رواه أبو داود في الطلاق وفي الأدب والنسائي في عشرة النساء والحاكم في المستدرك وقال على شرط البخاري من حديث أبي هريرة. (¬3) ومعنى خبّب: أفسد وخدع. 2449 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن من أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وألطفهم بأهله". ¬

_ (¬1) أخرجه الشافعي في المسند (2/ 28 - 29) رقم (88)، وأبو داود (2146)، وابن ماجه (1985)، والنسائي في الكبرى (9167) وإسناده صحيح كما قال ذلك الحاكم (2/ 188)، ووافقه الذهبي. (¬2) التاريخ الكبير (1/ 440)، انظر: الجرح والتعديل (2/ 280)، تهذيب التهذيب (1/ 389)، الإصابة (1/ 101)، الثقات (3/ 12، 4/ 34). (¬3) أخرجه أبو داود (5170)، والنسائي (9214)، والحاكم (2/ 196) وصحح إسناده على شرط البخاري، وانظر: الصحيحة (324).

قلت: رواه الترمذي في الإيمان والنسائي في عشرة النساء كلاهما من حديث أبي قلابة عن عائشة ترفعه، وقال الترمذي: حسن، ولا نعرف لأبي قلابة سماعًا عن عائشة رضي الله عنها. (¬1) 2450 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "أكمل المؤمنين إيمانًا: أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم". قلت: رواه الترمذي في النكاح من حديث أبي هريرة وقال: حسن صحيح. (¬2) 2451 - قَدِم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوة تبوك أو حنين، وفي سَهوتِها ستر فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة -لُعَب- فقال: "ما هذه يا عائشة؟ " فقالت: بناتي، ورأى بينهن فرسًا له جناحان من رقاع، فقال: "ما هذا الذي أرى وَسطهنَّ؟ " قالت: فرس، قال: "وما هذه الذي عليه؟ " قالت: جناحان، قال: "فرس له جناحان؟ " قلت: أما سمعت أن لسليمان خيلًا لها أجنحة؟ قالت: فضحك حتى رأيت نواجذه. قلت: رواه أبو داود في الأدب في باب اللعب بالبنات والنسائي في عشرة النساء ولم يضعفه أبو داود. (¬3) قوله: وفي سهوتها: ستر، هو بفتح الباء الموحدة والهاء الساكنة وفتح الواو أي في صفتها. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2612)، والنسائي (9154)، انظر الصحيحة (284). = = وأبو قلابة هو عبد الله بن زيد الجرمي لم يدرك عائشة، انظر: جامع التحصيل (ص 211)، والمراسيل (ص 109)، تاريخ يحيى بن معين (2/ 309)، تحفة التحصيل (ص 243). (¬2) أخرجه أبو داود (4682)، والترمذي (1162)، وابن حبان (4176)، والبغوي (9/ 180). (¬3) أخرجه أبو داود (4934)، والنسائي (8950). (¬4) ورد في المخطوط "بهوتها" ولم أجده في الكتب المتوفرة لديّ بل فيها "سهوتها" وقال ابن الأثير في النهاية (2/ 430): "وفيه "أنه دخل على عائشة وفي البيت سهوة عليها ستر". =

باب الخلع والطلاق

باب الخلع والطلاق من الصحاح 2452 - أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إنّ ثابتَ بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكن أكره الكفر في الإسلام؟، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أتردين عليه حديقته؟ "، قالت: نعم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اقبل الحديقة، وطلقها تطليقة". قلت: رواه البخاري والنسائي (¬1) في الطلاق من حديث ابن عباس. واسم زوجة ثابت هذه: حبيبة بنت سهل، وقيل: جميلة بنت أبي بن سلول، أخت عبد الله بن أبي. قولها: ما أعتب عليه في خلق ولا دين أي: لا أعتب عليه لسوء خلق ولا لنقصان دين. قولها: ولكن أكره الكفر في الإسلام، معناه: أني أكرهه فأخاف أن أقع في الإسلام في المعصية من النشوز أريد مفارقته فسمت ما ينافي مقتضى الإسلام باسم ما ينافي نفسه. قوله - صلى الله عليه وسلم -: اقْبَلِ الحديقة وطلقها تطليقة: أمر إرشاد لا إيجاب، وفيه دليل على أن الخلع في الحيض أو في طهر جامعها فيه ليس ببدعي لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن له ولم يستفصل. ¬

_ = السهوة: بيت صغير منحدر في الأرض قليلًا، شبيه بالمخدع والخزانة، وقيل هو "كالصُفّة تكون بين يَدي البيت، وقيل شبيه بالرف أو الطاق يوضع في الشيء" انتهى. (¬1) أخرجه البخاري (5273)، والنسائي (6/ 169).

2453 - أنه طلق امرأة له وهي حائض، فذكر عمر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فتغيظ فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال: "ليراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلقها، فليطلقها طاهرًا قبل أن يمسها، فتلك العدة التي أمر الله أن يُطَلَّق لها النساء". قلت: رواه الجماعة إلا الترمذي فإن له منه إلى الأمر بالمراجعة، كلهم هنا من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب. (¬1) وهذا الحديث أصل عظيم في باب الطلاق، أخذ العلماء بظاهره فأجمعوا على تحريم طلاق الحائض الحائل بغير رضاها، فلو طلقها أثم ووقع طلاقه، ويؤمر بالرجعة، وشذ بعض أهل الظاهر فقالوا لا يقع طلاقه لأنه غير مأذون له فيه، فأشبه طلاق الأجنبية، وبالأول قال العلماء كافة، وأجمعوا على أنه إذا طلقها يؤمر بالرجعة، وهذا الأمر محمول على الندب عند الشافعي وأبي حنيفة وأحمد وجماعات وقال مالك هو للوجوب. - وفي رواية: "مره فليراجعها، ثم ليطلقها طاهرًا أو حاملًا". قلت: رواها الجماعة إلا البخاري من حديث ابن عمر. (¬2) وفي هذه الرواية دليل على أنه إذا طلقها في الحيض وراجعها جاز له أن يطلقها في الطهر الذي يعقب تلك الحيضة، قبل المسيس، وأن الرواية الأولى: ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، محمولة على الاستحباب، حتى لا تكون مراجعته إياها للطلاق، كما يكره النكاح للطلاق، بل ينبغي أن يمسها في الطهر الأول حتى يتحقق معنى المراجعة، ثم لم يكن له الطلاق بعده، فيتأخر الطلاق إلى الطهر الثاني، وفي هذه ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4908)، ومسلم (1471)، وأبو داود (2179)، والنسائي (6/ 137)، وابن ماجه (2019). (¬2) أخرجه مسلم (1471)، وأبو داود (2181)، والترمذي (1176)، والنسائي (6/ 141)، وابن ماجه (2023).

الرواية دليل على أن طلاق الحامل ليس بممنوع منه سواء كانت ترى الدم على الحمل أم لا، وطئها أم لا. 2454 - خيّرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاخترنا الله ورسوله، فلم يعد ذلك علينا شيئًا. قلت: رواه الجماعة هنا من حديث عائشة واللفظ للبخاري. (¬1) وفيه دليل لما ذهب إليه الشافعي وأبو حنيفة ومالك في أحد الروايتين عنه وأحمد أن من خير زوجته فاختارته لم يكن ذلك طلاقًا ولا تقع به فرقة. وروي عن جماعة من العلماء منهم مالك في رواية عنه أن نفس التخيير يقع به طلقة بائنة سواء اختارت زوجها أم لا والأحاديث الصحيحة ترد هذا. 2455 - وقال ابن عباس في الحرام: يُكَفّرُ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}. قلت: رواه البخاري في التفسير ومسلم وابن ماجه في الطلاق موقوفًا على ابن عباس. (¬2) ومعنى ذلك: أنه إذا قال لزوجته: أنت علي حرام، عليه كفارة يمين، وقد اختلف العلماء في ذلك اختلافًا طويلًا وذهب الشافعي إلى أنه إن نوى به الطلاق كان طلاقًا، أو نوى الظهار كان ظهارًا، أو تحريم عينها، أو لم ينو شيئًا، فعليه في الصورتين كفارة يمين. 2456 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يمكث عند زينب بنت جحش، وشرب عندها عسلًا، فتَواصَيتُ أنا وحفصة: أن أيتنا دخل عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - فلتقل: إني أجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير؟ فدخل على إحداهما فقالت له ذلك، فقال: "لا بأس، شربت عسلًا عند زينب بنت جحش، فلن أعود له، وقد حلفت، لا تخبري بذلك أحدًا"، يبتغي ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5262)، ومسلم (1477)، وأبو داود (2203)، والترمذي (1179)، والنسائي (6/ 56)، وابن ماجه (2052). (¬2) أخرجه البخاري (4911)، ومسلم (1473)، وابن ماجه (2073).

من الحسان

مرضات أزواجه، فنزلت {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ}. قلت: رواه البخاري في التفسير وفي غيره ومسلم في الطلاق وأبو داود في الأشربة والنسائي في الأيمان من حديث عائشة واللفظ للبخاري. (¬1) والمغافير: بفتح الميم وبغين معجمة وفاء وبعد الفاء ياء وهو: صمغ حلو كالناطف، له رائحة كريهة ينضحه شجر يقال له: "العرفط" بضم العين المهملة والفاء يكون بالحجاز، وزعم بعضهم أن رائحته حسنة، وهو خلاف ما يقتضيه الحديث وما قاله الناس. (¬2) من الحسان 2457 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيما امرأة سألت زوجها طلاقًا في غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة". قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه في الطلاق والحاكم وقال: على شرط الشيخين، كلهم من حديث ثوبان. (¬3) قوله - صلى الله عليه وسلم -: من غير ما بأس، ما: صلة بين المضاف والمضاف إليه، والبأس: الشدة أي من غير شدة تلجئها إلى المفارقة. 2458 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في التفسير (4912)، وفي الأيمان (6691)، ومسلم (1474)، وأبو داود (3714)، والنسائي (7/ 71). (¬2) انظر المنهاج للنووي (10/ 108 - 109). (¬3) أخرجه أبو داود (2226)، والترمذي (1187)، وابن ماجه (2055)، وصححه الحاكم (2/ 200). انظر: الإرواء (2035).

قلت: رواه أبو داود وابن ماجه في الطلاق من حديث محارب بن دثار عن ابن عمر يرفعه، قال الحافظ عبد العظيم: والمشهور فيه المرسل، وهو ما رواه أبو داود عن محارب بن دثار قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما أحل الله شيئًا أبغض إليه من الطلاق. (¬1) قال البيهقي: وفي رواية محمد بن أبي شيبه عن عبد الله بن عمر موصولًا، ولا أراه يحفظه، وروى الحاكم هذا المرسل مسندًا من حديث معرف بن واصل عن محارب بن دثار عن ابن عمر يرفعه وقال: صحيح، وقال الذهبي: على شرط مسلم. 2459 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا طلاق قبل نكاح، ولا عتاق إلا بعد ملك، ولا وصال في صيام، ولا يتم بعد احتلام، ولا رضاع بعد فطام، ولا صمت يوم إلى الليل". قلت: رواه في شرح السنة من حديث جويبر بن سعيد عن الضحاك عن النزّال بن سبرة عن علي يرفعه، وروى منه ابن ماجه في الطلاق بالسند المذكور: "لا طلاق قبل النكاح". وجويبر بن سعيد تركوه، وقال في شرح السنة: ضعفه يحيى بن سعيد ويحيى بن معين، وروى أبو داود منه في الوصايا من حديث علي أيضًا يرفعه: "لا يتم بعد احتلام، ولا صمات يوم إلى الليل"، وفي سند أبي داود يحيى بن محمد المدني الجاري وليس بالقوي، وذكر العقيلي له هذا الحديث، وذكر أنه لا يتابع عليه ويحيى الجاري منسوب إلى الجار بالجيم والراء المهملة بليدة على الساحل بقرب مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2178)، وابن ماجه (2018). وانظر قول المنذري في مختصر سنن أبي داود (3/ 92)، انظر المصنف لابن أبي شيبة (7/ 138)، والعلل لابن أبي حاتم (1/ 431)، والحاكم (2/ 196)، والبيهقي (7/ 322)، وانظر: الإرواء (2040).

وقد روي حديث أبي داود هذا من رواية جابر بن عبد الله وأنس بن مالك وليس فيهما شيء يثبت. (¬1) واليتيم: هو الصغير الذي لا أب له، وقيل: هو الصغير الذي مات أبوه، والمراد من الاحتلام البلوغ، قوله - صلى الله عليه وسلم -: ولا رضاع بعد فطام أي بعد وقت فطام، والمراد به بعد الحولين، فإنه أول الفطام في الغالب، وكانت الجاهلية يتعبدون بالصمت حين كانوا يعتكفون. 2460 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا عتق فيما لا يملك، ولا طلاق فيما لا يملك، ولا بيع إلا فيما يملك". قلت: رواه أبو داود والترمذي كلاهما في الطلاق والنسائي في البيوع من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده يرفعه، وألفاظهم متقاربة، وقال الترمذي: حديث حسن، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب، وقال أيضًا: سألت محمد بن إسماعيل فقلت: أي شيء أصح في الطلاق قبل النكاح؟ قال: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. (¬2) 2461 - أنه طلق امرأته سُهيمه البتة، ثم أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني طلقت امرأتي البتة، والله ما أردت إلا واحدة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: والله ما أردت إلا واحدة؟ فقال ركانة: والله ما أردت إلا واحدة، فردها إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فطلقها الثانية في زمان عمر، والثالثة في زمان عثمان. ¬

_ (¬1) أخرجه البغوي في شرح السنة (2350) وفي إسناده جويبر بن سعيد قال الحافظ في التقريب (994): ضعيف جدًّا. وأخرجه أبو داود (2873)، وابن ماجه (2049). وعند أبي داود يحيى بن محمد المدني، قال الحافظ في التقريب (7688): صدوق يخطىء. وانظر الإرواء (1244). (¬2) أخرجه أبو داود (2190)، والترمذي (1181)، والنسائي (7/ 288)، وابن ماجه (2047) قطعة منه.

قلت: رواه أبو داود في الطلاق من حديث نافع بن عجير بن عبد يزيد بن ركانة أن ركانة طلق امرأته ... الحديث، قال أبو داود: حديث نافع بن عجير صحيح (¬1)، قال المنذري (¬2): وفيما قاله نظر، فقد قال الإمام أحمد: إن طرقه ضعيفة. وضعفه البخاري أيضًا، وقد وقع الاضطراب في إسناده ومتنه. ورواه الترمذي في النكاح وابن ماجه في الطلاق: كلاهما من حديث عبد الله بن يزيد بن ركانة عن أبيه عن جده. ومعنى بتة: قاطعة، وأصل البت القطع. 2462 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاث جَدّهن جد، وهزلهن جد: الطلاق، والنكاح، والرجعة". (غريب). قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه هنا وحسنه الترمذي. (¬3) وقال أبو بكر المعافري: روي "والعتق" ولم يصح شيء منه. قال الحافظ عبد العظيم (¬4): إن أراد ليس منه شيء على شرط الصحيح فلا كلام، وإن أراد أنه ضعيف، ففيه نظر، فإنه حسن كما قال الترمذي. 2463 - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2206)، والترمذي (1177)، وابن ماجه (2051) وإسناده ضعيف لضعف عبد الله بن يزيد بن ركانة قال الحافظ في التقريب (3510): لين الحديث. ولجهالة أبيه علي بن يزيد بن ركانة. قال الحافظ في التقريب (4849) مستور. وانظر لزامًا كلام الحافظ ابن حجر في الفتح (9/ 362 - 363). (¬2) مختصر السنن (3/ 133 - 134). (¬3) أخرجه أبو داود (2194)، والترمذي (1184)، وابن ماجه (2039)، انظر: التلخيص الحبير (3/ 209)، نصب الراية (3/ 293 - 294). (¬4) مختصر السنن (3/ 119).

قيل: معنى الإغلاق: الإكراه. قلت: رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه من حديث عائشة. (¬1) وقال أبو داود: في غلاق، وقال: الغلاق أظنه: الغضب. قال المنذري (¬2): المحفوظ فيه: "إغلاق" وفسروه بالإكراه، لأن المكره يغلق عليه أمره وتصرفه، وقيل: كأن يغلق عليه الباب ويحبس ويضيق عليه حتى يطلق، وقيل: الإغلاق هنا: الغضب، كما ذكره أبو داود، وقيل: معناه: النهي عن إيقاع الطلاق الثلاث في دفعة واحدة، حتى لا يبقى منه شيء، ولكن ليطلق واحدة للسنة، وهذا التفسير يقول به من يرى إيقاع الثلاث في دفعة واحدة طلاق بدعة، وبهذا قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله في آخرين، وقال الشافعي ليس ببدعة. 2464 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كل طلاق جائز، إلا طلاق المعتوه والمغلوب على عقله". (غريب). قلت: رواه الترمذي هنا من حديث عطاء بن عجلان عن عكرمة بن خالد المخزومي عن أبي هريرة يرفعه، قال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث عطاء بن عجلان، وعطاء بن عجلان ضعيف، ذاهب الحديث، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم أن طلاق المعتوه المغلوب على عقله لا يجوز، إلا أن يفيق في وقت فيطلق في زمن إفاقته. (¬3) 2465 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يبلغ، وعن المعتوه حتى يعقل". ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (6/ 276)، وأبو داود (2193)، وابن ماجه (2046)، انظر: الإرواء (2047). (¬2) مختصر السنن (3/ 118). (¬3) أخرجه الترمذي (1191)، وفي إسناده عطاء بن عجلان قال الحافظ في التقريب (4627): متروك بل أطلق عليه ابن معين والفلاس وغيرهما الكذب.

قلت: رواه الترمذي في أول الحدود والنسائي في الرجم من حديث الحسن البصري عن علي يرفعه، وقال الترمذي: حديث حسن غريب، من هذا الوجه وقد روي من غير وجه عن علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا نعرف للحسن سماعًا من علي، وإن كان قد أدركه، وقد روي هذا الحديث عن عطاء بن السائب عن أبي ظبيان عن علي يرفعه. (¬1) 2466 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "طلاق الأمة تطليقتان، وعدتها حيضتان". قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه كلهم هنا، من حديث مظاهر بن أسلم المكي عن القاسم عن عائشة ترفعه، قال أبو داود: وهو حديث مجهول، وقال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث مظاهر بن أسلم ومظاهر لا يعرف له في العلم غير هذا الحديث انتهى (¬2)، وقال أحمد بن عدي: له حديث (¬3) آخر عن أبي سعيد المقبري عن أبيِ هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ عشر آيات من آخر آل عمران كل ليلة. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1423) والنسائي في الكبرى (7346) من طريق الحسن عن علي والحسن لم يسمع من علي. وأخرجه من طريق أبي ظبيان عن علي أخرجه أحمد (1/ 154)، والطيالسي في مسنده (90)، وأبو داود (4402)، والنسائي في الكبرى (7344)، والبيهقي (8/ 264 - 265)، والنسائي في الكبرى موقوفًا (7345) ورجح هذه الرواية. وللحديث عن علي طرق أخرى انظر المسند الجامع (10/ 283 - 286)، والإرواء (297). (¬2) أخرجه أبو داود (2189)، والترمذي (1182)، وابن ماجه (2080) وإسناده ضعيف لضعف مظاهر بن أسلم. قال الحافظ في التقريب (6767): ضعيف. (¬3) الكامل لابن عدي (6/ 449 /ت 1931).

باب المطلقة ثلاثا

وقال الذهبي: مظاهر هذا ضعفوه (¬1) وهو بضم الميم وفتح الظاء المعجمة وبعد الألف هاء مكسورة وراء مهملة. قال البيهقي: ولو صح حديث مظاهر قلنا به. باب المطلقة ثلاثًا من الصحاح 2467 - جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: إني كنت عند رفاعة، فطلقني فبتّ طلاقي، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، وما معه إلا مثل هُدْبة الثوب؟ فقال: "أتُريدين أن ترجعي إلى رِفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك". قلت: رواه البخاري في اللباس وفي الشهادات بهذا اللفظ ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه أربعتهم في النكاح من حديث عائشة. (¬2) قولها: فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير: بفتح الزاي المعجمة وكسر الباء الموحدة بلا خلاف، قولها: فبتّ طلاقي أي طلقني ثلاثًا. ¬

_ (¬1) قال الدارقطني في السنن (4/ 39) بإسناد صحيح عن أبي عاصم، قال: ليس بالبصرة حديث أنكر من حديث مظاهر هذا. وانظر قول الذهبي في الكاشف (2/ 271) رقم (5493). وقال أبو حاتم: منكر الحديث، ضعيف الحديث، ونقل المزي عن أبي داود أنه قال: رجل مجهول، وحديثه في طلاق الأَمَة منكر. انظر مختصر سنن أبي داود للمنذري (3/ 115)، وتهذيب الكمال (28/ 96 - 97) وقد ذكر هذا الحديث. (¬2) أخرجه البخاري في اللباس (6084)، وفي الشهادات (2639)، ومسلم (1433)، والنسائي (6/ 146، 147) والترمذي (1118) وابن ماجه (1932).

من الحسان

وهُدبة الثوب: هو بضم الهاء وإسكان الدال وهو طرف الثوب أرادت متاعه، وأنه رخو مثل طرف الثوب لا يغني عنها شيئًا. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" هو بضم العين وفتح السين تصغير عسلة، وهي كناية عن الجماع، شبه لذته بلذة العسل وحلاوته، وأنث العسيلة لأن في العسل لغتين التذكير والتأنيث، وإنما صغره إشارة إلى القدر القليل الذي يحصل به الحل، وقيل العُسَل هي النطفة وهو ضعيف، لأن الإنزال لا يشترط، واتفق العلماء على أن مجرد العقد لا يكفي في حل الطلقة ثلاثًا لمن طلقها وأنه لا بد من الوطء وأنه لا يشترط الإنزال إلا ما حكي عن ابن المسيب أنه يكفي العقد وإلا ما حكي عن الحسن أنه يشترط الإنزال. من الحسان 2468 - لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "المحلِّل والمحلَّل له". قلت: رواه الترمذي في النكاح والنسائي في الطلاق من حديث ابن مسعود وقال الترمذي: حسن صحيح انتهى. (¬1) وأخرجه الأربعة إلا النسائي من حديث علي (¬2)، وأخرجه ابن ماجه من حديث عقبة بن عامر. (¬3) والمحلل: بكسر اللام الأولى: هو الذي يتزوج مطلقة الغير ثلاثًا بعد العدة، على قصد أن يطلقها بعد أن يحلها للزوج الأول بالنكاح والوطء، والمحلّل له: هو الزوج الأول، ¬

_ (¬1) أخرجه النسائي (6/ 149)، والترمذي (1120). (¬2) أخرجه أبو داود (2076)، والترمذي (1119)، والنسائي (8/ 147)، وابن ماجه (1935) وانظر: الإرواء (1897). (¬3) أخرجه ابن ماجه (1936).

وإذا تزوج بهذا القصد ولم يشترط ذلك في العقد فالنكاح صحيح، وإذا أصابها وانقضت عدتها حلت للأول عند أكثر أهل العلم لكن يكره ذلك. 2469 - أدركت بضعة عشر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلهم يقول: يقَف المولي. قلت: رواه الشافعي عن ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار والدارقطني عن أبي بكر النيسابوري عن علي بن حرب عن ابن عيينة به، قال الشافعي: فأقل بضعة عشر أن يكونوا ثلاثة عشر، قال عمر وعلي وعثمان وابن عمر: يوقف المؤلي بعد الأربعة أشهر، فإما أن يفي وإما أن يطلق. (¬1) 2470 - أن سلمان بن صخر، ويقال له: سلمة بن صخر البياضي جعل امرأته عليه كظهر أمه حتى يمضي رمضان، فلما مضى نصف من رمضان وقع عليها ليلًا فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك فقال له: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أعتق رقبة"، قال: لأجدها، قال: فصم شهرين متتابعين، قال: لا أستطيع، قال: "أطعم ستين مسكينًا" قال: لا أجد، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعروة بن عمير: أعطه ذلك العرق، وهو مكتل يأخذ خمسة عشر صاعًا أو ستة عشر ليطعم ستين مسكينًا". قلت: رواه الترمذي بهذا اللفظ من حديث أبي سلمة عن سلمان بن صخر ويقال له: سلمة بن صخر، وقال: حديث حسن. (¬2) 2471 - ويروى: "فأطعم وسقًا من تمر بين ستين مسكينًا". قلت: رواه أبو داود في الطلاق والترمذي في التفسير كلاهما من حديث سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر البياضي (¬3)، وفي الحديث قصة طويلة، وقال الترمذي: ¬

_ (¬1) أخرجه الشافعي (2/ 42)، رقم (139)، والدراقطني (4/ 61 - 62). (¬2) أخرجه الترمذي (1200). (¬3) أخرجه أبو داود (2214)، والترمذي (3299). وفي إسناده ابن إسحاق وهو مدلس وقد عنعن، وسليمان بن يسار لم يسمع من سلمة بن صخر انظر تحفة التحصيل (ص 173 - 175).

فصل

حديث حسن، وقال محمد -يعني البخاري-: سليمان بن يسار لم يسمع عندي من سلمة بن صخر، وقال البخاري أيضًا: هو مرسل، سليمان بن يسار لم يدرك سلمة بن صخر انتهى، وفي سنده محمد بن إسحاق. والوسق: ستون صاعًا، والصاع: أربعة أمداد، والمد: رطل وثلث بالبغدادي، وقد تقدم في الزكاة. 2472 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: في المظاهر يُواقع قبل أن يكفّر؟ قال: "كفارة واحدة". قلت: رواه الترمذي هنا من حديث سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر، وفيه ما قدمناه قبله نقلًا عن البخاري وفيه أيضًا محمد بن إسحاق. (¬1) فصل من الصحاح 2473 - قلت يا رسول الله إن جارية لي كانت ترعى غنمًا لي، ففقدت شاة من الغنم، فسألتها؟ فقالت: أكلها الذئب، فأسفت عليها، وكنت من بني آدم فلطمت وجهها، وعليّ رقبة، أفأعتقها؟ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أين الله؟ "، فقالت: في السماء، قال: "من أنا"، قالت: رسول الله، قال: "أعتقها فإنها مؤمنة". قلت: رواه مالك في الموطأ بهذا اللفظ (¬2) في العتق، من حديث معاوية بن الحكم، وأخرجه مسلم مطولًا في الصلاة وذكر قصة العطاس وكلام معاوية في ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1198)، وابن ماجه (2064). (¬2) أخرجه مالك في الموطأ (2/ 776 - 7779) رقم (8)، والشافعي في الرسالة المسألة (242). وأخرجه مسلم (537)، والبيهقي (7/ 387).

باب اللعان

الصلاة ولفظ المصنف إنما هو في الموطأ ولم يخرجه البخاري ولا أخرج في كتابه عن معاوية بن الحكم شيئًا. باب اللعان من الصحاح 2474 - إن عويمرًا العَجْلاني قال: يا رسول الله أرأيت رجلًا وجد مع امرأته رجلًا أيقتله فتقتلونه، أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد أنزل فيك وفي صاحبتك، فاذهب فأت بها"، قال سهل: فتلاعنا في المسجد، وأنا مع الناس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما فرغا قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثًا، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "انظر فإن جاءت به أسحم أدعج العينين، عظيم الإليتين، خدلّج الساقين، فلا أحسب عويمرًا إلا قد صدق عليها، وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة، فلا أحسب عويمرًا إلا قد كذب عليها"، فجاءت به على النعت الذي نعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تصديق عويمر، فكان بعد يُنسب إلى أمه". قلت: رواه البخاري في مواضع منها في التفسير من حديث الزهري عن سهل بن سعد، ومسلم وأبو داود في اللعان كلاهما إلى قوله: "فطلقها ثلاثًا"، ورواه ابن ماجه بطوله. (¬1) قوله: - صلى الله عليه وسلم - قد أنزل فيك وفي صاحبتك: فيه دليل لمن قال إن سبب نزول آية اللعان عويمر العجلاني، وقال جمهور العلماء: سبب نزول الآية قصة هلال بن أمية، قالوا: وكان أول رجل لاعن في الإسلام، وحملوا قوله - صلى الله عليه وسلم - لعويمر ذلك على أن ذلك حكم عام لجميع الناس. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4746)، ومسلم (1492)، وأبو داود (2252)، وابن ماجه (2066).

قال النووي (¬1): ويحتمل أنها نزلت فيهما، فلعلهما سألا في وقتين متقاربين، فنزلت فيهما، وسبق هلال باللعان، وكانت قصة اللعان في شعبان سنه تسع من الهجرة، والأسحم: بالسين والحاء المهملتين: الشديد السواد، والأدعج: الأسود العينين. وخدلج: قال الجوهري (¬2): هو الممتليء الساقين، قوله: كأنه وَحَرَة هو بالحاء والراء المهملتين والتحريك هي: دويبة شبه الوزغة تلزق بالأرض، جمعها: وحر. 2475 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لاعن بين رجل وامرأته، فانتفى من ولدها، ففرق بينهما وألحق الولد بالمرأة. قلت: رواه الجماعة هنا (¬3) من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر واللفظ بحروفه للبخاري، وقد اختلفوا في الوقت الذي تقع به الفرقة بين الزوجين في اللعان فقال الشافعي: يقع بفراغ الزوج من اللعان، وقيل: بتلاعنهما جميعًا، وقيل: بتفريق القاضي بينهما تعديلًا عنهما حتى لو طلق قبل قضاء القاضي وقع، ونقل هذا عن الإمام أبي حنيفة، وهو ظاهر الحديث، وقال عثمان البتّي لا أثر للعان في الفرقة ولا يحصل به فراق أصلًا. وفي حديثه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعظه وذكّره، وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، ثم دعاها فوعظها وذكّرها، وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة. قلت: رواه مسلم والترمذي والنسائي جميعًا هنا من حديث سعيد بن جبير عن عبد الله بن عمر بن الخطاب. (¬4) ¬

_ (¬1) المنهاج (10/ 169). (¬2) الصحاح للجوهري (2/ 309). (¬3) أخرجه البخاري (5315)، ومسلم (1494)، وأبو داود (2259)، والنسائي (6/ 177)، والترمذي (1203)، وابن ماجه (2069). (¬4) أخرجه مسلم (1493)، والترمذي (1202)، والنسائي (6/ 175).

2476 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للمتلاعنين: "حسابكما على الله، أحدكما كاذب، لا سبيل لك عليها"، قال: يا رسول الله مالي؟، قال: "لا مال لك، إن كنت صدقت عليها، فهو بما استحللت من فرجها، وإن كذبت عليها، فذاك أبعد لك منها". قلت: رواه الشيخان وأبو داود والنسائي كلهم هنا من حديث ابن عمر يرفعه. (¬1) وقد اختلف القائلون بتأييد التحريم بين المتلاعنين فيما إذا أكذب نفسه، فقال أبو حنيفة تحل له لزوال المعنى المحرم، وقال الشافعي ومالك لا تحل له أبدًا لعموم قوله في هذا الحديث "لا سبيل لك عليها" قوله: يا رسول الله مالي ... إلى آخره، فيه دليل على استقرار المهر بالدخول، وعلى ثبوت مهر الملاعنة المدخول بها، والمسألتان مجمع عليهما، وفيه أيضًا أنها لو صدقته وأقرت بالزنا لم يسقط مهرها 2477 - أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بشريك بن سحماء، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "البينة، أو حدًّا في ظهرك"، فقال هلال: والذي بعثك بالحق، إني لصادق، فليُنزلنّ الله ما يبرىء ظهري من الحد، فنزل جبريل، فأنزل عليه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} فقرأ حتى بلغ: {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ}، فجاء هلال، فشهد والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ "، ثم قامت فشهدت، فلما كانت عند الخامسة وقفوها، وقالوا: إنها موجبة! قال ابن عباس: فتلكّأت ونكصت، حتى ظننا أنها ترجع، ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم، فمضت، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أبصروها، فإن جاءت به أكحل العينين، سابغ الإليتين، خدلّج الساقين، فهو لشريك بن سحماء"، فجاءت به كذلك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لولا ما مضى من كتاب الله، لكان لي ولها شأن". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5350)، ومسلم (1493)، وأبو داود (2257)، والنسائي (6/ 177).

قلت: رواه البخاري والترمذي كلاهما في التفسير من حديث عكرمة عن ابن عباس يرفعه. (¬1) قوله: قذف امرأته بشريك بن سحماء، هي بسين مفتوحة ثم حاء ساكنة مهملتين وبالمد وشريك هذا صحابي بَلَوي حليف للأنصار. (¬2) قال القاضي عياض (¬3): وقول من قال إنه يهودي، باطل. قوله: البينة أو حدًّا في ظهرك، انتصاب البينة وما عطف عليه بمحذوف، تقديره: أقم البينة أو أجلدك حدًّا، ويجوز أن يكون حدًّا قد انتصب على المصدر أي يحد حدًّا، قوله: وقفوها وقالوا: إنها موجبة أي حبسوا الشهادة الخامسة، ومنعوا المرأة من المضي في الشهادة الخامسة، وقيل: أقاموا المرأة في الخامسة بعد كونها قاعدة. قوله: فتلكأت: قال الجوهري (¬4): يقال تلكأت بعد الأمر تلكؤًا إذا تباطأت عليه. قال في النهاية (¬5): توقفت أن تقولها، والنكوص الرجوع إلى وراء وهو القهقري. ومعنى لا أفضح قومي سائر اليوم: أي باقي الأيام وأبد الدهر. 2478 - قال سعد بن عبادة: لو وجدت مع أهلي رجلًا، لم أمسَّه حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم"، قال: كلا، والذي بعثك بالحق، إن كنت لأعاجله بالسيف قبل ذلك، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اسمعوا إلى ما يقول سيدكم، إنه لغيور، وأنا أغير منه، والله أغير مني". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4747)، والترمذي (3179). (¬2) انظر ترجمة شريك بن سحماء في الإصابة (3/ 344 - 345). (¬3) إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 89). (¬4) الصحاح للجوهري (1/ 71). (¬5) النهاية (4/ 268).

قلت: رواه مسلم هنا من حديث أبي هريرة (¬1) ولم يخرج البخاري حديث أبي هريرة في قصة سعد بن عبادة. قوله: كلا والذي بعثك بالحق، إن كنت لأعاجله بالسيف، إن هذه هي المخففة من الثقيلة، واللام في الخبر هي بالفارقة بينها، وبين الشرطية، والنافية، قال الخطابي (¬2): يشبه أن يكون مراجعة سعد للنبي - صلى الله عليه وسلم - طمعًا في الرخصة، فلما أبى ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سكت وانقاد. والغيرة: الحمية والأنفة، والغيرة من الله تعالى الزجر، والله غيور أي زجور يزجر عن المعاصي، وأما غيرة الرجل على أهله فهو منعهم من التعلق بأجنبي بنظر أو حديث أو نحوه، والغيرة في حق الناس يقارنها تغير البشرة وانزعاج، وهذا مستحيل على الله تعالى. (¬3) 2479 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا أحد أغيرُ من الله، فلذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه المِدحة من الله، فلذلك مدح نفسه". قلت: رواه البخاري في التفسير في سورة الأنعام ومسلم في التوبة والترمذي في الدعوات والنسائي في التفسير كلهم من حديث ابن مسعود يرفعه. (¬4) - وفي رواية: "ولا أحد أحب إليه المدحة من الله عز وجل ومن أجل ذلك وعد الله الجنة، ولا أحد أحب إليه العذر من الله ومن أجل ذلك بعث المنذرين والمبشرين". قلت: رواه البخاري في التوحيد ومسلم في اللعان ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1498). (¬2) انظر معالم السنن (4/ 18). (¬3) انظر المنهاج للنووي (10/ 185 - 186). (¬4) أخرجه البخاري (4637)، ومسلم (2760)، والترمذي (3530)، والنسائي في الكبرى (11173).

من حديث المغيرة بن شعبة يرفعه. (¬1) والمدحة: بكسر الميم، هو المدح بفتحها فإذا أثبتت الهاء كسرت الميم، وإذا حذفت فتحت، قوله - صلى الله عليه وسلم -: من أجل ذلك وعد الجنة، معناه أنه لما وعدها ورغب فيها كثر سؤال العباد إياها منه، والثناء عليه تعالى، ومعنى: ولا أحدًا أحب إليه العذر إلى آخره، أنه ليس أحد أحب إليه الأعذار من الله، فالعذر هنا بمعنى الإعذار والإنذار، قبل أخذهم بالعقوبة، ولهذا بعث المرسلين كما قال تعالى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}. 2480 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله: أن لا يأتي المؤمن ما حرّم الله". قلت: رواه مسلم بهذا اللفظ في التوبة من حديث أبي هريرة وأخرجه البخاري إلا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وإن المؤمن يغار" وكذلك الترمذي في النكاح. (¬2) 2481 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "يا أمة محمد! والله ما من أحد أغير من الله، أن يزني عبده أو تزني أمته". قلت: رواه البخاري في النكاح والنسائي في النعوت كلاهما من حديث مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ترفعه. (¬3) 2482 - أن أعرابيًّا أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن امرأتي ولدت غلامًا أسود، وإني أنكرته؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هل لك من إبل؟ " قال: نعم، قال: "فما ألوانها؟ " قال: حمر، قال: "هل فيها من أورق؟ "، قال: إن فيها لوُرْقًا، قال: "فأنى تُرى ذلك جاءها؟ "، قال: عرق نزعها، قال: "ولعل هذا عرق نزعه" ولم يرخص له في الانتفاء منه. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (7416)، ومسلم (1499). (¬2) أخرجه البخاري (5223)، ومسلم (2761)، والترمذي (1168). (¬3) أخرجه البخاري (5221)، والنسائي (3/ 132).

قلت: رواه البخاري في الاعتصام ومسلم في اللعان وأبو داود في الطلاق كلهم من حديث أبي هريرة. (¬1) والأورق: الأسمر، والورقة: السمرة، قاله ابن الأثير. (¬2) وقال الجوهري (¬3): الأورق من الإبل الذي في لونه بياض إلى سواد، وهو أطيب الإبل لحمًا، وليس بمحمود عندهم في سيره وعمله، والجمع ورق كحمر في أحمر، والمراد بالعرق هنا: الأصل من النسب تشبيهًا بعرق الشجرة، ومنه قولهم: فلان معرق في النسب وفي اللون والكرم، ومعنى نزعه: أشبهه واجتذبه إليه، وأظهر لونه عليه، وأصل النزع الجذب فكأنه جذبه إليه لشبهه ويقال منه: نزع الولد لأبيه وإلى أبيه ونزعه أبوه ونزعه إليه قاله النووي. (¬4) وفي هذا الحديث أن الولد يلحق الزوج وإن خالف لونه لونه، حتى لو كان الولد أسود والأب أبيض أو عكسه لحقه، ولا يحل له نفيه، وكذا لو كان الزوجان أبيضين فجاء الولد أسود أو عكسه وفي هذه الصورة وجه لبعض أصحابنا وهو غلط، وفي الحديث أن التعريض بنفي الولد ليس نفيًا وأن التعريض بالقذف ليس قذفًا وهو مذهب الشافعي، وفيه إثبات القياس والاعتبار بالأشباه وضرب الأمثال. 2483 - كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص: أن ابن وليدة زمعة مِنّي، فاقبضه إليك، فلما كان عام الفتح أخذه سعد، فقال: إنه ابن أخي، وقال عبد بن زمعة: إنه أخي، فتساوقا إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال سعد: يا رسول الله إن أخي كان قد عهد إليّ فيه، وقال عبد بن زمعة: أخي، وابن وليدة أبي، وُلد على فراشه، فقال ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (7314)، ومسلم (1500)، وأبو داود (2262). (¬2) النهاية (4/ 153). (¬3) الصحاح للجوهري (4/ 1564). (¬4) المنهاج للنووي.

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش، وللعاهر الحجر"، ثم قال لسودة بنت زمعة: "احتجبي منه" لما رأى من شَبَهه بعتبة، فما رآها حتى لقي الله. قلت: رواه البخاري في مواضع منها في الفرائض ومسلم في النكاح والنسائي في الطلاق كلهم من حديث عائشة واللفظ للبخاري واسم هذا الغلام عبد الرحمن. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: وللعاهر الحجر، أي وللزاني الحجر، والعهر الزنا، ومعنى الحجر أي له الخيبة، وقيل المراد بالحجر هنا: أن له الرجم، وهذا ضعيف، لأنه ليس كل زان يرجم، وإنما يرجم المحصن خاصة، ولأنه لا يلزم من رجمه نفي الولد عنه، والحديث إنما ورد في نفي الولد عنه، وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: الولد للفراش، فمعناه أنه إذا كان للرجل زوجة أو مملوكة وصارت فراشًا له فأتت بولد يمكن أن يكون منه، لحقه الولد وصار ولدًا له، سواء كان موافقًا له في الشبه أم مخالفًا، أما ما تصير به المرأة فراشًا، فإن كانت زوجة صارت فراشًا بمجرد عقد النكاح، وشرط الشافعي ومالك إمكان الوطء في لحوق النسب، فلو نكح المغربي مشرقية ولم يفارق كل واحد منهما وطنه، ثم أتت بولد لستة أشهر أو أكثر لم يلحقه، لعدم إمكان كونه منه، ولم يشترط أبو حنيفة، فلم يشترط الإمكان بل اكتفى بمجرد العقد، قال: حتى لو طلق عقب العقد من غير إمكان وطء فأتت بولد لستة أشهر لحقه الولد، هذا حكم الزوجة، وأما الأمة فعند الشافعي ومالك تصير فراشًا بالوطء، ولا تصير فراشًا بالملك، وقال أبو حنيفة لا تصير فراشًا إلا إذا ولدت ولدًا واستلحقه، فما تأتي به بعد ذلك يلحقه إلا أن ينفيه، قال لأنها لو صارت فراشًا بالوطء لصارت بعقد الملك كالزوجة، والفرق أن الزوجة تراد للوطء خاصة فجعل الشرع العقد عليها كالوطء لما كان هو المقصود، والأمة تراد للملك ولمنافع غير الوطء، ولهذا يجوز أن يملك أختين، وأمًّا وبنتها، ولا يجوز أن يجمع بينهما في النكاح ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الفرائض (6749)، ومسلم (1457)، والنسائي (6/ 180).

فلم تصر بنفس العقد فراشًا، فإن قيل: عبد زمعة هو أخو سودة بنت زمعة، وشرط الشافعي في ثبوت استلحاق النسب من الوارث تصديق كل الورثة، فكيف استلحقه عبد بن زمعة وحده؟ والجواب من وجهين، أحدهما: أن سودة أخت عبد استلحقته أيضًا معه ووافقته في ذلك، والثاني: أن زمعة مات كافرًا فلم ترثه سودة لكونها مسلمة، وورثه عبد بن زمعة، وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: واحتجبي منه يا سودة، فأمرها به ندبًا واحتياطًا. (¬1) - ويروى: "هو أخوك يا عبد". قلت: رواها البخاري دون مسلم. (¬2) 2484 - دخل عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم وهو مسرور، فقال: "أي عائشة ألم تَريْ أن مجززًا المدلجي دخل فرأى أسامة وزيدًا وعليهما قطيفة، قد غطّيا رؤوسهما وبدت أقدامهما، فقال: "إن هذه الأقدام بعضها من بعض". قلت: رواه البخاري في آخر الفرائض ومسلم في النكاح وأبو دواد والنسائي في الطلاق والترمذي في الولاء كلهم من حديث عائشة (¬3) قال أبو داود: كان أسامة أسود وكان زيد أبيض. ومجزز: بميم مضمومة ثم جيم مفتوحة ثم زاي مشددة مكسورة ثم زاي أخرى وهذا هو الصحيح، وهو من بني مدلج بضم الميم وإسكان الدال وكسر اللام، قال العلماء: وكانت القيافة فيهم وفي بني أسد تعترف لهم العرب بذلك، وكان زيد أزهر اللون أبيض، وأسامة ابنه أسود، فطعن بعض المنافقين في نسبه فسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقول ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (10/ 55 - 57). (¬2) أخرجها البخاري (4303). (¬3) أخرجه البخاري (6771)، ومسلم (1459)، وأبو داود (2267)، والنسائي (6/ 184)، والترمذي (2129)، وابن ماجه (2349).

من الحسان

القائف لأن العرب كانت تعتبر قول القائف فينزجرون عن الطعن في النسب، قبل وكانت أم أسامة حبشية سوداء. واختلف العلماء في العمل بقول القائف فمنعه أبو حنيفة، وأثبته الشافعي، والصحيح من مذهبه أنه يكفي فيه واحد، واتفق القائلون بالقائف على أنه إنما يكون إذا أشكل بوطئين محترمين، كالبائع والمشتري يطأ قبل الاستبراء فيأتي بولد يمكن أن يكون من كل منهما. (¬1) 2485 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من ادعى إلى غير أبيه فالجنة عليه حرام". قلت: رواه البخاري في الفرائض وفي غيره ومسلم في الأيمان أبو داود في الأدب ابن ماجه في الحدود من حديث سعد بن أبي وقاص. (¬2) 2486 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا ترغبوا عن آبائكم، فمن رغب عن أبيه، فقد كفر". قلت: رواه البخاري في الفرائض ومسلم في الأيمان من حديث أبي هريرة. (¬3) من الحسان 2487 - أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: لما نزلت آية الملاعنة: "أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم، فليست من الله في شيء، ولن يدخلها الله جنته، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه، احتجب الله منه، وفضحه على رؤوس الخلائق في الأولين والأخرين". قلت: رواه أبو داود والنسائي في الطلاق وابن ماجه في الفرائض من ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (10/ 61 - 62). (¬2) أخرجه البخاري (6766)، ومسلم (63)، وأبو داود (5113)، وابن ماجه (2609). (¬3) أخرجه البخاري (6768)، ومسلم (62).

حديث أبي هريرة. (¬1) - ويروى: "فضحه على رؤوس الأشهاد". قلت: هذه رواية ابن ماجه ولم يقل فيه "في الأولين والآخرين"، وبقية الحديث كالحديث الأول بلفظه، من حديث أبي هريرة، ورواه أحمد عن وكيع عن أبيه عن عبد الله بن أبي المجالد عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من انتفى من ولده ليفضحه في الدنيا، فضحه الله يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، قصاص بقصاص "فإن كان المصنف أراد هذه الرواية فهي من حديث ابن عمر وإن أراد ما أخرجه ابن ماجه فمن حديث أبي هريرة. (¬2) 2488 - ويروى: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن لي امرأة لا ترد يد لامس؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "طلقها"، فقال: إني أحبها؟ قال: "فأمسكها إذًا". قلت: رواه الشافعي في عشرة النساء من مسنده عن سفيان عن هارون ابن زياد عن عبد الله بن عبيد الله بن عمير قال: أتى رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... وساقه، مرسلًا وأخرجه أبو داود (¬3) في النكاح من حديث عكرمة عن ابن عباس يرفعه بنحوه، قال ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2263)، والنسائي (6/ 179 - 180)، وابن ماجه (2743)، وإسناده فيه عبد الله بن يونس، لم يوثقه غير ابن حبان ولم يرو عنه إلا يزيد بن عبد الله بن الهاد أي مجهول. ذكره الحافظ في التقريب (3746) وقال: مجهول الحال، وانظر: الضعيفة (1427). (¬2) أخرج أحمد رواية ابن عمر في المسند (2/ 26)، والبيهقي (8/ 332). ورواية أبي هريرة أخرجها ابن ماجه (2743) وفي إسناده يحيى بن حرب وهو مجهول، كما قال الحافظ في التقريب (7578). (¬3) أخرجه الشافعي في المسند (2/ 15) (37)، والنسائي (6/ 67 - 68) مرسلًا، وأبو داود (2049).

المنذري (¬1): ورجال إسناده محتج بهم في الصحيحين على الاتفاق والانفراد، انتهى كلام المنذري. قلت: وما قاله عن رجال الحديث صحيح، لكن شيخ أبي داود الحسين بن حريث لم يرو عنه أبو داود إلا بالإجازة والله أعلم. وأخرجه النسائي في النكاح من حديث عبد الله بن عبيد الله بن عمير عن ابن عباس، وبوب عليه في سننه: تزويج الزانية، وقال: هذا الحديث ليس بثابت، وذكر أن المرسل فيه أولى بالصواب. وقال الإمام أحمد: لا ترد يد لامس، تعطي من ماله، وسئل عنه ابن الأعرابي؟ فقال: من الفجور. وقال الخطابي (¬2): ومعناه أنها مطاوعة لمن أرادها. وتبويب النسائي يدل على فهمه له كما قاله الخطابي. 2489 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى أن كل مستلحق استلحق بعد أبيه الذي يدعى له، ادعاه ورثته، فقضى أن من كان من أمةٍ يملكها يوم أصابها، فقد لحق بمن استلحقه، وليس له مما قسم قبله من الميراث شيء، وما أدرك من ميراث لم يقسم، فله نصيبه، ولا يُلحق إذا كان أبوه الذي يدعي له أنكره، فإن كان من أمة لم يملكها، أو من حرة عاهر بها، فإنه لا يلحق به ولا يرث، وإن كان الذي يدعي له هو الذي ادعاه، فهو ولد زنية من حرة كان أو أمة. قلت: رواه أبو داود هنا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. (¬3) ¬

_ (¬1) انظر: مختصر سنن أبي داود (3/ 6). (¬2) معالم السنن (3/ 155). (¬3) أخرجه أبو داود (2265) وإسناده حسن، للخلاف المعروف في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. ومحمد بن راشد ترجم له الحافظ في التقريب (5912) وقال: صدوق يهم.

وقد مضى الكلام في أحاديث عمر بن شعيب، وروى عن عمرو بن شعيب هذا الحديث محمد بن راشد المكحولي قال الشافعي: ليس بالقوي، وقال أبو حاتم: كان رافضيًّا. قال الخطابي (¬1): وهذه أحكام قضى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أوائل الشرع ومبادىء الإسلام، وهو أن الرجل إذا مات واستلحق له ورثته ولدًا، فإن كان الرجل الذي يدعي الولد له ورثته قد أنكر أنه منه لم يلحق به، ولم يرث منه، وإن لم يكن أنكره، فإن كان من أمة نفسه لحقه، وورث منه، ما لم يقسم من ماله ولم يرث ما قسم قبل الاستلحاق، وإن كان من أمة غيره كابن وليدة زمعة، أو من حرة زنا بها، لم يلحق به، ولا يرث منه، بل لو استلحقه الواطىء لم يلتحق به، فإن الزنا لا يثبت النسب ولا يوجب العدة، لأن العدة لصيانة الماء الذي له حرمة ولا حرمة لماء الزاني. 2490 - أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من الغيرة ما يحب الله، ومنها ما يبغض الله، فأما الذي يحبها الله: فالغيرة في الريبة، وأما التي يبغضها الله: فالغيرة في غير ريبة، وإن من الخيلاء ما يبغض الله، ومنها ما يحب الله، فأما الخيلاء التي يحب الله: فاختيال الرجل عند القتال، واختياله عند الصدقة، وأما التي يبغض الله: فاختياله في الفخر". - ويروى: "في البغي". قلت: رواه أبو داود في الجهاد والنسائي في الزكاة من حديث جابر بن عتيك (¬2) ولم يضعفه أبو داود. ¬

_ (¬1) معالم السنن (3/ 236). (¬2) أخرجه أبو داود (2659)، والنسائي (5/ 78 - 79). وفي إسناده ابن جابر بن عتيك وقد ترجم له الحافظ في التقريب (3850) وقال: مجهول.

باب العدة

وقد قيل: إن معنى الاختيال في الصدقة أن تهزه أريحية السخاء فيعطيها طيبة بها نفسه، من غير استكراه لذلك، والاختيال في الحرب أن يتقدم إليها منبسط النفس قوي الجنان. باب العدة من الصحاح 2491 - أن أبا عمرو بن حفص طلّقها البتة وهو غائب، فأرسل إليها وكيلُه الشعير، فسخطته، فقال: والله ما لك علينا من شيء، فجاءت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له، فقال: "ليس لك نفقة" فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال: "تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي عند ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى، تضعين ثيابك، فإذا حللت فآذِنيني" قالت: فلما حللتُ ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان، وأبا جهم خطباني؟ فقال: "أما أبو الجهم: فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية: فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد" فكرهته، ثم قال: "انكحي أسامة بن زيد" فنكحته، فجعل الله فيه خيرًا واغتُبطتُ. قلت: رواه مسلم وأبو داود كلاهما في الصلاة من حديث أبي سلمة عن فاطمة بنت قيس. (¬1) وقد ذكره الحميدي وعبد الحق وابن الأثير فيما انفرد به مسلم عن البخاري (¬2) فذكر الحافظ عبد الغني له في ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5319، 5320) مختصرًا، ومسلم (1480) واللفظ له، وأبو داود (2287)، ومالك (2/ 580). (¬2) الجمع بين الصحيحين (4/ 288، ح 3537) وفي الأحكام "الوسطى" لعبد الحق (3/ 221)، وجامع الأصول (8/ 128).

" العمدة " (¬1) يقتضي أنه مما اتفق عليه الشيخان وقد ذكر المزي (¬2) في "الأطراف" أحاديث فاطمة بنت قيس وعزا هذا لمسلم خاصة، فالواقع في العمدة وهم والله أعلم، وأخرجه مالك في الموطأ، وقال: فاغتبطت به، وكذا هو في بعض روايات مسلم، ولم يقع في أكثرها، واختلفوا في اسم زوجها أبي عمرو بن حفص، فقيل: عبد الحميد، وقيل: أحمد، وقيل: اسمه كنيته، وذكره البخاري فيمن لا يعرف اسمه، وأبو عمرو هذا هو: الذي كلم عمر مواجهة يوم الجابية حين قال: أعتذر إليكم من خالد، فإني أمرته أن يحبس هذا المال على ضَعَفَة المهاجرين، فأعطاه ذا البأس وذا اليسار ونزعه، وأثبت أبا عبيدة بن الجراح، فقال أبو عمرو بن حفص: والله لقد نزعت عاملًا استعمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأغمدت سيفًا سله، ووضعت لواء نصبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولقد قطعت الرحم، وحسدت ابن العم، فقال عمر: أما أنك قربت القرابة، حديث السن تغضب لابن عمك، أخرجه النسائي. (¬3) وقد ثبت هذا الحديث بألفاظ: ففي رواية: طلقها البتة، وفي رواية: ثلاثًا، وفي رواية أخرى: الثلاث، وفي رواية: طلقها طلقةكانت بقيت من طلاقها، والجمع بين الروايات: أنه طلقها قبل هذا طلقتين، ثم طلقها هذه المرة الطلقة الثالثة، فمن روى "البتة" فمعناه: طلقها طلاقًا صارت به مبتوتة بالثلاث، ومن روى: ثلاثًا، أراد تمام الثلاث، وبقية الروايات متفقة، واتفقت الروايات على أنها كانت مفارقة بالطلاق، وجاء في آخر صحيح مسلم في حديث الجساسة ما يوهم أنه مات عنها، قال العلماء: وليست هذه الرواية على ظاهرها، بل هي وهم أو مؤولة. قوله: فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته، والسخط: الكراهة للشيء وعدم الرضا به، وقد اقتصر المصنف فيما رواه من حديث فاطمة على رواية: ليس لك عليه نفقة، ¬

_ (¬1) عمدة الأحكام (322). (¬2) تحفة الأشراف (11/ 330 ح 15890). (¬3) في السنن الكبرى (8283)، انظر ترجمة أبي عمرو بن حفص في الإصابة (7/ 287).

من غير ذكر السكنى، وقد جاء في بعض الروايات في مسلم أيضًا: ولا سكنى، واختلف العلماء في المطلقة البائن الحائل هل لها النفقة والسكنى أم لا؟ فقال أبو حنيفة وآخرون: لها النفقة والسكنى، وقال أحمد: لا سكنى لها ولا نفقة، وقال الشافعي ومالك وآخرون: لها السكنى دون النفقة، واحتج من أوجبها جميعًا بقوله تعالى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ}، وأما النفقة فلأنها محبوسة عليه، واحتج من لم يوجب نفقة ولا سكنى، بحديث فاطمة بنت قيس، واحتج من أوجب السكنى دون النفقة لوجوب السكنى بظاهر قوله تعالى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} ولعدم وجوب النفقة بحديث فاطمة في الرواية التي اقتصر عليها المصنف مع ظاهر قوله تعالى {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} فمفهومه أنه إذا لم يكن حوامل فلا ينفق عليهن، وأجاب هؤلاء عن رواية سقوط السكنى في حديث فاطمة بأن حق السكنى ثابت بالقرآن فلا ينسخ بخبر الأحاد باتفاق، وذكر المصنف جوابين، سيأتيا. واسم أم شريك: غزية، وقيل: غزيلة بغين معجمة مضمومة ثم زاي فيهما. قوله: فإذا حللت فآذنيني، هو بمد الهمزة أي اعلميني، وفيه: جواز التعريض لخطبة البائن، ومعنى: لا يضع عصاه عن عاتقه، أنه ضراب للنساء، والعاتق: هو ما بين العنق والمنكب، وصعلوك: بضم الصاد. (¬1) وفي رواية: "وأما أبو جهم: فرجل ضرّاب للنساء". قلت: رواها مسلم في الطلاق من حديث فاطمة بنت قيس. (¬2) - وروي: أن زوجها طلّقها ثلاثًا، فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "لا نفقة لكِ إلا أن تكوني حاملًا". قلت: رواه مسلم، وأبو داود في الطلاق من حديث فاطمة بنت قيس. (¬3) ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (10/ 134 - 138). (¬2) أخرجها مسلم (1480). (¬3) أخرجه مسلم (41/ 1480)، وأبو داود (2290).

والمطلقة الحامل: لها النففة والسكنى بالقرآن والسنة. 2492 - إن فاطمة كانت في مكان وَحْش، فخيف على ناحيتها، فلذلك رخّص لها النبي - صلى الله عليه وسلم - تعني: في النقلة. قلت: رواه البخاري في الطلاق تعليقًا على أبي الزناد عن هشام عن أبيه عن عائشة، وأبو داود فيه مسندًا من حديث عائشة ولم يخرجه مسلم. (¬1) قولها: في مكان وحش: هو بفتح الواو وسكون الحاء المهملة وبالشين المعجمة أي قفر، كذا قاله الجوهري (¬2) وهذا أحد الجوابين عن العمل بحديث فاطمة في سقوط سكنى البائن، وهو أنها ما انتقلت إلا أنها خافت على نفسها، قوله - صلى الله عليه وسلم -: ولا سكنى أي في منزلك أي الذي وجبت العدة وهي فيه. 2493 - ما لفاطمة ألاَ تتقي الله؟ تعني في قولها: لا سكنى ولا نفقة. قلت: رواه البخاري في الطلاق من حديث عائشة (¬3). 2494 - قال المصنف: وقال سعيد بن المسيب: إنما نقلت فاطمة لطول لسانها على أحمائها. قلت: رواه أبو داود في الطلاق (¬4) من قول سعيد بن المسيب وروي أيضًا عن سليمان بن يسار: أن خروج فاطمة إنما كان من سوء الخلق. وهذا هو الجواب الثاني عن سقوط سكناها، قال الشافعي رضي الله عنه: وكرهت لها عائشة وغيرها أنها كتمت في حديثها السبب الذي به أمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تعتد في بيت غير زوجها، خوفًا أن يسمع ذلك سامع فيرى أن للمبتوتة أن تعتد حيث شاءت. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5325) (5326)، وأبو داود (2292). (¬2) الصحاح للجوهري (3/ 1025). (¬3) أخرجه البخاري (5323). (¬4) أخرجه أبو داود (2296)، والبغوي في شرح السنة (9/ 294)، وأخرجه البيهقي في السنن (7/ 474).

2495 - طُلّقت خالتي ثلاثًا، فأرادت أن تَجُدّ نحلها، فزجرها رجل أن تخرج، فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "بلى فجُدِّي نخلك، فإنه عسى أن تصدّقي أو تفعلي معروفًا". قلت: رواه مسلم في الطلاق وأبو داود والنسائي وابن ماجه كلهم من حديث جابر ولم يخرجه البخاري. (¬1) وخالة جابر بن عبد الله ذكرت في الصحابيات اللاتي لم يسمعن. وقد أخذ الشافعي ومالك وأحمد ومن وافقهم بظاهر هذا الحديث وهو أن المبتوتة تخرج نهارًا ولا تخرج ليلًا، ووجه الدلالة منه أن النخل لا يجد في غالب العرف إلا نهارًا، وقد نهى عن جداد الليل، ونخل الأنصار قريبة من دورهم فهي إذا خرجت بكرة الجداد أمكنها أن تمسي في بيتها لقرب المسافة، ولا يجوز لها الخروج في عدة الوفاة، ووافقهم أبو حنيفة في عدة الوفاة وقال في البائن لا تخرج ليلًا ولا نهارًا. 2496 - أن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال -ويروى: وضعت بأربعين ليلة-، فجاءت النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستأذنته أن تنكح؟ فأذن لها، فنكحت. قلت: رواه البخاري والنسائي وابن ماجه في الطلاق من حديث المسور ابن مخرمة. (¬2) وسُبَيعة: بضم السين المهملة وفتح الباء الموحدة. وقد أخذ بهذا الحديث جماهير العلماء من السلف والخلف فقالوا: عدة المتوفي عنها زوجها الحامل تنقضي بوضع الحمل، حتى لو وضعت بعد موت زوجها بلحظة قبل غسله، انقضت عدتها، وحلت للأزواج في الحال، هذا قول الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأحمد والعلماء كافة، ولا يجب عليها أقصى الأجلين، كما نقل عن ابن عباس ولا يتوقف تزويجها على طهرها من النفاس كما نقل عن الشعبي والحسن البصري. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1483)، وأبو داود (2297)، والنسائي (6/ 209)، وابن ماجه (2034). (¬2) أخرجه البخاري (5320)، والنسائي (6/ 190)، وابن ماجه (2029).

2497 - جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: يا رسول الله! إن ابنتي توفي عنها زوجها، وقد اشتكت عينها، أفنكحلها؟، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا"، مرتين أو ثلاثًا، كل ذلك، يقول: "لا"، ثم قال: "إنما هي أربعة أشهر وعشر، وقد كانت إحداكن ترمي بالبعرة على رأس الحول". قلت: رواه الجماعة (¬1) هنا من حديث زينب عن أم سلمة، وفيه: قال حميد: فقلت لزينب وما ترمي بالبعرة على رأس الحول؟، فقالت زينب: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشًا ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبًا حتى تمر بها سنة، ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طائر فتفتض به فقلما تفتض بشيء إلا مات ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره. سئل مالك ما تفتض به؟ قال: تمسح به جسدها. قولها: وقد اشتكت عينها: هو برفع النون ووقع في بعض أصول مسلم "عيناها". قولها: أفنكحلها، هو بضم الحاء، وحمل الشافعية منع النبي - صلى الله عليه وسلم - لها من الاكتحال على أنها لم تكن محتاجة إليه أو على أن في ذلك الكحل طيبًا أو على أنها أرادت الاكتحال بالنهار جمعًا بين هذا وبين ما جاء في الموطأ وغيره، من حديث أم سلمة: اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار، وإلى هذا ذهب الشافعي أنها عند الحاجة تجعله بالليل وتغسله بالنهار. (¬2) 2498 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا". ¬

_ (¬1) أخرجه مالك (1719)، والبخاري (5339)، ومسلم (1488)، والترمذي (1197)، والنسائي (6/ 201)، وأبو داود (2299)، وابن ماجه (2084)، والبغوي في شرح السنة (2389). (¬2) انظر: معالم السنن (3/ 245 - 246)، والمنهاج للنووي (10/ 160 - 161)، ونصب الراية (3/ 260)، والإرواء (2114).

قلت: رواه البخاري في الجنائز وفي الطلاق وفي غيرهما، والباقون إلا ابن ماجه في النكاح من حديث أم حبيبة وزينب بنت جحش. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: أن تحد على ميت، الإحداد: ترك الزينة للمصيبة، وحدود الله ما يجب الإمتناع دونها، يقال: أحدت المرأة على زوجها تُحد وحدَّت تَحد فهي حاد إذا حزنت عليه ولبست ثياب الحزن وتركت الزينة. 2499 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تحد امرأة على ميت فوق الثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا، ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا، إلا ثوب عصب، ولا تكتحل، ولا تمس طيبًا، إلا -إذا طهرت- نبذة من قسط أو أظفار". قلت: رواه الجماعة إلا الترمذي كلهم في الطلاق من حديث أم عطية. (¬2) والعصب: بعين مفتوحة ثم صاد ساكنة مهملتين وهو برود اليمن، يعصب غزلها ثم يصبغ معصوبًا ثم ينسج. والنبذة: بضم النون القطعة والشيء اليسير. والقسط: بضم القاف ويقال فيه كست بكاف مضمومة بدل القاف وبتاء بدل الطاء وهو والأظفار نوعان من البخور وليسا من مقصود الطيب رخص فيه للمغتسلة من الحيض لإزالة الرائحة الكريهة. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5334 - 5535)، ومسلم (1487)، والترمذي (1196)، وأبو داود (2299)، والنسائي (6/ 201)، وابن ماجه (2087). (¬2) أخرجه البخاري (5342)، ومسلم (938)، وأبو داود (2302)، والنسائي (6/ 202)، وابن ماجه (2087). (¬3) انظر المنهاج للنووي (10/ 166).

من الحسان

2500 - ويروى: "ولا تختضب". قلت: هذه الرواية في أبي داود وليست في الصحيحين ولا في أحدهما. (¬1) من الحسان 2501 - إن الفُريعة بنت مالك بن سنان -وهي أخت أبي سعيد الخدري-، أخبرتها: أنها جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خُدْرة، فإن زوجها خرج في طلب أَعْبُدٍ له أَبَقُوا فقتلوه، قالت: فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أرجع إلى أهلي، فإن زوجي لم يتركني في منزل يملكه ولا نفقة؟ فقالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم"، فانصرفت، حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني، فقال: "امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله"، قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرًا. قلت: رواه مالك في الموطأ في مقام المتوفي عنها زوجها، وأبو داود والنسائي وابن ماجه في الطلاق والترمذي في النكاح كلهم من حديث الفريعة بنت مالك بن سنان، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. (¬2) والفُريعة: بضم الفاء وفتح الراء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفتح العين المهملة وبعدها تاء تأنيث. وخدرة: بضم الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة وبعدها راء مهملة مفتوحة وتاء تأنيث بطن من الأنصار. ¬

_ (¬1) أخرجها أبو داود (2302)، انظر الإرواء (2114). (¬2) أخرجه مالك في الموطأ (2/ 591) (87)، وأبو داود (2300)، والترمذي (1204)، والنسائي (6/ 199 - 200)، وابن ماجه (2031).

وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: نعم، ثم قوله امكثي حتى يبلغ الكتاب أجله، دليل على جواز وقوع النسخ قبل العمل، ولكنه بعد دخول وقت العمل، ومن منع قال: كان جوابًا عن أمر تبين بعد ذلك عنده كلام فحكم به. 2502 - دخل عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين توفي أبو سلمة، وقد جعلت على عيني صَبْرًا، فقال: "ما هذا يا أم سلمة؟ "، فقلت: إنما هو صبر ليس فيه طيب، فقال: "إنه يشب الوجه، فلا تجعليه إلا بالليل وتنزعيه بالنهار، ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء، فإنه خضاب"، قلت: بأي شيء أمتشِط يا رسول الله؟ قال: "بالسدر، تغلّفين به رأسك". قلت: رواه أبو داود والنسائي كلاهما في الطلاق (¬1) من حديث أم حكيم بنت أسيد عن أمها أن زوجها توفي وكانت تشتكي عينها، فتكحلت بكحل الجلاء فأرسلت مولاة إلى أم سلمة، فسألتها عن كحل الجلاء؟ فقالت: لا تكتحل به إلا من أمر لا د منه يشتد عليك، فتكتحلين بالليل وتمسحينه بالنهار، ثم قالت بعد ذلك أم سلمة: دخل عليّ رسول الله ... الحديث. وأمها مجهولة، والمولاة مجهولة، ولم يقل النسائي: "وتنزعيه بالنهار"، وهو في الموطأ مختصر من بلاغات مالك، والصبر: بكسر الباء الموحدة، الدواء المر ولا تسكن إلا في ضرورة الشعر. ويشب الوجه أي: توقده وتلونه وتحسنه، ورجل مشبوب إذا كان أسود الشعر أبيض الوجه، وأصله من شب النار إذا أوقدها، فتلألأت ضياءً ونورًا، وتغلفين: أي تلطخين. 2503 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "المتوفي عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشّقة ولا الحليّ ولا تختضب ولا تكتحل". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2305) والنسائي (6/ 204)، وأخرجه مالك في الموطأ مرسلًا (2/ 600).

باب الإستبراء

قلت: رواه أبو داود والنسائي كلاهما في الطلاق من حديث أم سلمة ولم يضعفه أبو داود. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم - ولا الممشقة: المشق بكسر اليم وفتحها وسكون الشين المعجمة وقاف هو: المغرة تصبغ به الأحمر من الأشياء، وثوب ممشق مصبوغ بالمشق، وأما المغرة: فبفتح الميم وسكون الغين المعجمة، وقد تحرك وهو: الطين الأحمر. باب الإستبراء من الصحاح 2504 - قال: مرّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بامرأة مجحّ، فسأل عنها؟ فقالوا: أمة لفلان؟، قال: "أيلم بها؟ "، قالوا: نعم، فقال: "لقد هممت أن ألعنه لعنًا يدخل معه في قبره، كيف يستخدمه وهو لا يحل له؟، أم كيف يورّثه وهو لا يحل له؟ ". قلت: رواه مسلم وأبو داود في النكاح من حديث أبي الدرداء ولم يخرجه البخاري. (¬2) ومُجِحّ: بميم مضمومه ثم جيم مكسورة ثم حاء مهملة مشددة هي: الحامل التي قربت ولادتها. ومعنى يلم بها: أي يطأها وكانت حاملًا مسبية لا يحل جماعها حتى تضع، ومعنى الحديث أنه إذا وطىء المسبية قبل الاستبراء قد تلد لفوق ستة أشهر، فكيف يستخدمه ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2304)، والنسائي (6/ 203 - 204). (¬2) أخرجه مسلم (1441)، وأبو داود (2156).

من الحسان

استخدام العبيد، ويجعله عبدًا وربما كان ابنه أم كيف يورثه وربما كان من غيره قبل السبي، فلا يحل له ذلك هذا هو الظاهر من معنى الحديث. وقال القاضي عياض (¬1): معناه أنه قد ينمي الجنين بنطفة هذا السابي فيصير مشاركًا فيه، فيمتنع الاستخدام، قال: وهو نظير الحديث الآخر: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسق ماءه ولد غيره"، وهذا تأويل ضعيف يمنعه ذكر التوريث. من الحسان 2505 - يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في سبابا أوطاس: "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة". قلت: رواه أبو داود في النكاح من حديث أبي سعيد الخدري، وفي إسناده شريك القاضي. (¬2) وفي الحديث دليل على أن الزوجين إذا سبيا أو أحدهما ارتفع نكاحهما، لترك الاستفصال، وأن وطء الحامل المسبية لا يجوز، وأن استبراءها بوضع الحمل، وأن استبراء ذات الأقراء بحيضة كاملة، وأن إستحداث الملك في الأمة يوجب الاستبراء. 2506 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين: "لا يحل لامرىءٍ يؤمن بالله واليوم الآخر يسقي ماءه زرع غيره". يعني إتيان الحَبالى. قلت: رواه أبو داود في النكاح مطولًا من حديث رويفع بن ثابت الأنصاري والترمذي مختصرًا بمعنى ما رواه المصنف، وقال: حسن. (¬3) ¬

_ (¬1) إكمال المعلم (4/ 621). (¬2) أخرجه أبو داود (2157) إسناده صحيح لغيره، وشريك: قال عنه الحافظ في "التقريب" (2802): صدوق يخطىء كثيرًا تغير حفظه منذ ولي القضاء. (¬3) أخرجه أبو داود (2158)، والترمذي (1131).

باب النفقات وحق المملوك

- قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل لامرىء يومن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها، ولا يحل لامرىء يومن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنمًا حتى يُقسم". قلت: رواه أبو داود من حديث رويفع وهو بعض الحديث الذي قبله. (¬1) باب النفقات وحق المملوك من الصحاح 2507 - أن هندًا بنت عتبة قالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يُعطيني ما يكفيني وولدي، إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم؟، فقال: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف". قلت: رواه البخاري في النفقات ومسلم في الأحكام وأبو داود في البيوع والنسائي في القضاء وابن ماجه في التجارات كلهم من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة (¬2). وفي هذا الحديث وجوب نفقة الزوجة والأولاد الصغار، وأن النفقة مقدرة بالكفاية لا بالأمداد. وذهبت الشافعية إلى أن نفقة القريب مقدرة بالكفاية بظاهر هذا الحديث، ونفقة الزوجة مقدرة بالأمداد على الموسر: كل يوم مدان، وعلى المتوسط مد ونصف، وعلى المعسر مد، وهذا الحديث يرد عليهم، والحديث أولى بالاتباع. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2158). (¬2) أخرجه البخاري (5364)، ومسلم (1714)، وأبو داود (3532/ 3533)، والنسائي (8/ 246)، وابن ماجه (2293).

وجواز كلام الأجنبية عند الافتاء والحكم. وجواز ذكر الإنسان بما يكره إذا كان للاستفتاء والشكوى ونحوها. وأن من له على غيره حق وهو عاجز عن استيفائه يجوز له أن يأخذ من ماله قدر حقه بغير إذن، ومنع من ذلك أبو حنيفة ومالك، وجواز إطلاق الفتوى، ويكون المراد تعليقها بثبوت ذلك، ولا يحتاج المفتي أن يقول إن ثبت بل يجوز الإطلاق كما أطلق - صلى الله عليه وسلم -. وأن للمرأة مدخلًا في كفالة أولادها والإنفاق عليهم من مال أبيهم، وإذا امتنع أبوهم من الإنفاق فهل للأم الاستقلال بالأخذ من ماله بغير إذن القاضي؟ فيه خلاف لأصحابنا ينبني على أن إذنه - صلى الله عليه وسلم - لهذه المرأة كان إفتاء أو قضاء، والأصح أنه إفتاء، وأن هذا يجري في كل امرأة أشبهتها، فيجوز وإن كان قضاء ولا يجوز لغيرها إلا بإذن القاضي. وقد غلط بعض الفقهاء فاستدل بهذا على جواز القضاء على الغائب، والقضية كانت عام الفتح، وأبو سفيان حاضر باتفاق أهل السير بمكة، وشرط القضاء على الغائب من جوازه أن يكون غائبًا عن البلد، أو مستترًا أو متعذرًا، وليس هذا الشرط في أبي سفيان، فلا يكون قضاء على غائب، بل هو إفتاء وممن صرح بأن أبا سفيان كان حاضرًا بمكة السهيلي، وأبو نعيم الأصبهاني. وروى الحاكم في المستدرك (¬1) أن هندًا قالت: لا أبايعك على السرقة، إني أسرق من مال زوجي، فكف النبي - صلى الله عليه وسلم - يده وكفت يدها، حتى أرسل إلى أبي سفيان يتحلل لها منه، فقال أبو سفيان: أما الرطب فنعم، وأما اليابس فلا ... الحديث، وقال الحاكم: حديث صحيح وأقره الذهبي في مستخرجه على تصحيحه. 2508 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أعطى الله أحدكم خيرًا، فليبدأ بنفسه وأهل بيته". ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم (2/ 528).

قلت: رواه مسلم في المغازي في حديث طويل من حديث عامر بن سعد قال: كتبت إلى جابر بن سَمُرة مع غلامي نافع أن أخبرني بشيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فكتب إلي: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم جمعة عشية رجم الأسلمي: "لا يزال الدين قائمًا حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة ... " الحديث بطوله، ولم يخرج البخاري هذه القطعة التي اقتصر عليها المصنف، ورواه أحمد أيضًا في مسنده مطولًا. (¬1) 2509 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق". قلت: رواه مالك والشافعي في المسند والسنن وأحمد في مسنده ومسلم في الأيمان والنذور من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري عنه. (¬2) وفيه دليل على أنه لا يجوز تكليف الأرقاء فوق ما يطيقون. قال البغوي (¬3) وغيره: معناه إلا ما يطيق الدوام عليه، لا ما يطيق يوما أو يومين أو ثلاثة أو نحو ذلك ثم يعجز. 2510 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن جعل الله أخاه تحت يديه، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا يكلفه من العمل ما يغلبه، فإن كلفه ما يغلبه فليُعِنْه عليه". قلت: رواه البخاري في الأدب ومسلم في الأيمان والنذور من حديث أبي ذر يرفعه. (¬4) والأمر بإطعام المماليك مما يأكل السيد، وإلباسهم مما يلبس، محمول على الاستحباب لا على الإيجاب، وهذا بإجماع المسلمين، وإنما يجب على السيد نفقة المملوك وكسوته ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1822)، وأحمد (5/ 89). (¬2) أخرجه مسلم (1662)، ومالك (2/ 980)، والشافعي (2/ 66)، وأحمد (2/ 247). (¬3) شرح السنة (2403). (¬4) أخرجه البخاري (6050)، ومسلم (1661).

بالمعروف بحسب البلدان والأشخاص، سواء كان من جنس نفقة السيد ولباسه أو دونه أو فوقه، حتى لو قتر السيد على نفسه تقتيرًا خارجًا عن عادة أمثاله إما زهدًا وإما شحًّا لا يحل له التقتير على المملوك وإلزامه بموافقته إلا برضاه، وأجمع العلماء على أنه لا يجوز أن يكلفه من العمل ما لا يطيق، فإن كلفه ذلك لزمه إعانته بنفسه أو بغيره. 2511 - جاءه قهرمان له فقال: أعطيت الرقيق قوتَهم؟ قال: لا، قال: فانطلق فأعطهم، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمن تملك قوته". قلت: رواه مسلم في الزكاة من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وأبو داود فيه بمثل معناه وكذلك النسائي في عشرة النساء. والقهرمان: هو كالخازن والوكيل الحافظ لما تحت يده، القائم بأمور الرجل بلغة الفرس، وهو بفتح القاف وسكون الهاء وفتح الراء ثم ميم وألف ونون. - وفي رواية: "كفى بالمرء إثمًا أن يضيّع من يقوت". قلت: هذه الرواية لم أرها في شيء من الصحيحين، إنما رواها أبو داود في الزكاة والنسائي في عشرة النساء كلاهما من حديث عبد الله ابن عمرو بن العاص يرفعه. (¬1) ويقوت: قال في "النهاية": يقال: قاته يقوته. إذ أعطاه قوته، ويقال فيه: أقاته يقيته أيضًا، أراد - صلى الله عليه وسلم - من يلزمه نفقته، ويروى أيضًا "من يقيت" على لغة أقات. (¬2) 2512 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا صنع لأحدكم خادمه طعامه، ثم جاءه به، فقد ولي حره ودخانه، فليقعده معه فليأكل، فإن كان الطعام مشفوهًا قليلًا، فليضع في يده منه أكلة أو أكلتين". ¬

_ (¬1) قلت: بل أخرجه مسلم (996) أيضًا، وأبو داود (1692)، والنسائي في الكبرى (9177). (¬2) النهاية (4/ 119).

قلت: رواه مسلم في النذور وأبو داود في الأطعمة من حديث أبي هريرة، وفي لفظ البخاري في العتق: "إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه، فإن لم يجلسه معه فليناوله أكلة أو أكلتين أو لقمة أو لقمتين فإنه ولي حره وعلاجه". (¬1) والمشفوه: القليل وأصله الماء الذي كثرت عليه الشفاه حتى قلّ. 2513 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن العبد إذا نصح لسيده، وأحسن عبادة الله، فله أجره مرتين". قلت: رواه مالك آخر الموطأ والبخاري في العتق ومسلم في النذور وأبو داود في الأدب من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر يرفعه. وحديث ابن عمر هذا وأربعة أحاديث بعده في حق السادات على العبيد، وذكر أربعة أحاديث قبله في حق العبيد على السادات. (¬2) 2514 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "نعمًا للمملوك: أن يتوفّاه الله يحسن عبادة ربه وطاعة سيده، نعمًا له". قلت: رواه البخاري في العتق ومسلم في النذور من حديث أبي هريرة واللفظ لمسلم ولم يقل البخاري: "أن يتوفاه". (¬3) 2515 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أبق العبد، لم تُقبل له صلاة". قلت: رواه مسلم في الإيمان من حديث جرير (¬4) يرفعه. 2516 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أيما عبد أبق، فقد برئت منه الذمة". قلت: رواه مسلم فيه عنه يرفعه. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2557)، ومسلم (1663)، وأبو داود (3846). (¬2) أخرجه مالك (2/ 891)، والبخاري (2546)، ومسلم (1664)، وأبو داود (5169). (¬3) أخرجه البخاري (2549)، ومسلم (1667). (¬4) أخرجه مسلم (70). (¬5) أخرجه مسلم (69).

2517 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أيما عبد أبق من مواليه، فقد كفر حتى يرجع إليهم". قلت: رواه مسلم فيه عنه موقوفًا عليه، وقال: قال منصور: أحد رواته قد والله رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكني أكره أن يروي عني ههنا بالبصرة. (¬1) 2518 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من قذف مملوكه وهو بريء مما قال، جُلد يوم القيامة، إلا أن يكون كما قال". قلت: رواه البخاري بهذا اللفظ في اللباس ومسلم في النذور وأبو داود في الأدب والترمذي في البر والنسائي في الرجم كلهم في حديث أبي هريرة يرفعه. (¬2) 2519 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من ضرب غلامًا له حدًّا لم يأته، أو لطمه، فإن كفارته أن يُعتقه". قلت: رواه مسلم في النذور من حديث ابن عمر ولم يخرجه البخاري. (¬3) وفي هذا الحديث الرفق بالمماليك، وحسن صحبتهم، وأجمع المسلمون على أن عتقه بهذا السبب ليس بواجب، وإنما هو مندوب رجاء كفارة ذنبه وإزالة إثم ظلمه. 2520 - كنت أضرب غلامًا لي، فسمعت من خلفي صوتًا: "أعلم أبا مسعود! لله أقدر عليك منك عليه"، فالتفت، فإذا هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: يا رسول الله! هو حر لوجه الله فقال: "أما لو لم تفعل، للفحتك النار أو لمستك النار". قلت: رواه مسلم في الأيمان والنذور وأبو داود في الأدب والترمذي في البر من حديث أبي مسعود البدري واسمه عقبة بن عمرو. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (68). (¬2) أخرجه البخاري (6858)، ومسلم (1660)، وأبو داود (5165)، والترمذي (1947)، والنسائي في الكبرى (7352). (¬3) أخرجه مسلم (1657). (¬4) أخرجه مسلم (1659)، وأبو داود (5159)، والترمذي (1948).

من الحسان

من الحسان 2521 - أن رجلًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن لي مالًا، وإن والدي يحتاج مالي، فقال: "أنت ومالك لوالدك، إن أولادكم من أطيب كسبكم، كلوا من كسب أولادكم". قلت: رواه أبو داود في البيوع وابن ماجه في التجارات (¬1) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده واللفظ لأبي داود، وقد تقدم الكلام على الاختلاف في الاحتجاج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وأخرجه ابن ماجه أيضًا من حديث محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن رجلًا قال: يا رسول الله إن لي مالًا وولدًا وإن أبي يريد أن يجتاح مالي، فقال: "أنت ومالك لأبيك"، ورجال إسناده ثقات (¬2)، وأخرج الشافعي مرسلًا عن ابن المنكدر (¬3) أن رجلًا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن لي مالًا وعيالًا وإن لأبي مالًا وعيالًا، وإنه يريد أن يأخذ مالي فيطعمه عياله، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أنت ومالك لأبيك". 2522 - أنَّ رجلًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني فقير ليس لي شيء ولي يتيم؟، فقال: "كل من مال يتيمك، غير مسرف، ولا مبادر، ولا متأثل". قلت: رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه ثلاثتهم (¬4) في الوصايا من حديث عمرو بن شعيب ولم يضعفه أبو داود. وهذا الحديث موافق لظاهر القرآن قال تعالى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3530)، وابن ماجه (2292) وإسناده حسن. (¬2) أخرجه ابن ماجه (2291)، وفي إسناده حجاج بن أرطأة مدلس وقد عنعنه. (¬3) أخرجه الشافعي (1/ 202). (¬4) أخرجه أبو داود (2872)، والنسائي (6/ 256)، وابن ماجه (2718).

قال الشافعي: إذا كان الولي فقيرًا وقطعه النظر في مال اليتيم عن الكسب كان له أن يأخذ من مال اليتيم أقل الأمرين من نفقته وأجرة مثله. فالشافعي فسر: المعروف في القرآن بأقل الأمرين من النفقة وأجرة المثل احتياطًا لمال اليتيم. قوله -صلى الله عليه وسلم-: ولا مبادر، بالدال المهملة من المبادرة أي ولا مبادر إلى أخذه قبل أن يفتقر إليه مخافة أن يبلغ الصبي فينزع ماله منه. قوله -صلى الله عليه وسلم-: ولا متأثل: الثاء الثانية مثلثة أي متخذ منه أصل ماله يجمعه له. 2523 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أنه كان يقول في مرضه: "الصلاة وما ملكت أيمانكم". قلت: رواه النسائي في الزكاة وابن ماجه في الجنائز من حديث أم سلمة. (¬1) ورواه ابن ماجه أيضًا في الوصايا من حديث علي رضي الله عنه ولفظه: كان آخر كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الصلاة وما ملكت أيمانكم، ورواه أبو داود في الأدب عنه ولفظه: كان آخر كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم. (¬2) والصلاة: منصوب بفعل مقدر أي احفظوا الصلاة بالمواظبة، وما ملكت أيمانكم بحسن الملكة والقيام بما يحتاجون إليه، وقيل: أراد - صلى الله عليه وسلم - حقوق الزكاة، وإخراجها من الأموال التي تملكها الأيدي، كأنه - صلى الله عليه وسلم - أعلم بما يكون من أهل الردة وإنكارهم وجوب الزكاة، وامتناعهم من أدائها إلى بعده فقطع حجتهم بأن جعل آخر كلامه الوصية بالصلاة والزكاة، فقربهما، وعلى التفسير الأول قرن بين الصلاة ونفقة المماليك ليعلم أنه لا سعة في ترك نفقتهم كما لا سعة في ترك الصلاة. 2524 - قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يدخل الجنة سيء الملكة". قلت: رواه الترمذي في البر وابن ماجه في الأدب مطولًا كلاهما من حديث فرقد السبخي عن مرة الطيب عن أبي بكر الصديق يرفعه، وقال الترمذي: غريب، وقد ¬

_ (¬1) أخرجه ابن ماجه (1625)، والنسائي في الكبرى (7098)، انظر الإرواء (1178). (¬2) أخرجه ابن ماجه (2698)، وأبو داود (5156).

تكلم غير واحد في فرقد السبخي من قبل حفظه (¬1)، وهو فرقد بن يعقوب وكان حائكًا من عباد أهل البصرة، وكان من أرمينيّة ثم انتقل إلى البصرة ونسب إلى سبخة كان يأويها. قوله: سيء الملكة، أي الذي يسيء صحبة المماليك يقال فلان حسن الملكة إذا كان حسن الصنيع إلى المماليك. 2525 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "حُسن الملكة يُمن، وسوء الخلق شؤم، والصدقة تمنع ميتة السوء، والبر زيادة للعمر". قلت: رواه الإمام أحمد بتمامه وأبو داود في الأدب (¬2) إلى قوله: "سوء الخلق شؤم" كلاهما من حديث عبد الرزاق عن معمر عن عثمان بن زفر عن بعض بني الرافع بن مكيث عنه، ورواه أبو داود أيضًا من حديث الحارث بن رافع بن مكيث، ورافع تابعي فهو مرسل، وفي سنده بقية بن الوليد وفيه مقال. ومكيث بفتح الميم وكسر الكاف وسكون الياء آخر الحروف وبعدها ثاء مثلثة. 2526 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا ضرب أحدكم خادمه فذكّر الله، فليمسك". قلت: رواه الترمذي في البر، وقال: وفي سنده أبو هارون العبدي ضعفه شعبة. (¬3) 2527 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من فرق بين والدة وولدها، فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1946)، وابن ماجه (3691) وإسناده ضعيف. فيه فرقد السبخي قال الحافظ في التقريب (5419): صدوق عابد لكنه لين الحديث كثير الخطأ. (¬2) أخرجه أحمد (3/ 502)، وأبو داود (5162) وإسناده ضعيف. لأن فيه بقية بن الوليد قال الحافظ في التقريب (741): صدوق كثير التدليس عن الضعفاء ... (¬3) أخرجه الترمذي (1950) وإسناده ضعيف جدًّا. في إسناده أبو هارون العبدي عمارة ابن جوين قال الحافظ في التقريب (4874): متروك ومنهم من كذبه -شيعي-.

قلت: رواه الترمذي في البيوع من حديث أبي أيوب وقال: حسن غريب. (¬1) واسم أبي أيوب خالد بن زيد. وذهب الشافعي رضي الله عنه إلى تحريم التفريق بين الجارية وولدها قبل سن التمييز بالبيع والهبة، وما يزيل الملك فإن فرق بذلك بطل العقد. وقال أبو حنيفة: التفريق حرام إلى الاحتلام. وقال مالك: حتى يثغر، وقال أحمد: لا يفرق بينهما وإن كبر واحتلم أخذًا بظاهر الحديث. 2528 - قال: وهب لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غلامين أَخَوَيْن، فبعت أحدهما، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما فعل غلامك؟ " فأخبرته، فقال: "رُدّه، رُدّه". قلت: رواه الترمذي في البيوع وابن ماجه في التجارات من حديث ميمون بن أبي شبيب عن علي وقال: حسن غريب. (¬2) 2529 - وروي عن علي أنه فرق بين جارية وولدها، فنهاه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فرد البيع. (منقطع). قلت: رواه أبو داود في الجهاد من حديث ميمون بن أبي شبيب عن علي وقال: ميمون لم يدرك عليًّا. (¬3) وذكر الخطابي (¬4): أن إسناده غير متصل كما ذكره أبو داود. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1283). (¬2) أخرجه الترمذي (1284)، وابن ماجه (2249). (¬3) أخرجه أبو داود (2696) وإسناده منقطع. ميمون لم يدرك عليًّا (انظر: الجرح والتعديل 3/ 234)، والمراسيل (ص 214)، وتحفة التحصيل (ص 531). (¬4) في معالم السنن (2/ 254).

2530 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاث من كن فيه نشر الله عليه كنفه، وأدخله جنته: رفق بالضعيف، وشفقة على الوالدين، والإحسان إلى المملوك". (غريب) قلت: رواه الترمذي في الزهد من حديث جابر (¬1) بن عبد الله، وقال: غريب انتهى، وفي سنده عبد الله بن إبراهيم الغفاري، قال المزي (¬2): وهو متهم. قوله: نشر الله عليه كنفه، هو بالنون والشين المعجمة من النشر ضد الطيّ. وكنفه: بالكاف والنون والفاء أي نشر الله عليه ستره وصانه، وقد روي: نشر بالياء المثناة من تحت والسين المهملة، وبدل كنفه حتفه بالحاء المهملة المفتوحة والتاء المثناة من فوق الساكنة والفاء، والحتف: الهلاك، يقال: مات حتف أنفه، هو أن يموت على فراشه كأنه يسقط على أنفه فمات كانوا يتخيلون أن روح الميت تخرج من أنفه فإن جرح خرجت من جراحته. 2531 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهب لعلي رضي الله عنه غلامًا فقال: "لا تضربه، فإني نهيت عن ضرب أهل الصلاة، وقد رأيته يصلي". قلت: هذ الحديث لم يخرجه أحد من أصحاب السنن، وأخرجه الإمام أحمد من حديث أبي أمامة (¬3) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقبل من خيبر ومعه غلامان، وهب أحدهما لعلي وقال: لا تضربه ... الحديث، بسند صحيح، فيه أبو غالب البصري صاحب أبي أمامة، وهو صالح الحديث، صحح له الترمذي. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2494) وإسناده ضعيف. في إسناده عبد الله بن إبراهيم قال الحافظ في التقريب (3216): متروك ونسبه ابن حبان إلى الوضع. (¬2) في المخطوط المزي ولعله الذهبي فقد ترجم له في الكاشف (1/ 537) وقال: متهم عَدَم. (¬3) أخرجه أحمد (5/ 258، 250) وكلذلك البخاري في الأدب المفرد (163)، وفي إسناده أبو غالب البصري قال الحافظ في التقريب (8362): صدوق يخطىء.

2532 - جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله كم نعفو عن الخادم؟ فسكت، ثم أعاد عليه الكلام؟ فصمت، فلما كانت الثالثة، قال: "اعفوا عنه كل يوم سبعين مرة". قلت: رواه أبو داود في الأدب والترمذي في البر من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب. (¬1) وقال الترمذي: حسن غريب، قال: وروى بعضهم هذا الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص (¬2) انتهى. وراويه عن عبد الله بن عمر هو العباس بن جُلَيْد، وقال الأمير أبو نصر (¬3): إنه يروي عن عبد الله بن عُمر وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الحارث بن جزء، وأخرج البخاري هذا الحديث في تاريخه من حديث عباس بن جليد عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وقال: هو حديث فيه اضطراب (¬4). وجليد: بضم الجيم وفتح اللام وسكون الياء آخر الحروف وبالدال المهملة مصري ثقة. 2533 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من لاءَمكم من مملوكيكم، فأطعموه مما تأكلون، واكسوه مما تكتسون، ومن لم يلائمكم منهم فبيعوه، ولا تعذبوا خلق الله". قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث أبي ذر. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (5164)، والترمذي (1949). (¬2) أخرجه الترمذي (1946) وفي إسناده العباس بن جليد. ترجم له الحافظ في التقريب (3181) وقال: ثقة. (¬3) انظر: الإكمال لابن ماكولا (2/ 110). (¬4) التاريخ الكبير (7/ 4). (¬5) أخرجه أبو داود (5157).

باب بلوغ الصغير وحضانته في الصغر

ولاءمكم: أصله الهمز من الملاءمة وهي الموافقة، يقال: هو يلائمني بالهمز ثم يخفف فيصير ياء، وأما يلاومني بالواو فلا وجه له هنا لأنه من اللوم. 2534 - مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببعير قد لحق ظهره ببطنه، فقال: "اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة، فاركبوها صالحة، واتركوها صالحة". قلت: رواه أبو داود في الجهاد من حديث سهل بن الحنظلية، ولم يضعفه. (¬1) والمعجمة: بضم الميم وسكون العين المهملة وكسر الجيم، خصها بهذه الصفة لأنها لا تتكلم فتشكو. باب بلوغ الصغير وحضانته في الصغر من الصحاح 2535 - عُرضت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة، فردني، ثم عُرضت عليه عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني. قال عمر بن عبد العزيز: هذا فرق ما بين المقاتلة والذُرِّية. قلت: رواه البخاري في الشهادات ومسلم في المغازي كلاهما من حديث ابن عمر بن الخطاب. (¬2) وهذا دليل لتحديد البلوغ بخمس عشرة سنة، وهو مذهب الشافعي وأحمد وجماعة قالوا: باستكمال خمس عشرة سنة يصير مكلفًا وإن لم يحتلم. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2548)، انظر الصحيحة (23). (¬2) أخرجه البخاري (2664)، ومسلم (1868).

من الحسان

وفيه دليل على أن غزوة الخندق كانت سنة أربع من الهجرة وهو الصحيح، وقال جماعة من أهل السير: كانت سنة خمس، وهذا الحديث يرده لأنهم أجمعوا على أن أحدًا كانت سنة ثلاث فتكون الخندق سنة أربع لأنه جعلها بعدها بسنة. قوله: لم يجزني، وأجازني المراد جعله رجلًا، له حكم الرجال المقاتلين. 2536 - قال: صالح النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية على ثلاثة أشياء: على أن من أتاه من المشركين رده إليهم، ومن أتاهم من المسلمين لم يردوه، وعلى أن يدخُلها من قابل ويقيم بها ثلاثة أيام، فلما دخلها ومضى الأجل، وخرج، فتبعته ابنة حمزة تنادي: يا عم يا عم فتناولها علي فأخذ بيدها، فاختصم فيها علي، وزيد، وجعفر، قال علي: أنا أخذتها، وهي بنت عمي، وقال جعفر: ابنة عمي، وخالتها تحتي، وقال زيد: ابنة أخي، فقضى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - لخالتها، وقال: "الخالة بمنزلة الأم" وقال لعلي: "أنت مني وأنا منك"، وقال لجعفر: "أشبهت خَلقي وخُلفي"، وقال لزيد: "أنت أخونا ومولانا". قلت: رواه البخاري في الصلح ومسلم في المغازي بألفاظ متقاربة من حديث البراء بن عازب. (¬1) وأخذت الشافعية من هذا الحديث: أن من لها حق في الحضانة إذا تزوجت بمن له حق في الحضانة لا يسقط حقها، وهذا ظاهر من الحديث وسيأتي الكلام على جمل من هذا الحديث في الجهاد. من الحسان 2537 - أن امرأة قالت: يا رسول الله! إن ابني هذا، كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حِواء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنت أحق به، ما لم تنكحي". قلت: رواه أبو داود في الطلاق من حديث ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2700) (4251)، ومسلم (1783).

عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وسكت عليه. (¬1) والحواء: اسم للمكان الذي يحوي الشيء أي يضمه ويجمعه ولعل هذا الصبي ما بلغ سن التمييز، ففيه دليل على تقديم الأم على الأب ما لم تنكح، فإن نكحت سقط حقها من الحضانة، إلا أن ينكح من له حق في الحضانة، جمعًا بين هذا الحديث والحديث الذي قبله. 2538 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيَّر غلامًا بين أبيه وأمّه. قلت: رواه الترمذي بهذا اللفظ في الأحكام، وأبو داود في الطلاق مطولًا بقصة، والنسائي فيه وابن ماجه في الأحكام مختصرًا ومطولًا كلهم من حديث أبي هريرة وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬2) 2539 - قال: جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن زوجي يريد أن يذهب بابني، وقد سقاني ونفعني، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هذا أبوك وهذه أمك، فخذ بيد أيهما شئت"، فأخذ بيد أمه، فانطلقت به. قلت: رواه أبو داود في الطلاق والنسائي فيه، وهو الحديث المطول المشار إليه قبله من حديث أبي هريرة فيه. (¬3) وهذا محمول على أن الصغير كان مميزًا جمعًا بينه وبين حديث عمرو ابن شعيب الذي قبله. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو دواد (2276) وإسناده حسن. انظر الصحيحة (368). (¬2) أخرجه الترمذي (1357)، وأبو داود (2277)، والنسائي (6/ 185)، وابن ماجه (2351). وإسناده صحيح. انظر الإرواء (2192). (¬3) أخرجه أبو داود (2277)، والنسائي (6/ 185 - 186).

كتاب العتق

كتاب العتق من الصحاح 2540 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أعتق رقبة مسلمة، أعتق الله بكل عضو منه عضوًا من النار، حتى فرجه بفرجه". قلت: رواه البخاري في الكفارات ومسلم في العتق من حديث أبي هريرة. (¬1) وفي الحديث تنبيه على فضل العتق، وأنه ينبغي أن يكون كامل الأعضاء وغير الخصي أفضل. قال أصحابنا: وعتق العبد أفضل من عتق الأمة. 2541 - قال سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - أي العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله وجهاد في سبيله"، قال: فأي الرقاب أفضل؟، قال: "أغلاها ثمنًا وأنفسها عند أهلها" قلت: فإن لم أفعل؟، قال: "تعين صانعًا أو تصنع لأخرق" قلت: فإن لم أفعل؟، قال: "تَدَعُ الناس من الشر، فإنها صدقة تصدّق بها على نفسك". قلت: رواه البخاري في العتق ومسلم في الإيمان والنسائي في العتق وابن ماجه في الأحكام مقتصرًا على ما يتعلق بالعتق خاصة كلهم من حديث أبي ذر. (¬2) والأخرق: هو الذي ليس في يده صنعة. وأخذ مالك بظاهر هذا الحديث، فقال إن الأغلا ثمنًا أفضل وإن كان كافرًا، والذي ذهب إليه الشافعي والجماهير أن المؤمن أفضل مطلقًا، وحملوا الحديث على الأغلا مع ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6715)، ومسلم (1509). (¬2) أخرجه البخاري (2518)، ومسلم (84)، وابن ماجه (2523)، والنسائي (6/ 19).

من الحسان

وجود وصف الإيمان فيهما، قال الله تعالى {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ}. من الحسان 2542 - جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: علمني عملًا يدخلني الجنة؟ قال: "لئن كنت أقصرت الخطبة، لقد أعرضت المسألة: اعتق النسمة، وفك الرقبة"، قال: أو ليسا واحدًا؟، قال: "لا، عتق النسمة أن تفرّد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في ثمنها، والمنحة الوكوف، والفيء على ذي الرحم الظالم، فإن لم تطق ذلك، فأطعم الجائع، واسق الظمآن، ومُرْ بالمعروف، وانه عن المنكر، فإن لم تطق ذلك، فكف لسانك إلا من خير". قلت: رواه ابن حبان في "صحيحه" والمصنف في "شرح السنة" بسند جيد، من حديث البراء بن عازب يرفعه، ولم أره في شيء من الكتب الستة. (¬1) والنسمة: الروح، أي أعتق ذا نسمة، وكل دابة فيها روح فهي نسمة. والمنحة: هي الناقة أو البقرة أو الشاة، يُعطاها الرجل لينتفع بلبنها أو صوفها أو هما مدة ثم يردها إلى صاحبها. الوكوف: الغزيرة اللبن وقيل التي لا ينقطع لبنها. والفيء على ذي الرحم: أي العطف عليه والرجوع إليه بالبر. قال الزمخشري: ولو رويا يعني المنحة والفيء منصوبين لكان أوجه ليكون المعطوف طباقًا للمعطوف عليه، لأن الفعل يضمر قبلها، فيعطف الفعل على مثله انتهى. ¬

_ (¬1) أخرجه ابن حبان (374)، والبغوي (2419) وأخرجه البيهقي كذلك في السنن (10/ 272 - 273)، وفي شعب الإيمان (4335) وإسناده صحيح.

باب إعتاق العبد المشترك وشراء القريب والعتق في المريض

قال بعضهم: الرواية فيهما بالنصب، أي امنح المنحة وآثر الفيء ونحو ذلك، وإن صحت الرواية بالرفع فعلى الابتداء، أي مما يدخل الجنة المنحة والفيء. 2543 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من بنى مسجدًا ليذكر الله فيه، بُني له بيت في الجنة، ومن أعتق نفسًا مسلمة، كانت فديته من جهنم، ومن شاب شيبة في سبيل الله، كانت له نورًا يوم القيامة". قلت: رواه النسائي في الجهاد إلا ما يتعلق بالعتق فإنه ذكره في العتق ورواه المصنف في "شرح السنة" مسندًا بتمامه وقال: حسن غريب. (¬1) وروى الترمذي منه القطعة الأخيرة في الجهاد وهي ومن شاب إلى آخره وقال: حديث حسن صحيح. (¬2) وروى أبو داود منه فضل العتق في كتاب العتق كلهم من حديث عمرو ابن عبسة. (¬3) باب إعتاق العبد المشترك وشراء القريب والعتق في المريض من الصحاح 2544 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أعتق شركًا له في عبد، فكان له مال يبلغ ثمن العبد، قُوِّم العبد عليه قيمة عدل، فأعطي شركاؤه حِصَصَهم، وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق منه ما عتق". ¬

_ (¬1) أخرجه النسائي (2/ 31)، وفي الكبرى (3450، 4884)، وأحمد (4/ 386)، والبغوي في شرح السنة (2420). (¬2) أخرجه الترمذي (1635). (¬3) أخرج أبو داود (3965).

قلت: رواه الجماعة إلا الترمذي كلهم في العتق إلا ابن ماجه فإنه رواه في الأحكام من حديث ابن عمر. (¬1) قال البخاري: في بعض طرقه: قال أيوب: لا أدري من قول نافع أفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني قولَه وإلا فقد عتق منه ما عتق، وما شك فيه أيوب السختياني قد أثبته في الحديث من هو أثبت من أيوب، وأعلم فرواه مالك وغيره عن نافع عن ابن عمر يرفعه بتمامه من غير شك، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ. 2545 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أعتق شقصًا في عبد، أعتق كله إن كان له مال، وإن لم يكن له مال، استسعي العبد غير مشقوق عليه". قلت: رواه الجماعة في مواضع بألفاظ مختلفة، والمعنى متقارب البخاري في الشركة وفي العتق، ومسلم في العتق وفي النذور وأبو داود والنسائي في العتق والترمذي وابن ماجه في الأحكام من حديث أبي هريرة. (¬2) وقد روى هذا الحديث شعبة وهشام عن قتادة، وهما أثبت من رواه عن قتادة، ولم يذكرا فيه السعاية، ورواه همام بن يحيى عن قتادة وجعل ذكر السعاية من كلام قتادة ولم يجعله من متن الحديث، قال الدارقطني (¬3): وعلى هذا أخرجه البخاري وهو الصواب، قال بعض الحفاظ: وقد اختلف فيها عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة فتارة يذكرها في الحديث وتارة لم يذكرها، فدل على أنها ليست عنده من متن الحديث كما قال غيره، وتأول بعضهم معنى السعاية على الاستخدام أي يستخدمه السيد الذي لم يعتق إن كان المعتق معسرًا. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2522)، ومسلم (1501)، وأبو داود (3940)، والنسائي (7/ 319)، وابن ماجه (2528). (¬2) أخرجه البخاري (2504)، ومسلم (1503)، وأبو داود (3934)، والترمذي (1348)، وابن ماجه (2527)، والنسائي في الكبرى (4962). (¬3) سنن الدارقطني (4/ 127).

وقوله: غير مشقوق عليه أي في الخدمة لا يحمّل منها فوق ما يلزمه، بل يكلف بقدر ماله فيه من الرق. 2546 - أن رجلًا أعتق ستة مملوكين له عند موته، لم يكن له مال غيرهم، فدعا بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجزّأهم أثلاثًا ثم أفرع بينهم، فأعتق اثنين، وأرق أربعة، وقال له قولًا شديدًا. قلت: رواه الجماعة إلا البخاري مسلم في النذور وأبو داود والنسائي في العتق والترمذي وابن ماجه في الأحكام من حديث عمران بن حصين. (¬1) قوله: فجزأهم: هو بتشديد الزاي وتخفيفها لغتان ومعناه: قسمهم. قوله: وقال فيه قولًا شديدًا: أي قال في شأنه قولًا شديدًا كراهية لفعله، وتغليظًا عليه وقد جاء في رواية أخرى. 2547 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يجزئ ولد والده، إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيُعتقه". قلت: رواه مسلم في العتق من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬2) ويجزئ: بفتح أوله أي لا يكافئه بإحسانه وقضاء حقه إلا أن يعتقه، واختلفوا في عتق الأقارب إذا ملكوا، فقال أهل الظاهر: لا يعتق أحد منهم بمجرد الملك سواء الوالد والولد وغيرهما، بل لا بد من إنشاء عتق، واحتجوا بمفهوم هذا الحديث، وقال جماهير العلماء: من ملك أحدًا من أصوله أو فروعه عتق عليه بمجرد الملك ولا يحتاج إلى إنشاء عتق، وأجابوا عن ظاهر الحديث بأنه لما تسبب في شرائه الذي يترتب العتق عليه أضيف العتق إليه، هذا على المشهور في رواية فيعتقه بالنصب، وبعض الناس قال: إنه مرفوع ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1668)، وأبو داود (3958)، والنسائي (4974)، والترمذي (1364)، وابن ماجه (2345). (¬2) أخرجه مسلم (1510).

أي بالشراء يعتقه، قال الشافعي وأصحابه: لا يعتق غير الأصول والفروع بالملك، لا الإخوة ولا غيرهم، وقال مالك في إحدى الروايتين عنه: يعتق الإخوة أيضًا، قال أبو حنيفة: يعتق ذوي الأرحام المحرمة. 2548 - أن رجلًا من الأنصار دبّر مملوكًا له، ولم يكن له مال غيره، فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "من يشتريه مني؟ "، فاشتراه نعيم بن النحّام بثمانمائة درهم. قلت: رواه البخاري في الكفارات وفي الإكراه ومسلم في الأيمان والنذور من حديث جابر (¬1) واللفظ للبخاري فيهما. ومعنى أعتقه عن دبر أي دبره فقال له: أنت حر بعد موتي وهذا الرجل الأنصاري يقال له مدكور، واسم الغلام المدبر يعقوب. وفي هذا الحديث دلالة لمذهب الشافعي أنه يجوز بيع المدبر قبل موت سيده، وقال أبو حنيفة ومالك وجمهور العلماء من الحجازيين والشاميين والكوفيين: لا يجوز بيع المدبر، قالوا وإنما باعه النبي - صلى الله عليه وسلم - في دين كان على سيده. - وفي رواية: فاشتراهُ نُعيم بن عبد الله العدوي بثمانمائة درهم، فجاء بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدفعها إليه، ثم قال: "ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك، شيء فهكذا وهكذا يقول، فبين يديك، وعن يمينك، وعن شمالك". قلت: رواه مسلم في الزكاة من حديث جابر بن عبد الله (¬2) ولم يخرج البخاري هذا الحديث إلا أنه أخرج منه "بيع الغلام بعد ما أعتقه صاحبه" وفي لفط له أعتق غلامًا له عن دبر فاحتاج فأخذه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "من يشتريه مني فاشتراه نعيم بكذا وكذا فدفعه إليه". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6716)، ومسلم (997). (¬2) أخرجه مسلم (997).

من الحسان

من الحسان 2549 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من ملك ذا رحم مَحْرَمٍ، فهو حر". قلت: رواه أبو داود والنسائي في العتق والترمذي في الأحكام من حديث الحسن عن سَمُرة يرفعه. (¬1) قال أبو داود: ولم يحدث بهذا الحديث إلا حماد بن سلمة، وقد شك فيه فقال: فيما يحسب حماد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال أبو داود: وشعبة أحفظ من حماد بن سلمة يعني أن شعبة رواه مرسلًا. وقال الخطابي (¬2): أراد أبو داود من هذا أن الحديث ليس بمرفوع أو ليس بمتصل إنما هو عن الحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه مسندًا إلا من حديث حماد بن سلمة، قال البيهقي: والحديث إذا انفرد به حماد بن سلمة ثم يشك فيه ثم يخالف فيه من هو أحفظ منه، وجب التوقف فيه، وقد أشار البخاري إلى تضعيف هذا الحديث، وقال علي بن المديني هذا عندنا منكر. (¬3) وقد تقدم أن الحسن لم يسمع من سمرة إلا حديث العقيقة. 2550 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا ولدت أمة الرجل منه، فهي معتقة عن دبر منه أو بعد". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3949)، والترمذي (1365)، والنسائي (4898) (4899)، وابن ماجه (2524) فيه الحسن البصري وقد عنعن وقد شك حماد في وصله كما بين الخطابي في معالم السنن (4/ 67)، وانظر الإرواء (1746). (¬2) معالم السنن (4/ 67). (¬3) انظر العلل الكبير للترمذي (375)، والبيهقي في السنن (10/ 289)، والبغوي في شرح السنة (9/ 370)، والإرواء (1746).

قلت: رواه أحمد وكذا ابن ماجه بمعناه من حديث ابن عباس يرفعه. (¬1) قال ابن عبد البر (¬2): وحديث ابن عباس هذا لم يثبت. 2551 - قال: بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر، فلما كان عمر، نهانا عنه فانتهينا. قلت: رواه أبو داود في العتق من حديث عطاء بن أبي رباح عن جابر، وأخرج النسائي وابن ماجه من حديث أبي الزبير عن جابر (¬3) قال: كنا نبيع سرارينا أمهات الأولاد، والنبي - صلى الله عليه وسلم - حي ما يرى بذلك بأسًا. والظاهر أن بيعهن كان مباحًا في العصر الأول ثم نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، ولم يعلم به أبو بكر لأن ذلك لم يحدث في أيامه لقصرها ولاشتغاله بأمور الدين ومحاربة أهل الردة، ثم نهى عنه عمر حين بلغه ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانتهوا عنه. 2552 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أعتق عبدًا وله مال، فمال العبد له، إلا أن يشترط السيد". قلت: رواه أبو داود والنسائي في العتق من حديث نافع عن ابن عمر (¬4) قال المنذري (¬5): وقد أخرجه الشيخان والترمذي وابن ماجه من حديث سالم ابن عبد الله بن عمر عن أبيه، وقد تقدم انتهى كلامه. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (1/ 303)، وابن ماجه (2515) وإسناده ضعيف لضعف الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال الحافظ في التقريب (1335): ضعيف. (¬2) انظر: المحلى لابن حزم (9/ 18)، والدراية لابن حجر (2/ 87)، ونصب الراية (3/ 287). (¬3) أخرجه أبو داود (3954)، والنسائي (5039) (5040)، وابن ماجه (2517) وإسناده صحيح. (¬4) أخرجه أبو داود (3962)، والترمذي (1244)، والنسائي في الكبرى (تحفة الأشراف 6/ 84)، وابن ماجه (2529)، وإسناد صحيح. (¬5) مختصر السنن (5/ 420).

وظاهر هذا الحديث أن مال العبد المعتق له لا للسيد، وهو مخالف لما روى البيهقي عن ابن مسعود أنه قال لمملوك له: ما مالك يا عمير فإني أريد أن أعتقك، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من أعتق عبدًا فماله للذي أعتقه". 2553 - أن رجلًا أعتق شِقْصًا من غلام، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: "ليس لله شريك". قلت: رواه أبو داود والنسائي هنا من حديث أبي المليح (¬1) عن أبيه، وقد أسنده النسائي وأرسله، وقال: الرسل أولى بالصواب. وأبو المليح اسمه: عامر ويقال: عمير ويقال: زيد، وهو ثقة محتج به في الصحيحين، لكن ليس له عن أبيه شيء في الصحيحين، واسم أبيه أسامة بن عمير ولم يرو عنه غير ابنه أبي المليح. 2554 - كنت غلامًا لأم سلمة، فقالت: أُعتِقك وأشترط عليك أن تخدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما عشت؟ فقلت: إن لم تشترطي علي، ما فارقت النبي - صلى الله عليه وسلم - ما عشت، فأعتقتني واشترطتْ علي. قلت: رواه أبو داود والنسائي في العتق وابن ماجه في الأحكام من حديث سفينة، وقال النسائي: لا بأس بإسناده انتهى (¬2) وراويه عن سفينة سعيد بن جمهان وقد وثقه يحيى بن معين وقال أبو حاتم: شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به. وسفينة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقيل مولى أم سلمة، قيل أعتقه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقيل أم سلمة كما ها هنا، كنيته أبو عبد الرحمن، وقيل أبو البختري والأول أشهر واسمه عمير وقيل ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3933)، والنسائي (4972) وانظر ترجمة أبي المليح في تهذيب الكمال (3/ 1650)، وقال الحافظ في التقريب (8456): ثقة. (¬2) أخرجه أبو داود (3932)، وابن ماجه (2526)، والنسائي (4995) انظر الإرواء (1752)، وسعيد بن جمهان قال الحافظ: صدوق له أفراد، التقريب (2292).

غير ذلك، قيل وهذا وعد عبر عنه باسم الشرط، وأكثر الفقهاء لا يصححون إيقاع الشرط بعد العتق لأنه لا تلاقي ملكًا، وقال ابن سيرين يثبت الشرط في مثل هذا. 2555 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "المكاتب عبد، ما بقي عليه من مكاتبته درهم". قلت: رواه أبو داود هنا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وقد تقدم الكلام في أحاديث عمرو، وفيه أيضًا إسماعيل بن عياش. (¬1) 2556 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان عند مكاتب إحداكن وفاء، فلتحتجب منه". قلت: رواه أبو داود هنا والترمذي في البيوع والنسائي في عشرة النساء وابن ماجه في الأحكام (¬2) من حديث نبهان مكاتب لأم سلمة عنها ترفعه، قال الترمذي: حسن صحيح، قال الشافعي: ولم أحفظ من سفيان أن الزهري سمعه من نبهان، ولم أر من رضيت من أهل العلم يثبت واحدًا من هذين الحديثين، والله أعلم، قال البيهقي: أراد هذا وحديث عمرو ابن شعيب في المكاتب. قال الشافعي: وقد يجوز أن يكون أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم سلمة إن كان أمرها بالحجاب من مكاتبها، إذا كان عنده ما يؤدي على ما عظم الله به أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أمهات المؤمنين، رحمهن الله وخصهن به، وفرق بينهن وبين النساء، وتلى الآيات في اختصاصهن بأن جعل عليهن الحجاب من المؤمنين وهن أمهات المؤمنين، ولم يجعل على امرأة سواهن أن تحتجب ممن يحرم عليه نكاحها، ثم ساق الكلام إلى أن قال: ومع هذا إن احتجاب المرأة ممن له أن يراها واسع لها، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - سودة أن تحتجب من رجل قضى أنه أخوهَا، وذلك يشبه أن يكون للاحتياط وأن الاحتجاب ممن له أن يراها مباح. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3926). (¬2) أخرجه أبو داود (3928)، والترمذي (1261)، وابن ماجه (2520)، والنسائي (9227)، والبيهقي (10/ 327).

2557 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كاتب عبده على مائة أوقية فأداها إلا عشرة أواق أوقال: عشرة دنانير ثم عجز، فهو رقيق". قلت: رواه أبو داود والنسائي هنا والترمذي في البيوع واللفظ له وابن ماجه في الأحكام من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (¬1) قال الترمذي: ولا أعلم أحدًا روى هذا إلا عمر وعلى هذا فتيى المفتين. 2558 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أصاب المكاتب حدًّا أو ميراثًا، ورث بحساب ما عتق منه". قلت: رواه أبو داود في الديات والترمذي في البيوع والنسائي في الفرائض وفي غير موضع، وقال الترمذي: حسن، وقال أبو داود: رواه وهب عن أيوب عن عكرمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجعله إسماعيل قول عكرمة انتهى. (¬2) 2559 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "يُوْدَى المكاتب بحصة ما أدى دية حر، وما بقي دية عبد". (ضعيف). قلت: رواه الترمذي في البيوع بهذا اللفظ وأبو داود والنسائي كلاهما في الديات بمثل معناه كلهم من حديث عكرمة عن ابن عباس (¬3) يرفعه، وقد رواه النسائي أيضًا مرسلًا وقد كفي المصنف مؤنته بتضعيفه له والله أعلم. قال أبو سليمان الخطابي (¬4): أجمع عوام الفقهاء على أن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم في جنايته، والجناية عليه، ولم يذهب إلى هذا الحديث أحد من العلماء فيما بلغنا ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3927)، والترمذي (1260)، وابن ماجه (2519)، والنسائي (5025). (¬2) أخرجه أبو داود (4582)، والترمذي (1259)، والنسائي (8/ 46)، انظر الإرواء (1769). (¬3) أخرجه الترمذي (1259)، وأبو داود (4582)، والنسائي (8/ 46)، وقد صححه الألباني في الإرواء (1726). (¬4) معالم السنن (4/ 34).

باب الأيمان والنذور

إلا إبراهيم النخعي، وقد روي ذلك عن علي بن أبي طالب (¬1) وإذا صح الحديث وجب القول به إلا أن يكون منسوخًا أو معارضًا بما هو أولى منه انتهى كلامه. وفيما قاله نظر فقد حكي هذا القول عن الإمام أحمد وفي المسألة مذاهب للعلماء ذكرها أصحاب الخلاف. باب الأيمان والنذور من الصحاح 2560 - أكثر ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحلف: "لا، ومُقلّب القلوب". قلت: رواه البخاري في غير موضع منها في التوحيد بهذا اللفظ والترمذي والنسائي في الأيمان والنذور وابن ماجه (¬2) في الكفارات من حديث ابن عمر. 2561 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا إن الله تعالى ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت". قلت: رواه الشيخان في الأيمان والنذور من حديث عبد الله بن عمر، وروياه أيضًا وأصحاب السنن إلا الترمذي من حديث عمر بن الخطاب. (¬3) وفيه دليل على النهي عن الحلف بغير الله تعالى، قال الشافعي: من حلف بغير الله فهي يمين مكروهة، وأخشى أن يكون معصية للنهي عنها، فإن قيل هذا الحديث مخالف لقوله - صلى الله عليه وسلم -: أفلح وأبيه إن صدق، فجوابه أن هذه كلمة تجرى على اللسان لا يقصد بها ¬

_ (¬1) أخرجه النسائي (5023)، وأحمد (1/ 94) وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه البخاري (7391)، (6628)، والترمذي (1540)، والنسائي (7/ 2)، وابن ماجه (2092). (¬3) أخرجه البخاري (6646)، ومسلم (1646)، وأبو داود (3250)، والنسائي (417)، وابن ماجه (2094).

اليمين، فإن قيل قد أقسم بمخلوقاته لقوله تعالى: {وَالصَّافَّاتِ} {وَالذَّارِيَاتِ} {وَالطُّورِ} {وَالنَّجْمِ} فالجواب أن لله تعالى أن يقسم بما شاء من مخلوقاته تنبيهًا على شرفه. 2562 - قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تحلفوا بالطواغي ولا بآبائكم". قلت: رواه مسلم والنسائي هنا وابن ماجه في الكفارات من حديث عبد الرحمن بن سمرة ولم يخرجه البخاري. (¬1) والطواغي: قال في النهاية (¬2): جمع طاغية، وهو ما يعبدونه من الأصنام وغيرها، وأما الطواغيت: فجمع طاغوت وهو الشيطان، أو ما يزين لهم أن يعبدوه من الأصنام. 2563 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من حلف، وقال في حلفه: باللات العُزّي، فليقل: لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك، فليتصدق". قلت: رواه الجماعة هنا إلا ابن ماجه فإنه رواه في الكفارات كلهم من حديث أبي هريرة، وأعاده البخاري في مواضع. (¬3) قال في "شرح السنة" (¬4): قيل أمر أن يتصدق بالمال الذي يريد أن يقامر به، ويحكى ذلك عن الأوزاعي، وقيل يتصدق بصدقة من ماله كفارة لما جرى على لسانه وهذا هو الصواب. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1648)، والنسائي (7/ 7)، وابن ماجه (2095). (¬2) النهاية (3/ 116). (¬3) أخرجه البخاري (6650)، ومسلم (1647)، وأبو داود (3247)، والترمذي (1545)، والنسائي (7/ 7)، وابن ماجه (2096). (¬4) شرح السنة (2433).

2564 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من حلف على ملة غير الإسلام كاذبًا، فهو كما قال، وليس على ابن آدم نذر فيما لا يملك، ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا، عذب به يوم القيامة، ومن لعن مؤمنًا، فهو كقتله، ومن قذف مؤمنًا بكفر، فهو كقتله، ومن ادعى دعوى كاذبة ليتكثر بها، لم يزده الله إلا قِلَّة". قلت: رواه البخاري في الأدب من حديث ثابت بن الضحاك يرفعه، إلا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ومن ادعى دعوى كاذبة .... " إلى آخر الحديث، فإنها ليست في البخاري بل هي في مسلم، ورواه مسلم في الأيمان إلا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من قذف مؤمنًا فهو كقتله" فإنها في البخاري، وليست في مسلم، فتلخص أن مجموع الحديث في الصحيحين، لكنه ليس بجملته في واحد منهما كما أورده المصنف. (¬1) وقد اختلف العلماء فيما إذا حلف الرجل بغير ملة الإسلام، فمَال: إن فعلت كذا فهو يهودي أو نصراني أو بريء من الإسلام ففعل، فقالت الحنفية وجماعة: عليه كفارة يمين، وقال مالك والشافعي وجماعة: لا كفارة عليه، واستدلوا بحديث أبي هريرة المتقدم فليقل: لا إله إلا الله، فجعل ذلك كفارة له، لكنه يلزمه التوبة، وإنما أمره بكلمة التوحيد، لأن اليمين إنما تكون بالمعبود، فإذا حلف بملة غير الإسلام أو علق الإسلام أمر أن يتدارك ذلك بكلمة التوحيد. قوله: فهو كما قال، يعني إن نوى التعليق أو استحل ذلك. قوله: وليس على ابن آدم نذر فيما لا يملك، يعني إذا أضاف النذر إلى معين لا يملكه، بأن قال: إن شفى الله مريضي فلله علي أن أعتق عبد فلان أو أتصدق بثوبه ونحو ذلك، فأما إذا التزم في الذمة شيئًا لا يملكه فيصح نذره، مثاله إن شفى الله مريضي فلله علي عتق رقبة وهو في ذلك الحال، لا يملك رقبة ولا قيمتها فيصح نذره، وإذا شفي مريضه ثبت النذر في ذمته. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6047)، ومسلم (110).

2565 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إني والله، لا أحلف على يمين، فأرى غيرها خيرًا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير". قلت: رواه الشيخان وأبو داود والنسائي هنا وابن ماجه في الكفارات من حديث أبي موسى الأشعري (¬1) وقال البخاري وأبو داود في رواية: إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير، أو قال: إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني. 2566 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا عبد الرحمن بن سمرة! لا تسأل الإمارة، فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أوتيتها من غير مسألة أعنت عليها، وإذا حلفت علي يمين فرأيت غيرها خيرًا منها، فكفر عن يمينك، وائت الذي هو خير". قلت: رواه الشيخان والترمذي كلهم هنا وأبو داود فرّقه فجعل قصة الإمارة في الخراج، واليمين هنا، وكذا النسائي جعل قصة الإمارة في القضاء واليمين هنا كلهم من حديث عبد الرحمن بن سمرة ولفظ البخاري ومسلم وتقديم الكفارة، وفي لفظ للبخاري فأت الذي هو خير وكفر، وكذلك لفظ الترمذي، وذكر أبو داود والنسائي الروايتين، (¬2) وقال أبو داود: أحاديث أبي موسى وعدي بن حاتم وأبي هريرة في هذا الحديث روى كل واحد منهم في بعض الروايات "الحنث قبل الكفارة" وفي بعضها: "الكفارة قبل الحنث" انتهى كلامه، وقد ذكرنا عن عبد الرحمن بن سمرة الجمع بين الروايتين أيضًا. وإذا تقرر هذا فاعلم أنهم قد اتفقوا على أنه لا تجب الكفارة قبل الحنث، وعلى أنه يجوز تأخيرها عن الحنث، وعلى أنه لا يجوز تقديمها قبل اليمين، واختلفوا في جوازها بعد اليمين، وقبل الحنث، فجوزها مالك والشافعي وأربعة عشر صحابيًّا وجماعات من ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6718)، ومسلم (1649)، والنسائي (7/ 9)، وأبو داود (3276)، وابن ماجه (2107). (¬2) أخرجه البخاري (7146)، ومسلم (1652)، والترمذي (1529)، وأبو داود (1929)، والنسائي (8/ 225).

التابعين، لكن قالوا يستحب كونها بعد الحنث، واستثنى الشافعي التكفير بالصوم، فقال: لا يجوز قبل الحنث، لأنه عبادة بدنية، فلا يجوز تقديمها على وقتها كالصلاة والصوم. وأما التكفير بالمال فيجوز تقديمه كما يجوز تعجيل الزكاة، واستثنى بعض أصحابه حنث المعصية، فقال: لا يجوز تقديم كفارته لأن فيه إعانة على المعصية، وقال أبو حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم: لا يجوز تقديم الكفارة على الحنث بكل حال، وهذه الروايات التي ذكرناها تدل للقول الأول. - وفي رواية: "فأت الذي هو خير، وكفر عن يمينك". قلت: رواها البخاري والترمذي كما بيناه. (¬1) 2567 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حلف على يمين، فرأى خيرًا منها، فليكفر عن يمينه وليفعل". قلت: رواه مسلم والترمذي والنسائي كلهم في الأيمان والنذور من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬2) وقد دل هذا الحديث، والحديثان قبله على أنه لا يصح الاستثناء المتراخي عن اليمين المنقول عن ابن عباس إذ لو صح الاستثناء أبدًا بغير إيصال لأعلمنا النبي - صلى الله عليه وسلم - به في دفع اليمين فإنه أسهل. 2568 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله: آثم له عند الله من أن يعطي كفارته التي افترض الله عليه". قلت: رواه الشيخان في النذور من حديث أبي هريرة. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6722)، والترمذي (1529). (¬2) أخرجه مسلم (1650)، والترمذي (1530)، والنسائي في الكبرى (4722). (¬3) أخرجه البخاري (6625)، ومسلم (1655).

أما قوله - صلى الله عليه وسلم -: لأن يلج: فبفتح اللام وهي لام القسم، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: يلج، بفتح الياء المثناة من تحت واللام وتشديد الجيم، وآثم: بهمزة ممدودة وثاء مثلثة أي أكثر إثمًا. ومعنى الحديث: أنه إذا حلف يمينًا تتعلق بأهله ويتضررون بعدم حنثه يكون الحنث ليس بمعصية، فينبغي له أن يحنث فيفعل ذلك الشيء، ويكفر عن يمينه، فإن قال: لا أحنث بل أتورع وأخاف الإثم فيه، فهو مخطيء بهذا القول بل استمراره في عدم الحنث وإدامة الضرر على أهله أكثر إثمًا من الحنث، واللحاج في اللغة هو الإصرار على الشيء، ولا بد من تنزيل الحنث على ما إذا كان الحنث ليس بمعصية. وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: آثم فخرج على لفظ الفاعلة المقتضية للاشتراك في الإثم، لأنه قضا مقابلة اللفظ على زعم الحالف وتوهمه، فإنه يتوهم أن عليه إثمًا في الحنث مع أنه لا إثم عليه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "الإثم عليه في اللجاج أكثر لو ثبت الإثم". 2569 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "يمينك على ما يصدقك عليه صاحبك". قلت: رواه مسلم في الأيمان والنذور وأبو داود فيه والترمذي في الأحكام وابن ماجه في الكفارات ولم يخرجه البخاري. (¬1) 2570 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "اليمين على نية المستحلف". قلت: رواه مسلم في الأيمان من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬2) والمستحلف: هو بكسر اللام، وهذا الحديث والذي قبله محمولان على الحلف باستحلاف القاضي، فإذا ادعى رجل على رجل حقًّا، حلّفه القاضي فحلف، وورى، فنوى غير ما نوى القاضي، انعقدت يمينه على ما نوى القاضي، ولا تنفعه التورية، وهذا مجمع عليه. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1653)، وأبو داود (3255)، والترمذي (1354)، وابن ماجه (2120). (¬2) أخرجه مسلم (21/ 1653).

من الحسان

وأما إذا حلف بغير استحلاف القاضي، وورى فتنفعه التورية، ولا يحنث، سواء ابتدأ من غير تحليف، أو حلفه غير القاضي وغير نائبه في ذلك، ولا اعتبار بنية المستحلف غير القاضي، وحاصله أن اليمين على نية الحالف في كل الأحوال، إلا إذا استحلفه القاضي أو نائبه، في دعوى توجهت عليه، وهو مراد الحديث، أما إذا حلف عند القاضي من غير استحلاف القاضي في دعوى، فالاعتبار بنية الحالف، سواء في هذا اليمين بالله تعالى أو بالطلاق أو العتاق، ولو حلفه القاضي بالطلاق نفعته التورية، ويكون الاعتبار بنية الحالف، لأن القاضي ليس له التحليف بالطلاق والعتاق، إنما يستحلف بالله تعالى، هكذا قال الشافعي. (¬1) 2571 - لغو اليمين قول الإنسان: لا والله، وبلى والله، ورفعه بعضهم عن عائشة. قلت: رواه البخاري في الأيمان والنذور ووقفه على عائشة رضي الله عنها ورفعه أبو داود عنها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإلى هذا ذهب جماعة من أهل العلم (¬2)، وبه قال الشافعي، قال: اللغو في لسان العرب: الكلام غير المعقود عليه، وعقد اليمين أن يثبتها على الشيء بعينه. من الحسان 2572 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون". قلت: رواه أبو داود والنسائي كلاهما هنا من حديث أبي هريرة يرفعه وهو ساقط من نسخ أبي داود. (¬3) ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (11/ 168 - 169). (¬2) أخرجه البخاري (6663)، وأبو داود (3254). (¬3) أخرجه أبو داود (3248)، ولعله سقط من نسخة المصنف، والنسائي (7/ 5).

والأنداد: جمع ند بالكسر. 2573 - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من حلف بغير الله فقد أشرك". قلت: رواه أبو داود هنا والترمذي في الأيمان كلاهما من حديث سعد بن عبيدة عن ابن عمر يرفعه، وقال الترمذي: حديث حسن. (¬1) 2574 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من حلف بالأمانة فليس منا". قلت: رواه أبو داود في الأيمان والنذور من حديث بريدة. (¬2) ومعنى: فليس منّا، فليس من ذوي طريقتنا، كره النبي - صلى الله عليه وسلم - الحلف بالأمانة، لأنها ليست داخلة في أسماء الله تعالى، ولا في صفاته، ولأنه كان ذلك عادة أهل الكتاب، أراد بالأمانة الفرائض أي لا تحلفوا بالصلاة والحج وغيرهما ونقل عن الإمام أبي حنيفة أنه عدها يمينًا ولم يعدها الشافعي يمينًا. 2575 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قال إني بريء من الإسلام، فإن كان كاذبًا، فهو كما قال، وإن كان صادقًا، فلن يرجع إلى الإسلام سالمًا". قلت: رواه أبو داود في الأيمان والنذور والنسائي فيه وابن ماجه في الكفارات من حديث بريدة (¬3) يرفعه. قال الخطابي (¬4): فيه دليل على أن من حلف بالبراءة عن الإسلام إنه يأثم ولا يلزمه كفارة، وذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما جعل عقوبته في دينه ولم يجعل في ماله شيئًا. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3251)، والترمذي (1535)، وانظر الإرواء (2561). (¬2) أخرجه أبو داود (3253)، وانظر الصحيحة (94). (¬3) أخرجه أبو داود (3258)، والنسائي (7/ 6)، وابن ماجه (2100)، انظر الإرواء (2576). (¬4) معالم السنن (4/ 43).

2576 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اجتهد في اليمين، قال: "لا، والذي نفس أبي أبي القاسم بيده". قلت: رواه أبو داود في الأيمان بهذا اللفظ وابن ماجه في الكفارات من حديث رفاعة الجهني ولفظه: كانت يمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي يحلف بها والذي نفسي بيده، وفي رواية: والذي نفس محمد بيده. (¬1) 2577 - قال: كانت يمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا حلف: "لا، وأستغفر الله". قلت: رواه أبو داود هنا وابن ماجه في الكفارات من حديث أبي هريرة كذا قاله المزي ولم أجده في أبي داود في نسخة سماعنا. (¬2) 2578 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حلف على يمين، فقال: إن شاء الله، فلا حِنْث عليه" ووقفه بعضهم على ابن عمر. قلت: رواه الأربعة هنا إلا ابن ماجه فإنه ذكره في الكفارات من حديث ابن عمر، واللفظ للترمذي، وقال: حسن، وذكر أنه روي عن نافع موقوفًا وأنه روي عن سالم عن ابن عمر موقوفًا، وذكر عن أيوب السختياني أنه كان أحيانًا يرفعه عن نافع، وأحيانًا لا يرفعه، وقال: لا نعلم أحدًا رفعه غير أيوب. والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، وهو أن الاستثناء إذا كان موصولًا باليمين أو مفصولًا عنها بسكتة يسيرة، كالسكتة للذكر أو للعي أو للتنفس فلا حنث عليه، ولا فرق بين اليمين بالله أو بالطلاق أو بالعتاق عند أكثر أهل العلم. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3264)، من رواية أبي سعيد، وابن ماجه (2090) (2091) من رواية رفاعة الجهني. (¬2) أخرجه أبو داود (3265)، وابن ماجه (2093) لعله سقط من نسخة المؤلف، انظر تحفة الأشراف للمزي (10/ 414) رقم (14802)، وقال المزي: حديث أبي داود من رواية أبي الحسن ابن العبد وابن داسة، ولم يذكره أبو القاسم يعني ابن عساكر. (¬3) أخرجه أبو داود (3261)، والترمذي (1531)، والنسائي (7/ 12)، وابن ماجه (2105) وإسناده صحيح. انظر الإرواء (2570).

فصل في النذور

فصل في النذور من الصحاح 2579 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تنذروا، فإن النذر لا يغني من القدر شيئًا، وإنما يستخرج به من البخيل". قلت: رواه مسلم والترمذي والنسائي هنا بهذا اللفظ، والبخاري وابن ماجه بمعناه كلهم من حديث أبي هريرة يرفعه. (¬1) قال المازري (¬2): يحتمل أن يكون سبب النهي كون الناذر يصير ملتزمًا له يأتي متكلفًا بغير نشاط، ويحتمل أن يكون سببه كونه يأتي بالقربة التي التزمها في نذره على صورة المعاوضة للأمر الذي طلبه فينقص أجره، وشأن العبادة أن تكون متمحضة لله تعالى. وقيل: يحتمل أن النهي لكونه قد يظن بعض الجهلة أن النذر يرد القدر، ويمنع من حصول المقدور، فنهي عنه خوفًا من جاهل يعتقد ذلك. 2580 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من نذر أن يطع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه". قلت: رواه الجماعة إلا مسلمًا كلهم هنا إلا ابن ماجه ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6694)، ومسلم (1640)، وأبو داود (3288)، والنسائي (7/ 16)، والترمذي (1538)، وابن ماجه (2123). (¬2) إكمال المعلم (5/ 387).

رواه في الكفارات من حديث عائشة. (¬1) 2581 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك العبد". قلت: رواه مسلم وأبو داود كلاهما هنا في حديث طويل من حديث عمران بن حصين يرفعه ولم يخرجه البخاري. (¬2) وفي هذا الحديث دليل على أن من نذر معصية: كشرب الخمر ونحو ذلك، فنذره باطل لا ينعقد، ولا يلزمه كفارة يمين ولا غيرها، وبهذا قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وجمهور العلماء، وقال أحمد: يجب فيه كفارة يمين، لحديث عائشة الآتي في أول الحسان. قوله - صلى الله عليه وسلم -: ولا فيما لا يملك العبد، قد تقدم تفسيره في الباب الذي قبله. - وفي رواية: "لا نذر في معصية الله". قلت: رواها مسلم والنسائي هنا من حديث عمران حصين يرفعه. (¬3) 2582 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "كفارة النذر كفارة اليمين". قلت: رواه مسلم والنسائي هنا من حديث عقبة بن عامر ولم يخرجه البخاري. (¬4) وحمل جمهور أصحاب الشافعي على نذر اللجاج وهو: أن يقول إنسان يريد الامتناع من كلام زيد إن كلمته مثلًا فلله علي حجة أو غيرها، فكلمه فهو بالخيار بين الوفاء بما نذر، وبين كفارة يمين، وحمله مالك وكثيرون على النذر المطلق، كقوله: علي نذر، وحمله أحمد وبعض الشافعية على نذر المعصية، وحمله آخرون على جميع أنواع النذر، وقالوا: هو مخير في جميع المنذورات بين الوفاء وبين كفارة يمين. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6696)، وأبو داود (3289)، والنسائي (7/ 17)، والترمذي (1526)، وابن ماجه (2126). (¬2) أخرجه مسلم (1641)، وأبو داود (3316). (¬3) أخرجه مسلم (1641)، والنسائي (7/ 19). (¬4) أخرجه مسلم (1645)، والنسائي (7/ 26).

2583 - بينا النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب إذا هو برجل قائم، فسأل عنه؟ فقالوا: أبو إسرائيل، نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مروه فليتكلم، وليستظل، وليقعد، وليتم صومه". قلت: رواه البخاري وأبو داود هنا وابن ماجه في الكفارات من حديث ابن عباس، وذكر البخاري أنه روى عن عكرمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني مرسلًا، وقد قيل: إن اسم أبي إسرائيل قيصر العامري وليس في الصحابة من يشاركه في اسمه ولا في كنيته، ولا له ذكر إلا في هذا الحديث، قال ابن ماجه في روايته: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر برجل بمكة وهو قائم في الشمس .... الحديث، قال الحافظ المنذري: إسناد ابن ماجه في ذلك ليس بالقوي. (¬1) 2584 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى شيخًا يهادى بين ابنيه، فقال: "ما بال هذا؟ " قالوا: نذر أن يمشي إلى البيت، قال: "إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني"، وأمره أن يركب. قلت: رواه الجماعة إلا ابن ماجه: البخاري في الحج والباقون هنا من حديث أنس بن مالك. (¬2) وقد تمسك بظاهر هذا من رأى أنه إذا ركب للعجز لا دم عليه، وهو قول الشافعي اختاره بعضهم، لكن الأصح وجوب الدم لحديث ابن عباس في أخت عقبة حين نذرت أن تمشي وسيأتي. - وفي رواية: "اركب أيها الشيخ! فإن الله غني عنك وعن نذرك". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6704)، وأبو داود (3300)، وابن ماجه (2136) وإسناد ابن ماجه فيه ضعف، وانظر قول المنذري في مختصر السنن (4/ 379)، وانظر كذلك كلام الحافظ ابن حجر حول أبي إسرائيل هذا في فتح الباري (11/ 590). (¬2) أخرجه البخاري (1865)، ومسلم (1642)، وأبو داود (3301)، والنسائي (7/ 30)، والترمذي (1537).

قلت: رواه مسلم هنا من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬1) 2585 - أن سعد بن عُبادة استفتى النبي - صلى الله عليه وسلم - في نذر كان على أمه، فتوفيت قبل أن تقضيه؟ فأفتاه أن يقضيه عنها. قلت: رواه الجماعة هنا من حديث ابن عباس. (¬2) 2586 - قلت: يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمسك بعض مالك، فهو خير لك"، قلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر. قلت: رواه البخاري في المغازي في غزوة تبوك ومسلم في التوبة كلاهما في حديث طويل يتضمن قصة توبة كعب بن مالك ورواه أبو داود والنسائي كلاهما هنا مختصرًا كما أورده المصنف. (¬3) وكعب بن مالك هو أحد الثلاثة الذين خلفوا وأنزل الله فيهم: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ} الآية، وهم: كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية، تخلفوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خروجه إلى غزوة تبوك، ثم ندموا من سوء صنيعهم ذلك، فتابوا إلى الله تعالى فقبل توبتهم، وقصتهم مشهورة في كتب السير والتفاسير، فأراد كعب أن يتصدق بجميع ماله شكرًا لله تعالى لقبول توبته، ومعنى أن انخلع من مالي: أن أخرج منه جميعه، وأتصدق به، وأعرى كما يعرى الإنسان إذا خلع ثوبه، والمختار عند أهل العلم أن يتصدق الرجل بالفضل من ماله، ويستبقي ما فوق قوته وقوت عياله، لأنه إذا أخرج الجميع خيف عليه ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1643). (¬2) أخرجه البخاري (6698)، ومسلم (1638)، وأبو داود (3307)، والترمذي (1546)، والنسائي (7/ 20)، وابن ماجه (2132). (¬3) أخرجه البخاري (6690)، و (2757)، ومسلم (2769)، وأبو داود (3317)، والنسائي (7/ 22).

من الحسان

الفتنة والندم، على ما أخرجه فيبطل أجره ويبقى كلًّا، وهذا فيمن يخاف عليه ذلك، أما من عرف من نفسه الصبر فلا يقول في حقه ذلك. (¬1) من الحسان 2587 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا نذر في معصية، وكفارته كفارة اليمين". قلت: رواه أبو داود والترمذي هنا وابن ماجه (¬2) في الأحكام من حديث الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة ترفعه، قال الترمذي: وهذا حديث لا يصح، لأن الزهري لم يسمع هذا الحديث من أبي سلمة، وقال غيره لم يسمعه الزهري من أبي سلمة إنما سمعه من سليمان بن أرقم وسليمان بن أرقم متروك. (¬3) وتمسك الإمام أحمد بهذا الحديث، فأوجب في نذر المعصية كفارة يمين، وتمسك الجمهور في عدم انعقاده وعدم الكفارة بحديث عمران بن حصين المتقدم في الصحاح. ¬

_ (¬1) انظر شرح السنة للبغوي (6/ 180 - 181). (¬2) أخرجه أبو داود (3292)، والترمذي (1525)، والنسائي (7/ 26)، وابن ماجه (2125). (¬3) هذا الحديث مداره على الزهري، واختلف عنه من خمسة أوجه: 1 - فمرة يروي عنه، عن أبي سلمة، عن عائشة. 2 - ومرة يروي عنه أنه قال: حدث أبو سلمة، عن عائشة مرفوعًا. 3 - ومرة يروي عنه، عن سليمان بن أرقم، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عائشة. 4 - ومرة يروي عنه، عن عروة، عن عائشة. 5 - ومرة يروي عنه، عن رجل، عن القاسم، عن عائشة، والحديث من وجهه الأول: صحيح الإسناد، وأما الوجه الثالث -وهو الذي ذكره المؤلف هنا- فهو معلول من جهة سليمان بن أرقم وهو ضعيف كما قال الحافظ في التقريب (2547)، لكن جاء الحديث من طريق آخر رجال إسناده ثقات، أخرجه الطيالسي في مسنده (1587) طبعة التركي، وانظر العلل الكبير (2/ 651)، وإرواء الغليل (8/ 216)، والبغوي في شرح السنة (2447)، وأفاض فيه الدكتور/ عبد الله دمفو في كتابه: "مرويات الإمام الزهري المعلّة في كتاب العلل للدارقطني (3/ 1573 - 1593)، واستقصى فيه جميع طرقه، وفيه فوائد أخرى مهمة فراجعه لزامًا.

2588 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من نذر نذرًا لم يسمه، فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا في معصية، فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا لا يطيقه، فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا أطاقه، فليف" وأوقفه بعضهم على ابن عباس. قلت: رواه أبو داود هنا من حديث ابن عباس يرفعه، ورواه ابن ماجه أيضًا وفي إسناد ابن ماجه: من لا يعتمد، وليس فيه: "ومن نذر نذرًا في معصية" وذكر أبو داود أنه روي موقوفًا على ابن عباس. (¬1) 2589 - أتى رجل النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إني نذرت أن أنحر إبلًا ببوانة، قال: "كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ " قالوا: لا، قال: "فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ "، قالوا: لا، قال: "أوفِ بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم". قلت: رواه أبو داود هنا من حديث ثابت بن الضحاك يرفعه، وسكت عليه أبو داود. (¬2) وبوانة: بضم الباء الموحدة وتخفيف الواو وبعد الألف نون بعدها تاء تأنيث هضبة من وراء ينبع قريبة من ساحل البحر، وقيل: بفتح الباء، كذا ذكره ابن الأثير (¬3) والحافظ المنذري أنها أسفل مكة دون يلملم. والسائل: كردم بن سفيان، كما جاء في حديث خرجه الإمام أحمد، وحمل الشافعية هذا على أنه نذر الذبح بها مع نية تفرقة اللحم على أهلها، فحينئذ يتعين أهل البلد الذي ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3322)، وابن ماجه (2128) وإسناد المرفوع ضعيف، فيه خارجة ابن مصعب ترجم له الحافظ في التقريب (1622) وقال: متروك. وانظر الإرواء (2586). (¬2) أخرجه أبو داود (3313). (¬3) النهاية (1/ 161)، كذلك ذكره ياقوت في معجم البلدان (1/ 505).

نذر الذبح فيه، أما لو نذر الذبح ببلد ولم ينو تفرقة اللحم، لم يلزمه الذبح إلا إذا نذر ذبح أضحية، أو هدي بمكة وأطلق فإنه يلزمه الذبح بها، وتفرقة اللحم على أهلها. 2590 - أن امرأة قالت: يا رسول الله إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدُّف؟، قال: "أوفي بنذرك"، قالت: إني نذرت أن أذبح بمكان كذا وكذا لمكان كان يذبح فيه أهل الجاهلية؟ قال: "لصنم؟ " قالت: لا، قال: "أوفي بنذرك". قلت: رواه أبو داود هنا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وليس في سنده إلا ما قيل في عمرو بن شعيب، وأخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث بريدة (¬1) وقال: رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بعض مغازيه فجاءت جارية سوداء، فقالت: يا رسول الله إني نذرت إن ردك الله سالمًا أن أضرب على رأسك بالدف، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن نذرت فافعلي، وإلا فلا"، فقالت: إني كنت نذرت، فقعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضربت بالدف. قال الخطابي (¬2): ضرب الدف ليس مما يعد من الطاعات التي تتعلق بها النذور وأحسن حالة أن يكون مباحًا. غير أنه لما اتصل بإظهار المسرة والفرح بمقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سالمًا من غزواته وكان فيه مساءة للكفار، وإرغام المنافقين صار فعله قربه، ولهذا استحب في العرس لما فيه من إظهار المباح والخروج من معنى السفاح. قوله: قالت: إني نذرت أن أذبح بمكان كذا، تقدم الكلام عليه في الحديث الذي قبله. 2591 - أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب، وأن أنخلع من مالي كله صدقة، قال: "يجزي عنك الثلث". قلت: رواه أبو داود هنا عن عبيد الله بن عمر عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن كعب بن مالك عن أبيه أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3312)، وابن حبان (4386) وإسناده صحيح. (¬2) معالم السنن (4/ 55).

وأبو لبابة ... وساق الحديث، وليس هذا الحديث في كل نسخ أبي داود إنما هو في بعضها، وأخرجه مالك في جامع الإيمان من الموطأ عن عثمان ابن حفص عن ابن شهاب بلاغًا. (¬1) 2593 - أن رجلًا قال يوم الفتح: يا رسول الله! إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس ركعتين؟ قال: "صل ههنا"، ثم أعاد عليه؟ فقال: "صل ههنا" ثم أعاد عليه؟ فقال: "شأنك إذًا". قلت: رواه أبو داود هنا من حديث جابر وسكت عليه. (¬2) وأعلم أنه لو نذر الصلاة في المسجد الحرام تعين، ولا يجزئه صلاة في غيره بحال، ومن نذرها في المسجد الأقصى خرج من نذره بالصلاة في المسجد الحرام أو مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن نذر صلاة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج من نذره بصلاة في المسجد الحرام، ولا يخرج لصلاة في المسجد الأقصى ومن نذرها في غيرها من المساجد خرج بصلاة في أحدهما ولا يتعين غير المساجد. 2594 - أن أخت عقبة بن عامر نذرت أن تحج ماشية، فسئل النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ وقيل: إنها لا تطيق ذلك، فقال: "إن الله لغني عن مشي أختك، فلتركب ولتهد بدنة". قلت: رواه أبو داود (¬3) من حديث ابن عباس كذا قال ابن الأثير في "جامع الأصول" (¬4)، ولم أره في نسخة روايتنا. ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في الموطأ (2/ 481) (16)، وأبو داود (3319). (¬2) أخرجه أبو داود (3305) وإسناده صحيح. انظر الإرواء (2597). (¬3) أخرجه أبو داود (3297). وإسناده صحيح. انظر الإرواء (2592). (¬4) انظر جامع الأصول (11/ 546) رقم (9144).

وفي الحديث دليل على أنه إذا نذر الحج ماشيًا فحج راكبًا لعذر، لزمه دم، قال أصحابنا وكذا لو حج راكبًا من غير عذر لكنه يقضي قال النووي: والمراد بالعجز أن تلحقه مشقة ظاهرة كما قالوه في العجز عن القيام في الصلاة، وفي العجز عن صوم رمضان بالمرض. - وفي رواية: فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تركب وتُهدي هديًا. قلت: رواها أبو داود من حديث عكرمة عن ابن عباس. (¬1) - وفي رواية: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئًا، فلتحُج راكبة، وتكفّر بيمينها". قلت: رواه أبو داود هنا من حديث كريب عن ابن عباس. وكذا رواه ابن حبان ثم قال: ويشبه أن تكون هذه جعلت على نفسها أن تحج ماشية باليمين، إذ النذر لا كفارة فيه انتهى كلامه. (¬2) والأشبه أن يكون عبر عن لزوم الدم بالكفارة، ولا ريب في إطلاق الكفارة على ذلك بل هذا متعين، وتدل عليه الرواية التي قبلها، "ولتهد بدنه" والله أعلم. 2595 - وروي: أن عقبة بن عامر سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أخت له، نذرت أن تحج حافية غير مختمرة؟ فقال: "مروها، فلتختمر ولتركب، ولتصم ثلاثة أيام". قلت: رواه الأربعة هنا إلا ابن ماجه فإنه رواه في الكفارات كلهم من حديث عبد الله بن مالك عن عقبة بن عامر وفي سند الحديث عبيد الله بن زحر الأفريقي العابد مختلف فيه، قال الذهبي: وله مناكير ضعّفه أحمد، ¬

_ (¬1) أخرجها أبو داود (3292). (¬2) أخرجه أبو داود (3295)، وابن حبان (4384).

وقال النسائي: لا بأس به. (¬1) وقد نقل بعض المتأخرين من الشافعية أنه لو نذر الحج حافيًا لزمه الحج لا الحفاء، ولا يلزمه فدية بترك الحفاء بلا خلاف، لأنه ليس بقربة فلا ينعقد نذره، وأما ترك الاختمار وهو ستر الرأس فهو من المرأة معصية لا تصح نذره. قوله - صلى الله عليه وسلم -: وليصم ثلاثة أيام هذا الصوم ليس هو عن ترك الحفاء، ولا عن ترك الاختمار، بل هو عن ترك المشي المفهوم من قولها حافية، ولعله - صلى الله عليه وسلم - إنما أمرها بالصوم لعجزها عن الدم. 2596 - أن أخوين من الأنصار كان بينهما ميراث، فسأل أحدهما صاحبه القسمة، فقال: إن عدت تسألني القسمة، فكل مالي في رتاج الكعبة، فقال له عمر: إن الكعبة غنية عن مالك، كفّر عن يمينك وكلم أخاك، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يمين عليك، ولا نذر في معصية الرب، ولا في قطيعة الرحم، ولا فيما لا يملك". قلت: رواه أبو داود في الأيمان والنذور، من حديث عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب عن عُمر، وسعيد بن المسيب: لم يصح سماعه من عمر، فهو منقطع ورتاج الكعبة: هو بكسر الراء المهملة والمثناة من فوق ثم بألف ثم جيم: بابها، فكنى عن الكعبة بالباب لأن منه يدخل إليها، والله أعلم. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3293)، والترمذي (1544)، والنسائي (7/ 20)، وابن ماجه (2134). وإسناده ضعيف فيه عبيد الله بن زحر. ترجم له الحافظ في التقريب (4319) وقال: صدوق يخطىء، وانظر قول الذهبي في الكاشف (3544). وانظر كذلك الجرح والتعديل (5/ ت 4499). (¬2) أخرجه أبو داود (3272) وإسناده ضعيف لانقطاعه فإن سعيد بن المسيب لم يصح سماعه من عمر، انظر تحفة التحصيل (ص 157).

كتاب القصاص

كتاب القصاص من الصحاح 2597 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة". قلت: رواه الجماعة: البخاري والترمذي في الديات ومسلم وأبو داود وابن ماجه في الحدود والنسائي في المحاربة من حديث عبد الله بن مسعود يرفعه. (¬1) والمراد هنا بالزاني: الزاني المحصن، والمراد رجمه بالحجارة حتى يموت قوله - صلى الله عليه وسلم -: النفس بالنفس، المراد به القصاص، وقد يستدل به الحنفية في قولهم، يقتل المسلم بالذمي، ويقتل الحر بالعبد، ومالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء على خلافه. قوله - صلى الله عليه وسلم -: والمفارق لدينه التارك للجماعة: هو عام في كل مرتد عن الإسلام بأي ردة كان، فيجب قتله إن لم يرجع إلى الإسلام. قال النووي (¬2): وهذا عام يخص منه الصائل ونحوه فيباح قتله في الدفع، وقد يجاب في هذا بأن داخل في المفارق للجماعة. 2598 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لن يزال المؤمن في فسحة من دينه، ما لم يصب دمًا حرامًا". قلت: رواه البخاري في الديات (¬3) عن ابن عُمر، وهو من تفردات البخاري وقال: قال ابن عمر: إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6878)، ومسلم (1676)، وأبو داود (4352)، والترمذي (1402)، والنسائي (7/ 90)، وابن ماجه (2534). (¬2) النهاية (11/ 236 - 237). (¬3) أخرجه البخاري (6862).

بغير حله. 2599 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة: في الدماء". قلت: رواه الجماعة من حديث ابن مسعود (¬1) إلا أبا داود: البخاري والترمذي وابن ماجه في الديات ومسلم في الحدود والنسائي في المحاربة. وهذا الحديث فيه تغليظ أمر الدماء، وأنها أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة. وليس هذا الحديث مخالفًا للحديث المشهور في السنن: "أول ما يحاسب به العبد صلاته" لأن هذا الحديث الثاني فيما بين العبد وبين الله تعالى، وأما حديث الباب فهو فيما بين العباد. 2600 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقتل نفس ظلمًا، إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه أول من سن القتل". قلت: رواه الجماعة إلا أبا داود: البخاري في مواضع منها الديات ومسلم في الحدود والترمذي في العلم والنسائي في التفسير وابن ماجه في الديات من حديث ابن مسعود. (¬2) والكفيل: بكسر الكاف: الجزء والنصب وقال الخليل: هو الضعف. وهذا الحديث من قواعد الإسلام وهو أن كل من ابتدع شيئًا من الشر، كان عليه مثل وزر كل من اقتدى به في ذلك فعمل مثل عمله إلى يوم القيامة، ومثله في الخير، كما جاء في الأحاديث الصحيحة. 2601 - أنه قال: يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلًا من الكفار فاقتتلنا فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة، فقال: أسلمت لله، أأقتله بعد أن قالها؟، قال: "لا تقتله"، فقال: يا رسول الله! إنه قطع إحدى يدي؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6864)، ومسلم (1678)، والترمذي (1396)، والنسائي (7/ 83)، وابن ماجه (2615). (¬2) أخرجه البخاري (6867)، ومسلم (1677)، والترمذي (2673)، والنسائي (7/ 81)، وابن ماجه (2616).

"لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قالها". قلت: رواه البخاري في الديات ومسلم في الإيمان وأبو داود في الجهاد والنسائي في السير من حديث المقداد بن عمرو الكندي (¬1) يرفعه. والمقداد هذا هو: ابن عمرو حقيقة، وإنما قيل له ابن الأسود لأن الأسود ابن عبد يغوث تبناه في الجاهلية، فصار به أعرف. ولاذ مني بشجرة: أي اعتصم مني وهو بالذال المعجمة. قوله - صلى الله عليه وسلم -: فإن قتلته إلى آخره، اختلف في معناه فأحسن ما قيل: إن معناه فإنه معصوم الدم، يحرم قتله، بعد قوله لا إله إلا الله، كما كنت أنت قبل أن تقتله، وإنك بعد ما قتلته غير معصوم الدم ولا محرم القتل كما كان هو قبل قوله لا إله إلا الله لولا عذرك بالتأويل المسقط للقصاص عنك، وقيل معناه أنك مثله في مخالفة الحق وارتكاب الإثم، وإن اختلفت أنواع المخالفة والإثم، وقد تمسك بهذا الحديث من يكفر المسلم بارتكاب الكبائر، وحملوه على أنه بمنزلته في الكفر قبل أن يقول كلمة الشهادة. 2602 - بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ناس من جهينة، فأتيت على رجل منهم فذهبت أطعنه فقال: لا إله إلا الله فطعنته فقتلته، فجئت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته فقال: أقتلته وقد شهد أن لا إله إلا الله؟ قلت: يا رسول الله إنما فعل ذلك تعوذًا، قال: فهلا شققت عن قلبه. قلت: رواه البخاري في الديات ومسلم في الإيمان والنسائي في السير (¬2) من حديث أسامة بألفاظ متقاربة. واسم هذا الرجل: قيل: المرداس بن نهيك، وقيل: المرداس بن عمرو، وعلى ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6865)، ومسلم (95)، وأبو داود (2644)، والنسائي (8591). (¬2) أخرجه البخاري (6872)، ومسلم (96)، والنسائي (8594).

القولين ليس هو من جهينة، لكن لما وجد بأرضهم مقيمًا بها جعله منهم، وأما كونه - صلى الله عليه وسلم - لم يوجب على أسامة قصاصًا، ولا دية، ولا كفارة، فقد يستدل به لإسقاط الجميع، قال النووي (¬1): لكن الكفارة واجبة، والقصاص ساقط للشبهة، لأنه ظنه كافرًا، وفي وجوب الدية قولان للشافعي، ويجاب عن عدم ذكر الكفارة بأنها ليست على الفور، بل هي على التراخي، وتأخير البيان إلى وقت الحاجة جائز على المذهب الصحيح عند أهل الأصول، وأما الدية على قول من أوجبها، فيحتمل أن أسامة كان في ذلك الوقت معسرًا بها، فأخرت إلى يساره. 2603 - ورواه جندب البجلي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة"، قاله مرارًا. قلت: رواه مسلم في الإيمان من حديث جندب بن عبد الله البجلي ولم يخرجه البخاري. (¬2) 2604 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين خريفًا". قلت: رواه البخاري في الجزية وهو أيضًا وابن ماجه في الديات من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص يرفعه (¬3) ولم يقل البخاري في الموضعين إلا: أربعين عامًا، وكذلك ابن ماجه. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من قتل معاهدًا" قال ابن الأثير (¬4): يجوز أن تقرأ بكسر الهاء وفتحها، على الفاعل والمفعول، والأشهر في الحديث الفتح، والمعاهد: من كان بينك وبينه ¬

_ (¬1) انظر المنهاج (2/ 140 - 141). (¬2) أخرجه مسلم (97). (¬3) أخرجه البخاري (3166)، وابن ماجه (2686). (¬4) النهاية (3/ 293).

عهد، وأكثر ما يطلق في الحديث على أهل الذمة، وقد تطلق على غيرهم من الكفار إذا صولحوا على ترك الحرب مدة. قوله: لم يرح رائحة الجنة، قال الزمخشري (¬1): فيه ثلاث لغات راح يريح كباع يبيع، وراح يراح كخاف يخاف، وأراح يريح، إذا وجد الرائحة، فقد جاءت الرواية بهن جميعًا، وعبر الريح ولو كقولهم أراح ورويحه، ومعناه لم يشم رائحة الجنة. قوله - صلى الله عليه وسلم -: خريفًا أي عامًا. 2605 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من تردّى من جبل فقتل نفسه، فهو في نار جهنم، يتردى فيه خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تَحَسّى سُمًا فقتل نفسه فسمه في يده، يتحسّاه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده، يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا". قلت: رواه الجماعة من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة البخاري في أواخر الطب ومسلم في الإيمان وأبو داود والترمذي وابن ماجه ثلاثتهم في الطب، لكن أبو داود مختصرًا والنسائي في الجنائز. (¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم -: من تردّى من جبل، التردي في الأصل التعرض للهلاك من الردى، وهو الهلاك وشاع في التدهور لإفضائه إلى الهلاك. والتحسي: أي يشرب على مهل، يتجرعه تجرعًا. ويجأ بها: بالجيم والهمزة ويجوز تسهيله بقلب الهمزة ألفًا ومعناه: يطعن، والمراد من الذين حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - عليهم بالخلود الذين يستحلون تلك الأفعال. 2606 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "الذي يخنق نفسه، يخنقها في النار، والذي يطعنها يطعنها ¬

_ (¬1) الفائق للزمخشري (2/ 89). (¬2) أخرجه البخاري (5778)، ومسلم (109)، وأبو داود (3872)، والنسائي (4/ 66)، والترمذي (2043) (2044)، وابن ماجه (3460).

في النار". قلت: انفرد البخاري بهذا الحديث في الجنائز من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة يرفعه. (¬1) ويخنق: قال الجوهري (¬2): الخنق بكسر النون، مصدر قولك خنقه يخنقه بالضم، ويطعن بضم العين. 2607 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كان فيمن كان قبلكم رجل به جُرح، فجزع، فأخذ سكينًا فحز يده، فما رقأ الدم حتى مات، قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه فحرمت عليه الجنة". قلت: رواه البخاري في الجنائز ومسلم في الإيمان من حديث جندب بن عبد الله البجلي. (¬3) قوله - صلى الله عليه وسلم -: فما رقأ الدم حتى مات، أي ما انقطع الدم حتى مات، وهو مهموز يقال رقأ الدم، والدمع يرقأ رقوًا مثل ركع يركع ركوعًا إذا سكن وانقطع. 2608 - إن الطفيل بن عمرو الدوسي لما هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، هاجر إليه، وهاجر معه رجل من قومه، فمرِض فجزع، فأخذ مشاقص له، فقطع بها براجمه، فشخبت يداه حتى مات، فرآه الطفيل بن عمرو في منامه، وهيئته حسنة ورآه مغطيًّا يديه، فقال له: ما صنع بك ربك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ما لي أراك مغطيًّا يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت، فقصّها الطفيل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم وليديه فاغفر". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1365). (¬2) الصحاح للجوهري (4/ 1472). (¬3) أخرجه البخاري (3463)، ومسلم (113).

قلت: رواه مسلم في الإيمان ولم يخرجه البخاري. (¬1) والمشاقص: جمع مشقص بكسر اليم، وهو نصل السهم إذا كان طويلًا غير عريض. والبراجم: جمع بُرْجُمة بالضم، وهي العقد التي في ظهور الأصابع يجتمع فيها الوسخ. 2609 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثم أنتم يا خزاعة! قد قتلتم هذا القتيل من هذيل، وأنا والله عاقله، من قتل بعده قتيلًا، فأهله بين خيرتين: إن أحبوا قتلوا، وإن أحبوا أخذوا العقل". قلت: رواه الشافعي في المسند والترمذي في الديات كلاهما في حديث طويل، هذه قطعة منه، وروى أبو داود في الديات هذه القطعة مقتطعة كما أوردها المصنف كلهم من حديث أبي شريح الكعبي وقال الترمذي: حديث حسن صحيح انتهى. وقد وهم ابن الأثير (¬2): فظن أن هذه القطعة ليست في أبي داود ولا في الترمذي فعزاها لرزين خاصة، والصواب: ما حررناه، ولم أر هذا الحديث في الصحيحين من رواية أبي شريح إنما فيهما معناه من رواية أبي هريرة، فكان من حق الشيخ أن يذكر هنا حديث أبي هريرة أو يؤخر هذا إلى الحسان والله أعلم. (¬3) وأبو شريح: بضم الشين المعجمة وفتح الراء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبعدها حاء مهملة واسمه خويلد بن عمرو ويقال غير ذلك. والعقل: الدية وأصله أن القاتل كان يجمع الدية ويعقلها بفناء دار أولياء القتيل فسميت الدية عقلًا بالمصدر، يقال: عقل البعير يعقله عقلًا، ثم توسع حتى قيل في ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (116). (¬2) انظر جامع الأصول (10/ 242 - 243) هـ. (¬3) أخرجه الشافعي (2/ 99) رقم (328)، وأبو داود (4504)، والترمذي (1406) معلقًا عقب الحديث، وأخرجه بمعناه البخاري (112)، ومسلم (1355).

الدراهم والدنانير. 2610 - أن يهوديًّا رضَّ رأس جارية بين حجرين، فقيل لها من فعل بك هذا: أفلان؟ أفلان؟ حتى سُمي اليهودي، فأومأت برأسها، فجيء باليهودي فاعترف، فأمر به - صلى الله عليه وسلم - فُرض رأسه بالحجارة. قلت: رواه الجماعة البخاري في مواضع منها في الإشخاص والملازمة ومسلم في الحدود وأبو داود والترمذي وابن ماجه في الديات والنسائي في القود من حديث أنس بألفاظ مختلفة (¬1) والمعنى متفق. والرض: الدق الجريس. وفي الحديث قتل الرجل بالمرأة، وهو إجماع من يعتد به، وثبوت القصاص في القتل بالمثقل ولا يختص بالمحدد، وهو مذهب الشافعي ومالك وأحمد، وقال الإمام أبو حنيفة لا قصاص إلا في القتل بمحدد من حديد، أو حجر أو خشب أو كان يقتل الناس بالمنجنيق أو بالإلقاء في النار، واختلفت الرواية عنه في مثقل الحديد كالدبوس. وفي الحديث أيضًا سؤال الجريح من جرحك؟ وفائدة السؤال أن يعرف المتهم ليطالب، فإن أقر ثبت عليه القتل، وإن أنكر فالقول قوله بيمينه ولا يلزمه شيء لمجرد قول المجروح، وإلى هذا ذهب جماهير العلماء، ومذهب مالك ثبوت القتل على المتهم لمجرد قول المجروح. (¬2) 2611 - كسرت الربيع -وهي عمة أنس بن مالك- ثنية جارية من الأنصار، فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمر بالقصاص، فقال أنس بن النضر -عم أنس ابن مالك- لا والله، لا تكسر ثنيتها يا رسول الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا أنس كتاب الله القصاص"، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6884)، و (2413)، (كتاب الخصومات). ومسلم (1672)، وأبو داود (4527)، والترمذي (1394)، والنسائي (8/ 22)، وابن ماجه (2666). (¬2) انظر المنهاج للنووي (11/ 227 - 228).

فرضي القوم وقبلوا الأَرش. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن من عباد الله مَنْ لو أقسم على الله لأبره". قلت: رواه البخاري في مواضع منها في تفسير سورة المائدة بهذا اللفظ ومسلم في الحدود بلفظ آخر، كلاهما من حديث أنس (¬1) ولفظ مسلم: أن أخت الربيع أم حارثة، جرحت إنسانًا، فاختصموا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "القصاص القصاص" فقالت أم الربيع: يا رسول الله أيقتص من فلانة؟ لا يقتص منها، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "سبحان الله يا أم الربيع القصاص كتاب الله" قالت: لا والله لا يقتص منها أبدًا، قال: فما زالت حتى قبلوا الدية، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره" وهذه الرواية مخالفة لما رواه المصنف، والبخاري من وجهين: أحدهما: أن في رواية مسلم أن الجارحة هي أخت الربيع، وفي رواية البخاري أنها الربيع بنفسها، والثاني: أن في رواية مسلم أن الحالف لا تكسر ثنيتها هي أم الربيع بفتح الراء، وفي رواية البخاري أنه أنس بن النضر، قال العلماء: المعروف في الروايات رواية البخاري، وقد ذكرها من طرقه الصحيحة، ولهذا اقتصر عليها المصنف، والذهاب إلى أنهما قضيتان بعيد، ولكنه يجوز، والربيع الجارحة في رواية البخاري وأخت الجارحة في رواية مسلم بضم الراء وفتح الباء وتشديد الياء، وأما أم الربيع الحالفة في رواية مسلم، فبفتح الراء وكسر الباء وتخفيف الياء. قوله - صلى الله عليه وسلم -: كتاب الله القصاص أي حكم كتاب الله وجوب القصاص في السن، وهو قوله تعالى: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} وأما قوله: "والله لا يقتص منها" فليس معناه رد حكم النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل معناه الرغبة إلى مستحق القصاص أن يعفوا، وإلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الشفاعة إليهم في العفو، وإنما حلف ثقة بفضل الله تعالى ولطفه أنه لا يحنثه بل يلهمهم العفو. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4611)، واللفظ له، ومسلم (1675).

من الحسان

قوله - صلى الله عليه وسلم - إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره معناه: لا يحنثه لكرامته عليه. (¬1) 2612 - سألت عليًّا: هل عندكم شيء ليس في القرآن؟ فقال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ما عندنا إلا ما في القرآن، إلا فهمًا يعطى رجل في كتابه، وما في الصحيفة، قلت: وما في الصحيفة؟ قال: العقل، وفِكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر. قلت: رواه البخاري والترمذي وابن ماجه في الديات والنسائي في القود من حديث أبي جحيفة عن علي رضي الله عنه. (¬2) قوله: هل عندكم شيء ليس في القرآن، الظاهر أنه إنما سأله ذلك لأن الشيعة زعموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خص أهل بيته لا سيما عليًّا كرم الله وجهه بأسرار علم من الوحي. ومعنى فلق الحبة: أي شقها بإخراج النبات عنها. وبرأ النسمة: أي خلقها، والنسمة: النفس والروح أي والذي خلق ذات الروح. قوله العقل: أي فيها إيجاب الدية نفسًا وطرفًا أو ذكر أسنانها وعددها وسائر أحكامها، قوله: وفكاك الأسير، فيها استحباب فكاك الأسير. من الحسان 2613 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم". ووقفه بعضهم، وهو الأصح. قلت: رواه الترمذي في الديات والنسائي في المحاربين كلاهما مرفوعًا وموقوفًا على عبد الله بن عمرو بن العاص قال الترمذي: والموقوف أصح. (¬3) 2614 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو أن أهل السماء والأرض اشتركوا في دم مؤمن ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (11/ 233 - 234). (¬2) أخرجه البخاري (6903)، والترمذي (1412)، وابن ماجه (2658)، والنسائي (8/ 23). (¬3) أخرجه الترمذي (1395)، والنسائي (7/ 82).

لأكبّهم الله في النار". (غريب). قلت: رواه الترمذي في الديات من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة وقال: غريب. (¬1) 2615 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة، ناصيته ورأسه بيده، وأوداجه تشخب دمًا، يقول: يا رب قتلني، حتى يدنيه من العرش". قلت: رواه الترمذي في التفسير والنسائي في المحاربة من حديثًا عمرو بن دينار عن ابن عباس يرفعه، وقال الترمذي: حسن، وقد رواه بعضهم عن عمرو موقوفًا على ابن عباس. (¬2) والأوداج: هي ما أحاط بالعنق من العروق التي يقطعها الذابح، واحدها ودج، وقيل: الودجان: عرقان غليظان عن جانبي ثغرة النحر. ويشخب: أي يسيل وقد شخب يشخُب ويشخَب، وأصل الشخب ما خرج من تحت يد الحالب عند كل غمزة وعصرة لضرع الشاة. 2616 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل قتل امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس". قلت: رواه أبو داود في الديات والترمذي في الفتن والنسائي في المحاربة وابن ماجه في الحدود من حديث عثمان (¬3) وفيه قصة وتمامه: فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام، ولا ارتددت منذ بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا قتلت النفس التي حرم الله فبم تقتلونني. قال الترمذي: هذا حديث حسن، انتهى. ولم أره في أبي دواد في نسخة روايتنا لكن ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1398). (¬2) أخرجه الترمذي (3029) واللفظ له، والنسائي (7/ 85)، وابن ماجه (2621) وإسناده صحيح، انظر هداية الرواة (3/ 377). (¬3) أخرجه أبو داود (4502)، والترمذي (2158)، والنسائي (7/ 91 - 92)، وابن ماجه (2533) وإسناده صحيح. انظر الإرواء (2196)، وانظر تحفة الأشراف (7/ 245 ح 9782).

عزاه له المزي فتبعته. 2617 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يزال المؤمن مُعنقًا صالحًا، ما لم يصب دمًا حرامًا، فإذا أصاب دمًا حرامًا بلّح". قلت: رواه أبو داود في الفتن من حديث أم الدرداء عن أبي الدرداء (¬1) يرفعه. معنقًا: أي مسرعًا في طاعته، منبسطًا في عمله وقيل: أراد يوم القيامة. والعنق: بفتح العين المهملة والنون، ضرب من السير وسيع. وبلح: بتشديد اللام وقد تخفف أي أعيا وانقطع، يقال: بلح الفرس إذا انقطع جريه، ويجوز أن يراد بذلك في الدنيا أو في القيامة أو فيهما. 2618 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل ذنب عسى الله أن يغفره، إلا من مات مشركًا، أو من يقتل مؤمنًا متعمّدًا". قلت: رواه النسائي في المحاربة (¬2) من حديث معاوية ورجاله ليس فيهم إلا من روى له الشيخان أو أحدهما إلا أبا عون الأنصاري وهو ثقة. 2619 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقام الحدود في المساجد، ولا يقاد بالولد الوالد". قلت: رواه الترمذي في الديات وابن ماجه مفرقًا في الحدود والديات من حديث ابن عباس (¬3) وقال الترمذي: لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث إسماعيل بن مسلم المكي، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه انتهى. وإسماعيل بن مسلم تركه النسائي وقال الذهبي: ضعفوه. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4270). (¬2) أخرجه النسائي (7/ 81)، وأبو عون الأنصاري ترجم له الحافظ في التقريب (8350) وقال: مقبول. (¬3) أخرجه الترمذي (1401)، وابن ماجه (2661) (2599) وفي الإسناد إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف، وقد ترجم له الحافظ في التقريب (491) وقال: صدوق. وحسَّنه الألباني في الإرواء (2214) بمتابعاته. (¬4) انظر: الكاشف (1/ 249 - 250 رقم 408)، وكلام النسائي في الضعفاء والمتروكون (38).

2620 - دخلت مع أبي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأى أبي الذي بظَهرِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: دعني أعالج الذي بظهرك، فإني طبيب، فقال: "أنت رفيق، والله الطبيب"، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من هذا معك؟ "، قال: ابني، فاشهد به، فقال: "أما إنه لا يجني عليك، ولا تجني عليه". قلت: رواه أبو داود في الترجل وفي الديات مقطعًا والنسائي أيضًا في الزينة وفي الديات (¬1) من حديث أبي رمثة بكسر الراء المهملة وسكون الميم وبعدها ثاء مثلثة مفتوحة وتاء تانيث، واسمه حبيب، وقيل: رفاعة، وقيل: غير ذلك. قوله: فاشهد أي على أنه ابني. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يجني عليك ولا تجني عليه" أراد بذلك الرد على من اعتقد أن كل واحد من الوالد والولد يؤاخذ بجناية الآخر، ومعناه: لا تؤخذ بجنايته ولا يؤخذ بجنايتك. وفي الحديث دليل لمن ذهب إلى أن الابن والأب لا يتحملان العقل، عن القاتل وإليه ذهب الشافعي وجماعات، قالوا: إن الأب وإن علا والابن وإن سفل لا يتحمل أحد منهم الدية الواجبة. 2621 - حضرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقيّد الأب من ابنه، ولا يقيد الابن من أبيه. (ضعيف). قلت: رواه الترمذي في الديات من حديث المثنى بن الصباح عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده عن سراقة بن مالك، قال -أعني الترمذي-: ولا نعرفه من حديث سراقة إلا من هذا الوجه، وليس إسناده بصحيح، المثنى يضعف. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4495)، والنسائي (8/ 53) وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه الترمذي (1399) وفيه المثنى بن الصباح ترجم له الحافظ في التقريب (6513) وقال: ضعيف، اختلط بآخره وكان عابدًا.

2622 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قتل عبده قتلناه، ومن جدع عبده جدعناه، ومن أخصى عبده أخصيناه". قلت: رواه النسائي في القود، وفرقه وأبو داود في الديات في حديثين والترمذي وابن ماجه والدارمي (¬1) فيه، ولم يقل الثلاثة: "من أخصى عبده أخصيناه" كلهم من حديث قتادة عن الحسن عن سمرة، وقد تقدم الاختلاف في الاحتجاج بأحاديث الحسن عن سمرة، وأن الصحيح أنه لم يسمع منه إلا حديث العقيقة، وقد روى أبو داود عن قتادة: أن الحسن نسي هذا الحديث فكان يقول: لا يقتل حر بعبد، وذهب بعضهم إلى أن حديث سمرة هذا منسوخ، قال: لما ثبتا ثبتا معًا، فلما نسخا نسخا معًا، يريد لما سقط الجدع سقط القصاص كذلك، وفيما قاله نظر، فقد حكى بعضهم عن إبراهيم النخعي أن القصاص بينهما في النفس والطرف وللعلماء في المسألة أقوال: فقال جماعة من الصحابة والتابعين: لا قصاص على من قتل عبده أو عبد غيره، وإلى هذا ذهب الشافعي ومالك وإسحق، وقال جماعة: القصاص ثابت بين الأحرار والعبيد في النفس، وإلى هذا ذهب أبو حنيفة، لكن خصه بما إذا كان عبد غيره، أما عبد نفسه فلا قصاص عليه في قتله. 2623 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قتل متعمدًا، دفع إلى أولياء المقتول، فإن شاؤوا قتلوا، وإن شاؤوا أخذوا الدية، وهي ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة وما صالحوا عليه فهو لهم". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه في الديات من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده يرفعه وحسنه الترمذي. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه الدارمي (2/ 191)، وأبو داود (4516)، والترمذي (1414)، والنسائي (8/ 20 - 21)، وابن ماجه (2663). (¬2) أخرجه الترمذي (1387)، وابن ماجه (2626).

والخلفة: بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام، الحامل من النوق، ويجمع على خلفات وخلائف. 2624 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ويرد عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم، لا يقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهد في عهده". قلت: رواه أبو داود في الديات والنسائي فيه (¬1) من حديث علي وقالا فيه: "ومن أحدث فعلى نفسه، أو آوى محدثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين". "والتكافؤ": التساوي أي تتساوى دماؤهم في القصاص، والديات لا فضل فيها لشريف على وضيع، وهذا بخلاف ما كانوا عليه في الجاهلية. والذمة: الأمان، ومنها سمي المعاهد ذميًّا: لأنه أمن على ماله ودمه. ومعنى يسعى بذمتهم أدناهم: أن واحدًا من المسلمين إذا أمّن كافرًا حرم على عامة المسلمين دمه، وإن كان هذا المجير أدناهم مثل أن يكون عبدًا أو امرأة أو عسيفًا تابعًا أو نحو ذلك. وهم يد على من سواهم: أي هم مجتمعون على أعدائهم لا يمنعهم التخاذل بل يعاون بعضهم بعضًا على جميع الأديان والملل كأنه جعل أيديهم يدًا واحدة. قوله: ويرد عليهم أقصاهم: هذه اللفظة إنما هي في أبي داود، ويجير عليهم أقصاهم من حديث عمرو بن شعيب، وكذلك في النهاية وقال: معناه إذا أجار واحد من المسلمين حرٌ أو عبدٌ أو امرأة، واحدًا أو جماعة من الكفار، وأمنهم كان ذلك على جميع المسلمين. قوله: لا يقتل مسلم بكافر: مقتضاه لا يقتل به سواء كان ذميًّا أو معاهدًا، وإلى هذا ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4530)، والنسائي (8/ 24).

ذهب مالك والشافعي وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أنه يقتل المسلم بالذمي، وتأول قوله - صلى الله عليه وسلم - لا يقتل مؤمن بكافر أي بكافر حربي بدليل أنه عطف عليه، ولا ذو عهد في عهده، وذو العهد يقتل بذي العهد، إنما لا يقتل بالحربي، قالوا: وتقدير الكلام: لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده بكافر. قلنا حديث صحيفة علي المتقدم فيها: لا يقتل مؤمن بكافر، من غير ذكر العهد فهو عام في جميع الكفار ألا يقتل بهم مسلم. قوله: "ولا ذو عهد في عهده" يعني أن ذا العهد لا يجوز قتله إبتداء، ما دام في العهد، وفي ذكر المعاهد أنه لا يقتل إبتداء فائدة: وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - لما أسقط القود عن المسلم بقتل الكافر أوجب توهين حرمة دماء المشركين، فنص على المنع من ذلك دفعًا للشبهة، وقطعًا لتأويل المتأول. 2625 - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من أصيب بدم أو خَبْل، والخبل: الجرح، فهو بالخيار بين إحدى ثلاث، فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه، بين أن يقتصّ وبين أن يعفو، أو يأخذ العقل، فإن أخذ من ذلك شيئًا، ثم عدا بعد ذلك، فله النار خالدًا فيها مخلدًا أبدًا". قلت: رواه أبو داود في الديات وابن ماجه فيه من حديث أبي شريح الخزاعي واللفظ لابن ماجه، وفي سندهما محمد بن إسحاق وقد تقدم الكلام فيه، وفي سنده أيضًا سفيان بن أبي العوجاء وهو ضعيف. (¬1) والخبل: بالخاء المعجمة المفتوحة وسكون الباء الوحدة: فساد الأعضاء يقال: خبل الحبّ قلبَه إذا أفسده، يخبله ويخبُله بالضم والكسر خَبلًا أي من أصيب بقتل نفس أو قطع عضو فهو بالخيار. 2626 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قتل في عِمِّيَّة، في رمي يكون بينهم بالحجارة، أو ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4496)، وابن ماجه (2623) وإسناده فيه سفيان بن أبي العوجاء ترجم له الحافظ في التقريب (2463)، وقال: ضعيف.

جَلْدِ بالسياط، أو ضرب بعصا، فهو خطأ، وعقله عقل الخطأ، ومن قتل عمدًا، فهو قود، ومن حال دونه، فعليه لعنة الله وغضبه، لا يقبل منه صرف ولا عدل". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه كلاهما في الديات والنسائي في القصاص من حديث طاووس عن ابن عباس يرفعه. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: من قتل في عمية: قال الإمام أحمد: هو الأمر الأعمى كالعصبية لا يستبين وجهه. قال ابن الأثير (¬2): العميا بالكسر والتشديد والقصر فعّيلا من العمي، كالرميا من الرمي، والخصّيصي من التخصيص، وهي مصادر والمعنى: أن يوجد بينهم قتيل يعمى أمره، ولا يتبين قاتله فحكمه حكم قتيل الخطأ. قال: وفي رواية في عمية وهي فعيلة من العمي كالقتال في العصبية والأهواء انتهى. ومراد ابن الأثير بالكسر والتشديد يعني الميم، وأما العين فقد ضبطها بعضهم بالفتح والكسر فقال: عَمية وعِمية، قوله في رمي يكون بينهم إلى آخره كالبيان والتفسير لقوله عمية. قوله: فهو قود أي قود يده. قوله: ومن حال دونه أي دون القصاص بأن منع المستحق من الاستيفاء فعليه ما عليه. قوله: لا يقبل منه صرف ولا عدل، تقدم تفسيره في باب حرمة المدينة. 2627 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا أعفي من قتل بعد أخذ الدية". قلت: رواه أبو داود في الديات من حديث مطر الوراق، قال: وأحسبه عن الحسن عن جابر عن عبد الله يرفعه. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4540)، والنسائي (8/ 39 - 40)، وابن ماجه (2635). (¬2) النهاية (3/ 304 - 305). (¬3) أخرجه أبو داود (4507) وإسناده ضعيف. لأن فيه عنعنة الحسن، ومطر الوراق قال الحافظ عنه: صدوق كثير الخطأ، وحديثه عن عطاء ضعيف، انظر: التقريب (6744).

باب الديات

والحسن هذا هو البصري لم يسمع من جابر بن عبد الله فهو منقطع، ومطر الوراق لم يجزم بسماعه من الحسن والله أعلم. فمن رواه لا أعفى بفتح الهمزة والفاء فمعناه: لا كثر ماله، ولا استغنى، فهو رعاء عليه، ومن رواه بضم الهمزة وكسر الفاء فمعناه: لا أترك. 2628 - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من رجل يُصاب بشيء في جسده، فتصدق به، إلا رفعه الله به درجة، وحط عنه به خطيئة". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه في الديات من حديث أبي السفر عن أبي الدرداء يرفعه، وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ولا نعرف لأبي السفر سماعًا من أبي الدرداء. وأبو السفر اسمه: سعيد بن يُحمد، ويقال: سعيد بن يُحمد. (¬1) باب الديات من الصحاح 2629 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "هذه وهذه سواء" يعني: الخنصر والإبهام. قلت: رواه الجماعة إلا مسلمًا كلهم هنا من حديث ابن عباس. (¬2) والخنصر: بالخاء المعجمة والصاد المهملة المكسورتين الأصبع الصغير. 2630 - قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنين امرأة من بني لحيان بغرة: عبد أو أمة، ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت، فقضى بأن ميراثها لبنيها وزوجها، والعقل على ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1393)، وابن ماجه (2693) وإسناده ضعيف. وأبو السّفر الكوفي، ثقة، التقريب (2426)، وصرّح المزي بسماعه عن أبي الدرداء، انظر: تهذيب الكمال (11/ 102) رقم (2375). (¬2) أخرجه البخاري (6895)، وأبو داود (4558)، والترمذي (1392)، والنسائي (8/ 56)، وابن ماجه (2652)

عصبتها. قلت: رواه الشيخان وأبو داود (¬1) هنا من حديث أبي هريرة، ولحيان أبو قبيلة وهو لحيان بن هذيل بن مدركة. والغرة: العبد أو الأمة، وأصل الغرة: البياض الذي يكون في وجه الفرس، والمراد من الحديث: النسمة من الرقيق، ذكرًا كان أو أنثى، يكون قيمتها نصف عشر دية الأب أو عشر دية الأم، وقال أبو عمرو بن العلاء (¬2): الغرة عبد أبيض، أو أمة بيضاء، ويسمي غرة لبياضه فلا يقبل في الجنين عبد أسود ولا جارية سوداء انتهى كلامه. ثم الغرة تكون لورثة الجنين على مواريثهم الشرعية، وهذا شخص يورث ولا يرث، ولا يعرف له نظير إلا من بعضه حر وبعضه رقيق، فإنه لا يرث عندنا وهل يورث فيه قولان أصحهما يورث، وهذا إذا انفصل الجنين ميتًا، أما إذا انفصل حيًّا ثم مات فيجب فيه كمال دية الكبير، وهذا مجمع عليه، وسواء في ذلك العمد والخطأ، وإذا وجبت الغرة فهي على العاقلة عند الشافعي وأبي حنيفة، وقال مالك: يجب على الجاني، قال الشافعي: وعلى الجاني الكفارة، وقال أبو حنيفة ومالك: لا كفارة، والعقل: دية. قال العلماء: وهذا الحديث قد يوهم خلاف مراده، والصواب أن المرأة التي ماتت هي المجني عليها لا الجانية، وقد صرح به في الحديث بعده بقوله: "فقتلتها وما في بطنها" فيكون المراد بقوله: "التي قضى عليها بالغرة" أي التي قضى لها بالغرة، فعبر بعليها عن لها. وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "والعقل على عصبتها" فالمراد القاتلة كذا، قاله النووي وغيره. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6909)، ومسلم (1681)، وأبو داود (4576). (¬2) انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (6/ 407) وقد توفي عام 154 هـ، وانظر كلامه هذا في المنهاج للنووي (11/ 252). (¬3) في المنهاج (11/ 256 - 253).

من الحسان

2631 - اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر، فقتلتها وما في بطنها، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أن دية جنينها غرة: عبد أو وليدة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها، وورّثها ولدها ومن معهم". قلت: رواه الشيخان وأبو داود أيضًا هنا من حديث أبي هريرة. (¬1) 2632 - أن ضرّتين رمت إحداهما الأخرى بعمود فسطاط، فألقت جنينها، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجنين غرةً عبدًا أو أمةً، وجعله على عاقلة المرأة. قلت: رواه مسلم بمثل معناه في الديات والترمذي فيه بلفظه من حديث المغيرة بن شعبة. (¬2) والفسطاط: ضرب من الأبنية في السفر دون السرادق، وفيه ست لغات: الفسطاط والفساط والفستاط بضم الفاء وكسرها فيهن جميعًا، والحجر في الحديث الذي قبله، والعمود في هذا الحديث حملهما الشافعي على حجر صغير وعمود صغير لا يقصد به القتل غالبًا، فيكون شبه عمد، تجب فيه الدية على العاقلة، ولا يجب فيه قصاص ولا دية على الجاني. - ويروى: فقتلتها، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دية المقتولة على عصبة القاتلة. قلت: رواها مسلم من حديث المغيرة. (¬3) من الحسان 2633 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا إن في قتيل العمد الخطأ -بالسوط والعصا-: مائة من الإبل مغلظة، منها أربعون خلفة في بطونها أولادُها". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6910)، ومسلم (1681)، وأبو داود (4576). (¬2) أخرجه مسلم (1682)، والترمذي (1411). (¬3) أخرجها مسلم (1682).

قلت: رواه الشافعي من حديث ابن عمر بن الخطاب وأبو داود والنسائي وابن ماجه هنا من حديث عبد الله بن عُمر (¬1) ومن حديث عبد الله بن عمرو ابن العاص، وأخرجه البخاري في "تاريخه الكبير" وساق اختلاف الرواة فيه، وكذلك الدارقطني ساق اختلاف الرواة فيه، وابن حبان في صحيحه عن ابن عمر والدرامي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. (¬2) والخلفة: تقدم تفسيرها في الباب الذي قبل هذا. 2634 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى أهل اليمن، وكان في كتابه: أن من اعتبط مؤمنًا قتلًا، فإنه قود يده، إلا أن يرضى أولياء المقتول. قلت: هذه القطعة رواها الدارمي في الديات، وفيه أن الرجل يقتل بالمرأة، وفيه: أن الرجل يقتل بالمرأة، وفيه: في النفس الدية، مائة من الإبل، وعلى أهل الذهب ألف دينار، وفي الأنف إذا أوعب جدعة الدية: مائة من الإبل، وفي الأسنان الدية، وفي الشفتين الدية، وفي البيضتين الدية، وفي الذكر الدية، وفي الصلب الدية، وفي العينين الدية، وفي الرجل الواحدة نصف الدية، وفي المأمومة ثلث الدية، وفي الجائفة ثلث الدية، وفي المثقلة خمسة عشر من الإبل، وفي كل إصبع من أصابع اليد والرجل: عشر من الإبل، وفي السن خمس من الإبل. قلت: رواه النسائي والدارمي كلاهما في الديات من حديث أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده، ولفظ المصنف هو لفظ الدارمي لكن الدارمي قطع الحديث في سبعة أبواب، فجمعه المصنف وأوردها إيرادًا واحدًا وهذا من حسن صنيعه ¬

_ (¬1) أخرجه الشافعي (2/ 108) رقم (361)، وأبو داود (4549)، والنسائي (8/ 42)، وابن ماجه (2628)، وانظر: الإرواء (2197). (¬2) وأخرجه أبو داود (4547) (4548) (4588)، (4589)، والدارقطني (3/ 103)، وابن ماجه (2627)، والبخاري في التاريخ الكبير (8/ 392 - 393)، وابن حبان (6011)، والدارمي (2388)، انظر: نصب الراية (4/ 331).

لأنها عند الدارمي كلها بسند واحد. (¬1) قوله: ومن اعتبط مؤمنًا بالعين المهملة، والتاء المثناة من فوق، والباء الموحدة، والطاء المهملة، أي قتله بلا جناية كانت منه ولا جريرة توجب قتله، فإن القاتل يقاد به ويقتل، وكل من مات بغير علة فقد اعتبط ومات فلان عَبْطة: أي شابًّا صحيحًا قاله الجوهري (¬2) وغيره. قوله - صلى الله عليه وسلم -: فإنه قود يده، القود قتل القاتل بالقتيل، ومعنى: قود يده، يقتص منه بما جنته يده من القتل فكأنه مقتول يده قصاصًا. وأوعب جدعًا: أي استؤصل جدعًا، والإيعاب والاستيعاب الاستئصال والاستقصاء في كل شيء، والمأمومة من شجاج الرأس وهي ما تصل إلى الجلدة التي تلي الدماغ، وفيها ثلث الدية كما في الحديث. والجائفة: هي التي تصل إلى جوف البدن من ظهر أو بطن أو صدر ونحوه وفيها ثلث الدية أيضًا. والمنقلة: بكسر القاف المشددة من شجاج الرأس وهي ما لا تبرى إلا بنقل العظم من الرأس وفيها خمسة عشر من الإبل. (¬3) - وفي رواية: وفي العين خمسون، وفي اليد خمسون، وفي الرجل خمسون، وفي الموضحة خمس. قلت: رواها النسائي من حديث مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه، قال: الكتاب الذي كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم في العقول، ¬

_ (¬1) أخرجه الدارمي (2/ 193)، والنسائي (8/ 57). (¬2) الصحاح للجوهري (3/ 1142). (¬3) انظر: شرح السنة للبغوي (10/ 199).

وساقه، وكذا أخرجه مالك في الموطأ وليس بمتصل. (¬1) والموضحة: هي التي توضح العظم أي تظهره فتجب فيها خمس من الإبل سواء كانت صغيرة أم كبيرة. 2635 - قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المواضح خمسًا خمسًا من الإبل، وفي الأسنان خمسًا خمسًا من الإبل. قلت: رواه أبو داود والنسائي والدارمي ثلاثتهم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مقطعًا في حديثين لكن الدارمي بسند واحد فجمعها المصنف. (¬2) 2636 - جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصابع اليدين والرجلين سواء. قلت: رواه أبو داود والترمذي (¬3) ولفظه: "دية أصابع اليدين، والرجلين سواء عشرة من الإبل"، وقال: حسن صحيح. 2637 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "الأسنان سواء: الثنية والضرس سواء، والأصابع سواء: هذه وهذه سواء". قلت: رواه أبو داود هنا من حديث ابن عباس. (¬4) 2638 - خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح، ثم قال: "أيها الناس! أنه لا حِلْف في الإسلام، وما كان من حلف في الجاهلية، فإن الإسلام لا يزيده إلا شدة، المؤمنون يد على من سواهم، يجير عليهم أدناهم، ويرد عليهم أقصاهم، وترد سراياهم على قعيدتهم، لا يقتل مؤمن بكافر، دية الكافر نصف دية المسلم، لا جلب، ولا جنب، ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم". ¬

_ (¬1) أخرجها مالك في الموطأ (2/ 849)، والشافعي في مسنده (2/ 110)، والنسائي (8/ 60). (¬2) أخرجه الدارمي (2/ 194 - 195)، وأبو داود (4566)، والنسائي (8/ 57) انظر: الإرواء (2285). (¬3) أخرجه أبو داود (4561)، والترمذي (1391). (¬4) أخرجه أبو داود (4559) وإسناده صحيح. انظر الإرواء (2271، 2277).

قلت: رواه أبو داود في الجهاد وفي الزكاة أيضًا قطعة منه، وفي الديات بعضه وابن ماجه في الديات مختصرًا. (¬1) والحلف: بكسر الحاء المهملة وسكون اللام المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق، فما كان منه في الجاهلية على الفتن والقتال بين القبائل والغارات فذلك الذي ورد النهي عنه في الإسلام في هذا الحديث، وما كان منه في الجاهلية على نصرة المظلوم، وصلة الأرحام كحلف المطيبين فذلك الذي قال فيه - صلى الله عليه وسلم -: "إيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة"، يريد - صلى الله عليه وسلم - من المعاقدة على الخير ونصرة الحق، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر من المطيبين والأحلاف ست قبائل: عبد الدار، وجمح، ومخزوم، وعدي، وكعب، ومنهم سموا بذلك لأنه لما أرادت عبد مناف أخذ ما في أيدي عبد الدار من الحجابة والرفادة واللواء والسقاية، وأبت عبد الدار عقد كل قوم على أمرهم حلفًا مؤكدًا على أن لا يتخاذلوا فأخرجت بنو عبد مناف حفنة مملوءة طيبًا فوضعتها لأحلافها وهم: بنو أسد وزهرة وتيم في المسجد عند الكعبة، ثم غمس القوم أيديهم فيها، وتعاقدوا وتعاقدت بنو عبد الدار وحلفاؤها حلفًا آخر فسموا الأحلاف بذلك. قوله - صلى الله عليه وسلم -: المؤمنون يد على من سواهم يجير عليهم أدناهم، ويرد عليهم أقصاهم، تقدم الكلام عليه في كتاب القصاص، قوله: وترد سراياهم على قعيدتهم، السرايا: جمع السرية، وهي قطعة من العسكر بعدد لهم. والقعيدة: الفئة المتأخرة عن السرية التي خرجت السرية منها، ومعناه أن أمير الجيش يبعث السرية، وهو خارج إلى بلاد العدو، فإذا غنموا شيئًا كان بينهم وبين الجيش عامة لأنهم ردا لهم، قوله: لا جلب إلى آخره، تقدم في باب الزكاة. - ويروى: "دية المعاهد نصف دية الحر". قلت: هذا لفظ أبي داود وأخرج الثلاثة معناه كلهم من حديث عمرو بن شعيب عن ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4583) (4531) (1591)، وابن ماجه (2685) وإسناده حسن.

أبيه عن جده يرفعه. (¬1) 2639 - قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دية الخطأ: عشرين بنت مخاض، وعشرين ابن مخاض ذكورًا، وعشرين بنت لبون، وعشرين جذعة، وعشرين حقة. والصحيح أنه موقوف على ابن مسعود وخِشْف مجهول. قلت: رواه الأربعة هنا من حديث خشف بن مالك عن ابن مسعود واللفظ للترمذي، وقال: لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه، وقد روي عن عبد الله موقوفًا. (¬2) قال الخطابي (¬3): وخشف بن مالك مجهول لا يعرف إلا بهذا الحديث، وقال الدارقطني: هذا حديث ضعيف، غير ثابت عند أهل المعرفة بالحديث، وبسط الكلام في ذلك، وفي سنده أيضًا الحجاج بن أرطأة، والحجاج غير محتج به. (¬4) وخشف: بكسر الخاء وسكون الشين المعجمتين وبالفاء. 2640 - ويروى: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وَدَى قتيل خيبر بمائةٍ من إبل الصدقة وليس في أسنان إبل الصدقة ابن مخاض، إنما فيها ابن لبون. قلت: رواه الشيخان في القسامة من حديث سهل بن أبي حثمة. (¬5) وإنما أتى به الشيخ في الحسان استطرادًا، ونبه به على ضعف حديث خشف الذي قبله. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4583)، والترمذي (1413)، وابن ماجه (2644)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن. (¬2) أخرجه أبو داود (4545)، والترمذي (13869)، والنسائي (8/ 439)، وابن ماجه (2631)، والعلل للدارقطني (5/ 49)، والسنن (3/ 174) وخشف بن مالك الطائي ترجم له الحافظ في التقريب وقال: (1724) وثقه النسائي، وانظر منهج النسائي (2/ 757 رقم 396). (¬3) معالم السنن (4/ 22). (¬4) انظر: مختصر سنن أبي داود (6/ 350 - 351)، وكذلك البيهقي في السنن (8/ 76)، = = وميزان الاعتدال (1/ 653)، وتهذيب الكمال (8/ 249). (¬5) أخرجه البخاري (6898)، ومسلم (1669).

قوله: وليس في أسنان إبل الصدقة ابن مخاض إنما فيها ابن اللبون. قلت: ما قاله المصنف صحيح وبسبب ذلك لم تأخذ جماعة من العلماء بحديث خشف عن ابن مسعود مع ما بيناه من ضعفه والله أعلم. 2641 - كانت قيمة الدية على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ثماني مائة دينار أو ثمانية آلاف درهم، ودية أهل الكتاب -يومئذ- النصف من دية المسلم، قال: فكان كذلك حتى استخلف عمر، فقام خطيبًا، فقال: إن الإبل فد غلت، ففرضها عمر: على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألفًا، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاة ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة، قال: وترك دية أهل الكتاب لم يرفعها. قلت. رواه أبو داود هنا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. (¬1) قوله: قيمة الدية، قال المنذري (¬2): يريد قيمة الإبل التي هي الأصل في الدية، وقومها على أهل القرى لعزة الإبل عندهم، فبلغت الدية في زمانه من الذهب ثمان مائة دينار، ومن الورق ثمانية آلاف درهم، فجرى الأمر بذلك إلى أن كان عمر، وعزت الإبل في زمانه فبلغ قيمتها من الذهب ألف دينار ومن الورق اثنى عشر ألفًا، وعلى هذا بنى الشافعي قوله في دية العمد، فأوجب فيها الإبل وأن لا يصار إلى البقر إلا عند إعواز الإبل، فإذا أعوزت كان فيها قيمتها ما بلغت، ولم يعتبر قيمة عمر لأنها قيمة تعديل في ذلك الوقت، والقيم تزيد وتنقص، وهذا على قوله الجديد، وقال في القديم بقيمة عمر، وهو اثنى عشر ألف درهم أو ألف دينار، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك في الورق وسيأتي من حديث ابن عباس. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4542) وإسناده حسن، انظر: الإرواء (2247). (¬2) ورد في المخطوط "المنذري". وعندما راجعت مختصر السنن للمنذري فوجدت بأنه كلام الخطابي، انظر معالم السنن (4/ 22 - 23)، ومختصر السنن (6/ 347).

2642 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنه جعل الدية اثني عشر ألفًا". قلت: رواه الأربعة والدارمي من حديث ابن عباس مرفوعًا ورواه أبو داود والترمذي أيضًا مرسلًا من حديث عكرمة، قال الترمذي: ولا نعلم أحدًا يذكر في هذا الحديث عن ابن عباس غير محمد بن مسلم الطائفي وقد أخرج له البخاري في المتابعات، ومسلم في الاستشهاد، وقال ابن معين: ثقة، وقال مرة: إذا حدث من حفظه يخطيء، وإذا حدث من كتابه: فليس به بأس، وضعفه أحمد بن حنبل. (¬1) 2643 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوّم دية الخطأ على أهل القرى أربع مائة دينار، أو عدلها من الورِق، ويقومها على أثمان الأبل، فإذا غلت رفع في قيمتها، وإذا هاجت رخص نقص من قيمتها، وبلغت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بين أربعمائة دينار إلى ثمانمائة دينار، وعدلها من الورق ثمانية آلاف درهم، قال: وقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاة ألفي شاة. قلت: رواه أبو داود في الديات مطولًا والنسائي فيه وابن ماجه (¬2) فيه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده يرفعه، وفي سندهم محمد بن راشد وثقه غير واحد وتكلم فيه غير واحد. وهاجت رخص: قال ابن الأثير "في جامع الأصول" (¬3). يقال هاج الفحل إذا طلب الضراب، وذلك مما يهز له فحينئذ يقل ثمنه لذلك. - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن العقل ميراث بين ورثة القتيل، وقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4546)، والترمذي (1388)، والنسائي (8/ 44)، وابن ماجه (2632)، والدارمي (2/ 192). ومحمد بن مسلم الطائفي ترجم له الحافظ في التقريب: (6333)، وقال: صدوق يخطىء من حفظه، وانظر مختصر السنن للمنذري (6/ 352). (¬2) أخرجه أبو داود (4564)، والنسائي (8/ 42 - 43)، وابن ماجه (2630)، وفي إسناده محمد بن راشد ترجم له الحافظ في التقريب (5912)، وقال: صدوق يهم ورمي بالقدر. (¬3) انظر جامع الأصول (4/ 427).

عقل المرأة بين عصبتها، ولا يرث القاتل شيئًا". قلت: رواه أبو داود (¬1) وهو قطعة من الحديث قبله. قوله - صلى الله عليه وسلم -: وعقل المرأة بين عصباتها. قال الحافظ عبد العظيم المنذري (¬2): معناه أن العصبة يتحملون عقلها كما يتحملون عن الرجل وأنا ليست كالعبد الذي لا تتحمل العاقلة جنايته، وإنما هي في رقبته انتهى كلامه. وقال بعضهم: يمكن أن يكون معناه: أن المرأة المقتولة ديتها تركة بين ورثتها كسائر ما تركته لهم، قال: وهذا يناسب تتمة الحديث، وهو قوله: "لا يرث القاتل شيئًا" فعلى ما قاله هذا القائل، المراد من المرأة هي المقتولة، وعلى ما قاله الحافظ عبد العظيم المراد بها القاتلة، وإنما عدل الحافظ عما قاله هذا القائل لأن في بعض طرق هذا الحديث زيادة "وإن قتلت فعقلها بين ورثتها" فلو فسر بالأول بما فسره هذا القائل اتحدت الجملتان فلذلك جعلها في الجملة الأولى القاتلة. 2644 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "عقل شبه العمد مغلّظ، مثل عقل العمد، ولا يقتل صاحبه". قلت: رواه أبو داود هنا من حديث عمرو بن شعيب. (¬3) وهذا التغليظ في شبه العمد، هو في الثلث خاصة، ولما قال عليه السلام: هذا أوهم أن شبه العمد عقله مثل عقل العمد، في جواز الاقتصاص من القاتل، دفع هذا الوهم بقوله: ولا يقتل صاحبه، أي ولا يقتل القاتل في شبه العمد، الذي هو صاحبه إلى صاحب شبه العمد سماه صاحبه: لأن القتل صدر منه. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4564). (¬2) هكذا في المخطوط، والصواب أنه كلام الخطابي كما في معالم السنن (4/ 28)، وانظر: كذلك مختصر سنن أبي داود للمنذري (6/ 363). (¬3) أخرجه أبو داود (4565).

2645 - قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العين القائمة السّادّة لمكانها: بثلث الدية. قلت: رواه أبو داود والنسائي هنا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (¬1) وزاد النسائي: "في اليد الشلاء إذا قطعت، ثلث ديتها، وفي السن السوداء إذا نزعت، ثلث الدية". قيل إن ثلث الدية على معنى الحكومة، وأن حكومتها بلغت حين القضاء كذلك، وذهب إسحاق بن راهويه إلى أن فيها ثلث الدية على معنى العقل، وهو أحد الروايتين عن أحمد. (¬2) 2646 - قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجنين بغرة: عبد، أو أمة، أو فرس، أو بغل. قلت: رواه أبو داود هنا وقال: روى هذا الحديث حماد بن سلمة وخالد بن عبد الله عن محمد بن عمرو، ولم يذكر: الفرس والبغل انتهى، ورواه الترمذي وابن ماجه (¬3) وليس في حديثهما: الفرس والبغل، وقال الترمذي: حسن. قوله: وقيل: الفرس والبغل، وهم من الراوي. القائل لذلك هو: أبو سليمان الخطابي (¬4) وقال: يقال إن عيسى بن يونس قد وهم فيه، وهو يغلط أحيانًا فيما يرويه، قال البيهقي (¬5): ذكر الفرس والبغل فيه غير محفوظ، وروي من وجه آخر ضعيف مرسل. 2647 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من تطبب ولم يُعلم منه طب، فهو ضامن". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4567)، والنسائي (8/ 55)، وانظر: الإرواء (2293). (¬2) هذا كلام الخطابي في معالم السنن (4/ 29)، وانظر مختصر المنذري (6/ 364)، وشرح السنة للبغوي (10/ 201). (¬3) أخرجه أبو داود (4579)، والترمذي (1410). (¬4) انظر معالم السنن للخطابي (4/ 33). (¬5) انظر معرفة السنن (12/ 165)، وتكملته: وهو من تفسير طاووس، وانظر كذلك السنن الكبرى (8/ 115).

قلت: رواه أبو داود والنسائي متصلًا ومنقطعًا، وابن ماجه هنا من حديث عمرو بن شعيب (¬1) وقال أبو داود هذا لم يروه إلا الوليد يعني ابن مسلم لا ندري هو صحيح أم لا؟. قال الخطابي (¬2): لا أعلم خلافًا في أن المعالج إذا تعدى فتلف المريض كان ضامنًا، والمتعاطي علمًا أو عملًا لا يعرفه متعد، فإذا تولد من فعله التلف ضمن الدية وسقط عنه القود لأنه لا يستبد بذلك دون إذن المريض، وجناية الطبيب في قول عامة الفقهاء على عاقلته، وقال ابن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن الطبيب إذا لم يتعمد لم يضمن، والله أعلم. 2648 - أن غلامًا لأناس فقراء قطع أذن غلام لأناس أغنياء، فأتى أهلُه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: إنا أناس فقراء فلم يجعل عليهم شيئًا. قلت: رواه أبو داود هنا والنسائي في القود من حديث عمران، وسند الحديث رجال مسلم. (¬3) ومعنى الحديث أن الغلام الجاني كان حرًّا، وجنايته وعاقلته فقراء، ويشبه أن يكون الغلام المجني عليه أيضًا حرًّا، لأنه لو كان عبدًا لم يكن لاعتذار أهله بالفقر معنى، لأن العاقلة لا تحمل عبدًا ولا اعترافًا، والعبد جنايته في رقبته حكاه الخطابي. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4586)، والنسائي (8/ 52 - 53)، وابن ماجه (3466)، وقال الدارقطني (4/ 216) لم يسنده عن ابن جريج غير الوليد بن مسلم وغيره يرويه عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب مرسلًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وانظر: مختصر المنذري (6/ 379). (¬2) معالم السنن (4/ 35). (¬3) أخرجه أبو داود (4590)، والنسائي (8/ 25 - 26). (¬4) انظر: معالم السنن (4/ 37).

باب ما لا يضمن من الجنايات

باب ما لا يضمن من الجنايات من الصحاح 2649 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "العجماء جرحها جبار، والمعدن جبار، والبئر جبار". قلت: رواه البخاري في الديات ومسلم في الحدود وأبو داود في الديات والترمذي في الأحكام والنسائي في الركاز من حديث أبي هريرة يرفعه. (¬1) والعجماء: بالمد كلل حيوان سوى الآدمي، سميت البهيمة عجماء لأنها لا تتكلم. والجبار: بضم الجيم وتخفيف الباء الموحدة، الهدر. والحديث محمول على ما إذا أتلفت بالنهار، أو أتلفت بالليل بغير تفريط من مالكها، وليس معها أحد، فأما إذا كان معها سائق أو قائد أو راكب فاتلفت شيئًا بيدها أو رجلها أو فمها أو نحوه، وجب ضمانه في مال الذي هو معها سواء في ذلك مالكها، ومستعيرها ومستأجرها وغاصبها، ووكيل صاحبها وغيره، إلا أن تتلف آدميًّا، فيجب ديته على عاقله الذي معها، والكفارة في ماله، ونقل القاضي (¬2): الإجماع على أن جناية البهائم في النهار لا ضمان فيها، إلا أن يكون معها أحد، فإن كان معها أحد فجمهور العلماء على ضمانه ما تتلفه، وقال أهل الظاهر: لا ضمان بكل حال. وقد تقدم في باب الزكاة الكلام على بقية الحديث. 2650 - غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيش العسرة، وكان لي أجير، فقاتل إنسانًا فعض أحدهما يد الآخر، فانتزع المعضوض يده من في العاض، فأندر ثنيته فسقطت، فانطلق ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6912)، ومسلم (1710)، وأبو داود (4593)، والنسائي (5/ 44 - 45) والترمذي (1377)، وابن ماجه (2673). (¬2) انظر إكمال المعلم للقاضي عياض (5/ 553).

إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأهدر ثنيته، وقال: "أيدع يده في فيك تقضمها كالفحل؟ ". قلت: رواه الجماعة إلا الترمذي كلهم بنحوه: البخاري وأبو داود وابن ماجه في الديات، ومسلم في الحدود والنسائي في القصاص من حديث يعلى بن أمية. (¬1) وجيش العسرة المراد به: غزوة تبوك، تقضمها: بفتح التاء والضاد المعجمة وبينهما قاف. قال الجوهري (¬2): القضم الأكل بأطراف الأسنان، يقال: قضمت الدابة شعيرها بالكسر تقضمه بالفتح قضمًا، قوله - صلى الله عليه وسلم -: فأندر ثنيته أي: أسقطها وهو بالدال المهملة. قال ابن الأثير (¬3): وفي رواية: فنذرت ثنيته أي سقطت ووقعت، قوله: "فأهدر ثنيته"، العمل على هذا عند أهل العلم: أن من عض رجلًا فلم يكن له سبيل إلى الخلاص منه إلا بقلع سنه، أو قتل نفسه فلم يمكنه دفعه إلا بالقتل فقتله، يكون دمه هدرًا لأنه هو الذي ألجاه إلى ذلك. 2651 - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من قتل دون ماله فهو شهيد". قلت: رواه البخاري في المظالم ومسلم في الإيمان من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. (¬4) 2652 - جاء رجل فقال: يا رسول الله! أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟، قال: "فلا تعطه مالك" قال: أرأيت إن قاتلني؟، قال: "قاتله"، قال: أرأيت إن قتلني؟، قال: "فأنت شهيد"، قال: أرأيت إن قتلته؟، قال: "هو في النار". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2265)، ومسلم (1674)، وأبو داود (4584)، والنسائي (8/ 31، 30)، وابن ماجه (2656). (¬2) الصحاح للجوهري (5/ 2013). (¬3) انظر النهاية لابن الأثير (5/ 35). (¬4) أخرجه البخاري (2480)، ومسلم (641).

قلت: رواه مسلم في الإيمان من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬1) 2653 - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لو اطلع في بيتك أحد، ولم تأذن له، فخذفته بحصاة ففقأت عينه، ما كان عليك من جناح". قلت: رواه البخاري في الديات ومسلم في الاستئذان بنحوه من حديث أبي هريرة. (¬2) وخذفته: بخاء معجمة أي رميته بها من بين أصبعيك وفقأت هو بالهمز. 2654 - أن رجلًا اطلع في جُحر في باب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مِدْرى يحك به رأسه، فقال: "لو أعلم أنك تنظرني، لطعنت به في عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر". قلت: رواه البخاري ومسلم والترمذي ثلاثتهم في الاستئذان والنسائي في الديات من حديث سهل بن سعد. (¬3) والمِدْرى: بكسر الميم وإسكان الدال المهملة وبالقصر، وهي حديدة يرجل بها الشعر، وقيل: هي شبه المشط وقيل: هي أعواد تتحد وتجعل شبه المشط، وجمعه مدارى، والواحد مِدْراة أيضًا. قوله: في جُحر، هو بضم الجيم وإسكان الحاء المهملة وهو الخرق. 2655 - إنه رأى رجلًا يخذف، فقال له: لا تخذف، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الخذف، وقال: "إنه لا يصاد به صيد، ولا يُنكأ به عدو، ولكنها قد تكسر السن وتفقأ العين". قلت: رواه البخاري ومسلم كلاهما في الذبائح وأبو داود في الأدب والنسائي في الديات وابن ماجه في الصيد من حديث عبد الله بن مغفل. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (140). (¬2) أخرجه البخاري (6888)، ومسلم (2158). (¬3) أخرجه البخاري (6901)، ومسلم (2156)، والترمذي (2709)، والنسائي (8/ 60 - 61). (¬4) أخرجه البخاري (5479)، ومسلم (1954)، وأبو داود (5270)، والنسائي (8/ 47)، وابن ماجه (3227).

وخذفته: بخاء وذال معجمتين وهو الرمي بحصاة أو نواة ونحوهما، يجعلهما الرامي بين أصبعيه السبابتين أو السبابة والإبهام. وينكأ: بفتح الياء وبالهمز في آخره، هكذا هو في الروايات المشهورة، وفي بعض الروايات ينكي بفتح الياء وكسر الكاف غير مهموز. قال القاضي (¬1): وهو الأوجه هنا، لأن المهموز إنما هو من نكأت القرحة، وليس هذا موضعه إلا على تجوز، وإنما هذا من النكاية، يقال: نكيت العدو، أنكيته نكاية، ونكأت: بالهمز لغة: قال فعلى هذه اللغة تتوجه الرواية الأولى. وقد أخذ النووي من هذا الحديث جواز رمي الطيور الكبار بالبندق إذا كان لا يقتلها غالبًا بل تدرك حية فتذكى. (¬2) 2656 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا مرّ أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا ومعه نبل، فليمسك على نصالها، أن تصيب أحدًا من المسلمين منها بشيء". قلت: رواه البخاري في الفتن ومسلم في البر والصلة وابن ماجه في الأدب وأبو داود في الجهاد من حديث موسى يرفعه. (¬3) 2657 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده، فيقع في حفرة من النار". قلت: رواه البخاري في الفتن ومسلم في البر والصلة كلاهما من حديث أبي هريرة. (¬4) ولا يشير: قال النووي (¬5): هكذا في جميع نسخ مسلم "لا يشير" بالياء بعد الشين ¬

_ (¬1) انظر: إكمال المعلم للقاضي عياض (6/ 393 - 394). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (13/ 155 - 156). (¬3) أخرجه البخاري (7075)، ومسلم (2615)، وأبو داود (2587)، وابن ماجه (3778). (¬4) أخرجه البخاري (7072)، ومسلم (2617). (¬5) انظر: المنهاج (16/ 258).

وهو صحيح، وهو نهي بلفظ الخبر كقوله تعالى {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} وهو أبلغ من لفظ النهي، انتهى. والذي وقفت عليه في نسخ البخاري المعتمدة "لا يشر" بغير ياء، وينزع هو: بكسر الزاي المعجمة وبالعين المهملة. وقال في المشارق (¬1): قيل يرمي كأنه يرفع يده ويحقق إشارته، قال: وكذا رويناه بالعين المهملة هنا، ومن رواه بالمعجمة فهو من الإغراء أي يحمله على تحقيق الضرب به وتزن ذلك. 2658 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من أشار على أخيه بحديدة، فإن الملائكة تلعنه حتى يضعها، وإن كان أخاه لأبيه وأمه". قلت: رواه مسلم في الأدب من حديث أبي هريرة يرفعه، ولم يخرجه البخاري، ورواه الترمذي في الفتن ورفعه (¬2)، إلا قوله: "وإن كان أخاه لأبيه وأمه". 2659 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من حمل علينا السلاح فليس منا، ومن غشنا فليس منا". قلت: رواه مسلم في الإيمان من حديث أبي هريرة يرفعه، ولم يخرجه البخاري وإنما أخرج هو ومسلم: "من حمل علينا السلاح فليس منا". من حديث ابن عمر وأبي موسى. (¬3) - وفي رواية: "من سَلّ علينا السيف فليس منا". قلت: رواه مسلم في الإيمان من حديث سلمة بن الأكوع يرفعه، تفرد به مسلم. (¬4) 2660 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا". ¬

_ (¬1) انظر المشارق (2/ 9 - 10). (¬2) أخرجه مسلم (2616)، والترمذي (2162). (¬3) أخرجه مسلم (101). (¬4) أخرجه مسلم (99).

قلت: رواه مسلم في الأدب من حديث عروة (¬1) قال: مَرّ هشام بن حكيم ابن حزام على أناس من الأنباط في الشام قد أقيموا في الشمس، وصب على رؤوسهم الزيت، فقال: ما هذا؟ فقال: يعذَّبون في الخراج. وفي رواية: "في الجزية" فقال: أشهد لسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: وساقه، ولم يخرجه البخاري ولا أخرج عن هشام بن حكيم شيئًا. 2661 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "يوشِك -إن طالت بك مدة- أن ترى قومًا في أيديهم مثل أذناب البقر، يغدون في غضب الله، ويروحون في سخط الله". - ويروى: ويروحون في لعنته. قلت: رواه مسلم في صفة النار من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري (¬2) وأراد بهم - صلى الله عليه وسلم - الذين يخدمون الظلمة، ويسعون بين أيديهم إذا ركبوا، وفي أيديهم السياط والعصي يطردون الناس عن الطريق، سعيهم في ظلم العباد. 2662 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البُخْت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإنّ ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا". قلت: رواه مسلم في صفة النار من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬3) وكاسيات عاريات: أي يلبسن ثيابًا رقاقًا سخيفة تصف ما تحتها، فهن كاسيات ظاهرًا، عاريات حقيقة، وقيل: هو أن يسدلن الخمر من ورائهن فتنكشف نحورهن، فهن كاسيات بمنزلة العاريات، إذا كان لا تستر لباسهن جميع أجسامهن. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2613). (¬2) أخرجه مسلم (2857). (¬3) أخرجه مسلم (2128).

وقيل: كاسيات من نعم الله، عاريات من شكره، قال في شرح السنة (¬1): والأول أصح. قال في النهاية (¬2): يقال كسا يكسي إذا صار ذا كسوة فهو كاسٍ، ويجوز أن يكون فاعلًا بمعنى مفعول من كسا يكسو كماء دافق. ومائلات: أي زائغات عن طاعة الله، ومميلات: يعلمن غيرهن الدخول في مثل فعلهن، وقيل: مائلات متبخترات في مشيتهن، مميلات: لأكتافهن وأعطافهن، وقيل: مائلات: يمتشطن المشطة الميلاء، وهي مشطة البغايا، والمميلات اللائي يمتشطن غيرهن تلك المشطة، قال الزمخشري (¬3): المائلات: اللاتي يَملن خيلاء، الميلات: اللاتي يملن قلوب الرجال إلى أنفسهن. وكأسنمة البخت: أي اللواتي يتعممن بالمقانع على رؤوسهن، وهي من شعار القينات. والأسنمة: جمع سنام. 2663 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته". قلت: رواه مسلم في الأدب وخرج البخاري (¬4) منه إلى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فليجتنب الوجه". لم يزد عليها كلاهما من حديث أبي هريرة. والضمير في صورته راجع إلى الوجه المضروب، تقديره: فليجتنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورة الوجه المضروب. ¬

_ (¬1) شرح السنة (10/ 272). (¬2) النهاية (4/ 151). (¬3) انظر: الفائق للزمخشري (3/ 260). (¬4) أخرجه البخاري (2559)، ومسلم (2612).

من الحسان

من الحسان 2664 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الرّجْل جبار". قلت: رواه أبو داود في الديات والنسائي في العارية من حديث سفيان بن حسين عن الزهري، عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة يرفعه (¬1)، قال الدارقطني (¬2): لم يروه غير سفيان بن حسين، وخالفه الحفاظ عن الزهري، منهم مالك، وابن عيينة، ويونس، ومعمر، وابن جريج، والليث بن سعد، وغيرهم، كلهم رووه عن الزهري فقالوا: "العجماء جبار، والبئر جبار، والعدن جبار" ولم يذكروا: "الرجل" وهو الصواب، وقال الخطابي (¬3): وقد تكلم الناس في هذا الحديث، وقيل: إنه غير محفوظ. وسفيان بن حسين، معروف بسوء الحفظ (¬4)، وذكر غيره: أن أبا صالح السماك وعبد الرحمن الأعرج ومحمد بن زياد ومحمد بن سيرين قالوا: إنما هو العجماء جرحها جبار، قال المنذري (¬5): وروى آدم عن أبي إياس عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الرجل جبار" قال الدارقطني: تفرد به آدم بن إياس عن شعبة انتهى كلامه. (¬6) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4592)، والنسائي في الكبرى (5788)، وتحفة الأشراف (10/ 13120) وقد سبق في كتاب البيوع باب الغصب والعارية. (¬2) الدارقطني في سننه (3/ 179)، وفي (3/ 152)، وفي العلل (9/ 121)، وفي أطراف الغرائب (5/ 171). (¬3) معالم السنن (4/ 35 - 36). (¬4) وسفيان بن حسين أبو محمد الواسطي، قال الحافظ: ثقة في غير الزهري باتفاقهم، التقريب (2450). وانظر كذلك: فتح الباري (12/ 256)، والتمهيد لابن عبد البر (7/ 24 - 25). (¬5) مختصر سنن أبي داود للمنذري (6/ 384). (¬6) انظر: أطراف الغرائب والأفراد (5/ 261)، ولفظه فيه: "الدابة جرحها جبار .... "، وانظر: هذا الكلام كله في مختصر المنذري (6/ 383 - 384).

قلت: وهذا سند لا غبار عليه (¬1) وهو دليل لمذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه ولمن ذهب إلى أن الراكب إذا رتجت دابته إنسانًا برجلها فهو هدر وقد تقدم هذا في باب الغصب. 2665 - "النار جبار". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه في الديات والنسائي في العارية من حديث عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة يرفعه. (¬2) قال الخطابي (¬3): لم أزل أسمع أهل الحديث يقولون: غلط فيه عبد الرزاق، إنما هو: "البئر جبار" حتى وجدته لأبي داود عن عبد الملك الصنعاني عن معمر، فدل على أن الحديث لم ينفرد به عبد الرزاق، فإن صح نقله فهو: "النار يوقدها الرجل في ملكه لأربٍ، فتطيرها الريح فتشعلها في مال، أو متاع لغيره، بحيث لا يملك ردّها، فيكون هدرًا". 2266 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من كشف سترًا، فأدخل بصره في البيت قبل أن يؤذن له، فرأى عورة أهله، فقد أتى حدًّا لا يحل له أن يأتيه، لو أنه حين أدخل بصره، فاستقبله رجل ففقأ عينه، ما عَيَّرت عليه، وإن مر الرجل على باب لا ستر له غير مغلق فنظر، فلا خطيئة عليه، إنما الخطيئة على أهل البيت". (غريب). قلت: رواه الترمذي في الاستئذان (¬4) من حديث أبي ذر يرفعه، وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن لهيعة انتهى، وعبد الله بن لهيعة فيه مقال. (¬5) ¬

_ (¬1) انظر للتفصيل حول هذا الحديث وطرقه والحكم عليه: مرويات الإمام الزهري المعلة في كتاب العلل للدارقطني (3/ 1214 - 1221)، ولم يشر إلى هذا الطريق (محمد بن زياد عن أبي هريرة -مرفوعًا-. (¬2) أخرجه أبو داود (4549)، والنسائي (5789) وابن ماجه (2676) وإسناده صحيح. (¬3) معالم السنن (4/ 37)، وكذلك نقله المنذري (6/ 386). (¬4) أخرجه الترمذي (2707)، وفي إسناده ابن لهيعة قال الحافظ (3587): صدوق. (¬5) قال الحافظ في التقريب (3587): صدوق، خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه =

2667 - نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أن يُتَعاطى السيف مسلولًا". قلت: رواه أبو داود في الجهاد والترمذي في الفتن من حديث جابر، وقال: حسن غريب. (¬1) 2668 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يقدّ السير بين أصبعين. قلت: رواه أبو داود في الجهاد من حديث الحسن عن سمرة وقد تقدم الكلام في الحسن عن سمرة. (¬2) والقد: القطع طولًا كالشق والسير ما يقدّ من الجلد أي يقطع ويشق، وإنما نهى عنه - صلى الله عليه وسلم - لئلا تعقر الحديدة يده، وهو شبيه بنهيه أن يتعاطى السيف مسلولًا. 2669 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قتل دون دينه، فهو شهيد، ومن قتل دون دمه، فهو شهيد، من قتل دون ماله، فهو شهيد، ومن قتل دون أهله، فهو شهيد". قلت: رواه أبو داود في السنة والترمذي في الديات والنسائي في المحاربة؛ وابن ماجه في الحدود من حديث سعيد بن زيد، وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬3) 2670 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لجهنم سبعة: أبواب منها باب لمن سلّ السيف على أمتي أو قال: على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -" (غريب). قلت: رواه الترمذي من حديث عبد الله بن عمر. وقال: حديث غريب. (¬4) ¬

_ = أعدل من غيرهما، وله في مسلم بعض شيء مقرون. (¬1) أخرجه أبو داود (2588)، والترمذي (2163). (¬2) أخرجه أبو داود (2589). (¬3) أخرجه أبو داود (4772)، والترمذي (1421)، والنسائي (7/ 15) وابن ماجه (2580) وإسناده صحيح. (¬4) أخرجه الترمذي (3123) وفي إسناده جنيد -غير منسوب- ولم يوثقه سوى ابن حبان وذكر أبو حاتم أن روايته عن ابن عمر مرسلة. وترجم له الحافظ في التقريب (988) وقال: مشهور.

باب القسامة

باب القسامة من الصحاح 2671 - أنهما حدثا: إن عبد الله بن سهل، ومحيصة بن مسعود رضي الله عنهما أتيا خيبر، فتفرقا في النخل، فقُتل عبد الله بن سهل، فجاء عبد الرحمن بن سهل، وحويصة ومحيصة ابنا مسعود، إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فتكلموا في أمر صاحبهم، فبدأ عبد الرحمن وكان أصغر القوم، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كبر الكبر"، يعني ليَلِي الكلام الأكبر منكم، فتكلموا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "استحقوا قتيلكم أو قال: صاحبكم بأيمان خمسين منكم"، قالوا: يا رسول الله أمر لم نره، قال: "فتبرأكم يهود في أيمان خمسين منهم"، قالوا: يا رسول الله قوم كفار، ففداهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قِبَلِه. قلت: رواه الجماعة: البخاري في مواضع، منها في الأدب ومسلم في الحدود وأبو داود والترمذي في الديات والنسائي في القضاء وابن ماجه في الديات كلهم من حديث رافع بن خديج (¬1) وسهل بن أبي حثمة، وقال أبو داود: رواه بشر بن المفضل ومالك عن يحيى بن سعيد قال فيه: "أتحلفون خمسين يمينًا وتستحقون دم صاحبكم، أو قاتلكم"، ولم يذكر بشر "دمًا" وقال: ورواه ابن عيينة عن يحيى فبدأ بقوله: تبرئكم يهود بخمسين يمينًا تحلفون، ولم يذكر الاستحقاق وهذا وهم من ابن عيينة انتهى. قال الشافعي: إلا أن ابن عيينة كان لا يثبت أقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - الأنصاريين في الأيمان أو يهود، فيقال في الحديث: أنه قدم الأنصاريين، فيقول: ذاك وما أشبه هذا، وحدث الإِمام الشافعي أيضًا عن ابن عيينة أنه بدأ بالأنصار في أمر يهود، فيقال: إن الناس ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6142، 6143)، ومسلم (1669)، وأبو داود (4521)، والترمذي (1422)، والنسائي (8/ 6)، وابن ماجه (2677).

"يحدثون أنه بدأ بالأنصار، قال: فهو ذاك، وربما حدثه، ولم يشك، وذكر البيهقي: أن البخاري ومسلمًا أخرجا هذا الحديث من حديث الليث بن سعد وحماد بن زيد، وبشر بن المفضل، عن يحيى بن سعيد، واتفقوا كلهم على البداءة بالأنصار، وابن أبي حثمة: بحاء مهملة وثاء مثلثة. ومحيصة: بضم الميم وفتح الحاء المهملة ثم ياء آخر الحروف ساكنة ثم صاد مهملة مفتوحة. (¬1) وحويصة: بضم الحاء المهملة، وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف وفتح الصاد المهملة، ويقال: بتشديد الياء وكسرها فيهما. وهما ابنا عم القتيل، وعبد الرحمن أخوه كما جاء في الحديث. وكبر الكبر أي قدم الأكبر، والكبر: بضم الكاف وسكون الباء الموحدة وبالراء المهملة وهو مفسر في الحديث. قوله - صلى الله عليه وسلم -: فتبرئكم يهود أي تبرأ إليكم من دعواكم بخمسين يمينًا، وقيل معناه: يخلصونكم من اليمين بأن يحلفوا، وإذا حلفوا انتهت الخصومة، ولم يثبت عليهم شيء، وخلصتم أنتم من اليمين. ويهود: مرفوع غير منون للتأنيث والعلمية لأنه اسم للقبيلة والطائفة. - وفي رواية: تحلفون خمسين يمينًا وتستحقون قاتلكم أو صاحبكم فوداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عنده مائة ناقة. قلت: رواها الشيخان (¬2). وفي الحديث دليل على ثبوت رد اليمين إذا نكل من يوجه عليه اليمين، وأنه لا يقضى بالنكول. ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (11/ 207 - 215). (¬2) أخرجه البخاري (7192)، ومسلم (1669).

باب قتل أهل الردة والسعاة بالفساد

وفيه: أن الحكم على أهل الذمة كالحكم على المسلمين في أنهم يحلفون إذا توجه عليهم اليمين، وإذا حلفوا برئوا، وذهب مالك إلى أن: أيمان أهل الكفر لا تقبل على المسلمين، كما لا تقبل شهادتهم، وفيه: أنهم لما لم يرضوا بأيمان الكفار وداه النبي - صلى الله عليه وسلم - من عنده، إذ كان من سنته - صلى الله عليه وسلم - أن لا يترك دمًا حرامًا هدرًا. باب قتل أهل الردة والسعاة بالفساد من الصحاح 2672 - أُتى عليّ رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس، فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم، لنهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تعذبوا بعذاب الله"، ولقتلتهم لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من بدل دينه فاقتلوه". قلت: رواه الجماعة إلا مسلمًا: البخاري في الجهاد، وفي استتابة المرتدين، وذا لفظه فيه، وأبو داود والترمذي وابن ماجه ثلاثتهم في الحدود، والنسائي في المحاربة من حديث ابن عباس. (¬1) 2673 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن النار لا يعذب بها إلا الله". قلت: رواه البخاري في الجهاد وأبو داود فيه والترمذي والنسائي في السير من حديث أبي هريرة (¬2)، ولفظ البخاري قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعث، فقال: إن وجدتم ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3017)، وأبو داود (4351)، والترمذي (1458)، والنسائي (7/ 104)، وابن ماجه (2535). (¬2) أخرجه البخاري (2954)، وأبو داود (2674)، والترمذي (1571)، والنسائي في الكبرى (8613).

فلانًا وفلانًا فأحرقوهما بالنار، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: حين أردنا الخروج: "أني أمرتكم أن تحرقوا فلانًا وفلانًا، وإن النار لا يعذب بها إلا الله فإن وجدتموهما فاقتلوهما". 2674 - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "سيخرج قوم في آخر الزمان، حُدّاث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم يوم القيامة". قلت: رواه البخاري في استتابة المرتدين وهذا لفظه فيه، ورواه أيضًا في علامات النبوة ومسلم في الزكاة وأبو داود في السنة والنسائي في المحاربة من حديث علي رضي الله عنه. (¬1) حداث الأسنان قال في النهاية (¬2): هو كناية عن الشباب وأول العمر. سفهاء الأحلام: السفه في الأصل الخفة والطيش، والمراد به هنا: خفة العقل. وخير قول البرية: هو النبي - صلى الله عليه وسلم -. والحناجر: جمع حنجرة وهي رأس العلصمة حيث تراه نابتًا من خارج. يمرقون: أي يخرجون، ومنه المرق: وهو الماء الذي يستخرج من اللحم عند الطبخ. قال الخطابي (¬3): وأراد بالدين: الطاعة أي يخرجون من طاعة الإِمام المنفرض الطاعة، وينسلخون منها، والمعنى يجورونه ويبعدونه، كما يخرق السهم الشيء المرمى به ويخرج منه. والرمية: الصيد المرمي، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6930)، ومسلم (1066)، وأبو داود (4767)، والنسائي (7/ 119). (¬2) النهاية (1/ 338). (¬3) أعلام الحديث للخطابي (3/ 1606).

وقيل: كل دابة مرمية، قال في النهاية (¬1): يريد أن دخولهم في الدين مثل خروجهم منه، لم يتمسكوا منه بشيء كالسهم الذي دخل في الرمية، ومرق منها ولم يعلق به منها شيء، وقال الخطابي (¬2): أجمع علماء المسلمين على أن الخوارج على ضلالتهم فرقة من فرق المسلمين، وأجازوا مناكحتهم، وأكل ذبائحهم، وقبول شهادتهم، وسئل علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فقيل: أكفارهم؟ فقال: من الكفر فروا، قيل: أفمنافقون؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلًا، وهؤلاء يذكرون الله بكرة وأصيلًا، فقيل: ما هم؟ فقال: قوم أصابتهم فتنة فعموا وصموا. 2675 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تكون في أمتي فرقين، فتخرج من بينهما مارقة، يلي قتلهم أولاهم بالحق". قلت: رواه مسلم في الزكاة من حديث أبي سعيد ولم يخرجه البخاري بتمامه. (¬3) قوله - صلى الله عليه وسلم -: فيخرج من بينهما مارقة إلى آخره، عبر بالمارقة الخوارج تلى قتل الخوارج أولى أمتي بالحق، هذا معناه. 2676 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع: "لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض". قلت: رواه البخاري في مواضع منها في العلم ومسلم في الإيمان والنسائي في العلم وابن ماجه في الفتن. (¬4) قال في النهاية (¬5): قيل أراد لابسي السلاح، يقال: كفر فوق دِرْعه فهو كافر، إذا لبس فوقها ثوبًا كأنّه أراد بذلك النهي عن الحرب، وقيل معناه: لا تعتقدوا تكفير الناس ¬

_ (¬1) انظر: النهاية (4/ 320)، و (2/ 268). (¬2) انظر ما ذكره النووي حول تكفير الخوارج في المنهاج (7/ 224 - 225)، وقال في (7/ 231): وأن الصحيح عدم تكفيرهم. (¬3) أخرجه مسلم (1064). (¬4) أخرجه البخاري (121) و (7080)، ومسلم (65)، والنسائي في الكبرى (5882)، وابن ماجه (3941). (¬5) النهاية (4/ 160).

كما يفعل الخوارج انتهى، قال النووي (¬1): وأظهر الأقوال فيه أن يفعل كفعل الكفار، والرواية: يضرب برفع الباء، وهو الصواب، وبه رواه المتقدمون والمتأخرون، وبه يصح المقصود هنا، ونقل القاضي عياض أن بعض الرواة ضبطه بإسكان الباء، قال القاضي: وهو إحالة للمعنى والصواب الضم. قال النووي (¬2): وكذا قال أبو البقاء أنه يجوز جزم الباء على تقدير شرط مضمر أي إن ترجعوا يضرب، ومعنى بعدي: قال الطبري: معناه بعد فراقي من موقفي هذا، وكان هذا يوم النحر بمنى في حجة الوداع، أو يكون تحقق - صلى الله عليه وسلم - أن هذا لا يكون في حياته فنهاهم عنه بعد مماته. 2677 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا المسلمان، حمل أحدهما على أخيه السلاح، فهما في جرف جهنم، فإذا قتل أحدهما صاحبه، دخلاها جميعًا". قلت: رواه البخاري في الإيمان ومسلم وابن ماجه في الفتن والنسائي في المحاربة من حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث يرفعه. (¬3) وجرف قال النووي (¬4): بالجيم وضم الراء وإسكانها، وفي بعضها حرف بالحاء المهملة، وهما متقاربان ومعناه: على طرفها قريب من السقوط، قال الجوهري (¬5): الجرْف والجرُف مثل عسْر وعسُر: ما تجرفته السيول وأكلته من الأرض، ومنه قوله تعالى: {عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ} انتهى، فمعنى الحديث: أنها متعرضان للسقوط في نار جهنم، والجَرْف: الأخد الكبير. ¬

_ (¬1) المنهاج (2/ 73 - 74). (¬2) المنهاج (2/ 73 - 74). (¬3) أخرجه البخاري (31)، أو مسلم (2888)، وأبو داود (4268)، وابن ماجه (3965)، والنسائي (7/ 125). (¬4) المنهاج (18/ 17). (¬5) الصحاح للجوهري (4/ 1336).

2678 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قلت: هذا القاتل، فما بال المقتول؟ " قال: "إنه كان حريصًا على قتل صاحبه". قلت: رواه البخاري في الإيمان وفي غيره ومسلم وأبو داود في الفتن والنسائي في المحاربة من حديث أبي بكرة يرفعه، وهو محمول على من لا تأويل له، ويكون قتالهما عصبية ونحوها. (¬1) 2679 - قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - نفر من عُكْل، فأسلموا فاجتووا المدينة، فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة، فيشربوا من أبوالها وألبانها، ففعلوا فصحوا، فارتدوا، وقتلوا رعاتها واستاقوا الإبل، فبعث في آثارهم، فأتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم، ثم لم يحسمهم حتى ماتوا. ويروى: فسمر أعينهم. قلت: رواه البخاري في مواضع بألفاظ متقاربة منها هنا ومسلم في الحدود والنسائي في المحاربة من حديث أنس. (¬2) وروى مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما سمل أعين أولئك؛ لأنهم سملوا الرعاء، ذكره من حديث أنس، وعكل: قبيلة وبلد أيضًا. واجتووا المدينة: هو بالجيم والتاء المثناة فوق معناه: استوخموها كما جاء مفسرًا في بعض الروايات أي لم توافقهم، وكرهوها لسقم أصابهم، وهو مشتق من الجوى وهو داء في الجوف. قوله: فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة، وفي بعض الروايات في غير مسلم: أنها لقاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكلاهما صحيح، فكان بعضها: صدقة، وبعضها له - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (31)، ومسلم (2888)، وأبو داود (2468)، والنسائي (7/ 125). (¬2) أخرجه البخاري (6803)، (3018)، (8039)، ومسلم (1671) والنسائي (7/ 94).

من الحسان

وسمل أعينهم: قال النووي (¬1): هكذا هو في معظم نسخ مسلم باللام، وفي بعضها بالراء والميم مخففة، قال: وضبطناه في بعض المواضع في البخاري، وسمّر: بتشديد الميم ومعنى سمل باللام أنه فقأها، وأذهب ما فيها، ومعنى سمر بالراء: كحلها بمسامير محمية، وقيل: هما بمعنى واحد. قوله: ثم لم يحسمهم أي لم يكوهم بالنار، والحسم في اللغة: كي العرق بالنار لينقطع الدم. - ويروى: أمر بمسامير فأحميت فكحلهم بها، وطرحهم بالحرة يستسقون، فما يُسقون حتى ماتوا. قلت: هذه الرواية في البخاري في الجهاد (¬2) وترجمه: باب إذا حرق المشرك المسلم هل يحرق، من حديث أبي قلابة عن أنس يرفعه. قوله: يستسقون فلا يسقون ليس فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بذلك، ولا نهي عن سقيهم، قال القاضي (¬3): وقد أجمع المسلمون على أن من وجب عليه القتل فاستسقى، لا يمنع الماء، فيجمع عليه عذابان، قال النووي (¬4): وهؤلاء ارتدوا عن الإِسلام فلم يبق لهم حرمة في سقي الماء ولا في غيره والله أعلم. من الحسان 2680 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحثنا على الصدقة، وينهانا عن المثلة. ¬

_ (¬1) المنهاج (11/ 222 - 224). (¬2) أخرجه البخاري (3018). (¬3) إكمال المعلم (5/ 464). (¬4) المنهاج للنووي (11/ 222).

قلت: رواه أبو داود في الجهاد من حديث سمرة وعمران بن حصين. (¬1) 2681 - كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تفرش، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "من فجع هذه بولدها؟ " ردوا ولدها إليها، ورأى قرية نمل قد حرقناها، قال: "من حرق هذه؟ " فقلنا: نحن، قال: "إنّه لا ينبغي أن يُعذب بالنار إلا رب النار". قلت: رواه أبو داود في الجهاد (¬2) من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، وذكر البخاري وابن أبي حاتم الرازي أن عبد الرحمن ابن عبد الله بن مسعود سمع من أبيه، وصحح الترمذي حديث عبد الرحمن عن أبيه في جامعه. (¬3) والحمّرة: بالحاء المهملة المضمومة وتشديد الميم، وقد تخفف، طائر صغير كالعصفور. وتفرش: ذكر ابن الأثير (¬4): هذا الفعل في باب الفاء مع الراء وهو أن تفترش جناحيها وتقرب من الأرض، وترفرف، فعلى هذا هو بفتح التاء وضم الراء من فرش، إذا بسط، ورواه بعضهم بفتحها وتشديد الراء، على أنه مضارع أصله تتفرش، فحذفت إحدى التاءين، وذكره أيضًا ابن الأثير (¬5) في باب العين مع الراء والشين، فقال: وفي الحديث فجاءت حُمّرة فجعلت تعرش يعني بالعين والراء المهملتين والشين المعجمة، ترتفع فوقهما وتظلل عليهما بجناحيها. 2682 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "سيكون في أمتي اختلاف وفرقه، قوم يحسنون القيل، ويسيئون الفعل، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين مروق ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2667) قوى سنده الحافظ في الفتح (7/ 251). (¬2) أخرجه أبو داود (2675)، وسنده صحيح كما قال الحاكم (4/ 239): صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وانظر الصحيحة (25). (¬3) انظر: تهذيب الكمال (17/ 239). (¬4) النهاية (3/ 385). (¬5) النهاية (3/ 188).

السهم، من الرمية، لا يرجعون حتى يرتد السهم على فُوقه، هم شر الخلق والخليقة، طوبى لمن قتلهم وقتلوه، يدعون إلى كتاب الله، وليسوا منا في شيء، مَنْ قاتلهم كان أولى بالله منهم"، قالوا: يا رسول الله! ما سيماهم؟ قال: "التحليق". قلت: رواه أبو داود في السنة من حديث قتادة عن أبي سعيد الخدري وأنس بن مالك (¬1)، كلّ يرفعه، وقتادة لم يسمع من أبي سعيد، وسمع من أنس. قوله - صلى الله عليه وسلم -: سيكون في أمتي اختلاف وفرقة، قال بعضهم: يجوز أن يكون مضاف الاختلاف والفرقة محذوفًا، تقديره: سيكون في أمتي أهل اختلاف وفرقة، ويجوز أن يكون المراد به نفس الاختلاف، أي سيحدث في أمتي اختلاف، فعلى الأول: يكون قوم بدلًا منه، أو خبرَ مبتدأ محذوف أي هم قوم، وعلى الثاني: يكون قوم مبتدأ، والخبر قوله: هم شر الخلق، ويجوز أن يكون قوم فاعلًا بفعل محذوف، دل عليه معنى الفرقة أي يضل بها قوم، والقيل: يقال: قلت قولًا وقالا وقيلًا. والتراقي: جمع ترقوة وهي بفتح التاء ثالثة الحروف وسكون الراء المهملة وضم القاف وهي: العظمة التي بين ثُغْرة النحر والعاتق، وهما ترقوتان من الجانبين، ووزنها فَعْلوة بالفتح (¬2)، والرمية: تقدم تفسيرها في الحديث الثالث من هذا الباب. وعلى فوقه: هو بضم الفاء وبالواو والقاف. والفوق: موضع الوتر من السهم، والمعنى: أنهم لا يرجعون إلى الدين أبدًا، حتى يرتد السهم على فوقه حين رمي، وذلك مستحيل ممتنع. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4765) ورجال إسناد ثقات، لكنه منقطع بين قتادة وأبي سعيد، أما حديث قتادة عن أنس -الذي أشار إليه المؤلف- أخرجه ابن ماجه (175)، والحاكم (2/ 147)، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وهو رواية لأبي داود (4766)، انظر هداية الرواة (3/ 407). (¬2) انظر: النهاية لابن الأثير (1/ 187).

قوله - صلى الله عليه وسلم -: هم شر الخلق والخليقة، قال في النهاية (¬1): الخلق: الناس، والخليقة: البهائم وقيل هما بمعنى واحد. قوله - صلى الله عليه وسلم -: من قاتلهم كان أولى باللهِ منهم، قال بعضهم: الضمير في منهم عائد على الأمة، أي من قاتلهم من أمتي أولى بالله من باقي أمتي، والظاهر عندي: أن منهم إنما يعود على الضمير في قوله: يدعون إلى كتاب الله، وعلى هذا ينسق الضمائر أي من قاتلهم وإن أولى بكتاب الله منهم. وما سيماهم: أي ما علامتهم التي نعرفهم بها، قال: التحليق، يجوز أن يكون المراد مبالغتهم في حلق رؤوسهم، أو التحليق في وقت الجلوس فيجلسون حلقًا. 2683 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: زنى بعد إحصان، فإنه يرجم، ورجل خرج محاربًا لله ورسوله، فإنه يقتل، أو يصلب، أو ينفى من الأرض، أو يقتل نفسًا، فيقتل بها". قلت: رواه أبو داود في الحدود والنسائي في القود من حديث عائشة ترفعه (¬2). 2684 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل لمسلم أن يروّع مسلمًا". قلت: رواه أبو داود في الأدب (¬3) من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: حدثنا أصحاب محمَّد - صلى الله عليه وسلم - أنهم كانوا يسيرون مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ففزع، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل لمسلم أن يروع مسلمًا". والرَّوع: الفزع. ¬

_ (¬1) النهاية (2/ 77). (¬2) أخرجه أبو داود (4353)، والنسائي (7/ 101 - 102) وإسناده صحيح. (¬3) أخرجه أبو داود (5004) وإسناده صحيح. انظر: هداية الرواة (3/ 407).

2685 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أخذ أرضًا بجزيتها، فقد استقال هجرته، ومن نزع صغار كافر من عنقه فجعله في عنقه، فقد ولّى الإِسلامَ ظهره". قلت: رواه أبو داود في الخراج من حديث أبي الدرداء، وفي إسناده بقية ابن الوليد وفيه مقال. (¬1) والجزية: قال ابن الأثير (¬2): هي عبارة عن المال الذي يعقد للكتابي عليه الذمة، وهي فعلة، من الجزاء، وأراد بها في هذا الحديث: الخراج الذي يؤدى عنها، كأنه لازم لصاحب الأرض، كما تلزم الجزية الذمي، هكذا قال الخطابي (¬3) وقال أبو عبيد: هو أن يسلم وله أرض خراج فترتفع عنه جزية رأسه، وتنزل عليه أرضه يؤدي عنها الخراج، والصّغار: بالفتح، الذل، ويطلق على الجزية نفسها, لاستلزامها الذل، قال الشافعي: معنى الصغار أن يعلو حكمُ الإِسلام حكمَ الشرك، والمعنى من تكفل جزية كافر وتحمل عنه صغاره، فكأنه ولّى الإِسلام ظهره؛ لأنه بدّل إعزاز الدين بالتزام ذل الكفر، وقد يستدل بهذا من ذهب إلى أنه لا يصح ضمان المسلم الجزية عن الذمي. 2686 - بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية إلى خثعم، فاعتصم ناس منهم بالسجود، فأسرع فيهم القتل، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأمر لهم بنصف العقل، وقال: "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين"، قالوا: يا رسول الله! لم؟ قال: "لا تتراءى ناراهما". قلت: رواه أبو داود في الجهاد والترمذي في السير والنسائي في القصاص من حديث جرير بن عبد الله (¬4) وذكر أبو داود أن جماعة رووه مرسلًا، وأخرجه الترمذي أيضًا ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3082)، وفيه بقية بن الوليد، ترجم له الحافظ في التقريب (741) وقال: صدوق كثير التدليس عن الضعفاء. (¬2) النهاية (1/ 271). (¬3) معالم السنن (4/ 268). (¬4) أخرجه أبو داود (2645)، والترمذي (1604)، والنسائي (8/ 36)، انظر: العلل الكبير للترمذي =

مرسلًا، وقال: وهذا أصح وذكر أن أكثر أصحاب إسماعيل يعني ابن خالد لم يذكروا فيه جريرًا، وذكر عن البخاري أنه قال: الصحيح مرسل ولم يخرجه النسائي إلا مرسلًا. قوله: فأمر لهم بنصف العقل، أي بنصف الدية، قيل: إنما لم يكمل لهم الدية لأنهم أعانوا على أنفسهم بمقامهم بين أظهر المشركين فكانوا كمن هلك بجناية نفسه وجناية غيره. قوله - صلى الله عليه وسلم -: لا تتراءى ناراهما، قال الهروي (¬1): معناه لا ينزل المسلم بالموضع الذي ترائى ناره المشرك إذا أوقد، ولكنه ينزل مع المسلمين في دارهم، كأنه كره النزول في جوار المشركين؛ لأنه لا عهد لهم ولا أمان. وقال في الفائق (¬2): معناه أنه يجب أن يباعد منزله من منزل الكافر بحيث إذا أوقدت فيهما ناران لم تَلُح إحداهما للأخرى، وإسناد الترائي إلى النارين مجاز، كقولهم: دور بني فلان تتناظر، والترائي: تفاعل من الرُّؤية، ومن هذا قوله تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ}. 2687 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الإيمان قيّد الفتك، لا يفتِك مؤمن". قلت: رواه أبو داود في الجهاد (¬3) من حديث أبي هريرة، وسنده جيد، ليس فيه إلا أسباط بن بكر الهمداني، وإسماعيل بن عبد الرحمن السدي، وقد أخرج لهما مسلم. والفتك: أن يأتي الرجل الآخر وهو غافل غار، والمعنى: أن الإيمان يمنع من الفتك كما يمنع القيد عن التصرف، فكأنه جعل الفتك مقيدًا. ¬

_ = (483)، والبيهقي (8/ 131)، و (9/ 142)، وضعيف الترمذي (273). (¬1) انظر: الغريبين للهروي (2/ 374). (¬2) انظر الفائق للزمخشري (2/ 21). (¬3) أخرجه أبو داود (2769). فيه أسباط الهمداني أبو نصر، صدوق كثير الخطأ يُغرب، التقريب (323)، وإسماعيل السُّدي أبو محمَّد الكوفي، صدوق يهم، ورُمي بالتشيع، انظر التقريب (467).

قال الزمخشري (¬1): والفرق بين الفتك والغيلة: أن الفتك هو أن يأتي الرجل صاحبه وهو غار غافل فيقتله جهارًا، والغيلة أن يكتمن له في موضع فيقتله خفية، وفي فائه الحركات الثلاث، وفتكت بفلان وأفتكت به -عن يعقوب-. 2688 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أبق العبد إلى الشرك، فقد حل دمه". قلت: رواه أبو داود في الحدود والنسائي في المحاربة (¬2) وأخرج مسلم في الإيمان نحوه، وقال فيه: "فقد كفر حتى يرجع إليهم"، وفي رواية: "فقد برئت منه الذمة، ولم يقل إلى الشرك"، كلهم من رواية جرير قال النسائي: وأبق عبد لجرير فأخذه فضرب عنقه. 2689 - أن يهودية كانت تشتم النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقع فيه، فخنقها رجل حتى ماتت، فأبطل النبي - صلى الله عليه وسلم - دمها. قلت: رواه أبو داود في الحدود من حديث الشعبي عن علي وذكر بعضهم أن الشعبي سمع من علي بن أبي طالب وقال غيره: إنه رآه. (¬3) 2690 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "حد الساحر ضربة بالسيف". قلت: رواه الترمذي في الحدود من حديث جندب يرفعه (¬4) وقال: لا نعرفه مرفوعًا، إلا من هذا الوجه، وفي سنده إسماعيل المكي وهو يضعّف من قبل حفظه، والصحيح عن جندب موقوفًا انتهى، وقد رواه الطبراني عن جندب مرفوعًا. ¬

_ (¬1) الفائق للزمخشري (3/ 88). (¬2) أخرجه أبو داود (3460)، والنسائي (7/ 103)، وأصله في صحيح مسسلم (70). (¬3) أخرجه أبو داود (4362). = = قال العلائي في جامع التحصيل (ص 204) روي عن علي رضي الله عنه، وذلك في صحيح البخاري (6812) حين رجم المرأة يوم الجمعة. انظر: تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل (ص 219). (¬4) أخرجه الترمذي (1460) بإسناده ضعيف. وأخرجه الطبراني في الكبير (1665) و (1666)، =

كتاب الحدود

كتاب الحدود من الصحاح 2691 - أن رجلين اختصما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أحدهما: اقض بيننا بكتاب الله، وقال الآخر: أجل يا رسول الله فاقض بيننا بكتاب الله، وائذن لي أن أتكلم؟، قال: "تكلم"، قال: إن ابني كان عسيفًا على هذا، فزنا بامرأته، فأخبروني أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة وبجارية لي، ثم إني سألت أهل العلم؟ فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وإنما الرجم على امرأته؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله: أما غنمك وجاريتك، فرد عليك، وأما ابنك، فعليه جلد مائة وتغريب عام، وأما أنت يا أُنيس: فاغد على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها"، فاعترفت فرجمها. قلت: رواه البخاري في مواضع منها في المحاربين ومسلم وأبو داود والترمذي في الحدود والنسائي في الرجم وفي غيره وابن ماجه في الحدود كلهم من حديث أبي هريرة وزيد بن خالد (¬1)، ولفظ مسلم: فغدا عليها، فاعترفت فأمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجمت، وما ذكره المصنف لفظ البخاري، ولهذا وقع في بعض تراجم البخاري: باب هل يأمر الإِمام رجلًا فيضرب الحدود غائبًا عنه، وفي بعضها: جلد ابنه مائة وغربه عامًا. ¬

_ = والدارقطني (3/ 114)، والحاكم (4/ 360)، والبيهقي (8/ 136)، وإسماعيل ابن مسلم المكي، ضعيف الحديث، انظر: التقريب (489). (¬1) أخرجه البخاري (6633)، و (6835)، ومسلم (1697)، وأبو داود (4445)، والترمذي (1433)، والنسائي (8/ 240 - 241)، وابن ماجه (2549).

قال البخاري: وقال مالك: العسيف: الأجير، وهو بالعين والسين المهملتين. قوله - صلى الله عليه وسلم -: لأقضين بينكما بكتاب الله، يحتمل أن يكون المراد بحكم الله وقيل هو إشارة إلى قوله تعالى: {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} وفسر النبي - صلى الله عليه وسلم - السبيل: بالرجم في حق المحصن، كما ثبت في حديث عبادة ابن الصامت، وقيل: المراد نقض صلحهما الباطل على الغنم والوليدة. قوله - صلى الله عليه وسلم -: واغد يا أنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها. أنيس هذا: صحابي مشهور وهو ابن الضحاك الأسلمي. قال ابن عبد البر: وابن مرثد، والصحيح الأول، وهو أسلمي، والمرأة أسلمية، ولذلك أرسل إليها أسلميا، وإنما بعث - صلى الله عليه وسلم - ليعلمها أن الرجل قذفها، وأن لها عليه حد القذف، إلا أن تعترف فعليها حد الزنا وهو الرجم. وقد اختلف أصحابنا في هذا البعث، إذا قذف إنسان إنسانًا في مجلس الحاكم هل يجب؟ والأصح وجوبه. وفيه دليل على جواز الفتوى في زمنه - صلى الله عليه وسلم -، والرخصة لمن هو من أهل الفتوى، أن يفتي وإن كان ثم من هو أعلم منه؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر على الرجل قوله: سألت أهل العلم مع كونه - صلى الله عليه وسلم - مقيمًا بين ظهرانيهم. 2692 - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر فيمن زنى ولم يحصن: جلد مائة وتغريب عام. قلت: رواه البخاري في الشهادات من حديث زيد بن خالد، ولم يخرجه مسلم. (¬1) والإحصان في هذا الباب أن يجتمع في هذا الزاني أربع شرائط: العقل، والبلوغ، والحرية، والإصابة في النكاح الصحيح. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6831).

2693 - إن الله تعالى بعث محمدًا بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله: آية الرجم، رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورجمنا بعده، والرجم في كتاب الله حق على من زنا إذا أحصن -من الرجال والنساء- إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف. قلت: رواه البخاري في مواضع مختصرًا ومطولًا منها في المحاربين، ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه كلهم هنا من حديث ابن عباس عن عمر بن الخطاب. (¬1) 2694 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خذوا عني! خذوا عني! قد جعل الله لهن سبيلًا: البكر بالبكر، جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب، جلد مائة والرجم". قلت: رواه الجماعة إلا البخاري كلهم هنا (¬2) إلا النسائي فإنه ذكره في الرجم من حديث عبادة بن الصامت ولم يخرج البخاري عن عبادة في هذا شيئًا، ولا ذكر في كتابه جلد المحصن. 2695 - أن اليهود جاؤوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكروا له أن رجلًا منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما تجدون في التوراة؟ "، قالوا: نفضحهم ويُجلدون، قال عبد الله بن سلام: كذبتم! إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفعها، فإذا فيها آية الرجم. قلت: رواه البخاري في مواضع منها في المحاربين بهذا اللفظ ومسلم وأبو داود كلاهما في الحدود والنسائي في الرجم واختصره الترمذي (¬3) في الحدود وأشار إلى القصة ولم يذكرها، وقال بعض أهل العلم: واسم هذه المرأة بسرة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6829)، ومسلم (1691)، وأبو داود (4418)، والترمذي (1432)، والنسائي (7160)، وابن ماجه (2553). (¬2) أخرجه مسلم (1690)، وأبو داود (4415) (446)، والترمذي (1434)، وابن ماجه (2550)، والنسائي في فضائل الصحابة (5). (¬3) أخرجه البخاري (3559)، ومسلم (16999)، وأبو داود (4469)، والنسائي (7334). =

- ويروى: فإذا آية الرجم تلوح، فأمر بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجما. قلت: هذه الرواية عزاها ابن الأثير للشيخين. (¬1) وفي هذا الحديث: دليل لوجوب حد الزنا على الكافر، وأنه يصح نكاحه لأنه لا يجب الرجم إلا على محصن، فلو لم يصح نكاحه لم يثبت إحصانه ولم يرجم، وفيه: أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة وهو الصحيح، وفيه: أن الكفار إذا تحاكموا إلينا حكمنا بينهم بشرعنا. قوله: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما تجدون في التوراة"، قال العلماء: هذا السؤال ليس لتقليدهم ولا لمعرفة الحكم منهم، وإنما هو لإلزامهم بما يعتقدونه في كتابهم، ولعله - صلى الله عليه وسلم - قد أوحي إليه أن الرجم في التوراة الموجودة في أيديهم لم يغيروه، أو أنه أخبره من أسلم منهم. 2696 - أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل وهو في المسجد، فناداه: يا رسول الله! إني زنيت، فأعرض عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فتنحّى لشق وجهه الذي أعرض قِبله، فقال: إني زنيت، فأعرض عنه، فلما شهد أربع شهادات، دعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أبك جنون؟ "، قال: لا، فقال: "أُحصنت؟ " قال: نعم، يا رسول الله، قال: "اذهبوا به فارجموه". قلت: رواه البخاري في المحاربين ومسلم في الحدود من حديث أبي هريرة. (¬2) واحتج بهذا أبو حنيفة وأحمد وموافقوهما في أن الإقرار بالزنا لا يثبت ويرجم به المقر حتى يقر أربع مرات، وقال الشافعي وآخرون: يثبت الإقرار بمرة واحدة واحتجوا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "اغد يا أنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها"، ولم يشترط عددًا، وقد تقدم، وحديث الغامدية الآتي، وليس فيه إقرارها أربع مرات. ¬

_ = والترمذي (1436). (¬1) أخرجها البخاري (6841)، ومسلم (1699)، وانظر جامع الأصول لابن الأثير (3/ 543). (¬2) أخرجه البخاري (6825)، ومسلم (1692).

قوله - صلى الله عليه وسلم - اذهبوا به فارجموه: فيه دليل على جواز إستنابة الإِمام من يقيم عنه الحد. 2697 - فأمر به، فرجم بالمصلّى، فلما أذلفته الحجارة فر، فأُدرك فرجم حتى مات، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - خيرًا وصلى عليه. قلت: رواه البخاري في المحاربين مطولًا من حديث جابر (¬1) ولم يخرجه مسلم , وقيل: للبخاري وصلى عليه، يصح؟ قال: رواه معمر، قيل: رواه غيره، قال: لا. وأذلقته: بالذال المعجمة وبالقاف أي أصابته يحدها، والمراد بالمصلى هنا: مصلى الجنائز فذكر الدارمي من أصحابنا: أن المصلى الذي للأعياد ولغيره إذا لم يكن مسجدًا هل يثبت له حكم المسجد؟ فيه وجهان: أصحهما ليس له حكم المسجد، وهذا الحديث يشهد له. قوله: وصل عليه، فيه دليل للشافعي أن الإِمام وأهل الفضل يصلون على المرجوم، كما يصلي على غيرهم، وكره مالك وأحمد للإمام وأهل الفضل الصلاة على المرجوم ومن قتل حدًّا. 2698 - لما أتى ماعز بن مالك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: "لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت؟ " قال: لا، يا رسول الله قال: "أنكتها؟ " لا يكني، قال: فعند ذلك أمر برجمه. قلت: رواه البخاري في المحاربين من حديث ابن عباس ولم يخرجه مسلم. (¬2) قول - صلى الله عليه وسلم -: "لعلك قبّلت"، فيه دليل على استحباب تلقين المقر بالزنا الرجوع وكذلك كل حد لله أقر به الآدمي قياسًا على الزنا. 2699 - جاء ماعز بن مالك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله طهرني، فقال: "ويحك، ارجع فاستغفر الله وتب إليه"، قال: فرجع غير بعيد، ثم جاء، فقال: يا ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6820). (¬2) أخرجه البخاري (6824).

رسول الله طهرني، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: مثل ذلك، حتى إذا كانت الرابعة، قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مم أطهرك؟ " قال: من الزنا، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أبه جنون؟ "، فأخبر أنه ليس بمجنون، فقال: "أشرب خمرًا"، فقام رجل فاستنكهه، فلم يجد منه ريح خمر، فقال: "أزنيت؟ "، قال: نعم، فأمر به فرجم، فلبثوا يومين أو ثلاثة، ثم جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "استغفروا لماعز بن مالك، لقد تاب توبة لو قُسمت بين أمة محمَّد لوسعتهم"، ثم جاءت امرأة من غامد -من الأزد-، فقالت: يا رسول الله طهرني، قال: "ويحك، ارجعي واستغفري الله وتوبي إليه"، فقالت: تريد أن تردّدني كما ردّدت ماعز ابن مالك؟، إنها حبلى من الزنا، فقال: "أنت؟ "، قالت: نعم، قال لها: "حتى تضعي ما في بطنك"، قال: فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: قد وضعت الغامدية، فقال: "إذًا لا نرجمها وندع ولدها صغيرًا ليس له من ترضعه"، فقام رجل من الأنصار، فقال: إليّ رضاعه يا نبي الله، قال: فرجمها. قلت: رواه مسلم في الحدود من حديث بريدة بن الحصيب ولم يخرجه البخاري. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم - أشرب خمرًا، فقام رجل فاستنكهه، فلم يجد منه ريح خمر": مذهبنا الصحيح المشهور صحة إقرار السكران، ونفوذ إقراره فيما له وعليه، فالسؤال عن شربه الخمر محمول عندنا على أنه لو كان سكران لم يقم عليه الحد. ومعنى استنكهه: أي شم رائحة فيه، واحتج به المالكية لمذهبهم أنه يحد من وجد منه ريح الخمر، وإن لم تقم عليه بينة بشربها, ولا أقر به، ومذهب الشافعي وأبي حنيفة وغيرهما أنه لا يحد بمجرد ريحها بل لا بد من بينة على شربها أو إقرار. قوله: لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة محمَّد لوسعتهم، فيه أن توبة الزاني لا تسقط عنه حد الزنا، وهذا حكم السرقة والشرب وهو أصح القولين في مذهبنا ومذهب مالك. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1695).

قوله: ثم جاءت امرأة من غامد، هي بغين معجمة وراء مهملة بطن من جهينة. وفي الحديث دليل على: أن المرأة كالرجل في وجوب الحد فإنها لا يقام عليها الحد حتى تضع ويستغني الولد عنها. قوله: فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت، أي قام بمؤنتها ومصالحها وليس هو من الكفالة التي هي بمعنى الضمان لأن هذه لا تجوز في الحدود التي لله تعالى. 2700 - وفي رواية أنه قال لها: "اذهبي حتى تلدي"، فلما ولدت قال: "اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه" فلما فطمته، أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي الله قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها، فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها، فيُقبل خالد بن الوليد بحجر، فرمى رأسها، فتنضّح الدم على وجه خالد، فسبّها! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مهلًا يا خالد! فوالذي نفسي بيده، لقد تابت توبة، لو تابها صاحب مَكْس لغفر له"، ثم أمر بها، فصلى عليها ودفنت. قلت: رواه مسلم في الحدود من حديث بريدة ولم يخرج البخاري عن بريدة (¬1) في هذا شيئًا ولا ذكر حديث هذه المرأة. فتنضح الدم: روي بالحاء المهملة وبالمعجمة والأكثرون على المهملة ومعناه: ترشش وانصب، وظاهر هذه الرواية مخالف للرواية التي قبلها؛ لأن هذه فيها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما رجمها حتى فطمته، وأكل الخبز، وفي التي قبلها قام رجل من الأنصار فقال: إلي رضاعته، فرجمت عقب الولادة، ويجب تأويل الأولى وحملها على وفق الثانية، لأنهما قضية واحدة والروايتان صحيحتان، والثانية منهما صريحة لا يمكن تأويلها، والأولى ليست صريحة فيتعين تأويل الأولى، ويكون قوله في الرواية الأولى: "قام رجل ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1695).

من الأنصار فقال: إليّ رضاعه" إنما قاله: بعد الفطام، وأراد بالرضاعة: كفالته وتربيته، وسماه رضاعًا مجازًا. وقد ذهب الشافعي وأحمد إلى: أن الزانية لا ترجم حتى يوجد من يرضع الصغير, فإن لم يوجد أخرت إلى الفطام، وقال أبو حنيفة: ترجم بعد الوضع ولا ينتظر حصول مرضعة. قوله: "ثم أمر بها فصلى عليها" قال القاضي عياض: هو بفتح الصاد المهملة واللام عند جماهير رواة صحيح مسلم، قال: وعند الطبري بضم الصاد، وقال: وكذا هو في رواية ابن أبي شيبة وأبي داود. قال القاضي (¬1): ولم يذكر مسلم صلاته - صلى الله عليه وسلم - على ماعز، وقد ذكرها البخاري انتهى كلامه. وهو كما قال، وقد بينا ذلك في حديث جابر. (¬2) 2701 - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها، فليجلدها الحد، ولا يثرّب عليها، ثم إن زنت فليجلدها الحد ولا يثرّب، ثم إن زنت الثالثة فليبعْها ولو بحبل من شعر". قلت: رواه البخاري في المحاربين ومسلم في الحدود والترمذي فيه والنسائي في الرجم من حديث أبي هريرة. (¬3) والتثريب: التوبيخ واللوم على الذنب، ومعنى تبيّن زناها: تحققه إما بالبينة وإما برؤيته وعلمه عند من يجوز القضاء بالعلم في الحدود، وفيه: أن السيد يقيم الحد على ¬

_ (¬1) إكمال المعلم (5/ 523). (¬2) انظر المنهاج للنووي (11/ 288 - 291). (¬3) أخرجه البخاري (6839)، (2234)، ومسلم (1703)، والترمذي (1433)، والنسائي في الكبرى (7240) (7241)، (7253).

عبده وأمته، وهذا مذهبنا ومذهب مالك وأحمد، وقال أبو حنيفة في طائفة: ليس له ذلك. وفيه: دليل على أن العبد والأمة لا يرجمان، سواء كانا مزوجين أم لا، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: فليحدها، ولم يفرق بين مزوجة وغيرها، وفيه: دليل على أن الزاني إذا زنى وأقيم عليه الحد، ثم إذا زنى فعل به ذلك، أما إذا زنى مرارًا ولم يحد فيكفي حدٌّ واحدٌ، وفيه: الحث على مجانبة أهل الفسق وهذا البيع مستحب وليس بواجب عند الجمهور. 2702 - يا أيها الناس أقيموا على أرقائكم الحد، من أُحصن منهم ومن لم يحصن، فإن أمَة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - زنت، فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديث عهد بنفاس، فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أحسنت". قلت: رواه مسلم والترمذي كلاهما في الحدود من حديث علي بن أبي طالب ورواه الحاكم في المستدرك وقال: على شرط مسلم، وذهل عن كونه في مسلم، والله أعلم، ولم يخرج البخاري هذا الحديث. (¬1) وفي رواية: قال: "دعها حتى ينقطع دمُها، ثم أقم عليها الحد، وأقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم". قلت: رواها أبو داود في الحدود والنسائي في الرجم (¬2) كلاهما من حديث علي رضي الله عنه، قال: فجرت جارية لآل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "يا علي انطلق فأقم عليها الحد"، فانطلقت فإذا بها دم يسيل لم ينقطع فأتيته، فقال: "يا علي أقمت الحد؟ " فقلت: أتيتها ودمها يسيل، فقال: "دعها ... " وساقه، فاقتصر المصنف على هذه القطعة لأن في الحديث قبله بقية معناه، وفي سند أبي داود والنسائي عبد الأعلى بن عامر ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1705)، والترمذي (1441)، والحاكم (4/ 369). (¬2) أخرجه أبو داود (4473)، والنسائي (7268). وفي إسناده عبد الأعلى بن عامر قال الحافظ في التقريب (3755): صدوق يهم، انظر: الإرواء (2325). وقال الذهبي: ليّن، ضعفه أحمد، انظر الكاشف (1/ 611)، وميزان الاعتدال (2/ ت 4726).

من الحسان

الثعلبي ولا يحتج به، قال المنذري (¬1): قال الذهبي: وضعفه أحمد انتهى. فكان من حق المصنف أن يؤخر هذه الرواية إلى الحسان لأنها ليست في مسلم، والبخاري لم يخرج حديث علي هذا كما بيناه والله أعلم. من الحسان 2703 - جاء ماعز الأسلمي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنّه قد زنى ... فذكر الحديث، وقال: فلما وجد مس الحجارة، فرّ يشتد، حتى مر برجل معه لَحْيُ جمل، فضربه به، وضربه الناس حتى مات، فذكروا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه فرّ، فقال: "هلا تركتموه". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في الحدود من حديث أبي هريرة وقال الترمذي: حديث حسن. (¬2) قوله لحي جمل: هو بفتح اللام وسكون الحاء المهملة. - وفي رواية: "هلا تركتموه، لعله أن يتوب فيتوب الله عليه؟ ". قلت: رواه الإِمام أحمد في مسنده وأبو داود في الحدود والحاكم في المستدرك (¬3) كلهم من حديث يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه يرفعه، في حديث طويل يتضمن قصة ماعز وقد اختلف في صحبة نعيم بن هزال. قال ابن عبد البر (¬4): وقد قيل أنه لا صحبة لنعيم هذا وإنما الصحبة لأبيه هزال قال: وهو أولى بالصواب. ¬

_ (¬1) انظر: مختصر سنن أبي داود (6/ 282). (¬2) أخرجه الترمذي (1428)، وابن ماجه (2554) وإسناده حسن، انظر: الإرواء (2322). (¬3) أخرجه أحمد (5/ 216)، وأبو داود (4419)، والحاكم (4/ 363) وقد ذكر الحافظ ابن حجر نعيم في التقريب (7225) وقال: صحابي نزل المدينة ما له راو إلا ابنه يزيد. (¬4) انظر: الاستيعاب (4/ 1509).

2704 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لماعز: "أحق ما بلغني عنك؟ " قال: وما بلغك عني؟ قال: "بلغني أنك وقعت على جارية آل فلان؟ " قال: نعم، فشهد أربع شهادات، فأمر به فرجم. قلت: رواه مسلم وأبو داود والترمذي ثلاثتهم في الحدود والنسائي في الرجم من حديث ابن عباس ولم يخرجه البخاري (¬1)، فكان من حق المصنف أن يقدم ذلك في الصحاح، إذ هو ثابت في مسلم كما بينته لك والله أعلم. وهكذا وقعت هذه الرواية في مسلم والمشهور في باقي الروايات المتقدمة في الصحاح: أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: طهرني، قال العلماء: لا تناقض بين الروايات بل لا بد من الجمع بينهما. 2705 - أن هزالًا أمر ماعزًا أن يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فيخبره. قلت: رواه أبو داود في الحدود من حديث المنكدر كما ذكره المصنف (¬2) وذكر ابن عبد البر (¬3): أن هزالًا روى عنه ابنه ومحمد بن المنكدر حديثًا واحدًا ما أظن له غيره يعني هذا الحديث. قال: وبعضهم يقول: إن بين هزال وبين ابن المنكدر نعيم بن هزال. وأما هزال فبفتح الهاء وتشديد الزاي المعجمة. 2706 - وأن ماعزًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأقر عنده أربع مرات، فأمر برجمه، وقال لهزال: "لو سترته بثوبك، كان خيرًا لك". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1693)، وأبو داود (4425)، والترمذي (1427)، والنسائي في الكبرى (7171)، وانظر المنهاج للنووي (11/ 282). (¬2) أخرجه أبو داود (4378). (¬3) انظر الاستيعاب له (4/ 1538).

قلت: رواه أبو داود في الحدود والنسائي في الرجم من حديث يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه، ورواه مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال: بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل من أسلم يقال له هزال: "يا هزال لو سترته بردائك كان خيرًا لك" قال يحيى بن سعيد: فحدث هذا الحديث في مجلس فيه يزيد بن نعيم بن هزال، فقال يزيد: هزال جدي، وهذا الحديث حق، ورواه الحاكم في المستدرك من حديث شعبة عن يحيى بن سعيد عن محمَّد بن المنكدر عن ابن هزال عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا هزال لو سترته بثوبك كان خيرًا لك"، وصححه وأقر الذهبي تصحيح الحاكم. (¬1) 2707 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب". قلت: رواه أبو داود والنسائي في القطع من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. (¬2) 2708 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم، إلا الحدود". قلت: رواه أبو داود في الحدود والنسائي في الرجم من حديث عائشة ترفعه (¬3)، وفي سنده عبد الملك بن زيد العدوي، قال المنذري: وهو ضعيف الحديث، قال ابن عدي: ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في الموطأ مرسلًا (2/ 821)، وأبو داود (4377)، والنسائي (7274)، والحاكم في المستدرك (4/ 363). (¬2) أخرجه أبو داود (4376)، والنسائي (7/ 70)، والحاكم (4/ 383) وصححه، ووافقه الذهبي، انظر الصحيحة (1638). (¬3) أخرجه أبو داود (4375)، والنسائي (7293)، وفي إسناده عبد الملك بن زيد العدوي قال الحافظ في التقريب: (4207)، قال النسائي: لا بأس به. وانظر الكامل لابن عدي (5/ 1945).

هذا الحديث منكر بهذا الإسناد، ولم يروه غير عبد الملك بن زيد، وقال أعني المنذري (¬1): وقد روي هذا الحديث من أوجه أخر ليس منها شيء يثبت. قوله - صلى الله عليه وسلم -: أقيلوا ذوي الهيئات، قال صاحب النهاية (¬2): هم الذين لا يعرفون بالشرّ، فيزلّ أحدهم الزلة، والهيئة: صورة الشيء وشكله أي ذوي الهيئات الحسنة الذين يلزمون طريقة واحدة، ونقل الخطابي (¬3) عن الشافعي في تفسير ذوي الهيئة هو: من لم تظهر منه دنيّة. 2709 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإِمام أن يخطيء في العفو: خير من أن يخطيء في العقوبة". ولم يرفعه بعضم، وهو الأصح. قلت: رواه الترمذي في الحدود من حديث عائشة ترفعه، قال: ولا نعلمه مرفوعًا إلا من حديث محمَّد بن ربيعة عن يزيد بن زياد، ويزيد بن زياد، ضعيف في الحديث والموقوف أصح. (¬4) 2710 - استكرهت امرأة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدرأ عنها الحد، وأقامه على الذي أصابها, ولم يذكر أنه جعل لها مهرًا. قلت: رواه الترمذي وابن ماجه (¬5) كلاهما في الحدود من حديث عبد الجبار بن وائل ¬

_ (¬1) مختصر السنن (6/ 213). (¬2) النهاية (5/ 285). (¬3) معالم السنن (3/ 259)، وورد فيه "ريبة" بدل "دنيّة". (¬4) أخرجه الترمذي (1424) بإسناده ضعيف، ويزيد بن زياد قال عنه الحافظ في التقريب (7767): متروك. والموقوف أصح كما عند البيهقي (8/ 238) بسند حسن وهو قول الترمذي. (¬5) أخرجه الترمذي (1453)، وابن ماجه (2598) وإسناده ضعيف فيه الحجاج بن أرطاة مدلس وقد عنعنه. وترجم له الحافظ في التقريب (1127): صدوق كثير الخطأ والتدليس.

بن حجر عن أبيه يرفعه، وقال الترمذي: غريب وليس إسناده بمتصل، سمعت محمدًا يعني البخاري يقول: عبد الجبار بن وائل: لم يسمع من أبيه، ولا أدركه، يقال: أنه ولد بعد موت أبيه بأشهر انتهى. كذا قال الترمذي. واعترض عليه المزي فقال: روى مسلم في صحيحه عن عبد الجبار بن وائل قال: كنت غلامًا لا أعقل صلاة أبي فحدثني علقمة بن وائل ومولى لنا عن أبي وائل بن حجر أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم -: رفع يديه حين دخل في الصلاة حيال أذنيه، ثم التحف بثوبه ثم وضع يده اليمنى على اليسرى ... الحديث. قال المزي: وهذا يبطل قول من قال أنه ولد بعد موت أبيه. (¬1) 2711 - أن امرأة خرجت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تريد الصلاة، فتلقاها رجل، فتجلّلها فقضى حاجته منها، فصاحت وانطلق، ومرت عصابة من المهاجرين، فقالت: إن ذاك فعل بي كذا وكذا، فأخذوا الرجل فأتوا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال لها: "اذهبي فقد غفر الله لك"، وقال للرجل الذي وقع عليها: "ارجموه"، وقال: "لقد تاب توبة، لو تابها أهل المدينة لقبل منهم". قلت: رواه أبو داود والترمذي كلاهما في الحدود والنسائي في الرجم من حديث علقمة بن وائل عن أبيه، وقال الترمذي: حسن غريب وفي بعض النسخ: حسن صحيح غريب (¬2). وجلّلها: بالجيم أي علاها، ويشبه أن يكون مأخوذًا من الجل، وهو ما يعلى به ظهر الفرس. ¬

_ (¬1) قاله المزي في تحفة الأشراف (9/ 83 رقم 11760)، وقال مثله في تهذيب الكمال (6/ 394 - 395) ونقل عن ابن معين أنه مات وهو حمل. (¬2) أخرجه أبو داود (4379)، والترمذي (1454) وفيه: "هذا حديث حسن غريب صحيح"، والنسائي (7311).

2712 - أن رجلًا زنى بامرأة، فأمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فجلد الحدّ، ثم أخبر أنه محصن، فأمر به فرجم. قلت: رواه أبو داود في الحدود من حديث جابر بن عبد الله وسكت عليه. (¬1) 2713 - أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل كان في الحي في مُخْدج سقيم، فوجد على أمة من إمائهم يَخْبُثُ بها، فقال: "خذوا له عِثكالًا فيه مائة شمراخ، فاضربوه به ضربة". قلت: رواه ابن ماجه في الحدود عن أبي أمامة بن سهل عن سعيد بن سعد بن عبادة (¬2)، وأبو داود فيه من حديث أبي أمامة بن سهل، أنه أخبره بعض أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم - (¬3)، وذكره أطول مما ذكره المصنف، وقد روي عن أبي أمامة بن سهل عن أبي سعيد الخدري، وعن أبي أمامة عن أبيه، وعن أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وروي أيضًا عن أبي حازم عن سهل ابن سعد. ومخدج: بضم الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الدال المهملة وبالجيم: أي ناقص الخلقة. ويخبث: بفتح الياء آخر الحروف وبالخاء المعجمة وضم الباء الموحدة ثم بثاء مثلثة: أي يزني بها. والعثكال: بكسر العين ويقال فيه عثكول بضمها. الشمراخ: وهو ما عليه البسر وهو في النخل بمنزلة العنقود في الكرم قاله الجوهري. (¬4) 2714 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4438)، بل أعلّه بالوقف، وفيه ابن جريج، وأبو الزبير وهما مدلّسان. (¬2) أخرجه ابن ماجه (2574). (¬3) أخرجه أبو داود (4472)، والنسائي في الكبرى (7308)، انظر الصحيحة (2986). (¬4) انظر: الصحاح للجوهري (5/ 1758).

قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه ثلاثهم هنا من حديث عكرمة عن ابن عباس، ورواه النسائي ولفظه: "لعن الله من عمل، عمل قوم لوط"، لم يذكر القتل. (¬1) 2715 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من أتى بهيمة فاقتلوه، واقتلوها معه". قلت: رواه أبو داود في الحدود والنسائي في الرجم (¬2) كلاهما من حديث عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس، قال البخاري: عمرو صدوق، ولكنه روى عن عكرمة: مناكير، وقال أيضًا: وروى عمرو عن عكرمة: في قصة البهيمة، فلا أدري أسمع أم لا؟، وأخرج ابن ماجه هذا الحديث في الحدود من حديث إبراهيم بن إسماعيل عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من وقع على ذات محرم، فاقتلوه، ومن وقع على بهيمة فاقتلوه، واقتلوا البهيمة". وإبراهيم بن إسماعيل هذا هو: ابن أبي حبيبة، قال الإِمام أحمد: ثقة، قال البخاري: منكر الحديث، ضعفه غير واحد من الحفاظ. 2716 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن أخوف ما أخاف على أمتي: عمل قوم لوط". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه كلهم في الحدود من حديث عبد الله بن محمَّد بن عقيل عن جابر يرفعه، وقال الترمذي: حسن غريب، إنما نعرفه من ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4462)، والترمذي (1456)، وابن ماجه (2561)، والنسائي (7340). إسناده حسن انظر: الإرواء (2348). (¬2) أخرجه أبو داود (4464)، والنسائي تحفة الأشراف (5/ 157)، وابن ماجه (2564)، وانظر: العلل الكبير للترمذي (2/ 622)، والتلخيص الحبير (4/ 54). وإبراهيم بن إسماعيل قال عنه الحافظ في التقريب (147): ضعيف، وانظر قول البخاري وأحمد في كتاب بحر الدم فيمن تكلم فيه الإِمام أحمد بمدح أو ذم (48 رقم 18). والتاريخ الكبير (1/ 271)، وميزان الاعتدال (1/ 19)، وعمرو بن أبي عمرو واسمه ميسرة، مولى المطلب القرشي المدني، قال ابن حجر: ثقة، ربما وهم، التقريب (5118)، وانظر أقوال العلماء فيه في تهذيب الكمال (22/ 168 - 171).

هذا الوجه انتهى. وعبد الله بن محمَّد هذا احتج به أحمد وإسحاق وقال ابن خزيمة: لا أحتج به، وقال أبو حاتم وغيره: لين الحديث. (¬1) 2717 - أن رجلًا من بني بكر بن ليث أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأقر أنه زنى بامرأة أربع مرات، فجلده مائة، وكان بكرًا، ثم سأله البينة على المرأة، فقالت: كذب فجلد حدّ الفِرية ثمانين. قلت: رواه أبو داود في الحدود والنسائي في الرجم والحاكم في المستدرك وقال: صحيح، كلهم من حديث ابن عباس، قال النسائي: وهذا حديث منكر انتهى. وفي إسنادهم: القاسم بن فياض الأنباويّ الصنعاني، تكلم فيه غير واحد، وقال ابن حبان: بطل الاحتجاج به. (¬2) 2718 - قالت: لما نزل عُذري قام النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر، فذكر ذلك، فلما نزل أمر بالرجلين والمرأة، فضربوا حدّهم. قلت: رواه أبو داود في الحدود والترمذي في التفسير والنسائي في الرجم وابن ماجه في الحدود كلهم من حديث عمرة عن عائشة، وقال الترمذي: غريب، لا نعرفه إلا من حديث محمد بن إسحاق. (¬3) انتهى كلامه. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1457)، وابن ماجه (2563)، والحاكم (4/ 357) وصححه = = ووافقه الذهبي، وإسناده ضعيف فيه عبد الله بن محمَّد بن عقيل قال فيه الحافظ في التقريب (3617): صدوق في حديثه لين ويقال تغيّر بآخره، انظر قول ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (5/ ت 706)، وتهذيب الكمال (16/ 78 - 85). (¬2) أخرجه أبو داود (4467)، والحاكم في المستدرك (4/ 369) وقال الذهبي: القاسم ضعيف، وفي إسناده القاسم بن فياض ترجم له الحافظ في التقريب (5518) وقال: مجهول، انظر أقوال العلماء فيه في تهذيب الكمال (23/ 414 - 417). (¬3) أخرجه أبو داود (4474)، والترمذي (3181)، وابن ماجه (2567)، والنسائي في الكبرى (7348)، وتحفة الأشراف (2/ 409). في إسناده محمَّد بن إسحاق وهو مدلس وقد عنعن إلا أنه صرح بالتحديث عند البيهقي كما في الدلائل =

باب قطع السرقة

وقد جاء في رواية في أبي داود لم تذكر فيها عائشة: "فأمر برجلين وامرأة ممن تكلم بالفاحشة حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة، قال النفيلي: ويقولون: المرأة حمنة بنت جحش. باب قطع السرقة من الصحاح 2719 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدًا". قلت: رواه الجماعة كلهم هنا من حديث عائشة واللفظ للبخاري، وابن ماجه (¬1). واستدل بهذا الشافعي على أن نصاب السرقة ربع دينار ذهبًا، أو ما قيمته ربع دينار سواء كانت قيمتة ثلاثة دراهم أو أقل أو أكثر. 2720 - قطع النبي - صلى الله عليه وسلم - يد سارق في مجن ثمنه ثلاثة دراهم. قلت: رواه الشيخان وأبو داود والنسائي كلهم هنا من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب (¬2)، وهو محمول عند الشافعي على أن الثلاثة دراهم كانت قيمة ربع دينار للجمع بين هذا الحديث والذي قبله. والمجن: بكسر الميم وفتح الجيم وهو اسم لما يستجن به أي يستر من درقة وترس. ¬

_ = (4/ 74) فانتفت شبهة تدليسه، وفي النسخة المطبوعة بتحقيق د. بشار "هذا حديث غريب" (5/ 245). (¬1) أخرجه البخاري (6789)، ومسلم (1684)، وأبو داود (4384)، والترمذي (1445)، والنسائي (8/ 78)، وابن ماجه (2585). (¬2) أخرجه البخاري (6797)، ومسلم (1686)، وأبو داود (4386)، والنسائي (8/ 77).

من الحسان

2721 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده". قلت: رواه الشيخان هنا من حديث أبي هريرة. (¬1) زاد البخاري: قال الأعمش: كانوا يرون أنه بيض الحديد، والحبل: كانوا يرون أن منها ما يساوي دراهم كحبل السفينه انتهى. قال النووي (¬2): والصواب أن المراد التنبيه على عظيم ما خسره، وهي يده في مقابلة حقير من المال، وهو ربع دينار فإنه يشارك البيضة، والحبل في الحقارة، وأراد جنس البيض، وجنس الحبال، أو أنه إذا سرق البيضة جره ذلك إلى سرقة ما هو أعظم منها، فقطع، فكانت سرقة البيضة والحبل سبب قطعه. من الحسان 2722 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا قطع في ثمر ولا كثر". قلت: رواه الأربعة وابن حبان في صحيحه كلهم من حديث رافع بن خديج يرفعه. (¬3) والثمر هنا: قال في النهاية (¬4): الرطب ما دام على رؤوس النخل، فإذا قطع فهو الرطب، والكثر: بفتحتين جمار النخل، ونقل عن الإِمام أبي حنيفة الأخذ بظاهر الحديث، وأنه لم يوجب القطع في شيء من الفواكه الرطبة المحرزة وغيرها، وتأول ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6799)، ومسلم (1687). (¬2) انظر: المنهاج (11/ 263). (¬3) أخرجه أبو داود (4388، 4389)، والترمذي (1449)، والنسائي (8/ 87)، وابن ماجه (2593)، وابن حبان (4466). (¬4) النهاية (1/ 221).

الشافعي هذا الحديث على الثمار المعلقة غير المحرزة، لما روي من حديث عمرو بن شعيب الآتي، ولهذا ذكره المصنف تلو هذا الحديث. (¬1) 2723 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن الثمر المعلق؟ قال: "من سرق منه شيئًا بعد أنه يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن، فعليه القطع". قلت: رواه الأربعة من حديث عمرو بن شعيب وقال الترمذي: حسن. (¬2) والجرين: بالجيم والراء المهملة هو موضع تجفيف التمر، وهو له كالبيدر للحنطة. 2724 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا قطع في ثمر معلّق، ولا في حريسة جبل، فإذا أواه المراح والجرين فالقطع فيما بلغ ثمن المجن". قلت: رواه مالك في الموطأ هنا عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا قطع وساقه بلفظه (¬3)، قال ابن عبد البر (¬4): لم يختلف الرواة فيما علمت في إرسال هذا الحديث في الموطأ، وهو حديث يتصل معناه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وغيره، انتهى كلامه. وحريسة الجبل: ما يحرس بالجبل، وإنما لم يقطع بها لأنه ليس بحرز، والحريسة فعيلة بمعنى مفعولة أي أن لها من يحرسها ويحفظها، ومنهم من يجعل الحريسة السرقة نفسها، يقال: حرس يحرس حرسًا إذا سرق فهو حارس ومحترس، أي ليس فيما يسرق من الجبل قطع. 2725 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس على المنتهب قطع، ومن انتهب نهبة مشهورة، فليس منا". ¬

_ (¬1) انظر: إرواء الغليل (2414). (¬2) أخرجه أبو داود (1710)، والترمذي (1289)، والنسائي (8/ 84 - 85)، وابن ماجه (2596). (¬3) أخرجه مالك في الموطأ (2/ 831)، وأخرجه أبو داود (1712)، والنسائي (8/ 85). (¬4) التمهيد (19/ 211).

قلت: رواه أبو داود في الحدود وابن حبان في صحيحه كلاهما من حديث ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر. (¬1) 2726 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ليس على خائن، ولا منتهب، ولا مختلس قطع". قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن حبان كلهم هنا بالسند الأول، وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬2) قال أبو داود: هذان الحديثان لم يسمعهما ابن جريج من أبي الزبير، وبلغني عن أحمد بن حنبل أنه قال: إنما سمعهما ابن جريج من ياسين الزيات، قال أبو داود: وقد رواهما المغيرة بن مسلم عن أبي الزبير عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - انتهى كلامه، وتصحيح الترمذي يدل على أن ابن جريج سمع الحديث من أبي الزبير. (¬3) 2727 - وروي: أن صفوان بن أمية قدم المدينة، فنام في المسجد وتوسد رداءه، فجاء سارق وأخذ رداءه، فأخذه صفوان، فجاء به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأمر أن تقطع يده، فقال صفوان: إني لم أُرد هذا، هو عليه صدقة! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فهلا قبل أن تأتيني به؟ ". قلت: رواه مالك في الموطأ، والشافعي في المسند وأبو داود في الحدود والنسائي في القطع وابن ماجه في الحدود (¬4)، بعضهم يرويه من حديث صفوان بن أمية أنه قال: ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4391)، وابن حبان (4458)، وانظر: العلل لابن أبي حاتم (1/ 450). (¬2) أخرجه أبو داود (4393)، والترمذي (1448)، وابن حبان (4457)، وابن جريج قد صرح بسماعه من أبي الزبير عند عبد الرزاق في المصنف (1844/ 1)، والدرامي (2/ 135). (¬3) انظر: الإرواء (2403). (¬4) أخرجه مالك (2/ 834 - 835) رقم (28)، والشافعي في المسند (2/ 84) رقم (278)، وأبو داود (4394)، والنسائي (8/ 69)، وابن ماجه (2595). وفي النسائي (2/ 172) من رواية عكرمة عن ابن عباس، وفي إسنادها: أشعث بن سوار، وهو ضعيف، لكن يصلح حديثه للمتابعات، وقد صحح الحديث ابن عبد الهادي في "التنقيح" فيما نقله عنه الزيلعي في نصب الراية (3/ 369) فقال: حديث صفوان حديث صحيح. وانظر كلام المزي في تحفة الأشراف =

كنت نائمًا في المسجد .... الحديث، ورواه مالك والشافعي وابن ماجه من حديث صفوان بن عبد الله بن صفوان بن أمية أن صفوان بن أمية قدم المدينة ... الحديث. ولفظ المصنف لفظ الثلاثة، ولذلك قال: وروي أن صفوان، ولم يقل: عن صفوان، ورواه النسائي أيضًا من حديث أشعث بن سوار عن عكرمة عن ابن عباس وقال: أشعث ضعيف، قال المزي: والمحفوظ حديث مالك عن الزهريّ عن صفوان بن عبد الله بن صفوان كما هو في الموطأ. 2728 - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تقطع الأيدي في الغزو". قلت: رواه أبو داود والترمذي كلاهما في الحدود والنسائي (¬1) في القطع كلهم من حديث بُسر بن أرطأة، واللفظ للترمذي، ولفظ أبي داود وابن ماجه عن بسر بن أرطأة: أنه وجد رجلًا يسرق في الغزو، فجلده، ولم يقطع يده، وقال: "نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن القطع في الغزو "قال الترمذي: ويقال بسر بن أبي أرطأة انتهى، وهذا ليس باختلاف كما توهمه الحافظ المنذري (¬2) بل هو بسر بن أرطأة بن أبي أرطأة، فتارة ينسب إلى أبيه، وتارة إلى كنية جده، نبه على ذلك ابن عبد البر (¬3)، وبُسر بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة وبعدها راء مهملة قرشي عامري، اختلف في صحبته فنفاها الواقدي وابن معين وأحمد وغيرهما وقالوا: خرف في آخر عمره، ¬

_ = (4/ 189) رقم (4943). وأشعث بن سوّار الكندي قال الحافظ: ضعيف، انظر التقريب (528)، وانظر كلام الإِمام النسائي وغيره في: منهج النسائي في الجرح والتعديل (3/ 1185 - 1191). (¬1) أخرجه أبو داود (4408)، والترمذي (1450)، والنسائي (8/ 91). وقوى ابن حجر في الإصابة (1/ 243) إسناده. (¬2) مختصر سنن أبي داود (6/ 234 - 235). (¬3) انظر الاستيعاب لابن عبد البر (1/ 157 - 166).

وبعض أهل الشام يقول: سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان يحيى بن معين لا يحسن الثناء عليه. قال ابن عبد البر: لما نقل عنه أهل الأخبار والحديث من الأمور العظيمة التي ارتكبها في الإِسلام، وغمزه الدراقطني وكل هذا يدل أنه عندهم ليس بصحابي. واسم السارق: مِصدَر، والمسروق بختية والبختية من الإبل مُعرب وغير مُعرب وأخذ بظاهر هذا الحديث الأوزاعي وأجاب عنه أكثر العلماء. 2729 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في السارق: "إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله، ثم إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله". قلت: رواه الدارقطني (¬1) من حديث الواقدي عن ابن أبي ذئب عن خالد ابن سلمة أراه عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكره، قال: كذا قال خالد بن سلمة، وقال غيره: عن خاله الحارث عن أبي سلمة عن أبي هريرة، انتهى كلام الدارقطني، وقد ذكر المصنف الحديث في "شرح السنة" (¬2) منقطعًا بغير سند، كما ذكره في المصابيح، فقال: وروي عن أبي سلمة وساقه. 2730 - وروى جابر قال: جيء بسارق إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "اقطعوه"، فقطع، ثم جيء به الثانية، فقال: "اقطعوه" فقطع، ثم جيء به الثالثة، فقال: "اقطعوه" فقطع، ثم جيء به الرابعة، فقال: "اقطعوه"، فأتي به الخامسة، فقال: "اقتلوه"، فانطلقنا به فقتلناه، ثم اجتررناه فألقيناه في بئر، ورمينا عليه الحجارة. ¬

_ (¬1) أخرجه الدارقطني (3/ 181) (292)، والبيهقي في معرفة السنن والآثار (6/ 409 - 410). (¬2) (10/ 326)، وانظر كذلك: التلخيص الحبير (4/ 127).

قلت: رواه الشافعي في المسند وأبو داود هنا والنسائي (¬1) في القطع، من حديث جابر وقال النسائي: هذا منكر، وفي سنده مصعب بن ثابت، وهو ليس بالقوي في الحديث انتهى كلامه. قال الحافظ المنذري (¬2): ومصعب هو أبو عبد الله بن ثابت بن عبد الله بن الزبير القرشي المدني وقد ضعفه غير واحد من الأئمة. قال الخطابي (¬3): ما روي من القتل في الخامسة لا أعلم أحدًا من الفقهاء قال به، إلا ما روى عن مذهب بعض الفقهاء في جعله من المفسدين وللإمام أن يجتهد فيهم ولو بالقتل وقد يستدل لذلك بأنه قد جاء في رواية أبي داود أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتله أول مرة فقيل إنما سرق فقال: اقطعوه لما علم - صلى الله عليه وسلم - أنه من المفسدين وأنه لا ينتهي بالقطع أمر بقتله ولذلك عاد ثم عاد قال الشافعي: والقتل منسوخ وهذا ما لا اختلاف فيه عند أحد من أهل العلم علمته. 2731 - وروي في قطع السارق عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اقطعوه ثم احسموه". قلت: رواه البيهقي في السنن (¬4) من حديث عبد العزيز الدراوردي عن يزيد بن خُصَيفة عن محمَّد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة قال: أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4410)، والنسائي (8/ 90 - 91)، وفي الكبرى (7471)، وقال: = = هذا حديث منكر، ومصعب بن ثابت ليس بالقوي في الحديث والله تعالى أعلم، وليس في الباب حديث صحيح. وأخرجه الدارقطني (3/ 181) (289)، انظر: الإرواء (2434)، وترجم الحافظ في التقريب لمصعب بن ثابت (6731) وقال: لين الحديث وكان عابدًا. (¬2) مختصر السنن (6/ 236 - 238). (¬3) معالم السنن (3/ 270 - 271). (¬4) أخرجه البيهقي (8/ 271)، والدراقطني (3/ 102) (71). والحاكم في المستدرك (4/ 381) وقال: صحيح على شرط مسلم وقال ابن الملقن في "خلاصة البدر المنير" (2/ 314): ضعفه الدارقطني بالإرسال. =

بسارق، سرق شملة فقالوا: إن هذا سرق، فقال: لا إخاله سرق، فقال: بلى يا رسول الله، قد سرقت، قال: "اذهبوا به فاقطعوه، ثم احسموه، ثم أتوني به"، فأتي به، فقال: "تب إلى الله"، قال: تبت إلى الله، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "تاب الله عليك"، وقال البيهقي في معرفة السنن (¬1): وقد اختلف فيه على عبد العزيز الدراوردي عن يزيد منهم من وصله عنه، ومنهم من أرسله فلم يذكر فيه أبا هريرة، وأرسله أيضًا سفيان بن عينية وعبد العزيز بن أبي حازم عن يريد بن خصية، قال البيهقي: وهو المحفوظ انتهى كلام البيهقي، وقد رواه المصنف في "شرح السنة" (¬2) منقطعًا بغير إسناد كما ذكره في المصابيح. واحسموه: بالحاء المهملة والسين المهملة المكسورة، أي اكووه بالنار لينقطع الدم. 2732 - أُتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسارق فقطعت يده، ثم أمَر بها فعلّقت في عنقه. قلت: رواه الأربعة والدارقطني كلهم هنا من حديث فضالة بن عبيد يرفعه (¬3)، وقال الترمذي: حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث عمر بن المقدمي عن الحجاج بن أرطأة، قال النسائي: والحجاج بن أرطأة، ضعيف، لا يحتج بحديثه انتهى، قال المنذري: ولو ثبت الحديث لكان حسنًا لكنه لم يثبت. (¬4) 2733 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا سرق المملوك، فبعه ولو بنَشّ". ¬

_ = وأخرجه من رواية محمَّد بن ثوبان مرسلًا أبو داود في المراسيل (214) وأبو عبيد الهروي في غريب الحديث (2/ 258) والبيهقي (8/ 271). (¬1) معرفة السنن (12/ 419 - 420 رقم 17231). (¬2) شرح السنة (10/ 292 - 293). (¬3) أخرجه أبو داود (4411)، والترمذي (1447)، والنسائي (8/ 92)، وابن ماجه (2587)، والدارقطني (8/ 203) (372) وإسناده ضعيف. فيه الحجاج بن أرطأة قال الحافظ في التقريب (1127): صدوق كثير الخطأ والتدليس. (¬4) مختصر السنن (6/ 239).

باب الشفاعة في الحدود

قلت: رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه هنا (¬1) وفي سنده عمر بن أبي سلمة وقال النسائي: عمر بن أبي سلمة ليس بالقوي في الحديث انتهى كلامه، وقد ضعفه أيضًا شعبة ويحيى بن معين وقال أبو حاتم الرازي: لا يحتج به. والنش: بفتح النون وتشديد الشين المعجمة، عشرون درهمًا وهو نصف أوقية والأوقية أربعون. باب الشفاعة في الحدود من الصحاح 2734 - أن قريشًا أهمّهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلّم فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟، فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد -حِبّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فكلمه أسامة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أتشفع في حد من حدود الله؟ " ثم قام فاختطب، ثم قال: "إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله، لو أن فاطمة بنت محمَّد سرقت لقطعت يدها". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4412)، والنسائي (8/ 919)، وابن ماجه (2589) بإسناده ضعيف فيه عمر بن أبي سلمة ترجم له الحافظ في التقريب (4944): صدوق يخطيء.

قلت: رواه الجماعة (¬1) هنا وذكره البخاري أيضًا في بني إسرائيل بهذا اللفظ كلهم من حديث عائشة. والمرأة المخزومية: قيل اسمها فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد. ويجترئ: يتجاسر عليه بطريق الإدلال. وحِب رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: بكسر الحاء، أي: محبوبه. وقد أجمع العلماء على تحريم الشفاعة في الحدود بعد بلوغ الإِمام، وأما قبل بلوغه فأجازها أكثر العلماء، إذا لم يكن في المشفوع فيه شر وأذى للناس، وأما المعاصي الموجبة للتعزير فتجوز الشفاعة فيها، والتشفيع سواء بلغت الإِمام أم لا، بل يستحب إذا رأى المصلحة في ذلك. وروى عن عائشة: كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع، وتجحده، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقطع يدها، فأتى أهلها أسامة فكلموه، فكلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم - فيها فذكر نحوه. قلت: رواه مسلم وأبو داود والنسائي (¬2) ولم يخرج البخاري هذه الرواية وهي: تستعير المتاع، وتجحده، وأوهم كلام الحافظ عبد الغني في العمدة (¬3): أن هذه الرواية في الصحيحين وليس كذلك والله أعلم. قال العلماء: والمراد أنها قطعت بالسرقة، وإنما ذكر العارية تعريفًا لها ووصفًا، لا لأنها سبب القطع، وقد ذكر مسلم في هذا الحديث في سائر الطرق التصريح بأنها سرقت وقطعت بسبب السرقة، فيتعين حمل هذه الرواية على ذلك جمعًا بين الروايات، فإنها ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6788) و (3475)، ومسلم (1688)، وأبو داود (4373)، والترمذي (1430)، والنسائي (8/ 72)، وابن ماجه (2547). (¬2) أخرجه مسلم (1688)، وأبو داود (4374)، والنسائي (8/ 70). (¬3) عمدة الأحكام (357).

من الحسان

قصة واحدة مع أن جماعة من الأئمة، قالوا: هذه الرواية شاذة، فإنها مخالفة لجماهير الروايات والشاذ لا يعمل به. من الحسان 2735 - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من حالت شفاعته دون حد من حدود الله تعالى، فقد ضادّ الله، ومن خاصم في باطل وهو يعلمه، لم يزل في سخط الله تعالى حتى ينزع، ومن قال في مؤمن ما ليس فيه، أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال". قلت: رواه أبو داود في القضاء والبيهقي هنا كلاهما من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب وسكت عليه أبو داود. (¬1) وردغة الخبال: جاء تفسيرها في الحديث بأنها عصارة أهل النار. والردغة: بالراء المهملة المفتوحة وبسكون الدال وفتحها وبالغين المعجمة: طين ووحل كثير. والخبال: بالخاء المعجمة المفتوحة والباء الموحدة، قال الجوهري (¬2): هو صديد أهل النار. 2736 - ويروى: "من أعان على خصومة لا يدري: أحق أم باطل، فهو في سخط الله حتى ينزع". قلت: رواه أحمد (¬3) بنحوه من حديث سليمان الصنعاني عن ابن عمر، وفي الحديث قصة وطول، ورواه البيهقي في شعب الإيمان. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3597)، والبيهقي (8/ 332) وإسناده صحيح. كما صححه الحاكم في المستدرك (4/ 99)، وانظر: الصحيحة (437) و (1021). (¬2) الصحاح للجوهري (4/ 1682). (¬3) أخرجه أحمد (2/ 70)، والبيهقي في الشعب (7673).

2737 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي بلص قد اعترف اعترافًا، ولم يوجد معه متاع، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما إخالك سرقت؟ "، قال: بلى، فأعاد عليه مرتين أو ثلاثًا، فأمر به، فقطع وجيء به، فقال: "استغفر الله وتب إليه" فقال: أستغفر الله وأتوب إليه، قال: "اللهم تب عليه" ثلاثًا. قلت: رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي (¬1) كلهم هنا من حديث أبي المنذر مولى أبي ذرٍ عن أبي أمية المخزومي، قال الخطابي (¬2): وفي إسناد هذا الحديث مقال، والحديث إذا رواه رجل مجهول لم يكن حجة، ولم يجب الحكم به، قال المنذري (¬3): وكأنه يشير إلى أن أبا المنذر لم يرو عنه، إلا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، ووقع في أصول المصابيح عن أبي رمثة المخزومي وهو وهم، والصواب عن أبي أمية المخزومي هكذا هو في الكتب التي ذكرناها، وأبو رمثة ليس بمخزومي إنما هو تميمي، ويقال: بلوي وليس لأبي رمثة في السنن غير حديثين ليس هذا منهما والله أعلم. وما إخالك: أي ما أظنك سرقت، يقال: خلت الشيء خيلًا وخيلةً ومخيلةً إذا ظننته، وتقول في مستقبله إخال بكسر الألف وهو الأفصح، وبنو أسد يقولون: أخال بالفتح، وهو القياس، قاله الجوهري. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4380)، والنسائي (8/ 67)، وابن ماجه (2597) وإسناده ضعيف فيه أبا المنذر مولى أبي ذر مجهول. (¬2) معالم السنن (3/ 260). (¬3) مختصر السنن (6/ 217 - 218). (¬4) الصحاح للجوهري (4/ 1692).

باب حد الخمر

باب حد الخمر من الصحاح 2738 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضرب في الخمر بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر أربعين. قلت: رواه الجماعة هنا من حديث أنس. (¬1) - وفي رواية: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يضرب في الخمر بالنعال والجريد أربعين. قلت: رواه مسلم هنا (¬2) من حديث أنس، ولم يقل البخاري عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضرب أربعين. 2739 - كان يؤتى بالشارب على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإمرة أبي بكر، وصدرًا من خلافة عمر، فنقوم عليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا، حتى كان آخر إمرة عمر فجلد أربعين، حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين. قلت: رواه البخاري والنسائي كلاهما هنا من حديث السائب بن يزيد ولم يخرجه مسلم. (¬3) وقد قال الشافعي وآخرون: حده أربعون، وللإمام أن يبلغ به ثمانين فما زاد عند الشافعي على الأربعين تعزير، وقال الجمهور منهم الإِمام أبو حنيفة ومالك وأحمد: حده ثمانون. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6773)، ومسلم (1706)، وأبو داود (4479)، والترمذي (1443)، وابن ماجه (2570)، والنسائي (5277). (¬2) أخرجه مسلم (1706). (¬3) أخرجه البخاري (6779)، والنسائي في الكبرى (5280).

من الحسان

من الحسان 2740 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه، ثم أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك برجل قد شرب الخمر في الرابعة، فضربه ولم يقتله". قلت: رواه الترمذي هنا من حديث جابر (¬1) ورواه أيضًا هو وأبو داود وابن ماجه ثلاثتهم من حديث أبي صالح عن معاوية بن أبي سفيان (¬2) قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا شربوا الخمر فاجلدوهم، ثم إن شربوا فاجلدوهم، ثم إن شربوا فاجلدوهم، ثم إن شربوا فاقتلوهم"، واللفظ لأبي داود، وذكر الترمذي أنه روي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: سمعت محمدًا -يعني البخاري- يقول: حديث أبي صالح عن معاوية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا أصح من حديث أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما كان هذا في أول الإِسلام، ثم نسخ بعد، هكذا رواه محمَّد بن إسحاق عن محمَّد ابن المنكدر عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وساق الحديث الذي ذكره المصنف (¬3)، ثم قال: -أعني الترمذي- في آخر جامعه: جميع ما في هذا الكتاب من الحديث معمول به وقد أخذ به بعض أهل العلم ما خلا حديثين: حديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الظهر والعصر بالمدينة، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر، وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا شرب الخمر ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي معلقًا في السنن تحت حديث (1444). وإسناده صحيح راجع السلسلة الصحيحة (1360). (¬2) ومن وراية معاوية أخرجها الترمذي (1444)، وأبو داود (4482)، وابن ماجه (2573)، وانظر: فتح الباري (12/ 80 - 82)، ومسند أحمد بتحقيق العلامة أحمد شاكر (9/ 49) وما بعدها برقم (6197)، فإنه حقق القول فيه رواية ودراية، وأجاد. (¬3) سنن الترمذي (3/ 114 - 115).

فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه"، وقد بينا علة الحديثين جميعًا في الكتاب انتهى كلام الترمذي. (¬1) وقد حكى أيضًا غير الترمذي الإجماع على أنه لا يقتل بشربها وحكى القاضي عياض (¬2) عن طائفة شاذة أنهم قالوا يقتل بعد جلده أربع مرات، وهذا قول باطل لمخالفته إجماع الصحابة ومن بعدهم. 2741 - كأني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ أتي برجل قد شرب الخمر، فقال للناس: "اضربوه، فمنهم من ضربه بالنعال، ومنهم من ضربه بالعصا، ومنهم من ضربه بالميتَخة، ثم أخذ رسول - صلى الله عليه وسلم - ترابًا من الأرض، فرمى به في وجهه. قلت: رواه أبو داود والنسائي (¬3) هنا من حديث عبد الرحمن بن الأزهر ولم يذكر أبو القاسم تخريج النسائي له وسكت أبو داود على الحديث. والميتخة: قال ابن الأثير (¬4): هذه اللفظة قد اختلف في ضبطها، فقيل: هي بكسر الميم وتشديد التاء ثالثة الحروف. وبفتح الميم مع التشديد، وبكسر الميم وسكون التاء ثالثة الحروف قيل الياء آخر الحروف وبكسر الميم وتقديم الياء آخر الحروف ساكنة على التاء، قال الأصمعي: وهذه كلها أسماء لجرائد النخل، وأصل العرجون، وقيل اسم للعصا, وقيل: القضيب الدقيق اللين، وقيل: كل ما ضرب به من جرايد وعصا ودرة وغير ذلك. ¬

_ (¬1) المصدر السابق (6/ 227). (¬2) إكمال المعلم (5/ 540 - 541). (¬3) أخرجه أبو داود (4487)، والنسائي (5281) وإسناده حسن والمراد بأبي القاسم وابن عساكر في أطرافه والمزي والحافظ ابن حجر نسباه إلى النسائي مع أبي داود، انظر: تحفة الأشراف (7/ 191) رقم (9685). (¬4) النهاية (4/ 292).

وقال أبو سليمان الخطابي (¬1): هكذا جاء الميتخة الياء قبل التاء وهو اسم العصا الخفيفة، وهي أيضًا المتيخة التاء من فوق قبل الياء، وسميت متيخة لأنها تتوخ أي تأخذ في المضروب من قولك: تاخت إصبعي في الطين. 2742 - إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي برجل قد شرب الخمر، فقال: "اضربوه"، فمنا الضارب بيده، والضارب بثوبه، والضارب بنعله، ثم قال: "بكّتوه"، فأقبلوا عليه يقولون: ما اتقيت الله؟ ما خشيت الله؟ وما استحييت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال بعض القوم: أخزاك الله، قال: "لا تقولوا هكذا! لا تعينوا عليه الشيطان، ولكن قولوا: "اللهم اغفر له، اللهم ارحمه". قلت: رواه بهذا اللفظ أبو داود هنا من حديث أبي هريرة (¬2) ورواه البخاري أيضًا إلا أنه لم يقل "بكتوه" إلى قوله: "وما استحييت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" ولا قال أيضًا ولكن قولوا إلى آخره، وسيأتي في الباب بعده. وبكتوه: أي وبخوه وقرعوه، قال في النهاية: يقال له يا فاسق أما استحييت! أما اتقيت الله! وكذا قاله الزمخشري أيضًا في الفائق. (¬3) 2743 - شرب رجل فسكر، لقي يميل في الفجّ، فانطُلق به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما حاذى دار العباس انفلت، فدخل على العباس فالتزمه، فذُكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فضحك وقال: "أفعلها؟ " ولم يأمر فيه بشيء. قلت: رواه أبو داود هنا (¬4) من حديث ابن عباس، قال أبو داود: وهذا مما انفرد به أهل المدينة. ¬

_ (¬1) انظر: معالم السنن (3/ 294). (¬2) أخرجه أبو داود (4477 - 4478) وإسناده صحيح. وأخرجه البخاري بلفظ مقارب. (¬3) النهاية (1/ 148)، والفائق للزمخشري (1/ 125). (¬4) أخرجه أبو داود (4476) بإسناده ضعيف فيه محمَّد بن علي بن يزيد بن ركانة مجهول كما روى البيهقي =

باب لا يدعى على المحدود

والفج: الطريق الواسع، وكل منحرف بين جبلين فج. باب لا يُدْعى على المحدود من الصحاح 2744 - أن رجلًا اسمه عبد الله، يلقب: حمارًا، كان يُضحك النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جلده في الشراب، فأتي به يومًا، فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تلعنوه، فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله". قلت: رواه البخاري في: باب ما يكره من لعن شارب الخمر وأنه ليس بخارج عن الملة، من حديث عمر بن الخطاب ولم يخرجه مسلم. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: ما علمت أنه يحب الله ورسوله، (ما) هذه موصولة أي الذي علمته أنه يحب الله ورسوله. 2745 - أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل قد شرب، فقال: "اضربوه"، فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك الله، قال: "لا تقولوا هكذا، لا تُعينوا عليه الشيطان". قلت: رواه البخاري تلو الحديث قبلَه من رواية أبي هريرة. (¬2) ¬

_ = (8/ 315)، وترجم له الحافظ في التقريب (6200) وقال: صدوق. (¬1) أخرجه البخاري (6780). (¬2) أخرجه البخاري (6777).

من الحسان

من الحسان 2746 - جاء الأسلمي إلى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فشهد على نفسه أنه أصاب امرأة حرامًا، أربع مرات، كل ذلك يُعرض عنه، فأقبل في الخامسة، فقال: "أَنِكتها؟ " قال: نعم، قال: "حتى غاب ذلك منك في ذلك منها؟ " قال: نعم، قال: "كما يغيب المرود في المكحلة، والرشاء في البئر؟ "، قال: نعم، قال: "هل تدري ما الزنا؟ " قال: نعم، أتيت منها حرامًا، ما يأتي الرجل من أهله -حلالًا- فأمر به فرجم، فسمع نبي الله - صلى الله عليه وسلم - رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه، فلم تدعه نفسه حتى رُجم رجم الكلب، فسكت عنهما، ثم سار ساعة، حتى مر بجيفة حمار، شائل برجله، فقال: "أين فلان وفلان؟ " فقالا: نحن ذان يا رسول الله، فقال: "انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار"، فقالا: يا نبي الله من يأكل من هذا؟، قال: "فما نِلتما من عرض أخيكما آنفًا: أشد من أكل منه، والذي نفسي بيده، إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها". قلت: رواه أبو داود والنسائي كلاهما في الحدود (¬1) من حديث عبد الرحمن بن الصامت ابن عم أبي هريرة أنه سمع أبا هريرة يقول بمثل لفظه، ولفظ النسائي: "أنكحتها" وذكر البخاري عبد الرحمن هذا، وحكى خلافًا في اسم أبيه، وقال: حديثه في أهل الحجاز ليس يعرف إلا بهذا الحديث الواحد. والمكحلة: بضم الميم، والرشاء: بكسر الراء المهملة وفتح الشين المعجمة ممدود وجمعه أرشية. 2747 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أصاب ذنبًا، أقيم عليه حد ذلك الذنب، فهو كفارته". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4428)، والنسائي في الكبرى (7200)، وفي إسناده عبد الرحمن بن الصامت وهو مجهول وإن ذكره ابن حبان في الثقات. وترجم له الحافظ في التقريب (3924) وقال: مقبول.

باب التعزير

قلت: رواه البيهقي (¬1) في السنن في هذا الباب من حديث ابن خزيمة بن ثابت عن أبيه يرفعه، وفي الأحاديث الصحيحة ما يشهد له. 2748 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أصاب ذنبًا فعُجلت عقوبته في الدنيا، فالله أعدل من أن يثني على عبده العقوبة في الآخرة، ومن أصاب حدًّا، فستره الله عليه وعفا عنه، فالله أكرم من أن يعود في شيء قد عفا عنه" (غريب). قلت: رواه الترمذي في الإيمان وابن ماجه في الحدود (¬2) من حديث علي بن أبي طالب يرفعه وقال الترمذي: حسن غريب. باب التعزير من الصحاح 2749 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يجلد فوق عشر جلدات، إلا في حد من حدود الله". قلت: رواه الجماعة: البخاري في المحاربين والباقون في الحدود كلهم من حديث أبي بردة بن نيار واسمه هاني أنصاري أوسي. (¬3) وأخذ أحمد وأشهب وبعض أصحابنا بظاهر هذا الحديث. وقال مالك وأصحابه وأبو يوسف ومحمد والطحاوي وأبو ثور: ذلك إلى رأي الإِمام من غير ضبط بعدد. ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي (8/ 328)، وعزاه الهيثمي في المجمع (6/ 256) إلى الطبراني وأحمد وقال: وفيه من لم يسم، وأخرجه الإِمام أحمد في المسند (5/ 214). (¬2) أخرجه الترمذي (2626)، وابن ماجه (2604) بإسناده حسن، ونبّه محقق سنن الترمذي أن في طبعة بولاق "حسن غريب صحيح". انظر: سنن الترمذي (4/ 370)، وانظر كلام الدارقطني حول رفعه ووقفه في علله (3/ 128). (¬3) أخرجه البخاري (6848)، ومسلم (1708)، وأبو داود (4491)، والترمذي (1463)، والنسائي (7330)، وابن ماجه (2601).

من الحسان

وقال أبو حنيفة: لا يبلغ به أربعين، وهي رواية عن مالك. وقال الشافعي وجمهور أصحابنا: لا يبلغ تعزير كل إنسان أقل حدوده، فلا يبلغ تعزير العبد عشرين، ولا تعزير الحر أربعين، وأجابوا عن الحديث بأنه منسوخ، واستدلوا بأن الصحابة رضي الله عنهم جاوزوا عشرة أسواط. (¬1) من الحسان 2750 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه". قلت: رواه مسلم في الأدب وأبو داود في الحدود من حديث أبي هريرة، ولفظ مسلم: "فليجتنب" مكان "فليتق" وهو قريب، فكان من حق المصنف أن يذكر هذا الحديث في الصحاح. (¬2) 2751 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قال الرجل للرجل: يا يهودي! فاضربوه عشرين, وإذا قال: يا مخنث! فاضربوه عشرين، ومن وقع على ذات محرم فاقتلوه". (غريب). قلت: رواه الترمذي في الحدود من حديث ابن عباس وقال: هذا لا يعرف إلا من جهة إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة وهو يضعّف في الحديث انتهى، ووإن صوامًا قوامًا، وقال الدارقطني: متروك. (¬3) 2752 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا وجدتم الرجل قد غل في سبيل الله، فاحرقوا متاعه واضربوه". (غريب). ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (11/ 314 - 315). (¬2) أخرجه مسلم (2612)، وأبو داود (4493). (¬3) أخرجه الترمذي (1462) وفي إسناده إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، قال الحافظ في التقريب (147): ضعيف، وانظر أقوال العلماء فيه في: منهج النسائي (3/ 1031 - 1034) وقول الدارقطني في الضعفاء والمتروكون (112).

قلت: رواه أبو داود في الجهاد (¬1) من حديث صالح بن محمَّد بن زائدة، قال: دخلت مع مسلمة أرض الروم، فأتي برجل قد غل، فسأل سالمًا عنه، فقال: سمعت أبي يحدث عن عمر بن الخطاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ... وساقه، والترمذي في الحدود من حديث صالح بن محمَّد عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من وجدتموه غل في سبيل الله فاحرقوا متاعه" وقال الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، قال: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، قال: وسألت محمدًا يعني البخاري عن هذا الحديث فقال: إنما روى هذا صالح بن محمَّد بن زائدة وهو أبو واقد الليثي وهو منكر الحديث، قال البخاري: وقد روي في غير حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المال فلم يأمر فيه بحرق متاعه انتهى كلام الترمذي. وصالح هذا تكلم فيه غير واحد من الأئمة، وقد قيل: إنه تفرد به، وقال البخاري: وعامة أصحابنا يحتجون بهذا في الغلول، وهذا باطل ليس بشيء وقال الدارقطني: أنكروا هذا الحديث على صالح بن محمَّد، قال: وهذا حديث لم يتابع عليه ولا أصل لهذا الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2713)، والترمذي (1461) وإسناده ضعيف. وقد وهم الحاكم والذهبي (2/ 128) في تصحيح إسناده، في إسناده صالح بن محمَّد بن زائدة ترجم له الحافظ في التقريب (2901) وقال: ضعيف. (¬2) انظر سنن الترمذي (3/ 128 - 129)، والبيهقي (9/ 102 - 103)، والجوزقاني في الأباطيل والمناكير (. . .)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 584)، والتاريخ الصغير للبخاري (2/ 96).

باب بيان الخمر ووعيد شاربها

باب بيان الخمر ووعيد شاربها من الصحاح 2753 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الخمر من هاتين الشجرتين: النخلة والعنبة". قلت: رواه مسلم في الأشربة من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬1) 2754 - خطب عمر على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إنّه قد نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة أشياء: من العنب والتمر، والحنطة، والشعير، والعسل، والخمر: ما خامر العقل". قلت: رواه الجماعة إلا ابن ماجه الكل في الأشربة من حديث الشعبي عن ابن عمر عن عمر إلا مسلمًا فإنه رواه آخر كتابه، وأعاده البخاري في مواضع. (¬2) 2755 - لقد حُرّمت الخمر -حين حرمت- وما نجد خمر الأعناب إلا قليلًا، وعامة خمرنا: البسر والتمر. قلت: رواه البخاري في الأشربة من حديث أنس ولم يخرجه مسلم. (¬3) 2756 - سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البِتْع: وهو نبيذ العسل؟ فقال: "كل شراب أسكر، فهو حرام". قلت: رواه الجماعة البخاري في الطهارة وفي الأشربة والباقون في الأشربة من حديث عائشة. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1985). (¬2) أخرجه البخاري (5588)، ومسلم (3032)، وأبو داود (3669)، والترمذي (1874)، والنسائي (8/ 295). (¬3) أخرجه البخاري (5580). (¬4) أخرجه البخاري (5586)، ومسلم (2001)، والترمذي (1863)، وأبو داود (3682)، والنسائي =

والبتع: بالباء الموحدة المكسورة والتاء ثالثة الحروف والعين المهملة. 2757 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام". قلت: رواه مسلم وأبو داود والترمذي ثلاثتهم في الأشربة من حديث ابن عمر. (¬1) 2758 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ومن شرب الخمر في الدنيا، فمات وهو يدمنها لم يتب، لم يشربها في الآخرة". قلت: رواه مسلم وأبو داود والترمذي ثلاثتهم في الأشربة من حديث ابن عمر وأخرجه البخاري فيه ولفظه: "من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة". (¬2) 2759 - أن رجلًا قدم من اليمن، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال له: المِزْرُ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أو مسكر هو؟ " قال: نعم، قال: "كل مسكر حرام، إن على الله عهدًا لمن يشرب المسكر: أن يَسقيه من طينة الخبال" قالوا: يا رسول الله! وما طينة الخبال؟، قال: "عَرَق أهل النار أو عصارة أهل النار". قلت: رواه مسلم في الأشربة والنسائي فيه (¬3) وفي الوليمة من حديث جابر أن رجلًا قدم من جيشان، وجيشان: من اليمن فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - ... وساقه، ولم يخرج البخاري هذا الحديث. والمزر: بكسر الميم ويكون من الذرة ومن الشعير ومن الحنطة. 2760 - أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن خليط التمر والبسر، وعن خليط الزبيب والتمر، وعن خليط الزهو والرطب، وقال: "انتبذوا كل واحد على حدة". ¬

_ = (8/ 297) , وابن ماجه (3386). (¬1) أخرجه مسلم (2003)، والترمذي (1861)، وأبو داود (3679). (¬2) أخرجه البخاري (5575)، ومسلم (2003)، والترمذي (1861)، وأبو داود (3679). (¬3) أخرجه مسلم (2002)، والنسائي (8/ 327).

قلت: رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه كلهم في الأشربة من حديث أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري، ولم يخرجه البخاري عنه بهذا اللفظ. (¬1) والزهو: البسر الملون بفتح الزاي المعجمة يقال إذا ظهرت الحمرة والصفرة فقد ظهر فيه الزهو، وأهل الحجاز يقولون الزهو، بالضم يقال: زهي النخل وأزهي أيضًا لغة. وهذا الحديث صريح في النهي عن إنباذ الخليطين، وهو ما ذكر في الحديث، ونحو ذلك، قال العلماء: وسبب الكراهة فيه أن الإسكار تسرع إليه بسبب الخلط فيتغير طعمه، فيظن الشارب أنه ليس مسكرًا، ويكون مسكرًا، ومذهبنا ومذهب الجمهور أن هذا النهي لكراهة التنزيه، ولا يحرم ذلك ما لم يصير مسكرًا، وبهذا قال جماهير العلماء، ونقل عن أبي حنيفة وأبي يوسف لا كراهة فيه، ولا بأس به لأن ما حل مفردًا حل مخلوطًا. (¬2) 2761 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الخمر، تتخذ خلًّا؟، فقال: "لا". قلت: رواه مسلم وأبو داود كلاهما في الأشربة والترمذي في البيوع من حديث أنس. (¬3) واستدل بهذا الحديث الشافعي ومن وافقه على: أن الخمر لا تطهر إذا خللت بإلقاء جرم فيها. أما إذا خللت بنقلها من الشمس إلى الظل أو العكس، فالصحيح عندنا أنها تطهر، وحملنا الحديث على ما إذا خللت بإلقاء شيء فيها، هذا مذهب الشافعي وأحمد، وقال أبو حنيفة: تطهر بالتخليل ولو ألقى فيها شيء ليقلبها خلًّا، وأجمع العلماء على أنها إذا انقلبت بنفسها خلًّا طهرت. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1988)، وأبو داود (3704)، والنسائي (8/ 290)، وابن ماجه (3392). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (13/ 223 - 224). (¬3) أخرجه مسلم (1983)، وأبو داود (3675)، والترمذي (1294).

من الحسان

2762 - أن طارق بن سويد سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الخمر؟ فنهاه، فقال: إنما أصنعها للدواء؟ فقال: "إنه ليس بدواء، ولكنه داء". قلت: رواه مسلم في الأشربة والترمذي (¬1) في الطب كلاهما من حديث وائل بن حجر الحضرمي، ولم يخرجه البخاري. واستدل به أصحابنا على حرمة التداوي بالخمر لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعلها داءً، فكان المتناول لها تناولها بلا سبب. من الحسان 2763 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من شرب الخمر، لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحًا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحًا، فإن تاب، تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل له صلاة أربعين صباحًا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد في الرابعة لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحًا، فإن تاب لم يتب الله عليه، وسقاه من نهر الخبال". قلت: رواه الترمذي في الأشربة من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب يرفعه وقال: حديث حسن، انتهى (¬2) ورواه النسائي وابن ماجه والدارمي ثلاثتهم فيه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وفيه قصة. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1984)، والترمذي (2046). (¬2) أخرجه الترمذي (1862) وإسناده صحيح. (¬3) أخرجه النسائي (8/ 314) و (317)، وابن ماجه (3377)، والدارمي (2097)، وسنده صحيح، انظر: هداية الرواة (3/ 448).

والخبال: مفسر في الحديث الصحيح: بعصارة أهل النار، وإنما خص الصلاة بالذكر لأنها أفضل عبادات البدن، فإذا لم تقبل منه فغيرها أولى، أو لأن اجتناب النجاسة من شرطها، وهذا الثاني ليس بظاهر لأن بعد نزول النجاسة إلى الجوف لم يبق لها حكم النجاسة المشروطة في صحة الصلاة والله أعلم. 2764 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أسكر كثيره فقليله حرام". قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه ثلاثتهم في الأشربة من حديث جابر (¬1) وقال الترمذي: حسن غريب من حديث جابر انتهى وفي سنده داود بن بكر بن أبي الفرات، وثقه ابن معين، قال أبو حاتم الرازي: ليس بالمتين، قال المنذري: وقد روي هذا الحديث من رواية علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو، وعائشة، وخوّات بن جبير، وحديث سعد بن أبي وقاص أجودها إسنادًا، فإن النسائي رواه في سننه (¬2) عن محمَّد بن عبد الله بن عمار الموصلي، وهو أحد الثقات، عن الوليد بن كثير، وقد احتج به الشيخان عن الضحاك ابن عثمان، وقد احتج به مسلم في صحيحه عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، وقد احتج الشيخان بهما في الصحيحين. (¬3) 2765 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أسكر الفَرق، فملء الكف منه حرام". قلت: رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3681)، والترمذي (1865)، وابن ماجه (3393) وإسناده = = حسن، فيه داود بن بكر ترجم له الحافظ في التقريب (1787) وقال: صدوق. (¬2) أخرجه النسائي (8/ 301). (¬3) انظر للتفصيل: مختصر المنذري (5/ 267)، الإرواء (2375). (¬4) أخرجه أبو داود (3681)، والترمذي (1865)، وابن ماجه (3393) وإسناده صحيح انظر: نصب. الراية (4/ 302).

قال المنذري (¬1): وهو كما قال: فإن رواته جميعهم محتج بهم في الصحيحين، سوى أبي عثمان عمرو ويقال: عمر بن سالم الأنصاري، وهو مشهور، ولي القضاء بمرو، ورأى عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عباس، وسمع من القاسم بن محمَّد، وعنه روى هذا الحديث، وروى عنه غير واحد، ولم أر لأحد فيه كلامًا يضعف روايته. والفرق: قال ابن الأثير (¬2): بالتحريك مكيال يسع ستة عشر رطلًا وهي اثنا عشر مدًّا وثلاثة آصع عند أهل الحجاز، وقيل: الفرق خمسة أقساط، والقسط: نصف صاع، وأما الفَرْق: بالسكون فمائة وعشرون رطلًا انتهى. 2766 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن من الحنطة خمرًا، ومن الشعير خمرًا، ومن التمر خمرًا، ومن الزبيب خمرًا، ومن العسل خمرًا". (غريب). قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه واللفظ لهما ثلاثتهم من حديث النعمان بن بشير يرفعه. وقال الترمذي: غريب، انتهى. وسنده صحيح. (¬3) 2767 - كان عندنا خمر ليتيم، فلما نزلت المائدة، سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقلت: إنّه ليتيم؟ قال: "أهريقوه". قلت: رواه الترمذي في البيوع من حديث أبي سعيد وقال: حديث حسن. (¬4) 2768 - عن أبي طلحة أنه قال: يا نبي الله إنني اشتريت خمرًا لأيتام في حجري؟ فقال: "أهرق الخمر، واكسر الدنان" (ضعيف). ¬

_ (¬1) مختصر السنن (5/ 270). (¬2) النهاية (3/ 391). (¬3) أخرجه أبو داود (3676)، والترمذي (1872)، وابن ماجه (3379) وإسناده صحيح. راجع الصحيحة (1593). (¬4) أخرجه الترمذي (1293) وإسناده ضعيف فيه مجالد بن سعيد ترجم له الحافظ في التقريب (6520) وقال: ليس بالقوي، ولكنه له شاهد من حديث أنس عند أحمد (3/ 119) بإسناد حسن.

قلت: رواه الترمذي في البيوع. (¬1) من حديث الليث عن يحيى بن عباد عن أنس عن أبي طلحة قال الترمذي: وروى الثوري هذا الحديث عن السدي عن يحيى بن عباد عن أنس أن أبا طلحة قال: إن عندي، قال: وهذا أصح من حديث الليث. وفي رواية: أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أيتام ورثوا خمرًا؟ قال: "أهرقها"، قال: أفلا أجعلها خلًّا؟: قال: "لا". قلت: رواه أبو داود في الأشربة من حديث أنس بن مالك وسكت عليه. (¬2) تم آخر الجزء الأول يتلوه في الثاني إن شاء الله تعالى كتاب الإمارة والقضاء. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1293) وإسناده صحيح. وأخرجه الدارقطني (4/ 265) رقم (1). (¬2) أخرجه أبو داود (3675) وإسناده فيه السدي -إسماعيل بن عبد الرحمن- ترجم له الحافظ في التقريب (467) وقال: صدوق يهم، ورمي بالتشيع.

كتاب الإمارة والقضاء

كتاب الإمارة والقَضاء من الصحاح 2769 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني". قلت: رواه البخاري في الأحكام، ومسلم في المغازي والنسائي في السير ثلاثتهم من حديث أبي هريرة. (¬1) وقال الخطابي (¬2): كانت قريش ومن والاها من العرب لا يعرفون الإمارة، ولا يدينون لغير رؤساء قبائلهم، فلما كان الإِسلام وولي عليهم الأمراء، أنكرته نفوسهم، وامتنع بعضهم من الطاعة، قال لهم - صلى الله عليه وسلم - هذا القول ليعلمهم أن طاعتهم مربوطة بطاعته. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أطاعني إلى آخره"، وجه ذلك أن الله تعالى أمر بطاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأمر هو بطاعة الأمير فتلازمت الطاعة. 2770 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الإِمام جُنَّة، يقاتل من ورائه، ويُتقى به، فإن أمر بتقوى الله وعدَلَ، فإن له بذلك أجرًا، وإن قال بغيره، فإن عليه منه". قلت: رواه مسلم في المغازي من حديث أبي هريرة. (¬3) و"الإِمام جنة": أي كالساتر, لأنه يمنع من أذى المسلمين، ويمنع الناس بعضهم من بعض. و"يقاتل من ورائه" أي: يقاتل معه الكفار والبغاة والخوارج وسائر أهل الفساد. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (7137)، وأخرجه في الجهاد برقم (2957) بأتم من هذا حيث أن الحديث الآتي جزء منه في الجهاد، ومسلم (1835)، والنسائي (4/ 157)، وفي الكبرى (8727). (¬2) انظر: أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري للخطابي (2/ 1420). (¬3) أخرجه مسلم (1835/ 33).

قال القرطبي في شرح مسلم (¬1): "من ورائه" أي: أمامه، ووراء: من الأضداد. قال تعالى: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ} يعني أمامهم، والأصل أن كل ما توارى عنك أي غاب فهو أمام، والمعنى: أن يقاتل أمام الإِمام ولا يترك يباشر القتال بنفسه. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وإن قال بغيره وإن عليه منه"، قال القرطبي (¬2): و"من" هذه للتبعيض لأنه لا يختص هو بالإثم بل المُنفذ لذلك الجور يكون عليه أيضًا حظه من الإثم، والرَّاضي به، فالكل يشتركون في الإثم غير أن الإِمام أكثرهم حظًّا منه. 2771 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن أُمِرَّ عليكم عبدٌ مُجدَّع، يقودكم بكتاب الله، فاسمعوا له وأطيعوا". قلت: رواه مسلم في المغازي من حديث أم الحصين ترفعه. (¬3) ولم يخرج البخاري في كتابه عن أم الحصين في هذا شيئًا. ومَجدَّع: أي: مقطوع الأطراف، والمراد: أخس العبيد أي اسمع وأطع للأمير وإن وإن دنِيّ النسب، حتى لو كان عبدًا أسود مقطوع الأطراف، فطاعته واجبة. ويتصور ولاية العبد إذا ولاه بعض الأئمة أو تقلب على البلاد، ولا يجوز عقد الولاية له مع الاختيار لأن شرطها الحرية. 2772 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "اسمعوا وأطيعوا، وإن أُستعملَ عليكم عبد حبشي، كأن رأسه ذبيبة". قلت: رواه البخاري في الأحكام من حديث أنس بن مالك، ولم يخرج مسلم عن أنس في هذا شيئًا. (¬4) ¬

_ (¬1) انظر المفهم (4/ 26). (¬2) المصدر السابق (4/ 27). (¬3) أخرجه مسلم (1298). (¬4) أخرجه البخاري (7142).

قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كأن رأسه زبيبة" إشارة إلى أنه وإن كان حقيرًا، فاسمعوا وأطيعوا، مع أن الحبش موصوفون بصغر الرأس. 2773 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "السمع والطاعة: على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة". قلت: رواه البخاري في الجهاد وفي الأحكام، ومسلم في المغازي، وأبو داود والترمذي كلاهما في الجهاد، والنسائي في السير، وابن ماجة في الجهاد من حديث عبد الله بن عمر. (¬1) 2774 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا طاعة في معصية، إنما الطاعة في المعروف". قلت: رواه البخاري في إجازة خبر الواحد، ومسلم في المغازي. وأبو داود في الجهاد، والنسائي في البيعة كلهم من حديث علي بن أبي طالب، وفيه قصة الجيش الذي أجج أميرهم نارًا وأمرهم أن يقتحموا فيها. (¬2) 2775 - قال بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة: في العُسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أَثرة علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم. قلت: رواه البخاري في الأحكام، في باب "كيف يبايع الإِمام". ومسلم في المغازي، والنسائي في البيعة، وابن ماجة في الجهاد كلهم من حديث عبادة بن الصامت. (¬3) "والمنشط والمكره" يعني: المحبوب والمكروه، وهما مصدران. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الجهاد (2955)، وفي الأحكام (7144)، ومسلم (1839)، وأبو داود (2940)، والترمذي (1593)، والنسائي (7/ 152)، وفي الكبرى (8720)، وابن ماجه (2864). (¬2) أخرجه البخاري (7257)، ومسلم (1840)، وأبو داود (2625)، والنسائي (7/ 159). (¬3) أخرجه البخاري (7199 - 7200)، ومسلم (1709)، والنسائي (7/ 138)، وابن ماجه (2866).

والأثرة: بفتح الهمزة والثاء سيأتي الكلام عليها في الحديث السادس من هذا الحديث. (¬1) 2776 - وفي رواية: "على أن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرًا بواحًا، عندكم من الله فيه برهان". قلت: رواه البخاري في الفتن، ومسلم في المغازي كلاهما من حدثنا عبادة بن الصامت. (¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كفرًا بواحًا": بالباء الوحدة وبعدها واو من باح بالشيء، يبوح به إذا أعلنه، ويروى براحًا بالراء المهملة بإبدال الواو: أي جهارًا، والباء مفتوحة فيه. 2777 - قال: كنا إذا بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة، يقول لنا: "فيما استطعتم". قلت: رواه البخاري في الأحكام، ومسلم في المغازي، والترمذي في السير، والنسائي فيه وفي البيعة من حدثنا ابن عمر. (¬3) 2778 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ رأى من أميره شيئًا يكرهه، فليصبر، فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرًا فيموت، إلا مات ميتة جاهلية". قلت: رواه البخاري في الأحكام، ومسلم في المغازي كلاهما من حدثنا ابن عباس يرفعه. (¬4) ¬

_ (¬1) هكذا في المخطوط، وانظر ما أشار إليه المؤلف تحت حديث رقم (2765). (¬2) أخرجه البخاري (7055، 7056)، ومسلم (1709). (¬3) أخرجه البخاري (7202)، ومسلم (1867)، والترمذي (1593)، والنسائي (7/ 152)، وفي الكبرى في كتاب السير (5/ 221) (8724). (¬4) أخرجه البخاري (7143)، ومسلم (1849).

والميتة -بالكسر-: الحالة التي يموت عليها، أي: كما يموت أهل الجاهلية من الضلال والفُرقة. 2779 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات ميتة جاهلية، ومَنْ قاتل تحت رايةٍ عِميَّةٍ، يغضبُ لعَصبية، أو بدعوا لعَصَبيةٍ، أو ينصر عَصَبيةً، فقُتِل، فقِتلته جاهلية، ومن خرج على أمتي بسيفه، يضرب بَرَّها وفاجرَها، ولا يتحاشى مِن مؤمِنها, ولا يَفي لذي عهد عهدَه، فليس مني ولست منه". قلت: رواه مسلم في المغازي، والنسائي في المحاربة كلاهما من حديث أبي هريرة ولم يخرج البخاري هذا الحديث. (¬1) وعمِّية: قال النووي (¬2): هي بكسر العين وضمها لغتان مشهورتان، والميم مكسورة مشددة والياء مشددة أيضًا، قالوا: هي الأمر الأعمى، لا يستبين وجهه، كذا قال الجمهور. وقوله: "ولا يتحاشى من مؤمنها" معناه: لا يكترث بما يفعل فيها, ولا يخاف وباله وعقوبته. 2780 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "خيار أئِمتكُم: الذين تحبونهم ويُحبونكم، وتُصلون عليهم ويُصلُّون عليكم، وشِرار أئمتكم: الذين تُبغضُونهم ويُبغضُونكم، وتَلعنونَهم وَيلعنُونكم"، قال: قلنا: يا رسولَ الله أفلا نُنابِذُهم عند ذلك؟ قال: "لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من وُلّي عليه والٍ فرآه يأتي شيئًا من معصيةِ الله، فليَكره ما يأتي من معصية الله، ولا بَنزِعن يدًا من طاعة". قلت: رواه مسلم في المغازي من حديث عوف بن مالك، ولم يخرج البخاري حديث ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1848)، والنسائي (7/ 123). (¬2) المنهاج (12/ 331).

عوف هذا. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "يصلون عليهم" أي تدعون لهم ويدعون لكم. ومعنى "ننابذهم" أي تنبذ إليهم بيعتَهم ونترك طاعتهم. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا، ما أقاموا فيكم الصلاة" فيه دليل على أن الإِمام الأعظم لا ينعزل بالفسق، وإنما منع - صلى الله عليه وسلم - من منابذتهم مُدة إقامتهم الصلاة، حذرًا من هيجان الفتنة، واختلاف الكلمة، وغير ذلك مما يكون أشد نكاية من المصابرة على ما يكره منهم. 2781 - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يكون عليكم أمراء، تعرفون وتنكرون، فمن أنكر فقد برئ، ومن كره فقد سَلِمَ، ولكن من رضي وتابع"، قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: "لا، ما صلوا، لا، ما صلوا". قلت: رواه مسلم في المغازي، وأبو داود في السنة، والترمذي في الفتن، ثلاثتهم من حديث أم سلمة. (¬2) ومعنى: "تعرفون وتنكرون" أي: تعرفون بعض أفعالهم لموافقتها للحق، وتنكرون بعضها لمخالفتها للحق، ومعنى تعرفون: ترضون، لمقابلته تنكرون. قال المصنف: يعني من كره بقلبه وأنكر بقلبه. (¬3) 2782 - قال: قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنكم سترون بعدي أثرة أمورًا تنكرونها"، قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟، قال: "أدوا إليهم حقهم، واسألوا الله حقكم". قلت: رواه البخاري في علامات النبوة، ومسلم في المغازي, والترمذي في الفتن من ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1855). (¬2) أخرجه مسلم (1854)، وأبو داود (4760)، الترمذي (2265). (¬3) هكذا في المخطوط، أما البغوي فقال في شرح السنة (10/ 48) نقلًا عن الحسن البصري: "فمن أنكر بلسانه، فقد برئ، ومن كره بقلبه، فقد سَلِم".

حديث عبد الله بن مسعود. (¬1) والأثرة: بفتح الهمزة والثاء، ويقال بضم الهمزة بإسكان الثاء، وبكسر الهمزة وإسكان الثاء ثلاث لغات حكاهن في المشارق (¬2) وغيره، وهو استئثار الأمراء بأموال بيت المال. 2783 - سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا نبي الله! أرأيت إن قامت علينا أمراء، يسألوننا حقهم، ويمنعوننا حقنا فما تأمرنا؟ قال: "اسمعوا أطيعوا، فإنما عليهم ما حُمِّلوا، أوعليكم ما حملتم". قلت: رواه مسلم في المغازي، والترمذي في الفتن، كلاهما من حديث وائل بن حجر ولم يخرجه البخاري، ولا أخرج عن وائل بن حجر في صحيحه شيئًا. (¬3) 2784 - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من خلع يدًا من طاعةٍ، لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية". قلت: رواه مسلم في المغازي من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب، ولم يخرجه البخاري. (¬4) ومعنى "لا حجة له" أي: يأتي القيامة ولا حجة له في فعله، ولا عذر له ينفعه عند ربه. 2785 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي، خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء فيكثرون"، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (7052)، و (3603)، ومسلم (1843)، والترمذي (2190). (¬2) انظر: مشارق الأنوار على صحاح الآثار للقاضي عياض (1/ 18). (¬3) أخرجه مسلم (1856)، والترمذي (2199). (¬4) أخرجه مسلم (1851).

"فُوابيعة الأولِ فالأول، أعطُوهم حقّهم، فإن الله تعالى سائلهم عما استرعاهم". قلت: رواه البخاري في بني إسرائيل، ومسلم في المغازي، وابن ماجة في الجهاد ثلاثتهم من حديث أبي هريرة. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "تسوسهم الأنبياء" يُقال: "ساست الرعية سياسة إذا ملكت أمرهم أي: كان رؤسائهم الذين يقومون بساستهم الأنبياء". قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كما هلك نبي خلفه نبي" كالبيان لما قبله، وفيه دليل على جواز قول القائل: "هلك فلان" إذا مات. قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا}. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فيكثرون" هو بالثاء المثلثة بعد الكاف، من الكثرة، ولا عبرة عمن رواها بالباء الموحدة، فإنه تصحيف. ومعنى الحديث: إذا بويع الخليفة بعد خليفة فبيعة الأول صحيحة، يجب الوفاء بها، وبيعة الثاني باطلة، يحرم الوفاء بها، ويحرم عليه طلبها، وسواء عقدوا للثاني عالمين بعقد الأول أم جاهلين، وسواء كانا في بلدين أم بلد أو أحدهما في بلد الإِمام المنفصل، والآخر في غيره، هذا هو الصواب الذي عليه جماهير العلماء. وقيل: تكون لمن عقدت له في بلد الإِمام وقيل: يُقرع بينهما، وهذان ضعيفان. (¬2) 2786 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا بويع لخليفتين، فاقتلوا الآخِر منهما". قلت: رواه مسلم في المغازي من حديث أبي سعيد الخدري. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3455)، ومسلم (1842)، وابن ماجه (2871). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (12/ 320 - 321). (¬3) أخرجه مسلم (1853).

وهذا محمول على ما إذا لم يندفع إلا بالقتل، أو يكون القتل بمعنى إبطال الولاية فيصير كمن قتله، وهو دليل لما قاله السلف والخلف من أنه لا يجوز عقدها لشخصين. وقال الإِمام في الإرشاد: عندي أنه إذا بعد ما بينهما وتخللت بينهما شسوع فللاحتمال فيه مجال، قال وهو خارج من القواطع. وحكى المازرى، هذا القول عن بعض المتأخرين وأراد به إمام الحرمين. قال النووي: وهو قول فاسد، والله أعلم. (¬1) 2787 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أنه سيكون هنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع، فاضربوه بالسيف كائنًا من كان". قلت: رواه مسلم في الجهاد، وأبو داود في السنة، والنسائي في المحاربين ثلاثتهم من حديث عرفجة بن شرْيح الأشجعي (¬2)، ولم يخرج البخاري حديث عرفجة هذا, ولا أخرج في كتابه عن عرفجة شيئًا. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "سيكون هنات" قال في النهاية (¬3): أي شرور وفساد، يقال: في فلان "هناه" أي: خصال شر، ولا يُقال في الخير. واحدها: هنة، وقد تجمع على هنوات، وفي الحديث: الأمر بقتال من خرج على الإِمام وأراد تفريق كلمة المسلمين، وينهى عن ذلك فإن لم يرجع قوتل فإن لم يندفع شره إلا بقتله فقتل، فقتله كان كدرأ. (¬4) 2788 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من أتاكم وأمركم جميعٌ على رجل واحدٍ، يريدُ أن يشق عصاكم، ويفرق جماعَتكم، فاقتلوه". ¬

_ (¬1) انظر: المعلم بفوائد مسلم للمازري (3/ 35 - 36)، والمنهاج للنووي (12/ 321). (¬2) أخرجه مسلم (1852)، وأبو داود (4762)، والنسائي (7/ 92). (¬3) انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (5/ 279). (¬4) في المنهاج (12/ 335): كان هدرًا، وفي المخطوط "كدرأ".

قلت: رواه مسلم في الجهاد، وأبو داود في السنة، والنسائي في المحاربة من حديث عرفجة الأشجعي يرفعه. (¬1) قال النووي: يقال: شق العصا: إذا فارق الجماعة. قال أبو عبيد: أصل العصا الاجتماع والائتلاف، ومنه قيل للخوارج: (شقوا عصا المسلمين) أي: فارقوا جماعتهم. (¬2) 2789 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من بايع إمامًا، فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخري نازعه، فاضربوا عنق الآخر". قلت: رواه مسلم بقصة مطولة في المغازي هذا هو المرفوع منها، وأبو داود في الفتن والنسائي في البيعة وفي السير وابن ماجه في الفتن، أربعتهم من حديث عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة عن عبد الله بن عمرو ابن العاص يرفعه. (¬3) ولم يخرج البخاري عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة في كتابه شيئًا. 2790 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن مسألة، وكلت إليها، وإن أعطيئها عن غير مسألة، أعنت عليها". قلت: رواه الجماعة إلا ابن ماجة: البخاري في النذور وفي الأحكام، وفي الكفارات، ومسلم في النذور، وفي المغازي، وأبو داود في الخراج، والترمذي في الأيمان والنذور ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1852)، والنسائي (7/ 93) لم يعزه المزي إلى أبي داود في تحفة الأشراف (7/ رقم 9896). (¬2) انظر: كتاب الغريبين للهروي (4/ 150 - 151). (¬3) أخرجه مسلم (1844)، وأبو داود (4248)، والنسائي (7/ 152)، وابن ماجه (3956).

والنسائي في القضاء وفي السير كلهم من حديث عبد الرحمن بن سمرة. (¬1) قوله: "وكلت إليها" الصواب أنه بالواو، أي: أسلمْت إليها ولم يكن معك إعانة بخلاف ما إذا حصلت بغير مسألة. 2791 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فنعمت المرضعة، وبئست الفاطمة". قلت: رواه البخاري في الأحكام, والنسائي في القضاء وفي البيعة وفي السير من حديث أبي هريرة. (¬2) وقد ضرب - صلى الله عليه وسلم - المرضعة مثلًا للولاية وما توصله إلى صاحبهما من المنافع واللذات، وضرب الفاطمة مثلًا للموت الذي يهدم عليه لذاته فيقطع منافعها دونه ويبقى الحسرة والتبعة. 2792 - قال: قلت يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: "يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا مَنْ أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها". قلت: رواه مسلم في المغازي من حديث أبي ذر ولم يخرجه البخاري. (¬3) 2793 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "يا أبا ذر إني أراك ضعيفًا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرنّ على اثنين، ولا تولين مال يتيم". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في النذور (6122) وفي الأحكام (7146)، ومسلم (1652، وتكرر بنفس الرقم في كتاب الإمارة قبل حديث رقم (1733))، والترمذي (1529)، وأبو داود (2929)، والنسائي (8/ 225). (¬2) أخرجه البخاري (7148)، والنسائي (8/ 225). (¬3) أخرجه مسلم (1825).

قلت: رواه مسلم في المغازي، وأبو داود، والنسائي كلاهما في الوصايا من حديث أبي ذر، ولم يخرجه البخاري. (¬1) 2794 - قال: دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنا ورجلان من بني عمي، فقالا: أمِّرنا على بعض ما ولّاك الله، فقال: إنا -والله- لا نولي على هذا العمل أحدًا سأله, ولا أحدًا حرص عليه". قلت: رواه البخاري في الأحكام، ومسلم في المغازي، كلاهما من حديث أبي موسى. (¬2) وحرص عليه: بفتح الراء، وكسرها، والفتح أفصح وبه جاء القرآن، قال الله تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}. 2795 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا نستعمل على عملنا من أراده". قلت: رواه البخاري في الإجارات، وفي المرتدين والمعاندين ومسلم في المغازي، كلاهما من حديث أبي موسى. (¬3) 2796 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "تجدون من خير الناس أشدهم كراهية لهذا الأمر، حتى يقع فيه". قلت: رواه الشيخان في مناقب قريش، وفي غيره من حديث أبي هريرة. (¬4) 2797 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته: فالإمام الذي على الناس راع، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، وهي مسؤولة عنهم، وعبد الرجل راع على مال سيده، وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راع، وكلكلم مسئول عن رعيته". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1726)، وأبو داود (2868)، والنسائي (6/ 255). (¬2) أخرجه البخاري (7149)، ومسلم (1733). (¬3) أخرجه البخاري في الإجارات (2261)، وفي المرتدين والمعاندين (6923)، ومسلم (15/ 1733). (¬4) أخرجه البخاري (3496)، ومسلم (3526).

قلت: رواه البخاري في الصلاة وفي الوصايا، ومسلم في المغازي، والترمذي في الجهاد، من حديث ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. (¬1) 2798 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما من والٍ يلي رعيةً من المسلمين، فيموتُ وهو غاش لهم، إلا حرم الله عليه الجنة". قلت: رواه البخاري في الأحكام بهذا اللفظ ومسلم في الإيمان كلاهما من حديث معقل بن يسار. (¬2) 2799 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما من عبد يسترعيه الله رعيّة، فلم يحطها بنصيحة، لم يجد رائحةَ الجنة". قلت: رواه البخاري أيضًا في الأحكام بهذا اللفظ، ومسلم في الإيمان, كلاهما من حديث معقل بن يسار. (¬3) 2810 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن شر الرعاء الحطمة". قلت: رواه مسلم في المناقب من حديث الحسن البصري أن عائذ بن عمرو -وكان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬4) - دخل على عبيد الله بن زياد فقال: أي بُني إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن من شر الرعاء الحطمة" فإياك أن تكون منهم، فقال له: اجلس إنما أنت من نخالة أصحاب محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، فقال: وهل كانت لهم نخالة، إنما النخالة بعدهم وفي غيرهم. ولم يخرج البخاري هذا الحديث. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الصلاة (893)، وفي الاستقراض وأداء الديون (2409)، وفي الوصايا (2751)، ومسلم (1829)، والترمذي (1705). (¬2) أخرجه البخاري (7151)، ومسلم (142). (¬3) أخرجه البخاري (7150)، ومسلم (142). (¬4) أخرجه مسلم (1830).

وعائذ بن عمرو: وهو بالعين المهملة، وبعد الألف آخر الحروف ثم قال معجمة، وإن ممن بايع بيعة الرضوان تحت الشجرة، وكان من صالحي الصحابة، توفي في إمرة عبيد الله بن زياد وأيام يزيد بن معاوية. (¬1) والرعاء: بكسر الراء والمد جمع راع، والحطمة بضم الحاء، وفتح الطاء المهملتين، والمراد به هنا: الذي يظلم الرعية ولا يرحمهم من الحطم وهو الكسر. 2802 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم! من وَليَ من أمر أمتي شيئًا، فشَقّ عليهم، فاشقُقْ عليه، ومن وَليَ من أمر أمتي شيئًا، فرفَقَ بهم فارفُق به". قلت: رواه مسلم في المغازي، والنسائي في السير كلاهما من حديث عائشة ترفعه، ولم يخرجه البخاري. (¬2) 2803 - قال - صلى الله عليه وسلم -: إن المقسطين عند الله على منابر من نور، عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين: الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وَلوا". قلت: رواه مسلم في المغازي، والنسائي في القضاء كلاهما من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص يرفعه. ولم يخرجه البخاري (¬3). والمقسطون: هم العادلون، وقد فسره في الحديث، والإقساط، والقسط بكسر القاف: العدل، يقال: أقسط إقساطًا، وهو يقسط إذا عدل. قال تعالى: {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}. ويقال قسط يقسط بفتح الياء وكسر السين، قسوطًا، وقسطًا بفتح القاف فهو قاسط إذا جار. قال تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا}. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: الإصابة في تمييز الصحابة (3/ 609 رقم 4452). (¬2) أخرجه مسلم (1828)، والنسائي في الكبرى (8873). (¬3) أخرجه مسلم (1827)، والنسائي (8/ 221).

والمنابر: جمع منبر، والظاهر أنه على حقيقته، وقيل هو كناية عن ارتفاع المنزلة الرفيعة. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "عن يمين الرحمن" هو من أحاديث الصفات، وقد ذهب جمهور السلف إلى الإيمان بها وعدم الكلام في تأويلها مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد. وذهب أكثر المتكلمين إلى التأويل على ما يليق به تعالى. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وما وَلوا" بفتح الواو وضم اللام المخففة. 2804 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما بعث الله من نبي، ولا استخلف من خليفة، إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، والمعصوم من عصمه الله". قلت: رواه البخاري في القدر، وفي الأحكام، والنسائي في البيعة كلاهما من حديث أبي سعيد الخدري. ولم يخرجه مسلم. (¬2) وبطانة الرجل: هو صاحب سره الذي يشاوره في جميع أحواله. قال بعضهم: المراد بأحدهما: الملك، والآخر: الشيطان. 2805 - كان قيس بن سعد من النبي - صلى الله عليه وسلم - بمنزلة صاحب الشرط من الأمير. ¬

_ (¬1) مشى المؤلف على طريقة أهل التأويل والتفويض، وهما مذهبان باطلان، ومذهب السلف إثبات صفات الله كما دلّ عليها الكتاب والسنة وأنها على ظاهرها ويفسرون معناها على ما يليق بجلال الله، ولا يفوّضونها، فلا يجعلون نصوص الصفات من المتشابه الذي لا يفهم معناه ويجب تفويضه، بل كانوا يعلمون معاني هذه النصوص ويفسرونها، وإنما يفوّضون علم كيفيتها إلى الله، فمذهب السلف في أسماء الله وصفاته هو إثباتها كما جاءت في الكتاب والسنة من غير تشبيه لها بصفات المخلوقين، ومن غير تعطيل ونفي لها، بل إثبات بلا تشبيه وتنزيه لله بلا تعطيل. كما قال مالك: (الإستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب)، فالسلف متفقون على الإقرار والإمرار والإثبات لما ورد من الصفات في كتاب الله وسنة رسوله من غير تعرض لتأويله. (¬2) أخرجه البخاري (7198) في الأحكام، وفي القدر (6611)، والنسائي (7/ 158).

من الحسان

قلت: رواه البخاري في الأحكام، والترمذي في المناقب من حديث أنس بن مالك، ولم يخرجه مسلم. (¬1) وقيس بن سعد: هو قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري سيد الخزرج وابن سيدها. (¬2) والشُرط: جمع شرطة وشرطي، وهم قواد الأمير وحراسه، سموا بذلك لأنهم جعلوا لأنفسهم علامة يُعرفون بها، والشُرط: بالتحريك وهو العلامة، ومعناه: كان قيس بن سعد هو الذي يتقدم بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - لتنفيذ أوامره، وينوب منابه في إقامة الأمور السياسية، وكان كصاحب الشُرط الذي ينفذ أوامر الأمير. 2806 - قال: لما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أهل فارس قد ملّكوا عليهم بنت كسرى، قال: "لن يُفلح قوم ولوا أمرهم امرأة". قلت: رواه البخاري في آخر المغازي في كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى كسرى وقيصر، وفي الفتن والترمذي فيه، والنسائي في القضاء من حديث أبي بكرة، ولم يخرجه مسلم. (¬3) من الحسان 2807 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "آمركم بخمس: بالجماعة، والسمع، والطاعة، والهجرة، والجهاد في سبيل الله، وأنه من خرج من الجماعة قيد شبر، فقد خلع ربقة الإِسلام من عنقه، إلا أن يُراجع، ومن دعا بدعوى الجاهلية، فهو من جُثاء جهنم، وإن صام وصلّى وزعَم أنه مسلم". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (7155)، والترمذي (3850). (¬2) الإصابة لابن حجر (5/ 473 رقم 7182). (¬3) أخرجه البخاري (4425)، والترمذي (2262)، والنسائي (8/ 227).

قلت: رواه الترمذي في الأمثال من حديث الحارث الأشعري. (¬1) وقد اختصره المصنف، وأوله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، وأنه كاد أن يبطئ بها، فقال عيسى: إن الله أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، فإما أن تأمرهم وإما أنا آمرهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقتني بها أن يُخسفَ بي، وأعَذَّب، فجمع الناسَ في بيت المقدس، فامتلأ المسجد وقعدوا على الشُرفِ فقال: إن الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن، وآمركم أن تعملوا بهن: أَوّلهُنّ أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وإن مَثَل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدًا من خالص ماله بذهب أو ورق، فقال: هذه داري وهذا عملي فأعمل وأد إليّ، فكان يعمل ويؤدي إلى غَيْر سيده، فأيكم يرضى أن يكون عَبدُه كذلك؟ وإن الله أمَرَكم بالصلاة، فإذا صليتم فلا تلتفتوا فإنّ الله ينصبُ وجْههُ لوجهِ عبدهِ في صلاته ما لم يلتفتْ، وآمركم بالصيام، فإن مَثَل ذلك كمثل رجلٍ في عصابةٍ معه صُرَّةٌ فيها مِسْك، فكلُّهم يَعْجَبُ أو يُعجبهُ ريحُها، وإن ريحَ الصائم أطيبُ عند الله من ريح المسكِ، وآمُركم بالصَّدقة فإن مَثَل ذلك كمثل رجُل أسَره العدُوّ، فأوثقُوا يدَه إلى عُنقِه وقَدّموه ليَضرِبوا عُنقه، فقال: أنا أفديه منكم بالقليل والكثير، فَفَدى نفسه منهم، وآمُركم أن تذكروا الله فإنّ مَثَل ذلك كمثلِ رجُلٍ خرج العدُو في أَثره سراعًا حتى إذا أتى على حصنٍ حَصينٍ فأحرز نفسه منهم، كذلك العبدُ لا يُحرزُ نفسهُ من الشيطانِ إلا بذكر الله، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: وأنا آمركم بخمس .. الحديث". وقيد شبر هو: بكسر القاف أي: قدر شبر. وربقة الإِسلام: عهد الإِسلام. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2863) وإسناده صحيح. وصححه ابن خزيمة (483)، وابن حبان (6233)، وأحمد (4/ 130، 202)، وانظر هداية الرواة (3/ 464).

والربق: بكسر الراء حبل فيه عدة عرى يشد به البُهم. الواحدة من تلك العُرى ربقة، والمعنى: مَنْ خرج من الجماعة ونزع اليد من الطاعة ولو بشيء يسير فقد نقض عرى الإِسلام ونبذ ذمة الله اللازمة للأعناق لزوم الربقة. شبه - صلى الله عليه وسلم - ما لزم الأعناق من ذمة الإِسلام وحق الدين بالربقة التي تجعل في أعناق البهم من حيث أنه حق المؤمن فيمنعه أن يتخطى الحدود. وجُثاء جهنم: بضم الجيم وفتح الثاء المثلثة قال الهروي: واحدتها جُثى بضم الجيم أي: من جماعات جهنم، انتهى. (¬1) وروي "من جُثي جهنم" بكسر الثاء وتشديد الياءآخر الحروف، وهو جمع جاث وهو الذي يجلس على ركبتيه من قوله تعالى: {حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا}. 2808 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله". (غريب). قلت: رواه الترمذي في الفتن من حديث أبي بكرة يرفعه، وقال: حسن غريب. (¬2) 2809 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق". قلت: رواه المصنف في "شرح السنة" بسنده إلى شهر بن حوشب عن الزبرقان عن النواس بن سمعان يرفعه، ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث علي يرفعه ولفظه: "لا طاعة لبشر في معصية الله" وشواهد ذلك في الصحيحين. (¬3) 2810 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما من أمير عَشَرة، إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولًا، حتى يفُكّ عنه العدل، أو يُوبقَه الجَورُ". ¬

_ (¬1) الغريبين (1/ 318). (¬2) أخرجه الترمذي (2224) , وإسناده ضعيف، انظر الضعيفة (1465). (¬3) رواه البغوي في شرح السنة (2455)، ورواه ابن حبان عن علي (4568) وإسناده صحيح. انظر شواهده في: البخاري (7257)، ومسلم (1840).

قلت: رواه الدارمي في السير من حديث أبي هريرة ورجاله رجال الصحيحين إلا حماد بن سلمة فإنه لمسلم خاصة. (¬1) 2811 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ويل للأمراء، ويل للعُرفاء، ويل للأمناء، ليَتَمنَّينَّ أقوام يوم القيامة أن نواصيَهم معلّقة بالثريّا، يتجَلجَلُون بين السماء والأرض، وأنهم لم يَلُوا عملا". قلت: رواه أحمد وأبو داود الطيالسي من حديث أبي هريرة. (¬2) والعريف: هو القيم بأمر القبيلة والمحلة معرِّف أمرهم. 2812 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن العرافة حق، ولا بد للناس من عرفاء، ولكن العرفاء في النار". قلت: رواه أبو داود في الخراج (¬3) وفيه قصة من حديث غالب وهو ابن القطان عن رجل عن أبيه عن جده أنهم كانوا على منهل من المناهل، فلما بلغهم الإِسلام جعل صاحب الماء لقومه مائة من الإبل على أن يُسلموا، فأسلموا، وقسم الإبل بينهم، وبَدا له أن يرتجعها منهم، فأرسل ابنه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: أئتِ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقل له: إن أبي يقرئك السلام، وإنه جعل لقومه مائة من الإبل على أن يُسْلموا، فأسلموا، وقسم الإبل بينهم، وبدا له أن يرتجعها منهم، أفهُو أحق بها أم هُمْ؟ فإن قال لك: نعم، أو لا، فقل له: إن أبي شيخ كبير، وهو عريف الماء، وإنه يسألك أن تجعل لي العِرَافَة ¬

_ (¬1) أخرجه الدارمي (3/ 1635/ رقم 2557) وإسناده صحيح. كما أخرجه أحمد (2/ 431)، والبزار (1640 - كشف الأستار)، وأبو يعلى الموصلي (6614). (¬2) أخرجه أحمد (2/ 352)، وأبو داود الطيالسي (2523) وإسناده حسن لأن فيه عباد بن أبي علي وهو "مقبول" وذكر الحافظ ابن حجر في إتحاف المهرة (5/ 186)، = = وأطراف المسند (7/ 290) له متابعًا، وانظر كذلك: مسند أبي يعلى برقم (6217)، والحاكم (4/ 91) وقد صححه، والبيهقي (10/ 97)، والبغوي في شرح السنة (2468). (¬3) أخرجه أبو داود (2934).

بعده، فأتاه، فقال: إن أبي يقرئك السلام فقال: وعليك وعلى أبيك السلام، فقال: إن أبي جعل لقومه مائة من الإبل على أن يُسلموا، فأسلموا وحسُن إسلامهم، ثم بدا له أن يرتجعها منهم، فهو أحق بها أم هم؟ قال: "إن بدا له أن يسلمها منهم فليسلمها، وإن بدا له أن يرتجعها فهو أحق بها منهم، فإن أسلموا فلهم إسلامهم، وإن لم يسلموا قوتلوا على الإِسلام". فقال: إن أبي شيخ كبير وهو عريف الماء، وإنه يسألك أن تجعل لي العِرَافة بعده، قال: "إن العرافة حق، ولا بد للناس من العُرَفَاء، ولكن العرفاء في النار". في إسناده مجاهيل، وذكر ابن عدي هذا الحديث في كتاب الضعفاء في ترجمة غالب القطان مختصرًا، وقال: الضعف على أحاديث غالب بينٌ. (¬1) 2813 - قال - صلى الله عليه وسلم - لكعب بن عجرة: "أعيذك بالله من إمارة السفهاء"، قال: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: "أمراء سيكونون من بعدي، من دخل عليهم فصدّقهم بكذبهم، وأعانَهم على ظلمِهم، فليسوا مني ولست منهم، ولم يَرِدُوا عليَّ الحوضَ، ومَن لم يدخل عليهم، ولم يصدقهم بكذبهم، ولم يُعِنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم، أولئك يردون عليّ الحوضَ". قلت: رواه الترمذي في الفتن، والنسائي في البيعة وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب. (¬2) 2814 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من سكن البادية جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى السلطان اُفتتن". ¬

_ (¬1) انظر: الكامل لابن عدي (6/ 235)، وهذا الكلام نقله المؤلف عن المنذري انظر مختصر سنن أبي داود (4/ 196). (¬2) أخرجه الترمذي (2259) وفي المطبوع: هذا حديث صحيح غريب، والنسائي (7/ 160)، وابن حبان (279) (282) (283) (285)، وأحمد في المسند (4/ 243) وإسناده صحيح.

قلت: رواه أبو داود، والنسائي كلاهما في الصيد، والترمذي في الفتن وقال: حسن غريب من حديث ابن عباس، لا نعرفه إلا من حديث الثوري. انتهى كلامه. (¬1) وفي إسناده أبو موسى عن وهب بن منبه، قال المنذري: ولا يعرف اسمه، وقال الحافظ أبو أحمد الكرابيسي: حديثه ليس بالقائم. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2859)، والنسائي (7/ 195)، والترمذي (2256)، وأحمد (1/ 357). هذا سند ضعيف لجهالة أبي موسى فإنه لم يرو عنه غير سفيان، ولم يوثقه غير ابن حبان وقد حسنه الألباني في الصحيحة (1272) وفي هداية الرواة (3/ 467) بشاهد من حديث أبي هريرة أخرجه الإِمام أحمد في المسند (2/ 371) وهو ضعيف أيضًا، وكذلك أخرجه البزار (1618 - كشف)، والبيهقي في السنن (10/ 101). من طريق محمَّد بن صباح الدولابي قال حدثنا اسماعيل بن زكريا عن الحسن بن الحكم النخعي عن عدي ابن ثابت عن أبي حازم عن أبي هريرة. وخالف إسماعيل فيه يعلى ومحمد ابنا عبيد الطنافسي فروياه عن الحسن بن الحكم عن عدي بن ثابت عن شيخ من الأنصار عن أبي هريرة وهذا هو المحفوظ عن عدي بن ثابت إذ يعلى ومحمد ثقتان متقنان وهما بلا شك أجل وأوثق من إسماعيل بن زكريا. فهذا قد اختلفت أقوال المجرّحين والمعدّلين فيه فمنهم: من وثقه، ومنهم من ضعفه، ومنهم من جعله وسطًا، مقارب الحديث، فمثل هذا إذا خالف من هو أوثق منه لا سيما إذا كانا اثنين أو أكثر فلا يعتبر بمخالفته، ويرجح قول غيره على قوله. ثم إن في الحديث علة ثانية وهي تفرد الحسن بن الحكم به فقد دارت الأسانيد كلها عليه وقد حسن القول فيه يحيى بن معين وأحمد بن حنبل فوثقاه. وغالى ابن حبان في "المجروحين" فقال فيه: يخطيء كثيرًا ويهم شديدًا لا يعجبني الاحتجاج به إذا انفرد. وأورد له هذا الحديث وكذلك ذكره الذهبي في ميزانه (1/ 486) والحديث حسن لغيره إن شاء الله، والله أعلم. (¬2) انظر: مختصر سنن أبي داود للمنذري (4/ 141) وقال أيضًا: وقد روي من حديث أبي هريرة وهو ضعيف أيضًا، وروي أيضًا من حديث البراء بن عازب، وتفرد به شريك ابن عبد الله فيما قاله الدارقطني، وشريك: فيه مقال. وانظر ترجمة أبي موسى في: الجرح والتعديل (9/ 438)، وقال الحافظ: أبو موسى، عن وهب بن منبه، مجهول، ووهم من قال: إنه إسرائيل بن موسى. التقريب (8470).

قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من سكن البادية جفا" الجفاء: غِلَظ القلب، أي من سكن البادية غَلَظ طبعه لقلة مخالطة الناس ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ بدا جفا" بالدال المهملة. وأما الفتنة بالقرب من السلطان، فلأنه إن وافقه فيما يأتيه خاطر بدينه، وإن لم يوافقه خاطر بدنياه. - ويروى: "من لزم السلطان افتتن، وما ازداد عبد من السلطان دُنُوًا، إلا ازداد من الله بعدًا". قلت: رواه أبو داود. (¬1) 2815 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضرب على منكبَيه ثم قال: "أفلحتَ يا قُدَيْم إن مُت ولم تكن أميرًا، ولا كاتبًا، ولا عَريفًا". قلت: رواه أابو داود في الخراج من حديث صالح بن يحيى بن المقدام بن معدي كرب عن جده المقدام، وفي بعض النسخ عن أبيه عن جده. (¬2) وصالح بن يحيى قال البخاري: فيه نظر. وقال موسى بن هارون الحافظ: لا يُعرف صالح ولا أبوه ولا جده. 2816 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يدخل الجنة صاحب مكْس" يعني: الذي يَعشُرُ الناسَ أي يأخذ العُشر. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2860) من رواية أبي هريرة. وقد سبق الكلام عليه في الحديث السابق. (¬2) أخرجه أبو داود (2933). وإسناده ضعيف، انظر الضعيفة (1133). انظر ترجمة صالح بن يحيى في الكاشف (ت 2367)، الميزان (2/ ت 3836) التاريخ الكبير (4/ ت (2869))، والتقريب (2910). وقال فيه: لين. (¬3) في المخطوطة كلمة واحدة لم أتبين قراءتها.

قلت: رواه أبو داود في الخراج من حديث عقبة بن عامر يرفعه (¬1)، والتفسير الذي ذكره المصنف من كلام محمَّد بن إسحاق وهو أحد رواته، وفيه كلام مشهور. (¬2) 2817 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة، وأقربهم منه مجلسًا: إمامٌ عادل، وإن أبغض الناس إلى الله يوم القيامة، وأشدهم عذابًا -ويروي: أبعدهم منه مجلسًا-: إمام جائر" (غريب). قلت: رواه الترمذي في الأحكام من حديث أبي سعيد الخدري يرفعه، وقال: [حديث حسن غريب] لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه، انتهى كلام الترمذي (¬3). وفي سنده عطية بن سعد العوفي. قال الذهبي: ضعفوه. 2818 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أفضل الجهاد: مَنْ قال كلمة حق عند سلطان جائر". قلت: رواه أبو داود في الملاحم، والترمذي وابن ماجه كلاهما في الفتن من حديث أبي سعيد الخدري يرفعه، وقال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه، انتهى (¬4)، وفي سنده عطية العوفي. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2937)، والإمام أحمد (4/ 143 و 150)، والدارمي (2/ 1036 رقم 1708) وغيرهم، وإسناده ضعيف. لأن فيه محمَّد بن إسحاق وهو مدلس وقد رواه بالعنعنة مع ذلك فقد صححه الحاكم (1/ 404)، وأقره الذهبي، ونقل المنذري في "الترغيب والترهيب" (1/ 278) أن ابن خزيمة أخرجه في صحيحه. (¬2) سبق الكلام عنه تحت حديث رقم (55). (¬3) أخرجه الترمذي (1329) وأحمد في المسند (3/ 55) وفيه عطية بن سعد العوفي وهو ضعيف. انظر كلام الذهبي في الكاشف (2/ 27 رقم 3820)، انظر الضعيفة (1156). (¬4) أخرجه أبو داود (4344)، والترمذي (2147)، وابن ماجه (4011) وفي إسناده عطيه العوفي وهو ضعيف. ولكن للحديث شواهد يرتقى بها، ومنها، ما رواه أحمد (4/ 314)، (والنسائي (7/ 61)) من حديث طارق بن شهاب وإن كان طارق ابن شهاب له رؤية ولكنه لم يسمع منه شيئًا وقال الحافظ =

2819 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أراد الله بالأمير خيرًا: جعل له وزيرَ صدقٍ، إن نسي ذكّره، وإن ذكَر أعانَه، وإن أراد به غير ذلك: جعل له وزير سوءٍ، إن نسي لم يُذكره، وإن ذكر لم يُعِنْه". قلت: رواه أبو داود في الخراج، وابن حبان في صحيحه من حديث عائشة يرفعه وسكت عليه أبو داود. (¬1) 2820 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم". قلت: رواه أبو داود في الأدب (¬2) في باب النهي عن التجسس، من حديث شريح بن عبيد عن جبير بن نفير، وكثير بن مرة، وعمرو بن الأسود، والمقدام بن معدي كرب، وأبي أمامة جميعهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي إسناده إسماعيل بن عياش وفيه مقال وجبير بن نفير أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقيل إنه أسلم في خلافة أبي بكر فهو معدود من التابعين، وكثير بن مرة ذكره عبدان في الصحابة ولم يذكره ابن عبد البر منهم والذي نص عليه الأئمة أنه تابعي (¬3)، وعمرو بن الأسود أدرك الجاهلية وروى عن عمر بن الخطاب، والمقدام وأبو أمامة صحبتهما مشهورة. ¬

_ = في الإصابة (3/ 510): إذا ثبت أنه لقى النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو صحابي على الراجح وإذا ثبت أنه لم يسمع منه فروايته عنه "مرسل صحابي" وهو مقبول على الراجح وقد أخرج له النسائي عدة أحاديث وذلك مصير منه إلى إثبات صحبته أ. هـ. (¬1) أخرجه أبو داود (2932)، وابن حبان (4494). وإسناده صحيح. وأخرجه أيضًا النسائي (7/ 159)، وأحمد (6/ 70). (¬2) أخرجه أبو داود (4889) وإسناده صحيح. وانظر: مختصر سنن أبي داود للمنذري (7/ 218 - 219). (¬3) انظر ترجمة إسماعيل بن عياش الحِمْصي وهو صدوق في روايته عن أهل بلده، مخلّط في غيرهم، تقريب التهذيب برقم (477). وكثير بن مرة ذكره العسكري في جملة الصحابة وقال: ذكره ابن أبي خيثمة في جملة الصحابة الذين يعرفون بكناهم، وهو وهم. وذكره في التابعين جماعة، منهم: مسلم وخليفة، وابن حبان، وأبو حاتم، والبخاري. =

باب ما على الولاة من التيسير

2821 - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنك إذا اتبعت عورات الناس أفسدتهم". قلت: رواه أبو داود في الأدب أيضًا من حديث معاوية بن أبي سفيان، وفيه: قال أبو الدرداء كلمة سمعها معاوية من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفعه الله بها. وسكت عليه أبو داود. (¬1) 2822 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كيف أنتم وأئمة من بعدي، يستأثرون بهذا الفيء؟ " قلت: أما والذي بعثك بالحق، أضع سيفي على عاتقي، ثم أضرب به حتى ألقاك، قال: "أوَلا أدلك على خير من ذلك؟؛ تصبر حتى تلقاني". قلت: رواه أبو داود في السنة في باب الخوارج من حديث أبي ذر وسكت عليه. (¬2) باب ما على الولاة من التيسير من الصحاح 2823 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث أحدًا من أصحابه في بعض أمره، قال: "بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا". قلت: رواه مسلم في المغازي وأبو داود في الأدب، في كراهية المراء، من حديث أبي موسى ولم يخرجه البخاري بهذا اللفظ. (¬3) 2824 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يسروا ولا تعسروا، وسكنوا ولا تنفروا". ¬

_ = انظر: أسد الغابة (4/ 461)، والإصابة (5/ 638)، وطبقات مسلم (1972)، وطبقات خليفة (309)، والتاريخ الكبير (7/ 208)، والجرح والتعديل (7/ 157). (¬1) أخرجه أبو داود (4888)، وكذلك البخاري في الأدب المفرد (248)، وابن حبان (5760) وصححه. (¬2) أخرجه أبو داود (4759). وفي إسناده خالد بن وُهبان وهو مجهول. انظر: التقريب (1695)، وأخرجه المزي في ترجمة خالد بن وهبان من تهذيب الكمال (8/ 191). (¬3) أخرجه مسلم (1732)، وأبو داود (4835).

قلت: رواه البخاري في العلم ومسلم في المغازي والنسائي في العلم ثلاثتهم من حديث أنس. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "سكنوا ولا تنفروا" أي: سهلوا الأمور ولا تنفروا بالتعسير، وقيل: هو نهي عن تنفير الطير وزجره، وكانوا ينفرونها فإن سنح يعني أتى عن اليمين تيمنوا به، وإن برح يعني أتى عن الشمال تشاءموا به، والظاهر الأول للأحاديث الدالة على ذلك. 2825 - قال بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - جده أبا موسى ومعاذًا إلى اليمن، فقال: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا، وتطاوعا ولا تختلفا". قلت: رواه البخاري في الأدب وفي الأحكام وفي المغازي، ومسلم في المغازي وذكره أيضًا مطولًا في الأشربة، وذكر فيه سؤاله للنبي - صلى الله عليه وسلم - عن المزر والبتع كلاهما من حديث أبي بردة عن أبي موسى (¬2). 2826 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة، فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان". قلت: رواه البخاري في مواضع منها في الجزية وفي الفتن ومسلم في المغازي كلاهما من حديث ابن عمر يرفعه. (¬3) واللواء: الراية ولا يمسكها إلا صاحب الجيش، ومعناه في الحديث: علامة يشهر بها في الناس. 2827 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لكل غادر لواء يوم القيامة يُعرف به". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (69)، ومسلم (1734)، والنسائي في الكبرى (5890). (¬2) أخرجه البخاري في الأدب (6124)، وفي المغازي (4344) (4345)، وفي الأحكام (7172)، ومسلم (1733). (¬3) أخرجه البخاري في الفتن (7111)، وفي الجزية (3188)، وفي الأدب (6178)، ومسلم (1735).

من الحسان

قلت: رواه البخاري في الجزية، ومسلم في المغازي، كلاهما من حديث أنس بن مالك يرفعه. (¬1) 2828 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لكل غادر لواء عند إسته يوم القيامة، ألا ولا غادر أعظم غدرًا من أمير عامة". قلت: رواه مسلم في المغازي من حديث أبي سعيد الخدري، ولم يخرج البخاري عن أبي سعيد في هذا شيئًا. (¬2) من الحسان 2829 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ولاه الله شيئًا من أمر المسلمين، فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم، احتجب الله دون حاجته، وخلته وفقره". قلت: رواه أبو داود في الخراج واللفظ له، والترمذي في الأحكام، كلاهما من حديث عمرو بن مرة (¬3)، وقال الترمذي: عمرو بن مرة يكنى أبا مريم (¬4). - وفي رواية: "أغلق الله أبواب السماء دون خلته وحاجته ومسكنته". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3186)، ومسلم (1737). (¬2) أخرجه مسلم (1738). (¬3) أخرجه أبو داود (2948)، والترمذي (1332) وإسناد أبي داود صحيح لأنه من طريق يزيد بن أبي مريم عن القاسم بن مخيمرة أن أبا مريم الأزدي أخبره ..... (¬4) هو: عمرو بن مرة الجهني، أبو طلحة أو أبو مريم، صحابي، مات بالشام في خلافة معاوية انظر: الإصابة (4/ 680 - 682).

باب العمل في القضاء والخوف منه

قلت: رواها الترمذي في الأحكام من حديث عمرو بن مرة يرفعه. (¬1) والخلة: بالفتح الحاجة والفقر، وكرر لاختلاف اللفظ، وقيل: الحاجة تستعمل في الأضرار العامة، والخلة في الأضرار الخاصة، والفقر فيما كان كاسرًا للظهر مأخوذ من الفقار كأنه كثير فقاره. باب العمل في القضاء والخوف منه من الصحاح 2830 - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يقضين حَكَمٌ بين اثنين وهو غضبان". قلت: رواه الجماعة كلهم في القضاء من حديث أبي بكرة، لكن البخاري وآخرون ترجموا الباب بالأحكام، وبعضهم ترجمه بالقضاء. (¬2) قال العلماء: ويلحق بالغضب كل حال يخرج الحاكم فيها عن سداد النظر العطش، والجوع، والشبع، والهم، والفرح، إذا أقلقه ذلك. فإن حكم في هذه الأحوال كره ونُفذ حكمه. 2831 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب، فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ، فله أجر واحد". قلت: رواه البخاري في الاعتصام، ومسلم وابن ماجة في الأحكام، وأبو داود ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1332). وفي إسناده أبو الحسن وهو الجزري قال الحافظ في التقريب (8106): مجهول. (¬2) أخرجه البخاري (7158)، ومسلم (1717)، وأبو داود (3589)، والترمذي (1334)، وابن ماجه (2316)، والنسائي (8/ 237).

من الحسان

والنسائي في القضاء كلهم من حديث عمرو بن العاص يرفعه. (¬1) قال الخطابي (¬2): إنما يؤجر المخطىء على اجتهاده في طلب الحق لأن الاجتهاد عبادة، ولا يؤجر على الخطأ بل يوضع عنه الإثم فقط، وهذا فيمن كان جامعًا لآلة الاجتهاد، أما من لم يكن أهلًا للاجتهاد فلا يعذر بالخطأ، بل يُخاف عليه أعظم الوزر، ويدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار". وهذا كله في غير أركان الشريعة وأمهات الأحكام التي لا تحتمل الوجوه، ولا مدخل فيها للتأويل، فإن من أخطأ فيه كان غير معذور في الخطأ. من الحسان 2832 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من جُعل قاضيًا بين الناس، فقد ذُبح بغير سكين". قلت: رواه أبو داود في القضاء، وكذا النسائي وابن ماجة ثلاثتهم من حديث أبي (¬3) هريرة يرفعه. وفي سنده: عثمان بن محمَّد الأخنس، قال النسائي: وليس بذلك القوي. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "بغير سكين" يحتمل معنيين، أحدهما: أن الذبح في ظاهر العُرف وغالب العادة أن يكون بالسكين، فعدل - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ليُعلم أن المراد ما يخاف عليه من هلاك ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (7352)، ومسلم (1716)، وأبو داود (3574)، والنسائي في الكبرى (5918)، وابن ماجه (2314). (¬2) انظر: معالم السنن شرح سنن أبي داود (4/ 149). (¬3) أخرجه أبو داود (3572)، وابن ماجه (2308)، والنسائي في الكبرى (5923). وكذلك الترمذي (1325) وإسناده صحيح، قال الحافظ في التلخيص الحبير (4/ 339): وأعله ابن الجوزي فقال: هذا حديث لا يصح، وليس كما قال، وكفاه قوة تخريج النسائي له، وذكره الدارقطني الخلاف فيه على سعيد المقبري، وقال: والمحفوظ عن سعيد المقبري عن أبي هريرة. وعثمان الأخنس، قال الحافظ في التقريب (4547): صدوق له أوهام، وانظر للتفصيل: منهج النسائي (5/ 2224).

دينه دون هلاك بدنه، والثاني: أن الذبح الوجيء الذي يقع به إراحة الذبيحة وخلاصها من الألم إنما يكون بالسكين، وإذا ذُبح بغير سكين كان ذبحه خنقًا وتعذيبًا، فضرب المثل به ليكون أبلغ في الحذر منه، قاله الخطابي. (¬1) 2833 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من ابتغى القضاء وسأله, وُكِل إلى نفسه، ومَن أُكره عليه، أنزل الله عليه ملكًا يسدِّدُه". قلت: رواه أبو داود في القضاء من حديث بلال ولم ينسبه، عن أنس يرفعه، والترمذي من طريقين أحدهما عن بلال بن أبي موسى عن أنس، والثاني عن بلال بن مرداس الفزاري عن خيثمة وهو البصري عن أنس، وقال إن الرواية الثانية أصح، انتهى. (¬2) والرواية الثانية فيها خيثمة بن أبي خيثمة قال فيه يحيى بن معين: ليس بشيء، وذكره ابن حبان في الثقات. (¬3) 2834 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "القضاة ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النار، فأما الذي في الجنة: فرجل عَرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق وجار في الحكم، فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل، فهو في النار". ¬

_ (¬1) معالم السنن (4/ 148). (¬2) أخرجه الترمذي (1324)، وأبو داود (3578)، وكذلك ابن ماجه (2309) وقال الترمذي: حسن غريب، وليس كذلك فإن بالإسناد عبد الأعلى بن عامر الثعلبي. وقال الحافظ في الفتح (13/ 124): ابن معين لَيّن خثيمة وضَعّف عبد الأعلى، وقال الجمهور أنه: ليس بقوي. وقال الحافظ في التقريب (3755): صدوق يهم، من السادسة. ثم إنه اضطرب في إسناده، فمرة أوصله ومرة أرسله، ثم إن في الإسناد بلال بن أبي موسى وهو الفزاري مقبول حيث يتابع وإلا فضعيف، ولم يتابع. (¬3) قال الحافظ في التقريب: (1782) ليّن الحديث، من الرابعة، انظر أقوال العلماء فيه في تهذيب الكمال (8/ 369 - 370).

قلت: رواه أبو داود والنسائي كلاهما في القضاء، والترمذي وابن ماجة كلاهما في الأحكام كلهم من حديث بريدة يرفعه، وسكت عليه أبو داود. (¬1) 2835 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "منْ طلب قضاء المسلمين حتى يناله، ثم غلب عدله جوره: فله الجنة، ومن غلب جوره عدله: فله النار". قلت: رواه أبو داود في القضاء من حديث أبي هريرة، وسكت عليه. (¬2) 2836 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما بعثه إلى اليمن، قال: "كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ "، قال: أقضي بكتاب الله، قال: "فإن لم تجد في كتاب الله؟ "، قال: فبسنة رسول الله، قال: "فإن لم تجد في سنة رسول الله؟ "، قال: أجتهد رأيي ولا آلو، قال: فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على صدره، وقال: "الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله لما يرضى به رسول الله". قلت: رواه أبو داود في القضاء، والترمذي في الأحكام كلاهما من حديث الحارث بن عمرو بن أبي المغيرة بن شعبة عن أناس من أهل حمص من أصحاب معاذ عن معاذ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال الترمذي: لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده عندي بمتصل. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3573)، والنسائي في الكبرى (5922)، والترمذي (1322)، وابن ماجه (2315)، وإسناده صحيح، قال الحاكم (4/ 90) على شرط مسلم وقال الحافظ في التلخيص الحبير (4/ 340). قال الحاكم في علوم الحديث: تفرد به الخراسانيون، ورواته مراوزة. قلت: له طريق غير هذه، قد جمعتها من جزء مفرد. أ. هـ. (¬2) أخرجه أبو داود (3575). وإسناده ضعيف. لأن فيه موسى بن نجدة، قال الذهبي في الميزان (4/ 225): لا يعرف، روى عنه ملازم بن عمرو وهو السحيمي. وقال الحافظ في التقريب (7069): موسى بن نجدة: مجهول، من السادسة، انظر سلسلة الضعيفة (1186). (¬3) أخرجه الترمذي (1327)، وأبو داود (3592) وهو ضعيف. =

وقال البخاري في التاريخ الكبير (¬1): الحارث بن عمرو ابن أخي المغيرة بن شعبة الثقفي عن أصحاب معاذ بن جبل عن معاذ روى عنه أبو عون، ولا يصح، ولا يُعرف إلا بهذا، مُرسل. "ولا آلوا" هو بمد الهمزة أي: لا أقصر ولا أترك. قال تعالى: {لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} أي: لا يقصرون في إفساد أموركم. ومعناه: لا أقصر في الاجتهاد ولا أترك بلوغ الوسع منه. 2837 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما أقضي بينكم برأيي فيما لم ينزل علي فيه". قلت: رواه أبو داود في القضاء من حديث أم سلمة قالت: "أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلان يختصمان في مواريث وأشياء قد درست، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "إني أقضي بينكم برأيي فيما لم ينزل عليّ فيه" وسكت عليه أبو داود. (¬2) 2838 - قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن قاضيًا، فقلت: يا رسول الله ترسلني وأنا حديث السن، ولا علم لي بالقضاء!، فقال: "إن الله سيهدي قلبك، ويثبت لسانك، إذا تقاضَى إليك رجلانِ: فلا تقض للأول حتى تسمع كلام الآخر، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء"، قال: فما شككت في قضاء بعده. قلت: رواه أبو داود في القضاء، والترمذي في الأحكام مختصرًا إذا تقاضى إليك ¬

_ = وقد صرح بتضعيفه أئمة الحديث منهم: البخاري والترمذي والدارقطني وعبد الحق الأشبيلي وغيرهم وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 273): هذا حديث لا يصح وإن كان الفقهاء كلهم يذكرونه في كتبهم ويعتمدون عليه، ولعمري إن كان معناه صحيحًا إنما ثبوته لا يعرف؛ لأن الحارث بن عمرو مجهول وأصحاب معاذ من أهل حمص لا يعرفون، وما هذا طريقه فلا وجه لثبوته أ. .هـ وقد حقق القول فيه العلامة الألباني - رحمه الله - في الضعيفة (881). (¬1) التاريخ الكبير (2/ 277 ت (2449)). (¬2) أخرجه أبو داود (3585).

باب رزق الولاة وهداياهم

الرجلان ... الحديث، وقال: حسن. وقد سكت عليه أبو داود. (¬1) قال الخطابي (¬2): وفي هذا الحديث دليل على أن الحاكم لا يقضي على غائب لأنه - صلى الله عليه وسلم - منعه من أن يقضي لأحد الخصمين وهما حاضران، حتى يسمع كلام الآخر ففي الغائب أولى بالمنع، وذلك لإمكان أن يكون مع الغائب حجة تبطل دعوى الآخر. وأراد الخطابي بذلك الغائب عن مجلس الحكم الحاضر في البلد وليس مراده الغائب إلى مسافة القصر. ويدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا تقاضى إليك رجلان" والغائب إلى مسافة القصر لا يتقاضى. باب رزق الولاة وهداياهم من الصحاح 2839 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أعطيكم ولا أمنعكم، أنا قاسِمٌ أضع حيث أُمرتُ". قلت: رواه البخاري في الخمس من حديث عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة يرفعه (¬3). 2840 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن رجالا يتخوّضُون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامَة". قلت: رواه البخاري أيضًا في الخمس من حديث خولة الأنصارية ترفعه. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (1/ 156)، والطيالسي برقم (125)، وأبو يعلى (371)، وأبو داود (3582)، والترمذي (1331). وقال: هذا حديث حسن. (¬2) معالم السنن (4/ 150). (¬3) أخرجه البخاري (3117).

من الحسان

ولم يخرجه مسلم ولا أخرج لخولة الأنصارية شيئًا، وليس لها في البخاري سوى هذا الحديث. (¬1) قوله: "يتخوضون" هو بالخاء والضاد المعجمتين: أي: يتصرفون في مال الله بما لا يرضاه الله، وأصل الخوض: الشي في الماء وتحريكه، ثم استعمل في التلبيس بالأمر والتصرف فيه. 2841 - قالت: لما استخلف أبو بكر قال: لقد عَلِم قومي أنّ حِرْفَتي لم تكن تعجزُ عن مَؤُونة أهلي، وشُغلتُ بأمر المسلمين، فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال، ويحترف للمسلمين فيه. قلت: رواه البخاري في البيوع ولم يرفع منه شيئًا بل هو موقوف على أبي بكر الصديق رضي الله عنه. (¬2) وقوم أبي بكر هم: قريش، وحرفته: التجارة، كان يتجر رضي الله عنه، وتعجز: بكسر الجيم، قوله: "فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال" المراد بذلك من كان يحترف من أجلهم، والمراد باحترافه للمسلمين: نظره في أمورهم وتثمين مكاسبهم وأرزاقهم. وقد روي أن أبا بكر رضي الله عنه كان يأخذ كل يوم من مال بيت المال درهمين نفقة لأهله. من الحسان 2842 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من استعملناه على عمل، فرزقناه رزقًا، فما أخذ بعد ذلك، فهو غُلول". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3118). (¬2) أخرجه البخاري (2070).

قلت: رواه أبو داود في الخراج من حديث بريدة يرفعه. (¬1) 2843 - وقال عمر -رضي الله عنه-: عملت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَعَمَّلني. قلت: رواه أبو داود في الخراج (¬2)، وأصل الحديث ثابت في الصحيحين وفي سنن النسائي (¬3) أتم منه من حديث عمر، وهذا الحديث أحد الأحاديث التي وقعت في البخاري واجتمع في إسنادها أربعة من الصحابة يروي بعضهم عن بعض، وهو في هذا الحديث السائب بن يزيد ابن أخت نَمِرٍ عن حويطب بن عبد العزى عن عبد الله بن السَّعْدي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم. ومن الأحاديث التي جاءت هكذا حديث زينب بنت أبي سلمة عن حبيبة عن أمها أم حبيبة عن زينب بن جحش. قالت: استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نومه محمرًا وجهه وهو يقول: "ويلٌ للعرب من شر قد اقترب". (¬4) قوله: "فعمّلني" بفتح العين وتشديد الميم: أي جعل لي عمالة، والعمالة؛ بضم العين: أجرة العمل. 2844 - قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن، فلما سرتُ أرسل في أثري، فردَدت، فقال: "أتدري لم بعثت إليك؟ لا تُصيبن شيئًا بغير إذني، فإنه غلول، {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}، لهذا دعوتك، فامضِ لعملك". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2943) وإسناده صحيح. انظر هداية الرواة (3/ 484). (¬2) أخرجه أبو داود (2944). وأصله في الصحيحين انظر: البخاري (7163)، ومسلم (11045)، وانظر: فتح الباري (13/ 153). (¬3) انظر سنن النسائي (5/ 102 - 103). (¬4) أخرجه مسلم (1/ 2880)، والحميدي (308)، وأحمد (6/ 428)، والترمذي (2187)، وابن ماجه (3953) وغيرهم وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وانظر: فتح الباري (13/ 12).

قلت: رواه الترمذي في الأحكام من حديث معاذ وقال: حسن غريب. (¬1) 2845 - قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من كان لنا عاملًا، فليكتسب زوجة، فإن لم يكن له خادم، فليكتسب خادمًا، فإن لم يكن له مسكن، فليكتسب مسكنًا". قلت: رواه أبو داود في الخراج من حديث المستورد بن شداد، وسكت عليه أبو داود. (¬2) - ويروى: "من اتخذ غير ذلك فهو غالّ". قلت: رواه أبو داود. (¬3) وهذا يتأول على وجهين: أحدهما: أن للعامل السكنى والخدمة، فإن لم يكن له مسكن وخادم استؤجر له من يخدمه فيكفيه مهنة مثله، ويكرى له مسكن يسكنه، مدة مقامه في عمله. الثاني: أنه أباح اكتساب الخادم والزوجة والمسكن من عمالته التي هي أجره، قاله الخطابي. (¬4) 2846 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا أيها الناس من عُمِّل منكم لنا على عمل، فكتمنا منه مخيطًا فما فوقه، فهو غالٌّ يأتي به يوم القيامة"، فقام رجل من الأنصار، فقال: يا رسول الله اقبلْ عني عَمَلك، فقال: "وما ذاك؟ "، قال: سمعتك تقول كذا وكذا، ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1335) وفي إسناده أبي أسامة عن داود الأودي. وداود الأودي: ضعيف قد ضعفه أبو داود وغيره كما في سؤالات الأجرى (182) وقال: متروك. وقال الحافظ: ضعيف، التقريب (1827). (¬2) أخرجه أبو داود (2945) وإسناده صحيح، وصححه الحاكم (1/ 406) وقال: صحيح على شرط البخاري، ووافقه الذهبي. (¬3) أخرجه أبو داود (2945). (¬4) معالم السنن (3/ 8).

قال: "وأنا أقول ذلك: من استعملناه على عمل، فليأت بقليله وكثيره، فما أوتي منه، أخذه، وما نهي عنه انتهى". قلت: رواه مسلم في المغازي، وأبو داود في القضاء، وكلاهما من حديث عَدِيّ بن عَمِيْرة الكندي فكان من حق المصنف رضي الله عنه أن يذكره في الصحاح لا في الحسان. (¬1) 2847 - قال: "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الراشي والمرتشي". قلت: رواه أبو داود في القضاء، والترمذي وابن ماجة، كلاهما في الأحكام من حديث عبد الله بن عمرو، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. (¬2) قال الزمخشري (¬3): الرشوة والرُشوة، الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة من الرشا، وقد رشاه رشوًا فارتشى، كما يقال كساه فاكتسى، وقيل: هو من قولهم رشا الفرخ إذا مد عنقه إلى أمه لتزقه. وإنما يدخل الراشي تحت اللعن إذا لم يستدفع بما دفعه مضرة. 2848 - قال أرسل إليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أجمع عليك سلاحك وثيابك ثم ائتني، قال: فأتيته وهو يتوضأ، فقال: "يا عمرو إني أرسلت إليك لأبعثك في وجه يسلّمك الله ويُغَنِّمُك، وأزْعبَ لك زُعْبة من المال"، فقلت: يا رسول الله ما كانت هجرتي للمال، ما كانت إلا لله ولرسوله، قال: "نِعِمّا بالمال الصالح للرجل الصالح". قلت: رواه الإِمام أحمد من حديث موسى بن علي بن رباح عن أبيه قال: سمعت عمروًا فذكره. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1833)، وأبو داود (3581). (¬2) أخرجه أبو داود (3580)، والترمذي (1337)، وابن ماجه (2313) وإسناده صحيح. وأخرجه كذلك أحمد (2/ 164، 190، 94)، وابن حبان (577). (¬3) انظر الفائق للزمخشري (2/ 60). (¬4) أخرجه أحمد (4/ 197) قال العراقي: بسند صحيح، انظر هداية الرواة (3/ 486).

باب الأقضية والشهادات

قوله: "وأزْعب لك زُعبة من المال" هو بالزاء المعجمة والعين المهملة. قال الجوهري (¬1): الزعبة الدفعة من المال، يقال: زعبت له زعبة من المال، وزعبة من المال أي قطعت له قطعة منه، وزَعَبْتُه عَنّي أي دفعته. قوله: "نعما بالمال الصالح" هو بكسر النون وفتحها، والعين مكسورة ليس إلا، والباء في بالمال مزيدة، مثلها في "كفى بالله" قاله بعضهم. باب الأقضية والشهادات من الصحاح 2849 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو يعطى الناس بدعواهم، لادَّعى ناس دماء رجال وأموالَهم، ولكن البيِّنة على المدعي، واليمين علي المدَّعَى عليه". قلت: هذه الرواية بهذا اللفظ ليست في شيء من الصحيحين من حديث ابن عباس، ولا من حديث غيره بل رواها البيهقي في سننه في باب الدعاوى من حديث ابن عباس يرفعه. قال النووي: وإسناد البيهقي حسن أو صحيح، انتهى. (¬2) والذي في الصحيحين وابن ماجه من رواية ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو يعطى الناس بدعواهم، لادّعى قوم دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه". ذكره البخاري في تفسير سورة آل عمران، ومسلم، وابن ماجه كلاهما في الأحكام، ورواه الشيخان أيضًا، وأبو داود والترمذي والنسائي ثلاثتهم في القضاء ¬

_ (¬1) انظر الصحاح للجوهري (1/ 142). (¬2) البيهقي في السنن (10/ 252)، وانظر: كلام النووي في المنهاج (4/ 12).

"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين على المدعى عليه" مختصرًا. (¬1) 2850 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من حلف على يمين صَبْر، وهو فيها فاجر، يقتطع بها مال امرئ مسلم، لقي الله يوم القيامة وهو عليه غضبان". قلت: رواه الجماعة: البخاري في مواضع منها في الأشخاص وفي الشركة وفي الشهادات، ومسلم في الأيمان، وأبو داود في الأيمان والنذور، والترمذي في البيوع، والنسائي في القضاء، وابن ماجه في الأحكام، كلهم من حديث ابن مسعود ومن حديث الأشعث بن قيس. (¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من حلف على يمين صبر" قال النووي (¬3): هو بإضافة يمين إلى صبر، ويمين الصبر: هي التي ألزم بها وحبس عليها، وكانت لازمة لصاحبها من جهة الحاكم، وقيل لها مصبورة وإن كان صاحبها هو المصبور لأنه إنما صبر من أجلها. 2851 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من اقتطع حق امرئ مسلم ليمينه، فقد أوجب الله له النار، وحرّم عليه الجنة"، فقال له رجل: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله؟، قال: "وإن كان قضيبًا من أراك". قلت: رواه مالك في الأقضية، وأحمد في مسنده, ومسلم في الأيمان والنسائي وابن ماجه كلاهما في القضاء، جميعًا من حديث أبي أمامة الحارثي واسمه إياس بن ثعلبة ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2666 - 2667)، ومسلم (1711)، وأبو داود (3619)، والترمذي (1342)، والنسائي (8/ 248)، وابن ماجه (2321). (¬2) أخرجه البخاري (الشهادات (2666) (2667))، وفي الخصومات (2416) (2417)، ومسلم (138)، وأبو داود (3243)، والترمذي (1269)، والنسائي في الكبرى (5991)، وابن ماجه (2323). ومن رواية الأشعث بن قيس أحمد (5/ 212)، وأبو داود (3244)، والحاكم (4/ 295). (¬3) المنهاج للنووي (2/ 212 - 214).

يرفعه. ولم يخرجه البخاري ولا أخرج عن أبي أمامة الحارثي شيئًا. (¬1) قال النووي (¬2): وقع في بعض أصول مسلم أو في أكثرها "وإن قضيب من أراك"، وفي أكثرها: "وإن قضيبًا" على أنه خبر كان المحذوفة أو أنه مفعول لفعل محذوف تقديره: "وإن اقتطع قضيبًا". 2852 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه، فلا يأخذنه، فإنما أقطع له قطعة من النار". قلت: رواه الجماعة: البخاري في مواضع منها في الأشخاص، وفي المظالم، ومسلم وأبو داود والنسائي في القضاء، والترمذي وابن ماجة في الأحكام، من حديث أم سلمة ترفعه، واسم أم سلمة: هند بنت أمية. (¬3) واللحن: الميل عن جهة الاستقامة، يقال: لحن فلان في كلامه: إذا مال عن صحيح المنطق، وأراد به أن بعضكم يكون أعرف بالحجة وأفطن لها من غيره. وفيه من الفقه وجوب الحكم بالظاهر وأن حكم القاضي لا يُحلُّ حرامًا ولا يُحرمُ حلالًا وأنه متى حكم فأخطأ في حكمه ومضى كان في الظاهر، فأما في الباطن وفي الآخرة فغير ماضٍ. 2853 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن أبغض الرجال إلى الله: الألد الخصِم". قلت: رواه البخاري في المظالم وفي الأحكام وفي التفسير، ومسلم في العلم، ¬

_ (¬1) أخرجه مالك (2/ 227)، وأحمد (5/ 260)، ومسلم (137) (218)، والنسائي (8/ 246)، وابن ماجه (2324). (¬2) المنهاج (2/ 212). (¬3) أخرجه البخاري في الأحكام (7169)، والمظالم (2458)، والشهادات (2680)، ومسلم (1713)، وأبو داود (3583)، والنسائي (8/ 233)، والترمذي (1339)، وابن ماجه (2317).

والترمذي في التفسير، والنسائي فيه وفي القضاء كلهم من حديث عائشة ترفعه. (¬1) والألد: شديد الخصومة، مأخوذ من: لديدي الوادي, وهما جانباه لأنه كلما احتج عليه بحجة أخذ في جانب آخر. والخصم: بفتح الخاء المعجمة وكسر الصاد المهملة: الحاذق بالخصومة، والمذموم هو الخصومة بالباطل في رفع حق أو إثبات باطل. 2854 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بيمين وشاهد. قلت: رواه مسلم وأبو داود والنسائي ثلاثتهم في القضاء، وابن ماجة في الأحكام، وأخرجه أحمد والشافعي (¬2) في مسنده عن عمرو بن دينار عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد، قال عمرو في الأموال: وقد اختلف العلماء في الحكم بالشاهد واليمين فمنعه أبو حنيفة رضي الله عنه، وجماعة وقالوا: لا يحكم بالشاهد واليمين في شيء من الأشياء، وقال الشافعي ومالك وأحمد وجماعات رضي الله عنهم أجمعين: يقضي بشاهد ويمين المدعي في الأموال، وما يقصد به الأموال لأحاديث كثيرة في هذه المسألة، من رواية علي وابن عباس وزيد بن ثابت وجابر وأبي هريرة وسعد بن عبادة وعبد الله بن عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم أجمعين. وأصحها حديث ابن عباس هذا، قال ابن عبد البر: ولا مطعن لأحد في إسناده ولا خلاف بين أهل المعرفة في صحته. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4523)، ومسلم (2668)، والترمذي (2976)، والنسائي في الكبرى (11036)، وفي المجتبى (8/ 247). (¬2) أخرجه أحمد (1/ 248)، والشافعي في المسند (2/ 178 رقم 627 ترتيب المسند)، ومسلم (1712)، وأبو داود (3608)، والنسائي في الكبرى (6011)، وابن ماجه (2370)، وابن الجارود (1006)، وأبو يعلى (2511) وغيرهم. (¬3) انظر: التمهيد (2/ 138) وذكر أحاديث وآثار كثيرة في اليمن مع الشاهد. =

2855 - قال جاء رجل من حضرموت، ورجل من كندة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال الحضرمي: يا رسول الله إن هذا غلبني على أرض لي، فقال الكندي: هي أرضي، وفي يدي، ليس له فيها حق، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للحضرمي: "ألك بَيِّنة؟ "، قال: لا، قال: "فلك يمينه"، قال: يا رسول الله إن الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه، وليس يتورع من شيء؟، قال: "ليس لك منه إلا ذلك"، فانطلق ليحلف، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أدبر: "لئن حلف على ماله ليأكله ظلمًا، ليلقيَنّ الله وهو عنه معرض". قلت: رواه مسلم في الأيمان، وأبو داود في الأيمان والنذور، والترمذي في الأحكام، والنسائي في القضاء من حديث علقمة بن وائل بن حجر عن أبيه ولم يخرجه البخاري. (¬1) و"حضر موت": بفتح الحاء المهملة وإسكان الضاد المعجمة وفتح الراء والميم. (¬2) 2856 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من ادعى ما ليس له فليس منا, وليتبوأ مقعده من النار". قلت: رواه مسلم في الإيمان، وابن ماجه في السنة كلاهما من حديث أبي ذر. (¬3) 2857 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ألا أخبركم بخير الشهداء؟ الذي يأتي بشهادته قبل أن يُسألها". ¬

_ = وراجع لهذه المسألة: المغني لابن قدامة (10/ 123)، وإعلام الموقعين (2/ 290) وبحثنا: السنة واستقلالها بالأحكام التشريعية. (¬1) أخرجه مسلم (139)، وأبو داود (3623)، والترمذي (1340)، والنسائي في الكبرى (5990). (¬2) حضرموت: قال الحموي: حضرموت: ناحية واسعة في شرقي عدن (اليمن) بقرب البحر، وحولها رمال كثيرة تعرف بالأحقاف, وبين حضرموت وصنعاء اثنان وسبعون فرسخًا، وبين حضرموت وعدن مسيرة شهر وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد راسل أهلها = = فيمن راسل، فدخلوا في طاعته وقدم عليه الأشعث بن قيس في بضعة عشر مركبًا مسلمًا، فأكرمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. انظر: معجم البلدان (2/ 269 - 271). (¬3) أخرجه مسلم (61)، وابن ماجه (2319).

من الحسان

قلت: رواه الجماعة إلا البخاري: مسلم وأبو داود والنسائي ثلاثتهم في القضاء، والترمذي في الشهادات، وابن ماجه في الأحكام، كلهم من حديث زيد بن خالد الجهني. (¬1) 2858 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم، تسبق شهادة أحدهم يمينَه، ويمينُه شهادته". قلت: رواه البخاري في مواضع منها في الشهادات، ومسلم في الفضائل، والترمذي في المناقب، والنسائي في الشروط، وابن ماجه في الأحكام كلهم من حديث ابن مسعود يرفعه. (¬2) 2859 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرض على قوم اليمين، فأسرعوا، فأمر أن يُسْهَمَ بينهم في اليمين: أيهم يَحلف؟ ". قلت: رواه البخاري في: باب إذا تسارع قوم في اليمين من حديث أبي هريرة. (¬3) من الحسان 2860 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "البينة على المدَّعي، واليمين على المدّعى عليه". قلت: رواه الترمذي في الأحكام من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1719)، وأبو داود (3596)، والنسائي في الكبرى (6029)، والترمذي (2295)، وابن ماجه (2397). (¬2) أخرجه البخاري (2652)، ومسلم (2533)، والترمذي (3859)، والنسائي (6031)، وابن ماجه (2364). (¬3) أخرجه البخاري (2674). (¬4) أخرجه الترمذي (1341) وفي إسناده محمَّد بن عبيد الله العرزمي وقد ضعف في الحديث من قبل حفظه. وقال الحافظ في التقريب (6148): متروك، من السادسة. ولكن الحديث صحيح كما تقدم في الحديث الأول من هذا الباب.

2861 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في رجلين اختصما إليه في مواريث، لم يكن لهما بينة إلا دعواهما، فقال: "من قضيت له بشيء من حق أخيه، فإنما أقطع له قطعة من النار"، فقال الرجلان -كل واحد منهما-: يا رسول الله حقي هذا لصاحبي، فقال: "لا، ولكن اذهبا فاقتسما، وتوخيا الحق، ثم استهما، ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه". قلت: رواه أبو داود في القضاء من حديث أم سلمة ترفعه. (¬1) و"توخيا الحق" أي اقصدا الحق فيما تصنعانه من القسمة، وليأخذ كل واحد منكما ما تخرجه القرعة من القسمة (¬2)، يقال: توخيت الشيء أتوخاه توخيا إذا قصدت إليه وتعمدت فعله وتحريت فيه. قال أبو عبيد: وهذا حجة لمن قال بالقرعة في الأحكام. (¬3) قال الخطابي: قد جمع هذا الحديث ذكر القسمة والتحليل، والقسمة: لا تكون إلا في الأعيان، والتحليل: لا يصح إلا فيما يقع من الذمم دون الأعيان، فوجب أن يصرف معنى التحليل إلى ما كان من خراج، وغلة، حصل لأحدهما من العين التي وقعت فيها القسمة. (¬4) - وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في هذا الحديث: "إنما أقضي بينكما برأيي فيما لم ينزل عليّ فيه". قلت: رواها أبو داود أيضًا من حديث أم سلمة. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3584). (¬2) الغريبين للهروي (6/ 124). (¬3) غريب الحديث (2/ 234). (¬4) معالم السنن (4/ 152) نقل عنه المؤلف بتصرف. (¬5) أخرجه أبو داود (3585)، وصححه الحاكم (4/ 25)، وقال صحيح على شرط مسلم. =

2862 - أن رجلين تداعيا دابة، فأقام كل واحد منهما البينة أنها دابته نتجها، فقضى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للذي في يده. قلت: رواه الشافعي في مسنده عن ابن أبي يحيى عن إسحاق بن أبي فروة عن عمر بن الحكم عن جابر بن عبد الله. ورواه البيهقي وقال فيه: إن رجلين اختصما في ناقة ... الحديث (¬1). وفيه دليل على أن بينة صاحب اليد تقدم على بينة غيره. 2863 - أن رجلين ادّعيا بعيرًا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبعث كل واحد منهما شاهدين، فقسمه النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما نصفين". قلت: رواه أبو في اود والنسائي كلاهما هنا من حديث أبي موسى، وقال النسائي: هذا خطأ، وقال: وفي سنده محمَّد بن كثير المصيصي, وهو صدوق إلا أنه كثير الخطأ، وذكر أنه خولِف في إسناده ومتنه انتهى كلامه. ولم يخرجه أبو داود من طريق محمد بن كثير إنما رواه بإسناد. قال المنذري فيهم: كلهم ثقات. (¬2) ¬

_ = وغاية ما فيه أن إسناده حسن وذلك لأن في الإسناد أسامة بن زيد وهو الليثي وروى له مسلم في الشواهد وهو حسن الحديث. (¬1) أخرجه الشافعي (2/ رقم 637 ترتيب المسند)، والبيهقي (10/ 256)، والدارقطني (4/ 209)، وقال الحافظ ابن حجر: إسناده ضعيف، انظر: التلخيص الحبير (4/ 385). (¬2) أخرجه النسائي (8/ 248)، وفي الكبرى (5997)، وأبو داود (3613)، وابن ماجه (2330)، وأخرجه البيهقي (10/ 257)، وأبو يعلى (13/ رقم 7280)، وابن حبان (7/ رقم 5045)، وانظر: التلخيص الحبير (4/ 384). وإسناده ضعيف وانظر مختصر سنن أبي داود للمنذري (5/ 232)، وفيه كلام مفيد جدًّا لابن القيم حول هذا الحديث في تهذيبه. وانظر كذلك، العلل للدارقطني (7/ 204)، وانظر: الإرواء (2656).

2864 - وفي رواية: "أن رجلين ادعيا بعيرًا ليست لواحد منهما بينة، فجعله النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما". قلت: رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه كلهم من حديث أبي موسى (¬1)، ومحتمل أن تكون القصة واحدة، إلا أن الشهادات لما تعارضت تهاترت فصارا كمن لا بينة له وحكم لهما لاستوائهما في اليد. ويحتمل أن يكون في يد غيرهما فلما أقام كل واحد منهما بينة نزع من يده ودفع لهما (¬2). 2865 - أن رجلين اختصما في دابَّة وليس لهما بينة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "استهما على اليمين". قلت: رواه أبو داود في القضاء , وابن ماجه في الأحكام كلاهما من حديث أبي هريرة، وسكت عليه أبو داود، وروى النسائي أيضًا مثل معناه من حديث أبي هريرة. (¬3) 2866 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل حلّفه: "احِلفْ بالله الذي لا إله إلا هو: ما له عندك شيء". قلت: رواه أبو داود، والنسائي كلاهما في القضاء من حديث ابن عباس (¬4)، وفي سنده عطاء بن السائب وفيه مقال، وقد أخرج له البخاري حديثًا مقرونًا بآخر. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3613)، وابن ماجه (2330)، والنسائي (8/ 248). (¬2) انظر: معالم السنن (4/ 162 - 163) وذكر فيه اختلاف العلماء في الشيء يكون في يد الرجل، فيتداعاه اثنان، ويقيم كل واحد منهما بيّنة. (¬3) أخرجه أبو داود (3618)، وابن ماجه (2346)، والنسائي في الكبرى (5999) وإسناده صحيح. (¬4) أخرجه أبو داود (3620)، والنسائي في الكبرى (6007). (¬5) عطاء بن السائب، أبو السائب، قال الحافظ في التقريب (4625): صدوق اختلط، من الخامسة.

2867 - عن الأشعث قال: كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجَحَدني، فقدمته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ألك بينة؟ " قلت: لا، قال لليهودي: "احلف"، قلت يا رسول الله: إذًا يحلف، ويذهب بمالي؟، فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} الآية". قلت: رواه أبو داود في الأقضية بهذا اللفظ مقتصرًا على ذلك، وأخرجه البخاري والترمذي، والنسائي وابن ماجه أتم منه، وأخرجه مسلم بنحوه كلهم من حديث الأشعث بن قيس. (¬1) 2868 - أن رجلًا من كندة ورجلًا من حضرموت اختصما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أرض من اليمن، فقال الحضرمي: يا رسول الله إن أرضي اغتصبنيها أبو هذا، وهي في يده؟، قال: "هل لك بينة؟ ", قال: لا, ولكن أحلّفه بالله: ما يعلم أنها أرضي اغتصبنيها أبوه، فتهيأ الكندي لليمين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقطع أحدٌ مالًا بيمين إلا لقي الله وهو أجذم"، فقال الكندي: هي أرضه. قلت: رواه أبو داود في الأيمان والنذور من حديث الأشعث بن قيس، وسكت عليه أبو داود (¬2)، ولم يعترضه المنذري، وأعاد أبو داود قطعة منه في الأقضية إلى قوله: "فتهيأ الكندي لليمين". والأشعث لقب لشعث رأسه، واسمه: معدي كرب، والرجل الذي من كندة هو: امرؤٌ القيس بن عابس الكندي، له صحبة وكان شاعرًا. و"عابس" بالعين المهملة وبعد، الألف باء موحدة وسين مهملة. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3621)، وأخرجه البخاري (2614)، ومسلم (138) (220)، وابن ماجه (2322)، والترمذي (1269) (2996)، وانظر الإرواء (2638). (¬2) أخرجه أبو داود في الأيمان والنذور برقم (3244)، وفي الأقضية برقم (3622). وفي إسناده كُرْدُوس. قال الحافظ في التقريب (5671): مقبول، من الثالثة.

وقال الخطيب البغدادي: وليس في الصحابة من يسمى امرأ القيس غيره، وما قاله خالفه فيه ابن عبد البر فإنه ذكر ابن عابس هذا وذكر بعده امرأ القيس بن الأصبغ الكلبي وقال: بعثه رسول الله -صلى الله عليه وسلم - عاملًا على كَلْب، وذكر أنه خالُ أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وأما الرجل الذي من حضرموت فهو: ربيعة بين عيدان، بفتح العين المهلمة وبعدها ياء آخر الحروف ساكنة، ويقال عبدان بكسر العين المهملة وجاء موحدة، وله صحبة وشهد الفتح وقاله، ابن عبد البر في كتابه. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إلَّا لقي الله وهو أجذم" أي أجذم الحجة، لا لسان له يتكلم ولا حجة في يده. 2869 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن من أكبر الكبائر: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، واليمين الغموس، وما حلف حالف بالله يمينَ صَبْرٍ، فأدخل فيها مثل جناحِ بعوضة إلا جُعلت نكتة في قلبه إلى يوم القيامة". (غريب). قلت: رواه الترمذي في التفسير من حديث عبد الله بن أنيس، وقال: حسن غريب (¬2)، واليمين الغموس: هي التي تغمس صاحبها في الإثم. 2870 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحلف أحد عند منبري هذا على يمينٍ آثمةٍ، ولو على سواك أخضر، إلّا تبوأ مقعده من النار أو وجبت له النار". ¬

_ (¬1) انظر كلام الحافظ الخطيب البغدادي في "الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة" (ص 427 - 429)، وكلام ابن عبد البر في الاستيعاب (1/ 104 رقم 72)، وترجمة: الأشعث بن قيس بن معدى كرب بن معاوية بن جبلة بن عدي الكندي قدم على رسول الله سنة عشر في وفد كندة، وكان رئيسهم واسمه معد يكرب، الاستيعاب (1/ 133 رقم 135)، والإصابة (1/ 87)، وامرؤ القيس بن عابس الكندي الشاعر، الاستيعاب (1/ 104 رقم 72)، والإصابة (1/ 112) وربيعة بن عَيْدَان على المشهور، الحضرمي، ويقال الكندي، له صحبة وليست له رواية, الإصابة (2/ 471). (¬2) أخرجه الترمذي (3020). وحسنه أيضًا الحافظ في الفتح (1/ 411)، وانظر الصحيحة (3364).

قلت: رواه مالك في الموطأ في الأقضية، وأبو داود في الأيمان والنذور والنسائي في القضاء، وابن ماجه في الأحكام، كلهم من حديث جابر، وسكت عليه أبو داود. (¬1) وفي الحديث: دليل على أن اليمين تغلظ بالأمكنة. قوله - صلى الله عليه وسلم - "على يمين آثمة" أي كاذبة سُميت آثمة وفاجرة اتساعًا. 2871 - قال: صلَّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح، فلما انصرف قام قائمًا، وقال: "عُدِلت شهادة الزور بالإشراك بالله"، ثلاثَ مِرار ثم قرأ: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ}. قلت: رواه أبو داود في القضاء، والترمذي وابن ماجه في الأحكام كلهم من حديث خريم. (¬2) وخريم بن فاتك له صحبة، وهو بضم الخاء المعجمة وبعدها راء مفتوحة وياء آخر الحروف ساكنة وميم. (¬3) 2872 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا مجلود حدًّا، ولا ذي غِمْر على أخيه، ولا ظنين في ولاء، ولا قرابة، ولا القانع مع أهل البيت". (ضعيف). قلت: رواه الترمذي في الشهادات من حديث عائشة، وقال: غريب، لا نعرفه من حديث الزهريّ إلا من حديث يزيد بن زياد، انتهى. ¬

_ (¬1) أخرجه مالك (2/ 727)، وأبو داود (3246)، وابن ماجه (2325)، والنسائي في الكبرى (6018). وإسناده صحيح، انظر الإرواء (2697). (¬2) أخرجه أبو داود (3599)، والترمذي (2300)، وابن ماجه (2372) وفي إسناده حبيب بن النعمان الأسدي وهو مجهول. وكذلك والد سفيان العصفري واسمه زياد. (¬3) انظر ترجمته في الإصابة (2/ 275 رقم 2248).

قال الذهبي: يزيد بن أبي زياد يروي عن الزهريّ وهو واهٍ. (¬1) والغِمْر: بكسر الغين وسكون الميم وبعدها راء مهملة، وهو الذي يكون بينه وبين المشهود عليه عداوة ظاهرة. والظنين: قال في النهاية (¬2): هو الذي ينتمي إلى غير مواليه، لا تُقبل شهادته للتهمة وفي الحديث لا تجوز شهادة ظنين أي مُتهم في دينه، فعِيل بمعنى مفعول، والقانع: الخادم، والقانع ترد شهادته للتهمة. 2873 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا زان ولا زانية، ولا ذي غِمْر على أخيه، وردّ شهادة القانع لأهل البيت". قلت: رواه أبو داود في القضاء من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. (¬3) 2874 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تجوز شهادة بدويّ على صاحب قرية". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه كلاهما في القضاء، ورجال إسناده قال المنذري: احتج بهم مسلم في صحيحه. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2298) وقول الذهبي هذا في الكاشف (2/ 382 رقم 6304)، أما في الميزان (4/ 425) فقد ذكر هذا الحديث في ترجمته وقال: قال البخاري: منكر الحديث، وقال النساء: متروك الحديث، وقال الترمذي وغيره: ضعيف. وقال الحافظ في التقريب (7767): متروك، من السابعة. (¬2) النهاية في غريب الحديث (3/ 163). (¬3) أخرجه أبو داود (3600 - 3601)، وابن ماجه (2366) وفي إسناده حجاج بن أرطأة وهو يدلس وقد عنعن لكن له متابعة عند الإِمام أحمد (2/ 181)، والدارقطني (4/ 244)، والبيهقي (10/ 200)، وانظر: التلخيص الحبير (4/ 364)، والإرواء (2669). (¬4) أخرجه أبو داود (3602)، وابن ماجه (2366). وانظر: مختصر سنن أبي داود للمنذري (5/ 219) وذكر المنذري كلام البيهقي والخطابي هذا.

قال البيهقي: وهذا الحديث مما تفرد به محمَّد بن عمرو عن عطاء بن يسار، فإن كان حفظه، فقد قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله (¬1): يشبه أن يكون: إنما كره شهادة أهل البدو لما فيهم من الجفاء في الدين، والجهالة بأحكام الشريعة، ولأنهم في الغالب: لا يضبطون الشهادة على وجهها, ولا يقيمونها على حقها, لقصور علمهم عما يُحيلها، ويغيرها عن جهتها. 2875 - عن عوف بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بين رجلين، فقال المقضي عليه لما أدبر: حسبي الله ونِعمَ الوكيل، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تعالى يَلُومُ على العَجْز، ولكن عليكَ بالكَيْس، وإذا غلبك أمر فقل: حسبي الله ونعم الوكيل". قلت: رواه أبو داود في القضاء، والنسائي في اليوم والليلة، كلاهما من حديث عوف بن مالك، وفي إسناده بقية بن الوليد وفيه مقال. (¬2) قيل العجز: ترك ما يجب فعله بالتسويف وهو عام في أمور الدنيا والدين، والكيْس: في الأمور يجري مجرى الرفق فيها والفطنة والكيس: العقل. 2876 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حبس رجلًا في تهمة، ثم خلّى عنه. ¬

_ (¬1) معالم السنن (4/ 157). (¬2) أخرجه أبو داود (3627)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (626)، وأحمد (6/ 24)، والبيهقي (10/ 181). وإسناده ضعيف لضعف بقية بن الوليد وجهالة سيف فقد تفرد بالرواية عنه خالد بن معدان، وقال النسائي: سيف لا أعرفه، وكذا قال الذهبي في "الميزان": لا يعرف، وتساهل العجلي وابن حبان فوثقاه. انظر: ميزان الاعتدال (2/ 259)، ومعنى الحديث: إن الله يحب التيقظ في الأمور والاهتداء إلى التدبير، والمصلحة بالنظر إلى الأسباب، واستعمال الفكر في العاقبة، كأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: كان ينبغي لك أن تتيقظ في معاملتك، فإذا غلبك الخَصْم قلت: حسبي الله، وأما ذكر "حسبي الله" بلا تيقظ كما فعلت، فهو من الضعف فلا ينبغي، والله أعلم.

قلت: رواه أبو داود في كتاب القضاء، والترمذي في الديات، والنسائي في القطع، كلهم من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده يرفعه، وليس في أبي داود "ثمّ خلّى سبيله". (¬1) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3630)، والترمذي (1417) والنسائي (8/ 67). وإسناده حسن وذلك للخلاف المشهور في بهز بن حكيم.

كتاب الجهاد

كتاب الجهاد من الصحاح 2877 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من آمن بالله وبرسوله، وأقام الصلاة، وصام رمضان، كان حقًّا على الله أن يدخله الجنة، جاهد في سبيل الله، أو جلس في أرضه التي ولد فيها"، قالوا: أفلا نبشر الناس؟ قال: "إن في الجنة مائة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله، فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة". قلت: رواه البخاري في الجهاد، في باب درجات المجاهد، وفي التوحيد في باب "وكان عرشه على الماء" من حديث أبي هريرة، ولم يخرجه مسلم. (¬1) وأوسط الجنة: هو أفضلها من الوسط الذي هو الخيار. وفي الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان من أوسط قومه أي: "أشرفهم وأحسبهم". 2878 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "مثل المجاهد في سبيل الله: كمثل الصائم، القائم، القانت بآيات الله، لا يفتر من صيام ولا صلاة، حتى يرجع المجاهد في سبيل الله". قلت: رواه مسلم والترمذي كلاهما في الجهاد من حديث أبي هريرة، وروى البخاري أيضًا في الجهاد قريبًا من لفظه. (¬2) ومعنى القانت: هنا المطيع. 2879 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "انتدب الله لِمن خرج في سبيله -لا يخرجه إلا إيمانٌ بي، وتصديق برسلي- أن أرجعه بما نال من أجر أو غنيمة، أو أدخله الجنة". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2790) (7423). (¬2) أخرجه مسلم (1878)، والترمذي (1619). وأخرج البخاري (2787) بنحوه.

قلت: رواه البخاري في الإيمان, ومسلم في المغازي، والنسائي في الإيمان, وابن ماجه في الجهاد، أربعتهم من حديث أبي هريرة يرفعه. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "انتدب الله" أي أجابه إلى غفرانه، يُقال: "انتدبته فانتدب" أي دعوته فأجاب. 2880 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسي بيده، لولا أن رجالًا من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني، ولا أجد ما أحملهم عليه، ما تخلفتُ عن سرية تغزو في سبيل الله، والذي نفسي بيده، لوددتُ أن أقتل في سبيل الله ثم أُحيى، ثم أقتل ثُم أحيى، ثم أُقتل ثم أُحيى، ثُم أُقتل". قلت: رواه البخاري ومسلم، كلاهما في الجهاد من حديث أبي هريرة. (¬2) 2881 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "رباط يوم في سبيل الله: خير من الدنيا وما عليها". قلت: رواه البخاري في الجهاد من حديث سهل بن سعد مطولًا (¬3)، وعزاه ابن الأثير (¬4) لمسلم أيضًا، والظاهر أنه وهم لأن الذي في مسلم من حديث سهل "فضل الغدوة والروحة" وأما فضل "رباط يوم" فليس فيه، وقد صرّح بذلك الحميدي (¬5)، وهو ظاهر كلام عبد الحق. والرباط: قال في المشارق (¬6): ملازمة الثغر للجهار. 2882 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (36)، ومسلم (1876)، والنسائي (8/ 120)، وابن ماجه (2753). (¬2) أخرجه البخاري (2797)، ومسلم (1497). (¬3) أخرجه البخاري (2892). (¬4) انظر جامع الأصول لابن الأثير (9/ 471) رقم (7169). (¬5) الجمع بين الصحيحين للحميدي (1/ 553 رقم 914). (¬6) المشارق (1/ 279).

قلت: رواه الشيخان في الجهاد من حديث أنس بن مالك يرفعه. (¬1) والغدوة: بفتح الغين هي السير أول النهار إلى الزوال، والروحة: السير من الزوال إلى آخر النهار. و"أو" للتقسيم لا للشك. 2883 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "رباط يوم وليلة: خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجرى عليه رزقه، وأمِنَ من الفتان". قلت: رواه مسلم في الجهاد من حديث سلمان الفارسي، ولم يخرجه البخاري. (¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وأجرى عليه عمله ... " الحديث هذه فضائل ظاهرة للمرابط، منها: جريان عمله عليه بعد موته، وهي فضيلة مختصة به لا يشاركه فيها أحد، وقد جاء مصرحًا به في مسلم: "كل ميت يختم على عمله إلا المرابط، فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة". ومنها: "إجراء الرزق عليه": وهو موافق لقوله تعالى في الشهداء: {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} ومنها: "أمِنَ الفتان". قال النووي (¬3): ضبطوا أمن بوجهين، أحدهما: أمن بفتح الهمزة وكسر الميم، والثاني (أومِنَ) بضم الهمزة وبواو. وأما الفتان: فقال القاضي (¬4): رواه الأكثرون بضم الفاء جمع فاتن، وقال: ورواه الطبري بالفتح، وفي رواية أبي داود: "وأمن من فتاني القبر". 2884 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما اغبرّت قدما عبدٍ في سبيل الله، فتمسه النار". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2794)، ومسلم (1881). (¬2) أخرجه مسلم (1913). (¬3) المنهاج (13/ 90). (¬4) انظر إكمال المعلم (6/ 342).

قلت: رواه البخاري في الصلاة، والجهاد، وفيه قصة. والترمذي والنسائي كلاهما فيه (¬1)، ثلاثتهم من حديث أبي عبس يرفعه، واسمه عبد الرحمن بن جبر أنصاري صحابي (¬2)، ولم يخرج له مسلم في كتابه شيئًا، ولم يخرج له من أصحاب الكتب الستة غير الثلاثة المذكورين أخرجو له هذا الحديث خاصة. 2885 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يجتمع كافر وقاتله في النار أبدًا". قلت: رواه مسلم وأبو داود كلاهما في الجهاد من حديث أبي هريرة، ولم يخرجه البخاري. (¬3) 2886 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من خير معاش الناس لهم: رجل مُمسك عنان فرسه في سبيل الله، يطير على متنه، كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه، يبتغي القتل والموت مظانة، أو رجل في غنيمة في رأس شعفة من هذه الشعف، أو بطن واد من هذه الأودية، يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين، ليس من الناس إلا في خير". قلت: رواه مسلم في الجهاد، والنسائي في السير وفي التفسير، وابن ماجه في الفتن ثلاثتهم من حديث أبي هريرة. (¬4) ولم يخرجه البخاري. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "يطير على متنه" أي يسرع راكبًا على ظهره. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الجهاد (2811) وفي الصلاة (907)، والترمذي (1632)، والنسائي (6/ 14). (¬2) قلت: أبو عبس بن جبر اسمه عبد الرحمن وقيل عبد الله وقيل: معبد أنصاري أوسي، شهد بدرًا وما بعدها، وهو أحد من قتل كعب بن الأشرف مات سنة 34 هـ عن سبعين سنة أ. هـ. التقريب (8289)، وانظر الإصابة (7/ 266). (¬3) أخرجه مسلم (1891)، وأبو داود (2495). (¬4) أخرجه مسلم (1889)، والنسائي في الكبرى (8830)، وابن ماجه (3977).

قال في النهاية (¬1): أي يجريه في الجهاد، واستعار له الطيران. الهيعة (¬2): الصوت الذي يفزع منه وتخافُه من عدُوٍّ، وهو بفتح الهاء وإسكان الياء آخر الحروف. والفزعة (¬3): بإسكان الزاي: النهوض إلى العدو. ومعنى "يبتغي القتل مظانه": أي يطلبه في مواطنه التي يرجى فيها لشدة رغبته في الشهادة. والغنيمة: تصغير غنم وهو مؤنث سماعي ولذلك صغّر بالتاء. والشعفة: بتحريك العين المهملة وقبلها شين معجمة (رأس الجبل) والجمع شعف وشغاف وشعوف (¬4)، واليقين: الموت. 2887 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من جهز غازيًا في سبيل الله فقد غزا". قلت: رواه الجماعة إلا ابن ماجه، كلهم في الجهاد من حديث زيد بن خالد الجهني. (¬5) 2888 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "حرمة نساء المجاهدين على القاعدين، كحرمة أمهاتهم، وما من رجل من القاعدين يخلف رجلًا من المجاهدين في أهله، فيخونه فيهم، إلا وقف له يوم القيامة، فيأخذ من عمله ما شاء، فما ظنكم؟ ". قلت: رواه مسلم وأبو داود والنسائي ثلاثتهم في الجهاد من حديث بريدة، ولم يخرجه ¬

_ (¬1) النهاية (3/ 151). (¬2) انظر: النهاية لابن الأثير (5/ 288). (¬3) المصدر السابق (3/ 443). وقال: الفزع: الخوف في الأصل، فوضع موضع الإغاثة والنَّصْر. (¬4) انظر: المنهاج للنووي (13/ 52). (¬5) أخرجه البخاري (2843)، ومسلم (1895)، وأبو داود (2509)، والترمذي (1628)، والنسائي (6/ 46).

البخاري. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كحرمة أمهاتهم" يعني والله أعلم في شيئين: أحدهما: تحريم التعرض لهن بريبة من نظر محرم وخلوة وغير ذلك. والثاني: بالبر لهن والإحسان إليهن من غير ترتب مفسدة. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فما ظنكم؟ " المقام أي: لا يبقي منها شيئًا إن أمكنه، أي فما ظنكم بمن أحلّه لهذه المنزلة وخصه بهذه الفضيلة يكون له وزاد لك من الكرامات. 2889 - قال: جاء رجل بناقة مخطومة، فقال: هذه في سبيل الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لك بها يوم القيامة سبع مائة ناقة، كلها مخطومة". قلت: رواه مسلم والنسائي كلاهما في الجهاد من حديث أبي مسعود الأنصاري واسمه عقبة بن عمرو. (¬2) 2890 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث بعثًا إلى بني لحيان -من هذيل-، فقال: "لينبعث من كل رجلين أحدهما، والأجر بينهما". قلت: رواه مسلم وأبو داود كلاهما في الجهاد من حديث أبي سعيد الخدري (¬3)، واسمه سعد بن مالك، ولم يخرج البخاري، هذا الحديث. 2891 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لن يبرح هذا الدين قائمًا، يقاتل عليه عصابة من المسلمين، حتى تقوم الساعة". قلت: رواه مسلم في الجهاد من حديث جابر بن سمرة يرفعه، ولم يخرجه البخاري. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1897)، وأبو داود (2496)، والنسائي (6/ 50). (¬2) أخرجه مسلم (1892)، والنسائي (6/ 49). (¬3) أخرجه مسلم (1896)، وأبو داود (2510). (¬4) أخرجه مسلم (1922).

2892 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُكْلَم أحد في سبيل الله -والله أعلم بمن يكلم في سبيله-، إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دمًا، اللون لون الدم، والربح ريح المسك". قلت: رواه الشيخان، والترمذي والنسائي كلهم من حديث أبي هريرة. (¬1) ويكلم: بإسكان الكاف أي يجرح من الكلم بفتح الكاف وإسكان اللام وهو الجرح. ويثعب: بالثاء المثلثة وبعدها عين مهملة أي يجري. 2893 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما من أحد يدخل الجنة ويحب أن يرجع إلى الدنيا, وله ما في الأرض من شيء، إلا الشهيد: يتمنى أن يرجع إلى الدنيا، فيقتل عشر مرات، لما يرى من الكرامة". قلت: رواه البخاري ومسلم في الجهاد، والترمذي فيه بمثل معناه، ثلاثتهم من حديث أنس بن مالك يرفعه. (¬2) 2894 - سئل عبد الله بن مسعود عن هذه الآية: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} قال: إنا قد سألنا عن ذلك؟، فقال: "أرواحهم في جوف طير خضر، لها" قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة، فقال: هل تشتهون شيئًا؟ قالوا: أي شيء نشتهي، ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا، حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تُركوا". قلت: رواه مسلم وابن ماجه كلاهما في الجهاد، والنسائي في التفسير من حديث عبد الله بن مسعود (¬3)، ولم يقل الترمذي: "فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2803)، ومسلم (1876)، والترمذي (1655)، والنسائي (6/ 28). (¬2) أخرجه البخاري (2817)، ومسلم (1877)، والترمذي (1662). (¬3) أخرجه مسلم (1887)، وابن ماجه (2801)، والترمذي (3011). =

واعلم: أنه قد وقع في صحيح مسلم أنه ذكر إسناد هذا الحديث إلى مسروق، وقال: سألنا عبد الله عن هذه الآية {وَلَا تَحْسَبَنَّ} ... الحديث. قال الماوردي: كذا جاء عبد الله غير منسوب، وقال أبو علي: من الناس من ينسبه فيقول: عبد الله بن عمرو، وذكره أبو مسعود الدمشقي والمزي، وخلف الواسطي والحميدي في مسند ابن مسعود. (¬1) قال عياض: وكذا وقع في بعض النسخ من صحيح مسلم، قال النووي: ولم أره منسوبًا في معظمها، وقال -أعني- النووي: وهذا الحديث مرفوع لقوله: إنا سألنا عن ذلك، فقال: يعني النبي - صلى الله عليه وسلم -، انتهى. وقال المزي: الحديث موقوف، والصواب ما قاله النووي (¬2) والله أعلم. قال القاضي (¬3): وفي الحديث دليل على أن الأرواح باقية لا تفنى، فينعم المحسن ويُعذب المسيء. 2895 - قال رجل: يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله، يكفر عني خطاياي؟، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم، إن قتلت في سبيل الله، وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر"، قال: كيف قلت؟ قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله أيكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم، وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر، إلا الدَّين، فإن جبريل قال لي ذلك". ¬

_ = وأما عزوه للنسائي فإني لم أجده لا في التفسير ولا غيره ولم يعزه له المزي في (تحفة الأشراف 7/ 145 حديث 9570). (¬1) انظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (1/ 245 - 246 رقم 326)، وتحفة الأشراف للمزي (7/ 145). (¬2) المنهاج (13/ 30). (¬3) انظر: إكمال المعلم للقاضي عياض (6/ 306).

قلت: رواه مسلم والترمذي والنسائي ثلاثتهم في الجهاد من حديث أبي قتادة والحارث بن ربعي ولم يخرجه البخاري. (¬1) 2896 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "القتل في سبيل الله يكفر كل شيء، إلا الدَّين". قلت: رواه مسلم في الجهاد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، ولم يخرج البخاري عنه في هذا شيئًا. (¬2) 2897 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "يضحك الله إلى رجلين، يقتل أحدهما الآخر، يدخلان الجنة: يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل، ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد". قلت: رواه مالك في الموطأ والبخاري ومسلم والنسائي أربعتهم في الجهاد من حديث أبي هريرة. (¬3) 2898 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من سأل الله الشهادة بصدقٍ، بلَّغهُ الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه". قلت: رواه الجماعة إلا البخاري كلهم في الجهاد إلا أبا داود فإنه رواه في الصلاة من حديث سهل بن حنيف. (¬4) 2899 - أن الرُّبَيِّع بنت البراء -وهي أم حارثة بن سراقة- أتت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة؟، وكان قتل يوم بدر، أصاب سهم غريب، فإن كان في الجنة صبرت، وإن كان غير ذلك، اجتهدت عليه في البكاء فقال: "يا أم حارثة إنها جنان في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1885)، والترمذي (1712)، والنسائي (6/ 34). (¬2) أخرجه مسلم (1886). (¬3) أخرجه مالك (2/ 460)، والبخاري (2826)، ومسلم (1890)، والنسائي (6/ 38). (¬4) أخرجه مسلم (1909)، وأبو داود (1520)، والترمذي (1653)، والنسائي (6/ 36)، وابن ماجه (2797).

قلت: رواه البخاري في باب من أصابه سهم غريب، من حديث أنس تفرد به البخاري. (¬1) قوله: سهم غَرْب هو بفتح الراء وإسكانها: وهو السهم لا يدري من رماه. 2900 - قال: انطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، حتى سبقوا المشركين إلى بدر، وجاء المشركون، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض"، قال عمير بن الحُمَام: بخ بخ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما يحملك على قولك: بخ بخ؟ " قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: "فإنك من أهلها" قال: فأخرج تمرات، فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي، إنها لحياة طويلة قال: فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتلَ. قلت: رواه مسلم في الجهاد من حديث أنس، وفيه قصة، ورواه أبو داود أيضًا فيه مختصرًا، ولم يخرجه البخاري. (¬2) وبخ بخ: كلمة تقال عند المدح والرضى بالشيء، وقد تكون للمبالغة، قال في النهاية (¬3): وهي مبنية على السكون، ويقال أيضًا بخ بخ بالتنوين. وفيه جواز الانغمار في الكفار والتعرض للشهادة وهو جائز لا كراهة فيه عند جماهير العلماء. (¬4) 2901 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما تعدون الشهيد فيكم؟ " قالوا: يا رسول الله من قتل في سبيل الله؟، قال: "إن شهداء أمتي إذا لقليل! من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2809). (¬2) أخرجه مسلم (1901)، وأبو داود (2618). (¬3) النهاية لابن الأثير (1/ 101). (¬4) المنهاج للنووي (13/ 68 - 69).

ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد". قلت: رواه مسلم في الجهاد من حديث أبي هريرة، ولم يخرجه البخاري. (¬1) 2902 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من غازية أو سريّة تغزو، فتغنم وتسلم، إلا كانوا قد تعجلوا ثلثي أجورهم، وما من غازية أو سريّة، تخفق وتصاب، إلا إتم أجورهم". قلت: رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه كلهم في الجهاد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ولم يخرجه البخاري. (¬2) والغازية تأنيث المغازي: وهي هنا بصفة لجماعة غازية. وتخفق: قال أهل اللغة: الإخفاق أن يغزوا ولم يغنموا شيئًا، وكذا كل طالب حاجة إذا لم يحصل فقد أخفق. ومعنى الحديث: قال النووي (¬3): الصواب الذي لا يجوز غيره أن الغزاة: إذا سلموا وغنموا تكون أجورهم أقل من أجر من لم يسلم، أو سلم ولم يغنم، وأن الغنيمة هي في مقابلة جزء من أجر غزوهم، فإذا حصلت لهم فقد تعجلوا ثلثي أجرهم المترتب على الغزو، قال: وهذا موافق للأحاديث الصحيحة المشهورة عن الصحابة كقوله: منا من مات ولم يأكل من أجره شيئًا، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها أي يجتنيها، قال: وهذا هو الصواب، ولم يأت حديث صريح مخالف هذا، فتعين حمله على ظاهره، ومنهم من زعم أن هذا الحديث ليس بصحيح. 2903 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه، مات على شعبة من نفاق". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1915). (¬2) أخرجه مسلم (1906)، وأبو داود (2497)، والنسائي (6/ 17)، وابن ماجه (2785). (¬3) المنهاج (13/ 78).

قلت: رواه مسلم وأبو داود والنسائي ثلاثتهم في الجهاد من حديث أبي هريرة يرفعه، ولم يخرجه البخاري. (¬1) قال مسلم: قال عبد الله بن المبارك: فنُرى أن ذلك كان على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم -. 2904 - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ قال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله". قلت: رواه الجماعة: البخاري في العلم وفي الجهاد، وفي الخمس، وفي التوحيد، والباقون في المغازي من حديث أبي موسى الأشعري، واسمه عبد الله بن قيس. (¬2) قوله: للذّكر: أي ليذكر بين الناس بالشجاعة. 2905 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجع من غزوة تبوك، فدنا من المدينة، فقال: "إن بالمدينة أقوامًا، ما سرتم مسيرًا، ولا قطعتم واديًا، إلا كانوا معكم- وفي رواية: إلا شَركوكم في الأجر-" قالوا: يا رسول الله وهم بالمدينة! قال: "وهم بالمدينة، حبسهم العذر". قلت: رواه الشيخان وأبو داود من حديث أنس (¬3)، ومسلم من حديث جابر. (¬4) قال أهل اللغة: شرِكه بكسر الراء بمعنى شاركه. 2906 - قال: "جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستأذنه في الجهاد، فقال: "أحَيٌّ والداك؟ "قال: نعم؟ قال: "ففيهما فجاهد". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1910)، وأبو داود (2502)، والنسائي (6/ 8). (¬2) أخرجه البخاري العلم (123)، والجهاد (2810)، والخمس (3126)، والتوحيد (7458)، ومسلم (1904)، وأبو داود (2517)، والترمذي (1646)، والنسائي (6/ 23)، وابن ماجه (2783). (¬3) أخرجه البخاري (4423)، وأبو داود (2508). (¬4) أخرجه مسلم (1911).

من الحسان

قلت: رواه البخاري في الجهاد وفي الأدب، ومسلم في الأدب، وأبو داود والترمذي والنسائي ثلاثتهم في الجهاد وكلهم من حديث عبد الله بن عمرو ابن العاص. (¬1) 2907 - وفي رواية: "فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما". قلت: هذه الرواية رواها مسلم من حديث عبد الله بن عمرو في الأدب ولم يخرجها البخاري. (¬2) 2908 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم الفتح: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهادٌ ونيةٌ، وإذا استنفرتم فانفروا". قلت: رواه الشيخان وأبو داود، ثلاثتهم في الجهاد، وفي الحج، والترمذي والنسائي كلاهما في السير، كلهم من حديث ابن عباس. (¬3) من الحسان 2909 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرين على من ناوأهم، حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال". قلت: رواه أبو داود في أوائل الجهاد من حديث عمران بن حصين وسكت عليه. (¬4) وناوأهم: أي عاداهم. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الجهاد (3004)، وفي الأدب المفرد (20)، ومسلم (2549)، وأبو داود (2529)، والترمذي (1671)، والنسائي (6/ 10). (¬2) أخرجه مسلم (2549). (¬3) أخرجه البخاري (2783)، ومسلم (1353)، وأبو داود (2018) (2480)، والترمذي (1590)، والنسائي في الكبرى (8703). (¬4) أخرجه أبو داود (2484)، وإسناده صحيح. أخرجه أحمد (4/ 429). وأخرجه الحاكم (2/ 71) وقال على شرط مسلم ووافقه الذهبي.

قال الجوهري (¬1): ناوأه أي عاداه، وأصله الهمز لأنه من النوء وهو النهوض. 2910 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من لم يغز، ولم يجهز غازيًا، أو يخلف غازيًا في أهله بخير، أصابه الله بقارعةٍ قبل يوم القيامة". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه كلاهما في الجهاد من حديث القاسم أبي عبد الرحمن عن أبي أمامة يرفعه، والقاسم فيه مقال. (¬2) والقارعة: هي الداهية أعاذنا الله من ذلك، وعطفه - صلى الله عليه وسلم - الجملة الثانية بالواو، والجملة الثالثة بأو يدل على أن الثاني والثالث في رتبة واحدة. 2911 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم". قلت: رواه أبو داود والنسائي كلاهما في الجهاد من حديث أنس يرفعه، وسكت عليه أبو داود. (¬3) 2912 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، واضربوا السِّهام، تورثوا الجنان". (غريب). ¬

_ (¬1) انظر الصحاح له (1/ 79). (¬2) أخرجه أبو داود (2503)، وابن ماجه (2762)، ضعفه الألباني انظر هداية الرواة (4/ 11)، والقاسم أبي عبد الرحمن مولى بني أمية عن عليّ وسلمان مرسلًا وعن معاوية، وقيل لم يسمع من صحابي سوى أبي أمامة. وقال الترمذي في جامعه (2/ 154 (428)) ثقة شامي، وهو صاحب أبي أمامة ونقل عن البخاري أنه قال وهو ثقة وقال الحافظ في التقريب (5470): صدوق يغرب كثيرًا أهـ. ثم إن في إسناد ابن ماجه الوليد بن مسلم قد صرح بالسماع فانتفت شبهة تدليسه. (¬3) أخرجه أبو داود (2504)، والنسائي (6/ 7). وأخرجه أحمد (3/ 124)، والحاكم (2/ 81) وقال: على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وصححه ابن حبان (1619).

قلت: رواه الترمذي من حديث أبي هريرة. (¬1) والمراد بضرب السهام في الحديث: الجهاد، ولذلك أورده الصنف في الجهاد. 2913 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل ميت يُختم على عمله، إلا الذي مات مرابطًا في سبيل الله، فإنه يُنمّى له عمله إلى يوم القيامة، ويأمن فتنة القبر". قلت: رواه أبو داود والترمذي كلاهما في الجهاد من حديث فضالة بن عبيد يرفعه، وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ينمى له عمله" أي يُزاد ويرفع. قال الزمخشري (¬3): يقال نَمَّيت الحديث ونَميته مخففًا ومشددًا: المخفف في الإصلاح والمثقّل في الإفساد. 2914 - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "المجاهد: من جاهد نفسه". قلت: رواه الحاكم في المستدرك مطولًا من حديث فضالة بن عبيد، وقد ذكره الشيخ بطوله في الإيمان، وتقدم الكلام عليه. (¬4) 2915 - عن معاذ سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من قاتل في سبيل الله فواق ناقةٍ، فقد وجبت له الجنة، ومن جُرح جُرحًا في سبيل الله، أو نكب نكبةٌ، فإنها تجيء يوم القيامة ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1854) وفي المطبوع: "حديث حسن صحيح غريب". = = قلت: واللائق في هذا الحديث كما جاء هنا: غريب. فإن في الإسناد عثمان بن عبد الرحمن الجمحي وهو ضعيف عند التفرد قال الحافظ ابن حجر في "التقريب" (4527): ليس بالقوي. وقد تفرد برواية هذا الحديث من هذا الوجه. انظر الضعيفة (1324). (¬2) أخرجه أبو داود (2500)، والترمذي (1621) وإسناده صحيح. وأخرجه أحمد (6/ 20)، وصححه ابن حبان (4624)، وصححه الحاكم (2/ 142)، ووافقه الذهبي. (¬3) انظر: الفائق للزمخشري (4/ 27). (¬4) قد سبق الكلام عليه.

كأغزر ما كانت، لونها الزعفران، وريحها المسك، ومن خرج به خراج في سبيل الله، فإن عليه طابع الشهداء". قلت: رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة كلهم من حديث معاذ، وقال الترمذي: حديث صحيح، وحديث ابن ماجه والترمذي مختصر. (¬1) وفواق ناقة: هو بضم الفاء وفتحها ما بين الحلبتين من الوقت؛ لأنها تحلب ثم تترك قليلًا يرضعها الفصيل لتدر ثم تحلب. والنكبة: بفتح النون وسكون الكاف واحدة نكبات الدهر، وهو ما يصيب الإنسان من الحوادث. كأغزر ما كانت: يقال غزر الشيء بالضم يغزر فهو غزير إذا كثر. والخراج: بضم الخاء المعجمة وتخفيف الراء المهملة وفتحها وبعد الألف جيم، وهو ما يخرج في البدن من القروح. والطابع: بفتح الطاء المهملة وبعد الألف باء موحدة مفتوحة، هو الخاتم يختم به على الشيء، وكسر الباء لغة فيه. 2916 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أنفق نفقة في سبيل الله، كتبت له بسبعمائة ضِعْف". قلت: رواه الترمذي والنسائي كلاهما في الجهاد من حديث خريم بن فاتك يرفعه، وقال الترمذي: حسن، إنما نعرفه من حديث الدكين بن الربيع. (¬2) 2917 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أفضل الصدقة: ظل فسطاط في سبيل الله، ومنحة خادمٍ في سبيل الله، أو طروقة فحل في سبيل الله". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2541)، والترمذي (1657)، والنسائي (6/ 25)، وابن ماجه (2792). وإسناده صحيح كما أخرجه أحمد (5/ 230)، والحاكم (2/ 77) وصححه. (¬2) أخرجه الترمذي (1625)، والنسائي (6/ 49). وصححه ابن حبان (4647)، والحاكم (2/ 87)، ووافقه الذهبي.

قلت: رواه الترمذي في الجهاد من حديث أبي أمامة يرفعه، وقال: حديث حسن صحيح. (¬1) والفسطاط: ضرب من الأبنية في السفر دون السرادق. وطروقة فحل: هي الناقة التي يطرق الفحل مثلها أي يضربها. 2918 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يلج النار من بكى من خشية الله، حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري مسلم أبدًا". قلت: رواه الترمذي والنسائي كلاهما في الجهاد، وابن ماجه فيه مختصرًا كلاهما من حديث أبي هريرة، وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬2) 2919 - وروي: "في جوف عبد أبدًا، ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدًا". قلت: رواها النسائي في الجهاد من حديث أبي هريرة يرفعه. (¬3) 2920 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله". قلت: رواه الترمذي في الجهاد من حديث ابن عباس، وقال: حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث شعيب بن رزيق انتهى. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1627)، وفي المطبوع: "حسن صحيح غريب"، انظر: سنن الترمذي (3/ 269)، وانظر علل الترمذي الكبير (493). وصححه الحاكم (2/ 91)، ووافقه الذهبي. (¬2) أخرجه الترمذي (1633)، والنسائي (6/ 12)، وابن ماجه (2774). (¬3) أخرجه النسائي (6/ 14). (¬4) أخرجه الترمذي (1639) وله شاهد عن أنس في "المختارة" عند المقدسي (131/ 1). وانظر علل الترمذي (495)، وهداية الرواة (4/ 15).

وذكر الذهبي شعيب بن رزيق هذا في الكاشف، وعلّم عليه علامة أبي داود خاصة، وهو وهم فإن الترمذي روى له ولم يرو له أبو داود إلا في كتاب الرد على القدرية، كذا ذكره المزي وغيره. وقد وثقه الدارقطني، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات. (¬1) 2921 - قال: "مر رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بشِعْب فيه عيينة من ماء عذبة، فأعجبته، فقال: لو اعتزلت الناس، فأقمت في هذا الشِّعب، فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ " فقال: "لا تفعل! فإن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عامًا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم، ويدخلكم الجنة؟، اغزوا في سبيل الله، من قاتل في سبيل الله فواق ناقةٍ، وجبت له الجنة". قلت: رواه الترمذي في فضل الجهاد من حديث أبي هريرة يرفعه، وقال: حديث حسن (¬2). ولفظ الترمذي: "بشعب فيه عيينة من ماء" تصغير عين ووقع في كثير من المصابيح: "غيضة"، والظاهر أنه وهم. 2922 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "رباط يوم في سبيل الله: خير من ألف يومٍ فيما سواه من المنازل". قلت: رواه الترمذي في فضل الجهاد من حديث أبي هريرة، وقال: حديث ¬

_ (¬1) انظر: الكاشف ت (2289) وهناك شعيب بن رزيق الثقفي والمطلوب شعيب المقدسي وانظر: الميزان (2/ ت 3717، 3718)، والتاريخ الكبير (4/ ت 2557) (2558)، والجرح (4/ ت 1510) وفرق بينهما. وانظر: سؤالات البرقاني (217)، وقال الحافظ في التقريب (2816): صدوق يخطيء، وانظر: للتفصيل تهذيب الكمال (12/ 524 - 525)، والثقات لابن حبان (8/ 308). (¬2) أخرجه الترمذي (1650). وإسناده حسن فإن في إسناده هشام بن سعد قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب (7344): صدوق له أوهام ورمى بالتشيع. وقد صححه الحاكم (2/ 68)، ووافقه الذهبي. وله شاهد من حديث معاذ بن جبل عند أحمد (5/ 230) وانظر هداية الرواة (4/ 15).

حسن صحيح. (¬1) 2923 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "عرض علي أول ثلاثةٍ يدخلون الجنة: شهيد، وعفيف متعفف، وعبدٌ أحسن عبادة الله ونصح لمواليه". قلت: رواه الترمذي في فضل الجهاد من حديث أبي هريرة وحَسّنه. (¬2) وفي سنده عامر العقيلي، قال المزي: فيه جهالة ولكنه ذكره ابن حبان في الثقات. ومعنى: عفيف: متعفف، عفيف عما لا يحل متعفف عن السؤال. 2924 - "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: "إيمانٌ لا شك فيه، وجهاد لا غلول فيه، وحجة مبرورة"، قيل: فأي الصلاة أفضل؟ قال: "طول القيام", قيل: فأي الصدقة أفضل؟ قال: "جهد المقل"، قيل: فأي الهجرة أفضل؟ قال: "من هجر ما حرم الله عليه"، قيل: فأيُّ الجهاد أفضل؟ قال: "من جاهد المشركين بماله ونفسه"، قيل: فأيُّ القتل أشرف؟ قال: "من أهريق دمه وعقر جواده". قلت: رواه أبو داود في الصلاة قبل أبواب تلاوة القرآن، والنسائي في الزكاة، من ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1667) وفي المطبوع: "حسن غريب، من هذا الوجه" وصححه ابن حبان (4609)، والحاكم (2/ 68). (¬2) أخرجه الترمذي (1642) وقال: حسن. وابن حبان انظر موارد الظمآن رقم (1203) بإسناد جيد، وأحمد (2/ 425)، وانظر الإحسان (4312) و (7481). قلت: عامر العقيلي وهو ابن عقبة ويقال ابن عبد الله العقيلي، لم أجد كلام المزي هذا، بل قال مثله الذهبي في الميزان، وقال في الكاشف: وثق، وقال الحافظ في التقريب (3123): مقبول، وحسن الترمذي حديثه، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. انظر الكاشف (ت 2544)، الميزان (2/ ت 4096)، الثقات لابن حبان (7/ 250)، وتهذيب الكمال (14/ 70 - 71)، وتحفة الأشراف (11/ 101 رقم 15491).

حديث عبد الله بن حُبشي الخثعمي، وسكت عليه أبو داود. (¬1) وحبشي: بحاء مهملة وباء موحدة وستين معجمة وياء مثناة من تحت. 2925 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعةٍ، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خيرٌ من الدنيا وما فيها، ويزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويُشَفّع في سبعين من أقربائه". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في الجهاد من حديث المقدام بن معدي كرب، يرفعه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. (¬2) والدفعة: قال الجوهري (¬3): الدُّفعة من المطر وغيره بالضم مثل الدُّفقة، والدَّفعة بالفتح: المرة الواحدة. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (1449)، والنسائي (5/ 58). وقد قوى الحافظ إسناده في الإصابة (4/ 52) في ترجمة عبد الله بن حبشي. وراجع كلامه عليه هناك وفيه فوائد أخرى. وكذلك ابن أبي حاتم في العلل (2/ 149). وقد صححه الحاكم (2/ 114)، ووافقه الذهبي. (¬2) أخرجه الترمذي (1663)، وابن ماجه (2799) وإسناده فيه إسماعيل بن عياش، وهو صدوق في روايته عن أهل بلده، وبحير بن سعد من بلديه وقد اضطرب فيه. فقد قال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 328): سألت أبي عن حديث رواه إسماعيل بن عياش عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة عن نعيم بن همار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: للشهيد عند الله ست خصال، قال أبي: رواه بقية عن بحير عن خالد بن معدان عن المقدام عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قلت لأبي أيهما الصحيح؟ فقال: كان ابن المبارك يقول: إذا اختلف بقية وإسماعيل فبقية أحب إليّ، قلت: فأيهما أشبه عندك؟ قال: بقية أحب إلينا من إسماعيل، فأما الحديث فلا يضبط أيهما الصحيح. (¬3) الصحاح للجوهري (3/ 1208).

والفزع الأكبر: قيل: هو إذا أطبقت النار على أهلها، أعاذنا الله منها، ومن كل عذاب في الدنيا والآخرة، وقيل: هو النفخ في الصور، وقيل: حين يعرض على النار، وقيل: حين يذبح الموت. والتاج: هو ما يصاغ للملوك من الذهب والجوهر. والوقار: الحلم والرزانة. 2926 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من لقي الله بغير أثر من جهاد، لقي الله وفيه ثلمة". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في الجهاد من حديث أبي هريرة يرفعه، وقال الترمذي: غريب، من حديث الوليد بن مسلم عن إسماعيل بن رافع، وإسماعيل: قد ضعفه بعض أصحاب الحديث، قال: وسمعت محمدًا يقول: ثقة مقارب الحديث، انتهى. (¬1) وإسماعيل قال الذهبي: ضعيف واه. 2927 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "الشهيد لا يجد ألم القتل، إلا كما يجد أحدكم ألم القَرصة". (غريب). قلت: رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة ثلاثتهم في الجهاد من حديث أبي هريرة، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب. (¬2) 2928 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس شيءٌ أحب إلى الله من قطرتين وأثرين: قطرة دموع من خشية الله، وقطرة دم يهراق في سبيل الله، وأما الأثران: فأثر في سبيل الله، وأثر فريضة من فرائض الله تعالى". (غريب). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1666)، وابن ماجه (2799). وأخرجه ابن عدي في الكامل (1/ 278)، والحاكم (2/ 79) وضعفه الذهبي بإسماعيل ابن رافع. وانظر ترجمته (في الكاشف ت (372)) وقال الحافظ في التقريب (446): ضعيف الحفظ. (¬2) أخرجه الترمذي (1668)، والنسائي (6/ 36)، وابن ماجه (2802). وإسناده فيه محمَّد بن عجلان قال عنه الحافظ في التقريب (6176): صدوق إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة. وأخرجه ابن حبان (4655)، وأحمد (2/ 297)، والبيهقي (9/ 164).

قلت: رواه الترمذي في الجهاد من حديث أبي أمامة يرفعه، وقال: حسن غريب (¬1)، قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وأثر فريضة من فرائض الله" هو كالذي يقوم فتتفطر قدماه أو يصوم فينحل بدنه ويصفر لونه من أثر العبادة. 2929 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تركب البحر إلا حاجًّا، أو معتمرًا، أو غازيًا في سبيل الله، فإن تحت البحر نارًا، وتحت النار بحرًا". قلت: رواه أبو داود في الجهاد من حديث بشير بن مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص يرفعه، وفي هذا الحديث اضطراب، روي عن بشير هكذا، وروى أنه بلغه عن عبد الله بن عمرو، وروي عنه عن رجل عن عبد الله بن عمرو، وقيل غير ذلك (¬2)، وذكره البخاري في تاريخه وذكر له هذا الحديث وذكر اضطرابه، وقال: ولم يصح حديثه، وقال الخطابي: وقد ضعفوا هذا الحديث. (¬3) 2930 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "المائد في البحر -الذي يصيبه القيء-: له أجر شهيدٍ، والغَرِق له أجر شهيدين". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1669)، وكذلك أخرجه الطبراني في الكبير (7918)، وابن عدي في الكامل (7/ 2543) وإسناده حسن كما سبق تحت حديث "من لم يغز ..... ". (¬2) أخرجه أبو داود (2489). قلت: وهو ضعيف كما قال، وفيه: بشر أبي عبد الله قال عنه الحافظ في التقريب (716): مجهول عن بشير بن مسلم قال الحافظ ابن حجر في التقريب (728): مجهول. وكذلك فيه الاضطراب كما بيّنه المناوي، وقد بينه الألباني في السلسلة الضعيفة (478 - 479)، والإرواء (991). (¬3) انظر مختصر السنن للمنذري (3/ 359)، وكلام الخطابي في معالم السنن (2/ 206)، وانظر: التاريخ الكبير للبخاري (2/ 104).

قلت: رواه أبو داود في الجهاد من حديث أم حرام (¬1)، وفي إسناده هلال ابن ميمون الرملي قال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم الرازي: ليس بقوي يكتب حديثه. (¬2) والمائد: اسم فاعل من ماد يميد إذا دار رأسه من تحرك السفينة. 2931 - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من فصل في سبيل الله، فمات، أو قتل، أو وَقَصه فرسه أو بعيره، أو لدغته هامة، أو مات على فراشه بأي حتفٍ شاء الله، فإنه شهيد، وإن له لجنة". قلت: رواه أبو داود في الجهاد من حديث أبي مالك الأشعري يرفعه (¬3)، وفي إسناده، بقية بن الوليد، وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، قال الحافظ المنذري (¬4): وهما ضعيفان. وفصل: بفتح الفاء وبعدها صاد مهملة مفتوحة، ولام أي خرج من منزله وبلده. ووقصه: أي صرعه فدقّ عنقه. والوقص: الدق والكسر. والهامة: واحدة الهوام، وهي ذوات السموم القاتلة كالحية والعقرب ونحوهما، وقال بعضهم: ما له سم إلا أنه لا يقتل كالعقرب والدبُّور. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2493) وإسناده حسن. انظر الإرواء (991). (¬2) انظر الجرح والتعديل (9/ ت 297)، والدارمي عن ابن معين: صالح (رقم 856)، والثقات لابن حبان (7/ 572)، وتهذيب الكمال (6630) وقال الحافظان الذهبي في الكاشف (6006)، وابن حجر في التقريب (7397): صدوق. (¬3) أخرجه أبو داود (2499). فيه بقية بن الوليد وقد عنعنه لكنه صرح بالتحديث عند الحاكم، وصححه (2/ 77)، وقد رده الذهبي وله عند البيهقي (9/ 166) شاهد وبه يحسن الحديث. انظر: هداية الرواة (4/ 19). (¬4) مختصر السنن (3/ 364)، وقال الحافظ في التقريب (3844): عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان العنسي الدمشقي: صدوق يخطيء، ورمي بالقدر، وتغير بآخره.

وقال الجوهري (¬1): الهامة واحدة الهوام، ولا يقع هذا الاسم إلا على المَخُوف من الأحناش، والحتف: الموت، قوله: لدغته هو بفتح الدال المهملة والغين المعجمة. 2932 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "قفلة كغزوة". قلت: رواه أبو داود في الجهاد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. (¬2) والقفلة: المرة من القفول، فيجوز أن يراد القفول عن الغزو والرجوع إلى الوطن، فأجر المجاهد في انصرافه إلى أهله كأجره في إقباله إلى الجهاد. 2933 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "للغازي أجره، وللجاعل أجره وأجر المغازي". قلت: رواه أبو داود في الجهاد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص يرفعه، وسكت عليه. (¬3) وقد يتمسك بهذا الحديث من يرى جواز استئجار المسلم للجهاد، ونقل عن مالك وأبي حنيفة، ورأى الشافعي عدم الجواز، وتأول الحديث. 2934 - سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ستفتح عليكم الأمصار، وستكون جنود مجندة، يقطع عليكم فيها بُعوث، فيكره الرجل البعث، فيتخلص من قومه، ثم يتصفح القبائل، يعرض نفسه عليهم: من أكفيه بعث كذا؟، ألا وذلك الأجير إلى آخر قطرة من دمه". قلت: رواه أبو داود فيه من حديث أبي أيوب يرفعه، وسكت عليه. (¬4) ¬

_ (¬1) الصحاح للجوهري (5/ 2062). (¬2) أخرجه أبو داود (2487). وأخرجه أحمد (2/ 174)، والحاكم (2/ 73) وصححه، ووافقه الذهبي. (¬3) أخرجه أبو داود (2526). وكذلك أحمد (2/ 174) وإسناده صحيح. انظر: هداية الرواة (4/ 19). (¬4) أخرجه أبو داود (2525). وفي إسناده ابن أخي أبي أيوب وهو أبو سورة. قال البخاري: منكر الحديث، يروي عن أبي أيوب مناكير لا يتابع عليها، وقال أيضًا: لا يعرف له سماع من أبي أيوب. وأورده الحافظ ابن حجر في التقريب (8215) وقال: ضعيف.

ومجندة: أي مجموعة، كما يقال ألوف مؤلفة وقناطير مقنطرة. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "يقطع عليكم فيها بعوث" أي يُقدر عليكم في تلك الجنود بعوث أي جيوش بمعنى تلزمون أي تخرجون وينبعث من كل قوم إلى الجهاد، فيكره الرجل البعث فيتخلص أي يخرج ويفر من قومه طلبًا للخلاص من الغزو، ومعنى الحديث والله أعلم: أن الرجل يكره البعث، فلا يغزو مع قومه في سبيل الله، ثم يعرض نفسه على القبائل، يعرض نفسه ليغزو بالأجرة، فتلك الأجرة هي ثوابه في كل ما يصيبه في ذلك الغزو إلى آخر قطرة من دمه، لا يثاب على شيء مما أصابه من جرح وسفك دم، بل تلك الأجرة حظه إلى نفاذ أجله، ويقطع بعد ذلك أجره، فإن الغرض الدنيوي قد استحقه ولا شيء له في الآخرة يجزى عليه، بخلاف من غزا لله فإن عمله ورزقه يجريان عليه. قوله: "يعرض نفسه عليهم" هي بدل من يتصفح القبائل، بدل الفعل من الفعل، ويجوز أن تكون الجملة في محل النصب على الحال من الضمير المرفوع في يتصفح، أي يتصفح القبائل عارضًا نفسه عليهم قائلًا لهم: مَنْ أكفيه بعث كذا؟ 2935 - قال: آذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالغزو، وأنا شيخ كبير، ليس لي خادمٌ، فالتمست أجيرًا يكفيني، فوجدت رجلًا سميت له ثلاثة دنانير، فلما حضرت غنيمة، أردت أن أجري له سهمه، فجئت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت له؟ فقال: "ما أجد له في غزوته هذه في الدنيا والآخرة، إلا دنانيره التي تسمي". قلت: رواه أبو داود فيه من حديث يعلى بن أمية وسكت عليه. (¬1) وآذن: ممدود الهمزة مفتوح الذال المعجمة أي: أعلم، يقال آذن إيذانًا أي أعلم إعلامًا، ومنه أن الدنيا قد آذنت بصرم كله مخفف. بمعنى أعلم. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2527) وإسناده حسن، وكذلك أخرجه البيهقي (6/ 331).

2936 - أن رجلًا قال: يا رسول الله، رجل يريد الجهاد في سبيل الله، وهو يبتغي عرضًا من عرض الدنيا؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا أجر له". قلت: رواه أبو داود فيه من حديث ابن مكرز، رجل من أهل الشام عن أبي هريرة يرفعه، وفيه: أن السائل كرر ذلك على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثًا، كل ذلك والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا أجر له. (¬1) قال الحافظ زكي الدين (¬2): وابن مكرز: لم يذكر بأكثر من هذا، وهو مجهول. 2937 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الغزو غزوان، فأما من ابتغى وجه الله، وأطاع الإِمام، وأنفق الكريمة، وياسر الشريك، واجتنب الفساد، فإن نومه ونبهه أجر كله، وأما من غزا فخرًا، ورياءً، وسمعة، وعصى الإِمام، وأفسد في الأرض، فإنه لم يرجع بالكفاف". قلت: رواه أبو داود والنسائي كلاهما في الجهاد حديث من معاذ بن جبل، وفي إسناده بقية بن الوليد وفيه مقال. (¬3) والكريمة: العزيزة على صاحبها الجامعة للكمال. وياسر الشريك: معناه أخذ باليسر والسهولة مع الشريك والصاحب والمعونة لهما. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2516). وابن مكرز مجهول ذكره الحافظ ابن حجر في التقريب (8565) وقال: مجهول. انفرد بكير ابن عبد الله ابن الأشج بالرواية عنه، وجهله ابن المديني والمزي انظر "تهذيب الكمال" (3/ 482)، ورواه الحاكم (2/ 85)، وصحح إسناده! وله شاهد من حديث أبي أمامة عند النسائي (6/ 25). (¬2) مختصر السنن (3/ 372). (¬3) أخرجه أبو داود (2515)، والنسائي (6/ 49) (7/ 155) وفيه بقية بن الوليد وهو ليس بالقوي وهو مدلس تدليس التسوية، ولا يقبل منه إلا أن يصرح بالسماع وصححه الحاكم (2/ 85)، ووافقه الذهبي، وانظر العلل للدارقطني (6/ 84 - 85)، وحسنه الشيخ الألباني في الصحيحة (1990).

ونبهه: بفتح النون وبعدها جاء موحدة مفتوحة، وهاء، من الانتباه والسهر، والكفاف: هو الذي لا يفضل عن الشيء ويكون بقدر الحاجة إليه. 2938 - قال: يا رسول الله أخبرني عن الجهاد؟ فقال: "إن قاتلت صابرًا محتسبًا، بعثك الله صابرًا محتسبًا، وإن قاتلت مرائيًا مكاثرًا، بعثك الله مرائيًا مكاثرًا، يا عبد الله بن عمرو! على أي حالٍ قاتلت أو قتلت، بعثك الله على تيك الحالِ". قلت: رواه أبو داود فيه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وسكت عليه. (¬1) 2939 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أعَجزتم -إذا بعثت رجلًا فلم يمض لأمري- أن تجعلوا مكانه من يمضي لأمري؟ ". قلت: رواه أبو داود فيه من حديث عقبة بن مالك قال: بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - سرية فسلحت رجلًا منهم سيفًا، فلما رجع قال: لو رأيت مالًا منا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أعجزتم إذا بعثت رجلًا" الحديث. (¬2) قوله: "فسلحت رجلًا منهم سيفًا" أي جعلته سلاحه، يقال: سلحته أسلحة إذا أعطيته سلاحًا، وإن شدد فللتكثير، والسلاح يذكر ويجوز تأنيثه. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2519). وفي إسناده حنان بن خارجة قال الذهبي في "الميزان" (1/ ت 2363): لا يعرف، أشار ابن القطان إلى تضعيفه للجهل بحاله. وقال الحافظ في التقريب (1582): مقبول. (¬2) أخرجه أبو داود (2537) وفي إسناده بشر بن عاصم الليثي قال ابن القطان "مجهول الحال" وذكره ابن حبان في "الثقات" (4/ 68)، وذكره الذهبي في "الكاشف" (583) وقال: "وثق" وقال الحافظ في التقريب (698): "صدوق يخطيء".

باب إعداد آلة الجهاد

باب إعداد آلة الجهاد من الصحاح 2940 - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي". قلت: رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه ثلاثتهم في الجهاد من حديث عقبة ابن عامر ولم يخرجه البخاري. (¬1) 2941 - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ستفتح عليكم الروم، ويكفيكم الله، فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه". قلت: رواه مسلم من حديث عقبة بن عامر أيضًا، ولم يخرجه البخاري. (¬2) ومعنى الحديث: أنه لا ينبغي أن يعجز أحدكم عن تعلم الرمي حتى إذا حان فتح الروم أمكنه العون على الفتح. 2942 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من عَلِم الرمي ثم تركه، فليس منا -أو قد عصى-". قلت: رواه مسلم فيه من حديث عقبة، ولم يخرجه البخاري أيضًا. (¬3) وهذا تشديد عظيم في نسيان الرمي بعد علمه وهو مكروه كراهة شديدة لمن تركه بلا عُذر. 2943 - قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قومٍ من أسلم يتناضلون بالسوق، فقال: "ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان راميًا، وأنا مع بني فلان، لأحد ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1917)، وأبو داود (2514)، وابن ماجه (2813). (¬2) أخرجه مسلم (1918). (¬3) أخرجه مسلم (1919).

الفريقين"، فأمسكوا بأيديهم، فقال: "ما لكم؟ " قالوا: وكيف نرمي وأنت مع بني فلان؟ قال: "ارموا وأنا معكم كلكم". قلت: رواه البخاري فيه من حديث سلمة بن الأكوع، ولم يخرجه مسلم. (¬1) ويتناضلون: أي يترامون، والنضال: الرمي مع الأصحاب، يقال: ناضلته فنضلته. 2944 - قال: كان أبو طلحة يتترّس مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بتُرس واحدٍ، وكان أبو طلحة حسن الرمي، فكان إذا رمى، تشرف النبي - صلى الله عليه وسلم - فينظر إلى موضع نَبله. قلت: رواه البخاري فيه، في باب المجنّ من حديث أنس. (¬2) 2945 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "البركة في نواصي الخيل". قلت: رواه الشيخان فيه، والنسائي في الخيل ثلاثتهم من حديث أنس يرفعه. (¬3) 2946 - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلوي ناصية فرسٍ بإصبعيه، وهو يقول: "الخيل معقودٌ بنواصيها الخير إلى يوم القيامة: الأجر والغنيمة". قلت: رواه مسلم فيه، والنسائي في الخيل كلاهما من حديث جرير بن عبد الله، ولم يخرج البخاري عن جرير في هذا شيئًا. (¬4) والمراد بالنواصي هنا: الشعر المسترسل على الجبهة، قاله الخطابي (¬5) وغيره، قالوا: وكنى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالناصية عن جميع ذات الفرس، يقال: فلان مبارك الناصية، ومبارك الغرة أي الذات. ومعنى معقود فيها: ملازم لها كأنّه معقود فيها. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3507). (¬2) أخرجه البخاري (2902). (¬3) أخرجه البخاري (2851)، ومسلم (1874)، والنسائي (6/ 221). (¬4) أخرجه مسلم (1872)، والنسائي (6/ 221). (¬5) انظر: المنهاج للنووي (13/ 24).

2947 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من احتبس فرسًا في سبيل الله إيمانًا بالله، وتصديقًا بوعده، فإنّ شِبَعه ورِيّه ورَوْثه وبَوْله: في ميزانه يوم القيامة". قلت: رواه البخاري في الجهاد في "باب من احتبس الفرس في سبيل الله" من حديث أبي هريرة، ولم يخرجه مسلم. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من احتبس فرسًا" أي: ربطه وحبسه على نفسه لما عسى أن يحدث من جهاد وسد ثغرة من ثغور المسلمين. 2948 - قال: "كان رسول الله يكره الشّكال في الخيل"، والشكال: أن يكون الفرس في رجله اليمنى بياض وفي يده اليسرى، أو في يده اليمنى ورجله اليسرى. قلت: رواه الجماعة إلا البخاري كلهم من حديث أبي هريرة في الجهاد إلا النسائي ذكره في الخيل (¬2)، قال النووي (¬3): وهذا التفسير في الشكال هو أحد الأقوال فيه، قال: وقال أبو عبيد (¬4): وجمهور أهل اللغة والغريب: هو أن يكون من ثلاث قوائم محجلة، وواحدة مطلقة تشبيهًا بالشكال الذي تشكل به الخيل فإنه يكون في ثلاث قوائم غالبًا، قال أبو عبيد: وقد يكون الشكال ثلاث قوائم مطلقة وواحدة محجلة، وقيل غير ذلك، قال العلماء وإنما كرهه لأنه على صورة مشكول، وقيل يحتمل أن يكون قد جُرّب ذلك الجنس فلم يكن فيه نجابة، قال بعض العلماء: إذا كان مع ذلك أغرَّ زالت الكراهة لزوال شبه الشكال انتهى كلام النووي مختصرًا، والشكال في الحديث بكسر الشين المعجمة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2853). (¬2) أخرجه مسلم (1875)، وأبو داود (2547)، والترمذي (1698)، وابن ماجه (2790)، والنسائي (6/ 219). (¬3) المنهاج (13/ 29). (¬4) انظر: الغريبين للهروي (3/ 290)، وغريب الحديث لأبي عبيد (3/ 18 - 19).

2949 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سابق بين الخيل التي قد أضمرت: من الحفياء، وأمدها ثنية الوداع، وبينهما ستة أميال، وسابق بين الخيل التي لم تضمّر: "من الثنية إلى مسجد بني زريق، وبينهما ميل". قلت: رواه الجماعة إلا ابن ماجه كلهم من حديث ابن عمر هنا، وذكره البخاري في الصلاة، والنسائي في الخيل، وزاد البخاري على مسلم بذكر الأميال. (¬1) ومعنى أضمرت: هو إذا لازمها بالعلف حتى تسمن، ثم لا تعلف إلا قوتًا لتخف، وقيل: يشد عليها سروجها وتجلل بالأجلة حتى يعرق تحتها فيشتد لحمها، والحفياء: بحاء مهملة ثم فاء ساكنة وبالمد والقصر والأفصح المد. قال النووي (¬2): والحاء مفتوحة بلا خلاف، قال سفيان بن عينية: بين ثنية الوداع والحفياء خمسة أميال أو ستة. وأما ثنية الوداع: فهي عند المدينة سميت بذلك لأن الحاج من المدينة يمشي معه المودعون إليها، ومسجد بني زريق بتقديم الزاي. 2950 - قال: كانت ناقة لرسول الله تسمى العضباء، وكانت لا تُسبق، فجاء أعرابي على قعود له، فسبقها، فاشتد ذلك على المسلمين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن حقًّا على الله، أن لا يرتفع شيءٌ من الدنيا إلا وضعه". قلت: رواه البخاري في الجهاد في باب ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأبو داود في الأدب كلاهما من حديث أنس. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (420) (2868)، ومسلم (1870)، وأبو داود (2575)، والترمذي (1699) , والنسائي (6/ 225)، وكذلك ابن ماجه (2877). (¬2) المنهاج (13/ 23). (¬3) أخرجه البخاري (2872)، وأبو داود (4803).

من الحسان

والعضباء: علم على ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم - منقول من قولهم: ناقة عضباء أي مشقوقة الأذن، ولم تكن مشقوقة الأذن، وقيل: كانت مشقوقة والأول أشهر، والقعود من الإبل: ما يعده الإنسان للركوب والحمل، قال الجوهري (¬1): وأدنى ذلك أن يأتي عليه سنتان إلى أن يُثْني، فإذا أَثْنى سُمّي جملًا، يعني دخل في السنة السادسة. من الحسان 2951 - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة: صانعه، يحتسب في صنعته الخير، والرامي به، ومنبله، فارموا واركبوا، وأن ترموا أحبّ إليّ من أن تركبوا، كل شيء يلهو به الرجل باطلٌ، إلا رميه بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته امرأته، فإنهن من الحق، ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه، فإنه نعمة تركها، أو قال: كفرها". قلت: رواه أبو داود في الجهاد والنسائي فيه مختصرًا، وفي الخيل بتمامه، والترمذي وابن ماجه إلى قوله "فإنهن من الحق" أربعتهم من حديث عقبة بن عامر يرفعه، وسكت عليه أبو داود. (¬2) ¬

_ (¬1) الصحاح للجوهري (2/ 525). (¬2) أخرجه أبو داود (2513)، والترمذي (1637)، وقال: حسن صحيح. والنسائي (6/ 222 - 223)، وابن ماجه (2811). وفي إسناده عبد الله الأزرق وهو ابن زيد، فيه جهالة وذكره الحافظ في التقريب (3354) وقال: مقبول. فقد تفرد بالرواية عنه أبو سلام، وهو ممطور الأسود الحبشي. وفي إسناده اضطراب، وقد خولف يحيى بن أبي كثير في روايته فرواه عبد الرحمن بن يزيد عن جابر الأزدي -وهو ثقة- عن أبو الأسود عن خالد بن زيد الجهني عن عقبة، وبيّن الشيخ الألباني اضطرابه في كتابه: تخريج أحاديث فقه السيرة (ص 211).

قوله - صلى الله عليه وسلم -: ومنبله، قال المنذري (¬1): هو بضم الميم وفتح النون وتشديد الباء الموحدة وكسرها، يقال: نبلت الرجل بالتشديد إذا ناولته النبل، وكذا أنبلته، وحكى بعضهم فيه: نبله ينبله بفتح الباء وتسكين النون وضم الباء، قال البغوي (¬2): هو الذي يناول الرامي النبل، وهو يكون على وجهين: أحدهما: يقوم بجنب الرامي، أو خلفه فيناوله النبل واحدًا بعد واحد، حتى يرمي، والوجه الآخر: أن يرد عليه النبل المرمي به. انتهى. والظاهر أن الضمير في منبله عائد على الرامي، والنبل: السهام العربية، وهي لطاف ليست بطوال، كسهام النشاب، والحسبان: أصغر من النبل. (¬3) 2952 - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من بلغ بسهم في سبيل الله، فهو له درجة في الجنة، ومن رمى بسهم في سبيل الله، فهو له عدل محرر، من شاب شيبة في سبيل الله، كانت له نورًا يوم القيامة". قلت: رواه النسائي بتمامه في الجهاد مقطعًا، وروى أبو داود في العتق، والترمذي وابن ماجه في الجهاد القطعة الأولى، والترمذي القطعة الأخيرة أيضًا، وصححه، كلهم من حديث أبي نجيح واسمه عمرو بن عبسة. (¬4) 2953 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا سبق إلا في نصلٍ، أو خف، أو حافرٍ". قلت: رواه أبو داود والترمذي كلاهما في الجهاد والنسائي في الخيل كلهم من حديث أبي هريرة يرفعه، وقال الترمذي: حديث حسن، وسكت عليه أبو داود. (¬5) ¬

_ (¬1) في الترغيب والترهيب (2/ 278). (¬2) شرح السنة (10/ 383). (¬3) انظر: معالم السنن (2/ 209). (¬4) أخرجه أبو داود (3965)، والترمذي (1638)، والنسائي (6/ 26)، وابن ماجه (2812) وإسناده صحيح. (¬5) أخرجه أبو داود (2574)، والترمذي (1700)، والنسائي (6/ 226). =

قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا سبق" قال الخطابي (¬1): الرواية الصحيحة بفتح الباء وهو ما يجعل من المال رهنًا على المسابقة، وأما بالسكون فمصدر سبقت أسبق. 2954 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من أدخل فرسًا بين فرسين، فإن كان يؤمَن أن يسبق، فلا خير فيه وإن كان لا يؤمَن أن يسبق، فلا بأس به". قلت: رواه أبو عبيد القاسم بن سلام عن عباد بن العوام (¬2) ويزيد بن هارون عن سفيان بن حسين عن الزهريّ عن سعيد بن المسيب بهذا اللفظ عن أبي هريرة يرفعه. - وفي رواية: "وهو لا يؤمَن أن يسبق، فلبس بقمار، ولو أمِن أن يسبق فهو قمار". قلت: رواها الإِمام أحمد والحاكم وأبو داود وابن ماجه أربعتهم في الجهاد ثلاثتهم من حديث سفيان بن حسين به وقال الحاكم: صحيح. (¬3) 2955 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ولا جلب ولا جنب يعني في الرهبان". قلت: رواه أبو داود في الجهاد والترمذي والنسائي كلاهما في النكاح مطولًا بالنهي عن الشغار والنهبة، وابن ماجه في الفتن أربعتهم من حديث الحسن البصري عن عمران بن ¬

_ = صححه ابن القطان وابن دقيق العيد فيما نقله الحافظ في التلخيص (4/ 297)، وأعل الدارقطني بعضها بالوقف، انظر الإرواء (1506). (¬1) معالم السنن (2/ 220)، ومختصر السنن للمنذري (3/ 398). (¬2) أخرجه أبو عبيد في "غريب الحديث" (2/ 143). (¬3) أخرجه أحمد (2/ 505)، وأبو داود (2579)، وابن ماجه (2876)، والحاكم (2/ 114). وإسناده ضعيف. قال الحافظ في التلخيص (4/ 163) سفيان بن حسين ضعيف في الزهريّ، وقال أبو حاتم: أحسن أحواله أن يكون موقوفًا على سعيد بن المسيب، فقد رواه يحيى بن سعيد عن سعيد قوله أ. هـ. قلت: وعلة الحديث سفيان بن حسين فهو ثقة في غير الزهري وهذا من روايته عنه فهو ضعيف كما قال الحافظ في التقريب (2450): ثقة في غير الزهري باتفاقهم، انظر الإرواء (1509).

حصين يرفعه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، انتهى كلامه. (¬1) وقد ذكر أبو حاتم الرازي، وغيره من الأئمة: أن الحسن البصري ليس يصح له سماع عن عمران بن حصين. قوله: "يعني في الرهبان" هكذا ذكره أبو داود عن قتادة، وقد ذكر غير قتادة أن ذلك في الزكاة. 2956 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خير الخيل: الأدهم الأقرح الأرثم، ثم الأقرح المحجّل طلق اليُمنى، فإن لم يكن أدهم، فكُمَيْت على هذه الشِّية". قلت: رواه الترمذي في الجهاد من حديث أبي قتادة يرفعه، وقال: حديث غريب صحيح. (¬2) والأدهم: الأسود الذي يميل من شدة سواده إلى خضرة، والأقرح: الذي في جبهته بياض قليل. والأرثم: بالثاء المثلثة، الذي أنفه أبيض وشفته العليا. والمحجّل: هو الذي يرتفع البياض في قوائمه إلى مواضع القيد ويجاوز الأرساغ ولا يجاوز الركبتين لأنها مواضع الأحجال، وهي الخلاخيل والقيود، ولا يكون التحجيل باليد واليدين ما لم يكن معها رِجل أو رِجلان. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2581)، والترمذي (1123)، والنسائي (6/ 111)، وابن ماجه (3937). وإسناده منقطع كما قال المصنف، وأخرجه أحمد (4/ 439). وقد سبق الكلام عن سماع الحسن البصري من عمران بن حسين. (¬2) أخرجه الترمذي (1696)، وفي المطبوع من السنن (3/ 317): "هذا حديث حسن صحيح غريب". وكذلك ابن ماجه (2789) وإسناده صحيح، فقد صححه ابن حبان (4676)، والحاكم (2/ 92)، ووافقه الذهبي.

وطلق اليمنى: بضم الطاء المهملة واللام، إذا لم يكن في إحدى قوائمه تحجيل، والكميت: يستوي فيه المذكر والمؤنث وإنما صغر لأنه بين السواد والحمرة، وذنبه ومعرفته أسودان. والشية: بالشين المعجمة والياء الثناة من تحت وبالهاء، وهو كل لون يخالف معظم لون الفرس، وأصله من الوشي، والهاء عوض من الواو المحذوفة كالزنة من الوزن، والعدة من الوعد. والوشي: النقش، أراد - صلى الله عليه وسلم - على هذه الصفة وهذا اللون من الخيل. 2957 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عليكم بكل كُمَيْت أغرّ محجّل، أو أشقر أغرّ محجلّ، أو أدهم أغرّ محجّل". قلت: رواه أبو داود في الجهاد والنسائي في الخيل كلاهما من حديث أبي وهب الجشمي يرفعه، ولم يعرف لأبي وهب اسم، هذا قاله الحفاظ. (¬1) والفرق بين الكميت والأشقر بالذنب والعرف فإن كانا أحمرين فأشقر، وإن كانا أسودين فكميت. 2958 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يمن الخيل في الشُّقْر". قلت: رواه أبو داود والترمذي كلاهما في الجهاد، من حديث ابن عباس يرفعه (¬2)، وقال الترمذي: حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث شيبان ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2543)، والنسائي (6/ 218). وإسناده ضعيف. في إسناده عقيل بن شبيب الراوي عن أبي وهب الجشمي وهو مجهول. كما قال الحافظ في التقريب (4694)، وأبو وهب الجشمي صحابي. (¬2) أخرجه أبو داود (2545)، والترمذي (1695). وإسناده حسن. قال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 328) (978) سألت أبي عن حديث رواه الوليد بن مسلم عن شيبان عن علي بن عبد الله بن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يمن الخيل في شقرها" قال أبي: روى زيد بن الحباب عن عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ورواه حسين بن =

يعني ابن عبد الرحمن وهو بالشين المعجمة والياء آخر الحروف، أخرج له الجماعة كلهم. (¬1) 2959 - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تقُصّوا نواصي الخيل، ولا معارفها, ولا أذنابها، فإن أذنابها مذابها، ومعارفها دفاؤها، ونواصيها معقود فيها الخير". قلت: رواه أبو داود من حديث شيخ من بني سليم عن عقبة بن عبد السلمي يرفعه وفي إسناده رجل مجهول. (¬2) ومذابها: جمع مذبة وهي ما يذب بها الهوام، ودفاؤها: أي كمائمها الذي تدفأ به. 2960 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ارتبطوا الخيل، وامسحوا بنواصيها وأعجازها -أو قال: أكفالها- وقلّدوها, ولا تقلدوها الأوتار". قلت: رواه أبو داود فيه، والنسائي في الخيل كلاهما من حديث أبي وهب الجشمى وسكت عليه أبو داود. (¬3) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "قلدوها ولا تلقدوها الأوتار" قال في النهاية (¬4): أي قلدوها طلب أعداء الدين والدفاع عن المسلمين، ولا تقلدوها طلب أوتار الجاهلية وذحولها التي كانت بينكم. ¬

_ = محمَّد المروروذي عن شيبان عن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قلت لأبي: أيهما أصح؟ قال: حديث حسين بن محمَّد صحيح، وحديث زيد بن حباب صحيح. (¬1) شيبان بن عبد الرحمن التميمي، أبو معاوية، ثقة صاحب كتاب التقريب (2849). (¬2) أخرجه أبو داود (2542) وفيه مجهول. وقد اضطرب فيه ثور بن يزيد وقد أخرجه أحمد (4/ 184)، والطبراني في الكبير (17/ 320)، والبيهقي (6/ 331). (¬3) أخرجه أبو داود (2553)، والنسائي (6/ 218 - 219). وإسناده ضعيف. انظر هداية الرواة (4/ 34). (¬4) النهاية (4/ 99).

والأوتار: جمع وتر بالكسر، وهو الدم وطلب الثأر، أي اجعلوا ذلك لازمًا لها في أعناقها لزوم القلائد للأعناق، وقيل: أراد بالأوتار: جمع وَتَر القَوْس: أي لا تجعلوا في أعناقها الأوتار فتختنق؛ لأنها ربما رعت الأشجار فنَشِبت الأوتار ببعض شعبها فاختنقت، وقيل: كانوا يعتقدون أن تقليد الخيل بالأوتار يدفع عنها العين والأذى، فنهاهم عن ذلك، وأعلمهم أنها لا تدفع ضررًا ولا تصرف حَذرًا. (¬1) 2961 - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبدًا مأمورًا، ما اختصنا دون الناس بشيء، إلا بثلاث: أمرنا أن نسبغ الوضوء، وأن لا نأكل الصدقة، وأن لا نُنْزِي حمارًا على فرس. قلت: رواه أبو داود في الصلاة، في باب قدر القراءة في صلاة الظهر والعصر (¬2)، وفيه قصة سؤال ابن عباس: هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الظهر والعصر؟، والترمذي في الجهاد والنسائي في الخيل، وابن ماجه في الطهارة أربعتهم من حديث ابن عباس. 2962 - قال: أهديت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغلة، فركبها، فقال عليٌّ: لو حملنا الحمير على الخيل، فكانت لنا مثل هذه؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون". قلت: رواه أبو داود في الجهاد والنسائي في الخيل وابن حبان في صحيحه ثلاثتهم من حديث علي بن أبي طالب (¬3)، وسكت عليه أبو داود. وقال ابن حبان: أي الذين لا يعلمون النهي عنه. 2963 - قال: كانت قَبيعة سيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فضة. ¬

_ (¬1) انظر هذا الكلام في النهاية لابن الأثير (4/ 99). (¬2) أخرجه أبو داود (808) , والترمذي (1701) وقال: حسن صحيح. والنسائي (6/ 224)، وابن ماجه (426) وإسناده صحيح. (¬3) أخرجه أبو داود (2565)، والنسائي (6/ 224)، وابن حبان (4682) , وإسناده صحيح.

قلت: رواه أبو داود والترمذي كلاهما في الجهاد والنسائي في الزّينة من حديث أنس، وفي سنده اضطراب. (¬1) والقبيعة: هي التي تكون على رأس قائم السيف، وفي الحديث دليل على جواز تحلية السيف بالقليل من الفضة، وكذلك المنطقة. 2964 - قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح، وعلى سيفه ذهب وفضة. (غريب). قلت رواه الترمذي في الجهاد من حديث هود بن عبد الله بن سعد عن جده مزيدة بن جابر العبدي وقال: غريب. (¬2) 2965 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان عليه يوم أحد درعان، قد ظاهر بينهما. قلت: رواه أبو داود في الجهاد والترمذي في الشمائل، والنسائي في السير، وابن ماجه كلهم من حديث السائب بن يزيد، إلا أبا داود قال فيه: عن السائب عن رجل سماه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وساقه بمعناه، ومداره على سفيان بن عيينة ولم يجزم في رواية أبي داود ولا في رواية ابن ماجه سفيان بسماعه فيه إنما قال: حسبت أني سمعت يزيد بن خُصَيفة يذكر عن السائب بن يزيد. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2583)، والترمذي (1691)، والنسائي (8/ 219)، انظر مختصر السنن للمنذري (3/ 403). (¬2) أخرجه الترمذي (1690)، وفي نسخة بولاق: حسن غريب، وهكذا نقل الذهبي أيضًا في الميزان (2/ 333) وقال في ترجمة طالب بن حجير عن هود بن عبد الله بن سعد ... ثم ذكر هذا الحديث وقال: قال الترمذي: حسن غريب، وقال ابن القطان: هو عندي ضعيف لا حسن، وصدق أبو الحسن، قلت: تفرد طالب به، وهو صالح الأمر إن شاء = = الله، وهذا منكر، فما علمنا في حلية سيفه ذهبًا. أ. هـ. هود بن عبد الله قال الحافظ: مقبول، التقريب (7376)، وقد قال ابن القطان أنه مجهول. (¬3) أخرجه أبو داود (2590)، وابن ماجه (2806)، والترمذي في الشمائل (104)، والنسائي في الكبرى (8583)، وإسناده صحيح فقد صرح عند أحمد (1/ 449) بالسماع.

قوله قد ظاهر بينهما: قال في النهاية (¬1): أي قد جمع بينهما ولبس إحداهما فوق الأخرى كأنه من التظاهر والتعاون والتساعد. 2966 - قال: كانت راية النبي - صلى الله عليه وسلم - سوداء، ولواؤه أبيض. قلت: رواه أبو داود وابن ماجه كلاهما في الجهاد من حديث ابن عباس. (¬2) والراية: قال الجوهري (¬3): العلم، وكان اسم راية النبي - صلى الله عليه وسلم - "العقاب". قال الجوهري في باب المعل (¬4) والألوية: المطارف وهي دون الأعلام والبنود، وقال: في باب الفاء المطارف (¬5): أردية من خزّ مربعة لها أعلام. 2967 - سئل عن راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: كانت سوداء، مربّعة من نَمِرة. قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه ثلاثتهم في الجهاد، والنسائي في السير كلهم من حديث البراء بن عازب. (¬6) ¬

_ (¬1) النهاية (3/ 152). (¬2) أخرجه ابن ماجه (2818) ولم أجده في أبي داود بل قد رواه الترمذي (1681) ولم يعزه المزي لأبي راود كما في التحفة (5/ 266 رقم 6542). وفي إسناده يزيد بن حيان هو النبطي قال الحافظ في التقريب (7757): صدوق يخطيء وحسّنه الترمذي ولعله بشواهده ومنها حديث جابر الآتي في نهاية "الباب". (¬3) انظر: الصحاح للجوهري (5/ 1990). (¬4) المصدر السابق (6/ 2485). في باب الواو والياء، وورد فيه: المطارد بدل المطارف. وانظر كذلك تاج العروس (10/ 335)، دار الحياة، بيروت. (¬5) المصدر السابق (4/ 1394). (¬6) أخرجه أبو داود (2591)، والترمذي (1680)، والنسائي في الكبرى (8606) وأما عزوه لابن ماجه فإنني لم أجد فيه ولم يعزه المزي إليه كما في التحفة (2/ 66 رقم 1922). وفي إسناده أبو يعقوب الثقفي وقال عنه العقيلي أيضًا، في حديثه نظر، وترجم له الحافظ في التقريب (338) وثقه ابن حبان =

والسائل له: يونس بن عبيد، وقال الترمذي: غريب، لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي زائدة، وفي سنده أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم، قال ابن عدي الجرجاني: روى عن الثقات ما لم يتابع عليه، وقال أيضًا: أحاديثه غير محفوظة كذا قاله المنذري (¬1)، وعمل الحفاظ على توثيق أبي يعقوب وقد أخرج له الجماعة إلا ابن ماجه. وقال بعضهم: أراد بالسواد ما غالب لونه سواد، بحيث يرى من بعد أسود، لأنه قال من نمرة: وهي بردة من صوف يلبسها الأعراب، فيها تخطيط من سواد وبياض، ولذلك سميت نمرة لشبهها بالنمر. 2968 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة ولواؤه أبيض. قلت: رواه الأربعة كالأول من حديث جابر، وقال الترمذي: حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن آدم عن شريك، وقال سألت محمدًا يعني البخاري عن هذا الحديث فلم يعرفه إلا من حديث يحيى بن آدم عن شريك، وقال: حدثنا غير واحد عن شريك عن عمار عن أبي الزبير عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وعليه عمامة سوداء، قال محمد: وهو البخاري: والحديث هو هذا. (¬2) ¬

_ = وفيه ضعف، وكذلك يونس بن عبيد مولى محمد بن القاسم جهله بن القطان والذهبي ولم يوثقه غير ابن حبان وترجم له الحافظ في التقريب (7967) مقبول. وقال الطبراني في الأوسط: (4730) لا يروى هذا الحديث عن البراء إلا بهذا الإسناد تفرد به يحيى بن زكريا أبي زائدة. وأخرجه أحمد (4/ 298) وصححه الألباني في هداية الرواة (3811)! وضعفه في ضعيف الترمذي (282). وقال الترمذي في العلل الكبير (2/ 713) سألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: هو حديث حسن. وانظر كلام ابن عدي في الكامل (1/ 333 - 334)، وانظر أيضًا تهذيب التهذيب (1/ 221). (¬1) انظر: مختصر السنن للمنذري (3/ 406). (¬2) أخرجه أبو داود (2592)، والترمذي (1679)، والنسائي (5/ 200)، وابن ما جه (2817). =

باب آداب السفر

باب آداب السفر من الصحاح 2969 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج يوم الخميس في غزو تبوك، وكان يحب أن يخرج يوم الخميس. قلت: رواه البخاري وأبو داود كلاهما في الجهاد، والنسائي في السير ثلاثتهم من حديث كعب بن مالك. (¬1) 2970 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم، ما سار راكب بليلٍ وحده". قلت: رواه البخاري والترمذي كلاهما في الجهاد، والنسائي في السير، وابن ماجه في الأدب من حديث ابن عمر يرفعه، ولم يخرجه مسلم. (¬2) 2971 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب، ولا جرس". قلت: رواه مسلم وأبو داود في الجهاد، والنسائي في الملائكة من حديث أبي هريرة (¬3). 2972 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "الجرس من مزامير الشيطان". ¬

_ = وفي الإسناد شريك وهو ابن عبد الله النخعي وهو سيء الحفظ وترجم له الحافظ في التقريب (2802) وقال: صدوق يخطيء كثيرًا تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة. وكذلك أبو الزبير مدلس وقد عنعنه وله شاهد عن ابن عباس عند الترمذي (1681)، وابن ماجه (2818) بلفظ "كانت راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سوداء ولواؤه أبيض وحسنه الترمذي". انظر: مختصر المنذري (3/ 406)، والصحيحة (2100). (¬1) أخرجه البخاري (2950)، وأبو داود (2605)، والنسائي في الكبرى (8785). (¬2) أخرجه البخاري (2998)، والترمذي (1673)، والنسائي في الكبرى (8851)، وابن ماجه (3768). (¬3) أخرجه مسلم (2113)، وأبو داود (2555)، والنسائي في الكبرى (8810).

قلت: رواه مسلم وأبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة. (¬1) 2973 - أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره، فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رسولًا: "لا تبقين في رقبة بعير قلادة من وترٍ، أو قلادة إلا قطعت". قلت: رواه البخاري في الجهاد، ومسلم في اللباس، وأبو داود في الجهاد، والنسائي في السير من حديث أبي بشير الأنصاري. (¬2) 2974 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظّها من الأرض، وإذا سافرتم في السنة فأسرعوا عليها السير، وإذا عرّستم بالليل، فاجتنبوا الطريق، فإنها طريق الدواب ومأوى الهوام بالليل". قلت: رواه مسلم في أواخر الجهاد، والنسائي في السير كلاهما من حديث أبي هريرة. (¬3) والخصب: بكسر الخاء هو كثرة العشب والمرعى، وهو ضد الجدب، والمراد "بالسنة" هنا: القحط. و"التعريس": النزول في آخر الليل للنوم والراحة. هذا قول الأكثرين، وقال أبو زيد: هو النزول أي وقت كان من ليل أو نهار، والمراد بهذا الحديث هو الأول. - وفي رواية: "إذا سافرتم في السنة، فبادروا بها نِقْيها". قلت: رواها مسلم أيضًا من حديث أبي هريرة. (¬4) ونقيها: بكسر النون وإسكان القاف وهو: المخ. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2114)، وأبو داود (2556)، والنسائي في الكبرى (8812). (¬2) أخرجه البخاري (3005)، ومسلم (2115)، وأبو داود (2552)، والنسائي في الكبرى (8808). (¬3) أخرجه مسلم (1926)، والنسائي في الكبرى (8814). (¬4) أخرجه مسلم (1926).

ومعنى الحديث: الحث على الرفق بالدواب، ومراعاة مصلحتها، فإن سافرتم في الخصب فقللوا السير لترعى في بعض النهار، وفي أثناء السير فتأخذ حظها من الأرض بما ترعاه منها، وإن سافرتم في القحط عجلوا السير لتصلوا المقصد، وفيها بقية من قوتها، ولا تقللوا السير فيلحقها الضرر لأنها لا تجد ما ترعى فتضعف وتذهب نقيها، وهو مخ عظمها. 2975 - قال بينما نحن في سفر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إذ جاء رجل على راحلة فجعل يضرب يمينًا وشمالًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كان معه فضل ظهر، فليعُد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل زاد، فليعد به على من لا زاد له"، قال: فذكر من أصناف المال، حتى رأينا أنه لا حق لأحدٍ منا في فضل. قلت: رواه مسلم في المغازي، وأبو داود في الزكاة كلاهما من حديث أبي سعيد الخدري. (¬1) ومعنى: "فجعل يضرب يمينًا وشمالًا" أي جعل يضرب يمين تلك الراحلة وشمالها، وقد كلت وهي مهزولة لا تقدر على الشي، كذا قاله بعضهم وهو ظاهر. 2976 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه، فإذا قضى نهمته من وجهه، فليعجل إلى أهله". قلت: رواه مالك في آخر الموطأ، والبخاري في الحج، ومسلم في الجهاد، والنسائي في السير، وابن ماجه في الجهاد من حديث أبي هريرة. (¬2) والنَهمة: بفتح النون وإسكان الهاء هي الحاجة. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1728)، وأبو داود (1663). (¬2) أخرجه مالك (2/ 980)، والبخاري (1804)، ومسلم (1927)، وابن ماجه (2882)، والنسائي في الكبرى (8783).

2977 - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قدم من سفر، تُلُقّي بصبيان أهل بيته، وإنه قدم من سفر، فسُبق بي إليه، فحملني بين يديه، ثم جيء بأحد ابني فاطمة فأردفه خلفه، قال: فأدخلنا المدينة، ثلاثة على دابةٍ. قلت: رواه مسلم في الفضائل وأبو داود في الجهاد، والنسائي في الحج، وابن ماجه في الأدب من حديث عبد الله بن جعفر، ولم يخرجه البخاري. (¬1) وهذا الحديث فيه دليل لمذهبنا ومذهب العلماء كافة وهو جواز ركوب ثلاثة على دابة إذا كانت مطيقة، وحكى القاضي عياض (¬2) عن مالك منع ذلك مطلقًا. 2978 - أنه أقبل هو وأبو طلحة مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومع النبي - صلى الله عليه وسلم - صفية، مردفها على راحلته. قلت: رواه البخاري في مواضع منها: في الجهاد وفي الأدب، ومسلم في أواخر المناسك، والنسائي في الحج من حديث أنس بن مالك. (¬3) 2979 - كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يطرق أهله، كان لا يدخل إلا غُدوة أو عَشية. قلت: رواه البخاري في الحج، ومسلم في آخر الجهاد، والنسائي في عشرة النساء كلهم من حديث أنس. (¬4) 2980 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أطال أحدكم الغَيْبة، فلا يطرق أهله ليلًا". قلت: رواه البخاري في النكاح، ومسلم في آخر الجهاد، وأبو داود فيه، والنسائي في ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2428)، وأبو داود (2566)، والنسائي في الكبرى (4246)، وابن ماجه (3773). (¬2) إكمال المعلم (7/ 434). (¬3) أخرجه البخاري (3085) (6185)، في الأدب. ومسلم (1345)، والنسائن في الكبرى (4247). (¬4) أخرجه البخاري (1800)، ومسلم (1928)، والنسائي في الكبرى (9146).

عشرة النساء من حديث جابر. (¬1) قال أبو داود: قال الزهري (¬2): الطُروق: بعد العشاء، انتهى. قال أهل اللغة: وهو بضم الطاء وهو الإتيان في الليل، وكل من أتى في الليل فهو طارق. (¬3) 2981 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا دخلت ليلًا، فلا تدخل على أهلك، حتى تستحد المغيبة، وتمتشط الشعثة". قلت: رواه الشيخان في النكاح، وأعاده مسلم في آخر الجهاد، وأبو داود فيه، والنسائي في عشرة النساء من حديث جابر بألفاظ متقاربة والمعنى واحد. (¬4) والمغيبة: بضم الميم وكسر الغين المعجمة وسكون الياء المثناة من تحت وفتح الموحدة. قال الجوهري (¬5): يقال: "أغابت المرأة" إذا غاب عنها زوجها فهي مغيبة بالهاء. 2982 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة، نحر جزورًا أو بقرة. قلت: رواه البخاري آخر الجهاد، وأبو داود في الأطعمة كلاهما من حديث جابر. (¬6) واستدل أصحابنا بهذا الحديث على استحباب النقيعة، وهو طعام يصنع عند قدوم المسافر، وعدّوه من الولائم المستحبة، وهل يتخذها القادم أو المقدوم عليهم؟ نقل ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5244)، ومسلم (715)، وأبو داود (2777)، والنسائي في الكبرى (9142). (¬2) ورد في المخطوط: الأزهري، وهو خطأ والصواب: الزهري، لأن الأزهري توفي سنة (370 هـ)، انظر سنن أبي داود (3/ 219). (¬3) تهذيب اللغة للأزهري (المستدرك/ 226). (¬4) أخرجه البخاري (5246)، ومسلم (715)، وأبو داود (2778)، والنسائي في الكبرى (9144). (¬5) الصحاح للجوهري (1/ 196). (¬6) أخرجه البخاري (3089)، وأبو داود (3747).

الأزهري عن الفراء (¬1): أنه القادم، وقال صاحب المحكم: هو طعام يصنع للقادم، وجعله النووي (¬2): هو الأظهر، وليس كذلك عندي بل الأظهر أن المخاطب به القادم لظاهر الحديث. قال الحليمي في أواخر الحج من منهاجه (¬3): ويستحب للمسافر إذا رجع واستقر في منزله أن يطعم الناس، فعله الصالحون من سلف هذه الأمة، وليس في كلام الفقهاء ما يخالف قول الحليمي، وقد صرح بذلك. والنقيعة: بفتح النون وبالقاف وبالياء المثناة من تحت والعين المهملة المفتوحة وتاء التأنيث. 2983 - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يقدم من سفر إلا نهارًا في الضحى، فإذا قدم بدأ بالمسجد، فصلى فيه ركعتين، ثم جلس فيه للناس. قلت: رواه مسلم في الصلاة بهذا اللفظ، والبخاري قريبًا منه في مواضع منها في آخر الجهاد كلاهما من حديث كعب بن مالك. (¬4) وفيه دليل على أنه يستحب للمسافر إذا قدم من سفر أن يبدأ بالمسجد فيصلي فيه ركعتين. 2984 - كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفرٍ، فلمَّا قدمنا المدينة، قال لي: "ادخل المسجد، فصل ركعتين". قلت: رواه البخاري في أواخر الجهاد من حديث جابر بن عبد الله. (¬5) ¬

_ (¬1) انظر: تهذيب اللغة للأزهري (1/ 262)، والصحاح للجوهري (3/ 1293)، وفيه من قول الجوهري. (¬2) المنهاج. (¬3) المنهاج في شعب الإيمان للحليمي. (¬4) أخرجه البخاري (3088)، ومسلم (716). (¬5) أخرجه البخاري (3089).

من الحسان

من الحسان 2985 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم بارك لأمتي في بكورها"، وكان إذا بعث سرية، أو جيشًا، بعثهم في أول النهار. قلت: رواه أبو داود في الجهاد، والترمذي في البيوع، والنسائي في السير، وابن ماجه في التجارات كلهم من حديث عمارة بن حديد عن صخر بن وداعة الغامدي يرفعه، وقال الترمذي: حسن، ولا نعرف لصخر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير هذا الحديث. (¬1) وعمارة بن حديد: قال الذهبي (¬2) وغيره: لا يعرف. والسرية: قطعة من الجيش، تخرج تغير وترجع إليه، وسُميت سرية لأنها تسري بالليل وتخفي ذهابها. 2986 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عليكم بالدُّلْجَةِ، فإن الأرض تُطوى بالليل". قلت: رواه أبو داود في الجهاد من حديث أنس يرفعه. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2606)، والترمذي (1212)، وابن ماجه (2236)، والنسائي في الكبرى (8833). وإسناده ضعيف لجهالة عمارة بن حديد البجلي انفرد بالرواية عنه يعلى بن عطاء وهو العامري قال ابن المديني: لا أعلم أحدًا روى عنه غير يعلى بن عطاء وقال أبو حاتم: مجهول، وقال أبو زرعة: لا يعرف، وقال الحافظ في "التقريب" (4875): مجهول، وذكره ابن حبان في "الثقات" على عادته في توثيق المجاهيل. (¬2) الكاشف (2/ 53 رقم 4004). وقال ابن القطان عن قول الترمذي: أما قوله: حسن، فخطأ، انظر: بيان الوهم والإيهام (3/ 486). وانظر لترجمة عمارة: الميزان للذهبي (3/ ت 1020)، والجرح والتعديل (6/ ت 2008)، وثقات ابن حبان (5/ 241)، وبيان الوهم والإيهام (3/ 485 - 488)، وذكر بعض طرق هذا الحديث. وانظر كذلك مختصر سنن أبي داود للمنذري (3/ 412 - 413). (¬3) أخرجه أبو داود (2571) وإسناده صحيح وله طرق صححها الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (681).

قال المنذري (¬1): وفي إسناده أبو جعفر الرازي، واسمه عيسى بن عبد الله بن ماهان وقد وثقه بعضهم، وتكلم فيه غير واحد. والدلجة: قال بن الأثير (¬2): هو سير الليل، يقال: أدلج بالتخفيف إذا سار أول الليل، وأدّلج: بالتشديد إذا سار من آخره، والاسم منهما الدُلجة، والدلجة: بالضم والفتح، ومنهم من جعله في الليل كله، وكأنه المراد في هذا الحديث، لأنه عقبه بقوله: "فإن الأرض تطوى بالليل" ولم يفرق بين أوله وآخره. 2987 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب". قلت: رواه مالك في الوحدة في السفر، وأبو داود والترمذي كلاهما في الجهاد، والنسائي في السير كلهم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وقال الترمذي: حديث حسن. (¬3) 2988 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كان ثلاثة في سفر، فليؤمِّروا أحدَهم". قلت: رواه أبو داود في الجهاد من حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري يرفعانه وسكت عليه. (¬4) وإنما أمر بذلك ليكون أمرهم جميعًا ولا يقع بينهم خلاف، وفيه دليل على أن الرجلين إذا حكما رجلًا بينهما في قضية فقضى بالحق نفذ حكمه. ¬

_ (¬1) مختصر السنن (3/ 396)، وقال الحافظ: صدوق سيء الحفظ خصوصًا عن مغيرة، التقريب (8077). (¬2) النهاية (2/ 120). (¬3) أخرجه مالك (2/ 978)، وأبو داود (2607)، والترمذي (1674)، والنسائي في الكبرى (8849) وإسناده حسن. انظر: الصحيحة (62). (¬4) أخرجه أبو داود (2608) وحسن إسناده النووي في "رياض الصالحين". وانظر الإرواء (2454).

2989 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خير الصحابة أربعةٌ، وخير السرايا أربعمائة، وخير الجيوش أربعةٌ آلاف، ولن يُغلب اثنا عشر ألفًا من قلةٍ". (غريب). قلت: رواه أبو داود في الجهاد، والترمذي في السير كلاهما من حديث ابن عباس وقال الترمذي: حسن غريب (¬1)، وذكر أنه روي عن الزهري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا. (¬2) وقال البيهقي: تفرد به جرير بن حازم موصولًا (¬3)، وقال أبو داود: أسنده جرير بن حازم، وهو خطأ. (¬4) 2990 - قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخلف في السير، فيَزْجي الضعيف، ويُردف، ويدعو لهم. قلت: رواه أبو داود في الجهاد من حديث جابر بن عبد الله وسكت عليه (¬5)، ويزجي: بياء آخر الحروف ثم زاي معجمة ثم جيم بمعنى: يسوقه ليلحقه بالرفاق. 2991 - قال: كان الناس إذا نزلوا منزلًا، تفرقوا في الشعاب والأودية، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنّ تفرقكم في هذه الشعاب والأودية، إنما ذلكم من الشيطان، فلم ينزلوا بعد ذلك منزلًا، إلا انضم بعضهم إلى بعض، حتى يقال: لو بُسط عليهم ثوبٌ لعمّهم". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2611)، والترمذي (1555). (¬2) والمرسل أخرجه أبو داود في المراسيل (314)، وعبد الرازق (9699)، وسعيد بن منصور (2387)، والطحاوي في مشكل الآثار (1/ 239) وصوب أبو حاتم الرازي المرسل وقال: "مرسل أشبه، لا يحتمل هذا الكلام أن يكون كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -" العلل لابنه (1/ 347). وقد تراجع عن تصحيحه الشيخ الألباني كما في هداية الرواة (4/ 43)، وكان قد صححه في الصحيحة (986). (¬3) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (9/ 156). (¬4) أخرجه في المراسيل (314). (¬5) أخرجه أبو داود (2639)، والحاكم في المستدرك (2/ 115) وقال: صحيح على شرط مسلم.

قلت: رواه أبو داود في الجهاد، والنسائي في السير من حديث أبي ثعلبة الخشني. (¬1) 2992 - قال: كنا يوم بدر، كل ثلاثة على بعير، فكان أبو لبابة، وعلي بن أبي طالب زميلَيْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فكانت إذا جاءت عقبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالا: نحن نمشي عنك، قال: ما أنتما بأقوى مني، وما أنا بأغنى عن الأجر منكما. قلت: رواه النسائي في السير، وابن حبان في صحيحه من حديث عبد الله بن مسعود. (¬2) والزميل: العديل الذي حمله مع حملك على البعير، وقد زاملني عادلني. قوله: "فإذا كانت عقبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أي: أتت نوبة نزول النبي - صلى الله عليه وسلم - قالا له: نمشي عنك، وتركب نوبتك ونوبتنا. 2993 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تتخذوا ظهور دوابكم منابر، فإن الله تعالى إنما سخرها لكلم، لتبلّغكم إلى بلدٍ لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، وجعل لكم الأرض، فعليها فاقضوا حاجاتكم". قلت: رواه أبو داود من حديث أبي هريرة، وفي إسناده: إسماعيل بن عياش وفيه مقال (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2628)، والنسائي في الكبرى (8856). وأخرجه ابن حبان (2690) وصححه، والحاكم (2/ 115) وقال: صحيح الإسناد. (¬2) أخرجه النسائي في الكبرى (8807)، وابن حبان (4733). وإسناده حسن في إسناده عاصم وهو بن أبي النجود ذكره الحافظ في التقريب (3071) وقال: صدوق له أوهام، حجة في القراءة، وحديثه في الصحيحين مقرون. (¬3) أخرجه أبو داود (2567). وإسناده حسن وله شاهد من حديث سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه عند أحمد (3/ 440)، وابن حبان (5619).

قال الخطابي (¬1): وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه خطب على راحلته واقفًا عليها، فدل ذلك على أن الوقوف على ظهورها إذا كان لأرب أو بلوغ وطر لا يدرك مع النزول إلى الأرض مباح. 2994 - قال: كنا إذا نزلنا منزلًا، لا نسبّح حتى تحل الرحال، أي: لا نصلي الضحى. قلت: رواه أبو داود فيه من حديث أنس، ولم يضعفه. (¬2) 2995 - قال بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشي، إذ جاء رجل معه حمارٌ، فقال: يا رسول الله! اركب، وتأخر الرجل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا، أنت أحق بصدر دابتك، إلا أن تجعله لي"، قال: قد جعلته لك، فركب. قلت: رواه أبو داود في الجهاد، والترمذي في الاستئذان بمعناه كلاهما من حديث بريدة وهو ابن الحُصيب (¬3)، وقال الترمذي: حسن غريب، انتهى. وفي إسناده علي بن الحسين بن واقد ضعفه أبو حاتم، وقواه غيره. (¬4) 2996 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تكون إبلٌ للشياطين، وبيوت للشياطين، فأما إبل الشياطين فقد رأيتها: بخرج أحدكم بنجيبات معه، قد أسمنها، فلا يعلو بعيرًا منها، ويمر بأخيه قد انقطع به، فلا يحمله، وأما بيوت الشياطين: فلم أرها". كان سعيد يقول: لا أراها إلا هذه الأقفاص التي تسترها الناس بالديباج. ¬

_ (¬1) معالم السنن (2/ 219). (¬2) أخرجه أبو داود (2551). وإسناده صحيح. انظر الصحيحة (22). (¬3) أخرجه أبو داود (2572)، والترمذي (2773). وصححه ابن حبان (4735)، والحاكم (2/ 64). وانظر فتح الباري (10/ 373). (¬4) قال الحافظ: صدوق يهم، التقريب (4751)، وانظر للتفصيل: تهذيب الكمال (20/ 406 - 408)، والجرح والتعديل (6/ ت 978).

قلت: رواه أبو داود في الجهاد وترجمه بباب الجنائب، من حديث سعيد ابن أبي هند عن أبي هريرة يرفعه. (¬1) قال أبو حاتم الرازي (¬2): سعيد بن أبي هند لم يلق أبا هريرة، وفي كلام البخاري ما يدل على ذلك. قال الحافظ زكي الدين (¬3): ويشبه أن يراد بذلك المقاصير والمحافل والمحفات وما أشبه ذلك مما يستر بالديباج وما أشبهه، والنجيبات: جمع النجيب وهو القوي السريع. 2997 - قال غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضيّق الناس المنازل، وقطعوا الطريق، فبعث نبي الله - صلى الله عليه وسلم - مناديًا ينادي في الناس: أن من ضيّق منزلًا، أو قطع طريقًا، فلا جهاد له. قلت: رواه أبو داود في باب ما يؤمر من انضمام العسكر من حديث سهل ابن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه، وسهل بن معاذ ضعيف، وفيه أيضًا إسماعيل بن عياش وفيه مقال. (¬4) 2998 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أحسن ما دخل الرجل على أهله -إذا قدم من سفرٍ-: أول الليل". قلت: رواه أبو داود في آخر الجهاد، وأخرج الشيخان في النكاح، والنسائي في عشرة النساء نحوه من حديث جابر يرفعه. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2568). وإسناده فيه انقطاع كما قال المصنف. (¬2) كلامه في المراسيل لابن أبي حاتم (75 رقم 266)، ونقله عنه العلائي وأقره ص (185)، وانظر: تحفة التحصيل ص (159). وكلام البخاري لا يدل على ذلك انظر: التاريخ الكبير (3/ 518). (¬3) الترغيب والترهيب للمنذري. (¬4) أخرجه أبو داود (2629) وإسناده حسن، من أجل سهل بن معاذ قال الحافظ: لا بأس به، إلا في روايات زبان عنه، التقريب (2682)، وأما إسماعيل بن عياش فهو ثقة في روايته عن أهل بلده وهذا منها وهو أسيد بن عبد الرحمن الخثعمي. (¬5) أخرجه أبو داود (2777) وإسناده صحيح. =

باب الكتاب إلى الكفار ودعائهم إلى الإسلام

ووجه الجمع بين هذا وبين الحديث السابق وهو النهي عن طروق الأهل ليلًا: أن هذا الحديث محمول على الخلوة وقضاء الوطر، وقد يكنى عن الوقاع بالدخول، والحديث الدال عن النهي المراد به: النزول عليهم لا الوطء، والظاهر أن "ما" هنا مصدرية على تقدير مضاف أي أن أحسن دخول الرجل على امرأته دخول أول الليل. باب الكتاب إلى الكفار ودعائهم إلى الإسلام من الصحاح 2999 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى قيصر، يدعوه إلى الإسلام، وبعث بكتابه إليه دحية الكلبي، وأمره أن يدفعه إلى عظيم بُصْرى، ليدفعه إلى قيصر، فإذا فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هِرقْل عظيم الروم سلامٌ على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بداعية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فعليك إثم الأريسيين، و {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} ". ويروى: "بدعاية الإسلام". قلت: رواه الجماعة إلا ابن ماجه كلهم من حديث ابن عباس عن أبي سفيان، ومنهم من ذكره عن ابن عباس وحده،: البخاري في مواضع كثيرة منها: في بدء الوحي، وفي ¬

_ = ورواية جابر أخرجها البخاري (5244)، ومسلم (715)، والنسائي في الكبرى (9142).

الجهاد ومسلم في المغازي، وأبو داود في الأدب مختصرًا، والترمذي في الاستئذان والنسائي في التفسير. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إثم الأريسيين" قال ابن الأثير (¬2): قد اختلف في هذه اللفظة فروي الأريسين بوزن الكريمين وروي الإرّسين بوزن: الشِّريبين، وروي الإرْيسيين بوزن: العظيميِّين، وروي بإبدال الهمزة ياء مفتوحة في أوله وبياءين بعد السين، واختلف في المراد بهم: والصحيح أنهم الأكارون: أي الفلاحون ومعناه: أن عليك إثم رعاياك الذين يتبعونك، ونبه بهؤلاء على جميع الرعايا، وقد جاء مصرحًا به في دلائل النبوة للبيهقي (¬3) "فإن عليك إثم الأكارين"، وفي رواية ذكرها أبو عبيد في كتاب الأموال (¬4): "ألا فلا تَحُلْ بين الفلاحين وبين الإسلام". قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أدعوك بداعية الإسلام" أي بالكلمة الداعية إلى الإسلام، "وقيصر": لقب على كل من ملك الروم، وكان اسمه هرقل كما دل عليه الحديث الآخر، وكل من ملك الفرس لقب بكسرى، أو الحبشة فبالنجاشي، أو مصر فبفرعون. 3000 - "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث بكتابه إلى كسرى مع عبد الله بن حذافة السهمي، فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلمَّا قرأه مزّقه". قال ابن المسيب: فدعا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يمزقوا كل ممزق. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الوحي (7)، وفي الجهاد (2940)، ومسلم (1773)، وأبو داود (5136)، والترمذي (2717)، والنسائي في الكبرى (11064). (¬2) النهاية (1/ 38) وفيه تفصيل جيد حول كلمة "الأرسيين" والمراد بهم فراجعه لزامًا. (¬3) أخرجه البيهقي في الدلائل (4/ 377، 380، 381). (¬4) انظر الأموال لأبي عبيد (ص 30 رقم 55).

قلت: رواه البخاري في المغازي والجهاد وبهذا اللفظ، وفي العلم فيما يذكر في المناولة وفي إجازة خبر الواحد، ولم يذكر اسم عبد الله بن حذافة إلا في المغازي ورواه النسائي في السير وفي العلم من حديث عبد الله بن عباس، ولم يخرجه مسلم. (¬1) 3001 - "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى كسرى، وإلى قيصر، وإلى النجاشي، وإلى كل جبار، يدعوهم إلى الله، وليس بالنجاشي الذي صلى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -". قلت: رواه مسلم في الجهاد من حديث أنس ولم يخرجه البخاري. (¬2) 3002 - قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمّر أميرًا على جيش أو سرية، أوصاه في خاصته بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيرًا، ثم فال: "اغزوا بسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغُلّوا، ولا تغدروا، ولا تمثّلوا، ولا تقتلوا وليدًا، فإذا لقيت عدوك من المشركين، فادعهم إلى ثلاث خصال، أو خلال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم، ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك، فلهم ما للمهاجرين، وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحوّلوا عنها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجرية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا، فاستعن بالله وقاتلهم، وإذا حاصرت أهل حصن، فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه، فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيّه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنهم أن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم، أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله وإذا حاصرت ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي (4424)، وفي الجهاد (2939)، وفي العلم (64)، وفي كتاب أخبار الآحاد (7264)، والنسائي في الكبرى (5859) (8846). (¬2) أخرجه مسلم (1774).

أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا؟ ". قلت: رواه مسلم في أول المغازي وأبو داود في الجهاد ببعضه، والترمذي في السير، والنسائي وابن ماجه كلاهما في الجهاد كلهم من حديث سليمان بن بريدة عن أبيه (¬1). "وتغدروا": بكسر الدال، قال النووي (¬2): والذي في جميع نسخ صحيح مسلم "فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام بإثبات ثم في قوله - صلى الله عليه وسلم - "ثم ادعهم إلى الإسلام". قال عياض (¬3): والصواب: "ادعهم" بإسقاط ثم، وقد جاء بإسقاطها على الصواب في كتاب أبي عبيد وسنن أبي داود وغيرهما، لأنه تفسير للخصال الثلاث وليست غيرها، قال المازري (¬4): ليست ثم هنا زائدة، بل دخلت لاستفتاح الكلام والأخذ، فكان من حق المصنف أن يثبت "ثم" في الرواية لأنها هي رواية مسلم، والحديث ذكره في الصحاح. "والذمة هنا" العهد، "وتخفروا" بضم التاء يقال أخفرت الرجل: إذا نقضت عهده، وخفرته: أمنته وحميته. وهذا نهي تنزيه، قال بعضهم: والهمزة في "أن تخفروا" مفتوحة في تأويل مصدر مرفوع خبر أهون، تقديره: فإخفارهم ذممكم وذمم أصحابكم أهون من إخفارهم ذمة الله وذمة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1731)، وأبو داود (2612)، والترمذي (1617)، والنسائي في الكبرى (8782)، وابن ماجه (2858). (¬2) المنهاج (12/ 56). (¬3) انظر: إكمال المعلم (6/ 32). (¬4) المعلم بفوائد مسلم للمازري (3/ 10). (¬5) انظر: المنهاج للنووي (12/ 58)، وإكمال المعلم (6/ 31 - 35).

3003 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أيامه التي لقي فيها العدو، انتظر فيها حتى مالت الشمس، ثم قام في الناس، ثم قال: "يا أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف، ثم قال: اللهم منزل الكتاب! ومجري السحاب! وهازم الأحزاب! اهزمهم وانصرنا عليهم". قلت: رواه البخاري في الجهاد في مواضع منه، وفي التمني، ومسلم وأبو داود وكلاهما في الجهاد من حديث عبد الله بن أبي أوفى (¬1). 3004 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا غزا بنا قومًا، لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر، فإن سمع أذانًا كف عنهم، وإن لبم يسمع أذانًا أغار عليهم، قال: فخرجنا إلى خيبر فانتهينا إليهم ليلًا، فلما أصبح ولم يسمع أذانًا، ركب، وركبت خلف أبي طلحة، وإن قدمي لتمس قدم نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، فال: فخرجوا إلينا بمكاتلهم ومساحيهم، فلما رأوا النبي - صلى الله عليه وسلم -، قالوا: محمد، والله! محمد، والخميس، والجيش فلجأوا إلى الحصن، فلما رآهم رسول الله قال: "الله أكبر، الله أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحةِ قومٍ فساء صباح المنذَرين". قلت: رواه الشيخان في الجهاد. واللفظ للبخاري في مواضع من حديث أنس (¬2). والمكاتل: جمع مكتل بكسر الميم وهو القفة يقال له مكتل وقفة، والخميس: الجيش وقد فسر بذلك في رواية البخاري، قالوا: سمي خميسًا لأنه خمسة أقسام ميمنة وميسرة ومقدمة ومؤخرة وقلب. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الجهاد (2965 - 2966)، ومسلم (1742)، وأبو داود (2631). (¬2) أخرجه البخاري (2991)، ومسلم (1365).

من الحسان

قال عياض (¬1): ورويناه برفع الخميس عطف على قوله محمد، ونصبها على أنه مفعول معه. 3005 - فال: شهدت القتال مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان إذا لم يقاتل أول النهار، انتظر حتى تهب الأرواح وتحضر الصلاة. قلت: رواه البخاري في الجزية (¬2) في حديث طويل يتضمن بعث عمر في أفناء الأمصار، يقاتلون المشركين فأسلم الهرمزان، فقال: إني مستشيرك ... الحديث بطوله في فتح المدائن، وفيه: قال المغيرة: أخبرنا نبينا عن رسالة ربنا أنه من قُتل منا صار في الجنة، وفيه: قال النعمان بن مقرن: شهدت القتال إلى آخره، والأرواح: جمع ريح. من الحسان 3006 - شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان إذا لم يقاتل أول النهار، انتظر حتى نزول الشمس، وتهب الرياح، وينزل النصر. قلت: رواه أبو داود في الجهاد والترمذي في السير وقال: حسن صحيح (¬3)، وقد عزا الحافظ زكي الدين (¬4) هذا الحديث للبخاري، والصواب ما فعله المصنف من ذكره الأول في الصحاح، لأنه في البخاري والثاني في الحسان، والله أعلم. ¬

_ (¬1) إكمال المعلم (6/ 180). (¬2) أخرجه البخاري (3159). (¬3) أخرجه أبو داود (2655)، والترمذي (1613) وإسناده صحيح وانظر نحوه في البخاري معلقًا وموصولًا (3160) وقال الحافظ في "بلوغ المرام" (385): صححه الحاكم وأصله في البخاري. (¬4) انظر مختصر المنذري (4/ 7).

3007 - قال: غزوت مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكان إذا طلع الفجر أمسك حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت قاتل، فإذا انتصف النهار أمسك حتى تزول الشمس، فإذا زالت الشمس قاتل حتى العصر، ثم أمسك حتى يصلي العصر ثم يقاتل. قال قتادة: كان يقال: عند ذلك، تهيج رياح النصر، ويدعو المؤمنون لجيوشهم في صلاتهم. قلت: رواه الترمذي في السير من حديث قتادة عن النعمان بن مقرن، قال: وقتادة لم يدرك النعمان مات في خلافة عمر. (¬1) 3008 - قال بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سريةٍ فقال: "إذا رأيتم مسجدًا، أو سمعتم مؤذّنًا، فلا تقتلوا أحدًا". قلت: رواه أبو داود في الجهاد والترمذي والنسائي كلاهما في السير من حديث عصام المزني. قال الترمذي: حسن غريب (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1612). وفي إسناده انقطاع بين قتادة والنعمان كما قال الترمذي وجزم بذلك الحافظ في الفتح (6/ 140 - 141). (¬2) أخرجه أبو داود (2635)، والترمذي (1549)، والنسائي في الكبرى (8833). وإسناده ضعيف لجهالة ابن عصام المزني قال الذهبي في "الكاشف" (2/ 481 رقم 6919): تفرد عنه عبد الملك بن نوفل، وقال الحافظ في "التقريب": ابن عصام المزني، عن أبيه، لا يعرف حاله أ. هـ.

باب القتال في الجهاد

باب القتال في الجهاد من الصحاح 3009 - " قال: لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد غزوة إلا وَرَّى بغيرها، حتى كانت تلك الغزوة، يعني؟ غزوة تبوك، غزاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حرّ شديدٍ، واستقبل سفرًا بعيدًا، ومفازًا، وعدوًا كثيرًا، فجلّى للمسلمين أمرهم، ليتأهّبوا أهبة غزوهم، فأخبرهم بوجهه الذي يريد". قلت: رواه البخاري في غزوة تبوك وفي مواضع أخر، ومسلم في التوبة كلاهما من حديث كعب بن مالك مطولًا بذكر قصة الثلاثة الذين خلفوا. (¬1) والمفاز والمفازة: البرية القفر. 3010 - قال رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحدٍ: أرأيت إن قتلت، فأين أنا؟ قال: "في الجنة"، فألقى تمرات في يده، ثم قاتل حتى قُتل. قلت: رواه البخاري في المغازي ومسلم والنسائي كلاهما في الجهاد من حديث جابر. (¬2) 3011 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الحرب خدْعة". قلت: رواه الجماعة إلا ابن ماجه: البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي أربعتهم في الجهاد والنسائي في السير كلهم من حديث جابر بن عبد الله يرفعه. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4418)، ومسلم (2769). (¬2) أخرجه البخاري (4046)، ومسلم (1899)، والنسائي (6/ 33). (¬3) أخرجه البخاري (3030)، ومسلم (1739)، وأبو داود (2636)، والترمذي (1675)، والنسائي في الكبرى (8649).

والخدعة: يروى بفتح الخاء وضمها مع سكون الدال، وبضم الخاء مع فتح الدال، فالأول معناه: أن الحرب ينقضي أمرها بخدعة واحدة من الخداع، وهو أفصح الروايات، ومعنى الثاني: هو الاسم من الخداع، ومعنى الثالث: أن الحرب تخدع الرجال، وتمنيهم. ولا تفي لهم. 3012 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا، فيسقين الماء، ويداوين الجرحى. قلت: رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي كلهم في الجهاد من حديث أنس، ولم يخرجه البخاري. (¬1) 3013 - غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبع غزوات: أخلفهم في رحالهم، فأصنع لهم الطعام، وأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى. قلت: رواه مسلم في الجهاد من حديث أم عطية. (¬2) 3014 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم؟ ". قلت: رواه البخاري في الجهاد من حديث مصعب بن سعد بن أبي وقاص، ولم يصرح مصعب بسماعه من سعد فيما رواه البخاري فهو مرسل في البخاري (¬3)، وسيأتي مزيد كلام على هذا الحديث، في باب فضل الفقراء عندما أعاده المصنف فتنبّه له. 3015 - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتل النساء والصبيان. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1810)، وأبو داود (2531)، والترمذي (1575)، والنسائي في الكبرى (7557). (¬2) أخرجه مسلم (1812). (¬3) أخرجه البخارى (2896)، ووصله النسائي (6/ 45).

قلت: رواه الجماعة إلا ابن ماجه: الشيخان وأبو داود ثلاثتهم في الجهاد، والترمذي والنسائي جميعًا في السير كلهم من حديث ابن عمر. (¬1) وأجمع العلماء على العمل بهذا الحديث، فحرموا قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا. 3016 - قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أهل الدار يبيتون من المشركين، فيصاب من نسائهم وذراريهم؟ فقال: "هم منهم". قلت: رواه الجماعة: الشيخان وأبو داود وابن ماجه أربعتهم في الجهاد والترمذي والنسائي كلاهما في السير كلهم من حديث الصعب بن جثّامة. (¬2) ويبيتون: أي يغار عليهم بالليل بحيث لا يعرف الرجل من المرأة من الصبي. - وفي رواية: "هم من آبائهم". قلت: رواها الشيخان وأبو داود من حديث الصعب بن جثامة. (¬3) قال الزهري (¬4): ثم نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتل النساء والصبيان. 3017 - قال بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رهطًا من الأنصار إلى أبي رافع، فدخل عليه عبد الله بن عتيك بيته ليلًا، فقتله وهو نائم. قلت: رواه البخاري هكذا مختصرًا في المغازي من حديث زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عن البراء، ورواه في الحج وفي الجهاد. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3015)، ومسلم (1744)، وأبو داود (2668)، والترمذي (1569)، والنسائي في الكبرى (8618). (¬2) أخرجه البخاري (3012)، ومسلم (1745)، وأبو داود (2672) والترمذي (1570)، والنسائي في الكبرى (8622). (¬3) أخرجها البخاري (3013)، ومسلم (28/ 1745)، وأبو داود تحت حديث رقم (2672). (¬4) هذا وذكره أبو داود بعد حديث (2672). (¬5) أخرجه البخاري في الجهاد (3023)، وفي المغازي (4038، 4040).

والرهط من الرجال: قال ابن الأثير (¬1): ما دون العشرة، وقيل إلى الأربعين، ولا يكون فيهم امرأة. 3018 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطع نخل بني النضير وحرّق، ولها يقول حسان: وهان على سراة بني لؤي ... حريق بالبويرة مستطير وفي ذلك نزلت: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ}. قلت: رواه البخاري في المغازي ومسلم وأبو داود وابن ماجه في الجهاد (¬2)، والترمذي والنسائي في السير كلهم من حديث ابن عمر، ولم يذكر أبو داود ولا الترمذي فيه قول حسان. والبويرة: بضم الباء الموحدة، وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف وبعدها راء مهملة مفتوحة وتاء تأنيث موضع من بلاد بني النضير. والمستطير: المنتشر وسبب ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - بهم أنهم نقضوا العهد، وهموا بقتل النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أتاهم يستعين بهم في دية رجلين من بني عامر فأخبره الله تعالى بما هموا به في القصة التي ذكرها ابن هشام في السيرة وغيره. اللينة: النخلة أي: أي نخلة كانت، وقيل: الكرام منها، وقيل: إلا العجوة، وقيل: الأشجار كلها. 3019 - أن نافعًا كتب إليه يخبره أن ابن عمر أخبره: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أغار على بني المصطلق، غارِّين في نَعَمهم بالمريسيع، فقتل المقاتلة وسبى الذرية. ¬

_ (¬1) النهاية لابن الأثير (2/ 283). (¬2) أخرجه البخاري (4031، 4032)، ومسلم (1746)، وأبو داود (2615)، وابن ماجه (2844)، والترمذي (7552).

من الحسان

قلت: رواه البخاري في العتق ومسلم وأبو داود في الجهاد والنسائي في السير (¬1) من حديث عبد الله بن عون أن نافعًا كتب إليه يخبره أن ابن عمر أخبره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أغار .. الحديث. وبنو المصطلق: حي من خزاعة. وغارين: أي غافلين. والمريسيع: اسم ماء لهم من نواحي قُديد. وفي هذا الحديث استرقاق العرب لأن بني المصطلق من خزاعة، وهذا قول الشافعي في الجديد، وبه قال مالك وأبو حنيفة وجمهور العلماء. 3020 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لنا يوم بدرٍ، حين صففنا لقريش، وصفّوا لنا: "إذا أكَثُبوكم فعليكلم بالنّبل". قلت: رواه البخاري في باب التحريض على الرمي من حديث أبي أسيد الساعدي. (¬2) وأكثبوكم: أي قربوا منكم بحيث تصل إليهم نبالكم. - وفي رواية: "إذا أكثبوكم، فارموهم واستبقوا نَبلكم". قلت: رواها البخاري في المغازي (¬3) في باب فضل من شهد بدرًا من حديث أبي أسيد الساعدي واسمه: مالك بن ربيعة، وهو بضم الهمزة وفتح السين وسكون الياء آخر الحروف والدال المهملة، ورواها أبو داود في الجهاد. من الحسان 3021 - رُوي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يستفتح بصعاليك المهاجرين. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2541)، ومسلم (1730)، وأبو داود (2633)، والنسائي في الكبرى (8585). (¬2) أخرجه البخاري (2900). (¬3) أخرجه البخاري (3984)، وأبو داود (2663)، وفيه: "إذا أكثبوكم -يعني إذا غَشُوكم- فارموهم بالنبل ... ".

قلت: رواه المصنف في شرح السنة بسنده عن أمية بن خالد بن عبد الله بن أبي أسيد يرفعه (¬1)، قال ابن عبد البر (¬2): ولا تصح عندي صحبته، والحديث مرسل انتهى. وأمية هذا لم يخرج له أصحاب الكتب الستة شيئًا، وسيعاد الحديث في باب فضل الفقراء مع زيادة فائدة. و"يستفتح بهم": أي يفتتح بهم القتال تيمنًا بهم، وقيل: يستنصر بهم من قوله: "إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح". 3022 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ابغوني في ضعفائكم، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم". قلت: رواه أبو داود، والترمذي والنسائي ثلاثتهم في الجهاد (¬3)، وقد أعاد المصنف هذا الحديث في باب فضل الفقراء وسيأتي إن شاء الله تعالى. 3023 - قال عَبَّأنا النبي - صلى الله عليه وسلم - ببدرٍ ليلًا. قلت: رواه الترمذي في الجهاد من حديث عبد الرحمن بن عوف. (¬4) 3024 - ورُوي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنْ بَيّتكم العدو، فليكن شعاركم: {حم} لا يُنصرون". ¬

_ (¬1) في شرح السنة (4062). وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 90) وقال: رواه الطبراني ورواته رواة الصحيح وهو مرسل. (¬2) انظر قول ابن عبد البر في الاستعياب (1/ 107) وذكر هذا الحديث، وقال: ويقال إنه أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد، فإن كان كما ذكر فانظر التقريب (562) وقد رمز عليه النسائي وابن ماجه. (¬3) أخرجه أبو داود (2594)، والترمذي (1702)، والنسائي (6/ 45 - 46). وصححه الحاكم (2/ 145). (¬4) أخرجه الترمذي (1677). وقال: غريب. وإسناده ضعيف فيه محمد بن حميد الرازي قال الحافظ: حافظ ضعيف، وكان ابن معين حسن الرأي فيه، التقريب (5871). وكلذلك عنعنة محمد بن إسحاق انظر علل الترمذي (505).

قلت: رواه أبو داود والترمذي كلاهما في الجهاد، والنسائي في السير، وفي اليوم والليلة من حديث المهلب بن أبي صفرة عمن سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1)، وذكر الترمذي أنه روي عن المهلب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا. (¬2) قال ثعلب: ومعنى "حم لا ينصرون": الخبر، ولو كان معناه الدعاء لكان مجزومًا بحذف النون، وإنما هو إخبار كأنه قال: "والله لا ينصرون". وقد روي عن ابن عباس أنه قال: "حم" اسم من أسماء الله تعالى، فكأنه حلف بالله تعالى أنهم لا ينصرون. "والشعار": العلامة التي يتعارفون بها في الحرب. 3025 - قال: كان شعار المهاجرين عبد الله، وشعار الأنصار عبد الرحمن. قلت: رواه أبو داود في الجهاد من حديث الحسن عن سمرة، وفي سنده الحجاج بن أرطأة ولا يحتج بحديثه. (¬3) 3026 - قال: غزونا مع أبي بكر زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فبيتناهم نقتلهم، وكان شعارنا تلك الليلة: (أمتْ، أمت). قلت: رواه أبو داود وابن ماجه كلاهما فيه، والنسائي في السير من حديث سلمة بن الأكوع. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2597)، والترمذي (1682)، والنسائي في الكبرى (8862)، وفي عمل اليوم والليلة (617). وإسناده صحيح فإن في الإسناد سفيان الثوري وهو أثبت الناس في أبي إسحاق. وهو روى عنه قبل الاختلاط وقد قرن عبد الرزاق (9467) معمرًا بالثوري في إسناده وأبو إسحاق قد صرح بالتحديث في رواية الحاكم (2/ 107). وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. (¬2) ورواه النسائي مرسلًا كذلك في عمل اليوم والليلة (618). وانظر الصحيحة (3097). (¬3) أخرجه أبو داود (2595) وإسناده ضعيف كما قال المصنف، وحجاج بن أرطأة قال الحافظ: صدوق كثير الخطأ والتدليس التقريب (1127). (¬4) أخرجه أبو داود (2638)، وابن ماجه (2840)، والنسائي في الكبرى (8862). =

قيل: وهذا دعاء الإماتة مع حصول الغرض بالشعار، فجعلوا هذه الكلمة علامة بينهم ليتعارفوا بها لأجل ظلمة الليل. 3027 - قال: كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يكرهون الصوت عند القتال. قلت: رواه أبو داود في الجهاد من حديث قيس بن عباد ومن حديث غيره، وسكت عليه. (¬1) وعُباد: بضم العين المهملة وبعدها باء موحدة مخففة وبعد الألف دال مهملة، كذا ضبطه المنذري (¬2) وغيره. والصوت عند القتال: هو أن ينادي بعضهم بعضًا أو يفعل أحدهم فعلًا له أثر فيصيح ويعرّف بنفسه على طريق العجب أو نحو ذلك. 3028 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اقتلوا شيوخ المشركين، واستحيوا شَرْخَهُم": أي صبيانهم. قلت: رواه أبو داود والترمذي كلاهما في الجهاد من حديث الحسن عن سمرة، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب، انتهى. (¬3) وقد تقدم الاختلاف في حديث الحسن عن سمرة، والصحيح أنه كتاب، إلا حديث العقيقة على المشهور. ¬

_ = وإسناده حسن، فيه عكرمة بن عمار وإن روى له مسلم فإنه لا يرتفع إلى رتبة الصحيح. وصححه الحاكم (2/ 107) ووافقه الذهبي. وقال الحافظ عن عكرمة بن عمار: صدوق يغلط، وفي روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراب، ولم يكن له كتاب، انظر التقريب (4706). (¬1) أخرجه أبو داود (2656). وإسناده جيد وأخرجه الحاكم (2/ 116). (¬2) انظر مختصر سنن أبي داود للمنذري (4/ 7). (¬3) أخرجه أبو داود (2670)، والترمذي (1583). = = وإسناده ضعيف فالحسن لم يصرح بسماعه وكذا الحجاج بن أرطأة وقد صرح بالسماع عند أبي داود. وتبقى العلة عنعنة الحسن عن سمرة.

3029 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأسامة: "أغر على أُبنى صباحًا وحرِّق". قلت: رواه أبو داود في الجهاد من حديث أسامة، وهو ابن زيد (¬1) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان عهد إليه فقال: "أغر على أبنى صباحًا وحرق"، وحكى أبو داود أن أبا مسهر قيل له: أُبنى، قال: نحن أعلم، هي يُبْنَى فلسطين، انتهى. وأبنى: بضم الهمزة وسكون الباء الموحدة وبعدها نون وألف وهو "مقصور" موضع من فلسطين بين عسقلان والرملة، ويقال يبناي بياء آخر الحروف مضمومة (¬2)، وفلسطين: بكسر الفاء وفتح اللام وسكون السين وكسر الطاء المهملتين وياء آخر الحروف ساكنة ونون كورة كبيرة من كور الشام فيها عدة مدن، فيها البيت المقدس والرملة وعسقلان وغير ذلك، ومن العرب من يقول فلسطون في الرفع، وبالياء في غيره، ومنهم من يجريها بالياء في كل حال ويعرب النون "وفلسطين" أيضًا قرية بالعراق. 3030 - قال - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر: "إذا أكثبوكم فارموهم، ولا تسلَوا السيوف حتى يَغشَوكم". قلت: رواه أبو داود في الجهاد من حديث أبي أسيد الساعدي (¬3) وهو بضم الهمزة وفتح السين. واكثبوكم: أي قاربوكم، والكثب: القرب. يقول - صلى الله عليه وسلم -: ارموهم، إذا دنوا منكم ولا ترموهم على بعد. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2616) وإسناده ضعيف، فيه صالح بن أبي الأخضر وهو ضعيف يعتبر به -انظر: التقريب (2860). (¬2) انظر معجم البلدان (1/ 79). (¬3) أخرجه أبو داود (2664). وفي إسنادهما إسحاق بن نجيح وليس بالملطى وهو مجهول. انظر التقريب (391).

والنبل: السهام العربية وهي لطاف، وليست بطول النشاب. 3031 - قال كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة، فرأى الناس مجتمعين على شيءٍ، فبعث رجلًا، فقال: "انظر علام اجتمع هولاء؟ "، فجاء فقال: امرأة قتيل، فقال: "ما كانت هذه لتقاتل"، وعلى المقدمة خالد بن الوليد، فبعث رجلًا وقال: "قل لخالدٍ: لا تقتل امرأة ولا عسيفًا". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه جميعًا في الجهاد، والنسائي في السير ثلاثتهم من حديث رباح بن ربيع. (¬1) ورباح هذا: يقال له رباح بالباء الموحدة، ويقال فيه: رياح بالياء آخر الحروف، وقال الدارقطني: ليس في الصحابة واحد يقال له رباح، إلا هذا، على اختلاف فيه أيضًا، ولم يرو لرباح من أصحاب الكتب الستة غيرها ولا الثلاثة، ولم يخرجوا له غير هذا الحديث. (¬2) والعسيف: بفتح العين وكسر السين المهملتين: الأجير. 3032 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "انطلقوا باسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله، لا تقتلوا شيخًا فانيًا، ولا طفلًا ولا صغيرًا، ولا امرأة، ولا تغّلوا، وضمّوا غنائمكم، وأصلحوا، وأحسنوا فإن الله يحب المحسنين". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2669)، وابن ماجه (2842)، والنسائي في الكبرى (2625). وفي إسناده المرقع بن صيفى فإنه صدوق حسن الحديث وبه يحسن الإسناد. وقال الحافظ في "التقريب" (6605): صدوق. وذكره ابن حبان في ثقاته (5/ 460)، والذهبي في الكاشف (5360). (¬2) راجع هذا الكلام في مختصر المنذري (4/ 13)، وانظر لترجمة رياح: الإصابة لابن حجر (2/ 450) وذكر له هذا الحديث، وتهذيب الكمال للمزي (9/ 41 - 42)، وكذلك ذكر هذا الحديث.

قلت: رواه أبو داود في الجهاد في باب دعاء المشركين من حديث خالد بن الفزر (¬1)، وقال حدثني أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... وذكره، قال يحيى بن معين: خالد بن الفزر بكسر الفاء وسكون الزاي وبعدها راء مهملة. 3033 - قال: تقدّم عتبة بن ربيعة، وتبعه ابنه، وأخوه، فنادى: من يبارز؟ فانتدب له شباب من شباب الأنصار، فقال: من أنتم؟ فأخبروه، فقال: لا حاجة لنا فيكم! إنما أردنا بني عمّنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قم يا حمزة، قم يا علي، قم يا عبيدة بن الحارث"، فأقبل حمزة إلى عتبة، وأقبلت إلى شيبة، واختلف بين عبيدة والوليد ضربتان، فأثخن كل واحدٍ منهما صاحبه، ثم مِلْنا على الوليد، فقتلناه، واحتملنا عبيدة. قلت: رواه أبو داود في الجهاد من حديث علي وسكت عليه. (¬2) قوله: "وتبعه ابنه" أي ابن عتبة: وهو الوليد بن عتبة، وأخوه: هو شيبة ابن ربيعة، قال الشافعي: لا بأس بالمبارزة، قد بارز يوم بدر عبيدة وحمزة وعلي بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال بعضهم: ولا أعلم خلافًا في جوازها إذا أذن الإمام فيها وإنما اختلفوا إذا لم يكن عن إذن الإمام، فكرهها سفيان الثوري وأحمد وإسحاق والأوزاعي. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2614). وإسناده ضعيف لأن فيه خالد بن الفزر. وقال عنه الحافظ في التقريب (1675): مقبول، وقال الذهبي: قال ابن معين: ليس بذاك. ديوان الضعفاء (ص 82)، وأضاف في المغني في الضعفاء (1/ 205): عن أنس، صدوق، وانظر: الجرح والتعديل (3/ ت 1563)، والميزان (1/ ت 2450). (¬2) أخرجه أبو داود (2665). وفي الإسناد إسرائيل عن أبي إسحاق السبيعي جده. وضعف الشيخ الألباني الحديث باختلاط أبي إسحاق وعنعنته أ. هـ. انظر هداية الرواة (4/ 61). قلت: ولكن الراجح أن إسرائيل سماعه من جده في غاية الإتقان للزومه إياه، وكان خصيصًا به فيما قاله الحافظ في الفتح (1/ 351). وأخرجه كذلك أحمد (1/ 117)، والبيهقي (3/ 276).

وقد جمع هذا الحديث جوازها بإذن الإمام ويغير إذنه، وذلك أن مبارزة حمزة وعلي كانت بإذن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يذكر فيه إذن من النبي - صلى الله عليه وسلم - للأنصاريين الذين خرجوا إلى عتبة وشيبة قبل حمزة وعلي، ولا إنكار من النبي - صلى الله عليه وسلم - عليهم في ذلك، وفيه أن معونة المبارز جائزة إذا ضعف عن قِرْنه، واختلفوا في ذلك، فرخص فيه الشافعي وأحمد، وقال آخرون: لا يعينه عليه لأن المبارزة لا تكون إلا هكذا. 3034 - قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سرية، فحاص الناس حيصة، فأتينا المدينة، فاختفينا بها، وقلنا: هلكنا، ثم أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلنا: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحن الفرّارون؟ قال: بل أنتم العكارون، وأنا فئتُكم". قلت: رواه الترمذي في الجهاد، وأبو داود فيه مطولًا كلاهما من حديث ابن عمر، قال الترمذي: حسن، لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن أبي زياد، انتهى. (¬1) ويزيد بن أبي زياد: تكلم فيه غير واحد من الأئمة. قوله: "فحاص الناس حيصة" هو بفتح الحاء المهملة وبعد الألف صاد مهملة، أي؛ جالوا جولة يطلبون الفرار. والمحيص: المهرب والمحيد وقد روي: فجاض الناس بفتح الجيم وبعد الألف ضاد معجمة، ويقال: جاض في القتال إذا فر، و"العكارون": قال في الصحاح (¬2): يقال عكر إذا عطف، والعَكْرة: الكرّة، وذكر الحديث. يعني أنتم المتحيزون إلى فئتكم فلا إثم عليكم، وأنا فئة المسلمين أي أنا مددهم، وأنا معاذ للمسلمين وناصرهم، وأراد بذلك - صلى الله عليه وسلم - أن يمهد عذرهم. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2647)، والترمذي (1716). وإسناده ضعيف فيه يزيد بن أبي زياد وهو مولى الهاشميين. قال الحافظ: ضعيف، كبر فتغيّر وصار يتلقّن، وكان شيعيًّا، انظر: التقريب (7768). (¬2) الصحاح للجوهري (2: 756).

باب حكم الأسارى

- وفي رواية: قال: "لا، بل أنتم العكّارون"، قال: فدنونا فقبّلنا يده، فقال: "أنا فئة المسلمين". قلت: رواه أبو داود، وقال: الكرارون. (¬1) باب حكم الأسارى من الصحاح 3035 - قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - عين من المشركين وهو في سفر، فجلس عند أصحابه يتحدث، ثم انفتل، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اطلبوه واقتلوه"، فقتلنه، فنفّلني سَلَبه. قلت: رواه البخاري وأبو داود كلاهما في الجهاد، والنسائي في السير من حديث سلمة بن الأكوع. (¬2) والعين: الجاسوس، وفيه دليل على أن الجاسوس الكافر يقتل. 3036 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "عجب الله من قومٍ يدخلون الجنة في السلاسل". قلت: رواه البخاري في الجهاد في باب الأسارى في السلاسل، من حديث محمد بن زياد عن أبي هريرة يرفعه، ولم يخرجه مسلم. (¬3) قال في النهاية (¬4): ومعنى "عجب الله" أي عظم ذلك عنده وكبر لديه، أعلم الله أنه إنما يتعجب الآدمي من الشيء إذا عظم موقعه عنده، وخفي عليه سببه، فأخبرهم بما يعرفون ليعلموا موقع ذلك عنده. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2647)، أما الكرارون فقد ورد فقط في نسخة مختصر المنذري لأبي داود (3/ 438). (¬2) أخرجه البخاري (3051)، وأبو داود (2653)، والنسائي في الكبرى (8677). (¬3) أخرجه البخاري (3010). (¬4) النهاية (3/ 166 - 167).

وفي رواية: "يقادون إلى الجنة بالسلاسل". قلت: رواها البخاري. (¬1) 3037 - قال: غزونا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - هوازن، فبينا نحن نتضحى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء رجلٌ على جمل أحمر، فأناخه وجعل ينظر، وفينا ضعفةٌ ورقّةٌ في الظهر، وبعضنا مشاةٌ، إذ خرج يشتد، فأتى جملَه، فأطلق قيده، ثم أناخه فقعد عليه فأثاره، فاشتد به الجمل، وخرجت أشتد، فكنت عند ورك ناقته، ثم تقدمت، حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته، فلما وضع ركبته في الأرض، ثم اخترطت سيفي فضربت به رأس الرجل، ثم جئت بالجمل أقوده، وعليه رحله وسلاحه، فاستقبلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس، فقال: "من قتل الرجل؟ " قالوا: ابن الأكوع، قال: "له سَلَبه أجمع". قلت: رواه مسلم وأبو داود كلاهما في الجهاد من حديث سلمة بن الأكوع (¬2)، وللبخاري الحديث الذي أول الباب. و"هوازن"، قال في الصحاح: "قبيلة من قيس"، وغزوة هوزان هي غزوة حنين، ونتضحى: أي نتغدى، واخترطت سيفي: أي سللته من غمده. 3038 - قال: لما نزلت بنو قريظة على حكم سعد بن معاذ، بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء على حمار، فلما دنا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قوموا إلى سيّدكم"، فجاء فجلس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن هولاء نزلوا على حكمك"، قال: فإني أحكم أن تقتل المقاتلة، وأن تسبى الذرية، قال: "لقد حكمت فيهم بحكم الملك" ويروى: "بحكم الله". قلت: رواه البخاري في الجهاد باب "إذا نزلوا على حكم رجل"، وفي الاستئذان، وفي غيره، ومسلم في الجهاد، وأبو داود في الأدب، والنسائي في المناقب وفي غيره، من ¬

_ (¬1) أخرجها البخاري (2677). (¬2) أخرجه مسلم (1754)، وأبو داود (2654).

حديث أبي سعيد الخدري. (¬1) وهذه الغزوة فرغ منها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذي الحجة سنة أربع من الهجرة. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن هؤلاء نزلوا على حكمك" وقد جاء في رواية أخرى "نزلوا على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحكم فيهم إلى سعد. قال القاضي (¬2): يجمع بين الروايتين بأنهم نزلوا على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرضوا برد الحكم إلى سعد، قال: والأشهر: أن الأوس طلبوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - العفو عنهم لأنهم كانوا حلفاءهم، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما ترضون أن يحكم فيكم رجل منكم يعني من الأوس يرضيهم بذلك، فرضوا به، فردهم إلى سعد بن معاذ الأوسي. قوله: "وتسبى ذريتهم" الذرية تطلق على النساء والصبيان معًا. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لقد حكمت بحكم الملك" قال النووي (¬3): الرواية المشهورة الملك بكسر اللام، وهو الله سبحانه وتعالى، ويؤيده ما قاله المصنف. ويروى "بحكم الله" وإنما أتى بهذه الرواية ليعلمك أن الملك هو الله تعالى، قال القاضي (¬4): "ورويناه" في صحيح مسلم بكسر اللام بغير خلاف، قال وضبط بعضهم في صحيح البخاري بكسرها وفتحها، وإن صح الفتح: فالمراد به جبريل، وتقديره "بالحكم الذي جاء به الملك عن الله تعالى". 3039 - قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيلًا قِبَل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له: ثمامة بن أثال، سيد أهل اليمامة، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "ماذا عندك يا ثمامة؟ " قال: عندي يا محمد خير: إن تقتل ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3043)، ومسلم (1769)، وأبو داود (5215)، والنسائي في الكبرى (8222). (¬2) إكمال المعلم (6/ 106). (¬3) المنهاج للنووي (12/ 134). (¬4) إكمال المعلم (6/ 105).

تقتل ذا دمٍ، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال، فسل تعط منه ما شئت، فتركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كان الغد، فقال له: "ما عندك يا ثمامة؟ " فقال: ما قلت لك: إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فتركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى كان بعد الغد، فقال: "ما عندك يا ثمامة؟ " قال: عندي ما قلت لك: إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أطلقوا ثمامة"، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل ثم دخل المسجد، فقال: أشهد إن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، يا محمد والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فلقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إليّ، والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إليّ، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب الدين كله إليّ، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشّره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة، قال له قائل: صبوت؟! فقال: لا، ولكني أسلمت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبةٌ حنطةٍ، حتى يأذن فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قلت: رواه البخاري في المغازي، ومسلم في الجهاد كلاهما من حديث الليث عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، وذكر البخاري القطعة الأولى منه أيضًا في الصلاة وفي الأشخاص، وذكر النسائي قطعة منه في الطهارة وفي الصلاة. (¬1) قوله: "يقال له ثمامة بن أثال" أما ثمامة فبضم الثاء المثلثة وفتح الميم، وبعد الألف ميم أخرى مفتوحة وتاء تأنيث، وأما أثال فبضم الهمزة وبعدها ثاء مثلثه مفتوحة وبعد الألف لام، وهو مصروف. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4372)، ومسلم (1764)، والنسائي في الكبرى (194).

قوله: "وإن تقتل تقتل ذا دم" أي تقتل من عليه دم ومطلوب به فلا عبث في قتله، قال الشافعي: كان ثمامة قد وجب عليه القصاص في الكفر فلذلك قال: "تقتل ذا دم". ورواه بعضهم في سنن أبي داود وغيره "ذا ذمّ" بالذال المعجمة وتشديد الميم أي ذا ذمام وحرمة في قومه، ومن إذا عقد ذمة وفى بها. قوله: "فانطلق إلى نخل قريب" هكذا هو في البخاري ومسلم وغيرهما، نخل بالخاء المعجمة، وتقديره: فانطلق إلى نخل فيه ماء فاغتسل منه. قال بعضهم: صوابه نجل بالجيم وهو الماء القليل المنبعث، وقيل الجاري، قال النووي (¬1): بل الصواب الأول لأن الروايات صحت به، والله أعلم. قوله: "صبوت" يقال صبى إذا مال من دين إلى دين وهو مهموز قاله صاحب الغريب. (¬2) 3040 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في أسارى بدر: "لو كان المطعم بن عديٍّ حيًّا، ثم كلّمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له". قلت: رواه البخاري في المغازي، وأبو داود في الجهاد، كلاهما من حديث جبير بن مطعم يرفعه. (¬3) والنتنى: جمع النتن مثل زمْنَى وزمن. والمطعم بن عدي بن نوفل بن عبد ماف كان معظمًا في قريش، وهو ممن قام في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم وبني المطلب. ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (12/ 127). (¬2) انظر: غريب الحديث لأبي عبيد (1/ 244 - 245)، وغريب الحديث للخطابي (1/ 128) و (3/ 124). (¬3) أخرجه البخاري (3139)، وأبو داود (2689).

3041 - أن ثمانين رجلًا من أهل مكة هبطوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جبل التنعيم متسلّحين، يريدون غِرّة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فأخذهم سلمًا، فاستحياهم -ويروى: فأعتقهم-، فأنزل الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ}. قلت: رواه مسلم وأبو داود كلاهما في الجهاد، والترمذي في التفسير، والنسائي في السير، وفي التفسير أربعتهم من حديث ثابت عن أنس. (¬1) قوله: "يريدون غرة النبي - صلى الله عليه وسلم -" هو بكسر الغين المعجمة أي غفلته. قوله: "سلمًا" يروى بفتح السين وكسرها وهما لغتان في الصلح، وهو المراد في الحديث على ما فسره الحميدي في غريبه. وقال الخطابي (¬2): إنه السلم بفتح السين واللام يريد الاستسلام والإذعان ومنه {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ} وهو الانقياد وهو مصدر يقع على الواحد والاثنين والجمع، ولعل ما قاله الخطابي أشبه بالقصد، فإنهم لم يؤخذوا عن صلح وإنما أخذوا قهرًا وأسلموا أنفسهم عجزًا. 3042 - أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلًا من صناديد قريش، فقذفوا في طوي من أطواء بدر خبيث مخبث، وكان إذا ظهر على قومٍ أقام بالعَرْصة ثلاث ليالٍ، فلمَّا كان ببدر اليوم الثالث، أمر براحلته، فشد عليها رحلها، ثم مشى، واتبعه أصحابه، حتى قام على شفة الركيّ، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: "يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان، أيسرُّكم أنكم أطعتم الله ورسوله؟ فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًّا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًّا؟ "، فقال عمر: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما تكلّم ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1808)، وأبو داود (2688)، والترمذي (3264)، والنسائي في الكبرى (1150). (¬2) انظر معالم السنن (2/ 250 - 251) نحوه.

من أجساد لا أرواح لها؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفس محمدٍ بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم". قلت: رواه الجماعة إلا ابن ماجه، البخاري في الجهاد وفي المغازي، ومسلم في صفة أهل النار، وأبو داود في الجهاد، والترمذي في التفسير، والنسائي فيه كلهم من حديث أبي طلحة الأنصاري، واسمه زيد بن سهل. (¬1) - وفي رواية: "ما أنتم بأسمع منهم، ولكن لا يجيبون". قلت: رواها الشيخان. (¬2) وصناديد قريش: أشرافهم وعظماؤهم ورؤوسهم، الواحد صنديد، وكل عظيم غالب صنديد. والطوي: البئر المطوية بالحجارة. وخبيث مخبث: أي فاسد مفسد، والركي: بفتح الراء المهملة قال ابن الأثير (¬3): هو جنس للركية وهي البئر وجمعها ركايا. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم" قال المازري (¬4): قال بعض الناس: الميت يسمع، عملًا بظاهر الحديث، وأنكره المازري وادعى أن هذا خاص في هؤلاء، ورد عليه القاضي عياض (¬5) وقال: يحمل سماعهم على ما يحمل عليه سماع الموتى في ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3976)، ومسلم (2875)، وأبو داود (2695)، والترمذي (1551)، والنسائي (593). (¬2) أخرجه البخاري (137)، ومسلم (2874). (¬3) النهاية (2/ 237). (¬4) المعلم بفوائد مسلم (3/ 207). (¬5) إكمال المعلم (8/ 405).

أحاديث عذاب القبر وفتنته التي لا مدفع لها وذلك بإحيائهم أو إحياء جزء منهم يعقلون به ويسمعون في الوقت الذي يريده الله. قال النووي: وهذا هو الظاهر المختار الذي تقتضيه أحاديث السلام على القبور. (¬1) 3043 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال حين جاءه وفد هوازن مسلمين، فسألوه أن يَرُدّ إليهم أموالهم، وسَبْيهم، قال: "فاختاروا إحدى الطائفتين: إما السَّبْي، وإما المال! " قالوا: فإنا نختار سَبْينا، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: "أما بعد: فإن إخوانكم قد جاؤوا تائبين، وإني قد رأيت أن أرد إليهم سَبْيَهم، فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل، ومن أحب منكم أن يكون على حظه، حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا، فليفعل"، فقال الناس: قد طيبنا ذلك يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنا لا ندري من أذن منكم ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم"، فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم، ثم رجعوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا. قلت: رواه البخاري في مواضع منها في المغازي، والنسائي وأبو داود في الجهاد وفي السير مختصرًا ومطولًا من حديث مروان بن الحكم (¬2)، والمسور بن مخرمة ولم يخرج مسلم عن مروان في صحيحه شيئًا، ومن تراجمه عليه باب إذا وهب شيئًا لوكيل أو شفيع قوم جاز" لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لوفد هوازن حين سألوه الغنائم، فقال: نصيبي لكم. 3044 - قال: كان ثقيف حليفًا لبني عُقَيل، فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأسَرَ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلًا من بني عُقَيل، فأوثقوه وطرحوه في الحرة، فمرّ به النبي - صلى الله عليه وسلم - فناداه: يا محمد! فيم أخذت؟ قال: "بجريرة حلفائكم ثقيف"، فتركه ومضى، فناداه: يا محمد يا محمد، فرحمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجع، فقال: ¬

_ (¬1) المنهاج (17/ 207). (¬2) أخرجه البخاري (4318)، والنسائي (8876)، وأبو داود (2693).

من الحسان

"ما شأنك؟ " فقال: إني مسلم، فقال: "لو قلتها وأنت تملك أمرك، أفلحت كل الفلاح! " قال: ففداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالرجلين اللذين أسرتهما ثقيف. قلت: رواه مسلم، وأبو داود كلاهما في النذور لأن في الحديث قصة نجاة المرأة على العضباء ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونذرها أن تنحرها. (¬1) وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا وفاء لنذر في معصية ولا فيما لا يملكه العبد". من حديث عمران بن حصين، ولم يخرجه البخاري. وبنو عُقيل: بضم العين على صيغة التصغير، قبيلة كانت حلفاء ثقيف. و"الحرّة": بفتح الحاء والراء المهملتين: أرض بظاهر المدينة بها حجارة سود كثيرة. قوله: "بجريرة حلفائكم"، والجريرة: الجناية والذنب، وذلك أنه كان بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين ثقيف موادعة، فلما نقضوها ولم ينكرها عليهم بنو عقيل وكانوا معهم في العهد صاروا مثلهم في نقض العهد، فأخذه بجريرتهم. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح" قال الخطابي (¬2): يريد أنك لو تكلمت بكلمة الإسلام طائعًا راغبًا من قبل الأسر أفلحت في الدنيا بالخلاص من الرق وفي اللآخرة بالنجاة من النار. من الحسان 3045 - قالت: لما بعث أهل مكة في فداء أسرائهم، بعثت زينب في فداء أبي العاص، بمال: وبعثت فيه بقلادة لها كانت عند خديحة، أدخلتها بها على أبي العاص، فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، رق لها رقةً شديدةً، وقال: "إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردوا عليها الذي لها؟ " فقالوا: نعم، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ عليه أن يخلي سببل زينب إليه، وبعث ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1641)، وأبو داود (3316). (¬2) معالم السنن للخطابي (4/ 53).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيد بن حارثة ورجلًا من الأنصار، فقال: "كونا ببطن يأجج، حتى تمر بكما زينب فتصحباها حتى تأتيا بها". قلت: رواه أبو داود في الجهاد من حديث عائشة وفي سنده محمد بن إسحاق. (¬1) ويأجج (¬2): بفتح الياء آخر الحروف، وبعدها همزة "وجيمان" الأولى مكسورة، موضع على ثمانية أميال من مكة، والبطن المنخفض من الأرض. 3046 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أسر أهل بدر، قتل عقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث، ومنَّ على أبي عزة الجمحي. قلت: رواه الشافعي وابن إسحق في السيرة من حديث عائشة. (¬3) وعقبة: بضم العين المهملة وسكون القاف وفتح الموحدة، ومعيط: بضم الميم وفتح العين المهملة وسكون الياء المثناة من تحت، وبالطاء المهملة والنضر بالنون والضاد المعجمة الساكنة، وعزة: بفتح العين المهملة وتشديد الزاي المعجمة، والجمحي بضم الجيم وفتح الميم وكسر الحاء المهملة. 3047 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أراد قتل عقبة بن أبي معيط، قال: من للصبية؟ قال: "النار". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2692). وفي إسناده محمد بن إسحاق وقد عنعنه ولكنه قد صرح بالتحديث في رواية أحمد (6/ 276) فإسناده حسن، وقد صححه الحاكم في المستدرك (4/ 45)، ووافقه الذهبي. (¬2) انظر معجم البلدان (5/ 424). (¬3) ومن طريق الشافعي أخرجه البيهقي (9/ 64) ولكن بسند معضل وفي إسناده الواقدي. وذكره البغوي في شرح السنة (11/ 78). وقصة منّ على أبي عزة، ضعيفة جدًّا. وقال الحافظ في الفتح (10/ 530) أوردها ابن إسحاق في المغازي بغير إسناد وذكره ابن هشام في السيرة (4/ 55). انظر الإرواء (1214).

قلت: رواه أبو داود في الجهاد (¬1) في باب قتل الأسير صبرًا من حديث إبراهيم وهو النخعي، قال: أراد الضحاك بن قيس أن يستعمل مسروقًا، فقال له عمارة بن عقبة: أتستعمل رجلًا من بقايا قتلة عثمان؟ فقال له مسروق: حدثنا عبد الله بن مسعود، وكان في أنفسنا موثوق الحديث، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أراد قتل أبيك، قال: من للصبية؟ قال: النار، فقد رضيت لك بما رضي لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسكت عليه أبو داود. 3048 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن جبربل هبط عليه، فقال له: خيرهم، يعني: أصحابك، في أسارى بدرٍ: القتل أو الفداء، على أن يقتل منهم قابلًا مثلهم؟ قالوا: الفداء؟ ويقتل منا. (غريب). قلت: رواه الترمذي والنسائي كلاهما في السير من حديث عبيدة السلماني عن علي، وقال الترمذي: حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي زائدة، قال: وروي عن عبيدة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا. (¬2) قوله: "على أن يقتل منهم قابلًا" هو بالباء الموحدة يعني في العام القابل مثلهم، والمراد بذلك غزوة أحد فإنها كانت في السنة الثالثة من الهجرة وبدر في الثانية منها. 3049 - قال: كنت في سِبي قريظة، عُرضنا على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكانوا ينظرون فمن أنبت الشعر قُتل، ومن لم ينبت لم يقتل، فكشفوا عانتي فوجدوها لم تنبت، فجعلوني في السبي. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2686) وسكت عنه المنذري. وفي إسناده عبد الله بن جعفر الرقى وقد تغير بآخرة، فلم يفحش اختلاطه كما ذكره الحافظ في "التقريب" (3270) وبه يحسن الحديث. انظر الإرواء (تحت حديث 1214). (¬2) أخرجه الترمذي (1567)، والنسائي في الكبرى (8662). وذكره الحافظ في الفتح (7/ 352) وذكر تحسين الترمذي له وقال ورواه مرسلًا قلت: (الحافظ) ورواه ابن عون ثم الطبري ووصلها من وجه آخر عنه، وله شاهد من حديث عمر عند أحمد أ. هـ. انظر علل الدارقطني (4/ 32).

قلت. رواه أبو داود وابن ماجه جميعًا في الحدود، والترمذي في السير والنسائي فيه وفي غيره، أربعتهم من حديث عطية القرظي، وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬1) 3050 - قال: خرج عبدان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يعني يوم الحديبية قبل الصلح، فكتب مواليهم قالوا: يا محمد! والله ما خرجوا إليك رغبة في دينك، وإنما خرجوا هربًا من الرقّ، فقال ناس: صدقوا يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ردهم إليهم، فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: "ما أُراكم تنتهون يا معشر قريش! حتى يبعث الله عليكم من يضرب رقابكم على هذا"، وأبى أن يردّهم، فقال: "هم عُتَقاء الله". قلت: رواه أبو داود في الجهاد، والترمذي في المناقب أتم منه، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، من حديث ربعي عن علي، وقال أبو بكر البزار: ولا نعلمه يروى عن علي إلا من حديث ربعي عنه رحمه الله (¬2). وعبدان: بكسر الحرفين وتشديد الدال جمع عبد، ويقال أيضًا، عبدان: بضم العين وسكون الباء، وكذلك عبدان: بكسر العين وسكون الباء وتخفيف الدال فيهما. قال الخطابي (¬3): وهذا أصل في أن من خرج مسلمًا من دار الكفر، ليس لأحد عليه قدرة فهو حر، وإنما يعتبر أمره بوقت الخروج منها إلى دار الإسلام فأما الحالة المتقدمة فحكمها مُهدر بما تحدد له. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4404)، وابن ماجه (2541)، والترمذي (1584)، والنسائي في الكبرى (8620). (¬2) أخرجه أبو داود (2700)، والترمذي (3715) وفي إسناده ابن إسحاق وقد عنعن، والبزار (905)، وقال الزيلعي في نصب الراية (3/ 280): ورواه الحاكم في المستدرك في الجهاد وقال: صحيح على شرط مسلم. ورواه أحمد (1/ 155) وفيه شريك بن عبد الله القاضي وهو سيء الحفظ. كما ذكر الحافظ في التقريب (2802). (¬3) انظر: معالم السنن للخطابي (2/ 256).

باب الأمان

باب الأمان من الصحاح 3051 - قالت: ذهبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح، فوجدته يغتسل، وفاطمة ابنته تستره بثوب، فسلمت، فقال: "من هذه؟ " فقلت: أنا أم هانىء بنت أبي طالب، فقال: "مرحبًا بأم هانىء"، فلما فرغ من غُسله، قام فصلى ثماني ركعات، ملتحفًا في ثوب، ثم انصرف، فقلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زعم ابن أمي -علي- أنه قاتل رجلًا أجرته، فلان بن هُبيرة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد أجرنا من أجرتي يا أم هانىء" وذلك ضُحَى. قلت: رواه البخاري في الجزية ومسلم في الصلاة كلاهما بهذا اللفظ (¬1) إلا أن البخاري لم يقل في شيء من طرقه: بثوب، بل قال: تستره، وأبو داود في الجهاد مختصرًا، والترمذي في الاستئذان في باب ما جاء في مرحبًا ببعضه، والنسائي في السير الخمسة من حديث أم هانئ، واسمها: فاختة بنت أبي طالب أخت علي. - وروي عن أم هانئ، قالت: أجرت رجلين من أحمائي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد أمّنا من أمّنت". قلت: رواه الترمذي في السير من حديث أم هانئ، وقال: حديث حسن صحيح قال الخطيب البغدادي، الرجلان هما: عبد الله بن أبي ربيعة والحارث بن هشام المخزوميين. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3171)، ومسلم (336)، وأبو داود (2763)، والترمذي (2734)، والنسائي في الكبرى (8685). (¬2) وقال ابن بشكوال في غوامض الأسماء المبهمة (1/ 134) هما: الحارث بن هشام وزهير بن أمية بن المغيرة.

من الحسان

من الحسان 3052 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم". قلت: رواه أبو داود والنسائي والترمذي من حديث علي. (¬1) وقد تقدم في القصاص أتم من هذا، وفيه دليل على جواز أمان العبد قال الشافعي: أما أمان الصبي فباطل لكن لو اعتقد الكافر صحته، رد إلى مأمنه لجهله. 3053 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن المرأة لتأخذ للقوم"، يعني: تُجير على المسلمين. قلت: رواه الترمذي في السير من حديث أبي هريرة وقال: حسن غريب. (¬2) 3054 - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من آمن رجلًا على نفسه، فقتله، أعطي لواء الغدر يوم القيامة". قلت: رواه ابن ماجه في الديات والمصنف في شرح السنة كلاهما من حديث عبد الملك بن عمير عن رفاعة بن شداد عن عمرو بن الحمق الخزاعي يرفعه (¬3)، وعبد الملك بن عمير هذا أخرج له الشيخان وغيرهما، وأما رفاعة بن شداد فخرج له النسائي وابن ماجه، وقال فيه الذهبي (¬4): وثق. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4530)، والنسائي (8/ 19) ولم أجده عند الترمذي. وإسناده حسن. (¬2) أخرجه الترمذي (1579) وإسناده حسن، لأجل كثير بن زيد الأسلمي ترجم له الحافظ في التقريب (5646) وقال: "صدوق يخطيء"، والوليد بن رباح ترجم له الحافظ في التقريب (7472) صدوق. وكذلك ابن عدي في الكامل (6/ 2088)، والحاكم في المستدرك (2/ 141). وقال الترمذي: وسألت محمدًا فقال: هذا حديث صحيح، وكثير بن زيد قد سمع من الوليد بن رباح، والوليد بن رباح سمع من أبي هريرة وهو مقارب الحديث. (¬3) أخرجه ابن ماجه (2688)، والبغوي في شرح السنة (2717) وإسناده صحيح. انظر الصحيحة (440). (¬4) الكاشف ت: (1579).

وعمرو بن الحمق هاجر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الحديبية، صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وحفظ عنه، وذكر ابن عبد البر (¬1) في ترجمته أنه كان ممن سار إلى عثمان رضي الله عنه وهو أحد الأربعة الذين دخلوا عليه الدار فيما ذكروا، ثم صار من شيعة علي رضي الله عنه، وشهد معه مشاهده كلها بالجمل والنهروان وصفين وأعان حجر بن عدي ثم هرب في زمان زياد إلى الموصل، ودخل غارًا فلدغته حية فقتلته، فبعث إلى الغار في طلبه، فوجد ميتًا فأخذ عامل الموصل رأسه وحمله إلى زياد فبعث به زياد إلى معاوية وكان أول رأس حمل في الإسلام من بلد إلى بلد. وقال ابن دريد في الجمهرة: الحمق الخفيف اللحية، وبه سمي الحمق والد عمرو بن الحمق. 3055 - قال: كان بين معاوية وبين الروم عهد، فكان يسير نحو بلادهم، حتى إذا انقضى العهد، أغار عليهم، فجاء رجل على فرس أو بِرْذَون، وهو يقول: الله أكبر، الله أكبر، وفاءٌ لا غدر، فنظروا فإذا هو عمرو بن عَبَسة، فسأله معاوية عن ذلك؟ فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من كان بينه وبين قوم عهد، فلا يُحِلن عهدًا ولا يشدنّه، حتى يمضي أمده، أو ينبذ إليهم عهدهم على سواءٍ"، قال: فرجع معاوية بالناس. قلت: رواه أبو داود في الجهاد، والترمذي والنسائي كلاهما في السير من حديث عمرو بن عبسة يرفعه، وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬2) قوله: "وفاء لا غدر" من رواه بالرفع فتقديره: أمر وفاء لا غدر، أو الواجب علينا وفاء ونحو ذلك، ومن رواه بالنصب فتقديره: نفعل وفاء أو نلزم وفاء ونحو ذلك قوله: ¬

_ (¬1) انظر الاستيعاب (3/ 1173 - 1174). (¬2) أخرجه أبو داود (2759)، والترمذي (1580)، والنسائي في الكبرى (8732).

"أو ينبذ إليهم عهدهم على سواء" أي يعلمهم أنه يريد أن يغزوهم وأن الصلح الذي كان بينهم قد ارتفع ليكون الفريقان في علم ذلك على السواء. قال العلماء: ويشبه أن يكون عمرو وإنما كره مسير معاوية إلى ما يتاخم بلاد العدو والإقامة بقرب دارهم من أجل أنه إذا هادنهم إلى مدة وهو مقيم في وطنه فقد صارت مدة مسيره بعد انقضاء المدة كالمشروطة مع المدة المضروبة في أن لا يغزوهم فيها، فإذا صار إليهم في أيام الهدنة، كان إيقاعه بهم قبل الوقت الذي يتوقعونه، فكان ذلك داخلًا عند عمرو في معنى الغدر، والله أعلم. 3056 - قال: بعثتني قريش رسولًا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألقي في قلبي الإسلام، فقلت: يا رسول الله! إني والله لا أرجع إليهم أبدًا، قال: إني لا أخيس بالعهد، ولا أحبس البُرُد، ولكن ارجع، فإن كان في نفسك الذي في نفسك الآن، فارجع"، قال: فذهبث، ثم أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأسلمت. قلت: رواه أبو داود في الجهاد، والنسائي في السير من حديث أبي رافع مولى رسول الله، وسكت عليه أبو داود، وقال: هذا كان في ذلك الزمان، فأما اليوم فلا يصلح. (¬1) واسم أبي رافع: إبراهيم، ويقال أسلم، ويقال ثابت، ويقال هرمز. (¬2) وأخيس: بالخاء المعجمة والياء آخر الحروف وبالسين المهملة قال ابن الأثير (¬3): أي لا أنقضه، يقال: خاس بعهده يخيس، وخاس بوعده إذا أخلفه. قال الجوهري (¬4): يقال: خاس به يخيس ويخوس، إذا غدر به. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2758)، والنسائي في الكبرى (8674) وإسناده صحيح. انظر الصحيحة (702). (¬2) انظر: التقريب (8150) وهو أبو رافع القبطي، مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (¬3) النهاية لابن الأثير (2/ 92). (¬4) الصحاح للجوهري (3/ 926).

ولا أحبس البُرُد: أي لا أحبس الراسل الواردين عليّ. قال الزمخشري (¬1): البُرْد -يعني ساكنًا- جمع بريد مخفف من برد كرسل مخفف من رسل، وإنما خففه ها هنا ليزاوج العهد. والبريد كلمة فارسية يراد بها في الأصل البغل، وأصلها بُريدة دُمْ، أي محذوف الذَّنَب، لأن بغال البريد كانت محذوفة الأذناب، فأعربت الكلمة وخففت، ثم سمي الرسول الذي يركبه بريدًا، والمسافة بين السكتين بريدًا. 3057 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجلين جاءا من عند مسيلمة: "أما والله لولا أن الرسل لا تقتل، لضربت أعناقكما". قلت: رواه أبو داود في الجهاد من حديث نعيم بن مسعود يرفعه، وسكت عليه أبو داود. (¬2) 3058 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبته: "أوفوا بحِلْف الجاهلية، فإنه لا يزيده -يعني: الإسلام- إلا شدة، ولا تُحدثوا حلفًا في الإسلام". قلت: رواه الترمذي في السير من حديث حسين بن ذكوان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وقال: حسن. (¬3) والحلف: أصله المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والإنفاق، فما كان منه في الجاهلية على الغير والقتال من القبائل والغارات، فهذا منهي عنه في الإسلام، وما كان منه على نصرة المظلوم وصلة الأرحام كحلف المطيبين وما جرى مجراه، فذاك الذي قال ¬

_ (¬1) الفائق للزمخشري (1/ 92)، وانظر كذلك النهاية لابن الأثير (2/ 115). (¬2) أخرجه أبو داود (2761) وإسناده حسن. وكذا أخرجه أحمد (3/ 487)، والحاكم في المستدرك (2/ 143) وصححه. (¬3) أخرجه الترمذي (1585) وإسناده حسن، وذلك للخلاف المعروف في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

باب قسمة الغنائم والغلول فيها

فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة" يريد من المعاقدة على الخير ونصرة الحق. باب قسمة الغنائم والغلول فيها من الصحاح 3059 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لم تحل الغنائم لأحدٍ من قبلنا، ذلك بأن الله رأى ضعفنا وعجزنا، فطيبها لنا". قلت: رواه البخاري في الخمس وفي النكاح، ومسلم في الجهاد كلاهما مطولًا من حديث أبي هريرة (¬1). والغنيمة: ما أخذ من الكفار بالقتال. 3060 - قال: خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - عام حنين، فلما التقينا، كانت للمسلمين جولة، فرأيت رجلًا من المشركين قد علا رجلًا من المسلمين، فضربت من ورائه على حبل عاتقه بالسيف، فقطعت الدرع، وأقبل علي، فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت، ثم أدركه الموت فأرسلني، فلحقت عمر، فقلت: ما بال الناس؟ قال: أمر الله، ثم رجعوا وجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "من قتل قتيلًا له عليه بينةٌ، فله سلبه"، فقمت، فقلت: من يشهد لي؟ ثم جلست، ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله، فقمت، فقال: ما لك يا أبا قتادة؟ فأخبرته، فقال رجل: صدق، وسلبه عندي فأرضه مني، فقال أبو بكر: لا ها الله! إذًا لا يعمِد إلى أسدٍ من أُسْد الله يقاتل عن الله وعن رسوله، فيعطيك سلبه! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "صدق فأعطه"، فأعطانيه، فابتعت به مَخْرفًا في بني سلمة، فإنه لأول مالٍ تأثلته في الإسلام. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الخمس (3124)، وفي النكاح (5157)، ومسلم (1747).

قلت: رواه البخاري في المواضع منها في الخمس، ومسلم وأبو داود وابن ماجه ثلاثتهم في الجهاد، والترمذي في السير كلهم من حديث أبي قتادة. (¬1) والجولة: بفتح الجيم الانهزام، وهذا إنما كان في بعض الجيش، وأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطائفة فلم يولوا، والأحاديث الصحيحة بذلك مشهورة، وأجمع المسلمون على أنه لا يجوز أن يقال انهزم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد ثبتت الأحاديث الصحيحة بإقدامه - صلى الله عليه وسلم - وثباته في جميع المواطن. قوله: "قد علا رجلًا من المسلمين" يعني ظهر عليه، وأشرف على قتله أو صرعه وجلس عليه ليقتله، وحبل العاتق: هو ما بين العنق والكتف، قوله: "لا ها الله إذًا لا يعمد إلى أسد من أسد الله" قال النووي (¬2): هكذا هو في جميع رواية المحدثين في الصحيحين وغيرهما، "لا ها الله إذا" بألف وأنكر هذا الخطابي (¬3) وأهل اللغة، وقالوا: هو تغيير من الرواة، وقالوا: صوابه: "لا ها الله ذا" بغير ألف في أوله، قالوا: و"ها" بمعنى الواو التي يقسم بها، فكأنه قال: "لا والله ذا" قال بعضهم معناه: "لا ها الله ذا يميني" أو "ذا قسمي" وقال أبو زيد: ذا زائدة وفيها لغتان المد والقصر، وقالوا: ويلزم الجر بعدها كما يلزم بعد الواو، قالوا: ولا يجوز الجمع بينهما، فلا يقال: "لا ها والله" وفي هذا الحديث دليل على أن هذه اللفظة تكون يمينًا، قال أصحابنا: إن نوى بها اليمين كانت يمينًا وإلا فلا، لأنها ليست متعارفة في الأيمان. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3142)، ومسلم (1751)، وأبو داود (2717)، وابن ماجه (2837)، والترمذي (1562). (¬2) المنهاج (12/ 91). (¬3) انظر: أعلام الحديث (2/ 1456 - 1457).

وأما قوله: "لا يعمد" فضبطوه بالياء والنون، قال الجوهري (¬1): يقال عمدت للشيء أعمده عمدًا قصدت له يعني بفتح الميم في الماضي وكسرها في المضارع، وكذا قوله: "فنعطيك سلبه" بالياء والنون، وفيه منقبة ظاهرة لأبي قتادة، فإنه سماه أسدًا من أُسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله، وصدقه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذه منقبة جليلة. وبنو سلمة: بكسر اللام، والمخرف: بفتح الميم والراء، هذا هو المشهور، قال القاضي (¬2): ورويناه بفتح الميم وكسر الراء كالمسجد والمسكن بكسر الكاف، والمراد بالمخرف هنا: البستان، وقيل السكة من النخل تكون صفين يخترف من أيها شاء، وتأثلته: هو بالتاء المثلثة بعد الألف أي اقتنيته، وتأصلته. واختلف العلماء في معنى هذا الحديث، فقال الشافعي وأحمد وجماعات يستحق القاتل السلب سواء قال أمير الجيش قبل ذلك: "من قتل قتيلًا فله سلبه" أم لم يقل، وهذا من النبي - صلى الله عليه وسلم - إخبار عن حكم الشرع، وقال أبو حنيفة ومالك وجماعة: لا يستحق القاتل ذلك حتى يقول الأمير قبل القتال: "من قتل قتيلًا فله سبله" فإن لم يقل فلا سلب للقاتل، وشرط الشافعي في استحقاق السلب أن يغزو بنفسه في قتل كافر ممتنع في حال القتال. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "له عليه بينه"، فيه تصريح بالدلالة لمذهب الشافعي أن السلب لا يعطى إلا لمن له بينة، وقال مالك: يعطاه بقوله: بلا بينة. (¬3) 3061 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسهم للرجل ولفرسه ثلاثةٍ أسهم: سهمًا له، وسهمين لفرسه. ¬

_ (¬1) الصحاح للجوهري (2/ 511). (¬2) إكمال المعلم (6/ 63). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (12/ 88 - 92)، وإكمال المعلم (6/ 60 - 64).

قلت: رواه البخاري في الجهاد وفي غزوة خيبر، ومسلم في الجهاد كلاهما من حديث ابن عمر. (¬1) 3062 - وقال يزيد بن هرمز: كتب نجدة الحروري إلى ابن عباس، يسأله عن العبد والمرأة، يحضران المغنم، هل يقسم لهما؟ ففال لبزيد: اكتب إليه أنه ليس لهما سهم إلا أن يُحْذيا. قلت: رواه مسلم في الجهاد مختصرًا ومطولًا، وأبو داود في الجهاد بمثل معناه، والترمذي في السير بقصة المرأة خاصة، والنسائي فيه، ولم يخرجه البخاري. (¬2) - وفي رواية: كتب إليه ابن عباس: إنك كتبت تسألني: هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغزو بالنساء؟ وهل كان يضرب لهن بسهم؟ قد كان يغزو بهن، يداوين المرضى، ويُحذين من الغنيمة، وأما السهم، فلم يضرب لهن بسهم. قلت: رواها مسلم في بعض طرق الحديث المتقدم، وتقدم أن البخاري لم يخرجه. ويُحذين: بضم الياء آخر الحروف وإسكان الحاء المهملة وفتح الذال المعجمة أي: يعطين، وتلك العطية تسمى الرضخ. (¬3) 3063 - قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بظهره مع رياح -غلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنا معه، فلما أصبحنا، إذا عبد الرحمن الفزاري قد أغار على ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقمت على أكمةٍ، فاستقبلت المدينة، فناديت ثلاثًا: يا صباحاه! ثم خرجت في آثار القوم أرميهم بالنبل، وأرتجز أقول: إني أنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرضع ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الجهاد (2863) وفي غزوة خيبر (4228)، ومسلم (1762). (¬2) أخرجه مسلم (1812)، وأبو داود (2982)، والترمذي (1556)، والنسائي في الكبرى (8617). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (12/ 262).

فما زلت أرميهم وأعقر بهم، حتى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إلا خلفته وراء ظهري، ثم اتبعتهم أرميهم، حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردةً، وثلاثين رمحًا، يستخفون، ولا يطرحون شيئًا، إلا جعلت عليه آرامًا من الحجارة، يعرفها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، حتى رأيت فوارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولحق أبو قتادة فارسُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعبد الرحمن فقتله، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خير فرساننا اليوم: أبو قتادة، وخير رجّالتنا: سلمة"، قال: ثم أعطاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهمين: سهم الفارس، وسهم الراجل، فجعمهما لي جميعًا، ثم أردفني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دراءه على العضباء راجعين إلى المدينة. قلت: رواه مسلم في الجهاد مطولًا، ورواه البخاري مختصرًا كلاهما من حديث سلمة بن الأكوع. (¬1) والظهر: بالظاء المعجمة، الإبل التي يحمل عليها وتركب، يقال: عند فلان ظهر أي إبل، ومنه الحديث: "أتاذن لنا في نحر ظهرنا؟ " أي إبلنا التي نركبها؟ ومجمع على ظُهران بالضم، قاله ابن الأثير. (¬2) والظاهر: أن الظهر اسم جنس يطلق على الكثير والقليل، وأراد به الزائد على الواحد هنا لما يدل عليه بقية الحديث. والأكمة: الرابية، و"يا صباحاه": كلمة يقولها المستغيث، وأصلها إذا صاحوا للغارة لأنهم أكثر ما يغيرون عند الصباح، ويسمون يوم الغار يوم الصباح، فكأن القائل يا صباحاه يقول: قد غشينا العدو. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3041)، ومسلم (1807). (¬2) انظر: النهاية لابن الأثير (3/ 166).

ويوم الرضع: أي يوم هلاك اللئام، يقال: لئيم راضع، إذا كان يرضع اللبن من أخلاف إبله ولا يحلب لئلا يسمع صوت الحلب فيطلب منه اللبن، وقيل: لئلا يصيبه من الإناء شيء. قوله: فما زلت أرميهم وأعقرهم، أي أرميهم بالنبل وأعقر خيلهم. والبردة: الشملة المخططة، وقيل: كساء أسود فيه صغر يلبسه الأعراب (¬1)، والأرام: الأعلام وهي حجارة تجمع وتنصب في المغارة يهتدى بها، واحدها إرم، كعنب. قوله: "ثم أعطاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهمين سهم الفارس وسهم الراجل فجمعهما لي" قال النووي (¬2): هذا محمول على أن الزائد على سهم الراجل كان نفلًا، وهو حقيق باستحقاق النفل رضي الله عنه. 3064 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ينفّل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصَّة، سوى قسمة عامة الجيش. قلت: رواه البخاري في الخمس في باب الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومسلم في الجهاد كلاهما من حديث ابن عمر. (¬3) والنفل: اسم لزيادة يعطيها الإمام بعض الجيش على القدر المستحق، ومنه سميت النافلة، لما زاد على الفرائض، وسُمي ولد الولد نافلة لكونه زائدًا على الولد. 3065 - قال نَفَّلنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفلًا سوى نصيبنا من الخمس، فأصابني شارف، والشارف: المسن الكبير. قلت: رواه البخاري فيه، ومسلم في الجهاد من حديث ابن عمر. (¬4) ¬

_ (¬1) المصدر السابق (2/ 116). (¬2) المنهاج (11/ 251). (¬3) أخرجه البخاري (3135)، ومسلم (1750). (¬4) أخرجه البخاري (3135)، ومسلم (1750).

3066 - قال: ذهبتْ فرس له، فأخذها العدو، فظهر عليهم المسلمون، فرُدّت عليه في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأَبق عبدٌ له، فلحق بالروم، فظهر عليهم المسلمون، فردَّه عليه خالد بن الوليد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -. قلت: رواه البخاري في الجهاد من حديث ابن عمر بن الخطاب. (¬1) وقال الإمام عبد الحق: لم يصل البخاري سنده بهذا الحديث، انتهى، وفيما قاله نظر، فإن البخاري قال: وقال ابن نمير حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر وساقه، وابن نمير هو محمد بن عبد الله، وهو شيخ البخاري. فقوله: وقال ابن نمير، مثل قوله: حدثنا ابن نمير، على ما نقله النووي وغيره. ورواه أبو داود وابن ماجه (¬2)، وقد اتفق الإمامان: الشافعي وأبو حنيفة على العمل بظاهر هذا الحديث، فقالا: إذا استولى الكفار على عبد المسلم الآبق، والفرس الذاهب ثم استنقذ ذلك المسلمون من أيديهم كان صاحبه أولى به قبل القسمة أو بعدها، وإنما اختلفا فيما إذا استولى الكفار على مال المسلم بالغلبة. فقال الشافعي: لا يملكونه، فإذا أخذ من أيديهم رد إلى مالكه، وقال أبو حنيفة: إن أحرزوه بدارهم ملكوه، ثم إن ظهر عليهم السلمون فوجده المالك قبل القسمة فهو له بغير شيء، وإن وجده بعد القسمة أخذه بالقيمة إن أحبوا، واتفق العلماء على أنهم لا يملكون رقاب السلمين ولا أمهات أولادهم، ويملك السلمون منهم جميع ذلك. 3067 - قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلنا: أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا، ونحن بمنزلة واحدةٍ؟، فقال: "إنما بنو هاشم، وينو المطلب شيءٌ واحد"، قال جبير: ولم يقسم النبي - صلى الله عليه وسلم - لبني عبد شمس، وبني نوفل شيئًا. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3067). (¬2) أخرجه أبو داود (2698) (2699)، وابن ماجه (2847).

قلت: رواه البخاري في الخمس وفي المغازي (¬1)، وقال في الخمس من حديث جبير بن مطعم، قال ابن إسحاق: وعبد شمس، وهاشم، والمطلب إخوة لأم، وأمهم عاتكة بنت مرة، وكان نوفل أخاهم لأبيهم. ورواه أبو داود في الخراج، والنسائي في قسم الفيء، وابن ماجه في الجهاد مختصرًا، ولم يخرجه مسلم. قوله - صلى الله عليه وسلم -: شيء واحدًا بالشين المعجمة أي حكمهما واحد، وكان يحيى بن معين يرويه "سيء واحد" بالسين المهملة المكسورة أي مثل، يقال: "هذا سِيء هذا" أي مثله ونظيره، وقال الخطابي: وهو أجود. وصوّب غيره رواية الكافّة. (¬2) 3068 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيما قريةٍ أتيتموها، وأقمتم فيها، فسهمكم فيها، وأيما قريةٍ عصت الله ورسوله، فإنّ خُمُسها لله ولرسوله، ثم هي لكم". قلت: رواه مسلم في الجهاد وأبو داود في الخراج كلاهما من حديث معمر عن أبي هريرة يرفعه، ولم يخرجه البخاري. (¬3) 3069 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أعطيكم ولا أمنعكم، إنما أنا قاسم، أضع حيث أمرت". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4229، 3140)، وأبو داود (2980)، والنسائي (7/ 136)، وابن ماجه (2872)، وأخرجه أحمد في المسند (4/ 81، 83، 85). (¬2) انظر: معالم السنن (3/ 19)، ومختصر المنذري (4/ 220). وانظر تفاصيل هذا الموضوع في كتاب استجلاب ارتقاء الغرف بحب أقرباء الرسول وذوي الشرف للسخاوي (1/ 276 - 280) وفي مقدمة الكتاب تحدث السخاوي عن أقرباء الرسول - صلى الله عليه وسلم - المنسوبين إلى جدّه الأقرب عبد المطلب. وفيه فوائد مهمة، فراجعه. (¬3) أخرجه مسلم (1756)، وأبو داود (3036).

قلت: رواه البخاري في الخمس من حديث أبي هريرة، وقد قدمه المصنف في أول باب "رزق الولاة" فإعادته تكرار، والله أعلم. (¬1) 3070 - قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن رجالًا يتخوضون في مالِ الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة". قلت: رواه البخاري في الخمس من حديث خولة الأنصارية وهي خولة بنت قيس. (¬2) وقال بعضهم: هي خولة بنت ثامر، وقال علي بن المديني: خولة بنت قيس هي خولة بنت ثامر، انتهى. وليس لخولة هذه في البخاري غير هذا الحديث، ولا روى لها بقية أصحاب الكتب الستة شيئًا غير الترمذي فإنه روى لها حديثًا واحدًا في الزهد. "إن هذا المال خضرة حلوة" وسيأتي في الحسان. (¬3) 3071 - قال قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم، فذكر الغلول، فعظمه وعظّم أمره، ثم قال: "لا أُلفِين أحدكم يجيء يوم القيامة، على رقبته بعيرٌ له رغاءٌ، يقول: يا رسول الله أغِثني! فأقول: لا أملك لك شيئًا، قد أبلغتك، لا أُلفِين أحدكم يجيء يوم القيامة، على رقبته فرس له حَمْحَمَة فيقول: يا رسول الله أغِثني! فأقول: لا أملك لك شيئًا، قد أبلغتك، لا أُلفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاةٌ لها، ثُغاء، يقول: يا رسول الله أغثني! فأقول: لا أملك لك شيئًا قد أبلغتك، لا أُلفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفسٌ لها صياح، فيقول: يا رسول الله أغثني! فأقول: لا أملك لك شيئًا، قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رِقاعٌ تخفق، فيقول: يا رسول الله أغثني! فأقول: لا أملك لك شيئًا، قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3117). (¬2) أخرجه البخاري (3118). (¬3) انظر ترجمة خولة الأنصارية في الإصابة (7/ 617 - 618).

على رقبته صامت فيقول: يا رسول الله أغثني! فأقول: لا أملك لك شيئًا، قد أبلغتك". قلت: رواه الشيخان في الجهاد من حديث أبي هريرة، واللفظ لمسلم، ولم يذكر البخاري: النفس. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا أُلفين" قال النووي (¬2): ضبطناه بضم الهمزة وبالفاء المكسورة أي "لا أجدن أحدكم على هذه الصفة"، ومعناه: لا تعملوا عملًا أجدكم بسببه على هذه الصفة. قال القاضي (¬3): ووقع في رواية "لا ألقين" بفتح الهمزة والقاف، والرغاء، بالمد: صوت البعير، وكذا المذكورات بعده وصف كل شيء بصوته، والرقاع: ما عليه من الحقوق المكتوبة في الرقاع، وتخفق: تتحرك، والصامت: الذهب والفضة. 3072 - قال: أهدى رجلٌ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - غلامًا يقال له: مِدْعم، فبينما مِدْعم يحط رحلًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إذا سهم عائِر فقتله، ففال الناس: هنيئًا له الجنة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كلا! والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم: لتشتعل عليه نارًا"، فلما سمع ذلك الناس، جاء رجل بشراك أو شراكين إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "شراك من نار، أو شراكان من نار". قلت: رواه البخاري في المغازي، ومسلم في الإيمان، وأبو داود في الجهاد، والنسائي في السير (¬4)، أربعتهم من حديث مالك قال: "حدثني ثور قال حدثني سالم مولى ابن ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3073)، ومسلم (1831). (¬2) المنهاج (12/ 299). (¬3) إكمال المعلم (6/ 233). (¬4) أخرجه البخاري (4234)، ومسلم (115)، وأبو داود (2711)، والنسائي في الكبرى (8763)، وفي المجتبى (7/ 24).

مطيع أنه سمع أبا هريرة يقول: افتتحنا خيبر فلم نغنم ذهبًا ولا فضة وإنما غنمنا البقر والإبل والغنم والمتاع والحوائط، ثم انصرفنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى وادي القرى ومعه عبد يقال له مدعم أهداه له أحد بني الضباب فبينما هو يحط رحل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... " الحديث. هذا لفظ البخاري، ولمسلم نحوه. قال الدراقطني: قال موسى بن هارون: وهم ثور بن زيد في هذا الحديث لأن أبا هريرة لم يخرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني إلى خيبر، وإنما قدم المدينة بعد خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر، وأدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد فتح الله عليه خيبر. قال أبو مسعود الدمشقي: وإنما أراد البخاري ومسلم من نفس هذا الحديث قصة مدعم في غلول الشملة التي لم تصبها المقاسم، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنها لتشتعل عليه نارًا". (¬1) قلت: ولذلك حذف صاحب المصابيح أول الحديث واقتصر على المقصود منه. ومِدْعم: هو بكسر الميم وإسكان الدال وفتح العين المهملتين. وعائر: بعين مهملة هو الذي لا يدرى من رماه. والمهدي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مِدْعم هو رفاعة بن زيد كما جاء في بعض طرق الحديث. 3073 - قال: كان على ثَقَل النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل يقال له: كركرة، فمات، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هو في النار"، فذهبوا ينظرون، فوجدوا عباءةً قد غلّها. ¬

_ (¬1) انظر: كتاب الأجوبة للشيخ أبي مسعود عما أشكل الشيخ الدارقطني على صحيح مسلم بن الحجاج ص (187 - 188)، وقال الحافظ ابن حجر بعد ذكره كلام الدارقطني == وأبي مسعود: قلت: وكأن محمد بن إسحاق صاحب المغازي استشعر بوهم ثور بن يزيد في هذه اللفظة، فروى الحديث عنه بدونها، أخرجه ابن حبان والحاكم وابن منده من طريقه بلفظ: "انصرفنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى وادي القرى، انظر: الفتح (7/ 488).

من الحسان

قلت: رواه البخاري في الجهاد وترجم عليه باب "القليل من الغلول" من حديث ابن عمر، ولم يخرج مسلم عن ابن عمر في هذا شيئًا. (¬1) 3074 - كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب، فنأكله ولا نرفعه. قلت: رواه البخاري في الخمس من حديث أيوب عن نافع أن ابن عمر قال: كنا نصيب .. وساقه، ولم يخرجه مسلم. (¬2) 3075 - قال: أصبت جرابًا من شحم يوم خيبر، فالتزمته، فقلت: لا أعطي اليوم أحدًا من هذا شيئًا، فالتفت، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبسم إلي. قلت: رواه البخاري في الخمس، ومسلم في المغازي واللفظ له، وأبو داود في الجهاد، والنسائي في الذبائح أربعتهم من حديث عبد الله بن مغفل. (¬3) من الحسان 3076 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله فضلني على الأنبياء، أو قال: فضّل أمتي على الأمم، وأحل لنا الغنائم". قلت: رواه الترمذي في السير من حديث أبي أمامة، وقال: حسن صحيح. (¬4) 3077 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ، يعني يوم حنين: "من قتل كافرًا فله سلبه"، فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلًا وأخذ أسلابهم. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3074). (¬2) أخرجه البخاري (3154). (¬3) أخرجه البخاري (3153)، ومسلم (1772)، وأبو داود (2702)، والنسائي (7/ 236). (¬4) أخرجه الترمذي (1553) وقد أخرجه أحمد (5/ 248)، والطبراني في المعجم الكبير (8/ 308 (8001).

قلت: رواه أبو داود في الجهاد، والدارمي في السير كلاهما من حديث أنس، وسكت عليه أبو داود. (¬1) 3078 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في السلب للقاتل، ولم يخمّس السلب. قلت: رواه أبو داود في الجهاد من حديث عوف بن مالك وخالد بن الوليد، وفي إسناده إسماعيل بن عياش وقد تقدم ذكره. (¬2) 3079 - قال: نفّلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر سيف أبي جهل، وكان قتله. قلت: رواه أبو داود في الجهاد من حديث أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه. (¬3) 3080 - شهدت خيبر مع سادتي، فكلّموا فيّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكلّموه أني مملوك، فأمرني فقلّدت سيفًا، فإذا أنا أجرّه، فأمر لي بشيء من خُرثي المتاع، وعرضت عليه رقية كنت أرقي بها المجانين، فأمرني بطرح بعضها، وحبس بعضها. قلت: رواه أبو داود في الجهاد، والترمذي في السير، والنسائي في الطب، وابن ماجه في الجهاد من حديث عمير مولى أبي اللحم، وقال الترمذي: ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2718)، والدارمي (2/ 229). وإسناده صحيح على شرط مسلم. انظر الإرواء (1221). (¬2) أخرجه أبو داود (2721). وإسناده صحيح شامي وإن كان فيه إسماعيل بن عياش فإنه ثقة في روايته عن أهل بلده وهذا منها. (¬3) أخرجه أبو داود (2722). وإسناده منقطع بين أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود وبين أبيه. قال الحافظ: أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، مشهور بكنيته، والأشهر أنه لا اسم له غيرها، ويقال: اسمه عامر، كوفي ثقة، والراجح أنه لا يصح سماعه من أبيه. انظر التقريب (8294).

حديث حسن صحيح. (¬1) والخرثي: بالخاء المعجمة والراء المهملة والثاء المثلثة. وحكى الأزهري (¬2): عن الليث أن الخرثي من المتاع والغنيمة أردؤها، وهي سقط البيت من المتاع، وقال الجوهري (¬3): الخرثي: أثاث البيت وسقطه. 3081 - قال قُسمت خيبر على أهل الحديبية، فقَسَمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمانية عشر سهمًا، وكان الجيش ألفًا وخمسمائة، فيهم ثلثمائة فارس!. قلت: رواه أبو داود في الجهاد عن: محمد بن عيسى قال حدثنا مجمع بن يعقوب بن يزيد الأنصاري قال: سمعت أبي يعقوب بن مجمع يذكر، عن عمه عبد الرحمن بن يزيد، عن عمه مجمع بن جارية .. وذكر الحديث بأطول مما ذكره المصنف، وقال في آخره: "فأعطى الفارس سهمين، وأعطى الراجل سهمًا" (¬4). قال أبو داود: وحديث أبي معاوية أصح، والعمل عليه، وأرى الوهم في حديث مجمع في قوله: ثلثمائة فارس: وإنما كانوا مائتي فارس، وحديث أبي معاوية الذي أشار إليه هو حديث ابن عمر الثابت في الصحيحين (¬5)، ولفظ البخاري فيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل للفرس سهمين ولصاحبه سهمًا. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2730)، وابن ماجه (2855)، والترمذي (1557)، والنسائي في الكبرى (7535). وإسناده صحيح. (¬2) انظر: تهذيب اللغة للأزهري (7/ 333). (¬3) انظر: الصحاح للجوهري (1/ 281). (¬4) أخرجه أبو داود (2736) وإسناده فيه يعقوب بن مجمع بن جارية والد مجمع وإن كان حسن الحديث فقد انفرد به وذكره الحافظ ابن حجر في التقريب (7886) وقال: مقبول. وعزاه الحافظ في الفتح (6/ 68) إلى أبي داود وقال: وفي إسناده ضعف وبقية رجاله ثقات. وراجع زاد المعاد (3/ 249) ونصب الراية (3/ 416 - 418). (¬5) أخرجه البخاري (2863) (4228)، ومسلم (1762). وهو عند أبي داود برقم (2733).

قال الإمام الشافعي: ومجمع بن يعقوب راوي هذا الحديث شيخ لا يُعرف. (¬1) وقال البيهقي (¬2): والذي رواه مجمع بن يعقوب في عدد الجيش وعدد الفرسان قد خولف فيه، ففي رواية جابر وأهل المغازي أنهم كلانوا ألفًا وأربعمائة، وهم أهل الحديبية، وفي رواية ابن عباس، وصالح بن كيسان، وبشير بن يسار: أن الخيل مائتا فرس وكان للفرس سهمان ولصاحبه سهم ولكل راجل سهم. ومُجمّع (¬3): بضم الميم وبالجيم والميم الشددة المكسورة والعين المهملة. وجارية: بالجيم وبعدها ألف بعدها راء مهملة. 3082 - قال شهدت النبي - صلى الله عليه وسلم - نفّل الربع في البَدأة، والثلث في الرجعة. قلت: رواه أبو داود وابن ماجه كلاهما في الجهاد من حديث حبيب بن مسلمة الفهري (¬4)، وقد أنكر بعضهم أن يكون لحبيب هذا صحبة، وأثبتها له آخرون، وذكره ابن عبد البر في الصحابة، وكان يسمى حبيب الرومي لكثرة مجاهدته الروم. (¬5) 3083 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ينفّل الرُّبُع بعد الخُمس، والثلث بعد الخُمُس إذا قفل. قلت: رواه أبو داود فيه من حديث حبيب بن مسلمة الفهري، وسكت عليه أبو داود. (¬6) ¬

_ (¬1) وقال الحافظ عنه في التقريب (6532): صدوق. (¬2) السنن الكبرى (6/ 325). (¬3) ومجمّع بن جارية: صحابي مشهور انظر ترجمته في الإصابة (5/ 776). (¬4) أخرجه أبو داود (2750)، وابن ماجه (2853). وإسناده صحيح وقد أخرجه أحمد (4/ 159)، انظر ما قاله الشيخ الألباني في هامش هداية الرواة (4/ 82 - 83). (¬5) قال الحافظ: مختلف في صحبته، والراجح ثبوتها، لكنه كان صغيرًا، انظر: الإصابة (2/ 24)، وتقريب التهذيب (1114). (¬6) أخرجه أبو داود (2749).

3084 - قال: أصبت بأرض الروم جَرّة حمراء، فيها دنانير في إمرة معاوية، وعلينا رجلٌ من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقال له: معن بن يزيد، فأتيته بها، فقسمها بين المسلمين، وأعطاني منها مثل ما أعطى رجلًا منهم، ثم قال: لولا أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا نفل إلا بعد الخمس"، لأعطيتك. قلت: رواه أبو داود فيه (¬1) ومعن بن يزيد: هو معن بن يزيد بن الأخنس، له ولأبيه وجده صحبة رضي الله عنهم، وأبو الجويرية اسمه: حِطّان بن خُفَاف. (¬2) ورجال الحديث موثقون. 3085 - قال: قدمنا فوافقنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين افتتح خيبر، فأسهم لنا -أو قال: فأعطانا منها- وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئًا، إلا لمن شهد معه، إلا أصحاب سفينتنا: جعفرًا وأصحابه، أسهم لهم معهم. قلت: رواه البخاري في المغازي، ومسلم في المناقب، وأبو داود في الجهاد، والترمذي في السير، ولفظ المصنف لفظ مسلم وأبي داود أربعتهم من حديث أبي موسى، وكان من حق المصنف أن يذكر هذا في الصحاح. (¬3) 3086 - أن رجلًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - توفي يوم خيبر، فذكروا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: "صلوا على صاحبكم"، فتغيرت وجوه الناس لذلك، فقال: "إن صاحبكم غلّ في سبيل الله". ففتشنا متاعه فوجدنا خرزًا من خرز يهود، لا يساوي درهمين. قلت: رواه مالك في الموطأ وأبو داود كلاهما في الغلول، والنسائي في الجنائز وابن ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2753) انظر: مختصر سنن أبي داود للمنذري (4/ 61). (¬2) انظر ترجمة معن في: الإصابة (6/ 192)، أما حطان بن خفاف، فهو ثقة، انظر التقريب (1407). (¬3) أخرجه البخاري في المغازي (4233)، ومسلم (2502)، وأبو داود (2725)، والترمذي (1559).

ماجه في الجهاد أربعتهم من حديث زيد بن خالد الجهني، وسكت عليه أبو داود. (¬1) 3087 - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أصاب غنيمة، أمر بلالًا فنادى في الناس، فيجيئون بغنائمهم، فيُخمّسه ويقسمه، فجاء رجلٌ بعد ذلك بزمام من شَعْر، فقال: هذا فيما كنا أصبناه من الغنيمة، قال: "أسمعت بلالًا ينادي ثلاثًا؟ " قال: نعم، قال: "فما منعك أن تجيء به؟ " فاعتذر، قال: "كن أنت تجيء به يوم القيامة، فلن أقبله عنك". قلت: رواه أبو داود هنا من حديث عبد الله بن عمر، وسكت عليه. (¬2) وكل هذا تعظيم لأمر الغلول وتحذير له، وإذا كان هذا في القليل فما الظن بالكثير. 3088 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبا بكر، وعمر حرقوا متاع الغالّ وضربوه. قلت: رواه أبو داود هنا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. (¬3) وقد اختلف العلماء في عقوبة الغال في ماله: فقال أحمد وجماعة: يحرق متاعه، قالوا: ولا يحرق ما غل، لأنه حق الغانمين يرد عليهم، فإن استهلكه غرم قيمته. وقال الشافعي: لا يحرق ولا يعاقب في ماله إنما يعاقب في بدنه، إنما جعل الله الحدود ¬

_ (¬1) أخرجه مالك (2/ 458)، وأبو داود (2710)، والنسائي (4/ 64)، وابن ماجه (2848) وإسناده ضعيف. انظر ما قاله الزرقاني في شرح الموطأ (3/ 30)، وصحيح ابن حبان (4853)، والإرواء (726). (¬2) أخرجه أبو داود (2712) وفي إسناده عامر بن عبد الواحد وهو وإن كان من رجال مسلم، إلا أنه قد اختلف فيه: ضعفه أحمد والنسائي، ووثقه أبو حاتم وابن معين، وذكره ابن حبان في الثقات وقال الحافظ في التقريب (3120): صدوق يخطيء. وبه يحسن الحديث. (¬3) أخرجه أبو داود (2715). قال الشيخ الألباني -رحمه الله- وسنده ضعيف. انظر: هداية الرواة (4/ 85).

على الأبدان لا على الأموال. (¬1) 3089 - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من يكتم غالًا، فإنه مثله". قلت: رواه أبو داود فيه من حديث سمرة بن جندب. (¬2) 3090 - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شراء المغانم حتى تقسم. قلت: رواه الترمذي في السير وقال: غريب، وابن ماجه في التجارات كلاهما من حديث محمد بن زيد العيدي عن شهر بن حوشب عن أبي سعيد الخدري يرفعه، قال الدارقطني: محمد بن زيد ليس بالقوي. (¬3) 3091 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه نهى أن تباع السهام حتى تقسم. قلت: رواه الدارمي في السير، من حديث عبد الرحمن بن يزيد عن مكحول الشامي عن أبي أمامة يرفعه، وعبد الرحمن بن يزيد: ضعفه ابن معين وابن عدي. (¬4) ¬

_ (¬1) انظر: معالم السنن (2/ 260)، ومختصر المنذري (4/ 39). (¬2) أخرجه أبو داود (2716) وإسناده ضعيف. (¬3) أخرجه الترمذي (1563)، وابن ماجه (2196). وفي إسناده محمد بن إبراهيم وهو الباهلي: مجهول كما قال الحافظ في "التقريب" (5740). وكذلك شهر بن حوشب صدوق، كثير الإرسال والأوهام، التقريب (2846). = وفي الإسناد جهضم اليمامي وهو ابن عبد الله بن أبي الطفيل ثقة إلا أن حديثه منكر فيما روى عن المجهولين وهذا منها. وذكره الحافظ في التقريب (989) وقال: صدوق يكثر عن المجاهيل. وانظر: سنن الدارقطني (3/ 15). (¬4) أخرجه الدارمي (2/ 226) وإسناده ضعيف، وعبد الرحمن بن يزيد. ضعفه ابن معين (2/ 361) (1164)، رواية الدوري وابن عدي في الكامل (4/ 602). وذكره الحافظ في "التقريب" (4072) وقال: صدوق.

3092 - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن المال خضرة حلوة، فمن أصابه بحقه، بورك له فيه، وربّ متخوّض فيما شاءت به نفسه من مال الله ورسوله، ليس له يوم القيامة إلا النار". قلت: رواه الترمذي في الزهد من حديث خولة بنت قيس ترفعه، وقال: حديث حسن صحيح انتهى (¬1)، ورواه البخاري في الخمس مختصرًا، ولفظه: "أن رجالًا يتخوضون في مال الله تعالى، حق لهم النار يوم القيامة" وتقدم ذكر المصنف له في الصحاح. 3093 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تنفّل سيفه -ذا الفقار- يوم بدر، وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحدٍ. قلت: رواه الترمذي في السير من حديث ابن عباس، وقال: حديث حسن غريب. (¬2) وذا الفقار: قال الزمخشري (¬3): هو بفتح الفاء، والعامة يكسرونها، سمي بذلك لأنه كانت في إحدى شفرتيه حُزوز، شبّهت بفَقار الظهر، وكان هذا السيف لمنبه بن الححاج، فتنفله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السنة السادسة في غزوة بني المصطلق، وهو الذي كان يلزمه - صلى الله عليه وسلم - ويشهد به الحروب، وكانت له أسياف غيره. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2374) وفي إسناده أبو الوليد -عبيد سنوطا- روى عنه اثنين ولم يوثقه غير العجلي وذكره ابن حبان في "الثقات" وذكره الحافظ بن حجر في "التقريب" (4436) قال: وثقه العجلي. وصححه الألباني في الصحيحة (4512) وصححه شعيب في "الإحسان" (4512)، وغايته أن يكون حسنًا فقط لما سبق، ولكن الحديث يصح بشاهده عند أحمد (6/ 378) من حديث عمرة بنت الحارث بن ضرار. وصححه الألباني -رحمه الله- في الصحيحة (1592). (¬2) أخرجه الترمذي (1561) وإسناده حسن لأن فيه ابن أبي الزناد واسمه عبد الرحمن بن عبد الله بن ذكوان ضعيف يعتبر به في المتابعات والشواهد قال الحافظ: صدوق، تغيّر حفظه لما قدم بغداد، وكان فقيهًا، التقريب (3886). (¬3) انظر: الفائق للزمخشري (3/ 132).

والرؤيا التي رأى فيه: أنه رأى - صلى الله عليه وسلم - أنه هزّ ذا الفقار فانقطع من وسطه ثم هزّه هزة أخرى، فعاد أحسن ما كان، وقيل هو ما رآه عند خروجه - صلى الله عليه وسلم - إلى أحد أن في ذبابة سيفه ثلمًا، قال: فأولته هزيمة. (¬1) 3094 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان يومن بالله واليوم الآخر، فلا يركب دابةً من فيء المسلمين، حتى إذا أعجفها ردها فيه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يلبس ثويًا من فيء المسلمين، حتى إذا أخلقه رده فيه". قلت: رواه أبو داود هنا، والدارمي في السير كلاهما من حديث رويفع بن ثابت، وفي سنده محمد بن إسحاق. (¬2) 3095 - قال: قلت: هل كنتم تخمسون الطعام في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: أصبنا طعامًا يوم خيبر، وكان الرجل يجيء، فيأخذ منه مقدار ما يكفيه، ثم ينصرف. قلت: رواه أبو داود هنا من حديث محمد بن أبي المجالد عن عبد الله بن أبي أوفى وسكت عليه ولم يعترضه المنذري. (¬3) 3096 - أن جيشًا غنِموا في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعامًا وعسلًا، فلم يؤخذ منهم الخُمُس. قلت: رواه أبو داود هنا من حديث ابن عمر، وسكت عليه ولم يعترضه المنذري. (¬4) ¬

_ (¬1) انظر: حديث الرؤيا في المسند (1/ 271)، والحاكم (2/ 128 - 129) وصححه، ووافقه الذهبي، والبيهقي في الدلائل (3/ 204 - 205)، وفي السنن (7/ 41). (¬2) أخرجه أبو داود (2159)، والدارمي (2/ 230) وإسناده حسن. وأما قوله في إسناده محمد بن إسحاق، فإنه قد صرح بالتحديث. (¬3) أخرجه أبو داود (2704) وإسناده صحيح. وانظر: مختصر المنذري (4/ 35). (¬4) أخرجه أبو داود (2701) وإسناده صحيح. وانظر: مختصر المنذري (4/ 34).

3097 - عن بعض أصحاب رسول - صلى الله عليه وسلم - قال: كلنا نأكل الجَزور في الغزو، ولا نقسمه، حتى إذا كنا لنرجع إلى رحالنا وأخْرِجَتُنا منه مملأة. قلت: رواه أبو داود هنا من حديث القاسم مولى عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - به (¬1)، قال المنذري: والقاسم: تكلم فيه غير واحد. (¬2) والخرج: معروف وهو عربي، والجمع خرجة مثل جحر وجحرة، وجاء جمعه ها هنا على أخرجة جمع قلة. 3098 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "أدوا الخياط والمِخْيط، وإياكم والغلول، فإنه عارٌ على أهله يوم القيامة". قلت: رواه الدارمي في السير من حديث عبادة بن الصامت يرفعه. (¬3) والخياط: بكسر الخاء المعجمة والتخفيف، وهو الخيط، ويكون أيضًا الإبرة، والمِخْيط: بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة الإبرة، والخياط: ها هنا الخيط لذكره مع الإبرة. 3099 - قال: دنا النبي - صلى الله عليه وسلم - من بعير، فأخذ وبرة من سنامه، ثم قال: "يا أيها الناس إنه ليس لي من هذا الفيء شيء، ولا هذا -ورفع أصبعه- إلا الخمس، والخمس مردود عليكم، فأدُّوا الخِياط والمِخْيط" فقام رجل في يده كُبّة من شَعر، فقال: أخذت هذه لأصلح بها بَرْذَعة؟ فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: "أما ما كان لي ولبني عبد المطلب، فهو لك، فقال: أمَّا إذ بلغَتْ ما أرى، فلا أرَبَ لي فيها، ونبذها. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2706). قلت: في إسناده ابن حرشف الأزدي وهو مجهول. انظر: الكاشف (6910). ذكره الحافظ في التقريب (8533) وقال: مجهول. (¬2) مختصر السنن (4/ 36). (¬3) أخرجه الدارمي (2/ 230) وكذلك ابن ماجه (2850) وحسنه البوصري في الزوائد.

قلت: رواه أبو داود هنا والنسائي في قسم الفيء (¬1) مختصرًا كلاهما من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. 3101 - قال: صلّى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بعير من المغنم، فلما سلم، أخذ وبرةً من جنب البعير، ثم قال: "ولا يحل لي من غنائمكم مثل هذا، إلا الخمس، والخمس مردود فيكم". قلت: رواه أبو داود هنا من حديث عمرو بن عبسة يرفعه، وسكت عليه، ورواه النسائي وابن ماجه من حديث عبادة بن الصامت بنحوه. (¬2) 3102 - قال: لمّا قَسَم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذوي القربى بين بني هاشم، وبني المطلب، أتيته أنا وعثمان بن عفان، فقلنا: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! هؤلاء إخواننا من بني هاشم، لا ننكر فضلهم، لمكانك الذي وضعك الله منهم، أرأيت إخواننا من بني المطلب، أعطيتهم وتركتنا، وإنما قرابتنا وقرابتهم واحدة؟، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما بنو هاشم وبنو المطلب، فشيءٌ واحدٌ هكذا"، وشبّك بين أصابعه. قلت: رواه الشافعي عن مطرف بن مازن عن معمر بن راشد عن ابن شهاب قال: أخبرني محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه بلفظ المصنف. (¬3) - وفي رواية: "أنا وبنو المطلب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام، وإنما نحن وهم شيءٌ واحدٌ"، وشبّك بين أصابعه. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2694)، والنسائي (7/ 31). وكذا رواه أحمد (2/ 184). وفي الإسناد: ابن إسحاق وقد عنعن وقد صرح بالتحديث عند ابن الجارود (1080). وإسناده حسن. (¬2) أخرجه أبو داود (2755). ورواية عبادة: أخرجها النسائي (7/ 131)، وفي الكبرى (4440)، وابن ماجه (2850). (¬3) أخرجه الشافعي (411) وإسناده ضعيف ولكنه يحسّن بإسناد أبي داود الآتي.

باب الجزية

قلت: رواها أبو داود من حديث جبير. (¬1) باب الجزية من الصحاح 3103 - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أَمّر أميرًا على جيش أو سرية، أوصاه، وقال: "إذا لقيت عدوك، فادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك، فاقبل منهم، فإن أبوا، فسلهم الجزية، فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم". قلت: رواه مسلم في أول الجهاد من حديث بريدة، ولم يخرجه البخاري. (¬2) 3104 - قال: كنت كاتبًا لجزء بن معاوية -عم الأحنف بن قيس-، فأتانا كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل موته بسنة: أن فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس، ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس، حتى شهد عبد الرحمن بن عوف: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذها من مجوس هجر". قلت: رواه البخاري هنا، وأبو داود في الخراج أتم مما ذكره المصنف والبخاري ورواه الترمذي والنسائي كلاهما في السير مختصرًا كلهم من حديث بجالة (¬3) بباء موحدة مفتوحة وبعدها جيم مفتوحة، وبعد الألف لام مفتوحة. ¬

_ (¬1) أخرجها أبو داود (2980) وفي إسناده ابن إسحاق وقد عنعن ولكنه صرح بالتحديث عند البيهقي في السنن (9/ 341). (¬2) أخرجه مسلم (1731). (¬3) أخرجه البخاري (3156) (3157)، وأبو داود (3043)، والترمذي (1586)، والنسائي في الكبرى (8768).

من الحسان

من الحسان 3105 - قال: بعثني النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن، فأمره أن ياخذ من كل حالمٍ دينارًا، أو عدله معافر. قلت: رواه الأربعة أبو داود في الخراج، والترمذي والنسائي وابن ماجه في الزكاة، وقال الترمذي: حديث حسن. (¬1) وروى بعضهم هذا الحديث عن الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث معاذًا إلى اليمن فأمره أن يأخذ، قال: وهذا أصح. (¬2) والمعافر: نوع من نبات اليمن، وهو بفتح الميم والعين المهملة، وبالألف والفاء المكسورة والراء المهملة. 3106 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تصلح قبلتان في أرضٍ واحدةٍ، وليس على المسلم جزية". قلت: رواه الترمذي في الزكاة، وأبو داود في الخراج. (¬3) ولم يقل: "وليس على المسلم جزية" كلاهما من حديث قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس يرفعه، قال الترمذي: وقد روي عن قابوس عن أبيه مرسلًا، قال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم، أن النصراني إذا أسلم وُضعت عنه الجزية التي كانت وجبت عليه. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3039)، والترمذي (623)، والنسائي (5/ 25)، وابن ماجه (1803). وصححه الحاكم (1/ 398) وقال صحيح على شرط الشيخين. (¬2) انظر: سنن الترمذي (2/ 13)، وأخرجه ابن أبي شيبة (3/ 126 - 127) من طريق الأعمش. (¬3) أخرجه الترمذي (633)، وأبو داود (3032) (3053) وإسناده ضعيف فيه قابوس بن ظبيان وقد ذكره الحافظ في "التقريب" (5480) وقال: في لين. (¬4) انظر: سنن الترمذي (2/ 21).

3107 - قال: بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة، فأخذوه، فأتوه به، فحقن له دمه، وصالحه على الجزية. قلت: رواه أبو داود في الخراج من حديث أنس، وسكت عليه. (¬1) وأكيدر: بضم الهمزة وفتح الكاف وسكون الياء آخر الحروف وبعدها دال مهملة وهو ابن عبد الملك الكندري، وساق بعضهم نسبه إلى كندة، وقال بعضهم: إنه من غسان، وروي أنه أتي به النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويقال: بقي على نصرانيته وكتب إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - كتابًا، ويقال: إنه أسلم ثم ارتد إلى النصرانية، فقتل على نصرانيته. (¬2) وفي "دومة" (¬3): ثلاث لغات ضم الدال وفتحها، ودوما: وهي من بلاد الشام بينها وبين دمشق خمس ليال، وبين المدينة وبينها خمس عشرة ليلة، وبالعراق أيضًا بقرب عين التمر موضع يقال له: دومة. 3108 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما العشور على اليهود والنصارى، وليس على المسلمين عشور". قلت: رواه أبو داود (¬4) فيه من حديث حرب بن عبيد الله عن جده أبي أمه عن أبيه يرفعه، ورواه البخاري في "التاريخ الكبير"، وساق اضطراب الرواة فيه، وقال: لا يتابع عليه. وقد فرض النبي - صلى الله عليه وسلم - "العشور" فيما أخرجت الأرض في خمسة أو ساق، انتهى. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3037) وفي إسناده: ابن إسحاق، وقد عنعن. (¬2) انظر ترجمة أكيدر في: الإصابة لابن حجر (1/ 241 - 245). (¬3) انظر: معجم البلدان (2/ 487 - 489)، وقد تكلم الحموي عن أكيدر أيضًا. (¬4) أخرجه أبو داود (3048). انظر: التاريخ الكبير (3/ 60)، ونقل ابن القيم في تهذيب السنن (4/ 253) عن عبد الحق قوله في هذا الحديث: في إسناده اختلاف، ولا أعلمه من طريق يحتج به. وانظر كذلك شرح معاني الآثار (2/ 31).

وقد ذكر الترمذي هذا الحديث في الزكاة بغير إسناد، وقال بعضهم: وأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - عشور التجارات والبياعات دون عشور الصدقات، والذي يلزم اليهود والنصارى من العشور هو ما صولحوا عليه، فلا عشور عليهم ولا يلزمهم شيء أكثر من الجزية، فأما عشور غلات أرضهم فلا يؤخذ منهم، هذا مذهب الشافعي، وقال أبو حنيفة: إن أخذوا منا العشور في بلادهم إذا اختلف المسلمون إليهم في التجارات أخذنا منهم وإلا فلا. 3109 - قال: قلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنا نمر بقوم، فلا هم يضيفونا، ولا هم يؤدون ما لنا عليهم من الحق، ولا نحن نأخذ منهم؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن أبوا إلا أن تأخذوا كرهًا، فخذوا". قلت: رواه البخاري في المظالم وفي الأدب، ولفظه: "قلنا يا رسول الله إنك تبعثنا فننزل بقوم فلا يقرونا، فما ترى؟ فقال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا، فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف". ومسلم في الجهاد، وأبو داود في الأطعمة، والترمذي في السير ولفظه كلفظ المصابيح، وابن ماجه في الأدب كلهم من حديث عقبة (¬1)، فكان من حق المصنف أن يذكره في الصحاح، ولهذا لما ذكره المنذري في مختصر سنن أبي داود (¬2) عزاه للشيخين. وأما معنى الحديث: فإنه محمول على ما إذا كان مرورهم على جماعة من أهل الكتاب، وقد شرط الإمام عليهم ضيافة من يمر بهم، فإذا لم يفعلوا أخذوا منهم حقهم ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6137) (2461)، ومسلم (1727)، وأبو داود (3752)، والترمذي (1589)، وابن ماجه (3676). (¬2) مختصر السنن (5/ 293 - 294).

باب الصلح

كرهًا، فأما إذا لم يكن قد شرط عليهم، والنازل غير مضطر فلا يجوز أخذ مال الغير إلا بطيب من نفسه. (¬1) باب الصلح من الصحاح 3110 - قالا: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية، في بضع عشرة مائة من أصحابه، فلما أتى ذا الحليفة، قلّد الهدي وأشعره، وأحرم منها بعمرة، وسار، حتى إذا كان بالثنيّة التي يُهبط عليهم منها، بركت به راحلته، فقال الناس: حَلْ، حل خَلأت القصواء، خلأت القصواء، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل"، ثم قال: "والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله، إلا أعطيتهم إياها". ثم زجرها فوثبت، فعدل عنهم، حتى نزل بأقصى الحديبية، على ثمد قليل الماء، يتبرّضه الناس تبرُّضًا، فلم يلبثه الناس حتى نزحوه، وشُكي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العطش، فانتزع سهمًا من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يجيش لهم بالريّ، حتى صدروا عنه، فبينما هم كذلك، إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي، في نفر من خزاعة، ثم أتاه عروة بن مسعود ... وساق الحديث، إلى أن قال: إذ جاء سهيل بن عمرو، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ". فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله، ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب: محمد بن عبد الله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "والله إني رسول الله، وإن كذبتموني، اكتب: محمد بن عبد الله". ¬

_ (¬1) انظر: معالم السنن (4/ 221 - 222).

فقال: سهيل: وعلى أن لا يأتيك منَّا رجل، وإن كان على دينك، إلا رددته علينا، فلما فرغ من قضية الكتاب، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: "قوموا فانحروا ثم احلقوا". ثم جاء نسوة مؤمنات، فأنزل الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} الآية. فنهاهم الله عز وجل أن يردوهن، وأمرهم أن يردوا الصداق، ثم رجع إلى المدينة، فجاءه أبو بصير رجلٌ من قريش، وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين، فدفعه إلى الرجلين، فخرجا به، حتى إذا بلغا ذا الحليفة نزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدًا، أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه حتى برد، وفر الآخر حتى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لقد رأى هذا ذعرًا". فقال: قتل والله صاحبي، وإني لمقتول. فجاء أبو بصير، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ويل أمه مِسْعَر حرب! لو كان له أحدٌ". فلما سمع ذلك، عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر، قال: وتفلّت أبو جَندل بن سهيل، فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم، إلا لحق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة، فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام، إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تناشده الله والرحم، لما أرسل إليهم، فمن أتاه فهو آمن، فأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم. قلت: رواه البخاري في الشروط بطوله (¬1)، وفي المغازي، وليس في الشروط ذكر الإحرام بالحج، إنما ذكره في المغازي وفي الحج أيضًا، وأبو داود في الحج كلاهما من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، ولم يخرجه مسلم ولا أخرج في صحيحه عن مروان بن الحكم شيئًا. والحديبية: الأفصح فيها التخفيف. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الشروط (2711) (2712) وفي المغازي (4178) (4179) وفي الحج (1694) (1695)، وأبو داود (1754).

وحلْ حَلْ: بفتح الحاء المهملة وسكون اللامين، ويقال: بكسر اللامين وتنوينهما أيضًا، وهو زجر للناقة إذا ترددت عن النهوض، وخلأت القصواء: بفتح الخاء المعجمة، أي حرنت وبركت من غير علّة، والخلأ في الإبل، كالحران في الخيل، والخطة: الأمر المشكل الذي يفصله الرجل برأيه، قال الجوهري (¬1): بالضم، الأمر والقصة، والثمد بالتحريك: الماء القليل. قوله: "يتبرضه الناس تبرضًا" هو بالضاد المعجمة أي يأخذونه قليلًا قليلًا. قوله: "يجيش لهم بالري" أي يفور ماؤه ويرتفع. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد" هو فاعل من القضاء وهو الفصل والحكم. "وبديل بن ورقاء": هو بضم الباء الموحدة وبفتح الدال المهملة ثم ياء آخر الحروف ولام، وورقاء: بواو ثم راء ثم قاف أسلم عام الفتح، وعروة بن مسعود أسلم بعد الطائف، لحق النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يدخل إلى المدينة في منصرفه من الطائف فأسلم وسأل أن يرجع إلى قومه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن فعلت فإنهم قاتلوك، فقال: يا رسول الله أنا أحب إليهم من أبشارهم، فكان كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتلوه حين أظهر إسلامه، وسهيل بن عمرو أسلم أيضًا وحسن إسلامه. قوله: "فضربه حتى برد" أي مات، و"الذعر": بضم الذال المعجمة وسكون العين المهملة وبعدها راء هو الفزع، وأبو بصير: بفتح الباء الموحدة وكسر الصاد المهملة. ومسعر الحرب: قال الجوهري (¬2): المسعر والمسعار: الخشب الذي تُسعر به النار، ومنه قيل للرجل: مسعر حرب أي تحمى به الحرب، وسِيْف البحر: بكسر السين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفاء، وهو ساحل البحر، والجمع أسياف، والعير: الإبل ¬

_ (¬1) الصحاح للجوهري (3/ 1123). (¬2) الصحاح للجوهري (2/ 684).

بأحمالها من عار يعير إذا سار، وقيل: هي قافلة الحَمِير، وكثرت حتى سميت بها كل قافلة. "ويناشده الله والرحم" أي سألوه بالله وبالرحم. يقال: "نشدتك الله، وأنشدتك الله وبالله، وناشدتك الله وبالله، أي سألتك وأقسمت عليك، قال البغوي (¬1) وغيره: وهذا الذي شرطه النبي - صلى الله عليه وسلم - للمشركين عام الحديبية كان لمصلحة رآها النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يجوز اليوم شيء من ذلك لقوة أهل الإسلام وغلبة أمرهم إلا في موضع قريب من دار الكفر يخاف أهل الإسلام منهم على أنفسهم، وذهب الشافعي إلى أن أقصى الهدنة عشر سنين ولا تجوز الزيادة على ذلك، واختلف العلماء في أن الصلح هل وقع على رد النساء أيضًا أم لا على قولين فمن قال: نعم، جوز نسخ السنة بالكتاب. 3111 - قال: صالح النبي - صلى الله عليه وسلم - المشركين يوم الحديبية على ثلاثة أشياء: على أنّ من أتاه من المشركين ردّه إليهم، ومن أتاهم من المسلمين لم يردوه. وعلى أن يدخلها من قابل، ويقيم بها ثلاثة أيام، ولا يدخلها إلا يجُلُبّان السلاح: السيف والقوس، ونحوه. فجاء أبو جندل يحجُل في قيوده، فرده إليهم. قلت: رواه البخاري في الصلح بهذا اللفظ، ومسلم في المغازي بمثل معناه كلاهما من حديث البراء بن عازب (¬2)، وقال البخاري فيه: "وقال موسى بن مسعود عن سفيان بن سعيد عن أبي إسحاق عن البراء، وقد قدمنا أن مثل هذا لا يجعله عبد الحق والحميدى متصلًا، والصواب: أنه متصل لأن موسى بن مسعود شيخ البخاري وأخذ عنه. وجلبان السلاح: قال أبو إسحق السبيعي: القراب بما فيها، وإنما شرط هذا ليكون أمارة للمسلم، فلا يظن أنهم يدخلون قهرًا. ¬

_ (¬1) انظر: شرح السنة للبغوي (11/ 161). (¬2) أخرجه البخاري (2700)، ومسلم (1783).

قال الأزهري (¬1): القراب: غمد السيف، والجلبان: شبه الجراب من الأدم، يوضع فيه السيف مغمودًا، ويطرح فيه الراكب بسَوْطه، وأداته، ويعلقه في آخرة الرحل. قال الخطابي (¬2): أكثر المحدثين يرويه بضم اللام وتشديد الباء الموحدة، وكذا قال في المشارق (¬3) قال: ورواه بعضهم بإسكان اللام. قوله: "ويقيم بها ثلاثة أيام"، قال العلماء: سبب هذا التقدير أن المهاجر من مكة لا يجوز له أن يقيم بها أكثر من ثلاثة أيام، وهذا أصل في أن الثلاثة ليس لها حكم الإقامة. 3112 - أن قريشًا صالحوا النبي - صلى الله عليه وسلم -، فاشترطوا على النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن من جاء منكم لم يرد عليكم، ومن جاءكم منا رددتموه علينا، فقالوا: يا رسول الله أنكتب هذا؟ قال: "نعم، إنه من ذهب منا إليهم، فأبعده الله، ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجًا ومخرجًا". قلت: رواه مسلم في المغازي من حديث أنس، ولم يخرج البخاري عن أنس في هذا شيئًا. (¬4) 3113 - قالت في بيعة النساء: إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يمتحنهن بهذه الآية: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ ..} الآية، فمن أقرت بهذا الشرط منهن قال لها: "قد بايعتك"، كلامًا يكلمها به، والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة. قلت: رواه البخاري في الطلاق، ومسلم، وابن ماجه في الجهاد، والنسائي في التفسير كلهم من حديث عائشة. (¬5) ¬

_ (¬1) انظر: تهذيب اللغة (7/ 123). (¬2) انظر: أعلام الحديث (2/ 1320 - 1321). (¬3) مشارق الأنوار (1/ 150). (¬4) أخرجه مسلم (1784). (¬5) أخرجه البخاري (5288)، ومسلم (1866)، وابن ماجه (2875)، والنسائي في الكبرى (11586).

من الحسان

من الحسان 3114 - أنهم اصطلحوا على وضع الحرب عشر سنين، يأمن فيهن الناس، على أن بيننا عيبةً مكفوفة، وأنه لا إسلال ولا إغلال. قلت: رواه أبو داود في الجهاد من حديث المسور، وسكت عليه. (¬1) و"العيبة المكفوفة": قال ابن الأثير: أي بينهم صدر نقي من الغل والخداع، مطوي على الوفاء بالصلح، والمكفوفة: المشرجة المشدودة، والإسلال: السرقة الخفية، يقال: سلَّ البعير في جوف الليل إذا انتزعه من الإبل، ويقال: الإسلال الغارة الظاهرة، وقيل: سل السيوف، والإغلال: الخيانة، أي لا سرقة ولا خيانة. 3115 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا من ظلم معاهدًا، أو انتقصه، أو كلّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة". قلت: رواه أبو داود في الخراج من حديث صفوان بن سليم عن عدة من أبناء أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي سنده مجهولون. (¬2) 3116 - قالت: بايعت النبي - صلى الله عليه وسلم - في نسوةٍ، ففال لنا: "فيما استطعن وأطقتن". قلت: الله ورسوله أرحم بنا منا بأنفسنا، قلت: يا رسول الله! بايعنا، تعني: صافِحنا، قال: "إنما قَوْلي لمائة امرأة، كقولي لامرأةٍ واحدةٍ". قلت: رواه مالك في الموطأ آخر البيعة، والترمذي في السير، والنسائي فيه وفي غيره، وابن ماجه في الجهاد أربعتهم من حديث محمد بن المنكدر أنه سمع أميمة بنت ربيعة ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2766) وفي إسناده محمد بن إسحاق، وهو مدلس وقد عنعنه. وقد صرح بالتحديث عند أحمد (4/ 325). (¬2) أخرجه أبو داود (3052) قال المنذري: فيه مجهولون. انظر: مختصر السنن (4/ 255)، وانظر: الصحيحة (445).

باب إخراج اليهود من جزيرة العرب

تقول: بايعت ... الحديث، وقال الترمذي: حسن صحيح، لا يعرف إلا من حديث ابن المنكدر. (¬1) باب إخراج اليهود من جزيرة العرب من الصحاح 3117 - قال: بينا نحن في المسجد، خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "انطلقوا إلى اليهود"، فخرجنا معه، حتى أتينا بيت المِدراس، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "يا معشر يهود! أسلموا تسلموا، واعلموا أن الأرض لله ولرسوله، وإني أريد أن أُجْليكم من هذه الأرض، فمن وجد منكم بماله شيئًا فليبعه". قلت: رواه البخاري في الجزية، وفي الإكراه، وفي الاعتصام، ومسلم في المغازي وأبو داود في الخراج، والنسائي في السير، أربعتهم من حديث أبي هريرة. (¬2) وبيت المدراس: هو البيت الذي يدرسون فيه التوراة ومفعال غريب في المكان. والمدراس: صاحب دراسة كتبهم، وأجليكم: أي أخرجكم، والإجلاء: الإخراج، والجلاء: الخروج، وكان إجلاء بني النضير في شهر ربيع الأول سنة أربع من الهجرة، وأما قريظة: فكان بعدهم في السنة الخامسة. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فمن وجد منكم بماله شيئًا فليبعه" قال الخطابي (¬3): استدل بهذا الحديث أبو عبد الله البخاري في جواز بيع المكره، وهذا ببيع المضطر أشبه، فأما المكره على ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في الموطأ (2/ 982)، والترمذي (1597)، والنسائي (7/ 149)، وابن ماجه (2874). (¬2) أخرجه البخاري في الجزية (3167)، وفي الإكراه (6944)، وفي الاعتصام (7348)، ومسلم (1765)، وأبو داود (3003)، والنسائي في الكبرى (8687). (¬3) انظر: أعلام الحديث (4/ 2313).

البيع، فهو الذي يحمل على بيع الشيء شاء أو أبي، واليهود لو لم يبيعوا أرضهم لم يحملوا عليه، وإنما شحُّوا على أموالهم، فاختاروا بيعها، فصاروا كأنهم اضطروا إلى بيعها كمن اضطر إلى بيع ماله. 3118 - قال: قام عمر خطيبًا، فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان عامل يهود خيبر على أموالهم، وقال: "نقركم على ما أقركم الله". وقد رأيت إجلاءهم، فلما أجمع عمر على ذلك، أتاه أحد بني أبي الحُقَيق، فقال: يا أمير المؤمنين أتخرجنا وقد أقرنا محمد، وعاملنا على الأموال؟ فقال عمر: أظننت أني نسيت قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كيف بك إذا أخرجت من خيبر، تعدو بك قلوصك ليلةً بعد ليلة؟ ". فقال: هذه كانت هُزيلة من أبي القاسم، قال: كذبت يا عدو الله. فأجلاهم عمر، وأعطاهم قيمة ما كان لهم من الثمر مالًا وإبلًا وعروضًا، من أقتاب وحبال وغير ذلك. قلت: رواه البخاري في الشروط، وأبو داود بمعناه مختصرًا في الخراج كلاهما من حديث عبد الله بن عمر عن أبيه. (¬1) والقلوص: الناقة الشابة، وقيل: لا يزال قلوصًا حتى يصير بازلًا، وتجمع على قلائص وقلص أيضًا، والهزيلة: تصغير الهزلة، وهي المرة من الهزل وهو نقيض الجد، والأقتاب: جمع القتب، وهو للجمل، كالإكاف لغيره. 3119 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوصى بثلاثة، قال: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم". قال ابن عباس: وسكت عن الثالثة، أو قال: فأنسيتها. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2730)، وأبو داود (3007).

قلت: رواه البخاري في الجهاد، وفي الجزية، وفي المغازي، ومسلم في الوصايا، وأبو داود في الخراج، والنسائي في العلم أربعتهم من حديث ابن عباس. (¬1) والثالثة: قيل: هي تجهيز أسامة، وقيل: يحتمل أنها قوله - صلى الله عليه وسلم - "لا تتخذوا قبري وثنًا"، وفي الموطأ ما يشير إلى ذلك. (¬2) "وجزيرة العرب": قال الأصمعي: هي ما بين أقصى عدن اليمن إلى ريف العراق في الطول، وأما في العرض فمن جدة وما والاها إلى أطراف الشام، وسميت جزيرة العرب لإحاطة البحار بها من نواحيها، وانقطاعها عن المياه العظيمة. قال النووي (¬3): وحكى الجوهري عن مالك أن جزيرة العرب هي المدينة، والصحيح المعروف أنها مكة والمدينة واليمامة واليمن. وأخذ بهذا الحديث مالك والشافعي فأوجبوا إخراج الكفار منها، لكن خص الشافعي ذلك بالحجاز وهو عنده "مكة والمدينة واليمامة وأعمالها دون اليمن وغيره من هو من جزيرة العرب بدليل آخر مشهور في كتبه، ولا يمنع الكفار من التردد مسافرين في الحجاز ولا يمكنوا من الإقامة فيه أكثر من ثلاثة أيام. قال الشافعي: إلا مكة وحرمها فلا يجوز تمكين كافر من دخوله بحال، فإن مات ودفن فيه نبش وأخرج ما لم يتغير. وجوز أبو حنيفة دخولهم الحرم، وحجتنا قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الجهاد (3053)، وفي الجزية (3168)، وفي المغازي (4431)، ومسلم (1637)، وأبو داود (3029)، والنسائي في الكبرى (5854). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (1/ 1361)، وفتح الباري (8/ 135)، وشرح السنة للبغوي (11/ 183). (¬3) المنهاج (11/ 135 - 136)، وانظر للتفصيل حول الجزيرة كتاب: صفة الجزيرة للدكتور/ بكر أبو زيد.

من الحسان

قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أُجيزهم" هذا أمر منه - صلى الله عليه وسلم - بإجازة الوفد وضيافتهم سواء كان الوفد من المسلمين أو كفارًا. (¬1) 3120 - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب، حتى لا أدع إلا مسلمًا". قلت: رواه مسلم في المغازي وأبو داود في الخراج، والترمذي وابن ماجه كلاهما في السير، أربعتهم من حديث جابر عن عمر يرفعه، ولم يخرجه البخاري. (¬2) وفي رواية: "لئن عشت -إن شاء الله- لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب". قلت: رواها الترمذي في السير من حديث جابر (¬3)، وليست في مسلم، وقد تقدم أن الحديث ليس في البخاري فحق هذه الرواية أن تكون في الحسان. من الحسان 3121 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تكون قبلتان في بلدةٍ واحدة". قلت: رواه أبو داود في الخراج، والترمذي في السير من حديث ابن عباس، يرفعه وقال الترمذي: أنه روي مرسلًا. (¬4) ¬

_ (¬1) المصدر السابق. (¬2) أخرجه مسلم (1767)، وأبو داود (3030)، والترمذي (1606)، والنسائي في الكبرى (8686). ولم أجده في ابن ماجه، وليس في سنن ابن ماجه كتاب السِّير. (¬3) أخرجه الترمذي (1606)، وانظر البغوي في شرح السنة (2756). (¬4) أخرجه أبو داود (3032)، والترمذي (633) وفي إسناده قابوس بن أبي ظبيان. قال الحافظ في التقريب (5480): فيه لين. وبه أعله ابن القطان.

باب الفيء

باب الفيء من الصحاح 3122 - إن الله قد خص رسوله في هذا الفيء بشيءٍ لم يعطه أحدًا غيره، ثم قرأ: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ ...} إلى قوله: {قَدِيرٌ}، فكانت هده خالصة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال، ثم يأخذ ما بقي، فيجعله مجعل مال الله. قلت: رواه البخاري في النفقات وفي الفرائض وفي المغازي وفي غيرها مطولًا ومختصرًا، ومسلم في المغازي، وأبو داود في الخراج، والترمذي في السير والنسائي في الفرائض كلهم من حديث مالك بن أوس بن الحدثان قال: قال عمر: "إن الله قد خص" الحديث. (¬1) والفيء: هو ما أخذ من الكفار بغير قتال ولا إيجاف خيل ولا ركاب، كما سيأتي وقد احتج بهذا الحديث من لم يوجب الخمس في الفيء، وقد أوجب الشافعي الخمس في الفيء كما أوجبوه كلهم في الغنيمة، وقال جميع العلماء سواه: "لا خمس في الفيء" ونقل النووي (¬2) عن ابن المنذر أنه قال: لا نعلم أحدًا قبل الشافعي قال بالخمس في الفيء. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في النفقات (4033)، والفرائض (3094)، والمغازي (5358)، ومسلم (1757)، وأبو داود (2965)، والترمذي (1719)، والنسائي (7/ 132). (¬2) المنهاج (12/ 102 - 103).

من الحسان

3123 - قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله، مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، فكانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة، ينفق على أهله نفقة سَنَته، ثم يجعل ما بقي في السلاح والكُراع: عُدّة في سبيل الله. قلت: رواه الجماعة إلا ابن ماجه، البخاري في التفسير وفي الجهاد، ومسلم في المغازي، وأبو داود في الخراج، والترمذي في الجهاد، والنسائي في عشرة النساء كلهم من حديث مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر رضي الله عنه قال: "كانت أموال ... " الحديث. (¬1) قال في النهاية (¬2): "الإيجاف سرعة السير"، وأوجف دابته يوجفها إيجافًا إذا حثها. والركاب: الإبل التي يسافر عليها. من الحسان 3124 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أتاه الفيء، قسمه في قومه، فأعطى الآهِل حظَّين، وأعطى الأعزب حظًّا، فدُعيت، فأعطاني حظّين، وكان لي أهل، ثم دُعي بعدي عمار بن ياسر، فأُعطي حظًّا واحدًا. قلت: رواه أبو داود في الخراج من حديث عوف بن مالك وسكت عليه، ولم يعترضه المنذري. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الجهاد (2904)، وفي التفسير (4885)، ومسلم (1757)، وأبو داود (2965)، والترمذي (1719)، والنسائي (9187). (¬2) النهاية (5/ 137). (¬3) أخرجه أبو داود (2953). وإسناده صحيح على شرط مسلم كما قال الحاكم (2/ 140 - 141). وكذلك ابن حبان (4816).

والآهِل: هو الذي له الأهل، وهو المتزوج وهو اسم فاعل من أهل يأهل ويأهل بالكسر والضم أهولًا، والأعزب: هو الذي لا زوج له. 3125 - رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أول ما جاءه شيء، بدأ بالمحرّرين. قلت: رواه أبو داود في الخراج ولم يضعفه، ولا المنذري. (¬1) قال الخطابي (¬2): "يريد بالمحررين المعتقين" وذلك أنهم قوم لا ديوان لهم إنما يدخلون تبعًا في جملة مواليهم، وإن كان الديوان موضوعًا على تقديم بني هاشم، وقيل المحررون: المقيدون للطاعة والغزو، وقيل: المكاتبون. 3126 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي بظَبْية فيها خرز، فقسمها للحرة والأمة. قالت عائشة: كان أبي يقسم للحر والعبد. قلت: رواه أبو داود فيه من حديث عائشة. (¬3) والظبية: شبه الخريطة والكيس ويصغر، فيقال ظبيّة وهي بالظاء المثناة بعدها الباء الموحدة. 3127 - قال: ذكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه يومًا الفيء، قال: ما أنا أحق بهذا الفيء منكم، وما أحد منَّا بأحق به من أحدٍ، إلا أَنّا على منازِلِنا من كتاب الله عز وجل، وقسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والرجل وقدمه، والرجل ويلاؤه، والرجل وعياله، والرجل وحاجته. قلت: رواه أبو داود في الخراج من حديث عمر بن الخطاب (¬4)، وفي سنده محمد بن إسحاق، وتقدم الكلام عليه. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2951) وإسناده حسن. وانظر: مختصر المنذري (4/ 204). (¬2) معالم السنن (3/ 9). (¬3) أخرجه أبو داود (2952). وإسناده صحيح. (¬4) أخرجه أبو داود (2950). وفي إسناده محمد بن إسحاق وقد عنعن.

وقدمه: بكسر القاف وفتحها وبعدها دال مهملة وميم مضمومة وهاء أي تقدمه في الإسلام وسبقه، وبلاؤه: ممدود أي نفعه في الإسلام. 3128 - قال: قرأ عمر بن الخطاب: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} حتى بلغ {عَلِيمٌ حَكِيمٌ} فقال: هذه لهؤلاء، ثم قرأ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} حتى بلغ {وَابْنِ السَّبِيلِ} ثم قال: هذه لهؤلاء، ثم قرأ {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} حتى بلغ {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ ...} ثم قال: هذه استوعبت المسلمين عامةً، فلئن عشت، فليأتين الراعي وهو بسَرْوِ حِمْيَر نصيبه، لم يعرق فيها جبينه. قلت: رواه المصنف في شرح السنة من حديث مالك بن أوس بن الحدثان، قال: قرأ عمر ... وساقه، ورواه أبو داود في الخراج مختصرًا بمعناه من حديث الزهري عن عمر وهو منقطع، لأن الزهري: لم يسمع من عمر. (¬1) "وسرو حمير" (¬2) اسم واد، وأصل السرو من انحدر عن الجبل وارتفع عن الوادي. 3129 - قال: كانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث صفايا: بنو النضير، وخيبر، وفَدَك، فأما بنو النضير: فكانت حُبْسًا لنوائبه، وأما فدك: فكانت حبسًا لأبناء السبيل، وأما خيبر: فجزّأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أجزاءٍ: جزءَيْن بين المسلمين، وجزءًا نفقة لأهله، فما فضل عن نفقة أهله، جعله بين فقراء المهاجرين. قلت: رواه أبو داود فيه من حديث عمر ولم يضعفه، ولا المنذري. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2966)، والبغوي في شرح السنة (2740). (¬2) انظر: معجم البلدان (3/ 217). (¬3) أخرجه أبو داود (2967). وإسناده حسن، فيه أسامة بن زيد الليثي وهو صدوق يهم، التقريب (319).

قوله: "كانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث صفايا" قال الخطابي (¬1): الصفي ما يصطفيه الإمام قبل القسمة من عبد أو سيف أو غير ذلك، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - مخصوصًا بذلك مع الخمس له خاصة، وليس ذلك لأحد من الأئمة غيره - صلى الله عليه وسلم -. قوله: "فأما بنو النضير فكانت حبسًا لنوائبه" أي لحوائجه أي مرصدة ليوم الحاجة. قوله: "وأما خيبر فجزأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أجزاء" إلى آخره. قال في شرح السنة (¬2): إنما فعل - صلى الله عليه وسلم - ذلك لأن خيبر كانت لها قرى كثيرة فتح بعضها عَنوة، فكان للنبي - صلى الله عليه وسلم - منها خمس الخمس، وفُتح بعضها من غير قتال، وإيجاف خيل وركاب، فكان فيئًا خاصًّا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضعه حيث أراه الله من حاجته ونوائبه، ومصالح المسلمين، فاقتضت القسمة والتعديل أن يكون الجميع بينه وبين الجيش ثلاثًا. ¬

_ (¬1) انظر: معالم السنن (3/ 25)، وشرح السنة (11/ 137). (¬2) انظر: شرح السنة (11/ 144).

كتاب الصيد والذبائح

كتاب الصيد والذبائح من الصحاح 3130 - قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أرسلت كلبك المعلّم، فاذكر اسم الله تعالى، فإن أمسك عليك، فأدركته حيًّا، فاذبحه، وإن أدركته قد قتل، ولم يأكل منه فكله، وإن أكل فلا تأكل، فإنما أمسك على نفسه، وإن وجدت مع كلبك كلبًا غيره، وقد قتل، فلا تأكل، فإنك لا تدري أيهما قتله؟، وإذا رميت بسهمك، فاذكر اسم الله، فإن غاب عنك يومًا، فلم تجد فيه إلا أثر سهمك، فكل إن شئت، وإن وجدته غريقًا في الماء، فلا تأكل". قلت: رواه الجماعة: البخاري في الذبائح وفي غيره، ومسلم في الصيد واللفظ له، والباقون فيه مختصرًا ومطولًا مع اختلاف عن حديث عدي بن حاتم. (¬1) وفي الحديث: دليل على اشتراط قصد إرسال الجارحة وأن الكلب لو استرسل بنفسه لم يحل، ولو أغراه بعد ذلك، وأن قتل الجارح الصيد لا يضر، وإن ذكر اسم الله شرط، وحمله الشافعي ومن وافقه على ذكر القلب، واستحبه باللسان جمعًا بين هذا الحديث وحديث عائشة الآتي، وإن أكل الجارح من الصيد يحرم وقدم الجمهور هذا الحديث على حديث أبي ثعلبة الذي فيه الإذن في الأكل وإن أكل الكلب، لأن حديث عدي أصح، وأنه إذا اشترك مع الكلب كلب من لا يحل ذكاته فوجد الصيد ميتًا لا يحل، وقد علله في الحديث، وأنه إذا غاب الصيد عنه يومًا، فوجده ميتًا ليس فيه إلا أثر سهمه فأكله. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5483)، ومسلم (1929)، وأبو داود (2848)، والترمذي (1467)، والنسائي (7/ 179) وابن ماجه (3208). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (13/ 112 - 113)، وشرح السنة للبغوي (11/ 192 - 197).

3131 - قال: قلت: يا رسول الله! إنا نرسل الكلاب المعلّمة؟ قال: "كل ما أمسكن عليك"، قلت: وإن قتلْن؟ قال: "وإن قتلن"، قلت: إنا نرمي بالمعراض؟، قال: "كل ما خَزَق، وما أصاب بعَرَضِه فقتل، فإنه وقيذ، فلا تأكل". قلت: رواه الشيخان من حديث عدي بن حاتم، واللفظ للبخاري. (¬1) والمعراض: بكسر الميم وبالعين المهملة وهي خشبة ثقيلة، أو عصى في طرفها حديدة، وقد تكون [بغير] حديدة. قال النووي (¬2): وهذا هو الصحيح في تفسيره، ويقال المعراض: سهم بلا ريش ولا نصل يصيب بعرضه دون حده، وخزق: بالخاء والزاي المعجمتين وفسره الفقهاء في السابقة بأن يخدش الشن ولا يثبت فيه، وفسروا الخسق بأن يثبت فيه. وقال في النهاية (¬3): خزق السهم وخسق: إذا أصاب الرمِيّة ونفذ فيها، وكذا فسر النووي الحديث، والوقيذ: هو فعيل بمعنى مفعول وهو المقتول بغير محدد من عصا أو حجر ونحوها. 3132 - قال: قلت: يا نبي الله! إنا بأرض قوم أهل الكلتاب، أفنأكل في آنيتهم؟ وبأرض صيدٍ، أصيد بقوسي وبكلبي الذي ليس بمعلّم، وبكلبي المعلّم، فما يصلح لي؟ قال: "أما ما ذكرت من آنية أهل الكتاب، فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا، فاغسلوها وكلوا فيها، وما صدت بقوسك، فذكرت اسم الله فكل، وما صدت بكلبك المعلّم، فذكرت اسم الله فكل، وما صدت بكلبك غير معلم، فأدركت ذكاته فكل". قلت: رواه البخاري في الذبائح واللفظ له، ومسلم في الصيد من حديث أبي ثعلبة الخشني. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5477)، ومسلم (1929). (¬2) انظر: المنهاج (13/ 111 - 112)، وشرح السنة للبغوي (11/ 202). (¬3) انظر: النهاية (2/ 29)، والمنهاج للنووي (13/ 112). (¬4) أخرجه البخاري (5478)، ومسلم (1930).

قال النووي (¬1): قد يقال هذا الحديث مخالف لما يقول الفقهاء، فإنهم يقولون: إنه يجوز استعمال أواني المشركين إذا غسلت ولا كراهة فيها بعد الغسل سواء وجد غيرها أم لا، ولا يكفي غسلها في نفي الكراهة وإنما نغسلها ونستعملها إذا لم نجد غيرها، والجواب أن المراد النهي عن آنيتهم التي كانوا يطبخون فيها لحم الخنزير ويشربون الخمر كما صرح به في رواية أبي داود (¬2): إنا نجاور أهل الكتاب وهم يطبخون في قدورهم الخنزير، ويشربون في آنيتهم الخمر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن وجدتم غيرها فكلوا فيها واشربوا، وإن لم تجدوا غيرها فارحضوها بالماء وكلوا واشربوا، فإنما نهي عن الأكل بعد الغسل للاستقذار، كما يكره الأكل في المحجمة المغسولة، وأما الفقهاء فمرادهم مطلق آنية الكفار لا الآنية المعدة للنجاسة، والله أعلم. 3133 - قال: "إذا رميت بسهمك، فغاب عنك، فأدركته، فكل ما لم يُنْتن". قلت: رواه مسلم وأبو داود والنسائي ثلاثتهم هنا من حديث أبي ثعلبة، ولم يخرجه البخاري. (¬3) 3134 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: في الذي يدرك صيده بعد ثلاث: "فكله ما لم ينتن". قلت: رواه مسلم من حديث أبي ثعلبة ولم يذكر البخاري النهي عن أكله إذا أنتن، ولا قال: "بعد ثلاث" من حديث أبي ثعلبة. (¬4) وينتن: يروى بضم الياء من أنتن الشيء، وبفتحها وهذا عند أصحاب الشافعي ومن وافقهم على معنى الاستحباب دون التحريم، لأن تغير ريحه لا يحرم أكله لما روى البخاري وغيره من حديث هشام عن قتادة عن أنس قال: لقد دُعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ¬

_ (¬1) المنهاج (13/ 118). (¬2) أخرجه أبو داود (3839). (¬3) أخرجه مسلم (1931)، وأبو داود (1861) والنسائي (7/ 194). (¬4) أخرجه مسلم (1931).

خبز شعير وإهالة سنخة، والسنخة: بفتح السين المهملة وبالنون والخاء المعجمة أي المتغيرة الرائحة. 3135 - قالت: قالوا: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن ها هنا أقوامًا حديث عهدهم بشرك، يأتوننا بلُحمان، لا ندري يذكرون اسم الله عليها، أم لا؟، قال: "اذكروا أنتم اسم الله وكلوا". قلت: رواه البخاري في الذبائح من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مسندًا (¬1)، ومالك في الموطأ في الذبائح مرسلًا عن عروة. 3136 - سئل: أخصّكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيءٍ؟ فقال: ما خصّنا بشيء لم يعم به الناس إلا ما في قراب سيفي هذا، فأخرج صحيفة فيها: لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من سرق منار الأرض. قلت: رواه مسلم في الأضاحي من حديث أبي الطفيل، واسمه عامر بن واثلة قال: "سئل علي ... " وساقه. وبقية الحديث: "ولعن الله من لعن والديه، ولعن الله من آوى محدثًا" ولم يخرجه البخاري. (¬2) ومنار الأرض: بفتح الميم، قال النووي (¬3): المراد به علامات حدودها. 3137 - ويروى: "من غيّر منار الأرض، ولعن الله من لعن والديه، ولعن الله من آوى محدثًا". قلت رواه مسلم أيضًا (¬4)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "آوى محدثًا" بكسر الدال هو من يأتي بفساد في الأرض. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5007)، ومالك في الموطأ (2/ 488). (¬2) أخرجه مسلم (1978). (¬3) المنهاج (13/ 204). (¬4) أخرجه مسلم (1978).

3138 - قلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! إنا لاقو العدو غدًا، وليست معنا مدى، أفنذبح بالقصب؟ قال: "ما أنهر الدم وذُكر اسم الله عليه، فكل، ليس السِّن والظفر، وسأحدّثك عنه: أما السّن، فعَظْم، وأما الظّفر فمدى الحبش". وأصبنا نهب إبل وغنم، فندَّ منها بعير، فرماه رجل بسهم، فحبسه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش، فإذا غلبكم منها شيء، فافعلوا به هكذا". قلت: رواه البخاري في الذبائح، ومسلم في الضحايا، وأبو داود في الذبائح والترمذي في الصيد، والنسائي في الذبائح، وابن ماجه فيه مقطعًا كلهم من حديث: رافع بن خديج. (¬1) و"أنهر الدم": هو بالراء المهملة على الصحيح المشهور، ورواه بعضهم بالزاي المعجمة وهو غريب، والنهب: بفتح النون وهو المنهوب، وكان هذا النهب غنيمة، وند منها بعير: أي شرد وهرب، والأوابد: النفور والتوحش وهو جمع آبدة، بالمد وكسر الباء الموحدة المخففة. 3139 - أنه كانت له غنم ترعى بسَلْع، فأبصرت جارية لنا بشاة من غنمنا موتًا، فكسرت حجرًا، فذبحتها به، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فأمره بأكلها. قلت: رواه البخاري في الوكالة وفي الذبائح، وابن ماجه فيه كلاهما من حديث كعب بن مالك. (¬2) وسَلْع: جبل بالمدينة بفتح السين المهملة وسكون اللام وبالعين المهملة. 3140 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم، فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذَّبح، وليُحدّ أحدكم شفرته وليُرح ذبيحته". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5509)، ومسلم (1968)، وأبو داود (2821)، والترمذي (1411)، والنسائي (7/ 226)، وابن ماجه (3137). (¬2) أخرجه البخاري (2304)، وابن ماجه (3182).

