كشف المخدرات

البعلي، عبد الرحمن بن عبد الله

الجزء 1

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَبِه العون الْحَمد لله الَّذِي شرح صدر من أَرَادَ بِهِ خيرا للتفقه فِي الدّين، وأعز الْعلم وَرفع أَهله العاملين بِهِ الْمُتَّقِينَ، فسبحانه من إِلَه، من توكل عَلَيْهِ كَانَ من الفائزين، أَحْمَده وأشكره على نعم لَا تحصى وإياه أستعين، وأستغفره وَأَتُوب إِلَيْهِ إِنَّه يحب التوابين والمستغفرين. وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ فِي الْعَالمين، وَأشْهد أَن سيدنَا مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله الْأمين، وَبِذَلِك أمرت وَأَنا أول الْمُسلمين، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وعَلى آله الطاهرين، وعَلى أَصْحَابه نُجُوم الدّين، الَّذين جاهدوا فِي الله حق جهاده وبذلوا نُفُوسهم وَأَمْوَالهمْ حَتَّى أَقَامُوا دينه وتمسكوا بحبله المتين، وعَلى تابعيهم بِإِحْسَان إِلَى يَوْم الدّين، وَسلم تَسْلِيمًا. وَبعد: فَإِن الِاشْتِغَال بِعلم الشَّرِيعَة الشَّرِيفَة من أجل الْعُلُوم قدرا، وَأَعْظَمهَا فخرا، خُصُوصا علم الْحَلَال وَالْحرَام، الَّذِي بِهِ قوام الْأَنَام، لِأَنَّهُ تحصل بِهِ سَعَادَة الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، ويبلغ صَاحبه ببركته الْمَرَاتِب الفاخرة. وَلما رَأَتْ الْكتاب الموسوم ب " أخصر المختصرات " تأليف الشَّيْخ الإِمَام والحبر الْعُمْدَة العلام، فريد عصره وزمانه، ووحيد دهره وأوانه، شيخ الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين، وزين الْعلمَاء العاملين، عُمْدَة أهل التَّحْقِيق،

وزبدة أهل التدقيق، مُحَمَّد بن بدر الدّين بن عبد الْقَادِر بن بلبان الخزرجي القادري الْحَنْبَلِيّ - صَاحب الْفَضَائِل الجمة وَالْقدر الْعلي، أهطل الله عَلَيْهِ سحائب لطفه ورضوانه، ومتعه بلذيذ رُؤْيَته فِي أَعلَى جناته - فِي غَايَة الوقع الحميد، وَعظم النَّفْع للمريد، غير أَنه يحْتَاج إِلَى شرح يكْشف عَن وُجُوه مخدراته النقاب، يبرز مَا خَفِي من مكنوناته وَرَاء الْحجاب، فاستخرت الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَن أشرحه شرحا لطيفا، لَيْسَ بالطويل الممل، وَلَا بالقصير المخل، إِذْ الهمم قد قصرت، وَالرَّغْبَة فِي طلب الْعلم قد فترت. وشمرت عَن ساعد الِاجْتِهَاد، وَطلبت مِنْهُ المعونة والسداد، وَالْهِدَايَة إِلَى سَبِيل الرشاد، وَأَسْتَغْفِر الله تَعَالَى عَمَّا يَقع لي من الْخلَل فِي بعض الْمسَائِل، فَإِن الْإِنْسَان مَحل النسْيَان، وأسال من وقف عَلَيْهِ أَن يستر زللي، فَإِن بضاعتي مزجاة وَلست من أهل هَذَا الميدان، وَلَكِن علقته لنَفْسي وَلمن شَاءَ الله تَعَالَى من بعدِي من الإخوان، وَأَعُوذ بِاللَّه من شَرّ الْحَسَد والطغيان. وأسأله تَعَالَى أَن يَجعله خَالِصا لوجهه الْكَرِيم، مُوجبا للفوز لَدَيْهِ بجنات النَّعيم، إِنَّه أكْرم الأكرمين، وأرحم الرَّاحِمِينَ، ذُو الْجُود والامتنان، وسميته: " كشف المخدرات والرياض المزهرات لشرح أخصر المختصرات ". وَالله المسؤول أَن ينفع بِهِ كَمَا نفع بِأَصْلِهِ، وَأَن يعاملنا بمنه وفضله، إِنَّه جواد كريم، غَفُور رَحِيم.

بسم الله الرحمن الرحيم

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قَالَ المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى وَعَفا عَنهُ: (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم) تأسيا بِالْكتاب الْعَزِيز وَعَملا بِحَدِيث: كل أَمر ذِي بَال لَا يبْدَأ فِيهِ بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَهُوَ أَبتر أَي ذَاهِب الْبركَة رَوَاهُ الْخَطِيب بِهَذَا اللَّفْظ فِي كِتَابه الْجَامِع والحافظ عبد الْقَادِر الرهاوي. وَالْبَاء فِي الْبَسْمَلَة للمصاحبة أَو الِاسْتِعَانَة مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف وَتَقْدِيره فعلا أولى لِأَن الأَصْل فِي الْعَمَل للأفعال. وَالله علم على الذَّات الْوَاجِب الْوُجُود الْمُسْتَحق لجَمِيع المحامد المنزه عَن جَمِيع النقائص. وَقَالَ الْأَكْثَر: إِنَّه الِاسْم الْأَعْظَم.

والرحمن الرَّحِيم وصفان لله تَعَالَى مشتقان من الرَّحْمَة والرحمن أبلغ من الرَّحِيم لِأَن زِيَادَة الْبناء تدل على زِيَادَة الْمَعْنى غَالِبا. وَمعنى الرَّحْمَن المفيض لجلائل النعم والرحيم المفيض لدقائقها. وَمعنى ذِي بَال أَي حَال يهتم بِهِ شرعا. (الْحَمد لله) أَي الْوَصْف بالجميل الِاخْتِيَارِيّ على قصد التَّعْظِيم ثَابت لله تَعَالَى. وَالْحَمْد عرفا فعل يُنبئ عَن تَعْظِيم الْمُنعم من حَيْثُ إِنَّه منعم على الحامد وَغَيره. وَبَدَأَ بذلك لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: كل أَمر ذِي بَال لَا يبْدَأ فِيهِ بِالْحَمْد لله فَهُوَ أقطع وَفِي رِوَايَة بِحَمْد الله وَفِي رِوَايَة: كل كَلَام لَا يبْدَأ فِيهِ بِالْحَمْد لله فَهُوَ أَجْذم. (المفقه) أَي الْمُفْهم (من شَاءَ) أَي أَرَادَ (من خلقه) أَي مخلوقاته (فِي الدّين) وَهُوَ مَا شَرعه الله تَعَالَى من الْأَحْكَام من حرَام وحلال ومكروه ومباح ومندوب. (وَالصَّلَاة) وَهِي من الله تَعَالَى الرَّحْمَة وَمن الْمَلَائِكَة الاسْتِغْفَار وَمن غَيرهم التضرع وَالدُّعَاء. وَتجوز على غير الْأَنْبِيَاء مُنْفَردا على الصَّحِيح عندنَا نَص عَلَيْهِ قَالَه فِي شرح مُخْتَصر التَّحْرِير وَظَاهر سِيَاقه فِيهِ أَنه لَا يكره إِفْرَاد الصَّلَاة عَن السَّلَام عندنَا.

وَقَالَ بِوُجُوب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلما ذكر اسْمه جمَاعَة مِنْهُم ابْن بطة وَالْمُصَنّف من أَصْحَابنَا وَأَقُول كَذَا والحليمي من الشَّافِعِيَّة وَاللَّخْمِيّ من الْمَالِكِيَّة والطَّحَاوِي من الْحَنَفِيَّة. (وَالسَّلَام) مَعْطُوف على الصَّلَاة وَهُوَ التَّحِيَّة أَو السَّلامَة من النقائص والرذائل. (على نبيه) والنبيء بِالْهَمْز من النبأ وَهُوَ الْخَبَر لِأَنَّهُ مخبر عَن الله تَعَالَى. وَبلا همز - وَهُوَ الْأَكْثَر - من النُّبُوَّة وَهِي الرّفْعَة لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَرْفُوع الرُّتْبَة على غَيره من الْخلق أَجْمَعِينَ. (مُحَمَّد) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سمي بِهِ لِكَثْرَة خصاله الحميدة وَهُوَ بدل من نبيه أَو عطف بَيَان (الْأمين) على وَحي الله تَعَالَى (الْمُؤَيد) من أيده الله تَعَالَى أَي قواه (بكتابه) أَي كَلَامه الْمنزل المعجز بِنَفسِهِ المتعبد بتلاوته (الْمُبين) أَي الْمُشْتَمل على بَيَان مَا للنَّاس حَاجَة إِلَيْهِ فِي دينهم ودنياهم (المتمسك بحبله) أَي دين الْإِسْلَام أَو كِتَابه الْعَزِيز (المتين) أَي الشَّديد. (وعَلى آله) وهم أَتْبَاعه على دينه على الصَّحِيح وَقيل: مؤمنو بني هَاشم وَبني الْمطلب وَقيل: أَهله (وَصَحبه) جمع صَحَابِيّ وَهُوَ من صحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سنة أَو شهرا أَو يَوْمًا أَو سَاعَة

أَو رَآهُ فَهُوَ من أَصْحَابه وَهَذَا مَذْهَب أهل الحَدِيث. وَجمع المُصَنّف بَين الْآل والصحب ردا على المبتدعة. (أَجْمَعِينَ) تَأْكِيد للآل والصحب لإِفَادَة الْإِحَاطَة والشمول. (وَبعد) يُؤْتى بهَا للانتقال من أسلوب إِلَى آخر اسْتِحْبَابا فِي الْخطب والمكاتبات؛ لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُولهَا فِي خطبَته وَشبههَا نَقله عَنهُ خَمْسَة وَثَلَاثُونَ صحابيا. (فقد سنح) بِالْحَاء الْمُهْملَة أَي عرض (بخلدي) أَي بقلبي (أَن أختصر) والاختصار هُوَ تَجْرِيد اللَّفْظ الْيَسِير من اللَّفْظ الْكثير مَعَ بَقَاء الْمَعْنى. (كتابي) وَالْكتاب مصدر كتب يكْتب كتبا وَكِتَابَة بِمَعْنى الْجمع لُغَة وَيَأْتِي تَعْرِيفه اصْطِلَاحا فِي كتاب الطَّهَارَة. (الْمُسَمّى بكافي الْمُبْتَدِي) يُشِير المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى إِلَى أَن هَذَا الْكتاب مُخْتَصر من كتاب لَهُ مُسَمّى بكافي الْمُبْتَدِي (الْكَائِن فِي فقه) وَالْفِقْه لُغَة: الْفَهم عِنْد الْأَكْثَر وَهُوَ إِدْرَاك معنى الْكَلَام وَاصْطِلَاحا: معرفَة الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة الفرعية بِالْفِعْلِ أَو بِالْقُوَّةِ الْقَرِيبَة. والفقيه من عرف جملَة غالبة مِنْهَا كَذَلِك. (الإِمَام) أَي الْمُقْتَدِي بِهِ (أَحْمد) رَحمَه الله تَعَالَى (بن مُحَمَّد بن حَنْبَل) الشَّيْبَانِيّ والزاهد الرباني وَالصديق الثَّانِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وأرضاه وَجعل جنَّة الفردوس منقلبه ومثواه وَأعَاد علينا من بركاته وجمعنا بِهِ فِي دَار كرامته. ولد بِبَغْدَاد فِي ربيع الأول سنة أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَة وَتُوفِّي

بهَا يَوْم الْجُمُعَة فِي ثَانِي عشر ربيع الأول سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وَله من الْعُمر سبع وَسَبْعُونَ سنة لَا زَالَت هواطل الرَّحْمَة تفيض على ضريحه. (الصابر) على المحنة كصبر الصّديق الأول أبي بكر رَضِي الله عَنهُ مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لحكم الْملك) أَي المطاع (المبدئ) أَي الْمُبْدع الفاطر لكل الكائنات (ليقرب) تَعْلِيل لأختصر (تنَاوله) أَي أَخذه (على المبتدئين) فِي الطّلب جمع مبتدئ (ويسهل حفظه على الراغبين) فِي الْعلم (ويقل حجمه) والحجم من الشَّيْء ملمسه الناتئ تَحت يدك قَالَه فِي الْقَامُوس (على الطالبين) لَهُ جمع طَالب فجزاه الله خير الْجَزَاء وأناله الدَّرَجَات العلى يَوْم الْجَزَاء. (وسميته) أَي هَذَا الْكتاب: (أخصر المختصرات لِأَنِّي لم أَقف) أَي أطلع (على (مؤلف (أخصر مِنْهُ جَامع لمسائله فِي) كتب (فقهنا من) الْكتب (المؤلفات وَالله) بِالنّصب على المفعولية قدمه لإِفَادَة الْحصْر والاهتمام. (أسأَل) أَي أطلب مِنْهُ (أَن ينفع بِهِ قارئيه) جمع قَارِئ (وحافظيه) جمع حَافظ أَي المتقن (وناظريه) جمع نَاظر أَي متأمليه. (إِنَّه) تقدست أسماؤه وَعز شَأْنه وَعظم سُلْطَانه (جدير) أَي حقيق (بإجابة الدَّعْوَات) وَلَا شكّ وَقد قَالَ تَعَالَى: {أُجِيب دَعْوَة الداع إِذا دعان} وَقَالَ تَعَالَى: {ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم} وَمَا أَمر بِالْمَسْأَلَة إِلَّا ليعطي. (وَالله أسأَل (أَن يَجعله خَالِصا) من الرِّيَاء والسمعة (لوجهه الْكَرِيم) وَأَن يَجعله (مقربا إِلَيْهِ فِي جنَّات النَّعيم) الْمُقِيم (وَمَا توفيقي)

والتوفيق خلق قدرَة الطَّاعَة فِي العَبْد مَعَ الداعية إِلَيْهَا وتسهيل سَبِيل الْخَيْر إِلَيْهِ. ولعزته لم يذكر فِي الْقُرْآن إِلَّا مرّة وَاحِدَة. وضده الخذلان وَهُوَ خلق قدرَة الْمعْصِيَة فِي العَبْد مَعَ الداعية إِلَيْهَا وتسهيل سَبِيل الشَّرّ إِلَيْهِ (واعتصامي) أَي امتناعي من الزلل (إِلَّا بِاللَّه) جلّ وَعلا (عَلَيْهِ توكلت) أَي فوضت أَمْرِي إِلَيْهِ دون مَا سواهُ (وَإِلَيْهِ أنيب) أَي أرجع.

كتاب الطهارة

كتاب الطَّهَارَة مُقَدّمَة لم يؤلف الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْفِقْه كتابا وَإِنَّمَا أَخذ أَصْحَابه مذْهبه من أَقْوَاله وأفعاله وأجوبته وَغير ذَلِك وَقَوله: لَا يَنْبَغِي أَو: لَا يصلح أَو: أستقبحه أَو: هُوَ قَبِيح أَو: لَا أرَاهُ للتَّحْرِيم لَكِن حمل بَعضهم: لَا يَنْبَغِي فِي مَوَاضِع من كَلَامه على الْكَرَاهَة. وَقَوله: أكره أَو: لَا يُعجبنِي أَو: لَا أحبه أَو: لَا أستحسنه أَو يفعل السَّائِل كَذَا احْتِيَاطًا - وَجْهَان و: أحب كَذَا أَو: يُعجبنِي أَو: أعجب إِلَيّ للنَّدْب. كتاب الطَّهَارَة أَي مَكْتُوب جَامع لمسائل الْأَحْكَام الَّتِي تتَعَلَّق بِالطَّهَارَةِ. وَهِي مصدر طهر بِالْفَتْح وَالضَّم كَمَا فِي الصِّحَاح وَهِي لُغَة: النَّظَافَة والنزاهة عَن الأقذار حَتَّى المعنوية وَشرعا: ارْتِفَاع حدث وَمَا فِي معنى ارْتِفَاع الْحَدث كالحاصل بِغسْل الْمَيِّت لِأَنَّهُ تعبدي لَا عَن حدث بِمَاء طهُور مُبَاح وَزَوَال خبث بِهِ.

وَبَدَأَ بِالطَّهَارَةِ اقْتِدَاء بالأئمة كالشافعي لِأَن آكِد أَرْكَان الْإِسْلَام بعد الشَّهَادَتَيْنِ الصَّلَاة وَالطَّهَارَة شَرط لَهَا وَالشّرط مقدم على الْمَشْرُوط. وَتَكون بِالْمَاءِ وَالتُّرَاب؛ وَالْمَاء هُوَ الأَصْل. وبدأوا بِربع الْعِبَادَات اهتماما بالأمور الدِّينِيَّة وتقديما لَهَا على الْأُمُور الدُّنْيَوِيَّة. وَقدمُوا الْمُعَامَلَات على النِّكَاح وَمَا يتَعَلَّق بِهِ لِأَن سَبَب الْمُعَامَلَات وَهُوَ الْأكل وَالشرب وَنَحْوهمَا ضَرُورِيّ يَسْتَوِي فِيهِ الْكَبِير وَالصَّغِير وشهوته مُقَدّمَة على شَهْوَة النِّكَاح. وَقدمُوا النِّكَاح على الْجِنَايَات والمخاصمات لِأَن وُقُوع ذَلِك فِي الْغَالِب بعد الْفَرَاغ من شَهْوَة الْبَطن والفرج. (الْمِيَاه) جمع مَاء وَهِي بِاعْتِبَار مَا تتنوع إِلَيْهِ شرعا (ثَلَاثَة) أَنْوَاع لِأَن المَاء إِمَّا أَن يجوز الْوضُوء بِهِ أَو لَا فَالْأول الطّهُور وَالثَّانِي إِمَّا أَن يجوز شربه أَو لَا فَالْأول الطَّاهِر وَالثَّانِي النَّجس. فالنوع (الأول طهُور) فِي نَفسه مطهر لغيره وَهُوَ أشرفها (وَهُوَ الْبَاقِي على خلقته) أَي صفته الَّتِي خلق عَلَيْهَا - من حرارة أَو برودة أَو عذوبة أَو ملوحة أَو غَيرهَا - حَقِيقَة بِأَن لم يطْرَأ عَلَيْهِ شَيْء أَو حكما بِأَن طَرَأَ عَلَيْهِ شَيْء لَا يسلبه الطّهُورِيَّة كالملح المائي والطحلب وَنَحْوهمَا. (وَمِنْه) أَي الطّهُور نوع (مَكْرُوه كمتغير بِغَيْر ممازج) أَي مخالط كعود القماري نِسْبَة إِلَى بَلْدَة بِبِلَاد الْهِنْد يُقَال لَهَا قمار بِفَتْح الْقَاف وَقطع الكافور والدهن والمسخن بِالنَّجَاسَةِ وَمِنْه متغير بمخالط أَصله المَاء كالملح المائي لِأَنَّهُ مُنْعَقد من المَاء بِخِلَاف المعدني فَإِنَّهُ يسلبه الطّهُورِيَّة. (وَمِنْه نوع (محرم) أَي يحرم اسْتِعْمَاله و (لَا يرفع الْحَدث) وَهُوَ

الْوَصْف الْقَائِم بِالْبدنِ يمْنَع الصَّلَاة وَنَحْوهَا (ويزيل الْخبث) أَي الطَّارِئ على مَحل طَاهِر (وَهُوَ الْمَغْصُوب) أَو ثمنه الْمعِين حرَام. (وَلَا يُبَاح مَاء (غير بِئْر النَّاقة من) آبار ديار (ثَمُود) فيتيمم مَعَ وجود مَاء غير بِئْر النَّاقة من آبار ثَمُود وَمَعَ وجود المَاء الْمَغْصُوب وَالْمَاء الَّذِي ثمنه الْمعِين حرَام وَلَا يَسْتَعْمِلهُ لِأَنَّهُ مَمْنُوع شرعا فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ حسا. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: وَهِي الْبِئْر الْكَبِيرَة الَّتِي يردهَا الْحجَّاج فِي هَذِه الْأَزْمِنَة. انْتهى. وَمن الطّهُور مَاء قَلِيل خلت بِهِ امْرَأَة مكلفة لطهارة كَامِلَة عَن حدث يرفع حدث الْأُنْثَى لَا الرجل الْبَالِغ وَالْخُنْثَى. النَّوْع (الثَّانِي) من الْمِيَاه (طَاهِر) فِي نَفسه غير مطهر لغيره وَهُوَ أَنْوَاع مِنْهَا الْمُسْتَخْرج بالعلاج كَمَاء الْورْد والزهر والبطيخ وَنَحْوهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَاء مُطلق وَلَو حلف لَا يشرب مَاء فشربه لم يَحْنَث. وطهور خالطه طَاهِر فَغير اسْمه حَتَّى صَار صبغا أَو خلا فَيصير طَاهِرا غير مطهر إِلَّا النَّبِيذ إِذا أَتَى عَلَيْهِ ثَلَاثَة أَيَّام فَيصير نجسا محرما وَيَأْتِي فِي حد الْمُسكر. (لَا يرفع الْحَدث وَلَا يزِيل الْخبث وَهُوَ) أَي الطَّاهِر (الْمُتَغَيّر بممازج طَاهِر) كالزعفران وَاللَّبن وَالْعَسَل وَنَحْوه من الطهارات. (وَمِنْه) أَي الطَّاهِر (يسير مُسْتَعْمل فِي رفع حدث) أَو فِي غسل يَدي قَائِم من نوم ليل نَاقض لوضوء أَو فِي غسل ذكر وأنثيين

لخُرُوج مذي دونه أَو غسل بِهِ ميت فَكل ذَلِك طَاهِر غير مطهر. النَّوْع (الثَّالِث) من الْمِيَاه (نجس) بِتَثْلِيث الْجِيم وسكونها وَهُوَ لُغَة المستقذر وضد الطَّاهِر (يحرم اسْتِعْمَاله مُطلقًا) أَي فِي الْعِبَادَات وَغَيرهَا وَلَو لم يُوجد غَيره إِلَّا لضَرُورَة كدفع لقْمَة غص بهَا وَلَا طَاهِر أَو عَطش مَعْصُوم أَو طفي حريق متْلف وَيقدم على بَوْل وَبَوْل على خمر. (وَهُوَ) أَي النَّجس (مَا تغير بِنَجَاسَة) وَلَو يسيرَة (فِي غير مَحل تَطْهِير) قل التَّغَيُّر أَو كثر فينجس إِجْمَاعًا أما إِذا كَانَ المَاء الملاقي للنَّجَاسَة فِي مَحل التَّطْهِير فَلَا ينجس لبَقَاء عمله (أَو لاقاها) أَي لَاقَى المَاء النَّجَاسَة (فِي غَيره) أَي مَحل التَّطْهِير (وَهُوَ يسير) جملَة حَالية فينجس بِمُجَرَّد الملاقاة. (وَالْمَاء (الْجَارِي) فِي الحكم (كالراكد) خلافًا لأبي حنيفَة إِن بلغ مَجْمُوعه قُلَّتَيْنِ رفع النَّجَاسَة عَن نَفسه إِن لم تغيره فَلَا اعْتِبَار بالجرية وَهِي مَا أحَاط بِالنَّجَاسَةِ من المَاء يمنة ويسرة وعلوا وسفلا إِلَى قَرَار النَّهر سوى مَا أمامها ووراءها. وَإِن لم يتَغَيَّر المَاء الْكثير بِالنَّجَاسَةِ لم ينجس بملاقاتها إِلَّا ببول الْآدَمِيّ أَو عذرته المائعة أَو الرّطبَة؛ أَو الْيَابِسَة إِن ذَابَتْ فينجس بهَا دون سَائِر النَّجَاسَات عِنْد أَكثر الْمُتَقَدِّمين والمتوسطين إِلَّا أَن تعظم مشقة نزحه كمصانع مَكَّة. وَعنهُ: لَا ينجس وَعَلِيهِ جَمَاهِير الْمُتَأَخِّرين وَهُوَ الْمَذْهَب عِنْدهم وعللوه بِأَن نَجَاسَة بَوْل الْآدَمِيّ لَا تزيد على نَجَاسَة بَوْل الْكَلْب وَهُوَ لَا ينجس الْقلَّتَيْنِ فَهَذَا أولى. (وَالْكثير) من المَاء حَيْثُ أطلق (قلتان) تَقْرِيبًا فَصَاعِدا (وهما) أَي

القلتان (مائَة رَطْل وَسَبْعَة أَرْطَال وَسبع رَطْل بالدمشقي) وَمَا وَافقه وَتِسْعَة وَثَمَانُونَ رطلا وَسبعا رَطْل بالحلبي وَمَا وَافقه وَخَمْسمِائة رَطْل بالعراقي وَمَا وَافقه وَثَمَانُونَ رطلا وَسبعا رَطْل وَنصف سبع رَطْل بالقدسي وَمَا وَافقه وَأحد وَسَبْعُونَ رطلا وَثَلَاثَة أَسْبَاع رَطْل بالبعلي وَمَا وَافقه. (واليسير) من المَاء (مَا) كَانَ (دونهمَا) أَي الْقلَّتَيْنِ أَي يُسمى يَسِيرا وقليلا.

فصل

فصل هُوَ عبارَة عَن الحجز بَين شَيْئَيْنِ لِأَنَّهُ حاجز بَين أَجنَاس الْمسَائِل وأنواعها. وَهَذَا الْفَصْل يذكر فِيهِ حكم الْآنِية وَمَا يُبَاح مِنْهَا وَمَا يحرم وَغير ذَلِك وَهِي ظروف المَاء وَغَيرهَا. (كل إِنَاء) وَيجمع على آنِية كوعاء وأوعية وسقاء وأسقية وَجمع الْآنِية أواني وَالْأَصْل أءاني أبدلت الْهمزَة الثَّانِيَة واوا كَرَاهِيَة اجْتِمَاع همزتين كآدم وأوادم. وَهُوَ لُغَة وَعرفا الْوِعَاء. (طَاهِر) صفة لإناء (يُبَاح اتِّخَاذه واستعماله) ثمينا كَانَ كالجوهر والياقوت أَو غير ثمين كالخشب والزجاج إِلَّا عظم آدَمِيّ وَجلده فَيحرم اتِّخَاذ إِنَاء مِنْهُ واستعماله لِحُرْمَتِهِ حَتَّى الْميل وَنَحْوه وَإِلَّا إِنَاء ثمنه الْمعِين حرَام فَيحرم لحق مَالِكه (إِلَّا أَن يكون) الْإِنَاء (ذَهَبا أَو فضَّة أَو مضببا) أَو مطليا أَو مطعما أَو مكفتا بهما أَو (بِأَحَدِهِمَا) فَيحرم (لَكِن تُبَاح ضبة يسيرَة) عرفا (من فضَّة) لَا ذهب (لحَاجَة) كتشعيب قدح احْتَاجَ إِلَى ذَلِك وَأَن تكون لغير زِينَة. (وَمَا لم تعلم نَجَاسَته من آنِية كفار وثيابهم) أَي الْكفَّار وَلَو وليت عَوْرَاتهمْ (طَاهِر) لأَنا لَا ننجس شَيْئا بِالشَّكِّ.

(وَلَا يطهر جلد ميتَة) نجس بموتها (بدباغ) وَيُبَاح دبغه واستعماله بعده فِي يَابِس (وكل أَجْزَائِهَا) أَي الْميتَة (نَجِسَة إِلَّا شعرًا وَنَحْوه) كريش وصوف فَإِنَّهُ طَاهِر إِذا كَانَ من حَيَوَان طَاهِر فِي الْحَيَاة كغنم وَنَحْوه أَو غير مَأْكُول كهر وَمَا دونه فِي الْخلقَة كالفرأة وَنَحْوه. (والمنفصل من حَيّ) فَهُوَ (كميتته) طَهَارَة ونجاسة.

فصل

فصل (والاستنجاء) وَهُوَ إِزَالَة مَا خرج من السَّبِيلَيْنِ بِمَاء طهُور أَو حجر مُبَاح منق. وَهُوَ (وَاجِب من كل خَارج) نَادرا كالدود أَو غير نَادِر كالبول (إِلَّا الرّيح فَهُوَ) إِلَّا (الطَّاهِر) كالمني (وَإِلَّا (غير الملوث) كالبعر والحصا الجافين. (وَسن عِنْد دُخُول خلاء) بِالْمدِّ (قَول: بِسم الله اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك) أَي ألجأ إِلَيْك (من الْخبث) بِإِسْكَان الْبَاء وتحريكها (والخبائث) جمع خَبِيث وخبيثة فَكَأَنَّهُ استعاذ من ذُكُور الشَّيَاطِين وإناثهم. وَقيل: الْخبث الْكفْر والخبائث الشَّيَاطِين. (وَسن قَوْله (إِذا خرج مِنْهُ) أَي الْخَلَاء: (غفرانك الْحَمد لله الَّذِي أذهب عني الْأَذَى وعافاني) . (وَسن (تَغْطِيَة رَأس وانتعال) أَيْضا. (وَسن (تَقْدِيم رجله الْيُسْرَى دُخُولا) أَي فِي حَالَة الدُّخُول؛ (و) سنّ (اعْتِمَاده عَلَيْهَا) أَي على رجله الْيُسْرَى وَينصب الْيُمْنَى بِأَن يتكئ على رُؤُوس أصابعها وَيرْفَع قدمهَا حَال كَونه (جَالِسا) لِأَنَّهُ أسهل لخُرُوج الْخَارِج. (وَسن تَقْدِيم رجله (الْيُمْنَى خُرُوجًا) أَي فِي حَالَة الْخُرُوج

وَعكس) ذَلِك دُخُول (مَسْجِد وَلبس (نعل وَنَحْوهمَا) كدخول مدرسة وَلبس قَمِيص أَي يسن إِذا دخل الْمَسْجِد وَنَحْوه أَو لبس النَّعْل وَنَحْوه أَن يبْدَأ باليمنى لِأَنَّهَا أَحَق بالتقديم إِلَى الْأَمَاكِن الطّيبَة. وَإِذا خلع نَحْو مَا ذكر أَو خرج من مَسْجِد بَدَأَ باليسرى. (وَسن (بعد فِي فضاء) حَتَّى لَا يرى واستتاره عَن نَاظر (وَسن (طلب مَكَان رخو) بِتَثْلِيث الرَّاء (لبول) ولصوق ذكره بصلب - بِضَم الصَّاد - أَي شَدِيد إِن لم يجد مَكَانا رخوا ليأمن رشاش الْبَوْل. (وَسن (مسح الذّكر بِيَدِهِ الْيُسْرَى إِذا انْقَطع الْبَوْل من أَصله) أَي الذّكر أَي من حَلقَة دبره فَيَضَع إِصْبَع يَده الْيُسْرَى الْوُسْطَى تَحت الذّكر والإبهام فَوْقه ويمر بهما (إِلَى رَأسه) أَي الذّكر (ثَلَاثًا) لِئَلَّا يبْقى فِيهِ من الْبَوْل شَيْء (وَسن (نتره) أَي الذّكر - بِالْمُثَنَّاةِ (ثَلَاثًا) نصا ليستخرج بَقِيَّة الْبَوْل مِنْهُ. (وَكره دُخُول خلاء بِمَا فِيهِ ذكر الله) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) لَا دَرَاهِم ودنانير وَنَحْوهمَا لمَشَقَّة التَّحَرُّز عَنْهُمَا وَمثلهمَا حرز. قَالَ صَاحب النّظم: وَأولى إِلَّا الْمُصحف. قَالَ فِي الْإِنْصَاف: لَا شكّ فِي تَحْرِيمه قطعا من غير حَاجَة وَلَا يتَوَقَّف فِي هَذَا عَاقل. وَكره ذكر الله تَعَالَى فِي الْخَلَاء إِلَّا بِقَلْبِه (وَكره (كَلَام فِيهِ) أَي الْخَلَاء وَلَو سَلاما أَو رد سَلام نصا (بِلَا حَاجَة) وَقد يجب لتحذير مَعْصُوم عَن هلكة كأعمى وغافل يحذرهُ عَن بِئْر وحية وَنَحْوهمَا؛ لِأَن مُرَاعَاة حفظ الْمَعْصُوم أهم.

وَكره السَّلَام على المتخلي فَإِن عطس أَو سمع مُؤذنًا حمد الله تَعَالَى وَأجَاب بِقَلْبِه. وَتحرم الْقِرَاءَة فِيهِ وَهُوَ مُتَوَجّه على حَاجته جزم بِهِ صَاحب النّظم. وَفِي الغنية: لَا يتَكَلَّم وَلَا يذكر الله وَلَا يزِيد على التَّسْمِيَة والتعوذ. انْتهى. (وَكره (رفع ثوب قبل دنو من الأَرْض) بِلَا حَاجَة فيرفع ثَوْبه شَيْئا فَشَيْئًا. قَالَ فِي الْمُبْدع: وَلَعَلَّه يجب إِذا كَانَ ثمَّ من ينظره. (وَكره (بَوْل فِي شقّ) بِفَتْح الشين وَاحِد الشقوق (وَنَحْوه) كسرب - بِفَتْح السِّين وَالرَّاء - عبارَة عَن الثقب وَهُوَ مَا يَتَّخِذهُ الْهَوَام بَيْتا فِي الأَرْض وَلَو فَم بالوعة. وَكره بَوْل فِي مَاء راكد وَلَو كثيرا وَفِي مَاء قَلِيل جَار لَا فِي كثير جَار. وَكره بَوْل فِي إِنَاء بِلَا حَاجَة من نَحْو مرض وَفِي نَار. وَقد قيل: إِن البصاق على الْبَوْل يُورث الوسواس وَإِن الْبَوْل على النَّار يُورث السقم. وَلَا يكره الْبَوْل قَائِما بِشَرْط أَن يَأْمَن تلويثا وناظرا. (وَكره (مس فرج بِيَمِين بِلَا حَاجَة) إِلَيْهِ (وَكره (اسْتِقْبَال النيرين) أَي الشَّمْس وَالْقَمَر لما فيهمَا من نور الله تَعَالَى واستقبال قبْلَة واستدبارها بفضاء باستنجاء أَو استجمار. (وَحرم) فِي حَال الْبَوْل وَالْغَائِط (اسْتِقْبَال قبْلَة واستدبارها) إِذا كَانَ (فِي غير بُنيان) لحَدِيث: إِذا أتيتم الْغَائِط فَلَا تستقبلوا الْقبْلَة وَلَا

تستدبروها لَكِن شرقوا أَو غربوا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. (وَحرم (لبث) فِي الْخَلَاء (فَوق) قدر (الْحَاجة) لِأَنَّهُ كشف عَورَة بِلَا حَاجَة وَلَا فرق بَين أَن يكون فِي ظلمَة أَو حمام أَو بِحَضْرَة ملك أَو جني أَو حَيَوَان أَو لَا ذكره فِي الرِّعَايَة وَهُوَ مُضر عِنْد الْأَطِبَّاء قيل: إِنَّه يدمي الكبد وَيُورث الْبَاسُور. (وَحرم (بَوْل) وتغوط فِي مورد مَاء وَفِي طَرِيق مسلوك وَنَحْوه) كظل نَافِع ومتشمس زمن الشتَاء ومتحدث النَّاس إِذا لم يكن بِنَحْوِ غيبَة وَإِلَّا فيفرقهم بِمَا يَسْتَطِيع. (وَحرم بَوْل وتغوط بَين قُبُور الْمُسلمين (وَتَحْت شَجَرَة مثمرة ثمرا مَقْصُودا) يُؤْكَل أَو لَا لِأَنَّهُ يُفْسِدهُ وتعافه الْأَنْفس فَإِن لم يكن عَلَيْهِ ثَمَر جَازَ. (وَسن استجمار) بِحجر وَنَحْوه (ثمَّ استنجاء بِمَاء) فَإِن عكس كره (وَيجوز الِاقْتِصَار على أَحدهمَا) أَي الْحجر وَالْمَاء (لَكِن المَاء أفضل حِينَئِذٍ) أَي حَيْثُ أَرَادَ الِاقْتِصَار على أَحدهمَا فالماء أفضل كَمَا أَن جَمعهمَا أفضل من الِاقْتِصَار على أَحدهمَا. وَلَا يَصح وضوء وَلَا تيَمّم قبل الِاسْتِنْجَاء قَالَه فِي الْمُنْتَهى. وَقَالَ فِي شَرحه: وَظَاهره لَا فرق بَين التَّيَمُّم عَن حدث أَصْغَر أَو أكبر أَو نَجَاسَة بِبدنِهِ فَإِن كَانَت النَّجَاسَة على غير السَّبِيلَيْنِ أَو عَلَيْهِمَا غير خَارِجَة مِنْهُمَا صَحَّ الْوضُوء وَالتَّيَمُّم قبل إِزَالَتهَا. انْتهى.

وَعبارَة الْإِقْنَاع وَشَرحه كَذَلِك. وَشرط لصِحَّة الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ أَن يكون طهُورا وَسبع غسلات منقية وَيجب استرخاؤه قَلِيلا بِحَيْثُ ينقى من بَاب: مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِب وَلِحَدِيث: تنزهوا من الْبَوْل فَإِن عَامَّة عَذَاب الْقَبْر مِنْهُ. قَالَ الْمَنَاوِيّ: فَعدم التَّنَزُّه مِنْهُ كَبِيرَة لاستلزامه بطلَان الصَّلَاة وَتركهَا كَبِيرَة. انْتهى. وَقَالَ ابْن حجر فِي كِتَابه الزواجر فِي الْكَبِيرَة الْحَادِيَة وَالسبْعين بعد سِيَاقه صفة الِاسْتِبْرَاء من الْبَوْل: وَكَذَلِكَ يتَعَيَّن على الْإِنْسَان فِي غائطه أَن يُبَالغ فِي غسله مَحَله وَأَن يسترخي قَلِيلا حَتَّى يغسل مَا فِي تضاعيف شرج حَلقَة دبره فَإِن كثيرين مِمَّن لَا يسترخون وَلَا يبالغون فِي غسل ذَلِك الْمحل يصلونَ بِالنَّجَاسَةِ فَيحصل هم ذَلِك الْوَعيد الشَّديد الْمَذْكُور فِي تِلْكَ الْأَحَادِيث لِأَنَّهُ إِذا ترَتّب على الْبَوْل فَلِأَن يَتَرَتَّب على الْغَائِط من بَاب أولى لِأَنَّهُ أقذر وأفحش انْتهى. (وَلَا يَصح استجمار إِلَّا بطاهر) فَلَا يَصح بِنَجس (مُبَاح) فَلَا يَصح بِمحرم كمغصوب وَذهب وَفِضة بِخِلَاف الِاسْتِنْجَاء فَإِنَّهُ يَصح بِغَيْر الْمُبَاح وَحَيْثُ استجمر بِمَا نهى الشَّارِع عَنهُ لِحُرْمَتِهِ كالروث وَنَحْوه لم

يجزه بعده إِلَّا المَاء بِخِلَاف نَحْو الأملس إِذا استجمر بِهِ ثمَّ أتبعه بِمَا يُجزئ من نَحْو حجر فَإِنَّهُ يُجزئهُ (يَابِس) فَلَا يُجزئ برخو وندى لعدم حُصُول الْمَقْصُود مِنْهُ (منق) فَلَا يُجزئ بأملس من زجاج ورخام. (وَحرم) استجمار (بروث) وَلَو لمأكول (وَعظم) وَلَو مذكى لحَدِيث ابْن مَسْعُود: لَا تستنجوا بالروث وَلَا بالعظام فَإِنَّهُ زَاد إخْوَانكُمْ من الْجِنّ وَالنَّهْي يَقْتَضِي الْفساد وَعدم الْإِجْزَاء. (وَحرم أَيْضا ب طَعَام) وَلَو لبهيمة (وَحرم أَيْضا ب (ذِي حُرْمَة) ككتب فقه وَحَدِيث لما فِيهِ من هتك الشَّرِيعَة وَالِاسْتِخْفَاف بحرمتها (وَحرم أَيْضا ب مُتَّصِل بحيوان) كذنب الْبَهِيمَة وَنَحْوه. (وَشرط لَهُ) أَي الِاسْتِجْمَار بِمَا تقدم (عدم تعدِي خَارج مَوضِع الْعَادة) فَلَا يُجزئ فِيمَا تعدى إِلَّا المَاء (وَشرط لصِحَّة الِاسْتِجْمَار أَيْضا (ثَلَاث مسحات) إِمَّا بِثَلَاثَة أَحْجَار وَنَحْوهَا أَو بِحجر لَهُ شعب لِأَن الْغَرَض عدد المسحات لَا الْأَحْجَار بِشَرْط أَن تعم كل مسحة المسربة والصفحتين (منقية) فالإنقاء بِالْحجرِ وَنَحْوه أَن يبْقى أثر لَا يُزِيلهُ إِلَّا المَاء وبالماء عود خشونة الْمحل كَمَا كَانَ هِيَ عبارَة الْمُنْتَهى والإقناع وَغَيرهمَا. قَالَ فِي الْمُبْدع الأولى أَن يُقَال: عود الْمحل كَمَا كَانَ لِئَلَّا ينْتَقض بالأمرد وَنَحْوه. انْتهى. وظنه كَاف (ف إِن لم ينق بِثَلَاث شَرط لَهُ (أَكثر) مِنْهَا حَتَّى يحصل الإنقاء.

فصل

فصل (يسن السِّوَاك) والسواك بِكَسْر السِّين والمسواك بِكَسْر الْمِيم: اسْم للعود الَّذِي يتَسَوَّك بِهِ. وَيُطلق السِّوَاك على الْفِعْل. وَهُوَ باعتدال يطيب الْفَم والنكهة ويجلو الْأَسْنَان ويقويها ويشد اللثة - قَالَ بَعضهم: ويسمنها - وَيقطع البلغم ويجلو الْبَصَر وَيمْنَع الْحفر أَي تقشر أصُول الْأَسْنَان وَيذْهب بِهِ وَيصِح الْمعدة ويعين على الهضم ويشهي الطَّعَام ويصفي الصَّوْت ويسهل مجاري الْكَلَام وينشط ويطرد النّوم ويخفف عَن رَأس وفم الْمعدة ويرضي الرب وَيذكر الشَّهَادَة عِنْد الْمَوْت. وأوصلها بَعضهم إِلَى تسعين فَائِدَة. (بِالْعودِ) مُتَعَلق بيسن وَكَونه على أَسْنَان ولثة - بِكَسْر اللَّام وَفتح الْمُثَلَّثَة الْخَفِيفَة - وَكَونه عرضا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَسْنَان وطولا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْفَم (كل وَقت) من الْأَوْقَات (إِلَّا لصائم بعد الزَّوَال فَيكْرَه) لَهُ السِّوَاك بيابس وَرطب وَقَبله يسن بيابس وَيُبَاح برطب. قَالَ فِي الْإِقْنَاع وَشَرحه: وَعنهُ يسن لَهُ مُطلقًا أَي قبل الزَّوَال وَبعده باليابس وَالرّطب اخْتَارَهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَجمع وَهُوَ أظهر دَلِيلا انْتهى. وَكَانَ وَاجِبا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

(ويتأكد) السِّوَاك (عِنْد) كل (صَلَاة وَنَحْوهَا) كوضوء وَقِرَاءَة وَدخُول مَسْجِد ومنزل (وَتغَير) رَائِحَة (فَم وَنَحْوه) كانتباه من نوم وإطالة سكُوت وصفرة أَسْنَان وخلو معدة. (وَسن بداءة) المتسوك (ب) الْجَانِب (الْأَيْمن فِيهِ) أَي السِّوَاك من ثناياه إِلَى أَضْرَاسه بيساره وَأَن يكون الْعود لينًا منقيا لَا يضر وَلَا يتفتت من أَرَاك أَو عرجون أَو زيتون. (وَسن بداءة بالأيمن (فِي طهر) أَي تطهر من نَحْو وضوء وَغسل (وَفِي (شَأْنه كُله وَسن (ادهان) فِي بدن وَشعر (غبا) أَي يَوْمًا وَيَوْما. (وَسن (اكتحال) كل لَيْلَة (فِي كل عين ثَلَاثًا) بإثمد مُطيب بمسك (وَسن (نظر فِي مرْآة) وَقَوله: اللَّهُمَّ كَمَا حسنت خلقي فَحسن خلقي وَحرم وَجْهي على النَّار. (وَسن (تطيب) بِطيب (وَسن (استحداد) وَهُوَ حلق الْعَانَة (وَسن (حف شَارِب) أَو قصّ طرفه وحفه أولى نصا وَهُوَ الْمُبَالغَة فِي قصه وَمِنْه السبالان وهما طرفاه لحَدِيث: قصوا سبالاتكم وَلَا تشبهوا باليهود وَسن إعفاء اللِّحْيَة بِأَن لَا يَأْخُذ مِنْهَا شَيْئا قَالَ فِي

الْمَذْهَب: مَا لم يستهجن طولهَا. وَيحرم حلقها وَلَا بَأْس بِأخذ مَا زَاد على القبضة مِنْهَا. (وَسن (تقليم ظفر) مُخَالفا فَيبْدَأ بخنصر الْيُمْنَى ثمَّ الْوُسْطَى ثمَّ الْإِبْهَام ثمَّ البنصر ثمَّ السبابَة ثمَّ إِبْهَام الْيُسْرَى ثمَّ الْوُسْطَى ثمَّ الْخِنْصر ثمَّ السبابَة ثمَّ البنصر صَححهُ فِي الشَّرْح وَرُوِيَ فِي حَدِيث: من قصّ أَظْفَاره مُخَالفا لم ير فِي عَيْنَيْهِ رمدا وَفَسرهُ أَبُو عبد الله ابْن بطة بِمَا ذكر انْتهى. (وَسن (نتف إبط) فَإِن شقّ حلقه أَو تنور وَله أَخذ عانة بِمَا شَاءَ والتنوير فِي الْعَانَة وَغَيرهَا فعله الإِمَام أَحْمد رَضِي الله عَنهُ وعني بِهِ وَكَذَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث أم سَلمَة وَإِسْنَاده ثِقَات قَالَه فِي الْفُرُوع وَقد أعل بِالْإِرْسَال وَقَالَ الإِمَام أَحْمد: لَيْسَ بِصَحِيح؛ لِأَن قَتَادَة قَالَ: مَا أطلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ الإِمَام

أَحْمد: وسكتوا عَن شعر الْأنف فَظَاهره بَقَاؤُهُ. وَيتَوَجَّهُ أَخذه إِذا فحش قَالَه فِي الْفُرُوع. (وَكره قزع) وَهُوَ حلق بعض الرَّأْس وَترك بعضه (وَكره (نتف شيب) وتغييره بسواد فِي غير حَرْب (وَكره (ثقب أذن صبي) لَا جَارِيَة نصا لحاجتها للتزين. وَيحرم نمص ووشر ووشم وَوصل شعر بِشعر وَلَو شعر بَهِيمَة أَو بِإِذن زوج وَتَصِح الصَّلَاة مَعَ طَاهِر. (وَيجب ختان ذكر) بِأخذ جلدَة الْحَشَفَة. وَقَالَ جمع: إِن اقْتصر على أَكْثَرهَا جَازَ. (وَيجب ختان (أُنْثَى) بِأخذ جلدَة فَوق مَحل الْإِيلَاج تشبه عرف الديك وَيسْتَحب أَن لَا تُؤْخَذ كلهَا نصا وَيجب ختان قبلي خُنْثَى مُشكل احْتِيَاطًا. وَمحل ذَلِك كُله (بعيد بُلُوغ مَعَ أَمن الضَّرَر؛ وَيسن) الْخِتَان (قبله) أَي الْبلُوغ وزمن صغر أفضل إِلَى التَّمْيِيز لِأَنَّهُ أقرب إِلَى الْبُرْء. (وَيكرهُ) الْخِتَان (سَابِع) يَوْم (وِلَادَته) أَي الْمَوْلُود للتشبه باليهود (وَيكرهُ الْخِتَان (مِنْهَا) أَي الْولادَة (إِلَيْهِ) أَي السَّابِع.

فصل

فصل (فروض الْوضُوء) جمع فرض وَهُوَ مَا يَتَرَتَّب الثَّوَاب على فعله وَالْعِقَاب على تَركه (سِتَّة) أَحدهَا: (غسل الْوَجْه مَعَ مضمضة واستنشاق) وَيصِح أَن يسميا فرضين (وَالثَّانِي: (غسل الْيَدَيْنِ) مَعَ الْمرْفقين (وَالثَّالِث: غسل (الرجلَيْن) مَعَ الْكَعْبَيْنِ. وَترك التَّرْتِيب فِي التَّفْصِيل ليذكر المغسولات على نسق وَفِيه رد على المبتدعة. (وَالرَّابِع: (مسح جَمِيع الرَّأْس مَعَ الْأُذُنَيْنِ وَالْخَامِس: (تَرْتِيب) بَين الْأَعْضَاء كَمَا ذكر الله تَعَالَى (و) السَّادِس: (موالات) ويسقطان مَعَ غسل عَن حدث أكبر. (وَالنِّيَّة شَرط لكل طَهَارَة شَرْعِيَّة) وَيَأْتِي تَعْرِيفهَا فِي شُرُوط الصَّلَاة سَوَاء كَانَت وضُوءًا أَو غسلا أَو تيمما وَاجِبَة كَالْوضُوءِ لصَلَاة وَنَحْوهَا أَو مسنونة كالطهارة لقِرَاءَة وَذكر وأذان ونوم وَرفع شكّ وَغَضب وَكَلَام محرم وَنَحْوه ولتجديد وضوء إِن سنّ بِأَن صلى بَينهمَا أَي الوضوءين ولغسل مُسْتَحبّ ولغسل يَدي قَائِم من نوم ليل ولغسل ميت؛ لِأَن الْإِخْلَاص عمل الْقلب وَهُوَ النِّيَّة مَأْمُور بِهِ وَلخَبَر: إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ أَي لَا عمل جَائِز وَلَا فَاضل إِلَّا بهَا

وَلِأَن النَّص دَال على الثَّوَاب فِي كل وضوء وَلَا ثَوَاب فِي غير منوي إِجْمَاعًا. (غير إِزَالَة خبث) أَي فَلَا يشْتَرط لَهَا نِيَّة لأَنهم جعلوها من قبيل التروك (وَغير (غسل كِتَابِيَّة) لحيض أَو نِفَاس أَو جَنَابَة فَلَا تعْتَبر فِيهِ النِّيَّة للْعُذْر (وَغير غسل (مسلمة) انْقَطع حَيْضهَا أَو نفَاسهَا (ممتنعة) من الْغسْل فتغسل قهرا (لحل وَطْء) الزَّوْج أَو السَّيِّد وَلَا نِيَّة مُعْتَبرَة هَهُنَا للْعُذْر كالممتنع من زَكَاة وَلَا تصلي بِهِ ذكره فِي النِّهَايَة. قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى للمؤلف: وَقِيَاس ذَلِك منعهَا من الطّواف وَقِرَاءَة الْقُرْآن وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يشْتَرط لَهُ الْغسْل. انْتهى. وَغير غسل مَجْنُونَة مسلمة أَو كِتَابِيَّة حرَّة أَو أمة فَلَا تعْتَبر النِّيَّة مِنْهَا أَيْضا لتعذرها لَكِن ينويه عَنْهَا من يغسلهَا كالميتة. وشروط الْوضُوء ثَمَانِيَة: انْقِطَاع مَا يُوجِبهُ وَالنِّيَّة وَالْإِسْلَام وَالْعقل والتمييز وَالْمَاء الطّهُور الْمُبَاح وَإِزَالَة مَا يمْنَع وُصُوله والاستنجاء. (وَالتَّسْمِيَة) أَي قَول باسم الله لَا يقوم غَيرهَا مقَامهَا فَلَو قَالَ باسم الرَّحْمَن أَو القدوس وَنَحْوه لم يُجزئهُ (وَاجِبَة) فِي خَمْسَة مَوَاضِع: أَحدهَا (فِي وضوء وَالثَّانِي فِي (غسل وَالثَّالِث فِي (تيَمّم وَالرَّابِع فِي (غسل يَدي قَائِم من نوم ليل نَاقض لوضوء) وَالْخَامِس فِي غسل ميت

وَيَأْتِي فِيهِ (وَتسقط) التَّسْمِيَة (سَهوا وجهلا) فِي الْخَمْسَة وَتسقط سَهوا فَقَط فِي الذَّكَاة وَلَا تسْقط مُطلقًا عِنْد إرْسَال الْآلَة إِلَى الصَّيْد كَمَا سَيَأْتِي فيهمَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَإِن ذكرهَا فِي أَثْنَائِهِ قَالَ فِي الْإِقْنَاع: سمى وَبنى. وَقَالَ فِي الْمُنْتَهى: وَإِن ذكرهَا فِي بعضه ابْتَدَأَ. قَالَ فِي شَرحه: لِأَنَّهُ أمكنه أَن يَأْتِي بهَا على جَمِيعه فَوَجَبَ كَمَا لَو ذكرهَا فِي أَوله صَححهُ فِي الْإِنْصَاف وَحَكَاهُ عَن الْفُرُوع. انْتهى. فَإِن تَركهَا عمدا أَو حَتَّى غسل بعض أَعْضَائِهِ وَلم يسْتَأْنف لم تصح طَهَارَته. وتكفي إِشَارَة أخرس وَنَحْوه. (وَمن سنَنه) أَي الْوضُوء (اسْتِقْبَال قبْلَة وَسوَاك) عِنْد الْمَضْمَضَة (وبداءة بِغسْل يَدي غير قَائِم من نوم ليل) نَاقض لوضوء. (وَيجب لَهُ) أَي للْقِيَام من نوم اللَّيْل غسل الْيَدَيْنِ (ثَلَاثًا) بنية وَتَسْمِيَة وَتَقَدَّمت قَرِيبا (تعبدا) أَي فَلَا يعقل مَعْنَاهُ. قَالَ فِي الْمُبْدع: إِذا نسي غسلهمَا سقط مُطلقًا. انْتهى. (وَمن سنَنه بداءة (بمضمضة فاستنشاق) قبل غسل وَجه وكونهما بِيَمِينِهِ كَمَا تقدم (وَمن سنَنه (مُبَالغَة فيهمَا) أَي فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق (لغير صَائِم) وَفِي سَائِر الْأَعْضَاء لصائم وَغَيره (وَمن سنَنه (تَخْلِيل شعر كثيف) وتيامن حَتَّى بَين الْكَفَّيْنِ للقائم من نوم اللَّيْل (وتخليل (الْأَصَابِع) الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ. (وَمن سنَنه (غسله ثَانِيَة وثالثة وَكره أَكثر) من ثَلَاث مَرَّات إِن عَمت كل مرّة مَحل الْفَرْض. وَسن أَن يتَوَلَّى وضوءه بِنَفسِهِ من غير معاونة.

(وَسن) للمتوضئ (بعد فَرَاغه) من الْوضُوء (رفع بَصَره إِلَى السَّمَاء وَقَول مَا ورد) وَهُوَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من التوابين واجعلني من المتطهرين. سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك

فصل

3 - (فصل) يجوز الْمسْح على خف وَنَحْوه كالجرموقين والجوربين وعَلى سَائِر الحوائل بشروطها الْآتِيَة، وَهُوَ رخصَة، وَهِي لُغَة السهولة، وَشرعا مَا ثَبت على خلاف دَلِيل شَرْعِي لمعارض رَاجِح. ويقابلها الْعَزِيمَة، وَهِي لُغَة الْقَصْد الْمُؤَكّد، وَشرعا مَا ثَبت بِدَلِيل شَرْعِي خَال عَن معَارض رَاجِح. والرخصة والعزيمة وصفان للْحكم الوضعي، وَالْمسح أفضل من الْغسْل لِأَنَّهُ وَأَصْحَابه إِنَّمَا طلبُوا الْأَفْضَل، وَفِيه مُخَالفَة أهل الْبدع، وَلقَوْله (إِن الله يحب أَن يُؤْخَذ بِرُخْصَة) . وَيرْفَع الْحَدث عَمَّا تَحْتَهُ نصا، إِلَّا أَنه لَا يسْتَحبّ لَهُ أَن يلبس ليمسح، كالسفر ليترخص. وَيجوز الْمسْح على عِمَامَة ذكر محنكة أَو ذَات ذؤابة قَالَ فِي الْمُنْتَهى: وَشرط فِي مسح عِمَامَة ثَلَاثَة شُرُوط: كَونهَا محنكة أَو ذَات ذؤابة، وَكَونهَا على ذكر، وستره غير مَا الْعَادة كشفه.

وَيجوز الْمسْح على خمر النِّسَاء مُطلقًا مدارة تَحت حلوقهن وَيجوز الْمسْح على جبيرَة وَهِي أخشاب أَو نَحْوهَا ترْبط على الكسير، سميت بذلك تفاؤلا، إِن وَضعهَا على طَهَارَة وَلم تجَاوز قدر الْحَاجة غسل الصَّحِيح وَمسح عليهابالماء وأجزأ، وَيجوز الْمسْح عَلَيْهَا إِلَى حلهَا أَي الْجَبِيرَة وَإِن وَضعهَا على طَهَارَة وجاوزته أَي قدر الْحَاجة أَو كَانَ وَضعهَا على غير طَهَارَة وتجاوزت أَولا لزم نَزعهَا فِي الصُّور الثَّلَاث، فَإِن خَافَ بنزعها الضَّرَر تيَمّم وجوبا مَعَ مسح مَوْضُوعَة على طَهَارَة مُجَاوزَة قدر الْحَاجة، أَي فَيغسل الصَّحِيح وَيمْسَح على الْجرْح وَيتَيَمَّم لزائد، ودواء وَلَو قارا فِي شقّ وتضرر بقلعة كجبيرة. فَائِدَة اعْلَم أَن الْجَبِيرَة تخَالف الْخُف فِي مسَائِل عديدة، مِنْهَا عدم التَّوْقِيت بِمدَّة وَمِنْهَا وجوب الْمسْح على جَمِيعهَا، وَمِنْهَا دُخُولهَا فِي الطَّهَارَة الْكُبْرَى، وَمِنْهَا أَن شدها مَخْصُوص بِحَال الضَّرَر، وَمِنْهَا أَن الْمسْح عَلَيْهَا عَزِيمَة، وَمِنْهَا أَنه لَا يشْتَرط سترهَا لمحل الْفَرْض، وَمِنْهَا أَنه يتَعَيَّن مسحها، نبه على ذَلِك فِي الْإِنْصَاف. وَيمْسَح مُقيم وَلَو عَاصِيا بِإِقَامَة كمن أمره سَيّده بسفر فَأبى، وَيمْسَح عَاص بِسَفَرِهِ بَعيدا كَانَ أَو قَرِيبا من حَيْثُ حدث بعد لبس يَوْمًا وَلَيْلَة وَكَذَا مُسَافر دون الْمسَافَة لِأَنَّهُ فِي حكم الْمُقِيم ومسافر سفر قصر لم يعْص بِهِ ثَلَاثَة أَيَّام بلياليها، فَإِن مسح فِي سفر ثمَّ أَقَامَ فكمقيم يتم يَوْمًا وَلَيْلَة، وَإِن كَانَ مضى أَكثر قلع الْخُف وَنَحْوه

لانْقِطَاع السّفر، أَو عكس بِأَن مسح وَهُوَ مُقيم ثمَّ سَافر أَو شكّ فِي ابْتِدَاء الْمسْح فيمسح كمسح مُقيم، وَإِن شكّ فِي بَقَاء الْمدَّة لم يجز الْمسْح مَا دَامَ شاكا لعدم تحقق شَرطه وَالْأَصْل عَدمه، فَإِن مسح مَعَ الشَّك ثمَّ تبين بَقَاؤُهَا صَحَّ وضوؤه لتحَقّق الشَّرْط، وَلَا يصلى يه قبل أَن يتَبَيَّن لَهُ الْبَقَاء، فَإِن فعلهَا إِذن أعَاد، فَإِن لم يتَبَيَّن لَهُ بَقَاؤُهَا لم يَصح وضوءه. وَشرط لصِحَّة الْمسْح على الْخُف وَنَحْوه سَبْعَة شُرُوط: أَحدهَا تقدم كَمَال طَهَارَة بِمَاء وَالثَّانِي ستر مَمْسُوح مَحل فرض وَهُوَ الْقدَم كُله، وَلَو بربطه لأجل السّتْر فَقَط، وَالثَّالِث ثُبُوته أَي الْمَمْسُوح بِنَفسِهِ أَو بنعلين إِلَى خلفهمَا، وَلَا يَصح الْمسْح على خف لَا يثبت إِلَّا بشده نصا، وَالرَّابِع إِمْكَان مشي بِهِ عرفا أَي بِحَيْثُ يُسمى مَاشِيا، وَلَو لم يكن الْمَمْسُوح مُعْتَادا فَدخل فِي ذَلِك الْجُلُود واللبود الْخشب والزجاج وَالْحَدِيد وَنَحْوهَا، وَالْخَامِس طَهَارَته أَي طَهَارَة عين الْمَمْسُوح فَلَا يَصح على نجس وَلَو فِي ضَرُورَة، فيتيمم مَعهَا للرجلين بَدَلا عَن غسلهَا، وَكَذَا لَو كَانَ النَّجس عِمَامَة أَو جبيرَة وتضرر بنزعهما تيَمّم لما تحتهَا. قَالَ فِي الْمُنْتَهى. وَتيَمّم مَعهَا للمستور وَيُعِيد مَا صلى بِهِ وَالسَّادِس إِبَاحَته أَي الْمَمْسُوح فِي ضَرُورَة وَغَيرهَا، فَلَا يَصح على مَغْصُوب وحرير لرجل.

وَالشّرط السَّابِع عدم وَصفه الْبشرَة إِمَّا لصفائه كالزجاج الرَّقِيق، أَو لخفة كالجورب الْخَفِيف، وَهَذَا الشَّرْط سَاقِط من أصل المُصَنّف. فَلَو مَضَت الْمدَّة أَي للمقيم يَوْم وَلَيْلَة، وللمسافر ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها وَلم يمسح خلع لفراغ مدَّته. وَيجب مسح أَكثر دوائر عِمَامَة، وَمسح أَكثر ظَاهر قدم خف وَنَحْوه بأصابع يَده من أَصَابِع رجلَيْهِ إِلَى سَاقيه، وَلَا يسن اسْتِيفَاؤهُ، وَيجب مسح جَمِيع جبيرَة لِأَنَّهُ لَا ضَرَر فِي تعميمها بِخِلَاف الْخُف فَإِنَّهُ يشق تعميمه ويتلفه الْمسْح، وَكره فِي الْمُنْتَهى غسل خف وتكرار مَسحه. وَإِن ظهر بعض مَحل فرض بعد حدث أَو تمت الْمدَّة وَهِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة أَو الثَّلَاثَة اسْتَأْنف الطَّهَارَة، قَالَ فِي الْإِقْنَاع وَشَرحه: وَمَتى ظهر بعض قدمه بعد الْحَدث وَقبل انْقِضَاء الْمدَّة أَو رَأسه وفحش فِيهِ أَي الرَّأْس فَقَط أَو انْتقض بعض عمَامَته قَالَ القَاضِي: لَو انْتقض مِنْهَا كور بطلت لِأَنَّهُ زَالَ الْمَمْسُوح عَلَيْهِ، أشبه نزع الْخُف، أَو انْقَطع دم اسْتِحَاضَة أَو زَالَ ضَرَر من بِهِ سَلس الْبَوْل أَو نَحوه، أَو انْقَطَعت مُدَّة الْمسْح وَلَو متطهرا أَو فِي صَلَاة استؤنفت الطَّهَارَة وَبَطلَت الصَّلَاة. انْتهى. وَزَوَال جبيرَة كخف.

فصل نواقص الْوضُوء جمع ناقضة بِمَعْنى نَاقض وَهِي مفسداته، أَنْوَاعهَا ثَمَانِيَة: أَحدهمَا خَارج من سَبِيل إِلَى مَا هُوَ فِي حكم الظَّاهِر ويلحقه حكم التَّطْهِير مُطلقًا أَي قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا، نَادرا كالدود والحصا أَو مُعْتَادا كالبول وَالْغَائِط، طَاهِر كَوَلَد بِلَا دم أَو نجسا كبول وَغَيره، فينقض الْخَارِج من السَّبِيلَيْنِ وَلَو ريحًا من قبل أُنْثَى أَو من ذكر أَو كَانَ مقطرا بِفَتْح الطَّاء مُشَدّدَة، بِأَن قطر فِي إحليله دهنا ثمَّ خرج فينتقض لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَن بلة، أَو كَانَ محتشي. قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى. بِأَن احتشى قطنا أَو نَحوه فِي دبره أَو قبله وابتل ثمَّ خرج انْتقض وضوؤه سَوَاء كَانَ طرفه مبتلا أَو لَا. وَقَالَ فِي الْإِقْنَاع: فَلَو احْتمل فِي قبل أَو دبر قطنا أَو ميلًا ثمَّ خرج وَلَو بِلَا بَلل نقض. انْتهى. وَلَا ينْتَقض إِن كَانَ دَائِما كَدم مُسْتَحَاضَة، وَمن بِهِ سَلس وَنَحْوه للضَّرُورَة. وَالنَّوْع الثَّانِي خَارج من بَقِيَّة الْبدن من بَوْل وغائط فينتقض قليلهما وكثيرهما، سَوَاء كَانَ من تَحت الْمعدة أَو من فَوْقهَا، وَسَوَاء كَانَ

السبيلان مفتوحين أَو مسدودين. قَالَ فِي الْإِقْنَاع: لَكِن لَو انسد الْمخْرج فانفتح غَيره فأحكام الْمخْرج بَاقِيَة. انْتهى. فَلَا ينْتَقض خُرُوج ريح مِنْهُ أَي المنفتح، وَلَا يجزى الِاسْتِجْمَار فِيهِ وَغير ذَلِك، وينقض الْوضُوء خَارج كثير نجس غَيرهمَا أَي الْبَوْل وَالْغَائِط، كالقيء وَالدَّم والقيح إِن فحش فِي نفس كل أحد بِحَسبِهِ. وَالنَّوْع الثَّالِث زَوَال عقل أَو تغطيه بإغماء وَنَحْوه كحدوث جُنُون أَو برسام وَلَو بنوم، وَهُوَ غشية ثَقيلَة تقع على الْقلب تمنع الْمعرفَة بالأشياء، إِلَّا نوم النَّبِي وَلَو كثيرا على أَي حالك كَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ تنام عَيناهُ وَلَا ينَام قلبه، وَكَذَا سَائِر الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، إِلَّا يسير نوم إِذا كَانَ من قَائِم أَو قَاعد وينقض الْيَسِير من رَاكِع وَسَاجِد ومستند ومتكئ ومحتب كمضطجع، زَاد المُصَنّف: وماش، فَإِن شكّ فِي الْكثير لم يلْتَفت إِلَيْهِ، وَإِن رأى رُؤْيا فَهُوَ كثير، نَص عَلَيْهِ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ: لَا بُد فِي النّوم الناقض من الْغَلَبَة على الْعقل، فَمن سمع كَلَام غَيره وفهمه فَلَيْسَ بنائم، فَإِن سَمعه وَلم يفهمهُ فيسير، وَإِذا سقط الساجد عَن هَيئته والقائم عَن قِيَامه وَنَحْو ذَلِك بطلت طَهَارَته، لِأَن أهل الْعرف يعدون ذَلِك كثيرا. انْتهى كَلَامه. وَالنَّوْع الرَّابِع غسل ميت أَو بعضه مُسلما كَانَ أَو كَافِرًا، صَغِيرا

أَو كَبِيرا، ذكرا أَو أُنْثَى لَا تيَمّمه لتعذر غسل، وغاسل الْمَيِّت من يقلبه ويباشره وَلَو مرّة لَا من يصب المَاء وَنَحْوه وَالنَّوْع الْخَامِس أكل لحم إبل نيا وَغير ني تعبدا، فَلَا يعقل مَعْنَاهُ فَلَا يتَعَدَّى إِلَى غَيره سَوَاء علمه أَو جَهله، وَسَوَاء أكله عَالما بِالْحَدِيثِ الْوَارِد فِي ذَلِك أَو لَا، فَلَا نقض بتناول بَقِيَّة أَجْزَائِهَا كشرب لَبنهَا ومرق لَحمهَا وَأكل كَبِدهَا وطحالها وسنامها وجلدها وكرشها وشحمها وقلبها وكليتها وكراعها ومصرانها وَنَحْوه لِأَن النَّص لم يتَنَاوَلهُ، قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى: لِأَن الْأَخْبَار الصَّحِيحَة إِنَّمَا وَردت فِي اللَّحْم وَالْحكم فِيهِ غير مَعْقُول الْمَعْنى فاقتصر فِيهِ على مورد النَّص. انْتهى. وَلَا نقض بِإِزَالَة شعر وَنَحْوه. وَالنَّوْع السَّادِس الرِّدَّة عَن الْإِسْلَام أعاذني الله وَالْمُسْلِمين مِنْهَا، لقَوْله تَعَالَى 19 ( {لَئِن أشركت ليحطن عَمَلك} ) وَقَوله: (الطّهُور شطر الْإِيمَان) وَالرِّدَّة تبطل الْإِيمَان، فَوَجَبَ أَن تبطل مَا هُوَ شطره وكل مَا أوجب غسلا كالتقاء الختانين وانتقال الْمَنِيّ وَإِسْلَام الْكَافِر وَنَحْوه، فَإِنَّهُ يُوجب الْوضُوء غير الْمَوْت فَإِنَّهُ يُوجب الْغسْل لَا الْوضُوء بل يسن. وَالنَّوْع السَّابِع من مس فرج آدَمِيّ أُصَلِّي دون سَائِر الْحَيَوَانَات، تَعَمّده أَو لَا، صَغِير كَانَ أَو كَبِير، ذكر أَو أُنْثَى مُتَّصِل فَلَا ينْقض مس مُنْفَصِل لذهاب حرمته بِقطعِهِ، وَلَا مس قلفه بِضَم الْقَاف وَسُكُون اللَّام، وَقد

تحرّك، وَهِي الْجلْدَة الَّتِي تقطع فِي الْخِتَان، وَلَا مس فرج امْرَأَة بائنين أَي القلفة وَفرج الْمَرْأَة لذهاب حرمتهَا لَو بانا. وينقض مس حَلقَة دبره أَي الأدمِيّ، وَلَا فرق بَين نَفسه وَغَيره، وَلَو كَانَ الملموس مَيتا أَو قبلي خُنْثَى مُشكل، لِأَن أَحدهمَا أُصَلِّي قطعا بيد مُتَعَلق بلمس. وَلَو زَائِدَة، فَلَا ينْقض الْمس بغَيْرهَا وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين بطن الْكَفّ وظهرها وحرفها لِأَنَّهُ جُزْء مِنْهَا أشبه بَطنهَا. وَالنَّوْع الثَّامِن لمس ذكر أَو لمس أُنْثَى الآخر أَي لمس ذكر أُنْثَى، أولمس أُنْثَى ذكرا لشَهْوَة لقَوْله تَعَالَى 19 ( {أَو لامستم النِّسَاء} ) . تَنْبِيه قَوْله: لشَهْوَة. هِيَ عبارَة الْمقنع وَغَيره. وَعبارَة الْوَجِيز: بِشَهْوَة. قَالَ فِي الْمُبْدع: وَهِي أحسن لِأَن الْبَاء تدل على المصاحبة والمقارنة. انْتهى. بِلَا حَائِل فيهمَا أَي فِي لمس الذّكر الْأُنْثَى أَو الْأُنْثَى الذّكر وَلَا ينْقض لمس لشعر وَسن وظفر وَلَا بهَا أَي وَلَا ينْقض لمس بِشعر وَسن وظفر وَلِأَنَّهُ فِي حكم الْمُنْفَصِل. وَلَا لمس أَمْرَد وَلَو لشَهْوَة لعدم تنَاول الْآيَة لَهُ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمحل للشهوة شرعا. قَالَ فِي الْقَامُوس: والأمرد الشَّاب طر شَاربه وَلم تنْبت لحيته. انْتهى. وَلَا ينْقض لمس خُنْثَى

مُشكل من رجل أَو امْرَأَة وَلَو لشَهْوَة، وَلَا بلمسه رجلا أَو امْرَأَة وَلَو لشَهْوَة، لِأَنَّهُ مُتَيَقن الطَّهَارَة شَاك فِي الْحَدث. وَلَا لمس الرجل الرجل وَلَا الْمَرْأَة الْمَرْأَة وَلَو لشَهْوَة وَلَا ينْقض لمس من دون سبع سِنِين من طِفْل أَو طفلة وَلَو لشَهْوَة وَلَا ينْتَقض وضوء ملموس بدنه أَو فرجه مُطلقًا أَي سَوَاء وجد شَهْوَة أَو لَا، وَسَوَاء كَانَ ذكرا أَو أُنْثَى وَمن شكّ أَي تردد، قَالَ فِي الْقَامُوس: الشَّك خلاف الْيَقِين، فِي طَهَارَة بعد تَيَقّن حدث أَو شكّ فِي حدث بعد تَيَقّن طَهَارَة، وَلَو فِي غير صَلَاة بنى على يقينه وَهُوَ الْحَدث فِي الأولى وَالطَّهَارَة فِي الثَّانِيَة. قَالَ فِي الْمُنْتَهى: وَلَا وضوء على سامعي صَوت أَو شَامي ريح من أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه. قَالَ فِي شَرحه: لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا لم يتحققه مِنْهُ فَهُوَ مُتَيَقن الطَّهَارَة شَاك فِي الْحَدث. فيتفرع على هَذَا أَنه لَا يأتم أَحدهمَا بِالْآخرِ فَإِن ائتم بِهِ أَو صافه وَحده أعَاد، وَإِن أَرَادَ ذَلِك تَوَضَّأ. وَحرم على مُحدث حَدثا أَصْغَر أَو أكبر مس مصحف أَو بعضه وَلَو من صَغِير حَتَّى جلده وحواشيه وَغَيرهَا بِلَا حَائِل لَا حمله بعلاقته وَحرم عَلَيْهِ أَيْضا صَلَاة لحَدِيث (لَا يقبل الله صَلَاة بِغَيْر طهُور وَلَا صَدَقَة من غلُول) سَوَاء كَانَت الصَّلَاة فرضا أَو نفلا أَو سَجْدَة تِلَاوَة أَو شكر أَو صَلَاة جَنَازَة. وَلَا يكفر من صلى مُحدثا وَلَو عَالما خلافًا لأبي حنيفَة. وَحرم عَلَيْهِ أَيْضا طواف فرضا كَانَ أَو نفلا وَحرم على

جنب وَنَحْوه كالحائض وَالنُّفَسَاء ذَلِك أَي مَا تقدم من مس مصحف وَصَلَاة وَطواف، وَحرم عَلَيْهِ أَيْضا قِرَاءَة آيَة قُرْآن فَأكْثر لَا بعض آيَة وَلَو كَرَّرَه مَا لم يتحيل على قِرَاءَة تحرم عَلَيْهِ، وَله تهجيه وتحريك شَفَتَيْه بِهِ إِن لم يبين الْحُرُوف وَقَول مَا وَافق قُرْآنًا وَلم يَقْصِدهُ كالبسملة، وَقَول الْحَمد لله رب الْعَالمين، وَآيَة الاسترجاع، وَآيَة الرّكُوب، وَحرم على جنب وَنَحْوه أَيْضا لبث فِي مَسْجِد وَلَو مصلى عيد لَا جَنَازَة بِغَيْر وضوء، وَيجوز لجنب وحائض ونفساء انْقَطع دَمهَا دُخُول مَسْجِد وَلَو بِلَا حَاجَة. ولبث فِيهِ بِوضُوء، فَإِن تعذر واحتيج للبث فِيهِ جَازَ بِلَا تيَمّم، وَيتَيَمَّم للبث لغسل فِيهِ، وَلَا يكره غسل وَلَا وضوء فِي الْمَسْجِد مَا لم يؤذ بهما، وَتكره إِرَاقَة مَائِهَا فِيهِ وَبِمَا يداس. ومصلى الْعِيد لَا الْجِنَازَة مَسْجِد وَيكرهُ اتِّخَاذ الْمَسْجِد طَرِيقا. وَيحرم بصنعة فِيهِ لِأَنَّهُ لم يبن لذَلِك، وَإِن عمل لنَفسِهِ نَحْو خياطَة لَا لتكسب فَاخْتَارَ الْمُوفق وَغَيره الْجَوَاز. وَقَالَ ابْن الْبناء: لَا يجوز. وَيمْنَع مَجْنُون وسكران من دُخُول مَسْجِد لقَوْله تَعَالَى 19 ((لَا تقربواالصلاة وَأَنْتُم سكارى)) وَالْمَجْنُون أولى مِنْهُ.

فصل يذكر فِيهِ شُرُوط الْغسْل وموجباته وَمَا يسن الْغسْل. فَأَما شُرُوطه فسبعة، وَهِي شُرُوط الْوضُوء الْمُتَقَدّمَة فِي فروض الْوضُوء، مَا عدا الِاسْتِنْجَاء فَإِنَّهُ شَرط فِي الْوضُوء لَا فِي الْغسْل. وَأما موجباته فَهِيَ مَا ذكرهَا المُصَنّف بقوله: مُوجبَات الْغسْل مُبْتَدأ بِضَم الْغَيْن الِاغْتِسَال وَالْمَاء الَّذِي يغْتَسل بِهِ، وبالفتح مصدر غسل، بِالْكَسْرِ مَا يغسل بِهِ الرَّأْس من خطمى وَغَيره وَشرعا اسْتِعْمَال مَاء لطهور فِي جَمِيع بدنه على وَجه مَخْصُوص سَبْعَة خبر: أَحدهَا خُرُوج الْمَنِيّ وَهُوَ المَاء الْأَبْيَض الغليظ، وَقد يخرج أَحْمَر لقُصُور الشَّهْوَة عَنهُ، ومني الْمَرْأَة أصفر رَقِيق، وَلَو من مَجْنُون أَو نَائِم مغمى عَلَيْهِ وَنَحْوه، بِشَرْط خُرُوجه من مخرجه فَإِن خرج من غير مخرجه بِأَن انْكَسَرَ صلبه فَخرج مِنْهُ لم يجب، وَأَن يكون بلذة من غير نَائِم ) وَنَحْوه وَلَو كَانَ الْمَنِيّ دَمًا، فَإِن خرج بِلَا لَذَّة لم يجب، وَإِن خرج من نَحْو نَائِم وَجب، أحسوا بِهِ أَو لَا، وَلَا يجب بحلم بِلَا بَلل. والمني نجس إِذا خرج من غير مخرجه أَو من يقظان بِلَا لَذَّة.

وَالثَّانِي انْتِقَاله أَي الْمَنِيّ، فَلَو أحس بانتقاله فحبسه فَلم يخرج وَجب الْغسْل كخروجه. وَيثبت بِهِ حكم بُلُوغ وَفطر وَغَيرهمَا. وَكَذَا انْتِقَال حيض، قَالَ الشَّيْخ 16 (تَقِيّ الدّين) : فَإِن خرج الْمَنِيّ بعد الْغسْل من انْتِقَاله أَو بعد غسله من جماع لم ينزل فِيهِ أَو خرجت بَقِيَّة مني اغْتسل لَهُ بِغَيْر شَهْوَة لم يجب الْغسْل. تَنْبِيه مَحل وجوب الْغسْل بِخُرُوج الْمَنِيّ إِذا يصر سلسا قَالَه القَاضِي وَغَيره، فَيجب الْوضُوء فَقَط. وَالثَّالِث تغييب حَشَفَة أَصْلِيَّة أَو قدرهَا إِن فقدت وَلَو من نَائِم أَو مَجْنُون أَو مغمى عَلَيْهِ وَنَحْوه فِي فرج أصلى فَلَا يجب غسل بإيلاج فِي غير أُصَلِّي، أَو بِغَيْر أُصَلِّي كإيلاج رجل ذكره فِي قبل الْخُنْثَى الْمُشكل أَو المتضح الذُّكُورَة، أَو إيلاج الْخُنْثَى ذكره فِي قبل أَو دبر بِلَا إِنْزَال لعدم تغيب الْحَشَفَة بِيَقِين. وَلَو وطئ كل وَاحِد من الخنثيين الآخر بِالذكر فِي الْقبل أَو الدبر فَلَا غسل عَلَيْهِمَا. وَإِن تواطأ رجل وَخُنْثَى فِي دبريهما فعلَيْهِمَا الْغسْل، لِأَن دبر الْخُنْثَى أُصَلِّي قطعا وَقد وجد تغييب حَشَفَة رجل فِيهِ. وَالْأَحْكَام الْمُتَعَلّقَة بتغييب الْحَشَفَة كالأحكام الْمُتَعَلّقَة بِالْوَطْءِ الْكَامِل، وَجَمعهَا بَعضهم فبلغت أَرْبَعمِائَة إِلَّا ثَمَانِيَة أَحْكَام ذكره ابْن الْقيم فِي تحفة المودود فِي أَحْكَام الْمَوْلُود. أَو تغييب حَشَفَة فِي دبر وَلَو لبهيمة أَو سَمَكَة أَو طير أَو ميت بِلَا حَائِل فَإِن كَانَ بِحَائِل مثل إِن لف على ذكره خرقَة أَو أدخلهُ فِي كيس وَلم ينزل لم يجب الْغسْل، وَإِن استدخلتها أَي الْحَشَفَة من ميت أَو بَهِيمَة

وَجب عَلَيْهَا دون الْمَيِّت فَلَا يُعَاد غسله، ويعاد غسل الْميتَة الْمَوْطُوءَة. قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِير: وَمن وطئ بعد غسله أعيدغسله فِي أحد الْوَجْهَيْنِ، وَاخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَة الْكُبْرَى. وَلَو قَالَت امْرَأَة: بِي جني يجامعني كَالرّجلِ فعلَيْهَا الْغسْل وَالرَّابِع إِسْلَام كَافِر وَلَو مُرْتَدا أَو مُمَيّزا سَوَاء كَانَ ذكرا أَو أُنْثَى أَو خُنْثَى، وجد مِنْهُ فِي كفره مَا يُوجب الْغسْل أَو لَا، وَسَوَاء اغْتسل قبل إِسْلَامه أَو لَا. قَالَ فِي الْإِقْنَاع: وَلَا يلْزمه غسل بِسَبَب حدث وجد مِنْهُ فِي كفره بل يَكْفِيهِ غسل الْإِسْلَام. وَوقت وُجُوبه على الْمُمَيز الْكَافِر كوقت وُجُوبه على الْمُمَيز الْمُسلم. انْتهى. قَالَ الخلوتي فِي حَاشِيَته على الْمُنْتَهى: هَذَا فِيهِ نوع من المشاكلة لِأَن المُرَاد من الأول الْمُمَيز حَقِيقَة وَمن الثَّانِي ابْن عشر وَبنت تسع، وَمِنْه تعلم أَن الحكم مُخْتَلف بَين الْمُسلم الْأَصْلِيّ وَبَين الْكَافِر إِذا أسلم، من أَن الأول لَا يلْزمه الْغسْل لموجباته إِذا أَرَادَ مَا يتَوَقَّف على ذَلِك إِلَّا إِذا كَانَ ابْن عشر أَو بنت تسع لَا إِذا كَانَ ابْن عشر أَو بنت تسع لَا إِذا كَانَ دون ذَلِك، وَأما الْكَافِر فَإِنَّهُ يلْزمه إِذا أَرَادَ مَا يتَوَقَّف على الْغسْل لَو لم يبلغ عشرا أَو تبلغ تسعا حَيْثُ كَانَا مميزين، وَالْفرق وَاضح، إِنَّمَا قيدنَا بذلك فِي جَانب الْمُسلم إِذا جَامع لِأَنَّهُ مَظَنَّة الْبلُوغ، وَغير الْمُسلم إِذا أسلم فَإِنَّمَا أَوجَبْنَا عَلَيْهِ الْغسْل لِلْإِسْلَامِ

وَلَو لم يُوجد مِنْهُ فِي كفره مَا يُوجِبهُ، حَيْثُ كَانَ الْغسْل لنَفس الْإِسْلَام فَلَا فرق فِيهِ بَين من كَانَ فِي سنّ التَّمْيِيز أَو فَوْقه. انْتهى. وَالْخَامِس موت تعبدا، غير شَهِيد معركة ومقتول ظلما فَلَا يغسلان. وَيَأْتِي حكمهمَا فِي الْجَنَائِز موضحا. وَالسَّادِس حيض أَي خُرُوج دَمه، فَإِن كَانَ عَلَيْهَا جَنَابَة فَلَيْسَ عَلَيْهَا أَن تَغْتَسِل لَهَا حَتَّى يَنْقَطِع حَيْضهَا نصا، فَإِن اغْتَسَلت للجنابة فِي زمن محيضها صَحَّ بل يسْتَحبّ تَخْفِيفًا للْحَدَث وَيَزُول حكمهَا، وانقطاعه شَرط لصِحَّة الْغسْل. وَالسَّابِع نِفَاس وَهُوَ الدَّم الْخَارِج بِسَبَب الْولادَة فَلَا يجب غسل بِوِلَادَة عرت عَنهُ، فَلَا يبطل الصَّوْم وَلَا يحرم الْوَطْء بهَا قبل الْغسْل. وَلَا يجب غسل أَيْضا بإلقاء علقَة أَو مُضْغَة لَا تخطيط فِيهَا، لِأَن ذَلِك لَيْسَ ولادَة. وَالْولد طَاهِر وَمَعَ الدَّم يجب غسله كَسَائِر الْأَشْيَاء المتنجسة. وَأما سنَن الْغسْل فَهِيَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وَسن الْغسْل فِي سِتَّة عشر موضعا: أَحدهَا وَهُوَ آكدها الْغسْل لصَلَاة جُمُعَة لذكر حضرها فِي يَوْمهَا وَلَو لم تجب عَلَيْهِ إِن صلى، وَعند مُضِيّ وَعَن جماع أفضل. ثمَّ يَلِيهِ فِي الآكدية لغسل ميت كَبِيرا كَانَ أَو صَغِيرا، ذكرا أَو أُنْثَى، حرا أَو رَقِيقا، أَو كَافِر وَظَاهره وَلَو فِي ثوب، وَهَذَا الْموضع الثَّانِي. وَالثَّالِث الْغسْل لصَلَاة عيد فِي يَوْمهَا لحاضرها إِن صلى وَلَو وَحده.