قلت: رواه الجماعة إلا البخاري: مسلم والنسائي وابن ماجه ثلاثتهم في الذبائح وأبو داود في الأضاحي، والترمذي في الديات من حديث شداد بن أوس (¬1) والقتلة: بالكسر، الحالة التي عليها القاتل. 3141 - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى أن تُصْبر بهيمة، أو غيرها للقتل. قلت: رواه البخاري في الذبائح من حديث ابن عمر. (¬2) ومعناه النهي عن أن تحبس الحيوان فيرمى إليه حتى يموت، وأصل الصبر: الحبس. 3142 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن من اتخذ شيئًا فيه الروح غَرضًا. قلت: رواه مسلم في الذبائح من حديث ابن عمر بن الخطاب ولم يخرج البخاري هذا اللفظ. (¬3) 3143 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تتخذوا شيئًا فيه الروح غَرضًا". قلت: رواه مسلم في الذبائح من حديث ابن عباس، ولم يخرج البخاري هذا اللفظ عن ابن عباس. (¬4) والغرض: بالغين والضاد المعجمتين الهدف. 3144 - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الضرب في الوجه، وعن الوسم في الوجه. قلت: رواه مسلم في اللباس، والترمذي في الجهاد، كلاهما من حديث جابر ولم يخرجه البخاري. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1955)، والنسائي (7/ 227)، والترمذي (1409)، وأبو داود (2815)، وابن ماجه (3170). (¬2) أخرجه البخاري (5514). (¬3) أخرجه مسلم (1958). (¬4) أخرجه مسلم (1957). (¬5) أخرجه مسلم (2116)، والترمذي (1710).

3145 - مرّ النبي - صلى الله عليه وسلم - على حمارٌ قد وسم في وجهه، قال: "لعن الله الذي وسمه". قلت: رواه مسلم فيه من حديث جابر أيضًا، ولم يخرجه البخاري. (¬1) 3146 - قال: غدوت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعبد الله بن أبي طلحة ليحنّكه، فوافيته في يده المِيْسم يسِم إبل الصدقة. قلت: رواه البخاري في الزكاة، ومسلم في اللباس واللفظ للبخاري كلاهما من حديث أنس. (¬2) والميسم: بكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف وفتح السين المهملة، قال الجوهري: المكواة، وأصل الياء واو، فإن شئت قلت في جمعه مياسم على اللفظ، وإن شئت مواسم على الأصل، و"حنك الصغير" إذا مضغ تمرة أو غيرها وجعله في فيّ الصغير، وحنكت بها حنكة. (¬3) 3147 - ويروى عن أنس قال دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في مربد فرأيته يسم شاة. حسبته قال: في آذانه. قلت: رواه البخاري في الذبائح، ومسلم في اللباس، وأبو داود في الجهاد، وابن ماجه في اللباس، ولفظه رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يسم غنمًا في آذانها ورأيته متزرًا بكساء كلهم من حديث أنس. (¬4) والمربد: بكسر الميم وفتح الباء الموحدة وبعدها دال مهملة، قال بعضهم: يحتمل أن يكون على ظاهره، وأنه أدخل فيه الغنم فوسمها ويحتمل أنه استعار لحظيرة الغنم اسم المربد، وهو ما يحبس فيه الإبل مثل الحظيرة للغنم. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2117). (¬2) أخرجه البخاري (1502)، ومسلم (2119). (¬3) انظر: النهاية لابن الأثير (1/ 451 - 452). (¬4) أخرجه البخاري (5542)، ومسلم (2119)، وأبو داود (2563)، وابن ماجه (3565). (¬5) انظر: المنهاج للنووي (13/ 142).

من الحسان

وقال الجوهري (¬1): المربد الموضع الذي يحبس فيه الإبل وغيرها. من الحسان 3148 - قال: قلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرأيت أحدنا أصاب صيدًا، وليس معه سكين، أيذبح بالمروة وشِقة العصا؟ فقال: "أمرِر الدم بما شئت، واذكر اسم الله". قلت: رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه ثلاثتهم هنا من حديث عدي بن حاتم، ولم يضعفه أبو داود، ولا المنذري. (¬2) والمروة: بفتح الميم وسكون الراء المهملة هي الحجارة المحددة، وقال الأصمعي: هي التي تقدح منها النار. وشقة العصا: بكسر الشين المعجمة أي ما شق منها محدودًا، وأمرر: براءين مظهرتين ومعناه: اجعل الدم يمر أي يذهب، قال الخطابي (¬3): ومن روى أمرَّ الدم براء مشددة غلط، انتهى. قال بعضهم: وهذا ليس بغلط بل هو إدغام، والصواب عند الخطابي أن من رواه براء واحدة إنما هو "أمر الدم" بسكون الميم وتخفيف الراء ومعناه أَسِلْه وأجره. 3149 - قال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أما تكون الذكاة إلا في الحلق واللّبَّة؟ فقال: "لو طعنتَ في فخذها لأجزأ عنك". قلت: رواه أبو داود، والنسائي وابن ماجه ثلاثتهم في الذبائح، والترمذي في الصيد كلهم من حديث أبي العشراء عن أبيه يرفعه، قال أبو داود: هذا لا يصلح إلا في المتردية ¬

_ (¬1) انظر: الصحاح للجوهري (1/ 471). (¬2) أخرجه أبو داود (2824)، والنسائي (7/ 194) (7/ 225)، وابن ماجه (3117) وإسناده ضعيف لجهالة مُري بن قطري قال الذهبي في الميزان (4/ ث 8442): لا لعرف، تفرد عنه سماك ولم يوثقه غير ابن حبان (5/ 459). ذكره الحافظ في التقريب (6622) وقال: مقبول. وانظر: مختصر المنذري (4/ 116). (¬3) انظر: معالم السنن (4/ 260).

والمتوحشة، وقال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة، ولا يعرف لأبي العشراء عن أبيه غير هذا الحديث كذا قاله الترمذي. (¬1) قال المنذري (¬2): وقد وقع من حديثه عن أبيه عدة أحاديث جمعها الحافظ أبو موسى الأصبهاني، وقال الخطابي (¬3): ضعفوا هذا الحديث لأن راويه مجهول، وأبو العشراء لا ندري من أبوه، ولم يروه غير حماد بن سلمة. واللبة: بفتح اللام والباء الوحدة المشددتين المنحر قاله الجوهري. (¬4) 3150 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما علّمت من كلب أو باز، ثم أرسلته، وذكرت اسم الله، فكل مما أمسك عليك". قلت: وإن قتل؟ قال: "إذا قتله، ولم يأكل منه شيئًا، فإنما أمسكه عليك". قلت: رواه أبو داود في الذبائح، والترمذي مختصرًا من حديث عدي بن حاتم، وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث مجالد، انتهى. ومجالد: هو ابن سعيد، وقد روى له مسلم. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2825)، والترمذي (1481)، والنسائي (7/ 228)، وابن ماجه (3184). وإسناده ضعيف: أبو العشراء مجهول وأبوه لا تُعرف له صحبته وقال البخاري: في حديثه واسمه وسماعه من أبيه نظر التاريخ الكبير (2/ ت 1557) وقال الذهبي في الميزان: لا يدرى من هو ولا أبوه. (4/ت 10419). (¬2) انظر: مختصر السنن (4/ 117). (¬3) انظر: معالم السنن (4/ 260). (¬4) انظر: الصحاح للجوهري (1/ 217). (¬5) أخرجه أبو داود (2851)، والترمذي (1469) وإسناده ضعيف: فيه مجالد بن سعيد ومجالد وإن روى له مسلم فإنما روى له مقرونًا. وضعفه ابن معين (الجرح 8/ ت 1653) وفي التهذيب (10/ 40)، عن النسائي قال مرة: ثقة، ومرة: ليس بالقوي وكذلك ضعفه شعبة والقطان وغيره كما قال الترمذي في جامعه. وترجم له الحافظ في التقريب (6520) وقال: ليس بالقوي وقد تغير في آخر عمره. وانظر للتفصيل: منهج النسائي (5/ 2315).

3151 - قلت: يا رسول الله! أرمي الصيد، فأجد فيه من الغد سهمي؟ قال: "إذا علمت أن سهمك قتله، ولم تر فيه أثر سَبُع، فكل". قلت: رواه أبو داود في الذبائح من حديث عدي بن حاتم. (¬1) 3152 - قال: نهينا عن صيد كلب المجوس. قلت: رواه الترمذي، وابن ماجه كلاهما في الصيد من حديث جابر يرفعه، وفي سنده: الحجاج بن أرطأة. (¬2) 3153 - قال: قلت: يا رسول الله إنا أهل سفر، نمر باليهود والنصارى والمجوس، فلا نجد غير آنيتهم؟، قال: "فإن لم تجدوا غيرها، فاغسلوها بالماء، ثم كلوا فيها واشربوا". قلت: رواه الترمذي في الصيد من حديث أبي ثعلبة الخشني، وقال: حديث حسن. (¬3) واسم أبي ثعلبة: "جرثوم" ويقال "جرثم". 3154 - قال: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم -: عن طعام النصارى وفي رواية: سأله رجل، فقال: إن من الطعام طعامًا أتحرج منه؟، فقال: "لا يتحلجن في صدرك شيءٌ ضارعت فيه النصرانية". قلت: رواه أبو داود في الأطعمة، والترمذي في السير، وابن ماجه في الجهاد من حديث قبيصة بن هلب عن أبيه. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2849)، والترمذي (1468) وقال: حسن صحيح. وأخرجه كذلك أبو داود الطيالسي (1041)، وأحمد (4/ 377)، والنسائي في الكبرى (7/ 193) انظر: تحفة الأشراف (7/ 274 رقم 9854). (¬2) أخرجه الترمذي (1466)، وابن ماجه (3209) وفي إسناده الحجاج بن أرطأة قال في التقريب (1127): صدوق كثير الخطأ والتدليس. وفي إسناده شريك أيضًا وهو ضعيف. (¬3) أخرجه الترمذي (1464) وفيه الحجاج بن أرطأة وقد عنعنه وللحديث طرق أخرى ذكرها الألباني في الإرواء رقم (37). (¬4) أخرجه أبو داود (3784)، والترمذي (1565)، وابن ماجه (2830). =

ولفظ الترمذي: "سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "، ولفظ أبي داود: "سأله رجل"، وقال الترمذي: حسن. وهلب: بضم الهاء وسكون اللام وبعدها باء موحدة، ويقال بفتح الهاء وكسر اللام. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يتحلجن" بالحاء المهملة بعدها اللام ثم الجيم أي لا يدخل قلبك شيء منه، فإنه نظيف، فلا ترتابن فيه، وأصله من الحلج وهو الحركة والاضطراب، ويروى بالخاء المعجمة. وضارعت: المضارعة المشابهة والمقاربة، وذلك أنه سأل عن طعام النصارى حرام أو خبيث أو مكروه؟. نقله ابن الأثير عن الهروي (¬1) وقال (¬2): سياق الحديث لا يناسب هذا التفسير. 3155 - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكل المجثَّمة، وهي التي تُصبر بالنَّبْل. قلت: رواه الترمذي في الصيد من حديث أبي الدرداء يرفعه، وقال: غريب ورواه الدارمي في الأضاحي من حديث ابن عباس يرفعه. (¬3) والمجثمة: بضم الميم وفتح الجيم والثاء المثلثة المشددة. قال ابن الأثير (¬4): هي كل حيوان ينصب ويرمى ليقتل، إلا أنها تكثر في الطير والأرانب وأشباه ذلك. ¬

_ = قلت: في إسناده قبيصة بن هلب وهو مجهول. ذكره الحافظ في التقريب (5551) وقال: مقبول. وحسنه الشيخ الألباني في هداية الرواة (4/ 116). (¬1) انظر: الغريبين للهروي (2/ 120). (¬2) انظر: النهاية لابن الأثير (3/ 85). (¬3) أخرجه الترمذي (1473) والدارمي (1975) (2117). قلت: وفي إسناده أبو أيوب الإفريقي واسمه عبد الله بن علي الأزرق وترجم له الحافظ في التقريب (3511) وقال: صدوق يخطىء وللحديث شاهد من رواية ابن عباس عند الدارمي وأحمد (1/ 226). (¬4) انظر: النهاية لابن الأثير (1/ 232).

3156 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى يوم خيبر عن كل ذي ناب من السباع، وعن كل ذي مخلب من الطير، وعن لحوم الحمر الأهلية، وعن المجثّمة، وعن الخليسة، وأن توطأ الحُبالى حتى يضعن ما في بطونهن. قلت: رواه الترمذي في الصيد من حديث العرباض بن سارية يرفعه. (¬1) والخليسة: بفتح الخاء المعجمة وباللام والياء آخر الحروف، والسين المهملة، وهو ما يؤخذ من السبع، فيموت قبل أن يذكّى، من خلست الشيء واختلسته إذا سلبته، وهي مفعلة بمعنى مفعولة. 3157 - قال: نهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن شريطة الشيطان، وهي: التي تذبح، فيقطع الجلد، ولا تفرى الأوداج، ثم تُترك حتى تموت. قلت: رواه أبو داود في الضحايا من حديث ابن عباس وأبي هريرة. (¬2) وفي سنده عمرو بن عبد الله الصنعاني، وقد ضعف. 3158 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ذكاة الجنين ذكاة أمه". قلت: رواه أبو داود والدارمي كلاهما في الضحايا من حديث عبيد الله بن أبي زياد القداح عن أبي الزبير عن جابر يرفعه. (¬3) وعبيد الله بن أبي زياد القداح فيه مقال. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1474) وفي إسناده أم حبيبة بنت العرباض وهي مجهولة. تفرد عنها بالروابة وهب بن خالد الحمصي ولم يؤثر توثيقها عن أحد إلا أن الذهبي -قد ذكرها في "الميزان" (4/ 611) في فصل النسوة المجهولات. وللحديث شواهد ذكرها الشيخ الألباني في هداية الرواة (4/ 117). (¬2) أخرجه أبو داود (2826) وإسناده ضعيف فيه عمرو بن عبد الله هو ابن الأسوار اليماني ويقال عمرو بن برق قال ابن معين: ليس بالقوي انظر: الضعفاء للعقيلي (3/ 259). وقال المنذري (مختصر السنن 4/ 118) قد تكلم فيه غير واحد. وترجم له الحافظ في التقريب (5095) وقال: صدوق فيه لين. وانظر: مختصر المنذري (4/ 118). (¬3) أخرجه أبو داود (2828)، والدارمي (2/ 81)، والترمذي (1476). وأخرجه أحمد (3/ 31) من رواية أبي سعيد. وفي إسناده عبيد الله بن أبي زياد القداح قال الحافظ في التقريب (4321): ليس بالقوي.

ورواه الترمذي في الصيد عن محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد يرفعه، بلفظ حديث جابر، ورواه أحمد عن أبي عبيدة الحداد عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي الوداك عن أبي سعيد يرفعه. وهذان سندان ليس فيهما إلا من روى له الشيخان أو أحدهما. قال المنذري (¬1) وغيره: المحفوظ عن أئمة هذا الشأن في تقييد الحديث "ذكاة الجنين ذكاة أمه" بالرفع فيهما، فهو مبتدأ وخبر، وأنكر رواية من روى ذكاة أمه بنصب ذكاة الثانية، فأوجب بذلك ابتداء الذكاة فيه ولا يكتفي بذكاة أمه. وقال ابن المنذر (¬2): لم يرو عن الصحابة والتابعين وسائر علماء الأمصار أن الجنين لا يؤكل إلا باستئناف الذكاة فيه، إلا ما روي عن بعض الأئمة، قال: ولا أحسب أصحابه وافقوه عليه. 3159 - قال: قلنا: يا رسول الله ننحر الناقة، ونذبح البقرة والشاة، فنجد في بطنها الجنين أنُلقيه أم نأكله؟ قال: "كلوه إن شئتم، فإن ذكاته ذكاة أمه". قلت: رواه أبو داود في الضحايا من حديث أبي سعيد (¬3)، وهو يشهد لرواية من رواه ذكاة أمه بالرفع فيهما. 3160 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قتل عصفورًا فما فوقها بغير حقها، سأله الله عز وجل عن قتله"، قيل: يا رسول الله، وما حقها؟ قال: "أن يذبحها فيأكلها، ولا يقطع رأسها، فيرمي بها". قلت: رواه الشافعي في قتال المشركين عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن صهيب مولى عبد الله بن عامر عن عبد الله بن عمرو بن العاص يرفعه بلفظ المصابيح، والنسائي في الذبائح عن قتيبة عن ابن عيينة به، وترجم عليه إباحة أكل العصافير، والدارمي في ¬

_ (¬1) مختصر المنذري (4/ 121). (¬2) المصدر السابق. (¬3) أخرجه أبو داود (2827).

باب ما يقتنى من الكلاب وما لا يقتنى وما أمر بقتله منها والنهي عن التحريش بين البهائم

الأضاحي عن إسماعيل بن إبراهيم عن ابن عيينة به، ولم يقل "ولا يقطع" إلى آخره. (¬1) 3161 - قال: قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وهم يجبّون أسنمة الإبل، ويقطعون ألْيات الغنم، فقال: "ما يقطع من البهيمة وهي حية، فهو مَيتة". قلت: رواه أبو داود والترمذي واللفظ له، وحسنّه، كلاهما في الصيد من حديث أبي واقد الليثي بالقاف. (¬2) باب ما يقتنى من الكلاب وما لا يقتنى وما أمر بقتله منها والنهي عن التحريش بين البهائم من الصحاح 3162 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من اقتنى كلبًا إلا كلب ماشية، أو ضارٍ، نقص من عمله كل يوم قيراطان". قلت: رواه البخاري في الذبائح، ومسلم في البيوع كلاهما من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر. (¬3) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أو ضارٍ" هكذا هو في نسخ المصابيح أو ضار بغير ياء وهي رواية في مسلم. ¬

_ (¬1) أخرجه الشافعي (598)، والنسائي (7/ 239)، والدارمي (2/ 84) وكذلك أحمد (2/ 166). وإسناده ضعيف، لجهالة صهيب مولى ابن عامر. (¬2) أخرجه أبو داود (2858)، والترمذي (1480)، انظر: هداية الرواة (4/ 119). (¬3) أخرجه البخاري (5480)، ومسلم (1574).

قال النووي (¬1): ومعظم نسخ مسلم "أو ضاري" بالياء، وفي بعضها "أو ضاريًا" بالألف بعد الياء منصوبًا، وفي بعضها "من اقتنى كلبًا إلا كلب ضارية" فأما ضاريًا فهو ظاهر الإعراب، وأما ضاري، وضارٍ فهما مجروران على العطف على "ماشية"، ويكون من إضافة الموصوف إلى صفته، كمسجد الجامع، ويكون ثبوت الياء في "ضاري" على اللغة القليلة في إثباتها في المنقوص من غير ألف ولام، والمشهور حذفها، وقيل: إن لفظة "ضار" هنا صفة للرجل الصائد صاحب الكلب المعتاد للصيد، فسماه "ضاريًا" استعارة كما جاء في بعض روايات مسلم "إلا كلب ماشية أو كلب صائد" وأما رواية: "إلا كلب ضارية" فقالوا: تقديره إلا كلب ذي كلاب ضارية، والضاري هو المعلم للصيد المعتاد له. 3163 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من اتخذ كلبًا إلا كلب ماشية، أو صيد، أو زَرْع انتقص من أجره كل يوم قيراط". قلت: رواه البخاري في المزارعة، ومسلم في البيوع، وأبو داود في الذبائح والترمذي والنسائي في الصيد كلهم من حديث أبي هريرة، ولم يذكر البخاري الصيد في حديث أبي هريرة إلا من طريق منقطعة. (¬2) 3164 - قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتل الكلاب، حتى إن المرأة تقدم من البادية بكلبها، فنقتله، ثم نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتلها، وقال: "عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين فإنه شيطان". قلت: رواه مسلم في البيوع، وأبو داود في الصيد كلاهما من حديث أبي الزبير عن جابر، ولم يخرجه البخاري. (¬3) ¬

_ (¬1) المنهاج (10/ 341 - 342). (¬2) أخرجه البخاري (2322)، ومسلم (1575)، وأبو داود (2844)، والترمذي (1490)، والنسائي (7/ 189). (¬3) أخرجه مسلم (1572) وأبو داود (2846).

من الحسان

3165 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتل الكلاب، إلا كلب صيدٍ، أو كلب غنم، أو ماشيةٍ. قلت: رواه مسلم في البيوع، والترمذي والنسائي جميعًا في الصيد ثلاثتهم من حديث ابن عمر، ولم يخرجه البخاري ولا أخرج في قتل الكلاب شيئًا. (¬1) من الحسان 3166 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لولا أن الكلاب أمة من الأمم، لأمرت بقتلها كلّها، فاقتلوا كل أسود بهيم، وما من أهل ليت يرتبطون كلبًا، إلا نقص من عملهم كل يوم قيراط، إلا كلب صيد، أو كلب حرث، أو كلب غنم". قلت: رواه الأربعة، والدارمي (¬2) كلهم في الصيد من حديث عبد الله بن مغفل يرفعه، إلا أن أبا داود والدارمي اقتصرا على الجملة الأولى إلى قوله: "أسود بهيم" والبهيم: الأسود كله. 3167 - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن التحريش بين البهائم. قلت: رواه أبو داود في الجهاد، والترمذي فيه كلاهما من حديث ابن عباس يرفعه. (¬3) ورواه الترمذي أيضًا مرسلًا، وقال: إن المرسل أصح. (¬4) والتحريش بين البهائم: هو الإغراء، وتهييج بعضها على بعض. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1571)، والترمذي (1488)، والنسائي (7/ 184). (¬2) أخرجه أبو داود (2845)، والترمذي (1489) (1486)، والنسائي (7/ 175)، وابن ماجه (3205)، والدارمي (2/ 90)، انظر كلام الشيخ الألباني في هداية الرواة (4/ 121). (¬3) أخرجه أبو داود (2562)، والترمذي (1708). وفيه اختلاف في إسناده كما قال الترمذي في علله (511)، وابن عدي في الكامل (3/ 1092). (¬4) أخرجه الترمذي (1709) من طرق سفيان وقال: هذا أصح من حديث قطبة أهـ. قلت: حديث سفيان المرسل أصح من حديث قطبة المتصل لأن سفيان أحفظ وأتقن من قطبة.

باب ما يحل أكله ويحرم

باب ما يحل أكله ويحرم من الصحاح 3168 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كل ذي ناب من السباع، فأكله حرام". قلت: رواه مسلم في الصيد من حديث أبي هريرة، ولم يخرج البخاري عن أبي هريرة في هذا شيئًا. (¬1) 3169 - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير. قلت: رواه مسلم في الصيد من حديث ابن عباس، ولم يخرجه البخاري ولا أخرج عن ابن عباس في هذا شيئًا، ولا ذكر الطير. (¬2) قال في شرح السنة (¬3): "أراد - صلى الله عليه وسلم - ما يعدو بنابه على الناس وعلى أموالهم، والمخلب: بكسر الميم وفتح اللام وهو بمنزلة الظفر للإنسان. 3170 - قال: حرّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحوم الحمر الأهلية. قلت: رواه الشيخان في الذبائح، والنسائي في الصيد من حديث أبي ثعلبة الخشني. (¬4) 3171 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل. قلت: رواه البخاري في المغازي وهو أيضًا ومسلم في الذبائح، وأبو داود في الأطعمة، والنسائي في الصيد كلهم من حديث جابر. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1933). (¬2) أخرجه مسلم (1934). (¬3) شرح السنة (11/ 234). (¬4) أخرجه البخاري (5527)، ومسلم (1936)، والنسائي (7/ 201). (¬5) أخرجه البخاري (5524)، ومسلم (1941)، وأبو داود (3788)، والنسائي (7/ 201).

3172 - أنه رأى حمارًا وحشيًّا، فعقره، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هل معكم من لحمه شيء؟ " فقال: معنا رجله، فأخذها فأكلها. قلت: رواه الشيخان، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه كلهم في الحج من حديث أبي قتادة، وذكره البخاري في مواضع منها في الجهاد، وفي الذبائح. (¬1) 3173 - قال: أنفجنا أرنبًا بمرِّ الظهران، فأخذتها، فأتيت بها أبا طلحة، فذبحها، وبعث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بوَرِكِها وفخذها، فقبله. قلت: رواه الشيخان في الذبائح، وأبو داود والترمذي في الأطعمة، والنسائي وابن ماجه في الصيد كلهم من حديث أنس. (¬2) وأنفجنا: أي أثرنا ونفرنا، ومَرّ الظهران (¬3): بفتح الميم والظاء موضع قريب من مكة. 3174 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الضب، لست آكلُه ولا أحرّمه". قلت: رواه الشيخان في الذبائح من حديث ابن عمر. (¬4) 3175 - أنه دخل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ميمونة، وهي خالته، وخالة ابن عباس، فوجد عندها ضبًّا محنوذًا، فقدمت الضب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده عن الضب، فقال خالد: أحرامٌ الضب يا رسول الله؟ قال: "لا، ولكن لم يكن بأرض قومي، فأجدني أعافه". قال خالد: فاجتررته فأكلته ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر إلي. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الجهاد (2854)، وفي الصيد (1821)، ومسلم (1196)، وأبو داود (1852)، والنسائي (5/ 182). (¬2) أخرجه البخاري (5535)، ومسلم (1593)، وأبو داود (3791)، والترمذي (1789)، والنسائي (7/ 197)، وابن ماجه (3243). (¬3) انظر: معجم البلدان (5/ 104 - 105)، وكتاب المناسك وأماكن طرق الحج للحربي (664 - 665). (¬4) أخرجه البخاري (5536) ومسلم (1943).

قلت: رواه مالك في آخر الموطأ، والشيخان في الذبائح، وذكره البخاري في الأطعمة أيضًا، وأبو داود فيه، والنسائي وابن ماجه في الصيد كلهم من حديث ابن عباس عن خالد بن الوليد. (¬1) والمحنوذ: بالحاء المهملة هو المشوي، وقيل المشوي على الرضف وهي الحجارة المحماة، وأعافه: أي أكرهه تقذرًا. 3176 - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل الدجاج. قلت: رواه البخاري في مواضع منها في الذبائح، ومسلم في الأيمان والنذور لأن في الحديث قصة وهو: أن رجلًا ذكر لأبي موسى أنه حلف لا يأكل الدجاج، والترمذي في الأطعمة، والنسائي في الصيد وفي غيره، كلهم من حديث أبي موسى. (¬2) والدجاج: بفتح الدال وكسرها والفتح أفصح، الواحدة: دجاجة، تقع على الذكر والأنثى. 3177 - قال: غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبع غزوات، كنا نأكل معه الجراد. قلت: رواه الشيخان وأبو داود والترمذي في الأطعمة، والنسائي في الصيد من حديث عبد الله بن أبي أوفى. (¬3) 3178 - قال: غزونا جيش الخَبَط، وأُمِّر علينا أبو عبيدة، فجعنا جوعًا شديدًا، فألقى البحر حوتًا ميتًا، لم نر مثله يقال له: العنبر، فأكلنا منه نصف شهر، فأخذ أبو عبيدة عظمًا من عظامه، فمر الراكب تحته، فلما قدمنا ذكرنا للنبي؟ ففال: "كلوا رزقًا أخرجه الله، أطعمونا إن كان معكم"، قال: فأرسلنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه فأكله. ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في الموطأ (2/ 968)، والبخاري في الأطعمة (5402)، وفي الذبائح (5537)، ومسلم (1946)، وأبو داود (3794)، وابن ماجه (3241)، والنسائي (7/ 197). (¬2) أخرجه البخاري (5517)، ومسلم (1649)، والترمذي (1827)، والنسائي (7/ 206). (¬3) أخرجه البخاري (5495)، ومسلم (1952)، وأبو داود (3812)، والترمذي (1822).

قلت: رواه البخاري في الذبائح وفي المغازي، ومسلم في الصيد، وأبو داود في الأطعمة من حديث جابر. (¬1) وهذا دليل الشافعي لجواز أكل السمك الطافي. 3179 - أن رسول الله قال: "إذا وقع الذباب في إناء أحدكم، فليغمسه كله، ثم ليطرحه، فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء". قلت: رواه البخاري في بدء الخلق، وابن ماجه في الطب كلاهما من حديث أبي هريرة. (¬2) 3180 - أن فأرة وقعت في سمن، فماتت، فسئل النبي - صلى الله عليه وسلم -؟، فقال: "ألقوها وما حولها وكلوه". قلت: رواه البخاري في الطهارة وفي الذبائح، وأبو داود في الأطعمة، والترمذي فيه والنسائي في الذبائح كلهم من حديث ابن عباس عن ميمونة. (¬3) 3181 - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اقتلوا الحيات، واقتلوا ذا الطُّفْيتين، والأبتر، فإنهما يطمسان البصر، ويستسقطان الحبل". فقال أبو لبابة: إنه نهى بعد ذلك عن ذوات البيوت وهن العوامر. قلت: رواه البخاري في بدء الخلق وقال فيه بعد قوله "ويستسقطان الحبل" قال عبد الله: فبينا أنا أطارد حية لأقتلها فناداني أبو لبابة لا تقتلها، فقلت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتل الحيات، قال: إنه نهى بعد ذلك ... الحديث. ومسلم في قتل الحيات، وأبو داود في الأدب، ولم يقولا: "بعد ذلك"، ثلاثتهم من حديث ابن عمر. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي (4362) وفي الذبائح (5493)، ومسلم (1935)، وأبو داود (3840). (¬2) أخرجه البخاري في الطب (5782)، وفي بدء الخلق (3320)، وابن ماجه (3055). (¬3) أخرجه البخاري في الذبائح (5538)، وفي الطهارة (235)، والنسائي (7/ 178)، وأبو داود (3841)، والترمذي (1798). (¬4) أخرجه البخاري (3297) (3298)، ومسلم (2233)، وأبو داود (5252).

"وذا الطُفيتين" بضم الطاء المهملة، وإسكان الفاء، قال النووي (¬1): قال العلماء هما الخطان الأبيضان على ظهر الحية، وأصل الطفية خوصة المقل وجمعها طفي شبه الخطين على ظهرها بخوصتى المقل، انتهى. وقال الزمخشري (¬2): هو الذي على ظهره خطان أسودان، والأبتر: هو قصير الذنب، وقال النضر بن شميل: هو صنف من الحيات أزرق مقطوع الذنب لا تنظر إليه حامل إلا ألقت ما في بطنها. "ويطمسان البصر" أي يطمسانه بمجرد نظرهما إليه لخاصة جعلها الله في بصرهما إذا وقع على بصر الإنسان. ويؤيد ذلك الرواية الأخرى في مسلم: "يخطفان البصر". قال العلماء: وهي نوع يسمى الناظر إذا وقع نظره على عين إنسان مات من ساعته. (¬3) 3182 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن لهذه البيوت عوامر، فإذا رأيتم شيئًا منها، فحرّجوا عليها ثلاثًا، فإن ذهب، وإلا فاقتلوه، فإنه كافر". قلت: رواه مسلم في الحيات، وأبو داود في الأدب، والترمذي في الصيد، والنسائي في السير من حديث أبي السائب عن أبي سعيد. (¬4) وفيه: قصة الفتى الذي عرس وقتل الحية فمات. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن لهذه البيوت عوامر" قال بعضهم: عمار البيوت وعوامرها: سكانها من الجن، وقال في النهاية (¬5): العوامر: الحيات التي تكون في البيوت، واحدها عامرة، ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج (14/ 330). (¬2) انظر: الفائق للزمخشري (2/ 363). (¬3) إلى هنا انتهى كلام النووي في المنهاج (14/ 330 - 331). (¬4) أخرجه مسلم (2236)، وأبو داود (5256) والترمذي (1484)، والنسائي في الكبرى (10809). (¬5) النهاية (3/ 270).

قيل سميت عوامر لطول مكثها، "وحرّجوا عليها" قال مالك: يكفيه أن يقول أحرّج عليك بالله واليوم الآخر أن لا تبدوا لنا ولا تؤذينا. قال النووي (¬1): ولعل مالكًا ... أخذ لفظ التحريج. 3183 - أنه قال: "إن بالمدينة جنًّا قد أسلموا، فإذا رأيتم منهم شيئًا، فآذنوهم ثلاثة أيام، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه، فإنما هو شيطان". قلت: رواه مسلم فيه من حديث أبي سعيد، ولم يخرجه البخاري. (¬2) وصفة الإيذان ستأتي في الحسان. 3184 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتل الوَزَغ، وقال: "كان ينفخ على إبراهيم". قلت: رواه البخاري في بدء الخلق وفي أحاديث الأنبياء، ومسلم في الحيوان، والنسائي في الحج، وابن ماجه في الصيد من حديث أم شريك ترفعه. (¬3) والوزغ: وسام أبرص جنس، فسام أبرص كباره. 3185 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتل الوَزَغ، وسمّاه فُويسقًا. قلت: رواه مسلم في الحيوان، وأبو داود في الأدب كلاهما من حديث سعد ابن أبي وقاص. (¬4) 3186 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من قتل وزَغًا في أول ضربة، كتبت له مائة حسنة، وفي الثانية دون ذلك، وفي الثالثة دون ذلك". قلت: رواه مسلم في الحيوان من حديث أبي هريرة يرفعه. (¬5) ¬

_ (¬1) المنهاج (14/ 330). (¬2) أخرجه مسلم (2236). (¬3) أخرجه البخاري (3359)، ومسلم (2237)، والنسائي (5/ 209) وابن ماجه (3228). (¬4) أخرجه مسلم (2238)، وأبو داود (5262). (¬5) أخرجه مسلم (2240).

من الحسان

3187 - قال: "قرصَتْ نملة نبيًّا من الأنبياء، فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحى الله تعالى إليه: أن قرصتك نملة، أحرقت أمة من الأمم تسبّح؟ ". قلت: رواه البخاري في الجهاد، ومسلم في الحيوان، وأبو داود في الأدب، والنسائي وابن ماجه كلاهما في الصيد من حديث أبي هريرة يرفعه. (¬1) وقرية النمل: مسكنها، والجمع قرى، والقرية من المساكن والأبنية: الضياع، وقد تطلق على المدينة. من الحسان 3188 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا وقعت الفأرة في السمن: فإن كان جامدًا، فألقوها وما حولها، وإن كان مائعًا فلا تقربوه". قلت: رواه أبو داود في الأطعمة، والترمذي فيه تعليقًا، قال: وهو حديث غير محفوظ سمعت محمد بن إسماعيل يعني البخاري يقول: هذا خطأ، قال: والصحيح حديث الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن ميمونة يعني به حديث البخاري عن ميمونة بنت الحارث المتقدم في الصحاح. (¬2) "ولا تقربوه": يحتمل وجهين، أحدهما: لا تقربوه أكلًا وطعامًا، فلا يحرم الانتفاع به دهنًا واستصباحًا، ويحتمل: أن يكون النهي عامًّا على الوجوه كلها. والمشهور عند الشافعية جواز الاستصباح بالدهن المتنجس والنجس أيضًا. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3019)، ومسلم (2241)، وأبو داود (5266)، والنسائي (7/ 210)، وابن ماجه (3225). (¬2) أخرجه أبو داود (3842)، والترمذي (1798). ورجال إسناده ثقات، إلا أن معمرًا قد أخطأ في إسناده إذ رواه عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة فقد خالفه أصحاب الزهري فرووه عن الزهري من عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس عن ميمونة وهو أصح. انظر: العلل لابن أبي حاتم (2/ 12)، والعلل للدارقطني (7/ 285 - 287)، تهذيب السنن لابن القيم (5/ 336 - 337)، وانظر كذلك: الضعيفة (1532).

3189 - قال: أكلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحم حُبارى. قلت: رواه أبو داود والترمذي جميعًا في الأطعمة من حديث بريه بن عمر بن سفينة عن أبيه عن جده، وقال الترمذي: لا نعرفه إلا من هذا الوجه، انتهى. (¬1) وبريه: بضم الباء الموحدة وفتح الراء المهملة وبعدها آخر الحروف ساكنة وهاء، وهو إبراهيم بن عمر بن سفينة، قال البخاري: إسناده مجهول، وقال ابن حبان في إبراهيم بن عمر: "يخالف الثقات ولا يحل الاحتجاج بخبره بحال" وذكر له هذا الحديث وغيره، وضعفه الدارقطني. (¬2) والحبارى: بضم الحاء المهملة وبالباء الموحدة ثم ألف ثم راء مهملة آخره ألف. قال الجوهري (¬3): الحبارى طائر يقع على الذكر والأنثى، واحدها وجمعها سواء، وإن شئت قلت في الأصل حُبارَيات، قال: وألفه ليست للتأنيث ولا للإلحاق، وإنما بني الاسم لها فصارت كأنها من نفس الكلمة، لا تنصرف في معرفة ولا نكرة أي لا تنوّن، انتهى. وقال بعضهم: هو طائر له ألوان مختلفة، ولذلك سمي بهذا الاسم. 3190 - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكل الجلّالة وألبانها. قلت: رواه أبو داود والترمذي جميعًا في الأطعمة، وابن ماجه في الذبائح ثلاثتهم من حديث ابن عمر، وقال الترمذي: حسن غريب، وروي مرسلًا، ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3797)، والترمذي (1828) وإسناده ضعيف فيه "بريه بن عمر بن سفينة" وهو لقبه واسمه إبراهيم. وقال عنه الذهبي في الكاشف (556): "لين" والحافظ في التقريب (222): مستور. وفي النسخة المطبوعة من سنن الترمذي (3/ 413): "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه". وانظر: الإرواء (2500). (¬2) انظر: المجروحين لابن حبان (1/ 111)، وميزان الاعتدال (1/ 306)، وقول البخاري في تاريخه (2/ 149). (¬3) الصحاح (2/ 621).

وفي سنده محمد بن إسحاق. (¬1) والجلالة: بفتح الجيم وتشديد اللام، هي التي أكثر أكلها العَذِرة، والجلة: بفتح الجيم. البعر. - ويروى: أنه نهى عن ركوب الجلّالة. قلت: رواه أبو داود من حديث ابن عمر يرفعه. (¬2) 3191 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن أكل لحم الضّب. قلت: رواه أبو داود في الأطعمة من حديث عبد الرحمن بن شبل يرفعه، وفي سنده إسماعيل بن عياش وضمضم بن زرعة وفيهما مقال. وقال البيهقي: هذا الحديث لم يثبت إسناده إنما تفرد به إسماعيل بن عياش فليس بحجة، وقال الخطابي: هذا الحديث ليس إسناده بذاك. (¬3) 3192 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن أكل الهرِّ، وأكْل ثمنها. قلت: رواه أبو داود في الأطعمة، والترمذي في البيوع، وابن ماجه في الصيد، وفي إسناده عمر بن زيد الصنعاني ولا يحتج به. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3785)، والترمذي (1824)، وابن ماجه (3189) وإسناده حسن والمرسل أخرجه: عبد الرزاق في مصنفه (8713) (8714) (8718)، وابن أبي شيبة (8/ 336، 334)، انظر: الإرواء (2503). (¬2) أخرجه أبو داود (3787). (¬3) أخرجه أبو داود (3796). وحسن إسناده الحافظ في الفتح (9/ 664) وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة (2390) وإسماعيل بن عياش: قال الحافظ: صدوق في روايته عن أهل بلده مخلِّط في غيرهم. التقريب (477). وضَمضَم بن زرعة: صدوق يهم التقريب (3009). وانظر قول الخطابي في: معالم السنن (4/ 228)، والبيهقي في السنن الكبرى (9/ 326). ومختصر المنذري (5/ 311). (¬4) أخرجه أبو داود (3807)، والترمذي (1280)، وابن ماجه (3250). وإسناده ضعيف فيه عمر بن زيد الصنعاني وأخرجه المزي في ترجمة عمر بن زيد الصنعاني في تهذيب الكمال (21/ 351)، وقال الحافظ: ضعيف، التقريب (4932).

3193 - قال: حرّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يعني: يوم خيبر- الحُمُر الإنسيّة، ولحوم البغال، وكل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير (غريب). قلت: رواه الترمذي في الصيد من حديث جابر بن عبد الله. (¬1) 3194 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير. قلت: رواه أبو داود في الأطعمة، والنسائي في الصيد، وابن ماجه في الذبائح ثلاثتهم من حديث خالد بن الوليد يرفعه، قال أبو داود: وهذا منسوخ، قد أكل لحوم الخيل جماعة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: ابن الزبير، وفضالة بن عبيد، وأنس، وأسماء بنت أبي بكر، وسويد بن غَفَلة، وكانت قريش في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تذبحها، انتهى كلام أبي داود. (¬2) قال المنذري (¬3): والحديث ضعيف. 3195 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا لا تحل أموال المعاهدين إلا بحقها". قلت: رواه أبو داود في الأطعمة من حديث خالد بن الوليد وهو بعض حديث طويل، فيه مقال. (¬4) 3196 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أحلت لنا ميتتان ودمان، الميتتان: الحوت والجراد، والدَّمان: الكبد والطحال". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1478) وإسناده فيه عكرمة بن عمار وهو صدوق يغلط، وفي روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراب، ولم يكن له كتاب، فاله الحافظ في التقريب (4706). (¬2) أخرجه أبو داود (3790)، والنسائي (7/ 202)، وابن ماجه (3198). وإسناده ضعيف فيه بقية بن الوليد ترجم له الحافظ في التقريب (741) وقال: صدوق كثير التدليس عن الضعفاء. وصالح بن يحيى بن المقدام بن معدي كرب: لين الحديث قاله الحافظ في التقريب (2910)، وأبوه مجهول. قال الحافظ: مستور. التقريب (7703). (¬3) انظر: مختصر سنن أبي داود (5/ 309). (¬4) أخرجه أبو داود (3806) وإسناده ضعيف على نكارة في بعض ألفاظه، وفيه كذلك صالح بن يحيى وأبوه. انظر الحديث السابق.

قلت: رواه ابن ماجه في الأطعمة من حديث زيد بن أسلم عن ابن عمر يرفعه. (¬1) 3197 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما ألقاه البحر، أو جَزَر عنه الماء، فكلوه، وما مات فيه وطفا، فلا تأكلوه". والأكثرون: على أنه موقوف على جابر. قلت: رواه أبو داود في الأطعمة، وابن ماجه في الصيد كلاهما من حديث جابر، وقال أبو داود: روى هذا الحديث سفيان الثوري وأبو أيوب وحماد عن أبي الزبير أوقفوه على جابر، وقد أسند هذا الحديث أيضًا من وجه ضعيف. (¬2) قال النووي (¬3): وقد اتفق الأئمة على ضعف هذا الحديث وأنه لا يجوز الاحتجاج به لو لم يعارضه شيء، فكيف وهو معارض بحديث العنبر المتقدم الثابت في الصحيحين من حديث جابر أيضًا. قوله: "ما ألقاه البحر أو جزر عنه الماء"، أي ما قذفه البحر إلى الساحل أو نقص عنه الماء، وانكشف فمات بفقدان الماء، من الجزر الذي هو نقيض المد، وسميت الجزيرة جزيرة لأن الماء انحسر عنها بعد أن كان يجري عليها. ¬

_ (¬1) أخرجه ابن ماجه (3314). وإسناده حسن، وقال البيهقي (1/ 254) وهذا إسناد صحيح. وتعقبه ابن التركماني في الجوهر النقي بما لا طائل تحته. وقال ابن القيم في الزاد (3/ 392) هذا حديث حسن، وهذا الموقوف في حكم المرفوع. (¬2) أخرجه أبو داود (3815)، وابن ماجه (3247)، والبيهقي في السنن (9/ 256). وإسناده ضعيف، فيه علتان:= = الأولى: تدليس أبي الزبير وقد عنعنه. والثانية: أن إسماعيل بن أمية قد خولف فيه فرواه سفيان وأيوب وحماد عن أبي الزبير موقوفًا على جابر وهو الأصح. وفيه يحيى بن سليم الطائفي وهو صدوق سيء الحفظ، التقريب (7613)، وقد قال البيهقي: يحيى بن سليم الطائفي كثير الوهم، سيء الحفظ. (¬3) انظر: المجموع شرح المهذب للنووي (9/ 33 - 35)، وأطال في بيان علل هذا الحديث، وذكر أقوال العلماء في تعليله وتضعيفه.

قوله: "وطفا، فلا تأكلوه" أي علا الماء وظهر فوقه. واختلف العلماء في إباحة السمك الطافي، فأباحه جماعات من الصحابة والتابعين وبه قال مالك والشافعي، وحرّمه جماعة وبه قال أبو حنيفة. 3198 - سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الجراد؟ فقال: "أكثر جنود الله: لا آكله ولا أحرمه" (ضعيف). قلت: رواه أبو داود في الأطعمة، وابن ماجه في الصيد من حديث سلمان الفارسي، قال أبو داود: وروي مرسلًا. (¬1) 3199 - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن سب الديك، وقال: "إنه يؤذّن للصلاة". قلت: رواه ابن حبان في صحيحه من حديث زيد بن خالد يرفعه. (¬2) - ويروى: "لا تسبوا الديك، فإنه يوقظ للصلاة". قلت: رواه أبو داود في الأدب، والنسائي في اليوم والليلة كلاهما من حديث زيد بن خالد. (¬3) 3200 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا ظهرت الحيّة في المسكن، فقولوا لها: إنا نسألك بعهد نوح، وبعهد سليمان بن داود، أن لا تؤذينا، فإن عادت فاقتلوها". قلت: رواه أبو داود في الأدب، والترمذي في الصيد، والنسائي في "اليوم والليلة" ثلاثتهم من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه يرفعه، وقال الترمذي: حسن ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3813)، وابن ماجه (3219) وإسناده ضعيف، لضعف أبي العوام واسمه فائد بن كيسان الجزار وترجم له الحافظ في التقريب (5409) وقال: مقبول. والمرسل أصح، فقد رواه البيهقي (9/ 257) من طريق سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي مرسلًا، ورواه حماد بن سلمة عن أبي العوام عن أبي عثمان مرسلًا أيضًا قاله أبو داود عقيب الحديث رقم (3814)، انظر: الضعيفة (1533). (¬2) أخرجه ابن حبان (5731)، وأحمد (5/ 192 - 193) وإسناده صحيح. (¬3) أخرجه أبو داود (5101)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (945). وانظر: علل ابن أبي حاتم (2/ 345).

غريب انتهى. (¬1) وابن أبي ليلي هذا هو: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى (¬2) الفقيه الكوفي قاضيها. 3201 - قال: لا أعلمه إلا رفع الحديث: أنه كان يأمر بقتل الحيّات، وقال: "من تركهن خشبة ثائرٍ، فليس منَّا". قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث أيوب عن عكرمة عن ابن عباس. (¬3) 3202 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اقتلوا الحيّات كلّهن، فمن خاف ثَأرهن فليس مني". قلت: رواه أبو داود في الأدب والنسائي في الجهاد كلاهما من حديث ابن مسعود يرفعه. (¬4) والثأر: بالثاء المثلثة والهمزة، يقال: ثأرت للقتيل أي قتلت قاتله. 3203 - قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنا نريد أن نكنس زمزم، فإن فيها من هذه الجنان -بعني: الحيات الصغار؟ - فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتلهن. قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث عبد الرحمن بن سابط عن العباس بن عبد المطلب أنه قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. وساقه بلفظه. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (5260)، والترمذي (1485)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (968) وإسناده ضعيف. انظر: الضعيفة (1508). (¬2) قال الحافظ: صدوق سيء الحفظ جدًّا، انظر: التقريب (6121). (¬3) أخرجه أبو داود (5250) وإسناده صحيح. وأخرجه كذلك أحمد في المسند (1/ 348). يوجد حديث بعد هذا الحديث في المصابيح المطبوع (3172)، وهو: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما سالمناهم منذ حاربناهم، ومن ترك منهم شيئًا خيفة، فليس منا". أخرجه أبو داود (5248). (¬4) أخرجه أبو داود (5249)، والنسائي (6/ 51) وإسناده ضعيف، ولكنه يتقوى بالحديث السابق. وله شاهد عند الطبراني في الكبير (2/ 352 رقم 2294) من رواية إبراهيم بن جرير عن أبيه جرير. (¬5) أخرجه أبو داود (5251). =

قال الحافظ عبد العظيم (¬1): وفي سماع عبد الرحمن بن سابط من العباس، نظر، والأظهر أنه مرسل. 3204 - أنه قال: "اقتلوا الحيات كلها، إلا الجان الأبيض الذي كأنه قضيب فضة". قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث إبراهيم وهو ابن يزيد النخعي عن ابن مسعود، وهو منقطع، فإن إبراهيم لم يسمع من ابن مسعود. (¬2) قال ابن عبد البر: روي عن ابن مسعود في هذا الباب قول غريب حسن وساق هذا القول بإسناد أبي داود. (¬3) 3205 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا وقع الذباب في إناء أحدكم، فإن في أحد جناحيه داء، وفي الآخر شِفاءً، وأنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء فليغمِسْه كله". قلت: رواه أبو داود من حديث أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة. (¬4) وأخرجه البخاري وابن ماجه بنحوه من حديث عبيد بن حسين عن أبي هريرة ويرويه أبو سعيد الخدري. (¬5) 3206 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا وقع الذباب في الطعام، فامقلوه، فإن في أحد جناحيه سُمًّا، وفي الآخر شِفاءً، وإنّه يقدّم السم، ويؤخر الشفاء". ¬

_ = وهو كما قال المنذري: مرسل، فإن بين العباس وعبد الرحمن بن سابط نحو ستة وثمانين سنة. وقد قاله كذلك المزي في تهذيب الكمال (17/ 124)، وانظر أيضًا تحفة التحصيل (ص 288). (¬1) انظر: مختصر المنذري (8/ 105). (¬2) أخرجه أبو داود (5261) وإسناده منقطع كما قال وقد جزم ابن المديني كما في تحفة التحصيل (ص 14) أنه لم يلق أحدًا من الصحابة. (¬3) هذا كلام المنذري في مختصر سنن أبي داود (8/ 110). وانظر كلام ابن عبد البر في التمهيد (16/ 30). (¬4) أخرجه أبو داود (3844). (¬5) أخرجه البخاري (3320)، وابن ماجه (3505) ورواية أبي سعيد الخدري الحديث التالي.

قلت: رواه النسائي في الذبائح مختصرًا، وابن ماجه في الطب مطولًا، وأبو عبيد القاسم بن سلام ثلاثتهم من حديث أبي سعيد الخدري، ورجاله موثقون ليس فيهم إلا سعيد بن خالد ضعفه النسائي، ووثقه غيره. (¬1) 3207 - قال نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قتل أربعٍ من الدواب: النملة، والنحلة، والهدهد، والصرد. قلت: رواه أبو داود في الأدب بسند صحيح، وابن ماجه في الصيد كلاهما من حديث ابن عباس يرفعه. (¬2) وقد قيل: إن ما جاء في قتل النمل في نوع خاص، وهو الكبار ذوات الأرجل الطوال لأنها قليلة الأذى، وأما النحلة: فلما فيها من المنفعة، والهدهد والصرد لتحريم لحمهما، لأن الحيوان: إذا نهي عن قتله ولم يكن ذلك لاحترامه أو لضرر فيه، كان لتحريم لحمه ويقال: إن الهدهد منتن اللحم، والصرد يتشاءم العرب به، وتتطير بصوته وشكله: وهو بضم الصاد المهملة وفتح الراء وبعدها دال مهملة، طائر ضخم الرأس والمنقار، له ريش عظيم نصفه أبيض ونصفه أسود. ¬

_ (¬1) أخرجه ابن ماجه (3504)، والنسائي (7/ 178)، وأبو عبيد في "غريب الحديث" (2/ 215)، وذكر سنده في الهامش. كأن المناوي استفاد من النسخة التي فيها الإسناد وهي "لا" عند المحقق. وانظر: الفائق للزمخشري (3/ 41)، وشرح السنة (11/ 261). وإسناده صحيح فيه سعيد بن خالد وهو القارظي وقد نقل المزي في التهذيب (10/ 405) أن النسائي ضعفه وتعقبه مغلطاي في إكمال تهذيب الكمال (411) فقال: لم أره في شيء من تصانيف النسائي، وقال الحافظ: صدوق، التقريب (2304). انظر منهج الإمام أبي عبد الرحمن النسائي في الجرح والتعديل (رقم 517). (¬2) أخرجه أبو داود (5267)، وابن ماجه (3224).

باب العقيقة

باب العقيقة من الصحاح 3208 - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مع الغلام عقيقة، فأهريقوا عنه دمًا، وأميطوا عنه الأذى". قلت: رواه البخاري والنسائي جميعًا في العقيقة، وأبو داود في الذبائح، والترمذي في الأضاحي وابن ماجه في الذبائح من حديث سلمان بن عامر الضبّي. (¬1) و"أهريقوا": يقال: أهراق وأراق لغتان بإبدال الهاء عن الهمزة وزيادتها. قوله: "وأميطوا عنه الأذى" يريد الشعر والنجاسة وما يخرج على رأس الصبي حين يولد يحلق عنه يوم سابعه، وقد ذهب الشافعي وجماعة إلى أن العقيقة سنة في المولود، وقال أبو حنيفة: هي بدعة لقوله - صلى الله عليه وسلم - وقد سئل عن العقيقة "إن الله لا يحب العقوق" (¬2) وسيأتي الحديث في الحسان. 3209 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان "يؤتى بالصبيان فيبرّك عليهم ويحنّكهم". قلت: رواه مسلم في الأسماء قبيل الاستئذان من حديث عائشة، ورواه البخاري أيضًا لكن لم يقل "ويحنكهم". (¬3) و"يبرك عليهم": أي فيدعو لهم بالبركة. 3210 - أنها: حملت بعبد الله بن الزبير بمكة، قالت: فولدت بقباء، ثم أتيت به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فوضعته في حجره، ثم دعا بتمرة، فمضغها، ثم تفل في فيه، ثم حنّكه، ثم دعا له، وبرّك عليه، فكان أول مولود ولد في الإسلام. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5471) (5472)، والنسائي (7/ 164)، وأبو داود (2839)، والترمذي (1515)، وابن ماجه (3164). (¬2) انظر: شرح السنة للبغوي (11/ 267 - 268). (¬3) أخرجه البخاري (5468)، ومسلم (2147).

من الحسان

قلت: رواه البخاري في العقيقة، ومسلم في الأسماء من حديث أسماء بنت أبي بكر. (¬1) و"قباء" قال الجوهري (¬2): ممدود موضع بالحجاز يذكر ويؤنث. من الحسان 3211 - قالت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أقِرّوا الطير على مكناتها". قالت: وسمعته يقول: "عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة، ولا يضركم ذكرانا كنَّ أو إناثًا". قلت: رواه أبو داود في العقيقة، والنسائي فيه، ورواه الترمذي في الأضاحي، وابن ماجه في الذبائح مختصرًا بذكر العقيقة خاصة، كلهم من حديث أم كرز الكعبية ترفعه. (¬3) وهي بضم الكاف وسكون الراء المهملة وبعدها زاي. وكعب: بطن من خزاعة. "ومكناتها": بضم الكاف وفتحها مع فتح الميم، جمع مكنة بكسر الكاف، وقد تفتح، قال الزمخشري (¬4): وقد روي مُكنات بضم الميم والكاف قال: وهو جمع مكن بضم الميم والكاف ومكن جمع مكان كحمر وحمرات. قال الهروي (¬5): والمكنات في الأصل بيض الضباب. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5469)، ومسلم (2146). (¬2) انظر: المغانم المطابة في معالم طابة للفيروز آبادي ص (323 - 324). (¬3) أخرجه أبو داود (2835)، والنسائي (7/ 165)، والترمذي (1516)، وابن ماجه (3162). انظر: هداية الرواة (4/ 137). (¬4) انظر: الفائق للزمخشري (3/ 381). (¬5) انظر: غريب الحديث (2/ 136).

قال أبو عبيد (¬1): جاز أن نستعير مكن الضباب فتجعل للطير، وقيل لا يعرف للطير مكنات، وإنما هو "وكنات" بفتح الكاف وضمها وسكونها، جمع "وكْنة" بسكون الكاف، وهو عش الطائر. واختلفوا في معنى ذلك، فقال الشافعي: كانت العرب تولع بالعيافة وزجر الطير، فكان الرجل منهم إذا خرج من بيته لبعض حوائجه نظر هل يرى طيرًا يطير فيزجر لسنوحه أو بروحه، فإذا لم يرى ذلك، نظر إلى الطير الواقع على الشجر فيحركه ليطير، فإن أخذ ذات اليمين مضى لحاجته، وإن أخذ ذات الشمال رجع، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أقروا الطير في مواضعها فإنها لا تضر ولا تنفع". (¬2) 3212 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الغلام مرتهن بعقيقته، تذبح عنه يوم السابع، ويسمى، ويحلق رأسه". قلت: رواه أبو داود، والنسائي جميعًا في العقيقة، والترمذي في الأضاحي، وابن ماجه في الذبائح من حديث الحسن البصري عن سمرة يرفعه. (¬3) ويقال أن حديث الحسن عنه كله كتابة إلا حديث العقيقة. قال الإمام أحمد (¬4): معنى "مرتهن" أنه إذا لم يعق عنه فمات طفلًا لم يشفع في والديه، ورجح هذا بعضهم، وقيل: معناه أن العقيقة لازمة له لا بد له منها فشبهها في لزومها وعدم انفكاكها عنه بالرهن في يد المرتهن. 3213 - ورَوى بعضهم: "ويُدَمّى" مكان: "ويُسَمّى". ¬

_ (¬1) انظر: الغريبين لأبي عبيد الهروي (5/ 297)، وتهذيب اللغة للأزهري (10/ 292 - 295)، والنهاية لابن الأثير (4/ 350)، ومختصر المنذري (4/ 124 - 125). (¬2) انظر: معالم السنن (4/ 264)، وشرح السنة للبغوي (11/ 266)، ومختصر المنذري (4/ 125). (¬3) أخرجه أبو داود (2837)، والترمذي (1522)، والنسائي (7/ 166)، وابن ماجه (3165). وإسناده صحيح، فإن الحسن سمعه من سمرة، انظر: الإرواء (1165). (¬4) انظر: شرح السنة (11/ 268).

قلت: رواه أبو داود. وقال: "يسمى": أصح". (¬1) وكان قتادة إذا سئل عن "التدمية" قال: يؤخذ من العقيقة صوفة ويستقبل بها أوداجها ثم توضع على يافوخ الصغير حتى يسيل على رأسه مثل الخيط ثم يغسل رأسه بعد ويحلق. وروى الحسن أنه يطلى بدم العقيقة رأسه. قال المنذري (¬2): وكره مالك والشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم التدمية، وقالوا: هو من فعل الجاهلية، وتكلموا في هذه الرواية وقالوا: هي غلط، وإنما هو "يسمى". 3214 - قال: "عق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الحسن بشاة، وقال: "يا فاطمة احلقي رأسه، وتصدقي بزنة شَعْره فِضّة". فوزناه، فكان وزنه درهمًا أو بعض درهمٍ (غريب غير متصل). قلت: رواه الترمذي في الأضاحي من حديث: محمد بن علي بن الحسين عن علي بن أبي طالب وقال: إسناده ليس بمتصل (¬3)، وأبو جعفر محمد بن علي بن الحسين لم يدرك علي بن أبي طالب. 3215 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عق عن الحسن والحسين كبشًا كبشًا. قلت: رواه أبو داود والنسائي في العقيقة من حديث ابن عباس. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2837). (¬2) مختصر السنن (4/ 126 - 127) لكنه كلام الخطابي وليس المنذري وانظره كذلك في معالم السنن (4/ 265). (¬3) أخرجه الترمذي (1519) وإسناده ليس بمتصل ولكن قد وصله الحاكم (4/ 237) وسكت عنه هو والذهبي، وله شاهد من حديث أبي رافع أخرجه أحمد (6/ 390) بإسناد حسن كما قال الهيثمي في المجمع (4/ 57). (¬4) أخرجه أبو داود (284)، والنسائي (7/ 166) وإسناده صحيح. انظر: الإرواء (1164).

3216 - قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العقيقة؟ فقال: "لا يحب الله العقوق". كأنه كره الاسم، وقال: "من ولد له، ولد فأحب أن ينسك عنه، فلينسك عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة". قلت: رواه أبو داود والنسائي جميعًا في العقيقة من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (¬1) ورواه مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم عن رجل من بني ضمرة عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2) وقد قدّمنا أن الإمام أبا حنيفة تمسك بهذا، وقال: هي بدعة، وقد أجاب عن هذا من قال باستحبابها بأن معنى ذلك: أنه كره الاسم للقبح، وأحب تغييره إلى الحسن بأن يسميها النسيكة أو الذبيحة. 3217 - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَذَّنَ في أُذُنِ الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة. قلت: رواه الترمذي في الأضاحي من حديث أبي رافع، وقال: حديث حسن صحيح. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2842)، والنسائي (7/ 162) وإسناده حسن، انظر: الصحيحة (1655). (¬2) أخرجه مالك في الموطأ (2/ 500). (¬3) أخرجه الترمذي (1514)، وأبو داود (5105) وإسناده ضعيف فيه عاصم بن عبيد الله وهو ابن عاصم بن عمر بن الخطاب. وقال عنه الحافظ في التقريب (3082): ضعيف. وكان قد حسنه الألباني في الإرواء رقم (1173) ثم رجع عن تحسينه وضعفه كما قال في هداية الرواة (4/ 138)، وذكره أيضًا في الضعيفة (6121).

كتاب الأطعمة

كتاب الأطعمة من الصحاح 3218 - كنت غلامًا في حجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سمّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك". قلت: رواه الشيخان في الأطعمة، والنسائي في الوليمة كلهم من حديث عمر بن أبي سلمة. (¬1) و"تطيش": أي تخف وتتناول من كل جانب، قال الجوهري (¬2): الصحفة: كالقصعة، وهي ما تشبع خمسة، والقصعة: تُشبع عشرة. 3219 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه". قلت: رواه مسلم وأبو داود جميعًا في الأطعمة، والنسائي في الوليمة، وفي اليوم والليلة ثلاثتهم مطولًا من حديث حذيفة، ولم يخرجه البخاري. (¬3) ومعنى يستحل الطعام: أي يتمكن من أكله إذا شرع فيه إنسان بغير ذكر الله والجمهور على أن هذا الأكل حقيقة. 3220 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دخل الرجل بيته، فذكر الله عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان: لا مَبيت لكم ولا عَشاء، فإذا دخل، فلم يذكر الله عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله عند طعامه، قال: أدركتم المبيت والعَشاء". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5376)، ومسلم (2022)، والنسائي في الكبرى (6759). (¬2) انظر: الصحاح للجوهري (4/ 1384). (¬3) أخرجه مسلم (2017)، وأبو داود (3766)، والنسائي في الكبرى (10103) وفي اليوم والليلة (273).

قلت: رواه مسلم وأبو داود جميعًا في الأطعمة، والنسائي في الوليمة، وابن ماجه في الدعاء أربعتهم من حديث جابر يرفعه. (¬1) وهذا القول من الشيطان لإخوانه وأعوانه ورفقته. 3221 - قال: "إذا أكل أحدكم، فليأكل بيمينه، وإذا شرب، فليشرب بيمينه". قلت: رواه مسلم وأبو داود والترمذي ثلاثتهم في الأطعمة، والنسائي في الوليمة (¬2) كلهم من حديث أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن جده يرفعه، قال الدارقطني: لم يسمع أبو بكر من جده، إنما سمع من عمه سالم بن عبد الله عنه. 3222 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يأكلن أحد منكم بشماله، ولا يشربن بها، فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بها". قلت: رواه مسلم فيه من حديث ابن عمر. (¬3) 3223 - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل بثلاثة أصابع، ويلعق يده قبل أن يمسحها. قلت: رواه مسلم وأبو داود فيه، والترمذي في الشمائل، والنسائي في الوليمة كلهم من حديث كعب بن مالك، ولم يخرجه البخاري. (¬4) 3224 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بلعق الأصابع والصَّحفة، وقال: "إنكم لا تدرون في أيّة البركة". قلت: رواه مسلم فيه من حديث جابر، ولم يخرجه البخاري. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2017)، وأبو داود (3765)، والنسائي في الكبرى (6757)، وابن ماجه (3887). (¬2) أخرجه مسلم (2118)، وأبو داود (3776)، والترمذي (1799)، والنسائي في الكبرى (6889). وأخرجه البيهقي (7/ 277)، والبغوي (2836)، وقول الدارقطني في كتابه العلل (2/ 46 - 47)، وانظر كذلك علل ابن أبي حاتم (2/ 21)، وتهذيب الكمال (33/ 120) وقد ذكر هذا الحديث. (¬3) أخرجه مسلم (2020). (¬4) أخرجه مسلم (2020)، وأبو داود (3848)، والترمذي في الشمائل (137)، والنسائي في الكبرى (6752). (¬5) أخرجه مسلم (2033).

وإنما أتت في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "في أية البركة" باعتبار اللقمة. 3225 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أكل أحدكم فلا يمسح يده، حتى يلعقها أو يلعقها". قلت: رواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه جميعًا في الأطعمة، والنسائي في الوليمة كلهم من حديث ابن عباس يرفعه. (¬1) 3226 - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه، حتى يحضره عند طعامه، فإذا سقطت من أحدكم اللقمة، فليمط ما كان بها من أذى، ثم ليأكلها، ولا يدعها للشيطان، فإذا فرغ فليلعق أصابعه، فإنه لا يدري في أي طعامه تكون البركة". قلت: رواه مسلم والنسائي جميعًا في الأطعمة من حديث جابر، ولم يخرجه البخاري. (¬2) ويمط: بضم الياء أي يزل وينحي. 3227 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا آكل متكئًا". قلت: رواه الجماعة إلا مسلمًا كلهم في الأطعمة إلا النسائي فإنه ذكره في الوليمة من حديث أبي جحيفة واسمه: وهب بن عبد الله. (¬3) قال الخطابي (¬4): يحسب أكثر العامة أن المتكيء هو المائل المعتمد على أحد شقيه، وليس كذلك، بل المتكيء ههنا هو المعتمد على الوطاء الذي تحته، والمعنى أنني إذا أكلت لم أقعد متكئًا، فعل من يريد أن يستكثر من الأطعمة، ولكن آكل قليلًا من الطعام فيكون قعودى مستوفِزًا. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5456)، ومسلم (2031)، وأبو داود (3847)، النسائي في الكبرى (6776)، وابن ماجه (3269). (¬2) أخرجه مسلم (2023). ولم أجده عند النسائي كما في تحفة الأشراف (2/ 303 (2745) وأخرجه ابن ماجه (3270). (¬3) أخرجه البخاري (5398) (5399)، وأبو داود (3769)، والترمذي (1830)، وابن ماجه (3262)، والنسائي في الكبرى (6742). (¬4) أعلام الحديث (3/ 2048)، والنهاية لابن الأثير (1/ 193).

3228 - قال: ما أكل النبي - صلى الله عليه وسلم - على خِوان، ولا في سُكُرّجة، ولا خبز له مرقّق. قيل لقتادة: علام يأكلون؟ قال: على السُّفر. قلت: رواه البخاري، والترمذي، وابن ماجه جميعًا في الأطعمة، والنسائي في الرقائق وفي الوليمة من حديث قتادة عن أنس بن مالك. (¬1) والسفر: جمع السفرة، والسفرة: الطعام الذي يتخذه المسافر، وأكثر ما يحمل في جلد مستدير، فنقل اسم الطعام إلى الجلد وسمي به. والخوان: هو الذي يؤكل عليه وهو معرب، والأكل عليه من عادة المترفين وصنيع الجبارين. والسُّكرجة (¬2): بضم الأحرف الأول الثلاثة مع تشديد الراء هكذا ضبطه الحفاظ وقال ابن مكي: صوابه بفتح الراء وهي قصاع صغار يؤكل فيها وليست بعربية، وفيها كبيرة وصغيرة، فالكبيرة: تحمل قدر ست أواقي، والصغيرة: قدر ثلاث أواقي، ومعنى ذلك أن العجم كانت تستعملها في الكواميخ وما أشبهها من الجوارشات على الموائد حول الأطعمة، للتشهي والهضم، فأخبر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يأكل على هذه الصفة قط. والمرقّق من الخبز: هي الأرغفة الواسعة الرقيقة، ويقال لها الرقاق. 3229 - قال: ما أعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رغيفًا مرقّقًا حتى لحق بالله، ولا رأى شاة سَميطًا بعينه قط. قلت: رواه البخاري وابن ماجه جميعًا من حديث أنس. (¬3) و"سميطًا": قال ابن الأثير (¬4): أي مشوية فعيل بمعنى مفعول، وأصل السمط: أن ينزع صوف الشاة المذبوحة بالماء الحار، وإنما يفعل بها ذلك في الغالب لتشْوَى. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5386)، والترمذي (1788)، وابن ماجه (3292)، والنسائي في الكبرى (6625). (¬2) انظر: مشارق الأنوار (5/ 212)، والنهاية لابن الأثير (2/ 384). (¬3) أخرجه البخاري (5385) (5421)، وابن ماجه (3292). (¬4) انظر: النهاية لابن الأثير (2/ 400 - 401).

3230 - قال: ما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النّقيّ من حين ابتعثه الله، حتى قبضه الله، وقال: ما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منخّلًا من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله. قيل: كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنا نطحنه، وننفخه فيطير ما طار، وما بقي، ثَرّيناه فأكلناه. قلت: رواه البخاري في الأطعمة، والنسائي في الرقائق من حديث سهل ابن سعد. (¬1) قوله: "وما بقي ثريناه" أي بللناه بالماء، وأصله من الثرى، وهو التراب الندي. 3231 - قال: ما عاب النبي - صلى الله عليه وسلم - طعامًا قط، إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه. قلت: رواه الجماعة من حديث أبي هريرة في الأطعمة إلا الترمذي فإنه رواه في البر، وإلا النسائي فإنه لم يخرجه. (¬2) 3232 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن المؤمن يأكل في معيً واحدٍ، والكافر يأكل في سبعة أمعاءٍ". قلت: رواه الشيخان في الأطعمة من حديث أبي هريرة، ورواه مسلم أيضًا من حديث أبي موسى ومن حديث جابر، ولم يخرجه البخاري من حديثهما. (¬3) والمِعى: بكسر الميم مقصور، جمعها أمعاء بالمد، قال الواحدي: مثل ضلع وأضلاع، قال: وهو جميع ما في البطن من الحوايا، وقال غيره: الأمعاء المصارين، وهو قريب منه. قال الجوهري (¬4): والمعى واحدة الأمعاء وذكر هذا الحديث، وقال: هو مثل لأن المؤمن لا يأكل إلا من الحلال ويتوقى الحرام والشبه، والكافر لا يبالي ما أكل ومن أين أكل وكيف أكل. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5413)، والنسائي في الكبرى (تحفة الأشراف 4785). (¬2) أخرجه البخاري (5409)، ومسلم (2064)، وأبو داود (3763)، والترمذي (2031)، وابن ماجه (3259). (¬3) أخرجه البخاري (5393) (5394) (5397)، عن أبي هريرة، ومسلم (2060) (2061). (¬4) انظر لسان العرب (15/ 287).

وقال أهل الطب: لكل إنسان سبعة أمعاء: العدة، ثم ثلاثة متصلة بها رقاق، ثم ثلاثة غلاظ، فالكافر لشرهه وعدم تسميته لا يكفيه إلا ملؤها كلها، والمؤمن يشبعه ملء أحدها. وقيل المراد بالمؤمن: تام الإيمان المنقطع عن الشهوات، قال النووي (¬1): والمختار أن معناه بعض المؤمنين يأكل في معىً واحدة، وأن أكثر الكفار يأكل في سبعة أمعاء، ولا يلزم أن كل واحد من السبعة مثل معى المؤمن. 3233 - وفي رواية: "المؤمن يشرب في معيً واحدٍ، والكافر يشرب في سبعة أمعاءٍ". قلت: رواها مسلم في الأطعمة من حديث أبي هريرة، ولم يخرجها البخاري. (¬2) 3234 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "طعام الاثنين كافي الثلاثة، وطعام الثلاثة كافي الأربعة". قلت: رواه مالك في الطعام والشراب، والشيخان، والترمذي ثلاثتهم في الأطعمة من حديث أبي هريرة، يرفعه. (¬3) 3235 - وفي رواية: "طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية". قلت: رواها مسلم وابن ماجه جميعًا في الأطعمة من حديث جابر، ولم يخرجها البخاري. (¬4) قال إسحاق بن راهويه عن جرير في تفسير هذا الحديث قال (¬5): تأويله شبع الواحد قوت الاثنين، وشبع الاثنين قوت أربع، وقال عبد الله ابن عروة: تفسير هذا ¬

_ (¬1) المنهاج للنووي (14/ 35). (¬2) أخرجه مسلم (2063). (¬3) أخرجه مالك في الموطأ (2/ 928)، والبخاري (5392)، ومسلم (2058)، والترمذي (1820). (¬4) أخرجه مسلم (2059)، وابن ماجه (3254). (¬5) انظر: فتح الباري (9/ 535).

ما قاله عمر عام الرماد "لقد هممت أن أنزل على أهل كل بيت مثل عددهم، فإن الرجل لا يهلك على نصف بطنه". 3236 - قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "التَّلْبينة مُجِمَّة لفؤاد المريض، تذهب ببعض الحزن". قلت: رواه الشيخان، والترمذي، والنسائي أربعتهم في الطب من حديث عائشة. (¬1) و"التلبينة" قال الزمخشري (¬2): هو حساء يعمل من دقيق، ونخالة: قال في الغريبين (¬3): وربما جعل فيه عسل، وقيل هو: ماء الشعير، وقال الزمخشري: وقد جاء في الحديث "عليكم بالتلبينة والذي نفس محمد بيده إنه ليغسل بطن أحدكم كما يغسل أحدكم وجهه من الوسخ". قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مجمة" هو بفتح الميم والجيم، قال في النهاية (¬4): أي مظنة الاستراحة، وقال الجوهري (¬5): الجمام بالفتح: الراحة. 3237 - أن خياطًا دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - لطعام صنعه، فذهبت مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقرّب خبز شعير، ومرقًا فبه دباء وقديد، فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يتتبع الدباء من حوالي القصعة، فلم أزل أحب الدباء بعد يومئذ. قلت: رواه الجماعة إلا ابن ماجه من حديث أنس كلهم في الأطعمة، إلا النسائي فإنه رواه في الوليمة. (¬6) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5689)، ومسلم (2216)، والترمذي (2042)، والنسائي (7572). (¬2) انظر: الفائق (3/ 298)، والحديث أورده ابن حبان في المجروحين (1/ 183) في ترجمة أيمن بن نابل. (¬3) انظر: الغريبين (5/ 176). (¬4) انظر: النهاية لابن الأثير (1/ 301). (¬5) انظر: الصحاح للجوهري (5/ 1890). (¬6) أخرجه البخاري (5436)، ومسلم (2541)، وأبو داود (3782)، والترمذي (1850) والنسائي في الكبرى (6662).

والدباء: هو اليقطين، وهو بالمد على الشهور، وهذا الخياط الذي صنع الطعام له - صلى الله عليه وسلم - كان مولى له - صلى الله عليه وسلم -، كذا قاله في شرح السنة. (¬1) 3238 - أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يحتز من كتف شاة في يده، فدُعي إلى الصلاة، فألقاها والسكين التي يحتزّ بها، ثم قام، فصلى ولم يتوضأ. قلت: رواه الجماعة إلا أبا داود، البخاري في الطهارة وفي الصلاة وفي الأطعمة ومسلم وابن ماجه جميعًا في الطهارة، والترمذي في الأطعمة، والنسائي في الوليمة. (¬2) ويحتز: بحاء مهملة وزاي معجمة أي: يقطع. 3239 - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب الحلواء والعسل. قلت: رواه الجماعة، البخاري في الأطعمة وفي الأشربة وفي الطب وفي ترك الحيل، ومسلم في الأطعمة، وأبو داود في الأشربة، والترمذي وابن ماجه في الأطعمة، والنسائي في الوليمة وفي الطب من حديث عائشة. (¬3) 3240 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل أهله الأُدم، فقالوا: ما عندنا إلا خل، فدعا به فجعل يأكل به ويقول: "نعم الأدم الخل، نعم الأدم الخل". قلت: رواه مسلم والترمذي وابن ماجه جميعًا في الأطعمة من حديث أبي هريرة، ورواه مسلم أيضًا وأبو داود جميعًا في الأطعمة، والنسائي في الأيمان والنذور ثلاثتهم من حديث جابر بن عبد الله. (¬4) والإدام: واحد الأدم، ككتاب وكتب، وهو اسم لكل ما يؤتدم به. ¬

_ (¬1) انظر: شرح السنة (11/ 304)، وفتح الباري (9/ 525). (¬2) أخرجه البخاري (208)، ومسلم (355)، وابن ماجه (490)، والترمذي (1836)، والنسائي في الكبرى تحفة الأشراف (8/ 10700). (¬3) أخرجه البخاري (5431)، ومسلم (1474)، والترمذي (1831)، وابن ماجه (3323)، وأبو داود (3715)، والنسائي (7562). (¬4) أخرجه مسلم (2052)، والترمذي (1840)، وأبو داود (3821)، والنسائي (7/ 14)، وابن ماجه (3316).

قال الخطابي (¬1): معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم الأدم الخل" مدح الاقتصاد في المأكل، ومنع النفس عن ملاذ الأطعمة. 3241 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الكَمأَة من المنّ، وماؤها شفاءٌ للعين". قلت: رواه الجماعة إلا أبا داود، البخاري في التفسير وفي الطب، ومسلم في الأطعمة، والترمذي والنسائي وابن ماجه ثلاثتهم في الطب كلهم من حديث سعيد بن زيد يرفعه. (¬2) - وفي رواية: "من المن الذي أنزل الله تعالى على موسى". قلت: رواها مسلم. (¬3) والكمأة: بفتح الكاف وإسكان الميم وبعدها همزة مفتوحة وهي شيء أبيض مثل الشحم ينبت من الأرض، يقال لها شحم الأرض. قال أبو عبيدة (¬4) وغيره: شبهها - صلى الله عليه وسلم - بالمنّ الذي كان ينزل على بني إسرائيل، لأنه كان يحصل لهم بلا كلفة ولا علاج، والكمأة كذلك، وقيل هي من المنّ الذي أنزله الله على بني إسرائيل حقيقة. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وماؤها شفاء للعين"، قيل هو نفس الماء المجرد، -وهذا هو الصواب- وقيل معناه: أن يخلط ماؤها بدواء يعالج به العين، وقيل: إن كان لتبريد ما في العين من حرارة فمجردًا، وإن كان غير ذلك ركب مع غيره. 3242 - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل الرطب بالقِثّاء. ¬

_ (¬1) معالم السنن (4/ 235). (¬2) أخرجه مسلم (2049)، والترمذي (267)، وابن ماجه (3454)، والنسائي في الكبرى (6666). (¬3) أخرجها مسلم (2049). (¬4) انظر: الغريبين لأبي عبيد الهروي (5/ 314)، والمنهاج للنووي (14/ 6).

قلت: رواه الجماعة إلا النسائي كلهم في الأطعمة من حديث عبد الله بن جعفر ابن أبي طالب (¬1) والقثاء: بكسر القاف على المشهور، وفيه لغة بضمها، وقد جاء في غير مسلم زيادة: "يكسِر حَر هذا برد هذا". 3243 - قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمرّ الظهران، نجني الكَباث، فقال: "عليكم بالأسود منه، فإنه أيطب". فقيل: كنت ترعى الغنم؟ فقال: "نعم، وهل من نبي إلا رعاها؟ ". قلت: رواه الشيخان في الأطعمة، والنسائي في الوليمة ثلاثتهم من حديث جابر بن عبد الله. (¬2) و"مر الظهران": موضع معروف على دون مرحلتين من مكة، وهو بفتح الظاء المعجمة وإسكان الهاء، والكَباث: بفتح الكاف ويعدها باء موحدة مخففة ثم ألف ثم ثاء مثلثة وهو النضيج من ثمر الأراك. وفي الحديث فضيلة رعاية الغنم، قال أهل العلم: والحكمة في رعاية الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم لها، ليأخذوا أنفسهم بالتواضع وتصفى قلوبهم بالخلوة، ويترقوا من سياستها بالنصيحة إلى سياسة أممهم بالهداية والشفقة (¬3)، وأيطب: كذا ورد في الحديث وهو مقلوب لأطيب. 3244 - قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - مقعيًّا يأكل تمرًا. قلت: رواه مسلم وأبو داود كلاهما في الأطعمة، والترمذي في الشمائل، والنسائي في الوليمة من حديث أنس، ولم يخرجه البخاري. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5440)، ومسلم (2043)، وأبو داود (3835)، والترمذي (1944)، وابن ماجه (3325). (¬2) أخرجه البخاري (5453)، ومسلم (2050)، والنسائي في الكبرى (6734). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (14/ 9)، وليس فيه "أيطب ولا أطيب". (¬4) أخرجه مسلم (2044)، وأبو داود (3771)، والترمذي (142)، والنسائي في الكبرى (6744).

ومعنى: "مقعيًّا" أي جالسًا على إليتيه ناصبًا ساقيه، كذا قاله النووي. (¬1) - وفي رواية "يأكل منه أكلًا ذريعًا". قلت: رواها مسلم في الأطعمة من حديث أنس، ولم يخرجها البخاري. (¬2) ومعنى "ذريعًا": أي مستعجلًا، وكان استعجاله - صلى الله عليه وسلم - لشغل آخر. 3245 - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقرن الرجل بين التمرتين، حتى يستأذن أصحابه. قلت: رواه الجماعة كلهم هنا من حديث ابن عمر، إلا النسائي فإنه رواه في الوليمة. (¬3) قوله: "أن يقرن" هو بفتح الياء بكسر الراء، وقال أهل الظاهر بتحريم القران مطلقًا. وقال آخرون: هو نهي كراهية وأدب. قال النووي (¬4): والصواب التفصيل، فإن كان الطعام مشتركًا بينهم فالقران حرام إلا برضاهم، ويحصل الرضا بالتصريح أو بقرينة الحال، وإن شك في رضاهم فهو حرام، وإن كان لغيرهم أو لأحدهم اشترط رضى المالك، ويستحب أن يستاذن الآكلين معه، وإن كان الطعام له فحسن أن لا يفعل وليساويهم. وقال الخطابي (¬5): إنه كان هذا في زمنهم وحين كان الطعام ضيقًا، فأما اليوم مع اتساع الحال فلا حاجة إلى إذن. 3246 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يجوع أهل بيت عندهم التمر". قلت: رواه مسلم في الأطعمة من حديث عائشة. (¬6) ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (13/ 227). (¬2) أخرجها مسلم (2044). (¬3) أخرجه البخاري (5466)، ومسلم (2045)، وأبو داود (3834)، والترمذي (1814)، وابن ماجه (3331). (¬4) المنهاج (13/ 328). (¬5) معالم السنن (4/ 236)، والمنهاج للنووي (13/ 329). (¬6) أخرجه مسلم (2046).

3247 - قالت: قال - صلى الله عليه وسلم - "بيت لا تمر فيه، جياعٌ أهله"، قالها مرتين أو ثلاثًا. قلت: رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه أربعتهم من حديث عائشة في الأطعمة، ولم يخرج البخاري حديث عائشة في التمر. (¬1) 3248 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من تصبّح بسبع تمرات عجوة، لم يضره ذلك اليوم سُم ولا سحر". قلت: رواه الشيخان في الأطعمة، وأبو داود في الطب، وأعاده البخاري فيه، والنسائي في الوليمة كلهم من حديث سعد بن أبي وقاص يرفعه. (¬2) 3249 - قال: "إن في عجوة العالية شفاء، وإنها ترياق أول البُكرة". قلت: رواه مسلم في الأطعمة، والنسائي في الطب كلاهما من حديث عائشة ترفعه، ولم يخرجه البخاري. (¬3) والترياق: بكسر التاء دواء السموم، فارسي معرّب. قاله الجوهري. (¬4) 3250 - قالت: كان يأتي علينا الشهر، ما نوقد فيه نارًا، إنما هو التمر والماء، إلا أن نؤتى باللُّحَيم. قلت: رواه البخاري في الرقائق، ومسلم والترمذي وابن ماجه ثلاثتهم في الزهد من حديثا عائشة. (¬5) 3251 - قالت: ما شبع آل محمد يومين من خبز برٍّ، إلا وأحدهما تمر. قلت: رواه البخاري في الرقائق، ومسلم في الزهد، واللفظ له من حديث عائشة. (¬6) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2046)، وأبو داود (3831)، والترمذي (1815)، وابن ماجه (3327). (¬2) أخرجه البخاري (5445)، ومسلم (2047)، وأبو داود (3876)، والنسائي في الكبرى (6713). (¬3) أخرجه مسلم (2048)، والنسائي في الكبرى (7558). (¬4) انظر: الصحاح للجوهري (4/ 1453). (¬5) أخرجه البخاري (6548)، ومسلم (2972)، وابن ماجه (4144)، والترمذي (2471). (¬6) أخرجه البخاري (6455)، ومسلم (2971).

3252 - قالت: ما شبع آلُ محمد من خبز الشعير يومين متتابعين، حتى قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قلت: رواه البخاري في الرقائق، ومسلم والترمذي جميعًا في الزهد، وابن ماجه في الأطعمة من حديث عائشة. (¬1) 3253 - قالت: توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما شبعنا من الأسودين. قلت: رواه مسلم في الزهد من حديث عائشة. (¬2) والأسودان هما: الماء والتمر لأن الغالب على تمر المدينة السواد، فأطلق عليه، وعلى الماء من باب التغليب كالقمرين والعمرين. 3254 - خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - من الدنيا، ولم يشبع من خبز الشعير. قلت: رواه البخاري في الأطعمة من حديث أبي هريرة ولم يخرجه مسلم. (¬3) 3255 - "ألستم في طعام وشراب ما شئتم؟ لقد رأيت نبيكم - صلى الله عليه وسلم - وما يجد من الدَّقَل ما يملأ بطنه". قلت: رواه مسلم والترمذي جميعًا في الزهد من حديث النعمان بن بشير (¬4)، ولم يخرجه البخاري. والدقل: بفتح الدال المهملة المشددة وبالقاف المفتوحة وباللام هو رديء التمر ويابسه، وما ليس له اسم خاص. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6454)، ومسلم (2970)، والترمذي (2357)، وابن ماجه (3344). (¬2) أخرجه مسلم (2975). (¬3) أخرجه البخاري (5414). (¬4) أخرجه مسلم (2977)، والترمذي (2372).

3256 - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أُتي بطعام، كل منه، وبعث بفضله إليَّ، وإنه بعث إليَّ يومًا بشيء لم يأكل منه، لأن فيه ثومًا، فسألته: أحرامٌ هو؟ قال: "لا، ولكني أكره ريحه". قال: فإني أكره ما كرهت. قلت: رواه مسلم في الأطعمة، والنسائي في الوليمة من حديث أبي أيوب الأنصاري واسمه خالد بن زيد. (¬1) 3257 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أكل ثومًا أو بصلًا، فليعتزلنا -أو قال: فليعتزل مسجدنا، أو ليقعد في بيته-، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي بقدر فيها خضِرات من بقول، فوجد لها ريحًا، فقال: "قرّبوها"- إلى بعض أصحابه، وقال: "كل فإني أناجي من لا تناجي". قلت: رواه الشيخان في الصلاة وكرره البخاري في مواضع، وأبو داود في الأطعمة والنسائي في الوليمة كلهم من حديث جابر بن عبد الله. (¬2) قوله: "أتي بقدر فيه خضرات": هكذا هو في نسخ مسلم كلها "بقِدْر"، ووقع في صحيح البخاري وسنن أبي داود وغيرهما من الكتب المعتمدة "أتي ببدر" بباءين موحدتين، قال العلماء: هذا هو الصواب، وفسره الرواة من أهل اللغة: البدر بالطبق. وسمي بدرًا لاستدارته كاستدارة البدر. (¬3) "وخضرات": بكسر الضاد واحدها خضرة. 3258 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "كيلوا طعامكم، يبارك لكم". قلت: رواه البخاري في الأطعمة من حديث المقدام بن معدي كرب وابن ماجه في التجارات من حديث أبي أيوب الأنصاري. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2053)، والنسائي في الكبرى (6630). (¬2) أخرجه البخاري (855)، ومسلم (564)، وأبو داود (3822)، والنسائي في الكبرى (6688). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (5/ 69 - 70). (¬4) أخرجه البخاري (2128).

3259 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رفع مائدته، قال: "الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، غير مَكْفي ولا مُودّع، ولا مستغنى عنه ربنا". قلت: رواه الجماعة إلا مسلمًا: البخاري وأبو داود وابن ماجه ثلاثتهم في الأطعمة، والترمذي في الدعوات، والنسائي في الوليمة كلهم من حديث أبي أمامة. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "غير مكفي ولا مودع ربنا" قال في النهاية (¬2): أي غير مردود ولا مقلوب، والضمير راجع إلى الطعام، وقيل: "مكفي" من الكفاية فيكون من المعتل، يعني أن الله هو المطعم والكافي، وهو غير لا مُطْعَم ولا مَكْفي، فيكون الضمير راجعًا إلى الله. وقوله: "ولا مُودّع" أي غير متروك الطلب إليه، والرَّغْبة فيما عنده. وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - "ربّنا" فيكون على الأول منصوبًا على النداء المضاف بحذف حرف النداء، وعلى الثاني مرفوعًا على الابتداء المؤخر، أي "ربُّنا غير مكفي ولا مودَّع"، ويجوز أن يكون الكلام راجعًا إلى الحمد، كأنه قال: حمدًا كثيرًا مباركًا فيه، غير مكفي ولا مودّع، ولا مستغني عنه: أي عن الحمد. انتهى كلام ابن الأثير. 3260 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تعالى ليرضى عن العبد أن يأكل الأكْلة، فيحمده عليها، أو يشرب الشَّرْبة، فيحمده عليها". قلت: رواه مسلم والترمذي جميعًا في الأطعمة، والنسائي في الوليمة من حديث أنس، ولم يخرجه البخاري. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5458)، وأبو داود (3849)، والترمذي (3456)، وابن ماجه (3284)، والنسائي في الكبرى (6897). (¬2) النهاية (4/ 182). (¬3) أخرجه مسلم (2734)، والترمذي (1816)، والنسائي في الكبرى (6899).

من الحسان

من الحسان 3261 - قال: كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقُرب طعامٌ، فلم أر طعامًا كان أعظم بركة منه أول ما أكلنا، ولا أقل بركة في آخره، قلنا: يا رسول الله كيف هذا؟ قال: "إنا ذكرنا اسم الله حين أكلنا، ثم قعد من أكل ولم يسم الله، فأكل معه الشيطان". قلت: رواه الترمذي في الشمائل عن قتيبة عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن راشد بن جندل اليافعي عن حبيب بن أوس، ويقال ابن أبي أوس عن أبي أيوب الأنصاري. (¬1) 3262 - قال وسول الله: "إذا أكل أحدكم فنسي أن يذكر الله على طعامه فليقل: بسم الله أوله وآخره". قلت: رواه أبو داود والترمذي جميعًا في الأطعمة، والنسائي في اليوم والليلة ثلاثتهم من حديث عبد الله بن عبيد بن عمير عن امرأة منهم يقال لها أم كلثوم عن عائشة ترفعه. (¬2) ووقع في بعض روايات الترمذي أم كلثوم هي بنت أبي بكر الصديق، وقال غيره أم كلثوم الليثية، قال المنذري (¬3): وهو الأشبه. وقد أخرج أبو بكر بن أبي شيبة هذا الحديث في مسنده عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن عائشة، ولم يذكر فيه أم كلثوم. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في الشمائل (160). وفي إسناده ابن لهيعة وترجم له الحافظ في التقريب (3587) صدوق خلط بعد احتراق كتبه ورواية ابن المبارك وابن وهب منه أعدل من غيرهما وله في مسلم بعض شيء مقرون. وأخرجه الإمام أحمد (5/ 415 - 416) بإسناد الترمذي هذا ومتنه. وانظر: مختصر الشمائل للشيخ الألباني -رحمه الله- رقم (160). (¬2) أخرجه أبو داود (3767)، والترمذي (1858)، والنسائي في الكبرى (10112)، وفي عمل اليوم والليلة (281). وأخرجه الطحاوي في المشكل (1084)، والبيهقي (7/ 276)، وابن حبان (5214)، والحاكم (4/ 121) وصححه، ووافقه الذهبي. (¬3) انظر: مختصر المنذري (5/ 300).

وقد ذكر الذهبي في الكاشف (¬1) أم كلثوم بنت الصديق، ورقم لها علامة مسلم والنسائي وابن ماجه، وأهمل الترمذي وهو ذهول لما بيناه، ورقم لأم كلثوم الليثية (¬2) علامة أبي داود والترمذي، وهذا الحديث ثابت فيهما وفي النسائي وأم كلثوم فإن كانت هي الليثية فينبغي أن يزيد علامة النسائي، وإن كانت ابنة الصديق فينبغي أن يزيد فيها علامة أبي داود والترمذي، فاعلم ذلك. (¬3) 3263 - قال: كان رجل يأكل، فلم يسم الله، حتى لم يبق من طعامه إلا لقمة، فلما رفعها إلى فيه، قال: بسم الله أوله وآخره، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال: "ما زال الشيطان يأكل معه، فلما ذكر اسم الله، استقاء ما في بطنه". قلت: رواه أبو داود في الأطعمة، والنسائي في الوليمة كلاهما من حديثا أميّة بن مَخْشي وكان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (¬4) ¬

_ (¬1) الكاشف (ت 7142). وانظر تعليق المحقق على الترجمة (2/ 527). (¬2) المصدر السابق برقم (7144). (¬3) وتكملة كلام المنذري: قال: ووقع في بعض روايات الترمذي: أم كلثوم: هي بنت أبي بكر الصديق، وقال غيره فيها: أم كلثوم الليثية، وهو الأشبه، لأن عبيد بن عمير ليثي، ومثل بنت أبي بكر لا يكنى عنها بامرأة، ولا سيما مع قوله "منهم" وقد سقط هذا من بعض نسخ الترمذي، وسقوطه الصواب. انتهى وأشار إليه محقق سنن الترمذي في الهامش. وجزم المزي أنها أم كلثوم الليثية أو المكية، وساق في ترجمتها هذا الحديث من طريق مسند أحمد، انظر: تهذيب الكمال (35/ 382 - 383)، وتحفة الأشراف (12/ 443). (¬4) أخرجه أبو داود (3768)، والنسائي في الكبرى (6758). وإسناده ضعيف في إسناده: المثنى بن عبد الرحمن الخزاعي قال في "التقريب" (6514) مستور، وقول الذهبي في الكاشف (2/ 239) رقم (5281). أما جابر بن صبح فقال الحافظ: صدوق، التقريب (877).

وقال الدارقطني: لم يُسند أُمية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير هذا الحديث، تفرد به جابر بن الصبح عن المثنى بن عبد الرحمن الخزاعي عن جده أمية هذا آخر كلامه، "والمثنى" قال الذهبي: مجهول، و"ابن صبح" ثقة. وقال أبو القاسم: ولا أعلم روى إلا هذا الحديث. وقال ابن عبد البر (¬1): لأمية هذا حديث واحد في التسمية على الأكل، وهو جد المثنى بن عبد الرحمن ويقال عمه وأميّة: بضم الهمزة وفتح الميم وبعدها ياء آخر الحروف مفتوحة وتاء تأنيث، ومخشي بفتح الميم وسكون الخاء وكسر الشين المعجمتين وتشديد الياء. 3264 - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا فرغ من طعامه، قال: "الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين". قلت: رواه أبو داود في الأطعمة والترمذي في الشمائل، والنسائي في اليوم والليلة كلهم من حديث أبي سعيد الخدري، وذكره البخاري في تاريخه الكبير، وساق اختلاف الرواة فيه. (¬2) 3265 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الطاعم الشاكر كالصائم الصابر". قلت: رواه ابن ماجه في الصوم من حديث أبي هريرة، ورجاله موثقون، ورواه أيضًا من حديث سنان بن سنة الأسلمي صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفعه، ورواه أيضًا الدارمي ¬

_ (¬1) انظر: الاستيعاب (1/ 107)، وكذلك الإصابة (1/ 119). (¬2) أخرجه أبو داود (3850)، والترمذي (163) في الشمائل، والنسائي في الكبرى (10120) وإسناده ضعيف، فيه: الحجاج بن أرطأة وقد عنعن، وترجم له الحافظ في "التقريب" وقال: صدوق كثير الخطأ والتدليس (1127)، وكذلك اضطربوا في إسناده، وإسماعيل بن رياح بن عبيدة فيه جهالة. كما قال الحافظ في التقريب (448)، وأعله البغوي في شرح السنة (11/ 279) بالانقطاع. انظر كلام البخاري في تاريخه (1/ 353 - 354).

في الأطعمة من حديث سِنان بن سَنَّة عن أبيه يرفعه. (¬1) 3266 - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أكل وشرب، قال: "الحمد لله الذي أطعم وسقى، وسوّغه وجعل له مخرجًا". قلت: رواه أبو داود هنا، والنسائي في الأطعمة من حديث أبي أيوب يرفعه. (¬2) 3267 - قال: قرأت في التوراة: أن بركة الطعام الوضوء بعده، فذكرت للنبي - صلى الله عليه وسلم -؟، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بركة الطعام: الوضوء قبله، والوضوء بعده". قلت: رواه أبو داود والترمذي جميعًا في الأطعمة من حديث سلمان، وقال الترمذي: لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث قيس بن الربيع، وقيس بن الربيع يضعف في الحديث. (¬3) 3268 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج من الخلاء، فقدم إليه طعامٌ، فقالوا: ألا نأتيك بوضوء؟ قال: "إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة". قلت: رواه أبو داود والترمذي كلاهما هنا، والنسائي في الطهارة، وابن ماجه في ¬

_ (¬1) أخرجه ابن ماجه (1764)، والترمذي (2486) وقال: حسن غريب، والدارمي (برقم 2067)، انظر: علل ابن أبي حاتم (2/ 13)، وفتح الباري (9/ 582) وإسناده صحيح كما قال البوصيري في الزوائد (2/ 42). (¬2) أخرجه أبو داود (3851)، والنسائي في الكبرى (6894) وصححه النووي في الأذكار. وانظر: الصحيحة (705) و (2061). (¬3) أخرجه أبو داود (3761)، والترمذي (1846). وإسناده ضعيف، فيه: قيس بن الربيع وهو يضعف في الحديث ذكره الحافظ في التقريب (5608) وقال: صدوق، تغير لما كبر وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه، فحدث به. انظر العلل لابن أبي حاتم (1502)، والضعيفة (168).

الأطعمة مختصرًا كلهم من حديث ابن عباس، وقال الترمذي: حديث حسن. (¬1) 3269 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أتي بقصعة من ثريد، فقال: "كلوا من جوانبها، ولا تأكلوا من وسطها، فإن البركة تنزل في وسطها". (صح). قلت: رواه الترمذي وابن ماجه جميعًا في الأطعمة، والنسائي في الوليمة من حديث ابن عباس، وقال الترمذي: حديث حسن، إنما نعرفه من حديث عطاء بن السائب وقد تقدم الخلاف في عطاء بن السائب. (¬2) 3270 - وفي رواية: "إذا كل أحدكم طعامًا، فلا يأكل من أعلى الصحفة، ولكن يأكل من أسفلها، فإن البركة تنزل من أعلاها". قلت: رواها أبو داود من حديث ابن عباس. (¬3) 3271 - قال: ما رُئي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل متكئًا قط، ولا يطأ عَقبه رجُلان. قلت: رواه أبو داود في الأطعمة، وابن ماجه في السنة (¬4) كلاهما من حديث شعيب بن عبد الله بن عمرو عن أبيه، كذا وقع في أبي داود وفي ابن ماجه، وشعيب هذا هو: والد عمرو بن شعيب وهو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو، فإن كان ثابت إلينا في نسبه إلى جده حين حدث عنه فذلك سائغ، وإن أراد بأبيه محمدًا فيكون الحديث مرسلًا، فإن محمدًا لا صحبة له، وإن كان أراد بأبيه جده عبد الله فيكون مسندًا، وشعيب قد سمع من عبد الله بن عمرو والله أعلم. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3760)، والترمذي (1847)، والنسائي في الكبرى (6736) وإسناده صحيح. وفي النسخة المطبوعة من سنن الترمذي بتحقيق أحمد شاكر (4/ 284): "هذا حديث حسن صحيح". (¬2) أخرجه الترمذي (1805)، والنسائي في الكبرى (6762)، وابن ماجه (3277). (¬3) أخرجه أبو داود (3722) وإسناده صحيح. وإن كان في إسناده عطاء بن السائب وقد اختلط ولكنه من رواية شعبه عنه وقد سمع منه قبل الاختلاط. (¬4) أخرجه أبو داود (3770)، وابن ماجه (244) والمراد بالجد هنا في الحديث: عبد الله ابن عمرو لروايات أخرى صرحت بذلك. انظر تفصيل هذا الموضوع في: أجوبة ابن سيد الناس بتحقيقنا، وكذلك كتاب: صحيفتا عمرو بن شعيب وبهز بن حكيم. وتهذيب الكمال (12/ 534 - 536).

قوله: "ولا يطأ عقبه رجلان" معناه: لا يفعل فعل الملوك يتبعه الناس، يمشون وراءه. 3272 - قال: أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخبز ولحم وهو في المسجد، فأكل وأكلنا معه، ثم قام فصلى، وصلينا معه، ولم نزد على أن مسحنا أيدينا بالحَصْباء. قلت: رواه ابن ماجه في الأطعمة من حديث عبد الله بن الحارث بن جَزْء، وفي سنده ابن لهيعة، وأخرجه الترمذي في الشمائل مختصرًا. (¬1) 3273 - قال: أُتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلحم، فرفع إليه الذراع، -وكانت تعجبه- فنهس منها. قلت: هذا الحديث رواه البخاري في التفسير في سورة بني إسرائيل، ومسلم في الإيمان كلاهما في حديث طويل وهو حديث الشفاعة، والترمذي في الزهد والنسائي في الوليمة، وابن ماجه في الأطعمة كلهم من حديث أبي هريرة، فكان من حق المصنف أن يذكره في الصحاح لا في الحسان. (¬2) والنهس: هنا بالسين المهملة وهو أخذ ما على العظم من اللحم بأطراف الأسنان، وأما النهش: بالشين المعجمة فبالأضراس. 3274 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقطعوا اللحم بالسكين، فإنه من صنع الأعاجم، وانهشوه، فإنه أهنا وأمرأ". (غريب). قلت: رواه أبو داود في الأطعمة من حديث عائشة، وفي سنده أبو معشر المدني، واسمه: نجيح، قال النسائي: وأبو معشر له أحاديث مناكير منها هذا، ومنها حديث ما بين المشرق والمغرب قبلة، وقد روى الترمذي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "انهسوا اللحم نهسًا فإنه أهنأ ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في الشمائل (166) وابن ماجه (3300) (3311). (¬2) أخرجه البخاري (4712)، ومسلم (194)، والترمذي (1837)، والنسائي في الكبرى (6660)، وابن ماجه (3307).

وأمرأ" من حديث صفوان بن أمية، وأشار إلى حديث عائشة بقوله: وفي الباب عن عائشة. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أهنا وأمرأ" هما أفعلا التفضيل من هنؤ الطعام ومرؤ إذا كان سائغًا لا تنغيص فيه، وقيل: الهنيء ما يلذ للأكل، والمريء: ما تحمد عاقبته. 3275 - قالت: دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه عليٌّ، ولنا دوالٍ معلّقة، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل، وعليٌّ معه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعليّ: "مه يا علي! فإنك ناقهٌ". قالت: فجعلت لهم سِلَقًا وشعيرًا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا علي من هذا فأصِبْ، فإنه أوفق لك". قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه ثلاثتهم في الطب من حديث أم المنذر بنت قيس، ويقال اسمها: سلمى، وقال الترمذي: حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث فليح، ذكر ذلك أبو القاسم الدمشقي. (¬2) والدوالي: بسر معلقة فإذا أرطب أكل منه، واحدتها دالية. ومه: اسم مبني على السكون بمعنى أقصر، وناقه: بالنون والقاف المكسورة يقال: "نقه المريض ينقه" فهو ناقه إذا برأ، وكان قريب عهد بالمرض، لم ترجع إليه قوته. 3276 - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعجبه الثُّفْل. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3778). وإسناده ضعيف، فيه أبو معشر السندي نجيح بن عبد الرحمن: ضعيف الحديث ذكره الحافظ في التقريب (7150) وقال: ضعيف، أسن واختلط. وقال النسائي حديث منكر. ويخالف ما تقدم من حديث عمرو بن أمية السابق في الصحيح. انظر فيض القدير للمناوي (3/ 64)، وانظر: السنن الكبرى (69)، والمجتبى (4/ 172)، والضعفاء والمتروكين (235)، وتهذيب الكمال (1408)، وميزان الاعتدال (4/ 246). (¬2) أخرجه أبو داود (3856)، والترمذي (2037) وحسّنه، وابن ماجه (3442) فيه: فليح بن سلمان وقال عنه الحافظ في التقريب (5478): صدوق كثير الخطأ، وانظر: تحفة الأشراف (7/ 1013). وقال الترمذي: لا يعرف إلا من حديث فليح.

قلت: رواه الترمذي في الشمائل من حديث أنس بسند جيد، وقال: قال عبد الله وهو الدارمي. (¬1) الثفل: ما بقي من الطعام، قال في شرح السنة (¬2): والضم فيه أفصح، قال ابن الأثير (¬3): وهو بالثاء المثلثة والفاء، وقيل: هو الثريد. 3277 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أكل في قصعة فلحسها، استغفرتْ له القصعة". (غريب). قلت: رواه الترمذي والدارمي، وابن ماجه ثلاثتهم في الأطعمة من حديث نبيشة الهذلي (¬4) مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفعه، وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث المعلى بن راشد، ورواه الإمام أحمد عن عفان عن المعلى عن جدته أم عاصم عن نبيشة الخير. 3278 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من بات وفي يده غمر لم يغسله، فأصابه شيءٌ، فلا يلومن إلا نفسه". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي كلهم في الأطعمة من حديث أبي هريرة، وقال الترمذي: حسن غريب. (¬5) والغمر: بالتحريك. الدسم والزُّهُومة من اللحم. (¬6) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في الشمائل (186) وإسناده جيد كما قال المؤلف ونقل عنه المناوي في فيض القدير (5/ 229). (¬2) انظر: شرح السنة للبغوي (11/ 302). (¬3) انظر: النهاية (1/ 215). (¬4) أخرجه الترمذي (1804)، والدارمي (2/ 96)، وابن ماجه (3271) (3272)، وأحمد (5/ 76) وإسناده ضعيف، فيه جهالة أم عاصم جدة أبي اليمان المعلى بن راشد الهذلي. (¬5) أخرجه أبو داود (3852)، والترمذي (1860)، وابن ماجه (3297) وإسناده صحيح. (¬6) انظر: النهاية لابن الأثير (3/ 385).

3279 - قال: كان أحب الطعام إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الثريد من الخبز، والثريد من الحَيْس. قلت: رواه أبو داود فيه من حديث ابن عباس، وفي سنده رجل مجهول. (¬1) والحيس: بفتح الحاء المهملة والياء المثناة من تحت والسين المهملة طعام يتخذ من اللبن والأقط. 3280 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كلوا الزيت وادَّهِنوا به، فإنه من شجرة مباركة". قلت: رواه الترمذي في الأطعمة والنسائي في الوليمة كلاهما من حديث أبي أسيد بن ثابت الأنصاري يرفعه (¬2)، قال ابن عبد البر (¬3): وفي سنده اضطراب، ورواه أيضًا الترمذي وابن ماجه كلاهما في الأطعمة من حديث عمر بن الخطاب يرفعه (¬4)، وفي سنده عن عمر اضطراب أيضًا. "وأبو أسيد" قال الدراقطني وابن عبد البر: هو بفتح الهمزة، وقيل بالضم ولا يصح، واسمه عبد الله. 3281 - قالت: دخل عليَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أعندك شيء؟ " قلت: لا، إلا خبز يابس وخلّ، فقال: "هاتي، ما أقفر بيت من أُدمٍ فيه خل". (غريب). قلت: رواه الترمذي في الأطعمة من حديث أم هانىء بنت أبي طالب، واسمها فاختة ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3783) وإسناده ضعيف، فيه رجل مجهول من أهل البصرة لم يسم. (¬2) أخرجه الترمذي (1852)، والنسائي في الكبرى (6702)، والدارمي (2/ 102)، وإسناده ضعيف فيه جهالة الرجل عطاء من أهل الشام لم يرو عنه غير عبد الله بن عيسى ولم يؤثر توثيقه عن غير ابن حبان وقال الذهبي في الميزان (3/ 77) لين البخاري حديثه، وللحديث شواهد، لكنها ضعيفة. انظر العلل للدارقطني (7/ 32) (1185) وابن أبي حاتم في العلل (2/ 15 - 16). (¬3) انظر: الاستيعاب لابن عبد البر (4/ 1597 - 1598). و ..... : "إسناده مضطرب فيه لا يصح". (¬4) أخرجه الترمذي (1851)، وابن ماجه (3319)، والحاكم (4/ 122)، وانظر: الصحيحة (379).

وقال: حسن غريب، وأم هانئ ماتت بعد علي بمدة. (¬1) 3382 - قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ كسرة من خبز الشعير، فوضع عليها تمرة، فقال: "هذه إدام هذه"، وأكل. قلت: رواه أبو داود في الأيمان والنذور وترجمه: باب من حلف لا يتأدم، والترمذي في الشمائل كلاهما من حديث يوسف بن عبد الله بن سلام، قال البخاري وآخرون: له صحبة وقال غيرهم: ليست له صحبة، ومنهم من عده فيمن ولد في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يسمع منه، وقد روي أيضًا من حديث يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه. (¬2) 3383 - قال: مرضت مرضًا، فأتاني النبي - صلى الله عليه وسلم - يعودني، فوضع يده بين ثَدْييّ حتى وجدت بردَها على فؤادي، وقال: "إنك رجل مفؤود، فأت الحارث بن كَلَدَة -أخا ثقيف- فإنه رجل يتطبب، فليأخذ سبع تمرات من عجوة المدينة، فليجأهُن بنواهُنّ، ثم ليلُدّك بهنّ". قلت: رواه أبو داود في الطب من حديث مجاهد، وهو ابن جبر عن سعد ابن أبي وقاص قال أبو حاتم: لم يدرك مجاهد سعدًا، إنما يروى عن مصعب بن سعد عن سعد. (¬3) وقال أبو زرعة الرازي: مجاهد عن سعد مرسل. و"المفؤود" هو الذي أصيب فؤاده، والفؤاد: القلب. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1841) وتمام كلامه: "لا نعرفه من حديث أم هانيء إلا من هذا الوجه، وأبو حمزة الثمالي اسمه: ثابت بن أبي صفية". وقال الحافظ: ضعيف رافضي، التقريب (826). وانظر هداية الرواة (4/ 159). (¬2) أخرجه أبو داود (3259) (3830)، والترمذي في الشمائل (185) وفي إسنادهما يزيد ابن أبي أمية الأعور قال في التقريب (7738): "مجهول" انظر الضعيفة (4737). وانظر ترجمة: يوسف بن عبد الله بن سلام في الإصابة (6/ 691) وقال الحافظ: كلام البخاري أصح، وانظر كذلك الاستيعاب (4/ 1590). (¬3) أخرجه أبو داود (3875) وإسناده منقطع. فإن مجاهد لم يسمع من سعد كما بين أبو حاتم في المراسيل (1/ 205)، وانظر: تهذيب الكمال (27/ 228).

"والحارث بن كلدة" قال ابن أبي حاتم (¬1): لم يصح له إسلام، وهو يدل على أن الاستعانة بأهل الذمة جائزة، فليجأهن: أي يرضهن، ونقل الجوهري (¬2) أن الوجيئة: التمر يدق حتى يخرج نواه، ثم يُبَلّ بلبن أو سمن حتى يلزم بعضه بعضًا فيؤكل، وهو فعيلة، واللدود: ما يسقاه الإنسان في أحد جانبي الفم وهو بفتح اللام. 3384 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأكل الطبيخ بالرطب، ويقول: "يكسر حر هذا ببرد هذا، وبرد هذا بحرّ هذا". (غريب). قلت: رواه أبو داود في الأطعمة، والترمذي فيه، والنسائي في الوليمة مختصرًا ثلاثتهم من حديث عائشة. (¬3) "والطبيخ" رواية أبي داود وهي لغة في البطيخ، وقيل: هو مقلوب البطيخ، وقيل هو الهندي. 3385 - قال: أُتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بتمر عتيق، فجعل يفتشه، ويخرج السوس منه. قلت: رواه أبو داود وابن ماجه في الأطعمة من حديث أنس. (¬4) 3386 - قال: أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بجبنة في تبوك، فدعا بالسكّين، فسمّى وقطع. قلت: رواه أبو داود والترمذي في الأطعمة من حديث أنس (¬5) قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، .. الشعبي عن ابن عمر، قال أبو حاتم الرازي: الشعبي لم يسمع من ابن عمر، وأخرج ¬

_ (¬1) انظر: الجرح والتعديل (3/ 87) وفيه: إن الاستعانة بأهل الذمة في الطب جائزة. (¬2) الصحاح (1/ 80). (¬3) أخرجه أبو داود (3836)، والترمذي (1843)، والنسائي في الكبرى (6722) وإسناده صحيح. انظر الصحيحة (57). (¬4) أخرجه أبو داود (3832) , وابن ماجه (3333) وإسناده صحيح. (¬5) أخرجه أبو داود (3819). وفي إسناده إبراهيم بن عيينة وهو صدوق يهم كما في "التقريب" (229) وقال في "الميزان" قال أبو حاتم: يأتي بالمناكير، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال الذهبي: حديثه صالح، وقال يحيى بن معين: كان مسلمًا صدوقًا لم يكن من أصحاب الحديث. انظر: منهج النسائي في الجرح والتعديل (3/ 1055)، وانظر كذلك: تهذيب الكمال (2/ 163)، وميزان الاعتدال (1/ 51). =

البخاري ومسلم في صحيحيهما حديث الشعبي عن ابن عمر، وذكر غير واحد أنه سمع من ابن عمر، وقال الشعبي: قاعدت ابن عمر سنتين أو سنة ونصفًا، وفي إسناد حديث ابن عمر في الجبنة: إبراهيم بن عيينة أخو سفيان، قال أبو حاتم الرازي: شيخ يأتي بالمناكير، وسئل أبو داود السجستاني عن إبراهيم بن عيينة وعمران بن عيينة، ومحمد بن عيينة فقال: كلهم صالح وحديثهم قريب من قريب. و"الجبنة" أخص من الجبن وهو المأكول، يقال فيهما بضم الجيم وسكون الباء، وضم الجيم والباء وبتشديد النون وهو أفصح، ويقال فيه أيضًا: بضم الجيم وضم الباء مخففًا. وقال المنذري (¬1): قيل إنه كان يعمله قوم من الكفار ولا تحل ذبائحهم بالأنافح، وكان من المسلمين من يشاركهم في صنعة الجبن، فأباحه النبي - صلى الله عليه وسلم - على ظاهر الحال، ولم يمتنع من أكله من أجل مشاركة الكفار المسلمين فيه. (¬2) 3387 - قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن السمن والجبن والفِراء؟ فقال: "الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه، فهو مما عفا عنه". (غريب). قلت: رواه الترمذي في اللباس وابن ماجه في الأطعمة من حديث سلمان الفارسي، قال الترمذي: غريب، لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه، وعلقه الترمذي أيضًا ¬

_ = وكذلك شيخه عمرو بن منصور الهمداني وثقه ابن معين وضعفه أبو حاتم، وقال الحافظ في التقريب (5152): صدوق يهم. وبقية رجاله رجال الصحيح. وأن الشعبي لم يسمع من ابن عمر انظر ذلك في: جامع التحصيل في أحكام المراسيل (ص 204)، وتهذيب الكمال (14/ 28 - 39). وانظر كذلك: مختصر المنذري (5/ 328). (¬1) مختصر السنن (5/ 328)، لكنه ليس كلام المنذري، بل هو كلام الخطابي وانظره أيضًا في معالم السنن (4/ 235). (¬2) انظر لموضوع الجبن ما ألّفه أبو بكر الطرطوشي (ت 520 هـ) بعنوان: تحريم الجبن الرومي. من منشورات دار الغرب الإسلامي، فلقد أفاد وأجاد.

موقوفًا، وقال: والموقوف أصح. (¬1) والفراء: مهموز مقصور هو: حمار الوحشي، وفي الحديث أنه قال لأبي سفيان "كلّ الصيد في جوف الفراء"، قال - صلى الله عليه وسلم - له ذلك يتألفه على الإسلام، يعني أنت في الصيد كحمار الوحش كلّ الصيد دونه، قال بعض الشارحين: وتفسيره بذلك غلط بل إنما هو جمع الفرو الذي يلبس، وليس هو هنا حمار الوحش. 3388 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وددت أن عندي خبزة بيضاء من برة سمراء مُلبّقة بسمن ولبن". فقام رجلٌ من القوم، فاتخذه، فجاء به، فقال: "في أي شيء كان هذا؟ قال: في عُكة ضبّ، قال: ارفعْه". قلت: رواه أبو داود في الأطعمة، وابن ماجه كلاهما من حديث ابن عمر (¬2)، وسكت عليه أبو داود، واستدل به على الجمع بين لونين من طعام. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1726)، وابن ماجه (3367). وقال الترمذي: سألت البخاري عن هذا الحديث فقال ما أراه محفوظًا أ. هـ. وفي إسناده: سيف بن هارون ضعفه جمع، وقال الدارقطني: متروك، وترجم له الحافظ في التقريب (2742) وقال: ضعيف، أفحش ابن حبان القول فيه. وانظر: العلل للترمذي (513)، والعلل لابن أبي حاتم (2/ 1503). وحسنه الشيخ الألباني بشاهد من حديث أبي الدرداء عند البزار والحاكم بلفظ" ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت ..... " الحديث، كما في تخريج الحلال والحرام (رقم 2 - 3). (¬2) أخرجه أبو داود (3818)، وابن ماجه (3341)، وإسناده ضعيف جدًّا، فيه أيوب بن خُوط وهو متروك. كما قال الحافظ في التقريب (617). تنبيه: عزا المزي -رحمه الله- في تحفة الأشراف ضمن رواية أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر (6/ 75 رقم 7551) ولعل ذلك بسبب عدم وقوفه على قول أبي داود في نسخته وهذا القول في رواية أبي الحسن ابن العبد خاصة. كما وضح ذلك ولي الدين أحمد بن عبد الرحيم العراقي في "الأطراف بأوهام الأطراف" ص 134 تعليقة (301). وقال الحافظ ابن حجر: قوله: "صحيح" مشى فيه على ظاهر السند، وليس بصحيح، بل هو معلول، فذكر أبو داود علّته في رواية أبي الحسن بن العبد، انظر: هداية الرواة (4/ 161 - 162)، قال الشيخ الألباني: قال: منكر.

والخبزة: بضم الخاء المعجمة وسكون الباء الموحدة وبعدها زاي وتاء تأنيث وهي الطُلمة وهو عجين يوضع في المَلّة حتى ينضج، والسمراء: هو البر الشامي، وقيل هي حنطة فيها سوادٌ خفي ويطلق على ذلك بر، وملبقة: أي مخلوطة خلطًا شديدًا وهو بالباء المشددة بعدها القاف. 3389 - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكل الثوم إلا مطبوخًا. قلت: رواه أبو داود والترمذي كلاهما في الأطعمة من حديث علي، قال الترمذي: وقد روي هذا عن علي قوله، وليس إسناده بذاك القوي. (¬1) 3390 - أنها سئلت عن البصل؟ فقالت: إن آخر طعام أكله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: طعام فيه بصل. قلت: رواه أبو داود فيه، والنسائي في الوليمة من حديث عائشة، وفي سند الحديث بقية بن الوليد. (¬2) 3391 - قالا: دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقدّمنا زُبْدًا وتمرًا، وكان يحب الزُبْد والتمر. قلت: رواه أبو داود في الأطعمة، وابن ماجه من حديث ابني بسر السلميين وذكر عن محمد بن عوف أنهما: عبد الله، وعطية. (¬3) وبسر: بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة وبعدها راء مهملة. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3828)، والترمذي (1808). وإسناده: ضعيف، فيه: جراح بن مليح وهو مختلف فيه، وترجم له الحافظ في التقريب (916) وقال: صدوق يهم وكذلك أبو إسحاق السبيعي وقد اختلط وعنعن. وله شاهد عند أحمد في المسند (4/ 19) وإسناده حسن. (¬2) أخرجه أبو داود (3829)، والنسائي (6680). وإسناده ضعيف، فيه أبو زياد وهو خيار بن سلمة الشامي مقبول كما في "التقريب" (1781). (¬3) أخرجه أبو داود (3837)، وابن ماجه (3334).

3392 - قال: أُتينا بجفنة كثيرة الثريد والوَدْر، فخبطت بيدي في نواحيها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "كُل من موضع واحدٍ"، ثم أتينا بطبق فيه ألوان التمر، فجعلت آكل من بين يدي، وجالت يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الطبق، فقال: "يا عكراش! كل من حيث شئت فإنه غير لون". (غريب). قلت: رواه الترمذي، وابن ماجه كلاهما في الأطعمة من حديث عكراش ابن ذؤيب، وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث العلاء بن الفضل، وقد تفرد بهذا الحديث، انتهى. (¬1) والعلاء بن الفضل ضعيف، ولم يخرج عن عكراش أحد من أصحاب الكتب الستة غير الترمذي وابن ماجه خرجا له هذا الحديث خاصة. 3393 - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أخذ أهله الوعك، أمر بالحِساء فصُنع، ثم أمرهم فحسوا منه، وكان يقول: "إنه ليرتو فؤادَ الحزين، ويسرو عن فواد السقيم، كما تسرُو إحداكن الوسخ بالماء عن وجهها". قلت: رواه الترمذي في الطب من حديث عائشة، وقال: حسن صحيح. (¬2) والوعك: بفتح العين وسكونها، شدة الحمى، والحساء: قال ابن الأثير (¬3): هو بالفتح والمد، طبيخ: يتخذ من دقيق وماء ودهن، وقد يحلى ويكون رقيقًا يحسا، ويرتو: بالراء المهملة والتاء المثناه من فوق أي تشده وتقويه، قوله: "ويسرو عن فؤاد السقيم" قال الزمخشري (¬4): السرو: الكشف سَرَوْتُ عن الثوب، وسريتُه ومنه سُري عن فلان. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2039) , وابن ماجه (2274). وإسناده ضعيف، فيه العلاء بن الفضل وقد تفرد به وهو ضعيف كما في التقريب (5287)، وكذلك شيخه عبيد الله بن عكراش: قال البخاري: لا يثبت حديثه، وقال ابن حبان: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: مجهول، وترجم له الحافظ في "التقريب" (4350). وقال: قال البخاري: لا يثبت حديثه. (¬2) أخرجه الترمذي (2039). وإسناده صحيح. (¬3) انظر: النهاية (4/ 229). (¬4) انظر: الفائق (2/ 34).

باب الضيافة

3394 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "العجوة من الجنة، فيها شفاء من السُمّ، والكمأة من المنّ، وماؤها شفاءٌ للعين". قلت: رواه الترمذي في الطب من حديث أبي هريرة، وقال: حسن صحيح غريب (¬1). باب الضيافة من الصحاح 3395 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت". قلت: رواه البخاري في .... (¬2) ومسلم في الإيمان من حديث أبي هريرة. (¬3) - وفي رواية: بدل الجار: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه". قلت: رواها البخاري من حديث أبي هريرة. (¬4) 3396 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه: جائزته يوم وليلة، والضيافة ثلاث أيامٍ، فما بعد ذلك فهو صدقة، ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرّجه". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2066) (2068). وإسناده حسن. وأخرجه كذلك أحمد (2/ 301). وانظر: هداية الرواة (4: 164). (¬2) بياض في الأصل بمقدار كلمة واحدة وقد رواه البخاري في النكاح والأدب وغيرهما. (¬3) أخرجه البخاري (5188, 6018 , 6136 , 6131)، ومسلم (47). (¬4) أخرجه البخاري (6138).

قلت: رواه البخاري في الأدب وفي الرقائق، ومسلم في الأحكام، وأبو داود في الأطعمة، والترمذي في البرّ، والنسائي في الرقائق مختصرًا، وابن ماجه في الأدب مطولًا كلهم من حديث أبي شريح الكعبي (¬1)، وروى أبو داود أنه سئل مالك عن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "جائزته يوم وليلة" فقال: يكرمه ويتحفه ويحفظه يوم وليلة وثلاثة أيام ضيافة، انتهى. وفيها للعلماء تأويلان آخران، أحدهما: يعطيه ما يتجوز به ويكفيه في سفره في يوم وليلة يستقبلها بعد ضيافته، والثاني: جائزته يوم وليلة إذا اجتاز به وثلاثة أيام إذا قصده. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولا يحل له أن يثوي عنده" بفتح الياء المثناة من تحت وبالثاء المثلثة وكسر الواو من ثوى يثوي بالمكان إذا أقام أي: لا يحل له أن يقيم عنده حتى يضيق عليه. 3397 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن نزلتم بقومٍ،، فأَمَروا لكم بما ينبغي للضَّيْف، فاقبلوا، فإن لم يفعلوا، فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي له". قلت: رواه البخاري في المظالم وفي الأدب، ومسلم في المغازي، وأبو داود في الأطعمة، والترمذي في السير بمعناه وابن ماجه في الأدب كلهم من حديث عقبة بن عامر (¬2)، قال الترمذي: ومعنى هذا الحديث أنهم كانوا يخرجون في الغزو فيمرون بقوم ولا يجدون من الطعام ما يشترون بالثمن، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن أبوا إلا أن تأخذوا كرهًا فخذوا" هكذا جاء في بعض الأحاديث مفسرًا. 3398 - قال: كان رجل من الأنصار يكنى أبا شعيب، وكان له غلام لحّام، فقال: اصنع طعامًا يكفي خمسة لعلّي أدعو النبي - صلى الله عليه وسلم - خامس خمسةٍ، فصنع له طُعيّمًا، ثم أتاه ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الأدب (6019)، (2461) (6135)، ومسلم (1727)، وأبو داود (3748)، والترمذي (1967)، والنسائي في الكبرى كما في التحفة (9/ 12056)، وابن ماجه (3675). (¬2) أخرجه البخاري في الأدب (6137)، وفي المظالم (2461)، ومسلم (1727)، وابن ماجه (3676)، وأبو داود (3752)، والترمذي (1589).

فدعاه فتبعهم رجل، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا أبا شعيب! إن رجلًا تبعنا، فإن شئت أذنت له، وإن شئت تركته". قال: لا، بل أذنت له. قلت: رواه الشيخان في الأطعمة، وذكره البخاري أيضًا في المظالم، والترمذي في النكاح، والنسائي في الوليمة كلهم من حديث أبي مسعود الأنصاري واسمه عقبة بن عمرو. (¬1) 3399 - قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم أو ليلة، فإذا هو بأبي بكر وعمر، فقال: "ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟ " قالا: الجوع، قال: "أنا، والذي نفسي بيده، لأخرجني الذي أخرجكما، قوموا". فقاموا معه، فأتى رجلًا من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلما رأته المرأة قالت: مرحبًا وأهلًا. فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أين فلان؟ " قالت: ذهب يستعذب لنا من الماء، إذ جاء الأنصاري، فنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه، ثم قال: الحمد لله! ما أحَد اليوم أكرم أضيافًا مني، قال فانطلق الرجل، فجاءهم بعِذْق فيه بسر وتمر ورطب، فقال: كلوا من هذه، وأخذ المُدْية، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إياك والحلوب"، فذبح لهم، فأكلوا من الشاة ومن ذلك العِذق، وشربوا، فلما أن شبعوا ورَوُوا، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر وعمر: "والذي نفسي بيده، لتُسألن عن هذا النعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم ". قلت: رواه مسلم في الأطعمة من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬2) وفي الحديث بيان ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - هو وأصحابه من التقلل من الدنيا وإيثار ضيق العيش. قوله: من "بيوتكما" هو بضم الباء وكسرها لغتان قرئ بهما في السبع. قوله: "أنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما" شرحه شراح مسلم على أنه - صلى الله عليه وسلم - أصابه الجوع كما أصابهم فخرج كما خرجوا، وهذا هو المتبادر، وعندي أن الأولى ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5434)، ومسلم (2036)، والنسائي في الكبرى (6614)، والترمذي (1099). (¬2) أخرجه مسلم (2038).

من الحسان

حمله على غير ذلك وأنه - صلى الله عليه وسلم - أخرجه الذي أخرجهما وهو علمه - صلى الله عليه وسلم - بجوعهما، وهذا هو حقيقة الكلام، وعلى التفسير الأول يحتاج إلى تقدير: "أخرجني مثل الذي أخرجكما". والأصل عدم التقدير، وفي ظني أن هذا مرّبي منقولًا عن بعضهم، وهو ظاهرٌ حسنٌ والله أعلم. والموجود في بعض نسخ صحيح مسلم: "فأنا والذي نفسي بيده" بالفاء، وفي بعضها بالواو، والمصنف رواه بإسقاطهما. قوله: "قوموا" بواو الجمع كذا هو في مسلم، وهو جائز بلا خلاف، لكن هو مجاز على الصحيح، والرجل الأنصاري الذي أتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - هو: أبو الهيثم مالك بن التيهان بفتح المثناة وتشديد المثناة من تحت مع كسرها، قولها: "مرحبًا وأهلًا" كلمتان معروفتان للعرب، ومعناه: صادفت رحبًا وسعة وأهلًا تأنس بهم، قولها "ذهب يستعذب لنا الماء" أي يأتينا بماء عذب وهو الطيب، والعذق: بكسر العين المهملة وبالذال المعجمة هو العرجون بما فيه من الشماريخ وبفتح العين هو النخلة نفسها وليس بمراد هنا، والمدية: مثلثة الميم وهي السكين، والحلوب: ذات اللبن، فعول بمعنى مفعولة، وفيه جواز الشبع، والنهي عنه محمول على المداومة عليه. وأما السؤال عن هذا النعيم فالمراد السؤال عن القيام بحق شكره. (¬1) من الحسان 3400 - سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أيما مسلم ضاف قومًا، فأصبح الضيف محرومًا، كان حقًّا على كل مسلم نصره، حتى يأخذ له بقراه من ماله وزرعه". ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (13/ 305 - 310).

قلت: رواه أبو داود في الأطعمة من حديث سعيد بن أبي المهاجر (¬1)، ويقال سعد بن المهاجر عن المقدام بن معدي كرب يرفعه، وذكر البخاري (¬2) أن سعيد بن المهاجر سمع المقدام. قال ابن الأثير (¬3): يقال "ضفت الرجل إذا نزلت به في ضيافته" وأضفته "إذا أنزلته" وتضيّفته "إذا نزلت به" وتضيَّفني "إذا أنزلني". - وفي رواية: "أيما رجل ضاف قومًا فلم يقروه، كان له أن يعقبهم بمثل قراه". قلت: رواها أبو داود. (¬4) 3401 - قال: قلت: يا رسول الله أرأيت إن مررت برجل فلم يَقْرِني، ولم يُضفني، ثم مر بي بعد ذلك، أقريه أم أجزيه؟ قال: "بل أقره". قلت: رواه الترمذي في البرّ من حديث أبي الأحوص الجشمي عن أبيه، وفيه قصة وقال: حسن صحيح، وانتهى. (¬5) واسم أبي الأحوص: عوف بن مالك [بن] فضلة ولأبيه صحبة. 3402 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استأذن على سعد بن عبادة، فقال: "السلام عليكم ورحمة الله" فقال سعد: وعليكم السلام ورحمة الله، ولم يسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى سلّم ثلاثًا، ورد عليه سعد ثلاثًا، ولم يسمعه، فرجع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فاتبعه سعد فقال: يا ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3751) وإسناده ضعيف، لأن فيه سعيد بن أبي المهاجر وهو مجهول كما في التقريب (2413). (¬2) انظر: التاريخ الكبير (3/ 513)، وتهذيب الكمال (11/ 82). (¬3) انظر. النهاية لابن الأثير (3/ 109). (¬4) أخرجه أبو داود (3804)، وكذلك أحمد (4/ 131). وقال المنذري في "الترغيب" (3/ 251): رواته ثقات. (¬5) أخرجه الترمذي (2006). وإسناده صحيح.

رسول الله بأبي أنت وأمي، ما سلمت تسليمة إلا هي بأذني، ولقد رددت عليك، ولم أُسمعك، أحببت أن أستكثر من سلامك ومن البركة، ثم دخلوا البيت، فقرب إليه زبيبًا، فأكل نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما فرغ قال: "أكل طعامكم الأبرار، وصلّت عليكم الملائكة، وأفطر عندكم الصائمون". قلت: رواه الإمام أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن ثابت عن أنس أو غيره بلفظ المصنف، وروى أبو داود في آخر الأطعمة عن مخلد بن خالد عن عبد الرزاق به قصة الطعام والدعاء، ورواه أيضًا في الأدب، والنسائي في اليوم والليلة من حديث محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن قيس بن سعد وهو ابن عبادة، قال: زارنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في منزلنا .. فذكر الحديث مطولًا مع زيادة ونقص على حديث أنس. (¬1) 3403 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مثل المؤمن ومثل الإيمان، كمثل الفرس في آخِيته، يجول ثم يرجع إلى آخيته، فإن المؤمن يسهو، ثم يرجع إلى الإيمان، فأطعموا طعامكم الأتقياء، وأوْلُوا معروفكم المؤمنين". قلت: رواه البيهقي في شعب الإيمان من حديث أبي سعيد الخدري. (¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كمثل الفرس في آخيته" الآخية: بالمد والخاء المعجمة والتشديد: حُبيل أو عُويد يُعرض في الحائط وتدفن طرفاه فيه ويصير وسطه كالعروة وتشد فيها الدابة، ومعنى الحديث: أنه يبعد عن ربه بالذنوب وأصل إيمانه ثابت (¬3)، فيقرب بالآخرة إليه بالندم والتوبة ويتلافى تقصيره. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (3/ 138)، وأبو داود (3854)، والنسائي في الكبرى (8349) وفي عمل اليوم والليلة (1329) وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه البيهقي في الشعب (10964) وإسناده ضعيف، فيه أبو سليمان الليثي قال الحافظ في ترجمته في تعجيل المنفعة (ص 492): قال علي بن المديني: مجهول، وعبد الله بن الوليد: هو ابن قيس التجيبي قال البرقاني عن الدارقطني: لا يعتبر به. وقال ابن حجر في التقريب (3715): لين الحديث، وأخرجه أحمد (3/ 55238)، وأبو يعلى (1106) (1332)، وابن المبارك في الزهد (73). (¬3) انظر: النهاية لابن الأثير (1/ 29 - 30)، والفائق للزمخشري (1/ 29).

والمعروف: اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله والتقرب إليه، والإحسان إلى الناس، وكلما ندب إليه الشرع ونهى عنه من المقبحات. 3404 - قال: كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - قصعة يحملها أربعة رجالٍ، يقال لها الغَرّاء، فلما أضحوا، وسجدوا الضُّحى أتي بتلك القصعة، يعني: وقد ثُرد فيها فالتفوا عليها، فلما كثروا جثا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال أعرابي: ما هذه الجلسة؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله جعلني عبدًا كريمًا، ولم يجعلني جبارًا عنيدًا"، ثم قال: "كلوا من جوانبها ودعوا ذروتها، يبارك لكم فيها". قلت: رواه أبو داود، وابن ماجه كلاهما في الأطعمة من حديث عبد الله بن بسر. (¬1) وبسر: بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة وبعدها راء مهملة. 3405 - أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا: يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع؟، قال: "فلعلكم تفترقون؟ " قالوا: نعم، قال: "فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه في الأطعمة من حديث: وحشي بن حرب عن أبيه عن جده (¬2) وذكر عن الإمام أحمد أنه قال: وحشي بن حرب شامي تابعي لا بأس به، وذكر عن صدقة بن خالد أنه قال: لا يشتغل به ولا بأبيه. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3773)، وابن ماجه (3263) وإسناده صحيح. انظر: الإرواء (1966)، والصحيحة (393). (¬2) أخرجه أبو داود (3764)، وابن ماجه (328). وإسناده ضعيف، الوليد بن مسلم يدلس تدليس التسوية وقد عنعن، ووحشي بن حرب وأبوه حرب ذكرهما ابن حبان في "الثقات" غير أن حربًا لم يرو عنه غير ابنه، ومع ذلك فقد حسنه الحافظ العراقي في تخريج الإحياء (2/ 5)، وللحديث شواهد عند أبي يعلى (2045)، والطبراني في الأوسط (7313) من رواية جابر وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 21): وفيه عبد المجيد بن أبي رواد وهو ثقة وقد ضعف، وأشار المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 134) إلى توثيقه، ولم أجد قول الإمام أحمد، بل ذكره المزي عن صالح بن محمد البغدادي، انظر: تهذيب الكمال (30/ 428) وقال الذهبي عن وحشي بن حرب: لين، وقال الحافظ: مستور. =

فصل

فصل من الحسان 3406 - أنه أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما يحل لنا من الميتة؟ قال: "ما طعامكم؟ " قلنا: نغتبق ونصطبح، قال: "ذاك، وأبي، الجوع، فأحلّ لهم الميتة على هذه الحالة". فسّروا قوله: نغتبق، ونصطبح: أي قدح غدوة وقدح عشيةً. قلت: رواه أبو داود في الأطعمة من حديث الفضل بن دكين عن عقبة بن وهب بن عقبة العامري عن أبيه عن الفُجيع العامري. (¬1) والتفسير الذي ذكره المصنف نقله أبو داود عن الفضل بن دكين أن عقبة فسره له بذلك، وعقبة بن وهب، قال فيه يحيى بن معين: صالح، وقال علي ابن المديني: قلت لسفيان بن عيينة: عقبة بن وهب، فقال: ما كان ذاك يدري ما هذا الأمر ولا كان من شأنه، يعني الحديث. (¬2) والظاهر أن القدح هنا من اللبن بالغداة، والقدح من العشي يمسك الرمق ويقيم النفس ولا يشبع الشبع التام، فأباح لهم - صلى الله عليه وسلم - مع ذلك الميتة. وفيه: ما يدل على أن تناول الميتة مباح إلى أن تأخذ النفس حاجتها من القوت. والفجيع: بضم الفاء وفتح الجيم وسكون الياء آخر الحروف وبعدها عين مهملة. ¬

_ = انظر: الثقات لابن حبان (7/ 564)، والكاشف (2/ 348)، والتقريب (7449). لكن صدقة بن خالد ثقة، أظن تغيّرت عبارة المؤلف. (¬1) أخرجه أبو داود (3817). وإسناده فيه عقبة بن وهب العامري يحدث عن أبيه وقال في "التقريب" (4689): مقبول. وقال الذهبي في الميزان (3/ 87): لا يعرف، وخبره لا يصح. ووهب بن عقبة: مستور. (¬2) انظر: مختصر السنن (5/ 327).

ونغتبق: بنون مفتوحة وغين معجمة ومثناة من فوق وموحدة مكسورة أي نشرب بالعشي، قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ذاك وأبي الجوع" قال الخطابي (¬1): هي كلمة جارية على لسان العرب تستعملها في خطابها تريد بها التأكيد، وقد ورد النهي عن الحلف بالآباء، ويحتمل أن يكون هذا ورد قبل النهي. 3407 - أن رجلًا قال: يا رسول الله إنا نكون بالأرض، فتصيبنا بها المخمصة، فمتى تحل لنا الميتة؟ قال: "ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا، أو تحتفؤا بها بقلًا، فشأنكم بها" معناه: إذا لم تجدوا بها صبوحًا أو غبوقًا ولم تجدوا بقلةً تأكلونها، حلت لكم الميتة. قلت: رواه المصنف في "شرح السنة" من حديث أبي عبيد القاسم بن سلام عن محمد بن كثير عن الأوزاعي عن حسان بن عطية عن أبي واقد الليثي به. (¬2) وقوله: معناه "إذا لم تجدوا بها صبوحًا"، إلى آخره، هو من كلام البغوي، وهو تفسير صحيح، قاله رادًّا به علي أبي عبيد، فإنه قال: معناه إنما لكم منها يعني الميتة الصبوح وهو الغداء، أو الغبوق وهو العشاء فليس لكم أن تجمعوهما من الميتة، وهذا بعيد. قوله: أو تحتفؤا بها، قال أبو عبيد (¬3): بلغني أنه من الحفا بالحاء المهملة مهموز مقصور وهو أصل البردي الأبيض الرطب منه، وهو يؤكل، يقول: ما لم تقتلعوا هذا هو بعينه فتأكلوه، وقيل: صوابه "ما لم تحتفوا بها بقلًا" مخفف الفاء غير مهموز، وكل شيء استؤصل فقد احتفي ومنه إحفاء الشعر، وقال الأصعمي: ¬

_ (¬1) انظر: معالم السنن (4/ 234 - 235) وليس فيه النص كاملا. (¬2) أخرجه البغوي في شرح السنة (3/ 327). وهو كذلك في مسند أحمد (5/ 218)، والدارمي (2/ 88). وإسناده حسن بطرقه وشواهده. وفي الباب عن الحسن البصري عن سمرة بن جندب عند أبي عبيد في غريب الحديث (1/ 61)، والحاكم (4/ 135)، والبيهقي (9/ 357). (¬3) انظر: غريب الحديث لأبي عبيد (1/ 60).

باب الأشربة

لا أعرفها بالحاء المهملة وأراها بالخاء المعجمة أي تقتلعونه من الأرض وتظهرونه، وقيل هي بالجيم أي تقتلعونه وترمون به من قولهم "جفأت الرجل" إذا ضربت به الأرض. باب الأشربة من الصحاح 3408 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتنفس في الشرب ثلاثًا، ويقول: "إنه أروأ، وأبرأ، وأمرأ". قلت: رواه مسلم وأبو داود والترمذي ثلاثتهم في الأشربة، والنسائي في الوليمة من حديث أبي عصام عن أنس يرفعه، وأبو عصام لا نعرف اسمه وانفرد به مسلم وليس له في كتابه سوى هذا الحديث. (¬1) وأروى: هو من الري أي أكثر ريًّا، و "أبرأ وأمرأ" مهموزان أي أبرأ من ألم العطش، وقيل: أسلم من مرض وأذى يحصل بسبب الشرب في نَفَس واحد، ومعنى أمرى: أي أكمل إشباعًا. 3409 - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الشرب مِنْ في السقاء. قلت: رواه الجماعة في الأشربة من حديث ابن عباس، ولم يخرجه مسلم. (¬2) 3410 - قال: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن اختناث الأسقية، يعني: أن تكسر أفواهها، فيشرب منها. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2028)، وأبو داود (3727)، والترمذي (1884)، والنسائي في الكبرى (6888). وقد ذكره المزي في تهذيب الكمال (34/ 87 - 88)، وذكر له عدة أسامي، منها: ثمامة، وخالد بن عبيد، نقلًا عن البخاري. (¬2) أخرجه البخاري (5629)، وأبو داود (3719)، والترمذي (1825)، والنسائي (7/ 240).

قلت: رواه الجماعة كلهم في الأشربة من حديث أبي سعيد الخدري يرفعه. (¬1) و"اختناث الأسقية": هو بخاء معجمة ثم تاء مثناة من فوق ثم نون ثم ألف ثم مثلثة وقد فسره في الحديث، وأصل هذه الكلمة التكسر والإنطواء. واتفقوا على أن هذا النهي نهي تنزيه لا تحريم، ثم قيل سببه أنه لا يأمن أن يكون في السقاء ما يؤذيه، فيدخل في جوفه ولا يدري، وقيل لأنه ينتنه أو لأنه مستقذر، ويدل على أن النهي ليس للتحريم، ما روى الترمذي عن كبشة بنت ثابت وهي أخت حسان بن ثابت، قالت: "دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فشرب من قربة معلقة قائمًا فقمت إلى فيها فقطعته". قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقطعها لفي القربة: لتصون مواضع إصابة فم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الابتذال، وعن أن يمسه كل من أراد القربة، وللتبرك بذلك. (¬2) 3411 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه نهى أن يشرب الرجل قائمًا. قلت: رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه كلهم هنا ولم يخرجه البخاري (¬3)، وفي مسلم قال قتادة: "فقلنا والأكل؟ قال: ذاك أشر وأخبث". قال النووي (¬4): الصواب أن النهي محمول على كراهة التنزيه لما سيأتي من حديث ابن عباس وعلي رضي الله عنهما وسيأتي ذلك بعد هذا الحديث بحديث واحد. 3412 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يشربن أحد منكم قائمًا، فمن نسي فليستقِىءْ". قلت: رواه مسلم هنا من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري (¬5)، قال ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5625)، ومسلم (2023)، وأبو داود (3720)، والترمذي (1890)، وابن ماجه (3418). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (13/ 280 - 281). (¬3) أخرجه مسلم (2024)، وأبو داود (3717)، والترمذي (1879)، وابن ماجه (3424). (¬4) المصدر السابق (13/ 283). (¬5) أخرجه مسلم (2026).

النووي (¬1): يستحب لمن شرب قائمًا أن يتقيأ لهذا الحديث الصحيح الصريح، فإن ذلك إذا تعذر حمله على الوجوب حمل على الاستحباب، ورد على القاضي عياض في ما قاله من تضعيف الحديث (¬2)، ونقله عن أهل العلم لأنه لا خلاف عندهم في أن من شرب قائمًا لا استقاء عليه، قال النووي: ونبه - صلى الله عليه وسلم - أن العامد من باب الأولى. 3413 - قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بدلو من ماء زمزم فشرب وهو قائم. قلت: رواه الشيخان، والترمذي والنسائي وابن ماجه في الحج من حديث ابن عباس. (¬3) 3414 - أنه صلى الظهر، ثم قعد في حوائج الناس في رحبة الكوفة، حتى حضرت صلاة العصر، ثم أتي بماء، فشرب وغسل وجهه ويديه، وذكر رأسه ورجليه، ثم قام، فشرب فضله وهو قائم، ثم قال: إن ناسًا يكرهون الشرب قائمًا، وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - صنع مثل ما صنعت. قلت: رواه البخاري في الشرب قائمًا بهذا اللفظ، وأبو داود في الأشربة مختصرًا والترمذي في الشمائل، والنسائي في الطهارة من حديث النزال ابن سبرة عن علي (¬4) وفي بعض روايات الحديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صنع مثل ما صنعت، وقال: هذا وضوء من لم يحدث، وهذا يشهد لما قدمناه عن النووي من أن النهي عن الشرب قائمًا نهي تنزيه. ¬

_ (¬1) المصدر السابق (13/ 284). (¬2) انظر كلام القاضي عياض في إكمال المعلم (6/ 491). (¬3) أخرجه البخاري (1637)، مسلم (2027)، والترمذي (1882)، والنسائي (5/ 237)، وابن ماجه (3422). (¬4) أخرجه البخاري (5616)، وأبو داود (3718)، والنسائي (1/ 84).

قال النووي (¬1): ومن ادعى نسخًا أو غيره فقد غلط غلطًا فاحشًا، وكيف يصار إلى النسخ مع إمكان الجمع بين الأحاديث لو ثبت التاريخ، وأنى له بذلك، وفعله - صلى الله عليه وسلم - ذلك لبيان الجواز، وليس بمكروه في حقه، بل البيان واجب عليه - صلى الله عليه وسلم -، وقد بين بالفعل، فكيف يكون مكروهًا بخلاف غيره - صلى الله عليه وسلم - فإنه مكروه في حقه. 3415 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على رجل من الأنصار، ومعه صاحب له، فسلم، فرد الرجل، وهو يحوّل الماء في حائط، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن كان عندك ماء بات في شنةٍ، وإلا كرعنا"، فقال: عندي ماءٌ بات في شن. فانطلق إلى العريش، فسكب في قدح ماءً، ثم حلب عليه من داجن، فشرب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وشرب الرجل الذي جاء معه. قلت: رواه البخاري في باب شرب اللبن بالماء وفي غيره، من حديث جابر ولم يخرجه مسلم. (¬2) والشنّ والشنّة: القربة الخلقة وهي أشد تبريدًا للماء من الجدد، والجمع الشنان (¬3)، و"إلا كرعنا" أي شربنا الماء بأفواهنا من غير شرب بإناء ولا بكف، وسمي شرب البهائم كرعًا لأنها تدخل في الماء أكارعها. والعريش: المسقف من البستان بالأغصان. وأكثر ما يكون في الكرم. 3416 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الذي يشرب في إناء الفضة، إنما يجرجر في بطنه نار جهنم". قلت: رواه البخاري في الأشربة، ومسلم في اللباس، والنسائي في الوليمة وابن ماجه في الأشربة كلهم من حديث أم سلمة ترفعه. (¬4) ¬

_ (¬1) المنهاج (13/ 283 - 284). (¬2) أخرجه البخاري (5613). (¬3) انظر: النهاية لابن الأثير (2/ 506). (¬4) أخرجه البخاري (5634)، ومسلم (2065)، وابن ماجه (3413)، والنسائي في الكبرى (6873).

و "يجرجر": بضم الياء المثناة من تحت، قال النووي (¬1): أتفق أهل اللغة وغيرهم على كسر الجيم الثانية، واختلفوا في راء النار في هذا الحديث، فنقلوا فيها النصب والرفع، وهما مشهوران في الرواية، والنصب هو الصحيح، ويؤيده رواية "يجرجر نارًا من جهنم" وعلى هذا الفاعل هو الشارب مضمر في يجرجر أي يلقيها في بطنه يجرع متتابعة، يسمع له جرجرة، وهو الصوت، لتردده في الحلق. وعلى الرفع تكون النار فاعله، ومعناه: تصوت النار في بطنه، والجرجرة: هي التصويت، وسمي المشروب "نارًا" لأنه يؤول إليها، وجهنم لا تنصرف للعلمية والعجمة. - وفي رواية: "إن الذي يأكل ويشرب في آنية الفضة والذهب .. ". قلت: رواها مسلم في الأطعمة أيضًا من حديث أم سلمة، ولم يذكر البخاري في حديث أم سلمة الأكل ولا ذكر الذهب. (¬2) 3417 - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تلبسوا الحرير، ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا، وهي لكم في الآخرة". قلت: رواه الجماعة: الشيخان في الأطعمة، وأبو داود والترمذي وابن ماجه مقتصرًا على ذكر الذهب والفضة، ثلاثتهم في الأشربة، والنسائي في الزينة من حديث حذيفة. (¬3) والديباج: هو الثياب المتخذة من الأبر يسم فارسي معرب، وقد تفتح داله وتجمع على ديابج. ¬

_ (¬1) المنهاج (14/ 40). (¬2) أخرجها مسلم (2065). (¬3) أخرجه البخاري في الأطعمة (5426)، وفي الأشربة (5633)، ومسلم (2067)، وأبو داود (3723)، والترمذي (1878)، وابن ماجه (3414)، والنسائي (8/ 198).

3418 - قال: حُلبت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاة داجن، وشيب لبنها بماء من البئر التي في دار أنس، فأعطي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القدح فشرب، وعلى يساره أبو بكر وعن يمينه أعرابي، فقال عمر: أعط أبا بكر يا رسول الله! فأعطى الأعرابي الذي على يمينه، ثم قال: "الأيمن فالأيمن". قلت: رواه مالك والجماعة إلا النسائي، كلهم في الأشربة من حديث أنس. (¬1) والداجن: بكسر الجيم هي التي تعلف في البيوت، وتطلق الداجن أيضًا على كل ما يألف البيت من طير وغيره، وشيب: بشين معجمة مكسورة ومثناة من تحت ساكنة، وموحدة أي خلط. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الأيمن فالأيمن" يحتمل النصب على إضمار ناول الأيمن، والرفع على الابتداء أي الأيمن أولى، قاله في شرح السنة (¬2)، والرواية التي ذكرها المصنف بعد هذا تؤيد الرفع وهي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الأيمنون الأيمنون". - وفي رواية: "الأيمنون، الأيمنون، أَلا فيمنوا". قلت: رواها البخاري في الهبة (¬3) من حديث أنس أيضًا. والتيمن: الابتداء في الأفعال باليد اليمنى، والرجل اليمنى، والجانب الأيمن. 3419 - قال: أُتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بقدح، فشرب منه، وعلى يمينه غلامٌ أصغر القوم والأشياخ عن يساره، فقال: يا غلام أتأذن أن أعطيه الأشياخ؟ فقال: ما كنت لأوثر بفضلٍ منك أحدًا يا رسول الله! فأعطاه إياه. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5612)، ومسلم (2029)، وأبو داود (3726)، والترمذي (1893)، وابن ماجه (3425)، والنسائي في الكبرى (6861). فقد أخرجه في الأشربة المباحة. (¬2) شرح السنة (11/ 386). (¬3) أخرجه البخاري (2571).

من الحسان

قلت: رواه البخاري في الشرب، ومسلم في الأشربة من حديث سهل بن سعد الساعدي (¬1)، وقد جاء في مسند أبي بكر بن أبي شيبة أن هذا الغلام هو: عبد الله بن عباس، ومن الأشياخ خالد بن الوليد رضي الله عنهم. (¬2) وإنما استأذن الشاب في هذا الحديث ولم يستأذن الأعرابي في حديث أنس المتقدم إدلالًا على الغلام، وثقة بإيمانه بخلاف الأعرابي فإنه ربما يخشى عليه الفتنة إذا قيل له ذلك، قال النووي (¬3): وقد نص أصحابنا وغيرهم من العلماء على أنه لا يؤثر بالقرب. وإنما الإيثار المحمود ما كان من حظوظ النفوس دون الطاعات قالوا: فيكره أن يؤثر غيره بموضعه من الصف الأول، وكذا نظائره. 3420 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ساقي القوم آخرهم -يعني- شربًا". قلت: رواه مسلم في الصلاة في حديث الميضأة وهو حديث طويل ورواه الترمذي وابن ماجه كلاهما مختصرًا في الأشربة كما رواه المصنف وكذلك النسائي في الوليمة ولم يخرج البخاري هذا الحديث، وقد ذكره المصنف أطول من هذا في المعجزات في أواخر المصابيح. (¬4) من الحسان 3421 - قال: كنا نأكل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نمشي، ونشرب ونحن قيام. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5620)، ومسلم (2030). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (13/ 291). (¬3) المنهاج (14/ 292). (¬4) أخرجه مسلم (681)، والترمذي (1894)، وابن ماجه (3434)، والنسائي في الكبرى (1583).

قلت: رواه الترمذي في الأشربة، وابن ماجه في الأطعمة كلاهما من حديث ابن عمر بن الخطاب وقال الترمذي: حسن صحيح غريب. (¬1) 3422 - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشرب قائمًا وقاعدًا. قلت: رواه الترمذي في الأشربة من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وقال: حسن. (¬2) 3423 - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتنفس في الإناء، أو ينفخ فيه. قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه هنا من حديث ابن عباس، وقد أخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي النهي عن التنفس في الإناء من حديث أبي قتادة، وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يتنفس في الإناء ثلاثًا من حديث أنس والجمع بينهما بيّن، والله أعلم. (¬3) 3424 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تشربوا واحدًا كشُرب البعير، ولكن اشربوا مثنى وثلاث، وسَمّوا إذا أنتم شربتم، واحمدوا إذا أنتم رفعتم". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1880)، وابن ماجه (3301). ورجاله ثقات، لكن إسناده معلول فقد أعله ابن معين وأحمد بن حنبل والبخاري وعلي بن المديني، بأن حفص بن غياث توهم فيه، وإنما هو حديث عمران بن حدير عن أبي البزري: يزيد بن عطارد، وقد ترجم له الحافظ في التقريب (8011) وقال: مقبول. وقد بين الترمذي في علله الكبير (2/ 791 - 792)، والخطيب في تاريخه (8/ 195) علة هذا الحديث بتفصيل فراجعهما، وصحح إسناده الشيخ الألباني - رحمه الله - في الصحيحة (3178). (¬2) أخرجه الترمذي (1883). (¬3) أخرجه أبو داود (3728)، والترمذي (1888)، وابن ماجه (3428) (3429) وإسناده صحيح. انظر: مختصر المنذري (5/ 286)، والإرواء (1977).

قلت: رواه الترمذي هنا من حديث ابن عطاء بن أبي رباح عن أبيه عن ابن عباس يرفعه، وقال: غريب، انتهى. وابن عطاء لم يسم. (¬1) 3425 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن النفخ في الشراب، فقال رجل: القذاة أراها في الإناء؟ قال: "أهرقها". قال: فإني لا أروى من نفسٍ واحدٍ؟ قال: "فأَين القدح عن فيك، ثم تنفّس". قلت: رواه مالك في الموطأ، والترمذي من طريقه كلاهما في الأشربة من حديث أبي سعيد الخدري، وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬2) 3426 - قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الشرب من ثُلمة القدَح، وأن يُنفخ في الشراب". (صح). قلت: رواه أبو داود هنا من حديث أبي سعيد الخدري وفي إسناده قرة بن عبد الرحمن بن حيويل المصري أخرج له مسلم مقرونًا بعمرو بن الحارث وغيره، وقال أحمد: منكر الحديث جدًّا، وقال يحيى بن معين: ضعيف. (¬3) وثلمة القدح: موضع الكسر منه وهو بالثاء المثلثة. 3427 - قالت: دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فشرب من في قِربة معلقة، قائمًا، فقمت إلى فيها فقطعته". (صحيح). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1885). وفيه يزيد بن سنان الجزري وهو ضعيف كما قال الحافظ في التقريب (7778)، وشيخه وهو ابن -عطاء بن أبي رباح- لم يسم قال الحافظ" كأنه يعقوب وإلا فمجهول". انظر: التقريب (8555). وقد أشار ابن عبد البر في التمهيد (1/ 398) إلى ضعف هذا الحديث. (¬2) أخرجه الترمذي (1887)، ومالك في الموطأ (2/ 925). وفي إسناده أبو المثنى الجهني: قال عنه الحافظ: مقبول، التقريب (8405). (¬3) أخرجه أبو داود (3722). وقرة بن عبد الرحمن: قال الحافظ: صدوق له مناكير، التقريب (5576). وانظر قول الإمام أحمد في: بحر الدم فيمن تكلم فيه الإمام أحمد بمدح أو ذم رقم (845)، وانظر كذلك: الجرح والتعديل (6/ 132)، وتهذيب التهذيب (8/ 374)، وميزان الاعتدال (3/ 388).

قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما هنا من حديث كبشة، ويقال كبيشة بنت ثابت الأنصارية، وليس لها في الكتب الستة غير هذا الحديث، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب. (¬1) 3428 - قالت: كان أحبّ الشراب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الحُلْو البارد. قلت: رواه الترمذي هنا، وقال: الصحيح أنه عن الزهري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسل. (¬2) 3429 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أكل أحدكم طعامًا، فليقل: اللهم بارك لنا فيه، وأطعمنا خيرًا منه، وإذا سُقي لبنًا، فليقل: اللهم بارك لنا فيه، وزدنا منه، فإنه ليس شيء يجزىء من الطعام والشراب إلا اللبن". قلت: رواه أبو داود والترمذي هنا من حديث عمر بن حرملة عن ابن عباس وقال الترمذي: حسن. (¬3) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإنه ليس شيء يجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1892)، وابن ماجه (3423). وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه الترمذي (1895). واختلف فيه على معمر في وصله وإرساله، فوصله سفيان بن عينية عن معمر وأرسله عبد الرزاق وابن المبارك، وتابع معمرًا على إرساله يونس بن يزيد الأيلي، وصوّب إرساله غير واحد من الأئمة. وبه قال ابن أبي حاتم في العلل (2/ 36) عن أبي زرعة. وقال الدارقطني: والمرسل أشبه، وانظر كتاب: مرويات الإمام الزهري المعلة في كتاب العلل للدارقطني للدكتور/ عبد الله دمفو (2/ 619 - 628). وانظر كذلك: هداية الرواة (4/ 183). (¬3) أخرجه أبو داود (3730)، والترمذي (3455) وفي إسناده: علي بن زيد وهو ابن جدعان وهو ضعيف وعمر بن أبي حرملة مجهول. وقال الحافظ في "أمالي الأذكار" بعد تخريجه فيما نقله عنه ابن علان (5/ 238): هذا حديث حسن يعني بطرقه، فإن مدار الحديث عند جميع من خرجه على علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف وهو عنده ضعيف لا يحسن حديثه إلا بالمتابعة والشواهد. وقد رواه ابن ماجه (3322) من طريق أخرى ضعيفة وبه يحسن الحديث. انظر: الصحيحة (2320).

باب النقيع والأنبذة

قال الخطابي (¬1): هذا لفظ مسدد وهو الذي روى عنه أبو داود هذا الحديث، وظاهر اللفظ يوهم أنه من تتمة الحديث وليس كذلك. 3430 - قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُستعذب له الماء من السُّقيا. قيل: هي عين، بينها وبين المدينة يومان. قلت: رواه أبو داود وبه ختم كتاب الأشربة من حديث عائشة (¬2)، وقول المصنف: قيل: هي عين إلى آخره من كلام قتيبة كما صرح به أبو داود، ومعنى يستعذب: أي يحضر له الماء العذب، وهو الطيب الذي لا ملوحة فيه، والسقيا مقصورة وهي بضم السين المهملة وسكون القاف وبعدها ياء آخر الحروف وألف. باب النقيع والأنبذة من الصحاح 3431 - لقد سَقيت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بَقَدحي هذا الشراب كله: العسل، والنبيذ، والماء، واللبن. قلت: رواه مسلم في الأشربة من حديث أنس، ولم يخرجه البخاري (¬3)، وخرج عن عاصم الأحول قال: "رأيت قدح النبي - صلى الله عليه وسلم - عند أنس بن مالك وكان قد انصدع فسلسله بفضة، وهو قدح جيد عريض من نضار، قال: قال أنس: لقد سقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا القدح أكثر من كذا وكذا. ¬

_ (¬1) لم أجد هذا الحديث في كتاب معالم السنن (4/ 255)، في باب: ما يقول إذا شرب اللبن، المطبوع من دار الكتب العلمية. بيروت. وذكر الحديث في مختصر المنذري (5/ 287) مع معالم السنن، ولم أجد فيه قول الخطابي هذا. (¬2) أخرجه أبو داود (3735) وإسناده جيد كما قال الحافظ في الفتح (10/ 74). (¬3) أخرجه مسلم (3008).

قال في المشارق (¬1): من نضار: بضم النون وبالضاد المعجمة أي من خشب جيد، والنضار: الخالص من كل شيء، يقال: قدحٌ نضارٌ على الصفة، وقدحُ نضارٍ على الإضافة، والنضار: الأثل. 3432 - كنا ننبذ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سقاء يوكأ أعلاه، وله عَزْلاء، ننبذه غدوة، فيشربه عشاءً، وننبذه عشاءً، فيشربه غدوة. قلت: رواه مسلم في الأشربة من حديث عائشة، ولم يخرجه البخاري. (¬2) ويوكأ أعلاه: أي يشد، من الإيكاء: وهو الشد، والوكاء الشداد، قوله: وله عزلاء: هو بفتح العين المهملة وبالزاي المعجمة على وزن فعلاء، قال ابن الأثير (¬3) العزلاء: فم المزادة الأسفل، والجمع: العزائل وأصله العزالي، انتهى. قال بعضهم: جمع العزلاء: العزالي بفتح اللام وكسرها مثل صحارى وصحاري بالكسر والفتح. 3433 - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينبذ له أول الليل، فيشربه إذا أصبح يومه ذلك، والليلة التي تجيء، والغد، والليلة الأخرى، والغد إلى العصر، فإن بقي شيءٌ سقاه الخادم، أو أمر به فصُب. قلت: رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه كلهم في الأشربة من حديث ابن عباس ولم يخرجه البخاري (¬4)، قال أبو داود: ومعنى "سقاه الخادم": يبادر به الفساد. 3434 - قال: كان ينبذ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سقاءٍ، فإذا لم يجدوا له سقاءً، نبذ له في تورٍ من حجارة. ¬

_ (¬1) مشارق الأنوار (2/ 17)، والنهاية لابن الأثير (5/ 71). (¬2) أخرجه مسلم (2005). (¬3) النهاية لابن الأثير (3/ 231). (¬4) أخرجه مسلم (2004)، وأبو داود (3713)، والنسائي (8/ 333)، وابن ماجه (3399).

قلت: رواه مسلم فيه من حديث جابر، ولم يخرجه البخاري. (¬1) والتور: بفتح التاء المثناة من فوق هو إناء من صفر أو حجارة ونحوهما كالإجانة. 3435 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الدباء، والحنتم، والمزفّت، والنقير، وأمر أن ينبذ في أسقية الأدم. قلت: رواه مسلم من حديث عمر بن الخطاب ولم يخرجه البخاري (¬2). والدباء: بضم الدال المهملة وتشديد الموحدة ممدود هو القرع، واحدها دباءة كانوا ينبذون فيه فيسرع الشدة في الشراب، والحنتم: بحاء مهملة مفتوحة، ونون ساكنة ومثناة من فوق وميم، جرارٌ مدهونة خضر، كانت يحمل الخمر فيها إلى المدينة ثم اتسع فيها فقيل للخزف كله حنتم، واحدتها حنتمة، وإنما نهي عنها لأنها تسرع الشدة فيها، وقيل: لأنها كانت تعمل من طين يعجن بالدم والشعير، فنهي عنها ليمتنع من عملها، والأول أوجه، والمزفت: بضم الميم وبالزاي المعجمة والفاء المثناة هو ما يطلى بالزفت وهو نوع من القار، والنقير: هو أصل النخلة ينقر وسطها ثم ينبذ فيه التمر ويلقى عليه الماء ليصير نبيذًا مسكرًا، والنهي واقع على ما يعمل فيه، لا على اتخاذ النقير فيكون على حذف مضاف تقديره: عن نبذ النقير، وتحريم الانتباذ في هذه الظروف كان في صدر الإسلام ثم نسخ، وأبيح لهم الانتباذ في كل وعاء بشرط أن لا يشربوا مسكرًا، وقد ذكر المصنف الناسخ لذلك بعد هذا الحديث إشارة إلى أن هذا منسوخ، وهكذا صنيعه يقدم المنسوخ على الناسخ. 3436 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "نهيتكم عن الظروف، فإن ظرفًا لا يحل شيئًا ولا يحرمه، وكل مسكر حرام". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1999). (¬2) أخرجه مسلم (1997).

من الحسان

قلت: رواه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه في الأشربة من حديث بريدة يرفعه، ولم يخرجه البخاري. (¬1) - وفي رواية قال: "نهيتكم عن الأشربة إلا في ظروف الأدم، فاشربوا في كل وعاء، غير أن لا تشربوا مسكرًا". قلت: رواها مسلم فيه من حديث بريدة، ولم يخرجها البخاري. (¬2) والأدم: بفتح الهمزة والدال جمع الأديم، وهو الجلد. من الحسان 3437 - سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ليشربن ناسٌ من أمتي الخمر، يسمونها بغير اسمها". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه من حديث أبي مالك الأشعري وفي إسناده: حاتم بن حريث الطائي الحمصي، سئل عنه أبو حاتم الرازي؟ فقال: شيخ، وقال يحيى بن معين: لا أعرفه. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1977)، والترمذي (1869)، والنسائي (8/ 310)، وابن ماجه (3405). (¬2) أخرجها مسلم (1977). (¬3) أخرجه أبو داود (3688)، وابن ماجه (4020). وإسناده ضعيف لجهالة مالك بن أبي مريم. قال الحافظ ابن حجر في التقريب (6490): مقبول. وحاتم بن حريث قال الحافظ: مقبول، التقريب (1004). انظر: مختصر المنذري (5: 271). وله شواهد من الصحابة يصح بها الحديث منها عند النسائي (8/ 312)، والطيالسي (586)، وأحمد (4/ 237) انظر: الصحيحة (90 - 91).

باب تغطية الأواني وغيرها

باب تغطية الأواني وغيرها من الصحاح 3438 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان جُنح الليل، أو أمسيتم، فكُفّوا صبيانكم، فإن الشيطان ينتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من الليل، فخلوهم، وأغلقوا الأبواب، واذكروا اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح بابًا مغلقًا، وأوكوا قربكم واذكروا اسم الله، وخمّروا آنيتكم، واذكروا اسم الله، ولو أن تعرضوا عليه شيئًا، وأطفئوا مصابيحكم". قلت: رواه الشيخان بهذا اللفظ في الأشربة، وأبو داود فيه، والنسائي في اليوم والليلة كلهم من حديث عطاء بن أبي رباح عن جابر يرفعه. (¬1) و"جنح الليل" قال الجوهري (¬2): جُنْح الليل وجِنْحُه: يعني بالضم والكسر طائفة منه، وقال في شرح السنة (¬3): هو أول ما يظلم، قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولو أن تعرضوا عليه شيئًا" قال النووي (¬4): المشهور في ضبطه فتح التاء وضم الراء، وهكذا قال الأصمعي والجمهور، ورواه أبو عبيد بكسر الراء، والصحيح الأول، ومعناه: تمده عليه عرضًا، وهذا عند عدم ما يغطيه به. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5623)، ومسلم (2012)، وأبو داود (3732)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (745) (746). (¬2) الصحاح للجوهري (1/ 360). (¬3) شرح السنة (11/ 391). (¬4) المنهاج (13/ 264 - 265).

3439 - في رواية: "خمّروا الآنية، وأوكوا الأسْقية، وأجيفوا الأبواب، وأكفتوا صبيانكم عند المساء، فإن للجن انتشارًا وخِطفة، وأطفِئُوا المصابيح عند الرُّقاد، فإن الفويسقة ربما اجترت الفتيلة، فأحرفت أهل البيت". قلت: رواها البخاري فيه من حديث جابر. (¬1) وأجيفوا الأبواب: بهمزة القطع وجيم وياء آخر الحروف وفاء من أجفت الباب إذا رددته، وأكفتوا: بكسر الفاء من كفت الشيء أكفته كفتًا إذا ضممته، وأطفئوا المصابيح: همزته همزة قطع، والفويسقة: الفأرة تصغير فاسقة لخروجها من جحرها على الناس وإفسادها. 3440 - وفي رواية: "غطُّوا الأناء، وأوكوا السقاء، وأغلقوا الباب، وأطفئوا السراج، فإن الشيطان لا يُحلّ سقاءً، ولا يفتح بابًا، ولا يكشف إناء، فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عودًا، ويذكر اسم الله عليه، فليفعل، فإن الفويسقة تُضرم على أهل البيت بيتهم". قلت: رواها مسلم، وابن ماجه كلاهما في الأشربة من حديث الليث عن أبي الزبير عن جابر. (¬2) وتضرم: أي تحرق سريعًا وهو بضم التاء وإسكان الضاد المعجمة. 3441 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا ترسلوا فَواشِيكم وصبيانكم إذا غابت الشمس، حتى تذهب فحمة العشاء، فإن الشيطان يُبعث إذا غابت الشمس، حتى تذهب فحمة العشاء". قلت: رواه مسلم من حديث زهر عن أبي الزبير عن جابر (¬3)، قوله: "لا ترسلوا فواشيكم" قال أهل اللغة (¬4): الفواشي كل شيء منتشر من المال والإبل والغنم وسائر ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3316). (¬2) أخرجه مسلم (2012)، وابن ماجه (3410). (¬3) أخرجه مسلم (2013). (¬4) النهاية (3/ 449).

البهائم وغيرها، وهو جمع فاشية لأنها تفشوا أي تنتشر في الأرض، و "فحمة العشاء": ظلمتها وسوادها، وفسرها بعضهم هنا بإقباله وأول ظلامه، قال: ويقال للظلمة التي بين صلاتي المغرب والعشاء الفحمة والتي بين العشاء والفجر العسعسة. 3442 - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "غطوا الإناء، وأوكُوا السقاء، فإن في السنة ليلة، ينزل فيها وباءٌ، لا يمر بإناء ليس عليه غطاءٌ، أو سقاءٌ ليس عليه وكاءٌ، إلا نزل فيه من ذلك الوباء". قلت: رواه مسلم في الأشربة من حديث القعقاع بن حكيم عن جابر يرفعه (¬1)، قال الليث: فالأعاجم عندنا يتّقون ذلك في كانون الأول. والوباء: تمد وتقصر لغتان، قال الجوهري (¬2) وغيره: والقصر أشهر، وهو مرض عام يفضي إلى الموت غالبًا، وكانون: غير مصروف للعلمية والعجمة، وهو الشهر المعروف. 3443 - قال: جاء أبو حميد -رجلٌ من الأنصار- من النقيع بإناءٍ من لبن إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ألا خمّرته؟ ولو أن تعرض عليه عودًا". قلت: رواه الشيخان في الأشربة من حديث الأعمش عن أبي صالح ذكوان وأبي سفيان عن جابر. (¬3) 3444 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون". قلت: رواه البخاري في الاستئذان ومسلم في الأشربة، وأبو داود وابن ماجه كلاهما في الأدب، والترمذي في الأطعمة كلهم من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب. (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2014). (¬2) الصحاح (1/ 97). (¬3) أخرجه البخاري (5605)، ومسلم (2011). (¬4) أخرجه البخاري (6293)، ومسلم (2015)، وأبو داود (5246)، والترمذي (1813)، وابن ماجه (3769).

من الحسان

3445 - وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن هذه النار إنما هي عدو لكم، فإذا نمتم فأطْفئوها عنكم". قلت: رواه الشيخان في الاستئذان، وابن ماجه في الأدب كلهم من حديث أبي موسى الأشعري يرفعه. (¬1) من الحسان 3446 - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا سمعتم نباح الكلاب، ونهيق الحمار من الليل، فتعوذوا بالله من الشيطان الرجيم، فإنهن يَرَيْن ما لا ترون، وأقِلّوا الخروج إذا هدأت الأرجل، فإن الله عز وجل يبث من خلقه في ليله ما يشاء، وأجيفوا الأبواب، واذكروا اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح بابًا إذا أجيف وذكر اسم الله عليه، وغطّوا الجرار، وأكْفِئوا الآنية، وأوكوا القِرَب". قلت: روى أبو داود القطعة الأولى منه إلى قوله: "وأجيفوا الأبواب" من حديث جابر بسند لا تقوم به حجة (¬2)، ورواه المصنف بتمامه في شرح السنة (¬3) بسند فيه محمد بن إسحاق، وقال فيه: حسن صحيح، قال الكسائي: يقال كفأت الإناء، إذا كببته، وأكفأته وكفأته أيضًا إذا أملته لتفرغ ما فيه، والمراد به هنا قلب الآنية كيلا يدبّ عليها شيء أو تتنجس. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6294)، وابن ماجه (3770). (¬2) أخرجه أبو داود (5103) (5104). (¬3) ورواه البغوي في شرح السنة (11/ 392) رقم (3060) وإن كان في إسناده عنعنة ابن إسحاق ولكن الحديث بمجموع طرقه صحيح. فقد صرح ابن إسحاق بالتحديث كما عند أحمد (3/ 306). وابن حبان (5518)، وأبو يعلى (2221). (¬4) انظر: النهاية لابن الأثير (4/ 183).

3447 - قال: جاءت فأرة تجر الفتيلة، فألقتها بين يديْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الخُمرة التي كان عليها قاعدًا، فأحرقت منها مثل موضع الدرهم، فقال: "إذا نمتم فأطفئوا سُرُجكم، فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا فيحرقكم". قلت: رواه أبو داود في الأدب فقال: حدثنا سليمان بن عبد الرحمن التمار قال حدثنا عمرو بن طلحة قال حدثنا أسباط عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس به. (¬1) قال المنذري (¬2): وفي سنده عمرو بن طلحة وقع فيه تصحيف -وهي طبقته- فلا يحتج بحديثه، انتهى كلامه. قلت: وهذا عجب من الحافظ المنذري لأن عمرو بن طلحة هذا هو عمرو ابن حماد بن طلحة، ينسب إلى جده تارة، وإلى أبيه أخرى، كما نبه عليه المزي في التهذيب (¬3)، فلما نسبه أبو داود إلى جده، ظن الحافظ المنذري أنه منسوب إلى أبيه فلم يره في الأسماء، ويتعجب منه أيضًا في كونه توهم أنه تصحف بعمر بن طلحة، فإن عمر بن طلحة ليس من رجال أبي داود، وأعجب من ذلك كونه ظن أن عمر بن طلحة في هذه الطبقة، وهذا ليس بصحيح لأن عمر تابعي، وهذا الرجل توفي سنة اثنتين وعشرين ومائتين، وهو من شيوخ مسلم روى عنه حديثًا واحدًا، ورجال هذا الحديث رجال مسلم. والخمرة: بضم الخاء المعجمة وبالميم ثم الراء المهملة، قال ابن الأثير (¬4): هي بمقدار ما يضع الرجل عليه وجهه في سجوده، من حصير أو نسيجة خوص ونحوه، من النبات، ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (5247) وفي إسناده أسباط بن نصر الهمداني، قال الحافظ ابن حجر في التقريب (323): صدوق كثير الخطأ، يغرب أ. هـ. وكذلك رواية سماك عن عكرمة فيها اضطراب. انظر: هداية الرواة (4/ 191). (¬2) مختصر السنن (8/ 103). (¬3) انظر: تهذيب الكمال (21/ 591 - 594). (¬4) انظر: النهاية لابن الأثير (2/ 79).

ولا تكون خمرة إلا في هذا القدر، وسميت خمرة لأن خيوطها مستورة بسعفها ثم ذكر حديث ابن عباس هذا، وقال: هذا صريح في إطلاق الخمرة على الكبير من نوعها.

كَشْفُ المنَاهِجِ وَالتَّنَاقِيحِ في تَخْريِجِ أحَادِيثِ المَصَابِيحِ تَأليفُ صَدْر الدَّينِ مُحَمَّد بْنِ إبْرَاهِيم السُّلَمِيّ المُنَاوِيّ (ت: 803 هـ) قَدَّم له سَمَاحَة الشيخ/ صالح بن محمَّد اللحيْدان رئيس مجلس القضاء الأعلى وعضو هيئة كبار العلماء دِرَاسَة وتحقيق د. مُحمَّد إِسْحَاق مُحَمَّد إبْرَاهِيم جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية المُجَلّد الرابع الدار العربية للموسوعات

ح محمد إسحاق محمد إبراهيم، 1425هـ فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر المناوي، محمد بن إبراهيم كشف المناهج والتناقيح في تخريج أحاديث المصابيح./ محمد بن إبراهيم المناوي - الرياض، 1425هـ 5 - مج. ردمك: 3 - 134 - 46 - 9960 (مجموعة) 6 - 138 - 46 - 9960 (ج 4) 1 - الحديث - تخريج أ. العنوان ديوي 6، 237 3578/ 1425 رقم الإيداع: 3578/ 1425 ردمك: 3 - 134 - 46 - 9960 (مجموعة) 6 - 138 - 46 - 9960 (ج 4) الدار العربية للموسوعات الحازمية - ص. ب: 511 - هاتف: 952594/ 009615 - فاكس: 459982/ 009615 هاتف نقال: 388363/ 009613 - 525066/ 009613 - بيروت - لبنان البريد الإلكتروني: E-mail:[email protected] مؤسسها ومديرها العام: خالد العاني

كتاب اللباس

كتاب اللباس من الصحاح 3448 - قال: كان أحبّ الثياب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يلبسها: الحِبَرة. قلت: رواه الشيخان والترمذي هنا، والنسائي في الزينة كلهم من حديث أنس. (¬1) والحبرة: بالحاء المهملة المكسورة، وبعدها الموحدة المفتوحة وبعدها الراء المهملة وهي ثياب من كتان أو قطن محبرة أي مزينة. والتحبير: التزيين والتحسين يقال: ثوبٌ حبرةٌ وثوبُ حبرةٍ على الإضافة وهو أكثر استعمالًا، والحبرة مفرد، والجمع: حبر وحبرات كعنبة وعنب وعنبات. وفيه دليل لاستحباب لبس الحبرة وجواز لبس المخطط، وهو مجمع عليه. 3449 - خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات غداةٍ، وعليه مِرطٌ مُرحّل من شعر أسود. قلت: رواه مسلم وأبو داود والترمذي ثلاثتهم في اللباس من حديث عائشة ولم يخرجه البخاري. (¬2) والمِرط: بكسر الميم وسكون الراء وبعدها طاء مهملة كساءً من صوفٍ أو خز وقيل: هو الإزار، وقيل: لا يكون المرط إلا درعًا ولا يكون إلا أخضر ولا يلبسه إلا النساء، وهذا الحديث يرد على قائل ذلك. والمرحل: يروى بالحاء المهملة وبالجيم، فمن رواه بالحاء المهملة فلأن عليه صور الرحال، قال النووي (¬3): والصواب أنه بالحاء المهملة وهكذا ضبطه المتقنون. قولها: "من شعر أسود" قيدته بذلك لأن الشعر قد يكون أبيض. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5813)، ومسلم (2079)، والترمذي (1787)، والنسائي (8/ 203). (¬2) أخرجه مسلم (2081)، وأبو داود (4032)، والترمذي (2813). (¬3) المنهاج (14/ 80).

3450 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لبس جبة روميةً ضيّقة الكُمّين. قلت: رواه الشيخان وأبو داود والنسائي كلهم في الطهارة من حديث المغيرة بن شعبة مطولًا بذكر المسح على الخف، ولم أر في واحد من الصحيحين وصف الجبة إلا بأنها شامية، ورواه الترمذي في اللباس مختصرًا، ولفظ المصنف هو لفظ الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. (¬1) 3451 - قال: أخرجت إلينا عائشة كساءً ملبّدًا، وإزارًا غليظًا، فقالت: قبض روح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذين. قلت: رواه الجماعة إلا النسائي كلهم في اللباس من حديث عائشة. (¬2) و"الملبد" قال النووي (¬3): قال العلماء: هو بفتح الباء وهو المرقع، يقال: "لبدت القميص ألبده" بالتخفيف فيهما، ولبدته ألبده" بالتشديد، وقيل: هو الذي ثخن وسطه حتى صار كاللبد. 3452 - قالت: كان فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي ينام عليه أدمًا، حشوه ليف. قلت: رواه البخاري ومسلم والترمذي في اللباس من حديث عائشة. (¬4) 3453 - بينا نحن جلوس في بيتنا في حَرّ الظهيرة، قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقبلًا متقنّعًا. قلت: رواه البخاري في اللباس مطولًا من حديث عائشة يتضمن حديث الهجرة، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (363)، ومسلم (274)، وأبو داود (149)، والنسائي (1/ 62)، والترمذي (1768). (¬2) أخرجه البخاري (5818)، ومسلم (2080)، وأبو داود (4036)، والترمذي (1733)، وابن ماجه (3551). (¬3) المنهاج (14/ 80). (¬4) أخرجه البخاري (6456)، ومسلم (2082)، والترمذي (1761).

وكذا أبو داود. (¬1) قوله: "مقبلًا متقنعًا"، أي مغطيًا رأسه بالقناع بالكسر، قال الجوهري (¬2): هو أوسع من المِقْنعة، وإنما فعل - صلى الله عليه وسلم - ذلك من حر الظهيرة، وهما منصوبان على الحال، والعامل فيهما اسم الإشارة. 3454 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: "فراش للرجل، وفراش لامرأته، والثالث للضيف، والرابع للشيطان". قلت: رواه مسلم هنا من حديث جابر، ولم يخرجه البخاري. (¬3) قال الخطابي (¬4): في الحديث دليل على أن المستحب في أدب السنة أن يبيت الرجل وحده على فراش، وزوجته على فراش آخر. ولو كان المستحب لهما أن يبيتا معًا على فراش واحد لما رخص له في اتخاذ فراشين له ولزوجته، وإنما كان الرابع للشيطان لعدم الحاجة إليه، انتهى. وما قاله في الزوجه غير مسلم له، ولجواز أن يكون إنما شرع الفراش للزوجة لأن تنام فيه في زمن حيضها أو مرضٍ من أحدهما، فليس فيه دليل لاستحباب نومها وحدها مطلقًا، والله أعلم. 3455 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جرَّ إزاره بطرًا". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5807)، وأبو داود (4083). (¬2) الصحاح (3/ 1273). (¬3) أخرجه مسلم (2084). (¬4) انظر: معالم السنن (4/ 189).

قلت: رواه مالك في إسبال الثوب، آخر الموطأ، والشيخان في اللباس، والنسائي في الزينة كلهم من حديث أبي هريرة. (¬1) 3456 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من جر ثوبه خيلاء، لم ينظر الله إليه يوم القيامة". قلت: رواه الشيخان، وأبو داود ثلاثتهم هنا، والنسائي في الزينة من حديث ابن عمر الخطاب، وروى الترمذي في اللباس بزيادة ستأتي في الحسان. (¬2) والخيلاء: بالمد المخيلة والبطر والكبر والزهو والتبختر كلها بمعنى واحد، يقال: خال الرجل خالًا، و "اختال اختيالًا" إذا تكبر. قال النووي (¬3): وذكر الأحاديث الصحيحة على أن الإسبال يكون في الإزار والقميص والعمامة، وأنه لا يجوز إسباله تحت الكعبين إن كان للخيلاء، فإن كان لغيرها فهو مكروه وظواهر الأحاديث في تقييدها "بالجر خيلاء" تدل على أن التحريم مخصوص بالخيلاء، وهكذا نص الشافعي على الفرق كما ذكرنا، وأجمع العلماء على جواز الإسبال للنساء، وقد أذن النبي - صلى الله عليه وسلم - لهن في إرخاء ذيولهن ذراعًا. 3457 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "بينما رجلٌ يجر إزاره من الخيلاء، خسف به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة". قلت: رواه البخاري في ذكر بني إسرائيل (¬4)، وفي اللباس من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب يرفعه، ولم يخرج مسلم عن ابن عمر في هذا شيئًا، وأخرج هو والبخاري أيضًا معناه من حديث أبي هريرة. ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في الموطأ (2/ 914)، والبخاري (5788)، ومسلم (2087)، والنسائي في الكبرى (9723). (¬2) أخرجه البخاري (5788)، ومسلم (2087)، وأبو داود (4085)، والنسائي (8/ 206). (¬3) المنهاج (14/ 87 - 88). (¬4) أخرجه البخاري (3485) وفي اللباس (5791)، والنسائي (8/ 206).

ويتجلجل: بالجيم أي يتحرك وينزل مضطربًا، قيل: يحتمل أن يكون هذا الرجل من هذه الأمة، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سيقع هذا، وقيل: هو إخبار عمن قبل هذه الأمة وهذا هو الصحيح وهو الذي فهمه البخاري فأدخله في باب ذكر بني إسرائيل. 3458 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما أسفل من الكعب من الإزار: في النار". قلت: رواه البخاري والنسائي كلاهما من حديث أبي هريرة، ولم يخرجه مسلم. (¬1) 3459 - قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأكل الرجل بشماله، أو يمشي في نعلٍ واحدةٍ، وأن يشتمل الصماء، أو يحتبي في ثوبٍ واحدٍ كاشفًا عن فرجه". قلت: رواه مسلم في اللباس والترمذي في الشمائل كلاهما من حديث جابر (¬2)، ولم يخرجه البخاري عن جابر ولكن أخرجه من حديث أبي هريرة وغيره. قوله: "وأن يشتمل الصماء" هو بالمد، قال الأصمعي: هو أن يشتمل بالثوب حتى يجلل به جسده لا يرفع منه جانبًا فلا يبقى ما تخرج منه يده، قال النووي (¬3): هذا قول أكثر أهل اللغة، قال ابن قتيبة: وسميت الصماء لأنها تسد المنافذ كلها كالصخرة الصماء التي ليس فيها خرق ولا صدع، قال أبو عبيد: وأما الفقهاء فيقولون: هو أن يشتمل بثوب ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على أحد منكبيه، قال أهل العلم: فعلى الأول يكره الاشتمال المذكور لئلا يحتاج إلى دفع الهوام ونحوها أو غير ذلك فيعسر عليه، أو يتعذر، وعلى تفسير الفقهاء يحرم الاشتمال المذكور، إن انكشف بعض العورة وإلا فيكره، والاحتباء: بالمد وقد تقدم وهو أن يقعد الإنسان على إليتيه وينصب ساقيه، ويحتوي بثوب أو نحوه أو بيده، وهذه القعدة يقال لها الحبوة: بضم الحاء وكسرها، وكان هذا الاحتباء عادة العرب، فإن انكشف شيء من عورته فهو حرام. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5887)، والنسائي (8/ 207). (¬2) أخرجه مسلم (2099)، والترمذي في الشمائل (78). (¬3) المنهاج (14/ 107 - 108).

3460 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من لبس الحرير في الدنيا، لم يلبسه في الآخرة". قلت: رواه الشيخان في اللباس، والنسائي في الزينة من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب يرفعه. (¬1) 3461 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة". قلت: رواه البخارى في الصلاة وفي الهبة، ومسلم وأبو داود كلاهما في اللباس، والنسائي في الصلاة كلهم من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب. (¬2) والخلاق: النصيب. 3462 - "قال: نهانا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نشرب في آنية الفضة والذهب، وأن نأكل فيها، وعن لبس الحرير والديباج، وأن نجلس عليه". قلت: رواه البخاري بهذا اللفظ في اللباس، ومسلم في الأطعمة بمثل معناه، ولم يذكر الجلوس، وأبو داود والترمذي كلاهما في الأشربة مثل حديث مسلم وابن ماجه فيه مختصرًا، والنسائي في الزينة. (¬3) 3463 - قال: "أُهدِيتْ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حلة سِيرَاء، فبعث بها إلي، فلبستها، فعرفت الغضب في وجهه، فقال: "إني لم أبعث بها إليك لتلبَسها، إنما بعثت بها إليك لتشققها خُمرًا بين النساء". قلت: رواه مسلم في اللباس واللفظ له، ولم يخرج البخاري من حديث علي بن أبي طالب غير "كساني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حلة سيراء فخرجت فيها فرأيت الغضب في وجهه، قال: فشققتها بين نسائي" هذا لفظ البخاري أو نحوه. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5834)، ومسلم (2069)، والنسائي (8/ 200). (¬2) أخرجه البخاري في الصلاة (948)، وفي الهبة (3054)، والنسائي (8/ 200)، وأبو داود (1077). (¬3) أخرجه البخاري (5837)، ومسلم (2067)، وأبو داود (3723)، والترمذي (1878)، وابن ماجه (3414)، والنسائي (8/ 198). (¬4) أخرجه البخاري (2614)، ومسلم (2071).

قوله: حلة سيراء، هو بسين مهملة مكسورة ثم ياء مثناة من تحت مفتوحة ثم راء ثم ألف ممدودة، قال النووي (¬1): ضبطوا الحلة هنا بالتنوين على أن سيراء صفة وبغير تنوين على الإضافة، قالوا: وهي برود يخالطها حرير وهي مضلعة بالحرير وكذا فسرها في الحديث في أبي داود، وشبهت خطوطها بالسُيور، وقيل: إنها حرير محض، قال أهل اللغة: والحلة لا تكون إلا ثوبين، وتكون غالبًا إزارًا ورداء. 3464 - "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن لبس الحرير إلا هكذا، فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إصبعيه: الوسطى والسبابة، وضمّهما". قلت: رواه الشيخان في اللباس من حديث عمر بن الخطاب. (¬2) 3465 - أنه خطب بالجابية، فقال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لبس الحرير، إلا موضع إصبعين، أو ثلاث، أو أربع. قلت: رواه مسلم والترمذي كلاهما في اللباس من حديث سويد بن غفلة عن عمر بن الخطاب (¬3)، وهذه الزيادة في هذه الرواية من أفراد مسلم عن البخاري. وهذا مما استدركه الدارقطني على مسلم (¬4) وقال: لم يرفعه عن الشعبي إلا قتادة وهو مدلس. رواه شعبة عن أبي السفر عن الشعبي من قول عمر موقوفًا عليه، ورواه بيان وداود بن أبي هند عن الشعبي عن عمر موقوفًا عليه. (¬5) قال النووي (¬6): والثقة إذا انفرد برفع ما وقفه الأكثرون كان الحكم لروايته، وحُكم بأنه مرفوع على الصحيح الذي عليه الفقهاء والأصوليون ومحققو المحدثين. ¬

_ (¬1) المنهاج (14/ 38). (¬2) أخرجه البخاري (5829)، ومسلم (2069). (¬3) رواه مسلم (2069)، والترمذي (1721). (¬4) الإلزامات والتتبع (385 - 386). (¬5) أخرجه موقوفًا النسائي في الكبرى (9631) (9632). (¬6) المنهاج (14/ 48).

3466 - أنها أخرجت جُبة طَيالِسة كِسْروانية، لها لِبْنة ديباج، وفرجيها مكفوفين بالديباج، وقالت: هذه جبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كانت عند عائشة، فلما قبضتْ، قبضتُها، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبسها، ونحن نغسلها للمرضى نستشفي بها. قلت: رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه مختصرًا ثلاثتهم في اللباس، والنسائي في الزينة كلهم من حديث أسماء بنت أبي بكر، ولم يخرجه البخاري. (¬1) قوله: "جبة طيالسية "، هو بإضافة جبة إلى طيالسية، والطيالسة: جمع طيلسان بفتح اللام على المشهور، قال النووي (¬2): قال جمهور أهل اللغة: لا يجوز فيه غير فتح اللام، وعدوا كسرها من تصحيف العوام، وذكر القاضي في المشارق (¬3) في حرف السين والياء، أما الطيلسان: بفتح اللام وضمها وكسرها، قال النووي (¬4): وهذا غريب ضعيف. "وكسروانية" هو بكسر الكاف وفتحها والسين ساكنة والراء مفتوحة، قال القاضي عياض (¬5) وجمهور الرواة رووه بكسر الكاف وهو نسبة إلى كسرى ملك الفرس وفيه كسر الكاف وفتحها، قولها: "وفرجيها مكفوفين"، قال النووي (¬6): كذا هو في جميع نسخ مسلم وهما منصوبان بفعل محذوف أي ورأيت فرجيها مكفوفين، ومعنى المكفوف: أنه جعل له كفة بضم الكاف وهو ما يكف به جوانبها ويعطف عليه ويكون ذلك في الذيل وفي الفرجين وفي الكمين، وفيه جواز لبس ما له فرجان وأنه لا كراهة فيه، قال بعضهم: ولعل الحرير كان محدثًا بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا بعيد، وقيل: ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2069)، وأبو داود (4054)، وابن ماجه (2819)، والنسائي في الكبرى (9619). (¬2) المنهاج (14/ 44). (¬3) المشارق (1/ 324) و (2/ 232). (¬4) المنهاج (14/ 59 - 60). (¬5) انظر: إكمال المعلم (6/ 581)، والمشارق (1/ 348). (¬6) المنهاج (14/ 60).

لعله كان - صلى الله عليه وسلم - يلبسها في الحرب أو أن الحرير الذي كانت مكفوفة به هو القدر المرخص فيه. 3467 - قال: رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للزبير، وعبد الرحمن بن عوفٍ في لبس الحرير، لحكّة بهما. قلت: رواه الجماعة إلا الترمذي: البخاري في الجهاد، ومسلم وأبو داود وابن ماجه ثلاثتهم في اللباس، والنسائي في الزينة من حديث أنس. (¬1) وذكر المنذري (¬2) أن الترمذي خرجه، ولم أره في الترمذي من حديث أنس، بل الذي فيه الحديث الذي بعد هذا في القمل. - وروى: أنهما شكوا القُمَّل، فرخص لهما في قميص الحرير. قلت: رواه الشيخان والترمذي من حديث أنس. (¬3) 3468 - قال: رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليّ ثوبين معصفرين فقال: "إن هذه من ثياب الكفار، فلا تلبسهما". قلت: رواه مسلم في اللباس، والنسائي في الزينة من حديث جبير بن نفير عن عبد الله بن عمرو بن العاص (¬4)، ولم يخرجه البخاري، وليس لجبير ابن نفير عن عبد الله بن عمرو في الكتابين المذكورين غير هذا الحديث، ولا له في غيرهما من الكتب الستة شيء. قال النووي (¬5): واختلف العلماء في الثياب المعصفرة فأباحها جمهور العلماء، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة، ومالك لكنه قال غيرها أفضل، وقال جماعة: هو مكروه ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2921) (2922)، ومسلم (2076)، وأبو داود (4056)، وابن ماجه (3592)، والنسائي (8/ 202). (¬2) انظر: مختصر المنذري (6/ 35). (¬3) أخرجه البخاري (2076)، ومسلم (2076)، والترمذي (1722). (¬4) أخرجه مسلم (2077)، والنسائي (3/ 208). (¬5) انظر: المنهاج (14/ 74 - 75).

من الحسان

كراهة تنزيه، وحملوا النهي على هذا، لأنه ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لبس حلة حمراء، ففي الصحيحين عن ابن عمر "رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصبغ بالصفرة، وقد اختار البيهقي (¬1) تحريم المعصفر، قال: وقد صحت الأحاديث فيه، وقد قال الشافعي: وإذا صح الحديث خلاف قولي فاعملوا بالحديث ودعوا قولي، وفي رواية "فهو مذهبي"، وقد صح الحديث. - وفي رواية: قلت: أغسلهما؟ قال: "أحرقهما". قلت: رواها مسلم من حديث طاووس عن عبد الله بن عمرو، ولم يخرجه البخاري، وأخرجه النسائي في الزينة. (¬2) قال الحميدي (¬3): وليس لطاووس في الصحيح عن عبد الله بن عمرو غير هذا الحديث قلت: ولا في النسائي أيضًا وليس في غيرهما من الكتب الستة له شيء، وفي مقدمة مسلم لطاووس عن عبد الله بن عمرو قوله: "إن في البحر شياطين مسجونة أوثقها سليمان يوشك أن تخرج فتقرأ على الناس قرآنًا". (¬4) من الحسان 3469 - قالت: "كانت أحب الثياب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: القميص". قلت: رواه أبو داود والترمذي كلاهما في اللباس، والنسائي في الزينة من حديث أم سلمة (¬5)، وفي سنده أبو تميلة يحيى بن واضح أدخله البخاري في الضعفاء، قال أبو حاتم الرازي: يحول من هناك، ووثقه يحيى بن معين. ¬

_ (¬1) انظر: معرفة السنن والآثار للبيهقي (7/ 166)، وكذلك السنن الكبرى (5/ 59). (¬2) أخرجها مسلم (2077)، والنسائي (3/ 208). (¬3) انظر: الجمع بين الصحيحين (3/ 443 رقم 2954). (¬4) مقدمة مسلم (1/ 12) في باب النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط في عملها. (¬5) أخرجه أبو داود (4026)، والترمذي (1763)، والنسائي في الكبرى (9668). =

3470 - قالت: كان كُمّ قميص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الرسغ. (غريب). قلت: رواه أبو داود والترمذي كلاهما في اللباس، والنسائي في الزينة من حديث أسماء بنت يزيد، وقال الترمذي: حديث حسن غريب، انتهى. (¬1) وفي سنده شهر بن حوشب. والرصغ: بضم الراء المهملة وسكون الصاد المهملة أيضًا والغين المعجمة، ويقال بالسين المهملة، وهو مفصل ما بين الكف والساعد. 3471 - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا لبس القميص، بدأ بميامنه. قلت: رواه الترمذي في اللباس، والنسائي في الزينة، كلاهما من حديث أبي هريرة، قال الترمذي: وقد روى غير واحد هذا الحديث عن شعبة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، ولم يرفعه، وإنما رفعه عبد الصمد عن عبد الوارث، انتهى. (¬2) وهو في ¬

_ = وأبو تميلة بمثناة مصغرًا هو يحيى بن واضح الأنصاري المروزي قال ابن خراش: صدوق وقال أحمد: ويحيى: ليس به بأس وقال أبو حاتم: ثقة، يحول من كتاب الضغفاء وترجم له الحافظ في التقريب (7713) وقال: ثقة. وقال الترمذي في العلل للقاضي (1/ 190): سألت محمدًا عن هذا الحديث؟ فقال: الصحيح، عن عبد الله بن بريدة عن أمه عن أم سلمة. انظر ترجمة يحيى بن واضح الأنصاري في: سير أعلام النبلاء (9/ 211)، وقال الذهبي: "ووهم أبو حاتم حيث حكى أن البخاري تكلم في أبي تميلة، ومشى على ذلك أبو الفرج ابن الجوزي، ولم أر ذكرًا لأبي تميلة في كتاب الضعفاء للبخاري، لا في الكبير، ولا في الصغير، ثم إن البخاري قد احتج بأبي تميلة، وكان محدث مرو مع الفضل بن موسى السيناني". وانظر كذلك: تهذيب الكمال (32/ 22 - 26)، والجرح والتعديل (9/ ت 810)، وهدي الساري (ص 630). (¬1) أخرجه أبو داود (4027)، والترمذي (1765)، والنسائي في الكبرى (9666)، وفي إسناده شهر بن حوشب، ذكره الحافظ في التقريب (2846) وقال: صدوق كثير الإرسال والأوهام. (¬2) أخرجه الترمذي (1766)، والنسائي في الكبرى (9669). وأعله الترمذي بالوقف، وقد صححه ابن حبان (5422).

النسائي من حديث عبد الصمد به. (¬1) 3472 - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه، لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين، ما أسفل ذلك ففي النار، وقال ذلك ثلاث مراتٍ، ولا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرًا ". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه كلاهما في اللباس، والنسائي في الزينة كلهم من حديث أبي سعيد الخدري واللفظ لابن ماجه. (¬2) والإزرة: بالكسر، الحالة وهيئة الاتزار، قال المنذري (¬3): وضبطها بعضهم بضم الهمزة، قال: والصواب الكسر، لأن المراد هنا: الهيئة كالقعدة والجلسة لا المرة الواحدة. 3473 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الإسبال في: الإزار والقميص والعمامة، من جرّ منها شيئًا خيلاء، لم ينظر الله إليه يوم القيامة". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه كلاهما في اللباس، والنسائي في الزينة من حديث سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه يرفعه. (¬4) وفي إسناده عبد العزيز بن أبي رواد، وقد تكلم فيه غير واحد، وقال ابن ماجه: قال أبو بكر بن أبي شيبة: ما أغربه. (¬5) ¬

_ (¬1) وذكره المنذري في مختصر سنن أبي داود (6/ 75)، وعزاه للنسائي. (¬2) أخرجه أبو داود (4093)، والنسائي في الكبرى (9715)، وابن ماجه (3573). وإسناده صحيح كما قال المناوي في الفيض (1/ 480). وقال: قال النووي في الرياض: إسناده صحيح. (¬3) انظر: مختصر المنذري (6/ 55 - 56). (¬4) أخرجه أبو داود (4085)، والنسائي (8/ 208)، وابن ماجه (3576). وإسناده صحيح كما قال النووي في رياض الصالحين. وصححه السيوطي في الحاوي (2/ 15)، وانظر هداية الرواة (4/ 200). (¬5) قال الحافظ في التقريب (4124): صدوق عابد، ربما وهم، ورمي بالإرجاء. وانظر أقوال العلماء فيه، في تهذيب الكمال (18/ 136).

وخيلاء: بضم الخاء المعجمة وكسرها وبفتح المثناة من تحت، ممدود: الكبر والعجب. 3474 - قال: كانت كمام أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بُطحًا. قلت: رواه الترمذي في اللباس من حديث عبد الله بن بسر قال: "سمعت أبا كبشة يقول" فذكره، وقال: منكر، وعبد الله بن بسر بصري ضعيف عند أهل الحديث ضعفه يحيى بن سعيد وغيره. (¬1) قوله: "كان كمام" الكمام جمع كمة وهي القلنسوة المدورة لأنها تغطي الرأس. وبُطحًا: بالضم جمع أبطح أي لا زقة بالرأس غير ذاهبة في الهواء، كذا قاله الهروي (¬2)، وقال الترمذي: بطحًا يعني واسعة، فعلى هذا يكون الكمام عنده جمع كم. 3475 - قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين ذكر الإزار: فالمرأة يا رسول الله؟، قال: "تُرخي شبرًا"، فقالت: إذًا ينكشف عنها. قلت: رواه أبو داود في اللباس والنسائي في الزينة من حديث أم سلمة (¬3)، وفي سنده زيد العمي قاضي هراة، ولا يحتج بحديثه، وقيل له العمي لأنه كان كلما سئل عن شيء قال: حتى أسأل عمي، والعمي أيضًا منسوب إلى العم بطن من بني تميم، منهم غير واحد من الرواة. - ويروى: تنكشف أقدامهن؟ قال: "فذراعًا، ولا تزيد عليه". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1782) وذكره الذهبي في مناكيره، وانظر: الميزان (2/ 396). وترجم له الحافظ في التقريب (3247) وقال: ضعيف. (¬2) انظر: الغريبين (1/ 189). (¬3) أخرجه أبو داود (4117)، والنسائي (8/ 209). = = وفي إسناده زيد العمي ذكره الحافظ في التقريب (2143) وقال: ضعيف. وله شاهد من الحديث التالي كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح (10/ 259).

قلت: هذه الرواية رواها الترمذي من حديث ابن عمر يرفعه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة"، فقالت أم سلمة: فكيف يصنعن النساء بذيولهن؟ قال: يرخين شبرًا، قالت: إذًا تنكشف أقدامهن، قال: يرخينه ذراعًا لا يزدن عليه" وقال: حديث حسن صحيح. (¬1) 3476 - قال: "أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في رهط من مزينة، فبايعوه وإنه لمطلق الإزار، فأدخلت يدي في جيب قميصه، فمسست الخاتم". قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه ثلاثتهم في اللباس من حديث معاوية بن قرة عن أبيه (¬2)، وفيه: قال عروة بن قشير أبو مهل: فما رأيت معاوية أباه قط إلا مطلقي أزرارهما في شتاءٍ ولا حرٍ، ولا يزرّان أزرارهما أبدًا. (¬3) ووالد معاوية هو: قرة بن إياس المزني له صحبة، وهو جدّ إياس بن معاوية بن قرة قاضي البصرة، وذكر الدارقطني: أن هذا الحديث تفرد به عروة بن قشير. (¬4) 3477 - إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "البسوا الثياب البيض، فإنها أطهر وأطيب، وكفِّنوا فيها موتاكم". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في اللباس، والنسائي في الزينة ثلاثتهم من حديث ميمون بن أبي شبيب عن سمرة يرفعه، وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1731) وقال: حديث حسن صحيح. وأخرجه النسائي (8/ 209). (¬2) أخرجه أبو داود (4082)، والترمذي في الشمائل (58)، وابن ماجه (3578). وإسناده صحيح. وأورده المزي في تهذيب الكمال (20/ 29). (¬3) انظر: مختصر المنذري (6/ 47). (¬4) انظر قول الدارقطني في: أطراف الغرائب والأفراد (4/ 265). (¬5) أخرجه الترمذي (2810)، والنسائي (8/ 205)، وابن ماجه (3567). وقال الحافظ عن ميمون: صدوق كثير الإرسال، التقريب (7095)، وانظر: المراسيل لابن أبي حاتم (214)، وتهذيب الكمال (29/ 206). =

3478 - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اعْتَمَّ، سَدَل عمامته بين كتفيه. (غريب). قلت: رواه الترمذي هنا من حديث عمر بن الخطاب، وقال: حسن غريب. (¬1) 3479 - قال: عمّمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسدَلَها بين يديّ، ومِن خلفي. قلت: رواه الترمذي هنا من حديث شيخ من أهل المدينة عن عبد الرحمن ابن عوف والشيخ مجهول. (¬2) 3480 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "فرق ما بيننا وبين المشركين: العمائم على القلانس". (غريب). قلت: رواه أبو داود والترمذي كلاهما هنا من حديث ركانة بن عبد يزيد يرفعه وفي سنده أبو الحسن العسقلاني عن أبي جعفر بن ركانة عن أبيه، قال الترمذي: وليس إسناده بالقائم ولا نعرف أبا الحسن ولا ابن ركانة. (¬3) قال بعضهم: السنة أن يلبس القلنسوة والعمامة، فأما لبس القلانس وحدها فهو زي المشركين، وأما لبس العمائم على غير قلنسوة فإنها تنحل ولا سيما عند الوضوء، وبالقلنسوة تشتد. ¬

_ = لكن الحديث صحيح وقد رواه أبو المهلب الجرمي عن سمرة كما عند أحمد (5/ 20)، والنسائي (4/ 34)، وصححه الحاكم (4/ 185) ووافقه الذهبي. (¬1) أخرجه الترمذي (1736) وإسناده حسن غريب. انظر: الصحيحة (717). (¬2) أخرجه أبو داود (4079) وإسناده ضعيف، فيه جهالة شيخ مدني. انظر: مختصر المنذري (6/ 45)، لم أجده في سنن الترمذي المطبوع، ولم يعز إليه المزي في تحفة الأشراف (7/ 216) رقم (9731). إنما عزاه لأبي داود فقط. وانظر كذلك: شرح السنة للبغوى (12/ 38). (¬3) أخرجه أبو داود (4078)، والترمذي (1784). وقال: حسن غريب، وإسناده ليس بالقائم وأورده الذهبي في "الميزان" (3/ 546) في ترجمة محمد بن ركانة وقال: عن أبيه، لم يصح حديثه، انفرد به أبو الحسن شيخ لا يُدرى من هو. وأبو الحسن العسقلاني: مجهول، التقريب (8107)، وكذلك قال عن محمد بن ركانة (5917) مجهول، وقال: ووهم من ذكره في الصحابة.

3481 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أُحِل الذهب والحرير للإناث من أمتي، وحُرِّم على ذكورها". (صح). قلت: رواه الترمذي هنا، والنسائي في الزينة كلاهما من حديث أبي موسى يرفعه وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬1) 3482 - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استجد ثوبًا، سماه باسمه، عمامة، أو قميصًا، أو رداءً، ثم يقول: "اللهم لك الحمد كما كسوتنيه، أسألك خيره وخير ما صُنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له". قلت: رواه أبو داود والترمذي كلاهما هنا من حديث أبي سعيد الخدري يرفعه وقال الترمذي: حديث حسن. (¬2) 3483 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أكل طعامًا ثم قال: الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه، بغير حولٍ مني ولا قوةٍ، غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر"، وقال: "من لبس ثوبًا فقال: الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه، من غير حولٍ مني ولا قوةٍ، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر". (صح). قلت: رواه أبو داود في اللباس بطوله، والترمذي في الدعوات، وابن ماجه، في الأطعمة كلاهما (¬3) بقصة الطعام خاصة، ولم يقل أحد منهم في الطعام "وما تأخر"، ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1720)، والنسائي (8/ 161). وإسناده حسن كما قال الترمذي. انظر الإرواء (277). (¬2) أخرجه أبو داود (4020)، والترمذي (1767) وإسناده صحيح، وكذلك أخرجه ابن حبان (5420)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (309). انظر كلام الشيخ الألباني -رحمه الله- على هذا الحديث في هداية الرواة (4/ 203 - 204). (¬3) أخرجه أبو داود (4023)، والترمذي (3458)، وابن ماجه (3285) وإسناده حسن كما قال الترمذي، وهو شاهد جيد لحديث أبي سعيد السابق انظر: الإرواء (1989).

وفي سند الحديث: أبو مرحوم عبد الرحيم بن ميمون، عن سهل بن معاذ بن أنس، وهما ضعيفان. (¬1) 3484 - قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا عائشة! إن أردت اللحوق بي، فليكفك من الدنيا كزاد الراكب، وإياك ومجالسة الأغنياء، ولا تستخلقي ثوبًا حتى ترقعيه". (غريب). قلت: رواه الترمذي في اللباس من حديث صالح بن حسان عن عروة عن عائشة وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث صالح، وسمعت محمدًا يقول: صالح بن حسان منكر الحديث، انتهى كلام الترمذي. (¬2) قال المزي: ضعفه جماعة. (¬3) قوله: "تستخلفي" روي بالقاف أي لا تعديه خلقًا، وبالفاء من استخلفه أي طلب له خلفًا أي عوضًا. 3485 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إن البذاذة من الإيمان". قلت: رواه أبو داود في الترجل، وابن ماجه في الزهد كلاهما (¬4) من حديث أبي أمامة بن ثعلبة واسمه إياس، ولفظ أبي داود: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألا تسمعون، ألا تسمعون، إن البذاذة من الإيمان، إن البذاذة من الإيمان" يعني التفحل، وفي إسناده ¬

_ (¬1) أبو مرحوم عبد الرحيم، قال الحافظ: ضعيف زاهد، التقريب (4087) وسهل بن معاذ ابن أنس: لا بأس به إلا في روايات زبان عنه، التقريب (2682). وانظر: مختصر المنذري (6/ 22). (¬2) أخرجه الترمذي (1780). وقال الترمذي في العلل (1/ 748) للقاضي: سألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: صالح بن حسان منكر الحديث وصالح بن أبي حسان الذي يروي عنه ابن أبي ذئب ثقة. وقال الحافظ في ترجمة صالح بن حسان: متروك، التقريب (2865). (¬3) انظر: تهذيب الكمال (13/ 29 - 32)، وتحفة الأشراف (12/ 8). (¬4) أخرجه أبو داود (4161)، وابن ماجه (4118) وقال أبو داود في (سؤالاته) (1/ 203). وصححه الحافظ بن حجر في الفتح (10/ 368). وقال المناوي في فيض القدير (3/ 217). قال العراقي في أماليه: حديث حسن.

محمد بن إسحاق، قال ابن عبد البر (¬1): اختلف في إسناده، اختلافًا سقط الاحتجاج به، ولا يصح من جهة الإسناد. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "البذاذة من الإيمان". والبذاذة: بباء موحدة وبذالين معجمتين. قال ابن الأثير (¬2): هي رثاثة الهيئة، يقال: بذ الهيئة وباذ الهيئة أي: رث اللبسة، أراد - صلى الله عليه وسلم - التواضع في اللباس، وترك التبجُّح به، والتفحل: المراد به الفحولة وهو ضد الأنوثة وهو ترك التزين، لأن التزين والتصنع في الزي من شأن الإناث. (¬3) 3486 - وقال: "من لبس ثوب شهرة في الدنيا، ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه كلاهما في اللباس، والنسائي في الزينة من حديث ابن عمر (¬4)، قال ابن الأثير (¬5): والشهرة ظهور الشيء في شُنعة حتى يشهره الناس. 3487 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من تشبه بقوم فهو منهم". قلت: رواه أبو داود في اللباس من حديث ابن عمر يرفعه (¬6)، وفي سنده عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان وهو ضعيف، قاله المنذري. (¬7) ¬

_ (¬1) انظر: التمهيد لابن عبد البر (24/ 12). (¬2) النهاية (1/ 110). (¬3) المصدر السابق (3/ 417). (¬4) أخرجه أبو داود (4029)، والنسائي في الكبرى (9560)، وابن ماجه (3606). وإسناده حسن لمتابعة شريك بن عبد الله تابعه أبو عوانه كما عند ابن ماجه (3607). (¬5) النهاية (2/ 515). (¬6) أخرجه أبو داود (4031). وحسن إسناده الحافظ في الفتح (10/ 271) وقال حديث حسن، وقال المناوي في الفيض (6/ 104)، قال ابن تيمية: سنده جيد. (¬7) انظر: مختصر المنذري (6/ 25)، وقال الحافظ: صدوق يخطيء، ورمي بالقدر، وتغيّر بآخره، التقريب (3844).

3488 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "من ترك لبس ثوب جمال، وهو يقدر عليه -ويروى: تواضعًا- كساه الله حُلّة الكرامة"، وقال: "من تزوج لله، توّجه الله تاج الملك". قلت: هذه الروايات كلها في أبي داود في الأدب من حديث سويد بن وهب عن رجل من أبناء أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أبيه، وفيه رجل مجهول. (¬1) 3489 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله يحب أن يُرى أثر نعمته بالخير على عبده". قلت: رواه الترمذي في الاستئذان من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه جده يرفعه، وقال: حديث حسن. (¬2) 3490 - "قال: أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زائرًا، فرأى رجلًا شعثًا قد تفرق شعره فقال: "ما كان يجد هذا ما يسكن به رأسه؟ "، ورأى رجلًا عليه ثياب وسخةٌ فقال: "ما كان يجد هذا ما يغسل به ثوبه؟ ". قلت: رواه أبو داود في اللباس، والنسائي في الزينة كلاهما من حديث جابر (¬3)، وسكت عليه أبو داود، ولم يعترضه المنذري. 3491 - قال: رآني النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليّ أطمارٌ، فقال: "هل لك من مالٍ؟ "، قلت: نعم، قال: "من أي المال؟ " قلت: من كل قد آتاني الله: من الشاء، والإبل، قال: "فلير نعمة الله وكرامته عليك". قلت: رواه أبو داود هنا، والنسائي في الزينة من حديث أبي الأحوص عن أبيه ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4778) وإسناده ضعيف، فيه سويد بن وهب وهو مجهول كما قال الحافظ في التقريب (2716): وشيخه لم يسم. وانظر: الصحيحة (718). (¬2) أخرجه الترمذي (2849) وإسناده حسن. وذكره الحافظ في الفتح (10/ 260) وقال له شاهد عند أبي يعلى من حديث أبي سعيد. (¬3) أخرجه أبو داود (4062)، والنسائي (8/ 183). وإسناده صحيح وأخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما. وقال العراقي: إسناده جيد كما قال المناوي في فيض القدير (2/ 165). انظر: مختصر المنذري (6/ 37)، وانظر: الصحيحة (493).

يرفعه (¬1)، واسم أبيه مالك بن نضلة، ويقال: مالك بن عوف بن نضلة الجشمي. والأطمار: جمع الطمر بكسر الطاء المهملة وهو الثوب الخلق. 3492 - قال: "مرّ رجل وعليه ثوبان أحمران، فسلّم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يرد عليه". قلت: رواه أبو داود في اللباس، والترمذي في الاستئذان، وقال: حسن غريب من هذا الوجه، انتهى. (¬2) وفي إسناده أبو يحيى القتات (¬3)، وقد اختلف في اسمه، فقيل: عبد الرحمن ابن دينار، وقيل غير ذلك وهو كوفي لا يحتج بحديثه، وهو منسوب إلى بيع القتّ، قال أبو بكر البزار (¬4): وهذا الحديث لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا عن عبد الله بن عمرو ولا نعلم له طريقًا إلا هذا الطريق، ولا نعلم رواه عن إسرائيل إلا إسحاق بن منصور. 3493 - أن نبيّ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا أركب الأُرجُوان، ولا ألبس المعصفر، ولا ألبس القميص المكفّف بالحرير، وقال: "ألا وطيِب الرجال: ريح لا لون له، وطيب النساء: لون لا ريح له". قلت: رواه أبو داود هنا من حديث الحسن البصري عن عمران بن حصين يرفعه، وقال أبو داود: قال سعيد وهو ابن أبي عروبة أراه، قال: إنما حملوا قوله في طيب النساء: على أنها إذا خرجت، فأما إذا كانت عند زوجها فلتطيب بما تشاء، روى الترمذي في الاستئذان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن خير طيب الرجال ما خفي لونه وظهر ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4063)، والنسائي (8/ 196) وإسناده صحيح، وقد صححه الحاكم (1/ 25). (¬2) أخرجه أبو داود (4096)، والترمذي (2807) وقال حسن غريب. وقال في تحفة الأحوذي (8/ 74). وقال الحافظ في الفتح وهو حديث ضعيف الإسناد، وإن وقع في بعض نسخ الترمذي أنه قال: حديث حسن. (¬3) أبو يحيى القتّات، قال الحافظ: ليّن الحديث، التقريب (8512). (¬4) البحر الزخار (6/ 367 رقم 2381).

ريحه، وخير طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه"، "ونهى عن مئثرة الأرجوان" وقال: حديث حسن غريب من هذا الوجه، انتهى كلامه. (¬1) والحسن: لم يسمع من عمران بن حصين. والأرجوان: بضم الهمزة وضم الجيم الصوف الأحمر، وقيل: الحمرة الشديدة قال الخطابي (¬2): إنه - صلى الله عليه وسلم - أراد المياثر الحمر، وقد تتخذ من ديباج وحرير، وقد ورد النهي عنها، لما في ذلك من السرف، وليس ذلك من لباس الرجال، وقد تقدم الكلام في المعصفر. 3494 - قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عشر: عن الوشر، والوشم، والنتف، وعن مكامعة الرجل الرجل بغير شعار، ومكامعة المرأة المرأة بغير شعار، وأن يجعل الرجل في أسفل ثيابه حريرًا مثل الأعاجم، أو يحعل على منكبيه حريرًا مثل الأعاجم، وعن النهبى، وركوب النمور، ولبس الخاتم إلا لذي سلطان". قلت: رواه أبو داود في اللباس، والنسائي في الزينة، وابن ماجه في اللباس ببعضه ثلاثتهم من حديث أبي ريحانة (¬3) واسمه: شمعون بالشين المعجمة والعين المهملة، ويقال: بالمعجمة، وهو أنصاري، وقيل: قرشي، ويقال له: مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. والوشر: تحديد الأسنان، تفعله المرأة الكبيرة تتشبه بالشواب، والوشم: أن يغرز الجلد بإبرة، ثم يحشى بكحل أو نيل فيزرق أثره، أو يخضر، والنتف: قيل نتف الشيب، وقيل: نتف النساء الشعور من وجوههن، والمكامعة: بضم الميم وبالكاف ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4048)، والترمذي (2788). وإسناده ضعيف، لانقطاعه، الحسن لم يسمع من عمران. (¬2) معالم السنن (4/ 177). (¬3) أخرجه أبو داود (4049)، والنسائي (8/ 143 - 144)، وابن ماجه (3655)، وأبو ريحانة شمعون، صحابي. وإسناده ضعيف لجهالة حال أبي عامر المعافري وهو عبد الله بن جابر فقد روى عنه اثنان ولم يؤثر توثيقه عن أحد. وترجم له الحافظ في التقريب (8262) وقال: مقبول.

وفتح الميم الثانية، والعين المهملة أن يضاجع الرجل الرجل في ثوب واحد لا حاجز بينهما والكميع: الضجيع، وزوج المرأة كميعها، والمكامعة أن يلثم الرجل الرجل ويضع فيه على فيه كالتقبيل. (¬1) 3495 - قال: "نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن خاتم الذهب، وعن لبس القَسِّي والمياثر". قلت: مجموع هذا الحديث رواه الشيخان: البخاري في مواضع منها في إفشاء السلام، ومسلم في اللباس كلاهما من حديث البراء بن عازب (¬2)، ورواه مسلم أيضًا من حديث علي بن أبي طالب في موضعين في اللباس. (¬3) والقسي (¬4): ثياب من كتان مخلوط بحرير يؤتي بها من مصر تنسب إلى قرية على ساحل البحر قريبًا من تنيس يقال لها القس، والقسي: بفتح القاف وكسر السين المهملة مع التشديد، وبعض أهل الحديث يكسر القاف، ويقال إنها القزية: بالزاي المعجمة أي المتخذة من القز وأبدلت الزاي سينًا. وأما المياثر فسيأتي الكلام عليها. - وفي رواية: نهى عن مياثر الأرجوان. قلت: رواها أبو داود في اللباس، والنسائي في الزنية من حديث عبيدة عن علي بن أبي طالب يرفعه. (¬5) 3496 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تركبوا الخز ولا النمار". قلت: رواه أبو داود هنا من حديث معاوية يرفعه، وسكت عليه، ولم يعترضه ¬

_ (¬1) انظر: شرح السنة (9/ 23). (¬2) أخرجه البخاري (5838)، ومسلم (2066). (¬3) أخرجه مسلم (2078)، وأبو داود (4051)، والترمذي (2808)، والنسائي (8/ 165). (¬4) انظر: المنهاج للنووي (14/ 47). (¬5) أخرجها أبو داود (4051)، والنسائي (8/ 166)، والترمذي (1786).

المنذري. (¬1) 3497 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: نهى عن الميثرة الحمراء. قلت: هذا الحديث ذكره المصنف في "شرح السنة" بغير سند، وقد رواه البخاري في اللباس من حديث البراء (¬2)، ولفظه "نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المياثر الحمراء" ورواه ابن ماجه فيه من حديث على بن أبي طالب. والميثرة: بكسر الميم وبالياء المثناة من تحت الساكنة ثم بالمثلثة المفتوحة مفعلة، من الوثارة والوثيرة: الوطىء الليّن كالمرفقة، وأصلها موثرة فقلبت الواو بكسرة الميم، وهي من مراكب المعجم، تعمل من حرير أو ديباج وتتخذ كالفراش الصغير وتحشى بقطن أو صوف يجعلها الراكب تحته على الرحل فوق الجمل، ويدخل فيها مياثر السروج لأن النهي يشمل كل ميثرة حمراء. (¬3) 3498 - قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه ثوبان أخضران، وله شعر قد علاه الشيب، وشيبه أحمر. قلت: رواه أبو داود في اللباس والترمذي في الاستئذان، والنسائي في الزينة كلهم من حديث أبي رمثة مختصرًا إلى قوله "أخضران". (¬4) - وفي رواية: وهو ذو وفرة، وبها ردع من حناء. قلت: رواها أبو داود في الترجل من حديث أبي رمثة. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4129)، وابن ماجه (3656) وإسناده صحيح، انظر: مختصر المنذري (6/ 70). وأخرجه أيضًا أحمد (4/ 93). (¬2) انظر: شرح السنة للبغوي (12/ 58)، وأخرجه البخاري (5838)، ومسلم (2066) وابن ماجه (3589). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (14/ 46). (¬4) أخرجه أبو داود (4065)، والترمذي (2812)، والنسائي (8/ 204). وإسناده صحيح وأخرجه كذلك أحمد (2/ 227). (¬5) أخرجه أبو داود (4206).

والوفرة: بالفاء، قال في النهاية (¬1): شعر الرأس إذا وصل إلى شحمة الأذن. والردع: براء مهملة مفتوحة ودال مهملة ساكنة وعين مهملة اللطخ. 3499 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان شاكيًا، فخرج يتوكأ على أسامة، وعليه ثوب قِطْر قد توشح به، فصلى بهم. قلت: رواه الترمذي في الشمائل عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي عن عمرو بن عاصم عن حماد بن سلمة عن حميد عن أنس. (¬2) قوله: "وعليه ثوب قِطر" هو بكسر القاف وسكون الطاء المهملة وبالراء المهملة، وهو ضرب من البرود، بها حمرة ولها أعلام فيها بعض الخشونة. "وتوشح به" أي تغشى به، قال في النهاية (¬3): والأصل فيه الوشاح وهو شيء ينسج عريضًا من الأديم، وربما رصّع بالجواهر والخرز، وتشده المرأة على عاتقيها وكشحيها، والكشح بالمعجمة والحاء المهملة ما بين الخاصرة إلى الضلع. 3500 - قالت: كان على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثوبان قطريان غليظان، فكان إذا قعد فعرق ثقلا عليه، فقدم بز من الشام لفلان اليهودي، فقلت: لو بعثت إليه، فاشتريت منه ثوبين إلى الميسرة، فأرسل إليه، فقال: قد علمت ما يريد، إنما يريد أن يذهب بمالي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كذب! قد علم أني من أتقاهم وآداهم للأمانة". قلت: رواه الترمذي والنسائي كلاهما من حديث عائشة. (¬4) ¬

_ (¬1) النهاية (5/ 209). (¬2) أخرجه الترمذي في الشمائل (127). وأخرجه كذلك أحمد (3/ 262). (¬3) النهاية (5/ 187). (¬4) أخرجه الترمذي (1213)، والنسائي (7/ 294). وأخرجه الحاكم (2/ 23 - 24) وقال صحيح على شرط البخاري ووافقه الذهبي وهو كما قالا.

قوله - صلى الله عليه وسلم -: "قد علم أني من أتقاهم وآداهم للأمانة" قال الجوهري (¬1): يقال: "آدى منك للأمانة" بمد الألف، وقال الزمخشري (¬2): هو كقولهم هو أعطاهم للدينار والدرهم. 3501 - قال: "رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليّ ثوب مصبوغ بعصفر مورّدًا" فقال: "ما هذا؟ " فعرفت ما كره، فانطلقت فأحرقته، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما صنعت بثوبك؟ " قلت: أحرقته، قال: "أفلا كسوته بعض أهلك؟ فإنه لا بأس به للنساء". قلت: رواه أبو داود هنا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. (¬3) وفي سنده إسماعيل بن عياش وفيه مقال. وشرحبيل بن مسلم الخولاني وضعفه يحيى بن معين، ووثقه أحمد. والمورّد: هو ما صبغ على لون الورد. 3502 - قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بمنى يخطب على بغلةٍ، وعليه برد أحمر، وعليٌّ يعبر عنه. قلت: رواه أبو داود هنا من حديث أبي معاوية الضرير عن هلال بن عامر عن أبيه وهو عامر بن عمرو. (¬4) ¬

_ (¬1) انظر: لسان العرب (14/ 26). (¬2) الفائق (1/ 31). (¬3) أخرجه أبو داود (4068)، وابن ماجه (3603) إسماعيل بن عياش سبق مرات، أما شرحبيل بن مسلم الخولاني فهو: صدوق فيه لين، انظر: التقريب (2786)، وذكر المزي أقوال العلماء فيه فانظر: تهذيب الكمال (12/ 430). (¬4) أخرجه أبو داود (4074) ورجاله ثقات: أبو معاوية هو محمد بن خازم الضرير، وعامر والد هلال: هو ابن عمرو المزني وذكر البخاري في التاريخ الكبير (3/ 302) أن الأصح رافع بن عمرو المزني. وقال البخاري: وتابعه عبد الرحمن بن مغراء يعني في تسمية صحابيه رافع بن عمرو. ونقل الحافظ في الإصابة عن ابن السكن قوله: أن أبا معاوية أخطأ فيه، وأن البغوي صوّب قول من قال: يعني رافع بن عمرو ثم قال: لم ينفرد أبو معاوية بذلك فقد روى أحمد أيضًا عن محمد بن عبيد عن شيخ من بني =

وقد اختلف في إسناده، فقيل: أخطأ فيه أبو معاوية لأن يعلى بن عبيد قال فيه: عن هلال بن عمرو عن أبيه، وعمرو هذا هو ابن رافع المزني، مذكور في الصحابة، وقد ذكر له ابن عبد البر هذا الحديث في "الاستيعاب" (¬1) وقال غيره فيه: عمرو بن رافع عن أبيه وذكر له هذا الحديث. قوله: "وعلي يعبر عنه" أي يبلغ وذلك أن قوله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يبلغ أهل الموسم لما فيهم من الكثرة. 3503 - قالت: صنعت للنبي - صلى الله عليه وسلم - بردة سوداء، فلبسها، فلما عرق فيها وجد ريح الصوف، فقذفها. قلت: رواه أبو داود هنا من حديث مطرف بن عبد الله بن الشخير عن عائشة، والنسائي في الزينة مسندًا ومرسلًا، وسكت عليه أبو داود. (¬2) 3504 - قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو محتب بشَمْلَة، قد وقع هدبها على قدميه. قلت: رواه أبو داود هنا من حديث جابر وهو ابن سليم، ويقال: إن اسمه سليم بن جابر رضي الله عنه يرفعه. (¬3) ¬

_ = فزارة، عن هلال بن عامر، عن أبيه فيحتمل أن يكون هلال سمعه من أبيه ومن عمه رافع، انظر: الاستيعاب لابن عبد البر (3/ 1175)، والإصابة (3/ 592)، وكذلك (5/ 291). (¬1) انظر: الاستيعاب (3/ 1175). (¬2) أخرجه أبو داود (4074) ورواه النسائي مرسلًا في الكبرى (9662).= = وروى نحوه مرسلًا عن إسحاق بن راهويه (1712). (¬3) أخرجه أبو داود (4075) وإسناده ضعيف. وجابر بن سليم، انظر ترجمته في الإصابة (1/ 431)، وفي (7/ 65). في إسناده عبيدة الهجيمي وهو مجهول كما قال الحافظ في التقريب (4446): مجهول وقد توبع من رواية عقيل بن طلحة عند أحمد (5/ 63).

3505 - قال: أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بقباطي، فأعطاني منها قُبطية، فقال: "اصدعها صدعين، فاقطع أحدهما قميصًا، وأعط الآخر امرأتك تختمر به"، فلما أدبر قال: "وأمر امرأتك أن تجعل تحته ثوبًا، لا يصفها". قلت: رواه أبو داود هنا من حديث دحية بن خليفة الكلبي. (¬1) وفي سنده عبد الله بن لهيعة، ولكن تابعه على روايته هذه أبو العباس يحيى ابن أيوب المصري، وقد احتج به مسلم واستشهد به البخاري. (¬2) و"القباطي" جمع قبطية قال الجوهري (¬3): وهي ثياب بيض رقاق من كتّان، تتخذ بمصر، وقد تُضم القاف، لأنهم يغيرون في النِسب. قال في النهاية (¬4): وضم القاف في الثياب، أما في الناس فقبطي بالكسر، و"واصدعها صدعين" أي شقها شقين. 3506 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها وهي تختمر، فقال: "لية، لا ليتين". قلت: رواه أبو داود هنا من حديث وهب مولى أبي أحمد عن أم سلمة ترفعه ووهب هذا شبه المجهول. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4116) وفي إسناده ابن لهيعة وقد توبع وله شاهد من رواية أسامة ابن زيد عند (أحمد 5/ 205) وإسناده حسن. انظر: هداية الرواة (4/ 213). (¬2) يحيى بن أيوب الغافقي، أبو العباس، صدوق ربما أخطأ، التقريب (7561). (¬3) الصحاح للجوهري (3/ 1151). (¬4) النهاية: (4/ 6). (¬5) أخرجه أبو داود (4115) وإسناده ضعيف لجهالة وهب مولى أبي أحمد ترجم له الحافظ في التقريب (7536) وقال: مجهول. فقد تفرد بالرواية عنه حبيب بن أبي ثابت، وجهله ابن القطان، والحافظان الذهبي وابن حجر، وأورده ابن حبان في ثقاته على عادته في توثيق المجاهيل. انظر: تهذيب الكمال (31/ 162) وذكر المزي هذا الحديث.

باب الخاتم

قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لية لا ليتين" قال البغوي (¬1): أمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكون خمارها على رأسها مرة واحدة ولا تديره مرتين لئلا تشبه الرجال إذا اعتموا، وهو منصوب بفعل محذوف أي لى لية. باب الخاتم من الصحاح 3507 - قال: "اتخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - خاتمًا من ذهب -وفي رواية: وجعله في يده اليمنى- ثم ألقاه، ثم اتخذ خاتمًا من ورق، نقش فيه: محمد رسول الله، وقال "لا ينقش أحدٌ على نفش خاتمي هذا"، وكان إذا لبسه، جعل فصّه مما يلي بطن كفه. قلت: رواه مسلم، والرواية أيضًا في اللباس بهذا اللفظ، وأبو داود في الخاتم، والترمذي في الشمائل، والنسائي في الزينة كلهم من حديث عبد الله ابن عمر بن الخطاب، وللبخاري أيضًا مثل معناه. (¬2) وقوله: "فكان يجعل فصه" الفص: بفتح الفاء وكسرها، وفي الخاتم أربع لغات: فتح التاء وكسرها، وخيتام، وخاتام، ونقل النووي (¬3) عن العلماء أنه لم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بشيء في جعل فص الخاتم، لكنه كان يجعله - صلى الله عليه وسلم - يلي بطن كفه، قال: فيجوز جعل فصه في باطن كفه وفي ظاهره وقد فعل السلف الوجهين، قالوا: والباطن أولى اقتداءً به - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) انظر: شرح السنة للبغوي (12/ 121). (¬2) أخرجه البخاري (5876)، ومسلم (2091)، وأبو داود (4218)، والترمذي (1741)، والنسائي (8/ 178). (¬3) المنهاج (14/ 68).

3508 - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لبس القَسّي، وعن المعصفر، وعن تختم الذهب، وعن قراءة القرآن في الركوع، قلت: رواه مسلم في اللباس من حديث علي ولم يخرجه البخاري (¬1)، لكن أخرج هو ومسلم من حديث البراء النهي عن القسي وعن تختم الذهب، وقد تقدم التنبيه عليه في الباب قبله، وفسرنا فيه القسي وأنه بفتح القاف وكسر السين المهملة وتشديدها، وهذا النهي في حق الرجال، أما النساء: فقد أبيح لهن الذهب والحرير، وكره بعضهم للمرأة خاتم الفضة لما فيه من التشبه بالرجال، فإن لم تجد إلا هو فلتصفره بزعفران ونحوه. 3509 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى خاتمًا من ذهب في يد رجل، فنزعه وطرحه، فقال: "يعمد أحدكم إلى جمر من نارٍ، فيجعله في يده؟ ". قلت: رواه مسلم فيه من حديث ابن عباس (¬2) وفيه: فقيل للرجل بعدما ذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خذ خاتمك انتفع به، فقال: "لا والله لا آخذه أبدًا وقد طرحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" ولم يخرجه البخاري. 3510 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يكتب إلى كسرى وقيصر والنجاشي، فقيل له: إنهم لا يقبلون كتابًا إلا بخاتم، فصاغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتمًا حلقه فضة، نقش فيه محمد رسول الله. قلت: رواه البخارب في العلم ومن تراجمه عليه "باب ما يذكر في المناولة" وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان"، ومسلم في اللباس من حديث أنس (¬3) قوله: "خاتمًا حلقه فضة" قال النووي في شرح مسلم (¬4): هكذا هو في جميع النسخ "حلقة فضة" بنصب حلقة على البدل من خاتم، وليس فيها هاء الضمير والحلقة ساكنة اللام على المشهور وفيها لغة ضعيفة بفتحها. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2078). (¬2) أخرجه مسلم (2090). (¬3) أخرجه البخاري (65)، ومسلم (2092). (¬4) المنهاج (14/ 69).

3511 - وفي رواية: محمد: سطر، ورسول: سطر، والله: سطر. قلت: رواه البخاري من حديث أنس ولم يذكر مسلم الأسطر. (¬1) 3512 - أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان خاتمه من فضة، وكان فصّه منه. قلت: رواه البخاري في اللباس من حديث حميد عن أنس. (¬2) 3513 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبس خاتم فضة في يمينه، وفيه فص حبشي، كان يجعل فصه مما يلي كفه. قلت: رواه الشيخان في اللباس، والترمذي وابن ماجه كلاهما فيه، وأبو داود في الخاتم، والنسائي في الزينة أربعتهم مختصرًا كلهم من حديث ابن شهاب عن أنس. (¬3) قوله: فيه فص حبشي، قال العلماء: يعني حجرًا حبشيًّا أي فصًّا من جزع أو عقيق فإن معدنهما بالحبشة واليمن، وقيل: لونه حبشي أي أسود. وقد قدم المصنف قبل هذا الحديث، حديث حميد عن أنس أيضًا فصه منه وبيننا أن البخاري خرجه، قال ابن عبد البر: هذا أصح، وقال غيره: كلاهما صحيح. (¬4) وكان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وقت: خاتم فصه حبشي، وفي حديث آخر: فصه من عقيق. 3514 - قال: كان خاتم النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه، وأشار إلى الخنصر من يده اليسرى. قلت: رواه الشيخان في اللباس من حديث أنس (¬5)، ولم يقل البخاري: من يده اليسرى، وأما التختم في اليد اليسرى أو اليمنى فقد جاء هذان الحديثان وهما ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5878). (¬2) أخرجه البخاري (5870). (¬3) أخرجه البخاري (5868)، ومسلم (2094)، وأبو داود (4216)، والترمذي (1739)، والنسائي (8/ 173)، وابن ماجه (3461). (¬4) التمهيد (17/ 109)، وانظر كذلك: المنهاج للنووي (14/ 99). (¬5) أخرجه مسلم (2095) وهو من أفراد مسلم.

من الحسان

صحيحان، ولا سبيل إلى تضعيف أحدهما، فهما ثابتان في الصحيحين، وقد تختم كثيرون من السلف في اليمين وكثيرون في اليسار، واستحب مالك اليسار، وفي مذهبنا وجهان: أصحهما أن اليمين أفضل لأنه زينة، واليمين أشرف وأحق بالرينة كذا نقل النووي. (¬1) وقال البغوي (¬2): كان آخر الأمرين من النبي - صلى الله عليه وسلم - لبسه في اليسار، قلت: وهذا إن صح دل على أن لبسه في اليسار أفضل، والله أعلم. 3515 - قال: نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أتختم في أصبعي هذه أو هذه، قال: فأومأ إلى الوسطى والتي تليها. قلت: رواه الجماعة إلا البخاري: أبو داود في الخاتم والنسائي في الزينة والباقون في اللباس من حديث علي بن أبي طالب. (¬3) قال النووي (¬4): أجمع المسلمون على أن السنة جعل خاتم الرجل في الخنصر، وأما المرأة فإنها تتخذ خواتيم في الأصابع، قالوا: والحكمة في كونه في الخنصر أنه أبعد من الامتهان فيما يتعاطى باليد لكونه طرفًا، ولأنه لا يشغل اليد عما تتناوله من أشغالها بخلاف غير الخنصر، ويكره للرجل جعله في الوسطى والتي تليها كراهة تنزيه. من الحسان 3516 - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتختم في يمينه. ¬

_ (¬1) المنهاج (14/ 73). (¬2) شرح السنة (12/ 70 - 71). (¬3) أخرجه مسلم (2078)، والترمذي (1786)، وابن ماجه (3648)، وأبو داود (4225)، والنسائي (8/ 177). (¬4) المنهاج (14/ 71).

قلت: رواه أبو داود في الخاتم، والترمذي في الشمائل، والنسائي في الزينة ثلاثتهم من حديث علي بن أبي طالب يرفعه، ورواه الترمذي أيضًا في الشمائل، وابن ماجه في اللباس كلاهما من حديث عبد الله بن جعفر بن أبي طالب يرفعه. (¬1) 3517 - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتختم في يساره. قلت: رواه أبو داود هنا من حديث عبد الله بن عمر. (¬2) 3518 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ حريرًا فجعله في يمينه، وأخذ ذهبًا فجعله في شماله ثم قال: "إن هذين حرام على ذكور أمتي". قلت: رواه أبو داود، وابن ماجه كلاهما في اللباس، والنسائي في الزينة، وفي حديث ابن ماجه "حل لإناثها" ثلاثتهم من حديث علي بن أبي طالب يرفعه، وفي إسناد ابن ماجه: محمد بن إسحاق، وأخرج الترمذي من حديث أبي موسى الأشعري مثل معناه، وقد تقدم في الباب قبله. (¬3) 3519 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ركوب النمور، وعن لبس الذهب إلا مقطّعًا. قلت: رواه أبو داود في آخر هذا الباب، والنسائي في الزينة كلاهما من حديث ميمون القناد عن أبي قلابة عن معاوية بن أبي سفيان يرفعه، قال الإمام أحمد: ميمون ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4226)، والترمذي في الشمائل (95) وفي السنن (1744)، والنسائي (8/ 174)، وابن ماجه (3647). وقال الترمذي في العلل للقاضي (2/ 731) وسألت محمدًا عن هذا الباب، فقلت: أي حديث في هذا أصح؟ قال أصح شيء عندي في هذا الباب، هذا الحديث، حديث ابن أبي رافع عن عبد الله بن جعفر. (¬2) أخرجه أبو داود (4227) ورجاله ثقات. ولكنها رواية شاذة بهذا اللفظ كما قاله الحافظ ابن حجر في (الفتح 10/ 326) وقال. ومن رواها أيضًا أقل عددًا وألين حفظًا ممن روى اليمين. (¬3) أخرجه أبو داود (4057)، وابن ماجه (3595)، والنسائي (8/ 60) وإسناده صحيح بما سبق ذكره. وانظر: الإرواء (279).

القناد (¬1) قد روى هذا الحديث وليس بمعروف، قال البخاري: ميمون القناد عن سعيد بن المسيب، وأبي قلابة مراسيل، وقال أبو حاتم الرازي: أبو قلابة لم يسمع من معاوية بن أبي سفيان، انتهى، ففيه الانقطاع في موضعين. (¬2) والقناد: بفتح القاف وبعدها نون مفتوحة مشددة وبعد الألف دال مهملة. والنمور: هي السباع المعروفة، والمراد: النهي عن الركوب على جلودها. والمقطع من الذهب: قال الخطابي (¬3): هو اليسير منه نحو الشنف والخاتم للنساء، وكره من ذلك الكثير الذي هو عادة أهل السرف والزينة، أهل الخيلاء والكبر، واليسير هو ما لا تجب فيه الزكاة. 3520 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل عليه خاتم من شبه: "ما لي أجد منك ريح الأصنام؟ " فطرحه، ثم جاء وعليه خاتم من حديد، فقال: "ما لي أرى عليك حلية أهل النار؟ " فطرحه، فقال: "اتخذْه من ورقٍ، ولا تُتمه مثقالًا". قلت: رواه أبو داود هنا، والترمذي في اللباس، والنسائي في الزينة ثلاثتهم عن عبد الله بن مسلم عن عبد الله بن بريده عن أبيه يرفعه، وقال الترمذي: حديث غريب (¬4)، نتهى. ¬

_ (¬1) انظر قول الإمام أحمد في الجرح والتعديل (8/ ت 1064)، وقول البخاري في تاريخه (7/ ت 1460)، وقال الحافظ: مقبول التقريب (7104)، وانظر كذلك: تهذيب الكمال (29/ 234). (¬2) أخرجه أبو داود (4239)، والنسائي (8/ 161). وقد صححه الشيخ الألباني في هداية الرواة (4/ 222). وكلام المناوي يرد عليه، وفي علل ابن أبي حاتم (1/ 484). قال: سألت أبي عن حديث رواه معمر عن قتادة عن أبي شيخ الهنائي عن معاوية قال: وذكر الحديث .... قال: رواه يحيى بن أبي كثير حدثني أبو شيخ عن أخيه حمان عن معاوية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أدخل أخاه وهو مجهول فأفسد الحديث، أ. هـ. (¬3) انظر: معالم السنن (4/ 200). (¬4) أخرجه أبو داود (4223)، والترمذي (1785)، والنسائي (8/ 172) وإسناده ضعيف. انظر: عون المعبود (11/ 190).

وعبد الله بن مسلم قال أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه ولا يحتج به. (¬1) والشبه: بفتح الشين المعجمة وفتح الباء الموحدة، وبكسر الشين وإسكان الباء ضرب من النحاس، وكره الحديد من أجل سهولة ربحه، وقيل: معنى "حلية أهل النار" أنه زي يخص الكفار وهم أهل النار. قال الشيخ الإمام الأجل رضي الله عنه: وقد صح عن سهل بن سعد في الصداق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل: "التمس ولو خاتمًا من حديد". قلت: الأمر كما قال الشيخ، وحديث سهل بن سعد رواه الشيخان في النكاح، والله أعلم. (¬2) 3521 - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكره عشر خلال: الصفرة، -يعني الخلوق -، وتغيير الشيب، وجر الإزار، والتختم بالذهب، والتبرج بالزينة لغير محلها، والضرب بالكعاب، والرُّقى إلا بالمعوذات، وعقد التمائم، وعزل الماء لغير محله، وفساد الصبي غير محرمه. قلت: رواه أبو داود هنا، والنسائي في الزينة من حديث القاسم بن حسان عن عبد الرحمن بن حرملة عن ابن مسعود يرفعه. (¬3) قال البخاري (¬4): القاسم بن حسان: سمع زيد بن ثابت عن عمه عبد الرحمن بن حرملة عن ابن مسعود، ولا نعلم سمع من عبد الرحمن أم لا؟، وقال البخاري أيضًا في ترجمة عبد الرحمن: روى عنه القاسم بن حسان، لم يصح حديثه في الكوفيين، ¬

_ (¬1) هو عبد الله بن مسلم السلمي أبو طيبة، قال الحافظ: صدوق يهم، التقريب (3642). (¬2) وقد سبق في كتاب النكاح. وقال الحافظ في الفتح (10/ 272): لا يلزم من جواز الاتخاذ جواز اللبس، فيحتمل أنه أراد وجوده لتنتفع المرأة بقيمته. وانظر: شرح السنة للبغوي (12/ 59). وقال الشيخ الألباني: ولا تعارض بينه وبين حديث سهل، كما بينته في "آداب الزفاف" (ص 218)، هداية الرواة (4/ 222). (¬3) أخرجه أبو داود (4222)، والنسائي (8/ 141) وإسناده ضعيف. (¬4) انظر: التاريخ الكبير (5/ 270).

وقال علي بن المديني: حديث ابن مسعود هذا حديث كوفي، وفي إسناده من لا يعرف، والله أعلم. (¬1) وكراهة الخلوق: إنما هو للرجال والخناثى دون النساء، وتغيير الشيب: إنما يكره بالسواد دون الحمرة ودون الصفرة، وقد تأوله بعضهم بنتفه، والتختم بالذهب محرم على الرجال، والتبرج بالزينة: بالتاء المثناة من فوق والباء الموحدة والراء المهملة والجيم هو إظهارها. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لغير محلها" يجوز في الحاء الكسر والفتح. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "والضرب بالكعاب" هي فصوص النرد واحدها كعب، وقيل: شيء مربع على كل ربع عدد خطوط خلاف الآخر يلعب به صاحب النرد واللعب بها حرام، وقيل: كان ابن مغفل يفعله مع امرأته على غير قمار، لما روي من استحباب الملاعبة مع الأهل، وقيل: رخص فيه ابن المسيب على غير قمار. والتمائم: جمع تميمة وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادها لدفع العين فأبطل الشرع ذلك. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وعزل الماء لغير محله" أي عزله عن فرج المرأة الحرة بغير إذنها، فإن محله فرجها، وأما المملوكات فالعزل عنهن جائز بغير إذنهن، فإذا عزل عنهن كان العزل إلى محمله، وفسره بعضهم بغير ذلك وهذا أصوب. وأما فساد الصبي: فقيل فطمه قبل أوان الفطم، وقيل أن يطأ الزوج المرأة المرضع فيعرضها للحمل فيفسد اللبن، وكان من ذلك إفساد الولد. (¬2) ¬

_ (¬1) انظر: مختصر المنذري (6/ 114)، وانظر ترجمة عبد الرحمن بن حرملة، قال الحافظ: مقبول، التقريب (3865)، وانظر للتفصيل: تهذيب الكمال (17/ 62). (¬2) انظر: معالم السنن (4/ 198).

قوله: "غير محرمة" أي أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يبلغ به حد التحريم، وانتصب غير على الحال من يكره، والضمير من محرمه، مجرور عائد إلى فساد الصبي فقط فإنه أقرب، وإلا فالتختم بالذهب حرام وكذلك تغيير الشيب بالسواد، واللعب بالكعاب وعزل الماء كما تقدم. 3522 - أن مولاة لهم ذهبت بابنة الزبير إلى عمر بن الخطاب، وفي رجلها أجراسٌ، فقطعها عمر وقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مع كل جرس شيطان". قلت: رواه أبو داود هنا من حديث عامر بن عبد الله بن الزبير أن مولاة لهم ذهبت بابنة الزبير ... الحديث، ومولاة لهم مجهولة، وعامر بن عبد الله ابن الزبير لم يدرك عمر. (¬1) 3523 - ودُخِل على عائشة بجارية عليها جلاجل يصوتن، فقالت: لا تدخلنها علي، إلا أن تقطعن جلاجلها، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تدخل الملائكة بيتًا فيه جرسٌ". قلت: رواه أبو داود فيه من حديث: بنانة مولاة عبد الرحمن بن حبان الأنصاري عن عائشة قال: "بينما هي عندها إذ دخل عليها بجارية" .. الحديث. (¬2) وبنانة: بضم الباء الموحدة وبعدها نون مفتوحة وبعدها ألف ونون وتاء تأنيث. 3524 - أن جدّه عرفجة بن أسعد قُطع أنفه يوم الكلاب، فاتخذ أنفًا من ورقٍ، فأنتن عليه، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتخذ أنفًا من ذهب. قلت: رواه أبو داود فيه والترمذي في اللباس والنسائي في الزينة ثلاثتهم من حديث أبي الأشهب جعفر بن الحارث عن عبد الرحمن بن طرفة عن جده عرفجة بن أسعد أنه "أصيب أنفه" .. الحديث، وقال الترمذي: حديث حسن، إنما نعرفه من حديث ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4230). وإسناده ضعيف لجهالة مولاة لهم وللإنقطاع، فإن عامر بن عبد الله بن الزبير لم يدرك عمر. وانظر: مختصر المنذري (6/ 121). (¬2) أخرجه أبو داود (4231). وإسناده ضعيف، فيه: بنانة، قال عنها الحافظ في "التقريب" (8644): لا تعرف، وقد رواه عنها ابن جريج بالعنعنة.

عبد الرحمن بن طرفة، وقد روى سلم ابن زرير، عن عبد الرحمن بن طرفة نحو حديث أبي الأشهب، انتهى. (¬1) وأخرجه النسائي في الزينة من حديث سلم بن زرير، وسلم هذا هو أبو يونس العطاردي احتج به الشيخان. والكُلاب: بضم الكاف وفتح اللام مخففة وباء موحدة موضع كان فيه يومان من أيام العرب المشهورة: الكلاب الأول والكلاب الثاني، واليومان في موضع واحد، وقيل: هو ماء بين الكوفة والبصرة على سبع ليال من اليمامة، وكانت به وقعة في الجاهلية. 3525 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أحب أن يحلّق حبيبه حلقة من نار، فليحلقه حلقة من ذهب، ومن أحب أن يطوق حبيبه طوقًا من نار، فليطوقه طوقًا من ذهب، ومن أحب أن يسور حبيبه سوارًا من نارٍ، فليسوره سوارًا من ذهب، ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها". قلت: رواه أبو داود فيه من حديث أبي هريرة ولم يضعفه ولا المنذري. (¬2) 3526 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أيما امرأة تقلدت قلادة من ذهب، قُلدت في عنقها مثله من النار يوم القيامة، وأيما امرأة جعلت في أذنها خُرصًا من ذهبٍ، جعل الله في أذنها مثلها من النار يوم القيامة". قلت: رواه أبو داود فيه والنسائي في الزينة كلاهما من حديث أسماء ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4232)، والترمذي (1770)، والنسائي (8/ 63 - 164) وإسناده حسن. وسلم بن زرير قال الحافظ: العطاردي أبو بشر البصري. وثقه أبو حاتم، وقال النسائي: بالقوي، التقريب (2479)، وانظر للتفصيل: منهج النسائي (5/ 2182)، وله متابع عند أحمد (5/ 23) من طريق أبو الأشهب وهو جعفر بن حيان. قال المزي: والمحفوظ الرواية عن جده، ليس فيه عن أبيه، تهذيب الكمال (17/ 192) وانظر: صحيح ابن حبان (5462). وقد جزم الحافظ ابن حجر بنسبة الحديث إليه في الإصابة (4/ 485). (¬2) أخرجه أبو داود (4237)، انظر: مختصر المنذري (6/ 124).

بنت يزيد ترفعه. (¬1) والخرص: بالخاء المعجمة والراء والصاد المهملتين هو الحلقة الصغيرة من الحلي وهو من حلي الأذن وحمله بعضهم على أن ذلك كان في الزمان الأول ثم نسخ فأبيح للنساء التحلي بالذهب، لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتقدم "هذان حرامان على ذكور أمتي حِلّ لإناثها" وقيل: هذا الوعيد فيمن لا يؤدي زكاة الذهب دون من أداها. (¬2) وروى ابن سيرين أن أبا هريرة كان يقول: لابنته لا تلبسي الذهب فإني أخاف عليك اللهب. 3527 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا معشر النساء! أما لكن في الفضة ما تحلين به، أما إنه ليس منكن امرأة تحلى ذهبًا -تظهره- إلا عذّبت به". قلت: رواه أبو داود هنا والنسائي في الزينة (¬3) كلاهما من حديث ربعي ابن خراش، عن امرأته عن أخت لحذيفة ترفعه، وامرأة ربعي: مجهولة، وأخت حذيفة اسمها: فاطمة، وقيل: خولة، وفي بعض طرف الحديث: عن أخت حذيفة وكان له أخوات قد ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4238)، والنسائي (8/ 157) وإسناده ضعيف. في إسناده محمود بن عمرو وهو ابن يزيد بن السكن لم يذكروا في الرواة عنه سوى اثنين ولم يؤثر توثيقه عن غير ابن حبان وجهله ابن القطان والذهبي وقد تفرد به. وترجم له الحافظ في التقريب (6557) وقال: مقبول. (¬2) انظر: مختصر المنذري (6/ 126 - 127). (¬3) أخرجه أبو داود (4237)، والنسائي (8/ 157). وإسناده ضعيف، كما قال المصنف لجهالة امرأة ربعي. وفاطمة بنت اليمان العبسية، أخت حذيفة، صحابية، لها حديث، ويقال: اسمها خولة، انظر: الاستيعاب لابن عبد البر (4/ 1902)، والإصابة (8/ 72). وقال الحافظ في المبهمات من النسوة من التقريب (8895): ربعي بن حراش، عن امرأته، لم أقف على اسمها، وهي مقبولة.

باب النعال

أدركن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذكرها ابن عبد البر، وسماها فاطمة، وقال: وروي عنها حديث: كراهة تحلي النساء بالذهب، إن صح فهو منسوخ. (¬1) باب النعال من الصحاح 3528 - رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبس النعال التي ليس فيها شعر. قلت: رواه الشيخان مطولًا: البخاري في اللباس، ومسلم في الحج وأبو داود فيه والترمذي في الشمائل مقتصرًا على ذكر النعال، والنسائي في الطهارة كذلك كلهم من حديث عبيد بن جريج عن عبد الله بن عمر بن الخطاب يرفعه. (¬2) 3529 - إن نعل النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لها قبالان. قلت: رواه البخاري في باب "قبالان في نعل" وأبو داود في الانتعال، والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث أنس. (¬3) والقبال: بالقاف المكسورة والباء الموحدة، زمام النعل، وهو السير الذي يكون بين الأصبعين. 3530 - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في غزوة غزاها: "استكثروا من النعال، فإن الرجل لا يزال راكبًا، ما انتعل". قلت: رواه مسلم هنا من حديث جابر ولم يخرجه البخاري. (¬4) ¬

_ (¬1) هذا كلام المنذري في مختصر سنن أبي داود (6/ 124)، وهو في الاستيعاب لابن عبد البر (4/ 1902). (¬2) أخرجه البخاري (166)، وفي اللباس (5851)، ومسلم (1187)، وأبو داود (1772)، والترمذي في الشمائل (78)، والنسائي (1/ 80). (¬3) أخرجه البخاري (5857)، وأبو داود (4134)، والترمذي (1772). (¬4) أخرجه مسلم (2096).

3531 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا انتعل أحدكم، فليبدأ باليمنى، فإذا نزع، فليبدأ بالشمال، لتكن اليمنَى أولهما تنعل، وآخرهما تنزع". قلت: رواه الجماعة إلا النسائي كلهم في اللباس من حديث أبي هريرة ولم يقل مسلم ولا ابن ماجه "لتكن اليمنى أولهما تنعل وآخرهما تنزع". (¬1) 3532 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يمشي أحدكم في نعل واحدةٍ، ليُحْفهما جميعًا، أو ليُنعلهما جميعًا". قلت: رواه الشيخان وأبو داود والترمذي جميعًا في اللباس من حديث أبي هريرة يرفعه. (¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليحفهما" بالحاء المهملة والفاء، كذا هو في البخاري والذي في مسلم في جميع نسخه على ما قال النووي (¬3): "ليخلعهما" بالخاء المعجمة واللام والعين، قال: ورواية البخاري أحسن. ويكره المشي في نعل واحدة أو خف أو مداس واحدة إلا لعذر، ودليله هذا الحديث وغيره من الأحاديث. قال النووي (¬4): وهو مجمع على استحبابه وأنه ليس بواجب. 3533 - قال: "من انقطع شسع نعله، فلا يمشينّ في نعل واحدةٍ، حتى يُصلح شسعه، ولا يمش في خف واحدٍ، ولا يأكل بشماله، ولا يحتب بالثوب الواحد، ولا يلتحف الصمّاء". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5856)، ومسلم (2097)، وأبو داود (4139)، والترمذي (1779)، وابن ماجه (3616). (¬2) أخرجه البخاري (5855)، ومسلم (2097)، وأبو داود (4136)، والترمذي (1774). (¬3) المنهاج (14/ 104). (¬4) المصدر السابق (14/ 105).

من الحسان

قلت: رواه مسلم فيه من حديث جابر يرفعه، ولم يخرجه البخاري بهذا اللفظ. (¬1) والشسع: بشين معجمة مكسورة ثم سين مهملة ساكنة وهو أحد سيور النعل وهو الذي يدخل بين الأصبعين، ويدخل طرفه في النقب الذي في صدر النعل المشدود في الزمام، والزمام هو السير الذي يعقد فيه الشسع وجمعه شسوع. (¬2) من الحسان 3534 - قال: كان لنعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبالان مثنّى شراكهما. قلت: رواه الترمذي في الشمائل وابن ماجه في اللباس من حديث ابن عباس وسنده حسن. (¬3) 3535 - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينتعل الرجل قائمًا. قلت: رواه أبو داود هنا من حديث جابر يرفعه وسكت عليه، ولم يعترضه المنذري. (¬4) ورواه الترمذي من حديث الحارث بن نبهان عن معمر، عن عمار بن أبي عمار، عن أبي هريرة يرفعه (¬5) وقال: غريب، وروى عُبيد الله بن عمرو الرقي هذا الحديث عن معمر عن قتادة عن أنس قال: وكلا الحديثين لا يصح عند أهل الحديث، والحارث بن نبهان ليس عند أهل الحديث بالحافظ، ولا نعرف لحديث قتادة عن أنس أصلًا، وقال ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2099). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (14/ 104). (¬3) أخرجه الترمذي في الشمائل (72)، وابن ماجه (3614). (¬4) أخرجه أبو داود (4135) والحديث صحيح، لطرقه الكثيرة عن جمع من الصحابة، انظر: الصحيحة (719). (¬5) أخرجه الترمذي (1775) من رواية أبي هريرة.

البخاري: ولا يصح حديث أنس هذا، ولا حديث معمر عن عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة، ورواه ابن ماجه (¬1) في اللباس عن علي بن محمد، ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة يرفعه، ورواه أيضًا عن علي ابن محمد ثنا وكيع عن سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر يرفعه. 3536 - قالت: ربما مشى النبي - صلى الله عليه وسلم - في نعل واحدةٍ، والصحيح: أنه عن عائشة رضي الله عنها: أنها مشت في نعل واحدةٍ. قلت: رواه الترمذي في اللباس من حديث القاسم عن عائشة مرفوعًا (¬2) وموقوفًا عليها قال: والموقوف أصح. (¬3) قال في شرح السنة (¬4): وروي في الرخصة في المشي في نعل واحدة عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة أنها مشت في نعل واحدة، رواه الثوري وغيره عن عبد الرحمن، ورفعه الليث عن عبد الرحمن، والوقف أصح، وروي عن علي أنه مشى في نعل واحدة، وعن عبد الله بن دينار: "رأيت ابن عمر يمشي في نعل واحدة، وكان ابن سيرين لا يرى به بأسًا. (¬5) قال البغوي: وقد ألحق بعض الناس إخراج إحدى اليدين من الكم، وإرسال الرداء على أحد المنكبين في الكراهية، يلبس إحدى النعلين وأحد الخفين. 3537 - قال: من السنة إذا جلس الرجل: أن يخلع نعليه فيضعهما بجنبه. ¬

_ (¬1) أخرجه ابن ماجه (3618). انظر العلل الكبير للترمذي (540) (541). وانظر: مسند أبي يعلى (2936) و (3077). (¬2) أخرجه الترمذي (1777) و (1778) وإسناده صحيح. انظر: العلل الكبير للترمذي (542)، ومشكل الآثار للطحاوي (1361)، والسلسلة الصحيحة للألباني (348). (¬3) والموقوف أخرجه كذلك ابن أبي شيبة (8/ 147). (¬4) انظر: شرح السنة (12/ 78). (¬5) انظر: مصنف عبد الرزاق (11/ رقم 20217، 20220، 20219).

باب الترجل

قلت: رواه أبو داود من حديث ابن عباس وسكت عليه هو المنذري. (¬1) 3538 - أن النجاشي أهدى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - خفين أسودين ساذّجين، فلبسهما، ثم توضأ ومسح عليهما. قلت: رواه أبو داود وابن ماجه كلاهما في الطهارة، والترمذي في الاستئذان ثلاثتهم من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه، قال الترمذي: حديث حسن، وإنما نعرفه من حديث دلهم بن صالح، انتهى. ودلهم: فيه ضعف قاله ابن معين. (¬2) والساذج: ذكره في المحكم بذال معجمة وقال هو بفتح الذال وكسرها، انتهى وهو فارسي معرب. باب الترجل من الصحاح 3539 - قالت: كنت أرجّل رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا حائض. قلت: رواه الشيخان والنسائي في الطهارة، وأعاده البخاري في اللباس، والنسائي في الاعتكاف ثلاثتهم من حديث عائشة. (¬3) والترجل: تسريح الشعر وتنظيفه وتحسينه. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4138)، وانظر: مختصر المنذري (6/ 74)، وفيه: عبد الله بن هارون حجازي، قال الحافظ: مقبول، وقال الذهبي: لا يعرف، انظر: ميزان الاعتدال (2/ 516)، والتقريب (3697). (¬2) أخرجه أبو داود (155)، والترمذي (2820)، وابن ماجه (549). وإسناده ضعيف: دلهم بن صالح الكندي ترجم له الحافظ في التقريب (1839) وقال: ضعيف وحجير = = ابن عبد الله: مجهول. وأخرجه المزي في "تهذيب الكمال" (5/ 482). في ترجمة حجير بن عبد الله الكندي. (¬3) أخرجه البخاري (295)، ومسلم (297)، والنسائي (1/ 148).

3540 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الآباط". قلت: رواه البخاري في اللباس، ومسلم والنسائي وابن ماجه ثلاثتهم في الطهارة وأبو داود في الترجل كلهم من حديث أبي هريرة يرفعه. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الفطرة خمس" أي من الفطرة خمس، لما جاء في الحديث الصحيح "عشر من الفطرة" ومعنى الفطرة: السنة. والمراد: سنن الأنبياء عليهم السلام التي أمرنا أن نقتدي بهم فيها، وهذه الخصال ليست بواجبة إلا الختان، فإنه قال بوجوبه على الرجال والنساء الشافعي وجماعة من العلماء. 3541 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خالفوا المشركين: أوفروا اللحى، وأحفوا الشوارب". ويروى: "أنهكوا الشوارب، وأَعفُوا اللحى". قلت: رواه الشيخان في اللباس من حديث نافع عن ابن عمر يرفعه، كذا قاله المزي في الأطراف، ولم أره في مسلم في اللباس إنما هو في الطهارة. (¬2) قال البغوي (¬3): "إحفاء الشوارب": أن تؤخذ حتى تحفى وترق، وقد تكون بمعنى الاستقصاء في الأخذ، قال في الفائق (¬4): الإحفاء والحفو: أن يلزِق الجزّ، ومنه أمرنا أن نحفي الشوارب ونعفي اللحى، والإعفاء: التوفير، من عفى الشيء: إذا كثر، وعفوته وأعفيته أنا، انتهى، وهو بقطع الهمزة في أحفوا وأعفوا، وقال ابن دريد: يقال حفا الرجل شاربه يحفوه إذا استأصل أخذ شعره، فعلى هذا يكون همزة أحفوا همزة وصل، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5891)، ومسلم (257)، والنسائي (1/ 13)، وابن ماجه (292)، وأبو داود (4198)، وكذلك الترمذي (2756). (¬2) أخرجه البخاري (5892)، ومسلم في الطهارة (259). وانظر: تحفة الأشراف (6/ 189 رقم 8236). (¬3) انظر: شرح السنة (12/ 107). (¬4) انظر: الفائق للزمخشري (1/ 294).

وقال غيره: عفوت الشعر وأعفيته لغتان، قال النووي (¬1): والحفاء أن يقص حتى يبدو أطراف الشفة ولا يحفه من أصله، وأما رواية "احفوا الشوارب" فمعناها: أحفوا ما طال على الشفتين، واللحى: بكسر اللام وضمها لغتان، والكسر أفصح وهو جمع لحية. 3542 - "وُقت لنا في قص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة: أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة". قلت: رواه مسلم في الطهارة بهذا اللفظ، وأخرجه أبو داود في الترجل، والترمذي في الاستئذان (¬2)، وقالا: "وقت لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" وفي سندهما صدقة ابن موسى أبو المغيرة البصري، وقد ضعف، والصحيح فيه: "وقت لنا" كما أخرجه مسلم، وكذلك أخرجه ابن ماجه في الطهارة، وأخرجه أيضًا أبو داود والترمذي كذلك وقال: هذا أصح من الأول يعني أصح من المسند إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا دلالة فيه على توقيت الفعل، وإنما الصريح فيه توقيت الترك كما تضمنه حديث مسلم الذي رواه المصنف. 3543 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن اليهود والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم". قلت: رواه الشيخان وابن ماجه ثلاثتهم في اللباس، وأبو داود في الترجل، والنسائي في الزينة كلهم من حديث سلمان بن يسار عن أبي هريرة. (¬3) ويصبغون بضم الباء الموحدة، وفتحها، يقال: صبغ يصبغ بالضم والفتح. ¬

_ (¬1) المنهاج (3/ 191). (¬2) أخرجه مسلم (258)، وابن ماجه (295)، وأبو داود (4200)، والترمذي (2758). وعند أبي داود والترمذي صدقه بن موسى الدقيقي وقال عنه الحافظ في التقريب (2937): صدوق له أوهام. لكنه قد توبع كما عند مسلم وابن ماجه. (¬3) أخرجه البخاري (5899)، ومسلم (2103)، وابن ماجه (3621)، وأبو داود (4203)، والنسائي (8/ 137).

3544 - قال: أتي بأبي قُحافة يوم فتح مكة، ورأسه ولحيته كالثغامة بياضًا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "غيروا هذا بشيءٍ، واجتنبوا السواد". قلت: وواه مسلم في اللباس، وأبو داود في الترجل، والنسائي في الزينة ثلاثتهم من حديث أبي الزبير عن جابر بن عبد الله، ولم يخرجه البخاري. (¬1) وأبو قحافة: بضم القاف وتخفيف الحاء المهملة واسمه عثمان، وهو والد أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أسلم يوم الفتح. والثغامة: بثاء مثلثة مفتوحة ثم غين معجمة، مخففة: نبت أبيض الزهر والثمر شبه بياض الشيب به، وقد ذهب الشافعي رضي الله عنه إلى استحباب خضاب الشيب للرجل والمرأة بصفرة أو حمرة ويحرم خضابه بالسواد على الصحيح، وقيل: يكره كراهة تنزيه، والأول أظهر لظاهر الحديث. 3545 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه، وكان أهل الكتاب يسئلون أشعارهم، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم، فسدل النبي - صلى الله عليه وسلم - ناصيته، ثم فرق بعد. قلت: رواه الجماعة: البخاري في مواضع منها في الهجرة، ومسلم في الفضائل، وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي في الزينة وابن ماجه في اللباس كلهم من حديث ابن عباس. (¬2) قال أهل اللغة: يقال: سدل يسدل بضم الدال وكسرها، قال القاضي: سدل الشعر إرساله، قال: والمراد به هنا عند العلماء إرساله على الجبين، يقال: سدل شعره وثوبه إذا أرسله ولم يضم جوانبه، "وأما الفرق" فهو فرق بعضه من بعض. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2102)، وأبو داود (4204)،. والنسائي (8/ 138). (¬2) أخرجه البخاري (3944)، ومسلم (2336)، وأبو داود (4188)، والترمذي في الشمائل (30)، والنسائي (8/ 184)، وابن ماجه (3632). (¬3) انظر: إكمال المعلم (7/ 302)، والنهاية لابن الأثير (2/ 355).

قال العلماء: والفرق سنة لأنه الذي رجع إليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، قالوا: والظاهر أنه إنما رجع إليه - صلى الله عليه وسلم - بوحي، وقال بعضهم: نسخ السدل، فلا يجوز فعله، قال النووي (¬1): والمختار جواز السدل، والفرق، وأن الفرق أفضل. 3546 - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن القزع. قيل لنافع: ما القزع؟ قال: يحلق بعض رأس الصبي، ويترك البعض. قلت: رواه الشيخان وابن ماجه ثلاثتهم في اللباس، وأبو داود في الترجل، والنسائي في الزينة كلهم من حديث عبيد الله بن حفص عن عمر بن نافع عن نافع عن ابن عمر بن الخطاب. (¬2) وحكي في صحيح مسلم التفسير من كلام نافع، وفي رواية: من كلام عبيد الله، والقزع: بفتح القاف والزاي وهذا الذي فسر به نافع هو الصحيح، ومنهم من قال: هو حلق مواضع متفرقة، ومذهبنا كراهته مطلقًا للرجال والنساء. 3547 - وروي عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى صبيًّا قد حُلق بعض رأسه، وتُرك بعضه، فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، وقال: "احلقوا كله، أو اتركوا كله". قلت: هذا الحديث رواه أبو داود في الترجل بهذا اللفظ والنسائي في الزينة كلاهما من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب، وأخرجه مسلم تلو الحديث الذي قبله بالإسناد الذي أخرجه به أبو داود ولم يذكر لفظه (¬3)، وذكر أبو مسعود الدمشقي في تعليقه أن مسلمًا أخرجه بهذا اللفظ، كذا نقله عن أبي مسعود الدمشقي الحميدي وتبعه المزي في الأطراف ولم أر هذا الحديث في مسلم في نسخة سماعنا ولا في النسخ التي وقفت عليها ¬

_ (¬1) المنهاج (15/ 132). (¬2) أخرجه البخاري (5920)، ومسلم (2120)، وابن ماجه (3637)، وأبو داود (4193)، والنسائي (8/ 130). (¬3) أخرجه أبو داود (4195)، والنسائي (8/ 130)، وأخرج إسناده مسلم (3/ 1675).

ببلادنا، ولا ذكره عبد الحق في جمعه بين الصحيحين، بل الذي في مسلم لفظ الحديث الذي قبله كما بينا، والله أعلم. (¬1) 3548 - قال: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المخنثين من الرجال والمترجّلات من النساء، وقال: أخرجوهم من بيوتكم. قلت: رواه البخاري في الحدود في باب لعن أهل المعاصي والمخنثين من حديث ابن عباس. (¬2) والمخنث: بفتح النون كذا ضبطه في الصحاح (¬3)، فقال: يقال خنثت الشيء فتخنث أي عطفته فتعطف، ومنه سمي المخنَّث، ونقل النووي (¬4) في تهذيب الأسماء واللغات فيه كسر النون وفتحها، وقال: الكسر أفصح والفتح أشهر، وهو الذي خلقه خلق النساء في حركته وهيئاته وكلامه ونحو ذلك. والمدموم في الحديث: هو الذي يتكلف ذلك ويتصنعه، أما من كان ذلك خلقه ولا يتكلفه ولا يتصنعه فلا إثم عليه، ولا عيب، ولا ذم إذ لا فعل له. 3549 - قال: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال. قلت: رواه البخاري وأبو داود كلاهما في اللباس، والترمذي في الاستئذان، وابن ماجه في النكاح كلهم من حديث ابن عباس (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (2/ 251)، وتحفة الأشراف للمزي (6/ 68) رقم (7525)، وراجع فتح الباري (10/ 365). (¬2) أخرجه البخاري (5886). (¬3) انظر: الصحاح للجوهري (1/ 281). (¬4) انظر: تهذيب الأسماء واللغات (3/ 94). (¬5) أخرجه البخاري (5885)، وأبو داود (4931)، والترمذي (2784)، وابن ماجه (904).

3550 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لعن الله الواصلة، والمستوصلة، والواشمة، والمستوشمة". قلت: رواه الشيخان في اللباس وأبو داود في الترجل، والترمذي في الاستئذان وفي غيره، أربعتهم من حديث عبد الله بن عمر يرفعه. (¬1) والواصلة: هي التي تصل شعرها بشعر غيرها، تريد بذلك، أن يظن بها طول الشعر، أو أن يكون شعرها أصهب فتصله بشعر أسود فهذا من باب الزور. والمستوصلة: التي تأمر من تفعل بها ذلك، قال ابن الأثير (¬2): وروي عن عائشة أنها قالت: ليست الواصلة بالتي تعنون، ولا بأس أن تعرى المرأة عن الشعر، فتصل قرنًا من قرونها بصوف أسود، وإنما الواصلة: التي تكون بغِيًّا في شبيبتها، وإذا أسنّت وصلتها بالقِيادة، وقال أحمد بن حنبل لما ذكر له ذلك: ما سمعت بأعجب من ذلك. والواشمة: من الوشم: وهو أن تغرز المرأة ظهر كفها أو معصمها بإبرة حتى تدميه ثم تحشوه بالكحل ليخضر، والمستوشمة التي تأمر من تفعل بها ذلك. وظاهر الحديث يدل على تحريم وصل الشعر مطلقًا، وقد فصل أصحابنا فقالوا: إن وصلت شعرها بشعر آدمي فهو حرام بلا خلاف، وإن وصلته بغير شعر آدمي فإن كان نجسًا حرام أيضًا، أو طاهرًا ولا زوج لها فحرام أيضًا، أو لها زوج فثلاثة أوجه: أصحها جوازه بإذن الزوج أو السيد خاصة، قال أصحابنا: وموضع الوشم نجس فإن أمكن إزالته بالعلاج وجب إزالته، وإن لم يمكن إلا بالجرح فإن خاف منه التلف أو فوت عضو أو منفعة عضو أو شيئًا فاحشًا في عضو ظاهر لم تجب إزالته، وإذا تاب زال عنه الإثم، وإن لم يخف شيئًا من ذلك لزمه إزالته ويعصى بتأخره. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5937)، ومسلم (2124)، وأبو داود (4168)، والترمذي (2783). (¬2) انظر: النهاية لابن الأثير (5/ 192). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (14/ 147 - 151)، ومعالم السنن (4/ 194).

3551 - قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات، والمتنمّصات، والمتفلّجات للحسن: المغيّرات خلق الله، فجاءت امرأة فقالت: إنه بلغنى أنك لعنت كيت وكيت؟ فقال: ما لي لا ألعن من لعن رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن هو في كتاب الله! فقالت: لقد قرأت ما بين اللوحين، فما وجدت فيه ما تقول؟ قال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، أما قرأتِ: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}؟ قالت: بلى، قال: فإنه قد نهى عنه. قلت: رواه البخاري في سورة الحشر وذا لفظه، وهو أيضًا ومسلم في اللباس، وأبو داود في الترجل، والترمذي في الاستئذان مقتصرًا على المسند منه خاصة والنسائي في الزينة وفي التفسير، وابن ماجه في النكاح كلهم من حديث إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود. (¬1) والمرأة السائلة لعبد الله بن مسعود: يقال لها أم يعقوب من بني أسد كما جاء مصرحًا به في الصحيحين وفي غيرهما. والمتنمصات: بالتاء المثناة من فوق ثم النون ثم بالميم ثم بالصاد المهملة من التنمص وهو نتف الشعر من الوجه، والمتنمصة: التي تأمر بفعل ذلك، وهذا الفعل حرام إلا إذا نبت للمرأة لحية، أو شوارب، فلا تحرم إزالتهما، بل تستحب عندنا، قال ابن جرير: لا يجوز أن تزيل شيئًا من ذلك، ومذهبنا أن النهي إنما هو في الحواجب وفي أطراف الوجه، ورواه بعضهم بتقديم النون على التاء والمشهور تأخيرها. والمتفلجات: بالميم والتاء المثناة من فوق والفاء واللام والجيم، المراد بهن متفلجات الأسنان، بأن تبرد ما بين أسنانها الثنايا والرباعيات، وهو من الفلج بفتح اللام وهي فرجة بين الثنايا والرباعيات، تفعل ذلك العجوز، ومن قاربها في السن إظهارًا للصغر وحسن الأسنان، وهذا الفعل حرام على الفاعلة والمفعول بها لهذه الأحاديث. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5939)، ومسلم (2125)، وأبو داود (4169)، والترمذي (2782)، والنسائي (8/ 146)، وابن ماجه (1989).

وأما قوله: المتفلجات للحسن: فمعناه يفعلن ذلك طلبًا للحسن. (¬1) 3552 - قال وسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "العين حق"، ونهى عن الوشم. قلت: رواه البخاري في اللباس بهذا اللفظ، ومسلم وأبو داود، كلاهما في الطب، فاقتصرا على "العين حق"، ثلاثتهم من حديث معمر عن همام عن أبي هريرة. (¬2) 3553 - قال: "لقد رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ملبّدًا". قلت: رواه البخاري في اللباس من حديث عبد الله بن عمر. (¬3) والتلبيد: أن يجعل في رأسه لزوقًا صمغًا أو عسلًا ليتلبد فلا يقمّل. 3554 - قال: نهى وسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتزعفر الرجل. قلت: رواه الشيخان في اللباس، وأبو داود في الترجل، والترمذي في الاستئذان والنسائي في الحج وفي الزينة كلهم من حديث أنس يرفعه. (¬4) قال الترمذي: معنى كراهية التزعفر للرجل أن يتطيب به. قال البغوي (¬5): النهي عن التزعفر للرجل يتناول الكثير منه، أما القليل منه، فقد وردت الرخصة فيه للزوج، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى عبد الرحمن بن عوف وعليه ردع من زعفران فلم ينكر عليه. (¬6) 3555 - قالت: كنت أطيب النبي - صلى الله عليه وسلم - بأطيب ما نجد، حتى أجد وبيص الطيب في رأسه ولحيته. ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنوي (14/ 151 - 152)، ومعالم السنن (4/ 194). (¬2) أخرجه البخاري (5740)، ومسلم (2187)، وأبو داود (3879). (¬3) أخرجه البخاري (5914). (¬4) أخرجه البخاري (5846)، ومسلم (2101)، وأبو داود (4179)، والترمذي (2815)، والنسائي (5/ 141) و (8/ 189). (¬5) انظر: شرح السنة (12/ 79). (¬6) أخرجه البخاري (9/ 191)، ومسلم (1427)، وأبو داود (2109).

من الحسان

قلت: رواه البخاري في اللباس، ومسلم في الحج، والنسائي فيه ثلاثتهم من حديث عائشة. (¬1) والوبيص: بواو مفتوحة وجاء موحدة مكسورة وياء مثناة من تحت وصاد مهملة البريق واللمعان. 3556 - قال: كان ابن عمر إذا استجمر استجمر بألُوّة غير مُطَرّاة وبكافور، يطرحه مع الألوة، ثم قال: هكذا يستجمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قلت: رواه مسلم قبيل كتاب الشعر، والنسائي في الزينة من حديث نافع عن ابن عمر، ولم يخرجه البخاري. (¬2) قوله: "إذا استجمر": أي إذا استعطر بالبخور، قال ابن الأثير (¬3): يقال ثوب مُجْمر ومجمّر، والذي يتولى ذلك مُجمِر ومجمِّر على نيابة للفاعل، والألوّة: العود وفيه لغتان، ألوة بضم الهمزة وفتحها وتشديد الواو المفتوحة وهمزتها أصلية وقيل زائدة، قال الأصمعي: هو فارسي معرب. قوله: "غير مطراة" أي غير مطلية بالكافور، قال ابن الأثير (¬4): المطراة: التي يُعمل عليها ألوان الطِّيب كالعنبر والمسك والكافور، والله أعلم. من الحسان 3557 - كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقص -أو يأخذ- من شاربه، وكان إبراهيم خليل الرحمن يفعله. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5923)، ومسلم (1189)، والنسائي (5/ 138). (¬2) أخرجه مسلم (2254)، والنسائي (8/ 156). (¬3) النهاية (1/ 293). (¬4) المصدر السابق (3/ 123).

قلت: رواه الترمذي في الاستئذان عن محمد بن عمر بن وليد الكندي عن يحيى بن آدم عن إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس وقال: حسن غريب (¬1)، ورواه أحمد: عن يحيى بن أبي بكير عن حسن بن صالح عن سماك ولفظه "يقص شاربه وكان أبوكم إبراهيم من قبله يقص شاربه". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2760)، وأحمد (1/ 301) وإسناده ضعيف، فيه سماك وهو ابن حرب، قال الحافظ: صدوق، وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وقد تغيّر بأخرة فكان ربما يلقن. انظر: التقريب (2639).

3558 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من لم يأخذ من شاربه، فليس منا". قلت: رواه أحمد والترمذي في الاستئذان، والنسائي في الطهارة، وابن حبان في صحيحه من حديث زيد بن أرقم، وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬1) 3559 - أن النبي كان يأخذ من لحية: من عرضها وطولها. (غريب). قلت: رواه الترمذي في الاستئذان، من حديث عمر بن هارون عن أسامة ابن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وقال فيه: غريب، قال البخاري: عمر بن هارون: مقارب الحديث، لا أعرف له حديثًا لا أصل له، أو قال: ينفرد به إلا هذا الحديث، قال الذهبي: ضعفوه واتهمه بعضهم. (¬2) 3560 - "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى عليه خلوقًا، فقال: "ألك امرأةٌ؟ " قال: لا، قال: "فاغسله، ثم اغسله، ثم اغسله، ثم لا تعد". قلت: رواه المصنف بهذا اللفظ في شرح السنة بسنده، وقال: فيه عن عطاء بن الليث سمعت رجلًا من آل أبي عقيل يقال له أبو حفص بن عمرو يحدث عن يعلى بن مرة وساقه، ورواه الترمذي في الاستئذان، ولفظه: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبصر رجلًا متخلقًا، قال: "اذهب فاغسله ثم اغسله ثم لا تعد"، ورواه النسائي في الزينة وأحمد، بمعنى سياق المصنف عن عبيدة بن حميد عن عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة عن أبيه عن جده. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (4/ 366)، والترمذي (2761)، والنسائي (1/ 15)، وابن حبان (5477) وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه الترمذي (2762) وقول الذهبي في الكاشف (2/ 70 رقم 4118)، وفيه: واهٍ اتهمه بعضهم. وقال الحافظ في التقريب (5514): متروك، وكان حافظًا، وانظر: المستدرك (1/ 232). (¬3) أخرجه البغوي في شرح السنة (3161)، وأحمد (4/ 171)، والترمذي (2816). وفي إسناده أبو حفص بن عمرو وقيل أبو عمرو بن حفص وهو عبد الله بن حفص لم يرو عنه غير عطاء بن السائب قال في "التقريب" (3297): مجهول. وعطاء بن السائب قد اختلط كما قال الحافظ في =

3561 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقبل الله صلاة رجل في جسده شيء من خلوق". قلت. رواه أبو داود في الترجل، من حديث أبي جعفر الرازي عن الربيع ابن أنس (¬1) وهو الخراساني عن جديه قالا: سمعنا أبا موسى الأشعري يقول: وساق الحديث، قال أبو داود: جديه: زيد وزياد، وأبو جعفر الرازي عيسى بن عبد الله بن ماهان قد اختلف فيه قول علي بن المديني وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين، فقال فيه ابن المديني: مرة ثقة، ومرة كان يخلط، وقال الإمام أحمد: ليس بالقوي ومرة صالح الحديث، وقال يحيى بن معين: مرة ثقة، ومرة يكتب حديثه إلا أنه يخطيء، وقال أبو زرعة: كان يهم كثيرًا، وقال الفلاس: سيء الحفظ. 3562 - قال: قدمت على أهلي وقد تشققت يداي، فخلّقوني بزعفران، فغدوتُ على النبي - صلى الله عليه وسلم - فسلمت عليه، فلم يرد عليّ، وقال: "اذهب فاغسل هذا عنك". قلت: رواه أبو داود في الترجل وبعضه في السنة، من حديث عطاء الخراساني عن يحيى بن يعمر عن عمار بن ياسر بأتم مما رواه المصنف (¬2)، فقال: قدمت على أهلي ليلًا وقد تشققت يداي فخلقوني بزعفران، فغدوت على النبي - صلى الله عليه وسلم - فسلمت عليه فلم يرد علي ¬

_ = التقريب (4625): ولكن هذا الحديث من طريق شعبة وقد سمع شعبة عنه قبل اختلاطه إلا حديثين. انظر: تهذيب الكمال (20/ 89)، وعمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة قال الحافظ: ضعيف، انظر: التقريب (4967). (¬1) أخرجه أبو داود (4178). وإسناده ضعيف فيه أبو جعفر الرازي عيسى بن ماهان قال الحافظ في التقريب (8077): صدوق سيء الحفظ خصوصًا عن مغيرة. وانظر أقوال العلماء في تهذيب الكمال (33/ 194 - 196). وكذلك جهالة جدي الربيع بن أنس: زيد وزياد، وكلاهما مجهولان. (¬2) أخرجه أبو داود (4176). وإسناده ضعيف، فيه عطاء بن أبي مسلم الخراساني، وهو ضعيف ويدلس كما قال الحافظ في التقريب (4633)، وكذلك أبو جعفر الرازي وهو سيء الحفظ. وقد سبق في الحديث السابق.

ولم يرحب بي، وقال. "اذهب فاغسل هذا عنك"، فذهبت فغسلته، ثم جئت فسلمت عليه، فرد علي ورحب بي وقال: "إن الملائكة لا يحضر جنازة الكافر بخير، ولا المتضمح بالزعفران، ولا الجنب"، ورخص للجنب إذا نام أو أكل أو شرب أن يتوضأ. وعطاء الخراساني: قد أخرج له مسلم متابعة ووثقه يحيى بن معين، وقال أبو حاتم: لا بأس به، صدوق يحتج بحديثه، وكذّبه سعيد بن المسيب، وقال ابن حبان: كان رديء الحفظ يخطئ ولا يعلم فبطل الاحتجاج به. (¬1) والردع: بالراء والدال المهملات لطخ من بقية لون الزعفران، والجنب الذي لا تحضره الملائكة الذي لم يتوضأ بعد الجنابة وقيل: هو الذي لا يغتسل من الجنابة ويتخذه عادة، فهو في أكثر الأوقات جنب. 3563 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "طيب الرجال: ما ظهر ريحه وخفي لونه، وطيب النساء: ما ظهر لونه وخفي ريحه". قلت: رواه أبو داود في النكاح مطولًا، والترمذي في الاستئذان، والنسائي في الزينة كل منهما مقتصر على ما ذكره المصنف ثلاثتهم من حديث رجل من الطفاوة لم يسمّ، عن أبي هريرة، وقال الترمذي: حديث حسن، إلا أن الطفاوي لم يعرف إلا في هذا الحديث، ولا يعرف اسمه. (¬2) 3564 - قال: كانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - سكة يتطيب منها. قلت: رواه أبو داود في الترجل، والترمذي في الشمائل كلاهما من حديث أنس ¬

_ (¬1) انظر: تهذيب الكمال (20/ 106 - 116). (¬2) أخرجه أبو داود (4176)، والترمذي (2787) وحسنه، والنسائي (8/ 151)، والبيهقي في "الشعب" (6/ 169) وله شواهد من حديث عمران عند أبي داود (7048) وكذلك من حديث أنس عند الضياء في "المختارة" بإسناد صحيح. والبيهقي في شعب الإيمان (6/ 169) رقم (7810)، والطفاوي: قال الحافظ: لم يسم، من الثالثة، لا يعرف، انظر: التقريب (8579).

يرفعه، ولم يضعفه أبو داود، وسنده حسن. (¬1) والسكه: بضم السين المهملة، مجموع من أخلاط قد جمعت، والسكة يحتمل أن تكون القطعة من السك، ويحتمل أن تكون وعاء. 3565 - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر دهن رأسه، وتسريح لحيته، ويُكثر القِناع، كأن ثوبه ثوب زَيّات. قلت: رواه الترمذي في الشمائل (¬2) عن يوسف بن عيسى عن وكيع عن الربيع بن صبيح عن يزيد بن أبان عن أنس. فيه الربيع بن صبيح كان عابدًا، قال أبو زرعة: صدوق، وضعفه النسائي، وقال عفان: أحاديثه مقلوبة كلها، وقال يحيى: ضعيف الحديث، وقال في رواية: ليس به بأس، وقال ابن حبان: كان عابدًا ولم يكن الحديث من صناعته فوقع في حديثه المناكير من حيث لا يشعر وقال الفلاس: ليس بالقوي. (¬3) والقناع: بكسر القاف قال في شرح السنة (¬4): هي الخرقة التي تجعل على الرأس من الدهن، قال الجوهري (¬5): والقناع أوسع من المِقْنعة، وهي ما تُقَنِّع به المرأة رأسها، وتقديره في الحديث: كان - صلى الله عليه وسلم - يكثر لبس القناع. 3566 - قالت: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علينا بمكةَ قَدْمةً، وله أربع غدائر. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4162)، والترمذي في الشمائل (217). (¬2) أخرجه الترمذي في الشمائل (32) وإسناده ضعيف، فيه الربيع بن صبيح ويزيد ابن أبان وكلاهما ضعيفان. قال ابن كثير: وهذا فيه غرابة ونكارة. انظر: البداية والنهاية (8/ 486) ط. دار هجر. وانظر: الضعيفة (2456). (¬3) انظر هذه الأقوال في: تهذيب الكمال (9/ 91 - 94)، والمجروحين لابن حبان (1/ 296)، وقال الحافظ: صدوق سيء الحفظ، وكان عابدًا مجاهدًا، التقريب (1905)، ويزيد بن أبان: زاهد ضعيف، انظر: التقريب (7733). (¬4) شرح السنة (3/ 350). (¬5) الصحاح (3/ 1273).

قلت: رواه أبو داود في الترجل، والترمذي وابن ماجه كلاهما في اللباس (¬1) من حديث مجاهد قالت أم هانئ، به، قال أبو داود: تعني: عقائص، وفي حديث ابن ماجه تعني: ضفائر، وقال الترمذي: حسن غريب، وقال محمد -يعني البخاري-: لا أعرف لمجاهد سماعًا من أم هانئ. والغدائر: جمع غديرة بفتح الغين المعجمة وبالدال المهملة وقد فسرت في الحديث. 3567 - كنت إذا فرقت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأسه، صَدَعْت فرقه عن يافوخه، وأرسلت ناصيته بين عينيه. قلت: رواه أبو داود بمعناه، وفي إسناده محمد بن إسحاق. (¬2) وصدعت: أي فرقت وتصدع السحاب: تفرق، وتصدع القوم: تفرقوا. واليافوخ: بالياء آخر الحروف والفاء المعجمة قال الجوهري: هي الموضع الذي يتحرك من رأس الطفل وهو يفعول، والناصية: شعر مقدم الرأس. 3568 - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الترجّل إلا غبًّا. قلت: رواه أحمد وأبو داود في الترجل، والنسائي في الزينة، والترمذي في اللباس، وابن حبان، وقال الترمذي: حسن صحيح (¬3)، قال أبو الوليد القاضي: وهذا الحديث وإن كان رواته ثقات، إلا أنه لا يثبت، لأنه رواه الحسن عن عبد الله بن مغفل ورواية الحسن عن ابن مغفل فيها نظر، وقال المنذري (¬4): وفي هذا نظر، وقد قال الإمام أحمد ويحيى بن معين وأبو حاتم الرازي: أن الحسن سمع من عبد الله ابن مغفل، وقد صحح ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4191)، والترمذي (1781)، وابن ماجه (3631). وإسناده ضعيف لانقطاعه وانظر قول الترمذي في العلل (2/ 750). (¬2) أخرجه أبو داود (4189) وفي إسناده ابن إسحاق وهو مدلس ولكنه صرّح بالتحديث فحسن حديثه. (¬3) أخرجه أبو داود (4159)، والنسائي (8/ 132)، والترمذي (1756) وابن حبان (5484). وصححه كذلك الحافظ في الفتح (10/ 367). (¬4) انظر: مختصر المنذري (6/ 83) وراجع: الصحيحة (501).

الترمذي حديثه عنه. قال -أعني المنذري-: غير أن هذا الحديث في إسناده اضطراب، انتهى. فرواه هشام عن الحسن عن عبد الله يرفعه، ورواه قتادة عن الحسن مرسلًا ورواه يونس عن الحسن ومحمد موقوفًا كل ذلك في كتاب النسائي. قوله: "إلا غبًّا" هو بالغين المعجمة والباء الموحدة أي وقتًا بعد وقت. (¬1) 3569 - أن رجلًا قال له: ما لي أراك شعثًا؟ قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ينهانا عن كثير من الإرفاه، قال: ما لي لا أرى عليك حذاءً؟ قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا أن نحتفي أحيانًا. قلت: رواه أبو داود في الترجل (¬2) عن عبد الله بن بريدة: أن رجلًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - رحل إلى فضالة بن عبيد وهو بمصر فقدم عليه فقال: أما إني لم آتك زائرًا، ولكن سمعت أنا وأنت حديثًا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجوت أن يكون عندك منه علم، قال: ما هو؟، قال: كذا وكذا قال: فما لي أراك شعثًا وأنت أمير الأرض؟ قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ينهانا عن كثير من الإرفاه، قال: فما لي لا أرى عليك .. الحديث. وسكت عليه أبو داود. والإرفاه (¬3): بكسر الهمزة وبالراء المهملة الساكنة وبالفاء وبعدها ألف ثم هاء: كثرة التدهن والتنعم، وقيل: التوسع في المشرب والمطعم، من رفهت الإبل بالفتح إذا وردت الماء كل يوم متى شاءت، والحذاء: بالحاء المهملة المكسورة بعدها دال معجمة بالمد هي النعل. 3570 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان له شعر، فليكرمه". ¬

_ (¬1) قال الخطابي: الرفه: وهو أن ترد الإبل الماء كل يوم، فإذا وردت يومًا ولم ترد يومًا فذلك الغب، معالم السنن (4/ 193). (¬2) أخرجه أبي داود (4160). وإسناده صحيح وكذا أخرجه أحمد (6/ 22). (¬3) انظر: معالم السنن للخطابي (4/ 193).

قلت: رواه أبو داود فيه من حديث أبي هريرة وسكت عليه. (¬1) 3571 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن أحسن ما غيرتم به الشيب: الحِنّاء والكَتَم". قلت: رواه الإمام أحمد وأبو داود في الترجل، والترمذي في اللباس، والنسائي في الزينة، وابن ماجه في اللباس، وابن حبان كلهم من حديث الجريري عن عبد الله بن بريدة عن أبي الأسود الدؤلي عن أبي ذر، به، قال الترمذي: حديث حسن صحيح، ورواه النسائي من وجه آخر عن أبي بريدة مرسلًا. (¬2) والحِنّاء: بكسر الحاء المهملة وتشديد النون وبالمد معروف، قيل: إنه جمع حناءة والكتم: الوسمة وقيل: هو نبت آخر، قال ابن الأثير (¬3): يشبه أن يكون استعمال الكتم منفردًا عن الحناء، فإن الحناء إذا خُضِب بها مع الكتم جاء أسود، وقد صح النهي عن السواد، ولعل الحديث بالحناء أو الكتم على التخيير، ولكن الروايات على اختلافها، بالحناء والكتم، وقال أبو عبيد: الكتَّم مشدد التاء، والمشهور التخفيف، انتهى. 3572 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "يكون قومٌ في آخر الزمان، يخضبون بهذا السواد، كحواصل الحمام، لا يجدون رائحة الجنة". قلت: رواه أبو داود في الترجل والنسائي في الزينة كلاهما من حديث ابن عباس يرفعه وفي إسناده عبد الكريم ولم ينسبه أبو داود ولا النسائي، وذكر بعضهم أنه عبد الكريم ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4163)، وحسّن إسناده الحافظ في الفتح (10/ 381). وله كذلك شاهد من حديث عائشة في الغيلانيات ولفظه: "من اتخذ شعرًا فليكرمه": انظر: الغيلانيات (1/ 261 رقم 733 - 734). (¬2) أخرجه أحمد (5/ 147)، وأبو داود (4205)، والترمذي (1753)، وابن ماجه (3622)، والنسائي (8/ 139)، وابن حبان (5474) وإسناده صحيح. وأخرجه النسائي في المجتبي (8/ 40) وفي الكبرى (9354) عن ابن بريدة عن النبي مرسلًا. (¬3) النهاية (4/ 150 - 151).

بن أبي المخارق أبو أمية، وضعف الحديث بسببه، (¬1) وذكر بعضهم أنه عبد الكريم بن مالك الجزري أبو سعيد وهو من الثقات، خرج له البخاري ومسلم، قال المنذري: ومن قال إنه عبد الكريم بن مالك هو الصواب، وقد نسبه بعض الرواة في هذا الحديث، فقال فيه عن عبد الكريم الجزري، وأيضًا فإن الذي روى عن عبد الكريم هذا الحديث هو عبيد الله بن عمرو الرقي وهو مشهور بالرواية عن عبد الكريم بن مالك. (¬2) 3573 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يلبس النعال السّبتية، ويصفر لحيته بالورْس والزعفران. وكان ابن عمر يفعل ذلك. قلت: رواه أبو داود في الترجل، والنسائي في الزينة كلاهما من حديث عبد الله بن عمر (¬3) وفي إسناده عبد العزيز بن أبي رواد، وقد استشهد به البخاري، وقد قال يحيى بن معين: ثقة، كان يعلن الإرجاء، وقد تكلم فيه غير واحد، وذكر ابن حبان أنه روى عن نافع أشياء لا يشك مَن الحديثُ صناعته إذا سمعها أنها موضوعة كان يحدث بها توهمًا لا تعمدًا، ومن روى على التوهم حتى كثر ذلك منه سقط الاحتجاج به. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4214)، والنسائي (8/ 138). وإسناده صحيح وعبد الكريم هو ابن مالك الجزري أبو سعيد مولى بني أمية الثقة، وأخطأ ابن الجوزي بذكره في كتابه "الموضوعات" (برقم 1455)، فظنه عبد الكريم بن أبي المخارق البصري الضعيف انظر ما قاله الحافظ في "القول المسدد" صـ49. وأجوبة الحافظ ابن حجر على "المشكاة" وكذلك تكلم عليه العلائي في النقد الصريح. (¬2) انظر كلام المنذري في: مختصر سنن أبي داود (6/ 108)، وقد صرح بنسب عبد الكريم أنه الجزري البيهقي في هذا الحديث بعينه في كتاب الأدب (ص 294 رقم 765). (¬3) أخرجه أبو داود (4210)، والنسائي (8/ 186). وإسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه أحمد (2/ 17) بإسناد آخر وهو صحيح على شرط الشيخين. انظر: هداية الرواة (4/ 241). (¬4) عبد العزيز بن أبي رواد: قال الحافظ: صدوق عابد، ربما وهم، ورمى بالإرجاء، التقريب (4124)، وانظر أقوال العلماء في تهذيب الكمال (18/ 138 - 140)، والمجروحين لابن حبان (2/ 136 - 137).

والسبتية: قال الهروي (¬1): السبت بالكسر جلود البقر المدبوغة بالقرظ تتخذ منها النعال، وسميت بذلك لأن شعورها قد سبتت عنها أي حلقت وأزيلت، يقال: سبت رأسه إذا حلقه، والورس: نبت أصفر يصبغ به. 3574 - قال: مر على النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ قد خضَب بالحناء، فقال: "ما أحسن هذا! " قال: فمّر آخر قد خضب بالحناء والكتم، فقال: "هذا أحسن من هذا"، ثم مر آخر قد خضب بالصفرة، فقال: "هذا أحسن من هذا كله". قلت: أخرجه أبو داود في الترجل وابن ماجه في اللباس (¬2)، وفي حديثه قال: وكان طاؤس يصفر، وفي إسناده محمَّد بن طلحة عن حميد بن وهب القرشي الكوفي عن ابن طاؤس عن أبيه عن ابن عباس، قال البخاري: حميد بن وهب القرشي الكوفي عن ابن طاؤس عن أبيه عن ابن عباس في الخضاب: منكر. قال ابن حبان: حميد بن وهب القرشي يروي عن ابن طاوس وروى عنه محمَّد بن طلحة الكوفي، فكان ممن يخطئ خرج من حد التعديل ولم يغلب خطؤه صوابه حتى استحق الترك وهو ممن يحتج به إلا بما انفرد به. (¬3) 3575 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "غيروا الشيب، ولا تشبهوا باليهود". قلت: رواه الترمذي في اللباس من حديث أبي هريرة يرفعه وقال: حديث حسن صحيح. (¬4) ¬

_ (¬1) انظر: الغريبين للهروي (3/ 104 - 105). (¬2) أخرجه أبو داود (4211)، وابن ماجه (3627). وإسناده ضعيف، لضعف حميد بن وهب القرشي الكوفي: لين الحديث، وقال البخاري: منكر الحديث. وقال الحافظ في التقريب (1573): لين الحديث. (¬3) انظر: التاريخ الكبير (2/ 359)، والمجروحين لابن حبان (1/ 262)، وميزان الاعتدال (617/ 1)، ومختصر المنذري (6/ 107). (¬4) أخرجه الترمذي (1752) وإسناده صحيح.

3576 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تنتفوا الشيب، فإنه نور المسلم، من شاب شيبة في الإِسلام، كتب الله له بها حسنة، وكفّر عنه بها خطيئة، ورفعه بها درجة". قلت: رواه أبو داود في الترجل والترمذي في اللباس والنسائي وابن ماجه كلهم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال الترمذي: حسن (¬1)، وقد أخرج مسلم في صحيحه (¬2) من حديث قتادة عن أنس بن مالك قال: كان يكره نتف الرجل الشعرة البيضاء من رأسه ولحيته. 3577 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من شاب شيبة في الإِسلام، كانت له نورًا يوم القيامة". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه، أما الترمذي فرواه في الجهاد من حديث سالم بن أبي الجعد أن شرحبيل بن السمط قال: يا كعب بن مرة حدثنا واحذر، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول فذكره، وابن ماجه عن أبي غريب عن أبي معاوية به، وأخرجه الترمذي أيضًا فيه من حديث عمرو بن عبسة يرفعه أيضًا وقال في حديث عمرو: حسن صحيح. (¬3) 3578 - كنت أغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد، وكان له شعر فوق الجنَّة ودون الوفرة. قلت: رواه بهذا اللفظ الترمذي (¬4) في اللباس عن هناد عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام عن عروة عن أبيه عن عائشة، قال: وهذا حديث حسن صحيح غريب من ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4202)، والترمذي (2821)، والنسائي (8/ 36)، وابن ماجه (3721). وإسناده صحيح وأخرجه أحمد (2/ 179)، والبغوي في شرح السنة (5/ 912 رقم 3181). (¬2) أخرجه مسلم في الفضائل (104/ 2341). (¬3) أخرجه الترمذي (1634) وإسناده فيه انقطاع، سالم لم يسمع من شرحبيل بن السمط، وأما عزوه لابن ماجه فإنه وهم فإنما أخرج ابن ماجه برقم (2522) بالإسناد نفسه= = ولكن له قصة أخرى، ورواه النسائي (6/ 26) تامًّا، وللحديث شاهد صحيح فيه من حديث عمرو بن عبسة عند الترمذي. (¬4) أخرجه الترمذي (1755) وقال حديث حسن صحيح، وأبو داود (4187)، وابن ماجه (3635). وإسناده ضعيف، فإن في الإسناد عبد الرحمن بن أبي الزناد وهو ضعيف، يعتبر به في المتابعات =

هذا الوجه، قال: وقد روي من غير وجه عن عائشة أنها قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد، ولم تذكر فيه هذا الحرف: وكان له شعر فوق الجمة ودون الوفرة. وعبد الرحمن بن أبي الزناد ثقة، انتهى. ورواه أبو داود في الترجل من حدثنا ابن أبي الزناد مقتصرًا على قولها: وكان شعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوق الوفرة ودون الجمة، كذا هو في نسخة سماعنا وغيرها من النسخ. وكذا رواه الطبري في الأحكام ثم قال: ولم تقل "في شعر رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أنه كان فوق الجمة ولا دون الوفرة". قلت: وإن هذا لعجب وما أنكره هو الثابت في الترمذي، وهي رواية البغوي (¬1) في "شرح السنة" وفي "المصابيح" والذي رواه الطبري هي رواية أبي داود ورواها ابن ماجه في اللباس مقتصرًا على ذكر الشعر، وقال فيه: "دون الجمة وفوق الوفرة" من طريق ابن أبي الزناد أيضًا، والله أعلم. وحديث أبي داود يدل على أن الجمة أطول من الوفرة، وهو الذي قاله العلماء، قالوا: إن الوفرة: إلى شحمة الأذن، واللمة: التي ألمت بالمنكبين، والجمة: ما سقط على المنكبين، ورواية الترمذي تدل على أن الوفرة أطول من الجمة وهي رواية المصابيح، ورواية أبي داود أقرب إلى تفسير أهل اللغة والغريب. (¬2) 3579 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "نعم الرجل خريم الأَسْدي، لولا طول جمته، وإسبال إزاره"، فبلغ ذلك خريمًا، فأخذ شفرة، فقطع بها جمته إلى أذنيه، ورفع إزاره إلى أنصاف ساقيه. ¬

_ = والشواهد ولم يتابع في هذا الحديث وترجم له الحافظ في التقريب (3886) وقال: صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد. ولكن له شاهد في صحيح مسلم (2338). من حديث أنس: كان شعر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أنصاف أذنيه. (¬1) انظر: شرح السنة (12/ 100 رقم 3187). (¬2) انظر المصدر السابق، ومختصر المنذري (6/ 96 - 97).

قلت: رواه أبو داود في حديث طويل في اللباس (¬1) عن هرون بن عبد الله الحمال عن أبي عامر -عبد الملك بن عمرو-، عن هشام بن سعد، عن قيس بن بشر التغلبي قال: أخبرني أبي، وكان جليسًا لأبي الدرداء، قال: وإن بدمشق رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقال له ابن الحنظلية، وكان رجلًا متوحّدًا، قلّما يجالس الناس، إنما هو صلاة، فإذا فرغ، فإنما هو تسبيح، وتكبير، حتى يأتي أهله، فمرّ بنا ونحن عند أبي الدرداء، فقال له أبو الدرداء: كلمة تنفعنا ولا تضرك، قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية، فقدمت فجاء رجل منهم فجلس في المجلس الذي يجلس فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم - فقال لرجل إلى جنبه: لو رأيتنا حين التقينا نحن والعدو فحمل فلان فطعن فقال: خذها مني وأنا الغلام الغفاري، كيف ترى في قوله؟ , قال ما أراه إلا قد بطل أجره، فسمع بذلك آخر فقال: ما أرى بذلك بأسًا، فتنازعا، حتى سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، فقال: "سبحان الله! لا بأس أن يؤجر ويحمد" فرأيت أبا الدرداء سُرّ بذلك، وجعل يرفع رأسه إليه ويقول: أنت سمعت ذلك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم -؟ فيقول: نعم، فما زال يعيد عليه حتى أني لأقول: ليبركنّ على ركبتيه، قال: فمر بنا يومًا آخر، فقال له أبو الدرداء: كلمة تنفعنا ولا تضرك، قال: قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: المنفق على الخيل كالباسط يده بالصدقة لا يقبضها"، ثم مر بنا يومًا آخر، فقال له أبو الدرداء: كلمة تنفعنا ولا تضرك، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم الرجل خُريم الأسدي لولا طول جُمّته وإسبال إزاره"، فبلغ ذلك خريمًا فعجل فأخذه شفرة فقطع بها جمته إلى أذنيه، ورفع إزاره إلى أنصاف ساقيه، ثم مر بنا يومًا آخر، فقال له أبو الدرداء: كلمة تنفعنا ولا تضرك، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنكم قادمون على إخوانكم، فأصلحوا رحالكم، وأصلحوا ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4089). وإسناده ضعيف في إسناده قيس بن بشر التغلبي عن أبيه قال الذهبي لا يعرفان. وقيس: ذكره الحافظ في التقريب (5597) وقال: مقبول.

لباسكم، حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس، فإن الله لا يحب الفُحْش ولا التفحش" وفي رواية: "حتى تكونوا كالشامة في الناس". (¬1) وإبن الحنظلية (¬2): هو سهل بن الربيع بن عمرو، ويقال له: سهل بن عمرو، أنصاري، حارثي سكن الشام، والحنظلية: أمه، وقيل: هي أم جده، وهي من بني حنظلة من تميم، وخريم: بضم الخاء المعجمة وفتح الراء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبعدها ميم. (¬3) فيه: هشام بن سعد. 3580 - كانت لي ذؤابة، فقالت لي أمي: لا أجزها، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمدها ويأخذ بها. قلت: رواه أبو داود في الترجل عن محمَّد بن العلاء عن زيد بن الحباب عن ميمون بن عبد الله عن ثابت البناني عن أنس، وترجم عليه أبو داود، باب في الرخصة في الذؤابة (¬4)، وفي سنده ميمون بن عبد الله، وهو لا يعرف، قاله المنذري. (¬5) 3581 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمهل آل جعفر ثلاثًا، ثم أتاهم فقال: "لا تبكوا على أخي بعد اليوم"، ثم قال: "ادعوا لي بني أخي" فجيء بنا كأننا أفراخ، فقال: "ادعوا لي العلائي"، فأمره فحلق رؤوسنا. قلت: رواه أبو داود في كتاب الترجل في باب حلق الرأس، والنسائي في الزنية وفي المناقب من حديث الحسن بن سعد عن عبيد الله بن جعفر. (¬6) ¬

_ (¬1) وفيه: هشام بن سعد المدني، أبو عبّاد القرشي. قال الحافظ: صدوق له أوهام ورمي بالتشيع، التقريب (7344)، وانظر للتفصيل: تهذيب الكمال (30/ 204 - 208). (¬2) انظر ترجمته في الإصابة (3/ 196 - 197). (¬3) انظر: مختصر المنذري (6/ 52 - 53). (¬4) أخرجه أبو داود (4192)، والنسائي (8/ 182). وإسناده فيه عبد الله بن ميمون وهو مجهول كما قال الحافظ في التقريب (3678). (¬5) في الترغيب والترهيب وقال الهيثمي في المجمع (9/ 325): رواه الطبراني بإسناده جيد. (¬6) أخرجه أبو داود (4192)، والنسائي في المجتبى (8/ 182)، وفي الكبرى (8160). وإسناده صحيح.

3582 - قالت: "إن امرأة كانت تختن بالمدينة، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تنهكي، فإن ذلك أحظى للمرأة، وأحب إلى البعل". قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث أم عطية واسمها نسيبة. (¬1) وتنهكي: قال الخطابي معناه: لا تبالغي في الخفض، والنهك: المبالغة في الضرب والقطع والشتم وغير ذلك، وقد نهكته الحمى إذا بلغت منه وأضرت. 3583 - أن امرأة سألت عائشة رضي الله عنها عن خضاب الحِنّاء؟ فقالت: لا بأس به، ولكني أكرهه، كان حبيبي عليه السلام يكره ريحه. قلت: رواه أبو داود في الترجل عن القواريري عن يحيى بن سعيد عن علي بن المبارك قال حدثتني كريمة بنت همام أن امرأة أتت عائشة فسألتها عن خضاب الحناء بنحوه. ورواه النسائي في الزينة عن إبراهيم بن يعقوب عن أبي زيد سعد ابن الربيع عن علي بن المبارك قال سمعت كريمة نحوه (¬2)، قال المنذري وقد وقع لنا هذا الحديث وفيه: وليس عليكن أخواتي أن تختضبن. (¬3) 3584 - أن هندًا بنت عتبة قالت: يا نبي الله بايعني؟ فقال: لا أبايعك حتى تغيري كفيك، وكأنهما كفا سبع. قلت: رواه أبو داود في باب الترجل من حديث عائشة وسكت عليه. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (5271) وفي إسناده محمَّد بن حسان وهو مجهول، كما قال الحافظ في التقريب: (5847). وحسنه الألباني في الصحيحة (722). (¬2) أخرجه أبو داود (4164)، والنسائي (8/ 142). وإسناده ضعيف، فيه كريمة بنت همام وهي مقبولة. كما قال الحافظ في التقريب (8771)، وانظر: الضعيفة (4/ 117/ تحت 1614). (¬3) انظر: مختصر المنذري (6/ 86). (¬4) أخرجه أبو داود (4165). وإسناده ضعيف، في إسناده أم الحسن عن جدتها وكلاهما مجهولتان قال الذهبي: لا يدرى من هاتان فسقط الاحتجاج به وذكرها الحافظ في التقريب (8816) وقال: لا يعرف حالها. وكذلك غيطة بنت سليمان أم عمرو المجاشعية مجهولة. ذكرها الحافظ في التقريب (8748) وقال: مقبولة.

3585 - قالت: أومأت امرأة من وراء ستر، بيدها كتاب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقبض النبي - صلى الله عليه وسلم - يده! فقال: ما أدري أيد رجل؟ أم يد امرأة؟ قالت: بل امرأة قال: "لو كنت امرأة لغيرت أظفارك" يعني: بالحناء. قلت: "رواه أبو داود في الترجل والنسائي في الزينة كلاهما من حديث عائشة وسكت عليه أبو داود. (¬1) قال بعضهم: خضاب اليد مندوب إليه للنساء ليكون فرقًا بين أكفهن وأكف الرجال، وهو حرام على الرجال من غير عذر، ومن فعل ذلك كان متشبهًا بالنساء فهو داخل في الوعيد الوارد في المتشبهين. 3586 - قال: "لعنت الواصلة والمستوصلة، والنامصة والمتنمصة، والواشمة والمستوشمة من غير داءٍ". قلت: رواه أبو داود في الترجل من حديث ابن عباس وسكت عليه (¬2) وقال -أعني أبا داود-: وتفسير الواصلة: التي تصل الشعر بشعر النساء، والمستوصلة المعمول بها، والنامصة: التي تنقش الحاجب حتى ترقّه، والمتنمصة المعمول بها، والواشمة: التي تجعل الخيلان في وجهها بكحل أو مداد، والمستوشمة المعمول بها. قال أبو داود: وإن أحمد يقول القرامل ليس به بأس، والقرامل: ضفائر من حرير أو صوف أو غير ذلك، تصل به المرأة شعرها، رخص فيه أهل العلم لأن الغرور لا يقع بها لأن من نظر إليها لا يشك في أن ذلك مستعار. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4166)، والنسائي (8/ 142). وإسناده ضعيف، لضعف مطيع بن ميمون العنبري وقال ابن عدي له حديثان غير محفوظين أ. هـ. ولينه الحافظ في التقريب (6766). قلت: وعد هذا أحدهما وكذلك صفية بنت عصمة انفرد بالرواية عنها مطيع، وجهلها الحافظان "الذهبي وابن حجر" انظر: التقريب (8723). (¬2) أخرجه أبو داود (4170) ورجاله ثقات. (¬3) انظر: تهذيب سنن أبي داود لابن القيم مع مختصر المنذري (6/ 88 - 89).

3587 - لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجل يلبس لِبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل. قلت: رواه أبو داود في اللباس والنسائي في الزينة كلاهما من حديث أبي هريرة يرفعه، وسكت عليه أبو داود. (¬1) 3588 - قيل لها: ان امرأة تلبس النعل! فقالت: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرَّجُلة من النساء. قلت: رواه أبو داود من حديث ابن جريج عن ابن أبي مليكة وهو عبد الله ابن عبيد الله بن أبي مليكة قال: قيل لعائشة وساقه، وسكت عليه أبو داود (¬2)، والرجلة: يعني المترجلة يقال امرأة رجلة إذا تشبهت بالرجال في زيهم وهيئتهم، فأما في العلم والرأي فمحمود، ومنه أن عائشة رضي الله عنها كانت رَجُلة الرأي. 3589 - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سافر، كان آخر عهده بإنسان من أهله فاطمة، رضي الله عنها، وأول من يدخل عليها فاطمة، فقدم من غزاةٍ وقد علقت مِسْحًا أو سترًا على بابها، وحلّت الحسن والحسين قُلْبين من فضة، فقدم، فلم يدخل، فظنت أن ما منعه أن يدخل ما رأى، فهتكت الستر، وفكّت القلبين عن الصبيين، وقطعته منهما، فانطلقا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبكيان، فأخذه منهما، فقال: "يا ثوبان، اذهب بهذا إلى آل فلان، إنّ هؤلاء أهلي، أكره أن يأكلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا، يا ثوبان اشتر لفاطمة قلادةً من عَصْب وسوارين من عاج". قلت: رواه أبو داود في الترجل (¬3) من حديث حميد الشامي عن سليمان المنبهي عن ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال عثمان بن سعيد الدارمي: قلت ليحيى بن معين: حميد الشامي الذي يروي حديث ثوبان عن سليمان المنبهي؟، فقال: ما أعرفهما، وسئل الإِمام أحمد عن حميد الشامي هذا من هو؟ قال: لا أعرفه، وقال ابن عدي: ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4098)، والنسائي (9253) وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه أبو داود (4099) وإسناده صحيح. (¬3) أخرجه أبو داود (4213). وإسناده ضعيف فيه حميد الشامي عن سليمان المنبهي وكلاهما مجهولان كما في "التقريب" برقم (1576)، (2637).

أنكر عليه حديثه عن سليمان المنبهي، قال: ولا أعلم له غيره، قال الذهبي: ولا أخرج له أبو داود سواه. (¬1) والمسح: بكسر الميم وسكون السين المهملة هو البلاس، وأهل المدينة يسمون المسح بلاسًا، وهو فارسي معرب، والقلب: بالقاف المضمومة السوار، وقيل هو الخلخال، قوله: "فأخذه منهما" أي أخذه منهما رأفة ورقة، والعصب: قال بعضهم هو بسكون الصاد المهملة سن دابة بحرية تسمى فرس فرعون، يتخذ منه الخرز، ويكون أبيض ويتخذ منه أيضًا نصاب السكين، وقال الخطابي (¬2): العصب إن لم يكن الثياب اليمانية فلست أدري ما هي، وما القلادة يكون منه، وقال غيره: يحتمل أن تكون الرواية العصَب بفتح الصاد وهو أطناب مفاصل الحيوانات، وهو شيء مدوّر، ويحتمل أنهم كانوا يأخذون عصب بعض الحيوانات ويقطعونه ثم يجعلونه شبه الخرز، إذا يبس فيتخذون منه القلائد. (¬3) قوله: "من عاج" قال ابن الأثير (¬4): العاج: الذَّبْل، وقيل: شيء يتخذ من ظهر السلحفاة البحرية، فأما العاج الذي هو عظم الفيل فنجس عند الشافعي، طاهر عند أبي حنيفة. 3590 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اكتحلوا بالإثمد فإنه يجلو البصر، وينبت الشعر، وزعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت له مكحلة يكتحل بها كل ليلة ثلاثة في هذه، وثلاثة في هذه. قلت: رواه الترمذي في اللباس من حديث عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس وعلي بن حجر ومحمد بن يحيى بن يزيد بن هارون عن عباد نحوه، وقال: حسن لا ¬

_ (¬1) انظر: الجرح والتعديل (3/ ت 1018)، تاريخ الدارمي رقم (268)، والكامل لابن عدي (2/ 686)، والكاشف للذهبي (1/ 356)، وقال: ليس بحجة، وميزان الاعتدال (2/ ت 3532)، وتهذيب الكمال (7/ 412 - 413). (¬2) معالم السنن (4/ 197). (¬3) النهاية لابن الأثير (3/ 245). (¬4) النهاية (3/ 316).

نعرفه على هذا اللفظ إلا من حديث عباد، وفي الشمائل عن عبد الله بن الصباح الهاشمي عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن عبادة نحوه (¬1)، ورواه ابن ماجه في الطب عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون عن عكرمة بمعناه (¬2)، "كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - مكحلة يكتحل بها ثلاثًا في كل عين"، وعباد بن منصور نقل الذهبي تضعيفه. والإثمد: بكسر الهمزة والميم وبينهما ثاء مثلثة وآخره قال مهملة وهو حجر يكتحل به، والمراد بالشعر شعر الأهداب. 3591 - كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكتحل قبل أن ينام بالإثمد ثلاثًا في كل عين. قلت: رواه الترمذي في اللباس أيضًا من حديث عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس وقال: لا نعرفه على هذا اللفظ إلا من حديث عباد ابن منصور. (¬3) 3592 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن خير ما تداويتم به: اللدود، والسّعوط، والحجامة، والمشي، وخير ما اكتحلتم به: الإثمد، فإنه يجلو البصر، وينبت الشعر، وإن خير ما تحتجمون فيه: يوم سبع عشرة، ويوم تسع عشرة، ويوم إحدى وعشرين"، وإن رسول الله حيث عرج به، ما مرَّ على ملأٍ من الملائكة، إلا قالوا: عليك بالحجامة. قلت: رواه الترمذي (¬4) في الطب عن عبد بن حميد عن النضر بن شميل عن عباد بن منصور قال: سمعت عكرمة عن ابن عباس وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عباد، ورواه ابن ماجه في الطب عن نصر ابن علي الجهضمي عن زياد بن الربيع ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1757)، وفي الشمائل (49) (50) وإسناده ضعيف، في إسناده عباد ابن منصور، قال الحافظ في التقريب (3159) صدوق رمي بالقدر وكان يدلس وتغير بأخرة. (¬2) أخرجه ابن ماجه (3499) وإسناده ضعيف جدًّا فيه عباد بن منصور وقد دلس في هذا الحديث فترك بينه وبين عكرمة رجلين أحدهما إبراهيم بن محمَّد الأسلمي وهو متروك وداود بن الحصين وهو ضعيف. وانظر قول الذهبي في الكاشف (1/ 532)، والضعفاء والمتروكون للنسائي (ص 435). (¬3) أخرجه الترمذي (2048) (2053). وفي إسناده عباد بن منصور وقد سبق تضعيفه. (¬4) أخرجه الترمذي (2048) إلى قوله: وينبت الشعر، وأخرج بقية الحديث برقم (2053)، وابن ماجه (3477) وإسناده ضعيف لضعف عباد بن منصور الناجي كما سبق.

عن عباد ابن منصور عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما مررت على ملأ من الملائكة إلا قالوا عليك بالحجامة" كذا قاله في "الأشراف على معرفة الأطراف" (¬1) والذي وقفت عليه في الترمذي، أنه روى في باب السعوط من الطب (¬2) عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن خير ما تداويتم به اللدود والسعوط والحجامة والمشي، وخير ما اكتحلتم به الإثمد، فإنه يجلو البصر وينبت الشعر"، وكان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم - مكحلة يكتحل بها عند النوم ثلاثًا في كل عين ثم روى في باب ما جاء في الحجامة (¬3) عن عكرمة قال: قال ابن عباس: قال نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم العبد الحجام، يذهب الدم، ويخف الصلب ويجلو عن البصر"، وقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث عرج به، ما مرّ على ملأ من الملائكة إلا قالوا: عليك بالحجامة، وقال: "إن خير ما تحتجمون فيه: يوم سبع عشرة ويوم تسع عشرة ويوم إحدى وعشرين"، وقال: "إن خير ما تداويتم به السعوط واللدود والحجامة والمشي"، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لدّه العباس وأصحابه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من لدّني؟ فكلهم أمسكوا، فقالوا: لا يبقى أحد ممن في البيت إلا لدّ غيرَ عمه العباس"، قال الترمذي: قال عبد: اللدود الوجور. وأما ابن ماجه فإنه روى منه قطعًا، وعباد بن منصور ضعفوه. واللدود: بالفتح ما يسقى المريض في أحد شقي الفم، والسعوط: بالفتح هو ما يجعل من الدواء في الأنف، والمشي: بفتح الميم وكسر الشين المعجمة وتشديد الياء هو الدواء المسهل لأنه يحمل شاربه على المشي والتردد إلى الخلاء، وروي عن علي رضي الله عنه أنه كان يكره الحقنة، وعن ابن عباس مثله وكرهها مجاهد، وروي عن الحكم أنه كان يحتقن، وعن إبراهيم أنه كان لا يرى بالحقنة بأسًا. ¬

_ (¬1) انظر: تحفة الأشراف (5/ 146 رقم 6138). (¬2) (3/ 568) رقم (2048). (¬3) (3/ 572) رقم (2053).

3593 - "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى الرجال والنساء عن دخول الحمّامات، ثم رخّص للرجال أن يدخلوا بالميازر". قلت: رواه الترمذي بلفظه، ورواه أحمد وأبو داود في الحمام، والترمذي في الاستئذان، وابن ماجه في الأدب من حديث عائشة (¬1)، وقال الترمذي: لا نعرفه، إلا من حديث حماد بن سلمة يعني عن عبد الله بن شداد عن أبي عذرة وكان قد أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم -، عنها، قال: وإسناده ليس بذاك القائم، قال أبو بكر الحازمي (¬2): لا يعرف هذا الحديث إلا من هذا الوجه وأحاديث الحمام كلها معلولة, وإنما يصح فيها عن الصحابة رضي الله عنهم، فإن كان هذا الحديث محفوظًا فهو صريح في النسخ. 3594 - قال: قدم على عائشة رضي الله عنها نسوةٌ من أهل حمص، فقالت: من أين أنتن؟ قلن: من الشام، قالت: فلعلكن من الكُورة التي تدخل نساوها الحمامات؟ قلن: بلى، قالت فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تخلع امرأة ثيابها في غير بيت زوجها إلا هتكت الستر بينها وبين ربها". قلت: رواه أبو داود (¬3) في الحمام عن ابن مثنى عن غندر عن شعبة عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن أبي المليح، ورواه الترمذي في الاستئذان عن محمود بن غيلان عن أبي داود عن شعبة بإسناده ومعناه، وقال: حسن، وابن ماجه في الأدب عن علي بن محمَّد عن وكيع عن سفيان عن منصور ونحوه ورواه الحاكم من طريق شعبة وسفيان به، ورواه الحاكم أيضًا من حديث سبيعة الأسلمية عن عائشة نحوه، ورواه أبو داود عن ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (6/ 132)، وأبو داود (4009)، والترمذي (2802)، وابن ماجه (3749). وإسناده ضعيف لجهالة أبي عذرة. وقال ابن القطان: مجهول الحال، وقال الحافظ في "التقريب" (8313): مجهول، ووهم من قال: له صحبة. (¬2) انظر: الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار, للحازمي (ص 431)، وفيه: وأبو عذرة غير مشهور. (¬3) أخرجه أبو داود (4010)، والترمذي (2803)، وابن ماجه (3750). ورواه أحمد (6/ 173).

محمَّد بن قدامة عن جرير بن عبد الحميد عن منصور عن سالم عن عائشة ولم يذكر أبا المليح فيكون منقطعًا، ورواه الإِمام أحمد عن عبيدة بن حميد عن يزيد بن أبي زياد عن عطاء بن أبي رباح قال: "أتى نسوة من أهل حمص عائشة" فذكره، ورواه الحاكم من حديث دراج عن السائب: أن نساء دخلن على أم سلمة فسألتهن من أنتن؟ قلن: من أهل حمص" فذكر نحوه. (¬1) - وفي رواية: "في غير بيتها، إلا هتكت سترها فيما بينها وبين الله عز وجل". قلت: هذا لفظ أبي داود، والأول لفظ الترمذي. (¬2) 3595 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنها ستفتح لكم أرض العجم، وستجدون فيها بيوتًا يقال لها الحمامات، فلا يدخلنها الرجال إلا بالأُزُر، وامنعوها النساء إلا مريضة أو نفساء". قلت: رواه أبو داود في الحمام، وابن ماجه في الأدب كلاهما من حديث عبد الله بن عمرو (¬3)، وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي، قال الذهبي: ضعفوه، وفيه أيضًا عبد الرحمن بن رافع التنوخي قاضي أفريقية، قال الذهبي فيه: هو عندهم منكر الحديث. ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم (4/ 288 - 289)، والطيالسي (1518)، والبيهقي في السنن (7/ 308). (¬2) سبق تخريجه. (¬3) أخرجه أبو داود (4011)، وابن ماجه (3748). وإسناده ضعيف لضعف عبد الرحمن ابن زياد بن أنعم الأفريقي وترجم له الحافظ في التقريب (3887) وقال: ضعيف في حفظه. وانظر: الكاشف للذهبي (1/ 628 رقم 3195)، وشيخه عبد الرحمن بن رافع = = وترجم له الحافظ في التقريب (3881) وقال: ضعيف. انظر: الكاشف (1/ 626 رقم 3189).

3596 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يدخل الحمام بغير إزار، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يدخل حليلته الحمام، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يجلس على مائدة تدار عليها الخمر". قلت: رواه النسائي في الطهارة عن إسحاق بن راهويه عن معاذ بن هشام عن أبيه عن عطاء عن أبي الزبير عن محمَّد بن مسلم بن تدرس عن جابر، ورواه الترمذي عن القاسم بن دينار الكوفي عن مصعب بن المقدام عن الحسن بن صالح عن ابن أبي سليم عن طاوس عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر" بلفظه ومعناه. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث طاوس عن جابر إلا من هذا الوجه، قال محمَّد بن إسماعيل: ليث بن أبي سليم: صدوق، وربما يهم في الشيء، قال محمَّد: وقال أحمد بن حنبل: ليث لا يفرح بحديثه، يرفع أشياء لا يرفعها غيره، فلذلك ضعفوه، انتهى كلام الترمذي. وسند النسائي أصح فلذلك قدمته، ورواه الحاكم من حديث هشام وهي طريق النسائي. (¬1) ¬

_ (¬1) أخرجه النسائي (1/ 198)، والترمذي (2801)، والحاكم (4/ 288)، وإسناده ضعيف أبو الزبير لم يصرح بالتحديث. وفي إسناد الترمذي ليث بن أبي سليم وهو ضعيف. وقال الحافظ في "التلخيص الحبير" (3/ 1227 - 1228) بعد أن ذكر طرقه ورواياته بأن أسانيده ضعاف.

باب التصاوير

باب التصاوير من الصحاح 3597 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلبٌ ولا تصاوير". قلت: رواه البخاري في بدء الخلق وفي المغازي وهو أيضًا، ومسلم وابن ماجه ثلاثتهم في الصلاة، والترمذي في الاستئذان، والنسائي في الصيد كلهم من حديث أبي طلحة واسمه زيد بن سهل يرفعه. (¬1) 3598 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أصبح يومًا واجمًا، وقال: "إن جبريل كان وعدني أن يلقاني الليلة، فلم يلقني! أما والله ما أخلفني"، ثم وقع في نفسه: جرو كلب تحت فسطاط، فأمر به فأخرج، ثم أخذ بيده ماء، فنضح مكانه، فلما أمسى لقيه جبريل، فقال له: "لقد كنت وعدتني أن تلقاني البارحة؟ " قال: أجل، ولكنا لا ندخل بيتًا فيه كلب ولا صورة، فأصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ، فأمر بقتل الكلاب، حتى إنّه يأمر بقتل كلب الحائط الصغير, ويترك كلب الحائط الكبير. قلت: رواه مسلم وأبو داود كلاهما في اللباس، والنسائي في الصيد ثلاثتهم من حديث ابن عباس عن ميمونة (¬2) ورواه مسلم أيضًا من حديث عائشة مثل معناه (¬3)، ولم يخرجه البخاري لا من حديث ميمونة ولا من حديث عائشة، وأخرج مختصرًا عن ابن عمر قال: وعد النبي - صلى الله عليه وسلم - جبريل فراث عليه حتى اشتد على النبي - صلى الله عليه وسلم - فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فلقيه فشكا إليه ما وجد، فقال له: "إنا لا ندخل بيتًا فيه صورة ولا كلب" (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في بدء الخلق (3226) واللباس (5958)، ومسلم (2106)، وابن ماجه (3649)، والترمذي (2804)، والنسائي (7/ 185). (¬2) أخرجه مسلم (2105)، وأبو داود (4157)، والنسائي (7/ 186). (¬3) أخرجه مسلم (2104). (¬4) أخرجه البخاري (5960).

قوله: "أصبح يومًا واجمًا" هو بالجيم وهو الساكت الذي يظهر عليه الهم، وقيل هو الحزين. و"الجرو الكلب" بكسر الجيم وضمها وفتحها، ثلاث لغات وهو الصغير من أولاد الكلاب وسائر السباع. والفسطاط: فيه ست لغات فسطاط وفستاط بالتاء، وفساط بتشديد السين وتضم الفاء فيهن، وتكسر وهو نحو الخباء. قال القاضي (¬1): والمراد به هنا بعض حجال البيت، بدليل قولها في الحديث الآخر "تحت سرير عائشة"، وأصل الفسطاط عمود الأخبية التي تقام عليها. قوله: "لا تدخل بيتًا فيه كلب ولا صورة" قال العلماء: سبب امتناع الملائكة من بيت فيه صورة كونها متضمنة فيها مضاهاة لخلق الله، وقد عبدت الصور من دون الله، وسبب امتناعها من بيت في كلب لكثرة أكله النجاسات ولقبح رائحة الكلب. قال العلماء: وهؤلاء الملائكة هم الذي يطوفون بالرحمة والبركة والاستغفار، وأما الحفظة فيدخلون كل بيت لا يفارقون بني آدم، وخصّ الخطابي (¬2) الكلب بما يحرم اقتناؤه، والصورة بما يحرم فعلها، أما كلب الصيد وما أشبهه والصورة الممتهنه فلا، وتبعه القاضي (¬3)، وخالف النووي (¬4)، وقال: إنه عام في كل كلب، وكل صورة لإطلاق الأحاديث, ولأن الجرو الذي كان في بيته - صلى الله عليه وسلم - كان فيه عذر ظاهر لأنه لم يعلم به، ومع ذلك امتنع جبريل من دخوله، فلو كان العذر لا يمنع لم يمتنع، قوله: "حتى أنه أمر بقتل كلب الحائط الصغير" إلى آخره. الحائط: البستان، والفرق بينهما أن الحائط الكبير يحتاج إليه، وهذا منسوخ. ¬

_ (¬1) انظر: إكمال المعلم (6/ 630)، والنهاية لابن الأثير (1/ 346). (¬2) أعلام الحديث (2/ 1486). (¬3) انظر: إكمال المعلم (6/ 630). (¬4) المنهاج للنووي (14/ 118).

3599 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يترك في بيته شيئًا فيه تصاليب إلا نقضه. قلت: رواه البخاري وأبو داود كلاهما في اللباس، والنسائي في الزينة ثلاثتهم من حديث عمران بن حطّان السدوسي عن عائشة، وعمران هذا هو الخارجي المشهور لم يرو غير حديثين. (¬1) وقال أبو داود: لم يكن ليدع في بيته ثوبًا فيه تصليب إلا قضه، ومعنى قضه: أي قطعه، والتصاليب: ما كان فيه صورة صليب. 3600 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أصحاب هذه الصور يُعَذَّبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم", وقال: "إن البيت الذي فيه الصورة، لا تدخله الملائكة". قلت: رواه الشيخان في حديث واحد بأطول مما ذكره المصنف، البخاري في مواضع منها في البيوع وفي النكاح وهو ومسلم في اللباس كلاهما من حديث نافع عن القاسم عن عائشه. (¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ويقال لهم أحيوا ما خلقتم" هذا النهي يسميه الأصوليون أمر تعجيز. 3601 - أنها كانت قد اتخذت على سَهوة لها سترًا فيه تماثيل، فهتكه النبي - صلى الله عليه وسلم - فاتخذتُ منه نُمرقتين، فكانتا في البيت يجلس عليهما. قلت: رواه الشيخان في اللباس، والنسائي في الزينة ثلاثتهم من حديث عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5952)، وأبو داود (4151)، والنسائي في الكبرى (9791). وقوله الخارجي المشهور ذكره الذهبي في "الميزان" (3/ ت 6277)، والعجليّ في ثقاته (2/ ت 1423).= = وقد روى له البخاري حديثين هذا الحديث وحديث في كتاب اللباس باب لبس الحرير للرجال (10/ 285) (5835)، وقال الحافظ: صدوق إلا أنه كان على مذهب الخوارج، ويقال: رجع عن ذلك، انظر: التقريب (5187). (¬2) أخرجه البخاري في البيوع (2225)، وفي اللباس (5955)، ومسلم (2107). (¬3) أخرجه البخاري (5961)، ومسلم (2107)، والنسائي (8/ 214).

والسهوة: بالسين المهملة قال في النهاية (¬1): "بيت صغير منحدر في الأرض قليلًا، شبيه بالمخدع والخِزَانة"، وقيل هو كالصّفة يكون بين يدي البيت، وقيل: شبيه بالرَّفّ أو الطاق يوضع فيه الشيء. والنمرقة: بضم النون والراء ويقال بكسرها ويقال بضم النون وفتح الراء ثلاث لغات وهي وسادة صغيرة، وقيل مرفقة (¬2). 3602 - "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج في غزاة، فأخذت نمطًا، فسترته على الباب، فلما قدم رأى النمط، فجذبه حتى هتكه، ثم قال: "إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين". قلت: رواه الشيخان وأبو داود ثلاثتهم في اللباس، والنسائي في "اليوم والليلة" كلهم من حديث عائشة وبعضهم أتم من بعض. (¬3) والنمط: بفتح النون والميم والمراد به هنا بساط لطيف، له خمل، وقد صرحت الروايات في هذا الحديث بأن هذا النمط كان فيه صور الخيل ذوات الأجنحة، وقد استدلوا بهذا الحديث على كراهة ستر الحيطان وتنجيد البيوت بالثياب وأن ذلك ليس بحرام، وقال الشيخ أبو الفتح نصر المقدسي (¬4) من أصحابنا: هو حرام، ليس في الحديث ما يقتضي التحريم؛ لأن حقيقة اللفظ أنه ليس بواجب ولا مندوب ولا يقتضي التحريم. ¬

_ (¬1) انظر: النهاية (2/ 430). (¬2) انظر: المصدر السابق (5/ 118). (¬3) أخرجه البخاري (5955)، ومسلم (2107)، وأبو داود (4153)، والنسائي في الكبرى (9776). (¬4) هو: نصر بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم بن داود المقدسي، أبو الفتح الدمشقي الشافعي، فقيه، محدث، حافظ، توفي بدمشق في عام 490 هـ وله: الحجة على تارك المحجة، التهذيب، في فروع الفقه الشافعي، انظر: الطبقات الشافعية للسبكي (4/ 27 - 29). وذكر النووي هذا القول في المنهاج (14/ 122).