وَالرَّابِع الْغسْل لصَلَاة كسوف. وَالْخَامِس لصَلَاة استسقاء. وَالسَّادِس لإِقَامَة من جُنُون. وَالسَّابِع لإفاقة من إِغْمَاء لَا احْتِلَام فيهمَا أَي الْجُنُون وَالْإِغْمَاء، وَمَعَهُ يجب. وَالثَّامِن الْغسْل لاستحاضة لكل صَلَاة. وَالتَّاسِع لاحرام بِحَجّ أَو عمْرَة أَو بهما حَتَّى حَائِض أَو نفسَاء. والعاشر لدُخُول مَكَّة. وَالْحَادِي عشر لدُخُول حرمهَا نصا. وَالثَّانِي عشر لوقوف بِعَرَفَة. وَالثَّالِث عشر لطواف زِيَارَة. وَالرَّابِع عشر لطواف وداع. والخاس عشر لمبيت بِمُزْدَلِفَة. وَالسَّادِس عشر لرمي جمار، قَالَ فِي شرح الدَّلِيل: ظَاهره فِي كل يَوْم وَلم أر من تعرض لذَلِك، وَإِنَّمَا يُؤْخَذ من التَّعْلِيل فَإِنَّهُم قَالُوا: لِأَن هَذِه أنساك يجْتَمع لَهَا النَّاس ويزدحمون فيعرقون فيؤذي بَعضهم بَعْضًا فاستحب كَالْجُمُعَةِ. وَفِي منسك ابْن الزغواني: ولسعي. قَالَ فِي الْمُبْدع: وَنَصّ الإِمَام أَحْمد، ولزيارة قبر النَّبِي، وَلكُل اجْتِمَاع مُسْتَحبّ وَلَا يسْتَحبّ لدُخُول طيبَة وَلَا للحجامة. انْتهى. وَتيَمّم للْكُلّ لحَاجَة وَلما يسن لَهُ الْوضُوء لعذر.

تَنْبِيه قَالَ فِي الْإِنْصَاف: وَقت الْغسْل للاستسقاء عِنْد إِرَادَة الْخُرُوج إِلَى الصَّلَاة، وللكسوف عِنْد وُقُوعه، وَفِي الْحَج عِنْد إِرَادَة النّسك الَّذِي يُرِيد أَن يَفْعَله قَرِيبا. انْتهى. وتنقض الْمَرْأَة شعرهَا لحيض ونفاس وجوبا، وَلَا يجب نقضه لجنابة إِذا رَوَت أُصُوله. ويرتفع حدث قبل زَوَال الحكم خبث، وَتقدم أول الْفَصْل. وَتسن مُوالَاة فِي غسل، فَإِن فَاتَت جدد لإتمامه نِيَّة لانْقِطَاع النِّيَّة بِفَوَات الْمُوَالَاة. وَعلم من قَوْلهم: جدد لإتمامه نِيَّة أَنه لَا يجدد تَسْمِيَة، وَلَعَلَّه كَذَلِك، وَالْفرق أَن النِّيَّة شَرط فَيعْتَبر اسْتِمْرَار حكمهَا إِلَى آخر الْعِبَادَة بِخِلَاف التَّسْمِيَة. قَالَ البهوتي فِي حَاشِيَة الْمُنْتَهى: يجب غسل دَاخل فَم وأنف وحشفة أقلف إِن أمكن تشميرها وَحَتَّى مَا يظْهر من فرج امْرَأَة عِنْد قعودها لحاجتها، وَلَا يجب غسل دَاخل عين بل وَلَا يسْتَحبّ وَلَو أَمن الضَّرَر. وَسن توضؤ بِمد وَهُوَ رَطْل وَثلث عراقي وَمَا وَافقه. وَثَلَاث أَوَاقٍ وَثَلَاثَة أَسْبَاع أُوقِيَّة بِوَزْن دمشق وَمَا وَافقه، وأوقيتان وَسِتَّة أَسْبَاع أُوقِيَّة بالحلبي وَمَا وَافقه. وَسن اغتسال بِصَاع وَهُوَ خَمْسَة أَرْطَال وَثلث عراقية، ورطل وأوقية وَخَمْسَة أَسْبَاع أُوقِيَّة دمشقية، وَأحد عشر أُوقِيَّة وَثَلَاثَة أَسْبَاع أُوقِيَّة حلبية، وتسع أَوَاقٍ وَسبع أُوقِيَّة بعلية. فَإِن أَسْبغ دونهَا أَجزَأَهُ وَلم يكره، والإسباغ تَعْمِيم الْعُضْو بِالْمَاءِ بِحَيْثُ يجْرِي عَلَيْهِ

وَلَا يكون مسحا. قَالَه فِي الْإِقْنَاع. وَكره إِسْرَاف فِي وضوء وَغسل، وَلَو على نهر جَار وغسله عُرْيَان إِن لم يرَاهُ أحد وَإِلَّا حرم، قَالَ الْحسن وَالْحُسَيْن وَقد دخلا المَاء وَعَلَيْهِمَا بردَان: إِن للْمَاء سكانا. وَفِي الْإِقْنَاع: فَإِن ستره إِنْسَان بِثَوْب أَو اغْتسل عُريَانا خَالِيا فَلَا بَأْس والستر أفضل. انْتهى. وَبِنَاء الْحمام وَبيعه وشراؤه وإجارته وَكَسبه وَكسب البلان والمزين مَكْرُوه، قَالَ الإِمَام أَحْمد فِي الَّذِي يَبْنِي الْحمام للنِّسَاء: لَيْسَ بِعدْل. وَيُبَاح للرجل دُخُوله بِشَرْط أَن يَأْمَن الْوُقُوع فِي الْمحرم، وَأَن يسلم من النّظر إِلَى عورات النَّاس ومسها وَمن نظرهم إِلَى عَوْرَته ومسها. وللمرأة دُخُوله بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَة، وبوجود عذر من نَحْو حيض أَو نِفَاس وَلَا يُمكنهَا الإغتسال فِي بَيتهَا وَإِلَّا حرم نصا و (هَذِه الْكَلِمَة غير مَوْجُودَة فِي الْكتاب فِي هَذِه الْفَقْرَة: (الأولى) أَن يغسل إبطَيْهِ وقدميه عِنْد الدُّخُول بِمَاء بَارِد، وَيلْزم الْحَائِط ويقلل الإلتفات ويقصد موضعا خَالِيا وَلَا يُطِيل الْمقَام إِلَّا بِقدر الْحَاجة، وَيغسل قَدَمَيْهِ عِنْد خُرُوجه بِمَاء بَارِد، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعب. فَإِنَّهُ يذهب الصداع. انْتهى. وَلَا يكره دُخُوله قرب الْغُرُوب وَلَا بَين العشاءين، وَتكره الْقِرَاءَة فِيهِ، (سقط: وَكَذَا السَّلَام) لَا الذّكر.

وَإِن نوى بِالْغسْلِ رفع الحدثين الْأَكْبَر والأصغر أَو نوى رفع الْحَدث وَأطلق فَلَا يُقَيِّدهُ بالأكبر وَلَا الْأَصْغَر، أَو نوى أمرا لَا يُبَاح إِلَّا بِوضُوء وَغسل كَصَلَاة وَنَحْوهَا ارتفعا أَي الْحدثَان. وَسن لجنب وَلَو أُنْثَى وكل من وَجب عَلَيْهِ غسل كحائض ونفساء انْقَطع دمهما غسل فرجه وَسن الْوضُوء أَيْضا مَعَ غسل فرجه لأكل وَشرب ونوم وَسن لجنب الْوضُوء لمعاودة وَطْء وَالْغسْل لَهَا لمعاودة الْوَطْء أفضل لِأَنَّهُ أزكى وَأطيب وأطهر وَكره نوم جنب فَقَط أَي دون أكل وَنَحْوه بِلَا وضوء لظَاهِر الحَدِيث.

فصل

3 - (فصل) فِي التَّيَمُّم وشروطه وفروضه ومبطلاته، وَهُوَ لُغَة الْقَصْد، وَشرعا اسْتِعْمَال تُرَاب مَخْصُوص بمسح وَجه ويدين على وَجه مَخْصُوص يدل على طَهَارَة المَاء. وَهُوَ عَزِيمَة، وَتقدم تَعْرِيفهَا فِي مسح الْخُفَّيْنِ. يجوز بسفر الْمعْصِيَة وَلَا يجوز تَركه. قَالَ القَاضِي: لَو خرج إِلَى ضَيْعَة لَهُ تقَارب الْبُنيان والمنازل وَلَو بِخَمْسِينَ خطْوَة جَازَ لَهُ التَّيَمُّم وَالصَّلَاة على الرَّاحِلَة وَأكل الْميتَة للْمُضْطَر. انْتهى. يَصح التَّيَمُّم بِشُرُوط ثَمَانِيَة: النِّيَّة، وَالْإِسْلَام، وَالْعقل، والتمييز، والاستجمار المستوفيين للشروط، وَالسَّادِس مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله بِتُرَاب فَلَا يَصح بنورة وَرمل وَنَحْوهمَا طهُور فَلَا يَصح بِمَا تناثر من أَعْضَاء التَّيَمُّم مُبَاح فَلَا يَصح بمغصوب، كَالْوضُوءِ بِهِ غير محترق فَلَا يَصح بِمَا دق من نَحْو خزف لَهُ غُبَار يعلق بِالْيَدِ فَإِن خالطه ذُو غُبَار غَيره فكماء خالطه طَاهِر، وَالسَّابِع مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله إِذا عدم المَاء مُتَعَلق ب (يَصح) ، سَوَاء كَانَ

الْعَدَم لحبس المَاء عَنهُ أَو حَبسه عَن المَاء أَو غَيره أَي الْحَبْس كَقطع عَدو مَاء بَلَده أَو عَجزه عَن تنَاوله من بِئْر وَلَو بِفَم لفقد آلَة. أَو خيف بإستعماله أَي المَاء أَو طلبه ضَرَر ببدن كجرح وَبرد شَدِيد وفوت رفْقَة وعطش نَفسه أَو غَيره من آدَمِيّ أَو بَهِيمَة محترمين أَو احْتَاجَ لعجن أَو طبخ، أَو لعدم بذله إِلَّا بِزِيَادَة كَثِيرَة عَادَة على ثمن مثله فِي مَكَانَهُ. وَلَا إِعَادَة فِي الْكل أَو خيف بِاسْتِعْمَالِهِ أَو طلبه ضَرَر بِمَال أَو غَيرهمَا أَي الْبدن وَالْمَال كَوَلَد، وَيفْعل التَّيَمُّم عَن كل مَا يفعل بِالْمَاءِ من طَهَارَة عَن حدث أكبر أَو أَصْغَر أَو طواف أَو إِزَالَة نَجَاسَة عَن بدن بعد تخفيفها مَا أمكن من مسح رطبَة وحك يابسة، وَلَا فرق بَين كَون النَّجَاسَة على مَحل صَحِيح أَو جريح، فَإِن تيَمّم لَهَا قبل تخفيفها لم يَصح سوى نَجَاسَة على غير بدن كعلى ثوب أَو بقْعَة فَلَا يَصح التَّيَمُّم عَنْهَا. وَالثَّامِن مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله إِذا دخل وَقت فرض وأبيح غَيره أَي الْفَرْض وَلَو منذورا معِين، فَلَا يَصح التَّيَمُّم لحاضرة وَعِيد مَا لم يدْخل وقتهما، وَلَا لفائتة إِلَّا إِذا ذكرهَا وَأَرَادَ فعلهَا، وَلَا كسوف قبل وجوده، وَلَا لاستسقاء مَا لم يجتمعوا. وَلَا لجنازة إِلَّا إِذا غسل الْمَيِّت أَو يم لعذر، وَلَا لنفل وَقت نهى. وَإِن وجد من لزمَه طَهَارَة حَتَّى الْمُحدث حَدثا أَصْغَر مَاء لَا يَكْفِي طَهَارَته اسْتَعْملهُ أَولا وجوباثم تيَمّم لحَدِيث (إِذا أَمرتكُم بِأَمْر فائتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم) فَإِن تيَمّم قبل اسْتِعْمَاله لم يَصح

وَيلْزم من جرح بِبَعْض أَعْضَاء وضوئِهِ إِذا تَوَضَّأ تَرْتِيب فِي الطَّهَارَة الصُّغْرَى وَيَأْتِي فِي الْفُرُوض، فيتفرع على هَذَا أَنه يتَيَمَّم للجروح عِنْد غسله لَو كَانَ صَحِيحا، فَلَو كَانَ الْجرْح فِي الْوَجْه بِحَيْثُ لَا يُمكنهُ غسل شَيْء مِنْهُ تيَمّم أَولا ثمَّ أتم الْوضُوء، وَإِن كَانَ فِي بعض وَجهه خير بَين غسل الصَّحِيح مِنْهُ ثمَّ يتَيَمَّم للجريح مِنْهُ وَبَين التَّيَمُّم ثمَّ يغسل صَحِيح وَجهه، ويتمم الْوضُوء. وَإِن كَانَ فِي عُضْو آخر لزمَه غسل مَا قبله ثمَّ كَانَ فِيهِ على مَا ذكرنَا فِي الْوَجْه. وَإِن كَانَ وَجهه وَيَديه وَرجلَيْهِ احْتَاجَ فِي كل عُضْو إِلَى تيَمّم فِي مَحل غسله ليحصل التَّرْتِيب. وَلَو غسل صَحِيح وَجهه ثمَّ تيَمّم لَهُ وليديه تيمما وَاحِدًا لم يُجزئهُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى سُقُوط الْفَرْض عَن جُزْء من الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ فِي حَالَة وَاحِدَة. فَإِن قيل: هَذَا يبطل بِالتَّيَمُّمِ عَن جملَة الطَّهَارَة حَيْثُ يسْقط الْفَرْض عَن جَمِيع الْأَعْضَاء جملَة وَاحِدَة، قُلْنَا: إِذا كَانَ عَن جملَة الطَّهَارَة فَالْحكم لَهُ دونهَا وَإِذا كَانَ عَن بَعْضهَا نَاب عَن ذَلِك الْبَعْض فَاعْتبر لَهُ مَا يعْتَبر فِيمَا يَنُوب عَنهُ من التَّرْتِيب. قَالَه فِي الشَّرْح. إِن لم يُمكن مَسحه أَي الْجرْح بِالْمَاءِ مُتَعَلق بِتَيَمُّم. وَإِن أمكن مَسحه وَجب وأجزأ، لِأَن الْغسْل مَأْمُور بِهِ وَالْمسح بعضه فَوَجَبَ، كمن عجز عَن الرُّكُوع وَالسُّجُود وَقدر على الْإِيمَاء وَيغسل الصَّحِيح وَيلْزم من جرحه بِبَعْض أَعْضَاء وضوئِهِ إِذا تَوَضَّأ مُوالَاة فِي الطَّهَارَة الصُّغْرَى فَيلْزمهُ غسل الصَّحِيح عِنْد كل تيَمّم وَطلب المَاء فِي حق من لَزِمته الطَّهَارَة فِي رَحْله وَمَا قرب مِنْهُ عَادَة

وَمن رَفِيقه شَرط مَا لم يتَحَقَّق عَدمه، وَلَا تيَمّم لخوف فَوت جَنَازَة وَلَا وَقت فرض إِلَّا فِيمَا إِذا علم الْمُسَافِر المَاء قَرِيبا عرفا، أَو دله عَلَيْهِ ثِقَة قَرِيبا وَخَافَ بِقَصْدِهِ فَوت الْوَقْت وَلَو للاختيار، أَو فَوت رفقته أَو مَال، أَو عدوا على نَفسه، وَفِيمَا إِذا وصل الْمُسَافِر إِلَى المَاء وَقد ضَاقَ الْوَقْت أَو علم أَن النّوبَة لَا تصل إِلَيْهِ إِلَّا بعد خُرُوجه. وَمن ترك مَالا يلْزمه قبُوله أَو تَحْصِيله من مَاء وَغَيره وَتيَمّم وَصلى أعَاد. وَيلْزمهُ شِرَاء مَاء وحبل ودلو بِثمن مثلهَا أَو زَائِد يَسِيرا فَاضل عَن حَاجته، واستعارتها وقبولها عَارِية وَقبُول مَاء فرضا وَهبة، وَقبُول ثمنه فرضا إِذا كَانَ لَهُ وَفَاء. وَإِن قدر على مَاء بِئْر بِثَوْب يبله ثمَّ يعصره لزمَه إِن لم تنقص قيمَة الثَّوْب أَكثر من ثمن المَاء فَإِن نسى أَو جهل قدرته عَلَيْهِ أَي المَاء وَتيَمّم وَصلى أعَاد مَا صلاه، لِأَن الطَّهَارَة تجب مَعَ الْعلم وَالذكر فَلَا تسْقط بِالنِّسْيَانِ وَالْجهل كمصل نَاسِيا حَدثهُ أَو عُريَانا نَاسِيا للسترة ومكفر بِصَوْم نَاسِيا للرقبة. وواجب التَّيَمُّم التَّسْمِيَة وَتسقط سَهوا وجهلا، وَتَقَدَّمت فِي الْوضُوء. وفروضه أَي التَّيَمُّم أَرْبَعَة أَشْيَاء أَشَارَ إِلَى الأولى بقوله مسح وَجهه وَمِنْه اللِّحْيَة سوى مَا تَحت شعر وَلَو خَفِيفا، وَسوى دَاخل فَم وأنف فَيكْرَه إِدْخَال التُّرَاب فيهمَا لتقديرهما. وَالثَّانِي مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وَمسح يَدَيْهِ إِلَى كوعيه لقَوْله تَعَالَى 19 ( {وَأَيْدِيكُمْ} ) . وَإِذا علق حكم بِمُطلق الْيَد لم يدْخل فِيهِ ذِرَاع كَقطع السَّارِق وَمَسّ الْفرج. وَلَو أَمر الْمحل الْمَمْسُوح على التُّرَاب

أَو صمده لريح فعمه وَمسح بِهِ صَحَّ، لَا إِن سفته الرّيح من غير تعمد فَمسح بِهِ. وَالثَّالِث مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وَفِي حدث أَصْغَر تَرْتِيب. وَالرَّابِع مُوالَاة فِيهِ أَيْضا وَتقدم حكمهَا. وَنِيَّة الاستباحة شَرط لما يتَيَمَّم لَهُ من حدث أكبر أَو أَصْغَر أَو نَجَاسَة ببدن فَلَا تَكْفِي نِيَّة أَحدهمَا عَن الآخر، وَإِن نَوَاهَا كلهَا أَجْزَأَ عَن الْجَمِيع، أَو نوى أحد أَسبَاب أَحدهمَا بِأَن بَال وتغوط وَخرج مِنْهُ ريح، وَنوى وَاحِدًا مِنْهَا وَتيَمّم أَجزَأَهُ عَن الْجَمِيع وَلَا يصلى بِهِ أَي التَّيَمُّم فرضا إِن نوى نفلا أَو أطلق. فأعلاه فرض عين فَنَذر فكفاية فنافلة فطواف نفل فمس مصحف فقراءة فَلبث، حَائِض لوطء وَيبْطل التَّيَمُّم بِخَمْسَة أَشْيَاء الأولى مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله بِخُرُوج الْوَقْت. وَالثَّانِي لزوَال الْمُبِيح لَهُ كَمَا لَو تيَمّم لمَرض فَعُوفِيَ، أَو لبرد فَزَالَ. وَالثَّالِث بخلع مَا يمسح كخف وعمامة وجبيرة لبس على طَهَارَة مَاء إِن تيَمّم بعد حَدثهُ وَهُوَ عَلَيْهِ، سَوَاء مَسحه قبل ذَلِك أَو لَا لقِيَام تيَمّمه مقَام وضوئِهِ وَهُوَ يبطل بخلع ذَلِك فَكَذَا مَا قَامَ مقَامه، التَّيَمُّم وَإِن اخْتصَّ بعضوين صُورَة فَهُوَ مُتَعَلق بالأربعة حكما.

وَالرَّابِع مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله ومبطلات الْوضُوء أَي بِأحد النواقض الثَّمَانِية. وَالْخَامِس مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وبوجود مَاء إِن تيَمّم لفقده إِذا قدر على اسْتِعْمَاله بِلَا ضَرَر على مَا تقدم، لِأَن مَفْهُوم قَوْله (الصَّعِيد الطّيب وضوء الْمُسلم وَإِن لم يجد المَاء عشر سِنِين، فَإِذا وجدته فأمسه جِلْدك) يدل على أَنه لَيْسَ بِوضُوء عِنْد وجود المَاء. وَسن لراجيه أَي راجي وجود المَاء وعالمه أَو مستو عِنْده الامران تَأْخِير التَّيَمُّم لاخر وَقت مُخْتَار وَمن عدم المَاء وَالتُّرَاب أَو لم يُمكنهُ استعمالهما لمَانع كمن بِهِ قُرُوح لَا يَسْتَطِيع مَعهَا مس الْبشرَة بِوضُوء وَلَا تيَمّم صلى الْفَرْض فَقَط على حسب حَاله وجوبا وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ ويقتصر على مجزىء فِي قِرَاءَة وَغَيرهَا فَلَا يقْرَأ زَائِدا على الْفَاتِحَة، وَلَا يسبح أَكثر من مرّة، وَلَا يزِيد على مَا يجزىء فِي طمأنينة رُكُوع أَو سُجُود أَو جُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ. قَالَ فِي منتخب الأدمِيّ: فَإِن عدم المَاء وَالتُّرَاب صلى، لَكِن إِن كَانَ جنبا وَزَاد مَا يُجزئ من ركن أَو وَاجِب أعَاد. (سقط: انْتهى)

وَلَا يقْرَأ فِي غير صَلَاة إِن كَانَ جنبا وَنَحْوه كحائض ونفساء. وَصفته أَن يَنْوِي ثمَّ يُسَمِّي وَيضْرب التُّرَاب بيدَيْهِ مفرجتي الْأَصَابِع ضَرْبَة وَاحِدَة يمسح وَجهه بباطن أَصَابِعه، وكفيه براحتيه، والأحوط ثِنْتَانِ يمسح بِإِحْدَاهُمَا وَجهه وبالأخرى يَدَيْهِ.

فصل

3 - (فصل) فِي إِزَالَة النَّجَاسَة الْحكمِيَّة وَهِي الطارئة على مَحل طَاهِر وَقَالَ ابْن عقيل وَغَيره: لَا يعقل للنَّجَاسَة معنى. تطهر أَرض وأجرنة صغَار مَبْنِيَّة أَو كبار مُطلقًا قَالَه فِي الرِّعَايَة وَنَحْوهَا كحيطان وأحواض وصخر بِإِزَالَة عين النَّجَاسَة. وَإِزَالَة أَثَرهَا بِالْمَاءِ، ويطهر بَوْل غُلَام لَا أُنْثَى وَخُنْثَى لم يَأْكُل طَعَاما بِشَهْوَة بغمره بِالْمَاءِ، وقيئه نجس وَهُوَ أخف من بَوْله، ويطهر أَيْضا بغمره بِهِ أَي بِالْمَاءِ، ويطهر غَيرهمَا أَي غير بَوْل للغلام وقيئه من النَّجَاسَات حَتَّى أَسْفَل خف وحذاء وذيل امْرَأَة وَنَحْوهَا بِسبع غسلات منقية مَعَ حت وقرص لحَاجَة إِن لم يتَضَرَّر الْمحل، وَيعْتَبر الْعَصْر فِي كل مرّة مَعَ إِمْكَانه فِي مَا تشرب بِنَجَاسَة ليحصل انْفِصَال المَاء عَنهُ،

وَيشْتَرط أَن تكون إِحْدَاهَا أَي السَّبع غسلات بِتُرَاب طهُور وَنَحْوه كصابون وأشنان ونخالة فِي نَجَاسَة كلب وخنزير أَو مَا تولد مِنْهُمَا أَو من أَحدهمَا فَقَط أَي دون غَيرهمَا مَعَ زَوَالهَا أَي النَّجَاسَة، وَالتَّرْتِيب فِي الغسلة الأولى أولى. يعْتَبر اسْتِيعَاب الْمحل إِلَّا فِيمَا يضر فَيَكْفِي مُسَمَّاهُ، وَيعْتَبر أَيْضا مَاء طهُور يُوصل إِلَيْهِ فَلَا يَكْفِي ذره وإتباعه بِالْمَاءِ. وَلَا يضر بَقَاء لون أَو ريح أَو بقاؤهما عَجزا عَن إزالتهما دفعا للْحَرج، ويطهر الْمحل. ويضر بَقَاء طعم النَّجَاسَة لدلالته على بَقَاء الْعين، ولسهولة إِزَالَته، فَلَا يطهرالمحل مَعَ بَقَائِهِ. وَإِن لم تزل النَّجَاسَة إِلَّا بملح وَنَحْوه مَعَ المَاء لم يجب، وَإِن اسْتَعْملهُ فَحسن. وَيحرم اسْتِعْمَال طَعَام وشراب فِي إِزَالَة النَّجَاسَة، لإفساد المَال الْمُحْتَاج إِلَيْهِ، كَمَا ينْهَى عَن ذبح الْخَيل الَّتِي يُجَاهد عَلَيْهَا، وَالْإِبِل الَّتِي يحجّ عَلَيْهَا، وَالْبَقر الَّتِي يحرث عَلَيْهَا وَنَحْو ذَلِك لما فِي ذَلِك من الْحَاجة إِلَيْهِ. نَقله صَاحب الْإِقْنَاع عَن الشَّيْخ الْعَلامَة تَقِيّ الدّين. قَالَ فِي الاختيارات فِي آخر كتاب الْأَطْعِمَة: وَيكرهُ ذبح الْفرس الَّذِي ينْتَفع بِهِ فِي الْجِهَاد بِلَا نزاع انْتهى. وَلَا بَأْس بِاسْتِعْمَال النخالة الْخَالِصَة من الدَّقِيق فِي التدلك وَغسل الْأَيْدِي بهَا، وَكَذَا ببطيخ ودقيق الباقلاء وَغَيره مِمَّا لَهُ قُوَّة الْجلاء لحَاجَة، وَيغسل مَا ينجس بِبَعْض الغسلات بِعَدَد مَا بَقِي بعد تِلْكَ الغسلة بِتُرَاب إِن لم يكن اسْتعْمل حَيْثُ اشْترط.

وَلَا تطهر أَرض متنجسة وَلَا غَيرهَا بالشمس وَالرِّيح والجفاف، وَلَا النَّجَاسَة بالنَّار، ورمادها نجس وتطهر خمرة انْقَلب بِنَفسِهَا خلا أَو بنقلها بِغَيْر قصد التَّخْلِيل، وَيحرم تخليلها، فَإِن خللت وَلَو بنقلها لقصده لم تطهر وَكَذَا يطهر دنها أَي وعاؤها بطهارتها، كمحتفر فِي أَرض فِيهِ مَاء كثير تغير بِنَجَاسَة ثمَّ زَالَ تغيره بِنَفسِهِ فيطهر هُوَ وَمحله تبعا لَهُ. وَكَذَا مَا بني فِي الأَرْض كالصهاريج والبحرات. وَيحرم على غير خلال إمْسَاك خمر ليتخلل بِنَفسِهِ، بل يراق فِي الْحَال، فَإِن خَالف وَأمْسك فَصَارَ خلا بِنَفسِهِ طهر. قَالَ فِي الْإِقْنَاع: والخل الْمُبَاح أَن يصب على الْعِنَب أَو الْعصير خل قبل غليانه حَتَّى لَا يغلى، قيل للْإِمَام 16 (أَحْمد) : فَإِن غلى قَالَ: يهراق. وَلَا يطهر دهن تنجس بِغسْل وَلَا يطهر متشرب نَجَاسَة من لحم أَو عجين وَنَحْوهمَا وَلَا بطن حب تنجس بِغسْل وَلَا بَاطِن آجر، قَالَ فِي الْمُنْتَهى: وَلَا يطهر بَاطِن حب وإناء وعجين وَلحم تشربها. قَالَ فِي حَاشِيَته للبهوتي: إِن رفعت لفظ الْإِنَاء كَانَ الْمَعْنى: لَا يطهر إِنَاء تشر بهَا بِغسْل وَهُوَ الْمُوَافق لحكم السكين إِذا سقيتها كَمَا ذكره فِي الْمُبْدع والإقناع، وَإِن جررته على مَا قدر فِي شَرحه. وباطن إِنَاء، مَفْهُومه أَن ظَاهره يطهر، فيطلب الْفرق بَينه وَبَين السكين إِذا سقيتها. انْتهى. وَلَا تطهر سكين سقيتها نَجَاسَة بِغسْل وَلَا صقيل كسيف ومرآة وزجاج وَنَحْوه بمسح بل لَا بُد من غسله وَإِذا خَفِي مَوضِع نَجَاسَة فِي بدن أَو ثوب أَو مصلى صَغِير لزمَه غسل مَا تَيَقّن بِهِ إِزَالَتهَا فَلَا يَكْفِي الظَّن، وَفِي صحراء وَنَحْوهَا يصلى فيهمَا بِلَا غسل وَلَا تحر.

وَلَا تطهر أَرض اخْتلطت بِنَجَاسَة ذَات أَجزَاء مُتَفَرِّقَة، كالرمم وَالدَّم إِذا جف والروث إِذا اخْتَلَط بأجزاء الأَرْض. وَلَا تطهر بِالْغسْلِ بل بِإِزَالَة أَجزَاء الْمَكَان بِحَيْثُ يتَيَقَّن إِزَالَة النَّجَاسَة وَعفى فِي غير مَائِع وَغير مطعوم عَن يسير دم نجس وَنَحْوه كقيح وصديد إِذا كَانَ من دم حَيَوَان طَاهِر لَا نجس وَلَا يُعْفَى عَن شَيْء من دم سَبِيل إِلَّا إِذا كَانَ من دم حيض وَنَحْوه كنفاس واستحاضة، لِأَنَّهُ يشق التَّحَرُّز مِنْهُ فعفى عَن يسير مِنْهُ لم ينْقض الْوضُوء خُرُوج قدره من الْبدن وَأثر الِاسْتِجْمَار نجس يُعْفَى عَن يسيره بعد الإنقاء وَاسْتِيفَاء الْعدَد. قَالَ الإِمَام 16 (أَحْمد) فِي المستجمر يعرق فِي سراويله: لَا بَأْس. ذكره فِي الشَّرْح. وَمَا لَا نفس لَهُ سَائِلَة أَي دم يسيل كعنكبوت وخنفساء وقمل وبراغيث وبعوض وَنَحْوهَا كبق وذباب وَنحل فَهِيَ طَاهِرَة مُطلقًا أَي حَيَاة وموتا. وَيضم يسير متفرق بِثَوْب وَاحِد لَا أَكثر ودود القز وبزره والمسك وفأرته والعنبر طَاهِر. ومائع مُسكر نجس خمرًا كَانَ أَو غَيره، والحشيشة المسكرة نَجِسَة وَمَا لَا يُؤْكَل من طير وبهائم مِمَّا فَوق الهر خلقَة نجس وَلبن ومني من غير آدَمِيّ أَو من غير مَأْكُول اللَّحْم نجس وبيض وَبَوْل وروث وَنَحْوهَا كقيء ومذي وودي ومخاط وبزاق إِذا كَانَت من غير مَأْكُول اللَّحْم فَهِيَ نَجِسَة كلهَا وَإِذا كَانَت مِنْهُ أَي من مَأْكُول اللَّحْم فَهِيَ طَاهِرَة كالخارج مِمَّا لَا دم لَهُ سَائل كالعقرب والخنفساء وَالْعَنْكَبُوت،

والصراصير إِن لم تكن مُتَوَلّدَة من نَجَاسَة، فَإِن كَانَت مُتَوَلّدَة من نَجَاسَة كصراصير الكنف ودود الْجرْح فَهِيَ نَجِسَة حَيَاة وموتا، وكل ميتَة نَجِسَة إِلَّا ميتَة الْآدَمِيّ والسمك وَالْجَرَاد، وَإِذا مَاتَ فِي مَاء يسير حَيَوَان وَشك فِي نَجَاسَته لم ينجس عملا بِالْأَصْلِ لِأَن الأَصْل طَهَارَته فَيبقى عَلَيْهَا حَتَّى يتَحَقَّق انْتِقَاله عَنْهَا قَالَ فِي الْإِقْنَاع: وللوزغ نفس سَائِلَة نصا كالحية والضفدع والفأر فتنجس بِالْمَوْتِ. ويعفى عَن يسير طين شَارِع عرفا إِن علمت نَجَاسَته لمَشَقَّة التَّحَرُّز عَنهُ وَإِلَّا تعلم نَجَاسَته حَتَّى وَلَو ظنت فَهُوَ طَاهِر وَكَذَا ترابه عملا بِالْأَصْلِ. وَلَا يكره سُؤْر حَيَوَان طَاهِر وَهُوَ فضلَة طَعَامه وَشَرَابه. وَلَو أكل هر وَنَحْوه من الْحَيَوَانَات الطاهرة كالفأر والنمس والنسناس وَنَحْوه أَو طِفْل نَجَاسَة ثمَّ شرب من مَائِع لم يضر وَلَو قبل أَن يغيب، قَالَ فِي الْمُبْدع: وَدلّ على أَنه لَا يُعْفَى عَن نَجَاسَة بِيَدِهَا أَو رجلهَا نصا عَلَيْهِ. وَإِن وَقع هر وَنَحْوه مِمَّا يَنْضَم دبره فِي مَائِع وَخرج حَيا لم يُؤثر، وَكَذَا إِن وَقع فِي جامد وَهُوَ مِمَّا يمْنَع انْتِقَال النَّجَاسَة فِيهِ، وَإِن مَاتَ أَو وَقع مَيتا فِي دَقِيق أَو نَحوه من جامد ألقِي وَمَا حوله، وَإِن اخْتَلَط وَلم يَنْضَبِط حرم الْكل تَغْلِيبًا للخطر. وَيكرهُ سُؤْر الفأر لِأَنَّهُ يُورث النسْيَان وَيكرهُ سُؤْر دجَاجَة مخلاة نصا. وسؤر الْحَيَوَان النَّجس نجس. والعرق والريق من الطَّاهِر طَاهِر، قَالَ فِي الْإِقْنَاع وَشَرحه: وَالْجَلالَة قبل حَبسهَا ثَلَاثًا تطعم فِيهَا الطَّاهِر نَجِسَة وَيَأْتِي حكمهَا فِي الْأَطْعِمَة بأبسط من هَذَا انْتهى.

فصل في أحكام الحيض والنفاس والاستحاضة

3 - (فصل فِي أَحْكَام الْحيض وَالنّفاس والاستحاضة) . وَالْحيض لُغَة السيلان مصدر حاض مَأْخُوذ من حاض الْوَادي إِذا سَالَ، وَشرعا دم طبيعة وجبلية ترخية الرَّحِم يعْتَاد أُنْثَى إِذا بلغت فِي أَوْقَات مَعْلُومَة لَا حيض مَعَ حمل، وَلَا حيض بعد خمسين سنة لقَوْل 16 (عَائِشَة) رَضِي الله عَنْهَا (: إِذا بلغت الْمَرْأَة خمسين سنة خرجت من حد الْحيض) . ذكره الإِمَام أَحْمد. وعنها أَيْضا: لم تَرَ الْمَرْأَة فِي بَطنهَا ولدا بعد الْخمسين. وَلَا حيض قبل تَمام تسع سِنِين هلالية: فَمَتَى رَأَتْ دَمًا قبل بُلُوغ ذَلِك السن لم يكن حيضا، لِأَنَّهُ لم يثبت فِي الْوُجُود وَالْعَادَة لأنثى حيض قبل استكمالها، وَلَا فرق فِي ذَلِك الْبِلَاد الحارة كتهامة والباردة كالصين. قَالَ فِي الْإِقْنَاع: وَيمْنَع الْحيض خَمْسَة عشر شَيْئا: الطَّهَارَة لَهُ، وَالْوُضُوء، وَقِرَاءَة الْقُرْآن، وَمَسّ الْمُصحف وَالطّواف، وَفعل الصَّلَاة، ووجوبها فَلَا تقضيها، وَفعل الصّيام لَا وُجُوبه فتقضيه، وَالِاعْتِكَاف،

واللبث فِي الْمَسْجِد، وَالْوَطْء فِي الْفرج إِلَّا لمن شبق بِشَرْطِهِ، وسنية طَلَاق مَا لم تسأله طَلَاقا بعوض أَو خلعا فَإِن سَأَلته بِغَيْر عوض لم يبح، والاعتداد بِالْأَشْهرِ إِلَّا لمتوفى عَنْهَا زَوجهَا، وَابْتِدَاء الْعدة فِي أَثْنَائِهِ، ومرورها فِي الْمَسْجِد إِن خَافت تلويثه، وَلَا يمْنَع الْغسْل للجنابة وَالْإِحْرَام بل يسْتَحبّ، ومرورها فِي الْمَسْجِد إِن أمنت تلويثه. وَيُوجب خَمْسَة أَشْيَاء: الِاعْتِدَاد، وَالْغسْل، وَالْبُلُوغ، ولحكم بِبَرَاءَة الرَّحِم فِي الِاعْتِدَاد، واستبراء الْإِمَاء، وَالْكَفَّارَة بِالْوَطْءِ فِيهِ. ونفاس مثله حَتَّى فِي الْكَفَّارَة بِالْوَطْءِ فِيهِ نصا إِلَّا فِي ثَلَاثَة أَشْيَاء: الِاعْتِدَاد بِهِ، وَكَونه لَا يُوجب الْبلُوغ لحصوله قبله بِالْحملِ، وَلَا يحْتَسب بِهِ عَلَيْهِ فِي مُدَّة الْإِيلَاء. انْتهى. وَأقله أَي أقل زمن يصلح أَن يكون الدَّم فِيهِ دم حيض يَوْم وَلَيْلَة وَأَكْثَره خَمْسَة عشر يَوْمًا بلياليها، وَلَا يكره وَطْء من انْقَطع دَمهَا فِي أثْنَاء عَادَتهَا بعد غسلهَا زمن طهرهَا وغالبه أَي الْحيض سِتّ أَو سبع أَي سِتَّة أَيَّام أَو سَبْعَة أَيَّام بلياليها وَأَقل طهر بَين حيضتين ثَلَاثَة عشر يَوْمًا، وغالبه بَقِيَّة الشَّهْر الْهِلَالِي وَلَا حد لأكثره أَي الطُّهْر لِأَنَّهُ لم يرد تحديده شرعا، لِأَن الْمَرْأَة قد لَا تحيض أصلا، وَقد تحيض فِي السّنة مرّة وَاحِدَة. وَحرم عَلَيْهَا أَي الْحَائِض فعل صَلَاة وَفعل صَوْم. ويلزمها أَي الْحَائِض قَضَاؤُهُ أَي الصَّوْم إِجْمَاعًا وَتقدم قَرِيبا. وَيجب بِوَطْئِهَا أَي الْحَائِض فِي الْفرج قبل انْقِطَاع الدَّم مِمَّن يطَأ مثله وَلَو غير بَالغ، سَوَاء كَانَ الْوَطْء فِي أول الْحيض أَو آخِره أَو بِحَائِل

أَو وَطئهَا وَهِي طَاهِرَة فَحَاضَت فِي أثْنَاء وَطئه وَلَو لم يستدم دِينَار فَاعل يجب، زنته مِثْقَال خَالِيا من الْغِشّ وَلَو غير مَضْرُوب خلافًا للشَّيْخ تَقِيّ الدّين، وتجزئ قِيمَته من الْفضة فَقَط. أَو نصفه أَي الدِّينَار على التخير كَفَّارَة وتخييره بَين الشَّيْء وَنصفه كتخيير الْمُسَافِر بَين الْقصر والإتمام وَلَو كَانَ الواطىء مكْرها أَو نَاسِيا أَو جَاهِل الْحيض أَو التَّحْرِيم أَو هما، وتجزئ إِلَى وَاحِد، وَكَذَا هِيَ إِن طاوعته على الْوَطْء، وَتسقط بعجز ككفارة الْوَطْء فِي نَهَار رَمَضَان. وَلَا تجب بِوَطْئِهَا فِي الدبر، وَلَا بعد انْقِطَاع الدَّم وَقبل الْغسْل، وَإِن كرر الْوَطْء فِي حَيْضَة أَو حيضتين فكالصوم. وبدن الْحَائِض طَاهِر، وَلَا يكره عجنها وَنَحْوه وَلَا وضع يَدهَا فِي شئ مَائِع. وتباح الْمُبَاشرَة لسَيِّد وَزوج، والاستمتاع بالقبلة واللمس وَالْوَطْء فِي مَا دونه أَي الْفرج. زَاد فِي الاختيارات: والاستمناء بِيَدِهَا. وَيسن ستر الْفرج حَال استمتاعه بهَا بِغَيْر الْفرج، ووطؤها فِيهِ لَيْسَ بكبيرة، قَالَه فِي الْإِقْنَاع. والمبتدأة بِدَم صفرَة أَو كدرة تجْلِس لمُجَرّد مَا ترَاهُ أَقَله أَي الْحيض يَوْم وَلَيْلَة ثمَّ تَغْتَسِل بعده سَوَاء انْقَطع لذَلِك أَو لَا وَتصلي وتصوم، لِأَن مَا زَاد على أَقَله يحْتَمل الِاسْتِحَاضَة، فَلَا تتْرك الْوَاجِب بِالشَّكِّ، وَلَا تصلي قبل الْغسْل لوُجُوبه بِالْحيضِ فَإِن لم يُجَاوز دَمهَا أَكْثَره أَي الْحيض بِأَن انْقَطع لخمسة عشر يَوْمًا فَمَا دونه اغْتَسَلت أَيْضا إِذا انْقَطع الدَّم فَإِن تكَرر الدَّم ثَلَاثًا أَي فِي ثَلَاثَة أشهر وَلم يخْتَلف وَلَا تثبت

الْعَادة بِدُونِ الثَّلَاث فَهُوَ حيض وَصَارَ عَادَة وتقضى مَا وَجب فِيهِ من صَوْم فرض وَطواف وَنَحْوه، لأَنا تَبينا فَسَاده. وَيحرم وَطْؤُهَا قبل تكراره. وَلَا يكره إِن طهرت فِي أَثْنَائِهِ يَوْمًا فَأكْثر بعد غسلهَا، لِأَنَّهَا رَأَتْ النَّقَاء الْخَالِص. صَححهُ فِي الْإِنْصَاف وَتَصْحِيح الْفُرُوع. وَمَفْهُومه يكره إِن كَانَ دون يَوْم، وَلَا يُعَارضهُ مَا سبق لِأَنَّهُ فِي الْمُعْتَادَة وَهَذَا فِي المبتدأة. وَظَاهر الْإِقْنَاع: لَا فرق، ذكره فِي شرح الْمُنْتَهى. وَإِن أَيِست قبله أَي التّكْرَار ثَلَاثًا أَو لم يعد الدَّم إِلَيْهَا فَلَا تقضي لأَنا لم نتحقق كَونه حيضا وَالْأَصْل براءتها وَإِن جاوزه أَي جَاوز دم المبتدأة أَكثر الْحيض فَهِيَ مُسْتَحَاضَة لِأَنَّهُ لَا يصلح أَن يكون حيضا. والاستحاضة سيلان الدَّم فِي غير زمن الْحيض من عرق يُقَال لَهُ العاذل، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَقيل الْمُهْملَة حكامها ابْن سيدة العاذر بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَالرَّاء. تجْلِس الْمُسْتَحَاضَة أَي تدع نَحْو صَوْم وَصَلَاة. الدَّم المتميز إِن كَانَ أَي وجدهناك تميز بِأَن كَانَ بعض دَمهَا ثخينا أَو أسود أَو منتنا، وَبَعضه رَقِيقا أَو أَحْمَر أَو غير منتن وَصلح بِضَم اللَّام وَفتحهَا، الثخين أَو الْأسود أَو المنتن حيضا بِأَن لم ينقص من الْيَوْم وَاللَّيْلَة وَلم يزدْ على

الْخَمْسَة عشر يَوْمًا فِي الشَّهْر الثَّانِي مُتَعَلق ب (تجْلِس) زمن الدَّم الصَّالح حيضا، وَلَا تتَوَقَّف على تكراره. وَإِلَّا يكن هُنَاكَ تَمْيِيز بِأَن لم يكن بعضه ثخينا أَو أسود أَو منتنا وَصلح حيضا بِأَن كُله على صفة وَاحِدَة، أَو الْأسود مِنْهُ وَنَحْوه دون الْيَوْم وَاللَّيْلَة، أَو جَاوز الْخَمْسَة عشر يَوْمًا فتجلس أقل الْحيض حَتَّى تَتَكَرَّر استحاضتها ثَلَاثَة أشهر لِأَن الْعَادة لَا تثبت بِدُونِهِ ثمَّ إِذا تكَرر تجْلِس غالبه أَي الْحيض سِتا أَو سبعا بتحر من أول وَقت ابتدائها إِن عَلمته، أَو من أول كل شهر هلالي إِن جهلته، أَي وَقت ابتدائها بِالدَّمِ ومستحاضة مُعْتَادَة أَي لَهَا عَادَة تقدم عَادَتهَا وَلَو كَانَ لَهَا تَمْيِيز ويلزمها الْمُسْتَحَاضَة وَنَحْوهَا كمن بِهِ سَلس بَوْل أَو مذى أَو جرح لَا يرقأ دَمه أَو رُعَاف دَائِم غسل الْمحل فَاعل يلْزم الملوث بِالْحَدَثِ لإزالته عَنهُ وعصبه بِإِسْكَان الْمُهْملَة أَي فعل يمْنَع الْخَارِج حسب الْإِمْكَان من حَشْو بِقطن، وَشد بِخرقَة مشقوقة الطَّرفَيْنِ تشدها على جنبيها ووسطها على الْفرج. وَلَا يلْزمهَا إِعَادَة الْغسْل والعصب لكل صَلَاة إِن لم تفرط ويلزمها الْوضُوء لكل صَلَاة إِن خرج شَيْء وَيسْتَحب لَهَا فَقَط الْغسْل لكل صَلَاة، وَلَا يَصح وضوؤها وَنَحْوهَا لفرض قبل دُخُول وقته، لِأَنَّهَا طَهَارَة ضَرُورَة فتقيدت بِالْوَقْتِ كالتيمم وتلزمها وَنَحْوهَا نِيَّة الاستباحة، وَحرم وَطْؤُهَا أَي الْمُسْتَحَاضَة إِلَّا مَعَ خوف زنا مِنْهُ أَو مِنْهَا فَإِن

كَانَ خوف أُبِيح وَطْؤُهَا، وَلَو لواجد الطول لنكاح غَيرهَا خلافًا لِابْنِ عقيل، لِأَن حكمه أخف من حكم الْحيض ومدته تطول. قَالَ فِي الْإِقْنَاع وَشَرحه: والشبق الشَّديد كخوف الْعَنَت فيبيح وَطْؤُهَا وَلَو لم يصل إِلَى حَال تبيح وَطْء الْحَائِض. انْتهى وَلأَجل شرب دَوَاء مُبَاح يمْنَع الْجِمَاع، ولأنثى شربه لإلقاء نُطْفَة قبل أَرْبَعِينَ يَوْمًا كَمَا يَأْتِي فِي الْعدَد، ولحصول حيض لأَقْرَب رَمَضَان لتفطره، ولقطعه لَا فعل الْأَخير بهَا بِلَا علمهَا قَالَه فِي الْمُنْتَهى. وَقَالَ فِي الْإِقْنَاع. وَلَا يجوز مَا يقطع الْحمل. وَأكْثر مُدَّة النّفاس وَهُوَ دم ترخيه الرَّحِم مَعَ ولادَة أَو قبلهَا بيومين أَو ثَلَاث بأمارة أَرْبَعُونَ يَوْمًا من ابْتِدَاء خُرُوج بعض الْوَلَد. وَلَا تدخل اسْتِحَاضَة فِي مُدَّة نفَاسهَا كَمَا لَا تدخل فِي مُدَّة حيض لِأَن الحكم للأقوى. وَيثبت حكمه وَلَو بتعديها على نَفسهَا بِضَرْب أَو شرب دَوَاء غَيرهمَا بِوَضْع مَا يتَبَيَّن فِيهِ خلق الْإِنْسَان نصا، وَلَو خفِيا، وَيَأْتِي فِي الْعدَد أَن أقل مَا يتَبَيَّن فِيهِ خلق الْإِنْسَان أحد وَثَمَانُونَ يَوْمًا. وَلَا حد لأقله فَيثبت حكمه وَلَو بقطرة والنقاء زَمَنه أَي النّفاس طهر كالحيض فتغتسل وَتفعل مَا تَفْعَلهُ الطاهرات وَيكرهُ الْوَطْء فِيهِ أَي النَّقَاء زَمَنه بعد الْغسْل لِأَنَّهُ لَا يُؤمن من عود الدَّم فِي زمن الْوَطْء وَإِن عَاد الدَّم فِي الْأَرْبَعين أَو لم تره عِنْد الْولادَة ثمَّ رَأَتْهُ فِيهَا فمشكوك فِيهِ أَي فِي كَونه نفاسا أَو فَسَادًا لتعارض الأمارتين فِيهِ، فتصوم وَتصلي مَعَه وتقضي الصَّوْم الْمَفْرُوض وَنَحْوه احْتِيَاطًا، وَلَا تُوطأ فِي الْفرج فِي هَذَا الدَّم كالمبتدأة فِي الدَّم الزَّائِد على أقل الْحيض قبل تكراره.

قَالَ فِي الْمُنْتَهى: وَإِن صَارَت نفسَاء بتعديها لم تقض الصَّلَاة زمن نفَاسهَا كَمَا لَو كَانَ التَّعَدِّي من غَيرهَا لِأَن وجود الدَّم لَيْسَ مَعْصِيّة من جِهَتهَا وَلَا يُمكنهَا قطعه بِخِلَاف سفر الْمعْصِيَة فَإِنَّهُ يُمكنهُ قطعه بِالتَّوْبَةِ أَي النّفاس كحيض فِي جَمِيع أَحْكَامه من وَطْء وَكَفَّارَة وَنَحْوهمَا قِيَاسا عَلَيْهِ غير عدَّة أَي فالنفاس لَا يَصح الِاعْتِدَاد بِهِ، وَغير بُلُوغ فَلَا يحكم ببلوغها من حِين النّفاس كَمَا تقدم ذكر ذَلِك فِي أول الْحيض، بل من حِين الْإِنْزَال. وَمن ولدت توأمين فَأكْثر، فَأول النّفاس وَآخره من ابْتِدَاء خُرُوج بعض الْوَلَد الأول، لِأَنَّهُ خرج عقب الْولادَة فَكَانَ نفاسا وَاحِدًا كحمل وَاحِد وَوَضعه، فَلَو كَانَ بَينهمَا أَرْبَعُونَ يَوْمًا فَأكْثر فَلَا نِفَاس للثَّانِي نصا، لِأَن الثَّانِي تبع الأول فَلم يعْتَبر فِي آخر النّفاس كأوله بل هُوَ دم فَسَاد لِأَنَّهُ لَا يصلح حيضا وَلَا نفاسا.

كتاب الصلاة

(كتاب الصَّلَاة) وَهِي لُغَة الدُّعَاء، قَالَ تَعَالَى 19 ( {وصل عَلَيْهِم} ) أَي ادْع لَهُم، وعدى بعلى لتَضَمّنه معنى الْإِنْزَال أَي أنزل نِعْمَتك عَلَيْهِم. وَشرعا أَقْوَال وأفعال مَعْلُومَة مفتتحة بِالتَّكْبِيرِ مختتمة بِالتَّسْلِيمِ، وَهِي آكِد أَرْكَان الْإِسْلَام بعد الشَّهَادَتَيْنِ سميت بذلك لاشتمالها على الدُّعَاء. فرضت لَيْلَة الْإِسْرَاء قبل الْهِجْرَة بِنَحْوِ خمس سِنِين. تجب الصَّلَاة الْخمس فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة لقَوْله تَعَالَى 19 ( {إِن الصَّلَاة كَانَت على الْمُؤمنِينَ كتابا موقوتا} ) وَلِحَدِيث ابْن عمر (بني الْإِسْلَام على خمس) مُتَّفق عَلَيْهِ، وَقَالَ نَافِع بن الْأَزْرَق لِابْنِ عَبَّاس: هَل تَجِد الصَّلَوَات الْخمس فِي الْقُرْآن قَالَ: نعم، ثمَّ قَرَأَ 19 ( {فسبحان الله حِين تمسون} ) الْآيَتَيْنِ. على كل مُسلم مُتَعَلق ب [تجب] ، ذكرا أَو أُنْثَى أَو خُنْثَى حرا أَو عبدا أَو مبعضا مُكَلّف أَي بَالغ عَاقل. قَالَ فِي الْمُبْدع: بِغَيْر خلاف وَلَو لم

يبلغهُ الشَّرْع، كمن أسلم فِي دَار حَرْب أَو نَشأ فِي رَأس جبل وَلم يسمع الصَّلَاة فيقضيها إِذا دخل الْإِسْلَام وَتعلم حكمهَا لعُمُوم الْأَدِلَّة إِلَّا حَائِضًا ونفساء فَلَا تجب عَلَيْهِمَا. وَتجب على نَائِم، وَيجب إِعْلَامه إِذا ضَاقَ الْوَقْت، وعَلى من تغطى عقله بِمَرَض أَو إِغْمَاء أَو دَوَاء مُبَاح أَو محرم كمسكر، فَيَقْضِي السَّكْرَان الصَّلَاة وَلَو زمن جُنُونه لَو جن بعده مُتَّصِلا بِهِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ، وَكَذَا الصَّوْم وَغَيره، قَالَ فِي شرح الْإِقْنَاع: وَقيل تسْقط إِن كَانَ مكْرها. وَقَالَ فِي الْمُنْتَهى وَشَرحه: أَو كَانَ مغطى عقله بِشرب محرم اخْتِيَارا، لِأَنَّهُ مَعْصِيّة فَلَا يُنَاسِبهَا إِسْقَاط الْوَاجِب، أَو كرها إِلْحَاقًا لَهُ بِمَا تقدم وَلَا تصح الصَّلَاة من مَجْنُون لَا يفِيق، وَلَا تجب عَلَيْهِ، وَكَذَا الأبله الَّذِي لَا يفِيق، وَلَا تصح الصَّلَاة أَيْضا من صَغِير غير مُمَيّز، وَلَا تجب عَلَيْهِ، وعَلى وليه أَي الصَّغِير أمره أَي يلْزمه أَن يَأْمُرهُ بهَا أَي الصَّلَاة لتَمام سبع سِنِين وتعليمه إِيَّاهَا وتعليمه الطَّهَارَة، لينشأ على الْكَمَال، وعَلى وليه ضربه وَلَو رَقِيقا على تَركهَا أَي الصَّلَاة لتَمام عشر سِنِين وَيحرم تَأْخِيرهَا أَي الصَّلَاة إِلَى وَقت الضَّرُورَة حَال كَونه ذَاكِرًا لَهَا عِنْد تَأْخِيرهَا قَادِرًا على فعلهَا بِخِلَاف نَحْو نَائِم إِلَّا لمن لَهُ الْجمع بنية وَإِلَّا لمشتغل بِشَرْط لَهَا يحصل قَرِيبا كالمشتغل بِالْوضُوءِ وَالْغسْل وَستر الْعَوْرَة إِذا تخرق ثَوْبه وَلَيْسَ عِنْده غَيره وشغل بخياطه. وَله تَأْخِير فعلهَا، فِي الْوَقْت مَعَ الْعَزْم عَلَيْهِ مَا لم يظنّ مَانِعا كموت

وَقتل وحيض أَو يعد بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ستره أول الْوَقْت فَقَط أَو لَا يبْقى وضوء عادم المَاء إِلَى آخر الْوَقْت وَلَا يُرْجَى وجود غَيره، فَيتَعَيَّن فعل الصَّلَاة أول الْوَقْت لِئَلَّا يفوت شَرطهَا مَعَ قدرته عَلَيْهِ. وَمن لَهُ أَن يُؤَخر تسْقط بِمَوْتِهِ وَلم يَأْثَم. وجاحدهاأي الصَّلَاة وَلَو جهلا وَعرف وَأمر كَافِر وَكَذَا تاركها تهاونا أَو كسلا إِذا دَعَاهُ إِمَام أَو نَائِبه لفعلها وأبى حَتَّى تضايق وَقت الَّتِي بعْدهَا، بِأَن يدعى لِلظهْرِ مثلا فيأبى حَتَّى يتضايق وَقت الْعَصْر عَنْهَا، ويستتاب ثَلَاثَة أَيَّام، فَإِن تَابَ يَفْعَلهَا مَعَ إِقْرَار الجاحد لوُجُوبهَا بِهِ وَإِلَّا ضرب عُنُقه لكفره. وَحَيْثُ كفر فَإِنَّهُ يقتل بعد الاستتابة وَلَا يغسل وَلَا يصلى عَلَيْهِ وَلَا يدْفن فِي مَقَابِر الْمُسلمين، وَلَا يرق وَلَا يسبى لَهُ أهل وَلَا ولد، وَلَا قتل وَلَا تَكْفِير قبل الدُّعَاء. وَيَأْتِي ذَلِك أَيْضا فِي حكم الْمُرْتَد. قَالَ الشَّيْخ 16 (تَقِيّ الدّين) : وَيَنْبَغِي الإشاعة عَنهُ بِتَرْكِهَا حَتَّى يُصَلِّي، وَلَا يَنْبَغِي السَّلَام عَلَيْهِ وَلَا إجَابَته دَعوته. انْتهى. وَكَذَا ترك ركن أَو شَرط مجمع عَلَيْهِ كالطهارة وَالرُّكُوع.

فصل

3 - (فصل) . الْأَذَان لُغَة الْإِعْلَام، وَشرعا إِعْلَام بِدُخُول وَقت الصَّلَاة، أَو قربه بفجر فَقَط وَالْإِقَامَة مصدر أَقَامَ، وَحَقِيقَته إِقَامَة الْقَاعِد والمضطجع، فَكَأَن الْمُؤَذّن إِذا أَتَى بِأَلْفَاظ الْإِقَامَة أَقَامَ القاعدين وأزالهم عَن قعودهم، وَشرعا إِعْلَام بِالْقيامِ إِلَى الصَّلَاة بِذكر مَخْصُوص. وَالْأَذَان أفضل من الْإِقَامَة والإمامة. وَسن أَذَان فِي يَمِين أُذُنِي مَوْلُود ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى حِين يُولد وَإِقَامَة فِي أُذُنه الْيُسْرَى. وَيَأْتِي فِي الشَّرْح أَيْضا آخر الْعَقِيقَة. وهما فرضا كِفَايَة لِأَنَّهُمَا من شَعَائِر الْإِسْلَام الظَّاهِرَة فَكَانَا فَرضِي كِفَايَة كالجهاد على الرِّجَال اثْنَيْنِ فَأكْثر لَا وَاحِد وَالنِّسَاء والخناثي الْأَحْرَار فَلَا يجبان على الأرقاء والمبعضين إِذْ فرض الْكِفَايَة لَا يلْزم رَقِيقا المقيمين فِي الْقرى والأمصار. وَإِن اقْتصر مُسَافر أَو مُنْفَرد على الْإِقَامَة لم يكره للصلوات الْخمس دون الْمَنْذُورَة وَغَيرهَا المؤداة لَا المقضيات وَالْجُمُعَة ويسنان لمنفرد ومسافر، ويكرهان لِنسَاء وَلَو بِلَا رفع صَوت، وَيُقَاتل أهل

بلد تركوهما، وَيحرم أَخذ الْأُجْرَة عَلَيْهِمَا، فَإِن لم يُوجد مُتَطَوّع بهما رزق الإِمَام من بَيت المَال من يقوم بهما وَلَا يَصح الْأَذَان إِلَّا مُرَتبا متواليا عرفا ليحصل الْإِعْلَام، وَلِأَن مشروعيته كَانَت كَذَلِك، فَإِن تكلم بِمحرم أَو سكت طَويلا بَطل للإخلال بالموالاة وَكره فِي أَثْنَائِهِ كَلَام يسير غير محرم وسكوت بِلَا حَاجَة. وَلَا يَصح إِلَّا منويا لحَدِيث (إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ) وَلَا يَصح إِلَّا من ذكر، فَلَا يعْقد بِأَذَان امْرَأَة وَخُنْثَى قَالَه جمَاعَة، لِأَنَّهُ مَنْهِيّ عَنهُ كالحكاية، وَلَا يَصح إِلَّا من وَاحِد، وَلَو أذن وَاحِد بعضه وكمله آخر لم يَصح، قَالَ فِي الْإِنْصَاف: بِغَيْر خلاف أعلمهُ. وَلَا يَصح إِلَّا من مُمَيّز، قَالَ فِي الاختيارات: الْأَشْبَه أَن الْأَذَان الَّذِي يسْقط بِهِ الْفَرْض عَن أهل الْقرْيَة ويعتمد فِي وَقت الصَّلَاة وَالصِّيَام لَا يجوز أَن يباشره صبي وَاحِد، وَلَا يسْقط الْفَرْض بِهِ وَلَا يعْتَمد فِي الْعِبَادَات، وَأما الْأَذَان الَّذِي يكون سنة مُؤَكدَة فِي مثل الْمَسَاجِد الَّتِي فِي مصر وَنَحْو ذَلِك فَهَذَا فِيهِ الرِّوَايَتَانِ وَالصَّحِيح جَوَازه. انْتهى. وَلَا يَصح إِلَّا من عدل وَلَو ظَاهرا لِأَنَّهُ وصف المؤذنين بالأمانة وَالْفَاسِق غير أَمِين. قَالَ فِي الشَّرْح: أما مَسْتُور الْحَال فَيصح أَذَانه بِغَيْر خلاف علمناه. وَلَا يَصح إِلَّا بعد دُخُول الْوَقْت إِذا كَانَ الْأَذَان لغير فجر وَأما أَذَان الْفجْر بعد نصف اللَّيْل.

وَسن كَونه أَي كَون الْمُؤَذّن صيتًا أَي رفيع الصَّوْت وَسن كَونه أَمينا لحَدِيث (أُمَنَاء النَّاس على صلَاتهم وسحورهم المؤذنون) وَسن كَونه عَالما بِالْوَقْتِ ليؤمن خَطؤُهُ وَلَو عبدا، وَسن كَونه بَصيرًا، لِأَن الْأَعْمَى لَا يعرف الْأَوْقَات فَرُبمَا غلط، وَيقدم مَعَ التشاح الْأَفْضَل فِي ذَلِك ثمَّ فِي دين، ثمَّ من يختاره الْجِيرَان ثمَّ يقرع. وبصير وحر وَبَالغ أولى من ضدهم. وَيَكْفِي مُؤذن بِلَا حَاجَة وَيُزَاد بِقَدرِهَا وَيُقِيم الصَّلَاة أحدهم إِن حصلت بِهِ الْكِفَايَة، وَإِلَّا أَقَامَ من يَكْفِي. وَيقدم من أَذَان أَولا إِن أذن اثْنَان وَاحِد بعد وَاحِد. وللأذان خمس عشرَة كلمة بِلَا تَرْجِيع للشهادتين، بِأَن يخْفض صَوته ثمَّ يعيدهما رَافعا بهما صَوته، فَيكون التَّكْبِير فِي أَوله أَرْبعا، وَالْإِقَامَة إِحْدَى عشرَة جملَة تَثْنِيَة، وَيُبَاح ترجيعه وتثنيتها. فَائِدَة قَوْله: الله أكبر أَي من كل شَيْء، وأكبر من أَن ينْسب إِلَيْهِ مَالا يَلِيق بجلاله. أَو هُوَ بِمَعْنى كَبِير. وَقَوله: أشهد أَي أعلم. وَقَوله: حَيّ على الصَّلَاة. أَي أَقبلُوا إِلَيْهَا، وَقيل: أَسْرعُوا. والفلاح الْفَوْز والبقاء لِأَن الْمُصَلِّي يدْخل الْجنَّة إِن شَاءَ الله فَيبقى فِيهَا ويخلد. وَقيل غير ذَلِك. وَسن كَونه الْأَذَان أول الْوَقْت، والترسل فِيهِ وحدر الْإِقَامَة، وَكَون

الْمُؤَذّن على علو رَافعا وَجهه إِلَى السَّمَاء جاعلا سبابتيه فِي أُذُنَيْهِ مُسْتَقْبل الْقبْلَة، فَإِذا بلغ الحيعلة الْتفت يَمِينا ل (حَيّ) على الصَّلَاة وَشمَالًا ل (حَيّ على الْفَلاح) وَلَا يزِيل قَدَمَيْهِ مالم يكن بمنارة وَنَحْوهَا. قَالَ فِي الْإِنْصَاف، وَهُوَ الصَّوَاب لِأَنَّهُ أبلغ فِي الْإِعْلَام، وَهُوَ الْمَعْمُول بِهِ، وَسن كَون الْمُؤَذّن قَائِما فيكرهان من قَاعد لغير مُسَافر ومعذور، وَكَونه متطهرا فيهمَا من الحدثين، فَيكْرَه أَذَان جنب وَإِقَامَة مُحدث. وَسن أَن يتولاهما وَاحِد بِمحل وَاحِد مَا لم يشق ذَلِك على الْمُؤَذّن، كمن أذن فِي مَنَارَة أَو مَكَان بعيد عَن الْمَسْجِد فيقيم فِيهِ أَي فِي الْمَسْجِد لِئَلَّا يفوتهُ بعض الصَّلَاة لَكِن لَا يُقيم إِلَّا بِإِذن الإِمَام. وَلَا تعْتَبر الْمُوَالَاة بَين الْإِقَامَة وَالصَّلَاة إِن أَقَامَ عِنْد إِرَادَة الدُّخُول فِي الصَّلَاة رُوِيَ عَن عمر. وَسن أَن يجلس بعد أَذَان مَا يسن تَعْجِيلهَا جلْسَة خَفِيفَة ثمَّ يُقيم. وَمن جمع بَين صَلَاتَيْنِ أَو قضى فوائت أذن ل الصَّلَاة الأولى فَقَط وَأقَام لكل صَلَاة. وَيصِح الْأَذَان ملحنا، وَهُوَ الَّذِي فِيهِ تطريب، وَيصِح ملحونا إِن لم يخل بِالْمَعْنَى مَعَ الْكَرَاهِيَة فيهمَا. فَإِن قَالَ: وألله أكبر بِهَمْزَة مَعَ الْوَاو أَو مد همزَة أكبر أَو بَاء أكبر لم يعْتد بِهِ. وَسن لمؤذن إِجَابَة نَفسه، وَسن لسامعه أَي الْمُؤَذّن مُتَابعَة قَوْله أَي أَن يَقُول مثل قَوْله سرا إِلَّا فِي الحيعلة فَيَقُول الْمُؤَذّن وسامعه الحوقلة أَي لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. زَاد الْمُوفق: الْعلي الْعَظِيم.

قَالَ فِي الْمُبْدع: وتتبعت ذَلِك فَوَجَدته فِي الْمسند من حَدِيث أبي رَافع وَذكر الحَدِيث. فَقَالَ: معنى لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه، إِظْهَار للعجز وَطلب المعونة مِنْهُ فِي كل الْأُمُور وَهُوَ حَقِيقَة الْعُبُودِيَّة. وَقَالَ 16 (ابْن مَسْعُود) : معنى (لَا حول) عَن مَعْصِيّة الله إِلَّا بعصمة الله (وَلَا قُوَّة) على طَاعَته إِلَّا بمعونته. وَقَالَ الْهَيْثَم: أصل (لَا حول) من حَال الشَّيْء إِذا تحرّك يَقُول لَا حَرَكَة وَلَا استطاعة إِلَّا بِاللَّه. قَالَ الْخطابِيّ: هَذَا أحسن مَا جَاءَ فِيهِ. وَعبر عَنْهَا الْجَوْهَرِي بالحوقلة، أَخذ الْحَاء من حول وَالْقَاف من قُوَّة وَاللَّام من اسْم الله تَعَالَى، وَعبر عَن حَيّ على الصَّلَاة بالحيعلة، أَخذ الْحَاء وَالْيَاء من حَيّ وَالْعين وَاللَّام من على. وَسن قَول مُؤذن وسامعه فِي التثويب وَهُوَ قَول: الصَّلَاة خير من النّوم مرَّتَيْنِ بعد حيعلة أَذَان الْفجْر فَقَط: صدقت وبررت بِكَسْر الرَّاء. وَفِي لفظ الْإِقَامَة: أَقَامَهَا الله وأدامها الله. وَسن الصَّلَاة على النَّبِي بعد فَرَاغه من الْأَذَان وَسن قَول مَا ورد وَهُوَ: اللَّهُمَّ رب هَذِه الدعْوَة التَّامَّة

وَالصَّلَاة الْقَائِمَة، آتٍ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَة والفضيلة، وابعثة مقَاما مَحْمُودًا الَّذِي وعدته. وَسن الدُّعَاء هَهُنَا وَعند الْإِقَامَة فعله أَحْمد رَحمَه الله وَرفع يَدَيْهِ. قَالَ رَسُول الله: (الدُّعَاء لَا يرد بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة) . ثمَّ يسْأَل الله تَعَالَى الْعَافِيَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. وَسن أَن يَقُول عِنْد أَذَان الْمغرب: اللَّهُمَّ هَذَا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك فَاغْفِر لي. للْخَبَر. وَحرم خُرُوج من مَسْجِد بعده أَي الْأَذَان قبل الصَّلَاة بِلَا عذر أَو بِلَا نِيَّة رُجُوع إِلَى الْمَسْجِد للْخَبَر، فَإِن كَانَ التأذين للفجر قبل وقته أَو لعذر أَو نِيَّة رُجُوع قبل فَوت الْجَمَاعَة لم يحرم.

فصل

3 - (فصل) . شُرُوط صِحَة الصَّلَاة جمع شَرط وَهُوَ لُغَة الْعَلامَة، وَعرفا مَا يلْزم عَن عَدمه الْعَدَم وَلَا يلْزم من وجوده وَلَا عَدمه لذاته. وَلَيْسَت مِنْهَا بل تجب لَهَا قبلهَا وتستمر فِيهَا. قَالَ المنقح: لَا النِّيَّة فتكفي مقارنتها وَهُوَ الْأَفْضَل. وَهِي سِتَّة وعدها فِي الْمُنْتَهى والإقناع وَغَيرهمَا تِسْعَة فَقَالَ: إِسْلَام، وعقل، وتمييز، وَهَذِه شُرُوط لكل عبَادَة غير الْحَج فَإِنَّهُ يَصح لمن لم يُمَيّز وَيحرم عَنهُ وليه فَمَتَى أخل بِشَرْط مِنْهَا لم تَنْعَقِد صلَاته وَلَو نَاسِيا أَو جَاهِلا. أَحدهَا طَهَارَة الْحَدث الْأَكْبَر والأصغر مَعَ الْقُدْرَة لحَدِيث (لايقبل الله صَلَاة بِغَيْر طهُور) . وَتَقَدَّمت أَي تقدم ذكرهَا.

وَالثَّانِي دُخُول الْوَقْت أَي وَقت الصَّلَاة، وَتجب بِدُخُول أول وَقتهَا فِي حق من هُوَ من أهل وُجُوبهَا وجوبا موسعا، بِمَعْنى أَنَّهَا ثبتَتْ فِي ذمَّته بِفِعْلِهَا إِذا قدر. والصلوات الْخمس فرض على كل مُسلم مُكَلّف بِالْكتاب وَالسّنة فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة كَمَا تقدم فِي أول كتاب الصَّلَاة، فوقت الظّهْر وَهُوَ لُغَة الْوَقْت بعد الزَّوَال وَشرعا صَلَاة هَذَا الْوَقْت، وَهِي أَربع رَكْعَات إِجْمَاعًا، مُشْتَقّ من الظُّهُور، لِأَن فعلهَا يكون ظَاهرا وسط النَّهَار وَهِي الأولى، وَتسَمى الهجير لفعلها وَقت الهاجرة من الزَّوَال وَهُوَ ابْتِدَاء طول الظل بعد تناهي قصره، وَلَكِن لَا يقصر فِي بعض بِلَاد خُرَاسَان لسير الشَّمْس نَاحيَة عَنْهَا، فصيفها كشتاء غَيرهَا فَيعْتَبر الْوَقْت بالزوال وَهُوَ ميلها للغروب حَتَّى يتساوى منتصب وفيئه أَي ظله سوى ظلّ الزَّوَال فَإِذا ضبط الظل الَّذِي زَالَت عَلَيْهِ الشَّمْس وَبَلغت الزِّيَادَة عَلَيْهِ قدر الشاخص فقد انْتهى وَقت الظّهْر، قَالَه فِي الْمُنْتَهى. وَالْأَفْضَل تَعْجِيلهَا إِلَّا مَعَ حر سَوَاء كَانَ الْبَلَد حارا أَو لَا، صلى فِي جمَاعَة أَو مُنْفَردا، فِي الْمَسْجِد أَو فِي بَيته حَتَّى ينكسر الْحر، لعُمُوم: (إِذا اشْتَدَّ الْحر فأبردوا بِالظّهْرِ، فَإِن شدَّة الْحر من فيح جَهَنَّم) مُتَّفق عَلَيْهِ. وفيحها غليانها وانتشار لهبها ووهجها. وَإِلَّا مَعَ غيم لمصل جمَاعَة فتؤخر لقرب وَقت الْعَصْر طلبا للسهولة غير جُمُعَة فيهمَا أَي الْحر والغيم فَيسنّ تَقْدِيمهَا مُطلقًا. ويليه أَي يَلِي وَقت الظّهْر الْوَقْت الْمُخْتَار للعصر وَهِي أَربع

رَكْعَات إِجْمَاعًا، وَهِي الْوُسْطَى. قَالَ فِي الْإِنْصَاف: وَنَصّ عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد، وَقطع بِهِ الْأَصْحَاب وَلَا أعلم عَنهُ وَلَا عَنْهُم فِيهَا خلافًا. انْتهى. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ (شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس) وَلمُسلم (شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر) ، وَعَن ابْن مَسْعُود وَسمرَة قَالَا: قَالَ رَسُول الله (الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر) قَالَ التِّرْمِذِيّ: حسن صَحِيح. وَقَالَهُ أَكثر الْعلمَاء من الصَّحَابَة وَغَيرهم حَتَّى يصير ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ سوى ظلّ الزَّوَال إِن كَانَ، قطع بِهِ فِي الْمُنْتَهى وَغَيره، وَقَالَ فِي الْإِقْنَاع وَشَرحه عَنهُ: إِلَى اصفرار الشَّمْس، اخْتَارَهُ الْمُوفق وَالْمجد وَجمع، وصححها فِي الشَّرْح وَابْن تَمِيم جزم بهَا فِي الْوَجِيز، قَالَ فِي الْفُرُوع وَهِي أظهر لما روى ابْن عمر أَن النَّبِي قَالَ (وَقت الْعَصْر مَا لم تصفر الشَّمْس) رَوَاهُ مُسلم. والضرورة أَي وَقت الضَّرُورَة من حِين صَار ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ سوى ظلّ الزَّوَال. إِلَى حِين الْغُرُوب أَي غرُوب الشَّمْس مصدر غربت

الشَّمْس بِفَتْح الرَّاء وَضمّهَا. وَتَكون فِيهِ أَدَاء. وتعجيلها أفضل مُطلقًا. ويليه أَي يَلِي وَقت الضَّرُورَة للعصر وَقت الْمغرب وَأَصله وَقت الْغُرُوب أَو مَكَانَهُ أَو هُوَ نَفسه، ثمَّ صَار اسْما لصَلَاة ذَلِك الْوَقْت كناظره. وَهِي وتر النَّهَار. وَلَا يكره تَسْمِيَتهَا بالعشاء قَالَ فِي الْإِنْصَاف: على الصَّحِيح من الْمَذْهَب، وتسميتها بالمغرب أولى. وَهِي ثَلَاث رَكْعَات حضرا وسفرا. وَلها وقتان. قَالَ فِي الْإِنْصَاف: على الصَّحِيح من الْمَذْهَب، وَعَلِيهِ جَمَاهِير الْأَصْحَاب. وَقت اخْتِيَار وَهُوَ إِلَى ظُهُور النَّجْم. قَالَ فِي النَّصِيحَة للآجري: من أخر حَتَّى يَبْدُو النَّجْم أَخطَأ. وَمَا بعده وَقت كراهه. وَقَالَ فِي الْمُبْدع: قد اسْتُفِيدَ من كَلَامهم أَن من الصَّلَوَات مَا لَيْسَ لَهُ إِلَّا وَقت وَاحِد كَظهر وَالْمغْرب وَالْفَجْر على الْمُخْتَار، وَمَا لَهُ ثَلَاثَة كالعصر وَالْعشَاء وَقت فَضِيلَة، وَجَوَاز، وضرورة، وَفِي كَلَام بَعضهم: لَهَا وَقت تَحْرِيم أَي يحرم التَّأْخِير إِلَيْهِ، وَهُوَ أَن يبْقى مَالا يسع الصَّلَاة. انْتهى. وَكَلَامه لَا يُنَافِي مَا تقدم عَن الْإِنْصَاف لِأَن قَوْله: للمغرب وقتان أَي وَقت فَضِيلَة وَجَوَاز، أَي وَمُرَاد صَاحب الْمُبْدع أَن لَهَا وقتا وَاحِدًا نفى وَقت الضَّرُورَة، فقد ذكره فِي شرح الْإِقْنَاع حَتَّى يغيب الشَّفق الْأَحْمَر وتعجيلها أفضل، قَالَ فِي الْمُبْدع: إِجْمَاعًا إِلَّا لَيْلَة الْمزْدَلِفَة وَهِي لَيْلَة النَّحْر لمن قَصدهَا محرما إِن لم يوافها أَي يحصل فِيهَا وَقت الْغُرُوب، وَإِلَّا فِي جمع، إِن كَانَ أرْفق لمن يُبَاح لَهُ الْجمع

ويليه أَي يَلِي وَقت الْمغرب الْوَقْت الْمُخْتَار للعشاء بِكَسْر الْعين وَالْمدّ وَهُوَ أول الظلام، وَعرفا صَلَاة هَذَا الْوَقْت، وَيُقَال لَهَا: عشَاء الْآخِرَة. ويمتد وَقتهَا الْمُخْتَار إِلَى ثلث اللَّيْل الأول نَص عَلَيْهِ. وَهِي أَربع رَكْعَات إِجْمَاعًا. وَلَا يكره تَسْمِيَتهَا بالعتمة. وَيكرهُ النّوم قبلهَا والْحَدِيث بعْدهَا إِلَّا يَسِيرا أَو لشغل أَو مَعَ أهل أَو ضيف أَو فِي أَمر الْمُسلمين. والضرورة أَي وَقت الضَّرُورَة من ثلث اللَّيْل الأول إِلَى طُلُوع فجر ثَان وَهُوَ الْبيَاض الْمُعْتَرض بالمشرق وَلَا ظلمَة بعده، وَيُقَال لَهُ الْفجْر الصَّادِق، وَالْفَجْر الأول الَّذِي يُقَال لَهُ الْفجْر الْكَاذِب مستطيل بِلَا اعْتِرَاض وَهُوَ أَزْرَق لَهُ شُعَاع ثمَّ يظلم، ولدقته يُسمى ذَنْب السرحان. وَهُوَ الذِّئْب. ويليه وَقت الضَّرُورَة للعشاء وَقت الْفجْر سمي بِهِ لانفجار الصُّبْح وَهُوَ ضوء النَّهَار إِذا انْشَقَّ عَنهُ اللَّيْل إِلَى الشروق أَي شروق الشَّمْس لحَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا: (وَقت الْفجْر مَا لم تطلع الشَّمْس) رَوَاهُ مُسلم. وَلَيْسَ لَهَا وَقت ضَرُورَة. وتعجيلها مُطلقًا أفضل. وَهِي رَكْعَتَانِ إِجْمَاعًا، حضرا وسفرا، وَتَأْخِير الْكل مَعَ أَمن فَوت الْوَقْت لمصلي كسوف ومعذور كحاقن وحاقب وتائق إِلَى نَحْو طَعَام أفضل. وَلَو أمره وَالِده بِالتَّأْخِيرِ ليُصَلِّي بِهِ أخر ليُصَلِّي بِهِ، وَظَاهره وجوبا لطاعة وَالِده وَإِن أَخّرهُ لغير ذَلِك لم يُؤَخر.

وَيجب التَّأْخِير لتعلم الْفَاتِحَة وَلذكر وَاجِب من بَاب مَالا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ. وَتحصل فَضِيلَة التَّعْجِيل بالتأهب أول الْوَقْت، بِأَن يشْتَغل بِالطَّهَارَةِ وَنَحْوهَا عِنْد دُخُول الْوَقْت. وَمن أَيَّام الدَّجَّال ثَلَاثَة أَيَّام طوال يَوْم كَسنة فَيصَلي فِيهِ صَلَاة سنة. قَالَه فِي الْإِقْنَاع. قَالَ فِي شَرحه: قلت وَكَذَا الصَّوْم وَالزَّكَاة وَالْحج. انْتهى. وَيَوْم كشهر فيصلى فِيهِ صَلَاة شهر. وَيَوْم كجمعة فيصلى فِيهِ صَلَاة جُمُعَة. وتدرك مَكْتُوبَة أَدَاء بتكبيرة إِحْرَام فِي وَقتهَا أَي الْمَكْتُوبَة، وَلَو جُمُعَة وَأدْركَ مِنْهَا تَكْبِيرَة الْإِحْرَام ونواها ظهرا فِي وَقتهَا فقد أدْركهَا أَدَاء لَهَا فِي المكتوبات، كَمَا يَأْتِي فِي الْجُمُعَة لَكِن يحرم تَأْخِيرهَا أَي الصَّلَاة إِلَى وَقت لَا يَسعهَا. وَلَا يُصَلِّي حَتَّى يتيقنه أَي دُخُول الْوَقْت أَو حَتَّى يغلب على ظَنّه دُخُوله أَي الْوَقْت إِن عجز عَن الْيَقِين، وَيُعِيد من صلى بِاجْتِهَاد إِن تبين لَهُ أَنه أَخطَأ الْوَقْت فصلى قبله لوقوعها نفلا وَبَقَاء فَرْضه عَلَيْهِ، فَإِن لم يتَبَيَّن لَهُ خطأ فَلَا إِعَادَة. وَيُعِيد أعمى عَاجز عَن معرفَة الْوَقْت عدم مُقَلدًا بِفَتْح اللَّام أَي من يقلده فِي دُخُول الْوَقْت حَتَّى لَو أصَاب لِأَن فَرْضه التَّقْلِيد وَلم يُوجد. وَفهم مِنْهُ أَنه لَو قدر على الِاسْتِدْلَال للْوَقْت فَفعل لَا إِعَادَة عَلَيْهِ مَا لم يتَبَيَّن خطأه. وَيعْمل بِأَذَان ثِقَة عَارِف وَكَذَا إخْبَاره بِدُخُولِهِ عَن يَقِين لَا عَن ظن، بل يجْتَهد هُوَ حَيْثُ أمكنه فَإِن تعذر عَلَيْهِ الِاجْتِهَاد عمل بقوله. ذكره ابْن تَمِيم وَغَيره.

وَإِذا دخل وَقت صَلَاة بِقدر تَكْبِيرَة ثمَّ طَرَأَ مَانع من الصَّلَاة كجنون وحيض ثمَّ زَالَ، قضيت، تِلْكَ الصَّلَاة الَّتِي أدْرك التَّكْبِيرَة من وَقتهَا فَقَط، وَلَا يلْزمه قَضَاء مَا بعْدهَا وَلَو جمع إِلَيْهَا. وَمن صَار أَهلا لوُجُوبهَا أَي الصَّلَاة كبلوغ صَغِير وعقل مَجْنُون وَنَحْوه، كزوال مَانع من نَحْو حيض وَكفر قبل خُرُوج وَقتهَا بتكبيرة لَزِمته وَمَا يجمع إِلَيْهَا قبلهَا إِن كَانَت تجمع، فَإِذا طَرَأَ ذَلِك قبل الْعَصْر قضى الظّهْر وَحدهَا، وَإِن كَانَ قبل الْمغرب قضى الظّهْر وَالْعصر. وَيجب فَوْرًا أَي على الْفَوْر قَضَاء فوائت جمع فَائِتَة مُرَتبا نَص عَلَيْهِ وَلَو كثرت إِلَّا إِذا حضر لصَلَاة عيد فيؤخر الْفَائِتَة حَتَّى ينْصَرف من مُصَلَّاهُ، لِئَلَّا يَقْتَدِي بِهِ مَا لم يتَضَرَّر فِي بدنه أَو فِي مَاله أَو معيشته يحتاجها فَيسْقط الْفَوْر ويقضيها بِحَيْثُ لَا يتَضَرَّر أَو مَا لم ينس التَّرْتِيب بَين الْفَرَائِض حَال قَضَائهَا أَو بَين حَاضِرَة وفائتة حَتَّى فرغ من الْحَاضِرَة، أَي فَيسْقط عَنهُ التَّرْتِيب وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ أَو مالم يخْش بِصَلَاة الْفَائِتَة فَوت الصَّلَاة حَاضِرَة بِخُرُوج وَقتهَا أَو يخْش فَوت وَقت اخْتِيَارهَا أَي الْحَاضِرَة، فَيسْقط التَّرْتِيب أَيْضا لَا بِجَهْل وُجُوبه. وَيجوز التَّأْخِير لغَرَض صَحِيح كانتظار رفْقَة أَو جمَاعَة للصَّلَاة، وَلَا يَصح نفل مُطلقًا مِمَّن عَلَيْهِ فَائِتَة حَيْثُ جَازَ لَهُ التَّأْخِير لشَيْء مِمَّا تقدم. وَإِن قلت الْفَوَائِت قضى سننها الرَّوَاتِب مَعهَا، وَإِن كثرت فَالْأولى تَركهَا إِلَّا سنة الْفجْر فيقضيها، وَإِن كثرت لتأكدها وحث الشَّارِع عَلَيْهَا، وَيَأْتِي فِي صَلَاة التَّطَوُّع فِي ذكر السّنَن الرَّاتِبَة.

وَيُخَير فِي الْوتر إِذا فَاتَ مَعَ الْفَرْض وَكثر وَإِلَّا قَضَاهُ اسْتِحْبَابا، وَلَا تسْقط الْفَائِتَة بِحَجّ وَلَا تَضْعِيف صَلَاة فِي الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة وَلَا بِغَيْر ذَلِك. وَسن أَن يُصَلِّي الْفَائِتَة جمَاعَة إِن أمكن. وَإِن ذكر فَائِتَة وَهُوَ فِي حَاضِرَة أتمهَا غير الإِمَام نفلا إِمَّا رَكْعَتَيْنِ أَو أَرْبعا مَا لم يضق الْوَقْت، ويقطعها الإِمَام نصا مَعَ سعته، وَاسْتثنى جمَاعَة الْجُمُعَة فَلَا يقطعهَا الإِمَام إِذا ذكر الْفَائِتَة فِي أَثْنَائِهَا. وَإِن ضَاقَ الْوَقْت بِأَن لم يَتَّسِع لسوى الْحَاضِرَة أتمهَا الإِمَام وَغَيره، وَإِن اتَّسع للفائتة ثمَّ الْحَاضِرَة فَقَط قطعهَا أَيْضا غير الإِمَام لعدم صِحَة النَّفْل إِذا، وَإِن ذكر الْفَائِتَة قبل إِحْرَامه بِالْجمعَةِ استناب فِيهَا وَقضى الْفَائِتَة، فَإِن أدْرك الْجُمُعَة مَعَ نَائِبه وَإِلَّا صلى الظّهْر. وَإِن نَام مُسَافر عَن الصَّلَاة حَتَّى خرج الْوَقْت سنّ لَهُ الِانْتِقَال من مَكَانَهُ ليقضي الصَّلَاة فِي غَيره. الثَّالِث من شُرُوط الصَّلَاة ستر الْعَوْرَة بِفَتْح السِّين مصدر ستر وبكسرها مَا يستر بِهِ. وَهِي سوءة الْإِنْسَان وكل مَا يستحيا مِنْهُ وَيجب ستر الْعَوْرَة حَتَّى خَارِجهَا أَي الصَّلَاة وَحَتَّى عَن نَفسه وَحَتَّى فِي خلْوَة وظلمة لَا من أَسْفَل أَي من جِهَة الرجلَيْن وَلَو تيَسّر النّظر إِلَيْهَا، بِمَا أَي بساتر لَا يصف الْبشرَة سوادها أَو بياضها، فَإِن وصف الحجم فَلَا بَأْس وَيَكْفِي فِي سترهَا وَلَو مَعَ وجود ثوب حشيش وورق شجر وَنَحْوهمَا كليف وَجلد. وَلَا يلْزمه ببارية وحصير وَنَحْوهمَا مِمَّا يضرّهُ وَلَا بحفيرة وطين وَمَاء كدر. وَلَا يَكْفِي سترهَا بِمَا يصف الْبشرَة. قَالَ فِي شرح

الْإِقْنَاع: قلت لَكِن إِن لم يجد غَيره وَجب لحَدِيث (إِذا أَمرتكُم بِأَمْر فائتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم) انْتهى. وَيجوز كشفها لضَرُورَة كتداو وختان وَمَعْرِفَة بُلُوغ وثيوبة وولادة وعيب وَنَحْو ذَلِك. وعورة الرجل مُبْتَدأ أَي ذكر بَالغ وَلَو عبدا أَو ابْن عشر وَخُنْثَى مُشكل بلغ عشرا وعورة حرَّة مراهقة قاربت الْبلُوغ، وعورة مُمَيزَة تمّ لَهَا سبع سِنِين مَا بَين سرة وركبة وعورة أمة مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَت مُدبرَة أَو مُكَاتبَة أَو أم ولد أَو مبعضة أَو مُعَلّقا عتقهَا على صفة مَا بَين سرة وركبة خبر، وَيسْتَحب استتارها كَالْحرَّةِ الْبَالِغَة احْتِيَاطًا. وَعلم مِمَّا سبق أَن السُّرَّة وَالركبَة ليستا من الْعَوْرَة بل الْعَوْرَة مَا بَينهمَا وعورة ذكر وَخُنْثَى ابْن سبع سِنِين إِلَى عشر سِنِين الفرجان لِأَنَّهُ دون الْبَالِغ وكل الْحرَّة الْبَالِغَة عَورَة حَتَّى ظفرها وشعرها مُطلقًا إِلَّا وَجههَا فِي الصَّلَاة قَالَ جموع: وكفيها وَاخْتَارَهُ الْمجد وَجزم بِهِ فِي الْعُمْدَة وَالْوَجِيز. وَالْوَجْه والكفان عَورَة خَارِجهَا بِاعْتِبَار النّظر كَبَقِيَّة بدنهَا. وَشرط فِي فرض الرجل الْبَالِغ قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى: ظَاهره وَلَو فرض كِفَايَة وَمثله الْخُنْثَى ستر جَمِيع أحد العاتقين بلباس وَلَو وصف الْبشرَة فَلَا يُجزئ نَحْو حَبل وَمن انْكَشَفَ بعض عَوْرَته وَهُوَ فِي الصَّلَاة وفحش الانكشاف إِن طَال الزَّمن وَلَو بِلَا قصد، أعَاد الصَّلَاة لَا إِن انْكَشَفَ يسير مِنْهَا لَا يفحش فِي النّظر بِلَا قصد وَلَو فِي زمن طَوِيل، وَلَا إِن انْكَشَفَ كثير مِنْهَا فِي زمن قصير.

فَلَو أطارت الرّيح وَنَحْوهَا سترته عَن عَوْرَته فَبَدَا مِنْهَا مَا لم يعف عَنهُ وَلَو كلهَا فَأَعَادَهُ سَرِيعا بِلَا عمل كثير لم تبطل. وَإِن كشف يَسِيرا مِنْهَا قصدا بطلت. أَو أَي وَمن صلى فِي نجس لعدم، وَيجب ذَلِك، أعَاد أَو صلى فِي غصب أَي مَغْصُوب عينا أَو مَنْفَعَة كَمَا لَو ادّعى أَنه اسْتَأْجر أَرضًا وَكَانَ مُبْطلًا فِي دَعْوَاهُ، وَمثله مَسْرُوق وَنَحْوه وَمَا ثمنه الْمعِين حرَام عَالما ذَاكِرًا أعَاد، أَو صلى فِي منسوج بِذَهَب أَو فضَّة أَو حَرِير كُله أَو غالبه حَيْثُ حرم ذَلِك بِأَن كَانَ على ذكر وَلم يكن الْحَرِير لحَاجَة وَفعله عَالما ذَاكِرًا أعَاد، سَوَاء كَانَ الْمَغْصُوب كُله أَو بعضه ثوبا أَو بقْعَة مشَاعا أَو معينا فِي مَحل الْعَوْرَة أَو غَيرهَا لِأَنَّهُ يتبع بعضه بَعْضًا فِي البيع، وَيَأْتِي بعضه فِي كتاب الْغَصْب أعَاد الصَّلَاة , قَالَ فِي الْمُنْتَهى وَشَرحه: أَو حج بِغَصب أَو بِمَال مَغْصُوب أَو على حَيَوَان مَغْصُوب عَالما ذكرا لم يَصح. انْتهى. وَإِن صلى على أَرض غَيره وَلَو مزروعة أَو على مصلاة بِلَا غصب وَلَا ضَرَر جَازَ. وَيصلى فِي حَرِير لعدم، وعريان مَعَ غصب وَلَا يُعِيد فيهمَا. وَلَو كَانَ ثَوْبَان نجسان صلى فِي أقلهما نَجَاسَة. وَلَا يُعِيد من حبس فِي مَحل نجس أَو غصب بِشَرْط أَن لَا يُمكنهُ الْخُرُوج مِنْهُ وَمن لم يجد إِلَّا مَا يستر عَوْرَته فَقَط أَو مَنْكِبه فَقَط ستر عَوْرَته وَصلى قَائِما. وَإِن كَانَت تَكْفِي عَوْرَته فَقَط أَو مَنْكِبه وعجزه فَقَط ستر مَنْكِبه وعجزه وَصلى جَالِسا اسْتِحْبَابا. فَإِن لم يكف جَمِيع الْعَوْرَة ستر الفرجين، فَإِن لم يكف إِلَّا أَحدهمَا خير، وَالْأولَى ستر الدبر، وَتصلي

العراة جمَاعَة وجوبا وإمامهم فِي وَسطهمْ أَي بَينهم وجوبا فَإِن تقدمهم بطلت. قَالَ فِي الْمُبْدع: فِي الْأَصَح إِلَّا فِي ظلمَة أَو كَانُوا عميانا فَيجوز تقدمه عَلَيْهِم وَلَا إِعَادَة. وَالرَّابِع من شُرُوط الصَّلَاة اجْتِنَاب نَجَاسَة وَهِي عين كميتة، أَو صفة كأثر بَوْل بِمحل طَاهِر منع الشَّرْع مِنْهَا بِلَا ضَرُورَة لَا لأَذى فِيهَا طبعا احْتِرَاز عَن السميات من النَّبَات، وَلَا لحق الله تَعَالَى، احْتِرَاز عَن صيد الْحرم، وَلَا لحق غَيره احْتِرَاز عَن مَال الْغَيْر بِغَيْر إِذْنه فَيحرم تنَاوله لحق مَالِكه غير مَعْفُو عَنْهَا أَي النَّجَاسَة فِي ثوب وبدن وبقعة مُتَعَلق باجتناب مَعَ الْقُدْرَة على اجتنابها فَمَتَى لاقاها بِبدنِهِ أَو ثَوْبه أَو حملهَا عَالما أَو جَاهِلا أَو نَاسِيا أَو حمل قَارُورَة فِيهَا نَجَاسَة أَو آجرة بَاطِنهَا نجس أَو بَيْضَة مذرة أَو فِيهَا فرخ ميت أَو عنقود من عِنَب حباته مستحلية خمرًا - قَادِرًا على اجتنابها لم تصح صلَاته. وَإِن مس ثَوْبه ثوبا نجسا لم يسْتَند إِلَيْهِ، أَو قَابل النَّجَاسَة رَاكِعا أَو سَاجِدا، أَو كَانَت بَين رجلَيْهِ من غير ملاقاة، أَو حمل حَيَوَانا طَاهِرا، أَو آدَمِيًّا مستجمرا، أَو سَقَطت عَلَيْهِ النَّجَاسَة فأزالها أَو زَالَت سَرِيعا بِحَيْثُ لم يطلّ الزَّمن فَصلَاته صَحِيحَة. وَإِن طين أَرضًا نَجِسَة أَو بسط عَلَيْهَا أَو على حَيَوَان نجس أَو على حَرِير شَيْئا طَاهِرا ضَعِيفا لَا خَفِيفا مهلهلا، أَو غسل وَجه آجر وَصلى عَلَيْهِ أَو على بِسَاط بَاطِنه فَقَط نجس أَو على علو سفله غصب أَو على سَرِير تَحْتَهُ نجس كرهت وَصحت

وَمن جبر عظمه كمن انْكَسَرَ سَاقه فجبره بِنَجس أَو جرح جرحا ف خاطه بِنَجس فجبر وَصَحَّ الْعظم وَالْجرْح وتضرر بقلعه من مرض أَو غَيره لم يجب قلعه كَمَا لَو خَافَ تلف عُضْو وَنَحْوه. وَإِن لم يخف ضَرَرا لزمَه إِزَالَته لِأَنَّهُ قَادر عَلَيْهَا من غير ضَرَر فَلَو صلى مَعَه لم تصح صلَاته، فَلَو مَاتَ من لزمَه إِزَالَته أزيل وجوبا، وَإِن غطاه اللَّحْم لم يتَيَمَّم لَهُ لتمكنه من غسل مَحل الطَّهَارَة بِالْمَاءِ وَيتَيَمَّم وجوبا إِن لم يغطه أَي الْجَبْر وَنَحْوه اللَّحْم لعدم غسله بِالْمَاءِ. وَقَالَ فِي شرح الْإِقْنَاع: قلت وَيُشبه ذَلِك الوسم إِن غطاه اللَّحْم غسله وَإِلَّا تيَمّم لَهُ. انْتهى. وَيُبَاح دُخُول الْكَنَائِس وَالْبيع الَّتِي لَا صور لَهَا، وتباح الصَّلَاة فِيهَا إِذا كَانَت نظيفة. وَتكره الصَّلَاة فِيمَا فِيهِ صُورَة وَلَا تصح الصَّلَاة تعبدا بِلَا عذر من نَحْو حبس فِي مَقْبرَة بِتَثْلِيث الْبَاء مَعَ فتح الْمِيم وبكسرها مَعَ فتح الْبَاء قديمَة كَانَت أَو حَدِيثَة تقلبت أَو لَا. وَهِي مدفن الْمَوْتَى وَلَا تصح الصَّلَاة فِي خلاء بِالْمدِّ هُوَ مَا أعد لقَضَاء الْحَاجة وَلَو مَعَ طَهَارَته من النَّجَاسَة وَهُوَ لُغَة الْبُسْتَان ثمَّ أطلق على مَحل قَضَاء الْحَاجة فَيمْنَع من الصَّلَاة دَاخل بَابه، وَمَوْضِع الكنيف وَغَيره سَوَاء، لتناول الِاسْم لَهُ

وَلَا تصح الصَّلَاة فِي حمام فداخله وخارجه وأتونه كل مَا يغلق عَلَيْهِ الْبَاب وَيدخل مَعَه فِي البيع كَهُوَ. وَلَا تصح الصَّلَاة أَيْضا فِي أعطان إبل جمع عطن بِفَتْح الطَّاء الْمُهْملَة، وَهُوَ مَا تقيم فِيهِ وتأوي إِلَيْهِ. وَلَا بَأْس فِي مَوَاضِع نُزُولهَا فِي سَيرهَا وَلَا فِي الْمَوَاضِع الَّتِي تناخ فِيهَا لعلفها أَو وُرُودهَا المَاء. وَلَا تصح الصَّلَاة فِي مجزرة وَهِي مَا أعد للذبح فِيهِ وَلَا فِي مزبلة وَهِي مرمى الزبالة وَلَو طَاهِرَة وَلَا فِي قَارِعَة الطَّرِيق أَي مَحل قرع الْأَقْدَام من الطَّرِيق سَوَاء كَانَ فِيهِ سالك أَو لَا، وَلَا بَأْس بطرِيق الأبيات القليلة وَلَا بِمَا على جادة الطَّرِيق يمنة ويسره وَلَا تصح الصَّلَاة أَيْضا فِي أسطحتها أَي هَذِه الْأَمَاكِن كلهَا. وَلَا فِي ساباطا على طَرِيق، لِأَن الْهَوَاء تَابع الْقَرار بِدَلِيل أَن الْجنب يمْنَع من اللّّبْث على سطح الْمَسْجِد، وَإِن من حلف لَا يدْخلهُ دَارا يَحْنَث بِدُخُول سطحها. وَلَا تصخ الصَّلَاة على سطح نهر، قَالَ ابْن عقيل: لِأَن المَاء لَا يصلى عَلَيْهِ. وَقَالَ غَيره هُوَ كالطريق. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيره: الْمُخْتَار الصِّحَّة. انْتهى. وَقد يفرق بَينه وَبَين السَّفِينَة بِأَنَّهَا مَظَنَّة الْحَاجة سوى صَلَاة جَنَازَة بمقبرة، وَسوى جُمُعَة وَعِيد وجنازة وَنَحْوهَا بطرِيق الضَّرُورَة، وَسوى غصب أَي مَوضِع مَغْصُوب نَص عَلَيْهِ فِي الْجُمُعَة لِأَنَّهُ إِذا صلاهَا الإِمَام فِي الْغَصْب وَامْتنع النَّاس من الصَّلَاة مَعَه فَاتَتْهُمْ، وَلذَلِك صحت خلف الْخَوَارِج والمبتدعة، وَسوى صَلَاة على رَاحِلَة بطرِيق.

وَتَصِح الصَّلَاة فِي كل الْأَمَاكِن الْمُتَقَدّمَة لعذر كَمَا لَو حبس فِيهَا بِخِلَاف خوف فَوت الْوَقْت فِي ظَاهر كَلَامهم. وَتكره الصَّلَاة إِلَيْهَا بِلَا حَائِل وَلَو كمؤخر رَحل، وَلَو غيرت بِمَا يزِيل اسْمهَا كجعل حمام دَارا فصلى فِيهَا صحت. وكمقبرة مَسْجِد حدث بهَا فَلَا تصح الصَّلَاة فِيهَا سوى صَلَاة الْجِنَازَة أَو لعذر. قَالَ الْآمِدِيّ: لَا فرق بَين الْمَسْجِد الْقَدِيم وَالْمَسْجِد الحَدِيث. انْتهى. وَإِن حدثت الْقُبُور بعده حوله أَو فِي قبلته كرهت الصَّلَاة إِلَيْهَا بِلَا حَائِل. وَفِي الْهدى: لَو وضع الْقَبْر وَالْمَسْجِد مَعًا لم يجز، وَلم يَصح الْوَقْف وَلَا الصَّلَاة إِلَيْهَا. انْتهى ذكره فِي شرح الْمُنْتَهى. وَلَا تصح الصَّلَاة فِي الْكَعْبَة وَلَا على ظهرهَا إِلَّا إِذا وقف على مُنْتَهَاهَا بِحَيْثُ لم يبْق وَرَاءه شَيْء مِنْهَا، أَو صلى خَارِجهَا وَسجد فِيهَا، فَيصح فَرْضه. والحجز مِنْهَا وَقدره سِتَّة أَذْرع فَيصح التَّوَجُّه إِلَيْهِ والتنفل فِيهِ، وَأما الْفَرْض فكداخلها لَا يَصح إِلَّا إِذا وقف على منتهاه بِحَيْثُ لم يبْق وَرَاءه شَيْء مِنْهُ أَو وقف خَارجه وَسجد فِيهِ. الْخَامِس من شُرُوط الصَّلَاة اسْتِقْبَال الْقبْلَة لقَوْله تَعَالَى: 19 ( {وَحَيْثُ مَا كُنْتُم فَوَلوا وُجُوهكُم شطره} ) . وَلَا تصح الصَّلَاة بِدُونِهِ أَي الِاسْتِقْبَال إِلَّا لعاجز عَنهُ كالتحام حَرْب وهرب من سيل أَو سبع أَو نَار، وكمريض عجز عَنهُ أَو عَمَّن يديره إِلَى الْقبْلَة، ومربوط ومصلوب لغير الْقبْلَة فَتَصِح صلَاته إِلَى غَيرهَا بِلَا إِعَادَة

وَلَا تصح الصَّلَاة بِدُونِ الِاسْتِقْبَال إِلَّا لمنتفل رَاكب وماش فِي سفر مُبَاح وَلَو قَصِيرا فَيصَلي لجِهَة سيره. وَيصِح نذر الصَّلَاة على الرَّاحِلَة. وَإِن ركب الْمُسَافِر النَّازِل أَي غير السائر وَهُوَ فِي نَافِلَة بطلت سَوَاء كَانَ ينتفل قَائِما أَو قَاعِدا، لِأَن حَالَته حَالَة إِقَامَة فَيكون ركُوبه فِيهَا بِمَنْزِلَة الْعَمَل الْكثير من الْمُقِيم لَا لصَلَاة الْمَاشِي فيتمها إِذا ركب. وَإِن نزل الْمُسَافِر الرَّاكِب فِي أثْنَاء نَافِلَة نزل مُسْتَقْبلا وأتمها نصا. وَيلْزم الرَّاكِب افْتِتَاح النَّافِلَة إِلَى الْقبْلَة بالدابة أَو بِنَفسِهِ إِن أمكنه ذَلِك بِلَا مشقة، وَكَذَا إِن أمكنه رُكُوع أَو سُجُود واستقبال على الرَّاحِلَة كراكب سفينة أَو محفة بِكَسْر الْمِيم وَنَحْوهَا أَو كَانَت رَاحِلَته واقفة، فَإِن لم يُمكن افتتاحها إِلَى الْقبْلَة كمن على بعير مقطور افتتحها إِلَى غَيرهَا، وَأَوْمَأَ بركوع وَسُجُود إِلَى جِهَة سيره طلبا للسهولة عَلَيْهِ، وَيكون سُجُوده أَخفض من رُكُوعه وجوبا إِن قدر، وَتلْزَمهُ الطُّمَأْنِينَة. وَتعْتَبر طَهَارَة مَحَله من نَحْو سرج وإكاف كَغَيْرِهِ لعدم الْمَشَقَّة فَإِن كَانَ المركوب نجس الْعين كبغل وحمار أَو أَصَابَت مَوضِع الرّكُوب مِنْهُ نَجَاسَة وفوقه حَائِل طَاهِر من برذعة وَنَحْوهَا صحت الصَّلَاة، وَإِن وطِئت دَابَّته نَجَاسَة فَلَا بَأْس وَإِن وَطئهَا الْمَاشِي عمدا فَسدتْ صلَاته. وَفرض مصل قريب مِنْهَا أَي من الْكَعْبَة أَو من مَسْجده إِصَابَة عينهَا أَي الْكَعْبَة بِبدنِهِ كُله بِحَيْثُ لَا يخرج شَيْء مِنْهُ عَنْهَا وَلَا يضر علو وَلَا نزُول، إِلَّا أَن تعذر عَلَيْهِ الْإِصَابَة بِحَائِل كجبل وَنَحْوه فَإِنَّهُ يجْتَهد.

وَفرض مصل بعيد عَنْهَا وَهُوَ من لم يقدر على المعاينة وَلَا على من يُخبرهُ عَن علم جِهَتهَا أَي الْكَعْبَة بِالِاجْتِهَادِ، وَلَا يضر انحراف يسير يمنة ويسرة لمن بعد عَنْهَا وَيعْمل وجوبا بِخَبَر مُسلم ثِقَة مُكَلّف عدل ظَاهرا وَبَاطنا بِيَقِين وَيعْمل وجوبا بمحاريب الْمُسلمين إِن علم أَنَّهَا لَهُم عُدُولًا كَانُوا أَو فساقا وَإِن اشتبهت الْقبْلَة فِي السّفر اجْتهد عَارِف بأداتها أَي الْقبْلَة جمع دَلِيل وَهُوَ لُغَة المرشد وَمَا بِهِ الْإِرْشَاد، وَاصْطِلَاحا مَا يُمكن التَّوَصُّل بِصَحِيح النّظر فِيهِ إِلَى مَطْلُوب خبري وَيحصل الْعلم المكتسب عقبه عَادَة. وَيسْتَحب تعلمهَا مَعَ أَدِلَّة الْوَقْت، وأثبتها القطب بِتَثْلِيث الْقَاف وَهُوَ نجم خَفِي شمَالي لَا يبرح من مَكَانَهُ دَائِما، وَقيل يَزُول قَلِيلا، يكون وَرَاء ظهر الْمصلى بِالشَّام وَمَا حاذاها وَحَوله أنجم كفراشة الرَّحَى أَو كالسمكة فِي أحد طرفيها الفرقدان وَفِي الطّرف الآخر الجدي، قَالُوا وَبَين ذَلِك أنجم صغَار منقوشة كنقوش الفراشة ثَلَاثَة من فَوق وَثَلَاثَة من تَحت تَدور هَذِه الفراشة حول القطب دوران فراشة الرَّحَى حول سفودها فِي كل يَوْم وَلَيْلَة دورة نصفهَا بِاللَّيْلِ وَنِصْفهَا بِالنَّهَارِ فِي الزَّمن المعتدل، فَيكون الفرقدان عِنْد طُلُوع الشَّمْس فِي مَكَان الجدي عِنْد غُرُوبهَا. قَالَ الشَّيْخ 16 (تَقِيّ الدّين) فِي شرح الْعُمْدَة: إِذا جعل الشَّامي القطب بَين أُذُنه الْيُسْرَى ونقرة الْقَفَا فقد اسْتقْبل مَا بَين الرُّكْن الشَّامي والميزاب. انْتهى. وَمن أدلتها الشَّمْس وَالرِّيح، قَالَ فِي الْإِقْنَاع وَشَرحه: وَالِاسْتِدْلَال بهَا حد فِي الصحارى، وَأما بَين الْجبَال والبنيان فَإِنَّهَا تَدور فتختلف

وَتبطل دلالتها، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: الِاسْتِدْلَال بهَا ضَعِيف. انْتهى. وَمن أدلتها الْجبَال الْكِبَار فَكلهَا ممتدة عَن يمنة الْمُصَلِّي إِلَى يسرته، وَهَذِه دلَالَة قَوِيَّة تدْرك بالحس، لَكِن تضعف من وَجه آخر وَهُوَ أَن الْمُصَلِّي يشْتَبه عَلَيْهِ هَل يَجْعَل الْجَبَل الممتد خَلفه أَو قدامه، فَتحصل الدّلَالَة على جِهَتَيْنِ والاشتباه على جِهَتَيْنِ، هَذَا إِذا لم يعرف وَجه الْجَبَل فَإِن عرفه استقبله وَهُوَ مَا فِيهِ مصعده، فَإِن وُجُوه الْجبَال إِلَى الْقبْلَة. قَالَ فِي الْخُلَاصَة: وَمن أدلتها الْأَنْهَار الْكِبَار غير المحدودة كدجلة وَنَحْوهَا فَإِنَّهَا تجْرِي عَن يمنة الْمُصَلِّي إِلَيّ يسرته إِلَّا نَهرا بخراسان وَهُوَ المقلوب ونهرا بِالشَّام وَهُوَ العَاصِي يجريان عَن يسرة الْمُصَلِّي إِلَيّ يمنته قَالَ فِي الْإِقْنَاع: وَالِاسْتِدْلَال بالأنهار فرع عَن الِاسْتِدْلَال بالجبال، فَإِنَّهَا تجْرِي فِي الْخلال الَّتِي بَين الْجبَال ممتدة مَعَ امتدادها. وقلد غَيره بِالرَّفْع عطف على اجْتهد أَي يُقَلّد غير الْعَارِف بأدلة الْقبْلَة كالجاهل بهَا الْعَاجِز عَن تعلمهَا قبل خُرُوج الْوَقْت، وكالأعمى فَيجب عَلَيْهِمَا أَن يقلدا الأوثق عِنْدهمَا لِأَنَّهُ أقرب إِصَابَة فِي نظره وَلَا مشقة عَلَيْهِمَا فِي تَقْلِيده، وَإِن صلى الْعَارِف أَو غَيره بِلَا أَحدهمَا أَي بِأَن صلى الْعَارِف بِلَا اجْتِهَاد أَو الْجَاهِل وَنَحْوه بِلَا تَقْلِيد أَو الْبَصِير حضرا فَأَخْطَأَ أَو الْأَعْمَى بِلَا دَلِيل مَعَ الْقُدْرَة على ذَلِك قضى كل صلَاته مُطلقًا لِأَنَّهُ مفرط عَمَّا وَجب عَلَيْهِ.

السَّادِس من شُرُوط الصَّلَاة النِّيَّة وَهِي لُغَة الْقَصْد وَشرعا عزم الْقلب على فعل الشَّيْء. وَيُزَاد فِي عبَادَة: تقربا إِلَى الله تَعَالَى. وَلَا يضر سبق لِسَانه بِغَيْر مَا نوى كَمَا لَو أَرَادَ أَن يَقُول: أُصَلِّي الظّهْر، مثلا فَقَالَ أُصَلِّي الْعَصْر. أَو: أَصوم غَدا. أَو نَحوه. وَلَا شكّ فِي النِّيَّة أَو فِي فرض بعد فرَاغ كل عبَادَة. ومحلها الْقلب وَلَا تسْقط بِحَال. وشروطها الْإِسْلَام وَالْعقل والتمييز، وزمنها أول الْعِبَادَة أَو قبيلها بِيَسِير فَيجب تعْيين صَلَاة مُعينَة فرضا كَانَت أَو نفلا، فينوي كَون الصَّلَاة ظهرا أَو عصرا أَو نذرا إِن كَانَت كَذَلِك أَو تراويح أَو وترا أَو راتبة لتمتاز عَن غَيرهَا لَا قَضَاء فِي فَائِتَة وَلَا أَدَاء فِي حَاضِرَة وَلَا فَرِيضَة فِي فرض وَسن مقارنتها لتكبيرة إِحْرَام فتقارب الْعِبَادَة وخروجا من خلاف من أوجبه كالآجرى وَغَيره. وَيجب اسْتِصْحَاب حكمهَا إِلَى آخر الصَّلَاة بِأَن لَا يَنْوِي قطعهَا. وَيسن اسْتِصْحَاب ذكرهَا، لَو ذهل عَنْهَا أَو غربت عَنهُ فِي أثْنَاء الصَّلَاة لم تبطل، لِأَن التَّحَرُّز من هَذَا غير مُمكن وَقِيَاسًا على الصَّوْم وَغَيره، وَلَا يضر تَقْدِيمهَا النِّيَّة عَلَيْهَا أَي على التَّكْبِيرَة للْإِحْرَام فَإِن تقدّمت عَلَيْهَا بِزَمن يسير بعد دُخُول الْوَقْت فِي أَدَاء أَو راتبة وَلم يفسخها وَلم يرْتَد صحت صلَاته.

وَمن أحرم بِفَرْض فِي وقته المتسع ثمَّ قلبه نفلا صَحَّ سَوَاء كَانَ صلى الْأَكْثَر مِنْهَا أَو الْأَقَل، وَسَوَاء كَانَ لفرض صَحِيح كمن أحرم مُنْفَردا ثمَّ أُقِيمَت الْجَمَاعَة أَو لغير غَرَض صَحِيح. وَإِن انْتقل الْمُصَلِّي من فرض إِلَى آخر بَطل فَرْضه وَصَارَ نفلا إِن اسْتمرّ وَلم ينْو الثَّانِي من أول تَكْبِيرَة إِحْرَام، فَإِن نَوَاه صَحَّ. وَمن أَتَى بِمَا يفْسد الْفَرْض فَقَط كمن ترك الْقيام بِلَا عذر انْقَلب نفلا لِأَنَّهُ قطع نِيَّة الصَّلَاة فَتَصِير نفلا وَشرط نِيَّة إِمَامَة لإِمَام وَنِيَّة ائتمام لمأموم فينوي إِمَام الْإِمَامَة، ومأموم الِاقْتِدَاء، فَلَو نوى أَحدهمَا دون صَاحبه أَو نوى كل وَاحِد مِنْهُمَا أَنه إِمَام الآخر أَو مأمومه لم تصح لَهما ولمؤتم انْفِرَاد لعذر يُبِيح ترك الْجَمَاعَة كتطويل إِمَام وَمرض وَغَلَبَة نُعَاس وَخَوف على أَهله أَو مَاله أَو فَوت رفْقَة وَنَحْوه، وَيقْرَأ مَأْمُوم فَارق فِي قيام أَو يكمل، وَبعدهَا لَهُ الرُّكُوع فِي الْحَال فَإِن ظن مَأْمُوم فِي صَلَاة سر أَن إِمَامه قَرَأَ لم يقْرَأ أَي لم تلْزمهُ الْقِرَاءَة، وَإِن فَارقه فِي ثَانِيَة جُمُعَة أتم جُمُعَة وَتبطل صلَاته أَي الْمَأْمُوم بِبُطْلَان صَلَاة إِمَامه لارتباطها بهَا سَوَاء كَانَ بطلَان صَلَاة الإِمَام لعذر أَو لغيره، فَلَا اسْتِخْلَاف إِن سبقه الْحَدث لَا عَكسه أَي لَا تبطل صَلَاة إِمَام بِبُطْلَان صَلَاة مَأْمُوم إِن نوى إِمَام الإنفراد قَالَ فِي الْمُنْتَهى وَشَرحه: ويتمها الإِمَام مُنْفَردا إِن لم يكن مَعَه غير من بطلت صلَاته.

باب

(بَاب) صفة الصَّلَاة وَمَا يُبْطِلهَا وَمَا يكره فِيهَا وأركانها وواجباتها وسننها. الْبَاب مَا يدْخل مِنْهُ إِلَى الْمَقْصُود ويتوصل بِهِ إِلَى الِاطِّلَاع عَلَيْهِ، وَيجمع على أَبْوَاب. يسن خُرُوج أَي الْمُصَلِّي إِلَيْهَا أَي إِلَى الصَّلَاة متطهرا بسكينة بِفَتْح السِّين وَكسرهَا وَتَخْفِيف الْكَاف ووقار بِفَتْح الْوَاو. قَالَ النَّوَوِيّ: الظَّاهِر أَن بَينهمَا فرقا، أَن السكينَة التأني فِي الحركات وَاجْتنَاب الْعَبَث، وَالْوَقار فِي الْهَيْئَة كغض الطّرف وخفض الصَّوْت وَعدم الِالْتِفَات، مَعَ قَول مَا ورد مِنْهُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك بِحَق السَّائِلين عَلَيْك وبحق ممشاي هَذَا فَإِنِّي لم أخرج أشرا وَلَا بطرا وَلَا رئاء وَلَا سمعة، خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك، أَسأَلك أَن تنقذني من النَّار وَأَن تغْفر لي

ذُنُوبِي، إِنَّه لَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت. اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من أوجه من توجه إِلَيْك وَأقرب من توسل إِلَيْك وَأفضل من سَأَلَك وَرغب إِلَيْك. اللَّهُمَّ اجْعَل فِي قلبِي نورا وَفِي قَبْرِي نورا وَفِي لساني نورا وَفِي سَمْعِي نورا وَفِي بَصرِي نورا وَعَن يَمِيني نورا وَعَن شمَالي نورا وأمامي نورا وَخَلْفِي نورا وفوقي نورا وتحتي نورا وَفِي عصبي نورا وَفِي لحمي نورا وَفِي دمي نورا وَفِي شعري نورا وَفِي بشرى نورا وَفِي نَفسِي نورا وَأعظم لي نورا واجعلني نورا، اللَّهُمَّ اعطني نورا وزدني نورا. وَيسن قيام إِمَام فقيام مَأْمُوم غير مُقيم الصَّلَاة إِلَيْهَا أَي إِلَى الصَّلَاة عِنْد قَول مُقيم الصَّلَاة: قد قَامَت الصَّلَاة إِن رأى إِمَامه وَإِلَّا فَمَتَى يرَاهُ، فَيَقُول الْمُصَلِّي إِمَامًا كَانَ أَو غَيره، الله أكبر مُرَتبا متواليا وجوبا وَهُوَ قَائِم مَعَ قدرَة فِي فرض لَا يُجزئ غَيرهَا من الذّكر كَقَوْلِه: الله الرَّحْمَن وَنَحْوه، فَإِن أَتَى بِالتَّكْبِيرِ أَو ابتدأه أَو أتمه غير قَائِم صحت نفلا إِن اتَّسع الْوَقْت.

ولتكبيرة الْإِحْرَام اثْنَا عشر شرطا: الأول إِيقَاعه بعد الانتصاب الْفَرْض، وَالثَّانِي أَن يَقُولهَا بعد الِاسْتِقْبَال حَيْثُ شَرط، وَالثَّالِث لفظ الْجَلالَة، الرَّابِع أَن تكون بِالْعَرَبِيَّةِ للقادر، الْخَامِس لفظ الله أكبر، السَّادِس عدم مد همزَة الْجَلالَة، السَّابِع عدم مد همزَة أكبر، الثَّامِن عدم وَاو قبل الْجَلالَة، وَالتَّاسِع التَّرْتِيب بَين الْجَلالَة وأكبر، الْعَاشِر أَن يسمع نَفسه جَمِيع حروفها إِذا لم يكن مَانع، الْحَادِي عشر دُخُول وَقت الصَّلَاة وَإِبَاحَة النَّافِلَة، الثَّانِي عشر تَكْبِيرَة الْمَأْمُوم بعد فرَاغ إِمَامه من رَاء أكبر. وجهر الْمُصَلِّي بهَا وَبِكُل ركن وواجب بِقدر مَا يسمع نَفسه فرض. وتنعقد إِن مد اللَّام لَا إِن مد همزَة أكبر أَو قَالَ: أكبار، أَو الْأَكْبَر. وَيلْزم جاهلها تعلمهَا فَإِن عجز أَن ضَاقَ الْوَقْت كبر بلغته، وَإِن عرف لُغَات فِيهَا أفضل كبر بِهِ وَإِلَّا خير وَكَذَا كل ذكر وَاجِب، وَإِن أحسن الْبَعْض أَتَى بِهِ. حَال كَونه رَافعا يَدَيْهِ فِي ابْتِدَاء التَّكْبِير حَال كَونهمَا ممدودتي الْأَصَابِع مضمومتيها مُسْتَقْبلا ببطونها إِلَى حَذْو مَنْكِبَيْه بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، والمنكب بِفَتْح الْمِيم وَكسر الْكَاف مجمع عظم الْعَضُد والكتف. وينهيه مَعَ انتهائه اسْتِحْبَابا، وَكَذَا سَائِر الِانْتِقَالَات ثمَّ يقبض

بيمناه كوع يسراه ويجعلهما تَحت سرته وَمَعْنَاهُ ذل بَين يَدي عز وَينظر مَسْجده فِي كل صلَاته اسْتِحْبَابا ثمَّ يستفتح فَيَقُول سرا سُبْحَانَكَ أَي أنزهك تنزيهك اللَّائِق بجلالك اللَّهُمَّ أَي يَا ألله وَبِحَمْدِك، وتبارك فعل لَا يتَصَرَّف فَلَا يسْتَعْمل مِنْهُ غير الْمَاضِي اسْمك أَي دوَام خَيره وَكَثْرَة بركاته وَهُوَ مُخْتَصّ بِهِ تَعَالَى وَتَعَالَى جدك بِفَتْح الْجِيم أَي علا جلالك وَارْتَفَعت عظمتك وَلَا إِلَه غَيْرك أَي لَا إِلَه يسْتَحق أَن يعبد وترجى رَحمته وَتخَاف سطوته غَيْرك. وَلَا يكره الاستفتاح بِغَيْرِهِ مِمَّا ورد ثمَّ يستعيذ فَيَقُول: أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم. وكيفما تعوذ من الْوَارِد فَحسن. وَمعنى أعوذ أَي ألجأ، والشيطان اسْم لكل متمرد وعات ثمَّ يبسمل فَيَقُول: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم سرا فِيهَا والبسملة لَيست من الْفَاتِحَة بل آيَة من الْقُرْآن فاصلة بَين كل سورتين، فَلَو ترك الاستفتاح حَتَّى تعوذ، أَو التَّعَوُّذ حَتَّى بسمل، أَو الْبَسْمَلَة حَتَّى شرع فِي الْقِرَاءَة سقط ثمَّ يقْرَأ الْفَاتِحَة تَامَّة مرتبَة مُتَوَالِيَة وجوبا، هِيَ ركن فِي كل رَكْعَة وفيهَا إِحْدَى عشر تشديدة فَإِن ترك غير مَأْمُوم ترتيبها، أَو سكت سكُوتًا طَويلا يقطعهَا، أَو تشديدة وَاحِدَة مِنْهَا، أَو حرفا، وَلم يَأْتِ بِمَا ترك عمدا لم تصح صلَاته إِن انْتقل عَن محلهَا بِأَن ركع وَلم يَأْتِ بِمَا تَركه عمدا، أما لَو تَركه سَهوا لغت الرَّكْعَة وَقَامَت الَّتِي تَلِيهَا مقَامهَا.

فَإِن لم يعرف إِلَّا آيَة كررها بِقدر الْفَاتِحَة مراعيا عدد الْحُرُوف والآيات، فَإِن لم يحسن إِلَّا بعض آيَة لم يكرره وَعدل إِلَى غَيره، فَإِن لم يحسن قُرْآنًا حرم تَرْجَمته، وَلزِمَ قَول سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر، فَإِن لم يعرف إِلَّا بعض الذّكر كَرَّرَه بِقَدرِهِ مراعيا عدد الْحُرُوف كَمَا سبق، فَإِن لم يعرف شَيْئا مِنْهُ وقف بِقدر الْفَاتِحَة كالأخرس. وَمن امْتنعت قِرَاءَته قَائِما صلى قَاعِدا وَقَرَأَ، لِأَن الْقيام لَهُ بدل وَهُوَ الْقعُود بِخِلَاف الْقِرَاءَة وَإِذا فرغ من قِرَاءَة الْفَاتِحَة قَالَ: آمين بعد سكتة لَطِيفَة ليعلم أَنَّهَا لَيست من الْقُرْآن وَإِنَّمَا هِيَ من طَابع الدُّعَاء، مَعْنَاهُ: اللَّهُمَّ استجب. وَقيل اسْم من أَسْمَائِهِ تَعَالَى. قَالَ فِي الْإِقْنَاع وَشَرحه: وَالْأولَى فِي همزَة آمين الْمَدّ، ذكره القَاضِي وَغَيره وَظَاهره أَن الإمالة وَعدمهَا سيان. وَيجوز الْقصر فِي آمين لِأَنَّهُ لُغَة فِيهِ، وَيحرم تَشْدِيد الْمِيم لِأَنَّهُ يصير بِمَعْنى قَاصِدين. قَالَ فِي الْمُنْتَهى: وَحرم وَبَطلَت إِن شدد ميمها. انْتهى. يجْهر بهَا أَي بآمين إِمَام ومأموم مَعًا فِي صَلَاة جهرته لحَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: (إِذا أَمن الإِمَام فَأمنُوا فَإِنَّهُ من وَافق تأمينه تَأْمِين الْمَلَائِكَة غفر لَهُ) مُتَّفق عَلَيْهِ. ويجهر بهَا غَيرهمَا أَي غير الإِمَام وَالْمَأْمُوم وَهُوَ الْمُنْفَرد فِيمَا

يجْهر فِيهِ تبعا للْقِرَاءَة أَي إِن جهر بِالْقِرَاءَةِ جهر بقول آمين إِذْ هُوَ مُخَيّر فِي الْقِرَاءَة بَين الْجَهْر والإخفات كَمَا يَأْتِي قَرِيبا وَيسن جهر إِمَام بِقِرَاءَة فِي صَلَاة صبح وَصَلَاة جُمُعَة وَصَلَاة عيد وَصَلَاة كسوف وَصَلَاة استسقاء وأولتي مغرب وأولتي عشَاء. وَيكرهُ الْجَهْر لمأموم لِأَنَّهُ مَأْمُور بالإنصات وَيُخَير مُنْفَرد وَنَحْوه كقائم لقَضَاء مَا فَاتَهُ بَين جهر واخفات وَتقدم قَرِيبا لَا بَأْس بجهر امْرَأَة لم يسْمعهَا أَجْنَبِي، وَخُنْثَى مثلهَا، قَالَه فِي الْإِقْنَاع، وَيسر فِي قَضَاء صَلَاة جهر نَهَارا وَلَو جمَاعَة كَصَلَاة سر ثمَّ يقْرَأ بعْدهَا أَي الْفَاتِحَة سُورَة فَيقْرَأ فِي صَلَاة الصُّبْح من طوال الْمفصل بِكَسْر الطَّاء وَيقْرَأ فِي الْمغرب من قصاره وَيقْرَأ فِي الْبَاقِي من الصَّلَوَات الْخمس من أوساطه أَي الْمفصل. وَيكرهُ لغير عذر قِرَاءَة فِي فجر من قصاره لَا فِي مغرب من طواله نَص عَلَيْهِ وأوله ق، وَفِي الْقُنُوت الحجرات، وَآخره آخر الْقُرْآن، وطواله على مَا قَالَ بَعضهم إِلَى عَم، وأواسطه إِلَى الضُّحَى وَالْبَاقِي قصاره ذكره فِي شرح الْمُنْتَهى

وَيحرم تنكيس الْكَلِمَات وَتبطل بِهِ الصَّلَاة لَا السُّور والآيات بل يكره، قَالَ ابْن نصر الله: وَلَو قيل بِالتَّحْرِيمِ فِي تنكيس الْآيَات كَمَا يَأْتِي من كَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَنه وَاجِب لما فِيهِ من مُخَالفَة النَّص وتغيير الْمَعْنى كَانَ متجها. وَدَلِيل الْكَرَاهَة فَقَط غير ظَاهر، والاحتجاج بتعليمه فِيهِ نظر، فَإِنَّهُ كَانَ للْحَاجة لِأَن الْقُرْآن كَانَ ينزل بِحَسب الوقائع. قَالَ الشَّيْخ 16 (تَقِيّ الدّين) : تَرْتِيب الْآيَات وَاجِب لِأَن ترتيبها بِالنَّصِّ إِجْمَاعًا وترتيب السُّور بِالِاجْتِهَادِ لَا بِالنَّصِّ فِي قَول جُمْهُور الْعلمَاء مِنْهُم الْمَالِكِيَّة وَالشَّافِعِيَّة فَيجوز قِرَاءَة هَذِه السُّورَة قبل هَذِه السُّورَة، وَكَذَا فِي الْكِتَابَة، وَلِهَذَا تنوعت مصاحف الصَّحَابَة فِي كتَابَتهَا. وَتحرم الْقِرَاءَة وَلَا تصح الصَّلَاة بِقِرَاءَة تخرج عَن مصحف عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ قَالَ صَاحب الطّيبَة: فَكل مَا وَافق وَجها نحوى وَكَانَ للرسم احْتِمَالا يحوى وَصَحَّ إِسْنَادًا هُوَ الْقُرْآن فَهَذِهِ الثَّلَاثَة الْأَركان وحيثما يخْتل ركن أثبت شذوذه لَو أَنه فِي السَّبْعَة ثمَّ بعد الْفَاتِحَة وَالسورَة يرْكَع مكبرا أَي قَائِلا فِي هويه لركوعه: الله أكبر، حَال كَونه رَافعا يَدَيْهِ كرفعهما الأول عِنْد الِافْتِتَاح ثمَّ يضعهما أَي يَدَيْهِ على رُكْبَتَيْهِ حَال كَونهمَا مفرجتي الْأَصَابِع ملقما كل يَد ركبة

وَيُسَوِّي ظَهره وَيجْعَل رَأسه حياله أَي بِإِزَاءِ ظَهره، لَا يرفعهُ وَلَا يخفضه ويجافي مرفقيه عَن جَنْبَيْهِ. والمجزىء من الرُّكُوع بِحَيْثُ يُمكن شخصا وسطا مس رُكْبَتَيْهِ بيدَيْهِ نصا وَمن قَاعد مُقَابِله وَجهه مَا قُدَّام رُكْبَتَيْهِ من الأَرْض أدنى مُقَابلَة. وينويه أحدب لَا يُمكنهُ الرُّكُوع وَيَقُول فِي رُكُوعه سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم مرّة وَاحِدَة وجوبا وَالسّنة ثَلَاثًا فِي قَول عَامَّة أهل الْعلم وَهُوَ أدنى الْكَمَال وَأَعلاهُ لإِمَام عشر ولمنفرد الْعرف، وَسكت عَن مَأْمُوم لِأَنَّهُ تبع لإمامه ثمَّ يرفع رَأسه من الرُّكُوع وَيرْفَع يَدَيْهِ مَعَه أَي مَعَ رَأسه حَذْو مَنْكِبَيْه، فرضا كَانَت الصَّلَاة أَو نفلا وَسَوَاء صلى قَائِما أَو جَالِسا، قَائِلا إِمَام ومنفرد سمع الله لمن حَمده مُرَتبا وجوبا، وَمعنى سمع أجَاب ثمَّ إِن شَاءَ أرسل يَدَيْهِ، وَإِن شَاءَ وضع يَمِينه على شِمَاله نصا وَبعد انتصابه أَي الإِمَام وَالْمُنْفَرد - من الرُّكُوع يَقُول رَبنَا وَلَك الْحَمد مُرَتبا وجوبا ملْء السَّمَاء وَالْأَرْض وملء مَا شِئْت من شَيْء بعد اسْتِحْبَابا أَي حمدا لَو كَانَ أجساما لملأ ذَلِك، وَيَقُول مَأْمُوم رَبنَا وَلَك الْحَمد، فَقَط وجوبا فَلَا يزِيد على ذَلِك، وَيَأْتِي بِهِ حَال رَفعه وجوبا كَسَائِر الِانْتِقَالَات. وللمصلي قَول: رَبنَا لَك الْحَمد بِلَا وَاو وَبهَا أفضل كَمَا قَالَ المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى، وَإِن شَاءَ قَالَ: اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد بِلَا وَاو وَهُوَ أفضل، وَإِن شَاءَ بواو. ذكره فِي الْإِقْنَاع. وَإِن عطس حَال رَفعه فَحَمدَ لَهما جَمِيعًا لم يُجزئهُ نصا، وَلَا تبطل بِهِ

ثمَّ بعد الِاعْتِدَال يكبر حَال هويه وَيسْجد وَلَا يرفع يَدَيْهِ على الْأَعْضَاء السَّبْعَة، فَيَضَع أَولا رُكْبَتَيْهِ ثمَّ يَدَيْهِ ثمَّ جَبهته وَأَنْفه وَالسُّجُود على هَذِه الْأَعْضَاء السَّبْعَة بالمصلى بِفَتْح اللَّام ركن مَعَ الْقُدْرَة، فَلَا يجب على الساجد مُبَاشرَة الأَرْض بِشَيْء مِنْهَا، وَكره ترك الْمُبَاشرَة باليدين والجبهة وَالْأنف بِلَا عذر من نَحْو برد وحر وَمرض، وَيُجزئ بعض كل عُضْو، وَمن عجز بالجبهة لم يلْزمه بغَيْرهَا وَأَوْمَأَ مَا أمكنه وجوبا لِأَن الْجَبْهَة الأَصْل وَغَيرهَا تبع لَهَا فَإِذا سقط الأَصْل سقط التبع. وَسن كَونه أَي السُّجُود على أَطْرَاف أَصَابِعه أَي أَصَابِع رجلَيْهِ. وَسن للْمُصَلِّي حَالَة السُّجُود مجافاة عضديه عَن جَنْبَيْهِ ومجافاة بَطْنه عَن فَخذيهِ ومجافاة فَخذيهِ عَن سَاقيه مَا لم يؤذ جَاره، وَيَضَع يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه فِي سُجُوده. وَسن تَفْرِقَة رُكْبَتَيْهِ وأصابع رجلَيْهِ وَيَقُول فِي سُجُوده سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى مرّة وَاحِدَة وجوبا، وَالسّنة ثَلَاثًا وَهُوَ أدنى الْكَمَال أَيْضا كَحكم الرُّكُوع، وَله أَن يعْتَمد بمرفقيه على فَخذيهِ إِن طَال سُجُوده ليستريح ثمَّ يرفع رَأسه من السُّجُود مكبرا وَيكون ابتداؤه مَعَ ابْتِدَائه وانتهاؤه مَعَ انتهائه وَيجْلس مفترشا أَي يفرش رجله الْيُسْرَى وَيجْلس عَلَيْهَا وَينصب الْيَمين ويخرجها من تَحْتَهُ وَيجْعَل بطُون أصابعها على الأَرْض مفرقة مُعْتَمدًا عَلَيْهَا لتَكون أَطْرَاف أصابعها إِلَى الْقبْلَة باسطا يَدَيْهِ على فَخذيهِ مضمومتي الْأَصَابِع، وَيَقُول الْمُصَلِّي بَين السَّجْدَتَيْنِ: رب اغْفِر لي مرّة وَاحِدَة وجوبا وَالسّنة ثَلَاثًا وَهُوَ أكمله إِمَامًا كَانَ أَو غَيره، وَمحل ذَلِك فِي غير الْكُسُوف لما

فِيهَا من اسْتِحْبَاب التَّطْوِيل وَيسْجد السَّجْدَة الثَّانِيَة كَذَلِك أَي كالأولى فِي الْهَيْئَة وَالتَّكْبِير وَالتَّسْبِيح لفعله ثمَّ ينْهض بعد السَّجْدَة الثَّانِيَة مكبرا قَائِما على صُدُور قَدَمَيْهِ مُعْتَمدًا على رُكْبَتَيْهِ بيدَيْهِ فَإِن شقّ فبالأرض. قَالَ فِي الْإِقْنَاع وَشَرحه: وَلَا تسْتَحب جلْسَة الاسْتِرَاحَة هِيَ جلْسَة يسيرَة صفتهَا كالجلوس بَين السَّجْدَتَيْنِ بعد السَّجْدَة الثَّانِيَة من كل رَكْعَة بعْدهَا قيام، وَالْقَوْل بِعَدَمِ استحبابها مُطلقًا هُوَ الْمَذْهَب الْمَنْصُور عِنْد الْأَصْحَاب. انْتهى. فَيَأْتِي بِرَكْعَة مثلهَا أَي مثل الأولى غير النِّيَّة والتحريمة والاستفتاح والتعوذ إِن كَانَ تعوذ فِي الرَّكْعَة الأولى ثمَّ بعد إِتْيَانه بالركعة يجلس مفترشا وَسن وضع يَدَيْهِ على فَخذيهِ وَسن قبض الْخِنْصر والبنصر من يمناه وَسن تحليق إبهامها أَي الْيُمْنَى مَعَ الْوُسْطَى وَسن إِشَارَة بسبابتها أَي الْيُمْنَى عَن غير تَحْرِيك، سميت بذلك لِأَنَّهَا يشار بهَا للسب. وسباحة لِأَنَّهُ يشار بهَا للتوحيد فِي تشهد وَدُعَاء عِنْد ذكر لفظ الله تَعَالَى تَنْبِيها على التَّوْحِيد مُطلقًا أَي فِي الصَّلَاة وَغَيرهَا، لَو سنّ بسط الْيَد الْيُسْرَى مَضْمُومَة الْأَصَابِع ثمَّ يتَشَهَّد وجوبا، سرا اسْتِحْبَابا فَيَقُول: التَّحِيَّات جمع تَحِيَّة وَهِي العظمة لله، والصلوات قيل الْخمس، وَقيل الْمَعْلُومَة فِي الشَّرْع، وَقيل الرَّحْمَة. قَالَ الْأَزْهَرِي: الْعِبَادَات كلهَا، وَقيل الْأَدْعِيَة، أَي هُوَ المعبود بهَا. والطيبات أَي الْأَعْمَال الصَّالِحَة روى عَن ابْن عَبَّاس، أَو من الْكَلَام قَالَه

ابْن الْأَنْبَارِي السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي بِالْهَمْزَةِ وَبلا همزَة هُوَ الْأَكْثَر وَتقدم فِي الْخطْبَة وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته جمع بركَة وَهِي النَّمَاء وَالزِّيَادَة وَالسَّلَام علينا أَي الْحَاضِرين من إِمَام ومأموم وملائكة وعَلى عباد الله الصَّالِحين جمع صَالح وَهُوَ الْقَائِم بِحُقُوق الله تَعَالَى وَحُقُوق عباده أشهد أَي أَقُول بلساني وأذعن بقلبي أَن لَا إِلَه معبود بِحَق فِي الْوُجُود إِلَّا الله، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله. وَإِن قَالَ: أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله. بِإِسْقَاط أشهد فَلَا بَأْس بِهِ. وَهَذَا التَّشَهُّد الأول ثمَّ ينْهض قَائِما فِي صَلَاة مغرب وَفِي صَلَاة ربَاعِية مكبرا وَلَا يرفع يَدَيْهِ وَيُصلي الْبَاقِي وَهُوَ رَكْعَة من مغرب وثنتان من ربَاعِية كَذَلِك أَي كالركعة الثَّانِيَة سرا إِجْمَاعًا أَي يسر الْقِرَاءَة فِيهَا بعد الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين مُقْتَصرا على الْفَاتِحَة وَلَا تكره الزِّيَادَة ثمَّ يجلس بعد إتْيَان بَاقِي صَلَاة متوركا بِأَن يفرش رجله الْيُسْرَى وَينصب الْيُمْنَى ويخرجهما أَي رجلَيْهِ من تَحْتَهُ عَن يَمِينه وَيجْعَل الألية على الأَرْض فَيَأْتِي بالتشهد الأول سرا ثمَّ يَقُول سرا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على آل إِبْرَاهِيم أَي إِبْرَاهِيم وَآله وَإنَّك حميد مجيد، وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد وَهَذَا التَّشَهُّد أولى من غَيره وَسن أَن يتَعَوَّذ فَيَقُول أعوذ بِاللَّه من عَذَاب جَهَنَّم وَمن عَذَاب الْقَبْر وَمن فتْنَة الْمحيا وَالْمَمَات أَي الْحَيَاة وَالْمَوْت وَمن فتْنَة الْمَسِيح بِالْحَاء الْمُهْملَة على الْمَعْرُوف الدَّجَّال. اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من المأثم والمغرم، وَإِن دَعَا بِغَيْر ذَلِك مِمَّا ورد فِي الْكتاب وَالسّنة أَو عَن الصَّحَابَة

وَالسَّلَف أَو بِأَمْر الْآخِرَة وَلَو لم يشبه مَا ورد أَو دَعَا لشخص معِين بِغَيْر كَاف الْخطاب فَلَا بَأْس مَا لم يشق على مَأْمُوم أَو يخف سَهوا بَاطِلَة. وَتبطل الصَّلَاة بِدُعَاء بِأَمْر الدُّنْيَا كَقَوْلِه: اللَّهُمَّ ارزقني جَارِيَة حسناء ودابة هملاجة. ودارا وسيعة وحلة خضراء وَنَحْوه، وبتقدم الْمَأْمُوم على إِمَامه، وببطلان صَلَاة إِمَامه، وبسلامه عمدا قبل إِمَامه أَو سَهوا وَلم يعد بعده، وبتعمد زِيَادَة ركن فعلي، وبتعمد تَقْدِيم بعض الْأَركان على بعض، وبتعمد السَّلَام قبل إِتْمَامهَا، وبتعمد إِحَالَة الْمَعْنى فِي الْقِرَاءَة، وبوجود ستْرَة بعيدَة وَهُوَ عُرْيَان، وَيفْسخ النِّيَّة فِي أثْنَاء الصَّلَاة، وبالتردد فِيهِ، وبالعزم عَلَيْهِ، وبشكه هَل نوى فَعمل مَعَ الشَّك عملا من أَعمال الصَّلَاة كركوع وَنَحْوه ثمَّ ذكر أَنه نوى، فَإِن شكّ فِي تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَجب عَلَيْهِ اسْتِئْنَاف الصَّلَاة، وبكاف الْخطاب لغير الله تَعَالَى وَرَسُوله أَحْمد ثمَّ يَقُول الْمُصَلِّي عَن يَمِينه أَي ملتفتا إِلَى جِهَة يَمِينه: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، ثمَّ يَقُول أَيْضا عَن يسَاره: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، مُرَتبا مُعَرفا وجوبا فيهمَا، وَسن التفاته عَن شِمَاله أَكثر من عَن يَمِينه، وَحذف السَّلَام وَهُوَ أَن لَا يطوله وَلَا يمده فِي الصَّلَاة وَلَا على النَّاس إِذا سلم عَلَيْهِم، وجزمه بِأَن يقف على كل تَسْلِيمَة، وَنِيَّته بِهِ الْخُرُوج من الصَّلَاة. وَلَا يُجزئ إِن لم يقل: وَرَحْمَة الله، فِي غير جَنَازَة، وَالْأولَى أَن لَا يزِيد (وَبَرَكَاته) لعدم وُرُوده. وَامْرَأَة فِي حكم مَا تقدم فِي صفة الصَّلَاة كَرجل، لَكِن تجمع نَفسهَا فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود وَجَمِيع أَحْوَال الصَّلَاة وتجلس متربعة أَو

تجْلِس مسدلة رِجْلَيْهَا عَن يَمِينهَا وَهُوَ أفضل من التربع، وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ. وينحرف الإِمَام إِلَى الْمَأْمُوم جِهَة قَصده يَمِينا أَو شمالا، وَإِن لم يكن لَهُ جِهَة قصد فينحرف عَن يَمِينه إِكْرَاما لليمنى، قبل يسَاره فِي انحرافه الْقبْلَة. وَيسْتَحب للْإِمَام أَن لَا يُطِيل الْجُلُوس بعد السَّلَام مُسْتَقْبل الْقبْلَة، وَأَن لَا ينْصَرف الْمَأْمُوم قبله إِلَّا إِن طَال الْجُلُوس، وَسن أَن يسْتَغْفر الله تَعَالَى عقيب الْمَكْتُوبَة ثَلَاثًا وَأَن يَقُول: اللَّهُمَّ أَنْت السَّلَام ومنك السَّلَام تَبَارَكت يَا ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام وَأَن يَقُول ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مرّة، سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَالله أكبر، ويفرغ من عدد الْكل مَعًا. وَكره فِيهَا أَي الصَّلَاة الْتِفَات يسير وَنَحْوه بِلَا حَاجَة من نَحْو خوف وَمرض، وَتبطل إِن اسْتَدَارَ بجملته، أَو يستدبر الْقبْلَة مَا لم يكن فِي الْكَعْبَة، وَلَا تبطل لَو الْتفت بصدره مَعَ وَجهه. وَكره رفع بَصَره إِلَى السَّمَاء. لَا حَال التجشي فِي جمَاعَة، وتغميضه وَكره إقعاء وَهُوَ أَن يفرش قَدَمَيْهِ وَيجْلس على عَقِبَيْهِ أَو بَينهمَا ناصبا قَدَمَيْهِ، وَكره افتراش ذِرَاعَيْهِ حَال كَونه سَاجِدا، وَكره عَبث لِأَنَّهُ رأى رجلا يعبث فِي الصَّلَاة فَقَالَ: (لَو خشع قلب هَذَا لخشعت جوارحه) .

وَكره تخصر وَهُوَ وضع يَدَيْهِ على خاصرته. وَكره تمط لِأَنَّهُ يُخرجهُ عَن هَيْئَة الْخُشُوع، وَفتح فَمه، وَوَضعه فِيهِ شَيْئا، واستقبال صُورَة مَنْصُوبَة وَوجه آدَمِيّ ومتحدث ونائم ونار وَمَا يلهيه، وَمَسّ الْحَصَى وتسوية التُّرَاب بِلَا عذر وَتَروح بمروحة، وَكره فرقعة أَصَابِع وَكره تشبيكها وَهُوَ فِي الصَّلَاة قَالَ 16 (ابْن عمر) فِي الَّذِي يصلى وَقد شَبكَ أَصَابِعه: تِلْكَ صَلَاة المغضوب عَلَيْهِم. رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَكَونه أَي الْمُصَلِّي حاقنا بالنُّون أَو مَعَ ريح محتبسة وَنَحْوه كحاقب أَي محتبس الْغَائِط، أَي فتكره صلَاته وَكَونه تائقا لطعام وَنَحْوه كشراب وجماع. وَإِن تثاءب وَهُوَ فِي الصَّلَاة كظم ندبا، فَإِن غَلبه اسْتحبَّ وضع يَده على فَمه وَإِذا نابه أَي الْمُصَلِّي أَي عرض لَهُ شَيْء فِي الصَّلَاة كاستئذان عَلَيْهِ وسهو إِمَامه عَن وَاجِب سبح رجل وَلَا يضر إِن كثر، وَكَذَا لَو كَلمه إِنْسَان فسبح ليعلم أَنه فِي صَلَاة وصفقت امْرَأَة بِبَطن كفها على ظهر الْأُخْرَى وَتبطل إِن كثر. وَكره تَنْبِيه بنحنحة وصفير وتصفيقة وتسبيحها لَا بِقِرَاءَة وتهليل وتكبير وَنَحْوه ويزيل الْمُصَلِّي بصاقا بالصَّاد وَيُقَال فِيهِ بِالسِّين وَالزَّاي وَنَحْوه كمخاط ونخامة بِثَوْبِهِ وحك بعضه بِبَعْض أذهابا لصورته. وَيُبَاح البصق

وَنَحْوه فِي غير مَسْجِد عَن يسَاره وَتَحْت قَدَمَيْهِ وَيكرهُ أَمَامه وَيَمِينه وَلزِمَ حَتَّى غير باصق إِزَالَته من مَسْجِد. وَتسن الصَّلَاة إِلَى ستْرَة مُرْتَفعَة قريب ذِرَاع فَأَقل وعرضها أعجب إِلَى الإِمَام أَحْمد، وَسن قربه مِنْهَا نَحْو ثَلَاث أَذْرع من قَدَمَيْهِ، وَسن انحرافه عَنْهَا يَسِيرا، وَإِن تعذر غرز عَصا وَنَحْوهَا ووضعها بَين يَدَيْهِ، وَلَا تُجزئ ستْرَة مَغْصُوبَة. قَالَه فِي الْإِقْنَاع. وَقَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى: وسترة مَغْصُوبَة ونجسة كَغَيْرِهَا، وَيصِح الستْرَة بِمَا اعتقده ستْرَة وَلَو بخيط، فَإِن لم يجد شيئاخط خطا كالهلال وَصلى إِلَيْهِ، وسترة الإِمَام ستْرَة لمن خَلفه.

فصل

3 - (فصل) فِي أَرْكَان الصَّلَاة وواجباتها وسننها وَجُمْلَة أَرْكَانهَا مُبْتَدأ، والأركان جمع ركن وَهُوَ لُغَة جَانب الشَّيْء الْأَقْوَى، وَاصْطِلَاحا مَا كَانَ فِيهَا احْتِرَاز عَن الشَّرْط. وَلَا يسْقط عمدا، وَخرج السّنَن. وَلَا سَهوا وَلَا جهلا، خرج الْوَاجِبَات: أَرْبَعَة عشر ركنا، خبر. أَحدهَا الْقيام فِي فرض وَلَو على الْكِفَايَة كَصَلَاة الْجِنَازَة لَا فِي نفل، سوى خَائِف بِهِ وعريان ولمداواة، وَيُصلي جَالِسا دفعا للْحَرج وَقصر سقف لعاجز عَن خُرُوج كحبس وَنَحْوه وَخلف إِمَامه أَي بِشَرْطِهِ. وَحده مَا لم يصر رَاكِعا. وَالثَّانِي التَّحْرِيمَة أَي تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَتَقَدَّمت شُرُوطهَا فِي صفة الصَّلَاة. وَالثَّالِث قِرَاءَة الْفَاتِحَة فِي كل رَكْعَة على الإِمَام وَالْمُنْفَرد وَالْمَأْمُوم لَكِن يتحملها عَنهُ الإِمَام. وَالرَّابِع الرُّكُوع إِجْمَاعًا فِي كل رَكْعَة وَالْخَامِس الِاعْتِدَال عَنهُ أَي الرُّكُوع، فَدخل فِيهِ الرّفْع مِنْهُ لاستلزامه لَهُ، هَكَذَا فعل أَكثر الْأَصْحَاب، وَفرق فِي الْفُرُوع والمنتهى وَغَيرهمَا

بَينهمَا، فعدوا كلا مِنْهُمَا ركنا يُحَقّق الْخلاف فِي كل مِنْهُمَا وَلَا تبطل إِن طَال. وَالسَّادِس السُّجُود إِجْمَاعًا. وَالسَّابِع الِاعْتِدَال عَنهُ أَي الرّفْع مِنْهُ. وَالثَّامِن الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ. وَالتَّاسِع الطُّمَأْنِينَة فِي هَذِه الْأَفْعَال وَهِي السّكُون وَإِن قل فِي ركن فعلي. والعاشر التَّشَهُّد الْأَخير والركن مِنْهُ، اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد بعد مَا يجزىء من التَّشَهُّد الأول. وَالْحَادِي عشر جلسته أَي جلْسَة التَّشَهُّد الْأَخِيرَة وجلسة التسليمتين. وَالثَّانِي عشر الصَّلَاة على النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام بعد التَّشَهُّد فَلَا يُجزئ إِن قدمت عَلَيْهِ، وعد المُصَنّف الصَّلَاة عَلَيْهِ ركنا مُسْتقِلّا كَمَا مَشى عَلَيْهِ صَاحب الْإِقْنَاع تبعا لما فِي الْفُرُوع وَأما صَاحب الْمُنْتَهى وَكثير من الْأَصْحَاب، فقد جعلوها من جملَة التَّشَهُّد الْأَخير. وَالثَّالِث عشر التسليمتان وَهُوَ أَن يَقُول مرَّتَيْنِ: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله. يَمِينا وَشمَالًا. وَتقدم. إِلَّا فِي صَلَاة جَنَازَة وَسُجُود تِلَاوَة وشكر ونافلة فتجزئ تَسْلِيمَة وَاحِدَة. وَالرَّابِع عشر التَّرْتِيب بَين الْأَركان على مَا تقدم هَهُنَا وَفِي صفة الصَّلَاة، فَلَو سجد مثلا قبل رُكُوعه عمدا بطلت الصَّلَاة، أَو سَهوا لزمَه الرُّجُوع ليركع ثمَّ يسْجد. وواجباتها الصَّلَاة مَا كَانَ فِيهَا وَتبطل بِتَرْكِهَا

عمدا وَتسقط سَهوا وجهلا نصا ويجبره السُّجُود. وَهِي ثَمَانِيَة: أَحدهَا التَّكْبِير فِي مَحَله وَهُوَ مَا بَين انْتِقَال وانتهاء غير التَّحْرِيمَة أَي تَكْبِيرَة الْإِحْرَام فَإِنَّهَا ركن، وَتقدم، وَغير تَكْبِيرَة الْمَسْبُوق الَّذِي أدْرك إِمَامه رَاكِعا فَإِنَّهَا سنة. وَالثَّانِي التسميع أَي قَوْله (سمع الله لمن حَمده) لإِمَام ومنفرد. وَالثَّالِث التَّحْمِيد أَي قَوْله (رَبنَا وَلَك الْحَمد) للْكُلّ. وَالرَّابِع تَسْبِيح رُكُوع وَهُوَ قَول (سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم) . وَالْخَامِس تَسْبِيح سُجُود قَول (سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى) . وَالسَّادِس قَول (رب اغْفِر لي) مرّة مرّة بَين كل سَجْدَتَيْنِ، وإتيانه بالتسميع والتحميد وتسبيح رُكُوع وَسُجُود و (رب اغْفِر لي) كإتيانه بِالتَّكْبِيرِ بَين الِابْتِدَاء والانتهاء، فَلَو شرع فِيهِ قبل انْتِقَال، أَو كَلمه بعد انْتِهَاء لم يعْتد بِهِ وَالسَّابِع التَّشَهُّد الأول على غير من قَامَ إِمَامه عَنهُ سَهوا وَيَأْتِي فِي سُجُود السَّهْو. وَالثَّامِن جلسته أَي التَّشَهُّد الأول. وَمَا عدا ذَلِك الْمُتَقَدّم فِي الْأَركان والواجبات وَمَا عدا الشُّرُوط فَهُوَ سنة أَي سنَن أَقْوَال وأفعال، وَقد تقدما فِي صفة الصَّلَاة، فالركن وَالشّرط لَا يسقطان سَهوا وَلَا جهلا وَسقط الْوَاجِب بهما أَي بالسهو وَالْجهل.

فصل

3 - (فصل) فِي سُجُود السَّهْو. ويشرع أَي يجب أَو يسن سُجُود السَّهْو قَالَ فِي النِّهَايَة: السَّهْو فِي الشَّيْء تَركه من غير علم، وَعَن الشَّيْء تَركه مَعَ الْعلم. وَقَالَ صَاحب الْمَشَارِق: السَّهْو فِي الصَّلَاة النسْيَان. انْتهى. وَفرقُوا بَين الساهي وَالنَّاسِي أَن النَّاسِي إِذا ذكرته تذكر بِخِلَاف الساهي. لزِيَادَة فِي الصَّلَاة، مُتَعَلق بيشرع ولنقص مِنْهَا سَهوا ولشك فِي الْجُمُعَة أَو فِي بعض الْمسَائِل فَلَا يشرع لكل شكّ بل وَلَا لكل زِيَادَة أَو نقص، وَلَا يشرع سُجُود السَّهْو فِي عمد وَلَا شكّ إِذا كثر حَتَّى صَار كوسواس بل يلْزم طَرحه، وَكَذَا فِي الْوضُوء وَالْغسْل وَإِزَالَة النَّجَاسَة. وَهُوَ أَي سُجُود السَّهْو وَاجِب لما أَي لفعل شَيْء أَو تَركه تبطل

الصَّلَاة بتعمده سَلام على نقص، وَزِيَادَة ركن أَو رُكُوع وَسُجُود وَنَحْوه وَترك تَسْبِيح وَنَحْوه، وإتيانه بِبَدَل رَكْعَة أَو ركن شكّ فِيهِ. وَسُجُود السَّهْو سنة لإتيان الْمُصَلِّي بقول مَشْرُوع فِي غير مَحَله سَهوا غير السَّلَام فَإِنَّهُ إِذْ ذَاك وَاجِب. وَلَا تبطل الصَّلَاة بتعمده بإتيان الْمُصَلِّي بقول مَشْرُوع فِي غير مَوْضِعه عمدا غير سَلام أَيْضا كَمَا يَأْتِي بيانهما قَرِيبا. وَسُجُود السَّهْو مُبَاح لترك سنة قَالَ فِي الْمقنع بعد سِيَاقه لسنن الْأَقْوَال: فَهَذِهِ سنَن لَا تبطل صَلَاة بِتَرْكِهَا وَلَا يجب السُّجُود لَهَا، وَهل يشرع على رِوَايَتَيْنِ. وَمَا سوى هَذَا سنَن فَقَط لَا تبطل الصَّلَاة بِتَرْكِهَا وَلَا يشرع السُّجُود لَهَا. قَالَ فِي الْمُبْدع: نَصره وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَر، لِأَنَّهُ لَا يُمكن التَّحَرُّز من تَركهَا لكثرتها، فَلَو شرع لم تخل صَلَاة من سُجُود فِي الْغَالِب، وَبِه يفرق بَينهَا وَبَين سنَن الْأَقْوَال. وَقَالَ: وَإِذا قُلْنَا: لَا يسْجد فَسجدَ لم تبطل، نَص عَلَيْهِ. وَمحله أَي سُجُود السَّهْو لزِيَادَة أَو شكّ قبل السَّلَام ندبا، إِلَّا إِذا سلم عَن نقص رَكْعَة فَأكْثر فمحله بعده أَي السَّلَام ندبا، وَإِن سلم قبل إِتْمَامهَا أَي الصَّلَاة عمدا بطلت وَإِن سلم قبل إِتْمَامهَا سَهوا فَإِن ذكر قَرِيبا عرفا وَلَو خرج من الْمَسْجِد نصا أَو شرع فِي صَلَاة أُخْرَى وتقطع أتمهَا الصَّلَاة وَسجد للسَّهْو، وَإِن أحدث من سلم قبل إِتْمَامهَا سَهوا وَلم يذكر سَهْوه قَرِيبا عرفا بطلت لِأَن الْحَدث ينافيها والموالاة قد فَاتَت أَو قهقه بعد أَن سلم سَهوا بطلت صلَاته كفعلهما أَي كَمَا لَو أحدث أَو قهقه فِي صلبها أَي

الصَّلَاة، وَإِن تكلم مُطلقًا أَي إِمَامًا كَانَ أَو غَيره عمدا أَو سَهوا أَو جهلا طَائِعا أَو مكْرها فرضا أَو نفلا لمصلحتها أَو لَا فِي صلَاته أَو بعد سَلَامه سَهوا، وتحذير نَحْو ضَرِير أَو لَا بطلت لحَدِيث (إِن هَذِه الصَّلَاة لَا يصلح فِيهَا شَيْء من كَلَام النَّاس، إِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيح وَالتَّكْبِير وَقِرَاءَة الْقُرْآن) رَوَاهُ مُسلم. وَعنهُ لَا تبطل بِيَسِير لمصلحتها. وَمَشى عَلَيْهِ فِي الْإِقْنَاع وَغَيره لقصة ذِي الْيَدَيْنِ. وَإِن نفخ الْمُصَلِّي فَبَان حرفان أَو انتحب لَا من خشيَة الله تَعَالَى فَبَان حرفان أَو تنحنح بِلَا حَاجَة فَبَان حرفان بطلت صلَاته لَا إِن نَام فَتكلم أَو تكلم مَغْلُوبًا على الْكَلَام بِأَن خرجت الْحُرُوف مِنْهُ بِغَيْر اخْتِيَاره مثل إِن سلم بسهو، أَو سبق على لِسَانه حَال قِرَاءَته كلمة لَا من الْقُرْآن أَو غَلبه سعال أَو عطاس أَو تثاؤب أَو بكاء فَبَان حرفان فَلَا تبطل صلَاته. وَإِشَارَة أخرس كَفِعْلِهِ. وَإِن أكل أَو شرب عمدا فَإِن كَانَ فِي فرض بطلت قل أَو كثر، وَفِي نفل يبطل كَثِيره عرفا فَقَط. وَإِن كَانَ سَهوا أَو جهلا لم يبطل يسيره فرضا كَانَ أَو نفلا قَالَه فِي الْإِقْنَاع. مَفْهُوم مَا قطع بِهِ فِي الْمُنْتَهى ومختصر الْمقنع أَنَّهَا لَا تبطل بِيَسِير الشّرْب فَقَط فِي النَّفْل عمدا. وبلع ذوب سكر وَنَحْوه كَأَكْل

تَتِمَّة: لَا تبطل صَلَاة بترك لقْمَة فِي فَمه لم يمضغها وَلم يبتلعها فَهُوَ كالعمل إِن كثر بَطل وَإِلَّا فَلَا. ذكره فِي الْكَافِي وَالرِّعَايَة. وَمن ترك ركنا غير التَّحْرِيمَة أَي تَكْبِيرَة الْإِحْرَام فَذكره الرُّكْن الْمَتْرُوك بعد شُرُوعه فِي قِرَاءَة رَكْعَة أُخْرَى غير الَّتِي تَركه مِنْهَا بطلت الرَّكْعَة الْمَتْرُوك مِنْهَا وَصَارَت الرَّكْعَة الَّتِي شرع فِي قرَاءَتهَا مَكَانهَا فَلَو رَجَعَ إِلَى الرَّكْعَة الأولى بعد شُرُوعه فِي قِرَاءَة الَّتِي تَلِيهَا عَالما عمدا بطلت صلَاته وَإِن ذكر الرُّكْن الْمَتْرُوك قبله أَي الشُّرُوع يعود إِلَيْهِ وجوبا فَيَأْتِي بِهِ وَبِمَا بعده فَإِذا لم يعد عَالما عمدا بطلت صلَاته. وَإِذا لم يذكر مَا تَركه إِلَّا بعد سَلام فَذَلِك كَتَرْكِ رَكْعَة كَامِلَة فَيَأْتِي بِرَكْعَة وَيسْجد للسَّهْو قبل السَّلَام نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة حَرْب إِن لم يطلّ الْفَصْل أَو يحدث أَو يتَكَلَّم لِأَن الرَّكْعَة بترك ركنها لغت، فَصَارَ وجودهَا كعدمها فَأَنَّهُ سلم عَن ترك رَكْعَة مَا لم يكن تشهدا أخيرا أَو سَلاما فَيَأْتِي بِهِ وَيسْجد وَيسلم وَإِن نَهَضَ الْمُصَلِّي عَن ترك تشهد أول نَاسِيا لما تَركه لزم رُجُوعه إِن ذكر قبل أَن يستتم قَائِما ليَأْتِي بِهِ وَكره رُجُوعه إِن استتم قَائِما، وَحرم رُجُوعه وَبَطلَت صلَاته وَإِن رَجَعَ عَالما عمدا إِن شرع فِي الْقِرَاءَة، وَلَا تبطل بِرُجُوعِهِ إِذن إِن نسي أَو جهل تَحْرِيم رُجُوعه.