3603 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أشد الناس عذابًا يوم القيامة: الذين يضاهون بخلق الله". قلت: رواه البخاري في اللباس من حديث عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الذين يضاهون بخلق الله" أي يتشابهون فيفعلون ما يضاهي خلق الله أي مخلوقه أو يشبهون فعلهم بفعله أي في التصوير والتخليق. 3604 - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي؟، فليخلقوا ذرةً، أو ليخلقوا حبةً، أو شعيرة". قلت: رواه الشيخان في اللباس وأعاده البخاري في التوحيد من حديث أبي هريرة. (¬2) 3605 - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أشد الناس عذابًا عند الله: المصورون". قلت: رواه الشيخان في اللباس والنسائي في الزينة ثلاثتهم من حديث مسروق عن عبد الله بن مسعود يرفعه. (¬3) 3606 - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "كل مصور في النار، يُجعل له بكل صورة صوّرها نفسًا، فتعذبه في جهنم". قلت: رواه مسلم في اللباس بهذا اللفظ من حديث ابن عباس. (¬4) وفيه من كلام ابن عباس، فإن كنت لا بد فاعلًا فاجعل الشجرة وما لا نفس له بديلًا. 3607 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من تحلّم بحُلم لم يره، كلّف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل، ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، أو يفرون منه، صب في أذنيه الآنك يوم القيامة، ومن صور صورة، عذّب وكلف أن ينفخ فيها, وليس بنافخ". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4954). (¬2) أخرجه البخاري (5953)، وفي التوحيد (7559)، ومسلم (2111). (¬3) أخرجه البخاري (5950)، ومسلم (2109)، والنسائي (8/ 216). (¬4) أخرجه مسلم (2110).

من الحسان

قلت: رواه البخاري في التعبير، وأبو داود في الأدب والترمذي في الرؤيا بالقصة الأولى، وفي اللباس بالقصة الثانية والثالثة، كلهم من حديث أيوب عن عكرمة عن ابن عباس يرفعه. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من تحلم" أي ادعى الرؤيا كاذبًا، وبحلم: بضم اللام ويجوز تسكينها. والآنك: الرصاص الأبيض وقيل الخالص. 3608 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من لعب بالنردشير، فكأنما صبغَ يدَه في لحم خنزير ودمِه". قلت: رواه مسلم وأبو داود والترمذي، ثلاثتهم في الأدب من حديث سليمان بن بريدة عن أبيه يرفعه، ولم يخرجه البخاري. (¬2) والنرد: فارسي معرب، وشير: بمعنى حلو، وقال بعضهم: العرب تسمي هذه اللعبة النرد شير، واختصروه فيما بعد فسموه النرد. من الحسان 3609 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أتاني جبريل عليه السلام فقال: أتيتك البارحة، فلم يمنعني أن أكون دخلت، إلا أنه كان على الباب تماثيل، وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل، وكان في البيت كلب، فمُرْ برأس التمثال الذي على باب البيت فيُقطع، فيصير كهيئة الشجرة، ومُرْ بالستر، فليقطع وليجعل وسادتين منبوذتين توطآن، ومُرْ بالكلب، فليَخرج"، ففعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قلت: رواه أبو داود في اللباس، والترمذي في الاستئذان، والنسائي في الزينة ثلاثتهم من حديث مجاهد بن جعفر عن أبي هريرة يرفعه، وقال الترمذي: ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (7042)، وأبو داود (5024)، والترمذي (1751) (2283). (¬2) أخرجه مسلم (2260)، وأبو داود (4939)، وابن ماجه (3763). وأما عزوه للترمذي فهو وهم منه رحمه الله. ولم يعزه إليه المزي في تحفة الأشراف (2/ 74).

حديث حسن صحيح (¬1). والبارحة: الليلة الزائلة الذاهبة، يقال من الصباح إلى الظهر فعلت الليلة، ومن الظهر إلى الليل فعلت البارحة. والقرام: بكسر القاف، ستر فيه رقم ونقش وقد تقدم أنه ستر رقيق فوق ستر. 3610 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يخرج عنق من النار يوم القيامة، لها عينان تُبصران، وأُذنان تَسمعان، ولسان تنطق به، نقول: إني وكّلت بثلاثة: بكل جبار عنيد، وكل من دعا مع الله إلهًا آخر، والمصوّرين". قلت: رواه الترمذي في صفة جهنم من حديث أبي صالح عن أبي هريرة وقال: حسن صحيح. (¬2) 3611 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنه تعالى حرّم الخمر والميسر، والكُوبة" وقال: "كل مسكر حرام". قلت: رواه أبو داود في الأشربة مطولًا من حديث ابن عباس وسكت عليه (¬3)، وفيه: قال سفيان الثوري: فسألت علي بن بذيمة عن الكوبة، قال: الطبل، والميسر: القمار، والكوبة بضم الكاف وبالباء الموحدة بعد الواو، قال الزمخشري: النرد، وقيل الطبل. 3612 - أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الخمر والميسر والكوبة والغبيراء. قلت: رواه أبو داود في الأشربة من حديث الوليد بن عبدة عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (¬4)، والوليد بن عبدة: بالعين المهملة المفتوحة وبعدها باء موحدة مفتوحة أيضًا، قال أبو حاتم الرازي: هو مجهول، وقال ابن يونس في تاريخ المصريين: وليد بن ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4158)، والترمذي (2806)، والنسائي (8/ 216). (¬2) أخرجه الترمذي (2574)، وفي المطبوع (4/ 330): هذا حديث حسن صحيح غريب. (¬3) أخرجه أبو داود (3696). (¬4) أخرجه أبو داود (3685)، وإسناده ضعيف لأن الوليد بن عبدة مجهول. كما في الميزان (4/ 341). وقال: والخبر معلول في الكوبة والغبيراء.

عبدة مولى عمرو بن العاص يروي عنه يزيد بن أبي حبيب، والحديث معلول وذكر أن وفاته سنة مائة (¬1). قال المنذري (¬2): وهكذا وقع في رواية الهاشمي: "عبد الله بن عمر"، والذي وقع في رواية ابن العبد عن أبي داود: "عبد الله بن عمرو" وهو الصواب. والميسر تقدم، والغبيراء: فسرها المصنف، بشراب تعمله الحبشة من الذرة، يقال له السُّكُركة بضم السين والكاف الأولى وسكون الراء أي نوع من الخمر يتخذ من الذرة. 3613 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من لعب بالنردشير، فقد عصى الله ورسوله". قلت: رواه أبو داود في الأدب، وابن ماجه فيه كلاهما من حديث أبي موسى يرفعه، ولم يضعفه أبو داود (¬3). 3614 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلًا يتبع حمامةً، فقال: "شيطان يتبع شيطانة". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه كلاهما في الأدب، وأبو حاتم وأحمد وقالوا: "يتبع شيطانه"، إلا ابن ماجه فإنه رواه بلفظ المصنف كلهم من حديث أبي هريرة وفي إسناده محمَّد بن عمرو بن علقمة الليثي وقد استشهد به مسلم ووثقه ابن معين ومحمد بن يحيى، وقال ابن معين فيه: وما زال الناس يتقون حديثه. وقال السعدي: ليس بالقوي وغمزه الإِمام مالك (¬4). ¬

_ (¬1) وفي المطبوع من الجرح والتعديل (9/ 11) زيادة: روى عن عبد الله بن عمرو حديثًا منكرًا. (¬2) انظر: مختصر المنذري (5/ 268 - 269). (¬3) أخرجه أبو داود (4938)، وابن ماجه (3762) وإسناده حسن انظر التمهيد لابن عبد البر (13/ 175). (¬4) أخرجه أبو داود (4940)، وابن ماجه (3765)، والبخاري في الأدب المفرد (1300)، وابن حبان (5874)، وأحمد (2/ 345)، وإسناده حسن، فيه محمَّد بن عمرو وهو صدوق حسن الحديث. وقال الحافظ: صدوق له أوهام، التقريب (6228)، وانظر: النقد الصريح للعلائي، وكذلك أجوبة الحافظ ابن حجر.

كتاب الطب والرقى

كتاب الطب والرقى من الصحاح 3615 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاء". قلت: رواه البخاري والنسائي وابن ماجه ثلاثتهم في الطب من حديث أبي هريرة يرفعه وأخرجه مالك في الموطَّأ من حديث زيد بن أسلم مرسلًا ولم يخرجه مسلم. (¬1) 3616 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لكل داء دواء، فإذا أصيب الدواء الداء، برىء بإذن الله". قلت: رواه مسلم في الطب من حديث جابر بن عبد الله يرفعه، ولم يخرجه البخاري (¬2) الدواء: بفتح الدال ممدود، وحكى جماعات منهم الجوهري: لغة بكسر الدال، قال ابن الأثير (¬3): يقال "برأت من المرض" أبرأ بَرْءًا بالفتح، فأنا بارئ، وأبرأني الله من المرض، وغير أهل الحجاز يقولون: بَرِئت بالكسر بُرءًا بالضم. 3617 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الشفاء في ثلاثة: في شرطة مِحجَم، أو شَربة عسل، أو كَية بنار، وأنا أنهى أمتي عن الكي". قلت: رواه البخاري في الطب وابن ماجه فيه كلاهما من حديث ابن عباس يرفعه. (¬4) المحجم: يطلق على مشرطة الحجام، وعلى الآلة التي يجتمع فيها دم الحجامة عند المص، قال الخطابي (¬5): الكي داخل في جملة العلاج والتداوي المأذون فيه، والنهي ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5678)، والنسائي في الكبرى (7555)، وابن ماجه (3439)، ومالك (2/ 943) مرسلًا. (¬2) أخرجه مسلم (2204). (¬3) انظر: النهاية لابن الأثير (1/ 111). (¬4) أخرجه البخاري (5680)، وابن ماجه (3491). (¬5) الأعلام (3/ 2105 - 2106)، ومعالم السنن (4/ 202 - 203).

عن الكي يحتمل أن يكون هو من أجل أنهم كانوا يعظمون أمره ويرون أنه يحسم الداء ويبريه، وإذا لم يفعل هلك صاحبه، ويقولون آخر الدواء الكي فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك إذا كان على هذا الوجه، وأباح استعماله على معنى طلب الشفاء والترجي للبرء بما يحدث الله من صنعه فيه فيكون الكي الدواء سببًا لا علة، وفيه وجه آخر وهو أن يكون نهيه عن الكي هو أن يفعله احترازًا عن الداء، قبل وقوع الضرورة، وذلك مكروه، ويحتمل أن يكون النهي راجعًا إلى عضو مخصوص أو حال مخصوصة يمكن أن يتداوى فيها بغير الكي مما هو أسهل منه جمعًا في الحديث، والله أعلم. 3618 - قال: "رمي أُبي يوم الأحزاب على أكحله، فكواه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". قلت: رواه مسلم في الطب من حديث جابر، ولم يخرجه البخاري. (¬1) والأكحل: عرق معروف في وسط الذارع، قال الخليل (¬2): هو عرق الحياة، ويقال: هو نهر الحياة في كل عضو شعبة منه، فإذا قطع في اليد لم يرقأ الدم، وقال غيره: هو عرق واحد يقال له في اليد الأكحل وفي الفخذ النسا وفي الظهر الأبهر. وأُبي: بضم الهمزة وفتح الباء وتشديد الياء آخر الحروف هو أبي ابن كعب، وقد غلط من رواه "أبي" بإضافة الأب إلى ضمير المتكلم وهو جابر، فإن أبا جابر استشهد يوم أحد وذلك قبل الأحزاب بسنتين، وقد جاء مصرحًا بأنه أُبّي بن كعب، وسيأتي. 3619 - قال: رمي سعد بن معاذ في أكحله، فحسمه النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده بمشقص، ثم ورمت, فحسمه الثانية. قلت: رواه مسلم في الطب من حديث جابر، ولم يخرجه البخاري (¬3)، وأخرجه ابن ماجه في [الطب] (¬4) ولفظه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كوى سعد بن معاذ في أكحله ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2207). (¬2) انظر: العين للخليل الفراهيدي (3/ 62)، والمنهاج للنووي (14/ 283). (¬3) أخرجه مسلم (2208). (¬4) في الأصل بياض بمقدار كلمة لعلها "الطب" كما أثبتها.

مرتين" (¬1) والأكحل عرق معروف تقدم ذكره، والمشقص: من النصال ما طال وعرض، وقيل هو الطويل غير العريض، والحسم: قطع الداء عنه بالكي. 3620 - بعث رسول الله إلى أُبي بن كعب طبيبًا، فقطع منه عرقًا، ثم كواه عليه. قلت: رواه مسلم في الطب من حديث جابر ولم يذكر البخاري قصة أبي ابن كعب. (¬2) 3621 - سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "في الحبة السوداء شفاء من كل داء، إلا السام" قال ابن شهاب: السام: الموت، والحبة السوداء: الشونيز. قلت: رواه الشيخان والترمذي وابن ماجه (¬3) كلهم هنا من حديث أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولفظ ابن ماجه: "عليكم بالحبة السوداء" الحديث، وذكر مسلم التفسير مدرجًا في الحديث، ونقله البخاري عن ابن شهاب كما أورده المصنف. والشونيز: بضم الشين المعجمة وكسر النون وبالزاي المعجمة وبينهما ياء آخر الحروف ساكنة. 3622 - جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أخي استطلق بطنه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اسقه عسلًا" فسقاه، ثم جاءه فقال: لقد سقيته عسلًا، فلم يزده إلا استطلاقًا!؟ فقال له ثلاث مرات، ثم جاء الرابعة فقال: "اسقه عسلًا، فقال: لقد سقيته، فلم يزده إلا استطلاقًا!؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صدق الله، وكذب بطن أخيك"، فسقاه، فبرأ. قلت: رواه الشيخان والترمذي ثلاثتهم في الطب، والنسائي في الوليمة أربعتهم من حديث قتادة عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه ابن ماجه (3494) وإسناده صحيح، وأبو الزبير مدلس لكنه توبع. (¬2) أخرجه مسلم (2207). (¬3) أخرجه البخاري (586)، ومسلم (2215)، والترمذي (2041)، وابن ماجه (3447). (¬4) أخرجه البخاري (5684)، ومسلم (2217)، والترمذي (2082)، والنسائي في الكبرى (6705) (7560) (7561).

واستطلق بطنه: أي كثر خروج ما فيه، يريد الإسهال. قوله - صلى الله عليه وسلم - "اسقه عسلًا" إنما قاله مرة بعد أخرى لأنه علم - صلى الله عليه وسلم - أن سبب إسهاله اجتماع فضلات بلغمية باقية لزجة تدفعه الطبيعة فأمر بسقي العسل مرة بعد أخرى حتى يسهل ما بقي. 3623 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أمثل ما تداويتم به: الحجامة، والقُسط البحري". قلت: رواه الشيخان من حديث أنس. (¬1) والقسط: بضم القاف وبالسين والطاء المهملتين، ويقال فيه: الكست، لغتان وهو العود الذي يتبخر به وهو صنفان بحري وهندي وسيأتي مزيد كلام فيه. 3624 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تعذبوا صبيانكم بالغمز من العُذْرة، وعليكم بالقسط". قلت: رواه الشيخان من حديث أنس. (¬2) والغمز: هو أن يسقط اللهاة فتغمز باليد أي تكبس (¬3)، والعذرة: بضم العين المهملة وبعدها ذال معجمة وجع في الحلق يهيج من الدم، وقيل: قرحة تخرج في الخرم الذي بين الأنف والحلق، تعرض للصبيان عند طلوع العذرة فتعمد المرأة إلى خرقة فتفتلها فتلًا شديدًا وتدخلها في أنفه فتطعن ذلك فينفجر منه دم أسود، وربما أقرحه، والعذرة هي خمس كواكب تحت الشعري العبور، وتسمى العذاري وتطلع في وسط الحر، قوله - صلى الله عليه وسلم - "من العذارى من أجلها" قاله ابن الأثير (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5696)، ومسلم (1577). (¬2) أخرجه البخاري (5696)، ومسلم (1577). (¬3) انظر: الأجوبة المرضية للسخاوي (2/ 504). (¬4) انظر: النهاية لابن الأثير (3/ 198)، والمصدر السابق وفيه تفصيل جيد للموضوع. وكذلك المنهاج للنووي (14/ 288 - 289).

3625 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "علام تَدْغَرْن أولادكُنّ بهذا العِلاق؟ عليكن بهذا العود الهندي، فإن فيه سبعة أشفية، منها ذات الجنب، يُسعط من العذرة، ويُلَدّ من ذات الجنب". قلت: رواه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه كلهم في الطب من حديث أم قيس بنت محصن أخت عكاشة بن محصن يرفعه (¬1)، قال البخاري (¬2): وكانت أم قيس من المهاجرات الأُوَل اللائي بايعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقد أجمع الأطباء على أن العود الهندي يدر الطمث والبول وينفع من السموم ويحرك شهوة الجماع ويقتل الدود إذا شرب بعسل ويذهب الكلف إذا طلي به وينفع حمى الورد والربع وغير ذلك، وهو صنفان بحري وهندي، والبحري هو القسط الأبيض، وقيل: هو أكثر من صنفين وذكر بعضهم أن البحري أفضل من الهندي وهو أقل حرارة، وقيل هما حاران يابسان في الدرجة الثالثة، والهندي أشد حرًّا، قال ابن سينا: القسط حار في الثالثة يابس في الثانية وإنما ذكرنا منافع العود الهندي من الطب لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر عددًا مجملًا (¬3). 3626 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء". قلت: رواه البخاري في صفة النار، وهو ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه في الطب كلهم من حديث عبادة بن رفاعة بن رافع بن خديج عن جده يرفعه. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5713)، ومسلم (2214)، وأبو داود (3877)، وابن ماجه (3462)، والنسائي في الكبرى (7583). (¬2) انظر: الإصابة (8/ 280 - 281)، وذكر الحافظ هذا الحديث. (¬3) انظر: المنهاج للنووي (14/ 281 - 282). (¬4) أخرجه البخاري (5726)، ومسلم (2212)، والترمذي (2073)، والنسائي في الكبرى (7606)، وابن ماجه (3473).

3627 - قال: رخّص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الرقية من العين، والحُمة والنملة. قلت: رواه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه أربعتهم في الطب من حديث أنس بن مالك ولم يخرج البخاري هذا اللفظ وأخرجه أحمد في مسنده. (¬1) والحمة: بالتخفيف السمّ وقد يشدد ويطلق على إبرة العقرب للمجاورة لأن السم منها يخرج، والنملة: قروح تخرج بالجنب وغيره وهو بفتح النون وإسكان الميم. 3628 - قالت: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نسترقي من العين. قلت: رواه الشيخان والنسائي وابن ماجه كلهم في الطب من حديث عائشة. (¬2) 3629 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة، -تعني: صفرة-، فقال: "استرقوا لها، فإن بها النظرة". قلت: رواه الشيخان في الطب من حديث أم سلمة ترفعه واللفظ للبخاري (¬3)، والسفعة: بسين مهملة بعدها فاء ثم عين مهملة أي نظرة بعين من الجن وقيل: علامة وأراد بالنظرة العين يعني أن بها عينًا أصابتها من الجن، وقيل: عيون الجن أنفذ من أسنة الرماح. 3630 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الرُّقَى، فجاء آل عمرو بن حزم، فقالوا: يا رسول الله إنه كانت عندنا رقية نرقي بها من العقرب، وأنت نهيت عن الرقى؟ قال: فعرضوها عليه فقال: "ما أرى بها بأسًا، من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه". قلت: رواه مسلم وابن ماجه كلاهما في الطب من حديث الأعمش عن أبي سفيان عن جابر، ولم يخرجه البخاري (¬4)، ونسبه محبّ الدين الطبري إلى الشيخين والصواب ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2196)، والترمذي (2056)، والنسائي في الكبرى (7541)، وابن ماجه (3516)، وأحمد (3/ 118) (119) (127). (¬2) أخرجه البخاري (5738)، ومسلم (2195)، وابن ماجه (3512)، والنسائي في الكبرى (3512). (¬3) أخرجه البخاري (5739)، ومسلم (2197). (¬4) أخرجه مسلم (2199)، وابن ماجه (3515).

من الحسان

ما قلناه، وكذلك ذكره الحميدي (¬1) في مفردات مسلم، وابن الأثير (¬2) قال: خرجه مسلم، وما قاله الطبري غلط نبهت عليه، لا تغتر به. 3631 - قال: "كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله كيف ترى في ذلك؟ فقال: "اعرضوا علي رُقاكم، لا بأس بالرقى، ما لم يكن فيه شرك". قلت: رواه مسلم وأبو داود كلاهما في الطب من حديث عوف بن مالك الأشجعي. (¬3) 3632 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "العين حق، فلو كان شيءٌ سابق القدر، سبقته العين، فإذا استُغسلتم فاغسلوا". قلت: رواه مسلم والترمذي والنسائي ثلاثتهم من حديث ابن عباس يرفعه ولم يخرجه البخاري من حديث ابن عباس. (¬4) من الحسان 3633 - قالوا: "يا رسول الله أنتداوى؟ قال: نعم! يا عباد الله تداووا، فإن الله لم يضع داءً، إلا وضع له شفاء، غير داء واحد: الهرم". قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه ثلاثتهم في الطب، وابن حبان، والحاكم في المستدرك بألفاظ مختلفة من حيث زياد بن علاقة عن أسامة، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. (¬5) أما أبو داود فلفظه: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كأنما على رؤوسهم الطير، فسلمت ثم ¬

_ (¬1) انظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (2/ 391). (¬2) انظر: جامع الأصول لابن الأثير (7/ 553). (¬3) أخرجه مسلم (2200)، وأبو داود (3886). (¬4) أخرجه مسلم (2188)، والترمذي (2062)، والنسائي في الكبرى (7620). (¬5) أخرجه أبو داود (3855)، والترمذي (2038)، وابن ماجه (3436)، وصححه ابن حبان (6061) (6064)، والحاكم (1/ 121) و (4/ 198 - 199). ووافقه الذهبي، والبغوي (3226).

قعدت، فجاء الأعراب من ها هنا وها هنا فقالوا: يا رسول الله أنتداوى؟ فقال: "تداووا، فإن الله عَزَّ وَجَلَّ لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد: الهرم"، ولفظ الترمذي: قالت الأعراب: يا رسول الله ألا نتداوى؟ قال: "نعم، يا عباد الله تداووا، فإن الله عَزَّ وَجَلَّ لم يضع داء إلا وضع له شفاء إلا داء واحدًا" قالوا: يا رسول الله ما هو؟ قال: "الهرم" ولفظ ابن ماجه قال: جاءت الأعراب يسألون النبي - صلى الله عليه وسلم - أعلينا حرج في كذا؟ أعلينا حرج في كذا؟ فقال: "عباد الله! وضع الله الحرج إلا من اقترض من عرض أخيه شيئًا، فذاك الذي حرج، فقالوا: يا رسول الله هل علينا جناح ألا نتداوى؟ قال: "تداووا عباد الله! فإن الله لم يضع داء إلا وضع معه شفاءً إلا الهرم" قالوا: يا رسول الله ما خير ما أعطي العبد، قال: خلق حسن. ولفظ ابن حبان نحوه: شهدت النبي - صلى الله عليه وسلم - والأعراب يسألونه: هل علينا جناح في كذا مرتين؟ فقال: ذكره بنحوه. وقال: قال سفيان: ما على وجه الأرض اليوم إسناد أجود من هذا، وسفيان هو الثوري رواه عن زياد به، وقال الحاكم: طرقه كلها صحاح على شرط الشيخين. (¬1) 3634 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُكرِهوا مرضاكم على الطعام والشراب، فإن الله يُطعمهم ويشفيهم". (غريب). قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في الطب من حديث بكر بن يونس بن بكير عن موسى بن علي عن أبيه عن عقبة، قال الترمذي: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه (¬2)، ورواه ابن ماجه عن محمَّد بن عبد الله بن نمير عن بكر بن يونس به، قال البخاري: بكر منكر الحديث، وقال الذهبي: ضعفوه. ¬

_ (¬1) أما على شرط الشيخين فلا فإن أسامة بن شريك لم يخرج له سوى أصحاب السنن. وتفرد بالرواية عنه زياد بن علاقة على الصحيح. انظر: التقريب (320). (¬2) أخرجه الترمذي (2040)، وابن ماجه (3444). =

3635 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كَوَى أسعدَ بن زرارة من الشوكة. قلت: رواه الترمذي في الطب عن حميد بن مسعدة عن يزيد بن زريع عن معمر عن الزهريّ عن أنس وقال: حسن غريب، وقال الحاكم: على شرط الشيخين، ورواه ابن حبان وقال: تفرد به يزيد ابن زريع (¬1). والشوكة: بشين معجمة مفتوحة هي حمرة تعلو الوجه والجسد، يقال منه: شيك الرجل فهو مشوك، ويقال ذلك أيضًا إذا دخلت في جسده شوكة. 3636 - أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نتداوى من ذات الجنب بالقُسط البحري والزيت. قلت: رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه ثلاثتهم في الطب من حديث زيد ابن أرقم، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب، ورواه الحاكم في المستدرك، وقال الذهبي في مختصره: صحيح. (¬2) ¬

_ = وإسناده ضعيف، لضعف بكر بن يونس بن بكير وقال ابن أبي حاتم في العلل بعد أن ساق هذا الحديث قال أبي: هذا حديث باطل، وبكر هذا منكر الحديث (2/ 242)، وقال ابن عدي في "الكامل" بعد أن ساقه: وهذا ليس يرويه عن موسى بن علي غير بكر ابن يونس، عامة ما يرويه مما لا يتابع بعضه عليه. وترجم له الحافظ في التقريب (762): ضعيف، وانظر قول الذهبي في الكاشف (1/ 275). وانظر: الصحيحة (727). (¬1) أخرجه الترمذي (2050)، وصححه ابن حبان (6080)، والحاكم (3/ 187). وحسنه الترمذي واستغربه. وقال ابن أبي حاتم الرازي في العلل (2277): سألت أبي عن حديث رواه يزيد بن زريع عن معمر عن الزهريّ عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كوى أسعد بن زرارة من الشوكة فقال أبي: هذا خطأ أخطأ فيه معمر إنما هو الزهريّ عن أبي أمامة بن سهل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كوى أسعد مرسل أ. هـ. وأخرجه مرسلًا عبد الرزاق (19515)، وصحح إسناده الشيخ الألباني -رحمه الله- في هداية الرواة (4/ 270). ويزيد بن زريع: ثقة ثبت، انظر: التقريب (7764). (¬2) أخرجه الترمذي (2079)، وابن ماجه (3467)، والنسائي في الكبرى (7589)، والحاكم (4/ 202) وإسناده ضعيف، لضعف ميمون أبو عبد الله، انظر: التقريب (7100).

3637 - كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينعت الزيت والورس من ذات الجنب بالقسط البحري والزيت. قلت: رواه الترمذي في الطب من حديث زيد بن أرقم وقال: حديث صحيح، ورواه ابن ماجه في الطب، ولفظه نعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ورسًا وقسطًا وزيتًا يلد به. (¬1) 3638 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سألها: "بم تستمشين؟ " قالت: بالشبرم، قال: "إنه حار يارٌ"، قالت: ثم استمشيت بالسنا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو أن شيئًا كان فيه الشفاء من الموت، لكان في السنا". (غريب). قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في الطب من حديث أسماء بنت عميس (¬2)، والحاكم في المستدرك، قال الترمذي: غريب، وقال الذهبي في مختصر المستدرك: صحيح، وقال -أعني الترمذي-: يعني ذا المشي. والشبرم: بضم الشين المعجمة وسكون الباء الوحدة وضم الراء المهملة حب يشبه الحمص يطبخ ويشرب ماؤه للتداوي، وقيل إنه نوع من الشِّيح. قوله - صلى الله عليه وسلم -: حارّ يارّ هو إتباع، قال الزمخشري (¬3): وفي بعض طرق الحديث "حار جار" بالجيم وهو أيضًا إتباع، قال: وبالياء في كلامهم أكثر، والسنا: بالقصر نبات معروف. 3639 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا, ولا تتداووا بحرام". قلت: رواه أبو داود في الطب من حديث أبي الدرداء يرفعه (¬4). وفي إسناده إسماعيل بن عياش وفيه مقال. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2078)، وابن ماجه (3467). وإسناده ضعيف. (¬2) أخرجه الترمذي (2081)، والحاكم (4/ 201) وإسناده ضعيف، فيه: عتبة بن عبد الله واسمه زرعة وهو مجهول كما قال الحافظ في التقريب (4466). ثم إن هناك انقطاع بين أسماء وعتبة، بينهم رجل لم يسم، ومع ذلك صححه الحاكم!. ولم أجد في المطبوع من سنن الترمذي: "يعني: ذا المشي". (¬3) الفائق (2/ 219). (¬4) أخرجه أبو داود (3874) وإسناده ضعيف، وإسماعيل بن عياش ترجم له الحافظ في التقريب (477) وقال: صدوق في روايته عن أهل بلده، مخلط في غيرهم.

3640 - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الدواء الخبيث. قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه ثلاثتهم في الطب من حديث أبي هريرة يرفعه، والحاكم في المستدرك على شرط الشيخين. (¬1) وفي حديث الترمذي وابن ماجه يعني السُّمّ، وأخرجه الحافظ المقدسي بسنده عن الإِمام أحمد، وترجم عليه: باب النهي عن التداوي بالسم، وذكر بعضهم أن خبث الدواء يكون من وجهين أحدهما: خبث النجاسة والثاني: أن يكون خبيثًا من جهة الطعم والمذاق، لما فيه من المشقة على الطباع ولتكره النفس به. 3641 - "ما كان أحد يشتكي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعًا في رأسه، إلا قال: "احتجم"، ولا وجعًا في رجليه إلا قال: "اخضبهما". قلت: رواه أبو داود والترمذي كلاهما في الطب ورواه ابن ماجه فيه بقصة الحناء فحسب ثلاثتهم من حديث سلمى أم رافع وقال الترمذي: حديث حسن غريب إنما نعرفه من حديث فائد، انتهى. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3870)، والترمذي (2045)، وابن ماجه (3459)، والحاكم (4/ 410)، وصححه، ووافقه الذهبي، وقال: هو الخمر بعينه. وأحمد (2/ 305). (¬2) أخرجه أبو داود (3858)، والترمذي (2054)، وابن ماجه (3502)، وأخرجه الحاكم (4/ 40)، وإسناده ضعيف فإن فائد مولى عبيد الله ثقة كما وثقه يحيى بن معين وقال أحمد لا بأس به. ووثقه ابن حبان. تهذيب الكمال (ت 4706)، الجرح والتعديل (7/ ت 476)، تاريخ يحيى بن معين (2/ 471)، وقال الحافظ: صدوق، التقريب (5410). لكن العلة أن عبيد الله بن علي بن أبي رافع ويقال له: عبادل: لين الحديث انظر: التقريب (4351). وقد رواه أحمد (6/ 462) من طريق أيوب بن حسن بن علي بن أبي رافع عن جدته سلمى، وأيوب منكر الحديث. انظر: ميزان الاعتدال (1/ 285).

وفايد هذا هو مولى عبيد الله بن علي بن أبي رافع وثقه يحيى بن معين، وقال الإِمام أحمد وأبو حاتم الرازي: لا بأس به، وقال أبو حاتم الرازي: لا يحتج بحديثه وقال الذهبي: صويلح. (¬1) قال المنذري (¬2): وقد أخرجه الترمذي من حديث علي بن عبيد الله عن جدته وقال: وعبيد الله بن علي أصح انتهى كلام الترمذي، والحديث مضطرب الإسناد والمتن لا تقوم به حجة، انتهى. وسلمى: بفتح السين المهملة وإسكان اللام مولاة صفية بنت عبد المطلب، وهي امرأة أبي رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأم بنيه، وهي التي قَبَلَت إبراهيم ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقبلت ابني فاطمة -عليهما وعليهم السلام- وهي التي غسلت فاطمة هي وعلي وأسماء بنت عميس، وشهدت خيبر (¬3). 3642 - ما كان يكون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرحة ولا نكبة إلا أمرني أن أضع عليها الحناء. قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في الطب من حديث سلمى، وقال الترمذي: حسن غريب، ولفظ ابن ماجه إلا وضع عليها الحناء وفي إسناد الحديث من قدمنا ذكره في الإسناد الذي قبله. (¬4) ¬

_ (¬1) لم أجد كلام الذهبي "صويلح" لا في الكاشف (2/ 119)، ولا في الميزان (3/ 340)، ولا في المغني. بل قال في الكاشف: وثقه ابن معين. وانظر للتفصيل: تهذيب الكمال (23/ 142 - 143). (¬2) مختصر السنن (5/ 347 - 348). (¬3) انظر: مختصر المنذري (5/ 348)، والاستيعاب لابن عبد البر (4/ 1862)، والإصابة (7/ 709 - 110). (¬4) أخرجه الترمذي (2054)، وابن ماجه (3502). وإسناده ضعيف، وانظر ما سبق.

3643 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يحتجم على هامته، وبين كتفيه، وهو يقول: "من أراق من هذه الدماء، فلا يضره أن لا يتداوى بشيء". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه كلاهما في الطب من حديث أبي كبشة (¬1)، وفي إسناده عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان وكان رجلًا صالحًا أثنى عليه غير واحد، وتكلم فيه غير واحد، وأبو كبشة اسمه عمر بن سعيد، وقيل عمرو، وقيل سعيد بن عمرو وقيل غير ذلك (¬2). 3644 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم على وركه من وثء كان به. قلت: رواه أبو داود والنسائي كلاهما في الطب من حديث جابر (¬3) ولم يضعفه أبو داود. قال في النهاية (¬4): "وثئت رجلي" أي أصابها وهن، دون الخلع والكسر وثاء مثلثة. يقال: وثئت رجلي فهي موثوءة، ووثأتها أنا، وقد يترك الهمز. 3645 - حدّث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ليلة أسري به: أنه لم يمر على ملأ من الملائكة إلا أمروه: مر أمتك بالحجامة. (غريب). قلت: رواه الترمذي في الطب عن أحمد بن بديل الكوفي عن محمَّد ابن فضيل عن عبد الرحمن بن إسحاق عن القاسم بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن ابن مسعود (¬5) وقال: حسن غريب، من حديث ابن مسعود، ورواه ابن ماجه عن جبارة بن المغلس ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3859)، وابن ماجه (3484). وإسناده حسن، ابن ثوبان هو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان العنسي الزاهد ترجم له الحافظ في التقريب (3844) وقال: صدوق يخطئ، وانظر: الصحيحة (908)، والضعيفة (1867). (¬2) انظر: الإصابة (7/ 341 - 342) هو أبو كبشة الأنماري المذحِجي، له صحبة. (¬3) أخرجه أبو داود (3863)، والنسائي (5/ 193). ورجاله ثقات لكن فيه عنعنة أبي الزبير. (¬4) انظر: النهاية لابن الأثير (5/ 150). (¬5) أخرجه الترمذي (2052) وإسناده ضعيف، فيه عبد الرحمن بن إسحاق بن الحارث أبو شيبة الواسطي وهو ضعيف. كما قال الحافظ في التقريب (3832).

عن كثير بن سليم عن أنس بنحوه، وإسناده منكر، وهو أحد ثلاثيات ابن ماجه بهذا الإسناد (¬1)، ورواه أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث ابن عباس الآتي قريبًا. (¬2) 3646 - أن طبيبًا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ضفدع يجعلها في دواء؟، فنهاه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قتلها. قلت: رواه أبو داود في أواخر السنن, والنسائي في الصيد (¬3) كلاهما من حديث عبد الرحمن بن عثمان التيمي يرفعه وسكت عليه أبو داود. (¬4) والضفدع: بكسر الضاد والدال وسكون الفاء بينهما واحد الضفادع، كذا قاله الجوهري (¬5) قال: وناس يقولون بفتح الدال، قال الخليل (¬6): ليس في الكلام فعلل بالفتح إلا أربعة أحرف ولم يذكر هذا منها. ¬

_ (¬1) وحديث أنس أخرجه أيضًا ابن ماجه (3479). وإسناده ضعيف أيضًا لضعف جبارة ابن المغلس وترجم له الحافظ في التقريب (898) وقال: ضعيف. وشيخه كثير ابن سليم ترجم له الحافظ في التقريب (5648) وقال: ضعيف. وقال البوصيري: هذا إسناد ضعيف, لضعف كثير وجبارة وله شاهد من حديث ابن مسعود رواه الترمذي ورواه الحاكم والترمذي من حديث ابن عباس أ. هـ. (¬2) أخرجه أحمد (1/ 354)، والترمذي (2053)، وابن ماجه (3477). وإسناده ضعيف جدًّا لضعف عباد بن منصور الناجي وقد ترجم له الحافظ في التقريب (3159) وقال: صدوق رمي بالقدر وكان يدلس وتغير بآخرة. وقد دلس في هذا الخبر فأسقط من = = إسناده اثنين من الرواة، فرواه العقيلي في "الضعفاء" (3/ 136) ونقله عنه المزي في "تهذيب الكمال" (14/ 159). (¬3) أخرجه أبو داود (5269)، والنسائي (7/ 210). وإسناده صحيح. (¬4) أخرجه أبو داود (3871). وإسناده صحيح. انظر للخلاف في الموضوع معالم السنن (4/ 205). (¬5) انظر: الصحاح للجوهري (5/ 1250). (¬6) المصدر السابق.

3647 - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحتجم في الأخدعين والكاهل، وكان يحتجم لسبع عشرة، وتسع عشرة وإحدى وعشرين. قلت: أخرجه الترمذي في الطب من حديث أنس يرفعه بلفظه عن عبد القدوس بن محمَّد عن عمرو بن عاصم عن همام وجرير بن حازم عن قتادة عن أنس وقال: حسن غريب، ورواه أبو داود عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم ثلاثًا في الأخدعين والكاهل، قال معمر: احتجمت فذهب عقلي حتى كنت ألقن فاتحة الكتاب في صلاة، وكان احتجم على هامته، انتهى كلام أبي داود، وقد قال الطبري: إن أبا داود إنما رواه من حديث أبي هريرة، والذي وقفت عليه في أبي داود من حديث أنس. (¬1) والأخدعان: عرقان في جانبي العنق. 3648 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يستحب الحجامة لسبع عشرة، وتسع عشرة، وإحدى وعشرين. قلت: رواه أحمد والترمذي في الطب، والحاكم من حديث عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس، ولفظ أحمد: "خير يوم تحتجمون فيه سبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين، وما مررت بملأ من الملائكة ليلة أسري بي إلا قالوا: عليك بالحجامة يا محمد". (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2051)، وأبو داود (3860)، والحاكم (4/ 210)، وصححه، ووافقه الذهبي. (¬2) أخرجه الترمذي (2053)، وأحمد (1/ 354)، والحاكم (4/ 209، 210). وقال الترمذي: حسن غريب، وكذا قال البغوي في شرح السنة (12/ 150). وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ورده الذهبي بقوله "لا". لأنه من رواية عباد بن منصور وهو ضعيف، ولكن الحديث يشهد له ما قبله.

وروى ابن ماجه منه آخره (¬1)، ولفظ الحاكم: "ما مررت بملأ من الملائكة إلا أمروني بالحجامة، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين" وقال: صحيح. 3649 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من احتجم لسبع عشرة، وتسع عشرة، وإحدى وعشرين، كان شفاءً من كل داء". قلت: رواه أبو داود هنا من حديث أبي هريرة يرفعه. (¬2) 3650 - أن أباها كان ينهى أهله عن الحجامة يوم الثلاثاء، ويزعم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن يوم الثلاثاء يومُ الدم، وفيه ساعةٌ لا يرقأ. قلت: رواه أبو داود (¬3) هنا، [من حديث كيّسة بنت أبي بكرة، وفي إسناده أبو بكرة بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة، قال يحيى ابن معين: ليس حديثه بشيء، وقال ابن عدي: أرجوا أنه لا بأس به، وهو من جملة الضعفاء الذين يكتب حديثهم (¬4). وكيسة: بفتح الكاف وكسر الياء آخر الحروف وتشديدها وبعدها سين مهملة مفتوحة ثم تاء تأنيث كذا قيدها الدارقطني، وقيدها بعضهم بفتح الكاف وإسكان الياء، ولعله تصحيف (¬5)، وأبوها أبو بكرة الصحابي. ¬

_ (¬1) ابن ماجه (3477). (¬2) أخرجه أبو داود (3861) وإسناده حسن. انظر: الصحيحة (622). (¬3) أخرجه أبو داود (3862) وإسناده ضعيف. (¬4) وقال الحافظ: صدوق يهم، التقريب (742)، وراجع: تهذيب الكمال (4/ 201 - 202). (¬5) انظر: المؤتلف والمختلف للدارقطني (4/ 1972 - 1973)، والإكمال لابن ماكولا (7/ 157). وكيّسة قال فيها الحافظ: لها عن أبيها "حديث في الحجامة"، لا يعرف حالها، التقريب (8773).

وقوله: "أن يوم الثلاثاء يوم الدم، أي يوم كان الدم فيه" والمراد به قتل ابن آدم أخاه، وقد نقل أنه كان في يوم الثلاثاء، ويقال: رقأ الدم والدمع والعِرْق يرقأ بالفتح، إذا سكن وانقطع، والاسم "الرقوء" بالفتح (¬1). 3651 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من احتجم يوم الأربعاء، أو يوم السبت، فأصابه وضحٌ، فلا يلومن إلا نفسه". قلت: رواه أحمد واحتج به، وقال أبو داود: وقد أُسند ولا يصح، ورواه الحاكم (¬2) في المستدرك، عن حماد بن سلمة عن سليمان بن الأرقم عن الزهريّ عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من احتجم يوم الأربعاء والسبت فرأى وضحًا فلا يلومن إلا نفسه" قال الذهبي: سليمان متروك (¬3). والوضح: البرص، والعياذ بالله تعالى، والأصل في الوضح البياض. 3652 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من احتجم أو اطّلى يوم السبت أو الأربعاء، فلا يلومن إلا نفسه من الوضح". قلت: رواه في شرح السنة مقطوعًا فقال: عن عون مولى لأم حكيم عن الزهريّ. (¬4) ¬

_ (¬1) انظر: النهاية لابن الأثير (2/ 248). (¬2) أخرجه الحاكم (4/ 409 - 410). وأخرجه أبو داود في المراسيل (ص 182) رقم (413) وقال: أسند ولم يصح. وعلّقه البغوي في شرح السنة (12/ 151)، والبيهقي في السنن (9/ 341)، ولم أجده في المسند، وانظر الضعيفة (1524). (¬3) وهو: سليمان بن أرقم البصري، قال الحافظ: ضعيف، التقريب (2547). (¬4) أخرجه البغوي في شرح السنة (12/ 151 - 152) (3235). وقد رواه معلقًا، ثم هو مع إرساله فيه جهالة.

3653 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خير ما تداويتم به: اللدُود، والسعوط، والحجامة، والمشي". (غريب). قلت: رواه الترمذي وقال: غريب وقد تقدم في الترجل بأطول من هذا وتقدم الكلام عليه. (¬1) 3654 - أن عبد الله رأى في عنقي خيطًا، فقال: ما هذا؟ فقلت: خيط رقي لي فيه، قالت: فأخذه فقطعه، ثم قال: أنتم آل عبد الله لأغنياء عن الشرك! سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الرقى والتمائم والتولة شرك"، فقلت: لِمَ تقول هكذا؟ لقد كانت عيني تُقذف، فكنت اختلف إلى فلان اليهودي، فإذا رقاها سكنت! فقال عبد الله: إنما ذلك عمل الشيطان، كان ينخسها بيده، فإذا رقي كلفّ عنها، إنما كان يكفيك أن تقولي كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أذهب البأس رب الناس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقمًا. قلت: رواه أبو داود مختصرًا ورواه ابن ماجه مطولًا بقصة ذكرها فأما أبو داود فرواه من حديث ابن أخي زينب امرأة عبد الله عن زينب امرأة عبد الله وهو ابن مسعود رضي الله عنه، وابن ماجه (¬2) رواه عن ابن أخت زينب عنها وفي نسخة عن أخت زينب عنها، قالت: كانت عجوز تدخل علينا ترقي من الحمرة وكان لنا سرير طويل القوائم، وكان عبد الله إذا دخل تنحنح وصوت، فدخل يومًا فلما سمعت صوته احتجبت منه ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2035) وقد تقدم الكلام عليه. (¬2) أخرجه ابن ماجه (3530)، وأبو داود (3883). فيه جهالة: ابن أخي زينب ولكنه توبع أخرجه الحاكم (4/ 417 - 418) من طريق عبد الله بن عتبة ابن مسعود عند الحاكم بإسناد رواه محمَّد بن مسلمه الكوفي وغالب الظن أنه مجهول عن الأعمش. ولا هو معروف فيمن روى عنه موسى بن أعين ولا فيمن روى عنه الأعمش بل إن موسى بن أعين يروي عن الأعمش دون وساطة فأغلب الظن أنه مقحم في الإسناد. وبهذه المتابعة عند الحاكم يرتقى الحديث إلى درجة الحسن من قوله "إن الرقى والتمائم والتولة شرك". وانظر: الصحيحة (331، 2972).

فجاء فجلس إلى جانبي فوجد مس خيط فقال: ما هذا؟، فقلت: الحديث، ورواه في شرح السنة عن ابن أخي زينب امرأة عبد الله عن زينب قالت: "كان عبد الله إذا جاء من حاجة فأراد أن يدخل المنزل تنحنح" الحديث بمثل حديث "المصابيح". قال المنذري (¬1): والراوي عن زينب مجهول. والتولة: بكسر التاء المثناة من فوق وفتح الواو، ضرب من السحر، جعله من الشرك لاعتقادهم أن ذلك يؤثر، ويفعل بخلاف قدر الله تعالى، وقال الخليل: التوبة بكسر التاء وضمها شبه بالسحر. قولها: يقذف يجوز أن يكون مبنيًّا للفاعل أي ترمي بالرمص الماء، وهذا هو الظاهر المحفوظ، ويجوز أن يكون بالضم مبنيًّا للمفعول أي ترمى بما يهيج الوجع. قوله: ينخسها هو بفتح الخاء المعجمة وضمها يقال نخسه يَنْخُسُه وَينْخِسُه. ومعنى لا يغادر سقمًا: لا يترك الماء (¬2). 3655 - قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن النشرة؟ فقال: "هو من عمل الشيطان". قلت: رواه أبو داود هنا من حديث جابر وسكت عليه (¬3). والنشرة: بالضم ضرب من الرقية والعلاج يعالج بها ليظن به مس الجن، قيل سميت نشرة لأنه ينشر بها عنه أي يحل عنه ما جاءه من الداء وكرهها غير واحد، وحكي عن الحسن أنه قال: النشرة من السحر، وقال سعيد بن المسيب: لا بأس بها. قال في شرح مسلم: وقد اختار بعض المتقدمين كراهة حل المعقود عن امرأته، وقد حكى البخاري في صحيحه عن ابن المسيب أنه سئل عن رجل به طب أي ضرب من ¬

_ (¬1) مختصر السنن (5/ 363). (¬2) انظر: شرح السنة للبغوي (12/ 158 - 160). (¬3) أخرجه أبو داود (3868). وإسناده صحيح رجاله ثقات.

الجنون أو يؤخذ عن امرأته أيحل عنه أو ينشر قال: لا بأس به إنما يريدون به العلاج ولم ينه عما ينفع، وممن أجاز النشرة الطبري قال النووي (¬1): وهو الصحيح. 3656 - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما أبالي ما أتيت، إن أنا شربت ترياقًا، أو تعلقت تميمةً، أو قلت الشعر من قبل نفسي". قلت: رواه أبو داود هنا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص يرفعه. (¬2) وقال أبو داود: هذا كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة، وقد رخص في قوم يعني الترياق، إذا لم يكن فيه مكروه. وفي إسناد الحديث: عبد الرحمن بن رافع التنوخي قاضي أفريقية، قال البخاري: في حديثه بعض المناكير (¬3). والترياق هو: ما يستعمل لدفع السم وهو فارسي معرب، ويقال فيه: درياق، وطرياق، ودراق وطراق، وإنما يكره من أجل لحوم الأفاعي، فإن لم يكن فيه شيء مكروه فلا بأس به. وقيل: الحديث، مطلق، والأولى أن يجتنب جميعه. والتميمة: تجمع على تمائم وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين في زعمهم ويعتقدون تأثيرها بنفسها فأبطلها الإِسلام، واعتقاد ذلك ضلال بل كفر، ولا دافع ولا مانع إلا الله عز وجل. 3657 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من اكتوى أو استرقى، فقد برئ من التوكل". قلت: رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه ثلاثتهم في التوكل، وابن ماجه والحاكم به من حديث مجاهد عن عقاب بن المغيرة عن أبيه به، وقال الترمذي: حديث ¬

_ (¬1) المنهاج (14/ 243 - 244)، وقال في ص 248: وفي هذا الحديث دليل لجواز النشرة والتطبب بها. (¬2) أخرجه أبو داود (3869) , وإسناده ضعيف. (¬3) قال الحافظ: قاضي أفريقية، ضعيف، التقريب (3881)، وانظر: التاريخ الكبير (5/ 280)، وتهذيب الكمال (17/ 83).

حسن صحيح، وصححه أيضًا الحاكم. (¬1) 3658 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من تعلق شيئًا، وكل إليه". قلت: رواه الترمذي في الطب والحاكم في المستدرك، كلاهما من حديث محمَّد بن عبد الرحمن عن ابن أبي ليلى عن أخيه عيسى، قال: دخلت على أبي معبد الجهني عبد الله بن عكيم أعوده وبه حمرة فقلت: ألا تعلّق شيئًا؟ قال: الموت أقرب من ذلك، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "من تعلق شيئًا وُكل إليه" قال الترمذي: إنما نعرفه من حديث ابن أبي ليلى (¬2)، ورواه النسائي بأطول من هذا من حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من عقد عُقْدة، ثم نفث فيها، فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلق بشيء وُكل إليه". (¬3) 3659 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا رقية إلا من عين أو حُمَة". قلت: قال ابن الأثير (¬4): رواه الترمذي وأبو داود انتهى، ووقفت عليه في الترمذي كذلك (¬5)، ولم أقف عليه في أبي داود في هذا الباب من طريق عمران بن حصين إنما روي عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا رقية إلا من عين أو حمة أو دم يرقأ" وهو الحديث الذي بعده ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2055)، وابن ماجه (3489)، والنسائي في الكبرى (7605)، وأحمد (4/ 249) (251، 253)، وصححه ابن حبان (6087)، والحاكم (4/ 415). (¬2) أخرجه الترمذي (2072)، والحاكم (4/ 216). وإسناده ضعيف مرسل، ابن عكيم لم يسمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - وابن أبي ليلى: محمَّد بن عبد الرحمن: صدوق سيء الحفظ جدًّا، انظر: التقريب (6121). (¬3) أخرجه النسائي في المجتبي (7/ 112). وفي إسناده عباد بن ميسرة: وهو لين الحديث كما قال الحافظ في التقريب (3166). والحسن لم يسمع من أبي هريرة. (¬4) انظر: جامع الأصول (7/ 557). (¬5) أخرجه الترمذي (2057). وأما رواية أبي داود فهي عنده برقم (3884). وهي كذلك في تحفة الأشراف (8/ 183 (10830). وإسناده صحيح.

ورواه ابن ماجه عن بريدة بلفظ المصابيح (¬1). والحديث معناه في الصحيح روى مسلم والترمذي وابن ماجه من حديث أنس قال: رخص رسول الله -صلى الله عليه وسلم - في الرقية من العين والحمة والنملة (¬2)، وفي الصحيحين من حديث عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخص في الرقية من كل ذي حمة (¬3). والحمة -بضم الحاء المهملة وتخفيف الميم-: السم، وقد تشدد الميم، وأنكره الأزهري (¬4)، وتطلق على إبرة العقرب للمجاورة لأن السم يخرج منها. وقوله: "يرقأ" أي ينقطع وهو مهموز. 3660 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا رقية إلا من عين أو حمة أو دم". قلت: رواه أبو داود هنا والحاكم في المستدرك كلاهما من حديث أنس يرفعه، ولفظهما: "لا رقية إلا من عين أو حمة أو دم" وقد تقدم في الكلام على الذي قبله، وقال في المستدرك: إنه على شرط مسلم. (¬5) 3661 - قالت: يا رسول الله إن ولد جعفر تسرع إليهم العين، أفأسترقي لهم؟ قال: "نعم، فإنه لو كان شيءٌ سابق القدر لسبقته العين". قلت: رواه أحمد والترمذي وصححه (¬6)، وقد روى مالك في الموطأ (¬7) عن حميد بن قيس المكي قال: دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بابني جعفر بن أبي طالب فقال لحاضنتهما: ما لي أراهما ضارعين؟ فقالت حاضنتهما: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - إنه ¬

_ (¬1) انظر: ابن ماجه (3513)، وإسناده ضعيف. (¬2) انظر: جامع الأصول (7/ 555). (¬3) انظر: المصدر السابق (7/ 556). (¬4) انظر: تهذيب اللغة للأزهري (5/ 276). (¬5) أخرجه أبو داود (3889)، والترمذي (2056)، والحاكم (4/ 413) وفي إسناده: شريك ابن عبد الله القاضي، وهو: صدوق يخطيء كثيرًا، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة، وكان عادلًا فاضلًا عابدًا شديدًا على أهل البدع. قاله الحافظ في التقريب (2802). (¬6) أخرجه أحمد (6/ 438)، والترمذي (2059) وصححه. (¬7) أخرجه مالك (2/ 939).

يسرع إليهما العين، ولم يمنعنا أن نسترقي لهما إلا أنا لا ندري ما يوافقهما من ذلك فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "استرقوا لهما فإنه لو سبق شيء القدر لسبقته العين". 3662 - دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا عند حفصة فقال: "ألا تعلّمين هذه رقية النملة كما علّمتيها الكتابة؟ ". قلت: رواه أبو داود هنا (¬1)، [من حديث الشفاء] والشفاء هذه قرشية عدوية أسلمت قبل الهجرة وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأتيها ويقيل في بيتها واسمها: ليلى بنت عبد الله بن هاشم ويقال ابن عبد شمس والشفاء لقب عليها وهي بكسر الشين وبالفاء والمد (¬2). 3663 - رأى عامر بن ربيعة سهلَ بن حنيف يغتسل، فقال: والله ما رأيت كاليوم، ولا جِلْد مخبأة! قال: فلُبط بسهل، فأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقيل له: يا رسول الله هل لك في سهل بن حنيف؟، والله ما يرفع رأسه! فقال: "هل تتهمون له أحدًا؟ " قالوا: نتهم عامر ابن ربيعة، قال فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عامرًا، فتغلظ عليه وقال: "علام يقتل أحدكم أخاه؟، ألا بركت؟ اغتسل له"، فغسل له عامر وجهه ويديه، ومرفقيه، وركبتيه، وأطراف رجليه، وداخلة إزاره في قدح، ثم صب عليه، فراح مع الناس، ليس به بأس. قلت: رواه مالك في الموطأ عن ابن شهاب عن أبي أمامة بلفظه. (¬3) وروى مالك في الموطأ عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل ثلاثة أحاديث هذا أحدها. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3887) وإسناد صحيح. (¬2) انظر ترجمتها في الإصابة لابن حجر (7/ 727 - 729). (¬3) أخرجه مالك في الموطأ (2/ 938)، وأحمد (3/ 486 - 487)، وابن حبان (6105)، والبغوي في شرح السنة (12/ 163). وإسناده صحيح.

ورواه أحمد وأبو حاتم (¬1) الغسل فقال: يؤتى بالقدح، فيُدخل الغاسل يديه جميعًا فيه، ثم يغسل وجهه في القدح، ثم يدخل يده اليمنى فيغسل صدره في القدح، ثم يدخل يده، فيغسل ظهره، ثم يدخل يده اليسرى فيفعل مثل ذلك، ثم يغسل ركبتيه وأطراف أصابعه من ظهر القدم، ويفعل مثله في الرجل اليسرى، ثم يغطي ذلك الإناء من قبل أن يضعه في الأرض للذي أصابته، فيتمضمض ويمج ذلك ويهريق على وجهه، ويصب على رأسه، ويلقي القدح من وراء ظهره، انتهى. وهذا المعنى لا يمكن تعليله ومعرفة وجهه، وليس في قوة العقل الاطلاع على أسرار جميع المعلومات، فلا يدفع هذا بأن لا يعقل معناه، وقد اختلف العلماء في العائن هل يجبر على الوضوء للمعين أم لا واحتج من أوجبه بقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما تقدم من رواية مسلم "فإذا استغسلتم فاغسلوا"، قال المازري (¬2): والصحيح عندي الوجوب ويبعد الخلاف فيه إذا خشي المعين الهلاك، وكان وضوء العائن مما جرت به العادة، يحصل البرء، قوله: "ولا جلد مخبأة": المخبأة المخدرة وقد جاء في بعض الروايات في الموطأ: "ولا جلد مخبأة: عذراء يعني البكر". 3664 - قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتعوّذ من الجان، وعين الإنسان، حتى نزلت المعوذتان، فلما نزلتا أخذ بهما وترك ما سواهما". (غريب). قلت: رواه الترمذي هنا عن هشام بن يونس الكوفي عن القاسم بن مالك المزني عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد بلفظه وقال: حديث حسن غريب. (¬3) 3665 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "هل رئي فيكم المغربون؟ " قيل: وما المغربون؟ قال: "الذين يشترك فيهم الجن". ¬

_ (¬1) صحيح ابن حبان (14/ 472)، وهو من قول الزهريّ كما جاء مصرحًا به في البيهقي (9/ 352)، وشرح السنة (12/ 165). (¬2) المعلم بفوائد مسلم للمازري (3/ 92)، وراجعه قضية فوائد مهمة حول هذا الموضوع. (¬3) أخرجه الترمذي (2058) في إسناده الجريري واسمه سعيد بن إياس اختلط قبل موته وسمع منه ناس كثير بعد اختلاطه وقد تابع القاسم بن مالك العباد بن العوام محمد ابن ماجه (3511) ولم ينص أحد منهما على أنهما سمعا منه قبل اختلاطه والراجح أنهما سمعا منه بعد الاختلاط. وحسنه الترمذي وقال وفي الباب عن أنس.

باب الفأل والطيرة

قلت: رواه أبو داود في الأدب في باب "الصبي يولد فيؤذن في أذنيه" من حديث أم حميد عن عائشة ترفعه (¬1)، قال المنذري (¬2): وأم حميد، هذه لم تنسب ولم يعرف لها اسم، انتهى. والمغربون: بالغين المعجمة معناه جاءوا من نسب بعيد لانقطاعهم عن أصولهم، وبعد نسبهم، وسمي الغريب غريبًا لبعده عن أهله وسمو هؤلاء بذلك لما وجد منهم من شبه الغرباء بمداخلة من ليس من جنسهم ولا على طباعهم وشكلهم (¬3) قال ابن الأثير (¬4): سموا مغربين لأنه دخل فيهم عرق غريب، وقيل أراد بمشاركة الجن فيهم أنهم أمروهم بالزنى ويحسنونه لهم فجاء أولادهم عن غير رشد ومنه قوله تعالى: {وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ} انتهى، وقيل: هم المبعدون عن ذكر الله تعالى عند الوقاع فيجامع الشيطان معهم. باب الفأل والطيرة من الصحاح 3666 - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا طيرة، وخيرها الفأل"، قالوا: وما الفأل؟ قال: "الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (5107) وإسناده ضعيف. (¬2) انظر: مختصر السنن للمنذري (8/ 10)، وأم حميد هذه قال عنها الحافظ: لا يعرف حالها. انظر: التقريب (8824). (¬3) هذا كلام الخطابي في معالم السنن (4/ 136). (¬4) انظر: النهاية لابن الأثير (3/ 349).

قلت: رواه الشيخان في الطب من حديث عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة يرفعه. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا طيرة" الطيرة بكسر الطاء وفتح الياء وقد تسكن هي التشاؤم، يقال: تطير الرجل طيرة كما يقول: تخير للشيء خيرة ولم يجىء من المصادر على هذا البناء غيرهما، قال الله تعالى: {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} أي تشاءمنا، وقال تعالى: {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} أي شؤمكم، وأخذت الطيرة من اسم الطير وذلك أن العرب كانت تتطير ببروح الطير وسنوحها, ليصدهم ذلك عن مقاصدهم فأبطل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك. والفأل: مهموز مما يسر ويسوء والطيرة لا تكون إلا في السوء، وربما استعمل فيما يسر، وقد أولع الناس بترك همزه تخفيفًا، وإنما أحب الفأل كذا مثل الخير والرجاء من الله، والطيرة فيها سوء الظن (¬2). 3667 - "ولا هامة ولا صفر، وفر من المجذوم كما تفر من الأسد". قلت: رواه الشيخان في الطب من حديث أبي هريرة (¬3) إلا قوله - صلى الله عليه وسلم - "وفر من المجذوم كما تفر من الأسد" فإنها من زيادات البخاري ولم يصل سنده بهذه الزيادة. قوله: "ولا هامة" فيه تأويلان، أحدهما: أن العرب كانت تتشاءم بالهامة وهي الطائر المعروف من طير الليل، وقيل: هي البوم، كانت إذا سقطت على دار فراءها صاحبها لخرابها بعث له نفسه أو بعض أهله وهذا تفسير مالك، والثاني: أن العرب كانت تعتقد أن عظام الميت، وقيل وجهه ينقلب هامة يطير، وهذا تفسير أكثر العلماء، ويجوز أن يكون المراد النوعين فإنهما باطلان. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5754)، ومسلم (2223). (¬2) انظر: النهاية لابن الأثير (3/ 405)، المنهاج للنووي (14/ 313 - 315)، وشرح السنة للبغوي (12/ 170 و 175). (¬3) أخرجه البخاري (5770)، ومسلم (2220). قلت: أخرجه البخاري معلقًا ووصله البغوي في شرح السنة (3248).

والهامة: بالتخفيف وقيل بالتشديد قاله جماعة. قوله: ولا صفر: فيه تأويلان أحدهما: تأخيرهم تحريم المحرم إلى صفر، وهي النسيء الذي كانوا يفعلونه، وهو قول مالك، والثاني: أن الصفر دويبة في البطن وهي دودة، وكانوا يعتقدون أن في البطن دابة تهيج عند الجوع وربما قتلت صاحبها، وكانت العرب تزعم أنها أعدى من الجرب وهذا التفسير هو الصواب، ويجوز أن يكون هذا والأول مرادان، والله أعلم (¬1). 3668 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا عدوى، ولا هامة، ولا صفر"، فقال أعرابي: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء، فيخالطها البعير الأجرب، فيجربها! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فمن أعدى الأول؟ ". قلت: رواه الشيخان مطولًا ومختصرًا في الطب من حديث أبي هريرة يرفعه. (¬2) 3669 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا عدوى، ولا هامة، ولا نَوء، ولا صَفَرَ". قلت: رواه الشيخان وأبو داود ثلاثتهم في الطب من حديث أبي هريرة (¬3) إلا أن البخاري لم يقل "ولا نوء". ومعنى: ولا نوء، لئلا يقال: مطرنا بنوء كذا, ولا يعتقد ذلك، وهو بفتح النون وسكون الواو والهمز. 3670 - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا عدوى، ولا صفر، ولا غُول". قلت: رواه مسلم هنا من حديث جابر يرفعه (¬4) ولم يخرج البخاري عن جابر في هذا شيئًا ولا ذكر الغول. ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (14/ 310). (¬2) أخرجه البخاري (5770)، ومسلم (2220). (¬3) أخرجه البخاري (5757)، ومسلم (2220)، وأبو داود (3911). (¬4) أخرجه مسلم (2222).

قال الجمهور من العلماء: كانت العرب تزعم أن الغيلان في الفلوات وهي جنس من الشياطين، فتتراءى للناس، وتتغول تغولًا أي تتلون تلونًا فتضلهم عن الطريق فتهلكهم، فأبطل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك، وقال آخرون: ليس المراد نفي وجود الغول، وإنما معناه ما تزعمه العرب من التلون بالصور المختلفة واغتيالها، وقالوا: معنى لا غول أي لا تستطيع أن تضل أحدًا، ويشهد له حديث: "لا غول ولكن السعالي" قال العلماء: السعالى بالسين المفتوحة والعين المهملة، وهم سحرة الجن أي ولكن في الجن سحرة لهم تلبيس وتخييل، وفي الحديث الآخر: "إذا تغولت الغيلان فنادوا بالأذان" أي ادفعوها، وهذا يدل على أنه ليس المراد نفي وجودها، وفي حديث أبي أيوب: "كان لي تمر في سهوة فكانت الغول تجيء فتأكل منه" (¬1). 3671 - قال: كان في وفد ثقيف رجلٌ مجذوم، فأرسل إليه النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنا قد بايعناك فارجْع". قلت: رواه مسلم والنسائي وابن ماجه ثلاثتهم في الطب من حديث الشريد بن سويد يرفعه، ولم يخرجه البخاري، ولا أخرج عن الشريد ابن سويد في كتابه شيئًا. (¬2) تنبيه: نقل ابن الأثير في جامع الأصول (¬3) أن هذا الحديث للنسائي خاصة وهو ثابت في مسلم والله أعلم. فقال: إن الجذام له رائحة تُسقم كل من أطال مخالطته ومجالسته لاشتمام تلك الرائحة، وليس قوله - صلى الله عليه وسلم - "فر من المجذوم" من باب العدوى بل من باب الطب، كما أن اشتمام الرائحة الكريهة المضرة تضر بدنه، والطيب الملائمة ينفعه (¬4). ¬

_ (¬1) انظر هذا الكلام في المنهاج للنووي (14/ 310 - 311)، وشرح السنة للبغوي (12/ 173 - 174). (¬2) أخرجه مسلم (2231)، والنسائي (7/ 150)، وابن ماجه (3544). (¬3) انظر: جامع الأصول (7/ 642) وقد ذكره أيضًا في (7/ 414) وعزاه لمسلم. (¬4) انظر: شرح السنة للبغوي (12/ 171).

من الحسان

من الحسان 3672 - كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتفاءل ولا يتطير، وكان يحب الاسم الحسن. قلت: لم أقف عليه في شيء من الكتب الستة ولا في الموطأ، ورواه المصنف في "شرح السنة" عن عبد الواحد المليحي عن عبد الرحمن بن أبي شريح عن أبي القاسم البغوي عن علي بن الجعد عن أبي جعفر الرازي عن ليث عن عكرمة عن ابن عباس بنحوه، رواه ابن حبَّان بمعناه من حديث عبد الملك بن سعيد بن جبير عن عكرمة عن ابن عباس كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتفاءل ويعجبه الاسم الحسن. (¬1) 3673 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "العيافة والطرق والطيرة: من الجبت". قلت: رواه أبو داود في الطب وسكت عليه والنسائيُّ في التفسير [من حديث قبيصة] (¬2). والعيافة: بكسر العين المهملة وبالياء آخر الحروف ثمَّ ألف ثمَّ فاء: زجر الطير، والتفاؤل بأسمائها وأصواتها وممرها، وبنو أسد يذكرون بالعيافة ويوصفون بها قيل عنهم: أن قومًا من الجن تذاكروا عيافتهم فأتوهم، فقالوا: ضلّت لنا ناقة فلو أرسلتم معنى من يَعيف، فقالوا: لغلام منهم: انطلق معهم، فاستردفه أحدهم، ثمَّ ساروا ¬

_ (¬1) أخرجه البغوي في شرح السنة (3254)، وابن حبَّان (5825) وله شاهد من حديث الطبراني (11294)، عن ليث عن عبد الملك عن عطاء عن ابن عباس، ويشهد له حديث أبي هريرة عند ابن حبَّان (5826) بلفظ: "لا عدوى ولا طيرة وأحب الفأل الصالح" وإسناده صحيح. ورواية علي بن الجعد أخرجها في مسنده (2/ 1075 - 1076) وعدّهما حديثين، برقم (3116 و 3117). وفيه ليث بن أبي سليم وهو: صدوق اختلط جدًّا، ولم يتميز حديثه فترك. انظر: التقريب (5721)، راجع الصحيحة (777). (¬2) أخرجه أبو داود (3907)، والنسائيُّ في الكبرى (11108) وإسناده ضعيف لأنَّ فيه إسناده حيان. وهو غير منسوب. قيل هو حيان بن العلاء وقيل حيان أبو العلاء، وقيل حيان بن عمير، وقيل حيان بن مخارق أبو العلاء، قال الحافظ عنه: مقبول، التقريب (1607)، ولم يذكروا في الرواة عنه غير عوف وهو ابن أبي جميلة وقال الحافظ: ثقة رمي بالقدر وبالتشيع، التقريب (5250).

فلقيهم عُقاب كاسِرة إحْدى جناحيه، فاقشعر الغلام، وبكى، فقالوا: ما لك؟ قال كَسَرت جناحًا، ورفعت جناحًا، وحلفت بالله صُراحًا، ما أنت بإنسي ولا تبغى لقاحًا (¬1). والطرق: بفتح الطاء وسكون الراء المهملتين وبالقاف هو الضرب بالحصى، وهو ضرب من التكهن، قال لبيد: لعمرك، ما تدري الطوارق بالحصى ... ولا زاجرات الطير: ما الله صانع وقيل هو الخط في الرمل (¬2)، والطيرة: بكسر الطاء المهملة وفتح الياء آخر الحروف وقد يسكن: التشاؤم، وقد تقدم. والجبت: قال الجوهري (¬3): كلمة تقع على الصنم والساحر والكاهن ونحو ذلك، ومنه الحديث ثمَّ ذكره. 3674 - عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الطيرة شرك، الطيرة شرك، قاله ثلاثًا وما منا إلا ... ولكن الله يذهبه بالتوكل". قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه ثلاثتهم في الطب من حديث عبد الله بن مسعود يرفعه وقال الترمذي: حسن صحيح، لا نعرفه إلا من حديث سلمة بن كهيل. (¬4) قال الخطابي (¬5): وقال محمَّد بن إسماعيل: كان سليمان بن حرب ينكر هذا ويقول: هذا الحرف ليس قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكأنه قول ابن مسعود انتهى كلامه، وحكى ¬

_ (¬1) انظر: النهاية لابن الأثير (3/ 330). (¬2) انظر: غريب الحديث لأبي عبيد (2/ 46). (¬3) الصحاح (5/ 245). (¬4) أخرجه أبو داود (3910)، والترمذي (1614)، وابن ماجه (3538). وإسناده صحيح. انظر: الصحيحة (429). (¬5) انظر: معالم السنن (4/ 215).

الترمذي (¬1) عن البخاري عن سليمان بن حرب هذا وأن الذي أنكره "وما منا إلا" والله أعلم. والمعنى: "ما منا إلا" من يعتريه التطير ويسبق إلى قلبه الكراهة فيه، فحذف اختصارًا واعتمادًا على فهم السامع. 3675 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ بيد مجذوم، فوضعها معه في القصعة، وقال: "كُلْ، باسم الله، وتوكلًا عليه". قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه هنا من حديث جابر (¬2)، وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث يونس بن محمَّد عن المفضل بن فضالة، والمفضل بن فضالة هذا شيخ بصري، والمفضل بن فضالة شيخ آخر مصري أوثق من هذا وأشهر، وروى شعبة هذا الحديث عن حبيب بن الشهيد عن ابن بريدة أن ابن عمر أخذ بيد مجذوم" قال: وحديث شعبة أثبت عندي وأصح، انتهى كلام الترمذي. وقال الدارقطني: تفرد به مفضل بن فضالة البصري أخو مبارك عن حبيب بن الشهيد عن ابن المنكدرِ، وقال ابن عديّ الجرجاني: لا أعلم يرويه عن حبيب غير مفضل بن فضالة، وقال أيضًا: وقالوا تفرد بالرواية عن يونس بن محمَّد، انتهى كلام الدارقطني، قال ابن عديّ: لم أر له أنكر من هذا الحديث، والفضل بن فضالة هذا بصري كنيته أبو مالك (¬3)، قال يحيى بن معين: ليس هو بذاك، وقال النسائيُّ: ليس بالقوي (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: سنن الترمذي (3/ 259) ط. بشار. (¬2) أخرجه أبو داود (2925)، والترمذي (1817)، وابن ماجه (3542) وإسناده ضعيف. وهذا الحديث أورده ابن عديّ في "كامله" (6/ 2404) وعده من منكرات مفضل بن فضالة. (¬3) قال الحافظ: ضعيف، التقريب (6905). وانظر لترجمته: الضعفاء والمتروكون للنسائي (226)، تهذيب الكمال (28/ 413)، ميزان الاعتدال (4/ 169). (¬4) هذا كلام المنذري في مختصر سنن أبي داود (5/ 382).

فإن قلت: قد جاء حديثان تقدم ذكرهما أحدهما في مسلم حديث المجذوم في وفد ثقيف وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أرسل إليه "إنا قد بايعناك فارجع"، والثاني في البخاري "وفر من المجذوم فرارك من الأسد" وهذا يقتضي البعد عنه، وجاء في الصحيحين: "لا عدوى ولا طيرة" وأكل - صلى الله عليه وسلم - مع المجذوم، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان لنا مولى مجذوم فكان يأكل في صحافي ويشرب في أقداحي وينام على فراشي" وهذا يقتضي عدم البعد عنه. فالجواب: أن العلماء اختلفوا فذهب بعضهم إلى أن الأمر باجتنابه منسوخ، وهذا ضعيف، قال النوويّ (¬1): الذي عليه الأكثر وهو الصحيح ويتعين المصير إليه أنَّه لا نسخ، ويحمل الأمر بالاجتناب والفرار على الاستحباب والاحتياط لا الوجوب، وأما الأكل معه ففعل لبيان الجواز عافانا الله من ذلك وأعاذنا منه ومن سائر البلايا والمحن. 3676 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا هامة ولا عدوى ولا طيرة، وإن تكن الطيرة في شيء ففي الدار والفرس والمرأة". قلت: رواه أبو داود في الطب من حديث سعد بن مالك يرفعه وسكت عليه. (¬2) قال الخطابي (¬3): هو استثناء من الطيرة أي الطيرة منهي عنها إلا أن يكون له دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس فليفارق الجميع، وقد جاءت الأحاديث الصريحة الصحيحة بالتصريح بشؤم الثلاثة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الشؤم في المرأة والدار والفرس". وفي بعض الروايات: "إنما الشؤم في ثلاثة"، وفي رواية: "إن يكن الشؤم في شيء ففي الفرس والسكن والمرأة"، فحمله مالك وطائفة على ظاهره وأن الدار قد يجعل الله تعالى سكناها سببًا للضرب أو الهلاك وكذا المرأة والفرس، وقال آخرون: شؤم الدار ¬

_ (¬1) المنهاج (14/ 307). (¬2) أخرجه أبو داود (3921)، وإسناده جيد. (¬3) معالم السنن (4/ 218).

ضيقها وسوء جيرانها وأذاهم، وشؤم المرأة عدم ولادتها وسلاطة لسانها وتعرضها للريب، وشؤم الفرس أن لا يغزى عليها، وقيل: غلاء ثمنها، وشؤم الغلام: هو سوء خلقه. قال القاضي عياض (¬1): قال بعض العلماء: الجامع لهذه الفصول السابقة في هذه الأحاديث ثلاث أقسام، أحدها: ما لا يقع الضرر به ولا أطردت به عادة لا خاصة ولا عامة، هذا لا يلتفت إليه، وأنكر الشرع الالتفات إليه وهو الطيرة، الثاني: ما يقع عنده الضرر عمومًا كالوباء فلا يقدم عليه ولا يخرج منه. والثالث: مما يخص ولا يعم كالدار والمرأة والفرس فهذا يباح الفرار منه. 3677 - "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعجبه إذا خرج لحاجة أن يسمع: يا راشد يا نجيح". قلت: رواه الترمذي في السير عن محمَّد بن رافع عن أبي عامر العقدي عن حماد بن سلمة به، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب. (¬2). 3678 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يتطير من شيءٍ، فإذا بعث غلامًا سأل عن اسمه؟ فإذا أعجبه اسمه فرح به، ورُئي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمه رُئي كراهية ذلك في وجهه، وإذا دخل قرية سأل عن اسمها؟ فإن أعجبه اسمها فرح بها، ورئي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمها رئي كراهية ذلك في وجهه. ¬

_ (¬1) انظر: إكمال المعلم للقاضي عياض (7/ 148 - 149). (¬2) أخرجه الترمذي (1616). قال الحافظ ابن حجر في النكت الظراف (1/ 181 - 182) المطبوع مع تحفة الأشراف بل هو معلول، ذكر الحاكم في ترجمة محمَّد بن رافع من "تاريخ نيسابور" أنَّه سأل محمَّد بن إسماعيل البخاري عنه فقال: وجدت له علة" حميد، عن بكر بن عبد الله المزني -يعني أنَّه مرسل، وانقلب، وذكر فيه أيضًا عن أحمد ابن سلمة، قال: كنت أنا ومسلم عند علي بن نصر الجهضمي، فقال مسلم: لا أعلم اليوم أحدًا أعلم بحديث أهل البصرة من علي بن نصر، قال أحمد: فقلت لعلي: تعرف؟ فذكرت له هذا الحديث، فتعجّب، فقال له مسلم: إن محمَّد بن رافع ثقة مأمون صاحب الكتاب".

قلت: رواه أبو داود في الطب وسكت عليه، والنسائيُّ في السير كلاهما من حديث عبد الله بن بريده عن أبيه. (¬1) 3679 - "قال رجل: يا رسول الله إنَّا كنا في دار كثير فيها عددنا وأموالنا، فتحولنا إلى دار قلّ فيها عددنا وأموالنا؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: "ذروها ذميمة". قلت: رواه أبو داود في الطب من حديث أنس بن مالك وسكت عليه. (¬2) 3680 - أنَّه قال: يا رسول الله أرض عندنا هي أرض ريعنا وميرتنا، وإن وباءها شديد؟ فقال: "دعها عنك فإن من القرف التلف". قلت: رواه أبو داود (¬3) في الطب عن مخلد بن خالد وعباس العنبري عن عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن عبد الله بن بحير قال: أخبرني من سمع فروة بن مُسَيْك رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أرضٌ عندنا يقال لها: أرض أبين هي أرض ريفنا وميرتنا وإنها وبِئَة أوقال: وباؤها شديد، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "دعها فإن في القرف التلف". في إسناده رجل مجهول، ورواه عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر بن راشد عن يحيى بن عبد الله بن بحير عن ريَسان بن فروه: وأسقط المجهول. (¬4) وعبد الله بن معاذ: وثقه يحيى بن معين وغيره، وكان عبد الرزاق يكذبه (¬5). وأبين: ذكره سيبويه بكسر الهمزة ويجوز الفتح. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3920)، والنسائيُّ في الكبرى (8822) وإسناده حسن. وقد حسنه الحافظ بن حجر في الفتح (10/ 215). وصححه الشيخ الألباني -رحمه الله- في الصحيحة (762). (¬2) أخرجه أبو داود (3924). وإسناده حسن، انظر: الصحيحة (790). (¬3) أخرجه أبو داود (3923). وسنده ضعيف، لإبهام الرجل الذي سمع فروة بن مسيك وكذلك جهالة يحيى بن عبد الله بن بحير، انظر: الضعيفة (1720). (¬4) أخرجه ابن قانع في معجم الصحابة (2/ 337). (¬5) انظر: مختصر المنذري (5/ 381).

باب الكهانة

وذكر الأمير أبو نصر (¬1): أنَّه أبين بن زهير بن أيمن سميت البلدة به. وقال الطبري: أبين وعدن ابنا عديان سميت لهما البلدتان. وريئنا: كذا رواه المصنف بالراء المفتوحة المهملة وبالياء آخر الحروف والعين المهملة، ورواه أبو داود ريفنا بالفاء. قال الجوهري (¬2): الريع بفتح الراء النماء والزيادة، والريف: الأرض ذات الزرع والخصب، والعطاء، والوباء: يمد ويقصر مرض عام، وأرض وبيئة: على وزن فعلة وفعيلة، وفيها لغة ثالثة مؤنثة، والقرف: ملابسة الدواء ومداناة المرض، وليس هذا من باب الطيرة فإن إصلاح الأهوية من أعون الأشياء، على صحة الأبدان، وفساد الهواء من أضرها وأشدها للأسقام وكل ذلك بقدرته ومشيئته. (¬3) باب الكهانة من الصحاح 3681 - قال: قلت: يا رسول الله أمورًا كنا نصنعها في الجاهلية، كنا نأتي الكُهّان؟ قال: "فلا تأتوا الكهان"، قال: قلت: كنا نتطيّر؟ قال: "ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه، فلا يصدنكم"، قال: قلت: ومنّا رجال يخطّون؟ قال: "كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه فذاك". قلت: رواه مسلم في الطب وأبو داود والنسائيُّ كلاهما في الصلاة مطولًا بقصة الكلام في الصلاة كلهم من حديث معاوية بن الحكم يرفعه (¬4)، ولم يخرج البخاري هذا الحديث. قال ابن عباس: الخط: هو الذي يخطه الحازي وهو علم قد تركه الناس يأتي صاحب ¬

_ (¬1) انظر: الإكمال لابن ماكولا الأمير (1/ 7). (¬2) انظر: الصحاح للجوهري (3/ 1223). (¬3) انظر: شرح السنة للبغوي (5/ 255). (¬4) أخرجه مسلم (537)، وأبو داود (930)، والنسائيُّ (3/ 14).

الحاجة إلى الحازي فيعطيه حلوانًا ويقول له: اقعد حتى أخي لك، وبين يدي الحازي غلام ومعه ميل، ثمَّ يأتي إلى أرض رخوة فيأمر غلامه أن يخط فيها خطوطًا كثيرة بالعجلة لئلا يلحقه العدد ثمَّ يرجع فيمحو منها على مهل، فإن بقي منها خطان، فهما علامة النجاح، فالحازي يمحو، ويقول الغلام للتفاؤل: إبْنَيْ عيان، فيقول الحازي: إبْنَيْ عيان أسرعا البيان، وإن بقي خط واحد فهو علامة الخيبة (¬1)، وكانت الكهانة ثلاثة أضرب (¬2) أحدها: يكون للإنسان ولي من الجن يخبره بما يسترقه من السمع من السماء، وهذا القسم بطل من حين بعث نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم -، الثاني: أن يخبره بما طرأ وما خفي عنه مما قرب أو بعد ولا يتعدى وجوده ونفت المعتزلة هذين الضربين وأحالوهما ولا استحالة ولا بعد ولكنهم يصدقون ويكذبون، والنهي عن تصديقهم عام، والثالث: المنجمون وهذا الضرب يخلق الله تعالى فيه لبعض الناس قوة ما لكن الكذب فيه أكثر، ومن هذا الفن: العيافة: وهو الذي يستدل على أمور بأسباب وقد يعضد بالزجر والطرق والنجوم وكلها كهانة نهى عنها الشرع (¬3). قوله: "كنا نتطير، قال: ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم" معناه أن كراهة ذلك يقع نفوسكم في العادة فلا ترجعوا عما كنتم عزمتم عليه قبل ذلك" وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: "إذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك". رواه أبو داود (¬4). قوله - صلى الله عليه وسلم -: كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق فذاك" ليس معناه الإذن في الخط مطلقًا، بل إن علم موافقته لذلك الذي كان يفعله النبي -صلى الله عليه وسلم- جاز وإلا فلا، ونحن لا نعلم الموافقة فلا يجوز لأنَّ الجواز معلق بمعرفة الموافقة، واعلم أن التكهن وإتيان الكهان وتعلم الكهانة والتنجيم والضرب بالرمل والشعر والحصي وتعليم هذه كلها حرام ¬

_ (¬1) انظر: النهاية لابن الأثير (2/ 47)، والبغويُّ في شرح السنة (12/ 183 - 184). (¬2) انظر هذا التقسيم في: إكمال المعلم (7/ 153)، والمنهاج للنووي (5/ 32). (¬3) انظر: معالم السنن (4/ 212)، وشرح السنة للبغوي (12/ 182)، والمنهاج للنووي (14/ 320). (¬4) أخرجه أبو داود (3919)، وانظر: مختصر المنذري (5/ 379).

وأخذ العوض عنه حرام (¬1). 3682 - قالت: سأل أناس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الكهان؟ فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ليسوا بشيءٍ"، قالوا: يا رسول الله! فإنهم يحدّثون أحيانًا بالشيء يكون حقًّا؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تلك الكلمة من الحق، يخطفها الجني، فيقُرّها في أذن وليه قرّ الدجاجة، فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة". قلت: رواه الشيخان في الطب من حديث عائشة وذكره البخاري في مواضع أخر (¬2)، قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليسوا بشيء" معناه بطلان قولهم: وأنه لا حقيقة له، وفيه جواز إطلاق هذا اللفظ على ما كان باطلًا. قوله: "يخطفها" بفتح الطاء على المشهور وفيه لغة قليلة كسرها، ومعناه استرقه وأخذه بسرعة. قوله: "من الجن" هكذا هو بالجيم والنون كما قاله النوويّ (¬3) أي الكلمة المسموعة من الجن أي التي تصح مما نقله الجن. وفي المشارق (¬4) أنَّه روي هكذا، وروي من الحق: بالحاء والقاف. قوله: "فيقرها" هو بفتح الياء وضم القاف وتشديد الراء، قوله: "قر" بفتح القاف قال أهل اللغة: "القر" ترديد الكلام في أذن المخاطب حتى يفهمه، والدجاجة: بالدال الدجاجة المعروفة، قال الخطابي (¬5): وفيه رواية أخرى "لقر الزجاجة ويشهد لها رواية البخاري "يقرها في أذنه كما يقر القارورة ". ¬

_ (¬1) انظر المصادر السابقة. (¬2) أخرجه البخاري (6213)، ومسلم (2228). (¬3) المنهاج (14/ 323). (¬4) انظر: مشارق الأنوار (1/ 157 - 158). (¬5) انظر: أعلام الحديث للخطابي (3/ 2218).

والدجاجة: واحدة الدجاج بفتح الدال للذكر والأنثى لأنَّ الهاء إنما دخلت على أنَّه واحد من الجنس مثل حمامة قاله الجوهري (¬1). والكذبة: بفتح الكاف وكسرها والذال ساكنة فيهما (¬2). 3683 - قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الملائكة تنزل في العَنان -وهو السحاب- فتذكر الأمر قضي في السماء فتسترق الشياطين السمع فتسمعه، فتوديه إلى الكهان، فيكذبون معها مائة كذبةٍ من عند أنفسهم". قلت: رواه البخاري في باب ذكر الملائكة من كتاب بدء الخلق من حديث عائشة ترفعه (¬3). والعنان: بفتح العين المهملة وقد فسره في الحديث. 3684 - قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أتى عرّافًا، فسأله عن شيءٍ لم تقبل له صلاة أربعين ليلةً". قلت: رواه مسلم في الطب من حديث صفية بنت أبي عبيد، عن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- (¬4)، وذكر الحميدي (¬5) هذا الحديث في مسند حفصة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- وذكر أن أبا مسعود الدمشقي أخرجه في مسندها، قال: ولعله قد عرف أنَّه من حديث حفصة أو أن بعض الرواة قد نسبه إليها، ولم يخرج البخاري هذا الحديث. والعراف: هو الذي يدعي معرفة الشيء بمقدمات وأسباب يستدل بها على مواقعها كالمسروق من ذا الذي سرقه ومعرفة مكان الضالة ونحو ذلك من الأمور، ومعنى عدم قبول صلاته أنَّه لا ثواب له فيها وإن كانت مجزئة في سقوط الفرض (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: الصحاح للجوهري (1/ 313). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (14/ 323 - 324). (¬3) أخرجه البخاري (3210). (¬4) أخرجه مسلم (2230). (¬5) انظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (4/ 246) رقم (3477). (¬6) انظر: المنهاج للنووي (14/ 326).

3685 - قال: صلى لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماءٍ كانت من الليل، فلما انصرف، أقبل على الناس فقال: "هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "أصبح من عبادي مؤمنٌ بي، وكافرٌ، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذاك مؤمن بي كافر بالكواكب، وأما من قال: بنوء كذا وكذا فذاك كافرٌ بي مؤمن بالكوكب". قلت: رواه الشيخان في الاستسقاء ومسلم في الإيمان وأبو داود في الطب والنسائيُّ في الصلاة وفي اليوم والليلة، ومالك في الاستسقاء بالنجوم من الموطأ، وأبو حاتم والشافعيُّ كلهم من حديث زيد بن خالد الجهني يرفعه. (¬1) وقال الشافعي (¬2): هذا محمول على ما كانت العرب عليه من إضافة المطر إلى النوء فإن النوء وقت مخلوق لا يملك شيئًا، أما من قال: مطرنا بنوء كذا على معنى "مطرنا في وقت نوء كذا" فإنما ذاك كقوله مطرنا في شهر كذا فلا يكون كفرًا، والنوء واحد الأنواء وهي الكواكب الثمانية والعشرون التي هي منازل القمر يسقط منها عند مضي كل ثلاثة عشرة يومًا نجم في المغرب مع طلوع الفجر، ويطلع آخر في مقابله من المشرق من ساعته ويكون انقضاء السنة مع انقضاء هذه الثمانية والعشرين، وأصل النوء النهوض فسمي الكوكب نوءًا لأنه إذا سقط الساقط بالمغرب ناء الطالع بالمشرق يقول ناء ينوء نوءًا، فنوأ الثريا الكوكب الذي ينوء عند سقوطها أي ينهض ويظهر، وقيل: أراد بالنوء الغروب وهو من الأضداد. والحديبية: يروى بالتخفيف والتشديد. 3686 - عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما أنزل الله من السماء من بركةٍ، إلا أصبح فريقٌ من الناس بها كافرين، يُنزل الله الغيث، فيقولون: بكوكب كذا وكذا". قلت: رواه مسلم في الاستسقاء من حديث أبي هريرة. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (846)، ومسلم (71)، وأبو داود (3906)، والنسائيُّ (3/ 164)، ومالك في الموطأ (1/ 192)، وأحمد (4/ 117)، وابن حبَّان (188)، والبغويُّ (1169). (¬2) انظر كلام الشافعي في الأم (1/ 252)، ونقله عنه كذلك الحافظ في الفتح (2/ 523). (¬3) أخرجه مسلم (72).

من الحسان

من الحسان 3687 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من اقتبس علمًا من النجوم، اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد". قلت: رواه أبو داود في الطب، وابن ماجه في [الأدب (¬1)] كلاهما من حديث عبد الله بن عباس يرفعه، وسكت عليه أبو داود. (¬2) وعلم النجوم المنهي عنه هو ما يدعيه أهل التنجيم من علم الحوادث والكوائن التي لم تقع، وستقع في مستقبل الزمان، ويزعمون أنهم يدركون معرفتها بسير الكواكب في منازلها واجتماعها وافتراقها، فأما علم النجوم الذي يدرك من طريق المشاهدة والحس الذي يعرف به الزوال وجهة القبلة فغير داخل فيما نُهي عنه (¬3). 3688 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أَتى كاهنًا فصدّقه بما يقول، أو أتى امرأته حائضًا، أو أتى امرأته في دبرها، فقد برئ مما أنزل على محمَّد - صلى الله عليه وسلم -". قلت: رواه أبو داود في الطب، والترمذي وابن ماجه كلاهما في الطهارة، والنسائيُّ في عشرة النساء أربعتهم من حديث حماد بن سلمة عن حكيم الأثرم عن أبي تميمة طريف بن مجالد عن أبي هريرة يرفعه، قال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث الأثرم، وضعف محمَّد هذا الحديث من جهة إسناده، انتهى كلام الترمذي. (¬4) وأخرجه البخاري في تاريخه الكبير عن موسى بن إسماعيل. ¬

_ (¬1) في الأصل بياض بمقدار كلمة، واستدركتها من ابن ماجه. (¬2) أخرجه أبو داود (3905)، وابن ماجه (3726). وإسناده صحيح رجاله ثقات. (¬3) هذا كلام الخطابي في معالم السنن (4/ 212 - 213). (¬4) أخرجه أبو داود (3904)، والترمذي (135)، وابن ماجه (639)، والنسائيُّ في الكبرى (9017). وقد ضعفه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 16 - 17) وذلك لانقطاعه، أبو تميمة الهجيمي واسمه طريف بن مجالد لا يعرف له سماع من أبي هريرة، وكذلك حكيم الأثرم وثقه ابن المديني وأبو داود وقال النسائيُّ: ليس به بأس، وذكره ابن حبَّان في "الثقات" وقال البخاري بعد أن ساق له هذا الحديث: لا يتابع عليه، وقال ابن عديّ: يعرف بهذا الحديث وليس له غيره إلا اليسير وضعفه البغوي فيما نقله المناوي في "الفيض" وقال الذهبي: ليس إسناده بالقائم. انظر: العلل الكبير للترمذي (76)، وشرح السنة للبغوي (12/ 181)، وإرواء الغليل (2006).

كتاب الرؤيا

كتاب الرؤيا من الصحاح 3689 - قال عليه السلام: "لم يبق من النبوة إلا المبشرات"، قالوا: وما المبشرات؟ قال: "الرؤيا الصالحة يراها المسلم، أو ترى له". قلت: رواه البخاري في الرؤيا من حديث أبي هريرة (¬1)، ومسلم (¬2) فيها من حديث ابن عباس إلا قوله: "يراها المسلم أو ترى له" وهذه الزيادة لم أقف عليها في البخاري ولا في مسلم في هذا الحديث لكن روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "رؤيا السلم يراها أو ترى له جزءًا من ستة وأربعين جزءًا من النبوة". (¬3) وفي لفظ: "الرؤيا الصالحة"، وفي لفظ: "رؤيا الرجل الصالح"، ورواه البخاري أيضًا ولم يقل "أو ترى له" ولا قال في حديث أبي هريرة "الرجل الصالح" وروى مالك في الموطأ (¬4) عن عطاء بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لم يبق بعدي من النبوة إلا المبشرات، قالوا: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له". وقد رواه في شرح السنة (¬5) مستقيمًا فروى من طريق البخاري عن أبي هريرة يرفعه: "لم يبق من النبوة إلا المبشرات" قالوا: وما المبشرات؟ قال: "الرؤيا الصالحة" مقتصرًا على ذلك ثمَّ قال وروي عن عبادة بن الصامت قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن قوله سبحانه وتعالى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} قال: هي الرؤيا الصالحة يراها ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6990). (¬2) أخرجه مسلم (479). (¬3) أخرجه مسلم (2263) و (2264). (¬4) (2/ 957). (¬5) انظر: شرح السنة للبغوي (12/ 202 - 203).

المؤمن أو ترى له، قال: ويروى مثله عن أبي الدرداء مرفوعًا، انتهى. فيلخص أن الذي أورده المصنف في المصابيح هو لفظ الموطأ المرسل عن عطاء. 3690 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "الرؤيا الصالحة جزء من ستةٍ وأربعين جزءًا من النبوة". قلت: رواه الشيخان في الرؤيا من حديث أنس يرفعه، واللفظ لمسلم (¬1)، قال عبد الحق الأشبيلي: ذكر أبو مسعود الدمشقي أنَّه روى مسلم من حديث ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءًا من النبوة" قال أبو مسعود: أخرجه مسلم في كتاب الرؤيا من حديث الضحاك ابن عثمان عن نافع عن ابن عمر (¬2)، قال الحميدي (¬3): ولم أجده في كتاب مسلم ولم يخرج البخاري قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءًا من النبوة" وفي رواية: "رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزأً من النبوة"، وفي رواية: "رؤيا الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة وفي رواية: "الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءًا من النبوة" (¬4) كما قدمناها، وفي رواية: "رؤيا المسلم جزء من خمسة وأربعين جزءًا من النبوة". فحصل ثلاث روايات المشهورة: "ستة وأربعين" والثانية: "خمسة وأربعين" والثالثة: "سبعين". قال النوويّ (¬5): وفي غير مسلم من رواية ابن عباس "من أربعين جزءًا" وفي رواية: "تسعة وأربعين "، وفي رواية العباس: "من خمسين" وفي رواية ابن عمر: "من ستة وعشرين"، ومن رواية عبادة: "من أربع وأربعين". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6983)، ومسلم (2264). (¬2) أخرجه مسلم (2265). (¬3) الجمع بين الصحيحين للحميدي (2/ 300 رقم 1502) وفيه قول أبي مسعود هذا. و (2/ 611 رقم 2013). (¬4) أخرجه أحمد (2/ 223)، وابن حبَّان (6044). (¬5) المنهاج (15/ 21).

قال القاضي (¬1): "أشار الطبري إلى أن هذا الاختلاف راجع إلى اختلاف حال الرائي، فالمؤمن الصالح تكون رؤياه جزءًا، من ستة وأربعين جزءًا، والفاسق من سبعين جزءًا، وقيل: الخفي منها جزء من سبعين، والجلي من ستة وأربعين، قال الخطابي (¬2) وغيره: قال بعض العلماء: أقام - صلى الله عليه وسلم - يوحى إليه ثلاثًا وعشرين سنة منها عشر سنين بالمدينة وثلاث عشرة بمكة، وكان قبل ذلك ستة أشهر، يرى في المنام الوحي وهي جزء من ستة وأربعين جزءًا. قال المازري (¬3): وقدح بعضهم في هذا فإنَّه لم يثبت أن أمد رؤياه - صلى الله عليه وسلم - قبل النبوة ستة أشهر وبأنه رأى بعد النبوة منامات كثيرة فلتضم إلى الأشهر الستة وحينئذ تتغير النسبة، قال المازري: وهذا الاعتراض الثاني باطل لأنَّ المنامات الموجودة بعد الوحي بإرسال الملك منغمرة في الوحي فلم تحسب، قال الخطابي: هذا الحديث توكيد لأمر الرؤيا وتحقيق منزلتها قال وإنما كانت جزءًا من أجزاء النبوة في حق الأنبياء دون غيرهم، وكان الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم يوحى إليهم في منامهم كما يوحى إليهم في اليقظة، قال الخطابي: وقال بعض العلماء: معنى الحديث يأتي على موافقة النبوة لا أنها جزء باق من النبوة (¬4). 3691 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي". قلت: رواه الشيخان في الرؤيا من حديث أبي هريرة يرفعه (¬5)، وقال مسلم: "لا يتمثل بي". 3692 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من رآني، فقد رأى الحق". ¬

_ (¬1) انظر: إكمال المعلم للقاضي (7/ 213). (¬2) انظر: أعلام الحديث للخطابي (4/ 2315 - 2316). (¬3) انظر: المعلم بفوائد مسلم للمازري (3/ 117 - 118) وفيه فوائد أخرى مهمة. (¬4) انظر هذا الكلام في: المنهاج للنووي (15/ 30 - 32). (¬5) أخرجه البخاري (6993)، ومسلم (2266).

قلت: رواه الشيخان في الرؤيا من حديث أبي قتادة يرفعه. (¬1) 3693 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "من رآني في المنام، فسيراني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بي". قلت: رواه الشيخان في الرؤيا من حديث أبي هريرة واللفظ للبخاري. (¬2) 3694 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان، فإذا رأى أحدكم ما يحب، فلا يحدث به إلا من يحب، وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها، ومن شر الشيطان، وليتفل ثلاثًا ولا يحدث بها أحدًا فإنها لن تضره". قلت: رواه الجماعة هنا إلا أبا داود فإنَّه في الأدب من حديث أبي قتادة يرفعه. (¬3) قال المازري (¬4): مذهب أهل السنة في حقيقة الرؤيا أن الله تعالى يخلق في قلب النائم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليقظان، وهو سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء، ولا يمنعه نوم ولا يقظة، فإذا خلق هذه الاعتقادات فكأنه جعلها علمًا على أمور أخر يخلقها في ثاني الحال، أو كان قد خلقها، فإذا خلق في قلب النائم الطيران وليس بطائر فأكثر ما فيه أنَّه اعتقد أمرًا على خلاف ما هو، فيكون ذلك الاعتقاد علمًا على غيره، كما يكون خلق الله سبحانه وتعالى الغيم علمًا على المطر، فالجميع خلق الله تعالى ولكن يخلق الرؤيا والاعتقادات التي جعلها علمًا على ما يسر بغير حضرة الشيطان، وخلق ما هو علم على ما يضر بحضرة الشيطان، فنسبت إلى الشيطان مجازًا لحضوره عندها، وأنه لا فعل له حقيقة، وهذا معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - "الرؤيا من الله والحلم من الشيطان" لا على أن الشيطان يفعل شيئًا، والرؤيا: اسم للمحبوب والحلم اسم للمكروه، انتهى كلام المازري. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6996)، ومسلم (2267). (¬2) أخرجه البخاري (6993)، ومسلم (2266). (¬3) أخرجه البخاري (6986)، ومسلم (2261)، والترمذي (2277)، وابن ماجه (3909)، والنسائيُّ في الكبرى (7627)، وأبو داود (5021). (¬4) انظر: المعلم بفوائد مسلم للمازري (3/ 116)، وانظر كذلك: إكمال المعلم (7/ 205).

وقال النوويّ بعد نقله عن المازري ما ذكرناه (¬1): وقال غير المازري إضافة الرؤيا المحبوبة إلى الله إضافة تشريف بخلاف المكروهة وإن كانتا جميعًا من خلق الله تعالى وتدبيره وبإرادته ولا فعل للشيطان فيها، لكنه يحضر المكروهة ويرتضيها، ويسر بها، وسيأتي في الحديث بعده كيفية ما يفعل إذا رأى ما يكرهه. قوله - صلى الله عليه وسلم - في الرؤيا المحبوبة الحسنة: "لا يخبر بها إلا من يحب"، لأنه إذا أخبر بها من لا يحب دعاه ذلك إلى تفسيرها بمكروه فقد يقع على تلك الصفة وإلا فيحصل له في الحال حزن ونكد، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في المكروهة: "لا يحدث بها أحدًا" لأنه ربما فسرها تفسيرًا مكروهًا على ظاهرها وكان ذلك محتملًا، فوقعت كذلك بتقدير الله تعالى (¬2). 3695 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها، فليبصق عن يساره ثلاثًا، وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثًا، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه". قلت: رواه مسلم والنسائيُّ وابن ماجه ثلاثتهم في الرؤيا، وأبو داود في الأدب كلهم من حديث جابر ولم يخرج البخاري عن جابر في هذا شيئًا. (¬3) وفي رواية: "فلينفث عن يساره ثلاثًا" وفي رواية: "فليتفل"، قال النوويّ (¬4): وأكثر الروايات فلينفث، قال: ولعل المراد بالجميع: النفث وهو نفخ لطيف بلا ريق، ويكون التفل والبصق محمولان عليه مجازًا. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإنها لا تضره" أي أن الله تعالى جعل هذا سببًا لسلامته من مكروه يترتب عليها، كما جعل الصدقة وقاية للمال وسببًا لدفع البلاء، قال: فينبغي أن يجمع بين هذه الروايات ويعمل بها كلها، فإذا رأى ما يكرهه، نفث عن يساره ثلاثًا قائلًا: "أعوذ بالله من الشيطان ومن شرها" وليتحول إلى جنبه الآخر وليصل ركعتين، ¬

_ (¬1) انظر هذا الكلام في: المنهاج للنووي (15/ 24 - 25). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (15/ 28). (¬3) أخرجه مسلم (2262)، والنسائيُّ في الكبرى (7653)، وابن ماجه (3908)، وأبو داود (5022). (¬4) انظر: المنهاج للنووي (15/ 26 - 27).

فيكون قد عمل بجميع الروايات، فإن اقتصر على بعضها أجزأه في دفع ضررها بإذن الله تعالى كما صرحت به الأحاديث (¬1). قال القاضي عياض (¬2): وأمر بالنفث ثلاثًا طردًا للشيطان الذي حضر رؤياه المكروهة، تحقيرًا له واستقذارًا، وخصت به اليسار لأنها محلّ الأقذار واليمين ضدها. 3696 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا اقترب الزمان، لم تكد تكذب رؤيا المؤمن، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، وما كان من النبوة، فإنَّه لا يكذب" قال محمَّد بن سيرين: وأنا أقول هذه، قال: وكان يقال: الرؤيا ثلاث: حديث النفس، وتخويف الشيطان، وبشرى من الله، فمن رأى منكم شيئًا يكرهه، فلا يقصه على أحدٍ، وليقم فليصل، قال: وكان يكره الغُلّ في النوم، وكان يعجبه القيد، ويقال: القيد ثبات في الدين. وأدرج بعضهم الكل في الحديث. قلت: رواه البخاري في الرؤيا من حديث محمَّد بن سيرين عن أبي هريرة (¬3)، قال البخاري (¬4): رواه قتادة ويونس وهشام وأبو هلال عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأدرجه بعضهم كله في الحديث، وحديث عوف أبين، وقال يونس: لا أحسبه إلا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في القيد. وأخرجه مسلم أيضًا من حديث أيوب عن محمَّد عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا، ورؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءًا من النبوة، والرؤيا ثلاث: فرؤيا الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا بما يحدث المرء نفسه، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل، ولا يحدث بها الناس، قال: وأحب ¬

_ (¬1) انظر: المصدر السابق (15/ 26)، وإكمال المعلم (7/ 206 - 207). (¬2) انظر: إكمال المعلم للقاضي (7/ 207)، والمنهاج للنووي (15/ 26). (¬3) أخرجه البخاري (7017)، ومسلم (2263). (¬4) انظر كلام الإمام البخاري في صحيحه (8/ 37) تحت رقم (7017).

القيد وأكره الغل، والقيد: ثبات في الدين، فلا أدري هو في الحديث أو قاله ابن سيرين. وفي حديث معمر عن أيوب نحوه، وقال فيه: قال أبو هريرة: "فيعجبني القيد وأكره الغل" والقيد ثبات في الدين. والذي ظهر من الروايات جميعها أن ذكر القيد والغل من قول أبي هريرة أدرج في الحديث (¬1)، قال أبو داود (¬2): "اقترب الزمان"، إذا اقترب الليل والنهار يستويان هذا آخر كلامه، وقد قيل: هو اقتراب الساعة ويؤيده ما جاء في بعض الروايات "إذا كان آخر الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب"، ويحتمل أن يراد: اقتراب الموت عند علو السن، فإن الإنسان في ذلك الوقت غالبًا يميل إلى الخير والعمل به، ويقلّ تحديثه نفسَه بغير ذلك، كذا قاله المنذري (¬3)، وعندي فيه نظر لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "يشيب ابن آدم وتشيب منه خصلتان: الحرص وطول الأمل". 3697 - "قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: رأيت في المنام كأن رأسي قطع، قال: فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: "إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه، فلا يحدث به الناس". قلت: رواه مسلم في الرؤيا من حديث جابر يرفعه، ولم يخرج البخاري عن جابر في هذا شيئًا. (¬4) 3698 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "رأيت ذات ليلة فيما يرى النائم، كأنا في دار عقبة بن رافع، وأتيت برطب من رطب ابن طاب، فأولت أن الرفعة لنا في الدنيا، والعاقبة في الآخرة، وأن ديننا قد طاب". ¬

_ (¬1) ذهب الحافظ في الفتح إلى أن ذلك مدرج في الحديث (12/ 260 - 261). وانظر كذلك المنهاج للنووي (15/ 32). (¬2) انظر: سنن أبي داود (5/ 283). (¬3) انظر: مختصر سنن أبي داود للمنذري (7/ 298). (¬4) أخرجه مسلم (2268)، والنسائيُّ في الكبرى (7644)، وأبو داود (5025).

قلت: رواه مسلم والنسائيُّ كلاهما في الرؤيا، وأبو داود في الأدب ثلاثتهم من حديث أنس (¬1). و"رطب بن طاب" رطب معروف في المدينة، ويقال له أيضًا: "عذق ابن أبي طالب". 3699 - "في رؤيا النبي -صلى الله عليه وسلم-: رأيت امرأة سوداء ثائرة الرأس، خرجَتْ من المدينة حتى نزلت مَهْيعة، فتأولتها: أن وباء المدينة نقل إلى مهيعة، وهي الجحفة". قلت: رواه البخاري والترمذي كلاهما في الرؤيا من حديث عبد الله ابن عمر. (¬2) 3700 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "رأيت في المنام أني هاجرت من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وهَلي إلى أنها اليمامة، أو هَجَر، فإذا هي المدينة يثرب، فرأيت في رؤياي هذه أني هزَزْت سيفًا، فانقطع صدره، فإذا هو ما أصيب [من] المؤمنين يوم أحد، ثمَّ هززته أخرى، فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين". قلت: أخرجه الشيخان (¬3) في الروايات من حديث أبي موسى بزيادة في آخره وهي: "ورأيت فيها أيضًا بقرًا والله خير، فإذا هم النفر من المؤمنين يوم أحد، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير بعد، وثواب الصدق الذي آتانا الله بعد يوم بدر" إلا أن عند البخاري عن أبي موسى أري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بالشك، وعند مسلم عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بغير شك، وقد جاء في بعض الروايات "ورأيت بقرًا" ويهذه الزيادة يفهم تأويل الرؤيا بما ذكر "فنحر البقر" هو قتل الصحابة رضي الله عنهم الذين قتلوا بأحد، قاله النوويّ (¬4). قال القاضي (¬5): وضبطنا هذا الحرف على جميع الرواة "خير" برفع الهاء والراء على الابتداء والخبر، قال: ومعناه ما جاء الله به بعد بدر الثانية من تثبيت قلوب المؤمنين لأنَّ ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2270)، وأبو داود (5025)، والنسائيُّ في الكبرى (7644). (¬2) أخرجه البخاري (7039)، والترمذي (2290). (¬3) أخرجه البخاري (7035)، ومسلم (2272). (¬4) المنهاج (15/ 47)، وانظر: إكمال المعلم (7/ 231). (¬5) انظر: إكمال المعلم (7/ 232).

الناس جمعوا لهم وخوفوهم فزادهم إيمانًا، وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا {بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء}، وتفرق العدو عنهم هيبته لهم. قال القاضي (¬1): قال أكثر شراح الحديث: معناه ثواب الله خير أي صنع الله بالمقتولين خير لهم من بقائهم في الدنيا، قال القاضي: والأولى قوله من قال: والله خير من جملة الرؤيا، وكلمة ألقيت إليه وسمعها في الرؤيا عند رؤياه البقر بدليل تأويلها بقوله - صلى الله عليه وسلم - "وإذا الخير ما جاء الله به". والوهل: بفتح الهاء ومعناه: وهمي واعتقادي، وهجر: مدينة معروفة وهي قاعدة البحرين، وهي معروفة. وسمى - صلى الله عليه وسلم - المدينة يثرب، وهو اسمها في الجاهلية، وجاء النهي عنه، فقيل: هذا قبل النهي، وقيل لبيان الجواز، وأن النهي للتنزيه لا للتحريم، وقيل: خوطب به من يعرفها به. وهززت وهززته: قال النوويّ في شرح مسلم (¬2): وقع في معظم النسخ بالزايين فيهما، وفي بعضها: هزيت وهزته بزاي واحدة مشددة وإسكان التاء وهي لغة صحيحة. 3701 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بينا أنا نائم، أُتيت بخزائن الأرض، فوضع في كفّي سواران من ذهب، فكُبرا عليّ، فأوحي إلى أن انفخهما، فنفختهما، فذهبا، فأولتهما: الكذابين اللذين أنا بينهما، صاحب صنعاء، وصاحب اليمامة". قلت: رواه البخاري في المغازي وفي علامات النبوة، ومسلم والترمذي والنسائيُّ ثلاثتهم في الرؤيا، كلهم من حديث أبي هريرة (¬3)، ولكن الرواية في الصحيحين، موضع في (يدي) بدل (كفي) كذا رواه صاحب جامع الأصول (¬4)، ¬

_ (¬1) المصدر السابق (7/ 231 - 232). (¬2) المنهاج (15/ 46 - 47). (¬3) أخرجه البخاري (4375)، ومسلم (2274)، والترمذي (2292)، والنسائيُّ في الكبرى (7649). (¬4) انظر: جامع الأصول لابن الأثير (11/ 801).

وكذلك الشيخ في "شرح السنة" (¬1) والإمام عبد الحق الإشبيلي في "الجمع بين الصحيحين". والسوار: بكسر السين وضمها وأُسوار بضم الهمزة ثلاث لغات. قوله - صلى الله عليه وسلم -: فأوحى إلى أن أنفخهما هو بالخاء المعجمة. قوله في المصابيح: أتيت بخزائن الأرض: قال العلماء: هذا محمول على سلطانها وملكها، وفتح بلادها، وأخذ خزائن أموالها، وقد وقع ذلك كله ولله الحمد، وهو من المعجزات (¬2). - وفي رواية: فقال: "أحدهما: مسيلمة صاحب اليمامة، والعنسي صاحب صنعاء". قلت: رواها الشيخان أيضًا من حديث أبي هريرة (¬3). 3702 - قالت: رأيت لعثمان بن مظعون في النوم عينًا تجري، فقصصتها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ذاك عمله يُجرى له". قلت: رواه البخاري في التعبير وفي كتاب الشهادات في باب القرعة في المشكلات مطولًا (¬4) فقال: عن أم العلاء وكانت ممن بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت: طار لنا عثمان بن مظعون في السكنى حين أقرعت الأنصار على سكنى المهاجرين فاشتكى فمرّضناه حتى توفي ثمَّ جعلناه في أثوابه فدخل علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت رحمة الله عليك أبا السائب فشهادتي عليك لقد أكرمك الله فقال لي: "وما يدريك؟ " قلت: لا أدري والله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أما عثمان فقد جاءه اليقين إني لأرجو له الخير من الله، والله ما أدري وأنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يفعل به ولا بكم" قالت أم العلاء: فوالله لا أزكي ¬

_ (¬1) شرح السنة (3297). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (15/ 50). (¬3) أخرجها البخاري (3621)، ومسلم (2274). (¬4) أخرجه البخاري في مواضع منها: في كتاب التعبير (7018)، وفي الشهادات (2687)، وفي الجنائز (1243).

أحدًا بعده قالت: ورأيت لعثمان بن مظعون عينًا تجري فجئت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكرت بذلك له فقال: ذلك عمله يجرى له. ورواه النسائيُّ في الرؤيا (¬1)، ولم يخرج هذا الحديث مسلم بل ولا أخرج عن أم العلاء في كتابه شيئًا، ولم يخرج عن أم العلاء من أصحاب الكتب الستة غير البخاري والنسائيُّ. وقول أم العلاء: "طار لنا عثمان" أي: جعل لنا وحوى سهمنا. 3703 - قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى، أقبل علينا بوجهه، فقال: "من رأى منكم الليلة رؤيا؟ " قال: فإن رأى أحد قصّها، فيقول ما شاء الله، فسألنا يومًا، فقال: "هل رأى أحد منكم رؤيا؟ " قلنا: لا، قال: "لكني رأيت الليلة رجلين، أتياني فأخذا بيديّ، فأخرجاني إلى أرض مقدسة، فإذا رجل جالس، ورجل قائم بيده كَلّوب من حديد، يدخله في شِدْقه فيشقه، حتى يبلغ قفاه، ثمَّ يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك، ويلتئم شدقه هذا، فيعود فيصنع مثله، قلت: ما هذا؟ قالا: انطلق، فانطلقنا حتى أتينا على رجل مضطجع على قفاه، ورجل قائم على رأسه بفهْر، أو صخرة، يشدخ بها رأسه، فإذا ضربه تدهده الحجر، فانطلق إليه ليأخذه، فلا يرجع إلى هذا، حتى يلتئم رأسه، وعاد رأسه كما كان، وعاد إليه فضربه، فقلت: ما هذا؟ قالا: انطلق، فانطلقنا حتى أتينا إلى نقب مثل التنور، أعلاه ضيق، وأسفله واسع، تتوقد تحته نار، فإذا أوقدت ارتفعوا، حتى يكادوا أن يخرجوا منها، وإذا خمدت رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عُراة، فقلت: ما هذا؟ قالا: انطلق، فانطلقنا، حتى أتينا على نهر من دم، وفيه رجل قائم، وعلى شطّ النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه، فرده حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر، فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا؟ قالا: انطلق، فانطلقنا، حتى انتهينا إلى روضة خضراء، فيها شجرة عظيمة، وفي أصلها شيخ وصبيان، وإذا ¬

_ (¬1) أخرجه النسائيُّ في الكبرى (7634).

رجل قريب من الشجرة، وبين يديه نار يوقدها، فصعدا بي الشجرة، فأدخلاني دارًا وسط الشجرة، لم أر قط أحسن منها، فيها رجال شيوخ وشبان ونساء وصبيان، ثمَّ أخرجاني منها، فصعدا بي الشجرة، فأدخلاني دارًا هي أفضل وأحسن، فيها شيوخ وشبان، فقلت لهما: إنكما قد طوفتماني الليلة، فأخبراني عما رأيت؟ قالا: نعم، أما الرجل الذي رأيته يشق شدقه، فكذّاب يحدث بالكذبة، فتُحمل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيُصنع به ما ترى إلى يوم القيامة، والذي رأيته يُشدخ رأسه، فرجل علمه الله القرآن، فنام عنه بالليل، ولم يعمل بما فيه بالنهار، يُفعل به ما رأيت إلى يوم القيامة، والذي رأيته في النقب فهم الزناة، والذي رأيته في النهر، آكل الربا، والشيخ الذي رأيته في أصل الشجرة، إبراهيم عليه السلام، والصبيان حوله، فأولاد الناس، والذي يوقد النار، مالك خازن النار، والدار الأولى التي دخلت، دار عامةِ المؤمنين، وأما هذه الدار، فدار الشهداء، وأنا جبريل، وهذا ميكائيل، فارفع رأسك، فرفعت رأسي، فإذا فوقي مثل السحاب -وفي رواية: مثل الربابة البيضاء-، قالا: ذاك منزلك، قلت: دعاني أدخل منزلي، قالا: إنه بقي لك عمر لم تستكمله فإذا استكملته أتيت منزلك". قلت: رواه البخاري بطوله في كتاب الجنائز وله لفظ آخر ذكره في كتاب القدر، ولم يخرج منه مسلم إلا قوله: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإذا صلى الصبح أقبل علينا بوجهه فقال: "هل رأى منكم أحد البارحة رؤيا"، لم يزد مسلم على هذا وزاد البخاري باقي الحديث بطوله. (¬1) والكلوب: بفتح الكاف وتشديد اللام: حديدة معوجة الرأس. والشدق: بكسر الشين وسكون الدال المهملة: جانب الفم. والفهر: الحجر بملء الكف، وقيل الحجر مطلقًا. والشدخ: بالشين والخاء المعجمتين، وهو الكسر، والشدخ: كسر الشيء ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (7248) (1386) مطولًا ومختصرًا، ومسلم (2275).

من الحسان

الأجوف (¬1). والربابة: السحابة التي يركب بعضها بعضًا. من الحسان 3704 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "رؤيا المؤمن جزء من ستةٍ وأربعين جزءًا من النبوة، وهي على رِجل طائر، ما لم يحدّث بها، فإذا حدث بها وقعت -وأحسبه قال- لا يحدّث إلا حبيبًا أو لبيبًا". قلت: رواه الترمذي بهذا اللفظ هنا من حديث أبي رزين العقيلي واسمه لقيط بن عامر بن صبرة وقال فيه: حديث حسن صحيح إلا قوله: وأحسبه قال إلى آخره فإنه رواها ولم يتعرض لتصحيحها، ورواه ابن ماجه كما رواه الترمذي مع بعض اختلاف في اللفظ. (¬2) ومعنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "على رجل طائر" أنها إذا كانت محتملة لوجهين ففسرت بأحدهما وقعت على تلك الصفة، قالوا: وقد يكون ظاهر الرؤيا مكروهًا ويفسر به بمحبوب، وعليه قوله في المصابيح. - وفي رواية: "الرؤيا على رجل طائر، ما لم تُعَبّرْ، فإذا عُبِّرت وقعت -أحسبه قال: ولا تقصها إلا على وادّ أو ذي رأي". قلت: هذه الرواية رواها أبو داود في الأدب من حديث أبي رزين يرفعه. (¬3) 3705 - قالت: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ورقة؟ فقالت له خديجة: إنه كان صدّقك، ولكن مات قبل أن تظهر؟، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أريتُه في المنام، وعليه ثياب بيض، ولو كان من أهل النار؟ لكان عليه لباسٌ غير ذلك". ¬

_ (¬1) انظر: النهاية لابن الأثير (2/ 451). (¬2) أخرجه الترمذي (2278 - 2279) وقال: حسن صحيح. وابن ماجه (3914)، في إسناده وكيع بن عدس، انفرد بالرواية عنه يعلى بن عطاء وهو العامري، وقال ابن القطان: مجهول الحال. وترجم له الحافظ في التقريب (7465) وقال: مقبول. وقال البغوي في شرح السنة (12/ 213): هذا حديث حسن. (¬3) أخرجها أبو داود (5020).

قلت: رواه الترمذي هنا من حديث عثمان بن عبد الرحمن عن الزهري عن عروة عن عائشة وقال: حديث غريب، وعثمان بن عبد الرحمن ليس عند أهل الحديث بقوي، انتهى كلام الترمذي، وعثمان هذا هو القرشي الزهري الوقاصي. قال يحيى بن معين: كان يكذب وقال علي بن المديني: ضعيف جدًّا. (¬1) 3706 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ذات يوم: "من رأى منكم رؤيا؟ " فقال رجل: أنا رأيت: كأن ميزانًا نزل من السماء، فوزنت أنت وأبو بكر، فرجحت أنت بأبي بكر، ووزن أبو بكر وعمر، فرجح أبو بكر، ووزن عمر وعثمان، فرجح عمر، ثمَّ رفع الميزان، فرأيت الكراهية في وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قلت: رواه أبو داود في السنة، والترمذي في الرؤيا كلاهما من حديث الحسن عن أبي بكرة، وقال الترمذي: حديث حسن. (¬2) 3707 - أنَّه رأى فيما يرى النائم أنَّه سجد على جبهة النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره، فاضطجع له، وقال: "صدق رؤياك" فسجد على جبهته. قلت: رواه النسائيُّ في الرؤيا من حديث عمارة بن خزيمة بن ثابت ابن الفاكهة عن أبيه وقد وثق النسائيُّ عمارة بن خزيمة، ومن حديث عمارة بن عثمان بن حُنَيْف عن خزيمة، ومن حديث الزهري عن ابن خزيمة عن عمه أخي خزيمة نحوه. (¬3) وخزيمة بضم الخاء وفتح الزاي المعجمتين. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2288). وعثمان بن عبد الرحمن هو الوقاصي قال الحافظ في "التقريب" (4525): متروك وكذبه ابن معين. وأخرجه الحاكم (4/ 393) وصححه، وتعقبه الذهبي بقوله: "قلت: عثمان وهو الوقاصي متروك". (¬2) أخرجه أبو داود (4634)، والترمذي (2287). وفي إسناده الحسن البصري وقد عنعن. (¬3) أخرجه النسائيُّ في الكبرى (7630)، وأحمد (5/ 215) وإسناده صحيح. وفي إسناده اختلاف وروي من طريق عمارة بن خزيمة بن ثابت أن أباه قال رأيت في المنام ... الحديث نحوه فأسقط عمه من بينه وبين أبيه وروى أحمد (5/ 216) إلا أنَّه قال: عن عمارة بن خزيمة عن عمه وكان من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أن خزيمة بن ثابت رأى ... الحديث نحوه. كما ذكر المؤلف رحمه الله.

كتاب الأدب

كتاب الأدب باب السلام من الصحاح 3708 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعًا، فلما خلقه قال له: اذهب فسلم على أولئك النفر، -وهم نفر من الملائكة جلوسٌ-، فاستمع ما يحيّونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فذهب فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، قال: فزادوه ورحمة الله، قال: فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، طولُه ستون ذراعًا، فلم يزل الخلق ينقص بعده حتى الآن". قلت: رواه الشيخان البخاري في خلق آدم وفي الاستئذان، ومسلم في صفة الجنة كلاهما من حديث معمر عن همام عن الزهري يرفعه. (¬1) قال أبو سليمان الخطابي (¬2) في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "خلق الله آدم على صورته" الهاء: مرجعها إلى آدم - صلى الله عليه وسلم -، فالمعنى: أن ذرية آدم خلقوا أطوارًا، فكانوا في مبدأ الخلق نطفة، ثمَّ علقة، ثمَّ مضغة ثمَّ صاروا أطوارًا أجنة إلى أن تتم مدة الحمل، فيولدون أطفالًا وينشؤون صغارًا إلى أن يكبروا، وآدم - صلى الله عليه وسلم - لم يكن خلقه على هذه الصفة، ولكنه أول ما تناولته الخلقة وجد خلقًا تامًّا طوله ستون ذراعًا. وقال بعضهم (¬3): من فوائده أن الحية لما أخرجت من الجنة شوهت خلقتها وإن آدم كان مخلوقًا في الأوّل على صورته التي كان عليها بعد الخروج من الجنة لم تشوه صورته ولم تُغير خلقه، وفي هذا الحديث دليل قوي لما قاله الشاشي من أصحابنا أنَّه إذا تلاقى ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في خلق آدم (3326)، وفي الاستئذان (6227)، ومسلم (2841). (¬2) أعلام الحديث للخطابي (3/ 2227 - 2228). (¬3) انظر: شرح السنة للبغوي (12/ 255).

رجلان فسلم كل واحد منهما على صاحبه، أحدهما بعد الآخر، كل واحد يقول: السلام عليكم، كان الثاني جوابًا للأول، قال: وإن كانا دفعة لم يكن جوابًا موافقًا. قال القاضي حسين والمتولي: لو سلم كل واحد منهما على صاحبه دفعة أو أحد منهما بعد الآخر يصير كل واحد منهما مبتدئًا بالسلام فيجب على كل واحد أن يرد على صاحبه، والصواب ما قاله الشاشي والحديث يشهد له. 3709 - أن رجلًا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أيُّ الإسلام خير؟ قال: "تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف". قلت: رواه الشيخان في الإيمان وأبو داود في الأدب، والنسائيُّ في الإيمان وابن ماجه في الأطعمة كلهم من حديث أبي الخير مرشد بن عبد الله عن عبد الله بن عمرو بن العاص. (¬1) وأراد السائل: أي خصال الإسلام خير، وكان السؤال وقع عما يتعلق بحقوق الآدميين من الخصال دون غيرها بدليل أنَّه - صلى الله عليه وسلم - أجاب عنها دون غيرها. 3710 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "للمؤمن على المؤمن ست خصال: يعوده إذا مرض، ويشهده إذا مات، ويجيبه إذا دعاه، ويسلم عليه إذا لقيه، ويشمته إذا عطس، وينصح له إذا غاب أو شهد". قلت: هذه الرواية لم أرها في الصحيحين (¬2) ولا في أحدهما والذي في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنازة وإجابة الدعوة وتشميت العاطس". (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (12)، ومسلم (39)، وأبو داود (5194)، والنسائيُّ (8/ 107)، وابن ماجه (3253). (¬2) هذه الرواية أخرجها النسائيُّ (4/ 53) واللفظ له. (¬3) أخرجه البخاري (1240)، ومسلم (2162).

وفي لفظ آخر لمسلم (¬1): "حق المسلم على المسلم ست"، قيل: وما هن يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا لقيته تسلم عليه وإذا دعاك فأجبه وإذا استنصحك فانصح له وإذا عطس فحمد الله فشمته وإذا مرض فعده وإذا مات فأتبعه". ولم يخرج البخاري لفظ حديث "الست" ولا ذكر فيه النصيحة، وما رواه المصنف هو لفظ رواية النسائيُّ. وتشمته إذا عطس: بالشين، شمت العاطس وسمته بالشين والسين إذا دعوت له بالخير (¬2) وقد تقدم. 3711 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنون حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم". قلت: رواه مسلم في الإيمان وأبو داود في الأدب والترمذي في الاستئذان وابن ماجه في السنة كلهم من حديث أبي صالح عن أبي هريرة. (¬3) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنون". هكذا الرواية في نسخ المصابيح المسموعة على المصنف بإتيان النون فيهما وهو ظاهر، والذي في جميع أصول مسلم والروايات، "ولا تؤمنوا" بحذف النون من آخره وهي لغة معروفة صحيحة. ومعنى "ولا تؤمنوا حتى تحابوا": ولا يكمل إيمانكم ولا يصلح حالكم في الإيمان إلا بالتحابب، وأما "ولا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا" فعلى ظاهره (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2162/ 5). (¬2) انظر: النهاية لابن الأثير (2/ 499 - 500). (¬3) أخرجه مسلم (54)، وأبو داود (5193)، والترمذي (2688)، وابن ماجه (68). (¬4) انظر: المنهاج للنووي (2/ 47).

3712 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يسلّم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير". قلت: رواه الشيخان والترمذي ثلاثتهم في الاستئذان من حديث أبي هريرة. (¬1) 3713 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والقليل على الكثير". قلت: رواه البخاري في الاستئذان وأبو داود في الأدب كلاهما من حديث أبي هريرة (¬2) وقد اتفق الشيخان على الحديث الذي قبله كما بيناه، وقد وهم الحافظ المنذري (¬3) فنسب الحديث إلى رواية مسلم دون البخاري وليس كذلك، فإن "يسلم الصغير على الكبير" من زيادة البخاري على مسلم. قال النوويّ (¬4): قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: هذا المذكور هو السنة فإن خالفوا فسلم الماشي على الراكب والجالس عليهما لم يكره صرح به المتولي وغيره، قال: وعلى هذا لا يكره ابتداء الكثير بالسلام على القليل والكبير على الصغير ويكون هذا تركًا لما يستحقه من سلام غيره عليه، وهذا الأدب فيما إذا تلاقى الاثنان في طريق، أما إذا ورد على قعودٍ أو قاعد فإن الوارد يبدأ بالسلام بكل حال سواء كان صغيرًا أو كبيرًا قليلًا أو كثيرًا، وسمى الماوردي هذا الثاني سنة، وسمى الأوّل أدبًا، وجعله دون السنة في الفضيلة، قال المتولي: ولو لقي رجل جماعة فأراد أن يخص طائفة منهم بالسلام كره، لأنَّ القصد من السلام الألفة وفي تخصيص البعض إيحاش الباقين وربما صار سببًا للعدواة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6232)، ومسلم (2160)، والترمذي (2703). (¬2) أخرجه البخاري (6231)، وأبو داود (5199). (¬3) انظر: مختصر سنن أبي داود للمنذري (8/ 69). (¬4) المنهاج (14/ 199 - 200)، والأذكار للنووي.

قال المتولي: ولو سلمت جماعة على رجل فقال: وعليكما السلام وقصد الرد على جميعهم سقط فرض الرد في حق جميعهم كما لو صلى على جنائز دفعة واحدة. 3714 - قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مر على غلمان فسلم عليهم. قلت: رواه الشيخان في الاستئذان من حديث سيار عن ثابت عن أنس، والترمذي في الاستئذان، والنسائيُّ في اليوم والليلة كلاهما عاليًا رباعيًّا عن قتيبة بن سعيد عن جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس. (¬1) قال أصحابنا: السلام على الصبيان سنة للأحاديث الصحيحة. 3715 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريق، فاضطروه إلى أضيقه". قلت: رواه مسلم والترمذي كلاهما في الاستئذان وأبو داود في الأدب كلهم من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة يرفعه، ولم يخرجه البخاري. (¬2) قال أكثر أصحابنا: لا يجوز أن يبدؤوا بالسلام فإن سلموا هم على مسلم قال في الرد: وعليكم، لا يزيد في الرد على ذلك. 3716 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا سلّم عليكم اليهود، فإنما يقول أحدهم: السام عليك! فقل: وعليك". قلت: رواه الشيخان: البخاري في الاستئذان عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر قال: "فقل: عليك" وأخرجه في كتاب المرتدين عن مسدد عن يحيى بن سعيد عن سفيان ومالك وقال: "فقل: عليك" وأخرجه مسلم في الاستئذان عن زهير ابن حارث عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن ابن دينار ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6247)، ومسلم (2168)، والترمذي (2696)، والنسائيُّ في الكبرى (110163)، وفي عمل اليوم والليلة (330) (331). (¬2) أخرجه مسلم (2167)، والترمذي (2700)، وأبو داود (5205).

به فقال: "فقل: عليك" بغير واو. (¬1) وقال الخطابي (¬2): يرويه عامة المحدثين بالواو، وكان سفيان بن عيينة يرويه: "عليكم" بحذف الواو قال: وهو الصواب، وذلك أنَّه يصير قولهم الذي قالوه بعينه مردودًا عليهم، وبإدخال الواو: يقع الاشتراك معهم والدخول فيما قالوه لأنَّ الواو حرف لعطف الاجتماع بين الشيئين، وفسر السام بالموت، انتهى كلام الخطابي. وقال غيره: أما من فسر "السام" بالموت فلا يبعد الواو، ومن فسره بالسآمة وهي الملالة أي يسامون دينكم فإسقاط الواو هو الوجه، واختار بعضهم: أن يرد عليهم السِّلام بكسر السين وهي الحجارة، والأول أولى، لأنه هو الذي وردت به السنة ولأن الردّ إنما يكون بجنس المردود (¬3). 3717 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا سلم عليكم أهل الكتاب، فقولوا: وعليكم". قلت: رواه الشيخان في الاستئذان من حديث أنس يرفعه (¬4)، وروى البخاري أيضًا عن أنس قال: مرّ يهودي برسول الله -صلى الله عليه وسلم - فقال: السام عليك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: وعليك، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أتدرون ماذا يقول: قال: السام عليك، قالوا: يا رسول الله ألا نقتله؟، قال: لا، إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم". ترجم عليه باب "إذا عرض الذي يسب النبي -صلى الله عليه وسلم-" ولم يصرح ذكره في كتاب المرتدين والمعاندين. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الاستئذان (6257) وفي المرتدين (6928)، ومسلم (2164). (¬2) انظر: معالم السنن (4/ 143). (¬3) ذكره المنذري في مختصر سنن أبي داود (8/ 76 - 77)، وانظر تعليق ابن القيم على قول الخطابي في تهذيب السنن له في المصدر السابق (8/ 75 - 77). (¬4) أخرجه البخاري (2935) (6257)، ومسلم (2164).

3718 - قالت: استأذن رهط من اليهود على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: السام عليكم، فقلت: بل عليكم السام واللعنة! فقال: يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله، فقلت: أولم تسمع ما قالوا؟ قال: قد قلت: "وعليكم". قلت: رواه البخاري في استتابة المرتدين، ومسلم والترمذي كلاهما في الاستئذان والنسائيُّ في التفسير، أربعتهم من حديث الزهري عن عروة عن عائشة. (¬1) قال أصحابنا وجماهير العلماء: إذا سلم أهل الكفر علينا، وجب الرد، والمراد بالخيار بين أن يقول: وعليكم، أو: عليكم، بالواو أو بحذفها. 3719 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مر بمجلس فيه أخلاط من المسلمين، والمشركين عبدة الأوثان، واليهود، فسلّم عليهم. قلت: هذه قطعة من حديث طويل رواه الشيخان: البخاري في مواضع منها في الاستئذان من حديث عروة بهذا اللفظ وفي التفسير وفي الأدب، ومسلم في المغازي، والنسائيُّ في الطب ثلاثتهم عن أسامة بن زيد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ركب حمارًا عليه إكاف تحته قطيفة فدكية، وأردف وراءه أسامة ابن زيد، وهو يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج، وذلك قبل وقعة بدر، حتى مرّ بمجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان، واليهود، وفيهم عبد الله بن أُبي، وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة، فخمّر عبد الله بن أُبي أنفه بردائه، ثمَّ قال: لا تغبِّروا علينا، فسلم عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثمَّ وقف فنزل، فدعاهم إلى الله عَزَّ وَجَلَّ وقرأ عليهم القرآن، فقال عبد الله بن أُبي: أيها المرء! لا أحسن من هذا، إن كان ما تقول حقًّا، فلا تؤذنا في مجالسنا، فإنا نحب ذلك، فاستبّ المسلمون والمشركون، حتى هموا أن يتواثبوا، فلم يزل النبي -صلى الله عليه وسلم- يخفّضهم، ثمَّ ركب دابته حتى دخل على سعد بن عبادة، فقال: أي سعد! ألم تسمع ما قال أبو حباب -يريد عبد الله بن أُبي-؟ قال كذا وكذا، قال: اعف عنه يا رسول الله واصفح، فوالله لقد أعطاك الله الذي أعطاك، ولقد أصبح ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6927)، ومسلم (2165)، والترمذي (2701)، والنسائيُّ في الكبرى (11572).

أهل هذه البحيرة أن يتوجوه، فيعصِّبوه بالعصابة، فلما ردّ الله ذلك بالحق الذي أعطاكه، شرق بذلك، فذلك فعل به ما رأيت، فعفا عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-. (¬1) وأخرج الترمذي منه في السلام هذا الطرف الذي أخرجه في المصابيح لحاجته إليه، وأخذ أصحابنا من هذا الحديث أن السنة إذا مرّ على جماعة فيهم مسلمون وكفار أن يسلم عليهم ويقصد المسلمين أو المسلم وإذا كتب كتابًا إلي مشرك وكتب فيه سلامًا أو نحوه فينبغي أن يكتب ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي سفيان في قصة هرقل أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتب: "من محمَّد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى" مثله الظلمة والمبتدعة ومن اقترف ذنبًا عظيمًا ولم يتب منه فينبغي أن لا يسلم عليهم، ولا يرد عليهم السلام، كذا قاله البخاري وغيره من العلماء. واحتج البخاري بقصة كعب بن مالك حين تخلف عن غزوة تبوك هو ورفيقاه قال: ونهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن كلامنا، قال: وكنت آتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلم عليه، فأقول هل حرّك شفتيه برد السلام أم لا، قال البخاري: وقال عبد الله بن عمر: ولا تسلموا على شربة الخمر، انتهى (¬2). فلو اضطر إلى السلام على الظلمة بأن دخل عليهم وخاف ترتب مفسدة إن لم يسلم، سلم عليهم، قال الإمام أبو بكر بن عربي: قال أكثر العلماء: يسلم وينوي أن السلام اسم من أسماء الله تعالى المعنى: "الله عليكم رقيب" (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الاستئذان (6254)، وفي التفسير (4566)، وفي الأدب (6207)، ومسلم (1798)، والنسائيُّ في الكبرى (7502)، والترمذي (2702). وأخرجه أحمد (5/ 203)، وابن حبَّان في صحيحه (6581)، والبيهقيُّ في دلائل النبوة (2/ 576)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (230). (¬2) انظر: الفتوحات الربانية على الأذكار النووية (5/ 352 - 353). (¬3) انظر: المصدر السابق (5/ 354).

3720 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إياكم والجلوس في الطرقات! فقالوا: يا رسول الله! ما لنا من مجالسنا بد، نتحدث فيها؟ قال: "فإذا أبيتم إلا المجلس، فأعطوا الطريق حقه" قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: "غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر". قلت: رواه البخاري في المظالم، ومسلم في الاستئذان، وأبو داود في الأدب ثلاثتهم من حديث عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري يرفعه. (¬1) قوله في المصابيح. 3721 - وروى أبو هريرة في هذه القصة فيه "إرشاد السبيل". قلت: هذه الرواية في أبي داود من حديث أبي هريرة وليست في الصحيحين ولا في أحدهما فكيف أدخلها في الصحاح. (¬2) 3722 - قوله في المصابيح: ورواه عمر، وفيه "وتغيثوا الملهوف، وتهدوا الضال". قلت: رواه أبو داود أيضًا في الأدب (¬3) أيضًا من حديث ابن حجير قال سمعت عمر بن الخطّاب رضي الله عنه وذكره، وابن حجير مجهول لا يعرف، وروي هذا الحديث مرسلًا من وجه آخر (¬4)، وكان من حق المصنف أن يذكره في الحسان فذِكْره في الصحاح وهم، والله أعلم. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المظالم (2465) وفي الاستئذان (6229)، ومسلم (2121)، وأبو داود (4815). (¬2) أخرجه أبو داود (4816) وإسنادها حسن. (¬3) أخرجه أبو داود (4817). وإسناده ضعيف فيه ابن حجير العدوي وهو مستور كما قال الذهبي في "الكاشف" (6908) والحافظ في "التقريب" (6908). (¬4) انظر: مختصر المنذري (7/ 181).

من الحسان

من الحسان 3723 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "للمسلم على المسلم ست خصال بالمعروف: يسلم عليه إذا لقيه، ويجيبه إذا دعاه، ويشمته إذا عطس، ويعوده إذا مرض، ويتبع جنازته إذا مات، ويحب له ما يحب لنفسه". قلت: رواه الترمذي في الاستئذان من حديث الحارث الأعور عن علي بن أبي طالب يرفعه، ومعناه في الصحيح من رواية أبي هريرة وغيره. (¬1) 3724 - قال: جاء رجلٌ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: السلام عليكم، فرد عليه، ثمَّ جلس، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "عشر"، ثمَّ جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه فجلس، فقال: "عشرون"، ثمَّ جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه، فجلس، فقال: "ثلاثون". قلت: رواه أبو داود في الأدب والترمذي في الاستئذان والنسائيُّ في اليوم والليلة ثلاثتهم من حديث أبي رجاء عن عمران بن حصين يرفعه وقال الترمذي: حسن غريب. (¬2) 3725 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بمعناه، زاد فيه: "ثمَّ أتى آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته، فقال: "أربعون"، قال: "هكذا تكون الفضائل". قلت: رواه أبو داود في الأدب (¬3) من حديث سهل بن معاذ عن أنس عن أبيه يرفعه، وفي إسناده: أبو مرحوم عبد الرحيم بن ميمون، وسهل بن معاذ ولا يحتج بهما وقال فيه ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2736) وفي إسناده الحارث الأعور وترجم له الحافظ في التقريب وقال: كذّبه الشعبي في رأيه ورُمي بالرفض وفي حديثه ضعف (1036) وكذلك رواه ابن ماجه (1433)، وأحمد (1/ 89)، والدارمي (2/ 275 - 276). (¬2) أخرجه أبو داود (5195)، والترمذي (2689)، والنسائيُّ في الكبرى (10169) وقال الترمذي: حديث حسن غريب، والنسائيُّ في اليوم والليلة (337). (¬3) أخرجه أبو داود (5196) وفي إسناده أبو مرحوم عبد الرحيم بن ميمون وهو يختلف فيه. وترجم له الحافظ في "التقريب" (4087) وقال: صدوق زاهد. =

سعيد بن أبي مريم: أظن أني سمعت نافع بن يزيد وروى ابن السنّي بإسناد ضعيف (¬1) عن أنس رضي الله عنه قال: كان رجل يرعى فلوات أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيقول: السلام عليك يا رسول الله، فيقول له النبي -صلى الله عليه وسلم-: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه (¬2). 3726 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أولى الناس بالله: من بدأ بالسلام". قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث أبي أمامة يرفعه وسكت عليه، وعند الترمذي: قيل: يا رسول الله الرجلان يلتقيان أيهما يبدأ بالسلام؟، قال: "أولاهما بالله". (¬3) 3727 - قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقلت: عليك السلام يا رسول الله، قال: "لا تقل عليك السلام، فإن عليك السلام تحية الموتى، ولكن قل: سلام عليكم". قلت: رواه أبو داود بهذا اللفظ في الأدب والترمذي في الاستئذان والنسائيُّ في اليوم والليلة ثلاثتهم من حديث أبي جُري الهُجيْمي (¬4) واسمه جابر بن سليم ويقال سليم بن جابر، وقال الترمذي: حسن صحيح. ¬

_ = وقال الحافظ في الفتح (11/ 6) بعد أن ذكر حديث أبي داود وابن السني: وهذه الأحاديث الضعيفة إذا انضمت قوي ما اجتمعت عليه من مشروعية الزيادة على: وبركاته أهـ. (¬1) انظر: عمل اليوم والليلة لابن السني (235)، وهذا كلام النوويّ في الأذكار. (¬2) قال الحافظ كما في الفتوحات الربانية (5/ 292): أخرجه ابن السني من رواية بقية بن الوليد عن يوسف بن أبي كثير عن نوح بن ذكوان عن الحسن عن أنس، واين أبي كثير وشيخه نسب كل منهما إلى أنَّه كان يضع الحديث، وبقية وإن كان عيب عليه التدليس وصرح بالتحديث في هذا السند، فإنَّه كان يغلب عليه كثرة الرواية عن الضعفاء والمجهولين. (¬3) أخرجه أبو داود (5197)، وعند الترمذي (2694) بنحوه وقال حديث حسن. (¬4) أخرجه أبو داود (5209)، والترمذي (2722)، والنسائيُّ في عمل اليوم والليلة (319) وصحح إسناده النوويّ كما قال الحافظ في الفتح (11/ 5).

وقد تقدم في آخر الجنائز ما ظاهره مخالف لهذا الحديث، وينسبه عليه وهذا الحديث يشهد لما قاله المتولي من أصحابنا أن المبتدئ بذلك لا يكون سلامًا فلا يستحق جوابًا لأنَّ هذه الصيغة لا تصلح للابتداء وقد قطع الإمام الواحدي بأنّه إذا قال: عليك أو جوابًا، لأنَّ هذه الصيغة لا تصلح للابتداء، وقد قطع الإمام: عليكم السلام بغير واو فهو سلام يتحتم على المخاطب به الجواب، وإن كان قد خالف اللفظ المعتاد وقد جزم إمام الحرمين بما قاله الواحدي، وقال النوويّ (¬1): هو الظاهر وقد جعله الأصحاب سلامًا في التحلل من الصلاة، وما قاله الواحدي ومن وافقه يدفعه هذا الحديث، وقد قال النووي: يحتمل أن يكون هذا الحديث ورد في بيان الأحسن والأكمل، انتهى. وقد تنازع في ذلك، قال الغزالي في الإحياء: يكره أن يقول ابتداءً عليكم السلام لهذا الحديث، وقول النوويّ: المختار أنَّه تكره هذه الصيغة ابتداءً فإن ابتدأ وجب الرد، ليس بجيد، والله أعلم (¬2). 3728 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرّ على نسوةٍ، فسلم عليهن. قلت: رواه الإمام أحمد عن محمَّد بن جعفر عن جابر عن رجل عن طارق التميمي عن جرير وفيه رجل مجهول (¬3) ويشهد له حديث شهر بن حوشب أخبرته أسماء بنت يزيد قالت: "مرّ النبي -صلى الله عليه وسلم- علينا في نسوة فسلّم علينا" رواه أبو داود وابن ماجه كلاهما في الأدب، والترمذي في الاستئذان ثلاثتهم من حديث شهر بن حوشب عن أسماء بنت ¬

_ (¬1) انظر: الفتوحات الربانية (5/ 319 - 324)، ونقله الحافظ في الفتح (11/ 4) عن النوويّ. (¬2) انظر: الأذكار للنووي مع الفتوحات الربانية (5/ 320، 324). (¬3) أخرجه أحمد (4/ 357). إضافة إلى رجل مبهم، فيه جابر وهو ابن يزيد الجعفي وهو ضعيف، وطارق التميمي من رجال "التعجيل" وهو مجهول، لم يرو عنه إلا جابر الجعفي.

يريد الأنصارية، قال الترمذي: حسن (¬1)، قال أحمد بن حنبل (¬2): لا بأس بحديث عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب يعني هذا الحديث. قال البخاري: شهر حسن الحديث وقوى أمره. 3729 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "يجزئ عن الجماعة إذا مرّوا: أن يسلم أحدهم، ويجزئ عن الجلوس: أن يرد أحدهم". قلت: رواه أبو داود في الأدب (¬3) عن الحسن بن علي عن عبد الملك عن إبراهيم الجدي ثم المكي عن سعيد بن خالد الخزاعي عن عبد الله ابن الفضل عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب، قال أبو داود: رفعه الحسن بن علي يعني الخلال، وفي إسناده سعيد بن خالد الخزاعي المدني، قال أبو زرعة الرازي: مدني ضعيف، وقال أبو حاتم الرازي: هو ضعيف الحديث، وقال البخاري: فيه نظر، وقال الدراقطني: ليس بالقوي. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (5204)، والترمذي (2697)، وابن ماجه (3701). وأخرجه أحمد (6/ 452 - 453)، وشهر بن حوشب: صدوق، كثير الإرسال والأوهام، التقريب (2846). (¬2) لم أجد هذا الكلام عنه إلا أنه قال حرب الكرماني عن أحمد: (ما أحسن حديثه، ووثّق، وروى حنبل عن الإمام أحمد: ليس به بأس. انظر: ميزان الاعتدال (2/ 283)، وبحر الدم لابن عبد الهادي (447)، وكلام البخاري هذا ليس في تاريخه (4/ 258)، بل في سنن الترمذي (4/ 427) وبسط الحافظ أقوال الفقهاء في مسألة تسليم الرجال على النساء في الفتح (11/ 34 - 35)، فراجعه .. (¬3) أخرجه أبو داود (5210). وقال الحافظ في الفتح (11/ 7). في إسناده ضعف لكن له شاهد من حديث الحسن بن علي عند الطبراني وفي سنده مقال وآخر مرسل في الموطأ عن زيد بن أسلم أهـ. انظر للتفصيل: علل الدارقطني (4/ 21). أما سعيد بن خالد الخزاعي فهو ضعيف، انظر: التقريب (2306)، وانظر أقوال العلماء هذه في تهذيب الكمال (10/ 410 - 411) وذكر هذا الحديث.

3730 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبَّهوا باليهود ولا بالنصارى، فإن تسليم اليهود: الإشارة بالأصابع، وتسليم النصارى: الإشارة بالأكف". (ضعيف). قلت: رواه الترمذي في الاستئذان من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وقد كفى الشيخ مؤنته بقوله: ضعيف، وهذا قال الترمذي، بعد ما رواه عن قتيبة عن ابن لهيعة عن عمرو، ثمَّ قال: ورواه ابن المبارك عن ابن لهيعة ولم يرفعه (¬1). 3731 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا لقي أحدكم أخاه، فليسلم عليه، فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر، ثمَّ لقيه، فليسلم عليه". قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث أبي هريرة يرفعه، وسكت عليه أبو داود (¬2). وهذا يقتضي الأمر بالسلام عليه وإن تعرض بمفارقته له فيسلم عليه ثانيًا وثالثًا وأكثر، وفيه دليل على أنَّه يسلم على المسلم ولو غلب على ظنه أنَّه إذا سلم لا يرد عليه إما لتكبر وإما لإهمال أو لغير ذلك، ولا يتركه بهذا الظن فإن السلام مأمور به، ولم يؤمر المسلم بتحصيل الرد مع أن الظن قد يخطيء ويرد ذلك السلام، قال النوويّ: وأما قول من لا تحقيق عنده إن سلام المار سبب لحصول الإثم في حق المسلم عليه، فهو جهالة ظاهرة وغباوة بينة، فإن المأمورات الشرعية لا تسقط عن المأمور بها، بمثل هذه الخيالات ولو نظرنا إلى هذا الخيال الفاسد لتركنا إنكار المنكر على من فعله جاهلًا كونه منكرًا، وغلب على ظننا أنَّه لا ينزجر بقولنا، فإن إنكارنا عليه وتعريفنا له قبحه يكون سببًا لإثمه، إذا لم يُقلع عنه، ولا شك أنا لا نترك الإنكار بمثل هذا (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2695) وهو كما قال المصنف. وانظر: الإرواء (1270). (¬2) أخرجه أبو داود (5200) وإسناده صحيح. انظر: الصحيحة (186). (¬3) هذا كلام النوويّ في الأذكار، انظر: الفتوحات الربانية (5/ 366).

3732 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا بُني! إذا دخلت على أهلك، فسلّم، يكون بركة عليك وعلى أهل بيتك". (¬1) قلت: رواه الترمذي في الاستئذان من حديث أنس (¬2)، وقال: حديث حسن غريب، انتهى. وفيه علي بن زيد بن جدعان، انتهى، وقد أخرج له مسلم في صحيحه محتجًا به. 3733 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: "السلام قبل الكلام". وهذا منكر. قلت: رواه الترمذي في الاستئذان من حديث جابر بن عبد الله يرفعه (¬3)، وفيه عنبسة بن عبد الرحمن ومحمد بن زاذان، قال الترمذي: وهذا الإسناد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تدعو أحدًا إلى الطعام حتى يسلم"، قال أبو عيسى: هذا حديث منكر، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وسمعت محمدًا يعني البخاري يقول: وعنبسة بن عبد الرحمن: ضعيف في الحديث، ذاهب، تركوه، ومحمد بن زاذان: منكر الحديث، انتهى كلام الترمذي (¬4). والحديث وإن كان ضعيفًا فالسنة أن المسلم يبدأ بالسلام قبل كل كلام للأحاديث الصحيحة غير هذا الحديث ولعمل سلف الأمة وخلفها، والله أعلم. ¬

_ (¬1) في المطبوع من المصابيح حديث قبل هذا الحديث [3600] وهو: عن قتادة أنَّه قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا دخلتم بيتًا، فسلِّموا على أهله، فإذا خرجتم، فأودعوا أهله بالسلام". ورواه البيهقي في شعب الإيمان (8845) من مرسل قتادة. (¬2) أخرجه الترمذي (2698) وإسناده ضعيف فيه علي بن زيد بن جدعان وترجم له الحافظ في التقريب (4768) وقال: ضعيف. (¬3) أخرجه الترمذي (2699). (¬4) أما عنبسة بن عبد الرحمن، فقال الحافظ ابن حجر: متروك، رماه أبو حاتم بالوضع، التقريب (5241). ومحمد بن زاذان المدني: متروك، انظر: التقريب (5919).

3734 - قال: "كنا في الجاهلية نقول: أنعم الله بك عينًا، وأنعِمْ صباحًا، فلما كان الإسلام، نهينا عن ذلك". قلت: رواه أبو داود في الأدب، فقال فيه: عن قتادة أو غيره أن عمران بن حصين به، قال أبو داود: قال عبد الرزاق قال معمر: يكره أن يقول الرجل أنعم الله بك عينًا ولا بأس أن تقول أنعم الله عينك، والحديث منقطع، فإن قتادة لم يسمع من عمران بن حصين. (¬1) 3735 - أن رجلًا قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن أبي يُقرئك السلام، فقال: "عليك وعلى أبيك السلام". قلت: رواه أبو داود في الأدب (¬2) عن غالب وهو ابن خطاف البصري القطان قال: إنا لجلوس بباب الحسن البصري إذ جاء رجل فقال: حدثني أبي عن جدي قال: بعثني أبي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: آته فأقرئه السلام فقال: فأتيته فقلت: إن أبي يقرئك السلام، فقال: "عليك وعلى أبيك السلام"، وأخرجه النسائيُّ وقال فيه: عن رجل من بني نمير عن أبيه عن جده، وهذا الإسناد فيه مجاهيل، وخطاف بضم الخاء المعجمة ويقال بفتحها وبعدها طاء مهملة مشددة مفتوحة وبعد الألف فاء أخت القاف (¬3)، وهذا الحديث قد عمل به أصحابنا وإن كان ضعيفًا لأنه من فضائل الأعمال، لكنهم فرقوا بين المبلغ والمرسل فقالوا: إذا كتب إليه كتابًا أو بعث رسولًا بالسلام وجب عليه أن يرد عليه السلام إذا بلغه، قالوا: يستحب أن يرد على المبلغ فيقول: عليك وعليه السلام، وقد يستدل لذلك بحديث الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هذا جبريل يقرأ عليك السلام" قالت: ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (5227) ورجاله ثقات لكنه مقطع، قتادة لم يسمع من عمران. (¬2) أخرجه أبو داود (5231) وإسناده صحيح لجهالة الرجل ومن فوقه. (¬3) إلى هنا انتهى كلام المنذري في مختصر سنن أبي داود (8/ 95)، ومثله في الفتوحات الربانية (5/ 312).

قلت: وعليه السلام ورحمة الله، وفي بعض النسخ: وبركاته، فردت على جبريل ولم ترد على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولو كان يجب الرد أيضًا على المبلغ لعلمها ذلك، والله أعلم. 3736 - أن العلاء الحضرمي كان عامل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان إذا كتب إليه بدأ بنفسه. قلت: رواه أبو داود في الأدب من طريقين أحدهما: قال فيها عن بعض ولد العلاء أن العلاء بن الحضرمي كان عامل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على البحرين، وفيه: وكان إذا كتب إليه بدأ بنفسه، والثانية: عن ابن العلاء عن العلاء أنَّه كتب للنبي -صلى الله عليه وسلم- فبدأ باسمه، وفيهما مجهول، والذي وقع في نسخ المصابيح عن أبي العلاء، والصواب عن ابن العلاء كما هو في أبي داود، قال بعضهم: وروي من طريق ثالثة عن ابن سيرين عن العلاء بإسقاط ولده ذكرها أبو داود تعليقًا. (¬1) والبحرين بلفظ التثنية: بلاد معروفة باليمن، وهو عمل فيه مدن قاعدتها هجر، قال بعضهم: يبدأ الكاتب بنفسه فيقول من فلان بن فلان إلى فلان بن فلان وذكر هذا الحديث حجة لذلك، وقد كتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من محمَّد ابن عبد الله أما بعد" وقال حماد بن زيد: كان الناس يكتبون: من فلان بن فلان إلى فلان بن فلان أما بعد، وقال غيره: إذا بدأ الكاتب باسم المكتوب إليه فقد كره ذلك غير واحد من السلف وأجازه بعضهم، وقيل: أما الأب فيقدّم، ولا يبدأ ولد باسمه على والده والكبير السن كذلك (¬2). 3737 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا كتب أحدكم كتابًا، فليتربه، فإنَّه أنجح للحاجة" (هذا منكر). ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (5134) وفي الإسناد ابن العلاء قال الحافظ عنه في التقريب (8558): "مقبول" وأظن أن اسمه عبد الله أهـ. وقال الذهبي في "الميزان" (4/ 594): ابن العلاء الحضرمي عن أبيه لا يعرف، روى عنه ابن سيرين. (¬2) إلى هنا انتهى كلام المنذري في مختصر سنن أبي داود (8/ 33 - 34).

قلت: رواه الترمذي في الاستئذان من حديث حمزة عن أبي الزبير عن جابر وقال: حديث منكر، لا نعرفه عن أبي الزبير إلا من هذا الوجه، قال: وحمزة عندي هو ابن عمرو النصيبي وهو ضعيف في الحديث، انتهى كلام الترمذي. (¬1) 3738 - قال: دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبين يديه كاتب فسمعته يقول: "ضع القلم على أذنك فإنَّه أذكر للمملي". (ضعيف). قلت: رواه الترمذي في الاستئذان عن محمَّد بن زاذان عن أم سعد عن زيد بن ثابت، قال: وهذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وهو إسناد ضعيف، وعنبسة بن عبد الرحمن ومحمد بن زاذان، يضعفان في الحديث، انتهى. (¬2) 3739 - قال: أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أتعلم: بالسريانية. قلت: رواه الترمذي فيه من حديث زيد بن ثابت. (¬3) 3740 - ويروى: أمرني أن أتعلم كتاب يهود، قال: "إني والله ما آمن يهود على كتاب"، قال: فما مر بي نصف شهر حتى تعلمته، قال: فلما تعلمته، كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم. قلت: رواه الترمذي فيه من حديث زيد بن ثابت وقال: حديث حسن صحيح (¬4). 3741: عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا انتهى أحدكم إلى مجلس، فليسلم، فإن بدا له أن يجلس فليجلس، ثمَّ إذ قام، فليسلم فليست الأولى بأحق من الآخرة". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2713) وإسناده ضعيف، وانظر أجوبة الحافظ ابن حجر على "أحاديث المشكاة". والنقد الصريح للعلائي، وانظر: الضعيفة (1738 - 1739). (¬2) أخرجه الترمذي (2714) وإسناده شديد الضعف، فيه متروك ومنكر الحديث كما سبق الكلام عليهما في حديث جابر "السلام قبل الكلام". وانظر كذلك الضعيفة (861). (¬3) أخرجه الترمذي (2715) وإسناده حسن صحيح. انظر: الصحيحة (187). (¬4) أخرجه الترمذي (2715).

قلت: رواه أبو داود في الأدب والترمذي في الاستئذان والنسائيُّ في اليوم والليلة ثلاثتهم من حديث سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة يرفعه (¬1)، وقال الترمذي: حسن، وأخرجه النسائيُّ أيضًا من حديث سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة وأشار إليه الترمذي. وظاهر هذا الحديث أنَّه يجب على الجماعة رد السلام على هذا الذي سلّم عليهم وفارقهم. وقد قال الإمامان القاضي الحسين وصاحبه المتولي: جرت عادة بعض الناس بالسلام عند المفارقة وذلك دعاء يستحب جوابه، ولا يجب، لأنَّ التحية إنما تكون عند اللقاء لا عند الانصراف، هذا كلامهما، وقد أنكره الإمام أبو بكر الشاشي الأخير من أصحابنا وقال: هذا فاسد لأنَّ السلام سنة عند الانصراف كما هو سنة عند الجلوس، قال النوويّ: وهذا هو الصواب (¬2). 3742 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا خير في جلوس الطرقات، إلا لمن هدى السبيل، وردّ التحية، وغضّ البصر، وأعان على الحمولة". قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث عبد الرحمن بن إسحاق عن سعيد المقبري عن أبي هريرة بمثل معناه. (¬3) وقد قدم المصنف في الأحاديث الصحاح ما يشهد له من حديث أبي سعيد الخدري الثابت في الصحيحين. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (5208)، والترمذي (2849)، والنسائيُّ في الكبرى (10201)، وفي عمل اليوم والليلة (369) وإسناده حسن. وانظر: الصحيحة (183). (¬2) انظر هذا الكلام في الفتوحات الربانية على الأذكار النووية (5/ 363 - 365). (¬3) أخرجه أبو داود (4816). ورواه البغوي في شرح السنة (12/ 305) بسنده المتصل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وانظر طرق الحديث في السلسلة الصحيحة (6/ 12) (2501).

باب الاستئذان

باب الاستئذان من الصحاح 3743 - قال: أتانا أبو موسى، قال: إن عمر أرسل إلى أن آتية، فأتيت بابه، فسلمت ثلاثًا، فلم يرد علي فرجعت، فقال: ما منعك أن تأتينا؟ فقلت: إني أتيت فسلمت على بابك ثلاثًا فلم تردّ عليّ فرجعت، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا استأذن أحدكم ثلاثًا فلم يؤذن له فليرجع، فقال عمر: أقم عليه البينة! " فقال أبو سعيد: فقمت معه فذهبت إلى عمر فشهدت. قلت: رواه الشيخان في الاستئذان وأبو داود في الأدب ومالك في الموطأ كلهم من حديث أبي سعيد الخدري (¬1)، قال الحميدي (¬2): ألفاظ الرواة في الحكاية عن عمر، وأبي موسى في هذا الحديث مختلفة والمعاني متقاربة ولفظ المتن فيها واحد، إلا أن في رواية منها "أن أبا موسى قال: أنشدكم باللهِ، هل سمع أحد منكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الاستئذان ثلاث، فإن إذن لك وإلا فارجع". 3744 - قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذنك علي أن ترفع الحجاب، وأن تسمع سوادي حتى أنهاك". قلت: رواه مسلم في الاستئذان من حديث عبد الله بن مسعود ولم يخرجه البخاري. (¬3) والسواد: بالسين المهملة وبالدال اتفق أهل العلم على: أن المراد به السرار -بكسر السين وبالراء المكررة- وهو السر والمساررة، يقال: ساودت الرجل مساودة إذا ساررته، قالوا: وهو مأخوذ من إدنى سوادك من سواده أي شخصك من شخصه، والسواد: اسم لكل شخص. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6245) ومسلم (2153)، وأبو داود (5181)، ومالك (2/ 964). (¬2) انظر: الجمع بين الصحيحين (2/ 445 - 446). (¬3) أخرجه مسلم (2169).

وفيه دليل لجواز اعتماد العلامة في الإذن في الدخول، فإذا جعل الشخص رفع الستر الذي على بابه علامة في الإذن في الدخول عليه للناس أو لطائفة خاصة أو لشخص، أو جعل علامة غيرها، جاز اعتمادها والدخول إذا وجدت بغير استئذان، فإذا فقدت العلامة امتنع الدخول (¬1). 3745 - أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في دين كان على أبي، فدَققتُ الباب، فقال: "من ذا؟ " فقلت: أنا، فقال: "أنا أنا! " كأنه كرهها. قلت: رواه الجماعة: الشيخان والترمذي ثلاثتهم في الاستئذان، وأبو داود وابن ماجه كلاهما في الأدب والنسائيُّ في اليوم والليلة كلهم من حديث جابر بن عبد الله. (¬2) فينبغي إذا استأذن على إنسان بالسلام أو بدق الباب فقيل له: من أنت؟ أن يقول: فلان بن فلان الفلاني أو فلان المعروف بكذا أو ما يشبه ذلك بحيث يحصل التعريف التام به، ويكره أن يقتصر على قوله: أنا أو الخادم أو بعض الغلمان وما أشبه ذلك، وفي الصحيحين في حديث الإسراء المشهور قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثمَّ صعد بي جبريل إلى السماء الدنيا فاستفتح فقيل من هذا؟ قال جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، ثمَّ صعد إلى السماء الثانية والثالثة وسائرهن ويقال في باب كل سماء من هذا فيقول جبريل ... "، ولا بأس أن يصف نفسه بما يعرف به إذا لم يعرفه المخاطب بغيره وإن كان فيه صورة تبجيل له بأن يكني نفسه أو يقول أنا المفتي فلان، أو القاضي فلان، أو الشيخ وما أشبه ذلك، وجاء في ذلك أحاديث تشهد له. ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (14/ 214). (¬2) أخرجه البخاري (6250)، ومسلم (2155)، والترمذي (2711)، وأبو داود (5187)، وابن ماجه (3709)، والنسائيُّ في عمل اليوم والليلة (328).

من الحسان

3746 - دخلت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوجد لبنًا في قدح، فقال: "أبا هر! الْحق بأهل الصفة، فادعهم إلي"، فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا، فاستأذنوا، فأذن لهم فدخلوا. قلت: رواه البخاري في الاستئذان وأعاده في الرقاق والترمذي في الزهد والنسائيُّ في الرقائق ثلاثتهم من حديث مجاهد بن جبر عن أبي هريرة. (¬1) من الحسان 3747 - أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على سعد بن عبادة، فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فقال سعد: وعليكم السلام ورحمة الله، ولم يُسمع النبي -صلى الله عليه وسلم-، حتى سلّم ثلاثًا، وردّ عليه سعد ثلاثًا، ولم يُسمِعه، فرجع النبي -صلى الله عليه وسلم- فأتبعه سعد. قلت: رواه أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن ثابت عن أنس أو غيره، وزاد فيه: فقال: يا رسول الله بأبي أنت ما سلمت تسليمة إلا وهي بأذني ولقد رددت عليك ولم أسمعك، أحببت أن استكثر من سلامك ومن البركة، ثمَّ أدخله البيت فقرب إليه زيتًا فأكل النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما فرغ قال: "أكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة وأفطر عندكم الصائمون". (¬2) ورواه أبو داود في الأدب مطولًا عن هشام بن مروان ومحمد بن المثنى قال ابن المثنى: حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن يحيى ابن أبي كثير عن محمَّد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة عن قيس ابن سعد وهو ابن عبادة قال: زارنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في منزلنا، فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد سعد ردًّا خفيًّا، قال قيس: فقلت ألا تأذن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ذره يكثر علينا من السلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: السلام عليكم ورحمة الله، فرد سعد ردًّا خفيًّا، ثمَّ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: السلام عليكم ورحمة ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الاستئذان (6246)، وفي الرقاق (6452)، والترمذي (2477)، والنسائيُّ في الكبرى (11808) ط. الرسالة، وانظر أيضًا تحفة الأشراف (10/ 315). (¬2) أخرجه أحمد (3/ 138) وإسناده صحيح على شرط الشيخين.

الله، ثمَّ رجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واتبعه سعد، فقال: يا رسول الله! إني كنت أسمع تسليمك وأرد عليك ردًّا خفيًّا لتكثر علينا من السلام، قال: فانصرف معه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر له سعد بغسل، فاغتسل، ثمَّ ناوله ملحفة مصبوغة بزعفران، أو وَرْس، فاشتمل بها، ثمَّ رفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يديه وهو يقول: "اللهم اجعل صَلَواتك ورحْمتَك على آل سعد قال: ثمَّ أصاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الطعام، فلما أراد الانصراف قرّب له سعد حمارًا قد وطّأ عليه بقطيفة، فركب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال سعد: يا قيس، اصحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال قيس: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اركب" فأبيت ثمَّ قال: "إما أن تركب وإما أن تنصرف" قال: فانصرفت. قال أبو داود: رواه عمر بن عبد الواحد وابن سماعة عن الأوزاعي مرسلًا ولم يذكرا قيس بن سعد. (¬1) رواه النسائيُّ مسندًا ومرسلًا (¬2)، قال أصحابنا: لو نادى إنسان إنسانًا من خلف منبر، أو حائط فقال: السلام عليك يا فلان، فسمعه، وجب عليه أن يرد عليه السلام، والظاهر أنَّه لا بد أن يسمعه كما أسمعه، وسعد بن عبادة في هذا الحديث لم يسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كما أسمعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم ينكر عليه - صلى الله عليه وسلم - ذلك بل أقره، والظاهر عندي أنه متى صح القصد الجميل وأعلم المسلم عليه المسلم بقصده الجميل كما في الحديث فلا حرج والله أعلم. قال في شرح السنة (¬3): وفيه بيان أن الاستئذان يكون بالسلام، واختلفوا في أنه يقدم الاستئذان أو السلام؟، فقال قوم: إن وقع بصره على إنسان قدم السلام وإلا قدم الاستئذان، وقال قوم: يقدم الاستئذان يقول: أأدخل سلام عليكم، لقوله تعالى: ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (5185). (¬2) أخرجه النسائي في الكبرى (10157). (¬3) انظر: شرح السنة (12/ 283).

{حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} قيل معناه: تستأذنوا، وقال قوم: يقدم السلام فيقول: سلام عليكم إذا دخل وهو الأولى، انتهى. ويدل على القول الثاني الحديث الذي بعده فإنه قال فيه: السلام عليكم أأدخل وسيأتي. 3748 - أن صفوان بن أمية بعث بلبن وجَداية وضَغابيس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، والنبي - صلى الله عليه وسلم - بأعلى الوادي، قال: فدخلت عليه ولم أُسَلّم، ولم أستأذن، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ارجع فقل: السلام عليكم، أأدخل؟ ". قلت: رواه أبو داود في الأدب، والترمذي في الاستئذان، والنسائيُّ في اليوم والليلة ثلاثتهم من حديث عمرو بن أبي سفيان (¬1) أن عمرو بن عبد الله بن صفوان أخبره عن كلدة بن حنبل أن صفوان بن أمية بعثه، وذكره. وقال في الحديث: وذلك بعد ما أسلم صفوان، قال أبو داود: قال عمرو وأخبرني ابن صفوان بهذا أجمع عن كلدة بن حنبل، ولم يقل سمعته منه، قال أبو داود: قال يحيى بن حبيب: أمية بن صفوان ولم يقل سمعته عن كلدة، وقال يحيى أيضًا عن عمرو بن عبد الله بن صفوان أخبره أن كلدة بن حنبل أخبره، وقال الترمذي: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن جريج. وكلدة: بفتح الكاف وبعدها لام ودال مهملة مفتوحة وتاء تأنيث. وحنبل: بفتح الحاء المهملة وبعدها نون ساكنة وباء موحدة مفتوحة ولام. والجداية (¬2): بفتح الجيم وكسرها وبعدها دال مهملة مفتوحة: الصغير من أولاد الظباء بمنزلة الجدي من الغنم، وقيل: ما بلغ ستة أشهر أو سبعة ذكرًا كان أو أنثى. والجمع جدايا. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (5176)، والترمذي (2710)، والنسائيُّ في الكبرى (10147) وفي اليوم والليلة (315). وإسناده صحيح رجاله ثقات. انظر: الصحيحة (817 - 819). (¬2) انظر: النهاية لابن الأثير (1/ 248).

قال الجوهري: الجداية الغزال قال الأصمعي: هو بمنزلة العناق من الغنم. والضغابيس: بضاد وغين معجمتين وبعد الألف باء موحدة مكسورة وياء آخر الحروف ساكنة وسين مهملة هي صغار القثاء واحدها ضغبوس، وقيل: الضغابيس نبت ينبت في أصول الثُّمام يشبه الهلْيَوْن يُسلق بالخل والزيت ويؤكل (¬1)، قاله الأصمعي. 3749 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا دعي أحدكم، فجاء مع الرسول، فإن ذلك إذن". قلت: رواه أبو داود في الأدب من طريق قتادة عن أبي رافع -وهو نُفيع الصائغ- عن أبي هريرة يرفعه، قال أبو علي اللؤلؤي سمعت أبا داود يقول: قتادة لم يسمع من أبي رافع، انتهى. ففي إسناده انقطاع. (¬2) وقال البخاري: وقال سعد عن قتادة عن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: هو أذنه، فذكره البخاري تعليقًا لأجل الانقطاع في إسناده (¬3)، وذكر البخاري في هذا الباب حديث مجاهد عن أبي هريرة قال: دخلت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوجدت لبنًا في قدح، فقال: "أبا هر! الْحق إلى أهل الصفة فادعهم لي، إلى أن قال: فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم (¬4) " وقد تقدم في الصحاح. 3750 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "رسول الرجل إلى الرجل إذنه". قلت: رواه أبو داود في الأدب، وابن حبَّان من حديث محمَّد بن سيرين عن أبي هريرة يرفعه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "رسول الرجل إلى الرجل إذنه" وسكت عليه أبو داود. (¬5) ¬

_ (¬1) انظر: النهاية (3/ 90). (¬2) أخرجه أبو داود (5190)، وفي إسناده انقطاع كما بين المؤلف، وانظر: مختصر المنذري (8/ 64)، ونفيع الصائغ، أبو رافع المدني، ثقة ثبت، التقريب (7231). (¬3) علقه البخاري في صحيحه (11/ 31). ووصله أحمد (2/ 533)، والبخاري في الأدب المفرد (1075)، وأبو داود (5190)، والبيهقيُّ (8/ 340). (¬4) انظر: مختصر المنذري (8/ 64). (¬5) أخرجه أبو داود (5189)، وابن حبَّان (5811). وإسناده صحيح على شرط مسلم. وكذلك أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1076).

باب المصافحة والمعانقة

3751 - قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أتى باب قوم، لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن، أو الأيسر، فيقول: السلام عليكم، وذاك أن الدُّور لم تكن يومئذ عليها ستور". قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث عبد الله بن بسر يرفعه، وفي إسناده بقية بن الوليد، فقال: وبسر بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة وبعدها راء مهملة، ولبسر أيضًا صحبة. (¬1) باب المصافحة والمعانقة من الصحاح 3752 - قال: قلت لأنس: أكانت المصافحة في أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: نعم. قلت: رواه البخاري والترمذي كلاهما في الاستئذان من حديث قتادة عن أنس. (¬2) 3753 - قال: خرجت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أتى خباء فاطمة فقال: أَثَمّ لُكع؟ -يعني حسنًا-، فلم يلبث أن جاء يسعى، حتى اعتنق كل واحدٍ منهما صاحبه. قلت: رواه الشيخان: البخاري في البيوع، ومسلم في الفضائل من حديث نافع بن جبير عن أبي هريرة (¬3)، خباء فاطمة: بكسر الخاء المعجمة وبالمد أي بيتها. ولكع: المراد به هنا الصغير. 3754 - ذهبت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الفتح، قال: مرحبًا بأم هانئ. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (5176). وفي إسناده بقية بن الوليد وهو يدلس، ولكنه صرح بالتحديث عند أحمد (4/ 189 - 190). فإسناده حسن. (¬2) أخرجه البخاري (6263)، والترمذي (2729). (¬3) أخرجه البخاري (2122)، ومسلم (2421).

من الحسان

قلت: رواه الشيخان من حديث أم هانئ بنت أبي طالب، واسمها فاختة في حديث طويل ذكرت فيه صلاة الضحى، وليس في الصحيحين لأم هانئ غير هذا الحديث المتضمن لصلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- الضحى عام الفتح. (¬1) 3755 - قال: قبَّلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد، ما قبلت منهم أحدًا، فنظر إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثمَّ قال: "من لا يرحم لا يُرحم". قلت: رواه البخاري وأبو داود كلاهما في الأدب، ومسلم في فضائل النبي -صلى الله عليه وسلم-، والترمذي في البر أربعتهم من حديث الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة. (¬2) من الحسان 3756 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مسلمَيْن يلتقيان فيتصافحان، إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه كلاهما في الأدب والترمذي في الاستئذان ثلاثتهم من حديث أبي إسحاق عن البراء بن عازب يرفعه، قال الترمذي: حسن غريب، من حديث أبي إسحاق عن البراء. انتهى. (¬3) وفي إسناده: الأجلح واسمه يحيى بن عبد الله الكندي قال ابن معين: ثقة، ومرة ليس به بأس، وقال ابن عديّ: يعد في شيعة الكوفة، وهو عندي مستقيم الحديث صدوق، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3171)، ومسلم (336). (¬2) أخرجه البخاري (5997)، ومسلم (2318)، وأبو داود (5218)، والترمذي (1911). (¬3) أخرجه أبو داود (5212)، وابن ماجه (3703)، والترمذي (2727). وإسناده ضعيف، لضعف الأجلح وهو ابن عبد الله بن حجية الكندي ترجم له الحافظ في "التقريب" (287) وقال: صدوق شيعي، وقد رواه أبو داود الأعمى وأبو بحر عبد الرحمن بن عثمان وزيد بن أبي الشعثاء وأبو الحكم عن البراء من طرق ضعيفة أيضًا لا تقوي الحديث.

وقال أبو زرعة الرازي: ليس بقوي وقال أبو حاتم: ليس بقوي، كان كثير الخطأ، يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال الإمام أحمد: روي عنه غير حديث منكر، وقال السعدي: الأجلح مفتري قال ابن حبَّان: كان لا يدري ما يقول، يجعل أبا سفيان أبا الزبير ويقلب الأسامى. قوله في المصابيح: - وفي رواية: "إذا التقى المسلمان، فتصافحا، وحمدا الله واستغفراه، غفر لهما". قلت: رواه أبو داود من حديث البراء، وفي إسناده: اضطراب (¬1) وفي إسناده: أبو بَلْج بفتح الباء الموحدة وسكون اللام وبعدها الجيم، ويقال: أبو صالح يحيى بن سليم، ويقال: يحيى بن أبي سليم ويقال: ابن أبي الأسود الفزاري الواسطي ويقال: الكوفي متكلم فيه (¬2). 3757 - قال رجل: يا رسول الله الرجل منا يلقاه أخاه أو صديقه، أينحني له؟ قال: "لا"، قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: "لا"، قال: أفيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: "نعم". قلت: رواه الترمذي في الاستئذان وابن ماجه في الأدب كلاهما من حديث حنظلة بن عبيد الله عن أنس. (¬3) 3758 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "تمام عيادة المريض: أن يضع أحدكم يدَه على جبهته، أو على يده، فيسأله كيف هو؟ وتمام تحياتكم بينكم المصافحة" (ضعيف). ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (5211). (¬2) قال الحافظ: صدوق ربما أخطأ، التقريب (8060). (¬3) أخرجه الترمذي (2728)، وابن ماجه (3702) وإسناده ضعيف لضعف حنظلة السدوسي ذكره الحافظ في التقريب (1592) وقال: ضعيف.

قلت: رواه الترمذي في الاستئذان من حديث علي بن زيد عن القاسم عن أبي أمامة، وقال: ليس إسناده بذاك، وقال في موضع آخر: علي بن زيد يضعف في الحديث، ورواه أحمد بإسناد الترمذي بلفظ آخر. (¬1) 3759 - قالت: قدم زيدُ بن حارثة المدينة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي، فأتاه فقرع الباب، فقام إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عريانًا، يجر ثوبه -والله ما رأيته عريانًا قبله ولا بعده- فاعتنقه وقَبّله. قلت: رواه الترمذي في الاستئذان وقال: حسن غريب، لا نعرفه من حديث الزهري (¬2) إلا من هذا الوجه يعني من طريق محمَّد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة، وإن لم يحمل هذا الحديث على أنه خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وإلا عارضه حديث أنس المتقدم أو يحمل هذا ما إذا قدم من سفر وحديث أنس على غير المسافر. 3760 - سئل أبو ذر هل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصافحكم إذا لقيتموه؟ قال: ما لقيته قط إلا صافحني، وبعث إليّ ذات يوم، ولم أكن في أهلي، فلما جئت أُخبرت، فأتيته وهو على سرير، فالتزمني، فكانت تلك أجود وأجود. قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث أيوب بن بشير عن رجل من عنزة أنه قال لأبي ذر: هل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصافحكم الحديث، ورجل من عنزة مجهول (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2731)، وأحمد (5/ 260)، وقال الترمذي: هذا إسناد ليس بالقوي، قال محمَّد -البخاري-: وعبيد الله بن زخر، ثقة، وعلي بن يزيد ضعيف، والقاسم بن عبد الرحمن يكنى أبا عبد الرحمن، وهو مولى عبد الرحمن بن خالد بن يزيد بن معاوية وهو ثقة والقاسم شامي، وانظر: الضعيفة (1288). (¬2) أخرجه الترمذي (2732) وإسناده ضعيف. (¬3) أخرجه أبو داود (5214) وإسناده ضعيف. وهذا قول المنذري في مختصر المنذري لأبي داود (8/ 82). وأخرجه أحمد (5/ 167 - 168)، والطيالسي (475)، والبيهقيُّ في شعب الإيمان (8960).

وذكر البخاري هذا الحديث في تاريخه الكبير وقال: مرسل (¬1). 3761 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم جئته: "مرحبًا بالراكب المهاجر". قلت: رواه الترمذي في الاستئذان من حديث موسى بن مسعود عن سفيان عن أبي إسحاق عن مصعب بن سعد عن عكرمة بن أبي جهل (¬2) قال: وفي الباب عن بريدة وابن عباس وأبي جحيفة، قال أبو عيسى: هذا حديث ليس إسناده بصحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه، من حديث موسى بن مسعود عن سفيان، وموسى بن مسعود ضعيف في الحديث انتهى كلام الترمذي. وموسى بن مسعود روى له البخاري (¬3). 3762 - رجل من الأنصار، قال: بينما هو يحدث القوم، وكان فيه مزاح، بينما يضحكهم، فطعنه النبي -صلى الله عليه وسلم- في خاصرته بعود، فقال: أَصبرني قال:: "اصطَبر"، قال: إنّ عليك قميصًا وليس عليّ قميص! فرفع النبي -صلى الله عليه وسلم- عن قميصه، فاحتضنَه وجعل يقبل كشحه قال: إنما أردت هذا يا رسول الله. قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث أسيد بن حضير بهذا اللفظ وسكت عليه (¬4). قوله: أصبرني أي: أقدني من نفسك، وقوله: واصطبر، معناه: استقد، يقال: أصبر فلان من خصمه واصطبر أي: اقتص، وأصبره الحاكم أي أقصه من خصمه قاله في ¬

_ (¬1) انظر: التاريخ الكبير (1/ 409) ذكره عن أيوب بن بشير، عن أبي ذر، بلا واسطة، وقال: مرسل. (¬2) أخرجه الترمذي (2735) وإسناده ضعيف. (¬3) قال الحافظ: موسى بن مسعود النهدي: صدوق سيء الحفظ، وكان يصحّف، وحديثه عند البخاري في المتابعات. انظر: التقريب (7059). (¬4) أخرجه أبو داود (224). وقال: "ليس إسناده بصحيح، ولا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه من حديث موسى بن مسعود عن سفيان، وموسى بن مسعود ضعيف في الحديث، وروى هذا الحديث: عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق ..... مرسلًا".

النهاية (¬1)، والكشح: بفتح الكاف وسكون الشين، المعجمة وبالحاء المهملة ما بين الخاصرة والضلع. قال الخطابي (¬2): وفيه حجة لمن رأى القصاص في الضربة بالسوط واللطمة وبالكف ونحو ذلك ما لا يوقف له على حد معلوم ينتهى إليه، وقد روي ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وذهب قتادة والحسن إلى أنه لا قصاص في اللطمة ونحوها، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة ومالك رضي الله عنهم، ومعنى احتضنه أخذه في حضنه. 3763 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تلقّى جعفر بن أبي طالب فالتزمه وقَبّل بين عينيه. قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث أجلح عن الشعبي مرسلًا (¬3) ولم يذكر البياضي، وأجلح تقدم الكلام عليه في أول حديث من الحسان وروى له أصحاب السنن ووثقه ابن معين وغيره، وضعفه النسائيُّ وهو شيعي، وقال: شريك عنه أنَّه قال: سمعنا أنَّه ما سب أبا بكر وعمر أحدٌ إلا افتقر أو قتل. 3764 - في قصة رجوعه من أرض الحبشة، قال: فخرجنا، حتى أتينا المدينة، فتلقّاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاعتنقني، ثمَّ قال: "ما أدري أنا بفتح خيبر أفرح، أو بقدوم جعفر؟ " ووافق ذلك فتح خيبر. قلت: رواه في شرح السنة مقطوعًا (¬4) كالمصابيح وأخرجه الحافظ أبو القاسم عبد الله بن محمَّد بن عبد العزيز البغوي في "معجم الصحابة" ولفظه: "لما بلغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ¬

_ (¬1) النهاية (3/ 8). (¬2) معالم السنن (4/ 144 - 145). (¬3) أخرجه أبو داود (5220). وقد وصله البغوي في "معجم الصحابة" من حديث جابر والطبراني في الصغير (30) من حديث أبي جحيفة ذكره الحافظ ابن حجر -ناقلًا من المؤلف كما سيأتي- في هداية الرواة (4/ 330). (¬4) أخرجه البغوي في شرح السنة (12/ 291) وقد وصله البزار (1328). =

قدوم جعفر وفتح خيبر، قال: ما أدري بأيهما أنا أشد فرحًا بقدوم جعفر أو بفتح خيبر، قال: ثم التزمه وقبّل ما بين عينيه". وأخرجه مرفوعًا: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه من طريق آخر، قال جابر: لما قدم جعفر بن أبي طالب تلقاه النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما نظر جعفر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حجل، قال سفيان: حجل: مشى على رِجل واحدة إعظامًا منه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقبّل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين عينيه، ورواه الطبراني في معجمه الصغير من حديث أبي جحيفة قال: قدم جعفر بن أبي طالب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أرض الحبشة فقبّل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما بين عينيه، وقال: ما أدري أنا بقدوم جعفر أسر أم بفتح خيبر، وأخرجه الحافظ الغساني في معجمه. والحجل: أن يرفع رجلًا ويقفز على الأخرى ويفعل ذلك من شدة الفرح وقد يكون بالرجلين وهذا هو الظاهر هنا والله أعلم. قلت: وعبد الله بن محمَّد البغوي صاحب المعجم المذكور هو شيخ شيخ شيخ المصنف فإن المصنف يروي في "شرح السنة" عن عبد الواحد المليحي عن عبد الرحمن بن أبي شريح عن أبي القاسم عبد الله بن محمَّد البغوي، وكان أبو القاسم البغوي محدث بغداد ومسندها سمع من أحمد وممن هو أسند منه (¬1). 3765 - قال: لما قدمنا المدينة جعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبل يد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجله. قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث زارع أتم من هذا (¬2) فقال فيه: وانتظر المنذر الأشج حتى أتى عينيه فلبس ثوبيه ثمَّ أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له: إن فيك خصلتين يحبهما ¬

_ = قلت: وإسناده ضعيف لأنَّ مجالد بن سعيد ليس بالقوي وترجم له الحافظ في "التقريب" (6520) ليس بالقوي وقد تغير في آخر عمره. وقد خالفه ثقتان عن الشعبي قال ... فأرسله. انظر: هداية الرواة (4/ 331). (¬1) ولد أبو القاسم البغوي سنة 214 هـ وتوفي -رحمه الله- سنة 317 هـ عن مائة وثلاث سنين وشهر. انظر لترجمته: تاريخ بغداد (10/ 111 - 117) وتذكرة الحفاظ للذهبي (2/ 737 - 740). (¬2) أخرجه أبو داود (5225) وفي إسناده أم أبان بنت الوازع قال الذهبي: تفرد عنها مطر الأعنق وترجم لها الحافظ في "التقريب" (8798) وقال: مقبولة.

الله الحلم والأناة، قال: يا رسول أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما قال: بل الله جبلك قال: الحمد لله الذي جبلني على خلقتين يحبهما الله ورسوله. وأخرجه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة وقال: ولا أعلم لزارع غيره، وهو ابن عامر ويقال: ابن عمرو العبدي وكان في وفد عبد القيس وهو بفتح الزاي المعجمة وبعد الألف راء مهملة مكسورة وعين مهملة (¬1). 3766 - قالت: ما رأيت أحدًا كان أشبه سمتًا وهدبًا، ودلًا وفي رواية: حديثًا، وكلامًا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من فاطمة، كانت إذا دخلت عليه، قام إليها فأخذ بيدها، فقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها، قامت إليه، فأخذت بيده فقبلتها وأجلسته في مجلسها. قلت: رواه أبو داود بالروايتين في الأدب والترمذي في المناقب والنسائيُّ فيه ثلاثتهم من حديث عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين وقال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه. (¬2) والسمت: بفتح السين المهملة وسكون الميم وبالتاء المثناة من فوق قال الجوهري (¬3): طريق أهل الخير. ¬

_ (¬1) وهذا كلام المنذري في مختصر سنن أبي داود (8/ 90 - 91) قال الحافظ: الزارع بن عامر، ويقال ابن عمرو العبدي، عِداده في أعراب البصرة ... وأخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، روت عنه ابنة ابنه أم أبان بنت الوازع، وذكر أبو الفتح الأزدي أنها تفردت بالرواية عنه. انظر الإصابة (2/ 546)، والاستيعاب لابن عبد البر (1/ 569). (¬2) أخرجه أبو داود (5217)، والترمذي (3872)، والنسائيُّ في الكبرى (8369). وإسناده قال الحاكم: صحيح. (¬3) انظر الصحاح (1/ 254).

قال الزمخشري (¬1): قالوا: ما أحسن سمته أي طريقته التي ينتجها في تحرّ من الخير والتّزي بزي الصالحين، والهَدْي السيرة النبوية يقال: هدى هدّى فلان أي سار سيرته واهدوا هَدْي عمار. والدل: حسن الشمائل قال ابن الأثير (¬2): الدلال والهدي والسمت عبارة عن الحالة التي يكون عليها الإنسان من السكينة والوقار، وحسن السيرة والطريقة، واستقامة المنظر والهيئة، وقال: صنف الحافظ الأصفهاني المعروف بابن المقري جزءًا لطيفًا في التوسع في تقبيل اليد (¬3)، وذكر فيه حديث ابن عمر وابن عباس وجابر بن عبد الله وبريدة بن الحصيب وصفوان بن عسال وزارع بن عامر العبدي في ذلك، وذكر فيه آثارًا صحيحة عن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين، واعلم أن تقبيل يد الغير إن كان لزهده وصلاحه أو علمه أو شرفه وصيانته أو نحو ذلك فمستحب، وإن كان لدنياه وشوكته وجاهه فمكروه، كراهة شديدة، وقال المتولي: لا يجوز ذلك، ولعل ما نقل عن مالك من الكراهة لتقبيل اليد محمول على ما قلناه. وفي حديث عائشة هذا دليل على التوسع في القيام على وجه الإكرام بل وللإعظام لمن ينبغي أن يعظم قدره (¬4). 3767 - قال: دخلت مع أبي بكر أول ما قدم المدينة، فإذا عائشة ابنته مضطجعة، قد أصابتها حمى، فقال: كيف أنت يا بنية؟ وقبّل خدها. ¬

_ (¬1) انظر: الفائق (2/ 199). (¬2) انظر: النهاية (2/ 131)، وليس فيه ذكر الجزء. (¬3) قد طبع هذا الجزء باسم: الرخصة في تقبيل اليد للحافظ أبي بكر محمَّد بن إبراهيم ابن المقرئ (ت 381 هـ) طبعته دار العاصمة بالرياض في عام 1408 هـ ويقع في 111 صفحة مع المقدمة والفهارس. (¬4) انظر لهذه المسألة: بدر التمام في مسألة القيام للشيخ الألباني -رحمه الله-.

قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث البراء بن عازب (¬1) وسكت عليه، وعن ابن عمر أنه كان يقبّل ابنه سالمًا، ويقول: اعجبوا من شيخ يقبل شيخًا (¬2). وعن سهل بن عبد الله التستري السيد الجليل رضي الله عنه أنه كان يأتي أبا داود السجستاني ويقول: أخرج لسانك الذي تحب به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأقبله فيقبله (¬3)، وأفعال السلف في هذا الباب أعني للتقبيل للإكرام لا تحصر. 3768 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتي بصبي، فقبله، فقال: "أما إنهم مَبْخلة مَجْبنة، وإنهم لمن ريحان الله". قلت: رواه في "شرح السنة" بسند ضعيف من حديث عائشة. (¬4) والمبخلة والمجبنة: مفعلة من البخل والجبن، والمعنى: أن الولد يوقع أباه في البخل اتقاء على ماله له، وفي الجبن خوفًا من أن يقتل في الحرب فيضيع ولده من بعده. والواو في قوله - صلى الله عليه وسلم -: وإنهم لمن ريحان الله، للحال ومعناه: قيل: من رزق الله سبحانه وتعالى قال تعالى: {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ} أراد الرزق وهو الحب، ويحوز أن يراد بالريحان: المشموم لأنهم يشمون ويقبلون فكأنهم من حملة الرياحين التي أنبتها الله تعالى. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (5222) وفي إسناده أبو إسحاق السبيعي وهو مختلط وزد على ذلك أنه مدلّس وقد عنعن. وترجم له الحافظ في التقريب (5100) وقال: ثقة مكثر عابد من الثالثة اختلط بآخره. (¬2) انظر: تهذيب الكمال (10/ 150). (¬3) انظر: المصدر السابق (11/ 366). (¬4) أخرجه البغوي (3448) وإسناده ضعيف فيه ابن لهيعة وترجم له الحافظ في "التقريب" (3587) وقال: صدوق خلط بعد احتراق كتبه.

باب القيام

باب القيام من الصحاح 3769 - قال: لما نزلت بنو قريظة على حكم سعد، بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى سعد، وكان قريبًا منه، فجاء على حمار، فلما دنا من المسجد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للأنصار: "قوموا إلى سيدكم". قلت: رواه الشيخان: البخاري في الجهاد وفي فضل سعد وفي الاستئذان وفي المغازي، ومسلم في المغازي وأبو داود في الأدب في باب ما جاء في القيام، والنسائيُّ في المناقب من حديث أبي سعيد الخدري (¬1). قال بعضهم: انظر إلى قوله: دنا من السجد وأراه وهمًا، فإن كان أراد مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- فمنه جاء سعد بن معاذ، وفيه كان، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان نازلًا في بني قريظة، ومنها وجه إلى سعد ليأتيه، إلا أن يريد مسجدًا اختطه النبي -صلى الله عليه وسلم- هناك فصلى فيه مدة مقامه، وأشار إلي أن المسجد تصحيف، وفيما قاله نظر. قال: هذا اللفظ صحيح ثابت في الصحيحين، والتأويل ظاهر، وقد وقع في مسند ابن أبي شيبة وسنن أبي داود فلما طلع على النبي -صلى الله عليه وسلم-. قال النوويّ (¬2): وهذا الذي في مسند ابن أبي شيبة (¬3) وأبي داود وهو الصحيح. 3770 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه، ولكن تفسحوا أو توسعوا". قلت: رواه الشيخان في الاستئذان من حديث نافع عن ابن عمر يرفعه. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4121)، ومسلم (1768)، وأبو داود (5215)، والنسائيُّ في الكبرى (8222). (¬2) المنهاج (12/ 133). (¬3) مصنف ابن أبي شيبة (14/ 425) وفيه: "فلما أن دنا قريبًا من المسجد .... ". (¬4) أخرجه البخاري (6269)، ومسلم (2177).

من الحسان

3771 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قام من مجلسه، ثم رجع إليه، فهو أحق به". قلت: رواه مسلم في الاستئذان وأبو داود في الأدب كلاهما من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬1) من الحسان 3772 - قال: لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا، لما علموا من كراهيته لذلك. (صحيح). قلت: رواه الترمذي في الاستئذان من حديث أنس وقد كفى المصنف مؤنته بقوله: صحيح، وقد تبع الترمذي في ذلك. (¬2) 3773 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من سره أن يتمثل له الرجال قيامًا فليتبوأ مقعده من النار". قلت: رواه الترمذي في الاستئذان وأبو داود في الأدب كلاهما من حديث أبي مجلز (¬3) قال: خرج معاوية على ابن الزبير وابن عامر، فقام ابن عامر وجلس ابن الزبير، فقال معاوية لابن عامر: اجلس فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: من أحب أن يتمثل، له الرجال قيامًا .. الحديث، وقال الترمذي: حسن (¬4). ولفظ المصابيح لفظ الترمذي. ويتمثل: الثاء التي بعد الميم مثلثة أي ينتصب. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فليتبوأ مقعده من النار" لفظه لفظ الأمر، ومعناه الخبر، كأنه قال: من سره ذلك وجب أن ينزل منزله من النار. 3774 - قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متوكئًا على عصا، فقمنا له، فقال: "لا تقوموا كما تقوم الأعاجم: يعظّم بعضهم بعضًا". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2179)، وأبو داود (4853)، انظر: الصحيحة (358). (¬2) أخرجه الترمذي (2754) وإسناده صحيح. (¬3) أخرجه أبو داود (5229)، والترمذي (2755) وإسناده صحيح. (¬4) انظر: مختصر سنن أبي داود للمنذري (8/ 92).

قلت: رواه أبو داود في الأدب وابن ماجه في الدعاء كلاهما من حديث أبي غالب عن أبي أمامة. (¬1) وأبو غالب، اسمه: حزور ويقال: نافع، ويقال: سعيد بن الحزوّر. قال يحيى بن معين: صالح الحديث، وقد صحح له الترمذي، وتكلم فيه آخرون. وحزوّر: بفتح الحاء المهملة وبعدها زاي مفتوحة وواو مشددة مفتوحة وبعدها راء مهملة، وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي الزبير عن جابر "أنهم صلوا خلفه قعودًا، قال: فلما سلّم قال: "إن كدتم آنفًا تفعلوا فعل فارس والروم، يقومون على ملوكهم، وهم قعود، فلا تفعلوا؟ (¬2) ". 3775 - قال: جاءنا أبو بكرة في شهادة، فقام له رجل من مجلسه، فأبى أن يجلس فيه، وقال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن ذا، ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يمسح الرجل يده بثوب من لم يكسه. قلت: رواه أبو داود في الأدب (¬3) من حديث أبي عبد الله مولى لآل أبي بُرْدة عن سعيد بن أبي الحسن به، قال أبو بكر البزار: وهذا الحديث لا نعلم أحدًا سمى هذا الرجل يعني أبا عبد الله مولى قريش، قال: وإنما ذكرناه على ما فيه، لأنه لا يروى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه، هذا آخر كلامه. وقال فيه مولى قريش، وفي أبي دواد مولى لآل أبي بردة، ولا يصح أن يكون مولى قريش ومولى آل أبي بردة إلا أن يكون الولاء انجرَّ إليه، ولم أقف له على اسم، وذكر ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (5230) وإسناده ضعيف لاضطرابه وجهالة أبي العدبس ترجم له الحافظ في "التقريب" (8311) وقال: مجهول وكذلك فيه أبو رزوق عن أبي غالب قال الحافظ في التقريب (8419) لين لا يعرف اسمه. (¬2) انظر: مختصر المنذري (8/ 93 - 94). (¬3) أخرجه أبو داود (4827) وفي إسناده أبو عبد الله مولى آل بردة وهو مجهول كما قال: الحافظ في "التقريب".

الحافظ أبو محمَّد بن طاهر المقدسي هذا الحديث، وقال: رواه أبو داود عبد الله -مولى لآل أبي بردة- عن سعيد وهو غير معروف (¬1). 3776 - قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا جلس وجلسنا حوله، فقام، فأراد الرجوع، نزع نعله، أو بعض ما يكون عليه، فيعرف ذلك أصحابه فيثبتون. قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث أبي الدرداء (¬2) وفي سنده: تمام ابن نجيح قال ابن عدي وغيره: غير ثقة، قال ابن حبان: كان يروي أشياء موضوعة عن الثقات كأنه المتعمد لها، وانتقد عليها أحاديث هذا من جملتها. 3777 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما". قلت: رواه أبو داود في الأدب والترمذي في الاستئذان من حديث عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده وقال الترمذي: حسن. (¬3) 3778 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تجلس بين رجلين إلا بإذنهما". قلت: رواه أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وقد تقدم الكلام في هذا السند. (¬4) ¬

_ (¬1) هذا كله كلام المنذري في مختصر سنن أبي داود (7/ 183 - 184)، (¬2) أخرجه أبو داود (4854) وإسناده ضعيف، وتمام بن نجيح، قال الحافظ: ضعيف، التقريب (806). وانظر للتفصيل: تهذيب الكمال (4/ 324 - 326). (¬3) أخرجه أبو داود (8454)، والترمذي (2752)، وأحمد (2/ 213). وإسناده حسن للكلام المعروف في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. (¬4) أخرجه أبو داود (4844) وإسناده حسن كسابقه.

باب الجلوس والنوم والمشي

باب الجلوس والنوم والمشي من الصحاح 3779 - قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بفناء الكعبة محتبيًا بيديه. قلت: رواه البخاري في باب الاحتباء باليد من حديث عبد الله بن عمر بن الخطّاب. (¬1) والاحتباء: جلسة الأعراب وهو ضم الساقين إلى البطن بثوب يجمعهما به مع ظهره، وقد يكون الاحتباء باليدين عوض الثوب، والاسم الحبوة والحبوة بالكسر والضم ومنه الاحتباء. حيطان العرب أي ليس في البوادي حيطان، فإذا أرادوا أن يستندوا احتبوا، لأن الثوب يمنعهم من السقوط ويصير لهم كالجدار (¬2). 3780 - قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد مستلقيًا، واضعًا إحدى قدميه على الأخرى. قلت: رواه البخاري في الصلاة وفي اللباس وفي الاستئذان ومسلم في اللباس وأبو داود في الأدب والترمذي في الاستئذان والنسائيُّ في الصلاة كلهم من حديث عباد بن تميم (¬3) عن عمه زاد البخاري على مسلم عن سعيد بن المسيب أن عمر وعثمان كانا يفعلان ذلك انتهى، وسعيد بن المسيب لم يصح سماعه من عمر، وأدرك عثمان ولم يحفظ له عنه رواية، وعم عباد بن تميم هو عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري المازني (¬4). 3781 - قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يرفع الرجل إحدى رجليه على الأخرى، وهو مستلق على ظهره. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6272). (¬2) انظر: فتح الباري (11/ 66). (¬3) أخرجه البخاري في الصلاة (475)، وفي الاستئذان (6287)، وفي اللباس (5969)، ومسلم (2100)، والنسائي (2/ 50)، وأبو داود (4866)، والترمذي (2765). (¬4) انظر: فتح الباري (10/ 399).

قلت: رواه مسلم في اللباس وأبو داود في الأدب والترمذي في الاستئذان من حديث جابر بن عبد الله (¬1) ولم يخرجه البخاري من حديث جابر. ووجه الجمع بين هذا الحديث والذي قبله أن يحمل النهي على حالة تبدو فيها العورة، فإن لباسهم الإزار دون السراويل والغالب أن الإزار غير سابغ، والمستلقي إذا وضع إحدى رجليه على الأخرى مع ضيق الإزار لم يسلم من أن ينكشف شيء من عورته، وفعله - صلى الله عليه وسلم - كان على وجه لا يظهر منها شيء وهذا لا بأس به ولا كراهة فيه على هذه الصفة. وفيه جواز الاستلقاء في المسجد والنوم، ويحتمل: أنه - صلى الله عليه وسلم - فعل هذا لضرورة اقتضت جوازه، أو لبيان الجواز، وقد علم أن جلوسه - صلى الله عليه وسلم - في المجامع كان على خلاف ذلك من التربع والاحتباء ونحو ذلك (¬2). 3782 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يستلقين أحدكم ثم يضع إحدى رجليه على الأخرى". قلت: رواه مسلم أيضًا في اللباس من حديث جابر ولم يخرجه البخاري. (¬3) 3783 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بينما رجل يتبختر في بُردين، وقد أعجبته نفسه، خُسف به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة". قلت: رواه البخاري في بني إسرائيل ومسلم في اللباس والنسائيُّ فيه كلهم من حديث أبي هريرة. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2100)، وأبو داود (4865)، والترمذي (2767). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (14/ 110). (¬3) أخرجه مسلم (2099). (¬4) أخرجه البخاري (5789)، ومسلم (2088)، والنسائي في الكبرى (9679).

من الحسان

ويتجلجل: بجيمين أي يتحرك وينزل مضطربًا، قيل: يحتمل أن هذا الرجل من هذه الأمة فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سيقع هذا، وقيل: بل هو إخبار عمن قبل هذه الأمة، وهذا هو الصحيح، وهو ما فهمه البخاري ولهذا أدخله في ذكر بني إسرائيل (¬1). من الحسان 3784 - قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متكئًا على وسادة على يساره. قلت: رواه أبو داود في اللباس من حديث سماك بن حرب عن جابر ابن سمرة (¬2) قال: دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيته فرأيته متكئًا على وسادة -زاد ابن الجراح وهو عبد الله- على يساره، ورواه الترمذي في الاستئذان وقال: حسن غريب، قال: وروى غير واحد هذا الحديث عن إسرائيل عن سماك عن جابر بن سمرة قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متكئًا على وسادة ولم يذكر على يساره ثم ذكر كذلك وقال عقيبه: حديث صحيح (¬3). 3785 - قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا جلس في المجلس، احتبى بيديه. قلت: رواه أبو داود في الأدب والترمذي في الشمائل جميعًا عن سلمة بن شعيب عن عبد الله بن إبراهيم عن إسحاق بن محمد الأنصاري عن ربيح ابن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي سعيد به، وقال أبو داود: عبد الله بن إبراهيم شيخ منكر الحديث انتهى، وليس له عند أبي داود غيره. (¬4) ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (14/ 89). (¬2) أخرجه أبو داود (4143)، والترمذي (2770) وإسناده حسن. وأخرجه ابن حبَّان (4158)، وأحمد (5/ 102). (¬3) أخرجه برقم (2771). (¬4) أخرجه أبو داود (4846)، والترمذي (121) في الشمائل، وإسناده واه. ويصح الحديث لوروده عن جمع من الصحابة في مجالس عديدة، كما حققه الشيخ الألباني -رحمه الله- في الصحيحة (827).

وربيح بن عبد الرحمن (¬1): قال فيه الإمام أحمد: ليس بالمعروف، وهو بضم الراء المهملة وفتح الباء الوحدة وسكون الياءآخر الحروف وبعدها حاء مهملة والاحتباء قد تقدم تفسيره في أول الباب. 3786 - أنها [قيلة] رأت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد، وهو قاعد القُرفصاء، قالت: فلما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المتخشّع، أرعدت من الفَرَق. قلت: رواه الترمذي في الشمائل (¬2) عن عبد بن حميد عن عفان بن مسلم عن عبد الله بن حسان أن جدتيه صفية ودحيبة حدثتاه عن قيلة بنت مخرمة به. ودحيبة: بضم الدال وفتح الحاء المهملتين وسكون المثناة من تحت وبعدها باء بواحدة مفتوحه وتاء تأنيث (¬3). والقرفصاء: بضم القاف والفاء جلسة المحتبي بيديه لا الذي يحتبي بثوبه. قال في الصحاح (¬4): القرفصاء ضرب من القعود يمد ويقصر، فإذا قلت: قعدت القرفصاء فكأنك قلت: قعدت قعودًا مخصوصًا، وهو أن يجلس على إليتيه، ويلصق فخذيه ببطنه، ويحتبى بيديه بعضهما على ساقيه، كما يُحتبى بالثوب، تكون يداه مكان الثوب. قولها: المتخشع منصوب على أنه صفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا يجوز انتصابه على المفعول الثاني لرأيت لأن الرؤية هنا بمعنى الإبصار والمعنى أنها تصف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمهابة مع تواضعه وتخشعه في جلسته. ¬

_ (¬1) وقال الحافظ فيه: مقبول، التقريب (1891)، انظر أقوال العلماء في تهذيب الكمال (9/ 59 - 60). (¬2) أخرجه الترمذي في الشمائل (119). وقال الحافظ في الفتح (11/ 55): إسناده لا بأس به. (¬3) انظر: التقريب (8678)، وشرح السنة للبغوي (12/ 323). (¬4) انظر: الصحاح (3/ 1051).

والفَرَق: بالتحريك هو الخوف والفزع فهيبته - صلى الله عليه وسلم - ليست عن اكتساب، بل لما وقره الله في الصدور عند رؤيته. 3787 - قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى الفجر، تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناء. قلت: رواه أبو داود في الأدب والترمذي والنسائيُّ في الصلاة من حديث جابر بن سمرة، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح (¬1). قوله: حسناء: بفتح الحاء والسين المهملتين أي طلوعًا حسنًا يعني بينًا، فيكون نعتًا لمصدر محذوف أي طلوعًا حسنًا، ورواه بعضهم حينًا بكسر الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف أي زمنًا، كأنه يريد مدة جلوسه، ورواه بعضهم حسناء بفتح الحاء المهملة وسكون السين على وزن فعلاء ممدودة وإنما يظهر حسنها إذا أخذت في الارتفاع فحينئذ يتكامل ضوؤها ويحسن، فيكون حالًا من الشمس أي تطلع نقية بيضاء زايلة عنها الصفرة. وفي فعله هذا فوائد: أحدها: الجلوس للذكر فإنه وقت شريف، وقد جاءت أحاديث في الذكر ذلك الوقت، والثاني: أنه لما يعبد الإنسان لله عَزَّ وَجَلَّ قبل طلوع الشمس لازم مكان التعبد إلى أن تنتهي حركات الساجدين الشمس إذا طلعت. الثالث: مجيء سائل عن أمر دينه أو من يقص رؤياه أو نحو ذلك. 3788 - قال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا عرّس بليل، اضطجع على شقه الأيمن، وإذا عرّس قبيل الصبح، نصب ذراعه، ووضع رأسه على كفه. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4850)، والترمذي (585)، والنسائيُّ (3/ 80) وإسناده صحيح. انظر: الصحيحة (2954).

قلت: رواه مسلم في الصلاة والترمذي في الشمائل جميعًا (¬1) من حديث أبي قتادة ولم يذكره خلف وذكره الحميدي (¬2) والمزي ونسباه لمسلم، وقال أبو القاسم: لم أجده في كتاب مسلم. فعلى ما قاله الحميدي كان من حق الشيخ أن يذكره في الصحاح. والتعريس: قال الجوهري (¬3): نزول القوم في السفر من آخر الليل، يقعون فيه وقعة الاستراحة ثم يرتحلون. وأعرسوا: لغة قليلة، والموضع معرَّس ومُعْرس يعني تشديد الراء وتخفيفها مع ضم الميم فيهما وفتح العين في الأولى وسكونها في الثاني. 3789 - قال: كان فراش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نحوًا مما يوضع في قبره، وكان المسجد عند رأسه. قلت: رواه أبو داود في اللباس بمثل معناه من حديث أم سلمة وكذلك ابن ماجه في الصلاة. (¬4) 3790 - إن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلًا مضطجعًا على بطنه، فقال: إن هذه ضِجْعة لا يحبها الله. قلت: رواه الترمذي في الاستئذان من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة. (¬5) وضجعة: بكسر الضاد للهيئة كالجلسة. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (683)، والترمذي في الشمائل (261). وصححه الحاكم (1/ 445) وقال الذهبي: أخرجه مسلم أيضًا. (¬2) انظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (1/ 462). (¬3) الصحاح (3/ 948). (¬4) أخرجه أبو داود (5044) ولم أجده عند ابن ماجه ورجاله ثقات لكنه معلول وذلك لأنه من رواية أبي قلابة، عن بعض آل أم سلمة، فإن هذا البعض: إن كان من الصحابة، فلم يذكر سماعه منه، وهو معروف بالتدليس عنهم، وإن لم يكن منهم، فهو مرسل. وقد حسنه: السيوطي والمناوي كما في المعنى. قال ذلك الشيخ الألباني -رحمه الله- انظر: هداية الرواة (4/ 342). (¬5) أخرجه الترمذي (2768) وقال: حسن صحيح. وأخرجه أحمد (2/ 304) وفيه: محمد ابن عمرو بن علقمة الليثي وهو حسن الحديث.

3791 - قال: بينما أنا مضطجع في السحر على بطني، إذا رجل يحركني برجله، فقال: "إن هذه ضِجْعة يبغضها الله"، فنظرت فإذا هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قلت: رواه أبو داود وابن ماجه كلاهما في الأدب والنسائي في الوليمة (¬1) أما أبو داود فرواه عن محمد بن مثنى عن معاذ بن هشام عن أبيه عن يحيى بن كثير عن أبي سلمة عن يعيش بن طخفة بن قيس الغفاري قال: كان أبي من أصحاب الصفة فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: انطلقوا بنا إلى بيت عائشة رضي الله عنها فانطلقنا فقال: يا عائشة أطعمينا، فجاءت بجشيشة فأكلنا ثم قال: يا عائشة أطعمينا فجاء بحيسة مثل العطاء فأكلنا، ثم قال: يا عائشة اسقينا فجاءت بعس من لبن فشربنا، ثم قال: يا عائشة اسقينا فجاءت بقدح صغير فشربنا، ثمَّ قال: إن شئتم ثم وإن شئتم انطلقتم إلى المسجد قال: فبينما أنا مضطجع من السحر على بطني إذا رجل يحركني برجله ... الحديث. وليس في حديث أبي داود عن وفي حديث النسائي عن قيس قال: حدثني أبي وعند ابن ماجه عن قيس ابن طهفة عن أبيه مختصرًا وفيه اختلاف كثير قال ابن عبد البر: وقد اضطربوا فيه اضطرابًا شديدًا فقيل: طهفة بن قيس بالهاء، وقيل: طخفة بالخاء، وقيل: طغفة بالغين، وقيل: طقفة بالقاف والفاء، وقيل: قيس بن طخفه وقيل: يعيش بن طخفة، وقيل: عبد الله بن طخفة، وقيل: طهفة بن أبي ذر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وحديثهم كلهم واحد، قال: كنت نائمًا بالصّفة، فركضني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برجله وقال: "هذه نومة يبغضها الله عَزَّ وَجَلَّ، وكان من أهل الصفة، ومن أهل العلم من يقول: الصحبة لأبيه عبد الله، فإنَّه صاحب القصة انتهى كلامه (¬2). ¬

_ (¬1) أخرج أبو داود (5040)، وابن ماجه (3723)، والنسائي في الكبرى (6619). ورجاله ثقات، لكن في اسم تابعيه اختلاف وجهالة. انظر مختصر سنن أبي داود للمنذري (7/ 314). وقال الشيخ الألباني -رحمه الله- ولكنه قوي بما قبله، انظر: هداية الرواة (4/ 343). (¬2) انظر: الاستيعاب لابن عبد البر (2/ 774 رقم 1294)، وانظر للتفصيل: الإصابة لابن حجر (3/ 544 - 546) رقم (4300).

وذكر البخاري فيه اختلافًا كثيرًا وقال: طغفة خطأ، وذكر أنه روى عن يعيش بن طخفة عن قيس الغفاري، قال: كان أبي، ولا يصح قيس فيه، وذكر أنه روى عن أبي هريرة وقال: ولا يصح أبو هريرة، انتهى. والجشيشة: بفتح الجيم وبعدها شين معجمة مكسورة ثم ياء مثناة من تحت ثم شين معجمة مفتوحة وتاء تأنيث، هو: أن يُطحن البر أو غيره ثم يجعل في القدر، ويلقى عليه لحم أو تمر، ويقال لها أيضًا دشيشة بالدال المهملة (¬1). والحيس: بفتح الحاء المهملة وبالياء المثناة من تحت وبالسين المهملة، هو الطعام المتخذ من التمر والأقط والسمن، وقد يجعل عوض الأقط الدقيق، قال الراجز: التمر والسمن معًا، ثم الأقط ... الحيس، إلا أنه لم يختلط. والعس: القدح الكبير، والجمع: عِساس، وأعساس، يسع بقدر ثمانية أرطال، أو تسعة، وهو بضم العين وتشديد السين المهملتين. والضجعة: بكسر الضاد المعجمة وسكون الجيم وبالعين المهملة، مثل: الجلسة والركبة، يقال: فلان حسن الضجعة، فهي بالكسر من الاضطجاع، وهو من وضع الجنب بالأرض، وأما بالفتح فللمرة، ولا يأتي هنا هذه. (¬2) 3792 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من بات على ظهر بيت ليس عليه حِجَار، فقد برئت منه الذمّة". قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث عبد الرحمن بن يعلى بن سنان عن أبيه (¬3)، ولفظة أبي داود في النسخ المعتمدة: "ليس عليه حجار"، براء مهملة بعد الألف، والحجار: جمع حجر بكسر الحاء، والحجر ما يحجب به من حائط ونحو ذلك، ومنه حجر البيت العتيق، وأصل هذه المادة: المنع، ومنه حجر الحاكم أي ليس عليه سترة ¬

_ (¬1) انظر: النهاية لابن الأثير (1/ 273)، وانظر كذلك مختصر المنذري لسنن أبي داود (7/ 313). (¬2) انظر: مختصر سنن أبي داود للمنذري (7/ 313 - 314). (¬3) أخرجه أبو داود (5041). والحديث صحيح لغيره، كما في الصحيحة (828).

تمنعه من السقوط، وفي بعض نسخ أبي داود: "من بات على ظهر بيت ليس عليه حجاب" (¬1) بالباء، وهو الذي يحجب الإنسان من الوقوع، وفي معالم السنن للخطابي: "من نام على ظهر بيت ليس عليه حجى"، وهي رواية المصابيح في النسخ المسموعة بوزن "حمى". وقال الخطابي في تفسيره (¬2): أنه يروى بكسر الحاء المهملة وفتحها، ومعناه فيهما معنى الستر، انتهى، ويؤيد رواية الكسر تبويب مخرج الحديث وهو أبو داود، فإنه قال: "باب النوم على سطح غير محجور"، ويعضدها أيضًا حديث جابر الذي بعده. قوله: "فقد برئت منه الذمة" معناه -والله أعلم-: أن لكل واحد من الله عهد وذمة بالحفظ والكلأ، فإذا ألقى نفسه في الهلكة خذلته ذمة الله تعالى، وانقطع عليه عهده، ويجوز أن يكون معناه: فقد تصدى للهلاك وأزال العصمة عن نفسه وصار كالذي لا دية له، فلعله ينقلب في نومه فيسقط ويموت بهذا (¬3). 3793 - قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ينام الرجل على سطح ليس بمحجور. قلت: رواه الترمذي من حديث جابر (¬4). 3794 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل لأحد أن يفرّق بين اثنين إلا بإذنهما". قلت: رواه أبو داود في الأدب، والترمذي في الاستئذان من حديث عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده، وقال: حديث حسن (¬5)، فقد تقدم في الباب قبله. 3795 - قال: ملعون على لسان محمد - صلى الله عليه وسلم - من قعد وسط الحلقة. ¬

_ (¬1) انظر: مختصر المنذري لسنن أبي داود (7/ 316). (¬2) انظر: معالم السنن (4/ 132)، ومختصر المنذري (7/ 315). (¬3) انظر: النهاية لابن الأثير (1/ 342 و 348). (¬4) أخرجه الترمذي (2854). (¬5) أخرجه أبو داود (4854)، والترمذي (2752).

قلت: رواه أبو داود في الأدب والترمذي، وقال: حسن صحيح (¬1)، ولفظه: قال حذيفة: ملعون على لسان محمد، أو لعن الله على لسان محمد - صلى الله عليه وسلم - من قعد وسط الحلقة، ولفظ أبي داود: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعن من جلس وسط الحلقة، قيل: وهذا يناول فيمن يأتي حلقة قوم فيتخطى رقابهم ويقعد وسطها، ولا يقعد حيث ينتهي به المجلس، فلعن للأذى، وقد يكون من ذلك أنه إذا قعد وسط الحلقة حال بين الوجوه، وحجب بعضهم عن بعض، فيتضررون بمكانه وبمقعده هناك (¬2). و"وسط": قال ابن الأثير وغيره (¬3): هو بالسكون، يقال: لكل ما كان متفرق الأجزاء غير متصل، كالناس والدواب وغيرها، فإذا كان متصل الأجزاء كالدار والرأس فهو بالفتح، وقيل: كل ما يصلح فيه بيْن فهو بالسكون، وما لا يصلح فيه بَيْن فهو بالفتح، وقيل: كل منهما يقع موقع الآخر. 3796 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خير المجالس أوسعُها". قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمرة الأنصاري عن أبي سعيد، وسكت عليه (¬4). 3797 - قال: جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأصحابه جلوس، فقال: "ما لي أراكم عزين؟ ". قلت: رواه مسلم في الصلاة، وأبو داود في الأدب، والنسائي في التفسير، ثلاثتهم من حديث تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة، وفي رواية أبي داود: "كأنه يحب الجماعة". فكان من حق المصنف أن يذكره في الصحاح، وقد عزاه لمسلم جماعة من الحفاظ، منهم: الحميدي، وعبد الحق، والحافظ المنذري، وابن الأثير والمزي وهو ثابت ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4826)، والترمذي (2753)، وضعف إسناده في الضعيفة (638). (¬2) انظر: معالم السنن (4/ 106). (¬3) انظر: النهاية لابن الأثير (5/ 183). (¬4) أخرجه أبو داود (4820)، وسنده حسن كما في الصحيحة (832).

في مسلم (¬1)، والله أعلم. وعزين: بكسر العين المهملة وبالزاء المعجمة وبعدها ياء مثناة من تحت ثم نون، ومعناه: متفرقين مختلفين، لا يجمعكم مجلس واحد. 3798 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان أحدكم في الفيء، فقلص عنه، فصار بعضه في الشمس، فليقم، فإنه مجلس الشيطان". قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث محمد بن المنكدر قال: حدثني من سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .. الحديث، إلا قوله: "فإنه مجلس الشيطان". وراويه عن أبي هريرة مجهول، ورواه في شرح السنة بهذه الزيادة من حديث عبد الرزاق عن معمر عن ابن المنكدر عن أبي هريرة موقوفًا ثم قال: هكذا رواه معمر موقوفًا، ورواه سفيان عن محمَّد بن المنكدر قال: حدثني من سمع أبا هريرة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ... فذكره. يقال: قلص الشيء تقلص قلوصًا: ارتفع (¬2). 3799 - قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا مشى، تكفأ تكفُأً، كأنما ينحط من صبب. قلت: رواه الترمذي في المناقب، في حديث طويل من حديث علي، وقال: حديث ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (430)، وأبو داود (4823)، والنسائي في الكبرى (11622)، وأحمد (5/ 93)، انظر: مختصر المنذري (7/ 182)، والجمع بين الصحيحين للحميدي (1/ 339)، وجامع الأصول (6/ 540). (¬2) أخرجه أبو داود (4821)، وأخرجه معمر في كتابه الجامع المطبوع بآخر المصنف لعبد الرزاق (11/ 24)، والبغوي في شرح السنة (12/ 301)، وفي سماع ابن المنكدر من أبي هريرة نظر، فقد ذكره المزي في تهذيب الكمال ضمن ترجمة ابن المنكدر أن روايته عن أبي هريرة مرسلة، وذكره ابن أبي حاتم (ت 346) عن يحيى بن معين: أن محمد بن المنكدر لم يسمع من أبي هريرة، وعن أبي زرعة: أن محمد بن المنكدر لم يلق أبا هريرة.

حسن صحيح (¬1). وتكفأ: أي تمايل إلى قدام كما يتكفّأ السفينة في جريها، قال في النهاية (¬2): هكذا رُوي غير مهموز، والأصل الهمز، وبعضهم يرويه مهموزًا؛ لأنَّ مصدر تفعّل من الصحيح تفعُّلٌ، كتقدم تقدمًا، وتكفأ تكفؤًا، والهمزة حرف صحيح، فإذا اعتلَّ انكسرت عين المستقبل، ومنه تحفّى تحفِّيًا، وتسَمّى تسمِّيًا فإذا خفّفَت الهمزة، التحقت بالمُعْتل، وصار تكفِّيًا بالكسر. قوله: من صبب أي موضع منحدر. - ويروى: كان إذا مشى تقلّع. قلت: رواه الترمذي أيضًا في حديث طويل في الشمائل. (¬3) قوله: تقلّع أي كان قوي المشي، يرفع رجليه من الأرض رفعًا ثابتًا بقوة، لا كمن يمشي اختيالًا ويقارب خطاه تنعمًا قاله في النهاية (¬4). الانحدار: من الصَّبب، والتقلّع: من الأرض قريب بعضه من بعض. 3800 - قال: ما رأيت أحدًا أسرع في مشيه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كأنما الأرض تطوى له، إنا لنُجهد أنفسنا، وإنه لغير مكترث. قلت: رواه الترمذي في المناقب من حديث أبي هريرة قال: ما رأيت شيئًا أحسن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كأنّ الشمس تجري في وجهه، وما رأيت أحدًا أسرع في مشيته من ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3716). (¬2) انظر: النهاية لابن الأثير (4/ 183). (¬3) أخرجه الترمذي في الشمائل (116). (¬4) انظر: النهاية لابن الأثير (4/ 101).

رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (¬1). وذكره (¬2) وفي سنده ابن لهيعة وقد تقدم الكلام عليه. قوله لنجهد أنفسنا يجوز فيه فتح النون وضمها يقال: جهدتها وأجدتها إذا كلفتها فوق طاقتها. قوله: لغير مكترث أي مبال. 3801 - أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول وهو خارج من المسجد، فاختلط الرجال مع النساء في الطريق، فقال للنساء: "استأخِرن فإنه ليس لكُنّ أن تحقُقْن الطريق، عليكن بحافات الطريق"، فكانت المرأة تلصق بالجدار، حتى إن ثوبها ليعلق بالجدار. قلت: رواه أبو داود في آخر السنن من حديث حمزة بن أبي أسيد الأنصاري عن أبيه (¬3) به، وفي سنده: شداد بن أبي عمرو بن حماس تابعي لا يعرف. وأبو أسيد: هو بضم الهمزة وفتح السين المهملة وقيده بعضهم بفتح الهمزة وكسر السين والصواب الأول، واسمه: مالك بن ربيعة هذا هو المشهور وقيل هلال. وتحققْن: هو بالحاء المهملة ساكنة وبقافين، أي ليس لهن أن يركبن حقها أي وسطها. قوله - صلى الله عليه وسلم -: عليكن بحافات الطريق، هو بحاء مهملة وبعدها فاء وهي الناحية. 3802 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يمشي -يعني الرجل- بين المرأتين. قلت: رواه أبو داود في آخر سننه من حديث داود بن صالح عن نافع عن ابن عمر يرفعه (¬4) وداود هذا: منكر الحديث، قال أبو زرعة الرازي: لا أعرفه إلا في حديث ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3648)، وفي الشمائل (123)، والبغوي في شرح السنة (3649). (¬2) إلى هنا انتهى كلام المنذري في مختصر سنن أبي داود (7/ 313 - 315). (¬3) أخرجه أبو داود (5272) وإسناده ضعيف؛ لأن فيه شداد بن أبي عمرو بن حماس وهو مجهول انظر: التقريب (2772)، وراجع الصحيحة (856). (¬4) أخرجه أبو داود (5273). وإسناده ضعيف. وأخرجه الحاكم (4/ 280) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه وتعقبه الذهبي بقوله: داود بن صالح قال ابن حبان يروي الموضوعات، وانظر ترجمته في التاريخ الكبير (ت 792)، والجرح والتعديل (3/ 416)، والمجروحين لابن حبان (1/ 290)، وقال فيه الحافظ: منكر الحديث، التقريب (1801).

باب العطاس والتثاؤب

واحد، يرويه عن نافع عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو حديث منكر، وذكر البخاري هذا الحديث في تاريخه الكبير من رواية داود هذا وقال: لا يتابع عليه. وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات حتى كأنه يتعمد لها وذكر له هذا الحديث (¬1). 3803 - قال: كنا إذا أتينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، جلس أحدنا حيث ينتهي. قلت: رواه أبو داود في الأدب والترمذي في الاستئذان والنسائي في العلم من حديث جابر بن سمرة وقال الترمذي: حسن غريب انتهى كلامه (¬2) وفي سنده شريك بن عبد الله القاضي وفيه لين. باب العطاس والتثاؤب من الصحاح 3804 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله يحب العطاس، ويكره التثاؤب، فإذا عطس أحدكم وحمد الله، كان حقًّا على كل مسلم سمعه: أن يقول له: يرحمك الله، فأما التثاؤب، فإنما هو من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم، فليرده ما استطاع، فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان". ¬

_ (¬1) هذا كلام المنذري في مختصر السنن (8/ 118)، وقال الشيخ الألبانى -رحمه الله- إسناده موضوع، انظر: هداية الرواة (4/ 346)، والضعيفة (375). (¬2) أخرجه أبو داود (4825)، والترمذي (2725)، والنسائي في الكبرى (5868). وإسناده فيه شريك وهو ضعيف وترجم له الحافظ في "التقريب". (2802) وقال: صدوق يخطيء كثيرًا، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة. لكنه لم ينفرد به كما قال الترمذي: فقد رواه زهير عن سماك أهـ. وزهير هو ابن معاوية بن خديج وهو ثقة من رجال الشيخين. انظر: الصحيحة (330).

قلت: رواه البخاري في صحيحه في آخر كتاب الأدب بهذا اللفظ وأبو داود مختصرًا في الأدب والترمذي في الاستئذان والنسائي في اليوم والليلة كلهم من حديث أبي ذيب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة ولم يخرجه مسلم. (¬1) ومعنى: "يحب العطاس" أن العطاس سببه محمود وهو: خفة الجسم التي تكون لقلة الأخلاط وتخفيف الغذاء، وهو أمر مندوب إليه، لأنه يضعف الشهوة ويسهل الطاعة، والتثاؤب: ضد ذلك وإنما أضيف إلى الشيطان لأنه هو الذي يزين للنفس شهواتها (¬2). قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كان حقًّا على كل مسلم سمعه أن يقول: يرحمك الله" قال في شرح السنة (¬3): يريد أنه من فروض الكفايات وما قاله ليس بمذهب الشافعي بل مذهب مالك، وذهب الشافعي وأصحابه إلى أنَّه سنة وأدب كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام" وذهب أهل الظاهر إلى وجوبه واختلف العلماء في كيفية الحمد والرد فقيل: يقول: الحمد لله رب العالمين، وقيل: الحمد لله على كل حال وقيل: مخير بين هذا كله. قال النووي (¬4): وهذا هو الصحيح وأما لفظ التشميت، فقيل: يقول يرحمك الله، وهذا الحديث يشهد له، وقيل: يقول الحمد لله يرحمكم الله، وقيل: يقول يرحمنا الله وإياكم. - وفي رواية: "فإن أحدكم إذا قال: هاه، ضحك منه الشيطان". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6226)، وأبو داود (5028)، والترمذي (2747)، والنسائي في الكبرى (10043)، وفي عمل اليوم والليلة (215). (¬2) انظر هذا الكلام في الأذكار للنووي (337 - 338). (¬3) (12/ 307). (¬4) المنهاج (18/ 162 - 163).

قلت: رواها البخاري وأبو داود جميعًا في الأدب من حديث أبي هريرة (¬1) ومعنى: إذا قال: ها، يعني بالغ في التثاؤب، ضحك الشيطان فرحًا بذلك، وقيل: ما تثاءب نبي قط (¬2). 3805 - إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله، وليقل له أخوه، أو صاحبه: يرحمك الله، فإذا قال له: يرحمك الله، فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم". قلت: رواه البخاري وأبو داود جميعًا في الأدب والنسائيُّ في اليوم والليلة من حديث أبي هريرة. (¬3) ومعنى أصلح بالكم أي حالكم، قيل: وإنما أمر بالحمد لما حصل له من المنفعة بالعطاس وهو خروج ما احتقن من الأبخرة بدماغه، ويحتمل: أن يكون الحمد لما حصل له من سلامة الأعضاء وبقائها على صورتها لم يدخلها شين بسبب العطاس وهذا ضعيف، وعندي أن سبب الحمد: تسهيل خروج العطاس، فلولا سلامة البدن من كثير من الأمراض لما تيسر خروجه، وقد جربت ذلك، فكان إذا حصل لي ضعف بجنبي أو صدري أو بظهري فأتى العطاس فلا أستطيع أن أخرجه، ويحصل لي مشقة عظيمة، وإن خرج يخرج بمشقة شديدة وألم متزايد، وقد تقدم كيفية الحمد والتشميت. بقي الكلام في رد العاطس على المشمت فقيل: يقول: يهديكم، ويصلح بالكم وقيل: يقول يغفر الله لنا ولكم، وقال مالك والشافعي: يتخير بين هذين (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجها البخاري (6223)، وأبو داود (5028). (¬2) انظر: شرح السنة (12/ 307). (¬3) أخرجه البخاري (6224)، وأبو داود (5033)، والنسائي في الكبرى (10060)، وفي عمل اليوم والليلة (232). (¬4) انظر: المنهاج للنووي (18/ 163).

3806 - عطس رجلان عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، فشمّت أحدهما ولم يشمت الآخر! فقال الرجل: يا رسول الله شمت هذا،- ولم تشمتني؟ قال: "إن هذا حمد الله، ولم تحمد الله". قلت: رواه البخاري وأبو داود جميعًا في الأدب ومسلم في الزهد والترمذي في الاستئذان من حديث أنس بن مالك. (¬1) قوله: "شمت أحدهما" يروى بالشين المهملة والسين المعجمة وهما لغتان مشهورتان، المعجمة أفصح، قال ثعلب: معناه بالمعجمة: أبعد الله عنك الشماتة، وأما المهملة: فمن السمت وهو القصد والهدي (¬2). وفي الحديث بيان أن العاطس إذا لم يحمد الله لا يستحق التشميت. 3807 - قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا عطس أحدكم، فحمد الله، فشمتوه، وإن لم يحمد الله، فلا تشمّتوه". قلت: رواه مسلم في الزهد من حديث أبي موسى ولم يخرجه البخاري. (¬3) 3808 - أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- وعطس رجلٌ عنده فقال له: "يرحمك الله"، ثمَّ عطس أخرى، فقال: "الرجل مزكوم". قلت: رواه مسلم في الزهد وأبو داود وابن ماجه كلاهما في الأدب والترمذي في الاستئذان والنسائي في اليوم والليلة من حديث سلمة ابن الأكوع. (¬4) وفي رواية للترمذي قال له في الثالثة أنت مزكوم ولم يخرجه البخاري. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6225)، ومسلم (2991)، وأبو داود (5039)، والترمذي (2742). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (18/ 162). (¬3) أخرجه مسلم (2992). (¬4) أخرجه مسلم (2993)، وأبو داود (5037)، وابن ماجه (3714)، والترمذي (2743)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (223). (¬5) أخرجه الترمذي (2743).

وقد ذهب جماعة إلى أنه يشمت ثلاثًا لرواية الترمذي. - قوله في المصابيح. ويروى أنه قال في الثالثة: "إنه مزكوم". قلت: رواها الترمذي من حديث سلمة بن الأكوع، وليست في الصحيحين ولا في واحد منهما بل الذي في مسلم هو ما تقدم في الحديث، فكان من حق المصنف أن يؤخر هذه الرواية إلى الحسان. قال النووي (¬1): وقد اختلف العلماء فيمن تكرر عطاسه فقال بعضهم: يقال له: في الثانية إنك مزكوم وقيل يقال في الثالثة وقيل في الرابعة قال: والأصح أنه يقال: في الثالثة انتهى ومن قال بذلك استدل بهذه الرواية. وأما رواية مسلم المتقدمة فإنها وإن لم يكن فيها تكرار فيجوز أن يكون عرف منه أن عطاسه عن زكام، وأن التكرار إنما يشرع إذا لم يعلم حال العاطس، ويجوز أن يكون تكرر العطاس من ذلك الرجل وكان هذا القول بعد الثالثة، ولعل الراوي لم يحضر إلا الثالثة، أو لم يجعل باله إلا حينئذ توفيقًا بين الروايتين، وإنما قال له - صلى الله عليه وسلم -: إنه مزكوم، إشارة إلى أنه ليس ممن يشمت بعد هذا، لأن الذي به زكام ومرض لاحقه العطاس. قال النووي (¬2): ويستحب أن يدعى له بغير دعاء العطاس المشروع، بل دعاء المسلم للمسلم بالعافية والسلامة، ويجوز ذلك، ولا يكون من باب التشميت. 3809 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه، فإن الشيطان يدخل". قلت: رواه مسلم في الزهد وأبو داود في الأدب من حديث أبي سعيد. (¬3) ¬

_ (¬1) قاله في كتاب الأذكار (ص 343). (¬2) المصدر السابق. (¬3) أخرجه مسلم (2995)، وأبو داود (5026).

من الحسان

وفي الحديث دليل على أنه ليس له إذا تثاءب أن يضع يده على فيه، سواء كان التثاؤب في الصلاة أو خارجها، يستحب وضع اليد على الفم، وإنما يكره للمصلي وضع اليد على فمه في الصلاة إذا لم يكن حاجة، نبه عليه النووي وغيره (¬1). من الحسان 3810 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا عطس، غطّى وجهه بيده أو بثوبه، وغض بها صوته. قلت: رواه أبو داود في الأدب والترمذي في الاستئذان وقال: حسن صحيح، جميعًا من حديث أبي هريرة (¬2) واللفظ للترمذي، وقول الترمذي: صحيح، فيه نظر فإن في رجاله: محمد بن عجلان ذكره البخاري في الضعفاء، وهو إمام جليل قال الحاكم: أخرج له مسلم ثلاثة عشر حديثًا في الشواهد. 3811 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله على كل حال، وليقل الذي يرد عليه يرحمك الله، وليقل هو: يهديكم الله ويُصلح بالكم". قلت: رواه الترمذي في الاستئذان والنسائي في اليوم والليلة والمصنف في شرح السنة من حديث شعبة عن محمَّد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن أخيه عيسى بن عبد الرحمن عن ابن أبي ليلى عن أبي أيوب به، قال الترمذي: هكذا رواه شعبة عن ابن أبي ليلى ¬

_ (¬1) انظر: الأذكار للنووي (ص 346). (¬2) أخرجه أبو داود (5029)، والترمذي (2745) وأخرجه الحاكم (4/ 293)، وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وقال الحافظ: محمد بن عجلان المدني: صدوق إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة من الخامسة، التقريب (6176).

وقال: عن أبي أيوب (¬1) عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: وكان ابن أبي ليلى مضطربًا في هذا الحديث، يقول أحيانًا: عن أبي أيوب عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويقول أحيانًا: عن علي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- انتهى كلامه، ومدار هذا الحديث على ابن أبي ليلى والله أعلم. 3812 - قال: كان اليهود يتعاطسون عند النبي يرجون أن يقول لهم: يرحمكم الله، فيقول: "يهديكم الله ويصلح بالكم". قلت: رواه أبو داود في الأدب والترمذي في الاستئذان والنسائي في اليوم والليلة من حديث أبي موسى وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬2) 3813 - قال: كنا مع سالم بن عبيد، فعطس رجل فقال: السلام عليكم، فقال سالم: عليك وعلى أمك، فكأن الرجل وجد في نفسه، فقال: إني لم أقل إلا ما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم-، عطس رجل عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: السلام عليكم، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "عليك وعلى أمك! إذا عطس أحدكم، فليقل: الحمد لله رب العالمين، وليقل له من يرد عليه: يرحمك الله، وليقل: يغفر الله لي ولك". قلت: رواه أبو داود والترمذي والنسائيُّ من حديث منصور بن هلال بن يساف (¬3) واللفظ للترمذي وقال: هذا الحديث اختلفوا في روايته عن منصور وقد أدخلوا بين هلال وبين سالم رجلًا. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2741)، والنسائي في الكبرى (10041)، واليوم والليلة (213)، والبغوي في شرح السنة (3342)، وإسناده ضعيف: لسوء حفظ محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى وترجم له الحافظ في "التقريب" (6121) وقال: صدوق سيء الحفظ جدًّا. وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة وإسناده صحيح وبه يرتقي الحديث. (¬2) أخرجه أبو داود (5038)، والترمذي (2739)، والنسائيُّ في اليوم والليلة (232)، وفي الكبرى (10059)، والطيالسي في مسنده (1299). وإسناده جيد. (¬3) أخرجه أبو داود (5031)، والترمذي (2740)، والنسائي في اليوم والليلة (229). وإسناده ضعيف لإبهام رجلين فيه ولاضطرابه كما قال الترمذي. =

ويساف بكسر الياء المثناة من تحت وبعدها سين مهملة مفتوحة وبعد الألف فاء هكذا يقوله المحدثون. وقال أبو عبيد: ويقال أساف وقال غيره: وهو كلام العرب، وبعضهم بفتح الياء لأنه لم يأت في كلام العرب كلمه أولها ياء مكسورة، إلا قولهم يسار، وهذا الذي قاله، حكاه الفربري في اليد اليسار في آخر كتابه. وسئل الشيخ أبو محمَّد عبد الله بن موسى كلم ثمّ كلمة أولها ياء مكسورة؟ فقال رضي الله عنه: لفظتان: قولهم: يسار في اسم اليد، ويقاظ: جمع يقظان، فقيل له: قولهم في اسم الرجل "هلال بن [يساف] " فقال: يلحق بها؛ لأن الياء بدل من الهمزة في أساف، ولا يكون الياء إلا مكسورة، كما كانت الهمزة، وقال غيره في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "تبلغ المساكن إهاب أو يهاب" فتكون هذه الياء التي هى بدل من الهمزة مكسورة كالهمزة، ويصير جملة الألفاظ أربعة. وأما سالم بن عبيد فأشجعي له صحبة وكان من أصحاب الصفة رضي الله عنهم (¬1). 3814 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "شمّت العاطس ثلاثًا، فإن زاد، فإن شئت فشمته، وإن شئت فلا". (غريب). قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث حميدة أو عبيدة -على الشك- بنت عبيد بن رفاعة عن أبيها عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا مرسل، عبيد بن رفاعة ليست له صحبة وأما أبوه وجده فلهما صحبة. (¬2) ¬

_ = وقد اختلف في ذكر الواسطة بين هلال وسالم بن عبيد، وهلال بن يساف لم يدرك سالم ابن عبيد ولم يره وبينهما رجل مجهول. والصحيح في هذا الباب كما قال البخاري في تاريخه الأوسط (2/ 233): إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله، فإذا قال: الحمد لله، قال له أخوه: يرحمك الله، فإذا قيل له: يرحمك الله فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم وهو في صحيح البخاري (6224). (¬1) انظر: هذا الكلام في مختصر المنذري (7/ 306 - 307). (¬2) أخرجه أبو داود (5036)، والترمذي (2744) وقال: غريب، وإسناده مجهول. أهـ. =

وفي إسناده يزيد بن عبد الرحمن وهو أبو خالد المعروف بالدالاني وقد تقدم الاختلاف فيه ورواه الترمذي في الاستئذان من حديث عمر بن إسحق ابن أبي طلحه عن أمه عن أبيها وقال: هذا حديث غريب وإسناده مجهول. 3815 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "شمّت أخاك ثلاثًا، فما زاد، فهو زكام". قلت: رواه أبو داود من حديث سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة موقوفًا عليه (¬1) قال: وفي رواية: عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة، قال: لا أعلمه إلا أنه رفع الحديث إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال أبو داود: رواه أبو نعيم عن موسى بن قيس عن محمد بن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وموسى بن قيس هذا الذي رفعه كوفي، يقال له: عصفور الجنة، وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: لا بأس به، وقال أبو جعفر العقيلي: يحدث بأحاديث رديئة بواطيل، وذكر أيضًا أنه من الغلاة في الرفض (¬2)، وقد تقدم الكلام على من عطس مرارًا. ¬

_ = قلت: يعني بجهالة عمر بن إسحاق بن أبي طلحة كما قال الحافظ في "التقريب" (4898) وكذلك أمه حميدة مجهولة. وورد عند المزي في تحفة الأشراف (11/ 238) في قول الترمذي: حسن. ورواية أبي داود من طريق يحيى بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أمه، وأبو خالد الدالاني، صدوق يخطيء كثيرًا، التقريب (8132). (¬1) أخرجه أبو داود (5035) (5034) وإسناده حسن، وقد قواه ابن أبي حاتم في العلل (2/ 291) ورجع رفعه. (¬2) موسى بن قيس، قال الحافظ: صدوق رمي بالتشيّع، التقريب (7052)، وانظر للتفصيل: تهذيب الكمال (29/ 134 - 135).

باب الضحك

باب الضحك من الصحاح 3816 - " ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مستجمعًا ضاحكًا حتى أرى منه لهواته، إنما كان يتبسّم". قلت: رواه البخاري في التفسير وفي الأدب ومسلم في الاستسقاء وأبو داود في الأدب كلهم من حديث سليمان بن يسار عن عائشة. (¬1) واللهوات: جمع اللهاة، وهي اللحمة الحمراء المعلقة في أعلى الحنك قاله الأصمعي. والضحك جائز والأفضل الاقتصار على التبسم كما كان يفعل - صلى الله عليه وسلم -، قال العلماء: ويكره الإكثار من الضحك وهو في أهل العلم والمراتب أقبح. 3817 - قال: ما حجبني النبي -صلى الله عليه وسلم- منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم لي. قلت: رواه البخاري في الجهاد وفي الأدب وهو أيضًا ومسلم والترمذي والنسائي في المناقب وابن ماجه في السنة كلهم من حديث جرير بن عبد الله البجلي (¬2). 3818 - قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يقوم من مصلّاه الذي يصلي فيه الصبح، حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس، قام، وكانوا يتحدثون، فيأخذون في أمر الجاهلية، فيضحكون ويتبسم. قلت: رواه مسلم في الصلاة من حديث جابر بن سمرة. (¬3) قوله في المصابيح: ويروى: يتناشدون الشعر. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في التفسير (4828)، وفي الأدب (6092)، ومسلم (899)، وأبو داود (5098). (¬2) أخرجه البخاري في الجهاد (3020)، وفي الأدب (6089)، ومسلم (2475)، والترمذي (3821)، والنسائي في الكبرى (8302)، وابن ماجه (159). (¬3) أخرجه مسلم (2322).

من الحسان

قلت: هذه الرواية ليست في شيء من الصحيحين إنما هي في الترمذي فكان من حق المصنف أن يذكرها في الحسان. (¬1) من الحسان 3819 - قال: ما رأيت أحدًا أكثر تبسمًا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قلت: رواه الترمذي في المناقب من حديث عبد الله بن الحارث بن جَزْء، وفي سنده ابن لهيعة القاضي. (¬2) باب الأسامي من الصحاح 3820 - قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- في السوق، قال رجل: يا أبا القاسم! فالتفت إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إنما دعوت هذا! فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "سموا باسمي، ولا تكنّوا بكنيتي". قلت: رواه البخاري في البيوع ومسلم في الأسماء والكنى والترمذي في الاستئذان من حديث أنس بن مالك. (¬3) وهذا الحديث وغيره من الأحاديث الصحيحة في هذا المعنى دليل لما ذهب إليه الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه من أنه لا يجوز لأحد من خلق الله تعالى غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكنى بأبي القاسم سواء كان اسمه محمدًا أو غيره. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2850). (¬2) أخرجه الترمذي (3641) وقال: حسن غريب، وفي إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف. وقد أخرجه الترمذي أيضًا (3642) فرواه يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الله بن الحارث، وإسناده صحيح، انظر: هداية الرواة (4/ 353). (¬3) أخرجه البخاري (2120)، ومسلم (2131)، والترمذي (2841).

وفي المسألة مذاهب: أحدها: هذا الذي ذهب إليه الشافعي، ومن وافقه من العلماء وقد روى عن الشافعي هذا الأئمة الحفاظ المتقنون الأثبات منهم أبو بكر البيهقي والبغوي في تهذبيه في أول كتاب النكاح وأبو القاسم بن عساكر في تاريخ دمشق (¬1). والمذهب الثاني: مذهب مالك أنه يجوز التكني بأبي القاسم لمن اسمه محمد ولغيره ويجعل النهي خاصًّا بحياته - صلى الله عليه وسلم -. والمذهب الثالث: لا يجوز لمن اسمه أحمد ويجوز لغيره، قال أبو القاسم الرافعي ويشبه أن يكون هذا الثالث أصح لأن الناس لم يزالوا يكتنون به وجميع الأعصار من غير إنكار انتهى كلامه. وظاهر الأحاديث مع الشافعي رضي الله عنه ولكن قد يكني به جماعات من الأئمة الأعلام وأهل الحل والعقد الذين يقتدى بهم في الدين، وهذا فيه تقوية لمذهب مالك ويكونون قد فهموا من النهي الاختصاص بحياته - صلى الله عليه وسلم - (¬2). 3821 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي، فإني إنما جعلت قاسمًا أقسم بينكم". قلت: رواه البخاري في الأدب ومسلم في الأسماء جميعًا من حديث جابر ابن عبد الله ورواه أبو داود مختصرًا. (¬3) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإني إنما جعلت قاسمًا أقسم" قال القاضي عياض (¬4): هذا يشير إلى أن الكنية إنما تكون بسبب وصف صحيح في المكنى أو بسبب اسم ابنه، وأما غير أبي ¬

_ (¬1) انظر: دلائل النبوة للبيهقي (1/ 162 - 164)، وتاريخ دمشق (3/ 35 - 39)، والمنهاج للنووي (14/ 160)، وإكمال المعلم (7/ 7 - 10). (¬2) انظر: فتح الباري (10/ 571). (¬3) أخرجه البخاري (6187)، ومسلم (2133). (¬4) انظر: إكمال المعلم (7/ 9 - 10).

القاسم من الكنى فأجمع المسلمون على جوازه سواء كان له ابن أو بنت يكنى بها أو به أو لم يكن له ولد أو كان صغيرًا أو كني بغير ولده (¬1). 3822 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أحب أسمائكم إلى الله: عبد الله، وعبد الرحمن". قلت: رواه مسلم في الأسماء وأبو داود في الأدب والترمذي في الاستئذان كلهم من حديث ابن عمر. (¬2) وفي هذا الحديث تفضيل التسمية بهذين الاسمين وتفضيلهما على سائر ما سمي به، ولعل هذا محمول على من أراد أن يسمي نفسه بالعبودية، فتقديره: أحب أسمائكم إلى الله إذا تسميتم بالعبودية عبد الله وعبد الرحمن، لأنهم كانوا يسمون بعبد الدار وعبد شمس أو يكون محمولًا على غير اسم محمد، وإلا فمحمد وأحمد وجميع أسماء النبي -صلى الله عليه وسلم- أحب إلى الله من جميع الأسماء غيرها، فإن الله تعالى لم يختر لنبيه - صلى الله عليه وسلم - إلا ما هو أحب إليه، هذا هو الصواب، ولا يجوز حمله على الإطلاق. 3823 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسمين غلامك يسارًا، ولا رباحًا، ولا نجيحًا، ولا أفلح، فإنك تقول: أثم هو؟ فلا يكون، فيقال: لا". قلت: رواه مسلم في الأدب من حديث سمرة بن جندب (¬3) وأول الحديث قدمه المصنف في باب الدعاء، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا يضرك بأيهن بدأت، لا تسمين غلامك .. إلى آخره ولم يخرجه البخاري، ويلحق بهذه الأسماء ما في معناها. قال أصحابنا: تكره التسمية بهذه الأسماء المذكورة في الحديث وما في معناها، ولا تختص الكراهة بها وحدها، وهي كراهة تنزيه لا تحريم، والعلة في الكراهة ما بينه - صلى الله عليه وسلم -. - وفي رواية عنه: "لا تسمّ غلامك رباحًا، ولا يسارًا، ولا أفلح، ولا نافعًا". ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (14/ 162). (¬2) أخرجه مسلم (2132)، وأبو داود (4949)، والترمذي (2833). (¬3) أخرجه مسلم (1685).

قلت: رواها مسلم والترمذي كلاهما في الاستئذان وأبو داود في الأدب ثلاثتهم من حديث سمرة بن جندب (¬1). ووهم ابن الأثير (¬2) فعزاه لأبي داود والترمذي خاصة. 3824 - أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ينهى أن يسمّى بـ: يعلى، وببركة، وبأفلح، وبيسار، وبنافع، وبنحو ذلك، ثم رأيته سكت بعد عنها، ثم قبض ولم ينه عن ذلك. قلت: رواه مسلم في الأدب من حديث جابر بن عبد الله ولم يخرجه البخاري (¬3). قوله: أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ينهى عن هذه الأسماء، معناه: أنَّه أراد أن ينهى عنها نهي تحريم، وأما النهي الذي هو للتنزيه فقد نهى عنه، بدليل ما تقدم من الأحاديث. وقد روى أبو داود عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن عشت إن شاء الله أنهى أمتي أن يسمُّوا نافعًا وأفلح وبركة". (¬4) قال الأعمش: ولا أدري ذكر نافعًا أم لا؟ فإن الرجل يقول: إذا جاء بركة فيقولون: لا. قال أبو داود: روى أبو الزبير عن جابر نحوه ولم يذكر "بركة" (¬5). 3825 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أخنى الأسماء عند الله يوم القيامة رجل يسمى ملك الأملاك". قلت: رواه البخاري وأبو داود كلاهما في الأدب من حديث أبي هريرة يرفعه (¬6) وروى الشيخان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك" زاد في رواية: "لا مالك إلا الله" قال شقيق: مثل شاهان شاه. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2136)، وأبو داود (4958)، والترمذي (2836). (¬2) انظر: جامع الأصول (1/ 361) رقم (150). (¬3) أخرجه مسلم (2138). (¬4) أخرجه أبو داود (4960). (¬5) أخرجه أبو داود تحت حديث (4960). انظر: جامع الأصول (1/ 361). (¬6) أخرجه البخاري (6206)، ومسلم (2143)، وأبو داود (4961).

قال الإمام أحمد: سألت أبا عمرو عن "أخنع" قال: أوضع (¬1)، وكذلك أخنى أوضع وأذل وأرذل، والخنى: الفحش، ويكون بمعنى أهلك ومنه قولهم: أخنى عليها الدهر أي أهلكها، واختلف في معنى: "ملك الأملاك"، فقيل: ما قاله شقيق، وقيل: هو أن يسمى بأسماء الله الذي هو ملك الأملاك: كالجبار والقادر والقاهر ونحوها (¬2). 3826 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبث: رجل كان يسمى ملك الأملاك، لا ملك إلا الله". قلت: رواه مسلم في الأدب من حديث أبي هريرة يرفعه ولم يخرجه البخاري. (¬3) قال ابن الأثير (¬4): وهذا من مجاز الكلام ومعدوله عن ظاهره، فإن الغيظ صفة تغير في المخلوق عند احتداده، يتحرك لها، والله منزه عن ذلك، وإنما هو كناية عن عقوبته للمتسمِّى بهذا الاسم: أي أنه أشد أصحاب هذه الأسماء عقوبة عند الله تعالى. 3827 - زينب بنت أبي سلمة قالت: سُمّيت برة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزكوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البر منكم، سموها زينب". قلت: رواه مسلم في الأدب من حديث زينب بنت أبي سلمة ولم يخرجه البخاري. (¬5) 3828 - (¬6) أن بنتًا لعمر كانت يقال لها: عاصية، فسماها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جميلة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6205)، ومسلم (2143)، وانظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (3/ 132). (¬2) انظر: مختصر المنذري (7/ 258). (¬3) أخرجه مسلم (2142). (¬4) النهاية (3/ 402). (¬5) أخرجه مسلم (2142). (¬6) في المطبوع من المصابيح حديث قبل هذا وهو: عن ابن عباس أنه قال: كانت جويرية اسمها: برّة، فحوّل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اسمها جويرية، وكان يكره أن يقال: خرج من عند برّة. أخرجه مسلم (2140).

قلت: رواه مسلم في الأدب من حديث عمر بن الخطاب ولم يخرجه البخاري. (¬1) 3829 - قال: أتي بالمنذر بن أبي أسَيْد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- حين ولد، فوضعه على فخذه، فقال: "ما اسمه؟ " قال: فلان، قال: "لكن اسمه المنذر". قلت: رواه الشيخان في الأدب من حديث أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي يرفعه. (¬2) 3830 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقولن أحدكم: عبدي وأمتي! كلكم عبيد الله، وكل نسائكم إماء الله، ولكن ليقل: غلامي وجاريتي، وفتايَ وفتاتي، ولا يقل العبد: ربي، ولكن ليقل: سيدي". قلت: رواه مسلم في آخر الطب من حديث الأعمش عن أبي صالح أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬3) وأخرج الشيخان معنى حديث أبي هريرة من حديث أبي ذر. (¬4) وقيل: النهي عن ذلك لئلا يتخذ عادة، ولا يذكر اسم سواه، حتى يفشو ويستعمل استعمال مثله في الخالق تبارك وتعالى، والنهي نهي أدب لا تحريم. - ويروى: "ليقل سيدي ومولاي". قلت: رواها مسلم تلو الحديث قبله. قوله في المصابيح: ويروى: "ولا يقل العبد لسيده: مولاي! فإن الله مولاكم". قلت: رواه مسلم أيضًا في الأدب من حديث أبي هريرة (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2139). (¬2) أخرجه البخاري (6191)، ومسلم (2149). (¬3) أخرجه مسلم (2249). (¬4) أخرجه البخاري (2552)، ومسلم (2249). (¬5) أخرجهما مسلم بعد حديث (2249)، وانظر: المنهاج شرح صحيح مسلم (15/ 9 - 11).

3831 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقولوا: الكَرْم، فإن الكرم قلب المؤمن". قلت: رواه مسلم وفي رواية في الصحيحين في كتاب الأدب: "لا تقولوا الكرم إنما الكرم قلب المؤمن". (¬1) وفي رواية فيهما: "لا تسموا العنب الكرم، فإن الكرم المسلم" واللفظ لمسلم، وفي لفظ البخاري ومسلم: "يقولون الكرم إنما الكرم قلب المؤمن" كل هذه الروايات من حديث أبي هريرة. قال صاحب الغريبين (¬2): سمي الكرم كرمًا لأن الخمر المتخذة منه تحث على السخاء والكرم، فاشتقوا اسمًا للعنب من الكرم الذي يتولد من الخمر المتولد من العنب، فكره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يسموا أصل الخمر باسم مأخوذ من الكرم، وأسقط الخمر عن هذه الرتبة تحقيرًا لها وتأكيدًا لحرمتها، يقال: رجل كرم أي كريم، وصف بالمصدر. قوله - صلى الله عليه وسلم -: فإن الكرم قلب المؤمن، قال الزمخشري (¬3): أراد أن يقرر ويشدّد ما في قوله عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} بطريقة أنيقة، ومسلك لطيف، وليس المراد: حقيقة النهي عن تسمية العنب كَرْمًا، ولكن إشارة إلى أن المسلم التقي جدير بأن لا يشارك فيما سماه الله به. 3832 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقولوا: الكرم، ولكن قولوا: العنب، والحبلة". قلت: رواه مسلم في الأدب (¬4) من حديث وائل بن حجر يرفعه ولم يخرجه البخاري ولا أخرج عن وائل في كتابه شيئًا. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6183)، ومسلم (2247). (¬2) الغريبين للهروي (5/ 116 - 117). (¬3) الفائق للزمخشري (3/ 257). (¬4) أخرجه مسلم (2248).

والحبلة: بفتح الحاء والباء ويقال أيضًا بإسكان الباء. قال الجوهري (¬1): القضيب من الكرم. 3833 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسموا العنب الكرم، ولا تقولوا: خيبة الدهر، فإن الله هو الدهر". قلت: رواه البخاري في الأدب من حديث أبي هريرة يرفعه وروى مسلم في الأدب أيضًا مثل معناه من حديث أبي هريرة. (¬2) والخيبه: بالخاء المعجمة والياء المثناة من تحت والباء الوحدة، الحرمان والخسران. 3834 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يسب أحدكم الدهر، فإن الله هو الدهر". قلت: رواه مسلم في الأدب من حديث أبي هريرة ولم يخرج البخاري هذا اللفظ. (¬3) ومعنى هو الدهر: أي فاعل الحوادث والنوازل، وخالق الكائنات سبحانه وتعالى. 3835 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار". قلت: رواه البخاري في كتاب التوحيد بلفظه وفي التفسير ومسلم في الأدب وأبو داود وبه ختم كتابه والنسائي في التفسير كلهم من حديث أبي هريرة يرفعه ولم يقل مسلم: وبيده الأمر (¬4). ومعنى يؤذيني: يعاملني معاملة توجب الأذى في حقكم. ¬

_ (¬1) انظر: الصحاح للجوهري (4/ 1665). (¬2) أخرجه البخاري (6182)، ومسلم (2246). (¬3) أخرجه مسلم (2247). (¬4) أخرجه البخاري (4826)، ومسلم (2246)، وأبو داود (5274)، والنسائي في الكبرى (11486).

وأما قوله عَزَّ وَجَلَّ: "وأنا الدهر" فإنَّه برفع الراء كما قاله الشافعي وأبو عبيد وجماهير العلماء (¬1). وقال محمد بن داود الأصبهاني: الظاهر إنما هو بالنصب على الظرف أي أنا مدة الدهر أقلب ليله ونهاره. وحكى ابن عبد البر (¬2) هذه الرواية عن بعضهم، وقال النحاس: يجوز النصب أي فإن الله باق مقيم أبدًا لا يزول. قال القاضي (¬3): قال بعضهم: هو منصوب على التخصيص، قال: والظرف أصح وأصوب، وأما رواية الرفع فيشهد له قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث قبله فإن الله هو الدهر. قال العلماء: وهو مجاز وسببه أن العرب كان شأنها أن تسب الدهر عند النوازل والمصائب النازلة بها من موت أو هرم أو غير ذلك فيقولون يا خيبة الدهر ونحو هذا من ألفاظ سب الدهر، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر"، أي لا تسبوا فاعل النوازل، فإنكم إذا سببتم فاعلها، وقع السب على الله تعالى، لأنه هو فاعلها ومنزلها، وأما الدهر فمخلوق له، وذهب من لا تحقيق له إلى أن الدهر اسم من أسمائه تعالى ولا يصح ذلك (¬4). 3836 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يقولن أحدكم: خبثت نفسي، ولكن ليقل: لَقِسَت نفسي". ¬

_ (¬1) انظر: مناقب الشافعي (1/ 336)، وغريب الحديث لأبي عبيد (1/ 285)، وغريب الحديث للخطابي (1/ 490). (¬2) انظر: التمهيد (18/ 154). (¬3) انظر: إكمال المعلم (7/ 183 - 184). (¬4) انظر هذا الكلام في المنهاج للنووي (15/ 4 - 5).

من الحسان

قلت: رواه الشيخان في الأدب من حديث عائشة ترفعه. (¬1) قال العلماء: معنى خبثت نفسي: قست وهو بمعنى لقست ولكن كره لفظ الخبث. من الحسان 3837 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقولوا للمنافق سيد، فإنه إن يك سيدا فقد أسخطتم ربكم". قلت: رواه أبو داود في الأدب والنسائي في اليوم والليلة (¬2) كلهم من حديث بريدة، قال النووي: وإسناده صحيح، قال العلماء: إذا كان المسود فاسقًا أو متهمًا في دينه أو نحو ذلك، كره أن يقال له: سيد، وإن كان فاضلًا خيرًا، إما بعلم أو بصلاح أو بغير ذلك فلا بأس بإطلاق ذلك فيقال سيد ويا سيد. 3838 - إنه وفد إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع قومه، فسمعهم يكنُونَه بأبي الحكم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الله هو الحكم، وإليه الحُكْم؟ " فقال: كان قومي إذا اختلفوا في شيء، أتوني فحكمت بينهم، فرضي الفريقان، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما أحسن هذا، فما لك من الولد؟ " قال: شريح، ومسلم، وعبد الله، قال: "فمن أكبرهم؟ " قلت: شريح، قال: "فأنت أبو شريح". قلت: رواه أبو داود في الأدب والنسائي في القضاء والحاكم في المستدرك على الصحيحين في كتاب الإيمان، ولم يعترضه الذهبي، كلهم من حديث هانئ يرفعه. (¬3) وهانىء هو: ابن يزيد بن نهيك الضبابي المذحجي وهو والد شريح شهد المشاهد كلها، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6179)، ومسلم (2250). (¬2) أخرجه أبو داود (4977)، والنسائي في الكبرى (10073)، وفي عمل اليوم والليلة (244). وإسناده صحيح. انظر: الصحيحة (371). (¬3) أخرجه أبو داود (4955) والنسائي (8/ 226)، والحاكم (1/ 24). وكذا أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (811). وإسناده جيد، انظر: الإرواء (2615).

وابنه: شريح من جلة التابعين ومن كبار أصحاب علي رضي الله عنه ممن شهد معه مشاهده كلها (¬1). والحَكَم: هو الحاكم الذي إذا حكم لا يرد حكمه، وهذه الصفة لا تليق بغير الله تعالى. 3839 - قال: لقيت عمر، فقال: من أنت؟ قلت: مسروق بن الأجدع، قال عمر: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الأجدع شيطان". قلت: رواه أبو داود، وابن ماجه جميعًا في الأدب من حديث عمر يرفعه (¬2) وفي إسناده: مجالد بن سعيد، قال أحمد: ليس بشيء، قال ابن معين: لا يحتج به، وقال الدراقطني: ضعيف، ورواه الحاكم بنحوه، وزاد: أنت مسروق بن عبد الرحمن، وكان اسمه في الديوان: مسروق بن عبد الرحمن، ثم قال الحاكم: مجالد ليس من شرط كتابنا. 3840 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم، فأحسنوا أسماءكم". قلت: رواه أبو داود في الأدب وأحمد وابن حبان (¬3) من حديث عبد الله بن أبي زكريا عن أبي الدرراء، وعبد الله هذا: ثقة عابد، لكنه لم يسمع من أبي الدرداء فالحديث منقطع، وأبوه: أبو زكريا اسمه إياس. 3841 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يجمع بين اسمه وكنيته، ويسمى محمدًا أبا القاسم. ¬

_ (¬1) انظر لترجمة هانئ بن يزيد: الإصابة (6/ 523)، والاستيعاب (4/ 1535 - 1536)، ولترجمة شريح بن هانئ: تهذيب الكمال (12/ 452 - 454). (¬2) أخرجه أبو داود (4957)، وابن ماجه (3731). وإسناده ضعيف، فيه مجالد بن سعيد. وقال عنه الحافظ: ليس بالقوي، وقد تغير في آخر عمره، انظر: التقريب (6520). (¬3) أخرجه أبو داود (4948)، وابن حبان (5818)، وأحمد (5/ 194)، وإسناده ضعيف لانقطاعه كما ذكر المؤلف.

قلت: أخرجه الترمذي في الاستئذان وأبو حاتم كلاهما من حديث أبي هريرة. (¬1) وفيه دلالة على أن قوله - صلى الله عليه وسلم - لا تكتنوا بكنيتي في حق من تسمى باسمه، ويدل عليه الحديث الذي بعده، وهذا هو المذهب الثالث الذي قدمنا حكايته وأن الرافعي اختاره. 3842 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا سميتم باسمي، فلا تكتنوا بكنيتي". وفي رواية: "من تسمى باسمي، فلا يكتن بكنيتي، ومن اكتنى بكنيتي، فلا يسم باسمي". قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث أبي الزبير عن جابر يرفعه، رواه الترمذي في الاستئذان من حديث ابن عجلان عن أبيه عن جابر بن عبد الله يرفعه. وقال: حديث حسن صحيح. (¬2) وأخرجه البيهقي، وقال: هذا لم يخرجه مسلم في صحيحه مع كون أبي الزبير عن جابر من شرطه، ولعله لم يخرجه لمخالفته رواية أبي هريرة، يعني حديث الصحيحين عن أبي هريرة: "تسموا باسمي، ولا تكتنوا بكنيتي"، قال: وأحاديث النهي عن التكني بكنيته - صلى الله عليه وسلم - مطلقًا من الأحاديث الثابتة الصحيحة التي لا تعارض بأمثال هذه (¬3). 3843 - قالت امرأة: يا رسول الله إني ولدت غلامًا، فسميته محمدًا وكنيته أبا القاسم، فذكر لي أنك تكره ذلك؟ فقال: ما الذي أحلّ اسمي وحرم كنيتي وما الذي حرم كنيتي وأحل اسمي. قلت: رواه أبو داود في الأدب عن النفيلي عن محمد بن عمران الحجبي عن جدته صفية بنت شنه عن عائشة، قال الطبري: لا يروى عن عائشة إلا بهذا الإسناد، قال ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2841)، وابن حبان (5814). وإسناده حسن. انظر: الصحيحة (2946). (¬2) أخرجه أبو داود (4967)، والترمذي (2842)، وانظر: الصحيحة (2946). (¬3) أخرجه أحمد (3/ 369)، وابن حبان (5786)، والبيهقي (9/ 309)، وفي شعب الإيمان (8634).

الذهبي: محمَّد بن عمران الحجبي له حديث منكر، وما رأيت لهم فيه جرحًا ولا تعديلًا وذكر هذا الحديث (¬1)، فإن صح الحديث ففيه دليل على عموم الرخصة. 3844 - أنه قال يا رسول الله أرأيت إن ولد لي بعدك ولد، أسميه محمدا وأكنيه بكنيتك؟ قال: (نعم)، وكانت رخصة لي. قلت: رواه الترمذي في الاستئذان، وقال: صحيح، وأبو داود في الأدب كلاهما من حديث محمد بن الحنفية عن علي رضي الله عنه (¬2) إلا قوله: "وكانت رخصة لي"، فإنها ليست في أبي داود، وهذه الزيادة تمنع من تعميم الرخصة. 3845 - قال: كناني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا حمزة، ببقلة كنت أجتنيها. (صح). قلت: رواه الترمذي في المناقب من حديث أنس وقال: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث جابر الجعفي عن أبي نصر، وأبو نصر هو خيثمة البصري روى عن أنس أحاديث، انتهى. (¬3) وأبو نصر خيثمة، قال فيه ابن معين: ليس بشيء. 3846 - عن عائشة قالت: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يغير الاسم القبيح. وروي: أن رجلًا يقال له أصرم، قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما اسمك؟ " قال: أصرم، قال: "بل أنت زُرْعة". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4968)، وانظر قول الذهبي في الميزان (3/ 672). وقال الشيخ الألباني -رحمه الله -: فيه مجهول، والمتن منكر كما قال الذهبي والعسقلاني انظر هداية الرواة (4/ 362). وقال الحافظ عن محمد بن عمران الحجبي: مستور، التقريب (6239). ووقع في المخطوط: قال الطبري، والصحيح فيما يبدو: "قال الطبراني"، لأن الطبراني أخرجه في الأوسط (2/ 9 رقم 1057) والذي نقله المؤلف هو كلام الطبراني. وكذلك الذهبي في الميزان قال: قال الطبراني. (¬2) أخرجه أبو داود (4967)، والترمذي (2843) وقوّى إسناده الحافظ في الفتح (10/ 573). (¬3) أخرجه الترمذي (3830) وإسناده ضعيف. في إسناده جابر الجعفي قال الحافظ في التقريب (886): ضعيف رافضي. وفيه كذلك خيثمة البصري وهو لين الحديث، التقريب (1782).

قلت: رواه أبو داود والحاكم كلاهما في الأدب من حديث أسامة بن أخدري (¬1) وسكت عليه أبو داود وصححه الحاكم وأقره الذهبي. وأخدري: بفتح الهمزة وسكون الخاء المعجمة وبعدها دال مهملة مفتوحة ثم راء مهملة مكسورة ثم ياء النسب، والأخدري: الحمار الوحشي، ويشبه أن يكون سمي به، قال البغوي: وأسامة بن أخدري (¬2) سكن البصرة وروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حديثًا واحدًا. وإنما غير اسم أصرم لما فيه من الصرم، وهو القطع، تقول: صرمت الحبل صرمًا قطعته، والاسم الصرم، بالضم (¬3)، وسماه زرعة لأنه من الزرع وهو النبات ومنفعته عامة. 3847 - قال في المصابيح: وروي: أنه - صلى الله عليه وسلم - غير اسم العاص، وعزيز، وعَتَلة، وشيطان، والحكم، وغراب، وحُباب، وشهاب. قلت: تبع الشيخ أبا داود في هذا، فإن هذا لفظه في الأدب (¬4) وقال: تركت أسانيدها للاختصار انتهى كلام أبي داود، وتغييره - صلى الله عليه وسلم - اسم العاص: رويناه في المستدرك للحاكم من حديث عبد الله بن مطيع عن أبيه أنه كان اسمه العاص فسماه النبي -صلى الله عليه وسلم- مطيعًا، وصححه الحاكم وأقره الذهبي في تلخيص المستدرك. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4954) وصححه الحاكم (4/ 276) وإسناده جيد. (¬2) انظر لترجمة أسامة بن أخدري: الإصابة لابن حجر (1/ 84). (¬3) انظر: معالم السنن (4/ 118). (¬4) أخرجه أبو داود (4956). (¬5) انظر: الحاكم (4/ 274).

وأما تغييره اسم عزيز فرويناه أيضًا في مستدرك الحاكم وفي مسند الإمام أحمد وفي صحيح ابن حبان ثلاثتهم من حديث أبي إسحاق عن خيثمة أن جده سمى أباه عزيزا، فذكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فسماه عبد الرحمن وصححه الحاكم وأقره الذهبي. (¬1) وأما تغيير اسم عَتَلة: فرويناه في معجم الطبراني وغيره من حديث محمد ابن القاسم الطائي عن يحيى بن عتبة عن أبيه وله صحبة، قال: دعاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا غلام فقال: ما اسمك؟ فقلت: عتلة بن عبد فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أنت عتبة بن عبد في حديث مطول ذكره ابن عبد البر مقتصرًا على تغيير الاسم (¬2). وأما تغيير اسم شيطان: فرويناه في مسند الإمام أحمد (¬3) من حديث مسلم ابن عبد الله الأزدي قال: جاء عبد الله بن قرط الأزدي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ما اسمك؟ قال: شيطان بن قرط، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- أنت عبد الله بن قرط، وذكره ابن عبد البر وقال: كان اسمه في الجاهلية شيطانا فسماه النبي -صلى الله عليه وسلم- عبد الله. وأما تغيير اسم الحكم فقد تقدم في أول الحسان من رواية أبي داود والنسائي. وأما تغيير اسم غراب: فرواه الحاكم في الأدب، والطبراني في الكبير كلاهما من حديث ريطة بنت مسلم عن أبيها أنه شهد حنينًا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ما اسمك؟ فقال: غراب، قال: "اسمك مسلم" وصححه الحاكم وأقره الذهبي. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم (4/ 276)، وابن حبان (5828)، وأحمد (4/ 178). (¬2) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (17/ رقم 296 و 300)، وانظر: الاستيعاب (3/ 1031)، والإصابة لابن حجر (4/ 436 - 437). (¬3) أخرجه أحمد (4/ 350)، وإسناده حسن كما في الإصابة لابن حجر (4/ 209)، وانظر الاستيعاب لابن عبد البر (3/ 978). (¬4) أخرجه الحاكم (4/ 275)، والطبراني في الكبير (19/ 1050)، والبزار في مسنده (1995)، وقال الهيثمي: في المجمع (8/ 52) ريطة لم يوثقها أحد ولم يضعفها.

وأما تغيير اسم الحباب: فرويناه في الحسان وأما تغيير اسم شهاب: فرويناه في مسند الإمام أحمد وفي صحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم من حديث هشام بن عامر قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ما اسمك؟ قلت: شهاب قال: بل أنت هشام وصححه الحاكم وأقره الذهبي. (¬1) ورويناه أيضًا في معجم الطبراني الكبير. قال أبو سليمان الخطابي (¬2): أما العاص: فإنما غيره كراهة لمعنى العصيان، وإنما سمة المؤمن الطاعة والاستسلام، وأما العزيز: فإنما غيره لأن العزة لله تعالى، وشعار العبد الذلة والاستكانة، وأما عتلة: فمعناه الشدة والغلظ، ومنه قولهم: رجل عتل، أي شديد غليظ، ومن صفة المؤمن اللين والسهولة، وأما شيطان: فاشتقاقه من الشطن، وهو البعد من الخير، وهو اسم المارد الخبيث من الجن والإنس، وأما الحكم: فهو الحاكم الذي إذا حكم لا يرد حكمه، وهذه الصفة لا تليق بغير الله تعالى ومن أسمائه الحكم، وأما غراب: فمأخوذ من الغرب، وهو البعد ثم هو حيوان خبيث الفعل، خبيث الطعم، أباح النبي -صلى الله عليه وسلم- قتله في الحل والحرم، وأما حباب: فنوع من الحيات، وروي أن الحباب اسم الشيطان، وأما الشهاب: فالشعلة من النار والنار عقوبة الله. 3848 - قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في "زعموا": "بئس مطية الرجل". قلت: رواه أبو داود في الأدب (¬3) عن أبي بكر عن وكيع عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي بكير عن أبي قلابة، قال أبو مسعود لأبي عبد الله أو قال: أبو عبد الله لأبي مسعود: ما سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في "زعموا"؟ قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم (4/ 277)، وابن حبان (5823) وإسناده حسن، والطبراني في الكبير (22/ رقم 442)، وقال الهيثمي في المجمع (8/ 51): وفيه علي بن زيد وهو حسن الحديث، وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح. (¬2) معالم السنن (4/ 118)، وانظر كذلك شرح السنة للبغوي (12/ 343 - 344). (¬3) أخرجه أبو داود (4972). وإسناده صحيح. وكذا أخرجه أحمد (4/ 119)، والبخاري في الأدب المفرد (763). انظر: الصحيحة (866).

"بئس مطية الرجل" قال أبو داود: أبو عبد الله حذيفة، وأبو قلابه عبد الله بن زيد، الجرمي البصري، قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر في الأطراف: لم يسمع منهما يعني حذيفة وأبا مسعود رضي الله عنهم (¬1)، واسم أبي مسعود عقبة بن عمر فالحديث منقطع، وإنما ذم النبي -صلى الله عليه وسلم- لفظ زعموا لأنها تستعمل غالبًا في حديث لا سند له ولا ثبت فيه، وإنما هو شيء يحكى، فشبه النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يقدمه الرجل أمام كلامه ليتوصل به إلى حاجته من قولهم زعموا بالمطية التي يتوصل بها الرجل إلى مقصده الذي يأتيه فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتثبت فيما يحكيه والاحتياط فيما يرويه قال - صلى الله عليه وسلم -: "كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع (¬2) ". 3849 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، وقولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان". قلت: رواه أبو داود في الأدب والنسائي في اليوم والليلة من حديث حذيفة ابن اليمان (¬3) وذلك أن الواو لما كان حرف الجمع والتشريك منع من عطف إحدى المشيئتين على الأخرى بحرف الواو، فأمر بتقديم مشيئة الله تعالى، وتأخير مشيئة ممن سواه بحرف "ثم" الذي هو للتراخي، وجاء عن إبراهيم النخعي أنه كان يكره أن يقول الرجل: أعوذ بالله وبك، ويجوز أن يقول أعوذ بالله ثم بك (¬4)، قال الخطابي وغيره (¬5): يقول: لولا الله ثم فلان لفعلت كذا ولا يقول: لولا الله وفلان. ¬

_ (¬1) قاله المنذري في مختصر سنن أبي داود (7/ 266 - 267). (¬2) أخرجه مسلم (1/ 9) في المقدمة، وانظر: شرح السنة للبغوي (12/ 362). (¬3) أخرجه أبو داود (4980)، والنسائي في الكبرى (10821)، وفي عمل اليوم والليلة (985). وإسناده صحيح. انظر: الصحيحة (137). (¬4) انظر: شرح السنة (12/ 360 - 361). (¬5) انظر: معالم السنن (4/ 122).

باب البيان والشعر

3850 - ويروى: "لا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، وقولوا ما شاء الله وحده". (منقطع). قلت: قال البغوي في شرح السنة: روي هذا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإسناد منقطع. (¬1) باب البيان والشعر من الصحاح 3851 - قال: قدم رجلان من المشرق، فخطبا، فعجب الناس لبيانهما، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن من البيان لسحرًا". قلت: رواه البخاري في النكاح وفي الطب وأبو داود في الأدب والترمذي في البر من حديث ابن عمر والرجلان: الزبرقان بن بدر، وعمرو بن الأهتم ولهما صحبة. (¬2) والأهتم بفتح التاء ثالثة الحروف وكان قدومهما على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سنة تسع من الهجرة. والبيان: إظهار المقصود بأبلغ لفظ من الفهم وذكاء القلب مع اللسان. واختلف العلماء في مراد النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا الحديث فقيل: أورده مورد الذم لتشبيهه بعمل السحر في قلب الأعيان، وتزيينه القبيح، وتقبيحه الحسن، وإليه أشار الإمام مالك رضي الله عنه فإنه ذكر هذا الحديث في الموطأ في باب ما يكره من الكلام (¬3)، وقيل: هو مدح أي أنه تمال به القلوب ويترضا به الساخط، ويستنزل به الكذب ويشهد له "إن من ¬

_ (¬1) أخرجه البغوي في شرح السنة (12/ 361). وقال الشيخ الألباني -رحمه الله- وقد وصله أحمد من حديث الطفيل انظر: الصحيحة (138). (¬2) أخرجه البخاري في الطب (5767)، وأبو داود (5007)، والترمذي (2028). (¬3) انظر: موطأ مالك (2/ 986).

الشعر حكمة"، وهذا لا ريب فيه أنه مدح، فكذلك مصراعه الذي بإزائه فقد روى ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: إن من البيان سحرًا وإن من الشعر حكمة (¬1). 3852 - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن من الشعر لحكمة". قلت: رواه البخاري وأبو داود وابن ماجه كلهم في الأدب من حديث أبي بن كعب. (¬2) 3853 - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هلك المتنطعون"، قالها ثلاثًا. قلت: رواه مسلم في القدر وأبو داود في السنة من حديث ابن مسعود. (¬3) قال العلماء: ويعني كلمة المتنطعين أي المبالغين في الأمور المتعمقين في الكلام ويكون الذين يتكلمون بأقصى حلوقهم. 3854 - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أصدق كلمة قالها الشاعر، كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل". قلت: رواه البخاري في أيام الجاهلية وفي الأدب وفي الرقاق ومسلم في الشعر والترمذي في الاستئذان وفي الشمائل وابن ماجه في الأدب من حديث أبي هريرة. (¬4) 3855 - قال: ردفت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومًا فقال: "هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيئًا؟ " قلت: نعم، قال: "هيه"، فأنشدته بيتًا فقال: "هيه"، ثمَّ أنشدته بيتًا فقال: "هيه"، حتى أنشدته مائة بيت. قلت: رواه مسلم في الشعر من حديث عمرو بن الشريد عن أبيه، وفي طريق أخرى قال: يعني النبي -صلى الله عليه وسلم- إن كاد ليسلم، ولم يخرج البخاري هذا الحديث. (¬5) ¬

_ (¬1) انظر: معالم السنن للخطابي (4/ 127). (¬2) أخرجه البخاري (6145)، وأبو داود (5010)، وابن ماجه (3755). (¬3) أخرجه مسلم (2670)، وأبو داود (4608). (¬4) أخرجه البخاري (6147)، ومسلم (2256)، وابن ماجه (3757)، والترمذي (2849). (¬5) أخرجه مسلم (2255). وهو: الشريد بن سويد الثقفي الصحابي - رضي الله عنه -.

والشريد: بشين معجمة مفتوحة ثم راء مخففة مكسورة. قوله: "هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت" قال النووي (¬1): هكذا وقع في جميع النسخ "شيئًا" بالنصب، وفي بعضها: بالرفع، وعلى رواية النصب فيقدر محذوف أي هل معك فتنشدني شيئًا انتهى. ولو قدره الشيخ: هل تجد معك شيئًا لكان أحسن. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "هيه" بكسر الهاء وإسكان الياء وكسر الهاء الثانية والهاء الأولى بدل من الهمزة وأصله من ايه، وهي كلمة للاستزادة من الحديث، قالوا: وهي مبنية على الكسر. قال في شرح السنة (¬2): ويروى: "إيه" أي: زِدْ، ويروى: أنه قيل لعبد الله بن الزبير: يا ابن ذات النطاقين، فقال: إيه، أي: زدني من هذه النقيبة. وابن أبي الصلت يقفي من شعر الجاهلية، أدرك منادي الإسلام ولم يسلم، وفي بعض طرق الحديث: "أسلم شعره، وكفر قلبه"، وإنما استنشد الشريد لأنه يقفي مثله (¬3). 3856 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في بعض المشاهد، وقد دميت إصبعه، فقال: "هل أنت إلا إصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت". قلت: رواه البخاري في الجهاد ومسلم في المغازي والترمذي في التفسير والنسائي في اليوم والليلة كلهم من حديث جندب بن عبد الله. (¬4) وقد ذهب جمع من العلماء إلى أنه - صلى الله عليه وسلم - كان لم يعلم الشعر وهو الأصح، حتى قيل لم ينشد بيتًا تامًّا قط، ألا ترى أنه حين ذكر بيت طرفة. قال: ويأتيك من لم تزود بالأخبار. ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (15/ 18 - 19). (¬2) شرح السنة (12/ 371). (¬3) انظر ترجمة أمية بن أبي الصلت في الإصابة (1/ 249 - 252). (¬4) أخرجه البخاري (2802)، ومسلم (1796)، والترمذي (3345)، والنسائي في الكبرى (10393).

وذهب قوم إلى أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يحسن الشعر ولكن لا يقوله: وتأولوا قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} وأنه رد على المشركين في قولهم (بل هو شاعر) ومن ذكر بيتًا واحدًا لا يلزمه هذا الاسم. واختلفوا في الرجز هل هو شعر أم لا؟ فقال: قوم إنه ليس بشعر، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يرتجز، ولو كان شعرًا لكان ممنوعًا عنه، وذهب قوم إلى أنه شعر، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر هذه الكلمات على طريق النظم، بل قال: "هل أنت إلا أصبع دميت". من غير مد "دميت" وقال: "أنا النبي لا كذب" بفتح الباء، "أنا ابن عبد المطلب" بالخفض أو لم يكن عن نيّة ورويّة وإن استوى على وزن الشعر، ومثله موجود في نثر الفصحاء وأما التمثيل ببيت من شعر فكان مباحًا له - صلى الله عليه وسلم -. (¬1) 3857 - قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: يوم قريظة لحسان بن ثابت: "اهج المشركين، فإن جبريل معك". قلت: رواه الشيخان. (¬2) 3858 - كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول لحسان: "أجب عني، اللهم أيده بروح القدس". قلت: رواه الشيخان من حديث أبي هريرة: أن عمر مر بحسان، وهو ينشد الشعر في المسجد، فلحظ إليه، فقال: قد كنت أنشد وفيه من هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة وقال: أنشدك الله أسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أجب عني، اللهم أيده بروح القدس؟ " قال: اللهم نعم، البخاري: في بدء الخلق وفي الأدب وفي الصلاة ومسلم في الفضائل وأبو داود في الأدب والنسائي في الصلاة وفي اليوم والليلة كلهم من حديث أبي هريرة (¬3). ¬

_ (¬1) انظر هذا الكلام في شرح السنة للبغوي (12/ 372 - 373). (¬2) أخرجه البخاري (4124)، ومسلم (2486). (¬3) أخرجه البخاري (6152)، و (453)، ومسلم (2485)، وأبو داود (3212)، والنسائي في الكبرى (795)، وفي عمل اليوم والليلة (171).

وروح القدس قيل: هو جبريل عليه السلام وسمي بالروح لأنه يأتي بما فيه حياة القلب وأضيف إلى القدس لأنه مجبول على الطهارة. 3859 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اهجوا قريشًا، فإنه أشد عليهم من رشق النبل". قلت: رواه مسلم في فضائل حسان من حديث عائشة. (¬1) 3860 - قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول لحسان: "إن روح القدس لا يزال يؤيدك، ما نافحت عن الله ورسوله"، وقالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "هجاهم حسان فشفاء وأشفا". قلت: هذا الحديث رواه مسلم في الفضائل (¬2) هو والحديث الذي قبله في حديث واحد، أحببت ذكره كله لاشتماله على فوائد، وروي عن عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أهجو قريشًا، فإنه أشد عليها من رشق النبل" فأرسل إلى ابن رواحة، فقال: "اهجهم". فهجاهم، فلم يُرض، فأرسل إلى كعب بن مالك، ثم أرسل إلى حسان بن ثابت، فلما دخل عليه، قال حسان: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذَنَبه ثمَّ أَدلع لسانه فجعل يحرّكه، فقال: والذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني فري الأديم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تعجل، فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها، وإن لي فيهم نسبًا، حتى يخلص لك نسبي"، فأتاه حسان، ثم رجع، فقال: يا رسول الله لخص لي نسبك، والذي بعثك بالحق لأسلّنك منهم كما تُسل الشعرة من العجين، قالت عائشة: فسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول لحسّان بن ثابت: "إن روح القدس لا يزال يؤيدك، ما نافحت عن الله ورسوله"، وقالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "هجاهم حسان فشفى وأشفى". هجوت محمدًا فأجبتُ عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء هجوت محمدًا برًّا حنيفا ... رسول الله شيمته الوفاء ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2490). (¬2) أخرجه مسلم (2490).

فإن أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمدٍ منكم وقاء ثَكِلْتُ بنَيتي إن لم تروها ... تثير النقع غايتها كداء يُبارين الأعِنّة مُصْعدات ... على أكتافها الأسَل الظماء تظل جيادها متمطرات ... تلطمهن بالخُمُر النساء فإن أعرضتموا عنّا اعتمرنا ... وكان الفتح وانكشف الغطاء وإلا فاصبروا لضراب يوم ... يعز الله فيه من يشاء وقال الله: قد أرسلت عبدًا ... يقول الحق ليس به خَفاء وقال الله: قد يسرت جندًا ... هم الأنصار عرضتها اللقاء لنا في كل يوم من معد ... سِباب أو قتال أو هِجاء فمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء وجبريل رسول الله فينا ... وروح القدس ليس له كِفاء (¬1) المنافحة: المخاصمة، وروح القدس: جبريل عليه السلام، والتأييد: التقوية، ورشق النبل: رمي النبل بالفتح المصدر، يقول: رشقت رشقًا وبالكثير لوجهه من الرمي إذا رموا بأجمعهم قالوا: رمينا رِشقًا. وأدلع لسانه: أي أخرجه، ودلع لسانه، يتعدى ولا يتعدى. ولأفرينهم: أي لأقطعنهم على جهة الإفساد، يقول: أفريت الشيء إذا قطعته على وجه الإفساد، وفريته: إذا قطعته على وجه الإصلاح. وفري الأديم قطع الجزّار إياه. والبر: بفتح الباء الواسع الخير والنفع، والمراد هنا الأول، ومصعدات أي: مقبلات إليكم، والخمر: بضم الخاء المعجمة ويروى بالخمر بفتح الميم جمع خمرة والأول أشهر وأبلغ، وعرضتها بضم العين أي مقصودها ومطلوبها، وأكتافها: بالتاء المثناة فوق. والحنيف: المائل عن الأديان إلى الإسلام. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2490).

وشيمته أي خلقه، وقد احتج ابن قتيبة بقول حسان فإن أبي ووالده ... البيت، لمذهبه أن عرض الإنسان هو نفسه لا أسلافه، لأنه ذكر عرضه وأسلافه بالعطف، وقال غيره: عرض الإنسان هو أموره كلها، التي يحمد بها ويذم من نفسه وأسلافه، وكل ما لحقه نقص بسببه. والنقع: الغبار، وإثارته نشره، وإظهاره في الحق. وكداء: الممدود بفتح الكاف، وهو بأعلى مكة عند المقبرة، وتسمى الناحية: المعلا. وهنالك المحصّب وليس بمحصب مني، وكدى بالقصر والضم مصروفا وهو بأسفل مكة، وهو شعب الشافعين عند قعيقعان. والأسل: الرماح، وهو في الأصل: نبات له أغصان دقاق طوال. والظماء: جمع ظامىء، وهو العطشان، جعل الرماح عطاشًا، إلى ورود الدماء استعارة، فهي إلى ذلك أسرع كمسارعة العطشان إلى ورود الماء. ومتمطّرات: مسرعات يقال: مطر الفرس يمطر مطرًا إذا أسرع، وتمطّر تمطّرًا: مثله (¬1). واللطيمة: الحمال الذي يحمل العطر، والزفير المبرة، ولطائم المسك أو عينه، ومعنى يلطمهن بالخمر النساء أي ينفضن ما عليها من العبار فاستعار له اللطم (¬2). 3861 - قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ينقل التراب يوم الخندق، حتى اغبّر بطنه، ويقول: "والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا إن الألى قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا" يرفع بها صوته: "أبينا، أبينا". ¬

_ (¬1) نقله المؤلف من جامع الأصول لابن الأثير (5/ 177 - 179). (¬2) انظر: إكمال المعلم (7/ 528 - 532)، والمنهاج للنووي (16/ 73 - 75).

قلت: رواه البخاري في القدر وفي غيره ورواه مسلم مع بعض تغيير في ألفاظه في المغازي. (¬1) 3862 - قال: جعل المهاجرون والأنصار، يحفرون الخندق، وينقلون التراب، وهم يقولون: نحن الذين بايعوا محمدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يجيبهم: "اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة". قلت: رواه الشيخان البخاري في الجهاد وفي المغازي وفي غيرهما ومسلم في المغازي والنسائي في السير من حديث أنس. (¬2) 3863 - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لأن يمتلئ جوف رجل قيحًا يريه: خير من أن يمتلىء شعرًا". قلت: رواه البخاري في الأدب ومسلم في أواخر الطب في باب الشعر وأبو داود والترمذي وابن ماجه في الأدب من حديث أبي هريرة. (¬3) ولم يذكر أبو داود: يريه، والقيح: الصديد الذي يسيل من الدمل والجرح. ومعنى: يريه قال الجوهري: ورى القيح جوفه يَريه وَرْيًا: أكله. قال ابن الأثير (¬4): وقال فيه قوم: إن معنى يريه أي حتى يصيب رئته وأنكره آخرون، وقالوا: لأنَّ الرئة مهموزة وإذا بَنَيْت فعلًا في معنى أصابته الرئه تقول رآه، يرآه مهموز فيكون القياس يرآه، ولفظ الحديث: إنما هو يريه، قال: ورأيت ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6620)، ومسلم (1803). (¬2) أخرجه البخاري (6155)، ومسلم (2257)، والنسائي في الكبرى (8316). (¬3) أخرجه البخاري (6155)، ومسلم (2257)، وأبو داود (5009)، والترمذي (2851)، وابن ماجه (3759). (¬4) انظر: جامع الأصول (5/ 165 - 166)، والنهاية (5/ 178 - 179).

من الحسان

الأزهري قد ذكر أن الرئة أصلها من وَرَى قال: ويقال: وَرَيْت الرجل فهو مَوْرِيّ، إذا أصبت رئته، وقال ابن السكيت: رايته فهو مريء، قال: فعلى ما ذكر الأزهري يصح قول من ذهب إلى أن معنى الحديث: يصيب رئته، وعلى أن يتكلف على القول الآخر بنقل الحركة وإسكان المتحرك، من يرآه فيصير يريه، وليس ببعيد، فإن في العربية من أمثال هذا كثير، لا بل فيها ما هو أكثر تعسفًا وتكلفًا انتهى كلام ابن الأثير. من الحسان 3864 - أنه قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله تعالى قد أنزل في الشعر ما أنزل؟، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده لكأنما ترمونهم به نضح النبل". قلت: لم أقف عليه في شيء من الكتب الستة ورواه المصنف في شرح السنة (¬1) من حديث أحمد بن منصور الرمادي قال: حدثنا عبد الرزاق، أنا معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه، ورجاله رجال الصحيحين إلا أحمد بن منصور فإنه وإن لم يخرج له إلا ابن ماجه فقد قال فيه المزي وغيره كان عالمًا ثبتًا. 3865 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "الحياء والعِيّ شعبتان من الإيمان، والبذاء، والبيان شعبتان من النفاق". قلت: رواه الترمذي وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن مطرف انتهى (¬2). قلت: والحديث رجاله رجال الصحيحين. ¬

_ (¬1) البغوي في شرح السنة (12/ 378) رقم (3409). وإسناده صحيح. وأخرجه أحمد (3/ 456). وعبد الرزاق في المصنف (20500)، والطبراني في الكبير (19/ 75)، وأحمد بن منصور الرّماوي، أبو بكر، ثقة حافظ، طعن فيه أبو داود لمذهبه في الوقف في القرآن. التقريب (114)، وتهذيب الكمال (1/ 492 - 495). (¬2) أخرجه الترمذي (2027) وإسناده حسن. وأخرجه أحمد (5/ 269). ومحمد بن مطرف: ثقة، التقريب (6345)، وصححه الحاكم (1/ 9) ووافقه الذهبي.

والعي: مشتق من الإعياء وهو العجز عن السير من التعب، والمراد به هنا: العجز عن الإبانة في المنطق، ولهذا قوبل بالبيان. والبذاء: ممدود مهموز، الفحش، ويقال: ضد الحياء، ولهذا قوبل بالحياء والمدح والذم ليس متعلقًا بحقائق هذه الصفات لأنها ليست مكتسبة بآثارها كالإمساك عن الفحش قولًا وفعلًا، والبيان المراد منه التعمق في النطق والتفاصح وإظهار المتقدم فيه على الناس، وليس كل البيان مذمومًا بل المذموم ما ذكرنا منه. 3866 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنّ أحبكم إليّ، وأقربكم مني يوم القيامة: أحاسنكم أخلاقًا، وإن أبغضكم إليّ، وأبعدكم مني: مساوئُكم أخلاقًا، الثرثارون المتشدّقون المتفيهقون". قلت: رواه الترمذي في أواخر أبواب البر من حديث المبارك بن فضالة (¬1) قال: حدثني عبد ربه بن سعيد، عن محمد بن المنكدر عن جابر، وزاد فيه: قالوا يا رسول الله: قد علمنا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيهقون؟ قال: "المتكبرون". قال أبو عيسى: وفي الباب عن أبي هريرة، وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، ورواه بعضهم عن المبارك بن فضالة عن محمد بن المنكدر عن جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يذكر فيه عن عبد ربه ابن سعيد، قال أبو عيسى: وهذا أصح انتهى كلام الترمذي. ورجال الحديث ليس فيهم إلا من روى له الشيخان، أو أحدهما، إلا المبارك بن فضالة فإنه لم يرو له واحد منهما، روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه، ووثقه عفان وضعفه النسائي وهذا الحديث رواه المصنف في شرح السنة بسنده إلى أبي ثعلبة الخشني، وهو في الترمذي عن جابر كما بينته. فائدة: ذكر المزي في التهذيب مبارك بن فضالة، وعدد من روى عنه فذكر عبد ربه بن سعيد، وعلم عليه علامة الترمذي، وذكر محمد بن المنكدر ولم يعلم عليه الترمذي، ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2018)، وأحمد (4/ 193)، والبيهقي في السنن (10/ 193 - 194). وإسناده حسن، انظر: الصحيحة (791).

وإن كان في الترمذي كما ذكرته (¬1)، لكن قال فيه الترمذي: ورواه بعضهم، فلم ينسبه لروايته فلذلك أهمله المزي بغير علامة وهو حسن. والثرثارون: بثاءين مثلثتين وراءين مهملتين، المكثار من الكلام. والمتشدق: هو المتوسع في الكلام من غير احتراز، وقيل: أراد المستهزىء بالناس الملوي شدقه بهم، وعليهم، والمتفيهق: الذي يتوسع في كلامه ويفهق به فهمه أي يفتحه، مأخوذ من الفهق وهو الامتلاء، كذا قاله في شرح السنة (¬2): وإن كان قد جاء في الترمذي مرفوعًا: "إن المتفيهقون: هم المتكبرون" فلا تغاير بين التفسيرين لأن ما فسر به النبي -صلى الله عليه وسلم- هو ثمرة التفيهق لأن المتفيهق ما يريد بذلك إلا التكبر والرفع وإظهار براعته على غيره فلا معارضة بين التفسيرين. 3867 - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تقوم الساعة حتى يخرج قوم يأكلون بألسنتهم كما تأكل البقر بألسنتها". قلت: رواه المصنف مسندًا في شرح السنة من حديث سعد بن أبي وقاص ولم أقف عليه من هذه الرواية في شيء من الكتب الستة (¬3) وفي الحديث الذي بعده ما يقرب من معناه. ومعنى الحديث: أنهم يتوسلون بألسنتهم إلى تحصيل ما يأكلون كما يتوسل البقر إلى تحصيل الكلأ والحشيش أي كما لا يميز البقر بين الحشائش بل تلف الكل، فكذلك هؤلاء لا يميزون بين الحق والباطل، ولا بين الحلال والحرام من الأقوال والأفعال كما قال تعالى: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ}. 3868 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله يُبغض البليغ من الرجال، الذي يتخلل بلسانه، كما تتخلل الباقرة بلسانها". ¬

_ (¬1) انظر: تهذيب الكمال (27/ 182). (¬2) انظر: شرح السنة (12/ 367). (¬3) أخرجه البغوي (12/ 368) رقم (3397) وإسناده حسن. ورواه كذلك أحمد (1/ 175 - 176).

قلت: رواه أبو داود في الأدب بهذا اللفظ والترمذي في الاستئذان وقال: حسن غريب (¬1) من هذا الوجه، ولفظه: "كما تتخلل البقرة" وقد سكت على الحديث أبو داود ورجاله موثقون. 3869 - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مررت ليلة أسري بي بقوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار، فقلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يعملون". قلت: رواه الترمذي من حديث قتادة عن أنس وقال: حسن غريب. (¬2) 3870 - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من تعلم صرف الكلام ليسبي به قلوب الرجال، أو الناس، لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفًا ولا عدلًا". قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث الضحاك بن شرحبيل عن أبي هريرة (¬3) والضحاك هذا ذكره البخاري وابن حاتم ولم يذكرا له رواية عن أحد من الصحابة وإنما روايته عن التابعين، قال المنذري: فيشبه أن يكون على هذا: الحديث منقطعًا (¬4). وصرف الكلام: فضله، وما يتكلفه الإنسان من الزيادة فوق الحاجة، ومنه سمي الفضل بين النقدين صَرْفًا، فكره النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك لما يدخله من الرياء والتصنع، ولما يخالطه من الكذب، وأمر - صلى الله عليه وسلم - أن يكون الكلام قصدًا (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (5005)، والترمذي (2853). وإسناده حسن بشاهده الذي قبله. انظر: الصحيحة (880). (¬2) لم أجده عند الترمذي ولا عزاه له المزي في تحفة الأشراف. وأخرجه أحمد (3/ 180) وإسناده ضعيف فيه علي بن زيد بن جدعان. ترجم له الحافظ في "التقريب" (4768) وقال: ضعيف. وانظر: الصحيحة (291). (¬3) أخرجه أبو داود (5006)، وإسناده ضعيف لانقطاعه. (¬4) انظر: مختصر المنذري لسنن أبي داود (7/ 289)، وقال العجلي: تابعي ثقة وقال الحافظ: صدوق يهم، من الرابعة، انظر: التقريب (2985)، وتهذيب الكمال (13/ 267 - 268). (¬5) انظر: معالم السنن (4/ 124).

قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا" الصرف: التوبة، وقيل: النافلة. والعدل: الفدية وقيل الفريضة. 3871 - أنه قال يومًا: وقام رجل فأكثر القول، فقال عمرو: لو قصد في قوله لكان خيرًا له، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لقد أُمرت، أن أتجوز في القول، فإن الجواز: هو خير". قلت: رواه أبو داود في الأدب عن أبي ظبية عن عمرو بن العاص (¬1) قال يومًا بنحو ما ذكره المصنف، ولكن قال فيه: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: لقد رأيت أو أمرت، وأبو ظبية: بفتح الظاء المعجمة وسكون الباء الموحدة وبعدها ياء آخر الحروف مفتوحة وتاء تأنيث كلاعي ثقة. قال المنذري: في سنده محمد بن إسماعيل بن عياش عن أبيه وفيهما مقال (¬2). 3872 - قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن من البيان سحرًا، وإن من العلم جهلًا، وإن من الشعر حكمًا، وإن من القول عيالًا". قلت: رواه أبو داود في الأدب (¬3) وقال: -أعني أبا داود- فقال صعصعة ابن صوحان صدق نبي الله - صلى الله عليه وسلم -. أما قوله: إن من البيان سحرًا، فالرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بالحجج من صاحب الحق، فيسحر القوم ببيانه فيذهب غاية الحق، وأما قوله: إن من العلم جهلًا، فيتكلف العالم إلى علمه ما لا يعلم فيجهله ذلك، وأما قوله إن من الشعر حكمًا فهي ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (5008) وفي إسناده محمد بن إسماعيل بن عياش عن أبيه وفيهما مقال، وترجم له الحافظ في "التقريب" (5772) عابوا عليه أنه حدث عن أبيه بغير سماع، وأبو ظبية الكلاعي: مقبول، التقريب (8254). (¬2) انظر: مختصر سنن أبي داود للمنذري (7/ 290). (¬3) أخرجه أبو داود (5012) وإسناده ضعيف. في إسناده: أبو جعفر النحوي عبد الله بن ثابت وهو مجهول. كما قال الحافظ في "التقريب" (3258).

باب حفظ اللسان والغيبة والشتم

هذه المواعظ والأمثال التي يتعظ بها الناس، وأما قوله إن من القول عيالًا فعرضُك كلامك وحديثك على من لا تريده. قال المنذري (¬1): وفي إسناده أبو تُميلة -يحيى بن واضح- الأنصاري المروزي، وثقه يحيى بن معين، وأبو حاتم الرازي، وأدخله البخاري في كتاب الضعفاء، فقال أبو حاتم الرازي: يحوَّل من هناك انتهى كلام المنذري. وقال الذهبي: وقد وهم أبو حاتم إذ زعم أن البخاري تكلم فيه وذكره في الضعفاء فلم أر ذلك ولا كان ذلك فإن البخاري قد احتج به انتهى (¬2). قلت: وإنما نقلت ذلك عن المنذري لنجيب، فإن يحيى بن واضح روى له الستة واحتجوا به. باب حفظ اللسان والغيبة والشتم من الصحاح 3873 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا، أو ليسكت". قلت: رواه الجماعة البخاري في الأدب والرقائق ومسلم في الأحكام وأبو داود في الأطعمة، لما في بقية الحديث من إكرام الضيف، والترمذي وابن ماجه في البر والنسائي في الرقائق من حديث أبي شريح الخزاعي. (¬3) ¬

_ (¬1) مختصر السنن (7/ 292 - 293). (¬2) انظر كلام الذهبي في الميزان (4/ 413)، واعتذر أنه ما ذكره في الميزان إلا لذكر ابن الجوزي له في ضعفائه (3/ رقم 3760). (¬3) أخرجه البخاري (6019) و (6135) و (6476)، ومسلم (48)، والنسائي في الكبرى (11779)، وأبو داود (3748)، والترمذي (1967)، وابن ماجه (3672).

3874 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه، أضمن له الجنة". قلت: رواه البخاري في المحاربين وفي الرقائق من حديث سهل بن سعد الساعدي وليس في مسلم، ورواه الترمذي في الزهد (¬1). 3875 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم". قلت: رواه البخاري والنسائي كلاهما في الرقائق من حديث عبد الله ابن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة. (¬2) 3876 - وفي رواية: "يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب". قلت: رواها الشيخان. (¬3) 3877 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر". قلت: رواه الشيخان في الإيمان والترمذي في البر والنسائي في المحاربة كلهم من حديث أبي وائل عن عبد الله بن مسعود. (¬4) 3878 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أيما رجل قال لأخيه: كافر فقد باء بها أحدهما". قلت: رواه البخاري في الأدب بهذا اللفظ ومسلم في الإيمان والترمذي في الإيمان من حديث عبد الله بن عمر. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6474)، و (6807)، والترمذي (2408). (¬2) أخرجه البخاري (6478)، والنسائي في الكبرى (11773). وأوله: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقى لها بالا، يرفعه الله بها درجات .. ". (¬3) أخرجه البخاري (6477)، ومسلم (2988). (¬4) أخرجه البخاري (48)، ومسلم (64)، والترمذي (2635)، والنسائي (7/ 122). (¬5) أخرجه البخاري (6104)، ومسلم (60)، والترمذي (2637).

3879 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يرمي رجل رجلًا بالفسوق، ولا يرميه بالكفر، إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك". قلت: رواه البخاري في الأدب من حديث أبي ذر واسمه جندب بن جنادة. (¬1) 3880 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من دعا رجلًا بالكفر، أو قال: عدو الله، وليس كذلك إلا حار عليه". قلت: رواه مسلم في الإيمان من حديث أبي ذر. (¬2) 3881 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "المستبّان، ما قالا، فعلى البادىء، ما لم يعتد المظلوم". قلت: رواه مسلم في الأدب من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري وخرجه أبو داود والترمذي. (¬3) 3882 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن اللعانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة". قلت: رواه مسلم وأبو داود كلاهما في الأدب من حديث أبي الدرداء ولم يخرجه البخاري. (¬4) ومعناه: أنه لا يكون في الجملة التي تشهد يوم القيامة على الأمم التي كذبت أنبياءها على نبينا وعليهم الصلاة والسلام بالتبليغ إذا كذبهم قومهم. 3883 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا قال الرجل: هلك الناس، فهو أهلكهم". قلت: رواه مسلم وأبو داود كلاهما في الأدب من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6045). (¬2) أخرجه مسلم (61). (¬3) أخرجه مسلم (2587)، وأبو داود (4894)، والترمذي (1981). (¬4) أخرجه مسلم (2598)، وأبو داود (4907). (¬5) أخرجه مسلم (2623)، وأبو داود (4983).

قال بعض الرواة وهو أبو إسحاق إبراهيم بن سفيان لا أدري أهلكُهم أو أهلكَهم بالنصب أو بالرفع، قال الحميدي (¬1): والأشهر الرفع أي أشدهم هلاكًا وذلك إذا قال ذلك على سبيل الازراء والاحتقار وتفضيل نفسه عليهم لأنه لا يدري سر الله في خلقه انتهى. وقيل معناه: أنهم قد استحقوا العقوبة والمصير إلى العذاب فهوا أشد هلاكًا لأنه سد باب التوبة هو الرجاء من الله تعالى. 3884 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تجدون شر الناس يوم القيامة: ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه". قلت: رواه الشيخان كلاهما في الأدب من حديث أبي هريرة. (¬2) قال الطبري: وذم ذي الوجهين إذا كان في غير إصلاح، ولم يدع إليه ضرورة لا يمكن دفعها إلا به، أما إذا ادعت ضرورة فيوري بما يدفع به عن نفسه، بما لا كذب فيه أو كان في إصلاح ذات البين فهذا يرجى فيه سعة، ولو كان فيه كذب وسبيله سبيل الكذب والخداع في الحرب، والإصلاح بين الزوجين ونحو ذلك. 3885 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يدخل الجنة قتّات". قلت: رواه الشيخان في الأدب ومسلم في الإيمان وأبو داود في الأدب والترمذي في البر والنسائي في التفسير كلهم من حديث حذيفة ابن اليمان. (¬3) والقتات: قال ابن الأثير (¬4): هو النمام، يقال: قتّ الحديث يقته إذا زوّره وهيأه وسوّاه وقيل: النمام: الذي يكون مع القوم يتحدَّثون فينُمّ عليهم. والقتات: الذي يتسمّع على القوم وهم لا يعلمون ثم ينمّ. ¬

_ (¬1) انظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (3/ 287). (¬2) أخرجه البخاري (6058)، ومسلم (2526). (¬3) أخرجه البخاري (6056)، ومسلم (105)، وأبو داود (4871)، والترمذي (2026)، والنسائي في الكبرى (11614). (¬4) النهاية (4/ 11).

3886 - ويروى: "لا يدخل الجنة نمام". قلت: هذه الرواية رواها مسلم في الإيمان عن حذيفة أيضًا. (¬1) 3887 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرّى الصدق، حتى يكتب عند الله صديقًا، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب، حتى يكتب عند الله كذابًا". قلت: رواه الشيخان في الأدب من حديث منصور عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود. (¬2) 3888 - وفي رواية: "إن الصدق بر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الكذب فجور، وإن الفجور يهدي إلى النار". قلت: هذه الرواية في مسلم. (¬3) 3889 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، ويقول خيرًا وينمي خيرًا". قلت: رواه الشيخان في الصلح ومسلم في الأدب. (¬4) وفيه: قال ابن شهاب: ولم يرخّص في شيء مما يقول الناس إنه كذب، إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها، قال عبد الحق الإشبيلي: وقول ابن شهاب: هذا رفعه مسلم من طريق أخرى عن أم كلثوم ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (105). (¬2) أخرجه البخاري (6094)، ومسلم (2607). (¬3) أخرجه مسلم (2607). (¬4) أخرجه البخاري (2692)، ومسلم (2605)، وأبو داود (4920)، والترمذي (1938)، والنسائي في الكبرى (9123).

عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ولم أسمعه رخص في شيء مما يقول الناس .. الحديث بمثله (¬1)، ولم يرفعه البخاري، وأخرجه موقوفًا، وأسند الحديث المتقدم: "ليس الكذاب .. " كما أسنده مسلم، ورواه أبو داود في الأدب والترمذي في البر والنسائي في السير كلهم من حديث أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط (¬2). وينمي بفتح الياء وسكون النون قال ابن الأثير (¬3): يقال: نميت الحديث أنميته، إذا بلّغته على وجه الإصلاح وطلب الخير، فإذا بلّغته على وجه الإفساد والنميمة، قلت: نميته، بالتشديد، هكذا قال أبو عبيد وابن قتيبة وغيرهما من العلماء. 3890 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا رأيتم المداحين، فاحثوا في وجوههم التراب". قلت: رواه مسلم في آخر الكتاب وأبو داود في الأدب وروى الترمذي معناه في الزهد وكذلك ابن ماجه في الأدب كلهم من حديث المقداد بن الأسود. (¬4) وهو: المقداد بن عمرو الكندي ويكنى أبا معبد وإنما نسب إلى الأسود بن عبد يغوث لأنه كان قد تبناه وهو صغير، وقد حمل المقداد هذا الحديث على ظاهره ووافقه طائفة وكانوا يحثون التراب في وجهه حقيقة، وقال آخرون: معناه خيبوهم فلا تعطوهم شيئًا لمدحهم (¬5). 3891 - قال: أثنى رجل على رجل عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "ويلك قطعت عنق أخيك -ثلاثًا- من كان منكم مادحًا لا محالة، فليقل: أحسب فلانًا والله حسيبه، إن كان يرى أنه كذلك، ولا يزكي على الله أحدًا". ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (16/ 239). (¬2) انظر: الجمع بين الصحيحين (4/ 276 - 277). (¬3) انظر: النهاية لابن الأثير (5/ 121). (¬4) أخرجه مسلم (3002)، وأبو داود (4804)، والترمذي (2393)، وابن ماجه (3742). (¬5) انظر: المنهاج للنووي (18/ 173).

قلت: رواه الشيخان البخاري في الشهادات وفي الأدب ومسلم في آخر الكتاب وأبو داود وابن ماجه كلاهما في الأدب. (¬1) وقطعت عنق أخيك: أي أهلكته، وهذه استعارة من قطع العنق الذي هو القتل لاشتراكهما في الهلاك ولكن هلاك هذا الممدوح في دينه وقد يكون من جهة الدنيا لا يحصل له من الإعجاب. 3892 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أتدرون ما الغيبة؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "ذكرك أخاك بما يكره"، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: "إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن، فقد بهته". قلت: رواه مسلم في البر والصلة وأبو داود في الأدب والترمذي في البر والنسائي في التفسير، ولفظ أبي داود والترمذي "قيل يا رسول الله ما الغيبة؟ قال: ذكرك أخاك بما يكره"، وساقه بلفظه ولم يخرج البخاري هذا الحديث. (¬2) وبهته معناه: كذبت عليه. تنبيه: وقع في جامع الأصول (¬3) عزو الحديث إلى أبي داود والترمذي خاصة وهو ثابت في مسلم كما بينته. 3893 - قوله في المصابيح: ويروى: "إذا قلت: لأخيك ما فيه، فقد اغتبته وإذا قلت ما ليس فيه، فقد بهته". قلت: رواه المصنف في شرح السنة من حديث شعبة عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة يرفعه ولم أره في مسلم. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6162)، ومسلم (3000)، وأبو داود (4805)، وابن ماجه (3744). (¬2) أخرجه مسلم (2589)، وأبو داود (4874)، والترمذي (1934)، والنسائي في الكبرى (11518). (¬3) جامع الأصول (8/ 447). (¬4) أخرجه البغوي في شرح السنة (13/ 139) رقم (3561).

3894 - أن رجلًا استأذن على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ائذنوا له، فبئس أخو العشيرة"، فلما جلس تطلق النبي -صلى الله عليه وسلم- في وجهه، وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله! قلت له كذا وكذا، ثم تطلّقت في وجهه، وانبسطت إليه؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "متى عهدتني فحّاشًا؟ إنّ شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة: من تركه الناس اتقاء شرّه". قلت: رواه البخاري في الأدب وترجم عليه بباب: ما يجوز من اغتياب أهل الفساد وأهل الريب، وروى مسلم وأبو داود كلاهما في الأدب معناه وكذلك الترمذي في البر. (¬1) 3895 - قوله في المصابيح: ويروى: "اتقاء فحشه". قلت: هذه رواها مسلم في الأدب. (¬2) والعشيرة: الأدنودن من القرابة وهم بنو الأب، وقيل: الشعوب ثم العماير ثم البطون ثم الأفخاد ثم العشيرة، وقيل: العشيرة: القبيلة. قوله: "اتقاء فحشه" الفحش: أصله زيادة الشيء على مقداره وقال بعضهم: كلما نهى الله عنه فهو فاحشة، وقيل: الفاحشة ما اشتد فحشه من الذنوب. وهذا الرجل هو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، وقيل: هو مخرمة بن نوفل الزهري، والد المسور بن مخرمة (¬3). وفي هذا الحديث دليل على جواز تعريف الناس، بأمر من كان كذلك ليحذروه وينزجروا عن مذهبه، ولعله كان مجاهرًا بفعله، والمجاهرة بذكر أمره، ولا غيبة في ذكره بما جاهر به وهو أرجح ما يحمل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا غيبة لفاسق" أي فيما جاهر به، وكذلك لا غيبة لأمير جائر ولا صاحب بدعة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6032)، ومسلم (2591)، وأبو داود (4791)، والترمذي (1996). (¬2) أخرجه مسلم (2591). (¬3) انظر: مختصر سنن أبي داود للمنذري (7/ 169)، والمنهاج للنووي (16/ 217).

من الحسان

قال إبراهيم: كانوا يقولون: ثلاثة لا غيبة لهم: السلطان الجائر، وذو البدعة، والفاسق المعلن بفسقه ومثل ذلك عن الحسن (¬1). 3896 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كل أمتي معافى إلا المجاهرون وإن من المجانة أن يعمل الرجل بالليل عملًا، ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان! عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه". قلت: رواه مسلم في الزهد من حديث أبي هريرة. (¬2) قال الشافعي: واجب لمن أصاب ذنبا وستره الله أن يستر على نفسه ويتوب فيما بينه وبين الله عَزَّ وَجَلَّ. وقال الجوهري: المجون أن لا يبالي الإنسان ما صنع وقد مجن بالفتح يمجن مجونًا ومجانة فهو ماجن والجمع المجان. من الحسان 3897 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من ترك الكذب وهو باطل، بنى الله له في رَبَض الجنة، ومن ترك المراء، وهو محق، بني له في وسط الجنة، ومن حسّن خلقه بني له في أعلاها". قلت: رواه الترمذي في الأدب وابن ماجه في السنة من حديث أنس وقال الترمذي: حسن، لا يعرف إلا متن حديث سلمة بن وردان. (¬3) قلت: ومدار الحديث على سلمة، وسلمة هذا لين الحديث ضعفه الدارقطني وغيره، وقوله: وهو باطل: يجوز عندي أن تكون هذه الجملة حالية، فالواو، واو الحال أي ¬

_ (¬1) انظر: شرح السنة للبغوي (13/ 142). (¬2) أخرجه مسلم (2990). قوله: إلا المجاهرون بالرفع على تأويل الكلام بالمنفي أي لا يغتاب أحد إلا المجاهرون، وقد يروى بالنصب فلا إشكال. (¬3) أخرجه الترمذي (1993)، وابن ماجه (51). وإسناده ضعيف، فيه سلمة بن وردان وقد ضعفوه كما قال الحافظ في "التقريب" (2527).

تركه في حال كونه باطلًا، وهي حال ليست بلازمة لأن من الكذب ما ليس بباطل، كما إذا كان فيه عصمة نبي أو دم مسلم فإنه واجب، وكما إذا كان للحرب أو للإصلاح بين الناس، وللزوجة كما تقدم في حديث مسلم فإنه مباح وليس بباطل. وربض الجنة: بفتح الباء الموحدة ما حولها خارجًا عنها، تشبيهًا بالأبنية التي تكون حول المدن وتحت القلاع قاله ابن الأثير (¬1). والمرآء: الجدال والتماري، والماراة: المجادلة على مذهب الشك، ويقال للمناظرة مماراة لأن كل واحد منهما يستخرج ما عند صاحبه، ويمتريه كما يمتري الحالب اللبن من الضرع. والوسط: بالسكون يقال فيما كان متفرق الأجزاء غير متصل كالناس والدواب وغير ذلك، فإن كان متصل الأجزاء كالدار والرأس فهو بالفتح، وقيل كلما يصلح فيه بَيْن فهو بالسكون، وما لا يصلح فيه بَيْن فهو بالفتح، وقيل: كل منهما يقع موقع الآخر قال ابن الأثير: وهو الأشبه (¬2). 3898 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أتدرون ما أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ تقوى الله وحسن الخلق، أتدرون ما أكثر ما يدخل النار؟ الأجوفان: الفم والفرج". قلت: رواه الترمذي في البر وابن ماجه في الزهد كلاهما من حديث أبي هريرة وقال الترمذي: صحيح غريب. (¬3) ¬

_ (¬1) انظر: النهاية (2/ 185). (¬2) المصدر السابق (5/ 183). (¬3) أخرجه الترمذي (2004)، وابن ماجه (4246). وإسناده حسن عم عبد الله بن إدريس اسمه داود بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي ترجم له الحافظ في "التقريب" (1827) وقال: ضعيف. وجد عبد الله هو يزيد بن عبد الرحمن الأودي قال عنه الحافظ في التقريب (7798): مقبول، انظر: الصحيحة (977).

3899 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من الخير، ما يعلم مبلغها، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من الشر ما يعلم مبلغها، يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه". قلت: رواه الترمذي في الزهد وقال: حسن صحيح، قال: وهكذا رواه غير واحد عن محمد بن عمرو عن أبيه عن جده، قال: سمعت بلال بن الحارث فذكره، وروى مالك بن أنس هذا الحديث عن محمد ابن عمرو عن أبيه عن بلال ولم يذكر جده انتهى كلام الترمذي. (¬1) 3900 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ويل لمن يحدّث فيكذب، ليضحك القوم، ويل له، ويل له". قلت: رواه أبو داود والترمذي في الزهد والنسائي في التفسير من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده وقال الترمذي: حسن انتهى. وجد بهز بن حكيم هو معاوية بن حيدة القشيري (¬2) له صحبة وقد اختلفوا في بهز فمن الأئمة من وثقه، ومنهم من قال: لا يحتج به (¬3). والويل: الحزن والهلاك والمشقة من العذاب وكل من وقع في هلكة دعا بالويل. 3901 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن العبد ليقول الكلمة، لا يقولها إلا ليضحك الناس يهوي بها أبعد مما بين السماء والأرض، وإنه ليزل عن لسانه أشد مما يزل عن قدمه". قلت: لم أقف على هذا الحديث في شيء من الكتب الستة. ورواه الإمام أحمد من حديث مكحول عن أبي هريرة والبغوي في شرح السنة من حديث يحيى بن عبيد عن أبيه عن أبي هريرة واللفظ له. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2319) وإسناده حسن. (¬2) أخرجه أبو داود (4990)، والترمذي (2315)، والنسائي في الكبرى (11655) وإسناده حسن لأنه من رواية بهز بن حكيم عن جده، وصححه الحاكم (1/ 46). (¬3) انظر الخلاف في بهز بن حكيم في تهذيب الكمال (6/ 259 - 263)، ومختصر المنذري (7/ 280). (¬4) أخرجه البغوي في شرح السنة (4/ 319) برقم (4131) وأخرجه أحمد (2/ 355).

3902 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "كفى بالمرء كذبًا، أن يحدث بكل ما سمع". قلت: هذا الحديث رواه مسلم في مقدمة كتابه مسندًا (¬1) من حديث أبي هريرة ومرسلًا. قال المنذري (¬2): وعند بعض رواة مسلم كلاهما مسند، قال الدارقطني: والصواب مرسل انتهى، والإمام عبد الحق الإشبيلي في الجمع بين الصحيحين ذكره مسندًا ونسبه إلى مسلم، ولم يذكر الإرسال، قال: ولم يخرج البخاري هذا الحديث انتهى. ولم أر الحميدي ذكره فيما انفرد به مسلم ورواه أبو داود مسندًا: "كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سمع". 3903 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من صمتَ نجا". قلت: رواه الترمذي في الزهد من حديث أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة انتهى كلامه. (¬3) ورواه الدارمي وغيره من غير طريق ابن لهيعة، فرواه الدارمي عن إسحاق بن عيسى عن عبد الله بن عقبة عن يزيد بن عمرو بن أبي عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو فذكره. 3904 - قال: لقيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: ما النجاة؟ فقال: "أملك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك". قلت: رواه الترمذي في الزهد من حديث أبي أمامة الباهلي عن عقبة بن عامر الجهني وفيه عبيد الله بن زحر الإفريقي العابد يختلف فيه وله مناكير ضعفه أحمد بن حنبل، ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في المقدمة (5) مسندًا ومرسلًا وكذلك وأبو داود (4992). (¬2) مختصر السنن (7/ 281). (¬3) أخرجه الترمذي (2501)، والدارمي (2/ 299) وضعفه النووي في الأذكار. وقال: إنما ذكرته لأبنية لكونه مشهورًا، انظر: الأذكار (ص 417 رقم 1062)، وقال الشيخ الألباني -رحمه الله-: لكن رواه ابن المبارك -وغيره- بسند صحيح، انظر: الصحيحة (536).

والحديث في مسنده. (¬1) 3905 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أصبح ابن آدم، فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان، فتقول: اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا". قلت: رواه الترمذي في الزهد في باب حفظ اللسان، عن محمد بن موسى البصري عن حماد بن زيد عن أبي الصهباء عن أبي سعيد الخدري (¬2) رفعه، وساقه بلفظه، قال الترمذي: ورواه أبو أسامة وغيره عن حماد ولم يرفعه، وهو أصح من حديث محمد بن موسى، قال: ولا يعرف هذا الحديث إلا من حديث حماد، قلت: وحماد أحد أعلام الدنيا كان يحفظ حديثه كالماء، روى له الشيخان وأصحاب السنن. قوله: يكفر اللسان، قال في الصحاح (¬3): والتكفير أن يخضع الإنسان لغيره، كما يكفّر العِلْج للدهاقين: يضع يده على صدره ويتطامن له. وقال في النهاية (¬4): تكفّر للّسان أي تذلّ وتخضع، والتكفير هو: أن ينحني الإنسان ويطاطيء رأسه قريبًا من الركوع كما يفعل من يريد تعظيم صاحبه. 3906 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي: حديث غريب (¬5) لا نعرفه من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا من هذا الوجه قال: ¬

_ (¬1) أخرجه ابن المبارك في "كتاب الزهد" (134)، وأحمد (5/ 259)، والترمذي (2406)، وقال الترمذي: حديث حسن، قال الشيخ الألباني -رحمه الله- إن له إسنادًا صحيحًا، انظر: الصحيحة (890). وعبيد الله بن زحر: قال الحافظ: صدوق يخطيء، التقريب (4319). (¬2) أخرجه الترمذي (2407) وإسناده حسن. ورواه كذلك أحمد (3/ 95 - 96). (¬3) الصحاح للجوهري (2/ 808). (¬4) انظر: النهاية لابن الأثير (4/ 188). (¬5) أخرجه الترمذي (2317)، وابن ماجه (3976)، وأخرجه الترمذي (2318). من مرسل علي بن الحسين وأخرجه مالك في الموطأ (2/ 903)، وأحمد (1/ 201)، وقال الشيخ الألباني -رحمه الله- وهو حديث صحيح. انظر: هداية الرواة (4/ 383).

وحدثنا قتيبة عن مالك عن الزهري عن علي ابن الحسين قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"، قال الترمذي: هكذا روى غير واحد من أصحاب الزهري عن علي بن الحسين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحو حدثنا مالك، قال: وهذا عندنا أصح من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة، وعلي بن الحسين لم يدرك علي بن أبي طالب انتهى كلام الترمذي. قوله: يعنيه بفتح الياء أي يهمه. 3907 - قال: توفي رجل من الصحابة، فقال رجل: أبشر بالجنة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أو لا تدري، فلعله تكلم فيما لا يعينه، أو بخل بما لا ينقُصُه". قلت: رواه الترمذي في الزهد وقال: هذا حديث غريب انتهى (¬1) ورجاله رجال الصحيحين إلا شيخ الترمذي وهو سليمان بن عبد الجبار البغدادي فإنَّه لم يخرج له من أصحاب السنن غير الترمذي. قال المزي: وقد ذكره ابن حبان في كتاب الثقات (¬2). 3908 - قال: قلت: يا رسول الله، ما أخوف ما تخاف علي؟ قال: فأخذ بلسان نفسه وقال: "هذا". قلت: رواه الترمذي في باب حفظ اللسان، من حديث سفيان بن عبد الله الثقفي وحذف الشيخ صدر الحديث وهو: قلت: يا رسول الله حدثني بأمر أعتصم به قال: "قل ربي الله، ثم استقم" قال: قلت: يا رسول الله ما أخوف ... إلى آخره، وقال: -أعني الترمذي-: هذا حديث حسن صحيح، ورواه النسائي في التفسير وابن ماجه في الفتن (¬3) وسفيان بن عبد الله الثقفي هذا صحابي لم يخرج له البخاري شيئًا ولا مسلم ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2316) ورجاله ثقات لكن فيه عنعنة الأعمش عن أنس. (¬2) انظر: تهذيب الكمال (12/ 22)، والثقات لابن حبان (8/ 280)، وقال الحافظ: صدوق، التقريب (2598). (¬3) أخرجه الترمذي (2410)، وابن ماجه (3972)، والنسائي في الكبرى (11489) وإسناده صحيح.

إلا حديثًا واحدًا، وهو: قلت: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا بعدك، قال: "قل آمنت بالله ثم استقم". وفي رواية: قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا بعدك، وأقلل لا تغضب فأعاد ذلك عليه (¬1). تنبيهان أحدهما: أنه وقع في كثير من نسخ المصابيح إسناد الحديث إلى سعيد بن عبد الله الثقفي والصواب أنه سفيان بن عبد الله، فكذا هو في الترمذي وغيره ولم أر في الصحابة سعيد بن عبد الله الثقفي. الثاني: أنه لم يذكر المزي في "الأطراف" (¬2) في مسند سفيان ابن عبد الله الثقفي هذا غير حديث واحد، وعزاه لمسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وهو: "يا رسول الله قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا غيرك" الحديث، فاقتضى كلامه أن حديث مسلم هو حديث الترمذي ولذلك قال الطوفي: في مختصر الترمذي حين ذكر حديث الترمذي هذا إن مسلمًا رواه وفي ذلك نظر للمتأمل. قلت: والصواب أن حديث الترمذي اشتمل على جملتين: الجملة الأولى: روى مسلم معناها وهي يا رسول الله حدثني بأمر أعتصم به قال: قل آمنت بالله ثم استقم، والجملة الثانية: ليست في مسلم. 3909 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كذب العبد، تباعد عنه الملك ميلًا، من نتْن ما جاء به". قلت: رواه الترمذي في البر من حديث عبد الله بن عمر، قال الترمذي: حديث جيد غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه تفرد به عبد الرحيم بن هارون انتهى. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (38)، وأحمد (3/ 431) وابن حبان (5698). (¬2) انظر: تحفة الأشراف للمزي (4/ 20 - 21). (¬3) أخرجه الترمذي (1972). وفيه: عبد الرحيم بن هارون وهو متهم بالكذب قال الحافظ في "التقريب" (4088): ضعيف، كذّبه الدارقطني وفي المطبوع من سنن الترمذي (3/ 517): هذا حديث حسن غريب، وليس فيه "جيد"، وذكر المحقق بأنه وقع في بعض النسخ من الترمذي "حسن جيد غريب".

وعبد الرحيم بن هارون لم يرويه غير الترمذي، وحسن حديثه، وقال الدارقطني: متروك الحديث يكذب، وقد ساق له ابن عدي عدة أحاديث استنكرها (¬1). وظاهر الحديث: أن الملك يدرك من الإنسان ريحًا خبيثة عند الكذب، كما قد قيل إن الملائكة إنما تعرف أفعال العبد الباطنة كالزنا والعزم على المعصية بريح خبيثة، وبالعكس يجعل الله ذلك أمارة لهم على أفعال القلوب. 3910 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "كبرت خيانة: أن تحدث أخاك حديثًا، هو لك به مصدق، وأنت به كاذب". قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث سفيان بن أسيد الحضرمي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول ... وساقه بلفظه، وفي إسناده بقية بن الوليد وفيه مقال: وذكر أبو القاسم البغوي: سفيان ابن أسيد هذا، وقال: لا أعلمه روى غير هذا الحديث انتهى. (¬2) 3911 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من كان ذا وجهين في الدنيا، كان له يوم القيامة لسانان من نار". قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث عمار بن ياسر وفي إسناده شريك بن عبد الله القاضي وفيه مقال. (¬3) 3912 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ليس المؤمن بالطعان، ولا باللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء". ¬

_ (¬1) انظر: الكامل لابن عدي (5/ 1921 - 1922)، وتهذيب الكمال (18/ 44). (¬2) أخرجه أبو داود (4971) وفيه بقية بن الوليد وهو مدلس، وكذلك جهالة شيخه ضبارة ابن مالك. انظر: التقريب (2978)، والضعيفة (1251). (¬3) أخرجه أبو داود (4873). وفي إسناده شريك القاضي وفيه مقال. وقال الحافظ العراقي: في تخريج الإحياء (3/ 158): إسناده حسن، وله شاهد من حديث أنس عند أبي يعلى (2771).

قلت: رواه الترمذي في البر من حديث عبد الله بن مسعود وقال: حسن غريب انتهى. (¬1) ورجاله رجال الصحيحين غير محمد بن يحيى الأزدي شيخ الترمذي فإن لم يرو له غيره وابن ماجه، قال الدارقطني: ثقة، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات (¬2)، والطعّان: الوقاع في أعراض الناس بالذم، والغيبة ونحوهما، وهو فعال من طعن فيه وعليه بالقول، يطعن بالفتح والضم: إذا عابه، واللعن المنهي عنه: أن يلعن رجلًا بعينه برًّا كان أو فاسقًا، وأما لعن كافر غير معين وفاجر غير معين: فغير منهي عنه، فقد لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شارب الخمر والواصلة وغيرهما. والبذيء: بالذال المعجمة والفاحش السيء القول. قال ابن الأثير (¬3): البذاء بالمد الفحش في القول. 3913 - قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يكون المؤمن لعّانًا". قلت: رواه الترمذي في البر من حديث عبد الله بن عمرو، قال: حسن غريب، قال: رواه (¬4) بعضهم بهذا الإسناد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانًا" انتهى، ورجاله رجال الصحيحين غير كثير ابن زيد فإنه لم يرويه إلا أبو داود والترمذي وابن ماجه وقال فيه أبو زرعة: صدوق فيه لين (¬5). 3914 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تلاعنوا بلعنة الله، ولا بغضب الله ولا بجهنم". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1977) وإسناده حسن. وقال الحافظ في بلوغ المرام: بعد ذكر هذا الحديث صححه الحاكم ورجح الدارقطني وقفه. وانظر: علل الدارقطني (5/ 92 - 93)، الصحيحة (320). (¬2) ومحمد بن يحيى الأزدي البصري: ثقة، التقريب (6429). (¬3) انظر: النهاية لابن الأثير (1/ 111). (¬4) أخرجه الترمذي (2019) وإسناده حسن. وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 47) وصححه. ووافقه الذهبي. (¬5) كثير بن زيد الأسلمي، قال الحافظ: صدوق يخطيء، التقريب (5646).

قلت: رواه أبو داود في الأدب والترمذي في البر كلاهما عن الحسن عن سمرة بن جندب، قال الترمذي: حديث حسن صحيح (¬1) انتهى، وقد تكلم الناس في الحسن عن سمرة، وأنه هل سمع من سمرة، فقيل: لم يسمع منه غير حديث العقيقة ورواية أبي داود والترمذي: ولا بالنار، بدل: جهنم. 3915 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن العبد إذا لعن شيئًا، صعدت اللعنة إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض، فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يمينًا وشمالًا، فإذا لم تجد مساغًا، رجعَتْ إلى الذي لعن، إن كان لذلك أهلًا، وإلا رجعت إلى قائلها". قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث أبي الدرداء يرفعه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسكت هو والمنذري عليه ورجاله كلهم موثقون. (¬2) 3916 - أن رجلًا نازعته الريح رداءه، على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلعنها، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تلعنها فإنها مأمورة، وإنه من لعن شيئًا ليس له بأهل، رجعت اللعنة عليه". قلت: رواه أبو داود في الأدب والترمذي في [اللعنة] وقال: غريب لا نعلم أحدًا أسنده غير بشر (¬3) بن عمر انتهى كلامه، وبشر بن عمر هذا هو الزهراني احتج به البخاري. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4906)، والترمذي (1976). وفي إسناده الحسن عن سمرة وكذلك فيه عنعنة الحسن البصري. (¬2) أخرجه أبو داود (4905) وإسناده ضعيف فيه نمران بن عتبة قال: الذهبي "لا يدرى من هو". الميزان (4/ ت 9119)، وقال الحافظ: مقبول، التقريب (7237). وله شاهد بلفظه. مرسل عند عبد الرزاق (19531) ومن طريقه البغوي في شرح السنة (3357) من حديث حميد بن هلال مرفوعًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ورجاله ثقات. انظر: مختصر المنذري (7/ 228)، والصحيحة (1269). (¬3) أخرجه أبو داود (4908)، والترمذي (1978)، وابن حبان (5745). وقال الحافظ في الفتح: رواته ثقات ولكنه أعل بالإرسال. وانظر: الصحيحة (528).

3917 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يبلّغني أحد من أصحابي عن أحد شيئًا، فإني أحبّ أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر". قلت: رواه أبو داود في الأدب والترمذي في المناقب وقال: غريب من هذا الوجه انتهى كلامه. (¬1) 3918 - قالت: قلت للنبي -صلى الله عليه وسلم-: حسبك من صفية كذا وكذا، تعني: قصيرة، فقال: "لقد قلت كلمة لو مزج بها البحر لمزجته". قلت: رواه أبو داود في الأدب (¬2) ولفظه: قالت: قلت: للنبي -صلى الله عليه وسلم- حسبك من صفية كذا وكذا، قال أبو داود: قال غير مسدد: تعني قصيرة، فقال: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته، قالت: وحكيتُ له إنسانًا، فقال: "ما أحب أني حكيت إنسانًا وأن لي كذا وكذا". ورواه الترمذي أيضًا وقال: حسن صحيح. ومزجته: أي غلبته بالمزج وصار البحر مغلوبًا بها. 3919 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما كان الفُحش في شيء إلا شانه، وما كان الحياء في شيء إلا زانه". قلت: رواه الترمذي في البر عن محمد بن عبد الأعلى عن عبد الرزاق عن معمر عن ثابت عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الرزاق انتهى. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4860)، والترمذي (3897). وفي إسناده زيد بن زائد قال الذهبي: قال الأزدي: لا يصح حديثه، قلت: لا يعرف، الميزان (2/ 103)، وترجم له الحافظ في التقريب (2149) وقال: مقبول. وكذلك الوليد ابن أبي هشام قال في التقريب (7512): مستور. (¬2) أخرجه أبو داود (4875)، والترمذي (2502) وإسناده صحيح على شرط مسلم. (¬3) أخرجه الترمذي (1974) وإسناده صحيح على شرط الشيخين وكذلك أخرجه أحمد (3/ 165)، والبخاري في الأدب (601). وانظر: هداية الرواة (4/ 386).