وَيتبع مَأْمُوم إِمَامه فِي قِيَامه نَاسِيا، وَكَذَا كل وَاجِب تَركه مصل نَاسِيا، فَيرجع إِلَى تَسْبِيح رُكُوع أَو سُجُود قبل اعْتِدَال عَنهُ لَا بعد، وَيجب السُّجُود لذَلِك أَي لجَمِيع هَذِه الصُّور مُطلقًا أَي سَوَاء ذكر الرُّكْن الْمَتْرُوك قبل شُرُوعه فِي قِرَاءَة الَّتِي تَلِيهَا أَو بعده، وَسَوَاء كَانَ رُجُوعه قبل أَن يستتم قَائِما أَو بعده أَو بمضيه حَيْثُ حرم رُجُوعه. وَمن قَامَ لركعة زَائِدَة جلس مَتى ذكر وجوبا. وَتبطل الصَّلَاة بتعمد ترك سُجُود السَّهْو الْوَاجِب الَّذِي مَحَله قبل السَّلَام، وَلَا يشرع سُجُود لترك سُجُود السَّهْو سَهوا. وَمَتى سجد بعد السَّلَام تشهد وجوبا التَّشَهُّد الْأَخير ثمَّ سلم سَوَاء كَانَ مَحل السُّجُود قبل السَّلَام أَو بعده. وَيَبْنِي على الْيَقِين وَهُوَ الْأَقَل من شكّ فِي ترك ركن بِأَن تردد فِي فعله فَيجْعَل كمن تَيَقّن تَركه لِأَن الأَصْل عَدمه، وكما لَو شكّ فِي أصل الصَّلَاة أَو شكّ فِي عدد رَكْعَات وَهُوَ فِي الصَّلَاة، فَإِذا شكّ أصلى رَكْعَة أَو رَكْعَتَيْنِ بنى على رَكْعَة، وثنتين أَو ثَلَاثَة بنى ثِنْتَيْنِ، وَهَكَذَا إِمَامًا كَانَ أَو مُنْفَردا، وَلَا يرجع مَأْمُوم وَاحِد إِلَى فعل إِمَامه، فَإِذا سلم الإِمَام أَتَى الْمَأْمُوم بِمَا شكّ فِيهِ وَسجد للسَّهْو وَسلم، فَإِن كَانَ مَعَ إِمَامه غَيره وَشك رَجَعَ إِلَى فعل إِمَامه وَمن مَعَه من الْمَأْمُومين كمن ينبهه اثْنَان فَأكْثر. قَالَه فِي شرج الْمُنْتَهى.

فصل

3 - (فصل) فِي ذكر صَلَاة التَّطَوُّع وأوقات النَّهْي. آكِد مُبْتَدأ صَلَاة تطوع وَهُوَ فِي الأَصْل فعل الطَّاعَة، وَشرعا وَعرفا طَاعَة غير وَاجِبَة، وَالنَّفْل الزِّيَادَة، والتنفل التَّطَوُّع. قَالَ فِي الاختيارات: التَّطَوُّع تكمل بِهِ صَلَاة الْفَرْض يَوْم الْقِيَامَة إِن لم يكن الْمُصَلِّي أتمهَا، وَفِيه حَدِيث مَرْفُوع، رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد، وَكَذَلِكَ الزَّكَاة وَبَقِيَّة الْأَعْمَال الصَّالِحَة، هِيَ أفضل تطوع الْبدن بعد الْجِهَاد وَالْعلم تعلمه وتعليمه. وأفضلها مَا يسن جمَاعَة كسوف خبر أَي آكِد مَا تسن لَهُ الْجَمَاعَة صَلَاة الْكُسُوف فاستسقاء أَي صَلَاة الاسْتِسْقَاء تلِي صَلَاة الْكُسُوف فِي الآكدية فتراويح

ذكره فِي الْمَذْهَب وَغَيره لِأَنَّهَا تسن لَهَا الْجَمَاعَة فوتر لِأَنَّهَا سنة مُؤَكدَة تشرع لَهَا الْجَمَاعَة، وَلَيْسَ بِوَاجِب إِلَّا على النَّبِي وَوَقته الْوتر من صَلَاة الْعشَاء وَلَو مَعَ جمع تَقْدِيم إِلَى طُلُوع الْفجْر الثَّانِي، وَفعله آخر اللَّيْل لمن يَثِق من نَفسه أفضل وَأقله أَي الْوتر رَكْعَة وَلَا يكره بهَا مُفْردَة وَلَو بِلَا عذر من مرض أَو سفر أَو نَحْوهمَا وَأَكْثَره أَي الْوتر إِحْدَى عشر رَكْعَة يَأْتِي بهَا مثنى مثنى أَي يسلم كل ثِنْتَيْنِ ويوتر بِوَاحِدَة أَي يسن فعلهَا عقب الشفع بِلَا تَأْخِير نصا، وَإِن صلاهَا كلهَا بِسَلام وَاحِد بِأَن سرد عشرا وَتشهد ثمَّ قَامَ فَأتى بالركعة جَازَ، أَو سرد الإحدى عشر وَلم يجلس إِلَّا فِي آخِرهنَّ جَازَ، لَكِن الأولى أولى. وَكَذَا إِن أوتر بِثَلَاث أَو خمس أَو سبع أَو تسع. وَإِن أوتر بتسع سرد ثَمَانِيَة وَجلسَ وَتشهد وَلم يسلم ثمَّ يُصَلِّي التَّاسِعَة ويتشهد وَيسلم. وَإِن أوتر بِسبع أَو خمس لم يجلس إِلَّا فِي آخِرهنَّ وَهُوَ أفضل فِيمَا إِذا أوتر بِسبع أَو خمس وَأدنى الْكَمَال فِي الْوتر ثَلَاث رَكْعَات بسلامين وَيجوز بِسَلام وَاحِد سردا أَي من غير جُلُوس لتخالف الْمغرب. وَيسن أَن يقْرَأ فِي الأولى بعد الْفَاتِحَة ب 19 ((سبح)) ، وَفِي الثَّانِيَة 19 ((قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ)) ، فِي الثَّالِثَة 19 ((قل هُوَ الله أحد)) . ويقنت فِي الْأَخِيرَة من وتره بعد الرُّكُوع ندبا. وَإِن كبر وَرفع يَدَيْهِ ثمَّ قنت قبل الرُّكُوع جَازَ، فيرفع يَدَيْهِ إِلَى صَدره حَال قنوته ويبسطهماوبطونهما نَحْو السَّمَاء وَلَو مَأْمُوما فَيَقُول الْمُصَلِّي إِن كَانَ إِمَامًا أَو مُنْفَردا

جَهرا: اللَّهُمَّ إِنِّي أستعينك وأستهديك وأستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك وأومن بك وَأَتَوَكَّل عَلَيْك وأثني عَلَيْك الْخَيْر كُله وأشكرك وَلَا أكفرك. اللَّهُمَّ إياك نعْبد وَلَك أُصَلِّي وأسجد وَإِلَيْك أسعى وأحفد، أَرْجُو رحمتك وأخشى عذابك، إِن عذابك الْجد بالكفار مُلْحق بسكر الْحَاء على الْمَشْهُور. اللَّهُمَّ أَصله ياألله حذفت الْيَاء من أَوله وَعوض عَنْهَا الْمِيم فِي آخِره اهدني فِيمَن هديت بوصل الْهمزَة وإفراد الضَّمِير أَي ثبتنى على الْهِدَايَة أَو زِدْنِي مِنْهَا وَعَافنِي فِيمَن عافيت من الأسقام والبلايا، والمعافاة أَن يعافيك من النَّاس ويعافيك مِنْك وتولني فِيمَن توليت الْوَلِيّ ضد الْعَدو من تليت الشَّيْء إِذا عنيت بِهِ كَمَا ينظر الْوَلِيّ فِي حَال الْيَتِيم لِأَن الله تبَارك وَتَعَالَى ينظر فِي أَمر وليه بالعناية، وَيجوز أَن يكون من وليت الشَّيْء إِذا لم يكن بَيْنك وَبَينه وَاسِطَة بِمَعْنى أَن الْوَلِيّ يقطع الوسائط بَينه وَبَين الله تَعَالَى حَتَّى يصير فِي مقَام المراقبة والمشاهدة وَهُوَ مقَام الْإِحْسَان. وَبَارك لي الْبركَة الزِّيَادَة أَو حُلُول الْخَيْر الإلهي فِي الشَّيْء فِيمَا أَعْطَيْت أَي أَنْعَمت بِهِ وقني من الْوِقَايَة شَرّ مَا قضيت، إِنَّك تقضي وَلَا يقْضى عَلَيْك سُبْحَانَهُ لَا راد لأَمره وَلَا معقب لحكمه، فَإِنَّهُ يفعل مَا يَشَاء وَيحكم مَا يُرِيد إِنَّه لَا يذل بِكَسْر الذَّال الْمُعْجَمَة من واليت، وَلَا يعز بِكَسْر الْعين من عاديت، تَبَارَكت فَخرجت من صِفَات الْمُحدثين رَبنَا وَتَعَالَيْت. رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَلَفظه لَهُ

اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عُقُوبَتك وَبِك مِنْك قَالَ الْخطابِيّ: فِي هَذَا معنى لطيف، وَذَلِكَ أَنه سَأَلَ الله تَعَالَى أَن يُجِيزهُ بِرِضَاهُ من سخطه، وهما ضدان متقابلان، وَكَذَلِكَ المعافاة والمؤاخذة بالعقوبة، ثمَّ لَجأ إِلَى مَالا ضد لَهُ وَهُوَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أظهر الْعَجز والانقطاع وفزع مِنْهُ إِلَيْهِ فاستعاذ بِهِ مِنْهُ. قَالَ ابْن عقيل: لَا يَنْبَغِي أَن يَقُول فِي دُعَائِهِ: أعوذ بك مِنْك فحاصله: أعوذ بِاللَّه من الله. وَفِيه نظر إِذْ هُوَ ثَابت فِي الْخَبَر. قَالَه فِي شرح الْإِقْنَاع لَا أحصى ثَنَاء عَلَيْك أَي لَا أحصى نعمك وَلَا الثَّنَاء بهَا عَلَيْك وَلَا أبلغه وَلَا أُطِيقهُ وَلَا أَنْتَهِي غَايَته. والإحصاء الْعد والضبط وَالْحِفْظ قَالَ تَعَالَى 19 ((علم أَن لن تحصوه)) أَي تطيقوه (أَنْت كَمَا أثنيت على نَفسك اعْتِرَاف بِالْعَجزِ عَن تَفْصِيل الثَّنَاء، ورده إِلَى الْمُحِيط علمه بِكُل شَيْء جملَة وتفصيلا، كَمَا أَنه تَعَالَى لَا نِهَايَة لسلطانه وعظمته لَا نِهَايَة للثناء عَلَيْهِ لِأَن الثَّنَاء تَابع للمثنى عَلَيْهِ. ثمَّ يُصَلِّي على النَّبِي - نَص عَلَيْهِ وَلَا بَأْس أَن يَقُول: وعَلى آله. ذكره فِي التَّبْصِرَة.

ويؤمن مَأْمُوم بِلَا قنوت إِن سمع، وَإِن لم يسمع دَعَا، نَص عَلَيْهِ وَيجمع إِمَام الضَّمِير أَي يَقُول اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك إِلَخ، اللَّهُمَّ اهدنا إِلَخ. وَإِذا سلم من الْوتر سنّ قَوْله: سُبْحَانَهُ الْملك القدوس ثَلَاثًا يرفع صَوته فِي الثَّالِثَة. وَكره قنوت فِي غير الْوتر إِلَّا أَن تنزل بِالْمُسْلِمين نازلة، وَهِي شَدِيدَة من شَدَائِد الدَّهْر فَحِينَئِذٍ يسن الْقُنُوت لإِمَام الْوَقْت خَاصَّة فِي كل مَكْتُوبَة إِلَّا الْجُمُعَة للاستغناء عَنهُ بِالدُّعَاءِ فِي خطبتها، وَإِن قنت فِي النَّازِلَة كل إِمَام جمَاعَة أَو كل مصل لم تبطل صلَاته وَيمْسَح الداعى وَجهه بيدَيْهِ مُطلقًا أَي إِمَام وَغَيره عقب كل دُعَاء فِي صَلَاة وَغَيرهَا. والتراويح سنة مُؤَكدَة سنّهَا رَسُول الله وَلَيْسَت محدثة لعمر رَضِي الله عَنهُ، فَفِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث عَائِشَة أَن النَّبِي صلاهَا بِأَصْحَابِهِ، ثمَّ تَركهَا خشيَة أَن تفرض. وَهِي من أَعْلَام الدّين الظَّاهِرَة، سميت بذلك لأَنهم كَانُوا يصلونَ أَرْبعا ويتروحون سَاعَة أَي يستريحون. وَهِي عشرُون رَكْعَة برمضان تسن بتأكد وَيسن الْوتر مَعهَا جمَاعَة فيهمَا، يجْهر الإِمَام فيهمَا بِالْقِرَاءَةِ وَيسلم من كل ثِنْتَيْنِ بنية أول كل رَكْعَتَيْنِ لحَدِيث (صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى) وَلَا ينقص مِنْهَا شَيْئا، وَلَا بَأْس بِزِيَادَة عَلَيْهَا نصا،

ووقتها أَي التروايح بَين سنة عشَاء وَبَين وتر إِلَى طُلُوع الْفجْر الثَّانِي، وفعلها فِي مَسْجِد وَأول اللَّيْل أفضل. ثمَّ السّنَن الرَّاتِبَة الْمُؤَكّدَة الَّتِي تفعل مَعَ الْفَرَائِض عشر رَكْعَات وَيكرهُ تَركهَا وَتسقط عَدَالَة مداومة رَكْعَتَانِ مِنْهَا قبل الظّهْر وركعتان بعْدهَا وركعتان بعد الْمغرب يقْرَأ فِي أولاهما بعد الْفَاتِحَة 19 ((قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ)) وَفِي الثَّانِيَة 19 ((قل هُوَ الله أحد)) . وركعتان بعد الْعشَاء وركعتان قبل الْفجْر يقْرَأ فيهمَا كَسنة الْمغرب، أَو يقْرَأ فِي الأولى 19 ((قُولُوا آمنا بِاللَّه)) الْآيَة فِي سُورَة الْبَقَرَة. وَفِي الثَّانِيَة 19 ( {قل يَا أهل الْكتاب تَعَالَوْا} ) الْآيَة من آل عمرَان ويضطجع بعدهمَا على جنبه اسْتِحْبَابا قبل فَرْضه نَص عَلَيْهِ وهما أَي رَكعَتَا الْفجْر آكدها أَي الْعشْر فَيُخَير الْمُصَلِّي فِي فعل مَا عداهما وَعدا وترا سفرا فَإِن شَاءَ فعله أَو تَركه لمَشَقَّة السّفر، وَأما رَكعَتَا الْفجْر وَالْوتر فليحافظ عَلَيْهِمَا حضرا وسفرا. وَيسن قَضَاء الرَّوَاتِب إِلَّا مَا فَاتَ مَعَ فَرْضه وَكثر فَالْأولى تَركه لحُصُول الْمَشَقَّة إِلَّا سنة الْفجْر فيقضيها مُطلقًا لتأكيدها. وَالسّنَن غير الرَّوَاتِب عشرُون رَكْعَة: أَربع قبل الظّهْر وَأَرْبع بعْدهَا وَأَرْبع قبل الْعَصْر وأبع بعد الْمغرب وَأَرْبع بعد الْعشَاء، وَيسن لمن يَشَاء رَكْعَتَانِ بعد أَذَان الْمغرب قبلهَا ذكره فِي الْإِقْنَاع، وَيسن الْفَصْل بَين الْفَرْض وَالسّنة بِقِيَام أَو كَلَام. وتجزىء سنة عَن تَحِيَّة مَسْجِد وَلَا عكس. وَإِن نوى بِرَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّة وَالسّنة أَو الْفَرْض حصلا. قَالَه فِي الْمُنْتَهى.

وَتسن صَلَاة اللَّيْل أَي النَّفْل الْمُطلق فِيهِ بتأكيد، وَهِي صَلَاة اللَّيْل أفضل من صَلَاة النَّهَار وَبعد النّوم أفضل لِأَن الناشئة لَا تكون إِلَّا بعد رقدة، وَمن لم يرقد فَلَا ناشئة لَهُ. قَالَه الإِمَام 16 (أَحْمد) وَقَالَ: هِيَ أَشد وطئا أَي تثبيتا تفهم مَا تقْرَأ وتعي أُذُنك، والتهجد إِنَّمَا هُوَ بعد نوم. قَالَ فِي شرح الْإِقْنَاع: وَظَاهره وَلَو يَسِيرا. فَإِذا اسْتَيْقَظَ النَّائِم من نَومه ذكر اسْم الله تَعَالَى وَقَالَ مَا ورد، وَمِنْه: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير، الْحَمد لله وَسُبْحَان الله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. ثمَّ إِن قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِر لي أَو دَعَا أستجيب لَهُ، فَإِن تَوَضَّأ وَصلى قبلت صلَاته. وَيسن افتتاحه بِرَكْعَتَيْنِ خفيفتين، وَنِيَّته عِنْد النّوم، وَكَانَ وَاجِبا على النَّبِي وَلم ينْسَخ. وَوَقته من الْغُرُوب إِلَى طُلُوع الْفجْر الثَّانِي، وَتكره مداومته، وَلَا يقومه كُله إِلَّا لَيْلَة عيد الْفطر والأضحى وَفِي مَعْنَاهُمَا لَيْلَة النّصْف من شعْبَان. وَالثلث بعد النّصْف أفضل مُطلقًا نصا، فَيجْعَل اللَّيْل أسداسا ينَام النّصْف الأول وَيقوم الثُّلُث الَّذِي يَلِيهِ، وينام السُّدس الْأَخير لحَدِيث (أفضل الصَّلَاة صَلَاة دَاوُد كَانَ ينَام نصف اللَّيْل وَيقوم ثلثه وينام سدسه) فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي صفة تَهَجُّده عَلَيْهِ السَّلَام أَنه نَام حَتَّى انتصف اللَّيْل أَو قبله بِقَلِيل أَو بعده بِقَلِيل، ثمَّ اسْتَيْقَظَ فوصف تَهَجُّده قَالَ: ثمَّ اضْطجع حَتَّى جَاءَ الْمُؤَذّن. انْتهى.

وَيصِح تطوع بِرَكْعَة وَنَحْوهَا كثلاث وَخمْس، أطلقهُ فِي الْمُنْتَهى. وَقَالَ فِي الْإِقْنَاع مَعَ الكراهه. وَكَثْرَة رُكُوع وَسُجُود أفضل من طول قيام. وَتسن صَلَاة الضُّحَى غبا أَي يَوْمًا بعد يَوْم. وَاخْتَارَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين المداومة لمن لم يقم اللَّيْل، ووقتها من خُرُوج وَقت النَّهْي إِلَى قبيل الزَّوَال وأقلها رَكْعَتَانِ وأكثرها ثَمَان. وَتسن صَلَاة الاستخارة إِذا هم بِأَمْر، أطلقهُ الإِمَام وَالْأَصْحَاب وَظَاهره وَلَو فِي حج نفل أَو غَيره من الْعِبَادَات أَو غَيرهَا، فيركع رَكْعَتَيْنِ غير الْفَرِيضَة ثمَّ يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أستخيرك بعلمك وأستقدرك وَأَسْأَلك من فضلك الْعَظِيم فَإنَّك تقدر وَلَا أقدر وَتعلم وَلَا أعلم وَأَنت علام الغيوب، اللَّهُمَّ إِن كنت تعلم أَن هَذَا الْأَمر ويسميه بِعَيْنِه خير لي فِي ديني ومعاشي وعاقبة أَمْرِي أَو: فِي عَاجل أَمْرِي وآجله فاقدره لي ويسره لي ثمَّ بَارك لي فِيهِ، وَإِن كَانَت تعلم أَن هَذَا الامر شَرّ لي فِي ديني ومعاشي وعاقبة أَمْرِي أَو: فِي عَاجل أَمْرِي وآجله فاصرفه عني واصرفني عَنهُ واقدر لي الْخَيْر حَيْثُ كَانَ ثمَّ رضني بِهِ. وَيَقُول فِيهِ مَعَ الْعَاقِبَة وَلَا يكون وَقت الاستخارة عَازِمًا على الْأَمر أَو عَدمه فَإِنَّهُ خِيَانَة فِي التَّوَكُّل، ثمَّ يستشير، فَإِذا ظَهرت الْمصلحَة فِي شَيْء فعله. وَتسن صَلَاة الْحَاجة إِلَى الله تَعَالَى أَو إِلَى آدَمِيّ، يتَوَضَّأ وَيحسن

الْوضُوء، ثمَّ ليصل رَكْعَتَيْنِ ثمَّ يثني على الله تبَارك وَتَعَالَى وَليصل على النَّبِي ثمَّ ليقل لَا إِلَه إِلَّا الله الْحَلِيم الْكَرِيم الْعلي الْعَظِيم، سُبْحَانَ الله رب الْعَرْش الْعَظِيم، الْحَمد لله رب العلمين، أَسأَلك مُوجبَات رحمتك وعزائم مغفرتك وَالْغنيمَة من كل بر والسلامة من كل إِثْم، لَا تدع لي ذَنبا إِلَّا غفرته وَلَا هما إِلَّا فرجته وَلَا حَاجَة هِيَ لَك رضَا إِلَّا قضيتها يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ. وَتسن صَلَاة التَّوْبَة إِذا أذْنب ذَنبا يتَطَهَّر ثمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثمَّ يسْتَغْفر الله. وَتسن تَحِيَّة الْمَسْجِد، وَسنة الْوضُوء، وإحياء مَا بَين العشاءين وَهُوَ من قيام اللَّيْل. وَيسن سُجُود تِلَاوَة بتأكيد لقارئ ومستمع وَهُوَ من يقْصد الِاسْتِمَاع، فِي الصَّلَاة وَغَيرهَا، ويكرره بتكرارها حَتَّى فِي طواف مَعَ قصر فصل، وَلَا يسن لسامع وَهُوَ الَّذِي لَا يقْصد الِاسْتِمَاع، وَيعْتَبر كَون قارىء يصلح إِمَامًا فَلَا يسْجد مستمع إِن لم يسْجد قَارِئ وَلَا إِمَامه عَن يسَاره مَعَ خلو يَمِينه، وَلَا يسْجد رجل وَلَا خُنْثَى لتلاوة امْرَأَة وَخُنْثَى، وَيسْجد كل لتلاوة أمى وزمن وَصبي. والسجدات فِي الْقُرْآن أَربع عشرَة سَجْدَة فِي آخر الْأَعْرَاف، وَفِي الرَّعْد عِنْد 19 ( {بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال} ) وَفِي النَّحْل عِنْد 19 ( {ويفعلون مَا يؤمرون} ) ، وَفِي الْإِسْرَاء عِنْد 19 ( {ويزيدهم خشوعا} ) وَفِي مَرْيَم عِنْد 19 ( {خروا سجد

وبكيا} ) ، وَفِي الْحَج ثِنْتَانِ: الأولى عِنْد 9 ( {يفعل مَا يَشَاء} ) وَالثَّانيَِة عِنْد 9 ( {لَعَلَّكُمْ تفلحون} ) وَفِي الْفرْقَان عِنْد 9 ( {وَزَادَهُمْ نفورا} ) وَفِي النَّمْل عِنْد 9 ( {الْعَرْش الْعَظِيم} ) وَفِي ألم السَّجْدَة 9 ( {لَا يَسْتَكْبِرُونَ} ) وَفِي فصلت عِنْد 9 ( {لَا يسأمون} ) وَفِي آخر النَّجْم، وَفِي الانشقاق عِنْد 9 ( {لَا يَسْجُدُونَ} ) ، وَفِي آخر اقْرَأ. وَسجْدَة شكر، وَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ قَرِيبا. وَصفته أَي سُجُود التِّلَاوَة يكبر قارىء ومستمع إِذا سجد وَإِذا رفع وَيجْلس وَيسلم من غير تشهد، والتسليمة الأولى ركن، وتجزىء نصا وَتقدم فِي الْأَركان. وَكره لإِمَام قرَاءَتهَا أَي قِرَاءَة آيَة سَجْدَة فِي صَلَاة سَرِيَّة وَكره سُجُوده لَهَا فِي صَلَاة سَرِيَّة وعَلى مَأْمُوم مُتَابَعَته أَي مُتَابعَة إِمَامه فِي غَيرهَا أَي السّريَّة، وَسُجُود عَن قيام أفضل وَيسن سُجُود شكر عِنْد تجدّد نعم مُطلقًا أَي عَامَّة للْمُسلمين أَو خَاصَّة بِهِ نصا وَعند اندفاع نقم مُطلقًا أَيْضا وَتبطل بِهِ أَي بسجود الشُّكْر صَلَاة غير جَاهِل وَغير نَاس، وَهُوَ أَي سُجُود الشُّكْر فِي صفته وَأَحْكَامه كسجود تِلَاوَة. وَمن رأى مبتلى فِي دينه سجد بِحُضُورِهِ وَغَيره وَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي عافاني مِمَّا ابتلاك بِهِ وفضلني على كثير مِمَّن خلق تَفْضِيلًا

وَإِن رأى مبتلى فِي بدنه سجد وَقَالَ ذَلِك وكتمه، وَسَأَلَ الله تَعَالَى الْعَافِيَة. وتباح قِرَاءَة الْقُرْآن فِي الطَّرِيق وَقَائِمًا وَقَاعِدا ومضطجعا وراكبا وماشيا وَمَعَ حدث أَصْغَر ونجاسة ثوب وبدن حَتَّى فَم لِأَنَّهُ دَلِيل على الْمَنْع، وَحفظه فرض كِفَايَة إِجْمَاعًا وَيتَعَيَّن حفظ مَا يجب فِي الصَّلَاة وَهُوَ الْفَاتِحَة على الْمَذْهَب، ثمَّ يتَعَلَّم من الْعلم مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من أُمُور دينه وجوبا. وَتسن الْقِرَاءَة فِي الْمُصحف، والختم بِكُل أُسْبُوع، وَلَا بَأْس بِهِ كل ثَلَاث، وَكره فَوق أَرْبَعِينَ، وَيكبر لآخر كل سُورَة من الضُّحَى إِلَى آخر الْقُرْآن فَيَقُول: الله أكبر، فَقَط. يجمع أَهله عِنْد خَتمه ندبا، وَأَن يكون الْخَتْم فِي الشتَاء أول اللَّيْل، وَفِي الصَّيف أول النَّهَار، وَلَا يُكَرر سُورَة الصَّمد وَلَا يقْرَأ الْفَاتِحَة وخمسا من الْبَقَرَة نصا. وَيسن تعلم التَّفْسِير وَيجوز بِمُقْتَضى اللُّغَة الْعَرَبيَّة لِأَنَّهُ نزل بهَا، وَمن قَالَ فِي الْقُرْآن بِرَأْيهِ، أَو بِمَا لَا يعلم، فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار. وأوقات النَّهْي عَن الصَّلَاة خَمْسَة، هَذَا هُوَ الْمَشْهُور: أَحدهَا من طُلُوع فجر ثَان إِلَى طُلُوع الشَّمْس، وَالثَّانِي من صَلَاة الْعَصْر تَامَّة وَلَو مَجْمُوعَة وَقت الظّهْر إِلَى الْأَخْذ فِي الْغُرُوب وَتفعل سنة الظّهْر

وَلَو فِي جمع تَأْخِير، فَمن لم يصل الْعَصْر أُبِيح لَهُ التَّنَفُّل وَإِن صلى غَيره وَكَذَا لَو أحرم بهَا ثمَّ قَلبهَا نفلا، وَمن صلاهَا فَلَيْسَ لَهُ التَّنَفُّل وَإِن صلى وَحده، وَالثَّالِث عِنْد طُلُوعهَا أَي الشَّمْس إِلَى ارتفاعها قدر رمح فِي رَأْي الْعين، وَالرَّابِع عِنْد قِيَامهَا أَي الشَّمْس حَتَّى تَزُول، وَالْخَامِس عِنْد غُرُوبهَا حَتَّى يتم الْغُرُوب فَيحرم ابْتِدَاء نفل فِيهَا أَي هَذِه الْأَوْقَات، وَلَا ينْعَقد مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ عَالما أَو نَاسِيا أَو جَاهِلا، وَإِن دخل وَقت النَّهْي وَهُوَ فِيهَا حرم عَلَيْهِ الاستدامة، وَقَالَ ابْن تَمِيم: وَظَاهر الْخَبَر فِي تَمام النَّفْل وَقت النَّهْي لَا بَأْس بِهِ وَلَا يقطعهُ بل يخففه، وَقَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى. وَظَاهره أَنه يبطل تطوع ابتدأه قبله بِدُخُولِهِ لَكِن يَأْثَم بإتمامه. انْتهى. حَتَّى مَا لَهُ سَبَب كسجود تِلَاوَة وشكر وَسنة راتبة إِلَّا تَحِيَّة مَسْجِد حَال خطْبَة جُمُعَة صيفا كَانَ أَو شتاء مَعَ علم وَعَدَمه، لحَدِيث أبي سعيد مَرْفُوعا: نهى عَن الصَّلَاة نصف النَّهَار إِلَّا يَوْم الْجُمُعَة، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّهُ وَقت انْتِظَار الْجُمُعَة. وَإِن شكّ هَل دخل وَقت النَّهْي فَالْأَصْل بَقَاء الْإِبَاحَة حَتَّى يعلم وَلَا يحرم فِيهَا قَضَاء فرض وَنفل منذورة وَلَو نذرها فِيهَا،

(سقط: وَيجوز نذرها فِيهَا لِأَنَّهَا وَاجِبَة أشبهت الْفَرَائِض) وَلَا يحرم فعل رَكْعَتي طواف وَلَا سنة فجر أَدَاء قبلهَا، وَلَا صَلَاة جَنَازَة بعد طُلُوع فجر وَصَلَاة عصر لطول مدَّتهَا فالإنتظار يخَاف مِنْهُ عَلَيْهَا، وَكَذَا إِن خيف عَلَيْهَا فِي الْأَوْقَات القصيرة للْعُذْر.

فصل

3 - (فصل) فِي صَلَاة الْجَمَاعَة. وَتجب الْجَمَاعَة ل لصلوات الْخمس المؤداة على الْأَعْيَان لَا وجوب كِفَايَة فَيُقَاتل تاركها كأذان على الرِّجَال لَا النِّسَاء والخناثى الْأَحْرَار دون العبيد والمبعضين القادرين عَلَيْهَا دون ذَوي الْأَعْذَار المبيحة وَلَو سفرا فِي شدَّة خوف، لحَدِيث ابْن عمر م رفوعا (صَلَاة الْجَمَاعَة تفضل على صَلَاة الْفَرد بِسبع وَعشْرين دَرَجَة) لَيست شرطا لصِحَّة الصَّلَاة نصا بل تصح من مُنْفَرد، وَلَا ينقص أجره مَعَ عذر، وتنعقد جمَاعَة بمأموم وَاحِد وَلَو أُنْثَى لَا بصبي فَقَط فِي فرض. وَتسن بِمَسْجِد إِظْهَارًا لشعائر الْإِسْلَام وَلما فِيهِ كَثْرَة الْجَمَاعَة، وَقَرِيب مِنْهَا الرَّبْط والمدارس وَنَحْوهَا، قَالَه بَعضهم، وَله فعلهَا بِبَيْت وصحراء وَحرم أَن يؤم بِمَسْجِد قبل إِمَام راتب إِن كَانَ لَهُ راتب فَلَا تصح إِمَامَته إِلَّا بِإِذْنِهِ أَي الرَّاتِب إِن كره ذَلِك أَو إِلَّا مَعَ عذره أَو تَأَخره مَعَ ضيق الْوَقْت أَو مَعَ كَرَاهَته لذَلِك ويراسل

إِن تَأَخّر عَن وقته الْمُعْتَاد مَعَ قرب مَحَله أَو عدم مشقة. وَمن صلى ثمَّ أُقِيمَت الْجَمَاعَة سنّ أَن يُعِيدهُ وَلَو وَقت نهى وَالْأولَى فَرْضه، وَكَذَا إِن جَاءَ مَسْجِدا غير وَقت منهى بِغَيْر قَصدهَا فَإِنَّهُ يسْتَحبّ فِي حَقه الْإِعَادَة إِلَّا الْمغرب فَلَا تسن إِعَادَتهَا، لِأَن الْمُعَادَة تطوع وَلَا يكون بوقته. وَلَو كَانَ صلى وَحده ذكره القَاضِي وَغَيره، وَلَا يَنْوِي الثَّانِيَة فرضا بل ظهرا معادة مثلا، وَإِن نَوَاهَا نفلا صَحَّ. وَمن كبر مَأْمُوما قبل تَسْلِيمَة الإِمَام الأولى أدْرك الْجَمَاعَة وَلَو لم يجلس، فيبني عَلَيْهَا وَلَا يجدد إحراما، لِأَنَّهُ أدْرك جُزْءا من الصَّلَاة أشبه مَا لَو أدْرك رَكْعَة فَيحصل لَهُ فضل الْجَمَاعَة وَإِن كبر بَين التسليمتين لم تَنْعَقِد صلَاته وَمن أدْركهُ الإِمَام رَاكِعا بِحَيْثُ يصل الْمَأْمُوم إِلَى الرُّكُوع المجزىء قبل أَن يَزُول الإِمَام عَن قدر الْإِجْزَاء مِنْهُ أدْرك الرَّكْعَة بِشَرْط إِدْرَاكه رَاكِعا وبشرط عدم شكه أَي الْمَأْمُوم فِيهِ أَي فِي إِدْرَاك إِمَامه رَاكِعا وبشرط تحريمته أَي الْمَأْمُوم حَال كَونه قَائِما وَلَو لم يدْرك الطُّمَأْنِينَة مَعَ الإِمَام فيطمئن بعده ويلحقه وتجزئه تَكْبِيرَة الْإِحْرَام نصا وَتسن تَكْبِيرَة ثَانِيَة للرُّكُوع خُرُوجًا من خلاف من أوجبه كَابْن عقيل وَابْن الْجَوْزِيّ. فَإِن نوى الْمَأْمُوم التَّكْبِيرَة للْإِحْرَام وَالرُّكُوع مَعًا لم تَنْعَقِد صلَاته. وَإِن أدْركهُ بعد الرُّكُوع لم يكن مدْركا للركعة وَعَلِيهِ مُتَابَعَته قولا وفعلا. وَقَالَ فِي شرح الْإِقْنَاع: وَأما التَّشَهُّد إِذا لم يكن محلا لتشهده فَلَا يجب عَلَيْهِ.

وَسن دُخُوله مَعَه كَيفَ أدْركهُ وينحط بِلَا تَكْبِير نصا، وَيقوم مَسْبُوقا لقَضَاء مَا فَاتَهُ بتكبير نصا لوُجُوبه لكل انْتِقَال يعْتد بِهِ الْمُصَلِّي وَهَذَا مِنْهُ. وَإِن قَامَ لقَضَاء مَا فَاتَهُ قبل سَلام الإِمَام الثَّانِيَة بِلَا عذر يُبِيح الْمُفَارقَة لزمَه الْعود ليقوم بعْدهَا، فَإِن لم يرجع انقلبت صلَاته نفلا بِلَا إِمَام، وَظَاهره لَا فرق بَين الْعمد وَالذكر وضدهما وَهَذَا وَاضح إِذا كَانَ الإِمَام يرى وجوب التسليمة الثَّانِيَة وَإِلَّا فقد خرج من الصَّلَاة بِالْأولَى خُصُوصا بعض الْمَالِكِيَّة، فَإِنَّهُ رُبمَا لَا يسلم الثَّانِيَة رَأْسا فَكيف يصنع الْمَسْبُوق لَو قيل لَا يُفَارِقهُ قبلهَا. وَإِن أدْرك إِمَامه فِي سُجُود لسهو بعد السَّلَام لم يدْخل مَعَه فَإِن فعل لم تَنْعَقِد صلَاته وَمَا أدْرك الْمَسْبُوق مَعَه أَي الإِمَام من صَلَاة فَهُوَ آخرهَا أَي آخر صلَاته فَإِن أدْركهُ فِيمَا بعد الأولى لم يستفتح وَلم يستعذ وَمَا يَقْضِيه مِمَّا فَاتَهُ فَهُوَ أَولهَا أَي أول صلَاته فيستفتح لَهُ ويتعوذ وَيقْرَأ السُّورَة ويطيل الْقِرَاءَة الَّتِي يَقْضِيهَا، ويراعي تَرْتِيب السُّور وتكبيرات الْعِيد إِذا فَاتَتْهُ، لَكِن لَو أدْرك مَسْبُوق مَعَ إِمَامه رَكْعَة من ربَاعِية أَو مغرب تشهد عقب رَكْعَة أُخْرَى لِئَلَّا يُغير هَيْئَة الصَّلَاة فَيقطع الرّبَاعِيّة عَليّ وتر وَلَيْسَت كَذَلِك، وَيقطع الْوتر على شفع وَلَيْسَ كَذَلِك. ويتورك مَسْبُوق مَعَ إِمَامه كَمَا يتورك فِيمَا يَقْضِيه ويكرر التَّشَهُّد الأول نصا حَتَّى يسلم إِمَامه التسليمتين قَالَ فِي شرح الْإِقْنَاع وَهَذَا على سيبل النّدب، فَإِن كَانَ محلا لتشهده الأول فَالْوَاجِب مِنْهُ الْمرة الأولى بِدَلِيل قَوْله: فَإِن سلم الإِمَام قبل أَن يتم الْمَأْمُوم التَّشَهُّد الأول قَامَ الْمَأْمُوم وَلم يتمه إِن لم يكن وَاجِبا عَلَيْهِ.

ويتحمل إِمَام عَن مَأْمُوم ثَمَانِيَة أَشْيَاء: أَحدهَا قِرَاءَة الْفَاتِحَة فَتَصِح صَلَاة الْمَأْمُوم بِدُونِهَا وَالثَّانِي سُجُود سَهْو إِذا دخل مَعَه أول الصَّلَاة، وَالثَّالِث سُجُود تِلَاوَة، وَالرَّابِع ستْرَة لِأَن ستْرَة الإِمَام ستْرَة لمن خَلفه وَالْخَامِس دُعَاء قنوت حَيْثُ يسمعهُ مَأْمُوم فَيُؤمن فَقَط وَالسَّادِس تشهد أول إِذا سبق الْمَأْمُوم بِرَكْعَة من صَلَاة. وَالسَّابِع قَول) سمع الله لمن حَمده (وَالثَّامِن قَول) ملْء السَّمَوَات وملء الأَرْض وملء مَا شِئْت من شَيْء بعد (لَكِن يسن لمأموم أَن يستفتح ويتعوذ فِي جهرية وَأَن يقْرَأ الْفَاتِحَة وَسورَة حَيْثُ شرعت فِي سكتاته أَي الإِمَام وَلَو تنفس نَقله ابْن هَانِئ، يَعْنِي أَنه يستفتح ويتعوذ فِي السكتة الأولى عقب إِحْرَامه، وَيقْرَأ الْفَاتِحَة فِي الثَّانِيَة عقب فَرَاغه لَهَا، وَيقْرَأ السُّورَة فِي الثَّالِثَة بعد فَرَاغه مِنْهَا، والسكتات ثَلَاث: قبل الْفَاتِحَة فِي الرَّكْعَة الأولى، وَبعد الْفَاتِحَة فِي كل رَكْعَة وَتسن هَهُنَا بِقَدرِهَا لِيَقْرَأهَا الْمَأْمُوم فِيهَا، وَالثَّالِثَة بعد فرَاغ الْقِرَاءَة ليتَمَكَّن للْمَأْمُوم من قِرَاءَة السُّورَة فِيهَا. وَيسن الْمَأْمُوم أَيْضا أَن يستفتح ويتعوذ وَيقْرَأ الْفَاتِحَة وَسورَة حَيْثُ شرعت فِي صَلَاة سَرِيَّة كَظهر وَيسن لَهُ أَيْضا أَن يَأْتِي بِمَا تقدم إِذا لم يسمعهُ أَي إِذا لم يسمع الْمَأْمُوم الإِمَام لبعد. وَلَا يسن لَهُ أَن يقْرَأ إِذا لم يسمعهُ لطرش إِن شغل بقرَاءَته من بجنبه وَإِلَّا فَيسنّ لَهُ أَن يقْرَأ.

وَالْأولَى فِي حق الْمَأْمُوم أَن يشرع فِي أَفعَال الصَّلَاة بعد شُرُوع إِمَامه من غير تخلف فَلَو سبقه بِالْقِرَاءَةِ وَركع تبعه وَقطع الْقِرَاءَة، بِخِلَاف التَّشَهُّد فَإِنَّهُ يتمه، وَإِن وَافقه فِي أفعالها أَو فِي السَّلَام كره وَلم تبطل، وَإِن سبقه حرم، فَمن ركع أَو سجد أَو رفع قبل إِمَامه عمدا لزمَه أَن يرجع ليَأْتِي بِهِ مَعَ إِمَامه، فَإِن أَبى عَالما عمدا بطلت صلَاته لَا صَلَاة نَاس وجاهل. وَسن لَهُ أَي الإِمَام التَّخْفِيف للصَّلَاة مَعَ الْإِتْمَام لَهَا، وَتكره سرعَة تمنع الْمَأْمُوم فعل مَا يسن مَا لم يُؤثر مَأْمُوم التَّطْوِيل وَيسن تَطْوِيل الْقِرَاءَة فِي الرَّكْعَة الأولى على الثَّانِيَة إِلَّا فِي صَلَاة خوف فِي الْوَجْه الثَّانِي فالثانية أطول، وَإِن عكس بِأَن قصر الأولى وَطول الثَّانِيَة فنصه يُجزئهُ. وَيَنْبَغِي أَن لَا يفعل إِلَّا فِي جُمُعَة إِذا قَرَأَ سبح والغاشية، وَيسن لإِمَام انْتِظَار دَاخل مَا لم يشق الِانْتِظَار على مَأْمُوم، لِأَن حُرْمَة من مَعَه أعظم فَلَا يشق عَلَيْهِ لنفع الدَّاخِل. وَمن استأذنته امْرَأَته أَو أمته إِلَى الْمَسْجِد كره مِنْهَا إِذا خرجت تفلة غير مطيبة وَلَا مزينة إِلَّا لِأَن يخْشَى فتْنَة أَو ضَرَرا فَيجب منعهَا، وعَلى كل بَيتهَا خير لَهَا، وَالْجِنّ مكلفون فِي الْجُمْلَة إِجْمَاعًا، يدْخل مؤمنهم الْجنَّة وكافرهم النَّار إِجْمَاعًا، وهم فِيهَا كغيرهم على قدر ثوابهم. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يصيرون تُرَابا كَالْبَهَائِمِ، وثوابهم النجَاة من النَّار. وتنعقد بهم الْجَمَاعَة. قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى للمؤلف:

لَا الْجُمُعَة وَفِي النَّوَادِر: تَنْعَقِد الْجُمُعَة بِالْمَلَائِكَةِ وبمسلمي الْجِنّ وَهُوَ مَوْجُود زمن النُّبُوَّة، وَذكره أَيْضا عَن أبي الْبَقَاء من أَصْحَابنَا، قَالَ فِي الْفُرُوع: كَذَا قَالَا وَالْمرَاد بِالْجمعَةِ من تلْزمهُ. انْتهى، وَقَالَ الشَّيْخ 16 (تَقِيّ الدّين) : نراهم فِيهَا وَلَا يروننا. وَلَيْسَ مِنْهُم رَسُول، وَيقبل قَوْلهم إِن مَا بِأَيْدِيهِم ملكهم مَعَ إسْلَامهمْ، وكافرهم كالحربي، وَيحرم عَلَيْهِم ظلم الْآدَمِيّين وظلم بَعضهم بَعْضًا، وَتحل ذبيحتهم، وبولهم وقيئهم طاهران، وَفِي جَوَاز مناكحتهم احْتِمَالَانِ ذكره فِي حَاشِيَة الْإِقْنَاع.

فصل

3 - (فصل) فِي الْإِمَامَة. الأقرأ الْعَالم فقه صلَاته أولى بِالْإِمَامَةِ من الأفقه إِذا لم يكن جيد الْقِرَاءَة، ثمَّ الأجود قِرَاءَة الأفقهثم الاقرأ جودة، ثمَّ الْأَكْثَر قُرْآنًا، ثمَّ أفقه وَأعلم بِأَحْكَام الصَّلَاة لمزية الْفِقْه، ثمَّ إِن اسْتَووا فِي الْقِرَاءَة وَالْفِقْه فَالْأولى الأسن، ثمَّ الْأَشْرَف وَهُوَ الْقرشِي، فَيقدم بَنو هَاشم، ثمَّ بَاقِي قُرَيْش، ثمَّ الأقدم هِجْرَة بِنَفسِهِ، وَسبق بِإِسْلَام كسبق بِهِجْرَة: ثمَّ الأتقى والأورع: ثمَّ إِن اسْتَووا فِي جَمِيع مَا تقدم وتشاحوا أَقرع مِمَّن قرع صَاحبه فَهُوَ أَحَق قِيَاسا على الْأَذَان وَصَاحب الْبَيْت وَإِمَام المسجدالراتب الصالحان للْإِمَامَة وَلَو عَبْدَيْنِ أَحَق بِالْإِمَامَةِ من غَيرهمَا إِلَّا من ذِي سُلْطَان فيهمَا فَيقدم، وَإِلَّا العَبْد فَلَيْسَ أولى ببيته من سَيّده، وحر أولى من عبد ومبعض، والمبعض وَالْمكَاتب أولى من عبد، وبصير وحضري ومتوضء، ومستأجر ومعير أولى من ضدهم. وَتكره إِمَامَة غير الأولى بِلَا إِذْنه غير إِمَام راتب وَصَاحب بَيت فَتحرم بِلَا إذنهما وَتقدم بعضه فِي صَلَاة الْجَمَاعَة. وَلَا تصح الصَّلَاة خلف فَاسق سَوَاء كَانَ فسقه بِفعل كزان

أوسارق، أَو باعتقاد كرافضي وخارجي وَلَو مَسْتُورا أَو بِمثلِهِ علم الْمُقْتَدِي فسقه ابْتِدَاء أَو لَا فَيُعِيد إِذا علم إِلَّا فِي جُمُعَة وَعِيد فيصحان خَلفه إِن تعذرا خلف غَيره وَإِن خَافَ من لم يصل خلف فَاسق إِذا صلى خَلفه أعَاد نصا، فَإِن وَافقه فِي الْأَفْعَال مُنْفَردا أَو فِي جمَاعَة خَلفه بِإِمَام عدل لم يعد. وَلَا بَأْس أَن يؤم رجل أَبَاهُ بِإِذْنِهِ بِلَا كراهه، وَتَصِح إِمَامَة الْعدْل إِذا كَانَ نَائِبا لفَاسِق نَص عَلَيْهِ، وَالْفَاسِق من أَتَى كَبِيرَة أَو داوم على صَغِيرَة، وَيَأْتِي تَعْرِيف الْكَبِيرَة وَبَيَان أَنْوَاعهَا مفصلا فِي كتاب الشَّهَادَات، وَلَا تصح أَيْضا خلف كَافِر وَلَو ببدعة مكفرة وَلَو أميره. وَلَو صلى خلف من يُعلمهُ مُسلما فَقَالَ بعد الصَّلَاة هُوَ كَافِر: لم يُؤثر فِي صَلَاة الْمَأْمُوم وَلَو قَالَ من جهل حَاله بعد سَلَامه من الصَّلَاة: هُوَ كَافِر وَإِنَّمَا صلى تهزيا أعَاد مَأْمُوم فَقَط نَص عَلَيْهِ، وَلَو أَنه صلى خلف من يعلم أَنه كَافِر فَقَالَ بعد الصَّلَاة: كنت أسلمت وَفعلت مَا يجب للصَّلَاة فَعَلَيهِ الْإِعَادَة لاعْتِقَاده بطلَان صلَاته، وَلَا تصح أَيْضا خلف سَكرَان، وَإِن سكر فِي أَثْنَائِهَا بطلت. وَلَا خلف أخرس وَلَو بِمثلِهِ نصا، وَلَا تصح إِمَامَة من حَدثهُ دَائِم كجرح أَو دود إِلَّا بِمثلِهِ، وَلَا تصح إِمَامَة أُمِّي وَهُوَ عرفا من لَا يحسن أَي لَا يحفظ الْفَاتِحَة أَو يدغم فِيهَا حرفا لَا يدغم كإدغام هَاء الله فِي رَاء رب وَهُوَ الْأَرَت أَو يلحن فِيهَا لحنا يحِيل الْمَعْنى كفتح همزَة أهدنا وَضم تَاء

أَنْعَمت أَو كسرهَا وَكسر كَاف إياك: فَإِن لم يحل الْمَعْنى كفتح دَال نعْبد وَنون نستعين فَلَيْسَ أُمِّيا إِلَّا بِمثلِهِ وَلَا إِمَامَة من يُبدل حرفا بِحرف لَا يُبدل وَهُوَ الألثغ إِلَّا بِمثلِهِ إِلَّا ضاد المغضوب والضالين فَلَا يصير بِهِ أُمِّيا، سَوَاء علم الْفرق بَينهمَا لفظا وَمعنى أَو لَا. وَالْمرَاد بِمَعْرِِفَة الْفرق أَن يتَمَكَّن من النُّطْق بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا من مخرجه لَا أَن يعرف أَن معنى أَحدهمَا غير معنى الآخر ذكره الشَّيْخ مَنْصُور فِي حَاشِيَة الْإِقْنَاع، وَقَالَ فِي حَاشِيَة الْمُنْتَهى: وَالظَّاهِر أَن مَحَله إِذا كَانَ عَجزا عَن إِصْلَاحه لِأَنَّهُ مُسْتَثْنى من قَوْله يُبدل حرفا الْعَائِد إِلَيْهِ مَعَ مَا قبله وَمَا بعده عَجزا، لَكِن فِي شرح الْفُرُوع لِابْنِ نصر الله مَا ظَاهره يُخَالف ذَلِك. انْتهى. وَقَالَ الشَّيْخ 16 (تَقِيّ الدّين) فِي شرح الْعُمْدَة: وَإِن قدر على إصْلَاح ذَلِك لم تصح. وَكَذَا لَا تصح إِمَامَة من بِهِ سَلس بَوْل وَنَحْوه كنجو وريح ورعاف لَا يرقأ دَمه وجروح سيالة إِلَّا بِمثلِهِ وَكَذَا لَا تصح إِمَامَة عَاجز عَن ركن كركوع أَو سُجُود أَو قعُود وَنَحْوهَا كرفع إِلَّا بِمثلِهِ أَو عَاجز عَن شَرط ك اجْتِنَاب نَجَاسَة أَو اسْتِقْبَال قبْلَة إِلَّا بِمثلِهِ وَلَا تصح إِمَامَة عَاجز عَن قيام ب مَأْمُوم قَادر إِلَّا إِمَامًا راتبا بِمَسْجِد إِذا رجى زَوَال علته فَيَجْلِسُونَ خَلفه، وَتَصِح قيَاما وَإِن اعتل فِي أَثْنَائِهَا فَجَلَسَ عَجزا أَتموا خَلفه قيَاما وَلم يجز الْجُلُوس نصا وَلَا تصح إِمَامَة مُمَيّز ببالغ فِي فرض نَص عَلَيْهِ، وَتَصِح فِي نفل،

وَفِي فرض بِمثلِهِ وَلَا تصح إِمَامَة امْرَأَة لرجل وخناثى لاحْتِمَال ذكورتهم وَعلم مِنْهُ صِحَة إِمَامَة خُنْثَى وَامْرَأَة لامْرَأَة، وَلَا إِمَامَة خُنْثَى لرجال وخناثى لاحْتِمَال أنوثة الإِمَام وذكورة الْمَأْمُومين، وَلَا فرق بَين الْفَرْض وَالنَّفْل، قَالَ فِي الْمُنْتَهى وَشَرحه: إِلَّا عِنْد أَكثر الْمُتَقَدِّمين إِن كَانَا أَي الْمَرْأَة وَالْخُنْثَى قارئين، وَالرِّجَال أُمِّيُّونَ فَتَصِح إمامتهم بهم فِي تراويح فَقَط ويقفان خَلفهم وَلَا تصح الصَّلَاة خلف إِمَام مُحدث حَدثا أَصْغَر أَو أكبر يعلم ذَلِك أَو أَي وَلَا تصح الصَّلَاة خلف إِمَام نجس أَي بِبدنِهِ أَو ثَوْبه أَو بقعته نَجَاسَة غير مَعْفُو عَنْهَا يعلم ذَلِك، وَلَو جَهله مَأْمُوم فَقَط فَيُعِيد وجوبا فَإِن جهلا أَي جهل الإِمَام حدث نَفسه مَعَ جهل مَأْمُوم بذلك حَتَّى انْقَضتْ الصَّلَاة صحت الصَّلَاة لمأموم وَحده، إِلَّا فِي الْجُمُعَة إِذا كَانُوا أَرْبَعِينَ بِالْإِمَامِ، فَإِنَّهَا لَا تصح إِذا كَانَ الإِمَام أَو أحد الْمَأْمُومين مُحدثا أَو نجسا فَيُعِيد الْكل لفقد شَرط الْعدَد. وَتكره وَتَصِح، إِمَامَة لحان لحنا لَا يحِيل الْمَعْنى، كجر دَال الْحَمد وَنصب هَاء الله، سَوَاء كَانَ الْمُؤْتَم مثله أَو لَا وَتكره وَتَصِح إِمَامَة فأفاء وَهُوَ الَّذِي يُكَرر الْفَاء وَنَحْوه كالتمتام الَّذِي يُكَرر التَّاء، وَمن لَا يفصح بِبَعْض الْحُرُوف كالقاف وَالضَّاد. وَيكرهُ أَن يؤم أَجْنَبِيَّة أَو أَكثر لَا رجل مَعَهُنَّ، وَتكره وَتَصِح خلف أعمى وأصم وأقطع يدين أَو رجلَيْنِ وَمن يصرع وَمن تضحك رُؤْيَته وأقلف. وَلَا بَأْس بإمامة ولد زنا أَو لَقِيط ومنفى بِلعان وَخصي وجندي

وأعرابي إِذا سلم دينهم وصلحوا لَهَا، وَلَا أَن يأتم متوضئ بمتيمم لِأَنَّهُ متطهر والمتوضئ أولى، وَتقدم. وَيصِح ائتمام من يُؤَدِّي الصَّلَاة بِمن يَقْضِيهَا وَعَكسه وائتمام قاضيها من يَوْم بقاضيها من آخر لَا بمصل غَيرهَا كَظهر خلف عصر مثلا لاختلافهما. وَسن وقُوف الْمَأْمُومين خلف الإِمَام رجَالًا كَانُوا أَو نسَاء إِلَّا العراة فوسطا وجوبا، وَإِلَّا امْرَأَة أمت نسَاء فوسطا ندبا. وَإِن تقدمه مأمومه وَلَو بِإِحْرَام لم تصح صلَاته، غير قارئة أمت رجَالًا أَو خناثى أُمِّيين فِي تراويح فتقف خَلفهم، وَتقدم. وَفِيمَا إِذا تقابلا أَو تدابرا دَاخل الْكَعْبَة فَيصح الِاقْتِدَاء لِأَنَّهُ لَا يتَحَقَّق تقدمه عَلَيْهِ. لَا إِن جعل ظَهره إِلَى وَجه إِمَامه فِي الْكَعْبَة فَيتَحَقَّق تقدمه عَلَيْهِ وَفِيمَا إِذا اسْتَدَارَ الصَّفّ حولهَا وَالْإِمَام عَنْهَا أبعد مِمَّا هُوَ فِي غير جِهَته، وَأما الَّذِي فِي جِهَته الَّتِي يُصَلِّي إِلَيْهَا فَمَتَى تقدمُوا عَلَيْهِ لم تصح لَهُم لتحقيق التَّقَدُّم، وَإِلَّا فِي شدَّة خوف إِن أمكنت مُتَابعَة وَإِن وقفُوا عَن يَمِينه أَو عَن جانبيه صَحَّ وَالْمَأْمُوم الْوَاحِد رجلا كَانَ أَو خُنْثَى عَن يَمِينه أَي الإِمَام وجوبا وَالْمَرْأَة تقف خَلفه أَي الإِمَام رجلا كَانَ أَو خُنْثَى وَمن صلى مَأْمُوما ذكرا أَو أُنْثَى أَو خُنْثَى عَن يسَار الإِمَام مَعَ خلو يَمِينه أَو صلى فَذا أَي منفرادا وَلَو امْرَأَة خلف امْرَأَة رَكْعَة كَامِلَة لم

تصح صلَاته نَص عَلَيْهِ، سَوَاء كَانَ عَالما أَو جَاهِلا أَو نَاسِيا أَو عَامِدًا. وَإِن وقف عَن يسَاره أحرم أَو لَا، سنّ للْإِمَام أَن يديره من وَرَائه إِلَى يَمِينه وَلم تبطل تحريمته. وَإِن كبر خَلفه ثمَّ تقدم عَن يَمِينه أَو جَاءَ آخر فَوقف مَعَه، أَو تقدم إِلَى الصَّفّ بَين يَدَيْهِ أَو كَانَا اثْنَيْنِ فَكبر أَحدهمَا وتوسوس الآخر، ثمَّ كبر قبل رفع الإِمَام رَأسه من الرُّكُوع صحت صلَاتهم، وَالِاعْتِبَار فِي التَّقَدُّم والمساواة بمؤخر قدم وَهُوَ الْعقب، فَإِن صلى قَاعِدا فالاعتبار بِمحل الْقعُود وَهُوَ الألية حَتَّى لَو مد الْمَأْمُوم رجلَيْهِ وقدمهما على الإِمَام لم يضر. وَإِن أم الرجل رجلا وصبيا اسْتحبَّ أَن يقف بَينهمَا، الرجل عَن يَمِينه وَالصَّبِيّ عَن يسَاره. وَإِن أم رجل رجلا وَامْرَأَة وقف الرجل عَن يَمِينه وَالْمَرْأَة خَلفه. وَلَا بَأْس بِقطع الصَّفّ خلف الإِمَام أَو عَن يَمِينه وَلَا ببعده عَن الإِمَام نصا وقربه مِنْهُ أفضل وَكَذَا توَسط الإِمَام للصف، وَإِن انْقَطع عَن يسَاره فَقَالَ ابْن حَامِد إِن كَانَ الِانْقِطَاع بعد مقَام ثَلَاثَة رجال بطلت. قَالَ فِي الْإِقْنَاع وَجزم فِي الْمُنْتَهى. انْتهى. هَذَا إِذا كَانَ الإِمَام بَينهم فَإِن كَانَ مُتَقَدما عَلَيْهِم فَلَا بَأْس بِقطع يسَار الصَّفّ وَلَو بعد ذكره شَيخنَا عبد الْقَادِر التغلبي دمشق الشَّام. انْتهى. وَإِن اجْتمع أَنْوَاع سنّ تقدم رجال أَحْرَار بالغون، ثمَّ عبيد ثمَّ صبيان أَحْرَار، ثمَّ أرقاء، ثمَّ خناثى ثمَّ نسَاء أَحْرَار بالغات، وَيقدم الْأَفْضَل فَالْأَفْضَل فِي الْجَمِيع.

وَمن لم يقف مَعَه فِي صفه إِلَّا امْرَأَة أَو كَافِر أَو مَجْنُون أَو خُنْثَى أَو مُحدث أَو نجس يعلم مصافه ذَلِك أَو لم يقف مَعَه فِي فرض إِلَّا صبي ففذ. كَذَلِك امْرَأَة مَعَ النِّسَاء. وَإِن لم يعلم حدث نَفسه فِي الصَّلَاة وَلَا علمه مصافه حَتَّى انْقَضتْ فَلَيْسَ بفذ. وَمن وقف مَعَه متنفل أَو من لَا يَصح أَن يؤمه كالأخرس والأمي وَالْعَاجِز عَن ركن وَنَحْوه وناقص الطَّهَارَة الْعَاجِز عَن إكمالها وَالْفَاسِق وَنَحْوه فصلاتهما صَحِيحَة. وَإِن ركع الْمَأْمُوم فَذا لعذر كخوف فَوت الرَّكْعَة ثمَّ دخل الصَّفّ أَو وقف مَعَه آخر قبل سُجُود الإِمَام صحت صلَاته. وَإِذا جَمعهمَا أَي الإِمَام وَالْمَأْمُوم مَسْجِد صحت الْقدْوَة أَي الِاقْتِدَاء مُطلقًا أَي سَوَاء رأى الإِمَام الْمَأْمُوم أَو من وَرَاءه أَو لَا بِشَرْط وجود الْعلم بانتقالات الإِمَام بِسَمَاع تَكْبِير وَإِن لم يجمعهما أَي الإِمَام وَالْمَأْمُوم مَسْجِد بِأَن كَانَا خَارِجين أَو أَحدهمَا عَنهُ وَلَو فِي مَسْجِد آخر شَرط بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول فِي حق مَأْمُوم رُؤْيَة الإِمَام أَو رُؤْيَة من وَرَاءه أَيْضا وَلَو كَانَت الرُّؤْيَة فِي بَعْضهَا أَي الصَّلَاة، أَو من شباك وَنَحْوه فَإِن لم ير الإِمَام أَو من وَرَاءه لم يَصح اقْتِدَاؤُهُ وَلَو سمع التَّكْبِير، وَالْجُمُعَة وَغَيرهَا فِي ذَلِك سَوَاء. وَلَا يشْتَرط اتِّصَال الصُّفُوف فِيمَا إِذا كَانَ خَارج الْمَسْجِد إِذا حصلت الرُّؤْيَة الْمُعْتَبرَة وَأمكن الِاقْتِدَاء وَلَو جَاوز ثَلَاثمِائَة ذِرَاع خلافًا للشَّافِعِيّ.

وَإِن كَانَ بَينهمَا نهر تجْرِي فِيهِ السفن أَو طَرِيق وَلم تتصل فِيهِ الصُّفُوف أَو كَانَ الْمَأْمُوم فِي غير شدَّة خوف بسفينة وإمامه فِي أُخْرَى غير مقرونة بهَا لم يَصح الِاقْتِدَاء. وَكره علو إِمَام على مَأْمُوم ذِرَاعا فَأكْثر وَتَصِح الصَّلَاة، وَلَا بَأْس بِيَسِير كدرجة مِنْبَر وَنَحْوهَا، وَلَا بعلو مَأْمُوم وَلَو كَانَ علوه كثيرا أَيْضا وكرهت صلَاته أَي الإِمَام فِي محراب يمْنَع الْمَأْمُوم مشاهدته، وَيُبَاح اتِّخَاذ الْمِحْرَاب نصا وَلَا يكره السُّجُود فِيهِ وَكره تطوعه الإِمَام مَوضِع الْمَكْتُوبَة بعْدهَا نَص عَلَيْهِ وكرهت إطالته أَي الإِمَام الِاسْتِقْبَال للْقبْلَة بعد السَّلَام إِن لم يكن نسَاء وَلَا حَاجَة، فَإِن أَطَالَ انْصَرف مَأْمُوم إِذن وَإِن لم يطلّ اسْتحبَّ أَن لَا ينْصَرف قبله وَكره وقُوف مَأْمُوم لَا إِمَام بَين سوار تقطع الصُّفُوف عرفا إِلَّا لحَاجَة فِي الْكل كضيق مَسْجِد لِكَثْرَة الْجَمَاعَة وَكره حُضُور مَسْجِد وَحُضُور جمَاعَة وَلَو بِغَيْر مَسْجِد لمن رَائِحَته كريهة كآكل من ثوم وبصل وَغَيره ككراث وفجل وَنَحْوه كمن بِهِ صنان أَو جذم أَو بخر ويقوى إِخْرَاجه اسْتِحْبَابا إِزَالَة للأذى وَلَو لم يكن بِالْمَسْجِدِ أحد تتأذى الْمَلَائِكَة.

- فَائِدَة: يقطع الرَّائِحَة الكريهة مَعَ السداب أَو السعد قَالَه الْأَطِبَّاء. وَمن الْأَدَب وضع إِمَام نَعله عَن يسَاره ومأموم بَين يَدَيْهِ لِئَلَّا يُؤْذِي. ويعذر بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول بترك جُمُعَة وَجَمَاعَة مَرِيض وخائف حُدُوث مرض إِذا لم يَكُونَا فِي الْمَسْجِد، فَإِن كَانَ بِهِ لَزِمته الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة لعدم الْمَشَقَّة، وَكَذَا من منعهما لنَحْو حبس، وَتلْزم الْجُمُعَة من لم يتَضَرَّر بإتيانه إِلَيْهَا رَاكِبًا أَو مَحْمُولا أَو تبرع بِهِ لَهُ أحد بقود أعمى للْجُمُعَة فَتلْزمهُ دون الْجَمَاعَة لتكررها فتعظم الْمَشَقَّة ويعذر بترك جُمُعَة وَجَمَاعَة أَيْضا مدافع أحد الأخبثين، ويعذر أَيْضا من كَانَ بِحَضْرَة طَعَام يحْتَاج إِلَيْهِ وَله الشِّبَع ويعذر أَيْضا خَائِف ضيَاع مَاله كغلة فِي بيادرها ودواب أنعام وَلَا حَافظ لَهَا غَيره، وخائف فَوَات مَاله أَو ضَرَرا فِيهِ كاحتراق خبز أَو طبيخ وَنَحْوه، أَو فِي معيشة يحتاجها، أَو على مَال اُسْتُؤْجِرَ لحفظه كنظارة بُسْتَان وَنَحْوه أَو أَي ويعذر خَائِف موت قَرِيبه نصا أَو رَفِيقه أَو كَانَ يتَوَلَّى

تمريضهما وَلَيْسَ من يقوم مقَامه فِي الْمَوْت والتمريض أَو أَي ويعذر خَائِف ضَرَرا من سُلْطَان أَو خَائِف من مطر وَنَحْوه كخوفه من سبع أَو لص أَو مُلَازمَة غَرِيم وَالْحَال أَنه لَا وَفَاء لَهُ أَو خَائِف فَوت رفقته بسفر مُبَاح وَنَحْوهم كمن وجد أَبَاهُ يُبَاع فَإِن تَركه يذهب أَو غَلَبَة نُعَاس يخَاف مَعَه فَوتهَا فِي الْوَقْت، وَالصَّبْر والتجلد على دفع النعاس وَيُصلي مَعَهم أفضل قَالَه الْمجد.

فصل

3 - (- فصل) فِي ذكر أهل الْأَعْذَار. جمع عذر، وهم: الْمَرِيض، والخائف، وَالْمُسَافر وَمن يلْحق بهم. يُصَلِّي الْمَرِيض الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة قَائِما إِجْمَاعًا وَلَو مُسْتَندا وَلَو بِأُجْرَة مثله إِن قدر عَلَيْهَا وَلَو كراكع فَإِن لم يسْتَطع الصَّلَاة قَائِما ف يُصَلِّي قَاعِدا متربعا ندبا وَكَيف قعد جَازَ فَإِن لم يسْتَطع الصَّلَاة قَاعِدا أَو شقّ عَلَيْهِ وَلَو بتعديه بِضَرْب سَاقه ف يُصَلِّي على جنب وَالْجنب الْأَيْمن أفضل من الْجنب الْأَيْسَر. وَكره فِي حق الْمَرِيض الصَّلَاة حَال كَونه مُسْتَلْقِيا على ظَهره مَعَ قدرته أَن يُصَلِّي على جنب وَتَصِح وَإِلَّا يقدر أَن يُصَلِّي على جنب تعين أَي يُصَلِّي مُسْتَلْقِيا على ظَهره وَرجلَاهُ إِلَى الْقبْلَة. ويومئ بركوع وَسُجُود عَاجز عَنْهُمَا مَا أمكنه وجوبا نصا ويجعله أَي السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع وجوبا للتمييز، وَإِن سجد مَا أمكنه على شَيْء رفع لَهُ وانفصل عَن الأَرْض كره وأجزأه نصا، وَلَا بَأْس السُّجُود على وسَادَة وَنَحْوهَا بِلَا رفع. فَإِن عجز عَن الْإِيمَاء بِرَأْسِهِ أَوْمَأ بطرفه عينه وَنوى بِقَلْبِه

كأسير خَائِف من عَدو فَإِن عجز عَن الْإِيمَاء بطرفه ف يُصَلِّي بِقَلْبِه أَي حَال كَونه مستحضرا القَوْل إِن عجز عَنهُ بِلَفْظِهِ ومستحضرا الْفِعْل بِقَلْبِه وَلَا يسْقط فعلهَا أَي الصَّلَاة مَا دَامَ الْعقل ثَابتا، فَإِن طَرَأَ للْمَرِيض عجز فِي أثْنَاء الصَّلَاة انْتقل إِلَيْهِ وَبنى أَو طَرَأَ لَهُ قدرَة فِي أَثْنَائِهَا أَي الصَّلَاة انْتقل إِلَيْهِ وَبنى لَكِن إِذا كَانَ من قدر على الْقيام لم يقْرَأ قَامَ فَقَرَأَ، وَإِن كَانَ قد قَرَأَ قَامَ وَركع بِلَا قِرَاءَة، وَلَو طَرَأَ عجز قَائِم فِي انحطاط أجزأء لَا من برىء فأتمها فِي ارتفاعه، وَمن قدر على الْقيام وَعجز عَن الرُّكُوع وَالسُّجُود أَوْمَأ بِالرُّكُوعِ قَائِما وبالسجود قَاعِدا، وَلَو قدر على الْقيام مُنْفَردا، وَفِي جمَاعَة جَالِسا لزمَه الْقيام، قدمه أَبُو الْمَعَالِي، وَقَالَ فِي الْإِنْصَاف: قلت وَهُوَ الصَّوَاب، لِأَن الْقيام ركن لَا تصح إِلَّا بِهِ مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ وَهَذَا قَادر، وَالْجَمَاعَة وَاجِبَة تصح الصَّلَاة بِدُونِهَا حَتَّى مَعَ الْقُدْرَة، انْتهى. ذكره فِي الْإِقْنَاع. وَقدم فِي التَّنْقِيح أَنه يُخَيّر بَين أَن يُصَلِّي قَائِما مُنْفَردا أَو جَالِسا فِي جمَاعَة: وَقطع بِهِ فِي الْمُنْتَهى وَغَيره، قَالَ فِي الشَّرْح: لِأَنَّهُ يفعل فِي كل مِنْهُمَا وَاجِبا وَيتْرك وَاجِبا، وَتَصِح صَلَاة فرض على رَاحَة واقفة وسائرة خشيَة تأذ بوحل ومطر وَنَحْوه كثلج وَبرد وَانْقِطَاع عَن رفْقَة أَو خوفًا على نَفسه من عَدو أَو سيل أَو سبع أَو عجز عَن ركُوب إِن نزل، وَعَلِيهِ الِاسْتِقْبَال وَمَا يقدر عَلَيْهِ من رُكُوع وَغَيره، وَلَا تصح لمَرض، وَلَا صَلَاة فرض بسفينة قَاعِدا لقادر على قيام،

وَمن بِمَاء وطين يُومِئ كمصلوب ومربوط، وَيسْجد غريق على متن المَاء. وَيعْتَبر الْمقر لأعضاء السُّجُود، فَلَو وضع جَبهته على قطن منقوش وَنَحْوه أَو صلى مُعَلّقا أَو فِي أرجوحة وَلَا ضَرُورَة تَمنعهُ عَن الصَّلَاة بِالْأَرْضِ لم تصح. وَتَصِح إِن حَاذَى صَدره روزنة وَهِي الكوة قَالَه فِي الْقَامُوس، أَو شباكا وَنَحْوه وعَلى حَائِل صوف أَو شعر ووبر وَنَحْوه من حَيَوَان طَاهِر وَلَا كَرَاهَة، وعَلى مَانع صلابة الأَرْض كفراش محشو نَحْو قطن، وعَلى مَا تنبته الأَرْض حَيْثُ اسْتَقَرَّتْ الْأَعْضَاء.

[فصل] فصل) 3 فِي الْقصر. وَهُوَ جَائِز إِجْمَاعًا. وَيسن قصر الصَّلَاة الرّبَاعِيّة خَاصَّة أَي دون الْفجْر وَالْمغْرب إِلَى رَكْعَتَيْنِ فِي سفر طَوِيل يبلغ سِتَّة عشر فرسخا تَقْرِيبًا برا أَو بحرا وَهِي يَوْمَانِ قاصدان أَرْبَعَة برد، والبريد أَرْبَعَة فراسخ، الفرسخ ثَلَاثَة أَمْيَال هاشمية، وبأميال بني أُميَّة ميلان وَنصف، والهاشمي اثْنَا عشر ألف قدم، سِتَّة آلَاف ذِرَاع، والذراع أَربع وَعِشْرُونَ إصبعا مُعْتَرضَة معتدلة، كل إِصْبَع سِتّ حبات شعير بطُون بَعْضهَا إِلَى بعض، عرض كل شعيرَة سِتّ شَعرَات برذون. قَالَ المطرزي: البرذون التركي من الْخَيل وَهُوَ مَا أَبَوَاهُ نبطيان عكس العراب. قَالَ ابْن حجر فِي شرح البُخَارِيّ: الذِّرَاع الَّذِي ذكر قد حرر بِذِرَاع الْحَدِيد الْمُسْتَعْمل الْآن فِي مصر والحجاز فِي هَذِه الْأَمْصَار ينقص عَن ذِرَاع الْحَدِيد بِقدر الثّمن، فعلى هَذَا فالميل بِذِرَاع الْحَدِيد على القَوْل الْمَشْهُور خَمْسَة آلَاف ذِرَاع ومائتان وَخَمْسُونَ ذِرَاعا، قَالَ وَهَذِه فَائِدَة نفيسة قل من يُنَبه عَلَيْهَا، ذكره فِي شرح الْمُنْتَهى وَشرح الْإِقْنَاع وَغَيرهمَا

مُبَاح أَي غير محرم وَلَا مَكْرُوه، وَلَو لنزهة أَو فُرْجَة أَو كَانَ الْمُبَاح أَكثر قَصده كتاجر نوى التِّجَارَة وَشرب الْخمر من تِلْكَ اللبلاد، وَلَا يقصر هائم وتائه وسائح لَا يقْصد موضعا معينا وَلَا إِذا اسْتَوَى القصدان أَو كَانَ الْحَظْر أَكثر. وَيقصر من قُلْنَا يُبَاح لَهُ الْقصر وَلَو قطع الْمسَافَة فِي سَاعَة، لِأَنَّهُ صدق عَلَيْهِ أَنه سَافر أَرْبَعَة برا إِذا فَارق بيُوت قريته العامرة أَو خيام قومه أَو مَا نسب إِلَيْهِ سكان قُصُور وبساتين وَنَحْوهم، إِن لم ينْو عودا أَو يعد قَرِيبا، وَإِن نوى الْعود أَو تَجَدَّدَتْ نِيَّته لحَاجَة بَدَت فَلَا قصر حَتَّى يرجع وَيُفَارق بِشَرْطِهِ. لَا يُعِيد من قصر ثمَّ قبل استكمال الْمسَافَة. وَيقصر من أسلم أَو بلغ عقل أَو طهرت بسفر مُبِيح وَلَو بَقِي دون الْمسَافَة. وقن وَزَوْجَة وجند تبع سَيّده وَزوج وأمير فِي سفر وَنِيَّته. وَلَا يترخص فِي سفر مَعْصِيّة بقصر وَلَا فطر وَلَا أكل ميتَة نصا. فَإِن خَافَ على نَفسه قيل لَهُ تب وكل. وَلَا يكره الْإِتْمَام مِمَّن لَهُ الْقصر، وَالْقصر أفضل نصا لما روى الإِمَام أَحْمد عَن عمر: (إِن الله يحب أَن تُؤْتى رخصه كَمَا يكره أَن تُؤْتى مَعَاصيه) . وَيسْتَثْنى من جَوَاز الْقصر بعد وجود مَا سبق اعْتِبَاره إِحْدَى وَعِشْرُونَ صُورَة:

الأولى مَا أَشَارَ إِلَيْهَا بقوله وَيَقْضِي صَلَاة سفر إِذا ذكرهَا فِي حضر تَامَّة. الثَّانِيَة مَا أَشَارَ إِلَيْهَا بقوله وَعَكسه أَي إِذا ذكر صَلَاة حضر فِي سفر فيقضيها تَامَّة وجوبا. الثَّالِثَة مَا أَشَارَ إِلَيْهَا بقوله وَمن نوى إِقَامَة مُطلقَة أَي غير مُقَيّدَة بِزَمن بِموضع أتم. الرَّابِعَة مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله أَو نوى إِقَامَة أَكثر من أَرْبَعَة أَيَّام. الْخَامِسَة مَا أَشَارَ إِلَيْهَا بقوله أَو ائتم بمقيم. السَّادِسَة إِذا مر بوطنه وَلَو لم يكن لَهُ بِهِ حَاجَة. السَّابِعَة إِذا دخل عَلَيْهِ وَقت صَلَاة وَهُوَ فِي الْحَضَر. الثَّامِنَة إِذا وَقع بعض الصَّلَاة فِي الْحَضَر كراكب السَّفِينَة. التَّاسِعَة إِذا أَقَامَ الْمُسَافِر لِحَاجَتِهِ وَظن أَن لَا تَنْقَضِي إِلَّا بعد أَرْبَعَة أَيَّام. الْعَاشِرَة إِذا شكّ الإِمَام وَغَيره فِي أثْنَاء الصَّلَاة أَنه نوى الْقصر عِنْد إحرامها حَتَّى وَلَو ذكر أَنه نَوَاه. الْحَادِيَة عشرَة إِذا مر بِبَلَد لَهُ فِيهِ امْرَأَة. الثَّانِيَة عشرَة إِذا مر بِبَلَد تزوج فِيهِ، وَظَاهره وَلَو بعد فِرَاق الزَّوْجَة. الثَّالِثَة عشرَة إِذا ائتم مُسَافر بِمن يشك فِيهِ هَل هُوَ مُسَافر أَو لَا. يَكْفِي علمه بعلامة سفر من لِبَاس وَنَحْوه.

الرَّابِعَة عشرَة إِذا لم ينْو الْقصر عِنْد الْإِحْرَام. الْخَامِسَة عشرَة إِذا نَوَاه ثمَّ رفضه. السَّادِسَة عشرَة إِذا جهل أَن إِمَامه نوى الْقصر. السَّابِعَة عشرَة إِذا شكّ الْمُسَافِر هَل نوى إِقَامَة أَكثر من عشْرين صَلَاة أَو لَا. الثَّامِنَة عشرَة إِذا عزم فِي صلَاته على قطع الطَّرِيق وَنَحْوه. التَّاسِعَة عشرَة إِذا تَابَ الْمُسَافِر عَن الْمعْصِيَة فِي أثْنَاء الصَّلَاة وَلَا تَنْفَعهُ نِيَّة الْقصر، إِذا كَانَ نوى الْقصر جَاهِلا لم يضرّهُ وَإِن علم لم تنقد صلَاته. الْعشْرُونَ إِذا أخر الصَّلَاة بِلَا عذر حَتَّى ضَاقَ وَقتهَا عَنْهَا. الْحَادِيَة وَالْعشْرُونَ إِذا أعَاد صَلَاة فَاسِدَة يلْزمه إِتْمَامهَا لكَونه ائتم فِيهَا بمقيم أَو نَحوه ففسدت أتم الصَّلَاة فِي جَمِيع هَذِه الصُّور لُزُوما. وَإِن حبس الْمُسَافِر ظلما أَو أَقَامَ لحَاجَة بِلَا نِيَّة إِقَامَة وَلَا يدْرِي مَتى تقضي أَو حَبسه لمَرض أَو مطر أَو لم ينْو إِقَامَة تقطع حكم السّفر قصر أبدا. وَمن نوى بَلَدا بِعَيْنِه يجهل مسافته ثمَّ علمهَا قصر بعد علمه وَلَو بَقِي دون الْمسَافَة. وَلَا يترخص ملاح مَعَه أَهله أَو لَا أهل لَهُ وَلَيْسَ لَهُ نِيَّة الْإِقَامَة بِبَلَد نصا، وَمثله مكار وراع وفيج بِالْجِيم وَهُوَ رَسُول السُّلْطَان، وساع بريد وَنَحْوهم، وَلَا يترخصون إِذا كَانَ مَعَهم أهلهم أَو لم ينووا إِقَامَة بِبَلَد.

- وَيتَعَلَّق بِالسَّفرِ الطَّوِيل أَرْبَعَة أَحْكَام: الْقصر، وَالْجمع، وَالْمسح ثَلَاثًا، وَالْفطر، قَالَه الْأَصْحَاب. وَأما أكل الْميتَة وَالصَّلَاة على رَاحِلَته إِلَى جِهَة مسيره فَلَا يخْتَص بالطويل وَيُبَاح لَهُ الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ. فَلَا يكره وَيُبَاح وَلَا يسْتَحبّ، وَتَركه أفضل بَين الظهرين الظّهْر وَالْعصر وَبَين العشاءين أَي الْمغرب وَالْعشَاء بِوَقْت إِحْدَاهمَا غير جمع عَرَفَة ومزدلفة، فَيسنّ بِشَرْط أَن يجمع بِعَرَفَة بَين الظهرين تَقْدِيمًا وَفِي مُزْدَلِفَة بَين العشاءين تَأْخِيرا. إِذا كَانَ بسفر قصر، أما الْمَكِّيّ وَمن نوى إِقَامَة بِمَكَّة فَوق أَرْبَعَة أَيَّام فَلَا يجمع بهما، لِأَنَّهُ لَيْسَ مُسَافِرًا سفر قصر. وَالْجمع مُبَاح فِي ثَمَانِي حالات: الأولى بسفر قصر نصا، وَالثَّانيَِة لمريض وَنَحْوه يلْحقهُ أَي الْمَرِيض وَنَحْوه بِتَرْكِهِ أَي الْجمع مشقة، وَالثَّالِثَة لمرضع لمَشَقَّة كَثْرَة النَّجَاسَة نصا، وَالرَّابِعَة لمستحاضة وَنَحْوهَا، وَالْخَامِسَة لعاجز عَن الطَّهَارَة وَالتَّيَمُّم لكل صَلَاة، وَالسَّادِسَة لعاجز عَن معرفَة الْوَقْت كأعمى وَنَحْوه. السَّابِعَة لعذر يُبِيح ترك الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة كخوف على نَفسه أَو مَاله أَو حرمته، وَالثَّامِنَة لشغل يبيحهما كمن يخَاف بِتَرْكِهِ ضَرَرا فِي معيشة يحتاجها. وَيخْتَص بِجَوَاز الْجمع بَين العشاءين فَقَط وَلَو صلى ببيته أَو بِمَسْجِد طَرِيقه تَحت ساباط وَنَحْوه الْجمع لمطر وَنَحْوه كثلج وجليد وَبرد يبل الْمَطَر وَنَحْوه الثَّوْب وتوجد مَعَه مشقة ولوحل بتحريك الْحَاء، وإسكانها لُغَة رَدِيئَة وريح شَدِيدَة بَارِدَة قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى:

ظَاهره وَإِن لم تكن اللَّيْلَة مظْلمَة، وَهُوَ ظَاهر مَا فِي الْإِقْنَاع، وَقَالَ الْمُؤلف لَا بَارِدَة فَقَط إِلَّا بليلة مظْلمَة وَهَذِه رِوَايَة ذكرهَا فِي الْمَذْهَب وَالْمُسْتَوْعب وَالْكَافِي فِيمَا رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة الْمَيْمُونِيّ عَن ابْن عمر. وَالْأَفْضَل فِي حق من يُرِيد الْجمع فعل الأرفق بِهِ من تَقْدِيم الْجمع أَو تَأْخِير، فَإِن اسْتَويَا فتأخير أفضل، وَفعله فِي الْمَسْجِد جمَاعَة أولى من أَن يصلوا فِي بُيُوتهم لعُمُوم حَدِيث (خير صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته إِلَّا الْمَكْتُوبَة) وَكره فعله فِي بَيته وَنَحْوه كخلوته بِلَا عذر من الْأَعْذَار السَّابِقَة. وَإِن جمع تَقْدِيمًا اجْتمع لَهُ خَمْسَة شُرُوط: الأول التَّرْتِيب سَوَاء نَسيَه أَو ذكره بِخِلَاف سُقُوطه مَعَ النسْيَان فِي قَضَاء الْفَوَائِت، خلافًا لما فِي الْإِقْنَاع فَإِنَّهُ فِيهِ: فالتريب بَينهمَا كالترتيب فِي الْفَوَائِت يسْقط بِالنِّسْيَانِ. انْتهى. وَالثَّانِي نِيَّة الْجمع عِنْد إِحْرَام الأولى. وَالثَّالِث أَن لَا يفرق بَينهمَا بِنَحْوِ نَافِلَة بل بِقدر إِقَامَة ووضوء خَفِيف. وَالرَّابِع أَن يُوجد الْعذر عِنْد افتتاحهما وَسَلام الأولى.

وَالْخَامِس أَن يسْتَمر الْعذر الْمُبِيح للْجمع فِي غير جمع مطر وَنَحْوه إِلَى فرَاغ الثَّانِيَة، فَلَو أحرم بِالْأولَى نَاوِيا الْجمع لمطر ثمَّ انْقَطع وَلم يعد فَإِن حصل وَحل لم يبطل الْجمع وَإِلَّا بَطل لزوَال الْعذر الْمُبِيح وَيبْطل جمع تَقْدِيم براتبة بَينهمَا أَي المجموعتين وَيبْطل أَيْضا ب تَفْرِيق بَينهمَا بِأَكْثَرَ من وضوء خَفِيف وَإِقَامَة الصَّلَاة، أما التَّفْرِيق بِقدر ذَلِك فَلَا يضر لِأَنَّهُ يسير ومعفو عَنهُ، وهما من مصَالح الصَّلَاة. وَإِن جمع تَأْخِيرا اشْترط لَهُ ثَلَاثَة شُرُوط: الأول التَّرْتِيب. وَالثَّانِي نِيَّة الْجمع بِوَقْت الأولى قبل أَن يضيق وَقتهَا عَنْهَا. وَالثَّالِث بَقَاء الْعذر إِلَى دُخُول وَقت الثَّانِيَة، لِأَن المجوز للْجمع الْعذر، فَإِذا لم يسْتَمر إِلَى دُخُول وَقت الثَّانِيَة وَجب أَن يجوز الْجمع لزوَال الْمُقْتَضِي كَالْمَرِيضِ يبرأ وَالْمُسَافر يقدم. وَلَا يشْتَرط غير هَذِه الثَّلَاثَة فَلَا تشْتَرط الْمُوَالَاة وَلَا بَأْس بالتطوع بَينهمَا. نصا. وَلَا تشْتَرط نِيَّة الْجمع، وَلَا اتِّحَاد الْمَأْمُوم وَالْإِمَام فَلَو صلاهَا خلف إمامين أَو خلف من لم يجمع أَو إِحْدَاهمَا مُنْفَردا وَالْأُخْرَى جمَاعَة أَو بمأموم الأولى وبآخر الثَّانِيَة أَو صلى بِمن لم يجمع صَحَّ ذَلِك كُله. - وَتجوز صَلَاة الْخَوْف، ومشروعيتها بِالْكتاب وَالسّنة بِقِتَال مُبَاح وَلَو حضرا مَعَ خوف هجم الْعَدو بِأَيّ صفة صحت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وزاده شرفا.

وَصحت عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سِتَّة أوجه، قَالَ الْأَمَام 16 (أَحْمد) : صَحَّ عَن النَّبِي صَلَاة الْخَوْف من خَمْسَة أوجه أَو سِتَّة أوجه. وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: من سِتَّة أوجه أَو سَبْعَة. قَالَ الْأَثْرَم: قلت لأبي عبد الله: تَقول بالأحاديث كلهَا أم تخْتَار وَاحِد مِنْهَا قَالَ: أَنا أَقُول من ذهب إِلَيْهَا كلهَا فَحسن. وَأما حَدِيث سهل فَأَنا أختاره. انْتهى. الْوَجْه الأول: إِذا كَانَ الْعَدو بِجِهَة الْقبْلَة يرى وَلم يخف كمين، صفهم الإِمَام صفّين أحرم بِالْجَمِيعِ، فَإِذا سجد الإِمَام سجد مَعَه الصَّفّ الأول وحرس الثَّانِي حَتَّى يقوم الإِمَام إِلَى الرَّكْعَة الثَّانِيَة فليسجد الحارس ويلحقه، ثمَّ الأولى تَأَخّر الأول وَتقدم الثَّانِي ليحصل التَّسَاوِي فِي فَضِيلَة الْموقف، وَلِأَنَّهُ أقرب مُوَاجهَة لِلْعَدو، ثمَّ فِي الثَّانِيَة يحرس الساجد مَعَه أَولا ثمَّ يلْحقهُ فِي التَّشَهُّد فَيسلم فِي الْجَمِيع. وَالْوَجْه الثَّانِي: إِذا كَانَ الْعَدو بِغَيْر جِهَتهَا، أَو بهَا وَلم ير قسمهم الإِمَام طائفتين تَكْفِي كل طَائِفَة الْعَدو، طَائِفَة تحرس هِيَ مؤتمة حكما فِي كل صلَاته، لِأَنَّهَا من حِين ترجع من الحراسة وَتحرم لَا تُفَارِقهُ حَتَّى يسلم بهَا وَالْمرَاد بعد دُخُولهَا مَعَه لَا قبله كَمَا نبه عَلَيْهِ الحجاوي فِي

حَاشِيَة التَّنْقِيح، تسْجد مَعَه لسَهْوه وَلَو فِي الأولى قبل دُخُولهَا لَا لسهوها إِن سهل لتحمل الإِمَام. وَطَائِفَة يُصَلِّي بهَا رَكْعَة وَهِي مؤتمة فِيهَا فَقَط وتسجد لسهو الإِمَام فِيهَا إِذا فرغت، فَإِذا استتم قَائِما إِلَى الثَّانِيَة نَوَت الْمُفَارقَة وأتمت لأنفسها وَمَضَت تحرس، ويبطلها مُفَارقَة قبل قِيَامه بِلَا عذر، ويطيل قِرَاءَته حَتَّى تحضر الْأُخْرَى فَتُصَلِّي مَعَه الثَّانِيَة، ويكرر التَّشَهُّد حَتَّى تَأتي بِرَكْعَة وتتشهد فَيسلم بهَا. وَهَذَا الْوَجْه مُتَّفق عَلَيْهِ. الْوَجْه الثَّالِث: أَن يُصَلِّي بطَائفَة رَكْعَة ثمَّ تمْضِي تحرس ثمَّ بِالْأُخْرَى رَكْعَة ثمَّ تمْضِي وَيسلم وَحده ثمَّ تَأتي الأولى فتتم صلَاتهَا بِقِرَاءَة ثمَّ تَأتي الْأُخْرَى فتفعل كَذَلِك. الْوَجْه الرَّابِع: أَن يُصَلِّي بِكُل طَائِفَة صَلَاة وَيسلم بهَا وغايته اقْتِدَاء المفترضين بالمنتفل وَهُوَ مغتفر هُنَا. الْوَجْه الْخَامِس أَن يُصَلِّي الرّبَاعِيّة الْجَائِز قصرهَا تَامَّة بِكُل طَائِفَة رَكْعَتَيْنِ بِلَا قَضَاء فَتكون لَهُم مَقْصُورَة وَله تَامَّة. وَالْوَجْه السَّادِس: أَن يُصَلِّي بِكُل طَائِفَة رَكْعَة بِلَا قَضَاء وَمنعه للْأَكْثَر. تَتِمَّة: الْوَجْه السَّابِع: من الْأَوْجه الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا الإِمَام أَحْمد مَا أخرجه عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، أَن تقوم مَعَه طَائِفَة وَأُخْرَى تجاه الْعَدو وظهرها إِلَى الْقبْلَة ثمَّ يحرم مَعَ الطائفتان ثمَّ يُصَلِّي رَكْعَة هُوَ وَالَّذين مَعَه

ثمَّ يقوم إِلَى الثَّانِي وَيذْهب الَّذين مَعَه إِلَى وَجه الْعَدو فتأتي الْأُخْرَى فتركع وتسجد ثمَّ يُصَلِّي بِالثَّانِيَةِ وَيجْلس وَتَأْتِي إِلَى اتجاه الْعَدو فتركع وتسجد وَيسلم بِالْجَمِيعِ. - وَسن فِيهَا أَي صَلَاة الْخَوْف حمل سلَاح غير مثقل وَجَاز حمل نجس لحَاجَة وَيُعِيد، وَإِذا اشْتَدَّ الْخَوْف صلوا رجَالًا وركبانا للْقبْلَة وَغَيرهَا يومئون طاقتهم، وَيكون سجودهم أَخفض من ركوعهم، وَلَا يجب سُجُود على ظهر الدَّابَّة. وتنعقد صَلَاة الْجَمَاعَة فِي شدَّة الْخَوْف نصا، وَتجب إِن أمكنت مُتَابعَة ولمصل كرّ وفر لمصْلحَة وَلَا تبطل بِطُولِهِ. وَمن خَافَ أَو أَمن فِي صلَاته انْتقل وَبنى.

فصل

3 - (- فصل) فِي الْجُمُعَة وأحكامها وشروطها. تلْزم الْجُمُعَة بِضَم الْمِيم وإسكانها وَفتحهَا وَالْأَصْل الضَّم، واشتقاقها من اجْتِمَاع النَّاس للصَّلَاة، وَقيل: لجمعها الْجَمَاعَة، وَقيل لجمع الطين آدم فِيهَا. وَقيل: لِأَن آدم جمع فِيهَا خلقه رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة. وَقيل: لِأَنَّهُ جمع مَعَ حَوَّاء فِي الأَرْض فِيهَا وَفِيه خبر مَرْفُوع وَقيل لما جمع فِيهِ من الْخَيْر. قيل أول من سَمَّاهُ يَوْم الْجُمُعَة كَعْب بن لؤَي، واسْمه الْقَدِيم يَوْم الْعرُوبَة. وَهُوَ أفضل أَيَّام الْأُسْبُوع. وفرضت بِمَكَّة قبل الْهِجْرَة. وَقَالَ الشَّيْخ 16 (تَقِيّ الدّين) : فعلت بِمَكَّة على صفة الْجَوَاز، وفرضت

بِالْمَدِينَةِ وَهِي صَلَاة مُسْتَقلَّة وَأفضل من الظّهْر فَلَا تَنْعَقِد بنية الظّهْر مِمَّن لَا تجب عَلَيْهِ كَعبد ومسافر، وَلَيْسَ لمن قلدها أَن يؤم فِي الْخمس وَلَا عكس ذَلِك أَيْضا وَلَا تجمع حَيْثُ أُبِيح الْجمع، وَهِي فرض الْوَقْت فَلَو صلى الظّهْر أهل بلد مَعَ بَقَاء وَقت الْجُمُعَة لم تصح. وتترك فَائِتَة لخوف فَوت الْجُمُعَة لِأَنَّهُ لَا يُمكن تداركها. وَالظّهْر يدل عَنْهَا إِذا فَاتَت. كل مُسلم مفعول تلْزم، فَلَا تجب على الْكَافِر وَلَو مُرْتَدا مُكَلّف أَي بَالغ عَاقل فَلَا تجب على رَقِيق بِجَمِيعِ أَنْوَاعه، لِأَن العَبْد مَمْلُوك الْمَنْفَعَة مَحْبُوس على سَيّده وَلِحَدِيث طَارق بن شهَاب مَرْفُوعا (الْجُمُعَة حق وَاجِب على كل مُسلم فِي جمَاعَة إِلَّا أَرْبَعَة عبد مَمْلُوك أَو امْرَأَة أَو صبي أَو مَرِيض) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ: طَارق قد رأى النَّبِي وَلم يسمع مِنْهُ شَيْئا وَإِسْنَاده ثِقَات قَالَه فِي الْمُبْدع. مستوطن بِبِنَاء مُعْتَاد يَشْمَلهُ اسْم وَاحِد وَلَو تفرق يَسِيرا وَلَو من قصب أَو حجر وَنَحْوه بِشَرْط أَن لَا يرتحل عَنهُ صيفا وَلَا شتاء. وَتجب على مُقيم خَارج الْبَلَد إِذا كَانَ بَينه وَبَين موضعهَا من المنارة نصا وَقت فعلهَا فَرسَخ فَأَقل تَقْرِيبًا، وَلَا تجب على مُسَافر فَوق فَرسَخ إِلَّا

فِي سفر لَا قصر مَعَه، أَو يُقيم مَا يمنعهُ لشغل أَو علم وَنَحْوه فَتلْزمهُ بِغَيْرِهِ. وَمن حضرها مِمَّن لَا تجب عَلَيْهِ من نَحْو عبد وَامْرَأَة وَخُنْثَى أَجْزَأته وَلم يحْسب هُوَ وَلَا من لَيْسَ من أهل الْبَلَد من الْأَرْبَعين وَلَا تصح إمامتهم فِيهَا وَمن صلى الظّهْر مِمَّن تجب عَلَيْهِ الْجُمُعَة قبل صَلَاة الإِمَام، لم تصح صلَاته وَإِلَّا تجب عَلَيْهِ الْجُمُعَة كمعذور وَنَحْوه صحت صلَاته قبل صَلَاة الإِمَام، وَلَو زَالَ عذره قبل تجميع الإِمَام بعد أَن صلى الظّهْر لِأَنَّهُ فَرْضه وَقد أَدَّاهُ فَهُوَ كمغصوب حج عَنهُ ثمَّ عوفي إِلَّا صبي إِذا بلغ وَلَو بعد تجميع الإِمَام وَكَانَ قد صلى الظّهْر أَو لَا أَعَادَهَا. وَلَو بلغ قبل الْغُرُوب أعَاد الظّهْر وَالْعصر كَمَا تقدم لِأَن الأولى كَانَت نفلا وَقد صَارَت فرضا وَالْفضل لمن لَا تجب عَلَيْهِ أَن يُؤَخر صَلَاة الظّهْر حَتَّى يُصَلِّي الإِمَام الْجُمُعَة فَيصَلي بعده. وَحرم سفر من تلْزمهُ الْجُمُعَة فِي يَوْمهَا بعد الزَّوَال حَتَّى يُصليهَا. وَكره السّفر قبله أَي الزَّوَال مَا لم يَأْتِ بهَا أَي الْجُمُعَة فِي طَرِيقه فِيهَا أَو مَا لم يخف فَوت رفْقَة بسفر مُبَاح وَشرط لصحتها أَي الْجُمُعَة أَرْبَعَة شُرُوط: أَحدهَا الْوَقْت فَلَا تصح قبله وَلَا بعده وَهُوَ أول وَقت صَلَاة الْعِيد نصا أَي من ارْتِفَاع الشَّمْس قدر رمح إِلَى آخر وَقت صَلَاة الظّهْر وَتلْزم بالزوال وَبعده أفضل فَإِن خرج وَقت الْجُمُعَة قبل التَّحْرِيمَة أَي تَكْبِيرَة الْإِحْرَام صلوا ظهرا لِأَن الْجُمُعَة لَا تقضى وَإِلَّا يتَحَقَّق خُرُوجه قبل التَّحْرِيمَة أَتموا جُمُعَة نصا.

وَالثَّانِي استيطان أَرْبَعِينَ رجلا من أهل وُجُوبهَا استيطان إِقَامَة لَا يظعنون عَنْهَا صيفا وَلَا شتاء فَلَا يتمم عدد من مكانين أَو بلدين فِي كل مِنْهُمَا دون أَرْبَعِينَ لفقد شَرطهَا، وَلَا يَصح تجميع عدد كَامِل فِي نَاقص وَالثَّالِث حُضُور أَرْبَعِينَ رجلا وَلَو بِالْإِمَامِ من أهل وُجُوبهَا أَي الْخطْبَة وَالصَّلَاة، قَالَه فِي شرح الْمُنْتَهى. وَلَو كَانَ فيهم خرس أَو صم لَا كلهم فَإِن نَقَصُوا عَن الْأَرْبَعين قبل إِتْمَامهَا أَي الْجُمُعَة استأنفوا جُمُعَة إِن أمكن وَإِلَّا يُمكن استئنافها جُمُعَة استأنفوا ظهرا نصا. وَإِن رأى الإِمَام وَحده الْعدَد نقص لم يجز أَن يؤم وَلَزِمَه أَن يسْتَخْلف أحدهم وَمن أدْرك مَعَ الإِمَام مِنْهَا رَكْعَة بسجدتيها أتمهَا جُمُعَة وَإِلَّا ظهرا إِن كَانَ دخل وَقتهَا ونواها، وَإِلَّا نفلا. وَمن أحرم مَعَ الإِمَام فِي الْجُمُعَة ثمَّ زحم لزمَه السُّجُود وَلَو على ظهر إِنْسَان أَو رجله ومتاعه، فَإِن لم يُمكنهُ فَإِذا زَالَ الزحام إِلَّا أَن يخَاف فَوت الرَّكْعَة الثَّانِيَة فَإِنَّهُ يُتَابِعه فِيهَا وَتصير أولاه فيبني عَلَيْهَا ويتمها جُمُعَة، وَإِن احْتَاجَ إِلَى مَوضِع يَدَيْهِ وركبتيه لم يجز وَضعهَا على ظهر إِنْسَان أَو رجله للإيذاء بِخِلَاف الْجَبْهَة. وَالرَّابِع تَقْدِيم خطبتين على الصَّلَاة وهما بدل رَكْعَتَيْنِ، وَالْجُمُعَة لَيست بَدَلا عَن الظّهْر بل مُسْتَقلَّة كَمَا تقدم أول الْفَصْل من شَرطهمَا أَي من شَرط صِحَة كل مِنْهُمَا وَالْمرَاد بِالشّرطِ هَهُنَا مَا تتَوَقَّف عَلَيْهِ الصِّحَّة، أَعم من أَن يكون دَاخِلا أَو خَارِجا

الْوَقْت فَلَا تصح وَاحِدَة مِنْهُمَا قبل الْوَقْت وَحمد الله بِلَفْظ الْحَمد لله وَالصَّلَاة على النَّبِي رَسُوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِلَفْظ الصَّلَاة وَقِرَاءَة آيَة كَامِلَة من كتاب الله تَعَالَى، قَالَ الإِمَام 16 (أَحْمد) : يقْرَأ مَا شَاءَ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: لَو قَرَأَ آيَة لَا تستقل بِمَعْنى أَو حكم كَقَوْلِه تَعَالَى (ثمَّ نظر) أَو (مدهامتان) لم تكف وَحُضُور الْعدَد الْمُعْتَبر للْجُمُعَة وَرفع الصَّوْت بالخطبتين بِقدر إسماعه أَي الْعدَد وَالنِّيَّة لحَدِيث (إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ) وَالْوَصِيَّة بتقوى الله تَعَالَى وَلَا يتَعَيَّن لَفظهَا أَي الْوَصِيَّة قَالَ فِي التَّلْخِيص وأقلها: اتَّقوا الله وَأَطيعُوا الله وَنَحْوه وَأَن تَكُونَا أَي الخطبتان مِمَّن يَصح أَن يؤم فِيهَا أَي الْجُمُعَة وَلَا يشْتَرط أَن تَكُونَا مِمَّن يتَوَلَّى الصَّلَاة لِأَن كلا مِنْهُمَا عبَادَة مُنْفَرِدَة. وتشترط مولاة بَين أَجزَاء الْخطْبَتَيْنِ وَبَينهمَا وَبَين الصَّلَاة وَتسن الْخطْبَة بِضَم الْخَاء على مِنْبَر بِكَسْر الْمِيم أَو على مَوضِع عَال، وَيسن سَلام خطيب إِذا خرج إِلَى الْمَأْمُومين وَسَلَامه أَيْضا إِذا أقبل عَلَيْهِم بِوَجْهِهِ وَيسن جُلُوسه أَي الإِمَام على الْمِنْبَر إِلَى فرَاغ الْأَذَان وَيسن جُلُوسه بَينهمَا أَي الْخطْبَتَيْنِ قَلِيلا، وَتسن الْخطْبَة حَال كَون الْخَطِيب قَائِما مُعْتَمدًا على سيف أَو قَوس

أَو عَصا. قَالَ فِي الْفُرُوع: وَيتَوَجَّهُ باليسرى ويعتمد بِالْأُخْرَى على حرف الْمِنْبَر أَو يرسلها قَاصِدا تلقاءه أَي تِلْقَاء وَجهه وَيسن تقصيرهما أَي الْخطْبَتَيْنِ وتقصير الثَّانِيَة أَكثر من الأولى وَيسن الدُّعَاء للْمُسلمين حَال الْخطْبَة وأبيح الدُّعَاء لمُعين كسلطان قَالَ فِي الْإِقْنَاع: الدُّعَاء لَهُ مُسْتَحبّ فِي الْجُمْلَة، وَيكرهُ لإِمَام رفع يَدَيْهِ حَال الدُّعَاء فِي الْخطْبَة، قَالَ الْمجد: وَهُوَ بِدعَة وفَاقا للمالكية وَالشَّافِعِيَّة وَغَيرهم، وَلَا بَأْس أَن يُشِير بإصبعه حَال الدُّعَاء، لما روى الإِمَام أَحْمد وَمُسلم أَن عمَارَة بن رويبة رأى بشر بن مَرْوَان رفع يَدَيْهِ فِي الْخطْبَة فَقَالَ: قبح الله هَاتين الْيَدَيْنِ لقد رَأَيْت رَسُول الله مَا يزِيد أَن يَقُول بِيَدِهِ هَكَذَا وَأَشَارَ بإصبعه المسبحة. ودعاؤه عقب صُعُوده لَا أصل لَهُ، وَكَذَا مَا يَقُوله من يقف بَين يَدي الْخَطِيب من ذكر الحَدِيث الْمَشْهُور قَالَه فِي الْإِقْنَاع وَشَرحه. وَهِي أَي الْجُمُعَة رَكْعَتَانِ يقْرَأ فِي الرَّكْعَة الأولى اسْتِحْبَابا بعد الْفَاتِحَة الْجُمُعَة وَيقْرَأ فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة بعد الْفَاتِحَة الْمُنَافِقين وَيقْرَأ فِي فجرها ألم السَّجْدَة وَفِي الثَّانِيَة هَل أَتَى على الْإِنْسَان نصا، وَتكره مداومته عَلَيْهِمَا أَي على ألم السَّجْدَة وَهل أَتَى فِي فجرها، قَالَ

الإِمَام 16 (أَحْمد) : لِئَلَّا يظنّ أَنَّهَا مفضلة بِسَجْدَة. وَقَالَ جمَاعَة: لِئَلَّا يظنّ الْوُجُوب وَحرم إِقَامَتهَا أَي الْجُمُعَة وَإِقَامَة عيد فِي أَكثر من مَوضِع وَاحِد بِبَلَد إِلَّا لحَاجَة. كضيق وَبعد وَخَوف فتْنَة وَنَحْوه فَتَصِح الْجُمُعَة السَّابِقَة واللاحقة وَكَذَا الْعِيد نَص عَلَيْهِ فِي الْإِقْنَاع. فَإِن عدمت الْحَاجة وتعددت الْجُمُعَة فالصحيحة مَا بَاشَرَهَا الإِمَام أَو أذن فِيهَا فَإِن اسْتَويَا فِي الْإِذْن وَعَدَمه فالسابقة بِالْإِحْرَامِ هِيَ الصَّحِيحَة، وَإِن وقعتا مَعًا فَإِن أمكن صلوا جُمُعَة وَإِلَّا ظهرا، فَإِن جهل كَيفَ وَقعت صلوا ظهرا، وَإِذا وَقع عيد فِي يَوْمهَا سَقَطت عَمَّن حَضَره سُقُوط حُضُور لَا وجوب كمريض إِلَّا الإِمَام فَلَا يسْقط عَنهُ حُضُورهَا وَأَقل السّنة بعْدهَا أَي الْجُمُعَة رَكْعَتَانِ وأكثرها سِتّ رَكْعَات نصا وَسن قبلهَا أَربع رَكْعَات غير راتبة، وَسن قِرَاءَة سُورَة الْكَهْف فِي يَوْمهَا أَي الْجُمُعَة اقْتصر عَلَيْهَا الْأَكْثَر لحَدِيث أبي سعيد مَرْفُوعا (من قَرَأَ سُورَة الْكَهْف يَوْم الْجُمُعَة أَضَاء لَهُ من النُّور مَا بَين الجمعتين) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد حسن،

وَسن قِرَاءَة سُورَة الْكَهْف أَيْضا فِي لَيْلَتهَا أَي الْجُمُعَة قَالَ فِي الْمُبْدع وَشرح الْمُنْتَهى، زَاد أَبُو الْمَعَالِي وَالْوَجِيز: أَو لَيْلَتهَا انْتهى. لقَوْله (من قَرَأَ سُورَة الْكَهْف فِي يَوْم الْجُمُعَة أَو ليلته وَفِي فتْنَة الدَّجَّال) وَسن كَثْرَة دُعَاء فِيهِ وأفضله بعد الْعَصْر وَسن كَثْرَة صَلَاة على النَّبِي وزاده فضلا وكرما وَسن غسل فِيهِ للصَّلَاة وتنظيف وتطيب وَلبس بَيَاض وتكبير إِلَيْهَا أَي الْجُمُعَة حَال كَونه مَاشِيا، وَسن دنو من الإِمَام، وَكره لغيره أَي الإِمَام تخطي الرّقاب إِلَّا لفرجة لَا يصل إِلَيْهَا إِلَّا بِهِ أَي التخطي وَكره إِيثَار غَيره بمَكَان أفضل وَيجْلس فِيمَا دونه وَلَا يكره للمؤثر قبُول الْمَكَان الْأَفْضَل وَلَا رده وَحرم أَن يُقيم شخص غير صبي من مَكَانَهُ الَّذِي سبق إِلَيْهِ وَلَو عَبده أَو وَلَده الْكَبِير فيجلس فِيهِ قَالَ المنقح: وقواعد الْمَذْهَب تَقْتَضِي عدم الصِّحَّة لصَلَاة من قَامَ غَيره وَصلى مَكَانَهُ، لِأَنَّهُ يصير بِمَعْنى الْغَاصِب للمكان، وَالصَّلَاة فِي الْغَصْب غير صَحِيحَة. لَكِن الْفرق وَاضح. قَالَه فِي الْمُنْتَهى وَشَرحه.

وَحرم الْكَلَام حَال الْخطْبَة على غير الْخَطِيب إِذا كَانَ الْمُتَكَلّم قَرِيبا من الإِمَام بِحَيْثُ يسمعهُ وَلَو فِي حَال تنفسه وَحرم الْكَلَام أَيْضا على غير من كَلمه الْخَطِيب لحَاجَة وَيجب لتحذير نَحْو ضَرِير، وَيُبَاح إِذا سكت الْخَطِيب أَو شرع فِي دُعَاء وَلَا بَأْس بِهِ قبل الْخطْبَة وَبعدهَا نصا، وَإِشَارَة أخرس مفهومة كَلَام تحرم حَيْثُ يحرم الْكَلَام، وَمن دخل الْمَسْجِد وَالْإِمَام يخْطب صلى التَّحِيَّة أَي تَحِيَّة الْمَسْجِد قبل أَن يجلس فَقَط خَفِيفَة. وَيكرهُ الْعَبَث حَال الْخطْبَة. - خَاتمه روى ابْن السّني من حَدِيث أنس مَرْفُوعا (من قَرَأَ إِذا سلم الإِمَام يَوْم الْجُمُعَة قبل أَن يثني رجله فَاتِحَة الْكتاب وَقل هُوَ الله أحد والمعوذتين سبعا غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر وَأعْطِي من الْأجر بِعَدَد من آمن بِاللَّه وَرَسُوله) .

فصل

3 - (- فصل) فِي ذكر أَحْكَام صَلَاة الْعِيد. وَهُوَ لُغَة مَا اعتادك أَي تردد عَلَيْك مرّة بعد أُخْرَى اسْم مصدر من عَاد، سمى بِهِ الْيَوْم الْمَعْرُوف لِأَنَّهُ يعود ويتكرر، أَو لِأَنَّهُ يعود بالفرح وَالسُّرُور، وَقيل تفاؤلا ليعود ثَانِيًا كالقافلة، وَجمع بِالْيَاءِ وَأَصله الْوَاو للْفرق بَينه وَبَين أَعْوَاد الْخشب أَو للزومها فِي الْوَاحِد. وَصَلَاة الْعِيدَيْنِ الْفطر والأضحى مَشْرُوعَة إِجْمَاعًا وَهِي فرض كِفَايَة لقَوْله تَعَالَى 19 ((فصل لِرَبِّك وانحر)) وَهِي صَلَاة الْعِيد. إِذا اتّفق أهل بلد من أهل وُجُوبهَا على تَركهَا قَاتلهم الإِمَام، لِأَنَّهَا من شَعَائِر الْإِسْلَام الظَّاهِرَة وَفِي تَركهَا تهاون بِالدّينِ. وَكره أَن ينْصَرف من حضر مصلاها وَيَتْرُكهَا لتفويت أجرهَا من غير عذر، فَإِن لم يتم الْعدَد إِلَّا بِهِ حرم الِانْصِرَاف من بَاب (مَالا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِب) . ووقتها أَي صَلَاة الْعِيد كوقت صَلَاة الضُّحَى من ارْتِفَاع الشَّمْس قدر رمح لَا من طُلُوعهَا لِأَنَّهُ وَقت نهي. وَآخره الزَّوَال أَي آخر وَقت صَلَاة الْعِيد قبيل الزَّوَال فَإِن لم يعلم بالعيد إِلَّا بعده أَي الزَّوَال، أَو أخروها وَلَو بِلَا عذر صلوا الْعِيد من الْغَد قَضَاء وَلَو أمكن قَضَاؤُهَا

فِي يَوْمهَا، وَكَذَا لَو مضى أَيَّام وَلَو يعلمُوا بِهِ أَو لم يصلوا لفتنة وَنَحْوهَا وَشرط لوُجُوبهَا أَي صَلَاة الْعِيد شُرُوط صَلَاة جُمُعَة، وَشرط لصحتها أَي صَلَاة الْعِيد استيطان وَعدد الْجُمُعَة وَهُوَ حُضُور أَرْبَعِينَ من أهل وُجُوبهَا لَا إِذن إِمَام لَكِن يسن لمن فَاتَتْهُ صَلَاة الْعِيد أَو فَاتَهُ بَعْضهَا مَعَ الإِمَام أَن يَقْضِيهَا فِي يَوْمهَا قبل الزَّوَال وَبعده وَلَو مُنْفَردا أَو فِي جمَاعَة دون الْأَرْبَعين لِأَنَّهَا صَارَت تَطَوّعا وَكَونهَا على صفتهَا أفضل، وَلَا بَأْس أَن يَأْتِيهَا النِّسَاء تفلات بِلَا طيب وَلَا زِينَة يعتزلن الرِّجَال، وَالْحَائِض تَعْتَزِل الْمُصَلِّي بِحَيْثُ تسمع، وَتسن صَلَاة الْعِيد فِي صحراء قريبَة عرفا. وَيسن للْإِمَام أَن يسْتَخْلف من يُصَلِّي بضعفة النَّاس فِي الْمَسْجِد نَص عَلَيْهِ، ويخطب بهم إِن شَاءَ، وَالْأولَى أَن لَا يصلوا قبل الإِمَام، وَإِن صلوا قبله فَلَا بَأْس قَالَه فِي الْإِقْنَاع وَأيهمَا سبق سقط الْفَرْض بِهِ وَجَازَت التَّضْحِيَة. وَيسن تَأْخِير صَلَاة عيد فطر وَيسن أكل فِي يَوْمه قبلهَا أَي صَلَاة الْعِيد تمرات وترا وَيسن تَقْدِيم صَلَاة عيد أضحى بِحَيْثُ يُوَافق من بمنى فِي ذبحهم نَص عَلَيْهِ. وَيسن ترك أكل قبلهَا أَي صَلَاة الْأَضْحَى لمضح حَتَّى يُصَلِّي ثمَّ يَأْكُل، وَالْأولَى من كَبِدهَا لسرعة تنَاوله وهضمه، وَإِن لم يضح خير بَين أكل وَتَركه. نصا. وَيسن غسل لَهَا فِي يَوْمهَا لذكر حضرها فَلَا يجزىء لَيْلًا وَلَا بعْدهَا وَتقدم فِي الأغسال المستحبة، وتبكير مَأْمُوم وَتَأَخر إِمَام إِلَى وَقت الصَّلَاة

وَيكون مَاشِيا وَلَا بَأْس بالركوب فِي الْعود، وَيخرج إِلَيْهَا على أحسن هَيْئَة من لبس وَطيب وَنَحْوه إِلَّا لمعتكف فَفِي ثِيَابه إِمَامًا كَانَ أَو مَأْمُوما إبْقَاء لأثر الْعِبَادَة. وَسن التَّوسعَة فِيهِ على الْأَهْل وَالصَّدَََقَة. وَإِذا غَدا فِي طَرِيق رَجَعَ فِي أُخْرَى وَكَذَا الْجُمُعَة ويصليها أَي صَلَاة الْعِيد رَكْعَتَيْنِ إِجْمَاعًا قبل الْخطْبَة فَلَو خطب قبل الصَّلَاة لم يعْتد بهَا. صفتهَا: يكبر فِي الرَّكْعَة الأولى بعد تَكْبِيرَة الْإِحْرَام، والاستفتاح وَقبل التَّعَوُّذ وَقبل الْقِرَاءَة سِتا أَي سِتّ تَكْبِيرَات زَوَائِد وَيكبر فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة قبل الْقِرَاءَة خمْسا أَي خمس تَكْبِيرَات زَوَائِد نصا اسْتِحْبَابا قبلهَا حَال كَونه رَافعا يَدَيْهِ مَعَ كل تَكْبِيرَة نَص عَلَيْهِ وَيَقُول بَين كل تكبيرتين: الله أكبر كَبِيرا وَالْحَمْد لله كثيرا وَسُبْحَان الله بكرَة وَأَصِيلا وَصلى الله على مُحَمَّد وَآله وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا، أَو إِن أحب قَالَ غَيره فَلَيْسَ فِيهِ ذكر موقت، وَلَا يَأْتِي بِذكر بعد التَّكْبِيرَة الْأَخِيرَة فِي الرَّكْعَتَيْنِ. وَمن نسي التَّكْبِير أَو شَيْئا مِنْهُ حَتَّى يشرع فِي الْقِرَاءَة لم يعد إِلَيْهِ لِأَنَّهُ سنة فَاتَ محلهَا ثمَّ يقْرَأ جَهرا بعد الْفَاتِحَة فِي الرَّكْعَة الأولى سبح وَيقْرَأ فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة بعد الْفَاتِحَة الغاشية، ثمَّ إِذا سلم الإِمَام من الصَّلَاة يخْطب خطبتين وحكمهما كخطبتي صَلَاة الْجُمُعَة فِي جَمِيع مَا تقدم مفصلا مَا تقدم حَتَّى فِي الْكَلَام، يجلس بَينهمَا قَلِيلا وَبعد صُعُوده الْمِنْبَر قبلهمَا

أَيْضا ليستريح لَكِن يستفتح الْخطْبَة الأولى بتسع تَكْبِيرَات نسقا اسْتِحْبَابا ويستفتح الْخطْبَة الثَّانِيَة بِسبع تَكْبِيرَات نسقا أَيْضا، يحثهم فِي خطْبَة عيد الْفطر على الصَّدَقَة وَيبين لَهُم فِي خطْبَة عيد الْفطر مَا يخرجُون من الْفطْرَة جِنْسا وَقدرا وَوقت الْوُجُوب وَوقت الْإِخْرَاج وَمن تجب فطرته أَو تسن وعَلى من تجب وَإِلَى من تدفع من الْفُقَرَاء وَغَيرهم تكميلا للفائدة. ويرغبهم فِي خطْبَة عيد الْأَضْحَى فِي الْأُضْحِية وَيبين لَهُم مَا يضحون بِهِ مِمَّا يجزىء فِي أضْحِية ووقتها وَالْأَفْضَل مِنْهَا وَنَحْو ذَلِك، وَيكرهُ النَّفْل وَقَضَاء الْفَائِتَة قبل صَلَاة الْعِيد وَبعدهَا بموضعها قبل مُفَارقَة الْمصلى نصا. وَمن كبر قبل سَلام الإِمَام الأولى صلى مَا فَاتَهُ على صفته نصا. وَيكبر مَسْبُوق وَلَو بنوم أَو غَفلَة فِي قَضَاء بِمذهب إِمَامه. وَيكرهُ أَن تصلى الْعِيد بالجامع بِغَيْر مَكَّة المشرفة إِلَّا لعذر وَسن التَّكْبِير الْمُطلق فِي لَيْلَتي الْعِيدَيْنِ وإظهاره وجهر بِهِ لغير أُنْثَى فِي الْمَسَاجِد والمنازل والطرق حضرا وسفرا فِي كل مَوضِع يجوز فِيهِ ذكر الله تَعَالَى وَالْفطر أَي وَالتَّكْبِير الْمُطلق فِي عيد الْفطر آكِد مِنْهُ فِي عيد الْأَضْحَى نصا لثُبُوته فِيهِ بِالنَّصِّ، وَفِي الفتاوي المصرية أَنه فِي الْأَضْحَى آكِد، قَالَ: لِأَنَّهُ يشرع إدبار الصَّلَوَات وَأَنه مُتَّفق عَلَيْهِ، وَأَن النَّحْر يجمع فِيهِ الْمَكَان وَالزَّمَان وَهُوَ أفضل من عيد الْفطر، ذكر مَعْنَاهُ فِي شرح الْإِقْنَاع.

ويتأكد التَّكْبِير الْمُطلق من ابْتِدَاء لَيْلَتي الْعِيدَيْنِ وَمن أول عشر ذِي الْحجَّة إِلَى فرَاغ الْخطْبَة فيهمَا. وَيسن التَّكْبِير الْمُقَيد فِي عيد الْأَضْحَى خَاصَّة عقب كل فَرِيضَة صلاهَا فِي جمَاعَة من صَلَاة فجر يَوْم عَرَفَة لمحل وَسن التَّكْبِير الْمُقَيد لمحرم من صَلَاة ظهر يَوْم النَّحْر إِلَى عصر آخر أَيَّام التَّشْرِيق فيهمَا. وَلَا يسن عقب صَلَاة عيد وَلَا نَافِلَة خلافًا الْآجُرِيّ، لِأَنَّهَا صَلَاة لَا تشرع لَهَا الْجَمَاعَة أَو غير موقتة فَأَشْبَهت الْجِنَازَة وَسُجُود التِّلَاوَة، قَالَ فِي شرح الْإِقْنَاع: وَظَاهره أَنه لَا يشرع التَّكْبِير عقب الْجِنَازَة وَلَا لمن صلى وَحده. وَيكبر الإِمَام مُسْتَقْبل النَّاس وَصفته شفعا: الله أكبر الله أكبر لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَللَّه الْحَمد. ويجزىء مرّة وَاحِدَة، وَإِن كَرَّرَه ثَلَاثًا فَحسن، وَأَيَّام الْعشْر الْأَيَّام المعلومات، وَأَيَّام التَّشْرِيق الْأَيَّام المعدودات وَهِي ثَلَاثَة أَيَّام تلِي يَوْم النَّحْر. وَلَا بَأْس بتهنئة النَّاس بَعضهم بَعْضًا بِمَا هُوَ مستفيض بَينهم من بعد الْفَرَاغ من الْخطْبَة قَوْله لغيره: تقبل الله منا ومنك. وَلَا بَأْس بتعريفه عَشِيَّة عَرَفَة بأمصار من غير تَلْبِيَة. وَيسن الجتهاد فِي عمل الْخَيْر أَيَّام عشر ذِي الْحجَّة من الذّكر وَالصِّيَام وَالصَّدَََقَة وَسَائِر أَعمال الْبر لِأَنَّهَا أفضل الْأَعْمَال.

فصل

3 - (- فصل) فِي صَلَاة الْكُسُوف وَصَلَاة الاسْتِسْقَاء. وَتسن صَلَاة كسوف، والكسوف للشمس والخسوف للقمر، وَقبل عَكسه. وَقيل هما بِمَعْنى وَاحِد يُقَال كسفت الشَّمْس بِفَتْح الْكَاف وَضمّهَا، وَقيل غير ذَلِك وَهُوَ ذهَاب نور أحد النيرين أَو بعضه، وهما آيتان من آيَات الله لَا يخسفان لمَوْت أحد وَلَا لِحَيَاتِهِ، إِذا كسف أَحدهمَا فزعوا إِلَى الصَّلَاة وَهِي سنة مُؤَكدَة حضرا وسفرا حَتَّى للنِّسَاء وَالصبيان حُضُور معاووقتها من ابْتِدَاء الْكُسُوف، إِلَى حِين التجلي وَكَونهَا جمَاعَة أفضل، وَيسن ذكر الله تَعَالَى وَالدُّعَاء وَالِاسْتِغْفَار وَالتَّكْبِير والتقرب إِلَى الله تَعَالَى بِمَا اسْتَطَاعَ وَلَا خطْبَة لَهَا، وَإِن فَاتَت لم تقض، وَلَا تُعَاد إِن صليت وَلم يتجل، وَإِن تجل فِيهَا أتمهَا خَفِيفَة على صفتهَا. وَيسن فعلهَا ب رَكْعَتَيْنِ كل رَكْعَة منهمابقيامين وركوعين، وَيسن فيهمَا تَطْوِيل سُورَة وَتَطْوِيل تَسْبِيح، وَيسن كَون أول كل رَكْعَة من الرَّكْعَتَيْنِ أطول مِمَّا بعْدهَا. وصفتها أَن يقْرَأ جَهرا الْفَاتِحَة وَسورَة طَوِيلَة من غير تعْيين ثمَّ

يرْكَع طَويلا فيسبح، قَالَ جمَاعَة مائَة آيَة. ثمَّ يرفع رَأسه من الرُّكُوع قَائِلا سمع الله لمن حَمده ويحمد وَلَا يسْجد بل يقْرَأ الْفَاتِحَة أَيْضا وَسورَة طَوِيلَة دون الأولى، ثمَّ يرْكَع طَويلا دون الأول ثمَّ يرفع رَأسه وَيسمع ويحمد ثمَّ يسْجد سَجْدَتَيْنِ طويلتين، وَلَا تجوز الزِّيَادَة عَلَيْهِمَا، ثمَّ يقوم إِلَى الثَّانِيَة فيفعل كَذَلِك لَكِن دونهمَا فِي كل مَا يفعل، ثمَّ يتَشَهَّد وَيسلم. وَيجوز فعلهَا على كل صفة وَردت، إِن شَاءَ فِي كل رَكْعَة بركوعين كَمَا تقدم، وَإِن شَاءَ بِثَلَاث أَو أَربع أَو خمس وَإِن شَاءَ فعلهمَا كنافلة بركوع وَاحِد. وَالثَّانِي وَمَا بعده سنة لَا تدْرك بِهِ الرَّكْعَة. وَإِن اجْتمع كسوف وجنازة قدمت، وَتقدم أَيْضا على مَا يقدم عَلَيْهِ الْكُسُوف وَلَو مَكْتُوبَة، وَنَصه تقدم على فجر وعصر فَقَط وجمعة أَمن فَوتهَا وَلم يشرع فِي خطبتها. وَلَا يُصَلِّي لشَيْء من سَائِر الْآيَات كالصواعق وَالرِّيح الشَّدِيدَة والظلمة فِي النَّهَار والضياء فِي اللَّيْل إِلَّا لزلزلة دائمة فَيصَلي كَصَلَاة الْكُسُوف. - تَتِمَّة: صَلَاة الْكُسُوف صَلَاة رهبة وَخَوف، وَصَلَاة الاسْتِسْقَاء صَلَاة رَغْبَة ورجاء. - وَتسن صَلَاة استسقاء وَهُوَ الدُّعَاء بِطَلَب السقيا بِضَم السِّين الِاسْم من السقى على صفة مَخْصُوصَة يأتى بَيَانهَا. إِذا أجدبت الأَرْض أَي أَصَابَهَا الجدب وَهُوَ ضد الخصب بِالْكَسْرِ وقحط الْمَطَر أَو غَار مَاء عُيُون وأنهار وَلَو فِي غير أَرضهم فزع النَّاس إِلَى الصَّلَاة كَمَا تقدم فِي الْكُسُوف.

وصفتها أَي لصَلَاة الاسْتِسْقَاء فِي موضعهَا. وأحكامها ك صَلَاة عيد، فَيسنّ فعلهَا أول النَّهَار وَقت صَلَاة الْعِيد، وَلَا يتَقَيَّد بِزَوَال الشَّمْس. وَهِي أَي صَلَاة الاسْتِسْقَاء وَالَّتِي قبلهَا أَي صَلَاة الْكُسُوف فعلهمَا جمَاعَة أفضل من الْمُنْفَرد وَإِذا أَرَادَ الإِمَام الْخُرُوج لَهَا أَي صَلَاة الاسْتِسْقَاء وعظ النَّاس بِمَا تلين بِهِ قُلُوبهم وخوفهم العواقب وَأمرهمْ بِالتَّوْبَةِ أَي الرُّجُوع عَن الْمعاصِي وَأمرهمْ بِالْخرُوجِ من الْمَظَالِم بردهَا إِلَى مستحقها وَذَلِكَ وَاجِب لِأَن الْمعاصِي سَبَب الْقَحْط وَالتَّقوى سَبَب البركات وَأمرهمْ ب ترك التشاحن من الشحن وَهُوَ الْعَدَاوَة لِأَنَّهَا تحمل على الْمعْصِيَة وتمنع الْخَيْر وَأمرهمْ ب الصّيام قَالَ جمَاعَة: ثَلَاثَة أَيَّام يخرجُون آخرهَا صياما لِأَنَّهُ وَسِيلَة إِلَى نزُول الْغَيْث وَأمرهمْ ب الصَّدَقَة. وَلَا يلزمان أَي الصّيام وَالصَّدَََقَة بأمرهم ويعدهم أَي يعين لَهُم يَوْمًا يخرجُون فِيهِ للاستسقاء يتهيأ لِلْخُرُوجِ على الصّفة المسنونة وَيخرج إِمَام وَغَيره إِلَى الصَّلَاة متواضعا فِي ثِيَاب بذلة متخشعا أَي خاضعا متذللا من الذل وَهُوَ الهوان متضرعا أَي مستكينا متنظفا لَهَا بِالْغسْلِ وتقليم الأظافر وَإِزَالَة الرَّائِحَة الكريهة لِئَلَّا يُؤْذِي النَّاس وَلَا يخرج مطيبا وفَاقا لِأَنَّهُ يَوْم استكانة وخضوع، وَيخرج إِمَام وَمَعَهُ أهل الدّين وَالصَّلَاة والشيوخ لِأَنَّهُ أسْرع لإجابتهم وَيسن أَن يخرج مُمَيّز الصّبيان لِأَنَّهُ لَا ذَنْب لَهُ فدعاؤه مستجاب، وَيُبَاح خُرُوج أَطْفَال وعجائز وبهائم لِأَن الرزق مُشْتَرك بَين

الْكل، وروى الْبَزَّار مَرْفُوعا (لَوْلَا أَطْفَال رضع، وَعباد ركع، وبهائم رتع لصب عَلَيْكُم الْعَذَاب صبا) وَيُؤمر سَادَات العبيد بِإِخْرَاج عبيدهم رَجَاء إِجَابَة دُعَائِهِمْ لانكسارهم بِالرّقِّ، وَيكرهُ لنا أَن نخرج أهل الذِّمَّة وكل من يُخَالف دين الْإِسْلَام، وَإِن خَرجُوا من تِلْقَاء أنفسهم لم يكره وَلم يمنعوا، وَأمرُوا بالانفراد عَن الْمُسلمين فَلَا يختلطوا بهم كَيْلا يصيبهم عَذَاب فَيعم من حضر، وَلَا ينفردون بِيَوْم لُزُوما لِئَلَّا يُوَافق نزُول الْغَيْث فِي يَوْم خُرُوجهمْ وحدهم فَيكون أعظم لفتنتهم، وَرُبمَا افْتتن بهم غَيرهم فَيصَلي الإِمَام بهم رَكْعَتَيْنِ كالعيد يكبر فِي الأولى سبعا وَالثَّانيَِة خمْسا من غير أَذَان وَلَا إِقَامَة، ثمَّ يخْطب خطْبَة وَاحِدَة على الْمِنْبَر يفتتحها بِالتَّكْبِيرِ تسعا نسقا كخطبة عيد وَيكثر فِيهَا أَي الْخطْبَة الاسْتِغْفَار لقَوْله تَعَالَى 19 ((اسْتَغْفرُوا ربكُم إِنَّه كَانَ غفارًا يُرْسل السَّمَاء عَلَيْكُم مدرارا)) وَيكثر فِيهَا الصَّلَاة على النَّبِي لِأَنَّهَا مَعُونَة على الْإِجَابَة، وَيكثر فِيهَا قِرَاءَة الْآيَات الَّتِي فِيهَا الْأَمر بِهِ أَي الاسْتِغْفَار كَقَوْلِه تَعَالَى 19 ((وَاسْتَغْفرُوا ربكُم ثمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ)) الْآيَة، وَيرْفَع يَدَيْهِ فِي دُعَائِهِ وَتَكون ظهورهما نَحْو السَّمَاء فيدعو قَائِما بِدُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمِنْه أَي من دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:

اللَّهُمَّ أَصله يَا ألله، وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الْقُنُوت اسقنا بوصل الْهمزَة وقطعها غيثا أَي مَطَرا مغيثا هُوَ المنقذ من الشدَّة إِلَى آخِره أَي الدُّعَاء وتتمته: هَنِيئًا الْمَدّ أَي حَاصِلا بِلَا مشقة مريئا، أَي سهلا نَافِعًا مَحْمُود الْعَافِيَة، غدقا بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَكسرهَا أَي كثير المَاء مجللا السَّحَاب الَّذِي يعم الْعباد والبلاد نفعا، سَحا أَي صبا، عَاما بتَشْديد الْمِيم أَي شَامِلًا، طبقًا بِالتَّحْرِيكِ طبق الْبِلَاد مطره دَائِما أَي مُتَّصِلا إِلَى أَن يحصل الخصب اللَّهُمَّ اسقنا الْغَيْث وَلَا تجعلنا من القانطين أَي الآيسين من الرَّحْمَة، اللَّهُمَّ سقيا رَحْمَة لَا سقيا عَذَاب وَلَا بلَاء وَلَا هدم وَلَا غرق، اللَّهُمَّ إِن بالعباد والبلاد من اللأواء أَي الشدَّة، وَقَالَ الْأَزْهَرِي: شدَّة الْجَمَاعَة، والجهد، فتح الْجِيم الْمَشَقَّة وَبِضَمِّهَا الطَّاقَة قَالَه الْجَوْهَرِي، والضنك: الضّيق مَالا نشكوه إِلَّا إِلَيْك، اللَّهُمَّ أنبت

لنا الزَّرْع وأدر لنا الضَّرع واسقنا من بَرَكَات السَّمَاء وَأنزل علينا من بركاتك. اللَّهُمَّ ادْفَعْ عَنَّا الْجهد والجوع والعرى واكشف عَنَّا من الْبلَاء مَالا يكشفه غَيْرك. اللَّهُمَّ إِنَّا نستغفرك إِنَّك كنت غفارًا، فَأرْسل السَّمَاء علينا مدرارا أَي دَائِما زمن الْحَاجة، وَيكثر من الصَّلَاة على النَّبِي ويؤمن مَأْمُوم، وَيسْتَقْبل الإِمَام الْقبْلَة ندبا فِي أثْنَاء الْخطْبَة ثمَّ يَقُول سرا: اللَّهُمَّ إِنَّك أمرتنا بدعائك ووعدتنا إجابتك، وَقد دعوناك كَمَا أمرتنا فاستجب لنا كَمَا وعدتنا ثمَّ يحول رِدَاءَهُ فيحيل الْأَيْمن على الْأَيْسَر والأيسر على الْأَيْمن وَكَذَا النَّاس، ويتركونه حَتَّى ينزعوه مَعَ ثِيَابهمْ. فَائِدَة ذكر القَاضِي وَجمع أَن الاسْتِسْقَاء ثَلَاثَة أضْرب، أَحدهَا: وأكملها مَا وصف، وَالثَّانِي: استسقاء الإِمَام يَوْم الْجُمُعَة كَمَا فِي الحَدِيث الْمُتَّفق عَلَيْهِ، الثَّالِث: أَن يدعوا الله عقب صلَاتهم. انْتهى. فَإِن سقوا فِي الْمرة الأولى ففضل من الله وَرَحْمَة، وَإِلَّا عَادوا ثَانِيًا وثالثا. وَإِن سقوا قبل خُرُوجهمْ فَإِن كَانُوا تأهبوا لِلْخُرُوجِ خرجواوصلوها

شكرا لله تَعَالَى وَإِلَّا لم يخرجُوا وشكروا الله تَعَالَى وسألوه الْمَزِيد من فَضله. وَإِن كثر الْمَطَر حَتَّى خيف مِنْهُ سنّ قَول: اللَّهُمَّ حوالينا وَلَا علينا، اللَّهُمَّ على الظراب بالظاء المشالة جمع ظرب بِكَسْر الرَّاء وَهِي الرابية الصَّغِيرَة والآكام بِفَتْح الْهمزَة على وزن آصال، وبكسرها بِغَيْر مد على وزن جبال، قَالَ عِيَاض: هُوَ مَا غلظ من الأَرْض وَلم يبلغ أَن يكون جبلا وَكَانَ أَكثر ارتفاعا مِمَّا حوله كالتلول وَنَحْوهَا. وَقَالَ الْخَلِيل: هِيَ حجر وَاحِد وبطون الأودية جمع وَاد وَهِي الْأَمَاكِن المنخفضة ومنابت الشّجر أَي أُصُولهَا لِأَنَّهُ أَنْفَع لَهَا رَبنَا لَا تحملنا مَالا طَاقَة لنا بِهِ الْآيَة لِأَنَّهَا تناسب الْحَال أَي لَا تكلفنا من الْأَعْمَال مَالا نطيق، وَقيل هُوَ حَدِيث النَّفس والوسوسة، وَقيل الْحبّ، وَقيل الْعِشْق، وَقيل شماتة الْأَعْدَاء، وَقيل الْفرْقَة القطيعة نغوذ بِاللَّه من ذَلِك (واعف عَنَّا) أَي تجَاوز عَن ذنوبنا (واغفر لنا) أَي اسْتُرْ علينا ذنوبنا وَلَا تفضحنا (وارحمنا) لأننا لَا ننال الْعَمَل تطاعتك وَلَا ترك مَعَاصِيك إِلَّا بِرَحْمَتك (أَنْت مَوْلَانَا) حافظنا وناصرنا (فَانْصُرْنَا على الْقَوْم الْكَافرين) بِإِقَامَة الْحجَّة وَالْغَلَبَة فِي قِتَالهمْ، فَإِن من شَأْن الْمولى أَن ينصر موَالِيه على الْأَعْدَاء. وَسن لمن أغيث بالمطر قَول: مُطِرْنَا بِفضل الله وَرَحمته.

وَيحرم: مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا. وَيُبَاح: فِي نوء كَذَا لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الْإِضَافَة إِلَى النوء والنوء الْكَوْكَب. وَمن رأى سحابا أَو هبت ريح سَأَلَ الله تَعَالَى خَيره وتعوذ بِاللَّه من شَره، وَمَا سَأَلَ سَائل وَلَا تعوذ متعوذ بِمثل المعوذتين، وَلَا يسب الرّيح العاصف وَإِذا سمع الرَّعْد ترك الحَدِيث وَقَالَ: سُبْحَانَ من يسبح الرَّعْد بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَة من خيفته، وَلَا يتبع بَصَره الْبَرْق، للنَّهْي عَنهُ، وَيَقُول إِذا انفض كَوْكَب: مَا شَاءَ الله لَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. وَإِذا سمع نهيق حمَار أَو نباح كلب بِضَم النُّون استعاذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم. وَإِذا سمع صياح الديك سَأَلَ الله من فَضله. وقوس قزَح بالزاي الْمُعْجَمَة أَمَان لأهل الأَرْض من الْغَرق كَمَا

فِي الْأَثر، وَهُوَ من آيَات الله تَعَالَى، وَدَعوى الْعَامَّة إِذا غلبت حمرته كَانَت الْفِتَن والدماء، وَإِن غلبت خضرته كَانَ رخاء وسرور: هذيان. قَالَ ابْن حَامِد فِي أُصُوله. انْتهى. قائدة: روى أَبُو نعيم فِي الْحِلْية بِسَنَدِهِ عَن أبي بكر قَالَ: من قَالَ سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ، عِنْد الْبَرْق لم تصبه صَاعِقَة. وَالله أعلم.

كتاب الجنائز

(كتاب الْجَنَائِز) (كتاب الْجَنَائِز) . وَهُوَ بِفَتْح الْجِيم جمع جَنَازَة بِكَسْرِهَا، وَالْفَتْح لُغَة. وَقيل بِالْفَتْح للْمَيت، وبالكسر النعش عَلَيْهِ ميت، وَقيل عَكسه، فَإِن لم يكن عَلَيْهِ فَلَا يُقَال نعش وَلَا جَنَازَة وَإِنَّمَا يُقَال سَرِير. ترك الدَّوَاء للْمَرِيض أفضل نصا لِأَنَّهُ أقرب إِلَى التَّوَكُّل، وَلَا يجب وَلَو ظن نَفعه، إِذْ النافع فِي الْحَقِيقَة والضار هُوَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والدواء لَا ينجع بِذَاتِهِ. وَيحرم تداو بِمحرم، وَيجوز ببول إبل نصا، وَيُبَاح وَيجوز كتب قُرْآن وَذكر بِإِنَاء لحامل لعسر الْولادَة ولمريض ويسقيانه نصا. وَسن استعداد للْمَوْت بِالتَّوْبَةِ وَالْخُرُوج من الْمَظَالِم وَسن إكثار من ذكره أَي الْمَوْت لقَوْله (أَكْثرُوا من ذكر هاذم اللَّذَّات) وَسن عِيَادَة مَرِيض مُسلم غير مُبْتَدع يجب هجره كرافضي، قَالَ فِي النَّوَادِر: تحرم عيادته. أَو يسن هجره كمتجاهر بِمَعْصِيَة (هَذِه الْكَلِمَة غير مَوْجُودَة فِي هَذِه الْفَقْرَة فِي الْكتاب: يُعَاد) فَلَا تسن

عيادته ليرتدع وَيَتُوب، وَعلم مِنْهُ أَن غير المتجاهر بالمعصية يُعَاد. وَالْمَرْأَة كَرجل مَعَ أَمن الْفِتْنَة. وتشرع العيادة فِي كل مرض حَتَّى الرمد وَنَحْوه، وَحَدِيث: (ثَلَاثَة لَا يعادون) غير ثَابت، قَالَه فِي شرح الْمُنْتَهى. وَتسن غبا وَهُوَ يَوْم دون يَوْم، قَالَ فِي الْفُرُوع: اختلافه باخْتلَاف النَّاس وَالْعلم بالقرائن وَظَاهر الْحَال. وَتَكون من أول الْمَرَض بكرَة وَعَشِيَّة وَفِي رَمَضَان لَيْلًا نصا، لِأَنَّهُ أرْفق بالعائد. وَقد ذكر ابْن الصير فِي نوادره الأبيات الْمَشْهُورَة فَقَالَ: لَا تضجرن عليلا فِي مساءلة إِن العيادة يَوْم بَين يَوْمَيْنِ بل سَله عَن حَاله وادع الْإِلَه لَهُ واجلس بِقدر فوَاق بَين حلبين من زار غبا أَخا زَادَت محبته وَكَانَ ذَاك صلاحا للخليلين ويخبر الْمَرِيض: مَا يجده وَلَو لغير طَبِيب بعد أَن يحمد الله تَعَالَى، وَيسْتَحب لَهُ أَن يصبر، وَالصَّبْر الْجَمِيل صَبر بِلَا شكوى للمخلوق، والشكوى للخالق لَا تنافيه بل مَطْلُوبَة، وَيحسن ظَنّه بِاللَّه لحَدِيث (أَنا عِنْد ظن عَبدِي بِي إِن ظن خيرا فَلهُ وَإِن ظن شرا فَلهُ)

وَعَن أبي مُوسَى (وَمن أحب لِقَاء الله أحب الله لقاءه وَمن كره لِقَاء الله كره الله لقاءه) قَالَ فِي الْفُرُوع: ويغلب رجاؤه وَفِي الصِّحَّة يغلب الْخَوْف لحمله على الْعَمَل. وَنَصه يَنْبَغِي لِلْمُؤمنِ أَن يكون خَوفه ورجاؤه وَاحِدًا. زَاد فِي رِوَايَة: فَأَيّهمَا غلب صَاحبه هلك. قَالَ الشَّيْخ 16 (تَقِيّ الدّين) : هَذَا الْعدْل. وَيكرهُ الأنين وتمني الْمَوْت إِلَّا لخوف فتْنَة فِي دينه، وَإِلَّا تمنى الشَّهَادَة وَلَا سِيمَا عِنْد وجود أَسبَابهَا فَإِنَّهُ مُسْتَحبّ وَسن تذكيره الْمَرِيض التَّوْبَة وَيَأْتِي تَعْرِيفهَا فِي آخر الْحُدُود فِي حكم الْمُرْتَد، لِأَنَّهَا وَاجِبَة على كل وَاحِد من كل ذَنْب فِي كل وَقت، وَلِأَنَّهُ أحْوج من غَيره وَسن تذكيره الْوَصِيَّة وَالْخُرُوج من الْمَظَالِم ويرغبه فِي ذَلِك وَلَو كَانَ مَرضه غير مخوف، وَلَا بَأْس بِوَضْع الْعَائِد يَده عَلَيْهِ، وَالسّنة لَا يُطِيل الْجُلُوس عِنْده لإضجاره ولمنع تَصَرُّفَاته، فَإِذا نزل بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول بِهِ أَي نزل الْملك لقبض روحه سنّ تعاهد بل حلقه الْمَرِيض من أرْفق أَهله بِهِ وأعرفهم بمداواته وأتقاهم إِلَى الله بِمَاء أَو شراب، وَسن تندية شَفَتَيْه

بقطنة لإطفاء مَا نزل بِهِ من الشدَّة وتسهيل النُّطْق بِالشَّهَادَةِ، وَسن تلقينه الْمَرِيض لَا إِلَه إِلَّا الله مرّة، وَلَا يُزَاد على ثَلَاث إِلَّا أَن يتَكَلَّم بعد الثَّلَاث فيعاد التَّلْقِين ليَكُون آخر كَلَامه لَا إِلَه إِلَّا الله وَيكون بِرِفْق لِأَن الرِّفْق مَطْلُوب فِي كل شَيْء وَهنا أولى، وَذكر أَبُو المعالى: يكره التَّلْقِين من الْوَرَثَة بِلَا عذر وَسن قِرَاءَة الْفَاتِحَة وَقِرَاءَة يسن عِنْده لِأَنَّهُ يسهل خُرُوج الرّوح نَص عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَوْعب، وَيقْرَأ تبَارك الْملك وَسن تَوْجِيهه أَي الْمَرِيض إِلَى الْقبْلَة غير جنبه الْأَيْمن مَعَ سَعَة الْمَكَان وَإِلَّا فعلى ظَهره. وَسن أَن يشْتَغل بِنَفسِهِ بِأَن يستحضر فِي نَفسه أَنه حقير من مخلوقات الله تَعَالَى وَأَنه تَعَالَى غَنِي عَن عِبَادَته وطاعته، وَأَنه لَا يطْلب الْعَفو وَالْإِحْسَان إِلَّا مِنْهُ، وَأَن يكثر مَا دَامَ حَاضر الذِّهْن من الْقِرَاءَة وَالذكر، وَأَن يُبَادر إِلَى أَدَاء الْحُقُوق برد الْمَظَالِم والودائع والعواري وَاسْتِحْلَال نَحْو زَوْجَة وَولد قريب وجار وَصَاحب وَمن بَينه وَبَينه مُعَاملَة، ويحافظ على الصَّلَاة وَاجْتنَاب النَّجَاسَات ويصبر على مشقة ذَلِك ويجتهد فِي ختم عمره بأكمل الْأَحْوَال، ويتعاهد نَفسه بِنَحْوِ تقليم أظفار وَأخذ عانة وشارب وإبط، ويعتمد على الله فِيمَن يحب ويوصي للأرجح فِي نظره من قريب وأجنبي. وَإِذا مَاتَ سنّ تغميض عَيْنَيْهِ وَيُبَاح التغميض من محرم ذكر أَو أُنْثَى، وَيكرهُ من جنب وحائض وَأَن يقرباه وَسن قَوْله: باسم الله وعَلى وَفَاة رَسُول الله، نصا. وَلَا يتَكَلَّم من حَضَره إِلَّا بِخَير.

وَسن شدّ لحيته بعصابة وَنَحْوه تجمع لحييْهِ ويربطها فَوق رَأسه، لِئَلَّا يبْقى فَمه مَفْتُوحًا فتدل الْهَوَام ويتشوه خلقه. (فَائِدَة) إِذا غفل عَن إغماض الْمَيِّت فليمسك رجل بعضديه وَآخر بإبهامي رجلَيْهِ فَإِنَّهَا تغمض عَيناهُ بِإِذن الله تَعَالَى. وَسن تليين مفاصله بِأَن يرد ذِرَاعَيْهِ إِلَى عضديه ثمَّ يردهما، وَيرد أَصَابِع يَدَيْهِ إِلَى كفيه ثمَّ يبسطهما، وَيرد فَخذيهِ إِلَى بَطْنه وساقيه إِلَى فَخذيهِ ثمَّ يمدها. وَفَائِدَة ذَلِك سهولة الْغسْل لبَقَاء الْحَرَارَة فِي الْبدن عقيب الْمَوْت وَلَا يُمكن تليينها بعد برودته. وَسن خلع ثِيَابه لِئَلَّا يحمى جسده فيسرع إِلَيْهِ الْفساد، وَرُبمَا يخرج مِنْهُ شَيْء فيلوثه، وَسن ستره الْمَيِّت بِثَوْب يستره، وَسن وضع حَدِيدَة أَو نَحْوهَا كمرآة الَّتِي ينظر فِيهَا أَو سيف أَو سكين أَو قِطْعَة طين على بَطْنه لِئَلَّا ينتفخ بَطْنه، وَقدر وَزنه قدرهم عشْرين درهما، ويصان عَنهُ مصحف وَفقه وَحَدِيث وَعلم نَافِع، قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى. قَالَ ابْن عقيل وَهَذَا لَا يتَصَوَّر إِلَّا وَهُوَ على ظَهره. انْتهى. إِذا لَو كَانَ على جنبه لم يثبت على بَطْنه. وَظَاهر كَلَامهم هَذَا أَن الْمَيِّت يكون بعد مَوته على ظَهره ليتصور وضع الحديدة وَنَحْوهَا. وَسن جعله الْمَيِّت على سَرِير غسله بعدا لَهُ عَن الْهَوَام حَال كَونه مُتَوَجها إِلَى الْقبْلَة على جنبه الْأَيْمن كَمَا يدْفن منحدرا نَحْو رجلَيْهِ فَيكون رَأسه أَعلَى لينصب عَنهُ مَا يخرج مِنْهُ وَمَاء غسل. وَسن إسراع فِي تَجْهِيزه أَي الْمَيِّت. وَيجب إسراع فِي

نَحْو تَفْرِيق وَصيته وَقَضَاء دينه لِأَن فِي تَعْجِيل إِخْرَاج وَصيته تَعْجِيل أجره وَفِي قَضَاء دينه تَخْلِيص لنَفسِهِ لقَوْله (نفس الْمُؤمن معلقَة بِدِينِهِ حَتَّى يقْضى عَنهُ) . وَسن ذَلِك قبل الصَّلَاة عَلَيْهِ إِن مَاتَ غير فَجْأَة وَإِلَّا فالينظر هُوَ وَمن شكّ فِي مَوته لاحْتِمَال أَن يكون عرض السكتة حَتَّى يتَيَقَّن مَوته بانخساف صدغيه وميل أنفسه. وَيعلم موت غَيرهمَا بذلك وَبِغَيْرِهِ كانفصال كفيه واسترخاء رجلَيْهِ. وَلَا بَأْس بتقبيله وَالنَّظَر إِلَيْهِ وَلَو بعد تكفينه نصا. وَيكرهُ تَركه فِي بَيت وَحده بل يبيت مَعَ أَهله. وَيكرهُ النعي وَهُوَ الندابة نَص عَلَيْهِ. وَنقل صَالح: لَا يُعجبنِي. لحَدِيث (إيَّاكُمْ والنعي، فَإِن النعي من عمل الْجَاهِلِيَّة) .

فصل

3 - (فصل) . وَغسل الْمَيِّت الْمُسلم مرّة أَو تيميمه بِعُذْر وتكفينه وَالصَّلَاة عَلَيْهِ وَحمله وَدَفنه مُتَوَجها إِلَى الْقبْلَة فرض كِفَايَة، وَيَأْتِي بعضه، وَيكرهُ أَخذ الْأُجْرَة على شَيْء من ذَلِك، وَلَو دفن قبل الْغسْل من أمكن غسله لزم نبشه إِن لم يخف تفسخه وتغيره، وَمثله من دفن غير مُتَوَجّه إِلَى الْقبْلَة أَو قبل الصَّلَاة عَلَيْهِ أَو قبل تكفينه وَإِذا أَخذ الْغَاسِل فِي غسله أَي الْمَيِّت وَستر عَوْرَته وجوبا وَهُوَ مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة إِلَّا من دون سبع، وَسن تجريده من ثِيَابه لِأَنَّهُ أمكن لتغسيله وأصون لَهُ من التَّنْجِيس إِلَّا النَّبِي. ستر الْمَيِّت كُله عَن الْعُيُون حَال الْغسْل تَحت سقف لِئَلَّا يسْتَقْبل بعورته السَّمَاء، وَكره حُضُور غير معِين فِي غسله، وتغطية وَجهه نصا وفَاقا ثمَّ نوى لِأَنَّهَا طَهَارَة تعبدية أشبهت غسل الْجَنَابَة وَسمي وجوبا وَتسقط سَهوا وجهلا، وَتَقَدَّمت فِي الْوضُوء وهما النِّيَّة وَالتَّسْمِيَة كفي غسل حَيّ، ثمَّ يرفع رَأس غير امْرَأَة حَامِل أَو الْقَتِيل إِلَى قرب جُلُوس بِحَيْثُ يكون كالمحتضن فِي صدر غَيره وَلَا يشق عَلَيْهِ ويعصر بَطْنه أَي الْمَيِّت بِرِفْق ليخرج مَا فِي بَطْنه من

نَجَاسَة لَا بطن الْحَامِل لِأَنَّهُ يُؤْذِي الْحمل وَيكثر صب المَاء حِينَئِذٍ ليذْهب مَا خرج وَلَا تظهر رَائِحَة وَيكون ثمَّ بِفَتْح الْمُثَلَّثَة بخور على وزن رَسُول دفعا للتأذي برائحة الْخَارِج ثمَّ يلف الْغَاسِل على يَده خرقَة خشنة أَو يدخلهَا فِي كيس فينجيه بهَا أَي فِي أحد فرجيه ثمَّ يَأْخُذ خرقَة ثَانِيَة لِلْفَرجِ الثَّانِي فينجيه بهَا إِزَالَة للنَّجَاسَة وطهارة للْمَيت من غير تعدِي النَّجَاسَة إِلَى الْغَاسِل، وَظَاهر الْمقنع والمنتهى وَغَيرهمَا تكفيه خرقَة وَحرم مس عَورَة من تمّ لَهُ سبع سِنِين فَأكْثر بِغَيْر حَائِل وَالنَّظَر إِلَيْهَا، ذكر مَعْنَاهُ فِي الْمُجَرّد. وَيجب غسل نَجَاسَة بِالْمَيتِ، وَالسّنة أَن لَا يمس سَائِر بدنه إِلَّا بِخرقَة ثمَّ يدْخل الْغَاسِل إصبعيه الْإِبْهَام والسبابة وَعَلَيْهِمَا خرقَة مبلولة فِي فَمه أَي الْمَيِّت فيمسح بهَا أَسْنَانه بِلَا إِدْخَال مَاء ويدخلهما فِي مَنْخرَيْهِ فينظفهما نصا بعد غسل كفي الْمَيِّت نصا، فَيقوم مقَام الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق بِلَا إِدْخَال مَاء لِأَنَّهُ إِذا وصل إِلَى جَوْفه حرك النَّجَاسَة

ثمَّ يوضئه وضُوءًا كَامِلا اسْتِحْبَابا فِي أول غسلاته كوضوء الْحَدث ثمَّ يضْرب سدرا وَنَحْوه كخطمي وَيغسل رَأسه أَي الْمَيِّت ولحيته برغوة يتثليث الرَّاء السدر الْمَضْرُوب لِأَن الرَّأْس أشرف الْأَعْضَاء، وَلِهَذَا جعل كشفه شعار الْإِحْرَام وَهُوَ مجمع الْحَواس الشَّرِيفَة، وَلِأَن الرغوة تزيل الدَّرن وَلَا تتَعَلَّق بالشعر فَنَاسَبَ أَن تغسل بهَا اللِّحْيَة وَيغسل بدنه بثفله بِضَم الْمُثَلَّثَة أَي السدر وَيكون فِي كل غسلة ثمَّ يفِيض عَلَيْهِ المَاء أَي على جَمِيع بدنه ليعمه وَسن تثليث فِي إفَاضَة المَاء كَغسْل الْحَيّ إِلَّا الْوضُوء فَفِي الْمرة الأولى فَقَط وَسن تيامن فِي غسله فَيغسل شقَّه الْأَيْمن من نَحْو رَأسه إِلَى نَحْو رجلَيْهِ فَيبْدَأ بصفحة عُنُقه ثمَّ يَده الْيُمْنَى إِلَى كتفه ثمَّ كتفه وشق من صَدره وَفَخذه وَسَاقه إِلَى الرجل ثمَّ الْأَيْسَر كَذَلِك، ويقلبه على جنبه الْأَيْمن مَعَ غسل شقيه فيرفع جَانِبه الْأَيْمن وَيغسل ظَهره ووركه وَفَخذه وَيفْعل بجانبه الْأَيْسَر كَذَلِك، وَلَا يكبه على وَجهه إِكْرَاما لَهُ وَسن إمرار يَده أَي الْغَاسِل كل مرّة من الثَّلَاث الغسلات على بَطْنه أَي الْمَيِّت ليخرج مَا تخلف فَإِن لم ينق بِثَلَاث غسلات زَاد فِي غسله حَتَّى ينفى وَلَو جَازَ السَّبع، وَيقطع على وتر من غير إِعَادَة وضوء، وَإِن خرج شَيْء بعد الثَّلَاث أُعِيد وضوؤه قَالَ فِي شرح النتهى: وجوبا كالجنب إِذا أحدث بعد غسله لتَكون طَهَارَة كَامِلَة. وَعنهُ: لَا يجب. وَوَجَب غسله كلما خرج من شَيْء إِلَى سبع فَإِن خرج بعد السَّبع حشي الْمحل بِقطن، فَإِن لم يسْتَمْسك فبطين حر أَي خَالص لِأَن فِيهِ

قُوَّة تمنع الْخَارِج ثمَّ إِن خرج شَيْء من السَّبِيلَيْنِ أَو من غَيرهمَا غسلت النَّجَاسَة ووضئ وجوبا وَكره اقْتِصَار فِي غسله على مرّة وَاحِدَة إِن لم يخرج شَيْء فَإِن خرج شَيْء حرم الِاقْتِصَار على مرّة. لَا بَأْس بِغسْلِهِ فِي حمام محمى نصا. وَلَا بمخاطبة غاسل لَهُ حَال الْغسْل ب (انْقَلب يَرْحَمك الله) وَنَحْوه، وَلَا يجب الْفِعْل فِي الْغسْل فَلَو ترك تَحت ميزاب مَاء وَنَحْوه وَحضر من يصلح لغسله وَنوى غسله وسمى وَمضى زمن يُمكن غسله فِيهِ بِحَيْثُ يغلب على الظَّن أَن المَاء عَمه، كفى. وَكره مَاء حَار بِلَا حَاجَة إِلَيْهِ شدَّة برد وَنَحْوه لِأَنَّهُ يُرْخِي الْبدن فيسرع الْفساد إِلَيْهِ. والبارد أفضل لِأَنَّهُ يصلبه ويبعده من الْفساد. وَلَا يغْتَسل غاسل بِفضل مَاء مسخن لَهُ فَإِن لم يجد غَيره تَركه حَتَّى يبرد قَالَه الإِمَام أَحْمد، ذكره الْخلال، وَكره خلال بِلَا حَاجَة إِلَيْهِ بَين أَسْنَانه لِأَنَّهُ عَبث وَكره أشنان بِلَا حَاجَة إِلَيْهِ لوسخ كثير، فَإِن احْتِيجَ إِلَى شَيْء مِنْهَا لم يكره وَيكون الْخلال إِذن من ورق شَجَرَة لينَة كالصفصاف وَكره تَسْرِيح شعره أَي الْمَيِّت رَأْسا كَانَ أَو لحية نصا، لِأَنَّهُ يقطعهُ من غير حَاجَة إِلَيْهِ. وَسن أَن يضفر شعر أُنْثَى ثَلَاثَة قُرُون وسدله وَرَاءَهَا نصا. وَسن أَن يَجْعَل كافور وَسدر فِي الغسلة الْأَخِيرَة نصا،

لِأَن الكافور يصلب الْجَسَد ويبرده ويطرد عَنهُ الْهَوَام برائحته، وَإِن كَانَ محرما جنب الكافور لِأَنَّهُ من الطّيب. وَسن خضاب شعر رَأس الْمَرْأَة ولحية الرجل وَسن قصّ شَارِب. وَسن تقليم أظفار لغير محرم فيهمَا إِن طالا: الشَّارِب والأظافر، وَأخذ شعر إبطَيْهِ نصا لِأَنَّهُ تنظيف لَا يتَعَلَّق بِقطع عُضْو، أشبه إِزَالَة الْوَسخ والدرن، وَجعله مَعَه فِي كَفنه كعضو سَاقِط. وَحرم حلق رَأس ميت وَخَتنه. وَسن تنشيف الْمَيِّت بعد غسله بِثَوْب وَلَا يَتَنَجَّس مَا نشف بِهِ لعدم نَجَاسَته بِالْمَوْتِ، ويجنب محرم مَاتَ مَا يجنب فِي حَيَاته وَلَا يقرب طيبا، وَلَا فديَة على من طيبه وَنَحْوه، وَلَا يلبس ذكر الْمخيط وَلَا يُغطي رَأسه وَلَا وَجه أُنْثَى. وَلَا تمنع مُعْتَدَّة من طيب. ويزال اللصوق بِفَتْح الللام للْغسْل الْوَاجِب وَإِن سقط مِنْهُ شَيْء بإزالتها بقيت وَمسح عَلَيْهِ كجبيرة حَيّ. ويزال خَاتم وَنَحْوه وَلَو بِبرْدِهِ لِأَن تَركه مَعَه إِضَاعَة مَال من غير مصلحَة. وَيجب بَقَاء دم شيهد عَلَيْهِ إِلَّا أَن يخالطه نَجَاسَة فَيغسل، وَيجب دَفنه فِي ثِيَابه الَّتِي قتل فِيهَا بعد نزع لأمة حَرْب، نصا، وَيحرم غسل شَهِيد المعركة والمقتول ظلما وتكفينه وَالصَّلَاة عَلَيْهِ،

فَإِن سقط من شَاهِق أَو دَابَّة لَا بِفعل الْعَدو أَو مَاتَ برفسة أَو حتف أَنفه أَو وجد مَيتا وَلَا أثر بِهِ أَو عَاد سَهْمه أَو سَيْفه عَلَيْهِ فَقتله، أَو حمل بعد جرحه فَأكل أَو شرب أَو نَام أَو بَال أَو تكلم أَو عطس أَو طَال بَقَاؤُهُ عرفا أَو كَانَ عَلَيْهِ مَا يُوجب الْغسْل غسل وَصلى عَلَيْهِ وجوبا. وكل شَهِيد غسل صلى عَلَيْهِ، وَمن لَا فَلَا. وَسقط لأربعة أشهر فَأكْثر كمولود حَيا يغسل وَيصلى عَلَيْهِ نصا. وَإِذا تعذر غسل ميت لعدم مَاء أَو غَيره كالحرق والجذام وَنَحْوه يمم وكفن وَصلى عَلَيْهِ، وَإِن تعذر غسل بعضه غسل مَا أمكن مِنْهُ ويمم لما تعذر غسله كالجنابة. وَيجب على الْغَاسِل ستر قَبِيح رَآهُ كطبيب. وَيسْتَحب إِظْهَاره إِن كَانَ حسنا ليترحم عَلَيْهِ، قَالَ جمع محققون إِلَّا على مَشْهُور ببدعة مضلة أَو قلَّة دين أَو فجور وَنَحْوه ككذب، فَيُسْتَحَب إِظْهَار شَره وَستر خَيره ليرتدع نَظِيره، وَيحرم سوء الظَّن بِمُسلم ظَاهره الْعَدَالَة لقَوْله تَعَالَى 19 ((اجتنبوا كثيرا من الظَّن)) الْآيَة. وَلما فرغ الْمُؤلف رَحمَه الله من ذكر الْغسْل وَأَحْكَامه شرع يتَكَلَّم فِي الْكَفَن وَأَحْكَامه فَقَالَ: وَسن تكفين الرجل فِي ثَلَاث لفائف بيض من قطن، وَالْوَاجِب لحق الله تَعَالَى وَحقه ثوب وَاحِد يستر جَمِيعه ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى أَو خُنْثَى، وَيَأْتِي فِي آخر الْفَصْل. سوى رَأس محرم وَوجه محرمه. وَتقدم قَرِيبا. لَا يصف

الْبشرَة من ملبوس مثله فِي الْجمع والأعياد مالم يوصى بِدُونِهِ فتتبع وَصيته لإِسْقَاط مِمَّا زَاد، وَيقدم هُوَ وَمؤنَة تَجْهِيزه على دين وَلَو برهن وَأرش جِنَايَة وَوَصِيَّة وميراث وَغَيرهَا، وَإِذا أوصى بأثواب ثمينة لَا تلِيق بِهِ لم تصح الْوَصِيَّة لِأَنَّهَا بمكروه. والجديد أفضل من الْعَتِيق مَا لم يوص بِغَيْرِهِ، وَلَا بَأْس بمسك فِيهِ. وَيجب كفن الرَّقِيق على مَالِكه كنفقته حَال الْحَيَاة، فَإِن لم يكن للْمَيت مَال فعلى من تلْزمهُ نَفَقَته، وَكَذَلِكَ دَفنه وَمَا لَا بُد للْمَيت مِنْهُ إِلَّا الزَّوْج فَلَا يلْزمه كفن امْرَأَته وَلَا مُؤنَة تجهيزها، نَص عَلَيْهِ، لِأَن النَّفَقَة وَالْكِسْوَة وَجَبت فِي النِّكَاح للتمكين من الِاسْتِمْتَاع وَلِهَذَا تسْقط بالنشوز، وَقد انْقَطع ذَلِك بِالْمَوْتِ فَأَشْبَهت الْأَجْنَبِيَّة، ثمَّ إِن لم يكن مَاله وَلَا من تلْزمهُ نَفَقَته فَتجب فِي بَيت المَال إِن كَانَ الْمَيِّت مُسلما لِأَن بَيت المَال للْمصَالح وَهَذَا من أهمها، فَإِن كَانَ كَافِرًا وَلَو ذِمِّيا فَلَا، ثمَّ إِن لم يكن بَيت مَال أَو كَانَ وَتعذر الْأَخْذ مِنْهُ فعلى مُسلم عَالم بِهِ، وَسن أَن تبسط اللفائف الثَّلَاث على بَعْضهَا وَاحِدَة فَوق أُخْرَى ليوضع الْمَيِّت عَلَيْهَا مرّة وَاحِدَة بعد تبخيرها بِعُود وَنَحْوه ثَلَاثًا، قَالَه فِي الْكَافِي وَغَيره بعد رشها بِنَحْوِ مَاء ورد لتَعلق رَائِحَة البخور بهَا إِن لم يكن الْمَيِّت محرما، وَتجْعَل اللفافة الظَّاهِرَة أحْسنهَا كالحي وَيجْعَل الحنوط وَهُوَ أخلاط من طيب وَلَا يُقَال فِي غير طيب الْمَيِّت فِيمَا بَينهمَا أَي يذر بَين اللفائف ثمَّ يوضع عَلَيْهِمَا مُسْتَلْقِيا وَيجْعَل مِنْهُ أَي الحنوط بِقطن بَين ألييه أَي الْمَيِّت وتشد خرقَة

مشقوقة الطّرف كالتبان تجمع ألييه ومثانته لرد الْخَارِج وإخفاء مَا ظهر من الروائح وَيجْعَل الْبَاقِي على منافذ وَجهه كعينيه وفمه وَأَنْفه وأذينه وعَلى مَوَاضِع سُجُوده جَبهته وَيَديه وركبتيه وأطراف أَصَابِع قَدَمَيْهِ تَشْرِيفًا لَهَا، وعَلى مغابنه كطي رُكْبَتَيْهِ وَتَحْت إبطَيْهِ وَكَذَا سرته، وَإِن طيب كُله فَحسن، وَكره دَاخل عَيْنَيْهِ لِأَنَّهُ يُفْسِدهَا وطليه بِمَا يمسِكهُ كصبر مَا لم ينْقل ثمَّ يرد طرف اللفافة الْعليا من الْجَانِب الْأَيْسَر على شقَّه الْأَيْمن ثمَّ يرد طرفها الْأَيْمن على شقَّه الْأَيْسَر كعادة الْحَيّ ثمَّ ترد الثَّالِثَة كَذَلِك وَترد الثَّانِيَة كَذَلِك فيدرجه فِيهَا إدراجا وَيجْعَل أَكثر الْفَاضِل من اللفائف عَن الْمَيِّت مِمَّا عِنْد رَأسه لشرفه على الرجلَيْن، والفاضل عَن وَجهه وَرجلَيْهِ عَلَيْهِمَا ليصير الْكَفَن كالكيس فَلَا ينتشر، ثمَّ يفقد اللفائف لِئَلَّا تَنْتَشِر، وَتحل فِي الْقَبْر، فَإِن نسي الملحد أَن يحلهَا نبش وَلَو بعد تَسْوِيَة التُّرَاب عَلَيْهِ لِأَنَّهَا سنة فينبش لَهَا كإفراده عَمَّن دفن مَعَه، وَكره تخريقها وَلَو خيف نبشه، والتكفين برقيق يَحْكِي الْهَيْئَة لرقته نصا وَلَو لم يصف الْبشرَة، نَص عَلَيْهِ، كمايكره لبسه للحي، وبمزعفر ومعصفر، وَحرم بجلد، وَجَاز من حَرِير وَمن مَذْهَب ومفضض لضَرُورَة بِأَن عدم ثوب غَيره يستر جَمِيعه فَتعين، وَمَتى لم يُوجد مَا يستر جَمِيعه ستر عَوْرَته ثمَّ رَأسه وَيجْعَل على بَاقِيه حشيش أَو ورق. وَسن تَغْطِيَة نعش وَكره بِغَيْر أَبيض. وَسن لامْرَأَة خَمْسَة أَثوَاب بيض من قطن تكفن بهَا إِزَار وخمار وقميص ولفافتان اسْتِحْبَابا وَلَا بَأْس أَن تنقب.