وهذا سند لا غبار عليه، رجاله من أجل أئمة الدين وأعظم علماء المسلمين، خرج لهم الشيخان إلا محمد بن عبد الأعلى فإنه لم يخرج له البخاري (¬1) والله أعلم. وقد تقدم تفسير الفحش في أحاديث الصحاح من هذا الباب. وقال في الصحاح (¬2): الشين خلاف الزين، يقال: شانه يشينه، والمشاين: المعايب والمقابح. 3920 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من عيَّر أخاه بذنب، لم يمت حتى يعمله". قلت: رواه الترمذي في الزهد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل، ولهذا قال المصنف: أنه منقطع، لأن خالد بن معدان لم يدرك معاذًا. (¬3) وقد قيل أن المراد من ذنب قد تاب منه. 3921 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُظهر الشماتة بأخيك، فيرحمه الله ويبتليك". قلت: رواه الترمذي في الزهد: من حديث مكحول عن واثلة بن الأسقع وقال: حسن غريب (¬4) انتهى، ومكحول قد سمع من واثلة وأنس وأبي هند الداري، ويقال: إنه لم يسمع من أحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا من هؤلاء الثلاثة، وفي سند هذا الحديث: عمر ¬

_ (¬1) وقال الحافظ: محمد بن عبد الأعلى الصنعاني: ثقة، التقريب (6100). (¬2) انظر: الصحاح للجوهري (5/ 2147). (¬3) أخرجه الترمذي (2505) وإسناده فيه انقطاع، وكذلك فيه علة أخرى وهي أن في إسناده محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني قال: الذهبي تركوه، وترجم له الحافظ في "التقريب" (5857) وقال: ضعيف، وانظر: الضعيفة (178). (¬4) أخرجه الترمذي (2506) وإسناده حسن. وهو كما قال: لولا أن فيه عنعنة مكحول فإنه صاحب تدليس كما قال الذهبي. وانظر أجوبة الحافظ بن حجر في "أجوبته" على أحاديث المشكاة، وهداية الرواة (4/ 387 - 388).

بن إسماعيل بن مجالد، روى له الترمذي خاصة، قال الذهبي فيه: أتهم وكذبه ابن معين (¬1). تنبيه: وقع في سند هذا الحديث في الترمذي عن أمية بن القاسم عن حفص بن غياث، قال المزي: كذا هو جميع نسخ الترمذي والصواب القاسم بن أمية (¬2). 3922 - قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما أحب أني حكيت أحدًا وأن لي كذا وكذا". قلت: قد تقدم التنبيه على هذا الحديث قبل ثلاث أحاديث، وأنه بعض حديث رواه الترمذي وصححه. (¬3) 3923 - قال: جاء أعرابي فأناخ راحلته، ثم عقلها، ثم دخل المسجد، فصلى خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما سلّم أتى راحلته فأطلقها، ثم ركب، ثم نادى: اللهم ارحمني ومحمدًا ولا تشرك في رحمتنا أحدًا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أتقولون هو أضل أم بعيره؟ ألم تسمعوا إلى ما قال؟ " قالوا: بلى. قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث جندب ورجاله رجال الصحيحين إلا أبا عبد الله الجشمي رواية عن جندب، فإنَّه لم يخرج له إلا أبو داود، وقال الذهبي: ولا أعلم أحدًا حدث عنه إلا الجريري. (¬4) ¬

_ (¬1) انظر: قول الذهبي في الكاشف (2/ 55)، تكذيب ابن معين له في رواية ابن الجنيد (51)، وقال الحافظ: متروك، التقريب (4900). (¬2) انظر: تحفة الأشراف (9/ 80). (¬3) أخرجه الترمذي (2503)، وإسناده صحيح. انظر: الصحيحة (901). (¬4) أخرجه أبو داود (4885) وإسناده ضعيف، فيه أبو عبد الله الجشمي قال الحافظ في التقريب (8270): مجهول، ولكن القصة صحيحة من حديث أبي هريرة. كما في هداية الرواة (4/ 388).

باب الوعد

باب الوعد من الصحاح 3924 - قال: لما مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجاء أبا بكر مال من قبل العلاء ابن الحضرمي، فقال أبو بكر: من كان له على النبي -صلى الله عليه وسلم- دين، أو كانت له قِبَله عدة، فليأتنا، قال جابر: فقلت: وعدني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يُعطيني هكذا وهكذا، وهكذا، فبسط يديه ثلاث مرّات، قال جابر: فحثا لي حثية، فعددتها، فإذا هي خمسمائة، قال: خذ مثليها. قلت: رواه الشيخان البخاري في الكفالة وفي الخمس وفي المغازي وفي الشهادات بألفاظ متقاربة ومسلم في فضائل النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث جابر. (¬1) وفي الحديث دليل على: قضاء دين الميت وإنجاز وعده لمن تخلف بعده، وأن قضاء الدين عن الميت لا فرق فيه بين الوارث وغيره، ولقائل أن يقول: إنما كان الصديق يقضيه من مال النبي -صلى الله عليه وسلم- وليس النبي -صلى الله عليه وسلم- كغيره، لأنه لا وارث له، إنما ماله بعد دينه ونفقة أهله، صدقة لا ميراث فليس كغيره، وإنما حثى أبو بكر لجابر بيده، لأنه خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيده قائمة مقام يده - صلى الله عليه وسلم - وكان له ثلاث حثيات بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذهب الشافعي والجمهور إلى أن الوفاء بالوعد مستحب لا واجب، وأوجبه الحسن وبعض المالكية (¬2). من الحسان 3925 - قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبيض قد شاب، وكان الحسن بن علي رضي الله عنه يشبهه، وأمر له بثلاثة عشر قَلوصًا، فذهبنا نقبضها، فأتانا موتُه، فلما قدم أبو بكر ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الكفالة (2296)، كتاب الهبة (2598)، كتاب الشهادات (2683)، كتاب فرض الخمس (3137) (3164) (4383)، ومسلم (2314). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (15/ 106 - 107).

رضي الله عنه قال: من كانت له عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عدة فليجيء، فقمت إليه فأخبرته فأمر لنا بها. قلت: قال ابن الأثير (¬1): اتفق البخاري ومسلم والترمذي على الفصل الأول من هذا الحديث واتفق البخاري والترمذي على الفصل الثاني وانفرد الترمذي بذكر أبي بكر وإعطائه إياهم انتهى كلامه. (¬2) وقد ذكر الحميدي وعبد الحق في "الجمع بين الصحيحين" أن البخاري انفرد عن مسلم بقوله وأمر لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- بثلاثة عشر قلوصًا فقبض النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يقبضها. قال الحميدي (¬3): وزاد البرقاني وذكره أبو مسعود الدمشقي: فأبوا أن يعطونا شيئًا فأتينا أبا بكر فأعطاناها قال الحميدي: ولم أجد ما قاله البرقاني عندنا من أصل كتاب البخاري، انتهى كلام الحميدي. قلت: فعلى قول البرقاني يكون الحديث معناه كله في البخاري والحديث ذكره البخاري في باب صفة النبي -صلى الله عليه وسلم- في فضائله - صلى الله عليه وسلم -، والترمذي في الاستئذان والله أعلم. قال الجوهري (¬4): والقلوص من النوق الشابة وهي بمنزلة الجارية من النساء والجمع قُلُص وقلاص وقلائص. وقال العدوي: القَلوص أول ما يركب من إناث الإبل إلى أن تثني فإذا أثنيت فهي ناقة. 3926 - قال: بايعت النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يبعث، وبقيت له بقية، فوعدته أن آتيه بها في مكانه، فنسيت، ثم ذكرت بعد ثلاث، فجئت فإذا هو في مكانه، فقال: "يا فتى! لقد شققت علي، أنا ها هنا منذ ثلاث أنتظرك". ¬

_ (¬1) انظر: جامع الأصول (11/ 238 - 239)، و (9/ 34). (¬2) أخرجه البخاري (3544)، ومسلم (2343)، وهو عند الترمذي كذلك (2826). (¬3) انظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (1/ 331). (¬4) انظر: الصحاح (3/ 1054).

قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث إبراهيم بن طهمان عن بديل عن عبد الكريم عن عبد الله بن شقيق عن أبيه عن عبد الله بن أبي الحمساء. وقال: محمد بن يحيى هذا عندنا عبد الكريم بن عبد الله بن شقيق، انتهى كلام أبي داود (¬1). وقال المنذري (¬2): قال أبو علي سعيد بن السكن في كتاب الصحابة له، روى حديثه إبراهيم بن طهمان عن بديل عن عبد الكريم المعلّم، ويشبه أن يكون قول ابن السكن الصواب، وعبد الكريم بن المعلم هو ابن أبي المخارق ولا يحتج بحديثه انتهى. قلت: وقد أخرج له مسلم متابعة، والبخاري تعليقًا، وقال أبو عمر ابن عبد البر: لا يختلفون في ضعفه، أن منهم من يقبله في غير الأحكام خاصة ولا يحتج به. وكان مؤدب كتاب حسن السمت غر مالكًا منه سمته ولم يكن من أهل بلده، فيعرفه، ولم يخرج مالك له حكمًا بل ترغيبًا وفضلًا وقد اعتذر مالك عنه لما تبين أمره، فقال: عرف بكثرة بكائه في المسجد ونحو ذلك والله أعلم (¬3). 3927 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إذا وعد الرجل أخاه، ومن نيته أن يفي، فلم يف، ولم يجىء للميعاد، فلا إثم عليه". قلت: رواه أبو داود في الأدب والترمذي في الإيمان، وقال: غريب وليس إسناده بالقوي، وفيه أبو وقاص مجهول. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4996) وفي إسناد الحديث اضطراب ساقه أبو داود عقب الحديث وفصله المزي في تحفة الأشراف (4/ 313). وقال العراقي في تخريج الإحياء: اختلف في إسناده، وقال ابن مهدي: ما أظن إبراهيم ابن طهمان إلا أخطأ فيه. أ. هـ. (¬2) مختصر السنن (7/ 284)، وعبد الكريم بن أبي المخارق أبو أمية المعلّم، قال الحافظ بن حجر: ضعيف، له في البخاري زيادة، في أول قيام الليل. التقريب (4184). (¬3) انظر: تهذيب التهذيب (6/ 378)، والمجروحين لابن حبان (2/ 144) ومنهج الإمام النسائي (5/ 2208).

وأبو النعمان مجهول وأبو وقاص مجهول انتهى كلام الترمذي. (¬1) وقد اشتمل سند أبي داود على هذين المجهولين أيضًا، وسئل أبو حاتم عن أبي النعمان؟ فقال: مجهول، وعن أبي وقاص؟ فقال: مجهول (¬2). وقد يستدل بهذا الحديث من يرى أن الوفاء بالوعد ليس بواجب، وهو ما ذهب إليه الجمهور، فإن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فلم يف، ولم يجىء للميعاد" فلا إثم عليه أي سواء كان قادرًا على الوفاء أو غير قادر. 3928 - قال: دعتني أمي يومًا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعد في بيتنا، فقالت: ها، تعال أعطيك، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أما إنك لو لم تعطه شيئًا كتبت عليك كذبة". قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث محمد بن عجلان أن رجلًا من موالي عبد الله بن عامر بن ربيعة العدوي حدثه عن عبد الله بن عامر أنه قال: دعتني أمي يومًا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعد في بيتنا فقالت تعال أعطيك: فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وما أردت أن تعطيه؟ " قالت: أعطيه تمرًا، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "أما إنك لو لم تعطيه شيئًا كتبت عليك كذبة". فيه مولى عبد الله وهو مجهول. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4995)، والترمذي (2633). (¬2) انظر: مختصر المنذري (7/ 283 - 284). (¬3) أخرجه أبو داود (4991) وإسناده ضعيف لجهالة مولى عبد الله بن عامر. وله شاهد من حديث ابن مسعود كما قال: العراقي في تخريج أحاديث الإحياء (3/ 135) ورجاله ثقات عند أحمد (3896).

باب المزاح

باب المزاح من الصحاح 3929 - قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ليخالطنا، حتى يقول لأخ لي صغير: "يا أبا عمير ما فعل النغير؟ " كان له نُغر يلعب به، فمات. قلت: رواه البخاري في الأدب ومسلم في الصلاة وفي الاستئذان والترمذي في الصلاة وفي البر والنسائي في اليوم والليلة وابن ماجه في الأدب كلهم من حديث أنس. (¬1) والنغير: تصغير نغر بوزن صرد: وهو طائر يشبه العصفور، أحمر المنقار. وفي الحديث دليل لمن قال أن صيد المدينة مباح، بخلاف صيد مكة، وفيه دليل: أنه لا بأس أن يعطى الصبي الطير ليلعب به من غير أن يعذبه، وفيه دليل: على مشروعية تكنية الصغير. وأجاب من قال بتحريم صيد المدينة: يجوز أن يكون النغر أخذ من خارج الحرم، وفي الجواب نظر، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ينقل عنه أنه سأل عنه هل أخذ من الحرم أو من خارجه، وتقرره على ذلك، وترك الاستفصال، ظاهر في إحلال صيدها والله أعلم (¬2). من الحسان 3930 - قالوا: يا رسول الله إنك تلاعبنا؟ قال: "إني لا أقول إلا حقًّا". قلت: رواه الترمذي في البر من حديث أسامة بن زيد الليثي عن سعيد المقبري عن أبي هريرة ورجاله موثقون وحسنه الترمذي. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6129) (6203)، ومسلم (2150)، والترمذي (333)، وأبو داود (4969)، والنسائي في الكبرى (110164)، وفي عمل اليوم والليلة (332)، وابن ماجه (3720). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (14/ 182). (¬3) أخرجه الترمذي (1990) وإسناده حسن. =

3931 - أن رجلًا استحمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "إني حاملك على ولد الناقة"، فقال يا رسول الله: ما أصنع بولد الناقة؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وهل تلد الإبل إلا النوق". قلت: رواه أبو داود في الأدب والترمذي في البر من حديث أنس وقال: وهذا حديث صحيح غريب (¬1). 3932 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له: "يا ذا الأذنين". قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث أنس والترمذي في البر وقال: قال محمود بن غيلان، قال أبو أسامة: يعني مازحه، قال أبو عيسى الترمذي: وهذا صحيح غريب انتهى. (¬2) وفي سنده شريك القاضي. 3933 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعجوز: "إن الجنة لا يدخلها العُجَّز"، فولّت تبكي. قال: "أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، إن الله تعالى يقول: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا} ". قلت: رواه الترمذي في الشمائل من حديث المبارك بن فضالة عن الحسن مرسلًا. (¬3) ¬

_ = وكذا أحمد (2/ 360) وقد تابعه أي أسامة بن زيد محمد بن عجلان عند أحمد (2/ 240)، والبخاري في الأدب المفرد (165) فالسند حسن. انظر: هداية الرواة (4/ 397). (¬1) أخرجه أبو داود (4998)، والترمذي (1991) وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه أبو داود (5002)، والترمذي (1992). وفي إسناده شريك بن عبد الله القاضي وهو ضعيف لسوء حفظه، لكن له طريق عند الطبراني في الكبير (662). من طريق حرب بن ميمون عن النضر بن أنس عن أنس وإسناده حسن. انظر: هداية الرواة (4/ 398). (¬3) أخرجه الترمذي في الشمائل (240) وهو من مراسيل الحسن، ووصله الطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب وضعفه الهيثمي في المجمع (10/ 419) وقال: وفيه مسعدة ابن اليسع وهو ضعيف. وانظر: مجمع البحرين في زوائد المعجمين (8/ 162)، وعلقه البغوي في شرح السنة (13/ 458). وانظر: الصحيحة (2987).

3934 - أن رجلًا من أهل البادية -اسمه: زاهر بن حرام- كان يُهدي للنبي -صلى الله عليه وسلم- من البادية، فيجهزه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يخرج، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن زاهرًا باديتنا، ونحن حاضروه"، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحبه، وكان دميمًا، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- يومًا وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره، فقال: أرسلني، من هذا؟ فالتفت، فعرف النبي -صلى الله عليه وسلم- فجعل لا يألو ما ألزق ظهره بصدر النبي -صلى الله عليه وسلم- حين عرفه، وجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من يشتري العبد؟ " فقال: يا رسول الله إذًا والله تجدني كاسدًا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لكن عند الله لست بكاسد". قلت: رواه ابن حبان في صحيحه عن عبد الله بن محمد الأزدي عن إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن معمر عن ثابت البناني عن أنس والترمذي في الشمائل عن إسحاق بن منصور أنا عبد الرزاق به (¬1). ودميمًا: بالدال المهملة أي قصيرًا. قوله: فاحتضنه أي أخذه في حضنه، وهو ما دون الإبط إلى الكشح. قوله لا يألو أي: لا يقصر. 3935 - قال: أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم، فسلّمت، فرد علي، وقال: "ادخل"، فقلت: أكلي يا رسول الله؟ قال: "كلك"، فدخلت. قلت: رواه أبو داود في الأدب في باب المزاح والبخاري في الجزية مطولًا كلاهما من حديث عوف بن مالك الأشجعي فقال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم، فقال: اعدد ستًّا بين يدي الساعة: موتى، ثم فتح بيت المقدس ... وساق الحديث، ولم يذكر قصة الدخول، فلذلك ذكرها الشيخ في الحسان وإن كان الحديث أصله في البخاري ورواه ابن ماجه في الفتن. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في الشمائل (239)، وابن حبان (2276). وإسناد صحيح على شرط الشيخين وصححه الحافظ في الإصابة (2/ 547). وكذا أحمد (3/ 161). (¬2) أخرجه أبو داود (5000) وهو في البخاري (3176) في الجزية مطولًا. وابن ماجه (4042)، والحاكم في المستدرك (4/ 419)، وأحمد (6/ 22).

3936 - قوله في المصابيح: قيل: إنما قال: "أدخل كلي، من صغر القبة". قلت: روى ذلك أبو داود عن عثمان بن أبي العاتكة. (¬1) قال المنذري (¬2) وعثمان هذا فيه مقال. وقال المزي: ضعفه النسائي ووثقه غيره وروى له أبو داود وابن ماجه خاصة (¬3). 3937 - قال: استأذن أبو بكر رضي الله عنه على النبي -صلى الله عليه وسلم- فسمع صوت عائشة عاليًا، فلما دخل تناولها ليلطمها، وقال: لا أراك ترفعين صوتك على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يحجزه، وخرج أبو بكر مغضبًا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- حين خرج أبو بكر: "كيف رأتيني أنقذتك من الرجل؟ "، قال: فلما مكث أبو بكر أيامًا، ثم استأذن فوجدهما قد اضطجعا، قال لهما: أدخلاني في سلمكما كما أدخلتماني في حربكما، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "قد فعلنا، قد فعلنا". قلت: رواه أبو داود في الأدب (¬4) وقال فيه: فوجدهما قد اصطلحا، وليس فيه: اضطجعا، ورواه النسائي في عشرة النساء وقد سكت عليه أبو داود والمنذري (¬5). 3938 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تمار أخاك، ولا تمازحه، ولا تَعِدْه موعدًا فتخلفه". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (5001) وإسناده معضل. (¬2) مختصر السنن (7/ 286). (¬3) انظر: تهذيب الكمال (19/ 397 - 400)، وقال الحافظ في التقريب (4515): صدوق، ضعّفوه في روايته عن علي بن يزيد الألهاني. (¬4) أخرجه أبو داود (4999)، والنسائي في الكبرى (8495). فيه أبو إسحاق السبيعي، وقد عنعن، وقد اختلط. وجاء من طريق أخرى عند النسائي في الكبرى وليس فيه ذكر أبي إسحاق، انظر: الصحيحة (2901). (¬5) انظر: مختصر السنن للمنذري (7/ 286).

قلت: رواه الترمذي في البر وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه انتهى. (¬1) وسنده جيد، فإنه رواه الترمذي عن زياد بن أيوب عن المحاربي وهو عبد الرحمن بن محمد عن الليث بن أبي سليم عن عبد اللك بن أبي بشير عن عكرمة عن ابن عباس، والليث بن أبي سليم: وإن كان الذهبي قال: فيه ضعف يسير من قبل حفظه، فقد خرج له أصحاب السنن مقرونًا، وكان ذا صلاة وصيام وعلم كثير (¬2). قوله - صلى الله عليه وسلم -: لا تمار أخاك، من المماراة وهي المخاصمة أي لا تخاصمه. قوله: لا تمازحه، قال العلماء: المزاح المنهي عنه هو الذي فيه إفراط يتأذى به، أو مدوامة تورث كثرة الضحك، وقسوة القلب، وتشغل عن ذكر الله، والفكر في مهمات الدين، وتؤول في كثير من الأوقات إلى الإيذاء وتورث الأحقاد وتسقط المهابة والوقار، فأما ما سلم من هذه الأمور فهو المباح الذي كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعله، فإنه - صلى الله عليه وسلم - إنما كان يفعله في نادر من الأحوال لمصلحة وتطييب نفس المخاطب ومؤانسته، وهذا لا منع منه بل هو سنة، إذا كان بهذه الصفة، ودخل الشعبي وليمة فرأي أهلها سكوتًا، فقال: ما لي أراكم كأنكم في جنازة أين الغناء أين الدف. وقيل لسفيان بن عيينة: المزاح هُجْنة؟ قال: بل سنة، ولكن الشأن فيمن يحسنه ويضعه مواضعه. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1995) وإسناده ضعيف، فيه: ليث بن أبي سليم والعجب من المناوي في تعديله لليث بن أبي سليم وقد ترجم له الحافظ في التقريب (5721) صدوق اختلط جدًّا، ولم يتميز حديثه فترك. (¬2) انظر كلام الذهبي في الكاشف (2/ 151) رقم (4692)، وقال الترمذي في جامعه: قال محمد بن إسماعيل -يعني البخاري-: ليث بن أبي سليم صدوق، وربما يهم في الشيء، كان ليث يرفع أشياء لا يرفعها غيره، فذلك ضعفوه. انظر رقم (2801).

باب المفاخرة والعصبية

وكان ابن سيرين يمزح ويضحك حتى يسيل لعابه، ثم يقرأ {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ}. وقيل: كان ابن سيرين كثير الضحك بالنهار، كثير البكاء بالليل. وقيل: سمي المزاح مزاحًا لأنه أزيح عن الحق، أي: بُوعِد (¬1). باب المفاخرة والعصبية من الصحاح 3939 - " سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي الناس أكرم؟ قال: أكرمهم عند الله أتقاهم. قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: "فأكرم الناس يوسف نبي الله، ابن نبي الله ابن نبي الله، ابن خليل الله"، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: "فعن معادن العرب تسألوني؟ " قالوا: نعم، قال: "فخياركم في الجاهلية: خياركم في الإسلام، إذا فقهوا". قلت: رواه البخاري في أحاديث الأنبياء وفي مناقب قريش ومسلم في المناقب والنسائي في التفسير واللفظ للبخاري. (¬2) قال عبد الحق قال البخاري: يوسف نبي الله بن نبي الله بن نبي الله بن خليل الله، زاد نبي الله فذكر نبيين بين يوسف وإبراهيم، وكذلك في بعض النسخ من كتاب مسلم ورواية مسلم: "خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا". وقال البخاري: في بعض طرق هذا الحديث في تفسير سورة يوسف: "خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا". ¬

_ (¬1) انظر: شرح السنة للبغوي (13/ 184). (¬2) أخرجه البخاري (4689) (3353) (3374) (3383) (3490)، ومسلم (2378)، والنسائي في الكبرى (11249).

قال ابن الأثير (¬1): الكريم المطلق هو الجواد المعطي الذي لا ينفد عطاؤه، والكريم الجامع لأنواع الخير والشرف والفضائل، وسمي يوسف كريمًا لأنه اجتمع له شرف النبوة والعلم والجمال والعفة وكرم الأخلاق والعدل ورياسة الدنيا والدين، فهو نبي ابن نبي ابن نبي ابن نبي رابع أربعة والنبوة. ومعادن العرب: أصولها التي ينسبون إليها ويتفاخرون بها. 3940 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبرهيم". قلت: رواه البخاري في تفسير سورة يوسف وفي غيره من حديث ابن عمر. (¬2) 3941 - قال في يوم حنين: كان أبو سفيان بن الحارث آخذًا بعنان بغلته -يعني بغلة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما غشيه المشركون، نزل فجعل يقول: "أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب" قال: فما رئي من الناس يؤمئذ أشد منه. قلت: رواه البخاري في الجهاد ومسلم في المغازي كلاهما من حديث البراء بن عازب (¬3). وقيل: انتسب إلى عبد المطلب للتقريب، وخصه لأنه ربَّاه - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: كان عبد المطلب رأي في النوم شجرة عظيمة، خرجت من صلبه وبلغت أغصانها المشرق والمغرب، وارتفعت فروعها إلى السماء فقص هذه الرؤية على الكهنة، فعبروها بأنها نبي آخر الزمان يخرج من صلبك، وكانت هذه القصة مشهورة عندهم فيما بينهم، فأشار النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا القول إلى أنه تلك الشجرة، وأنه هو الرؤيا التي رآها عبد المطلب، فإن قلت: هذه مفاخرة، قلت: لا، هي من باب قوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}. ¬

_ (¬1) النهاية (4/ 166 - 167). (¬2) أخرجه البخاري (4688). (¬3) أخرجه البخاري (3042) (2864) (2874) (2930)، ومسلم (1776).

من الحسان

3942 - قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا خير البرية، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ذاك إبراهيم عليه السلام". قلت: رواه مسلم في المناقب وأبو داود في السنة والترمذي والنسائيُّ كلاهما في التفسير كلهم من حديث أنس ولم يخرجه البخاري. (¬1) والبرية: الخلق، تقول برأه الله يبرؤه إبراء أي خلقه وتجمع على البرايا. 3943 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُطروني كما أطْرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد الله، فقولوا: عبد الله ورسوله". قلت: رواه البخاري في أحاديث الأنبياء وهو طرف من حديث السقيفة، والترمذي في الشمائل كلاهما من حديث ابن عباس عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه. (¬2) والإطراء: مجاوزة الحد في المدح، والكذب فيه، وذلك أن النصارى أفرطوا في مدح عيسى وإطرائه بالباطل، فمنعهم - صلى الله عليه وسلم - أن يطروه بالباطل. 3944 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله أوحى إليّ: أن تواضعوا، حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد". قلت: رواه مسلم في أواخر الصحيح في حديث طويل من حديث عياض ابن حمار المجاشعي، ولم يخرجه البخاري ولا أخرج عن عياض بن حمار شيئًا. (¬3) والتواضع: تفاعل من الضعة وهو الذل والإهانة. والفخر: داء الكبر والشرف. من الحسان 3945 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لينتهين أقوام يتفاخرون بآبائهم الذين ماتوا، إنما هم فحم من جهنم، أو ليكونن أهون على الله من الجُعَل الذي يُدهده الخرء بأنفه، إن الله قد ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2369)، وأبو داود (4672)، والترمذي (3352)، والنسائيُّ في الكبرى (11692). (¬2) أخرجه البخاري (3445) (6830)، والترمذي في الشمائل (331). (¬3) أخرجه مسلم (2865).

أذهب عنكم عُبّية الجاهلية، وفخرها بالآباء، إنما هو مؤمن تقي، أو فاجر شقي، الناس كلهم بنو آدم، وآدم من تراب". قلت: رواه أبو داود في الأدب والترمذي في المناقب واللفظ للترمذي، وقال: حسن. (¬1) وروى أيضًا بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثم قد أذهب الله عنكم عبية الجاهلية، وفخرها بالآباء، مؤمن تقي، أو فاجر شقي، والناس بنو آدم وآدم من تراب" وقال الترمذي: وهذا أصح عندنا. (¬2) والجعل: حيوان معروف كالخنفساء، والدهدهة: الدحرجة يقال: دهدهت الحجر أي دحرجته. والخرء: العذرة، شبههم النبي -صلى الله عليه وسلم- حالة افتخارهم بآبائهم الذين ماتوا في الجاهلية بعد أن نهاهم بالجعل، وشبه آباءهم المفتخر بهم بالخرء، وشبه نفس افتخارهم بضم الدهدهة بالأنف. قوله: عبية الجاهلية، قال الهروي (¬3): هي بكسر العين وضمها يعني الكبر، قال الجوهري (¬4): يقال: رجل فيه عُبِّية وعِبِّية أي كِبْر وتجبّر، وعُبيّة الجاهلية: نخوتُها. 3946 - قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلنا: أنت سيدنا، فقال: "السيد الله" فقلنا: وأفضلنا فضلًا، وأعظمنا طولًا، فقال: "قولوا قولكم، أو بعض قولكم، ولا يستجرينّكم الشيطان". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (5116)، والترمذي (3955) وإسناده حسن وأخرجه أحمد (2/ 361، 524). (¬2) أخرجه الترمذي أيضًا (3956). (¬3) انظر: الغريبين للهروي (4/ 60). (¬4) الصحاح (1/ 175).

قلت: رواه أبو داود في الأدب وسكت هو والمنذري عليه والنسائيُّ في اليوم والليلة كلاهما من حديث مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه. (¬1) ومعنى الحديث: أن السؤدد حقيقته لله عَزَّ وَجَلَّ، ولعله - صلى الله عليه وسلم - إنما منعهم مع قوله - صلى الله عليه وسلم -: أنا سيد ولد آدم، وقوموا إلى سيدكم، من أجل أنهم حديث عهدهم بالإسلام أو كانوا يحسبون السيادة بالنبوة كهي بأسباب الدنيا فعلمهم وأرشدهم إلى الأدب، فقال: قولوا قولكم يريد أهل دينكم، وادعوني رسولًا ونبيًّا كما سماني الله عَزَّ وَجَلَّ، ولا تسموني سيدًا كما تسمون رؤساكم قاله الخطابي (¬2). وبعض قولكم: فيه حذف، ومعناه: دعوا بعض قولكم، يريد الاقتصار في المقال، ولا يستجرينكم الشيطان، قيل: معناه لا يستجرينكم الشيطان على الجرأة بذكر ما لا يليق، وقيل: لا يتخذنكم جَرِيًا، والجري الوكيل، ويقال: الأجير، وسمي الوكيل جريًا لأنه يجري مجرى موكله (¬3). 3947 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الحَسَب المال، والكرم التقوى". قلت: رواه الترمذي في التفسير، وقال: حسن صحيح، لا نعرفه إلا من هذا الوجه ورواه ابن ماجه في الزهد كلاهما من حديث الحسن عن سمرة (¬4) وقد تكلم الناس في سماع الحسن من سمرة وقدمنا ذلك، والحسن هذا هو الحسن البصري وأبوه يسار من سبي ميسان أعتقته الربيع بنت النضير. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4806)، والنسائيُّ في الكبرى (10075)، وإسناده صحيح وأخرجه أحمد (4/ 25). وانظر: مختصر المنذري (7/ 177). (¬2) معالم السنن (4/ 104). (¬3) المصدر السابق. (¬4) أخرجه الترمذي (3271)، وابن ماجه (4219)، والبغويُّ في شرح السنة (13/ 125)، وإسناده ضعيف، الحسن مدلس، وقد عنعن ولم يسمع كل ما رواه عن سمرة. وله شواهد ذكرها الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (269).

قال وكيع في قوله: الحسب: المال، يريد أن الرجل إذا صار ذا مال عظّمه الناس. وقال سفيان: إنما هو قول أهل المدينة إذا لم يجد الرجل نفقة امرأته، فُرق بينهما. وروي عن عمر أنه قال: حسب الرجل ماله، وكرمه دينه، وأصله عقله، ومروءته خُلقه (¬1). 3948 - قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من تعزَّى بعَزاء الجاهلية، فأعِضّوه يهَنِ أبيه، ولا تكنُوا". قلت: رواه النسائيُّ في السير بسند رجال موثقون. (¬2) والتعزي والاعتزاء: بمعنى الانتساب إلى القوم، يقال: عزيت الشيء وعزيت وأعزوه إذا أسندته إلى أحد والعزى والعزوة اسم لدعوة المستغيث، وهو أن يقول: يا لفلان أو يا للأنصار ويا للمهاجربن، ومنه الحديث: "من لم يتعز بعزاء الإسلام فليس منا". أي من لم يدع بدعوى الإسلام فيقول يا للإسلام ويا للمسلمين ويا لله. وقيل أراد - صلى الله عليه وسلم - بالتعزي: التأسي والتصبر عند المصيبة، وأن يقول: (إنا لله وإنا إليه راجعون) كما أمر الله تعالى. ومعنى قوله - صلى الله عليه وسلم - بعزاء الله: المراد يترك الكناية، أن يقول له: اعضض بأير أبيك ولا يكني عن الأير بالهن، وأمُره - صلى الله عليه وسلم - بذلك إغراق في الزجر عن الدعوى انتهى. يقال: كنيت عن الأمر وكنوت عنه إذا وريت عنه بغيره. ¬

_ (¬1) انظر: شرح السنة للبغوي (13/ 125). (¬2) أخرجه النسائيُّ في الكبرى (8864) وإسناده صحيح كما في الصحيحة (269)، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (963)، وأحمد (5/ 136)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (435)، وابن حبان (736)، والطبراني في الكبير (1/ 167 رقم 532). وانظر للتفصيل الأجوية المرضية للسخاوي (2/ 621 - 624).

3949 - قال: شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحدًا، فضربتُ رجلًا من المشركين، فقلت: خذها مني وأنا الغلام الفارسي، فالتفت إلي فقال: "فهلّا قلت: خذها مني وأنا الغلام الأنصاري؟ ". قلت: رواه أبو داود في الأدب وابن ماجه في الجهاد (¬1) من حديث عبد الرحمن بن أبي عقبة عن أبي عقبة، وفي إسنادهما محمد بن إسحاق، وأبو عقبة هذا بصري مولى بني هاشم بن عبد مناف، وقيل: مولى الأنصار، ذكره غير واحد في الصحابة وقال ابن عبد البر: قيل اسمه: رشيد (¬2). 3950 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من نصر قومه على غير الحق، فهو كالبعير الذي رَدَى، فهو يُنزع بذنبه". قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث ابن مسعود بسند صحيح (¬3) ولذلك سكت هو والمنذري عليه. قوله - صلى الله عليه وسلم -: ردى بفتح الراء وكسر الدال المهملة، ويروى بفتحهما لغتان: أي سقط في بئر أو نهر يريد أنه وقع في الإثم وهلك كالبعير الذي يردى في البئر فصار ينزع بذنبه لا يقدر على خلاصه، قال ابن الأثير (¬4): أراد أنه وقع في الإثم وهلك، كالبعير الذي تردّي في البئر، وأراد أن يُنزع بذنبه فلا يقدر على خلاصه انتهى. والمعنى أنه أوقع نفسه في الهلكة بتلك النصرة الباطلة، وقيل: شبه القوم بالبعير الهالك، لأن من كان على غير الحق فهو كالهالك، وشبه ناصرهم على غير الحق بذنب هذا البعير الهالك لأنه ينزع بذنبه عند إخراجه من البئر فذنبه ظاهرة في النزع (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (5123)، وابن ماجه (2784) وفي إسناده محمد بن إسحاق، وقد عنعن. (¬2) انظر: الاستيعاب (4/ 1716) رقم (3095)، وقال الحافظ: له صحبة، التقريب (8320). (¬3) أخرجه أبو داود (5118) وإسناده صحيح. وأخرجه أحمد (1/ 393، 401، 449). (¬4) انظر: النهاية لابن الأثير (2/ 216). (¬5) انظر: معالم السنن (4/ 138).

3951 - قال: قلت: يا رسول الله ما العصبية؟ قال: "أن تعين قومك على الظلم". قلت: رواه أبو داود في الأدب عن بنت واثلة بن الأسقع أنها سمعت أباها يقول: قلت: يا رسول الله ... وساقه ورواه ابن ماجه في الفتن من حديث عباد بن كثير الشامي عن امرأة منهم يقال لها فسيلة قالت سمعنا أبي يقول: .. فذكر معناه. (¬1) وفسيلة بضم الفاء وفتح السين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبعد اللام المفتوحة تاء التأنيث وهي: بنت واثلة بن الأسقع، ويقال فيها أيضًا: خصيلة بضم الخاء المعجمة، وفتح الصاد المهملة. وعباد بن كثير الشامي وثقه ابن معين وتكلم فيه غير واحد، ولهذا قال المنذري: وإسناد حديث أبي دواد مثل إسناد ابن ماجه (¬2). 3952 - قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "خيركم المدافع عن عشيرته، ما لم يأثم". قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث سعيد بن المسيّب عن سراقة بن مالك بن جعشم، وفي إسناده: أيوب بن سويد أبو مسعود الحميري السيباني، ضعفه ابن معين ونسبه إلى سرقة الحديث، وقال ابن المبارك: أرم به، وتكلم فيه غير واحد. (¬3) قال المنذري (¬4): وفي سماع سعيد بن المسيّب من سراقة المدلجي نظر، فإن وفاة سراقة: كانت في سنة أربع وعشرين على المشهور، ومولد سعيد ابن المسيّب: سنة خمس عشرة، فعلى هذا يصح سماعه منه، وقال مالك: إن مولد سعيد بن المسيّب لثلاث ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (5119)، وابن ماجه (3949). وإسناده ضعيف، لضعف عباد بن كثير الشامي ترجم له الحافظ في "التقريب" (3156) وقال: متروك، قال أحمد: = = روى أحاديث كذب، وفسيلة: هي ابنة واثلة بن الأسقع، مقبولة ولها حديث واحد، انظر التقريب (8759). (¬2) انظر هذا الكلام في مختصر المنذري (8/ 17 - 18). (¬3) أخرجه أبو داود (5120) وإسناده ضعيف. (¬4) مختصر السنن (8/ 18)، وأيوب بن سويد الرملي، أبو مسعود الحِميري السّيْباني قال الحافظ: صدوق يخطيء، التقريب (620).

سنين بقيت من خلافة عمر وقتل عثمان، وهو ابن أربع عشرة سنة، فيكون مولده على هذا سنة عشرين أو إحدى وعشرين، فلا يصح سماعه منه، وقال الواقدي: مات سنة أربع وتسعين في خلافة الوليد بن عبد الملك وهو ابن خمس وسبعين سنة وهو قريب من قول مالك. 3953 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل عصبية، وليس منا من مات على عصبية". قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث عبد الله بن أبي سلمان عن جبير ابن مطعم، ونقل المنذري عن أبي داود في بعض الروايات عنه: هذا مرسل، عبد الله بن أبي سليمان: لم يسمع من جبير، هذا آخر كلامه. (¬1) ومراده أن الحديث منقطع، وفي إسناده: محمد بن عبد الرحمن المكي، وقيل فيه: العُكي، قال أبو حاتم الرازي: هو مجهول، قال المنذري (¬2): وقد أخرج مسلم في صحيحه والنسائي في سننه من حديث أبي هريرة نحوه بمعناه، أتم منه من حديث جندب بن عبد الله البجلي مختصرًا. 3954 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "حبك الشيء: يعمي ويصم". قلت: رواه أبو داود في الأدب (¬3) وترجم عليه: باب في الهوى من حديث بلال بن أبي الدرداء عن أبي الدرداء عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي إسناده: بقية بن الوليد وأبو بكر بكير بن عبد الله بن أبي مريم الغساني الشامي وفي كل واحد منهما مقال: وأبو بكر ضعفوه، وروى عن بلال عن أبيه قولَه، ولم يرفعه. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (5121) وإسناده ضعيف، وانظر: مختصر المنذري (8/ 19). (¬2) مختصر السنن (8/ 19)، وانظر قول أبي حاتم في الجرح والتعديل (7/ 326). (¬3) أخرجه أبو داود (5130) وإسناده ضعيف.

باب البر والصلة

قال المنذري (¬1): وقيل: إنه أشبه بالصواب، ويروى من حديث معاوية بن أبي سفيان، ولا يثبت، وسئل ثعلب عن معناه؟ فقال: يعمي العين عن النظر إلى مساويه، ويصم الأذن عن استماع العذل فيه وأنشأ يقول: وكذبت طرفي فيك، والطرف صادق ... وأسْمعت أذني فيك ما ليس تسمع وقال غيره: يعمي ويصم عن الآخرة. وفائدته: النهي عن حب ما لا ينبغي الإغراق في محبته (¬2). باب البر والصلة من الصحاح 3955 - قال: قال رجل: يا رسول الله من أحق بحسن صحابتي؟ قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "ثم أبوك"، ويروى: من أبر؟ قال: "أمك، ثم أمك، ثم أمك ثم أباك، ثم أدناك أدناك". قلت: أخرج الحديث الشيخان وابن ماجه في الأدب كلهم من حديث أبي هريرة وأبو حاتم والرواية: في مسلم. (¬3) والصحابة. بفتح الصاد بمعنى الصحبة. ¬

_ (¬1) انظر: مختصر السنن (8/ 31). (¬2) قال الحافظ ابن حجر في أجوبته: " ... ومعنى هذا الحديث أنه خبر يراد به النهي عن اتباع الهوى، فإنه من يفعل ذلك لا يبصر قبيح ما يفعله، ولا يسمع نصح من يُرشده، وإنما يقع ذلك لمن لم يتفقد أحوال نفسه، والله أعلم، انظر هداية الرواة (4/ 406). (¬3) أخرجه البخاري (5971)، ومسلم (2548)، وابن ماجه (2706)، وابن حبان (434).

قوله: من أحق بحسن صحابتي ومن أبر قال: أمك ثلاث مرات، وفي الأب مرة، قال فيه بعضهم: ينبغي أن تكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب، لأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر ببرها ثلاثًا، وبر الأب مرة، ويشهد لذلك أنها تحمل مشقة الحصل ثمَّ مشقة الوضع ثمَّ مشقة الحضانة والتربية والرضاع، دون الأب، وقال بعضهم: لها ثلثا البر: لحديث ورد ذكر الأم فيه مرتين، والأب مرة، ورواه ابن حبَّان في صحيحه، واستدل به على ذلك قلت: وليس بين الحديث الذي ظاهره أن لها ثلاثة أرباع البر، وبين الحديث المقتضي الثلثين منافاة، بل يحمل الأول على أم ربت الولد وأرضعته، والثاني على أم لم يوجد منها ذلك، وهذا سنح به الخاطر ولعله الصواب والله أعلم (¬1). ونقل عن مالك أنهما في البر سواء، وذكر المحاسبي أن تفضيل الأم على الأب إجماع العلماء، والصحيح عندنا أنه إذا اجتمع الأب والأم في الاحتياج إلى النفقة وليس عند الولد إلا كفايه أحدهما، قدمت الأم، وقيل: الأب وقيل: هما سواء (¬2). 3956 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "رغم أنفه، رغم أنفه، رغم أنفه"، قيل: من يا رسول الله؟ قال: "من أدرك والديه عند الكبر، أحدهما أو كلاهما، ثم لم يدخل الجنة". وفي لفظ: "رغم أنف، ثمَّ رغم أنف، ثمَّ رغم أنف". قلت: رواه مسلم في الأدب من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬3) قوله: رغم أنف، أي ذل وخزي، كأنه لصق بالرغام بالفتح وهو التراب، يقال: رغم بالفتح يرغم بالضم: ذل، ورغم بالكسر يرغم بالفتح أيضًا والرَّغم والرُّغم والرِّغم ¬

_ (¬1) انظر: إكمال المعلم (8/ 5 - 6)، والمنهاج للنووي (16/ 154). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (16/ 154). (¬3) أخرجه مسلم (2551).

بالجميع الذلة، قوله: أحدهما أو كلاهما، كذا هو في نسخ المصابيح المعتمدة (¬1)، وكثير من نسخ مسلم وفي بعضهما: أحدهما أو كليهما بالنصب (¬2). قال القرطبي (¬3): وهو الرواية الصحيحة لأنه بدل من والديه، وأما الرفع فعلى الابتداء ويتكلف لهما إضمار الخبر. 3957 - قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد قريش، فقلت: يا رسول الله إن أمي قدمت علي، وهي راغبة، أفأصلها؟ قال: "نعم، صليها". قلت: رواه الشيخان: البخاري في الهبة وزاد فيه: قال ابن عيينة: فأنزل الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} ومسلم وأبو داود في الزكاة من حديث أسماء بنت أبي بكر (¬4) واختلفوا هل كانت أمها التي ولدتها وهي قُتَيْلة: بضم القاف وفتح التاء ثالثة الحروف وسكون الياء آخر الحروف، وقيل: قيلة: بفتح القاف وسكون الياء بنت عبد العزى القرشية العامرية، ولم يبلغنا إسلامها ولا ذكرها ابن عبد البر في الصحابيات. وقيل: إن القادمة على أسماء لم تكن أمها من النسب بل من الرضاع، ومعنى في عهد قريش في المدة التي عاهدت قريش فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمراد أنها جاءت طائعة، هذا في رواية: راغبة، وجاء في أبي داود: راغمة أي كارهة الإسلام ساخطة علي، وفي رواية لابن حبان: راغبة راهبة (¬5). والصلة: العطية والإنعام. ¬

_ (¬1) كما في مشكاة المصابيح، عن الطبعة الهندية (4/ 1830). (¬2) انظر: إكمال المعلم (8/ 14). (¬3) انظر: المفهم للقرطبي (6/ 519). (¬4) أخرجه البخاري (5979) (3183) (2620) (5978)، ومسلم (1003)، وأبو داود (1668). (¬5) انظر: معالم السنن (2/ 65)، والمنهاج للنووي (7/ 124)، ومختصر السنن للمنذري (2/ 251).

3958 - قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء، إنما وليي الله، وصالح المؤمنين، ولكن لهم رحم أبلها ببلالها". قلت: رواه البخاري في الأدب ومسلم في الإيمان من حديث قيس ابن أبي حازم عن عمرو بن العاص. (¬1) قوله: فلان، هو من قول بعض الرواة، خشي أن يسميه فيترتب على تسميته مفسدة فكنى عنه بفلان، والغرض إنما هو قوله - صلى الله عليه وسلم -: إنما وليي الله وصالح المؤمنين، فليس وليي من كان غير صالح وإن قرب نسبه. قال القاضي عياض (¬2): قيل المكنى عنه هنا هو الحكم بن أبي العاص وفيه التبرؤ من المخالفين والتنبيه على موالاة الصالحين والإعلان بذلك ما لم يخف فتنة. قلت: ويشهد لهذا الحديث قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} على القولين في إعراب: ومن اتبعك، هل هو معطوف على الفاعل فتقديره: يكيفك الله والمؤمنون، أو على الكاف فتقديره: يكفيك ومن اتبعك الله، فعلى الأوّل يكون: وصالح المؤمنين قد عطف على الفاعل وهو الجلالة، وعلى الثاني: يكون معطوفًا على المضاف إليه، تقديره: وليي الله وولي صالح المؤمنين، كذلك يعني الله. قوله أبلها ببلالها: قال النوويّ: هو بفتح الباء الثانية وكسرها قال القاضي عياض: رويناه بالكسر قال: ورأيت للخطابي أنَّه بالفتح، وقال صاحب المطالع ورويناه بالكسر والفتح من: بله يبله والبلال الماء شبهت قطيعة الرحم بالحرارة، ووصلها بإطفاء الحرارة، ومنه: بلوا أرحامكم أي صلوها (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5990)، ومسلم (215). ولم أجد في مسلم: "ولكن لهم رحم أبلها ببلالها". (¬2) إكمال المعلم (1/ 600)، والمنهاج للنووي (3/ 109). (¬3) انظر: أعلام الحديث للخطابي (3/ 2167)، وشرح السنة للبغوي (13/ 30)، وفتح الباري (10/ 420).

3959 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات، وكره لكم قيل وقال، وكثره السؤال، وإضاعة المال". قلت: رواه البخاري في مواضع في الزكاة وفي الاستقراض وفي الأدب وفي الرقاق، وهذا لفظه في الاستقراض، ومسلم في الأحكام بطرق وكلها متقاربة اللفظ والنسائيُّ في الرقائق ثلاثتهم من حديث وراد كاتب المغيرة ابن شعبة (¬1) عن المغيرة فرفعه. قوله: عقوق الأمهات، قال ابن الأثير (¬2): يقال: عق والده يعقه عقوقًا فهو عاق، إذا آذاه وعصاه، وهو ضد البر وأصله من العق: وهو الشق والقطع، وإنما خصّ الأمهات وإن كان عقوق الآباء وغيرهم من ذوي الحقوق عظيمًا فلعقوق الأمهات مزية في القبح، وقد تكرر ذكر عقوق الوالدين من الكبائر في الأحاديث، انتهى. وسئل الحسن عن بر الوالدين فقال: أن تبذل لهما ما ملكت، وتطيعهما فيما أمراك ما لم يكن إثمًا. قوله: ووأد البنات: بالهمز أي دفنهن أحياء. ومنع وهات: هو بكسر التاء أي منع ما وجب عليه وهات ما ليس له. وقيل: وقال: معناه الحديث بكل ما تسمعه فيقول: قيل: كذا، وقال: فلان كذا مما لا يعلم صحته، ولا يظنها وكفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع. واختلفوا في حقيقة هذين اللفظين على قولين: أحدهما: أنهما فعلان، فقيل مبني لما لم يسم فاعله، أو قال: فعل ماضي والثاني: أنهما اسمان مجروران منونان لأنَّ القال والقيل والقول والقالة كله بمعنى، قاله النوويّ (¬3). وكثرة السؤال هو الإلحاح فيما لا حاجة إليه. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2408) (5975)، ومسلم (593)، في كتاب الأقضية بعد حديث رقم (1715)، والنسائيُّ في الكبرى تحفة الأشراف (11536). ولم أجده في المطبوع من الكبرى. (¬2) انظر: النهاية لابن الأثير (3/ 277). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (12/ 16).

وإضاعة المال: تبذيره وصرفه في غير الوجوه المأذون فيها من مقاصد الآخرة والدنيا، وترك حفظه مع إمكان الحفظ، ويدخل فيه سوء القيام على ما يملكه من الرقيق، والدواب، حتى يضيع فتهلك، وقسمة ما لا ينتفع به الشريك كاللؤلؤة والسيف والحمام الصغير، واحتمال الغبن الفاحش في البياعات ونحوها، وكذلك دفع المال لمن لم يؤنس رشده. 3960 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من الكبائر شتم الرجل والديه"، قالوا: يا رسول الله! وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: "نعم، يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه". قلت: رواه البخاري في الأدب ومسلم في الإيمان وأبو داود في الأدب والترمذي في البر كلهم من حديث حميد بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو بن العاص (¬1) وفي الحديث دليل على أنَّه من تسبب في شيء جاز أن ينسب إليه ذلك الشيء. قال النوويّ (¬2): وفيه سد الذرائع، فيؤخذ منه النهي عن بيع العصير ممن يتخذ الخمر، والسلاح ممن يقطع الطريق ونحو ذلك، انتهى. والذريعة: هي الامتناع مما ليس ممنوعًا في نفسه مخافة الوقوع في محظور، والحديث قد جاء على وفق قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}. وقال في المفهم (¬3): إن قوله - صلى الله عليه وسلم - "من الكبائر شتم الرجل أباه": يعني من أكبر الكبائر، لأنَّ شتم المسلم الذي ليس بأبٍ كبيرة، فشتم الآباء أكبر منه، انتهى. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5973)، ومسلم (90)، وأبو داود (5141)، والترمذي (1902). (¬2) المنهاج (2/ 117). (¬3) المفهم للقرطبي (1/ 285).

قلت: وهذا فاسد من وجهين أحدهما: أنا لا نسلم أن شتم المسلم كبيرة مطلقًا بل يختلف إن كان الشتم بقذف ونحوه فكبيرة، وإلا فليس بكبيرة فليس مطلق الشتم في حق الأجانب كبيرة. والثاني: أنا وإن سلمنا أنَّه كبيرة في حق الأجانب فذاك مباشرة الشتم، أما التسبب فلا، فيكون التسبب كبيرة في حق الولد لوالده فبطل تقدير من أكبر الكبائر، والله أعلم. 3961 - قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن من أبرّ البر: صلة الرجل أهل ودّ أبيه بعد أن يولي". قلت: رواه مسلم وأبو داود كلاهما في البر (¬1) من حديث عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر ولم يخرجة البخاري. قال النوويّ (¬2): الود هنا: بضم الواو، وفي هذا صلة أصدقاء الأب، والإحسان إليهم، وإكرامهم، وهو متضمن لبر الأب وإكرامه، لكونه بسببه، وتلتحق به أصدقاء الأم والأجداد والمشايخ، وقد ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصل صدائق خديجة رضي الله عنها برًّا بها - صلى الله عليه وسلم - ورضي الله عنها. قوله: بعد أن يولي أي بعد أن يولي الأب أي يموت؛ لأنَّ ذلك أعظم في إكرام الأب ومحبته، ومقتضاه أنَّه إذا بره في حياته لا يكون أبر البر، بل هو بر وليس بأبر البر وهذا ظاهر. 3962 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أحب أن يُبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه". قلت: رواه البخاري في البيوع ومسلم في الأدب وأبو داود في الزكاة والنسائيُّ في التفسير كلهم من حديث يونس عن ابن شهاب عن أنس به. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2552)، وأبو داود (5143). (¬2) المنهاج (16/ 165). (¬3) أخرجه البخاري (2067)، ومسلم (2557)، وأبو داود (1693)، والنسائيُّ (449).

وبسط الرزق: توسعته وكثرته. قوله - صلى الله عليه وسلم -: ينسأ، مهموز أي يؤخر، يقال: نسأته أي أخرته، وكذلك أنسأته، فعلت وافتعلت بمعنى. والأثر: الأجل، سمي بذلك لأنه يتبع العمر، وأصله من أثر مشيه في الأرض، فإذا مات لا يبقى لقدمه أثر، وهذا محمول عند بعضهم على أن المراد به البركة في عمره، والتوفيق للطاعات، وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة وصيانتها عن الضياع في غير ذلك، وقيل: هذا بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة في اللوح المحفوظ، ونحو ذلك فيظهر لهم أن في اللوح أن عمره ستون سنة إلا أن يصل رحمه فإن وصلها زيد له أربعون، وقد علم الله ما سيفعل من ذلك، وهو من معنى قوله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} وبالنسبة إلى علم الله وما قدره، لا زيادة بل مستحيلة، وبالنسبة إلى ما يظهر للمخلوقين تتصور الزيادة وهو مراد الحديث، وقيل: إن المراد بقاء ذكره الجميل بعده فكأنه لم يمت، وهو ضعيف أو باطل. وصلة الرحم: درجات بعضها أرفع من بعض فأدناها ترك المهاجرة وأدنى صلتها بالسلام، وهذا بحسب القدرة عليها والحاجة إليها، فمنها: ما يتعين ويلزم، ومنها: ما يستحب ويرغب فيه، وليس من لم يبلغ أقصى الصلات يسمى قاطعًا، ولا من قصر عما ينبغي له وتعدى عليه يسمى واصلًا. واختلفوا في الرحم التي تجب صلتها، فقيل: كل رحم محرم، فلا يجب في بني الأعمام والعمات وبني الأخوال والخالات، واحتج هذا القائل بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح، وجواز ذلك في بنات الأعمام والأخوال، وقيل: عام في كل ذي رحم محرم، كان أو غير محرم، وارثًا كان أو غير وارث، قال النوويّ: وهذا أصح (¬1). 3963 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خلق الله الخلق، فلما فرغ منه، قامت الرحم، فأخذت بحقوي الرحمن، فقال: مَهْ؟ قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فذاك" ¬

_ (¬1) انظر هذا الكلام في المنهاج للنووي (16/ 169 - 171).

قلت: رواه البخاري في التفسير وفي التوحيد وفي الأدب ومسلم في الأدب والنسائيُّ في التفسير ثلاثتهم من حديث أبي هريرة (¬1) والحقو: الإزار، ضبطه صاحب الصحاح بفتح الحاء المهملة وأصله لمعقدة الإزار، ثمَّ استعير للإزار، لمجاورته، وذلك على سبيل التجوز والتمثيل، ومنه قولهم: عذت بحقو فلان، أي استجرت واعتصمت، قوله: مه، معناه ماذا، فأبدلت الألف هاء للوقف والسكت والتقدير: ماذا تطلبين، والعائذ: المستجير. 3964 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الرحم معلقة بالعرش، تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله". قلت: رواه الشيخان في الأدب وعزاه الطبري لمسلم خاصة وليس بصحيح وقد ذكره الحميدي وغيره فيما اتفق عليه الشيخان من حديث عائشة. (¬2) 3965 - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الرحم شُجنة من الرحمن، قال الله تعالى: من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته". قلت: رواه البخاري في الأدب من حديث أبي هريرة (¬3) يرفعه. قوله: شجنة هو بالشين المعجمة وبالجيم ثمَّ النون قال الجوهري (¬4): الشِجنة والشُجنة بكسر الشين وضمها، عروق الشجر المشتبكة، وبيني وبينه شجنة رحم: أي قرابة مشتبكة، وذكر هذا الحديث، وقال: معناه الرحم مشتقة من الرحمن، يعني أنها قرابة من الله مشتبكة كاشتباك العروق، انتهى كلامه. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5987) (7502)، ومسلم (2554)، والنسائيُّ في الكبرى (11497). (¬2) أخرجه البخاري (5989)، ومسلم (2555). وانظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (4/ 146). (¬3) أخرجه البخاري (5988). (¬4) الصحاح (5/ 2143).

وقال ابن حبَّان (¬1): إنها قرابة مشتبكة كاشتباك العروق ومعنى شجنة من الرحمن أي مشتقة من اسم الرحمن، واستدل بحديث عبد الرحمن بن عوف الآتي في الحسان، واختلفوا في أن الذي تقوله الرحم هل هو في الدنيا أو يوم القيامة؟ واختاره أبو حاتم وأورد فيه حديثًا، وترجمه بباب بيان أن تشتكي الرحم إنما يكون يوم القيامة لا في الدنيا. وروي: "الرحم شجنة من الرحمن فإذا كان يوم القيامة تقول ... " الحديث. 3966 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يدخل الجنة قاطع". قلت: رواه الشيخان في الأدب وأبو داود في الزكاة والترمذي في البر. (¬2) قال سفيان: يعني قاطع رحم، وأخرجه أحمد وأبو حاتم كلهم من حديث جبير بن مطعم. 3967 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ليس الواصل بالمكافىء، ولكن الواصل الذي إذا قَطَعت رحمُه وصلها". قلت: رواه البخاري (¬3) وأبو داود كلاهما في الزكاة والترمذي في البر وابن حبَّان في صحيحه كلهم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. وقطعت: بفتح القاف والطاء. ورحمه مرفوع. 3968 - أن رجلًا قال: يا رسول الله إن لي قرابة، أصلهم ويقطعون، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي؟، فقال: "لئن كنت كما قلت، فكأنما تُسفهم الملّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم، ما دمت على ذلك". قلت: رواه مسلم في الأدب ولم يخرجه البخاري. (¬4) ¬

_ (¬1) صحيح ابن حبَّان (الإحسان) (2/ 186، 188). (¬2) أخرجه البخاري (5984)، ومسلم (2555)، وأبو داود (1696)، والترمذي (1909)، وأخرجه أحمد في المسند (4/ 84)، وابن حبَّان (الإحسان) (454)، والبغويُّ في شرح السنة (3437). (¬3) أخرجه البخاري (5991)، وأبو داود (1697)، والترمذي (1908)، وابن حبَّان (445). (¬4) أخرجه مسلم (2558).

من الحسان

وأحلم: بضم اللام ويجهلون يسيئون. قوله - صلى الله عليه وسلم -: تسفهم المل، قال النوويّ (¬1): بضم التاء وكسر السين وتشديد الفاء، والمل: بفتح الميم، وهو الرماد الحار الذي يخبز فيه الخبز، وأراد - صلى الله عليه وسلم - أنك تجعل الملة لهم سُفوفًا يستفّونه، والمعنى أنّ عطاءك لهم حرام عليهم، ونار في بطونهم، كذا فسره ابن الأثير (¬2). قال الطبري في الأحكام: ولا وجه له، فإن عطاءه لا يكون عليهم حرامًا بالإجماع، إلا معناه والله أعلم: إن عطاءك لهم بعد قطيعتهم وإحسانك بعد إسائتهم وحلمك بعد جهلهم يعقب حرارة الأسف في قلوبهم على ما سلف منهم، وإن عليهم سوء صنعهم. والظهير: المعين، والدافع لأذاهم. من الحسان 3969 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه". قلت: رواه ابن ماجه في السنة والفتن عن علي بن محمَّد عن وكيع عن سفيان عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن أبي الجعد الغطفاني أخو سالم عن ثوبان فذكره. ورواه في شرح السنة عن سفيان بالسند إلى ثوبان (¬3). ¬

_ (¬1) المنهاج (16/ 173). (¬2) انظر: النهاية لابن الأثير (4/ 361)، وشرح السنة (13/ 25). (¬3) أخرجه ابن ماجه (90) و (4022)، وأخرجه أحمد (5/ 277)، وابن حبَّان (1090)، والحاكم (1/ 493)، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وصححه الشيخ الألباني في الصحيحة (154). عبد الله بن أبي الجعد أخو سالم ولم يرو عنه غير اثنين ولم يؤثر توثيقه عن غير ابن حبَّان. وانظر: شرح السنة (13/ 6).

وقال: معنى أن الرجل ليحرم الرزق بالذنب، أن الذنب يكدر عليه صفا رزقه إذا فكر في عاقبة أمره فكأنما حرمه. 3970 - قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "دخلت الجنة فسمعت فيها قرآنًا، فقلت: من هذا؟ قالوا: حارثة بن النعمان، كذلكم البر، كذلكم البر، وكان أبر الناس بأمه". قلت: رواه الحاكم في المستدرك من حديث عائشة قالت قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: رأيتني في الجنة فسمعت صوت قارئ يقرأ، فقلت: من هذا؟ قالوا: حارثة بن النعمان، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كذلك البر، قال: "وكان أبر الناس بأمه"، وقال: صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي (¬1). ورواه المصنف: في شرح السنة من طريقين: إحداهما: بهذا اللفظ غير أنَّه لم يذكر فيها: "وكان أبر الناس بأمه". والثانية: زاد فيه "نمت فرأيت في الجنة، وزاد أيضًا: وكان أبر الناس بأمه"، ورواه البيهقي في شعب الإيمان (¬2) من حديث عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: نمت فرأيتني في الجنة فسمعت صوت قارئ، فقلت: من هذا؟ فقالوا: حارثة بن النعمان فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كذلك البر، كذلك البر، وكان أبر الناس بأمه". ورواه أيضًا من حديث أبي هريرة ولم يذكر: وكان أبر الناس بأمه. ووضح لنا برواية الحاكم والبيهقيُّ أن قوله: وكان أبر الناس بأمه، من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- وليس بمدرج في الحديث. ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم في المستدرك (3/ 208)، وفي شرح السنة (13/ 7) رقم (3419) وإسناده صحيح على شرط الشيخين. انظر: الصحيحة (913). (¬2) انظر: الشعب (7850).

وحارثة بن النعمان أنصاري نجاري بالنون والجيم، شهد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المشاهد كلها وكان من فضلاء الصحابة، قال ابن عبد البر: وأمه فيما يقولون: جَعْدة بنت عبيد بن ثعلبة من بني النجار أيضًا (¬1). 3971 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد". قلت: رواه الترمذي في البر (¬2) من حديث يعلى بن عطاء عن أبيه عن ابن عمرو بن العاص مرفوعًا وموقوفًا، قال: والموقوف أصح، وأخرجه أبو حاتم ابن حبَّان مرفوعًا وقال: رضي الله .. وسخط الله ... 3972 - قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الوالد أوسط أبواب الجنة"، فإن شئت، فحافظ على الباب، أو ضيّع. قلت: رواه الترمذي في البر وصححه، وابن ماجه في الطلاق وابن حبَّان في صحيحه وأبو داود الطيالسي والبيهقيُّ في شعب الإيمان والحاكم في المستدرك وأقره الذهبي، كلهم من حديث أبي الدرداء. (¬3) قوله أوسط أبواب الجنة: أي خيرها وأعدلها. 3973 - قلت: يا رسول الله من أبر؟ قال: "أمك"، قلت: ثمَّ من؟ قال: "أمك"، قلت: ثمَّ من؟ قال: "أمك"، قلت: ثمَّ من؟ قال: "أباك، ثمَّ الأقرب فالأقرب". ¬

_ (¬1) انظر: الاستيعاب لابن عبد البر (1/ 306 - 307). (¬2) أخرجه الترمذي (1899)، وابن حبَّان (429)، والبغويُّ في شرح السنة (13/ 11) رقم (3423)، وإسناده صحيح. انظر: الصحيحة (516). (¬3) أخرجه الترمذي (1900)، وابن ماجه (2089)، والطيالسي (981)، وابن حبَّان (2023)، والحاكم (4/ 152). وانظر: الصحيحة (914).

قلت: رواه الترمذي في البر بهذا اللفظ، وقال: حسن، ورواه أبو داود في الأدب (¬1): "من أبر؟ قال: أمك ثمَّ أمك ثمَّ أمك، ثمَّ أبوك، ثمَّ الأقرب فالأقرب"، من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وقد تكلم شعبة في بهز ووثقه جماعات، ولم يحتج به الشيخان في الصحيحين، وقد رواه الحاكم من طريق بهز، وقال: صحيح، ورواه أيضًا من غير طريق بهز، بل من طريق سويد بن حجر عن حكيم عن معاوية عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله من أبر .. الحديث، وفي بعض نسخ الترمذي: حسن صحيح، وفي بعضها: حسن، خاصة. 3974 - قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "قال الله تبارك وتعالى: أنا الله وأنا الرحمن، خلقت الرحم، وشققت لها من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها بتته". قلت: رواه أبو داود في الزكاة والترمذي في البر وصححه الحاكم في المستدرك في البر وأبو حاتم في صحيحه كلهم من حديث عبد الرحمن بن عوف. (¬2) ومعنى بتته: قطعته. 3975 - قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا تنزل الرحمة على قوم فيهم قاطع رحم". قلت: لم أره في شيء من الكتب الستة، ورواه الطبراني في معجمه الكبير والمصنف في شرح السنة، كلاهما من حديث سليمان بن زيد المحاربي عن عبد الله بن أبي أوفى ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (5139)، والترمذي (1897)، والحاكم (3/ 642) و (4/ 150) وإسناده حسن. وانظر: إرواء الغليل (837، 2170). (¬2) أخرجه أبو داود (1694)، والترمذي (1907)، وابن حبَّان (443)، والحاكم (4/ 157، 158) وإسناده صحيح. انظر: الصحيحة (520).

يرفعه. (¬1) وسليمان المحاربي: قال فيه النسائيُّ: ليس بثقة، وقال ابن حبَّان: لا يحتج به ولفظ الطبراني: لا تنزل الملائكة. 3976 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من ذنب أحرى أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة: من البغي وقطيعة الرحم". قلت: رواه أبو داود في الأدب بهذا اللفظ، والترمذي وابن ماجه كلاهما في الزهد (¬2) ثلاثتهم من حديث إسماعيل بن علية عن عيينة ابن عبد الرحمن بن حوش عن أبيه عن أبي بكرة، وقال فيه: حديث حسن صحيح، ورواه الحاكم في المستدرك في باب البر والصلة من حديث بكار ابن عبد العزيز بن أبي بكرة عن أبيه عن أبي بكرة بمثل معناه، وقال: صحيح، وقال الذهبي: بكار ضعيف انتهى. 3977 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يدخل الجنة منان، ولا عاق، ولا مدمن خمر". قلت: رواه المصنف في شرح السنة والبيهقيُّ في شعب الإيمان كلاهما من حديث أبي سعيد الخدري يرفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- (¬3) وفيه يزيد ابن أبي زياد رديء الحفظ، لين، روى له مسلم مقرونًا بغيره. ¬

_ (¬1) أخرجه البغوي (13/ 28) رقم (3439) و (3440). وعزاه الهيثمي في المجمع (8/ 151) إلى الطبراني في الكبير وقال: فيه أبو آدم المحاربي وهو كذاب. وقال الحافظ: سليمان بن زيد المحاربي، ضعيف، رماه يحيى بن معين، التقريب (2576). (¬2) أخرجه أبو داود (4902)، والترمذي (2511)، وابن ماجه (4211)، والحاكم (2/ 356) وإسناده صحيح. انظر: الصحيحة (918). وبكا بن عبد العزيز بن أبو بكرة بصري: صدوق يهم، التقريب (742). (¬3) أخرجه البيهقي في الشعب (7876)، والبغويُّ في شرح السنة (13/ 17) رقم (3428) وإسناده صحيح بطرقه وشواهده. من رواية ابن عمر أخرجه أحمد (2/ 43، 69)، والنسائيُّ (5/ 80) وعن عبد الله بن عمرو أخرجه أحمد (2/ 201)، والطيالسي (2295)، والنسائيُّ (8/ 318)، وابن حبَّان (3384). ورواية أنس أخرجه أحمد (3/ 226). وأخرجه ابن حبَّان.

والمنان: هو الذي يمن على من يتصدق عليه وقد قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} وقيل هو القطاع للزكاة ولا يتصدق ولا يزكى ماله من قوله تعالى: {لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} أي غير مقطوع. 3978 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تعلّموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال منسأة في الأثر". (غريب). قلت: رواه الترمذي في البر والصلة بإسناد جيد، وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه ورواه الحاكم، وقال: صحيح، كلاهما من حديث أبي هريرة، قال الترمذي: ومعنى قوله: منسأة في الأثر، يعني به زيادة في العمر انتهى. (¬1) ووجه كونها مثراة في المال: أي مكثرة له فإن الشخص إذا علم أنسابه، كان له منهم من يعقل وينفق ويواسي ويهادي ويوصي وغير ذلك، وقد تقدم معنى زيادة العمر. 3979 - أن رجلًا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إني أصبت ذنبًا عظيمًا، فهل لي من توبة؟ قال: "هل لك من أم؟ " قال: لا، قال: "وهل لك من خالة؟ " قال: نعم، قال: "فبرّها". قلت: رواه الترمذي في البر من حديث ابن عمر (¬2) قال: ويروى عن أبي بكر بن حفص عن النبي مرسلًا نحوه، ولم يذكر فيه ابن عمر، قال: وهذا أصح، وأبو بكر بن حفص هو عمر بن سعد بن أبي وقاص روى له الجماعة. 3980 - قال: بينا نحن عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ جاءه رجل من بني سلمة، فقال: يا رسول الله هل بقي من بر أبوَيّ شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: "نعم الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1979)، والحاكم (4/ 161) وإسناده صحيح. انظر: الصحيحة (276). (¬2) أخرجه الترمذي (1904) وإسناده صحيح وأخرجه أيضًا أحمد (2/ 13 - 14)، وابن حبَّان (435).

باب الشفقة والرحمة على الخلق

قلت: رواه أبو داود وابن ماجه كلاهما في الأدب، والحاكم في المستدرك في البر ثلاثتهم من حديث أبي أسيد الساعدي (¬1) بضم الهمزة وفتح السين وسكون الياء المثناة من تحت، واسمه مالك بن ربيعة، والصلاة عليهما: هو الدعاء لهما. 3981 - قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقسم لحمًا بالجعرانة، إذ أقبلت امرأة حتى دنت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فبسط لها رداءه، فجلست عليه، فقلت: من هي؟ فقالوا: "هذه أمه التي أرضعته". قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث أبي الطفيل وسكت عليه هو والمنذري واسم أبي الطفيل عامر بن واثلة. (¬2) باب الشفقة والرحمة على الخلق من الصحاح 3982 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يرحم الله من لا يرحم الناس". قلت: رواه الشيخان البخاري في الأدب والتوحيد ومسلم في فضائل النبي -صلى الله عليه وسلم- والترمذي في البر كلهم عن جرير بن عبد الله بألفاظ متفقة المعنى. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (5142)، وابن ماجه (3664)، والحاكم (4/ 154 - 155). وإسناده ضعيف لجهالة: علي بن عبيد الذي تفرد بالرواية عنه ابنه أسيد بن علي بن عبيد وقد ترجم له الحافظ في "التقريب" (4801) وقال: مقبول، وانظر: الضعيفة (597). (¬2) أخرجه أبو داود (5144) وانظر: مختصر السنن للمنذري (8/ 39)، والجعرانة: هي ما بين الطائف ومكة، وهي إلى مكة أقرب، وهي مخففة وشددها بعضهم، والتخفيف أصوب. انظر المصدر السابق ومعجم البلدان لياقوت (2/ 142). (¬3) أخرجه البخاري (7376)، ومسلم (2319)، والترمذي (1922).

3983 - قالت: جاء أعرابي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في أمر فرآه يقبّل الحسن ابن علي فقال: أتقبلون الصبيان؟ فما نقبلهم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة؟ ". قلت: رواه البخاري في الأدب ومسلم في الفضائل من حديث هشام ابن عروة عن عائشة ولفظ مسلم: قدم ناس من الأعراب، وجعل القصة لناس وكذلك ابن ماجه رواه في الأدب. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: أو أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك، يجوز في "أن" فتح الهمزة على أنها مصدرية أي لا أملك لك نزع الله من قلبك الرحمة، وفيه حذف مضاف أي لا أملك لك دفع نزع الله من قبلك الرحمة، ويجوز كسرها على أنها شرطية والجواب محذوف أي إن نزع الله من قلبك الرحمة، لا أملك لك دفعه، وقد روي الحديث بهما. 3984 - قالت: جاءتني امرأة معها ابنتان تسألني، فلم تجد عندي غير تمرة واحدة، فأعطيتها فَقَسَمَتْها بين ابنتيها، ثمَّ خرجت، فدخل النبي -صلى الله عليه وسلم- فحدّثته فقال: "من بلي من هذه البنات شيئًا، فأحسن إليهن، كنّ له سترًا من النار". قلت: رواه البخاري في الأدب ومسلم والترمذي كلاهما في البر ثلاثتهم من حديث عبد الله بن أبي بكر عن عروة عن عائشة. (¬2) قوله: من بلي هذه البنات شيئًا كذا هو في نسخ المصابيح المسموعة، والذي في مسلم وغيره: من ابتلي من هذه البنات بشيء، وهو الصواب، وما اختاره المصنف قد أنكره جماعة لمكان قوله: شيئًا، ولهذا رواه بعضهم يلي بالياء من الولاية ويحتاج هذا إلى إثبات ذلك روايةً. 3985 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة، أنا وهو هكذا" وضم أصابعه. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5998)، ومسلم (2317)، وابن ماجه (3665). (¬2) أخرجه البخاري (5995)، ومسلم (2629)، والترمذي (1915).

قلت: رواه مسلم والترمذي كلاهما في كتاب البر من حديث أنس يرفعه واللفظ لمسلم (¬1) قال ابن الأثير (¬2) يقال: عال الرجل عياله يعولهم، إذا قام بما يحتاجون إليه من قوت وكسوة وغيرهما. 3986 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الساعي على الأرملة والمسكين، كالساعي في سبيل الله، وأحسبه قال: كالقائم لا يفتر، وكالصائم لا يفطر". قلت: رواه البخاري في النفقات وفي الأدب ومسلم والترمذي في البر والنسائيُّ في الزكاة وابن ماجه في التجارات كلهم من حديث أبي هريرة. (¬3) قال الجوهري (¬4): والأرملة: التي لا زوج لها، والأرمل: الرجل الذي لا امرأة له، وقد أرملت المرأة إذا مات عنها زوجها، وقال ابن السكيت: الأرامل: المساكين من الرجال والنساء، قال: ويقال لهم وإن يكن فيهم نساء، انتهى كلامه. والألف واللام في القائم والصائم غير معرفتين، ولذلك وصف كل واحد بالجملة الفعلية بعده، فقال: لا يفتر ولا يفطر. 3987 - أنهما قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أنا وكافل اليتيم، له أو لغيره في الجنة هكذا"، وأشار بالسبابة والوسطى، وفرّج بينهما شيئًا. قلت: رواه البخاري وأبو داود كلاهما في الأدب والترمذي في البر (¬5) ثلاثتهم من حديث سهل بن سعد إلا أن أبا داود قال: وفرق بين إصبعيه الوسطى والتي تلي ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2631)، والترمذي (1914). (¬2) النهاية (3/ 321). (¬3) أخرجه البخاري (6007)، ومسلم (2286، 2287) (2982)، والترمذي (1969)، والنسائيُّ (5/ 86)، وابن ماجه (2140). (¬4) الصحاح (4/ 1713). (¬5) أخرجه البخاري (5304)، وأبو داود (5150)، والترمذي (1918).

الإبهام، وروى مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين له ولغيره". (¬1) وقال مالك بن أنس: بأصبعيه السبابة والوسطى، والكافل: القائم بأمر اليتيم، المربي له وهو من الكفيل. والضمير في قوله - صلى الله عليه وسلم -: له ولغيره، راجع إلى الكافل أي سواء أكان من أقاربه وذوي رحمه أو كان أجنبيًّا عنه. 3988 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم، كمثل الجسد، إذا اشتكى عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر". قلت: رواه الشيخان في الأدب من حديث النعمان بن بشير يرفعه (¬2) وفي الحديث: جواز التشبيه وضرب الأمثال وتقريب المعاني إلى الأفهام. ومعنى تداعى له سائر الجسد: أي دعا بعضه بعضًا إلى المشاركة في ذلك، ومنه تداعت الحيطان: أي تساقطت أو قربت من التساقط. 3989 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمنون كرجل واحد، إن اشتكى عينُه اشتكى كلّه، وإن اشتكى رأسه اشتكى كله". قلت: رواه مسلم في الأدب من حديث النعمان ولم يخرجه البخاري بهذا اللفظ بل خرج الذي قبله كما قدمناه. (¬3) 3990 - قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا"، ثمَّ شبك بين أصابعه. ¬

_ (¬1) رواية مسلم برقم (2983) من حديث أبا هريرة. (¬2) أخرجه البخاري (6011)، ومسلم (2586). (¬3) أخرجه مسلم (2586).

قلت: رواه الشيخان في الأدب من حديث أبي موسى (¬1) إلا تشبيك الأصابع فإنها من زيادات البخاري، كما قاله عبد الحق في "الجمع بين الصحيحين" ذكره البخاري في باب تشبيك الأصابع في المسجد، وفي باب نصرة المظلوم. وذكر ابن الأثير الحديث (¬2) بتمامه وعزاه إلى الشيخين ولم يبين، من ثمَّ قال: وأخرجه الترمذي إلى قوله: بعضًا، ذكره الترمذي في البر والنسائيُّ في الزكاة. 3991 - كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أتاه السائل أو صاحب الحاجة، قال: "اشفعوا فلتؤجروا ويقضي الله على لسان رسوله ما شاء". قلت: رواه البخاري في الزكاة وفي التوحيد وهو ومسلم وأبو داود في الأدب والترمذي في العلم والنسائيّ في الزكاة كلهم من حديث أبي موسى (¬3). وفيه: استحباب الشفاعة لأصحاب الحوائج المباحة، سواء كانت الشفاعة إلى سلطان في كف ظلم أو إسقاط تعزير ونحو ذلك، وأما الشفاعة في الحدود فحرام، وكذا الشفاعة في تتميم باطل أو إبطال حق ونحو ذلك فهي حرام. 3992 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا"، فقال رجل: يا رسول الله! أنصره مظلومًا، فيكف أنصره ظالمًا؟ قال: "تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه". قلت: رواه البخاري في المظالم والترمذي في الفتن كلاهما من حديث أنس يرفعه وروى مسلم معناه من حديث جابر. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6026)، ومسلم (2585). (¬2) جامع الأصول (6/ 564). (¬3) أخرجه البخاري (7476)، ومسلم (2627)، والنسائيُّ (5/ 77)، وأبو داود (5131)، والترمذي (2672). (¬4) أخرجه البخاري (2444)، والترمذي (2255)، ومسلم (2584) بمعناه عن جابر.

3993 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المسلم أخو المسلم: لا يظلمه، ولا يُسْلِمَه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربةً من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة". قلت: رواه البخاري في الإكراه وفي المظالم وأبو داود كلاهما في الأدب والترمذي في الحدود والنسائيُّ في الرجم كلهم من حديث ابن عمر. (¬1) قال ابن الأثير (¬2): يقال: أسلم فلان فلانًا إذا ألقاه إلى الهلكة، ولم يحمه من عدوه، وهو عام في كل من أسلمته إلى شيء لكن دخله التخصيص، وغلب عليه الإلقاء في الهلكة. تنبيه: ذكر الشيخ زكي الدين المنذري (¬3) هذا الحديث في مختصر السنن وعزاه للترمذي والنسائيُّ وقال. وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة بعضه بمعناه انتهى كلامه، وهذا يقتضي أن الحديث من رواية ابن عمر ليس في البخاري ولا في مسلم، وليس كذلك بل هو ثابت فيهما كما بينته فلا تغتر بما وقع للمنذري فإنَّه ذهول، والله أعلم. قوله: ولا يسلمه، هو بضم الياء. 3994 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى ها هنا، ويشير إلى صدره ثلاث مرات، بحسب امرئ من الشر: أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه". قلت: رواه مسلم في الأدب وأبو داود قطعة منه: كل المسلم على المسلم حرام: ماله، وعرضه، ودمه، وفيه: حسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، والترمذي في البر ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2442) (6951)، ومسلم (2580)، وأبو داود (4893)، والترمذي (1426)، والنسائيُّ في الكبرى (7291). (¬2) انظر: النهاية (2/ 294). (¬3) انظر: مختصر السنن (7/ 221).

وابن ماجه بعضه مقطعًا في الزهد، وفي الفتن، فلفظ المصنف إنما هو في مسلم، كلهم من حديث أبي هريرة (¬1). ولا يخذله: بالذال المعجمة، قال العلماء: الخذل ترك الإعانة والنصرة، ومعناه: إذا استعان به في دفع ظالم ونحوه لزمه إعانته إذا أمكنه ولم يكن له عذر شرعي. ولا يحقره: هو بالحاء المهملة وبالقاف أي لا يحتقره فلا يتكبر عليه ويستقله، ورواه بعضهم: لا يخفره، بضم الياء آخر الحروف وبالخاء المعجمة والفاء أي لا يغدر بعهده ولا ينقض أمانته، قال القاضي عياض (¬2): والصواب المعروف هو الأوّل وهو الموجود في غير كتاب مسلم بغير خلاف. وروي: "لا يحتقره" وهذا يرد الرواية الثانية. قوله - صلى الله عليه وسلم -: التقوى ها هنا، معناه أن الأعمال الظاهرة لا يحصل بها التقوى وإنما تحصل بما يقع في القلب من عظمة الله تعالى وخشيته ومراقبته (¬3). 3995 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال، وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زَبْر له، الذين هم فيكم تَبَع، لا يبغون أهلًا ولا مالًا، والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دقّ إلا خانَه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك، وذكر البخل، والكذب، والشِّنظير الفحّاش". قلت: هذا الحديث رواه مسلم مطولًا في أواخر الصحيح والنسائيُّ في فضائل القرآن كلاهما (¬4) من حديث عياض بن حمار، ولم يخرجه البخاري ولا أخرج في صحيحه عن عياض بن حمار شيئًا وليس في مسلم له إلا هذا الحديث. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2564)، وأبو داود (4882)، والترمذي (1927)، وابن ماجه (4213). (¬2) إكمال المعلم (8/ 31). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (16/ 183). (¬4) أخرجه مسلم (2865)، والنسائي (8070).

وهو حديث طويل عظيم الفائدة وذكره المصنف مقطعًا، ونحن نذكره كما رواه مسلم: رواه عن مطرّف بن عبد الله بن الشخير، عن عِيَاض بن حمار ابن عرفجة بن ناجية بن عقال المجاشعي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال، ذات يوم في خطبته: "ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني، يومي هذا، كل مال نحلته عبدًا، حلال، وإني خلقت عبادي حُنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا، وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب، وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتابًا لا يغسله الماء، تقرؤه نائمًا ويقظان، وإن الله أمرني أن أحرّق قريشًا، فقلت: ربّ! إذًا يثغلوا رأسي فيدعوه خبزةً، قال: استخرجهم كما أخرجوك، واغزهم نُغزك وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشًا نبعث خمسة مثله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك، قال: وأهل الجنة ثلاثة: ... " وساق الحديث إلى آخره (¬1). زاد في بعض طرقه: عن مطر عن قتادة عن مطرف بن عبد الله عن عياض: "وإن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد"، وزاد: "وهم فيكم تَبَعًا لا يبغون أهلًا ولا مالًا" فقلت: وكيف يكون ذلك يا أبا عبد الله؟ قال: نعم، والله لقد أدركتهم في الجاهلية وإن الرجل ليرعى على الحيّ، ما به إلا وليدتهم يطؤها (¬2). قوله: ذو سلطان مقسط: قال ابن الأثير (¬3): المقسط من أسماء الله تعالى وهو العادل، يقال: أقسط يُقْسِط فهو مُقْسِط إذا عدل، وقسط يقسِط فهو قاسط إذا جار، فكأن الهمزة في "أقسط" للسَّلْب، كما يقال: شكا إليه فأشكاه. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (63/ 2865). (¬2) أخرجه مسلم (64/ 2865). (¬3) انظر: النهاية (4/ 60).

قوله: موفّق أي هيء له أسباب الخير وفتح أبواب البر. قوله: عفيف متعفف أي عفيف عما لا يحل له، متعفف كاف عن الحرام، مجتنب عن السؤال من الناس، متحاش عنه، متوكل على الله في أمره، ويجوز أن يشير بالأول إلى ما في نفسه من القوة المانعة من الفواحش، وبالثاني إلى إبراز ذلك بالفعل. قوله: لا زبر له أي لا عقل يزبره وينهاه عن الإقدام على ما لا ينبغي. فإن قلت: فإذا كان لا عقل له فلا تكليف عليه، فكيف يكون من أهل النار؟ قلت: ليس المراد نفي العقل التكليفي بل نفي الملكة التي بسببها يتماسك عن الشهوات فلا ير تدع عن فاحشة ولا يتوقف في حرام. قوله: الذي لا زبر له، قال بعضهم: إن الذي، بمعنى: الذين، بالجمع كقول الشاعر: إن الذي حانت بفلج دماهم ... هم القوم كل القوم يا أم خالد أي إن الذين، ولذلك قال: دماهم هم القوم، وهو الذي يجوز جعل قوله: الذين هم فيكم تبع، بدلًا من قوله: الذي لا زبر له، كأنهم أهل البطالات الذين لا هم لهم إلا تقضي الأيام بالباطل، فلا هم في عمل الآخرة ولا في عمل الدنيا. قوله: والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه، أي لا يخفي في نفسه طمعًا في شيء ما، وإن دق، بحيث لا يكاد يدرك إلا وهو يسعى فمن التطلع عليه حتى يجده فيخونه، ويحتمل أن يكون خفي من الأضداد، والطمع بمعنى المفعول، والمعنى: لا يظهر له شيء مطموع فيه إلا خانه وإن كان يسيرًا. قوله: الشنظير الفحاش، الشنظير: هو سيء الخلق، كذا قاله الجوهري (¬1)، قال بعض الشارحين: الفحاش: نعت الشنظير وليس بتفسير له، أي يكون مع سوء خلقه مبالغًا في الفحش انتهى. ويروى: الشنظير الفحاش بالنصب، عطفًا على مفعول، ذكر: أي ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- البخل والكذب والشنظير، وبالرفع عطفًا على قوله خمسة. ¬

_ (¬1) انظر: الصحاح للجوهري (2/ 698).

3996 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". قلت: رواه الشيخان في الإيمان (¬1) ولفظ البخاري: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" ولفظ مسلم: "والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره أوقال لأخيه ما يحب لنفسه"، فالبخاري لم يذكر القسم، وقال: لأخيه من غير شك، ومسلم ذكر القسم، ووقع فيه الشك كذا قال عبد الحق، فلفظ المصنف ليس بلفظ واحد منهما، ورواه الترمذي في الزهد والنسائيُّ في الإيمان وابن ماجه في السنة كلهم من حديث أنس. 3997 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله؟ قال: "الذي لا يأمن جاره بوائقه". قلت: رواه البخاري خاصة في الأدب من حديث أبي شريح. (¬2) وبوائقه: غوائله وشروره. 3998 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه". قلت: رواه مسلم في الإيمان من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬3) 3999 - قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنَّه سيورّثه". قلت: رواه الشيخان وأبو داود ثلاثتهم في الأدب والترمذي في البر وابن ماجه في الإرث كلهم من حديث عائشة. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (13)، ومسلم (45)، والترمذي (2515)، والنسائيُّ (8/ 115)، وابن ماجه (66). (¬2) أخرجه البخاري (6016). (¬3) أخرجه مسلم (46). (¬4) أخرجه البخاري (6014) (6015)، ومسلم (2624) (2625)، وأبو داود (5151)، والترمذي (1942)، وابن ماجه (3673).

4000 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كنتم ثلاثة، فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس، من أجل أن يُحزنه". قلت: رواه البخاري ومسلم والترمذي ثلاثتهم في الاستئذان وأبو داود وابن ماجه كلاهما في الأدب كلهم من حديث عبد الله بن مسعود يرفعه. (¬1) قال الخطابي (¬2): وإنما كان ذلك يحزنه لأنه ربما يتوهم أن نجواهم لسبب رأي فيه أو دسائس غائلة له وأن ذلك من أجل الاختصاص بالكرامة، قال أبو عبيد: هذا في السفر، وفي الوضع الذي لا يأمن الرجل فيه صاحبه على نفسه، أما في الحضر وموضع الأمن فلا بأس به. 4001 - قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الدين النصيحة"، ثلاثًا، قلنا: يا رسول الله لمن؟ قال: "لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم". قلت: رواه مسلم في الإيمان والنسائيُّ في البيعة (¬3) وذكر فيه قصة، وقال: إنما الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم"، وفي رواية أبي داود في الأدب: "إن الدين النصيحة، إن الدين النصيحة إن الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله عَزَّ وَجَلَّ ولكتابه ولرسوله وأئمة المؤمنين وعامتهم أو أئمة المسلمين وعامتهم"، كلهم من حديث تميم الداري ولم يخرجه البخاري ولا أخرج في كتابه عن تميم الداري شيئًا، ولا أخرج له مسلم في صحيحه غير هذا الحديث، وهو حديث عظيم وعليه يدور الإسلام كما سنذكره. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6290)، مسلم (2184)، والترمذي (2825)، وأبو داود (4851)، وابن ماجه (3775). (¬2) أعلام الحديث (3/ 2234 - 2235). (¬3) أخرجه مسلم (55) (96)، والنسائيُّ (7/ 156)، وأبو داود (4944).

قال النوويّ (¬1): وأما ما قاله جماعة من العلماء أنه أحد أرباع الإِسلام، أي أحد الأحاديث الأربعة التي تجمع أمور الإِسلام، فليس كما قالوه، بل المدار على هذا وحده. قال أبو سليمان الخطابي (¬2): والنصيحة كلمة جامعة، معناها حيازة الحظ للمنصوح له، قال: ويقال: هو من وجيز الأسماء ومختصر الكلام، وأنه ليس في كلام العرب كلمة أجمع لخير الدنيا والآخرة منه، قال: ومعنى الحديث: عماد الدين وقوامه، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الحج عرفة" أي قوامه ومعظمه، والنصيحة لله معناها: منصرف إلى الإيمان، ونفي الشرك عنه، وترك الإلحاد في صفاته، ووصفه بصفات الجمال والكمال كلها، وتنزيهه عن جميع أنواع النقائص، والقيام بطاعته واجتناب معصيته، والحب فيه والبغض فيه، وموالاة من أطاعه، ومعاداة من عصاه، وجهاد من كفر به، والاعتراف بنعمه وشكره عليها، والإخلاص في جميع الأمور، والدعاء إلى جميع الأوصاف المذكورة، والحث عليها، والتلطف في جميع الناس أو من أمكن منهم عليها. قال الخطابي: وحقيقة هذه الأوصاف راجعة إلى العبد في نصيحة نفسه، فالله غني عن نصح الناصح، والنصح لكتاب الله على النحو الذي ذكرناه والأسلوب الذي بيناه في النصح لله، وكذلك النصح لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك النصح لمن ذكر بعده لا يخفى تفسيره من الأنموذج الذي ذكرناه، ولولا خوف الإطالة لبيناه مفصلًا كما بينه النوويّ في شرح مسلم (¬3). 4002 - قال: بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم. ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج (2/ 49 - 50). (¬2) انظر: معالم السنن (4/ 116 - 117). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (2/ 49 - 52).

من الحسان

قلت: رواه البخاري في الصلاة وفي البيع وفي الزكاة وهو ومسلم في الإيمان واللفظ لمسلم والترمذي في البيعة ثلاثتهم من حديث جرير بن عبد الله. (¬1) من الحسان 4003 - قال: سمعت أبا القاسم الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تنزع الرحمة إلا من شقي". قلت: رواه أبو داود في الأدب والترمذي في البر من حديث أبي عثمان مولى المغيرة بن شعبة عن أبي هريرة (¬2) وقال الترمذي: حسن، وقال وأبو عثمان لا يعرف اسمه، انتهى، واسم أبي عثمان سعيد كذا سماه المزي (¬3). 4004 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء". قلت: رواه أبو داود في الأدب والترمذي في البر كلاهما من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وقال الترمذي: حديث حسن صحيح (¬4) وزاد فيه: "الرحم شجنة من الرحمن، من وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله" وقد وقع لنا هذا الحديث عاليًا مسلسلًا بالأولويه: أخبرنا به: أبو الفتح محمَّد بن محمَّد الميدومي وهو أول حديث سمعته منه، قال: أخبرنا الإمام أبو الفرج عبد اللطيف بن عبد المنعم الحراني، وهو أول حديث سمعته منه من لفظه، قال: أخبرنا الإمام أبو الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي وهو أول حديث سمعته ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الصلاة (524)، وفي الزكاة (1401)، وفي البيوع (2157)، ومسلم (56)، والترمذي (1925). (¬2) أخرجه أبو داود (4942)، والترمذي (1923) وإسناده حسن. (¬3) انظر: تهذيب الكمال (34/ 70)، والتقريب (8305) وقال الحافظ: مقبول. (¬4) أخرجه أبو داود (4941)، والترمذي (1923) وإسناده حسن.

منه، من لفظه قال ثنا أبو سعيد إسماعيل بن أبي صالح أحمد بن عبد الملك النيسابوري، وهو أول حديث سمعناه منه، قال: أنبأ والدي الإمام أبو صالح أحمد بن عبد الملك الحافظ، وهو أول حديث سمعته منه، قال: ثنا الأستاذ أبو طاهر محمَّد بن محمَّد الزيادي وهو أول حديث سمعته منه قال: ثنا أبو حامد أحمد بن يحيى بن بلال البزاز وهو أول حديث سمعته منه قال: أنبأنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا سفيان بن عيينة وهو حدث عن عمر بن دينار انقطع التسلسل في الطرق الثانية، وروي من وجه لا يثبت متصلًا بالتسلسل (¬1)، قال بعض الحفاظ: كان المحدثون يستحبون البداءة بحديث: إنما الأعمال بالنيات. 4005 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقّر كبيرنا، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر". قلت: رواه الترمذي في البر من حديث عبد الله بن عباس يرفعه وقال: حسن غريب، انتهى، وسنده جيد (¬2) فإنَّه رواه عن محمَّد بن أبان وقد وثقه النسائيُّ، وروى له البخاري وأصحاب السنن عن يزيد ابن هارون أحد الأعلام، روى له الجماعة كلهم عن شريك بن عبد الله النخعي القاضي، روى له أصحاب السنن، ومسلم مقرونًا بغيره عن ليث بن أبي سليم أحد الأعلام، فيه: ضعف يسير، وروى له أصحاب السنن ومسلم مقرونًا عن عكرمة عن ابن عباس. 4006 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما أكرم شاب شيخًا من أجل سِنّه، إلا قيض الله له عند سنه من يكرمه". ¬

_ (¬1) انظر: المناهل السلسلة في الأحاديث المسلسلة للأيوبي (ص: 8 - 9). (¬2) أخرجه الترمذي (1921) وإسناده ضعيف فيه ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف. انظر: الضعيفة (2108).

قلت: رواه الترمذي في البر من حديث أنس يرفعه وقال: حديث غريب، انتهى (¬1) وفي سنده يزيد بن بيان العقيلي عن أبي الرحال يعني خالد بن محمَّد الأنصاري ويزيد: قال الدارقطني وغيره: فيه ضعيف، وحسّن الترمذي حديثه، وأبو الرحال: واه، قال البخاري عنده عجائب وعلق له البخاري. 4007 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خير بيت في المسلمين: بيت فيه يتيم يحسن إليه، وشر بيت في المسلمين: بيت فيه يتيم يساء إليه". قلت: رواه ابن ماجه في الأدب، عن علي بن محمَّد عن يحيى بن آدم عن ابن المبارك عن سعيد بن أبي أيوب عن زيد بن أبي عتاب عن أبي هريرة، والمصنف في شرح السنة عن ابن المبارك عن سعيد بن أبي أيوب عن يحيى بن أبي سليمان عن زيد بن أبي عتاب عن أبي هريرة يرفعه ورجال ابن ماجه موثقون (¬2). 4008 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من مسح رأس يتيم -لم يمسحه إلا لله-، كان له بكل شعرة تمر عليها يده حسنات، ومن أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده، كنت أنا وهو في الجنة كهاتين"، وقرن بين أصبعيه. (غريب). قلت: رواه المصنف في "شرح السنة" من حديث عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن (¬3) القاسم عن أبي أمامة، وعبيد الله بن زحر: ضعفه أحمد ابن حنبل، وقال ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2022) وإسناده ضعيف. ويزيد بن بيان العقيلي قال الحافظ: ضعيف، التقريب (7747). وأبو الرحّال خالد بن محمَّد كذلك ضعيف. انظر التقريب (8156). انظر: الضعيفة (304). (¬2) أخرجه ابن ماجه (3679)، والبغويُّ في شرح السنة (13/ 43) رقم (3455) وإسناده ضعيف لضعف يحيى بن أبي سليمان. ترجم له الحافظ في "التقريب" (7615) وقال: لين الحديث. (¬3) أخرجه البغوي في شرح السنة (13/ 44) رقم (3456)، وأخرجه أحمد (5/ 250). وإسناده ضعيف جدًّا.

النسائيُّ: لا بأس به، قال الذهبي: وهو إلى الضعف أقرب، وعلي بن يزيد: قال الذهبي: ضعفوه، وتركه الدراقطني فالحديث سنده ضعيف والله أعلم (¬1). 4009 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من آوى يتيمًا إلى طعامه وشرابه، أوجب الله له الجنة البتة، إلا أن يعمل ذنبًا لا يغفر، ومن عال ثلاث بنات أو مثلهن من الأخوات، فأدبهن ورحمهن حتى يغنيهن الله، أوجب الله له الجنة"، فقال رجل يا رسول الله أو اثنتين؟ قال: "أو اثنتين"، حتى لو قالوا أو واحدة؟، لقال: أو واحدة، "ومن أذهب الله بكريمتيه؟ وجبت له الجنة"، فقيل يا رسول الله وما كريمتاه؟ قال: "عيناه". قلت: القطعة الأولى من الحديث إلى قوله: إلا أن يعمل ذنبًا لا يغفر، رواها الترمذي في البر، ورواه الطبراني في معجمه الكبير بطوله، والمصنف في شرح السنة واللفظ له إلا الاستثناء، في قوله: إلا أن يعمل ذنبا لا يغفر، فإنني لم أقف عليها في شرح السنة، وإن كانت ثابتة في الترمذي والطبراني ثلاثتهم من حديث حنش عن عكرمة عن ابن عباس يرفعه، وحنش اسمه حسين بن قيس الرحبي قال فيه البخاري: لا يكتب حديثه. (¬2) 4010 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لأن يؤدب الرجل ولده: خير من أن يتصدق بصاع". (غريب). قلت: رواه الترمذي (¬3) في البر من حديث ناصح بن العلاء الكوفي عن سماك عن جابر بن سمرة، وناصح: ليس بالقوي، قال الترمذي: ولا يعرف هذا الحديث إلا من هذا الوجه، انتهى. وقد اعترض المزي على الترمذي فقال: أصاب في نسب ناصح، فهو ¬

_ (¬1) عبيد الله بن زحر، قال الحافظ: صدوق يخطيء، التقريب (4319)، وقال الذهبي: له مناكير، الكاشف (1/ 680)، وعلي بن يزيد هو الألهاني، قال الحافظ: ضعيف، التقريب (4851)، وقد قال الذهبي: ضعّفه جماعة ولم يترك. الكاشف (2/ 49). (¬2) أخرجه الطبراني (11542)، والبغويُّ في شرح السنة (13/ 44) رقم (3457) وأوله عند الترمذي (1917) وإسناده ضعيف. وحنش هو: حسين بن قيس الرحبي، وهو متروك، التقريب (1351). (¬3) أخرجه الترمذي (1951) وإسناده ضعيف.

كوفي، ووهم في قوله ابن العلاء، قال: إنما ذلك آخر بصري له حديث واحد، قال: وكلاهما ضعيف، وناصح الكوفي قد ضعفه أيضًا النسائيّ (¬1). ووجهه أنَّه إذا أدبه صارت أفعاله من حسناته الجارية، وصدقة الصاع ثوابها ينقطع ولا يدوم دوام الولد. 4011 - ويروى: "ما نحل الوالد ولده من نحل، أفضل من أدب حسن". (مرسل). قلت: رواه الترمذي أيضًا من حديث أيوب بن موسى ابن عمرو بن سعيد بن العاص عن أبيه عن جده أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: وذكره، وقال: حسن غريب، مرسل. (¬2) 4012 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أنا وامرأة سفعاء الخدين كهاتين يوم القيامة -وأومأ الراوي بالسبابة والوسطى-،: امرأة آمت من زوجها ذات منصب وجمال، حبست نفسها على يتاماها، حتى بانوا أو ماتوا". قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث عوف بن مالك الأشجعي (¬3) وفي إسناده: النهاس بن قهم أبو الحطاب البصري القاضي، ولا يحتج به، وهو بالنون وبعد الألف سين مهملة وقهم بالقاف وآخره ميم. ¬

_ (¬1) انظر كلام المزي في تحفة الأشراف (2/ 160)، وفي النسخة المطبوعة من الترمذي (3/ 503) بعد كلام الترمذي -الذي ذكره المؤلف- قال الترمذي: وناصح شيخ آخر بصري، يروي عن عمّار بن أبي عمّار وغيره وهو أثبت من هذا، وأخرجه عبد الله في زياداته على المسند (5/ 96) وقال عبد الله: وهذا لحديث لم يخرّجه أبي في "مسنده" من أجل ناصح، لأنه ضعيف في الحديث، وأملاه عليّ في النوادر. وقال أبو حاتم في العلل (رقم 2213): هذا حديث بهذا الإسناد منكر، وناصح ضعيف الحديث. وقال الحافظ: ناصح بن العلاء أبو العلاء البصري: لين الحديث، التقريب (7117). (¬2) أخرجه الترمذي (1952) وهو مرسل، وذلك لأنَّ جد أيوب وهو: عمرو بن سعيد بن العاص تابعي. ومع أنَّه مرسل فإن إسناده ضعيف، انظر: الضعيفة (1121). (¬3) أخرجه أبو داود (5149) وإسناده ضعيف لضعف النهاس، التقريب (7246)، ولانقطاعه بين شداد أبي عمار وعوف بن مالك.

والسفعة: نوع من السواد ليس بالكثير، وقيل: هو السواد مع لون آخر أراد بها - صلى الله عليه وسلم - أنها بذلت نفسها وتركت الزينة والترفه حتى شحب لونها واسود، إقامة على ولدها بعد وفاة زوجها. قوله - صلى الله عليه وسلم -: آمت من زوجها، هو بالمد، قال الجوهري (¬1): الأيامى: الذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء، ولقال: رجل أيم، سواء كان تزوج من قبل أم لم يتزوج، وامرأة أيم أيضًا بكرًا كانت أو ثيبًا. 4013 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كانت له أنثى، فلم يئدْها، ولم يُهنها، ولم يؤثر ولده عليها -يعني: الذكور-، أدخله الله الجنة". قلت: رواه أبو داود في الأدب والحاكم في باب البر والصلة وقال: صحيح، كلاهما من حديث ابن حدير عن ابن عباس. (¬2) قال المنذري (¬3): وابن حدير غير مشهور وهو بضم الحاء المهملة وبعدها دال مهملة مفتوحة وياء آخر الحروف ساكنة وراء مهملة انتهى، واسم ابن حدير زياد قال فيه الذهبي ثقة عابد. ولذلك أقر الحاكم على تصحيحه له. ومعنى لم يئدها: لم يدفنها حية، وكانوا يدفنون البنات أحياء قال تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} ونهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن وأد البنات. 4014 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من اغتيب عنده أخوه المسلم، وهو يقدر على نصره فنصره، نصره الله في الدنيا والآخرة فإن لم ينصره وهو يقدر على نصره أدركه أدركه الله به في الدنيا والآخرة". ¬

_ (¬1) الصحاح للجوهري (5/ 1868). (¬2) أخرجه أبو داود (5146)، والحاكم (4/ 177) وصححه ووافقه الذهبي، وقول الذهبي هذا في الكاشف (1/ 409)، وترجم له الحافظ في "التقريب" (8532) مستور. (¬3) مختصر السنن (8/ 40).

قلت: رواه المصنف في شرح السنة من حديث أنس (¬1) يرفعه، وفي سنده أبان بن أبي عياش: قال أحمد: متروك، وروى له أبو داود حديثًا مقرونًا بآخر، وفيه إسماعيل بن عياش: روى له أصحاب السنن الأربعة، قال ابن حبَّان: لا يحتج به وضعفه النسائيُّ وفيه كلام مشهور تكرر. 4015 - قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من ذبَّ عن لحم أخيه بالمغيبة، كان حقًّا على الله أن يعتقه من النار". قلت: رواه الطبراني في "معجمه الكبير" من حديث أسماء بنت يزيد بن السكن بسند فيه ضعف وكذا المصنف في شرح السنة. (¬2) 4016 - قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من مسلم يرد عن عرض أخيه، إلا كان حقًّا على الله أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة، ثمَّ تلا هذه الآية: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} ". قلت: رواه المصنف في "شرح السنة" بسند فيه ليث بن أبي سليم عن شهر بن حوشب وكلاهما فيه مقال. (¬3) 4017 - قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما من امرئ مسلم يخذل امرأ مسلمًا في موضع تنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ مسلم ينصر مسلمًا في موضع ينتقص من عرضه وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب نصرته". ¬

_ (¬1) أخرجه البغوي في شرح السنة (13/ 107) رقم (3530) وفيه أبان وهو متروك. التقريب (143)، وإسماعيل بن عياش صدوق في روايته عن أهل بلده، مخلّط في غيرهم. التقريب (477). (¬2) أخرجه الطبراني في الكبير (24/ 175 (442))، والبغويُّ في شرح السنة (13/ 107) رقم (3529) وإسناده ضعيف فيه عبيد الله بن أبي زياد ضعيف، وكذا شهر بن حوشب. (¬3) أخرجه البغوي (13/ 106) رقم (3528) في شرح السنة وإسناده ضعيف فيه ليث وشهر هما ضعيفان. وانظر: الضعيفة (580). وقد حسنه المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 302).

قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث جابر وأبي طلحة وسكت عليه. (¬1) 4018 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من رأى عورة فسترها، كان كمن أحيا موءودة". قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث عقبة بن عامر وذكر فيه قصة وقال سعيد بن يونس: إنه حديث معلول وجاء من طرق كلها فيها كلام. (¬2) 4019 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أحدكم مرآة أخيه، فإن رأى به أذى، فليمط عنه". (ضعيف). قلت: رواه الترمذي في البر من حديث يحيى بن عبيد الله بن موهب عن أبيه عن أبي هريرة ويحيى ضعفه شعبة، وقال أحمد: لا يعرف هو ولا أبوه. (¬3) 4020 - وفي رواية: "المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن، يكف عنه ضيعته، ويحوطه من ورائه". قلت: رواها أبو داود بإسناد فيه: كثير بن زيد أبو محمَّد المدني مولى الأسلميين، قال ابن معين: ليس بذاك القوي، وقال مرة: ثقة، وقال مرة: صدوق فيه لين، وقال مرة: ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4884)، وابن المبارك في الزهد (696)، وأحمد (4/ 30)، وإسناده ضعيف، فيه: يحيى بن سليم بن زيد مجهول، التقريب (7612)، وإسماعيل بن بشير كذلك مجهول، التقريب (431). وللحديث شاهد من حديث جابر وأبي أيوب الأنصاري قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 267): رواه الطبراني في الأوسط، وإسناده حسن. (¬2) أخرجه أبو داود (4891) وإسناده ضعيف، فيه: أبو الهيثم مولى عقبة لا يعرف كما قال الذهبي في الميزان (4/ 583 رقم 10706) وقال الحافظ: مقبول، التقريب (8499). (¬3) أخرجه الترمذي (1929) وإسناده ضعيف جدًّا. انظر: الضعيفة (1889). أما يحيى ابن عبيد الله بن موهب، فهو: متروك، وأفحش الحاكم فرماه بالوضع، التقريب (7649) وأبوه: عبيد الله بن عبد الله بن موهب مقبول. التقريب (4340). أما قول أحمد فانظره في: بحر الدم فيمن تكلم فيه الإمام أحمد بمدح أو ذم (ص: 465 رقم 1152)، وميزان الاعتدال (4/ 395).

ليس بشيء، وقال أبو حاتم الرازي: ليس بالقوي يكتب حديثه، وقال النسائيُّ: ضعيف. (¬1) 4021 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من حَمَى مؤمنًا من منافق، بعث الله له ملكًا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم، ومن رمى مسلمًا بشيء يريد شينه به، حبسه الله على جسر جهنم، حتى يخرج مما قال". قلت: رواه أبو داود في الأدب (¬2) من حديث سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه، وسهل بصري ضعيف، قاله المزي، وقد أعاد المصنف هذا الحديث في: باب ما ينهى عنه من التهاجر والتقاطع واتباع العورات، وسنعيد الكلام عليه مع زيادة إن شاء الله تعالى. 4022 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خير الأصحاب عند الله: خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله: خيرهم لجاره". (غريب). قلت: رواه الترمذي في البر من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص بسند ليس فيه إلا من روى له الشيخان أو أحدهما وقال الترمذي: حسن غريب. (¬3) 4023 - قال رجل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: كيف لي أن أعلم إذا أحسنت أو إذا أسأت؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا سمعت جيرانك يقولون: قد أحسنت، فقد أحسنت، وإذا سمعتهم يقولون: قد أسأت، فقد أسأت". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4918) وإسناده حسن وأخرجه كذلك البخاري في الأدب المفرد (239). وكثير بن زيد المدني، قال الحافظ: صدوق يخطيء التقريب (5646)، وانظر الأقوال في تهذيب الكمال (24/ 113). (¬2) أخرجه أبو داود (4883) وإسناده ضعيف، فيه: إسماعيل بن يحيى المعافري وهو مجهول، التقريب (500)، ويحيى بن أيوب وهو الغافقي ذكره الذهبي في "الميزان" (4/ 362 - 364) وذكر هذا الحديث من غرائبه. وقال العراقي في تخريج الإحياء (1/ 510): أخرجه أبو داود بسند ضعيف. (¬3) أخرجه الترمذي (1944) وإسناده صحيح، انظر الصحيحة (103).

قلت: رواه ابن ماجه في الزهد وابن حبَّان في صحيحه وأحمد والطبراني كلهم من حديث عبد الله بن مسعود ورجال ابن ماجه رجال الصحيحين إلا شيخه وهو محمَّد بن يحيى فإن مسلمًا لم يخرج له. (¬1) تنبيه: وقع في تهذيب الكمال للمزي أنَّه ذكر في ترجمة معمر بن راشد، من روى معمر عنه، وذكر منهم: منصور بن المعتمر، ولم يذكر عليه علامة لأحد خرج عنه، وكان من حقه أن يعلم عليه علامة ابن ماجه، فإن ابن ماجه روى هذا الحديث من طريق معمر عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وساقه ... بلفظه (¬2) ". 4024 - قالت: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أنزلوا الناس منازلهم". قلت: رواه أبو داود في الأدب عن ميمون بن أبي شبيب أن عائشة رضي الله عنها مر بها سائل فأعطته كسرة، ومر بها رجل عليه ثياب وهيئة فأقعدته، فأكل فقيل لها في ذلك، فقالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أنزلوا الناس منازلهم" قال أبو داود: ميمون بن أبي شبيب لم يدرك عائشة هذا آخر كلامه، وقيل لأبي بكر الرازي: ميمون عن عائشة متصل؟ قال: لا. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (1/ 402)، وابن ماجه (4223)، وابن حبَّان (525)، والطبراني في الكبير (10433) وإسناده صحيح. ورواه الحاكم (4/ 167) وصححه ووافقه الذهبي، انظر الصحيحة (1327). (¬2) انظر: تهذيب الكمال (28/ 305). (¬3) أخرجه أبو داود (4842) وإسناده ضعيف فيه انقطاع وكذلك عنعنة حبيب بن أبي ثابت ويحيى بن يمان قال الحافظ: في التقريب (7729): صدوق عابد يخطيء كثيرًا، وقد تغيّر، وقد تفرد به كما قال أبو نعيم في الحلية (4/ 379). وميمون بن أبي شبيب قال الحافظ: صدوق كثير الإرسال، التقريب (7095).

باب الحب في الله

باب الحب في الله من الصحاح 4025 - قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الأرواح جنود مجنّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف". قلت: رواه مسلم في أواخر كتاب، الأدب من حديث أبي هريرة وأخرجه البخاري من حديث عائشة تعليقًا (¬1) ولم يصل سنده كذا قاله: عبد الحق. قال ابن الأثير (¬2): ومعنى مجندة: مجتمعه، كما يقال: ألوف مؤلفة، وقناطير مقنطرة، ومعناه الإخبار عن مبدأ كون الأرواح وتقدّمها الأجساد: أي أنها خلقت أول خَلْقها على قسمين: من ائتلاف واختلاف، كالجنود المجموعة إذا تقابلت وتواجهت. ومعنى تقابل الأرواح: ما جعلها الله عليه من السعادة، والشقاوة، والاختلاف في مبدأ الخلق، يقول: إن الأجساد التي فيها الأرواح تلتقي في الدنيا، فتأتلف وتختلف على حسب ما خلقت عليه، ولهذا ترى الخيّر يحب الأخيار ويميل إليهم، والشرير يحب الأشرار ويميل إليهم. قال في شرح السنة (¬3): وفي هذا الحديث دليل على أن الأرواح ليست بأعراض، وعلى أنها كانت موجودة قبل الأجساد، وعلى أنها تبقى بعد فناء الأجساد إلى ما بين النفختين. كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الشهداء أن أرواحهم في جوف طير خضر تسرح في الجنة. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2638) وعلقه البخاري عن عائشة (3336). (¬2) النهاية (1/ 305). (¬3) شرح السنة (13/ 57). (¬4) أخرجه مسلم (1887).

4026 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله إذا أحب عبدًا دعا جبريل عليه السلام، فقال: إني أحب فلانًا، فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثمَّ ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثمَّ يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدًا دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلانًا فأبغضه، قال: فيبغضه جبريل، ثمَّ ينادى في أهل السماء: إن الله يبغض فلانًا فأبغضوه -قال: فيبغضونه- ثمَّ توضع له البغضاء في الأرض". قلت: رواه الشيخان: البخاري في بدء الخلق ومسلم في الأدب إلا أن البخاري لم يذكر قوله - صلى الله عليه وسلم -: في البغضاء، وكذلك رواه مالك في الموطأ إلا أنَّه قال: ولا أحسبه إلا قال في البغض مثل ذلك، ورواه الترمذي مثل مسلم وزاد في حديثه في ذكر المحبة فذلك قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}. ورواه النسائيُّ في الملائكة كلهم من حديث أبي هريرة. (¬1) ومحبة الله لعبده هي: إرادة الخير له وهدايته وإنعامه عليه ورحمته، وبغضه: إرادة عقابه أو شقاوته وحب جبريل والملائكة: يحتمل وجهين، أحدهما: استغفارهم له وثناؤهم عليه ودعاؤهم، والثاني: أن محبتهم على ظاهرها المعروف من محبة المخلوقين وهو ميل القلب إليه واشتياقهم إلى لقائه. قوله: يوضع له القبول في الأرض، القبول: بفتح القاف المحبة والرضى وميل النفس. 4027 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي، اليوم أُظلهم في ظلي، يوم لا ظل إلا ظلي". قلت: رواه مسلم في الأدب ومالك في الموطأ من حديث أبي هريرة يرفعه (¬2) ولم يخرجه البخاري. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3209)، ومسلم (2637)، والترمذي (3161)، ومالك (3/ 128)، والنسائيُّ انظر (تحفة الأشراف 9/ 415، 416). (¬2) أخرجه مسلم (2566)، ومالك في الموطأ (2/ 952).

والباء في بجلالي: قال بعضهم: يجوز أن يتعلق بالمحابين أي الذين يتحابون بجلالي، ويجوز أن يكون با القسم فيكون المعنى بحق جلالي أفعل بهم كذا. 4028 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أن رجلًا زار أخًا له، في قرية أخرى، فأرصد الله له على مدرجته ملكًا، قال: أين تريد؟ قال: أريد أخًا لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تَرُبّها؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله، قال: فإني رسول الله إليك، بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه". قلت: رواه مسلم في الأدب من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري أيضًا. (¬1) والمدرجّه: بفتح الميم قال الجوهري (¬2): المذهب والمسلك. قال ابن الأثير (¬3): هي مفرد الدارج وهي المواضع التي يدرج فيها: أي يُمْشي، وفي خطبة الحجاج: ليس هذا بعُشِّك فادرجى أي: اذهبي، وهو مثل يُضرب لمن يتعرض إلى شيء ليس منه. قوله: تربها، قال في النهاية (¬4) أي تَحْفَظُها وتُراعيها وتربيها كما يُرَبِّي الرجل ولده يقال: رب فُلان ولده يَرُبُّهُ رَبًّا وربَّبه ورَبَّاه كله بمعنى واحد. 4029 - قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله! كيف تقول في رجل أحب قومًا، ولم يلحق بهم؟ قال: "المرء مع من أحب". قلت: رواه الشيخان كلاهما في الأدب من حديث ابن مسعود ولفظه: ولما يلحق بهم، وكذا رواه المصنف في شرح السنة (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2567). (¬2) انظر: الصحاح للجوهري (1/ 314). (¬3) انظر: النهاية (2/ 111). (¬4) انظر: النهاية (2/ 180). (¬5) أخرجه البخاري (6169)، ومسلم (2640)، والبغويُّ في شرح السنة (13/ 63)، و (1/ 3) رواية ابن مسعود.

ومعنى لما يلحق بهم لم يعمل بعملهم أو لم يصاحبهم قال أهل العربية: لما نفي للماضي المستمر، فيدل على نفيه في الماضي وفي الحال، بخلاف لم، فإنها تدل على الماضي فقط (¬1). 4030 - أن رجلًا قال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: "ويلك! وما أعددت لها؟ " قال: ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام ولا عمل، إلا أني أحب الله ورسوله، قال: "أنت مع من أحببت". قلت: رواه الشيخان في الأدب من حديث أنس (¬2) وفي الحديث: قال أنس فما فرحنا بعد الإِسلام فرحًا أشد من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "فإنك مع من أحببت" قال أنس: فأنا أحب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل بأعمالهم. قال البخاري: وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم. قلت: وأرجو مع عظيم خطيئاتي أن أكون معهم بحبي إياهم، أماتنا الله على ذلك وعلى محبة جميع الصحابة والتابعين وغفر لنا أجمعين. قوله: ما أعددت لها كثير صلاةٍ، قال النوويّ (¬3): ضبطوه بالثاء المثلثة وبالباء الموحدة وهما صحيحان، معناه: ما أعددت لها كثير نافلة من صلاة ولا صيام ولا صدقة. قوله: أنت مع من أحببت، في جواب سؤال السائل متى الساعة. قال الخطابي (¬4): كان سؤال الناس عن وقت قيام الساعة على وجهين: أحدهما: على معنى التعنت له والتكذيب بها، والآخر على سبيل التصديق بها، والإشفاق ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (16/ 285). (¬2) أخرجه البخاري (6167)، ومسلم (2639) لم أجد قول البخاري هذا في كتاب الأدب. (¬3) انظر: المنهاج للنووي (16/ 286). (¬4) انظر: أعلام الحديث (3/ 2206 - 2207).

من الحسان

منها، فلما امتحن الرجل فوجده يسأل تصديقًا بها، قال: أنت مع من أحببت فألحقه بحسن النية من غير زيادة عمل بأصحاب الأعمال الصالحة. قال النوويّ (¬1): ولا يلزم من كونه معهم أن تكون منزلته وجزاؤه مثلهم من كل وجه. وفي الحديث دليل على: فضل حب الله ورسوله والصالحين، وأهل الخير الأحياء والأموات، قال: ومن أفضل محبة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - امتثال أمرهما، واجتناب نهيهما والتأدب بالآداب الشرعية، ولا يشترط في الانتفاع بمحبة الصالحين أن يعمل عملهم إذ لو عمله لكان منهم، ومثلهم، وقد صرح في الحديث الذي قبل هذا بذلك في رجل أحب قومًا ولم يلحق بهم. 4031 - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مثل الجليس الصالح والسوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يُحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة". قلت: رواه الشيخان البخاري في البيوع ومسلم في الأدب كلاهما من حديث أبي موسى يرفعه. (¬2) ويحذيك: بالحاء المهملة والذال المعجمة أي يعطيك. من الحسان 4032 - قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "قال الله تعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتزاورين فيّ والمتباذلين فيّ". قلت: رواه في المستدرك في البر والصلة من حديث معاذ بن جبل وقال: على شرط الشيخين وأقره الذهبي ورواه مالك في الموطأ. (¬3) ¬

_ (¬1) المنهاج (16/ 285). (¬2) أخرجه البخاري (5534)، ومسلم (2628). (¬3) أخرج الحاكم (4/ 168 - 169)، ومالك في الموطأ (2/ 953 - 954) وإسناده صحيح.

- وفي رواية: قال: "يقول الله تعالى: المتحابون في جلالي، لهم منابر من نور، يغبطهم النبيون والشهداء". قلت: رواها الترمذي في الزهد من حديث معاذ وقال: حديث حسن صحيح. (¬1) قال الجوهري (¬2): الغبطة أن تتمنى مثل حال المغبوط من غير أن تريد زوالها عنه، وليس بحسد، فإن قلت: كيف يغبطهم النبيون والشهداء وهو أفضل منهم منزلة، يجوز أن يكون ذلك ليس على حقيقته، وإنما أراد - صلى الله عليه وسلم - بيان فضلهم بأبلغ وجه، والمعنى: أن حالهم عند الله يوم القيامة بمثابة لو غبط النبيون أحدًا لغبطوا هؤلاء، ويحتمل: أن يجري هذا على حقيقته، ويقال: كما كان مقربًا إلى الله ورآه الرائي غبط صاحبه، وإن كان منزلة الرائي أعلى من وجه آخر، وفي هذا تأمل للناظر وإشكال، لسنا بسدد التطويل به لأن قصدنا الاختصار والله أعلم. 4033 - قال: كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ قال: "إن لله عبادًا ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم النبيون والشهداء بقربهم ومقعدهم من الله يوم القيامة"، فقال أعرابي: حدثنا من هم يا رسول الله؟ فقال: "هم عباد من عباد الله، من بلدان شتى، وقبائل شتى، لم يكن بينهم أرحام يتواصلون بها, ولا دنيا يتباذلون بها، يتحابون بروح الله، يجعل الله وجوههم نورًا، وتجعل لهم منابر من نور قُدَام عرش الرحمن، يفزع الناس ولا يفزعون، ويخاف الناس ولا يخافون". قلت: رواه المصنف في شرح السنة من حديث أبي مالك الأشعري بسند فيه شهر بن حوشب وقد تقدم الكلام عليه. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2390) وإسناده صحيح. (¬2) انظر: الصحاح للجوهري (3/ 1146). (¬3) أخرجه البغوي في شرح السنة (13/ 50) رقم (3464) وإسناده ضعيف، فيه شهر بن حوشب وقد سبق الكلام عليه، وكذا أخرجه أحمد (5/ 343). وأخرجه أبو داود (3527)، وهو ليس في رواية اللؤلؤي، وإنما هو من رواية ابن داسة. وهو في معالم السنن للخطابي (3/ 140).

وأبو مالك قيل اسمه: الحارث بن الحارث، وقيل: عبيد، وقيل: عبيد الله، وقيل: غير ذلك. قوله: بروح الله، قال الخطابي (¬1): هو بضم الراء، قال ابن الأثير (¬2): أراد ما يحيى به الخلق ويهتدون فتكون حياة لهم، وقيل: أراد أمر النبوة، وقيل: هو القرآن تابعوه فيما حثهم عليه من موالاة المسلمين ومصادقتهم. 4034 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر: "يا أبا ذر! أي عُرى الإيمان أوثق؟ " قال: الله ورسوله أعلم! قال: "الموالاة في الله، والحب في الله، والبغض في الله". قلت: رواه في شرح السنة من حديث ابن عباس وفي سنده: حنش ابن قيس الرحبي وقد ضعفوه، وأحمد بن محمَّد بن عمر وهو ضعيف أيضًا. (¬3) والعرى: جمع عروة وهو ما يتماسك به. 4035 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا عاد المسلم أخاه، أو زاره، قال الله عَزَّ وَجَلَّ: طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلًا". قلت: رواه الترمذي في البر وابن ماجه في الجنائز والمصنف في شرح السنة واللفظ له من حديث أبي هريرة وفي سند الحديث ضعف. (¬4) ¬

_ (¬1) معالم السنن (3/ 140). (¬2) انظر: النهاية لابن الأثير (2/ 272). (¬3) أخرجه البغوي في شرح السنة (13/ 52) رقم (3468) وفي إسناده حسين بن قيس ولقبه حَنَش وهو متروك. كما قال الحافظ في "التقريب" (1351)، وأحمد بن محمَّد ابن عمر، لعله أبو بكر المنكدري، انظر: ميزان الاعتدال (1/ 147). (¬4) أخرجه الترمذي (2008)، وابن ماجه (1443) وإسناده ضعيف لضعف أبي سنان واسمه عيسى بن سنان القسملي. ترجم له الحافظ في "التقريب" (5330) وقال: لين الحديث. وأخرجه أحمد (2/ 344)، والبغوي (13/ 58) رقم (3472)، وصححه ابن حبان (الإحسان) (2961).

قوله: إذا عاد المسلم أخاه أو زاره، العيادة: تكون في المرض، والزيارة: في الصحة، ومعنى: طبت: تحصل طيب العيش في الآخرة، وطاب ممشاك: أي صار مشيك سببًا لطيب عيشك في الآخرة، وتبوأت: هيات. 4036 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه". قلت: رواه أبو داود في الأدب والترمذي في الزهد بمعناه والنسائي في اليوم والليلة من حديث المقدام بن معد يكرب وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب انتهى. (¬1) وقد روي من حديث أبي سعيد الخدري وفيه مقال، وقد رواه منصور عن المعتمر عن عبد الله بن مرة عن عبد الله بن عمر، قال أبو الفضل المقدسي: وهو صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وقد أخرجا بهذا الإسناد حديثًا في القدور، وقد روي عن ابن عمر من وجوه، هذا أصحها. 4037 - قال: "مر رجل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وعنده أناس، فقال رجل ممن عنده: إني لأحب فلانًا لله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أعلمته؟ " قال: لا، قال: "قم إليه فأعلمه"، فقام إليه فأعلمه، فقال: أحبك الذي أحببتني له، قال ثم رجع فسأله النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بما قال، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنت مع من أحببت، ولك ما احتسبت". قلت: رواه أبو داود في الأدب والحاكم في البر والمصنف في شرح السنة ثلاثتهم من حديث أنس، إلى قوله: الذي أحببتني له، وإسناد أبي داود والحاكم فيه: المبارك بن فضالة القرشي العدوي مولاهم البصري، وثقه عفان بن مسلم، واستشهد به البخاري ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (5124)، والترمذي (2392)، والنسائي في الكبرى (10034)، وفي عمل اليوم والليلة (206)، وابن حبان (570)، وإسناده صحيح. انظر: الصحيحة (417). ورواية أنس: أخرجها أحمد (3/ 141)، والنسائي في اليوم والليلة (182)، وابن حبان (571) ورواية ابن عمر: أخرجها ابن حبان (569).

وضعفه أحمد ويحيى بن معين والنسائي، وتكلم فيه غيرهم وإسناد المصنف في شرح السنة جيد. (¬1) 4038 - وفي رواية: "المرء مع من أحب وله ما اكتسب". قلت: رواها الترمذي من حديث أنس. (¬2) 4039 - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا تصاحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلا تقي. قلت: رواه أبو داود في الأدب والترمذي في الزهد كلاهما من حديث أبي سعيد يرفعه، قال الترمذي: حسن غريب، انتهى. ورجاله موثقون. (¬3) قال الخطابي (¬4): هذا مما جاء في طعام الدعوة، دون طعام الحاجة، وذلك أن الله تعالى قال: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} ومعلوم أن أسراهم كفار غير مؤمنين. 4040 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل". قلت: رواه أبو داود في الأدب والترمذي في الزهد كلاهما من حديث أبي هريرة وقال الترمذي: حسن غريب، ورجال أبي داود والترمذي رجال الصحيحين إلا موسى بن ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (5125)، والحاكم (4/ 171)، وصححه، ووافقه الذهبي والبغوي في شرح السنة (13/ 66) رقم (3482) وإسناده حسن. (¬2) أخرجه الترمذي (2386) وقال: حسن غريب من حديث الحسن البصري، عن أنس. وفي إسناده الحسن وهو مدلس، وقد عنعنه. انظر: الصحيحة (3253). (¬3) أخرجه أبو داود (4832)، والترمذي (2395) وإسناده حسن، وكذا أخرجه أحمد (3/ 38). (¬4) انظر: معالم السنن (4/ 107).

وردان راويه عن أبي هريرة، فإنه لم يخرج له الشيخان ولا أحدهما وخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجه. (¬1) وقال الذهبي: صدوق انتهى. والخليل: الصديق، فعيل بمعنى مفاعيل وقد يكون بمعنى مفعول، والخلة: بالضم، الصداقة والمحبة التي تخللت القلب. 4041 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا آخى الرجل الرجل، فليسأله عن اسمه واسم أبيه، وممن هو؟، فإنه أوصل للمودّة". قلت: رواه الترمذي في الزهد من حديث يزيد بن نَعامة وقال: غريب، قال: ولا نعرف لزيد سماعًا من النبي - صلى الله عليه وسلم - انتهى. (¬2) قال الحافظ المزي: يزيد بن نعامة الضبي، الصواب أنه يرسل وهو صدوق، قال: وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم عن أبيه: يزيد بن نعامة تابعي لا صحبة له، وحكى البخاري: أنه له صحبة فغلط، وسئل أبي عنه؟ فقال: صالح الحديث. وقد ذكره ابن عبد البر في الصحابة، وقال: شهد حنينًا مشركًا ثم أسلم بعد انتهى. وهو موافق لما قاله البخاري، ويزيد هذا لم يرو له أحد من أصحاب الكتب الستة غير الترمذي، روى له هذا الحديث خاصة ورجاله كلهم موثقون والله أعلم (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4833)، والترمذي (2378)، وأحمد (2/ 303)، والحاكم (4/ 171) وقال: صحيح إن شاء الله ووافقه الذهبي. وإسناده حسن. وموسى بن وردان: صدوق ربما أخطأ، التقريب (7072)، وقول الحافظ الذهبي في الكاشف (2/ 309) رقم (5741)، وانظر: النقد الصريح للعلائي، وأجوبة الحافظ ابن حجر، وهداية الرواة (4/ 443). (¬2) أخرجه الترمذي (2392) وإسناده ضعيف، وهو مرسل. (¬3) انظر: الاستيعاب لابن عبد البر (4/ 1580)، وتهذيب الكمال للمزي (32/ 255) رقم (7058)، والجرح والتعديل (9/ ت 1247).

باب ما ينهى عن التهاجر والتقاطع واتباع العورات

باب ما يُنهى عن التهاجُر والتقاطُع واتباع العورات من الصحاح 4042 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان، فيُعرض هذا، ويُعرض هذا، وخيرُهما الذي يبدأ بالسلام". قلت: رواه الشيخان وأبو داود ثلاثتهم في الأدب والترمذي في البر كلهم من حديث أبي أيوب الأنصاري (¬1) واسمه: خالد بن زيد. وفي الحديث دليل على: تحريم الهجرة بين المسلمين أكثر من ثلاث ليال، وإباحتها في الثلاث الأولى بنص الحديث والثاني بمفهومه. وفيه دليل: لمذهب الشافعي ومالك ومن وافقهما أن السلام يقطع الهجرة، ويرفع الإثم، وقال أحمد: إن كان يؤذيه فلا يقطع السلام هجره، قال أصحابنا: ولو كاتبه أو راسله عند غيبته عنه هل تزول الهجرة؟ فيه وجهان: أصحهما نعم، لزوال الوحشة، وإنما قيد - صلى الله عليه وسلم - في بعض الروايات بالمسلم لأنه هو الذي يقبل الخطاب الشرعي، وينتفع به لا لإخراج الكافر فإن الصحيح أنهم مخاطبون. قال في شرح السنة (¬2): أما هجران الوالد الولد، والزوج زوجته، ومن كان في معناهما، فلا يضيّق بثلاث، وقد هجر - صلى الله عليه وسلم - نساءه شهرًا، وكذا هجران أهل المعاصي والريب في الدين، مشروع إلى أن يتوبوا. 4043 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسّسوا ولا تجسّسوا ولا تناجشوا, ولا تحاسدوا, ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6077)، ومسلم (2560)، وأبو داود (4911) والترمذي (1923). (¬2) شرح السنة (13/ 101). وانظر كذلك: أعلام الحديث للخطابي (3/ 2188)، ومعالم السنن (4/ 114).

ويروى: "ولا تنافسوا". قلت: رواه الشيخان وأبو داود كلهم في الأدب من حديث أبي هريرة واللفظ للبخاري، ولم يقل البخاري: "ولا تنافسوا" بل هي في مسلم (¬1) والظن المنهي عنه في الحديث هو ظن السوء. قال الخطابي (¬2): هو تحقيق الظن وتصديقه دون ما يهجس في النفس فإن ذلك لا يملك. قال النووي (¬3): مراد الخطابي ما يقر صاحبه عليه، ويستقر في قلبه دون ما يعرض في القلب، ولا يستقر، قال سفيان الثوري: والظن الذي يأثم به هو ما ظنه وتكلم به فإن لم يتكلم به لم يأثم. قوله: ولا تحسسوا ولا تجسسوا، الأول بالحاء، والثاني بالجيم، قال بعض العلماء: التحسس: بالحاء الاستماع لحديث القوم، وبالجيم: البحث عن العورات، وقيل: بالجيم البحث عن بواطن الأمور، وأكثر ما يقال: في الشر، والجاسوس صاحب سر الشر، والناموس صاحب سر الخير، وقيل: هما بمعنى واحد، وهو: طلب الأخبار الغائبة والأحوال. والنجش: هو الزيادة في الثمن ليغر غيره من غير رغبة فيه (¬4). قال القاضي عياض (¬5): ويحتمل أن المراد هنا بالتناجش: ذم بعضهم بعضًا، والتدابر: المعاداة، وقيل: المقاطعة؛ لأن كل واحد منهما يولى صاحبه دبره. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6066)، ومسلم (2563)، وأبو داود (4917). (¬2) انظر: أعلام الحديث للخطابي (3/ 2189)، ومعالم السنن (4/ 114). (¬3) المنهاج (16/ 179). (¬4) انظر: المنهاج للنووي (16/ 180 - 181). (¬5) انظر: مشارق الأنوار للقاضي عياض (2/ 5).

4044 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا، إلا رجلًا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنْظِروا هذين حتى يصطلحا". قلت: رواه مسلم في البر وأبو داود في الأدب والترمذي في الأدب وابن حبان في صحيحه كلهم من حديث أبي هريرة (¬1) ولم يخرجه البخاري، قال أبو داود: كانت الهجرة لله، فليس من هذا بشيء، وإن عمر بن عبد العزيز غطى وجهه عن رجل. ووهم الشيخ محب الدين الطبري فنسبه لتخريج البخاري فلا تغتر بذلك. ومعنى: فتح أبواب الجنة، قال الباجي: هو كثرة الصفح والغفران ورفع المنازل وإعطاء الثواب الجزيل، وقال عياض (¬2): ويحتمل أن يكون على ظاهره، وأن فتح أبوابها علامة لذلك، والشحناء: العداوة كأنه شحن قلبه بغضًا أي ملأه. وأنظروا هذين: بقطع الهمزة أي: أخروهما (¬3). 4045 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين: يوم الإثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبدًا بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: اتركوا هذين حتى يفيئا". قلت: رواه مسلم في البر من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري (¬4) أيضًا وفي نسخة مسلم: اتركوا هذين، أو أركو بالشك حتى يفيئا، أو معنى اتركوا ظاهر: أي أخروهما، وأما اركوا: فهو بالراء الساكنة وضم الكاف والهمزة في أوله همزة وصل، ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2565)، وأبو داود (4916)، والترمذي (747)، وابن حبان (3644). (¬2) انظر قول القاضي عياض في إكمال المعلم (8/ 33)، وهو نقل قول الباجي هذا أيضًا. (¬3) انظر: المنهاج للنووي (16/ 184 - 185). (¬4) أخرجه مسلم (2565).

أي أخروا يقال: ركاه يركوه ركوا إذا آخره، قال بعضهم: ويجوز أن يروى بقطع الهمزة المفتوحة، من قولهم: أركيت الأمر إذا أخرته، وقال آخرون: روي بقطعها ووصلها. قوله - صلى الله عليه وسلم -: حتى يفيئا أي يرجعا عما هما عليه من العداوة، والفيء: الرجوع (¬1). 4046 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم". قلت: رواه مسلم في صفة عرش إبليس قبل صفة الجنة، والترمذي في الزهد كلاهما من حديث جابر ولم يخرجه البخاري. (¬2) 4047 - قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس, ويقول خيرًا، وينمي خيرًا"، قالت: ولم أسمعه تعني: النبي - صلى الله عليه وسلم - يُرخّص في شيء مما يقول الناس كذبًا، إلا في ثلاثة: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها. قلت: رواه الشيخان: البخاري في الصلح ومسلم في الأدب (¬3) إلا قولها: ولم أسمعه يرخص في شيء إلى آخره، فإن البخاري رواه موقوفًا ولم يرفعه، وقفه على ابن شهاب ومسلم رفع الجميع هذا قاله الحافظ عبد الحق والحميدي (¬4). ورواه أبو داود في الأدب والترمذي في البر والنسائي في السير كلهم من حديث أم كلثوم. قوله - صلى الله عليه وسلم -: ينمي بفتح الياء وتخفيف الميم، إذا بلغته على وجه الإصلاح والخير وأصله الرفع، ونميت الحديث تنميه إذا بلغته على وجه النميمة والإفساد، هكذا قاله الجوهري ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (16/ 185). (¬2) أخرجه مسلم (2812)، والترمذي (1937). (¬3) أخرجه البخاري (2692)، ومسلم (2605)، والترمذي (1938)، وأبو داود (4920) (4921). (¬4) انظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (4/ 276 - 277).

من الحسان

وغيره، ونقل ابن الأثير (¬1) عن بعضهم أنه في الحديث مشددًا وأن أكثر المحدثين يقولونها مخففة، قال: وهذا لا يجوز، وما قاله هذا القائل ليس بشيء والصواب ما قدمناه، ومعنى الحديث: ليس الكذب المذموم الذي يصلح بين الناس بل هذا أحسن. قال القاضي (¬2): ولا خلاف في جواز الكذب في هذه الصور، واختلفوا في المراد بالكذب المباح منها ما هو؟ فقيل: هو على إطلاقه فيجوز قول ما لم يكن في هذه المواضع للمصلحة، ولا خلاف أنه لو قصد ظالم نفسًا معصومة أنه يجب الكذب لتنجى بها. وقال الطبري وآخرون: لا يجوز الكذب في شيء أصلًا، قالوا وما جاء من إباحته في هذه المواضع فالمراد به التورية واستعمال المعاريض لا صريح الكذب (¬3). من الحسان 4048 - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل الكذب إلا في ثلاث: كذب الرجل امرأته ليرضيها، والكذب في الحرب، والكذب ليصلح بين الناس". قلت: رواه الترمذي في البر من حديث أسماء بنت يزيد وقد جاء في الصحيحين في الحديث قبله ما يشهد له. (¬4) 4049 - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يكون لمسلم أن يهجر مسلمًا فوق ثلاثة، فإذا لقيه سلم عليه ثلاث مرات، كل ذلك لا يرد عليه، فقد جاء بإثمه". قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث عائشة وسكت عليه. (¬5) ¬

_ (¬1) انظر: النهاية لابن الأثير (5/ 121). (¬2) انظر: إكمال المعلم (8/ 77 - 78). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (16/ 238 - 239). (¬4) أخرجه الترمذي (1939) وإسناده حسن. (¬5) أخرجه أبو داود (4913) وإسناده جيد، انظر: الإرواء (2029).

4050 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار". قلت: رواه أبو داود في الأدب والنسائي في عشرة النساء جميعًا من حديث أبي هريرة وسكت عليه أبو داود. (¬1) 4051 - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من هجر أخاه سنة، فهو كسفك دمه". قلت: رواه أبو داود في الأدب وسكت عليه، ورواه الحاكم وقال: صحيح ووافقه الذهبي كلاهما من حديث أبي خراش يرفعه. (¬2) وأبو خراش: بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء بعدها ألف ثم شين معجمة واسمه حدرد بن أبي حدرد ويقال فيه الأسلمي أيضًا. 4052 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فإن مرت به ثلاثة، فليلقه فليسلّم عليه، فإن رد عليه السلام، فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يرد عليه، فقد باء بالإثم، وخرج المسلّم من الهجرة". قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث هلال بن أبي هلال مولى بني كعب عن أبي هريرة قال الإِمام أحمد: لا أعرفه -يعني: هلال ابن أبي هلال- وقال أبو حاتم الرازي: ليس بالمشهور. (¬3) 4053 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصدقة والصلاة؟ "، قلنا: بلى، قال: "إصلاح ذات البين، وإفساد ذات البين هي الحالقة". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4914)، والنسائي في الكبرى (9161) وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه أبو داود (4960)، والحاكم (4/ 163) وإسناده صحيح وكذلك أخرجه أحمد (4/ 220)، والبخاري في الأدب المفرد (404). انظر: الصحيحة (928)، وأبو خراش، صحابي له حديث واحد، التقريب (1160). (¬3) أخرجه أبو داود (4912) وإسناده ضعيف فيه هلال بن أبي هلال وهو مجهول كما ذكره الحافظ في التقريب (7400).

قلت: رواه أبو داود في الأدب والترمذي في الزهد جميعًا من حديث أبي الدرداء يرفعه وصححه الترمذي. (¬1) 4054 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء: هي الحالقة، لا أقول: تحلق الشعر ولكن تحلق الدين". قلت: رواه الترمذي في الزهد من حديث يعيش بن الوليد مولى للزبير حدثه أن الزبير حدثه فذكره، ومولى الزبير: مجهول. (¬2) 4055 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب". قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث إبراهيم بن أسيد عن جده عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وجد إبراهيم لم يسم، وذكر البخاري إبراهيم هذا في التاريخ الكبير وذكر له هذا الحديث وقال: لا يصح. (¬3) 4056 - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إياكم وسوء ذات البين، فإنها الحالقة". قلت: رواه الترمذي في الزهد من حديث عثمان بن محمَّد الأخنسي عن سعيد المقبري عن أبي هريرة يرفعه وقال: حديث صحيح غريب من هذا الوجه. (¬4) 4057 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من ضارّ ضارّ الله به، ومن شاقّ شاقّ الله عليه". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4919)، والترمذي (2509) وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه الترمذي (2510) وإسناده ضعيف لجهالة مولى آل الزبير كما قال الحافظ في التقريب (8614)، ومع ذلك فقد جود إسناده الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 548)، والهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 30). (¬3) أخرجه أبو داود (4903) وإسناده ضعيف. انظر: الضعيفة (1902)، وانظر التاريخ الكبير (1/ 272) وقال الحافظ: إبراهيم بن أبي أسيد عن جده، لا يعرف، التقريب (8584). (¬4) أخرجه الترمذي (2508) وإسناده حسن.

قلت: رواه أبو داود في القضاء والترمذي في البر وابن ماجه في الأحكام كلهم من حديث لؤلؤة عن أبي صرمة، قال الترمذي: حسن غريب انتهى. (¬1) وأبو صرمة هذا: له صحبة، شهد بدرًا واسمه: مالك بن قيس ويقال: ابن أبي أنس ويقال: قيس بن مالك وقيل: مالك بن أسعد وقيل: لبابة ابن قيس الأنصاري (¬2). 4058 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ملعون من ضار مؤمنًا، أو مكَر به". قلت: رواه الترمذي في البر من حديث أبي بكر الصديق يرفعه وفي سنده أبو سلمة الكندي عن فرقد السبخي، وأبو سلمة: لا يعرف، قال الذهبي: الظاهر أنه عثمان البري أحد الضعفاء، وفرقد ضعفوه ووثقه ابن معين. (¬3) 4059 - قالا: صعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر فنادى بصوت رفيع، فقال: "يا معشر من أسلم بلسانه، ولم يُفض الإيمان إلى قلبه! لا تؤذوا المسلمين، ولا تُعيّروهم، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتّبع عورة أخيه المسلم، يتّبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته، يفضحْه ولو في جوف رَحْله". قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث سعيد بن عبد الله بن جريج عن أبي برزة الأسلمي، وسعيد مولى أبي برزة بصري قال أبو حاتم الرازي هو مجهول، وقال ابن معين: ما سمعت أحدًا روى عنه إلا الأعمش من رواية أبي بكر بن عياش، وذكره ابن ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3635)، والترمذي (1940)، وابن ماجه (2342). وإسناده ضعيف لجهالة لؤلؤة مولاة الأنصار وقد ذكرها الذهبي في المجهولات في "الميزان" (4/ 610). وترجم لها الحافظ في "التقريب" (8775) مقبولة. وقد صح مرسلًا من طريق مالك في الموطأ (2/ 745). (¬2) انظر: الاستيعاب (4/ 1691)، والإصابة لابن حجر (7/ 218). (¬3) أخرجه الترمذي (1941) وإسناده ضعيف. وأبو سلمة الكندي قال الحافظ: مجهول، التقريب (8207)، وقول الذهبي في الميزان (4/ 533)، وفرقد السبخي: صدوق عابد، لكنه ليّن الحديث كثير الخطأ، التقريب (5419).

حبان في الثقات، وصحح له الترمذي، ورواه الترمذي في البر في باب تعظيم المسلم من حديث ابن عمر، وزاد فيه: قال نافع: ونظر ابن عمر يومًا إلى الكعبة فقال: ما أعظمك وما أعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك، وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسين بن واقد، ونبّه غير الترمذي أنه روي من طريق أبي برزة. (¬1) 4060 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن من أربى الربا: الاستطالة في عرض المسلم بغير حق". قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث سعيد بن زيد وسكت عليه. (¬2) 4061 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لما عرج بي ربي، مررت بقوم لهم أظفار من نحاس، يخمشون وجوههم وصدورهم"، فقلت: من هؤلاء يا جبربل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم. قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث أنس (¬3) وسكت عليه هو والمنذري وذكر أبو داود أن بعضهم رواه: عن عبد الرحمن بن جبير يرفعه، ولم يذكر أنسًا فيكون مرسلًا. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4880) من حديث أبي برزة، والترمذي في البر (2032) من حديث ابن عمر. وإسناده حسن. وله شاهد عند أحمد (5/ 279) عن ثوبان وآخر عن أبي برزة الأسلمي عند أحمد (4/ 420 - 421) أيضًا وكذلك عن بريدة عند الطبراني (1155) وفي الأوسط (2957). عن البراء بن عازب عند ابن أبي الدنيا في الصمت (167). وسعيد بن عبد الله بن جريج مولى أبي برزة بصري، صدوق ربما وهم، التقريب (2353). (¬2) أخرجه أبو داود (4876) وإسناده صحيح. وكذلك أخرجه أحمد (1/ 190)، والطبراني في الكبير (1/ 117) رقم (357). (¬3) أخرجه أبو داود (4878) وإسناده صحيح وكذلك أخرجه أحمد (3/ 224) والضياء في المختارة (2285). انظر: الصحيحة (533).

وفي الحديث دليل على أن العقاب واقع قبل يوم القيامة، وقد جاء القرآن بذلك، قال تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا}. 4062 - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من حمى مؤمنًا من منافق بغيبة، بعث الله ملكًا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم، ومن قفا مسلمًا بشيء يريد شينه به حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال". قلت: رواه أبو داود في الأدب ولم يقل فيه لفظة "بغيبة" وقال فيه: أراه قال: بعث الله ملكًا وأبدل قوله من قفا مؤمنًا بقوله، ومن رمى مؤمنًا، وفي سنده: سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه، وسهل بن معاذ يكنى بأبي أنس مصري ضعيف. (¬1) وأخرج هذا الحديث أبو سعيد بن يونس في تاريخ المصريين من رواية عبد الله بن المبارك عن يحيى بن أيوب بإسناد مصري، وهكذا أخرجه أبو داود من حديث ابن المبارك أيضًا عن يحيى بن أيوب عن عبد الله بن سليمان عن إسماعيل بن يحيى المعافري عن سهل كما تقدم وقال أبو يونس: ليس هذا الحديث فيما أعلم بمصر قال المنذري (¬2) إنما وقع له من حديث الغرباء والله أعلم. ووقع في بعض نسخ المصابيح نسبة الحديث إلى رواية أنس، والصواب إنما هو معاذ بن أنس وكذا رواه المصنف في شرح السنة (¬3) عن عبد الله ابن المبارك بالسند الذي ذكرناه ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4883)، والطبراني في الكبير (20/ رقم 433)، وإسناده ضعيف وقد تقدم في باب الشفقة والرحمة على الخلق. (¬2) مختصر السنن (7/ 215). (¬3) شرح السنة (13/ 105) رقم (3527). فيه: يحيى بن أيوب المصري، لم يؤثر توثيقه عن غير ابن حبان، وقال الذهبي: فيه جهالة وذكر هذا الحديث من غرائبه. وقال الحافظ: صدوق ربما أخطأ. انظر: ميزان الاعتدال (4/ 362 - 364). والتقريب (7561). وسهل بن معاذ بن أنس الجهني، لا بأس به إلا في روايات زبان عنه. التقريب (2682).

عن أبي داود بلفظ المصابيح، وقد تقدم هذا الحديث في باب الشفقة والرحمة والله أعلم. قال صاحب الفائق (¬1): يقال قفا فلان فلانًا إذا قذفه وهو من قفوته إذا اتبعت أثره. وقال في النهاية (¬2): يقال قفا فلان فلانًا إذا قذفه بما ليس فيه، قال الجوهري: قفوت الرجل أقفوه قفوًا إذا رميته بأمر قبيح. 4063 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أكل برجل مسلم أكلة، فإن الله يُطعمه مثلها من جهنم، ومن كسى ثوبًا برجل مسلم، فإن الله يكسوه مثله من جهنم، ومن قام برجل مقام سُمعة ورياء، فإن الله يقوم به مقام سمعة ورياء، يوم القيامة". قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث المستورد وقال المنذري: وفي إسناده بقية بن الوليد وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان وهما ضعيفان انتهى. (¬3) قال المزي (¬4): وعبد الرحمن بن ثابت: قال دحيم وغيره: ثقة، يؤمن بالقدر، ولينه بعضهم. والمستورد بن شداد بن عمرو قرشي فهري قال الواقدي توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو غلام وقال غيره سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬5) ¬

_ (¬1) انظر الفائق للزمخشري (3/ 214). (¬2) النهاية (4/ 95). (¬3) أخرجه أبو داود (4881) وإسناد رجاله ثقات لكن فيه بقية بن الوليد وهو يدلس، وقد عنعن، ومكحول الشامي ثقة فقيه كثير الإرسال مشهور، التقريب (6923)، وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان: صدوق يخطيء، ورمي بالقدر وتغير بآخره، التقريب (3844). وكذا أخرجه أحمد (4/ 229)، والبخاري في الأدب المفرد (240) وله شاهد مرسل عن الحسن البصري عند ابن المبارك في الزهد (707) وهو مرسل. وانظر: هداية الرواة (4/ 453). (¬4) انظر: تهذيب الكمال (17/ 12 - 18). (¬5) انظر: الإصابة (6/ 90).

قوله: من أكل برجل أكلة، معناه أن الرجل يكون صديقًا ثم يذهب إلى عدوه ويتكلم فيه بغير الجميل ليجيزه عليه بجائزة فلا يبارك الله له فيها. قال في النهاية (¬1): والأكلة، بالضم، اللقمة، وبالفتح: المرة من الأكل انتهى، والباء في برجل سببية أي بسبب ذكر رجل مسلم بسوء. 4064 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "حسن الظن من حسن العبادة". قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث أبي هريرة يرفعه وفي سنده مهنا بن عبد الحميد أبو شبل البصري سئل عنه أبو حاتم الرازي فقال: هو مجهول. (¬2) قيل: معناه أن حسن الظن بالله تعالى من جملة حسن العبادة. وفائدة الحديث: الإعلام أن حسن الظن عبادة من العبادات الحسنة، ويحتمل: أن يكون معناه من حسنت عبادته حسن ظنه كما قيل في قوله - صلى الله عليه وسلم -: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن باللهِ تعالى. 4065 - قالت: اعتلّ بعير لصفية، وعند زينب فضل ظهر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزينب: "أعطيها بعيرًا" فقالت: أنا أعطي تلك اليهودية؟ فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهجرها ذا الحجة والمحرم، وبعض صفر. قلت: رواه أبو داود في السنة من حديث عائشة ترفعه، ورجاله رجال مسلم إلا سميّة البصرية الراوية عن عائشة، فإنه لم يخرج لها مسلم شيئًا ولم أقف لها على نسب في شيء من كتب الحديث. (¬3) ¬

_ (¬1) انظر: النهاية (1/ 57). (¬2) أخرجه أبو داود (4993) وإسناده ضعيف، وكذلك في إسناده شُتَيْر بن نهار ويقال: سمير بن نهار وهو "نكرة" كما في الميزان (2/ 234). ومهنا بن عبد الحميد البصري قال الحافظ: ثقة، التقريب (6987)، وانظر قول الرازي في الجرح والتعديل (8/ 440). (¬3) أخرجه أبو داود (4602) وفيه سمية البصرية وهي "مقبولة"، كما قال الحافظ في التقريب (8709)، وقال الذهبي: لا تعرف، انظر: الميزان (4/ ت 10967).

باب الحذر والتأني في الأمور

باب الحذر والتأني في الأمور من الصحاح 4066 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين". قلت: رواه الشيخان: البخاري في الأدب ومسلم في آخر الكتاب وأبو داود في الأدب وابن ماجه في الفتن كلهم من حديث أبي هريرة. (¬1) قال النووي (¬2): الرواية المشهورة: "يلدغ" برفع الغين، وقال القاضي (¬3): ويروى على وجهين، أحدهما: بضم الغين على الخبر، ومعناه: المؤمن الممدوح، هو الكيس الحازم الذي لا يستغفل، فيلدغ مرة بعد أخرى، ولا يفطن لذلك، وقيل: إنما المراد الخداع في أمور الآخرة دون الدنيا. والوجه الثاني: بكسر الغين على النهي عن أن يؤتى من جهة الغفلة. وسبب الحديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أسر أبا عزة الشاعر (¬4) يوم بدر، فمنّ عليه وعاهده أن لا يحرض عليه ولا يهجوه فأطلقه فلحق بقومه، ثم رجع إلى التحريض والهجاء، ثم أسره يوم أحد فسأله المنّ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين. وفيه: أنه ينبغي لمن ناله الضرر من جهة أن يتجنبها لئلا يقع فيها ثانية، والله أعلم. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6133)، ومسلم (2998)، وأبو داود (4862)، وابن ماجه (3982). (¬2) المنهاج (17/ 169). (¬3) انظر: إكمال المعلم (8/ 547). (¬4) ورد في إكمال المعلم: "أبا عزة بن عمير الشاعر"، وهو عمرو بن عبد الله بن عمير ابن أهيب الجحمي. نسب إلى جده، قتله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحمراء الأسد، انظر: نسب قريش ص 397 (بنو حمج) وجمهرة أنساب العرب ص: (162).

من الحسان

4067 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأشج عبد القيس: "إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة". قلت: رواه مسلم في الإيمان في حديث طويل من حديث ابن عباس (¬1) يتضمن ذكر قدوم وفد عبد القيس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد ذكره البخاري بطوله في الزكاة وفي المغازي وفي الخمس وفي الأدب وفي غيرها, ولم يذكر في شيء من طرقه قصة الأشج التي اقتصر عليها المصنف هنا، ورواه الترمذي في البر مقتصرًا على ما ذكره المصنف هنا. والأشج: اسمه: المنذر بن عائذ. والأناة: التثبت في الأمور، وذلك من شعار الفضلاء. من الحسان 4068 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الأناة من الله، والعجلة من الشيطان". (غريب). قلت: رواه الترمذي (¬2) في البر وقال: حسن غريب، وفي سنده: عبد المهيمن بن عباس بن سهل عن أبيه عن جده قد تكلم بعض أهل العلم في عبد المهيمن وضعفه من قبل حفظه ونقل الذهبي أنه واه. 4069 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ولا حليم إلا ذو عثرة، ولا حكيم إلا ذو تجربة". (غريب). قلت: رواه الترمذي في البر وقال: حسن غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه انتهى وفي سنده: دراج عن أبي الهيثم، وقد قال أبو داود وغيره: حديث دراج مستقيم إلا ما كان ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (17)، والترمذي (2011). وانظر: تخريجه مفصلًا في الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان (16/ رقم 7203)، والأشج هو: المنذر بن عائذ بن المنذر العَصَري، صحابي، مات في البصرة، انظر: الاستيعاب (1/ 140). (¬2) أخرجه الترمذي (2012) وإسناده ضعيف. وقال الحافظ: عبد المهيمن ضعيف، التقريب (4263)، وقول الذهبي في الكاشف (1/ 671).

عن أبي الهيثم. (¬1) ومعناه: أن الرجل لا يصير حليمًا حتى يعثر فيعفى عنه، فيتعلم الحلم ممن عفا عنه، ويحتمل: أن الحليم قد يغلب على حلمه فيعثر فينتقم، ويحتمل: أن لا يصير حليمًا حتى يعثر فيخطيء فيستبين بذلك مواقع الخطأ، لكن يضعف هذا، قوله ولا حكيم إلا ذو تجربة فإنه هو. 4070 - قال: قال رجلًا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أوصني، فقال: "خذ الأمر بالتدبير، فإن رأيت في عاقبته خيرًا فأمضه، وإن خِفت غيًّا فأمسك". رواه المصنف في شرح السنة بسند فيه أبان عن أنس، قال أحمد: أبان متروك انتهى. (¬2) وروى له أبو داود حديثًا مقرونًا بآخر، قال أبو الدرداء: ما قلد الله عبدًا زيادة أفضل من السكينة. 4071 - عن أبيه قال الأعمش: لا أعلمه إلا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "التؤدة في كل شيء خير، إلا في عمل الآخرة". قلت: رواه أبو داود في الأدب عن مالك بن الحارث، قال الأعمش (¬3) وقد سمعتهم يذكرون عن مصعب بن سعد وهو ابن أبي وقاص عن أبيه، قال الأعمش: ولا أعلمه إلا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - به لم يذكر الأعمش فيه من حدثه ولم يجزم برفعه، وذكر الحافظ محمَّد بن ظاهر هذا الحديث بهذا الإسناد، وقال: في روايته انقطاع وشك. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2033) وإسناده ضعيف. وأخرجه أحمد (3/ 69)، والحاكم (4/ 293)، وصححه، فوهم، انظر: أجوبة الحافظ ابن حجر، الحديث الثاني عشر، أما دراج فهو صدوق، في حديثه عن أبي الهيثم ضعيف، انظر: التقريب (1833). (¬2) أخرجه البغوي في شرح السنة (13/ 178) رقم (3600) وإسناده فيه أبان وهو متروك. كما قال الحافظ في التقريب (143)، وعدا الذهبي في الميزان هذا الحديث من منكراته. انظر (1/ 13). (¬3) أخرجه أبو داود (4810) وإسناده جيد وصححه الحاكم (1/ 64). انظر: الصحيحة (1794).

والتؤدة: التأني، والمعنى: أن التأني في كل شيء مستحسن إلا في عمل الآخرة. 4072 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "السمت الحسن، والتؤدة، والاقتصاد: جزء من أربعة وعشرين جزءًا من النبوة". قلت: رواه الترمذي في البر من حديث عبد الله بن سرجس يرفعه وقال: حسن غريب انتهى (¬1) ورجاله موثقون. والسمت: قال في الفائق (¬2): هو أخذ المنهج ولزوم المحجة، قالوا: ما أحسن سمته أي طريقته التي ينتهجها في تحري الخير والتزيّي بزي الصالحين، والاقتصاد: سلوك القصد في الأمر والدخول فيها برفق، وعلى سبيل يمكن الدوام عليها وقيل: القصد عدم الميل إلى التفريط والإفراط. 4073 - قال نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الهدي الصالح، والسمت الصالح، والاقتصاد: جزء من خمسة وعشرين جزءًا من النبوة". قلت: رواه أبو داود في الأدب (¬3) من حديث ابن عباس يرفعه، وفي إسناده: قابوس بن أبي ظبيان بن حصين بن جندب الجَنْبي الكوفي ولا يحتج بحديثه. وجنب: بطن من مذحج وهو بفتح الجيم وسكون النون وبعدها جاء واحدة، وظبيان: بفتح الظاء المعجمة وكسرها، والهدي: السيرة والهيئة والطريقة، والسمت والاقتصاد قد تقدم في الحديث قبله. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2010) وإسناده جيد، وفي إسناده: نوح بن قيس، وفيه اختلاف فعن يحيى بن معين روايتان: تضعيفه وتوثيقه، وقال النسائي: لا بأس به، ووثقه أحمد، وقال أبو داود: كان يتشيع، وقال مرة: ثقة. انظر: تهذيب الكمال (30/ 53 - 55) وقال الحافظ: صدوق رمي بالتشيع، التقريب (7258). (¬2) الفائق (2/ 198 - 199). (¬3) أخرجه أبو داود (4776) وفي إسناده قابوس بن أبي ظبيان وفيه لين، كما قال الحافظ في التقريب (5480)، وانظر: تهذيب الكمال (23/ 327)، وله شاهد من حديث عبد الله ابن سرجس المزني وإسناده قوي، وحسنه الترمذي (2011).

ومعنى الحديث: أن هذه الخصال من شمائل الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ومن جملة خصالهم فاقتدوا بهم فيها, وليس معناه: أن النبوة تتجزأ، ولا أن من جمع هذه الخصال كان نبيًّا، فإن النبوة غير مكتسبة، وإنما هي كرامة يخص الله بها من يشاء من عباده، وقيل: معناه أن من اجتمعت فيه الخصال لقيه الناس بالتعظيم والتوقير وألبسه الله لباس التقوى الذي ألبسه أنبياءه (¬1). قال المصنف: في شرح السنة (¬2): وقد جاء في هذا جزء من خمس وعشرين جزءًا، وفي الحديث قبله جزءًا من أربع وعشرين جزءًا فيجوز أن يكون هذا باعتبار توفر الخصال في شخص وعدم توفرها في آخر، فمن توفرت فيه كانت من أربعة وعشرين، والله أعلم بما أراد نبيه - صلى الله عليه وسلم - وترك الباقي، أربع وخمس يجوز أن يكون على معنى الخصلة أو القطعة. 4074 - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا حدث الرجل بالحديث، ثم التفت، فهي أمانة". قلت: رواه أبو داود في الأدب والترمذي في البر وقال: حسن إنما نعرفه من حديث ابن أبي ذيب انتهى، وفي إسناده: عبد الرحمن بن عطاء عن عبد الملك بن جابر بن عتيك عن جابر بن عبد الله. (¬3) وعبد الرحمن بن عطاء قال فيه البخاري عنده مناكير، وقال أبو حاتم الرازي: شيخ، قيل له: أدخله البخاري في الضعفاء؟ قال: يحول من هناك، وقال الموصلي: ¬

_ (¬1) انظر هذا الكلام بتمامه في: مختصر المنذري (7/ 163)، وكذلك معالم السنن (4/ 99)، وشرح السنة (13/ 177 - 178). (¬2) شرح السنة (13/ 177). (¬3) أخرجه أبو داود (4868)، والترمذي (1959). وإسناده حسن من أجل عبد الرحمن بن عطاء وهو القرشي مولاهم أبو محمَّد الذارع المدني. وترجم له الحافظ في "التقريب" (3978) وقال: صدوق فيه لين. انظر: الصحيحة (1090).

عبد الرحمن بن عطاء عن عبد الملك بن جابر بن عتيك: لا يصح وهذا الحديث كذلك (¬1). 4075 - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي الهيثم بن التيهان: "هل لك خادم؟ " قال: لا، فقال: "إذا أتانا سبي فأتنا"، فأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - برأسين، فأتاه أبو الهيثم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اختر منهما"، فقال: يا نبي الله! اختر لي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن المستشار مؤتمن، خذ هذا، فإني رأيته يصلي، واستَوصِ به معروفًا". قلت: رواه أبو داود في الأدب والترمذي في الاستئذان وفي الزهد والنسائي في الوليمة كلهم من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة مطولًا. وقال الترمذي: رواه غير واحد عن شيبان بن عبد الرحمن، وشيبان هو صاحب كتاب وهو صحيح الحديث. (¬2) 4076 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المجالس بالأمانة، إلا ثلاثة مجالس: سفك دم حرام، أو فرج حرام، أو اقتطاع مال بغير حق". قلت: رواه أبو داود في الأدب (¬3) من حديث ابن أخي جابر بن عبد الله عن جابر يرفعه وابن أخي جابر: مجهول، وفي إسناده: عبد الله بن نافع الصائغ مولى بني مخزوم، مدني، كنيته أبو محمَّد، وفيه: مقال كذا قاله المنذري (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: الجرح والتعديل (5/ 269)، والتاريخ الكبير (5/ 336) وقال البخاري: فيه نظر. (¬2) أخرجه أبو داود (5128)، والترمذي (2369)، وابن ماجه (3745) مختصرًا ولم أجده عند النسائي ولم يعزه إليه المزي في التحفة. وشيبان بن عبد الرحمن البصري، ثقة، صاحب كتاب، التقريب (2849). (¬3) أخرجه أبو داود (4842) وقد تقدم في باب الشفقة والرحمة على الخلق. (¬4) مختصر السنن (7/ 209).

باب الرفق والحياء وحسن الخلق

قلت: وعبد الله بن نافع هذا خرج له مسلم وأصحاب السنن فالصواب توثيقه والله أعلم. (¬1) 4077 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن من أعظم الأمانة عند الله تعالى يوم القيامة: الرجل يُفضي إلى امرأته وتُفضي إليه، ثم يُفشي سرها". قلت: هذا الحديث رواه مسلم في النكاح وأبو داود في الأدب ولفظهما من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة: الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها". (¬2) وقد ذكره المصنف في النكاح في باب المباشرة في الصحاح فكيف يعيده في هذا الباب في الحسان، فإن أجيب: بأن رواية مسلم "ينشر سرها"، وهذه: "يفشي"، فهو جواب ضعيف، فإن مثل هذا تقدم له كثير، وهو لا يخرج الحديث به عن ذكره في الصحاح. باب الرفق والحياء وحسن الخلق من الصحاح 4078 - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه". قلت: رواه مسلم في البر وأبو داود في الأدب كلاهما من حديث عبد الله ابن مغفل ولم يخرجه البخاريُّ. (¬3) ¬

_ (¬1) عبد الله بن نافع الصائغ، أبو محمَّد المدني: ثقة، صحيح الكتاب، في حفظه لين، من كبار العاشرة التقريب (3683). (¬2) أخرجه مسلم (1437)، وأبو داود (4870). (¬3) أخرجه مسلم (2593)، وأبو داود (4707).

والرفق: ضد العنف، وهو لين الجانب واللطف، والله تعالى رفيق بعباده، من الرفق والرأفة وهو فعيل بمعنى فاعل، والعنف: بضم العين وهو الشدة والمشقة وكل ما في الرفق من الخير ففي العنف من الشر مثله. 4079 - قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة: "عليك بالرفق، وإياك والعنف والفحش، إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه". قلت: رواه مسلم في البر وأبو داود بمعناه في الجهاد وفي الأدب كلاهما من حديث عائشة ولم يخرجه البخاري (¬1). وعليك: اسم فعل، معناه: الزم، ومنه قوله تعالى: عليكم أنفسكم أي: الزموا شأن أنفسكم يتعدى بنفسه كما في الآية وبالباء كما في هذا الحديث. 4080 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من يُحرم الرفق يُحرم الخير". قال: رواه مسلم في البر وأبو داود في الأدب بزيادة "يحرم الخير كله" كلاهما من حديث جرير يرفعه. (¬2) 4081 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الحياء من الإيمان". قلت: رواه مالك في الموطأ والجماعة: البخاري وأبو داود في الأدب ومسلم والترمذي والنسائي في [الإيمان (¬3)] وابن ماجه في السنة كلهم من حديث ابن عمر يرفعه. . (¬4) 4082 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الحياء لا يأتي إلا بخير". قلت: رواه الشيخان: البخاري في الأدب ومسلم في الإيمان وأبو داود في الأدب. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2594)، وأبو داود (4808). (¬2) أخرجه مسلم (2592)، وأبو داود (4809). (¬3) في الأصل بياض بمقدار كلمة، استدركتها من سنن النسائي. (¬4) أخرجه البخاري (6118)، ومسلم (36)، والترمذي (2615)، وأبو داود (4795)، والنسائي (8/ 121)، وابن ماجه (58). (¬5) أخرجه البخاري (6117)، ومسلم (37)، وأبو داود (4796).

4083 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت". قلت: رواه البخاري في ذكر بني إسرائيل وأبو داود في الأدب وابن ماجه في الزهد من حديث أبي مسعود البدري ولم يخرجه مسلم. (¬1) قال في النهاية (¬2) وله تَأوِيلان: أحدهما ظاهر وهو المشهور: أي إذا لم تَسْتَحْي من العيْب ولم تَخْش العارَ مما تفعله فافعل ما تُحَدثك به نفْسُك من أغراضها حَسَنًا كان أو قبيحًا، والثاني: إذا كان الشيء مما لا تَسْتَحْي منه لجريك فيه على سبيل الصواب، وليس من الأفعال التي يُسْتَحيا منها فاصنع منها ما شئت، وعلى هذا يكون فاصنع ما شئت أمر معناه الإذن والإباحة، ومفهومه أن غيره لا يفعل وهو ما يستحيى منه، وعلى الأول يكون الأمر للتهديد أو معناه الخبر أي من لم يستحي فعل ما شاء (¬3). 4084 - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حسن البر والإثم؟ فقال: "البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس". قلت: رواه مسلم في الأدب والترمذي في الزهد كلاهما من حديث النواس ابن سمعان ولم يخرجه البخاري، ولا أخرج البخاري في كتابه عن النواس شيئًا فاعلم ذلك. (¬4) وحاك في صدرك: بالحاء المهملة والكاف أي دار في صدرك ورسخ وقد تقدم في البيع. 4085 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن من أحبّكم إلي: أحسَنكم أخلاقًا". قلت: رواه البخاري من حديث عبد الله بن عمر. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3484)، وأبو داود (4797)، وابن ماجه (4183). (¬2) النهاية (1/ 470 - 471). (¬3) انظر: معالم السنن (4/ 102). (¬4) أخرجه مسلم (2553)، والترمذي (2389). (¬5) أخرجه البخاري (3759).

من الحسان

4086 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن من خياركم: أحسنكم أخلاقًا". قلت: رواه الشيخان من حديث عبد الله بن عمر. (¬1) من الحسان 4087 - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أعطي حظّه من الرفق، أعطي حظّه من خير الدنيا والآخرة، ومن حُرم حظه من الرفق، حُرم حظه من خير الدنيا والآخرة". قلت: رواه المصنف في شرح السنة وفي سنده عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي عن القاسم، وعبد الرحمن: ضعيف، قال البخاري: ذاهب الحديث. (¬2) 4088 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الحياء من الإيمان" والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار". قلت: رواه الترمذي في البر من حديث أبي هريرة وقال: حسن صحيح. (¬3) 4089 - قالوا: يا رسول الله ما خير ما أعطي الإنسان؟ قال: "الخلق الحسن". قلت: لم أقف عليه في شيء من الكتب الستة ورواه البيهقي في شعب الإيمان (¬4) من حديث أبي إسحاق عن المزني أو الجهني قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكره .. وزاد فيه: قال: فما شر ما أعطي: قال: قلب سوء وصورة حسنة وكلما نظر إلى نفسه أعجبته فانظر ما تحب أن يذكر منك في نادي القوم فافعله إذا خلوت. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3559)، ومسلم (2321). (¬2) أخرجه المصنف في شرح السنة (13/ 74) رقم (3491). وإسناده ضعيف؛ لأن فيه عبد الرحمن بن أبي بكر وهو ضعيف، التقريب (3837). ولكنه تابع عبد الرحمن ابن أبي المليكي عبد الرحمن بن القاسم عند أحمد (6/ 159) وهو ثقه وإسناده صحيح. انظر: الصحيحة (519). (¬3) أخرجه الترمذي (2009) وإسناده صحيح. (¬4) أخرجه الحاكم (4/ 198)، والبيهقي في الشعب (1529) ولم أجد فيه هذه الزيادة. وإسناده صحيح. وأصله في سنن أبي داود (3855)، والترمذي (2038) باختصار. وأخرجه كذلك أحمد (2/ 501)، والطيالسي (1232).

ورواه أيضًا من حديث أسامة بن شريك مطولًا (¬1). 4090 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يدخل الجنة الجوّاظ ولا الجعظَري" قال: والجواظ: الغليظ الفظّ. قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث حارثة بن وهب. (¬2) وقال: الجواظ: الغليظ الفظ، وأخرجه البخاري في التفسير وفي النذور ومسلم في صفة الجنة من حديث جابر أيضًا بنحوه، وأتم منه، وليس في حديثهما: الجعظري، وسند أبي داود سند الصحيحين. وقد قيل: الجواظ الكَثيُر اللَّحم، المُخْتال في مشيه، وقيل: الجَمُوع المنُوع، وقيل: القَصِير البَطِين وقيل: الجافي القلب، وقيل: الفاجر، وقيل: الأكول. والجعظري: قال الجوهري: هو الفظ الغليظ انتهى. وقيل: هو الذي يتمدح بما ليس عنده، وقيل: السيء الخلق (¬3). 4091 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن أثقل شيء يوضع في ميزان المؤمن يوم القيامة: خلق حسن، وإن الله يبغض الفاحش البذيء". (صحيح). قلت: رواه الترمذي في البر وأبو داود في الأدب (¬4) مقتصرًا على قوله: "ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق" كلاهما من حديث أبي الدرداء يرفعه، وقال الترمذي: حسن صحيح. والبذيء: هو الذي يتكلم بالفحش ورديء الكلام، وهو بالذال المعجمة. ¬

_ (¬1) انظر: شعب الإيمان برقم (6661). (¬2) أخرجه أبو داود (4801) وإسناده صحيح. (¬3) انظر: النهاية لابن الأثير (1/ 276). (¬4) أخرجه أبو داود (4799)، والترمذي (2002) وإسناده صحيح. انظر: الصحيحة (876).

4092 - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل، وصائم النهار". قلت: رواه أبو داود في الأدب وسكت عليه، ولفظه: "إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم" ورواه المصنف في "شرح السنة" بلفظه في المصابيح كلاهما من حديث عائشة ترفعه. (¬1) وروى الترمذي في البر (¬2) معناه من حديث أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة! وقال: غريب، وروى الترمذي (¬3) عن عبد الله بن المبارك أنه وصف حسن الخلق فقال: هو بسط الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى. 4093 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن". قلت: رواه الترمذي في البر عن ميمون بن أبي شبيب عن أبي ذر بسند جيد ورواه عن معاذ، قال الترمذي: قال محمود بن غيلان -أحد رواته-: الصحيح حديث أبي ذر. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4798)، والبغوي في شرح السنة (3500) وإسناده صحيح ورجاله ثقات، وأخرجه أحمد (6/ 90)، والحاكم (1/ 60) وقال: على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وصححه ابن حبان (1927). (¬2) من سننه (2002) و (2003). (¬3) في السنن (2005). (¬4) أخرجه الترمذي (1987) وإسناد رجاله ثقات، غير ميمون بن أبي شبيب وهو صدوق حسن الحديث لكنه لم يسمع من أبي ذر كما قال أبو حاتم وغيره: وقد اختلف على سفيان في إسناده. وميمون بن أبي شبيب، قال الحافظ: صدوق كثير الإرسال. التقريب (7095).

4094 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا أخبركم بمن يحرم على النار، وبمن تحرم النار عليه؟ على كل هيّن ليِّن قريب سهل". (غريب). قلت: رواه الترمذي في الزهد من حديث عبد الله بن مسعود يرفعه، وقال: حسن غريب. قلت: ورجاله رجال مسلم إلا عبد الله بن عمرو الأودي فإنه لم يرو له إلا الترمذي ولم أر من تكلم فيه بجرح. (¬1) 4095 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المؤمن غر كريم، والفاجر خب لئيم". قلت: رواه أبو داود في الأدب والترمذي في البر كلاهما من حديث يحيى ابن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة يرفعه، وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه انتهى كلامه، وفي إسناده: بشر بن رافع الحارثي اليماني: ولا يحتج بحديثه. ورواه الإِمام أحمد بن حنبل عن رجل عن أبي سلمة عن أبي هريرة، والرجل: مجهول. (¬2) قوله: المؤمن غر كريم: أي ليس بذي مكر فهو ينخدع لانقياده ولينه، يريد أن المؤمن المحمود من طبعه الغرارة، وقلة الفطنة للشر، وترك البحث عنه، وليس ذلك منه جهلًا، ولكنه كرم وحسن الخلق. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2488) وإسناده حسن. وعبد الله بن عمرو الأودي، قال الحافظ: مقبول، التقريب (3531). وانظر: الثقات لابن حبان (5/ 55)، وميزان الاعتدال (2/ ت 4485)، وتهذيب الكمال (15/ 373 - 374). (¬2) أخرجه أبو داود (4790)، والترمذي (1964)، وأخرجه أحمد (2/ 394)، والحاكم (1/ 43)، وذكره الشيخ الألباني - رحمه الله - في الصحيحة (938). أما بشر بن رافع فقال عنه الحافظ: فقيه، ضعيف الحديث. التقريب (691). (¬3) النهاية (3/ 354 - 355).

والخب: قال ابن الأثير (¬1): هو بفتح الخاء المعجمة، الخداع، الذي يمشي بين الناس بالفساد، يقال: رجل خبّ وامرأة خبّة، وقد تكسر خاؤه، وأما المصدر فبالكسر لا غير، ومعناه: أن الفاجر: من كانت عادته الدهاء والبحث عن الشر، ولا يكون ذلك عقلًا منه ولكنه خبث ولؤم (¬2). 4096 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المؤمنون هينون لينون، كالجمل الأنف: إن قِيد انقاد، وإن أُنيخَ على صخرة استناخ". (مرسل). قلت: رواه الترمذي مرسلًا. (¬3) وهينون لينون: بالتخفيف فيهما قال ابن الأثير: ونقل عن أبي الأعرابي أن العرب تمدح بالهين واللين مخففين وتذم بها مثقلين وهين فيعل من الهون وهو السكينة والوقار فعينه واو، وقال الزمخشري: والمحذوف من ياءي (هين ولين) هي الأولى، وقيل الثانية. والأنف على وزن فعل قال ابن الأثير (¬4): أي المأنوف وهو الذي عقر أنفه ليقاد، فهو لا يمتنع على قائده للوجع الذي به، وقيل: الأنف الذلول، ويروى: كالجمل الآنف بالمد، وهو بمعناه، ومعنى الحديث: أن المؤمن شديد الانقياد للشارع في أوامره ونواهيه. 4097 - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم: أفضل من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم". ¬

_ (¬1) انظر: النهاية (2/ 4). (¬2) انظر: معالم السنن (4/ 101). (¬3) لم أجده في سنن الترمذي، بل رواه من رواية مكحول مرسلًا ابن المبارك في الزهد (387)، والقضاعي في المسند (140)، والبيهقي في الآداب (204)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 180). وحسنه الألباني بشواهده في الصحيحة (936). (¬4) انظر: النهاية لابن الأثير (1/ 75).

قلت: رواه الترمذي في الزهد بسند جيد (¬1) من حديث يحيى بن وثاب، عن شيخ من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أراه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكره، قال ابن عدي: كان شعبة وهو أحد رواته يرى أنه ابن عمر ورواه ابن ماجه في الفتن عن يحيى به. 4098 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كظم غيظًا، وهو يقدر على أن ينفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة، حتى يخيره في أي الحور شاء". (غريب). قلت: رواه الترمذي في البر وأعاده في الزهد وأبو داود في الأدب وابن ماجه في الزهد وقال الترمذي، حسن غريب، هذا آخر كلامه. (¬2) وسهل هذا هو ابن معاذ بن أنس الجهني ضعيف، والذي روى عنه هذا الحديث أبو مرحوم عبد الرحمن بن ميمون الليثي مولاهم المصري ولا يحتج بحديثه، ومعاذ بن أنس هذا له صحبة كان بمصر والشام. - وفي رواية: "ملأ الله قلبه أمنًا وإيمانًا"، وزاد بعضهم: "من ترك لبس ثوب جمال وهو يقدر عليه -أحسبه قال- تواضعًا، كساه الله حلة الكرامة، ومن تزوج لله، توّجه الله تاج الملك". قلت: رواها أبو داود في الأدب أيضًا فقال: عن رجل من أبناء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نحوه، قال: ملأ الله قلبه أمنًا وإيمانًا، ولم يذكر قصة ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2507)، وابن ماجه (4032) وإسناده ضعيف، لجهالة عبد الواحد بن صالح، كما قال الحافظ في التقريب (4270): لكن الحديث روي عن أبي عامر العقدي عن شعبة عن الأعمش وهو إسناد صحيح فالحديث صحيح. كما في الصحيحة (936). (¬2) أخرجه أبو داود (4777)، والترمذي (2021)، وابن ماجه (4186). وسهل ابن معاذ قد تقدم وهو: لا بأس به إلا في روايات زبّان عنه. أما عبد الرحيم بن ميمون، أبو مرحوم فهو صدوق زاهد، انظر: التقريب (4087).

باب الغضب والكبر

دعاه الله زاد: ومن ترك لبس ثوب جمال وهو يقدر عليه .. وساق الحديث، وفي رواته: مجهول، وأخرج الترمذي حديث اللباس في موضع آخر منفردًا. (¬1) باب الغضب والكبر من الصحاح 4099 - قال: قال رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أوصني، قال: "لا تغضب"، فردد مرارًا، قال: "لا تغضب". قلت: رواه البخاري في الأدب والترمذي في البر كلاهما من حديث أبي هريرة ولم يخرجه مسلم، وأخرجه مالك في الغضب آخر الموطأ عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن مرسلًا. (¬2) 4100 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب". قلت: رواه الشيخان كلاهما في الأدب والنسائي في اليوم والليلة من حديث أبي هريرة (¬3). والصرعة: بضم الصاد وفتح الراء المهملتين البالغ في الصراع، الذي لا يغلب، فنقله النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الذي يغلب نفسه عند الغضب ويقهرها، فإنه إذا ملكها كان قد قهر أقوى أعدائه. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4778)، والترمذي (2481)، وراجع الصحيحة (718). (¬2) أخرجه البخاري (6116)، والترمذي (2020)، ومالك في الموطأ (2/ 905) وانظر: التمهيد (7/ 248). (¬3) أخرجه البخاري (6114)، ومسلم (2609).

4101 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف، لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتلّ جواظ مستكبر" ويروى: "كل جواظ زنيم متكبر". قلت: رواه الشيخان: البخاري في التفسير والأدب ومسلم في صفة الجنة والترمذي في صفة جهنم والنسائي في التفسير وابن ماجه في الزهد كلهم من حديث حارثة بن وهب. (¬1) ومعنى متضعف: أي استضعفه الفقر. ورثاثة الحال، وأقسم على الله معناه: أن يقول بحقك يا رب فافعل كذا، والعتل: الشديد الجافي، والفظ: الغليظ من الناس، والجواظ: بالجيم والظاء المعجمة تقدم أنه الجموع المنوع، وقيل غير ذلك، والزنيم: قال عكرمة: هو اللئيم الذي يعرف بلؤمه كما تعرف الشاة بزنمتها، وزنمة الشاة: هو شيء يقطع من أذنها فيترك معلقًا. 4102 - قال: "لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبَّة من خردل من إيمان، ولا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال حبَّة من كبر". قلت: رواه مسلم في الإيمان من حديث ابن مسعود. (¬2) 4103 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا، ونعله حسنًا، فقال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس". قلت: رواه مسلم في الإيمان وأبو داود في اللباس والترمذي في البر وابن ماجه في السنة كلهم من حديث علقمة عن ابن مسعود يرفعه. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4918)، ومسلم (2853)، والترمذي (2605)، وابن ماجه (4116)، والنسائي في الكبرى (11615). (¬2) أخرجه مسلم (91). (¬3) أخرجه مسلم (91)، وأبو داود (4091)، والترمذي (1998) وابن ماجه (59).

واسم الرجل الذي قال ذلك: مالك بن مرارة الرهاوي (¬1). وقد رويناه في مسلم: "غمط الناس": بالطاء المهملة، و"غمص الناس" بالصاد المهملة وكلاهما بمعنى: احتقار الناس. قوله: لا يدخل الجنة أحدٌ في قلبه مثقال ذرة من كبر: قيل: أراد به كبر الكفر، بدليل ما جاء في نقيضه بالإيمان، وقيل: إن الله تعالى ينزع الكبر من قلبه إذا أراد أن يدخله الجنة حتى يدخلها بلا كبر، كما قال تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ}. والبطر: الطغيان عند النعمة، وبطر الحق: أي يجعل الحق باطلًا، وقيل: أن يتكبر عند الحق فلا يقبله، وقال الحسن: التواضع أن تخرج من بابك فلا يلقاك مسلم إلا رأيت له عليك فضلًا. 4104 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم -ويروى: ولا ينظر إليهم- ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر". قلت: رواه مسلم في الإيمان ولم يخرجه البخاري (¬2) والمراد: أن الله لا يكلمهم كلامًا يسرهم به، وإلا فالله تعالى يكلم كل أحد يوم القيامة كما جاء في الحديث الصحيح: ما من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان. (¬3) 4105 - قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قال الله تعالى: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدًا منهما، قذفته في النار". ¬

_ (¬1) وقيل غير ذلك، انظر: المنهاج للنووي (2/ 121). (¬2) أخرجه مسلم (107). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (2/ 153).

من الحسان

قلت: رواه مسلم في الأدب من حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري ولم يخرجه البخاري ورواه أبو داود في اللباس وابن ماجه في الزهد. (¬1) من الحسان 4106 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزال الرجل يذهب بنفسه، حتى يكتب في الجبارين، فيصيبه ما أصابهم". قلت: رواه الترمذي في الأدب من حديث سلمة بن الأكوع وقال: حديث حسن غريب انتهى. (¬2) وفي سنده عمر بن راشد اليمامي: لينه غير واحد. وقال الذهبي: ضعفوه. ومعنى يذهب بنفسه: أي مذاهب التيه والعجب والجبروت حتى يصير جبارًا. 4107 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يحشر المتكبرون أمثال الذر يوم القيامة، في صورة الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، يساقون إلى سجن في جهنم -يسمى بولس- تعلوهم نار الأنيار، يسقون من عصارة أهل النار، طينة الخبال". قلت: رواه الترمذي في الزهد وقال: حسن. (¬3) وفي سنده: محمَّد بن عجلان وقد تقدم ذكره، وأن مسلمًا أخرج له في كتابه ثلاثة عشر حديثًا كلها في الشواهد، وأن البخاري ذكره في كتاب الضعفاء. والذر: جمع ذرة وهي النملة الصغيرة، ويحتمل: أن يكون المعنى أن صورتهم صورة الإنسان، وجثتهم جثة الذر في الصغر، ويحتمل: أن يكون - صلى الله عليه وسلم - شبه المتكبرين في ذلهم ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2620)، وأبو داود (4090)، وابن ماجه (4174). (¬2) أخرجه الترمذي (2000). وإسناده ضعيف. وعمر بن راشد اليمامي: قال الحافظ: ضعيف، التقريب (4927). وانظر قول الذهبي في الكاشف (2/ 60). وانظر: الضعيفة (1914). (¬3) أخرجه الترمذي (2492). وإسناده حسن. ومحمد بن عجلان: قال الحافظ: صدوق إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة، التقريب (6176).

وحقارتهم يوم القيامة بالذر في صغر مقدارهم وحقارتهم وإن كانت أجسادهم كبيرة فتشبيههم بالذر إنما هو في الذل والحقارة، فهم بالنسبة إلى بقية أهل المحشر في الحقارة كالذر. قوله: يدعى بولس: هو فوعل من الإبلاس، بمعنى البأس، ولعل هذا السجن إنما يسمى بذلك لأن الداخل فيه قد أيس من الخلاص، وقال بعضهم: يجوز كسر لامه وفتحها. قوله: تعلوهم نار الأنيار أي تغشاهم وتحيط بهم كالماء يعلو الغريق، والأنيار: جمع نار، كتاب وأنياب، كان هذه النار لفرط إحراقها وشدة حرها تفعل بسائر النيران ما تفعل النار بغيرها. وقال بعض أهل اللغة: النار تجمع على أنيار بالياء فرقًا بين النار والنور، فإن النور يجمع على أنوار بالواو، وطينة الخبال: عصارة أهل النار كما جاء في الحديث. 4108 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ". قلت: رواه أبو داود في الأدب بسنده إلى أبي وائل القاص (¬1) قال: دخلنا على عروة بن محمَّد السعدي فكلمه رجل فأغضبه فقام فتوضأ فقال حدثني أبي عن جدي عطية، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. الحديث. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4784). وإسناده ضعيف. عطية بن عروة السعدي، صحابي، انظر: الاستيعاب (3/ 1070). عروة بن محمَّد بن عطية: مقبول من السادسة "التقريب" (4599). محمَّد بن عطية بن عروة السعدي، صدوق من الثالثة ووهم من زعم أن له صحبة. أبو وائل القاص: اسمه: عبد الله بن بحير بن ريسان، القاص، الضعاني، قال الحافظ: وثقه ابن معين، واضطرب فيه كلام ابن حبان، التقريب (3239). وانظر: مختصر المنذري (7/ 167).

وسكت عليه هو والمنذري، وعطية هذا هو: ابن سعد ويقال: ابن قيس، ويقال: ابن عروة سعدي من بني سعد بن بكر بن هوازن نزل بالشام، وكان ولده بالبلقاء، وله صحبة وكنيته أبو محمَّد، وأما أبو وائل: فثقة وكان قاص أهل صنعاء. والقاص: بفتح القاف وبعد الألف صار مهملة هذه النسبة إلى القصص والمواعظ وقد نسب لذلك غير واحد. 4109 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا غضب أحدكم، وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب، وإلا فليضطجع". قلت: رواه أبو داود في الأدب عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبي ذر (¬1) ثم روى عن داود وهو ابن أبي هند عن بكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا ذر بهذا الحديث، قال أبو داود: هذا أصح الحديثين، يريد أن المرسل أصح، وقال غيره: إنما يروي أبو حرب بن أبي الأسود عن عمه عن أبي ذر ولا يحفظ له سماع من أبي ذر (¬2). 4110 - قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "بئس العبد عبد تخيل واختال، ونسي الكبير المتعال , بئس العبد عبد تجبّر واعتدى، ونسي الجبار الأعلى، بئس العبد عبد سها ولها، ونسي المقابر والبِلى، بئس العبد عبد عتا وطغى، ونسي المبتدا والمنتهى، بئس العبد عبد يختل الدنيا بالدين، بئس العبد عبد يختل الدين بالشبهات، بئس العبد عبد طمع يقوده، بئس العبد عبد هوى يُضِله، بئس العبد عبد رغب يُذله". (غريب، ضعيف). قلت: رواه الترمذي في الزهد، وقد كفى الشيخ مؤنته (¬3) بتضعيفه، وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده بالقوي، وقد رواه الحاكم في المستدرك ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4782). (¬2) انظر: مختصر المنذري (7/ 167). (¬3) أخرجه الترمذي (2448)، والحاكم (4/ 316). وقال الذهبي في التلخيص: "قلت: إسناده مظلم". وانظر: الضعيفة (2026).

باب الظلم

في الرقائق وقال: صحيح، وليس كما قال، ولذلك قال الذهبي: إسناده مظلم. قوله: تخيل: واختال تخيل أنه خير من غيره فتكبر، والكبير المتعال. قال ابن الأثير (¬1): الكبير العظيم: ذو الكبرياء، وقيل: المتعال عن صفات الخلق، وقيل: المتكبّر على عُتاة خلقه، والتاء فيه للتفرد، والتخصص لا للتعاطي والتكلف، والمتعالي: الذي جل عن إفك المفترين وعلا شأنه، وقد يكون بمعني العالي. قوله عتا وطغى: العتو التجبر والتكبر، وطغى: أي جاوز القدر في الشر. قوله: ونسي المبتدأ والمنتهى أي نسي ابتداء خلقه، وهو كونه نطفة وانتهاء حاله الذي يصير إليه، وهو أن يكون ترابًا. قوله: بئس العبد عبد يختل الدنيا بالدين: أي تطلب الدنيا بعمل الآخرة، يريك دينًا وورعًا، حتى إذا ظفر بشيء من أمر الدنيا انكشف ضميره الخبيث، قبح الله الفاعل لذلك، يقال: خَتَله يختلِه: إذا خدعه وراوغه، وتخيل الدين بالشبهات: أي يقع في الحرام بالتأويل (¬2). والرغب: بضم الراء المهملة وإسكان الغين المعجمة ثم بالباء الموحدة وهو الشره. قال الجوهري (¬3): يقال: الرغب شؤم، والله أعلم. باب الظلم من الصحاح 4111 - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الظلم ظلمات يوم القيامة". قلت: رواه البخاري في المظالم ومسلم في الأدب والترمذي في البر ثلاثهم من حديث ¬

_ (¬1) انظر: النهاية لابن الأثير (4/ 139 - 140). (¬2) انظر: النهاية لابن الأثير (2/ 9). (¬3) انظر: الصحاح للجوهري (1/ 137)، والنهاية لابن الأثير (2/ 238).

عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر. (¬1) 4112 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم". قلت: رواه مسلم في الأدب ولم يخرجه البخاري. (¬2) قيل الشح: هو الحرص الشديد، الذي يحمله على ارتكاب المحارم من سفك الدماء، وأكل الربا، وأخذ الحرام، وإتيان الفواحش (¬3)، كما قال في الحديث. 4113 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يُفلته"، ثم قرأ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ ...} الآية. قلت: رواه البخاري والترمذي والنسائي ثلاثتهم في التفسير ومسلم في الأدب وابن ماجه في الفتن كلهم من حديث أبي موسى. (¬4) 4114 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما مر بالحِجْر، قال: "لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، إلا أن تكونوا باكين، أن يصيبكم مثل ما أصابهم"، ثم قنع رأسه، وأسرع السير حتى اجتاز الوادي. قلت: رواه البخاري في مواضع من كتابه بألفاظ متقاربة، منها: في الصلاة وفي المغازي ورواه مسلم أيضًا في آخر الكتاب بمعناه كلاهما من حديث ابن عمر بن الخطاب. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2447)، ومسلم (2579)، والترمذي (2030). (¬2) أخرجه مسلم (2578). (¬3) انظر: شرح السنة (14/ 357). (¬4) أخرجه البخاري (4686)، ومسلم (2583)، والترمذي (3110)، والنسائي (11245)، وابن ماجه (4018). (¬5) أخرجه البخاري في الصلاة (433)، وفي المغازي (4419)، ومسلم (2980).

والحجر: بالكسر، اسم لأرض ثمود قوم صالح عليه السلام، وكان ذلك عند سيره - صلى الله عليه وسلم - إلى تبوك. وفي الحديث دليل على: أن منازل هؤلاء لا تتخذ مسكنًا ووطنًا لأنه - صلى الله عليه وسلم - قد نهى عن دخولها إلا مع البكاء، فالمتوطن لا يكون باكيًا أبدًا. وقنع رأسه: قال بعضهم: يحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - أخذ قناعًا على رأسه شبه الطيلسان، ويجوز أن يكون مبالغة في الإقناع أي أطرف فلا يلتفت يمينًا ولا شمالًا. 4115 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كانت له مظلمة لأخيه من عوضه أو شيء، فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات، أخذ من سيئات صاحبه فحُمل عليه". قلت: رواه البخاري (¬1) في المظالم عن محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ذيب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة يرفعه. قوله - صلى الله عليه وسلم -: فليتحلله أي يسأله, أن يجعله في حل من قبله، يقال تحللته واستحللته إذا سألته أن يجعلك في حل. قال في شرح السنة: (¬2) ومعناه أن يقطع دعواه ويترك مظلمته فإن ما حرم الله من الغيبة لا يمكن تحليله، وإذا تحلل من المال فإنما يصح إذا كان معلومًا، وكان دينًا أو منفعة عين استوفاها غصبًا، فإن كانت العين التي غصبها قائمة، فلا يصح التحلل منها، إلا بهبة وقبول، مع قبض، وقال بعض أهل العلم: إذا اغتاب رجلًا فإن بلغه فلا بد أن يستحله، وإن لم يبلغه فإنه يستغفر الله تعالى ولا يخبره. 4116 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أتدرون ما المفلس؟، قالوا: المفلس فينا: من لا درهم له ولا متاع، فقال: "إن المفلس من أمتي: من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2449). (¬2) شرح السنة (14/ 359 - 360).

من الحسان

هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أُخذ من خطاياهم، فطرحت عليه، ثم طرح في النار". قلت: رواه مسلم في الأدب والترمذي في الزهد كلاهما من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري، بل اقتصر على الحديث الذي قبله وهو بمعنى هذا. (¬1) 4117 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لتؤدنّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء". قلت: رواه مسلم في الأدب من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬2) والجلحاء: هي التي لا قرن لها، والقرناء ضدها. من الحسان 4118 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تكونوا إمَّعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسنّا وإن ظلموا ظلمنا, ولكن وطِّنوا أنفسكم: إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا". قلت: رواه الترمذي في البر من حديث حذيفة، وقال: حسن غريب انتهى. (¬3) وسند الحديث جيد. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2581)، والترمذي (2418). (¬2) أخرجه مسلم (2582). (¬3) أخرجه الترمذي (2007). وإسناده ضعيف، فيه أبو هشام الرفاعي هو: محمَّد بن يزيد ابن كثير الكوفي، قال الحافظ: ليس بالقوي، من صغار العاشرة، وذكره ابن عدي في شيوخ البخاري وجزم الخطيب بأن البخاري روى عنه، لكن قد قال البخاري رأيتهم مجمعين على ضعفه. التقريب (6442). وفيه: الوليد بن عبد الله بن جميع، قال الحافظ: صدوق يهم ورمي بالتشيع التقريب (7482) وانظر: ضعيف الترمذي (345).

باب الأمر بالمعروف

والإمعة: بكسر الهمزة وتشديد الميم وفتحها، الذي لا رأي له فهو تابع لكل أحد على رأيه، ويقال: إمع، والهاء فيه للمبالغة، ويقال: هو الذي يقول لكل أحد أنا معك، ولا تستعمل هذه اللفظة في النساء فلا يقال امرأة إمعة. 4119 - كتب معاوية بن أبي سفيان إلى عائشة رضي الله عنها: أن اكتبي إليّ كتابًا توصيني فيه، ولا تكثري، فكتبت: سلام عليك، أما بعد: فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من التمس رضا الله بسخط الناس، كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضى الناس بسخط الله، وكله الله إلى الناس"، والسلام عليك. قلت: رواه الترمذي (¬1) في الزهد، قبيل باب ما جاء في شأن الحساب عن عبد الوهاب بن الورد عن رجل من أهل المدينة قال: كتب معاوية إلى عائشة .. وساقه، ورواه هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها كتبت إلى معاوية من قولها ولم ترفعه. ومعنى: وكّله الله إلى الناس، يقال: وكلت أمري إلى فلان أي ألجأته إليه واعتمدت عليه. باب الأمر بالمعروف من الصحاح 4120 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من رأى منكم منكرًا، فليغيره بيده، فإن لم يستطع، فبلسانه، فإن لم يستطع، فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان". قلت: رواه مسلم والنسائي كلاهما في الإيمان وأبو داود في الصلاة والترمذي وابن ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2414). وإسناده ضعيف: لجهالة الرجل من أهل المدينة، وله شاهد من رواية سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة إثر الحديث المرفوع فذكر الحديث بمعناه ولم يرفعه وهذا سند صحيح. وأخرجه ابن المبارك (200)، والحميدي (266)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 188)، من طرق أخر موقوفًا عليها وراجع الصحيحة (2311).

ماجه في الفتن كلهم من حديث أبي سعيد الخدري ولم يخرجه البخاري. (¬1) 4121 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مثل المدهن في حدود الله والواقع فيها: مثل قوم استهموا سفينة، فصار بعضهم في أسفلها، وصار بعضهم في أعلاها، فكان الذي في أسفلها يمر بالماء على الذين في أعلاها، فتأذوا به، فأخذ فأسًا فجعل ينقر أسفل السفينة، فأتوه فقالوا: ما لك؟ فقال: تأذيتم بي، ولا بد لي من الماء، فإن أخذوا على يديه, أنجوه ونَجّوا أنفسهم، وإن تركوه، أهلكوه وأهلكوا أنفسهم". قلت: رواه البخاري في الشركة وفي الشهادات والترمذي في الفتن كلاهما من حديث الشعبي عن النعمان بن بشير. (¬2) قال في شرح السنة (¬3): والمداهنة والادهان: المقاربة في الكلام والتليين، قال الله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} أي: تلين لهم فيلينون لك. قوله: يمر بالماء، قال بعضهم: كنى به عن البول والغائط أدبًا، ويجوز: أن يحمل على ظاهره في الماء، وإنما حمله هذا على البول والغائط لأن البحر لا ينتفع بمائه لغير الطهارات من الحدث والنجس. قوله: فإن أخذوا على يديه، قال في النهاية (¬4): يقال: أخذت على يد فلان إذا منعته عما يريد فعله كأنك أمسكت يده. قوله: أنجوه، يقال: نجى من الأمر إذا خلص، وأنجاه غيره، والنجية: التخليص، وشبّه - صلى الله عليه وسلم - المداهن في الحدود بالذي في أعلى السفينة، والواقع فيها بالذي في أسفلها، وشبه الإِسلام بالسفينة وهو محيط بالفريقين كما أن السفينة محيطة بهما، وشبه انهماك ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (49)، والنسائي (8/ 111)، وأبو داود (1140)، والترمذي (2172)، وابن ماجه (4013). (¬2) أخرجه البخاري (2686)، والترمذي (2173). (¬3) انظر: شرح السنة (14/ 343). (¬4) انظر: النهاية لابن الأثير (1/ 28).

من الحسان

المسرف على نفسه المتعدي لحدود الله بالذي ينقر أسفل السفينة، وعبر عن نهي الناهي الواقع في تلك الحدود بالأخذ على يديه, وبمنعه، وعبر عن فائدة المنع بنجاة الناهي والمنهي، وعبر عن عدم النهي بالترك، وعبر عن ثمرة ترك النهي بالهلاك والله أعلم. 4122 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يجاء بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتابه في النار، فيطحن فيها كطحن الحمار يرَحَاه، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أي فلان، ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف، وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه". قلت: رواه البخاري في صفة النار وفي الفتن ومسلم في آخر الكتاب. (¬1) قوله: تندلق أقتابه، أي تخرج أمعاؤه فالاندلاق خروج الشيء من مكانه، وكل شيء بدر خارجًا فقد اندلق. والأقتاب الأمعاء واحدها قتبة، قاله الأصمعي وقال الكسائي واحدها قتب، وقال أبو عبيدة: القتب ما تحوّى في البطن يعني استدار وهي الحَوايا، وأما الأمعاء فهي الأقصاب واحدها قصب. ومعنى: فتطحن فيها طحن الحمار برحاه: يدور كما يدور الحمار برحاه (¬2). من الحسان 4123 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذابًا من عنده، ثم لتدعنّه، فلا يستجاب لكم". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (7098)، ومسلم (2989). (¬2) انظر: شرح السنة (14/ 352).

قلت: رواه الترمذي في الفتن من حديث حذيفة وقال: حسن انتهى، وسنده جيد. (¬1) 4124 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا عُملت الخطيئة في الأرض: من شهدها فكرهها، كان كمن غاب عنها، ومن غاب عنها، فرضيها كان كمن شهدها". قلت: رواه أبو داود في الفتن عن عدي بن عدي عن العرس وهو ابن عميرة الكندي وسكت عليه أبو داود. (¬2) والعُرْس: بضم العين المهملة وإسكان الراء وهما اثنان هذا والعرس ابن قيس الكندي وهما صحابيان، ذكرهما الحافظ أبو عمر ولم يرو له من أصحاب الكتب الستة إلا أبو داود روى له هذا الحديث خاصة (¬3). 4125 - أنه قال: يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الناس إذا رأوا منكرًا فلم يغيّروه، يوشك أن يعُمّهم الله بعقابه". (صحيح). قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه كلهم في الفتن والنسائي في التفسير واللفظ لابن ماجه، وقال الترمذي: حسن صحيح، وذكر: أن بعضهم رواه مرفوعًا وبعضهم رواه موقوفًا على أبي بكر وقد أعاده الترمذي في التفسير. (¬4) - وفي رواية: "إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوْشَك .. ". قلت: هذه الرواية لفظ أبي داود والترمذي. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2169). إسناده كما قال المؤلف حسن، وفيه عبد الله بن عبد الرحمن الأشهلي، قال الحافظ: مقبول التقريب (3464). (¬2) أخرجه أبو داود (4345). وإسناده حسن. (¬3) انظر: الاستيعاب لابن عبد البر (3/ 1062). (¬4) أخرجه أبو داود (4338)، والترمذي (2168)، والنسائي في الكبرى (1157)، وابن ماجه (4005). وإسناده صحيح، انظر: الصحيحة (1671). (¬5) أخرجها أبو داود (4338)، والترمذي (2168).

- وفي رواية: "ما من قوم يُعمل فيهم بالمعاصي، ثم يقدرون على أن يغيروا، ثم لا يغيرون، إلا يُوشك أن يعُمّهم الله بعقاب". قلت: رواها أبو داود. (¬1) - وفي رواية: "يُعمل فيهم بالمعاصي، هم أكثر ممن يعمله .. ". قلت: رواها أيضًا أبو داود. (¬2) والأخذ على اليد: كناية عن المنع. قوله: أوشك، أو يوشك بمعنى يقرب ويسرع. 4126 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من قوم يكون بين أظهرهم رجل يعمل بالمعاصي، هم أمنع منه وأعز، لا يغيرون عليه، إلا أصابهم الله بعقاب". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه كلاهما في الفتن عن ابن جرير عن جربر (¬3) وقال أبو داود في آخره: "إلا أصابهم الله بعقاب من قبل أن يموتوا" قال المنذري: وابن جرير هذا لم يسم، قال: وقد روى ابن جرير عن أبيه أحاديث واحتج به مسلم انتهى كلام المنذري (¬4). قلت: وقد صرح ابن ماجه باسمه فقال: عن عبد الله بن جرير بن عبد الله بخلاف ما فعل أبو داود، فإنه قال عن ابن جرير عن جرير وذكر الحديث، والظاهر أن الذي روى عنه ابن ماجه غير الذي يروي عنه أبو داود، وكذا فهمه المزي، فإنه ذكر في الأطراف في مسند جرير ابنه عبيد الله، وعزاه لابن ماجه رواية هذا الحديث عنه ثم في ¬

_ (¬1) أخرجها أبو داود (4338). (¬2) أخرجها أبو داود (4338). (¬3) أخرجه أبو داود (4339)، وابن ماجه (4009)، والطيالسي (663)، وأحمد (4/ 364)، والبيهقي في الكبرى (10/ 91). وإسناده حسن، عبيد الله بن جرير يروى عنه جمع وذكره ابن حبان في "الثقات" وهو مقبول حيث يتابع، وقد تابعه أخوه المنذر بن جرير بإسناد حسن إليه. أخرجه أحمد (4/ 364، 366). ومن طريق المنذر ابن جرير عن أبيه أحمد (4/ 361، 363)، والإحسان في تقريب صحيح ابن حبان (300) و (302). (¬4) انظر: مختصر المنذري (6/ 187).

آخر الترجمة، قال: وعن ابن لجرير عن جرير وذكر هذا الحديث وعزاه لأبي داود خاصة، ولهذا قال المنذري في قول أبي داود عن ابن لجرير عن جرير أن ابن جرير لم يسم، فلو كان هذا الذي روى عنه ابن ماجه لكان اسمه عبيد الله وكلام الذهبي في الكاشف موافق لذلك (¬1). 4127 - في قوله تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} فقال: أما والله لقد سألت عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: "بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شُحًّا مطاعًا، وهوى متبعًا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، ورأيت أمرًا لا بد لك منه، فعليك نفسك، ودع أمر العوام، فإن وراءكم أيام الصبر، فمن صبر فيهن، فكأنما قبض على الجمر، للعامل فيهن أجر خمسين رجلًا يعملون مثل عمله" قالوا: يا رسول الله أجر خمسين منهم، قال: "أجر خمسين منكم". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه كلاهما في الفتن والترمذي في التفسير كلهم من حديث أبي ثعلبة، قال أبو داود: اسم أبي ثعلبة جرثوم هذا آخر كلامه. وفي اسم أبي ثعلبة اختلاف كثير: قيل: جرثومة، وقيل: جرهم، وقيل: عمرو، وقيل: الأشتر، وفي سند الحديث عتبة بن أبي حكيم الهمداني الشامي قال المنذري وثقه غير واحد وتكلم فيه غير واحد. (¬2) قوله: "ورأيت أمرًا لا بد لك منه" هكذا هو في النسخ المعتمدة وكذا رواه المصنف في شرح السنة (¬3) وليست هذه اللفظة في أبي داود ولا في الترمذي ولفظ ابن ماجه: "ورأيت أمرًا لا بد أن لك به". ¬

_ (¬1) انظر: تحفة الأشراف للمزي (2/ 435 - 436)، والكاشف للذهبي (2/ 475). (¬2) أخرجه أبو داود (4341)، والترمذي (4014)، وابت ماجه (4014). وانظر: مختصر المنذري (6/ 189). وفي إسناده: عمرو بن جارية ذكره ابن حبان في .. "الثقات" ولم يرو عنه غير عتبة بن أبي حكيم وهو صدوق يخطيء كثيرًا، انظر: التقريب (4459). (¬3) شرح السنة (14/ 347 - 348).

والشح المطاع: هو الذي يطيعه صاحبه في منع الحقوق التي أوجبها الله عليه أو ندب إليها لمنع الزكاة، والنفقة الواجبة، وصدقة التطوع، وما أشبه ذلك. ودنيا مؤثرة أي مختارة مقدمة على الآخرة. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ورأيت أمرًا لا بد لك منه" أي ورأيت مع هذه الأمور من الشح وما بعده أمرًا لا بد لك منه أن تقع فيه إن خالطتهم وهنئتهم فعليك بنفسك، ويشهد لذلك ما جاء في الرواية الأخرى: "ورأيت أمرًا لا بد أن لك بهما" ويؤيد ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من رأى منكم منكرًا، فليغيره بيده ... " الحديث، الذي أورده المصنف في أول الباب. قوله - صلى الله عليه وسلم -: فعليك نفسك هو اسم فعل أي الزم نفسك. قوله - صلى الله عليه وسلم -: الصابر فيهن يعني على العبادة، ومخالفة ما الناس عليه، والقيام بالعبادات فكأنما قبض على الجمر للمشقة الحاصلة بسبب ذلك. 4128 - قال: قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطيبًا بعد العصر، فلم يدع شيئًا يكون إلى قيام الساعة إلا ذكره، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه، وقال فيما قال: "إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فناظر كيف تعلمون؟ ألا فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء" وذكر أن لكل غادر لواء يوم القيامة بقدر غدرته في الدنيا, ولا غدر أكبر من غدر أمير العامة، يغرز لواءهُ عند استه، قال: "ولا تمنعن أحدًا منكم هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه. وفي رواية: إن رأى منكرًا أن يغيّره" فبكى أبو سعيد، وقال: قد رأيناه فمنعتنا هيبة الناس أن نتكلم فيه، ونغيره، ثم قال: "ألا إن بني آدم خلقوا على طبقات شتى، فمنهم من يولد مؤمنًا ويحيا مؤمنًا ويموت مؤمنًا، ومنهم من يولد كافرًا ويحيا كافرًا ويموت كافرًا، ومنهم من يولد مؤمنًا ويحيا مؤمنًا ويموت كافرًا، ومنهم من يولد كافرًا ويحيا كافرًا ويموت مؤمنًا، قال: وذكر الغضب: "فمنهم: من يكون سريع الغضب سريع الفيء، فإحداهما بالأخرى، ومنهم من يكون بطيء الغضب بطيء الفيء فإحداهما بالأخرى، وخياركم من يكون بطيء الغضب سريع الفيء، وشراركم من يكون سريع الغضب، بطيء الفيء"، ثم قال: "اتقوا الغضب , فإنه جمرة على قلب ابن آدم، ألا ترون إلى انتفاخ أوداجه، وحمرة عينيه؟

فمن أحسّ بشيء من ذلك، فليضطجع وليتلبد بالأرض"، قال: وذكر الدين، فقال: "ومنكم من يكون حسن القضاء، وإذا كان له أفحش في الطلب، فإحداهما بالأخرى، ومنكم من يكون سيء القضاء، وإن كان له أجمل في الطلب، فإحداهما بالأخرى، وخياركم من إذا كان عليه الدين أحسن القضاء، وإن كان له أجمل في الطلب، وشراركم من إذا كان عليه الدين أساء القضاء، وإن كان له أفحش في الطلب"، حتى إذا كانت الشمس على رؤوس النخل، وأطراف الحيطان، فقال: "أما إنه لم يبق من الدنيا فيما مضى منها إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه". قلت: رواه الترمذي والحاكم في المستدرك كلاهما في الفتن من حديث أبي نضرة عن أبي سعيد، واسم أبي نضرة: المنذر بن مالك، واسم أبي سعيد: سعد بن مالك، وحسنه الترمذي، وروى ابن ماجه بعضه. (¬1) وحلوة خضرة: قال صاحب الغريب أي غضة ناعمة طرية (¬2). 4129 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لن يهلك الناس، حتى يُعذروا من أنفسهم". قلت: رواه أبو داود في الملاحم من حديث أبي البختري واسمه: سعيد بن فيروز عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وسكت عليه. (¬3) ومعنى: يعذروا من أنفسهم، أي تكثر ذنوبهم ويستوجبوا العقوبة، فيكون لمن يعذبهم العُذْر، يقال: أعذر الرجل إعذارًا: إذا صار ذا عيب وفساد، وقال بعضهم: عذر يعذر بمعناه (¬4) قال في الفائق: (¬5) ويروى بفتح الياء وضمها والمعنى حتى يفعلوا ما يتجه لمحل العقوبة بهم العذر. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2191)، والحاكم (4/ 505). وإسناده ضعيف، لضعف علي ابن زيد وهو ابن جدعان وقال الحافظ: ضعيف، التقريب (4768). (¬2) انظر: غريب الحديث (2/ 281). (¬3) أخرجه أبو داود (4347). وإسناده صحيح. (¬4) انظر: شرح السنة للبغوي (14/ 349). (¬5) انظر: الفائق للزمخشري (2/ 402).

4130 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم، وهم قادرون على أن ينكروه، فلا ينكرون، فإذا فعلوا ذلك، عذب الله العامة والخاصة". قلت: رواه المصنف في شرح السنة من حديث عدي بن عدي الكندي قال: حدثنا مولى لنا أنه سمع جدي يقول سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم - .. وذكره، والمولى في قوله مولى لنا مجهول. (¬1) 4131 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لما وقعت بنوا إسرائيل في المعاصي، نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم في مجالسهم، وواكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم عليهما السلام: {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} قال: فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان متكئًا فقال: لا، والذي نفسي بيده، حتى تأطروهم أطرًا". - وفي رواية: "كلا، والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يدي الظالم، ولتأطرنه على الحق أطرًا، أو لتقصرنه على الحق قصرًا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعننكم كما لعنهم". قلت: رواه أبو داود في الملاحم والترمذي في التفسير وابن ماجه في الفتن ثلاثتهم من حديث أبي عبيد عن ابن مسعود يرفعه ولفظ الحديث للترمذي، ولفظ الرواية لأبي داود، وقال الترمذي: حسن غريب، وذكر بعضهم: رواه عن أبي عبيدة وهو ابن عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا، وأخرجه ابن ماجه أيضًا مرسلًا. (¬2) وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه فروايته عن أبيه تكون منقطعة كذا ¬

_ (¬1) أخرجه البغوي في شرح السنة (14/ 346) رقم (4155). وأخرجه أحمد (4/ 194)، وابن المبارك في الزهد (1352)، وإسناده ضعيف لجهالة الراوي عن الصحابي. انظر: الضعيفة (3110). (¬2) أخرجه أبو داود (4337)، والترمذي (3047)، وابن ماجه (4006). وإسناده ضعيف لانقطاعه فإن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه. انظر: الضعيفة (1105).

قاله المنذري واسم أبي عبيدة هذا: عامر (¬1). قوله: حتى تأطروهم أطرًا بالطاء المهملة المكسورة في المضارع الساكنة في المصدر قال الجوهري: أطرت القوس آطِرها أطْرًا، إذا حنيتَها. وتأطّر الرمح: تثنّى (¬2). قال في شرح السنة (¬3): حتى تأطروهم أي تعطفوهم عطفا، يقال: أطرت الشيء أطرًا إذا عطفته ومنه إطار القوس. 4132 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "رأيت ليلة أسري بي رجالًا تُقرض شفاههم بمقاريض من نار، فقلت: من هؤلاء يا جبربل؟ قال: هؤلاء خطباء من أمتك، يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم". قلت: رواه المصنف في شرح السنة بسنده المتصل من حديث أنس، وفي الصحيح ما يشهد له. (¬4) 4133 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنزلت المائدة من السماء خبزًا ولحمًا، وأمروا أن لا يخونوا ولا يدخروا لغد، فخانوا وادخروا ورفعوا لغد، فمسخوا قردة وخنازير". قلت: رواه الترمذي في التفسير، ووقفه على عمار بن ياسر، وقال: رواه أبو عاصم وغير واحد عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن خلاس بن عمرو عن عمار موقوفًا قال: ولا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث الحسن بن قزعة، قال: ولا نعلم للحديث المرفوع أصلًا، والله أعلم. (¬5) ¬

_ (¬1) انظر: مختصر سنن أبي داود للمنذري (6/ 187)، وراجع ترجمة عامر بن عبد الله بن مسعود في تهذيب الكمال (14/ 61 - 62). (¬2) انظر: الصحاح للجوهري (2/ 580). (¬3) شرح السنة (14/ 345). (¬4) شرح السنة (14/ 353) رقم (4159)، وأخرجه أحمد (3/ 120)، وابن حبان (35)، وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف. وانظر: صحيح الترغيب (120). (¬5) أخرجه الترمذي (3061) ورجح وقفه. وأخرجه ابن جرير الطبري في التفسير (7/ 87) في سووة المائدة (5) الآية (113). وذكره السيوطي في الدر المنثور (2/ 348) انظر: الضعيفة (6725).

كتاب الرقاق

كتاب الرقاق الرقاق: جمع رقيق، وهو نقيض الغليظ والمراد: الكلمات التي ترق بها القلوب إذا سمعت، وترغب عن الدنيا، وقيل: هو الفقر وهو فعال من الرقة؛ لأنه يتضمن رقة الحال. من الصحاح 4134 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ". قلت: رواه البخاري والنسائي كلاهما في الرقاق والترمذي وابن ماجه كلاهما في الزهد كلهم من حديث ابن عباس. (¬1) والغبن: خروج الشيء عن اليد بغير عوض، أو بعوض لا يساويه، ومعناه: أنهما يذهبان عن كثير من الناس ولم يستفد في مقابلتهما شيئًا. 4135 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "والله ما الدنيا في الآخرة، إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم، فلينظر بم يرجع؟ ". قلت: رواه مسلم في صفة الدنيا والآخرة، والترمذي وابن ماجه كلاهما في الزهد والنسائي في الرقائق كلهم من حديث المستورد بن شداد. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6412)، والترمذي (2304)، والنسائي في الكبرى (11800)، وابن ماجه (4170). (¬2) أخرجه مسلم (2858)، والترمذي (2333)، وابن ماجه (4108)، والنسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف (11255).

4136 - "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مرّ بجدْي أسَكّ ميّت، فقال: "أيكم يحب أن يكون هذا له بدرهم؟ " فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء، فقال: "فوالله، للدنيا أهون على الله من هذا عليكم". قلت: رواه مسلم في آخر الكتاب وروى أبو داود معناه في الطهارة (¬1) قال: ثم صلى ولم يمس ماء، وزاد فيه رزين (¬2): فلو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء، كلاهما من حديث جابر. وأسك: هو بالسين المهملة ثم الكاف، قال الجوهري (¬3): السكك صغر الأذن، والسكاء: التي لا أذن لها، يقال: سكّه يسكه إذا اصطلم أذنيه، يقال: كل سكاء تبيض، وكل شرفاء تلد (¬4). وقال في النهاية: أي مقطوع الأذنين. (¬5) 4137 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر". قلت: رواه مسلم في الرقائق والترمذي وابن ماجه كلاهما في الزهد وخرجه أيضًا أحمد كلهم من حديث أبي هريرة يرفعه. (¬6) ومعناه: أن الإيمان يقيد المؤمن عن مواقعة المحظورات، فكأنه في سجن عنها، والكافر ليس له إيمان يقيده، فكأنه في جنة يتناول منها ما شاء، واختلف في الدنيا ما هي؟ فقيل: هي العالم كله، وقيل: الشهوات الملهية، عما الإنسان بصدده من الاستعداد لمعاده، ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (295)، وأبو داود (186). (¬2) انظر زيادة رزين في: جامع الأصول (4/ 507). (¬3) انظر: الصحاح للجوهري (4/ 1590). (¬4) ذكر ابن الأثير في جامع الأصول (4/ 508) "أصك" بدل "أسك" وقال: الصكك: اصطكاك الركبتين عند العَدْوِ. ثم أشار إلى رواية مسلم "أسك". (¬5) النهاية (2/ 384). (¬6) أخرجه مسلم (2956)، والترمذي (1324)، وابن ماجه (4113)، وأحمد (2/ 323).

والظاهر أن الدنيا تطلق على ما يقابل الآخرة، فهي المذكور أولًا وتطلق على معنى مذموم هو أخص من ذلك فهي المذكور ثانيًا. 4138 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله لا يظلم مؤمنًا حسنة، يعطى بها في الدنيا، ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر، فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة، لم يكن له حسنة يجزى بها". قلت: رواه مسلم في التوبة من حديث همام بن يحيى عن قتادة عن أنس يرفعه ولم يخرجه البخاري. (¬1) ومعنى: لا يظلم، لا ينقص وهو متعد إلى مفعولين، أحدهما: مؤمنًا، والآخر: حسنة، ومعناه: أن المؤمن إذا اكتسب حسنة يكافئه الله عليها، بأن يوسع عليه رزقه أو يدفع عنه شيئًا من آفات الدنيا، ويثيبه في الآخرة، والكافر إذا اكتسب حسنة في الدنيا بفك أسير، أو عتق رقبة، يكافئه الله تعالى في الدنيا ولا يجزيه في الآخره. 4139 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "حُجبت النار بالشهوات، وحجبت الجنة بالمكاره". قلت: رواه البخاري في الرقائق ورواه مسلم في صفة الجنة في أواخر كتابه قبل كتاب الفتن والترمذي فيه كلهم من حديث أبي هريرة (¬2) ومن حديث أنس: "حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات" (¬3) والحجاب: الستر، والمعنى أن من اتبع الشهوات وارتكبها خرق حجاب النار، ووقع فيها، ومن صبر نفسه على ما يكرهه من فعل الطاعات، وترك المنكرات، فقد اخترق حجب الجنة ودخلها. 4140 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تعس عبد الدينار، وعبد الدرهم، وعبد الخميصة إن أُعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2808). (¬2) أخرجه البخاري (6487)، ومسلم (2822)، والترمذي (2559). (¬3) أخرجه أحمد (3/ 153، 255) , ومسلم (2822)، وابن حبان (716).

فلا انتقش، طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفّع". قلت: رواه البخاري في الجهاد وفي الرقائق وابن ماجه في الزهد من حديث أبي صالح عن أبي هريرة يرفعه. (¬1) قوله: تعس أي انكبَّ وعثر، ومعناه: الدعاء عليه، أي أتعسه الله، ومنه قوله تعالى: {فَتَعْسًا لَهُمْ} أي: عثارًا وسقوطًا، قال الجوهري (¬2): التعس: الهلاك، وأصله الكب وهو ضد الانتعاش، وقد تَعَس بالفتح يتعس تَعسًا، وقال في النهاية (¬3): تعس يتعس إذا عثر وانكب لوجهه، وقد تفتح العين وهو دعاء بالهلاك. قوله: عبد الخمصية: هي ثوب خز، أو صوف مُعْلَم، وقيل: لا تسمى خميصة إلا أن تكون سوداء مُعْلَمة، وكانت من لباس الناس قديمًا، وجمعها الخمائص (¬4). قوله: وانتكس يقال: نكست الشيء: إذا قلبته، والشيء منكوس. قوله: شيك فلا انتقش، هو بكسر الشين المعجمة وسكون الياء. قال في النهاية (¬5): أي إذا شاكته الشوكة فلا يقدر على انتقاشها، وهو إخراجها بالمنقاش، قال الزمخشري (¬6): شيك من قولهم شاكه الشوك، إذا دخل في رجله والانتقاش: استخراجه. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الجهاد (2887)، وفي الرقاق (6435)، وابن ماجه (4135). (¬2) انظر: الصحاح للجوهري (3/ 910). (¬3) انظر: النهاية لابن الأثير (1/ 190). (¬4) انظر: المصدر السابق (2/ 81). (¬5) النهاية (2/ 510). (¬6) انظر: الفائق للزمخشري (1/ 151).

قوله: إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة، هذا لبيان حال هذا العبد، وأنه ممتثل مطيع لأمر الإِمام المطاع، وأراد بالحراسة: حراسة العدو، وهو يكون في مقدمة الجيش، وبالساقة: ساقة الجيش، وإنما ذكرهما لكونهما أكثر آفة من غيرهما، الأول عند دخولهم في دار الحرب، والآخر عند خروجهم منها. 4141 - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن مما أخاف عليكم من بعدي: ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها" فقال رجل: يا رسول الله أو يأتي الخير بالشر؟ فسكت، حتى ظننا أنه ينزل عليه، قال: فمسح عنه الرُّحَضاء، وقال: "أين السائل؟ "، وكأنه حمده، فقال: "إنه لا يأتي الخير بالشر، وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حَبَطا أو يلم، إلا آكِلة الخُضُر أكلت، حتى إذا امتدت خاصرتاها، استقبلت عين الشمس، فَثَلطت وبالت، ثم عادت فأكلت، وإن هذا المال خضرة حُلوة، فمن أخذه بحقه، ووضعه في حقه، فنعم المعونة هو، ومن أخذه بغير حقه، كان كالذي يأكل ولا يشبع، ويكون شهيدًا عليهم يوم القيامة". قلت: رواه البخاري في هذا الباب وفي الجهاد وفي الصلاة وفي الزكاة وفي بعض الروايات اختصار ومسلم في الزكاة كلاهما من حديث أبي سعيد الخدري. (¬1) الرحضاء: هو بضم الراء وفتح الحاء المهملتين، وبضاد معجمة ممدودة العرق من الشدة، وأكثر ما يسمى به عرق الحمى. وحبطًا: بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة والطاء المهملة هو التخمة وهو نصب على التمييز. قوله - صلى الله عليه وسلم -: أو يلم أي يقارب القتل. قوله - صلى الله عليه وسلم -: إلا آكلة الخضر: هو بكسر الهمزة في "إلَّا" وتشديد اللام على الاستثناء، هذا هو المشهور، وقال عياض: ورواه بعضهم "ألا" بفتح الهمزة وتخفيف اللام على الاستفتاح. وآكلة ممدودة مهموزة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1465)، والصلاة (921) (6427)، ومسلم (1052).

والخضر: بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين عند الجمهور وضبطه بعضهم الخضر بضم الخاء وفتح الضاد. قال في النهاية (¬1): وهو نوع من البقول ليس في أحرارها وجيّدها. وثلطت: هو بفتح الثاء المثلثة أي ألقت الرجيع. الثلط وهو الرجيع الرقيق وفي شرح السنة نقلًا عن الأصمعي الحبط هو أن تأكل الدابة فتكثر حتى تنتفخ لذلك بطنها وتمرض، قال أبو عبيد: قوله: أو يلم بمعنى يقرب، من ذلك قال الأزهري (¬2): فيه مثلان: ضرب أحدهما للمفرط في جمع الدنيا، وضرب الآخر للمقتصر في أخذها والانتفاع بها. فأما قوله: وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطًا فهو مثل للمفرط الذي يأخذها بغير حق، وذلك أن الربيع ينبت أحرار البقول فتستكثر الماشية منه لاستطابتها إياه، حتى تنتفخ بطونها، عند مجاوزتها حد الاحتمال، فتنشق أمعاؤها من ذلك فتهلك، أو تقارب الهلاك، وكذلك الذي يجمع الدنيا من غير حلها ويمنعها مستحقها، قد تعرّض للهلاك في الآخرة بدخول النار، وفي الدنيا بأذى الناس له وحسدهم إياه، وغير ذلك من أنواع الأذى. وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: إلا آكلة الخضِر: فإنه مثل للمقتصد، وذلك أن الخضر ليس من أحرار البقول التي ترعاها الماشية بعد يبس البقول حيث لا تجد سواها، وتسميها العرب الجنبة فلا ترى الماشية تكثر من أكلها ولا تستَمْرِئها، فضرب آكلة الخضر من المواشي مثلًا لمن يقتصد في أخذ الدنيا وجمعها، فلا يحمله الحرص على أخذها بغير حقها، فهو ينجو من وبالها، كما نجت آكلة الخضر، ألا تراه - صلى الله عليه وسلم - قال: آكلت حتى امتدت خاصرتاها، استقبلت عين الشمس، فثلطت وبالت، أراد - صلى الله عليه وسلم - أنها إذا شبعت منها برَكت مستقبلة ¬

_ (¬1) النهاية (2/ 40). (¬2) انظر: تهذيب اللغة للأزهري (4/ 395 - 397)، وشرح الأزهري هذا الحديث، قال: وإنما تقصّيت رواية هذا الخبر؛ لأنه إذا بتر استغلق معناه، وانظر كذلك (7/ 100).

عين الشمس تستمرىء بذلك ما أكلت، وتثلط فإذا ثلَطت فقد زال عنها الحبط، وإنما تحبط الماشية لأنها تمتلىء بطونها ولا تثلط ولا تبول، فتنتفخ أجوافها، فيعرض لها المرض فتهلك وأراد - صلى الله عليه وسلم - بزهرة الدنيا حسنها وبهجتها. قوله أو يلم معطوف على قوله يقتل أي ما يقتل أو يكاد أن يقتل (¬1). قوله - صلى الله عليه وسلم -: إن هذا المال خضرة حلوة أي غض طري وأصله من خضرة الشجر. وقد رواه الحميدي (¬2): خضر حلو على التذكير، وفي أكثر نسخ الصحيحين بالتأنيث والأول ظاهر، والثاني على إرادة الدنيا. 4142 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "والله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم". قلت: رواه البخاري هنا وفي الجزية وفي المغازي ومسلم في آخر الكتاب والترمذي في الزهد والنسائي في الرقائق وابن ماجه في الفتن كلهم من حديث عمرو بن عوف يرفعه. (¬3) 4143 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم اجعل رزق آل محمَّد قوتًا"، ويروى: "كفافًا". قلت: رواه البخاري في الرقائق ومسلم في الزكاة وفي الزهد والترمذي وابن ماجه كلاهما في الزهد والنسائي في الرقائق كلهم من حديث أبي هريرة. (¬4) ¬

_ (¬1) انظر: النهاية لابن الأثير (2/ 40 - 41)، والمنهاج للنووي (7/ 200 - 202). (¬2) انظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (2/ 441) رقم (1756). (¬3) أخرجه البخاري (6425)، ومسلم (2961)، والترمذي (2462)، وابن ماجه (3997)، والنسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف (10784). (¬4) أخرجه البخاري (6460)، ومسلم (1055)، والترمذي (2361)، وابن ماجه (4139)، والنسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف (14898).

قال أهل اللغة: ومعنى قوتًا: ما يسد الرمق من الطعام، وقيل: كفايتهم من غير إسراف وهذا الظاهر. 4144 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد أفلح من أسلم، ورزق كفافًا، وقنّعه الله بما آتاه". قلت: رواه مسلم في الزكاة والترمذي في الزهد وابن ماجه وابن حبان (¬1) في صحيحه كلهم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص يرفعه، ولم يخرجه البخاري، وقال بعد قوله: كفافًا، فصبر عليه، وسئل سعيد بن عبد العزيز ما الكفاف من الرزق؟ قال: شبع يوم وجوع يوم. 4145 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يقول العبد: مالي، إنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أُعطى فاقتنى، وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس". قلت: رواه مسلم في الزهد من حديث أبي هريرة يرفعه ولم يخرجه البخاري. (¬2) ومعنى اقتنى: ادخره لآخرته. 4146 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان، ويبقى معه واحد: يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله". قلت: رواه البخاري والنسائي كلاهما في الرقائق ومسلم والترمذي كلاهما في الزهد كلهم من حديث أنس يرفعه. (¬3) 4147 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ "، قالوا: يا رسول الله ما منّا أحد إلا مالُه أحب إليه، قال: "فإن ماله ما قدّم، ومال وارثه ما أخّر". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1054)، والترمذي (2348)، وابن ماجه (4318)، وابن حبان (670). (¬2) أخرجه مسلم (2959). (¬3) أخرجه البخاري (6514)، ومسلم (2960)، والترمذي (2379)، والنسائي (4/ 53).

من الحسان

قلت: رواه البخاري في الرقائق والنسائي في الوصايا كلاهما من حديث الحارث بن سويد قال قال عبد الله بن مسعود يرفعه. (¬1) 4148 - قال: أتيت - صلى الله عليه وسلم - وهو يقرأ {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} قال: "يقول ابن آدم: مالي مالي! قال: وهل لك من مالك يا ابن آدم، إلا ما أكلت فأفنيت؟ أو لبست فأبليت؟ أو تصدقت فأمضيت؟ ". قلت: رواه مسلم في آخر الكتاب والترمذي في الزهد والنسائي في الوصايا كلهم من حديث قتاده عن مطرف بن عبد الله عن أبيه يرفعه ولم يخرجه البخاري. (¬2) 4149 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس الغِنى عن كثرة العرض، ولكن الغِنى غنى النفس". قلت: رواه الشيخان: البخاري في الرقائق ومسلم والترمذي في الزهد كلهم من حديث أبي هريرة. (¬3) والعرض: بفتح العين والراء هو متاع الدنيا وحطامها. من الحسان 4150 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من يأخذ عني هؤلاء الكلمات، فيعمل بهن، أو يعلّم من يعمل بهن؟ " قلت: أنا، يا رسول الله فأخذ بيدي، فعد خمسًا، فقال: "اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنًا، وأحِبّ للناس ما تحب لنفسك تكن مسلمًا، ولا تُكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب". (غريب). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6442)، والنسائي (6/ 237). (¬2) أخرجه مسلم (2958)، والترمذي (3354)، والنسائي (6/ 238). (¬3) أخرجه البخاري (6446)، ومسلم (1051)، والترمذي (2373).

قلت: رواه الترمذي في الزهد من حديث الحسن عن أبي هريرة يرفعه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من يأخذ عني" بلفظه ومعناه، قال: والحسن لم يسمع من أبي هريرة فهو منقطع. (¬1) قال: وروى أبو عبيدة الناجي عن الحسن هذا الحديث. قوله: ولم يذكر فيه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. 4151 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله يقول: ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى"، وأسد فقرك، وإن لا تفعل، ملأت يدك شغلًا، ولم أسُدّ فقرك. قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في الزهد من حديث أبي خالد الوالبي (¬2) واسمه: هرمز، ويقال: هرم عن أبي هريرة، قال ابن عدي: في حديث أبي خالد: لين. 4152 - قال: ذُكر رجل عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعبادة واجتهاد، وذكر آخر بَرِعَة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تعدل بالرّعة شيئًا" يعني: الورع. قلت: رواه الترمذي في الزهد عن محمَّد بن المنكدر عن جابر وقال: غريب انتهى. وفي سنده: محمَّد بن عبد الرحمن عن أبيه، قال ابن معين: ليس بشيء. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2305). وإسناده منقطع، وقال الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان والحسن لم يسمع من أبي هريرة شيئًا. وأخرجه بنحوه هناد في الزهد (1031)، وابن ماجه (4217). من طريق واثلة بن الأسقع عن أبي هريرة وإسناده قوي وبه يحسن الحديث. انظر: الصحيحة (930). (¬2) أخرجه الترمذي (2466)، وابن ماجه (4107). وإسناده ضعيف، فإن زائدة بن نشيط لم يرو عنه سوى ابنه، وفطر بن خليفة، وذكره ابن حبان وحده في الثقات، وقال الحافظ: مقبول، التقريب (1994). وأبو خالد الوالبي روى عنه جماعة وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو حاتم: صالح الحديث وقال الحافظ: مقبول، وحديثه عن عمر مرسل، التقريب (8133). (¬3) أخرجه الترمذي (2519). وفي إسناده: محمَّد بن عبد الرحمن بن نبيه وهو مجهول كما في "التقريب" (6124).

قوله: وذكر آخر برعة: هو بكسر الراء وفتح العين المهملتين قال الجوهري (¬1): الورع بكسر الراء الرجل التقي وقد ورع يرع ورِعًا، ورَعِة يقال: فلان سيء الرِعَة أي قليل الوَرعَ. 4153 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجل وهو يعظه: "اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابَك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك". (مرسل). قلت: رواه النسائي في الواعظ مرسلًا من حديث عمرو بن ميمون الأودي يرفعه، وعمرو بن ميمون تابعي (¬2) وروى عنه البخاري في أيام الجاهلية: أنه رأى قِرْدَة اجتمع عليها قِرَدَة قد زنت، فرجموها، فرجمتها معهم (¬3). 4154 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما ينتظر أحدكم إلا غنى مطغيًّا، أو فقرًا مُنسيًّا، أو مرضًا مفسدًا أو هرمًا مفندًا، أو موتًا مُجهزًا، أو الدجال -فالدجال شر غائب ينتظر- أو الساعة -فالساعة أدهى وأمر-". قلت: رواه الترمذي في الزهد عن الأعرج عن أبي هريرة وقال: حديث حسن غريب، وقال: لا نعرفه في حديث الأعرج إلا من حديث محرر بن هارون، قال: وروى معمر ¬

_ (¬1) انظر: الصحاح للجوهري (3/ 1296). (¬2) أخرجه النسائي في الكبرى (11832) وانظر تحفة الأشراف (19179) وهو مرسل، وكذلك أخرجه ابن المبارك في الزهد (2)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 148). وللحديث شاهد موصول بإسناد صحيح أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 306). (¬3) ورد الحديث في البخاري برقم (3849) في مناقب الأنصار، وقال الحميدي: ولعلها من المقحمات التي أقحمت في كتاب البخاري، الجمع بين الصحيحين للحميدي (3/ 490)، فتحدث الحافظ ابن حجر في الفتح (7/ 160) عن الحديث ومن أخرجه وأجاب عن إشكال الحميدي السابق. كما ذكره البخاري في التاريخ الكبير (6/ 367) في ترجمة عمرو بن ميمون، والمزي في تهذيب الكمال (22/ 265).

هذا الحديث عمن سمع سعيد المقبري عن أبي هريرة انتهى. (¬1) قلت: ومحرر بن هارون -بالإهمال-، وسماه ابن أبي حاتم: محرزًا بزاي، قال البخاري: منكر الحديث، وقال الدراقطني: ضعيف، وقال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه ولا الاحتجاج به، وذكر الذهبي في الميزان هذا الحديث له، قال: وقد روي بإسناد أصلح من هذا يرويه معمر عن المقبري عن أبي هريرة. قوله: أو غنى مطغيًّا، الطغيان: مجاوزة الحد، وأطغاه المال إذا جعله طاغيًا من البطر والغرور، والمرض المفسد: الذي يفسد بدنه. قوله: أو هرمًا مفندًا، قال الجوهري (¬2): الفَنَد: ضعف الرأي من الهرم، قال في النهاية (¬3): الهرم المفند: من أخوات قولهم نهاره صائم، جعل المفند الهرم وهو المهرم قال والموت المجهز: السريع، يقال: أجهز عليه الجرح يجوز إذا أسرع قتله. قوله: والساعة أدهى وأمر، أي عذاب الساعة أدهى أي أعظم بلية وأمر من عذاب الدنيا. 4155 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا إن الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه، وعالمًا، أو متعلمًا". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2306). وإسناده ضعيف. ورواه ابن عدي في الكامل (6/ 2434) ضمن ترجمة محرز بن هارون. وأما رواية المقبري عن أبي هريرة فقد أخرجها الحاكم (4/ 321) وقال: إن كان معمر ابن راشد سمع من المقبري فالحديث صحيح على شرط الشيخين. ومحرر بن هارون: قال الحافظ: متروك، انظر التقريب (6541)، وانظر: قول الذهبي في الميزان (3/ 443 - 444). (¬2) انظر: الصحاح للجوهري (2/ 520). (¬3) انظر: النهاية (3/ 475).

قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في الزهد من حديث أبي هريرة يرفعه وقال الترمذي: حسن غريب انتهى. (¬1) وسند الترمذي وابن ماجه جيد، فإن الترمذي رواه: عن محمَّد بن حاتم المكتب قال: أخبرنا علي بن ثابت، حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، قال: سمعت عطاء بن قرهّ قال: سمعت عبد الرحمن بن ضمرة قال: سمعت أبا هريرة يقول .. وساقه، ورواه ابن ماجه عن علي بن ميمون الرقي حدثنا عتبة بن حماد عن ابن ثوبان عن عطاء ابن قرة به. قوله: إلا ذكر الله وما والاه، قيل معناه: ما تابعه من اتباع أمره ونهيه، قيل: وسئل سهل عن هذا الحديث؟ فقال: المراد بذكر الله هنا: الزهد في الحرام وهو أنه إذا استقبله حرام يذكر الله تعالى ويعلم أنه مطلع عليه فيجتنب ذلك الحرام. قوله: عالم ومتعلم، في كثير من النسخ بالرفع والوجه النصب نسقًا على ذكر الله. 4156 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة، ما سقى كافرًا منها شربة ماء". قلت: رواه الترمذي في الزهد من حديث سهل بن سعد، وقال: صحيح غريب. (¬2) 4157 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2322)، وابن ماجه (4112)، والبغوي في شرح السنة (14/ 229) رقم (4028). وإسناده حسن، ابن ثوبان هو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان وهو صدوق حسن الحديث، وكذلك شيخه عطاء وشيخه عبد الله بن ضمرة. وانظر: الصحيحة (2797). (¬2) أخرجه الترمذي (2320). وفي إسناده عبد الحميد بن سليمان وهو ضعيف. كما في التقريب (3788). لكن قال الشيخ الألباني - رحمه الله - لكن له شواهد بعضها صحيح، انظر الصحيحة (943).

قلت: رواه الترمذي في الزهد والحاكم في المستدرك في الرقائق (¬1) وفي سندهما شمر بن عطية عن المغيرة بن سعيد الأخرم عن أبيه عن ابن مسعود ولم يخرج أصحاب الكتب الستة عن هؤلاء الثلاثة شيئًا غير الترمذي وقد وثقوا. 4158 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أحب دنياه أضر بآخرته، ومن أحب آخرته، أضر بدنياه، فآثروا ما يبقى على ما يفنى". قلت: رواه الإِمام أحمد في مسنده بسند جيد من حديث المطلب بن عبد الله المخزومي عن أبي موسى يرفعه. (¬2) قال الذهبي: المطلب يرسل عن كبار الصحابة، كأبي موسى وعائشة، قال أبو حاتم: عامة أحاديثه مراسيل، قال ابن سعد: كثير الحديث، وليس يحتج بحديثه، ووثقه أبو زرعة والدراقطني. 4159 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لعن عبد الدينار، وعبد الدرهم". قلت: رواه الترمذي في الزهد وقال: حسن غريب، انتهى، ورجاله رجال الصحيحبن إلا بشر بن هلال الصواف فإنه أخرج له مسلم ولم يخرج له البخاري. (¬3) 4160 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما ذئبان جائعان أُرسلا في غنم، بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2328)، والحاكم (4/ 322). وفي إسناده: المغيرة بن سعد بن الأخرم لم يوثقه غير ابن حبان والعجلي، وأبوه: سعد بن الأخرم مختلف في صحبته، وقد ذكره البخاري وأبو حاتم في التابعين وذكره ابن حبان في .. "ثقات التابعين" (4/ 295) ولم يرو عنه سوى ولده المغيرة فيما ذكر الذهبي في "الميزان" (2/ 119) ومع ذلك حسن إسناده الترمذي وصححه الحاكم!. وشِمر بن عطية: صدوق، التقريب (2837)، وانظر الصحيحة (12). (¬2) أخرجه أحمد (4/ 412). وإسناده ضعيف لانقطاعه. (¬3) أخرجه الترمذي (2375)، وإسناده حسن. وأصله في البخاري (6435).

قلت: رواه الترمذي في الزهد من حديث كعب بن مالك عن أبيه وقال: حسن صحيح، والتقدير: من إفساد الرجل لدينه: لحرصه على المال والشرف. (¬1) 4161 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أنفق المؤمن من نفقة إلا أجر فيها، إلا نفقته في هذا التراب". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في الزهد من حديث خباب ابن الأرت يرفعه، وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬2) 4162 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "النفقة كلها في سبيل الله، إلا البناء، فلا خير فيه". قلت: رواه الترمذي في الزهد وقال: غريب. (¬3) قلت: وسنده فيه محمد بن حميد الرازي وزافر بن سليمان وشبيب ابن بشر فأما محمَّد بن حميد فقال البخاري: فيه نظر، وكذبه أبو زرعة، وحدث عنه أحمد بن حنبل وابن معين، وأما زافر: ففيه ضعف، وأما شبيب: ففيه لين، ووثقه ابن معين. 4163 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن كل بناء وبال على صاحبه، إلا ما لا .. إلا ما لا .. " يعني: إلا ما لا بد منه. قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث أنس بن مالك (¬4) في حديث طويل وهو: أن رسول - صلى الله عليه وسلم - خرج يومًا ونحن معه فرأى قبة مشرفة، فقال: ما هذه؟ قال أصحابه: هذه ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2376)، وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه الترمذي (2483)، وابن ماجه (4163). انظر الصحيحة (2831). (¬3) أخرجه الترمذي (2482). وإسناده ضعيف. انظر: الضعيفة (1061) ومحمد بن حميد الرازي، حافظ ضعيف، وكان ابن معين حسن الرأي فيه، التقريب (5871). وزافر بن سليمان الإيادي، أبو سليمان، صدوق كثير الأوهام، التقريب (1990). وشبيب بن بشر أبو بشر الكوفي، صدوق يخطيء، التقريب (2753). (¬4) أخرجه أبو داود (5238). ومختصر المنذري (8/ 98). =

لفلان رجل من الأنصار، فسكت وحملها في نفسه حتى لما جاء صاحبها سلم عليه في الناس، فأعرض عنه، فعل ذلك مرارًا حتى عرف الرجل الغضب فيه، والإعراض عنه، فشكا ذلك إلى أصحابه، قال: والله إني لأنكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: خرج فرأي قبتك فرجع الرجل إلى قبته فهدمها حتى سواها بالأرض فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فلم يرها، قال: ما فعلت القبة؟ قالوا: شكا إلينا صاحبها إعراضك عنه فأخبرناه فهدمها، فقال: إن كل بناء .. إلى آخره، وسكت عليه أبو داود والمنذري. والوبال: في الأصل الثقل والمكروه، والمراد في الحديث: العذاب في الآخرة. 4164 - قال: عهد إلى رسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنما يكفيك من جمع المال: خادم ومركب في سبيل الله". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في الزهد: بسند صحيح، والنسائي في آخر كتاب الزينة (¬1) وترجم عليه إتخاذ الخادم والمركب. ورواه من حديث أبي هاشم بن عتبة، وذكر قصة فقال: عن سمرة بن سهم قال: نزلت على أبي هاشم بن عتبة وهو طعين، فأتى معاوية يعوده، فبكى أبو هاشم، فقال له معاوية: ما يبكيك يا خالي؟ أوجَع يُشئزك أم على الدنيا، فقد ذهب صفوها، فقال: على كل لا, ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - عهد إلي عهدًا وددت أني كنت تبعته، قال: إنك لعلك تدرك أموالًا تقسم بين أقوام، وإنما يكفيك من ذلك خادم ومركب في سبيل الله، فأدركت فجمعت. ¬

_ = وجوّد الحافظ العراقي في تخريج الإحياء (4/ 236) إسناده. وانظر: الصحيحة (2830). (¬1) أخرجه الترمذي (5238)، وابن ماجه (4103) أو النسائي (8/ 218 - 219)، وفي الكبرى (9811)، وفي إسناده سمرة بن سهم. وهو الأسدي قال ابن المديني مجهول لا أعلم روى عنه غير أبي وائل وقال الذهبي في "الميزان" (2/ 234): تابعي، لا يعرف. فلا حجة فيمن ليس بمعروف العدالة، ولا انتفت عنه الجهالة. وقال الحافظ: مجهول، التقريب (2646).

وأخرجه أبو حاتم والحافظ ابن عبد البر (¬1) بتغيير بعض الألفاظ، وقال: أبو هاشم هو ابن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي العبشمي خال معاوية وأخو أبي حذيفة لأبيه، وأخو مصعب ابن عمير لأمه، قيل اسمه كنيته وقيل: هشيم وقيل: مهشم وقيل: شيبة أسلم يوم الفتح، وسكن الشام، وتوفي في خلافة عثمان، كان فاضلًا رحمه الله، كان أبو هريرة إذا ذكر أبا هاشم، قال: ذاك الرجل الصالح ولم يذكر أبو عمر في باب أبي هاشم غيره، وجده (¬2)، ووقع في نسخ المصابيح المسموعة الصحيحة عن أبي هاشم بن عبيد، والصواب: عتبة كما بيناه. قوله: يشئزك بضم الياء آخر الحروف وسكون الشين المعجمة وبهمزة مكسورة وبالزاي المعجمة أي يقلقك. 4165 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال: بيت يسكنه، وثوب يواري به عورته، وجلف الخبز، والماء". قلت: رواه الترمذي في الزهد والحاكم في المستدرك كلاهما من حديث عثمان بن عفان، وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬3) قوله جلف الخبز: أي خشنه وغليظه، وقيل: ظرفه ووعاؤه، وقال النضر ابن شميل: الذي ليس معه إدام. قال ابن الأثير (¬4): ويروى بفتح اللام جمع حِلْفة وهي الكسرة، وهذا التقييد يدل على أن الرواية المأثورة بتسكين اللام. ¬

_ (¬1) أخرجه ابن حبان، انظر الإحسان (2/ 442) رقم (668)، وابن عبد البر في الاستيعاب (4/ 1767)، وأخرجه أحمد في المسند (5/ 290)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (560). (¬2) راجع ترجمة أبي هاشم في تهذيب الكمال (34/ 359)، والإصابة (7/ 422). (¬3) أخرجه الترمذي (2341)، والحاكم (4/ 312). وإسناده ضعيف قال الدارقطني في العلل (3/ 29) وهم حريث (بن السائب) في هذا الحديث، والصواب: عن الحسن، عن حمران، عن بعض أهل الكتاب. وانظر: الضعيفة (1063). (¬4) انظر: النهاية لابن الأثير (1/ 287).

وقال يحيى بن معاذ الرازي: للإنسان في ماله عند موته مصيبتان عظيمتان يؤخذ منه كله ويسأل عنه كله. 4166 - قال: جاء رجل، فقال: يا رسول الله! دُلّني على عمل، إذا عملتة أحبني الله وأحبني الناس؟ قال: ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس. قلت: رواه ابن ماجه في الزهد من حديث خالد بن عمرو القرشي عن سفيان الثوري عن أبي حازم عن سهل بن سعد، وساقه. (¬1) قال العقيلي: ليس لهذا أصل من حديث الثوري، وقال ابن عدي: عندي أنه وضع هذا يعني خالد بن عمرو. 4167 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نام على حصير، فقام وقد أثّر في جسده، فقال ابن مسعود: يا رسول الله لو أمرتنا أن نبسط لك ونعمل، فقال: "ما لي وللدنيا؟ وما أنا والدنيا، إلا كراكب استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في الزهد من حديث علقمة عن ابن مسعود، وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬2) 4168 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن من أغبط أوليائي عندي: لمؤمن خفيف الحاذ، ذو حظ من الصلاة والصيام، أحسن عبادة ربه، وأطاعه في السر، وكان غامضًا في الناس ¬

_ (¬1) أخرجه ابن ماجه (4102)، والقضاعي في مسنده (643). وإسناده ضعيف جدًّا، في إسناده خالد بن عمرو القرشي متهم بالكذب والوضع وقال أبو حاتم عنه: هذا حديث باطل (العلل 2/ 107). وانظر قول العقيلي في الضعفاء (2/ 357)، والكامل لابن عدي (3/ 900 - 903)، وتهذيب الكمال (8/ 138 - 141). وقال الحافظ: رماه ابن معين بالكذب، ونسبه صالح جزرة وغيره إلى الوضع، التقريب (1670). وقال الشيخ الألباني - رحمه الله -: في إسناده كذاب، لكن الحديث بمجموع طرقه صحيح كما حققته في الصحيحة (944). انظر: هداية الرواة (5/ 13). (¬2) أخرجه الترمذي (2377)، وابن ماجه (4109). وإسناده صحيح. انظر: الصحيحة (438).

لا يشار إليه بالأصابع، وكان رزقه كفافًا فصبر على ذلك ثم نفذ بيده، فقال: عجلت منبته، وقلّت بواكيه، وقلّ تراثه". قلت: رواه الترمذي في الزهد وفي سنده علي بن يزيد وهو ضعيف. (¬1) قوله: "خفيف الحاذ" بالحاء المهملة والذال المعجمة أي خفيف الحال قليل المال، وأصله قلة اللحم، والحاذ واحد، وهو ما وقع عليه اللبد من ظهر الفرس. وكان غامضًا: أي مستور الحال، وكان رزقه كفافًا، أي: لا يفضل عما لا بد منه، وقد تقدم معنى الكفاف. قوله: نقد بيده، أي ضرب من قولهم: نقدت رأسه بأصبعي أي ضربته وهو بالذال المعجمة وبالدال المهملة، يقال: نقد الطائر الحب إذا كان يلتقطه واحدًا بعد واحد، وأريد هنا ضرب الأنملة على الأنملة أو بضربها على الأرض كالمنقد للشيء قال ابن الأثير (¬2): هو مثل النقر، ويروى بالراء، والتراث: الميراث. 4169 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبًا، فقلت: لا يا رب ولكن أشبع يومًا، وأجوع يومًا، فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك". قلت: رواه الترمذي في الزهد بالسند الذي قبله وفيه علي بن يزيد. (¬3) 4170 - قال: قال رسول لله - صلى الله عليه وسلم -: "من أصبح منكم آمنًا في سِرْبه معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها". (غريب). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2347). وإسناده ضعيف جدًّا، في إسناده: عبيد الله بن زحر وهو صدوق يخطيء، التقريب (4319). عن علي بن يزيد وهو ضعيف "التقريب" (4851). (¬2) انظر: النهاية لابن الأثير (5/ 104)، وشرح السنة (14/ 246 - 247). (¬3) أخرجه الترمذي (2347) وإسناده ضعيف جدًّا مثل الإسناد السابق، وقد عرف حال رجاله.

قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في الزهد والبخاري في غير الصحيح كلهم من حديث سلمة بن عبيد الله بن محصن عن أبيه، وقال الترمذي: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث مروان بن معاوية انتهى. (¬1) قلت: وقد اختلفوا في اسمه فقيل: عبيد الله بن محصن، وقيل: عبد الله وكذلك اختلفوا في صحبته، وأما سلمة ولده: فقال أحمد: لا أعرفه، ولينه العقيلي، ولم يرو عن عبيد الله هذا من أصحاب السنن غير الترمذي وابن ماجه رويا له هذا الحديث خاصة. قال الذهبي: ويروى هذا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من طريق أبي الدرداء بإسناد ليس يشبه هذا، وقال ابن عبد البر: منهم من يجعل هذا الحديث مرسلًا، وأكثرهم يصحح صحبة عبيد الله بن محصن فيجعله مسندًا (¬2). والسرب هنا: بكسر السين وإسكان الراء نفس الإنسان أي آمنًا في نفسه وفلان واسع السرب أي رخي البال قاله الجوهري (¬3). قال ابن الأثير (¬4): ويروى بالفتح وهو المسلك والطريق، يقال: خل له سَرْبه: أي ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2346)، وابن ماجه (4141). وفي إسناده: سلمة بن عبيد الله بن محصن وهو مجهول، كما في التقريب (2512) والراوي عنه عبد الرحمن بن أبي شميلة مقبول التقريب (3921)، وانظر: الصحيحة (2318). (¬2) انظر قول الذهبي في الميزان (2/ 191) لكن فيه: بإسناد فيه لين، يشبه هذا، وأخرج طريق أبي الدرداء: البخاري في الأدب المفرد (300)، والخطيب (3/ 364)، وابن حبان (671)، وفيه عبد الله بن هاني، وهو متهم بالكذب كما قال الذهبي نفسه في الميزان (2/ 517)، أما قول ابن عبد البر فهو في الاستيعاب (3/ 1013). (¬3) انظر: الصحاح للجوهري (1/ 146). (¬4) انظر: النهاية (2/ 356).

طريقه، وقال الجوهري (¬1): السرب بالفتح الإبل وما رَعَى من المال. وحيزت: بكسر الحاء المهملة أي جمعت، والحيازة الجمع والضم إلى النفس. وبحذافيرها: أي بجوانبها. 4171 - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ما ملأ آدمي وعاء شرًّا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة: فثلث طعام، وثلث شراب وثلث لنفسه. قلت: رواه الترمذي في الزهد والنسائي في الوليمة وابن ماجه في الأطعمةكلهم من حديث المقدام بن معد يكرب يرفعه، وقال الترمذي: حسن. وسند الترمذي فيه إسماعيل بن عياش عن أبي سلمة الحمصي وقد قال البخاري: إذا حدث إسماعيل عن أهل حمص فصحيح. (¬2) قال أبو حاتم (¬3): لين. قوله - صلى الله عليه وسلم -: أُكلات هو بضم الهمزة جمع أهله بالضم وهي اللقمة من المأكول ويقمن: أي يكن قوامًا له. 4172 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: سمع رجلًا يتجشأ فقال: "أقصِرْ من جُشائك، فإن أطول الناس جوعًا يوم القيامة: أطولهم شِبَعًا في الدنيا". ¬

_ (¬1) انظر: الصحاح (1/ 146). (¬2) أخرجه الترمذي (2380)، والنسائي في الكبرى (6768)، وابن ماجه (3349). وإسناده حسن، وانظر: الإرواء (1983)، وإسماعيل بن عياش الحمصي، صدوق في روايته عن أهل بلده مخلّط في غيرهم، التقريب (477). (¬3) انظر: الجرح والتعديل (2/ 191 - 192) وقد أسهب في ترجمته.

قلت: رواه الترمذي في الزهد وابن ماجه في الأطعمة كلاهما من حديث عبد الله بن عمر (¬1) يرفعه، وفي سنده: عبد العزيز بن عبد الله عن يحيى البكاء، وعبد العزيز: قال فيه أبو حاتم: منكر الحديث، ويحيى: ضعيف. وذلك الرجل هو: وهب بن عبيد الله أبو جحيفة، من بني عامر بن صعصعة، قال ابن عبد البر (¬2): كان من صغار الصحابة وذكروا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي وأبو جحيفة لم يبلغ الحلم لكنه سمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وروى عنه وقد روى ابن عبد البر عنه أنه قال: كنت أكلت ثرية بر بلحم وأتيت رسول - صلى الله عليه وسلم - وأنا أتجشأ وذكره، قال الراوي: فما أكل أبو جحيفة ملء بطنه حتى فارق الدنيا، كان إذا تعشى لا يتغدى وإذا تغدى لا يتعشى. قوله - صلى الله عليه وسلم -: أقصر عنا من جشائك: هو بقطع الهمزة وهو من الإقصار وهو: الكف عن الشيء، يقال: اقصر عنه: إذا كلف، والأمر وإن ورد على ترك الجشاء لفظًا لكنه وارد معنى على ترك الإكثار من الأكل والإفراط فيه، المؤدي إلى الإمتلاء المفسد للطعام المقتضي لكثرة الجشاء، وأيضًا إذا استمر الجشاء واستولى على الإنسان، لم يقدر على دفعه حينئذ؛ لأنه أمر طبيعي، وسببه وهو الشبع أمر مستطاع، والأمر لا يرد إلا على المستطاع. 4173 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال". قلت: رواه الترمذي في الزهد من حديث كعب بن عياض وقال: حسن صحيح غريب، وأخرجه أبو عمر بن عبد البر وصححه. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2478)، وابن ماجه (3350) وإسناده ضعيف جدًّا، فيه: عبد العزيز ابن عبد الله القرشي منكر الحديث التقريب (4135) ويحيى البكاء: ضعيف التقريب (7695). (¬2) انظر: الاستيعاب (4/ 1619 - 1620). (¬3) أخرجه الترمذي (2336)، وإسناده صحيح. انظر: الصحيحة (343)، وقول ابن عبد البر في الاستيعاب (3/ 1323).

4174 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُجاء بابن آدم يوم القيامة كأنه بَذَج، فيوقَف بين يدي الله، فيقول له: أعطيتك وخوّلتك وأنعمت عليك، فما صنعت فيها؟ فيقول: رب! جمّعته وثمّرته، وتركته أكثر ما كان، فارجعني آتك به كله، فيقول له: أرني ما قدمت، فيقول: رب! جمعته وثمرته، فتركه أكثر ما كان فارجعني آتك به كله، فإذا عبد لم يقدم خيرًا، فيمضى به إلى النار". (ضعيف). قلت: رواه الترمذي في الزهد من حديث قتادة عن أنس، وضعفه من قِبَل إسماعيل بن مسلم البصري. (¬1) قوله: كأنّه بذج: هو بالباء الموحدة والذال المعجمة وبالجيم، وهو ولد الضأن الصغير وهو ضد البذخ بالخاء المعجمة فإنه الفخر والتطاول. 4175 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن أول ما يُسأل العبد يوم القيامة من النعيم، أن يقال له: ألم نُصحّ جسمك، ونُروِك من الماء البارد؟ ". قلت: رواه الترمذي في التفسير بسند جيد، من حديث عبد الله بن العلاء بن زبر عن أبي هريرة يرفعه. (¬2) وزبر بزاي معجمة وباء موحدة وراء مهملة. 4176 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة، حتى يُسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيما أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيما أنفقه؟ وماذا عمل فيما عَلِم؟ ". (غريب). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2427)، وإسناده ضعيف، فيه إسماعيل بن مسلم قال الترمذي "يضعف في الحديث من قبل حفظه". وقال الحافظ: إسماعيل بن مسلم المكي أبو إسحاق، كان من البصرة ثم سكن مكة، وكان فقيهًا، ضعيف الحديث، التقريب. إضافة إلى أن فيه عنعنة قتادة، وقرينه الحسن البصري. (¬2) أخرجه الترمذي (3358) وإسناده صحيح. انظر: الصحيحة (539).

باب فضل الفقراء، وما كان من عيش النبي - صلى الله عليه وسلم -

قلت: رواه الترمذي في الزهد من حديث عبد الله بن عمر عن ابن مسعود وقال: غريب لا نعرفه من حديث ابن مسعود إلا من حديث حسين بن قيس، وحسين: يضعف في الحديث. (¬1) باب فضل الفقراء، وما كان من عيش النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصحاح 4177 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "رب أشعث مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره". قلت: رواه مسلم في الرقائق من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة يرفعه ولم يخرج البخاري هذا الحديث. (¬2) 4178 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هل تُنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟ ". قلت: رواه البخاري في الجهاد من حديث مصعب بن سعد: قال رأى أبي أن له فضلًا على من دونه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - .. وساقه. (¬3) قلت: ومصعب ليس من الصحابة، ولم يصرح في هذا الحديث بأن أباه حدثه، فليس بمتصل، ولذلك قال الحميدي بعد ذكره للحديث: هكذا أخرجه البخاري منقطعًا مرسلًا من رواية: سليمان بن حرب، وجوده مسعر عن محمَّد بن طلحة عن أبيه قال ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2416) وإسناده فيه حسين بن قيس هو الرحبي، وهو متروك. التقريب (1351)، وقال الشيخ الألباني - رحمه الله - ولكنه حديث صحيح لشواهده، وهو مخرج في الصحيحة (946). وانظر: هداية الرواة (5/ 17). (¬2) أخرجه مسلم (2622). (¬3) أخرجه البخاري (2896).

فيه: عن مصعب بن سعد عن أبيه، وأخرجه أيضًا أبو بكر البرقاني عن مسعر وعن غيره مسندًا، انتهى كلام الحميدي (¬1). وفي بعض نسخ المصابيح عن سعد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وذكر الحديث وليس بصواب فإن ذكره في الصحاح يقتضي عدم التصريح بذكر سعد كما هو في البخاري والله أعلم (¬2). 4179 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قمت على باب الجنة، فكان عامة من دخلها المساكين، وأصحاب الجد محبوسون، غير أن أصحاب النار قد أُمِر بهم إلى النار، وقمت على باب النار، فإذا عامة من دخلها النساء". قلت: رواه الشيخان: البخاري في النكاح وفي غيره ومسلم في آخر كتاب الدعوات، والنسائي في عشرة النساء وفي غيره كلهم من حديث أسامة بن زيد يرفعه. (¬3) والجد: بفتح الجيم الحظ والبخت، والجمع: جدود. قال الجوهري (¬4): وفي الدعاء: "ولا ينفع ذا الجد منك الجد" بفتح الجد أي لا ينفع ذا الغنى عندك غناه، وإنما ينفعه العمل بطاعتك، ومنك، معناه: عندك. 4180 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اطلعت في الجنة، فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار، فرأيت أكثر أهلها النساء". قلت: رواه البخاري في صفة الجنة وفي الرقائق وفي النكاح من حديث عمران بن حصين، ونبّه على رواية ابن عباس ولم يخرج له لفظًا، ولا وصل به سنده، وخرجه من حديث أبي هريرة أيضًا، ورواه مسلم عن ابن عباس وحده في آخر كتاب الدعوات ¬

_ (¬1) انظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (1/ 196) رقم (202). (¬2) قال الحافظ ابن حجر: أخرجه النسائي، فقال: عن أبيه، فصرّح بوصله، انظر: سنن النسائي (6/ 45)، راجع: هداية الرواة (5/ 29). (¬3) أخرجه البخاري (6547)، ومسلم (2536)، والنسائي في الكبرى (9265). (¬4) انظر: الصحاح للجوهري (2/ 452).

تلو الحديث الذي قبله، في صفة جهنم من حديث ابن عباس وعمران والنسائي في عشرة النساء وفي الرقائق. (¬1) 4181 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة بأربعين خريفًا". قلت: رواه مسلم في الزهد في قصة طويلة من حديث أبي عبد الرحمن الحبلي قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول .. وساقه ولم يخرجه البخاري. (¬2) والحبلي: بالحاء المهملة والباء الموحدة المضمومتين منسوب إلى حي من اليمن يقال لهم: بنو الحبل. والخريف: الزمان المعروف بين الصيف والشتاء، والمراد هنا أربعين سنة لأن الخريف لا يكون في السنة إلا مرة واحدة. 4182 - قال: مر رجل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال لرجل عنده جالس: "ما رأيك في هذا؟ " فقال: رجل من أشراف الناس، هذا -والله- حري إن خطب أن يُنكح، وإن شفع أن يشفّع قال: فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم مر رجل، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما رأيك في هذا؟ " فقال: هذا رجل من فقراء المسلمين هذا حري إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفع، وإن قال: أن لا يسمع لقوله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا خير من مِلْء الأرض مثل هذا". قلت: رواه البخاري في النكاح وفي الرقائق وابن ماجه في الزهد جميعًا من حديث سهل بن سعد. (¬3) وحري: بفتح الحاء وكسر الراء المهملتين أي خليق وجدير. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6546) (6449)، ومسلم (2737) عن ابن عباس، وكذا الترمذي (2602)، والنسائي في الكبرى (9259). (¬2) أخرجه مسلم (2979). (¬3) أخرجه البخاري (6447)، وفي النكاح (5051)، وابن ماجه (4120).

4183 - قالت: ما شبع آل محمَّد من خبز الشعير يومين متتابعين، حتى قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قلت: رواه مسلم والترمذي كلاهما في الزهد وابن ماجه في الأطعمة ثلاثتهم من حديث عبد الرحمن بن يزيد عن الأسود عن عائشة وعزاه بعض الحفاظ للبخاري ولم أره في نسخة سماعنا. (¬1) 4184 - قال: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - من الدنيا, ولم يشبع من خبز الشعير. قلت: رواه البخاري في الأطعمة (¬2) من حديث ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة: أنه مر بقوم، بين أيديهم شاة مصلية فدعوه فأبى أن يأكل، وقال: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير. 4185 - أنه مشى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بخبز شعير، وإهالة سنخة، ولقد رهن النبي - صلى الله عليه وسلم - درعًا له بالمدينة عند يهودي، وأخذ منه شعيرًا لأهله، ولقد سمعته يقول: "ما أمسى عند آل محمَّد صاع بر ولا صاع حب"، وإن عنده لتسع نسوة. قلت: رواه البخاري في الشروط وفي البيوع من حديث أنس بن مالك. (¬3) والإهالة: بكسر الهمزة ما أذيب من الشحم. والسنخة: بفتح السين المهملة وكسر النون وبالخاء المعجمة المتغيرة الرائحة. 4186 - قال: دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا هو مضطجع على رمال حصير، ليس بينه وبينه فراش، قد أثر الرّمال بجنبه، متكئًا على وسادة من آدم حشوها ليف، قلت: يا رسول الله! ادع الله فليوسّع على أمتك، فإن فارس والروم قد وسّع عليهم، وهم لا يعبدون الله، فقال: "أو في هذا أنت يا ابن الخطاب؟ أولئك قوم عُجّلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا"، وفي رواية: أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2970)، والترمذي (2357)، وابن ماجه (3344)، وكذلك البخاري (5416). (¬2) أخرجه البخاري (5414). (¬3) أخرجه البخاري (2069).

قلت: رواه الشيخان: البخاري في التفسير وفي غيره ومسلم في الإيلاء وروى ابن ماجه معناه في الزهد (¬1) كلهم من حديث عمر بن الخطاب. قال الزمخشري (¬2): والرمال: ما رمل أي نسج، من قولهم رمل الحصير وأرمله قال النصر: ورمل أعلى وأكثر. 4187 - قال: رأيت سبعين من أصحاب الصفة، ما منهم رجل عليه رداء، إما إزار، وإما كساء، قد ربطوا في أعناقهم، فمنها ما يبلغ نصفه الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده، كراهية أن تُرى عورته. قلت: رواه البخاري في الصلاة وابن حبان في صحيحه كلاهما من حديث أبي هريرة. (¬3) 4188 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا نظر أحدكم إلى من فُضّل عليه في المال والخلق، فلينظر إلى من هو أسفل منه". قلت: رواه البخاري في الرقاق ومسلم في الزهد كلاهما من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة يرفعه. (¬4) 4189 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم". قلت: رواه مسلم والترمذي كلاهما في الزهد من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة به. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2468)، ومسلم (1479)، وابن ماجه (4153). (¬2) انظر: الفائق (3/ 343)، ونقله عن الزمخشري كذلك ابن الأثير في النهاية (2/ 265). (¬3) أخرجه البخاري (442)، وابن حبان (682). (¬4) أخرجه البخاري (6490)، ومسلم (2963). (¬5) أخرجه مسلم (2963)، والترمذي (2513).

من الحسان

من الحسان 4190 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أبشروا يا معشر صعاليك المهاجرين، بالنور التام يوم القيامة، تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم"، وذلك خمسمائة سنة. قلت: رواه أبو داود في العلم من حديث أبي سعيد الخدري (¬1) واسمه سعد ابن مالك مطولًا، اقتصر المصنف على هذه القطعة منه، وهي آخر الحديث، وذكر الشيخ بقيته في فضائل القرآن وسنده صحيح، ليس فيه إلا المعلى بن زياد وقد أخرج له مسلم والأربعة. والصعاليك: جمع صعلوك بالضم وهو الفقير. 4191 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام: نصف يوم". قلت: رواه الترمذي في الزهد من حديث أبي هريرة وجابر قال الترمذي: حسن صحيح. (¬2) قال الحافظ المنذري: ويجمع بينه وبين حديث عبد الله بن عمرو المتقدم: بأن فقراء المهاجرين يسبقون فقراء المسلمين إلى الجنة بأربعين خريفًا، لما لهم من فضل الهجرة وترك أموالهم بمكة رغبة عنها إلى ما عند الله عَزَّ وَجَلَّ. قال الشيخ محب الدين الطبري: وفيما ذكره نظر، فإن حديث عبد الله ابن عمرو أن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفًا فهو مصرح بدخول الفقراء قبل الأغنياء، فكيف يصح تأويله على الفقراء؟ قال: وإنما يجمع بينهما بما لا يمكن أن يدافع بأن يحمل الأغنياء من حديث عبد الله على أغنياء المهاجرين، ونقول فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفًا لفضل الهجرة، وكذلك ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3666) وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه الترمذي (2353، 2355)، وأحمد (2/ 296)، وابن ماجه (4122)، وصححه ابن حبان (676)، وإسناده صحيح.

فقراء غيرهم وبل أولى، ويدخل الفقراء من المهاجرين ومن غيرهم قبل الأغنياء من غير المهاجرين بخمس مائة عام، وأخرج الترمذي وابن ماجه: أن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بخمس مائة عام، وأخرج الترمذي أيضًا يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفًا. قلت: قال الحافظ المنذري: هذان الحديثان لا يثبتان. قلت: ولو ثبتا أمكن الجمع بينهما، بأن يحمل ذلك على اختلاف مراتب الغنى، والشكر والفقر والصبر عليه، فيدخل فقراء بعض المهاجرين قبل بعض أغنيائهم بأربعين، وقيل: بعضهم بخمس مائة، وكذلك فقراء المسلمين مع أغنيائهم ولا يخفى تنزيل ذلك على الأحوال والله أعلم. 4192 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اللهم أحيني مسكينًا، وأمتني مسكينًا، واحشرني في زمرة المساكين"، فقالت عائشة: لِمَ يا رسول الله؟ قال: "إنهم يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفًا، يا عائشة لا ترُدِّي المسكين، ولو بشق تمرة، يا عائشة أحِبّي المساكين وقرّبيهم، فإن الله يُقربك يوم القيامة". قلت: رواه الترمذي في الزهد من حديث الحارث بن النعمان الليثي (¬1) ابن أخت سعيد بن جبير عن أنس قال أبو حاتم: الحارث ليس بقوي. وأراد - صلى الله عليه وسلم -: التواضع والإخبات وأن لا يكون من الجبارين والمتكبرين. 4193 - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أبغوني في ضعفائكم، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم". قلت: رواه أبو داود والترمذي والنسائي كلهم في الجهاد من حديث جبير ابن نفير عن ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2352)، والبيهقي في السنن (7/ 12)، وإسناده حسن. وله شواهد وهو من الأحاديث التي أجاب عنها الحافظ ابن حجر في أجوبته عن أحاديث "المشكاة"، والحارث بن النعمان، قال الحافظ: ضعيف، التقريب (1059).

أبي الدارداء يرفعه، قال الترمذي: حسن صحيح. (¬1) قوله: أبغوني في ضعفائكم، قال في النهاية (¬2): هو بهمزة القطع والوصل، يقال: بغى يبغي بُغاء بالضم أي طلب، وهذا تعليم منه - صلى الله عليه وسلم - وأمرنا بمجالسة الضعفاء. 4194 - وروي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يستفتح بصعاليك المهاجرين. قلت: رواه في شرح السنة (¬3) بسنده من حديث أمية بن خالد بن عبد الله بن أبي أسيد يرفعه، قال ابن عبد البر: أمية بن خالد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يستفتح بصعاليك المهاجرين، قال: ولا تصح عندي صحبته، والحديث: مرسل انتهى كلامه. ويستفتح بصعاليك المهاجرين: أي يستنصر بهم قال تعالى: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} وقيل يستفتح بهم القتال تيمنًا بهم. 4195 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تغبطن فاجرًا بنعمة، فإنك لا تدري ما هو لاق بعد موته، إن له عند الله قايلًا لا يموت". يعني: النار. قلت: لم أره في شيء من الكتب الستة ورواه في شرح السنة من حديث أبي هريرة، بسند فيه: عبد الله بن أبي مريم، وهو لا يعرف، فهو منكر. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1702)، وأبو داود (2594)، والنسائي (6/ 45) وإسناده صحيح. وانظر: الصحيحة (779). (¬2) النهاية (1/ 143). (¬3) أخرج البغوي (14/ 264) رقم (4062) وإسناده مرسل. وانظر كلام ابن عبد البر في الاستيعاب (1/ 107). (¬4) أخرجه البغوي في شرح السنة (14/ 294 - 295) رقم (4103)، والبخاري في التاريخ الكبير (2/ 231) في ترجمة جهم بن أوس، والطبراني في الأوسط (4/ 234) رقم (4067) وقال: لم يرو هذا الحديث عن عبد الله بن أبي مريم إلا جهم بن أوس، قال المناوي في الفيض القدير (6/ 413): =

قوله: قايلًا لا يموت، هو بالياء المثناة من تحت أي مقيلًا من القيلولة وقد جاء في الحديث: تحشر معهم النار تقيل حيث قالوا وتبيت حيث باتوا، وفي بعض نسخ المصابيح قاتلًا بالتاء المثناة من فوق. 4196 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "الدنيا سجن المؤمن وسَنَته فإذا فارق الدنيا، فارق السجن والسنة". قلت: لم أره في شيء من السنن الأربعة، ورواه الحاكم في المستدرك في باب الرقائق والمصنف في شرح السنة كلاهما من حديث عبد الله بن يزيد أبو عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو وفي سنده عبد الله بن أيوب المعافري. (¬1) قوله: الدنيا سجن المؤمن وسنته، المراد بالسنة: القحط والضيق في العيش. 4197 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أحب الله عبدًا، حماه الدنيا، كما يظل أحدُكم يحمي سَقيمه الماء". قلت: رواه الترمذي في الطب من حديث قتادة بن النعمان يرفعه، وقال: حسن غريب. (¬2) ورواه أبو عمر النمري في كتاب الاستيعاب (¬3): من حديث محمود بن لبيد رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ومحمود بن لبيد ولد على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد حدث عن النبي ¬

_ = الكل بسند ضعيف. وجهم بن أوس، لا يعرف، أما عبد الله بن أبي مريم فهو مقبول كما قال الحافظ في التقريب (3635). (¬1) أخرجه البغوي (14/ 297) رقم (4106)، والحاكم (4/ 135)، وأحمد (2/ 197). وإسناده ضعيف، عبد الله المعافري لم يوثقه غير ابن حبان ولم يرو عنه إلا يحيى بن أيوب وسعيد بن أيوب كما ذكره ابن حاتم في "الجرح والتعديل" (5/ 25). (¬2) أخرجه الترمذي (2036)، وإسناده صحيح. (¬3) انظر: (3/ 1378 - 1379).

- صلى الله عليه وسلم -، وذكر ابن أبي حاتم (¬1) أن البخاري قال: له صحبة، قال: وقال أبي: لا يعرف له صحبة، قال ابن عبد البر: وقول البخاري أولى، وذكره مسلم في التابعين في الطبقة الثانية منهم، قال ابن عبد البر: ما علم منه مسلم ما علم غيره (¬2). 4198 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اثنتان يكرههما ابن آدم: يكره الموت - والموت خير للمؤمن من الفتنة-، ويكره قلة المال، -وقلة المال أقل للحساب-". قلت: رواه الإِمام أحمد من حديث عاصم بن عمر عن محمود بن لبيد يرفعه (¬3) وقد تقدم الشك في صحبة محمود هذا، وأن البخاري أثبتها ونفاها أبو حاتم وأن مسلمًا ذكره في الطبقة الثانية من التابعين. 4199 - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني أحبك، قال: "انظر ما تقول"، فقال: إني والله لأحبك، ثلاث مرات، قال: "إن كنت صادقًا، فأعد للفقر تجفافًا، للفقر أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منتهاه". (غريب). قلت: رواه الترمذي في الزهد من حديث جابر بن عمر وعن عبد الله بن مغفل وقال: حسن غريب، انتهى. (¬4) وفي سنده: روح بن أسلم ولم يخرج له من أصحاب الكتب الستة سوى الترمذي وضعفوه، ووثقه ابن حبان فقط. والتجفاف (¬5): بكسر التاء المثناة من فوق وبالجيم وبالفاءين بينهما ألف، لباس توارى به الفرس في الحرب، يقال له بالفارسية: بركستوان. ¬

_ (¬1) العلل لابن أبي حاتم (2/ 108). (¬2) انظر: التاريخ الكبير للبخاري (7/ ت 1762)، وقال الحافظ: صحابي صغير وجُلّ روايته عن الصحابة انظر: التقريب (6560)، وتهذيب الكمال (27/ 309 - 311). (¬3) أخرجه أحمد (5/ 427). وإسناده صحيح. انظر: الصحيحة (813). (¬4) أخرجه الترمذي (2350)، وإسناده ضعيف. روح بن أسلم، قال الحافظ: ضعيف، التقريب (1971). وانظر: ثقات ابن حبان (8/ 243). (¬5) انظر: النهاية (1/ 279).

4200 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لقد أُخفت في الله، وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في الله، وما يُؤْذى أحد، ولقد أتت عليّ ثلاثون من بين ليلة ويوم، وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد، إلا شيء يواريه إبط بلال". قلت: رواه الترمذي في الزهد من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس وقال حسن صحيح (¬1). ومعنى: أخفت في الله أي في دين الله فإنهم منعوه من إمضاء دين الله. 4201 - قال: شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجوع، ورفعنا عن بطوننا عن حجر حجر فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بطنه عن حجرين. (غريب). قلت: رواه الترمذي في الزهد بسند جيد صحيح. (¬2) قلت: وقال ابن حبان (¬3): في الكلام على حديث: "إني لست كأحدكم، إني أُطعم وأسقى (¬4) " هذا الخبر دليل على أن الأخبار التي فيها ذكر وضع النبي - صلى الله عليه وسلم - الحجر على بطنه، كلهما أباطيل، وإنما معناها الحُجز يعني بالزاي المعجمة لا الحَجَر، والحُجز: طرف الإزار، إذ الله عز وعلا كان يُطعم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويسقيه إذا وصل، فكيف يتركه جائعًا مع عدم الوصال حتى يحتاج إلى شدِّ حجر على بطنه، وما يغني الحجر عن الجوع؟ انتهى كلامه. وما قاله متعقب من وجوه، منها: أن الجوهري (¬5) وابن الأثير (¬6) قالا: إن الحجزة: موضع شد الإزار، ويجمع على حجز فقياس ما قالا أن يكون تثنيه حجزة حجزتين وهو ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2472) وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه الترمذي (2371) وإسناده ضعيف، فإن فيه: سيار بن حاتم العنزي، وهو صدوق له أوهام، التقريب (2729). (¬3) انظر: الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان (8/ 345) تحت رقم (3579). (¬4) هذا الحديث أخرجه البخاري (1961). (¬5) انظر: الصحاح للجوهري (3/ 872). (¬6) انظر: النهاية (1/ 345).

خلاف الرواية, ومنها: أن المعنى الذي فر منه في الحجر يأتي في الحجز أيضًا، ومنها: أنه قد جاء في صحيح مسلم عن أنس قال: جئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا فوجدته جالسًا مع أصحابه يحدثهم، وقد عصب بطنه بعصابة، فقلت: لبعض أصحابه: لِمَ عصب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطنه؟ قالوا: من الجوع، ففيه دليل على حصول الجوع تعظيمًا واختيارًا منه، وإيثارًا لثواب الآخرة. ومنها: ما جاء في الصحيح من خروج أبي بكر في الهاجرة. وفيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: والذي نفسي بيده ما أخرجني إلا الجوع. وقد خرجه ابن حبان في صحيحه (¬1)، لكنه قد يجيب عن ذلك: بأنه يجوز أن يقال إن الجوع في الحديث أشار به إلى الجوع الذي لحقهم، وبالجملة: فالجوع إن قيل به في حقه - صلى الله عليه وسلم - فهو اختياري لا اضطراري، وكان - صلى الله عليه وسلم - يقدر على دفعه، لكنه يؤثر ذلك وهو في حقه أفضل ويشبع في وقت آخر وهو في حقه أفضل، باختلاف الحالات التي اختارها - صلى الله عليه وسلم -. 4202 - أنه أصابهم جوع فأعطاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تمرة تمرة. قلت: رواه الترمذي في الزهد عن عبد الرحمن بن مل وهو أبو عثمان النهدي عن أبي هريرة وقال: حسن صحيح، ورواه النسائي في الوليمة وقال فيه: قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبع تمرات بين سبعة، أنا منهم، ورواه ابن ماجه في الزهد (¬2) وقال: أصابهم جوع وهم سبعة، قال: فأعطاني النبي - صلى الله عليه وسلم - سبع تمرات لكل إنسان تمرة والله أعلم. 4203 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "خصلتان من كانتا فيه، كتبه الله شاكرًا صابرًا، من نظر في دينه إلى من هو فوقه فاقتدى به، ونظر في دنياه إلى من هو دونه، فحمد الله على ما فضّله الله عليه، كتبه الله شاكرًا صابرًا، ومن نظر في دينه إلى من هو دونه، ونظر في دنياه إلى من فوقه، فأسف على ما فاته منه، لم يكتبه الله شاكرًا ولا صابرًا". ¬

_ (¬1) أخرجه ابن حبان (الإحسان) (8/ 16) رقم (5216). (¬2) أخرجه الترمذي (2474)، وابن ماجه (4157)، والنسائي في الكبرى (6731) وإسناده صحيح.

باب الأمل والحرص

قلت: رواه الترمذي (¬1) في الزهد عن المثنى بن صباح عن عمرو بن شعيب وذكره، والمثنى: ضعفه ابن معين، قال الذهبي: مشاه بعضهم، وقال النسائي: متروك والله أعلم. باب الأمل والحرص من الصحاح 4204 - قال: خطّ النبي - صلى الله عليه وسلم - خطًّا مربعًا، وخطّ خطًّا في الوسط خارجًا منه، وخط خطوطًا صغارًا إلى هذا الذي في الوسط من جانبيه فقال: "هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به، وهذا الذي هو خارج: أمله، وهذه الخطوط الصغار: الأعراض فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا". قلت: رواه البخاري في الرقائق والترمذي وابن ماجه كلاهما في الزهد من حديث عبد الله بن مسعود وهذه صورته. (¬2) ــــــــــــــــ | | ــــــــــــــــ 4205 - قال: خط النبي - صلى الله عليه وسلم - خطوطًا، فقال: "هذا الأمل، وهذا أجله، فبينما هو كذلك، إذ جاءه الخط الأقرب". قلت: رواه البخاري في الرقائق تلو الحديث الذي قبله. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2512) وإسناده ضعيف، المثنى بن الصباح وهو ضعيف اختلط بآخره، وكان عابدًا التقريب (6513)، وقول الذهبي في الكاشف (2/ 239): قال أبو حاتم وغيره: لين الحديث. (¬2) أخرجه البخاري (6417)، والترمذي (2454)، وابن ماجه (4231). (¬3) أخرجه البخاري (6418).

4206 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يهرم ابن آدم، وتشِبّ منه اثنتان: الحرص على المال، والحرص على العمر". قلت: رواه الشيخان البخاري في الرقائق ومسلم في الزكاة واللفظ له، ولفظ البخاري: يكبر ابن آدم ... إلى آخره والترمذي وابن ماجه في الزهد كلهم من حديث أنس. (¬1) 4207 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزال قلب الكبير شابًّا في اثنتين: في حب الدنيا، وطول الأمل". قلت: رواه البخاري والنسائي كلاهما في الرقائق ومسلم في الزكاة واللفظ للبخاري، وروى أحمد معناه كلهم من حديث أبي هريرة. (¬2) 4208 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أعذر الله إلى امرئ، أخّر أجله حتى بلّغه ستين سنة". قلت: رواه البخاري في الرقائق (¬3) من حديث سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة، ورواه أحمد بلفظ: "من أتت عليه ستون سنة فقد أعذر الله إليه في العمر". (¬4) قوله: أعذر الله إلى امرئ أخر أجله، قال ابن الأثير (¬5): أي لم يُبق فيه موضعًا للاعتذار، حيث أمهله طول هذه المدة ولم يعتذر، يقال: أعذر الرجل إذا بلغ أقصى الغاية في العذر، وسئل مالك عن الزهد؟ فقال: طيب الكسب وقصر الأمل (¬6). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6421)، ومسلم (1047)، وابن ماجه (4234)، والترمذي (2339). (¬2) أخرجه البخاري (6420)، ومسلم (1046)، والنسائي كما في تحفة الأشراف (9) رقم (12959). (¬3) أخرجه البخاري (6416). (¬4) أخرجه أحمد (2/ 320). (¬5) انظر: النهاية (3/ 196 - 197). (¬6) انظر: شرح السنة للبغوي (14/ 233).

4209 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو كان لابن آدم واديان من مال، لابْتغى ثالثًا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب". قلت: رواه البخاري في الرقائق من حديث ابن عباس (¬1) بهذا اللفظ ومسلم في الزكاة من حديث أنس (¬2) بهذا اللفظ أيضًا وروى البخاري معناه من حديث أنس ومسلم معناه من حديث ابن عباس (¬3) ورواه الترمذي (¬4). وقد ثبت في السنة من رواية الإِمام أحمد وغيره أن هذا كان قرآنًا فنسخ خطه، وفي رواية عن أنس وابن عباس قال: فلا ندري أشيء أنزل أم شيء كان يقوله، وروى أنس عن أُبيّ قال: كنا نرى هذا من القرآن حتى نزلت ألهاكم التكاثر، رواه البخاري (¬5). 4210 - قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببعض جسدي، فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل، وعد نفسك من أهل القبور". قلت: رواه البخاري في الرقائق والترمذي وابن ماجه كلاهما في الزهد من حديث ابن عمر. (¬6) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6436) و (6437)، ومسلم (1049)، وأبو يعلى (2573)، وابن حبان (3231). (¬2) أخرجه مسلم (1048). (¬3) أخرجه مسلم (1049). (¬4) أخرجه الترمذي (2338)، وابن ماجه (4235). (¬5) أخرجه البخاري (6440)، هذا كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقول ابن عباس وغيره قاطع بنفي قرآنية هذا الكلام نفيًا باتًّا؛ لأن القرآن لا يمكن أن يثبت على الشك، ولا بد في إثباته من القطع بتلقي نصه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلقيًّا متواترًا، والأحاديث التي فيها أن هذا كان قرآنًا ثم نسخ، كلها ضعيفة لا تصح. لا تناهض الروايات الصحيحة منها رواية مسلم (1050) عن أبي موسى الأشعري فيه سويد بن سعيد، وعلي بن مسهر. (¬6) أخرجه البخاري (6416)، والترمذي (2333)، وابن ماجه (4114).

من الحسان

من الحسان 4211 - قال: مر بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وأنا وأمي نطّين شيئًا، فقال: "ما هذا يا عبد الله؟ " قلت: شيء نُصلحه، قال: "الأمر أسرع من ذلك". (غريب). قلت: رواه أبو داود في الأدب والترمذي وابن ماجه كلاهما في الزهد من حديث أبي السفر عن عبد الله بن عمرو بن العاص بإسناد البخاري ومسلم وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬1) 4212 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يهريق الماء، فيتيمم بالتراب، فأقول: يا رسول الله "إن الماء منك قريب؟ فيقول: "ما يدريني لعلي لا أبلُغه". قلت: لم أر حديث ابن عباس هذا في شيء من الكتب الستة ورواه المصنف في شرح السنة بسند فيه ابن لهيعة وقد تقدم ذكره. (¬2) وفيه: حنش بن المعتمر، قال البخاري: يتكلمون في حديثه. 4213 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هذا ابن آدم، وهذا أجله"، ووضع يده عند قفاه ثم بسط، فقال: "وثم أمله". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في الزهد عن عبد الله بن بكر ابن أنس عن جده أنس، قال الترمذي: حسن صحيح. (¬3) 4214 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - غرز عودًا بين يديه، وآخر إلى جنبه، وآخر أبعد منه، فقال: "هل تدرون ما هذا؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "هذا الإنسان، وهذا الأجل -أراه قال-، هذا الأمل، فيتعاطى الأمل، فلحقه الأجل دون الأمل". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (5235) (5236)، والترمذي (2335)، وابن ماجه (4160) وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه البغوي في شرح السنة (4031)، وإسناده: ضعيف، فيه ابن لهيعة. وحنش بن المعتمر ويقال: إنه حنش بن ربيعة بن المعتمر، ويقال: إنهما اثنان، أبو المعتمر الكوفي، قال الحافظ: صدوق له أوهام ويرسل، وأخطأ من عدّه في الصحابة. انظر: التقريب (1586). (¬3) أخرجه الترمذي (2334)، وابن ماجه (4232)، وأخرجه أحمد (3/ 257)، وإسناده صحيح.

قلت: لم أر حديث أبي سعيد هذا في شيء من الكتب الستة، ورواه المصنف في شرح السنة بسنده المتصل ومعناه في الصحاح. (¬1) 4215 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مُثِّل ابن آدم، وإلى جنبه تسع وتسعون منيّة، إن أخطأته المنايا وقع في الهرم". قلت: رواه الترمذي في النذور وفي الزهد (¬2) من حديث عبد الله بن الشخير بسند فيه: عمران بن دَاوَر القطان الكنى بأبي العوّام، ضعفه يحيى والنسائي، ومشّاه أحمد (¬3). قوله: مثل ابن آدم، بضم الميم وتشديد الثلثة أي خلق وصور، وإلى جنبه: حال، ورواه بعضهم: مَثَل بفتح الميم والثاء، قال: وهو مبتدأ، خبره محذوف، تقديره: مثل ابن آدم مثل الذي إلى جنبه تسعة وتسعون منية، والمنية: الموت، والمراد هنا ما يؤدي إلى الموت من أسبابه. 4216 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عُمُر أمتي: من ستين إلى سبعين". (غريب). قلت: رواه الترمذي في الزهد من حديث كامل أبي العلاء عن أبي صالح مولى صباغه عن أبي هريرة، وكامل: وثقه ابن معين وضعفه النسائي. (¬4) 4217 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أعمار أمتي: ما بين ستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك". ¬

_ (¬1) أخرجه البغوي في شرح السنة (14/ 285) رقم (4091)، وإسناده جيد كما قال الحافظ ابن حجر في هداية الرواة (5/ 45). وأخرجه أحمد (3/ 18)، والرامهرمزي في الأمثال (74). (¬2) أخرجه الترمذي (2150) (2456). وقال: حسن غريب. وهو صحيح بما بعده. (¬3) عمران بن داوَر: صدوق يهم، ورمي برأي الخوارج، انظر: التقريب (5189). (¬4) أخرجه الترمذي (2331) وإسناده ضعيف، فيه كامل أبو العلاء وهو صدوق يخطيء، التقريب (5639). وأبو صالح مولى ضباعة: لين الحديث، واسمه مِينا، انظر: التقريب (8236).

باب استحباب المال والعمر للطاعة

قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في الزهد عن الحسن بن عرفة عن عبد الرحمن بن محمَّد المحاربيّ عن محمَّد بن عمر وعن أبي سلمة عن أبي هريرة يرفعه وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. (¬1) باب استحباب المال والعمر للطاعة من الصحاح 4218 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالًا، فهو يُنفق منه آناء الليل وآناء النهار". قلت: رواه البخاري في التوحيد ومسلم في الصلاة والترمذي في البر وابن ماجه في الزهد كلهم من حديث ابن عمر (¬2) ورواه البخاري أيضًا في التمني من حديث أبي هريرة، وكذلك النسائي في العلم. (¬3) والآناء: الساعات. 4219 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله يحب العبد المتقي الغني الخفي". قلت: رواه مسلم في آخر الكتاب (¬4) من حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: كان ابن أبي وقاص في إبله، فجاءه ابنه، فلما رآه سعد قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب، فنزل، فقال: أنزلت في إبلك وغنمك وتركت الناس يتنازعون الملك بينهم؟ ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3550)، وابن ماجه (4236) وإسناده حسن، وفي إسناده محمَّد بن عمرو بن علقمة فإنه صدوق له أوهام، انظر: التقريب (6228). (¬2) أخرجه البخاري (7529)، ومسلم (815)، والترمذي (1936)، وابن ماجه (4209). (¬3) أخرجه البخاري في التمني (7232)، والنسائي في الكبرى (8019). (¬4) أخرجه مسلم (2965).

من الحسان

فضرب سعد في صدره، وقال: اسكت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ... وساقه ولم يخرج البخاري هذا الحديث. والمراد بالغنى هنا: غنى النفس لأنه هو الغنى المحبوب، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ولكن الغنى غنى النفس، وأشار القاضي عياض: إلى أن المراد به الغنى بالمال، وأما الخفي: بالخاء المعجمة هذا هو الموجود في النسخ المعتمدة من صحيح مسلم، والمعروف في الروايات كذا قاله النووي (¬1)، وذكر القاضي (¬2): أن بعضهم رواه بالحاء المهملة ومعناه بالمعجمة: الخامل المنقطع إلى العبادة، والاشتغال بنفسه، وبالمهملة: المواصل لرحمة اللطيف بهم وبغيرهم من الضعفاء، والصحيح بالمعجمة. من الحسان 4220 - أن رجلًا قال: يا رسول الله أي الناس خير؟ قال: "من طال عمره وحسن عمله" قال: فأي الناس شر؟ قال: "من طال عمره وساء عمله". قلت: رواه الترمذي (¬3) في الزهد وقال: حسن صحيح. (¬4) وهذان قسمان من أربعة: طرفان بينهما واسطة؛ لأن الإنسان إما طويل العمر أو قصيره وعلى التقديرين إما حسن العمل أو سيئه، فطويل العمر حسن العمل، وطويل العمر سيء العمل طرفان شرهما الثاني، وقصير العمر حسن العمل، وقصير العمر سيء العمل، واسطتان خيرهما الأول. ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (18/ 133). (¬2) انظر: إكمال المعلم (18/ 518 - 519). (¬3) ورد في المخطوط "أبو داود" وأظن الصحيح "الترمذي" يدل عليه قول الترمذي وصنيع الحافظ ابن حجر في هداية الرواة. (¬4) أخرجه الترمذي (2330)، وإسناده حسن. وأخرجه أحمد (5/ 40، 43، 44، 47، 48، 49).

4221 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - آخى بين رجلين، فقتل أحدهما في سبيل الله، ثم مات الآخر بعده بجُمعة أو نحوها، فصلوا عليه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما قلتم؟ " قالوا: دعونا الله أن يغفر له، ويرحمه، ويُلحقه بصاحبه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فأين صلاته بعد صلاته، وعمله بعد عمله -أو قال-: صيامه بعد صيامه؟ لما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض". قلت: رواه أبو داود في الجهاد والنسائي في الجنائز من حديث عبيد الله بن خالد (¬1) ورجاله رجال الصحيح إلا عبد الله بن ربيعة السلمي الراوي عن عبيد الله بن خالد إن كان هو صحابيًّا كما صرح به النسائي فعدالته ثابتة وإن لم يكن له صحبة، كما ذهب إليه بعضهم فقد روى له أبو داود والنسائي ولم أر له ذكرًا في الضعفاء. (¬2) 4222 - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ثلاث أُقسم عليهن، وأحدثكم حديثًا فاحفظوه: فأما الذي أُقسم عليهن، فإنه ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها، إلا زاده الله بها عزًّا، ولا فتح عبد باب مسألة، إلا فتح الله عليه باب فقر، وأما الذي أحدثكم فاحفظوه، فقال: إنما الدينا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالًا وعلمًا، فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعمل فيه بحقه، فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علمًا ولم يرزقه مالًا، فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالًا لعملت بعمل فلان، فهو بنيته، فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالًا ولم يرزقه علمًا، فهو يتخبط في ماله بغير علم، لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعمل فيه بحق فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالًا ولا علمًا، فهو يقول: لو أن لي مالًا لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته، فوزرهما سواء". (صحيح). ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2524)، والنسائي (4/ 74) وإسناده صحيح. (¬2) عبد الله بن ربيعة قيل له صحبة ونفاها أبو حاتم وذكره ابن حبان في ثقات التابعين ووثقه ابن سعد في الطبقات (6/ 196) وذكره في التابعين. وانظر: الاستيعاب (3/ 897)، والإصابة (4/ 81).

قلت: رواه الترمذي في الزهد وقال: حسن صحيح. (¬1) 4223 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله تعالى إذا أراد بعبد خيرًا استعمله"، فقيل: وكيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: "يوفقه لعمل صالح قبل الموت". قلت: رواه الترمذي في القدر عن حميد الطويل عن أنس وقال: صحيح. (¬2) 4224 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الكيس: من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز: من أتبع نفسه هواها، وتمنّى على الله". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في الزهد من حديث شداد بن أوس وفي سنده أبو بكر بن أبي مريم قال الذهبي: ضعفوه، وله علم وديانة. (¬3) ودان نفسه: أي أذلها واستعبدها، وقيل: حاسبها قاله ابن الأثير. وقال: في شرح السنة (¬4): معناه أنه يحاسب نفسه في الدنيا قبل أن يحاسب في الآخرة، قال عمر رضي الله عنه: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وإنما يخِف الحساب يوم القيامة على من حاسب في الدنيا نفسه. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2325). (¬2) أخرجه الترمذي (2142)، وصححه ابن حبان (341)، والحاكم (1/ 340)، ووافقه الذهبي، وانظر: الصحيحة (1114). (¬3) أخرجه الترمذي (2459)، وابن ماجه (4265) وإسناده ضعيف. وأبو بكر بن أبي مريم هو: أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغسّاني، قال الحافظ: ضعيف، وكان قد سُرق بيته واختلط. التقريب (8031)، وانظر قول الذهبي في الكاشف (2/ 411) رقم (6526). (¬4) شرح السنة (14/ 309).

باب التوكل والصبر

باب التوكل والصبر من الصحاح 4225 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا من غير حساب، هم الذين لا يسترقون ولا يتطيّرون، وعلى ربهم يتوكلون". قلت: رواه البخاري في الرقائق ومسلم في الإيمان من حديث ابن عباس. (¬1) 4226 - قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا، فقال: "عُرِضت علي الأمم، فجعل يمر النبي ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان، والنبي ومعه الرهط، والنبي وليس معه أحد فرأيت سوادًا كثيرًا سد الأفق، فرجوت أن يكون أمتي، فقيل: هذا موسى في قومه، ثم قيل لي: انظر، فرأيت سوادًا كثيرًا سد الأفق، فقيل هؤلاء أمتك، ومع هؤلاء سبعون ألفًا قدامهم، يدخلون الجنة بغير حساب: هم الذين لا يتطيرون ولا يسترقون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون"، فقام عكاشة بن محصن، فقال: أدع الله أن يجعلني منهم، فقال: "اللهم اجعله منهم، ثم قام رجل آخر، فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، قال: "سبقك بها عكاشة". قلت: رواه البخاري في أحاديث الأنبياء والطب وفي الرقائق ومسلم في الإيمان والترمذي في الزهد والنسائي في الطب كلهم من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6472)، ومسلم (220). (¬2) أخرجه البخاري في الطب (5752)، وفي الرقائق (6541)، وفي الأنبياء (3410)، ومسلم (220) (374)، والترمذي (2446)، والنسائي في الكبرى (7604).

وقد جاء في بعض الأحاديث الأمر بالرقية والكي، وفي بعضهما النهي عن ذلك فمن الجواب: قوله - صلى الله عليه وسلم - استرقوا لها فإن بها النظرة، وأخذ بعض الصحابة على الرقية أجرًا وكوى - صلى الله عليه وسلم - سعدًا بيده. ومن النهي: قوله - صلى الله عليه وسلم -: إن الرقى والتمائم والتولة شرك، وقد تقدم في باب الطب والرقى من ذلك ما يغني عن إعادته. وهذا الحديث أيضًا يدل على الحث على ترك ذلك، فأجاب عن ذلك الخطابي وغيره: أن ترك ذلك والتوكل على الله من صفة الأولياء المعرضين عن أسباب الدنيا، لا يلتفتون إلى شيء من علائقها، وتلك درجة الخواص لا يبلغها غيرهم، وقد رخص الشرع لهم في التداوي والمعالجة، ومن صبر على البلاء وانتظر الفرج من الله بالدعاء كان من جملة الخواص، ومن لم يصبر رخص له في الرقية والعلاج. قوله - صلى الله عليه وسلم -: وعلى ربهم يتوكلون، اختلف علماء السلف والخلف في حقيقة التوكل فحكي عن عامة الفقهاء والمحققين من الصوفية وأصحاب القلوب أن حدّه: الثقة بالله تعالى والإيقان بأن قضاءه نافذ واتباع سنة نبيه في السعي فيما لا بد منه من السعي في المطعم والمشرب، والتحرز من العدو كما فعله الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، لكن لا يصح عند محققي الصوفية التوكل مع الالتفات والطمأنينة إلى الأسباب بل فعل الأسباب سنة الله وحكمته، والثقة بأنها لا تجلب نفعًا ولا تدفع ضرًّا، والكل من الله وحده، وذهب بعض الصوفية إلى أنه لا يستحق اسم التوكل إلا من لم يخالط قلبه خوف غير الله تعالى من سبع أو عدو، حتى يترك السعي في طلب الرزق ثقة بضمان الله تعالى له برزقه. قوله: فقام عكاشة بن محصن، هو بضم العين وتشديد الكاف وتخفيفها, لغتان مشهورتان، ذكرهما الجوهري (¬1) وأما محصن فبكسر الميم وفتح الصاد المهملة. ¬

_ (¬1) انظر: الصحاح للجوهري (3/ 1012).

وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: سبقك بها عكاشة، قيل: لأن الرجل الثاني لم يكن من أهل تلك المنزلة، وقيل: كان منافقًا فأجابه - صلى الله عليه وسلم - بكلام محتمل، وهذا من حسن العشرة في الخطاب، وقال الخطيب البغدادي في الأسماء المبهمة (¬1) أنه يقال: أن هذا الرجل هو سعد بن عبادة رضي الله عنه، فإن صح هذا أبطل قول من زعم أنه منافق (¬2). 4227 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له". قلت: رواه مسلم في الزهد من حديث ثابت عن صهيب يرفعه وانفرد به مسلم. (¬3) 4228 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المؤمن القوي: خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا, ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان". قلت: رواه مسلم في القدر والإمام أحمد كلاهما من حديث عبد الله بن ذكوان الأعرج عن أبي هريرة. (¬4) قوله - صلى الله عليه وسلم -: احرص بكسر الراء وكذلك ولا تعجز بكسر الجيم. قوله - صلى الله عليه وسلم -: فإن لو تفتح عمل الشيطان هو عدم الإيمان بالقدر، وعدم الرضا بصنع الله تعالى، فإن القدر إذا ظهر بما يكره العبد، قال العبد: لو فعلت كذا لم يكن هذا، وقد مر في علم الله تعالى أنه لا يفعل إلا الذي فعل ولا يكون إلا الذي كان. ¬

_ (¬1) انظر: الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة للخطيب (ص: 106 وقم 58). (¬2) وذكره النووي في (3/ 110 - 111)، وانظر للتفصيل الفتح (11/ 412). (¬3) أخرجه مسلم (2999). (¬4) أخرجه مسلم (2664)، وأحمد (2/ 366).

من الحسان

وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: في قصة فسخ الحج إلى العمرة لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي فليس من هذا القبيل، وإنما هو كلام قصد النبي - صلى الله عليه وسلم - به تطييب قلوبهم وتحريضهم على التحلل عن الحج وأفعال العمرة. من الحسان 4229 - " قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير: تغدو خِماصًا وتروح بطانًا". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في الزهد والنسائي في الرقائق من حديث عمر بن الخطاب (¬1) وقال الترمذي: حسن صحيح، ورواه أبو حاتم. قوله - صلى الله عليه وسلم -: تغدوا خِماصًا، من الغدو وهو سير أول النهار. وخماصًا أي جياعًا خالية بطونها. وتروح: أي عشاء بطانًا أي ممتلئة الأجواف شباعًا. والخماص: جمع خميص وهو الضامر. 4230 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "يا أيها الناس! ليس من شيء يقربكم إلى الجنة، ويباعدكم من النار، إلا قد أمرتكم به، وليس شيء يقربكم من النار، ويباعدكم من الجنة، إلا قد نهيتكم عنه، وإن الروح الأمين -ويروى: وإن روح القدس- نفث في روعي: أن نفسًا لن تموت، حتى تستكمل رزقها، ألا فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله، فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته". قلت: رواه المصنف مسندًا في شرح السنة وفي سنده عبد الملك بن عمير وزبيد اليامي كلاهما عن عبد الله بن مسعود ولم يسمعا من ابن مسعود، وفي بعض طرق الحديث عن ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2344)، وابن ماجه (4164)، والنسائي في الكبرى (10586)، وابن حبان (730). وإسناده صحيح. انظر: الصحيحة (310).

زبيد اليامي عمن أخبره عن عبد الله بن مسعود فالحديث منقطع أو فيه رجل مجهول لكن معناه في الصحاح. (¬1) الروح الأمين، وروح القدس: المراد به جبريل. ونفث: أي أوحى إلي وألقى من النفث بالفم وهو شبيه بالنفخ. والروع: الخلْد والنفس، ومعنى نفث في روعي: أوحي إلي، والنفث: بالنون والفاء والثاء المثلثة شبيه بالنفخ وهو أقل من التفل؛ لأن التفل لا يكون إلا ومعه شيء من الريق. 4231 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الزهادة في الدنيا، ليست بتحريم الحلال، ولا إضاعة المال، ولكن الزهادة في الدنيا: أن لا تكون بما في يديك أوثق منك بما يزيد الله، وأن تكون في ثواب المصيبة -إذا أنت أصبت بها- أرغب منك فيها لو أنها أبقيت لك". (غريب). قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في الزهد من حديث أبي ذر وقال الترمذي: غريب (¬2). قلت: وفي سنده: عمرو بن واقد، قال الدارقطني وغيره: متروك (¬3). والمذكور في هذا الحديث سبب الزهد لا حقيقته وذلك أنه إذا وثق بما في يد الله هذا الوثوق كان ذلك سببًا لترك فضول الدنيا والحرص عليها والشره فيها. 4232 - قال: كنت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا فقال: "يا غلام احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو ¬

_ (¬1) أخرجه البغوي في شرح السنة (14/ 303 - 304) (4111) (4112) (4113) وإسناده فيه انقطاع كما بين المصنف. وانظر للتفصيل: هداية الرواة (5/ 55). (¬2) أخرجه الترمذي (2340)، وابن ماجه (4100) وإسناده ضعيف. (¬3) عمرو بن واقد، قال الحافظ: متروك، من السادسة، التقريب (5167).

باب الرياء والسمعة

اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجفت الصحف". قلت: رواه الترمذي في آخر الزهد قبل صفة الجنة من حديث ابن عباس، ورواه أبو بكر الخطيب أتم من هذا اللفظ، وقال الإِمام عبد الحق: حديث صحيح. (¬1) وعبر - صلى الله عليه وسلم - بقوله جفت الأقلام وطويت الصحف: عن سبق القضاء بما أراده الله تعالى، وحكم به، وذلك أن الكاتب إذا فرغ من الكتابة رفع قلمه وجفف صحيفته وهو مجاز. 4233 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله له، ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله، ومن شقاوة ابن آدم سخطه بما قضى الله له". (غريب). قلت: رواه الترمذي في القدر، وقال: غريب لا يعرف إلا من حديث محمَّد ابن أبي حميد، وليس هو بالقوي عند أهل الحديث انتهى. (¬2) وقال الذهبي: ضعفوه. والاستخارة: طلب الخيرة في الشيء. باب الرياء والسمعة من الصحاح 4234 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2516) وقال: حديث حسن صحيح. وأخرجه أحمد (1/ 293، 302)، وأخرجه الخطيب في الفصل للوصل المدرج في النقل (2/ 857 - 862) رقم (95)، وانظر كلام عبد الحق الأشبيلي (4/ 285). (¬2) أخرجه الترمذي (2151)، وإسناده ضعيف، فيه: محمَّد بن أبي حميد، وهو ضعيف. انظر: التقريب (5873)، والضعيفة (1906)، وقول الذهبي في الكاشف (2/ 166) رقم (4812).

قلت: رواه مسلم في الأدب وابن ماجه في الزهد من حديث يزيد بن الأصم عن أبي هريرة رضي الله عنه. (¬1) ومعنى النظر بها: الإحسان والرحمة والعطف؛ لأن النظر في الشاهد دليل المحبة وترك النظر دليل البغض والكراهة. 4235 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمِل عملًا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه". وفي رواية: "فأنا منه بريء! هو للذي عمله". قلت: رواه مسلم في آخر الكتاب في كتاب الزهد من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬2) قال النووي (¬3): هكذا وقع في بعض أصول مسلم "وشركه" وفي بعضها "وشريكه" وفي بعضها "وشركته" ومعناه: أنا غني عن المشاركة، وغيرها فمن عمل شيئًا لي ولغيري لم أقبله بل أتركه لذلك الغير، والمراد: أن عمل المرائي باطل لا ثواب فيه، ويأثم. 4236 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من سمّع سمع الله به، ومن يرائى يرائي الله به". قلت: رواه البخاري في الرقائق ومسلم في آخر الكتاب وابن ماجه في الزهد كلهم من حديث جندب. (¬4). وسمّع: بالتشديد قال النووي (¬5) نقلًا عن العلماء: معناه من رايا بعمله، وسمعه للناس ليكرموه ويعظموه، ويعتقدوا خيره سمع الله به يوم القيامة وفضحه، وقيل: ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2564)، وابن ماجه (4143). (¬2) أخرجه مسلم (2985). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (18/ 156). (¬4) أخرجه البخاري (6499)، ومسلم (2987)، وابن ماجه (4207). (¬5) انظر: المنهاج للنووي (18/ 157).

من الحسان

معناه من سمع بعيوب الناس وأذاعها أظهر الله عيوبه، وقيل: أسمعه المكروه، وقيل: أرأه الله ثواب ذلك من غير أن يعطيه إياه ليكون حسرة عليه، وقيل: معناه من أراد بعمله الناس أسمعه الله الناس، وكان ذلك حظه منه. 4237 - قال: قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير، ويحمده الناس عليه؟ قال: "تلك عاجل بشرى المؤمن". وفي رواية: ويحبه الناس عليه. قلت: الروايتان رواهما مسلم في الأدب من حديث أبي ذر. (¬1) ومعناه: أن هذه البشرى المعجلة دليل على رضوان الله عنه، ومحبته له، فحبّبه إلى الخلق كما صح في الحديث الصحيح ثم يوضع له القبول في الأرض، وهذا كله إذا حمده الناس من غير تعرض منه لحمدهم، وإلا فالتعرض مذموم (¬2). من الحسان 4238 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا جمع الله الناس يوم القيامة ليوم لا ريب فيه، نادى مناد: من كان أشرك في عمل عمِله لله أحدًا، فليطلب ثوابه من عند غير الله، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك". قلت: رواه الترمذي في التفسير وابن ماجه في الزهد كلاهما من حديث أبي سعد بن أبي فضالة بسند جيد، رجاله رجال مسلم إلا زياد ابن منيا: وقد وثق (¬3). وأبو سعد هذا ذكره ابن عبد البر في الصحابة وقال: أنصاري له صحبة يعد في أهل المدنية وذكر له هذا الحديث (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2642). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (16/ 290). (¬3) أخرجه الترمذي (3154)، وابن ماجه (4203) وإسناده صحيح. وزياد بن منيا: مقبول، التقريب (2114)، وصححه ابن حبان (2499 موارد). (¬4) انظر: الاستيعاب (4/ 1668).

4239 - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من سمع الناس بعمله، سمّع الله به أسامع خلقه، وحقّره وصغّره". قلت: لم أره بهذ اللفظ في شيء من الكتب الستة ورواه المصنف في شرح السنة (¬1) بسند فيه عمرو بن مرة، قال: حدثنا رجل في بيت أبي عبيدة أنه سمع عبد الله بن عمرو يحدث ابن عمر أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. وذكره، وقال في آخره: فذرفت عينا ابن عمر، فيه رجل مجهول. يقال: سمعت بالرجل تسميعًا: إذا شهرته. قوله: أسامع خلقه، قال المصنف في شرح السنة (¬2): وجمع اسمع، يقال: سمع وأسُمع وأسامع جمع الجمع، يريد أن الله تعالى يسمّع أسامع خلقه به، يوم القيامة، ويحتمل: أن يكون أراد به أن الله تعالى يُظهر للناس سريرته، ويملأ أسماعهم بما ينطوي عليه من خُبث السريرة جزاء لفعله، ويروى: "سمع الله به مسامع خلقه"، مرفوعًا، فيكون السامع من نعت الله تعالى يريد: سمّع الله الذي هو سامع خلقه يعني: يفضحه الله. 4240 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من كانت نيته طلب الآخرة، جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت نيته طلب الدنيا، جعل الله الفقر بين عينيه، وشتّت عليه أمره، ولا يناله منها إلا ما كتب له". ¬

_ (¬1) أخرجه البغوي (4138) وإسناده ضعيف، ولكن الرجل الذي أبهم اسمه هو خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي سبرة صرح باسمه الطبراني "في الكبير" فيما ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 222)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 123 - 124). وهو ثقة، فصح الحديث، قاله الشيخ الألباني - رحمه الله - في هداية الرواة (5/ 62). (¬2) انظر: (14/ 326 - 327).

قلت: رواه الترمذي في الزهد من حديث أنس، وفي سنده: الربيع بن صبيح عن يزيد بن أبان الرقاشي، والربيع؟ قال أبو زرعة: صدوق، وضعفه النسائي ويزيد الرقاشي: قال الذهبي: ضعيف. (¬1) 4241 - قال: قلت: يا رسول الله بينا أنا في بيتي في مصلاي، إذ دخل عليّ رجل، فأعجبني الحال التي رآني عليها؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "رحمك الله يا أبا هريرة! لك أجران: أجر السر، وأجر العلانية". (غريب). قلت: هذا الحديث رواه المصنف في شرح السنة من حديث سعيد بن بشر عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة يرفعه بهذا اللفظ، وقال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث غريب، انتهى كلامه. (¬2) والذي وقفت عليه في الترمذي أنه روى في الزهد، معنى هذا الحديث دون لفظه، فقال: نا محمَّد بن المثنى نا أبو داود نا أبو سنان الشيباني عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رجل: "يا رسول الله الرجل يعمل العمل فيسّره، فإذا اطلع عليه أعجبه ذلك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: له أجران: أجر السّر، وأجر العلانية، قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، وقد روى الأعمش وغيره عن حبيب ابن أبي ثابت عن أبي صالح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا، قال الترمذي: وقد فسّر ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2465) وإسناده ضعيف. فيه: الربيع بن صبيح البصري: صدوق سيء الحفظ، وكان عابدًا مجاهدًا، التقريب (1905)، ويزيد بن أبان الرقاشي: زاهد ضعيف، التقريب (7733). وانظر قول الذهبي في الكاشف (2/ 380) رقم (6277). لكن له شاهد من حديث زيد بن ثابت أخرجه ابن ماجه وابن حبان بإسناد صحيح السلسلة الصحيحة (949). (¬2) أخرجه البغوي في شرح السنة (4141)، وأخرجه الترمذي بمعناه (2384)، وابن ماجه (4226). وإسناده ضعيف؛ لأن الصحيح أنه مرسل انظر: تحفة الأشراف (9/ 342) رقم (12311). وانظر: هداية الرواة (5/ 63).

بعض أهل العلم هذا الحديث، فقال: إنما معناه أن يُعجبه ثناء الناس عليه بالخير، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنتم شهداء الله في الأرض"، فيعجبه ثناء الناس بهذا، وأما إذا أعجبه ليعلم الناس منه الخير ليكرم على ذلك، ويعظّم عليه فهو رياء، وقال بعض أهل العلم: إذا اطلع عليه فأعجبه رجاء أن يعمل بعمله فيكون له مثل أجرهم، فهذا له مذهب أيضًا، وروى الحديث ابن ماجه أيضًا في الزهد. 4242 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يخرج في آخر الزمان رجال يختلون الدنيا بالدين، يلبسون للناس جلود الضأن من اللّين، ألسنتهم أحلى من السّكر، وقلوبهم قلوب الذئاب، يقول الله: أبي يغترّون؟ أم علي يجترئون؟ فبي حلفت، لأبعثن على أولئك منهم فتنة، تدع الحليم فيهم حيران". قلت: رواه الترمذي في الزهد (¬1) بلفظ المصابيح، من حديث أبي هريرة وفي سنده: يحيى بن عبيد الله بن عبد الله بن موهب، قال الذهبي: ضعفوه، وقال أحمد في أبيه: أحاديثه مناكير. قوله - صلى الله عليه وسلم -: يختلون الدنيا بالدين، الختل: الخداع، وهو أن يعمل الرجل عملًا وفي نيته بعمله أن يخدع الناس، ومعنى: أبي يغترون؟ بإمهالي يغترون. 4243 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تبارك وتعالى قال: لقد خلقت خلقًا ألسنتهم أحلى من السكر، وقلوبهم أمر من الصبر، فبي حلفت، لأتيحنهم فتنة تدع الحليم فيهم حيران، أفبي يغترون؟ أم علي يجترئون؟ ". (غريب). قلت: رواه الترمذي في الزهد عن أحمد بن سعيد الدارمي عن محمَّد بن عباد عن حاتم بن إسماعيل عن حمزة بن أبي محمَّد عن ابن دينار عن ابن عمر، وقال: حسن غريب ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2404) وإسناده ضعيف جدًّا. ويحيى بن عبيد الله بن عبد الله بن موهب، قال الحافظ: متروك، وأفحش الحاكم فرماه بالوضع، انظر: التقريب (7649)، أما أبوه: عبيد الله بن عبد الله بن موهب فقال عنه الحافظ: مقبول. انظر: التقريب (4340).

من حديث ابن عمر لا نعرفه إلا من هذا الوجه. (¬1) قال ابن الأثير (¬2): يقال: أتاح الله بفلان كذا: أي قدّره له وأنزله به، والإتاحة: التقدير. 4244 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن لكل شيء شِرّة، ولكل شرة فترة، فإن صاحبها سدد وقارب، فارجوه، وإن أشير إليه بالأصابع، فلا تعُدّوه". قلت: رواه الترمذي في الزهد وقال: حديث حسن صحيح غريب (¬3) من هذا الوجه، قال ابن الأثير (¬4): الشرة النشاط والرغبة، ومنه الحديث: "إن لهذا القرآن شرة"، قال الجوهري (¬5): وشرة الشباب: حرصه ونشاطه، وضبطها بكسر الشين المعجمة وبالراء المهملة، وإن: حرف شرط، جوابه: فارجوه، وصاحبها فاعل لفعل دل عليه ما بعده، كما هو في قوله تعالى: {وإن أحدٌ من المشركين استجارك} ومعنى ذلك أن من كان مستقيمًا متوسطًا في العمل من غير غلو ولا تقصير، وسدد: أي جعل عمله متوسطًا، وقارب: أي دنا من الاستواء والاستقامة، فارجوه: أي كونوا منه على رجاء الخير، ومن بالغ في العمل وأتعب نفسه، وأشير إليه بالأصابع فلا تعدوه صالحًا، فإنه لا قدرة له على المداومة لحصول الملل وافتتانه بإشارة الناس إليه بالأصابع. 4245 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "بحسب ابن آدم من الشر أن يشار إليه بالأصابع في دين أو دنيا إلا من عصمه الله". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2405) وإسناده ضعيف، فيه: حمزة بن أبي محمَّد وهو ضعيف كما قال الحافظ في "التقريب" (1541). (¬2) انظر: النهاية (1/ 202). (¬3) أخرجه الترمذي (2453) وإسناده جيد. انظر: الصحيحة (2850). (¬4) انظر: النهاية (2/ 458). (¬5) انظر: الصحاح للجوهري (2/ 695).

باب البكاء والخوف

قلت: رواه الترمذي تلو الحديث الذي قبله منقطعًا (¬1) فقال: وقد روي عن أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .. وساقه بلفظه. باب البكاء والخوف من الصحاح 4246 - قال أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم -: "والذين نفسي بيده لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرًا ولضحكتم قليلًا". قلت: رواه البخاري في الأيمان من حديث: هشام بن يوسف، عن معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، وأخرجه البخاري أيضًا في التفسير وفي الرقائق وفي الاعتصام، ومسلم في فضائل النبي - صلى الله عليه وسلم - والترمذي في التفسير والنسائي في الرقائق أربعتهم من حديث موسى ابن أنس عن أبيه أنس بن مالكٍ. (¬2) 4247 - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "والله لا أدري -وأنا رسول الله- ما يفعل بي ولا بكم؟ ". قلت: رواه البخاري في الشهادات مطولًا (¬3) من حديث أم العلاء وقد تقدم التنبيه عليه في باب الرؤيا، وأن مسلمًا لم يخرجه، ولا خرج عن أم العلاء الأنصارية شيئًا. 4248 - قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عرضت علي النار، فرأيت فيها امرأة من بني إسرائيل تعذب في هرة لها، ربطتها فلم تُطعمها, ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض، ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2453) وإسناده ضعيف قال المناوي في "فيض القدير" (3/ 196) رواية أنس فيه يوسف بن يعقوب وابن لهيعة وهما ضعيفان. وانظر: الضعيفة (1670). (¬2) أخرجه البخاري (4621)، وفي الرقائق (6485)، في الأيمان (6637)، ومسلم (2359)، والترمذي (3056)، والنسائي في الكبرى (تحفة الأشراف (1608). (¬3) أخرجه البخاري (2687).

حتى ماتت جوعًا، ورأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار، وكان أول من سيّب السوائب". قلت: رواه مسلم (¬1) في الصلاة في حديث طويل يتضمن صلاة الكسوف من حديث جابر بن عبد الله ولم يخرجه البخاري من حديث جابر، وروى هو ومسلم حديث الهرة من رواية ابن عمر وأبي هريرة، وليس في رواية ابن عمر وأبي هريرة ذكر بني إسرائيل، ورويا حديث عمرو بن عامر من حديث أبي هريرة. قوله - صلى الله عليه وسلم -: فرأيت امرأة تعذب في هرة، أي بسبب هرة. قوله - صلى الله عليه وسلم -: تأكل من خشاش الأرض، بفتح الخاء المعجمة وهي هوامها وحشراتها، وحكى بعضهم فتح الخاء وضمها وكسرها والفتح هو المشهور. قوله - صلى الله عليه وسلم -: يجر قصبه في النار، هو بضم القاف وإسكان الصاد المهملة، المعى وجمعه: أقصاب، وقيل: القصب اسم للأمعاء كلها، وقيل: هو مكان أسفل البطن من المعى. وعمرو بن عامر أول من سيب السوائب وحمل أهلها على التقرب بها، فكان الرجل إذا بدر لقدوم من سفر أو برىء من مرض أو غير ذلك، قال: ناقتي سائبة فلا تمنع من ماء ولا مرعى، ولا تحلب ولا تركب، وأصله من تسييب الدواب: وهو إرسالها، تذهب وتجيء كيف شاءت، وهي التي نهى الله تعالى عنها، في قوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ} والسائبة أم البحيرة وكانوا إذا تابعت الناقة بين عشر إناث لم يركب ظهرها, ولم يجز صوفها ولم يحلبها، إلا لضيف، وتركوها مسيبة لسبيلها، وسموها سائبه فما ولدت بعد ذلك من أنثى شقوا أذنها، وخلوا سبيلها وحرم منها ما حرم من أمها وسموها بحيرة. 4249 - "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها يومًا فزعًا يقول: لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب! فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه"، وحلّق بإصبعَيه الإبهام ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3318، 3482) (3521)، ومسلم (2243، 2856).

والتي تليها، قالت زينب: فقلت: يا رسول الله أفنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم إذا كثر الخبث". قلت: رواه البخاري في أحاديث الأنبياء وفي الفتن وفي علامات النبوة ومسلم والترمذي وابن ماجه ثلاثتهم في الفتن والنسائي في التفسير كلهم من حديث زينب بنت جحش (¬1). 4250 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليكونن في أمتي أقوام: يستحلون الحِر والحرير، والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علَم، يروح عليهم سارحة لهم، يأتيهم رجل لحاجة، فيقولون: ارجع إلينا غدًا، فيبيتهم الله، ويضع العَلَم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة". قلت: هذا الحديث رواه البخاري تعليقًا في الأشربة (¬2) فقال: وقال هشام ابن عمار: حدثنا صدقه بن خالد، قال: حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: حدثنا عطية بن قيس، قال: حدثني عبد الرحمن بن غنم، قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري فذكره كذا، ورواه البخاري تعليقًا بالشك في الصحابي ولا يضرك الشك فيه، كذا قاله الحميدي (¬3) وعبد الحق، وهشام بن عمار شيخ البخاري، وقد قدمنا أن النووي وغيره قال: إن مثل هذا مسند وليس بمعلق، ورواه أبو داود في اللباس عن عبد الوهاب بن نجدة عن بشير بن بكر عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بإسناد نحوه بالشك في الصحابي كالبخاري وذكر معناه. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (7059)، ومسلم (2880)، والترمذي (2187)، وابن ماجه (3953)، والنسائي (11270). (¬2) أخرجه البخاري (5590). (¬3) انظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (3/ 466) رقم (3009).

والحر: قال الحافظ أبو موسى (¬1) هو بتخفيف الراء وهو: الفرج، وأصله حِرْحٌ بكسر الحاء وسكون الراء المهملتين قال بعض الشارحين: يريد والله أعلم أنهم يستحلون الفروج بالأنكحة الفاسدة وبالزنا. قال بعضهم: وقد صحف هذا اللفظ في المصابيح وكذلك صحفه بعض الرواة فجعلوه بالخاء والزاي المعجمتين. قال: والخز: لم يحرم وفي الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب وعلى رأسه عمامة من خز. وقال ابن الأثير (¬2) بعد أن نقل كلام الحافظ أبي موسى: المشهور في رواية هذا الحديث على اختلاف طرقه: "يستحلون الخز" بالخاء المعجمة والزاي، وهو ضرب من ثياب الإبريسم معروف، وكذا جاء في البخاري وأبي داود، ولعله حديث آخر، كما ذكره أبو موسى، وهو عارف بما روى وشرح، فلا يُتهم، انتهى كلام ابن الأثير. والمعازف: الدفوف وغيرها مما يضرب، والعلم: الجبل، والسارحة: الماشية. قال في النهاية (¬3) يقال: راح القوم إذا ساروا أيّ وقت كان. ويبيتهم الله: أي يهلكهم بعذاب يصيبهم بالليل ويضع الجبل عليهم. 4251 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أنزل الله بقوم عذابًا، أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بُعثوا على أعمالهم". قلت: رواه البخاري في الفتن ومسلم في صفة النار كلاهما من حديث حمزة بن عبد الله عن أبيه. (¬4) ¬

_ (¬1) انظر: المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث لأبي موسى المديني (1/ 422). (¬2) انظر: النهاية (1/ 366). (¬3) النهاية (2/ 273). (¬4) أخرجه البخاري (7108)، ومسلم (4879).

من الحسان

4252 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يبعث كل عبد على ما مات عليه". قلت: رواه مسلم في صفة النار وابن ماجه في الزهد كلاهما من حديث أبي سفيان عن جابر ولم يخرجه البخاري. (¬1) من الحسان 4253 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما رأيت مثل النار نام هاربها, ولا مثل الجنة نام طالبها". قلت: رواه الترمذي في صفة جهنم من حديث يحيى بن عبيد الله قال: سمعت أبي يقول سمعت أبا هريرة وذكره، قال الترمذي: إنما نعرفه من حديث يحيى، ويحيى: ضعيف عند أكثر أهل الحديث، تكلم فيه شعبة انتهى. (¬2) 4254 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يلج النار من بكى من خشية الله، حتى يعود اللبن في الضرع". قلت: رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه كلهم في الجهاد (¬3) من حديث أبي هريرة وقال الترمذي: حسن صحيح، وتمام الحديث: "ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم"، والضرع: بفتح الضاد المعجمة وسكون الراء لكل ذات خف أو ظلف. 4255 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطّت السماء وحُقّ لها أن تئط، والذي نفسي بيده، ما فيها موضع أربع أصابع، إلا وملك واضع ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2878)، وابن ماجه (4230). (¬2) أخرجه الترمذي (2601)، وإسناده ضعيف جدًّا وضعفه الحافظ المنذري. وقال الشيخ الألباني -رحمه الله-: لكني وجدت له شاهدين يقوّي أحدهما الآخر. انظرهما في الصحيحة (953)، وانظر كذلك مجمع الزوائد (10/ 230) ففيه: أن هذا الحديث ضعيف من رواية أبي هريرة، لكنه حَسَن من رواية أنس عند الطبراني في الأوسط. (¬3) أخرجه الترمذي (1633) (2311)، والنسائي (6/ 12)، وابن ماجه (2774).

جبهته ساجدًا لله، والله لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا، وما تلذذتم بالنساء على الفرشات، ولخرجتم إلى الصُّعُدات تجأرون إلى الله". قال أبو ذر: يا ليتني كنت شجرة تعضد. قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في الزهد من حديث أبي ذر (¬1) وقال الترمذي: حسن غريب، قال: ويروى عن أبي ذر موقوفًا انتهى كلامه، وليس في سنده إلا من روى له الشيخان أو أحدهما. وأطت: بالطاء المهملة المشددة، صوتت. والأطيط: صوت الأقتاب، وأطيط الإبل: أصواتها، وحنينها، والصعدات: بضمتين جمع صعد بضمتين أيضًا، وصعد جمع صعيد وهو الطريق مأخوذ من الصعيد وهو التراب كطريق وطرق وطرقات. وتجأرون: ترفعون أصواتكم بالاستغاثة. 4256 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة". قلت: رواه الترمذي في الزهد من حديث أبي هريرة (¬2) وقال: حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث أبي النضر، وفي سنده يزيد بن سنان ضعفه أحمد وابن الأثير وابن المديني. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2312)، وابن ماجه (4190) وإسناده ضعيف، وقال الشيخ الألباني - رحمه الله - إسناده ضعيف، لكنه صحح غير جملتين، أولاهما: جملة التلذذ بالنساء، والأخرى: الزيادة التي في آخره، فإن الصواب أنها مدرجة، وانظر الحديث في الصحيحة (1722)، والضعيفة (1780)، وهداية الرواة (5/ 72). (¬2) أخرجه الترمذي (2450) وفي إسناده أبو فروة يزيد بن سنان ومن طريقه أخرجه الحاكم (4/ 307) وصححه، ووافقه الذهبي, وله شاهد حسن راجع السلسلة الصحيحة (954). ويزيد بن سنان: قال الحافظ: ضعيف، وانظر أقوال العلماء فيه: في تهذيب الكمال (32/ 156 - 158) رقم (7001)، والتقريب (7778).

قوله: أدلج، قال ابن الأثير (¬1): يقال: أدلج بالتخفيف إذا سار من أول الليل، وادّلج -بالتشديد- إذا سار من آخره، ومنهم من يجعل الإدلاج للّيل كله وقد تقدم. 4257 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يقول الله عَزَّ وَجَلَّ أخرجوا من النار من ذكرني يومًا، أو خافني في مقام". قلت: رواه الترمذي في صفة جهنم من حديث أنس بسند جيد، فيه: مبارك ابن فضالة ضعفه النسائي ووثقه غيره. (¬2) 4258 - قالت: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: "لا يا ابنة الصديق! ولكنهم الذين يصومون، ويصلون، ويتصدقون، وهم يخافون أن لا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات". قلت: رواه الترمذي في التفسير وابن ماجه في الزهد من حديث عبد الرحمن بن سعيد بن وهب عن عائشة، قال بعضهم: عبد الرحمن لم يدرك عائشة، قال الترمذي: وروي هذا الحديث عن عبد الرحمن بن سعيد عن أبي حازم عن أبي هريرة انتهى، فإن كان عبد الرحمن فالحديث منقطع، ولما وصله الترمذي علقه والله أعلم. (¬3) 4259 - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ذهب ثلثا الليل، قام فقال: "يا أيها الناس اذكروا الله، جاءت الراجفة، تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه". ¬

_ (¬1) انظر: النهاية (2/ 129). (¬2) أخرجه الترمذي (2594). وإسناده ضعيف، المبارك بن فضالة صدوق يدلس ويسوّى، التقريب (6506). وقد عنعن، وقد صرح بالتحديث عند الحاكم (1/ 70) فصححه، ووافقه الذهبي، لكن في الطريق إليه: مؤمل بن إسماعيل وهو صدوق سيء الحفظ، التقريب (7078). (¬3) أخرجه الترمذي (3175)، وابن ماجه (4198). وإسناده ضعيف، لانقطاعه، عبد الرحمن بن سعيد بن وهب لم يدرك عائشة فيما قال أبو حاتم ونقله عنه ابنه في المراسيل (ص 127).

قلت: رواه الترمذي في الزهد من حديث أبي بن كعب مطولًا (¬1) وتمامه قال: إني قلت يا رسول الله: إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: "ما شئت". قلت: الربع، قال: "ما شئت فإن زدت فهو خير لك". قلت: النصف، قال: "ما شئت فإن زدت فهو خير" قال: أجعل لك صلاتي كلها قال: "إذًا تكفى همّك، ويغفر لك ذنبك"، وقال: حسن. وفي سنده: عبد الله بن عقيل وهو حسن الحديث احتج به أحمد وإسحاق وقال ابن خزيمة: لا أحتج به، وقال أبو حاتم وغيره: لين الحديث (¬2). 4260 - قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصلاة فرأى الناس كأنهم يكتشرون فقال: "أما إنكم لو أكثرتم ذكر هادم اللذات، لشغلكم عما أرى الموت، فأكثروا ذكر هاذم اللذات: الموت، فإنه لم يأت على القبر يوم، إلا تكلم فيقول: أنا بيت الغربة، وأنا بيت الوحدة، وأنا بيت التراب، وأنا بيت الدود، وإذا دفن العبد المؤمن، قال له القبر: مرحبًا وأهلًا، أما إن كنت لأحبّ من يمشي على ظهري إلي، فإذ وليتك اليوم، وصرت إلي، فسترى صنيعي بك، قال: فيتسع له مدّ بصره، ويفتح له باب إلى الجنة، وإذا دفن العبد الفاجر أو الكافر، قال له القبر: لا مرحبًا ولا أهلًا، أما إن كنت لأبغض من يمشي على ظهري إلي، فإذا وليتك اليوم، وصرت إلي، فسترى صنيعي بك، قال: فيلتئم عليه، حتى تختلف أضلاعه". قال: وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأصابعه فأدخل بعضها في جوف بعض، قال: "ويقيّض له سبعون تنينًا لو أن واحدًا منها نفخ في الأرض، ما أنبتت شيئًا ما بقيت الدنيا، فينهشنه ويخدشنه، حتى يُفضى به إلى الحساب". قلت: رواه الترمذي في الزهد من حديث القاسم بن الحكم عن عبيد الله بن الوليد عن عطية بن أبي سعيد وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه انتهى كلامه. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2457) وإسناده حسن. انظر الصحيحة (954). (¬2) وقال الحافظ: صدوق، التقريب (3505). (¬3) أخرجه الترمذي (2460) وإسناده ضعيف.

والقاسم بن الحكم: لا يحتج به، ووثقه غير واحد، وقال أبو زرعة. صدوق. وعبيد الله بن الوليد: قال أبو زرعة والدارقطني وغيرهما: ضعيف، قال ابن حبان: استحق الترك، وقال النسائي: متروك، وعطية بن سعد العوفي: تابعي شهير قال أحمد: ضعيف، قال: وبلغني أنه كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير قال: ويكتبه بأبي سعيد فيقول: قال أبو سعيد، قال الذهبي: يعني يوهم أنه الخدري، وقد ضعفوه (¬1). ويكشرون: هو بالشين المعجمة، قال ابن الأثير (¬2): الكشر ظهور الأسنان للضحك وكاشره إذا ضحك في وجهك. 4261 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النيران". قلت: رواه الترمذي في الزهد وهو بقية الحديث الذي قبله المتضمن لكلام القبر للمؤمن والفاجر. (¬3) 4262 - قالوا: يا رسول الله قد شِبْت؟ قال: "شيبتني هود وأخواتها"، وفي رواية: "شيبتني هود، والواقعة، والمرسلات، (وعم يتساءلون)، و (إذا الشمس كورت) ". قلت: رواه الترمذي في الشمائل من حديث ¬

_ (¬1) القاسم بن الحكم العرني قال الحافظ: صدوق فيه لين من التاسعة، التقريب (5490)، وعبيد الله بن الوليد الوصّافي، أبو إسماعيل العجلي، ضعيف، التقريب (4381)، أما عطية بن سعد بن جُنادة العوفي فهو صدوق يخطيء كثيرًا، وكان شيعيًّا مدلّسًا. التقريب (4649)، وانظر: الكاشف (2/ 27) رقم (3820)، وميزان الاعتدال (3/ رقم 5667)، والمغني (2/ رقم 4139). (¬2) انظر: النهاية (4/ 176). (¬3) أخرجه الترمذي (2460) وإسناده ضعيف.