وَإِن مَاتَ مُسَافر كَفنه رَفِيقه من مَاله، فَإِن تعذر فَمِنْهُ وَيَأْخُذهُ من تركته إِن كَانَت أَو مِمَّن تلْزمهُ نَفَقَته غير الزَّوْج إِن نوى الرُّجُوع وَلَا حَاكم فَإِن وجد الْحَاكِم وَأذن فِيهِ رَجَعَ، وَإِن لم يَأْذَن أَو لم يَسْتَأْذِنهُ وَلَو مَعَ قدرته وَنوى الرُّجُوع على التَّرِكَة رَجَعَ على من تلْزمهُ نَفَقَته لقِيَامه بِوَاجِب، فَإِن كَانَ للْمَيت كفن وَثمّ حَيّ مُضْطَر إِلَى الْكَفَن لبرد وَنَحْوه فالحي أَحَق بِهِ أَي بِأَخْذِهِ بِثمنِهِ لِأَن حُرْمَة الْحَيّ آكِد، قَالَ الْمجد: إِن خشِي التّلف. وَإِن كَانَ لحَاجَة الصَّلَاة فالميت أَحَق بكفنه وَلَو لفافتين، وَيُصلي الْحَيّ عَلَيْهِ عُريَانا. وَقَالَ ابْن عقيل وَابْن الْجَوْزِيّ: يُصَلِّي عَلَيْهِ عادم فِي إِحْدَى لفافتيه. انْتهى. وَإِن سرق كَفنه كفن ثَانِيًا وثالثا من تركته وَلَو قسمت مَا لم تصرف فِي وَصيته أَو دين. وَسن لصغيرة إِلَى بُلُوغ قَمِيص ولفافتان بِلَا خمار، نصا. وَخُنْثَى كالأنثى احْتِيَاطًا. يُكفن صبي فِي ثوب وَاحِد وَيجوز فِي ثَلَاثَة مَا لم يَرِثهُ غير مُكَلّف رشيد من صَغِير مَجْنُون وسفيه، فَإِن وَرثهُ غير مُكَلّف فَلَا. وَالْوَاجِب فِي حق من تقدم ذكرهم ثوب وَاحِد بستر جَمِيع الْمَيِّت وَتقدم. وَقَالَ ابْن عقيل: وَمن أخرج فَوق الْعَادة فَأكْثر الطّيب والحوائج وَأعْطى المقرئين بَين يَدي الْجِنَازَة وَأعْطى الحمالين والحفار زِيَادَة على الْعَادة على طَرِيق الْمُرُوءَة لَا بِقدر الْوَاجِب فمتبرع، فَإِن كَانَت من التَّرِكَة فَمن نصِيبه. ذكره فِي الْإِقْنَاع.

وَقَالَ فِي شَرحه: وَكَذَا مَا يعْطى لمن يرفع صَوته بِالذكر أَمَام الْجِنَازَة وَمَا يصرف من طَعَام وَنَحْوه ليَالِي جمع وَمَا يصنع فِي أَيَّامهَا من الْبدع المستحدثة خُصُوصا إِذا كَانَ فِي الْوَرَثَة قَاصِر أَو يَتِيم. انْتهى. وَلَا يجبى كفن لعدم إِن أمكن ستره بحشيش ذكره فِي الْفُنُون. وَيحرم دفن ثِيَاب غير كَفنه مَعَه وتكسير أَوَان وَنَحْوه لِأَنَّهُ إِضَاعَة مَال، وَيجمع فِي ثوب وَاحِد لم يُوجد غَيره مَا أمكن من موتى، قَالَه فِي شرح الْمُنْتَهى.

فصل

3 - (فصل) . وَالصَّلَاة على من قُلْنَا يغسل فرض كِفَايَة لقَوْله (صلوا على من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله) وَالْأَمر للْوُجُوب، فَإِن لم يعلم بِهِ إِلَّا وَاحِد تعين عَلَيْهِ، وَتسقط الصَّلَاة عَلَيْهِ أَي الْمَيِّت ب صَلَاة مُكَلّف وَلَو أُنْثَى أَو خُنْثَى. وَتسن صَلَاة الْجِنَازَة جمَاعَة وَلَو نسَاء إِلَّا النَّبِي فَإِنَّهُم لم يصلوا عَلَيْهِ بِإِمَام احتراما وتعظيما، وَالْأولَى بهَا وَصِيَّة الْعدْل. وَتَصِح الْوَصِيَّة لاثْنَيْنِ. قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى. قلت بهَا أولاهما فِي إِمَامَة ثمَّ سيد فسلطان فنائبه فَالْأولى بِغسْل رجل، فزوج بعد ذَوي الْأَرْحَام، ثمَّ تساو الأولى بِالْإِمَامَةِ ثمَّ يقرع، وَمن قدمه ولى فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهِ لَا وَصِيّ، وتباح فِي مَسْجِد إِن أَمن تلويثه. وَيسن قيام إِمَام وَقيام مُنْفَرد فِي الصَّلَاة عِنْد صدر رجل أَي

ذكر ووسط امْرَأَة أَي أُنْثَى نَص عَلَيْهِ، وَبَين ذَلِك من خُنْثَى مُشكل، وَإِن اجْتمع موتى رجال فَقَط أَو نسَاء فَقَط أَو خناثي فَقَط، سوى بَين رُؤْسهمْ، وَيقدم إِلَى الإِمَام من كل نوع أفضل أَفْرَاد ذَلِك النَّوْع، وَيجْعَل وسط أُنْثَى حذاء صدر رجل وَخُنْثَى بَينهمَا، وَيقدم الْأَفْضَل من الْمَوْتَى أما المفضولين فِي الْمسير، وَجمع الْمَوْتَى بِصَلَاة وَاحِدَة أفضل. وصفتها مَا ذكره المُصَنّف بقوله: ثمَّ يكبر مصل نَائِما بعد النِّيَّة أَرْبعا أَي أَربع تَكْبِيرَات رَافعا يَدَيْهِ مَعَ كل تَكْبِيرَة يقْرَأ بعد التَّكْبِيرَة الأولى وَبعد التَّعَوُّذ والبسملة الْفَاتِحَة بِلَا استفتاح لِأَن مبناها على التَّخْفِيف، وَلذَلِك لم تشرع السُّورَة بعد الْفَاتِحَة. وَيصلى على النَّبِي بعد التَّكْبِيرَة الثَّانِيَة كَمَا فِي تشهد وَلَا يزِيد عَلَيْهِ، وَيَدْعُو بعد التَّكْبِيرَة الثَّالِثَة مخلصا بِأَحْسَن مَا يحضرهُ وَالْأَفْضَل أَن يَدْعُو بِشَيْء مِمَّا ورد، وَمِنْه: أَي الْوَارِد اللَّهُمَّ اغْفِر لحينا وميتنا وشاهدنا أَي حاضرنا وغائبنا وصغيرنا وَكَبِيرنَا وذكرناوأنثانا إِنَّك تعلم منقلبنا أَي منصرفنا ومثوانا أَي مأوانا وَأَنت على كل شَيْء قدير، اللَّهُمَّ من أحييته منا فأحيه على الْإِسْلَام وَالسّنة وَمن توفيته منا فتوفه عَلَيْهَا رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ وارحمه وعافه واعف عَنهُ وَأكْرم نزله وأوسع مدخله واغسله بِالْمَاءِ والثلج وَالْبرد بِالتَّحْرِيكِ الْمَطَر المنعقد ونقه من الذُّنُوب

والخطايا كَمَا ينقى الثَّوْب الْأَبْيَض من الدنس، وأبدله دَارا خيرا من دَاره وزوجا خيرا من زوجه وَأدْخلهُ الْجنَّة وأعذه من عَذَاب الْقَبْر وَعَذَاب النَّار وافسح لَهُ فِي قَبره وَنور لَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ اللَّائِق بِالْحَال. وَإِن كَانَ الْمَيِّت صَغِيرا أَو مَجْنُونا وَاسْتمرّ جُنُونه حَتَّى مَاتَ قَالَ بعد وَمن توفيته منا فتوفه عَلَيْهِمَا: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ ذخْرا لوَالِديهِ وفرطا بِالتَّحْرِيكِ الْوَلَد الَّذِي يَمُوت صَغِيرا أَي سَابِقًا أَي مهيئا لمصَالح أَبَوَيْهِ فِي الْآخِرَة سَوَاء مَاتَ فِي حياتهما أَو بعد مَوْتهمَا وَأَجرا وشفيعا مجابا، اللَّهُمَّ ثقل بِهِ موازينهما وَأعظم بِهِ أجورهما وألحقه بِصَالح سلف الْمُؤمنِينَ، واجعله فِي كَفَالَة إِبْرَاهِيم وقه بِرَحْمَتك عَذَاب الْجَحِيم وَإِن لم يعلم إِسْلَام أَبَوَيْهِ دَعَا لمواليه. وَيُؤَنث الضَّمِير على أُنْثَى وَلَا يَقُول فِي ظَاهر كَلَامهم: وأبدلها زوجا خيرا من زَوجهَا. وَلَا بَأْس بِإِشَارَة بِنَحْوِ أصْبع لمَيت حَال دُعَائِهِ نصا، وَيُشِير مصل بِمَا يصلح لَهما على خُنْثَى فَيَقُول: اللَّهُمَّ اغْفِر لهَذَا الْمَيِّت وَنَحْوه وَيقف بعد التَّكْبِيرَة الرَّابِعَة قَلِيلا وَلَا يَدْعُو وَيسلم تَسْلِيمَة وَاحِدَة عَن يَمِينه نصا، وَيجوز بِهِ تِلْقَاء وَجهه، نَص عَلَيْهِ، من غير الْتِفَات وَيجوز ثَانِيَة عَن يسَاره وَيرْفَع مَعَ كل تَكْبِيرَة وَتقدم. وَسن وقُوف حَتَّى ترفع. وشروطها ثَمَانِيَة: النِّيَّة، والتكليف، واستقبال الْقبْلَة، وَستر الْعَوْرَة وَاجْتنَاب

النَّجَاسَة، وَحُضُور الْمَيِّت بَين يَدي الْمُصَلِّي إِن كَانَ بِالْبَلَدِ، وَإِسْلَام الْمُصَلِّي والمصلى عَلَيْهِ، وطهارتهما وَلَو بِتُرَاب الْعذر، وأركانها سَبْعَة: الْقيام فِي فَرضهَا، والتكبيرات الْأَرْبَع فَإِن ترك غير مَسْبُوق مِنْهَا تَكْبِيرَة وَاحِدَة عمدا بطلت صلَاته وسهوا يكبر وجوبا مَا لم يطلّ الْفَصْل، فَإِن طَال أَو وجد منَاف للصَّلَاة اسْتَأْنف، وَقِرَاءَة الْفَاتِحَة لإِمَام ومنفرد، وَالصَّلَاة على النَّبِي، وَالدُّعَاء للْمَيت وَيَكْفِي أدنى دُعَاء لَهُ وَالسَّلَام، وَالتَّرْتِيب للأركان فَتعين الْقِرَاءَة فِي الأولى وَالصَّلَاة على النَّبِي فِي الثَّانِيَة صرح بِهِ فِي الْمُسْتَوْعب وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيص وَالْبُلغَة وَلَا يتَعَيَّن كَون الدُّعَاء بعد الثَّالِثَة بل يجوز بعد الرَّابِعَة نقلة الزَّرْكَشِيّ عَن أَكثر الْأَصْحَاب. وصفتها أَن يَنْوِي الْمُصَلِّي ثمَّ يكبر الْإِحْرَام وَيقْرَأ الْفَاتِحَة كَمَا سبق ثمَّ يكبر وَيُصلي على النَّبِي كفى التَّشَهُّد وَلَا مزِيد عَلَيْهِ، ثمَّ يكبر وَيَدْعُو للْمَيت بِنَحْوِ اللَّهُمَّ ارحمه، والوارد الْمُتَقَدّم أفضل، ثمَّ يكبر الرَّابِعَة وَيقف بعْدهَا قَلِيلا وَيسلم. وَيجوز أَن يُصَلِّي على الْمَيِّت من دَفنه إِلَى شهر وَشَيْء، قَالَ القَاضِي: كَالْيَوْمِ واليومين. وَيحرم ذَلِك. ثمَّ أَخذ يتَكَلَّم على الْحمل فَقَالَ: وَسن تربيع فِي حملهَا أَي الْجِنَازَة، وَحملهَا فرض كِفَايَة إِجْمَاعًا وَتقدم. وَسن أَن يحملهَا أَرْبَعَة،

وَكَرِهَهُ الآجرى وَغَيره مَعَ الإزدحام. والتربيع الْأَخْذ بقوائم السرير الْأَرْبَع بِأَن يضع قَائِم السرير الْيُسْرَى الْمُقدمَة على عَاتِقه الْيُمْنَى، ثمَّ ينْتَقل إِلَى الْمُؤخر فَيَضَعهَا على عَاتِقه الْيُمْنَى أَيْضا، ثمَّ يضع قَائِمَة السرير الْيُمْنَى الْمُتَقَدّمَة على عَاتِقه الْيُسْرَى وينتقل إِلَى المؤخرة. وَإِن حمل بَين العمودين وهما القائمتان كل عَمُود على عاتق كَانَ حسنا، نَص عَلَيْهِ، وَلَا بَأْس أَن يحمل الطِّفْل على يَدَيْهِ، وَلَا على دَابَّة لغَرَض صَحِيح كبعد قبر وَنَحْوه: وَسن إسراع بهَا دون الخبب نصا، وَهُوَ ضرب من الْمَشْي مَا لم يخف عَلَيْهِ فَيَمْشِي بِهِ الهوينا. وَسن اتِّبَاع الْجِنَازَة وَكَون ماش أمامها أَي الْجِنَازَة وَكَون رَاكب لحَاجَة خلفهَا، وَسن قرب مِنْهَا أَي الْجِنَازَة، وَكره قيام لَهَا إِن جَاءَت أَو مرت وَهُوَ جَالس. ثمَّ شرع يتَكَلَّم على الدّفن فَقَالَ: وَسن كَون قبر لحدا واللحد بِفَتْح اللَّام، وَالضَّم لُغَة، حفر فِي أَسْفَل حَائِط الْقَبْر، وَكَونه مِمَّا يَلِي الْقبْلَة، وَنصب لبن عَلَيْهِ غير مشوى أفضل، وَكره شقّ بِلَا عذر، قَالَ 16 (الإِمَام أَحْمد) : لَا أحب الشق لحَدِيث: (اللَّحْد لنا والشق لغيرنا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره لكنه ضَعِيف.

والشق أَن يحْفر وسط الْقَبْر كالحوض ثمَّ يوضع الْمَيِّت فِيهِ ويسقف عَلَيْهِ ببلاط أَو غَيره أَو يبْنى جانباه بِلَبن أَو غَيره، فَإِن تعذر اللَّحْد لكَون التُّرَاب ينهال وَلَا يُمكن رَفعه بِنصب لبن وَلَا حِجَارَة وَنَحْوه لم يكره الشق، فَإِن أمكن أَن يَجْعَل شبه اللَّحْد بَين الجنادل وَالْحِجَارَة وَاللَّبن جعل نصا وَلم يعدل إِلَى الشق وَسن قَول مدْخل ميت الْقَبْر باسم الله وعَلى مِلَّة رَسُول الله وَسن لحده أَي الْمَيِّت على شقَّه الْأَيْمن وَوضع لبنة تَحت رَأسه فَإِن لم يُوجد فحجر، فَإِن لم يُوجد فقليل من تُرَاب يشبه المخدة للنائم وَتكره مخدة تَحت رَأسه نصا لِأَنَّهُ غير لَائِق بِالْحَال، ومضربة بتَشْديد الرَّاء وقطيفة تَحْتَهُ وَيجب استقباله أَي الْمَيِّت الْقبْلَة، وَكره بِلَا حَاجَة جُلُوس تابعها أَي الْجِنَازَة قبل وَضعهَا بِالْأَرْضِ للدفن نصا، وَكره تجصيص قبر وَدفن فِي تَابُوت وَلَو لامْرَأَة، وَكره بِنَاء عَلَيْهِ قبَّة أَو غَيرهَا وَكره كِتَابَة عَلَيْهِ، وَكره مشي بنعل عَلَيْهِ إِلَّا لخوف نَجَاسَة أَو شوك، وَكره جُلُوس عَلَيْهِ، وَكره إِدْخَاله أَي الْقَبْر خشما إِلَّا لضَرُورَة إِدْخَاله شَيْئا مسته النَّار كآجر، وَأَن يَجْعَل حَدِيد، وَلَو أَن الأَرْض رخوة أَو ندية، وَكره تَبَسم عِنْده وَحَدِيث بِأَمْر الدُّنْيَا عِنْده وَالسّنة أَن يدفنه من عِنْد رجلَيْهِ إِن كَانَ أسهل وَإِلَّا فَمن حَيْثُ يسهل،

وَإِن اسْتَوَت الجهتان فَسَوَاء، وَإِن مَاتَ بسفينة ألقِي فِي الْبَحْر سلا كإدخاله الْقَبْر، وَحرم دفن اثْنَيْنِ فَأكْثر فِي قبر وَاحِد إِلَّا لضَرُورَة أَو حَاجَة ككثرة الْمَوْتَى بقتل أَو غَيره أَو قلَّة من يدفنهم خوف الْفساد عَلَيْهِم. وَمَتى ظن أَنه بلي وَصَارَ رميما جَازَ نبشه وَدفن فِيهِ، وَإِن شكّ فِي ذَلِك رَجَعَ إِلَى أهل الْخِبْرَة، فَإِن خفر فَوجدَ فِيهَا عظاما دَفنهَا مَكَانهَا وَأعَاد التُّرَاب كَمَا كَانَ وَلم يجز أَن يدْفن ميت آخر عَلَيْهِ نصا. وَسن حثو التُّرَاب عَلَيْهِ ثَلَاثًا ثمَّ يهال، لِأَن مواراته فرض، وبالحثى يصير كمن شَارك فِيهَا، وَفِي ذَلِك أقوى عِبْرَة وتذكار فاستحب لذَلِك، وَاسْتحبَّ الْأَكْثَر تلقينه بعد الدّفن، قَالَ فِي الْإِقْنَاع وَشَرحه: وَهل يلقن غير الْمُكَلف وَجْهَان. وَهَذَا الْخلاف مَبْنِيّ على نزُول الْملكَيْنِ إِلَيْهِ، النَّفْي قَول القَاضِي وَابْن عقيل وفَاقا للشَّافِعِيّ، وَالْإِثْبَات قَول أبي حَكِيم وَغَيره وَحَكَاهُ ابْن عَبدُوس عَن الْأَصْحَاب، الْمُرَجح النُّزُول فَيكون الْمُرَجح تلقينه وَصَححهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين. انْتهى. فَيقوم الملقن عِنْد رَأسه بعد تَسْوِيَة التُّرَاب عَلَيْهِ فَيَقُول: يَا فلَان بن فُلَانَة، ثَلَاثًا، فَإِن لم يعرف اسْم أمه نِسْبَة إِلَى حَوَّاء، ثمَّ يَقُول: اذكر مَا خرجت عَلَيْهِ من الدُّنْيَا شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَأَنَّك رضيت بِاللَّه رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دينا وَبِمُحَمَّدٍ نَبيا وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا وَبِالْكَعْبَةِ قبْلَة وَبِالْمُؤْمِنِينَ إخْوَانًا، وَأَن الْجنَّة حق، وَأَن النَّار حق، وَأَن الْبَعْث حق، وَأَن

السَّاعَة آتِيَة لَا ريب فِيهَا، وَأَن إِلَيْهِ يبْعَث من فِي الْقُبُور. والدفن بالصحراء أفضل، وَسن رش الْقَبْر بِالْمَاءِ وَرَفعه قدر شبر، وتسنيمه أفضل من تسطيحه إِلَّا بدار الْحَرْب إِن تعذر نَقله فتسوية وإخفاء أفضل وَلَا بَأْس بتطيينه وتعليمه بِحجر أَو خَشَبَة أَو لوح. وَحرم إسراج الْمَقَابِر لِأَن فِي ذَلِك تَضْييع مَال من غير فَائِدَة، وَجعل مَسْجِد على مَقْبرَة أَو بَينهَا وتتعين إِزَالَته، وَفِي كتاب الْهدى: لَو وضع الْمقْبرَة وَالْمَسْجِد مَعًا لم يجز وَلم يَصح والقف ولاالصلاة، وَلَا بَأْس بتحويل الْمَيِّت وَنَقله إِلَى مَكَان آخر بعيد لغَرَض صَحِيح كبقعة شريفة ومجاورة صَالح مَعَ أَمن التَّغَيُّر إِلَّا الشَّهِيد إِذا دفن بمصرعه لَا ينْقل مِنْهُ، وَدَفنه بِهِ سنة حَتَّى لَو نقل مِنْهُ رد إِلَيْهِ، وَلَو وصّى بدفنه فِي ملكه دفن مَعَ الْمُسلمين لِأَنَّهُ مُضر بالورثة، وَلَا بَأْس بِشِرَائِهِ مَوضِع قَبره، ويوصي بدفنه فِيهِ وَحرم فِي مسبلة قبل الْحَاجة، وَدفن بِمَسْجِد وَنَحْوه، وَفِي ملك الْغَيْر بِلَا إِذْنه وينبش فيهمَا، وَالْأولَى فِي ملك الْغَيْر تَركه لما فِيهِ من هتك حرمته وَكَرِهَهُ أَبُو الْمَعَالِي لذَلِك، وَإِن مَاتَت الْحَامِل بِمن ترجى حَيَاته حرم شقّ بَطنهَا من أجل الْحمل

وَأخرج النِّسَاء من ترجى حَيَاته، فَإِن تعذر إِخْرَاجه لم تدفن وَترك حَتَّى يَمُوت، وَلَو خرج بعضه حَيا شقّ للْبَاقِي، وَيلْزم تَمْيِيز قُبُور أهل الذِّمَّة. وَأي قربَة فعلت من مُسلم وَجعل أَي أهْدى ثَوَابهَا أَو بعضه لمُسلم حَيّ أَو ميت نَفعه ذَلِك لحُصُول الثَّوَاب حَتَّى لرَسُول الله، وَاعْتبر بَعضهم إِذا نَوَاه حَال الْفِعْل أَو قبله. وَسن لرجل زِيَارَة قبر مُسلم نَص عَلَيْهِ بِلَا سفر وتباح لقبر كَافِر وَلَا يسلم عَلَيْهِ بل يَقُول: أبشر بالنَّار، وَتكره لامْرَأَة، وَإِن علمت أَنه يَقع مِنْهَا محرم حرم عَلَيْهَا الْخُرُوج غير قبر النَّبِي وقبر صَاحِبيهِ رضوَان الله عَلَيْهِمَا فتسن للرِّجَال وَالنِّسَاء، وَإِن اجتازت بِقَبْر فِي طريقها فَسلمت عَلَيْهِ ودعت لَهُ فَحسن، وَسن الْقِرَاءَة عِنْده أَي الْقَبْر، وَسن فعل مَا يُخَفف عَنهُ أَي الْمَيِّت وَلَو بِجعْل جَرِيدَة رطبَة وَنَحْوهَا فِي الْقَبْر، وَسن قَول زائر قبر مُسلم ومار بِهِ: السَّلَام بالتعريف عَلَيْكُم دَار قوم مُؤمنين، وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون، يرحم الله وَفِي الْمُنْتَهى وَيرْحَم الله بِزِيَادَة الْوَاو الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُم والمستأخرين، نسْأَل الله لنا وَلكم الْعَافِيَة. اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمنَا أجرهم، وَلَا تفتنا بعدهمْ، واغفر لنا وَلَهُم. وَيُخَير فِي تَعْرِيف السَّلَام وتنكيره على الْحَيّ، وابتداؤه سنة، وَمن جمَاعَة سنة كِفَايَة وَالْأَفْضَل من جَمِيعهم، ورده فرض كِفَايَة على الْجَمَاعَة وَفرض عين على الْوَاحِد، وَلَا يتْرك السَّلَام إِذا كَانَ يغلب على ظَنّه أَن الْمُسلم عَلَيْهِ لَا يرد، وَرفع الصَّوْت فِي الرَّد قدر الإبلاغ وَاجِب، وتزاد الْوَاو فِي رد السَّلَام وجوبا، قَالَه فِي الْإِقْنَاع:

وَقَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى: وَلَا تجب زِيَادَة الْوَاو فِيهِ، قَالَ فِي الْآدَاب الْكُبْرَى وَهُوَ أشهر. فَائِدَة. لَو قَالَ: سَلام. لمن يجبهُ. قَالَ الشَّيْخ عبد الْقَادِر قدس سره: وَلَو قَالَ الرَّاد: وَعَلَيْك، وَعَلَيْكُم، فَقَط، وَحذف الْمُبْتَدَأ فَظَاهر كَلَام النَّاظِم فِي مجمع الْبَحْرين أَنه يجزىء. وَكَذَا قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين، وَظَاهر كَلَام ابْن أبي مُوسَى وَابْن عقيل لَا يُجزئ وَكَذَا قَالَ سَيِّدي عبد الْقَادِر. قَالَ: وَيكرهُ الانحناء فِي السَّلَام. انْتهى. وتشميت الْعَاطِس بالشين إِذا حمد فرض كِفَايَة كرد السَّلَام فَيَقُول لَهُ: يَرْحَمك الله، أَو يَرْحَمكُمْ الله، فَإِن لم يحمد كره تشميته، فَإِن نسى لم يذكرهُ. وَيرد عَلَيْهِ الْعَاطِس وجوبا فَيَقُول: يهديكم الله وَيصْلح بالكم، نَص عَلَيْهِ. أَو: يغْفر الله لكم. وَيَقُول للصَّبِيّ إِذا عطس: بورك فِيك وجبرك الله. وَيجب التشميت ثَلَاث مَرَّات، وَفِي الرَّابِعَة يَدْعُو لَهُ وَلَا يشمته إِذا كَانَ قد شمته ثَلَاثًا، لِأَن الِاعْتِبَار بالتشميت لَا بِعَدَد العطسات. ثمَّ أَخذ فِي الْكَلَام على التَّعْزِيَة فَقَالَ: وتعزية الْمُسلم الْمُصَاب بِالْمَيتِ سنة قبل الدّفن وَبعده حَتَّى الصَّغِير وَالصديق للْمَيت وَالْجَار وَمن شقّ ثَوْبه فَلَا يتْرك حَقًا لباطل فَيَقُول المعزي للمصاب: أعظم الله أجرك وَأحسن عزاءك وَغفر لميتك، وَيَقُول المعزي: اسْتَجَابَ الله دعاءك ورحمنا وَإِيَّاك، وَإِن نَهَاهُ فَحسن

وَيجوز الْبكاء عَلَيْهِ أَي على الْمَيِّت، وَمعنى التَّعْزِيَة التسلية والحث على الصَّبْر بوعد الْأجر. وَسن للمصاب أَن يَقُول: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون، اللَّهُمَّ اجبرني فِي مصيبتي وأخلف لي خيرا مِنْهَا. وَيُصلي رَكْعَتَيْنِ وليصبر. وَحرم ندب وَهُوَ الْبكاء مَعَ تعداد محَاسِن الْمَيِّت وَحرم نياحة وَهِي رفع الصَّوْت بذلك برنة وَحرم شقّ ثوب وَحرم لطم خد وَنَحْوه كالصراخ ونتف الشّعْر ونشره وحلقه. وَفِي الْفُصُول: يحرم النحيب وَإِظْهَار الْجزع لِأَن ذَلِك يشبه التظلم من الظَّالِم، وَهُوَ عدل من الله تبَارك وَتَعَالَى. وَيعرف زَائِره يَوْم الْجُمُعَة قبل طُلُوع الشَّمْس، وَفِي الغنية يعرفهُ كل وَقت وَهَذَا الْوَقْت آكِد، ويتأذى بالمنكر عِنْده وَينْتَفع بِالْخَيرِ. وَيجب الْإِيمَان بتعذيب الْمَوْتَى فِي قُبُورهم.

كتاب الزكاة

(كتاب الزَّكَاة) كتاب الزَّكَاة. واشتقاقها لُغَة من زكا يزكو إِذا نما أَو تطهر، يُقَال زكا الزَّرْع إِذا نما وَزَاد، وَقَالَ تَعَالَى 19 ((قد أَفْلح من زكاها)) أَي طهرهَا من الأدناس وَتطلق على الْمَدْح قَالَ تَعَالَى 19 ((وَلَا تزكوا أَنفسكُم)) ، وعَلى الصّلاح يُقَال: رجل زكى أَي زَائِد الْخَيْر من قوم أزكياء، وزكى القَاضِي الشُّهُود إِذا بَين زيادتهم فِي الْخَيْر، وَسمي المَال الْمخْرج زَكَاة لِأَنَّهُ يزِيد فِي الْمخْرج مِنْهُ ويقيه الْآفَات. وأصل التَّسْمِيَة قَوْله تَعَالَى 19 ((خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة تطهرهُمْ وتزكيهم بهَا)) . وَهِي أحد أَرْكَان الْإِسْلَام ومبانيه لقَوْله: (بني الْإِسْلَام على خمس. .) فَذكر مِنْهَا إيتَاء الزَّكَاة، وفرضت بِالْمَدِينَةِ وَقيل: فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة بعد زَكَاة الْفطر، وَفِي تَارِيخ ابْن جرير الطَّبَرِيّ أَنَّهَا فرضت فِي السّنة الرَّابِعَة من الْهِجْرَة، وَقيل فرضت قبل الْهِجْرَة وبينت بعْدهَا. وَهِي حق وَاجِب فِي مَال مَخْصُوص لطائفة مَخْصُوصَة فِي وَقت مَخْصُوص.

تجب الزَّكَاة فِي خَمْسَة أَشْيَاء: أَحدهَا بَهِيمَة الْأَنْعَام وَهِي الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم، وَالثَّانِي نقد وَهُوَ الذَّهَب وَالْفِضَّة، وَالثَّالِث عرض تِجَارَة وَيَأْتِي بَيَانهَا، وَالرَّابِع خَارج من الأَرْض وَمَا فِي مَعْنَاهُ كالعسل الْخَارِج من النَّحْل وَالْخَامِس ثمار. فَهَذِهِ الْخَمْسَة تجب فِيهِ الزَّكَاة بِشَرْط إِسْلَام الْمَالِك، فَلَا تجب على الْكَافِر وَلَو مُرْتَدا سَوَاء حكمنَا بِبَقَاء الْملك مَعَ الرِّدَّة أَو بزواله لقَوْله تَعَالَى 19 ((قل للَّذين كفرُوا إِن ينْتَهوا يغْفر لَهُم مَا قد سلف)) وَقَوله (الْإِسْلَام يجب مَا قبله) وبشرط حريَّة لإكمالها فَتجب على الْمبعض بِقدر ملكه، وَلَا تجب على رَقِيق وَلَو مكَاتبا، وَلَا يملك غير الْمكَاتب وَلَو ملك. وبشرط ملك نِصَاب فَلَا زَكَاة فِي مَال غير بَالغ نِصَابا كَمَا يَأْتِي، تَقْرِيبًا فِي الْأَثْمَان وقيم عرُوض التِّجَارَة وتحديدا فِي غَيرهَا، لغير مَحْجُور عَلَيْهِ، فَلَا تجب عَلَيْهِ وَإِن قُلْنَا الدّين غير مَانع، لِأَنَّهُ مَمْنُوع من التَّصَرُّف فِي مَاله حكما وَلَا يحْتَمل الْمُوَاسَاة، حَتَّى لَو كَانَ النّصاب مَغْصُوبًا فَتجب زَكَاته على ربه إِذا قَبضه لما مضى وَيرجع بهَا على غَاصِب. أَو كَانَ ضَالًّا فيزكيه إِذا وجده وبشرط استقراره أَي ذَلِك النّصاب بِوَضْعِهِ فِي نَحْو جرين

وبشرط سَلامَة الْمَالِك من دين ينقص النّصاب، وبشرط مُضِيّ حول كَامِل على نِصَاب تَامّ ويعفى عَن نصف يَوْم إِلَّا فِي معشر وَنَحْوه كالعسل والركاز والمعدن فَلَا يشْتَرط فِيهِ مُضِيّ حول وَإِلَّا فِي نتاج سَائِمَة بِكَسْر النُّون فَإِنَّهُ لَا يشْتَرط فِيهِ مُضِيّ حول أَيْضا، لِأَنَّهُ يُزكي مَعَ أَصله إِن كَانَ نِصَابا إِذا حَال حوله وَإِلَّا فِي ربح تِجَارَة فَإِن الرِّبْح تبع الرَّأْس فِي حوله إِن كَانَ نِصَابا وَإِن نقص النّصاب فِي بعض الْحول بِبيع صَحِيح وَلَو بِخِيَار أَو ب غَيره أَي البيع كَمَا لَو أبدل نِصَابا تجب الزَّكَاة فِي عينه بِغَيْر جنسه كبقر أَو إبل بغَيْرهَا بِشَرْط أَن لَا يكون فعل ذَلِك قرارا من الزَّكَاة انْقَطع حول النّصاب وَإِن أبدله أَي النّصاب أَو بَاعه بِجِنْسِهِ كغنم بِمثلِهِ وَنَحْوه فَلَا يَنْقَطِع حوله نصا وَإِن اخْتلف نَوعه وَإِذا قبض رب الدّين زَكَّاهُ لما مضى وَإِن كَانَ غَائِبا مَعَ عَبده أَو وَكيله أَو مودعا أَو مسروقا أَو مَدْفُونا منسيا بداره أَو غَيرهَا أَو أَنه وَرثهُ وجهله لعدم علمه بِمَوْت مُوَرِثه أَو جهل عِنْد من هُوَ، فَتجب عَلَيْهِ زَكَاته إِذا قدر عَلَيْهِ. وَشرط لَهَا أَي الزَّكَاة فِي بَهِيمَة أنعام أَي تتَّخذ لدر ونسل وتسمين لَا لعمل، وَشرط لَهَا مَعَ مُضِيّ حول سوم أَيْضا وَهُوَ أَن ترعى الْمُبَاح كل الْحول أَو كثره نصا طرفاأووسطا، فَلَو اشْترى لَهَا مَا ترعاه أَو جمع لَهَا مَا تَأْكُل من مُبَاح أَو اعتلفت ينفسها أَو عَلفهَا غَاصِب أَو رَبهَا وَلَو حَرَامًا فَلَا زَكَاة فِيهَا لعدم السّوم وَلَا يعْتَبر لَهُ نِيَّة، وَكَذَا الْعلف فَلَو سامت بِنَفسِهَا أَو أسامها غَاصِب وَجَبت الزَّكَاة كغصبه حبا وزرعه فِي أَرض ربه، فِيهِ الْعشْر على مَالِكه كَمَا لَو نبت بِلَا زرع

وَأَقل نِصَاب إبل سَائِمَة بَخَاتِي أَو عراب خمس وفيهَا شَاة إِجْمَاعًا وَفِي الْإِبِل المعيبة شَاة صَحِيحَة تنقص قيمتهَا بِقدر نقص الْإِبِل كشاة الْغنم، فمثلا لَو كَانَت صحاحا بِمِائَة وَكَانَت الشَّاة فِيهَا قيمتهَا خَمْسَة ثمَّ قومت مراضا بِثَمَانِينَ كَانَ نَقصهَا بِسَبَب الْمَرَض عشْرين وَذَلِكَ خمس قيمتهَا لَو كَانَت صحاحا، فَتجب فِيهَا شَاة قيمتهَا أَرْبَعَة بِقدر نقص الْإِبِل وَهُوَ الْخمس من قيمَة الشَّاة وَلَا يُجزئ عَنْهَا بعير نصا وَلَا بقرة وَلَا نصفا شَاة. وَفِي عشر من الْإِبِل شَاتَان، وَفِي خمس عشرَة بَعِيرًا ثَلَاث شِيَاه، وَفِي عشْرين أَربع شِيَاه إِجْمَاعًا، وَالشَّاة إِن كَانَت من الضَّأْن اعْتبر أَن يكون لَهَا سِتَّة أشهر فَأكْثر، وَمن الْمعز اعْتبر لَهَا سنة فَأكْثر كالأضحية، وَتَكون الشَّاة أُنْثَى فَلَا يجزىء الذّكر وَفِي خمس وَعشْرين بنت مَخَاض وَهِي الَّتِي لَهَا سنة وَدخلت فِي الثَّانِيَة سميت بذلك لِأَن أمهَا قد حملت غَالِبا، وَلَيْسَ حمل أمهَا شرطا فِي إجزائها والماخض الْحَامِل وَفِي سِتّ وَثَلَاثِينَ بنت لبون وَهِي الَّتِي لَهَا سنتَانِ سميت بذلك لِأَن أمهَا وضعت غَالِبا، وَلَيْسَ وَضعهَا شرطا أَيْضا. وَفِي سِتّ وَأَرْبَعين حقة، وَهِي الَّتِي لَهَا ثَلَاث سِنِين وَدخلت فِي الرَّابِعَة، لِأَنَّهَا اسْتحقَّت أَن يطرقها الْفَحْل وَفِي إِحْدَى وَسِتِّينَ جذعه بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَهِي الَّتِي لَهَا أَربع سِنِين وَدخلت فِي الْخَامِسَة سميت بذلك لإِسْقَاط سنّهَا، وتجزىء عَنْهَا ثينة بِلَا جيران وَفِي سِتّ وَسبعين بِنْتا لبون إِجْمَاعًا وَفِي إِحْدَى وَتِسْعين حقتان إِجْمَاعًا وَفِي مائَة وَإِحْدَى وَعشْرين ثَلَاث بَنَات لبون وَلَا شَيْء فِيمَا بَين

الفرضين، وَيُسمى الوقص وَالْعَفو ثمَّ فِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون وَفِي كل خمسين حَقه. وَيتَعَيَّن على ولى صَغِير وَمَجْنُون إِخْرَاج أدون مجزىء، وَلغيره دفع سنّ أَعلَى إِن كَانَ النّصاب معيبا بِلَا أَخذ جبران، وَلَا مدْخل لجبران فِي غير إبل، وَتُؤْخَذ من المراض من إبل وبقر وغنم مَرِيضَة إِذا كَانَ النّصاب كُله كَذَلِك، لِأَن الزَّكَاة مواساة، وَلَيْسَ مِنْهَا أَن يُكَلف غير الَّذِي فِي مَاله، وَلَا اعْتِبَار بقلة الْعَيْب وكثرته لِأَن الْقيمَة تَأتي على ذَلِك لكَون الْمخْرج وسطا فِي الْقيمَة. وَأَقل نِصَاب الْبَقر أَهْلِيَّة كَانَت أَو وحشية ثَلَاثُونَ وفيهَا تبيع، وَهُوَ الَّذِي لَهُ سنة، أَو تبيعه لَهَا سنة سمى بذلك لِأَنَّهُ يتبع أمه، والتبيع قد حَاذَى قرنه أُذُنه غَالِبا وَهُوَ جذع الْبَقر، وَيُجزئ إِخْرَاج مسن عَنهُ: ظَاهره وَلَو كَانَ التبيع عِنْده، لِأَنَّهُ أَنْفَع مِنْهُ وَفِي أَرْبَعِينَ بقرة مُسِنَّة وَهِي الَّتِي لَهَا سنتَانِ وَلَا فرض فِي الْبَقر غير هذَيْن السنين، وتجزىء أُنْثَى أَعلَى مِنْهَا بدلهَا لَا مسن عَنْهَا وَفِي سِتِّينَ تبيعان، ثمَّ إِن زَادَت فَيجب فِي كل ثَلَاثِينَ تبيع وَفِي كل أَرْبَعِينَ مُسِنَّة وَلَا يجزىء ذكر فِي الذَّكَاة إِلَّا هَذَا وَهُوَ التبيع لوُرُود النَّص فِيهِ، والمسن عَنهُ لِأَنَّهُ خير مِنْهُ، وَإِلَّا ابْن لبون وَحقّ وجذع وَمَا فَوْقه عِنْد عدم بنت مَخَاض عَنْهَا، وَإِلَّا إِذا كَانَ النّصاب من إبل وبقر وغنم كُله ذُكُورا لِأَن الذَّكَاة وَجَبت مواساة فَلَا يكلفها من غير مَاله. وَأَقل نِصَاب الْغنم أَهْلِيَّة كَانَت أَو وحشية أَرْبَعُونَ إِجْمَاعًا فِي الْأَهْلِيَّة فَلَا شَيْء فِيمَا دونهَا وفيهَا أَي الْأَرْبَعين شَاة إِجْمَاعًا (سقط: فِي الْأَهْلِيَّة)

وَفِي مائَة وَإِحْدَى وَعشْرين شَاتَان وَفِي مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَة ثَلَاث شِيَاه إِلَى أَرْبَعمِائَة شَاة ثمَّ يسْتَقرّ فِي كل مائَة شَاة شَاة وَالشَّاة بنت سنة من الْمعز، وَبنت نصفهَا أَي السّنة وَهُوَ سِتَّة أشهر من الضَّأْن وجوبا فيهمَا، وَتقدم فِي زَكَاة الْإِبِل وَلَا يُؤْخَذ تَيْس حَيْثُ يجزىء ذكر إِلَّا تَيْس ضراب فلساع أَخذه لخيره بِرِضا ربه، وَلَا تُؤْخَذ هرمة وَلَا مَعِيبَة لَا يضحى بهَا نصا إِلَّا أَن يكون الْكل كَذَلِك، وَلَا الربى وَهِي الَّتِي تربي وَلَدهَا وَلَا حَامِل وَلَا طروقة الْفَحْل وَلَا كَرِيمَة وَهِي النفيسة لشرفها وَلَا أكولة إِلَّا إِن شَاءَ رَبهَا الربى وَمَا بعْدهَا لِأَن الْمَنْع لحقه وَله إِسْقَاطه، وَتُؤْخَذ صَغِيرَة من صغَار غنم نَص عَلَيْهِ لَا من إبل وبقر، فَلَا يجزىء فصلان وعجاجيل فَيقوم النّصاب من الْكِبَار وَيقوم الصغار وَتُؤْخَذ عَنْهَا كَبِيرَة بِالْقِسْطِ. والخلطة بِضَم الْخَاء: الشّركَة فِي بَهِيمَة الْأَنْعَام دون غَيرهَا من الْأَمْوَال لَهَا تَأْثِير فِي الزَّكَاة إِيجَابا وإسقاطا وتغليظا وتخفيفا إِن تكن بشرطها تصير الْمَالَيْنِ ك المَال وَالْوَاحد فَإِذا خلط اثْنَان أَو أَكثر من أهل الزَّكَاة فِي نِصَاب من الْمَاشِيَة حولا لم يثبت لَهما حكم الإنفراد فِي بعضه، فحكمهما فِي الزَّكَاة حكم الْوَاحِد، وَيشْتَرط فِي تَأْثِير خلْطَة أَوْصَاف: وَهِي أَن يتَمَيَّز مَا لكل من الخليطين أَو الخلطاء كَأَن يكون لأَحَدهمَا شَاة وَلآخر تِسْعَة وَثَلَاثُونَ، أَو لأربعين إنْسَانا أَرْبَعُونَ شَاة لكل وَاحِد شَاة، نَص عَلَيْهِمَا واشتراكهما فِي مراح بِضَم الْمِيم، وَهُوَ الْمبيت والمأوى، ومسرح

وَهُوَ مَا يجْتَمع فِيهِ ليذْهب إِلَى المراعي، ومحلب وَهُوَ مَوضِع الْحَلب، وفحل، وَهُوَ عدم اخْتِصَاصه فِي طرقه بِأحد الْمَالَيْنِ إِن اتَّحد النَّوْع فَإِن اخْتلف لم يضر اخْتِلَاف فَحل للضَّرُورَة، ومرعى وَهُوَ مَوضِع الرَّعْي وَوَقته، لَا الرَّاعِي وَلَا المشرب وَاشْترط فيهمَا فِي الْإِقْنَاع، وَلَا تعْتَبر نِيَّة الْخلطَة فَلَو كَانَ لأربعين نفسا ذُكُور أَو إناث أَو مُخْتَلفين من أهل الزَّكَاة أَرْبَعُونَ شَاة مختلطة لَزِمَهُم شَاة بِالسَّوِيَّةِ، وَمَعَ انفرادهم لَا يلْزمهُم شَيْء، وَهَذِه الصُّورَة أفادت تَغْلِيظًا، وَلَو كَانَ لثَلَاثَة أنفس مائَة وَعِشْرُونَ شَاة لكل وَاحِد أَرْبَعُونَ شَاة لَزِمَهُم شَاة وَاحِدَة على كل وَاحِد مِنْهُم ثلثهَا كالشخص الْوَاحِد، وَمَعَ انفرادهم عَلَيْهِم ثَلَاث شِيَاه، وَهَذِه الصُّورَة أفادت تَخْفِيفًا. وَلَا أثر لخلطة من لَيْسَ من أهل الزَّكَاة كالكافر وَالْمكَاتب والمدين دينا يسْتَغْرق مَا بِيَدِهِ وَلَا لخلطة دون نِصَاب، وَلَا لتفرقة الْبلدَانِ فِي غير الْمَاشِيَة وَلَا لخلطة فِي غير السَّائِمَة، نَص عَلَيْهِ. ويجزىء إِخْرَاج بعض الخلطاء بِدُونِ إِذن بَقِيَّتهمْ مَعَ حضورهم وغيبتهم، وَالِاحْتِيَاط بإذنهم خُرُوجًا من خلاف ابْن حمدَان وَنَحْوه. وَمن أخرج مِنْهُم فَوق الْوَاجِب لم يرجع بِالزِّيَادَةِ على خلطائه، وَإِذا كَانَ لرجل سِتُّونَ شَاة بِمحل وَاحِد أَو بمحال مُتَقَارِبَة مَسَافَة قصر كل عشْرين مِنْهُمَا مختلطة بِعشْرين لآخر فعلى الشُّرَكَاء الْجَمِيع شَاة وَاحِدَة نصفهَا على صَاحب السِّتين لِأَن لَهُ نصف المَال، نصفهَا على خلطائه على كل وَاحِد مِنْهُم سدس شَاة مِنْهَا ضما لمَال كل خليط إِلَى مَال الْكل فَيصير كَمَال وَاحِد.

وَإِن كَانَت كل عشْرين من السِّتين مختلطة بِعشر لآخر فعلى رب السِّتين شَاة وَلَا شَيْء على خلطائه لأَنهم لم يختلطوا فِي نِصَاب. وَإِذا كَانَت مَاشِيَة الرجل مُتَفَرِّقَة فِي بلدين فَأكْثر لَا تقصر بَينهمَا الصَّلَاة فَهِيَ كالمجتمعة، وَإِن كَانَ بَينهمَا مَسَافَة قصر فَلِكُل مَال حكم نَفسه فَإِن كَانَ نِصَابا وَجَبت الزَّكَاة وَإِلَّا فَلَا مَا لم تكن خلْطَة.

فصل

3 - (فصل) : فِي زَكَاة الْخَارِج من الأَرْض من الزَّرْع وَالثِّمَار والمعدن والركاز وَالْخَارِج من النَّحْل وَهُوَ عسله. وَتجب الزَّكَاة فِي كل مَكِيل مدخر خرج من الأَرْض نصا فِي حبه من قوت وَغَيره فَتجب فِي كل الْحُبُوب كالحنطة وَالشعِير والذرة والقطنيات بِتَثْلِيث الْقَاف وَتَشْديد الْيَاء وتخفيفها كالباقلاء والحمص والعدس واللوبياء والماش والدخن والجلبانة والكرسنة والحلبة والخشخاش والسمسم وبزر الْبُقُول كلهَا كالهندبا والكرفس وبزر قطونا وَنَحْوهَا وبزر الرياحين جَمِيعهَا وأبازير الْقدر كالكمون والكراويا والحبة السَّوْدَاء والشمر والأنيسون وَحب القنب والخردل والأشنان وبذر القثاء وَالْخيَار والبطيخ والرشاد والفجل وَفِي كل ثَمَر يُكَال ويدخر كالتمر وَالزَّبِيب واللوز والفستق والبندق والسماق، وَمن غير حب كصعتر وأشنان، أَو من ورق شجر يقْصد كسدر وخطمى وآسن والمرسين لَا فِي عناب وتين وتوت وَجوز ومشمش ونبق وزعرور ورمان وخوخ، وخضر كيقطين ولفت وجزر وَنَحْو ذَلِك

وَيشْتَرط لما تجب فِيهِ شَرْطَانِ أَحدهمَا أَن يبلغ نصابه خَمْسَة أوسق فَلَا تجب فِيمَا دون ذَلِك، والوسق بِكَسْر الْوَاو وَفتحهَا سِتُّونَ صَاعا إِجْمَاعًا لنَصّ الْخَبَر، وَهُوَ خَمْسَة أَرْطَال وَثلث بالعراقي، فَيكون الْخَمْسَة أوسق فِي الْكل ألفا وسِتمِائَة رَطْل بالعراقي، وَهِي ألف وَأَرْبَعمِائَة وَثَمَانِية وَعِشْرُونَ رطلا وَأَرْبَعَة أَسْبَاع رَطْل بالمصري وَمَا وَافقه. وثلثمائة رَطْل وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ رطلا وَسِتَّة أَسْبَاع رَطْل بالدمشقي وَمَا وَافقه، ومائتان وَخَمْسَة وَثَمَانُونَ رطلا وَخَمْسَة أَسْبَاع رَطْل بالحلبي وَمَا وَافقه، ومائتان وَسَبْعَة وَخَمْسُونَ رطلا وَسبع رَطْل بالقدسي وَمَا وَافقه. وبالأرادب جمع أردب وَهُوَ كيل مَعْرُوف بِمصْر سِتَّة أرادب وَربع أردب تَقْرِيبًا. وَالشّرط الثَّانِي مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وَشرط بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ملكه أَي النّصاب وَقت وجوب زَكَاة وَهُوَ أَي وَقت الْوُجُوب اشتداد حب وبدو صَلَاح ثَمَر وَهُوَ طيب أكله وَظُهُور نضجه فَلَا تجب فِي مكتسب لقاط وَأُجْرَة حصاد ودياس وَنَحْوه وَلَا فِيمَا يملك إِلَّا بِأَخْذِهِ من الْمُبَاحَات كبطم وزعبل وَهُوَ شعير الْجَبَل وبزر قطونا وكزبرة وعفص وأشنان وسماق سَوَاء أَخذه من موَات أَو نبت فِي أرضه، لِأَنَّهُ لَا يملك إِلَّا بِأَخْذِهِ فَلم يكن وَقت الْوُجُوب فِي ملكه. وتضم ثَمَرَة الْعَام الْوَاحِد بَعْضهَا إِلَى بعض فِي تَكْمِيل نِصَاب

كل مِنْهُمَا إِذا اتَّحد الْجِنْس فَإِن كَانَ لَهُ نخل تحمل فِي السّنة حملين ضم أَحدهمَا إِلَى الآخر كزرع الْعَام الْوَاحِد. وَلَا يسْتَقرّ وجوب الزَّكَاة فِي هَذِه الْأَشْيَاء الَّتِي وَجَبت فِيهَا إِلَّا بجعلها أَي وَضعهَا فِي بيدر وَنَحْوه أَي كجرين ومسطاح. قَالَ فِي الْإِنْصَاف: الجرين يكون بِمصْر وَالْعراق، والبيدر يكون بالمشرق وَالشَّام، والمربد يكون بالحجاز وَهُوَ الْموضع الَّذِي تجمع فِيهِ الثَّمَرَة ليتكامل جفافها، والجوجان يكون بِالْبَصْرَةِ وَهُوَ مَوضِع تشميسها وتيبيسها ذكره فِي الرِّعَايَة وَغَيرهَا، وَيُسمى بلغَة آخَرين المسطاح وبلغة آخَرين الطبابة. انْتهى. فَدلَّ على أَن مُسَمّى الْجَمِيع وَاحِد. قَالَ فِي شرح الْإِقْنَاع. وَالْوَاجِب من الزَّكَاة عشر أَي وَاحِد من عشرَة إِجْمَاعًا فِي مَا أَي فِي ثَمَر أَو زرع سقى بِلَا مئونة أَي كلفة كَالَّذي يشرب وَهُوَ البعل أَو بغيث أَو سيح وَلَو بإجراء مَاء حفيرة شراه رب الزَّرْع وَالثَّمَر لَهما، وَلَا يُؤثر مئونة حفر نهر وَلَا تَحْويل مَاء فِي سواق وَإِصْلَاح طرقه لِأَنَّهُ لَا بُد مِنْهُ حَتَّى فِي السَّقْي بكلفة وَهُوَ كحرث الأَرْض، وَالْوَاجِب نصفه أَي الْعشْر فِيمَا سقى بهَا أَي المئونة كدوالي وَهِي الدولاب بديره الْبَقر ودلاء صغَار يسْقِي بهَا، ونواضح وَاحِدهَا نَاضِح وناضحة اسْم الْبَعِير الَّذِي يسْقِي عَلَيْهِ، وناعورة يديرها المَاء. وَالْوَاجِب ثَلَاثَة أَرْبَاعه أَي الْعشْر فِيمَا بهما أَي بالمئونة وَغَيرهَا نِصْفَيْنِ فَإِن تَفَاوتا أَي السقى بالمئونة وبغيرها بِأَن سقى بِأَحَدِهِمَا أَكثر من الآخر اعْتبر الْأَكْثَر من السقيتين نفعا ونموا نصا. فَلَا

اعْتِبَار بِعَدَد السقيات وَمَعَ الْجَهْل أَي الْجَهْل بِمِقْدَار السقى فَلم يدر أَيهمَا أَكثر أَو جهل الْأَكْثَر نفعا ونموا فَالْوَاجِب الْعشْر. وَسن لإِمَام بعث خارص لثمرة الْكَرم وَالنَّخْل إِذا بدا صَلَاحهَا، وَيَكْفِي خارص وَاحِد، وَيعْتَبر كَونه مُسلما أَمينا لَا يتهم، وأجرته على رب المَال، وَإِن لم يبْعَث الإِمَام خارصا فعلى رب المَال مَا يَفْعَله خارص ليعرف قدر مَا يجب عَلَيْهِ قبل تصرفه وَله الْخرص كَيفَ شَاءَ، وَيجب خرص متنوع وتزكيته كل نوع على حِدة، وَلَو شقا وَيجب أَن يتْرك الخارص لرب المَال الثُّلُث أَو الرّبع فيجتهد بِحَسب الْمصلحَة، فَإِن أَبى الخارص فلرب المَال أكل قدر ذَلِك من ثَمَر نصا لَهُ ولعياله وَمَا يَحْتَاجهُ لَهُ ولعياله لَا يحْتَسب عَلَيْهِ. وَلَا يهدى من الْحُبُوب شَيْئا قبل إِخْرَاج الزَّكَاة، وَأما الثِّمَار فَالثُّلُث أَو الرّبع الَّذِي ترك لَهُ يتَصَرَّف فِيهِ كَيفَ شَاءَ، وَلَا يكمل النّصاب بِالْقدرِ الْمَتْرُوك لرب المَال إِن أكله نصا. وَإِن لم يَأْكُلهُ كمل بِهِ النّصاب ثمَّ يَأْخُذ زَكَاة مَا سواهُ بِالْقِسْطِ، وَلَا يخرص غير كرم ونخل زَكَاة، يجب إِخْرَاج الْحبّ مصفى وَالثَّمَر يَابسا، فَلَو خَالف فَأخْرج سنبلا ورطبا وَعِنَبًا لم يُجزئهُ وَوَقع نفلا، فَلَو كَانَ الْآخِذ السَّاعِي فَإِن جففه وصفاه فجَاء قدر الْوَاجِب أَجْزَأَ وَإِلَّا رد الْفَاضِل إِن زَاد واخذ النَّقْص، إِن نقص، وَإِن بَقِي بِيَدِهِ وَلم يجففه رده

لمَالِكه لفساد الْقَبْض وطالبه بِالْوَاجِبِ، وَإِن تلف بيد السَّاعِي رد بدله فَيكون مَضْمُونا على السَّاعِي. وَيجب فِي الْعَسَل من النَّحْل الْعشْر نصا سَوَاء أَخذه من موَات كرءوس الْجبَال أَو من أَرض مَمْلُوكَة لَهُ وَلغيره وَعشر أَو خَرَاجِيَّة لِأَن الْعَسَل لَا يملك الأَرْض كالصيد، وَمحل الْوُجُوب فِيهِ إِذا بلغ نِصَابا مائَة وَسِتِّينَ رطلا عراقية وَهِي أَرْبَعَة وَثَلَاثُونَ رطلا وَسبعا رَطْل دمشقي، وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ رطلا وَسِتَّة أَسْبَاع رَطْل حَلَبِيّ وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ رطلا وَخَمْسَة أَسْبَاع رَطْل قدسي وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ رطلا وَسِتَّة أَسْبَاع رَطْل بعلي. وَلَا تكَرر زَكَاة معشرات فَمَتَى زَكَّاهُ فَلَا زَكَاة عَلَيْهِ بعد ذَلِك وَلَو بقيت عِنْده أحوالا. وتضمين أَمْوَال الْعشْر وَالْخَرَاج بِقدر مَعْلُوم بَاطِل. وَلَا زَكَاة فِيمَا ينزل من السَّمَاء كالمن وَنَحْوه. وَمن اسْتِخْرَاج من مَعْدن بِكَسْر الدَّال وَهُوَ كل متولد فِي الأَرْض من غير جِنْسهَا نِصَابا من ذهب أَو فضَّة أَو مَا يبلغ فيمة أَحدهمَا من غَيرهمَا بعد سبك وتصفية، منطبعا كَانَ كصفر ورصاص وحديد، أَو غير منطبع كياقوت وبلخش وعقيق وَزَبَرْجَد ومومياء ونورة وبشم وزاج وبلور وزفت وكحل ومغرة وملح وزئبق وزجاج وقار ونفط وسندورس فَفِيهِ أَي فِي مَا استخرج مِمَّا ذكر الزَّكَاة وَهِي ربع الْعشْر يجب إِخْرَاجه فِي الْحَال من عينهَا إِن كَانَت أثمانا، أَو من قيمتهَا إِن لم

تكن أثمانا، سَوَاء استخرجه فِي دفْعَة أَو دفعات لم يتْرك الْعَمَل فِيهَا ترك إهمال. وَحده ثَلَاثَة أَيَّام. حَكَاهُ فِي الْمُبْدع عَن ابْن المنجى، إِن لم يكن عذر، فَإِن كَانَ فبزواله فَلَا أثر لتَركه لإِصْلَاح آلَة وَمرض وسفر يسير وَنَحْو ذَلِك. وَلَا زَكَاة فِيمَا يخرج من الْبَحْر كَاللُّؤْلُؤِ والمرجان والعنبر وَغَيره وَلَا فِي حيوانه وَيجب فِي الرِّكَاز وَهُوَ الْكَنْز الْخمس فِي الْحَال مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ قَلِيلا أَو كثيرا، نَقْدا أَو عرضا، وَسَوَاء كَانَ واجده مُسلما أَو ذَمِيمًا، كَبِيرا أَو صَغِيرا، حرا أَو مكَاتبا، عَاقِلا أَو مَجْنُونا، فَإِن وجده عبد فَهُوَ من كَسبه فَيكون لسَيِّده، وَهُوَ أَي الرِّكَاز من ركز يركز كغرز يغرز إِذا أُخْفِي، وَمِنْه ركزت الرمْح إِذا أخفيت أَصله، وَمِنْه الركز وَهُوَ الصَّوْت الْخَفي، فَهُوَ لُغَة المَال المدفون، وَاصْطِلَاحا مَا وجد من دفن الْجَاهِلِيَّة أَو مِمَّن تقدم من كفار فِي الْجُمْلَة، عَلَيْهِ أَو على بعضه عَلامَة كفر فَقَط كأسمائهم وَأَسْمَاء مُلُوكهمْ. وَلَا يمْنَع وُجُوبه دين، ومصرفه مصرف الْفَيْء الْمُطلق للْمصَالح كلهَا، وباقية لواجده وَلَو أَجِيرا لنَحْو نقض حَائِض أَو حفر بِئْر، إِلَّا أَن يكون أَجِيرا لطلبه فَيكون لمستأجره.

فصل

3 - (فصل) فِي زَكَاة الذَّهَب وَالْفِضَّة وَحكم التحلي بهما للرِّجَال وَالنِّسَاء. وَأَقل نِصَاب ذهب عشرُون مِثْقَالا فِيهَا ربع الْعشْر وَيَأْتِي، والمثقال دِرْهَم وَثَلَاثَة أَسْبَاع دِرْهَم. وَلم تغير المثاقيل فِي جَاهِلِيَّة وَلَا إِسْلَام، وبالدراهم الإسلامية ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ درهما وَأَرْبَعَة أَسْبَاع دِرْهَم، وبدينار الْوَقْت الْآن الَّذِي زنته دِرْهَم وَثمن دِرْهَم على التَّحْدِيد خَمْسَة وَعِشْرُونَ دِينَارا وَسبعا دِينَار وَتِسْعَة وَأَقل نِصَاب فضَّة مِائَتَا دِرْهَم إسلامي إِجْمَاعًا، فالاعتبار بالدرهم الإسلامي الَّذِي زنته سِتَّة دوانق وَهِي بالمثاقيل مائَة وَأَرْبَعُونَ مِثْقَالا، وَفِيهِمَا ريع الْعشْر. ويضمان الذَّهَب وَالْفِضَّة، يضم أَحدهمَا إِلَى الآخر فِي تَكْمِيل النّصاب لِأَن زكاتهما ومقاصدهما متفقة، فَمن ملك عشرَة مَثَاقِيل ذهب وَمِائَة دِرْهَم زكاهما، وَمن ملك مائَة دِرْهَم وَتِسْعَة مَثَاقِيل تَسَاوِي مائَة دِرْهَم، أَو ملك عشرَة مَثَاقِيل ذهب وَتِسْعين درهما تبلغ قيمتهَا عشرَة مَثَاقِيل

ذهب، وعروض تِجَارَة تَسَاوِي خَمْسَة مَثَاقِيل وَخمسين درهما أَو ملك مائَة دِرْهَم وعروض تِجَارَة تَسَاوِي خمسين درهما وَخَمْسَة مَثَاقِيل ذَهَبا، ضمهَا وزكاها وجوبا. وتضم الْعرُوض أَيْضا إِلَى كل وَاحِد مِنْهُمَا أَي الذَّهَب وَالْفِضَّة كمن ملك عشرَة مَثَاقِيل ذَهَبا وعروضا تَسَاوِي عشرَة أُخْرَى، أَو كَانَ لَهُ مائَة دِرْهَم ومتاع يُسَاوِي مائَة أُخْرَى. ويزكي مغشوش، واتخاذه نَص عَلَيْهِ وَيجوز الْمُعَامَلَة بِهِ مَعَ الْكَرَاهَة إِذا أعلمهُ مغشوشة وَإِن جهل قدر الْغِشّ. قَالَ الشَّيْخ 16 (تَقِيّ الدّين) : والكيمياء غش فَتحرم، وَهِي تَشْبِيه الْمَصْنُوع من ذهب أَو فضَّة بالمخلوق، بَاطِلَة فِي الْعقل مُحرمَة بِلَا نزاع بَين عُلَمَاء الْمُسلمين وَإِن ثبتَتْ على الروباص، وَالْقَوْل بِأَن قَارون عَملهَا بَاطِل. وَالْوَاجِب فيهمَا أَي الذَّهَب وَالْفِضَّة ربع الْعشْر مضروبين أَو غير مضروبين، وَتقدم، وَلَا تدخل فيهمَا الْفُلُوس وَلَو رائجة. وأبيح لرجل وَخُنْثَى من الْفضة خَاتم لِأَنَّهُ اتخذ خَاتمًا من ورق مُتَّفق عَلَيْهِ. ويخنصر يسَار أفضل، نصا. وَيجْعَل فصه مِمَّا يَلِي كَفه، وَكره بسبابة ووسطى، وَظَاهره لَا يكره بالإبهام والبنصر، وَلَا بَأْس بجعله مِثْقَالا فَأكْثر مَا لم يخرج عَن الْعَادة وَإِلَّا حرم، وَله جعل فصل مِنْهُ أَو من غَيره وَلَو من ذهب إِن كَانَ يَسِيرا، قَالَه فِي

الْإِقْنَاع، وَلبس خاتمين فَأكْثر الْأَظْهر الْجَوَاز وَعدم وجوب الزَّكَاة قَالَه فِي الْإِنْصَاف. وَكره أَن يكْتب على خَاتم ذكر الله تَعَالَى قُرْآنًا أَو غَيره نصا. وَكره لرجل وَامْرَأَة تختم بحديد ونحاس ورصاص وصفر، وَيسْتَحب بعقيق وأبيح لرجل من الْفضة أَيْضا قبيعة سيف وَحلية منْطقَة وَهُوَ مَا يشد بِهِ الْوسط وتسميها الْعَامَّة حياصة وعَلى قِيَاسه حلية جوشن وَنَحْوه كخف وران وَهُوَ شَيْء يلبس تَحت الْخُف، وخوذة وحمائل وَسيف وأبيح من الذَّهَب قبيعة سيف وَقد ذكر ابْن عقيل أَن قبيعة سيف النَّبِي ثَمَانِيَة مَثَاقِيل وَحَكَاهُ فِي الْمُبْدع عَن الإِمَام أَحْمد، وَقَالَ: يحْتَمل أَنَّهَا كَانَت ذَهَبا وَفِضة وأبيح من الذَّهَب أَيْضا مَا دعت إِلَيْهِ الْحَاجة لضَرُورَة كأنف وَإِن أمكن اتِّخَاذه من فضَّة، وَشد سنّ وأبيح لِنسَاء مِنْهُمَا الذَّهَب وَالْفِضَّة مَا جرت عادتهن بلبسه وَلَو زَاد على ألف مِثْقَال كسوار ودملج وقرط وطوق وخلخال وَخَاتم وَمَا فِي المخانق والمقالد من حرائز وتعاويذ وأكر، قَالَ جمع: والتاج حَتَّى دَرَاهِم ودنانير معراة أَو فِي مُرْسلَة. وللرجل وَالْمَرْأَة التحلي بالجوهر والياقوت والزبرجد والزمرد والبلخش واللؤلؤ وَنَحْوه من المعانة وَلَا زَكَاة فِيهِ إِلَّا أَن يعد للكرى أَو للتِّجَارَة وَلَا زَكَاة فِي حلى مُبَاح أعد لاستعمال أَو عَارِية وَلَو لم يعر

أَو يلبس أَو لمن يحرم عَلَيْهِ كَرجل يتَّخذ حلى النِّسَاء لإعارتهن وَامْرَأَة تتَّخذ حلى الرِّجَال لإعارتهم لَا فَارًّا مِنْهَا، وَإِن كَانَ الْحلِيّ ليتيم لَا يلبس فلولية إعارته فَإِن أَعَارَهُ فَلَا زَكَاة وَإِلَّا فَفِيهِ الزَّكَاة نصا، وَأما الْحلِيّ الْمحرم كطوق الرجل وخاتمه الذَّهَب وحليه مراكب الْحَيَوَان ولباس الْخَيل كاللجم والسرج والمرآة والمشط والمكحلة والميل والمسرجة والمروحة والمشربة والمدهنة والمسعط والمجمرة والملعقة والقنديل والآنية وَحلية كتب الْعلم لَا الْمُصحف بل مَكْرُوهَة والمقلمة والدواة، وَمَا أعد للكرى كحلي المواشط نصا سَوَاء حل لبسه لمتخذه أم لَا فَفِيهِ الزَّكَاة إِن بلغ نِصَابا،. وَإِن انْكَسَرَ الْحلِيّ وَأمكن لبسه كانشقاقه وَنَحْوه فكالصحيح، وَإِن لم يُمكن لبسه فَإِن لم يحْتَج فِي إِصْلَاحه إِلَى سبك وتجديد صَنْعَة وَنوى إِصْلَاحه فَلَا زَكَاة فِيهِ وَإِن نوى كَسره أَو لم ينْو شَيْئا فَفِيهِ الزَّكَاة، وَإِن احْتَاجَ إِلَى تَجْدِيد صَنْعَة زَكَاة إِلَى أَن يجدد صنعه كالسبيكة الَّتِي يُرِيد يَجْعَلهَا حليا. وَيجب تَقْوِيم عرُوض التِّجَارَة وَالْعرض بِإِسْكَان الرَّاء مَا يعد للْبيع وَالشِّرَاء لأجل الرِّبْح، وَبِفَتْحِهَا كَثْرَة المَال وَالْمَتَاع، عِنْد تَمام الْحول بالأحظ للْفُقَرَاء مِنْهُمَا أَي الذَّهَب وَالْفِضَّة كَأَن تبلغ قِيمَته نِصَابا بِأَحَدِهِمَا دون الآخر فَيقوم بِهِ لَا بِمَا اشْترى بِهِ وَتخرج من قِيمَته أَي الْعرض. وَمن عِنْده عرض للتِّجَارَة فنواه للْقنية ثمَّ نَوَاه للتِّجَارَة لم يصر للتِّجَارَة بِمُجَرَّد النِّيَّة إِلَّا حلي لبس إِذا نوى بِهِ التِّجَارَة فَإِنَّهُ يصير لَهَا لمُجَرّد النِّيَّة.

وَلَا عِبْرَة بنقصه بعد تقويمه وَلَا بِزِيَادَتِهِ، إِلَّا المقنية فتقوم ساذجة، وَلَا بِقِيمَة آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة بل بوزنها، وَلَا بِمَا فِيهِ صناعَة مُحرمَة فَيقوم عَارِيا عَنْهَا، وَإِن اشْترى إِنْسَان أَو بَاعَ عرضا للتِّجَارَة بنصاب من الْأَثْمَان أَو من الْعرُوض غير سَائِمَة بني على حوله الأول وفَاقا، وَإِن اشْترى عرض تِجَارَة بنصاب سَائِمَة أَو بَاعه بنصاب مِنْهَا لم يبن على حوله لاختلافهما فِي النّصاب وَالْوَاجِب قَالَه فِي الْإِقْنَاع وَشَرحه.

فصل

3 - (فصل) فِي بينان أَحْكَام الْفطْرَة. وَتجب الْفطْرَة وَهِي صَدَقَة وَاجِبَة بِالْفطرِ من آخر رَمَضَان طهرة للصَّائِم من الرَّفَث واللغو وطعمة للْمَسَاكِين وَتسَمى فرضا ومصرفها كَزَكَاة على كل مُسلم حر وَلَو من أهل الْبَادِيَة ومكاتب ذكرا أَو أُنْثَى كَبِيرا أَو صَغِيرا وَلَو يَتِيما فَتجب فِي مَاله، نَص عَلَيْهِ، كَزَكَاة المَال وَيخرج عَنهُ وليه من مَاله، وعَلى سيد مُسلم عَن عَبده الْمُسلم وَلَو للتِّجَارَة حَتَّى زَوْجَة عبد حرَّة، وَكَذَا زَوْجَة وَالِده وَولده إِذا كَانَت تجب عَلَيْهِ إِذا كَانَت الْفطْرَة فاضلة مُتَعَلق بتجب عَن نَفَقَة وَاجِبَة كَنَفَقَة زَوْجَة وَعبد يَوْم الْعِيد وَلَيْلَته مُتَعَلق بفاضلة وَإِذا كَانَت فاضلة عَن حوائج أَصْلِيَّة، كمسكن وخادم ودابة وَثيَاب بذلة وَكتب علم يحتاجها لنظر وَحفظ وَفرض وغطاء وَنَحْوه فَيخرج عَن نَفسه وَعَن كل مُسلم يمونه، فَإِن لم يجد لجميعهم بَدَأَ بِنَفسِهِ لُزُوما ثمَّ بامرأته وَلَو أمة سلمهَا لَيْلًا وَنَهَارًا لوُجُوب نَفَقَتهَا مَعَ يسر الزَّوْج وعسره وحضوره وغيببته ثمَّ برقيقه، ثمَّ بِأُمِّهِ ثمَّ بِأَبِيهِ، ثمَّ بولده ثمَّ على تَرْتِيب الْمِيرَاث،

وَمن تبرع بمئونة شخص رَمَضَان كُله لَزِمته فطرته نصا، لَا إِن مانه بعضه، أَو جمَاعَة وَلَا يلْزم الزَّوْج فطْرَة نَاشِزَة وَقت الْوُجُوب وَلَو حَامِلا. وَتسن الْفطْرَة عَن جَنِين. وَتجب بغروب الشَّمْس لَيْلَة عيد الْفطر فَمن أسلم بعد ذَلِك أَو تزوج أَو ولد لَهُ ولد أَو ملك عبدا أَو كَانَ مُعسرا وَقت الْوُجُوب ثمَّ أيسر بعده، فَلَا فطْرَة عَلَيْهِ. وَإِن وجد ذَلِك قبل الْغُرُوب وَجَبت. تَتِمَّة قَالَ فِي الاختيارات: من عجز عَن صَدَقَة الْفطر وَقت وُجُوبهَا عَلَيْهِ ثمَّ أيسر وأداها فقد أحسن. انْتهى وَإِن مَاتَ قبل الْغُرُوب هُوَ أَو زَوجته أَو رَقِيقه أَو قَرِيبه وَنَحْوه أَو عسر أَو أبان الزَّوْجَة أَو أعتق العَبْد أَو بَاعه أَو وهبه وَنَحْوه فَلَا فطر عَلَيْهِ. وَلَا تسْقط بعد وُجُوبهَا بِمَوْت وَلَا غَيره، وَلَا يمْنَع وُجُوبهَا دين إِلَّا أَن يكون مطالبا بِهِ. وَتجوز الْفطْرَة أَي إخْرَاجهَا قبله أَي قبيل يَوْم الْعِيد بِيَوْم أَو بيومين فَقَط نَص عَلَيْهِ وَآخر وَقتهَا غرُوب شمس يَوْم الْفطر وإخراجها يَوْمه أَي يَوْم الْعِيد قبل الصَّلَاة أفضل، وَتكره أَي يكره إخْرَاجهَا فِي بَاقِيه أَي بَاقِي يَوْم الْعِيد لكَونه خَالف الْأَمر بِالْإِخْرَاجِ قبل الْخُرُوج إِلَى الْمصلى وَيحرم تَأْخِيرهَا الْفطْرَة عَنهُ أَي يَوْم الْعِيد وتقضى بعده

وجوبا، وَهِي صَاع عراقي على كل شخص، لِأَنَّهُ الَّذِي أخرج بِهِ على عهد رَسُول الله. وَهِي أَربع حفنات بكفي رجل معتدل الْقَامَة. وحكمته كِفَايَة الْفَقِير أَيَّام الْعِيد من بر بَيَان لصاع أَو من شعير أَو من سويقهما أَي الْبر وَالشعِير أَو من دقيقهما إِذا كَانَ وزن الْحبّ فَيُجزئ وَلَو بِلَا نخل كحب بِلَا تنقية أَو من تمر أَو زبيب أَو أقط قَالَ الْأَزْهَرِي: هُوَ اللَّبن المخيض يطْبخ وَيتْرك حَتَّى يمصل، وَقيل: من لبن الْإِبِل فَقَط، ويجزىء صَاع من مَجْمُوع ذَلِك. فَإِن خالط الْمخْرج مَالا يجزىء وَكثر لم يُجزئهُ، وَإِن قل زَاد بِقدر مَا يكون مصفى صاعاوالأفضل تمر مُطلقًا نصا لِأَنَّهُ قوت وحلاوة أقرب تناولا وَأَقل كلفة فزبيب لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ فبر لِأَنَّهُ أَنْفَع فِي الأقتيات وأبلغ فِي دفع حَاجَة الْفَقِير فأنفع للْفَقِير، ثمَّ شعير، ثمَّ دَقِيق بر، ثمَّ دَقِيق شعير، ثمَّ سويق بر، ثمَّ سويق شعير، ثمَّ أقط. وَلَا يجزىء غير هَذِه الْأَصْنَاف الْخَمْسَة مَعَ قدرَة على تَحْصِيلهَا كالدبس والمصل والجبن فَإِن عدمت هَذِه الْخَمْسَة أجزأء كل حب وثمر يقتات كذرة ودخن وأرز وماش، وتين وتوت يابسين، وَلَا يجزىء حب مبلول وَلَا قديم تغير طعمه وَلَا خبز. وَيجوز إِعْطَاء جمَاعَة من الْفُقَرَاء مَا يلْزم الْوَاحِد من الْفطْرَة وَيجوز عَكسه أَي إِعْطَاء فَقير وَاحِد مَا يلْزم الْجَمَاعَة، ولفقير إِخْرَاج فطْرَة وَزَكَاة عَن نَفسه إِلَى من أخذتا مِنْهُ مَا لم تكن حِيلَة.

فصل

3 - (فصل) فِي بَيَان إِخْرَاج الزَّكَاة وَمن تصرف إِلَيْهِ الزَّكَاة وَصدقَة التَّطَوُّع. وَيجب إِخْرَاج زَكَاة على الْفَوْر مَعَ إِمْكَانه أَي الْإِخْرَاج، وَلَا يجوز تَأْخِيرهَا عَن وَقت الْوُجُوب كنذر مُطلق وَكَفَّارَة إِلَّا أَن يخَاف ضَرَرا كرجوع ساع أَو خوف على نَفسه أَو مَاله وَنَحْوه، أَو كَانَ فَقِيرا مُحْتَاجا إِلَى زَكَاته تختل كِفَايَته ومعيشته بإخراجها نَص عَلَيْهِ، وَتُؤْخَذ مِنْهُ عِنْد يسَاره لما مضى، قَالَ فِي الْإِقْنَاع أَو أَخّرهَا ليعطيها لمن حَاجته أَشد من غَيره أَو قريب أَو جَار لتعذر إخْرَاجهَا من النّصاب لغيبة المَال، وَلَو قدر على الْإِخْرَاج من غَيره. فَلَو جحد وُجُوبهَا جهلا بِهِ وَمثله يجهله كقريب عهد بِالْإِسْلَامِ أَو نشوئه ببادية بعيدَة عرف ذَلِك وَنهى عَن المعاودة، فَإِن أصر وَكَانَ عَالما بِوُجُوبِهَا كفر إِجْمَاعًا لِأَنَّهُ مكذب الله وَرَسُول الله وَإِجْمَاع الْأمة. وَلَو أخرجهَا جاحدا، وَأخذت مِنْهُ إِن كَانَت وَجَبت استتيب ثَلَاثَة أَيَّام وجوبا فَإِن لم يتب قتل كفرا وجوبا. وَمن منعهَا بخلا وتهاونا أخذت مِنْهُ وعزره إِمَام عدل فِيهَا أَو عَامل

زَكَاة مَا لم يكن جَاهِلا بِتَحْرِيم ذَلِك. وَإِن غيب مَاله أَو كتمه وَأمكن أَخذهَا أخذت من غير زِيَادَة. وَإِن لم يكن يُمكن استتيب ثَلَاثَة أَيَّام وجوبا فَإِن تَابَ وَأخرج كف عَنهُ وَإِلَّا قتل حدا لَا كفرا وَأخذت من تركته وَيخرج ولي صَغِير وَولي مَجْنُون فِي مَال عَنْهُمَا نَص عَلَيْهِ. وَشرط لَهُ الْإِخْرَاج نِيَّة من مُكَلّف إِلَّا أَن تُؤْخَذ قهرا أَو يغيب مَاله أَو يتَعَذَّر الْوُصُول إِلَى الْمَالِك بِحَبْس أَو أسر فيأخذها السَّاعِي فتجزىء طَاهِرا. وَبَاطنا فِي الْأَخِيرَة، وَفِي الْأَوليين ظَاهرا فَقَط. وَالْأولَى قرن النِّيَّة بِالدفع. وَله تَقْدِيمهَا بِزَمن يسير كَصَلَاة فينوي الزَّكَاة أَو الصَّدَقَة الْوَاجِبَة أَو صَدَقَة المَال لَا صَدَقَة مُطلقَة وَلَو تصدق بِجَمِيعِ مَاله. وَلَا تجب نِيَّة فرض. وَلَو وكل رب المَال فِي إخْرَاجهَا مُسلما ثِقَة نصا أَجْزَأت نِيَّة الْمُوكل مَعَ قرب الْإِخْرَاج، وَإِلَّا نوى الْوَكِيل أَيْضا. وَالْأَفْضَل جعل زَكَاة كل مَال فِي فُقَرَاء بَلَده. وَحرم نقلهَا أَي الزَّكَاة سَوَاء كَانَ لرحم أَو لشدَّة حَاجَة أَو ثغر أَو غَيره إِلَى مَسَافَة قصر إِن وجد أَهلهَا فِي بلد المَال، فَإِن خَالف وَفعل أَجْزَأت. وَله نقل كَفَّارَة وَنذر وَصدقَة نقل وَوَصِيَّة مُطلقَة إِلَى مَسَافَة قصر فَإِن كَانَ الْمُزَكي فِي بلد وَكَانَ مَاله فِي بلد آخر أَو فِي أَكثر أخرج زَكَاة المَال فِي بلد المَال وَأخرج فطرته وفطرة لَزِمته فِي بلد نَفسه أَي الْمُزَكي.

وَيجوز تَعْجِيلهَا أَي الزَّكَاة لحولين فَقَط بعد كَمَال النّصاب لَا مِنْهُ للحولين، وَتَركه أفضل وَلَا تدفع الزَّكَاة إِلَّا إِلَى الْأَصْنَاف الثَّمَانِية الَّذين ذكرهم الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن، فَلَا يجوز صرفهَا إِلَى غَيرهم من الْأَصْنَاف كبناء الْمَسَاجِد والقناطر وتكفين الْمَوْتَى وسد البثوق ووقف الْمَصَاحِف وَنَحْوهَا لقَوْله تَعَالَى 19 ((إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء)) الْآيَة وهم الْأَصْنَاف الثَّمَانِية: الْفُقَرَاء جمع فَقير وَهُوَ من لَا يجد شَيْئا أَلْبَتَّة أَو يَجدونَ نصف كِفَايَة، وَالثَّانِي الْمَسَاكِين جمع مِسْكين وَهُوَ من يجد مُعظم الْكِفَايَة أَو نصفهَا، وَإِن تفرغ قَادر على التكسب للْعلم الشَّرْعِيّ لَا لعبادة وَتعذر الْجمع أعْطى، وَالثَّالِث الْعَامِلُونَ عَلَيْهَا أَي الزَّكَاة، جمع عَامل كجاب وَكَاتب وقاسم وحافظ، وَشرط كَون الْعَامِل مُكَلّفا مُسلما أَمينا كَافِيا من غير ذَوي الْقُرْبَى وَلَو غَنِيا أَو قِنَا، وَالرَّابِع الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم جمع مؤلف وَهُوَ السَّيِّد المطاع فِي عشريته مِمَّن يُرْجَى إِسْلَامه أَو يخْشَى شَره بعطيته قُوَّة إيمَانه أَو إِسْلَام نَظِيره أَو جبايتها مِمَّن لَا يُعْطِيهَا، وَيُعْطى مَا يحصل بِهِ التَّأْلِيف. وَالْخَامِس فِي الرّقاب وهم المكاتبون الْمُسلمُونَ الَّذين لَا يَجدونَ وَفَاء دين وَلَو مَعَ قدرتهم على التكسب، وَالسَّادِس الغارمون جمع غَارِم وَهُوَ ضَرْبَان، الأول من تدين لإِصْلَاح ذَات الْبَين أَو تحمل إتلافا أَو نهبا من غَيره وَلَو غَنِيا وَلم يدْفع من مَاله،

وَالثَّانِي إِذا تدين لشراء نَفسه من كفار أَو تدين لنَفسِهِ فِي مُبَاح، أَو محرم وَتَابَ عَنهُ وأعسر فيعطي وَفَاء دينه، وَلَا يقْضِي مِنْهَا دين على ميت، وَالسَّابِع فِي سَبِيل الله وَهُوَ الْغَازِي فَيعْطى وَلَو غَنِيا مَا يحْتَاج إِلَيْهِ لغزوه، ويجزىء لحج فرض فَقير وعمرته، وَالثَّامِن ابْن السَّبِيل وَهُوَ الْغَرِيب الْمُنْقَطع بِغَيْر بَلَده فِي سفر مُبَاح أَو محرم وَتَابَ مِنْهُ لَا فِي مَكْرُوه وتنزهه، وَيُعْطى وَلَو وجد من يقْرضهُ مَا يبلغهُ بَلَده أَو مُنْتَهى قَصده وَعوده، وَمن أُبِيح لَهُ أَخذ الشَّيْء أُبِيح لَهُ سُؤَاله. وَيجب قبُول مَال أَتَى بِلَا مَسْأَلَة وَلَا استشراف نفس، وَيجوز الِاقْتِصَار فِي إيتَاء الزَّكَاة على إِنْسَان وَاحِد من صنف وَهُوَ قَول عمر وَحُذَيْفَة وَابْن عَبَّاس وَلَو غَرِيمه أَو مكَاتبه مَا لم تكن حِيلَة، قَالَ القَاضِي: معنى الْحِيلَة أَن يُعْطِيهِ بِشَرْط أَن يردهَا عَلَيْهِ من دينه لِأَن من شَرطهَا تَمْلِيكًا صَحِيحا. فَإِذا شَرط الرُّجُوع لم يُوجد وَإِن رد الْغَرِيم من نَفسه مَا قَبضه وَفَاء عَن دينه من غير شَرط وَلَا مواطأة جَازَ، ذكره فِي الْإِقْنَاع، وَمن فِيهِ سببان أَخذ بهما كفقير غَارِم أَو ابْن سَبِيل وَالْأَفْضَل تعميمهم أَي أهل الزَّكَاة والتسوية بَينهم، وَتسن الزَّكَاة أَي دَفعهَا إِلَى من لَا تلْزمهُ مُؤْنَته من أَقَاربه كذوي رَحمَه من نَحْو أَخ أَو ابْن عَم على قدر حَاجَة فيزيد ذَا الْحَاجة

بِقدر حَاجته لحَدِيث (صدقتك على ذِي الْقَرَابَة صَدَقَة وصلَة) وَيبدأ بأقرب فأقرب، وَلَا تدفع الزَّكَاة لبني هَاشم وهم سلالته، فَدخل آل عَبَّاس بن عبد الْمطلب وَآل عَليّ وَآل جَعْفَر وَآل عقيل وَآل حَارِث بن عبد الْمطلب وَآل أبي لَهب، فَلَا يُعْطون من الزَّكَاة سَوَاء أعْطوا من الْخمس أَو لَا مَا لم يَكُونُوا غزَاة أَو مؤلفة أَو غارمين لإِصْلَاح ذَات الْبَين. وَلَا تدفع الزَّكَاة أَيْضا ل مواليهم أَي موَالِي بني هَاشم، ويجزىء دَفعهَا لموَالِي مواليهم وهم عتقاؤهم وَلَا تدفع الزَّكَاة لأصل أَي آبَاء الْمُزَكي وأمهاته وَإِن علوا وَلَا لفرع أَي لأولاده وَإِن سلفوا، وَالْوَارِث وَغَيره سَوَاء نصا إِلَّا أَن يَكُونُوا عمالا أَو مؤلفة أَو غارمين لإِصْلَاح ذَات الْبَين أَو غزَاة، وَلَا تدفع أَيْضا إِلَى عبد كَامِل الرّقّ غير الْعَامِل وَالْمكَاتب وَلَا إِلَى كَافِر غير الْمُؤلف حَكَاهُ ابْن الْمُنْذر إِجْمَاعًا فَإِن دَفعهَا أَي الزَّكَاة لمن ظَنّه أَهلا لَهَا فَتبين أَنه لم يكن من أَهلهَا كَعبد وَكَافِر وهاشمي ووارث لم تُجزئه، أَو بِالْعَكْسِ بِأَن دَفعهَا لمن ظَنّه غير أهل فَبَان أَهلا لم تُجزئه، إِلَّا إِن دَفعهَا لَغَنِيّ ظَنّه فَقِيرا فَتبين أَنه غَنِي فَإِنَّهَا تجزىء.

وَصدقَة التَّطَوُّع بالفاضل عَن كِفَايَته وَعَن كِفَايَة من يمونه سنة كل وَقت لَا سِيمَا سرا وَكَونهَا فِي رَمَضَان أفضل وَكَونهَا فِي زمن فَاضل كالعشر الأول من ذِي الْحجَّة وَكَونهَا فِي مَكَان فَاضل كالحرمين أفضل وَكَونهَا فِي وَقت حَاجَة كمجاعة أفضل لقَوْله تَعَالَى: 19 ((وإطعام فِي يَوْم ذِي مسبغة)) وَكَذَا على جَار لقَوْله تَعَالَى: 19 ((وَالْجَار ذِي الْقُرْبَى وَالْجَار الْجنب)) وَحَدِيث (مَا زَالَ جِبْرِيل يوصيني بالجار حَتَّى ظَنَنْت أَنه سيورثه) وعَلى ذِي رحم فَهِيَ صَدَقَة وصلَة وَلَا سِيمَا مَعَ الْعَدَاوَة، وَمن تصدق بِمَا ينقص مُؤنَة تلْزمهُ أَو أضرّ بِنَفسِهِ أَو غريمة أَثم بذلك، وَكره لمن لَا يصبر أَو لَا عَادَة (لَهُ) على الضّيق أَن ينقص نَفسه عَن الْكِفَايَة التَّامَّة. الْمَنّ بِالصَّدَقَةِ كَبِيرَة وَيبْطل الثَّوَاب.

كتاب الصيام

(كتاب الصّيام) كتاب الصّيام. وَهُوَ لُغَة الْإِمْسَاك يُقَال: صَامَ النَّهَار إِذا وقف مسير الشَّمْس. والساكت صَائِم لإمساكه عَن الْكَلَام وَمِنْه 19 ((إِنِّي نذرت للرحمن صوما)) . وَشرعا إمْسَاك بنية عَن أَشْيَاء مَخْصُوصَة وَهِي مفسداته فِي زمن معِين وَهُوَ من طُلُوع الْفجْر الثَّانِي إِلَى غرُوب الشَّمْس، من شخص مَخْصُوص وَهُوَ الْمُسلم الْعَاقِل غير الْحَائِض وَالنُّفَسَاء. وَهُوَ أحد أَرْكَان الْإِسْلَام، افْترض فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة إِجْمَاعًا فصَام تِسْعَة رمضانات إِجْمَاعًا. يلْزم صِيَام رَمَضَان كل مُسلم فَلَا يجب على الْكَافِر وَلَو مُرْتَدا فَلَو ارْتَدَّ فِي يَوْم وَهُوَ صَائِم بَطل صَوْمه، ثمَّ إِن أسلم فِيهِ أَو بعده أَو ارْتَدَّ فِي ليلته أَو بعده ثمَّ أسلم فِيهِ فَعَلَيهِ الْقَضَاء، مُكَلّف فَلَا يجب على الصَّغِير وَالْمَجْنُون، وَيصِح من الْمُمَيز، وَيلْزم وليه أمره بِهِ إِذا أطاقه وضربه حِينَئِذٍ إِذا تَركه ليعتاده قَادر عَلَيْهِ، فَلَا يجب على عَاجز لنَحْو مرض لِلْآيَةِ،

بِرُؤْيَة الْهلَال مُتَعَلق بيلزم وَلَو كَانَت الرُّؤْيَة من عدل وَاحِد، ذكر أَو أُنْثَى حر أَو عبد، وَلَا يخْتَص ثُبُوته بحاكم وَلَا بِلَفْظ الشَّهَادَة، فَيلْزم الصَّوْم من سمع عدلا يخبر بِرُؤْيَة هلاله، وَتثبت بَقِيَّة الْأَحْكَام من حُلُول دُيُون وَوُقُوع طَلَاق وعتاق وَنَحْوهَا تبعا للصَّوْم، وَلَا يقبل فِي بَقِيَّة الشُّهُور إِلَّا رجلَانِ عَدْلَانِ بِلَفْظ الشَّهَادَة كَالنِّكَاحِ وَغَيره، وَالْفرق الِاحْتِيَاط لِلْعِبَادَةِ أَو بإكمال شعْبَان ثَلَاثِينَ يَوْمًا، عطف على قَوْله بِرُؤْيَة الْهلَال أَو ب وجود مَانع من رُؤْيَته أَي الْهلَال لَيْلَة الثَّلَاثِينَ مِنْهُ أَي من شعْبَان كغيم وجبل وَغَيرهمَا كدخان وَبعد وَظُهُور قتر بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ الغبرة، بنية رَمَضَان حكما ظنيا بِوُجُوبِهِ احتباطا لَا يَقِينا، ويجزىء إِن ظهر مِنْهُ، وَيثبت أَحْكَام الصَّوْم من صَلَاة تراويح وَوُجُوب كَفَّارَة بِوَطْء فِيهِ وَنَحْوه مَا لم يتَحَقَّق أَنه من شعْبَان، وَإِن نوى شخص صَوْم يَوْم الثَّلَاثِينَ من شعْبَان بِلَا حجَّة شَرْعِيَّة من رُؤْيَة أَو كَمَال شعْبَان أَو حيلولة غيم وَنَحْوه كَأَن صَامَ بِحِسَاب نُجُوم وَلَو كثرت إصابتها فَبَان مِنْهُ لم يُجزئهُ. وَإِن رؤى الْهلَال نَهَارا فَهُوَ ل لَيْلَة الْمُقبلَة سَوَاء كَانَت الرُّؤْيَة قبل الزَّوَال أَو بعده أول الشَّهْر أَو آخِره، فَلَا يجب بِهِ صَوْم إِن كَانَ فِي أول الشَّهْر، وَلَا يُبَاح بِهِ فطر إِن كَانَ فِي آخِره، وَإِن صَار الشَّخْص أَهلا لوُجُوبه الصَّوْم فِي أَثْنَائِهِ الصَّوْم أَي الْيَوْم بِأَن بلغ صَغِير مفطر، أَو برىء مَرِيض أَو عقل مَجْنُون أَو قدم مُسَافر مُفطرا أَو طهرت حَائِض أَمْسكُوا وجوبا لحُرْمَة الْوَقْت وقضوا ذَلِك الْيَوْم مالم يبلغ الصَّغِير صَائِما بسن أَو احْتِلَام وَقد نوى من اللَّيْل فَيتم صَوْمه ويجزىء وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ كنذره إتْمَام نفل.

وَإِن علم مُسَافر أَنه يقدم غَدا لزمَه الصَّوْم لكبر وَهُوَ الْهم والهمة وَيُقَال الْهَرم والعجوز أَو أفطر ل مرض لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ وَله ذَلِك إِجْمَاعًا أطْعم وجوبا لكل يَوْمًا مِسْكينا مد بر أَو نصف صَاع من غَيره وَلَا يجزىء أَن يَصُوم عَنهُ غَيره. وَإِن سَافر أَو مرض فَلَا فديَة عَلَيْهِ وَلَا قَضَاء ويعايا بهما. وَإِن أطْعم ثمَّ قدر على الْقَضَاء مكمعضوب حج عَنهُ ثمَّ عوفي، ذكره الْمجد. وَظَاهره أَنه لَا يجب الْقَضَاء بل يتَعَيَّن الْإِطْعَام قَالَه فِي الْمُبْدع، وَمَفْهُومه أَنه لَو عوفي قبل الْإِطْعَام تعين الْقَضَاء كالمعضوب إِذا عوفي قبل الْإِحْرَام نَائِبه، قَالَه فِي الْإِقْنَاع وَشَرحه، وَقَالَ فِي الْمُنْتَهى: فَلَا يلْزمه قَضَاء مَا أفطره وَأخرج فديته اعْتِبَارا بِوَقْت الْوُجُوب. وَسن الْفطر وَكره الصَّوْم لمريض غير ميئوس من برئه يشق عَلَيْهِ الصَّوْم أَو يخَاف ضَرَرا بِزِيَادَة مَرضه أَو طوله بقول مُسلم ثِقَة، وَسن الْفطر وَكره الصَّوْم أَيْضا ل مُسَافر يقصر الصَّلَاة إِذا فَارق بيُوت قريته العامرة وَلَو بِلَا مشقة لحَدِيث (لَيْسَ من الْبر الصّيام فِي السّفر) فَإِن صَامَ أَجزَأَهُ، وَإِن سَافر ليفطر حرم.

وَلَا يفْطر مَرِيض لَا يتَضَرَّر بِالصَّوْمِ كمن بِهِ جرب أَو وجع ضرس أَو إِصْبَع أَو دمل وَنَحْوه، وَقيل للْإِمَام أَحْمد مَتى يفْطر الْمَرِيض قَالَ: إِذا لم يسْتَطع. قيل: مثل الْحمى قَالَ: وَأي شَيْء أَشد من الْحمى وَقَالَ الْآجُرِيّ من صَنعته شاقة فَإِن خَافَ تلفا أفطر وَقضى إِن ضره ترك الصَّنْعَة، وَإِن لم يضرّهُ إِثْم وَإِلَّا فَلَا. وَمن قَاتل عدوا وأحاط الْعَدو بِبَلَدِهِ وَالصَّوْم يُضعفهُ سَاغَ لَهُ بِدُونِ سفر نصا. وَمن بِهِ شبق يخَاف مَعَه تشقق أنثييه أَو ذكره أَو مثانته جَامع وَقضى وَلَا يكفر نصا، وَإِن اندفعت شَهْوَته بِغَيْرِهِ كالاستمناء بِيَدِهِ أَو يَد زَوجته أَو جَارِيَته لم يجز لَهُ الْوَطْء، وَكَذَا إِن أمكنه أَن لَا يفْسد صَوْم زَوجته أَو أمته الْمسلمَة الْبَالِغَة بِأَن يطَأ زَوجته أَو أمته الكتابيتين أَو الصغيرتين أَو المجنونتين أَو دون الْفرج فَلَا يُبَاح لَهُ إِفْسَاد صومهما لعدم الضَّرُورَة إِلَيْهِ وَإِلَّا جَازَ للضَّرُورَة. وَمَعَ الضَّرُورَة إِلَى وَطْء الْحَائِض والصائمة الْبَالِغَة فوطء الصائمة أولى لِأَن تَحْرِيم وَطْء الْحَائِض بِنَصّ الْقُرْآن الْعَظِيم. وَإِن لم تكن الصائمة بَالغا وَجب اجْتِنَاب الْحَائِض. وَإِن تعذر قَضَاء الصَّوْم لدوام شبق فككبير عجز عَن الصَّوْم على مَا تقدم. وَحكم الْمَرِيض الَّذِي ينْتَفع بِالْجِمَاعِ حكم من خَافَ تشقق فرجه. وَإِن نوى الْحَاضِر صَوْم يَوْم ثمَّ سَافر فِي أَثْنَائِهِ طَوْعًا أَو كرها فَلهُ الْفطر بعد خُرُوجه لَا قبله. وَالْأَفْضَل عَدمه. وَلَيْسَ لمن جَازَ لَهُ الْفطر برمضان أَن يَصُوم غَيره فِيهِ من قَضَاء أَو نذر أَو كَفَّارَة أَو نفل أَو غير ذَلِك.

وَإِن أفطرت حَامِل أَو أفطرت مرضع خوفًا على أَنفسهمَا فَقَط من الضَّرَر أَو على أَنفسهمَا مَعَ الْوَلَد قضتا أَي الْحَامِل والمرضع مَا أفطرتاه كالمرض فَقَط أَي بِلَا إطْعَام من أحد. وَإِن صامتا أجزأهما أَو أَي وَإِن أفطرتا خوفًا على وليدهما فَقَط لزم الْقَضَاء مَعَ الْإِطْعَام مِمَّن يمون الْوَلَد وَهُوَ مد بر أَو نصف صَاع من غَيره لكل يَوْم، وَله صرف الْإِطْعَام إِلَى مِسْكين وَاحِد جملَة، وَحكم من أرضعت غير وَلَدهَا حكم أم، فَإِن لم تفطر فَتغير لَبنهَا أَو نقص خير الْمُسْتَأْجر. وَإِن قصدت الْإِضْرَار أثمت وَكَانَ للْحَاكِم إلزامها بِالْفطرِ بِطَلَب الْمُسْتَأْجر قَالَه فِي الْإِقْنَاع، وَلَا يسْقط إطْعَام بعجز غير كَفَّارَة الْجِمَاع فِي الْحيض ونهار رَمَضَان. وَإِن وجد آدَمِيًّا مَعْصُوما فِي هلكة كغريق لزمَه مَعَ الْقُدْرَة إنقاذه، وَإِن دخل المَاء فِي حلقه لم يفْطر، وَإِن حصل بِسَبَب إنقاذه ضعف فِي نَفسه فَأفْطر فَلَا فديَة كَالْمَرِيضِ، وَمن نوى الصَّوْم لَيْلًا ثمَّ أغمى عَلَيْهِ أَو جن جَمِيع النَّهَار لم يَصح صَوْمه، وَإِن أَفَاق مِنْهُ جزاءا أَو نَام جَمِيعه صَحَّ نَومه، وَلَا يلْزم الْمَجْنُون قَضَاء زمن جُنُونه سَوَاء كَانَ الشَّهْر كُله أَو بعضه، وَيقْضى الْمغمى عَلَيْهِ وجوبا لِأَنَّهُ مرض وَهُوَ مغط على الْعقل غير رَافع للتكليف وَلَا تطول مدَّته، وَلَا يَصح صَوْم فرض إِلَّا بنية مُعينَة لكل يَوْم وَاجِب بِأَن يعْتَقد أَنه يَصُوم من رَمَضَان أَو قَضَائِهِ أَو نذر أَو كِفَايَة، يَأْتِي بهَا بِجُزْء من اللَّيْل، وَظَاهره أَنه لَا يَصح فِي نَهَار يَوْم بِصَوْم غَد، قَالَه فِي الْمُبْدع لحَدِيث

(من لم يبيت الصّيام من اللَّيْل فَلَا صِيَام لَهُ) وَإِن أَتَى بعد النِّيَّة بمناف للصَّوْم لم يضر. وَمن خطر بِبَالِهِ أَنه صَائِم غَدا فقد نوى، وَالْأكل وَالشرب بنية الصَّوْم نِيَّة. وَلَا يجب مَعَ التَّعْيِين نِيَّة الْفَرْضِيَّة. وَلَو نوى لَيْلَة الثَّلَاثِينَ من شعْبَان: إِن كَانَ غَدا من رَمَضَان فَفرض وَإِلَّا فنفل أَو عَن وَاجِب غَيره من قَضَاء أَو نذر أَو كَفَّارَة وعينه بنية لم يُجزئهُ إِن بَان من رَمَضَان أَو غَيره لَا عَن رَمَضَان وَلَا عَن ذَلِك الْوَاجِب لعدم جزمه بِالنِّيَّةِ لأَحَدهمَا، وَإِن قَالَ لَيْلَة الثَّلَاثِينَ من رَمَضَان إِن كَانَ غَدا من رَمَضَان ففرضي وَإِلَّا فمفطر صَحَّ صَوْمه إِن بَان مِنْهُ. وَإِن نوى خَارج رَمَضَان قَضَاء أَو نفلا أَو نذرا أَو كَفَّارَة ظِهَار فنفل، قَالَه فِي الْمُنْتَهى، ورده صَاحب الْإِقْنَاع بِأَن من عَلَيْهِ قَضَاء رَمَضَان لَا يَصح تطوعه قبله. وَإِن قَالَ: أَنا صَائِم غَدا إِن شَاءَ الله تَعَالَى، فَإِن قصد بِالْمَشِيئَةِ الشَّك أَو التَّرَدُّد فِي الْعَزْم وَالْقَصْد فَسدتْ نِيَّته وَإِن نوى التَّبَرُّك فَقَط فَلَا فطر وَيصِح نفل مِمَّن لم يفعل مُفْسِدا فِي ذَلِك الْيَوْم بنيته فِيهِ نَهَارا مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَت النِّيَّة قبل الزَّوَال أَو بعده نَص عَلَيْهِ، وَيحكم بِالصَّوْمِ الشَّرْعِيّ المثاب عَلَيْهِ من وَقت النِّيَّة، وَإِن نوى الْإِفْطَار فكمن لم ينْو لَا كمن أكل فَيصح أَن ينويه نفلا بِغَيْر رَمَضَان نصا.

فصل

3 - (فصل) فِي مَا يفْسد الصَّوْم وَيُوجب الْكَفَّارَة. وَمن أَدخل إِلَى جَوْفه أَو إِلَى مجوف فِي جسده كدماغ وَحلق وباطن فرجهَا وَنَحْو ذَلِك مِمَّا ينفذ إِلَى معدته شَيْئا من أَي مَوضِع كَانَ وَلَو خطيا ابتلعه أَو بعضه أَو رَأس سكين فعله هُوَ أَو فعل بِهِ بِإِذْنِهِ غير إحليله فَإِذا قطر فِيهِ شَيْئا فَلَا يفْطر وَلَو دخل مثانته، لعدم المنفذ، وَإِنَّمَا يخرج الْبَوْل رشحا كمداواة أَو ابتلع نخامة مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَت من حلقه أَو دماغه أَو صَدره بعد وصولها أَي النخامة إِلَى فَمه أفطر، أَو أكل وَلَو تُرَابا وَمَا لَا يغذي وَلَا ينماع فِي الْجوف كالحصى أَو شرب أَو ستعط بدهن أَو غَيره فوصل إِلَى دماغه أَو احتقن أَو داوى الْجَائِفَة أَو داوى جرحا بِمَا يصل إِلَى جَوْفه أَو اكتحل بكحل أَو صَبر أَو قطور أَو ذرور أَو إثمد وَلَو غير مُطيب يتَحَقَّق مَعَه وُصُوله إِلَى حلقه أفطر نَص عَلَيْهِ، أَو استقاء فقاء طعا مَا أَو مرَارًا أَو بلغما أَو دَمًا أَو غَيره وَلَو قل أفطر أَو استمنى بِيَدِهِ أَو غَيرهَا فأمنى أَو أمذى أفطر أَو بَاشر دون الْفرج أَو قبل أَو لمس فأمنى أَو مذى أفطر

أَو كرر النّظر فأمنى أَو نوى الْإِفْطَار أَو حجم أَو احْتجم فِي الْقَفَا أَو فِي السَّاق نَص عَلَيْهِ، وَظهر دم نَص عَلَيْهِ، عَامِدًا أَي قَاصِدا الْفِعْل مُخْتَارًا أَو غير مكره ذَاكِرًا لصومه أفطر وَلَو جهل التَّحْرِيم، وَلَا يفْطر إِن فكر فَأنْزل وَلَا إِن جرح نَفسه أَو جرحه غَيره بِإِذْنِهِ وَلم يصل إِلَى جَوْفه وَلَو بدل الْحجامَة. وَيفْطر بردة وبخروج دم حيض وَدم نِفَاس وَمَوْت فيطعم من تركته فِي نَذره وَكَفَّارَة مِسْكين أَو أَي وَلَا يفْطر إِن دخل مَاء مضمضة أَو استنشاق فِي حلقه وَلَو بَالغ فيهمَا أَو زَاد على ثَلَاث مَرَّات وَإِن فعلهمَا لغير طَهَارَة فَإِن كَانَ لنجاسة وَنَحْوهَا فكالوضوء وَإِن كَانَ عَبَثا أَو لحر أَو عَطش كره نصا فَحكمه حكم الزَّائِد على الثَّلَاث، وَلَا إِن بلع مَا بَقِي من أَجزَاء المَاء بعد الْمَضْمَضَة، أَو أصبح وَفِي فِيهِ طَعَام فلفظه. وَلَو أَرَادَ أَن يَأْكُل أَو يشرب من وَجب عَلَيْهِ الصَّوْم فِي نَهَار رَمَضَان نَاسِيا أَو جَاهِلا وَجب إِعْلَامه على من رَآهُ. وَلَا يكره للصَّائِم الِاغْتِسَال وَلَو للتبرد، لَكِن يسْتَحبّ لمن لزمَه الْغسْل لَيْلًا من جنب وحائض وَنَحْوهمَا أَن يغْتَسل قبل طُلُوع الْفجْر الثَّانِي خُرُوجًا من الْخلاف، فَلَو أَخّرهُ واغتسل بعده صَحَّ صَوْمه، قَالَه فِي الْإِقْنَاع، وَمن جَامع رَمَضَان نَهَارا بِلَا عذر من شبق وَنَحْوه كمن بِهِ مرض ينفع الْجِمَاع فِيهِ. بِذكر أُصَلِّي فِي فرج أُصَلِّي قبلا كَانَ أَو دبرا من آدَمِيّ

أَو بَهِيمَة أَو سَمَكَة أَو طير حَيّ أَو ميت أنزل أم لَا أَو أنزل مجبوب أَو امْرَأَة بمساحقة فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ نَاسِيا أَو جَاهِلا أَو مخطئا كَأَن اعتقده لَيْلًا فَبَان نَهَارا أَو مكْرها أَو لَا، نصا. وَكَذَا لَو جَامع من أصبح مُفطرا لاعْتِقَاده أَنه من شعْبَان ثمَّ قَامَت الْبَيِّنَة أَنه من رَمَضَان صرح بِهِ المغنى. لِأَنَّهُ لم يستفصل المواقع عَن حَاله وَلِأَن الْوَطْء يفْسد الصَّوْم فأفسده على كل حَال كَالصَّلَاةِ وَالْحج وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهَا أَي وجومعت مَعَ وجود الْعذر مِنْهَا كنوم وإكراه ونسيان وَجَهل وَلَكِن يفْسد صَومهَا وَيجب عَلَيْهَا الْقَضَاء. والنزع جماع فَلَو طلع عَلَيْهِ الْفجْر وَهُوَ مجامع فَنزع فِي الْحَال مَعَ أول طُلُوع الْفجْر الثَّانِي فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة كَمَا لَو استدام. وَلَو جَامع فِي يَوْمَيْنِ من رَمَضَان وَاحِد وَلم يكفر فكفارتان كيومين من رمضانين. وَإِن جَامع ثمَّ جَامع فِي يَوْم وَاحِد قبل التَّكْفِير فكفارة وَاحِدَة. وَإِن جَامع ثمَّ كفر ثمَّ جَامع فِي يَوْمه فثانية نَص عَلَيْهِ. وَكَذَا كل من لزمَه الْإِمْسَاك يكفر لوطئه وَلَو جَامع وَهُوَ صَحِيح ثمَّ جن أَو مرض أَو سَافر أَو حَاضَت لم تسْقط الْكَفَّارَة. وَلَو أكره زَوجته على الْوَطْء فِي رَمَضَان دَفعته بالأسهل فالأسهل وَلَو أفْضى إِلَى ذهَاب نَفسه كمار بَين يَدي الْمُصَلِّي. وَلَا كَفَّارَة فِي رَمَضَان بِغَيْر الْجِمَاع والإنزال بالمساحقة،

وَهِي أَي الْكَفَّارَة على التَّرْتِيب عتق رَقَبَة مُؤمنَة سليمَة من الْعُيُوب الْمضرَّة بِالْعَمَلِ، فَإِن لم يجد الرَّقَبَة وَلَا ثمنهَا فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين فَلَو قدر على الرَّقَبَة قبل الشُّرُوع فِي الصَّوْم لَزِمته الرَّقَبَة لَا بعده نَص عَلَيْهِ، إِلَّا أَن يَشَاء الْعتْق فيجزئه، فَإِن لم يسْتَطع الصَّوْم فإطعام سِتِّينَ مِسْكينا لكل مِسْكين مد بر أَو نصف صَاع من غَيره، وَلَا يحرم الْوَطْء هَهُنَا قبل التَّكْفِير وَلَا فِي ليَالِي الصَّوْم، فَإِن لم يجد مَا يطعمهُ للْمَسَاكِين حَال الْوَطْء لِأَنَّهُ وَقت الْوُجُوب سَقَطت عَنهُ كصدقة فطر بِخِلَاف كَفَّارَة ظِهَار وَحج وَيَمِين وَنَحْوهَا. وَإِن كفر عَنهُ غَيره بِإِذْنِهِ فَلهُ أكلهَا إِن كَانَ أَهلا. وَكَذَا لَو ملكه مَا يكفر بِهِ قَالَه فِي الْإِقْنَاع. وَكره للصَّائِم أَن يجمع رِيقه فيبتلعه فَإِن فعله قصدا لم يفْطر. إِن لم يصل إِلَى بَين شفتين فَإِن فعل أَو انْفَصل عَن فَمه ثمَّ ابتلعه أفطر وَكره مُبَالغَة فِي مضمضة واستنشاق. وَلَو تنجس فمة وَلَو بِخُرُوج قيء وَنَحْوه فبلعه أفطر نَص عَلَيْهِ. وَكره لَهُ ذوق طَعَام بِلَا حَاجَة، وَقَالَ الْمجد: وَالْمَنْصُوص عَن الإِمَام أَحْمد أَنه لَا بَأْس بِهِ إِذا كَانَ لمصْلحَة أَو حَاجَة فعلى الْكَرَاهَة مَتى وجد طعمه فِي حلقه أفطر قَالَه فِي شرح الْمُنْتَهى. وَقَالَ فِي شرح الْإِقْنَاع: وَمُقْتَضَاهُ أَنه لَا فطر إِذا قُلْنَا بِعَدَمِ الْكَرَاهَة للْحَاجة. انْتهى. وَكره مضغ علك لَا يتَحَلَّل مِنْهُ أَجزَاء، نصا، لِأَنَّهُ يجمع الرِّيق ويحلب الْفَم وَيُورث الْعَطش وَإِن وجد طعمها أَي الطَّعَام والعلك فِي حلقه أفطر، وَتكره الْقبْلَة وَنَحْوهَا كمعانقة ولمس وتكرار نظر مِمَّن تحرّك الْقبْلَة وَنَحْوهَا شَهْوَته فَقَط لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام نهى عَن الْقبْلَة شَابًّا

وَرخّص لشيخ وَتحرم إِن ظن إنزالا ثمَّ إِن أنزل أفطر وَعَلِيهِ قَضَاء وَاجِب. وَلَا تكره مِمَّن لَا تحرّك شَهْوَته، وَكَذَا دواعي الْوَطْء كلهَا وَيحرم مضغ علك وَغَيره يتَحَلَّل مِنْهُ أَجزَاء قَالَ فِي الْمُبْدع: إِجْمَاعًا وَلَو لم يبلغ رِيقه. وَكره ترك بَقِيَّة بَين أَسْنَانه وشم مَالا يُؤمن أَن يجذبه نَفسه إِلَى حلقه كسحيق مسك وكافور ودهن، وَيجوز عود وَعَنْبَر، وَعلم مِنْهُ أَنه لَا يكره شم نَحْو ورد وَقطع عنبر ومسك غير مسحوق. وَيحرم كذب وغيبة ونميمة وَشتم أَي سبّ وَنَحْوه كفحش، قَالَ ابْن الْأَثِير: الْفُحْش كل مَا اشْتَدَّ قبحه من الذُّنُوب والمعاصي، وَيجب اجْتِنَاب ذَلِك كُله وَقت، وَفِي رَمَضَان وَفِي مَكَان فَاضل بتأكد، قَالَ الإِمَام 16 (أَحْمد) يَنْبَغِي للصَّائِم أَن يتَعَاهَد صَوْمه وَلَا يُمَارِي ويصون صَوْمه وَلَا يغتب أحدا وَلَا يفْطر بغيبة وَنَحْوهَا. وَقَالَ أَيْضا: لَو كَانَت الْغَيْبَة تفطر مَا كَانَ لنا صَوْم. وَذكره الْمُوفق إِجْمَاعًا. وَإِن شتم سنّ قَوْله جَهرا فِي رَمَضَان: إِنِّي صَائِم. وَفِي غَيره سرا يزْجر نَفسه بذلك. وَسن تَعْجِيل فطر إِذا تحقق الْغُرُوب، وَله الْفطر بِغَلَبَة الظَّن، وَقبل الصَّلَاة أفضل، وَسن تَأْخِير سحور مَا لم يخْش طُلُوع الْفجْر. وَكره جماع مَعَ شكّ فِي طُلُوع الْفجْر الثَّانِي، نصا، لَا أكل وَشرب

وَتحصل فَضِيلَة السّحُور بِأَكْل وَشرب وَإِن قل، وَتَمام الْفَضِيلَة بِالْأَكْلِ، وَسن أَن يفْطر على رطب فَإِن لم يجد فعلى تمر فَإِن لم يجد فعلى مَاء، وَسن قَول مَا ورد عِنْد فطر وَهُوَ: اللَّهُمَّ لَك صمت وعَلى رزقك أفطرت، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك اللَّهُمَّ تقبل مني إِنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم، وَإِذا غَابَ حَاجِب الشَّمْس الْأَعْلَى فقد أفطر الصَّائِم حكما وَإِن لم يطعم، فَلَا يُثَاب على الْوِصَال، وَمن فطر صَائِما فَلهُ مثل أجره فَظَاهره أَي شَيْء كَانَ، وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: المُرَاد إشباعه، وَيسْتَحب فِي رَمَضَان الْإِكْثَار من قِرَاءَة الْقُرْآن وَالذكر وَالصَّدَََقَة. وَسن تتَابع الْقَضَاء فَوْرًا أَي على الْفَوْر نصا وفَاقا وَحرم تَأْخِيره أَي قَضَاء رَمَضَان إِلَى رَمَضَان

آخر بِلَا عذر نصا وَحرم تطوع قبله وَلَا يَصح وَلَو اتَّسع الْوَقْت فَإِن فعل أَي أخر رَمَضَان إِلَى رَمَضَان آخر بِلَا عذر وَجب عَلَيْهِ مَعَ الْقَضَاء إطْعَام مِسْكين عَن كل يَوْم مَا يجزىء فِي كَفَّارَة، وَيجوز إطْعَام قبل الْقَضَاء وَمَعَهُ وَبعده وَالْأَفْضَل قبله، وَإِن أَخّرهُ لعذر فَلَا كَفَّارَة، وَإِن مَاتَ المفرط وَلَو قبل مَجِيء رَمَضَان آخر أطْعم عَنهُ كَذَلِك أَي لكل يَوْم مِسْكين من رَأس مَاله، وَلَا يصام عَنهُ لِأَن الصَّوْم الْوَاجِب بِأَصْل الشَّرْع لَا يقْضى عَنهُ، وَإِن كَانَ على الْمَيِّت نذر من حج فِي الذِّمَّة أَو صَوْم فِي الذِّمَّة أَو صَلَاة فِي الذِّمَّة ونحوهاكطواف وَنذر اعْتِكَاف فِي الذِّمَّة نصا لم يفعل مِنْهُ شَيْء مَعَ إِمْكَان، غير حج فيفعل عَنهُ سَوَاء تمكن مِنْهُ أَو لَا لجَوَاز النِّيَابَة فِيهِ حَال الْحَيَاة فَبعد الْمَوْت أولى، وَسن لوَلِيِّه أَي الْمَيِّت قَضَاؤُهُ عَنهُ، وَمَعَ وجود تَرِكَة يجب قَضَاؤُهُ أَي النّذر الْمَذْكُور كقضاء الدّين فيفعله الْوَلِيّ بِنَفسِهِ اسْتِحْبَابا لِأَنَّهُ أحوط لبراءة الْمَيِّت، وَلَا يجب مُبَاشرَة ولي بل إِن لم يفعل وَجب أَن يدْفع من تركته إِلَى من يَصُوم عَنهُ عَن كل يَوْم طَعَام مِسْكين. وَيجوز فعل غير الْوَلِيّ بِإِذْنِهِ وبدونه وَلَا يقْضى عَن ميت مَا نَذره من عبَادَة فِي زمن معِين مَاتَ قبله، وَإِن مَاتَ فِي أَثْنَائِهِ سقط الْبَاقِي، وَإِن لم يصم مَا أدْركهُ لعذر فَحكمه كالنذر السَّابِق. وَمن مَاتَ وَعَلِيهِ صَوْم من كَفَّارَة أَو مُتْعَة أَو قرَان وَنَحْوه أطْعم عَنهُ من رَأس مَاله أوصى بِهِ أَو لَا بِلَا صَوْم نصا لِأَنَّهُ وَجب بِأَصْل الشَّرْع كقضاء رَمَضَان، ويجزىء صَوْم جمَاعَة عَمَّن وَجب عَلَيْهِ الصَّوْم فِي يَوْم وَاحِد عَن عدتهمْ من الْأَيَّام.

فصل

3 - (فصل) فِي صَوْم التَّطَوُّع. يسن صَوْم أَيَّام الْبيض وَهِي الثَّالِث عشر وَالرَّابِع عشر وَالْخَامِس عشر من كل شهر، سميت بيضًا لأجل بياضها لَيْلًا بالقمر ونهارها بالشمس، وَيسن يَوْم الْخَمِيس وَيَوْم الْإِثْنَيْنِ وَصَوْم سِتّ من شَوَّال الأولى تتابعها وعقب الْعِيد وصائمها مَعَ رَمَضَان كصائم الدَّهْر، وَيسن صَوْم شهر الله الْمحرم، وآكده الْيَوْم الْعَاشِر مِنْهُ وَهُوَ كَفَّارَة سنة وَيُسمى عَاشُورَاء ثمَّ يَلِيهِ فِي الآكدية الْيَوْم التَّاسِع وَيُسمى تاسوعاء، وَيسن صَوْم تسع ذِي الْحجَّة وآكده يَوْم عَرَفَة وَهُوَ كَفَّارَة سنتَيْن. قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم عَن الْعلمَاء: المُرَاد كَفَّارَة الصَّغَائِر فَإِن لم تكن رجى التَّخْفِيف من الْكَبَائِر فَإِن لم تكن رفع لَهُ دَرَجَات لغير حَاج بهَا أَي عَرَفَة إِلَّا لمتمتع وقارن عدما الْهدى فيصومانه مَعَ الْيَوْمَيْنِ قبله. وَأفضل الصّيام صَوْم دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ صَوْم يَوْم وَفطر يَوْم، وَكره إِفْرَاد رَجَب بصومه كُله وتزال الْكَرَاهَة بفطرة فِيهِ وَلَو يَوْمًا لَا إِفْرَاد غَيره من الشُّهُور

وَكره إِفْرَاد يَوْم الْجُمُعَة بِالصَّوْمِ وإفراد يَوْم السبت أَيْضا وَصَوْم يَوْم الشَّك وَهُوَ الثَّلَاثُونَ من شعْبَان إِذا لم يكن حِين الترائي عِلّة وَنَحْو غيم أَو قتر، وَكره صَوْم كل يَوْم عيد للْكفَّار وإفراد صَوْم نيروز ومهرجان وهما عيدَان للْكفَّار، وَصَوْم يَوْم يفردونه بتعظيم، وَكره تقدم رَمَضَان ب صَوْم يَوْم أَو يَوْمَيْنِ مَا لم يُوَافق عَادَة فِي الْكل، وَكره الْوِصَال إِلَّا للنَّبِي فمباح، وَهُوَ أَو لَا يفْطر بَين الْيَوْمَيْنِ وتزول الْكَرَاهَة بِأَكْل تَمْرَة، وَكَذَا بالشرب، وَلَا يكره الْوِصَال إِلَى السحر وَحرم صَوْم يومي الْعِيدَيْنِ مُطلقًا أَي فرضا أَو نفلا وَلَا يَصح، وَكَذَا صَوْم أَيَّام التَّشْرِيق إِلَّا عَن دم مُتْعَة وقران. وَمن دخل فِي فرض موسع كقضاء رَمَضَان قبل رَمَضَان الثَّانِي والمكتوبة فِي أول وَقتهَا وَنذر مُطلق وَكَفَّارَة إِن قُلْنَا هما غير واجبين على الْفَوْر حرم قطعه أَي الْفَرْض بِلَا عذر بِغَيْر خلاف وَوَجَب إِتْمَامه، وَقد يجب قطعه كرد مَعْصُوم عَن مهلكة وَنَحْوه أَو دخل نفل غير حج وَعمرَة اسْتحبَّ لَهُ اتمامه وَلم يجب، وَكره قطعه بِلَا عذر، وَأفضل الْأَيَّام يَوْم الْجُمُعَة، قَالَ الشَّيْخ: وَهُوَ أفضل أَيَّام الْأُسْبُوع إِجْمَاعًا، وَأفضل اللَّيَالِي لَيْلَة الْقدر لِلْآيَةِ وَذكره الْخطابِيّ إِجْمَاعًا، وَسميت بذلك لِأَنَّهُ يقدر فِيهَا مَا يكون فِي تِلْكَ السّنة، أَو لعظم قدرهَا عِنْد الله، أَو لضيق الأَرْض عَن الْمَلَائِكَة الَّتِي تنزل فِيهَا،

وَلم ترفع، وَهِي لَيْلَة شريفة يُرْجَى إِجَابَة الدُّعَاء فِيهَا، وتطلب فِي الْعشْر الْأَخير فِي رَمَضَان وأوتاره وأرجاها سَابِع الْعشْر الْأَخير نصا وَيكثر من دُعَائِهِ فِيهَا: (اللَّهُمَّ إِنَّك عَفْو تحب الْعَفو فَاعْفُ عني) رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَغَيره، وأمارتها أَنَّهَا لَيْلَة صَافِيَة بلجة كَأَن فِيهَا قمرا ساطعا، ساجية لَا برد فِيهَا وَلَا حر، وَلَا يحل لكوكب أَي يرْمى فِيهَا حَتَّى تصبح، وتطلع الشَّمْس من صبيحتها بَيْضَاء لَا شُعَاع لَهَا. وَفِي بعض الرِّوَايَات: مثل الطست. وَفِي بَعْضهَا: مثل الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر، لَا يحل للشَّيْطَان أَن يخرج مَعهَا يَوْمئِذٍ. وَيسْتَحب أَن ينَام فِيهَا متربعا مُسْتَندا إِلَى شَيْء نصا. وَمن نذر قيام لَيْلَة الْقدر قَامَ الْعشْر الْأَخير كُله.

فصل

3 - (فصل) فِي الِاعْتِكَاف. وَهُوَ لُغَة لُزُوم الشَّيْء والاقبال عَلَيْهِ، يُقَال عكف بِفَتْح الْكَاف يعكف بضَمهَا وَكسرهَا، وَشرعا لُزُوم مَسْجِد لطاعة الله تَعَالَى على صفة مَخْصُوصَة من مُسلم عَاقل لَا غسل عَلَيْهِ، وَلَو مُمَيّز وَأقله سَاعَة من ليل أَو نَهَار أَي مَا يُسمى بِهِ معتكفا، وَالِاعْتِكَاف سنة كل وَقت، قَالَ صَاحب الْمُنْتَهى فِي شَرحه: إِجْمَاعًا، إِلَّا أَن ينذره فَيجب على صفة مَا نذر، وَلَا يخْتَص بِزَمَان، وآكده برمضان، وآكده الْعشْر الْأَخير مِنْهُ، وَإِن علق نذر واعتكاف أَو غَيره من التطوعات بِشَرْط فَلهُ شَرطه فَلَا يلْزم حَتَّى يُوجد شَرطه، كَأَن يَقُول: لله عَليّ أَن أعتكف شهر رَمَضَان إِن كنت مُقيما أَو معافى وَنَحْوه، وَيصِح بِلَا صَوْم بِلَا نِيَّة، فَإِن كَانَ فرضا لزمَه نِيَّة الْفَرِيضَة ليتميز الْمَنْذُور عَن التَّطَوُّع،

وَلَا يَصح الِاعْتِكَاف مِمَّن أَي رجل تلْزمهُ الْجَمَاعَة إِلَّا بِمَسْجِد تُقَام فِيهِ الْجَمَاعَة وَلَو من معتكفين إِن أَتَى عَلَيْهِ أَي الْمُعْتَكف صَلَاة زمن اعْتِكَافه. وَإِن لم تلْزمهُ الْجَمَاعَة كَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْد وَنَحْوهمَا صَحَّ اعْتِكَافه بِكُل مَسْجِد، وظهره ورحبته المحوطة وَعَلَيْهَا بَاب نصا، ومنارته الَّتِي هِيَ أَو بَابهَا فِيهِ مِنْهُ. وَالْأَفْضَل لرجل تخَلّل اعْتِكَافه جُمُعَة أَن يعْتَكف فِي جَامع، وَيتَعَيَّن إِن عين. وَلمن لَا جُمُعَة عَلَيْهِ كامرأة ومسافر أَن يعْتَكف بِغَيْرِهِ من الْمَسَاجِد، وَيبْطل بِخُرُوجِهِ إِلَى الْجُمُعَة إِن لم يشْتَرط لِأَن لَهُ مِنْهُ بدا. وَشرط لَهُ أَي الِاعْتِكَاف طَهَارَة مِمَّا يُوجب غسلا من نَحْو جَنَابَة أَو حيض، وَإِن نَذره أَي الِاعْتِكَاف أَو نذر الصَّلَاة فِي مَسْجِد غير الْمَسْجِد الثَّلَاثَة فَلهُ فعله فِي غَيره، وَإِن نَذره أَو الصَّلَاة فِي أَحدهمَا أَي الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة فَلهُ فعله أَي النّذر فِيهِ أَي الْمَسْجِد الَّذِي نذر أَن يعْتَكف أَو يُصَلِّي فِيهِ، وَله فعله فِي الْمَسْجِد الْأَفْضَل مِنْهُ، وأفضلها أَي الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة الْمَسْجِد الْحَرَام وَهُوَ مَسْجِد مَكَّة ثمَّ مَسْجِد النَّبِي على الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ الْمَسْجِد ثمَّ الْمَسْجِد الْأَقْصَى. وَإِن عين الْأَفْضَل مِنْهَا لم يُجزئهُ فِيمَا دونه. وَمن نذر شهرا مُطلقًا تَابع، وَمن نذر يَوْمَيْنِ أَو لَيْلَتَيْنِ فَأكْثر مُتَابعَة لزمَه مَا بَين ذَلِك من ليل أَو نَهَار وَلَا يخرج من اعْتكف اعتكافا منذورا مُتَتَابِعًا إِلَّا لما لابد لَهُ مِنْهُ كإتيانه بمأكل ومشرب لعدم من يَأْتِيهِ بِهِ نصا. وكقيء بغته وَغسل مُتَنَجّس بحتاجه وَبَوْل وغائط وطهارة وَاجِبَة، وَلَو وضُوءًا قبل دُخُول

وَقت الصَّلَاة، وَله الْمَشْي على عَادَته من غير عجلة، وَله قصد بَيته إِن لم يجد مَكَانا يَلِيق بِهِ لَا ضَرَر عَلَيْهِ وَلَا مِنْهُ. وَيلْزمهُ قصد أقرب منزليه. وَإِن بذل لَهُ صديقه أَو غَيره منزله الْقَرِيب لقَضَاء حَاجته لم يلْزمه، وَله غسل يَده بِمَسْجِد فِي إِنَاء من وسخ وَزفر وَنَحْوهمَا ليفرغ خَارج الْمَسْجِد، وَلَا يجوز أَن يخرج لغسلهما، وَلَا يجوز لَهُ وَلَا لغيره بَوْل وَلَا فصد وَلَا حجامة بِإِنَاء فِيهِ وَفِي هوائه، وَيجوز الْخُرُوج للْجُمُعَة إِن كَانَت وَاجِبَة عَلَيْهِ أَو شَرط الْخُرُوج إِلَيْهَا، والتبكير إِلَيْهَا نصا، وَلَا يلْزمه سلوك الطَّرِيق الْأَقْرَب. وَلَا يعود الْمُعْتَكف مَرِيضا وَلَا يشْهد جَنَازَة إِلَّا بِشَرْط مَا لم يتَعَيَّن عَلَيْهِ كإطفاء حريق وإنفاذ غريق ونفير مُتَعَيّن وَشَهَادَة تحملا وَأَدَاء وَمرض وجنازة تعين خُرُوجه إِلَيْهَا وَنَحْوه فَيجوز الْخُرُوج حِينَئِذٍ، لِأَنَّهُ يجوز لَهُ قطع الْوَاجِب بِأَصْل الشَّرْع إِذن فَمَا أوجبه على نَفسه أولى لَا شَرط الْخُرُوج إِلَى التِّجَارَة، والتكسب بالصنعة وَنَحْوهَا كالخروج لما شَاءَ لِأَنَّهُ يُنَافِيهِ. وَإِن قَالَ: مَتى مَرضت أَو عرض لي عَارض خرجت فَلهُ شَرطه وَوَطْء الْفرج يُفْسِدهُ أَي الِاعْتِكَاف وَلَو نَاسِيا نصا وَكَذَا أَي كَالْوَطْءِ فِي الْفرج إِنْزَال بِمُبَاشَرَة دونه يُفْسِدهُ وَتحرم عَلَيْهِ الْمُبَاشرَة بِشَهْوَة، وَإِن سكر وَلَو لَيْلًا أَو ارْتَدَّ تطل اعْتِكَافه. وَلَا كَفَّارَة للْوَطْء فِي الِاعْتِكَاف الْمسنون لعدم النَّص وَالْقِيَاس لَا يَقْتَضِيهِ.

وَيلْزم لإفساده أَي الِاعْتِكَاف الْمَنْذُور كَفَّارَة يَمِين. وَسن اشْتِغَاله أَي الْمُعْتَكف بِالْقربِ أَي كل مَا يتَقرَّب بِهِ إِلَى الله تَعَالَى كَالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَة وَالذكر وَنَحْوهَا وَسن لَهُ أَيْضا اجْتِنَاب مَالا يعنيه بِفَتْح أَوله أَي يهمه من جِدَال ومراء وَكَثْرَة كَلَام وَغَيره لِأَنَّهُ مَكْرُوه فِي غير الِاعْتِكَاف فَفِيهِ أولى. وَلَيْسَ الصمت من شَرِيعَة الْإِسْلَام، قَالَ ابْن عقيل: يكره الصمت إِلَى اللَّيْل، وَقَالَ الْمُوفق وَالْمجد: ظَاهر الْأَخْبَار تَحْرِيمه، وَجزم بِهِ فِي الْكَافِي. قَالَ فِي الاختيارات: وَالتَّحْقِيق فِي الصمت أَنه إِن طَال حَتَّى تضمن ترك الملام الْوَاجِب صَار حرا، كَمَا قَالَ الصّديق، وَكَذَا إِن تقيد بِالصَّمْتِ عَن الْكَلَام الْمُسْتَحبّ، وَالْكَلَام الْمحرم يجب الصمت عَنهُ، وفضول الْكَلَام يَنْبَغِي الصمت عَنهُ، وَإِن نَذره لم يَفِ بِهِ. وَيحرم جعل الْقُرْآن بَدَلا عَن الْكَلَام. وَيَنْبَغِي لمن قصد الْمَسْجِد أَن يَنْوِي الِاعْتِكَاف مُدَّة لبثه فِيهِ لاسيما إِن كَانَ صَائِما، وَلَا بَأْس أَن يتنظف وَيكرهُ لَهُ الطّيب.

كتاب الحج والعمرة

(كتاب الْحَج وَالْعمْرَة) كتاب الْحَج وَالْعمْرَة الْحَج بِفَتْح الْحَاء لَا كسرهَا فِي الْأَشْهر، وَعَكسه شهر الْحجَّة. وَهُوَ لُغَة الْقَصْد إِلَيّ من تعظمه، وَشرعا قصد مَكَّة للنسك فِي زمن مَخْصُوص يَأْتِي بَيَانه. وَهُوَ أحد أَرْكَان الْإِسْلَام، وَفرض سنة تسع عِنْد الْأَكْثَر وَقيل: سنة عشر، وَقيل: سِتّ، وَقيل: خمس. وَالْأَصْل فِي مشروعيته قَوْله تَعَالَى 19 ((وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا)) وَلم يحجّ النَّبِي بعد هجرته سوى حجَّة وَاحِدَة وَهِي الْوَدَاع، وَلَا خلاف أَنَّهَا كَانَت سنة عشر، وَكَانَ قَارنا نصا، وَهُوَ فرض كِفَايَة فِي كل عَام على من لم يجب عَلَيْهِ عينا. وَأخر الْحَج عَن الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصِّيَام لِأَن الصَّلَاة عماد الدّين وَشدَّة الْحَاجة إِلَيْهَا لتكرارها كل يَوْم خمس مرار، ثمَّ الزَّكَاة لكَونهَا قرينَة لَهَا فِي أَكثر الْمَوَاضِع ولشمولها الْمُكَلف وَغَيره، ثمَّ الصَّوْم لتكرره كل سنة. وَالْعمْرَة لُغَة الزِّيَارَة

وَشرعا زِيَارَة الْبَيْت على وَجه مَخْصُوص يأتى بَيَانه. وَتجب الْعمرَة على الْمَكِّيّ كَغَيْرِهِ، وَنَصه: لَا تجب. يجبان الْحَج وَالْعمْرَة بِخَمْسَة شُرُوط. أَحدهَا: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله على الْمُسلم لَا يجبان على الْكَافِر وَلَو مُرْتَدا. الثَّانِي: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله الْحر الْكَامِل الْحُرِّيَّة. الثَّالِث وَالرَّابِع: مَا أَشَارَ إِلَيْهِمَا بقوله الْمُكَلف أَي الْبَالِغ الْعَاقِل، الْخَامِس: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله المستطيع فالإسلام وَالْعقل شَرْطَانِ للْوُجُوب وَالصِّحَّة فَلَا يصحان من كَافِر وَمَجْنُون وَلَو حرم عَنهُ وليه. وَالْبُلُوغ وَكَمَال الْحُرِّيَّة شَرْطَانِ للْوُجُوب والإجزاء دون الصِّحَّة فيصحان من الصَّغِير وَالرَّقِيق وَلَا يجبان عَلَيْهِمَا. والاستطاعة شَرط للْوُجُوب دون الْإِجْزَاء فِي الْعُمر مُتَعَلق بيجبان مرّة وَاحِدَة. فَمن كملت لَهُ هَذِه الشُّرُوط لزمَه السَّعْي على الْفَوْر نصا أَن كَانَ فِي الطَّرِيق أَمن وَلَو بحرا أَو غير متعاد قَالَ فِي الْمُنْتَهى: بِلَا خفارة، وَظَاهره وَلَو يسيرَة. وَقَالَ فِي الْإِقْنَاع: إِن كَانَت الخفارة يسيرَة لزمَه قَالَه الْمُوفق وَالْمجد، فَإِن زَالَ مَانع الْحَج بِأَن بلغ الصَّغِير أَو عتق الرَّقِيق أَو أَفَاق الْمَجْنُون وَنَحْوه قبل الْوُقُوف بِعَرَفَة أَو بعده إِن عَاد فَوقف فِي وقته، وَزَالَ مَانع عمْرَة بِإِسْلَام كَافِر وَنَحْوه قبل الشُّرُوع فِي طوافها أَي الْعمرَة وفعلا أَي الْحَج وَالْعمْرَة إِذن أَي بعد زَوَال الْمَانِع وَقبل الشُّرُوع وَقعا فرضا.

وَإِن عجز عَن السَّعْي لحج أَو عمْرَة لكبر أَو مرض لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ كزمانة وَنَحْوهَا أَو ثقل لَا يقدر مَعَه على الرّكُوب إِلَّا بِمَشَقَّة شَدِيدَة وَيُسمى المعضوب، أَو لكَونه نضو الْخلقَة بِكَسْر النُّون لزمَه أَن يُقيم من أَي نَائِبا يحجّ عَنهُ ويعتمر عَنهُ عَن الْفَوْر من حَيْثُ وجبا عَلَيْهِ أَي من بَلَده أَو من الْموضع الَّذِي أيسر فِيهِ، وَلَو كَانَ المستناب الْمَرْأَة عَن رجل وَلَا كَرَاهَة ويجزئانه أَي يجزىء حج النَّائِب وعمرته عَمَّن عجز مَا لم يبرأ المستنيب قبل إِحْرَام نَائِب فَلَا يُجزئهُ اتِّفَاقًا للقدرة على الْمُبدل قبل الشُّرُوع فِي الْبَدَل، قَالَه فِي شرح الْمُفْردَات. قلت: وَيلْزمهُ رد النَّفَقَة للنَّهْي. وَشرط لامْرَأَة فِي الْحَج وَالْعمْرَة شَابة كَانَت أَو عجوزا، مَسَافَة قصر أَو دونهَا محرم أَيْضا نصا وَهُوَ شَرط سادس لأنثى وَأَن تقدر على أجرته وعَلى الزَّاد وَالرَّاحِلَة لَهَا وَله فَإِن حجت بِلَا محرم حرم، وأجزأ فَإِن أَيِست الْأُنْثَى مِنْهُ أَي الْمحرم استناب كمعضوب، وَالْمرَاد بالمحرم هَهُنَا زَوجهَا أَو من تحرم عَلَيْهِ على التَّأْبِيد بِنسَب كالأخ وَالْأَب أَو لسَبَب مُبَاح كَزَوج أمهَا وَابْن زَوجهَا. ويسقطان عَمَّن لم يجد نَائِبا. وَلَا يَصح مِمَّن لم يحجّ عَن نَفسه أَن يحجّ عَن غَيره وَإِن مَاتَ من لزماه الْحَج وَالْعمْرَة اخرجا أَي أخرج مَا يفْعَلَانِ بِهِ عَنهُ من جَمِيع تركته وَلَو لم يوص بِهِ، وَيكون من حَيْثُ وَجب عَلَيْهِ لَا من حَيْثُ مَوته لِأَن الْقَضَاء يكون بِصفة الْأَدَاء.

وَيجوز من أقرب وطنية، وَمن خَارج بَلَده أَي دون مَسَافَة قصر. وَيسْقط لحج أَجْنَبِي عَنهُ لَا عَن حَيّ بِلَا إِذْنه وَيَقَع عَن نَفسه وَلَو نفلا. وَمن ضَاقَ مَاله أَو لزمَه دين أَخذ لحج بِحِصَّتِهِ وَحج بِهِ من حَيْثُ بلغ. وَإِن مَاتَ هُوَ أَو نَائِبه بطريقه حج عَنهُ من حَيْثُ مَاتَ فِيمَا بَقِي نصا مَسَافَة وفعلا وقولا، وَإِن صد فعل مَا بَقِي أَيْضا. وَسن لمريد إِحْرَام وَهُوَ لُغَة نِيَّة الدُّخُول فِي التَّحْرِيم وَشرعا نِيَّة النّسك أَي الدُّخُول فِيهِ غسل ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى وَلَو حَائِضًا أَو نفسَاء وَتقدم فِي الأغسال المستحبة أَو تيَمّم لعذر إِمَّا لعدم المَاء أَو عَجزه على اسْتِعْمَاله من مرض وَنَحْوه، وَلَا يضر حَدثهُ بعد غسله قبل إِحْرَامه، وَسن لَهُ تنظيف أَيْضا بِإِزَالَة الشّعْر من حلق الْعَانَة، ونتف الْإِبِط، وقص الشَّارِب، وتقليم الأظافر، وَقطع الرَّائِحَة الكريهة وَسن لَهُ أَيْضا تطيب فِي بدن وَلَو امْرَأَة سَوَاء كَانَ مِمَّا تبقى عينه كالمسك أَو أَثَره كالبخور وَمَاء الْورْد، وَكره لَهُ تطيب فِي ثوب، وَله استدامته مَا لم يَنْزعهُ، فَإِن نَزعه لم يلْبسهُ حَتَّى يغسل طبيه لُزُومه، وَسن إِحْرَام بإزار ورداء أبيضين نظيفين جديدين أَو غسيلين، فالرداء على كَتفيهِ والإزار فِي وَسطه، وَيجوز فِي ثوب وَاحِد، ويتجرد عَن الْمخيط، ويلبس نَعْلَيْنِ، وَسن إِحْرَامه عقب فَرِيضَة أَو عقب رَكْعَتَيْنِ نفلا نصا فِي غير وَقت نهي وَلَا يركعها من عدم المَاء وَالتُّرَاب وَنِيَّته الْإِحْرَام شَرط لحَدِيث (إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ) ،

وَيسْتَحب التَّلَفُّظ بِمَا أحرم بِهِ فيقصد بنية نسكا معينا، وَنِيَّة النّسك كَافِيَة فَلَا يحْتَاج مَعهَا إِلَى تَلْبِيَة وَلَا سوق هدى، وَإِن لبّى وسَاق هَديا من غير نِيَّة لم ينْعَقد إِحْرَامه. والاشتراط فِيهِ أَي فِي ابْتِدَاء الْإِحْرَام سنة أَي فَيَقُول. اللَّهُمَّ أَنِّي أُرِيد النّسك الْفُلَانِيّ فيسره لي وتقبله مني، وَإِن حَبَسَنِي حَابِس فمحلي حَيْثُ حبستني. فيستفيد بذلك أَنه مَتى حَبسه مرض أَو عدوه وَنَحْوه حل وَلَا شَيْء عَلَيْهِ نصا. وَلَو قَالَ: فلي أَن أحل خير. وَيُخَير من يُرِيد الْإِحْرَام بَين ثَلَاثَة أَشْيَاء: التَّمَتُّع والإفراد وَالْقرَان. وَأفضل الأنساك الثَّلَاثَة التَّمَتُّع نصا وَهُوَ أَن يحرم بعمره فِي أشهر الْحَج نصا ويفرغ مِنْهَا أَي الْعمرَة ثمَّ بعد فَرَاغه مِنْهَا يحرم بِهِ أَي الْحَج فِي عَامه من مَكَّة أَو قربهَا أَو بعيد عَنْهَا. ثمَّ يَلِيهِ الْإِفْرَاد وَهُوَ أَن يحرم بِحَجّ مُفْرد ثمَّ يحرم بِعُمْرَة بعد فَرَاغه مِنْهُ أَي الْحَج. وَالْقرَان هُوَ أَن يحرم بهما أَي الْحَج وَالْعمْرَة مَعًا أَو يحرم بهَا أَي الْعمرَة ثمَّ يدْخلهُ أَي الْحَج عَلَيْهَا قبل الشُّرُوع فِي طوافها إِلَّا لمن مَعَه الْهدى فَيصح وَلَو بعدالسعي، بل يلْزمه وَيصير قَارنا. وَلَا يشْتَرط لصِحَّة إِدْخَاله عَلَيْهَا إِحْرَام فِي أشهره وَيجب على كل من متمتع وقارن إِذا كَانَ الْمُتَمَتّع والقارن أفقيابضمتين نِسْبَة إِلَى الْأُفق، وَهُوَ النَّاحِيَة من الأَرْض وَالسَّمَاء وَهُوَ الْأَفْصَح وبفتحتين تَخْفِيفًا. قَالَ ابْن خطيب الدهشة: وَلَا يُقَال آفاقي.

أَي لَا ينْسب إِلَى الْجمع بل إِلَى الْوَاحِد كَمَا تقدم دم نسك فَاعل يجب لَا دم جبران بِشَرْطِهِ وشروطه سَبْعَة: أَحدهَا أَلا يكون من حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام وَهُوَ مَا قدمه المُصَنّف وهم أهل الْحرم وَمن دونه مَسَافَة قصر فَلَو استوطن مَكَّة أفقي فحاضر، وَمن دَخلهَا وَلَو نَاوِيا الْإِقَامَة وَكَانَ الدَّاخِل مكيا استوطن بَلَدا بَعيدا مُتَمَتِّعا أَو قَارنا لزمَه دم الثَّانِي: أَن يعْتَمر فِي أشهر الْحَج، وَالِاعْتِبَار بالشهر الَّذِي أحرم بهَا فِيهِ لَا بالشهر الَّذِي حل مِنْهَا فِيهِ، فَلَو أحرم بِالْعُمْرَةِ فِي رَمَضَان ثمَّ حل فِي شَوَّال لم يكن مُتَمَتِّعا. الثَّالِث أَن يحجّ من عَامه. الرَّابِع أَلا يُسَافر بَين الْحَج وَالْعمْرَة مَسَافَة قصر فَأكْثر، فَإِن فعل فَأحْرم بِالْحَجِّ فَلَا دم عَلَيْهِ نصا. الْخَامِس: أَن يحل من الْعمرَة قبل إِحْرَامه بِالْحَجِّ فَإِن أحرم بِهِ قبل حلّه مِنْهَا صَار قَارنا. السَّادِس: أَن يحرم بِالْعُمْرَةِ من الْمِيقَات أَو من مَسَافَة قصر فَأكْثر من مَكَّة. السَّابِع: أَن ينوى التَّمَتُّع فِي ابْتِدَاء الْعمرَة أَو أَثْنَائِهَا،

وَإِن حَاضَت متمتعة أَو نفست قبل طواف الْعمرَة فَخَشِيت أَو خشِي فَوَات الْحَج أَحرمت بِهِ وجوبا كَغَيْرِهَا مِمَّن خشِي فَوَاته لوُجُوبه على الْفَوْر وَهَذَا طَرِيقه وَصَارَت قارنة نَص عَلَيْهِ وَلم تقض طواف الْقدوم لفَوَات مَحَله. وَتسقط الْعمرَة عَن الْقَارِن فيندرج إدخالها فِي الْحَج. وَمن أحرم مُطلقًا صَحَّ وَصَرفه لما شَاءَ، وَمَا عمل قبله فلغو. وَتسن التَّلْبِيَة ابْتِدَاؤُهَا عقيب إِحْرَامه. وَيسن ذكر نُسكه فِيهَا وَذكر الْعمرَة قبل الْحَج فَيَقُول: لبيْك عمْرَة وحجا، وَيسن الْإِكْثَار مِنْهَا وَرفع الصَّوْت بهَا. وَلَكِن لَا يجْهد نَفسه فِي رَفعه زِيَادَة على الطَّاقَة وَلَا يسْتَحبّ إظهارها فِي مَسَاجِد الْحل وأمصاره وَلَا فِي طواف الْقدوم وَالسَّعْي، وَيكرهُ رفع الصَّوْت بهَا حول الْبَيْت لِئَلَّا يشغل الطائفين عَن طوافهم وأذكارهم، وَيسْتَحب أَن يُلَبِّي عَن أخرس ومريض وصغير وجنون ومغمى عَلَيْهِ، وَيسن الدُّعَاء بعْدهَا فَيسْأَل الله الْجنَّة ويعوذ بِهِ من النَّار وَيَدْعُو بِمَا أحب، وَتسن الصَّلَاة على النَّبِي عَقبهَا، وصفتها: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك. لبيْك لَا شريك لَك لبيْك، إِن الْحَمد وَالنعْمَة لَك وَالْملك لَا شريك لَك. وَلَا تسْتَحب الزِّيَادَة عَلَيْهَا وَلَا تكره، نَص عَلَيْهِ، وَلَا يسْتَحبّ تكرارها فِي حَالَة وَاحِدَة، وتتأكد التَّلْبِيَة إِذا علا نشزا بِالتَّحْرِيكِ أَي عَالِيا أَو هَبَط وَاديا أَو صلى مَكْتُوبَة وَلَو فِي غير جمَاعَة أَو أقبل ليل أَو أقبل نَهَار

وبالأسحار أَو الْتَقت الرفاق أَو ركب أَو نزل أَو سمع ملبيا أَو رأى الْبَيْت أَو فعل مَحْظُورًا نَاسِيا قَالَ فِي الْإِقْنَاع: إِذا ذكره، وَكره إِحْرَام بِحَجّ وَعمرَة قبل مِيقَات، وَكره إِحْرَام بِحَجّ قبل أشهره قَالَ فِي الشَّرْح: بِغَيْر خلاف عمناه.

فصل

3 - (فصل) فِي تبين الْمَوَاقِيت. وميقات أهل الْمَدِينَة الحليفة بِضَم الْحَاء وَفتح اللَّام وَهِي أبعد الْمَوَاقِيت. وَبَينهَا وَبَين مَكَّة عشر مراحل، وَبَينهَا وَبَين الْمَدِينَة سِتَّة أَمْيَال أَو سَبْعَة وتعرف الْآن بأبيار عَليّ، وميقات أهل الشَّام وَأهل مصر وَأهل الْمغرب الْجحْفَة بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة قَرْيَة كَبِيرَة جَامِعَة على طَرِيق الْمَدِينَة، وَكَانَ اسْمهَا مهيعة فجحف السَّيْل بِأَهْلِهَا فسميت الْجحْفَة، وَهِي خربة بِقرب رابغ الَّذِي يحرم مِنْهُ النَّاس الْآن على يسَار الذَّاهِب إِلَى مَكَّة، وَمن أحرم من رابغ فقد أحرم قبل محاذاة الْجحْفَة بِيَسِير، وتلي ذَا الحليفة فِي الْبعد، بَينهَا وَبَين مَكَّة ثَلَاث مراحل وَقيل أَكثر. وَالثَّلَاثَة الْبَاقِيَة بَين كل مِنْهَا وَبَين مَكَّة مرحلتان فَهِيَ مُتَسَاوِيَة أَو مُتَقَارِبَة وميقات أهل الْيمن وَهُوَ كل مَكَان على يَمِين الْكَعْبَة من بِلَاد الْغَوْر وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا يمنى على الْقيَاس، ويمان على غير قِيَاس يَلَمْلَم وَيُقَال ألملم، لُغَتَانِ، وَهُوَ جبل مَعْرُوف، وميقات أهل نجد أَي نجد الْحجاز ونجد الْيمن وميقات أهل الطَّائِف قرن بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الرَّاء جبل، وَيُقَال لَهُ قرن الْمنَازل وَقرن الثعالب.

وميقات أهل الْمشرق أَي الْعرَاق وخراسان وَبَاقِي الشرق ذَات عرق وَهِي قَرْيَة خربة قديمَة من علاماتها الْمَقَابِر الْقَدِيمَة، وعرق هُوَ الْجَبَل المشرف على العقيق، ذكره فِي الْإِقْنَاع، وَقَالَ فِي الْمُبْدع وَشرح الْمُنْتَهى: ذَات عرق منزل مَعْرُوف سمي بِهِ لِأَن فِيهِ عرقا وَهُوَ الْجَبَل الصَّغِير. وَقيل الْعرق الأَرْض السبخة تنْبت الطرفاء. انْتهى. وَهَذِه الْمَوَاقِيت لأَهْلهَا وَلمن مر عَلَيْهَا من غير أَهلهَا وَكلهَا ثبتَتْ بِالنَّصِّ، وَيحرم من بِمَكَّة لحج مِنْهَا أَي مَكَّة وَلَا دم عَلَيْهِ، لعمرة من الْحل وَيصِح من مَكَّة وَعَلِيهِ دم وَأشهر الْحَج شَوَّال وَذُو الْقعدَة وَعشر من ذِي الْحجَّة. ومحظورات الْإِحْرَام جمع مَحْظُور وَهُوَ مَا يحرم على الْمحرم فعله شرعا بِسَبَب الْإِحْرَام تِسْعَة أَحدهَا إِزَالَة شعر من جَمِيع الْبدن وَلَو من أَنفه بحلق أَو غَيره فَإِن كَانَ لَهُ عذر من مرض أَو قمل أَو نَحوه مِمَّا يتَضَرَّر بإبقائه أزاله وفدى. وَالثَّانِي تقليم أظفار رجل وَيَد بِلَا عذر كَمَا لَو خرج بِعَيْنِه شعر أَو كسر ظفره فأزالهما فَلَا فديَة. وَالثَّالِث تَغْطِيَة رَأس ذكر إِجْمَاعًا والأذنان مِنْهُ فَمَتَى غطاه وَلَو بقرطاس بِهِ دَوَاء أَولا أَو بطين أَو نورة أَو حناء أَو عصبه وَلَو يَسِيرا أَو استظل بمحمل وَنَحْوه أَو بِثَوْب رَاكِبًا أَو لَا حرم وفدى، لَا إِن حمل عَلَيْهِ شَيْئا أَو نصب حياله شَيْئا لحر أَو برد أَو أمْسكهُ إِنْسَان أَو رَفعه على عود أَو استظل بخيمة أَو شَجَرَة. وَلَا أثر للقصد وَعَدَمه فِيمَا فِيهِ فديَة ومالا فديَة فِيهِ.