باب تغير الناس

أبي جحيفة (¬1) واسمه: وهب ابن عبد الله السوائي، وفي سنده: سفيان بن وكيع قال الذهبي: ضعيف. ومعنى الحديث: أن اهتمامي بما في هذه السور من أهوال يوم القيامة، وأحوالها والوقائع النازلة بالأمم استعجلت شيبي قبل أوانه. باب تغير الناس من الصحاح 4263 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة". قلت: رواه البخاري في الرقائق ومسلم في الفضائل والترمذي في الأمثال كلهم من حديث الزهريّ عن سالم بن عمر واللفظ للبخاري. (¬2) قال في شرح السنة (¬3): العرب تقول للمائة من الإبل: الإبل، يقال: لفلان إبل، أي: مائة منها، وإبلان إذا بلغت إلى مائتين، ومعناه: أن الناس كمائة من الإبل حمولة لا تجد فيها ذلولًا لا تصلح للركوب، وقال ابن قتيبة: النجيبة: المختارة من الإبل للركوب وغيره، فهي كاملة الأوصاف، وإذا كانت في إبل عرفت، قال: ومعنى الحديث أن الناس متساوون ليس لأحد منهم فضل في النسب بل هم أشباه كإبل المائة. وقال الأزهري (¬4): الراحلة عند العرب الجمل النجيب، والراحلة النجيبة، قال: والهاء فيها للمبالغة، كما يقال: رجل داهية ونسابة، قال: والمعنى الذي ذكره ابن قتيبة ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في الشمائل (41). وإسناده ضعيف؛ لأن فيه سفيان بن وكيع قال فيه الحافظ: كان صدوقًا إلا أنه ابتكى بورّاقه فأدخل عليه ما ليس من حديثه فنُصح فلم يقبل فسقط حديثه، التقريب (2469)، وقول الذهبي في الكاشف (1/ 449) إلا أنه يصح بحديث ابن عباس عند الترمذي (3293). وانظر: الصحيحة (955). (¬2) أخرجه البخاري (6498)، ومسلم (2547)، والترمذي (2872). (¬3) شرح السنة (14/ 392). (¬4) انظر: تهذيب اللغة للأزهري (5/ 5 - 6).

باطل، بل معنى الحديث: أن الزاهد في الدنيا الكامل في الزهد فيها، والرغبة في الآخرة قليل جدًّا كقلة الراحلة في الإبل. قال النووي (¬1) وكلامه أجود من كلام ابن قتيبة، وأجود منهما قول آخرين: إن المعنى أن المرضي الأحوال من الناس الكامل الأوصاف، قليل فيهم جدًّا كقلة الراحلة في الإبل، قالوا: والراحلة هي البعير الكامل الأوصاف، الحسن المنظر، القوي على الأعمال والأسفار، وسميت راحلة لأنها يترحل أي يجعل عليها الرجل فهي فاعلة بمعنى مفعولة كعيشة راضية بمعنى مرضية انتهى كلام النووي (¬2). 4264 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لتتبعن سنن من قبلكم: شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم"، قيل يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: "فمن". قلت: رواه الشيخان البخاري في ذكر بني إسرائيل وفي الاعتصام ومسلم في العلم كلاهما من حديث عطاء بن يسار عن أبي سعيد به. (¬3) والسنن: بفتح السين والنون، وهو الطريق، والمراد بالشبر والذراع وبُحجر الضب: التمثيل بشدة الموافقة لهم، والمراد الموافقة في المعاصي والمخالفات، لا في الكفر، وفي هذا معجزة ظاهرة له - صلى الله عليه وسلم -، فقد وقع ما أخبر به - صلى الله عليه وسلم -. 4265 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يذهب الصالحون: الأول فالأول، وتبقى حثالة كحثالة الشعير أو التمر، لا يباليهم الله بالة". ¬

_ (¬1) المنهاج (16/ 152). (¬2) انظر: فتح الباري (11/ 335). (¬3) أخرجه البخاري (7320)، ومسلم (2669).

من الحسان

قلت: رواه البخاري في المغازي وفي الرقائق من حديث مرداس قال البخاري: يقال: حثالة وحفالة، وليس لمرداس عند البخاري غير هذا الحديث ولا خرج له مسلم شيئًا ولا أصحاب السنن الأربعة. (¬1) قوله: يذهب الصالحون الأول فالأول قال بعض الشارحين: هو بضم الهمزة وفتح الواو على وزن صرد. قوله: ثم تبقى حثالة كحثالة الشعير والتمر، قال في النهاية (¬2): هو الرديء من كل شيء. قال في شرح السنة (¬3): ومنه الحفالة، قال: والفاء والتاء يتعاقبان كقولهم ثوم وفوم. قوله: لا يباليهم الله بالة: أي لا يرفع لهم قدرًا ولا يقيم لهم وزنًا، وأصل بالة بالية، مثل عافاه الله عافية، وحذفوا الياء منها تخفيفًا، يقال: ما باليتُه وما باليتُ به، أي لم أكثرثْ به، قاله في النهاية (¬4). من الحسان 4266 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا مشت أمتي المطيطياء وخدمتهم أبناء الملوك -أبناء فارس والروم- سلّط الله شرارها على خيارها". (غريب). قلت: رواه الترمذي في الفتن عن موسى بن عبد الرحمن المسروفي عن زيد بن الحباب عن موسى بن عبيدة عن ابن دينار عن ابن عمرو عن محمَّد بن إسماعيل الواسطي عن أبي معاوية عن يحيى ابن سعيد الأنصاري عن ابن دينار نحوه، قال الترمذي: ولا يعرف ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4156) (6434). (¬2) انظر: النهاية (1/ 339). (¬3) شرح السنة (14/ 393). (¬4) النهاية (1/ 156).

لحديث أبي معاوية عن يحيى. أصل، إنما المعروف حديث موسى، وهو غريب انتهى. (¬1) وموسى بن عبيدة: قال الذهبي: ضعفوه، وقد روى مالك عن يحيى بن سعيد هذا الحديث مرسلًا. (¬2) قوله: المطيطياء، قال الجوهري (¬3): هو بضم الميم ممدودة التبختر ومد اليدين في المشي قال: وفي الحديث: إذا مشت أمتي المطيطياء إلى آخره. قال في الفائق: هي ممدودة ومقصورة بمعنى التمطي وهو التبختر ومد اليدين. (¬4) 4267 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقوم الساعة حتى تقتلوا إمامكم، وتجتلدوا بأسيافكم، ويرث دنياكم شراركم". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في الفتن بسند جيد، من حديث حذيفة. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2261)، وصححه الشيخ الألباني -رحمه الله- في الصحيحة (956). (¬2) أخرجه الترمذي (2261)، وإسناده ضعيف. وموسى بن عبيدة قال الحافظ: ضعيف ولا سيما في عبد الله بن دينار، وكان عابدًا، التقريب (7038) وقول الذهبي في الكاشف (2/ 306)، وقال الترمذي في جامعه (1167): وموسى بن عبيدة يضعّف في الحديث من قبل حفظه، وهو صدوق، وقوله رحمه الله رواه مالك فإنني لم أجده في الموطأ ولا أورده ابن عبد البر في "مراسيل يحيى بن سعيد" من التمهيد (24/ 9 - 119). وذكره البيهقي في الدلائل (6/ 525) مرسلًا. وأخرجه ابن حبان (6716) من رواية خولة بنت قيس. (¬3) انظر: الصحاح للجوهري (3/ 1160 - 1161). (¬4) الفائق (3/ 371). وانظر: شرح السنة (14/ 395). (¬5) أخرجه الترمذي (2170)، وابن ماجه (4043) وإسناده ضعيف، فيه: عبد الله بن عبد الرحمن الأشهلي تفرد بالرواية عنه عمرو بن أبي عمرو وهو مولى المطلب ولم يؤثر توثيقه عن غير ابن حبان وقال ابن معين: لا أعرفه، أي أن فيه جهالة. وقال الحافظ: مقبول، من الثالثة، انظر: التقريب (3464).

4268 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقوم الساعة، حتى يكون أسعد الناس في الدنيا لكع بن لكع". قلت: رواه الترمذي في الفتن بسند الحديث الذي قبله. (¬1) قال الزمخشري (¬2): اللكع: اللئيم، وقيل: الصغير, ومنه جاء - صلى الله عليه وسلم - يطلب الحسن بن علي كرم الله وجههما فقال: أثمّ لُكَع أثم لُكع؟. 4269 - أنه قال: إنا لجلوس مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد، فاطلع علينا مصعب بن عمير، ما عليه إلا بردة له مرقوعة بفرو، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بكى للذي كان فيه من النعمة، والذي هو فيه اليوم، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كيف بكم إذا غدا أحدكم في حلة، وراح في حلة، ووضعت بين يديه صحفة ورفعت أخرى، وسترتم بيوتكم كما تستر الكعبة؟ " فقالوا: يا رسول الله نحن يومئذ خير منا اليوم، نتفرغ للعبادة ونُكفى المؤنة؟ قال: "لا، بل أنتم اليوم خير منكم يومئذ". قلت: رواه الترمذي في الزهد من حديث علي بن أبي طالب وقال: حديث حسن غريب انتهى، وفي سنده: رجل مجهول. (¬3) ومصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار كان من فضلاء الصحابة هاجر إلى الحبشة في أول من هاجر إليها ثم شهد بدرًا وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه إلى المدينة قبل الهجرة يقرئهم القرآن، ويفقههم في الدين، فكان سمي القارئ والمقرئ، ويقال: إنه أول من جمع الجمعة بالمدينة قبل الهجرة، وكان فتى مكة شبابًا وجمالًا، وكان أبواه يحبانه، وكانت أمه تكسوه أحسن ما يكون من الثياب، وكان أعطر أهل مكة، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكره فيقول: "ما رأيت بمكة أحسن لمة ولا أرق حلة ولا أنعم نعمة من مصعب بن ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2209) وإسناده إسناد الذي قبله. (¬2) انظر: الفائق للزمخشري (3/ 329). (¬3) أخرجه الترمذي (2476) وإسناده فيه جهالة ظاهرة وله شواهد في زهد هناد (2/ 389). فهو بها حسن، انظر: الصحيحة (2384).

عمير"، فبلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يدعو إلى الإِسلام في دار الأرقم، فدخل فأسلم وكتم إسلامه خوفًا من أمه وقومه، وكان يختلف إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 4270 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يأتي على الناس زمان، الصابر فيهم على دينه، كالقابض على الجمر". (غريب). قلت: رواه الترمذي في الفتن من حديث علي بن زيد بن جدعان عن أنس (¬2) وقال: غريب من هذا الوجه انتهى، وفي سنده: عمر بن شاكر، لم يرويه من أصحاب الكتب الستة غير الترمذي، وضعفه أبو حاتم وغيره، وأدخله ابن حبان في كتاب الثقات فنقم عليه ذلك، وقال ابن عدي: له نسخة نحو من عشرين حديثًا غير محفوظة وذكر منها هذا الحديث. 4271 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان أمراؤكم خياركم، وأغنياؤكم أسخياءكم، وأموركم شورى بينكم: فظهر الأرض خير لكم من بطنها، وإذا كان أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاءكم، وأموركم إلى نسائكم: فبطن الأرض خير لكم من ظهرها". (غريب). قلت: رواه الترمذي في الفتن، وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث صالح المري، وصالح المري في حديثه غرائب لا يتابع عليها، وهو رجل صالح انتهى كلام الترمذي، قال الذهبي: صالح المري: ضعفوه، وقال أبو داود: لا يكتب حديثه. (¬3) ¬

_ (¬1) انظر: الاستيعاب لابن عبد البر (4/ 1473 - 1475). (¬2) أخرجه الترمذي (2260) وله شواهد يرتقي بها إلى درجة الصحة كما في السلسلة الصحيحة (957). وهداية الرواة (5/ 80)، وقال فيه الحافظ: وهو ثلاثي له، ليس عنده ثلاثي غيره، وعلي بن زيد بن جدعان، ضعيف، كما في التقريب (4768)، وعمر بن شاكر كذلك ضعيف انظر التقريب (4951)، والكامل لابن عدي (5/ 1711)، وثقات ابن حبان (5/ 151). (¬3) أخرجه الترمذي (2266) وإسناده ضعيف. وقال الحافظ: صالح بن بشير بن وادع البصري: القاضي الزاهد، ضعيف، انظر. التقريب (2861). وفيه علة أخرى، اختلاط الجريري، ويبدو أن صالحًا هذا =

4272 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يوشك الأمم أن تتداعى عليكم، كما تتداعى الآكلة إلى قصعتها". فقال قائل: ومن قلة بنا نحن يومئذ؟ قال: "بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن"، قال قائل: يا رسول الله! وما الوهن؟ قال: "حب الدنيا، وكراهية الموت". قلت: رواه أبو داود في الفتن من حديث أبي عبد السلام عن ثوبان، قال المنذري: وأبو عبد السلام هذا هو صالح بن رستم الهاشمي مولاهم الدمشقي، سئل عنه أبو حاتم الرازي فقال: مجهول لا نعرفه. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: يوشك الأمم أن تتداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قال في النهاية (¬2): أي اجتمعوا ودعا بعضهم بعضا، قال بعضهم: أراد - صلى الله عليه وسلم - بالأمم أمم الضلالة، يريد أن فرق الكفر يوشك أن يتداعى بعضهم بعضًا عليكم ليقاتلوكم ويكسروا شوكتكم، كما تتداعى الفئة الآكلة بعضهم بعضًا إلى قصعتهم التي يتناولونها، من غير مانع ومنازع، قال: والرواية في الآكلة بالمد على نعت الفئة الآكلة أو الجماعة. والغثاء: قال في النهاية (¬3): هو بضم الغين المعجمة وبالثاء الثلثة وبالمد ما يجيء فوق السيل مما يحمله من الزبد والوسخ وغيره. ¬

_ = سمع منه بعد الاختلاط. وانظر قول الذهبي في المرّي في الكاشف (1/ 493) رقم (2326)، وذكر قول أبي داود هذا أيضًا. (¬1) أخرجه أبو داود (4297) وصالح بن رستم، أبو عبد السلام قال الحافظ: مجهول، انظر التقريب (2876). وانظر: الجرح والتعديل (6/ 409)، وقول المنذري في تهذيب سنن أبي داود له (6/ 165). وأخرجه أحمد (5/ 278). (¬2) انظر: النهاية (2/ 120)، وانظر: شرح السنة (15/ 16). (¬3) انظر: النهاية (3/ 343).

باب فيه ذكر الإنذار والتعذير

باب فيه ذكر الإنذار والتعذير من الصحاح 4273 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذات يوم في خطبته: "ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم، مما علّمني يومي هذا: كل مال نحلته عبدا حلال، وإني خلفت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي، ما لم أنزل به سلطانا، وإن الله نظر إلى أهل الأرض، فمقتهم: عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب، وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتابًا لا يغسله الماء، تقرؤه نائمًا ويقظان، وإن الله أمرني أن أحرق قريشًا، فقلت: يا رب إذًا يَثْلِغوا رأسي فيدعوه خبزة؟، قال: استخرجهم كما أخرجوك، واغزهم نعزك، وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشًا نبعث خمسة مثله، وقاتل بمن أطاعك مَنْ عصاك". قلت: رواه مسلم في آخر الكتاب من حديث عياض بن حمار المجاشعي وقد تقدم الكلام عليه في باب الشفقة والرحمة على الخلق. (¬1) ونحلته: بالنون والحاء المهملة أي أعطيته، والنحلة: بالكسر العطية من غير عوض ولا استحقاق، وفي الكلام حذف أي: قال الله: كل مال أعطيته عبدًا من عبادي فهو له حلال، والمراد إنكار ما حرموا على أنفسهم من السائبة والوصيلة والبحيرة والحامي وغير ذلك، وإنها لم تصر حرامًا بتحريمهم. قوله تعالى: وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، أي: مسلمين، وقيل: طاهرين من المعاصي، وقيل: مستقيمين متهيئين لقبول الهداية، والمراد حين أخذ عليهم العهد في الذر، وقال: ألست بربكم قالوا بلى. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2865).

قوله تعالى: (وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم) هكذا هو عند أكثر رواة مسلم بالجيم، ورواه الحافظ أبو علي الغساني فاختالتهم بالخاء المعجمة، والأول أصح، وأوضح أي استخفوهم فذهبوا بهم وأزالوهم عما كانوا عليه، وجالوا معهم في الباطن، كذا فسره كثيرون، قيل: ومعناه بالخاء على رواية من رواه بها أي يحبسونهم ويصدونهم. قوله - صلى الله عليه وسلم -: فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب، المقت أشد البغض، والمراد بهذا المقت والبغض ما قبل البعثة، والمراد ببقايا أهل الكتاب الباقون على التمسك بدينهم الحق من غير تبديل. قوله تعالى: (إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك) معناه: لأمتحنك بما يظهر منك من قيامك بما أمرتك به من تبليغ الرسالة وغير ذلك من الجهاد في الله حق جهاده والصبر في الله وغير ذلك، وأبتلي بك من أرسلتك إليهم، فمنهم من يظهر إيمانه ويخلص في طاعاته، ومن يخالف فيتأبد بالعداوة والكفر، ومن ينافق، والمراد أن الله يمتحنهم ليصير ذلك واقعًا بارزًا، فإن الله تعالى إنما يعاقب العباد على ما وقع منهم لا على ما يعلمه قبل وقوعه، وإلا فهو تعالى عالم بجميع الأشياء قبل وقوعها، وهذا نحو قوله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ}، أي نعلمهم فاعلين ذلك متصفين به. قوله تعالى: لا يغسله الماء، معناه: محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب بل يبقى على عمر الأزمان، وقيل: معناه لا يبطل بالنسخ، وعبر بالغسل عن النسخ. وأما قوله تعالى: تقرؤه نائمًا ويقظان، أي يكون محفوظًا لك في حالتي النوم واليقظة، وقيل: تقرؤه في يسر وسهولة. قوله - صلى الله عليه وسلم -: رب إذًا يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة، هي بالثاء المثلثة أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز أي يكسر.

قوله تعالى: واغزهم نغزك، بضم النون أي نعينك يقال: غزيت فلانًا إذا جهزته للغزو وهيأت له أسبابه (¬1). قوله تعالى: وابعث جيشًا نبعث خمسة مثله، أي نبعث من الملائكة خمسة أمثالهم كما فعل يوم بدر. 4274 - قال: لما نزلت {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} صعد النبي - صلى الله عليه وسلم - الصفا، فجعل ينادي: "يا بني فهر! يا بني عدي! " لبطون قريش حتى اجتمعوا فقال: "أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلًا بالوادي تريد أن تغير عليكم كنتم مصدقي؟ " قالوا: نعم، ما جرّبنا عليك إلا صدقًا. قال: "فإني نذير لكم بين يدَيْ عذاب شديد، فقال أبو لهب: تبًّا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فنزلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} ". قلت: رواه البخاري في التفسير في سبأ ومسلم في الإيمان كلاهما من حديث ابن عباس. (¬2) قوله: تبًّا لك، التب: الهلاك ونصبه بعامل محذوف. 4275 - ويروى: "نادى: يا بني عبد مناف! إنما مثلي ومثلكم، كمثل رجل رأى العدوّ، فانطلق يَرْبأ أهله، فخشي أن يسبقوه، فجعل يهتف: يا صباحاه". قلت: هذه الرواية رواها مسلم في الإيمان من حديث قبيصة بن مخارق (¬3) وزهير بن عمر وقالا: لما نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} انطلق نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رضفة من جبل فعلا أعلاها حجرًا ثم نادى: يا بني عبد مناف .... الحديث، ولم يخرج ذلك البخاري ولا أخرج عن قبيصة ولا عن زهير في كتابه شيئًا. ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (17/ 287 - 289). (¬2) أخرجه البخاري (4770)، ومسلم (208). (¬3) أخرجه مسلم (207).

قوله - صلى الله عليه وسلم -: يربأ هو بفتح الياء آخر الحروف وسكون الراء المهملة وفتح الباء الموحدة والهمزة ومعنى يربأ يرأب، قال في النهاية (¬1) يقال: ربأت القوم وارتبأ بهم إذا ربئتهم أي تحفظهم من عدوهم، والاسم الربيئة وهو العين. والطليعة, ويا صباحاه: كلمة تستعمل للإنذار بأمر مخوف. 4276 - قال: لما نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - قريشًا فاجتمعوا، فعم وخص، فقال: "يا بني كعب بن لؤي، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مرة ابن كعب! أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف! أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم! أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب! أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة! أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لكم من الله شيئًا، غير أن لكم رحمًا سأبلها ببلالها". - وفي رواية: "يا معشر قريش! اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا بني عبد مناف! لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا عباس بن عبد المطلب! لا أغني عنك من الله شيئًا، ويا صفية عمة رسول الله! لا أغني عنك من الله شيئًا، ويا فاطمة بنت محمَّد! سليني ما شئت من مالي، لا أغني عنك من الله شيئًا". قلت: الحديث والرواية رواهما الشيخان: البخاري في تفسير سورة الشعراء، ولفظ الرواية له، ومسلم في الإيمان ولفظ الحديث له كلاهما من حديث أبي هريرة (¬2)، والبلال: جمع بلل، والعرب يطلقون النداوة على الصلة كما تطلق اليبس على القطيعة؛ لأنهم رأوا بعض الأشياء تتصل وتختلط بالندواة ويحصل بينها التجافي والتفريق باليبس، استعار البلل لمعنى الوصل واليبس لمعنى القطيعة. ¬

_ (¬1) النهاية (2/ 179)، والمنهاج للنووي (3/ 101). (¬2) أخرجه البخاري (4771)، ومسلم (204 - 206).

من الحسان

قوله - صلى الله عليه وسلم -: سليني ما شئت من مالي، يجوز أن تكون مالي مجرورًا بمن، ويجوز أن تكون ما موصولة مجرورة بمن والجار والمجرور صلته أي من الذي لي (¬1). من الحسان 4277 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمتي هذه أمة مرحومة، ليس عليها عذاب في الآخرة، عذابها في الدنيا: الفتن والزلازل والقتل". قلت: رواه أبو داود والحاكم في المستدرك كلاهما في الفتن من حديث أبي موسى وصححه الحاكم وأقره الذهبي في مختصر المستدرك على تصيححه (¬2) وفي ذلك نظر، فإن في سند أبي داود والحاكم المسعودي وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله ابن مسعود الهذلي الكوفي، واستشهد به البخاري وتكلم فيه غير واحد، وقال العقيلي تغير في آخر عمره، في حديثه اضطراب، وقال ابن حبان: اختلط حديثه فلم يميز واستحق الترك (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (3/ 98). (¬2) أخرجه أبو داود (4278)، والحاكم (4/ 444). والمسعودي وإن كان قد اختلط إلا أنه رواه عنه معاذ بن معاذ العنبري، عند الروياني في مسنده (1/ 334 رقم 505)، وقد اختلف فيه على أبي بردة فرواه عن أبي بردة عن أبي موسى سعيد بن أبي بردة كما عند أحمد (4/ 410) أيضًا. وكذلك معاوية بن إسحاق وذكر البخاري في التاريخ الكبير (1/ 38 - 39) طرق هذا الحديث وبين ما فيها من اضطراب وأضاف كذلك علة أخرى من كلامه أنه مخالف للأحاديث الصحيحة التي تكاد أن تكون متواترة بأن أناسًا من أمة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - يدخلو النار ثم يخرجون منها بشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم -. وانظر: السلسلة له الصحيحة (959). (¬3) عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة الكوفي المسعودي، قال الحافظ: صدوق، اختلط قبل موته، وضابطه: أن من سمع منه ببغداد فبعد الاختلاط. انظر: التقريب (3944). وانظر للتفصيل: تهذيب الكمال (17/ 219 - 227).

4278 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن هذا الأمر بدأ نبوة ورحمة، ثم يكون خلافة ورحمة، ثم ملكًا عضوضًا، ثم كائن جبرية وعتوًا وفسادًا في الأرض، يستحلون الحرير، والفروج، والخمور، يرزقون على ذلك، وينصرون، حتى يلقوا الله تعالى". قلت: لم أره في شيء من الكتب الستة ورواه البيهقي في شعب الإيمان والدارمي في الأشربة كلاهما من حديث أبي عبيدة، ولفظ الدارمي: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أول دينكم نبوة ورحمة، ثم ملكًا ورحمة، ثم ملكًا أعفر ثم ملك وجبروت يستحل فيها الخمر والحرير" وإسناده جيد. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: ثم يصير ملكًا عضوضًا، هو أن يصيب الرعية فيه عسف فكأنهم يعضون فيه عضًّا والعضوض من أبنية المبالغة. 4279 - قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن أول ما يُكفأ -قال الراوي يعني: الإِسلام-، كما يُكفأ الإناء -يعني: الخمر-"، فقيل: كيف يا رسول الله وقد بين الله فيها ما بين؟ قال: "يسمونها بغير اسمها فيستحلونها". قلت: رواه الدارمي في كتاب الأشربة عن زيد بن يحيى عن محمَّد بن راشد عن أبي وهب الكلاعي، واسمه: عبد الله، عن القاسم بن محمَّد عن عائشة قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث، ورجاله موثقون. (¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم -: أول ما يكفأ، أي يمال فيفرغ من قولهم: كفأت القدر إذا كببتها لتفرغ ما فيها. قوله: يعني الإِسلام، قال بعضهم هو نصب على نزع الخافض أي من الإسلام. قوله: الخمر، هو خبر إن، والمعنى: أن أول ما يغير من الإِسلام من الأشياء المحرمة تغييرًا سريعًا يشبه كفء الإناء بما فيه الخمر بأن يغيروا اسمها متأولين في تحليلها فيسمونها باسم النبيذ والمثلث. ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي في الشعب (5616)، والطيالسي (228)، والدارمي (2/ 114). انظر: الصحيحة (89). (¬2) أخرجه الدارمي (2/ 114). وانظر: الفتح (10/ 53)، وقال الشيخ الألباني - رحمه الله - إسناده حسن، انظر: الصحيحة (89).

كتاب الفتن

كتاب الفتن من الصحاح 4280 - قال: "قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقامًا، ما ترك شيئًا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة، إلا حدّث به: حفظه مَنْ حفظه، ونسيه مَنْ نسيه، قد علمه أصحابي هؤلاء، وإنّه ليكون منه الشيء قد نسيته، فأراه، فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه، ثم إذا رآه عرفه". قلت: رواه الشيخان وأبو داود ثلاثتهم في الفتن ولم يقل البخاري: "قد علمه أصحابي هؤلاء" وفي أبي داود: قد علمه أصحابه هؤلاء. (¬1) 4281 - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "تعرض الفتن على القلوب، كالحصير عودًا عودًا، فأي قلب أشربها، نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها، نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين، أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مُربادًا، كالكوز مجخيًّا، لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا، إلا ما أشرب من هواه". قلت: رواه مسلم في الإيمان بهذا اللفظ (¬2)، قال الإِمام عبد الحق: لم يخرج البخاري هذا اللفظ انتهى، وقد أخرج البخاري ومسلم أيضًا ما يقرب من هذا المعنى من حديث حذيفة أيضًا، ولذلك ذكر الحديث الذي يقرب من هذا المعنى الحميدي (¬3) في المتفق عليه ثم ذكر هذا الحديث، ثم قال: ما قدمناه عن حذيفة من الحديث المتفق عليه جاء بألفاظ أخر لا تتفق مع هذا، إلا في يسير فلذلك أفردنا هذا عن مسلم خاصة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6604)، ومسلم (2891)، وأبو داود (4240). (¬2) أخرجه مسلم (144). (¬3) انظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (1/ 289 رقم 416)، أما المتفق عليه فبرقم (389).

قلت: وبعض الحفاظ يجعل الحديثين في المتفق عليه، قال ابن الأثير (¬1): وهو أولى والأمر في ذلك قريب إن شاء الله. قال مسلم: قال أبو خالد: قلت: يا أبا مالك -هو سعيد بن طارق- ما أسود مربادًا؟ قال: شدة البياض في سواد، قلت: فما الكوز مجخيًّا؟ قال: منكوسًا (¬2). قوله - صلى الله عليه وسلم -: تعرض الفتن على القلوب عودًا عودًا، قال النووي (¬3): هذان الحرفان مما اختلف في ضبطهما على ثلاثة أوجه: أظهرها وأشهرها عودًا عودًا بضم العين وبالدال المهملة، والثاني: بفتح العين وبالدال المهملة أيضًا، والثالث: بفتح العين وبالذال المعجمة، واختار القاضي عياض الوجه الأول، وذكر عن شيوخه أنهم اختاروا الوجه الثاني. وقال في النهاية: الرواية بالفتح أي بفتح العين والدال أي مرة بعد مرة، قال: وروي: بالضم وهو واحد العيدان يعني ما ينسج به الحصير وروي: بالفتح مع الذال المعجمة كأنّه استعاذ من الفتن انتهى (¬4)، وأما عود بالرفع فهو على أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي كالحصير نسجها عود عود. قال القاضي (¬5): ومعنى تعرض: أنها تلصق بجانب القلوب، أي جانبها، كما يلصق الحصير بجنب النائم ويؤثر فيه شدة التصاقها به، قال: ومعنى عودًا عودًا: أي يعاد ويكرر شيئًا بعد شيء، ومن رواه بالذال المعجمة فمعناه: سؤال الاستعاذة منها، وقال ¬

_ (¬1) انظر: جامع الأصول (10/ 22) وذكر ابن الأثير كلام الحميدي هذا. (¬2) أخرجه مسلم برقم (144). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (2/ 226). (¬4) النهاية (3/ 318). (¬5) انظر: إكمال المعلم للقاضي (1/ 452).

بعضهم: معنى تعرض الفتنة على القلوب: تُظْهر على القلوب أي تظهر لها فتنة بعد أخرى. وقوله: كالحصير، أي كما ينسج الحصير عودًا عودًا، قال القاضي: وعلى هذا تترجح رواية ضم العين، وذلك أن ناسج الحصير عند العرب كلما صنع عودًا أخذ آخر، ونسجه، فشبه عرض الفتن على القلوب واحدة بعد أخرى بعرض قضبان الحصير على صانعها واحدًا بعد واحد. قال القاضي (¬1): وهذا معنى الحديث عندي وهو الذي يدل عليه سياق لفظه وصحة تشبيهه. قوله - صلى الله عليه وسلم -: فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، معنى أشربها دخلت فيه دخولًا تامًّا، وألزمها وحلت منه محل الشراب، ومنه قوله تعالى: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} أي: حب العجل، ومعنى نكت فيه نكتة: نقط فيه نقطة وهو بالتاء المثناة في آخره. ومعنى أنكرها: ردها. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض والآخر أسود مربادًا. قال عياض: ليس تشبيهه بالصفا بيانًا لبياضه لكن بصفة أخرى وهي شدته على عقد الإيمان وسلامته من الخلل، وأن الفتن لم تلصق به ولم تؤثر فيه كالصفا وهو الحجر الأملس الذي لا يعلق به شيء. وأما مربادًا: فكذا هو في الأصول، وهو منصوب على الحال، وذكر عياض (¬2) خلافًا في ضبطه، وأن منهم من ضبطه كذلك، ومنهم من رواه مربدّ مثل مسود ومحمر وكذا ذكره أبو عبيد والهروي (¬3) والدال مشددة على القولين، وقد فسره في الحديث. ¬

_ (¬1) انظر: المصدر السابق (1/ 453). (¬2) انظر: المصدر السابق (1/ 454). (¬3) انظر: الغريبين للهروي (2/ 380 - 381).

وأما قوله: مجخيًّا، فهو بميم مضمومة ثم جيم مفتوحة ثم خاء معجمة مكسورة ومعناه مائلًا كذا قاله أهل اللغة وفسره الراوي في الكتاب بقوله: منكوسًا، وهو قريب من معنى المائل، قال القاضي عياض (¬1) عن شيخه: إن قوله - صلى الله عليه وسلم -: كالكوز مجخيًّا، ليس تشبيهًا لما تقدم من سواده بل هو وصف آخر من أوصافه بأنه قُلب ونُكس حتى لا يَعلق به خير ولا حكمة. قوله: قلت: لسعد ما أسود مربادًا قال: شدة البياض في سواد قال عياض (¬2) كان بعض شيوخنا يقول إنه تصحيف وإن صوابه شبه البياض في سواد لا شدة البياض. قال في المشارق (¬3): الربدة لون بين السواد والبياض والغبرة مثل لون الرماد، قال: وفي بعض روايات مسلم مربئد بالهمزة، وقال: والهمزة لغة في هذا الباب ارباد واحمار (¬4). 4282 - قال: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثين، رأيت أحدهما، وأنا أنتظر الآخر: حدثنا: "أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم علموا من القرآن، ثم علموا من السنة" وحدثنا عن رفعها قال: "ينام الرجل النومة، فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر الوكت ثم ينام النومة، فتقبض، فيبقى أثرها مثل أثر المجل، كجمر دحرجته على رجلك فنفط، فتراه منتبرًا وليس فيه شيء، ويصبح الناس يتبايعون ولا يكاد أحد يؤدّي الأمانة، فيقال: إن في بني فلان رجلًا أمينًا ويقال للرجل: ما أعقله! وما أظرفه! وما أجلده! وما في قلبه مثقال حبَّة من خردل من إيمان". ¬

_ (¬1) انظر: إكمال المعلم (1/ 454). (¬2) انظر: إكمال المعلم (1/ 454). (¬3) انظر: مشارق الأنوار (1/ 279)، والمنهاج (2/ 228). (¬4) انظر: المنهاج (2/ 173).

قلت: رواه البخاري في مواضع منها في الفتن بهذا اللفظ ومسلم في الإيمان والترمذي وابن ماجه في الفتن كلهم من حديث حذيفة. (¬1) قال البخاري: الجذر: الأصل من كل شيء، والوكت: أثر الشيء اليسير منه. قوله: حدثنا حديثين، معناه حدثنا في الأمانة، وإلا فروايات حذيفة كثيرة. والجذر: بفتح الجيم وكسرها لغتان، وبالذال المعجمة فيهما، وهو الأصل. وأما الأمانة: فالظاهر أن المراد بها التكاليف الشرعية، والعهد الذي أخذه الله على العباد. والوكت: بفتح الواو وإسكان الكاف وبالتاء المثناة من فوق الأثر اليسير. والمجل: بفتح الميم وإسكان الجيم وفتحها لغتان، والمشهور الإسكان، قال أهل اللغة: هو التنفط الذي يصير في اليد من العمل بفأس أو نحوها، ويصير كالقبة فيه ماء قليل، ونفط: بفتح النون وكسر الفاء، ومنتبرًا: أي مرتفعًا، وأصل هذه اللفظة الارتفاع، ومنه المنبر، لارتفاع الخطيب عليه، وقال: نفي ولم يقل: نفطت مع أن الرجل مؤنثة، إتباعًا للفظ الرجل، أو لمعنى الرجل لأنها العضو، ومعنى الحديث: أن الأمانة تزول عن القلوب شيئًا فشيئًا، فإذا زال أول جزء منها زال نورها، وخلفته ظلمة كالوكت، وهو اعتراض نور مخالف النور الذي قبله، فإذا زال شيء آخر صار كالمجل، وهو أثر محكم، وهذه الظلمة فوق التي قبلها، ثم شبه زوال ذلك النور بعد استقراره في القلب، واعتقاب الظلمة إياه بجمر دحرجته على رجلك، حتى يؤثر فيها ثم يزول الجمر ويبقى التنفط، قاله النووي (¬2). 4283 - قال: قلت يا رسول الله: إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: "نعم"، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: "نعم، وفيه دخن"، قلت: وما دخنه؟ قال: "قوم يستنون بغير سنتي، ويهدون بغير ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6497) (7586)، ومسلم (143)، والترمذي (2179) , وابن ماجه (4053). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (2/ 222 - 223).

هديي، تعرف منهم وتنكر"، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: "نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها"، قلت: يا رسول الله! صفهم لنا، قال: "هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا"، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم" قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها, ولو أن تعضّ بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك". قلت: رواه البخاري في علامات النبوة وفي الفتن ومسلم فيه كلاهما من حديث (¬1) أبي إدريس الخولاني عن حذيفة، كذا قاله المزي في الأطراف (¬2) ولم أره في مسلم في الفتن وإنما ذكره مسلم في أثناء كتاب الجهاد في باب الطاعة للأمير من حديث أبي إدريس الخولاني عن حذيفة، وكذا ذكره الإِمام عبد الحق في "الجمع بين الصحيحين" وهو على ترتيب مسلم فما قاله الحافظ المزي رضي الله عنه وهم، ولفظ المصابيح ثابت في الصحيحين إلا قوله: "يستنون بغير سنتي"، فإنني لم أرها في البخاري لا في باب علامات النبوة ولا في الفتن، وإنما هي في مسلم، والدخن: بفتح الدال المهملة والخاء المعجمة أصله أن تكون في لون الدابة كدورة تضرب إلى سواد، قالوا: والمراد هنا، أن لا تصفو القلوب بعضها لبعض، ولا يزول خبثها (¬3)، قال القاضي عياض (¬4): قيل المراد بالخير بعد الشر أيام عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، والهدي: الطريقة، والهداية والسيرة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3606) (7084)، ومسلم (1847). (¬2) انظر: تحفة الأشراف (3/ 44 - 45) رقم (3362). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (12/ 328). (¬4) انظر: إكمال المعلم (6/ 255).

قوله - صلى الله عليه وسلم -: تعرف منهم وتنكر، المراد: الأمراء بعد عمر بن عبد العزيز، ويجوز أن يكون معناه تبصر منهم المعروف والمنكر أي لا يكون جميع أفعالهم معروفًا ولا جميعها منكرًا، قوله - صلى الله عليه وسلم -: دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، قال العلماء: هؤلاء من كان من الأمراء يدعو إلى بدعة أو ضلالة كالخوارج وغيرهم، والله أعلم، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، أي من أنفسنا وعشيرتنا، وقيل: من أهل ملتنا ويتكلمون بما قال الله وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، وفي قلوبهم شيء من الخير (¬1). 4284 - وفي رواية: "تكون بعدي أئمة، لا يهتدون بهديي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال، قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس"، قال حذيفة، قلت: كيف أصنع يا رسول الله! إن أدركت ذلك؟ قال: "تسمع وتطيع الأمير، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك". قلت: رواها مسلم (¬2) على أثر الحديث الذي قبلها من حديث أبي سلام عن حذيفة، وذكر الدارقطني (¬3) أن أبا سلام لم يسمع من حذيفة فهو منقطع، وقد قال فيه: قال حذيفة، قال الذهبي (¬4): لم يخرج البخاري لأبي سلام في صحيحه شيئًا لأنه فيما قيل رواياته مرسلة، قال النووي (¬5): وما قاله الدراقطني صحيح، ولكن المتن صحيح متصل بالطريق الأول، وإنما أتى مسلم بها متابعة فإن المرسل إذا روي من طريق آخر متصلًا تبينا به صحة المرسل، وجاز الاحتجاج به، ويصير في المسألة حديثان صحيحان انتهى. وأبو سلام اسمه ممطور الأسود الحبشي. ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (12/ 329 - 330). (¬2) أخرجه مسلم (1847). (¬3) انظر: الإلزامات والتتبع للدارقطني (ص 257). (¬4) انظر: الكاشف (2/ 293) رقم (5623). (¬5) المنهاج (12/ 236 - 237).

4285 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا". قلت: رواه مسلم في الإيمان والترمذي في الفتن من حديث أبي هريرة (¬1). 4286 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ستكون فتن، القاعد فيها خيرٌ من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه، فمن وجد ملجأً أو معاذًا فليعُذْ به". قلت: رواه الشيخان البخاري في علامات النبوة وفي الفتن ومسلم في الفتن من حديث أبي هريرة (¬2). قوله - صلى الله عليه وسلم -: من تشرف لها تستشرفه، قال النووي (¬3): روي تشرف على وجهين، أحدهما: فتح التاء المثناة من فوق والشين والراء والثاني بضم الياء المثناة من تحت وإسكان الشين وكسر الراء، وهو من الإشراف للشيء وهو التطلع إليه، والتعرض له، ومعنى تستشرفه تقلبه وتصرعه، والملجأ: العاصم، والموضع الذي يلتجأ فليعذ به أي فليعتزل فيه. 4287 - وفي رواية: "النائم فيها خير من اليقظان، واليقظان خير من النائم". قلت: هذه الرواية في مسلم في الفتن ولم يذكر البخاري: النائم (¬4). 4288 - وفي رواية: "فإذا وقعت، فمن كان له إبل فليلحق بإبله، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه"، فقال له رجل: يا رسول الله أرأيت من لم تكن له إبل ولا غنم ولا أرض؟ قال: "يعمد إلى سيفه، ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (118)، والترمذي (2195). (¬2) أخرجه البخاري (3601) (7081) (7082)، ومسلم (2886). (¬3) المنهاج (18/ 12). (¬4) أخرجه مسلم (2886).

فيدق على حده بحجر، ثم لينج إن استطاع النجاء، اللهم هل بلغت؟ "، ثلاثًا، فقال رجل: يا رسول الله أرأيت إن أكرهت، حتى يُنطلق بي إلى إحد الصفين، فضربني رجل بسيفه، أو يجيء سهم فيقتلني؟ فقال: "يبوء بإثمك وإثمه, فيكون من إصحاب النار". قلت: رواها مسلم في الفتن من حديث أبي بكرة (¬1) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنها ستكون فتن الإثم، تكون فق الإثم، تكون فتن: القاعد فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي إليها، ألا فإذا وقعت فمن كان له إبل ... " وساقه إلى آخره، ولم يخرجه البخاري من حديث أبي بكرة بهذا اللفظ. قوله - صلى الله عليه وسلم -: يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر، قيل: المراد كسر السيف حقيقة على ظاهر الحديث، وقيل: مجاز، والمراد: ترك القتال، وهذا الحديث وما أشبهه قد تمسك به من رأي ترك القتال في الفتنة بكل حال، وقد اختلف العلماء في ذلك، فقالت طائفة: لا يقاتل فيه المسلمين وإن دخلوا عليه في بيته وطلبوا قتله، ولا يجوز له المدافعة لأن الطالب متأول، وهذا قول أبي بكرة وغيره، وقيل: لا يجوز الدخول فيها لكن إذا دخلوا عليه دفع عن نفسه، وقال معظم علماء الإِسلام: يجب نصرة الحق، والقيام مع أهله ومقاتلة الباغي قال الله تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}، وتأولوا الحديث على ما إذا لم يظهر الحق، أو على طائفتين ظالمتين. قوله - صلى الله عليه وسلم -: يبوء بإثمه وإثمك، أي يلزمه ويرجع عليه، ويحمله أي يبوء الذي أكرهك بإثمه في إكراهك وفي دخوله في الفتنة، وبإثمك في قتلك وغيره، ويكون من أصحاب النار أي مستحقًا لها، وفي هذا الحديث رفع الإثم عن المكره على الحضور هناك، وأما القتل فلا يباح بالإكراه بل يأثم المكره عليه المأمور به بالإجماع، وقد نقل بعضهم فيه ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2886) (2887).

الإجماع، قال أصحابنا: وكذا الإكراه على الزنا لا يرفع الإثم فيه: ولكن لو ربطت امرأة ولم يمكنها المدافعة فلا إثم (¬1). 4289 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يوشك أن يكون خير مال المسلم: غنم يتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن". قلت: رواه البخاري في الإيمان وفي الجزية وفي الفتن وفي علامات النبوة وفي الرقائق وأبو داود وابن ماجه كلاهما في الفتن والنسائي كلهم من حديث عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبي سعيد به ولم يخرجه مسلم. (¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم -: شعف الجبال، هو بالشين المعجمة وبالعين المهملة المفتوحتين وبالفاء وهو جمع شعفة بالتحريك وهي رأس الجبل. 4290 - قال: أشرف النبي - صلى الله عليه وسلم - على أُطُم من آطام المدينة، فقال: "هل ترون ما أرى؟ "، قالوا: لا، قال: "فإني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كوقع المطر". قلت: رواه البخاري في الحج وفي علامات النبوة وفي الفتن ومسلم في الفتن (¬3). والأطم: بضم الهمزة والطاء وهو القصر والحصن وجمعه آطام ومعنى أشرف: علا والتشبيه بمواقع القطر في الكثرة والعموم أي كثيرة عامة لا تخص طائفة، وهذا إشارة إلى مقتل عثمان والجمل وصفين وغير ذلك، وفيه معجزة ظاهرة له - صلى الله عليه وسلم - (¬4). 4291 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش". قلت: رواه البخاري في علامات النبوة وفي الفتن من حديث أبي هريرة. (¬5) ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (18/ 15 - 16). (¬2) أخرجه البخاري في الإيمان (19)، والفتن (7088)، ومن علامات النبوة (6495)، وفي بدأ الخلق (3300)، وأبو داود (4267)، وابن ماجه (3980)، والنسائي (8/ 123). (¬3) أخرجه البخاري (7060) (1878) (3597)، ومسلم (2885). (¬4) انظر: المنهاج للنووي (18/ 11 - 12). (¬5) أخرجه البخاري في علامات النبوة (2605)، وفي الفتن (7058).

وغلمة: بكسر الغين المعجمة وفتح الميم وهو جمع غلام، فجمعوه على غلمة وغلمان، والمراد والله أعلم بذلك: ما وقع بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وما فعله الحجاج وأطلق - صلى الله عليه وسلم - الأمة على الصحابة لأنهم أعظم الأمة. 4292 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يتقارب الزمان، ويُقبض العلم وتظهر الفتن، ويلقى الشُحّ، ويكثر الهرج"، قالوا: وما الهرج؟ قال: "القتل". قلت: رواه البخاري في الأدب وفي الفتن ومسلم في القدر وأبو داود في الفتن كلهم من حديث أبي هريرة (¬1). ومعنى يتقارب الزمان: أي يقرب من القيامة. ويلقى الشح: هو بإسكان اللام وتخفيف القاف أي يوضع في القلوب، ورواه بعضهم بفتح اللام وتشديد القاف أي يعطى. والشح: هو البخل بأداء الحقوق والحرص على ما ليس له وقد تقدم تفسيره. 4293 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: والذي نفسي بيده، لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم، لا يدري القاتل فيم قتل؟ ولا المقتول فيم قتل؟ فقيل كيف ذلك؟ قال: "القاتل والمقتول في النار". قلت: رواه مسلم في الفتن من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬2) 4294 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "العبادة في الهرج كهجرة إليّ". قلت: رواه مسلم والترمذي وابن ماجه كلهم في الفتن من حديث معقل بن يسار ولم يخرجه البخاري. (¬3) 4295 - قال: أتينا أنس بن مالك، فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج، فقال: اصبروا، فإنه لا يأتي عليكم زمان، إلا الذي بعده شر منه، حتى تلقوا ربكم، سمعته من نبيكم - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الفتن (7061)، وفي الأدب (6037)، ومسلم (157)، وأبو داود (4255). (¬2) أخرجه مسلم (2908). (¬3) أخرجه مسلم (2948)، والترمذي (2201)، وابن ماجه (3985).

من الحسان

قلت: رواه البخاري الترمذي كلاهما في الفتن من حديث الزبير بن عدي عن أنس. (¬1) من الحسان 4296 - قال: والله ما أدري، أَنسِيَ أصحابي أو تناسوا؟ "والله ما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا، يبلغ من معه ثلثمائة، فصاعدًا، إلا قد سماه لنا باسمه، واسم أبيه واسم قبيلته". قلت: رواه أبو داود (¬2) في الفتن من حديث قبيصة بن ذؤيب عن أبيه عن حذيفة، وفي سنده: عبد الله بن فروخ، وقد تكلم فيه غير واحد، وقال البخاري: يعرف وينكر، وقال ابن عدي: أحاديثه غير محفوظة. قوله: يبلغ من معه أي مع قائد الفتنة، وهو جملة صفة له، والمعنى والله أعلم: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ذكر لنا كل قائد فتنة يبلغ أتباعه ثلثمائة فما فوق ذلك يكون إلى يوم القيامة. 4297 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وُضع السيف في أمتي، لم يُرفع عنهم إلى يوم القيامة". قلت: هذا الحديث رواه أبو داود وابن ماجه كلاهما في الفتن من حديث ثوبان، وهو حديث طويل ولفظ أبي داود عن ثوبان قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (7068)، والترمذي (2206). (¬2) أخرجه أبو داود (4243). وإسناده ضعيف، فيه ابن لقبيصة مجهول. التقريب (8560)، وكذلك عبد الله بن فروخ قال عنه في التقريب "صدوق يغلط" انظر: التقريب (3555)، والكاشف (2908)، والتاريخ الكبير (5/ 537)، والثقات (8/ 335).

عامة، ولا يسلط عليها عدوًا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمَّد، إني إذا قضيت قضاء فإن لا يرد ولا أهلكهم بسنة عامة ولا أسلط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها، أو قال بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا، وحتى يكون بعضهم يسبي بعضًا، وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة ... " وتمام الحديث سيذكره المصنف قبل آخر الباب بحديث عن ثوبان. (¬1) 4298 - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الخلافة ثلاثون سنة، ثم تكون ملكًا"، ثم يقول سفينة: أمسك: خلافة أبي بكر سنتين، وخلافة عمر عشرًا، وخلافة عثمان اثنتي عشرة، وعلي ستة. قلت: رواه أبو داود في السنة والترمذي في الفتن والنسائي في المناقب من حديث سفينة، قال الترمذي: حسن، لا نعرفه إلا من حديث سعيد بن جهمان انتهى. (¬2) وسعيد هذا: روى له الأربعة ووثقه ابن معين وقال أبو حاتم: لا يحتج به. ومعنى الحديث: أن الخلافة حق الخلافة إنما هي للدَّين صدّقوا هذا الاسم بأعمالهم، وتمسكوا بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بعده، فإذا خالفوا السنة، وبدلوا السيرة، فهم حينئذ ملوك وإن سميناهم خلفاء (¬3). 4299 - قال: قلت: يا رسول الله! أيكون بعد هذا الخير شر، كما كان قبله شر؟ قال: "نعم"، قلت: فما العصمة؟ قال: "السيف"، قلت: وهل بعد السيف بقية؟ ¬

_ (¬1) أخرج أبو داود (4252)، وابن ماجه (3952) وكذلك الترمذي (2229) وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه أبو داود (4646) (4647)، والترمذي (2226)، والنسائي في الكبرى (8155). وأخرجه كذلك أحمد (5/ 220). وإسناده حسن، في إسناده: سعيد بن جمهان وفيه كلام ينزل حديثه عن درجة الصحة. فقال عنه الحافظ: صدوق له أفراد، التقريب (2292). (¬3) انظر: شرح السنة للبغوي (14/ 75).

قال: "نعم، تكون إمارة على أقذاء، وهدنة على دخن"، قلت: ثم ماذا؟ قال: "ثم تنشأ دعاة الضلال، فإن كان لله في الأرض خليفة جلد ظهرك، وأخذ مالك، فأطعه، وإلا فمت وأنت عاضّ على جذل شجرة"، قلت: ثم ماذا؟ قال: "ثم يخرج الدجال بعد ذلك، معه نهر ونار، فمن وقع في ناره، وجب أجره، وحُط وزره، ومن وقع في نهره، وجب وزره، وحط أجره"، قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: "ثم يُنتج المهر، ولا يُركب حتى تقوم الساعة". قلت: رواه أبو داود والحاكم في المستدرك كلاهما في الفتن مع تغيير بعض الألفاظ من حديث حذيفة. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: تكون إمارة على أقذاء قال في النهاية (¬2): الأقذاء جمع قذى، والقذى: جمع قذاة، وهو ما يقع في العين والماء والشراب من تراب أو تبن أو وسخ أو غير ذلك، أراد أن اجتماعهم يكون على فساد في قلوبهم، فشبهه بقَذَى العين والماء والشراب، قوله - صلى الله عليه وسلم -: وهدنة على دخن، أي صلح على بقايا من الضغن وذلك أن الدخان أثر من النار يدل على بقية منها. وأما أمره - صلى الله عليه وسلم -: بالطاعة وإن ضرب ظهره وأخذ ماله فإنه إذا لم يصبر ثارت الفتنة. قوله - صلى الله عليه وسلم -: بالطاعة وإلا فمت وأنت عاض على جذل شجرة، الجذل: بالكسر والفتح أصل الشجرة يقطع أغصانها. وأراد - صلى الله عليه وسلم -: الحث على العزلة والصبر على مضض الزمان والتحمل لمشاقه وشدائده، قوله - صلى الله عليه وسلم - ثم ينتج المهر فلا يركب. حتى تقوم الساعة. قال الجوهري (¬3): المهر: ولد القوس، والجمع أمهار ومهار، الأنثى مهرة، قال بعض الشراح: فلا يركب المهر بكسر ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4244) (4245) (4247)، والحاكم (4/ 502)، وصححه، ووافقه الذهبي. وفي إسناده سبيع بن خالد اليشكري قال الحافظ: مقبول، التقريب (2223). (¬2) انظر: النهاية (4/ 30). (¬3) انظر: الصحاح للجوهري (2/ 821).

الكاف من قولهم: أركب المهر إذا حان وقت ركوبه، وقال بعضهم: لعل المراد به زمان نزول عيسى عليه السلام وظهور الإِسلام ووقوع العدل والأمن فلا يركب المهر إلى يوم القيامة لعدم احتياج الناس في ذلك الزمان إلى محاربة بعضهم بعضًا. 4300 - وفي رواية: "هدنة على دخن وجماعة على أقذاء"، قلت: يا رسول الله! الهدنة على الدخن، ما هي؟ قال: "لا ترجع قلوب أقوامٍ على الذي كانت عليه"، قلت: بعد هذا الخير شر؟ قال: "فتنة عمياء صماء، عليها دعاة على أبواب النار، فإن تمت يا حذيفة وأنت عاض على جذل شجرة: خير لك من أن تتبع أحدًا منهم". قلت: رواها أبو داود في الفتن والنسائي في القرآن من حديث حذيفة. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: فتنة عمياء صماء أي لا يبصر فيها الحق ولا يسمع، قال ابن الأثير (¬2): هي التي لا سبيل إلى تسكينها لأن الأصم لا يسمع الاستغاثة، ولا يفهم بالإشارة لعدم رؤيته، وقيل: هي كالحية الصماء التي لا تقبل الرّقَى. 4301 - قال: كنت رديفًا خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا على حمار، فلما جاوزنا بيوت المدينة، قال: "كيف بك يا أبا ذر إذا كان بالمدينة جوع، تقوم عن فراشك، فلا تبلغ مسجدك حتى يُجهدك الجوع؟ " قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "تعفف يا أبا ذر" قال: "كيف يا أبا ذر إذا كان بالمدينة موت يبلغ البيتُ العبَد، حتى أنه يباع القبر بالعبد؟ " قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "تصبر يا أبا ذر"، قال: "كيف بك يا أبا ذر إذا كان بالمدينة قتل، تغمر بالدماء أحجار الزيت؟ " قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "تأتي من أنت منه"، قال: قلت: وألبس السلاح؟ قال: "شاركت القوم إذًا"، قلت: فكيف أصنع يا رسول الله؟ قال: "إن خشيت أن يبهرك شعاع السيف، فالق ناحية ثوبك على وجهك، ليبوء بإثمك وإثمه". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4276)، والنسائي في الكبرى (8033). (¬2) انظر: النهاية (3/ 54).

قلت: رواه أبو داود وابن ماجه كلاهما في الفتن والحاكم في المستدرك وقال: على شرط الشيخين، والمصنف في شرح السنة بسنده المتصل بهذا اللفظ كلهم من حديث عبد الله بن الصامت ابن أخي أبي ذر عن أبي ذر وسكت عليه أبو داود. (¬1) وجهدك: قال ابن الأثير (¬2): قد تكرر لفظ الجهد كثيرًا، وهو بالضم: الوُسْع والطاقة، وبالفتح: المشقّة، وقيل: المبالغة والغاية، وقيل: هما لغتان في الوسع والطاقة، أما في المشقة والغاية فبالفتح لا غير. وتعفف: التعفف هو الكف عن الحرام، والسؤال من الناس. قوله - صلى الله عليه وسلم -: حتى يبلغ البيت العبد، المراد بالبيت ها هنا القبر، وأراد أن مواضع القبور تضيق فيبتاعون كل قبر بعبد. قال الخطابي (¬3): قد يحتج بهذا الحديث من يذهب إلى وجوب قطع النباش وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمى القبر بيتًا فدل على أنه حرز كالبيوت. قوله - صلى الله عليه وسلم -: تغمر الدماء أحجار الزيت أي تسترها. وأحجار الزيت: هو موضع بالمدينة قريب من الزوراء، وهو موضع صلاة الاستسقاء، قال بعضهم: قد وقعت هذه الوقعة في أيام يزيد، توجه إليها مسلم بن عقبة المري في عسكر، ونزل مسلم بالحرة بالقرب من المدينة واستباح حرمتها، وقيل: رجالها ثلاثة أيام، وقيل خمسة، ثم توجه إلى مكة فمات في الطريق (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4261)، وابن ماجه (3958)، والحاكم (4/ 423)، وصححه، ووافقه الذهبي، والبغوي في شرح السنة (15/ 11 - 12) رقم (4220)، وقد صححه ابن حبان (الإحسان) (5960). وفيه: مشعث بن طريف، قال الذهبي: لا يعرف، وقال الحافظ: مقبول. انظر: الميزان (4/ ت 8551)، والتقريب (6725). وقال الذهبي في الكاشف (2/ 266): وثق. (¬2) انظر: النهاية لابن الأثير (1/ 320). (¬3) انظر: معالم السنن (4/ 314). (¬4) انظر: معجم البلدان لياقوت الحموي (1/ 109)، والمغانم المطابة في معالم طابة للفيروزآبادي (ص:9).

قوله - صلى الله عليه وسلم -: تأتي من أنت منه، معناه الانضمام إلى الفئة التي أنت منها ولفظه لفظ الخبر ومعناه الأمر. ويبهرك شعاع السيف، أي: يغلبك ضوؤه وبريقه. قال الخطابي (¬1): الباهر المضيء الشديد الإضاءة. 4302 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كيف بك إذا بقيت في حثالة من الناس، مرجت عهودهم وأماناتهم، واختلفوا فكانوا هكذا؟ " وشبّك بين أصابعه، قال: فبم تأمرني؟ قال: "عليك بما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بخاصة نفسك، وإياك وعوامهم". قلت: هذا الحديث قال فيه خلف الواسطي في أطرافه على الصحيح حديث ابن عمر فكيف أنت إذا بقيت حثالة من الناس ... رواه البخاري في الصلاة من حديث واقد بن محمَّد عن أبيه عن ابن عمر أو عمرو، وقال المزي في الأطراف (¬2): رواه البخاري في باب تشبيك الأصابع في المسجد من حديث واقد بن محمَّد عن أبيه عن ابن عمر أو عمرو، ورواه الحميدي في "الجمع بين الصحيحين" (¬3) وجعله مما انفرد به البخاري ولفظه عن واقد بن محمَّد عن ابن عمر أو ابن عمرو وقال: شبك النبي - صلى الله عليه وسلم - أصابعه وقال: "كيف بك يا عبد الله بن عمرو إذا بقيت في حثالة من الناس، قد مرجت عهودهم وأماناتهم، واختلفوا فصاروا هكذا؟ "، قال: فكيف يا رسول الله؟ قال: "تأخذ ما تعرف، وتدع ما تنكر، وتقبل على خاصتك، وتدعهم وعوامهم"، هكذا في حديث بشر بن الفضل عن واقد. وفي حديث عاصم بن محمَّد بن زيد قال: سمعت هذا من أبي فلم أحفظه، فقوّمه لي واقد عن أبيه، قال: سمعت أبي وهو يقول: قال عبد الله: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا عبد الله بن عمرو كيف أنت إذا بقيت ... " وذكره، وليس هذا الحديث في أكثر النسخ ¬

_ (¬1) انظر: معالم السنن (4/ 314). (¬2) انظر: تحفة الأشراف للمزي (6/ 41 رقم 7428). (¬3) انظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (2/ 278 رقم 1435).

وإنما حكى أبو مسعود أنه رآه في كتاب ابن رميح عن الفربري وحماد بن شاكر عن البخاري انتهى كلام الحميدي. (¬1) ومرجت عهودهم: بفتح الميم وكسر الراء المهملة كذا ضبطه الجوهري (¬2) أي: اختلطت واضطربت، ومرجت أمانات الناس أيضًا: فسدت ومرج الدين فسد. وعليك بخاصة نفسك: الظاهر أن هذا من باب قوله تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}. 4303 - وفي رواية: "الزم بيتك، واملك عليك لسانك، وخذ ما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة". (صح). قلت: رواها أبو داود والنسائي كلاهما من حديث عكرمة عن عبد الله بن عمرو بن العاص (¬3). قال المنذري (¬4): وفي إسناده هلال بن خبّاب أبو العلاء، قال فيه أبو جعفر العقيلي: في حديثه وهم وتغير آخر عمره، وذكر له هذا الحديث ووثقه الإِمام أحمد ويحيى بن معين انتهى، والصواب توثيقه. 4304 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن بين يدي الساعة فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، القاعد فيها خير من القائم، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (478) (479) وعلقه برقم (480) ووصله إبراهيم الحربي في غريب الحديث له كما في الفتح (1/ 566، 13/ 39). وله شاهد عن أبي هريرة عند ابن حبان (5950) (5951). (¬2) انظر: الصحاح للجوهري (1/ 341). (¬3) أخرجه أبو داود (4342)، والنسائي في الكبرى (10033)، والحاكم (4/ 425). وإسناده صحيح، انظر: الصحيحة (205, 206) ورجاله رجال الصحيح غير هلال بن خباب قال الحافظ: صدوق تغيّر بآخره، التقريب (7384). (¬4) انظر: تهذيب سنن أبي داود (6/ 190)، وانظر كذلك: ضعفاء العقيلي (4/ 1466 - 1467)، وقال بعد أن ذكر هذا الحديث: وهذا يُروى عن عبد الله بن عمرو بن العاص وغيره بإسناد أصلح من هذا.

والماشي خير من الساعي، فكسروا فيها قِسِيّكم وقطعوا فيها أوتاركم، واضربوا سيوفكم بالحجاوة، والزموا فيها أجواف بيوتكم، فإن دُخل على أحد منكم، فليكن كخير ابني آدم". (صح) ويروى: أنهم قالوا فما تأمرنا؟ قال: "كونوا أحلاس بيوتكم". قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه واللفظ لأبي داود كلهم في الفتن من حديث أبي موسى الأشعري وقال الترمذي: حديث حسن غريب انتهى. والحديث صحيح. (¬1) وأحلاس بيوتكم: بالحاء والسين المهملتين يقال: فلان حلس بيته إذا لزمه لا يفارقه. قال الجوهري (¬2): وأحلاس البيوت ما يفرش تحت حرّ الثياب. 4305 - قالت: ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتنة، فقربها قلت: مَنْ خير الناس فيها؟ قال: "رجل في ماشيته، يؤدي حقها ويعبد ربه، ورجل آخذ برأس فرسه، يخيف العدو ويخوفونه". قلت: رواه الترمذي في الفتن وسنده فيه: عن رجل عن طاوس عن أم مالك، وأم مالك: ليس لها في الكتب الستة غير هذا الحديث وهو عند الترمذي خاصة. (¬3) 4306 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ستكون فتنة تستنظف العرب، قتلاها في النار، اللسان فيها أشد من وقع السيف". قلت: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه كلهم في الفتن من حديث عبد الله بن عمرو ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4259)، والترمذي (2204)، وابن ماجه (3961). وانظر: هداية الرواة (5/ 96). (¬2) انظر: الصحاح للجوهري (3/ 919). وفيه: ما يُبسط تحت الحر من الثياب، وفي الحديث: "كن حِلْس بيتك" أي لا تبرح. (¬3) أخرجه الترمذي (2177) وقال حسن غريب. وفي إسناده رجل لم يسم، لكن ذكر الشيخ الألباني - رحمه الله - له شاهدًا عن ابن عباس، فيصح به الحديث انظر: الصحيحة (698).

يرفعه، قال البخاري: والأصح: وقفه على عبد الله بن عمرو بن العاص. (¬1) وتستنظف: بالظاء المعجمة أي تستوعبهم هلاكًا. 4307 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ستكون فتنة صماء بكماء عمياء، من أشرف لها استشرفت له، وإشراف اللسان فيها كوقوع السيف". قلت: رواه أبو داود في الفتن وفي إسناده: عبد الرحمن بن البيلماني وقد لينه أبو حاتم، وأدخله ابن حبان في الثقات، وقال المنذري: لا يحتج به. (¬2) 4308 - قال: كنا قعودًا عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فذكر الفتن فأكثر، حتى ذكر فتنة الأحلاس، قال قائل: وما فتنة الأحلاس؟ قال: "هي هَرَب وحَرب، ثم فتنة السراء، دخَنُها من تحت قدمَيْ رجل من أهل بيتي، يزعم أنه مني وليس مني، إنما أوليائي المتقون، ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع، ثم فتنة الدهيماء، لا تدع أحدًا من هذه الأمة, إلا لطمته لطمة، فإذا قيل: انقضت، تمادت، يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، حتى يصير الناس إلى فسطاطين: فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه، فإذا كان ذلك فانتظروا الدجال من يومه أو من غده". قلت: رواه أبو داود في ثالث حديث في الفتن والحاكم في المستدرك كلاهما من حديث ابن عمر بن الخطاب وسكت عليه هو والمنذري، وصححه الحاكم وأقره الذهبي. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4265)، والترمذي (2178)، وقال: حديث غريب، وابن ماجه (3967). في إسناده أبو أمامة زياد بن سيمين كوش: لا يعرف كما قال محمَّد بن إسماعيل وقال الحافظ: مقبول، التقريب (2092)، وليث بن سليم وهو ضعيف. (¬2) أخرجه أبو داود (4264). وعبد الرحمن بن البيلماني وهو ضعيف، انظر: التقريب (3843)، وانظر قول المنذري في تهذيب سنن أبي داود (6/ 148). (¬3) أخرجه أبو داود (4242)، والحاكم (4/ 466) وإسناده صحيح، انظر: الصحيحة (974). وانظر: تهذيب المنذري (6/ 132).

قوله: فتنة الأحلاس، إنما أضيفت الفتنة إلى الأحلاس لدوامها، يقال للرجل إذا كان يلزم بيته وهو حلس بيته، لأن الحلس يفرش فيبقى على المكان ما دام لا يرفع، ويحتمل أن يكون لسواد لونها وظلمتها. قوله: وحرب، بحاء وراء مهملتين مفتوحتين وهو ذهاب المال والأهل، يقال: حرب الرجل هو حريب إذا ذهب أهله وماله. قوله: - صلى الله عليه وسلم - ثم فتنة السراء، سماها بذلك لأنها تسر العدو، وقيل: هي التي تدخل الباطن وتزلزله. والدخن: بفتح الدال وبعدها خاء معجمة ونون ومعنى دخنها: آثارها، وهيجانها شبهها بالدخان الذي يرتفع، يريد - صلى الله عليه وسلم - أنها تثور كالدخان من تحت قدميه. والضلع: بكسر الضاد وفتح اللام وتسكن أيضًا. قوله - صلى الله عليه وسلم -: كورك على ضلع، هذا مثل ومعناه: الأمير الذي لا يثبت ولا يستقيم، وذلك أن الضلع لا يقوم بالورك ولا يحمله، يعني أن هذا الرجل غير خليق للملك ولا يستقل به. وفتنة الدهيماء: وهي السوداء المظلمة وصغرت تصغير تعظيم، ومذمة، وقيل أراد - صلى الله عليه وسلم - بالدهيماء الدهماء وهي الداهية أعاذنا الله من كل بلاء، ومن أسماء الداهية الدهيم وهي في زعم العرب اسم ناقة، قالوا كان من قصتها أنه غزا عليها سبعة إخوة وقتلوا عن آخرهم، وحملوا على الدهيم حتى رجعت بهم فصارت مثلًا في كل داهية (¬1). والفسطاط: المدينة التي فيها مجتمع الناس، وكل مدينة فسطاط، ويكون الفسطاط مجتمع أهل الكورة حول جامعها، ومنه فسطاط مصر، وقيل: هو ضرب من الأبنية في السفر دون السُّرادق، ويقال أيضًا للبصرة الفسطاط، وفيه ست لغات فسطاط وفستاط، وفساط وكسر الفاء لغة فيهن (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: معالم السنن (4/ 310)، وشرح السنة للبغوي (15/ 20). (¬2) انظر: النهاية لابن الأثير (3/ 454)، والفائق للزمخشري (2/ 275).

4309 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ويل للعرب من شر قد اقترب! أفلح من كفّ يده". قلت: رواه أبو داود في الفتن من حديث أبي هريرة بإسناد يحتج برجاله في الصحيح. (¬1) وقوله: "ويل للعرب من شر قد اقترب" رواه الشيخان والترمذي من حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها مطولًا (¬2)، وروى أحمد عن أبي هريرة يرفعه: "ويل للعرب من شر قد اقترب, كقطع الليل المظلم" فذكر وقال: المستمسك منهم بدينه كالقابض على الجمر (¬3). 4310 - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن السعيد لمن جُنّب الفتن، إن السعيد لمن جنب الفتن، إن السعيد لمن جُنب الفتن، ولمن ابتلي فصبر، فواها". قلت: رواه أبو داود في الفتن من حديث المقداد بن الأسود وسكت عليه. (¬4) وواها: معناه التلهف، وقد توضع أيضًا موضع الإعجاب بالشيء يقال: واهًا له. 4311 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا وضع السيف في أمتي، لم يرفع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان، وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي الله، وأنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتى أمر الله". قلت: رواه الترمذي في الفتن من حديث عمرو بن شريك عن ثوبان، وقال: حديث صحيح، ورواه أبو داود وابن ماجه مطولًا (¬5) وقد تقدم ذكر أوله في ثاني حديث الحسان ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4249) وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه البخاري (3346) و (3598) و (7135)، ومسلم (2880)، والترمذي (2187)، وأحمد (6: 428). (¬3) أخرجه أحمد (2/ 391). (¬4) أخرجه أبو داود (4263) وإسناده صحيح. انظر: الصحيحة (975). (¬5) أخرجه أبو داود (4252) , والترمذي (2202)، وابن ماجه (3952) وإسناده صحيح.

من هذا الباب، وروى مسلم قوله - صلى الله عليه وسلم - لا تزال طائفة من أمتي إلى آخره (¬1). 4312 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين أو لست وثلاثين، أو سبع وثلاثين، فإن يهلكوا، فسبيل من هلك، وإن يقم لهم دينهم، يقم لهم سبعين عامًا". قلت: أمما بقي أو مما مضى؟ قال: "مما مضى". قلت: رواه أبو داود في الفتن من حديث البراء بن ناجية الكاهلي عن ابن مسعود، قال المنذري: قال البخاري: البراء بن ناجية، قال لي ابن أبي شيبة عن قبيصة هو المحاربي وقال ابن عيينة: الكاهلي عن ابن مسعود: لم يذكر سماعًا من ابن مسعود انتهى. (¬2) قال في الميزان (¬3): البراء: فيه جهالة لا يعرف، إلا بحديث: تدور رحى الإسلام بخمس وثلاثين سنة، تفرد عنه ربعي بن حِراش. قوله - صلى الله عليه وسلم -: تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين سنة، أو ستة وثلاثين، أو سبع وثلاثين، قال في الفائق (¬4): يقال: دارت رحى الحرب إذا قامت على ساقها، والمعنى أن الإسلام يمتد قوام أمره على سنن الاستقامة والبعد عن إحداثات الظلمة إلى أن تقضى هذه المدة التي هي بضع وثلاثون سنة، ووجهه أن يكون - صلى الله عليه وسلم - قد قاله وقد بقيت من عمره السنون الزائدة على الثلاثين باختلاف الروايات، فإذا انضمت إلى خلافة الأئمة الأربعة الراشدين وهي ثلاثون سنة: لأبي بكر سنتان وثلاثة أشهر وتسع ليال، ولعمر عشر سنين وثلاثة أشهر وخمس ليال، ولعثمان ثنتا عشرة سنة إلا اثني عشرة ليلة، ولعلي خمس سنين إلا ثلاثة أشهر كانت بالغة ذلك المبلغ. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1920). (¬2) أخرجه أبو داود (4254). وقول المنذري في تهذيب سنن أبي داود (6/ 141)، وهو في التاريخ الكبير للبخاري (2/ 118). (¬3) انظر: ميزان الاعتدال (1/ 302) رقم (1142). (¬4) انظر: الفائق للزمخشري (2/ 49).

باب الملاحم

وزاد عليه في النهاية (¬1): وإن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد سنة خمس وثلاثين من الهجرة، ففيها خرج أهل مصر، وحصروا عثمان، وإن كان ستًّا وثلاثين ففيها كانت وقعة الجمل، وإن كانت سبعًا وثلاثين ففيها كانت وقعة صفين. قوله - صلى الله عليه وسلم -: فإن تهلكوا فسبيل من هلك هو خبر مبتدأ محذوف تقديره فسبيلهم سبيل من هلك أي اختلفوا بعد ذلك واستهانوا بالدين واقترفوا المعاصي فسبيلهم سبيل الأمة السالفة في زيغهم عن الحق ووهنهم في الدين سمى - صلى الله عليه وسلم - أسباب الهلاك والاشتغال بما يؤدي إليه هلاكًا. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وإن يقم لهم دينهم" يقم لهم سبعين عامًا، قال الزمخشري (¬2): دينهم أي ملكهم، قال الخطابي (¬3): ويشبه أن يكون - صلى الله عليه وسلم - أراد مدة ملك بني أمية، وانتقاله إلى بني العباس فإنه كان من استقرار الملك لبني أمية إلى أن ظهرت دعاة الدولة العباسية بخراسان، وضعف أمر بني أمية نحوًا من سبعين سنة. قوله: مما مضى أي ابتداء المدة المذكورة مما مضى من الهجرة فإنها أول دولة الإسلام ومبدأ ظهوره. باب الملاحم من الصحاح 4313 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقوم الساعة، حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة، دعواهما واحدة، وحتى يبعث دجالون كذابون، قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب ¬

_ (¬1) انظر: النهاية لابن الأثير (2/ 211). (¬2) انظر: الفائق للزمخشري (2/ 49). (¬3) انظر: معالم السنن (4/ 313).

الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج، -وهو القتل- وحتى يكثر فيكم المال، فيفيض حتى يُهم رب المال من يقبل صدقته، وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي به، وحتى يتطاول الناس في البنيان، وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه، وحتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون، فذلك حين {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما، فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها". قلت: رواه البخاري في علامات النبوة ومسلم في مواضع متفرقة منها في الفتن من حديث أبي هريرة وغيره، إلا قوله: "وتكثر الزلازل" فإن مسلمًا لم يذكره وجمعه البخاري ورواه كما ساقه المصنف بهذا اللفظ. (¬1) والملاحم: بالحاء المهملة جمع ملحمة وهي الوقعة العظمية في الفتنة، مأخوذ من اشتباك الناس واختلاطهم فيها كاشتباك لحمة الثوب. قوله - صلى الله عليه وسلم -: دعواهما واحدة أي كل واحدة من الفئتين تدعي الإسلام. وتقارب الزمان: كناية عن قصر الأعمار، وقلة البركة فيها، وقيل: هو أن الزمان يتقارب حتى تكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم واليوم كالساعة والساعة كاحتراق السعفة. قوله - صلى الله عليه وسلم -: وقد انصرف الرجل بلبن لقحته اللقحة بكسر اللام اللبون من النوق. قوله - صلى الله عليه وسلم -: حتى يهم رب المال، هو بضم الباء من أهمه الأمر إذا أقلقه ورب المال مفعول. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (7121)، ومسلم (157) و (2954).

قوله - صلى الله عليه وسلم -: وهو يليط حوضه يقال: لاط حوضه يليطه ويلوطه لوطا وليطًا إذا لطخه بالطين وأصلحه (¬1). قوله - صلى الله عليه وسلم -: وقد رفع أكلته إلى فيه، الأكلة: بضم الهمزة اللقمة. 4314 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قومًا، نعالهم الشعر، وحتى تقاتلوا الترك صغار الأعين، حمر الوجوه، ذُلف الأنوف، كأن وجوههم المجان المطرقة". قلت: رواه البخاري في علامات النبوة وروى مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه معناه كلهم من حديث أبي هريرة (¬2). قوله - صلى الله عليه وسلم -: نعالهم الشعر، ظاهره أن نعالهم من حبال ضفورها من شعر أو من جلود مشعرة غير مدبوغة، ويحتمل: أن المراد وفور شعورهم حتى يطؤوها بأقدامهم، وحكى البيهقي أن أصحاب بابل كانت نعالهم الشعر، وذكر: أنهم قوم من الخوارج خرجوا من ناحية الري فأكثروا الفساد حتى قتلوا وأهلكهم الله. ومعنى حمر الوجوه: بيض الوجوه مشوبة بحمرة. وذلف الأنوف: بضم الذال المعجمة والمهملة لغتان، قال صاحب المشارق (¬3): رواية الجمهور بالمعجمة وهو الصواب، وهو بضم الذال وإسكان اللام جمع أذلف كأحمر وحمر، ومعناه: فطس الأنوف قصارها مع انبطاح، وقيل: هو غلط أرنبة الأنف، وضع موضع جمع الكثرة ويحتمل أنه قللها لصغرها (¬4). والمجان: بفتح الجيم وتشديد النون، جمع مجن بكسر الميم، وهو الترس. ¬

_ (¬1) انظر: شرح السنة للبغوي (15/ 27 - 28). (¬2) أخرجه البخاري (2928) و (3587)، ومسلم (2912)، وأبو داود (4304)، والترمذي (2215)، وابن ماجه (4096). (¬3) انظر: مشارق الأنوار (1/ 270)، والمنهاج للنووي (18/ 51). (¬4) انظر: معالم السنن للخطابي (4/ 319).

المطرقة: بإسكان الطاء وتخفيف الراء قال النووي: هذا هو المشهور في الرواية وكتب اللغة وحكي فتح الطاء وتشديد الراء، قال العلماء: هي التي يطرق بعضها على بعض كالنعل المطرقة المخصوفة (¬1). 4315 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزًا وكرمان من الأعاجم، حمر الوجوه، فطس الأنوف، صغار الأعين، كأن وجوههم المجان المطرقة، نعالهم الشعر". قلت: رواه البخاري في علامات النبوة من حديث أبي هريرة (¬2). قوله - صلى الله عليه وسلم -: حتى تقاتلوا خوزًا وكرمان ذكره في النهاية (¬3) بالخاء والزاي المعجمتين مع الإضافة فقال: خُوزِ كرمان، وأسقط واو العطف. قال: وروي خوز وكرمان وخوزًا وكرمان، قال: والخوز جيل معروف، وكرمان: صُقْع معروف في العجم، ويروى بالراء المهملة، وهو من أرض فارس، وصوّبه الدارقطني، وقيل إذا أضيفت فبالراء وإذا عطفت فبالزاي انتهى كلام ابن الأثير. 4316 - ويروى: "عراض الوجوه". قلت: هذه الرواية رواها البخاري من حديث عمرو بن تغلب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قومًا ينتعلون نعال الشعر، وإن من أشراط الساعة أن تقاتلوا عراض الوجوه"، ولم يخرج مسلم في كتابه عن عمرو بن تغلب شيئًا. (¬4) ¬

_ (¬1) انظر: شرح السنة للبغوي (15/ 37)، وإكمال المعلم (8/ 456)، والمنهاج للنووي (18/ 51 - 52). (¬2) أخرجه البخاري (3590). (¬3) انظر: النهاية لابن الأثير (2/ 87). (¬4) أخرجه البخاري (2927).

4317 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقوم الساعة، حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون، حتى يختبىء اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله، إلا الغرقد، فإنه من شجر اليهود". قلت: رواه مسلم في الفتن (¬1) من حديث أبي هريرة وقال البخاري: لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقول الحجر: إلى قوله: فاقتله، ولم يذكر غير ذلك، ورواه هو ومسلم من حديث ابن عمر وليس فيه ذكر الشجر، ولا الغرقد، والغرقد: بالغين المعجمة والراء المهملة وبالقاف نوع من شجر الشوك، معروف ببلاد بيت المقدس، وهناك يكون قتل الدجال واليهود، وقيل: لمقبرة المدينة بقيع الغرقد لأنه كان فيه غرقد وقطع (¬2)، وقال أبو حنيفة الدينوري: إذا عظمت العوسجة صارت غرقدة. 4318 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه". قلت: رواه البخاري في مناقب قريش ومسلم في الفتن من حديث أبي هريرة. (¬3) 4319 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تذهب الأيام والليالي، حتى يملك رجل، يقال له الجهجاه". قلت: رواه مسلم في الفتن من حديث أبي هريرة ولم يخرجه من أصحاب الكتب الستة غير مسلم. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2922)، والبخاري (2926). (¬2) انظر: النهاية (3/ 362). (¬3) أخرجه البخاري (3517)، ومسلم (2910). (¬4) أخرجه مسلم (2911).

والجهجاه: بفتح الجيم وإسكان الهاء وفي آخره هاء أخرى، وفي بعض نسخ مسلم الجهجا بحذف الهاء الأخيرة. 4320 - وفي رواية: "حتى يملك رجل من الموالي، يقال له: الجهجاه". قلت: هذه الرواية ليست في مسلم فكيف أدخلوها في الصحاح؟. (¬1) 4321 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لتفتحن عصابة من المسلمين كنز آل كسرى الذي في الأبيض". قلت: رواه مسلم في الفتن وفي المغازي مطولًا من حديث جابر بن سمرة (¬2) قال عبد الحق: ولم يخرج البخاري هذا اللفظ عن جابر، ولكن ذكر: كنز كسرى وقيصر ينفق في سبيل الله بمعنى الحديث الذي يلي هذا (¬3). وقال الحميدي (¬4): ونحو هذا المعنى في المتفق عليه من مسند عدي ابن حاتم، والأبيض: قصر كان لكسرى في المدائن وقد أخرج كنزه في أيام عمر رضي الله عنه، ويقال: إنه بنى مكانه مسجد المدائن. 4322 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا هلك كسرى، فلا يكون كسرى بعده، وقيصر ليهلكن، ثم لا يكون قيصر بعده، ولتقسمن كنوزهما في سبيل الله"، وسمى "الحرب خدعة". قلت: رواه البخاري في مواضع منها: في الزكاة وفي الجهاد، ومسلم في الفتن من حديث أبي هريرة (¬5) وخرجا في الجهاد من حديثه أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: سمى الحرب خدعة، ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2228) وقال حسن غريب، وأحمد (2/ 329). (¬2) أخرجه مسلم (2919). (¬3) أخرجه البخاري (3121). (¬4) انظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (1/ 338). (¬5) أخرجه البخاري في المناقب (3618)، والأيمان (6630)، وفي الجهاد (3027)، ومسلم (2918).

وقد وقع ما أخبر به - صلى الله عليه وسلم -، قال العلماء معناه: لا يكون كسرى بالعراق ولا قيصر في الشام كما كان في زمنه, - صلى الله عليه وسلم - فأعلمنا - صلى الله عليه وسلم - بانقطاع ملكهما في هذين الإقليمين فكان كما قال - صلى الله عليه وسلم -، فأما كسرى: فانقطع ملكه وزال بالكلية من جميع الأرض، وتمزق كل ممزق واضمحل بدعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأما قيصر: فانهزم من الشام ودخل أقصى بلاده فافتتح المسلمون بلاده واستقرت للمسلمين ولله الحمد وكسرى: بفتح الكاف وكسرها لغتان (¬1). 4323 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تغزون جزيرة العرب، فيفتحها الله, ثم لتغزون فارس، فيفتحها الله، ثم تغزون الروم، فيفتحها الله، ثم تغزون الدجال، فيفتحه الله". قلت: رواه مسلم في الفتن (¬2) من حديث جابر بن سمرة عن نافع بن عتبة ولفظه: قال: حفظت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربع كلمات أعدهن في يدي، قال: تغزون جزيرة العرب، فيفتحها الله، ثم فارس فيفتحها الله، ثم تغزون الروم فيفتحها الله، ثم تغزون الدجال فيفتحه الله، ورواه الحاكم في المستدرك وقال: على شرط مسلم وهو وهم، فإن الحديث خرجه مسلم، وقد أقره الذهبي في مختصر المستدرك على وهمه، وذكره البخاري في التاريخ فقال: وقال موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة حدثنا عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة عن نافع بن عتبة أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله عليكم، وتغزون الدجال فيفتح الله عليكم، وتغزون الروم فيفتح الله عليكم، وتغزون فارس فيفتح الله عليكم، ولم يخرج البخاري في صحيحه عن نافع بن عتبة شيئًا، وما ذكره في التاريخ تعليق (¬3) عند المغاربة، مسند عند غيرهم، وقد قدمنا ذلك وموسى بن إسماعيل هو التبوذكي وهو شيخ البخاري. قوله - صلى الله عليه وسلم -: تغزون الدجال هذا خطاب مع الصحابة والمراد به الأمة. ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (18/ 58). (¬2) أخرجه مسلم (2900)، والحاكم (4/ 426)، وأحمد في المسند (1/ 178) و (4/ 337). (¬3) أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (8/ 81 - 82) معلقًا.

4324 - قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، وهو في قبة من أدم، فقال: "اعدد ستًّا بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقُعاص الغنم، ثم استفاضة المال، حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطًا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفًا". قلت: رواه البخاري في باب ما يجوز من الغدر في كتاب الجهاد عن نافع ابن عوف بن مالك ولم يخرج له في كتابه غير هذا الحديث، ورواه ابن ماجه في الفتن بتمامه، ولم يخرج مسلم هذا الحديث، ورواى الحاكم في المستدرك من حديث عوف بن مالك وقال: هو على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي وهو وهم فإن الحديث في البخاري كما بينته فاستدراكه على البخاري فاسد والله أعلم. (¬1) وغزوة تبوك آخر غزواته - صلى الله عليه وسلم - وهي غزوة جيش العسرة. قوله: موتان بضم الميم وإسكان الواو على وزن البطلان: الموت الكثير الوقوع قاله في النهاية (¬2). وقال الجوهري (¬3): هو موت يقع في الماشية. قوله: كقعاص الغنم: بضم القاف وبالعين والصاد المهملتين بينهما ألف، وهو داء يأخذ الغنم فلا تلبث أن تموت، ومنه ضربه فأقعصه أي مات مكانه، قوله: استفاضة المال: أي كثرته، وأصله الانتشار، يقال: استفاض الحديث: أي انتشر. قوله: هدنة: هو الصلح بعد القتال. قوله: بني الأصفر: هم الروم، وهو الروم بن غيضوم بن إسحق بن إبراهيم، وقيل: إنما سموا بني الأصفر لكثرة أموالهم، وإنما يقال ذلك: لملوكهم، وقيل: لأن أباهم كان ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3176)، وابن ماجه (4095)، والحاكم (4/ 419)، وأحمد (6/ 22). (¬2) انظر: النهاية (4/ 370). (¬3) انظر: الصحاح للجوهري (1/ 267).

أصفر في بياض فسموا به، وقيل: اسم رجل أسود ملكهم فنكح من نسائهم فولد له ولد في غاية الحسن فنسب إليه الروم. وقوله: غاية هي بالغين المعجمة والياء آخر الحروف، الراية، ويروى بالباء الموحدة ومعناها: الأجمة من القصب شبه كثرة رماح أهل العسكر بها (¬1). 4325 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقوم الساعة، حتى ينزل الروم بالأعماق، أو بدابق فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا، قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سَبَوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله، لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم، فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدًا، ويقتل ثلثهم، هم أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث، لا يفتنون أبدًا، فيفتتحون قسطنطينية، فبينما هم يقتسمون الغنائم، قد علّقوا سيوفهم بالزيتون، إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم، فيخرجون -وذلك باطل-، فإذا جاؤوا الشام خرج، فبينما هم يعدون للقتال، يسوون الصفوف، إذ أقيمت الصلاة، فينزل عيسى بن مريم، فأمهم، فإذا رآه عدو الله، ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لانْذَاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده، فيريهم دمه في حَرْبته". قلت: رواه مسلم في الفتن من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري لكنه ذكر عيسى بن مريم وخروج الدجال. (¬2) والأعماق: بفتح الهمزة والعين المهملة، ودابق: بكسر الباء الموحدة وفتحها قال النووي (¬3): والكسر هو الصحيح المشهور، وحكى القاضي في المشارق (¬4): الفتح ولم يذكر غيره وهو موضع معروف. ¬

_ (¬1) انظر: النهاية (3/ 404)، وشرح السنة للبغوي (15/ 43 - 44). (¬2) أخرجه مسلم (2897). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (18/ 29). (¬4) انظر: مشارق الأنوار (1/ 265)، المنهاج للنووي (18/ 29).

قال الجوهري (¬1): الأغلب عليه التذكير والصرف لأنه في الأصل اسم نهر قال: وقد يؤنث ولا يصرف، والأعماق ودابق: موضعان بالشام بقرب حلب. قوله - صلى الله عليه وسلم -: قالت الروم خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا. قال النووي (¬2): سبوا على وجهين فتح السين والباء وضمهما. قال في المشارق (¬3): والضم رواية الأكثرين وهو الصواب. قال النووي (¬4): وكلاهما صواب لأنهم سبوا أولًا ثم سبوا الكفار، وهذا موجود في زماننا، بل معظم عساكر الإسلام في الشام ومصر سبوا، ثم هم اليوم بحمد الله تعالى يسبون الكفار. قوله - صلى الله عليه وسلم -: فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدًا أي لا يلهمهم التوبة. وقسطنطينية: بفتح القاف وإسكان السين وضم الطاء الأولى وكسر الثانية وبعدها ياء ساكنة ثم نون. قال النووي (¬5): هذا هو المشهور ونقله في المشارق (¬6) عن المتقنين والأكثرين. وعن بعضهم زيادة ياء مشددة بعد النون وهي مدينة مشهورة من أعظم مدائن الروم. 4326 - قال - صلى الله عليه وسلم -: إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث، ولا يفرح بغنيمة، ثم قال: عدو يجمعون لأهل الشام، ويجمع لهم أهل الإسلام، يعني: الروم، فيشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل، فيفيء هؤلاء وهؤلاء، كل غير غالب، وتفنى الشرطة، ثم يشترط المسلمون شرطة للموت، ¬

_ (¬1) انظر: الصحاح للجوهري (4/ 1473). (¬2) انظر: المنهاج (18/ 29). (¬3) انظر: مشارق الأنوار (2/ 206). (¬4) انظر: المنهاج (18/ 29). (¬5) انظر: المصدر السابق (18/ 30). (¬6) انظر: مشارق الأنوار (2/ 199).

لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل، فيفيء هؤلاء وهؤلاء، كل غير غالب، وتفنى الشرطة، ثم يشترط المسلمون شرطة للموت، لا ترجع إلا غالبة, فيقتتلون حتى يمسوا فيفيء هؤلاء وهؤلاء، كل غير غالب وتفنى الشرطة، فإذا كان اليوم الرابع نَهَد إليهم بقية أهل الاسلام فيجعل الله الدَبَرة عليهم، فيقتتلون مقتلة لم ير مثلها، حتى أن الطائر ليمر بجنباتهم، فما يخلفهم حتى يخر ميتا، فيتعاد بنو الأب، كانوا مائة، فلا يجدونه بقي منهم إلا الرجل الواحد، فبأي غنيمة يفرح أو أي ميراث يُقسم؟ فبينا هم كذلك، إذ سمعوا ببأس هو أكبر من ذلك، فجاءهم الصريخ: أن الدجال قد خلفهم في ذراريهم، فيرفضون ما في أيديهم، ويُقبلون، فيبعثون عشرة فوارس طليعة. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني لأعرف أسماءهم، وأسماء آبائهم، وألوان خيولهم، هم خير فوارس -أو من خير فوارس- على ظهر الأرض يومئذ". قلت: رواه مسلم في الفتن (¬1) من حديث عبد الله بن مسعود وأول الحديث عن يُسَير بن جابر قال: هاجت ريح حمراء بالكوفة، قال فجاء رجل ليس له هجيرى إلا: يا عبد الله بن مسعود جاءت الساعة، قال: فقعد وكان متكئًا، فقال: إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة .. وساقه. ولم يخرجه البخاري إلى آخره. قوله - صلى الله عليه وسلم -: فيشترط المسلمون شرطة للموت، الشرطة بضم الشين طائفة الجيش تتقدم للقتال، قال النووي (¬2): وضبطنا "فيشترط" بوجهين، أحدهما: بمثناة تحت ثم شين ساكنة ثم مثناة فوق. والثاني: فيتشرط بمثناة تحت ثم مثناة فوق ثم شين مفتوحة وتشديد الراء. قوله - صلى الله عليه وسلم -: نهد إليهم بقية أهل الإسلام، هو بفتح النون والهاء أي نهض وتقدم. والديرة: بفتح الدال والراء أي الهزيمة. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2899). (¬2) المنهاج (18/ 33).

قال النووي (¬1): وروى بعض رواة مسلم الدائرة بالألف وبعدها همزة وهو بمعنى الديرة قال الأزهري: الدائرة هم الدولة تدور على الأعداء. وقيل هي الحادثة. قوله - صلى الله عليه وسلم -: إن الطائر ليمر بجنباتهم فما يخلفهم حتى يخر ميتًا، قوله: بجنباتهم: بجيم ثم نون مفتوحتين ثم باء موحدة أي بنواحيهم وقد روي بجثمانهم بضم الجيم وإسكان المثلثة أي بشخوصهم، ويخلفهم بفتح الخاء العجمة وكسر اللام المشددة أي يجاوزهم، وروي فما يلحقهم أي يلحق آخرهم. قوله - صلى الله عليه وسلم -: إذ سمعوا ببأس هو أكبر من ذلك قال النووي (¬2): هكذا هو في مسلم في نسخ بلادنا بباء موحدة في بأس وفي أكبر وفي بعض النسخ بناس بنون وأكثر بثاء مثلثة، والصواب الأول، ويؤيده رواية أبي داود سمعوا بأمر أكبر من ذلك. والطليعة: هو الذي يبعث ليطلع على أحوال العدو كالجاسوس. 4327 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "هل سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر؟، قالوا: نعم، يا رسول الله!، قال: "لا تقوم الساعة، حتى يغزوها سبعون ألفًا من بني إسحاق، فإذا جاؤوها نزلوا، فلم يقاتلوا بسلاح، ولم يرموا بسهم، قالوا: لا إله إلا الله والله أكبر، فيسقط أحد جانبيها الذي في البحر، ثم يقولون الثانية: لا إله إلا الله، والله أكبر، فيسقط جانبها الآخر، ثم يقولون الثالثة: لا إله إلا الله، والله أكبر، فيفرّج لهم، فيدخلونها، فيغنموا، فبينما هم يقتسمون الغنائم، إذ جاءهم الصريخ، فقال: إن الدجال قد خرج، فيتركون كل شيء ويرجعون". قلت: رواه مسلم في الفتن من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬3) ¬

_ (¬1) المصدر السابق. (¬2) انظر: المنهاج للنووي (18/ 33 - 34). (¬3) أخرجه مسلم (2920).

من الحسان

قوله - صلى الله عليه وسلم -: يغزون سبعون ألفًا من بني إسحاق، قال القاضي (¬1): كذا هو في جميع أصول مسلم من بني إسحاق، قال: وقال بعضهم: المعروف المحفوظ من بني إسماعيل، وهو الذي يدل عليه الحديث وسياقه لأنه إنما أراد العرب وهذه المدينة هي القسطنطينية (¬2). من الحسان 4328 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عمران بيت المقدس: خراب يثرب، وخراب يثرب: خروج الملحمة، وخروج الملحمة: فتح قسطنطينية، وفتح قسطنطينية: خروج الدجال". قلت: رواه أبو داود في الفتن من حديث معاذ بن جبل (¬3). وقال المنذري (¬4): في إسناده عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان وكان رجلًا صالحًا وثقه بعضهم وتكلم فيه غير واحد. وقد تقدم تفسير الملحمة وهي: الحرب وموضع القتال. ويثرب: هي المدينة الشريفة زادها الله شرفًا، ولعل هذا ورد قبل النهي عن تسميتها يثرب، ويحتمل أن يكون إنما سميت في هذا الحديث يثرب للضرورة لأنه لو سميت بغير هذا الاسم ربما ألبس على بعض السامعين والله أعلم. ¬

_ (¬1) انظر: إكمال المعلم (8/ 464). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (18/ 61 - 62). (¬3) أخرجه أبو داود (4294) وقد عده الذهبي من جملة مناكيره في "الميزان" (2/ 551 - 552). ولكن أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآئار (519) بإسناد آخر صحيح. وأحمد (5/ 245)، والحاكم (4/ 420) بإسناد ثالث موقوفًا وقال: صحيح ووافقه الذهبي وهو في حكم المرفوع. انظر علل الدارقطني (6/ 53). وهداية الرواة (5/ 107). وعبد الرحمن بن ثابت العنسي: صدوق يخطيء، ورمي بالقدر، وتغير بآخره، انظر: التقريب (3844). (¬4) انظر: تهذيب سنن أبي داود للمنذري (6/ 164).

4329 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الملحمة العظمى، وفتح قسطنطينية، وخروج الدجال: في سبعة أشهر". قلت: رواه أبو داود في الملاحم والترمذي وابن ماجه كلاهما في الفتن من حديث معاذ بن جبل وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، هذا من كلامه، وفي إسناده أبو بكر بن أبي مريم الغساني الشامي، قيل: اسمه بكر، وقيل: اسمه كنيته، قال الذهبي: وهو ضعيف عندهم. (¬1) 4330 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "بين الملحمة وفتح المدينة: ست سنين، ويخرج الدجال في السابعة". وقال أبو داود: "وهذا أصح". قلت: رواه أبو داود في الملاحم وابن ماجه في الفتن، وقال أبو داود: هذا أصح، يعني من الذي قبله، انتهى. وفي إسناد هذا بقية وفيه مقال تقدم. (¬2) وعبد الله بن بسر بضم الباء الموحدة وبالسين المهملة (¬3). 4331 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة، إلى جانب مدينة يقال لها: دمشق، من خير مدائن الشام". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4295)، والترمذي (2238)، وابن ماجه (4092). وإسناده ضعيف، فيه: أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم وهو ضعيف، وكان قد سُرق بيته فاختلط، التقريب (8031). وقول الذهبي في الكاشف (2/ 411)، ونقل محقق الكاشف أن الذهبي قال في التذهيب (4/ 202 / أ): قلت: هو ممن يكتب حديثه على لين فيه. وكذلك جهالة شيخه الوليد بن سفيان. التقريب (7476). (¬2) أخرجه أبو داود (4093) وإسناده ضعيف، فيه: بقية بن الوليد وقد عنعن. وكذلك فيه ابن أبي بلال واسمه عبد الله بن أبي بلال الخزاعي. قال عنه الحافظ: مقبول، التقريب (3257)، وأخرجه أحمد في المسند (4/ 189) وصرح بقية عنده بالتحديث. (¬3) وهو صحابي، انظر ترجمته في: الإصابة (4/ 24).

قلت: رواه أبو داود في الملاحم (¬1) وقد روي من طرق، وروي مرسلًا عن جبير بن نفير أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: .. وقال يحيى بن معين (¬2): ليس من حديث الشاميين شيء أصح من حديث صدقة بن خالد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: معقل المسلمين أيام الملاحم: دمشق، وهي غوطتها. والغوطة: بضم الغين المعجمة وسكون الواو وفتح الطاء المهملة وآخره تاء تأنيث اسم للبساتين والمياه التي حول دمشق، ودمشق: قيل عربية وقيل: معربة. 4332 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "يوشك المسلمون أن يُحاصروا إلى المدينة، حتى يكون أبعد مسالحهم سلاح، وسلاح: قريب من خيبر". قلت: رواه أبو داود في الفتن من حديث ابن عمر. وقوله: سلاح قريب من خيبر، من قول الزهري وليس من الحديث. والحديث قال فيه أبو داود: حديث عن ابن وهب وهذه رواية عن مجهول، والله أعلم (¬3). ويوشك: بضم الياء وكسر الشين أي يقرب ويدنو ويسرع. قال الجوهري (¬4): والعامة يقولون يوشك بفتح الشين وهي لغة رديئة. ومسالحهم: بميم مفتوحة وسين مهملة وبعد الألف لام مكسورة ثم هاء مهملة مكسورة أيضًا، جمع مسلحة بفتح الميم وسكون السين وفتح اللام والحاء، وهم الذين يحفظون الثغور من العدو، وسموا مسلحة لأنهم يكونون ذوي سلاح، أو لأنهم: ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4298). وأخرجه أحمد (5/ 197)، والطبراني في مسند الشاميين (589)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (1/ 103). (¬2) انظر ترجمة صدقة بن خالد وهو ثقة، في تهذيب الكمال (13/ 128 - 131)، والتقريب (2927). (¬3) أخرجه أبو داود (4250) (4299). وإسناده صحيح، وقال أبو داود: وفيه مجهول، لأن أبا داود قال: حدثت ولم يبين من حدثه به، وأخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 511) وصححه. (¬4) انظر: الصحاح للجوهري (4/ 1615).

بسكنون المسْلحة، وهي الثغر، والرقب: يكون فيه أقوام يرقبون العدو لئلا يظهر فيهم على غفلة، فإذا رأوه أعلموا أصحابهم حتى يتأهبوا، قاله ابن الأثير (¬1). وسلاح: بكسر السين المهملة وبالحاء المهملة قال بعضهم هو مبني على الكسر عند الحجازيين وغير منصرف عند بني تميم (¬2). 4333 - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ستصالحون الروم صلحًا آمنًا، فتغزون أنتم وهم عدوًا من ورائكم، فتُنصرون وتَغنمون وتسلمون، ثم ترجعون حتى تنزلوا بمَرْج ذي تلول، فيرفع رجل من أهل النصرانية الصليب، فيقول: غلب الصليب، فيغضب رجل من المسلمين فيدقه فعند ذلك، يغدر الروم وتجمع للملحمة". وزاد بعضهم: "ويثور المسلمون إلى أسلحتهم، فيقتتلون فيكرم الله تلك العصابة بالشهادة". قلت: رواه أبو داود في الجهاد وفي الملاحم وابن ماجه في القدر من حديث: ذي مِخْبر وسكت أبو داود عليه. وذو مخبر: ابن أخي النجاشي له صحبة. ورواه الحاكم في المستدرك في باب الفتن وقال الذهبي: صحيح. (¬3) ومخبر بالخاء المعجمة والباء الموحدة والراء المهملة وكأن الأوزاعي يقوله بالميم بعد الخاء بعد الراء (¬4). 4334 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اتركوا الحبشة ما تركوكم، فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة". ¬

_ (¬1) انظر: النهاية لابن الأثير (2/ 388). (¬2) قال الفيروز آبادي: موضع أسفل خيبر، انظر: المغانم المطابة في معالم طابة (ص: 182). (¬3) أخرجه أبو داود (4292)، وابن ماجه (4089) وإسناده صحيح. والحاكم (4/ 421) وصححه. (¬4) ذو مخبر، يقال: ذو مخمر الحبشي، وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - وخدمه، ثم نزل الشام، وله أحاديث، انظر: الإصابة لابن حجر (2/ 417).

قلت: رواه أبو داود في الفتن (¬1) من حديث عبد الله بن عمرو، قد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة" (¬2). وذو السويقتين: تثنية السويقة، والسويقة تصغير الساق، وهي مؤنثة، ولذلك ظهرت التاء في تصغيرها وإنما صغّر لأن الغالب على سوق الحبشة الدقة والحموشة (¬3). 4335 - "قال رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: دعوا الحبشة، ما ودعوكم، واتركوا الترك، ما تركوكم". قلت: رواه أبو داود في الفتن من حديث أبي سكينة رجل من المحرّرين (¬4)، عن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (¬5) قال المنذري (¬6): أبو سكينة هذا روى حديثه يحيى بن أبي عمرو السيباني ولم أجده من رواية غيره ولا من سماه. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4309). وإسناده ضعيف، فيه: زهير بن محمد التميمي قال الحافظ: ثقة إلا أن رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة فضعف بسببها، وقال أبو حاتم: حدث بالشام من حفظه فكثر غلطه. التقريب (2060)، وتهذيب الكمال (9/ 414 - 420). = = ولكن له شاهد من رواية أبي هريرة. أخرجه البخاري (1591)، ومسلم (2909) (57). (¬2) أخرجه البخاري (1591) و (1596)، ومسلم (2909). (¬3) انظر: معالم السنن (4/ 320)، والنهاية (2/ 423). (¬4) هكذا ورد في الإسناد أي من الذين كانوا مملوكين فأعتقوا. (¬5) أخرجه أبو داود (4302) وفي إسناده أبو سكينة هذا روى حديثه يحيى، بن أبي عمرو السيباني ولا رواه عنه أحد غيره. ويتحسن بما سبق في الحديث السابق. وأخرجه النسائي (6/ 44). (¬6) انظر: تهذيب السنن (6/ 166). وأبو سكينة الحمصي، قيل اسمه: محلّم، مختلف في صحبته، له حديث، انظر: التقريب (8199). ويحيى بن أبي عمرو السّيباني، أبو زرعة، ثقة، من السادسة، وروايته عن الصحابة مرسلة، انظر: التقريب (7666).

والسيباني: بفتح السين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبعدها باء موحدة وبعد الألف نون منسوب إلى سيبان بطن من حمير. ودعوا الحبشة ما ودعوكم، مخفف أي ما تركوكم، يقال: ودع الشيء يدعه ودعًا إذا تركه. وقال النحاة: إن العرب أماتوا ماضي يدع، ومصدره، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أفصح (¬1). وقال - صلى الله عليه وسلم -: لينتهين أقوام عن ودعهم الجماعات، وإنما يحمل قولهم عن قلة استعماله. 4336 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث: "يقاتلكم قوم صغار الأعين -يعني الترك-"، قال: "تسوقونهم ثلاث مرات، حتى تُلحقوهم بجزيرة العرب، فأما في السياقة الأولى: فينجو من هَرَب منهم، وأما في الثانية: فينجو بعض ويهلك بعض، وأما في الثالثة: فيُصطلمون"، أو كما قال. قلت: رواه أبو في داود في الفتن من حديث بريدة وسكت عليه هو والمنذري (¬2). والاصطلام: الافتعال من الصلم وهو القطع المستأصل. 4337 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ينزل أناس من أمتي بغائط، يسمونه البصرة عند نهر -يقال له: دجلة- يكون عليه جسر يكثر أهلها، وتكون من أمصار المسلمين، فإذا كان في آخر الزمان، جاء بنو قنطوراء، عراض الوجوه، صغار الأعين، حتى ينزلوا على شط النهر، فيتفرق أهلها ثلاث فرق: يأخذون في أذناب البقر والبرية، وهلكوا، وفرقة يأخذون لأنفسهم وهلكوا، وفرقة يجعلون ذراريهم خلف ظهورهم ويقاتلونهم وهم الشهداء". قلت: رواه أبو داود في الملاحم وفي إسناده: سعيد بن جمهان وثقه يحيى ابن معين وأبو داود. (¬3) قال أبو حاتم الرازي: شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به. ¬

_ (¬1) انظر: النهاية لابن الأثير (5/ 166). (¬2) أخرجه أبو داود (4305). وانظر: تهذيب السنن (6/ 167). (¬3) أخرجه أبو داود (4306) وفي إسناده سعيد بن جمهان. قال البخاري في حديثه عجائب. =

قوله: بغائط يسمونه البصرة أي ببطن مطمئن من الأرض. وقنطوراء: بفتح القاف وسكون النون وضم الطاء المهملة مقصور حكاه ابن القوطيه، كانت جارية إبراهيم عليه السلام، ولدت أولادًا منهم: الترك والصين، والبصرة: بالعراق معروفة، والبصرة هي الحجارة الرخوة (¬1) تضرب إلى البياض فإذا حذفوا الهاء قالوا: بِصْر فكسروا الباء، ولذلك قيل في النسب إلى البصرة: بُصري وبصري، وبنى البصرة عقبة بن غزوان في سنة سبع عشرة من الهجرة على المشهور في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقيل: إنها لم يعبد بأرضها صنم (¬2). ودجلة: نهر بغداد المعروف، وقيل: لا يجوز دخول الألف واللام عليها، قال ثعلب: يقول عبرت دجلة بغير الألف واللام، وهي بكسر الدال المهملة وسكون الجيم وبعد اللام المفتوحة تاء تأنيث، قال بعضهم: وأراد - صلى الله عليه وسلم - بهذه المدينة مدينة السلام بغداد، فإنها شط الدجلة وجسرها في وسطها لا في وسط البصرة، وإنما عرفنا التي بالبصرة لأن ببغداد موضعًا خارجًا عنها قريبًا من بابها يسمى باب البصرة فسمى النبي - صلى الله عليه وسلم - بغداد باسم بعضها (¬3). قوله - صلى الله عليه وسلم -: وفرقة يأخذون في أذناب القبر والبرية، يجوز أن يكون - صلى الله عليه وسلم - أراد بذلك أنهم يشتغلون بالزاراعة ويعرضون عن القتال. ¬

_ = قلت وقد اختلف عليه فيه كما قال الحافظ ابن حجر في "تعجيل المنفعة" (ص 214): فالذي يظهر أن سعيد بن جمهان كان يضطرب فيه. وقال في التقريب (2292): صدوق له أفراد. انظر العلل للدارقطني (7/ 158)، وابن أبي حاتم في العلل (2/ 419 - 420)، والجرح والتعديل (4/ 10). (¬1) انظر: معالم السنن (4/ 320). (¬2) انظر: تهذيب سنن أبي داود للمنذري (6/ 168 - 169). (¬3) انظر: الصحاح للجوهري (4/ 1695)، معجم البلدان (2/ 440 - 442).

قوله - صلى الله عليه وسلم -: وفرقة يأخذون لأنفسهم وهلكوا أي يأخذون الأمان من بني قنطوراء لأنفسهم وهلكوا بأيديهم. 4338 - أن رسول الله قال: "يا أنس! إن الناس يمصّرون أمصارًا، لأن مصرًا منها يقال له: البصرة، فإن أنت مررت بها، أو دخلتها، فإياك وسباخها، وكلّاءها، وسوقها، وباب أمرائها، وعليك بضواحيها، فإنه يكون بها خسف وقذف ورجف، وقوم يبيتون يصبحون قردة وخنازير". قلت: رواه أبو داود في الملاحم من حديث موسى بن أنس عن أنس بن مالك ولم يجزم الراوي به، وإنما قال: لا أعلمه إلا ذكره عن موسى بن أنس. (¬1) والكلأ بالتشديد والمد شاطيء النهر، والموضع الذي تربط فيه السفن. قال بعض أهل اللغة: كلاء: ينصرف ولا ينصرف، قال الجوهوي (¬2): الكلاء مشدد ممدود موضع بالبصرة، لأنهم يكلئون سفنهم هناك أي يحبسونها يؤنث ويذكر. قال سيبويه: هو فعّال مثل جَبّار بالتشديد، والمعنى: أن الموضع يدفع الريح عن السفن وهو على هذا مذكر مصروف انتهى كلام الجوهري. قال المنذري: وضاحية كل شيء ناحيته البارزة، يقال: هم ينزلون الضواحي إلى ظاهر البلدة، ومنه قيل: قريش الضواحي: النازلون بظاهر مكة، والخسف يكون في الأرض، والقذف يريد به الريح الشديدة الباردة، أو قذف الأرض الموتى بعد الدفن أو رمي أهلها بالحجارة. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4307) وإسناده صحيح. كما قال الحافظ ابن حجر في "أجوبته على أحاديث المصابيح" وقال: ورجاله ثقات ليس فيه إلا قول موسى لا أعلمه إلا عن موسى بن أنس ولا يلزمه من شكه في شيخه الذي حدثه به أن يكون شيخه فيه ضعيفًا فضلًا عن أن يكون كذابًا، وتفرد به، = = والواقع لم يتفرد به، بل أخرج أبو داود أيضًا لأصله شاهدًا بسند صحيح من حديث سفينة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. انظر: هداية الرواة (5/ 112 - 113). (¬2) انظر: الصحاح للجوهري (1/ 69) و (5/ 1812).

4339 - قال: انطلقنا حاجين، فإذا رجل، فقال لنا: إلى جنبكم قرية -يقال لها الأبلة-؟ قلنا: نعم، قال: من يضمن لي منكم أن يصلي في مسجد العشّار ركعتين أو أربعًا، ويقال: هذه لأبي هريرة؟ سمعت خليلي أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم -: "أن الله عز وجل يبعث من مسجد العشار يوم القيامة شهداء، لا يقوم مع شهداء بدر غيرهم". قال أبو داود: هذا المسجد مما يلي النهر. قلت: رواه أبو داود في الملاحم (¬1) من حديث: إبراهيم بن صالح بن درهم عن أبيه، وقد ذكر البخاري هذا الحديث في ترجمة إبراهيم في التاريخ الكبير وقال: لا يتابع عليه. وذكره أبو جعفر العقيلي وقال: فيه إبراهيم هذا وأبوه ليسا بمشهورين والحديث غير محفوظ. وذكر الدارقطني: أن إبراهيم هذا ضعيف (¬2). والأبلة: بهمزة مضمومة وباء موحدة مضمومة ولام مشددة مفتوحة وتاء تأنيث، بلد معروف قرب البصرة في جانبها البحري، وهي أقدم من البصرة، وقال الأصمعي: هي اسم نبطي وينسب إليه بعض رواة الحديث منهم سنان بن فروخ الأبلي (¬3). قال أبو داود: هذا المسجد مما يلي النهر. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4308) وإسناده ضعيف. انظر: الضعيفة (3116). (¬2) انظر: التاريخ الكبير (1/ 293)، والضعفاء للعقيلي (1/ 65 - 66)، والضعفاء للدارقطني رقم (26)، وقال الذهبي في الميزان (1/ 378): ضعفه الدارقطني، وتهذيب السنن للمنذري (6/ 170)، وتهذيب الكمال (2/ 107)، وقال الحافظ في التقريب (188): فيه ضعف. (¬3) انظر: النهاية لابن الأثير (1/ 16).

باب أشراط الساعة

باب أشراط الساعة من الصحاح 4340 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن من أشراط الساعة: أن يرفع العلم، ويكثر الجهل، ويكثر الزنا، ويكثر شرب الخمر، ويقل الرجال، وتكثر النساء، حتى يكون لخمسين امرأة القيّم الواحد". وفي رواية: "ويقل العلم ويظهر الجهل". قلت: رواه البخاري في النكاح وفي العلم ومسلم في القدر واللفظ للبخاري ورواه الترمذي وابن ماجه في الفتن والنسائي في العلم كلهم من حديث أنس. (¬1) وأشراط الساعة: علاماتها، واحدها شرط بفتح الشين والراء، وسبب قلة الرجال وكثرة النساء: الحروب والقتال الذي يقع في آخر الزمان وتراكم الملاحم. 4341 - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن بين يدي الساعة كذابين، فاحذروهم". قلت: رواه مسلم في الفتن من حديث جابر بن سمرة ولم يخرج البخاري عن جابر في هذا شيئًا. (¬2) 4342 - قال: بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - يحدث، جاء أعرابي فقال: متى الساعة؟ قال: "فإذا ضيعت الأمانة، فانتظر الساعة"، قال: كيف إضاعتها؟ قال: "إذا وسد الأمر إلى غير أهله، فانتظر الساعة". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في العلم (80)، وفي النكاح (5231)، ومسلم (2671)، والترمذي (2205)، وابن ماجه (4045)، والنسائي في الكبرى (5905). (¬2) أخرجه مسلم (1822).

قلت: رواه البخاري من حديث عطاء بن يسار عن أبي هريرة في العلم بطوله وفي الرقائق مختصرًا. (¬1) قوله: رواه البخاري قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا وسد الأمر إلى غير أهله" أي إذا أسند وجعل في غير أهله، يعني إذا سود وشرف غير المستحق للسيادة والشرف، وقيل هو من الوسادة، أي إذا وضعت وسادة الملك، والأمر والنهي لغير مستحقها، تكون إلى بمعنى اللام. 4343 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقوم الساعة، حتى يكثر المال فيفيض، حتى يُخرج الرجل زكاة ماله، فلا يجد أحدًا يقبلها منه، وحتى تعود أرض العرب مروجًا، وأنهارًا". قلت: رواه مسلم في الفتن من حديث أبي هريرة. (¬2) المروج: بضم الميم والراء المهملة وآخره جيم، جمع مرج وهو: الموضع المنبت الذي ترعى فيه الدواب. وهذه إشارة إلى قرب الساعة، وقلة الآمال، وعدم الفراغ للرعي فيها. 4344 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تبلغ المساكن إهاب، أو يَهاب". قلت: رواه مسلم في الآيات التي تكون قبل الساعة، من حديث أبي هريرة قال مسلم: قال زهير: قلت: لسهل وكم ذلك من المدينة، قال: كذا وكذا ميلًا، ولم يخرج البخاري هذا الحديث. (¬3) وإهاب: بكسر الهمزة ويهاب: بياء مثناة من تحت مفتوحة، ولم يذكر في المشارق (¬4) إلا الكسر وحكى عن بعضهم: نهاب بالنون، والمشهور الأول، والمعنى والله أعلم: ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (59)، وفي الرقائق (6496). (¬2) أخرجه مسلم (157). (¬3) أخرجه مسلم (2903). (¬4) انظر: مشارق الأنوار (1/ 50).

لا تقوم الساعة حتى تصير المدينة معمورة بكثرة أهلها بحيث تبلغ مساكنهم وعمرانهم ذلك الموضع. 4345 - وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يكون في آخر الزمان خليفة، يقسم المال ولا يعدّه". قلت: رواه مسلم في الفتن من حديث أبي سعيد الخدري. (¬1) - وفي رواية: "يكون في آخر أمتي خليفة، يحثي المال حثيًا، ولا يعده عدًّا". قلت: رواها مسلم في الفتن عن أبي نضرة عن أبي سعيد وجابر ولم يخرج البخاري ذلك (¬2). وفي رواية لمسلم أيضًا: "يحثوا المال حثيًا". قال أهل اللغة يقال: حثيت أحثي حثيًا، وحثوت أحثو حثوًا لغتان، وقد جاءت اللغتان في هذا الحديث، وجاء مصدر الثانية على فعل الأولى، وهو جائز من باب قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} والحثو: هو الحفن باليدين، وهذا الحثو الذي يفعله هذا الخليفة يكون لكثرة الأموال والغنائم والفتوحات مع سخاء نفسه (¬3). 4346 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يوشك الفرات أن يَحْسِر عن كنز من ذهب، فمن حضر، فلا يأخذ منه شيئًا". قلت: رواه الشيخان في الفتن وأبو داود في الملاحم والترمذي في صفة الجنة كلهم من حديث جندب بن عبد الرحمن عن جده حفص بن عاصم عن أبي هريرة. (¬4) ويحسر: هو بفتح الياء وكسر السين أي ينكشف لذهاب مائه. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2914). (¬2) أخرجه مسلم (2913). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (18/ 53 - 54). (¬4) أخرجه البخاري (71189)، ومسلم (2894)، والترمذي (2569)، وأبو داود (4313).

4347 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقوم الساعة، حتى يحسر الفرات على جبل من ذهب، يقتتل الناس عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، ويقول كل رجل منهم: لعلي أكون أنا الذي أنجو". قلت: رواه مسلم في الفتن (¬1) من حديث: يعقوب بن عبد الرحمن عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة يرفعه وروى مسلم أيضًا من حديث أبي بن كعب مثل معناه. 4348 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تفيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة، فيجيء القاتل فيقول: في هذا قتلت، ويجيء القاطع فيقول: في هذا قطعت رحمي، ويجيء السارق فيقول: في هذا قطعت يدي، ثم يدعونه، فلا يأخذون منه شيئًا". قلت: رواه مسلم في الزكاة والترمذي في الفتن (¬2) كلاهما من حديث محمد بن فضل عن أبيه عن أبي حازم عن أبي هريرة. وأفلاذ كبدها: بهمزة مفتوحة وفاء ساكنة وآخره دال معجمة قال في المشارق (¬3): يعني كنوزها والأفلاذ: القطع، الواحد: فلذة بكسر الفاء وسكون اللام شبه ما يخرج من بطنها من ذلك بأكباد دواب الكبد الذي هو مستور في أجوافها ورفعة ذلك ونفاسته بفلذة الكبد وهو أفضل ما يشوى من البعير عند العرب وأمرأه. والأسطوان: بضم الهمزة والطاء وهي جمع إسطوانة وهي السارية والعمود وشبه بالأسطوان لعظمه وكبره. 4349 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسي بيده، لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر، فيتمرغ عليه، ويقول: يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر! وليس به الدين، إلا البلاء". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2894). (¬2) أخرجه مسلم (1013) , والترمذي (2208). (¬3) انظر: مشارق الأنوار (2/ 158).

قلت: رواه مسلم في الفتن (¬1) ولم يخرج البخاري هذا اللفظ وخرجا عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه" (¬2). والتمرغ: التقلب في التراب. 4350 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقوم الساعة، حتى تخرج نار من أرض الحجاز، تضيء أعناق الإبل ببصرى". قلت: رواه الشيخان كلاهما في الفتن من حديث أبي هريرة وقد رواه الحاكم في المستدرك (¬3) من حديث أبي هريرة بهذا اللفظ بسند فيه: رشدين ابن سعد عن عقيل عن الزهري عن ابن المسيب أن أبا هريرة أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... وساقه ورشدين بن سعد ضعيف، والحديث ثابت في الصحيحين من غير طريق رشدين بن سعد وسيأتي الكلام على هذه النار في أول الباب الذي بعده. 4351 - وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أول أشراط الساعة: نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب". قلت: رواه البخاري في [الأنبياء] (¬4) من حديث أنس. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (157). (¬2) أخرجه البخاري (7115)، ومسلم (157). (¬3) أخرجه البخاري (7118)، ومسلم (2902)، والحاكم (4/ 443). وقال الحافظ: رشدين ابن سعد أبو الحجاج المصري ضعيف، وقال: قال ابن يونس: كان صالحًا في دينه، فأدركته غفلة الصالحين فخلط في الحديث التقريب (1953). (¬4) في الأصل بياض بمقدار كلمة, لعلها التي أثبتها. (¬5) أخرجه البخاري (3329).

من الحسان

من الحسان 4352 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقوم الساعة، حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كالضرمة بالنار". قلت: رواه الترمذي في الزهد (¬1) من حديث أنس وقال: غريب انتهى، وسنده لا بأس به، وإن كان فيه خالد بن مخلد القطواني وكان يتشيع وقال فيه أحمد: له مناكير، وقال أبو حاتم لا يحتج به لكن خرج له الشيخان. وفي سنده أيضًا: سعد بن سعيد أخو يحيى بن سعيد وقد ضعفه أحمد، وقال النسائي: ليس بالقوي، لكن أخرج له مسلم من حديث يحيى بن سعيد الأموي عن سعد عن عمر بن ثابت عن أبي أيوب حديث: صوم ست من شوال، ومدار الحديث عليه، وقال أبو حاتم: سعد بن سعيد مود، قال الشيخ تقي الدين: اختلف في ضبط مود، فمنهم من خففها أي هالك، ومنهم من شددها: أي حسن الأداء (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2332) وإسناده كما قال المصنف لا بأس به، وإن كان فيه كل من: خالد بن مخلد القطواني، أبو الهيثم البجلي الكوفي، قال الحافظ: صدوق يتشيع وله أفراد، انظر: التقريب (1687)، وسعد بن سعيد الأنصاري قال الحافظ: صدوق سيء الحفظ، وقال في التهذيب (3/ 470)، ضعيف، وكذا في الجرح والتعديل (4/ 84)، وانظر التقريب (2250)، وقال الإمام أحمد: ضعيف الحديث، انظر: الملل ومعرفة الرجال (1200). وفيه: عبد الله بن عمر العمري، أبو عبد الرحمن قال الحافظ: ضعيف عابد. انظر: التقريب (3513). لكن له شاهد يتقوى به من حديث أبي هريرة عند أحمد (2/ 538)، وابن حبان (6842)، وإسناده صحيح. (¬2) اختلف في ضبطه، فقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: سعد بن سعيد الأنصاري مؤدي، يعني أنه: كان لا يحفظ ويؤدي ما سمع. هذا تفسير ابن أبي حاتم لكلام أبيه، وقال الذهبي في الميزان (2/ ت 3109): "قال شيخنا ابن دقيق العيد: .. " وذكر ما ذكره المؤلف، و "مود" من ألفاظ التجريح بالتخفيف أي هالك، وإذا شددت مع الهمزة أصبحت من ألفاظ التوثيق، انظر: فتح المغيث (1/ 348 - 349)، وتهذيب التهذيب (3/ 470).

قوله - صلى الله عليه وسلم -: كالضرمة بالنار هو بالضاد المعجمة المفتوحة والراء المهملة قال الجوهري (¬1): الضرمة بفتح الراء السعفة والشيحة في طرفها نار. 4353 - قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنغنم على أقدامنا، فرجعنا فلم نغنم شيئًا، وعرف الجهد في وجوهنا، فقام فينا، فقال: "اللهم لا تكلهم إلي فأضعف عنهم، ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها، ولا تكلهم إلى الناس فيستأثروا عليهم"، ثم وضع يده على رأسي، فقال: "يا ابن حوالة! إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة، فاعلم فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام، والساعة يومئذ أقرب من الناس من يدي هذه إلى رأسك". قلت: رواه أبو داود في الجهاد بسند حسن، ورواه الحاكم في المستدرك (¬2) كلاهما من حديث عبد الله بن حوالة، وهو صحابي، أزدي، لقبه أبو حوالة، قيل: إنه سكن دمشق وقدم مصر مع مروان بن الحكم، وحوالة: بفتح الحاء المهملة وبعدها واو مفتوحة وألف ولام مفتوحة وتاء تأنيث ولم يرو لعبد الله هذا من أصحاب الكتب الستة غير أبو داود (¬3). قوله - صلى الله عليه وسلم -: الأرض المقدسة (¬4) أي أرض البلاد المقدسة، والمقدسة: المطهرة، وقيل: المباركة والأرض المقدسة حكى الهروي أنها دمشق وفلسطين، وقال معاذ: هي ما بين ¬

_ (¬1) انظر: الصحاح للجوهري (5/ 1971). (¬2) أخرجه أبو داود (2535)، والحاكم (4/ 425). وفي إسناده: ابن زغب الإيادي، واسمه: عبد الله من تابعي أهل حمص، وقد تفرد بالرواية عنه ضمرة بن حبيب فهو في عداد المجهولين. قاله الذهبي في الميزان (2/ 423)، ولكن الحافظ ابن حجر ذكر في التهذيب أن أبا نعيم روى له حديثًا صرّح فيه بسماعه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيكون الإسناد لا بأس به. انظر: تهذيب التهذيب (5/ 218)، وانظر أيضًا: معرفة الصحابة لأبي نعيم (1648)، وهداية الرواة (5/ 117). (¬3) انظر: ترجمة ابن حوالة في الإصابة (4/ 67)، وتهذيب السنن للمنذري (3/ 381). (¬4) انظر: النهاية (4/ 23 - 24).

العرش إلى الفراة، وقال بعضهم: قدس الأرض الشام، وقدس الشام فلسطين وقدس فلسطين بيت المقدس وقدس بيت المقدس، الجبل، وقدس الجبل المسجد، وقدس المسجد القبة ومعنى تقديسها: تطهيرها من الشك وجعلها مسكنًا للأنبياء عليهم السلام. قوله - صلى الله عليه وسلم -: البلابل أي الهموم والأحزان وبلبلة الصدر وسواس الهموم واضطرابها فيه (¬1). قال الجوهري (¬2): والبلبلة والبلبال: الهم، ووسواس الصدر. قال الخطابي (¬3): وما أنذر به - صلى الله عليه وسلم - أيام بني أمية، وما حدث من الفتن في زمانهم. 4354 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا اتخذ الفَيْء دِولًا، والأمانة مغنمًا، والزكاة مغرمًا، وتعلم لغير دين، وأطاع الرجل امرأته، وعق أمه، وأدنى صديقه وأقصى أباه، وظهرت الأصوات في المساجد، وساد القبيلة فاسقِهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل مخافة شره، وظهرت القينات والمعازف، وشربت الخمور، ولعن آخر هذه الأمة أولها، فارتقبوا عند ذلك ريحًا حمراء، وزلزلةً، وخسفًا، ومسخًا، وقذفًا، وآيات تتايع كنظام قطع سلكه فتتابع". قلت: رواه الترمذي في الفتن من حديث أبي هريرة وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، انتهى كلامه. (¬4) وفي سنده: المسلم بن سعيد عن رميح الجذامي عن أبي هريرة. ورميح: قال فيه الذهبي: مجهول لا نعرفه. قوله - صلى الله عليه وسلم -: إذا اتخذ الفيء دولًا قال في الفائق: الدَّولة والدُّولة: بالضم والفتح، وقد قريء بهما في القرآن، ومعناه: ما يدول للإنسان أي يدور من الحظ، ومعناه: إذا كان ¬

_ (¬1) انظر: النهاية (1/ 150). (¬2) انظر: الصحاح للجوهري (4/ 1640). (¬3) انظر: معالم السنن (2/ 213). (¬4) أخرجه الترمذي (2211) وإسناده ضعيف. ورميح الجذامي: قال الحافظ: مجهول، انظر: التقريب (1968)، وانظر قول الذهبي في الكاشف (1/ 398)، وليس فيه: لا نعرفه.

الأغنياء وأصحاب المناصب يستأثرون بأموال الفيء ويمنعون عنها مستحقيها ويذهب الأمناء بودائع الناس وأماناتهم، فيتخذونها مغانم، ويعدون الزكاة غرامة أي يشق عليهم أداؤها كما يشق أداء الغرامات، ويتعلمون لغير دين أي يحملهم على التعلم غير الدين من المقاصد الدنيئة والمناصب الدنيوية. وأطاع الرجل امرأته وعق أمه: وقد قدمنا تفسير العقوق، وقرب صديقه وأبعد أباه إلى غير هذا مما عده النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث فارتقبوا عند ذلك النوازل والحوادث. قوله - صلى الله عليه وسلم -: وظهرت الأصوات في المساجد: ارتفعت الأصوات فيها باللغط، والزعيم: الكفيل الذي يتكفل بأمر القوم ويقوم به. والأرذل: بالذال المعجمة هو من كل شيء الرديء منه. قوله - صلى الله عليه وسلم -: لعن آخر هذه الأمة أولها: هو على ظاهره ويدخل في ذلك الرافضة وغيرهم الذين يلعنون أكابر الصحابة ويكفرون أكابر الأمة. قوله - صلى الله عليه وسلم -: وآيات تتايع: ضبطناه بتاءين من فوق وألف ثم ياء مثناة من تحت وعين مهملة. وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: كنظام قطع سلكه فتتابع، فهو بالباء الموحدة قبل العين، ويقال: تتايع بالمثناة مرة في الخبر. والنظام: بكسر النون وبالظاء المعجمة المراد به هذا اللؤلؤ المنظوم أي المجموع في الخيط، والسلك: بكسر السين المهملة وسكون اللام: الخيط. 4355 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة، حل بها البلاء"، وعد هذه الخصال، ولم يذكر "تعلم لغير دين" وقال: "وبر صديقه، وجفا أباه"، وقال: "وشربت الخمر، ولبس الحرير". قلت: رواه الترمذي في الفتن من حديث علي وقال: غريب لا نعرفه من حديث علي إلا من هذا الوجه، قال: ولا نعلم أحدًا رواه عن يحيى بن سعيد غير الفرج بن فضالة، وقال: تكلم فيه بعض أهل العلم، وضعفه من قبل

حفظه انتهى كلام الترمذي. (¬1) وقد وقع في سند هذا الحديث في جامع الترمذي أن فرج بن فضالة الشامي حدث عن يحيى بن سعيد عن محمد بن عمرو بن علي عن علي. قال الذهبي: ولا نعرف من اسمه عمرو من أولاد علي، وقال البرقاني: سألت الدراقطني عن حديثه عن يحيى بن سعيد عن محمد ابن علي عن علي: إذا علمت أمتي خمسة عشر خصلة فقال: باطل، قلت: من جهة الفرج قال: نعم، ومحمد هذا هو ابن الحنفية انتهى كلام الذهبي. فقول الترمذي: محمد بن عمرو بن علي وهم والصواب محمد بن علي (¬2). 4356 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تذهب الدنيا، حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي". قلت: رواه أبو داود والترمذي كلاهما في الفتن من حديث عبد الله بن مسعود وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬3) 4357 - وفي رواية: "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم، لطول الله ذلك اليوم، حتى يبعث الله فيه رجلًا مني أو من أهل بيتي، يواطيء اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي, يملأ الأرض قسطًا وعدلًا، كما ملئت ظلمًا وجورًا". قلت: رواه أبو داود في الملاحم والحاكم في المستدرك في باب الفتن وصححه، كلاهما ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2210) وإسناده ضعيف. وفرج بن فضالة الشامي: ضعيف، انظر: التقريب (5418). (¬2) نبّه على ذلك المزي أيضًا في تحفة الأشراف (7/ رقم 10273)، وفي تهذيب الكمال (18/ 226)، وانظر: الكاشف للذهبي (2/ 207). (¬3) أخرجه أبو داود (4382)، والترمذي (2230) وإسناده صحيح.

من حديث ابن مسعود وأبي هريرة. (¬1) ومعنى يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي: أي يوافق اسمه واسم أبيه اسمي واسم أبي فيقال له محمد بن عبد الله. والقسط: العدل، والجور: الظلم، وقد جمع بينهما فيحتمل أن يكون على حد قوله: فألفى قولها كذبًا ومينًا، والكذب هو المين، فأتى باللفظتين مبالغة. 4358 - قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "المهدي من عترتي، من أولاد فاطمة". قلت: رواه أبو داود في المهدي وابن ماجه في الفتن كلاهما من حديث أم سلمة ولفظ ابن ماجه: المهدي من ولد فاطمة، قال أبو داود: قال عبد الله بن جعفر سمعت أبا المليح (¬2): يثني على: علي بن نفيل ويذكر منه صلاحًا انتهى. (¬3) وعلي بن نفيل أحد رواته. قال أبو جعفر العقيلي علي بن نفيل عن سعيد بن المسيب في المهدي لا مانع عليه، ولا يعرف إلا به، وساق هذا الحديث وقال: وفي المهدي أحاديث جياد من غير هذا الوجه بخلاف هذا اللفظ بلفظ: رجل من أهل بيته - صلى الله عليه وسلم - على الجملة مجملًا انتهى كلامه. وفي إسناد هذا الحديث أيضًا زياد بن بيان وقال الذهبي: زياد بن بيان لم يصح حديثه انتهى. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4282)، والترمذي (2231). والحاكم (4/ 442) معلقًا عن ابن مسعود. (¬2) أبو المليح هو: الحسن بن عمر الرقي. (¬3) أخرجه أبو داود (4284)، وابن ماجه (4086) وإسناده ضعيف لضعف زياد بن بيان وقد ساق العقيلي هذا الحديث في ضعفائه، وقال البخاري: في إسناده نظر، وقال ابن عدي في الكامل بعد أن أورد حديثه هذا .. والبخاري إنما أنكر من حديثه هذا الحديث، وهو معروف به. وقال الذهبي في "الميزان" (2/ 87)، لم يصح حديثه، انظر: العلل المتناهية (2/ 861)، والضعفاء للعقيلي (2/ 430 - 431)، والتاريخ الكبير (3/ 346)، والكامل لابن عدي (3/ 1053)، وتهذيب الكمال (9/ 436 - 438)، وقال الحافظ: صدوق عابد، التقريب (2068).

وقال ابن عدي: سمعت ابن حماد يذكره عن البخاري وساق الحديث، وقال: والبخاري إنما أنكر من حديث زياد بن بيان هذا الحديث وهو معروف به انتهى. قال المنذري (¬1): وهو معروف من كلام سعيد بن السيب، والظاهر أن زياد بن بيان وهم في رفعه. والعترة: ولد الرجل لصلبه، وقد تكون العترة أيضًا الأقرباء. وبنو العمومة، وقيل: عترة الرجل أولياؤه، وقيل: عترة النبي - صلى الله عليه وسلم - بنو عبد المطلب وقيل غير ذلك (¬2). 4359 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المهدي مني: أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطًا وعدلًا، كما ملئت ظلمًا وجورًا، يملك سبع سنين". قلت: رواه أبو داود في الفتن من حديث أبي سعيد الخدري، وفي إسناده: عمران القطان وهو أبو العوام بن دَاوَر البصري استشهد به البخاري ووثقه عفان بن مسلم وأحسن الثناء عليه يحيى بن سعيد القطان، وضعفه يحيى بن معين والنسائي. (¬3) قوله - صلى الله عليه وسلم -: أجلى الجبهة هو بالجيم مقصور. قال ابن الأثير (¬4): الأجلى: الخفيف شَعَرِ ما بين النزعتين من الصُّدغين، والذي انحسر الشعر عن جبهته. قوله - صلى الله عليه وسلم -: أقنى الأنف هو بالقاف بعدها النون قال ابن الأثير (¬5): القنا في الأنف طوله ودقة أرنبته مع حدب في وسطه. ¬

_ (¬1) انظر: تهذيب السنن للمنذري (6/ 159 - 160). (¬2) انظر: معالم السنن (4/ 317). (¬3) أخرجه أبو داود (4285) وإسناده حسن، وقد صححه الحاكم (4/ 557). ووافقه الذهبي، وعمران بن داور: قال الحافظ: صدوق يهم، ورمي برأي الخوارج، انظر: التغريب (5189). (¬4) انظر: النهاية (1/ 290)، ومعالم السنن (4/ 317). (¬5) النهاية (4/ 116).

4360 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: في قصة المهدي، قال: "فيجئ إليه رجل، فيقول: يا مهدي أعطني أعطني، قال: فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله". قلت: رواه الترمذي في أمارات الساعة من حديث أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد، قال: وقد روي من غير وجه عن أبي سعيد، وأبو الصديق اسمه بكر بن عمرو ويقال بكر بن قيس انتهى. (¬1) وفي سنده: زيد العمي بن الحواري أبو الحواري البصري قاضي هراة روى له أصحاب السنن وشعبة وفيه ضعف. قال ابن عدي: لعل شعبة لم يرو عن أضعف منه (¬2). 4361 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "يكون اختلاف عند موت خليفة، فيخرج رجل من أهل المدينة هاربًا إلى مكة، فيأتيه ناس من أهل مكة، فيخرجونه وهو كاره، فيبايعونه بين الركن والمقام، ويبعث إليه بعث من الشام، فيُخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة، فإذا رأى الناس ذلك، أتاه أبدال الشام، وعصائب أهل العراق فيبايعونه، ثم ينشأ رجل من قريش، أخواله كلب، فيبعث إليهم بعثًا، فيظهرون عليهم، وذلك بعث كلب، ويعمل في الناس بسنّة نبيهم، ويلقي الإسلام بجرانه في الأرض، فيلبث سبع سنين، ثم يتوفى، ويصلي عليه المسلمون". قلت: رواه أبو داود في الفتن (¬3) من حديث صالح أبي الخليل عن صاحب له عن أم سلمة وساقه، وفي بعض الروايات: قلت: يا رسول الله كيف بمن كان كارهًا؟ قال: "يخسف بهم ولكن يبعث يوم القيامة على نيته". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2232) وفي إسناده: زيد العمى وهو ضعيف انظر: التقريب (2143)، وقد تابعه العلاء بن بشير وهو مجهول، وانظر: التقريب (5264)، عند أحمد (3/ 37) وفيه تقديم وتأخير. وانظر: هداية الرواة (5/ 120). (¬2) انظر: الكامل لابن عدي (3/ 1058). (¬3) أخرجه أبو داود (4286) وإسناده ضعيف فيه مجهول صاحب أبي خليل، وكذلك لاضطراب قتادة فيه. وأما الحاكم فقد رواه (4/ 431) ولم يحكم عليه وقال الذهبي: أبو العوام عمران ضعفه غير واحد =

وصاحب أبي الخليل سماه أبو داود في حديث ذكره بعد هذا الحديث فقال عن أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث عن أم سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا رواه الحاكم في المستدرك في الفتن وقال: على شرط الشيخين وليس هو كما قال (¬1). قوله - صلى الله عليه وسلم -: أتاه أبدال الشام، قال في النهاية (¬2): هم الأولياء والعباد، الواحد بدْل كحِمْل أو بَدَل كجَمَل، سُمّوا بذلك لأنه كلما مات واحد منهم أبدل بآخر. قال الجوهري (¬3): الأبدال قوم من الصالحين لا تخلو الدنيا منهم، قال: وقال ابن دريد: الواحد بَدِيل انتهى. وفي حديث علي: "الأبدال بالشام، والنجباء بمصر، والعصائب بالعراق"، والعصائب: جمع عصابة، وهم الجماعة من الناس من العشرة إلى الأربعين. قوله - صلى الله عليه وسلم -: بجرانه في الأرض، هو بالجيم والراء، باطن العنق، وقيل: جران البعير مقدم عنقه من مذبحه إلى منحره، وأصله في البعير إذا مد عنقه على وجه الأرض فيقال: ألقى جرانه، وإنما يفعل ذلك إذا طال مقامه في مناخه واستراح فضرب الجران مثلًا للإسلام إذا استقر قراره، فلم تكن فتنة، وجرت أحكامه على العدل والاستقامة. 4362 - قال: ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بلاء يصيب هذه الأمة حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم، فيبعث الله رجلًا من عترتي أهل بيتي، فيملأ به الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدع السماء من قطرها شيئًا إلا صبّته مدرارًا، ولا تدع الأرض من نباتها شيئًا إلا أخرجته ¬

_ = وكان خارجيًّا ومع ذلك قال ابن القيم في المنار المنيف (1/ 145) والحديث حسن، ومثله مما يجوز أن يقال فيه صحيح. وانظر: الضعيفة (1965، 6484). (¬1) وهو: عمران بن دوار، أبو العوام، وقد تقدم، وأخرج الحاكم (4/ 557)، انظر: تهذيب المنذري (6/ 162). (¬2) انظر: النهاية (1/ 107). (¬3) انظر: الصحاح للجوهري (4/ 1632).

حتى تتمنى الأحياء الأموات، يعيش في ذلك سبع سنين، أو ثماني سنين، أو تسع سنين". قلت: رواه الحاكم في المستدرك في الفتن عن عمر (¬1) بن عبيد الله العدوي عن معاوية بن قرة عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد مرفوعًا: ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم، حتى تضيق عنهم الأرض، فيبعث الله رجلًا من عترتي فيملأ الأرض قسطًا وعدلًا، كما ملئت جورًا وظلمًا ... الحديث، وقال صحيح، قال الذهبي: سنده مظلم. والمدرار: الكثير الدر، ومفعال مما يستوي فيه الذكر والمؤنث، وهو منصوب على الحال من السماء. قوله: حتى تتمنى الأحياء الأموات، فيه حذف أي يتمنى الأحياء حياة الأموات. 4363 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يخرج رجل من وراء النهر يقال له: الحارث بن حراث على مقدمته رجل، يقال له: المنصور، يوطن أو يمكن لآل محمد، كما مكنت قريش لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجب على كل مؤمن نصره أو قال: إجابته". قلت: رواه أبو داود في المهدي من حديث علي، وقال: منقطع انتهى، وراويه عن علي: هلال بن عمرو. وقال الحافظ أبو القاسم الدمشقي: هلال بن عمرو: غير معروف، عن علي. (¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم -: من وراء النهر، المراد بالنهر هنا: جيحون، نهر بلخ من خراسان، وكثير في كلامهم بلد كذا من وراء النهر، أي نهر جيحون، والمقدمة: الجماعة التي تتقدم الجيش. ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم (4/ 465) وقال الذهبي سنده مظلم. قلت: فيه الحماني وهو: يحيى بن عبد الحميد، وقال الحافظ فيه: حافظ إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث التقريب (7641). ولم أجد ترجمة عمر بن عبيد الله العدوي. (¬2) أخرجه أبو داود (4290) وإسناده ضعيف. قال الحافظ في هداية الرواة (5/ 122): وفيه من لا يعرف، وترجم لهلال بن عمرو في التقريب (7395) وقال: مجهول.

باب العلامات بين يدي الساعة وذكر الدجال

4364 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسي بيده، لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس، وحتى تكلم الرجلَ عذبة سوطه، وشراك نعله، وتخبره فَخِذه بما أحدث أهله بعده". قلت: رواه الترمذي في الفتن من حديث أبي نضرة عن أبي سعيد وقال فيه: حسن غريب صحيح لا نعرفه إلا من حديث القاسم بن الفضل وهو ثقة مأمون عند أهل الحديث، وثقه يحيى وابن مهدي انتهى كلامه. ورواه الحاكم في المستدرك وقال على شرط مسلم وأقره الذهبي. (¬1) وعذبة السوط: بالذال المعجمة طرفه، والعذبة طرف الشيء. باب العلامات بين يدي الساعة وذكر الدجال من الصحاح 4365 - قال: "اطلع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علينا ونحن نتذاكر، فقال: "ما تذكرون؟ " قالوا: فذكر الساعة، قال: "إنها لن تقوم، حتى تروا قبلها عشر آيات"، فذكر: "الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بحزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن، تطرد الناس إلى محشرهم". ويروى: "نار تخرج من قعر عدن، تسوق الناس إلى المحشر". وفي رواية: في العاشرة: "وريح تلقي الناس في البحر". قلت: رواه مسلم والترمذي وابن ماجه كلهم في الفتن وأبو داود في الملاحم والنسائي في التفسير (¬2) كلهم من حديث حذيفة بن أسيد. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2181)، والحاكم (4/ 467) وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه مسلم (2901)، والترمذي (2183)، وابن ماجه (4041)، وأبو داود (4311)، والنسائي في الكبرى (11482).

وفي لفظ لمسلم: موضع نزول عيسى بن مريم - صلى الله عليه وسلم - ريح تلقي الناس في البحر، وأخرجه أبو داود من كلام حذيفة موقوفًا، لا يذكر النبي- صلى الله عليه وسلم، وفي لفظ الترمذي: والعاشرة: "إما ريح تطرحهم في البحر وإما نزول عيسى ابن مريم"، ولفظ النسائي: يخرج من قعر عدن، ولفظ ابن ماجه: ونار تخرج من قعر عدن، ولم يخرج البخاري هذا الحديث، إلا حشر الناس فإنه ذكره هو ومسلم من حديث أبي هريرة، ولم يخرج البخاري عن حذيفة بن أسيد في كتابه شيئًا. وأسيد: بفتح الهمزة وكسر السين وقد قدم المصنف في الباب قبله ما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة: لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى. قال عياض (¬1): وهذه النار التي في حديث حذيفة التي تحشر الناس هي التي في حديث أبي هريرة التي تضيء لها أعناق الإبل ببصرى، قال: ولعلهما ناران تجتمعان لحشر الناس، قال: ويكون ابتداء خروجها من اليمن ويكون ظهورها وقوتها بأرض الحجاز انتهى كلام القاضي. قال النووي (¬2): وليس في الحديث أن نار الحجاز متعلقة بالحشر، بل هي آية مستقلة من أشراط الساعة، وقد خرجت في زماننا في المدينة سنة نيف وخمسين وستمائة وكانت نارًا عظيمة، خرجت من جنب المدينة الشرقي، وراء الحرة، وتواتر العلم بها عند جميع الشام، وسائر البلدان، وأخبرني من حضرها من أهل المدينة. قال النووي (¬3): وهذا الحديث يؤيد قول من قال: إن الدخان دخان يأخذ بأنفاس الكفار، ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكام، وإنه لم يأت بعد، وإنما يكون قريبًا من الساعة، وقد أنكر ابن مسعود هذا، وقال: هو ما نال قريشًا من القحط، فكانوا يرون ¬

_ (¬1) انظر: إكمال المعلم (8/ 442). (¬2) المنهاج (18/ 38). (¬3) المصدر السابق (18/ 37).

بينهم وبين السماء كهيئة الدخان، وقال بالقول الآخر: حذيفة وابن عمر، ورواه حذيفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: وأنه تمكث في الأرض أربعين يومًا، ويحتمل: أنها دخان للجمع بين هذه الآثار، وأما الدابة المذكورة هنا: فهي المذكورة في قوله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ}. قال المفسرون: هي دابة عظيمة تخرج من صدع من الصفا. وعن ابن عمرو بن العاص: أنها الجساسة المذكورة في حديث الدجال. وقعر عدن: أقصى أرضها، وقعر الشيء نهاية أسفله، وعدن: مدينة من مدن اليمن المشهورة، وهي عدن أبين على وزن أبيض بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة وبعدها ياء آخر الحروف مفتوحة ونون هذا هو المشهور في تفسيرها وذكرها سيبويه بكسر الهمزة وجوز فيها الفتح وسميت برجل من حمير عدن بها أي أقام. 4366 - قالا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بادروا بالأعمال ستًّا: الدخان والدجال، ودابة الأرض، وطلوع الشمس من مغربها، وأمر العامة، وخويصة أحدكم"، (يعني الموت). قلت: رواه مسلم في الفتن من حديث أبي هريرة وأنس ولم يخرجه البخاري. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: وأمر العامة يريد به - صلى الله عليه وسلم - القيامة الكبرى لأنها تعم الخلق. وخويصة: تصغير خاصة، والصاد مشددة، وصغرت لاستصغارها في جنب سائر الحوادث العظام من البعث والحساب وغيرها ويجوز أن تكون صغرت للتعظيم، قوله: يعني الموت، هو من قول هشام الدستوائي. 4367 - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن أول الآيات خروجًا: طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى، وأيّهما ما كانت قبل صاحبتها، فالأخرى على أثرها قريبًا". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2947).

قلت: رواه مسلم في الفتن وكذلك أبو داود وابن ماجه كلهم من حديث عبد الله بن عمرو ولم يخرجه البخاري. (¬1) 4368 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاث إذا خرجن: {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا}: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض". قلت: رواه مسلم في الإيمان (¬2) من حديث أبي هريرة ولم يذكر البخاري هذا اللفظ إلا: في طلوع الشمس من مغربها، ذكره في تفسير سورة الأنعام، وذكر الدجال، وسيأتي في بابه إن شاء الله تعالى ولم يذكر في كتابه: الدابة. 4369 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقوم الساعة، حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس، آمنوا أجمعون، وذلك حين {لا ينفع نفسًا إيمانها} " ثم قرأ الآية. قلت: رواه الشيخان وفي بعض طرق البخاري: "حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا رآها الناس آمن من عليها"، ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه كلهم من حديث أبي هريرة. (¬3) 4370 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين غربت الشمس: "أتدري أين تذهب هذه؟ " قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فتستأذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، يقال لها: ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها، وذلك قوله: {والشمس تجري لمستقر لها} قال: مستقرها تحت العرش". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2941)، وأبو داود (4310)، وابن ماجه (4069). (¬2) أخرجه مسلم (158). (¬3) أخرجه البخاري (4636)، ومسلم (157)، وأبو داود (4312)، والنسائي في الكبرى (11177)، وابن ماجه (4068).

قلت: رواه الشيخان البخاري في التفسير وفي التوحيد وفي غيرهما واللفظ له ومسلم في الإيمان وأبو داود في الحروف مختصرًا والترمذي في الفتن والتفسير والنسائي في التفسير كلهم من حديث أبي ذر. (¬1) قال الخطابي (¬2): أهل التفسير وأصحاب المعاني قالوا: في المستقر قولان، أحدهما: معناه أجل مدتها يعني مدة بقاء العالم، الثاني: مستقرها، غاية ما تنتهي إليه في صعودها، وارتفاعها لأطول يوم في الصيف، ثم تأخذ في النزول حتى تنتهي إلى أقصى مشارق الشتاء الأقصى يوم في السنة. قوله - صلى الله عليه وسلم -: مستقرها تحت العرش، من الغيب الذي يؤمن به، ويحتمل: أن يريد أن علم ما سألت عنه مستقرها تحت العرش في كتاب هو اللوح المحفوظ، كتب فيه مبادئ أمور العالم ونهاياتها، والوقت الذى ينتهي إليه مدتها، فينقطع دوران الشمس وتستقر عند ذلك، ولا يقال لها استقرار تحت العرش على هذا التأويل كذا قاله بعضهم (¬3)، والذي نعتقده الإيمان بما جاء على ظاهره واجب، ونترك هذه التأويلات ونفوض اليقين إلى من يدبر الأمر من السماء إلى الأرض فهو قادر على ذلك سبحانه لأنه لا رب غيره ولا مدبر سواه. 4371 - وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال". قلت: رواه مسلم في الفتن عن هشام بن عامر الأنصاري، وليس هو عن هشام بن حكيم، ولم يخرجه البخاري ولا أخرج في كتابه عن هشام بن عامر الأنصاري شيئًا ولم ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في التفسير (4803)، وفي التوحيد (7433)، ومسلم (159) (251)، والترمذي (2186)، والنسائي في الكبرى (11430)، وأبو داود (4002) وروايته مختصرة جدًّا. (¬2) انظر: أعلام الحديث للخطابي (3/ 1892)، وتفسير الطبري (23/ 5 - 6). (¬3) انظر: أعلام الحديث للخطابي (3/ 1892 - 1893).

يخرج له مسلم في صحيحه غير هذا الحديث وقد وقع في بعض نسخ المصابيح نسبة الحديث إلى هشام بن حكيم وهو وهم. (¬1) 4372 - قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال، فقال: "إني لأنذركموه، وما من نبي إلا أنذره قومه، لقد أنذر نوح قومه، ولكن أقول لكم فيه قولًا لم يقله نبي لقومه، تعلمون أنه أعور، وأن الله ليس بأعور". قلت: رواه البخاري ومسلم في الفتن من حديث ابن عمر. (¬2) 4373 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله لا يخفى عليكم إن الله ليس بأعور، وإن المسيح الدجال أعور عين اليمنى كأن عينه عنبة طافية". قلت: رواه الشيخان في الفتن من حديث عبد الله بن مسعود. (¬3) قوله - صلى الله عليه وسلم -: طافية، قال النووي (¬4): رويت بالهمزه وتركه، وكلاهما صحيح، فالمهموز هي التي ذهب نورها، وغير المهموز نتأت وطفت مرتفعة وفيها ضوء وقد جاء في هذه الرواية: أعور العين اليمنى وفي رواية: اليسرى، وكلاهما صحيح. والعور في اللغة: العيب، وعيناه معيبتان عورًا، وإن إحداهما طافئة بالهمزة، لا ضوء فيها، والأخرى طافية بلا همزة ظاهرة ناتئة. 4374 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من نبي إلا قد أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا أنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، ومكتوب بين عينيه: ك ف ر". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2946). (¬2) أخرجه البخاري (7127)، ومسلم (2930). (¬3) أخرجه البخاري (3439)، ومسلم (2932). قلت: وهو من رواية عبد الله بن عمر في الفتن وليس ابن مسعود. (¬4) المنهاج (2/ 235) و (18/ 80 - 81).

قلت: رواه الشيخان كلاهما في الفتن وأبو داود في الملاحم والترمذي في الفتن من حديث أنس (¬1) وسيأتي في ثالث هذا الحديث التنبيه على أن هذه الكتابة حقيقية أم مجازية؟. 4375 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ألا أحدثكم حديثًا عن الدجال، ما حدث به نبي قومه؟، إنه أعور، وإنه يجيء معه بمثل الجنة والنار، فالتي يقول: إنها الجنة، هي النار، وإني أنذركم كما أنذر به نوح قومه". قلت: رواه الشيخان: البخاري في خلق آدم، ومسلم في الفتن كلاهما من حديث أبي هريرة. (¬2) 4376 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الدجال يخرج، وإن معه ماء ونارًا، فأما الذي يراه الناس ماء: فنار تُحرق، وأما الذي يراه الناس نارًا، فإنه ماء عذب، فمن أدرك ذلك منكم، فليقع في الذي يراه الناس نارًا، فإنه ماء عذب طيب، وإن الدجال ممسوح العين، عليها ظفرة غليظة، مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه كل مؤمن، كاتب وغير كاتب". (¬3) قلت: رواه الشيخان كلاهما في الفتن مفرقًا في حديثين بزيادة اختصرها المصنف وروى أبو داود معناه في الملاحم كلهم من حديث حذيفة. قوله - صلى الله عليه وسلم -: يراه هو بفتح الياء وضمها، قوله - صلى الله عليه وسلم -: ممسوح العين هذه الممسوحة هي الطافئة بالهمزة التي لا ضوء فيها. قوله - صلى الله عليه وسلم -: مكتوب بين عينيه كافر، الصحيح أن هذه الكتابة على ظاهرها وأنها كتابة حقيقية جعلها الله آية وعلامة من جملة العلامات القاطعات بكفره وكذبه، وتظهر لكل مؤمن كاتب وغير كاتب، ويخفيها عن من أراد شقاوته وكفره، وقيل: هي مجاز وإشارة ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (7131)، ومسلم (2933)، وأبو داود (4316)، والترمذي (2245). (¬2) أخرجه البخاري (3338)، ومسلم (2936). (¬3) أخرجه البخاري (7130)، ومسلم (2934).

إلى إثبات الحدوب عليه، واحتج بقوله: يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب، وهذا ضعيف. والظفرة: بفتح الظاء المعجمة والفاء، وهي جلدة تغشى البصر وقال الأصمعي: لحمة تنبت عند المآقي (¬1). 4377 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الدجال أعور العين اليسرى، جُفال الشعر، معه جنته وناره، فناره جنة، وجنته نار". قلت: رواه مسلم في الفتن ولم يخرجه البخاري. (¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم -: جفال الشعر هو بضم الجيم وتخفيف الفاء أي كثيره. 4378 - قال: ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدجال، فقال: "إن يخرج وأنا فيكم، فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم، فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، إنه شاب قطط، عينه طافئة، كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن، فمن أدركه منكم، فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف". قلت: رواه مسلم في الفتن من حديث طويل، هذه قطعة منه، وتتمته في الرواتين بعده، وقد قدمت أن البخاري لم يخرج في صحيحه شيئًا عن النواس بن سمعان. (¬3) وسمعان: بفتح السين وكسرها، وإنما خرج له مسلم ثلاث أحاديث هذا أحدها وهو أطولها، والثاني: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع الناس عليه" (¬4)، والثالث: في فضل سورة البقرة وآل عمران (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (18/ 81 - 83). (¬2) أخرجه مسلم (2934). (¬3) أخرجه مسلم (2937). (¬4) أخرجه مسلم (2553). (¬5) أخرجه مسلم (805).

قوله - صلى الله عليه وسلم -: شاب قطط، هو بفتح القاف والطاء أي شديد جعودة الشعر مباعد للجعودة المحبوبة، وعبد العزى بن قطن هو رجل من خزاعة مات في الجاهلية. - وفي رواية: "فليقرأ عليه بفواتح سورة الكهف، فإنها جوازكم من فتنته، إنه خارج من خلة بين الشام والعراق، فعاث يمينًا، وعاث شمالًا، يا عباد الله! فاثبتوا، قلنا: يا رسول الله وما لبثه في الأرض؟ قال: "أربعون يومًا: يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم"، قلنا: يا رسول الله! فذاك اليوم الذي كسنة، أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: "لا، اقدروا له قدوه" قلنا: يا رسول الله! وما إسراعه في الأرض؟ قال: "كالغيث استدبرته الريح، فيأتي على القوم فيدعوهم، فيؤمنون به، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرى، وأسبغه ضروعًا، وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم، فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة، فيقول لها: أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النخل، ثم يدعو رجلًا ممتلئًا شبابًا، فيضربه بالسيف، فيقطعه جزلتين رمية الغرض، ثم يدعوه، فيُقبل، ويتهلل وجهه يضحك، فبينما هو كذلك، إذ بعث الله المسيح ابن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء، شرقي دمشق بين مهروذتين واضعًا كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدّر منه مثل جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد من ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه حتى يدركه بباب لُدّ، فيقتله، ثم يأتى عيسى بن مريم إلى قوم قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم، ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هو كذلك، إذ أوحى الله إلى عيسى: إني قد أخرجت عبادًا لي، لا يدان لأحد بقتالهم، فحرّز عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج {وهم من كل حدب ينسلون}، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية، فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقول: لقد كان بهذه مرة ماء، ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر، وهو جبل بيت المقدس، فيقولون: لقد قتلنا من في الأرض، هلم فلنقتل من في السماء،

فيرمون بنشّابهم إلى السماء، فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دمًا، ويحصر نبي الله وأصحابه، حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرًا من مائة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله، فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله، فيرسل الله عليهم طيرًا كأعناق البخت فتحملهم، فتطرحهم حيث شاء الله". قلت: رواه مسلم في الفتن وهي بعض حديث النواس. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: أنه خارج خلة بين الشام والعراق، قال النووي (¬2): هو في نسخ بلادنا بفتح الخاء المعجمة واللام وتنوين الهاء، وقال عياض (¬3): المشهور فيه حلة بالحاء المهملة وبنصب التاء يعني بغير تنوين، قيل: معناه سمت ذلك وقبالته، وفي كتاب العين: الحلة موضع حزن وصخور، قال: ورواه بعضهم بضم اللام وبهاء الضمير أي حلوله ونزوله، قال: ذكره الحميدي (¬4) في "الجمع بين الصحيحين" قال: وذكره الهروي خلة بالخاء المعجمة وتشديد اللام المفتوحتين، وفسره بأنه ما بين البلدين انتهى كلام القاضي. قال النووي (¬5): وهذه الذي ذكره عن الهروي هو الموجود في نسخ بلادنا وفي الجمع بين الصحيحين أيضًا ببلادنا، وهو الذي رجحه صاحب نهاية الغريب (¬6) وفسره بالطريق. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2937). (¬2) المنهاج (18/ 87). (¬3) انظر: إكمال المعلم (8/ 483). (¬4) انظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (3/ 524 رقم 3082). (¬5) انظر: المنهاج للنووي (18/ 88). (¬6) انظر: النهاية لابن الأثير (2/ 73 - 74).

قوله - صلى الله عليه وسلم -: فعاث يمينًا وعاث شمالًا، هو بعين مهملة وثاء مثلثة مفتوحة وهو فعل، والعيث: الفساد أو أشد الفساد والإسراع فيه، وحكى عياض (¬1) أنه رواه بعضهم فعاث: بكسر الثاء منونة اسم فاعل وهو بمعنى الأول. قوله: يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة، قال العلماء: هذا الحديث على ظاهره وهذه الأيام الثلاثة طويلة. قوله - صلى الله عليه وسلم -: اقدروا له: هو حكم لخصوص ذلك اليوم، شرعه لنا صاحب الشرع - صلى الله عليه وسلم -، قال العلماء: ولولا هذا الحديث ووكلنا إلى اجتهادنا لاقتصرنا فيه عن الصلوات الخمس عند الأوقات المعروفة في غيره من الأيام. ومعنى: اقدروا له قدره، أنه إذا مضى بعد طلوع الفجر قدر ما يكون بينه وبين الظهر كل يوم، فصلوا الظهر وهكذا في العصر وسائر الصلوات، وقد وقع فيه صلوات سنة كلها فرائض مؤداة في وقتها، واليوم الثاني الذي كشهر والثالث الذي كجمعة قياس على اليوم الأول. قوله - صلى الله عليه وسلم -: فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرى وأسبغه ضروعًا وأمده خواصر، أما تروح فمعناه: ترجع آخر النهار، والسارحة: هي الماشية التى تسرح أي تذهب أول النهار إلى المرعى. وأما الذرى: فبضم الذال المعجمة وهي الأعالي، والأسنمة: هي جمع ذروة بضم الذال وكسرها. قوله: وأسبغه، بالسين المهملة والعين المعجمة أي أطوله لكثرة اللبن، وكذا أمده خواصر: لكثرة امتلائها من الشبع. ¬

_ (¬1) انظر: إكمال المعلم (8/ 483).

قوله - صلى الله عليه وسلم -: كيعاسيب النحل، هي ذكور النحل كذا فسره ابن قتيبة وآخرون، وقال عياض (¬1): المراد جماعة النحل لا ذكورها خاصة، لكنه كنى عن الجماعة باليعسوب، وهو أميرها، لأنه متى طار تبعته جماعته انتهى. وهذا يقتضي أن يكون كيعاسيب النحل من صفة الكنوز التي كاليعاسيب أو حالًا من الكنوز أي كائنة كاليعاسيب وهو كأنه من شرعه بإتباعها له، وقال بعضهم: أن يكون كيعاسيب النحل من صفة الدجال أي يتبع الدجال كنوز الأرض كما يتبع اليعسوب النحل وهو بعيد. قوله - صلى الله عليه وسلم -: فيقطعه جزلتين رمية الغرض. قال النووي (¬2): هو بفتح الجيم على المشهور وحكى ابن دريد كسرها أي قطعتين، ومعنى رمية الغرض: أي يجعل بين القطعتين مقدار رمية، قال القاضي (¬3): وعندي فيه تقديم وتأخير، تقديره: فيصيبه إصابة رمية الغرض فيقطعه جزلتين. قوله - صلى الله عليه وسلم -: فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين، المنارة: بفتح الميم، قال النووي: وهذه المنارة موجودة اليوم شرقي دمشق. ودمشق: بكسر الدال وفتح الميم على المشهور، وحكي كسر الميم، وعند المشهور فيها كسر العين، وفيها الفتح والضم, والمهروذتين: بالذال المعجمة، والمهملة، وهو الأكثر، ومعناه: لابس مهروذتين أي ثوبين مصبوغين بورس ثم زعفران، وقيل: هما شقتان والشقة نصف الملاءة. والجمان: بضم الجيم وتخفيف الميم، وهي: حبات من الفضة تصنع على هيئة اللؤلؤ الكبار، والمراد: ينحدر منه الماء على هيئة اللؤلؤ في صفائه فسمي الماء جمانًا لشبهه به في الصفاء والحسن. ¬

_ (¬1) انظر: إكمال المعلم (8/ 484). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (18/ 89 - 90). (¬3) انظر: إكمال المعلم (8/ 484).

ولد: بضم اللام وتشديد الدال معروف وهي بلدة قريبة من بيت المقدس. وفيمسح عن وجوههم: قال القاضي (¬1): يحتمل أن هذا المسح حقيقة على ظاهره فيمسح وجوههم تبركا وبرًّا، ويحتمل أنه أشار إلى كشف ما يكونوا فيه من الشدة. ويدان: بكسر النون تثنية يد أي لا قدرة ولا طاقة. وحرز عبادي إلى الطور: أي ضمهم إليه، واجعله لهم حرزًا، وهو بالحاء والراء المهملتين ثم بالزاي المعجمة، وقد وقع في بعض نسخ مسلم "حزب" بالزاي والباء أي اجمعهم، وروي حوز بالواو والزاي المعجمة، ومعناه نحهم وأزلهم عن طريقهم إلى الطور. قوله تعالى: {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} قال ابن الأثير (¬2): الحدب: بالتحريك ما ارتفع وغلظ من الظهر، وقد يكون في الصدر، وجمعه حداب، والنسل: الإسراع، يريد يظهرون من غليظ الأرض ومرتفعها. وجبل الخمر: بخاء معجمة وميم مفتوحتين الشجر الملتف، وفسر في الحديث أنه جبل بيت المقدس لكثرة شجره. قوله - صلى الله عليه وسلم -: حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرًا من مائة دينار، الظاهر أن هذا إشارة إلى شدة حال عيسى عليه السلام وأصحابه واحتياجهم يومئذ إلى المأكول، والنغف: بنون وغين معجمة مفتوحتين ثم فاء، هو دود يكون في أنوف الإبل، والغنم، الواحدة: نغفة، وفرسَىْ: بالفاء المفتوحة وبالسين المهملة والقصر أي قتلى، وزهمهم: هو بفتح الهاء أي دسمهم (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: المصدر السابق (8/ 486). (¬2) انظر: النهاية لابن الأثير (1/ 349). (¬3) انظر شرح هذا الحديث في: المعلم بفوائد مسلم (3/ 213 - 214)، وإكمال المعلم (8/ 482 - 488)، والمنهاج للنووي (18/ 86 - 95).

- ويروى: "فتطرحهم بالنهبل ويستوقد المسلمون من قسيهم، ونشّابهم وجعابهم سبع سنين، ثم يرسل الله مطرًا، لا يكن منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض، حتى يتركها كالزلفة، ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك، ورُدّي بركتك، فيومئذ تأكل العصابة من الرمّانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرسل، حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي القيام من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس، فبينما هم كذلك، إذ بعث الله ريحًا طيبة، فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم، ويبقى شرار الناس، يتهارجون فيها تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة". قلت: رواه مسلم في الفتن وهي بقية حديث النواس. (¬1) والنهبل: بفتح النون وسكون الهاء وفتح الباء الموحدة، اسم موضع من أرض بيت المقدس، والمدر: بفتح الميم والدال وهو الطين الصلب. وحتى يتركها كالزلفة: قال النووي (¬2): روي بفتح الزاي واللام وبالفاء، وروي: الزلفة بضم الزاي وإسكان اللام والفاء، وروي: الزلفة: بفتح الزاء واللام والفاء وبفتح اللام وإسكانها وكلها صحيحة. قال في المشارق (¬3): والزاي مفتوحة، واختلفوا في معناه: فقال ابن عباس: كالمرآة في صفائها ونظافتها، وقيل معناه: كمصانع الماء أي أن الماء يستنقع فيها حتى تصير الأرض كالمصنع، وقيل: كالصحفة، وقيل: كالروضة، والعصابة: الجماعة، وقحفها بالقاف والحاء المهملة. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2937). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (18/ 92)، وإكمال المعلم (8/ 487). (¬3) انظر: مشارق الأنوار (1/ 310 - 311).

قال في النهاية (¬1): هو قشرها تشبيهًا بقحف الرأس، وهو الذي فوق الدماغ. والرسل: بكسر الراء وإسكان السين المهملتين هو اللبن، واللقحة: بكسر اللام وفتحها لغتان مشهورتان والكسر أشهر، وهي القريبة العهد بالولادة، وجمعها: لقح بكسر اللام وفتح القاف، والفئام: بكسر الفاء وبعدها همزة ممدودة وهي الجماعة الكثيرة قال النووي (¬2) هذا هو المشهور المعروف، قال القاضي (¬3): ومنهم من لا يجيز الهمز بل يقوله بالياء وقال في المشارق (¬4): بفتح الفاء، والفخذ: الجماعة من الأقارب، وهم دون البطن والبطن دون القبيلة، قال القاضي (¬5): قال ابن فارس الفخذ هنا بإسكان الحاء ولا غير، لا يقال إلا بإسكانها بخلاف الفخذ الذي هو العضو فإنها تكسر وتسكن، ويتهارجون تهارج الحمر: أي يجامع الرجال النساء علانية بحضرة الناس كما يفعل الحمير، والهرج: بإسكان الراء الجماع، يقال: هرج زوجته أي جامعها يهرجها مثلث الراء، يقال: نشرت الخشبة، وعلى الأول أشرتها، ومفرق الرأس: بكسر الراء وسطها. والترقوة: بفتح التاء وضم القاف وهو العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق (¬6). 4379 - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليفرّن الناس من الدجال، حتى يلحقوا بالجبال"، قالت أم شريك: قلت: يا رسول الله فأين العرب يومئذ؟ قال: "هم قليل". ¬

_ (¬1) انظر: النهاية (4/ 17). (¬2) المنهاج (18/ 93). (¬3) انظر: إكمال المعلم (8/ 488). (¬4) انظر: مشارق الأنوار (2/ 144). (¬5) انظر: إكمال المعلم (8/ 489). (¬6) انظر: المنهاج للنووي (18/ 90 - 98).

قلت: رواه مسلم في الفتن والترمذي في المناقب من حديث أم شريك وقال: حسن صحيح انتهى ولم يخرجه البخاري. (¬1) 4380 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفًا، عليهم الطيالسة". قلت: رواه مسلم في الفتن من حديث أنس ولم يخرجه البخاري. (¬2) 4381 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "يأتي الدجال وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة، فينزل عند بعض السباخ التي تلي المدينة، فيخرج إليه رجل وهو خير الناس أو من خيار الناس، فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثه، فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته، هل تشكُّون في الأمر؟ فيقولون: لا، فيقتله، ثم يحييه، فيقول: "والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم، فيريد الدجال أن يقتله، فلا يسلّط عليه". قلت: رواه الشيخان كلاهما في الفتن والنسائي في الحج من حديث عبد الله ابن عبد الله بن عتبة عن أبي سعيد الخدري. (¬3) ونقاب المدينة: بكسر النون أي طرقها وفجاجها، وهو جمع نقب وهو الطريق بين الجبلين. فيقتله ثم يحييه: قال المازري: إن قيل: إظهار المعجزة على يد الكذاب ليس بممكن، فكيف ظهرت هذه الخوارق للعادة على يده؟ فالجواب: أنه إنما يدعي الربوبية وأدلة الحدوث تحيل ما ادعاه وتكذّبه، وأما النبي فإنما يدعي النبوة وليست بمستحيلة في البشر، فإذا أتى بدليل لم يعارضه شيء صدق (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2945)، والترمذي (3930). (¬2) أخرجه مسلم (2944). (¬3) أخرجه البخاري (7132)، ومسلم (2938)، والنسائي في الكبرى (4275). (¬4) انظر: المعلم بفوائد مسلم للمازري (3/ 214).

4382 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يأتي المسيح من قبل المشرق، وهمته المدينة، حتى ينزل دبر أحد، ثم تصرف الملائكة وجهه قبل الشام، وهنالك يهلك". قلت: رواه مسلم في الحج (¬1) من حديث أبي هريرة ولم يخرج البخاري هذا الحديث، إلا ما فيه من المعنى: أن الدجال لا يدخل المدينة ولا الطاعون. 4383 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال، لها يومئذ سبعة أبواب، على كل باب مَلَكان". قلت: رواه البخاري في الحج (¬2) من حديث أبي بكرة وفي الفتن ولم يخرج مسلم عن أبي بكرة في ذكر المدينة ولا الدجال شيئًا. 4384 - قالت: سمعت منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينادي: الصلاة جامعة، فخرجت إلى المسجد، فصليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما قضى صلاته، جلس على المنبر وهو يضحك، فقال: "ليلزم كل إنسان مصلاه" ثم قال: "هل تدرون لم جمعتكم؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأن تميمًا الداري كان رجلًا نصرانيًّا، فجاء، وأسلم، وحدثني حديثًا وافق الذي كنت أحدثكم به عن المسيح الدجال، حدثني: أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلًا من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهرًا في البحر، فأرفؤوا إلى جزيرة حين تغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة، فدخلوا الجزيرة، فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر، لا يدرون ما قبله من دبره، من كثرة الشعر، قالوا: ويلك ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة انطلقوا إلى هذا الرجل في الدَّيْر فإنه إلى خبركم بالأشواق، قال: لما سمّت لنا رجلًا، فرِقنا منها أن تكون شيطانة، قال: فانطلقنا سراعًا، حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان ما رأيناه قط خلقًا، وأشده وثاقًا، مجموعة يده إلى عنقه، ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد، قلنا: ويلك ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري، فأخبروني ما أنتم؟ ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1380). (¬2) أخرجه البخاري (7126).

قالوا: نحن أناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية، فلعب بنا البحر شهرًا، فدخلنا الجزيرة، فلقيتنا دابة أهلب، فقالت: أنا الجساسة، اعمدوا إلى هذا الدير، فأقبلنا إليك سراعًا، فقال: أخبروني عن نخل بيسان هل تثمر؟ قلنا: نعم، قال: أما إنها يوشك أن لا تثمر، قال: أخبروني عن بحيرة طبرية: هل فيها ماء؟ قلنا: هي كثيرة الماء، قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب، قال: أخبروني عن عين زُغر: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا: نعم، هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها، قال: أخبروني عن نبي الأميين: ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة، ونزل يثرب، قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم، قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه، قال: أما إن ذلك خير لهم أن يطيعوه، وإني مخبركم عني: أنا المسيح، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض، فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة، هما محرمتان عليّ كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة منهما، استقبلني ملك بيده السيف صلتًا، يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها"، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطعن بمِخْصرته في المنبر: "هذه طيبة، هذه طيبة، يعني: المدينة، ألا هل كنت حدثتكم ذلك؟ " فقال الناس: نعم، فقال: "ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن، لا بل من قبل المشرق، ما هو؟ " وأومأ بيده إلى المشرق. قلت: رواه مسلم فيما تفرد به عن البخاري في الفتن وأبو داود في الملاحم بمعناه والترمذي وابن ماجه في الفتن وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬1) قوله: الصلاة جامعة، هو بنصب الصلاة، وجامعة الأولى على الإغراء، والثاني على الحال. قوله - صلى الله عليه وسلم - عن تميم الداري: أنه جاء وأسلم، وحدثني أنه ركب سفينة: هذا معدود من مناقب تميم لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - روى عنه هذه القصة، وفيه رواية الفاضل عن المفضول، ورواية المتبوع عن التابع، وفيه قبول خبر الواحد. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2942)، وأبو داود (4326)، والترمذي (2253)، وابن ماجه (4074).

قوله: سفينة بحرية أي كبيرة لا زورقًا نهريًّا، ولخم وجذام: هما قبيلتان من العرب والأول: بالخاء المعجمة، والثاني: بالجيم والذال المعجمة، قوله: فلعب بهم الموج شهرًا أي اضطربت أمواجه، وسمى اضطرابه لعبًا لما لم يسر بهم على الوجه الذي أرادوه، يقال لكل من عمل عملًا لا ينفع إنما أنت لاعب. قوله: ثم أرفؤوا إلى جزيرة هو بالهمزة أي لجؤوا إليها، وأقرب السفينة هو بضم الراء وهي سفينة صغيرة تكون مع الكبيرة يتصرف فيها ركاب السفينة لقضاء حوائجهم، الجمع: قوارب والواحدة: قارب، بكسر الراء وفتحها وجاء هنا أقرب وهو صحيح، لكنه خلاف القياس، وأهلب الشعر: غليظ الشعر كثيره. والجساسة: بفتح الجيم وتشديد السين الأولى سميت بذلك لتجسسها الأخبار من الجسّ وهو الفحص عن الأخبار والبحث عنها، وقد روي عن عبد الله ابن عمرو أن هذه الدابة هي دابة الأرض التي تخرج في آخر الزمان، تكلمهم. وبيسان: بفتح الباء الموحدة ولا يقال: بالكسر وهي قرية بالشام. وعين زغر: بزاي معجمة وغين معجمة مفتوحة ثم راء مهملة على وزن صرد، وهي بلدة معروفة من الجانب القبلي من الشام، وطيبة: بالطاء المهملة هي المدينة الشريفة، والسيف صلتًا: أي مجردًا عن غمده، وفيه فتح الصاد وضمها، والمخصرة: بكسر الميم عصًا أو قضيبا كانت، تكون مع الملك أو الخطيب يشير بها إذا خاطب (¬1). قوله - صلى الله عليه وسلم -: لا بل من قبل المشرق ما هو وأومأ بيده إلى المشرق، قال عياض (¬2): لفظة ما هو زائدة صلة الكلام، ليست بنافية، والمراد إثبات أنه من جهة الشرق. 4385 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "رأيتني الليلة عند الكعبة، فرأيت رجلًا آدم كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال، له لِمة كأحسن ما أنت راء من اللمم، قد رجلها، فهي تقطر ماء متكئًا على عواتق رجلين، يطوف بالبيت، فسألت: من هذا؟ فقالوا: هذا ¬

_ (¬1) انظر: إكمال المعلم (8/ 497 - 502)، والمنهاج (18/ 104 - 109). (¬2) انظر: إكمال المعلم (8/ 502).

المسيح بن مريم، قال: ثم إذا أنا برجل جعد قطط، أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية، كأشبه من رأيت من الناس بابن قطن، واضعًا يديه على منكبي رجلين، يطوف بالبيت، فسألت: من هذا؟ فقالوا: هذا المسيح الدجال". قلت: رواه البخاري في اللباس وفي التعبير ومسلم في الإيمان من حديث عبد الله بن عمرو. (¬1) قال الزهري في ابن قطن: رجل من خزاعة هلك في الجاهلية. - وفي رواية: قال في الدجال: "رجل أحمر جسيم، جعد الرأس، أعور عينه اليمنى، أقرب الناس به شبهًا: ابن قطن". قلت: رواه الشيخان من حديث ابن عمر. (¬2) وأراني: بفتح الهمزة، واللمة: بكسر اللام وتشديد الميم وجمعها لمم، قال الجوهري (¬3): وتجمع على لمام يعني بكسر اللام، وهي الشعر المتدلي الذي يجاوز شحمة الأذن، فإذا بلغ المنكبين فهو جمة، ورجّلها: بتشديد الجيم أي سرحها بمشط مع ماء أو غيره، وتقطر ماء: قال عياض: معناه عندي أي يكون ذلك عبارة عن نضارته وحسنه، واستعاره لجماله، والعواتق: جمع عاتق، قال أهل اللغة: هو ما بين المنكب والعنق، وفيه لغتان التذكير والتأنيث وهو الأفصح، والمسيح: صفة لعيسى عليه السلام وصفة للدجال، فأما عيسى عليه السلام: فذهب أكثر العلماء إلى أن هذه الصفة مشتقة, فقيل: لأنه لم يمسح ذا عاهة إلا برىء، وقيل: لأنه ممسوح أسفل القدمين، وقيل: غير ذلك. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في اللباس (5902)، وفي التعبير (6999)، ومسلم (169). (¬2) أخرجه البخاري (3441) (7026)، ومسلم (171). (¬3) انظر: الصحاح للجوهري (5/ 2032).

من الحسان

والدجال: سمي بذلك قيل: لأنه ممسوح العين، وقيل: لمسحه الأرض حين يخرج، وقيل: غير ذلك، قال القاضي (¬1): ولا خلاف عند أحد من الرواة في اسم عيسى أنه بفتح الميم وكسر العين مخففة، واختلف في الدجال فأكثرهم يقوله مثله، ورواه بعضهم مسيح بكسر الميم والسين المشددة، وقال غير واحد كذلك إلا أنه بالخاء المعجمة، وقال بعضهم بكسر الميم وتخفيف السين. وجعد قطط: بفتح القاف والطاء على المشهور، ورواه القاضي: بفتح الطاء وكسرها أي شديد الجعودة أو بخيل يقال: جعد اليدين أو شديد الخلق، وطافية: يروى بهمزة وبغير همز، فبالهمز أي ذهب ضوءها، وبغيره أي ناتئة وقد تقدم. قوله - صلى الله عليه وسلم -: كأشبه من رأيت بابن قطن، قال النووي: ضبطنا رأيت بضم التاء وفتحها وقطن: بفتح القاف والطاء المهملة (¬2). من الحسان 4386 - في حديث تميم الداري قال - صلى الله عليه وسلم -: "فإذا أنا بامرأة تجر شعرها، قال: ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة، اذهب إلى ذلك القصر، فأتيته فإذا رجل يجر شعره، مسلسل في الأغلال، ينزو فيما بين السماء والأرض"، فقلت: من أنت؟ قال: "أنا الدجال". قلت: رواه أبو داود في الفتن (¬3) من حديث سلمة عن فاطمة بنت قيس في الملاحم، وفي إسناده: عثمان بن عبد الرحمن وهو أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو عبد الله عثمان بن عبد الرحمن القرشي مولاهم الحراني الطرائفي قيل له ذلك لأنه كان يتتبع طرائف الحديث، قال ابن نمير: كذاب، قال أبو عروبة: عنده عجائب قال ابن حبان لا يجوز ¬

_ (¬1) انظر: إكمال المعلم (1/ 521)، والمنهاج (2/ 304). (¬2) انظر: إكمال المعلم (1/ 519 - 524)، والمنهاج (2/ 302 - 307). (¬3) أخرجه أبو داود (4325) وإسناده صحيح.

عندي الاحتجاج بروايته، قال إسحاق بن منصور: ثقة، وقال أبو حاتم الرازي: صدوق وأنكر على البخاري إدخال اسمه في كتاب الضعفاء وقال تحول منه (¬1). وينزو: أي يثب وقد يكون في الأجسام والمعاني. 4387 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إني حدثتكم عن الدجال، حتى خشيت أن لا تعقلوا، أن المسيح الدجال رجل قصير، أفحج، جعد، أعور، مطموس العين، ليست بناتئة، ولا جحراء فإن ألبس عليكم، فاعلموا أن ربكم ليس بأعور". قلت: رواه أبو داود في الملاحم والنسائي من حديث عبادة بن الصامت. (¬2) وفي سنده: بقية بن الوليد. وأفحج: بالفاء وبعدها الحاء المهملة وبعد الجيم. قال في النهاية (¬3): أفحج متباعد ما بين الفخذين، ومطموس العين أي ممسوحها. قوله - صلى الله عليه وسلم -: ليست بناتئة ولا جحراء هذه اللفظة ذكرها ابن الأثير (¬4) في باب الجيم والحاء المهملة قال أي غائرة منحجرة في نقرتها قال: وقال الأزهري: هي بالخاء المعجمة وأنكر الحاء، وقال أعني ابن الأثير في باب الجيم والخاء المعجمة: عين الدجال ليست بناتئة ولا جخراء. قال الأزهري (¬5): الجخراء: الضيقة التي لها غمص ورمص، ومنه قيل للمرأة جخراء، إذا لم تكن نظيفة المكان، ويُروى بالحاء المهملة انتهى كلامه. ¬

_ (¬1) قال عنه الحافظ: صدوق، أكثر الرواية عن الضعفاء والمجاهيل فضعّف بسبب ذلك حتى نسبه ابن نمير إلى الكذب، وقد وثقه ابن معين، انظر: التقريب (4526)، وللتفصيل: تهذيب الكمال (19/ 428 - 431) رقم (3838). (¬2) أخرجه أبو داود (4320)، والنسائي في الكبرى (7764). وفي إسناده بقية بن الوليد وقد سبق الكلام عليه. (¬3) النهاية (3/ 415). (¬4) المصدر السابق (1/ 240 و 242). (¬5) انظر: تهذيب اللغة (7/ 46).

4388 - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنه لم يكن نبي بعد نوح إلا قد أنذر الدجال قومه، وإني أنذركموه" فوصفه لنا، فقال: "لعله سيدركه بعض من رآني، أو سمع كلامي"، فقالوا: يا رسول الله! فكيف قلوبنا يومئذ؟ قال: "مثلها يعني: اليوم أو خير". قلت: رواه أبو داود في السنة والترمذي في الفتن من حديث عبد الله بن سراقة عن أبي عبيدة يرفعه، وقال الترمذي: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث خالد الحذاء انتهى. (¬1) وعبد الله بن سراقة: حسن له الترمذي، وقال: له صحبة، لكن ذكر البخاري أن عبد الله بن سراقة: لا يعرف له سماع من أبي عبيدة. 4389 - قال: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: الدجال يخرج من أرض بالمشرق يقال لها: "خراسان، يتبعه أقوام، كأن وجوههم المجان المطرقة". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في الفتن من حديث عمرو بن حريث عن أبي بكر الصديق، وقال الترمذي: حسن غريب انتهى. (¬2) وقد تقدم تفسير المجان المطرقة. 4390 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من سمع بالدجال، فلينأ منه، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن، فيتبعه مما يبعث به من الشبهات". قلت: رواه أبو داود في الملاحم من حديث عمران بن حصين وسكت عليه وفلينأ منه: أي فليباعد منه. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4756)، والترمذي (2234) وفي إسناده عبد الله بن سراقة قال الذهبي: لا يعرف له سماع من أبي عبيدة. قاله البخاري، ولا روى عنه سوى عبد الله بن شقيق العقيلي. وقال الحافظ: وثقه العجلي، ثم ذكر قول البخاري. انظر: التقريب (3363). (¬2) أخرجه الترمذي (2237)، وابن ماجه (4072) وإسناده صحيح كما قال الحاكم (4/ 527)، ووافقه الذهبي. (¬3) أخرجه أبو داود (4319)، قال الحاكم (4/ 53): صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.

4391 - قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يمكث الدجال في الأرض أربعين سنة: السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كاضطرام السعفة في النار". قلت: رواه الإمام أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن أبي خيثمة عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد وساقه بهذا اللفظ، وهو من زوائد المسند على السنن الأربعة. (¬1) 4392 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يتبع الدجال من أمتي سبعون ألفًا عليهم السيجان". قلت: رواه المصنف في شرح السنة من حديث عبد الرزاق عن معمر عن أبي مروان العبدي عن أبي سعيد الخدري يرفعه. (¬2) والسيجان: بالسين المهملة وبالياء المثناة من تحت وبالجيم جمع السياج، وهو الطيلسان الأخضر قاله الجوهري (¬3) وغيره. 4393 - قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيتي، فذكر الدجال، فقال: "إن بين يديه ثلاث سنين: سنة تمسك السماء فيها ثلث قطرها، والأرض ثلث نباتها، والثانية تمسك السماء ثلثي قطرها، والأرض ثلثي نباتها، والثالثة تمسك السماء قطرها كله، والأرض نباتها كله، فلا يبقى ذات ظلف، ولا ذات ضرس من البهائم، إلا هلكت، وإن من أشد فتنته أنه يأتي الأعرابي، فيقول: أرأيت إن أحييت لك إبلك ألست تعلم أني ربك؟ فيقول: بلى، فيتمثل له نحو إبله كأحسن ما يكون ضروعًا وأعظمه أسنمة قال: ويأتي الرجل قد مات أخوه، ومات أبوه، فيقول: أرأيت إن أحييت لك أباك وأخاك، ألست تعلم أني ربك؟ فيقول: بلى، فيتمثل له الشيطان نحو أبيه ونحو أخيه". ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (6/ 454 - 459) ورجاله ثقات غير شهر بن حوشب وله شاهد في المستدرك (4/ 530). وشهر بن حوشب الأشعري، الشامي، مولى أسماء بنت يزيد بن السكن، صدوق، كثير الإرسال والأوهام. انظر: التقريب (2846). (¬2) أخرجه البغوي في شرح السنة (15/ 62 رقم (4265) وفي إسناده أبو هارون العبدي، واسمه عمارة بن جوين وهو مشهور بكنيته، قال الحافظ: متروك، ومنهم من كذبه -شيعي-، انظر: التقريب (4874). وانظر: الضعيفة (6088). (¬3) انظر: الصحاح للجوهري (1/ 323).

باب قصة ابن صياد

قالت: ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحاجته، ثم رجع والقوم في اهتمام وغم مما حدثهم، قالت: فأخذ لحمتي الباب، فقال: "مهيم أسماء؟ " قلت: يا رسول الله لقد خلعت أفئدتنا بذكر الدجال، قال: "إن يخرج وأنا حي فأنا حجيجه، وإلا فإن ربي خليفتي على كل مؤمن"، فقلت: يا رسول الله إنا لنعجن عجيننا، فما نخبزه حتى نجوع، فكيف بالمؤمنين يومئذ؟ قال: "يجزيهم ما يُجزي أهل السماء من التسبيح والتقديس". قلت: رواه الإمام أحمد عن عبد الرزاق أنبأ معمر عن قتادة عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد الأنصارية وليس في شيء من السنن الأربعة. (¬1) قوله: فأخذ بلحمتي الباب: هما جانبا الباب والمراد بهما عضاضتا الباب وقال بعض الشارحين: الصواب بلحفي الباب بالفاء بعد الحاء أي جانباه. قوله - صلى الله عليه وسلم -: مهيم، هي كلمة يمانية يستفهم بها والمراد ما شأنك وما الحال. باب قصة ابن صياد من الصحاح 4394 - أن عمر بن الخطاب انطلق مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رهط من أصحابه قِبَل ابن صياد، حتى وجدوه يلعب مع الصبيان في أطُم بني مَغالة، وقد قارب ابن صياد يومئذ الحلم، فلم يشعر حتى ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ظهره بيده، ثم قال: "أتشهد أني رسول الله؟ " فنظر إليه، فقال: أشهد أنك رسول الأميين، ثم قال ابن صياد: أتشهد أني رسول الله فرفضه النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: "آمنت بالله ورسوله، ثم قال لابن صياد: "ماذا ترى؟ " قال: يأتيني صادق وكاذب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خلّط عليك الأمر"، ثم ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (6/ 453) وفيه شهر بن حوشب وهو ضعيف. كما سبق.

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني خبأت لك خبيئًا؟ "، وخبأ له {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} فقال: هو الدُّخْ قال: "اخسأ، فلن تعدو قدرك"، قال عمر: يا رسول الله! أتأذن لي أن أضرب عنقه؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن يكن هو، لا تسلط عليه، وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله"، قال ابن عمر: انطلق بعد ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بن كعب الأنصاري يؤمّان النخل التي فيها ابن صياد، فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتقي بجذوع النخل، وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئًا قبل أن يراه، وابن صياد مضطجع على فراشه في قطيفة، له فيها زمزمة، فرأت أم ابن صياد النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يتقي بجذع النخل، فقالت: أي صاف -وهو اسمه- هذا محمد، فتناهى ابن صياد. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو تركته بيّن". قلت: رواه بطوله الشيخان: البخاري في الجهاد ومسلم في الفتن من حديث سالم عن ابن عمر أن عمر ... وأبو داود في الملاحم إلى قوله: فلا خير لك في قتله، والترمذي في الفتن مقطعًا في موضعين وليس فيه قصة انطلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أبي بن كعب إلى النخل وقال: صحيح. (¬1) قوله: عند أطم بني مغالة، بفتح الميم وتخفيف الغين المعجمة وذكر مسلم في رواية أخرى بني معاوية بضم الميم وبالعين المهملة قال النووي (¬2): والمعروف هو الأول، وبنو مغالة كل ما كان على يمينك إذا وقفت آخر البلاط مستقبل مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. والأطم: بضم الهمزة والطاء الحصن جمعه آطام. قوله فرفضه قال النووي (¬3): هكذا في أكثر نسخ مسلم ببلادنا بالضاد المعجمة، قال القاضي (¬4): وروايتنا فيه عن جماعة بالصاد المهملة، قال: وقال بعضهم الرفص ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الجهاد (3055) (3056) (3057)، ومسلم (2930)، وأبو داود (4329) , والترمذى (2235). (¬2) المنهاج (18/ 73). (¬3) المصدر السابق. (¬4) انظر: إكمال المعلم (8/ 470).

بالصاد المهملة الضرب بالرجل مثل الرفس بالسين فإن صح هذا فهو بمعناه لكن لم أجد هذه اللفظة في أصول اللغة، قال: ووقع في رواية القاضي التميمي فرفصه بصاد مهملة وهو وهم، وفي البخاري: من رواية المروزي فرقصه بالقاف والصاد المهملة ولا وجه له، وفي البخاري في كتاب الأدب، فرفضه بضاد معجمة، قال الخطابي: فرفصه: بصاد مهملة أي ضغطه حتى ضم بعضه إلى بعض، ومنه قوله تعالى {بنيان مرصوص} قال النووي (¬1): يجوز أن يكون معنى فرفضه بالمعجمة أي ترك سؤاله ليأسه ثم شرع في سؤاله عما يرى. قوله - صلى الله عليه وسلم -: خبأت لك خبيئًا كذا هو في مسلم في معظم نسخ بلادنا بباء موحدة مكسورة ثم ياء مثناة من تحت وفي بعضها خبأ بموحدة فقط. قوله: هو الدخ هو بضم الدال وتشديد الخاء، وهي لغة في الدخان، والجمهور على أنه المراد هنا وأنها لغة فيه، قال بعضهم: كانت سورة الدخان مكتوبة في يده - صلى الله عليه وسلم - وقيل كتب الآية في يده (¬2). قال القاضي (¬3): وأصح الأقوال أنه لم يهتد من الآية التي أضمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا لهذا اللفظ الناقص على عهد الكهان إذا ألقى الشيطان إليهم بقدر ما يخطف قبل أن يدركه الشهاب، ويدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اخسأ فلن تعدو قدرك"، أي أبعد واسكت صاغرًا فلن تعدو القدر الذي يدركه الكهان من الاهتداء إلى بعض الشيء وما لا تتبين به حقيقة قوله - صلى الله عليه وسلم -: أن يكن هو، إن يكن ابن صياد هو الدجال لا تسلط عليه لأن قتله إنما يكون على يد عيسى عليه السلام، وإن لم يكن هو فليس لك أن تقتل صبيًّا من أهل العهد. ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (18/ 74). (¬2) المصدر السابق (18/ 67). (¬3) انظر: إكمال المعلم (8/ 470 - 471).

ويختل: بالخاء المعجمة وكسر التاء المثناة من فوق أي يخدع ابن صياد ويستغفله ليسمع شيئًا من كلامه، ويعلم هو والصحابة حاله في أنه كاهن أو ساحر. والقطيفة: كساء مخمل، وزمزمة بزاءين معجمتين: قال النووي (¬1): كذا وقع معظم نسخ مسلم وفي بعضها براءين مهملتين ووقع في البخاري بالوجهين، وفي بعض نسخ مسلم "رمزة" براء أولًا وزاي آخرًا وحذف الميم الثانية، وهو صوت خفي لا يكاد يفهم أو لا يفهم. قوله - صلى الله عليه وسلم -: لو تركته بين، أي بيّن ما في نفسه (¬2). - قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال فقال: "إني أنذرتكموه، وما من نبي ألا وقد أنذر قومه، لقد أنذر نوح قومه، ولكني سأقول لكم فيه قولًا لم يقله نبي لقومه، تعلّمو أنه أعور، وإن الله ليس بأعور". قلت: رواه الشيخان وهو بقية الحديث الذي قبله ورواه أبو داود في السنة مقتصرًا على هذه القطعة من حديث ابن عمر. (¬3) وتعلموا أنه أعور: واتفق الرواة على ضبط تعلموا بفتح العين وباللام المشددة كذا نقله القاضي (¬4) وغيره يقال تعلّم بالفتح مشدد بمعنى اعلم. 4395 - قال: لقيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر في بعض طرق المدينة، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أتشهد أني رسول الله؟ "، فقال هو: تشهد أني رسول الله؟ فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "آمنت بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، ماذا ترى؟ " قال: أرى عرشًا على الماء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ترى عرش إبليس على البحر، وما ترى؟ "، ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (18/ 75). (¬2) انظر لشرح الحديث: معالم السنن (4/ 322 - 323)، وإكمال المعلم (8/ 465 - 474)، والمنهاج للنووي (18/ 64 - 75). (¬3) متفق عليه عن ابن عمر في الذي قبله وأبو داود (4757). (¬4) انظر: إكمال المعلم (8/ 474).

قال: أرى صادقين، وكاذبًا، أو كاذبين وصادقًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس عليه، فدعوه". قلت: رواه مسلم في الفتن من حديث أبي سعيد الخدري (¬1) وروي عن جابر بن عبد الله لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن صياد ومعه أبو بكر وعمر بنحو هذا، ولم يخرج البخاري عن أبي سعيد ولا عن جابر في هذا شيئًا، إلا حلف عمر على ابن صياد أنه الدجال، فإنه خرجه عن جابر، وسيأتي. ولُبِس عليه: هو بضم اللام وتخفيف الباء أي خلط عليه أمره. 4396 - أن ابن صياد سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن تربة الجنة؟ فقال: "در مكة بيضاء، مسك خالص". قلت: رواه مسلم في الفتن من حديث أبي سعيد الخدري (¬2). وفي رواية: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لابن صياد ما تربة الجنة؟ قال: در مكة بيضاء، مسك يا أبا القاسم، قال: صدقت، رواها مسلم ولم يخرجها البخاري. والدر مكة: الدقيق الحواري، الخالص: البياض، قال العلماء شبه تربة الجنة بها لبياضها ونعومتها وبالمسك لطيبها. واقتصر المصنف على رواية أن ابن صياد هو السائل للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يذكر رواية أنه - صلى الله عليه وسلم - سأل ابن صياد، وإن كانتا في مسلم كما بيناه لأنها عند أهل الحديث أظهر كما صرح به القاضي عياض وغيره. 4397 - قال: لقي ابن عمر ابن صياد في بعض طرق المدينة، فقال له قولًا أغضبه، فانتفخ، حتى ملأ السكة، فدخل ابن عمر على حفصة، وقد بلغها فقالت له: رحمك الله! ما أردت من ابن صياد؟ أما علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنما يخرج من غضبة يغضبها؟ ". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2928). (¬2) أخرجه مسلم (2928).

قلت: رواه مسلم في الفتن (¬1) من حديث نافع عن حفصة كما ذكره المصنف ولم يخرجه البخاري. والسكة: بكسر السين الطريق، وجمعها: سكك، قال أبو عبيد (¬2): أصل السكة الطريق المصطف من النخل قال: وسميت الأزقة سككًا لاصطفاف الدور فيها. 4398 - قال: صحبت ابن صياد إلى مكة، فقال لي: ما لقيت من الناس، يزعمون أني الدجال، ألست سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أنه لا يولد له؟، وقد ولد لي، أو ليس قد قال: "هو كافر؟ " وأنا مسلم، أو ليس قد قال: "لا يدخل المدينة ولا مكة؟ " وقد أقبلت من المدينة، وأنا أريد مكة، ثم قال لي في آخر قوله: أما والله، إني لأعلم مولده، ومكانه وأين هو؟ وأعرف أباه وأمه، قال: فلَبسني، قال: قلت له: تبًّا لك سائر اليوم، قال: وقيل له: أيسرك أنك ذاك الرجل؟ قال: فقال: لو عرض علي ما كرهت. قلت: رواه مسلم في الفتن من حديث أبي سعيد الخدري (¬3) وقدمنا أن البخاري لم يخرج عن أبي سعيد في هذا شيئًا. قوله: تبًّا لك، التب: الهلاك، وهو منصوب على المصدر وفعله محذوف كسفيًا ورعيًا لك، وسحقًا وبعدًا له. 4399 - قال ابن عمر: رأيته وقد نفرت عينه، فقلت: متى فعلت عينك ما أرى؟ قال: لا أدري، قلت: لا تدري، وهي في رأسك؟ قال: إن شاء الله خلقها في عصاك هذه، قال: فنخر كأشد نخير حمار سمعت. قلت: رواه مسلم في الفتن من حديث ابن عمر ولم يخرجه البخاري. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2932). (¬2) انظر: غريب الحديث للهروي (1/ 349). (¬3) أخرجه مسلم (2927). (¬4) أخرجه مسلم (2932).

ونفرت عينه: بفتح النون والفاء أي ورمت، وذكر القاضي عياض (¬1): أنه روي على أوجه أخر والظاهر أنها تصحيف كذا قاله النووي (¬2). قوله: فنخر النخير صوت الأنف تقول: نخر ينخر نخيرًا. 4400 - قال: رأيت جابر بن عبد الله رضي الله عنه يحلف بالله: أن ابن الصياد الدجال، قلت: تحلف بالله؟ قال: إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم ينكره النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه. قلت: رواه الشيخان: البخاري في الاعتصام، وترجم عليه باب من رأي ترك النكير من النبي -صلى الله عليه وسلم - حجة لا من غير الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الفتن وأبو داود في الملاحم (¬3) كلهم من حديث محمد بن المنكدر، قال: رأيت جابرًا به. وقصة ابن صياد مشكلة، وأمره مشتبه في أنه هل هو المسيح الدجال أو غيره؟ قال العلماء: وظاهر الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يوح إليه بأنه المسيح الدجال ولا غيره، ولهذا قال لعمر رضي الله عنه: "إن يكن هو فلن تسلط عليه"، وأما احتجاجه هو بأنه مسلم، والدجال كافر، وبأنه لا يولد للدجال، وقد ولد له، وأن لا يدخل مكة والمدينة، وأن ابن صياد دخل المدينة وهو متوجه إلى مكة، فلا دلالة فيه، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أخبر عن صفاته، وقت فتنته وخروجه في الأرض، واشتباه قصته وكونه أحد الدجاجلة الكذابين قوله للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "أتشهد أني رسول الله"، ودعواه أنه يرى صادقًا، وكاذبًا وأنه يرى عرشًا فوق الماء، وأنه لا يكره أن يكون هو الدجال، وأنه يعرف موضعه, وانتفاخه، حتى ملأ السكة، وأما إظهاره الإسلام وحجه وجهاده وإقلاعه عما كان عليه فليس بصريح في أنه غير الدجال، قال الخطابي (¬4): واختلف ¬

_ (¬1) انظر: إكمال المعلم (8/ 477). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (18/ 78). (¬3) أخرجه البخاري (7355)، ومسلم (2929). (¬4) انظر: معالم السنن (4/ 322 - 323).

من الحسان

السلف في أمره بعد كبره، فروي عنه أنه تاب من ذلك القول، ومات بالمدينة وأنهم لما أرادوا الصلاة عليه، كشفوا عن وجهه حتى رآه الناس، وقيل لهم اشهدوا، وقد صح من حديث جابر الآتي: أن ابن صياد فقد يوم الحرة، وهذا يبطل رواية من روى أنه مات بالمدينة، وصلى عليه، قال البيهقي وغيره (¬1): وكان أمر ابن صياد فتنة ابتلى الله تعالى بها عباده فعصم الله تعالى منها المسلمين، ووقاهم شرها، قال: وليس في حديث جابر أكثر من سكوت النبي - صلى الله عليه وسلم - على قول عمر، فيحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - كان كالمتوقف في أمره، ثم جاءه البيان أنه غيره، كما صرح به في حديث تميم انتهى كلام البيهقي، فاختار أنه غيره، وقد صح عن عمر وابن عمر وجابر أنه الدجال، فإن قيل: كيف لم يقتله النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أنه ادعى بحضرته النبوة، فالجواب من وجهين أحدهما: أنه كان غير بالغ، والثاني: أنه كان في أيام مهادنة اليهود وحلفائهم، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد قدومه المدينة كتب بينه وبين اليهود كتاب صلح على أن يتركوا على أمرهم وكان ابن صياد منهم أو دخيلًا فيهم (¬2). من الحسان 4401 - قال: كان ابن عمر يقول: والله ما أشك أن المسيح الدجال: ابن صياد. قلت: رواه أبو داود في الملاحم من حديث نافع عن ابن عمر بإسناد صحيح. (¬3) 4402 - قال: فقد ابن صياد يوم الحرة. ¬

_ (¬1) نسب النووي هذا القول للبيهقي في كتابه "البعث والنشور" ولكن المطبوع منه ليس فيه هذا القول، ونبّه محققّه على أن ما نقله النووي عن البيهقي، لا يوجد في هذه النسخة من البعث والنشور، لعل النسخة التي اعتمد عليها المحقق ناقصة، انظر مقدمة البعث والنشور للبيهقي. (¬2) انظر حول ابن صيّاد: معالم السنن (4/ 322 - 323)، وإكمال المعلم (8/ 474 - 475)، والمنهاج للنووي (18/ 64 - 67). (¬3) أخرجه أبو داود (4330).

قلت: رواه أبو داود في الملاحم من حديث جابر بإسناد صحيح. (¬1) 4403 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يمكث أبو الدجال ثلاثين عامًا لا يولد لهما ولد، ثم يولد لهما غلام أعور، أضرس، وأقله منفعة، تنام عيناه، ولا ينام قلبه"، ثم نعت لنا رسول الله أبويه، فقال: "أبوه طوال، ضرب اللحم، كأن أنفه منقار، وأمه امرأة فرضاخية طويلة اليدين"، فقال أبو بكرة: فسمعنا بمولود في اليهود بالمدينة، فذهبت أنا والزبير بن العوام، حتى دخلنا على أبويه، فإذا نعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهما، فقلنا هل لكما ولد؟ فقالا: مكثنا ثلاثين عامًا لا يولد لنا ولد، ثم ولد لنا غلام أعور أضرس، وأقله منفعة، تنام عيناه، ولا ينام قلبه، قال: فخرجنا من عندهما، فإذا هو منجدل في الشمس في قطيفة، وله همهمة، فكشف عن رأسه، فقال: ما قلتما؟ قلنا: وهل سمعت ما قلنا؟ قال: نعم، تنام عيناي ولا ينام قلبي. قلت: رواه الترمذي في الفتن عن عبد الله بن معاوية الجمحي ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبي بكرة وقال: حسن غريب. (¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم -: أعور أضرس، قيل: الأضرس: العظيم الضرس، وهو السن، وقيل: هو الذي يولد وضِرْسه مخلوق معه، وقيل: هو تصحيف وقع في جميع نسخ المصابيح لا غير، وأصلح والصواب: بإضافة الأضر إلى شيء، بالشين المعجمة وهو كذلك في جامع أبي عيسى الترمذي وهو الصحيح من حيث اللفظ والمعنى. قوله - صلى الله عليه وسلم -: وأقله منفعة، الضمير فيه عائد إلى الغلام أي أقل الغلام، معناه لا غلام أقل منه منفعة، فعلى ما جاء في الترمذي وهو الصواب يكون المعنى: أنه أكثر الأشياء مضرة وأقل الأشياء منفعة. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4332) وإسناده كما قال. (¬2) أخرجه الترمذي (2248) وإسناده ضعيف فيه علي بن زيد جدعان وهو ضعيف. وقع في الأصل "رواه أبو داود" والصحيح ما أثبتناه.

قوله - صلى الله عليه وسلم -: تنام عيناه ولا ينام قلبه، سبب ذلك غلبة الأفكار الفاسدة، وتواتر ما يلقي الشيطان في أمنيته، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - تنام عيناه ولا ينام قلبه، شغله بالأفكار الصالحة في ملكوت السموات والأرض وما يلقى إليه من الوحي الإلهي موجب لأن تنام عيناه ولا ينام قلبه، وطوال: بالضم والتخفيف الطول، وضرب اللحم: هو خفيف اللحم. وفرضاخية: بكسر الفاء وتشديد الياء أي ضخمة عظيمة اليدين، ومنجدل: بالجيم والدال المهملة أي ملقاة على الجدالة وهي الأرض. والهمهمة: الكلام الخفيف الذي لا يفهم. 4404 - أن امرأة من اليهود بالمدينة ولدت غلامًا، ممسوحة عينه، طالعة نابه، فأشفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكون الدجال، فوجده تحت قطيفة يهمهم، فآذنته أمه، فقالت: يا عبد الله! هذا أبو القاسم، فخرج من القطيفة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما لها؟ قاتلها الله! لو تركته لبيّن ... "، فذكر مثل معنى حديث ابن عمر، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "ائذن لي يا رسول الله! فأقتله"، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن يكن هو، فلست صاحبه، إنما صاحبه عيسى بن مريم، وإلا يكن هو، فليس لك أن تقتل رجلًا من أهل العهد"، فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشفقًا أنه الدجال. قلت: رواه الإمام أحمد عن محمد بن سابق عن إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن جابر. (¬1) والهمهمة: الكلام الخفيف الذي لا يفهم. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (3/ 368) وإسناده فيه عنعنة أبي الزبير، وهو مدلس، وقد ورد في صحيح مسلم بأخصر منه (2926).

باب نزول عيسي عليه السلام

باب نزول عيسي عليه السلام من الصحاح 4405 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عدلًا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيرًا من الدنيا وما فيها"، ثم يقول أبو هريرة: فاقرؤوا إن شئتم: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} الآية. قلت: رواه البخاري في البيوع ومسلم في الإيمان والترمذي في الفتن إلى قوله: لا يقبله أحد، كلهم من حديث أبي هريرة. (¬1) ويوشكن: بضم الياء وكسر الشين ومعناه ليقربن. ومعنى: فيكم، في هذه الأمة، وحكمًا: أي حاكمًا بهذه الشريعة، لا ينزل برسالة مستقلة ناسخة الشريعة، بل حاكم من حكام هذه الأمة. وكسر الصليب: هو كسره حقيقة فيبطل بذلك ما زعمته النصارى في الصليب، وكذلك قتل الخنزير، وفيه دليل على قتل الخنزير مطلقًا وإن لم يكن فيه ضراوة خلافًا لمن شذ من أصحابنا فخصص القتل بخنزير فيه ضراوة. ومعنى: ويضع الجزية، الصواب أنه لا يقبلها ولا يقبل من الكفار إلا الإسلام، وقيل: يضربها على جميع الكفرة، والصواب الأول فيكون حكم الجزية في شرعنا غيّاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى نزول عيسى، فإذا نزل عيسى فلا قبول للجزية، والناسخ لحكمها هو محمد - صلى الله عليه وسلم - لا عيسى. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ويفيض المال، هو بفتح الياء، معناه يكثر وتنزل البركة، وتكثر الخيرات بسبب العدل، وعدم التظالم، قوله - صلى الله عليه وسلم -: حتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها، يعني أن الناس تكثر رغبتهم في العبادة لقصر آمالهم، وعلمهم بقرب الساعة، والسجدة: هي السجدة بعينها أو هي عبارة عن الصلاة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2222)، ومسلم (155)، والترمذي (2233).

وأما قول أبي هريرة: واقرؤوا إن شئتم .... إلى آخره ففيه دليل: على أن مذهب أبي هريرة في الآية أن الضمير في "موته": يعود على عيسى عليه السلام، ومعناها: وما من أهل الكتاب أحد يكون في زمن عيسى إلا آمن بعيسى، وعلم أنه عبد الله، وابن أمته، وهذا مذهب جماعة من المفسرين، وذهب الأكثرون إلى أن الضمير يعود على الكتابي، ومعناه: وما من أهل الكتاب أحد يحضره الموت إلا آمن عند معاينة الموت، قبل خروج روحه بعيسى، وأنه عبد الله وابن أمته، ولكن لا ينفعه هذا الإيمان لأنه في حضرة الموت وحالة النزاع، وقيل: أن الهاء في "به" تعود على نبينا - صلى الله عليه وسلم - وفي "موته" يعود على الكتابي، قاله النووي في شرح مسلم (¬1). 4406 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "والله، لينزلن ابن مريم حكمًا عدلًا، فليكسرن الصليب، وليقتلن الخنزير، وليضعن الجزية، وليتركن القلاص فلا يسعى عليها، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد، وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد". قلت: رواه مسلم من حديث أبي هريرة في كتاب الإيمان ورواه البخاري (¬2) ولم يذكر: القلاص إلى قوله والتحاسد. والقلاص: بكسر القاف جمع قلوص وهي الناقة الشابة، وقيل لا تزال قلوصًا حتى تصير بازلًا، ومعنى: ولا يسعى عليها أي يُزهد فيها ولا يُرغب في اقتنائها لكثرة الأموال، وقلة الآمال، وإنما ذكرت القلاص لكونها أشرف الإبل التي هي أشرف أموالهم وهي شبيه بقوله تعالى: {وإذا العشار عطلت} وقال القاضي (¬3): معنى لا يسعى عليها، لا تطلب زكاتها، إذ لا يوجد من يقبلها، قال النووي: وهذا تأويل باطل (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (2/ 249 - 252)، وإكمال المعلم (1/ 470 - 474). (¬2) أخرجه البخاري (2222)، ومسلم (155). (¬3) انظر: إكمال المعلم (1/ 472). (¬4) انظر: المنهاج للنووي (2/ 253).

باب قرب الساعة، وأن من مات، فقد قامت قيامته

والشحناء: العداوة، وليدعون: هو بضم الواو وتشديد النون. 4407 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم، وإمامكم منكم؟ ". قلت: رواه البخاري في أحاديث الأنبياء ومسلم في الإيمان. (¬1) 4408 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرين إلى يوم القيامة"، قال "فينزل عيسى بن مريم، فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، أن بعضكم بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة". قلت: رواه مسلم في الإيمان من حديث جابر، ولم يخرج البخاري هذا الحديث إلا أنه ذكر الطائفة، ونزول عيسى من حديث أبي هريرة ولم يذكر الصلاة وما بعدها. (¬2) باب قرب الساعة، وأن من مات، فقد قامت قيامته من الصحاح 4409 - قال سول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بعثت أنا والساعة كهاتين". قال قتادة في قصصه: كفضل إحداهما على الأخرى. قلت: رواه البخاري في الرقائق ومسلم في الفتن من حديث قتادة عن أنس (¬3) قالا وفي رواية: غندر عن شعبة قال: وسمعت، وقتادة يقول في قصصه كفضل إحداهما على الأخرى، فلا أدري أذكره عن أنس أو قاله قتادة، ورواه الترمذي أيضًا بمعناه، وقد روي بنصب الساعة ورفعها، فقيل المراد شيء يسير كما بين الأصبعين، وقيل: المراد قرب المجاورة. 4410 - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول قبل أن يموت بشهر: "تسألونني عن ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3449)، ومسلم (155). (¬2) أخرجه مسلم (156). (¬3) أخرجه البخاري (6501)، ومسلم (2951).

الساعة؟ وإنما علمها عند الله، وأقسم بالله، ما على الأرض من نفس منفوسة تأتي عليها مائة سنة". قلت: رواه مسلم في أواخر الفضائل من حديث ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر ولم يخرجه البخاري. (¬1) يريد - صلى الله عليه وسلم - بذلك وبحديث أبي سعيد الذي بعد هذا الحديث أن ذلك القرن ينخرم، وهذا علم من أعلام النبوة، والمراد أن كل نفس منفوسة كانت ذلك الوقت على الأرض، لا تعيش أكثر من مائة سنة، سواء انخرم عمرها قبل ذلك أم لا، وليس فيه نفي عيش من يوجد بعد ذلك الوقت أكثر من مائة سنة، ويؤيد ما ذكرناه من هذا التأويل ما جاء في صحيح مسلم من حديث عمر في هذا المعنى، وفسره بما قلناه، ومعنى نفس منفوسة: أي مولودة، وفيه احتراز عن الملائكة (¬2). 4411 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تأتي مائة سنة، وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم". قلت: رواه مسلم في الفضائل من حديث أبي نضرة المنذر بن مالك عن أبي سعيد. (¬3) قال النووي (¬4): وقد تمسك بهذه الأحاديث من شذ فذهب إلى أن الخضر مات، والجمهور على حياته، وأنه كان على البحر لا على الأرض، أو أنه عام مخصوص. 4412 - كان رجال من الأعراب يأتون النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيسألونه عن الساعة؟ فكان ينظر إلى أصغرهم، فيقول: "إن يعش هذا لا يدركه الهرم، حتى تقدم عليكم ساعتكم". قلت: رواه البخاري في الرقاق ومسلم في أواخر الفتن واللفظ لمسلم (¬5) كلاهما من ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2538). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (16/ 135). (¬3) أخرجه مسلم (2539). (¬4) انظر: المنهاج (16/ 135). (¬5) أخرجه البخاري (6511)، ومسلم (2952).

من الحسان

حديث عائشة، قال هشام: يعني موتهم، ومعناه: يموت ذلك القرن أو أولئك المخاطبون، قال النووي (¬1): ويحتمل أن ذلك الغلام لا يبلغ الهرم ولا يعمر، وقد جاء في بعض الروايات من حديث أنس: إن يعش هذا الغلام فعسى أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة، وهو محمول على رؤية ساعتكم. من الحسان 4413 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "بعثت في نفس الساعة، فسبقتها كما سبقت هذه هذه"، وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى. قلت: رواه الترمذي في الفتن من حديث المستورد بن شداد، وقال: غريب لا نعرفه من حديث المستورد إلا من هذا الوجه. (¬2) قال ابن الأثير (¬3): ومعنى الحديث بعثت وقد حان قيام الساعة وقرب، إلا أن الله أخرها قليلًا فبعثني في ذلك النفس على القرب، وقيل: معناه إنه جعل للساعة نفسًا كنفس الإنسان، أراد أني بعثت في وقت قريب منها أحس فيه بنفسها، كما يحس بنفس الإنسان إذا قرب منه، يعني بعثت في وقت قريب بانت أشراطها فيه وظهرت علاماتها، ويروى: بعثت في نسم الساعة، بفتح النون والسين المهملة وهي من النسيم أول هبوب الريح الضعيفة: أي بعثت في أول أشراط الساعة، وضعف مجيئها، وقيل هو جمع نسمة أي بعث في ذوي أرواح خلقهم الله قبل اقتراب الساعة، كأنه قال: في آخر النَّشْىء من بني آدم انتهى كلامه. 4414 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إني لأرجو أن لا تعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف ¬

_ (¬1) المنهاج (18/ 121). (¬2) أخرجه الترمذي (2213) وإسناده ضعيف وعلته: مجالد بن سعيد وهو ليس بالقوي، وقد تغير في آخر عمره، انظر: التقريب (6520). (¬3) انظر: النهاية (5/ 94) و (5/ 49 - 50).

باب لا تقوم الساعة إلا على الأشرار

يوم"، يعني: خمسمائة سنة. قلت: رواه أبو داود في الملاحم من حديث سعيد بن أبي وقاص وسكت عليه وسنده جيد. (¬1) باب لا تقوم الساعة إلا على الأشرار من الصحاح 4415 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تقوم الساعة، حتى لا يقال في الأرض: الله، الله". قلت: رواه مسلم في الإيمان من حديث ثابت عن أنس، والترمذي وقال: وروي عنه غير مرفوع وهو أصح. (¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم -: حتى لا يقال: في الأرض الله الله، قال النووي (¬3): وهو برفع اسم الله تعالى، قال: وقد يغلط فيه بعض الناس فلا يرفعه انتهى، وقال أبو العباس القرطبي (¬4): صوابه بالنصب، وكذلك قيدناه عن محققي من لقيناه، ووجهه: أن هذا مثل قولك: الأسد الأسد، والجدار الجدار، إذا حذّر عن الأسد المفترس، والجدار المائل، فهو منصوب بفعل مُضمر، أي احذر الأسد، فإن أفردوا ذكروا الفعل فقالوا: احذر الأسد، قال: وقد قيده بعضهم الله الله، بالرفع على الابتداء وحذف الخبر، وفيه بُعد، انتهى كلامه. ولا تعارض بين هذا الحديث وبين قوله: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق إلى يوم القيامة" (¬5) لأن هذه الطائفة يقاتلون الدجال، ويجتمعون بعيسى عليه السلام، ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4350) ورجاله ثقات، ولكنه منقطع لأن شريحًا لم يدرك سعدًا. وله شاهد من حديث أبي ثعلبة الخشني عند أحمد (4/ 193) وإسناده حسن. (¬2) أخرجه مسلم (148)، والترمذي (2207). (¬3) المنهاج (2/ 234 - 235). (¬4) انظر: المفهم للقرطبي (1/ 364 - 365). (¬5) أخرجه مسلم (156).

ثم لا تزال على ذلك إلى أن يرسل الله الريح اليمانية، التي لا تُبقي مؤمنًا إلا قبضته، فيبقى شرار الخلق بعدهم، ليس فيهم من يقول: الله الله، يتهارجون تهارج الحُمر, فعليهم تقوم الساعة، وقد تقوم هذا الحديث. 4416 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقوم الساعة على أحد يقول: الله الله". قلت: رواه مسلم في الإيمان من حديث أنس ولم يخرجه البخاري. (¬1) 4417 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق". قلت: رواه مسلم في الفتن من حديث أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود ولم يخرجه البخاري وقد تقدم الجمع بين هذا وبين ما قبله. (¬2) 4418 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقوم الساعة، حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة"، وذو الخلصة: طاغية دوس التي كانوا يعبدون في الجاهلية. قلت: رواه الشيخان في الفتن من حديث أبي هريرة. (¬3) وأليات: بفتح الهمزة واللام، معناه: أعجازهن جمع إلية كجفنة وجفنات، والمراد تضطربن من الطواف حول ذي الخلصة، أي يكفرون ويرجعون إلى عبادة الأصنام، وذو الخلصة: المشهور فيه فتح الخاء المعجمة واللام وحكي ضمها وفتح الخاء وإسكان اللام وهو بيت صنم لدوس وخثعم وبجيلة وغيرهم، وقيل: ذو الخلصة الكعبة اليمانية التي كانت باليمن فأنفذ إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جرير بن عبد الله فخربها (¬4). 4419 - قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يذهب الليل والنهار، حتى تعبد اللات والعزى" فقلت: يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} أن ذلك تامًّا؟ ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (148). (¬2) أخرجه مسلم (2949). (¬3) أخرجه البخاري (7116)، ومسلم (2906). (¬4) انظر: المنهاج (18/ 45)، والمفهم للقرطبي (7/ 244).

قال: "إنه سيكون من ذلك ما شاء الله، ثم يبعث الله ريحًا طيبة، فتوفي كل من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، فيبقى من لا خير فيه، فيرجعون إلى دين آبائهم". قلت: رواه مسلم في الفتن من حديث عائشة رضي الله عنها ولم يخرجه البخاري. (¬1) 4420 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يخرج الدجال، فيمكث في الأرض أربعين، لا أدري أربعين يومًا، أو شهرًا، أو عامًا، فيبعثُ الله عيسى بن مريم عليهما السلام، كأنه عروة بن مسعود - رضي الله عنه - فيطلبه فيُهلكه، ثم يمكث في الناس سبع سنين، ليس بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله ريحًا باردة من قبل الشام، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان، إلا قبضته، حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه، حتى تقبضه، قال: فيبقى شرار الناس: في خفة الطير، وأحلام السباع، لا يعرفون معروفًا، ولا ينكرون منكرًا، فيتمثل لهم الشيطان، فيقول: ألا تستجيبون؟ فيقولون: فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان، وهم في ذلك دارّ رزقهم، حسن عيشهم، ثم يُنفخ في الصور، فلا يسمعه أحد، إلا أصغى ليتا ورفع ليتا، وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله، فيصعق، ويصعق الناس، ثم يرسل الله مطرًا كأنه الظل، فينبت منه أجساد الناس، ثم ينفخ فيه أخرى، فإذا هم قيام ينظرون، ثم يقال: يا أيها الناس! هلم إلى ربكم، {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ}، ثم يقال: أخرجوا بعث النار، فيقال: من كم: كم؟ فيقال: من كل ألف تسعمائة، وتسعة وتسعين، قال: فذاك يوم {يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا} وذلك {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} ". قلت: رواه مسلم في الفتن والنسائي في التفسير من حديث عبد الله بن عمر ولم يخرج البخاري هذا الحديث (¬2). قوله - صلى الله عليه وسلم -: ثم يرسل الله ريحًا باردة من قبل الشام، أشار - صلى الله عليه وسلم - بذلك إلى الرفق بهم وجاء في هذا الحديث أن الريح من قبل الشام، وفي مسلم أيضًا: ريحًا من قبل اليمن، ويجاب ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2907). (¬2) أخرجه مسلم (2940)، والنسائي في الكبرى (11629).

من الحسان

عن هذا: بأنها ريحان شامية ويمانية. وكبد جبل: وسطه، والمعنى لو كان في جوف الجبل لدخلته الريح. قوله: فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع، المراد بخفة الطير اضطرابها وسفرها بأدنى توهم، شبه حال الأشرار في طيشهم وعدم ثباتهم وميلهم إلى الفسق والفجور بحال الطير والسباع. قوله - صلى الله عليه وسلم -: إلا أصفى ليتًا، قال في النهاية (¬1): الليت: صفحة العنق، وهما ليتان، وأصفى: أمال، ويلوط حوضه أي يطيّنه ويصلحه، وفي رواية: يليط وأصله: اللصوق وفيصعق الصعق أن يغشى عليه من صوت شديد يسمعه وربما مات منه ثم استعمل في الموت كثيرًا والصعقة المرة الواحدة منه. والساق: قال ابن الأثير (¬2): هو الأمر الشديد، وكشف الساق مثل في شدة الأمر، ولا ساق هناك، ولا كشف، وأصله: أن الإنسان إذا وقع في أمر شديد، يقال: شمر ساعده وكشف عن ساقه، للاهتمام بذلك الأمر العظيم (¬3). من الحسان 4421 - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها". قلت: رواه أبو داود في الجهاد والنسائي في التفسير من حديث معاوية. (¬4) وفي سنده أبو هند البجلي الشامي قال الذهبي: ولا يعرف. ¬

_ (¬1) انظر: النهاية لابن الأثير (4/ 284). (¬2) انظر: المصدر السابق (2/ 422). (¬3) انظر: إكمال المعلم (8/ 494 - 495)، والمنهاج (18/ 100 - 101). (¬4) أخرجه أبو داود (2479)، والنسائي في الكبرى (8658) في كتاب السير، وفي إسناده أبو هند البجلي وهو مقبول، انظر: التقريب (8494)، وقول الذهبي في الميزان (4/ ت 10702).

كَشْفُ المنَاهِجِ وَالتَّنَاقِيحِ في تَخْريِجِ أحَادِيثِ المَصَابِيحِ تَأليفُ صَدْر الدَّينِ مُحَمَّد بْنِ إبْرَاهِيم السُّلَمِيّ المُنَاوِيّ (ت: 803 هـ) قَدَّم له سَمَاحَة الشيخ/ صالح بن محمَّد اللحيْدان رئيس مجلس القضاء الأعلى وعضو هيئة كبار العلماء دِرَاسَة وتحقيق د. مُحمَّد إِسْحَاق مُحَمَّد إبْرَاهِيم جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية المُجَلّد الخامس الدار العربية للموسوعات

ح محمد إسحاق محمد إبراهيم، 1425 هـ فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر المناوي، محمد بن إبراهيم كشف المناهج والتناقيح في تخريج أحاديث المصابيح./ محمد بن إبراهيم المناوي - الرياض، 1425 هـ 5 - مج. ردمك: 3 - 134 - 46 - 9960 (مجموعة) 4 - 139 - 46 - 9960 (ج 5) 1 - الحديث - تخريج أ. العنوان ديوى 237.6 3578/ 1425 رقم الإيداع: 3578/ 1425 ردمك: 3 - 134 - 46 - 9960 (مجموعة) 4 - 139 - 46 - 9960 (ج 5) الدار العربية للموسوعات الحازمية - ص. ب: 511 - هاتف: 952594/ 009615 - فاكس: 459982/ 009615 هاتف نقال: 388363/ 009613 - 525066/ 009613 - بيروت - لبنان البريد الإلكتروني: E-mail:[email protected] مؤسسها ومديرها العام: خالد العاني

[كتاب أحوال القيامة وبدء الخلق]

[كتاب أحوال القيامة وبدء الخلق] (¬1) باب النفخ في الصور من الصحاح 4422 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما بين النفختين أربعون"، قالوا: يا أبا هريرة أربعون يومًا؟ قال: أبيت، قالوا: أربعون شهرًا؟ قال: أبيت، قالوا: أربعون سنة؟ قال: أبيت، "ثم ينزل الله من السماء ماء، فينبتون كما ينبت البقل". وقال: وليس من الإنسان شيء لا يبلى، إلا عظمًا واحدًا، وهو عَجْب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة". قلت: رواه البخاري في تفسير سورة الزمر ومسلم في آخر الفتن والنسائي في التفسير من حديث أبي هريرة. (¬2) ومعناه: أبيت أن أجزم بأن المراد: أربعون يومًا أو سنة أو شهرًا، بل أجزم أنها أربعون مجملة، وقد جاءت مفسرة من رواية غيره، في غير مسلم أربعون سنة. وعَجْب الذنب: هو بفتح العين وإسكان الجيم أي العظم اللطيف الذي في أسفل الصلب، وهو رأس العصعص، ويقال له: عجم بالميم، وهو أول ما يخلق من الآدمي وهو الذي يبقى منه ليعاد تركيب الخلق عليه، وقد خص من بني آدم الذين يأكلهم التراب الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين، فإن الله حرم على الأرض أجسادهم صرح به الحديث الصحيح. ¬

_ (¬1) أضفت عنوان الكتاب من هداية الرواة ومشكاة المصابيح، وليس في المخطوط. بل وردت فيه أسماء الأبواب الآتية تحت كتاب الفتن. (¬2) أخرجه البخاري (4814) (4935)، ومسلم (2955)، والنسائي في الكبرى (11459).

- وفي رواية: "كل ابن آدم يأكله التراب، إلا عجب الذنب، فمنه خلق، وفيه يركب". قلت: رواه الشيخان ومالك في الموطأ وأبو داود والنسائي كلهم من حديث أبي هريرة. (¬1) 4423 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يطوي الله السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله". قلت: رواه مسلم في التوبة ورواه البخاري مختصرًا (¬2): فقال: "إن الله يقبض يوم القيامة الأرض، فتكون السموات بيمينه، ثم يقول أنا الملك" كلاهما من حديث أبي هريرة. - وفي رواية: "ثم يأخذهن بيده الأخرى، ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ". قلت: رواها مسلم فيها عن أبي هريرة. (¬3) 4424 - قال: جاء حَبْر من اليهود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد! إن الله يمسك السماوات يوم القيامة على إصبع، والأرضين على إصبع، والجبال على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثم يهزهن، فيقول: أنا الملك، أنا الله، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - تعجبًا مما قال الحبر، وتصديقًا له، ثم قرأ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4814) و (4935)، ومسلم (2955)، وأبو داود (4743)، والنسائي (4/ 111 - 112)، وفي الكبرى (2215)، ومالك في الموطأ (1/ 239)، وأخرجه ابن حبان (3138). (¬2) أخرجه مسلم (2788). والبخاري (7412). (¬3) أخرجها مسلم (2788).

قلت: رواه البخاري في تفسير سورة الزمر وفي التوحيد ومسلم في التوبة والترمذي والنسائي في التفسير (¬1) وهذه الأحاديث المذكور فيها: اليد، والأصبع، هي من أحاديث الصفات وفيها المذهبان المشهوران: التأويل، والإمساك عنه مع الإيمان بها، واعتقاد أن الظاهر منها غير مراد، والمتأولون يتأولون الأصابع هنا: على كمال الاقتدار، والثاني: يذكرون الأصابع في مثل هذا للمبالغة والاحتقار، ويحتمل أن يريد أصابع بعض مخلوقاته، وهذا غير ممتنع، وأما يد الجارحة وأصبعها فمستحيلة (¬2). قوله: فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعجبًا مما قال الحبر تصديقًا له، ظاهر الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صدق الحبر في قوله، وقرأ الآية التي فيها الإشارة إلى نحو ما يقول، وقال القاضي ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في التفسير (4811)، وفي التوحيد (7414)، ومسلم (2786)، والترمذي (3238)، والنسائي في الكبرى (تحفة الأشراف 7/ 92). (¬2) هذا كله كلام النووي في المنهاج (17/ 189)، لقد وصف الله تعالى نفسه بأكمل وأجمل الأوصاف، كما يليق بجلاله وعظمته في كتابه وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وعقيدة السلف الذين كانوا أعلم الأمة وأعرفها بالله رب العالمين: الإيمان بجميع ذلك على وجه الإجمال فيما جاء مجملًا، وعلى وجه التفصيل فيما جاء مفصلًا، من غير زيادة ولا نقصان، من غير صرف له إلى معنى آخر غير الظاهر من غير تشبيه ولا تعطيل ولا تحريف ولا تكييف، وأن السلف كانوا يعلمون معاني الصفات، ويفرّقون بينها، بحسب ما دلّت عليه مما تعرفه العرب في لسانها، فالعلم غير الحياة، والإتيان غير الإستواء على العرش، واليد غير الوجه، وهكذا سائر الصفات، فكيفية الصفات مجهولة للعباد، ومعاني الصفات معلومة من لسان العرب ولغتها، والإيمان بالصفة كما أخبر الله بها واجب، وفي هذا الحديث إثبات اليد والأصابع لله حقيقة, وإن تأويلها بالنعمة أو القدرة ونحوها باطل. ومن تأمل جواب الإمام مالك بن أنس - رحمه الله - لمن سأله عن كيفية الإستواء على العرش، فقال: "الكيف غير معلوم، والإستواء غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة"، تبينت له حقيقة ما ذكرت. إن الله خاطبنا بلسان عربي مبين وبما نفهمه ونعقل معناه. والأصل في الكلام أن يجرى على ظاهره، فنحن نعلم معاني صفات الرب سبحانه، ولا نعلم كيفيتها ونقطع بأنها لا تماثل صفات المخلوقين، ولم يزل الأئمة يذكرون كلمة الإمام مالك هذه قاعدة، لأهل السنة في سائر صفات الباري تعالى. والله أعلم.

عياض (¬1): قال بعض المتكلمين ليس ضحكه - صلى الله عليه وسلم - وتعجبه وتلاوته الآية تصديقًا للحبر، بل هو رد لقوله وإنكار وتعجب من سوء اعتقاده، فإن مذهب اليهود التجسيم، ففهم منه ذلك، وقوله: تصديقًا له إنما هو من كلام الراوي على ما فهم، وهذا بعيد (¬2). 4425 - قالت: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله عز وجل: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} فأين يكون الناس يومئذ؟ قال: "على الصراط". قلت: رواه مسلم في الفتن والترمذي من حديث عائشة ولم يخرجه البخاري. (¬3) 4426 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "الشمس والقمر مُكوّران يوم القيامة". قلت: رواه البخاري في بدء الخلق (¬4) من حديث عبد الله بن فيروز عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وقال الحميدي (¬5): فيما انفرد به البخاري ليس لعبد الله بن فيروز عن أبي سلمة في مسند أبي هريرة من الصحيح غير هذا. قال في شرح السنة (¬6): هذا من قوله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} أي جمعت، ولفّت، وتكوير العمامة: لفّها، ويحتمل أن يكون من قولهم قطيفة مكورة أي ملقاة، أي يلقيان من فلكها، وهذا التفسير أشبه بالحديث لما في طرق هذا الحديث يكونان في النار، قال: ويكون تكويرهما فيها ليعذب بهما أهل النار ولا سيما عبّادهما لا ليعذبا ¬

_ (¬1) انظر: إكمال المعلم (8/ 316 - 317). (¬2) تعجبا، لأنه وافق ما جاء به من عند الله، فصار مؤيدًا له ومصدقًا، وهو دليل على اتفاق الشرائع المنزلة من عند الله على إثبات الصفات على ظاهرها، على ما يليق بعظمة الله، أما من قال: أن تعجبه - صلى الله عليه وسلم - من جرأة اليهود على التشبيه فهو يعوزه الإنصاف، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند سماع الباطل يغضب لله وينكر المنكر ولا يقره. (¬3) أخرجه مسلم (2791)، والترمذي (3121). (¬4) أخرجه البخاري (3200). (¬5) انظر: الجمع بين الصحيحين (3/ 238 رقم 2505). (¬6) شرح السنة (15/ 116).

من الحسان

في النار فإنهما بمعزل عن التكليف وسبيلهما في النار سبيل النار نفسها وسبيل الملائكة الموكلين بهما (¬1). من الحسان 4427 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كيف أنعم وصاحب الصور قد التقمه، وأصغى سمعه، وحنى جبهته، ينتظر متى يؤمر بالنفخ", فقالوا: يا رسول الله! وما تأمرنا؟ قال: "قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل". قلت: رواه الترمذي في التفسير، في الزمر من حديث عطية عن أبي سعيد الخدري وقال: حسن (¬2)، وعطية: قال الذهبي: ضعفوه (¬3)، ورواه الحاكم في المستدرك في باب الأهوال من حديث إسماعيل بن يحيى التيمي عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد نحوه، ومن حديث عطية عن ابن عباس يرفعه بمثله، ورواه الإمام أحمد من حديث عطية عن ابن عباس ومن حديث عطية عن زيد بن أرقم. وكيف أنعم: أي أتنعم، والصور: قرن ينفخ فيه، قال مجاهد: كهيئة البوق، قال ابن عباس: الناقور الصور قال تعالى: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} أي نفخ في الصور. 4428 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الصور قرن ينفخ فيه". ¬

_ (¬1) انظر: أعلام الحديث للخطابي (2/ 1475 - 1477)، وانظر: معنى الحديث في السلسلة الصحيحة (124). (¬2) أخرجه الترمذي (3243)، والحاكم (4/ 559)، وأحمد (3/ 7)، وأخرجه أبو يعلى (2/ 340)، وابن حبان (2569). وإسناده صحيح بشواهده انظر: السلسلة الصحيحة (1078). (¬3) عطية هو ابن سعد بن جنادة العوفي، قال الحافظ: صدوق يخطيء كثيرًا، وكان شيعيًّا مدلسًا، انظر: التقريب (4649)، وقول الذهبي في الكاشف (2/ 27 رقم3820).

باب الحشر

قلت: رواه أبو داود في السنة والترمذي في الزهد والنسائي في التفسير، وحسّنه الترمذي وسكت عليه أبو داود والمنذري. (¬1) باب الحشر من الصحاح 4429 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء، كقرصة النقي، ليس فيها علم لأحد". قلت: رواه البخاري في الرقائق ومسلم في التوبة من حديث سهل بن سعد. (¬2) قوله: ليس فيها علم لأحد، شك فيه البخاري هل هو عن سهل أو عن غيره. وعفراء: بالعين المهملة والمد، والعفر: بياض إلى حمرة، والنفي: بفتح النون وكسر القاف وتشديد الياء، هو الدقيق الحواري وهو الأبيض الجيد، قال القاضي (¬3): كأن النار غيرت بياض وجه الأرض إلى الحمرة، والعلم: بفتح العين واللام أي ليس فيها علامة سكنى ولا بناء ولا أثر. 4430 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة، يتكفّؤها الجبّار بيده، نزلًا لأهل الجنة". قلت: رواه البخاري في الرقائق ومسلم في التوبة من حديث أبي سعيد الخدري. (¬4) والخبزة: بضم الخاء المعجمة قال أهل اللغة: هي الظلمة التي توضع في الملة. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4742)، والترمذي (2430) و (3244)، والنسائي في الكبرى (11456) وإسناده حسن. وانظر: تهذيب السنن للمنذري (7/ 131 - 132). (¬2) أخرجه البخاري (6521)، ومسلم (2790). (¬3) انظر: إكمال المعلم (8/ 322). (¬4) أخرجه البخاري (6520)، ومسلم (2792).

ويتكفؤها بيده: أي ينقلها من يد إلى يد حتى تجتمع وتستوي، لأنها ليست منبسطة كالرقاقة ونحوها. 4431 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يحشر الناس على ثلاث طرائق: راغبين راهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير، وتحشر بقيتهم النار، تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا". قلت: رواه البخاري في الرقائق ومسلم في صفة النار والنسائي كما في الجنائز. (¬1) قال النووي (¬2): قال العلماء: هذا الحشر في آخر الدنيا قبيل القيامة، وقبيل النفخ في الصور بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وتحشر بقيتهم النار تبيت معهم وتقيل معهم" إلى آخره، وهذا الحشر آخر أشراط الساعة، ومعنى ثلاث طرائق: ثلاث فرق، وما نقل النووي عن العلماء صرح به القاضي عياض (¬3) وغيره. 4432 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إنكم محشورون حفاة عراة غُرلًا" ثم قرأ: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}، "وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم، وإن ناسًا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: أصيحابي، أصيحابي!! فيقول: إنهم لن يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم، فأقول كما قال العبد الصالح: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} إلى قوله: {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}. قلت: رواه البخاري في التفسير وفي الرقائق وفي أحاديث الأنبياء ومسلم في صفة القيامة والترمذي في الزهد وفي التفسير والنسائي في الجنائز وفي التفسير كلهم من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6522)، ومسلم (2861). (¬2) المنهاج (17/ 283). (¬3) انظر: إكمال المعلم (8/ 391). (¬4) أخرجه البخاري في الأنبياء (3349)، وفي التفسير (4667)، ومسلم (2860)، والترمذي (3167)، والنسائي في الكبرى (11160).

وغرلًا: بضم الغين المعجمة وسكون الراء المهملة جمع أغرل وهو الأقلف، والغرلة: ما يقطعه الختان، والمراد: أنهم يحشرون كما خلقوا لا شيء معهم ولا يفقد منهم شيء. قال في شرح السنة (¬1): لم يُرد به الردة عن الإسلام، إنما معناه التخلف عن بعض الحقوق الواجبة، والتأخر عنها، والرجوع عما كان عليه من صدق العزيمة، وكذلك قيد بقوله على أعقابهم، ولم يرتد بحمد الله تعالى أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما ارتد قدم من جفاة العرب، وأصيحابي: إنما صغّر ليدل على قلة عددهم. 4433 - قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلًا"، قلت: يا رسول الله! الرجال والنساء جميعًا، ينظر بعضهم إلى بعض؟ فقال: "يا عائشة الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض". قلت: رواه البخاري في الرقائق ومسلم في صفة القيامة والنسائي في الجنائز وابن ماجه في الزهد كلهم من حديث عائشة. (¬2) 4434 - قال أنس: إن رجلًا قال: يا نبي الله! كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ قال: "أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادرًا على أن يُمشيه على وجهه يوم القيامة". قلت: رواه البخاري في تفسير سورة الفرقان وفي الرقائق ومسلم في التوبة والنسائي في التفسير كلهم من حديث أنس (¬3) وفيه: قال قتادة حين بلغه ذلك: بلى وعزة ربنا. 4435 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يَلقى إبراهيم أباه يوم القيامة، وعلى وجه آزر قترة، وغَبَرة، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك: لا تعصني؟ فيقول له أبوه: فاليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم: يا رب! إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يُبعثون، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟ فيقول الله عز وجل: إني حرمت الجنة على الكافرين، ثم يقال ¬

_ (¬1) شرح السنة (15/ 123 - 124). (¬2) أخرجه البخاري (6527)، ومسلم (2859)، والنسائي (4/ 115)، وابن ماجه (4276). (¬3) أخرجه البخاري (4760)، ومسلم (2806)، والنسائي (387).

لإبراهيم: ما تحت رجليك؟ فينظر، فإذا هو بذيخ متلطخ، فيؤخذ بقوائمه، فيلقى في النار". قلت: رواه البخاري في التفسير في قوله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} (¬1) وليس في مسلم، والذيخ بالذال المعجمة وبعدها الياء آخر الحروف بعدهما الخاء المعجمة وهو ذكر الضبعان الكثير الشعر، قال الأصمعي: الأنثى ذيخة والجمع ذيوخ وأذياخ وذيخة. قوله - صلى الله عليه وسلم -: متلطخ أي متلطخ برجيعه أو بالطين. 4436 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "يعرق الناس يوم القيامة، حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعًا، ويُلجمهم حتى يبلغ آذانهم". قلت: رواه البخاري في الرقائق ومسلم في صفة النار واللفظ للبخاري كلاهما من حديث أبي هريرة يرفعه. (¬2) قال القاضي (¬3): يحتمل أن المراد عرق نفسه وغيره لا نفسه خاصة، وسبب كثرة العرق تراكم الأهوال ودنو الشمس من رؤوسهم ودنو بعضهم من بعض. 4437 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "تُدْنى الشمس يوم القيامة من الخلق، حتى تكون منهم كمقدار ميل، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العَرَق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يُلجمه العرق إلجامًا"، وأشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده إلى فيه. قلت: رواه مسلم في صفة النار والترمذي في الزهد وقال: حسن صحيح كلاهما من حديث المقداد بن عمرو الكندي ولم يخرج البخاري هذا الحديث. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3350). (¬2) أخرجه البخاري (6532)، ومسلم (2863). (¬3) انظر: إكمال المعلم (8/ 392 - 393). (¬4) أخرجه مسلم (2864)، والترمذي (2421).

4438 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يقول الله: يا آدم فيقول: لبيك وسعديك! والخير بيديك، قال: أخرج بعث النار، قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة، وتسعة وتسعون، فعنده يشيب الصغير، {وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد} قالوا: يا رسول الله وأينا ذلك الواحد؟ قال: "أبشروا، فإن رجلًا منكم، ومن يأجوج ومأجوج ألف", ثم قال: "والذي نفسي بيده إني أرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة" فكبّرنا، فقال: "أرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة"، فكبرنا، فقال: "أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة" فكبّرنا قال: "ما أنتم في الناس، إلا كالشعرة السوداء في جلد ثور أبيض أو كشعرة بيضاء في جلد ثور أسود". قلت: رواه البخاري في الشفاعة وفي التفسير وفي الرقائق ومسلم في الإيمان والنسائي في التفسير ثلاثتهم من حديث أبي سعيد الخدري. (¬1) والبعث: هنا بمعنى المبعوث الموجه إليها، ومعناه ميز أهل النار من غيرهم. قوله - صلى الله عليه وسلم -: فعنده يشيب الوليد إلى آخر الآية، وقد اختلف العلماء: في وقت وضع كل ذات حمل حملها وغيره من المذكورات، فقيل عند زلزلة الساعة قبل خروجهم من الدنيا، وقيل: هو قبل يوم القيامة، فعلى الأول هو على ظاهره، وعلى الثاني يكون مجازًا لأن القيامة ليس فيها حمل ولا ولادة، وتقديره تنتهي به الأهوال والشدائد على أنه لو تصورت الحوامل هناك لوضعن. وأما يأجوج ومأجوج: فهما غير مهموزين عند جميع القراء وأهل اللغة، وقرأ عاصم بالهمزة فيهما، وأصله: من أجيج النار وهو صوتها وشررها شبهوا بها لكثرتهم وشدتهم واضطرابهم، قال وهب ابن منبه: هم من ولد يافث بن نوح، وقيل: هم ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4741)، ومسلم (222)، والنسائي في الكبرى (11339).

جيل من الترك، وقيل: هم من ولد آدم من غير حواء، وذلك أن آدم احتلم فامتزجت نطفته بالتراب فخلق الله منها يأجوج ومأجوج، نقله النووي عن كعب الأحبار (¬1). 4439 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يكشف ربنا عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة، فيذهب ليسجد، فيعود ظهره طبقًا واحدًا". قلت: رواه البخاري في تفسير سورة "نون والقلم" من حديث أبي سعيد الخدري (¬2) بهذا اللفظ، من غير زيادة، وروى مسلم معناه في حديث طويل في الإيمان. قال الجوهري (¬3): والطبق: عظم رفيق يفصل بين الفَقارين. وقال ابن الأثير (¬4): الطبق: فقار الظهر, واحدتها طبقة يريد أنه يصير فقاره كله، كالفقارة الواحدة، ولا يقدر على السجود، وأما الساق: وتفسيره فسيأتي في باب الشفاعة. 4440 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ليأتين الرجل العظيم السمين يوم القيامة، لا يزن عند الله جناح بعوضة"، وقال: "اقرؤوا: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} ". قلت: رواه البخاري في التفسير ومسلم في التوبة وذكر المنافقين. (¬5) ومعنى الحديث: لا يعدل في القدر والمنزلة أي لا قدر له، وفيه: ذم السمن. ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (3/ 121 - 123). (¬2) أخرجه البخاري (3348)، ومسلم (222). (¬3) انظر: الصحاح للجوهري (4/ 1511). (¬4) انظر: النهاية لابن الأثير (3/ 114). (¬5) أخرجه البخاري (4919)، ومسلم (2785).

من الحسان

من الحسان 4441 - قال: قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا}، قال: "أتدرون ما أخبارها؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "فإن أخبارها: أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها، أن تقول: عمل علي كذا وكذا يوم كذا وكذا" قال: "فهذه أخبارها". (غريب). قلت: رواه الترمذي في أبواب الحشر وأعاده في التفسير من حديث أبي هريرة وقال: حسن صحيح غريب. (¬1) 4442 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من أحد يموت إلا ندم"، قالوا: وما ندامته يا رسول الله؟ قال: إن كان محسنًا، ندم أن لا يكون ازداد برًّا، وإن كان مسيئًا، ندم أن لا يكون نزع". قلت: رواه الترمذي في الزهد من حديث يحيى بن عبيد الله بن عبد الله بن موهب عن أبيه عن أبي هريرة وقال: إنما نعرفه من هذا الوجه انتهى. (¬2) ويحيى بن عبيد الله: قال الذهبي: ضعفوه، وأما والده عبيد الله فقال الإمام أحمد: أحاديثه مناكير، وقال مرة: ليس بثقة. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2429) (3353) وإسناده ضعيف فيه يحيى بن أبي سليمان وهو أبو صالح المدني وهو لين الحديث كما قال الحافظ في التقريب (7615). وقال أبو حاتم: مضطرب الحديث ليس بالقوي. انظر: الجرح والتعديل (9/ 154 - 155) وفيه زيادة: ويكتب حديثه، وقال الذهبي: قال البخاري: منكر الحديث، انظر: الكاشف (2/ 367). (¬2) أخرجه الترمذي (2403) وإسناده ضعيف جدًّا. قال الحافظ: يحيى بن عبيد الله بن عبد الله بن موهب، متروك، وأفحش الحاكم فرماه بالوضع، التقريب (7649)، وقول الذهبي في الكاشف (2/ 371) وفيه زيادة: وتركه القطان بآخره. أما أبوه: عبيد الله فقال الحافظ: مقبول، انظر: التقريب (4340)، وذكره ابن حبان في الثقات (5/ 72)، والذهبي نقل كلام الإمام أحمد فيه انظر: الكاشف (2/ 683).

4443 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف: صنفًا مشاة، وصنفًا ركبانًا، وصنفًا على وجوههم", قيل: يا رسول الله! وكيف يمشون على وجوههم؟ قال: إن الذي أمشاهم على أقدامهم، قادر على أن يمشيهم على وجوههم، أما إنهم يتقون بوجوههم كل حَدَب وشوك". قلت: رواه الترمذي في التفسير من حديث أبي هريرة (¬1) وقد جاء في الصحيحين ما يشهد له. والحدب: بالحاء والدال المهملتين المفتوحتين، ما ارتفع من الأرض، والجمع الحداب وفي هذا الحديث بيان هَوان هذا الصنف وبلوغ هؤلاء القوم إلى حالة جعلوا فيها وجوههم مكان الأيدي والأرجل في التوقي عن كل مؤذيات المشي إلى المقصد عاقبهم الله تعالى بهذا في الآخرة لما لم يسجدوا لله تعالى. 4444 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأي عين، فليقرأ: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} و {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} و {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}. قلت: رواه الترمذي في التفسير وقال: حديث حسن انتهى، وسنده لم أر من تكلم في رجاله بما يضعفه. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3142) وقال: هذا حديث حسن. وفيه: علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف انظر: التقريب (4768). عن أوس بن خالد وهو مجهول. انظر: التقريب (579). (¬2) أخرجه الترمذي (3333) وإسناده حسن. والحاكم في المستدرك (4/ 576) وقال صحيح الإسناد. انظر: الصحيحة (1081).

باب الحساب والقصاص والميزان

باب الحساب والقصاص والميزان من الصحاح 4445 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفًا بغير حساب". قلت: رواه البخاري في الرقائق ومسلم في الإيمان وقد تقوم في باب التوكل من حديث ابن عباس. (¬1) 4446 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك"، قلت: أو ليس يقول الله: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}؟ فقال: "إنما ذلك العرض، ولكن من نوقش في الحساب يهلك". قلت: رواه الشيخان البخاري في التفسير وفي الرقائق ومسلم في صفة النار من حديث عبد الله بن أبي مليكة عن القاسم عن عائشة. (¬2) والمناقشة: الاستقصاء في الحساب بحيث لا يترك منه شيء. 4447 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان، ولا حجاب يحجبه، فينظر أيمن منه، فلا يرى إلا ما قدم من عمله، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة". قلت: رواه البخاري في الرقائق وزاد فيه: فمن لم يجد فبكلمة طيبة، وفي التوحيد ومسلم في الزكاة والترمذي في الزهد وابن ماجه في السنة كلهم من حديث عدي بن حاتم الطائي سكن الكوفة وحديثه في أهلها. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6541)، ومسلم (220). (¬2) أخرجه البخاري في الرقائق (6537)، وفي التفسير (4939)، ومسلم (2876). (¬3) أخرجه البخاري (6539)، ومسلم (1016)، والترمذي (2415)، وابن ماجه (185).

قوله - صلى الله عليه وسلم -: ليس بينه وبينه ترجمان، هو بفتح التاء وضمها وهو المعبر عن لسان بلسان. وشق التمرة: بكسر الشين نصفها وجانبها، وفيه الحث على الصدقة وأنه لا يمتنع منها لقلتها وإن قليلها سبب للنجاة من النار. 4448 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله يدني المؤمن، فيضع عليه كنفه ويستره فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم، أي رب! حتى إذا قرره بذنوبه، ورأي في نفسه أنه هلك، قال: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته، وأما الكفار والمنافقون، فينادى بهم على رؤوس الخلائق: "هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين". قلت: رواه البخاري في المظالم وفي التفسير وفي التوحيد ومسلم في التوبة والنسائي في التفسير وابن ماجه في السنة. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فيضع عليه كنفه هو بنون مفتوحة وهو ستره وعفوه والمراد بالدنو هنا دنو كرامه وإحسان لا دنو مسافة والله تعالى منزه عن المسافة". 4449 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان يوم القيامة، دفع الله إلى كل مسلم يهوديًّا أو نصرانيًّا، فيقول: هذا فكاكك من النار". قلت: رواه مسلم في التوبة من حديث أبي موسى ولم يخرجه البخاري (¬2) واسم أبي موسى: عبد الله بن قيس. قوله: فكاكك، هو بفتح الفاء وكسرها والفتح أصح وأشهر، والفكاك: الخلاص والفداء، ومعنى هذا الحديث ما جاء من حديث أبي هريرة: "لكل أحد منزل في الجنة ومنزل في النار، فالمؤمن إذا دخل الجنة خلفه الكافر في النار لاستحقاقه ذلك بكفره". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4685)، ومسلم (2768)، والنسائي في الكبرى (11242)، وابن ماجه (183). (¬2) أخرجه مسلم (2767).

ومعنى فكاكك من النار: أنك كنت معرضًا لدخول النار، وهذا فكاكك، لأن الله تعالى قدر لها عددًا يملؤها فإذا دخلها الكفار بكفرهم وذنوبهم صاروا في معنى الفكاك للمسلم. قلت: ولعل تخصيص اليهود والنصارى بذلك دون سائر الكفار لمشاركتهم لنا في كونهم أهل كتاب كما أننا أهل الكتاب فهو أعظم عليهم حسرة وعلينا منة والله أعلم (¬1). 4450 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "يجاء بنوح يوم القيامة، فيقال له: هل بلّغت؟ فيقول: نعم يا رب! فتُسأل أمته: هل بلغكم؟ فيقولون: ما جاءنا من بشير ولا نذير، فيقال: من شهودك؟ فيقول: محمد وأمته"، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فيجاء بكم، فتشهدون أنه بلّغ"، ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} ". قلت: رواه البخاري في ذكر نوح عليه السلام وفي التفسير وفي الاعتصام والترمذي والنسائي كلاهما في التفسير وابن ماجه في الزهد بمعناه، والبخاري أتم منهم كلهم من حديث أبي سعيد الخدري. (¬2) والوسط: العدل والخيار. 4451 - قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضحك فقال: "هل تدرون مم أضحك؟ "، قلنا: الله ورسوله أعلم، قال عليه السلام: "من مخاطبة العبد ربه، يقول: يا رب ألم تُجرني من الظلم؟ قال: فيقول: بلى، قال: فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدًا مني، قال: فيقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدًا، وبالكرام الكاتبين شهودًا، قال: فيُختم على فيه، فيقال: لأركانه: انطقي، قال: فتنطق بأعماله، ثم يخلّى بينه وبين الكلام، قال: فيقول: بعدًا لكُنّ وسُحقًا، لكن كنت أُناضِل". ¬

_ (¬1) انظر: إكمال المعلم (8/ 272)، والمنهاج للنووي (17/ 133). (¬2) أخرجه البخاري (3339)، وفي الاعتصام (7349)، والترمذي (2961)، والنسائي في الكبرى (11007)، وابن ماجه (4284).

قلت: رواه مسلم في الزهد والنسائي في التفسير من حديث أنس ولم يخرجه البخاري (¬1). وسحقًا: أي بعدًا، وأناضل أي أجادل وأخاصم وأدافع. 4452 - قالوا: يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: "هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة، ليست في سحابة؟ "، قالوا: لا، قال: "فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر، ليس في سحابة؟ "، قالوا: لا، قال: "فوالذي نفسي بيده، لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤية أحدهما"، قال: فيَلقى العبد فيقول: أي فُلُ ألم أكرمك وأسودك وأزوجك، وأسخر لك الخيل والإبل، وأذَرْك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى، قال: فيقول: أظننت أنك ملاقيّ؟ فيقول: لا، فيقول: فإني قد أنساك كما نسيتني، ثم يلقى الثاني فذكر مثله، ثم يلقى الثالث فيقول له: مثل ذلك، فيقول: يا رب آمنت بك وبكتابك ويرسلك، وصليت وصمت وتصدقت ويثني بخير ما استطاع، فيقول: ههنا إذا، ثم يقال: الآن نبعث شاهدًا عليك، ويتفكر في نفسه: من ذا الذي يشهد عليّ؟ فيختم على فيه، ويقال: لفخذه: انطقي، فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله، وذلك ليعذر من نفسه، وذلك المنافق، وذلك الذي سخط الله عليه". قلت: رواه مسلم في الزهد وليس هو في البخاري. (¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم -: هل تضارون، قال في النهاية (¬3): يروي بالتخفيف والتشديد بمعنى لا يتخالفون ويتجادلون في صحة النظر إليه، لوضوحه وظهوره، يقال: ضارّه يُضارُّه، مثل ضَره ويضُره، وأراد بالمضارة الاجتماع والازدحام عند النظر إليه، وأما بالتخفيف فهو من الضَّيْر، والمعنى فيه كالأول. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2969)، والنسائي في الكبرى (11653). (¬2) أخرجه مسلم (2968). (¬3) النهاية (3/ 82).

قوله - صلى الله عليه وسلم -: أي فل، قال النووي (¬1): هو بضم الفاء وإسكان اللام ومعناه يا فلان وهو ترخيم على خلاف القياس، وقيل: هي لغة بمعنى فلان، وقال ابن الأثير (¬2): فل: ليس ترخيمًا لفلان، لأنه لا يقال إلا بالسكون، ولو كان ترخيمًا لفتحوا اللام أو ضموها، وبه قال سيبويه، وقال: ليست ترخيمًا، وإنما هي صيغة ارتجلت في باب النداء، وقد جاء في غير النداء قال: أمسك فلانًا عن فلِ بكسر اللام للقافية. قوله: وأذرك ترأس وتربع. أما ترأس، فبفتح التاء وإسكان الراء وبعدها همزة مفتوحة، ومعناه رئيس القوم وكبيرهم، وأما تربع: فبفتح التاء والباء الموحدة، قال النووي (¬3): هكذا رواه الجمهور، وفي رواية: ترتع، بمثناة من فوق بعد الراء ومعناه: بالموحدة تأخذ المرباع التي كانت ملوك الجاهلية تأخذه من الغنيمة وهو ربعها، يقال: ربعتهم إذا أخذت ربع أموالهم، ومعناه: ألم أجعلك رئيسًا مطاعًا، ومعناه بالمثناة: تتنعم وقيل: تأكل، وقيل: تلهو، وقيل: تعيش في سعة. قوله تعالى: أنساك كما نسيتني أي أمنعك الرحمة كما امتنعت من طاعتي. قوله: ههنا، إذًا أي اثبت ههنا أي مكانك حتى تعرف أعمالك. قوله: وذلك ليعذر من نفسه، هذا كقوله - صلى الله عليه وسلم -: لن يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم. ¬

_ (¬1) المنهاج (18/ 137). (¬2) انظر: النهاية (3/ 473). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (18/ 137 - 138).

من الحسان

من الحسان 4453 - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفًا، لا حساب عليهم ولا عذاب، مع كل ألف سبعون ألفًا، وثلاث حثيات من حثيات ربي". قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في الزهد من حديث أبي أمامة وقال الترمذي: حسن غريب، وفي سنده: إسماعيل بن عياش (¬1). قوله - صلى الله عليه وسلم -: وثلاث حثيات من حثيات ربي، الحثوة والحثية: ما يحثيه الإنسان بيديه من ماء أو تراب أو غيرهما، وهو بالثاء المثلثة، والحثيات: هنا كناية عن المبالغة في الكثرة، ولا كفَّ ثَمَّ ولا حَثْيَ جلّ الله عن ذلك وعزّ (¬2)، ويجوز في ثلاث حثيات الرفع عطفًا على المبتدأ الذي هو قوله سبعون ألفًا، وهو الأقرب، ويجوز النصب عطفًا على مفعول يدخل أي يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفًا، وثلاث حثيات من حثيات ربي، والكثرة في الرفع أكثر من النصب بسبعين مرة والله أعلم بمراد نبيه - صلى الله عليه وسلم -. 4454 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات، فأما عرضتان، فجدال ومعاذير، وأما العرضة الثالثة، فعند ذلك تطاير الصحف في الأيدي: فآخذ بيمينه، وآخذ بشماله". (ضعيف). قلت: رواه أحمد والترمذي في الزهد من حديث أبي هريرة (¬3) وقالا: لا يصح هذا الحديث، من قبل أنه روي من طريق الحسن عن أبي هريرة، والحسن لم يسمع من أبي هريرة وقد رواه بعضهم عن الحسن عن أبي موسى انتهى. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2437)، وابن ماجه (4286) وإسناده صحيح. انظر: هداية الرواة (5/ 172). (¬2) انظر: النهاية (1/ 339 - 340)، وقد سبق أن تكلمنا أن الله سبحانه خاطبنا بلسان عربي مبين وبما نفهمه ونعقل معناه، والأصل في الكلام أن يجري على ظاهره، ولا نعلم كيفيتها ونقطع بأنها لا تماثل صفات المخلوقين، وأن تأويلها بالمبالغة وغيرها باطل. (¬3) أخرجه الترمذي (2425) وهو ضعيف لعنعنة الحسن البصري. =

وقد أخرج البخاري في صحيحه ثلاثة أحاديث من حديث الحسن عن أبي هريرة لكن لم يحتج به إنما يأتي به متابعة مع غيره، أحدها: أن موسى كان رجلًا حييًّا ما يرى من جسده شيء ... الحديث، أخرجه في التفسير من حديث عوف عن الحسن ومحمد وخلاس ثلاثتهم عن أبي هريرة (¬1). الثاني: غفر لامرأة مومسة مرت بكلب على ركيّ يلهث ... الحديث أخرجه في بدء الخلق عن الحسن وابن سيرين عنه (¬2). والثالث: من اتبع جنازة مسلم إيمانًا واحتسابًا وكان معها حتى يصلي عليها ... الحديث، في الإيمان من حديث الحسن وابن سيرين عنه (¬3). وأخرج في بدء الخلق تعليقًا، وقال همام عن قتادة عن الحسن عنه أنه: رأي البيت يدخله كل يوم سبعون ألفًا، وليس في البخاري من حديث الحسن عن أبي هريرة غير ما ذكرناه ولم يخرج مسلم في صحيحه للحسن عن أبي هريرة شيئًا. 4455 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله يستخلص رجلًا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلًا، كل سجل مثل مد البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئًا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا، يا رب، فيقول: أفلك عذر؟ أو حسنة؟ قال: لا، يا رب، فيقول: بلى، إن لك عندنا حسنة، وإنه لا ظلم عليك اليوم، فتخرج بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، فيقول: احضر وزنك، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول: إنك لا تظلم؟ قال: فتوضع السجلات في كِفّة، والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات، وثقلت البطاقة، فلا يثقل مع اسم الله شيء". ¬

_ = وأما أحمد فإنه قد رواه (4/ 414) عن أبي موسى وهو عنده ضعيف للعلة السابقة. (¬1) أخرجه البخاري (3404). (¬2) أخرجه البخاري (3321)، والبغوي في شرح السنة (1666). (¬3) أخرجه البخاري (47)، والبغوي في شرح السنة (1501).

قلت: رواه الترمذي في الإيمان وابن ماجه في الزهد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. (¬1) ورجاله موثقون. وقد وقع لنا هذا الحديث عاليًا فأخبرنا به الخطيب المسند الإمام أبو الفتح محمد بن محمد بن إبراهيم الصوفي قراءة عليه وأنا أسمع في السابع من شهر رمضان سنة سبع وأربعين بمنزله بشاطيء النيل بمصر المحروسة، أنا أبو عيسى عبد الله بن عبد الواحد بن محمد بن علاق المصري قراءة عليه وأنا أسمع، أبا القاسم هبة الله بن علي بن مسعود بن ثابت الأنصاري الخزرجي سماعًا سنة خمس وتسعين وخمس مائة، أنا أبو صادق مرشد ابن يحيى القاسم المديني بقراءة الحافظ أبي ظاهر السلفي في ذي الحجة سنة ست عشرة وخمسمائة، أنا أبو الحسن علي بن عمر بن محمد بن حمزة الحراني، ثنا أبو القاسم حمزة بن محمد الكتابي الحافظ، إملاء ثنا عمران بن موسى ابن حميد الطبيب ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير حدثني الليث بن سعد عن عامر بن يحيى المعافري عن أبي عبد الرحمن الجيلي سمعت عبد الله بن عمرو. ورواه الترمذي: عن سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك عن الليث فوقع لنا هذا عاليًا بدرجتين فكأني سمعته من أبي حفص عمر بن طبرزد، فساويت فيه الحافظين أبي عمرو بن الصلاح وأبي محمد عبد العظيم المنذري. قوله - صلى الله عليه وسلم -: فتوضع السجلات في كفة، هو جمع سجل: بالكسر والتشديد وهو الكتاب الكبير، والبطاقة: رقعة صغيرة يكتب فيها مقدار ما يجعل فيها إن كان عينًا فوزنه وعدده، وإن كان متاعًا فقيمته، قيل: سميت بذلك لأنها تسد بطاقة من الثوب فتكون التاء حينئذ زائدة، وطاشت السجلات: أي خفت، والطيش: الخفة (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2639)، وقال: "حديث حسن غريب" وابن ماجه (4300)، وصححه الحاكم (1/ 529)، ووافقه الذهبي وانظر: الصحيحة (135). (¬2) انظر: شرح السنة للبغوي (15/ 134 - 135).

باب الحوض والشفاعة

4456 - أنها ذكرت النار فبكت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما يبكيك؟ " قالت: ذكرت النار فبكيت، فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحدًا: عند الميزان حنى يعلم أيخف ميزانه أم يثقل، وعند الكتاب حين يقال: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} حتى يعلم أين يقع كتابه، أفي يمينه أم في شماله أم من وراء ظهره؟، وعند الصراط، إذا وضع بين ظهراني جهنم". قلت: رواه أبو داود في السنة من حديث الحسن البصري عن عائشة وسكت هو والمنذري عليه. (¬1) باب الحوض والشفاعة من الصحاح 4457 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بينا أنا أسير في الجنة، إذا أنا بنهر حافتاه قباب الدرّ المجوّف، قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك، فإذا طينه مسك أذفر". قلت: رواه البخاري في التفسير من حديث أنس في الرقائق وتفرد به. (¬2) ومسك إذفر: أي طيب الريح والأذفر: نبات، والذفر بالتحريك يقع على الطيب والحبيب ويفرق بينهما بما يضاف إليه. أعلم أن أحاديث الحوض صحيحة والإيمان به فرض والتصديق به من الإيمان وهو على ظاهره عند أهل السنة والجماعة ولا يتأول ولا يختلف فيه، قال القاضي (¬3): ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4755) وإسناده ضعيف فيه عنعنة الحسن البصري، وأخرجه الحاكم (4/ 578) وقال: صحيح الإسناد على شرط الشيخين لولا إرسال فيه بين الحسن وعائشة، وأقره الذهبي. وانظر: تهذيب سنن أبي داود للمنذري (7/ 147). (¬2) أخرجه البخاري في الرقائق (6581)، وفي التفسير (4964). (¬3) انظر: إكمال المعلم (7/ 260).

وحديثه متواتر النقل رواه خلائق من الصحابة، ذكره مسلم من رواية: ابن عمر، وأبي سعيد، وسهل بن سعد، وجندب، وعبد الله ابن عمرو، وعائشة، وأم سلمة، وعقبة، وابن مسعود، وحذيفة، وحارثة بن وهب، والمستورد، وأبي ذر، وثوبان، وأنس، وجابر بن سمرة، ورواه غير مسلم من رواية: أبي بكر وزيد ابن أرقم، وأبي أمامة، وعبد الله بن زيد، وأبي برزة، وسويد بن جبلة، وعبد الله الصنابحي، والبراء بن عازب، وأسماء بنت أبي بكر وخولة بنت قيس وغيرهم. قال النووي: (¬1) ورواه الشيخان من رواية أبي هريرة ورواه غيرهما من رواية عمر بن الخطاب وعائذ بن عمر وآخرين وقد جمع ذلك كله الإمام أبو بكر البيهقي في كتابه "البعث والنشور" بأسانيده وطرقه المتكاثرات قال القاضي عياض (¬2): وفي بعض هذا ما يقتضي أن يكون الحديث متواترًا. 4458 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "حوضي مسيرة شهر، وزواياه سواء، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من يشرب منها، فلا يظمأ أبدًا". قلت: رواه البخاري في الحوض ومسلم في المناقب (¬3) وابن ماجه في الصيام كلهم من حديث ابن أبي مليكة عن عبد الله بن عمرو بن العاص ولم يذكر البخاري: وزواياه سواء ولا أبيض من اللبن. قوله - صلى الله عليه وسلم -: كيزانه كنجوم السماء. وفي رواية: والذي نفسي بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء. ¬

_ (¬1) المنهاج (15/ 77). (¬2) انظر: إكمال المعلم (7/ 261)، وكتاب البيهقي "البعث والنشور" مطبوع في بيروت. وانظر: أحاديث الحوض فيه من صفحة (110 - 130). (¬3) أخرجه البخاري (6579)، ومسلم (2292) ولم أجده عند ابن ماجه.

قال النووي (¬1): الصواب أن هذا العدد للآنية على ظاهره ولا مانع عقلي ولا شرعي يمنع من ذلك بل ورد الشرع به مؤكدًا بالقسم. وقال القاضي عياض: هذا إشارة إلى كثرة العدد وغايته الكثيرة من باب قوله - صلى الله عليه وسلم -؟ لا يضع العصا عن عاتقه، والظمأ مهموز مقصور: العطش. 4459 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن حوضي أبعد من أيلة من عدن، لهو أشد بياضًا من الثلج، وأحلى من العسل باللبن، ولآنيته أكثر من عدد النجوم، وإني لأصد الناس عنه كما يصد الرجل إبل الناس عن حوضه"، قالوا: يا رسول الله أتعرفنا يومئذ؟ قال: "نعم، لكم سيما ليست لأحد من الأمم، تردون عليّ غرًّا محجّلين من أثر الوضوء". قلت: رواه مسلم (¬2) في كتاب الوضوء من حديث أبي هريرة ولم يخرج البخاري أول هذا الحديث إلى قوله: باللبن ولم يقل: أتعرفنا إلى قوله: من الأمم. قوله - صلى الله عليه وسلم -: أبعد من أيلة: هو بفتح الهمزة وإسكان المثناة من تحت وفتح اللام وهو مدينة معروفة في طرف الشام على ساحل البحر، متوسطة بين مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودمشق ومصر، بينها وبين المدينة خمسة عشر مرحلة، وبينها وبين دمشق نحو ثلثي عشر مرحلة، وبينها وبين مصر نحو ثمان مراحل، قال الحازمي: قيل هي آخر الحجاز وأول الشام (¬3). وعدن بلد معروفة في طرف اليمن، مما يلي البحر، والمعنى أن بعد ما بين طرفي الحوض أزيد من بعد ما بين أيلة وعدن. والسيما: العلامة. 4460 - وروي: "ترى فيه أباريق الذهب والفضة، كعدد نجوم السماء". ¬

_ (¬1) المنهاج (15/ 80). (¬2) أخرجه مسلم (247). (¬3) انظر: معجم البلدان (1/ 292)، وإكمال المعلم (7/ 259).

قلت: رواه الشيخان من حديث أنس: البخاري في الحوض ومسلم في المناقب ولم يذكر البخاري الذهب ولا الفضة. (¬1) 4461 - وروي: "يَغُتّ فيه ميزابان، يمدانه من الجنة، أحدهما من ذهب، والآخر من ورق". قلت: رواه مسلم في المناقب من حديث ثوبان ولم يخرج البخاري في كتابه عن ثوبان شيئًا (¬2). ويَغُتّ: بفتح الياء المثناة من تحت وبغين معجمة مضمومة ومكسورة ثم مثناة فوق مشددة، قال الهروي (¬3): معناه يدفقان فيه الماء دفقًا متتابعًا شديدًا، قالوا: وأصله من اتباع الشيء الشيء، وقيل: يصبان فيه دائمًا صبًّا شديدًا، ووقع في بعض نسخ مسلم يعب: بضم العين المهملة وباء موحدة وهو بمعنى ما سبق، والعب: الشرب بسرعة في نفس واحد، وفي بعض الروايات يثعب بمثلثة وعين مهملة أي يتفجر. وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: يمدانه فبفتح الياء وضم الميم أي يزيدانه ويكثرانه. 4462 - قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إني فرطكم على الحوض، من مر علي شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدًا، ليردن عليّ أقوام أعرفهم ويعرفونني، ثم يحال بيني وبينهم"، فأقول: إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقًا سحقًا لمن غير بعدي. قلت: رواه الشيخان: البخاري في الحوض وفي الفتن ومسلم في فضل النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث سهل بن سعد (¬4) إلى قوله: ثم يحال بيني وبينهم، وتمام الحديث زاده أبو سعيد ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2303)، والبخاري (6580). (¬2) أخرجه مسلم (2351). (¬3) انظر: غريب الحديث (1/ 91)، وإكمال المعلم (7/ 267). (¬4) أخرجه البخاري (6583) (6584) (7050، 7051)، ومسلم (2290، 2291).

الخدري، ولفظ الشيخين: من ورد يشرب، وفي بعض طرق البخاري: من مر شرب وبها روى المصنف. قوله - صلى الله عليه وسلم -: أنا فرطكم على الحوض، قال أهل اللغة: الفرط: بفتح الفاء والراء والفارط: هو الذي يتقدم الوارد ليصلح لهم الحوض والدلاء، ونحوها من أمور الاستسقاء، فمعنى فرطكم على الحوض سابقكم إليه كالمهيء له (¬1). قوله - صلى الله عليه وسلم -: ومن شرب لم يظمأ أبدًا أي شرب منه، والظمأ مهموز مقصور كما تقدم، قال القاضي (¬2): ظاهر هذا الحديث أن الشرب منه يكون بعد الحساب والنجاة من النار، فهذا هو الذي لا يظمأ بعده، قال: وقيل: ولا يشرب منه إلا من قدر له السلامة من النار، ويحتمل: أن من شرب منه من هذه الأمة وقدر عليه دخول النار لا يعذب فيها بالظمأ، بل يكون عذابه بغير ذلك، لأن ظاهر الحديث أن جميع الأمة تشرب منه إلا من ارتد وصار كافرًا قال: وقيل إن جميع المؤمنين من الأمم يأخذون كتبهم بأيمانهم ثم يعذب الله من شاء من عصاتهم، وقيل: إنما يأخذه بيمينه الناجون خاصة، قال القاضي (¬3): وهذا مثله. قوله - صلى الله عليه وسلم -: سحقًا سحقًا أي بعدًا بعدًا ونصبه على المصدر وكرر للتوكيد. 4463 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يحبس المؤمنون يوم القيامة، حتى يهموا بذلك، فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا فيريحنا من مكاننا، فيأتون آدم، فيقولون: أنت أبو الناس، خلقك الله بيده، وأسكنك جنّته، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، اشفع لنا عند ربك، حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيقول: لست هُناكم، فيذكر خطيئته التي أصاب: وأكله من الشجرة وقد نهي عنها، ولكن ائتوا نوحًا: أول نبي بعثه الله إلى أهل الأرض، فيأتون نوحًا، فيقول: لست هناكم، ويذكر خطيئته التي أصاب: ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (15/ 77 - 78). (¬2) انظر: إكمال المعلم (7/ 257). (¬3) انظر: المصدر السابق.

بسؤاله ربه بغير علم، ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن: قال: فيأتون إبراهيم، فيقول: إني لست هناكم، ويذكر ثلاث كذبات كذبهن، ولكن ائتوا موسى: عبدًا آتاه الله التوراة، وكلّمه، وقربه نجيًّا، قال: فيأتون موسى، فيقول: إني لست هناكم، ويذكر خطيئته التي أصاب: وقتله النفس، ولكن ائتوا عيسى: عبد الله ورسوله، وروح الله وكلمته، قال: فيأتون عيسى، فيقول: لست هناكم، ولكن ائتوا محمدًا: عبدًا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال: فيأتونني، فأستأذن على ربي في داره، فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجدًا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، فيقول: ارفع محمد! وقل يُسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه، قال: فأرفع رأسي، فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، ثم أشفع، فيحد لي حدًّا، فأخرج فأُخرجهم من النار، فأدخلهم الجنة، ثم أعود، فأستأذن على ربي في داره، فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجدًا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقول: ارفع محمد، وقل يسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه، قال: فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، ثم أشفع، فيحد لي حدًّا فأخرج فأدخلهم الجنة، ثم أعود فأستأذن على ربي في داره، فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجدًا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقول: ارفع محمد، وقل يُسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه، قال: فأرفع رأسي، فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، ثم أشفع، فيحد لي حدًّا فأخرج فأدخلهم الجنة، حتى ما يبقى في النار إلا من قد حبسه القرآن" أي: وجب عليه الخلود، ثم تلا هذه الآية {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}، وقال: "وهذا المقام المحمود الذى وعِدَه نبيكم - صلى الله عليه وسلم -". قلت: رواه البخاري في التفسير وفي التوحيد واللفظ له في التوحيد ومسلم في الإيمان والنسائي في التفسير. (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: يهموا بذلك هو على البناء للمفعول من أهمه الأمر إذا أقلقه وأحزنه أي حتى يخرجك من الحبس. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6565)، (7440)، ومسلم (193)، والنسائي في الكبرى (10984).

قوله - صلى الله عليه وسلم -: لو استشفعنا إلى ربنا فيريحنا أي يخلصنا ويريحنا منصوب بأن مقدرة بعد الفاء في جواب التمني وهو "لو". وقول آدم عليه السلام: لست هناكم. قال النووي (¬1): معناه لست أهلًا لذلك، قوله - صلى الله عليه وسلم - حكاية عن الأنبياء عليهم السلام: لسنا هناكم، ويذكرون خطاياهم قد اختلف العلماء في جواز المعاصي على الأنبياء ولا خلاف في أن الكفر بعد النبوة ليس بجائز عليهم وكذا قبلها على الصحيح ولا خلاف أنهم معصمون من الكبائر، وكلما طريقه الإبلاغ في القول أو الفعل، وكذلك لا خلاف أنهم معصومون من الصغائر التي تزري صاحبها وتحط منزلته، واختلفوا في غيرها من الصغائر فذهب جماعات من المتكلمين والفقهاء المحققين إلى عصمتهم من ذلك أيضًا، وهذا هو الحق، واختلفوا في جواز السهو والنسيان عليهم، فنقل النووي (¬2) عن معظم المحققين وجماهير العلماء أنهم ذهبوا إلى جواز ذلك، ووقوعه منهم، قال: وهذا هو الحق ثم لا بد من تنبيههم عليه وذكرهم إياه إما في الحين على قول جمهور المتكلمين وإما قبل وفاتهم على قول بعضهم. قوله في قول آدم: خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، هو من إضافة التشريف، قال ابن الأنباري: الخليل معناه المحب الكامل، والمحبوب الموفي بحقيقة المحبة واللذان ليس في حبهما نقص ولا خلل، وقيل: مأخوذ من الخلة وهي الحاجة، فسمى إبراهيم عليه السلام بذلك لأنه قصر حاجته على ربه سبحانه وتعالى. قال الواحدي: والقول الأول هو الاختيار لأن الله تعالى خليل إبراهيم وإبراهيم خليل الله تعالى ولا يقال الله تعالى خليل إبراهيم من الخلة الذي هو الحاجة. ¬

_ (¬1) المنهاج (3/ 67). (¬2) المصدر السابق (3/ 66).

قوله - صلى الله عليه وسلم -: عبدًا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، اختلف العلماء في معناه قال القاضي عياض (¬1): المتقدم ما كان قبل النبوة، والمتأخر ما عصمه بعدها، قيل ما وقع عن سهو أو تأويل، وقيل مغفور لك غير مؤاخذ بذنب لو كان (¬2). قوله - صلى الله عليه وسلم -: فأستأذن عليه في داره، قال الخطابي (¬3): أي في داره التي دورها لأنبيائه وأوليائه وهي الجنة، قال تعالى: {لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ} وهذا كما يقال بيت الله أي البيت الذي جعله الله مثابة للناس وأمنًا. 4464 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان يوم القيامة، ماج الناس بعضهم في بعض، فيأتون آدم فيقولون: اشفع لنا إلى ربك، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بإبراهيم فإنه خليل الرحمن، فيأتون إبراهيم فيقول: لست لها، ولكن عليكم بموسى، فإنه كليم الله، فيأتون موسى، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بعيسى، فإنه روح الله وكلمته، فيأتون عيسى، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بمحمد، فيأتونني فأقول: أنا لها، فأستأذن على ربي، فيؤذن لي، ويلهمني محامد فأحمده بها، لا تحضرني الأن، فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدًا، فيقال: يا محمد! ارفع رأسك، وقل تسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثال شعيرة من إيمان، فأنطلق فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدًا، فيقال: يا محمد! ارفع رأسك، وقل تسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال: انطلق فأخرج من كان في قلبه مثقال ذرة بخير أو خردلة من إيمان فانطلق فأفعل ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدًا، فيقال: يا محمد! ارفع رأسك، وقل تسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال: انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردلة من ¬

_ (¬1) انظر: إكمال المعلم (1/ 575). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (3/ 66 - 70)، وإكمال المعلم (1/ 573 - 578). (¬3) انظر: أعلام الحديث للخطابي (4/ 2355).

إيمان، فأخرجه من النار، فأنطلق فأفعل، ثم أعود الرابعة فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدًا، فيقال: يا محمد! ارفع رأسك، وقل تسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال: لا إله إلا الله قال: ليس ذلك لك، ولكن وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي، لأخرجن منها من قال: لا إله إلا الله". قلت: رواه البخاري في كتاب التوحيد بهذا اللفظ ورواه مسلم في الإيمان وقال في الأول: مثقال حبة من خردل أو شعيرة من إيمان، وقال في الثانية: مثقال حبة من خردل، وقال في الثالثة: فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه من النار. (¬1) قال عبد الحق في الجمع بين الصحيحين: وليس في رواية البخاري: ليس ذلك لك (¬2)، إنما هو في رواية مسلم. وماج الناس: أي اختلط بعضهم ببعض مقبلين ومدبرين حيارى. 4465 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة، من قال: لا إله إلا الله، خالصًا من قلبه أو نفسه". قلت: رواه البخاري في العلم وفي صفة الجنة والنسائي (¬3) في العلم كلاهما من حديث أبي هريرة قال: قلت: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث: أسعد الناس بشفاعتي ... " وساقه، ولم يخرجه مسلم. 4466 - قال: أُتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بلحم، فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه، فنهس منها نهسة، ثم قال: "أنا سيد الناس يوم القيامة، يوم يقوم الناس لرب العالمين، وتدنو ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (7510)، ومسلم (193). (¬2) انظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (2/ 546)، وذكره من رواية البخاري. (¬3) أخرجه البخاري (99)، والنسائي في الكبرى (5842).

الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون، فيقول الناس ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيأتون آدم .. " وذكر حديث الشفاعة، وقال: "فأَنطلق فآتي تحت العرش، فأقع ساجدًا لربي، ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئًا لم يفتحه على أحد قبلي، ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك، سل تعطه، واشفع تشفع، فأرفع رأسي، فأقول: أمتي يا رب، أمتي يا رب، فقال: يا محمد! أدخل من أمتك مَنْ لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء للناس فيما سوى ذلك من الأبواب"، ثم قال: "والذي نفسي بيده، إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة، كما بين مكة وهجر". قلت: رواه الشيخان بألفاظ متقاربة: البخاري في التفسير في سورة بني إسرائيل وذكره في بدء الخلق ومسلم في الإيمان من حديث أبي هريرة. (¬1) قوله: فنهس منها نهسة قال عياض: أكثر الروايات رووه بالمهملة ووقع لابن ماهان. بالمعجمة وكلاهما صحيح وهو بالمهملة من أطراف الأسنان وبالمعجمة بالأضراس. والسيد: هو الذي يفوق قومه، ويفزع إليه في الحوائج، والنبي - صلى الله عليه وسلم - سيدهم في الدنيا والآخرة، وإنما خص يوم القيامة لارتفاع السؤدد فيها وتسليم جميعهم له، ولكون آدم وجميع أولاده تحت لوائه - صلى الله عليه وسلم -. والمصراعان: بكسر الميم جانبا الباب. وهجر: بفتح الهاء والجيم وهي مدينة عظيمة وهي قاعدة البحرين. قال الجوهري (¬2): هجر اسم بلد مذكّر مصروف. قال أبو القاسم الزجاج في الجمل هجر يذكر ومؤنث. قال النووي (¬3): وهجر هذه غير هجر المذكورة في حديث القلتين. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في التفسير (4712)، وفي الأنبياء (3340)، ومسلم (194). (¬2) انظر: الصحاح للجوهري (2/ 852). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (3/ 84).

4467 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "وترسل الأمانة والرحم، فيقومان جَنَبتي الصراط، يمينًا وشمالًا". قلت: رواه مسلم في حديث طويل من حديث حذيفة وأبي هريرة (¬1) في الإيمان، ولم يخرج البخاري هذه القطعة منه التي اقتصر عليها المصنف في ذكر الأمانة والرحم، وجنبتا الصراط: ناحيتاه. قال ابن الأثير (¬2): جنبة الوادي: بفتح النون جانبه وناحيته، والمعنى: أن الأمانة والرحم لعظم شأنهما وفخامة أمرهما تمثلان عند الصراط، وتقومان بقربه فإنه ممر الصالح والعاصي، وعليه يمر الداني والقاصي فيشهدان للأمين والواصل وعلى الخائن والقاطع (¬3). 4468 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلا قول الله تعالى في إبراهيم: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} وقال عيسى: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} فرفع يديه، فقال: "اللهم أمتي أمتي، وبكى فقال الله عز وجل: يا جبريل! اذهب إلى محمد -وربك أعلم- فسَلْه: ما يُبكيه، فأتاه جبربل، فسأله؟ فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما قال: فقال الله لجبريل: اذهب إلى محمد فقل: "إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءُك". قلت: رواه مسلم في الإيمان والنسائي في التفسير من حديث عبد الله بن عمرو ولم يخرجه البخاري. (¬4) 4469 - أن ناسًا قالوا: يا رسول الله هل نوى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم، هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صَحْوًا، ليس معها سحاب؟ وهل ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (195). (¬2) انظر: النهاية لابن الأثير (1/ 303). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (3/ 87). (¬4) أخرجه مسلم (202)، والنسائي في الكبرى (11269).

تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوًا ليس فيها سحاب؟ قالوا: لا، يا رسول الله قال: "ما تضارون في رؤية الله يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن: لتتبع كل أمة ما كانت تعبد، فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب، إلا يتساقطون في النار، حتى لم يبق إلا من كان يعبد الله -من بر وفاجر-: أتاهم رب العالمين، قال: فماذا تتنظرون؟ يتبع كل أمة ما كانت تعبد، قالوا: يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم". قلت: رواه البخاري في تفسير سورة النساء وفي التوحيد ومسلم في الإيمان من حديث أبي سعيد الخدري. (¬1) وتضارون: روي بتشديد الراء وتخفيفها والتاء مضمومة فيهما وقد تقدم تفسير ذلك في آخر أحاديث الصحاح في الباب الذي قبل هذا. - وفي رواية أبي هريرة: "فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه". وفي رواية أبي سعيد: "فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه بها؟ فيقولون: نعم، فيكشف عن ساق، ولا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه، إلا أذن الله له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد اتقاءً ورياءً، إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة، كلما أراد أن يسجد، خر على قفاه، ثم يُضرب الجسر على جهنم، وتحل الشفاعة، ويقولون: اللهم سلّم سلّم، فيمر المؤمنون كطرف العين، وكالبرق، وكالريح، وكالطير، وكأجاويد الخيل، والركاب: فناج مسلم، ومخدوش مرسل، ومكردس في نار جهنم، حتى إذا خلص المؤمنون من النار، فوالذي نفسي بيده، ما من أحد منكم بأشد مناشدة في الحق -قد تبين لكم- من المؤمنين: لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار، يقولون: ربنا كانوا يصومون معنا، ويصلون ويحجون، فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم، فتحرم صورهم على النار، فيخرجون خلقًا كثيرًا، ثم يقولون: ربنا ما بقي فيها ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في التوحيد (7439)، والتفسير (4581)، ومسلم (183).

أحد ممن أمرتنا به، فيقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقًا كثيرًا، ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقًا كثيرًا، ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقًا كثيرًا، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها خيرًا، فيقول الله: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيُخرج منها قومًا لم يعملوا خيرًا قط، قد عادوا حُمَمًا فيُلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له: نهر الحياة، فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل، فيخرجون كاللؤلؤ، في رقابهم الخواتم، فيقول أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الرحمن، أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدّموه، فيقال لهم: لكم ما رأيتم ومثله معه". قلت: حديث أبي سعيد هذا من قوله: أن ناسًا قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا إلى آخر الرواية الثالثة وهي قوله: لكم ما رأيتم ومثل معه، رواه الشيخان مع زيادة فيه اختصرها المصنف رضي الله عنهم واعترض الشيخ بين رواية أبي سعيد برواية أبي هريرة، فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه، وهي رواها الشيخان أيضًا في حديث طويل عن أبي هريرة بمثل معنى حديث أبي سعيد (¬1). قوله - صلى الله عليه وسلم -: فيكشف عن ساق ضبط يكشف بضم الياء وفتحها، وفسر ابن عباس وجمهور أهل اللغة: الساق هنا بالشدة أي يكشف عن شدة وأمر مهول، قالوا: وهذا مثل تضربه العرب لشدة الأمر، ولهذا يقولون: قامت الحرب على ساق، وأصله أن الإنسان إذا وقع في شدة يقال: شمر ساعده، وكشف عن ساقه، للاهتمام به، وقيل: ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (7439) و (806)، ومسلم (182) و (183).

المراد بالساق هنا نور عظيم وورد ذلك في حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ابن فورك (¬1): ومعنى ذلك ما يتجدد للمؤمنين عند رؤية الله تعالى من الفوائد والألطاف (¬2). قال الخطابي (¬3): وهذه الرؤية التي في هذا المقام يوم القيامة غير الرؤية التي في الجنة لكرامة أولياء الله تعالى وإنما هذه للامتحان وقد استدل بعض العلماء بهذا الحديث وأنه تعالى أمرهم بالسجود وفيهم من لا يستطيعه على جواز تكليف ما لا يطاق. قال النووي (¬4): وهذا باطل لأن هذا السجود إنما هو امتحان وليس بتكليف. وطبقة: بفتح الطاء والباء قال الروي وغيره: الطبق فقار الظهر أي صار فقاره طبقة واحدة كالصحفة فلا يقدر على السجود. قوله - صلى الله عليه وسلم -: فناج مسلم إلى آخره، يعني أنهم ثلاثة أقسام، قسم يسلم ولا يناله شيء فيخلص، وقسم يكردس ويلقى فيسقط في جهنم. ومكردس هو بالسين المهملة قال القاضي عياض (¬5): كذا هو عند أكثر الرواة أي الموثق الملقى في النار أو الملقى على غيره بعضهم على بعض في النار، قال: ورواه بعضهم بالشين المعجمة ومعناه السوق. ¬

_ (¬1) انظر: مشكل الحديث لابن فورك (ص: 190 - 193). (¬2) ذكرت بأن علماء أهل السنة والجماعة يرون إثبات جميع الصفات التي جاءت في كلام الله أو في كلام رسوله - صلى الله عليه وسلم -، من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل كما قال السلف رحمهم الله: أمروها كما جاءت، فتأويل الساق إلى نور وغيره باطل، لأن السياق لا يدل على ما ذهب إليه المؤلف. وكذلك الرؤية ثابتة للمؤمنين كما دلت عليه {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} وقال الحسن في قوله سبحانه {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} قال: يكشف الحجاب، فينظر إليه المؤمنون والكافرون ثم يحجب عنه الكافرون وينظر إليه المؤمنون كل يوم غدوة وعشية، انظر: تفسير ابن كثير (8/ 373). (¬3) انظر: أعلام الحديث للخطابي (1/ 523 - 524). (¬4) انظر: المنهاج للنووي (3/ 35 - 36). (¬5) انظر: إكمال المعلم (1/ 552 - 553).

قوله - صلى الله عليه وسلم -: ما من أحد منكم بأشد مناشدة في الحق وقد تبين لكم من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار. الحق: أي في الأمر الحق وقد تبين لكم حال من الحق أي في أمر حق مبينًا لكم، ومن المؤمنين متعلق بأشد، ولله متعلق بالمناشدة ولإخوانهم أي لأجل إخوانهم، فالمؤمنون هم المناشدون، والله تعالى هو المناشد معه، ولإخوانهم هم المناشد فيهم، ويوم القيامة ظرف لأشد تقديره ما من أحد ناشد مناشدة يوم من المؤمنين لله لأجل إخوانهم الذين هم في النار. وفيقبض قبضة من النار معناه يجمع جماعة. وعادوا: أي صاروا، وليس بلازم في عاد أن يصير إلى حال كان عليها قبل ذلك. والحمم: بضم الحاء وفتح الميم المخففة وهو الفحم الواحد حممة. والنهر: فيه لغتان بفتح الهاء وهو الأجود وإسكانها. والأفواه: جمع فوهة، قال النووي (¬1): بضم الفاء وتشديد الواو المفتوحة وهو جمع سمع من العرب على غير قياس، وأفواه الأنهار أولها. والخواتم: جمع خاتم بفتح التاء وكسرها. والحبة: بكسر الحاء المهملة بذور البقول وحب الرياحين، وقيل هو نبت صغير ينبت في الحشيش، فأما الحبة: بالفتح فهي الحنطة والشعير ونحوهما وليس بمراد هنا (¬2). وحميل السيل: هو بفتح الحاء ما يجيء به السيل من طين أو غثاء أو غيره فعيل بمعنى مفعول، فإذا نقعت فيه حبة واستقرت على شط مجرى السيل، فإنها تنبت في يوم وليلة. 4470 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، يقول الله تعالى: من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، فأخرجوه، فيخرجون قد امتحشوا وعادوا ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (3/ 40). (¬2) انظر: إكمال المعلم (1/ 546 - 553)، وشرح السنة (15/ 176 - 179)، والمنهاج (3/ 32 - 41).

حُممًا، فيُلْقَون في نهر الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، ألم تروا أنها تخرج صفراء ملتوية". قلت: رواه الشيخان كلاهما في الإيمان وترجم عليه البخاري باب تفاضل الإيمان. (¬1) وامتحشوا: قال في المشارق (¬2): ضبطه أكثرهم بضم التاء وكسر الحاء المهملة على ما لم يسم فاعله وضبطه بعضهم بفتحهما أيضًا. قال: في شرح السنة (¬3): أي احترقوا والمحش احتراق الجلد وظهر العظم. 4471 - أن الناس قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ ... فذكر معنى حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، غير كشف الساق، وقال: "ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم، فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته، ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل، وكلام الرسل يومئذ: اللهم سلّم سلّم، وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان، لا يعلم قدر عظمها إلا الله، تخطف الناس بأعمالهم، فمنهم من يوبَق بعمله، ومنهم من يخردل ثم ينجو، حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عبادة، وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يخرجه ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله، أمر الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله، فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود، وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود، فكل ابن آدم تأكله النار، إلا أثر السجود، فيخرجون من النار قد امتحشوا، فيصب عليهم ماء الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، ويبقى رجل بين الجنة والنار، وهو آخر أهل النار دخولًا الجنة، مقبل بوجهه قبل النار، فيقول: يا رب اصرف وجهي عن النار، قد قشبني ريحها، وأحرقني ذكاؤها، فيقول: هل عسيت إن فعل ذلك بك أن تسأل غير ذلك؟ فيقول: لا، وعزتك، فيعطي الله ما شاء من عهد وميثاق، فيصرف الله وجهه عن النار، فإذا أقبل به إلى الجنة، رأي ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (22)، ومسلم (184). (¬2) انظر: مشارق الأنوار (1/ 374). (¬3) انظر: شرح السنة للبغوي (15/ 177).

بهجتها، سكت ما شاء الله أن يسكت، ثم قال: يا رب قدمني عند باب الجنة، فيقول الله تبارك وتعالى: أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي كنت سألت؟ فيقول: يا رب لا أكون أشقى خلقك، فيقول: فما عسيت إن أعطيت ذلك أن تسأل غيره؟، فيقول: لا، وعزتك لا أسأل غير ذلك، فيعطي ربه ما شاء من عهد وميثاق، فيقدمه إلى باب الجنة فإذا بلغ بابها، فرأى زهرتها وما فيها من النضرة والسرور، فسكت ما شاء الله أن يسكت، فيقول: يا رب أدخلني الجنة، فيقول الله تبارك وتعالى: ويلك يا ابن آدم ما أغدرك! أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي أعطيت؟! فيقول: يا رب لا تجعلني أشقى خلقك، فلا يزال يدعو، حتى يضحك الله منه، فإذا ضحك منه أذن له في دخول الجنة فيقول له: تمنّ، فيتمنى حتى إذا انقطع أمنيته قال الله تعالى: تمن من كذا وكذا أقبل يذكره ربه حتى إذا انتهت به الأماني، قال الله تعالى: لك ذلك ومثله معه". قلت: رواه البخاري في الصلاة في فضل السجود وفي التوحيد وفي غير موضع ومسلم في الإيمان وألفاظهما متقاربة المعنى من حديث أبي هريرة. (¬1) والكلاليب: جمع كلوب بفتح الكاف وضم اللام المشددة وهو حديدة معطوفة الرأس يعلق عليها اللحم ويرسل في التنور. والسعدان: بفتح السين وإسكان العين المهملتين وهو نبت له شوكة عظمية مثل الحسك من كل الجوانب. وتخطف الناس: هو بفتح الطاء ويجوز كسرها، يقال: خطف بفتح الطاء وكسرها وبالفتح أكثر، والكسر أفصح، ويجوز أن يكون معناه: تخطفهم بسبب أعمالهم القبيحة، ويجوز أن يكون معناها تتخطفهم على قدر أعمالهم. قوله - صلى الله عليه وسلم -: فمنهم من يوبق بعمله هو بالباء الموحدة أي يهلك. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (806) (6573) (6574) (7437) (7438)، ومسلم (182).

وأما المخردل، فمعناه الذي يقطع الكلاليب لحمه، وهو بالخاء المعجمة والدال المهملة ويقال فيه بالمعجمة أيضًا ورواه بعضهم بالجيم عوض الحاء ومعناه المشرف على الهلاك. والحبة: وحميل السيل بكسر الحاء من الأول وفتحها من الثاني وقد تقدم تفسير ذلك قريبًا في هذا الباب. وقشبني ريحها: بقاف مفتوحة أي سمني بالسين المهملة وآذاني وأهلكني، وأحرقني ذكاؤها: بفتح الذال المعجمة وبالمد كذا وقع في جميع الروايات ومعناه لهبها وشدة وهجها. قال النووي: والأشهر في اللغة: القصر، وحكى جماعات فيه المد والقصر. وعسيت هو بفتح التاء على الخطاب وبفتح السين وكسرها لغتان (¬1). - وقال أبو سعيد: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قال الله: لك ذلك وعشرة أمثاله". قلت: رواه الشيخان (¬2)، ذكراه في الحديث الأول فقالا: وقال عطاء بن يزيد وأبو سعيد الخدري مع أبي هريرة لا يرد عليه من حديثه شيئًا، حتى إذا حدث أبو هريرة: أن الله عز وجل قال لذلك الرجل ومثله معه، قال أبو سعيد: وعشرة أمثاله معه يا أبا هريرة، قال أبو هريرة: ما حفظت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا قوله: ذلك لك ومثله معه، قال أبو سعيد: أشهد أني حفظت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله: ذلك له وعشرة أمثاله. 4472 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "آخر من يدخل الجنة: رجل فهو يمشي مرة، ويكبو مرة، وتسفعه النار مرة، فإذا جاوزها التفت إليها، فقال: تبارك الذي نجاني منك، لقد أعطاني الله شيئًا ما أعطاه أحدًا من الأولين والآخرين، فترفع له شجرة، فيقول: يا رب أدنني من هذه الشجرة فلأستظل بظلها، وأشرب من مائها، فيقول الله: يا ابن آدم لعلّي إن أعطيتكها تسألني غيرها؟ فيقول: لا يا رب، ويعاهده أن لا يسأله غيرها، فيدنيه ¬

_ (¬1) انظر: أعلام الحديث للخطابي (1/ 532 - 533)، وإكمال المعلم (1/ 550 - 554)، والمنهاج للنووي (3/ 26 - 31). (¬2) سبق تخريجه.

منها، فيستظل بظلها، ويشرب من مائها، ثم ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى، فيقول: أي رب أدنني من هذه الشجرة، لأشرب من مائها، وأستظل بظلها، فيقول: يا ابن آدم ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ قال: بلى يا رب، فيقول: لعلّي إن أدنيتك منها تسألني غيرها؟ فيعاهده ألا يسأله غيرها، فيدنيه منها، فيستظل بظلها، ويشرب من مائها، ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة، هي أحسن من الأوليين، فيقول: أي رب أدنني من هذه الشجرة، فلأستظل بظلها، وأشرب من مائها، فيقول: يا ابن آدم! ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ قال: بلى يا رب، هذه لا أسألك غيرها، وربّه يعذره، لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فإذا أدناه منها سمع أصوات أهل الجنة، فيقول: أي رب أدخلنيها، فيقول: يا ابن آدم ما يصريني منك؟ أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها؟ قال: أي رب أتستهزى مني وأنت رب العالمين؟ ". فضحك ابن مسعود، فقالوا: مم تضحك؟ قال: هكذا ضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: مم تضحك يا رسول الله؟ قال: "من ضحك رب العالمين، حين قال: أتستهزىء مني وأنت رب العالمين؟ فيقول: إني لا أستهزىء منك، ولكني على ما أشاء قدير". قلت: هذا الحديث رواه مسلم في الإيمان (¬1) وذكره الحميدي (¬2) فيما انفرد به عن البخاري، وكذا عزاه عبد الحق لمسلم، وقال: لم يخرج البخاري هذا الحديث وأخرج نحو هذه القصة من حديث أبي هريرة كما خرجه مسلم من حديثه، ولم يذكر: الشجرة، وأراد عبد الحق حديث أبي هريرة الذي قبل هذا. ومعنى: يكبو أي يسقط على وجهه، وتسفعه: بفتح التاء وإسكان السين المهملة وفتح الفاء، ومعناه: تضرب وجهه وتسوده وتؤثر فيه أثرًا. وما يصريني منك: هو بفتح الياء وإسكان الصاد المهملة، ومعناه: يقطع مسئلتك مني. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (187). (¬2) انظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (1/ 239 - 241 رقم: 310).

وضحك رب العالمين: معناه الرضى والرحمة، وإرادة الجنة لمن يشاء من عبادة (¬1). - وفي رواية: "ويذكّره الله: سل كذا وكذا، حتى إذا انقطعت به الأماني، قال الله: هو لك وعشرة أمثاله، قال: ثم يدخل بيته، فتدخل عليه زوجتاه من الحور العين، فتقولان: الحمد لله الذي أحياك لنا وأحيانا لك، قال: فيقول: ما أعطي أحد مثل ما أعطيت". قلت: هذه الرواية عزاها ابن الأثير (¬2) إلى رواية مسلم من حديث أبي سعيد الخدري في حديث طويل ذكره مسلم عقيب حديث ابن مسعود، وقال الحميدي في كتابه إن مسلمًا لم يذكر في هذا الحديث هذه الزيادة، وهي قوله: ويذكره الله سل كذا وكذا إلى آخرها. قال ابن الأثير: ورأيت هذه الزيادة في مسلم ولعل ذلك لم يكن في كتاب الحميدي. قلت: والصواب والله أعلم ما قاله ابن الأثير فإن المصنف ذكرها في الصحاح وليست في البخاري باتفاق، وقد رواها ابن الأثير في مسلم وكذلك عبد الحق في الجمع بين الصحيحين لمسلم وقال: لم يخرجها البخاري وقد رأيتها في نسخة سماعنا على ابن عبد الهادي. 4473 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليصيبن أقوامًا سفع من النار بذنوب أصابوها عقوبة، ثم يدخلهم الله الجنة بفضل رحمته، فيقال لهم: الجهنميون". قلت: رواه البخاري في التوحيد من حديث أنس ولم يخرجه مسلم. (¬3) قوله - صلى الله عليه وسلم -: سفع من النار أي علامة. قال ابن الأثير (¬4): يريد - صلى الله عليه وسلم - أثرًا من النار. ¬

_ (¬1) صفة "الضحك" ثابتة لله سبحانه وتعالى، فنثبتها كما جاءت بدون تكييف ولا تأويل وتأويلها بالرضى والرحمة وغيرها هو من حمل الكلام على غير ظاهره، وقد سبق الكلام عن الصفات مرارًا. (¬2) انظر: جامع الأصول (10/ 556 - 557). (¬3) أخرجه البخاري (7450). (¬4) انظر: النهاية (2/ 374).

4474 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يخرج قوم من النار بشفاعة محمد - صلى الله عليه وسلم -، فيدخل الجنة، ويسمون الجهنميين". قلت: رواه البخاري في صفة الجنة وأبو داود في السنة والترمذي في صفة النار وابن ماجه في الزهد كلهم من حديث عمران بن حصين ولم يخرج في مسلم عن عمران في الشفاعة شيئًا. (¬1) 4475 - وفي رواية: "يخرج قوم من أمتي من النار بشفاعتي، يسمون الجهنميين". قلت: رواها البخاري من حديث عمران بن حصين. (¬2) 4476 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إني لأعلم آخر أهل النار خروجًا منها، وآخر أهل الجنة دخولًا: رجل يخرج من النار حبوًا، فيقول الله: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها فيخيّل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول: يا رب وجدتها ملأى! فيقول الله: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول: يا رب وجدتها ملأى، فيقول الله: اذهب فادخل الجنة، فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها، فيقول: أتسخر مني -أو تضحك مني- وأنت الملك؟ " ولقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضحك، حتى بدت نواجذه وكان يقال: "ذلك أدنى أهل الجنة منزلة". قلت: رواه الشيخان: البخاري في الرقائق ومسلم في الإيمان من حديث ابن مسعود. (¬3) 4477 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولًا الجنة، وآخر أهل النار خروجًا منها: رجل يوتى به يوم القيامة، فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه، وارفعوا عنه كبارها، فيعرض عليه صغار ذنوبه، فيقال: عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا، وعملت يوم كذا وكذا كذا وكذا، فيقول: نعم، لا يستطيع أن ينكر، وهو ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6566)، وأبو داود (4740)، والترمذي (2600)، وابن ماجه (4315). (¬2) أخرجه البخاري (6566). (¬3) أخرجه البخاري (6571)، ومسلم (186).

مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه، فيقال له: فإن لك مكان كل سيئة حسنة، فيقول: رب قد عملت أشياء لا أراها ههنا"، ولقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضحك، حتى بدت نواجذه. قلت: رواه مسلم في الإيمان من حديث أبي ذر ولم يخرجه البخاري. (¬1) والنواجذ: بالنون المفتوحة والجيم المكسورة والذال المعجمة جمع ناجذ وهو آخر الأضراس، وللإنسان أربعة نواجذ في أقصى الأسنان. 4478 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يخرج من النار أربعة، فيعرضون على الله تعالى ثم يؤمر بهم إلى النار، فيلتفت أحدهم، فيقول: أي رب لقد كنت أرجو -إذ أخرجتني منها- أن لا تعيدني فيها، قال: فينجيه الله منها". قلت: رواه مسلم في الإيمان من حديث حماد بن سلمة عن ثابت وأبي عمران الجوني عن أنس ولم أر في نسختي من مسلم لفظة: لقد كنت أرجو بل لفظهما: أي رب إذا أخرجتني منها فلا تعدني فيها، ولم يخرج البخاري هذا الحديث. (¬2) 4479 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يخلص المؤمنون من النار، فيُحْبَسون على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هُذِّبوا ونقّوا، أُذن لهم في دخول الجنة، فوالذي نفس محمد بيده، لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا". قلت: رواه البخاري في المظالم وفي الرقائق من حديث أبي سعيد ولم يخرجه مسلم. (¬3) 4480 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يدخل أحد الجنة، إلا أُري مقعده من النار، لو أساء ليزداد شكرًا، ولا يدخل النار أحد، إلا أُري مقعده من الجنة، لو أحسن ليكون عليه حسرة". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (190). (¬2) أخرجه مسلم (192). (¬3) أخرجه البخاري (2440) (6535).

من الحسان

قلت: رواه البخاري في صفة الجنة فيما انفرد به عن مسلم عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة. (¬1) 4481 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا صار أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، جيء بالموت، حتى يُجعل بين الجنة والنار، ثم يذبح، ثم ينادي مناد: يا أهل الجنة لا موت، ويا أهل النار لا موت، فيزداد أهل الجنة فرحًا إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حزنًا إلى حزنهم". قلت: رواه الشيخان كلاهما في صفة الجنة والنار من حديث عبد الله بن عمر. (¬2) قال المازري (¬3): الموت عند أهل السنة عرض من الأعراض يضاد الحياة، وقال بعض المعتزلة: ليس بعرض بل معناه: عدم الحياة، وهذا خطأ، لقوله تعالى: {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} فأثبت الموت مخلوقًا، وقد جاء في بعض الروايات في الصحيح: يُجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش فيوقف بين الجنة والنار فيذبح، وهذا يدل على أن الموت جسم، وقد اتفق مذهب أهل السنة والمعتزلة على أن الموت ليس بجسم، فيتناول الحديث على أن الله تعالى يخلق هذا الجسم ثم يذبح مثالًا لأن الموت لا يطرأ على الآخرة. من الحسان 4482 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "حوضي من عدن إلى عمّان البلقاء، ماؤه أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، وأكوابه عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة، لم يظمأ بعدها أبدًا، أول الناس ورودًا: فقراء المهاجرين، الشعث رؤوسًا، الدُّنس ثيابًا، الذين لا ينكحون المتنعمات، ولا يفتح لهم السدد". (غريب). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6569). (¬2) أخرجه البخاري (6548)، ومسلم (2850). (¬3) انظر: المعلم بفوائد مسلم (3/ 203).

قلت: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما في الزهد وقال الترمذي: غريب من هذا الوجه انتهى (¬1) ورجاله نقل الذهبي توثيقهم. قوله - صلى الله عليه وسلم -: قال في شرح السنة (¬2): نقلًا عن الأزهري في قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث مسلم: "من مقامي هذا إلى عمان". عمان: هو بنصب العين وتشديد الميم وهو بالشام انتهى. وقال البكري في معجم ما استعجم (¬3): عمان على فعلان: قرية من عمل دمشق، سميت بعمان بن لوط عليه السلام. ويقال أيضًا: عمان بتخفيف الميم، ويروى في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما بين بُصْرى وعَمّان، وَعَمان، صحيحان ... قاله الخطابي يعنى بتشديد الميم وتخفيفها مع فتح العين فيهما، قال البكري: فأما عُمان التي هي فُرضة البحر، فمضمومة الأول، مخففة الثاني، وهي مدينة معروفة من العروض، إليها ينسب العُماني الراجز، سميت بعمان بن سنان بن إبراهيم كان أول من اختطها. والأكواب: جمع كوب وهو الكوز الذي لا عروة له. والسدد (¬4): الأبواب أي لا تفتح لهم الأبواب لعدم الاكتراث بهم. 4483 - زيد بن أرقم قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فنزلنا منزلًا فقال: "ما أنتم جزء من مائة ألف جزء ممن يرد عليّ الحوض"، قيل: كم كنتم يومئذ؟ قال: سبعمائة أو ثمانمائة. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2444)، وابن ماجه (4303)، وكذلك رواه أحمد (5/ 275)، والحاكم (4/ 184) وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. ورواية ابن ماجه إسناده ضعيف لانقطاعه فإن العباس بن سالم الدمشقي لم يسمعه من أبي سلام ممطور الحبشي ولذلك قال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه. وانظر: الصحيحة (1082)، وهداية الرواة (5/ 191). (¬2) شرح السنة (15/ 170). (¬3) انظر: معجم ما استعجم (3/ 970). (¬4) انظر: النهاية لابن الأثير (2/ 353).

قلت: رواه أبو داود في السنة من حديث زيد بن أرقم وسكت عليه هو والمنذري. (¬1) 4484 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن لكل نبي حوضًا، وإنهم ليتباهون أيهم أكثر واردة، وإني لأرجو أن أكون أكثرهم واردة". (غريب). قلت: رواه الترمذي في الزهد من حديث الحسن عن سمرة وقال: غريب وقد روى الأشعث بن عبد الملك هذا الحديث عن الحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يذكر سمرة، وهو أصح، وحيث قال: الحسن عن سمرة فالمراد به الحسن البصري. (¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم -: ليتباهون التباهي التفاخر والمباهاة المفاخرة. 4485 - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يشفع لي يوم القيامة، فقال: "أنا فاعل" قلت: يا رسول الله! فأين أطلبك؟ قال: "اطلبني أول ما تطلبني على الصراط"، قلت: فإن لم ألقك على الصراط؟ قال: "فاطلبني عند الميزان"، قلت: فإن لم ألقك عند الميزان؟ قال: "فاطلبني عند الحوض، فإني لا أخطيء هذه الثلاثة المواطن". (غريب). قلت: رواه الترمذي في الحساب والقصاص من حديث أنس وقال: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه انتهى ورجاله موثقون. (¬3) 4486 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: قيل له: ما المقام المحمود؟ قال: "ذلك يوم ينزل الله تعالى على كرسيه، فيئط كما يئط الرحل الجديد من تضايقه به، وهو يسعه ما بين السماء والأرض، ويجاء بكم حفاة عراة غرلًا، فيكون أول من يكسى إبراهيم، يقول الله ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4746) وإسناده صحيح. انظر: الصحيحة (123). (¬2) أخرجه الترمذي (2443)، وفي إسناده سعيد بن بشير وهو ضعيف، انظر: التقريب (2289)، عن الحسن البصري وهو مدلس، والمرسل أصح. لكن للحديث شواهد، يرتقي بها إلى الصحة، انظر: الصحيحة (1589). (¬3) أخرجه الترمذي (2433). وإسناده جيد، انظر: هداية الرواة (5/ 193).

تعالى: اكسوا خليلي، فيؤتى برَيْطَتين بيضاوين من رياط الجنة، ثم أكسى على إِثره، ثم أقوم عن يمين الله مقامًا يغبطني الأولون والآخرون". قلت: رواه الدارمي (¬1) في الرقائق عن محمد بن الفضل عن الصعق بن حزن عن علي بن الحكم عن عثمان بن عمير عن أبي وائل عن ابن مسعود يرفعه. والأطيط: صوت الأقتاب، وأطيط الإبل أصواتها، وأراد - صلى الله عليه وسلم - بالرحل الجديد كور الناقة أي إنه ليعجز عن حمل عظمة الله تعالى على المعنى الذي أراده تقدس تعالى عن الحلول (¬2). قوله - صلى الله عليه وسلم -: وهو يسعه ما بين السماء والأرض الضمير في وهو عائد على الكرسي وأما الضمير في يسعه قال الله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}. قوله - صلى الله عليه وسلم -: فيؤتى بريطتين بيضاوين من رياط الجنة، هو بالراء المهملة وبعدها الياء آخر الحروف وبعدها الطاء الريطة الملاءة إذا كانت قطعة واحدة، ولم يكن بِلِفْقَين والجمع رَيْط ورياط (¬3). 4487 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "شعار المؤمنين يوم القيامة على الصراط: رب سلّم سلّم". ¬

_ (¬1) أخرجه الدارمي (2/ 325) وإسناده ضعيف فيه عثمان بن عمير، وهو ضعيف واختلط، وكان يدلّس ويغلو في التشيع، انظر: التقريب (4539). (¬2) قال الذهبي في العلو (ص 39): "الأطيط الواقع بذات العرش من جنس الأطيط الحاصل في الرحل، فذاك صفة للرحل والعرش، ومعاذ الله أن نعده صفة لله عز = = وجل". وقال في العرش (2/ 121): "فإن هؤلاء الأئمة هم سُرج الهَدى ومصابيح الدجى، قد تلقوا هذا الحديث بالقبول وحدثوا به، ولم ينكروه، فمن نحن حتى ننكره ونتحذلق عليهم، بل نؤمن به ونكل علمه إلى الله عز وجل. انظر: الإبانة لابن بطة (3/ 326)، وشيخ الإسلام ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية (1/ 431). (¬3) انظر: النهاية لابن الأثير (2/ 289).

قلت: رواه الترمذي في الحساب والقصاص من حديث المغيرة بن شعبة وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن إسحاق انتهى. (¬1) قال الذهبي: وعبد الرحمن ضعفوه، وقال النسائي وغيره: ضعيف. 4488 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي". قلت: رواه أبو داود في السنة والترمذي في الشفاعة من أبواب الزهد كلاهما من حديث أنس وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه انتهى (¬2). ورواه الترمذي أيضًا وابن ماجه عن جابر يرفعه (¬3). ورواه البخاري في التاريخ الكبير عن أنس بالسند الذي رواه به أبو داود (¬4). 4489 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أتاني آت من عند ربي، فخيّرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة، وهي لمن مات لا يشرك بالله شيئًا". قلت: رواه الترمذي في الشفاعة من حديث عوف بن مالك بهذا اللفظ بسند رجاله ثقات، ورواه ابن ماجه في الزهد (¬5) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تدرون ما خيرني ربي الليلة؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه خيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة، وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة، قلنا: يا رسول الله! ادع الله أن يجعلنا من أهلها قال: هي لكل مسلم. 4490 - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2432) وإسناده ضعيف. انظر: الضعيفة (1972)، وعبد الرحمن بن إسحاق، قال الحافظ: ضعيف، انظر: التقريب (3823)، وقول الذهبي في الكاشف (1/ 620). (¬2) أخرجه أبو داود (4739)، والترمذي (2435) وإسناده صحيح. (¬3) أخرجه الترمذي (2436)، وابن ماجه (4310)، وصححه ابن حبان (6467). (¬4) أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 170). (¬5) أخرجه الترمذي (2441) وإسناده صحيح. وابن ماجه (4317). انظر: هداية الرواة (5/ 194).

قلت: رواه الترمذي في الشفاعة وابن ماجه في الزهد وقال الترمذي: حسن صحيح وإنما يعرف لعبد الله بن أبي الجدعاء هذا الحديث الواحد انتهى. (¬1) بل له حديث آخر سيأتي في فضائل النبي - صلى الله عليه وسلم -. 4491 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن من أمتي يشفع للفئام، ومنهم من يشفع للقبيلة، ومنهم من يشفع للعصبة، ومنهم من يشفع للرجل حتى يدخلوا الجنة". قلت: رواه الترمذي في الشفاعة وقال: حديث حسن انتهى (¬2) وفي سنده عطية بن سعد العوفي قال الذهبي: ضعفوه. والفئام: بكسر الفاء وبالهمزة الجماعة الكثيرة، ولا واحد لها من لفظها. قال الجوهري (¬3): والعامة تقول فيام بلا همز. والعصبة: من الرجال ما بين العشرة إلى الأربعين ولا واحد لها من لفظها. 4492 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله عز وجل وعدني أن يدخل الجنة من أمتي أربعمائة ألف"، فقال أبو بكر: زدنا يا رسول الله، قال: "وهكذا"، فحثا بكَفّيه وجمعهما، قال أبو بكر: زدنا يا رسول الله! قال: "وهكذا"، فقال عمر: دعنا يا أبا بكر! فقال أبو بكر: وما عليك أن يدخلنا الله كلنا الجنة؟ فقال عمر: إن الله عز وجل إن شاء أن يدخل خلفه الجنة بكف واحد فعل، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "صدق عمر". قلت: رواه الإمام أحمد في مسنده عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس يرفعه. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2438)، وابن ماجه (4316) وإسناده صحيح. وصححه الحاكم (1/ 70) ووافقه الذهبي. (¬2) أخرجه الترمذي (2440) وإسناده ضعيف. وعطية معروف بالضعف. (¬3) انظر: الصحاح للجوهري (5/ 2000). (¬4) أخرجه أحمد (3/ 165)، والبغوي في شرح السنة (15/ 63)، وانظر: هداية الرواة (5/ 195 - 196).

4493 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يصف أهل النار فيمر بهم الرجل من أهل الجنة فيقول الرجل منهم: يا فلان أما تعرفني؟ أنا الذي سقيتك شربة، وقال بعضهم: أنا الذي وهبت لك وضوءًا، فيشفع له، فيدخله الجنة". قلت: رواه ابن ماجه في الأدب، والمصنف في شرح السنة واللفظ له كلاهما من حديث أنس يرفعه، وسند ابن ماجه رجال الصحيحين إلا يزيد بن أبان الرقاشي، تكلم فيه شعبة وغيره، ولهذا قال الذهبي فيه: ضعيف. (¬1) 4494 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن رجلين -ممن دخل النار- اشتد صياحهما، فقال الرب: أخرجوهما، فقال لهما: لأي شيء اشتد صياحكما؟ قالا: فعلنا ذلك لترحمنا، قال: فإن رحمتي لكما أن تنطلقا فتلقبا أنفسكما حيث كنتما من النار، فيلقي أحدهما نفسه، فيجعلها الله عليه بردًا، وسلامًا، ويقوم الآخر فلا يلقي نفسه، فيقول الرب: ما منعك أن تلقي نفسك كما ألقى صاحِبَك؟ فيقول: رب أني أرجو أن لا تعيدني فيها بعد ما أخرجتني منها! فيقول له الرب: لك رجاؤك، فيدخلان جميعًا الجنة برحمة الله". قلت: رواه الترمذي في صفة جهنم، وفي سنده: رشدين بن سعد عن ابن أبي أنعم قال الترمذي: ورشدين ضعيف عند أهل الحديث، وابن أبي أنعم هو الإفريقي، والإفريقي: ضعيف أيضًا عند أهل الحديث انتهى كلام الترمذي. (¬2) 4495 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يرد الناس النار، ثم يصدرون منها بأعمالهم، فأولهم كلمح البرق، ثم كالريح، ثم كحُضْر الفرس، ثم كالراكب في رَحْله، ثم كشدّ الرجل، ثم كمشيه". ¬

_ (¬1) أخرجه ابن ماجه (3685)، والبغوي في شرح السنة (15/ 184) رقم (4352) (4353) وإسناده ضعيف لضعف يزيد بن أبان الرقاشي. قال الحافظ: زاهد ضعيف، انظر: التقريب (7733). (¬2) أخرجه الترمذي (2599) وإسناده ضعيف. ورشدين بن سعد: ضعيف، انظر: التقريب (1953)، والأفريقي هو: عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، وهو ضعيف في حفظه. انظر: التقريب (3887). وانظر: الضعيفة (1977).

باب صفة الجنة وأهلها

قلت: رواه الترمذي في التفسير، والدارمي في الرقائق كلاهما عن عبد الله ابن موسى عن إسرائيل عن السدي قال: سألت مرة الهمداني عن قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} فحدثني أن عبد الله حدثهم ... فذكر الحديث. (¬1) والحضر: بضم الحاء المهملة وبعدها الضاد المعجمة الساكنة، العدو. قوله - صلى الله عليه وسلم -: كالراكب في رحله يقال: لدار الإنسان ومسكنه ومنزله رحل، ومنه الحديث: إذا ابتلت النعال فصلوا في الرحال، والمراد بالنعال: وهو جمع نعل ما غلظ من الأرض في صلابة وإنما خصها بالذكر لأن أدنى بلل تبديها بخلاف الرخوة فإنها تنشف الماء. قوله: كشد الرجل، يريد به شدة العدو. باب صفة الجنة وأهلها من الصحاح 4496 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين: ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، واقرؤوا إن شئتم: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}. قلت: رواه البخاري في التفسير ومسلم في صفة الجنة. (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3159)، والدارمي (2/ 329). وإسناده حسن، السدي وهو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة مختلف فيه وحديثه لا يرقى إلى الصحة. وقال الحافظ: صدوق يهم، ورُمي بالتشيع، انظر: التقريب (467). وانظر: الصحيحة (311). (¬2) أخرجه البخاري (3244)، ومسلم (2824).

قوله تعالى: {مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} يقال: أقر الله عينيك أي أبرد الله دمعها، لأن دمع الفرح بارد، وقيل: معناه بلغك الله أمنيتك حتى ترضى به نفسك، وتقر عينك فلا تستشرف إلى غيره. 4497 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها". قلت: رواه البخاري في صفة الجنة وفي الرقائق من حديث سهل بن سعد (¬1) وروى الدارمي عن أبي هريرة يرفعه: "لموضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها". (¬2) 4498 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "غدوة أو روحة خير من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض، لأضاءت ما بينهما، ولملأت ما بينهما ريحًا، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها". قلت: رواه البخاري في الجهاد في باب الحور العين وصفتهن من حديث أبي إسحاق عن حميد عن أنس. (¬3) قوله - صلى الله عليه وسلم -: غدوة في سبيل الله أو روحة، الغدوة: صلاة الغداة وطلوع الشمس. والنصيف: الخمار قال النابغة: سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ... فتناولته واتقتنا باليد (¬4) ويقال أيضًا للعمامة، وكل ما غطى الرأس نصيف. 4499 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن في الجنة شجرة، يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، ولقاب قوس أحدكم في الجنة، خير مما طلعت عليه الشمس أو غربت". قلت: رواه البخاري كله من حديث أبي هريرة وصدره رواه مسلم في صفة الجنة. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6568). (¬2) أخرجه الدارمي (3/ 1861 رقم 2862)، والترمذي (3292). (¬3) أخرجه البخاري (2796). (¬4) انظر: لسان العرب (9/ 333)، مادة: نصف. (¬5) أخرجه البخاري (3252) (6552)، ومسلم (2826) (2827).

قوله - صلى الله عليه وسلم -: ولقاب قوس، قال في النهاية (¬1): القاب والقيب: بمعنى القدر، وعينُها واو، يقال: بيني وبينه قابُ رمح وقاب قوس: أي مقدارهما. قال في شرح السنة (¬2): وقاب القوس: ما بين السيّة والمقبض، وسية القوس: ما عطف من طرفها والجمع سيات. 4500 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة، طولها ستون ميلًا، في كل زاوية منها للمؤمنين أهل، لا يراهم الآخرون، يطوف عليهم المؤمنون، وجنتان من فضة، آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب، آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن". قلت: رواه البخاري في التفسير في سورة الرحمن بتمامه من حديث أبي موسى واسمه عبد الله بن قيس، ورواه أيضًا مقطعًا في مواضع متفرقة منها في صفة الجنة وفي التفسير وفي التوحيد وروى مسلم القطعة الأولى منه إلى قوله - صلى الله عليه وسلم - جنتان من ذهب من حديث أبي موسى ذكره في صفة الجنة. (¬3) 4501 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "في الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين ما بين السماء والأرض، والفردوس أعلاها درجة، منها تفجر أنهار الجنة الأربعة، ومن فوقها يكون العرش فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس". قلت: هذا الحديث رواه الترمذي (¬4) في باب صفة الجنة من حديث عبادة ابن الصامت، ولم أره في الصحيحين ولا في أحدهما، ولا رواه الحميدي في "الجمع بين الصحيحين" ولا أدخله في كتابه، وإنما روى لعبادة عشرة أحاديث ستة في المتفق عليه، ¬

_ (¬1) انظر: النهاية لابن الأثير (4/ 118). (¬2) شرح السنة (15/ 208). (¬3) أخرجه البخاري (3242)، (4878)، (4879)، (4880)، ومسلم (2838). (¬4) أخرجه الترمذي (2531). قال الحافظ ابن حجر: عجب من إدخال البغوي له في أحاديث "الصحيحين"، انظر: هداية الرواة (5/ 201).

واثنين فيما تفرد بها البخاري، واثنين فيما تفرد به مسلم، ولا ذكر منها هذا الحديث (¬1)، وكذلك الإمام عبد الحق لم يذكره في "الجمع بين الصحيحين" وعزا ابن الأثير في "جامع الأصول" (¬2) هذا الحديث للترمذي خاصة، وكذلك الطبري في أحكامه، وكذلك المزي في أطرافه (¬3) عزاه للترمذي خاصة عن عبد الله بن عبد الرحمن قال: أنا يزيد بن هارون أنا همام نا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبادة بن الصامت يرفعه، وهذا سند صحيح لا غبار عليه، رجاله رجال الصحيحين إلا عبد الله بن عبد الرحمن وهو الدارمي فإنه احتج به مسلم ولم يخرج له البخاري ورواه الترمذي أيضًا من حديث عطاء بن يسار عن معاذ ابن جبل وذكره بمعناه. قال الترمذي: وعطاء لم يدرك معاذًا، ومعاذ قديم الموت مات في خلافة عمر. (¬4) قوله - صلى الله عليه وسلم -: والفردوس أعلاه. قال ابن الأثير (¬5): الفردوس هو البستان الذي فيه الكرم والأشجار، ومنه جنة الفردوس، قوله - صلى الله عليه وسلم -: ومنها تفجر أنهار الجنة الأربعة أي الأربعة المذكورة في قوله تعالى: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} إلى قوله تعالى: {مُصَفًّى}. 4502 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن في الجنة لسوقًا، يأتونها كل جمعة، فتهب ريح الشمال، فتحثو في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حسنًا وجمالًا، فيرجعون إلى أهليهم وقد ¬

_ (¬1) انظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (1/ 414 - 418). (¬2) انظر: جامع الأصول (10/ 500). (¬3) انظر: تحفة الأشراف (4/ 255 رقم 5104). (¬4) انظر: سنن الترمذي (4/ 296 رقم 2530). (¬5) انظر: النهاية لابن الأثير (3/ 427).

ازدادوا حسنًا وجمالًا، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسنًا وجمالًا! فيقولون: وأنتم، والله لقد ازددتم بعدنا حسنًا وجمالًا". قلت: رواه مسلم في صفة الجنة من حديث ثابت عن أنس يرفعه ولم يخرجه البخاري. (¬1) والمراد بالسوق هنا: مجمع لهم يجتمعون فيه، كما يجتمع الناس في الدنيا في السوق. ومعنى يأتونها كل جمعة: أي كل مقدار جمعة أي أسبوع، وليس هناك حقيقة أسبوع لفقد الشمس والليل والسوق: يذكر ويؤنث وهو أفصح. وريح الشمال: بفتح الشين المعجمة والميم يغير همز، هكذا الرواية في مسلم، وقال صاحب العين (¬2): هي الشمال والشمْأل بإسكان الميم مهموز، والشأملة بهمزة قبل الميم، والشمل: بفتح الميم بغير ألف، والشمول بفتح الشين وضم الميم وهي التي تأتي من دبر القبلة. قال بعضهم: وخص ريح الجنة بالشمال لأنها ريح المطر عند العرب كانت تهب من جهة الشمال، وبها يأتي سحاب المطر، وجاء في حديث تسمية هذه الريح المثيرة أي المحركة لأنها تثير في وجوههم ما تثيره من مسك أرض الجنة وغيره من نعيمها (¬3). 4503 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن أول زمرة يدخلون الجنة: على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم: كأشد كوكب دري في السماء إضاءة، قلوبهم على قلب رجل واحد، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، لكل امرئ منهم زوجتان من الحور العين، يرى مخ سوقهن من وراء العظم واللحم -من الحسن-، يسبحون الله بكرة وعشيًّا، لا يسقمون، ولا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يتفلون، ولا يمتخطون، آنيتهم الذهب ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2833). (¬2) انظر: كتاب العين (6/ 265 - 266). (¬3) انظر: إكمال المعلم (8/ 364)، والمنهاج للنووي (17/ 249 - 250).

والفضة، وأمشاطهم الذهب، ووقود مجامرهم الألوة، ورشحهم المسك، على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم: ستون ذراعًا في السماء". قلت: رواه الشيخان بألفاظ متقاربة في صفة الجنة من حديث أبي هريرة. (¬1) والزمرة: الجماعة. والدري: فيه ثلاث لغات: قرىء بهن في السبع الأكثرون، دري: بضم الدال وتشديد الياء بلا همز، والثانية: بضم الدال مهموز ممدود، والثالثة: بكسر الدال مهموز ممدود وهو الكوكب العظيم، يسمى دريًّا لبياضه كالدر، وقيل: لإضاءته، قيل: لأنه أرفع النجوم، والدر: أرفع الجواهر (¬2). قوله - صلى الله عليه وسلم -: له زوجتان، هكذا هو في الروايات، زوجتان: بالتاء وهي لغة متكررة في الأحاديث وكلام العرب، والأشهر حذفها، وبه جاء القرآن العزيز وأكثر الأحاديث (¬3). ولا يتفلون بكسر الفاء وضمها، حكاهما الجوهري وغيره، أي لا يبصقون: والألوة: هو العود الهندي الذي يبخر به، قال أبو عبيد الله هو بضم الهمزة وفتحها وضم اللام. والرشح: بالشين المعجمة والحاء المهملة هو العرق. قوله - صلى الله عليه وسلم -: على خلق رجل واحد ذكر مسلم اختلاف ابن أبي شيبة وأبي كريب في ضبطه، فابن أبي شيبة يرويه بضم الخاء واللام وأبو كريب بفتح الخاء وإسكان اللام وكلاهما صحيح، وقد اختلف فيه رواة البخاري أيضًا، وقد يرجح الفتح بقوله - صلى الله عليه وسلم - على صورة أبيهم آدم (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3245)، (3246)، (3254)، (3327)، ومسلم (2834)، (2835). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (17/ 246)، وشرح السنة (15/ 215 - 216). (¬3) انظر: المصدر السابق (17/ 250). (¬4) انظر: المنهاج للنووي (17/ 251 - 252).

4504 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون، ولا يتفلون ولا يبولون، ولا يتغوطون ولا يمتخطون"، قالوا: فما بال الطعام؟ قال: "جشاء، ورشح كرشح المسك، يلهمون التسبيح والتحميد، كما يُلهمون النفس". قلت: رواه مسلم في صفة الجنة من حديث جابر ولم يخرج البخاري منه إلا قوله: لا يتفلون الأربع كلمات فإنه خرجها من حديث أبي هريرة (¬1). وقد ذهب أهل السنة وعامة المسلمين إلى أن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون، ويتنعمون بذلك وغيره من ملاذها، وأنواع نعيمها تنعمًا دائمًا لا آخر له ولا انقطاع أبدًا، وإن تنعمهم بذلك على هيئة تنعم أهل الدنيا إلا ما بينهما من التفاضل في اللذة والنفاسة التي لا تشارك نعيم الدنيا إلا في التسمية وأصل الهيئة (¬2). 4505 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من يدخل الجنة: ينعم ولا يبأس، ولا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه". قلت: رواه مسلم في صفة الجنة من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬3) ومعناه: لا يصيبه بأس وهو شدة الحال، وهو البأس والبؤس. ومعنى: ينعم بفتح أوله والعين أي يدوم له النعيم. 4506 - قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ينادي مناد: إن لكم أن تصحّوا فلا تسقموا أبدًا، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدًا، وإن لكم أن تشِبوا فلا تهرموا أبدًا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدًا". قلت: رواه مسلم في صفة أهل الجنة من حديث أبي سعيد وأبي هريرة ولم يخرجه البخاري (¬4) ورواه الترمذي أيضًا (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2835). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (17/ 254). (¬3) أخرجه مسلم (2836). (¬4) أخرجه مسلم (2837). (¬5) أخرجه الترمذي (3246).

4507 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم، كما تراءون الكوكب الدّري الغابر في الأفق من المشرق والمغرب، لتفاضل ما بينهم"، قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء، لا يبلغها غيرهم؟ قال: "بلى، والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين". قلت: رواه البخاري ومسلم في صفة الجنة كلاهما من حديث أبي سعيد (¬1). قال القاضي (¬2): لفظة "من" هنا لابتداء الغاية، وقد جاءت كذلك كقولهم: رأيت الهلال من خلال السحاب. ومعنى الغائر: الذاهب الذي تدلى للغروب، وبعد عن العيون. قال المصنف: ويروى بالباء الموحدة من الغبور وهو البقاء أي الباقي في الأفق بعد انتشار ضوء الفجر، ويروى: الغائر بالهمزة من الغور وهو الانحطاط ويراد به انحطاطه في الجانب الغربي. 4508 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير". قلت: رواه مسلم في صفة الجنة من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري (¬3). وشبه النبي - صلى الله عليه وسلم - قلوبهم بقلوب الطير في وصفهم بالتوكل فإنه أخبر - صلى الله عليه وسلم - بأن من توكل على الله حق توكله رزقه كما يرزق الطير. 4509 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة: فيقولون لبيك ربنا وسعديك، والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب! وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك؟ فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدًا". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3256)، ومسلم (2831). (¬2) انظر: إكمال المعلم (8/ 362). (¬3) أخرجه مسلم (2840).

قلت: رواه الشيخان والترمذي (¬1) في أبواب الجنة من حديث أبي سعيد. قوله تعالى: أحل عليكم رضواني قال في المشارق (¬2): أي أنزله عليكم. والرضوان: بكسر الراء وضمها قرئ بهما في السبع. 4510 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن أدنى مقعد أحدكم من الجنة، أن يقول له: تمن، فيتمنى ويتمنى، فيقول له: هل تمنيت؟ فيقول: نعم، فيقول له: فإن لك ما تمنيت ومثله معه". قلت: رواه مسلم في حديث أبي هريرة في الإيمان ولم يخرجه البخاري بهذا اللفظ. (¬3) 4511 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سيحان، وجيحان، والفرات، والنيل، كل من أنهار الجنة". قلت: رواه مسلم في صفة الجنة من حديث أبي هريرة وليس في البخاري (¬4). وسيحان: بسين مهملة مفتوحة وبآخر الحروف ساكنة وفتح الحاء المهملة، وجيحان: بفتح الجيم كذلك. قال النووي (¬5): كلاهما في بلاد الأرمن، فجيحان نهر المصيصة، وسيحان نهر إذنه، وهما نهران عظيمان جدًّا، أكبرهما جيحان، واتفقوا على أن سيحان وجيحان غير سيحون وجيحون، وجيجون نهر وراء خراسان عند بلخ، وقد وقع في الصحاح وهم لا تغتر به فإنه إما وهم أو مؤول، وأما كون هذه الأنهار من الجنة ففيه تأويلان أحدهما: أن الإيمان عم بلادهما، وأن الأجسام المتغذية بمائها صائرة إلى الجنة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الرقاق (6549)، وفي التوحيد (7518)، ومسلم (2829)، والترمذي (2555). (¬2) انظر: مشارق الأنوار (1/ 195). (¬3) أخرجه مسلم (182). (¬4) أخرجه مسلم (2839). (¬5) انظر: المنهاج للنووي (17/ 258).

والثاني: وهو الأصح أنها على ظاهرها، وأن لها مادة من الجنة، والجنة مخلوقة موجودة عند مذهب أهل السنة. قال البغوي في "معالم التنزيل" (¬1) هو أن الله تعالى أنزل هذه الأربعة من الجنة، على ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه: أن الله تعالى أنزلها من عين واحدة من عيون الجنة، من أسفل درجة من درجاتها، على جناحي جبريل عليه السلام، استودعها الجبال، وأجراها في الأرض، وجعل فيها منافع للناس، فذلك قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ} فإذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج أرسل الله تعالى جبريل عليه السلام يرفع من الأرض القرآن، والعلم كله والحجر الأسود من ركن البيت، ومقام إبراهيم عليه السلام، وتابوت موسى عليه السلام بما فيه. وهذه الأنهار الأربعة، فيرفع جبريل كل ذلك إلى السماء فذلك قوله تعالى: {وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} وفي رواية ابن عباس ويرفع الدجلة أيضًا (¬2). 4512 - قال: ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفير جهنم فيهوي فيها سبعين خريفًا، لا يدرك لها قعرًا، والله لتملأن، ولقد ذكر لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة، وليأتين عليها يوم وهو كظيظ -أي ممتلىء- من الزحام". قلت: رواه مسلم في حديث طويل (¬3) في آخر الكتاب عن خالد بن عمر العدوي قال: خطبنا عتبة بن غزوان، وكان أميرًا على البصرة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإن الدنيا قد آذنت بصرم، وولّت خداء، ولم يبق منها إلا صُبابة الإناء يتصابها صاحبها، وإنكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم، فإنه قد ¬

_ (¬1) انظر: معالم التنزيل (5/ 413). (¬2) عزا السيوطي في الدر (6/ 95) رواية ابن عباس هذه لابن مردويه والخطيب بسند ضعيف، وانظر: البحر المحيط (6/ 400). (¬3) أخرجه مسلم (2967).

من الحسان

ذُكر لنا أن الحجر يُلقى من شفير جهنم فيهوي بها سبعين عامًا لا يدرك لها قعرًا، والله لتملأن أفعجبتم؟ وقد ذكر لنا أن ما بين من مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عامًا، وليأتين عليها يوم وهو كظيظ من الزحام، ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لنا طعام إلا ورق الشجر، حتى قرحت أشداقنا، فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك، فاتزرت بنصفها واتزر سعد بنصفها، فما أصبح اليوم منا أحد إلا أصبح أميرًا على مصر من الأمصار، وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيمًا وعند الله صغيرًا، وإنها لم تكن نبوة قط إلا تناسخت، حتى يكون آخر عاقبتها ملكًا، وستخبرون وتجرّبون بالأمراء بعدنا. ولم يخرج مسلم لعتبة بن غزوان في صحيحه غير حديث واحد وهو هذا، ولم يخرج البخاري في صحيحه لعتبة شيئًا ولذلك عده الحميدي في الصحابة الذين انفرد بهم مسلم (¬1). وكظيظ: أي ممتليء. من الحسان 4513 - قال: قلت: يا رسول الله مم خلق الخلق؟ قال: "من الماء"، قلنا: الجنة ما بناؤها؟ قال: "لبنة من فضة، ولبنة من ذهب، وملاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وتربتها الزعفران، من يدخلها ينعم ولا يبوس، ويخلد ولا يموت، ولا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم". قلت: رواه الترمذي في صفة الجنة (¬2) من حديث أبي هريرة وهو بعض حديث، حذف المصنف أوله وآخره، وذكر وسطه المتعلق بالجنة. ¬

_ (¬1) انظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (3/ 549) رقم (3125) مسند رقم (199) وانظر ترجمة عتبة بن غزوان في الإصابة (4/ 438). (¬2) أخرجه الترمذي (2526).

قال أبو عيسى الترمذي: وهذا حديث ليس إسناده بذلك القوي وليس هو عندي بمتصل، وقد روي هذا الحديث بإسناد آخر عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، انتهى كلام الترمذي. قلت: وفي سنده زياد الطائي عن أبي هريرة. قال الذهبي: لا يعرف، وقال في موضع آخر: واه (¬1). قال في النهاية (¬2): والملاط: الطين، وهو بكسر الميم. والإذفر: بالذال المعجمة والتحريك طيب الريح (¬3). 4514 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما في الجنة من شجرة، إلا وساقها من ذهب". قلت: رواه الترمذي في صفة الجنة من حديث أبي هريرة، وقال: حسن غريب انتهى. (¬4) وفي سنده: زياد بن الحسن بن الفرات القزار عن أبيه عن جده عن أبي حازم عن أبي هريرة وزياد هذا روى له الترمذي خاصة، وقال أبو حاتم: منكر الحديث. 4515 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن في الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين مائة عام". (غريب). قلت: رواه الترمذي في صفة الجنة من حديث محمد بن جحادة عن عطاء ابن أبي رباح عن أبي هريرة وقال: حسن صحيح. (¬5) ¬

_ (¬1) زياد الطائي: قال الحافظ: مجهول، أرسل عن أبي هريرة، انظر: التقريب (2119). قال الذهبي في الكاشف (1/ 413): واه، وقال في الميزان (2/ ت 2978): لا يعرف، وعنه حمزة الزيات، ليّن الترمذي حديثه. (¬2) انظر: النهاية (4/ 357). (¬3) انظر: المصدر السابق (2/ 161). (¬4) أخرجه الترمذي (2529) وإسناده ضعيف، زياد بن الحسن بن الفرات قال الحافظ: صدوق يخطيء، انظر: التقريب (2078). وانظر: الضعيفة (1979). (¬5) أخرجه الترمذي (2529)، وإسناده صحيح. انظر: هداية الرواة (5/ 206).

4516 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن في الجنة مائة درجة، لو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن لوسعتهم". (غريب). قلت: رواه الترمذي في صفة الجنة من حديث ابن لهيعة عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد يرفعه، وابن لهيعة قد تقدم الكلام فيه ودراج قال أبو داود وغيره: حديثه مستقيم، إلا ما كان عن أبي الهيثم وهو هنا عن أبي الهيثم. (¬1) 4517 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: {وفرش مرفوعة}، قال: "ارتفاعها: لكما بين السماء والأرض، مسيرة خمسمائة سنة". (غريب). قلت: رواه الترمذي في صفة الجنة وفي التفسير من حديث أبي سعيد وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد (¬2). وقال بعض أهل العلم في تفسير هذا الحديث إن معناه: الفرش في الدرجات وبين الدرجات بين السماء والأرض انتهى كلام الترمذي. ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن في دراج عن كثير بن وهب بدل رشدين وهو ثقة إمام، ورشدين: قال أبو زرعة: ضعيف، وكان رجلًا صالحًا عابدًا سيء الحفظ، وفيه دراج عن أبي الهيثم وقد تقدم ذكره (¬3). قال بعضهم: وأراد بالفرش نساء أهل الجنة، ذوات الفرش، يقال لأمرأة الرجل فراشه وإزاره ولحافه. مرفوعة: أي رفعن بالجمال على نساء أهل الدنيا، وكل فاضل رفيع. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2532) وقال: "غريب"، وإسناده ضعيف، انظر: الضعيفة (1886)، أما دراج فهو ابن سمعان، أبو السمح، وقال ابن حجر: صدوق، في حديثه عن أبي الهيثم ضعف، انظر: التقريب (1833)، إضافة إلى أن فيه ابن لهيعة. (¬2) أخرجه الترمذي (2540) وإسناده ضعيف، وابن حبان (7405)، وفيه دراج عن أبي الهيثم. (¬3) ورشدين بن سعد ضعيف، وقد سبق ذكره، انظر: التقريب (1953).

4518 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن أول زمرة يدخلون الجنة يوم القيامة: ضوء وجوههم على مثل ضوء القمر ليلة البدر، والزمرة الثانية: على مثل أحسن كوكب دُرّي في السماء، لكل رجل منهم زوجتان، على كل زوجة سبعون حُلّة، يرى مخ ساقها من ورائها". قلت: رواه الترمذي في صفة أهل الجنة من حديث أبي سعيد وقال: حسن (¬1)، وفي سنده: سفيان بن وكيع قال الذهبي: ضعيف. قلت: وإنما ضعفوه من جهة أنه ابتلي بوراق سوء كان يدخل عليه، فيرفع الموقوف، ويصل المرسل، ويبدل رجلًا برجل. وفي سنده أيضًا عطية عن أبي سعيد الخدري. قال الإمام أحمد: بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير قال: يكنيه بأبي سعيد فيقول قال أبو سعيد. قال الذهبي: يعني يوهم أنه الخدري، وقد تقدم ذكر ذلك (¬2). 4519 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يُعطى المؤمن في الجنة [قوة كذا وكذا من الجماع، قيل: يا رسول الله أو يطيق ذلك؟ قال: "يُعطى] قوة مائة". قلت: رواه الترمذي في صفة الجنة من حديث أنس وقال: حديث صحيح غريب لا نعرفه من حديث قتادة عن أنس إلا من حديث عمران القطان عن قتادة، ورواه ابن حبان. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2535) (2522). = = وإسناده حسن وإن كان فيه عطية العوفي لكنه لم يتفرد به وله شاهد من حديث أبي هريرة عند البخاري (3246)، ومسلم (2834). (¬2) سفيان بن وكيع بن الجراح، أبو محمد الكوفي، قال الحافظ: كان صدوقًا إلا أنه ابتلي بورّاقه فأدخل عليه ما ليس من حديثه فنُصح فلم يقبل، فسقط حديثه، انظر: التقريب (2469). أما عطية العوفي فهو صدوق يخطيء كثيرًا، وكان شيعيًّا مدلسًا. التقريب (4649). وقال الذهبي في المغني (2/ ت 4139): مجمع على ضعفه. وفي الكاشف (2/ 27): ضعفوه. (¬3) أخرجه الترمذي (2536) وإسناده حسن، وأخرجه ابن حبان (7400). وله شاهد من رواية زيد بن أرقم أخرجه الدارمي (2/ 334) بإسناد صحيح. انظر: هداية الرواة (5/ 208).

4520 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو أن ما يُقل ظفر -مما في الجنة- بدا، لتزخرفت له ما بين خوافق السموات والأرض، ولو أن رجلًا من أهل الجنة اطلع، فبدا أساوره، لطمس ضوؤه ضوء الشمس، كما تطمس الشمس ضوء النجوم". (غريب). قلت: رواه الترمذي في صفة الجنة من حديث سعد بن أبي وقاص وقال: هذا حديث غريب، لا نعرفه بهذا الإسناد إلا من حديث ابن لهيعة، وابن لهيعة تقدم الكلام فيه (¬1) وما يقل: أي ما يحمل من الإقلال، وظفر: مرفوع فاعل فعل، والعائد إلى الموصول محذوف أي ما يحمله ظفر قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا} أي حملت الرياح سحابًا ثقالًا، قوله - صلى الله عليه وسلم -: لزخرفت أي لتزينت، والزخرف كمال حسن الشيء، قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ} أي تزينت بألوان الثياب، ويقال للذهب: زخرف، قال الله تعالى: {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ} قيل أي من ذهب، وأنث الفعل في قوله - صلى الله عليه وسلم - لتزخرفت مع أن ما فعله ما بين خوافق إرادة للمعنى فإن ما بين السماء والأرض أماكن كثيرة ومواضع متعددة. وخوافق السموات والأرض: بالخاء المعجمة قال ابن الأثير (¬2): الخافقان طرفا السماء والأرض، وقيل المغرب والمشرق، وخوافق السماء الجهات التى تخرج منها الرياح الأربع. 4521 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أهل الجنة جرد مرد كحل، لا يفنى شبابهم، ولا تبلى ثيابهم". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2538) وفي إسناده ابن لهيعة يرويها عنه عبد الله بن المبارك وروايته عنه كانت قبل احتراق كتبه فإسناده حسن. انظر: الصحيحة (3396)، وهداية الرواة (5/ 208). (¬2) انظر: النهاية لابن الأثير (2/ 56)، وجامع الأصول (10/ 506).

قلت: رواه الترمذي في صفة الجنة من حديث أبي هريرة وقال: حسن غريب (¬1) وسنده محمد بن يسار وأبو هاشم الرفاعي قالا: ثنا معاذ بن هشام عن أبيه عن عامر الأحول عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة يرفعه. والجرد: جمع الأجرد وهو الذي لا شعر على جسده. ومرد: جمع أمرد وهو الذي لا شعر على ذقنه. وكحلى: جمع كحيل مثل قتلى وقتيل، والكحل: بفتحتين سواد في أجفان العين خلقة، والرجل أكحل وكحيل. 4522 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يدخل أهل الجنة الجنة جردًا مردًا مكحّلين، أبناء ثلاثين -أو ثلاث وثلاثين- سنة". قلت: رواه الترمذي في صفة الجنة من حديث معاذ يرفعه وقال: حسن غريب (¬2) وبعض أصحاب قتادة يروي هذا عن قتادة مرسلًا لم يسندوه انتهى، وفي سنده: عمران القطان أبو العوام ضعّفه النسائي ومشّاه أحمد. 4523 - قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وذكر له سِدرة المنتهى، قال: "يسير الراكب في ظل الفنن منها مائة سنة، ويستظل لظلها مائة راكب، شك الرواي، فيها فَراش الذهب كأن ثمرها القلال". (غريب). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2539) وإسناده ضعيف، فيه شهر بن حوشب وهو صدوق، كثير الإرسال والأوهام، انظر: التقريب (2846). وله شاهد من حديث معاذ التالي وفيه شهر أيضًا. وآخر من حديث أنس أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (8/ 219)، والطبراني في الصغير (1164). وفيه هارون بن رئاب وقد اختلف في سماعه من أنس. وانظر: الصحيحة (2987). (¬2) أخرجه الترمذي (2545) وإسناده حسن بما قبله. وعمران القطان أبو العوام: صدوق يهم ورمي برأي الخوارج، انظر: التقريب (5189).

قلت: رواه الترمذي في صفة الجنة من حديث أسماء بنت أبي بكر وقال: حسن غريب انتهى. (¬1) وفي سنده: يونس بن بكير (¬2) وقد روى له مسلم متابعة، وصدّقه ابن معين، وقال أبو داود: يوصل كلام محمد بن إسحاق بالأحاديث. قلت: وهذا الحديث رواه عن محمد بن إسحاق. والفنن: بفتح الفاء والنون الأولى غصن الشجرة، وجمعه أفنان وجمع أفنان أفانين (¬3). والقلال: جمع قلة وهي الحب العظيم سميت بذلك لأنها تُقَلّ أي ترفع وتحمل (¬4). 4524 - قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما الكوثر؟ قال: "نهر أعطانيه الله -يعني: في الجنة-، أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، فيه طير أعناقها كأعناق الجزر"، قال عمر: إن هذه لنا عِمة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "آكلها أنعم منها". قلت: رواه الترمذي من حديث أنس وقال: حديث حسن انتهى. ورجاله رجال مسلم. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2541) وفي إسناده: ابن إسحاق، وقد عنعن، لكنه صرح بالتحديث كما في "زهد هناد". انظر: هداية الرواة (5/ 209). (¬2) يونس بن بكير الكوفي، صدوق يخطيء، انظر: التقريب (7957)، قال أبو عبيد الآجري عن أبي داود: ليس هو عندي حجة، يأخذ كلام ابن إسحاق فيوصله بالأحاديث، انظر: تهذيب الكمال (32/ 494 - 497). (¬3) انظر: النهاية (3/ 476). (¬4) انظر: النهاية لابن الأثير (4/ 104). (¬5) أخرجه الترمذي (2542) وإسناده حسن. وأخرجه الحاكم (2/ 537) من طريق أخرى عن أنس وصححه ورواه الدارمي أيضًا (2/ 337) انظر: الصحيحة (2514)، وهداية الرواة (5/ 210).

4525 - أن رجلًا قال: يا رسول الله هل في الجنة من خيل؟ قال: "إنْ الله أدخلك الجنة، فلا تشاء أن تحمل فيها على فرس من ياقوتة حمراء تطير بك في الجنة حيث شئت، إلا فعلت"، وسأله رجل فقال: يا رسول الله! هل في الجنة من إبل؟ فقال: "إن يدخلك الله الجنة يكن لك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك". قلت: رواه الترمذي في صفة الجنة من حديث سليمان بن بريدة عن أبيه ثم رواه من حديث عبد الرحمن بن سابط نحوه بمعناه قال: وهذا أصح انتهى. (¬1) يعني أن المرسل أصح من المسند، وعبد الرحمن بن سابط تابعي. ولفظ الجلالة مرفوع بفعل محذوف يفسره ما بعده تقديره: إن أدخلك الله الجنة، ولا يجوز أن يكون مبتدأ لوقوعه بعد حرف الشرط. 4526 - وفي رواية: "إن أدخلت الجنة: أتيت بفرس من ياقوتة له جناحان، فحُملت عليه، ثم طار بك حيث شئت". قلت: رواه الترمذي في صفة الجنة من حديث أبي أيوب (¬2) قال: أتى النبي أعرابي فقال: يا رسول الله إني أحب الخيل، أفي الجنة خيل؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن أدخلت الجنة ... " فذكره، قال أبو عيسى: هذا الحديث ليس إسناده بالقوي، ولا نعرفه من حديث أبي أيوب إلا من هذا الوجه، وفي سنده أبو سورة وهو ابن أخي أبي أيوب، يضعّف في الحديث، ضعفه يحيى بن معين جدًّا قال: وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: أبو سورة هذا منكر الحديث، يروي مناكير عن أبي أيوب لا يتابع عليها، انتهى كلامه. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2543) عن بريدة عن أبيه، انظر: الضعيفة (1980)، وصحح الترمذي إرساله و (2544)، عن أبي أيوب، وضعّفه، وانظر: الصحيحة (3001). وانظر الدارقطني في العلل (4/ 300) وأبو حاتم في العلل (2/ 215). (¬2) أخرجه الترمذي (2544) وإسناده ضعيف. وفي إسناده واصل بن السائب الرقاشي وهو متفق على ضعفه، انظر: التقريب (7433)، ثم إن أبا سورة كذلك ضعيف، انظر: التقريب (8215)، ولا يعرف له سماع من أبي أيوب فيما قاله البخاري.

4527 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أهل الجنة عشرون، ومائة صف، ثمانون منها من هذه الأمة، وأربعون من سائر الأمم". قلت: رواه الترمذي في صفة الجنة عن ابن بريدة عن أبيه وقال: حديث حسن، قال: وقد روي عن سليمان بن بريدة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا، ومنهم من قال: عن أبيه انتهى. (¬1) ورجاله رجال مسلم إلا حسين بن يزيد الطحان: فإنه لينه أبو حاتم (¬2). 4528 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "باب أمتي الذي يدخلون منه الجنة: عرضه مسيرة الراكب المجود ثلاثًا، ثم إنهم ليضغطون عليه، حتى تكاد مناكبهم تزول". (ضعيف منكر). قلت: رواه الترمذي في صفة الجنة من حديث خالد بن أبي بكر عن سالم عن أبيه وقال: حديث غريب، سألت محمدًا عن هذا الحديث، فلم يعرفه، وقال: لخالد بن أبي بكر مناكير عن سالم بن عبد الله. (¬3) 4529 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن في الجنة لسوقًا، ما فيها شراء ولا بيع، إلا الصور من الرجال والنساء، فإذا اشتهى الرجل صورة، دخل فيها". (غريب). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2546) وإسناده صحيح. وأخرجه كذلك الحاكم (1/ 82) وصححه على شرط مسلم، وكذا ابن حبان (7459). وانظر: هداية الرواة (5/ 211). (¬2) قال الحافظ: لين الحديث، من العاشرة، انظر: التقريب (1370). (¬3) أخرجه الترمذي (2548) وهو حديث منكر، وقد ذكره الذهبي في "الميزان" في ترجمة خالد بن أبي بكر وذكره من مناكيره. انظر: ميزان الاعتدال (1/ 628)، وقال الحافظ: فيه لين، انظر: التقريب (1628).

قلت: رواه الترمذي في صفة الجنة وقال: غريب انتهى. (¬1) وفي سنده: عبد الرحمن بن إسحاق، قال الذهبي: وقد ضعفوه ونقل تضعيفه عن جماعة. وفي معنى الحديث تأويلان: أحدهما: أنه أراد بالصورة التي يختار الإنسان ما يكون عليها من التزين واللبس، ويشهد لهذا التأويل قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي بعده فروعه ما عليه من اللباس أي يعجبه حسنه فما ينقضي آخر حديثه حتى يتخيل عليه ما هو أحسن منه. وثانيهما: أنه أراد بالصورة التي تميل الشخص من الصور المستحسنة، فإذا اشتهى المرء صورة منها غيره تعالى بها وبدله بصورته فتتغير الهيئة والذات ما فيه كما كان. 4530 - أنه لقي أبا هريرة، فقال أبو هريرة:. أسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة، فقال سعيد: أفيها سوق؟ قال: نعم، أخبرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أن أهل الجنة إذا دخلوها، نزلوا فيها بفضل أعمالهم، ثم يؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا، فيزورون ربهم، ويُبرز له عرشه، ويتبدى لهم في روضة من رياض الجنة، فيوضع لهم منابر من نور، ومنابر من لؤلؤ، ومنابر من ياقوت، ومنابر من زبرجد، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، ويجلس أدناهم -وما فيهم من دنيء- على كثبان المسك والكافور، وما يرون أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلسًا"، قال أبو هريرة: قلت: يا رسول الله وهل نرى ربنا؟ قال: "نعم، وهل تتمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر؟ "، قلنا: لا، قال: "كذلك لا تمارون في رؤية ربكم، ولا يبقى في ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2550) وإسناده ضعيف وعبد الرحمن بن إسحاق ضعيف، انظر: التقريب (3823)، وقول الذهبي في الكاشف (1/ 620 رقم 3137). وله علة أخرى جهالة النعمان بن سعد انظر: الضعيفة (1982). وأورده ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 932).

ذلك المجلس رجل، إلا حاضره الله محاضرة، حتى يقول للرجل منهم: يا فلان بن فلان! أتذكر يوم قلت كذا وكذا؟ فيذكره ببعض غدراته في الدنيا، فيقول: يا رب أفلم تغفر لي؟ فيقول: بلى، فبسعة مغفرتي بلغت منزلتك هذه، فبينما هم على ذلك، غشيتهم سحابة من فوقهم، فأمطرت عليهم طيبًا لم يجدوا مثل ريحه شيئًا قط، ويقول ربنا: قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة، فخذوا ما اشتهيتم، فنأتي سوقًا قد حفت به الملائكة، ما لم تنظر العيون إلى مثله، ولم تسمع الآذان، ولم يخطر على القلوب، فيُحمل لنا ما اشتهينا، ليس يباع فيها ولا يشترى، وفي ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضًا، قال: فيقبل الرجل ذو المنزلة المرتفعة، فيَلقى من هو دونه -وما فيهم دني- فيروعه ما يرى ما عليه من اللباس، فما ينقضي آخر حديثه حتى يتخيل عليه ما هو أحسن منه، وذلك أنه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها، ثم ننصرف إلى منازلنا، فيتلقانا أزواجنا، فيقلن: مرحبًا وأهلًا لقد جئت وإن بك من الجمال، أفضل مما فارقتنا عليه، فيقول: إنا جالسنا اليوم ربنا الجبار، ويحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا". (غريب). قلت: رواه الترمذي في صفة الجنة، وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه انتهى. (¬1) وفي سنده: عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين عن الأوزاعي، وثقه أحمد، وأبو حاتم، وقال النسائي: ليس بالقوي. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2549) وإسناده ضعيف. انظر: الضعيفة (1722). وفي إسناده عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين فقد وثقه أحمد وأبو حاتم الرازي وأبو زرعة الرازي وقال: ثقة، حديثه مستقيم، وهو من المعدودين في أصحاب الأوزاعي، ووثقه أيضًا هشام بن عمار والدارقطني، وقال ابن معين والعجلي: لا بأس به، وقال البخاري: ربما يخالف في بعض حديثه، وقال الحافظ: صدوق، ربما أخطأ، قال أبو حاتم: كان كاتب ديوان، ولم يكن صاحب حديثه. انظر: التقريب (3781)، وللتفصيل: تهذيب الكمال (16/ 420 - 425)، وأخرج المزي هذا الحديث.

وحاضره: هو بالحاء المهملة والضاد العجمة أي كلمة بحيث لا يسمع الكلام من هو حاضر. 4531 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أدنى أهل الجنة: الذي له ثمانون ألف خادم، واثنتان وسبعون زوجة، وينصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت، كما بين الجابية إلى صنعاء". قلت: رواه الترمذي في صفة الجنة من حديث أبي سعيد الخدري قال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين انتهى كلامه. (¬1) وقد تقدم عن أبي زرعة تضعيف رشدين، وقد تقدم أنه سيء الحفظ، وفي سنده أيضًا دراج بن أبي الهيثم وقدّمنا لك أن دراج مستقيم إلا ما رواه عن أبي الهيثم. - وبه قال: "من مات من أهل الجنة -من صغير أو كبير- يُردون بني ثلاثين في الجنة، لا يزيدون عليها أبدًا، وكذلك أهل النار". قلت: رواه الترمذي تلو الحديث الذي قبله بإسناده. (¬2) - وبه قال: "إن عليهم التيجان، أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب". (غريب). قلت: رواه الترمذي تلو الحديث الذي قبله بإسناده. (¬3) 4532 - وبه قال: "المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسنه في ساعة واحدة كما يشتهى". (غريب). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2562) وإسناده ضعيف. لأن فيه: رشدين بن سعد وهو ضعيف، كما فيه دراج أبو السمح وهو ضعيف أيضًا. (¬2) أخرجه الترمذي (2562). (¬3) أخرجه الترمذي (2562).

قلت: رواه الترمذي في صفة الجنة من حديث أبي سعيد الخدري، وقال: حديث حسن غريب، ورجاله رجال الصحيحين إلا عامر بن عبد الواحد الأحول فإنه لم يخرج له البخاري وخرج له مسلم. (¬1) قال الترمذي: وقد اختلف أهل العلم في هذا فقال بعضهم: في الجنة جماع ولا يكون ولد، وهكذا روي عن طاوس ومجاهد وإبراهيم النخعي، وقال محمد: قال إسحاق بن إبراهيم في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا اشتهى المؤمن الولد في الجنة كان في ساعة كما يشتهي، لكن لا يشتهي، قال محمد: وقد روي عن أبي زرين العقيلي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أهل الجنة لا يكون لهم ولد"، انتهى كلام الترمذي. قوله في المصابيح: قال إسحاق بن إبراهيم في هذا الحديث: إذا اشتهى المؤمن في الجنة الولد، كان في ساعة، ولكن لا يشتهي (¬2)، كذا قال الترمذي وقد قدمنا نقل ذلك عنه. 4533 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن في الجنة لمجتمعًا للحور العين، يرفعن بأصوات لم يسمع الخلائق مثلها يقلن: نحن الخالدات فلا نبيد، ونحن الناعمات فلا نبأس، ونحن الراضيات فلا نسخط، طوبى لمن كان لنا وكنّا له". قلت: رواه الترمذي في صفة الجنة من حديث علي، وقال: غريب انتهى. (¬3) وفي سنده: عبد الرحمن بن إسحاق أبو شيبة الواسطي، قال الذهبي: ضعفوه، ونقل كلام الأئمة في تضعيفه (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2563). وإسناده حسن، فإن في إسناده عامر بن عبد الواحد الأحول فهو صدوق يخطيء، انظر: التقريب (3120)، وقال الترمذي: حسن غريب. وصححه ابن حبان كذلك (2636)، وأخرجه الدارمي (2/ 337)، وابن ماجه (4338). (¬2) لا دليل عليه من السنة الصحيحة، بل ظاهر الحديث السابق يرده. (¬3) أخرجه الترمذي (2564) وإسناده ضعيف. انظر: الضعيفة (1982). (¬4) سبق الكلام عنه قبل قليل.

باب رؤية الله تعالى

فلا نبيد أي لا نهلك ولا نموت. وقد تقدم تفسير طوبى، وأنها اسم من أسماء الجنة وقيل غير ذلك. 4534 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن في الجنة بحر الماء، وبحر العسل، وبحر اللبن، وبحر الخمر، ثم تشقق الأنهار بعد". قلت: رواه الترمذي من حديث حكيم بن معاوية عن أبيه وقال: حديث حسن صحيح، وقال: وحكيم بن معاوية هو والد شهر بن حكيم. (¬1) باب رؤية الله تعالى من الصحاح 4535 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنكم سترون ربكم عيانًا". قلت: رواه الشيخان كلاهما في الصلاة من حديث جرير بن عبد الله. (¬2) 4536 - قال: كنا جلوسًا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنظر إلى القمر ليلة البدر، فقال: "إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها، فافعلوا"، ثم قرأ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا}. قلت: رواه الشيخان: البخاري في مواضع منها في الصلاة والتوحيد ومسلم والنسائي كلاهما في الصلاة وأبو داود وابن ماجه كلاهما في السنة والترمذي في صفة الجنة ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2571)، وكذا ابن حبان (7409)، وأحمد (5/ 5)، والدارمي (2/ 337). وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه البخاري (7435)، ومسلم (633).

من حديث جرير بن عبد الله. (¬1) ولا تضامون: قال في المشارق (¬2): روي بالتشديد والتخفيف، فالتشديد من الانضمام أي لا تزاحمون غيركم حين النظر إليه، وهذا إذا قدرناه تضاممون بفتح الميم الأولى ويكون أيضًا تضاممون بكسرها أي تزاحمون غيركم في النظر إليه كما تقدم في تضارون، ومن خفف الميم فمن الضيم وهو الظلم، أي لا يظلم بعضكم بعضًا في النظر إليه. والكاف في قوله - صلى الله عليه وسلم -: كما ترون، لتشبيه الرؤية بالرؤية لا لتشبيه المرئي بالمرئي تعالى الله عن ذلك. وهاتان الصلاة إنهما الصبح والعصر، وخصهما - صلى الله عليه وسلم - بالذكر لأن الصبح يغلب فيها النوم، والعصر يشغل الناس عنها بالمعاملات، ومثله حديث: "من صلى البردين دخل الجنة" (¬3). 4537 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة، يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة، وتنجنا من النار؟ قال: فيرفع الحجاب فينظرون إلى وجه الله تعالى فما أعطوا شيئًا أحب اليهم من النظر إلى وجه ربهم، ثم تلا: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} ". قلت: رواه مسلم في الإيمان والترمذي في صفة الجنة والنسائي في التفسير وابن ماجه في السنة من حديث صهيب بن سنان ولم يخرج البخاري لصهيب شيئًا وخرج له مسلم ثلاثة أحاديث هذا أحدها. (¬4) قال في شرح السنة (¬5): الحسنى: الجنة، والزيادة: رؤية الله تعالى وتقدس. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (554)، والتوحيد (7435)، ومسلم (633)، وأبو داود (4729)، وابن ماجه (117)، والترمذي (2551)، والنسائي في الكبرى (11267). (¬2) انظر: مشارق الأنوار (2/ 59). (¬3) أخرجه البخاري (574)، ومسلم (635). (¬4) أخرجه مسلم (181)، والترمذي (2552)، والنسائي في الكبرى (11234)، وابن ماجه (187). (¬5) شرح السنة (15/ 229).

من الحسان

من الحسان 4538 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن أدنى أهل الجنة منزلة: لمن ينظر إلى جنانه، وأزواجه، ونعيمه، وخدمه، وسرره مسيرة ألف سنة، وأكرمهم على الله: من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية"، ثم قرأ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}. قلت: رواه الترمذي في صفة الجنة من حديث ابن عمر مرفوعًا عن ابن عمر، وفي سنده ثوير ابن ماجه قال الذهبي: واهٍ. (¬1) 4539 - قال: قلت: يا رسول الله أكلنا يرى ربه مخليًّا به يوم القيامة؟ قال: "بلى"، قال: وما [آية ذلك] في خلقه؟ قال: "يا أبا رزين أليس كلكم يرى القمر ليلة البدر مخليًّا به؟ " قال: بلى، قال: "فإنما هو خلق من خلق الله، والله أجل وأعظم". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه في السنة (¬2) عن أبي رزين العقيلي، واسمه لقيط بن عامر، ويقال لقيط بن صبرة، وقيل هما اثنان والصحيح الأول، وقد تقدم في الطهارة، وقال بعضهم: من قال لقيط ابن صبرة نسبه إلى جده، وهو لقيط بن عامر بن صبرة، وسكت أبو داود والمنذري عليه (¬3). قوله: مخليًّا به، هو بضم الميم وسكون الخاء المعجمة وكسر اللام يقال: خلوت به وخلوت معه وإليه، اختليت به إذا انفردت به أي يراه كلكم منفردًا لنفسه. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2553) (3330) وإسناده ضعيف. فيه: ثوير بن أبي فاخته وهو ضعيف، رُمي بالرفض انظر: التقريب (870). (¬2) أخرجه أبو داود (4731)، وابن ماجه (180). وإسناده ضعيف لجهالة وكيع بن عُدُس. قال ابن القطان مجهول الحال وقال الذهبي في "الميزان" لا يعرف، وقال ابن قتيبة: غير معروف. وقال الحافظ: مقبول، انظر: التقريب (7465) وللتفصيل: تهذيب الكمال (30/ 484). (¬3) انظر: تهذيب سنن أبي داود للمنذري (7/ 120).

باب صفة النار وأهلها

باب صفة النار وأهلها من الصحاح 4540 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ناركم جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم"، قيل: يا رسول الله إن كانت لكافية قال: "فإنها فضلت عليهن بتسعة وستين جزءًا كلهن مثل حرّها". قلت: رواه البخاري في بدء الخلق ومسلم والترمذي كلاهما في صفة جهنم، واللفظ للبخاري كلهم من حديث أبي هريرة. (¬1) قوله: إن كانت لكافية "إن" هذه هي المخففة من الثقيلة عند البصريين وهذه اللام هي الفارقة بين "إن" النافية "إن" والمخففة من الثقيلة، وهي عند الكوفيين بمعنى ما، واللام بمعنى إلا تقديره عندهم: ما كانت إلا كافية، وعند البصريين "إنها كانت كافية". 4541 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اشتكت النار إلى ربها، فقالت: رب أكل بعضي بعضًا، فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، أشد ما تجدون من الحر، وأشد ما تجدون من الزمهرير". قلت: رواه الشيخان والترمذي من حديث أبي هريرة (¬2) إلا أن الترمذي قال: "فأما نفسها في الشتاء فزمهرير، وأما نفسها في الصيف فسموم" وقد تقدم الحديث في الصلاة. 4542 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "يؤتى بجهنم يومئذ، لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3265)، ومسلم (2843)، والترمذي (2589). (¬2) أخرجه البخاري (537) (3260)، ومسلم (617)، والترمذي (2592).

قلت: رواه مسلم والترمذي من حديث ابن مسعود (¬1)، ولم يخرجه البخاري ومعنى الحديث أنه يجاء بها من المحل الذي خلقها الله فيه فبدأ بأرض المحشر حتى لا يبقى للجنة طريق إلا الصراط، كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة. والزمام: ما يزم به الشيء أي يشد ويربط، وهذه الأزمة التي تساق جهنم به أيضًا تمنع من خروجها على أهل المحشر، ولا يخرج منها إلا الأعناق التي أمرت أن تأخذ من يشاء الله أخذه. فائدة: ذكر الحاكم هذا الحديث في المستدرك وقال: على شرط مسلم، واعترض عليه الذهبي بأن العلاء بن خالد الكاهلي هو راويه عن شقيق عن عبد الله بن مسعود، قال: والعلاء كذبه أبو سلمة التبوذكي انتهى، وهذا وهم من الإمامين، أما الحاكم: فوهم في استدراكه على مسلم، والحديث ثابت في صحيح مسلم، وأما الذهبي: فأقره واعترض بطعنه في العلاء وقد رواه مسلم من حديث العلاء عن سفيان كما رواه الحاكم (¬2)، والله أعلم. 4543 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن أهون أهل النار عذابًا: من له نعلان وشراكان من نار، يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل، ما يرى أن أحدًا أشد منه عذابًا، وإنه لأهونهم عذابًا". قلت: رواه مسلم في الإيمان بهذا اللفظ ورواه البخاري بمعناه (¬3) كلاهما من حديث النعمان بن بشير. والنعل: مؤنثة وهي التي تلبس في الرجل، والمِرجل: قدر من نحاس قاله الجوهري (¬4). 4544 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أهون أهل النار عذابًا: أبو طالب، وهو منتعل بنعلين يغلي منهما دماغه". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2842)، والترمذي (2573)، والحاكم (4/ 595). (¬2) انظر: مستدرك الحاكم (4/ 595). (¬3) أخرجه البخاري (561) (6562)، ومسلم (213). (¬4) انظر: الصحاح للجوهري (4/ 1705).

قلت: رواه مسلم من حديث ابن عباس في الإيمان ولم يخرج البخاري عن ابن عباس في هذا شيئًا. (¬1) 4545 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيرًا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤسًا في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤسًا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط". قلت: رواه مسلم في التوبة من حديث أنس بن مالك، ولم يخرجه البخاري (¬2)، ومعنى فيصبغ في النار: أي يغمس في النار غمسة كما يغمس الثوب في الصبغ. 4546 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يقول الله لأهون أهل النار عذابًا يوم القيامة: لو أن لك ما في الأرض من شيء لافتديت به، فيقول: نعم، فيقول: أردت منك أهون من هذا وأنت في صلب آدم: أن لا تشرك بي شيئًا، فأبيت إلا أن تشرك بي". قلت: رواه البخاري في باب خلق آدم وفي صفة النار، ومسلم في التوبة من حديث أنس (¬3)، قوله تعالى: "أردت منك أهون من هذا" أي أمرتك بأهون من هذا وإلا فيكون الشيء واقعًا على خلاف إرادة الله تعالى وهذا محال، تعالى الله عن ذلك. 4547 - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن منهم من تأخذه النار إلى كعبيه ومنهم من تأخذه النار إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه النار إلى حُجزته، ومنهم من تأخذه النار إلى تَرقوته". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (212). (¬2) أخرجه مسلم (2807). (¬3) أخرجه البخاري (6557)، ومسلم (2805).

قلت: رواه مسلم في صفة النار من حديث سمرة بن جندب (¬1)، ولم يخرج البخاري هذا الحديث، وحجزته "بضم الحاء وإسكان الجيم وفتح الزاي المعجمة معقد إزاره وسراويله، والترقوة: بفتح التاء وضم القاف وهي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق. 4548 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما بين منكبي الكافر في النار مسيرة ثلاثة أيام للراكب المُسرع". قلت: الصواب أن هذا الحديث رواه الشيخان (¬2) في صفة النار من حديث فضيل بن غزوان عن أبي حازم عن أبي هريرة، وقد ذكره الحافظ عبد الحق فيما اتفق عليه الشيخان، وأسقطه الحميدي من كتابه الذي جمع فيه بين الصحيحين فلم يذكره، وعزاه ابن الأثير (¬3) لمسلم خاصة. 4549 - وفي رواية أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ضرس الكافر مثل أحد، وغلظ جلده مسيرة ثلاثة أيام" قلت: رواه مسلم في صفة النار، ولم يخرجه البخاري (¬4)، وهذا الحديث والذي قبله يدل كل منهما على عظم جثة الكافر وإنما كان كذلك ليعظم عذابه ويتضاعف، وهذا إنما هو في بعض الكفار بدليل أنه قد جاءت أحاديث أخر تدل على أن المتكبرين يحشرون يوم القيامة أمثال الذر في صفة الرجال، يساقون إلى سجن في جهنم يسمى بولس، ولا شك أن الكفار في عذاب جهنم يتفاوتون كما قد علم من الكتاب والسنة، ولأنا نعلم على القطع أن من كفر بالله وقتل الأنبياء وفتك في المسلمين وأفسد في الأرض ليس عذابه مساويًا لعذاب من كفر بالله فقط وأحسن للأنبياء والمسلمين. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2845). (¬2) أخرجه البخاري (6551)، ومسلم (2852). (¬3) انظر: جامع الأصول (10/ 542). (¬4) أخرجه مسلم (2851).

من الحسان

من الحسان 4550 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة". قلت: رواه الترمذي من حديث أبي هريرة مرفوعًا، ثم رواه موقوفًا على أبي هريرة قال: والموقوف أصح، ولا أعلم أحدًا رفعه غير يحيى بن أبي بكير عن شريك. (¬1) 4551 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ضرس الكافر يوم القيامة مثل أحد وفخذه مثل البيضاء، ومقعده من النار مسيرة ثلاث مثل الربذة". قلت: رواه الترمذي في صفة جهنم من حديث أبي هريرة، وقال: حديث حسن غريب ورواه ابن حبان من حديث أبي حازم عن أبي هريرة (¬2)، مثل أحد، وغلظ، وجلده مسيره ثلاث "ومثل الربذة كما بين المدينة والربذة، والبيضاء: جبل، انتهى كلام الترمذي، ورجاله موثقون، والبيضاء: بالباء الموحدة المفتوحة والياء آخر الحروف وبالضاد المعجمة اسم جبل، والربذة: بالراء المهملة وبعدها باء موحدة مفتوحة وبعدها ذال معجمة، قرية معروفة قرب المدينة بها قبر أبي ذر منها إلى المدينة مسيرة ثلاثة أيام، ومثل الربذة" يجوز أن تنصب على نزع الخافض أي مثل الربذة من المدينة. 4552 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إن غلظ جلد الكافر ثنتان وأربعون ذراعًا، وإن ضرسه مثل أحد، وإن مجلسه من جهنم ما بين مكة والمدينة". قلت: رواه الترمذي في صفة جهنم، قال: حسن صحيح، والحاكم في المستدرك آخر الكتاب، وابن حبان (¬3)، ولم يذكر: مجلسه، وزاد بذراع الجبار ثم الجبار ملك باليمن يقال له: الجبار. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2591) وإسناده ضعيف انظر: الضعيفة (1305). (¬2) أخرجه الترمذي (2578)، وابن حبان (7486)، والحاكم (4/ 595)، وهو حديث صحيح، انظر: الصحيحة (1105). (¬3) أخرجه الترمذي (2577)، وابن حبان (2616)، والحاكم (4/ 595) وإسناده صحيح. انظر: الصحيحة (1105).

4553 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الكافر ليسحب لسانه الفرسخ والفرسخين يتوطؤه الناس". (غريب). قلت: رواه الترمذي في صفة جهنم من حديث ابن عمر بن الخطاب، وقال: في سنده أبو المخارق: وليس بمعروف. (¬1) 4554 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "الصعود جبل في النار يتصعد فيه خمسين خريفًا ويهوي به كذلك فيه أبدًا". قلت: رواه الترمذي في صفة جهنم من حديث أبي سعيد يرفعه، وقال: غريب (¬2) لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث ابن لهيعة، قلت: وعبد الله بن لهيعة القاضي: مجروح. 4555 - قال - صلى الله عليه وسلم -: في قوله: {كَالْمُهْلِ}: "أي: كعكر الزيت، فإذا قرب إلى وجهه سقطت فروة وجهه فيه". قلت: رواه الترمذي في صفة جهنم من حديث أبي سعيد يرفعه (¬3)، وقال الترمذي هذا الحديث لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد، ورشدين قد تكلم فيه، انتهى. وفروة وجهه "أي جلدته"، والأصل فيه فروة الرأس وهي جلدتها بما عليها من الشعر فاستعارها من الرأس للوجه. 4556 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الحميم ليصب على رؤوسهم، فينفُذُ الحميم حتى يخلص إلى جوفه، فيسلُت ما في جوفه، حتى يمرق من قدميه، وهو الصهر، ثم يعاد كما كان". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2580) وإسناده ضعيف. وأبو المخارق، عن ابن عمر: مجهول، انظر: التقريب (8412)، وانظر: الضعيفة (1986). (¬2) أخرجه الترمذي (2576) (3326) وإسناده ضعيف، وفيه دراج أبو السمح. وهو ضعيف، إضافة إلى عبد الله بن لهيعة قال الحافظ: صدوق، خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما. وله في مسلم بعض شيء مقرون. انظر: التقريب (3587). وأخرجه أحمد (3/ 75)، والحاكم في المستدرك (4/ 596) وقال: صحيح الإسناد وأقره الذهبي. (¬3) أخرجه الترمذي (2581) (2584) (3322) وإسناده ضعيف.

قلت: رواه الترمذي في صفة جهنم من حديث أبي السمح (¬1) عن أبي حجيرة عن أبي هريرة يرفعه، وقال: حديث حسن صحيح غريب. وأبو حجيرة عبد الرحمن المصري. و"حتى يخلص إلى جوفه" أي حتى يصل إلى جوفه. والسلت: القطع أي يقطعه ويستأصله. ويمرق: أي يخرج. والصهر: بالصاد المهملة المفتوحة وبسكون الهاء وبالراء المهملة الإذابة، يقال: صهرت الشحم: إذا أذبته. 4557 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ، يَتَجَرَّعُهُ} قال: "يقرب إلى فيه فيكرهه فإذا أدني منه، شَوَى وجهه، ووقعت فروة رأسه، فإذا شربه، قطع أمعاءه حتى تخرج من دبره، يقول الله تعالى: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} ويقول: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ} ". قلت: رواه الترمذي في صفة جهنم من حديث صفوان بن عمرو عن عبيد الله بن بسر عن أبي أمامة يرفعه، والنسائي في التفسير (¬2)، وقال الترمذي: غريب وقال البخاري: إن عبيد الله بن بسر راوي الحديث عن أبي أمامة ولا نعرف عبيد الله بن بسر إلا في هذا الحديث، وقد روى صفوان بن عمرو عن عبد الله بن بسر صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير هذا الحديث انتهى كلام الترمذي. قال المزي (¬3): وعبيد الله بن بسر له أخ قد سمع من النبي وأخته قد سمعت من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعبيد الله بن بسر الذي روى عنه صفوان بن عمرو حديث أبي أمامة لعله أن يكون أخا عبد الله بن بسر، وقال الذهبي: عبيد الله ابن بسر حمصي عن أبي أمامة: ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2582) وإسناده حسن. انظر: الصحيحة (3470). (¬2) أخرجه الترمذي (2583)، والنسائي في الكبرى (11263) وإسناده ضعيف فيه عبيد الله بن بسر لا يعرف. (¬3) انظر: تهذيب الكمال (19/ 13 - 14).

لا يعرف، فيقال: هو عبد الله الضحاك، وقيل: عبد الله بن بسر الحبراني التابعي وهو أظهر (¬1). 4558 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لِسرادق النار أربعة جدر، كِثَفُ كل جدار مسيرة أربعين سنة". قلت: رواه الترمذي في صفة جهنم من حديث أبي سعيد (¬2) وفي سنده رشدين بن سعد، والسرادق: كل ما أحاط بشيء من حائط أو خباء، قال في شرح السنة (¬3): يقال للحائط المشتمل على الشيء سرادق، قال الله تعالى: {أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا}. 4559 - قال - صلى الله عليه وسلم - "لو أن دلوًا من غساق يُهراق في الدنيا، لأنتن أهل الدنيا". قلت: رواه الترمذي في صفة جهنم من حديث أبي سعيد بالإسناد الذي قبله، قال أبو عيسى: إنما نعرفه من حديث رشدين بن سعد وفي رشدين مقال، وقد تكلم فيه من قبل حفظه، انتهى. (¬4) والغساق بفتح الغين المعجمة وبالسين المهملة، البارد المنتن تخفف وتشدد قرأ أبو عمرو حميمًا وغساقًا، بالتخفيف، وقرأ الكسائي بالتشديد. 4560 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ هذه الآية: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو أن قطرة من الزقّوم قطرت في دار الدنيا، لأفسدت على أهل الأرض معايشهم، فكيف بمن يكون طعامه؟ ". قلت: رواه الترمذي في صفة جهنم من حديث ابن عباس وقال: حديث حسن صحيح (¬5) "والزقوم": بفتح الزاي المعجمة قال ابن عباس لما نزلت {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ ¬

_ (¬1) انظر: ميزان الاعتدال (3/ ت 5346)، والكاشف (1/ 679)، وقال الحافظ: مجهول، انظر: التقريب (4306). (¬2) أخرجه الترمذي (2584) وإسناده ضعيف فيه دراج. (¬3) انظر: شرح السنة للبغوي (15/ 246). (¬4) أخرجه الترمذي (2584) وإسناده ضعيف. ورشدين ضعيف. (¬5) أخرجه الترمذي (2585) وإسناده صحيح. فقد صححه الحاكم (2/ 451) ووافقه الذهبي.

طَعَامُ الْأَثِيمِ} قال أبو جهل: التمر بالزبد يتزقمه فأنزل الله تعالى: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ، طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ}. 4561 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: {وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} فقال: "تشويه النار، فتقلص شفته العليا، حتى تبلغ وسط رأسه، وتسترخي شفته السفلى، حتى تضرب سُرّته". قلت: رواه الترمذي في صفة جهنم من حديث أبي سعيد يرفعه وقال: حديث حسن صحيح غريب. (¬1) 4562 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا أيها الناس ابكوا، فإن لم تستطيعوا فتباكوا، فإن أهل النار يبكون في النار، حتى تسيل دموعهم في وجوههم كأنها جداول، حتى تنقطع الدموع، فتسيل الدماءُ، فتقرح العيون، فلو أنّ سُفنًا أرخيت فيها لجرت". قلت: رواه المصنف في شرح السنة بسنده وفيه يزيد بن أبان الرقاشي قال الذهبي: ضعيف. (¬2) 4563 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "يلقى على أهل النار الجوع، فيعدل ما هم فيه من العذاب، فيستغيثون، فيغاثون بطعام {مِنْ ضَرِيعٍ، لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} فيستغيثون بالطعام، فيغاثون بطعام ذي {غُصَّةٍ}، فيذكرون أنهم كانوا يجيزون الغُصص في الدنيا بالشراب، فيستغيثون بالشراب، فيرفع إليهم الحميم، بكلاليب الحديد، فإذا دنت من وجوههم، شوت وجوههم، فإذا دخلت بطونهم، قطعت ما في بطونهم، فيقولون ادعوا خزنة جهنم، فيقولون: {قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ}. قال: فيقولون: ادعوا مالكًا، فيقولون: {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} قال: فيجيبهم: {قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}، قال الأعمش: نبئت أن بين دعائهم وإجابة مالك إياهم ألف عام، ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2587) (3176) وإسناده ضعيف فيه أبو السمح. (¬2) أخرجه البغوي (15/ 253) رقم (4418) في شرح السنة وإسناده ضعيف. لأن يزيد ابن أبان الرقاشي، ضعيف، انظر: التقريب (7733)، وقول الذهبي في الكاشف (2/ 380).

قال: "فيقولون: ادعوا ربكم فلا أحد خير من ربكم، فيقولون: {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ، رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} قال: فيجيبهم: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} قال: فعند ذلك يئسوا من كل خير، وعند ذلك يأخذون في الزفير والحسرة والويل". ويروى هذا موقوفًا على أبي الدرداء. قلت: رواه الترمذي في صفة جهنم مرفوعًا عن أبي الدرداء (¬1) ثم قال: قال عبد الله بن عبد الرحمن يعني شيخه "والناس لا يرفعون هذا الحديث" معنى، بل يوقفونه على أبي الدراء، قال أبو عيسى: وقطبة بن عبد العريز رفعه وهو ثقة عند أهل الحديث (¬2). "والضريع" نبت بالحجاز له شوك كبار. 4564 - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أنذرتكم النار، أنذرتكم النار، أنذرتكم النار"، فما زال يقولها، حتى لو كان في مكاني هذا سمعه أهل السوق، وحتى سقطت خميصة كانت عليه عند رجليه. قلت: رواه الدارمي في الرقائق عن عثمان بن عمر أنا شعبة عن سماك عن النعمان بن بشير يرفعه ولم يخرجه أصحاب السنن الأربعة، وروى أحمد نحوه من حديث النعمان. (¬3) 4565 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن في جهنم واديًا يقال له: هبهب، يسكنه كل جبار". (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2586) وإسناده ضعيف مرفوعًا وموقوفًا فيه شهر بن حوشب وهو ضعيف. (¬2) قال الحافظ: قطبة بن عبد العزيز بن سياه، الكوفي، صدوق، انظر: التقريب (5586). (¬3) أخرجه أحمد (4/ 268، 272)، والدارمي (2815) وإسناده صحيح. (¬4) أخرجه الدارمي (2/ 231)، والحاكم (4/ 332) وإسناده ضعيف فيه:- أزهر بن سنان وهو ضعيف وذكر العقيلي هذا الحديث في ترجمته في الضعفاء (1/ 134)، والحاكم في المستدرك (4/ 597) انظر: التقريب (311).

باب خلق الجنة والنار

4566 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو أن رضراضة مثل هذه، وأشار إلى مثل الجمجمة، أرسلت من السماء إلى الأرض في مسيرة خمسمائة سنة، لبلغت الأرض قبل الليل، ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة، لسارت أربعين خريفًا الليل والنهار قبل أن تبلغ أصلَها أو قعرها". قلت: رواه الترمذي في صفة جهنم من حديث عيسى بن هلال الصدفي عن عبد الله بن عمر يرفعه (¬1) والرضراضة: برائين مهملتين مفتوحتين وضادين معجمين الأولى ساكنة والثانية مفتوحة قال في النهاية (¬2): الرضراضة الحصى الصغار وكذا قاله الجوهري (¬3). باب خلق الجنة والنار من الصحاح 4567 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات". قلت: رواه مسلم قبل صفة الجنة من حديث أنس ومن طريق أبي هريرة وقال فيه نحوه، ولم يذكر لفظ أبي هريرة، ورواه البخاري في الرقائق من حديث أبي هريرة خاصة وقال: "احتجبت" في الموضعين بدل "حفت" والنسائي في النعوت كالبخاري والترمذي في صفة الجنة من حديث أنس بلفظ مسلم. (¬4) 4568 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تحاجت الجنة والنار، فقالت النار: أوثرت بالمتجبرين والمتكبرين، وقالت الجنة: فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وغرتهم؟ ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2588) وإسناده ضعيف فيه دراج أبو السمح وهو ضعيف. وقد سبق. (¬2) انظر: النهاية لابن الأثير (2/ 229). (¬3) انظر: الصحاح للجوهري (3/ 1077). (¬4) أخرجه مسلم (2822)، والترمذي (2559) من أنس، واتفق عليه البخاري (6487)، ومسلم (2823) من حديث أبي هريرة.

قال: الله للجنة: إنما أنت رحمتي، أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار: إنما أنت عذابي، أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منكما ملؤها، فأما النار، فلا تمتليءُ حتى يضع الله رجله فيها، تقول: قط قط قط، فهنالك تمتليءُ ويُزوى بعضها إلى بعض، فلا يظلم الله من خلقه أحدًا، وأما الجنة، فإن الله ينشىء لها خلقًا". قلت: رواه الشيخان: البخاري في التفسير ومسلم في صفة جهنم كلاهما من حديث همام بن منبه عن أبي هريرة (¬1) وهذا الحديث آخر حديث في شرح السنة (¬2)، وبالكلام عليه ختم الكتاب رحمه الله، وقد أعاده البخاري في التوحيد مع بعض تغيير من حديث الأعرج عن أبي هريرة وكذلك رواه النسائي في النعوت. "وسقطهم": بفتح السين والقاف أي المحتقرون. وأما غرتهم: فروي على ثلاثة أوجه، إحداها: بغين معجمة مفتوحة وراء مفتوحة وثاء مثلثة وهي رواية الأكثرين، ومعناها أهل الحاجة والفاقة والجوع، والغرث: الجوع، وعجزتهم: بعين مهملة مفتوحة وجيم وزاي وتاء، جمع عاجز. وغرتهم: بغين معجمة مكسورة وراء مشددة وتاء مثناة فوق، وهي مشهورة في كثير من نسخ مسلم أي البله الغافلون الذين ليس بهم حذق في الدنيا. ووجه رابع أيضًا: وهو فتح العين المهملة والجيم من غير تاء جمع عاجز وهو قريب من الوجه الثاني. ومعنى: يضع الله رجله، رجل بعض مخلوقاته على حذف مضاف أو خلقًا لهم هذا الاسم أو الجماعة من الناس كما يقال: رجل من جراد أي قطعة منه (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4850)، ومسلم (2846)، والنسائي في الكبرى (7693). (¬2) انظر: شرح السنة للبغوي (15/ 256 - 257). (¬3) وفي الحديث الآتي: "حتى يضع رب العزة فيها قدمه" قال البغوي: القدم والرجلان المذكوران في هذا الحديث من صفات الله سبحانه وتعالى المنزه عن التكييف والتشبيه، وكذلك كل ما جاء من هذا القبيل =

من الحسان

وقط: معناه يكفيني، وفيه لغات: قط قط بإسكان الطاء فيهما، وبكسرها منونة وغير منونة (¬1). 4569 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول: {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} حتى يضع رب العزة فيها قدمه، فينزوي بعضها إلى بعض، وتقول: قط قط بعزتك وكرمك، ولا يزال في الجنة فضل، حتى ينشيء الله لها خلقًا، فيسكنهم فضل الجنة". قلت: رواه الشيخان البخاري في التفسير ومسلم في صفة جهنم كلاهما من حديث قتادة (¬2) عن أنس، والمراد بالقدم: قد تقدم في الرجل، ويجوز أن يكون هم القوم الذين قدمهم الله لها من أهلها. من الحسان 4570 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لما خلق الله الجنة، قال لجبريل: اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها وإلى ما أعد الله لأهلها فيها، ثم جاء فقال: أي رب وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها، ثم حفها بالمكاره، ثم قال: يا جبريل! اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثم جاء، فقال: أي رب وعزتك لقد خشيت أن لا يدخلها أحد، قال: فلما خلق الله النار، قال: يا جبريل اذهب فانظر إليها، قال: فذهب فنظر إليها، فقال: أي رب وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها، فحفها بالشهوات، ثم قال: يا جبريل اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، فقال: أي رب وعزتك لقد خشيت أن لا يبقى أحد إلا دخلها". ¬

_ = في الكتاب أو السنة كاليد والأصبع، والعين والمجيىء، والإتيان، فالإيمان بها فرض، والامتناع فيها زائغ، والمنكر معطل، والمكيف مشبّة، تعالى الله عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}. فتأويلها باطل، انظر: شرح السنة (15/ 257 - 258)، والتوحيد لابن خزيمة (1/ 118 - 150)، ومجموع الفتاوى (5/ 87 - 89) و (6/ 88 - 105). (¬1) انظر: المنهاج للنووي (17/ 265 - 267). (¬2) أخرجه البخاري (4848)، ومسلم (2848).

باب بدء الخلق وذكر الأنبياء عليهم السلام

قلت: رواه أبو داود في السنة والترمذي في صفة جهنم والنسائي في الإيمان والنذور كلهم من حديث أبي هريرة وقال الترمذي: حسن صحيح. وحفها بالمكاره: أي أحدقها بها. (¬1) باب بدء الخلق وذكر الأنبياء عليهم السلام من الصحاح 4571 - قال إني كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه قوم من بني تميم، فقال: "اقبلوا البُشرى يا بني تميم"، قالوا: بشّرتناه فأعطنا، ندخل أناس من أهل اليمن، فقال: "اقبلوا البُشرى يا أهل اليمن! إذ لم يقبلها بنو تميم"، قالوا: قبلنا، جئناك لنتفقه في الدين، ولنسألك عن أول هذا الأمر: ما كان؟ قال: "كان الله ولم يكن شيءٌ قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السماوات والأرض، وكتب في الذكر كل شيء". ثم أتاني رجل، فقال: يا عمران أدرك ناقتك فقد ذهبت، فانطلقت أطلبها، وايم الله، لوددت أنها قد ذهبت ولم أقم. قلت: رواه البخاري في مواضع منها المغازي والتوحيد بألفاظ متقاربة الترمذي في المناقب والنسائي في التفسير كلهم عن صفوان بن محرز عن عمران بن حصين يرفعه (¬2) ومعنى الحديث: "إن الله تعالى هو الأول قبل كل شيء ولا شيء قبله وإن أول ما أبدعة من الأجسام: العرش، والماء وسائر الأجسام متأخرة عنها في الحدث والوجود". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4744)، والترمذي (2560) والنسائي (7/ 3) وإسناده حسن، وصححه كذلك الحاكم (1/ 26). ووافقه الذهبي. (¬2) أخرجه البخاري (3190) (3191) (7418)، والترمذي (3951)، والنسائي في الكبرى (11240).

4572 - قال: قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقامًا، فأخبرنا عن بدء الخلق، حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه، ونسيه من نسيه. قلت: رواه البخاري في بدء الوحي من حديث طارق بن شهاب عن عمر. (¬1) 4573 - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الله كتب كتابًا قبل أن يخلق الخلق: أن رحمتي سبقت غضبي، فهو مكتوب عنده فوق العرش". قلت: رواه البخاري في التوحيد ومسلم في التوبة والنسائي في النعوت من حديث أبي هريرة (¬2) واللفظ للبخاري. قال العلماء: غضب الله ورضاه يرجعان إلى معنى الإرادة، فإرادته الإثابة للمطيع، ومنفعة العبد تسمى رضا الله وإرادته، عقاب العاصي، وخذلانه يسمى غضبًا، وأراد به تعالى صفة له قديمة يريد بها جميع المرادات (¬3)، قالوا: والمراد بالسبق هنا كثرة الرحمة وشمولها، كما يقال: غلب على فلان الكرم والشجاعة إذا كثر منه (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3192). (¬2) أخرجه البخاري (7554)، ومسلم (2751)، والنسائي في الكبرى (7750). (¬3) هذه تأويلات باطلة، لا موجب لها من عقل أو نقل، والواجب هو إثبات صفة الغضب والرضا لله عز وجل على ظاهرهما كما تليق بجلاله سبحانه، ولا يلزم من إثباتها شيء مما يلزم في حق المخلوقين، أي من غير تكييف ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل، وأثبت الله لنفسه صفة الغضب في قوله {مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ} [المائدة: 60] وفي قوله {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} [النساء: 93]، وقال: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [البينة: 8] وقال أبو معمر القطيعي: "من زعم أن الله لا يتكلم، ولا يسمع، ولا يبصر، ولا يغضب، ولا يرضى، فهو كافر بالله، إن رأيتموه على بئر واقفًا فألقوه فيها، بهذا أدين الله عز وجل لأنهم كفار". أخرجه العكبري في المختار من الإبانة (3/ ت 101)، بإسناد صحيح. والمزي في تهذيب الكمال (2/ 22). وانظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (6/ 123 - 124). (¬4) انظر: المنهاج للنووي (17/ 107).

4574 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم". قلت: رواه مسلم في أواخر الكتاب ولم يخرجه البخاري (¬1) ولما خلقت الملائكة من نور كانوا خيرًا محضًا، والجان لما خلقوا من مارج من نار أي من شواظ ذي لهب وإيقاد ودخان كانوا شرًّا محضًا، والخير فيهم قليل، ومعنى قول - صلى الله عليه وسلم - "مما وصف لكم" مما ذكره في كتابه سبحانه وتعالى أي من تراب صير طينًا كما أخبرنا به تعالى في غير موضع من كتابه، وفي الخبر أن الله تعالى لما أراد خلق آدم أمر من قبض قبضة من جميع أجزاء الأرض فأخذ من حزنها وسهلها وأحمرها وأسودها فجاء ولده كذلك. 4575 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لما صوّر الله آدم في الجنة، تركه ما شاء الله أن يتركه، فجعل إبليس يطيف به، ينظر ما هو، فلما رآه أجوف، عرف أنه خلق خلقًا لا يتمالك". قلت: رواه مسلم في الأدب من حديث ثابت عن أنس بن مالك (¬2). ويطيف به قال أهل اللغة: طاف بالشيء يطوف طوفًا وأطاف يطيف إذا استدار حوله، والأجوف: صاحب الجوف قوله - صلى الله عليه وسلم -: لا يتمالك "أراد جنس بني آدم"، لا يملك دفع الوسواس عنه، وقيل غير ذلك، وآدم صلوات الله عليه معصوم، وإنما المراد ذريته إذ هم مخلوقون كهو. 4576 - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا خير البرية، فقال: "ذاك إبراهيم". قلت: رواه مسلم في المناقب وأبو داود في السنة والترمذي في التفسير وكذلك النسائي في التفسير ولم يخرجه البخاري. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2996). (¬2) أخرجه مسلم (2611). (¬3) أخرجه مسلم (2369)، وأبو داود (4672)، والترمذي (3352)، والنسائي في الكبرى (11692).

والبرية: الخلق، قال العلماء: إنما قال - صلى الله عليه وسلم - هذا تواضعًا واحترامًا لإبراهيم - صلى الله عليه وسلم - لخلته وأبوته، وإلا فنبينا - صلى الله عليه وسلم - أفضل، وقيل غير ذلك من التأويلات وهذا التأويل أحسن. 4577 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اختتن إبراهيم النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم". قلت: رواه الشيخان كلاهما في أحاديث الأنبياء من حديث المغيرة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة. (¬1) والقدوم: اتفقت رواة مسلم على تخفيفه، ووقع في روايات البخاري الخلاف في تشديده وتخفيفه، قالوا: وآلة النجار يقال لها: قدوم بالتخفيف، وأما القدوم مكان بالشام ففيه التخفيف والتشديد فمن رواه بالتشديد أراد القرية، ورواية التخفيف تحتمل القرية والآلة، والأكثرون على التخفيف وإرادة الآلة، ورواية وهو ابن ثمانين سنة "هي الصحيحة، ووقع في الموطأ وهو ابن مائة وعشرين سنة" موقوفًا على أبي هريرة، قال النووي (¬2): وهو متأول أو مردود. 4578 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات: ثنتين منهن في ذات الله، قوله: {إني سقيم} وقوله: {بل فعله كبيرهم هذا} وقال: بينما هو ذات يوم وسارة، إذ أتى على جبار من الجبابرة، فقيل له: إن ههنا رجلًا معه امرأة من أحسن الناس، فأرسل إليه، فسأله عنها: من هذه؟ قال: أختي، فأتى سارة، فقال لها: إن هذا الجبار إن يعلم أنك امرأتي يغلبني عليك، فإن سألك فأخبريه أنك أختي فإنك أختي في الإسلام، ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك، فأرسل إليها، فأتى بها، وقام إبراهيم يصلي، فلما دخلت عليه، ذهب يتناولها بيده، فأخذ -ويُروى فغُظّ- حتى ركض برجله، فقال: أدعي الله لي ولا أضرك، فدعت الله فأطلق، ثم تناولها الثانية، فأخذ مثلها أو أشد، فقال: ادعي الله لي ولا أضرك، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3356) (6298)، ومسلم (2370). (¬2) انظر: المنهاج (15/ 178).

فدعت الله فأطلق، فدعا بعض حجبته، فقال: إنك لم تأتني بإنسان، إنما أتيتني بشيطان، فأخدمها هاجر، فأتته وهو قائم يصلي، فأومأ بيده: مهيما؟ فقالت: ردّ الله كيد الكافر في نحره، وأخدم هاجر". قال أبو هريرة: "وتلك أمكم يا بني ماء السماء". قلت: رواه الشيخان: البخاري في أحاديث الأنبياء وفي باب شراء المملوك من الحربي وعتقه وهبته ومسلم في المناقب ولفظ المصابيح (¬1) إلى البخاري في أحاديث الأنبياء أقرب، والذي نعتقده ويجب اعتقاده أن الأنبياء معصومون من الكبائر والصغائر لا يجوز عليهم الكذب فيما يتعلق بالتبليغ ولا في غيره، وإبراهيم صلوات الله عليه ورّى بما قاله، وسمي كذبًا باعتبار الظاهر الذي يسمعه ولا يفهم التورية، والكذب أيضًا قد يكون واجبًا بل قد يكون الكذب تركه كفر، كما إذا دلّ من يريد قتل نبي أو إتلاف مصحف على موضعهما. والغط: بالغين المعجمة والطاء المهملة هو العصر الشديد والكبس. "ومهيما" رواية البخاري ورواية مسلم مهيم بفتح الميم والياء وإسكان الهاء بينهما أي ما شأنك؟ وما خبرك؟. وهاجر: يقال فيها: آجر بمد الألف، والخادم: يقع على الذكر والأنثى. وبنو ماء السماء: قيل: هم العرب كلهم لخلوص نسبهم وصفائه، وقيل: لأن أكثرهم أصحاب مواش وعيشهم مما أنبتت من السماء وقيل: المراد الأنصار لأن في أجدادهم من يعرف بماء السماء (¬2). 4579 - قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي الناس أكرم؟ قال: "أكرمهم عند الله أتقاهم"، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: "فأكرم الناس: يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله"، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: "فعن معادن العرب ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3358)، ومسلم (2371). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (15/ 182).

تسألونني؟ ". قالوا: نعم، قال: "فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام، إذا فقهوا". قلت: رواه الشيخان والبخاري في أحاديث الأنبياء ومسلم في المناقب (¬1) وقد تقدم هذا الحديث في المفاخرة والعصبية. "وفقهوا" بضم القاف على المشهور وحكي كسرها أي صاروا فقهاء علماء عالمين بالأحكام الشرعية الفقهية. 4580 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم". قلت: رواه البخاري في سورة يوسف من حديث ابن عمر. (¬2) 4581 - وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نحن أحق بالشك من إبراهيم، إذ قال: {رب أرني كيف تحيي الموتى} ويرحم الله لوطًا، لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف، لأجبت الداعي". قلت: رواه البخاري في أحاديث الأنبياء ومسلم في المناقب من حديث أبي هريرة (¬3) وقد اختلف العلماء في معنى قوله: نحن أحق بالشك من إبراهيم وأصحها: ما قاله أبو إبراهيم المزني صاحب الشافعي، وجماعات من العلماء: أن الشك مستحيل في حق إبراهيم: فإن الشك في إحياء الموتى لو كان متطرقًا إلى الأنبياء، لكنت أنا أحق به من إبراهيم، وقد علمتم أني لم أشك، فاعلموا أن إبراهيم لم يشك، وإنما خص إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأن الآية قد يسبق إلى بعض الأذهان الفاسدة منها احتمال الشك وإنما رجح إبراهيم عليه السلام على نفسه - صلى الله عليه وسلم - تواضعًا وأدبًا، أو قيل: إنه يعلم أنه - صلى الله عليه وسلم - خير ولد آدم. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3353) (4689)، ومسلم (2378). (¬2) أخرجه البخاري (3382). (¬3) أخرجه البخاري (3372)، ومسلم (2370) وبرقم (151).

وأما سؤال إبراهيم: فذكر العلماء في سببه [أوجها:] أظهرها: على ما اختاره النووي وجماعة أنه أراد الطمأنينة بعلم كيفية الإحياء مشاهدة بعد العلم بها استدلالًا، والثاني: أنه أراد اختيار منزلته عند ربه في إجابة دعائه وعلى هذا معنى قوله: {أو لم تؤمن} أي تصدق بعظم منزلتك عندي، واصطفائك وخلتك. والثالث: سؤال زيادة اليقين وإن لم يكن الأول شكًّا، فسأل الترقي من علم اليقين إلى عين اليقين. قوله: يرحم الله لوطًا لقد كان يأوي إلى ركن شديد، الركن الشديد: هو الله تعالى فإنه أشد الأركان وأقواها ومعنى الحديث: أن لوطًا لما خاف على أضيافه، ولم يكن له عشيرة تمنعهم من الظالمين، ضاق ذَرْعُه واشتد حزنه فقال في ذلك الحال: لو أن لي [بكم] قوة في الدفع بنفسي، أو آوي إلى عشيرة تمنع لمنعتكم، وقصد لوط - صلى الله عليه وسلم - إظهار العذر عند أضيافه، ولم يكن ذلك إعراضًا منه - صلى الله عليه وسلم - عن الاعتماد على الله تعالى. قوله: "لو لبثت في السجن" إلى آخره .. فيه بيان لفضيلة يوسف عليه السلام وقوة نفسه في الخير، وكمال صبره وحسن نظره، وقال - صلى الله عليه وسلم - عن نفسه ما قاله تواضعًا وإيثارًا للإبلاغ في كمال فضيلة يوسف - صلى الله عليه وسلم - والله أعلم (¬1). 4582 - قال: "إن موسى كان رجلًا حييًّا ستيرًا، لا يُرى من جلده شيء استحياءً، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: ما يستر هذا التستر إلا من عيب بجلده، إما بَرَص أو أدرة، وإن الله أراد أن يبرئه، فخلا يومًا وحده ليغتسل، فوضع ثوبه على حجر، ففرّ الحجر بثوبه فجَمَحَ موسى في إثره يقول: ثوبي يا حجر! ثوبي يا حجر! ثوبي يا حجر! حتى انتهى إلى ملإ من بني إسرائيل، فرأوه عريانًا أحسن ما خلق الله، وقالوا: والله ما بموسى من بأس! وأخذ ثوبه وطفق بالحجر ضربًا، فوالله إن بالحجر لندبًا من أثر ضربه: ثلاثًا أو أربعًا أو خمسًا". ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (2/ 241 - 243).

قلت: رواه الشيخان في أحاديث الأنبياء ومسلم في المناقب من حديث أبي هريرة (¬1) وبقية الحديث فذلك قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهًا}. "والأدرة": بالضم نفخة بالخصية، يقال: رجل آدر بين الأدَر بفتح الهمزة المدودة والدال المهملة (¬2). "وجمح" ذهب مسرعًا ومعنى " ثوبي حجر": دع ثوبي يا حجر، وطفق بالحجر ضربًا: أي جعل يضرب الحجر ضربًا وهو بفتح الفاء وكسرها. والندب: بفتح النون والدال وأصله أثر الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد. 4583 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بينا أيوب يغتسل عريانًا فخر عليه جراد من ذهب، فجعل أيوب يحتثي في ثوبه، فناداه ربه: يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى وعزتك، ولكن لا غنى بي عن بركتك". قلت: رواه البخاري في أحاديث الأنبياء والنسائي (¬3) وعنده: بركاتك، كلاهما من حديث أبي هريرة ولم يخرجه مسلم. "وخر": قال في النهاية (¬4): "خر" خر يخر بالضم وبالكسر إذا سقط من علو، وخر الماء يخر بالكسر. و"يحتثي في ثوبه" أي يصب فيه، يقال: حثا يحثو حثوًا ويحثي حثيًا. 4584 - قال: استبّ رجل من المسلمين ورجل من اليهود، فقال المسلم: والذي اصطفى محمدًا على العالمين، وقال اليهودي والذي اصطفى موسى على العالمين، فرفع المسلم يده -عند ذلك- فلطم وجه اليهودي، فذهب اليهودي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بما ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3404)، ومسلم (155). (¬2) انظر: النهاية (1/ 31). (¬3) أخرجه البخاري (279)، والنسائي (1/ 200). (¬4) انظر النهاية لابن الأثير (2/ 21).

كان من أمره وأمر المسلم، فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - المسلم، فسأله عن ذلك؟ فأخبره، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تخيّروني على موسى، فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأصعق معهم، فأكون أول من يُفيق، فإذا موسى باطش بجانب العرش، فلا أدري: كان فيمن صَعِق فأفاق قبلي، أو كان فيمن استثنى الله". قلت: رواه الشيخان: البخاري في مواضع منها في كتاب الخصومات وفي التوحيد ومسلم في المناقب (¬1) ولم يقل مسلم: فأصعق معهم، إنما هي في البخاري، وروى الحديث أبو داود في السنة والنسائي في التفسير كلهم من حديث أبي هريرة، "والصعق": والصعقة الهلاك والموت: يقال: صعق الإنسان بفتح الصاد وحكي ضمها وهو ضعيف. قال القاضي (¬2): وهذا من أشكل الأحاديث، لأن موسى صلوات الله وسلامه عليه قد مات فكيف تدركه الصعقة، وإنما تصعق الأحياء. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ممن استثنى الله" يدل على أنه كان حيًّا، ولم يأت أن موسى رجع إلى الحياة، ولا أنه حي كما جاء في عيسى عليه السلام، قال القاضي (¬3): يحتمل أن تكون هذه الصعقة صعقة فزع بعد بعث حين تنشق السماء، ويؤيده قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فأفيق" لأنه إنما يقال: أفاق من الغشي، وإنما الموت فيقال: بعث منه، وصعقة الطور لم تكن موتًا، وباطش بجانب "العرش" أي متعلق به بقوة، والبطش الأخذ القوي الشديد. - وفي رواية: "فلا أدري أحوسب بصعقة يوم الطور، أو بعث قبلي؟ ولا أقول: إن أحدًا أفضل من يونس بن مَتّى". قلت: رواها الشيخان من حديث أبي هريرة (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الخصومات (2411)، في التوحيد (7472)، ومسلم (2373). (¬2) انظر: إكمال المعلم (7/ 356). (¬3) انظر: المصدر السابق (7/ 357). (¬4) أخرجه البخاري (2411) (3408)، ومسلم (2373).

- وفي رواية: "لا تخيروا بين الأنبياء". قلت: رواه البخاري في مواضع منها في التفسير وفي الديات ومسلم في الفضائل وأبو داود في السنة (¬1) كلهم من حديث يحيى بن عمارة عن أبي سعيد الخدري وكذا عزاه للصحيحين الحميدي والإمام عبد الحق وعزاه ابن الأثير في جامع الأصول (¬2) في كتاب الفضائل لرواية أبي داود خاصة والظاهر أنه وهم. 4585 - وفي رواية: "لا تفضلوا بين أنبياء الله". قلت: رواها الشيخان من حديث أبي هريرة يرفعه في حديث لطمة اليهودي (¬3). 4586 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما ينبغي لعبد أن يقول إني خير من يونس بن متى". رواه الشيخان: البخاري في التوحيد في أواخر الصحيح، من حديث ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يروي عن ربه قال: لا ينبغي لعبد أن يقول إنه خير من يونس بن متى، ونسبه إلى أبيه ورواه مسلم في المناقب ولم يذكر فيه فيما يروي عن ربه ورواه أبو داود في السنة. (¬4) 4587 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "من قال: أنا خير من يونس بن متى، فقد كذب". قلت: رواه البخاري في الصدقات من حديث أبي هريرة (¬5). قال العلماء: هذه الأحاديث تحتمل وجهين أحدهما: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك: قبل أن يعلم أنه أفضل ولد آدم، والثاني: أنه قال هذا زجرًا عن أن يتخيل أحد من الجاهلين شيئًا من حط مرتبة يونس عليه السلام، والضمير في قوله - صلى الله عليه وسلم - "أنا خير من يونس" راجع إلى ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4638)، (2412)، (6916)، ومسلم (2374)، وأبو داود (4668). (¬2) انظر: جامع الأصول (8/ 524). (¬3) أخرجه البخاري (3414)، ومسلم (2373). (¬4) أخرجه البخاري (7539)، ومسلم (2377)، وأبو داود (4669). (¬5) أخرجه البخاري (4604).

النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: يعود إلى القائل أي لا يقول ذلك بعض الجاهلين المجتهدين في عبادة أو علم أو غير ذلك (¬1). 4588 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الغلام الذي قتله الخضر، طبع كافرًا، ولو عاش، لأرهق أبويه طغيانًا وكفرًا". قلت: رواه البخاري في القدر وأبو داود في السنة والترمذي في التفسير وحديثهما أتم، كلهم من حديث أبي هريرة. (¬2) 4589 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنما سمي الخضر، لأنه جلس على فروة بيضاء، فإذا هي تهتز من خلفه خضراء". قلت: رواه البخاري في أحاديث الأنبياء ولم يخرجه مسلم. (¬3) والفروة: بالفاء والراء المهملة قال ابن الأثير (¬4): هي الأرض اليابسة، وقيل: الهشيم اليابس من النبات، وخضراء: على وزن فعلاء ومنهم من رواه خضرًا بالتنوين أي نباتًا أخضر ناعمًا. 4590 - قال: جاء ملك الموت إلى موسى فقال له: أجب ربك، قال: فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها، قال: فرجع الملك إلى الله -تعالى- فقال: إنك أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت، وقد فقأ عيني، قال: فرد الله تعالى عليه عينه، وقال: ارجع إلى عبدي فقل: الحياة تريد؟ فإن كنت تريد الحياة، فضع يدك على متن ثور، فما وارت يدك من شعرة فإنك تعيش بها سنة، قال: ثم مه؟ قال: ثم تموت، قال: فالآن من قريب، رب أدنني من الأرض المقدسة رمية بحجر، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " [والله] لو أني عنده لأريتكم قبره إلى جنب الطريق عند الكثيب الأحمر". ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (15/ 193 - 194). (¬2) أخرجه مسلم (2661)، وأبو داود (4705)، والترمذي (3150). (¬3) أخرجه البخاري (3402). (¬4) انظر: النهاية لابن الأثير (3/ 441).

قلت: رواه الشيخان: واللفظ لمسلم من حديث أبي هريرة، البخاري في أحاديث الأنبياء ومسلم في (¬1) الفضائل، ولم يقل البخاري فقأ عينه، بل قال: فلما جاء، صكه فرجع إلى ربه ... الحديث. قوله: ثم مه، هي هاء السكت، وهو استفهام أي ماذا يكون: أحياة أم موت؟ والكثيب: الرمل المستطيل المحدودب، ومعنى أجب ربك: أي للموت، وأما سؤاله الإدناء من الأرض المقدسة، فلشرفها وفضيلة من فيها من المدفونين من الأنبياء وغيرهم، قال المازري (¬2): وقد أنكر بعض الملاحدة هذا الحديث وأنكر تصوره، قالوا: كيف يجوز على موسى ذلك؟ وأجاب العلماء عن هذا بأجوبة منها: أنه لا يمتنع أن يكون قد أذن له في هذه اللطمة امتحانًا للملطوم، والثاني: هذا من أمر المجاز، والمراد أن موسى ناظره وحاجه فغلبه، والثالث: أنه لم يعلم أنه ملك من عند الله تعالى وظن أنه رجل قصده يريد نفسه، فدافعه عنها، فأدت المدافعة إلى ذلك، ثم جاءه ثانيًا بأمارة علمها فاستسلم. 4591 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مررت على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر، وهو قائم يصلي في قبره". قلت: رواه البخاري في المناقب والنسائي في الصلاة كلاهما من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬3) 4592 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "عُرض عليّ الأنبياء، فإذا موسى ضرب من الرجال، كأنه من رجال أزد شُنوءة، ورأيت عيسى بن مريم، فإذا أقرب من رأيت به شبهًا: عروة بن مسعود، ورأيت إبراهيم، فإذا أقرب من رأيت به شبهًا صاحبكم -يعني: نفسه- ورأيت جبريل، فإذا أقرب، من رأيت به شبهًا دحية بن خليفة". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1339)، ومسلم (2372). (¬2) انظر: المعلم بفوائد مسلم (3/ 132 - 133)، والمنهاج للنووي (15/ 186 - 187). (¬3) أخرجه مسلم (2375)، والنسائي (3/ 215).

قلت: رواه مسلم في الإيمان والترمذي في المناقب كلاهما من حديث أبي الزبير عن جابر (¬1) ولم يخرجه البخاري وقال الترمذي: حسن صحيح. وضرب من الرجال: هو بإسكان الراء قال ابن الأثير (¬2): هو الخفيف اللحم المستدق. وشنوءة قبيلة من اليمن يقال لهم: أزد شنوءة بشين معجمة مفتوحة ثم نون ثم واو ثم همزة سموا لذلك لتباعدهم عن الأدناس لعلهم لقبوا بذلك لطهارة نسبهم وحسن مشربهم وأفعالهم (¬3). ودحية بن خليفة هو أحد الصحابة وكان جميلًا حسن الصورة. 4593 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "رأيت ليلة أسري بي موسى: رجلًا آدم طوالًا جعدًا، كأنه من رجال شنؤة، ورأيت عيسى: رجلًا مربوع الخلق، إلى الحمرة والبياض، سبط الرأس، ورأيت مالكًا خازن النار، والدجال، في آيات أراهن الله إياه، {فلا تكن في مرية من لقائه} ". قلت: رواه البخاري في أحاديث الأنبياء ومسلم في الإيمان واللفظ للبخاري (¬4) كلاهما من حديث أبي العالية عن ابن عباس. وآدم: قال ابن الأثير (¬5): الآدم من الناس الأسمر الشديد السمرة، وبه سمي آدم عليه السلام، والطوال: بضم الطاء وتخفيف الواو والطويل ومربوع الخلق أي بين الطول والقصر، وسبط الرأس: قال الجوهري (¬6): يقال: شعر سبط بكسر الباء وسكونها أي مترسل غير جعد، قوله: ورأيت مالكًا، هذه رواية البخاري في بعض ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (167)، والترمذي (3649). (¬2) انظر: النهاية (3/ 78). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (2/ 294). (¬4) أخرجه مسلم (165). (¬5) انظر: النهاية لابن الأثير (1/ 32). (¬6) انظر: الصحاح للجوهري (3/ 1129).

النسخ، قال النووي (¬1): ووقع في أكثر الأصول "مالك" بالرفع، قال: وجوابه أنه منصوب ولكن أسقطت الألف في الكتابة وهذا يفعله المحدثون كثيرًا فيكتبون "سمعت أنس" بغير ألف ويقرؤونه بالنصب وكذا مالك ورواية مسلم فأري بضم الهمزة وكسر الراء ومالكًا بالنصب. 4594 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ليلة أسري بي، لقيت موسى فنعته، فإذا رجل مضطرب رجل الشعر، كأنه من رجال شنوءة، ولقيت عيسى: ربعة أحمر، كأنما خرج من ديماس، يعني: الحمام، ورأيت إبراهيم، وأنا أشبه ولده به، قال: وأتيت بإناءين، أحدهما فيه لبن، والآخر فيه خمر، فقيل لي: خذ أيهما شئت، فأخذت اللبن فشربته، فقيل لي: هديت للفطرة، أما إنك لو أخذت الخمر، غوت أمتك". قلت: رواه البخاري في أحاديث الأنبياء ومسلم في الإيمان بهذا اللفظ. (¬2) "ومضطرب": أي طول غير الشديد، و"رجل الشعر": بكسر الجيم أي لم تكن جعودته شديدة ولا سبوطة بل بينهما، وديماس: بكسر الدال وإسكان الياء آخر الحروف والسين في آخره مهملة منكر (¬3). 4595 - قال: سرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين مكة والمدينة، فمررنا بواد، فقال: "أي واد هذا؟ " فقالوا: وادي الأزرق، قال: "كأني أنظر إلى موسى -فذكر من لونه وشعره شيئًا- واضعًا أصبعيه في أذنيه، له جؤار إلى الله تعالى بالتلبية، مارًّا بهذا الوادي"، قال: ثم سرنا حتى أتينا إلى ثنية، فقال: "أي ثنية هذه؟ "، قالوا: هَرْشى أو لِفْت، فقال: "كأني أنظر إلى يونس على ناقة حمراء، عليه جبة صوف، خطام ناقته خُلْبة، مارًّا بهذا الوادي ملبيًّا". ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (2/ 295 - 296). (¬2) أخرجه البخاري (3394) (3437)، ومسلم (168). (¬3) انظر: المنهاج (2/ 301).

قلت: رواه مسلم في الإيمان من حديث ابن عباس (¬1) ولم يخرجه البخاري عن ابن عباس بهذا اللفظ ولا ذكر فيه يونس. و"والجؤار": بضم الجيم وبالهمزة وهو رفع الصوت. وهرشا: بفتح الهاء وإسكان الراء والشين المعجمة مقصورة الألف وهو جبل على طريق الشام والمدينة، قريب من الجحفة. قوله: "أو لفت" بكسر اللام وإسكان الفاء وبعدها مثناة من فوق ويجوز فتح اللام مع إسكان الفاء وفتحها جميعًا وهي ثنية بين مكة والمدينة (¬2). و"الخلبة" بضم الخاء المعجمة وضم الباء الوحدة، بينهما لام فيها الضم والإسكان وهو الليف، والخطام: بكسر الخاء المعجمة وهو الحبل الذي يقاد به البعير، يجعل في خطمه. 4596 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خفف على داود القرآن، فكان يأمر بدوابه فتُسرج، فيقرأ القرآن قبل أن تسرج دوابه، ولا يأكل إلا من عمل يده". قلت: رواه البخاري في أحاديث الأنبياء (¬3) والمراد "بالقرآن" هذا: الزبور. 4597 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كانت امرأتان معهما ابناهما، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت صاحبتها: إنما ذهب بابنك، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسكين أشقه بينكما، فقالت الصغرى: لا تفعل يرحمك الله هو ابنها فقضى به للصغرى". قلت: رواه البخاري في الفرائض وفي أحاديث الأنبياء ومسلم نحوه والنسائي في الفضائل مثله، ونحوه كلهم من حديث أبي هريرة. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (166). (¬2) انظر: النهاية (4/ 259). (¬3) أخرجه البخاري (3417). (¬4) أخرجه البخاري (3427) (6769)، ومسلم (1720)، والنسائي في الأقضية (8/ 234).

4598 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قال سليمان: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة، -وفي رواية: بمائة امرأة- كلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، فقال له الملك: قل إن شاء الله، فلم يقل ونسي، فطاف عليهن، فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة، جاءت بشق رجل، وأيم الذي نفس محمد بيده، لو قال: إن شاء الله، لجاهدوا في سبيل الله فرسانًا أجمعون". قلت: رواه الشيخان: البخاري في كتاب النكاح عند آخره وهو أيضًا ومسلم في الأيمان والنذور من حديث أبي هريرة (¬1) ورواية: مائة امرأة، للبخاري وكذا فقال له الملك ولهما جميعًا فقال له صاحبه، وأخرجه النسائي في الأيمان والنذور. قوله: كلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، هذا قاله على سبيل التمني للخير وقصد به الآخرة، والجهاد في سبيل الله. قوله: "ونسي" ضبطه بعض الأئمة بضم النون وتشديد السين وهو ظاهر حسن، قوله: شق رجل، قيل هو الجسد الذي ذكر الله تعالى أنه ألقى على كرسيه، قوله - صلى الله عليه وسلم - وايم الذي نفسي بيده، فيه جواز اليمين بهذا اللفظ، وهو وأيم الله، واختلف العلماء في ذلك، فقال مالك وأبو حفيفة: هو يمين، وقال أصحابنا: إن نوى به اليمين فهو يمين وإلا فلا، قوله - صلى الله عليه وسلم - لو قال: إن شاء الله لجاهدوا، فيه إن الاستثناء يكون بالقول ولا يكفي فيه النية، وبهذا قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأحمد والعلماء كافة إلا ما حكي عن بعض المالكية أن قياس قول مالك صحة الاستثناء بالنية من غير لفظ، وفي هذا الحديث جواز قول "لو" وقد جاء: ولولا في القرآن والسنة، وترجم البخاري على هذا باب ما يجوز من "لو" وأدخل فيه قول لوط عليه السلام لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: لو كنت راجمًا بغير بينة لرجمت هذه، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، وأمثال هذا، قال بعض العلماء: والذي يفهم من ترجمة البخاري، وما ذكره ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6639)، ومسلم (1654).

في الباب من القرآن والسنة، أنه يجوز استعمال لو، ولولا، فيما يكون للاستقبال، مما امتنع من فعله لامتناع غيره، وهو من باب الممتنع من فعله لوجود غيره، وهو من باب لولا، لأنه لم يدخل في الباب إلا ما هو للاستقبال، أو ما هو حق صحيح متيقين، كحديث: "لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، دون الماضي والمنقضي، أو ما فيه اعتراض على الغيب والقدر السابق، "وقد ثبت في صحيح مسلم" قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، وهذا إذا قاله على جهة الحتم والقطع بالغيب"، أنه لو كان كذا لكان كذا من غير ذكر مشيئة الله تعالى، والنظر إلى سابق قدره، وخفي علمه علينا، فأما من قاله على التسليم ورد الأمر إلى المشيئة فلا كراهة فيه. وأشار بعضهم إلى أن لولا تخالف، والظاهر أنهما سواء، إذا استعملنا فيما لم يحط به الإنسان علمًا، ولا هو داخل تحت مقدوره مما هو تحكم واعتراض على الغيب والقدر كقول المنافقين: {لو أطاعونا ما قتلوا} {ولو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا}. {ولَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} فمثل هذا هو المنهي عنه، وأما هذا الحديث الذي نحن فيه، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن يقين بوحي، أن سليمان لو قال: إن شاء الله، لجاهدوا، إذ ليس هذا مما يدرك بالظن والاجتهاد، وهو نحو قوله - صلى الله عليه وسلم - "لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم" فلا تعارض بين هذا وبين حديث النهي عن لو، ولولا، قال الله تعالى: {لولا كتاب من الله سبق} فكلما يكون من لو ولولا، مما يخبر به الإنسان عن علة امتناعه من فعله مما يكون فعله في قدرته، فلا كراهة فيه، لأنه إخبار حقيقة عن امتناع شيء لسبب شيء، أو حصول شيء لامتناع شيء (¬1). 4599 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كان زكريا نجارًا". ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (11/ 171 - 176).

قلت: رواه مسلم في المناقب وابن ماجه في التجارات من حديث أبي هريرة (¬1) ولم يخرجه البخاري، وفيه جواز الصناعة وأن النجارة لا تسقط المروءة، وأنها صنعة فاضلة، وفي زكريا خمس لغات: المد والقصر وزكرى بالتشديد والتخفيف وزكر كعلم. 4600 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الأولى والآخرة: الأنبياء إخوة من علّات، وأمهاتهم شتّى، ودينهم واحد، وليس بيننا نبيّ". قلت: رواه البخاري في أحاديث الأنبياء ومسلم في المناقب وأبو داود في السنة (¬2). "وإخوة من علات": هو بفتح العين المهملة وتشديد اللام: أي أمهاتهم مختلفة وأبوهم واحد، أراد أن دينهم واحد وشرائعهم مختلفة، وأما الإخوة للأبوين فيقال لهم: أولاد الأعيان، ومعنى أولى الناس بعيسى: أخص به لما ذكره. 4601 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعيه حين يولد، غير عيسى بن مريم، ذهب يطعن، فطعن في الحجاب". قلت: رواه البخاري بهذا اللفظ من حديث أبي هريرة وفي مسلم معناه في المناقب. (¬3) 4602 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء، إلا مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء، كفضل الثريد على سائر الطعام". قلت: رواه البخاري في مواضع منها أحاديث الأنبياء ومسلم والنسائي في المناقب والترمذي وابن ماجه في الأطعمة كلهم من حديث أبي موسى. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2379)، وابن ماجه (2150). (¬2) أخرجه البخاري (3443)، ومسلم (2365). (¬3) أخرجه البخاري (3286)، ومسلم (2431). (¬4) أخرجه البخاري (3411)، ومسلم (2431)، والنسائي في الكبرى (8356) (8381)، وفي المجتبى (7/ 68)، والترمذي (1834)، وابن ماجه (3280).

من الحسان

من الحسان 4603 - قال: قلت: يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: "كان في عماء، ما تحته هواء، وما فوقه هواء، وخلق عرشه على الماء". قال يزيد بن هارون: العماء، أي ليس معه شيء. قلت: رواه الترمذي في التفسير وابن ماجه في السنة كلاهما (¬1) من حديث أبي رزين العقيلي وحسنه الترمذي، وسنده فيه متصل، وليس في رجاله إلا من روى له الشيخان أو مسلم خاصة، إلا وكيع بن عدس العقيلي، قال الذهبي: لا يعرف تفرد عنه يعلى بن عطاء، كذا قال في الميزان، وقال والكاشف: وثق، عدس: بضم العين والدال المهملتين (¬2)، ويزيد بن هارون الذي نقل المصنف عنه هذا التفسير هو شيخ شيخ الترمذي أحد رواة هذا الحديث. قال ابن الأثير (¬3): والعماء بالفتح والمد: هو السحاب. قال أبو عبيد (¬4): لا ندري كيف كان ذلك العماء. وفي رواية "كان في عمى" بالقصر ومعناه ليس معه شيء، وقيل: هو كل أمر لا تدركه عقول بني آدم، ولا يبلغ كنهه الوصف والفطن، ولا بد في قوله "أين كان ربنا؟ " من مضاف محذوف كما حذف في قوله "هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله ونحوه"، فيكون التقدير: "أين كان عرش ربنا؟ ". وقال الأزهري (¬5): نحن ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3109)، وابن ماجه (182) وإسناده ضعيف. (¬2) وكيع بن عُدُس العقيلي: قال الحافظ: مقبول، انظر: التقريب (7465)، انظر قول الذهبي في: الميزان (4/ ت 9355)، والكاشف (2/ 350 رقم 6057)، وذكره ابن حبان في الثقات (5/ 496). (¬3) انظر: النهاية (3/ 304). (¬4) انظر: غريب الحديث (2/ 9). (¬5) انظر: تهذيب اللغة للأزهري (3/ 246). وتتمة كلامه: قال: "قلت أنا: والقول عندي ما قاله أبو عبيد أنه العماء ممدود، وهو السحاب، ولا يدري كيف ذلك العَماء بصفة تحصره ولا نعت يحده، ويقوّي هذا القول قول الله عز وجل: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام} فالغمام معروف في كلام العرب، إلا أنا لا ندري كيف الغمام الذي يأتي الله عز وجل يوم القيامة في ظلل منه، =

نؤمن به ولا نكيفه بصفة أي نجري اللفظ على ما جاء عليه من غير تأويل انتهى كلام ابن الأثير، وهو يقتضي أن ما نقله المصنف عن يزيد بن هارون إنما هو على رواية القصر. 4604 - [زعم] أنه كان جالسًا في البطحاء في عصابة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس فيهم، فمرت سحابة، فنظروا إليها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما تسمون هذه؟ " قالوا: السحاب، قال: "والمزن؟ " [قالوا: والمزن] قال: "والعنان؟ " قالوا: والعنان، قال: "هل تدرون ما بعد ما بين السماء والأرض؟ " قالوا: لا ندري، قال: "إن بعد ما بينهما إما واحدة وإما اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة، والسماء التي فوقها كذلك، حتى عدّ سبع سماوات، ثم فوق السماء السابعة بحر، بين أعلاه وأسفله كما بين سماء إلى سماء، ثم فوق ذلك ثمانية أوعال، بين أظلافهن وركبهن مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم على ظهورهن العرش، بين أسفله وأعلاه ما بين سماء إلى سماء، ثم الله تعالى فوق ذلك". قلت: رواه أبو داود وابن ماجه كلاهما في السنة والترمذي في التفسير ثلاثتهم من حديث العباس بن عبد المطلب، وقال الترمذي: حسن غريب، وروى شريك بعض هذا الحديث عن سماك فوقفه انتهى كلامه (¬1)، قال المنذري (¬2): وفي إسناده الوليد بن أبي ثور: ولا يحتج بحديثه، وضعفه أحمد وغيره، وقال محمد بن عبد الله بن نمير: ليس بشيء، كذاب، فالحديث ضعيف من هذا الطريق، ورواه الإمام أبو بكر بن خزيمة في ¬

كتاب التوحيد (¬1) من غير طريق الوليد ابن أبي ثور وهو قد التزم أنه لا يذكر فيه إلا ما صح من الأحاديث، ولكن في سنده أيضًا عبد الله بن عميرة عن الأحنف، وقال البخاري: لا يعرف له سماع من الأحنف، وعلى تقدير صحته فليس هذا القدر الذي ذكره - صلى الله عليه وسلم - وله حينئذ وأن مسيرة ذلك خمس مائة عام كما جاء في بعض الأحاديث. "والأوعال": تيوس الجبل، واحدها "وعل" بكسر العين أي ثمانية ملائكة على صورة الأوعال (¬2)، ثم الله فوق ذلك: أي حكمه وعظمته فوق العرش (¬3). 4605 - قال: أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعرابي، فقال: جهدت الأنفس، وجاع العيال، ونهكت الأموال، وهلكت الأنعام، فاستسق الله لنا، فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "سبحان الله، سبحان الله" فما زال يسبّح، حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال: "ويحك إنه لا يستشفع بالله على أحد، شأن الله أعظم من ذلك، ويحك أتدري ما الله؟ إن عرشه على سماواته لهكذا -وأشار بأصابعه مثل القبة عليه-، لأنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب". قلت: رواه أبو داود وابن خزيمة في كتاب التوحيد (¬4) كلاهما من حديث جبير بن مطعم، قال الإمام أبو بكر البزار (¬5): هذ الحديث لا نعلمه يروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ¬

_ (¬1) أخرجه ابن خزيمة في التوحيد (1/ 234) رقم (144). (¬2) انظر: النهاية لابن الأثير (5/ 307). (¬3) انظر: كلام ابن القيم حول هذا الحديث في تهذيب سنن أبي داود المطبوع مع المنذري (17/ 91 - 97)، وكذلك عون المعبود (9/ 13). (¬4) أخرجه أبو داود (4726)، وابن خزيمة في التوحيد (1/ 239 - 240) رقم (147) وإسناده ضعيف، وأورد ابن القيم في تهذيب السنن المطبوع مع مختصر المنذري (7/ 95 - 117) المطاعن التي طعن بها هذا الحديث، وأجاب عنها، وحاول تصحيح الحديث، وقال الشيخ الألباني -رحمه الله-: ولا يصح في أطيط العرش حديث. انظر: هداية الرواة (5/ 250). (¬5) انظر: البحر الزخار المعروف بمسند البزار (8/ 356 رقم 3432).

وجه من الوجوه إلا من هذا الوجه، ولم يقل فيه محمد بن إسحاق حدثني يعقوب بن عتبة انتهى كلامه. يشير بذلك إلى أن محمد بن إسحاق مدلس وإذا قال المدلس: عن فلان، ولم يقل: حدثنا أو سمعت أو أخبرنا، لم يحتج بحديثه قال المنذري (¬1): وقد رواه يحيى بن معين وغيره ولم يذكر فيه لفظة "به" وقال الحافظ أبو القاسم الدمشقي (¬2): وقد تفرد به يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس الثقفي عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم القرشي، وليس لهما في صحيح البخاري ولا في صحيح مسلم رواية، وانفرد به محمد بن إسحاق ابن يسار عن يعقوب وابن إسحاق لا يحتج بحديثه، وقد طعن فيه غير واحد من الأئمة، وكذبه جماعة منهم، فقال أبو بكر البيهقي (¬3): والتشبيه بالقبة إنما وقع للعرش وهذا حديث تفرد به محمد بن إسحاق بن يسار عن يعقوب بن عتبة، وصاحبا الصحيح لم يحتجا بهما انتهى كلامه، وقد تأوله الأئمة على تقدير صحته، قال الخطابي (¬4): معنى قوله: "أتدري ما الله". معناه: أتدري ما عظمة الله وجلاله، وأشار إلى أن ظاهر الحديث فيه نوع من الكيفية، والكيفية عن الله وعن صفاته منتفية، وإنما هو كلام تقريب أريد به تقرير عظمة الله وجلاله سبحانه وتعالى تنزه عن الكيف. ومعنى: إنه ليئط به قال ابن الأثير (¬5): يعجز عن حمله (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: مختصر المنذري (7/ 97 - 101). (¬2) وقد صنف الحافظ ابن عساكر -رحمه الله- جزءًا في الطعن في هذا الحديث سماه: "بيان الوهم والتخليط الواقع في حديث الأطيط" كما في البداية والنهاية (1/ 11). (¬3) انظر: الأسماء والصفات للبيهقي (2/ 319). (¬4) انظر: معالم السنن (4/ 302). (¬5) انظر: النهاية (1/ 54). (¬6) قال الذهبي في العلو ص 39: "هذا حديث غريب جدًّا فرد، وابن إسحاق حجة في المغازي إذا أسند وله مناكير وعجائب، والله أعلم أقال النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا أم لا، وأما الله عز وجل فليس كمثله شيء جل =

4606 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش، إن ما بين شحمة أذنيه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام". قلت: رواه أبو داود في السنة من حديث جابر بن عبد الله وسكت عليه أبو داود والمنذري (¬1). 4607 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لجبربل: "هل رأيت ربك؟ "، فانتفض جبريل، وقال: يا محمد إن بيني وبينه سبعين حجابًا من نور، لو دنوت من بعضها لاحترقت. قلت: لم أره في شيء من الكتب الستة ورواه أبو نعيم صاحب الحلية من حديث زرارة (¬2). 4608 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله خلق إسرافيل -منذ يوم خلقه- صافًّا قدميه، لا يرفع بصره، بينه وبين الرب تبارك وتعالى سبعون نورًا، ما منها من نور يدنو منه إلا احترق" (صح). قلت: رواه الترمذي من حديث ابن عباس والبيهقي في شعب الإيمان (¬3) في أوائله في باب الإيمان بالملائكة من حديث عبد الله بن أسامة الكلبي قال: ثنا محمد بن عمران بن أبي ليلى قال: ثنا ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس وذكر حديثًا مطولًا، هذا قطعة منه ثم قال البيهقي: يحتمل أن يريد بينه وبين عرش الرب سبعون نورًا. 4609 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لما خلق الله آدم وذريته، قالت الملائكة: يا رب خلقتهم يأكلون، ويشربون، وينكحون، ويركبون، فاجعل لهم الدنيا ولنا الآخرة، قال الله تعالى: لا أجعل من خلقته بيدي، ونفخت فيه من روحي، كمن قلت له: كن، فكان". قلت: رواه البيهقي في شعب الإيمان من حديث جابر بن عبد الله. (¬4) ¬

_ = جلاله وتقدست أسماؤه ولا إله غيره". وموقفنا من هذا الحديث وأمثاله أننا أمنا بالله على وصف نفسه وعلى ما وصفه رسوله الصادق - صلى الله عليه وسلم -، بدون أي تأويل ولا تكييف. (¬1) أخرجه أبو داود (4727)، انظر: مختصر المنذري (7/ 117). وإسناده صحيح. انظر: الصحيحة (151). (¬2) أخرجه أبو نعيم في الحلية (4/ 80) عن زرارة بن أوفى مرسلًا. (¬3) لم أجده في الترمذي وأخرجه البيهقي في الشعب (157). (¬4) أخرجه البيهقي في الشعب (1/ 172) (149) وإسناده ضعيف.

[كتاب الفضائل والشمائل]

[كتاب الفضائل والشمائل (¬1)] باب فضائل سيد المرسلين صلوات الله عليه وعلى آله أجمعين من الصحاح 4610 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "بعثت من خير قرون بني آدم: قرنًا فقرنًا، حتى كنت من القرن الذي كنت منه". قلت: رواه البخاري في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2) من حديث عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة يرفعه ولم يخرجه مسلم وقد تقدم القول في القرن في باب الأقضية والشهادات. 4611 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم". قلت: رواه مسلم والترمذي في المناقب (¬3) من حديث واثلة بن الأسقع ولم يخرجه البخاري، وقد استدل أصحابنا بهذا الحديث على أن غير قريش من العرب ليس بكفؤ لهم ولا غير بني هاشم كفؤًا لبني هاشم إلا بني المطلب فإنهم هم وبنو هاشم شيء واحد كما صرح به الحديث الصحيح. - ويروى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة". ¬

_ (¬1) لا يوجد عنوان الكتاب في نسختنا، أضفته من هداية الرواة. (¬2) أخرجه البخاري (3557). (¬3) أخرجه مسلم (2276). وانظر: استجلاب ارتقاء العُرف بحب أقرباء الرسول وذوي الشرف للسخاوي (1/ 280) رقم (8).

قلت: هذه الرواية عزاها ابن الأثير إلى الترمذي (¬1) خاصة فذكر الشيخ لها في الصحاح وهم (¬2)، وهذه الرواية لما كانت في الترمذي على شرط مسلم وبرجاله توهم المصنف أنها في مسلم فذكرها في الصحاح. 4612 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع". قلت: رواه مسلم في المناقب من حديث أبي هريرة ورواه أبو داود في السنة (¬3) ولم يقل أبو داود: "يوم القيامة" ولم يخرج البخاري هذا الحديث، قال الهروي (¬4): السيد هو الذي يفوق قومه في الخير، وقال غيره: هو الذي يفزع إليه في النوائب والشدائد فيقوم بأمرهم ويتحمل عنهم مكارههم ويدفعها عنهم، وأما تقييده: بيوم القيامة: مع أنه سيدهم في الدنيا والآخرة فلأن يوم القيامة يظهر السؤدد عيانًا لكل أحد ولا يبقى منازع ولا معاند، وهذا قريب من قوله تعالى: {لمن الملك اليوم لله الواحد القهار} مع أن الملك له سبحانه وتعالى قبل ذلك لكن كان في الدنيا من يدعى الملك أو من يضاف إليه الملك مجازًا فانقطع كل ذلك في الآخرة. وهذا الحديث دليل لفضله - صلى الله عليه وسلم - على الخلق كلهم لأن مذهب أهل السنة أن الآدميين أفضل من الملائكة وهو - صلى الله عليه وسلم - أفضل الآدميين لهذا الحديث وغيره، وأما حديث: "لا تفضلوا بين الأنبياء" فعنه أجوبة (¬5) والله أعلم. 4613 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أنا أكثر الأنبياء تبعًا يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة". قلت: رواه مسلم في الإيمان من حديث أنس ولم يخرجه البخاري. (¬6) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3605). (¬2) انظر: جامع الأصول (8/ 535). (¬3) أخرجه مسلم (2278)، وأبو داود (4673). (¬4) انظر: الغريبين للهروي (3/ 206 - 207). (¬5) انظر: المنهاج للنووي (15/ 54 - 55). (¬6) أخرجه مسلم (196).

4614 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "آتي باب الجنة يوم القيامة، فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت، لا أفتح لأحد قبلك". قلت: رواه مسلم في الإيمان من حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس يرفعه. (¬1) 4615 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، ونحن أول من يدخل الجنة". قلت: رواه مسلم في الإيمان من حديث أبي هريرة (¬2) وبقية الحديث: "بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، فاختلفوا فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق، فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه، هدانا الله له (قال: يوم الجمعة) فاليوم لنا، وغدًا لليهود، وبعد غد للنصارى". وروى البخاري في الصلاة معناه وليس في شيء من طرق البخاري لهذا الحديث: نحن أول من يدخل الجنة، وقد قدمه المصنف في صلاة الجمعة، ونحن الآخرون: يعني في الزمان، الأولون في فصل القضاء يوم القيامة، وقد فسره الحديث الذي بعده. 4616 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة، المقضي لهم قبل الخلائق". قلت: رواه مسلم في الصلاة من حديث أبي هريرة وحذيفة. (¬3) 4617 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أنا أول شفيع في الجنة، لم يصدق نبي من الأنبياء ما صدّقت، وإن من الأنبياء نبيًّا ما صدقه من أمته إلا رجل واحد". قلت: رواه مسلم في الإيمان من حديث أنس ولم يخرجه البخاري. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (197). (¬2) أخرجه مسلم (855). (¬3) أخرجه مسلم (856). (¬4) أخرجه مسلم (196).

4618 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "مثلي ومثل الأنبياء، كمثل قصر أحسن بنيانه، ترك منه موضع لبنة، فطاف به النظار يتعجبون من حسن بنيانه، إلا موضع تلك اللبنة، لا يعيبون سواها، فكنت أنا سددت موضع تلك اللبنة، فتمّ بي البنيان وخُتم بي الرسل". قلت: هذا الحديث رواه الشيخان من حديث أبي هريرة البخاري (¬1) في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - في فضائله - صلى الله عليه وسلم - لكن هذا اللفظ ذكره المصنف بحروفه ليس في الصحيحين ولا في أحدهما، ولا ذكره الإمام عبد الحق في الجمع بين الصحيحين، وقد رواه الشيخان أيضًا من حديث جابر (¬2) ورواه مسلم (¬3) أيضًا من حديث أبي سعيد الخدري ولم يخرج البخاري عن أبي سعيد في هذا شيئًا ولم أر في هذه الروايات كلها: كمثل قصر، بل: كمثل رجل بنى دارًا، وفي بعضها: بنى بيتًا، وفي بعضها: بنيانًا وفي بعضها بيوتًا وأما ذكره القصر فلم أره. 4619 - وفي رواية: "فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين". قلت: رواه الشيخان (¬4). 4620 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما من الأنبياء من نبي، إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيًا أوحى الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة". قلت: رواه الشيخان: البخاري في فضائل القرآن وفي الاعتصام ومسلم في الإيمان والنسائي في التفسير وفي فضائل القرآن كلهم من حديث الليث عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة (¬5) يرفعه. والآيات: المراد بها المعجزات. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3535)، ومسلم (2286). (¬2) من حديث جابر البخاري (3534)، ومسلم (2287). (¬3) أخرجه مسلم (2285). (¬4) أخرجه البخاري (3535)، ومسلم (2286). (¬5) أخرجه البخاري (4981)، ومسلم (152)، والنسائي في الكبرى (2977).

ما مثله آمن عليه البشر، قال النووي (¬1): آمن بالمد وفتح الميم، ومثله: مرفوع، قال: وقد اختلف في معنى الحديث فقيل: إن كل نبي أعطي من المعجزات ما كان مثله لمن كان قبله، فآمن به البشر، وأما معجزتي العظيمة الظاهرة فهي القرآن الذي لم يعط أحد مثله فلهذا أرجو أن أكون أكثرهم تابعًا. 4621 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة". قلت: رواه البخاري في الطهارة وفي الصلاة وفي الخمس ومسلم في الصلاة والنسائي في الطهارة. (¬2) والرعب: الفزع والخوف. قوله - صلى الله عليه وسلم -: وجعلت لي الأرض مسجدًا، قال في شرح السنة (¬3): أراد أن أهل الكتاب لم يبح لهم الصلاة إلا في بيعهم وكنائسهم، وأبيحت لأمته الصلاة حيث كانوا تخفيفًا عليهم. - ويُروى: عن أبي هريرة أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "فضلت على الأنبياء بست: أعطيت بجوامع الكلم"، وذكر هذه الأشياء إلا الشفاعة، وزاد: "وختم بي النبيون". قلت: رواه مسلم (¬4) في الصلاة من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري من حديث أبي هريرة، إلا ما أخرج منه من حديث جابر المتقدم. ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (2/ 245 - 246). (¬2) أخرجه البخاري (335) في التيمم، و (3122) في الجهاد، وفي الصلاة (4380)، ومسلم (521)، والنسائي (1/ 209 - 211). (¬3) انظر: شرح السنة للبغوي (13/ 197). (¬4) أخرجه مسلم (523).

4622 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "بعثت بجوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وبينا أنا نائم، رأيتني أتيت بمفاتيح خزائن الأرض، فوضعت في يدي". قلت: رواه البخاري في التعبير ومسلم في الصلاة كلاهما عنه (أبي هريرة) قال البخاري (¬1): وبلغني أن جوامع الكلم أن الله يجمع الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين أو نحو ذلك انتهى. ومفاتيح خزائن الأرض: هو ما سهل الله تعالى له - صلى الله عليه وسلم - ولأمته من افتتاح البلاد واستخراج كنوزها. 4623 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله زَوَى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإنّ أمتي سيبلغ ملكها ما زُوِي لي منها، وأعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة، وأن لا يسلط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد! إني إذا قضيت قضاءً، فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا أسلط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا، ويسبي بعضهم بعضًا". قلت: رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه كلهم في الفتن من حديث ثوبان ولم يخرجه البخاري. (¬2) وزوى لي الأرض: أي جمعها وقرب أطرافها، وزوى لي منها: قال الخطابي كلامًا حاصله (¬3): أن مِنْ ههنا ليست للتبعيض كما توهمه بعض الناس إنما هي بيانية تقديره: وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي التي هي الأرض. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (7013)، ومسلم (523). (¬2) أخرجه مسلم (2889)، وأبو داود (4252)، والترمذي (2176)، وابن ماجه (3952). (¬3) انظر: معالم السنن (4/ 312).

قال ابن الأثير (¬1): الأحمر: ملك الشام، والأبيض: ملك فارس لبياض ألوانهم، ولأن الغالب على أموالهم الفضة، والغالب على أهل الشام الذهب، وألوانهم الحمرة. وقيل: خزائن كسرى وقيصر لأن الغالب على خزائن كسرى الذهب وقيصر الفضة. والسنة: القحط والجدب، وبيضتهم: مجتمعهم وموضع سلطانهم أي يهلكهم جمعهم، ومعنى لا أهلكهم بسنة عامة: لا أهلكهم بقحط يعمهم بل إن وقع قحط يكون في ناحية يسيرة بالنسبة إلى بلاد الإسلام، فلله الحمد والشكر على جميع نعمه، والضمير في أقطارها راجع إلى الأرض أي: ولو اجتمع عليهم من بجوانب الأرض. قوله: حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا ظاهر، فيقتضي ظاهر هذا الكلام أنه لا يسلط عليهم عدوهم فيستبيحهم إلا إذا كان منهم إهلاك بعضهم لبعض وسبي بعضهم لبعض (¬2). 4624 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بمسجد بني معاوية، دخل فركع فيه ركعتين، وصلينا معه، ودعا ربه طويلًا ثم انصرف، فقال: "سألت ربي ثلاثًا، فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة: سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة، فأعطانيها، وسألته أن لا يُهلك أمتي بالغرق، فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم، فمنعنيها". قلت: رواه مسلم في الفتن من حديث سعد بن أبي وقاص ولم يخرجه البخاري. (¬3) ومعنى: أن لا يهلك أمتي بالغرق لا يهلكهم جميعهم بطوفان كطوفان نوح حتى يغرق جميعهم، قال بعضهم: وهذا فيه بعد، ولعل هذا اللفظ كان: أن لا يهلك أمتي بالعدو فتصحف على بعض الرواة لقرب ما بينهما في اللفظ، ويدل على صحة ذلك أن هذا ¬

_ (¬1) انظر: النهاية (1/ 437 - 438). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (18/ 19 - 20)، ومعالم السنن (4/ 312)، وشرح السنة للبغوي (14/ 216 - 217)، ومختصر المنذري (6/ 138 - 139). (¬3) أخرجه مسلم (2890).

الحديث قد رواه خباب بن الأرت وثوبان وغيرهما وكلهم قال: بدل الغرق، عدوًا من غير أنفسهم والله أعلم. 4625 - قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص قلت: "أخبرني عن صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التوراة، قال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا} وحرزًا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ، ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله، وتفتح بها أعين عمي، وآذان صم، وقلوب غلف". ورواها عطاء، عن ابن سلام. قلت: رواه البخاري في البيوع من حديث عطاء بن يسار عن عبد الله بن عمرو وعبد الله بن سلام، وساقه بلفظه ولم يخرجه مسلم. (¬1) "والحرز": الموضع الحصين، والمعنى: أنا جعلناك موئلًا لأمتك يتحصنون بك من كل رذيلة في الدنيا والأخرى. والفظ: الغليظ القلب السيء الخلق، والغليظ: الضخم الكريه الخلق. والسخاب: بالسين المهملة والخاء المعجمة وبالباء الموحدة بعد الألف هو الذي يكثر الصياح. والملة العوجاء: قال في النهاية (¬2): هي ملة إبراهيم عليه السلام التي غيرتها العرب عن استقامتها. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2125). (¬2) انظر: النهاية (3/ 315).

من الحسان

من الحسان 4626 - قال: صلّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنا صلاة فأطالها، قالوا: يا رسول الله! صليت صلاة لم تكن تصليها؟! قال: "أجل، إنها صلاة رغبة ورهبة، إني سألت الله فيها ثلاثًا، فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدة: سألته أن لا يهلك أمتي بسنة، فأعطانيها، وسألته أن لا يسلط عليهم عدوًا من غيرهم، فأعطانيها، وسألته أن لا يذيق بعضهم بأس بعض، فمنعنيها". قلت: رواه الترمذي في الفتن والنسائي في الصلاة كلاهما عن خباب ابن الأرت وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬1) 4627 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله عز وجل أجاركم من ثلاث خلال: أن لا يدعو عليكم نبيكم، فتهلكوا جميعًا، وأن لا يظهر أهل الباطل على أهل الحق، وأن لا تجتمعوا على ضلالة". قلت: رواه أبو داود في الفتن من حديث أبي مالك الأشعري (¬2) واسمه: عبيد وقيل: عمرو، وقيل: كعب، وقيل: الحارث، وفي إسناده: محمد بن إسماعيل بن عياش الحمصي عن أبيه قال أبو حاتم الرازي: لم يسمع من أبيه شيئًا، حملوه على أن يحدث عنه فحدث انتهى. قال المنذري (¬3): وأبو إسماعيل بن عياش تكلم فيه غير واحد. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2175)، والنسائي (3/ 217) وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه أبو داود (4253) وإسناده ضعيف. ومحمد بن إسماعيل بن عياش: قال الحافظ: عابوا عليه أنه حدّث عن أبيه بغير سماع، وقال أبو داود: رأيته ولم يكن بذاك. انظر: الكاشف (2/ 158 رقم 4726)، والتقريب (5772)، وانظر: الجرح والتعديل (7/ ت 1078)، وميزان الاعتدال (3/ ت 7225). وانظر الضعيفة (1510). (¬3) انظر: مختصر المنذري (6/ 139 - 140).

4628 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لن يَجمع الله على هذه الأمة سيفين: سيفًا منها، وسيفًا من عدوّها". قلت: رواه أبو داود في الملاحم من حديث عوف بن مالك (¬1) وفي سنده إسماعيل بن عياش وقد تقدم الكلام فيه، في الحديث الذي قبله، وقال الإمام أحمد: ما روى عن الشاميين صحيح، وما روى عن الحجازيين فغير صحيح (¬2)، وهذا الحديث شامي الإسناد. 4629 - أنه جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكأنه سمع شيئًا، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر، فقال: "من أنا؟ "، فقالوا: أنت رسول الله، قال: "أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، إن الله خلق الخلق، فجعلني في خيرهم، ثم جعلهم فرقتين، فجعلني في خيرهم فرقة، ثم جعلهم قبائل، فجعلني في خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتًا، فجعلني في خيرهم بيتًا، فأنا خيرهم نفسًا، وأنا خيرهم بيتًا". قلت: رواه الترمذي في المناقب من حديث العباس وقال: حديث حسن انتهى (¬3) وفي سنده: يزيد بن أبي زياد، قال الذهبي: روى له مسلم مقرونًا وهو عالم صدوق رديء الحفظ ولم يترك (¬4). 4630 - قال: قالوا: يا رسول الله متى وجبت لك النبوة؟ قال: "وآدم بين الروح والجسد". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4301) وإسناده صحيح. (¬2) انظر: تهذيب الكمال (3/ 163 - 181)، وانظر: بحر الدم فيمن تكلم فيه الإمام أحمد بمدح أو ذم لابن عبد الهادي (ص: 72 رقم 82)، وميزان الاعتدال (1/ 240). (¬3) أخرجه الترمذي (3607) (3608) وهو حديث صحيح. انظر: هداية الرواة (5/ 260). (¬4) قال الحافظ: ضعيف، كبر فتغيّر وصار يتلقن، وكان شيعيًّا، انظر: التقريب (7768) وقول الذهبي في الكاشف (2/ 382 رقم 6305).

قلت: رواه الترمذي في السافر من حديث أبي هريرة وقال: حسن غريب انتهى (¬1) ورجاله رجال مسلم ورواه الإمام أحمد من حديث ميسرة الفجر قال: قلت: يا رسول الله متى كنت نبيًّا؟ قال: "وآدم بين الروح والجسد" ورواه أيضًا من حديث حماد عن خالد الحذاء عن عبد الله بن شقيق عن رجل، قال: قلت: يا رسول الله متى جعلت نبيًّا؟ ... فذكره. ورواه عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب "الرد على الجهمية" من حديث هشيم عن خالد الحذاء عن عبد الله بن شقيق عن أبي الجدعاء قال رجل: يا رسول الله متى كنت؟ به .. وقد قال الترمذي: لا يعرف لابن أبي الجدعاء إلا حديث واحد فذكر حديث: يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم، كما تقدم (¬2). 4631 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إني عند الله مكتوب خاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل في طينته، وسأخبركم بأول أمري: دعوة إبراهيم، وبشارة عيسى، ورؤيا أمي التي رأت -حين وضعتني- وقد خرج لها نور أضاءت لها منه قصور الشام". قلت: رواه الإمام أحمد عن أبي العلاء وهو الحسن بن سوار، أنبأنا الليث، عن سعيد بن سويد عن عبد الأعلى بن هلال عن العرباض بن سارية يرفعه، ورواه الحاكم في المستدرك (¬3) في باب أخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي اليمان قال: حدثنا أبو بكر بن أبي مريم عن سعيد ابن سويد عن العرباض بن سارية قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إني ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3609) وإسناده صحيح. (¬2) وأخرجه أحمد (5/ 59) من رواية ميسرة الفجر، و (5/ 379) من رواية عبد الله بن شقيق عن رجل ولم يسمه، قال الحافظ في الإصابة (6/ 239) في ترجمة ميسرة الفجر: وقد قيل أنه عبد الله بن أبي الجدعاء وميسرة لقبه. وانظر: الصحيحة (1856). (¬3) أخرجه أحمد (4/ 127، 128)، والحاكم (2/ 600). وفي إسناده سعيد بن سويد الكلبي روى عنه اثنان، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال البخاري: لم يصح حديثه، فذكر الحافظ في ترجمته في التعجيل أنه يريد هذا الحديث، وقال: وخالفه ابن حبان (6404)، والحاكم فصححاه. وانظر: التاريخ الكبير (6/ 68 - 69)، والطبراني في الكبير (18/ ت 629).

عند الله في أول الكتاب خاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل في طينته وسأنبئكم بتأويل ذلك دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى قومه، ورؤيا أمي التي رأت أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام" قال الحاكم: صحيح. قال الذهبي (¬1): أبو بكر ضعيف. قوله - صلى الله عليه وسلم -: وإن آدم لمنجدل في طينته، هو بضم الميم وسكون النون وفتح الجيم وكسر الدال المهملة أي ملقى على الجدالة: بفتح الجيم وهي وجه الأرض ودعوة إبراهيم، هي حكاية عن إبراهيم عليه السلام {ربنا وابعث فيهم رسولًا منهم يتلوا عليهم آياتك} وبشارة عيسى هي قوله تعالى حكاية عنه {ومبشرًا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد} (¬2). 4632 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنا سيد ولد يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ -آدم فمن سواه- إلا تحت لوائي، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر". قلت: رواه الترمذي في المناقب (¬3) واللواء: الراية ولا يمسكها إلا صاحب الجيش يريد به انفراده - صلى الله عليه وسلم - بالحمد يوم القيامة، وشهرته على رؤوس الخلائق، والعرب تضع اللواء وضع الشهرة، وأراد - صلى الله عليه وسلم - بهذا الإخبار عما أكرمه الله تعالى من الفضل والسؤدد وتحدثًا بنعمة الله تعالى عنده، وإعلامًا لأمته ليكون إيمانهم به على حسب ما رفعه الله به، ولهذا أتبعه بقوله: "ولا فخر"، والفخر: ادعاء العظمة والكبر والشرف أي لا أقوله تبجحًا ولكن شكرًا لله تعالى وتحدثًا بنعمه. ¬

_ (¬1) قاله في تلخيص المستدرك (2/ 601)، وأبو بكر هو: ابن عبد الله بن أبي مريم الغساني، الشامي، قال الحافظ: ضعيف، وكان قد سُرق بيته فاختلط. انظر: التقريب (8031). (¬2) انظر: شرح السنة للبغوي (13/ 207 رقم 3626). (¬3) أخرجه الترمذي (3148) وحسنه.

4633 - قال: جلس ناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فخرج، فسمعهم يتذاكرون، قال بعضهم: إن الله اتخذ إبراهيم خليلًا، وقال آخر: موسى كلمه الله تكليمًا، وقال آخر: فعيسى كلمة الله وروحه، وقال آخر: آدم اصطفاه الله، فخرج عليهم وسلّم وقال: "قد سمعت كلامكم وعجبكم أن إبراهيم خليل الله، وهو كذلك، وموسى نجي الله، وهو كذلك، وعيسى روحه وكلمته، وهو كذلك، وآدم اصطفاه الله، وهو كذلك، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة، -تحته آدم فمن دونه- ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفّع يوم القيامة، ولا فخر، وأنا أول من يحرك حلق الجنة، فيفتح الله لي فيُدخلنيها، ومعي فقراء المهاجرين ولا فخر، وأنا أكرم الأولين والآخرين على الله ولا فخر". قلت: رواه الترمذي في المناقب، والدارمي في أوائل مسنده (¬1) في باب ما أعطي النبي - صلى الله عليه وسلم - من الفضل، وقال الترمذي: غريب انتهى، وفي سندهما: سلمة بن وهرام ضعفه أبو داود، وفيه: زمعة بن صالح ضعفه أحمد، وقرنه مسلم بآخر. 4634 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "نحن الآخرون، ونحن السابقون يوم القيامة، وإني قائل قولًا -غير فخر-: إبراهيم خليل الله، وموسى صفي الله، وأنا حبيب الله، ومعي لواء الحمد يوم القيامة، وإن الله وعدني في أمتي وأجارهم من ثلاث: لا يعمّهم بسَنة، ولا يستأصلهم عدو، ولا يجمعهم على ضلالة". قلت: رواه الدارمي في أوائل كتابه من حديث عمرو بن قيس ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3616)، وقال: هذا حديث غريب، والدارمي (1/ 195) وإسناده ضعيف. سلمة بن وهرام: قال الحافظ: صدوق، انظر: التقريب (2528)، وزمعة بن صالح الجنَدي: قال الحافظ: ضعيف، وحديثه عند مسلم مقرون، انظر: التقريب (2046).

ورجال سنده وثقهم جمهور المحدثين. (¬1) 4635 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أنا قائد المرسلين ولا فخر، وأنا خاتم النبيين ولا فخر، وأنا أول شافع ومشفّع ولا فخر". قلت: رواه الدارمي (¬2) أيضًا عن عبد الله بن عبد الحكم المصري عن بكر ابن مضر عن جعفر بن ربيعة، عن صالح هو: ابن عطاء بن خباب مولى بني الدئل، عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله يرفعه، وعبد الله ابن عبد الحكم، قال الذهبي (¬3): ثقة، وبكر روى له الجماعة وكذلك جعفر. 4636 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنا أول الناس خروجًا إذا بعثوا، وأنا قائدهم إذا وفدوا، وأنا خطيبهم إذا أنصتوا، وأنا مستشفعهم إذا حبسوا، وأنا مبشرّهم إذا أيسوا، الكرامة والمفاتيح يومئذ بيدي، ولواء الحمد يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم على ربي، يطوف عليّ ألف خادم، كأنهن بيض مكنون، أو لؤلؤ منثور". (غريب). ¬

_ (¬1) أخرجه الدارمي (1/ 200) وفي إسناده عبد الله بن صالح وهو صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابه وكانت فيه غفلة، انظر: التقريب (3409)، ثم إن عمرو بن قيس هو أبو ثور الشامي تابعي، توفي في سنة (140)، وله (100) عام فهو مرسل. انظر: البداية والنهاية (6/ 270). (¬2) أخرجه الدارمي (1/ 196 - 197) فيه صالح بن عطاء بن خباب. ترجم له البخاري في تاريخه الكبير (4/ 286) ولم يورد فيه جرحًا ولا تعديلًا وأخرج هذا الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات (6/ 455)، وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/ 254) ونسبه إلى الطبراني في الأوسط، وقال:. "وفيه صالح بن عطاء بن خباب، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات". (¬3) قاله الذهبي في الكاشف (1/ 567)، وقال الحافظ: صدوق، أنكر عليه ابن معين شيئًا، انظر: التقريب (3444). وبكر بن مضر، قال الحافظ: ثقة ثبت، انظر: التقريب (759)، وجعفر بن ربيعة كذلك ثقة، انظر: التقريب (946).

قلت: رواه الترمذي في مناقبه - صلى الله عليه وسلم - من حديث أنس (¬1) إلى قوله: "أنا أكرم الخلائق على ربي، ولا فخر"، ولم يذكر الزيادة بعده، ورواه الدارمي في أوائل مسنده بهذه الزيادة لكن لم أر في نسخة سماعنا. قوله: "ولواء الحمد يومئذ بيدي" وسند الدارمي جيد، وسند الترمذي فيه الحسين بن يريد: لينه أبو حاتم (¬2). 4637 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فَأُكْسَى حلة من حلل الجنة، ثم أقوم عن يمين العرش، ليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام غيري". قلت: رواه الترمذي في المناقب وقال: حسن غريب انتهى وفيه الحسين ابن يزيد تقدم في الحديث قبله. (¬3) 4638 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "سلوا الله لي الوسيلة"، قالوا: يا رسول الله! وما الوسيلة؟ قال: "أعلى درجة في الجنة، لا ينالها إلا رجل واحد، وأرجو أن أكون أنا هو". قلت: رواه الترمذي في المناقب من حديث كعب عن أبي هريرة وقال: غريب، إسناده ليس بالقوي، وكعب ليس هو بمعروف، ولا نعلم أحدًا روى عنه غير ليث بن أبي سليم. (¬4) 4639 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كان يوم القيامة، كنت إمام النبيين وخطيبهم، وصاحب شفاعتهم غير فخر". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3610)، وقال: حديث حسن غريب، والدارمي (1/ 196) وإسناده ضعيف. (¬2) بل في مسند الدارمي ليث بن أبي سليم وهو ضعيف، وفي سند الترمذي: إضافة إلى الليث فيه الحسن بن يزيد وهو لين الحديث، انظر: التقريب (1370). (¬3) أخرجه الترمذي (3611) وإسناده ضعيف. (¬4) أخرجه الترمذي (3612) وإسناده ضعيف، فيه ليث بن أبي سليم.

قلت: رواه الترمذي في المناقب من حديث ابن أبي كعب، وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل: احتج به أحمد، ولينه أبو حاتم. (¬1) 4640 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن لكل نبي ولاة من النبيين، وإن وليي أبي وخليل ربي، ثم قرأ: {إن أولى الناس بإبراهيم للدين اتبعوه وهذا النبي} ". قلت: رواه الترمذي في التفسير في سورة آل عمران من حديث عبد الله بن مسعود. (¬2) 4641 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله تعالى بعثني لتمام مكارم الأخلاق، وكمال محاسن الأفعال". قلت: رواه المصنف مسندًا في شرح السنة (¬3) من حديث داهر بن نوح ثنا محمد بن إبراهيم نا يوسف بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر يرفعه، وروى الإمام أحمد مثل معناه من حديث القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة يرفعه. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3613) وإسناده حسن، ابن عقيل فيه كلام ينزل حديثه عن رتبة الصحيح. قال الحافظ: صدوق في حديثه لين، ويقال تغيّر بآخره، انظر: التقريب (3617)، وقد صححه الحاكم (1/ 71، 4/ 78) ووافقه الذهبي. (¬2) أخرجه الترمذي (2995) وقد روى عند الترمذي عن أبي الضحى عن مسروق عن ابن مسعود وقال ابن أبي حاتم في العلل (2/ 63): أن أباه وأبا زرعة قالا في زيادة مسروق في إسناد هذا الحديث: هذا خطأ رواه المتقنون من أصحاب الثوري عن الثوري عن أبيه عن أبي الضحى عن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بلا مسروق وكذا رجح الترمذي الإسناد المنقطع كما مر. ومن خلال ما روي منقطعًا وموصولًا فظهر أن الذين رووه منقطعًا أثبت في سفيان من غيرهم وأكثر ولذا رجح أبو زرعة وأبو حاتم والترمذي الرواية المنقطعة، وأخرجه الحاكم (2/ 292) وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وأبو الضحى هو: مسلم بن صبيح، وهو ثقة. (¬3) أخرجه البغوي (13/ 202) رقم (3622) (3623) عن جابر وإسناده ضعيف. انظر: الضعيفة (2087). وأحمد أخرج معناه (2/ 381) من رواية أبي هريرة وإسناد أحمد: صحيح. وصححه الحاكم (2/ 613) ووافقه الذهبي. وفي سند البغوي: يوسف بن محمد بن المنكدر وهو ضعيف، انظر: التقريب (7938).

4642 - عن كعب الأحبار يحكي عن التوراة، قال: "نجد مكتوبًا: محمد رسول الله: عبدي المختار، لا فظ، ولا غليظ، ولا سخاب بالأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر مولده بمكة، وهجرته بطيبة، وملكه بالشام، وأمته الحمّادون، يحمدون الله في السراء، والضراء، يحمدون الله في كل منزلة، ويكبّرونه على كل شرف، رعاة للشمس، يصلون الصلاة إذا جاء وقتها، يتأزرون على أنصافهم، ويتوضؤون على أطرافهم، مناديهم ينادي في جو السماء، صفهم في القتال وصفهم في الصلاة سواء، لهم بالليل دوي كدوي النحل". قلت: رواه الدارمي بتغيير يسير من حديث كعب. (¬1) ومعنى رعاة للشمس: حفاظ لأوقاتها يراقبون طلوع الشمس وغروبها ودلوكها. 4643 - قال: "مكتوب في التوراة: صفة محمد وعيسى بن مريم -عليهما السلام-: يدفن معه". قيل: قد بقي في البيت موضع قبره. قلت: رواه الترمذي في المناقب من حديث عبد الله بن سلام وقال: حسن غريب انتهى، وفيه: عثمان بن الضحاك قال الذهبي: فيه ضعف. (¬2) قوله: قد بقي في البيت موضع قبر: هو من كلام أبي مودود المدني أحد رواة هذا الحديث. ¬

_ (¬1) أخرجه الدارمي (1/ 5 - 6)، والبغوي في شرح السنة (13/ 210) رقم (3628). (¬2) أخرجه الترمذي (3617) وإسناده ضعيف. قاله في الكاشف (2/ 8) رقم (3705). وقال الحافظ: ضعيف، انظر: التقريب (4513).

باب أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم - وصفاته

باب أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم - وصفاته من الصحاح 4644 - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي: الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر: الذي يُحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب". والعاقب: الذي ليس بعده نبي. قلت: رواه البخاري في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومسلم في فضائله - صلى الله عليه وسلم - والترمذي في المناقب والنسائي في التفسير كلهم من حديث جبير (¬1) ولم يفسر البخاري: العاقب، وله - صلى الله عليه وسلم - أسماء أخر ذكر أبو بكر بن العربي المالكي في كتاب الأحوذي في شرح الترمذي عن بعضهم أن الله تعالى القاسم والنبي - صلى الله عليه وسلم - القاسم أيضًا، ذكر منها على التفصيل بضعًا وستين، قال أهل اللغة: يقال: رجل محمد ومحمود إذا كثرت خصاله المحمودة، قال ابن فارس وغيره (¬2): وبه سمي نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - محمدًا وأحمد أي ألهم الله تعالى أهله أن يسموه محمدًا لما علموا من جميل صفاته. قوله - صلى الله عليه وسلم -: وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، قال العلماء: المراد محو الكفر عن مكة والمدينة وسائر بلاد العرب، وما زوي له - صلى الله عليه وسلم - من الأرض ووعد، أن يبلغه ملك أمته، قالوا ويحتمل أن المراد المحو العام بمعنى الظهور بالحجة والغلبة، كما قال الله تعالى: {ليظهره على الدين كله}. وقدمي: بتخفيف الياء وتشديدها أي يحشرون على أثر زمان نبوتي ليس بعدي نبي (¬3). والعاقب: قد فسره في الحديث والمقفي قيل هو بمعنى العاقب، وقيل: المتبع للأنبياء. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3532)، ومسلم (2354)، والترمذي (2840)، والنسائي في الكبرى (11590). (¬2) انظر: مجمل اللغة لأحمد بن فارس (1/ 250). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (15/ 152 - 154).

4645 - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسمي لنا نفسه أسماء، فقال: "أنا محمد، وأحمد، والمقفي، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرحمة". قلت: رواه مسلم في فضله (¬1) - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي موسى الأشعري ذكره الحميدي (¬2) فيما انفرد به مسلم، ومعنى التوبة ونبي الرحمة: أنه جاء - صلى الله عليه وسلم - بالتوبة وبالتراحم قال تعالى: {رحماء بينهم} وقال تعالى: {وتواصو بالمرحمة} قال العلماء: وإنما اقتصر - صلى الله عليه وسلم - على هذه الأسماء، وإن كان له أسماء غيرها كما سبق لأنها موجودة في الكتب المتقدمة، وموجودة للأمم السالفة. 4646 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم، يشتمون مذمّمًا، ويلعنون مذمّمًا، وأنا محمد". قلت: رواه البخاري في أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكره في كتاب البيوع (¬3) في باب ما يكره من السخب في الأسواق من حديث سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ولم يخرجه [مسلم]. 4647 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "سموا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي، فإني إنما جعلت قاسمًا أقسم بينكم". قلت: رواه البخاري في الخمس وفي الأدب ومسلم في الاستئذان من حديث سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله. (¬4) 4648 - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد شَمِط مقدّم رأسه ولحيته، وكان إذا ادهن، لم يتبين، وإذا شعث رأسه، تبيّن، وكان كثير شعر اللحية، فقال رجل: وجهه مثل ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2355). (¬2) انظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (1/ 320 رقم 487). (¬3) أخرجه البخاري (3533). (¬4) أخرجه البخاري في الخمس (3114)، وفي الأدب (6187)، ومسلم (2133).

السيف؟، قال: لا، بل كان مثل الشمس والقمر، وكان مستديرًا، ورأيت الخاتم عند كتفه مثل بيضة الحمامة، يشبه جسده". قلت: رواه مسلم في المناقب من حديث جابر بن سمرة ولم يخرجه البخاري. (¬1) وشمط: بكسر الميم أي ابتدأ به الشيب. 4649 - قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأكلت معه خبزًا ولحمًا، -أو قال: ثريدًا- ثم درت خلفه، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه عند ناغِض كتفه اليسرى، جمعًا عليه خيلان، كأمثال الثآليل. قلت: رواه مسلم في المناقب من حديث عبد الله بن سرجس ولم يخرج البخاري هذا الحديث ولا ذكر في الخاتم إلا قوله: "مثل زر الحجلة" ولا أخرج عن عبد الله بن سرجس في كتابه شيئًا. (¬2) وناغض كتفيه: بالنون والغين والضاد المعجمتين والغين مكسورة، هو أعلى الكتف، وقيل: هو العظم الرقيق الذي على طرفه. وجُمعًا: بضم الجيم وإسكان الميم، يريد مثل الجمع وهو أن يجمع الأصابع ويضمها. وخيلان: بكسر الخاء المعجمة وإسكان الياء جمع خال وهو الشامة في الجسد (¬3). والثآليل: جمع ثُؤْلُول وهو هذه الحَبَّة التي تظهر في الجِلد كالحمَّصة فما دونها. 4650 - قال: نظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه مثل زِرّ الحَجَلة. قلت: رواه البخاري في الطهارة وفي صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي الطب وفي الدعوات ومسلم في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - والترمذي في المناقب ثلاثتهم من حديث السائب بن يزيد. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2344). (¬2) أخرجه مسلم (2346). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (15/ 144). (¬4) أخرجه البخاري في الوضوء (190)، وفي الطب (5670)، ومسلم (2345)، والترمذي (3643).

وزر الحَجَلة: بزاي ثم راء والحجلة: بفتح الحاء والجيم هذا هو الصحيح المشهور والمراد بالحجلة واحدة الحجال الحجلة وهو بَيْت من ثياب كالقُبَّة لها أزْرَارٌ كبَارٌ، وعري هذا هو الصواب وقيل: المراد الطائر المعروف وزرها: بيضها (¬1). 4651 - قالت: أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بثياب فيها خميصة سوداء صغيرة، فقال: "ائتوني بأم خالد" فأتي بها تحمل، فأخذ الخميصة بيده فألبسها، قال: "أبلي وأخلقي، ثم أبلي وأخلقي، ثم أبلي وأخلقي"، وكان فيها علم أخضر أو أصفر، فقال: "يا أم خالد هذا سناه"، وهي بالحبشية: حسن. قالت: فذهبت ألعب بخاتم النبوة، فزبرني أبي، فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دعها". قلت: رواه البخاري في اللباس وفي هجرة الحبشة وفي الجهاد وفي الأدب وأبو داود في اللباس كلاهما من حديث أم خالد واسمها: أمة بنت خالد بن سعيد بن العاص. (¬2) والخميصة: بالخاء المعجمة والصاد المهملة: كساء أسود مربع له علمان. 4652 - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، وليس بالأبيض الأمهق ولا بالآدم، وليس بالجعد القطط، ولا بالسبط، بعثه الله على رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشر سنين، وبالمدينة عشر سنين، وتوفاه الله على رأس ستين سنة، وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء. قلت: رواه البخاري في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي اللباس ومسلم والترمذي كلاهما في المناقب والنسائي في الزينة من حديث أنس بن مالك. (¬3) والطويل الباين: بالباء الموحدة والألف والياء المثناة من تحت والنون، هو زائد الطول. ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (15/ 143). (¬2) أخرجه البخاري في الجهاد (3071)، وفي اللباس (5823)، وفي الأدب (5993)، وأبو داود (4024). (¬3) أخرجه البخاري في المناقب (3548)، وفي اللباس (5900)، ومسلم (2347)، والترمذي (3623)، والنسائي في الكبرى (9310).

والأمهق: بالهمز، الذي بياضه كلون الجص وهو بياض كريه. والقطط: بفتح القاف والطاء الأولى الشديد الجعودة (¬1). والسبط المسترسل: أي كان شعره - صلى الله عليه وسلم - وسطًا وسيأتي في باب المبعث ذكر عمره. 4653 - وفي رواية عن أنس، يصف النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كان ربعة من القوم، ليس بالطويل، ولا بالقصير، أزهر اللون". قلت: قال ابن الأثير في جامع الأصول (¬2): رواه الشيخان، وما قاله الظاهر أنه وهم فإنني تفحصت عن قول أنس: كان ربعة من القوم ... ، فلم أقف عليها في مسلم بل هي رواية البخاري، وباقي هذه الرواية في الصحيحين. (¬3) ولذلك قال الإمام عبد الحق: إن رواية: كان ربعة من القوم، من زيادات البخاري على مسلم ونسب بقية الرواية للشيخين، والصواب أن هذه الرواية ليست للبخاري دون مسلم لما فيها من هذه الزيادة، وسيأتي في حديث البراء الثابت في الصحيحين: كان - صلى الله عليه وسلم - مربوعًا ... والأزهر: هو المستنير. 4654 - قال: كان شعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أنصاف أذنيه. قلت: رواه مسلم في المناقب من حديث ابن علية عن حميد عن أنس وليس في البخاري: إلى أنصاف أذنيه. (¬4) - وفي رواية: "بين أذنيه وعاتقه". قلت: رواها البخاري في اللباس ومسلم في المناقب من حديث قتادة عن أنس. (¬5) ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (15/ 146). (¬2) انظر: جامع الأصول (11/ 228) رقم (8785). (¬3) أخرجه البخاري (3547). (¬4) أخرجه مسلم (2338). (¬5) أخرجه البخاري (5905)، ومسلم (2338).

4655 - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضخم الرأس والقدمين، لم أر بعده ولا قبله مثله، وكان بسط الكفين. قلت: رواه البخاري في اللباس (¬1) من حديث جرير بن حازم عن قتادة عن أنس، وبسط الكفين: قال في الشارق (¬2): الأكثر أنها بفتح الباء الموحدة وسكون السين المهملة. ولبعضهم سبط الكفين: يعني بالباء بعد السين قال: وشك المروزي فقال: لا أدري سبط أو بسط والكل صحيح المعنى، لأنه روي شثن الكفين أي غليظهما وهذا يدل على سعتهما وكبرهما، وروي سائل الأطراف وهذا موافق لمعنى بسط انتهى كلامه. - وفي رواية: كان شثن القدمين والكفين. قلت: رواه البخاري في اللباس ولم يصل به سنده (¬3) فإنه قال: وقال هشام عن معمر عن قتادة عن أنس: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شثن القدمين والكفين، هكذا قال عبد الحق، والصواب أنه مسند متصل وقد تقدم التنبيه على ذلك (¬4). وشتن الكفين: بالشين والتاء المعجمتين أي أنهما يميلان إلى الغلظ والقصر، وقيل: هو الذي في أنامله غلظ بلا قصر، ويحمد ذلك في الرجال، لأنه أشد لقبضهم ويذم في النساء. 4656 - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مربوعًا بعيد ما بين المنكبين، له شعر بلغ شحمة أذنيه، رأيته في حلة حمراء، لم أر شيئًا قط أحسن منه. قلت: رواه البخاري في صفته - صلى الله عليه وسلم - في المناقب. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5907) (5910). (¬2) انظر: مشارق الأنوار (1/ 101). (¬3) أخرجه البخاري في اللباس تعليقًا (5910). (¬4) انظر: تغليق التعليق على صحيح البخاري (5/ 74 - 75)، فتح الباري (1/ 359)، وهدي الساري (ص: 61). (¬5) أخرجه البخاري (3551).

ومربوع: وربعة بمعنى واحد وقد تقدم في رواية أنس. - وفي رواية عنه قال: ما رأيت من ذي لمة أحسن في حُلّة حمراء من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، شعره يضرب منكبيه، بعيد ما بين المنكبين، ليس بالطويل ولا بالقصير. قلت: رواه مسلم في المناقب (¬1) وذكره البخاري ولم يصل سنده، كذا نبه عليه عبد الحق، ورواه أبو داود في الترجل والترمذي في اللباس والنسائي في الزينةكلهم من حديث البراء بن عازب. واللمة: بالكسر الشعر يجاوز شحمة الأذن، فإذا بلغت المنكبين فهي جمة، والجمع لمم ولمام قاله الجوهري (¬2). وقال غيره: اللمة هي التي ألمت بالمنكبين، وهذا التفسير أقرب إلى الحديث فإنه قال فيه: شعره يضرب منكبيه وعلى ما فسره الجوهري تكون اللمة هي التي تجاور شحمة الأذن وهي ما بين الأذن والعاتق وما خلفه هو الذي يضرب منكبه (¬3). 4657 - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضليع الفم، أشكل العين، منهوش العقبين، قيل لسماك: ما ضليع الفم؟ قال: عظيم الفم، قيل: ما منهوش العقبين؟ قال: قليل لحم العقب، قيل: ما أشكل العين؟ قال: طويل شق العين. قلت: رواه مسلم في المناقب ولم يخرجه البخاري، ورواه الترمذي ولم يذكر "طويل الفم" ولا تفسير ذلك، كلاهما من حديث سماك عن جابر ابن سمرة. (¬4) وضليع: أي عظيمه وقيل: واسعه، والعرب تحمد عظم الفم. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3551)، ومسلم (2337)، وابو داود (4184)، والترمذي (3635)، والنسائي (8/ 183). (¬2) انظر: الصحاح للجوهري (5/ 2032). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (15/ 133). (¬4) أخرجه مسلم (2339) وروى الترمذي بعضه (3646).

وأشكل العين: قد فسره سماك في الحديث، وقال القاضي (¬1): هذا وهم من سماك باتفاق العلماء، وغلط ظاهر، وصوابه ما اتفق عليه العلماء وجميع أصحاب الغريب أنها حمرة في بياض العينين وهو محمود. والشهلة: بالهاء حمرة في سواد العين. والمنهوس: بالسين المهملة، قال النووي (¬2): هكذا ضبطه الجمهور. وقال ابن الأثير (¬3): بالمهملة والمعجمة وهما متقاربان ومعناه مفسر من قول سماك. 4658 - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كان أبيض مليحًا مقصدًا. قلت: رواه مسلم في صفته - صلى الله عليه وسلم - وأبو داود في الأدب والترمذي في الشمائل (¬4) قال مسلم بن الحجاج في الصحيح: مات أبو الطفيل سنة مائة وكان آخر من مات من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يخرج البخاري عن أبي الطفيل في كتابه شيئًا. والمقصد: بفتح الصاد المشددة، الذي ليس بطويل ولا قصير ولا جسيم. 4659 - سئل أنس عن خضاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: "إنه لم يبلغ ما يخضب، لو شئت أن أعُدَّ شمطاته في لحيته". قلت: رواه البخاري في اللباس (¬5) من حديث حماد بن زيد عن ثابت سئل أنس؟ .. والشمطات: الشعرات البيض التي كانت في لحيته - صلى الله عليه وسلم - يريد به قلتها. - وفي رواية: لو شئت أن أعد شمطات كن في رأسه لفعلت. قلت: رواه الشيخان البخاري في الهجرة ومسلم في المناقب وقال البخاري: في لحيته، بدل: رأسه (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: إكمال المعلم (7/ 306 - 307)، والمنهاج للنووي (15/ 136). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (15/ 136). (¬3) انظر: النهاية (5/ 136 - 137)، وجامع الأصول (11/ 230). (¬4) أخرجه مسلم (2340)، وأبو داود (4864)، والترمذي في الشمائل (14). (¬5) أخرجه البخاري (5895). (¬6) أخرجه البخاري (5894)، ومسلم (2341).

- وفي رواية: إنما كان البياض في عنفقته وفي الصُّدغين، وفي الرأس نبذ. قلت: رواه مسلم من حديث أنس ورواه البخاري (¬1) أيضًا ولم يذكر: العنفقة من حديث أنس، ولا ذكر النبذ، والنبذ: شيء اليسير أي في صدغيه وفي رأسه شيء يسير من البياض - صلى الله عليه وسلم - وقد ضبط بالوجهين أحدهما: ضم النون وفتح الباء الموحدة والثاني: فتح النون وإسكان الباء والذال المعجمة ليس إلا (¬2). 4660 - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أزهر اللون، كأن عرقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفأ، وما مسست ديباجة ولا حريرة ألين من كفّ رسول الله ولا شممت مسكًا ولا عنبرًا أطيب من رائحة النبي - صلى الله عليه وسلم -. قلت: رواه الشيخان البخاري في [(¬3) صفته]- صلى الله عليه وسلم - ومسلم في المناقب واللفظ له (¬4) والبخاري بمعناه، ولم يذكر البخاري: إذا مشى تكفأ ولا قال: كأن عرقه اللؤلؤ وتكفأ: بالهمز تمايل يمينًا وشمالًا وقد يترك الهمز. قال الأزهري (¬5): والصواب [أنه] يميل إلى قدام لأن الميل إلى اليمين والشمال صفة المختال. قال القاضي (¬6): المذموم من التمايل إلى اليمين والشمال إذا كان يتصنع أما إذا كان خلقة وجبلة فليس بمذموم. ومسست: بكسر السين الأولى وكذلك شممت بكسر الميم الأولى على المشهور وحكي فتحها. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2341). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (15/ 140). (¬3) بياض في الأصل واستدركته من البخاري. (¬4) أخرجه مسلم (2330)، والبخاري بمعناه (3561). (¬5) انظر: تهذيب اللغة للأزهري (10/ 390). (¬6) انظر: إكمال المعلم (7/ 295 - 296).

4661 - عن أم سُليم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأتيها فيقيل عندها، فتبسُط نِطَعًا فيقيل عليه، وكان كثير العرق، فكانت تجمع عرقه، فتجعله في الطيب، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا أم سليم! ما هذا؟ "، قالت: عرقك، نجعله في طيبنا، وهو من أطيب الطيب. قلت: رواه مسلم في الفتن (¬1) في حديثين أحدهما بهذا اللفظ إلى قوله: قالت: عرقك. وزاد مسلم به أدوف به طيبي، والحديث الثاني عن أنس بمعناه، وقالت في آخره قالت: هذا عرقك نجعله في طيبنا وهو من أطيب الطيب، فجمع المصنف بينهما وقد ذكر الحميدي (¬2) حديث أم سليم هذا فيما انفرد به مسلم وذكر الحميدي أيضًا في مسند أنس في الحديث الخامس والستين بعد المائة (¬3) أن البخاري روى عن ثمامة عن أنس أن أم سليم كانت تبسط للنبي - صلى الله عليه وسلم - نطعًا، فيقيل عندها على ذلك النطع، فإذا قام النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذت من عرقه وشعره، فجمعته في قارورة، ثم جعلته في سُكّ قال: فلما حضر أنس بن مالك الوفاة أوصى أن يجعل في حنوطه من ذلك السّك قال: فجُعل في حنوطه. انتهى كلام الحميدي وهذا الحديث الذي أشار إليه رواه البخاري في الاستئذان (¬4). - وفي رواية: قالت: يا رسول الله! نرجو بركته لصبياننا، قال: "أصبت". قلت: رواه الشيخان في الاستئذان ومسلم في الفضائل. (¬5) 4662 - قال: صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة الأولى، ثم خرج إلى أهله وخرجت، معه فاستقبله ولدان، فجعل يمسح خدَّيْ أحدهم واحدًا واحدًا، وأما أنا فمسح خدّيّ، فوجدت ليده بردًا أو ريحًا، كأنما أخرجها من جؤنة عطار. قلت: رواه مسلم في المناقب قال عبد الحق: تفرد مسلم بهذا الحديث. (¬6) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6281)، ومسلم (2331) (2332). (¬2) انظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (4/ 293). (¬3) انظر: المصدر السابق (2/ 609). (¬4) أخرجه البخاري (6281). (¬5) أخرجه البخاري في الاستئذان (6281)، ومسلم (2331). (¬6) أخرجه مسلم (2329).

من الحسان

قوله صلى الأولى قال النووي: يعني الظهر. "الجونة" بضم الجيم وبهمزة بعدها ويجوز ترك الهمز بقلبها واوًا كما في نظائرها. وقال الجوهري (¬1): هي بالواو وقد تهمز وهي السقط التي فيه متاع العطار، وقال: صاحب العين (¬2): هي سليلة مستديرة مغشاة بالأدم. من الحسان 4663 - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس بالطويل، ولا بالقصير، ضخم الرأس واللحية، ششن الكفين والقدمين، مشرب حمرة، ضخم الكراديس، طويل المسربة، إذا مشى تكفأ تكفؤًا، كأنما ينحط من صبب، لم أر قبله ولا بعده مثله - صلى الله عليه وسلم - (صح). قلت: رواه الترمذي في المناقب وقال: حسن صحيح. (¬3) وضخم الكراديس: هي رؤوس العظام واحدها كردوس، وقيل: هي ملتقى كل عظمين، والمسربة: سيأتي في الحديث بعده. 4664 - كان إذا وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لم يكن بالطويل الممغّط ولا القصير المتردد، كان ربعة من القوم، ولم يكن بالجعد القطط، ولا بالسبط، كان جعدًا رجلًا، ولم يكن بالمطهم، ولا بالمكلثم، وكان في الوجه تدوير، أبيض مشرب، أدعج العينين، أهدب الأشفار، جليل المشاش والكَتَد، أجرد ذو مسربة، ششن الكفين والقدمين، إذا مشى يتقلع كأنما يمشي في صبب، وإذا التفت التفت معًا، بين كتفيه خاتم النبوة وهو ¬

_ (¬1) انظر: الصحاح للجوهري (5/ 2096). (¬2) انظر: كتاب العين (6/ 186). (¬3) أخرجه الترمذي (3637)، وفي إسناده المسعودي وهو: عبد الرحمن بن عبد الله الكوفي، قال الحافظ: صدوق، اختلط قبل موته، وضابطه: أن من سمع منه ببغداد فبعد الاختلاط. انظر: التقريب (3944) لكنه قوى لغيره انظر: السلسلة الصحيحة (2053). وقد صوّب الدارقطني رواية الترمذي في العلل (3/ 120) فراجعه.

خاتم النبيين، أجود الناس كفًّا، وأرحبهم صدرًا، وأصدق الناس لهجة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشيرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله - صلى الله عليه وسلم -. قلت: رواه الترمذي في المناقب، وقال: هذا حديث ليس إسناده بمتصل (¬1)، قال أبو جعفر محمد بن الحسين بن أبي حليمة (¬2): سمعت الأصمعي يقول في تفسير صفة النبي - صلى الله عليه وسلم -: الممغّط: المذاهب طولًا، وسمعت أعرابيًّا يقول: تمغّط في نُشّابته أي مدها مدًّا شديدًا، والمتردد: الداخل بعضه في بعض قصرًا، وأما القطط: فالشديد الجُعُودة، والرجل الذي في شعره جحونة يعني [ينحني] قليلًا، وأما المطهّم: فالبادن الكثير اللحم، وأما المكلثم: فالمدور الوجه، وأما المشرب: فهو الذي في بياضه حمرة، والأدعج: الشديد سواد العين، والأهدب: الطويل الأشفار، والكتد: مجتمع الكتفين، وهو الكاهل، والمسربة: هو الشعر الدقيق الذي هو كأنه قضيب من الصدر إلى السرة، والشثن: الغليظ الأصابع من الكفين والقدمين، والتقلع: أن يمشي بقوة، والصبب: الحُدُور، نقول: انحدرنا من صبوب وصبب، وقوله: جليل المشاش: يريد رؤوس المناكب والعشرة: الصحبة، والعشير: الصاحب، والبديهة: المفاجأة، يقال: بدهْتُه بأمر: أي فجأته. انتهى كلام الترمذي. والممغط: بتشديد الميم الثانية بعدهما غين معجمة ثم طاء مهملة. والكته: بفتح التاء المثناة فوق وكسرها. والأجْرَد الذي ليس على بَدَنه شَعَر، ولم يكن - صلى الله عليه وسلم - كذلك، وإنَّما أراد به أنّ الشَّعَر كان في أماكن من بدنه، كالمسْرُبة، والساعِدَين، والسَّاَقين، فإنّ ضِدّ الأجْرَد الأشْعرُ، وهو الذي على جميع بدَنه شَعَرٌ. ومنه حديث: أهل الجنة جُرْد مُرْد. كذا قاله ابن الأثير (¬3). واللهجة: اللسان. والعريكة: الطبيعة. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3638)، وإسناده ضعيف. انظر: شرح السنة للبغوي (3650). (¬2) وهذا شيخ الإمام الترمذي -رحمهما الله-. (¬3) انظر: النهاية لابن الأثير (1/ 256).

4665 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسلك طريقًا فيتبعه أحد، إلا عرف أنه قد سلكه من طيب عرقه. قلت: رواه الدارمي في أوائل مسنده في باب حسن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مالك بن إسمعيل ثنا إسحاق بن الفضل بن عبد الرحمن الهاشمي أنبأنا المغيرة بن عطية عن أبي الزبير عن جابر وساقه. (¬1) 4666 - قيل للربّيع بنت معوذ بن عفراء: صفي لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالت: يا بُنّي لو رأيته، رأيت الشمس طالعة. قلت: رواه الدارمي في أوائل مسنده والبيهقي في شعب الإيمان (¬2) في الباب الرابع من شعب الإيمان في حسنه - صلى الله عليه وسلم - كلاهما من حديث إبراهيم بن المنذر الحزامي ثنا عبد الله بن موسى ثنا أسامة بن زيد عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال: قلت: للربيع بنت معوذ وساقه. والربيع: بضم الراء المهملة وفتح الباء الوحدة وتشديد الياء آخر الحروف وبالعين المهملة ومعوذ: بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد الواو وبالذال المعجمة. 4667 - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ليلة إضحيان، فجعلت أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإلى القمر، وعليه حلة حمراء، فإذا هو أحسن عندي من القمر. ¬

_ (¬1) أخرجه الدارمي (1/ 208)، وإسناده فيه إسحاق بن الفضل لم يذكر فيه ابن أبي حاتم (7/ 227) جرحًا ولا تعديلًا. ولا البخاري في تاريخه (1/ 399) وقد ذكر هذا الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات (8/ 108). (¬2) أخرجه الدارمي (1/ 204)، والبيهقي في الشعب (1420)، والطبراني في الكبير (24/ 472) برقم (696)، وانظر: مجمع البحرين (3563). وفي إسناده عبد الله بن موسى التيمي قال الحافظ: "صدوق كثير الخطأ" انظر: التقريب (3670). وفيه: أسامة بن زيد الليثي قال الحافظ: صدوق يهم، انظر: التقريب (319). ولكن للحديث شواهد كثيرة من حديث جابر بن سمرة.

قلت: رواه الترمذي في الاستئذان في الرخصة في لبس الحمرة وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الأشعث عن أبي إسحاق عن جابر وروى شعبة والثوري عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب. (¬1) قال: وسألت البخاري قلت له: حديث أبي إسحاق عن البراء أصح أو حديث جابر بن سمرة؟ فرأى كلا الحديثين صحيحًا انتهى كلام الترمذي. ورواه النسائي في الزينة من طريق الأشعث عن أبي إسحاق عن جابر ابن سمرة وقال: هذا خطأ، وأشعث بن سوار ضعيف، والصواب عن البراء انتهى. (¬2) وأشعث بن سوار أخرج له مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه. (¬3) قوله: في ليلة إضحيان، بكسر الهمزة وسكون الضاد المعجمة وكسر الحاء المهملة وبالياء آخر الحروف ثم بالألف والنون قال في المحكم: ليلة ضحياء وضحناء وضحيانة وإضحيان وإضحيانة: مضيئة لا غيم فيها، وخص بعضهم بها الليلة التي يكون القصر فيها من أولها إلى آخرها (¬4). 4668 - قال: ما رأيت شيئًا أحسن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كأن الشمس تجري في وجهه، وما رأيت أحدًا أسرع في مشيه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأن الأرض تطوى له، إنا لنجهد أنفسنا، وإنّه لغير مكترث. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2811)، والطبراني في الكبير (2/ 206)، وأبو الشيخ في أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - ص (107)، والحاكم (4/ 186). وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. (¬2) أخرجه النسائي في الكبرى (9562)، وأشعث بن سوار أكثر علماء الحديث على تضعيفه وقال الحافظ: ضعيف، انظر: التقريب (528)، لذلك وأخرج له مسلم في المتابعات. (¬3) قلت: يريد حديث أبي إسحاق عن البراء وقد صححها البخاري كما تقدم. (¬4) انظر: النهاية لابن الأثير (3/ 78)، وجامع الأصول (10/ 669).

باب في أخلاقه وشمائله - صلى الله عليه وسلم -

قلت: رواه الترمذي في المناقب وقال: غريب انتهى (¬1) وفي سنده ابن لهيعة وقد تقدم، وجوز في "نجهد" ضم النون وفتحها يقال: جهد دابته وأجهدها إذا حمل عليها فوق طاقتها، قوله: وإنه لغير مكترث: أي غير مبالٍ ولا تستعمل إلا في النفي أما في الإثبات فشاذ. 4669 - قال: كان في ساقَيْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حُمُوشة، وكان لا يضحك إلا تبسمًا، وكنت إذا نظرت إليه، قلت: أكحل العينين، وليس بأكحل. (صح). قلت: رواه الترمذي في المناقب عن سماك عن جابر وقال: حسن غريب صحيح (¬2). والحموشة: بالحاء المضمومة والشين المعجمة: الدقة. باب في أخلاقه وشمائله - صلى الله عليه وسلم - من الصحاح 4670 - قال: خدمت النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين، فما قال لي: أف، ولا: لم صنعت؟ ولا: ألا صنعت؟. قلت: رواه البخاري في الأدب ومسلم في المناقب والترمذي في البر والصلة وفي الشمائل من حديث أنس (¬3). "وأف": فيها عشر لغات: أف بضم الفاء وفتحها وكسرها بلا تنوين وبالتنوين فهي ست، وأف: بضم الهمزة وإسكان الفاء، وإف بكسر الهمزة وفتح الفاء، وأفى وأفه: ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3648) وفي إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف وقد توبع كما في الشمائل المحمدية (115). (¬2) أخرجه الترمذي (3645) وإسناده فيه عنعنة الحجاج بن أرطأة، وهو مدلس. وأخرجه الحاكم (2/ 606) وصححه، لكن رده الذهبي بقوله: "قلت: حجاج بين الحديث". وانظر: هداية الرواة (5/ 277). (¬3) أخرجه البخاري (6038)، ومسلم (2309)، والترمذي (2015)، وفي الشمائل (345).

بضم همزتيهما، وأصل الأف والتف: وسخ الأظفار، ويستعمل في كلما يستقذر، وهي اسم فعل يستعمل في الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث. قوله: عشر سنين، وفي بعض الروايات تسع سنين فمعناه تسع سنين وأشهر، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام بالمدينة عشر سنين تحديدًا لا تزيد ولا تنقص، وخدمه أنس في أثناء السنة الأولى، فمن روى العشر حسب الكسر بسنة، ومن روى التسع لم يحسب الكسر بل حسب بالسنين الكوامل (¬1). 4671 - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أحسن الناس خلقًا، فأرسلني يومًا لحاجة، فقلت: والله لا أذهب، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فخرجت حتى أمرّ على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قبض بقفاي من ورائي، قال: فنظرت إليه وهو يضحك، فقال: "يا أنيس ذهبت حيث أمرتك؟ " قلت: نعم، أنا أذهب يا رسول الله. قلت: رواه مسلم في المناقب من حديث أنس ولم يخرجه البخاري. (¬2) قال القرطبي (¬3): وهذا القول صدر عن أنس في حال صغره، وعدم كمال تمييزه، إذ لا يصدر مثله ممن كمل تمييزه، وذلك أنه حلف بالله على الامتناع من فعل ما أمره به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشافهة، وهو عازم على فعله، فجمع بين مخالفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين الإخبار بامتناعه، والحلف بالله على نفي ذلك مع العزم على أنه يفعله، وفيه ما فيه، ومع ذلك فلم يلتفت النبي - صلى الله عليه وسلم - لشيء من ذلك، ولا عرّج عليه ولا أدّبه. بل: داعبه، وأخذ بقفاه، وهو يضحك رفقًا به، واستلطافًا له، ثم قال: "يا أنيس ذهبت حيث أمرتك؟ " وهذا كله بمقتضى خلقه الكريم واحتماله العظيم. ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (15/ 101 - 102). (¬2) أخرجه مسلم (2310). (¬3) انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي (6/ 103 - 104).

4672 - قال: كنت أمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه بُرْد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجبذه بردائه جبذة شديدة، رجع نبي الله في نحر الأعرابي، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم ضحك، ثم أمر له بعطاء. قلت: رواه البخاري في الخمس ومسلم في الزكاة ورواه ابن ماجه في اللباس. (¬1) ونجراني: منسوب إلى نجران موضع معروف بين الحجاز والشام واليمن كذا قاله ابن الأثير (¬2) "فجبذه" الجذب والجبذ معناهما واحد. 4673 - قال: كان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق الناس قبل الصوت، فاستقبلهم النبي - صلى الله عليه وسلم - قد سبق الناس إلى الصوت، وهو يقول: "لم تراعوا، لم تراعوا"، وهو على فرس لأبي طلحة عُري، ما عليه سرج، في عنقه سيف، فقال: "لقد وجدته بحرًا". قلت: رواه البخاري في الجهاد ومسلم في فضائل النبي - صلى الله عليه وسلم - ومسلم أيضًا وابن ماجه في الجهاد والنسائي في السير. (¬3) والفزع: المراد به هنا الاستغاثة، والروع: الفزع، وفي رواية: "لن تراعوا" فيكون خبرًا في معنى النهي، وقيل: في رواية "لم تراعوا" بمعنى لا. قال البغوي: وتضع العرب "لم" و "لن" بمعنى لا، قوله: على فرس لأبي طلحة عري يقال: فرس عري وخيل أعرا ولا يقال: رجل عري وإنما يقال: عريان، قاله في شرح السنة (¬4). قوله: ما عليه سرج هو بيان لعري. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لقد وجدناه بحرًا" أي واسع الجري. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3149)، ومسلم (2307)، وابن ماجه (3553). (¬2) انظر: النهاية لابن الأثير (5/ 21). (¬3) أخرجه البخاري (2909)، ومسلم (2307)، وابن ماجه (2772)، والنسائي في الكبرى (8829). (¬4) انظر: شرح السنة (13/ 252).

4674 - قال: ما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا قط، فقال: لا. قلت: رواه الشيخان من حديث ابن المنكدر عن جابر بن عبد الله، البخاري في الأدب ومسلم في فضائل النبي - صلى الله عليه وسلم - والترمذي في الشمائل. (¬1) وقط: فيها لغات: قط وقط بفتح القاف وضمها مع تشديد الطاء الضمومة، وقط بفتح القاف وكسر الطاء المشددة، وقط بفتح القاف وإسكان الطاء وقط بفتح القاف وكسر الطاء المخففة وهي لتوكيد نفي الماضي (¬2). 4675 - أن رجلًا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - غنمًا بين جبلين، فأعطاه إياه، فأتى قومه، فقال: أي قوم أسلموا، فوالله إن محمدًا ليعطي عطاء ما يخاف الفقر. قلت: رواه مسلم في الفضائل عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس ولم يخرج البخاري (¬3) هذا الحديث، والظاهر أن هذا العطاء منه - صلى الله عليه وسلم - كان يوم حنين لكثرة ما هنالك من غنائم الإبل والغنم، ولأن هذا الذي أعطى هذا القدر كان من المؤلفة قلوبهم ألا ترى أنه رجع إلى قومه فدعاهم إلى الإسلام لأجل العطاء. 4676 - بينما هو يسير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقفله من حنين، فعلقت الأعراب يسألونه، حتى اضطروه إلى سمرة، فخطفت رداءه، فوقف النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "أعطوني ردائي، لو كان لي عدد هذه العضاه نعم، لقسمته بينكم، ثم لا تجدونني بخيلًا ولا كذوبًا ولا جبانًا". قلت: رواه البخاري في الجهاد عن محمد بن جبير عن أبيه ولم يخرجه مسلم. (¬4) قوله: "فعلقت الأعراب" هو بكسر اللام أي تمسكوا به ولزموه، والسمرة: واحدة السمر هو ضرب من شجر الطلح. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6034)، ومسلم (2311). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (15/ 101 - 102). (¬3) أخرجه مسلم (2312). (¬4) أخرجه البخاري (2821).

والعضاه: شجرة أم غيلان وقيل: له شوك عظيم. 4677 - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الغداة، جاء خدم المدينة بآنيتهم فيها الماء، فما يأتون بإناء، إلا غمس يده فيها، فربما جاؤوا في الغداة الباردة فيغمس يده فيها. قلت: رواه مسلم في المناقب (¬1) من حديث أنس ولم يخرجه البخاري وكانوا يفعلون ذلك للتبرك به - صلى الله عليه وسلم -. 4678 - قال: كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتنطلق به حيث شاءت. قلت: رواه البخاري في الأدب عن حميد عن أنس ولم يخرجه مسلم. (¬2) 4679 - أن امرأة كانت في عقلها شيء، فقالت: يا رسول الله إن لي إليك حاجة، فقال: "يا أم فلان انظري أي السكك شئت حتى أقضي لك حاجتك". فخلا معها في بعض الطرق، حتى فرغت من حاجتها. قلت: رواه مسلم في المناقب من حديث حميد عن أنس ولم يخرجه البخاري. (¬3) 4680 - قال: لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاحشًا، ولا لعانًا ولا سبّابًا، كان يقول عند المعتبة: ما له ترب جبينه؟. قلت: رواه البخاري من حديث أنس (¬4) ورواه أيضًا في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومسلم في المناقب كلاهما من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - فاحشًا ولا متفحشًا ولم يذكر باقيه "وترب جبينه" قيل: أراد به الدعاء بكثرة السجود، وهو حسن لكنه بعيد، والظاهر أنه كقوله: تربت يداك، وقد تقدم أنها كلمة جرت على ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2324). (¬2) أخرجه البخاري (6072). (¬3) أخرجه مسلم (2326). (¬4) أخرجه البخاري (6031) (6046) ومن حديث ابن عمرو وأخرجه البخاري (3559)، ومسلم (2321).

لسان العرب ولم يرد - صلى الله عليه وسلم - بذلك الدعاء عليه، وأصل الفحش الزيادة والخروج عن الحد، قال الطبري: والفاحش: البذيء. 4681 - قال: قيل يا رسول الله! ادع على المشركين، قال: "إني لم أبعث لعانًا، وإنما بعثت رحمة". قلت: رواه مسلم في الأدب من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬1) 4682 - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أشد حياء من العذراء في خِدرها، فإذا رأى شيئًا يكرهه، عرفناه في وجهه. قلت: رواه الشيخان: البخاري في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي الأدب ومسلم في فضائله - صلى الله عليه وسلم - والترمذي في الشمائل وابن ماجه في الزهد كلهم عن أبي سعيد الخدري. (¬2) والعذراء: بالعين المهملة المفتوحة والذال المعجمة والمد، هي البكر لأن عذرتها باقية وهي جلدة البكارة. والخدر: بكسر الخاء المعجمة، ستر يجعل للبكر في جنب البيت، ومعنى عرفنا الكراهة في وجهه: أي لا يتكلم به لحيائه بل يتغير وجهه فنفهم نحن كراهته. 4683 - قالت: ما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - مستجمعًا قط ضاحكًا، حتى أرى منه لهواته، إنما كان يتبسّم. قلت: رواه البخاري في التفسير ومسلم (¬3) في الاستسقاء لمناسبة بقية الحديث وهو كان إذا رأى غيمًا أو ريحًا عرف ذلك في وجهه، وأبو داود في الأدب. والمستجمع: المجد في الشيء القاصد له. واللهوات: جمع لهاة وهي اللحمة الحمراء المعلقة في أعلى الحنك قاله الأصمعي. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2599). (¬2) أخرجه البخاري (6092)، ومسلم (2320)، والترمذي (358) في الشمائل، وابن ماجه (4180). (¬3) أخرجه البخاري (4828)، ومسلم (899).

4684 - قالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يسرد الحديث كسردكم، كان يحدث حديثًا، لو عده العاد لأحصاه. قلت: هذا الحديث قد روى القطعة الأولى منه وهي: لم يكن يسرد الحديث كسردكم، البخاري ومسلم وأبو داود (¬1) أما البخاري فغير متصل، قال فيه: وقال الليث: حدثني يونس عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة، ومسلم في فضائل أبي هريرة وأبو داود في العلم، وبقية الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود، البخاري في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومسلم في آخر الكتاب وأبو داود في العلم كذا وقفت عليه، ولهذا المصنف في شرح السنة (¬2) روى القطعة الأخيرة عن الشيخين، والقطعة الأولى روى معناها من طريق الترمذي. 4685 - سئلت عائشة رضي الله عنها ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصنع في ديته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله -تعني: خدمة أهله- فإذا حضرت الصلاة، خرج إلى الصلاة. قلت: رواه البخاري في الصلاة والترمذي في الزهد، والسائل لعائشة: الأسود بن يزيد. (¬3) 4686 - قالت: ما خُيّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين قط، إلا أخذ أيسرهما، ما لم يكون إنّما، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه في شيء قط، إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها. قلت: رواه الشيخان وأبو داود، أما البخاري: ففي صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي الأدب ومسلم في الفضائل وأبو داود في الأدب مختصرًا وسنده: مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة، ومالك في الموطأ (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3567)، ومسلم (2493)، وأبو داود (3654). (¬2) انظر: شرح السنة (13/ 255 - 256) رقم (3694) و (3696). (¬3) أخرجه البخاري (676)، والترمذي (2489). (¬4) أخرجه البخاري (6126)، ومسلم (2327)، والترمذي في الشمائل (350)، وأبو داود (4785)، ومالك في الموطأ (2/ 903).

وفي هذا الاستحباب للأخذ بالأيسر والأرفق ما لم يكن حرامًا أو مكروهًا. قال عياض (¬1): ويحتمل أن يكون تخييره - صلى الله عليه وسلم - هنا من الله تعالى فيخيره فيما فيه عقوبتان أو فيما بينه وبين الكفار عن القتال وأخذ الجزية أو في حق أمته من المجاهدة في العبادة أو الاقتصاد وكان يختار الأيسر في كل هذا. قال: وأما قولها: "ما لم يكن إثمًا" فيتصور إذا خيره الكفار والمنافقون، فأما إذا كان التخيير من الله تعالى أو من المسلمين فيكون الاستثناء منقطعًا. قولها: إلا أن تنتهك حرمة الله، استثناء منقطع، معناه: لكن إذا انتهكت حرمة الله انتصر لله تعالى وانتقم ممن ارتكب ذلك. وفي هذا الحديث الحث على الحلم والعفو واحتمال الأذى، والانتصار لدين الله ممن فعل محرمًا أو نحوه (¬2). 4687 - قالت: ما ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله تعالى، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله. قلت: رواه مسلم في الفضائل والنسائي في عشرة النساء وابن ماجه في النكاح ولم يخرجه البخاري. (¬3) ومعنى "وما نيل" وما أصيب بأذى من قول أو فعل، وفي الحديث أن ضرب الزوجة والخادم وإن كان مباحًا للتأديب فتركه أولى. ¬

_ (¬1) انظر: إكمال المعلم (7/ 291). (¬2) انظر: إكمال المعلم (7/ 291 - 293). (¬3) أخرجه مسلم (2328)، والنسائي في الكبرى (9163) وابن ماجه (1984).

من الحسان

من الحسان 4688 - قال: خدمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا ابن ثمان سنين، خدمته عشر سنين، فما لامني على شيء قط أتي فيه على يديّ، فإن لامني لائم من أهله، قال: "دعوه، فإنه لو قُضي شيء كان". قلت: رواه البيهقي في شعب الإيمان في الباب الرابع في حسنه - صلى الله عليه وسلم - من حديث أنس ورواه ابن حبان (¬1) مختصرًا، ولفظه: خدمت النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين فما بعثني في حاجة لم تتهيأ إلا قال: لو قضي لكان أو لو قدر لكان. 4689 - قالت: لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاحشًا، ولا متفحشًا، ولا سخابًا في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح. قلت: رواه الترمذي في البر والشمائل وقال: حسن صحيح (¬2). ولا سخابًا: السَّخب والصَّخَب: بمعنى الصياح (¬3). 4690 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان يعود المريض، ويتبع الجنازة، ويجيب دعوة المملوك، ويركب الحمار، لقد رأيته يوم خيبر على حمار خطامه ليف. قلت: رواه الترمذي في الشمائل في باب تواضعه - صلى الله عليه وسلم - وأبو القاسم عبد الله ابن محمد البغوي وأبو بكر البيهقي في دلائل النبوة في شمائله وأخلاقه - صلى الله عليه وسلم - كلهم من حديث مسلم أبي عبد الله الأعور عن أنس (¬4) "ومسلم الأعور" قال الذهبي: واه. ¬

_ (¬1) أخرجه ابن حبان (1816)، والبيهقي في الشعب (8070)، وأحمد (3/ 230). وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه الترمذي في السنن (2016)، وفي الشمائل (340)، وأحمد (6/ 236)، وإسناده صحيح. (¬3) انظر: النهاية (2/ 349). (¬4) أخرجه الترمذي (332) في الشمائل، وفي السنن (1017) وقال: هذا الحديث لا نعرفه إلا من حديث مسلم عن أنس ومسلم الأعور يضعف، وابن ماجه (4178)، والحاكم (2/ 466) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (1/ 471) رقم (873)، والبيهقي في دلائل النبوة (1/ 330)، والبغوي في شرح السنة (13/ 241) رقم (3673). ومسلم بن كيسان الضبي =

4691 - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته. قلت: رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه والبيهقي في دلائل النبوة والمصنف في شرح السنة كلهم من حديث عروة عن عائشة. (¬1) ويخصف نعله: أي يطبق طاقة على طاقة، وأصل الخصف: الضم والجمع. ومنه قوله تعالى: {وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة} أي يطبقان ورقة ورقة على بدنهما (¬2). 4692 - وقالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشرًا من البشر، يفلي ثوبه، ويحلب شاته ويخدم نفسه. قلت: رواه الترمذي في الشمائل في تواضعه - صلى الله عليه وسلم - عن البخاري، وابن حبان في صحيحه والبيهقي في دلائل النبوة كلهم من حديث عائشة. (¬3) 4693 - قيل لزيد بن ثابت: حدثنا أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: كنت جاره، فكان إذا نزل عليه الوحي، بعث إلي فكتبته له، وكان إذا ذكرنا الدنيا ذكرها معنا وإذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا، فكل هذا أحدثكم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ = الأعور قال الحافظ: ضعيف، = = انظر: التقريب (6685)، وقول الذهبي في الكاشف (2/ 260) رقم (5426). وإسناده ضعيف. (¬1) أخرجه الترمذي في الشمائل (343)، وصححه ابن حبان (2133)، والبغوي (3675)، والبيهقي في الدلائل (1/ 328). (¬2) انظر: شرح السنة (13/ 243). (¬3) أخرجه الترمذي في الشمائل (343)، وابن حبان في صحيحه (2136)، والبيهقي في الدلائل (1/ 328).

قلت: رواه الترمذي في الشمائل عن عباس الدوري (¬1) عن القري عن ليث بن سعد، حدثني أبو عثمان الوليد بن أبي الوليد عن سليمان بن خارجة بن زيد ثابت عن أبيه خارجة قيل لزيد بن ثابت .. وساقه. 4694 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صافح الرجل، لم ينزع يده حتى يكون هو الذي ينزع يده، ولا يصرف وجهه عن وجهه، حتى يكون هو الذي يصرف وجهه عن وجهه، ولم يُر مقدمًا ركبتيه بين يدي جليس له. قلت: رواه الترمذي في الزهد وابن ماجه في الأدب والبيهقي في دلائل النبوة في ذكر شمائل النبي (¬2) - صلى الله عليه وسلم - وأخلاقه، كلهم من حديث زيد العمي عن أنس، وزيد العمي قاضي هراة قال الذهبي: فيه ضعف، ويجوز أن يكون تقديم الركبتين كناية عن مد الرجلين أي لا يمد رجليه بحضرة جليسه. 4695 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يدخر شيئًا لغد. قلت: رواه الترمذي في الزهد بسند جيد (¬3) وهو عن قتيبة بن سعيد عن جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس وقال: غريب، قال: وقد روي هذا عن جعفر عن ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسل. 4696 - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طويل الصمت. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في الشمائل (336)، وكذلك البيهقي في دلائل النبوة (1/ 324)، والطبراني في الكبير (5/ 154 رقم 4882). وإسناده ضعيف. فيه الوليد ابن أبي الوليد وهو بين الحديث انظر: التقريب (7514)، وفيه كذلك سليمان بن خارجة وهو مقبول، انظر: التقريب (2563). (¬2) أخرجه الترمذي (2490)، وابن ماجه (3716)، والبيهقي في الدلائل (1/ 320). وزيد ابن الحواري العمي، البصري، قال الحافظ: ضعيف، انظر: التقريب (2143)، وقول الذهبي في الكاشف (1/ 416 رقم 1732). (¬3) أخرجه الترمذي (2362) وإسناده جيد. وانظر: مختصر الشمائل للشيخ الألباني (304).

قلت: رواه المصنف في شرح السنة من حديث أبي القاسم البغوي عن علي بن الجعد عن قيس بن الربيع عن سماك بن حرب عن جابر ورواه البيهقي في دلائل النبوة في حديث (¬1) طويل من حديث وائل بن أبي هالة وقال فيه: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - طويل السكوت. 4697 - قال: كان في كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترتيل وترسيل. قلت: رواه أبو داود في الأدب وفي سنده مسعر بن كدام سمعت شيخًا من المسجد يقول سمعت جابرًا، والشيخ: مجهول. (¬2) قال ابن الأثير (¬3): ترسل القراءة التأني فيها والتمهل، وتبيين الحروف والحركات ويقال: ترسل الرجل في كلامه ومشيه إذا لم يعجل والترسيل والترسل سواء. 4698 - قالت: ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسرد سردكم هذا، ولكنه كان يتكلم بكلام بينه فصل، يحفظه من جلس إليه. قلت: رواه الترمذي في المناقب وقال: حسن صحيح. (¬4) ومعناه: ما كان يتابع الكلام ويستعجل فيه وهو قريب من معنى الحديث الذي قبله، وانتصب "سردكم" على أنه مفعول مطلق نوعي أي: مثل سردكم. 4699 - قال: ما رأيت أحدًا أكثر تبسمًا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قلت: رواه الترمذي في المناقب عن عبد الله بن الحارث وفي سنده: عبد الله ابن لهيعة، ورواه أحمد أيضًا وفي لفظ له "ما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - قط إلا مبتسمًا". (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو القاسم البغوي في مسند علي بن الجعد برقم (2089) ومن طريقه البغوي في شرح السنة (13/ 256) رقم (3695)، والبيهقي في الدلائل (1/ 323 - 324). (¬2) أخرجه أبو داود (4838) وفي إسناده مجهول ولكن يشهد له ما بعده. (¬3) انظر: النهاية (2/ 223). (¬4) أخرجه الترمذي (3639). (¬5) أخرجه الترمذي (3641)، وهو عند أحمد (4/ 190). وإسناده ضعيف، فيه ابن لهيعة.

باب المبعث وبدء الوحي

4700 - قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس يتحدث، يكثر أن يرفع طَرْفه إلى السماء". قلت: رواه أبو داود في الأدب والبيهقي في الدلائل من حديث عبد الله بن سلام وفي سندهما: محمد بن إسحاق (¬1). وسلام: بفتح السين المهملة. وتخفيف اللام. باب المبعث وبدء الوحي من الصحاح 4701 - قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأربعين سنة فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه، ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين، ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة. قلت: رواه الشيخان: البخاري في الهجرة ومسلم في المناقب واللفظ للبخاري. (¬2) قال النووي في شرح مسلم (¬3): أصح الروايات وأشهرها في سِنّه - صلى الله عليه وسلم - أنه ثلاث وستون. والثانية: ستون سنة، والثالثة: خمس وستون سنة، وهاتان الروايتان قد أولتا فرواية "ستين" اقتصر فيها على العقود، وترك الكسر ورواية "الخمس" متأولة أو حصل فيها اشتباه، وقد أنكر عروة على ابن عباس قوله "خمس وستون" ونسبه إلى الغلط، وهذا الحديث يؤيد ما اتفقوا عليه من كونه - صلى الله عليه وسلم - كانت إقامته بالمدينة عشر سنين، وبمكة قبل النبوة أربعين سنة، وأن الصحيح أن إقامته - صلى الله عليه وسلم - بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة، ورويت رواية شاذة أنه إنما بعث على رأس ثلاث وأربعين سنة، وولد - صلى الله عليه وسلم - عام الفيل ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4837) في الأدب، أخرجه البيهقي في الدلائل (1/ 321) وإسناده ضعيف. انظر: الضعيفة (1768). (¬2) أخرجه البخاري (3851) (3902) (3903)، ومسلم (2351). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (15/ 146).

على الصحيح، واتفقوا على أنه يوم الإثنين في شهر ربيع الأول. واختلفوا [في يوم الولادة من الشهر] فقيل: ثانيه وقيل: ثامنه وقيل: عاشره وقيل: ثاني عشرة. 4702 - قال: أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة خمس عشرة سنة، يسمع الصوت ويرى الضوء سبع سنين، ولا يرى شيئًا، وثماني سنين يوحى إليه، وأقام بالمدينة عشرًا. قلت: رواه مسلم في المناقب. (¬1) قال عبد الحق: ولم يخرج البخاري من هذا الحديث إلا: ذكر الإقامة بالمدينة. قوله: يسمع الصوت ويرى الضوء، قال عياض (¬2): أي صوت الهاتف به من الملائكة. ويرى الضوء: أي نور الملائكة ونور آيات الله تعالى حتى رأى الملك بعينه وشافهه بآيات الله تعالى (¬3). 4703 - ويُروى عن ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي وهو ابن خمس وستين سنة. قلت: هذه الرواية من الحديث الأول رواها مسلم في المناقب. (¬4) 4704 - ويُروى عن ربيعة عن أنس قال: توفّاه الله على رأس ستين سنة. قلت: روى الشيخان هذه الرواية في حديث طويل عن أنس البخاري في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومسلم في المناقب. (¬5) 4705 - قال: قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ثلاث وستين سنة، وأبو بكر وهو ابن ثلاث وستين سنة، وعمر وهو ابن ثلاث وستين سنة. قلت: رواه مسلم في المناقب ولم يخرجه البخاري. (¬6) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2353). (¬2) انظر: إكمال المعلم (7/ 319). (¬3) انظر: المصدر السابق والمنهاج للنووي (15/ 152). (¬4) أخرجه مسلم (2353). (¬5) أخرجه البخاري (5900) في اللباس وليس في صفته، ومسلم (2347). (¬6) أخرجه مسلم (2348).

قال محمد بن إسماعيل: ثلاث وستين أكثر. ومحمد بن إسماعيل هو البخاري. 4706 - قالت: أول ما بُدِيءَ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي: الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنّث فيه، وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة، فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك، فقال: اقرأ، قال: "ما أنا بقارئ" قال: "فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني، فقال: {اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأ كرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم} فرجع بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرجف فؤاده، فدخل على خديجة"، فقال: "زملوني زملوني" فزملوه حنى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة، وأخبرها الخبر: "لقد خشيت على نفسي" فقالت خديجة: كلا، والله لا يخزيك الله أبدًا: إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، ثم انطلقت به خديجة إلى ورقة بن نوفل -ابن عم خديجة- فقالت له: يا ابن عم! اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيًّا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أو مخرجي هم؟ "، قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، كان يدركني يومك، أنصرك نصرًا مؤزرًا، ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي، حتى حزن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا حزنًا، غدا منه مرارًا كي يتردّى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذِروة جبل لكي يلقي نفسه منه، تبدّى له جبريل، فقال: يا محمد إنك رسول الله حقًّا، فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه.

قلت: هذا الحديث من أوله إلى قوله "نصرًا مؤزرًا" رواه الشيخان: البخاري (¬1) في أول الكتاب، وفيه "ثم لم ينشب ورقة إلى أن توفي وفتر الوحي" ومسلم في كتاب الإيمان، وأعاده البخاري في الرؤيا وزاد في آخره "وفتر الوحي، حتى حزن النبي - صلى الله عليه وسلم -" إلى آخر الحديث، وهذا الحديث من مراسيل الصحابة، فإن عائشة رضي الله عنها لم تدرك هذه القصة فتكون سمعتها من النبي - صلى الله عليه وسلم - أو من صحابي، ومراسيل الصحابة حجة عند جميع العلماء إلا ما انفرد به الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني. قولها "من" الوحي في "من" قولان أحدهما: أنها لبيان الجنس. والثاني: للتبعيض (¬2). وفلق الصبح: بفتح الفاء واللام ضياؤه. والخلاء: بالخاء المعجمة ممدودة هي الخلوة وهي شأن الصالحين. قال الخطابي (¬3): حبب إليه العزلة - صلى الله عليه وسلم - لأن معها فراغ القلب وهي معينة على التفكر وبها تنقطع مألوفات النفس ويتخشع قلبه. والغار: الكهف في الجبل. وحراء: بكسر الحاء وتخفيف الراء وبالمد مصروف مذكر على الصحيح. وحكي فيه التأنيث فمن ذكره صَرَفه ومن أنثه لم يصرفه، وحكى بعضهم فيه فتح الحاء والقصر وهو ضعيف. والتحنث: بالحاء المهملة والنون والمثلثة التعبد وأصل الحنث: الإثم فمعنى يتحنث: يجتنب الإثم (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في بدأ الوحي (3)، وفي التفسير (4953)، وفي الرؤيا (6982)، ومسلم (160). (¬2) انظر: إكمال المعلم (1/ 479). (¬3) انظر: أعلام الحديث للخطابي (1/ 127)، وإكمال المعلم (1/ 482). (¬4) انظر: إكمال المعلم (1/ 480).

والليالي ذوات العدد: متعلق بيتحنث لا بالتعبد، ومعناه: يتحنث الليالي، ولو جعل متعلقًا بالتعبد فسد المعنى، فإن التعبد لا يشترط فيه الليالي بل يطلق على القليل والكثير، وهذا التفسير اعتراض بين كلام عائشة وإنما كلامها "فيتحنث الليالي ذوات العدد" (¬1). "وقبل أن ينزع": بفتح الياء آخر الحروف وكسر الزاي أي قبل أن يشتاق إلى أهله، يقال: "نزع بالفتح ينزع: بالكسر" إذا اشتاق ويتردد لذلك، يجوز أن تكون الإشارة إلى التحنث، وأن يكون إلى ينزع وأن يكون إلى الخلاء. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أنا بقارئ" معناه: لا أحسن القراءة، فما نافية، ومنهم من جعلها استفهامية، وضعّفوه بإدخال الباء في الخبر. وغطني: بالغين المعجمة والطاء المهملة ومعناه: عصرني وضمني، يقال: غطه وعصره بمعنى واحد والجهد يجوز فيه فتح الجيم وضمها لغتان، وهو الغاية والمشقة، ويجوز نصب الدال ورفعها، فعلى النصب: بلغ جبريل مني الجهد، وعلى الرفع: بلغ الجهد مني مبلغه وغايته (¬2). وأرسلني: أي أطلقني، وفيه دليل على أنه أول ما نزل من القرآن: {اقرأ باسم ربك} وهذا هو الصحيح، وقيل: {يا أيها المدثر} (¬3)، ويرجف: أي يرعد ويضطرب. وزملوني زملوني: كذا هو في الروايات مكرر مرتين، ومعناه: غطوني بالثياب ولفوني بها. والروع: بفتح الراء وهو الفزع. ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (2/ 260 - 261). (¬2) انظر: أعلام الحديث (1/ 128)، والمصدر السابق (2/ 261). (¬3) انظر: إكمال المعلم (1/ 483).

وكلا: هنا كلمة نفي وإبعاد، وهذا أحد معانيها، وقد تأتي كلا بمعنى حقًّا وبمعنى ألا التي للتنبيه يستفتح بها الكلام. ولا يخزيك: بضم الياء وبالخاء المعجمة، وفي رواية معمر يحزنك بالحاء المهملة والنون ويجوز فتح الياء في أوله وضمها، وكلاهما صحيح، والخزي: الفضيحة والهوان، وقد تقدم الكلام في صلة الأرحام في باب البر والصلة. والكل: بفتح الكاف أي الثقل. وتكسب المعدوم: بفتح التاء، هذا على الصحيح المشهور، ورواه بعضهم: بضمها قال ثعلب والخطابي وغيرهما (¬1): يقال: كسبت الرجل مالًا وأكسبته مالًا لغتان أفصحهما: كسبت بحذف الألف، ومعناه: على رواية الضم: تكسب غيرك المال المعدوم، أي تعطيه إياه تبرعًا فحذف أحد المفعولين، وقيل معناه: تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك من نفائس الفوائد. وأما رواية الفتح فقيل معناها كمعنى الضم، وقيل معناها: تكسب المال المعدوم وتصيب منه ما يعجز غيرك عن تحصيله (¬2). "وتقري الضيف" هو بفتح التاء. و"نوائب الحق" جمع نائبة، وهي الحادثه، وإنما قالت نوائب الحق: لأن النائبة قد تكون في الخير وقد تكون في الشر. وورقة: هو ابن عم خديجة حقيقة، لأنه ورقة بن نوفل بن أسد، وهي خديجة بن خويلد بن أسد، وقد سمته في بعض الروايات عمًا مجازًا للإحترام، وهذه عادة العرب في آداب خطابهم، يخاطب الصغير الكبير بيا عم إكرامًا له ورفعًا لمرتبته (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: أعلام الحديث للخطابي (1/ 129)، وإكمال المعلم (1/ 486). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (2/ 263 - 264). (¬3) انظر: المصدر السابق (2/ 266).

والناموس (¬1): بالنون والسين المهملة وهو جبريل عليه السلام، وهو صاحب سر الخير، والجاسوس: صاحب سر الشر، واتفقوا على أن جبريل عليه السلام يسمى الناموس، واتفقوا على أنه المراد هنا، قيل سمي بذلك لأن الله تعالى خصه بالغيب والوحي. وأما قوله: "الذي أنزل على موسى عليه السلام" فكذا هو في الصحيحين وغيرهما وهو المشهور، وقد جاء في غير الصحيحين على عيسى وكلاهما صحيح. قوله: يا ليتني فيها جذعًا، الضمير في "فيها" يعود إلى أيام النبوة ومدتها. وجذعًا: يعني شابًّا قويًّا حتى أبالغ في نصرتك، والأصل في الجذع للدواب، وهو هنا استعارة، والرواية المشهورة في الصحيحين وغيرهما جذعًا بالنصب، وفي بعض الروايات في الصحيحين أيضا جذع بالرفع، وهي ظاهرة الإعراب، وأما النصب فاختلفوا في وجهه: فقال الخطابي والمازري (¬2): نصب على أنه خبر كان المحذوفة تقديره: يا ليتني أكون فيها جذعًا، وهذا على مذهب الكوفيين، وقال المحققون: الظاهر أنه منصوب على الحال، وخبر "ليت" فيها، وهو إعراب ظاهر. أو مخرجيّ هم: هو بفتح الواو وتشديد الياء هكذا الرواية، ويجوز تخفيف الياء والصحيح المشهور تشديدها، وهو جمع مخرج، فالياء الأولى ياء الجمع والثانية ضمير المتكلم، وفتحت للتخفيف لئلا يجتمع الكسرة والياءان بعد كسرتين. قوله: وإن يدركني يومك أنصرك: أي وقت خروجك، وإظهار الدعوة، أو وقت إرادة قومك إخراجك. قوله: "نصرًا مؤزرًا" بفتح الزاي وبهمزه قبلها أي قويًّا بالغًا. ¬

_ (¬1) انظر: أعلام الحديث (1/ 130)، والمصدر السابق. (¬2) انظر: أعلام الحديث للخطابي (1/ 130 - 131)، والمعلم بفوائد مسلم (1/ 219)، والمنهاج للنووي (2/ 266 - 267).

قولها: "ثم لم ينشب ورقة أن توفي" أي لم يعلق بشيء قبله ولم يشتغل بسواه، قال الجوهري (¬1): يقال: نشب بالكسر ينشب نشوبًا أي علق فيه، وأنشبته أنا أعلقته. وفتره الوحي احتباسه، وعدم تتابعه وتوليه في النزول. قولها: كلما أوفى، بذروة جبل أي أشرف واضطلع. ومعنى فيسكن لذلك جأشه: روع قلبه قال الجوهري (¬2): جأش القلب: هو رُواعه إذا اضطرب عند الفزع (¬3). 4707 - إنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحدث عن فترة الوحي،: "فبينا أنا أمشي، سمعت صوتًا من السماء فرفعت بصري، فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض، فجئثت منه رعبًا، حتى هويت إلى الأرض، فجئت أهلي فقلت: زملوني زملوني، فزملوني، فأنزل الله: {يا أيها المدثر} إلى قوله: {فاهجر} ثم حمي الوحي وتتابع". قلت: رواه البخاري في مواضع منها في التفسير وفي بدء الوحي ومسلم في الإيمان والترمذي والنسائي كلاهما في التفسير كلهم من حديث أبي سلمة عن جابر بن عبد الله. (¬4) وجئثت: بجيم مضمومة ثم همزة مكسورة ثم مثلثة ساكنة ثم تاء الضمير، وفي رواية بعد الجيم مثلثتان أي فزعت وخفت، ورعبًا مفعول من أجله فإن الفزع انقباض يعتري الإنسان بسبب خوف أو إصابة. ¬

_ (¬1) انظر: الصحاح للجوهري (1/ 224). (¬2) انظر: المصدر السابق (3/ 997). (¬3) انظر شرح هذا الحديث في: أعلام الحديث للخطابي (1/ 128 - 131)، وإكمال المعلم (1/ 479 - 491)، والمعلم بفوائد مسلم (1/ 217 - 219)، والمنهاج للنووي (2/ 259 - 268). (¬4) أخرجه البخاري في بدأ الوحي (4)، والتفسير (4925) (4926)، ومسلم (161)، والترمذي (3325)، والنسائي في الكبرى (11631).

قوله - صلى الله عليه وسلم -: حتى هويت إلى الأرض، هكذا في الرواية هويت وهو الصحيح، يقال: هوى إلى الأرض وأهوى إليها أي سقط، وقد غلط وجهل من أنكر هوى وزعم أنه لا يقال إلا أهوى. وحمي وتتابع: هما بمعنى، فأكد أحدهما بالآخر، ومعنى "حمي" أكثر نزوله وازداد، ومن قولهم: "حميت النار والشمس" أي كثرت حرارتها (¬1). 4708 - قالت: أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أحيانًا، يأتيني مثل صلصلة الجرس -وهو أشد عليّ- فيفصم عني، وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانًا يتمثل لي الملك رجلًا فيكلمني، فأعي ما يقول"، قالت عائشة رضي الله عنها: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه، وإن جبينه ليتفصَّد عَرَقًا. قلت: رواه البخاري في أول الكتاب واللفظ له ومسلم في المناقب والترمذي ومالك في الموطأ كلهم من حديث عائشة. (¬2) والأحيان: الأزمان، ويقع على القليل والكثير، ومثل صلصلة الجرس: هو بنصب مثل، وأما صلصلة: فبفتح الصادين، فهي الصوت المتدارك، قال الخطابي: معناه أنه صوت متدارك، يسمعه ولا يثَبته أول ما يقرع سمعه حتى يفهمه من بعد ذلك قال العلماء: والحكمة في ذلك أن يتفرغ سمعه - صلى الله عليه وسلم - ولا يبقى فيه ولا في قلبه مكان لغير صوت الملك. "ووعيت": هو بفتح العين، معناه "جمعت وفهمت"، "ويفصم" بفتح الياء المثناة من تحت وإسكان الفاء وكسر الصاد المهملة أي يقلع وينجلي ما يتغشاه منه. ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (2/ 271). (¬2) أخرجه البخاري (2)، و (3215)، ومسلم (2333)، والترمذي (3638)، ومالك في الموطأ (1/ 202 - 203)، وأحمد كذلك (6/ 257)، والبغوي في شرح السنة (3737).

قال الخطابي: قال العلماء: الفصم هو القطع من غير إبانة، وأما القصم بالقاف فقطع مع الإبانة والانفصال: ومعنى الحديث: أن الملك يفارق على أن يعود ولا يفارقه مفارقة قاطع لا يعود، وروي هذا الحرف أيضًا يفصم بضم الياء وفتح الصاد على ما لم يسم فاعله، وروي بضم الياء وكسر الصاد على أنه أفصم يفصم رباعي، وهي لغة قليلة، قال العلماء: ذكر في هذا الحديث حالين من أحوال الوحي هما: مثل صلصلة الجرس، وتمثل الملك رجلًا، ولم يذكر الرؤيا في النوم وهي من الوحي، لأن مقصود السائل بيان ما يختص به النبي - صلى الله عليه وسلم - ويخفى، فلا يعرف إلا من جهته، وأما الرؤيا فمشتركة معروفة (¬1). "ويتفصد عرقًا" أي يسيل. 4709 - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أنزل عليه الوحي، كُرب لذلك وتربَّد وجهه. قلت: رواه مسلم في المناقب من حديث عبادة بن الصامت ولم يخرجه البخاري (¬2). وكرب: بضم الكاف وكسر الراء، وتربد: معناه: تغير وصار كلون الرماد. - وفي رواية: نكس رأسه، ونكس أصحابه رؤوسهم، فلما أتلي عنه رفع رأسه. قلت: رواها مسلم (¬3) من حديث عبادة، ولم يخرجها البخاري. وأتلي عنه رفع رأسه: بمثناة من فوق ساكنة ولام وياء كذا هو في معظم نسخ مسلم ومعناه: ارتفع عنه الوحي ووقع في بعض نسخ مسلم "أجلي" بالجيم وفي بعضها "انجلى" ومعناهما أرسل عنه وزال عنه (¬4). 4710 - قال: لما نزلت: {وأنذر عشيرتك الأقربين}، خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى صعد الصفا، فجعل ينادي: "يا بني فهر يا بني عدي"، لبطون قريش حتى اجتمعوا، ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (15/ 128 - 129). (¬2) أخرجه مسلم (2334). (¬3) أخرجه مسلم (2335). (¬4) انظر: المنهاج للنووي (15/ 130).

فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج، أرسل رسولًا لينظر ما هو؟ فجاء أبو لهب وقريش، فقال: "أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلًا تخرج من سفح هذا الجبل -وفي رواية: أن خيلًا تخرج بالوادي- تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقي؟ " قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقًا، قال: "فإني نذير لكم بين يديْ عذاب شديد" قال أبو لهب: تبًّا لك ألهذا جمعتنا؟ فنزلت: {تبت يدا أبي لهب وتب}. قلت: الحديث والرواية رواهما الشيخان: البخاري في مناقب قريش واللفظ له ومسلم في الإيمان، ورواه البخاري أيضًا في التفسير في سورة سبأ والترمذي والنسائي في التفسير أيضًا. (¬1) وسفح الجبل: بفتح السين أسفله، وقيل: عرضه. ومصدقي: بتشديد الدال والياء، وأبو لهب: بفتح الهاء وإسكانها وقرىء بهما. 4711 - قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائمًا يصلي عند الكعبة، وجمع قريش في مجالسهم، إذ قال قائل: أيكم يقوم إلى جزور آل فلان، فيعمد إلى فَرْثها ودمها، وسلاها، ثم يمهله حتى إذا سجد، وضعه بين كتفيه؟ فانبعث أشقاهم، فلما سجد وضعه بين كتفيه، وثبت النبي - صلى الله عليه وسلم - ساجدًا، فضحكوا حتى مال بعضهم على بعض من الضحك، فانطلق منطلق إلى فاطمة رضي الله عنها [فأخبرها]، فأقبلت تسعى، وثبت النبي - صلى الله عليه وسلم - ساجدًا، حتى ألقته عنه، وأقبلت عليهم تسبهم، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة قال: "اللهم عليك بقريش"، ثلاثًا، وكان إذا دعا دعا ثلاثًا، وإذا سأل سأل ثلاثًا، "اللهم عليك بعمرو بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلاف، وعقبة بن أبي معيط، وعمارة ابن الوليد". قال عبد الله: فوالله لقد رأيتهم صرعى يوم بدر، ثم سُحبوا إلى القليب -قليب بدر- ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وأتبع أصحاب القليب لعنة". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في التفسير (4770)، وفي مناقب قريش (4770)، ومسلم (208)، والترمذي (3363)، والنسائي في الكبرى (11714).

قلت: رواه البخاري في مواضع منها: الطهارات والجزية، ومسلم في المغازي، والنسائي في الطهارة كلهم من حديث عبد الله بن مسعود. (¬1) والفرث: بالفاء المفتوحة وسكون الراء المهملة والثاء المثلثة: السرجين ما دام في الكرش، والسلا: بفتح السين المهملة وتخفيف اللام مقصور وهو الجلد الرقيق الذي يخرج فيه الولد من بطن الناقة وسائر الحيوان، وهي في الآدمي المشيمة. وأشقاهم: هو عقبة بن أبي معيط كما جاء مصرحًا به في بعض الروايات. وفي هذا الحديث إشكال، فإنه يقال: كيف استمر في الصلاة مع وجود النجاسة على ظهره؟ وأجاب بعض المالكية بأن هذا ليس بنجس، قال: لأن الفرث ورطوبة البدن طاهران وهذا [السلا] من ذلك، وإنما النجس الدم، وهذا الجواب يجيء على مذهبهم ومن وافقهم: أن روث ما يؤكل لحمه طاهر، ومذهبنا ومذهب الحنفية نجاسته، وهذا الذي قاله: باطل، لأنه وإن كان الفرث طاهرًا فهو من ذبيحة عباد الأوثان، فجميع أجزاء هذا الجزور نجس من حيث أنه لا ينفك من الذم في العادة، ولأنه ذبيحة عباد الأوثان فهو نجس، وكذلك أجزاء هذا الجزور، وإنما الجواب المرضي: أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يعلم ما وضع على ظهره فاستمر [في سجوده] استصحابًا للطهارة. والقليب: هي البئر التي لم تطو، وإنما وضعوا في القليب تحقيرًا [لهم] ولئلا يتأذى الناس برائحتهم، واعترض بعضهم على هذا الحديث في قوله: رأيتهم صرعى ببدر، ومعلوم أن أهل السير قالوا إن عمارة بن الوليد وهو أحد السبعة كان عند النجاشي، فاتهمه في حرمه وكان جميلًا فنفخ في إحليله سحرًا، فهام مع الوحوش في بعض جزائر الحبشة [فهلك]. والجواب: أن المراد أنه رأى أكثرهم بدليل أن عقبة بن أبي معيط منهم ولم يقتل ببدر، بل حمل منها أسيرًا، وإنما قتله النبي - صلى الله عليه وسلم - صبرًا بعد انصرافه من بدر (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الطهارات (240)، في الصلاة (520)، ومسلم (1794)، والنسائي (1/ 162). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (12/ 210 - 213).

4712 - أنها قالت: يا رسول الله هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال: لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، [فنظرت] فإذا فيها جبريل فناداني، فقال: إن الله قد سمع قول قومك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، قال: فناداني ملك الجبال، وسلّم علي، ثم قال: يا محمد! إن الله قد سمع قول قومك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك، إن شئت أن أُطْبق عليهم الأخشبين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا". قلت: رواه الشيخان: البخاري ومسلم في المغازي من حديث عائشة (¬1). قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب": أي لم أفطن لنفسي وأنتبه لحالي وللموضع الذي أنا ذاهب إليه، وفيه: إلا وأنا عند قرن الثعالب لكثرة الهم الذي كنت فيه. وقرن الثعالب: بسكون الراء وهو قرن المنازل ميقات أهل نجد، وهو على مرحلتين من مكة بين مكة والطائف. والقرن: الجبل الصغير. والأخشبين: هما بفتح الهمزة وبالخاء والشين المعجمتين تثنية الأخشب، وهو الجبل الغليظ، "وأخشبا مكة" جبلاها المطيفان بها، وهما: أبو قبيس والأحمر وهو جبل مشرف على قُعيقعان (¬2). 4713 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كُسرت رباعيته يوم أحد، وشج في رأسه، فجعل يسلت الدم عنه، ويقول كيف: "يفلح قوم شجوا نبيهم، وكسروا رباعيته". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3231)، ومسلم (1795). (¬2) انظر: النهاية لابن الأثير (1/ 32).

باب علامات النبوة

قلت: رواه مسلم في المغازي (¬1) وبقية الحديث وهو "يدعوهم، فأنزل الله عز وجل: {ليس لك من الأمر شيء} " والترمذي والنسائي في التفسير وابن ماجه في الفتن ولم يخرجه البخاري وكلهم رووه من حديث أنس. ورباعيته: بتخفيف الياء وهي السن التي تلي الثنية من كل جانب وللإنسان أربع رباعيات. ويسلت: بفتح الياء المثناة من تحت وسكون السين المهملة وضم اللام وبالتاء المثناة من فوق أي يلقي. 4714 - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اشتد غضب الله على قوم فعلوا بنبيه -يشير إلى رباعيته- اشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله في سبيل الله". قلت: رواه الشيخان كلاهما في المغازي (¬2) من حديث أبي هريرة، قيل: إن ذلك الرجل الذي قتله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في سبيل الله هو: أبي بن خلف. باب علامات النبوة من الصحاح 4715 - إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأَمهُ وأعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أُمّه -يعني: ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1791)، والترمذي (3002)، والنسائي في الكبرى (11077)، وابن ماجه (4027). (¬2) أخرجه البخاري (4073)، ومسلم (1793).

ظئره- فقالوا: إن محمدًا قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون، قال أنس رضي الله عنه: فكنت أرى أثر المِخْيط في صدره. قلت: رواه مسلم في الإيمان من حديث أنس (¬1)، واختصره النسائي، ولم يخرجه البخاري، والطست: بفتح الطاء وإسكان السين، هي إناء معروف وهو مؤنثة وحكي كسر الطاء، ويقال فيها: طس بتشديد السين وحذف التاء، وطسة، وجمعها طساس وطسوس وطسات، ولأمه: بفتح اللام وبعدها همزة على وزن ضربه، ومعناه: جمعه وضم بعضه إلى بعض، وظئره: بكسر الظاء المعجمة وبعدها همزة ساكنة وهي المرضعة، ويقال أيضًا: لزوج المرضعة ظِئر. ومتنقع اللون: متغيره وهو بفتح القاف، قال أهل اللغة: امتقع لونه فهو ممتقع وانتقع فهو منتقع، وابتقع فهو مبتقع فيه ثلاث لغات، والقاف مفتوحة فيهن، قال الجوهري (¬2): والميم أفصح والمخيط: بكسر الميم وإسكان الخاء وفتح الياء وهو الإبرة (¬3). 4716 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني لأعرف حجرًا بمكة كان يسلم عليّ قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن". قلت: رواه مسلم والترمذي كلاهما في المناقب من حديث جابر ولم يخرجه البخاري. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (162)، والنسائي (1/ 224). (¬2) انظر: الصحاح للجوهري (3/ 1293 - 1294). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (2/ 282 - 283). (¬4) أخرجه مسلم (2277)، والترمذي (3624).

4717 - قال: إن أهل مكة سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يريهم آية، فأراهم القمر شِقّتين، حتى رأوا حراء بينهما. قلت: رواه البخاري في علامات النبوة ومسلم في التوبة كلاهما من حديث أنس (¬1) وانشقاق القمر: من أمهات معجزات نبينا - صلى الله عليه وسلم -، وقد رواه جماعة من الصحابة مع ظاهر الآية الكريمة وسياقها. 4718 - قال: انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرقتين: فرقة فوق الجبل، وفرقة دونه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اشهدوا". قلت: رواه الشيخان: البخاري في علامات النبوة، ومسلم في التوبة من حديث ابن مسعود. (¬2) 4719 - قال أبو جهل: هل يعفّر محمد وجهه بين أظهركم؟ فقيل: نعم، فقال: واللات والعزى، لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي- زعم ليطأ على رقبته، فما فجئهم منه، إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقي بيديه، فقيل له: ما لك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقًا من نار، وهولًا، وأجنحة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو دنا لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا". قلت: رواه مسلم في التوبة من حديث أبي هريرة (¬3) ولم يخرجه البخاري. قوله: زعم ليطأ: "هو بفتح اللام وهي لام تأكيد، قوله: فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه": أي: فما أتاهم فجأة إلا وهو يرجع القهقرى، والهول: الخوف والأمر الشديد، والخطف: استلاب الشيء وأخذه بسرعة (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3637)، ومسلم (2802). (¬2) أخرجه البخاري (3636)، ومسلم (2800). (¬3) أخرجه مسلم (2797). (¬4) انظر: المنهاج للنووي (17/ 204).

4720 - قال: بينا أنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثم أتى إليه آخر فشكا إليه قطع السبيل، فقال: "يا عدي هل رأيت الحيرة؟ [قال: نعم، قال:] فإن طالت بك حياة، فلترينّ الظعينة ترتحل من الحيرة، حتى تطوف بالكعبة، لا تخاف أحدًا إلا الله، ولئن طالت بك حياة، لتفتحن كنوز كسرى، ولئن طالت بك حياة، لترى الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة، يطلب من يقبله منه، فلا يجد أحدًا يقبله منه، وليلقين الله أحدكم [يوم القيامة] يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له، فليقولن: ألم أبعث إليك رسولًا فيبلغك؟ فيقول: بلى، فيقول: ألم أعطك مالًا وأُفضِل عليك؟ فيقول: بلى، فينظر عن يمينه، فلا يرى إلا جهنم، وينظر عن يساره، فلا يرى إلا جهنم، فاتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد، فبكلمة طيبة". قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة، لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة، لترون ما قال النبي أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم -: "يخرج ملء كفه" (¬1). قلت: رواه البخاري في علامات النبوة من حديث عدي بن حاتم وليس في مسلم. والحيرة: بكسر الحاء المهملة وسكون الياء المثناة من تحت وفتح الراء المهملة البلد القديم بظهر الكوفة. والظعينة: المرأة قيل لها ذلك لأنها تظعن مع الزوج حيثما ظعن. 4721 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يهلك كسرى، ثم لا كسرى بعده، وقيصر ليهلكن، ثم لا يكون قيصر بعده، ولتنفقن كنوزهما في سبيل الله". قلت: رواه البخاري في الجهاد ومسلم في الفتن والترمذي كلهم (¬2) من حديث أبي هريرة، قال البغوي (¬3): وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى كسرى يدعوه إلى الإسلام، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3595). (¬2) أخرجه البخاري في الجهاد (3027)، وفي الزكاة (1413)، ومسلم (2918). (¬3) انظر: شرح السنة للبغوي (13/ 310).

فمزق كتابه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "تمزق ملكه، وكتب إلى قيصر، فأكرم كتابه، ووضعه في مسك"، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ثبت ملكه" (¬1)، ووجه الجمع بين الحديثين أن كسرى تمزّق ملكه فلم يبق له ملك، وأنفقت كنوزه في سبيل الله، وأورث الله المسلمين أرضه، وقيصر ثبت ملكه بالروم، وانقطع عن الشام، واستحلت خزائنه التي كانت بهما وأنفقت في سبيل الله، فمعنى قوله - صلى الله عليه وسلم - "لا قيصر بعده" يعني بالشام. 4722 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "ليفتتحن عصابة من المسلمين كنز آل كسرى الذي في الأبيض". قلت: رواه مسلم في الفتن (¬2) من حديث جابر بن سمرة. والأبيض: قصر كان لكسرى. 4723 - قال: شكونا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو متوسّد بردة في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلنا: ألا تدعو الله؟ فقعد وهو محمر وجهه، قال: "كان الرجل فيمن كان قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع فوق رأسه، فيشق باثنين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد، ما دون لحمه من عظم وعصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمّن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون". قلت: رواه البخاري في الإكراه وفي علامات النبوة وفي مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو داود في الجهاد، والنسائي في العلم ثلاثتهم من حديث خباب بن الأرت ولم يخرجه مسلم. (¬3) 4724 - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخل على أم حرام بنت ملحان، وكانت تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها يومًا، فأطعمته، ثم جلست تفلي رأسه، فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: " ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (1/ 243)، والبخاري في صحيحه (2939) و (4424). انظر: فتح الباري (8/ 128). (¬2) أخرجه مسلم (2919). (¬3) أخرجه البخاري في علامات النبوة (3612)، وفي مناقب الأنصار (3852)، وفي الإكراه (3612)، وأبو داود (2649)، والنسائي في الكبرى (5893)، وفي المجتبي (8/ 204).

ناس من أمتي، عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر، ملوك على الأسرّة أو مثل الملوك على الأسرة"، فقلت: يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها، ثم وضع رأسه فنام، ثم استيقظ وهو يضحك، فقلت: يا رسول الله وما يضحكك؟ قال: "ناس من أمتي، عرضوا عليّ غزاة في سبيل الله"، كما قال في الأولى، فقلت: يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: "أنت من الأولين"، فركبت أم حرام البحر في زمن معاوية، فصُرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت. قلت: رواه الشيخان والترمذي والنسائي وأبو داود كلهم في الجهاد، ورواه البخاري (¬1) أيضًا في غير الجهاد كلهم من حديث إسحاق بن عبد الله عن أنس قال أبو داود: وماتت بنت ملحان بقبرص، وأم حرام: بحاء مهملة مفتوحة وراء بعدها ألف ثم ميم، بنت ملحان: بحاء مهملة وهو من بني عدي بن النجار، وهي أخت أم سليم، وخالة أنس بن مالك، قال العلماء: وكانت محرمًا لسيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واختلفوا في كيفية ذلك، فقال ابن عبد البر (¬2): كانت إحدى خالاته - صلى الله عليه وسلم - من الرضاع، وقال آخرون: بل كانت خالة لأبيه أو لجده، لأن عبد المطلب كانت أمه من بني النجار. وثبج البحر: بثاء مثلثة ثم باء موحدة مفتوحتين ثم جيم وهو ظهره ووسطه، قوله - صلى الله عليه وسلم -: "على الأسرة" قيل معناه في الآخرة، والصحيح في الدنيا أي يركبون مراكب الملوك لسعة حالهم. 4725 - قال: إن ضِمادًا قدم مكة -وكان من أزد شنوءة وكان يرقي من هذه الريح- فسمع سفهاء أهل مكة يقولون: إن محمدًا مجنون، فقال: لو أني رأيت هذا الرجل، لعل الله يشفيه على يديّ، قال: فلقيه، فقال: يا محمد إني أرقي من هذه الريح فهل ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2788)، ومسلم (1912)، وأبو داود (2491)، والترمذي (1645)، والنسائي (6/ 40). (¬2) انظر: الاستيعاب لابن عبد البر (4/ 1931).

لك؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد ... " فقال: أعد علي كلماتك هؤلاء، فأعادهن عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات، فقال: "لقد سمعت قول الكهنة، وقول السحرة، وقول الشعراء، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء! ولقد بلغن قاموس البحر، هات يدك أبايعك على الإسلام، قال: فبايعه". قلت: رواه مسلم في الصلاة، وتمام الحديث: فلأبايعك على الإسلام، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وعلى قومك"، قال: وعلى قومي، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيشًا بعد مقدمه المدينة، فمروا بتلك البلاد، فقال أميرهم: هل أصبتم شيئًا؟ قال رجل منهم: إداوة، قال: ردوها، هؤلاء قوم ضماد. ورواه ابن ماجه والنسائي في النكاح عن عمرو بن سعيد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال الحميدي (¬1): وليس لعمرو بن سعيد عن ابن جبير عن ابن عباس في الصحيح غير هذا الحديث انتهى. (¬2) وضماد: هو ابن ثعلبة الأزدي من أزد شنوءة وكان صديقًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجاهلية، وكان يتطبّب، ويطلب العلم، وأسلم أول الإسلام قاله أبو عمرو (¬3)، ضبطه الحفاظ: ضِماد بالدال في آخره، وقيل: ضمام بالميم والمشهور الأول، وضمام بالميم هو ضمام بن ثعلبة السعدي أحد بني سعد ابن بكر له صحبة أيضًا. تنبيه: ذكر الشيخ محب الدين الطبري هذا الحديث في الأحكام في أوائل الكتاب وعزاه إلى أبي حاتم وأبي نعيم وهو ثابت في مسلم كما بيناه والله أعلم. ¬

_ (¬1) انظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (2/ 126 رقم 1218)، وتحفة الأشراف (4/ 435). (¬2) أخرجه مسلم (868)، وابن ماجه (1893)، والنسائي (6/ 89 - 90). (¬3) انظر: الاستيعاب لابن عبد البر (2/ 751) رقم (1261).

فصل في المعراج

قوله: يرقي هذا الريح: المراد بالريح هنا الجنون، ومس الجن، وقاموس البحر: هو وسطه، قال النووي (¬1): وضبطنا هذه اللفظة بوجهين أشهرهما في أكثر روايات الحديث، ونسخ بلادنا "ناعوس" بالنون والعين، والثاني وهو المشهور في غير صحيح مسلم "قاموس" بالقاف والميم، قال عياض: أكثر نسخ مسلم "قاعوس" بالقاف والعين، ووقع عند بعضهم بالتاء المثناة [من] فوق. قوله: هات يدك بكسر التاء. فصل في المعراج من الصحاح 4726 - عن مالك بن صعصعة: أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - حدثهم عن ليلة أسري به: "بينما أنا في الحطيم -وربما قال: في الحجر- مضطجعًا، إذ أتاني آت، فشق ما بين هذه إلى هذه -يعني: من ثغرة نحره إلى شِعْرته- فاستخرج قلبي ثم أتيت بطست من ذهب مملوء إيمانًا، وحكمة، فغسل قلبي، ثم حشي، ثم أعيد، -وفي رواية: ثم غسل البطن بماء زمزم، ثم مليء إيمانًا وحكمة- ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض، يضع خطوه عند أقصى طرفه، فحملت عليه، فانطلق بي جبريل، حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبربل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبًا به، فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما خلصت، فإذا فيها آدم، فقال: هذا أبوك آدم فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد السلام، ثم قال: مرحبًا بالابن الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي، حتى أتى السماء الثانية، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (6/ 224 - 225).

قال: نعم، قيل: مرحبًا به، فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما خلصت، إذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة، قال: هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما، فسلمت، فردا، ثم قالا: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي إلى السماء الثالثة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبًا به، فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما خلصت، إذا يوسف، قال: هذا يوسف فسلم عليه، فسلمت عليه، فردّ السلام، ثم قال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبًا به فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما خلصت، فإذا إدريس، قال: هذا إدريس فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد، ثم قال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي حتى أتى السماه الخامسة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبًا به فنعم المجيء جاء، فلما خلصت، فإذا هارون، قال: هذا هارون فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد، ثم قال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي، حتى أتى السماء السادسة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل مرحبًا به فنعم المجيء جاء، فلما خلصت، فإذا موسى، قال: هذا موسى فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد، ثم قال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح، فلما جاوزت بكى، قيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلامًا بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي، ثم صعد بي إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبًا به فنعم المجيء جاء، فلما خلصت، فإذا إبراهيم قال: هذا أبوك إبراهيم فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد السلام، ثم قال: مرحبًا بالابن الصالح والنبي الصالح، ثم رفعت إلى سدرة المنتهى، فإذا نبقها

مثل قلال هَجَر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة، قال: هذه سدرة المنتهى، وإذا أربعة أنهار: نهران باطنان، ونهران ظاهران، قلت: ما هذان يا جبريل؟ قال: أما الباطنان: فنهران في الجنة، وأما الظاهران: فالنيل والفرات، ثم رفع لي البيت المعمور، ثم أتيت بإناء من خمر، وإناء من لبن، وإناء من عسل، فأخذت اللبن، فقال: هي الفطرة أنت عليها، وأمتك، ثم فرضت علي الصلاة، خمسين صلاة كل يوم، فرجعت، فمررت على موسى، فقال: بم أمرت؟ قلت: أمرت بخمسين صلاة كل يوم، قال: إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم، وإني والله قد جربت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك، فرجعت فوضع عني عشرًا، فرجعت إلى موسى، فقال مثله، فرجعت فوضع عني عشرًا، فرجعت إلى موسى، فقال مثله، فرجعت فوضع عني عشرًا، فرجعت إلى موسى، فقال مثله، فرجعت، فأمرت بعشر صلوات كل يوم وليلة، فرجعت إلى موسى، فقال مثله، فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم، فرجعت إلى موسى، فقال: بم أمرت؟ قلت: أمرت بخمس صلوات كل يوم، قال: إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم، وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك، قال: سألت ربي حتى استحييت، ولكني أرضى وأسلم، قال: فلما جاوزت نادى مناد: أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي". قلت: رواه الشيخان بألفاظ متقاربة: البخاري مقطعًا في بدء الخلق وفي الأنبياء، ومسلم في الإيمان، والترمذي في التفسير والنسائي في الصلاة كلهم (¬1) عن قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار (3887)، وبدء الخلق (3207)، ومسلم (164)، والترمذي (3346)، والنسائي (1/ 217).

واختلف الناس في كيفية الإسراء والصحيح الذي عليه عامة السلف أنه كان مرتين مرة في المنام وأخرى بجسده عند الله، قال الزهريّ: وكان بعد مبعثه - صلى الله عليه وسلم - بخمس سنين، هذا هو الصحيح وقد غلط العلماء شريكًا في قوله كان قبل البعثة (¬1). والحطيم: بمكة بين الركن والباب، وقيل: هو الحجر المخرج من الكعبة، وسمي به لأن البيت رفع وترك هو محطومًا، قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ابنا خالة". قال ابن السكيت: يقال: هما ابنا عم ويقال: ابنا خال، ويقال: هما ابنا خالة، ولا يقال: ابنا عمة. وسدرة المنتهى: قال ابن عباس وغيره: سميت بذلك لأن علم الملائكة ينتهي إليها، ولم يجاوزها أحدٌ إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال ابن مسعود: سميت بذلك لكونه ينتهي إليها ما يهبط من فوقها وما يصعد من تحتها من أمر الله تعالى. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإذا نبقها مثل قلال هجر" النبق: بفتح النون وكسر الباء وقد يسكن ثمر السدر، واحدته نبقة ونبقة، وأشبه شيء به العناب، قبل أن تشتد حمرته، والقلال: بكسر القاف جمع قلة، والقلة: جرة عظيمة تسع قربتين أو أكثر. قال في النهاية (¬2): وهجر اسم بلد معروف بالبحرين وهو مذكر مصروف وأما هجر التي تنسب إليها القلال فهي قرية من قرى المدينة (¬3). وأما قول "بواب السماء": وقد بعث إليه، فمراده، وقد بعث إليه للإسراء وصعود السموات، وليس مراده الاستفهام عن أصل البعثة، والرسالة، فإن ذلك لا يخفى عليه إلى هذه المدة، وهذا هو الصحيح والله أعلم. ذكر ذلك جماعات من العلماء. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فرجعت فوضع عني عشرًا" أي فرجعت إلى الموضع الذي ناجيته منه، وقال: مقابل النهران الباطنان هما السلسبيل والكوثر. ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (2/ 274). (¬2) انظر: النهاية (5/ 246 - 247). (¬3) انظر: شرح الحديث في المنهاج للنووي (2/ 290 - 293).

4727 - وروى ثابت عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أتيت بالبراق، وهو دابة أبيض طويل، فوق الحمار ودون البغل، يقع حافره عند منتهى طرفه، فركبته حتى أتيت بيت المقدس، فربطته بالحلقة التي يربط بها الأنبياء، قال: ثم دخلت المسجد، فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت، فجاءني جبربل بإناء من خمر، وإناء من لبن، فاخترت اللبن، فقال جبريل: اخترت الفطرة، ثم عرج بنا إلى السماء ... " وقال في السماء الثالثة: "فإذا أنا بيوسف وإذا هو قد أعطي شطر الحُسن، فرحّب بي، ودعا لي بخير ... " وقال في السماء السابعة: "فإذا أنا بإبراهيم مسندًا ظهره إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه، ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهي، فإذا ورقها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقلال، فلما غشيها من أمر الله ما غشي، تغيرت، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها، وأوحى إلي ما أوحى، ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة، فنزلت إلى موسى، وقال: فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى، حتى قال: يا محمد! إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة، لكل صلاة عشر، فذلك خمسون صلاة، من هَمّ بحسنة فلم يعملها، كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت سيئة واحدة". قلت: رواه مسلم من حديث ثابت عن أنس (¬1) وقد حذف المصنف منه جملًا تقدمت في حديث مالك بن صعصعة طلبًا للاختصار. والبراق: هو بضم الموحدة سمي به لصفائه وبريقه. وبيت المقدس: بفتح الميم وإسكان القاف، وكسر الدال المخففة، وبضم الميم وفتح القاف والدال المشددة، لغتان مشهورتان: فبالتخفيف إما مصدر كقوله تعالى: {إليه مرجعكم} وإما مكان فمعناه: بيت مكان الطهارة، أو الذي جعل فيه الطهارة من الذنوب وبالتشديد المطهر. والحلقة: بإسكان اللام على الفصيح وحكي فتحها. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (162).

قوله: اخترت الفطرة، فسروا الفطرة هنا بالإسلام، والاستقامة ومعناه: اخترت علامة الإسلام والاستقامة، وجعل اللبن علامة لكونه سهلًا طيبًا طاهرًا سائغًا للشاربين سليم العاقبة، وأما الخمر: فإنها أم الخبائث وجالبة لأنواع من الشرور في الحال وفي المآل. وعرج: بفتح العين والراء، صعد. قوله - صلى الله عليه وسلم -: فإذا أنا بإبراهيم مسندًا ظهره إلى البيت المعمور، فيه دليل على جواز الاستناد إلى القبلة وجعل الظهر إليها، وقد وقع في أصول مسلم المعتمدة: السدرة المنتهى، بالألف واللام كما رواه المصنف، وأما الرواية الأولى التي رواها مالك بن صعصعة فقال فيها سدرة المنتهى (¬1). 4728 - كان أبو ذر يحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "فرج عني سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل، ففرج صدري، ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتليء حكمة، وإيمانًا، فأفرغه في صدري، ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء، فلما جئت إلى السماء الدنيا، قال جبريل لخازن السماء: افتح، فلما فتح، علونا السماء الدنيا، إذا رجل قاعد على يمينه أسودة، وعلى يساره أسودة، إذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى، فقال: مرحبًا بالنبي الصالح والابن الصالح، قلت لجبريل: من هذا؟ قال: هذا آدم، وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نَسَم بنيه، فأهل اليمين منهم أهل الجنة، والأسودة التي عن شماله أهل النار، فإذا نظر عن يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى. وقال ابن شهاب رضي الله عنه: فأخبرني ابن حزم، أن ابن عباس رضي الله عنه وأبا حية الأنصاري كانا يقولان: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ثم عرج بي، حتى ظهرت بمستوى أسمع فيه صريف الأقلام"، وقال ابن حزم، وأنس: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ففرض الله على أمتي خمسين صلاة، فرجعت حتى مررت على موسى، فراجعني فوضع شطرها، وقال في ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (2/ 276 - 279).

الآخر: فراجعته، فقال: هي خمس، وهي خمسون، ما يبدل القول لدي، فرجعت إلى موسى: فقال: راجع ربك فقلت: استحييت من ربي، ثم انطلق بي حتى انتهى بي إلى السدرة المنتهى، وغشيها ألوان لا أدري ما هي؟ ثم أدخلت الجنة، فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك". قلت: رواه الشيخان: البخاري في أحاديث الأنبياء ومسلم في الإيمان من حديث أنس. (¬1) قال: كان أبو ذر يحدث وقد حذف المصنف منه جملًا طلبًا للاختصار وبين الشيخين اختلاف يسير. والنسم: بفتح النون والسين واحدته نسمة، وهي نفس الإنسان، والمراد: أرواح بني آدم، قال القاضي عياض رحمه الله (¬2): في هذا إنه - صلى الله عليه وسلم - وجد آدم ونسم بنيه من أهل الجنة والنار، وقد جاء أن أرواح الكفار في سجين، قيل: في الأرض السابعة، وقيل: تحتها، وقيل: في سجن، وأرواح المؤمنين منعّمة في الجنة، فيحتمل أنها تعرض على آدم أوقاتًا فوافق وقت عرضها مرور النبي - صلى الله عليه وسلم - به، ويحتمل أن كونهم في النار والجنة، إنما هو أوقات دون أوقات، ويحتمل أن الجنة كانت في جهة يمين آدم، والنار عن يساره، وكلاهما حيث شاء الله، والأَسْوِدة: جمع سواد، وهو جمع قلة، وهو الشخص، لأنه يرى من بعيد أسود (¬3). وظهرت: أي علوت وصعدت. والمستوى: بفتح الواو، المصعد، وقيل: المكان، وصريف الأقلام: بالصاد المهملة تصويتها حال الكتابة، قال الخطابي: هو صوت ما تكتبه الملائكة من أقضية الله ووحيه، وما ينسخونه من اللوح المحفوظ، أو ما شاء الله من ذلك أن يكتب، ويرفع لما أراده من أمره وتدبيره. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3342)، ومسلم (163). (¬2) انظر: إكمال المعلم (1/ 503). (¬3) انظر: غريب الحديث (4/ 134)، والمصدر السابق.

جنابذ اللؤلؤ: بالجيم المفتوحة وبعدها نون مفتوحة ثم ألف ثم باء موحدة ثم ذال معجمة وهي القباب واحدتها جنبذة. اللؤلؤ: بهمزتين وبحذفهما وبإثبات الأول دون الثانية وبالعكس (¬1). 4729 - قال: "لما أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتهى به إلى سدرة المنتهي، وهي في السماء السادسة، إليها ينتهي ما يُعرج به من الأرض، فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط به من فوتها، فيقبض منها"، قال: {إذ يغشى السدرة ما يغشى} قال: فراش من ذهب، قال: فأعطي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثًا، أعطي الصلوات الخمس، وأعطي خواتيم سورة البقرة، وغفر لمن لا يشرك بالله من أمته شيئًا المقحمات. قلت: رواه مسلم في كتاب الإيمان في الإسراء من حديث عبد الله بن مسعود ولم يخرجه البخاري ورواه النسائي أيضًا. (¬2) قوله: انتهي به إلى سدرة المنتهي وهي في السماء السادسة، كذا هو في جميع أصول مسلم، -وتبعه في المصابيح- السادسة، وقد جاء من حديث أنس أنها في السماء السابعة، قال القاضي (¬3): كونها في السابعة هو الأصح، وقول الأكثرين وهو الذي يقتضيه المعنى وتسميتها بالمنتهى، قلت: ويمكن أن يجمع بينهما فيكون أصلها في السادسة ومعظمها في السابعة، فقد علم أنها في نهاية من العظم، وقد قال الخليل رحمه الله: هي سدرة في السماء السابعة، قد أظلت السموات والجنة. والمقحمات: هو بضم الميم وإسكان القاف وكسر الحاء، ومعناه: الذنوب العظام الكبائر التي تقم صاحبها في النار أي تلقيهم فيها، والمراد: بغفرانها أنه لا يخلد في النار، وليس المراد أنه لا يعذب أصلًا، فقد تقررت نصوص الشرع وإجماع أهل السنة، على تعذيب بعض العصاة من الموحدين، والمراد بعض الأمة على مذهب من يرى أن ¬

_ (¬1) انظر: إكمال المعلم (1/ 502 - 511)، والمنهاج للنووي (2/ 285 - 289). (¬2) أخرجه مسلم (173). (¬3) انظر: إكمال المعلم (1/ 525)، والمنهاج للنووي (3/ 3 - 4).

من لا يفيد العموم مطلقًا، وعلى مذهب من يقول تفيده في الأمر والنهي لا في الخبر والله أعلم (¬1). 4730 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لقد رأيتني في الحجر، وقريش تسألني عن مسراي، فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها، فكربت كربًا ما كربت مثله، فرفعه الله تعالى لي أنظر إليه، ما يسألونني عن شيء إلا أنبأتهم، وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء، فإذا موسى قائم يصلي، فإذا رجل ضرب جعد، كأنه من رجال شنوءة وإذا عيسى قائم يصلي، أقرب الناس به شبهًا عروة ابن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم قائم يصلي، أشبه الناس به صاحبكم -يعني: نفسه- فحانت الصلاة، فأممتهم، فلما فرغت من الصلاة، قال لي قائل: يا محمد! هذا مالك خازن النار، فسلّم عليه، فالتفت إليه، فبدأني بالسلام". قلت: رواه مسلم في الإيمان من حديث أبي هريرة وخرج البخاري (¬2) من هذا الحديث ذكر بيت المقدس من حديث جابر وصفة موسى وإبراهيم من حديث أبي هريرة وابن عباس ولم يذكر سائره. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فكربت كربًا ما كربت مثله"، هو بضم الكافين من كربت، والضمير في مثله عائد على الكرب، وهو بفتح الكاف على وزن الضرب وهو الغم (¬3). قال القاضي عياض (¬4): فإن قيل كيف يصلون وهم في الدار الآخرة وليست بدار عمل؟ وللمشايخ فيما ظهر لنا عن هذا أجوبة: أحدها: أنهم كانوا كالشهداء، بل هم أفضل، والشهداء أحياء عند ربهم، فلا يبعد أن يصلوا ويحجوا كما ورد في الصحيح من حديث آخر، وأن يتقربوا إلى الله بما استطاعوا، لأنهم وإن كانوا قد توفوا فهم في ¬

_ (¬1) انظر: إكمال المعلم (1/ 526)، والمنهاج للنووي (3/ 4). (¬2) أخرجه مسلم (172)، والبخاري (3437)، وخرج أوله بمعناه من حديث جابر (3886). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (2/ 308). (¬4) انظر: إكمال المعلم (1/ 516 - 518).

فصل في المعجزات

هذه الدنيا التي هي دار العمل، حتى إذا انقضت مدتها وتعقبتها الآخرة التي هي دار الجزاء، انقطع العمل، الوجه الثاني: أن عمل الآخرة ذكر ودعاء، قال الله تعالى: {دعواهم فيها سبحانك اللهم}. الوجه الثالث: أن يكون هذه رؤية منام في غير ليلة الإسراء، أو في بعض ليلة الإسراء. الوجه الرابع: أنه - صلى الله عليه وسلم - رأى حالهم، وما كانوا عليه في حال حياتهم، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: وكأني أنظر إلى موسى، وكأني أنظر إلى عيسى. الوجه الخامس: أن يكون أخبر عما أوحي إليه - صلى الله عليه وسلم - من أمرهم وما كان منهم، وإن لم يرهم رؤية عين، انتهى كلامه. فصل في المعجزات من الصحاح 4731 - أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار، فقلت: يا رسول الله! لو أن أحدهم نظر إلى قدمه أبصرنا، فقال: "يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ ". قلت: رواه البخاري في فضل أبي بكر وفي الهجرة وفي التفسير ومسلم في الفضائل والترمذي في التفسير من حديث أنس. (¬1) ومعنى: الله ثالثهما: بالنصرة والمعونة والحفظ والسديدة وهو داخل في قول الله تعالى: {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون}. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3653) (3922) (4663)، ومسلم (2381)، والترمذي (3096).

4732 - قال لأبي بكر: يا أبا بكر حدثني كيف صنعتما حين سريت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: أسرينا ليلتنا ومن الغد، حتى قام قائم الظهيرة، وخلا الطريق لا يمر فيه أحد، فرفعت لنا صخرة طويلة لها ظل، لم تأت عليه الشمس، فنزلنا عنده، وسويت للنبي - صلى الله عليه وسلم - مكانًا بيدي، فنام عليه، وشمطت عليه فروة، وقلت: نم يا رسول الله وأنا أنفض ما حولك، فنام، وخرجت أنفض ما حوله، فإذا أنا براع مقبل، فقلت: أفي غنمك لبن؟ قال: نعم، قلت: أفتحلب؟ قال: نعم، فأخذ شاة، فحلب في قعب كثبة من لبن، ومعي إدواة، حملتها للنبي - صلى الله عليه وسلم - يرتوي فيها، يشرب ويتوضأ، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فكرهت أن أوقظه، فوافقته حتى استيقظ، فصببت من الماء على اللبن حتى برد أسفله، فقلت: اشرب يا رسول الله فشرب، حتى رضيت، ثم قال: "ألم يأن للرحيل؟ " قلت: بلى، قال: فارتحلنا بعد ما مالت الشمس، واتبعنا سراقة بن مالك، فقلت: أُتينا يا رسول الله، فقال: "لا تحزن، إن الله معنا"، فدعا عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فارتطمت به فرسه إلى بطنها في جَلَد من الأرض، فقال: إني أراكما دعوتما علي، فادعوا لي، فالله لكما أن أرد عنكما الطلب، فدعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - فنجا، فجعل لا يلقى أحدًا إلا قال: كفيتم ما هنا، فلا يلقى أحدًا إلا رده. قلت: رواه البخاري (¬1) في علامات النبوة بطوله، وفي فضائل أبي بكر وفي الهجرة وفي الاستئذان قطعة منه، ومسلم في آخر الكتاب بطوله كلاهما عن البراء عن أبي بكر الصديق. ويسمى هذا الحديث حديث الرحل لأن أوله قال البراء: جاء أبو بكر رضي الله عنه فاشترى من أبي رحلًا، وقال: ابعث ابنك يحمله معي، قال: فحملته معه، وخرج أبي ينتقد ثمنه، فقال له: يا أبا بكر حدثني كيف صنعتما حين سرت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: نعم أسرينا ليلتنا ومن الغد ... وساق الحديث، وفي نسخ المصابيح: قال البراء ابن ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3615)، ومسلم (2009 بعد حديث 3014).

عازب لأبي بكر، والذي في الصحيحين أن والد البراء وهو عازب هو الذي سأل أبا بكر والبراء هو راوي الحديث لا أنه هو السائل، وكذا رواه المصنف في شرح السنة (¬1). وأنفض ما حولك: أي أحرسك وأطوف هل أرى طلبًا، يقال: أنفضت المكان واستنفضته إذا نظرت جميع ما فيه (¬2). قوله: أفي غنمك لبن؟ هو بفتح اللام والباء يعني اللبن المعروف، هذه الرواية المعروفة، قال النووي (¬3): وروي بضم اللام وإسكان الباء أي شياه ذات ألبان. والقعب: قدح من خشب، والكثبة: بضم الكاف وإسكان المثلثة، وهي قدر الحلبة وقيل: هي القليل منه. والإداوة: كالركوة. وارتوى: استقى. وبرد: بفتح الراء على المشهور، وقال الجوهري (¬4): بضمها. قوله: فوافقته حتى استيقظ، قال بعضهم: اختلف رواة كتاب البخاري في هذين اللفظين فمنهم من يرويه "فوافقته حتى" بتقديم الفاء على القاف، وحين التي هي للطواف، والمعنى: فوافق إتياني إياه حين استيقظ، ومما يشهد لذلك ما جاء في بعض طرق مسلم فوافقته، وقد استيقظ، ومنهم من يرويه على ما ذكرنا من تقديم القاف. ومع حتى، أي فوافقته فيما اختاره من النوم، ومنهم: من يرويه بتقديم القاف على الفاء، من الوقوف، والمعنى: صبرت عليه، وتوقفت في المجيء إليه حتى استيقظ. فارتطمت به فرسه: أي ساخت قوائمها كما يسوخ في الوحل وهو بالراء المهملة وبالتاء المثناة من فوق وبالطاء المهملة وبالميم المفتوحتين. والجلد: بفتح الجيم واللام، الأرض الصلبة (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: شرح السنة للبغوي (13/ 368). (¬2) انظر: أعلام الحديث (3/ 1607). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (18/ 198). (¬4) انظر: الصحاح للجوهري (2/ 445). (¬5) انظر: شرح السنة (13/ 370).

4733 - قال: سمع عبد الله بن سلام بمقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في أرض يخترف، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني سائلك عن ثلاث، لا يعلمهن إلا نبي: فما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه، أو إلى أمه؟ قال: "أخبرني بهن جبريل آنفًا: أما أول أشراط الساعة، فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكه أهل الجنة، فزيادة كبد حوت، وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة، نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة، نزعت"، قال: أشهد أن لا إلا الله وأن محمدًا رسول الله، يا رسول الله إن اليهود قوم بهت، وإنهم إن يعلموا بإسلامي من قبل أن تسألهم، يبهتوني، فجاءت اليهود، فقال: "أي رجل عبد الله فيكم؟ "قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، قال: "أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام؟ " قالوا: أعاذه الله من ذلك، فخرج عبد الله، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فقالوا: شرنا وابن شرنا، فانتقصوه، قال: هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله. قلت: رواه البخاري في التفسير من حديث أنس. (¬1) ويخترف: بالخاء المعجمة أي يجتني الثمار. 4734 - قال: إن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - شاور حين بلغنا إقبال أبي سفيان، فقام سعد بن عبادة، فقال: يا رسول الله والذي نفسي بيده، لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا، قال: فندب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس، فانطلقوا حتى نزلوا بدرًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا مصرع فلان"، ويضع يده على الأرض ههنا، وها هنا، قال: فما ماط أحدهم عن موضع يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قلت: رواه مسلم في المغازي من حديث أنس ولم يخرجه البخاري. (¬2) "وبرك الغماد": أكثر الرواة على فتح الباء الموحدة وإسكان الراء هذا هو المشهور المعروف في روايات المحدثين، وقال بعض أهل اللغة: صوابه كسر الراء، وكذا قيده ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4480). (¬2) أخرجه مسلم (1779).

بعض رواة البخاري، واتفق الجمهور على أن الراء ساكنة، وجوز بعضهم فيها الفتح، وهو ضعيف. والغماد: بغين معجمة مكسورة ومضمومة لغتان وهو موضع بأقصى هجر (¬1). قوله "فندب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس" أي دعاهم. قوله "فما ماط" هو بالطاء المهملة أي ما تباعد (¬2). 4735 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: وهو في قبة آدم يوم بدر: "اللهم أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن تشأ لا تعبد بعد اليوم"، فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك يا رسول الله ألححت على ربك، فخرج وهو يثب في الدرع وهو يقول: {سيهزم الجمع ويولون الدبر}. قلت: رواه البخاري في الجهاد وفي المغازي وفي التفسير والنسائي في التفسير من حديث ابن عباس ولم يخرجه مسلم. (¬3) 4736 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم بدر: "هذا جبريل آخذ برأس فرسه، عليه أداة الحرب". قلت: رواه البخاري في المغازي ولم يخرجه مسلم. (¬4) وأداة الحرب: آلته وأداة كل شيء آلته. 4737 - قال: بينما رجل من المسلمين -يومئذٍ- يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول: أقدم حيزرم، إذ نظر إلى المشرك أمامه خَرّ مستلقيًا، فنظر إليه، فإذا هو قد خطم أنفه، وشق وجهه كضربة ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (12/ 175). (¬2) انظر: المصدر السابق (12/ 176). (¬3) أخرجه البخاري (4875)، والنسائي في الكبرى (11557). (¬4) أخرجه البخاري (3995).

السوط، فأخضر ذلك أجمع، فجاء الأنصاري فحدّث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة". قلت: رواه مسلم في المغازي من حديث ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم. (¬1) قوله: "أقدم حيزوم" قال الجوهري (¬2): يقال: أقدم بفتح الهمزة وسكون القاف وكسر الدال وهو زجر للفرس كأنه يؤمر بالإقدام، قال: وفي حديث المغازي: "إقْدِم حَيْزوم". بكسر الهمزة والصواب فتحها. قوله "حيزوم" بفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وضم الراء المعجمة وآخره ميم كذا رواه الكافة ورواه بعض رواة مسلم بالنون. قال ابن الأثير (¬3): وقد جاء في التفسير أنه اسم فرس جبريل عليه السلام أراد "يا حيزوم" فحذف حرف النداء. 4738 - قال: رأيت عن يمين النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن شماله يوم أحد رجلين، عليهما ثياب بيض، يقاتلان كأشد القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد، يعني: جبريل وميكائيل. قلت: رواه البخاري في المغازي ومسلم في فضائل النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث سعد بن أبي وقاص (¬4). 4739 - قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رهطًا إلى أبي رافع، فدخل عليه عبد الله ابن عتيك بيته ليلًا وهو نائم، فقتله، فقال عبد الله بن عتيك: فوضعت السيف في بطنه، حتى أخذ في ظهره، فعرفت أني قتلته، فجعلت أفتح الأبواب، حتى انتهيت إلى درجة، فوضعت رجلي فوقعت في ليلة مقمرة، فانكسرت ساقي، فعصبتها بعمامة، فانطلقت ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1763). (¬2) انظر: الصحاح للجوهري (5/ 2007). (¬3) انظر: النهاية (1/ 467). (¬4) أخرجه البخاري (4054)، ومسلم (2306).

إلى أصحابي، فانتهيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فحدثته، فقال: "ابسط رجلك". فبسطت رجلي، فمسحها، فكأنما لم أشتكها قط. قلت: رواه البخاري (¬1) في المغازي من حديث البراء بن عازب، ولم يذكر مسلم قصة رافع وكان اسمه: عبد الله بن أبي الحقيق وكان ذلك بعد قتل كعب بن الأشرف. 4740 - قال: إنا يوم الخندق نحفر، فعرضت لي كدية شديدة، فجاؤوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق، فقال: "أنا نازل" ثم قام وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقًا، فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - المعول، فضرب، فعاد كثيبًا أهيل، فانكفأت إلى امرأتي فقلت: هل عندك شيء، فإني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خَمَصًا شديدًا؟، فأخرجت جرابًا فيه صاع من شعير، ولنا بهيمة داجن، فذبحتها، وطحنت الشعير، حتى جعلنا اللحم في البرمة، ثم جئت النبي - صلى الله عليه وسلم - فساررته فقلت: يا رسول الله ذبحنا بهيمة لنا، وطحنت صاعًا من شعير، فتعال أنت ونفر معك، فصاح النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا أهل الخندق إن جابرًا صنع سورًا، فحيّ هلا بكم" فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُنزلن برمتكم، ولا تخبزن عجينكم حتى أجيء"، وجاء فأخرجت له عجيننا، فبصق فيه وبارك، ثم عمد إلى بُرْمتنا، فبصق وبارك، ثم قال: "ادعي خابزة فلتخبز معك، واقدحي من برمتكم، ولا تنزلوها". وهم ألف، فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا، وإنّ بُرمتنا لتغطّ كما هي، وإن عجيننا ليخبز كما هو. قلت: رواه البخاري في المغازي من حديث جابر (¬2). والكدية: بضم الكاف قطعة غليظة صلبة من حجر أو غيره، لا يعمل فيها المعول ولا الفأس شيئًا. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4038) (4039) (4040). (¬2) أخرجه البخاري (4101) (4102)، ومسلم (2039).

"وكثيبًا أهيل" قال البخاري: "أهيل أراهم بالسيل، والكثيب: الرمل المستطيل المحدود ب، ومعنى أهيل: رملًا سائلًا ومنه "كثيبًا مهيلًا" أي مصبوبًا سائلًا فكل شيء أرسلته من دقيق أو رملي أو غيره فقد هلته وأهلت لغة في هلت فهو مهال ومهيل. ومعنى أهيم: كمعنى أهيل والهيام بالفتح الرمل الذي لا يتماسك أن يسيل من اليد اللينة. قوله فانكفأت إلى امرأتي: أي رجعت إلى امرأتي. وخمصًا: بفتح الخاء المعجمة والميم وبالصاد المهملة أي ضمورًا في بطنه من الجوع، والخمصة: الجوعة، والمخمصة شدة المجاعة. والبهيمة: بضم الموحدة وفتح الهاء تصغير بهمة وهي الصغيرة من أولاد المعز. والداجن: هي الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم. والسور: الطعام الذى يدعى إليه الناس، واللفظة فارسية كذا قاله ابن الأثير (¬1). وحي هلا بكم: أي هلموا إلى ذلك وأقبلوا مسرعين، وهما كلمتان جعلتا كلمة واحدة، والبرمة: القدر مطلقًا وجمعها برام. واقدحي: أي اغرفي، والمقدحة: المغرفة. قوله: وإن برمتنا لتغط هو بالغين المعجمة والطاء المهملة أي لتغلى وتسمع غطيطها. 4741 - قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعمار حين يحفر الخندق: فجعل يمسح رأسه، ويقول: "بؤس ابن سُمَيّة، تقتلك الفئة الباغية". قلت: رواه مسلم في الفتن من حديث أبي قتادة. (¬2) قال ابن الأثير (¬3): بأس يبأس بؤسًا وبأسًا: افتقر واشتدت حاجته، والاسم منه بائس، كأنه - صلى الله عليه وسلم - ترحّم له في الشدة التي يقع فيها، فقال: بؤس ابن سمية أي يا بؤس. ¬

_ (¬1) انظر: النهاية (2/ 420). (¬2) أخرجه مسلم (2915). (¬3) انظر: النهاية (1/ 89).

وسمية اسم أم عمار، وهي أول شهيدة استشهدت في الإسلام قتلها أبو جهل قبل الهجرة. 4742 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: حين أجلي الأحزاب عنه: "الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم". قلت: رواه البخاري في المغازي من حديث سليمان بن صرد، وليس لسليمان في الصحيحين إلا حديثان هذا أحدهما. (¬1) 4743 - قالت: لما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الخندق، وضع السلاح واغتسل، أتاه جبريل وهو ينفض رأسه من الغبار، فقال: وضعت السلاح؟، والله ما وضعته، اخرج إليهم! قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فأين؟ "، فأشار إلى بني قريظة. قلت: رواه البخاري في المغازي ومسلم في الصلاة كلاهما من حديث عائشة. (¬2) 4744 - قال أنس: كأني أنظر إلى الغبار ساطعًا في زقاق بني غَنْم موكب جبريل عليه السلام حين سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بني قريظة. قلت: رواه البخاري في بدء الخلق وفي المغازي من حديث حميد بن هلال عن أنس. (¬3) وبني غنم: بفتح الغين المعجمة وسكون النون. و "موكب جبريل" أي قومه الذي هو فيهم. والموكب: هو الجماعة الذي يسيرون برفق. 4745 - قال: عطش الناس يوم الحديبية، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين يديه ركوة، فتوضأ منها، ثم أقبل الناس نحوه، قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ به ونشرب، إلا ما في ركوتك، فوضع النبي - صلى الله عليه وسلم - يده في الركوة، فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، قال: فشربنا وتوضأنا. قيل لجابر: كم كنتم؟ قال: لو كنا مئة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4109) (4110). (¬2) أخرجه البخاري (4117)، ومسلم (1769). (¬3) أخرجه البخاري (4118).

قلت: رواه الشيخان في المغازي كلاهما من حديث جابر بن عبد الله. (¬1) 4746 - قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربع عشرة مائة يوم الحديبية، -والحديبية بئر-، فنزحناها فلم نترك فيها قطرة، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأتاها فجلس على شفيرها، ثم دعا بإناء من ماء، فتوضأ ثم مضمض ودعا، ثم صبّه فيها، ثم قال: "دعوها ساعة"، فأرووا أنفسهم وركابهم حتى ارتحلوا. قلت: رواه البخاري في علامات النبوة قال: وكانوا ألفًا وأربع مائة أو أكثر ولم يخرج مسلم عن البراء في هذا شيئًا. (¬2) والحديبية: بتخفيف الياء، وعامة الفقهاء والمحدثين يشددونها، سميت ببئر هناك عن مسجد الشجرة، وبينها وبين المدينة تسع مراحل، قيل: هي من الحرم وقيل بعضها من الحل، وكانت غزوة الحديبية في ذي القعدة في السنة السادسة من الهجرة. 4747 - قال: كنا في سفر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاشتكى إليه الناس من العطش، فنزل، فدعا فلانًا، ودعا عليًّا، فقال: "اذهبا فابتغيا الماء"، فانطلقا فلقيا امرأة بين مزادنين -أو سطيحتين- من ماء، فجاءا بها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستنزلوها عن بعيرها، ودعا النبي - صلى الله عليه وسلم - بإناء، ففرّغ فيه من أفواه المزادتين، ونودي في الناس: اسقوا واستقوا، قال: فشربنا عطاشًا أربعين رجلًا حتى روينا، فملأنا كل قِرْبة معنا وإداوة، وايم الله، لقد أقلع عنها، وإنّه ليخيل إلينا أنها أشد ملأة منها حين ابتدأ. قلت: رواه البخاري في التيمم، واللفظ له ومسلم في الصلاة في باب "من نام عن صلاة أو نسيها" كلاهما من حديث عمران بن حصين في حديث طويل اختصر المصنف منه هذه القطعة. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4152)، ومسلم (1856). (¬2) أخرجه البخاري (3577). (¬3) أخرجه البخاري (344)، ومسلم (682).

والمزادة: التي يسميها الناس الراوية، والراوية: اسم البعير الذي يستقى عليه ثم توسع فيه، والسطيحة: نحو المزادة غير أنها أصغر من المزادة فهي من جلدين والمزادة أكبر. 4748 - قال: سرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نزلنا واديًا أفيح، فذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقضي حاجته، فلم ير شيئًا يستتر به، وإذا شجرتان بشاطىء الوادي، فانطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى إحداهما، فأخذ بغصن من أغصانها، فقال: "انقادي علي بإذن الله"، فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده، حتى أتى الشجرة الأخرى، فأخذ بغصن من أغصانها، فقال: "انقادي علي بإذن الله". فانقادت معه كذلك، حتى إذا كان بالمنصف مما بينهما، قال: "التئما علي بإذن الله"، فالتأمتا، فجلست أحدث نفسي، فحانت مني لفتة، فإذا أنا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقبلًا، وإذا الشجرتان قد افترقتا، فقامت كل واحدة منهما على ساق. قلت: رواه مسلم في الزهد (¬1) في أواخر الكتاب في حديث طويل فيه أحاديث لأبي اليسر كعب بن عمرو السلمي الصحابي، وأحاديث جابر بن عبد الله من رواية عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار قبل أن يهلكوا: فكان أول من لقينا أبا اليسر صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... وساق عن أبي اليسر قصة طويلة ثم أتى جابر بن عبد الله وساق عنه أطول من ذلك، ذكر المصنف قطعة مما هو عن جابر، ولولا خشية الإطالة لذكرته بطوله، لما اشتمل عليه من الفوائد ذكره الحميدي في مسند أبي اليسر فيما انفرد به مسلم عن البخاري (¬2). قوله "واد فيح": قال في النهاية (¬3): كل موضع واسع يقال له: أفيح. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (3012). (¬2) انظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (3/ 513 - 518) رقم (3037). (¬3) انظر: النهاية (3/ 484).

والمخشوش: بخاء وشينين معجمتين هو البعير الذي جعل في أنفه خشاش -بكسر الخاء- وهو عود يربط عليه حبل يدلك به لينقاد. قوله "الذي يصانع قائده" أي الذي يطاوع وينقاد لقائده. والمنصف: بفتح الميم والصاد وهو نصف المسافة. 4749 - قال: رأيت أثر ضربة في ساق سلمة بن الأكوع فقلت: يا أبا مسلم ما هذه الضربة؟ قال: ضربة أصابتني يوم خيبر، فقال الناس: أصيب سلمة، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فنفث فيه ثلاث نفثات، فما اشتكيتها حتى الساعة. قلت: رواه البخاري في المغازي، وأبو داود في الطب من حديث يزيد بن أبي عبيد عن سلمة. (¬1) تنبيه: ما قلناه هو المعتمد نبه عليه المزي وغيره وعزاه ابن الأثير لأبي دواد خاصة وهو وهم والله أعلم (¬2). 4750 - قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر: "لأعطين هذه الراية غدًا رجلًا يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله". فلما أصبح الناس، غَدَوْا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "أين علي بن أبي طالب؟ " فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينه، فأُتي به، فبصق في عينه، ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية. قلت: رواه البخاري في فضائل علي وفي الجهاد من حديث سهل بن سعد، وكانت غزوة خيبر في السنة السادسة من الهجرة. (¬3) 4751 - قال: نعى رسول - صلى الله عليه وسلم - زيدًا، وجعفرًا، وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال: "أخذ الراية زيد، فأصيب، ثم أخذ جعفر، فأصيب، ثم أخذ ابن ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4206)، وأبو داود (3894). (¬2) انظر: تحفة الأشراف (4/ 47 رقم 4546)، وجامع الأصول (11/ 376) رقم (8924). (¬3) أخرجه البخاري (3701) (4210)، ومسلم (2406).

رواحة، فأصيب"، وعيناه تذرفان، "حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله -يعني: خالد بن الوليد- حتى فتح الله عليهم". قلت: رواه البخاري في الجنائز وفي الجهاد وفي علامات النبوة وفي المغازي من حديث أنس، وهذه الغزوة غزوة مؤتة كانت في السنة الثامنة من الهجرة. (¬1) 4752 - قال: شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، فلما التقى المسلمون والكفار، ولّى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركض بغلته قبل الكفار، وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكفها إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بركاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -وهو على بغلته كالمتطاول عليها- إلى قتالهم فقال: "هذا حين حمي الوطيس"، ثم أخذ حصيات فرمى بهنّ وجوه الكفار، ثم قال: "انهزموا ورب محمد"، فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته، فما زلت أرى حَدّهم كليلًا وأمرهم مدبرًا. قلت: رواه مسلم في المغازي مطولًا والنسائي في البر من حديث العباس ابن عبد المطلب ولم يخرجه البخاري. (¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "حمي الوطيس" هو التنور، واستعاره لشدة الحرب، ويقال: هو من كلامه - صلى الله عليه وسلم - ابتكره لم يسبق إليه، وغزوة حنين كانت في السنة الثامنة عام فتح مكة. 4753 - قيل للبراء: أفررتم يوم حنين؟ قال: لا، والله ما ولَّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن خرج شبان أصحابه ليس عليهم كثير سلاح، فلقوا قومًا رماة لا يكاد يسقط لهم سهم، فرشقوهم رشقًا ما يكادون يخطئون، فأقبلوا هناك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحارث يقوده، فنزل واستنصر وقال: أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب ثم صفّهم. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4262). (¬2) أخرجه مسلم (1775)، والنسائي في الكبرى (8653).

قلت: رواه الشيخان كلاهما في المغازي بألفاظ متقاربة من حديث أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، قال: قال رجل للبراء: أفررتم يوم حنين ... الحديث. (¬1) 4754 - قال: كنا والله إذا احمر البأس، نتقي به، وإن الشُّجاع منا للذي يحاذي به، يعني النبي - صلى الله عليه وسلم -. قلت: رواه الشيخان وهو رواية من الحديث الذي قبله. (¬2) واحمر البأس: أي اشتد الحرب من قولهم: موت أحمر إذا وصف. بالشدة، وربما يكون احمرار الحرب كناية عن كثرة إراقة الدماء. ونتقي به أي نجعله واقيًا لنا العدو. 4755 - قال: غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حنينًا، فولّى صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما غَشُوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزل عن البغلة، ثم قبض قبضة من تراب من الأرض، ثم استقبل به وجوههم، فقال: "شاهت الوجوه". فما خلق الله منهم إنسانًا إلا ملأ عينيه ترابًا بتلك القبضة، فولّوا مدبرين. قلت: رواه مسلم في المغازي من حديث سلمة بن الأكوع ولم يخرجه البخاري. (¬3) وشاهت الوجوه: بالشين المعجمة أي قبحت. 4756 - قال: شهدنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حنينًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجل ممن معه -يدعي الإسلام-: "هذا من أهل النار". فلما حضر القتال، قاتل الرجل أشد القتال، وكثرت به الجراح، فجاء رجل، فقال: يا رسول الله أرأيت الذي تحدث أنه من أهل النار، قد قاتل في سبيل الله من أشد القتال، فكثرت به الجراح؟، فقال: "أما إنه من أهل النار". فكاد بعض الناس يرتاب، فبينما هم على ذلك، إذ وجد الرجل ألم الجراح، فأهوى بيده إلى كنانته، فانتزع سهمًا فانتحر بها، فاشتد رجال من المسلمين إلى ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4315) (4316) (4317)، ومسلم (1776). (¬2) أخرجه البخاري (4317)، ومسلم (1776). (¬3) أخرجه مسلم (1777).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا رسول الله صدّق الله حديثك، قد انتحر فلان، وقتل نفسه، فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله، يا بلال قم فأذن: لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر. قلت: رواه البخاري في غزوة خيبر وفي كتاب القدر من حديث أبي هريرة وقال فيه: "شهدنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر ... وساقه، ومسلم في كتاب الإيمان وقال فيه: شهدنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حنينًا، كما رواه المصنف وبقية الحديث بلفظ البخاري إلا قوله "الله أَكْبَرُ، أشهد أني عبد الله ورسوله" فإني لم أقف عليه في البخاري في الموضعين المذكورين. (¬1) قال عبد الحق: لم يقل البخاري "حنينًا" إلا في طريق منقطع. قلت: وهو كما قال: فقد أسند البخاري الحديث، وقال: شهدنا خيبر وذكر الحديث ثم قال بعده: وقال: شبيب عن يونس عن ابن شهاب أخبرني ابن المسيّب وعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب أن أبا هريرة قال: شهدنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حنينًا، انتهى. قال عبد الحق: والصواب ذكر الحديث في غزوة خيبر. قال النووي (¬2): وقع في أصول مسلم حنينًا، قال القاضي (¬3): وصوابه خيبر بالخاء المعجمة. 4757 - قالت: سحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أنه ليخيل إليه أنه فعل الشيء، وما فعله، حتى إذا كان ذات يوم عندي دعا الله ودعاه، ثم قال: "أشعرت يا عائشة إن الله قد أفتاني فيما استفتيته؟، جاءني رجلان، جلس أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، ثم قال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب، قال: ومن طبّه؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي، قال: في ماذا؟ قال: في مِشط ومُشاطة وجُف طَلْعة ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي (4203) (4204)، وفي القدر (6606)، ومسلم (111). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (2/ 163). (¬3) انظر: إكمال المعلم (1/ 393).

ذكَر، قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذروان". فذهب النبي - صلى الله عليه وسلم - في أناس من أصحابه إلى البئر، فقال: "هذه البئر التي أريتها"، وكأنّ ماؤها نُقاعة الحناء، وكان نخلها رؤوس الشياطين، فاستخرجه. قلت: رواه الشيخان كلاهما في الطب من حديث حماد بن أسامة عن هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة. (¬1) والمطبوب: بالطاء المهملة المراد به هنا المسحور، كنوا بالطب عن السحر تفاؤلًا بالبرء كما كنوا بالسليم عن اللديغ. قوله: في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر، المشاطة: بضم الميم وهي الشعر الذي يسقط من الرأس واللحية عند تسريحه بالمشط. وأما المشط: ففيه لغات: المشهور منها ضم الميم وإسكان الشين المعجمة. وجب طلعة ذكر: بضم الجيم وبالباء الموحدة. قال النووي (¬2): كذا هو في أكثر نسخ مسلم، وفي بعضها: جف بالجيم والفاء وهما بمعنى، وهو وعاء طلع النخل وهو الغشاء الذي يكون عليه، ويطلق على الذكر والأنثى، فلهذا قيده في الحديث بقوله: طلعة ذكر، وهو بإضافة طلعة إلى ذكر. ووقع في البخاري من رواية ابن عيينة، ومشاقة: بالقاف بدل مشاطة وهي المشاطة أيضًا، وقيل: مشاقة الكتان. قوله: في بئر ذروان، هكذا هو في معظم روايات البخاري وجميع نسخ مسلم بئر ذي أروان، قال النووي (¬3): وكلاهما صحيح، والثاني أجود وأصح، وادعى ابن قتيبة أنه الصواب، وهو قول الأصمعي وهي بئر بالمدينة في بستان لبني زريق. ونقاعة الحناء: بضم نون نقاعة، والحناء ممدود أي كأنه الماء الذي نقع فيه الحناء. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3268) (5763) (765) (5766) (6391)، ومسلم (2189). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (254). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (14/ 254).

4758 - قال: بينما نحن عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقسم قَسْمًا، إذ أتاه ذو الخويصرة -وهو رجل من بني تميم-، فقال: يا رسول الله اعدل، فقال: "ويلك فمن يعدل إذا لم أعدل؟، قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل"، فقال عمر: ائذن لي أضرب عنقه، فقال: "دعه فإن له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية: ينظر إلى نصله، إلى رصافه؛ إلى نضيّه -وهو قِدحه-؛ إلى قُذذه، فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفرث والدم، آيتهم رجل أسود، إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر، ويخرجون على حين فرقة من الناس". قال أبو سعيد: أشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم، وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس، فأتي به حتى نظرت إليه على نعت النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي نعته. قلت: رواه الشيخان البخاري في مواضع منها في علامات النبوة وفي الأدب ومسلم في الزكاة والنسائي في فضائل القرآن وابن ماجه في السنة. (¬1) قال عبد الحق في الجمع بين الصحيحين: في رواية الحموي وأبي الهيثم. على حين: بالنون، وفي رواية المستملي: على خير بالخاء، والراء ذكره البخاري في كتاب الأدب وقال: على حين بالنون فهم كلهم انتهى (¬2). وذو الخويصرة: بضم الخاء المعجمة مصغر. قوله: "خبت وخسرت" روي بفتح التاء فيهما، وبضمهما، ومعنى الضم ظاهر ومعنى: خبت أنت أيها التابع إذا كنت لا أعدل لكونك تابعًا ومقتديًا بمن لا يعدل. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الأدب (6163)، وفي علامات النبوة (3611)، ومسلم (1064)، وابن ماجه (169). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (7/ 233).

قال النووي (¬1): والفتح أشهر، ومعنى: لا تجاوز تراقيهم، لا تفقهه قلوبهم ولا ينتفعون بما يتلونه منه أو لا يصعد لهم عمل. وتراقيهم: جمع ترقوة وهي العظم الذي بين نقرة النحر والعاتق. ويمرقون: أي يخرجون. والدين: الإسلام. والرمية: بتشديد الياء آخر الحروف هي الصيد المرمي، فعيلة بمعنى مفعولة. والرصاف: بكسر الراء وبالصاد المهملة وهو مدخل النصل من السهم. والنصل: هو حديدة السهم، والنضي: بفتح النون وكسر الضاد المعجمة وتشديد الياء، والقدح: عوده. والقذذ: بفتح القاف (¬2). - وفي رواية: أقبل علينا رجل غائر العينين، ناتىءُ الجبهة، كثّ اللحية، مشرف الوجنتين، محلوق الرأس، فقال: يا محمد اتق الله، فقال: "فمن يطيعُ الله إذا عصيته؟، فيأمنني الله على أهل الأرض ولا تأمنوني؟ ". فسأل رجل قتله، فمنعه، فلما ولّى قال: "إن من ضئضىء هذا قومًا يقرؤون القرآن، لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية، فيقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد". قلت: رواها الشيخان أيضًا. (¬3) وغائر العينين: يعني دخولهما في نقرتيهما وهو بالغين المعجمة وبعدها ألف ثم ياء آخر الحروف. وناتيء الجبهة: بالهمز أي مرتفعها. وكث اللحية: بفتح الكاف والثاء المثلثة وهو كثيفها. والضئضئ: بضادين مكسورتين وآخره همزه وهو: أصل الشيء. ¬

_ (¬1) انظر: المصدر السابق (7/ 224). (¬2) انظر: المصدر السابق (7/ 232)، وأعلام الحديث (3/ 1605 - 1606). (¬3) أخرجه البخاري (3344)، ومسلم (1064).

قال النووي (¬1): كذا هو في جميع نسخ مسلم في بلادنا، وحكاه القاضي (¬2) عن الجمهور، وعن بعضهم أنه ضبطه بالمعجمتين والمهملتين جميعًا، وهذا صحيح في اللغة ومعناهما واحد. 4759 - قال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يومًا، فأسمعتني في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أكره، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي، قلت: يا رسول الله ادع الله أن يهدي أم أبي هريرة، فقال: "اللهم اهد أم أبي هريرة" فخرجت مستبشرًا بدعوة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما صرت إلى الباب، فإذا هو مجاف، وسمعت أمي خَشْف قدمي، فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء، فاغتسلت، ولبست درعها، وعجلت عن خمارها، ففتحت الباب ثم قالت: يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي من الفرح، فحمد الله، وقال خيرًا". قلت: رواه مسلم في المناقب من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬3) ومجاف: أي مردود، يقال: أجاف الباب إذا رده، وخشف قدمي: أي حس قدمي، والخشف: الحس والحركة، وقيل: هو الصوت. والخضخضة: بخاءين وضادين معجمات وأصل الخضخضة بالتحريك. 4760 - قال: إنكم تقولون: أكثر أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، والله الموعد، وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخوتي من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم، وكنت امرءًا مسكينًا ألزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ملء بطني. قلت: رواه البخاري في المزارعة وفي غيرها ومسلم في المناقب والنسائي في العلم. (¬4) ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (7/ 227). (¬2) انظر: إكمال المعلم (3/ 608). (¬3) أخرجه مسلم (2491). (¬4) أخرجه البخاري (2350)، ومسلم (2492)، والنسائي في الكبرى (5866).

- قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يومًا: "لن يبسط أحد منكم ثوبه، حتى أقضي مقالتي هذه، ثم يجمعه إلى صدره، فينسى من مقالتي شيئًا أبدًا"، فبسطت نمرة ليس عليّ ثوب غيرها، حتى قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - مقالته، ثم جمعتها إلى صدري، فوالذي بعثه بالحق، ما نسيت من مقالته ذلك إلى يومي هذا. قلت: رواه الشيخان من حديث ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة واللفظ للبخاري وهو الحديث الذي قبله. (¬1) 4761 - قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا تريحني من ذي الخلصة؟ " فقلت: بلى، وكنت لا أثبت على الخيل، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -؟، فضرب يده على صدري، حتى رأيت أثر يده في صدري، وقال: "اللهم ثبته، واجعله هاديًا مهديًا". قال: فما وقعت عن فرس بعد، فانطلق في مائة وخمسين فارسًا من أحمس، فحرّقها بالنّار وكسرها. قلت: رواه البخاري في المغازي ومسلم في المناقب من حديث جرير بن عبد الله. (¬2) وذو الخلصة: بفتح الخاء المعجمة واللام على المشهور، وحكى القاضي أيضًا ضم الخاء مع فتح اللام، وحكى أيضًا فتح الخاء وسكون اللام وهو بيت في اليمن كان فيه أصنام يعبدونها وكان يقال لها الكعبة اليمانية (¬3). وأحمس: بالحاء والسين المهملتين واحد الحمس وهم قريش ومن ولَدَتْ قريش، وكنانة، وجديلة قيس، سُموا خمْسًا لأنهم تحمّسوا في دينهم: أي تشددوا (¬4). ¬

_ (¬1) نفس التخريج السابق. (¬2) أخرجه البخاري (4355) (3455) (4357)، ومسلم (2476). (¬3) انظر: إكمال المعلم (7/ 512)، والمنهاج للنووي (16/ 52). (¬4) انظر: النهاية لابن الأثير (1/ 440).

4762 - إن رجلًا كان يكتب للنبي - صلى الله عليه وسلم - فارتد عن الإسلام، ولحق بالمشركين، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الأرض لا تقبله"، فأخبرني أبو طلحة أنه أتى الأرض التي مات فيها، فوجده منبوذًا، فقال: ما شأن هذا؟ فقالوا: دفناه مرارًا فلم تقبله الأرض. قلت: رواه البخاري في علامات النبوة ومسلم في المنافقين من حديث أنس، وهذا الرجل (¬1) كان من بني النجار كما جاء مصرحًا به في مسلم وفي غيره. (¬2) 4763 - قال: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد وجبت الشمس، فسمع صوتًا فقال: "يهود تعذب في قبورها". قلت: رواه البخاري في الجنائز ومسلم في صفة أهل النار والنسائي في الجنائز كلهم من حديث أبي أيوب. (¬3) 4764 - قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - من سفر، فلما كان قرب المدينة، هاجت ريح تكاد أن تَدْفن الراكب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بعثت هذه الريح لموت منافق"، فقدم المدينة فإذا عظيم من المنافقين قد مات. قلت: رواه مسلم في التوبة من حديث الأعمش عن أبي سفيان عن جابر ولم يخرجه البخاري. (¬4) 4765 - قال: خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى قدمنا عُسفان، فأقام بها ليالي، فقال الناس: ما نحن ههنا في شيءٍ، كان عيالنا لخلوف ما نأمن عليهم، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "والذي نفسي بيده ما في المدينة شعب، ولا نقب، إلا عليه ملكان يحرسانها، حتى تقدموا إليها"، ثم قال: "ارتحلوا"، فارتحلنا وأقبلنا إلى المدينة، فوالذي يحلف به، ما ¬

_ (¬1) هذا الرجل هو: الجد بن قيس المنافق، انظر: المنهاج (17/ 184). (¬2) أخرجه البخاري (3617)، ومسلم (2781). (¬3) أخرجه البخاري (1375)، ومسلم (2869)، والنسائي (4/ 102). (¬4) أخرجه مسلم (2782).

وضعنا رحالنا حين دخلنا المدينة، حتى أغار علينا بنو عبد الله بن غطفان، وما يهيجهم قبل ذلك شيء. قلت: رواه مسلم والنسائي كلاهما في المناسك في حديث طويل من حديث أبي سعيد الخدري، ولم يخرجه البخاري. (¬1) "وعيالنا لخلوف" هو بالخاء المعجمة يقال: حي خلوف إذا غاب الرجال وأقام النساء، ويطلق على المقيمين والظاعنين. والشعب: بكسر الشين هو الفرجة النافذة بين الجبلين، قال ابن السكيت: هو الطريق في الجبل. والنقب: بفتح النون على المشهور وحكى القاضي عياض (¬2) أيضًا ضمها هو مثل الشعب، قال الأخفش: أنقاب المدينة: طرقها وفجاجها. وما يهيجهم: قال النووي (¬3) عن أهل اللغة: يقال: هاج الشر وهاجت الحرب، وهاجها الناس أي تحركت وحركوها، وهجت زيدًا: أي حركته للأمر، كله ثلاثي، والمعنى: ولا كان لهم عدو يهيجهم، ويشتغلون به، بل سبب منعهم قبل قدومنا حراسة الملائكة، قوله: بنو عبد الله: هكذا وقع في بعض نسخ مسلم بفتح العين مكبرًا، ووقع في أكثرها بضم العين مصغرًا، والأول هو الصواب بلا خلاف (¬4). 4766 - قال: أصابت الناس سَنة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبينا النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب في يوم الجمعة، قام أعرابي، فقال: يا رسول الله! هلك المال، وجاع العيال فادع الله لنا، فرفع يديه، وما نرى في السماء قَزَعة، فوالذي نفسي بيده، ما وضعهما حتى ثار السحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل عن منبره، حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته، ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1374)، والنسائي في الكبرى (4276). (¬2) انظر: إكمال المعلم (4/ 494). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (9/ 209). (¬4) انظر: إكمال المعلم (4/ 494 - 496)، والمنهاج للنووي (9/ 209 - 210).

فمُطرنا يومنا ذلك، ومن الغد ومن بعد الغد، حتى الجمعة الأخرى، فقام ذلك الأعرابي، أو غيره، فقال: يا رسول الله تهدم البناء، وغرق المال، فادع الله لنا، فرفع يديه: "اللهم حوالينا ولا علينا". فما يشير إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت، وصارت المدينة مثل الجَوْبة، وسال الوادي قناة شهرًا، ولم يجىء أحد من ناحية إلا حدّث بالجود. قلت: رواه الشيخان، والنسائي كلهم في الصلاة من حديث أنس. (¬1) والسنة: المراد بها القحط. والقزعة: بفتح القاف والزاي وهي القطعة من السحاب. والجوبة: بفتح الجيم وإسكان الواو وبالباء الموحدة وهي الفجوة. والفجوة: المكان المرتفع، ومعنى ذلك: تقطع السحاب عن المدينة وصار مستديرًا حولها وهي خالية منه. والجود: بفتح الجيم وإسكان الواو وهو المطر الكثير (¬2). - وفي رواية: "اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام، والظراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر". قال: فأقلعت، وخرجنا نمشي في الشمس. قلت: رواها الشيخان من حديث أنس (¬3). والإكام: بكسر الهحزة جمع أكمة، ويقال: في جمعها: آكام بالمد والفتح ويقال: أكم بفتح الهمزة والكاف، وهو دون الجبل وأعلى من الرابية، وقيل: دون الرابية. والظراب: بكسر الظاء المعجمة واحدها ظرب بفتح الظاء وكسر الراء وهي الروابي الصغار (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (933) (1033)، ومسلم (897)، والنسائي (3/ 166). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (6/ 275). (¬3) انظر تخريج الحديث السابق. (¬4) انظر: المنهاج للنووي (6/ 274 - 275).

4767 - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب استند إلى جذع نخلة من سوارى المسجد، فلما صنع له المنبر فاستوى عليه، صاحت النخلة التي كان يخطب عندها، حتى كادت أن تنشق، فنزل النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أخذها فضمها إليه، فجعلت تئن أنين الصبي الذي يُسَكّت، حتى استقرت، قال: "بكت على ما كانت تسمع من الذكر". قلت: رواه البخاري في الصلاة وفي علامات النبوة من حديث جابر ومقتضى ما قاله ابن الأثير أن أول الحديث من رواية النسائي وباقيه من رواية البخاري. (¬1) 4768 - قال: إن رجلًا أكل عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشماله، فقال: "كل بيمينك"، فقال: لا أستطيع، قال: "لا استطعت". ما منعه ذلك إلا الكبر، قال: فما رفعها إلى فيه. قلت: رواه مسلم في الأشربة والأطعمة من حديث سلمة بن الأكوع ولم يخرجه البخاري (¬2). وهذا الرجل هو: بسر بضم الباء وبالسين المهملة ابن راعي العير بفتح العين، وبالمثناة من تحت، الأشجعي، كذا ذكره ابن منده وأبو نعيم الأصبهاني وابن ماكولا وغيرهم، وهو صحابي مشهور عده هؤلاء وغيرهم من الصحابة، وأما قول القاضي عياض (¬3): ما منعه إلا الكبر: يدل على أنه كان منافقًا فليس بصحيح، فإن مجرد الكبر والمخالفة لا يقتضي النفاق والكفر. وفيه جواز الدعاء على من خالف الأمر الشرعي بلا عذر. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في علامات النبوة (3584، 3585)، وفي الصلاة (918)، والنسائي (3/ 102). وانظر: جامع الأصول (11/ 333). (¬2) أخرجه مسلم (2021). (¬3) انظر: إكمال المعلم (6/ 487). (¬4) انظر: المنهاج (13/ 278 - 279).

4769 - قال: أن أهل المدينة فزعوا مرة، فركب النبي - صلى الله عليه وسلم - فرسًا لأبي طلحة بطيئًا، وكان يقطف، فلما رجع قال: "وجدنا فرسكم هذا بحرًا"، فكان بعد ذلك لا يجارى. قلت: رواه البخاري في الجهاد في باب الفرس القطوف، ولم يقل فيه بطيئًا من حديث سعيد عن قتادة عن أنس بهذا اللفظ، ورواه مسلم (¬1) بغير هذا اللفظ في المناقب، وقال فيه: وكان يُبَطّأُ قوله: "وكان يقطف" يقال: قطفت الدابة قطفًا والقطوف من الدواب البطيء السير. قوله: كان وجدناه لبحرًا أي كثير العدو واسع الجري (¬2). - وفي رواية: فما سُبق بعد ذلك اليوم. قلت: رواها البخاري من حديث أنس (¬3). واسم هذا الفرس: مندوب كذا جاء في الصحيح (¬4). 4770 - قال: توفي أبي وعليه دين، فعرضت على غرمائه أن يأخذوا التمر بما عليه، فأبوا، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: قد علمت أن والدي أستشهد يوم أحد، وترك دينًا كثيرًا، وإني أحب أن يراك الغرماء، فقال لي: "اذهب فبيدر كل تمر على ناحية". ففعلت، ثم دعوته، فلما نظروا إليه، كأنهم أُغروا بي تلك الساعة، فلما رأى ما يصنعون، طاف حول أعظمها بيدرًا ثلاث مرات، ثم جلس عليه، ثم قال: "ادع لي أصحابك". فما زال يكيل لهم، حتى أدى الله عن والدي أمانته، وأنا أرضى أن يؤدي الله أمانة والدي، ولا أرجع إلى إخواني بتمرة، فسلم الله البيادر كلها، وحتى أني أنظر إلى البيدر الذي كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - كأنها لم تنقص تمرة واحدة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2867) (2969)، ومسلم (2307). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (15/ 98). (¬3) أخرجها البخاري (2969). (¬4) انظر: المنهاج للنووي (15/ 98).

قلت: روى البخاري هذا الحديث بألفاظ متقاربة في البيوع وفي الاستقراض وفي الوصايا وفي المغازي وفي علامات النبوة من حديث جابر ولم يخرجه مسلم. وقد ذكره الحميدي فيما انفرد به البخاري، ورواه النسائي في الوصايا كلاهما من حديث عامر الشعبي عن جابر بن عبد الله. (¬1) وبيدر كل نوع: أي اجعل كل نوع صبرة. 4771 - قال: إن أم مالك كانت تهدي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في عُكة لها سَمنًا، فيأتيها بنوها، فيسألون الأُدْم وليس عندهم شيء، فتعمِد إلى الذي كانت تهدي فيه للنبي - صلى الله عليه وسلم - فتجد فيه سَمْنًا، فما زال يقيم لها أُدْم بيتها حتى عَصَرته، فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "عصرتيها؟ " قالت: نعم، قال: "لو تركتيها ما زال قائمًا". قلت: رواه مسلم في فضائل النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث معقل بن عبد الله عن أبي الزبير عن جابر. (¬2) والعكة: وعاء من جلد مستدير، ويختص بالسمن والعسل وهو بالسمن أخص. 4772 - قال: قال أبو طلحة لأم سليم: لقد سمعت صوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضعيفًا، أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء؟ قالت: نعم، فأخرجت أقراصًا من شعير، ثم أخرجت خمارًا لها، فلفت الخبز ببعضه، ثم دسّته تحت يدي ولاَثتني ببعضه، ثم أرسلتني إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذهبت به، فوجدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد، ومعه الناس، فقمت، فسلمت عليهم، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أرسلك أبو طلحة؟ " قلت: نعم، قال: "بطعام؟ "، قلت: نعم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن معه: "قوموا". فانطلق، وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة، فأخبرته، فقال أبو طلحة: يا أم ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في البيوع (2396)، وفي الوصايا (2781)، والاستقراض (2395)، وفي المغازي (4053)، وفي علامات النبوة (3580)، والنسائي (6/ 244). وانظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (2/ 364) رقم (1596). (¬2) أخرجه مسلم (2280).

سليم قد جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالناس، وليس عندنا ما نطعمهم، فقالت: الله ورسوله أعلم، فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو طلحة معه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هلمي يا أم سليم ما عندك"، فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففتّ، وعصرت أم سليم عكة، فأدمته، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه ما شاء الله أن يقول، ثم قال: "ائذن لعشرة" فأذن لهم، فأكلوا، حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال: "ائذن لعشرة، ثم لعشرة"، فأكل القوم كلهم وشبعوا، والقوم سبعون أو ثمانون رجلًا. قلت: رواه الشيخان البخاري في علامات النبوة بهذا اللفظ. ومسلم في الأطعمة والترمذي في المناقب والنسائي في الوليمة. (¬1) ودسته: بالدال والسين المهملتين قال ابن الأثير (¬2): يقال دسه يدسه دسًا إذا أدخله في الشيء بقهر وقوة، ولاثتني ببعضه بتائين الأولى مثلثة والثانية تاء المتكلم أي لفتني، وأدمته: هو بالمد والقصر لغتان يقال: أدمته وآدمته أي جعلت فيه إدامًا، وإنما أذن لعشرة عشرة ليكون أرفق بهم فإن القصعة التي فت فيها، لا يتحلق عليها أكثر من عشرة إلا بضرر يلحقهم لبعدها عنهم (¬3). - ويروى أنه قال: "ائذن لعشرة"، فدخلوا فقال: "كلوا وسَمُّوا الله"، فأكلوا حتى فعل ذلك بثمانين رجلًا، ثم أكل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأهل البيت، وترك سؤرا. قلت: رواه مسلم في الأطعمة أيضًا (¬4). والسؤر: بالسين والهمز هو البقية. - ويروى: فجعلت أنظر هل نقص منها شيء؟. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3578)، ومسلم (2040)، والترمذي (3630)، والنسائي في الكبرى (6617). (¬2) انظر: النهاية لابن الأثير (2/ 117). (¬3) انظر: إكمال المعلم (6/ 515 - 517)، والمنهاج للنووي (13/ 314 - 316). (¬4) انظر: المنهاج للنووي (13/ 318).

قلت: رواه البخاري (¬1). 4773 - ويروى: ثم أخذ ما بقي، فجمعه، ثم دعا فيه بالبركة، فعاد كما كان، فقال: "دونكم هذا". قلت: رواه مسلم في الأطعمة أيضًا (¬2). 4774 - قال: أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - وإناء وهو بالزوراء، فوضع يده في الإناء، فجعل الماء ينبع من بين أصابعه، فتوضأ القوم. قال قتادة: قلت: لأنس: كم كنتم؟ قال: ثلاثمائة، أو زهاء ثلاثمائة. قلت: رواه البخاري في علامات النبوة ومسلم في المناقب من حديث أنس. (¬3) وفي الحديث: أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بالزوراء، قال: والزوراء بالمدينة عند المسجد والسوق، بالزاي المعجمة المشددة وسكون الواو وبالراء المهملة وبالمد. وزهاء ثلاثمائة: بضم الزاي وبالمد أي: قدر ثلاثمائة. 4775 - قال: كنا نعد الآيات بركة، وأنتم تعدونها تخويفًا، كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فقلّ الماء، فقال: "اطلبوا فضلة من ماء"، فجاؤوا بإناء فيه ماء قليل فأدخل يده في الإناء، ثم قال: "حي على الطهور المبارك، والبركة من الله"، فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل. قلت: رواه البخاري في علامات النبوة، والترمذي في حديث ابن مسعود (¬4) ولم يخرج مسلم عن ابن مسعود في هذا الباب شيئًا. 4776 - قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم وتأتون الماء إن شاء الله تعالى غدًا"، فانطلق الناس لا يلوي أحد على أحد، قال أبو قتادة: ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الأطعمة (5450). (¬2) أخرجه مسلم (2040)، انظر: المنهاج (13/ 317). (¬3) أخرجه البخاري (3572)، ومسلم (2279). (¬4) أخرجه البخاري (3579)، والترمذي (3633).

فبينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسير حتى ابْهار الليل، فمال عن الطريق، فوضع رأسه ثم قال: "احفظوا علينا صلاتنا"، فكان أول من استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والشمس في ظهره، ثم قال: "اركبوا"، فركبنا فسرنا، حتى إذا ارتفعت الشمس نزل، ثم دعا بميضأة كانت معي، وفيها شيء من ماء، فتوضأ منها وضوءًا دون وضوء، قال: وبقي فيها شيء من ماء، ثم قال: "احفظ علينا ميضأتك، فسيكون لها نبأ"، ثم أذن بلال بالصلاة، فصلّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين، ثم صلى الغداة، وركب وركبنا معه، فانتهينا إلى الناس حين امتد النهار وحمي كل شيء، وهم يقولون: يا رسول الله! هلكنا وعطشنا، فقال: "لا هلْك عليكم". ودعا بالميضأة، فجعل يصب، وأبو قتادة يسقيهم، فلم يعد أن رأى الناس ماء في الميضأة، تكابوا عليها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أحسنوا الملأ، كلكم سيروي". قال: ففعلوا، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصب وأسقيهم، حتى ما بقي غيري وغير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم صب، فقال لي: "اشرب". فقلت: لا أشرب حتى تشرب يا رسول الله، فقال: "إن ساقي القوم آخرهم شُرْبًا". قال: فشربت وشرب، قال: فأتى الناس الماء جامين رواء. قلت: رواه مسلم في الصلاة مطولًا، اختصره المصنف وقد خرج البخاري هذا الحديث في الصلاة وفي غيرها مختصرًا، ولم يذكر فيه: إلا نومهم عن الصلاة وفعلها بعد ارتفاع الشمس، وأبو داود والنسائي في الصلاة أيضًا كلهم من حديث أبي قتادة. (¬1) ولا يلوي: أي لا يلتفت ولا يعطف، وابْهار الليل: هو بالموحدة وتشديد الراء أي انتصف، والميضأة: بكسر الميم وبالياء المثناة من تحت وبهمزة بعد الضاد المعجمة وهي الإناء الذي يتوضأ به كالركوة. قوله: "فتوضأ منها وضوءًا دون وضوء": معناه وضوءًا خفيفًا مع أنه أسبغ الأعضاء. ونقل القاضي عياض عن بعض شيوخه أن معناه (¬2): توضأ ولم يستنج بماء، بل استجمر بالأحجار، وفي هذا نظر. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (681) وهو للبخاري (595) باختصار. والنسائي (1/ 294)، وأبو داود (441). (¬2) انظر: إكمال المعلم (2/ 672).

قوله: "فلم يعد أن رأى الناس ما في الميضأة" قال النووي (¬1): ضبطناه ما بالمد والقصر وكلاهما صحيح. وتكابوا: بالتاء المثناة من فوق والكاف وبعد الألف باء موحدة أي ازدحموا هكذا ذكره ابن الأثير (¬2) في الكاف مع الباء الموحدة ثم ذكره في الكاف مع التاء ثالثة الحروف، وقال: التَّزَاحُم مع صَوْت وهو من الكَتِيت: وهو الهَدير والغَطيط، هكذا رواه الزمخشري وشَرحه والمحفوظ تَكَابَّ بالباء الموحدة وقد تقدم انتهى كلام ابن الأثير. قوله - صلى الله عليه وسلم -: أحسنوا الملأ: هو بفتح الميم واللام وآخره همزة وهو منصوب مفعول أحسنوا، والملأ الخلق والعشرة، يقال: ما أحسن ملأ فلان، أي خلقه وعشرته، وجامين: هو بالجيم وتشديد الميم جمع جام وهو المستريح. ورواء: بكسر الراء. 4777 - قال: لما كان يوم غزوة تبوك، أصاب الناس مجاعة، فقال عمر: يا رسول الله! ادعهم بفضل أزوادهم، ثم ادع الله لهم عليها بالبركة، فقال: "نعم"، فدعا بنِطَع فبُسط، ثم دعا بفضل أزوادهم، فجعل الرجل يجيء بكف ذرة، ويجيء الآخر بكف تمر، ويجيء الآخر بكسرة حتى اجتمع على النطع شيء يسير، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبركة ثم قال: "خذوا في أوعيتكم". فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملؤوه، قال: فأكلوا حتى شبعوا وفضلت فضلة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك، فيحجب عن الجنة". قلت: رواه مسلم في الإيمان من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد شك الأعمش ولم يخرجه البخاري من حديث أبي سعيد ولا أبي هريرة ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (6/ 264). (¬2) انظر: النهاية (4/ 138) و (4/ 149).

وخرج من حديث سلمة بن الأكوع قريبًا من معناه، في باب حمل الزاد في الغزو من كتاب الجهاد، وفي الشركة في باب الطعام ولم يخرج مسلم عن سلمة في هذا شيئًا. (¬1) والنطع: فيه أربع لغات مشهورة، أشهرها: بكسر النون مع فتح الطاء، والثانية: بفتحهما، والثالثة: بفتح النون مع إسكان الطاء، والرابعة: بكسر النون مع إسكان الطاء، قاله النووي (¬2). قوله "وفضلت فضلة" يقال: فضِل وفضَل بكسر الضاد وفتحها لغتان مشهورتان. 4778 - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عروسًا بزينب، فعمدت أمي -أم سليم- إلى تمر وسمن وأقط، فصنعت حَيْسًا، فجعلته في تَوْر، فقالت: يا أنس اذهب بهذا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقل: بعثت هذا إليك أمي، وهي تقرئك السلام، وتقول: إن هذا لك منا قليل يا رسول الله! فذهبت فقلت، فقال: "ضعه"، ثم قال: "اذهب فادع لنا فلانًا وفلانًا وفلانًا"، رجالًا سماهم، "وادع لي من لقيت"، فدعوت من سمّى ومن لقيت، فرجعت فإذا البيت غاص بأهله، قيل لأنس: كم كان عددكم؟ قال: زهاء ثلاثمائة، فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وضع يده على تلك الحيسة وتكلم بما شاء الله، ثم جعل يدعو عشرة عشرة يأكلون منه، ويقول لهم: "اذكروا اسم الله، وليأكل كل رجل مما يليه". قال: فأكلو حتى شبعوا، فخرجت طائفة ودخلت طائفة حتى أكلوا كلهم، قال: "يا أنس ارفع". فرفعت فما أدري حين وضعت كان أكثر أم حين رفعت؟. قلت: رواه البخاري في الهدية، وذكره في سورة الأحزاب وذكر فيه سبب نزول الحجاب ومسلم في الوليمة واللفظ له والترمذي في التفسير. (¬3) والحيس: طعام يتخذ مما وصف في الخبر وربما جعلت فيه خميرة وهو بفتح الحاء المهملة وبالياء آخر الحروف، وبالسين المهملة. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (27)، وفي البخاري (2982) عن سلمة نحوه. (¬2) انظر: المنهاج للنووي (1/ 310). (¬3) أخرجه البخاري (5163)، ومسلم (1428)، والترمذي (3630).

والتور: بالتاء المثناة هو مثل القدح من الحجارة (¬1). وغاص: بالغين المعجمة وبالصاد المهملة، قال الجوهري (¬2): يقال المنزل غاص بالقوم أي ممتليء بهم، وزهاء ثلاثمائة: قال في المشارق (¬3): بضم الزاي ممدود أي قدر ذلك ويقال لهاء باللام أيضًا. 4779 - قال: غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا على ناضح قد أعيا، فلا يكاد يسير، فتلاحق بي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ما لبعيرك؟ "، قلت: قد عَييَ، فتخلّف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فزجوه فدعا له، فما زال بين يدي الإبل قدامها يسير، فقال لي: "كيف ترى بعيرك؟ " قلت: بخير، قد أصابته بركتك، قال: "أفتبيعنيه بوقية؟ "، فبعته على أنّ لي فقار ظهره إلى المدينة، قال: فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، غدوت عليه بالبعير، فأعطاني ثمنه، ورده علي. قلت: رواه الشيخان: البخاري في الشروط وفي غيره ومسلم والنسائي كلاهما في البيوع من حديث جابر بن عبد الله. (¬4) والناضح: البعير الذي يسقى عليه، وفقار: بالفاء قبل القاف، قال ابن الأثير (¬5): خرزاته، الواحدة: فقارة. 4780 - قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة تبوك، فأتينا وادي القرى على حديقة لامرأة، فقال رسول - صلى الله عليه وسلم -: "اخرصوها". فخرصناها وخرصها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة أوسق، وقاله: "أحصيها حتى نرجع إليك إن شاء الله"، وانطلقنا حتى قدمنا تبوك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ستهب عليكم الليلة ريح شديدة فلا يقم فيها أحد، فمن كان له ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (9/ 327). (¬2) انظر: الصحاح للجوهري (3/ 1047). (¬3) انظر: مشارق الأنوار (1/ 313). (¬4) أخرجه البخاري (2967) (2097) (2718)، ومسلم (715)، والنسائي (7/ 299). (¬5) انظر: النهاية لابن الأثير (3/ 462).

بعير فليشد عقاله"، فهبت ريح شديدة، فقام رجل فحملته الريح فألقته بجبلي طيء، ثم أقبلنا حتى قدمنا وادي القرى، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المرأة عن حديقتها: "كم بلغ تمرها؟ " فقالت: عشرة أوسق. قلت: رواه الشيخان مطولًا من حديث أبي حميد الساعدي: البخاري في الحج وفي المغازي مطولًا وفي فضائل الأنصار لأن فيه التخيير بين دور الأنصار، وفي الزكاة. (¬1) وترجم عليه باب: خرص التمر ومسلم في فضل النبي - صلى الله عليه وسلم -. "وجبلَيْ طيئ". بالطاء المهملة على وزن سيد قيل هما: بنجد، وطيئ: أبو قبيلة من اليمن. 4781 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنكم ستفتحون مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها، فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحمًا -أو قال: ذمةً وصهرًا- فإذا رأيتم رجلين يختصمان في موضع لبنة فاخرج منها". قال: فرأيت عبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة، وأخاه ربيعة يختصمان في موضع لبنة، فخرجت منها. قلت: رواه مسلم في الفضائل من حديث أبي ذر، ورواه أبو حاتم أيضًا وقال فيه: وقال حرمله (¬2): يعني بالقيراط أن قبط مصر يسمون أعيادهم وكل مجتمع لهم: بالقيراط، ويقولون: "نشهد القيراط"، وترجم عليه: ذكر الأخبار عن فتح الله على المسلمين أرض بربر (¬3)، وذكر الحافظ أبو موسى الحديث، وقال: القيراط جزء من أجزاء الدينار وهو نصف عشرة في أكثر البلاد. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الزكاة (1481)، وفي الجزية (3161)، ومناقب الأنصار (3791)، وفي المغازي (4422)، ومسلم (1392). (¬2) أخرجه مسلم (2543)، وابن حبان (6676). (¬3) انظر: الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان (15/ 67).

وأراد بالأرض المستفتحة: مصر، وخصها بالذكر، وإن كان القيراط يذكر في كل بلد لأنه كان يغلب على أهلها أن يقولوا: أعطيت فلانًا قراريط إذا أسمعته ما يكرهه، قال ولا يوجد ذلك في كلام غيرهم، انتهى. وترجمة أبي حاتم تدل على أن بربر أهل مصر فإنها المشار إليها بالفتح. وبربر: جيل من الناس قاله الجوهري (¬1)، قال وهم البرابرة، والهاء للعجمة والنسب كان شئت حذفتها، وقال في أهل مصر إنهم القبط، قال: وهم سكانها يعني: أصلها، قال الطبري في الأحكام: فلعل القبط وبربر اسمان مترادفان لأهل مصر، قال: والمشهور "تغاير الجنسين" وتغاير بلدهما انتهى. قوله "فإن لهم ذمة ورحمًا" وذلك أن هاجر أم إسماعيل كانت قبطية من أهل مصر. قال ابن الأثير: قال الطبري: ويحتمل أن يريد بالرحم هاجر وبالذمة مارية أم إبراهيم ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). 4782 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: أنه قال في أصحابي: وفي رواية: في أمتي اثنا عشر منافقًا، لا يدخلون الجنة، ولا يجدون ريحها، حتى يلج الجمل في سم الخياط، ثمانية منهم تكفيهم الدبيلة -سراج من نار تظهر في أكتافهم حتى تنجم في صدورهم-. قلت: رواه مسلم في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنافقين (¬3) عن قيس بن عباد قال: قلنا لعمار أرأيت قتالكم، أرأيًا، رأيتموه؟ فإن الرأي يخطيء ويصيب، أو عهدًا عهده إليكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: ما عهد إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا لم يعهده إلى الناس كافة، وقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن في أمتي"، وفي رواية "في أصحابي" .... وساقه به، ولم يخرجه البخاري. وأصحابي: المراد بهم الذين ينسبون إلى صحبتي. ¬

_ (¬1) انظر: الصحاح للجوهري (2/ 588). (¬2) انظر: إكمال المعلم (7/ 585). (¬3) أخرجه مسلم (2779).

وسم الخياط: بفتح السين وضمها وكسرها، والفتح أشهر، وهو ثقب الإبرة ومعناه: لا يدخلون الجنة أبدًا. والدبيلة: بدال مهملة مضمومة ثم باء موحدة مفتوحة وقد فسرها في الحديث: سراج من نار، وتنجم: تظهر وتعلو وهو بضم الجيم. وتكفيهم: وقد روي أيضًا بزيادة كاف يكفيكهم، وروي تكفتهم بتاء مثناة بعد الكاف من الكفت وهو الجمع والستر أي يجمعهم في قبورهم ويسترهم، وينجم في صدورهم أي يتقد، ويخرج من صدورهم، يقال: نجم النبت ينجم بالضم إذا طلع (¬1). 4783 - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من يصعد الثنية -ثنية المرار- فإنه يحط عنه ما حُطّ عن بني إسرائيل"، فكان أول من صعدها خيلنا -خيل بني الخزرج-، ثم تتام الناس، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وكلكم مغفور له، إلا صاحب الجمل الأحمر". فأتيناه فقلنا له: تعال يستغفر لك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: والله لأن أجد ضالّتي، أحبُ إلي من أن يستغفر لي صاحبكم، وكان رجلًا ينشد ضالةً له. قلت: رواه مسلم في التوبة من حديث عياض بن عبد الله الفهري عن أبي الزبير عن جابر. (¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم - "من يصعد الثنية ثنية المرار": هكذا هو في الرواية الأولى في مسلم، المرار: بضم الميم وتخفيف الراء، وفي رواية له أيضًا: المِرارا أو المُرار بضم الميم أو فتحها على الشك، وفي بعض النسخ بضمها أو كسرها. والمرار: شجر. وأصل الثنية: الطريق بين الجبلين، وهذه الثنية عند الحديبية، قال: ابن إسحاق: هي مهبط الحديبية، وينشد: بفتح الياء وضم الشين أي يسأل عنها، قيل: اسم هذا الرجل الجد بن قيس المنافق، وإنما حثهم - صلى الله عليه وسلم - على صعود الثنية لأنها عقبة شاقة، وصلوا إليها ليلًا عام الحديبية فرغبهم - صلى الله عليه وسلم - في صعودها، والذي حط عن بني إسرائيل: هو ذنوبهم ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (17/ 182 - 184). (¬2) أخرجه مسلم (2780).

من الحسان

من قولهم: {وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} وقد رواه بعضهم: يصعد بالرفع على أن: من استفهامية، ورواه بعضهم بتحريك الدال بالكسر عند الوصل على أنها شرطية وهو أشبه وأبين (¬1). من الحسان 4784 - قال: خرج أبو طالب إلى الشام، وخرج معه النبي -صلى الله عليه وسلم- في أشياخ من قريش، فلما قدموا على الراهب، هبطوا فحلوا رحالهم، فخرج إليهم الراهب -وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم-، قال: فهم يحلّون رحالهم، فجعل يتخللهم الراهب، حتى جاء فأخذ بيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، يبعثهُ الله رحمة للعالمين، فقال له أشياخ من قريش: ما علمك؟ فقال: إنكم حين أشرفتم من العقبة، لم يبق شجر ولا حجر، إلا خر ساجدًا، ولا يسجدان إلا لنبي، وإني لأعرفه بخاتم النبوة، أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة، ثم رجع فصنع لهم طعامًا، فلما أتاهم به -وكان هو في رعية الإبل- فقال: أرسلوا إليه، فأقبل وعليه غمامة تظله، فلما دنا من القوم، وجدهم قد سبقوه إلى فيء الشجرة، فلما جلس، مال فيء الشجرة عليه، فقال: انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه، فقال: أنشدكم الله، أيكم وليهُ؟ قالوا: أبو طالب، فلم يزل يناشده حتى رده أبو طالب وبعث معه أبو بكر بلالًا، وزوده الراهب من الكعك والزيت. قلت: رواه الترمذي في المناقب، وقال: حسن غريب انتهى، وليس في سنده إلا من روى عنه البخاري أو مسلم أو كل منهما، لكن ذكر أبي بكر وبلال فيه وهم. (¬2) ¬

_ (¬1) انظر: إكمال المعلم (8/ 311)، والمنهاج للنووي (17/ 184). (¬2) أخرجه الترمذي (3620) ورجاله ثقات، لكن ذكر بلال فيه خطأ ظاهر فإنه لم يكن يومئذ قد خلق كما ذكر- أيضًا- القارىء في المرقاه (5/ 472).

قيل: اسم الراهب بحيرا، وكان أعلم أهل النصرانية، والموضع الذي كان فيه بصرى من بلاد الشام. وغضروف الكتف: رأس وهو بضم الغين وسكون الضاد المعجمتين وضم الراء المهملة ثم بالواو والفاء. 4785 - قال: كنت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمكة، فخرجنا في بعض نواحيها، فما استقبلهُ جبل ولا شجر، إلا وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله. قلت: رواه الترمذي في باب المناقب من حديث علي بن أبي طالب (¬1) رضي الله عنه وفي سنده عباد بن أبي يزيد عن علي. قال الذهبي: لا ندري من هو، تفرد عنه إسماعيل السدي بهذا الحديث عن علي رضي الله عنه. 4786 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أُتي بالبراق ليلة أسري به، ملجمًا مسرجًا، فاستصعب عليه، فقال له جبريل: أبمحمد تفعل هذا؟ فما ركبك أحد أكرم على الله منه، فارفض عرقًا. قلت: رواه الترمذي في التفسير من حديث أنس، وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الرزاق، انتهى. (¬2) وسنده سند الصحيح، ورواه ابن حبان أيضًا من طريق أحمد بن عبد الرزاق قال بعضهم: والرواية في "أكرم" بالنصب فعلى هذا يكون تقديره "كان أكرم على الله" بحذف كان. وارفض عرقًا: قال النهاية (¬3): أي جرى عرقه وسال. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3626) (3705) وقال: حديث غريب، وفي بعض النسخ: "حسن غريب". وإسناده ضعيف لأن عباد بن أبي يزيد الكوفي، مجهول، انظر: التقريب (3169)، وفيه كذلك الوليد بن أبي ثور الهمداني وهو ضعيف، انظر: التقريب (7481). وقول الذهبي في ميزانه (2/ ت 4148) وذكر له هذا الحديث. (¬2) أخرجه الترمذي (3131) وصححه ابن حبان (46)، وأخرجه البيهقي في الدلائل (2/ 362 - 363). (¬3) انظر: النهاية (2/ 243).

4787 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لما انتهينا إلى البيت المقدس، قال جبريل بأصبعه فخرق بها الحجر، فشد به البراق". قلت: رواه الترمذي في التفسير وابن حبان في صحيحه كلاهما من حديث بريدة بن الحصيب، ورجاله موثقون. (¬1) 4788 - قال: ثلاثةُ أشياء رأيتها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بينا نحن نسير معه، إذ مررنا ببعير يُسْنى عليه، فلما رآه البعير جرجر، فوضع جرانه، فوقف عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أين صاحب هذا البعير؟ " فجاءه، فقال: "بعنيه" فقال: بل نهبه لك يا رسول الله، وإنهُ لأهل بيت ما لهم معيشةٌ غيرهُ، قال: "أما إذ ذكرت هذا من أمره، فإنه يشكي كثرة العمل، وقلة العلف، فأحسنوا إليه". ثم سرنا حتى نزلنا منزلًا، نام النبي -صلى الله عليه وسلم-، فجاءت شجرةً تشق الأرض حتى غشيته، ثم رجعت إلى مكانها، فلما استيقظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكرت لهُ، فقال: "هي شجرة استأْذنت ربها في أن تسلم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأذن لها". قال: ثم سرنا فمررنا بماء، فأتته امرأة بابن لها به جنةُ، فأخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- بمنخره، ثم قال: اخرج إني محمد رسول الله، ثم سرنا، فلما رجعنا مررنا بذلك الماء، فسألها عن الصبي، فقالت: والذي بعثك بالحق، ما رأينا منهُ ريبًا بعدك. قلت: رواه المصنف في شرح السنة بسنده إلى يعلى بن مرة الثقفي. (¬2) قوله: "يسنى عليه" قال في النهاية (¬3): أي يستقى عليه، والسانية: الناقة التي يستقى عليها، وفي الحديث "ما يسقى بالسواني ففيه نصف العشر". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3132)، وابن حبان في صحيحه (47)، وصححه الحاكم (2/ 360) انظر: الصحيحة (3487). (¬2) أخرجه البغوي (13/ 295 - 297) (3718) حسّن ابن عبد البر هذا الحديث في التمهيد (1/ 221)، والحديث جيد كما حققه الشيخ الألباني في الصحيحة (485). (¬3) انظر: النهاية (2/ 415).

وجرجر: بجيمين وراءين مهملتين أي صوّت. والجرجرة: صوت يردده البعير في حنجرته. والجران: بجيم مكسورة وراء مهملة هو مقدم عنق البعير من مذبحه إلى منحره، والجمع: جرن. قوله: "والذي بعثك بالحق ما رأينا منه ريبًا"، قال في النهاية (¬1): يقال: رابني هذا الأمر وأرابني إذا رأيت منه ما تكرهه، وفي حديث فاطمة "يريبني ما يريبها" أي يسوؤني ما يسوؤها. 4789 - قال: إن امرأة جاءت بابن لها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله إن ابني به جنون، وإنه ليأخذه عند غدائنا وعشائنا [فيخبث علينا]، فمسح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدره ودعا، فثعّ ثعّة، وخرج من جوفه مثل الجرو الأسود يسعى. قلت: رواه الدارمي في أوائل مسنده عن الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن فرقد السبخي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به. (¬2) وفي سنده: فرقد السبخي وقد ضعفوه، وهو بسين مهملة وباء موحدة مفتوحة وخاء معجمة وقد تقدم. فثع ثعة: هو بالثاء المنقوطة بالثلاث بعدها العين المهملة. قال ابن الأثير (¬3): الثَّعّ: القيء، والثعة: المرة الواحدة. 4790 - قال: جاء جبريل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو جالس حزين، قد تخضّب بالدم من فعل أهل مكة، قال: يا رسول الله هل تحب أن نريك آية؟ قال: "نعم"، فنظر إلى شجرة ¬

_ (¬1) انظر: النهاية (2/ 286 - 287). (¬2) أخرجه الدارمي (1/ 11) وإسناده ضعيف. وفرقد بن يعقوب السبخي، قال الحافظ: صدوق عابد لكنه لين الحديث كثير الخطأ، انظر: التقريب (5419). (¬3) انظر: النهاية (1/ 212).

من ورائه، فقال: ادع بها، فدعا بها، فجاءت فقامت بين يديه، فقال: مرها فلترجع، فأمرها فرجعت، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "حسبي حسبي". قلت: رواه الدارمي فيه عن إسحاق بن إبراهيم قال أبو معاوية: عن الأعمش عن أبي سفيان عن أنس، والبيهقي في دلائل النبوة في أبواب المبعث من حديث أبي معاوية. (¬1) 4791 - قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر، فأقبل أعرابي، فلما دنا قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله"، قال: ومن يشهد على ما تقول؟ قال: "هذه السَّلمة"، فدعاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو بشاطىء الوادي، فأقبلت تخدّ الأرض حتى قامت بين يديه، فاستشهدها ثلاثًا، فشهدت ثلاثًا، أنه كما قال، ثم رجعت إلى منبتها. قلت: رواه أبو حاتم بن حبان، وفيه زيادة من حديث أبي حبان عن عطاء عن عبد الله بن عمر، ورواه الدارمي في أوائل مسنده عن محمد بن طريف ثنا محمد بن فضيل ثنا أبو حبان به، وذكره عياض في الشفاء. (¬2) والسلمة: واحدة السلم بفتح اللام وهو شجر من العضاه، وورقها القَرَظ الذي يدبغ به (¬3). وتخد الأرض: أي تشقها وهو بالخاء المعجمة. 4792 - قال: جاء أعرابي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: بم أعرف أنك نبي؟ قال: "إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة، يشهد أني رسول الله"، فدعاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجعل ينزل من النخلة حتى سقط إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال: "ارجع" فعاد، فأسلم الأعرابي. (صح). ¬

_ (¬1) أخرجه الدارمي (1/ 12) وإسناده صحيح، والبيهقي في الدلائل (2/ 154). (¬2) أخرجه الدارمي (1/ 9 - 10)، وابن حبان (6505)، والطبراني في الكبير (13582)، وإسناده صحيح. انظر: الصحيحة (11، 106). (¬3) انظر: النهاية (2/ 395).

قلت: رواه الترمذي في المناقب من حديث ابن عباس وقال: حسن غريب صحيح. (¬1) والعذق: بكسر العين المهملة وسكون الذال المعجمة وبالقاف هو العرجون بما فيه من الشماريخ. 4793 - قال: جاء ذئب إلى راعي غنم، فأخذ منها شاة فطلبه الراعي حتى انتزعها منه، قال: فصعد الذئب على تلّ فأقعى واستقر وقال: عمدت إلى رزق رزقنيه الله أخذته، ثم انتزعته مني؟ فقال الرجل: تالله إن رأيت كاليوم! ذئب يتكلم، فقال الذئب: أعجب من هذا: رجل في النخلات بين الحرتين يخبركم بما مضى وما هو كائن بعدكم، قال: وكان الرجل يهوديًّا فجاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره وأسلم، فصدقه النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنها أمارات بين يدي الساعة، قد أوشك الرجل أن يخرج، فلا يرجع تحدثه نعلاه وسوطه بما أحدث أهله بعده". قلت: رواه المصنف في شرح السنة مسندًا من حديث أبي هريرة ورواه أبو حاتم في صحيحه مع تغيير بعض الألفاظ من حديث أبي سعيد الخدري ومن حديث أبي هريرة. (¬2) قال القاضي عياض: وقد روى ابن وهب أنه جرى لأبي سفيان بن حرب وصفوان بن أمية مع ذئب نحو هذا وجداه أخذ ظبيًا فدخل الظبي الحرم، فانصرف الذئب فتعجبا من ذلك، فقال الذئب: أعجب من ذلك محمد بن عبد الله بالمدينة يدعوكم إلى الجنة وتدعونه إلى النار. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3628) والحديث صحيح بمجيئه من طرق أخرى، انظر: الصحيح (3315). (¬2) أخرجه البغوي في شرح السنة (15/ 87) (4282)، وابن حبان (6494)، وأحمد في المسند (2/ 306)، والحاكم (4/ 467)، والبيهقي في دلائل النبوة (6/ 41 - 42)، انظر: الصحيحة (122).

قوله: "فأقعى واستقر" أما أقعى فمعناه جلس على استه واضعًا يديه على الأرض، وأما استقر فروي بالقاف من الاستقرار، وهو ضد الحركة، ويروى استتفر بتاءين وفاء أي أدخل ذنبه بين رجليه. وإن رأيت كاليوم أي ما رأيت أعجوبة كأعجوبة اليوم: قال الزمخشري: فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه وحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. قال بعضهم: وهذا الراعي هو هبار بن أوس الخزاعي ويقال له: مكلم الذئب (¬1). 4794 - قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نتداول في قصعة من غدوة حتى الليل، تقوم عشرة وتقعد عشرة، قلنا: فما كانت تمد؟ قال: من أي شيء تعجب، ما كانت تمد إلا من ههنا -وأشار بيده إلى السماء-. قلت: رواه الترمذي في المناقب والدارمي في أوائل مسنده كلاهما من حديث أبي العلاء عن سمرة، وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬2) وأبو العلاء اسمه: يزيد بن عبد الله بن الشخير. قوله نتداول في قصعة: أي نتناوب بأكل الطعام منها. 4795 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج يوم بدر في ثلاثمائة وخمسة عشر، فقال: "اللهم إنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم عراة فاكسهم، اللهم إنهم جياع فأشبعهم". ففتح الله له، فانقلبوا وما منهم رجل إلا وقد رجع بجمل أو جملين، واكتسوا وشبعوا. ¬

_ (¬1) وأخرجه أحمد (3/ 83 - 84)، والترمذي (2181) دون ذكر قصة الذئب، وأحمد الفيافي (2/ 306)، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وقال البيهقي: هذا إسناد صحيح، وفي الإسناد: شهر بن حوشب وهو صدوق كثير الإرسال والأوهام إلا أن رواية أبي سعيد التي عند أحمد (3/ 83) إسناده صحيح. وورد في المخطوط: "هتار بن أوس الخزاعي" والصحيح: أهبان بن أوس الأسلمي، وقيل: أهبان بن عياذ الخزاعي، انظر للتفصيل: معرفة الصحابة لأبي نعيم (1/ 289)، والإصابة (1/ 141)، والخصائص للسيوطي (2/ 61 - 62) , وكلهم قالوا: إنه مكلم الذئب. (¬2) أخرجه الترمذي (3625)، والدارمي (1/ 30)، وصححه الحاكم (2/ 618) ووافقه الذهبي.

قلت: رواه أبو داود في الجهاد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وفي سنده حيي بن عبد الله، قال ابن معين: ليس به بأس، قال البخاري: فيه نظر. (¬1) 4796 - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنكم منصورون، ومصيبون، ومفتوح لكم، فمن أدرك ذلك منكم، فليتق الله، وليأمر بالمعروف ولينه عن المنكر". قلت: رواه الترمذي في الفتن والنسائي في الزينة والإمام أحمد في مسنده ثلاثتهم من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه يرفعه وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬2) 4797 - قال: إن يهودية من أهل خيبر سَمّت شاة مصلية، ثم أهدتها لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذراع، فأكل منها، وأكل رهط من أصحابه معه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ارفعوا أيديكم"، وأرسل إلى اليهودية فدعاها، فقال: "سممت هذه الشاة؟ " فقالت: من أخبرك؟ قال: "أخبرتني هذه في يدي الذراع"، قالت: نعم، قلت: إن كان نبيًّا، فلن يضره، كان لم يكن نبيًّا، استرحنا منه، فعفا عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يعاقبها. قلت: رواه أبو داود في الديات، والدارمي في باب ما أكرم الله نبيه من كلام الموتى كلاهما من حديث محمد بن شهاب الزهري عن جابر بن عبد الله. (¬3) وفي الحديث زيادة اختصرها المصنف وهي: وتوفي بعض أصحابه الذين أكلوا من الشاة، واحتجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على كاهله من أجل الذي أكل من الشاة حَجَمه أبو هند بالقرن والشفرة، وهو مولى لبني بياضة من الأنصار. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2747) وإسناده حسن. وحيي بن عبد الله المعافري، قال الحافظ: صدوق يهم، انظر: التقريب (1615)، وللتفصيل: تهذيب الكمال (7/ 488). (¬2) أخرجه أحمد (1/ 389، 436)، والترمذي (2257)، والنسائي في الكبرى (9828) وإسناده صحيح. (¬3) أخرجه أبو داود (4510)، والدارمي (1/ 208)، وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة (4/ 262)، وهو حديث صحيح بشواهده، انظر: هداية الرواة (5/ 351).

وهذا الحديث منقطع لأن الزهري لم يسمع من جابر بن عبد الله، والذي توفي من أصحابه - صلى الله عليه وسلم - بسبب الأكلة هو بشربن البراء كما جاء مصرحًا به من حديث أبي هريرة، وقد جاء أنه أمر بقتلها والجمع بين الروايتين أنه لم يقتلها في الابتداء ثم لما مات بشر بن البراء أمر بقتلها. والمصلية: المشوية، قال ابن الأثير (¬1): يقال: صلَيْت اللحم بالتخفيف: إذا شويته فهو مصليّ، فأما إذا أحرقته وألقيته في النار قلت: صلّيته بالتشديد، وأصليته، وذراع اليد يذكر ويؤنث. وأبو هند الحجام: قيل اسمه عبد الله وهو مولى فروة البياضي وكان يحجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والقرن: قرن الثور يجعل كالمحجمة. والشفرة: السكين العريضة، والسكين: يذكر ويؤنث والغالب عليه التذكير. 4798 - أنهم ساروا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، فأطنبوا السير حتى كان عشية، فجاء فارس، فقال: يا رسول الله إني طلعت على جبل كذا فإذا أنا بهوازن على بكرة أبيهم، بظُعنهم ونعمهم، اجتمعوا إلى حنين، فتبسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: "تلك غنيمة المسلمين غدًا -إن شاء الله تعالى-"، ثم قال: "من يحرسنا الليلة؟ " قال أنس بن أبي مرثد الغنوي: أنا، يا رسول الله، قال: "اركب"، فركب فرسًا له، فقال: "استقبل هذا الشعب، حتى تكون في أعلاه"، فلما أصبحنا خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى مصلاه، فركع ركعتين، ثم قال: "هل أحسستم فارسكم؟ " فقال رجل: يا رسول الله ما أحسسنا، فثوب بالصلاة، فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي يلتفت إلى الشعب، حتى إذا قضى الصلاة قال: "أبشروا فقد جاء فارسكم"، فجعلنا نظر إلى خلال الشجر في الشعب، فإذا هو قد جاء، حتى وقف على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشعب، حيث أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما أصبحت طلعت الشعبين ¬

_ (¬1) انظر: النهاية (3/ 50).

كليهما، فلم أر أحدًا فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هل نزلت الليلة؟ "، قال: لا، إلا مصليًّا أو قاضي حاجة، قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فلا عليك أن لا تعمل بعدها". قلت: رواه أبو داود في الجهاد والنسائي في السنة وسكت عليه أبو داود والشيخ زكي الدين المنذري. (¬1) وأطنبوا السير: أي بالغوا فيه وأكثروا منه، ويوم حنين: كان في السنة الثامنة من الهجرة بعد فتح مكة، وحنين يصرف ولا يصرف، وهوازن: هذه قبيلة مشهورة من قيس غيلان. قوله: على بكرة أبيها: بفتح الباء الموحدة وسكون الكاف وهي كلمة للعرب يريدون بها الكثرة في العدد، يريدون إذا جاؤوا ولم يتخلف منهم أحد، وليس هناك بكرة في الحقيقة، وهي التي يستقى عليها الماء. ويقال: إن أصل ذلك أن قومًا من العرب عرض لهم انزعاج فلم يتخلف منهم واحد لا صغير ولا كبير حتى بكرة كانت لأبيهم فصار مثلًا فيمن جاؤوا بأجمعهم كان لم يكن معهم بكرة وإلا هنا بمعنى مع، والظعن: النساء، والنعم: قيل للإبل خاصة، والأنعام: لها وللبقر والغنم، وقيل: هما لفظان بمعنى واحد، والشعب: الطريق في الجبل. وأحسستم: أي أدركتم فارسكم بالحس، والتثويب: يقع على الأذان والإقامة والمراد هنا الإقامة. قوله - صلى الله عليه وسلم -: فما عليك أن لا تعمل بعدها: أي لا ضرر ولا حرج عليك في ترك العمل الصالح سوى الفرائض بعد هذه الليلة وهذه بشارة بأنه غفر له. 4799 - قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- بتمرات، فقلت: يا رسول الله ادع الله فيهن بالبركة، فضمّهن، ثم دعا لي فيهن بالبركة، قال: "خذهن فاجعلهن في مزودك، كلما أردت أن تأخذ منه شيئًا، فأدخل فيه يدك فخذه، ولا تنثره نثرًا"، فقد حملت من ذلك التمر كذا وكذا من وسق في سبيل الله، فكنا نأكل منه ونطعم، وكان لا يفارق حقوي، حتى كان يوم قتل عثمان، فإنه انقطع. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2501)، والنسائي في الكبرى (8870)، وصححه الحاكم (2/ 83 - 84). وانظر: مختصر المنذري (3/ 365 - 366).

باب الكرامات

قلت: رواه الترمذي في مناقب أبي هريرة عن عمران بن موسى القزاز قال: أخبرنا حماد بن يزيد حدثنا المهاجر، عن أبي العالية الرياحي عن أبي هريرة، وابن حبان في صحيحه وذكره عياض في الشفاء كلهم من حديث أبي هريرة فسنده حسن. (¬1) والمزود: بكسر الميم وسكون الزاي المعجمة وفتح الواو وهو ما يجعل فيه الزاد. قوله "ولا تنثره" هو بالثاء المثلثة قبل الراء. والحقو: بفتح الحاء المهملة معقد الإزار. باب الكرامات من الصحاح 4800 - قال: لقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل. قلت: رواه البخاري في علامات النبوة من حديث عبد الله بن مسعود في حديث طويل يتضمن ذكر نبع الماء من بين أصابعه، ورواه أبو حاتم مختصرًا ولم يخرجه مسلم. (¬2) 4801 - قال: إن أسيد بن حضير وعباد بن بشر تحدثا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- في حاجة لهما حتى ذهب من الليل ساعة في ليلة شديدة الظلمة ثم خرجا من عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينقلبان وبيد كل واحد منهما عصية فأضاءت عصا أحدهما لهما حتى مشيا في ضوئها حتى إذا افترقت بهما الطريق أضاءت للآخر عصاه فمشى كل واحد منهما في ضوء عصاه حتى بلغ أهله. قلت: هذا الحديث ليس في مسلم، وأما البخاري فلم أر هذا اللفظ فيه إنما أصل الحديث فيه، قال عبد الحق: ذكره البخاري (¬3) في سؤال المشركين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يريهم ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3839) وإسناده حسن، وابن حبان (6532)، والبيهقي في الدلائل (6/ 109). والصواب أن الحديث صحيح كما في الصحيحة (2936). (¬2) أخرجه البخاري (3579)، وابن حبان في صحيحه، انظر: الإحسان (6493). (¬3) أخرجه البخاري (3805).

آية، وفي مناقب أسيد بن حضير وعباد ابن بشر، ولفظ البخاري في الموضعين كما وقفت عليه وحكاه عبد الحق عنه والحميدي عن أنس: أن رجلين من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- خرجا من عند النبي -صلى الله عليه وسلم- في ليلة مظلمة، ومعهما مثل المصباحين يضيئان بين أيديهما، فلما افترقا صار مع كل واحد منهما واحد حتى أتى أهله. قال البخاري: وقال معمر عن ثابت: أن أسيد بن حضير ورجلًا من الأنصار قال: وقال حماد: أخبرنا ثابت عن أنس قال: كان أسيد بن حضير وعباد بن بشر عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، هذا لفظ البخاري في الموضعين وما في الحميدي وعبد الحق، وذكر المزي في الأطراف أن البخاري ذكر حديث أنس أيضًا في الصلاة فليكشف عنه (¬1). ورواه المصنف في شرح السنة (¬2) من طريق البخاري كما ذكرناه ثم رواه من غير طريق البخاري كما ذكره هنا بلفظه، وقال: حديث صحيح. وأسيد: بضم الهمزة وفتح السين وبالياء آخر الحروف. وحضير: بضم الحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة وبالياء آخر الحروف. وعباد: بالباء الموحدة، وبشر بالموحدة المكسورة وبالشين المعجمة ثم بالراء المهملة أسلم قبل أسيد بن حضير وسعد بن معاذ وشهد بدرًا والمشاهد كلها. 4802 - قال: لما حضر أحد دعاني أبي من الليل، فقال: ما أُراني إلا مقتولًا في أول من يقتل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإني لا أترك بعدي أعز علي منك، غير نفس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كان علي دَيْنًا، فاقض، واستوص بأخواتك خيرًا، فأصبحنا، فكان أول قتيل ودفنته مع آخر في قبر. قلت: رواه البخاري في الجنائز (¬3) من حديث حسين المعلم عن عطاء عن جابر واختصر منه المصنف قول جابر "ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع آخر، فاستخرجته بعد ستة أشهر فإذا هو كيوم وضعته غير أذنه"، ولم يخرجه مسلم. 4803 - قال: إن أصحاب الصفة كانوا أناسًا فقراء، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من كان ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (465)، وانظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (2/ 619). (¬2) أخرجه البغوي في شرح السنة (14/ 187). (¬3) أخرجه البخاري (1351).

عنده طعام اثنين، فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة، فليذهب بخامس، أو سادس"، وإن أبا بكر جاء بثلاثة، وانطلق النبي -صلى الله عليه وسلم- بعشرة، وإن أبا بكر تعشى عند النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم لبث حتى صلّيت العشاء، ثم رجع فلبث حتى تعشى النبي -صلى الله عليه وسلم- فجاء بعد ما مضى من الليل ما شاء الله، قالت له امرأته: ما حبسك عن أضيافك؟ قال: أو ما عشّيتيهم؟ قالت: أبوا حتى تجيء، فغضب وقال: والله لا أطعمه أبدًا، فحلفت المرأة أن لا تطعمه، وحلف الأضياف أن لا يطعموه، قال أبو بكر: كان هذا من الشيطان، فدعا بالطعام، فأكل وأكلوا، فجعلوا لا يرفعون لقمة إلا ربت من أسفلها أكثر منها، فقال لامرأته: يا أخت بني فراس! ما هذا؟ قالت: وقرة عيني، إنها الآن أكثر منها قبل ذلك بثلاث مرار فأكلوا، وبعث بها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذُكر أنه أكل منها. قلت: رواه البخاري في الصلاة، ومسلم في الأطعمة، وأبو داود في الأيمان والنذور من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر. (¬1) وتعشى: بفتح العين. وربت: معناه زادت. وأكثر: ضبطوه بالباء الموحدة وبالثاء المثلثة. قوله يا أخت بني فراس: هذا خطاب من أبي بكر لامرأته أم رومان ومعناه: يامن هي من بني فراس. قال عياض (¬2): فراس هو ابن غنم بن مالك بن كنانة. قولها: لا وقرة عيني قال أهل اللغة: قرة العين يعبر بها عن المسرة ورؤية ما يحب الإنسان ويوافقه، وقال صاحب المطالع: قال الداوودي: أرادت بقرة عينها النبي -صلى الله عليه وسلم- وأقسمت به، ولفظة "لا" زائدة ويحتمل أنها باقية وفيه محذوف أي لا شيء غير ما أقول وهو قرة عيني إنها الآن لأكثر منها (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (601)، ومسلم (2057)، وأبو داود (3270). (¬2) انظر: إكمال المعلم (6/ 553). (¬3) انظر: المصدر السابق (6/ 552)، والمنهاج للنووي (14/ 27)، وفي مسلم "قالت: لا، وقرة عيني .... ".

من الحسان

من الحسان 4804 - قالت: لما مات النجاشي، كنا نتحدث أنه لا يزال يرى على قبره نور. قلت: رواه أبو داود في الجهاد في: باب في النور يرى عند قبر الشهداء وساقه، وهو موقوف على عائشة، وفي سنده محمد بن إسحاق وقد تقدم الكلام عليه، وفيه أيضًا سلمة بن الفضل قاضي الري وثقه أبو داود وغيره وضعفه ابن راهويه وغيره وقال البخاري: عنده مناكير. (¬1) 4805 - قالت: لما أرادو غسل النبي -صلى الله عليه وسلم- قالوا: لا ندري، أنجرد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ثيابه كما نجرد موتانا، أم نغسله وعليه ثيابه؟ فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم، حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت -لا يدرون من هو؟ -: اغسلوا النبي -صلى الله عليه وسلم- وعليه ثيابه، فقاموا فغسلوه وعليه قميصه: يصبون الماء فوق القميص، ويدلكونه بالقميص. قلت: رواه أحمد والترمذي وأبو حاتم ثلاثتهم من حديث عائشة ورجاله موثقون. (¬2) 4805 - قال: إن سفينة مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخطأ الجيش بأرض الروم -أو أسر- فانطلق هاربًا يلتمس الجيش، فإذا هو بالأسد، فقال: يا أبا الحارث! أنا سفينة مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كان من أمري كيت وكيت، فأقبل الأسد له بصبصة، حتى قام إلى جنبه، كلما سمع صوتًا أهوى إليه، ثم أقبل يمشي إلى جنبه، حتى بلغ الجيش، ثم رجع الأسد. قلت: رواه البيهقي في دلائل النبوة من حديث الصفار إسماعيل بن محمد بسنده إلى معمر عن الحجبي عن ابن المنكدر، ورواه المصنف في شرح السنة أيضًا من حديث الصفار بسنده إلى معمر عن ابن عبد الرحمن بن جحش عن ابن المنكدر وذكر عياض في ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2523)، وذكره ابن كثير في السيرة النبوية (2/ 27)، وفيه: سلمة بن الفضل هو صدوق كثير الخطأ. انظر: التقريب (2518). (¬2) أخرجه أحمد (6/ 267)، وأبو داود (3141)، وابن حبان (6627) وإسناده حسن. وأخرجه الحاكم كذلك (3/ 59)، وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.

الشفاء نحو ذلك (¬1). وبصبص: بباءين موحدتين وصادين مهملتين قال الجوهري (¬2): يقال: بصبص الكلب وتبصبص: حرك ذنبه. 4806 - قال: قحط أهل المدينة قحطًا شديدًا، فشكوا إلى عائشة فقالت: انظروا قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، فاجعلوا منه كوى إلى السماء، حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف، ففعلوا، فمطروا مطرًا شديدًا حتى نبت العشب، وسمنت الإبل، حتى تفتقت من الشحم، فسمي عام الفتق. قلت: رواه الدرامي عن أبي النعمان عن سعيد بن زيد عن عمرو ابن مالك النكري عن أبي الجوزاء وساقه بلفظه، واسم أبي الجوزاء: أوس بن عبد الله تابعي جليل. (¬3) وكلوى: بكسر الكاف مقصور جمع كلوة بفتح الكاف وضمها وهي ثقب البيت ويجمع أيضًا كواء بالمد. وحتى تفتقت من الشحم: أي حتى انفتحت خواصرها واتسعت من كثرة ما رعت. 4807 - قال: لما كان في أيام الحرة، لم يؤذن في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاثًا، ولم يقم، ولم يبرح سعيد بن المسيب من المسجد، وكان لا يعرف وقت الصلاة إلا بهمهمة يسمعها من قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-". قلت: رواه الدارمي عن مروان بن محمد عن سعيد بن عبد العزيز وساقه بلفظه، ورجاله رجال مسلم. (¬4) ويوم الحرة: يوم مشهور في الإسلام أيام يزيد بن معاوية لما أرسل إلى المدينة عسكرًا ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي في الدلائل (6/ 46)، والحاكم (3/ 606) وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وأخرجه أبو نعيم في الحلية (1/ 369)، وذكره السيوطي في الخصائص الكبرى (2/ 65). (¬2) انظر: الصحاح للجوهري (3/ 1030). (¬3) أخرجه الدارمي (1/ 227) وإسناده ضعيف، وقد بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في رده على الأخنائي. (¬4) أخرجه الدارمي (1/ 227 - 228) وإسناده فيه: سعيد بن عبد العزيز. وهو إمام ثقة، إلا أنه اختلط في آخر أمره، ومروان بن محمد أعرف الناس بحديثه لأنه لازمه قبل اختلاطه، إلا أن سعيدًا لم يسمع من سعيد بن المسيب. فإسناده على شرط مسلم إلا أنه منقطع.

باب الهجرة

من أهل الشام ندبهم لقتال أهل المدينة من الصحابة والتابعين وأمرّ عليهم مسلم بن عتبة المري في ذي الحجة سنة ثلاث وستين وعقيبها هلك يزيد (¬1). والحرة هذه أرض بظاهر المدينة بها حجارة سود كثيرة وكانت الوقعة بها. والهمهمة: كلام خفي لا يفهم. 4808 - قيل لأبي العالية: سمع أنس بن مالك من النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: خدمة عشر سنين، ودعا له النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان له بستان يحمل في كل سنة الفاكهة مرتين، وكان فيها ريحان يجيء منه ريح المسك. (غريب). قلت: رواه الترمذي (¬2) في المناقب عن محمود بن غيلان ثنا أبو داود عن أبي خلدة، قال: قلت لأبي العالية: وساقه، وقال: حديث حسن، وأبو خلدة اسمه خالد بن دينار وهو ثقة عند أهل الحديث وقد أدرك أبو خلدة أنس بن مالك وروي عنه، انتهى كلام الترمذي. باب الهجرة من الصحاح 4809 - قال: أول ما قدم علينا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مصعب بن عمير، وابن أم مكتوم، فجعلا يقرآننا القرآن، ثم جاء عمار وبلال وسعد، ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين، ثم جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به، حتى رأيت الولائد والصبيان يقولون: هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد جاء، فما جاء حتى قرأت: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} في سور مثلها. قلت: رواه البخاري في الهجرة، والنسائي (¬3) في التفسير من حديث شعبة ابن الحجاج عن البراء. ¬

_ (¬1) انظر: البداية والنهاية (11/ 614) طبعة جديدة. (¬2) أخرجه الترمذي (3833) وإسناده ضعيف لإرساله. (¬3) أخرجه البخاري (3925)، والنسائي في الكبرى (11666).

والولائد: جمع وليد وهي الجارية الصغيرة، والولد وليد فعيل بمعنى مفعول. 4810 - قالت: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جلس على المنبر، فقال: "إن عبدًا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء، وبين ما عنده، فاختار ما عنده"، فبكى أبو بكر قال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا [فعجبنا له، وقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن عبد خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا] فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو المخير، وكان أبو بكر رضي الله عنه أعلَمَنا. قلت: رواه البخاري في الصلاة وفي الهجرة ومسلم والترمذي والنسائي ثلاثتهم في المناقب من حديث أبي سعيد الخدري. (¬1) 4811 - قال: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على قتلى أحد بعد ثمان سنين، كالمودّع للأحياء والأموات ثم طلع المنبر فقال: "إني بين أيدكم فرط، وأنا عليكم شهيد، وإن موعدكم الحوض، وإني لأنظر إليه وأنا في مقامي هذا، وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخشى عليكم الدنيا، أن تنافسوا فيها -وزاد بعضهم-: فتقتتلوا، فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم". قلت: رواه الشيخان، البخاري في الجنائز وفي علامات النبوة وفي المغازي وفي ذكر الحوض ومسلم في فضائل النبي -صلى الله عليه وسلم- واللفظ للبخاري ورواه أبو داود في الجنائز كلهم من حديث عقبة بن عامر. (¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وإني لأنظر إليه"، هذا تصريح بأن الحوض حقيقي على ظاهره وأنه مخلوق موجود اليوم، وأشار -صلى الله عليه وسلم- بقوله "أعطيت مفاتيح خزائن الأرض" إلى أن أمته تملك خزائن الأرض وقد وقع ذلك. 4812 - قالت: إن من نعم الله عليّ: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توفي في بيتي، وفي يومي، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الصلاة (446)، والهجرة (3904)، ومسلم (2382)، والترمذي (3660)، والنسائي (2) في المناقب. (¬2) أخرجه البخاري في علامات النبوة (3596)، وفي المغازي (4042)، وفي الجنائز (1344)، ومسلم (2296)، وأبو داود (3223).

وبين سَحري ونحري، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته، دخل عليّ عبد الرحمن بن أبي بكر وبيده سواك، وأنا مسندة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنه يحب السواك، فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فتناولته، فاشتدّ عليه، فقلت: ألينه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فليّنته، فأمره على أسنانه، وبين يديه ركوة فيها ماء، فجعل يدخل يديه في الماء، فيمسح بهما وجهه ويقول: "لا إله إلا الله! إن للموت سكرات"، ثم نصب يده فجعل يقول: "في الرفيق الأعلى"، حتى قبض ومالت يده. قلت: رواه البخاري (¬1) بهذا اللفظ من ذكوان مولى عائشة عنها في أواخر المغازي في أبواب مرضه -صلى الله عليه وسلم-. قولها: "بين سحري" السحر: الرئة بضم السين المهملة وفتحها وبالحاء المهملة أي مات - صلى الله عليه وسلم - وهو مستند إلى صدرها وما يجاري سحرها منه، وقيل: ما لصق بالحلقوم من أعلى البطن، ونقل في مشارق الأنوار (¬2) عن بعضهم أنه قال: سجري بالجيم ومعناه بين تشبيك يدي وصدري ومقتضى ما نقله صاحب المشارق أن السين مهملة على حالها، ونقل ابن الأثير (¬3) عن بعضهم أنه بالشين المعجمة والجيم وأنه سئل عن ذلك فشبك بين أصابعه، وقدّمها عن صدره، كأنّه يضم شيئًا إليه، أي أنه قد مات وقد ضمته بيديها إلى نحرها وصدرها، والشجر: التشبيك وهو الذقن أيضًا، قال: والمحفوظ الأول. قولها "وإن الله جمع بين ريقي وريقه" الصواب إن عطفًا على المنصوب في قوله إن من نعم الله علي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توفي في بيتي وفي يومي وجمع بين ريقي وريقه. والرفيق الأعلى: قيل هو: اسم من أسماء الله تعالى، قال الأزهري (¬4): غلط هذا ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4449). (¬2) انظر: مشارق الأنوار (2/ 208). (¬3) انظر: النهاية لابن الأثير (2/ 346). (¬4) انظر: تهذيب اللغة للأزهري (9/ 110 - 111).

القائل والرفيق: جماعة الأنبياء الذين يسكنون أعلى عليين وهو اسم جاء على فعيل، ومعناه: الجماعة كالصديق والخليط، يقع على الواحد والجمع. 4813 - قالت: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من نبي يمرض، إلا خُير بين الدنيا والآخرة"، وكان في شكواه التي قبض فيها أخذته بُحّة شديدة، فسمعته يقول: "مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين" فعلمت أنه خير. قلت: رواه البخاري في المغازي، ومسلم في الفضائل من حديث عائشة. (¬1) وأخذته بحة: البحة بضم الباء الموحدة وبالحاء المهملة: غلظ وخشونة تمنع الجهار (¬2). 4814 - قال: لما ثقل النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل يتغشاه الكرب، فقالت فاطمة: واكرب أباه! فقال لها: "ليس على أبيك كرب بعد اليوم"، فلما مات قالت: يا أبتاه أجاب ربًّا دعاه! يا أبتاه! من جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبربل ننعاه، فلما دفن قالت فاطمة: يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التراب؟. قلت: رواه البخاري في آخر المغازي وابن ماجه في الجنائز كلاهما عن حماد بن زيد عن ثابت عن أنس، ورواه الدارمي (¬3) وقال: قال حماد: حين حدث ثابت: بكى، وقال ثابت: حين حدث أنس: بكى. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس على أبيك كرب بعد اليوم" يريد لا يصيبه بعد اليوم نصب ولا وصب يجد له ألمًا إذا أفضى إلي دار الآخرة والسلامة الدائمة (¬4)، وجوزوا في "من قولها" من جنة الفردوس مأواه أن يكون حرف جر، وجنة مجرورة، وأن تكون مفتوحة الميم موصولة بمعنى الذي أي: الذي جنة الفردوس مأواه، وهو أولى. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4586)، ومسلم (2444). (¬2) البُحّة بالضم غلظة في الصوت، ويبدو المراد هنا السعال، انظر: النهاية (1/ 99)، والمنهاج للنووي (15/ 298). (¬3) أخرجه البخاري (4462) , وابن ماجه (1630)، والدارمي (1/ 40 - 41). (¬4) انظر: أعلام الحديث للخطابي (3/ 1795).

من الحسان

من الحسان 4815 - قال: لما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة، لعبت الحبشة بحرابهم فرحًا لقدومه. قلت: رواه أبو داود في الأدب من حديث أنس ورجاله رجال الصحيحين. (¬1) 4816 - قال أنس: ما رأيت يومًا كان أحسن وأضوأ من يوم دخل علينا فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما رأيت يومًا كان أقبح ولا أظلم من يوم مات فيه. قلت: رواه الدارمي في مسنده في باب وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- عن عفان عن حماد ابن سلمة عن ثابت عن أنس. (¬2) 4817 - قال أنس: لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة، أضاء منها كل شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أظلم منها كل شيء، وما نفضنا أيدينا عن التراب وإنا لفي دفنه، حتى أنكرنا قلوبنا. قلت: رواه الترمذي في المناقب (¬3) وقال: حديث غريب صحيح. وأراد أنس بقوله "أنكرنا قلوبنا": أنا لم نجد قلوبنا على ما كانت عليه من الصفاء والرقة والألفة لانقطاع الوحي عنهم وفقدان رؤيتهم لسيد الأولين والآخرين لا لأنهم لم يجدوها على ما كانت عليه من التصديق. 4818 - قالت: لما قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اختلفوا في دفنه، فقال أبو بكر: سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئًا، قال: "ما قبض الله نبيًّا، إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه"، ادفنوه في موضع فراشه. قلت: رواه الترمذي في الجنائز وقال: غريب، وفي سنده عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي، قال الترمذي: يضعف من قبل حفظه، وقد روي هذا الحديث من غير هذا ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4923). (¬2) أخرجه الدارمي (1/ 141) وإسناده صحيح، وأخرجه الحاكم (3/ 57) وقال: على شرط مسلم. (¬3) أخرجه الترمذي (2618).

باب

الوجه، رواه ابن عباس عن أبي بكر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- انتهى كلام الترمذي. (¬1) والحديث رواه مالك في بلاغاته، فقال: إنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما توفي قال أناس: يدفن عند المنبر، وقال آخرون: يدفن بالبقيع، فجاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ما دفن نبي قط إلا في مكانه الذي توفي فيه فحفر له فيه. فائدة: كره عروة بن الزبير الدفن بالبقيع، روى الشافعي ومالك عن هشام ابن عروة عن أبيه أنه قال: ما أحب أن أدفن فيه إنما هو أحد رجلين إما ظالم فلا أحب أن أدفن معه، وإما صالح فما أحب أن تنبش لي عظامه. باب من الصحاح 4819 - قالت: ما ترك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دينارًا، ولا درهمًا، ولا شاة، ولا بعيرًا، ولا أوصى بشيء. قلت: رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه كلهم في الوصايا من حديث عائشة (¬2)، ومعنى ما قالته عائشة رضي الله عنها: أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يوص بثلث ماله ولا غيره، إذ لم يكن له مال، وأما الأرض التي كانت له - صلى الله عليه وسلم - بخيبر وفدك فقد سبلها - صلى الله عليه وسلم - في حياته ونجز الصدقة بها على المسلمين، وأما الأحاديث الصحيحة في وصيته - صلى الله عليه وسلم - بكتاب الله ووصيته بأهل بيته ووصيته بإخراج المشركين من جزيرة العرب وإجازته الوفد فليست مرادة بقولها "ولا أوصى بشيء" (¬3). 4820 - قال: ما ترك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند موته درهمًا، ولا دينارًا، ولا عبدًا، ولا ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1018)، ومالك (1/ 231)، والحديث بمجموع شواهده ثابت كما ذكره البيهقي في الدلائل (7/ 260) من عدة طرق. انظر: أحكام الجنائز وبدعها ص (174). (¬2) أخرجه مسلم (1635)، وأبو داود (2863)، والنسائي (6/ 240)، وابن ماجه (2695). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (11/ 128 - 129).

أمة، ولا شيئًا إلا بغلته البيضاء، وسلاحه، وأرضًا جعلها صدقة. قلت: رواه البخاري في الخمس وفي الجهاد وفي المغازي وفي الوصايا والترمذي في الشمائل والنسائي في الأحباس (¬1) من حديث عمرو بن الحارث أخي جويرية، ولم يخرجه مسلم ولا أخرج عن عمرو بن الحارث شيئًا، وليس له في البخاري إلا هذا الحديث، وهو أخو جويرية بنت الحارث زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -. 4821 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يقتسم ورثتي دينارًا، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي، فهو صدقة". قلت: رواه البخاري في الخمس وفي الوصايا وفي الفرائض، ومسلم في المغازي وأبو داود في الخراج (¬2) من حديث مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال سفيان بن عيينة: كان أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- في معنى المعتدّات إذ كن لا يجوز لهن أن ينكحن، فجرت لهن النفقة (¬3). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: مؤنة عاملي، قال المصنف: أراد بالعامل: الخليفة بعده، وكان - صلى الله عليه وسلم - يأخذ نفقة أهله من الصفايا التي كانت له من أموال بني النضير، وفدك، ويصرف الباقي في مصالح المسلمين، ثم وليها أبو بكر، ثم عمر كذلك، فلما صارت لعثمان استغنى عنها بماله، فأقطعها مروان وغيره من أقاربه، فلم تزل في أيديهم حتى ردها عمر بن عبد العزيز (¬4). 4822 - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا نورث ما تركناه صدقة". قلت: رواه البخاري في مناقب أهل البيت وفي المغازي والفرائض والخمس ومسلم في ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2739) (2873)، والترمذي في الشمائل (399)، والنسائي (6/ 229). (¬2) أخرجه البخاري في الوصايا (2776)، وفي الجهاد (3096)، وفي الفرائض (6729)، ومسلم (1760)، وأبو داود (2974). (¬3) انظر: شرح السنة للبغوي (14/ 52). (¬4) انظر: شرح السنة للبغوي (14/ 53)، وأطال النووي في ذكر صدقات النبي - صلى الله عليه وسلم - وما كان يملكه - صلى الله عليه وسلم -، انظر: المنهاج (12/ 118 - 119).

المغازي، وأبو داود في الخراج والنسائي في قسم الفيء كلهم من حديث أبي بكر. (¬1) 4823 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن الله إذا أراد رحمة أمة من عباده، قبض نبيها قبلها، فجعله لها فرطًا وسلفًا بين يديها، وإذا أراد الله هلك أمة، عذبها ونبيها حي، فأهلكها وهو ينظر، فأقر عينه بهلكتها حين كذبوه وعصوا أمره". قلت: رواه مسلم في فضائل النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم يصل سنده بهذا الحديث (¬2) فقال: حدّثتُ عن أبي أسامة قال: وممن روى ذلك عنه إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: حدثنا أبو أسامة قال: حدثني بُريد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى يرفعه، ورواه أبو بكر البزار عن إبراهيم بن سعد ورواه ابن خزيمة عن محمد بن السيب الأرغياني وهو من أقرانه عن إبراهيم فاتصل، قال: طريف قيل إن إبراهيم تفرد به وقال: ابن طاهر هذا حديث عزيز فرد غريب (¬3). 4824 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفس محمد بيده، ليأتين على أحدكم يوم ولا يراني، ثم لأن يراني أحب إليه من أهله وماله معهم". قلت: رواه مسلم في آخر فضائل النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الخمس (3092)، وفي الفرائض (6726)، وفي المناقب (3711)، وفي المغازي (4035) و (4240)، ومسلم (1759)، وأبو داود (2968)، والنسائي (7/ 132). (¬2) أخرجه مسلم (2288). (¬3) ورواه البيهقي في دلائل النبوة (3/ 77)، وعزاه الحافظ ابن حجر لأبي عوانة في مستخرجه وإلى البزار في مسنده، انظر: النكت الظراف على تحفة الأشراف (6/ 445 - 446). (¬4) أخرجه مسلم (2364).

كتاب المناقب

كتاب المناقب باب في مناقب قريش وذكر القبائل من الصحاح 4825 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الناس تبع لقريش في هذا الشأن: مسلمهم تبع لمسلمهم، وكافرهم تبع لكافرهم". قلت: رواه البخاري في مناقب قريش ومسلم في المغازي كلاهما من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة (¬1) وهذا الحديث وما بعده مما هو في معناه دليل ظاهر على أن الخلافة مختصة بقريش، ولا يجوز عقدها لأحد من غيرهم وعلى هذا انعقد الإجماع، ومن خالف من أهل البدع أو عرض بخلاف من غيرهم فهو محجوج بإجماع الصحابة ومن بعدهم، ولا يعتد بقول النظام ومن وافقه من أهل البدع. 4826 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الناس تبع لقريش في الخير والشر". قلت: رواه مسلم في المغازي ولم يخرج البخاري عن جابر في هذا شيئًا. (¬2) ومعنى الحديث: الناس تبع لقريش في الإسلام والجاهلية لأنهم كانوا في الجاهلية رؤساء العرب، وأهل حرم الله، وكانت العرب تنتظر إسلامهم، فلما أسلموا وفتحت مكة تبعهم الناس. 4827 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يزال هذا الأمر في قريش، ما بقي منهم اثنان". قلت: رواه الشيخان: البخاري في مناقب قريش وفي الأحكام ومسلم في المغازي كلاهما من حديث ابن عمر. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3495)، ومسلم (1818). (¬2) أخرجه مسلم (1819). (¬3) أخرجه البخاري في مناقب قريش (2195)، وفي الأحكام (7140)، ومسلم (1820).

4828 - قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحد، إلا كبه الله على وجهه، ما أقاموا الدين". قلت: رواه البخاري في قصة طويلة في مناقب قريش وفي كتاب الأحكام في باب الأمراء من قريش من حديث معاوية. (¬1) 4829 - قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يزال الإسلام عزيزًا إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش". قلت: رواه البخاري في الأحكام واللفظ لمسلم في المغازي وأبو داود في الملاحم كلهم من حديث جابر بن سمرة. (¬2) - وفي رواية: "لا يزال أمر الناس ماضيًا، ما وليهم اثنا عشر رجلًا، كلهم من قريش". قلت: رواه البخاري في الأحكام ومسلم في المغازي (¬3) من حديث جابر ابن سمرة قال بعضهم: هنا سؤالان، أحدهما: أنه قد جاء في الحديث الآخر: "الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم يكون ملكًا" ولم يكن في الثلاثين سنة إلا الخلفاء الراشدون الأربعة، والأشهر التي بويع فيها الحسن بن علي. الثاني: أنه قد ولي أكثر من هذ العدد؟ والجواب عن الأول: أن المراد في حديث: "الخلافة ثلاثون سنة" خلافة النبوة، وقد جاء مفسرًا في بعض الروايات "خلافة النبوة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكًا" ولم يشترط هذا في الاثنى عشر. والجواب عن الثاني: أن المراد مستحقي الخلافة العادلين، وقد مضى منهم من علم، ولا بد من تمام هذا العدد قبل قيام الساعة، وقيل: يكون ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3500). (¬2) أخرجه البخاري (7222)، ومسلم (1821)، وأبو داود (4279). (¬3) أخرجه مسلم (1821).

على التوالي بعد موت المهدي الخارج في آخر الزمان كل منهم إمام مهدى ثم يفسد الزمان ويعود المنكر وقيل غير ذلك، والله أعلم (¬1). - وفي رواية: "لا يزال الدين قائمًا حتى تقوم الساعة، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش". قلت: رواه مسلم في المغازي من حديث جابر بن سمرة. (¬2) 4830 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "غِفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله، وعُصية عصت الله ورسوله". قلت: رواه الشيخان والترمذي ثلاثتهم في المناقب من حديث ابن عمر (¬3). إنما دعا لغفار وأسلم لأن دخولهما في الإسلام كان بغير حرب، فكانت غفار تُزنّ بسرقة الحاج، فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن يمحو عنهم تلك السبّة ويغفرها لهم. وأما عصية: فهم الذين قتلوا القراء ببئر معونة فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقنت عليهم (¬4). 4831 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "قريش، والأنصار، وجهينة، ومزينة وأسلم، وغفار وأشجع: موالي، ليس لهم مولى دون الله ورسوله". قلت: رواه الشيخان في المناقب من حديث أبي هريرة يرفعه (¬5)، قال بعضهم: ويروى "مواليّ" على الإضافة إلى الياء أحبائي وأنصاري، ويروي: موالٍ، بالتنوين بلا إضافة أي بعضهم لبعض أحباء أنصار. 4832 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "أسلم، وغفار، ومزينة، وجهينة: خير من بني تميم، ومن بني عامر، ومن الحليفين بني أسد، وغطفان". ¬

_ (¬1) انظر: إكمال المعلم (6/ 216 - 217)، والمنهاج للنووي (12/ 278). (¬2) أخرجه مسلم (1822). (¬3) أخرجه البخاري (3513)، ومسلم (2518)، والترمذي (3941). (¬4) انظر: أعلام الحديث للخطابي (3/ 1583 - 1584)، وشرح السنة للبغوي (14/ 63). (¬5) أخرجه البخاري (3512)، ومسلم (2520).

من الحسان

قلت: رواه مسلم بهذا اللفظ من حديث أبي بكرة فيه، ورواه البخاري ولكنه لم يقل: الحليفين، والحليفين: بالحاء المهملة لأنهم تحالفوا على التناصر. (¬1) 4833 - قال: ما زلت أحب بني تميم منذ سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول فيهم، سمعته يقول: "هم أشد أمتي على الدجال". قال: وجاءت صدقاتهم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هذه صدقات قومنا"، وكانت سبيّة منهم عند عائشة فقال: "أعتقيها، فإنها من ولد إسماعيل". قلت: رواه الشيخان: البخاري في العتق وفي المغازي ومسلم في المناقب كلاهما من حديث أبي زرعة عن أبي هريرة. (¬2) من الحسان 4834 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من يُرد هوان قريش، أهانه الله". قلت: رواه الترمذي في المناقب من حديث سعد بن أبي وقاص، بسند جيد. (¬3) 4835 - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم أذقت أول قريش نكالًا، فأذق آخرهم نَوالًا". قلت: رواه الترمذي في المناقب من حديث ابن عباس، انتهى (¬4). وفي سنده: أبو يحيى وهو عبد الحميد بن عبد الرحمن الحِمّاني، قال الذهبي: وثقه ابن معين وضعفه وقال النسائي: ليس بالقوي، وضعفه أحمد وابن سعد، وقال أبو داود: كان داعية في ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3523)، ومسلم (2521). (¬2) أخرجه البخاري (2543) (4366)، ومسلم (2525). (¬3) أخرجه الترمذي (3905) وإسناده حسن وله شاهد عن عثمان بن عفان عند أحمد (1/ 64) وبه يتقوى الحديث. وانظر: الصحيحة (1178). (¬4) أخرجه الترمذي (3908) وقال: حسن، انظر: الضعيفة تحت حديث رقم: (398).

الإرجاء (¬1)، الحماني: بفتح الحاء المهملة وتخفيف الميم وفي آخرها بعد الألف ياء آخر الحروف كذا قيده صاحب الأنساب، وقال هذه النسبة إلى مدينة حماة وهي بالشام ومشهور النسبة إليها حموي (¬2). 4836 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "نعم الحي: الأَسْد، والأشعريون، لا يفرون في القتال، ولا يغلون، هم مني، وأنا منهم". (غريب). قلت: رواه الترمذي فيه من حديث أبي موسى الأشعري وفي سنده عبد الله ابن ملاذ الأشعري قال الذهبي: مجهول. (¬3) 4837 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الأزد أزد الله في الأرض، يريد الناس أن يضعوهم، ويأبى الله إلا أن يرفعهم، وليأتين على الناس زمان، يقول الرجل: يا ليت أبي كان أزديًّا، ويا ليت أمي كانت أزدية". (غريب). قلت: رواه الترمذي من حديث أنس فيه، وقال: وقد روي موقوفًا على أنس وهو عندنا أصح، انتهى كلام الترمذي. (¬4) ¬

_ (¬1) قال الحافظ: صدوق يخطيء، ورمي بالإرجاء، انظر: التقريب (3795)، وقول الذهبي في الكاشف (1/ 617)، والميزان (2/ت4784). وروي عن ابن معين توثيقه وجاء تضعيفه عنه، انظر: رواية الدوري عن ابن معين (2/ 343)، والدارمي (674)، والكامل لابن عدي (5/ 1958). (¬2) ذكر السمعاني في الأنساب نسبتان: الحِمّاني بالنون وذكر تحته عبد الحميد هذا، وقال: هذه النسبة إلى بني حمان، وهي قبيلة نزلت الكوفة (4/ 236)، ثم ذكر (4/ 240) نسبة: الحماني وهي التي ذكرها المؤلف هنا، وقال: هذه النسبة إلى حماة وهي مدينة من مدن الشام، والنسبة الصحيحة إليها حموي. وأظن وهم المؤلف بذكر هذه النسبة لأن عبد الحميد هذا هو الحِمّاني كما سبق ذكر السمعاني له تحت هذه النسبة. (¬3) أخرجه الترمذي (3947) وإسناده ضعيف. وكذلك الحافظ قال عن عبد الله بن ملاذ: مجهول، انظر: التقريب (3675)، وقول الذهبي في الكاشف (1/ 602). (¬4) أخرجه الترمذي (3937) والمرفوع ضعيف لأن فيه مجهولًا. وانظر: الضعيفة (2467).

4838 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "في ثقيف كذاب ومبير"، قيل: الكذاب: هو المختار بن أبي عبيد، والمبير: هو الحجّاج بن يوسف، قال هشام بن حسان: أحصوا ما قتل الحجاج صبرًا، فبلغ مائة ألف وعشرين ألفًا. قلت: رواه الترمذي فيه من حديث ابن عمر (¬1)، وفي سنده: عبد الله بن عصم قال ابن حبان: منكر الحديث جدًّا، وقال ابن عدي: أنكرت أحاديثه قال أبو حاتم: شيخ، والمختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي. قال ابن عبد البر (¬2): كان أبوه من جلة الصحابة، ولد المختار عام الهجرة، وليست له صحبة ولا رواية، وأخباره غير مرضية، وذلك منذ طلب الإمارة إلى أن قتله مصعب بن الزبير سنة سبع وستين، وكان قبل ذلك معدودًا من أهل الفضل والخير، يرائي بذلك كله، ويكتم الفسق, فظهر منه ما كان يكتمه إلى أن فارق ابن الزبير، وطلب الإمارة، وكان المختار يتزيّن بطلب دم الحسين، ويُسّر طلب الدنيا، والإمارة، فيأتي منه الكذب والجنون، وإنما كانت إمارته ستة عشر شهرًا، ويقال: كان أول أمره خارجيًّا، ثم صار زبيريًّا ثم صار رافضيًّا، وكان يضمر بغض علي. ويظهر منه لضعف عقله أحيانًا (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (220) وإسناده ضعيف لضعف شريك وهو ابن عبد الله النخعي وعبد الله بن عُصم. قال فيه الحافظ: صدوق يخطيء، أفرط ابن حبان فيه وتناقض، انظر: التقريب (3500) وانظر: المجروحين (2/ 5)، والجرح والتعديل (5/ ت 582)، وتهذيب الكمال (15/ 305) رقم (3426). وللحديث شاهد من حديث أسماء بنت أبي بكر عند مسلم (2545)، وأحمد (6/ 351). وآخر من حديث سلامة بنت الحر عند الطبراني في الكبير (24/ (782). وأورده الهيثمي في المجمع (7/ 334)، وقال: رواه الطبراني وفيه نسوة مساتير. وانظر: الصحيحة (3538). (¬2) انظر: الاستيعاب (4/ 1465). (¬3) انظر: الإصابة (6/ 349 - 352) وقال الحافظ: وأقوى ما ورد في ذمّه ما أخرجه مسلم في صحيحه .... وذكر الحديث.

4839 - وروى مسلم في "الصحيح": حين قتل الحجاجُ عبدَ الله بن الزبير قالت أسماء له: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حدثنا أن في ثقيف كذابًا ومُبيرًا، فأما الكذاب فرأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه. قلت: رواه مسلم في آخر المناقب (¬1) من حديث أبي نوفل واسمه معاوية قال: رأيت عبد الله بن الزبير على عَقَبة المدينة: قال: فجعلت قريش تمر عليه والناس، حتى عليه عبد الله بن عمر، فوقف عليه، فقال: السلام عليك، أبا خبيب! السلام عليك، أبا خبيب! السلام عليك، أبا خبيب! أما والله! لقد كنت أنهاك عن هذا، أما والله! لقد كنت أنهاك عن هذا، أما والله! لقد كنت أنهاك عن هذا، أما والله إن كنت ما علمت، صوّامًا قوامًا، وصُولًا للرحم، أما والله لأمة أنت شرها، لأمة خير، ثم نفذ عبد الله بن عمر، فبلغ الحجاج موقف عبد الله بن عمر وقوله، فأرسل إليه، فأنزل عن جذعه .. فألقي في قبور اليهود، ثم أرسل إلى أمه أسماء بنت أبي بكر، فأبت أن تأتيه، فأعاد إليها الرسول لتأتيني أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك، فأبت وقالت: والله لا آتيك حتى تبعث إلي من يسحبني بقروني فقال: أروني سبتيتيّ فأخذ نعليه، ثم انطلق يتوذّف، حتى دخل عليها، فقال: كيف رأيتني صنعت بعدوّ الله؟ قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك، بلغني أنك تقول له: يا ابن ذات النطاقين! أنا، والله ذات النطاقين، أما أحدهما فكنت أرفع به طعام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وطعام أبي بكر من الدواب، وأما الآخر فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه، أما إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: حدّثنا: "أن في ثقيف كذابًا ... " الحديث، ولم يخرجه البخاري. يسحبك بقرونك: أي يجرك بضفائر شعرك. وسبتيتي: بكسر السين المهملة وإسكان الموحدة وتشديد آخره وهي النعل التي لا شعر عليها، ويتوذف: هو بالواو والذال المعجمة والفاء، قيل: معناه يسرع، وقيل: يتبختر. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2545).

والنطاق: هو بكسر النون، قال النووي (¬1): قال العلماء: النطاق أن تلبس المرأة ثوبها ثم تشد وسطها بشيء وترفع وسط ثوبها وترسله على الأسفل تفعل ذلك عند معاناة الأشغال لئلا تعثر في ذيلها، والمبير: بالباء الموحدة والياء آخر الحروف وهو المهلك. وإخالك: بكسر الهمزة وفتحها والكسر هو المشهور ومعناه: أظنك. 4840 - قالوا: يا رسول الله أحرقتنا نِبال ثفيف، فادع الله عليهم! قال: "اللهم اهد ثقيفًا". قلت: رواه الترمذي فيه من حديث جابر بن عبد الله وقال: حسن صحيح غريب. (¬2) 4841 - قال: كنا عند النبي -صلى الله عليه وسلم-: فجاءه رجل -أحسبه من قريش- قال: يا رسول الله! العن حِمْيرًا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "رحم الله حِميرًا، أفواههم سلام، وأيديهم طعام، وهم أهل أمن وإيمان" (منكر). قلت: رواه الترمذي فيه وقال: حديث منكر، وفي سنده ميناء، مولى عبد الرحمن قال الترمذي: يروى عنه أحاديث مناكير (¬3)، قال الذهبي: قال أبو حاتم: ميناء يكذب، وقال ابن معين والنسائي: ليس بثقة. 4842 - قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ممن أنت؟ " قلت: من دوس، قال: "ما كنت أرى أن في دوس أحدًا فيه خير". قلت: رواه الترمذي فيه وقال: حديث حسن صحيح غريب. (¬4) ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (16/ 149 - 150). (¬2) أخرجه الترمذي (3942) وإسناده على شرط مسلم ولكنه من رواية أبي الزبير وهو مدلس وقد عنعن وأخرجه أحمد (3/ 343) أيضًا. (¬3) أخرجه الترمذي (3939) وإسناده منكر. وقال الحافظ: ميناء بن أبي مولى عبد الرحمن: متروك، ورمي بالرفض، وكذبه أبو حاتم. انظر: التقريب (7108)، وقال الذهبي في الكاشف (2/ 312) ضعفوه، وقوله هذا في الميزان (4/ 237) وذكر فيه أقوالًا أخرى، فراجعه. (¬4) أخرجه الترمذي (3838).

4843 - قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تبغضني فتفارق دينك"، قلت: يا رسول الله! وكيف أبغضك وبك هدانا الله؟ قال: "تبغض العرب، فتبغضني". (غريب). قلت: رواه الترمذي فيه، من حديث شجاع بن الوليد عن قابوس بن أبي ظبيان عن سلمان، وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث شجاع بن الوليد، قال: وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: أبو ظبيان لم يدرك سلمان. (¬1) قلت: وقابوس بن أبي ظبيان قال أبو حاتم وغيره: لا يحتج به. 4844 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من غشّ العرب، لم يدخل في شفاعتي، ولم تنله مودّتي". (غريب). قلت: رواه الترمذي فيه، وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث حصين بن عمر الأحمسي وليس حصين عن أهل الحديث بذاك القوي، انتهى. (¬2) وقال الذهبي: ضعفه أحمد والناس. 4845 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من اقتراب الساعة: هلاك العرب". قلت: رواه الترمذي في المناقب (¬3) من حديث محمد بن أبي رزين عن أمه, قالت: كانت أم الحرير إذا مات أحد من العرب اشتد عليها، فقيل لها: إنا نراك إذا مات رجل ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3927) وإسناده ضعيف لانقطاعه. انظر: الضعيفة (2029)، وشجاع بن الوليد، أبو بدر: صدوق ورع له أوهام، انظر: التقريب (2765)، وقابوس ابن أبي ظبيان: قال الحافظ: فيه بين، انظر: التقريب (5480). (¬2) أخرجه الترمذي (3928) وهو حديث موضوع، وحصين بن عمر الأحمسي: قال الحافظ: متروك، انظر: التقريب (1387)، وقول الذهبي في الكاشف (1/ 338). وفي الجرح والتعديل عن أحمد: كان يكذب انظر: (3/ ت 842)، وانظر الأحاديث الضعيفة (545): وحكم عليه الشيخ بالوضع لمخالفته الحديث الصحيح: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي". (¬3) أخرجه الترمذي (3929)، أخرجه البخاري في تاريخه (4/ ت 3072)، والمزي في تهذيب الكمال (13، 433)، وتحفة الأشراف (4/ 223) حديث (5022). وإسناده ضعيف، فيه جهالة أم محمد بن =

باب مناقب الصحابة رضي الله عنهم أجمعين

من العرب اشتد عليك؟ قالت: سمعت مولاي يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من اقتراب الساعة: هلاك العرب" قال محمد بن أبي رزين مولاها: طلحة بن مالك. قال المزي في التهذيب (¬1): مولاها من فوق، قال الترمذي: غريب، إنما نعرفه من حديث سليمان بن حرب، انتهى. قلت: وسليمان بن حرب روى له الجماعة كلهم، وأما أم الحرير فلم يرو لها سوى الترمذي، وقال الذهبي: لا تعرف، وعنها امرأة لم تسم. 4846 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الملك في قريش، والقضاء في الأنصار، والأذان في الحبشة، والأمانة في الأزد". يعني: اليمن. ويروى موقوفًا وهو الأصح. قلت: رواه الترمذي في فضل اليمن من حديث أبي هريرة يرفعه، وقال: وقفه على أبي هريرة وعدم رفعه أصح. (¬2) باب مناقب الصحابة رضي الله عنهم أجمعين من الصحاح 4847 - قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه". ¬

_ = أبي زرين وأم الحرير: لا يعرف حالها، قاله الحافظ في التقريب (8815)، وقول الذهبي في الميزان (4/ 612). (¬1) انظر: تهذيب الكمال (13/ 432). (¬2) أخرجه الترمذي (3936) والموقوف منه صحيح. وذلك لأنه من رواية عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح به موقوفًا فإن المرفوع من حديث زيد بن حباب. وعبد الرحمن بن مهدي أحفظ من زيد بن الحباب ولأن أبا داود قال: سمعت أحمد قال: زيد بن حباب كان صدوقًا وكان يضبط الألفاظ عن معاوية ولكن كان كثير الخطأ.

قلت: رواه الجماعة: البخاري في فضل أبي بكر ومسلم والترمذي كلاهما في المناقب وأبو داود وابن ماجه كلاهما في السنة وكذلك رواه النسائي كلهم من حديث أبي سعيد. (¬1) والنصيف: النصف، وفيه أربع لغات: نصف بكسر النون، وضمها، وفتحها، ونصيف: بزيادة الياء، ومعناه: لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ ثوابه في ذلك ثواب نفقة أصحابي مدًّا ولا نصف مد (¬2). 4848 - قال: رفع -يعني- النبي -صلى الله عليه وسلم- رأسه إلى السماء وكان كثيرًا ما يرفع رأسه إلى السماء، فقال: "النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم، أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت، أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي، أتى أمتي ما يوعدون". قلت: رواه مسلم من حديث أبي موسى كذا، ولم يخرجه البخاري. (¬3) والأمنة: بفتح الهمزة والميم جمع أمين وهو الحافظ. ووعد السماء انشقاقها وذهابها يوم القيامة. وذهاب النجوم تكويرها وانكدارها وانعدامها وأراد بوعد أصحابه ما وقع بينهم من الفتن، وكذلك أراد -صلى الله عليه وسلم- بوعد الأمة عند ذهاب الصحابة والإشارة في الجملة إلى مجيء الشر عند ذهاب أهل الخير. 4849 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يأتي على الناس زمان، فيغزو فئام من الناس، فيقولون: هل فيكم مَن صاحَب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان، فيغزو فئام من الناس، فيقال: هل فيكم من صاحب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3673)، ومسلم (2541)، والترمذي (3861)، وأبو داود (4658)، والنسائي في الكبرى (8308)، وابن ماجه (161). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (16/ 139). (¬3) أخرجه مسلم (2531).

الناس، فيقال: هل فيكم من صاحب أصحاب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فيقولون نعم، فيفتح لهم". قلت: رواه البخاري في الجهاد واللفظ له ومسلم في المناقب والنسائي في النذور. (¬1) وفئام: بفاء مكسورة ثم همزة، الجماعة، وحكى عياض أن فيه لغة بالياء مخففة بلا همز، ولغة أخرى بفتح الفاء، والمشهور الأول (¬2). - وزاد بعضهم: "ثم يكون البعث الرابع، فيقال: انظروا، هل ترون فيهم أحدًا رأى من رأى أحدًا رأى أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ فيوجد الرجل، فيفتح لهم به". قلت: رواه مسلم فيه (¬3). 4850 - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خير أمتي: قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم إن بعدهم قومًا يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السِّمن". قلت: رواه الشيخان: البخاري في مواضع في فضائل الصحابة، في الشهادات، ومسلم في الفضائل والنسائي في النذور واللفظ للبخاري. (¬4) - وفي رواية: "ويحلفون ولا يُستحلفون". قلت: رواها الشيخان من حديث عمران. (¬5) - ويروى: "ثم يخلف قوم يحبون السمانة". قلت: رواه مسلم في من حديث أبي هريرة ولم يخرج البخاري عن أبي هريرة في هذا شيئًا. (¬6) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2897)، ومسلم (2532)، ولم أجده عند النسائي في النذور. (¬2) انظر: إكمال المعلم (7/ 569)، وانظر كذلك المنهاج (16/ 127). (¬3) أخرجه مسلم (209/ 2532). (¬4) أخرجه البخاري (3650)، ومسلم (2535). (¬5) أخرجه مسلم (2535). (¬6) أخرجه مسلم (2534).

قوله -صلى الله عليه وسلم- "خير أمتي قرني" وفي رواية: "خيركم قرني" وفي رواية: "خير الناس قرني" اتفق العلماء على أن خير القرون قرنه - صلى الله عليه وسلم -، والمراد الصحابة، ورواية "خير الناس"، على عمومها، والمراد: جملة القرن، ولا يلزم منه تفضيل الصحابة على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، بل المراد جملة القرن. واختلفوا في المراد بالقرن هنا: فقيل: قرنه -صلى الله عليه وسلم- أصحابه، والذين يلونهم أتباعهم، والثالث أتباع أتباعهم، وقيل قرنه ما بقيت عين رأته، والثاني ما بقيت عين رأت من رآه، ثم كذلك، وقيل: هو لأهل كل مدة بعث فيها نبي، طالت مدته أو قصرت وهذا ليس بظاهر. وذكر الجرجاني الاختلاف في قدره بالسنين من عشر سنين إلى مائة وعشرين سنة، وليس منه شيء واضح، ورأى أن القرن كل أمة هلكت فلم يبق منها أحد، وأن قرنه الصحابة، والثاني: التابعون، والثالث: تابعوهم. والسمانة: بفتح السين هي السمن، والمعنى: أن يكثر ذلك فيهم، وقيل: المراد بالسمن هنا أنهم يتكثرون بما ليس لهم، ويدعون ما ليس لهم من الشرف، وقيل: المراد جمعهم الأموال. قوله -صلى الله عليه وسلم-: ويخونون ولا يؤتمنون، قال النووي في شرح مسلم (¬1): هكذا في أكثر النسخ: يتمنون بتشديد النون ومعناه: يخونون خيانة ظاهرة بحيث لا يبقى معها أمانة، بخلاف من خان بحقير مرة واحدة فإنه يصدق عليه أنه خان، ولا يخرج به عن الأمانة في بعض المواطن. قوله - صلى الله عليه وسلم -: وينذرون ولا يوفون، هو بكسر الذال وضمها لغتان، وفي رواية: يفون وهما صحيحان، يقال: وفى وأوفى. ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (16/ 131).

من الحسان

من الحسان 4851 - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أكرموا أصحابي فإنهم خياركم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يظهر الكذب حتى إن الرجل ليحلف ولا يُستحلف، ويشهد ولا يستشهد، ألا فمن سره بُحبوحة الجنة، فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الفذ، وهو من الاثنين أبعد، ولا يخلون رجل بامرأة، فأن الشيطان ثالثهما، ومن سرته حسنته وساءته سيئته، فهو مؤمن". قلت: رواه النسائي في عشرة النساء (¬1) بسند صحيح، ليس في رجاله إلا من روى له الشيخان أو أحدهما إلا إبراهيم بن الحسن الخثعمي فإنه لم يرو له إلا أبو داود والنسائي، قال الذهبي: وهو ثقة ثبت (¬2). وبحبوحة الجنة: أي وسطها. 4852 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تمس النار مسلمًا رآني، أو رأى من رآني". قلت: رواه الترمذي، وقال: حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث موسى ابن إبراهيم الأنصاري، وروى علي بن المديني وغير واحد من أهل الحديث عن موسى هذا الحديث، انتهى (¬3) وموسى: قال فيه الذهبي: وثق (¬4). 4853 - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الله الله في أصحابي! الله الله في أصحابي! لا تتخذوهم غَرَضًا من بعدي، فمن أحبهم، فبحُبي أحبهم، ومن أبغضهم، فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم، فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله، فيوشك أن يأخذه". ¬

_ (¬1) أخرجه النسائي في الكبرى (9222)، وأخرجه أحمد (1/ 26). (¬2) وقال الحافظ: ثقة، انظر: التقريب (166)، وقول الذهبي في الكاشف (1/ 211). (¬3) أخرجه الترمذي (3858)، وإسناده حسن. (¬4) قال الحافظ في التقريب (6991): صدوق يخطيء، وقول الذهبي في الكاشف (2/ 301). قال ابن حبان: "كان ممن يخطىء", انظر: الثقات (7/ 449).

قلت: رواه الترمذي في المناقب وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه انتهى. (¬1) وفي سنده: عبد الرحمن بن زياد عن عبد الله بن مغفّل، وعبد الرحمن قال فيه الذهبي: لا يعرف. 4854 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مثل أصحابي في أمتي: كالملح في الطعام، لا يصلح الطعام إلا بالملح". قلت: رواه المصنف في شرح السنة بسنده إلى الحسن عن أنس. (¬2) 4855 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من أحد من أصحابي يموت بأرض، إلا بُعث قائدًا ونورًا لهم يوم القيامة". (غريب). قلت: رواه الترمذي في المناقب، وقال: غريب، قال: وروي هذا الحديث عن عبد الله بن مسلم أبي ظبية عن ابن مربدة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أصح، انتهى كلام الترمذي. (¬3) يعنى إرساله أصح من إسناده. 4856 - قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يبلّغني أحد عن أحد من أصحابي شيئًا، فإني أحب أن أخرج إليهم وأنا سليم الصدر". قلت: رواه الترمذي في فضل أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو داود في الأدب كلاهما من حديث الوليد بن هشام عن زيد بن زائدة عن ابن مسعود، وقال الترمذي: غريب من هذا الوجه، انتهى. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3862) وإسناده ضعيف، قال البخاري في عبد الرحمن بن زياد، فيه نظر، وقد انفرد بالرواية عنه عبيدة بن أبي رائطة ولم يؤثر توثيقه عن غير ابن حبان = = وقول الذهبي: عبد الرحمن بن زياد، أو ابن عبد الله، عن عبد الله بن مغفل، وعنه عبيدة ابن أبي رائطة، لا يعرف. انظر: الكاشف (1/ 628)، وقال الحافظ: مقبول، انظر: التقريب (3888). (¬2) أخرجه البغوي في شرح السنة (3863) وإسناده ضعيف. وانظر الضعيفة (1762). (¬3) أخرجه الترمذي (3865) وصحّح إرساله. (¬4) أخرجه الترمذي (3896)، وأبو داود (4860) وإسناده ضعيف، والوليد بن أبي هشام ذكره البخاري في التاريخ الكبير (3/ 394) وقال البيهقي في السنن (8/ 167) في هذا الإسناد الذي ليس فيه السدي =

باب مناقب أبي بكر رضي الله عنه

والوليد بن هشام قال فيه أبو حاتم الرازي: ليس بالمشهور. باب مناقب أبي بكر رضي الله عنه من الصحاح 4857 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن من أمنّ الناس علي في صحبته وماله، أبا بكر، ولو كنت متخذًا خليلًا من أمتي، لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقى في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر". قلت: رواه البخاري في الصلاة ومسلم في المناقب وكذا الترمذي والنسائي كلهم من حديث أبي سعيد الخدري (¬1) وانفرد البخاري بقوله "من أمتي" وبقوله "ومؤدته" أعني من حديث أبي سعيد. والخلة: الصداقة والمحبة أي تخللت القلب وصارت خلاله أي باطنه. والخليل: الصديق فعيل بمعنى مفاعل. ¬

_ = سقط فيه السدي كأنه منقطع عنده، وذكره البخاري في التاريخ (8/ 157) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا ولم يذكر ابن حبان في "الثقات" فهو مستور. وزيد بن زائد: تفرد بالرواية عنه الوليد بن أبي هشام وذكره البخاري في "التاريخ الكبير" (3/ 394)، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (3/ 564)، وذكره ابن حبان في الثقات (4/ 248)، ونقل الحافظ في "التهذيب" عن الأزدي قوله "لا يصح حديثه". وقال في التقريب (2149): مقبول. وقال الذهبي في الميزان (2/ ت 3007): قال الأزدي: لا يصح حديثه، قلت: لا يعرف. وقال في الكاشف (1/ 416): وثّق. أما الوليد بن أبي هشام فقال في التقريب (7513): صدوق، وقال الذهبي: ثقة، انظر: الكاشف (2/ 355). (¬1) أخرجه البخاري (466)، ومسلم (2382)، والترمذي (3660)، والنسائي في الكبرى (8103).

والخوخة: باب صغير يكون بين بيتين فينصب عليها باب وهذا القول منه في مرضه - صلى الله عليه وسلم - في آخر خطبة خطبها. - وفي رواية: "لو كنت متخذًا خليلًا غير ربي، لاتخذت أبا بكر خليلًا". قلت: رواها البخاري. (¬1) 4858 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو كنت متخذًا خليلًا، لاتخذت أبا بكر خليلًا، ولكنه أخي وصاحبي، وقد اتخذ الله صاحبكم خليلًا". قلت: رواه مسلم في المناقب، والترمذي فيه بمعناه، ولم يخرج البخاري عن ابن مسعود في هذا شيئًا. (¬2) 4859 - قالت: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مرضه: "ادعي لي أبا بكر -أباك- وأخاك، حتى أكتب كتابًا، فإني أخاف أن يتمنى متمنّ، ويقول قائل: أنا، ولا، يعني: يقول أنا ولا غيري، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر". قلت: رواه مسلم في المناقب من حديث عروة عن عائشة بهذا إلا قوله: "يعني يقول: أنا ولا غيري" فإن هذا ليس في مسلم، وقد روى البخاري في الطب من حديث القاسم بن محمد عن عائشة في حديث طويل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: في مرضه (¬3): "لقد هممت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه، وأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون، ويدفع الله ويأبى المؤمنون". قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ويأبى الله والمؤمنون". قال النووي (¬4): كذا هو في بعض نسخ مسلم المعتمدة: أنا ولا، بتخفيف أنا، ولا يقول أنا أي أحق، وليس كما يقول، بل يأبى الله ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3654). (¬2) أخرجه مسلم (2383)، والترمذي (3655). (¬3) أخرجه مسلم (2387)، والبخاري في الطب (5666) بمعناه. (¬4) انظر: المنهاج للنووي (15/ 222).

والمؤمنون إلا أبا بكر" وفي بعضها: أنا أولى أي "أنا أحق بالخلافة"، قال عياض (¬1): هذه أجود، وفي بعضها: أنا ولي بتخفيف الياء وكسر اللام أي: أنا أحق والخلافة لي، وفي بعضها "أنا ولاه أي: أنا الذي ولاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي بعضها "أنّى ولاه" بتشديد النون أي كيف ولاه (¬2). 4860 - قال: أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- امرأة، فكلمته في شيء، فأمرها أن ترجع إليه، قالت: يا رسول الله! أرأيت إن جئت ولم أجدك؟ -كأنها تريد الموت- قال: "إن لم تجديني، فأتي أبا بكر". قلت: رواه البخاري في فضائل أبي بكر وفي الأحكام وفي الاعتصام ومسلم والترمذي كلاهما في المناقب كلهم من حديث جبير ابن مطعم. (¬3) 4861 - قال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعثه على جيش ذات السلاسل، قال: فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: "عائشة"، قلت: من الرجال؟ قال: "أبوها"، قلت: ثم من؟ قال: "عمر"، فعدّ رجالًا. قلت: رواه البخاري في المناقب وفي المغازي، ومسلم في المناقب (¬4)، وروى الترمذي فيه إلى قوله: "أبوها" وقال البخاري: غزوة ذات السلاسل هي غزوة لخم وجذام، وقال عن عروة: هي بلاد بليّ وعذرة وبني القين (¬5). وذات السلاسل: بفتح السين الأولى وكسر الثانية، ومنهم من قال: هو بضم السين الأولى، كذا ذكره ابن الأثير (¬6)، والمشهور الأول، وهذه الغزوة في جمادى الآخرة سنة ¬

_ (¬1) انظر: إكمال المعلم (7/ 390). (¬2) انظر المصدرين السابقين. (¬3) أخرجه البخاري (7220) , ومسلم (2386)، والترمذي (3676). (¬4) أخرجه البخاري (3662)، و (4358)، ومسلم (2384)، والترمذي (3885). (¬5) ذكره البخاري عن إسماعيل بن أبي خالد في كتاب المغازي أول باب غزوة ذات السلاسل قبل حديث رقم (4358). (¬6) انظر: النهاية لابن الأثير (2/ 389).

من الحسان

ثمان من الهجرة، وكانت بعد مؤتة فيما ذكره أهل المغازي إلا ابن إسحاق فقال: قبلها (¬1). 4862 - قال: قلت لأبي: أي الناس خير بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: عمر، وخشيت أن يقول: عثمان، قلت: ثم أنت، قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين. قلت: رواه البخاري في فضل أبي بكر وأبو داود في السنة. (¬2) 4863 - قال: كنا في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا نعدل بأبي بكر أحدًا، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لا نفاضل بينهم. قلت: رواه البخاري في فضل عثمان، والترمذي في المناقب وأبو داود في السنة من حديث ابن عمر. (¬3) - وفي رواية: كنا نقول -ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- حي- أفضل أمة النبي -صلى الله عليه وسلم- بعده: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان. قلت: لم أر هذه الرواية في شيء من الصحيحين، إنما رواها أبو داود من حديث سالم بن عبد الله أن ابن عمر قال: وذكره. (¬4) من الحسان 4864 - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما لأحد عندنا يد، إلا وقد كافيناه، ما خلا أبا بكر، فإن له عندنا يدًا يكافئه الله بها يوم القيامة، وما نفعني مال أحد قط ما ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (15/ 219)، والبداية والنهاية (6/ 495). (¬2) أخرجه البخاري (3671)، وأبو داود (4629). (¬3) أخرجه البخاري (3697)، والترمذي (3707)، وأبو داود (4627). (¬4) أخرجه أبو داود (4628).

نفعني مال أبي بكر، ولو كنت متخذًا خليلًا، لاتخذت أبا بكر خليلًا ألا وإن صاحبكم خليل الله". قلت: رواه الترمذي في المناقب من حديث أبي هريرة وقال: حسن غريب، انتهى. (¬1) وفي سنده: داود بن يزيد الأودي. قال الذهبي: ضعفه أبو داود وغيره. 4865 - قال: أبو بكر سيدنا وخيرنا وأحبّنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قلت: رواه الترمذي في المناقب من حديث عمر بن الخطاب وقال: صحيح غريب. (¬2) 4866 - عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لأبي بكر: "أنت صاحبي في الغار، وصاحبي على الحوض". قلت: رواه الترمذي في المناقب من حديث ابن عمر وقال: حسن غريب، انتهى. (¬3) وفي سنده: جميع بن عمير التيمي، قال الذهبي: شيعي واه، قال البخاري عنه: فيه نظر (¬4). 4867 - قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره". (غريب). قلت: رواه الترمذي في المناقب من حديث عائشة وقال: غريب، انتهى، وفي سنده: عيسى بن ميمون، قال الذهبي: ضعفوه. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3661) وإسناده ضعيف. وداود بن يزيد الأودي قال عنه الحافظ: ضعيف، انظر: التقريب (1827)، وقول الذهبي في الكاشف (1/ 383). (¬2) أخرجه الترمذي (3656) وإسناده جيد. وانظر: هداية الرواة (5/ 395). (¬3) أخرجه الترمذي (3670) وإسناده ضعيف. (¬4) هذا كلام الذهبي في الكاشف (1/ 296)، وقول البخاري في تاريخه (2/ ت 2328)، وقال الحافظ: صدوق يخطيء ويتشيع، انظر: التقريب (976). (¬5) أخرجه الترمذي (3673) وإسناده ضعيف. انظر: قول الذهبي في الكاشف (2/ 113)، وقد ضعفه الترمذي في سننه تحت رقم (1089)، وقال الحافظ: ضعيف، انظر: التقريب (5370).

4868 - قال: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نتصدق، ووافق ذلك مالًا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر، إن سبقته يومًا، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما أبقيت لأهلك؟ " فقلت: مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال: "يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك؟ " فقال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسبقه إلى شيء أبدًا. قلت: رواه أبو داود والترمذي في المناقب وقال: حديث حسن صحيح. (¬1) 4869 - أن أبا بكر دخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "أنت عتيق الله من النار"، فيومئذ سمي عتيقًا. قلت: رواه الترمذي من حديث عائشة وقال: غريب (¬2)، انتهى، وفي سنده: إسحاق بن يحيى بن طلحة، قال الذهبي: ضعفوه. 4870 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أنا أول من تنشق عنه الأرض، ثم أبو بكر ثم عمر، ثم أهل البقيع، فيحشرون معي، ثم أنتظر أهل مكة، حتى أحشر بين الحرمين". قلت: رواه الترمذي في المناقب من حديث ابن عمر بن الخطاب (¬3) وقال: غريب، وفي سنده: عاصم بن عمر العمري، قال الترمذي: ليس بالحافظ، وقال الذهبي: ضعفوه. (¬4) 4871 - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أتاني جبريل، فأخذ بيدي فأراني باب الجنة الذي تدخل منه أمتي"، فقال أبو بكر: يا رسول الله وددت أني كنت معك حتى أنظر إليه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أما إنك يا أبا بكر، أول من يدخل الجنة من أمتي". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3675)، وأبو داود (1678). (¬2) أخرجه الترمذي (3679) وإسناده ضعيف، وله شاهد عند ابن حبان (6864) من رواية عبد الله بن الزبير. وعند الحاكم (3/ 66)، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وإسحاق بن يحيى قال عنه الحافظ في التقريب (394): ضعيف, وقول الذهبي في الكاشف (1/ 239). (¬3) أخرجه الترمذي (3692) وإسناده: ضعيف، انظر العلل المتناهية (2/ 914 - 915). (¬4) انظر: الكاشف للذهبي (1/ 520)، وقال الحافظ في التقريب (3085): ضعيف.

باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه

قلت: رواه أبو داود في السنة (¬1) من حديث أبي هريرة وفي إسناده: أبو خالد الدالاني يزيد بن عبد الرحمن: وثقه أبو حاتم الرازي، وقال ابن معين: ليس به بأس، وعن الإمام أحمد نحوه. وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به إذا وافق الثقات فكيف إذا انفرد عنهم بالمعضلات، انتهى (¬2). وقد تقدم في الطهارة. باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الصحاح 4872 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد كان فيمن قبلكم من الأمم محدثون فإن يك في أمتي أحد، فإنه عمر". قلت: رواه البخاري بهذا اللفظ من حديث أبي هريرة (¬3) ورواه مسلم في المناقب (¬4) من حديث عائشة مع بعض تغيير في اللفظ، ولم يرو البخاري عن عائشة في هذا المعنى شيئًا. قال ابن وهب: تفسير "محدّثون" ملهمون، وقيل: مصيبون، إذا ظنوا فكأنهم حدثوا بشيء فظنوا وقيل: تكلمهم الملائكة. وجاء في رواية "متكلمون" وقال البخاري: يجري الصواب على ألسنتهم (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4652) وإسناده ضعيف، وكذلك أخرجه الحاكم في المستدرك (3/ 73). (¬2) أبو خالد الدالاني: قال فيه الحافظ: صدوق يخطيء كثيرًا، انظر: التقريب (8132)، وانظر: الجرح والتعديل (9/ ت 1167)، والمجروحين (3/ 105)، والعلل ومعرفة الرجال (1/ 423)، وانظر: تهذيب الكمال (33/ 273 - 275)، والكاشف (2/ 422). (¬3) أخرجه البخاري (3689). (¬4) أخرجه مسلم (2398). (¬5) انظر: المنهاج للنووي (15/ 236 - 237).

تنبيه: ذكر الحاكم في المستدرك في مناقب (¬1) عمر حديث عائشة هذا استدراكًا على مسلم وهو ثابت في مسلم. 4873 - قال: استأذن عمر بن الخطاب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعنده نسوة من قريش يكلّمنه، عالية أصواتهن، فلما استأذن عمر، قمن فبادرن الحجاب، فدخل عمر، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضحك، فقال: أضحك الله سنك يا رسول الله مم تضحك؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "عجبت من هؤلاء اللاتي كنّ عندي، فلما سمعن صوتك، ابتدرن الحجاب"، قال عمر: يا عدوات [أنفسهن] أتهبنني ولا تهبن رسول الله؟ قلن: نعم، أنت أفظ وأغلظ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إيه يا ابن الخطاب! والذي نفسي بيده، ما لقيك الشيطان سالكًا فجًّا قط، إلا سلك فجًّا غير فجك". قلت: رواه البخاري في فضل عمر، ومسلم والترمذي كلاهما في المناقب (¬2) إلا قوله: إيه يا بن الخطاب، فإنها من زيادة البخاري، كما قاله عبد الحق، كلهم من حديث محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه. والفظ والغليظ بمعنى، وهو عبارة: عن شدة الخلق، وخشونة الجانب. قال العلماء: وليس لفظة أفعل هنا للمفاضلة بل هي بمعنى "فظ غليظ". وإيه "يا ابن الخطاب" بكسر الهمزة قال ابن الأثير (¬3): هي كلمة يراد بها الاستزادة، وهي مبنية على الكسر، فإذا وصلت نوّنْتَ. فتقول إيهٍ حدّثْنا، وإذا قلت: إيهًا بالنصب فإنما تأمره بالسكوت، وقد ترد المنصوبة بمعنى التصديق والرضى بالشيء، والثابت في النسخ المصرية من البخاري "إيهٍ" بالكسر والتنوين ولو جاء بالنصب لكان المقام يقتضيه. والفج: الطريق الواسع. ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم (3/ 86). (¬2) أخرجه البخاري (3683)، ومسلم (2396)، ولم أجده عند الترمذي وأخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (207)، وفي فضائل الصحابة (28). (¬3) انظر: النهاية لابن الأثير (1/ 87 - 88).

4874 - قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "دخلت الجنة، فإذا أنا بالرميصاء -امرأة أبي طلحة- وسمعت خشفة، فقلت: من هذا؟ قال: هذا بلال، ورأيت قصرًا بفنائه جارية، فقلت: لمن هذا؟ قال: هذا لعمر، فأردت أن أدخله فأنظر إليه، فذكرت غيرتك" فقال عمر رضي الله عنه: بأبي وأمي يا رسول الله أعليك أغار؟. قلت: رواه الشيخان والنسائي في المناقب من حديث محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله. (¬1) والرميصاء: ممدود مصغر هي أم أنس بن مالك وهي أم سليم امرأة أبي طلحة، قال الدارقطني: ويقال بالسين وكذا ذكرها البخاري. وذكر مسلم الغميصاء (¬2): بالغين. قال ابن عبد البر في أم سليم (¬3): هي الغميصاء والرميصاء، انتهى، وقيل: إن المشهور فيها الراء، وأما بالغين فأختها أم حرام بنت ملحان (¬4). وخشفة: بفتح الخاء المعجمة وسكون الشين هو الصوت ليس بالشديد. 4875 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بينا أنا نائم، رأيت الناس يُعرضون علي وعليهم قُمُص، منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما دون ذلك، وعُرِض علي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعليه قميص يجره"، قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: "الدين". قلت: رواه البخاري في الإيمان وفي التعبير وفي فضائل عمر ومسلم في الفضائل والترمذي والنسائي في الرؤيا. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3679)، ومسلم (2394)، والنسائي في الكبرى (8126). (¬2) انظر: مسلم (2456). (¬3) انظر: الاستيعاب (4/ 1940). (¬4) انظر: المنهاج للنووي (16/ 16)، وتهذيب الكمال (35/ 365 - 366). (¬5) أخرجه البخاري في الإيمان (23)، وفي التعبير (7008)، ومسلم (2390)، والترمذي (2285)، والنسائي (8/ 113) في الرؤيا، وفي الإيمان كما في التحفة (3/ 328).

4876 - قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: بينا أنا نائم، أتيت بقدح لبن، فشربت، حتى إني لأرى الرّيّ يخرج في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر ابن الخطاب قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: "العلم". قلت: رواه البخاري في العلم وفي تعبير الرؤيا وفي الفضائل ومسلم في المناقب والترمذي والنسائي في الرؤيا وأعاده النسائي في المناقب وفي العلم أربعتهم من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب. (¬1) 4877 - قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "بينا أنا نائم، رأيتني على قليب عليها دلو، فنزعت منها ما شاء الله، ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع بها ذنوبًا أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف -والله يغفر له ضعفه- ثم استحالت غربًا، فأخذها ابن الخطاب، فلم أر عبقريًّا من الناس ينزع نزع عمر، حتى ضرب الناس بعَطَن". قلت: رواه البخاري في فضائل أبي بكر ومسلم في المناقب كلاهما من حديث أبي هريرة، إلا قوله: "ضعفه" فإنها للبخاري خاصة كذا قاله عبد الحق. (¬2) والقليب: البئر غير المطوية. والدلو: يذكر ويؤنث، وهو بفتح الدال المهملة وسكون اللام. والذنوب: بفتح الذال المعجمة وضم النون وآخره باء موحدة الدلو المملوءة. والضعف: بفتح الضاد وضمها لغتان والضم أفصح، والنزع: الاستقاء. وغربًا: بفتح الغين المعجمة وإسكان الراء. والغرب: الدلو العظيمة. واستحالت: أي صارت وتحولت من الصغر إلى الكبر. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3664)، وفضائل الصحابة و (7021) في التعبير، و (7475) في التوحيد، ومسلم (2392)، والترمذي (2284)، والنسائي في الكبرى في المناقب (8069)، وفي العلم (5806)، وفي الرؤيا (7591). (¬2) أخرجه البخاري (3664)، ومسلم (2392).

قال بعضهم: وانتصب غربًا تمييزًا لاستحالة الدلو. والعبقري: بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة وفتح القاف وكسر الراء المهملة وهو السيد والكبير، وأصل هذه الكلمة فيما قيل إن عبقر قرية يسكنها الجن فيما يزعمون، فكلما رأوا شيئًا فائقًا غريبًا مما يصعب عمله ويدِقّ، أو شيئًا عظيمًا في نفسه نسبوه إليها، فقالوا: عبقريّ، ثم اتسع فيه حتى سمي به السيد الكبير والقوي (¬1). قوله: ضرب الناس بعطن أي رويت إبلهم حتى بركت وأقامت مكانها (¬2). والعطن: منزل الإبل حول الماء وهو بفتح العين والطاء المهملتين. يقال: عطنت الإبل فهي عاطنة وعواطن إذا سقيت وتركت عند الحياض لتقاد إلى الشرب (¬3)، قال في شرح السنة (¬4): لم يرد -صلى الله عليه وسلم- نسبة التقصير إلى الصديق في القيام بالأمر، فإنه جد في الأمر، وتحمّل من أعباء الخلافة ما كانت الأمم تعجز عن تحملها، ولذلك قالت عائشة: توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وارتدت العرب، وانتشر النفاق، ونزل بأبي ما لو نزل بالجبال لهاضها، بل ذلك إشارة إلى أن الفتوح كانت في زمن عمر أكثر مما كانت في أيام الصديق لقصر مدته فإنه لم يعش في الخلافة أكثر من سنتين، وامتدت خلافة عمر عشر سنين، وقيل: الذنوبان إشارة إلى خلافة سنتين وأيامًا. 4878 - ورواه ابن عمر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: "ثم أخذها ابن الخطاب من يد أبي بكر، فاستحالت في يده غربًا، فلم أر عبقريًّا يفري فريه، حتى رَوِي الناس وضربوا بعَطَن". قلت: رواه الشيخان من حديث ابن عمر واللفظ للبخاري (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: النهاية (3/ 173). (¬2) انظر: المنهاج (15/ 229). (¬3) انظر: النهاية (3/ 258). (¬4) انظر: شرح السنة للبغوي (14/ 91). (¬5) أخرجه البخاري (7019)، ومسلم (2393).

من الحسان

قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فلم أر عبقريًّا يفري فريه" أما يفري فبفتح الياء وإسكان الفاء وكسر الراء، وأما فريه: فروي بوجهين أحدهما: بإسكان الراء وتخفيف الياء، والثانية: كسر الراء وتشديد الياء، واتفقوا على أن معناه: لم أر سيدًا يعمل عمله، ويقطع قطعه، وأصل الفري بالإسكان: القطع يقال: فريت الشيء: إذا قطعته وشققته للإصلاح، وأفريته: إذا شققته على جهة الإفساد (¬1). من الحسان 4879 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله وضع الحق على لسان عمر وقلبه". قلت: رواه الترمذي في المناقب ولفظه "إن الله جعل الحق" ... الحديث، وقال: حسن غريب، وفي بعض النسخ: صحيح، انتهى. (¬2) وفي سنده: خارجة بن عبد الله عن نافع عن ابن عمر: ضعفه أحمد، ورواه أحمد من حديث نافع العادل عن نافع عن ابن عمر به، ورواه ابن حبان من حديث الدراوردي عن سهل عن أبيه عن أبي هريرة بلفظ الترمذي فهو شاهد جيد الإسناد ورواه أحمد أيضًا وأبو داود وابن ماجه من حديث وغُضَيْف بن الحارث عن أبي ذر يرفعه، ولفظ أحمد "ضرب الحق" ولفظهما "وضح الحق" كلفظ المصنف ولفظهما يقول: به، ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (15/ 231 - 232). (¬2) أخرجه الترمذي (3682)، وأحمد (2/ 53) وإسناده صحيح، ورواه ابن حبان (6889) من رواية أبي هريرة. وخارجة بن عبد الله بن سليمان ضعفه أحمد والدارقطني والذهبي، وقال ابن معين وابن عدي: لا بأس به، وقال أبو داود وأبو حاتم: شيخ، زاد أبو حاتم: حديثه صالح، وقال الحافظ في التقريب (1621): صدوق له أوهام، وانظر: الكاشف (1/ 361). وأخرجه أبو داود (2962)، وابن ماجه (108)، وأحمد (5/ 145) ورجال إسناده ثقات لولا عنعنة مكحول وابن إسحاق ورواه أحمد (5/ 165) و (5/ 177)، وإسناده صحيح. وانظر للتفصيل: فضائل الصحابة للإمام أحمد (316، 317، 395) وقد صرح ابن إسحاق عند غيره بالتحديث.

بدل: وقلبه، وفي إسناد حديث أبي ذر هذا محمد بن إسحاق وقال: عن، ولم يصرح بالسماع. 3880 - قال علي: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر. قلت: رواه المصنف في شرح السنة من حديث أبي القاسم البغوي عن علي بن الجعد ثنا شريك عن إسماعيل بن أبي خالد عن عامر قال: قال علي: .. وساقه موقوفًا على علي رضي الله عنه. (¬1) والسكينة: قال في النهاية (¬2): قيل: من الوقار والسُّكون وهي الرحمة، وقيل: أرادَ السَّكينة التي ذكرَها الله في كتابه العزيز، قيل: في تَفْسيرها [أنها] حَيوان له وَجْه كوجْه الإنسان مُجْتَمع، وسائرُها خَلق رَقيقٌ كالرّيح والهَواءِ، وقيل: هي صُورَة كالهرة كانت معهم في جُيُوشهم، فإذا ظَهَرت انهزَم أعداؤُهم، وقيل: هي ما كانوا يسْكُنون إليه من الآيات التي أعطاها الله موسى عليه السلام، والأشبَه بحديث عمر أن يكونَ من الصُّورة المذكورة انتهى. وقال بعضهم: معناه ما قاله ابن عمر: ما نزل بالناس أمر، فقالوا فيه قولًا، وقال عمر إلا نزل القرآن على نحو ما قال، وقيل: معناه أنه ينطق بما يستحق به أن تسكن إليه النفوس وتطمئن به القلوب (¬3). 4881 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اللهم أعز الإسلام بأبي جهل بن هشام، أو بعمر بن الخطاب"، فأصبح عمر، فغدا على النبي -صلى الله عليه وسلم- فأسلم، ثم صلى في المسجد ظاهرًا. ¬

(¬1) أخرجه البغوي في شرح السنة (14/ 86) رقم (3877)، والبيهقي في الدلائل (6/ 369)، ورواه الطبراني في الأوسط عن علي وابن مسعود بإسنادين حسنين. وأخرجه أبو القاسم البغوي في مسند علي بن الجعد برقم (2419). (¬2) انظر: النهاية لابن الأثير (2/ 386). (¬3) انظر: شرح السنة للبغوي (14/ 86)، وذكره ابن حبان عقب حديث (6895).

قلت: رواه الترمذي في المناقب (¬1) من حديث النضر أبي عمر عن عكرمة عن ابن عباس، إلى قوله "فأسلم" ولم يذكر الزيادة، وقال: حديث غريب من هذا الوجه، وقد تكلم بعضهم في النضر أبي عمر وهو يروي مناكير من قبل حفظ، انتهى كلام الترمذي. قال الذهبي (¬2): النضر بن عبد الرحمن أبو عمر: ساقط. وقوله: ثم صلى في "المسجد ظاهرًا" هذه الزيادة رواها في شرح السنة بهذا السند أيضًا. (¬3) 4882 - قال عمر لأبي بكر: يا خير الناس بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال أبو بكر: أما إنك إن قلت ذلك، فلقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر". (غريب). قلت: رواه الترمذي فيه من حديث جابر وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وليس إسناده بذاك، انتهى كلام الترمذي. (¬4) وفي سنده: عبد الله بن داود عن عبد الرحمن ابن أخي محمد بن المنكدر. قال الذهبي: وعبد الله بن داود ضعفوه. قال في الميزان: لا يكاد يعرف، ولا يتابع على حديثه، وذكر له هذا الحديث، وقد رواه ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3683)، وفي إسناده النضر أبو عمر.= = وله شاهد من حديث ابن عمر أخرجه الترمذي (3681)، وابن حبان (6881) بإسناد حسن. وقد ذكر الحافظ في الفتح (8/ 46) له شواهد كثيرة يرتقى بها إلى درجة الصحة. (¬2) انظر: الكاشف للذهبي (2/ 321 رقم 5837)، وقال الحافظ: متروك، انظر: التقريب (7194). (¬3) أخرجه البغوي في شرح السنة (3885). (¬4) أخرجه الترمذي (3684)، والحاكم (3/ 90)، وأخرجه ابن عدي في الكامل (4/ 1556 - 1557) في ترجمة عبد الله بن داود. قال الشيخ الألباني -رحمه الله- هو حديث باطل ظاهر البطلان، انظره في الضعيفة (1357).

الحاكم أيضًا في المستدرك، واستدرك الذهبي عليه فيه وقال: الحديث شبه الموضوع (¬1). 4883 - قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لو كان بعدي نبي، لكان عمر بن الخطاب". (غريب). قلت: رواه الترمذي فيه من حديث عقبة وقال: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث مشرح بن هاعان، انتهى. (¬2) ومشرح: ثقة (¬3). 4884 - قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض مغازيه، فلما انصرف جاءت جارية سوادء، فقالت: يا رسول الله! إني كنت نذرت: إن ردّك الله صالحًا، أن أضرب بين يديك بالدُّفّ وأتغنى، فقال لها رسول الله-صلى الله عليه وسلم -: "إن كنت نذرت فاضربي، وإلا فلا"، فجعلت تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، ثم دخل عمر فألقت الدف تحت استها، ثم قعدت عليه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الشيطان ليخاف منك يا عمر! إني كنت جالسًا وهي تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، ثم دخل علي، وهي تضرب، فلما دخلت أنت ألقت الدف". (غريب). قلت: رواه الترمذي فيه من حديث بريدة وقال: حسن صحيح غريب. (¬4) ¬

_ (¬1) هو أبو محمد التمار، قال الحافظ: ضعيف، انظر: التقريب (3318). وانظر للتفصيل في حال عبد الله بن داود: المجروحين لابن حبان (2/ 34)، والكامل لابن عدي (4/ 1556)، وميزان الاعتدال (2/ ت 4294)، والكاشف (1/ 549). (¬2) أخرجه الترمذي (3686) وإسناده حسن، وأخرجه أيضًا أحمد (4/ 154). (¬3) بل قال فيه الحافظ: مقبول، وقال الذهبي في الكاشف: ثقة، وقال في الميزان: صدوق، قال ابن الجوزي في الموضوعات: قال ابن حبان: انقلبت على مشرح صحائفه، فبطل الاحتجاج به، انظر: الموضوعات (2/ 66)، والميزان (4/ ت 8549)، والكاشف (2/ 266)، والمجروحين (3/ 28)، والتقريب (6724). ويبدو أنه بين الضعيف والثقة. والله أعلم. (¬4) أخرجه الترمذي (3690) وإسناده صحيح، وأخرجه أيضًا أحمد (5/ 353). وانظر: الصحيحة (1609).

باب مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما

4885 - قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالسًا في المسجد، فسمعنا لغطًا وصوت صبيان، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإذا حبشية تزفن، والصبيان حولها، فقال: "يا عائشة! تعالي فانظري"، فجئت، فوضعت لحييّ على منكِب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجعلت أنظر إليها ما بين المنكب إلى رأسه، فقال لي: "أما شبعت؟ أما شبعت؟ "، فجعلت أقول: لا، لأنظر منزلتي عنده، إذ طلع عمر، فارفضّ الناس عنها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس قد فروا من عمر بن الخطاب، قالت: فرجعت. (غريب). قلت: رواه الترمذي فيه من حديث عائشة وقال: حسن صحيح غريب (¬1) من هذا الوجه. واللغط: صوت وضجة لا يفهم معناه. وتزفن: بفتح التاء ثالثة الحروف وبسكون الزاي المعجمة وبكسر الفاء ثم النون أي رقص (¬2). باب مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من الصحاح 4886 - عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "بينما رجل يسوق بقرة، إذ أعْيا فركبها، فقالت: إنا لم نخلق لهذا، إنما خُلقنا لحراثة الأرض"، فقال الناس: سبحان الله! بقرة تكلم؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فإني أومن به: أنا وأبو بكر، وعمر، وماهما ثم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "بينما رجل في غنم له، إذ عدا الذئب على شاة منها، فأخذها، فأدركها صاحبها فاستنقذها، فقال له الذئب: فمن لها يوم السبع، يوم لا راعي لها غيري؟ "، فقال ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3691) وإسناده حسن. (¬2) انظر: النهاية (2/ 305).

الناس: سبحان الله ذئب يتكلم؟ قال: "فأنا أؤمن به، وأبو بكر وعمر" وماهما ثم. قلت: رواه البخاري في ذكر بني إسرائيل ومسلم في الفضائل من حديث أبي هريرة (¬1) يرفعه، إلا لفظ: إذ أعيا، فإنني لم أرها في الصحيحين ولا في أحدهما ولا ذكرها الحميدي (¬2) ولا عبد الحق في جمعهما للصحيحين. تنبيه: اقتضى كلام عبد الحق أن مسلمًا لم يذكر في قصة البقرة "وماهما ثم" وإنما هي في البخاري خاصة، وليس الأمر كما ذكر بل هذه اللفظة ثابتة في الصحيحين من حديث سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي سلمة عن أبي هريرة والله أعلم. قوله "فمن لها يوم السبع يوم لا راعي لها غيري" روى السبع بضم الباء وإسكانها، والمشهور الأول، يريد الحيوان المعروف، وقيل: يوم السبع يوم الإهمال، يقال: أسبع الرجل كلا به إذا تركها مهملة، تفعل ما تشاء، وقيل: معناه إذا طرد منها السبع، وبقيت أنا فيها الحاكم دونك لفرارك عنها، وقيل: عيد كان لهم في الجاهلية يجتمعون فيه للهو ويهملون مواشيهم فيأكلها السبع، قال النووي (¬3): والأصح ما قاله آخرون من أنها عند الفتن حين يتركها الناس هملًا لا راعي لها نهبة للسباع فجعل السبع راعيًا لها أي منفردًا بها. 4887 - قال: إني لواقف في قوم، فدعوا الله لعمر وقد وُضِع على سريره، إذا رجل من خلفي قد وضع مرفقه على منكبي يقول: يرحمك الله إني لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك، لأني كثيرًا ما كنت أسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "كنت وأبو بكر وعمر"، و"فعلت وأبو بكر وعمر"، و"انطلقت وأبو بكر وعمر" و "دخلت وأبو بكر وعمر" و"خرجت وأبو بكر وعمر" فالتفت، فإذا علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3471)، و (3690)، ومسلم (2388). (¬2) انظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (3/ 53) رقم (2232). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (15/ 225).

من الحسان

قلت: رواه البخاري في فضل أبي بكر وفي فضل عمر ومسلم في الفضائل والنسائي فيه، وابن ماجه في السنة (¬1) كلهم من حديث ابن عباس عن علي رضي الله عنهم. من الحسان 4888 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن أهل الجنة ليتراءون أهل علّيين، كما ترون الكوكب الدُّرّي في أفق السماء، وإن أبا بكر وعمر، لمنهم، وأنعَما". قلت: رواه الترمذي في المناقب وابن ماجه في السنة كلاهما عن عطية العوفي عن أبي سعيد قال الترمذي: حسن، روي من غير وجه عن عطية عن أبي سعيد انتهى، قال الذهبي: عطية ضعفوه. (¬2) قال في شرح السنة (¬3): وأهل عليين أي الذين في أعلى الأمكنة، وقال مجاهد: عليون: السماء السابعة، وقال قتادة: تحت قائمة العرش اليمنى، وأنعما: أي زادا على ذلك، يقال: أحسنت إليّ وأنعمت أي: زدت في الإحسان وفي بعض الروايات قيل لأبي سعيد: ما أنعما؟ قال: أهل ذلك هما، وقيل: صارا إلى النعيم ودخلا فيه. 4889 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين، إلا النبيين والمرسلين". قلت: رواه الترمذي في المناقب من حديث أنس يرفعه، وقال: غريب من هذا الوجه (¬4)، قلت: وسنده سند البخاري فإنه رواه عن الحسن بن الصباح عن محمد بن ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3677)، و (3685)، ومسلم (2389)، وابن ماجه (98). (¬2) أخرجه الترمذي (3658)، وابن ماجه (96) وإسناده ضعيف. وعطية العوفي: ضعيف، انظر: الكاشف (2/ 27)، وقال الحافظ في التقريب (4649): صدوق يخطيء كثيرًا، وكان شيعيًّا مدلسًا. (¬3) انظر: شرح السنة للبغوي (14/ 100). (¬4) أخرجه الترمذي (3664) وإسناده صحيح. انظر: الصحيحة (824).

كثير العبدي عن الأوزاعي عن قتادة عن أنس، ورواه ابن ماجه في السنة وابن حبان من حديث مالك بن مغول عن عون بن جحيفة عن أبيه يرفعه. (¬1) 4890 - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر". قلت: رواه الترمذي فيه ورجاله روى لهم البخاري إلا زائدة عن عبد الملك فإنه لم يرو له، قال الذهبي: ثقة، ورواه أبن حبان من وجه آخر أشار إليه الترمذي. (¬2) 4891 - قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل المسجد، لم يرفع أحد رأسه غير أبي بكر وعمر، كانا يتبسّمان إليه، ويتبسّم إليهما. (غريب). قلت: رواه الترمذي فيه من حديث أنس يرفعه، وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث الحكم بن عطية وقد تكلم بعضهم في الحكم بن عطية، انتهى. (¬3) وقد قال فيه النسائي: ليس بالقوي (¬4). 4892 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج ذات يوم، ودخل المسجد وأبو بكر وعمر، أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، وهو آخذ بأيديهما، فقال: "هكذا نبعث يوم القيامة". (غريب). قلت: رواه الترمذي فيه من حديث ابن عمر يرفعه، وقال: غريب، وفي سنده: سعيد بن مسلمة، ليس عندهم بالقوي، وقد روي من غير هذا الوجه انتهى كلام الترمذي. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه ابن ماجه (100)، وابن حبان (6904) عن أبي جحيفة وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه الترمذي (3662) وإسناده صحيح، وابن حبان (6902). وزائدة بن قدامة قال الحافظ عنه: ثقة ثبت، انظر: التقريب (1993). وقول الذهبي في الكاشف (1/ 400): ثقة حجة. وانظر: الصحيحة (1233). (¬3) أخرجه الترمذي (3668). (¬4) قول النسائي في الضعفاء والمتروكين (126)، وقال الذهبي: وثّق، وقال الحافظ: صدوق له أوهام. انظر: الكاشف (1/ 345)، والتقريب (1463). (¬5) أخرجه الترمذي (3669) وإسناده ضعيف. وقال أبو حاتم: هذا حديث منكر العلل (2653).

قال الذهبي: قال البخاري: ضعيف، وذكر له في "الميزان" هذا الحديث وغيره (¬1). 4893 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى أبا بكر وعمر، فقال: "هذان السمع، والبصر". قلت: رواه الترمذي فيه من حديث عبد الله بن حنطب يرفعه وقال: حديث مرسل (¬2) وعبد الله بن حنطب لم يدرك النبي -صلى الله عليه وسلم- انتهى. 4894 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من نبي إلا وله وزيران من أهل السماء ووزيران من أهل الأرض، فأما وزيراي من أهل السماء: فجبريل وميكائيل، وأما وزيراي من أهل الأرض: فأبو بكر وعمر". قلت: رواه الترمذي فيه من حديث أبي سعيد الخدري وقال: حسن غريب انتهى. (¬3) وفي سنده: عطية عن أبي سعيد، قال الذهبي: عطية بن سعد عن أبي سعيد ضعفوه انتهى وقد تقدم (¬4). 4895 - أن رجلًا قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: رأيت كأن ميزانًا نزل من السماء، فوزنت أنت وأبو بكر، فرجحت أنت، ووزن أبو بكر وعمر، فرجح أبو بكر، ووزن عمر وعثمان، فرجح عمر، ثم رفع الميزان، فاستاء لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يعني: فساءه ذلك، فقال: "خلافة نبوة، ثم يؤتي الله الملك من يشاء". قلت: رواه أبو داود في السنة والترمذي في الرؤيا كلاهما من حديث أبي بكرة وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬5) ¬

_ (¬1) انظر: ميزان الاعتدال (2/ 158)، وقال الحافظ: ضعيف، انظر: التقريب (2408). (¬2) أخرجه الترمذي (3671) وهو مرسل. وأخرجه الطبراني والخطيب في تاريخه موصولًا وإسناده حسن، وله شاهدان آخران من حديث عمرو بن العاص وحذيفة بن اليمان. ذكرهما الهيثمي في المجمع (9/ 52 - 53). وانظر: الصحيحة (815). (¬3) أخرجه الترمذي (3680) وإسناده ضعيف. (¬4) انظر: الكاشف (2/ 27)، وفيه كذلك تليد بن سليمان وهو رافضي ضعيف، انظر: التقريب (805). (¬5) أخرجه أبو داود (4635)، والترمذي (2287)، وأحمد (5/ 44، 50). =

باب مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه

قال المنذري (¬1): في إسناد أبي داود علي بن زيد وهو ابن جدعان القرشي التيمي قال المنذري: ولا يحتج به، وليس ما قاله المنذري بمسلّم له، فإن علي بن زيد المذكور روى له مسلم وأصحاب السنن فالعمل على توثيقه وليس في إسناد الترمذي علي بن جدعان (¬2). واسْتاَء: بوزن اسْتاك افْتَعل من السّوء وهو مطاوع ساءه يقال: اسْتَاء فلان بمكاني أي ساءَه ذلك. باب مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه من الصحاح 4896 - قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مضطجعًا في بيته، كاشفًا عن فخذيه -أو ساقيه-، فاستأذن أبو بكر، فأذن له، وهو على تلك الحال، فتحدث، ثم استأذن عمر، فأذن له، وهو كذلك، فتحدث، ثم استأذن عثمان، فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وسوى ثيابه، فلما خرج قالت عائشة رضي الله عنها: دخل أبو بكر فلم تهتشّ له ولم تباله، ثم دخل عمر، فلم تهتشّ له ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلست وسوّيت ثيابك؟ فقال: "ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة". ¬

_ = وإسناده حسن، وفي الإسناد علي بن زيد بن جدعان، فيه ضعف، لكن له في المسند (5/ 44، 50) طرق أخرى يقوى بها. (¬1) انظر: تهذيب السنن للمنذري (7/ 23). (¬2) قال عنه الذهبي: أحد الحفاظ، وليس بالثبت، وقال الدارقطني: لا يزال عندي فيه لين، وقال الحافظ ابن حجر: ضعيف. انظر: التقريب (4768)، والكاشف (2/ 40). وروى له مسلم متابعة، ونقل الذهبي في الميزان (3/ 127 - 129)، قول الترمذي "صدوق" وهو في سننه تحت رقم (2680)، وقال: علي بن زيد صدوق، إلا أنه ربما يرفع الشيء الذي يوقفه غيره. انظر: تهذيب الكمال (20/ 435 - 445).

قلت: رواه مسلم خاصة في المناقب من حديث عائشة ولم يخرج البخاري هذا الحديث. (¬1) قوله: دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تباله، قال النووي (¬2): هكذا هو في جميع نسخ بلادنا، تهتش: بالتاء بعد الهاء وفي بعض النسخ الطارئة بحذفها، وكذا ذكره القاضي (¬3) وعلى هذا فالهاء مفتوحة يقال: هش يهش كشم يشم، وأما الهش الذي هو خبط الورق من الشجر، فيقال: منه هش يهش بضمها قال الله تعالى: {وأهش بها على غنمي} قال أهل اللغة الهشاشة والبشاشة بمعنى طلاقة الوجه، وحسن اللقاء ومعنى: لم تباله: لم تكترث به وتحتفل به. وألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة: قال النووي: هكذا هو في الرواية بياء واحدة في كل واحدة منهما، قال أهل اللغة: يقال استحيى يستحيي بياءين واستحى يستحي بياء واحدة لغتان الأولى أفصح وأشهر، وبها جاء القرآن (¬4). 4897 - وفي رواية: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن عثمان رجل حيي، وإني خشيت -إن أذنت له على تلك الحالة- أن لا يبلغ إلي في حاجته". قلت: رواه مسلم أيضا في الفضائل دون البخاري (¬5) وكلام المصنف يقتضي أن هذه الرواية والتي قبلها حديث واحد، وأنها من جملة الحديث الأول وكذا فعل الحميدي (¬6) ثم قال: ومنهم من أخرج هذه الرواية في مسند عثمان. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2401). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (15/ 241). (¬3) انظر: إكمال المعلم (7/ 405). (¬4) انظر: المنهاج للنووي (15/ 241). (¬5) أخرجه مسلم (2402). (¬6) انظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (1/ 156) ولم أجد فيه ما نقل عنه المؤلف. وانظر: قول الحميدي في جامع الأصول (8/ 634).

من الحسان

قلت: والذي رأيته في أصول مسلم أنه جعلهما حديثين، الأول: من رواية عائشة: والثاني من رواية سعيد بن العاص أن عثمان وعائشة حدثاه: أن أبا بكر استأذن على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو مضطجع على فراشه، لابس مرط عائشة فأذن لأبي بكر، وهو كذلك، فقضى إليه حاجته، ثم انصرف، ثم استأذن عمر، فأذن له وهو على تلك الحال، فقضى إليه حاجته -ثم انصرف، قال عثمان: ثم استأذنت عليه فجلس، وقال لعائشة: "اجمعي عليك ثيابك"، فقضيت إليه حاجتي، ثم انصرفت، فقالت عائشة: يا رسول الله ما لي لم أرك فزعت لأبي بكر، وعمر، رضي الله عنهما كما فزعت لعثمان؟ فقال: "إن عثمان ... " الحديث، ولهذا ذكرهما عبد الحق حديثين وكذلك ابن الأثير في جامع الأصول (¬1). من الحسان 4898 - قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لكل نبي رفيق، ورفيقي -يعني: في الجنة- عثمان". (غريب منقطع). قلت: رواه الترمذي في المناقب من حديث طلحة بن عبيد الله، وقال: حديث غريب ليس إسناده بالقوي، وهو منقطع. (¬2) 4899 - قال: شهدت النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو يحث على جيش العسرة فقام عثمان فقال: يا رسول الله عليّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حض على الجيش، فقام عثمان فقال: علي مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حض على الجيش فقام عثمان فقال: علي ثلثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، فأنا رأيت رسول ¬

_ (¬1) انظر: جامع الأصول لابن الأثير (8/ 633 - 634) رقم (6468). (¬2) أخرجه الترمذي (3698) وإسناده ضعيف جدًّا. فيه انقطاع بين طلحة والحارث فإنه لم يسمع منه. انظر: الضعيفة (2292).

الله -صلى الله عليه وسلم- ينزل عن المنبر وهو يقول: "ما على عثمان ما عمل بعد هذه! ما على عثمان ما عمل بعد هذه ". قلت: رواه الترمذي فيه من حديث عبد الرحمن بن خباب، وقال: غريب من هذا الوجه انتهى. (¬1) وعبد الرحمن بن خباب لم يذكر له عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا هذا الحديث، وخباب بفتح الخاء المعجمة وبعدها باء مشددة موحدة وبعد الألف باء أيضًا، وسنده جيد، هو: محمد بن بشار قال حدثنا أبو داود حدثنا السكن بن المغيرة مولى لآل عثمان حدثنا الوليد بن أبي هشام عن فرقد أبي طلحة عن عبد الرحمن بن خباب. وجيش العسرة: هو جيش غزوة تبوك. والحلس: هو كساء رقيق يكون تحت البرذعة. والأقتاب: جمع قتب بالتحريك وهو رحل صغير على قدر سنام البعير. 4900 - قال: جاء عثمان إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بألف دينار في كمه -حين جهز جيش العسرة- فنثرها في حجره، فرأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقلّبها في حجره، ويقول: "ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم"، مرتين. قلت: رواه الترمذي فيه من حديث عبد الرحمن بن سمرة وقال: حسن غريب من هذا الوجه، انتهى، ورجاله موثقون. (¬2) 4901 - قال: لما أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ببيعة الرضوان كان عثمان رسولَ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- إلى مكة، فبايع الناس، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن عثمان في حاجة الله، وحاجة رسوله"، فضرب بإحدى يديه على الأخرى، فكان يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعثمان خيرًا من أيديهم لأنفسهم. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3700) وإسناده ضعيف، فيه فرقد أبو طلحة وهو مجهول. انظر: التقريب (5420). (¬2) أخرجه الترمذي (3701) وإسناده حسن. وانظر: هداية الرواة (5/ 414).

قلت: رواه الترمذي فيه من حديث أنس وقال: حسن غريب انتهى، وفي سنده الحكم بن عبد الملك قال الذهبي: ضعيف. (¬1) وبيعة الرضوان: هي البيعة التي جرت تحت الشجرة عام الحديبية سميت ببيعة الرضوان لما نزل في أهلها من قوله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} الآية. 4902 - قال: شهدت الدار حين أشرف عليهم عثمان، فقال: أنشدكم الله والإسلام، هل تعلمون أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدم المدينة، وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة؟، فقال: "من يشتري بئر رُومة؟ يجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة؟ "، فاشتريتها من صلب مالي، فأنتم اليوم تمنعونني أن أشرب منها، حتى أشرب من ماء البحر؟ فقالوا: اللهم نعم، قال: أنشدكم الله والإسلام، هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة؟ "، فاشتريتها من صلب مالي، فأنتم اليوم تمنعونني أن أصلي فيها ركعتين؟ قالوا: اللهم نعم، قال: أنشدكم الله والإسلام، هل تعلمون أني جهزت جيش العسرة من مالي؟ قالوا: اللهم نعم، قال: أنشدكم الله والإسلام هل تعلمون أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان على ثَبير مكة، ومعه أبو بكر وعمر وأنا، فتحرك الجبل حتى تساقطت حجارته بالحضيض، فركضه برجله قال: "اسكن ثبير! فإنما عليك نبي، وصديق، وشهيدان؟ " قالوا: اللهم نعم، قال: الله أكبر، شهدوا ورب الكعبة أني شهيد، ثلاثًا. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3702)، وفي نسخة بشار من سنن الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب (6/ 71). وإسناده ضعيف، لأن فيه الحكم بن عبد الملك وهو ضعيف انظر: التقريب (1459)، وقول الذهبي في الكاشف (1/ 344) رقم (1183).

قلت: رواه النسائي في الأحباس بهذا اللفظ ورواه الترمذي في المناقب بزيادة وقال: حديث حسن، وقد روي من غير وجه عن عثمان انتهى. (¬1) وتمامة بن حزن القشيري مخضرم قال الذهبي: وثقوه، روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وفي سنده يحيى بن أبي الحجاج. قال أبو حاتم: ليس بالقوي. ورواه ابن حبان (¬2) دون ذكر الخصلة الأخيرة من حديث الأحنف بن قيس عن عثمان نحوه، وإليه أشار الترمذي بقوله "وروي من غير وجه عن عثمان". "وبئر رومة" بضم الراء المهملة اسم بئر بالمدينة اشتراها عثمان رضي الله عنه ثم سبلها، ويوم الدار هو يوم قتل فيه عثمان في الدار. ورجف بهم: أي تحرك واضطرب. 4903 - قال: سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذكر الفتن فقربها، فمر رجل مقنع في ثوب، فقال: هذا يومئذ على الهدى، فقمت إليه، فإذا هو عثمان ابن عفان قال: فأقبلت عليه بوجهه، فقلت: هذا؟ قال: "نعم". (صح). قلت: رواه الترمذي في المناقب من حديث مرة بن كعب وقال: حسن صحيح. (¬3) 4904 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم-قال: "يا عثمان إنه لعل الله يقمّصك قميصًا، فإن أرادوك على خلعه، فلا تخلعه لهم". قلت: رواه الترمذي في المناقب وقال: حسن غريب، انتهى، وسنده ليس فيه إلا من روى له الشيخان أو مسلم. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3703)، والنسائي (6/ 235) وإسناده ضعيف فيه يحيى بن أبي الحجاج البصري. ضعفه ابن معين وأبو حاتم ووثقه ابن حبان. وقال الحافظ: ليّن الحديث، انظر: التقريب (7577). (¬2) أخرجه ابن حبان (6920) وإسناده حسن. (¬3) أخرجه الترمذي (3704) وإسناده صحيح. انظر: الصحيحة (3119). (¬4) أخرجه الترمذي (3705) وصححه وابن حبان (2196). وأخرجه الحاكم (3/ 99 - 100) وإسناده عنده ضعيف.

تنبيه: هذا الحديث رواه الحاكم في المستدرك في مناقب عثمان وقال: صحيح فاعترض عليه الذهبي فقال: أنّى له الصحة ومداره على فرج بن فضالة؟، انتهى (¬1). والترمذي لم يروه من طريق فرج بن فضالة فلو رواه الحاكم برجال الترمذي كان لا اعتراض عليه، والله أعلم. ورجال الترمذي: محمود بن غيلان، قال: حدثنا حُجين بن المثنّى، قال: حدثنا الليث بن سعد، عن معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن عبد الله بن عامر، عن النعمان بن بشير، عن عائشة، ورواه ابن حبان في صحيحه من طريق يزيد بن الحباب عن معاوية ابن صالح مطولًا قال في إسناده عبد الله بن قيس بدل ابن عامر، وقال: هو اللخمي وليس هو بعبد الله ابن قيس صاحب عائشة الراوي عنها (¬2). 4905 - قال: ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتنة، فقال: "يقتل هذا فيها مظلومًا"، لعثمان. (غريب) (¬3) قلت: رواه الترمذي فيه من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب وقال: حسن غريب من هذا الوجه، انتهى، وسنده ليس بذاك. 4906 - قال لي عثمان يوم الدار: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد عهد إلي عهدًا، وأنا صابر عليه. قلت: رواد الترمذي في المناقب من حديث أبي سهلة قال: قال لي عثمان وذكره وقال: حديث حسن صحيح، لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن أبي خالد. (¬4) ¬

_ (¬1) فرج بن فضالة: قال الحافظ: ضعيف، انظر: التقريب (5418). (¬2) انظر: الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان (6915)، وكذلك أخرجه الطبراني في الأوسط (2854). (¬3) أخرجه الترمذي (3708) وإسناده ضعيف، فيه سنان بن هارون البرجُمي: قال الحافظ: صدوق فيه لين. انظر: التقريب (2659). (¬4) أخرجه الترمذي (3711)، وكذلك أخرجه ابن ماجه (113). وصححه الحاكم (3/ 99) ووافقه الذهبي. وإسناده صحيح. وإسماعيل بن أبي خالد: ثقة ثبت، انظر: التقريب (442).

باب مناقب هؤلاء الثلاثة رضي الله عنهم

باب مناقب هؤلاء الثلاثة رضي الله عنهم من الصحاح 4907 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صعد أُحدًا، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، فرجف بهم، فضربه برجله، قال: "اثبتْ أُحد فإنما عليك نبي، وصديق، وشهيدان". قلت: رواه البخاري في فضائل أبي بكر وأبو داود في السنة والترمذي والنسائي كلاهما في المناقب كلهم من حديث أنس. (¬1) 4908 - قال: كنت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حائط من حيطان المدينة، فجاء رجل فاستفتح، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "افتح له وبشره بالجنة"، ففتحت له، فإذا هو أبو بكر، فبشّرته بما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فحمد الله، ثم جاء رجل، فاستفتح فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "افتح له وبشره بالجنة"، ففتحت له، فإذا عمر، فأخبرته بما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فحمد الله، ثم استفتح رجل فقال: "افتح له وبشره بالجنة، على بلوى تصيبه"، ففتحت له فإذا عثمان، فأخبرته بما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فحمد الله، ثم قال: الله المستعان. قلت: رواه الشيخان ولفظه إلى لفظ البخاري أقرب، البخارى في مواضع مبسوطًا ومختصرًا منها في فضل عمر وفي الأدب وفي الفتن، ومسلم في الفضائل والترمذي والنسائي في المناقب كلهم من حديث أبي موسى الأشعري (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3675)، وأبو داود (4651)، والترمذي (3697)، والنسائي في الكبرى (8135). (¬2) أخرجه البخاري في فضائل الصحابة (3693)، وفي الأدب (6216)، وفي الفتن (7097)، ومسلم (2403)، والترمذي (3710)، والنسائي في الكبرى (8131).

من الحسان

قال ابن مالك: "على" ههنا قائمة مقام "مع" أي بشره بالجنة مع بلوى تصيبه انتهى. والذي يظهر لي أنه إنما أتى بعلى ههنا بشارة منه -صلى الله عليه وسلم- أن عثمان مستشرف على البلوى مستعلى عليها غالب لها وأنها لا تضره، والله أعلم. من الحسان 4909 - قال: كنا نقول ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- حي: أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين. قلت: رواه الترمذي في المناقب من حديث عبد الله بن عمر وقال: حسن انتهى وفي سنده: الحارث بن عمير، وقد اختلف في توثيقه. (¬1) باب مناقب علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- من الصحاح 4910 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعلي: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي". قلت: رواه الشيخان واللفظ لمسلم في الفضائل من حديث سعد بن أبي وقاص. (¬2) قال الخطابي (¬3): إنما قال ذلك -صلى الله عليه وسلم- حين خرج إلى غزوة تبوك، ولم يستصحبه وقال له رضي الله عنه: أتخلفني في النساء والذرية؟ فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- أما ترضى أن تكون مني ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3707) وإسناه حسن كما قال الترمذي؛ أما الحارث بن عمير، أبو عمير البصري، قال الحافظ: وثّقه الجمهور، وفي أحاديثه مناكير ضعّفه بسببها الأزدي وابن حبان وغيرهما، فلعله تغيّر حفظه في الآخر. انظر: التقريب (1048). (¬2) أخرجه البخاري (3706)، ومسلم (2404). (¬3) انظر: أعلام الحديث للخطابي (3/ 1637).

بمنزلة هرون من موسى؟ إلا أنه لا نبي بعدي، فضرب له النبي -صلى الله عليه وسلم- المثل باستخلاف موسى هارون عليه السلام على بني إسرائيل حين خرج إلى الطور. 4911 - قال علي: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إنه لعهد النبي -صلى الله عليه وسلم- إليّ: أن لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق. قلت: رواه مسلم في الإيمان والترمذي والنسائي كلاهما في المناقب وابن ماجه في السنة كلهم من حديث زر بن حبيش قال: سمعت عليًّا كرم الله وجهه يقول وذكره. (¬1) 4912 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال يوم خيبر: "لأعطين هذه الراية غدًا رجلًا يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله"، قال: فبات الناس كلهم يدوكون أيهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كلهم يرجون أن يعطاها، فقال: "أين علي بن أبي طالب؟ "، فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه، قال: "فأرسلوا إليه"، فأتي به، فبصق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في عينيه، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال علي: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ قال: "انفذ على رسلك، حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا: خير لك من أن تكون لك حُمر النعم". قلت: رواه البخاري في الجهاد وفي المغازي ومسلم والنسائي في الفضائل كلهم من حديث سهل بن سعد. (¬2) ويدوكون: بفتح الياء وضم الدال أي يخوضون ويتحدثون، وضبطه الأصيلي وبعض رواة مسلم "يدوكون" بضم الياء وفتح الدال وكسر الواو مشددة وهو بمعناه، ورواه ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (78)، والترمذي (3736)، والنسائي في الكبرى (8486)، وابن ماجه (114). (¬2) أخرجه البخاري في الجهاد (2942) (3009)، وفضائل الصحابة (3701)، ومسلم (2406). والنسائي في الكبرى (8093، 8348، 8533).

من الحسان

بعضهم "يذكرون" وهو إن صحت الرواية به بمعنى الأول، قال في المشارق (¬1): والمعروف المروي اللفظ الأول (¬2)، وحمر النعم: وهي أنفس أموال العرب، يضربون بها المثل في نفاسة الشيء، وأنه ليس هناك أعظم منه. 4913 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعلي: "أنت مني، وأنا منك". قلت: رواه البخاري في الصلح وفي الحج، ومسلم في المغازي كلاهما في حديث طويل، يتضمن عمرة القضاء، هذه قطعة في آخره من حديث البراء ابن عازب. (¬3) من الحسان 4914 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنّ عليًّا مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن". قلت: رواه الترمذي (¬4) في المناقب، وابن حبان في صحيحه كلاهما من حديث عمران بن حصين يرفعه في حديث طويل وقال فيه: وهو ولي كل مؤمن بعدي، وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان انتهى. وجعفر روى له مسلم وأصحاب السنن قال الذهبي: ثقة فيه شيء، وقيل: مع كثرة علمه كان أميًّا وهو شيعي زاهد، وبقية سنده صحيح. 4915 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من كنت مولاه، فعلي مولاه". قلت: رواه الترمذي في المناقب من حديث زيد بن أرقم وقال: حسن، انتهى ¬

_ (¬1) انظر: مشارق الأنوار (1/ 263). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (15/ 254). (¬3) أخرجه البخاري (2699)، ومسلم (1783). (¬4) أخرجه الترمذي (3712)، وصححه ابن حبان (6929)، والحاكم (3/ 110 - 111)، وقال الحافظ عن جعفر بن سليمان: صدوق زاهد لكنه كان يتشيع، انظر: التقريب (950)، وقول الذهبي في الكاشف (1/ 294).

وسنده صحيح (¬1) وهو: محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن سلمة بن كهيل سمعت أبا الطفيل يحدث عن أبي شريح أو زيد بن أرقم. 4916 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "علي مني، وأنا من علي، ولا يؤدّي عني إلا أنا أو علي". قلت: رواه الترمذي فيه من حديث حبشي بن جنادة وقال: حسن غريب انتهى (¬2) قال البخاري: حبشي بن جنادة له صحبة، وقال: إسناد حديثه فيه نظر (¬3). 4917 - قال: آخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أصحابه، فجاء علي تدمع عيناه، فقال: آخيت بين أصحابك، ولم تُؤاخ بيني وبين أحد؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أنتَ أخي في الدنيا والآخرة". (غريب). قلت: رواه الترمذي في الزهد من حديث عبد الله بن عمر، وقال: حسن غريب، قلت: وراويه عن ابن عمر جميع بن عمير، قال الذهبي: شيعي واه، قال البخاري: فيه نظر. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3712)، وأحمد (4/ 368)، وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه الترمذي (3719)، وكذا أخرجه أحمد (4/ 164)، وانظر: الصحيحة (1980). (¬3) انظر: التاريخ الكبير (3/ ت 427). (¬4) أخرجه الترمذي (3720) وإسناده ضعيف وأخرجه أيضًا الحاكم (3/ 14) جميع بن عمير: قال الحافظ: ضعيف رافضي، انظر: التقريب (974)، وقول الذهبي في الكاشف (1/ 296)، وانظر قول البخاري في تاريخه (2/ ت 2328). وفيه كذلك الحكيم بن جبير قال الذهبي: ضعفوه، وقال الدارقطني: متروك، وقال الحافظ: ضعيف رُمي بالتشيع. انظر: سنن الدارقطني (2/ 122)، والكاشف (1/ 347)، والتقريب (1476).

4918 - قال: كان عند النبي -صلى الله عليه وسلم- طير، فقال: "اللهم ائتني بأحب خلقك إليك، يأكل معي هذا الطير"، فجاء علي، فأكل معه. (غريب). قلت: رواه الترمذي في المناقب من حديث السدي عن أنس وقال: غريب (¬1)، لا نعرفه إلا من حديث السدي إلا من هذا الوجه، وقد روي من غير وجه عن أنس، والسدي: إسماعيل بن عبد الرحمن، وسمع من أنس بن مالك، وثقه شعبة وسفيان الثوري ويحيى بن سعيد القطان، انتهى كلام الترمذي، وفي سنده سفيان بن وكيع قال الذهبي فيه: ضعيف (¬2). 4919 - قال: كنت إذا سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أعطاني، وإذا سكتُّ ابتدأني (غريب). قلت: رواه الترمذي فيه من حديث علي بن أبي طالب وقال: حسن انتهى. وفي سنده: عبد الله بن عمر بن هند عن علي قال الدارقطني: ليس بقوي. (¬3) 4920 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أنا دار الحكمة، وعلي بابها". غريب لا يعرف هذا عن أحد من الثقات عن شريك، وإسناده مضطرب. قلت: رواه الترمذي فيه من حديث علي وقال: حديث منكر (¬4)، قال الذهبي: رواه الترمذي عن إسماعيل بن موسى عن محمد بن عمر. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3721) وإسناده ضعيف. وإن صححه الحاكم في المستدرك (3/ 130). وهو من الأحاديث التي أجاب عنها الحافظ ابن حجر على أحاديث المشكاة. فراجعه. وانظر كذلك: النقد الصريح للعلائي، والأحاديث الضعيفة (6575). (¬2) قال الحافظ: كان صدوقًا إلا أنه ابتلي بوراقه فأدخل عليه ما ليس من حديثه فنصح فلم يقبل فسقط حديثه. انظر: التقريب (2469)، وقول الذهبي في الكاشف (1/ 449). (¬3) أخرجه الترمذي (3722) وإسناده ضعيف، لأن عبد الله بن عمرو بن هند الجملي، صدوق، لم يثبت سماعه من علي. انظر: التقريب (3530)، وانظر ميزان الاعتدال (2/ ت 4486). (¬4) أخرجه الترمذي (3723) وإسناده منكر. =

الرومي عن شريك، فما أدري من وضعه. 4921 - قال: دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليًّا يوم الطائف، فانتجاه، فقال الناس: لقد طال نجواه مع ابن عمه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما انتجيته، ولكن الله انتجاه". قلت: رواه الترمذي في المناقب وقال: حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث الأجلح (¬1) انتهى، قلت: والأجلح هو يحيى بن عبد الله، قال السعدي: الأجلح مفتري، وقال ابن عدي: صدوق إلا أنه يعد في الشيعة. قال الترمذي ومعنى قوله "ولكن الله انتجاه": أن الله أمرني أن أنتجي معه. 4922 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعلي: "يا علي! لا يحل لأحد يُجنب في هذا المسجد، غيري وغيرك". قال ضرار بن صُرَد: معناه: لا يحل لأحد يستطرقه جنبًا غيري وغيرك. هذا حديث غريب. قلت: رواه الترمذي في المناقب من حديث عطية عن أبي سعيد (¬2)، وقال: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وسمع مني محمد بن إسماعيل هذا الحديث ¬

_ = ولما أخرجه الحاكم في المستدرك (3/ 127)، رده الذهبي وقال: "بل هو موضوع، والعجب من الحاكم، وجرأته في تصحيحه هذا وأمثاله من البواطيل وفيه أحمد بن عبد الله بن يزيد الحراني وهو دجال كذاب". وذكر طرفه ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 110 - 116)، وانظر: أيضًا الضعيفة (2955)، وأطال الدكتور/ سعد الحميد في تخريجه والحكم عليه، في مختصر استدراك الحافظ الذهبي على مستدرك أبي عبد الله الحاكم لابن الملقن (3/ 1370 - 1413)، وأجاد، فراجعه. وألف الغماري: "فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدنية العلم علي". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "هذا حديث ضعيف، بل موضوع عند أهل المعرفة بالحديث، لكن قد رواه الترمذي وغيره ومع هذا فهو كذب". انظر: مجموع الفتاوى (18/ 377). (¬1) أخرجه الترمذي (3726) وأجلح بن عبد الله أبو حجية الكندي قال الحافظ: صدوق شيعي، انظر: التقريب (287)، وانظر: الكاشف (1/ 229). (¬2) أخرجه الترمذي (3727) وإسناده ضعيف. وقال البخاري في التاريخ الكبير (6/ 183) ولا يصح هذا عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. =

باب مناقب العشرة رضي الله عنهم أجمعين

واستغربه، وقال علي بن المنذر: قلت لضرار بن صرد: ما معنى هذا الحديث؟ قال: لا يحل لأحد يستطرقه جنبًا غيري وغيرك، انتهى. وفي سنده عطية عن أبي سعيد وقد تقدم النقل عن الذهبي: أن عطية عن أبي سعيد ضعفوه، وهذا الحديث قد أجمعوا على ضعفه. 4923 - قالت: بعث رسول الله جيشًا فيهم عليّ، قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو رافع يديه يقول: "اللهم لا تمتني حتى تريني عليًّا". قلت: رواه الترمذي من حديث أم عطية وبه ختم مناقب علي رضي الله عنه وقال: حسن غريب إنما نعرفه من هذا الوجه. (¬1) باب مناقب العشرة رضي الله عنهم أجمعين من الصحاح 4924 - قال: ما أحد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر، الذين توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو عنهم راض، فسمّى: "عليًّا، وعثمان، والزبير، وطلحة، وسعدًا، وعبد الرحمن". قلت: رواه البخاري في حديث طويل (¬2) فيه وصية عمر، وحديث: أوصى الخليفة من بعدي بالمهاجرين والأنصار، والاستئذان لعائشة أن يدفن مع صاحبيه في الجنائز ¬

_ = وهو كذلك من الأحاديث التي أجاب عنها الحافظ ابن حجر في أجوبته على أحاديث المصابيح. وفيه عطية العوفي وهو ضعيف وقد سبق وفيه أيضًا سالم بن أبي حفصة، قال الحافظ: صدوق في الحديث إلا أنه شيعي غالي. انظر: التقريب (2184). (¬1) أخرجه الترمذي (3737) وإسناده ضعيف، فيه أم شراحيل وهي لا يعرف حالها، انظر: التقريب (8837). وكذلك فيه أبو الجراح وهو مجهول، انظر: التقريب (8070). (¬2) أخرجه البخاري (3700).

بطوله، وفي غيره من حديث عمرو بن ميمون الأودى عن عمر بن الخطاب ولم يخرجه مسلم. 4925 - قال: رأيت يد طلحة شَلّاء، وقى بها النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد. قلت: رواه البخاري في المغازي (¬1) بسنده إلى قيس بن أبي حازم قال: رأيت يد طلحة وساقه وقيس تابعي كبير ليست له صحبة. 4926 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من يأتيني بخبر القوم؟ "، يوم الأحزاب؟ قال الزبير: أنا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن لكل نبي حواريًّا، وحواري الزبير". قلت: رواه البخاري في الجهاد ومسلم في الفضائل والترمذي والنسائي في المناقب وابن ماجه في السنة كلهم (¬2) من حديث جابر بن عبد الله، قال البخاري: وقال سفيان: الحواري: الناصري. 4927 - قال -صلى الله عليه وسلم-: "من يأتي بني قريظة، فيأتيني بخبرهم؟ "، فانطلقت، فلما رجعت، جمع لي -صلى الله عليه وسلم- أبويه، فقال: "فداك أبي وأمي". قلت: رواه الشيخان والترمذي والنسائي كلهم في المناقب وابن ماجه في السنة كلهم من حديث عبد الله بن الزبير عن الزبير. (¬3) 4928 - قال: ما سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- جمع أبويه لأحد إلا لسعد بن مالك، فإني سمعته يقول يوم أحد: "يا سعد ارم فداك أبي وأمي". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4063). (¬2) أخرجه البخاري (2846)، ومسلم (2415)، والترمذي (3745)، والنسائي في الكبرى (8841)، وابن ماجه (122). (¬3) أخرجه البخاري (3720)، ومسلم (2416)، والترمذي (3743)، والنسائي في الكبرى (8213)، وابن ماجه (123).

قلت: رواه البخاري في الجهاد وفي الأدب وفي المغازي ومسلم في الفضائل والترمذي في المناقب والنسائي في اليوم والليلة، وابن ماجه في السنة كلهم من حديث علي رضي الله عنه. (¬1) 4929 - قال: إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله. قلت: رواه البخاري في فضل سعد وفي الرقاق، ومسلم في آخر الكتاب والترمذي في الزهد، والنسائي في المناقب وابن ماجه في السنة كلهم من حديث سعد. (¬2) 4930 - قالت: سهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مقدمه المدينة ليلة، فقال: "ليت رجلًا صالحًا يحرسني"، إذ سمعنا صوت سلاح، فقال: "من هذا؟ "، قال: سعد، قال: "ما جاء بك؟ "، قال: وقع في نفسي خوف على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجئت أحرسه، فدعا له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم نام. قلت: رواه البخاري في الجهاد وفي التمني، ومسلم في الفضائل والترمذي والنسائي كلاهما في المناقب كلهم من حديث عبد الله بن عامر عن عائشة. (¬3) 4931 - قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح". قلت: رواه الشيخان في فضائل أبي عبيدة، والنسائي في المناقب ثلاثتهم من حديث أنس. (¬4) 4932 - سئلت عائشة: من كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مستخلفًا لو استخلفه؟ قالت: أبو بكر، فقيل: ثم من بعد أبي بكر؟ قالت: عمر، قيل: ثم من بعد عمر؟ قالت: أبو عبيدة بن الجراح. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الفضائل (4059)، وفي الجهاد (2905)، وفي المغازي (4058)، ومسلم (2411). والترمذي (3755)، والنسائي في اليوم والليلة (92)، وابن ماجه (129). (¬2) أخرجه البخاري (3728)، ومسلم (2966)، والترمذي (2365) و (2366)، والنسائي في الكبرى (8161)، وابن ماجه (131)، وابن حبان (6989). (¬3) أخرجه البخاري (2885)، ومسلم (2410)، والترمذي (3756)، والنسائي في الكبرى (8867). (¬4) أخرجه البخاري (4382)، ومسلم (2419)، والنسائي في الكبرى (8200).

من الحسان

قلت: رواه مسلم في الفضائل عن ابن أبي مليكة قال: سمعت عائشة وسئلت ... ، الحديث ولم يخرج البخاري هذا الحديث. (¬1) 4933 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان على حراء: هو وأبو بكر، وعمر، وعلي، وعثمان، وطلحة، والزبير، فتحركت الصخرة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اهدأ، فما عليك إلا نبي، أو صديق، أو شهيد". وزاد بعضهم: وسعد ابن أبي وقاص، ولم يذكر عليًّا. قلت: رواه مسلم في الفضائل من حديث أبي هريرة، ولم يخرج البخاري عن أبي هريرة في هذا شيئًا. (¬2) من الحسان 4934 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة [وسعد ابن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة] ". قلت: رواه الترمذي في المناقب قال: وقد روي هذا الحديث عن عبد الرحمن بن حميد عن أبيه عن سعيد بن زيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحو هذا وهو أصح، قال: وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: حديث سعيد ابن زيد أصح من حديث عبد الرحمن عوف، انتهى (¬3)، وحديث سعيد بن زيد رواه أبو داود والترمذي وهو بمعنى حديث عبد الرحمن ابن عوف سواء بسواء (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2385). (¬2) أخرجه مسلم (2417). (¬3) أخرجه الترمذي (3747)، وأحمد (1/ 193)، وإسناده صحيح. (¬4) رواية سعيد بن زيد أخرجها الترمذي (3748)، وأبو داود (4650).

4935 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أرحم أمتي بأمتي: أبو بكر، وأشدهم في أمر الله: عمر، وأصدقهم حياء: عثمان، وأفرضهم: زيد بن ثابت، وأقرؤهم: أُبيّ، وأعلمهم بالحلال والحرام: معاذ بن جبل، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة: أبو عبيدة بن الجراح". (صح) ورواه بعضهم عن قتادة مرسلًا وفيه: "وأقضاهم: علي". قلت: رواه الترمذي في المناقب، وابن ماجه في السنة وأحمد في مسنده كلهم من حديث أبي قلابة عن أنس، وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬1) قال المصنف في شرح السنة (¬2): وقد روي عن معمر عن قتادة مرسلًا، وفيه "وأقضاهم علي" قال: وقال أبو حاتم السجستاني: هذه ألفاظ أطلقت بحذف "مِنْ" يريد: من أرحم بأمتي، ومن أشدهم، ومن أفرضهم، ومن أقرئهم، يريد أن هؤلاء من جماعة فيهم تلك الفضائل، كقوله للأنصار: "أنتم أحب الناس إلي"، أي من أحب الناس إلي، وما نقله المصنف في شرح السنة عن السجستاني قاله ابن حبان في صحيحه سواء بسواء (¬3). 4436 - قال: كان على النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد درعان، فنهض إلى الصخرة، فلم يستطع، وقعد طلحة تحته حتى استوى على الصخرة، فسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أوجب طلحة". قلت: رواه الترمذي في المناقب من حديث الزبير، وقال: حسن غريب صحيح. (¬4) وأوجب طلحة: أي أوجب لنفسه الجنة بفعل هذا. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3791)، وابن ماجه (154)، وأحمد (3/ 281) وإسناده صحيح. انظر: الصحيحة (1224). (¬2) شرح السنة (14/ 132). (¬3) انظر: الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان (16/ 75) تحت حديث (7131). (¬4) أخرجه الترمذي (3738) وإسناده صحيح. وانظر: الصحيحة (945).

4937 - قال: نظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى طلحة بن عبيد الله، وقال: "من أحب أن ينظر إلى رجل يمشي على وجه الأرض، وقد قضى نحبه، فلينظر إلى هذا". قلت: عزاه في شرح السنة للترمذي من حديث جابر (¬1)، والذي وقفت عليه في الترمذي في المناقب إنما هو لفظ الرواية التي قال الشيخ فيها وفي رواية، لا هذا اللفظ، وروى ابن ماجه في السنة نحوه من حديث معاوية بن أبي سفيان (¬2)، "وقضى نحبه" قال في شرح السنة (¬3): معناه بذل جهده في الوفاء بعهده، وكان طلحة ممن ذكر لكم الله تعالى في قوله: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه} أي نذره وعهده، والنحب: النذر، ويقال: الموت، فكأنه ألزم نفسه الصبر على الجهاد حتى يستشهد. - وفي رواية: "من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض، فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله". قلت: رواه الترمذي من حديث جابر، وقال: غريب لا نعرفه (¬4) إلا من حديث الصلت بن دينار وقد تكلم بعض أهل العلم في الصلت، وفي صالح ابن موسى راويه عن الصلت من قبل حفظهما، انتهى، والصلت بن دينار قال أحمد: تركوا حديثه، وقال الدارقطني: ليس بقوي، قال الذهبي: وصالح ابن موسى واه (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3740) واستغربه وإسناده فيه: إسحاق بن يحيى وهو ضعيف، ولكن له شاهد مرسل وإسناده صحيح، ورواه الترمذي (3742) عن معاوية وطلحة، وسند حديث طلحة حسن. وانظر: شرح السنة (14/ 120). (¬2) أخرجه ابن ماجه (126). (¬3) شرح السنة (14/ 120). (¬4) أخرجه الترمذي (3739). (¬5) الصلت بن دينار الأزدي البصري أبو شعيب، قال الحافظ: متروك ناصبي، انظر: التقريب (2963). وصالح بن موسى التيمي الكوفي، قال الحافظ: متروك، انظر: التقريب (2907)، وقول الذهبي في الكاشف (1/ 499).

4938 - سمعت أذني من في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "طلحة والزبير جاراي في الجنة". (غريب). قلت: رواه الترمذي في المناقب وقال: لا نعرفه إلا من هذا الوجه انتهى (¬1) وفي سنده: عقبة بن علقمة اليشكري، قال الذهبي: ضعيف، وأيضًا فيه: أبو عبد الرحمن بن منصور راويه عن عقبة، واسمه النضر بن منصور، قال الذهبي: ضعفه جماعة. 4939 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال يومئذ -يعني: يوم أحد-: "اللهم سدد رميته، وأجب دعوته". قلت: رواه المصنف في شرح السنة بسنده (¬2) من حديث قيس بن أبي حازم عن سعد بن أبي وقاص وساقه. 4940 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "اللهم استجب لسعد إذا دعاك". قلت: رواه الترمذي في المناقب وقال: وقد روي هذا الحديث عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: اللهم استجب لسعد إذا دعاك. قال: وهذا أصح يعني: إرساله أصح من إسناده، لأن قيس بن أبي حازم تابعي كبير، هاجر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ففاتته الصحبة بليال، ورواه ابن حبان من حديث إسماعيل عن قيس قال: سمعت سعدًا فذكره. (¬3) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3741) وإسناده ضعيف. عقبة بن علقمة قال الحافظ: ضعيف، انظر: التقريب (4680)، وقول الذهبي في الكاشف (2/ 30)، والنضر بن منصور قال الحافظ في التقريب (7200): ضعيف، وقول الذهبي في الكاشف (2/ 322). (¬2) انظر: شرح السنة (14/ 125) رقم (3922) وإسناده ضعيف، ورواه كذلك الحاكم (3/ 500) وصححه. لأن روايته عند البغوي والحاكم من طريق إبراهيم بن يحيى الشجري عن أبيه وإبراهيم لين الحديث انظر: التقريب (270) وأبوه ضعيف. انظر: الكاشف (2/ 375)، والتقريب (7687). (¬3) أخرجه الترمذي (3751) وصحح إرساله، وكذلك أخرجه ابن حبان (2215) وإسناده صحيح. وانظر ترجمة قيس بن أبي حازم في تهذيب الكمال (24/ 10 - 16).

باب مناقب أهل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

4941 - قال: ما جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أباه وأمه إلا لسعد، قال له يوم أحد: "ارم فداك أبي وأمي" وقال له: "ارم أيها الغلام الحزوّر". قلت: رواه الترمذي فيه من حديث علي وقال: حسن (¬1) وروى القطعة الأولى من الحديث، وقال: صحيح. والحزور: بفتح الحاء المهملة وبالزاي المعجمة وبالواو المشددة وبالراء المهملة. 4942 - قال: أقبل سعد فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "هذا خالي فليكرمنّ امرؤ خاله". قلت: رواه الترمذي وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث مجالد. (¬2) وكان سعد من بني زهرة وكانت أم النبي -صلى الله عليه وسلم- من بني زهرة فلذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا خالي انتهى كلام الترمذي، ومجالد بن سعيد هذا خرج له مسلم والأربعة. باب مناقب أهل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الصحاح 4943 - قال: لما نزلت هذه الآية: {نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليًّا، وفاطمة، وحسنًا، وحسينًا فقال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي". قلت: رواه مسلم والترمذي كلاهما في الفضائل من حديث سعد بن أبي وقاص (¬3) في حديث طويل يتعلق: بأمر معاوية سعدًا أن يسب أبا تراب، ولم يخرجه البخاري. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3753) وإسناده صحيح. والحزور: الغلام القوي. (¬2) أخرجه الترمذي (3752) وفي إسناده مجالد بن سعيد ليس بالقوي، وقد تغيّر في آخر عمره، انظر: التقريب (6520). لكن تابعه إسماعيل بن أبي خالد عند الحاكم (3/ 498) وصححه ووافقه الذهبي. وفي سنن الترمذي: "فليُرني" بدل: "فليكرمن". (¬3) أخرجه مسلم (2404)، والترمذي (2999).

4944 - قالت: خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- غداة، وعليه مِرْط مُرَحل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي، فأدخله، ثم جاء الحسين، فدخل معه، ثم جاءت فاطمة، فأدخلها، ثم جاء علي، فأدخله، ثم قال: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} ". قلت: رواه مسلم في الفضائل من حديث عائشة ولم يخرجه البخاري (¬1). والمرط: بكسر الميم، كساء من صوف أو خز أو كتان، قال ابن الأعرابي هو الإزار، والمرحل: بالحاء المهملة الذي فيه خطوط شبه الرحال، قال القاضي عياض (¬2): ورواه بعضهم بالجيم، يعني عليه صورة المراجل وهي القدور واحدها مرجل (¬3). 4945 - قال: لما توفي إبرهيم قال رسول -صلى الله عليه وسلم-: "إن له مرضعًا في الجنة". قلت: رواه البخاري في الجنائز من حديث البراء بن عازب. (¬4) ومرضعًا قال الخطابي (¬5): يروى بوجهين: بفتح الميم أي رضاعًا، وبضم الميم أي من يُتم رضاعه، يقال: امرأة مرضع بلا هاء، ومرضعة إذا بنيت على أرضعت. 4946 - قالت: كنا أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- عنده، فأقبلت فاطمة، ما تخفى مِشْيتها من مشية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما رآها قال: "مرحبا بابنتي"، ثم أجلسها، ثم سارّها فبكت بكاء شديدًا، فلما رأى حُزنها، سارها الثانية، فإذا هي تضحك، فلما قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سألتها: عما سارك؟ فالت: ما كنت لأُفشي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سره، فلما توفي قلت: عزمت عليك -بما لي عليك من الحق- لما أخبرتني؟ قالت: أما الآن فنعم، أما حين سارني في الأمر الأول، فإنه أخبرني أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل سنة ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2424). (¬2) انظر: إكمال المعلم (7/ 435). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (15/ 278). (¬4) أخرجه البخاري (1382). (¬5) انظر: أعلام الحديث (1/ 723)، وشرح السنة (14/ 115).

مرة، وأنه عارضني به العام مرتين، "ولا أُرى الأجل إلا قد اقترب، فاتقي الله واصبري، فإني نعم السلف أنا لك"، فبكيت، فلما رأي جزعي سارني الثانية، قال: "يا فاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة، أو نساء المؤمنين؟ ". قلت: رواه البخاري في علامات النبوة وفي المغازي ومسلم في الفضائل والنسائي في المناقب (¬1) "وسيدة نساء أهل الجنة"، في بعض طرق البخاري خاصة. ويعارضني القرآن: أي يدارسني جميع ما نزل، من المعارضة وهي المقابلة ومنه عارضت الكتاب بالكتاب أي قابلته. وأرى: قال النووي (¬2): هو بضم الهمزة بمعنى أظن، والسلف المتقدم ومعناه أنا متقدم قدامك فتردين علي. - وفي رواية: سارّني فأخبرني أنه يقبض في وجعه، فبكيت ثم سارني وأخبرني أني أول أهل بيته أتبعه، فضحكت. رواها الشيخان (¬3). 4947 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "فاطمة بضعة مني فمن أبغضها أبغضني". قلت: رواه البخاري (¬4) في باب قرابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولفظه فيه: "فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني"، وأما لفظ المصابيح فمن أبغضها أبغضني فلم أرها في البخاري ولا في مسلم وقد رواها البخاري في النكاح وفي المناقب في موضعين في باب مناقب قرابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولفظه فيه ما ذكرناه وفي باب ذكر أصهار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي الطلاق وفي الخمس وفي الجمعة جميع ذلك من حديث المسور وليس في شيء منها ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المناقب (3623) (3624) مختصرًا، وفي علامات النبوة (6285)، وفي المغازي (4433)، ومسلم (2450)، والنسائي في الكبرى (8368). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (16/ 7 - 8). (¬3) أخرجها البخاري (3626)، ومسلم (2450). (¬4) أخرجه البخاري (3767)، (3714)، (5230)، ومسلم (2449).

ما ذكره المصنف، ولا ذكره الحميدي (¬1) ولا عبد الحق في جمعهما بين الصحيحين، وقد ذكره المصنف في شرح السنة (¬2) بلفظ البخاري ولم يذكر لفظ المصابيح فالظاهر أن هذا وهم أو غلط من الناسخ، والله أعلم. وبضعة مني: بفتح الباء الموحدة لا يجوز غيره وهي قطعة اللحم، قال به النووي وغيره. (¬3) - وفي رواية: "يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها". قلت: رواها الشيخان من حديث السور بن مخرمة البخاري في النكاح ومسلم والترمذي كلاهما في المناقب (¬4). ويريبني: بفتح الياء قال بعضهم: الريب ما رابك من أمر خفت عقباه، وقال: الفراء: راب وأراب بمعنى، وقال أبو زيد: رابني الأمر تيقنت منه الريبة، وأرابني شككني وأوهمني، وما قاله الفراء هو الذي جزم به جماعات من الأئمة (¬5). 4948 - قال: قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطيبًا بماء -يدعى خُمًا، بين مكة والمدينة-، فحمد الله، وأثنى عليه، ووعظ، وذكّر، ثم قال: "أما بعد، أيها الناس إنما أنا بشر، يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، أولهما: كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي". قلت: رواه مسلم في المناقب والنسائي في الفضائل من حديث زيد بن أرقم ولم يخرجه البخاري. (¬6) ¬

_ (¬1) انظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (3/ 372)، وانظر كذلك جامع الأصول (9/ 127 - 128). (¬2) انظر: شرح السنة للبغوي (14/ 158). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (16/ 4). (¬4) أخرجه البخاري في النكاح (5230)، ومسلم (2449)، والترمذي (3867). (¬5) انظر: المنهاج للنووي (16/ 4). (¬6) أخرجه مسلم (2408)، والنسائي في الكبرى (8175).

وخم: بضم الخاء المعجمة وتشديد الميم وهو ما بين مكة والمدينة على ثلاثة أميال من الجحفة، وخم اسم الغيضة التي هناك، بها غدير مشهور أضيف إلى الغيضة فقيل غدير خم. قوله -صلى الله عليه وسلم-: "وأنا تارك فيكم ثقلين" قال في شرح السنة (¬1): سميا بذلك لأن الأخذ بهما، والعمل يثقل، قال الزمخشري (¬2): وإنما قيل للجن والإنس: الثقلان، لأنهما قُطّان الأرض، فكأنهما أثقلاها، وقد شبّه بهما الكتاب والعترة في أن الدين يستصلح بهما ويعمر كما عمرت الدنيا بالثقلين. - وفي رواية: "كتاب الله: هو حبل الله، من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على الضلالة". قلت: رواها مسلم، رواية من الحديث قبله. (¬3) 4949 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعلي: "أنت مني وأنا منك"، وقال لجعفر: "أشبهت خلقي وخلقي"، وقال لزيد: "أنت أخونا ومولانا". قلت: رواه البخاري في الحج وفي الصلح ومسلم في المغازي كلاهما في حديث طويل يتضمن عمرة القضية من حديث البراء بن عازب (¬4). 4950 - قال: كان ابن عمر إذا سلّم على ابن جعفر، قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين. قلت: رواه البخاري في الفضائل عن الشعبي قال: كان ابن عمر وساقه. (¬5) ¬

_ (¬1) انظر: شرح السنة للبغوي (14/ 118). (¬2) انظر: الفائق للزمخشري (1/ 170). (¬3) أخرجه مسلم (2408). (¬4) أخرجه البخاري في الصلح (2699)، وفي الحج (1781)، ومسلم (1783). (¬5) أخرجه البخاري (3709).

4951 - قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم-والحسن بن علي على عاتقه- يقول: "اللهم إني أحبه، فأحبه". قلت: رواه الشيخان والترمذي والنسائي كلهم في المناقب من حديث البراء. (¬1) 4952 - قال: خرجت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في طائفة من النهار، حتى أتى جناب فاطمة، فقال: "أثم لكع أثم لكع؟ "، يعني: حسنًا، فلم يلبث أن جاء يسعى، حتى اعتنق كل منهما صاحبه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم إني أحبه، فأحبه، وأحب من يحبه". قلت: رواه البخاري في البيوع وفي اللباس ومسلم في الفضائل (¬2) والنسائي في المناقب مقتصرًا على قوله -صلى الله عليه وسلم- "اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه" وابن ماجه في السنة مختصرًا كلهم من حديث أبي هريرة. والطائفة من النهار: القطعة منه، ولكع: المراد به هنا الصغير. 4953 - قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المنبر، والحسن بن علي إلى جنبه، وهو يقبل على الناس مرة، وعليه أخرى، ويقول: "إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين". قلت: رواه البخاري في الصلح (¬3) وفيه قصة طويلة تتضمن ذكر الصلح بين الحسن بن علي وبين معاوية بن أبي سفيان، من حديث الحسن البصري عن أبي بكرة، قال البخاري: قال لي علي بن عبد الله: إنما ثبت لنا سماع الحسن من أبي بكرة بهذا الحديث، انتهى. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الفضائل (3749)، ومسلم (2422)، والترمذي (3783)، والنسائي في الكبرى (8163). (¬2) أخرجه البخاري في اللباس (5884)، وفي البيوع (2122)، ومسلم (2421)، وابن ماجه (142)، والنسائي في الكبرى (8164). (¬3) أخرجه البخاري (2704)، وأبو داود (4662)، والترمذي (3773)، والنسائي (3/ 107).

ورواه أبو داود في السنة، والترمذي والنسائي كلاهما في المناقب مختصرًا كما ذكره المصنف من حديث الحسن عن أبي بكرة أيضًا. 4954 - في الحسن والحسين، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "هما ريحانتي من الدنيا". قلت: رواه البخاري في الأدب (¬1) في باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته، من حديث عبد الرحمن بن أبي نُعم البجلي، قال: كنت شاهدًا لابن عمر وسأله رجل عن دم البعوض، فقال: ممن أنت؟ قال: من أهل العراق، فقال: انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض؟ وقد قتلوا ابن النبي -صلى الله عليه وسلم- وسمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "هما ريحانتايَ من الدنيا" وخرجه في المناقب أيضًا (¬2). 4955 - قال: لم يكن أحد أشبه بالنبي -صلى الله عليه وسلم- من الحسن بن علي. قلت: رواه البخاري والترمذي كلاهما في المناقب من حديث أنس بن مالك. (¬3) 4956 - وقال في الحسين أيضًا: كان أشبههم برسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قلت: رواه البخاري في المناقب (¬4) من حديث محمد بن سيرين قال: أتى عبيد الله بن زياد برأس الحسين فجعل في طست فجعل ينكت وقال في حسنه شيئًا فقال أنس بن مالك: كان أشبههم برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان مخضوبًا بالوسمة. قال الجوهري (¬5): الوسمة: بكسر السين العِظْلِم يختضب به، وتسكينها لغة. 4957 - قال: ضمني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى صدره، فقال: "اللهم علّمه الحكمة وفي رواية: "علمه الكتاب". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5994). (¬2) وفي المناقب (3753). (¬3) أخرجه البخاري (3752)، والترمذي (3776). (¬4) أخرجه البخاري (3748). (¬5) انظر: الصحاح للجوهري (5/ 2051).

قلت: أخرج الروايتين البخاري في فضل ابن عباس والترمذي والنسائي كلاهما في المناقب، وابن ماجه في السنة أربعتهم من حديث ابن عباس. (¬1) 4958 - قال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل الخلاء، فوضعت له وضوءًا قال: "من وضع هذا؟ " فأخبر فقال: "اللهم فقهه في الدين". قلت: رواه الشيخان البخاري في كتاب الوضوء ومسلم في الفضائل من حديث ابن عباس. (¬2) 4959 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يأخذه والحسن، ويقول: "اللهم أحبهما، فإني أحبهما". قلت: رواه البخاري في مناقب أسامة من حديث أسامة بن زيد. (¬3) 4960 - كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأخذني، فيُقعدني على فخذه، ويُقعد الحسن ابن علي على فخذه الأخرى، ثم يضمهما، ثم يقول: "اللهم ارحمهما، فإني أرحمهما". قلت: رواه البخاري في الأدب في باب وضع الصبي على الفخذ من حديث أبي عثمان عن أسامة بن زيد. (¬4) 4961 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث بعثًا، وأمّر عليه أسامة بن زيد، فطعن الناس في إمارته فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إن تطعنوا في إمارته، فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وايم الله، إن كان لخليقًا للإمارة، وإن كان لمن أحبّ الناس إليّ، وإنّ هذا لمن أحب الناس إليّ بعده". قلت: رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي كلهم في المناقب من حديث عبد الله بن عمر. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3756)، والترمذي (3824)، وابن ماجه (166)، والنسائي في الكبرى (8179). (¬2) أخرجه البخاري (143)، ومسلم (2477). (¬3) أخرجه البخاري (3735). (¬4) أخرجه البخاري (6003). (¬5) أخرجه البخاري (3730)، ومسلم (2426)، والترمذى (3816)، والنسائي في الكبرى (8181).

من الحسان

- وفي رواية: "أوصيكم به، فإنه من صالحيكم". قلت: رواها مسلم في المناقب من حديث ابن عمر وليست في البخاري. (¬1) 4962 - قال: إن زيد بن حارثة مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما كنا ندعوه إلا زيد ابن محمد، حتى نزل القرآن: {ادعوهم لآبائهم}. قلت: رواه البخاري في التفسير ومسلم في الفضائل من حديث سالم عن أبيه عبد الله بن عمر. (¬2) من الحسان 4963 - قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجته -يوم عرفة- وهو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: "يا أيها الناس! إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي". قلت: رواه الترمذي في المناقب وقال: حسن غريب (¬3) انتهى. وفي سنده زيد بن الحسن الأنماطي، قال الذهبي: ضعيف (¬4). قال الجوهري (¬5): عترة الرجل نسله ورهطه الأَدْنَوْن. قال ابن الأثير (¬6): وعترته -صلى الله عليه وسلم- بنو عبد المطلب، وقيل: أهل بيته الأقربون، وهم أولاده، وعليّ وأولاده، وقيل: عترته -صلى الله عليه وسلم- الأقربون والأبعدون منهم. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2426). (¬2) أخرجه البخاري (4782)، ومسلم (2425). (¬3) أخرجه الترمذي (3786) وإسناده ضعيف ويشهد له حديث زيد الآتي بعده. (¬4) انظر: الكاشف (1/ 416) رقم (1731). وقال الحافظ: ضعيف، وقال أبو حاتم: منكر الحديث، انظر: الجرح والتعديل (3/ ت 2533)، والميزان (2/ ت 3001)، والتقريب (2139). (¬5) انظر: الصحاح للجوهري (2/ 735). (¬6) انظر: النهاية لابن الأثير (3/ 177).

4964 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي -أحدهما أعظم من الآخر-: كتاب الله، حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفونني فيهما؟ ". قلت: رواه الترمذي في المناقب، وسنده جيد (¬1) وقال: حسن غريب، وبسنده علي بن المنذر ثنا محمد بن فضيل ثنا الأعمش عن عطية عن أبي سعيد والأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن زيد بن أرقم. 4965 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين: "أنا حرب لمن حاربهم، وسلم لمن سالمهم". قلت: رواه الترمذي، وقال: غريب إنما نعرفه من هذا الوجه، وفي سنده من ليس بمعروف. (¬2) 4966 - وروي عن عائشة أنها سئلت: أي الناس كان أحب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قالت: فاطمة، فقيل: من الرجال؟ قالت: زوجها. قلت: رواه الترمذي فيه من حديث جميع بن عمير التيمي (¬3) قال: دخلت مع عمتي على عائشة فسألتها ... الحديث، قال الذهبي: وجميع ابن عمير واه. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3788) وإسناده جيد لشاهده عند مسلم (2408)، وقد سبق، وإلا فيه عنعنة حبيب بن أبي ثابت وهو ثقة فقيه جليل، وكان كثير الإرسال والتدليس، انظر: التقريب (1092). (¬2) أخرجه الترمذي (3870) وفي إسناده صبيح مولى أم سلمة قال الحافظ: مقبول، انظر: التقريب (2916) وذكره ابن حبان في الثقات (4/ 382)، وقال الذهبي في الكاشف (1/ 500): وثق. وانظر: الضعيفة (6028). (¬3) أخرجه الترمذي (3874) وفي إسناده جميع بن عمير قال البخاري فيه نظر وقال ابن حبان رافضي يضع الحديث. وقال ابن نمير كان من أكذب الناس وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وقد سبق. وقد حسنه الشيخ الألباني، بشاهد عند الترمذي (3868) من رواية بريدة. انظر: هداية الرواة (5/ 452).

4967 - أن العباس دخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مغضبًا وأنا عنده، فقال: "ما أغضبك؟ " قال: يا رسول الله ما لنا ولقريش، إذا تلاقوا بينهم، تلاقوا بوجوه مستبشرة، وإذا لقونا لقونا بغير ذلك؟، فغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى احمر وجهه، ثم قال: "والذي نفسي بيده، لا يدخل قلب رجل الإيمان، حتى يحبكم لله ولرسوله"، ثم قال: "أيها الناس من آذى عمي، فقد آذاني، فإنما عم الرجل صنو أبيه". قلت: رواه الترمذي فيه من حديث عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث (¬1) ابن عبد المطلب وقال: حسن، وفي سنده يزيد بن أبي زياد: قال الذهبي: صدوق رديء الحفظ لين، ولم يترك، وروى له مسلم مقرونًا. والصنو: المثل، وأصله من تطلع نخلتان من عِرق واحد، يريد -صلى الله عليه وسلم- أن أصل العباس وأصل أبي واحد (¬2). 4968 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعمر في العباس: "إنّ عمّ الرجل صنو أبيه". قلت: رواه الترمذي في المناقب من حديث علي، سنده جيد. (¬3) 4969 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "العباس مني وأنا منه". قلت: رواه الترمذي فيه من حديث ابن عباس، وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل انتهى (¬4) وفي سنده: عبد الأعلى بن عامر، قال الذهبي: ضعفه أحمد (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3758) وإسناده ضعيف. ويزيد بن أبي زياد، قال الحافظ: ضعيف، كبر فتغير وصار يتلقن، وكان شيعيًّا، انظر: التقريب (7768) وقول الذهبي في الكاشف (2/ 382)، وليس فيه "لين". وانظر: هداية الرواة (5/ 452). (¬2) انظر: النهاية لابن الأثير (3/ 57). (¬3) أخرجه الترمذي (3760). (¬4) أخرجه الترمذي (3759) وإسناده ضعيف. (¬5) قال الحافظ: عبد الأعلى الثعلبي الكوفي: صدوق يَهم، انظر: التقريب (3755)، وقول الذهبي في الكاشف (1/ 611 رقم 3077)، لكنه في المطبوع: لين، ضعفه أحمد. وانظر: الضعيفة (2315).

4970 - قال النبي -صلى الله عليه وسلم- للعباس: "إذا كان غداة الاثنين، فأتني أنت وولدك حتى أدعو لهم بدعوة، ينفعك الله بها وولدك"، فغدا وغدونا معه، وألبَسَنا كساءه ثم قال: "اللهم اغفر للعباس ولولده مغفرة ظاهرة وباطنة، لا تغادر ذنبًا، اللهم احفظه في ولده". (غريب). قلت: رواه الترمذي من حديث ابن عباس وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، انتهى (¬1)، وفي سنده: عبد الوهاب بن عطاء الخفاف، نقل الذهبي: أنهم أنكروا عليه حديث ثور في فضل العباس يعني هذا الحديث، قال: وكان يقول ابن معين: هذا موضوع فلعل الخفاف دلّسه (¬2). 4971 - أنه رأى جبريل مرتين، ودعا له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرتين. قلت: رواه الترمذي فيه من حديث أبي جهضم عن ابن عباس وقال: حديث مرسل، فإن أبا جهضم لم يدرك ابن عباس، وأبو جهضم اسمه موسى بن سالم انتهى كلام الترمذي. (¬3) 4972 - قال: دعا لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يؤتيني الحكمة مرتين. قلت: رواه الترمذي فيه من حديث ابن عباس وقال: حسن غريب (¬4) من هذا الوجه من حديث عطاء عن ابن عباس وقد رواه عكرمة عن ابن عباس قال: ضمني إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: اللهم علمه الحكمة، قال: هذا حديث حسن صحيح. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3762) وإسناده ضعيف. (¬2) قال الحافظ في التقريب (4290): صدوق ربما أخطأ، أنكروا عليه حديثًا في فضل العباس، يقال: دلّسه عن ثور، من التاسعة. (وهو ثور بن يزيد، ثقة). وقول الذهبي في الكاشف (1/ 675)، وانظر كذلك: الضعفاء والمتروكين للنسائي (395)، وتاريخ ابن معين -رواية الدوري- (2/ 379)، وفيه أيضًا عنعنة مكحول. (¬3) أخرجه الترمذي (3822) وإسناده منقطع. (¬4) أخرجه الترمذي (3823) وإسناده حسن.

4973 - قال: كان جعفر يحب المساكين، ويجلس إليهم، ويحدثهم ويحدثونه، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكنيه بأبي المساكين. قلت: رواه الترمذي فيه من حديث أبي هريرة أطول من هذا، وقال: غريب، وفي سنده: إبراهيم بن الفضل المديني وقد تكلم فيه بعض أهل الحديث من قبل حفظه وله غرائب، انتهى كلام الترمذي (¬1)، قال الذهبي: ضعفوه (¬2). 4974 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الحسن والحسين: سيدا شباب أهل الجنة". قلت: رواه الترمذي فيه من حديث أبي سعيد وقال: حسن صحيح. (¬3) 4975 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "رأيت جعفرًا يطير في الجنة مع الملائكة". (غريب). قلت: رواه الترمذي فيه (¬4) من حديث أبي هريرة وقال: غريب من حديث أبي هريرة لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن جعفر، وقد ضعفه يحيى بن معين وغيره وعبد الله بن جعفر هو والد علي بن المديني، ورواه ابن حبان من حديث نصر بن حاجب القرشي بدل عبد الله بن جعفر (¬5). 4976 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الحسن والحسين هما ريحانتي من الدنيا". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3766). وإسناده ضعيف. (¬2) وقال الحافظ: متروك، انظر: التقريب (230)، وقول الذهبي في الكاشف (1/ 220). (¬3) أخرجه الترمذي (3768). انظر: الصحيحة (796). (¬4) أخرجه الترمذي (3763) وهو وإن كان إسناده ضعيفًا ولكن له شواهد يرتقى بها إلى درجة الصحة كما عند الحاكم في المستدرك (3/ 209) وقال: صحيح الإسناد وتعقبه الذهبي وقال: المديني: واه. أما عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي ضعيف، يقال: تغير حفظه بآخره، انظر: التقريب (3272). (¬5) انظر: صحيح ابن حبان (الإحسان) (7047) ونصر بن حاجب القرشي قال أبو حاتم وغيره: صالح الحديث، وقال ابن معين: ثقة، وقال أبو داود: ليس بشيء، وقال أبو زرعة: صدوق لا بأس به، وقال ابن عدي: روى أحاديث، وابنه يحيى أحسن حالًا منه، على أن نصرا لم يرو حديثًا منكرًا. ذكره ابن حبان في الثقات، انظر: الميزان (4/ 250)، وابن معين (الدوري) (2/ 604)، الجرح والتعديل (8/ 466)، ثقات ابن حبان (7/ 538)، ولسان الميزان (8/ 259).

قلت: رواه الترمذي فيه من حديث ابن عمر وقال: حديث صحيح، انتهى، وقد تقدم. (¬1) 4977 - قال: طرقت النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة في بعض الحاجة، فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو مشتمل على شيء، لا أدري ما هو؟، فلما فرغت من حاجتي، قلت: ما هذا الذي أنت مشتمل عليه؟ فكشفه، فإذا الحسن والحسين على وركيه، فقال: "هذان ابناي، وابنا ابنتي، اللهم إني أحبهما، فأحبهما، وأحب من يحبهما". قلت: رواه الترمذي فيه من حديث أسامة بن زيد وقال: حسن غريب، انتهى (¬2). وفي سنده: الحسن بن أسامة بن زيد، قال الذهبي: لم يصح خبره. 4978 - قالت: دخلت على أم سلمة وهي تبكي، فقلت: ما يبكيك؟ قالت: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، تعني: في المنام، وعلى رأسه ولحيته التراب، فقلت: ما لك يا رسول الله؟ قال: "شهدت قتل الحسين آنفًا". (غريب). قلت: رواه الترمذي في المناقب من حديث سلمى البكرية (¬3) قالت: دخلت على أم سلمة وهي تبكي ... ، الحديث، وسلمى هذه أدخلها الذهبي في الميزان ولم يذكرها بجرح، إنما قال: تفرد عنها رزين الجهني، ويقال: البكري، ورزين ثقة. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3770) وقد تقدم وهو في الصحيح من رواية البخاري (3753). (¬2) أخرجه الترمذي (3769) وإسناده فيه: موسى بن يعقوب الزمعي صدوق سيء الحفظ انظر: التقريب (7075). وعبد الله بن أبي بكر بن زيد: مجهول. انظر: التقريب (3253)، أما الحسن بن أسامة فقال عنه الحافظ: مقبول، التقريب (1221)، وقول الذهبي في الكاشف (1/ 321). وأورده الذهبي في السير (3/ 52) وقال: ولم يروه غير موسى بن يعقوب الزمعي عن عبد الله فهذا مما ينتقد تحسينه على الترمذي. وقال علي بن المديني: حديث مديني، رواه شيخ ضعيف منكر الحديث يقال له: موسى بن يعقوب الزمعي من ولد عبد الله بن زمعة، عن رجل مجهول، عن آخر مجهول. انظر: تهذيب الكمال (6/ 52)، وأخرجه كذلك ابن حبان في صحيحه (الإحسان) (6967). (¬3) أخرجه الترمذي (3771) وفيه جهالة سلمى البكرية، كما قال الحافظ في التقريب (8706): لا تعرف، وانظر: ميزان الاعتدال (4/ 607) وكذلك الكاشف (2/ 510)، ورزين الجهني أو البكري وثقه أحمد وابن معين انظر: التقريب (1949).

4979 - قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أيّ أهل بيتك أحب إليك؟ قال: "الحسن والحسين" وكان يقول لفاطمة: "ادعي لي ابنيّ"، فيشمّهما ويضمهما إليه. (غريب). قلت: رواه الترمذي فيه من حديث أنس بن مالك وقال: غريب، وفي سنده يوسف بن إبراهيم، قال الذهبي: ضعفوه. (¬1) 4980 - قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطبنا، إذ جاء الحسن والحسين، عليهما قميصان أحمران، يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المنبر، فحملهما ووضعهما بين يديه، ثم قال: "صدق الله {إنما أموالكم وأولادكم فتنة} نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما". قلت: رواه أبو داود في الصلاة والترمذي في المناقب والنسائي في الصلاة وابن ماجه في اللباس كلهم من حديث بريدة ولم يذكر أبو داود: وضعهما بين يديه، وقال في آخره: رأيت هذين فلم أصبر ثم أخذ في خطبته، ولم يذكر النسائي وضعهما بين يديه أيضًا. (¬2) قال أبو عيسى: هذا حديث غريب إنما نعرفه من حديث الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريده عن أبيه، انتهى، والحسين بن واقد ثقة، روى له مسلم ووثقه ابن معين وغيره وعبد الله بن بريدة روى له الشيخان والجماعة. 4981 - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "حسين مني، وأنا من حسين، أحبّ الله من أحب حسينًا، حسين سبط من الأسباط". قلت: رواه الترمذي في المناقب من حديث يعلى بن مرة، وقال: حسن، رجاله موثقون، وفيهم إسماعيل بن عياش، وقد روى له أصحاب السنن وهو عالم الشام في ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3772) وإسناده ضعيف. لأن يوسف ضعيف كما قال الحافظ أيضًا في التقريب (7910)، وقول الذهبي في الكاشف (2/ 398). (¬2) أخرجه أبو داود (1109)، والترمذي (3774)، والنسائي (3/ 108)، وابن ماجه (3600). وإسناده صحيح وكذلك أخرجه أحمد (5/ 354). وصححه ابن حبان (6039)، والحاكم (1/ 287) كذلك صححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. والحسين بن واقد قال الحافظ: ثقة له أوهام، انظر: التقريب (1367)، وعبد الله بن بريدة كذلك ثقة، انظر: التقريب (3244).

عصره، ولينه أبو حاتم، ورواه ابن ماجه في السنة من غير طريق إسماعيل بن عياش ورجاله موثقون. (¬1) 4982 - قال: الحسن أشبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أشبه النبي -صلى الله عليه وسلم- ما كان أسفل من ذلك. (غريب). قلت: رواه الترمذي في المناقب (¬2) وابن حبان، وقال الترمذي: حسن غريب، انتهى، وفي سنده هانىء بن هانىء، قال الذهبي: ليس بالمعروف عندهم وقال ابن المديني: مجهول، وقال النسائي: ليس به بأس. 4983 - قال: قلت لأمي: دعيني آتي النبي -صلى الله عليه وسلم- فأصلي معه المغرب، وأسأله أن يستغفر لي ولك، فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فصليت معه المغرب، فصلى حتى صلى العشاء، ثم انفتل فتبعته، فسمع صوتي فقال: "من هذا؟، حذيفة؟ " قلت: نعم، قال: "ما حاجتك غفر الله لك ولأمك، إن هذا ملك لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة، استأذن ربه أن يسلّم عليّ، ويبشرني أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة". (غريب). قلت: رواه الترمذي والنسائي (¬3) كلاهما في المناقب من حديث حذيفة وقال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل انتهى، ورجاله موثقون. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3775) وإسناده ضعيف. وإسماعيل بن عياش صدوق في روايته عن أهل بلده (وهم أهل الشام) مخلّط في غيرهم، التقريب (477)، والذي روى عنه هنا هو عبد الله بن عثمان بن خثيم وهو مكي صدوق، انظر: التقريب (3489)، وسعيد ابن أبي راشد مقبول، انظر: التقريب (2314)، وانظر: الصحيحة (1227). (¬2) أخرجه الترمذي (3779)، وصححه وابن حبان (6974)، وهانيء بن هانىء قال الحافظ: مستور، انظر: التقريب (7314)، وانظر: ميزان الاعتدال (4/ 291). (¬3) أخرجه الترمذي (3781)، والنسائي في الكبرى (8298) وإسناده صحيح. انظر: الصحيحة (796).

4984 - قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حامل الحسن بن علي على عاتقه، فقال رجل: نعم المركب ركبت يا غلام، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ونعم الراكب هو". قلت: رواه الترمذي فيه من حديث ابن عباس وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وفي سنده: زمعة بن صالح وقد ضعفه بعض أهل الحديث من قبل حفظه. (¬1) 4985 - أنه فرض لأسامة في ثلاثة آلاف وخمسمائة، وفرض لعبد الله ابن عمر في ثلاثة آلاف، فقال عبد الله بن عمر لأبيه: لِمَ فَضّلت أسامة عليّ؟ فوالله ما سبقني إلى مشهد؟ قال: لأن زيدًا كان أحب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أبيك، وكان أسامة أحب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منك، فآثرت حِبّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على حِبّي". قلت: رواه الترمذي فيه من حديث عمر وقال: حسن غريب انتهى، وسنده سند الصحيح إلا سفيان بن وكيع، فإنه ضعيف لم يرو له غير الترمذي وابن ماجه كما قاله الذهبي وغيره، ورواه ابن حبان عن أبي يعلى الموصلي عن مصعب الزبيري عن الدراوردي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر بنحوه. (¬2) 4986 - قال: قدمت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله ابعث معي أخي زيدًا، قال: "هو ذا، فإن انطلق معك لم أمنعه"، قال زيد: والله يا رسول الله لا أختار عليك أحدًا، قال: فرأيت رأي أخي أفضل من رأيي. قلت: رواه الترمذي من حديث جَبَلة بن حارثة وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن الرومي عن علي بن مسهر انتهى (¬3) ومحمد ابن عمر الرومي ضعفه أبو داود ولينه أبو زرعة وروى له البخاري في غير الصحيح. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3784) وإسناده ضعيف. لأن زمعة بن صالح: ضعيف انظر: التقريب (2046)، وحديثه عند مسلم مقرون. (¬2) أخرجه الترمذي (3813) وإسناده ضعيف، فيه سفيان بن وكيع وهو ضعيف وقد سبق قبل قليل. وفيه تدليس ابن جريج. وأخرجه أبو يعلى (162)، وابن حبان (7043). (¬3) أخرجه الترمذي (3815) وإسناده ضعيف. ومحمد بن عمر الرومي، لين الحديث، انظر: التقريب (6209).

4987 - قال: لما ثقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هبطت وهبط الناس المدينة، فدخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد أصمت فلم يتكلم، فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضع يديه عليّ ويرفعهما، فأعرف أنه يدعو لي. (غريب). قلت: رواه الترمذي فيه من حديث أسامة بن زيد وقال: غريب، انتهى، وفي سنده يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق وكلاهما مختلف في الاحتجاج به. (¬1) 4988 - قالت: "أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ينحّي مخاط أسامة، قالت عائشة: دعني حتى أنا الذي أفعل، قال: "يا عائشة أحبيه فإني أحبه". قلت: رواه الترمذي فيه من حديث عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين وسنده سند الصحيحين (¬2) إلا طلحة بن يحيى، قال الذهبي: لم يخرج له البخاري، وعائشة بنت طلحة هذه أمها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق وخالتها عائشة، وأصدقها مصعب ألف ألف، وكانت أجمل نساء قريش ضخمة جدًّا، وقد جمع مصعب بينها وبين سكينة في قصة طويلة مستحسنة ذكرها المؤرخون (¬3). 4989 - قال: كنت جالسًا، إذ جاء علي والعباس يستأذنان، فقالا لأسامة: استأذن لنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قلت: يا رسول الله علي والعباس يستأذنان فقال: "أتدري ما جاء بهما؟ " قلت: لا، فقال: "لكني أدري، ائذن لهما"، فدخلا، فقالا: يا رسول الله جئناك نسألك: أي أهلك أحب إليك؟ قال: "فاطمة بنت محمد"،قالا: ما جئناك نسألك عن أهلك، قال: "أحب أهلي إلي من قد أنعم الله عليه وأنعمت عليه: ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3815) ورجاله ثقات ولا علة فيه سوى عنعنة ابن إسحاق وقد صرح بالتحديث من رواية أحمد (5/ 201) فالإسناد حسن. ويونس بن بكير: صدوق يخطيء. انظر: التقريب (7957). وانظر: هداية الرواة (5/ 459). (¬2) أخرجه الترمذي (3818) وإسناده حسن. (¬3) انظر ترجمة عائشة بنت طلحة في تهذيب الكمال (35/ 237 - 238).

باب مناقب أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- ورضي عنهم

أسامة بن زيد"، قالا: ثم من؟ قال: "ثم علي بن أبي طالب"، فقال العباس: يا رسول الله جعلت عمك آخرهم؟ قال: "إن عليًّا سبقك بالهجرة". قلت: رواه الترمذي فيه من حديث أسامة وقال: حسن صحيح. (¬1) باب مناقب أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- ورضي عنهم من الصحاح 4990 - قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها: خديجة بنت خويلد" وأشار وكيع إلى السماء والأرض. قلت: رواه الشيخان ولم يقل البخاري: وأشار ... إلى آخره، والترمذي والنسائي كلهم في المناقب (¬2) من حديث علي كرم الله وجهه، وأراد وكيع بهذه الإشارة تفسير الضمير في "نسائها" وأن المراد به: نساء أهل الأرض أي كل من بين السماء إلى الأرض من النساء. قال النووي (¬3): والأظهر أن معناه أن كل واحدة منهما خير من نساء الأرض في عصرها وأما التفضيل بينهما فمسكوت عنه. 4991 - قال: أتى جبريل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله هذه خديجة قد أتت، معها إناء فيه إدام أو طعام، فإذا أتتك، فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3819) فيه: عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن الزهري، قال الحافظ: صدوق يخطيء. انظر: التقريب (4944). (¬2) أخرجه البخاري (3432)، ومسلم (2430)، والترمذي (3877)، والنسائي في الكبرى (8354). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (15/ 284).

قلت: رواه الشيخان والنسائي كلهم في المناقب من حديث أبي زرعة عن أبي هريرة يرفعه (¬1) وهذا الحديث من مراسيل الصحابة وهي حجة عند الجمهور، وخالف فيه الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني، لأن أبا هريرة لم يدرك أيام خديجة، فهو محمول على أنه سمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم-. من قصب: قال جمهور العلماء: المراد به قصب اللؤلؤ المجوف كالقصر المنيف، وقيل: قصب من ذهب منظوم بالجوهر، وقد جاء في الحديث مفسرًا "ببيت من لؤلؤة محياة" وفسروه بمجوفة، قال الخطابي وغيره: المراد بالبيت هنا القصر. والصخب: بفتح الصاد والخاء هو الصوت المختلط المرتفع. والنصب: المشقة والتعب (¬2). 4992 - قالت: ما غرت على أحد من نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- ما غرت على خديجة، وما رأيتها، ولكن كان يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء، ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة؟ فيقول: "إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد". قلت: رواه الشيخان والترمذي في البر كلهم من حديث حفص بن غياث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. (¬3) والغيرة: هي الحمية والأنفة وما الأولى نافية والثانية مصدرية. 4993 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "فضل عائشة على النساء، كفضل الثريد على سائر الطعام". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3820)، ومسلم (2432)، والنسائي في الكبرى (8358). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (15/ 286 - 288). (¬3) أخرجه البخاري (3818) ومسلم (2438)، والترمذي (2017).

قلت: رواه الشيخان: البخاري في فضل عائشة وفي الأطعمة، ومسلم والترمذي كلاهما في المناقب والنسائي في الوليمة وابن ماجه في الأطعمة كلهم من حديث عبد الله بن عبد الرحمن أبي طوالة عن أنس يرفعه. (¬1) 4994 - أن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام"، قالت: وعليه السلام ورحمة الله، قالت: وهو يرى ما لا أرى. قلت: رواه البخاري في بدء الخلق وفي الاستئذان وفي الأدب وفي الرقائق وهو ومسلم في فضائل عائشة، والترمذي في المناقب والنسائي في عشرة النساء وفي اليوم والليلة كلهم من حديث أبي سلمة أن عائشة قالت ... الحديث. (¬2) 4995 - قالت: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أُريتك في المنام ثلاث ليال، يجيء بك الملك في سَرَقة من حرير، فقال لي: هذه امرأتك، فكشفت عن وجهك الثوب، فإذا أنت هي، فقلت: إن يكن هذا من عند الله يُمضه". قلت: رواه البخاري في النكاح وفي التعبير، والبخاري في الفضائل (¬3). قال عبد الحق: ولفظ البخاري في هذا: "أريتك من قبل أن أتزوجك مرتين: رأيت الملك يحملك في سرقة من حرير فقلت له: اكشف، فكشف فإذا هي أنت، فقلت: إن يكن هذا من عند الله، يمضه". والسرقة من الحرير هو بفتح السين المهملة والراء وهي الشقة البيضاء منه. قوله -صلى الله عليه وسلم-: " إن يكن من عند الله يمضه" قال القاضي (¬4): إن كانت هذه الرؤيا قبل النبوة فتقديره: إن كانت رؤيا حق، وإن كانت بعد النبوة فلها ثلاث معان أحدها: المراد ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الفضائل (3770)، وفي الأطعمة (5419)، ومسلم (2446)، والنسائي في الكبرى (6692)، وابن ماجه (3281)، والترمذي (3887). (¬2) أخرجه البخاري في بدء الخلق (3217)، وفي الاستئذان (6249). وفي فضائل الصحابة (3768)، وفضل عائشة (6201)، ومسلم (2447)، والنسائي في الكبرى (8358). (¬3) أخرجه البخاري (3895) (7011) (7012) , ومسلم (2438). (¬4) انظر: إكمال المعلم (7/ 445).

بأن تكن الرؤيا على ظاهرها, لا تحتاج إلى تعبير وتفسير، الثاني: المراد إن كانت هذه الزوجة في الدنيا يمضها الله تعالى، فالشك أنها زوجة في الدنيا أم في الجنة، الثالث: لم يشك ولكن أخبر على التحقيق وأتى بصورة الشك وهو نوع من البديع عند أهل البلاغة يسمونه تجاهل العارف، وسماه بعضهم "مزج الشك باليقين" (¬1). 4996 - قالت: إن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة، يبتغون بذلك مرضاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قلت: رواه البخاري في الهبة، ومسلم في المناقب والنسائي في عشرة النساء ثلاثتهم من حديث عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. (¬2) 4997 - قالت: إن نساء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كن حزبين: فحزب فيه: عائشة، وحفصة، وصفية، وسودة، والحزب الآخر: أم سلمة وسائر نساء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكلم حزب أم سلمة فقلن لها: كلّمي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكلم الناس فيقول: من أراد أن يهدي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فليهد إليه حيث كان، فكلمته، فقال لها: "لا تؤذيني في عائشة، فإن الوحي لا يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة"، قالت: أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله، ثم إنهن دعون فاطمة فأرسلنها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكلمته، فقال: "يا بنية! ألا تحبين ما أحب؟ " قالت: بلى، قال: "فأحبي هذه". قلت: رواه البخاري بلفظه في كتاب الهبة، وخرجه في المناقب وهو في الهبة أتم، ومسلم في المناقب والنسائي في عشرة النساء ثلاثتهم من حديث محمد بن عبد الرحمن عن عائشة. (¬3) ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (15/ 291). (¬2) أخرجه البخاري (258)، ومسلم (2441)، والنسائي في الكبرى (8899). (¬3) أخرجه البخاري (2581)، ومسلم (2442)، والنسائي في الكبرى (8841).

من الحسان

من الحسان 4998 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "حسبك من نساء العالمين: مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون". قلت: رواه الترمذي. (¬1) 4999 - أن جبريل جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: هذه زوجتك في الدنيا والآخرة. قلت: رواه الترمذي (¬2) في المناقب من حديث عائشة وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن عمرو بن علقمة، وقد رواه عبد الرحمن ابن مهدي مرسلًا ولم يذكر فيه عن عائشة انتهى. قال الذهبي: وعبد الله بن عمرو بن علقمة وُثّق. 5000 - قال: بلغ صفية أن حفصة قالت: بنت يهودي، فبكت، فدخل عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي تبكي، فقال: "ما يبكيك؟ "، فقالت: قالت لي حفصة: إني ابنة يهودي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنك لابنة نبي، وإن عمّك لنبي، وإنك لتحت نبي، فبم تفخر عليك؟، ثم قال: "اتقي الله يا حفصة". قلت: رواه الترمذي والنسائي في مناقب أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- (¬3). قال المزي في الأطراف (¬4): قال الترمذي: حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وليس في نسخة سماعي في الترمذي لفظة صحيح، وسنده لا شك في صحته، فإنه في الترمذي ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3878) وإسناده صحيح. وأخرجه أحمد (3/ 135)، والحاكم (3/ 157 - 158) وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. (¬2) أخرجه الترمذي (3880) وإسناده صحيح. انظر: الصحيحة (3011)، وعبد الله بن عمرو بن علقمة قال عنه الحافظ في التقريب (3526): ثقة، وانظر قول الذهبي في الكاشف (1/ 580)، وفيه: ثقة، بدل: وثق. (¬3) أخرجه الترمذي (3894)، والنسائي في الكبرى (8919). (¬4) انظر: تحفة الأشراف (1/ 151) رقم (471). وفي المطبوع من سنن الترمذي، مثل ما في التحفة (حسن صحيح غريب)، (6/ 188).

باب جامع المناقب

عن إسحاق بن منصور وعبد بن حميد، قالا: أنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن ثابت عن أنس وذكره. 5001 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعا فاطمة عام الفتح، فناجاها فبكت، ثم حدّثها فضحكت، فلما توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سألتها عن بكائها وضحكها؟ قالت: أخبرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه يموت، فبكيت، ثم أخبرني أني سيدة نساء أهل الجنة -إلا مريم بنت عمران- فضحكت. قلت: رواه الترمذي في مناقب أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: حسن غريب انتهى. (¬1) وفي سنده: موسى بن يعقوب، قال الذهبي: صويلح فيه لين. باب جامع المناقب من الصحاح 5002 - قال: رأيت في المنام كأن في يدي سرقة من الحرير، لا أهوي إلى مكان في الجنة إلا طارت بي إليه، فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إن أخاك رجل صالح، أو إن عبد الله رجل صالح". قلت: رواه البخاري في صلاة الليل ومسلم في المناقب ولفظه: أرى عبد الله رجلًا صالحًا، والترمذي والنسائي كلاهما فيه من حديث عبد الله بن عمر. (¬2) والسرقة من الحرير تقدم تفسيرها في الباب قبله. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3873) وإسناده حسن، وقال في المرقاة (5/ 615): الظاهر أن هذا وهم "عام الفتح" إذ لم يثبت عند أرباب السير وقوع هذه القضية عام الفتح بل كان هذا في عام حجة الوداع أو حال مرض موته عليه السلام. وموسى بن يعقوب قال عنه الحافظ في التقريب (7075): صدوق سيء الحفظ. وقول الذهبي في الكاشف (2/ 309)، وليس فيه صويلح، بل فيه فقط: "فيه لين". (¬2) أخرجه البخاري (7015) (1156)، ومسلم (2478)، والترمذي (3825)، والنسائي في الكبرى (8289).

5003 - قال: إن أشبه الناس دلًا، وسمتًا، وهديًا برسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لابن أم عبد، من حين يخرج من بيته إلى أن يرجع إليه، لا ندري ما يصنع في أهله إذا خلا. قلت: رواه البخاري في الأدب في باب الهدي الصالح (¬1) من حديث حذيفة وروى في المناقب (¬2) من حديث عبد الرحمن بن يزيد قال: سئل حذيفة عن رجل قريب السمت والهدي من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى يأخذ عنه فقال: ما أعلم أحدًا أقرب سمتًا ولا هديًا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- من ابن أم عبد. والدل والسمت والهدي قال في النهاية (¬3): عبارة عن الحالة التي يكون عليها الإنسان من السكينة والوقار، وحسن السيرة والطريقة واستقامة المنظر والهيئة. قوله: من حين يخرج من بيته إلى آخره معناه: أنه ملازم لهذه الطريقة إذا خرج من بيته ولا تعرف حاله إذا خلا في بيته، وابن أم عبد هو عبد الله بن مسعود. 5004 - قال: قدمت أنا وأخي من اليمن فمكثنا حينًا ما نرى إلا أن عبد الله بن مسعود رجل من أهل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- لما نرى من دخوله ودخول أمه على النبي -صلى الله عليه وسلم-. قلت: رواه البخاري في الفضائل وفي المغازي ومسلم في الفضائل والترمذي والنسائي كلاهما في المناقب من حديث الأسود بن يزيد عن أبي موسى. (¬4) ونرى: هو بضم النون أي نظن. 5005 - أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "استقرؤوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6097). (¬2) أخرجه البخاري (3762). (¬3) انظر: النهاية (2/ 131). (¬4) أخرجه البخاري (3763)، ومسلم (2460)، والترمذي (3806)، والنسائي في الكبرى (8263).

قلت: رواه البخاري في أربعة مواضع في مناقب كل واحد منهم وفي فضائل القرآن ومسلم في الفضائل والترمذي في المناقب ثلاثتهم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص (¬1). 5006 - قال: قدمت الشام، فصليت ركعتين، ثم قلت: اللهم يسر لي جليسًا صالحًا، فأتيت قومًا فجلست إليهم، فإذا شيخ قد جاء حتى جلس إلى جنبي، قلت: من هذا؟ قالوا: أبو الدرداء، قلت: إني دعوت الله أن ييسر لي جليسًا صالحًا فيسرك لي، فقال: من أنت؟ قلت: من أهل الكوفة، قال: أوليس عندكم ابن أم عبد: صاحب النعلين والوسادة والمِطْهَرة؟، وفيكم من أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه، يعني: عمارًا؟، أوليس فيكم صاحب السر الذي لا يعلمه غيره، -يعني: حذيفة-". قلت: رواه البخاري في صفة إبليس وفي فضل حذيفة وعمار وفي الاستئذان وفي مناقب ابن مسعود، والنسائي في المناقب وفي التفسير (¬2) كلاهما من حديث علقمة عن أبي الدرداء، قال بعضهم: أن ابن مسعود خص من النبي -صلى الله عليه وسلم- بأخذ النعلين إذا جلس وبوضعهما إذا نهض، وبتسوية المضجع ووضع الوسادة، إذا أحب النوم، ويحمل الوضوء إذا أراد الوضوء، وعمار: صاحب السر لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أسر إليه أسماء المنافقين وأنسابهم. 5007 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أريت الجنة، فرأيت امرأة أبي طلحة، وسمعت خشخشة أمامي، فإذا بلال". قلت: رواه الشيخان والنسائي كلهم في المناقب من حديث جابر (¬3) وقال البخاري "رأيتني دخلت الجنة". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3760) و (3758)، ومسلم (2464)، والترمذي (3810). (¬2) أخرجه البخاري في المناقب (3742)، (3743)، (3761)، وفي الاستئذان (6278)، والنسائي في الكبرى (8299، 11676). (¬3) أخرجه البخاري (3679)، ومسلم (2457)، والنسائي في الكبرى (8385).

والخشخشة: بخاءين وشينين معجمتين قيل: هي صوت يحدث من تحرك الأشياء اليابسة، واصطكاكها، إن الخضخضة صوت يحدث من تحرك الأشياء الرطبة وتموجها. 5008 - قال: كنا مع رسول -صلى الله عليه وسلم- ستة نفر، فقال المشركون للنبي -صلى الله عليه وسلم-: اطرد هؤلاء، لا يجترؤون علينا، قال: وكنت أنا وابن مسعود، ورجل من هذيل، وبلال، ورجلان لست أسميهما، فأنزل الله {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه}. قلت: رواه مسلم في المناقب من حديث سعد بن أبي وقاص ولم يخرجه البخاري. (¬1) 5009 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: "يا أبا موسى! لقد أعطيت مزمارًا من مزامير آل داود". قلت: رواه البخاري في فضائل القرآن ومسلم في الصلاة والترمذي في المناقب كلهم من حديث أبي بردة بن أبي موسى عن أبي موسى، واسم أبي بردة (¬2): عامر، وقيل: الحارث، والمزمار: هو الآلة التي يزمر بها والمراد هنا الصوت الحسن. 5010 - قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي بن كعب: "إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن"، قال: الله سماني لك؟ قال: "نعم"، فبكى. قلت: رواه البخاري في التفسير ومسلم في الصلاة وفي الفضائل (¬3)، والمراد هنا: قراءة للتعليم، لأن المتعلم إذا رأى الشيخ القارىء يتلفظ علم كيف التلفظ بالحرف، والله أعلم. ويروى: أنه قرأ عليه: {لم يكن الذين كفروا}. قلت: هذه الرواية قال البخاري فيها: قال قتادة: فأنبئت أنه قرأ عليه: {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب} (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2413). (¬2) أخرجه البخاري (5048)، ومسلم (793)، والترمذي (3855). (¬3) أخرجه البخاري (4959)، ومسلم (799). (¬4) ذكرها البخاري بعد حديث (4960) في كتاب التفسير.

5011 - قال: جمع القرآن على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أربعة: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، قيل لأنس: من أبو زيد؟ قال: أحد عمومتي. قلت: رواه البخاري في فضائل زيد ومسلم والترمذي والنسائي في الفضائل (¬1) واختلفوا في اسم أبي زيد هذا: قيل اسمه: سعد بن عبيد بن النعمان، ويقال: بن سهيد بن النعمان الخزرجي البدري، وقيل: من الأوس استشهد بالقادسية سنة خمس عشرة في أول خلافة عمر بن الخطاب وقيل هو: قيس بن السكن الخزرجي (¬2). 5012 - قال: هاجرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نبتغي وجه الله، فوقع أجرنا على الله، فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئًا، منهم مصعب بن عمير، قتل يوم أحد، فلم يوجد له ما يكفّن فيه إلا نمرة، فكنا إذا غطينا رأسه، خرجت رجلاه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "غطوا بها رأسه، واجعلوا على رجليه شيئًا من الإذخر"، ومنا من أينعت له ثمرته، فهو يهدُبها. قلت: رواه البخاري في الجنائز وفي الهجرة وفي غيرهما ومسلم والنسائي كلاهما في الجنائز وأبو داود في الوصايا والترمذي في المناقب وقال: صحيح. (¬3) والنمرة قال في النهاية (¬4): هي كل شملة مخططة من مآزر الأعراب. وأينع الثمرة إذا نضج، ويهدبها: بالباء الموحدة بعد الدال المهملة المكسورة على وزن يضربها أي يجتنيها. 5013 - قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اهتز العرش لموت سعد بن معاذ" ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3810)، ومسلم (2465)، والترمذي (3794)، والنسائي (8000). (¬2) سعد بن عبيد النعمان، انظر لترجمته: الاستيعاب (2/ 600)، والإصابة (3/ 68)، وذكر كذلك بكنيته (أبو زيد) انظر: الاستيعاب (4/ 1664)، والإصابة (7/ 158) وجزم الحافظ بأن قيس بن السكن انظر: الإصابة (5/ 476). (¬3) أخرجه البخاري (1276) (3898)، ومسلم (940)، والنسائي (4/ 38)، وأبو داود (3155)، والترمذي (3853). (¬4) انظر: النهاية (5/ 118).

قلت: رواه الشيخان في الفضائل وابن ماجه في السنة والترمذي في المناقب (¬1) بمعناه. - وفي رواية: "اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ". قلت: رواها الشيخان (¬2) والمختار أنه محمول على ظاهره، ولا مانع من ذلك، لأن العرش جسم من الأجسام يقبل الحركة والسكون، وقيل: المراد اهتز حملة العرش فحذف المضاف، والمراد بالاهتزاز الاستبشار والقبول، وقيل: المراد تعظيم شأن وفاته، والعرب تنسب الشيء المعظم إلى أعظم الأشياء، فيقولون "أظلمت لموت فلان الأرض" وهذه تأويلات لا يحتاج إليها، والله أعلم (¬3). 5014 - قال: أهديت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حلة حرير، فجعل أصحابه يمسُّونها ويعجبون من لينها، فقال: "أتعجبون من لين هذه؟، لمناديل سعد بن معاذ خير منها وألين في الجنة". قلت: رواه الشيخان والترمذي ثلاثتهم في الفضائل (¬4) من حديث البراء، زاد البخاري: "والذي نفسي بيده أن مناديل" الحديث. والحلة عند الأكثرين لا تكون إلا ثوبين يحل أحدهما على الآخر. والمناديل: جمع منديل بكسر الميم في المفرد وهو هذا الذي يحمل في اليد، وخصه بالذكر لأنه محل الوسخ والامتهان ومع ذلك هو خير من هذه فغيره أفضل منه فكيف يكون؟، والله أعلم. 5015 - أنها قالت: يا رسول الله أنس خادمك، ادع الله له، قال: "اللهم أكثر ماله، وولده، وبارك له فيما أعطيته" قال أنس: فوالله إن مالي لكثير، وإن ولدي وولد ولدي ليتعادّون على نحو المائة اليوم. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3803)، ومسلم (2466)، والترمذي (3848)، وابن ماجه (158). (¬2) أخرجها البخاري (3803)، ومسلم (2466). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (16/ 32). (¬4) أخرجه البخاري (3802)، ومسلم (2468)، والترمذي (3847).

قلت: رواه الشيخان: البخاري في الدعوات، ومسلم في الفضائل، والترمذي في المناقب. (¬1) قوله: وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو المائة اليوم: معناه يبلغ عددهم نحو المائة. وثبت في البخاري عن أنس رضي الله عنه: أنه دفن من أولاده قبل مقدم الحجاج بن يوسف مائة وعشرين، والله أعلم (¬2). 5016 - قال: ما سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول لأحد يمشي على وجه الأرض إنه من أهل الجنة، إلا لعبد الله بن سلام. قلت: رواه الشيخان والنسائي كلهم في الفضائل من حديث أبي النضر عن عامر بن سعيد عن أبيه. (¬3) 5017 - وقال عبد الله بن سلام: رأيت كأني في روضة، ذكر من سعتها وخضرتها، وسطها عمود من حديد، أسفله في الأرض، وأعلاه في السماء، في أعلاه عروة، فقيل له: ارْقَه، فقلت: لا أستطيع، فأتاني مِنْصف فرفع ثيابي من خلفي، فرقيت حتى كنت في أعلاه، وأخذت بالعروة، فاستيقظت وإنها لفي يدي، فقصصتها على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "تلك الروضة: الإسلام، وذلك العمود: عمود الإسلام، وتلك العروة: العروة الوثقى، فأنت على الإسلام حتى تموت". قلت: رواه الشيخان في الفضائل وأعاده البخاري في التعبير كلاهما عن قيس بن عباد البصري عن عبد الله بن سلام (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1982) (6344)، ومسلم (2480) (2481)، والترمذي (3829). (¬2) أخرجه البخاري (1982) في كتاب الصوم، باب من زار قومًا فلم يفطر عندهم، وفيه قصة. (¬3) أخرجه البخاري (3812)، ومسلم (2483)، والنسائي في الكبرى (8252). (¬4) أخرجه البخاري (3813)، ومسلم (2484).

والمنصف: بكسر الميم وفتح الصاد ويقال: بفتح الميم أيضًا وقد فسر في بعض روايات الحديث بالخادم وهو صحيح. و"فرقيت" قال النووي (¬1): هو بكسر القاف على اللغة المشهورة الفصيحة، وحكى فتحها. 5018 - قال: كان ثابت بن قيس بن شَمّاس خطيب الأنصار، فلما نزلت: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم} إلى آخر الآية، جلس ثابت في بيته واحتبس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- سعد بن معاذ، فقال: "ما شأن ثابت أيشتكي؟ " فأتاه سعد، فذكر له قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال ثابت: أنزلت هذه الآية، ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتًا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأنا من أهل النار، فذكر ذلك سعد للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله: "بل هو من أهل الجنة". قلت: رواه مسلم في الإيمان والنسائي في التفسير وفي المناقب كلاهما من حديث ثابت البناني عن أنس. (¬2) 5019 - قال: كنا جلوسًا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- , إذ نزلت سورة الجمعة، فلما نزلت: {وآخرين منهم لما يلحقوا بهم} قالوا: من هؤلاء يا رسول الله؟ قال: وفينا سلمان الفارسي، ثم قال: فوضع النبي -صلى الله عليه وسلم- يده على سلمان، ثم قال: "لو كان الإيمان عند الثرّيا، لناله رجال من هؤلاء". قلت: رواه البخاري في التفسير ومسلم في الفضائل والترمذى في الموضعين كلهم من حديث عبد الله بن مطيع عن أبي هريرة. (¬3) 5020 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم حَبّب عبيدك هذا، -يعني: أبا هريرة-، وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحبب إليهم المؤمنين". ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج (16/ 64). (¬2) أخرجه مسلم (119)، والنسائي في الكبرى (8170)، (11449). (¬3) أخرجه البخاري (3813)، ومسلم (2484)، والترمذي (3310) (3933).

قلت: رواه مسلم في الفضائل في حديث طويل فيه إسلام أم أبي هريرة، ورواه من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬1) 5021 - أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال، في نفر، فقالوا: ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مآخذها، فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟ فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره، فقال: "يا أبا بكر لعلك أغضبتهم؟، لئن كنت أغضبتهم؟ لقد أغضبت ربك"، فأتاهم فقال: يا إخوتاه! أغضبتكم؟ قالوا: لا، يغفر الله لك يا أخيّ. قلت: رواه مسلم في الفضائل من حديث عائذ بن عمرو ولم يخرجه البخاري. (¬2) 5022 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "آية الإيمان: حب الأنصار، وآية النفاق: بغض الأنصار". قلت: رواه الشيخان، والنسائي كلهم في الإيمان كلهم من حديث عبد الله بن عبد الرحمن بن جبر عن أنس. (¬3) 5023 - قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم، أبغضه الله". قلت: رواه البخاري في فضل الأنصار ومسلم في الإيمان والترمذي والنسائي كلاهما في المناقب وابن ماجه في السنة من حديث البراء بن عازب. (¬4) 5024 - إن ناسًا من الأنصار قالوا حين أفاء الله على رسول من أموال هوازن ما أفاء، فطفق يعطي رجالًا من قريش المائة من الإبل، فقالوا: يغفر الله لرسول الله، ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2491). (¬2) أخرجه مسلم (2504). (¬3) أخرجه البخاري (3784)، ومسلم (74)، والنسائي (8/ 116). (¬4) أخرجه البخاري (3783)، ومسلم (75)، والترمذي (3900)، وابن ماجه (163)، والنسائي في الكبرى (8334).

يعطي قريشًا ويدعنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم؟، فحُدّث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمقالتهم، فأرسل إلى الأنصار، فجمعهم في قبة من أدم، ولم يَدْع معهم أحدًا غيرهم، [فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-]، فقال: "ما حديث بلغني عنكم؟ "، فقال له فقهاؤهم: أمّا ذَوُو رأينا يا رسول الله فلم يقولوا شيئًا، وأما أناس منا حديثة أسنانهم، قالوا: يغفر الله لرسول الله، يعطي قريشًا ويدع الأنصار، وسيوفنا تقطر من دمائهم؟، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إني أعطي رجالًا حديثي عهد بكفر، أتألفهم، أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال، وترجعون إلى رحالكم برسول الله؟ " قالوا: بلى يا رسول الله قد رضينا. وقال: "لولا الهجرة، لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس واديًا أو شعبًا، وسلكت الأنصار واديًا أو شعبًا، لسلكت واديَ الأنصار وشعبها، الأنصار شعار، والناس دثار، إنكم سترون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض". قلت: رواه البخاري في الخمس واللباس من حديث شعيب عن الزهري عن أنس، ومسلم في الزكاة (¬1) فيما جاء في إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام ويصبر من قوي إيمانه، من حديث يونس بن يزيد عن الزهري عن أنس. والشعار: الثوب الذي يلي الجسد، والدثار: فوقه، ومعنى الحديث: الأنصار هم البطانة والأصفياء. والأثرة: بفتح الهمزة والثاء المثلثة الاسم من آثر يؤثر إيثارًا إذا أعطى أراد -صلى الله عليه وسلم- أنه يستأثر عليكم فيفضل غيركم في نصيبه من الفيء. 5025 - قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح فقال: "من دخل دار أبي سفيان، فهو آمن، ومن ألقى السلاح، فهو آمن"، فقالت الأنصار: أما الرجل، فقد أخذته رأفة بعشيرته، ورغبة في قريته، ونزل الوحي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "قلتم: أما الرجل فقد أخذته رأفة بعشيرته، ورغبة في قريته، كلا إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في فرض الخمس (3147)، وفي المغازي (4330)، ومسلم (1059).

وإليكم، المحيا محياكم، والممات مماتكم"، قالوا: والله ما قلنا إلا ضنًّا بالله ورسوله، قال: فإن الله ورسوله يُصدّقانكم ويعذرانكم". قلت: رواه مسلم في المغازي من حديث أبي هريرة في حديث طويل ولم يخرجه البخاري. (¬1) واستدل الشافعي بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن" على أن دور مكة مملوكة يصح بيعها وإجارتها لأن الإضافة إلى الآدميين تقتضي الملك وما سوى ذلك مجاز. قوله -صلى الله عليه وسلم-: "كلا إني عبد الله". قال النووي (¬2): "كلا" هنا بمعنى حقًّا ولها معنيان، أحدهما: حقًّا والأخرى: النفي انتهى. قوله -صلى الله عليه وسلم-: "هاجرت إلى الله وإليكم" إلى آخره فمعناه: هاجرت إلى الله، وإلى دياركم واستيطانها فلا أتركها ولا أرجع عن هجرتي الواقعة لله تعالى، بل أنا ملازم لكم، المحيا محياكم والممات مماتكم، أي لا أحيا إلا عندكم ولا أموت إلا عندكم. قوله: "ما قلنا إلا ضنًّا بالله ورسوله" هو بكسر الضاد أي: شحًّا بك أن تفارقنا ويختص بك غيرنا، والله أعلم (¬3). 5026 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى صبيانًا ونساء مقبلين من عرس، فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "اللهم أنتم من أحب الناس إليّ، ثم اللهم أنتم من أحب الناس إلي"، يعني الأنصار. قلت: رواه الشيخان في فضائل الأنصار من حديث أنس وذكر البخاري: اللهم أنتم أحب الناس إلي، ثلاث مرات. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1780). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (12/ 180). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (12/ 180). (¬4) أخرجه البخاري (3785)، ومسلم (2508).

5027 - مر أبو بكر والعباس بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون، فقال: ما يبكيكم؟ فقالوا: ذكرنا مجلس النبي -صلى الله عليه وسلم- منا، فدخل على النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره بذلك، فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد عصّب على رأسه حاشية بُرد، فصعد المنبر، ولم يصعد بعد ذلك اليوم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشي وعيبتي، وقد قضوا الذي عليهم، وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم". قلت: رواه البخاري في فضل الأنصار، والنسائي في المناقب كلاهما من حديث أنس (¬1)، وكرشي وعيبتي: قال ابن الأثير (¬2): أراد -صلى الله عليه وسلم-: أنهم بطانته وموضع سره وأمانته، والذين يعتمد عليهم في أمورهم، واستعار -صلى الله عليه وسلم- الكرش والعيبة لذلك، لأن المجْترَّ يجمع علفه في كرشه، والرجل يضع ثيابه في عيبته، وقيل أراد بالكرش: الجماعة أي جماعتي وصحابتي. 5028 - قال: خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي مات فيه، حتى جلس على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أما بعد، فإن الناس يكثُرون ويقل الأنصار، حتى يكونوا في الناس بمنزلة الملح في الطعام، فمن ولي منكم شيئًا يضر فيه قومًا وينفع فيه آخرين، فليقبل من محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم". قلت: رواه البخاري في الجمعة وفي علامات النبوة وفي فضائل الأنصار من حديث عبد الرحمن بن الغسيل عن عكرمة عن ابن عباس، ولم يخرجه مسلم. (¬3) 5029 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار، ولأبناء أبناء الأنصار". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3799)، والنسائي (8346). (¬2) انظر: النهاية لابن الأثير (4/ 163 - 164)، والمنهاج للنووي (16/ 100). (¬3) أخرجه البخاري في المناقب (3628)، وفي الجمعة (927).

قلت: رواه الشيخان: البخاري في التفسير، ومسلم والترمذي في الفضائل ثلاثتهم من حديث زيد بن أرقم، والشك عند البخاري في أبناء أبناء الأنصار. (¬1) 5030 - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خير دور الأنصار: بنو النجار، ثم بنو عبد الأشهل، ثم بنو الحارث بن الخزرج، ثم بنو ساعدة، وفي كل دور الأنصار خير". قلت: رواه الشيخان والترمذي والنسائي كلهم في الفضائل (¬2) عن أبي أسيد الساعدي بضم الهمزة وفتح السين المهملة واسمه مالك بن ربيعة، والدور: جمع دار وهي المنازل المسكونة، والمحال: وأراد -صلى الله عليه وسلم- بها ههنا القبائل، وكل قبيلة اجتمعت في محلة سميت تلك المحلة دارًا وسمي ساكنوها بها مجازًا. 5031 - قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمر في حاطب بن أبي بلتعة: "إنه شهد بدرًا، وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد وجبت لكم الجنة؟ ". قلت: رواه الشيخان في قصة طويلة ذكر فيها الظعينة التي معها الكتاب من حاطب، البخاري واللفظ له في الاستئذان في باب من نظر في كتاب من يحذر، وفي فضل من شهد بدرًا، وخرجه أيضًا في كتاب استتابة المرتدين وفي المغازي وفي الجهاد، ومسلم في الفضائل وأبو داود في الجهاد والترمذي والنسائي كلاهما في التفسير كلهم من حديث علي بن أبي طالب (¬3). - وفي رواية: فقد غفرت لكم. قلت: رواها الشيخان بهذا اللفظ. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4906)، ومسلم (2506)، والترمذي (3902). (¬2) أخرجه البخاري (3789)، ومسلم (2511)، والترمذي (3911)، والنسائي في الكبرى (8341). (¬3) أخرجه البخاري في الاستئذان (6259)، وفي الجهاد (3081)، وفي المغازي (3983) و (4274)، وفي التفسير (4890)، وفي كتاب الإكراه (6939)، ومسلم (2494)، وأبو داود (2650)، والترمذي (3305)، والنسائي في الكبرى (8341). (¬4) أخرجه البخاري (3007)، ومسلم (2494).

5032 - قال: جاء جبربل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: "من أفضل المسلمين", أو كلمة نحوها، قال: وكذلك من شهد بدرًا من الملائكة. قلت: رواه البخاري في المغازي من حديث رفاعة بن رافع ولم يخرجه مسلم ولا أخرج في كتابه لرفاعه بن رافع شيئًا. (¬1) 5033 - قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إني لأرجو أن لا يدخل النار -إن شاء الله- أحد شهد بدرًا والحديبية"، قلت: يا رسول الله أليس قد قال الله: {وإن منكم إلا واردها} قال: "أفلم تسمعيه يقول: {ثم ننجي الذين اتقوا} ". قلت: هذا الحديث رواه المصنف من حديث الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن أم مبشر عن حفصة وذكره ثم قال: حديث صحيح أخرجه مسلم في الفضائل عن أبي الزبير عن جابر عن أم مبشر أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول عند حفصة .. هذا آخر كلامه في شرح السنة (¬2). والذي رواه مسلم (¬3) إنما هو عن أم مبشر أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول عند حفصة "لا يدخل النار إن شاء الله أحد من أصحاب الشجرة الذين بايعوا تحتها، قالت: بلى يا رسول الله فانتهرها، فقالت حفصة: {وإن منكم إلا واردها}: فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: قد قال الله عز وجل: {ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا} ولم أر حديث حفصة الذي ذكره المصنف هنا في شيء من الصحيحين ولا عزاه صاحب الأطراف (¬4) في مسند حفصة إليها، ولا إلى أحدهما إنما ذكر في مسند أم مبشر ما ذكرناه عن مسلم، ولم يخرج البخاري عن أم مبشر شيئًا لكن في ابن ماجه (¬5) عن أم مبشر عن حفصة ... ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3992). (¬2) انظر: شرح السنة للبغوي (14/ 193 - 194) رقم (3994). (¬3) أخرجه مسلم (2496). (¬4) انظر: تحفة الأشراف (11/ 292 - 293). (¬5) أخرجه ابن ماجه (4281).

الحديث بلفظه في المصابيح، فكان من حق الشيخ أن يذكره في الحسان أو يقتصر على حديث أم مبشر الذي في مسلم. - وفي رواية: "لا يدخل النار -إن شاء الله- من أصحاب الشجرة أحد، الذين بايعوا تحتها". قلت: رواها مسلم وأبو داود والترمذي من حديث جابر، وبدر غزاها النبي -صلى الله عليه وسلم- في شهر رمضان على رأس ثمانية عشر شهرًا من الهجرة. والحديبية كانت في ذي القعدة سنة ست من الهجرة. (¬1) 5034 - قال: كنا يوم الحديبية ألفًا وأربعمائة، قال لنا النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أنتم اليوم خير أهل الأرض". قلت: رواه البخاري في التفسير هو ومسلم أيضًا في المغازي، والنسائي في التفسير كلهم من حديث عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله. (¬2) 5035 - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من يصعد الثنية، -ثنية المرار-، فإنه يُحَط عنه ما حُطّ عن بني إسرائيل"، فكان أول من صعدها خيلنا، -خيل بني الخزرج-، ثم تتامّ الناس، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر"، فأتيناه فقلنا: تعال يستغفر لك رسول الله، قال: لأن أجد ضالتي أحب إلي من أن يستغفر لي صاحبكم. قلت: رواه مسلم في أواخر الصحيح في باب حديث الإفك من حديث جابر (¬3) ولم يخرجه البخاري. والثنية: الطريق بين الجبلين والمرار: بضم الميم وتخفيف الراء، كذا رواها مسلم من طريق أخرى، وقال فيه: المرار، والمرار بضم الميم أو فتحها على الشك، وفي ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2496)، وأبو داود (4653)، والترمذي (3860). (¬2) أخرجه البخاري (4154)، ومسلم (1856)، والنسائي في الكبرى (1507). (¬3) أخرجه مسلم (2780).

من الحسان

بعض النسخ بضمها أو كسرها، والمرار: شجر مر، وهذه الثنية عند الحديبية، قال الحازمي: قال ابن إسحاق هي مهبط الحديبية، قال القاضي عياض (¬1): قيل هذا الرجل هو الجد بن قيس المنافق (¬2). من الحسان 5036 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اقتدوا بالذين من بعدي من أصحابي: أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن أمّ عبد". قلت: رواه الترمذي في مناقب ابن مسعود من حديثه وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن سلمة بن كهيل وهو يضعف في الحديث (¬3)، ولم يرو الترمذي هذا اللفظ من حديث حذيفة، ووقع في المصابيح في النسخ المسموعة عزوه إلى حذيفة، والذي في الترمذي هو ما ذكرته، وأما رواية حذيفة فستأتي تلو هذا. - وفي رواية: "ما حدثكم ابن مسعود فصدقوه". قلت: رواها الترمذي في مناقب عمار من حديث ربعي بن خراش عن حذيفة (¬4)، ولفظه قال: كنا جلوسًا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "لا أدري ما بقائي فيكم، فاقتدوا بالذين من بعدي"، وأشار إلى أبي بكر وعمر، "واهتدوا بهدي عمار، وما حدثكم ابن مسعود فصدقوه" وقال: حديث حسن. ¬

_ (¬1) انظر: إكمال المعلم (8/ 312). (¬2) انظر: المنهاج للنووي (18/ 184). (¬3) أخرجه الترمذي (3663) وإسناده فيه يحيى بن سلمة وهو متروك وكان شيعيًّا انظر: التقريب (7611). وكذلك فيه سالم المرادي وهو مقبول، وكان شيعيًّا انظر: التقريب (2193). وانظر: الصحيحة (1233). (¬4) أخرجه الترمذي (3799) وإسناده حسن بشواهده دون قوله "تمسكوا بعهد عمار" وفي إسناده مولى ربعي وهو مجهول.

5037 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لو كنت مؤمّرًا عن غير مشورة، لأمّرت عليهم ابن أم عبد". قلت: رواه الترمذي في المناقب، وابن ماجه في السنة (¬1)، وقال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث الحارث بن عبد الله الأعور عن علي انتهى، والحارث من أكابر التابعين، قال ابن أبي داود: وكان أفقه الناس وأفرض الناس وأحسب الناس قال الذهبي: قال النسائي وغيره: ليس بالقوي (¬2). 5038 - قال: أتيت المدينة، فسألت الله أن ييسر لي جليسًا صالحًا، فيسر لي أبا هريرة، فجلست إليه، فقلت: إني سألت الله أن ييسر لي جليسًا صالحًا، فوفّقت لي، فقال: من أين أنت؟ قلت: من أهل الكوفة، جئت ألتمس الخير وأطلبه فقال: أليس فيكم سعد بن مالك: مجاب الدعوة؟، وابن مسعود صاحب طهور رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونعليه؟، وحذيفة صاحب سر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟، وعمار الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم-؟، وسلمان صاحب الكتابين؟ يعني: الإنجيل والقرآن. قلت: رواه الترمذي في المناقب من حديث أبي هريرة وقال: حسن غريب، انتهى ورجاله موثقون. (¬3) 5039 - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح، نعم الرجل أسيد بن حضير، نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس، نعم الرجل معاذ بن جبل، نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح". (غريب). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3808)، وابن ماجه (137) وإسناده ضعيف. (¬2) قال الحافظ: الحارث بن عبد الله الهمداني، أبو زهير, صاحب علي، كذبه الشعبي في رأيه، ورمي بالرفض، وفي حديثه ضعف، وليس له عند النسائي سوى حديثين. انظر: التقريب (1036). وقول الذهبي في الكاشف (1/ 303) وفيه أيضًا: شيعي لين، وانظر: الضعفاء والمتروكين للنسائي (116). (¬3) أخرجه الترمذي (3811)، وصححه الحاكم في المستدرك (3/ 392).

قلت: رواه الترمذي والنسائي في المناقب من حديث أبي هريرة (¬1)، ورجال الترمذي خاصة رجال الصحيحين إلا سهيل بن أبي صالح فإن البخاري روى له مقرونًا. 5040 - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة: علي، وعمار، وسلمان". قلت: رواه الترمذي في المناقب من حديث أنس، وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسن بن صالح، انتهى. والحسن صدوق يتشيع، أحد الأعلام روى له مسلم وأصحاب السنن لكن في سند الحديث سفيان بن وكيع وهو ضعيف. (¬2) 5041 - قال: استأذن عمار على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ائذنوا له، مرحبًا بالطيب المطيَّب". قلت: رواه الترمذي فيه وابن ماجه في السنة من حديث علي وقال: حسن صحيح. (¬3) 5042 - قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أشدهما". قلت: رواه الترمذي والنسائي جميعًا فيه، وابن ماجه في السنة من حديث عائشة، وقال الترمذي: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد العزيز بن سياه، انتهى. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3795)، والنسائي في الكبرى (8230) وهو حديث حسن وأخرجه الحاكم في المستدرك (3/ 233) وقال: على شرط مسلم. انظر: الصحيحة (تحت حديث 875). وسهيل بن أبي صالح ذكوان السمّان: قال الحافظ: صدوق تغير حفظه بآخره، روى له البخاري مقرونًا وتعليقًا. انظر: التقريب (2690)، وقال الحافظ: مقبول، انظر: التقريب (8153)، وكذلك فيه سفيان بن وكيع وهو كان صدوقًا إلا أنه ابتلي بوراقه فأدخل عليه ما ليس من حديثه فنُصح فلم يقبل فسقط حديثه. انظر: التقريب (2469). (¬2) أخرجه الترمذي (3797) وإسناده ضعيف في إسناده الحسن البصري وقد عنعن. وكذلك أبو ربيعة الإيادي وهو عمر بن ربيعة وثقه ابن معين وقال أبو حاتم "منكر الحديث". (¬3) أخرجه الترمذي (3798)، وابن ماجه (146) وإسناده حسن. (¬4) أخرجه الترمذي (3799)، والنسائي في الكبرى (8276)، وابن ماجه (148). وقال الحافظ: عبد العزيز بن سياه الأسدي: صدوق يتشيع، انظر: التقريب (4128).

وعبد العزيز: صدوق روى له الشيخان وليس في سند الترمذي إلا من روى له الشيخان أو مسلم. 5043 - قال: لما حملت جنازة سعد بن معاذ، قال المنافقون: ما أخف جنازته، -وذلك لحكمة في بني قريظة-، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إن الملائكة كانت تحمله". قلت: رواه الترمذي فيه من حديث أنس بن مالك، وقال: حسن صحيح. (¬1) 5044 - قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما أظلّت الخضراء، ولا أقلّت الغبراء أصدق من أبي ذر". قلت: رواه الترمذي فيه، وابن ماجه في السنة من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، قال الترمذي: حسن غريب انتهى، وفي سندهما: عثمان ابن عمير وهو أبو اليقظان قال الذهبي: ضعفوه. (¬2) 5045 - قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما أظلّت الخضراء، ولا أقلت الغبراء -من ذي لهجة- أصدق ولا أوفى من أبي ذر يشبه عيسى بن مريم" عليه السلام. قلت: رواه الترمذي فيه من حديث أبي ذر بزيادة فقال عمر بن الخطاب: كالحاسد يا رسول الله، أفتعرف ذلك له؟ قال: نعم فاعرفوه له انتهى، ورجاله موثقون كلهم، وقد اختلف في اسم أبي ذر، واسم أبيه اختلافًا كثيرًا والأشهر أنه جندب بن جنادة. (¬3) 5046 - قال: لما حضر معاذًا الموت قال: التمسوا العلم عند أربعة: عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان، وعند ابن مسعود، وعند عبد الله بن سلام الذي كان يهوديًّا فأسلم، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنه عاشر عشرة في الجنة". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3849) وإسناده صحيح. انظر: الصحيحة (3347). (¬2) أخرجه الترمذي (3801)، وابن ماجه (156) وإسناده ضعيف. عثمان بن عمير: ضعيف واختلط، وكان يدلّس ويغلو في التشيع، انظر: التقريب (4539)، وقول الذهبي في الكاشف (2/ 11)، وللحديث شاهد عند الحاكم في المستدرك (3/ 342) وإسناده حسن في الشواهد. (¬3) أخرجه الترمذي (3802) وإسناده حسن.

قلت: رواه الترمذي والنسائي جميعًا فيه (¬1) من حديث يزيد بن عميرة قال: لما حضر معاذ الموت ... الحديث، وقال الترمذي: حديث غريب، انتهى. ورجاله رجال الصحيح إلا معاوية بن صالح فإنه روى له مسلم وأصحاب السنن، وإلا يزيد بن عميرة قال الذهبي: مخضرم روى له الترمذي وأبو داود والنسائي ولم يذكر فيه جرحًا. 5047 - قالوا: يا رسول الله لو استخلفت، قال: "إن استخلفت عليكم فعصيتموه عذبتم، ولكن ما حدثكم حذيفة فصدّقوه، وما أقرأكم عبد الله فاقرؤوه". قلت: رواه الترمذي فيه من حديث شريك عن أبي اليقظان عن زاذان عن حذيفة وشريك مشهور وأبو اليقظان اسمه عثمان بن عمير وقد تقدم في هذا الباب التنبيه على ضعفه. (¬2) 5048 - قال: ما أحد من الناس تدركه الفتنة، إلا أنا أخافها عليه، إلا محمد بن مسلمة، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا تضرك الفتنة". قلت: رواه أبو داود في السنة من حديث حذيفة وسكت عليه أبو داود ولم يعترضه المنذري. (¬3) ومحمد بن مسلمة الخزرجي من أكابر الصحابة توفي في صفر سنة ثلاث وأربعين، وقيل: سنة ست وأربعين وهو ابن سبع وسبعين سنة شهد المشاهد كلها ومات بالمدينة ولم يستوطن غيرها واعتزل الفتنة (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3804)، والنسائي في الكبرى (8253) وإسناده حسن. وصححه ابن حبان (7165)، وصححه الحاكم (1/ 98) (3/ 270)، وكذلك ابن سعد في الطبقات (2/ 353)، ومعاوية بن صالح: صدوق له أوهام، انظر: التقريب (6810)، ويزيد بن عميرة، قال الحافظ: ثقة، انظر: التقريب (7811)، وقول الذهبي في الكاشف (2/ 388). (¬2) أخرجه الترمذي (3812) وإسناده ضعيف. أما شريك القاضي فقال الحافظ: صدوق يخطيء كثيرًا، تغيّر حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة، وكان عادلًا فاضلًا عابدًا شديدًا على أهل البدع. انظر: التقريب (2802)، وأبو اليقظان ضعيف وقد اختلط، وقد سبق. (¬3) أخرجه أبو داود (4663) وإسناده صحيح. وأخرجه الحاكم في المستدرك (3/ 433 - 434) وصححه. وافقه الذهبي. وانظر: مختصر سنن أبي داود للمنذري (7/ 38). (¬4) انظر ترجمة محمد بن مسلمة في الإصابة (6/ 33 - 35).

5049 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى في بيت الزبير مصباحًا، فقال: "يا عائشة ما أرى أسماء إلا قد نُفِسَتْ، فلا تسمُّوه حتى أسمّيَه "، فسمّاه عبد الله، وحنكه بتمرة بيده. قلت: رواه الترمذي في المناقب من حديث عائشة وقال: حسن صحيح. (¬1) 5050 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لمعاوية: "اللهم اجعله هاديًا مهديًّا، واهد به". قلت: رواه الترمذي فيه (¬2) من حديث عبد الرحمن بن أبي عميرة يرفعه، قال أبو عمر بن عبد البر (¬3): عبد الرحمن بن أبي عميرة، حديثه مضطرب، لا يثبت في الصحابة، وذكر حديثه هذا، وقال: ومنهم من يوقف حديثه هذا، ولا يرفعه، ولا يصح مرفوعًا، ولا تثبت أحاديثه ولا تصح صحبته، ومراد ابن عبد البر أنه لا تثبت أحاديثه إذا لم يصرح بمن سمعها منه فإنه لم تثبت له صحبة، وهو ثقة روى له الجماعة كلهم. 5051 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أسلم الناس، وآمن عمرو بن العاص". (غريب). قلت: رواه الترمذي فيه، من حديث عقبة بن عامر وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة عن مشرح بن هاعان، وليس إسناده بالقوي، انتهى (¬4). وهذا من العام الذي أريد به الخاص، والمراد بالناس هنا هم أهل مكة الذين أسلموا يوم الفتح، ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3826). إسناده ضعيف، لأن فيه: عبد الله بن المؤمّل المكي، وهو ضعيف الحديث انظر: التقريب (3673). (¬2) أخرجه الترمذي (3842) رجاله ثقات رجال الصحيح. وقد ضعفه ابن عبد البر وابن حجر في (الإصابة 4/ 342 - 343)، والفتح (7/ 104).انظر السلسلة الصحيحة (1969). (¬3) انظر: الاستيعاب (2/ 843 - 844)، وفيه أيضًا: وحديثه منقطع الإسناد مرسل. (¬4) أخرجه الترمذي (3844) وإسناده حسن وفي إسناده: ابن لهيعة عن مشرح بن هاعان، وابن لهيعة سيء الحفظ لكن مشّي بعض أهل العلم رواية أبي عبد الرحمن -وهو عبد الله ابن يزيد المقرىء- عنه وعدّوها صالحة لكونه سمع منه قديمًا. ومشرح بن هاعان قد قوى أمره جماعة وغمزه آخرون ويشهد له حديث أبي هريرة، أخرجه أحمد في المسند (2/ 304). بلفظ: "ابنا العاص مؤمنان: عمرو وهشام" وإسناده حسن.

قال ابن عبد البر (¬1): والصحيح أنه قدم من الحبشة مسلمًا في صفر سنة ثمان قبل الفتح بستة أشهر وقدم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة راغبين في الإسلام، فلما دخلوا على النبي -صلى الله عليه وسلم- نظر إليهم، قال: قد رمتكم مكة بأفلاذ كبدها، وكان إسلام من أسلم يوم الفتح تحت السيف وأسلم عمرو رغبة في الدين. 5052 - قال: لقيني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا جابر ما لي أراك منكسرًا؟ "، قلت: استُشهد أبي، وترك عيالًا ودَيْنًا، قال: "أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك؟ "، قلت: بلى يا رسول الله، قال: "ما كلم الله أحدًا قط، إلا من وراء حجاب، وأحيا أباك فكلّمه كفاحًا، قال: يا عبدي تمنّ علي أعطيك، قال: يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية، قال الرب تعالى: إنه قد سبق مني، أنهم لا يرجعون"، فنزلت: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون}. قلت: رواه الترمذي في التفسير في سورة آل عمران من حديث جابر بن عبد الله وقال: حسن غريب من هذا الوجه، قال: ولا نعرفه إلا من حديث موسى بن إبراهيم بن كثير أنه سمع طلحة بن خراش يقول: سمعت جابر ابن عبد الله قال: ورواه علي بن عبد الله بن المديني وغير واحد من كبار أهل الحديث، عن موسى بن إبراهيم انتهى كلام الترمذي. (¬2) وموسى بن إبراهيم بن كثير روى له الترمذي وابن ماجه قال الذهبي. وثق، وأما طلحة بن خراش فروى له الترمذي وابن ماجه. وقال فيه النسائي: صالح (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: الاستيعاب (3/ 1185). (¬2) أخرجه الترمذي (3010) وإسناده حسن وله شاهد من حديثه عائشة عند الحاكم في المستدرك (3/ 203)، والبيهقي في الدلائل (3/ 298). وأخرجه ابن ماجه (190). (¬3) موسى بن إبراهيم بن كثير الأنصاري. صدوق يخطيء، انظر: التقريب (6991). وقول الذهبي في الكاشف (2/ 301)، وذكره ابن حبان في الثقات (7/ 449). وطلحة بن خراش الأنصاري المدني: صدوق. انظر: التقريب (3036).

وكفاحًا أي مواجهة ليس بينهما حجاب ولا رسول. 5053 - قال: استغفر لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خمسًا وعشرين مرة. قلت: رواه الترمذي في المناقب من حديث جابر (¬1) ولفظه: استغفر لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة البعير خمسًا وعشرين مرة، وقال: حديث حسن، ومعنى: قوله: "ليلة البعير" ما روي عن جابر من غير وجه أنه كان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر فباعه بعيره الحديث المشهور. 5054 - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كم من أشعث أغبر ذي طِمْرَيْن لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبرّه، منهم البراء بن مالك". قلت: رواه الترمذي من حديث أنس وقال: حسن غريب، انتهى، ورجاله موثقون. (¬2) والطمر: بكسر الطاء المهملة الثوب الخلق، ولا يؤبه له: أي لا يبالي به، ولا يلتفت إليه لحقارته. 5055 - قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ألا إن عيبتي التي آوي اليها: أهل بيتي، وإنّ كرشي: الأنصار، فاعفوا عن مُسيئهم، واقبلوا من محسنهم". (صحيح). قلت: رواه الترمذى في المناقب من حديث أبي سعيد الخدري وقال: حسن، انتهى. وفي سنده عطية العوفي وقد تقدم القول في ضعفه. وعيبتي وكرشي تقدم تفسيرهما في فصل الصحاح من حديث أنس. (¬3) 5056 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يبغض الأنصار أحد يؤمن بالله واليوم الآخر". (صحيح). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3852) وهو على شرط مسلم، وفيه عنعنة أبي الزبير، انظر: هداية الرواة (5/ 487). (¬2) أخرجه الترمذي (3854) وصححه الحاكم (3/ 292) ووافقه الذهبي. (¬3) أخرجه الترمذي (3904) وإسناده ضعيف، فيه عطية العوفي وهو ضعيف كما سبق.

قلت: رواه الترمذي فيه من حديث ابن عباس وقال: حسن صحيح. (¬1) 5057 - قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أقرىء قومك السلام، فإنهم -ما علمت- أعِفّة صُبُر". قلت: رواه الترمذي فيه من حديث أنس عن أبي طلحة يرفعه وقال: حسن غريب انتهى. وفي سنده محمد بن ثابت البناني، قال البخاري: فيه نظر، وقال أبو داود وغيره: ضعيف. (¬2) 5058 - قال: أن عبدًا لحاطب جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يشكو حاطبًا، فقال: يا رسول الله ليدخلن حاطب النار، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كذبت، لا يدخلها، فإنه شهد بدرًا والحديبية". قلت: هذا الحديث أخرجه مسلم في فضائل حاطب من حديث جابر ولم يخرجه البخاري ورواه الترمذي في المناقب فكان من حق الشيخ أن يذكره في الصحاح. (¬3) 5059 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تلا هذه الآية: {وإن تتولوا يستبدل قومًا غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} قالوا: يا رسول الله! من هؤلاء الذين إن تولينا استُبدلوا بنا، ثم لا يكونوا أمثالنا؟ فضرب على فخذ سلمان الفارسي ثم قال: "هذا وقومه، ولو كان الدين عند الثريا لتناوله رجال من الفرس". قلت: رواه الترمذي في التفسير من حديث شيخ من أهل المدينة عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة وقال: غريب، وفي إسناده مقال (¬4)، ورواه من حديث عبد الله بن جعفر عن ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3906) وإسناده فيه حبيب بن أبي ثابت وهو ثقة فقيه جليل، وكان كثير الإرسال والتدليس، انظر: التقريب (1092)، وقد عنعنه، وله شاهد عند مسلم من رواية أبي هريرة (76). (¬2) أخرجه الترمذي (3903) وإسناده ضعيف ولا تغتر بتصحيح الحاكم له في المستدرك (4/ 79)، وأخرجه أحمد (3/ 150). لأن فيه: محمد بن ثابت البناني، قال عنه الحافظ في التقريب (5804): ضعيف. (¬3) أخرجه مسلم (2195)، والترمذي (3864). (¬4) أخرجه الترمذي (3261) وإسناده ضعيف. لأن عبد الله بن جعفر بن نجيح هو والد علي بن المديني. وهو ضعيف.

باب ذكر اليمن والشام وذكر أويس القرني -رضي الله عنه-

العلاء نحوه، ولم يذكر تلاوة الآية، وأوله: قال ناس من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- من هؤلاء الذين ذكر الله إن تولينا ... الحديث، وعبد الله بن جعفر: ضعفوه. 5060 - قال: ذكرت الأعاجم عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لأنابهم أو ببعضهم أوثق مني بكم أو ببعضكم". قلت: رواه الترمذي في المناقب (¬1) وقال: غريب لا نعرفه، إلا من حديث أبي بكر بن عياش عن صالح بن أبي صالح مولى عمرو بن حرب عن أبي هريرة، وأبو بكر روى له البخاري وأصحاب السنن، وصالح بن أبي صالح عن أبي هريرة قال النسائي: مجهول. باب ذكر اليمن والشام وذكر أويس القرني -رضي الله عنه- من الصحاح 5061 - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن رجلًا يأتيكم من اليمن يقال له: أويس، لا يدع باليمن غير أم له، قد كان به بياض، فدعا الله فأذهبه، إلا موضع الدينار أو الدرهم، فمن لقيه منكم فليستغفر لكم". قلت: رواه [مسلم] في المناقب من حديث عمر بن الخطاب، ولم يخرجه البخاري (¬2)، وأويس هذا: أويس بن عامر القرني بفتح القاف والراء، وهو بطن من مراد وهو قرن ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3932) وإسناده ضعيف. وأبو بكر بن عياش الكوفي، قال الحافظ: ثقة عابد إلا أنه لا كبر ساء حفظه وكتابه صحيح. انظر: التقريب (8042).= = وصالح بن أبي صالح الكوفي، مولى عمرو بن حريث واسم أبيه مهران، قال الحافظ: ضعيف، انظر: التقريب (2883)، وقال الذهبي: صالح بن أبي صالح الكوفي عن أبي هريرة، وعنه أبو بكر بن عياش، واهٍ. انظر: الكاشف (1/ 496). (¬2) أخرجه مسلم (2542).

بن رومان بن ناجية بن مراد، هذا هو الصواب، وقد غلط الناس الجوهري حيث نسبه إلى قرن المنازل الجبل المعروف ميقات الإحرام لأهل نجد، قال النووي (¬1): وهو غلط فاحش. 5062 - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن خير التابعين رجل يقال له: "أويس، وله والدة، وكان به بياض فمروه فليستغفر لكم". قلت: رواه مسلم في المناقب من حديث عمر أيضًا، ولم يخرجه البخاري (¬2)، وهذا الحديث فيه التصريح بأن أويسًا القرني خير التابعين فإن قيل: فما وجه قول أحمد وغيره: إن أفضل التابعين سعيد بن المسيب؟ والجواب: أن مرادهم أن سعيدًا أفضل في العلوم الشرعية كالتفسير والحديث والفقه لا مطلقًا عند الله (¬3). 5063 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أتاكم أهل اليمن، هم أرق أفئدة، وألين قلوبًا، الإيمان يمان، والحكمة يمانية، والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل، والسكينة والوقار في أهل الغنم". قلت: رواه الشيخان: البخاري في المغازي، ومسلم في الإيمان كلاهما (¬4) من حديث شعبة بن الحجاج عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة. وقد اختلفوا في أهل اليمن الذين نسب إليهم ذلك، فقيل أهل مكة، وقيل المدينة فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قاله في تبوك ومكة والمدينة بينه وبين اليمن، وذهب كثير إلى أن المراد الأنصار لأنهم يمانيون في الأصل، والظاهر غير ذلك وأن المراد أهل اليمن حقيقة من غير تأويل، وهو حكاية حالهم أول الإيمان. ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (16/ 142). (¬2) أخرجه مسلم (2542). (¬3) انظر: المنهاج للنووي (16/ 142). (¬4) أخرجه البخاري (4388)، ومسلم (52).

قوله -صلى الله عليه وسلم-: أرق أفئدة وألين قلوبًا المشهور أن الفؤاد هو القلب، فعلى هذا يكون ذكر القلب مرتين بلفظين، وقيل: الفؤاد غير القلب، فقيل: باطن القلب، وقيل: غشاء القلب، وأما وصفها بالرقة واللين فمعناه أنها ذات خشية واستكانة، سريعة الاستجابة والتأثر بقوارع التذكير، سالمة من الغلظ والشدة والقسوة. وأما الحكمة: فقال ابن الصلاح: قد صفا لنا منها أنها عبارة عن العلم المتصف بالأحكام، المشتمل على المعرفة بالله تعالى المصحوب بنفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق والعمل به، والصد عن اتباع الهوى والباطل، والحكيم من له ذلك. قوله -صلى الله عليه وسلم- يمان ويمانية: هو بتخفيف الياء عند جماهير أهل العربية لأن الألف المزيدة هي عوض عن ياء النسب المشددة، ولا يجمع بينهما، وعن المبرد وغيره: التشديد لغة، والسكينة: الطمأنينة والسكون على خلاف ما ذكر في أصل صفة الفدادين (¬1). 5064 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "رأس الكفر نحو المشرق، والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل والفدّادين أهل الوبر، والسكينة في أهل الغنم". قلت: رواه البخاري في كتاب بدء الخلق في باب "خير مال المسلم غنم" ومسلم في الإيمان (¬2) كلاهما من حديث أبي الزناد عن الأعرج أبي هريرة، وقال مسلم: الفدادين من غير واو، والبخاري بواو، وبها روي، وسيأتي تفسير الفدادين في الحديث بعده. 5065 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ههنا جاءت الفتن، نحو المشرق، والجفاء وغِلَظ القلوب في الفدّادين أهل الوبر: عند أصول أذناب الإبل والبقر، في ربيعة ومضر". قلت: رواه الشيخان واللفظ للبخاري في كتاب بدء الخلق، ومسلم في الإيمان (¬3) من حديث أبي مسعود عقبة الأنصاري. ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (16/ 43 - 46)، وأعلام الحديث للخطابي (3/ 1780)، وشرح السنة للبغوي (14/ 203). (¬2) أخرجه البخاري (3301)، ومسلم (52). (¬3) أخرجه البخاري (3498)، ومسلم (51).

والفدّادين: بتشديد الدال بدالين، أولهما مشددة وهذا قول جمهور أهل اللغة والحديث وهو من الفديد وهو الصوت الشديد فهم الذين تعلوا أصواتهم على إبلهم وخيلهم وحرثهم وغير ذلك، وقال ابن المثنى: هم المكثرون من الإبل، وأغرب أبو عمرو الشيباني فزعم أنه بتخفيف الدال وهو جمع فدّاد بتشديد الدال وهو عبارة عن البقر التي يحرث عليها وعلى هذا فالمراد أصحابها، والصواب الأول (¬1). قوله -صلى الله عليه وسلم-: "والجفاء وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل" معناه الذين لهم جلبة وصياح عند سوقهم لها. وقوله: "في ربيعة ومضر" بدل من الفدادين. 5066 - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "غلظ القلوب والجفاء في المشرق، والإيمان في أهل الحجاز". قلت: رواه مسلم في الإيمان من حديث جابر، ولم يخرج البخاري عن جابر في هذا شيئًا. (¬2) 5067 - قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا"، قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا؟ فأظنه قال الثالثة: "هناك الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان". قلت: رواه البخاري في الفتن وفي الاستسقاء والترمذي في الفتن (¬3) كلاهما من حديث ابن عون، واسمه عبد الله عن نافع عن ابن عمر، قال الجوهري (¬4): ونجد من بلاد العرب هو خلاف الغَوْر، والغور: هو تهامة، وكل ما ارتفع من تهامة إلى أرض العراق فهو نجد، وهو مذكر، وقرن الشيطان: جانب رأسه، وقيل: شيعته من الكفار. ¬

_ (¬1) انظر: المنهاج للنووي (16/ 45). (¬2) أخرجه مسلم (53). (¬3) أخرجه البخاري (7094)، والترمذي (3953). (¬4) انظر: الصحاح للجوهري (2/ 542).

من الحسان

من الحسان 5068 - عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نظر قبل اليمن، فقال: "اللهم أقبل بقلوبهم، وبارك لنا في صاعنا ومدّنا". قلت: رواه الترمذي في فضل اليمن من حديث أنس عن زيد بن ثابت وقال: حسن صحيح غريب. (¬1) 5069 - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "طوبي للشام"، قلنا: لأي ذلك يا رسول الله؟ قال: "لأن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليها". قلت: رواه الترمذي في المناقب، بعد ذكر ثقيف وبني حنيفة من حديث زيد بن ثابت وقال: حسن غريب، انتهى. وسنده سند الصحيحين إلا عبد الرحمن بن شماسة فإنه لم يخرج له البخاري، ورواه ابن حبان، وقال ابن شماسة من ثقات أهل مصر. (¬2) 5070 - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ستخرج نار من نحو حضرموت تحشر الناس"، قلنا: يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال: "عليكم بالشام". قلت: رواه الترمذي في الفتن من حديث ابن عمر بن الخطاب وقال: حسن غريب صحيح. (¬3) 5071 - قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنها ستكون هجرة بعد هجرة، فخيار الناس إلى مهاجر إبراهيم"، عليه السلام. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3934). وإسناده حسن من أجل عمران بن دَاوَر القطّان وهو صدوق يهم ورمي برأي الخوارج انظر: التقريب (5189)، وأخرجه أحمد (5/ 185). (¬2) أخرجه الترمذي (3954)، وابن حبان (7304)، وكذلك أخرجه أحمد (5/ 184) وإسناده حسن. وعبد الرحمن بن شِماسَة المصري: ثقة: انظر: التقريب (3920). (¬3) أخرجه الترمذي (2217) وإسناده صحيح، وكذلك أحمد (2/ 119).

وفي رواية: "فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجَرَ إبراهيم، ويبقى في الأرض شرار أهلها، تلفظهم أرضوهم، تقذرهم نفس الله، تحشرهم النار مع القردة والخنازير، تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا". قلت: رواه أبو داود في الجهاد (¬1) من حديث شهر بن حوشب عن عبد الله ابن عمرو بن العاص، وشهر بن حوشب قد تكلم فيه غير واحد، ولم أر في أصول أبي داود رواية "فخيار الناس" بل إنما فيها "فخيار أهل الأرض" وليس فيها هذه الزيادة "وهي تبيت معهم" إلى آخره، وقد روى الحديث المصنف في شرح السنة مطولًا بهذه الزيادة وغيرها من حديث شهر بن حوشب أيضًا. قوله في الحديث: "سيكون هجرة بعد هجرة" قال الخطابي (¬2): الهجرة الثانية هي الهجرة إلى الشام يرغب فيها خيار الناس. قوله: "تقذرهم نفس الله" تأويله: أن الله يكره خروجهم إليها، ومقامهم بها، فلا يوفقهم لذلك، فصاروا بالرد كالشيء تقذره نفس الإنسان فلا تقبله، وهذا مثل قوله تعالى {ولكن كره الله انبعاثهم فثبّطهم}. 5072 - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سيصير الأمر أن تكونوا جنودًا مجندة: جند بالشام، وجند باليمن، وجند بالعراق"، فقال ابن حوالة: خِرْ لي يا رسول الله! إن أدركت ذلك؟، قال: "عليك بالشام، فإنها خيرة الله من أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده، فأما إن أبيتم، فعليكم بيمنكم، واسقوا من غُدُركم، فإن الله عز وجل توكّل لي بالشام وأهله". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2482) وإسناده ضعيف في إسناده شهر بن حوشب، والبغوي في "شرح السنة" (14/ 208 - 209) رقم (4008)، وشهر بن حوشب: صدوق، كثير الإرسال والأوهام، انظر: التقريب (2846)، وأخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 510) وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. (¬2) انظر: معالم السنن (2/ 204)، وشرح السنة للبغوي (14/ 210).

باب ثواب هذه الأمة

قلت: رواه أبو داود من حديث ابن حوالة في الجهاد (¬1) وسكت عليه، واسم ابن حوالة: عبد الله، قال المنذري (¬2): وقد روي هذا الحديث من حديث واثلة بن الأسقع، ومن حديث أبي الدرداء والعرباض بن سارية وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عباس وغيرهم (¬3)، والمحفوظ حديث عبد الله ابن حوالة، وحواله: بفتح الحاء المهملة والواو المفتوحة وبعد الألف لام مفتوحة وتاء تأنيث. قوله -صلى الله عليه وسلم- "من غدركم" الغدر: بضم الغين المعجمة وضم الدال المهملة جمع غدير وهي القطعة من الماء يغادرها أي يتركها السيل وهو فعيل بمعنى فاعل، لأنه يغدر بأهله، أي ينقطع عند شدة الحاجة إليه. باب ثواب هذه الأمة من الصحاح 5073 - عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم، ما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس، وإنما مَثَلُكم ومثل اليهود والنصارى، كرجل استعمل عمّالًا، فقال: من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط؟ فعملت اليهود إلى نصف النهار على قيراط قيراط، ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط؟ فعملت النصارى من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط، ثم قال: من يعمل لي من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2483) وإسناده صحيح بطرقه. وفي إسناده بقية بن الوليد وهو يدلّس، وقد عنعن، وبقية رجاله ثقات. وأخرجه أحمد (4/ 110)، والطبراني في مسند الشاميين (1172). (¬2) انظر: مختصر سنن أبي داود للمنذري (3/ 356) وذكر هذا الكلام في الحاشية. (¬3) أورد أحاديثهم الهيثمي في "المجمع" (10/ 59) وفي كل منها مقال.

قيراطين؟ ألا فأنتم الذين تعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس، ألا لكم الأجر مرتين، فغضبت اليهود والنصارى، فقالوا: نحن أكثر عملًا وأقل عطاء؟ قال الله تعالى: وهل ظلمتكم من حقكم شيئًا؟ قالوا: لا، قال الله: فإنه فضلي أعطيه، من شئت". قلت: رواه البخاري في ذكر بني إسرائيل من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب. (¬1) 5074 - عن أبي هريرة قال: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أشدّ أمتي لي حبًّا: ناس يكونون بعدي، يود أحدهم لو رآني بأهله وماله". قلت: رواه مسلم في صفة الجنة من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (¬2) 5075 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن من عباد الله: من لو أقسم على الله لأبره". قلت: رواه الشيخان (¬3) من حديث طويل يتضمن أن الربيع عمة أنس جنت على ثنية جارية ... الحديث. البخاري في التفسير وفي باب الصلح في الدية من كتاب الصلح ومسلم في الحدود وأبو داود في الديات والنسائي في القصاص وفي المناقب وابن ماجه في الديات كلهم من حديث أنس وقد تقدمت قطعة منه نبهت في الكلام عليها على ما وقع في الاختلاف بين الشيخين، وأن الصواب ما رواه البخاري. 5076 - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله، وهم على ذلك". قلت: رواه البخاري في علامات النبوة وفي التوحيد ومسلم في الجهاد كلاهما من حديث عمير بن هانئ عن معاوية. (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3459). (¬2) أخرجه مسلم (2832). (¬3) أخرجه البخاري في التفسير (4500)، وفي الجهاد (2806)، وفي التفسير أيضًا (4611)، ومسلم (1675)، وأبو داود (4595)، وابن ماجه (2649)، والنسائي (8/ 27). (¬4) أخرجه البخاري في المناقب (3641)، وفي فرض الخمس (3116)، وفي التوحيد (7460)، وفي العلم (71)، ومسلم (1037)، وفي كتاب الإمارة (3/ 1524).

من الحسان

والمراد بقوله -صلى الله عليه وسلم-: حتى يأتي أمر الله، هو الريح التي تأتي فتأخذ روح كل مؤمن ومؤمنة، وقد جاء "حتى تقوم الساعة" أي تقرب الساعة وهو خروج الريح. قال البخاري: هم أهل العلم، وقال أحمد: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أعرف من هم؟ (¬1). قال القاضي عياض (¬2): إنما أراد أحمد أهل السنة والجماعة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث، وفي هذا الحديث دليل على أن الإجماع حجة وهو أصح ما يستدل به له، وأما حديث: "لا تجتمع أمتي على ضلالة " فضعيف (¬3). من الحسان 5077 - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مثل أمتي مثل المطر، لا يدرى أوله خير أم آخره؟ ". قلت: رواه الإمام أحمد في مسنده والترمذي في الأمثال كلاهما من حديث حماد بن يحيى الأبح عن ثابت عن أنس يرفعه (¬4) وليس في شيء من الكتب الستة، حماد الأبح عن ثابت عن أنس غير هذا الحديث، وقال فيه الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه، ¬

_ (¬1) انظر: شرح السنة للبغوي (14/ 213)، والمنهاج للنووي (13/ 97). (¬2) انظر: إكمال المعلم (6/ 350). (¬3) هذا كلام النووي في المنهاج (13/ 98)، وذكر في الحاشية بخط مغاير وبدون تخريج حديث: عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "وددت أني قد رأيت إخواننا"، قالوا: يا رسول الله! ألسنا إخوانك؟ قال: "بل أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد، فرطهم على الحوض". قلت: وأخرجه مسلم (249)، وأحمد (2/ 300)، والنسائي (1/ 93)، ومالك في الموطأ (1/ 28). (¬4) أخرجه أحمد (2/ 130)، والترمذي (2869)، والعقيلي في الضعفاء (1/ 309)، والقضاعي (1352)، وقد صححه ابن حبان (7226)، والحافظ في الفتح (7/ 4 - 5). وقال: وهو حديث حسن له طرق قد يرتقي بها إلى الصحة. وخرّجه الشيخ الألباني -رحمه الله- مفصلًا في الصحيحة (2286).

وفي سنده: حماد بن يحيى الأبح روى له الترمذي خاصة، وقال: وروي عن عبد الرحمن بن مهدي أنه كان يثّبت حماد بن يحيى الأبَحّ وكان يقول: هو من شيوخنا انتهى كلام الترمذي، وقد ذكره البخاري أيضًا من حديث حميد ويونس عن الحسن مرسلًا ورواه أيضًا عبد الرحمن عن زياد أبي عمر عن الحسن عن عمار ابن ياسر مرفوعًا، وعبيد بن سلمان الأغر ذكره البخاري في الضعفاء، وقال أبو حاتم: لا أعلم في حديثه إنكارًا، يحول من كتاب الضعفاء الذي ألفه البخاري، وذكره ابن حبان في الثقات (¬1). والله أعلم. وله الحمد والمنة. قال مصنفه سيدنا ومولانا قاضي قضاة المسلمين واحد زمانه، ملك العلماء بالديار المصرية أعز الله به الدين ونفع به المسلمين، أبو عبد الله محمد السلمي الشافعي: هذا آخر ما وفق الله الكريم من تخاريج أحاديث المصابيح على سبيل الاختصار والإيجاز، ولله الحمد، وبه التوفيق ولا حول ولا قوة إلا بالله. الحمد لله أولًا وآخرًا، وباطنًا وظاهرًا، حمدًا يوافي نعمه، ويكافىء مزيده، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته، كما صليت على إبراهيم ¬

_ (¬1) حماد بن يحيى الأبح، أبو بكر، قال الحافظ: صدوق يخطيء، وقد قال الذهبي: ثقة، وقال الإمام أحمد: صالح الحديث، وقال مرة: ما أرى به بأس. انظر: العلل ومعرفة الرجال (2/ رقم 3114، و 3274)، والجرح والتعديل (3/ 152)، وثقات ابن حبان (6/ 221) وقال: يخطيء ويهم، وتهذيب الكمال (7/ 292 - 296)، والكاشف (1/ 350)، والتقريب (1517). ولقد وافق الفراغ من تحقيق الكتاب ضحى يوم الأحد /14/ من شهر رمضان المبارك سنة 1424 هـ بمدينة الرياض، حي الريان، وأسأله سبحانه أن يجعل عملي هذا خالصًا لوجهه الكريم ويجعله في ميزان حسناتي وحسنات والديّ ومشايخي، وأسأل الله النفع بما فيه، وأن يجعله حجة لنا برحمته، والحمد لله وحده وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أبو أحمد محمد إسحاق محمد إبراهيم آل إبراهيم.

إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آله، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد. الحمد لله رب العالمين حسبنا الله ونعم الوكيل، وكان الفراغ منه في أول يوم من جمادى الأولى، سنة أربع وتسعين وسبعمائة، أحسن الله خاتمتها، جعله الله خالصًا لوجهه، ونفعنا بذلك، إنه حسبنا ونعم الوكيل. كان الفراغ من هذه النسخة يوم الأحد المبارك بعد صلاة الظهر عشر من شهر الله المحرم من سنة سبع وتسعين وسبعمائة، والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم حسبنا الله ونعم الوكيل.

أجوبة الحافظ ابن حجر العسقلاني عن أحاديث المصابيح

أجوبة الحافظ ابن حجر العسقلاني عن أحاديث المصابيح

بسم الله الرحمن الرحيم رب افتح بخير، واختم بخير في عافية، آمين الحمد لله رب العالمين، وصلاته وسلامه على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه أوراق مباركة تشتمل على سؤال عن أحاديث رميت بالوضع، اشتمل عليها كتاب "المصابيح" للإمام -محيي السنة- البغوي رحمه الله، سئل عنها شيخنا الإمام خاتمة الحفاظ، قاضي القضاة شهاب الدين أحمد، الشهير بابن حجر، تغمَّده الله برحمته. ثم على جوابه عنها، وقف عليه العبد الضعيف (¬1) بخطه الشريف ومنه نقلت. صورة السؤال: "ما تقول السادة العلماء أئمة الدين رضي الله عنهم أجمعين في الأحاديث التي استخرجها الشيخ الإمام القاسم سراج الملَّة والدين أبو حفص عمر بن علي ابن عمر القزويني رحمه الله من كتاب "المصابيح" للإمام محيي السنة تغمَّده الله بغفرانه، وقال: إنها موضوعة. والأول منها في "باب الإيمان بالقدر". وقال: "فيه حديثان موضوعان". ¬

_ (¬1) هو العلامة أبو عبد الله شمس الدين محمد بن محمد الحنفي الحلبي الشهير بابن أمير حاج صاحب: "التقرير والتحبير" شرح "التحرير" للكمال ابن الهمام في أصول الفقه، و"ذخيرة القصر في تفسير سورة العصر" و "حلية المجلي" شرح "منية المصلي" للعلامة إبراهيم الحلبي، ولد سنة 825 هـ وتوفي سنة 879هـ. وهو غير ابن الحاج العبدري، المالكي مذهبًا، الفاسي مولدًا، صاحب "المدخل في إنكار البدع"، فهذا متقدم على ابن أمير حاج الحنفي. توفي سنة 737 هـ.

الأول: قوله: "صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: المرجئة، والقدرية" (¬1)، غريب. والثاني: قوله: "القدرية مجوس هذه الأمة، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم" (¬2). وفي "باب التطوع: صلاة التسبيح" (¬3) موضوعة، قال الإمام أحمد بن حنبل، وكثير من الأئمة. وفي "باب البكاء على الميت" حديث موضوع، وهو قوله: "من عزَّى مصابًا فله مثل أجره" (¬4). وفي "كتاب الحدود" حديث موضوع، وهو قوله: "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم، إلا الحدود" (¬5). وفي "باب الترجل" حديث موضوع، وهو قوله: "يكون في آخر الزمان قوم يخضبون بهذا السواد كحواصل الحمام، لا يجدون رائحة الجنة" (¬6). وفي "باب التصاوير" حديث موضوع، وهو قوله: "رأى رجلًا يتبع حمامة فقال: شيطان يتبع شيطانة" (¬7). ¬

_ (¬1) حديث رقم (83). (¬2) حديث رقم (85). (¬3) حديث رقم (947). (¬4) حديث رقم (1249). (¬5) حديث رقم (2708). (¬6) حديث رقم (3572). (¬7) حديث رقم (3614).

وفي "كتاب الآداب" حديث موضوع، وهو قوله: "إذا كتب أحدكم كتابًا فليتربه فإنه أنجح للحاجة" (¬1)، هذا منكر. وفي "باب حفظ اللسان والغيبة" حديث موضوع، وهو قوله: "لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك" (¬2)، غريب. وفي "باب المفاخرة والعصبية" حديث موضوع، وهو قوله: "حبك الشيء يعمي ويصم" (¬3). وفي "باب الحب في الله ومن الله" حديث موضوع، وهو قوله: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" (¬4)، غريب. وفي "باب الحذر والتأني" حديث موضوع، وهو قوله: "لا حليم إلا ذو عثرة، ولا حكيم إلا ذو تجربة" (¬5). وفي "باب الرفق والحياء وحسن الخلق" حديث موضوع، وهو قوله: "المؤمن غرّ كريم، والفاجر خبّ لئيم" (¬6). وفي "باب فضل الفقر، وما كان فيه من عيش النبي -صلى الله عليه وسلم-" حديث موضوع, وهو قوله: "اللهم أحيني مسكينًا، وأمتني مسكينًا، واحشرني في زمرة المساكين" (¬7). ¬

_ (¬1) حديث رقم (3737). (¬2) حديث رقم (3921). (¬3) حديث رقم (3954). (¬4) حديث رقم (4040). (¬5) حديث رقم (4069). (¬6) حديث رقم (4095). (¬7) حديث رقم (4193).

وفي "باب الملاحم" حديث موضوع، وهو قوله: "إن الناس يمصِّرون أمصارًا، وإن مصرًا منها يقال له البصرة، فإن أنت مررت بها أو دخلتها فإياك وسباخها وكلأها ونخيلها وسوقها، وباب أرائها" (¬1)، الحديث. وفي "باب مناقب علي ابن أبي طالب كرَّم الله وجهه" ثلاثة أحاديث موضوعة: أحدها: قوله: "اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير" (¬2)، فجاء علي وأكل معه، غريب. قال ابن الجوزي: هذا حديث موضوع. وقال الحاكم أبو عبد الله: إنه ليس بموضوع 2/ 2. والثاني: قوله: "أنا دار الحكمة وعليٌّ بابها" (¬3). قال محيي السنة: هذا حديث غريب لا يعرف عن أحد من الثقات غير شريك، وإسناده مضطرب، وقال ابن الجوزي: هذا حديث موضوع "ذكره في" الموضوعات. والثالث: "يا علي لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك" (¬4) , والله أعلم بالصواب. أفتونا أثابكم الله تعالى. ¬

_ (¬1) حديث رقم (4338). (¬2) حديث رقم (4918). (¬3) حديث رقم (4920). (¬4) حديث رقم (4922).

صورة الجواب: بِسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم الحمد لله، وسلامه على عباده الذين اصطفى. أما بعد: فإن الفقير إلى عفو الله الحليم الكريم، وقف على هذا السؤال، وتصدَّى للجواب عمَّا تضمنته دعوى الحافظ سراج الدين القزويني تغمَّده الله برحمته، من أن الأحاديث المذكورة موضوعة، ولو نقل لنا السائل لفظه لكان أولى، ولكن أقول بعون الله تعالى: إن أكثر هذه الأحاديث لا يطلق عليه وصف الوضع، لعدم وجود شرط الحكم على الحديث بكونه موضوعًا. وها أنا ذا أوضح ذلك مفصلًا، بعد أن أذكر كلام أئمة الحديث في الموضوع، وبيان العلامة التي إذا وجدت جاز الحكم عليه بالوضع. قرىء على المسند الكبير أبي الحسن علي بن محمد بن أبي المجد بقراءة شيخ النحاة الإمام محب الدين بن هشام، وأنا أسمع عن محمد بن يوسف بن عبد الله بن المهتار قال: أخبرنا العلامة أبو عمرو تقي الدين عبد الرحمن الشهرزوري الشهير بابن الصلاح في كتابه "علوم الحديث" قال: ويعرف الوضع بإقرار واضعه، أو ما يتنزل منزلة الإقرار، وبركاكة لفظه ومعناه. وزاد غيره: بأن ينفرد به راوٍ كذاب عندهم، ولا يوجد ذلك الحديث عند غيره. وأن يكون منافيًا لما ثبت في دين الإسلام بالضرورة، فينفيه ذلك الخبر وهو ثابت، أو يثبته وهو ينفي.

وهذه العلامات دلالتها على الموضوع (¬1) متفاوتة، والأغراض الحاملة للوضع عند ذلك مختلفة. وإذا تقرر ذلك، عدت إلى بيان حكم كل حديث ادعى الحافظ المذكور أنه موضوع على ترتيب ما وقع في هذا السؤال بعون الملك الكبير المتعال. الحديث الأول: حديث: "صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: المرجئة والقدرية" (¬2). قلت: أخرجه الترمذي وابن ماجه، ومداره على نزار بن حبان عن عكرمة عن ابن عباس، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب". ونزار هذا، بكسر النون وتخفيف الزاي، وآخره راء، ضعيف عندهم، ورواه عنه ابنه علي بن نزار، وهو ضعيف، لكن تابعه (¬3) القاسم بن حبيب. وإذا جاء الخبر من طريقين كل منهما ضعيف، قوي أحد الطريقين بالآخر، ومن ثَمَّ حسَّنه الترمذي. ووجدنا له شاهدًا من حديث جابر، ومن طريق ابن عمر، ومن طريق معاذ وغيرهم، وأسانيدها ضعيفة، ولكن لم يوجد فيه علامة الوضع، إذ لا يلزم من نفي الإسلام عن الطائفتين إثبات كفر (¬4) من قال بهذا الرأي، لأنه يحمل على نفي الإيمان الكامل، أو المعنى أنه اعتقد اعتقاد الكافر، لإرادة المبالغة في التنفير من ذلك، لا حقيقة الكفر، وينصره أنه وصفهم بأنهم من أمته. ¬

_ (¬1) في الأصل: (الموضع). (¬2) حديث رقم (83). (¬3) في الأصل: (بايعه). (¬4) في الأصل: (يكفر).

الحديث الثاني: "القدرية مجوس هذه الأمة" (¬1). قلت: أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه، كلهم من طريق عبد العزيز ابن أبي حازم (3/ 2) عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. قال الترمذي: "حسن" وقال الحاكم بعد تخريجه: "صحيح الإسناد". قلت: ورجاله من رجال الصحيح، لكن في سماع [ابن] أبي حازم هذا -واسمه سلمة ابن دينار- عن ابن عمر نظر، وجزم المنذري بأنه لم يسمع منه. وقال أبو الحسن بن القطان: قد أدركه وكان معه بالمدينة، فهو متصل على رأي مسلم. قلت: وهذا الإسناد أقوى من الأول، وهو من شرط الحسن، ولعل مستند من أطلق عليه الوضع تسميتهم المجوس وهم مسلمون، وجوابه: أن المراد أنهم كالمجوس في إثبات فاعلين، لا في جميع معتقد المجوس، ومن ثم ساغت إضافتهم إلى هذه الأمة (¬2). الحديث الثالث: حديث صلاة التسابيح (¬3). أما نقله عن الإمام أحمد، ففيه نظر، لأن النقل عنه اختلف، ولم يصرح أحد عنه بإطلاق الوضع على هذا الحديث، وقد نقل الشيخ الموفق بن قدامة عن أبي بكر الأثرم قال: سألت أحمد عن صلاة التسبيح؟ فقال: لا يعجبني، ليس فيها شيء صحيح، ونفض يده كالمنكر. قال الموفق: لم يثبت أحمد الحديث فيها، ولم يرها مستحبة، فإن فعلها إنسان فلا بأس. قلت: وقد جاء عن أحمد أنه رجع عن ذلك، فقال علي بن سعيد النسائي: سألت أحمد عن صلاة التسبيح؟ فقال: لا يصح فيها عندي شيء. ¬

_ (¬1) حديث رقم (85). (¬2) في الأصل: (إلا في). (¬3) حديث رقم (947).

قلت: المستمِر بن الريان عن أبي الحريراء عن عبد الله بن عمرو؟ فقال: من حدثك؟ قلت: مسلم بن إبراهيم، قال: المستمر ثقة، وكأنه أعجبه. انتهى. فهذا النقل عن أحمد يقتضي أنه رجع إلى استحبابها. وأما ما نقله عنه غيره، فهو معارض بمن قوي الخبر فيها، وعمل بها. وقد اتفقوا على أنه لا يعمل بالموضوع، وإنه يعمل بالضعيف في الفضائل، وفي الترغيب والترهيب، وقد أخرج حديثها أئمة الإسلام وحفاظه: أبو داود في "السنن" والترمذي في "الجامع" وابن خزيمة في "صحيحه"، لكن قال: إن ثبت الخبر، والحاكم في "المستدرك" وقال "صحيح الإسناد" والدارقطني أفردها بجميع طرقها في جزء، ثم فعل ذلك الخطيب، ثم جمع طرقها الحافظ أبو موسى المديني في جزء سماه "تصحيح صلاة التسابيح". وقد تحصل عندي من مجموع طرقها عن عشرة من الصحابة من طرق موصولة وعن عدة من التابعين من طرق مرسلة. قال الترمذي في "الجامع". باب "ما جاء في صلاة التسابيح" فأخرج حديثًا لأنس في مطلق التسبيح في الصلاة، زائدًا على أحاديث الذكر في الركوع والسجود، ثم قال: "وفي الباب عن عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو، والفضل بن عباس وأبي رافع". وزاد شيخنا أبو الفضل بن العراقي الحافظ، أنه ورد أيضًا من حديث عبد الله ابن عمر بن الخطاب، وزدت عليهما فيما أمليته من تخريج الأحاديث الواردة في الأذكار للشيخ محيي الدين النووي عن العباس بن عبد المطلب، وعن علي بن أبي طالب، وعن أخيه جعفر بن أبي طالب، وعن ابنه عباس بن جعفر، وعن أُم المؤمنين أُم سلمة، وعن الأنصاري غير مسمى. وقال الحافظ المزي: يقال: إنه جابر. فهؤلاء عشرة أنفس، وزيادة أم سلمة والأنصاري، وسوى حديث أنس الذي أخرجه الترمذي. وأما من رواه مرسلًا، فجاء عن محمد بن كعب القرظي، وأبي الجوزاء، ومجاهد وإسماعيل بن رافع، وعروة بن رويم، ثم روي عنهم مرسلًا كما روي عن بعضهم

موصولًا. فأما حديث ابن عباس فجاء عنه من طرق، أقواها ما أخرجه أبو داود، وابن ماجه، وابن خزيمة، وغيرهم، من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة عنه، وله طرق أخرى عن ابن عباس من رواية عطاء وأبي الجوزاء وغيرهما عنه. وقال مسلم فيما رواه الخليل في "الإرشاد" بسنده عنه: "لا يروى في هذا الحديث إسناد أحسن من هذا". وقال أبو بكر بن أبي داود عن أبيه: "ليس في صلاة التسبيح حديث صحيح غيره". وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص، أخرجه أبو داود في "السنن" من طريق أبي الجوزاء: حدثني رجل له صحبة يرونه أنه عبد الله بن عمرو، وأخرجه ابن شاهين في "الترغيب" من طريق عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو عن أبيه عن جده. وحديث الفضل، ذكره أبو نعيم الأصفهاني في كتابه "قربان المتقين". وحديث أبي رافع أخرجه الترمذي وابن ماجه، وقبيلهما أبو بكر ابن أبي شيبة. وحديث عبد الله بن عمر بن الخطاب أخرجه الحاكم، وقال: "صحت الرواية أن - صلى الله عليه وسلم - علّم جعفر بن أبي طالب هذه الصلاة ". وقال أيضًا: "سنده صحيح لا غبار عليه". وأخرجه محمد بن فضيل في "كتاب الدعاء" من وجه آخر عن ابن عمر موقوفًا. وحديث العباس، أخرجه أبو نعيم في "قربان المتقين". وحديث علي؛ أخرجه الدارقطني. وحديث جعفر، أخرجه إبراهيم بن أحمد بن جعفر الخرقي في "فوائده". وحديث عبد الله بن جعفر، أخرجه الدارقطني أيضًا. وحديث أم سلمة أخرجه أبو نعيم في "قربان المتقين". وأما المراسيل، فأخرجها سعيد بن منصور، وأبو بكر بن أبي داود، والخطيب وغيرهم في تصانيفهم المذكورة، وقد جمعت طرقه مع بيان عللها وتفصيل أحوال

رواتها في جزء مفرد، وقد وقع فيه مثال ما تناقض فيه المتأولان في التصحيح والتضعيف، وهما الحاكم وابن الجوزي، فإن الحاكم مشهور بالتساهل في التصحيح، وابن الجوزي مشهور بالتساهل في دعوى الوضع كل منهما [روى] هذا الحديث، فصرح الحاكم بأنه صحيح، وابن الجوزي بأنه موضوع، والحق أنه في درجة الحسن لكثرة طرقه التي يقوى بها الطريق الأول، والله أعلم. الحديث الرابع: حديث: "من عزَّى مصابًا فله مثل أجره" (¬1). قلت: أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ورجاله رجال "الصحيحين" إلا علي بن عاصم فإنه ضعيف عندهم، قال الترمذي بعد تخريجه: "لا نعرفه مرفوعًا إلا عن علي بن عاصم". ورواه بعضهم عن محمد بن سوقة شيخ علي بن عاصم موقوفًا على عبد الله ابن مسعود، وقال الترمذي أيضًا: "أنكروه على علي بن عاصم، وعدوه من غلطه". وقال أبو أحمد بن عدي: رواه جماعة متابعة لعلي بن عاصم، سرقه بعضهم منه، وأخطأ فيه بعضهم. وأخرجه ابن عدي من حديث أنس بلفظ: "من عزَّى أخاه المسلم من مصيبته كساه الله حلَّة", وسنده ضعيف. وأخرجه أبو الشيخ في "كتاب الثواب" من حديث جابر بمعناه وأبو يعلى من حديث أبي برزة بلفظ آخر، وقد قلنا: إن الحديث إذا تعددت طرقه يقوى بعضها ببعض، وإذا قوي كيف يحسن أن يطلق عليه: إنه مختلق؟! الحديث الخامس: حديث: "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود" (¬2). قلت: أخرجه أبو داود والنسائي من حديث عائشة، وأخرجه ابن عدي من الطريق ¬

_ (¬1) حديث رقم (1249). (¬2) حديث رقم (2708).

الذي أخرجه أبو داود منه، وهو من رواية عبد الملك بن زيد من ولد محمد بن أبي بكر، عن عمرة عن عائشة وقال: "منكر بهذا الإسناد، لم يروهِ غير عبد الملك". قلت: وأخرجه النسائي من وجه آخر من رواية عطاف بن خالد عن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر عن أبيه عن عمرة، وأخرجه أيضًا من طريق آخر عن عمرة، ورجالها لا بأس بهم، إلا أنه اختلف في وصله وإرساله، فلا يتأتَّى لحديث يروى بهذه الطرق أن يسمى موضوعًا. الحديث السادس: "يكون في آخر الزمان قوم يخضبون بهذا السواد كحواصل الحمام لا يجدون رائحة الجنة" (¬1). أخرجه أبو داود والنسائي من طريق عبد الكريم عن عكرمة عن ابن عباس، ولم يقع عبد الكريم منسوبًا في "السنن" وفي طبقته آخر يسمى عبد الكريم يروي عن عكرمة. فالأول وهو ابن مالك الجزري ثقة متفق عليه، أخرج له البخاري ومسلم. والآخر هو ابن أبي المخارق وكنيته أبو أميَّة ضعيف، فجزم بأنه الجذري، الحفاظ: أبو الفضل بن طاهر، وأبو القاسم بن عساكر، والضياء أبو عبد الله المقدسي، وأبو محمد المنذري وغيرهم، وزاد أنه ورد في بعض الطرق منسوبًا كذلك. قلت: وهو مقتضى صنيع من صححه، كابن حبان، والحاكم. الحديث السابع: حديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلًا يتبع حمامةً، فقال: "شيطان يتبع شيطانًا" (¬2)، وفي رواية: "شيطانة". قلت: أخرجه أبو داود، وابن ماجه، وأحمد، وصححه ابن حبان، كلهم من طريق محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة ومحمد صدوق، في حفظه شيء، وحديثه في مرتبة الحسن، وإذا توبع بمعتبرٍ قُبل، وقد يتوقف في الاحتجاج به إذا ¬

_ (¬1) حديث رقم (3572). (¬2) حديث رقم (3614).

انفرد بما لم يتابع عليه ويخالف فيه فيكون حديثه شاذًا، لكنه لا ينحط إلى الضعف، فضلًا عن الوضع، وقد زاد بعضهم في هذا السند رجلًا، فأخرجه ابن ماجه من طريق شريك عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عائشة، ومن طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو كالأول، وهذا ليس بقادح، لأن حمادًا أضبط من شريك، ويحتمل أن يكون أبو سلمة حدَّث به على الوجهين. الحديث الثامن: "إذا كتب أحدكم كتابًا فليتربه، فإنه أنجح للحاجة" (¬1)، ثم قال: هذا منكر. قلت: أخرجه الترمذي من طريق حمزة عن أبي الزبير عن جابر، وقال: "هذا حديث منكر، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وحمزة عندي هو ابن عمرو النصيبي، وهو ضعيف في الحديث"، وقال العقيلي: هو حمزة ابن أبي حمزة، واسم أبي حمزة ميمون، وأكثر ما يجيء في الرواية: حصزة النصيبي، ضعّفوه، وقال ابن عدي وابن حبان والحاكم: "يروي الموضوعات عن الثقات". قلت: ومع ضعفه لم ينفرد به، بل تابعه أبو أحمد بن علي الكلاعي عن أبي الزبير، أخرجه ابن ماجه. قلت: فلا يتأتى الحكم عليه بالوضع مع وروده من جهة أخرى، وقد أخرجه البيهقي من طريق عمر بن أبي عمر عن أبي الزبير أيضًا. الحديث التاسع: حديث "لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك" (¬2). قلت: أخرجه الترمذي من طريق مكحول عن واثلة بن الأسقع وقال: "حديث حسن غريب، ومكحول قد سمع من واثلة". وأخرج له شاهدًا يؤدي معناه من طريق ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن واثلة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من عيّر أخاه ¬

_ (¬1) حديث رقم (3737). (¬2) حديث رقم (3921).

بذنب لم يمت حتى يعمله". وقال أيضًا: "حسن غريب". هكذا وصف كلًّا منهما بالحسن والغرابة، فأما الغرابة فلتفرد بعض رواة كل منهما عن شيخه، فهي غرابة نسبية، وأما الحسن فلاعتضاد كل منهما بالآخر، وخالف ذلك ابن حبان فقال: "لا أصل له من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -. الحديث العاشر: حديث "حبك الشيء يعمي ويصم" (¬1). أخرجه أبو داود من طريق خالد بن محمد الثقفي عن بلال بن أبي الدرداء عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا. وأخرجه أحمد أيضًا من هذا الوجه مرفوعًا وموقوفًا، والموقوف أشبه، قاله المنذري، وفي سنده أبو بكر بن أبي مريم وهو شامي صدوق، طَرَقَهُ لصوص ففزع فتغير عقله، فعدوه فيمن اختلط. ومعنى هذا الحديث أنه خبر، يراد به النهي عن اتباع الهوى، فإنه من يفعل ذلك لا يبصر قبيح ما يفعله، ولا يسمع نصح من يرشده، وإنما يقع ذلك لمن لم يفتقد أحوال نفسه، والله أعلم. الحديث الحادي عشر: حديث: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل" (¬2)، غريب. قلت: أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي، كلهم من طريق موسى بن وردان عن أبي هريرة به، وقال الترمذي: "حسن غريب"، ولفظه: "الرجل على دين خليله". وصححه الحاكم، ورجاله موثقون، إلا أن الراوي عن موسى مختلف فيه. الحديث الثاني عشر: حديث: "لا حكيم إلا ذو تجربة، ولا حليم إلا ذو عثرة" (¬3). قلت: أخرجه أحمد، والترمذي، والحاكم، من طريق عمرو بن الحارث عن دراج ¬

_ (¬1) حديث رقم (3954). (¬2) حديث رقم (4040). (¬3) حديث رقم (4069).

أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد، قال الترمذي: "حسن غريب" وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". قلت: وقد صحح ابن حبان هذه النسخة من رواية ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد، فأخرج كثيرًا من أحاديثها في "صحيحه". الحديث الثالث عشر: حديث: "المؤمن غرٌ كريم، والفاجر خبٌ لئيم" (¬1). قلت: أخرجه أبو داود، والترمذي من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وقال الترمذي: "غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه". قلت: وهو عندهما من طريق بشر بن رافع عن يحيى. وأخرجه الحاكم من طريق حجاج بن فرافصة عن يحيى موصولًا وقال: اختلف في وصله وإرساله. قلت: وحجاج ضعفوه، وبشر بن رافع أضعف منه، ومع ذلك لا يتجه الحكم عليه بالوضع لفقد شرط الحكم في ذلك. الحديث الرابع عشر: حديث: "اللهم أحيني مسكينًا، وأمتني مسكينًا واحشرني في زمرة المساكين" (¬2)، فقالت عائشة: لم يا رسول الله؟ قال: "إنهم يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفًا، يا عائشة: لا تردي المسكين ولو بشق تمرة، يا عائشة! أحبِّي المساكين وقربِّيهم، فإن الله يقرِّبك يوم القيامة". قلت: أخرجه الترمذي من طريق الحارث ابن أخت سعيد بن جبير عن أنس، وقال: حسن غريب. وأخرجه ابن ماجه والحاكم، وصححه من حديث أبي سعيد، ولفظه أخصر من الأول. ¬

_ (¬1) حديث رقم (4095). (¬2) حديث رقم (4193).

الحديث الخامس عشر: حديث: "إن الناس يمصرون أمصارًا، وإن مصرًا منها يقال لها البصرة، فإن أنت مررت بها أو دخلتها فإياك وسباخها وكلأها ونخيلها وسوقها وباب أمرائها، وعليك بضواحيها، فإنه يكون بها خسف وقذف ورجف، وقوم يبيتون فيصبحون قردة وخنازير" (¬1). قلت: أخرجه أبو داود في "كتاب الملاحم" من طريق موسى الحناط -بالحاء المهملة وبالنون- قال: لا أعلمه، إلا عن موسى بن أنس عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا أنس! إن الناس يمصرون" ورجاله ثقات ليس فيه إلا قول موسى، لا أعلمه إلا عن موسى بن أنس، ولا يلزم من شكه في شيخه الذي حدثه به أن يكون شيخه فيه ضعيفًا، فضلًا عن أن يكون كذابًا، وتفرد به، والواقع لم يتفرد به، بل أخرجه أبو داود أيضًا لأصله شاهدًا بسند صحيح من حديث سفينة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. الحديث السادس عشر: كان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - طير، فقال: "اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير" (¬2)، فجاء علي فأكل معه، غريب. قال ابن الجوزي: موضوع، وقال الحاكم: ليس بموضوع: انتهى. قلت: أخرجه الترمذي من طريق عيسى بن عمر عن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي عن أنس وقال: غريب لا نعرفه من حديث السدي إلا من هذا الوجه. وقد روي من غيره عن أنس، قال: والسدي اسمه إسماعيل بن عبد الرحمن سمع من أنس. قلت: أخرج له مسلم، ووثقه جماعة، منهم شعبة وسفيان ويحيى القطان. وأخرجه الحاكم من طريق سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن أنس: كنت أخدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقدم له فرخ مشوي فقال: "اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل ¬

_ (¬1) حديث رقم (4338). (¬2) حديث رقم (4918).

معي هذا الطير" فقلت: اجعله رجلًا من أهلي من الأنصار، فجاء علي فقلت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حاجة، ثم جاء فقلت ذلك، فقال: "اللهم ائتني كذلك"، فقلت ذلك فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ": "افتح" فدخل، فقال: "ما حبسك يا علي؟ " فقال: إن هذه آخر ثلاث كرات يردني أنس. فقال: "ما حملك على ما صنعت؟ " قلت: أحببت أن يكون رجلًا من قومي، فقال: "إن الرجل محب قومه". وقال الحاكم: رواه عن أنس أكثر من ثلاثين نفسًا ثم ذكر له شواهد عن جماعة من الصحابة، وفي الطبراني منها عن شفينة وعن ابن عباس، وسند كل منهما متقارب. الحديث السابع عشر: حديث: "أنا دار الحكمة وعلي بابها" (¬1)، غريب لا يعرف عن أحد من الثقات إلا عن شريك، وسنده مضطرب. قلت: أخرجه الترمذي من رواية محمد بن عمر الرومي عن شريك بن عبد الله القاضي، عن سلمة بن كهيل، عن سويد بن غفلة عن الصنابحي، واسمه عبد الرحمن عن علي بن أبي طالب بهذا، وقال: غريب ورواه غيره عن شريك، ولم يذكر فيه الصنابحي، ولا نعرف هذا الحديث عن أحد من الثقات غير شريك، وفي الباب عن ابن عباس، انتهى كلام الترمذي. وحديث ابن عباس المذكور أخرجه ابن عبد البر في كتاب الصحابة المسمى بـ "الاستيعاب" ولفظه: "أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأته من بابه"، وصححه الحاكم، وأخرجه الطبراني من حديث ابن عباس بهذا اللفظ، ورجاله رجال الصحيح، إلا عبد السلام الهروي، فإنه ضعيف عندهم، وذكر أبو أحمد بن عدي أنهم اتهموه به، وسرقه منه جماعة من الضعفاء، لكن أخرجه الحاكم من رواية عبد السلام المذكور، ونقل عن عباس الدوري. سألت ابن معين عن أبي السلط؟ فقال: ثقة. قلت: قد حدث عنه أبو معاوية بحديث: "أنا مدينة العلم" فقال: قد حدث به محمد ¬

_ (¬1) حديث رقم (4920).

بن جعفر الفيدي وهو ثقة، ثم ساق الحاكم الحديث من طريق الفيدي المذكور، وهو بفتح الفاء بعدها ياء مثنَّاة من تحت، وذكر له شاهدًا من حديث جابر. الحديث الثامن عشر: حديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي: "يا علي! لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك" (¬1) غريب. أخرجه الترمذي من رواية عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري، وقال: "حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه". وقال علي بن المنذر: قلت: لضرار بن صُرد: ما معنى هذا الحديث؟ قال: لا يحل لأحد يستطرفه غيرهما، والسبب في ذلك أن بيته مجاور المسجد، وبابه من داخل المسجد كبيت النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد ورد من طرق كثيرة صحيحه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أمر بسد الأبواب الشارعة في المسجد إلا باب علي، فشق على بعض من الصحابة، فأجابهم في عذره في ذلك. وقد ورد ذلك في حديث طويل لابن عباس أخرجه أحمد والطبراني بسند جيد. وقد وقع في بعض الطرق من حديث أبي هريرة أنَّ سكنى علي كانت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد يعني مجاورة المسجد، أخرجه أبو يعلى في "مسنده" وورد لحديث أبي سعيد شاهد نحوه من حديث سعد بن أبي وقاص، أخرجه البزار من رواية خارجة بن سعد عن أبيه، ورواته ثقات والله أعلم. فصل في تلخيص من أخرج هذه الأحاديث من الأئمة الستة في كتبهم المشهورة على ترتيبها. الأول: الترمذي، وابن ماجه، وهو ضعيف. الثاني: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وهو حسن. الثالث: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وهو صحيح. الرابع: الترمذي، وهو ضعيف. الخامس: أبو داود، والنسائي، وهو حسن. ¬

_ (¬1) حديث رقم (4922).

السادس: أبو داود والنسائي، وهو صحيح. السابع: أبو داود، وابن ماجه، وهو حسن. الثامن: الترمذي، وهو ضعيف. التاسع: الترمذي، وهو حسن. العاشر: أبو داود، وهو ضعيف. الحادي عشر: أبو داود، والترمذي، وهو حسن. الثاني عشر: الترمذي، وهو حسن. الثالث عشر: أبو داود، والترمذي، وهو حسن. الرابع عشر: الترمذي، وهو ضعيف. الخامس عشر: أبو داود، وهو حسن. السادس عشر: الترمذي، وهو حسن. السابع عشر: الترمذي، وهو ضعيف، ويجوز أن يحسن. الثامن عشر: الترمذي، وهو ضعيف، وقد يحسن أيضًا. وجملة ذلك أنها كلها في بعض كتب "السنن" الستة المشهورة أخرج كلهم بعضها، فعند أبي داود منها نصفها، وعند الترمذي منها أربعة عشر، وعند النسائي منها اثنان، وعند ابن ماجه منها ستة، وقد ذكرنا من أخرج بعضها من غير الستة من الأئمة، كالإمام أحمد بن حنبل، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم في "صحاحهم" ولم يتبين أن فيها حديثًا واحدًا يتأتى الحكم عليه بالوضع، والعلم عند الله تعالى. قاله وكتبه أحمد بن علي بن محمد بن محمد العسقلاني الأصل، المصري المولد والمنشأ؛ نزيل القاهرة، في أواخر سنة خمسين وثمانمائة حامدًا مصليًّا مسلمًا، انتهى. نقلت هذه الكراسة من خط العلامة محمد بن محمد بن محمد الشهير بابن أمير حاج الحنفي الحلبي رحمه الله تعالى بمنه وكرمه وأعاد علينا من بركاته آمين. تمت والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين.

فهرس المصادر والمراجع

فهرس المصادر والمراجع 1 - الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير: للحسين بن إبراهيم الجوزقاني تحقيق: عبد الرحمن الفريوائي، الطبعة الأولى (1403 هـ)، المطبعة السلفية - الهند. 2 - الإبانة عن شريعة الفرق الناجية ومجانبة الفرق المذمومة: لأبي عبد الله عبيد الله بن محمد العكبري الحنبلي = ابن بطة، تحقيق رضا نعسان معطي وغيره، دار الرأية - الرياض. 3 - إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: لأحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري، تحقيق: دار المشكاة للبحث العلمي، دار الوطن، الرياض. 4 - إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة للحافظ ابن حجر العسقلاني، تحقيق: زهير بن ناصر الناصر وغيره، مركز خدمة السنة والسيرة النبوية - المدينة النبوية. 5 - الأجوبة المرضية فيما سئل عنه السخاوي من الأحاديث النبوية: للحافظ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي، تحقيق: محمد إسحاق محمد إبراهيم، الطبعة الأولى (1418 هـ). دار الراية، الرياض. 6 - الأجوية لأبي مسعود عما أشكل الشيخ الدارقطني على صحيح مسلم بن الحجاج: لأبي مسعود بن محمد بن عبيد الدمشقي، تحقيق: إبراهيم بن علي آل كليب، الطبعة الأولى (1419 هـ)، دار الوراق، الرياض. 7 - الأحاد والمثاني: لابن أبي عاصم تحقيق باسم الجوابرة دار الراية، الرياض.

8 - الأحاديث المختارة: محمد بن عبد الواحد المقدسي = الضياء المقدسي تحقيق: عبد الملك بن دهيش، الطبعة الأولى (1410هـ) مكتبة النهضة، مكة. 9 - الأحاديث الوردة في فضائل المدينة: لصالح بن حامد الرفاعي، الطبعة الثانية (1415 هـ)، مجمع الملك فهد ومركز خدمة السنة بالمدينة. 10 - الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان: تأليف علاء الدين علي بن بلبان الفارسي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط. الطبعة الأولى (1408 هـ - 1412 هـ). مؤسسة الرسالة - بيروت. 11 - الأحكام الوسطى: لعبد الحق الإشبيلي، تحقيق: حمدي السلفي وصبحي السامرائي، الطبعة الأولى (1416 هـ)، مكتبة الرشد، الرياض. 12 - أحكام الجنائز وبدعها: تأليف الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، نشر المكتب الإسلامي الطبعة 1388 هـ. بيروت. 13 - الإحكام في أصول الأحكام: لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد = ابن حزم الأندلسي، تحقيق: الشيخ أحمد محمد شاكر، الطبعة الأولى (1400 هـ). منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت. 14 - أحوال الرجال: للجوزجاني. تحقيق: عبد العليم البستوي ط. الطبعة الأولى عام 1411 هـ، دار الطحاوي بالرياض. 15 - اختلاف الحديث للشافعي ت 204 هـ. تحقيق عامر حيدر ط. مؤسسة الكتب الثقافية الأولى عام 1405 هـ. 16 - الآداب: لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي تحقيق: عبد القدوس، الطبعة الأولى (1407 هـ)، مكتبة الرياض الحديث، الرياض. 17 - آداب الزفاف: للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت. 18 - الأدب المفرد: لمحمد بن إسماعيل البخاري، خرج أحاديثه محمد فؤاد عبد الباقي، الطبعة الثالثة (1409 هـ). دار البشائر الإسلامية - بيروت.

19 - الأذكار: للإمام النووي، تحقيق: عبد القادر الأرناؤط (1391 هـ). 20 - الأربعين البلدانية: لأبي طاهر السلفي، الطبعة الأولى (1418 هـ)، تحقيق: مسعد بن عبد الحميد السعدي، أضواء السلف، الرياض. 21 - الأربعين النووية: للإمام النووي، الطبعة الأولى (1424 هـ) دار طيبة بالرياض. 22 - الإرشاد في معرفة علماء الحديث: لأبي يعلى الخليل بن عبد الله القزويني = الخليلي، تحقيق: الدكتور محمد سعيد بن عمر إدريس. الطبعة الأولى (1409 هـ). مكتبة الرشد - الرياض. 23 - إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل: للشيخ محمد ناصر الدين الألباني الطبعة الأولى (1399 هـ). المكتب الإسلامي، بيروت. 24 - أسئلة البرذعي لأبي زرعة الرازي، (ضمن كتاب: أبو زرعة الرازي، وجهوده في السنة النبوية) تحقيق: الدكتور سعدي الهاشمي. الطبعة الثانية (1409 هـ) دار الوفاء - المنصورة، ومكتبة ابن القيم - المدينة المنورة. 25 - الأسامي والكنى: لأبي أحمد محمد بن محمد النيسابوري = الحاكم الكبير. تحقيق: يوسف الدخيل. الطبعة الأولى (1414 هـ). مكتبة الغرباء - المدينة. 26 - الأسامي والكنى: لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني (164 - 241 هـ) ((رواية ابنه صالح)). تحقيق: عبد الله بن يوسف الجديع الطبعة الأولى (1406 هـ - 1985 م). مكتبة دار الأقصى - الكويت. 27 - استجلاب ارتقاء الغرف بحب أقرباء الرسول وذوي الشرف: لشمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي، تحقيق: خالد بن أحمد بابطين، دار البشائر الإسلامية، بيروت. 28 - الاستذكار: لابن عبد البر، تحقيق: عبد المعطي قلعجي، الطبعة الأولى (1414 هـ)، دار الوعي، حلب.

29 - الاستغناء في معرفة المشهورين من حملة العلم بالكنى: لأبي عمر يوسف بن عبد الله القرطبي = ابن عبد البر، تحقيق: الدكتور عبد الله مرحول السوالمة. الطبعة الأولى (1405 هـ). دار ابن تيمية - الرياض. 30 - الإستيعاب في معرفة الأصحاب: لأبي عمر يوسف بن عبد الله = ابن عبد البر، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الجيل، بيروت. 31 - أسد الغابة في معرفة الصحابة: لابن الأثير الشيباني، تحقيق: محمد إبراهيم البنا وغيره، ط. دار الشعب، القاهرة. 23 - الأسماء البهمة في الأنباء المحكمة: للخطيب البغدادي، تحقيق: عز الدين علي السيد، الطبعة الأولى (1405 هـ)، مكتبة الخانجي، القاهرة. 33 - الأسماء والصفات: لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق: عبد الله الحاشدي، الطبعة الأولى (1413 هـ)، مكتبة السوادي، جدة. 34 - الإصابة في تمييز الصحابة: لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني. تحقيق محمد علي البجاوي، دار نهضة مصر للطبع والنشر، القاهرة. 35 - الإطراف بأوهام الأطراف: لولي الدين أحمد العراقي، تحقيق: كمال يوسف الحوت، الطبعة اللأولى (1406 هـ)، دار الجنان. 36 - أطراف مسند الإمام أحمد بن حنبل: لابن حجر تحقيق: زهير الناصر، الطبعة الأولى (1414 هـ)، دار ابن كثير، ودار الكلم الطيب، دمشق، بيروت. 37 - الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار: لأبي بكر محمد بن موسى الحازمي، تحقيق: محمد أحمد عبد العزيز، الناشر مكتبة عاطف، مصر. 38 - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام: لأبي حفص عمر بن علي = ابن الملقن، تحقيق: عبد العزيز المشيقح، الطبعة الأولى (1417 هـ)، دار العاصمة بالرياض. 39 - أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري: لأبي سليمان حمد الخطابي، تحقيق: محمد بن سعد آل سعود، الطبعة الأولى (1409 هـ، جامعة أم القرى.

40 - إعلام الموقعين عن رب العالمين: لمحمد بن أبي بكر الزرعي = ابن قيم الجوزية، علق عليه: طه عبد الرؤف، دار الجيل، بيروت. 41 - الاقتراح في بيان الاصطلاح لابن دقيق العيد ت 702 هـ تحقيق عامر صبري، دار البشائر - بيروت. الأولى 1417 هـ. 42 - إكمال المعلم بفوائد مسلم: لأبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي، تحقيق: يحيى إسماعيل، الطبعة الأولى (1419 هـ)، دار الوفاء، المنصورة. 43 - الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب: لأبي نصر علي بن هبة الله بن جعفر العجلي = الأمير ابن ماكولا، تحقيق: عبد الرحمن المعلمي (ج 1 - 6)، ونايف العباس، (ج 7). الطبعة الأولى (1962 - 1967 م) و (1976 م). دائرة المعارف العثمانية - الهند .. و (ج 7) في بيروت. 44 - الإلزامات والتتبع: لعلي بن عمر الدارقطني، تحقيق: مقبل بن هادي الوادعي. الطبعة الثانية، مطبعة المدني، توزيع دار الخلفاء، الكويت. 45 - ألفية السيوطي في علم الحديث، تصحيح وشرح أحمد محمد شاكر. دار المعرفة - بيروت. 46 - الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع: للقاضي عياض بن موسى اليحصبي، تحقيق: السيد أحمد صقر. الطبعة الثانية (1398 هـ). دار التراث - القاهرة. 47 - الأمالي الحلبية: لابن حجر العسقلاني، تحقيق: عوّاد الخلف، الطبعة الأولى (1416 هـ)، مؤسسة الريان، بيروت. 48 - الأمالي المطلقة: لابن حجر العسقلاني، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، الطبعة الأولى (1416 هـ)، المكتب الإسلامي، بيروت.

49 - الإمام في معرفة أحاديث الأحكام: لأبي الفتح محمد بن علي = ابن دقيق العيد، تحقيق: سعد الحميّد، الطبعة الأولى (1420 هـ)، دار المحقق، الرياض. 50 - أمثال الحديث: لأبي محمد الحسن بن عبد الرحمن = الرامهرمزي، تحقيق: عبد العلي الأعظمي، الطبعة الأولى (1404 هـ)، الدار السلفية، الهند. وتحقيق: أمة الكريم القرشية، طبع الحيدري (1388 هـ) حيدرآباد، باكستان. 51 - الأموال: لحميد بن زنجويه، تحقيق: شاكر ذيب فياض، الطبعة الأولى (1406 هـ)، مركز الملك فيصل للدراسات والبحوث، الرياض. 52 - الأموال: لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي، تحقيق: محمد خليل الهراس، الطبعة الثانية (1395 هـ)، دار الفكر. 53 - الانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء: لابن عبد البر. تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة. ط مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب. الطبعة الأولى (1417 هـ). 54 - الأنساب: لأبي سعد عبد الكريم بن محمد = السمعاني. تحقيق: عبد الرحمن المعلمي. الطبعة الأولى (1382 هـ) - دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد، الهند. 55 - الإنصاف فيما بين علماء المسلمين في قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة الكتاب من الاختلاف: لابن عبد البر. تحقيق: عبد اللطيف الجيلاني. الطبعة الأولى (1417 هـ)، أضواء السلف. الرياض. 56 - الأوهام التي في مدخل أبي عبد الله الحاكم النيسابوري: للحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي. تحقيق: أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان. الطبعة الأولى (1407 هـ -1987 م). مكتبة المنار - الأردن. 57 - الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث: لابن كثير شرح أحمد شاكر. تحقيق: علي بن حسن الحلبي. ط دار العاصمة. الطبعة الأولى (1415 هـ).

58 - بحر الدم فيمن تكلم فيه الإمام أحمد بمدح أو ذم، ليوسف بن حسن بن عبد الهادي، تحقيق وتعليق وصي الله بن محمد بن عباس، الطبعة الأولى (1409 هـ)، دار الراية، الرياض. 59 - البداية والنهاية: لأبي الفداء إسماعيل بن عمر القرشي الدمشقي = ابن كثير. تحقيق: عبد الله التركي، الطبعة الأولى (1417 هـ)، هجر للطباعة، مصر. وطبعة مكتبة المعارف، بيروت. 60 - البدر المنير في تخريج أحاديث الشرح الكبير: لابن الملقن، تحقيق: جمال محمد السيد، الطبعة الأولى (1414 هـ)، دار العاصمة، الرياض. 61 - البعث والنشور: لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق: عامر أحمد حيدر، الطبعة الأولى (1406 هـ)، مركز الخدمات والأبحاث الثقافية، بيروت. 62 - بغية الملتمس: لأبي سعيد خليل كيكلدي العلائي. تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي. الطبعة الأولى (1405 هـ). عالم الكتب. 63 - بلوغ المرام من أدلة الأحكام: تحقيق حامد الفقي، دار البخاري، السعودية. 64 - بيان الوهم والإيهام الواقعين في "كتاب الأحكام": للحافظ أبي الحسن علي بن محمد بن عبد الملك = ابن القطان الفاسي دراسة وتحقيق: الحسين آيت سعيد، الطبعة الأولى (1418 هـ -1997 م) دار طيبة - الرياض. 65 - بيان تلبيس الجهمية: لابن تيمية. 66 - بيان مشكل أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستخراج ما فيها من الأحكام ونفي التضاد عنها: للطحاوي. تحقيق: شعيب الأرناؤوط. الطبعة الأولى (1415 هـ). مؤسسة الرسالة - بيروت. 67 - تاج العروس من جواهر القاموس: لمحمد مرتضى الزبيدي، المطبعة الخيرية (1306 هـ)، وطبعة الكويت (1403 هـ).

68 - تاريخ أبي زرعة الدمشقي: تحقيق: شكر الله القوجاني، من مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق. 69 - تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام: لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. تحقيق: عمر عبد السلام تدمري. الطبعة الأولى (1407 هـ - وما بعدها). دار الكتاب العربي - بيروت. 70 - التاريخ الأوسط (المطبوع باسم التاريخ الصغير): لمحمد بن إسماعيل البخاري. تحقيق: محمود إبراهيم زايد. الطبعة الأولى (1406 هـ). دار المعرفة - بيروت. 71 - التاريخ الكبير: لمحمد بن إسماعيل البخاري. الطبعة الأولى (1994 م- 1987 م). مطبعة دائرة المعارف العثمانية - الهند. تصوبر دار الكتب العلمية - بيروت. 72 - تاريخ بغداد: لأحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي. الطبعة الأولى (1391 هـ). مكتبة الخانجي - القاهرة. 73 - تاريخ جرجان: لحمزة بن يوسف السهمي. تحت مراقبة: محمد عبد المعين خان. الناشر عالم الكتب - بيروت، (1401 هـ). 74 - تاريخ خليفة بن خياط: تحقيق: الدكتور أكرم ضياء العمري. الطبعة الثانية (1397 هـ). دار القلم: دمشق، ومؤسسة الرسالة - بيروت. 75 - تاريخ دمشق: لأبي القاسم علي بن الحسين بن هبة الله الشافعي = ابن عساكر: تحقيق عمر بن غرامة العمروي، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى (1415هـ). 76 - تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي عن أبي زكريا يحيى بن معين في تجريح الرواة وتعديلهم. تحقيق: الدكتور أحمد بن محمد نور سيف. الطبعة الأولى. دار المأمون للتراث - دمشق.

77 - تاريخ واسط: لأسلم بن سهل الواسطي = بحشل. تحقيق: كوركيس عواد. تصوير عام (1406 هـ). عالم الكتب - بيروت. 78 - التاريخ: ليحيى بن معين، (برواية الدوري). تحقيق: الدكتور أحمد محمد نور سيف. الطبعة الأولى (1399 هـ). جامعة الملك عبد العزيز، كلية الشريعة - مكة المكرمة. 79 - تالي تلخيص المتشابه: لأحمد بن علي = الخطيب البغدادي، تخريج وتعليق: أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان وأبي حذيفة أحمد الشقيرات. الطبعة الأولى (1417 هـ-1997 م). دار الصميمي - السعودية. 80 - تبصير المنتبه بتحرير المشتبه: لأحمد بن حجر العسقلاني، الطبعة الأولى (1406 هـ). دار العلمية - بيروت. 81 - التبيان في آداب حملة القرآن: للنووي، تحقيق: محصد رضوان عرقسوسي، الطبعة الأولى (1422 هـ)، مؤسسة الرسالة، بيروت. الطبعة الأولى (1422 هـ)، مؤسسة الرسالة، بيروت. 82 - تجريد أسماء الصحابة: لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، الناشر: دار المعرفة، بيروت. 83 - تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: للمباركفوري، دار الفكر، بيروت. 84 - تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف: لأبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي. تحقيق: عبد الصمد شرف الدين. الطبعة الثانية (1403 هـ). المكتب الإسلامي. - بيروت، والدار القيمة - الهند. 85 - تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل: لأبي زرعة ولي الدين أحمد العراقي، تحقيق: رفعت فوزي، مكتبة الرشد، الطبعة الأولى (1420 هـ)، وتحقيق: عبد الله نوارة، الطبعة الأولى (1419 هـ)، مكتبة الرشد، الرياض. 86 - التحقيق في أحاديث الخلاف: لابن الجوزي. تحقيق: مسعد السعدني. الطبعة الأولى (1415 هـ). دار الكتب العلمية - بيروت.

87 - تخريج أحاديث فقه السيرة: للشيخ محمد بن ناصر الألباني، عالم المعرفة. 88 - تدريب الراوي في شرح تقريب النووي للسيوطي ت 911 هـ تحقيق نظر الفاريابي ط. مكتبة الكوثر الأولى 1414 هـ. 89 - تذكرة الحفاظ أطراف أحاديث كتاب المجروحين لابن حبان: لمحمد بن طاهر المقدسي، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، الطبعة الأولى (1415 هـ)، دار الصميعي، الرياض. 90 - تذكرة الحفاظ: لمحمد بن أحمد عثمان الذهبي، تحقيق: المعلمي اليماني، دائرة المعارف العثمانية، حيدرآبار، الهند. 91 - ترتيب مسند الشافعي: رتبه: محمد عابد السندي، دار الكتب العلمية، بيروت. 92 - الترغيب والترهيب: للمنذري، تحقيق: مصطفى محمد عمارة، دار إحياء التراث بيروت 1388 هـ. 93 - تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة: لابن حجر العسقلاني. تحقيق: إكرام الله. ط دار البشائر، الطبعة الأولى (1416 هـ). 94 - تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس: لابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ) تحقيق: البنداري. ط دار الكتب العلمية - بيروت. 95 - تعظيم قدر الصلاة: لمحمد بن نصر المروزي: تحقيق: الدكتور عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي. الطبعة الأولى (1406 هـ). مكتبة الدار - بالمدينة المنورة. 96 - تغليق التعليق: لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني. تحقيق: الدكتور سعيد عبد الرحمن القزقي. الطبعة الأولى 1405 هـ. المكتب الإسلامي - بيروت، دار عمار- الأردن. 97 - تفسير الطبري: لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، تحقيق: محمود شاكر وأحمد شاكر الطبعة الثانية، دار المعارف، القاهرة، وطبعة دار الفكر (1405 هـ).

98 - تفسير القرآن العظيم: لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير = ابن كثير. طبعة دار المعرفة - بيروت. 99 - تقدمة المعرفة لكتاب الجرح والتعديل: لعبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي = ابن أبي حاتم. تحقيق: عبد الرحمن المعلمي اليماني. الطبعة الأولى (1371 هـ). مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - الهند. تصوير دار الكتب العلمية - بيروت. 100 - تقريب التهذيب: لابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ). تحقيق: صغير أحمد الباكستاني. ط دار العاصمة - الرياض. الأولى (1416 هـ). وطبعة محمد عوامة (1406 هـ)، نشر دار الشيد، حلب. 101 - التقيد لمعرفة رواة السنن والمسانيد: لأبي بكر محمد بن عبد الغني = ابن نقطة، الطبعة الأولى (1403 هـ)، دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد، الهند. 102 - تقييد العلم: لأحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي. تحقيق: يوسف العش. الطبعة الثانية (1974 م). دار إحياء السنة النبوية. 103 - التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح: للعراقي زين الدين عبد الرحيم، تحقيق: محمد راغب الطباخ. ط دار الحديث. الثانية (1405 هـ). 104 - التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير: لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني. تعليق السيد عبد الله هاشم اليماني، دار المعرفة، وطبعة حسن عباس، (1416 هـ) من مؤسسة قرطبة. 105 - تلخيص المتشابه في الرسم وحماية ما أشكل منه عن بوادر التصحيف والوهم: لأحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي. تحقيق: سكينة الشهابي. الطبعة الأولى (1985 م). طلاس - دمشق. 106 - تلخيص المستدرك: لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. (بحاشية المستدرك) دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد، الهند. تصوير دار المعرفة - بيروت.

107 - التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد: لأبي عمر يوسف بن عبد الله القرطبي = ابن عبد البر. تحقيق: هيئة من العلماء بوزارة الأوقاف - في المملكة المغربية، الطبعة الثانية (1402 هـ). 108 - تهذيب الآثار: لأبي جعر محمد بن جرير الطبري. تحقيق: محمود شاكر. الطبعة الأولى. مطبعة المدني - القاهرة. (الجزء المفقود) من تهذيب الآثار: للطبري. تحقيق: علي رضا بن عبد الله بن علي رضا. الطبعة الأولى (1416 هـ). دار المأمون للتراث - دمشق. 109 - تهذيب الأسماء واللغات: لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي، الطبعة الأولى، إدارة الطباعة المنيرية، القاهرة. تصوير دار الكتب العلمية، بيروت. 110 - تهذيب التهذيب: ابن حجر العسقلاني، الطبعة الأولى (1325 هـ) دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد، الهند. وطبعة دار الفكر - بيروت الطبعة الأولى (1404 هـ). 111 - تهذيب الكمال في أسماء الرجال: لأبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي. تحقيق: بشار عواد معروف. الطبعة الأولى (1400 هـ). مؤسسة الرسالة - بيروت. 112 - تهذيب اللغة: لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، المؤسسة المصرية العامة للتأليف، دار القومية العربية للطباعة. 113 - تهذيب سنن أبي داود: لمحمد بن أبي بكر الزرعي - ابن قيم الجوزية. تحقيق: أحمد محمد شاكر، ومحمد حامد فقي. الطبعة الأولى (1400 هـ) دار المعرفة - بيروت. 114 - التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل: لأبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة تحقيق: عبد العزيز الشهوان، الطبعة الأولى (1408 هـ)، دار الرشد، الرياض.

115 - توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار: للصنعاني (ت 1182 هـ) تحقيق: محمد محي الدين. ط دار إحياء التراث العربي - بيروت. الطبعة الأولى (1366 هـ). 116 - توضيح المشتبه: لمحمد بن عبد الله الدمشقي = ابن ناصر الدين. تحقيق: محمد نعيم العرقسوسي. الطبعة الثانية (1414 هـ). مؤسسة الرسالة - بيروت. 117 - تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد: للشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، نشر وتوزيع: رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء بالرياض. 118 - الثقات: لأبي حاتم محمد بن حبان البستي. تحت مراقبة: الدكتور محمد عبد المعيد خان. الطبعة الأولى (1393 هـ -1403). مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - حيدرآباد، الهند. 119 - جامع الأصول: لأبي السعادات المبارك بن محمد = ابن الأثير، تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط، نشر: مكتبة الحلواني وشركاه (1389 هـ). 120 - جامع التحصيل في أحكام المراسيل: لصلاح الدين أبي سعيد خليل بن كيكلدي العلائي. تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي. الطبعة الثانية (1407 هـ). عالم الكتب. مكتبة النهضة الحديثة - بيروت. 121 - جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثًا من جوامع الكلم: لأبي الفرج عبد الرحمن ابن شهاب = ابن رجب. تحقيق: شعيب الأرناؤوط وإبراهيم باجس. الطبعة الثانية (1412 هـ). مؤسسة الرسالة - بيروت. 122 - الجامع المختصر من السنن ومعرفة الصحيح والمعلول وما عليه العمل: لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي. تحقيق: أحمد محمد شاكر، ومحمد فؤاد عبد الباقي، وإبراهيم عطوة عوض. تصوير دار إحياء التراث العربي بيروت. والطبعة الثانية (1998) من دار الغرب الإسلامي، تحقيق: بشار عواد معروف.

123 - جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله: لأبي عمر ابن عبد البر النمري القرطبي. تحقيق: أبي الأشبال الزهيري. الطبعة الأولى (1414 هـ). دار ابن الجوزي - الدمام. 124 - الجرح والتعديل: لأبي محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس (ابن أبي حاتم). الطبعة الأولى (1371 هـ). مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية- الهند. تصوير دار إحياء التراث العربي - بيروت. 125 - جزء رفع اليدين: لمحمد بن إسماعيل البخاري، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت. 126 - جزء في تصحيح حديث القلتين والكلام على أسانيده: للعلائي (ت 761 هـ) تحقيق: أبي إسحاق الحويني. ط مكتبة التربية الإسلامية. الطبعة الأولى (1412 هـ). 127 - الجمع بين الصحيحين: للإشبيلي، دار المحقق، الرياض. 128 - الجمع بين الصحيحين: لمحمد بن فتوح الحميدي، تحقيق: علي البواب، الطبعة الأولى (1419 هـ)، دار ابن حزم، بيروت. 129 - جمهرة أنساب العرب: لابن حزم الأندلسي، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، نشر دار المعارف، مصر. 130 - الجوهر النقي في الرد على البيهقي: لعلاء الدين علي بن عثمان بن مصطفى المارديني = ابن التركماني (بحاشية السنن الكبرى، للبيهقي) الطبعة الأولى (1344 هـ) مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية - الهند. 131 - الحاوي الكبير: للماوردي. تحقيق: علي معوض وعادل أحمد. ط مكتبة الباز- مكة المكرمة. الطبعة الأولى (1414 هـ). 132 - الحاوي للفتاوى: لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، عني بنشره جماعة من طلاب العلم (1352 هـ)، تصوير دار الكتب العلمية، بيروت.

133 - الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة: لقوام السنة إسماعيل بن محمد = أبي القاسم التيمي، تحقيق: محمد أبو رحيم ومحمد المدخلي، الطبعة الأولى (1411 هـ)، دار الرأية، الرياض. 134 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، تصوير: دار الفكر، وطبعة دار الكتاب العربي، بيروت. 135 - مختصر العلو للعلي الغفار: للذهبي، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي. 136 - الخصائص الكبرى: للسيوطي، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت. 137 - خطبة الحاجة التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمها أصحابه: للألباني. ط المكتب الإسلامي الطبعة الرابعة عام (1400 هـ). 138 - خلاصة الأحكام في مهمات السنن وقواعد الإسلام: للنووي، تحقيق حسين الجمل، الطبعة الأولى (1418 هـ)، مؤسسة الرسالة، بيروت. 139 - خلاصة البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير: لسراج الدين عمر بن علي بن الملقن، تحقيق: حمدي السلفي، الطبعة الأولى (1410 هـ)، مكتبة الرشد، الرياض. 140 - الخلاصة في أصول الحديث: للطيبي (ت 743 هـ) تحقيق: صبحي السامرائي. 141 - الخلافيات: للبيهقي، تحقيق: مشهور حسن سلمان، دار الصميعي الرياض. 142 - الدر المنثور في التفسير المأثور: للسيوطي، نشر دار المعرفة، ودار الفكر. 143 - الدراية في تخريج أحاديث الهداية: لابن حجر، الفجالة الحديثة، مصر. 144 - الدعاء: للطبراني، تحقيق: محمد سعيد البخاري، الطبعة الأولى (1407 هـ)، دار البشائر الإسلامية، بيروت. 145 - الدعوات الكبير: للبيهقي، تحقيق: بدر البدر، الطبعة الأولى (1409 هـ)، مركز المخطوطات والتراث، الكويت.

146 - دلائل النبوة للبيهقي تحقيق عبد المعطي قلعجي دار الكتب العلمية 1405 هـ. 147 - ذخيرة الحفاظ المخرج على الحروف والألفاظ: لمحمد بن طاهر المقدسي، تحقيق: عبد الرحمن الفريوائي، الطبعة الأولى (1416 هـ)، دار السلف الرياض. 148 - ذكر أسماء من تكلم فيه وهو موثق، لمحمد بن أحمد بن عثمان = الذهبي، تحقيق وتعليق: محمد شكور بن محمود الحاج إمرير، مكتبة المنار، الزرقاء - الأردن، الطبعة الأولى سنة (1406 هـ). 149 - ذم الكلام: لعبد الله بن محمد بن علي الهروي، تحقيق: سميح دغيم، الطبعة الأولى (1994)، دار الفكر اللبناني، بيروت. وتحقيق: عبد الرحمن الشبل، مكتبة العلوم والحكم، بالمدينة النبوية. 150 - ذيل طبقات الحنابلة: لزين الدين عبد الرحمن، بن أحمد الحنبلي = ابن رجب. تحقيق: محمد حامد فقي. الطبعة الأولى (1952 م) مطبعة السنة المحمدية - القاهرة. تصوير دار المعرفة - بيروت. 151 - الرحلة في طلب الحديث: للخطيب البغدادي. تحقيق: نور الدين العتر. الطبعة الأولى سنة (1395 هـ). 152 - رسالة أبي داود إلى أهل مكة في وصف سننه. تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة. ط مكتب المطبوعات الإسلامية - حلب - الطبعة الأولى (1417 هـ). 153 - الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة: لمحمد بن جعفر الكتاني: كتب مقدماتها: محمد بن المنتصر بن محمد الزمزمي. الطبعة الرابعة (1406 هـ). دار البشائر الإسلامية - بيروت. 154 - الرسالة: للإمام محمد بن إدريس الشافعي. تحقيق: أحمد محمد شاكر. الطبعة الثانية (1399 هـ). دار التراث - القاهرة. 155 - الروض البسام بترتيب وتخريج فوائد تمام: جاسم الدوسري، الطبعة الأولى (1408 هـ)، دار البشائر الإسلامية، بيروت.

156 - رياض الصالحين: للنووي, تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الثالثة (1406 هـ). المكتب الإسلامي، بيروت. 157 - زاد المعاد في هدي خير العباد: محمد بن أبي بكر الدمشقي = ابن قيم الجوزية. تحقيق: شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط. الطبعة الثالثة عشر (1406 هـ). مؤسسة الرسالة - بيروت. 158 - الزهد الكبير: للبيهقي، تحقيق: عامر أحمد حيدر، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت. 159 - الزهد لعبد الله بن المبارك: تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية، بيروت. 160 - سؤالات ابن الجنيد (أبي إسحاق إبراهيم الختلي): لأبي زكريا يحيى بن معين، تحقيق: أحمد نور سيف، الطبعة الأولى (1408هـ)، مكتبة الدار بالمدينة. 161 - سؤالات أبي داود للإمام أحمد (السؤالات الحديثية): حقيق: زياد محمد منصور. الطبعة الأولى (1414 هـ). مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة. 162 - سؤالات أبي عبيد الآجري أبا داود سليمان السجستاني: (ت275 هـ) تحقيق: البستوي. ط مؤسسة الريان - بيروت. الطبعة الأولى (1418 هـ). 163 - سؤالات البرقاني للدارقطني تحقيق مجدي السيد ط. مكتبة القرآن - القاهرة. 164 - سؤالات الحاكم النيسابوري: للدارقطني في الجرح والتعديل. تحقيق: موفق بن عبد الله ابن عبد القادر. الطبعة الأولى (1404 هـ). مكتبة المعارف - الرياض. 165 - سؤالات السلمي (أبي عبد الرحمن محمد بن الحسين بن محمد الأزدي): للدارقطني في الجرح والتعديل. تحقيق: أ. د: سليمات آتش. الطبعة الأولى (1408 هـ). دار العلوم - الرياض.

166 - سؤالات حمزة بن يوسف السهمي: للدارقطني وغيره من المشايخ في الجرح والتعديل. تحقيق: موفق بن عبد الله بن عبد القادر. الطبعة الأولى (1404هـ). مكتبة المعارف - الرياض. 167 - سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة لعلي بن المديني. تحقيق: موفق بن عبد الله بن عبد القادر. الطبعة الأولى (1404 هـ). مكتبة المعارف - الرياض. 168 - سبل السلام في شرح بلوغ المرام: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، تحقيق: محمد صبحي حلاق، الطبعة الثانية (1421 هـ)، دار ابن الجوزي. 169 - سلسلة الأحاديث الصحيحة: لمحمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف - الرياض. 170 - سلسلة الأحاديث الضعيفة: لمحمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف - الرياض. 171 - السنة: لابن أبي عاصم، تحقيق: الألباني نشر الكتب الإسلامي 1400هـ. 172 - السنة: لمحمد بن نصر المروزي، تخريج وتعليق: أبي محمد سالم بن أحمد السلفي. الطبعة الأولى (1408 هـ). مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت. 173 - السنن: لأبي داود السجستاني. تحقيق: عزت عبيد الدعاس، وعادل السيد. الطبعة الأولى (1388 هـ). دار الحديث - حمص، سورية. 174 - السنن: لسعيد بن منصور، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، نشر الدار العلمية 1985 م. 175 - السنن: للنسائي، دار إحياء التراث العربي، بيروت. وطبعة: مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، ترقيم الشيخ عبد الفتاح أبو غدة. 176 - السنن الصغير: لأحمد بن الحسين البيهقي. تحقيق: الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي. الطبعة الأولى (1410 هـ). سلسلة منشورات جامعة الدراسات الإسلامية - باكستان.

177 - السنن الكبرى: لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، الطبعة الأولى (1344 هـ)، مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية، الهند. 178 - السنن الكبرى: لأحمد بن شعيب بن علي النسائي. تحقيق: دكتور عبد الغفار البنداري، وسيد كسروي، الطبعة الأولى (1411 هـ). دار الكتب العلمية - بيروت. وطبعة الدكتور عبد الله التركي في عام 1422 هـ، تحقيق: حسن شلبي، مؤسسة الرسالة، بيروت. 179 - السنن المأثورة: للشافعي، تحقيق: قلعجي، دار المعرفة، بيروت. وطبعة دار القبلة، جدة، بتحقيق: خليل ملا خاطر. 180 - السنن: لعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي: تحقيق: محمد أحمد دهمان، طبعة: دار إحياء السنة النبوية. وتحقيق: حسين سليم أسد، الطبعة الأولى (1421 هـ)، دار المغني، الرياض. 181 - السنن: لعلي بن عمر الدارقطني، تحقيق: عبد الله يماني، دار المحاسن، القاهرة. 182 - السنن: لمحمد بن يزيد القزويني ابن ماجه. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، القاهرة. 183 - سير أعلام النبلاء: لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. تحقيق: شعيب الأرناؤوط، وبشار عواد، وغيرهما. الطبعة الثانية (1402 هـ - 1405 هـ). مؤسسة الرسالة - بيروت. 184 - السيرة النبوية: لابن هشام، تحقيق: مصطفى السقا وزملائه، طبعة مصطفى البابي الحلبي 1955 م. 185 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب: لابن العماد الحنبلي - مكتبة القدسي، القاهرة. 186 - شرح ابن بطال لصحيح البخاري: لعلي بن خلف = ابن بطال، الطبعة الأولى (1420) هـ)، تحقيق: ياسر بن إبراهيم، مكتبة الرشد، الرياض.

187 - شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: لأبي القاسم هبة الله بن الحسن الطبري اللكائي. تحقيق: الدكتور أحمد سعد حمدان. دار طيبة - الرياض. 188 - شرح السنة: لحسين بن مسعود البغوي، تحقيق / شعيب الأورناؤط ومحمد زهير الشاويش، طبع المكتب الإسلامي - بيروت، لبنان، الطبعة الثانية 1403هـ. 189 - شرح المواهب اللدنية: للزرقاني دار المعرفة، بيروت. 190 - شرح علل الترمذي: لعبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي = ابن رجب، تحقيق: همام عبد الرحيم سعيد. الطبعة الأولى (1407 هـ). مكتبة المنار - الأردن. 191 - شرح معاني الآثار: لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي. تحقيق: محمد زهري النجار. الطبعة الأولى (1399 هـ). دار الكتب العلمية - بيروت. 192 - شرف أصحاب الحديث: للخطيب البغدادي: تحقيق: محمد سعيد خطيب أوغلي. دار إحياء السنة النبوية. 193 - الشريعة: للآجري، تحقيق: محمد حامد الفقي 1403 هـ، باكستان. وتحقيق: عبد الله الدميجي، الطبعة الأولى (1418 هـ)، دار الوطن، الرياض. 194 - شعب الإيمان: للبيهقي، تحقيق: بسيوني زغلول، الطبعة الأولى (1410 هـ) دار الكتب العلمية، بيروت. 195 - الشمائل: للترمذي، علق عليه: عزت عبيد الدعاس، ط. مؤسسة الزعبي، حمص. 196 - الصحاح: لإسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، الطبعة الثانية (1402 هـ)، 197 - صحيح ابن خزيمة: لمحمد بن إسحاق بن خزيمة. تحقيق: الدكتور محمد مصطفى الأعظمي. الطبعة الأولى، المكتب الإسلامي، بيروت.

198 - صحيح البخاري: اعتنى به: محمد زهير الناصر، الطبعة الأولى (1422 هـ)، دار طرق النجاة، بيروت. 199 - صحيح البخاري: (مع شرحه فتح الباري)، تحقيق: بإشراف الشيخ عبد العزيز بن باز، ترقيم: محمد فؤاد عبد الباقي، توزيع إدارات البحوث العلمية والإفتاء، بالرياض. 200 - صحيح الترغيب والترهيب: لمحمد ناصر الدين الألباني، دار المعارف، بالرياض. 201 - الصمت وآداب اللسان: لعبد الله بن محمد بن عبيد القرشي = ابن أبي الدنيا. تحقيق: أبي إسحاق الحويني الأثري. الطبعة الأولى (1410 هـ) دار الكتاب العربي. وتحقيق: نجم خلف، دار الغرب، بيروت. 202 - صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط وحمايته من الإسقاط والسقط: لأبي عمرو ابن الصلاح، تحقيق: موفق عبد القادر، دار الغرب الإسلامي. 203 - الضعفاء: لأبي زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي (ضمن كتاب: أبو زرعة الرازي وجهوده في السنة النبوية) تحقيق: الدكتور سعدي الهاشمي. الطبعة الثانية (1409 هـ) دار الوفاء - المنصورة، مكتبة ابن القيم - المدينة المنورة. 204 - الضعفاء الصغير: لمحمد بن إسماعيل البخاري. تحقيق: بوران الضناوي. الطبعة الأولى (1404 هـ) عالم الكتب - بيروت. 205 - الضعفاء الكبير: لأبي جعفر محمد بن عمرو بن موسى العقيلي. تحقيق: الدكتور عبد المعطي قلعجي. الطبعة الأولى (1404 هـ) دار الكتب العلمية - بيروت. وتحقيق: حمدي السلفي، الطبعة الأولى (1420 هـ)، دار الصميعي.

206 - الضعفاء والمتروكين: لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي القرشي = ابن الجوزي. تحقيق: أبي الفداء عبد الله القاضي. الطبعة الأولى (1406 هـ). دار الكتب العلمية - بيروت. 207 - الضعفاء والمتروكين: لأحمد بن شعيب بن علي النسائي. تحقيق: بوران الضناوي، وكمال يوسف حوت. الطبعة الأولى (1405 هـ) مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت. 208 - الضعفاء: لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني. تحقيق: فاروق حمادة. الطبعة الأولى (1405 هـ) دار الثقافة - الدار البيضاء. 209 - ضعيف الأدب المفرد: للشيخ/ محمد ناصر الدين الألباني. الطبعة الأولى (1414 هـ) دار الصديق - السعودية. 210 - ضعيف الجامع الصغير وزياداته ((الفتح الكبير)): للشيخ/ محمد ناصر الدين الألباني. الطبعة الثانية (1408 هـ). المكتب الإسلامي - بيروت. 211 - طبقات الشافعية الكبرى: لتاج الدين عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي = ابن السبكي. تحقيق: محمود محمد الطناحي وعبد الفتاح محمد الحلو. الطبعة الأولى (1383 هـ) تصوير مكتبة ابن تيمية - القاهرة. 212 - الطبقات الكبرى: لمحمد بن سعد كاتب الواقدي: (أ) تحقيق: إحسان عباس. تصوير دار صادر - بيروت. (ب) تحقيق: زياد محمد الطبعة الثانية (1408 هـ) مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة. (ج) تحقيق: د. محمد بن صامل السلمي. الطبعة الأولى (1414 هـ) مكتبة الصديق - الطائف. 213 - الطبقات: لأبي عمرو خليفة بن خياط = شباب العصفري. تحقيق: الدكتور أكرم ضياء العمري. الطبعة الثانية (1402 هـ) دار طيبة - الرياض. 214 - عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي: لابن العربي المالكي، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت.

215 - العرش: لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق: محمد بن خليفة التميمي، الطبعة الأولى (1420 هـ)، مكتبة أضواء السلف، الرياض. 216 - عشرة النساء: للإمام أبي عبد الرحمن النسائي، تحقيق: عمرو علي عمر، مكتبة السنة (1408 هـ)، القاهرة. 217 - علل الحديث: لعبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي = ابن أبي حاتم. تحقيق: محب الدين الخطيب. تصوير دار المعرفة، بيروت: (1405 هـ). 218 - العلل الصغير: للترمذي (بذيل جامع الترمذي). تحقيق: إبراهيم عطوة عوض. تصوير دار إحياء التراث العربي، بيروت. 219 - العلل الكبير للترمذي: بترتيب أبي طالب القاضي. تحقيق ودراسة: حمزة ديب مصطفى. الطبعة الأولى (1406 هـ) مكتبة الأقصى - عمان. 220 - العلل المتناهية في الأحاديث الواهية: لابن الجوزي، تحقيق: إرشاد الحق الأثري، إدارة ترجمان السنة، لاهور، باكستان. 221 - العلل الواردة في الأحاديث النبوية: للدارقطني. تحقيق: الدكتور محفوظ الرحمن السلفي. الطبعة الأولى (1405 - 1412 هـ) دار طيبة - المدينة المنورة. 222 - العلل ومعرفة الرجال: للإمام أحمد بن محمد بن حنبل (برواية المروذي وغيره). تحقيق: وصي الله عباس. الطبعة الأولى (1408 هـ) الدار السلفية، الهند. 223 - العلل ومعرفة الرجال: للإمام أحمد بن محمد بن حنبل (رواية ابنه عبد الله بن أحمد عنه). تحقيق: وصي الله عباس. الطبعة الأولى (1408 هـ) المكتب الإسلامي - بيروت. وطبعة دار الخاني، الرياض. 224 - العلل: لعلي بن عبد الله بن جعفر السعدي = ابن المديني. تحقيق. محمد مصطفى الأعظمي. الطبعة الثانية (1980 م) المكتب الإسلامي - بيروت.

225 - علوم الحديث: لابن الصلاح. تحقيق: نور الدين عتر، الطبعة الثالثة (1401 هـ)، دار الفكر، دمشق. 226 - عمدة الأحكام: لعبد الغني بن عبد الواحد المقدسي، تحقيق: نظر الفاريابي، الطبعة الأولى (1423 هـ)، دار طيبة، الرياض. 227 - عمل اليوم والليلة: لأبي بكر ابن السني، تحقيق: بشير محمد عيون، الطبعة الأولى (1407 هـ)، مكتبة دار البيان، دمشق. 228 - عمل اليوم والليلة: للنسائي، تحقيق: فاروق حمادة الطبعة الثانية (1406 هـ)، مؤسسة الرسالة، بيروت. 229 - عون المعبود شرح سنن أبي داود: لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي. الطبعة الثالثة (1399 هـ)، دار الفكر - بيروت. 220 - العين: لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي، تحقيق: مهدي المخزومي، وإبراهيم السامرائي، وزارة الثقافة في الجمهورية العراقية، 1980 دار الرشيد للنشر. 231 - غاية المرام في تخريج الحلال والحرام: للشيخ الألباني، المكتب الإسلامي. 232 - غريب الحديث: للخطابي، تحقيق: عبد الكريم العزباوي، 1402 هـ، جامعة أم القرى. 233 - غريب الحديث: لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي، تحت مراقبة محمد معيد خان، الطبعة الأولى (1384 هـ)، دائرة المعارف العثمانية، الهند. مصورة دار الكتاب العربي، بيروت. 234 - الغريبين - غريبي القرآن والحديث -: لأبي عبيد أحمد بن محمد الهروي، الطبعة الأولى (1406 هـ)، بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، الهند.

235 - غوامض الأسماء المبهمة الواقعة في متون الأحاديث: لأبي القاسم خلف بن عبد الملك = ابن بشكوال، تحقيق: عز الدين علي السيد، ومحمد بن كمال الدين، الطبعة الأولى (1407 هـ)، عالم الكتب، بيروت. 236 - الغيلانيات: لأبي بكر محمد بن عبد الله الشافعي، تحقيق: حلمي عبد الهادي، دار ابن الجوزي. وتحقيق: مرزوق الزهراني، دار المأمون للتراث. 237 - الفائق في غريب الحديث: للزمخشري، تحقيق: علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الثانية، عيسى البابي الحلبي. 238 - فتاوى ابن الصلاح: تحقيق: عبد المعطي قلعجي، الطبعة الأولى (1403 هـ)، عالم الكتب، بيروت. 239 - فتاوي النووي- المسماة: "بالمسائل المنثورة ": ترتيب تلميذه الشيخ علاء الدين بن العطار، تحقيق: محمد الحجار، الطبعة السادسة (1417 هـ)، دار البشائر الإسلامية، بيروت. 240 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري: لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني. تحقيق: محب الدين الخطيب، وراجعه قصي محب الدين الخطيب. مصورة الطبعة السلفية، دار المعرفة- بيروت. 241 - فتح الباري شرح صحيح البخاري: لابن رجب الحنبلي (ت 795 هـ) تحقيق: جماعة من الباحثين. ط مكتبة الغرباء الأثرية. الطبعة الأولى عام (1417 هـ). 242 - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي: لأبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن السخاوي. تحقيق: علي حسين علي. الطبعة الثانية (1412 هـ) تصوير دار الإمام الطبري. 243 - فتح الوهاب بتخريج أحاديث الشهاب: لأحمد بن محمد بن الصديق الحسني الغماري. تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي. الطبعة الأولى (1408 هـ) عالم الكتب - بيروت.

244 - الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية: لمحمد بن علان الشافعي، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 245 - الفصل للوصل المدرج في النقل: لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي، تحقيق: محمد بن مطر الزهراني. الطبعة الأولى (1418 هـ) دار الهجرة - الدمام. 246 - فضائل الصحابة: للإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل، تحقيق: وصي الله عباس، الطبعة الأولى (1403 هـ)، مؤسسة الرسالة - بيروت. 247 - فضائل الصحابة: للنسائي، تحقيق: فاروق حمادة، الطبعة الأولى (1404 هـ)، دار الثقافة، الدار البيضاء، المغرب. 248 - فضائل القرآن: لأبي عبيد القاسم بن سلام، تحقيق: وهبي غاوجي، الطبعة الأولى (1411 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت. 249 - فضائل القرآن: لأبي عبد الله محمد بن أيوب = ابن الضريس، تحقيق. غزوة بدير، الطبعة الأولى (1408 هـ)، دار الفكر، دمشق. 250 - الفقه الإسلامي وأدلته: لوهبة الزحيلي، الطبعة الثالية (1409 هـ)، دار الفكر، دمشق. 251 - الفقيه والمتفقه: لأحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي. تحقيق: إسماعيل الأنصاري. الطبعة الثانية (1410 هـ) دار الكتب العلمية - بيروت. 252 - الفوائد: لأبي حفص عمر بن أحمد = ابن شاهين، مجموع فيه مصنفات الحافظ أبي حفص، تحقيق: بدر عبد الله البدر، الطبعة الأولى (1415 هـ)، دار ابن الأثير، الكويت. 253 - الفوائد: لأبي القاسم تمام بن محمد الرازي، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، الطبعة الأولى (1412 هـ)، مكتبة الرشد، الرياض. 254 - فيض القدير بشرح الجامع الصغير: لعبد الرؤف المناوي، دار المعرفة، بيروت.

255 - القاموس المحيط: لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي. تحقيق. مكتب تحقيق التراث بالرسالة. الطبعة الثانية (1407 هـ) مؤسسة الرسالة- بيروت. 256 - القراءة خلف الإمام: للبيهقي (ت 458 هـ) ط المكتبة الأثرية - باكستان. 257 - القراءة خلف الإمام: لمحمد بن إسماعيل البخاري. الطبعة الأولى (1405هـ) دار الكتب العلمية - بيروت. 258 - القِرى لقاصد أم القرى: لمحب الدين أحمد بن عبد الله الطبري علق عليه: مصطفى السقا، نشر شركة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر. 259 - القول البديع: للسخاوي: تحقيق: بشير محمد عيون - طبعة مكتبة المؤيد. 260 - القول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد: لابن حجر العسقلاني، طبعة اليمامة، دمشق (1985). 261 - الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة: لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي: قدم له وعلق عليه: محمد عوامة، وخرج نصوصه أحمد نمر الخطيب. الطبعة الأولى (1413هـ). دار القبلة- مؤسسة علوم القرآن. 262 - الكامل في ضعفاء الرجال: لأبي أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني: تحقيق: الدكتور سهيل زكار، وقراءة وتدقيق يحيى مختار غزاوي. الطبعة الثالثة (1409هـ)، دار الفكر، بيروت. والطبعة الثانية (1405هـ)، دار الفكر بيروت. 263 - كتاب الصيام: لأبي بكر جعفر بن محمد الفريابي، تحقيق: عبد الوكيل الندوي. الطبعة الأولى (1412هـ) الدار السلفية - الهند. 264 - كتاب المناسك وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة: لأبي إسحاق الحربي، تحقيق: حمد الجاسر، الطبعة الثانية (1401هـ) دار اليمامة، الرياض. 265 - كتاب النكت على ابن الصلاح: للزركشي، تحقيق: زين العابدين بن محمد، الطبعة الأولى (1419 هـ)، مكتبة أضواء السلف، الرياض.

266 - كشف الأستار عن زوائد البزار: لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي. تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي. الطبعة الأولى (1399 هـ -1405هـ). مؤسسة الرسالة - بيروت. 267 - الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ت 463 هـ. دار الكتب العلمية - بيروت. 268 - كنز العمال للمتقى الهندي ضبط وتصحيح بكري حياتي وصفوت السقا مؤسسة الرسالة بيروت 1399هـ. 269 - الكنى والأسماء: لأبي بشر محمد بن أحمد بن حماد الدولابي. الطبعة الأولى (123هـ). مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية - الهند. 270 - الكنى: لمحمد بن إسماعيل البخاري. الطبعة الأولى (1360هـ). دائرة المعارف النظامية - الهند. تصوير دار الكتب العلمية - بيروت. 271 - الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة: لأبي البركات محمد ابن أحمد = ابن الكيال. تحقيق: عبد القيوم عبد رب النبي. الطبعة الأولى (1410هـ). دار المأمون - بيروت. 272 - لسان العرب: لجمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور المصري. الطبعة الأولى (1410 هـ - 1990 م) دار الفكر - دار صادر - بيروت. 273 - لسان الميزان: لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني. الطبعة الأولى (1329 هـ) مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية - الهند. تصوير مؤسسة الأعلمي - بيروت، (1390 هـ). وطبعة الشيخ أبو غدة. 274 - المؤتلف والمختلف: لأبي الحسن علي بن عمر البغدادي = الدارقطني. تحقيق: الدكتور موفق بن عبد الله بن عبد القادر. الطبعة الأولى (1406هـ). دار الغرب الإسلامي - بيروت.

275 - المؤتلف والمختلف: لعبد الغني بن سعيد الأزدي المصري، تحقيق: محمد محيي الدين الجعفري. الطبعة الأولى (1327هـ) بالهند. 276 - المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين: لأبي حاتم محمد بن حبان التيمي البستي. تحقيق: محمود إبراهيم زايد، دار الوعي، بحلب، الطعبة الأولى، 1396هـ. 277 - مجمع البحرين في زوائد المعجمين: للهيثمي، تحقيق: عبد القدوس نذير، مكتبة الرشد، الرياض. 278 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: للهيثمي، دار الكتاب العربي 1402 هـ، بيروت. 279 - مجمل اللغة: لابن فارس، تحقيق: زهير عبد المحسن، الطبعة الأولى (1404هـ)، مؤسسة الرسالة، بيروت. 280 - المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث: لأبي موسى المديني، تحقيق: عبد الكريم الغرباوي، نشر مركز البحث العلمي، بجامعة أم القرى. 281 - المجموع شرح المهذب: للنووي، تحقيق: محمد نجيب المطيعي، نشر مكتبة الإرشاد جدة، وطبعة: دار الفكر، بيروت. 282 - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: جمع وترتيب: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، تصوير الطبعة الأولى 1398هـ. وطبعة دار العربية، بيروت. 283 - محاسن الاصطلاح وتضمين كتاب ابن الصلاح: للبلقيني. تحقيق: عائشة بنت الشاطئ. ط مطبعة دار الكتب - القاهرة. 284 - المحدث الفاصل بين الراوي والواعي: للقاضي الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي. تحقيق: محمد عجاج الخطيب. الطبعة الثالثة (1404 هـ). في دار الفكر، بيروت.

285 - المحلى: لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد = ابن حزم الأندلسي، طبعة مقابلة على النسخة التي حققها الشيخ أحمد محمد شاكر. طبع دار الفكر. 286 - مختصر سنن أبي داود: لعبد العظيم بن عبد القوي المنذري، تحقيق: محمد حامد فقي، نشر مكتبة السنة المحمدية. ومعه: معالم السنن للخطابي، وتهذيب ابن القيم لسنن أبي داود. 287 - مختصر قيام الليل: لمحمد بن نصر المروزي، اختصار: تقي الدين أحمد بن علي المقريزي، الطبعة الأولى (1402هـ) المطبعة العربية، باكستان. 288 - المدخل إلى الإكليل: لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري. تحقيق: فؤاد عبد المنعم أحمد، الطبعة الأولى (1983 م)، دار الدعوة، الإسكندرية. 289 - المدخل إلى السنن الكبرى: لأحمد بن الحسين البيهقي. تحقيق: الدكتور محمد ضياء الرحمن الأعظمي. الطبعة الأولى، دار الخلفاء، الكويت. 290 - المدخل إلى الصحيح: لأبي عبد الله محمد بن محمد الحاكم النيسابوري. تحقيق: إبراهيم الكليب، مطبعة العبيكان، الرياض. 291 - المراسيل: لابن أبي حاتم، تحقيق: شكر الله قوجاني، نشر مؤسسة الرسالة. 292 - المراسيل: لأبي داود، تحقيق: شعيب الأرناؤوط. الطبعة الأولى (1408هـ) مؤسسة الرسالة - بيروت. 293 - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: لعبيد الله المباركفوري، مطبعة الجامعة السلفية، بنارس الهند. 294 - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: لملا علي القاري، تصوير: دار إحياء التراث العربي، وطبعة دار الفكر، بتحقيق: صدقي محمد العطار (1414هـ). 295 - مرويات الإمام الزهري المعلة في كتاب العلل للدارقطني: لعبد الله دمفو، الطبعة الأولى (1419هـ)، مكتبة الرشد، الرياض.

296 - المستدرك على الصحيحين: لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري. الطبعة الأولى (1334هـ) دائرة المعارف العثمانية - الهند. تصوير دار المعرفة. 297 - المسند: للشاشي، تحقيق: محفوظ الرحمن زين الله، مكتبة العلوم والحكم، المدينة النبوية. 298 - المسند: للإمام أحمد بن محمد بن حنبل: الطبعة الأولى (1313هـ) القاهرة. ودار صادر والمكتب الإسلامي، بيروت. وطبعة أحمد شاكر، نشر دار المعارف. 299 - مسند أبي بكر الصديق: لأبي بكر للمروزي، تحقيق: شعيب الأرناؤط نشر الكتب الإسلامي، بيروت. 300 - مسند البزار - البحر الزخار -: تحقيق: محفوظ الرحمن زين الله. الطبعة الأولى (1409هـ)، مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة. 301 - مسند الشافعي: نشر: دار الكتب العلمية، بيروت. 302 - مسند الشهاب: للقضاعي، تحقيق: حمدي السلفي، مؤسسة الرسالة، بيروت. 303 - مسند علي بن الجعد: جمع: أبي القاسم عبد الله بن محمد البغوي، تحقيق: عبد المهدي بن عبد القادر، نشر مكتبة الفلاح، الكويت. 304 - المسند: لأبي داود سليمان بن داود بن الجارود = الطيالسي، تصوير دار المعرفة، بيروت. والطبعة الأولى (1419هـ)، من هجر، بتحقيق: محمد عبد المحسن التركي. 305 - المسند: لأبي يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي. تحقيق: حسين الأسد. الطبعة الأولى (1404هـ) دار المأمون للتراث - دمشق. 306 - المسند: للحميدي، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي. دار الكتب العلمية، بيروت. وبتحقيق: حسين سليم أسد، دار السقا، دمشق، داريا.

307 - مشارق الأنوار على صحاح الآثار: لقاضي عياض، نشر المكتبة العتيقة تونس، ودار التراث، القاهرة. 308 - مشكاة المصابيح: للخطيب التبريزي، تحقيق: الشيخ محمد بن ناصر الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت 1399هـ. 309 - مشكل الحديث وبيانه: لأبي بكر محمد بن الحسن بن فورك، تحقيق: عبد المعطي قلعجي، الطبعة الأولى (1402 هـ)، الناشر دار الوعي، حلب. 310 - مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه: للشهاب أحمد بن أبي بكر البوصيري، تحقيق: الكشناوي 1402هـ، وتحقيق: موسى محمد علي، وعزت عطية. 311 - المصنف في الأحاديث والآثار: لأبي بكر عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان العبسي = ابن أبي شيبة. تحقيق: عبد الخالق الأفغاني. نشر الدار السلفية، بومبائي، الهند. 312 - المصنف: لعبد الرزاق بن همام الصنعاني. تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي. طبع المكتب الإسلامي، بيروت. 313 - المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: لابن حجر العسقلاني، تحقيق: أبي بلال غنيم بن عباس وأبي تميم ياسر بن إبراهيم، الطبعة الأولى (1418هـ)، دار الوطن، الرياض. وتحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي. 314 - معالم التنزيل: للبغوي، تحقيق: محمد النمر وزملائه، الطبعة الثانية (1414هـ)، دار طيبة، الرياض. 315 - معالم السنن شرح سنن أبي داود: لأبي سليمان حمد بن محمد الخطابي، اعتنى به: عبد السلام عبد الشافي، الطبعة الأولى (1411هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت. وطبعة: مع مختصر سنن أبي داود: للمنذري، وتهذيب ابن قيم الجوزية) تحقيق: محمد حامد فقي. نشر مكتبة السنة المحمدية، القاهرة.

316 - المعجم الأوسط: للطبراني، تحقيق: طارق عوض وزملائه. ط. دار الحرمين، الطبعة الأولى (1415هـ). 317 - معجم البلدان: لياقوت الحموي، دار الكتاب العربي، بيروت. 318 - معجم الصحابة: لأبي الحسين عبد الباقي بن قانع، علق عليه: أبو عبد الرحمن صلاح المصراتي، الطبعة الأولى (1418هـ)، مكتبة الغرباء الأثرية بالمدينة النبوية. 319 - المعجم الصغير: لأبي القاسم بن أحمد بن أيوب = الطبراني. مع تخريجه (الروض الداني). تحقيق: محمد شكور محمود الحاج أمرير. الطبعة الأولى (1405هـ) المكتب الإسلامي. بيروت، ودار عمار - عمان. 320 - المعجم الكبير: للحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، الطبعة الثانية، مطبعة الزهراء الحديثة، موصل. 321 - المعجم في أسامي شيوخ أبي بكر الإسماعيلي، لأبي بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي، تحقيق: زياد بن منصور، الطبعة الأولى (1410هـ)، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة. 322 - معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع: لعبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي، تحقيق: مصطفى السقا، الطبعة الثالثة (1403هـ)، عالم الكتب. 323 - معجم مقاييس اللغة: لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا. تحقيق: عبد السلام محمد هارون. تصوير دار الكتب العلمية - بيروت. 324 - معرفة الثقات من رجال أهل العلم والحديث ومن الضعفاء وذكر مذاهبهم وأخبارهم: لأبي الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي (بترتيب الهيثمي والسبكي). تحقيق: عبد العليم عبد العظيم البستوي. الطبعة الأولى (1405 هـ) مكتبة الدار - بالمدينة المنورة.

325 - معرفة الرجال: ليحيى بن معين (رواية: أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز) تحقيق: محمد كامل القصار، ومحمد مطيع حافظ، وغزوة بدير. الطبعة الأولى (1405هـ) مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق. 326 - معرفة السنن والآثار: للبيهقي وتحقيق: عبد المعطي قلعجي، الطبعة الأولى (1412 هـ)، جامعة الدراسات الإسلامية، ودار قتيبة، ودار الوعي. 327 - معرفة الصحابة: لأبي نعيم الأصبهاني، تحقيق: عادل العزازي، الطبعة الأولى (1419هـ)، دار الوطن، الرياض. 328 - معرفة علوم الحديث: لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري. تحقيق: السيد معظم حسين. الطبعة الثانية (1397هـ). المكتبة العلمية، المدينة المنورة. 329 - المعرفة والتاريخ: لأبي يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي. تحقيق: د. أكرم ضياء العمري. الطبعة الأولى (1410هـ). مكتبة الدار - المدينة المنورة. 330 - المعلم بفوائد مسلم: لأبي عبد الله محمد بن علي لمازري، تحقيق: الشيخ محمد الشاذلي النيفر، الطبعة الثانية (1992م) دار الغرب الإسلامي بيروت. 331 - المغانم المطابة في معالم طابة (قسم المواضع): لأبي الطاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، تحقيق: حمد الجاسر، الطبعة الأولى (1389هـ) دار اليمامة. 332 - المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الأحياء من الأخبار: للعراقي (ت 806 هـ) اعتناء أشرف عبد المقصود. ط دار طبرية - الرياض. الطبعة الأولى (1415هـ). 333 - المغني في الضعفاء: للإمام محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. تحقيق: نور الدين عتر. بدون ذكر مصدر الطبع.

334 - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: لأبي العباس القرطبي. تحقيق: محيي الدين ديب مستو وغيره، الطبعة الأولى (1417 هـ). دار ابن كثير، ودار الكلم الطيب، دمشق - بيروت. 335 - المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة: لمحمد بن عبد الرحمن السخاوي. تحقيق: عبد الله محمد الصديق. الطبعة الأولى (1399هـ). دار الكتب العلمية - بيروت. 336 - المقنع في علوم الحديث: لابن الملقن: تحقيق: عبد الله بن يوسف الجديع. الطبعة الأولى (1413هـ). دار فواز - الأحساء. 337 - من روى عن أبيه عن جده: لقاسم بن قطلويغا، تحقيق: باسم الجوابرة، الطبعة الأولى (1409هـ)، مكتبة المعلا، الكويت. 338 - من كلام أبي زكريا يحيى بن معين في الرجال: رواية أبي خالد الدقاق يزيد بن الهيثم ابن طهمان البادي. تحقيق: د. أحمد محمد نور السيف. دار المأمون للتراث، دمشق - بيروت. 339 - المنار المنيف في الصحيح والضعيف: لحمد بن أبي بكر الدمشقي = ابن قيم الجوزية. تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة. الطبعة الأولى (1390 هـ). مكتبة المطبوعات الإسلامية - حلب. 340 - مناقب الشافعي: لأحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق: السيد أحمد صقر، دار التراث، القاهرة. 341 - المناهل السلسلة في الأحاديث المسلسلة: لمحمد عبد الباقي الأيويي، الطبعة الأولى (1403هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت. 342 - المنتخب من مسند عبد بن حميد: لأبي أحمد عبد بن حميد الكشي، تحقيق: مصطفى العدوي، نشر دار الأرقم، الكويت. ودار ابن حجر، مكة المكرمة.

343 - المنتقى من أخبار المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: لمجد الدين أبي البركات عبد السلام بن تيمية، علق عليه: محمد حامد الفقي، طبع ونشر: إدارات البحوث العلمية والإفتاء بالرياض. (1403هـ). 344 - المنتقى من السنن المسندة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لأبي محمد عبد الله بن علي بن الجارود، نشره: عبد الله هاشم اليماني المدينة 1382هـ. طبعة دار القلم، بيروت. 345 - المنهاج شرح صحيح مسلم: للنووي، الطبعة الأولى (1412هـ)، مؤسسة قرطبة. 346 - منهج الإمام أبي عبد الرحمن النسائي في الجرح والتعديل وجمع أقواله في الرجال: لقاسم علي سعد، الطبعة الأولى (1422هـ)، دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث، الإمارات العربية المتحدة، دبي. 347 - الموضح لأوهام الجمع والتفريق: لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي. تحقيق: عبد الرحمن بن يحيى المعلمي. الطبعة الثانية (1405هـ). تصوير دار الفكر الإسلامي. 348 - الموضوعات لابن الجوزي تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان 1386هـ، وطبعة أضواء السلف، الرياض. 349 - موطأ الإمام مالك: برواية يحيى الليثي، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب الإسلامية، عيسى البابي الحلبي، القاهرة. 350 - موطأ الإمام مالك: برواية أبي مصعب الزهري، تحقيق: بشار عواد معروف. 351 - الموقظة في علم مصطلح الحديث: للذهبي (ت 748 هـ) بتحقيق: عبد الفتاح أبو غدة. ط مكتب المطبوعات الإسلامية - حلب. الطبعة الأولى عام (1405هـ). 352 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال: لمحمد بن أحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. تحقيق: علي محمد البجاوي. الطبعة الأولى (1412هـ). دار المعرفة - بيروت.

353 - نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار: لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ج 12). تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي. الطبعة الأولى (1406هـ 1411هـ). مكتبة المثنى: بغداد، ومكتبة ابن تيمية: القاهرة. 354 - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة: ليوسف بن تغري بردي الأتابكي، نسخة مصورة عن نسخة دار الكتب المصرية. القاهرة. 355 - نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر: لابن حجر العسقلاني (852 هـ) تحقيق: علي بن حسن الحلبي. ط دار ابن الجوزي. الطبعة الأولى (1413 هـ). 356 - نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية: لجمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي. الطبعة الثانية (1393هـ)، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 357 - النكت الظراف على الأطراف: لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (بحاشية تحفة الأشراف للمزي). تحقيق: عبد الصمد شرف الدين. الطبعة الثانية (1403هـ)، المكتب الإسلامي: بيروت، والدار القيمة: الهند. 358 - النكت على عمدة الأحكام: للزركشي، تحقيق: نظر الفريابي، الطبعة الأولى (1423 هـ)، مكتبة الرشد، الرياض. 359 - النكت على كتاب ابن الصلاح: لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني. تحقيق الدكتور ربيع هادي عمير. الطبعة الأولى (1404 هـ). طبع الجامعة الإسلامية، بالمدينة المنورة. 360 - النكت على مقدمة ابن الصلاح: لأبي عبد الله محمد الزركشي، تحقيق: زين العابدين بن محمد، الطبعة الأولى (1419 هـ). أضواء السلف، الرياض. 361 - النهاية في غريب الحديث والأثر: لمجد الدين المبارك بن محمد الجزري ابن الأثير. تحقيق: طاهر أحمد الزاوي ومحمود الطناحي. الطبعة الثانية (1399هـ) دار الفكر.

§1/1