وَالرَّابِع لبسه أَي لبس الْمحرم الذّكر الْمخيط فِي بدنه أَو بعضه، وَهُوَ مَا عمل على قدر الملبوس عَلَيْهِ وَلَو درعا منسوجا أَو لبدا معقودا وَنَحْوه حَتَّى الْخُفَّيْنِ وَنَحْوهمَا للرجلين والقفازين لِلْيَدَيْنِ قَالَ القَاضِي وَغَيره: وَلَو كَانَ الْمخيط غير مُعْتَاد كجورب فِي كف وخف فِي رَأس فَعَلَيهِ الْفِدْيَة: انْتهى. إِلَّا سَرَاوِيل لعدم إِزَار وَإِلَّا خُفَّيْنِ لعدم نَعْلَيْنِ فَيُبَاح لبسهما بِلَا فديَة وَيحرم قطعهمَا، وَقَالَ الْمُوفق وَغَيره: الأولى قطعهمَا عملا بِالْحَدِيثِ الصَّحِيح، وَإِن لبس مَقْطُوعًا دون الْكَعْبَيْنِ مَعَ وجود نَعْلَيْنِ حرم وفدى. وَلَا يعْقد عَلَيْهِ رِدَاء وَلَا غَيره إِلَّا إزَاره ومنطقة وهيمانا فيهمَا نَفَقَة ويتقلد بِسيف لحَاجَة، وَإِن غطى خُنْثَى مُشكل وَجهه وَرَأسه وأو غطى وَجهه وَلبس الْمخيط فدى إِلَّا إِن لبس الْمخيط فَقَط أَو غطى وَجهه وَجَسَده بِلَا لبس مخيط للشَّكّ فِيهِ. وَالْخَامِس الطّيب إِجْمَاعًا فَيحرم بعد إِحْرَامه تطييب بدنه وثوبه، فَمَتَى اسْتَعْملهُ محرم فِي أكل أَو شرب أَو دهان أَو اكتحال أَو استعاط أَو احتقان وَظهر طعمه أَو رِيحه حرم وفدى، وَإِن بقى اللَّوْن فَقَط فَلَا بَأْس بِأَكْلِهِ، أَو قصد محرم شم دهن مُطيب أَو مسك أَو كافور أَو بخور عود أَو عنبر أَو زعفران أَو ورس أَو مَا ينبته آدَمِيّ لطيب ويتخذ مِنْهُ الطّيب

كورد وبنفسج ومنثور وَهُوَ الخيري بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَشد الْيَاء آخِره والنيلوفر والياسمين وَبَان وزنبق وَنَحْوه، أَو مس مَا يعلق بِهِ كَمَاء ورد وَمَاء زهر حرم وفدى، لَا إِن شم بِلَا قصد كمن دخل الْكَعْبَة للتبرك أَو السُّوق أَو اشْترى الطّيب للتِّجَارَة وَنَحْوهَا وَلم يمسهُ، وَله تقليبه وَحمله وَلَو ظهر رِيحه لعسر التَّحَرُّز عَنهُ أَو مس مَالا يعلق بِهِ كَقطع عنبر وكافور، أَو شم قصدا نَبَات صحراء كشيح وخزامي وقيصوم أَو مَا ينبته آدَمِيّ لَا بِقصد الطّيب كحناء وعصفر وقرنفل وَيُقَال قرنفول ثَمَرَة شَجَرَة بسفالة الْهِنْد أفضل الأفاوية الحارة وأزكاها، أَو مَا ينبته الْآدَمِيّ بِقصد الطّيب وَلَا يتَّخذ من كريحان فَارسي وَهُوَ الحبق نبت طيب الرَّائِحَة يشبه النمام، وَالريحَان عِنْد الْعَرَب الآس وَلَا فديَة فِي شمه وَلَا فِي دهن غير مُطيب كزيت وشيرج وَلَو فِي رَأسه وبدنه. وَقَلِيل الطّيب وَكَثِيره سَوَاء، وَإِذا تطيب نَاسِيا أَو عَامِدًا لزمَه إِزَالَته بِمَا أمكن من المَاء وَغَيره من الْمَائِعَات فَإِن لم يجد فبمَا أمكن من الجامدات كحكه بِتُرَاب وورق شجر وَنَحْوه، لَهُ غسله بِنَفسِهِ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ بملاقاة الطّيب يَده وَالْأَفْضَل الِاسْتِعَانَة على غسله بحلال. وَالسَّادِس قبل صيد الْبر الْمَأْكُول وذبحه إِجْمَاعًا واصطياده، وَهُوَ الوحشي الْمَأْكُول والمتولد مِنْهُ وَمن غَيره كمتولد بَين وَحشِي وَأَهلي، أَو مَأْكُول وَحشِي وَغير مَأْكُول كسبع تَغْلِيبًا للتَّحْرِيم، وَالِاعْتِبَار بِأَصْلِهِ كحمام وبط وحشيين وَإِن تأهلا وبقر وجواميس أَهْلِيَّة وَإِن توحشت،

وَتحرم الدّلَالَة عَلَيْهِ وَالْإِشَارَة والإعانة وَلَو بإعارة سلَاح ليَقْتُلهُ أَو يذبحه سَوَاء كَانَ مَعَه مَا يقْتله بِهِ أَو لَا، أَو يناوله سلاحه أَو سَوْطه أويدفع إِلَيْهِ فرسا لَا يقدر على أَخذ الصَّيْد إِلَّا بهَا فَيحرم ذَلِك لِأَنَّهُ وَسِيلَة إِلَى محرم، وَيضمن الْمحرم مِنْهُمَا أَي الدّلَالَة وَنَحْوه والمباشر الصَّيْد فَإِن كَانَا محرمين اشْتَركَا فِي الْجَزَاء كَمَا اشْتَركَا فِي التَّحْرِيم، وَلَا تحرم دلَالَة على طيب وَلبس لِأَنَّهُ لَا ضَمَان فيهمَا بِالسَّبَبِ وَلَا يتَعَلَّق بهما حكم مُخْتَصّ بِالدَّال عَلَيْهِمَا، بِخِلَاف الصَّيْد فَإِنَّهُ يحرم على الدَّال أكله هَذِه وَيجب عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ. وَيسن قتل كل مؤذ فِي الْحل وَالْحرَام مَعَ وجود أَذَى ودونه كالأسد والفأرة والصقر والبرغوث غير آدَمِيّ وَأما الْآدَمِيّ غير الْحَرْبِيّ فَلَا يحل قَتله إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث للْخَبَر، وَلَا تَأْثِير لحرم وَلَا إِحْرَام فِي تَحْرِيم حَيَوَان إنسي إِجْمَاعًا كبهيمة الْأَنْعَام وَالْخَيْل والدجاج. وَالسَّابِع عقد نِكَاح فَيحرم لَا يَصح من محرم فَلَو تزوج محرم أَو زوج أَو كَانَ وليا أَو وَكيلا فِيهِ لَا يَصح نصا، تعتمد أَولا، وَالِاعْتِبَار بِحَالَة العقد فَلَو وكل محرم حَلَالا فِي عقد نِكَاح فعقده بعد حلّه صَحَّ، وَلَو وكل حَلَالا فعقده بعد أَن أحرم لم يَصح،

وَتكره الْخطْبَة بِكَسْر الْخَاء من الْمحرم على نَفسه وعَلى غَيره وخطبة مَحل محرمه، وتباح الرّجْعَة للْمحرمِ وَتَصِح لِأَنَّهَا إمْسَاك وَيَأْتِي فِي الرّجْعَة. وَالثَّامِن جماع يُوجب الْغسْل وَهُوَ تغييب حَشَفَة أَصْلِيَّة فِي فرج أُصَلِّي قبلا كَانَ أَو دبرا من آدَمِيّ أَو غَيره حَيّ أَو ميت وَلَو كَانَ المجامع سَاهِيا أَو جَاهِلا أَو مكْرها نصاأو نَائِمَة. وَالتَّاسِع مُبَاشرَة الرجل الْمَرْأَة فِيمَا دون فرج بِشَهْوَة ف يجب فِي أقل من ثَلَاث شَعرَات وَأَقل من ثَلَاث أظافر من يَد أَو رجل أَصْلِيَّة أَو زَائِدَة بِغَيْر عذر فِي كل وَاحِد من شَعْرَة وظفر فَأَقل بِأَن قطع بعض شَعْرَة أَو قصّ بعض ظفر طَعَام مِسْكين وَفِي الِاثْنَيْنِ طَعَام اثْنَيْنِ وَفِي الثَّلَاث الشعرات أَو الثَّلَاثَة الأظافر فَأكْثر دم يَعْنِي شَاة أَو صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام أَو إطْعَام سِتَّة مِسْكين وَيجب تَغْطِيَة الرَّأْس من الذّكر بلاصق وَلبس مخيط لذكر الْفِدْيَة وَيجب فِي تطيب فِي بدن أَو فِي ثوب أَو فِي قصد شم طيب أَو فِي قصد شم دهن مُطيب أَو ادهان بِهِ الْفِدْيَة. وَإِن قتل الْمحرم صيدا مَأْكُولا بريا أصلا بِمُبَاشَرَة أَو بِسَبَب وَلَو كَانَ السَّبَب بِجِنَايَة دَابَّة الْمُتَصَرف فِيهَا بِأَن يكون رَاكِبًا أَو سائقا أَو قائدا فيمضي مَا تتْلف بِيَدِهَا وفمها لَا مَا تفحت برجلها، وَإِن انفلتت لم يضمن مَا أتلفته، أَو تلف كُله أَو بعضه بِيَدِهِ فَعَلَيهِ جَزَاؤُهُ.

وَالْجِمَاع قبل التَّحَلُّل الأول فِي حج وَقبل فرَاغ سعي وَقبل حلق فِي عمْرَة مُفسد لنسكهما وَلَو بعد الْوُقُوف نصا مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ سَاهِيا أَو جَاهِلا أَو مكْرها نصا، أَو نَائِمَة وَتقدم قَرِيبا. وَيجب فِيهِ أَي الْجِمَاع قبل التَّحَلُّل الأول لحج بَدَنَة، وَيجب لعمرة إِذا وطىء قبل فرَاغ سعي وَقبل حلق شَاة، ويمضيان أَي الواطىء والموطوءة فِي فاسده النّسك وَلَا يخرج مِنْهُ بِالْوَطْءِ، وَحكم الْإِحْرَام الَّذِي أفْسدهُ حكم الْإِحْرَام الصَّحِيح، فيفعل بعد الْإِفْسَاد مَا كَانَ يَفْعَله قبله من الْوُقُوف، وَغَيره ويجتنب مَا يجتنبه قبله من الْوَطْء وَغَيره ويقضيانه النّسك الَّذِي فسد مُطلقًا أَي كَبِيرا كَانَ أَو صَغِيرا واطئا أَو موطوءا فرضا أَو نفلا إِن كَانَا أَي من فسد نسكهما مكلفين فَوْرًا لِأَنَّهُمَا لَا عذر لَهما فِي التَّأْخِير مَعَ الْقُدْرَة على الْقَضَاء، وَإِلَّا يَكُونَا مكلفين حَال الْإِفْسَاد فيقضيانه بعد التَّكْلِيف، وَبعد حجَّة الْإِسْلَام فَوْرًا لزوَال الْعذر، وَيحرم من أفسد نُسكه فِي الْقَضَاء من حَيْثُ أحرم أَو لَا إِن كَانَ قبل مِيقَات وَإِلَّا فَمِنْهُ، وَمن أفسد الْقَضَاء قضى الْوَاجِب لَا الْقَضَاء، وَنَفَقَة قَضَاء مطاوعة عَلَيْهَا ومكرهة على مكره لافساد نسكها، وَقِيَاسه لَو استدخلت ذكر نَائِم فعلَيْهَا نَفَقَة قَضَائِهِ. وَلَا يفْسد النّسك بِشَيْء من الْمَحْظُورَات غير الْجِمَاع، وَيسْتَحب تفرقتهما فِي الْقَضَاء من الْموضع الَّذِي أَصَابَهَا فِيهِ إِلَى أَن يحلا بِأَن لَا يركب مَعهَا على بعير وَلَا يجلس مَعهَا فِي خباء، بل يكون قَرِيبا يُرَاعِي مصلحتها لِأَنَّهُ محرمها وَلَا يفْسد النّسك بِمُبَاشَرَة فِيمَا دون الْفرج لشَهْوَة بِوَطْء أَو قبْلَة أَو لمس وَكَذَا نظر بِشَهْوَة وَلَو أنزل لعدم الدَّلِيل،

وَيجب عَلَيْهِ بهَا الْمُبَاشرَة بَدَنَة إِن أنزل وَإِلَّا ينزل فَيجب عَلَيْهِ شَاة. وَلَا يفْسد النّسك بِوَطْء فِي حج بعد التَّحَلُّل الأول قبل التَّحَلُّل الثَّانِي، لَكِن يفْسد الْإِحْرَام، فيتفرع على هَذَا أَنه يحرم من الْحل وجوبا ليطوف للزيارة فِي إِحْرَام صَحِيح، وَيسْعَى إِن لم يكن سعى قبل، وَيجب عَلَيْهِ أَي على من وطىء بعد التَّحَلُّل الأول وَقبل التَّحَلُّل الثَّانِي شَاة لإفساد إِحْرَامه، وإحرام امْرَأَة كإحرام رجل من إِزَالَة شعر وتقليم أظفار وَقتل وصيد وَنَحْوهَا، إِلَّا فِي لبس مخيط فتفارق الرجل فِيهِ. وتجتنب الْمَرْأَة البرقع والنقاب والقفازين وجوبا، وتجتنب تَغْطِيَة الْوَجْه لَكِن تسدل عَلَيْهِ لحَاجَة كمرور رجال قَرِيبا، فَإِن غطته أَي وَجههَا بِلَا عذر فدت كَمَا لَو غطى الرجل رَأسه. وَلَا يُمكنهَا تَغْطِيَة جَمِيع الرَّأْس إِلَّا بِجُزْء من الْوَجْه وَلَا كشف جَمِيع الْوَجْه إِلَّا بِجُزْء من الرَّأْس فَستر الرَّأْس كُله أولى وَيُبَاح لَهَا خلخال وسوار وَنَحْوهمَا. وَسن خضاب عِنْد إِحْرَام وَكره بعد، فَإِن شدت يَدهَا بخرفة فدت، فَإِن لفتها من غير شدّ فَلَا فديَة لِأَن الْمحرم هُوَ الشد لَا التغطية. ويجتنبان الرَّفَث وَهُوَ الْجِمَاع، والفسوق وَهُوَ السباب، وَقيل الْمعاصِي، والجدال وَهُوَ المراء. وَسن قلَّة كَلَامهمَا إِلَّا فِيمَا ينفع.

فصل فِي الْفِدْيَة وَبَيَان أقسامها وأحكامها. وَهِي مصدر فدى يفْدي فدَاء. يُقَال: فدَاه وأفداه أعطَاهُ فداءه وَيُقَال فدّاه إِذا قَالَ لَهُ: جعلت فداءك. والفدية وَالْفِدَاء والفدى بِمَعْنى وَاحِد، إِذا كسر أَوله يمد وَيقصر وَإِذا فتح أَوله قصر، وَحكى صَاحب الْمطَالع عَن يَعْقُوب: فداءك ممدودا مهموزا مثلث الْفَاء. انْتهى. وَهِي دم أَو صَوْم أَو إطْعَام يجب بِسَبَب النّسك كَعَدم مُتْعَة وقران، أَو جرم كصيد الْحرم الْمَكِّيّ ونباته. وَله تَقْدِيمهَا على فعل الْمَحْظُور لعذر كحلق وَلبس وَطيب بعد وجود السَّبَب الْمُبِيح. وَهِي قِسْمَانِ فِي التَّحْقِيق، قسم على التَّخْيِير وَقسم على التَّرْتِيب، فالقسم الأول على التَّخْيِير وَهُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله يُخَيّر فِي فديَة حلق أَكثر من شعرتين وفدية تقليم أظفار أَكثر من ظفرين وفدية تَغْطِيَة رَأس رجل وتغطية وَجه امْرَأَة وفدية طيب وَلبس مخيط لذكر وإمناء بنظرة ومباشرة بِغَيْر إِنْزَال مني بَين صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام أَو إطْعَام سِتَّة

مَسَاكِين كل مِسْكين مد بر أَو نصف صَاع تمر أَو زبيب أَو شعير أَو أقط، وَمِمَّا يَأْكُل أفضل وَيَنْبَغِي أَن يكون بإدام، وَلَا يجزىء الْخبز وَاخْتَارَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الْإِجْزَاء كاختياره فِي الْفطْرَة وَالْكَفَّارَة، وَيكون لكل مِسْكين بِنَاء على إجزائه رطلين عراقية أَو ذبح شَاة. وَيُخَير فِي جَزَاء صيد بَين إِخْرَاج مثل مثلي فَإِن اخْتَارَهُ ذبحه وَتصدق على فُقَرَاء الْحرم، وَلَا يُجزئهُ أَن يتَصَدَّق بِهِ حَيا، وَله ذبحه أَي وَقت شَاءَ فَلَا يخْتَص بأيام النَّحْر، أَو تقويمه أَي الْمثل فِي مَوْضِعه الَّذِي أتْلفه فِيهِ أَو بِقُرْبِهِ بِدَرَاهِم يَشْتَرِي بهَا أَي الدَّرَاهِم طَعَاما يُجزئ فِي فطْرَة فيطعم عَن كل مِسْكين من مَسَاكِين الْحرم مد بر أَو نصف صَاع من غَيره من الْمُتَقَدّم ذكره أَو يَصُوم عَن طَعَام كل مِسْكين يَوْمًا وَإِن بَقِي من الطَّعَام مَا لَا يعدل يَوْمًا صَامَ يَوْمًا كَامِلا، لِأَن الصَّوْم لَا يَتَبَعَّض وَلَا يجب التَّتَابُع فِي هَذَا الصَّوْم لعدم الدَّلِيل، وَلَا يجوز أَن يَصُوم عَن بعض الْجَزَاء وَيطْعم عَن بعضه نَص عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ كَفَّارَة وَاحِدَة كباقي الْكَفَّارَات وَبَين عطف على الظّرْف قبله إطْعَام أَو صِيَام فِي جَزَاء صيد غير مثلي أَي الَّذِي لَا مثل لَهُ، بِأَن يَشْتَرِي بِقِيمَتِه طَعَاما للْمَسَاكِين كَمَا تقدم أَو يَصُوم عَن طَعَام كل مِسْكين يَوْمًا. وَالْقسم الثَّانِي: على التَّرْتِيب كَدم مُتْعَة وقران وَترك وَاجِب وإحصار وَوَطْء وَنَحْوه فَيجب على متمتع وقارن وتارك وَاجِب دم، وَإِن عدم متمتع أَو قَارن الْهدى بِأَن لم يجده أَو ثمنه وَلَو وجد من يقْرضهُ نصا، لِأَن الظَّاهِر اسْتِمْرَار إِعْسَاره صَامَ ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج قيل: مَعْنَاهُ فِي أشهر الْحَج. قيل: مَعْنَاهُ فِي وَقت الْحَج، لِأَنَّهُ لَا بُد من إِضْمَار لِأَن

الْحَج أَفعَال لايصام فِيهَا وَإِنَّمَا يصام فِي أشهرها ووقتها وَذَلِكَ كَقَوْلِه تَعَالَى 19 ((الْحَج أشهر مَعْلُومَات)) أَي فِي أشهر مَعْلُومَات وَالْأَفْضَل جعل آخرهَا أَي الثَّلَاثَة الْأَيَّام يَوْم عَرَفَة نَص عَلَيْهِ فيصوم يَوْم عَرَفَة هَهُنَا اسْتِحْبَابا للْحَاجة إِلَى صَوْمه، وَله تَقْدِيم الثَّلَاثَة فِي إِحْرَام، وَوقت وُجُوبهَا كهدى بِطُلُوع فجر يَوْم النَّحْر، وَصَامَ عطف على مَا قبله سَبْعَة أَيَّام إِذا رَجَعَ لأَهله لقَوْله تَعَالَى 19 ((فَمن لم يجد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رجعتم تِلْكَ عشرَة كَامِلَة)) فَإِن صامها أَي السَّبْعَة الْأَيَّام قبل رُجُوعه لأَهله بعد إِحْرَام بِحَجّ وفراغه مِنْهُ أجزأء صَومهَا، لَكِن لَا يَصح صَوْم شَيْء مِنْهَا أَيَّام منى نصا، لبَقَاء زمن الْحَج، قَالُوا إِن المُرَاد بقوله تَعَالَى 19 ((إِذا رجعتم)) أَي من عمل الْحَج. وَيجوز صَومهَا بعد أَيَّام التَّشْرِيق، قَالَ القَاضِي: إِذا كَانَ قد طَاف الزِّيَارَة فَيصح صَوْم أَيَّام منى الثَّلَاثَة، فَإِن لم يصم الثَّلَاثَة فِي أَيَّام منى وَلَو لعذر صَامَ بعد ذَلِك عشرَة أَيَّام كَامِلَة، وَعَلِيهِ دم لتأخيره وَاجِبا من مَنَاسِك الْحَج عَن وقته. وَلَا يجب تتَابع وَلَا تَفْرِيق فِي صَوْم لتأخيره وَاجِبا وَلَا السَّبْعَة وَلَا بَين الثَّلَاثَة والسبعة إِذا قضى. والمحصر إِذا لم يجده أَي الْهدى صَامَ عشرَة أَيَّام ثمَّ حل. وَتسقط الْفِدْيَة بنسيان وَجَهل وإكراه فِي لبس مخيط لرجل وَفِي طيب أَي تطيب وَفِي تَغْطِيَة رَأس ذكر وَوجه امْرَأَة، وَمَتى زَالَ عذره بِأَن تذكر النَّاس أَو علم الْجَاهِل أَو زَالَ الْإِكْرَاه أزاله فِي الْحَال وَإِلَّا فدى، وَمن كرر مَحْظُورًا من جنس وَاحِد غير قتل صيد مثل إِن حلق أَو قلم

أَو لبس أَو تطيب أَو وطىء وَأعَاد بالموطوءة أَو غَيرهَا قبل التَّكْفِير عَن الأول فِي الْكل فكفارة، وَاحِدَة وَبعده فثانية، وَمن أَجنَاس فَلِكُل جنس فدَاء. وَإِن حلق أَو قلم أَو وطىء أَو قتل صيدا عَامِدًا أَو نَاسِيا أَو مخطئا أَو مكْرها وَلَو نَائِما قلع شعره أَو صوب رَأسه إِلَى تنور فَأحرق اللب شعره فَعَلَيهِ الْكَفَّارَة لِأَن هَذِه إتلافات فَاسْتَوَى عمدها وسهوها وجهلها كإتلاف مَال الْآدَمِيّ. وَمن رفض إِحْرَامه لم يفْسد وَلم يلْزمه دم لرفضه، وَحكم إِحْرَامه بَاقٍ وكل هدى أَو إطْعَام يتَعَلَّق بحرم أَو إِحْرَام كجزاء صيد وَمَا وَجب من فديَة كَتَرْكِ وَاجِب أَو فَوَات حج أَو فعل مَحْظُور فِي حرم كلبس وَنَحْوه فلمساكين الْحرم يلْزمه ذبحه فِيهِ وَيجزئهُ فِي جَمِيعه ويفرقه عَلَيْهِم أَو يُطلقهُ بعد ذبحه إِلَيْهِم، وهم الْمُقِيم بِالْحرم والمجتاز بِهِ من حَاج وَغَيره مِمَّن لَهُ أَخذ الزَّكَاة لحَاجَة، وَلَو تبين غناهُ بعد ذَلِك فكزكاة، وَالْأَفْضَل نحر مَا وَجب لحج بمنى ولعمرة بالمروة خُرُوجًا من خلاف مَالك وَمن تبعه، فَإِن أسلمه إِلَيْهِم فنحروه أجزأء وَإِلَّا استرده وَنَحْوه، فإنى أَبى أَو عجز ضمنه، وَالْعَاجِز عَن إيصاله ينحره حَيْثُ قدر ويفرقه بمنحره إِلَّا فديَة أَذَى وفدية لبس وَنَحْوهمَا كطيب ومباشرة دون فرج إِذا لم ينزل، وَمَا وَجب بِفعل مَحْظُور خَارج الْحرم وَلَو بِغَيْر عذر غير جَزَاء صيد، فَلهُ تفرقتها حَيْثُ وجد سَببهَا وَفِي الْحرم أَيْضا.

ويجزىء الصَّوْم وَالْحلق وَالْهدى التَّطَوُّع وَمَا يُسمى نسكا بِكُل مَكَان كأضحية، وَالدَّم حَيْثُ أطلق يجزىء فِيهِ شَاة كأضحية فيجزى الْجذع من الضَّأْن والثنى من الْمعز أَو سبع بَدَنَة أَو سبع بقرة، وَإِن ذبح بَدَنَة أَو بقرة فَهُوَ أفضل وَتَكون كلهَا وَاجِبَة، وَمن وَجَبت عَلَيْهِ بَدَنَة أَجْزَأته بقرة كَعَكْسِهِ، وَلَو فِي جَزَاء صيد وَنذر وَعَن كل وَاحِد مِنْهُمَا سبع شِيَاه وَعَن سبع شِيَاه بَدَنَة أَو بقرة، وَيرجع بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول فِي جَزَاء صيد وَهُوَ مَا يسْتَحق بدله من مثله ومقاربه وَشبهه. وَالصَّيْد ضَرْبَان الضَّرْب الأول مَا لَهُ مثل من النعم خلقَة فَيجب فِي ذَلِك الْمثل نصا، وَهُوَ نَوْعَانِ أَحدهمَا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله إِلَى مَا قَضَت فِي الصَّحَابَة مُتَعَلق بيرجع فَيجب فِيهِ مَا قَضَت بِهِ نصا وَمِنْه فِي النعامة بَدَنَة، وَفِي حمَار الْوَحْش بقرة وَفِي الْإِبِل بِكَسْر الْهمزَة وَتَشْديد الْيَاء الْمَفْتُوحَة بِوَزْن قنب وَهُوَ ذكر الأعوال قَالَه فِي الْإِنْصَاف، وَفِي ثيتل ووعل بِفَتْح الْوَاو مَعَ الْعين وَكسرهَا وسكونها تَيْس الْجَبَل قَالَه فِي الْقَامُوس، وَفِي الصِّحَاح: وَهُوَ الأروى، بقرة وَفِي الضيع كَبْش، وَفِي الغزال شَاة، وَفِي الْوَبر بِسُكُون الْبَاء دويبة كحلاء لَا ذَنْب لَهَا دون السنور وَفِي الضَّب جدي، وَفِي اليربوع جفرة لَهَا أَرْبَعَة أشهر، وَفِي الأرنب عنَاق دون الجفرة، وَفِي الْحمام وَهُوَ كل مَا عب المَاء وهدر فَتدخل فِيهِ الفواخت والوراشين والقطا والقمري والدباسي وَنَحْوهَا شَاة. وَالنَّوْع الثَّانِي من الضَّرْب الأول مَا لم تقض فِيهِ الصَّحَابَة وَله مثل من النعم فَيرجع وَمَا لم تقض فِيهِ الصَّحَابَة إِلَى قَول عَدْلَيْنِ فَلَا يَكْفِي

وَاحِد خبرين ليحصل الْمَقْصُود بهما، فيحكمان فِيهِ بأشبه الْأَشْيَاء، من حَيْثُ الْحلقَة، وَيجوز كَون الْقَاتِل أَحدهمَا أَو هما فيحكمان على أَنفسهمَا بِالْمثلِ، وَفِدَاء صيد أَعور من عين بأعور من أُخْرَى وأعرج من قَائِمَة بأعرج من أُخْرَى، وَذكر بأنثى وَعَكسه لِأَن لَحْمه أوفر وَهِي أطيب فيتساويان. وَالضَّرْب الثَّانِي من الصَّيْد مَا لَا مثل لَهُ من النعم وَهُوَ بَاقِي الطُّيُور وَلَو أكبر من الْحمام كالإوز بِكَسْر الْهمزَة وَفتح الْوَاو وَتَشْديد الزَّاي جمع أوزة، وَيُقَال وَأجْمع وزة كتمر وَتَمْرَة، والحباري والحجل والكركي وَالْكَبِير من طير المَاء وَغير ذَلِك فَتجب قِيمَته مَكَانَهُ أَي مَكَان الْإِتْلَاف كَمَال الْآدَمِيّ غير المثلى. ويجتمع الضَّمَان وَالْجَزَاء فِي صيد مَمْلُوك، وَإِن جنى على حَامِل فَأَلْقَت مَيتا ضمن نقص الْأُم كَمَا لَو جرحها، وَإِن أتلف جُزْءا مِمَّا لَا مثل لَهُ ضمن مَا نقص من قِيمَته، وَإِن نفر صيدا فَتلف بِشَيْء وَلَو بِآفَة سَمَاوِيَّة أَو نقص حَال نفوره ضمنه أتلف بعد نفوره فِي مَكَانَهُ بعد أَمنه، وَإِن رمى صيدا فَأَصَابَهُ ثمَّ سقط على آخر فماتا ضمنهما، وَإِن اشْترك جمَاعَة فِي قتل صيد وَلَو كَانَ بَعضهم ممسكا أَو مسببا وَالْآخر قَاتله فَعَلَيْهِم جَزَاء وَاحِد، وَإِن كفرُوا بِالصَّوْمِ، وَإِن اشْترك حَلَال ومحرم فِي قتل صيد حرمى فالجزاء بَينهمَا نِصْفَيْنِ. وَحرم مُطلقًا أَي على مَحل ومحرم إِجْمَاعًا صيد حرم مَكَّة فَمن أتلف مِنْهُ شَيْئا وَلَو كَافِرًا أَو صَغِيرا أَو عبدا فَعَلَيهِ مَا على الْمحرم فِي مثله نَص عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كصيد الْإِحْرَام،

وَلَا يلْزم الْمحرم بقتل الصَّيْد فِي الْحرم جزاءان نَص عَلَيْهِ، وَحكم صَيْده حكم صيد الْإِحْرَام مُطلقًا أَي فِي التَّحْرِيم وَوُجُوب الْجَزَاء وإجزاء الصَّوْم وتملكه وضمانة بِالدّلَالَةِ وَنَحْوهَا، إِلَّا الْقمل فَإِنَّهُ لَا يضمن فِي الْحرم وَلَا يكره قَتله فِيهِ، وَإِن رمى الْحَلَال صيدا كُله أَو بعض قوائمه فِي الْحرم ضمنه، وَلَو رمى صيدا ثمَّ أحرم قبل أَن يُصِيبهُ ضمنه، وَلَو رَمَاه محرما ثمَّ حل قبل الْإِصَابَة لم يضمنهُ اعْتِبَارا لحالة الْإِصَابَة فيهمَا، وَلَو جرح مَحل فِي الْحل صيدا فِي الْحل فَمَاتَ فِي الْحرم حل وَلم يضمن، لِأَن الذَّكَاة وجدت بِالْحلِّ. قَالَ فِي الْمُنْتَهى وَشَرحه: وَلَا يحل مَا وجد سَبَب مَوته بِالْحرم تَغْلِيبًا للخطر كَمَا لَو وجد سَببه فِي الْإِحْرَام فَهُوَ ميتَة. انْتهى. وَحرم قطع شَجَره أَي حرم مَكَّة حَتَّى مَا فِيهِ مضرَّة كشوك وعوسج بِفَتْح الْعين وَالسِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ نبت مَعْرُوف ذُو شوك، وَحرم قطع حشيشة أَي الْحرم حَتَّى ورق شجر وَسوَاك وَنَحْوه إِلَّا الْإِذْخر بِكَسْر الْهمزَة وَالْخَاء الْمُعْجَمَة نبت طيب الرَّائِحَة وَالنَّقْع والكمأة والياسمين وَمَا زَالَ بِفعل غير آدَمِيّ وَالثَّمَرَة، فَيُبَاح أَخذه وَالِانْتِفَاع بِهِ وَمَا زرعه آدَمِيّ من زرع وبقل ورياحين إِجْمَاعًا نصا حَتَّى من الشّجر لِأَنَّهُ أَنْبَتَهُ آدَمِيّ كزرع فَلهُ أَخذه، وَيجوز رعي حشيش الْحرم لَا الاحتشاش للبهائم، وَإِذا قطع الْآدَمِيّ مَا يحرم قطعه حرم انتفاعه وانتفاع غَيره بِهِ كصيد ذبحه محرم، وَيجب فِيهِ أَي فِي ذكر الْجَزَاء فتضمن الشَّجَرَة الصَّغِيرَة

عرفا بِشَاة والمتوسطة والكبيرة ببقرة يُخَيّر بَين ذَبحهَا وتفرقتها أَو إِطْلَاقهَا لمساكين الْحرم وَبَين تقويمها بِدَرَاهِم وَيفْعل بهَا كجزاء الصَّيْد، وَيضمن حشيش وورق بِقِيمَتِه، وغصن بِمَا نقص، فَإِن اسْتخْلف شَيْء من الشّجر والحشيش وَالْوَرق سقط ضَمَانه كَمَا لَو نتف ريش صيد وَعَاد، وَقَالَ الإِمَام 16 (أَحْمد) : لَا يخرج من تُرَاب الْحرم وَلَا يدْخل إِلَيْهِ من الْحل، وَلَا يخرج من حِجَارَة مَكَّة شَيْء إِلَى الْحل، وَالْخُرُوج أَشد يَعْنِي فِي الكرهة، وَلَا يكره إِخْرَاج مَاء زَمْزَم لِأَنَّهُ يسْتَخْلف. وَمَكَّة أفضل من الْمَدِينَة، وتستحب الْمُجَاورَة بهَا، وَلمن هَاجر مِنْهَا الْمُجَاورَة بهَا كَغَيْرِهِ، وَمَا خلق الله سُبْحَانَهُ خلقا أكْرم عَلَيْهِ من نَبينَا مُحَمَّد، وَأما تُرَاب تربته فَلَيْسَ أفضل من الْكَعْبَة بل الْكَعْبَة أفضل مِنْهُ قَالَ فِي الْفُنُون: الْكَعْبَة أفضل من مُجَرّد الْحُجْرَة، فَأَما مأوى النَّبِي فِيهَا فَلَا وَالله وَلَا الْعَرْش وَحَمَلته وَالْجنَّة، لِأَن بالحجرة جسدا لَو وزن بِهِ لرجح وَحرم صيد حرم الْمَدِينَة وَتسَمى طابة وطيبة وَالْأولَى أَلا تسمى يثرب، فَلَو صَاد من حرم الْمَدِينَة صيدا وذبحه صحت تذكيته، جزم بِهِ فِي الْإِقْنَاع. وَحرم قطع شَجَره أَي حرم الْمَدِينَة وَقطع حشيشه لغير حَاجَة علف وحاجة قتب وَنَحْوهمَا أَي الْعلف والقتب كالمساند وَآلَة الْحَرْث والرحل وَنَحْوهَا مِمَّا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجة. وَلَا جَزَاء عَلَيْهِ

وَمن أدخلها صيدا فَلهُ إِمْسَاكه وذبحه نصا وَلَا جَزَاء فِيمَا حرم من ذَلِك. وَحرم الْمَدِينَة بريد فِي بريد نصا وَهُوَ مَا بَين ثَوْر وعير جبلان معروفان بِالْمَدِينَةِ وَذَلِكَ مَا بَين لابتيها، وَجعل النَّبِي حول الْمَدِينَة المنورة اثْنَي عشر ميلًا حمى والحمى الْمَكَان الْمَمْنُوع من الرَّعْي فِيهِ.

باب

(بَاب) آدَاب دُخُول مَكَّة وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من نَحْو طواف وسعي. يسن دُخُول مَكَّة نَهَارا من أَعْلَاهَا عَن كداء بِالْمدِّ وَالْفَتْح والهمز مَصْرُوف ذكره فِي الْمطَالع، ويعلاف الْآن بِبَاب المعلاة، والثنية طَرِيق بَين جبلين، وَيسن خُرُوج مِنْهَا من أَسْفَلهَا ثنية كدى بِضَم الْكَاف وَالْقصر والتنوين وَيُقَال لَهَا بَاب شبيكة. وَيسن دُخُول الْمَسْجِد الْحَرَام من بَاب بني شيبَة فَإِذا رأى الْبَيْت رفع يَده وَقَالَ مَا ورد وَهُوَ: اللَّهُمَّ أَنْت السَّلَام ومنك السَّلَام حينا رَبنَا بِالسَّلَامِ. اللَّهُمَّ زد هَذَا الْبَيْت تَعْظِيمًا وتشريفا وتكريما ومهابة وَبرا بِكَسْر الْبَاء اسْم جَامع للخير وزد من عظمه وشرفه مِمَّن حجه واعتمره تَعْظِيمًا وتشريفا وتكريما ومهابة وَبرا، وَالْحَمْد لله رب

الْعَالمين كثيرا كَمَا هُوَ أَهله وكما يَنْبَغِي لكرم وَجهه وَعز جَلَاله، وَالْحَمْد لله الَّذِي بَلغنِي بَيته ورآني لذَلِك أَهلا، الْحَمد لله على كل حَال، اللَّهُمَّ أَنَّك دَعَوْت إِلَى حج بَيْتك الْحَرَام وَقد جئْتُك لذَلِك، اللَّهُمَّ تقبل منى واعف عني وَأصْلح لي شأني كُله لَا إِلَه إِلَّا أَنْت. يرفع بذلك صَوته إِن كَانَ رجلا، وَمَا زَاد على الدُّعَاء فَحسن، ثمَّ طَاف عطف على مَا قبله مضطبعا اسْتِحْبَابا غير حَامِل مَعْذُور فِي كل أُسْبُوع نصا والاضطجاع جعل وسط الرِّدَاء تَحت عَاتِقه الْأَيْمن وطرفيه على عَاتِقه الْأَيْسَر للْعُمْرَة مُتَعَلق بطاف الْمُعْتَمِر أَي الْمحرم بِعُمْرَة، وَلم يحْتَج أَن يطوف لَهَا طواف قدوم كمن دخل الْمَسْجِد وَقد أُقِيمَت الصَّلَاة فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بهَا عَن تَحِيَّة الْمَسْجِد وَطَاف للقدوم غَيره أَي غير الْمُعْتَمِر وَهُوَ الْمُفْرد وَيُسمى طواف الْوُرُود، وَهُوَ تَحِيَّة الْكَعْبَة، وتحية الْمَسْجِد الصَّلَاة، وتجزىء عَنْهَا الركعتان بعد الطّواف فَيكون أول مَا يبْدَأ بِهِ الطّواف، إِلَّا إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة أَو ذكر فَائِتَة أَو خَافَ فَوَات رَكْعَتي الْفجْر أَو الْوتر أَو حضرت جَنَازَة فيقدمها عَلَيْهِ ثمَّ يطوف، وَالْأولَى للْمَرْأَة تَأْخِيره إِلَى اللَّيْل لِأَنَّهُ أستر لَهَا إِن أمنت الْحيض وَالنّفاس، وَلَا تزاحم الرِّجَال لتستلم الْحجر لَكِن تُشِير إِلَيْهِ كَالَّذي لَا يُمكنهُ الْوُصُول إِلَيْهِ. ويبتدئ الطّواف من الْحجر الْأسود لفعله عَلَيْهِ السَّلَام، وَهُوَ وجهة الْمشرق فيحاذيه أَو بعضه بِجَمِيعِ بدنه فَإِن لم يحاذه أَو بَدَأَ بِالطّوافِ من

دون الرُّكْن كالباب وَنَحْوه لم يحْتَسب بذلك الشوط ويستلم الْحجر الْأسود بِيَدِهِ الْيُمْنَى، والاستلام من السَّلَام وَهُوَ التَّحِيَّة، وَقد ثَبت عَن النَّبِي أَنه نزل من الْجنَّة أَشد بَيَاضًا من اللَّبن، فسودته خَطَايَا بني آدم، صَححهُ التِّرْمِذِيّ. ويقبله أَي الْحجر من غير صَوت يظْهر للْقبْلَة، وَنَصّ للْإِمَام 16 (أَحْمد) : وَيسْجد عَلَيْهِ فعله ابْن عمر وَابْن عَبَّاس. فَإِن شقّ استلامه وَتَقْبِيله لنَحْو زحام لم يزاحم واستلمه بِيَدِهِ وَقَبله، فَإِن شقّ بِيَدِهِ فبشيء ويقبله، فَإِن شقّ استلامه بِشَيْء أَشَارَ إِلَيْهِ بِيَدِهِ أَو بِشَيْء واستقبله بِوَجْهِهِ وَلَا يقبل مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بِهِ وَيَقُول أَي كلما استلمه مَا ورد وَهُوَ: باسم الله وَالله أكبر، اللَّهُمَّ إِيمَانًا بك وَتَصْدِيقًا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك مُحَمَّد. وَيَقُول ذَلِك كلما استلمه، فَإِن لم يكن الْحجر مَوْجُودا وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى وقف مُقَابلا لمكانه كَمَا تقدم واستلم الرُّكْن وَقَبله. ثمَّ يَأْخُذ على يَمِينه فِيمَا يَلِي الْبَاب، وَيجْعَل الْبَيْت عَن يسَاره ليقرب جَانِبه الْأَيْسَر الَّذِي هُوَ مقرّ الْقلب إِلَى الْبَيْت، فَأول ركن يمر بِهِ يُسمى الشَّامي والعراقي ثمَّ يَلِيهِ الرُّكْن الغربي والشامي وَهُوَ جِهَة الْمغرب ثمَّ الْيَمَانِيّ وَهُوَ جِهَة الْيمن، وفإذا أَتَى عَلَيْهِ استلمه وَلم يقبله، وَلَا يسْتَلم وَلَا يقبل

الرُّكْنَيْنِ الآخرين وَلَا صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس وَلَا غَيرهَا من الْمَسَاجِد والمدافن الَّتِي فِيهَا الْأَنْبِيَاء والصالحون. وطوف بِالْبَيْتِ سبعا ويرمل الأفقي أَي غير الْمحرم من مَكَّة أَو قربهَا وَغير حَامِل مَعْذُور وراكب وَنسَاء فِي هَذَا الطّواف فَقَط فِي الثَّلَاثَة الأشواط الأولى مِنْهُ، وَلَا يسن رمل وَلَا اضطباع فِي غَيره، والرمل إسراع الْمَشْي مَعَ تقَارب الخطا من غير وثب، ثمَّ يمشي الْأَرْبَعَة الْبَاقِيَة، والرمل أولى من الدنو من الْبَيْت بِدُونِهِ، وَكلما حَاذَى الْحجر الْأسود والركن الْيَمَانِيّ استلمهما اسْتِحْبَابا، وَإِن شقّ أَشَارَ إِلَيْهِمَا وَيَقُول كلما حَاذَى الْحجر (الله أكبر) فَقَط وَله الْقِرَاءَة فِي الطّواف فتستحب فِيهِ، نَص عَلَيْهِ، لَا الْجَهْر بهَا. يكره إِن غلط الْمُصَلِّين والطائفين، وَيَقُول بَين الْحجر والركن الْيَمَانِيّ: رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار. وَيكثر فِي بَقِيَّة طَوَافه من الذّكر وَالدُّعَاء، وَمِنْه: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حجا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا، رب اغْفِر وَارْحَمْ واهدني السَّبِيل الأقوم، وَتجَاوز عَمَّا تعلم، وَأَنت الْأَعَز الأكرم. وَيذكر وَيَدْعُو بِمَا أحب وَيُصلي على النَّبِي وَمن طواف أَو سعي رَاكِبًا أَو مَحْمُولا بِغَيْر عذر لم يُجزئهُ وبعذر يجزىء، وَيَقَع الطّواف عَن الْمَحْمُول إِن نويا عَنهُ وَكَذَا لَو نوى كل مِنْهُمَا عَن نَفسه، وَإِن نويا عَن الْحَامِل أَجْزَأَ عَنهُ، وَإِن نوى أَحدهمَا عَن نَفسه وَالْآخر لم ينْو وَقع لمن نوى، وَإِن عدمت النِّيَّة مِنْهُمَا أَو نوى كل عَن الآخر لم يَصح لوَاحِد مِنْهُمَا. وَإِن حمله بِعَرَفَات لعذر أَو لَا أَجْزَأَ عَنْهُمَا.

وَإِن طَاف منسكا بِأَن جعل الْبَيْت عَن يَمِينه، أَو على جِدَار الْحجر بِكَسْر الْمُهْملَة أَو على شاذروان الْكَعْبَة بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَهُوَ الْقَادِر الَّذِي ترك خَارِجا عَن عرض الْجِدَار مرتفعا عَن الأَرْض قدر ثُلثي ذِرَاع، أَو ترك شَيْئا من الطّواف، أَو لم يُنَوّه، أَو خَارج الْمَسْجِد، أَو مُحدثا أَو نجسا أَو حَائِضًا، أَو عُريَانا لم يُجزئهُ فِي جَمِيع هَذِه الصُّور ويبتدئه لحَدث فِيهِ تَعَمّده أَو سبقه بعد أَن يتَطَهَّر كَالصَّلَاةِ ولقطع طَوِيل عرفا لِأَن الْمُوَالَاة شَرط فِيهِ كَالصَّلَاةِ، وَإِن كَانَ الْقطع يَسِيرا أَو أُقِيمَت الصَّلَاة أَو حضرت جَنَازَة صلى وَبنى من الْحجر فَلَا يعْتد بِبَعْض شوط قطع فِيهِ فَإِذا فرغ من طَوَافه صلى رَكْعَتَيْنِ. وَالْأَفْضَل كَونهمَا خلف الْمقَام أَي مقَام إِبْرَاهِيم يقْرَأ فِي الأولى بعد الْفَاتِحَة 19 ((قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ)) وَفِي الثَّانِيَة 19 ((قل هُوَ الله أحد)) . وتجزىء مَكْتُوبَة عَنْهُمَا وَسنة راتبة. وَسن الْإِكْثَار من الطّواف كل وَقت، وَله جمع أسابيع، فَإِذا فرغ ركع لكل أُسْبُوع رَكْعَتَيْنِ ثمَّ يسْتَلم الْحجر الْأسود اسْتِحْبَابا نصا وَيخرج إِلَى الصَّفَا من بَابه أَي بَاب الْمَسْجِد الْمَعْرُوف بِبَاب الصَّفَا وَهُوَ طرف جبل أبي قبيس فيرقاه أَي الصَّفَا ندبا حَتَّى يرى الْبَيْت إِن أمكنه ف يستقبله وَيكبر ثَلَاثًا وَيَقُول مَا ورد وَمِنْه: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك وَله الْحَمد يحيي وَيُمِيت وَهُوَ على كل شَيْء قدير، لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ صدق وعده وَنصر عَبده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده، وَيَدْعُو بِمَا أحب وَلَا يُلَبِّي،

ثمَّ ينزل من الصَّفَا مَاشِيا إِلَى الْعلم الأول وَهُوَ ميل أَخْضَر فِي ركن الْمَسْجِد، أَي يمشي حَتَّى يبْقى بَينه وَبَين الْعلم نَحْو سِتَّة أَذْرع فيسعى سعيا شَدِيدا ندبا إِلَى الْعلم الآخر وَهُوَ ميل أَخْضَر بِفنَاء الْمَسْجِد حذاء دَار الْعَبَّاس ثمَّ يمشي ويرقى الْمَرْوَة وَهُوَ أنف جبل قعيقعان وَيسْتَقْبل الْقبْلَة وَيَقُول عَلَيْهَا مَا قَالَه على الصَّفَا وَيجب اسْتِيعَاب مَا بَينهمَا، فَإِن لم يرقهما ألصق عقب رجلَيْهِ بِأَسْفَل الصَّفَا وأصابعها بِأَسْفَل الْمَرْوَة والراكب يفعل ذَلِك بدابته، فَمن ترك شَيْئا مِمَّا بَينهمَا وَلَو دون ذِرَاع لم يُجزئهُ سَعْيه، ثمَّ ينزل من الْمَرْوَة فَيَمْشِي فِي مَوضِع مَشْيه وَيسْعَى فِي مَوضِع سَعْيه إِلَى الصَّفَا يَفْعَله سبعا ويحسب ذَهَابه سعية ورجوعه سعية يفْتَتح بالصفا وَيخْتم بالمروة، فَإِن بَدَأَ بالمروة لم يحْتَسب بذلك الشوط، وَيسْتَحب أَن يسْعَى طَاهِرا من الحدثين والنجاسة مستترا، وموالاة بَينه وَبَين الطّواف. وَشرط لَهُ نِيَّة وموالاة كالطواف وَكَونه بعد طواف وَلَو مسنونا، وَالْمَرْأَة لَا ترقى الصَّفَا وَلَا تسْعَى شَدِيدا، وَلَا يسن السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة إِلَّا فِي حج وَعمرَة هُوَ ركن فيهمَا لَا كالطواف فِي أَنه يسن كل وَقت. ويتحلل متمتع لَا هدى مَعَه بتقصير شعره وَلَو كَانَ ملبدا رَأسه،

وَلَا يتَحَلَّل من مَعَه هدى إِذا حج مِنْهُمَا جَمِيعًا فَيجب أَن يدْخل الْحَج على الْعمرَة وَيصير قَارنا، وَلَيْسَ لَهُ أَن يحل وَلَا يحلق حَتَّى يحجّ، فَيحرم بِالْحَجِّ بعد طَوَافه وسعيه لعمرته وَيحل مِنْهُمَا مَعًا يَوْم النَّحْر نَص عَلَيْهِ، والمتمتع يقطع التَّلْبِيَة إِذا أَخذ أَي شرع فِي الطّواف نصا، وَلَا بَأْس بهَا فِي طواف الْقدوم نصا سرا.

فصل

3 - (فصل) فِي صفة الْحَج وَصفَة الْعمرَة وَمَا يتَعَلَّق وَمَا يتَعَلَّق بذلك. يسن لمتمتع حل فِي عمرته ولمحل بِمَكَّة أَو قربهَا الْإِحْرَام بِالْحَجِّ يَوْم الروية وَهُوَ الْيَوْم الثَّامِن من ذِي الْحجَّة الْحجَّة، إِلَّا لمتمتع لم يجد الْهدى فَيُسْتَحَب أَن يحرم يَوْم السَّابِع ليَكُون آخر الثَّلَاثَة الْأَيَّام يَوْم عَرَفَة. وَيسن الْمبيت بمنى بِأَن يخرج إِلَيْهَا قبل الزَّوَال فَيصَلي بهَا الظّهْر مَعَ الإِمَام ويبيت بهَا إِلَى أَن يُصَلِّي الْفجْر، فَإِذا طلعت الشَّمْس سَار من منى فَأَقَامَ بنمرة ندبا، وَهُوَ جبل بِعَرَفَة عَلَيْهِ عَلَامَات الْحرم على يَمِينك إِذا خرجت من مأزمي عَرَفَة تُرِيدُ الْوُقُوف حَتَّى تَزُول الشَّمْس، فَحِينَئِذٍ يسْتَحبّ للْإِمَام أَو نَائِبه أَن يخْطب خطْبَة وَاحِدَة قَصِيرَة يفتتحها بِالتَّكْبِيرِ يعلمهُمْ فِيهَا الْوُقُوف وَوَقته وَالدَّفْع من عَرَفَات وَالْمَبِيت بِالْمُزْدَلِفَةِ وَغير ذَلِك، ثمَّ سَار إِلَى عَرَفَة وَكلهَا موقف إِلَّا بطن عُرَنَة فَإِنَّهُ لَا يجزىء الْوُقُوف بِهِ، وحد عَرَفَة من الْجَبَل المشرف على عَرَفَة إِلَى الْجبَال الْمُقَابلَة إِلَى مَا يَلِي حَوَائِط بني عَامر، وَجمع عطف على سَار فِيهَا أَي فِي عَرَفَة

من جَازَ لَهُ الْجمع كالمسافر سفر قصر بَين الظّهْر وَالْعصر تَقْدِيمًا اسْتِحْبَابا إِمَامًا كَانَ أَو غَيره بِأَذَان وَإِقَامَتَيْنِ، وَإِن لم يُؤذن فَلَا كَرَاهَة وَالْأَذَان أولى ذكره فِي الْإِقْنَاع، وَأكْثر عطف أَيْضا فِيهَا من الدُّعَاء وَالِاسْتِغْفَار والتضرع وَإِظْهَار الضعْف والافتقار ويلح فِي الدُّعَاء وَلَا يستبطىء الْإِجَابَة، ويجتنب السجع، ويكرر كل دُعَاء ثَلَاثًا، وَأكْثر فِيهَا الدُّعَاء مِمَّا ورد وَهُوَ: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك وَله الْحَمد يحيي وَيُمِيت وَهُوَ حَيّ لَا يَمُوت، بِيَدِهِ الْخَيْر وَهُوَ على كل شَيْء قدير. اللَّهُمَّ اجْعَل فِي قلبِي نورا وَفِي بَصرِي نورا وَفِي سَمْعِي نورا وَيسر لي أَمْرِي. وَيَدْعُو بِمَا أحب وَوقت الْوُقُوف من طُلُوع فجر يَوْم عَرَفَة وَاخْتَارَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَغَيره وَحكى إِجْمَاعًا من الزَّوَال يَوْم عَرَفَة ذكره فِي الْإِقْنَاع إِلَى طُلُوع فجر يَوْم النَّحْر، فَمن حصل بِعَرَفَة فِي هَذَا الْوَقْت وَلَو لَحْظَة وَلَو مارا بهَا أَو نَائِما أَو جَاهِلا أَنَّهَا عَرَفَة وَهُوَ من أهل الْوُقُوف صَحَّ حجه لَا إِن كَانَ مَجْنُونا أَو مغمى عَلَيْهِ أَو سَكرَان لعدم عقله إِلَّا أَن يفيقوا وهم بهَا قبل خُرُوج وَقت الْوُقُوف أَو بعد الدّفع مِنْهَا إِن عَادوا ووقفوا بهَا فِي الْوَقْت. وَمن فَاتَهُ الْوُقُوف بِعَرَفَة فَاتَهُ الْحَج وَيَأْتِي وَيصِح وقُوف الْحَائِض إِجْمَاعًا.

وَيجب أَن يجمع فِي الْوُقُوف بَين اللَّيْل وَالنَّهَار من وقف نَهَارا، فَإِن دفع قبل الْغُرُوب فَعَلَيهِ دم إِن لم يعد قبل خُرُوج الْوَقْت إِلَيْهَا، وَإِن وافاها فَوقف بهَا لَيْلًا فَلَا دم عَلَيْهِ. وَإِن خَافَ فَوت وَقت الْوُقُوف صلى صَلَاة خَائِف إِن رجا إدراكا ثمَّ يدْفع بعد الْغُرُوب من عَرَفَة إِلَى مُزْدَلِفَة بسكينة بِفَتْح السِّين وَكسرهَا مَعَ تَخْفيف الْكَاف أَي طمأنينة، وَتقدم فِي صفة الصَّلَاة، ويلبي فِي الطَّرِيق وَيذكر الله تَعَالَى وَيجمع فِيهَا أَي مُزْدَلِفَة بَين العشاءين أَي الْمغرب وَالْعشَاء تَأْخِيرا اسْتِحْبَابا من يُبَاح لَهُ الْجمع، يُؤذن للأولى، هَذَا ظَاهر كَلَام الْأَكْثَرين وَاخْتَارَ الخرقى بِلَا أَذَان ذكره فِي شرح الْإِقْنَاع، وَيُقِيم لكل صَلَاة ويبيت بهَا أَي مُزْدَلِفَة حَتَّى يصبح وَيُصلي الْفجْر. وَلَيْسَ لَهُ الدّفع مِنْهَا قبل نصف اللَّيْل فَإِن فعل فَعَلَيهِ دم إِن لم يعد قبل طُلُوع الْفجْر وَلَو جَاهِلا أَو نَاسِيا، وَيُبَاح بعد نصفه، وَلَا شَيْء عَلَيْهِ إِلَّا سقاة أَو رُعَاة فَيُبَاح لَهُم الدّفع قبل نصفه للْحَاجة إِلَيْهِم وَالْمَشَقَّة عَلَيْهِم، فَإِذا صلى الصُّبْح أول وَقتهَا أَتَى الْمشعر الْحَرَام سمي بذلك لِأَنَّهُ من عَلَامَات الْحَج فرقيه أَي الْمشعر الْحَرَام إِن أمكنه وَإِلَّا يُمكنهُ وقف عِنْده وَحمد الله تَعَالَى وَهَلل وَكبر ودعا وَقَالَ: اللَّهُمَّ كَمَا وقفتنا فِي وأريتنا إِيَّاه فوقفنا لذكرك كَمَا هديتنا. واغفر لنا وارحمنا كَمَا وعدتنا بِقَوْلِك وقولك الْحق وَقَرَأَ: 19 ( {فَإِذا أَفَضْتُم من عَرَفَات} ) الْآيَتَيْنِ 19 ( {فاذكروا الله عِنْد الْمشعر الْحَرَام واذكروه كَمَا هدَاكُمْ، وَإِن كُنْتُم من قبله لمن الضَّالّين ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس وَاسْتَغْفرُوا الله أَن الله غَفُور رَحِيم} ) .

وَلَا يزَال يَدْعُو حَتَّى يسفر جدا، وَلَا بَأْس بِتَقْدِيم الضعفة وَالنِّسَاء ثمَّ يدْفع قبل طُلُوع الشَّمْس إِلَى منى وَعَلِيهِ السكينَة، فَإِذا بلغ محسرا وَاد بَين مُزْدَلِفَة وَمنى أسْرع رمية أَي قدر رمية حجر رَاكِبًا كَانَ أَو مَاشِيا حَال كَونه ملبيا إِلَى أَن يَرْمِي جَمْرَة الْعقبَة، وَهِي آخر الجمرات مِمَّا يَلِي منى وأولها مِمَّا يَلِي مَكَّة وَأخذ حَصى الْجمار من طَرِيقه قبل أَن يصل منى، وَمن حَيْثُ أَخذه جَازَ، وَيكرهُ من منى وَمن سَائِر الْحرم وَيَأْخُذ سبعين حَصَاة أكبر من الحمص وَدون البندق كحصى الْخذف بِالْخَاءِ والذال المعجمتين أَي الرَّمْي بِنَحْوِ حَصَاة أَو نواة بَين السبابتين يخذف بهَا، فَإِذا وصل إِلَى منى وَحده من وَادي محسر إِلَى جَمْرَة الْعقبَة وليسا من منى فَيَرْمِي جَمْرَة الْعقبَة وَحدهَا بِسبع حَصَيَات وَاحِدَة بعد أُخْرَى وجوبا، وَإِن رَمَاهَا دفْعَة وَاحِدَة لم تُجزئه إِلَّا عَن وَاحِدَة ويؤدب نصا، قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى لِئَلَّا يَقْتَدِي بِهِ انْتهى. وَيشْتَرط الرَّمْي فَلَا يَكْفِي الْوَضع فِي المرمى، وَعلم الْحُصُول بِالرَّمْي فَلَا يَكْفِي ظَنّه، فَلَو رمى حَصَاة فاختطفها طَائِر أَو هبت بهَا الرّيح قبل وُقُوعهَا بالمرمى لم تُجزئه. وَوَقته من نصف لَيْلَة النَّحْر، وَندب بعد الشروق، فَإِن غربت الشَّمْس فَمن غَد بعد الزَّوَال، يرفع يمناه مَعَ كل حَصَاة حَتَّى يرى بَيَاض إبطه وَيكبر مَعَ كل حَصَاة وَيَقُول: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا ثمَّ ينْحَر ويحلق جَمِيع رَأسه وجوبا أَو يقصر فِي جَمِيع شعره أَي شعر رَأسه نَص لَا من كل شَعْرَة بِعَينهَا، وَالْمَرْأَة تقصر من شعرهَا قدر أُنْمُلَة فَأَقل ثمَّ قد حل لَهُ كل شَيْء من طيب وَغَيره إِلَّا النِّسَاء نصا وطئا ومباشرة وَنَحْوهمَا،

وَيحصل التَّحَلُّل الأول بِاثْنَيْنِ من ثَلَاثَة: رمي وَحلق وَطواف، والتحلل الثَّانِي يحصل بِمَا بَقِي من الثَّلَاثَة مَعَ السَّعْي من متمتع مُطلقًا وَمن مُفْرد وقارن إِن لم يسعيا مَعَ إتيانهما بِطواف لِأَنَّهُ ركن ثمَّ يفِيض إِلَى مَكَّة فيطوف مُفْرد وقارن لم يدخلاها قبل للقدوم نصا برمل واضطباع ثمَّ للزيارة، ومتمتع الْقدوم بِلَا رمل وَلَا اضطباع، ثمَّ يطوف طواف الزِّيَارَة نصا الَّذِي هُوَ ركن من أَرْكَان الْحَج كَمَا يَأْتِي، وَيُسمى طواف الْإِفَاضَة وَطواف الصَّدْر أَيْضا، وشروط صِحَّته ثَلَاثَة عشر: الْإِسْلَام، وَالْعقل، وَالنِّيَّة، وَستر الْعَوْرَة، وطهارة الْحَدث لَا لطفل دون التَّمْيِيز -، وطهارة الْخبث، وتكميل السَّبع، وَجعل الْبَيْت عَن يسَاره، وَالطّواف بِجَمِيعِهِ بألا يطوف على جِدَار الْحجر وَلَا على شاذروان الْكَعْبَة، وَأَن يطوف مَاشِيا مَعَ الْقُدْرَة، وَأَن يوالي بَينه، وَألا يخرج من الْمَسْجِد بل يطوف دَاخله، وَأَن يَبْتَدِئ من الْحجر الْأسود. ثمَّ يسْعَى سعي الْحَج الَّذِي هُوَ ركن أَيْضا إِن لم يكن سعى قبل، وشروطه ثَمَانِيَة: النِّيَّة، وَالْإِسْلَام: وَالْعقل، والموالاة، وَالْمَشْي مَعَ الْقُدْرَة، وَكَونه بعد طواف لَو مسنونا كطواف الْقدوم، وتكميل السَّبع واستيعاب مَا بَين الصَّفَا والمروة، وَقد حل لَهُ كل شَيْء حَتَّى النِّسَاء،

وَيسن أَن يشرب من مَاء زَمْزَم لما أحب لحَدِيث (مَاء زَمْزَم لما شرب لَهُ) ويتضلع من زَاد فِي التَّبْصِرَة: ويرش على بدنه وثوبه وَيَدْعُو بِمَا ورد وَهُوَ: باسم الله، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لنا علما نَافِعًا وَرِزْقًا وَاسِعًا وريا بِفَتْح الرَّاء وَكسرهَا مَعَ تَشْدِيد الْيَاء وكرضا وشبعا بِكَسْر الشين وَفتح الْبَاء وَكسرهَا وسكونها مصدر شبع وشفاء من كل دَاء، واغسل بِهِ قلبِي واملأه من خشيتك زَاد بَعضهم: وحكمتك. وَهَذَا الدُّعَاء شَامِل لخيري الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، ثمَّ رَجَعَ من أَفَاضَ إِلَى مَكَّة بعد الطّواف وَالسَّعْي فيبيت بمنى وجوبا ثَلَاث لَيَال وَيَرْمِي الْجمار الثَّلَاث بهَا فِي كل يَوْم من أَيَّام التَّشْرِيق بعد الزَّوَال وجوبا وَقبل الصَّلَاة اسْتِحْبَابا، وَآخر وَقت الرَّمْي كل يَوْم إِلَى الْمغرب وَإِن أخر رمي يَوْم وَلَو يَوْم النَّحْر إِلَى آخر أَيَّام التَّشْرِيق أَجْزَأَ أَدَاء، وَيجب ترتيبه بِالنِّيَّةِ، وَفِي تَأْخِيره عَن أَيَّام التَّشْرِيق دم وَفِي ترك حَصَاة مَا فِي شَعْرَة، وَفِي حصاتين مَا فِي شعرتين، وَفِي أَكثر من ذَلِك دم وَمن تعجل فِي يَوْمَيْنِ إِن لم يخرج قبل الْغُرُوب أَي غرُوب الشَّمْس لزمَه الْمبيت بمنى وَلَزِمَه الرَّمْي من الْغَد بعد الزَّوَال، وَيسْقط رمي الْيَوْم الثَّالِث عَن متعجل نصا، ويدفن حصاه، وَزَاد بَعضهم: فِي المرمى،

وَفِي منسك ابْن الباعوني: وَيَرْمِي بِهن كَفِعْلِهِ فِي اللواتي قبلهن وَطواف الْوَدَاع وَاجِب يَفْعَله وجوبا كل من أَرَادَ الْخُرُوج فَإِن خرج قبل الْوَدَاع رَجَعَ إِلَيْهِ وجوبا بِلَا إِحْرَام إِن لم يبعد عَنْهَا، فَإِن شقّ أَو بعد مَسَافَة قصر فَأكْثر فَعَلَيهِ دم بِلَا رُجُوع. وَلَا وداع على حَائِض ونفساء إِلَّا أَن تطهر قبل مُفَارقَة البينان ثمَّ يقف فِي الْمُلْتَزم وَهُوَ أَرْبَعَة أَذْرع بَين الرُّكْن الَّذِي بِهِ الْحجر الْأسود وَالْبَاب مُلْصقًا بِهِ جَمِيع بدنه دَاعيا بِمَا ورد وَهُوَ: اللَّهُمَّ هَذَا بَيْتك، وَأَنا عَبدك وَابْن عَبدك وَابْن أمتك، حَملتنِي على مَا سخرت لي من خلقك، وسيرتني فِي بلادك، حتي بلغتني بنعمتك إِلَى بَيْتك، وأعنتني على أَدَاء نسكي، فَإِن كنت رضيت عني فازدد عني رضَا وَإِلَّا فَمن الْوَجْه فِيهِ ضم الْمِيم وَتَشْديد النُّون على أَنه صِيغَة أَمر من يمن مَقْصُودا بِهِ الدُّعَاء. وَيجوز كسرهَا وَفتح النُّون على أَنه حرف جر ابْتِدَاء الْغَايَة الْآن أَي هَذَا الْوَقْت الْحَاضِر وَجمعه آونة كزمان وأزمنة، قبل أَن تنأى عَن بَيْتك دَاري، فَهَذَا وَقت انصرافي إِن أَذِنت لي، غير مستبدل

بك وَلَا ببيتك وَلَا رَاغِب عَنْك وَلَا عَن بَيْتك. اللَّهُمَّ فأصحبني الْعَافِيَة فِي بدني وَالصِّحَّة فِي جسمي والعصمة فِي ديني، وَأحسن منقلبي، وارزقني طَاعَتك مَا أبقيتني، وَأجْمع لي بَين خيري الدُّنْيَا وَالْآخِرَة إِنَّك على كل شَيْء قدير. وَيَدْعُو بِمَا أحب (وَيُصلي على النَّبِي. وَيَأْتِي الْحطيم نصا وَهُوَ تَحت الْمِيزَاب فيدعو ثمَّ يشرب من مَاء زَمْزَم. قَالَ الشَّيْخ 16 (تَقِيّ الدّين) : ويستلم الْحجر ويقبله، وَتَدْعُو الْحَائِض وَالنُّفَسَاء على بَاب الْمَسْجِد الْحَرَام ندبا بذلك وَسن زِيَارَة قبر النَّبِي وزاده شرفا وكرما، وَسن زِيَارَة قَبْرِي صَاحِبيهِ رَضِي الله عَنْهُمَا، فَيَأْتِي قبر النَّبِي فَيَقُول: السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله، كَانَ ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ لَا يزِيد على ذَلِك، فَإِن زَاد فَحسن، وَلَا يرفع صَوته، وَلَا يتمسح وَلَا يمس قبر النَّبِي وَلَا حَائِطه وَلَا يلصق بِهِ صَدره، وَلَا يقبله. أَي يكره ذَلِك لما فِيهِ من إساءة الْأَدَب والابتداع، وَيحرم الطّواف بِغَيْر الْبَيْت الْعَتِيق اتِّفَاقًا قَالَه الشَّيْخ 16 (تَقِيّ الدّين) وَقَالَ: اتَّفقُوا على أَنه لَا يقبله وَلَا يتمسح بِهِ فَإِنَّهُ من الشّرك وَلَا يغفره الله وَلَو كَانَ أَصْغَر. وَقَالَ ابْن عقيل وَابْن الْجَوْزِيّ: يكره قصد الْقُبُور لدعاء، فعلى هَذَا لَا يترخص من سَافر لَهُ.

قَالَ الشَّيْخ 16 (تَقِيّ الدّين) : يكره وُقُوفه عِنْدهَا، انْتهى. وتستحب الصَّلَاة بمسجده وَهِي بِأَلف صَلَاة، وَفِي الْمَسْجِد الْحَرَام بِمِائَة ألف، وَفِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى بِخَمْسِمِائَة. وحسنات الْحرم كَصَلَاة، لما روى عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا من حج مَكَّة مَاشِيا حَتَّى يرجع إِلَى مَكَّة كتب الله لَهُ بِكُل خطْوَة سَبْعمِائة حَسَنَة من حَسَنَات الْحرم. قيل لَهُ: وَمَا حَسَنَات الْحرم قَالَ: بِكُل حَسَنَة مائَة ألف حَسَنَة وتعظم السَّيِّئَات فِيهِ، وَكَذَا كل مَكَان فَاضل. وَلَعَلَّ فِي هَذَا إِيمَاء إِلَى أَن تعظيمها فِي الكيف لَا فِي الْكمّ، وَهُوَ كَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدّين رَحمَه الله. وَظَاهر كَلَامه فِي الْمُنْتَهى تبعا للْقَاضِي وَغَيره أَن التضاعف فِي الْكمّ كَمَا هُوَ ظَاهر نَص الإِمَام أَحْمد. وَسن أَن يَأْتِي مَسْجِد قبَاء فَيصَلي فِيهِ. وَصفَة الْعمرَة أَن يحرم بهَا من بِالْحرم من مكي وَغَيره من أدنى أَي أقرب الْحل إِلَى مَكَّة، وَالْأَفْضَل من التَّنْعِيم ثمَّ الْجِعِرَّانَة ثمَّ الْحُدَيْبِيَة ثمَّ مَا بعد. وَحرم إِحْرَامه بهَا من الْحرم، وَيصِح وَعَلِيهِ دم. وَيحرم غَيره أَي غير من بِالْحرم من دويرة أَهله إِن كَانَ دويرة

أَهله دون الْمِيقَات، وَإِلَّا أَي وَإِن لم تكن دون مِيقَات بل كَانَت أبعد مِنْهُ أَو بِهِ ف يجب أَن يحرم مِنْهُ أَي الْمِيقَات ثمَّ يطوف وَيسْعَى لعمرته ويحلق أَو يقصر وَلَا يحل قبل ذَلِك فَهُوَ نسك فِيهَا كَالْحَجِّ. وَلَا بَأْس أَن يعْتَمر فِي السّنة مرَارًا وَيكرهُ الْإِكْثَار مِنْهَا والموالاة بَينهَا نصا. قَالَ فِي الْفُرُوع: بِاتِّفَاق السّلف. وَقَالَ الإِمَام 16 (أَحْمد) : إِن شَاءَ كل شهر. وَقَالَ: لَا بُد أَن يحلق وَيقصر وَفِي عشرَة أَيَّام يُمكنهُ واستحبه جمَاعَة، وَهِي فِي غير أشهر الْحَج أفضل نصا وَفِي رَمَضَان أفضل وَيسْتَحب تكرارها فِيهِ لِأَنَّهَا تعدل حجَّة. وَتسَمى الْعمرَة حجا أَصْغَر لمشاركتها لِلْحَجِّ فِي الْإِحْرَام وَالطّواف وَالسَّعْي وَالْحلق أَو التَّقْصِير، وانفراده بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَة وَغَيره مِمَّا تقدم. فَائِدَة قَالَ أنس رَضِي الله عَنهُ: حج النَّبِي حجَّة وَاحِدَة، وَاعْتمر أَربع عمرات: وَاحِدَة فِي ذِي الْقعدَة، وَعمرَة الْحُدَيْبِيَة، وَعمرَة مَعَ حجَّته، وَعمرَة الْجِعِرَّانَة إِذْ قسم غَنَائِم حنين، مُتَّفق عَلَيْهِ.

فصل

3 - (فصل) . أَرْكَان الْحَج أَرْبَعَة: الأول إِحْرَام وَهُوَ نِيَّة النّسك، وَالثَّانِي وقُوف بِعَرَفَة، وَالثَّالِث طواف الزِّيَارَة، وَالرَّابِع سعي بَين الصَّفَا والمروة. وواجباته أَي الْحَج سَبْعَة: أَحدهَا إِحْرَام مار على الْمِيقَات مِنْهُ أَي الْمِيقَات، وَالثَّانِي وقُوف بِعَرَفَة إِلَى اللَّيْل إِن وقف نَهَارا، وَالثَّالِث مبيت بِمُزْدَلِفَة إِلَى بعد نصفه اللَّيْل إِن وافاها أَي مُزْدَلِفَة أَي حصل بهَا قبله قبل نصف اللَّيْل، وَالرَّابِع الْمبيت بمنى لياليها أَي ليَالِي التَّشْرِيق، وَالْخَامِس الرَّمْي للجمار حَال كَونه مُرَتبا، وَالسَّادِس حلق أَو تَقْصِير، وَالسَّابِع طواف وداع. قَالَ الشَّيْخ 16 (تَقِيّ الدّين) : طواف الْوَدَاع لَيْسَ من الْحَج وَإِنَّمَا هُوَ لكل من أَرَادَ الْخُرُوج من مَكَّة. وَتقدم. وَمَا عدا الْمَذْكُورَات من الْأَركان والواجبات سنَن لِلْحَجِّ كالرمل والاضطباع وَطواف الْقدوم وَالْمَبِيت بمنى لَيْلَة عَرَفَة وَنَحْوه. وأركان الْعمرَة ثَلَاثَة: الأول إِحْرَام بهَا، وَالثَّانِي طواف، وَالثَّالِث سعي. وواجبها أَي الْعمرَة اثْنَان: الْإِحْرَام بهَا من الْحل، وَالْحلق

أَو التَّقْصِير فَمن ترك ركنا أَو النِّيَّة لَهُ إِن اعْتبرت لم يتم نُسكه إِلَّا بِهِ، لَكِن لَا ينْعَقد نسك بِلَا إِحْرَام حجا كَانَ أَو عمْرَة وَيَأْتِي إِذا فَاتَهُ الْوُقُوف. وَمن ترك وَاجِبا لحج أَو عمْرَة وَلَو سَهوا أَو لعذر فَعَلَيهِ دم وحجه صَحِيح، فَإِن عَدمه فكصوم مُتْعَة أَي يَصُوم عشرَة أَيَّام: ثَلَاثَة فِي الْحَج، وَسَبْعَة إِذا رَجَعَ. وَمن ترك مسنونا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، والمسنون كالرمل والاضطباع وَالْمَبِيت بمنى لَيْلَة عَرَفَة وَطواف الْقدوم وَنَحْوه. وَمن فَاتَهُ والفوات مصدر فَاتَ يفوت فواتا كالفوت، وَهُوَ سبق لَا يدْرك فَهُوَ أخص من السَّبق الْوُقُوف بِعَرَفَة بِأَن طلع عَلَيْهِ فجر يَوْم النَّحْر وَلم يقف بِعَرَفَة فِي وَقْفَة وَلَو لعذر فَاتَهُ الْحَج ذَلِك الْعَام، وانقلب إِحْرَامه عمْرَة إِن لم يخْتَر الْبَقَاء على إِحْرَامه ليحج من قَابل، وَلَا تُجزئ عَن عمْرَة الْإِسْلَام نصا وتحلل بِعُمْرَة فيطوف وَيسْعَى ويحلق أَو يقصر، وَسَوَاء كَانَ قَارنا أَو غَيره، وَأهْدى عطف على الْفِعْل قبله أَي ذبح هَديا إِن لم يكن اشْترط أَو لَا، أَن محلي حَيْثُ حبست، إِمَّا شَاة أَو سبع بَدَنَة أَو سبع بقرة، فَإِن عَدمه زمن الْوُجُوب صَامَ كمتمتع ثمَّ حل: وَمن منع الْبَيْت أَي الدُّخُول للحرم بِالْبَلَدِ أَو الطَّرِيق فَلم يُمكنهُ بِوَجْه وَلَو بَعيدا وَلَو بعد الْوُقُوف أَو كَانَ الْمَنْع فِي إِحْرَام عمْرَة أهْدى أَي ذبح بنية التَّحَلُّل ثمَّ حل، فَإِن فَقده أَي الْهَدْي صَامَ عشرَة أَيَّام بِالنِّيَّةِ وَحل نصا وَلَا إطْعَام فِيهِ. وَمن صد عَن عَرَفَة تحلل بِعُمْرَة وَلَا دم عَلَيْهِ. وَإِن وقف كل الْحَاج أَو كُله إِلَّا قَلِيلا فِي الْيَوْم الثَّامِن أَن الْعَاشِر خطأ أجزأهم نصا.

وَمن شَرط فِي ابْتِدَاء إِحْرَامه أَن محلي حَيْثُ حبستني فَلهُ التَّحَلُّل مجَّانا فِي الْجَمِيع من فَوَات وإحصار وَمرض وَنَحْوه وَلَا دم عَلَيْهِ وَلَا قَضَاء وَلَا صَوْم وَغَيره وَتقدم أول الْإِحْرَام، فَإِن قَالَ: إِن مَرضت، وَنَحْوه، فَأَنا حَلَال فَمَتَى وجد الشَّرْط حل بِوُجُودِهِ.

فصل

3 - (فصل) فِي الْهَدْي وَالْأُضْحِيَّة والعقيقة. الْهَدْي مَا يهدي الْمحرم من نعم وَغَيرهَا. وَيجب بِنذر، وَمن النّذر قَوْله: إِن لبست ثوبا من غزلك فَهُوَ هدي، فلبسه وَقد ملكه فَيصير هَديا وَاجِبا يلْزمه إيصاله إِلَى مَسَاكِين الْحرم، وَسن أكل شَيْء وتفرقته من هدي تطوع كأضحية لَا من وَاجِب وَلَو بِنذر أَو تعْيين غير دم مُتْعَة وقران فَيجوز الْأكل مِنْهُمَا. وَالْأُضْحِيَّة بِضَم الْهمزَة وَكسرهَا وَتَخْفِيف الْيَاء وتشديدها، وَيُقَال ضحية كسرية وَالْجمع ضحايا، وَيُقَال أضحاة وَالْجمع أضحى كأرطاة وأرطى نَقله الْجَوْهَرِي عَن الْأَزْهَرِي، وَهِي مَا يذبح من إبل وبقر وغنم أَهْلِيَّة أَيَّام النَّحْر يَوْم الْعِيد وتالييه بِسَبَب الْعِيد تقربا إِلَى الله تَعَالَى. وَهِي سنة مُؤَكدَة لمُسلم، وَتجب بِالنذرِ وَيكرهُ تَركهَا أَي الْأُضْحِية لقادر عَلَيْهَا نَص عَلَيْهِ وَوقت الذّبْح لأضحية وَهدى نذر أَو تطوع ومتعة وقران بعد

أسبق صَلَاة عيد بِالْبَلَدِ، أَو بعد قدرهَا لمن بِمحل لَا تصلي فِيهِ كَأَهل الْبَوَادِي، وَلَو قبل الْخطْبَة، وَبعدهَا أفضل، وَيسْتَمر وَقت الذّبْح نَهَارا وليلا إِلَى آخر ثَانِي أَيَّام التَّشْرِيق، فَإِن فَاتَ الْوَقْت قضى الْوَاجِب وَسقط التَّطَوُّع. وَلَا يجوز أَن يعْطى جازر أجرته مِنْهَا أَي الْأُضْحِية، فَلهُ إِعْطَاؤُهُ صَدَقَة وهدية. وَلَا يُبَاع جلدهَا وَلَا جلها وَلَا شَيْء مِنْهَا أَي يحرم ذَلِك، بل ينْتَفع بِهِ الْجلد وَنَحْوه وَيتَصَدَّق بِهِ اسْتِحْبَابا أفضل هدي وَأفضل أضْحِية إبل ثمَّ بقر إِن أخرج كَامِلا فيهمَا ثمَّ غنم وَالْأَفْضَل من كل جنس أسمن فأغلى فأشهب وَهُوَ الأملح وَهُوَ الْأَبْيَض النقي الْبيَاض قَالَه ابْن الْأَعرَابِي، أَو مَا بياضه أَكثر من سوَاده فأصفر فأسود، وجذع ضَأْن أفضل من ثنى معز، وشَاة أفضل من سبع بَدَنَة أَو بقرة، وَسبع شِيَاه أفضل من بَدَنَة أَو بقرة لِكَثْرَة إِرَاقَة الدِّمَاء، وَلَا يجزى فِي هدي وَاجِب وأضحية إِلَّا جذع ضَأْن وَهُوَ مَاله سِتَّة أشهر كوامل وَإِلَّا ثني غَيره أَي غير الضَّأْن من معز وإبل وبقر فثني من معز مَاله سنة كَامِلَة وَثني إبل مَاله خمس سِنِين وَثني بقر مَاله سنتَانِ كاملتان وتجزىء الشَّاة عَن وَاحِد وَعَن أهل بَيته وَعِيَاله نصا، وتجزىء الْبَدنَة وَالْبَقَرَة عَن سَبْعَة وَيعْتَبر ذَبحهَا عَنْهُم نصا، وَسَوَاء أَرَادوا كلهم قربَة أَو بَعضهم قربَة وَبَعْضهمْ لَحْمًا أَو كَانَ بَعضهم ذِمِّيا، وَلكُل امرىء مِنْهُم مَا نوى.

وتجزى الْجَمَّاء الَّتِي لَا قرن لَهَا خلقَة، والبتراء الَّتِي لَا ذَنْب لَهَا خلقَة أَو مَقْطُوعًا، والخصى وَهُوَ مَا قطعت خصيتاه أَو سلتا أَو رضتا، فَإِن قطع مَعَ ذَلِك ذكره لم يجز، نَص عَلَيْهِ، وتجزىء أَيْضا الْحَامِل وَمَا خلق بِلَا أذن والصمعاء بصاد وَعين مهملتين صَغِيرَة الْأذن وَالَّتِي بِعَينهَا بَيَاض لَا يمْنَع النّظر، وَلَا تُجزئ هزيلة وَهِي الَّتِي لَا مخ فِيهَا وَلَا بَيِّنَة عور أَو أَي وَلَا تجزىء بَيِّنَة عرج وَلَا بَيِّنَة مرض وَلَا قَائِمَة الْعَينَيْنِ مَعَ ذهَاب إبصارها، وَلَا تجزىء ذَاهِبَة الثنايا أَي من أَصْلهَا وَتسَمى الهتماء أَو أَي وَلَا تُجزئ ذَاهِبَة أَكثر أذنها أَو أَكثر قرنها وَتسَمى العضباء، وَتكره معيبتهما بخرق أَو شقّ أَو قطع نصف فَأَقل قَالَه فِي الْمُنْتَهى، وَلَا تجزىء جداء أَي جدباء الَّتِي شَاب ونشف ضرْعهَا، لِأَنَّهَا فِي معنى الهزيلة وَأولى وَلَا عصماء وَهِي مَا تكسر غلاف قرنها قَالَه فِي الْمُسْتَوْعب وَالتَّلْخِيص. وَالسّنة نحر إبل قَائِمَة يَدهَا الْيُسْرَى فَيَطْعَنُهَا بِنَحْوِ حَرْبَة فِي الوهدة وَهِي بَين أصل الْعُنُق والصدر. وَالسّنة ذبح غَيرهَا الْإِبِل من بقر وغنم، وَيجوز عَكسه لِأَنَّهُ لم يتَجَاوَز مَحل الذَّكَاة، وَيَقُول الذَّابِح بعد توجيهها إِلَى الْقبْلَة على جنبها الْأَيْسَر حِين تحرّك يَده بِالْفِعْلِ باسم الله وجوبا وَالله أكبر اسْتِحْبَابا. اللَّهُمَّ هَذَا مِنْك وَلَك. وَلَا بَأْس بقول ذابح اللَّهُمَّ تقبل من فلَان. ويذبح وَاجِب قبل نفل.

وَسن إِسْلَام ذابح وتولي صَاحب الذَّبِيحَة ذَبحهَا بِنَفسِهِ، نصا. ويحضر إِن وكل ندبا، وَيعْتَبر نِيَّة إِذن إِلَّا مَعَ التَّعْيِين، أَي إِذا كَانَ الْهَدْي معينا وَالْأُضْحِيَّة مُعينَة فَلَا تعْتَبر النِّيَّة وَلَا تعْتَبر تَسْمِيَة المهدى مِنْهُ أَو المضحي عَنهُ، وَأفضل الذّبْح أول يَوْم من دُخُول وقته وَتقدم ذكره أول الْفَصْل. وَوقت ذبح هدى وَاجِب بِفعل مَحْظُور من حِينه، وَيتَعَيَّن بقول: هَذَا هدى، أَو بتقليده النَّعْل والعرى وآذان الْقرب، وإشعاره وَهُوَ شقّ الصفحة الْيُمْنَى من سَنَام أَو مَحَله مِمَّا لَا سَنَام لَهُ من إبل أَو بقر حَتَّى يسيل الدَّم مَعَ النِّيَّة فيهمَا لَا بشرَاء وَلَا سوقة مَعَ النِّيَّة فيهمَا. وتتعين الْأُضْحِية بقوله: هَذِه أضْحِية. وَإِن عينهَا أَو هَديا فَسرق بعد الذّبْح فَلَا شَيْء عَلَيْهِ. وَإِن عين عَن وَاجِب فِي الذِّمَّة مَا يجزىء فِيهِ وتعيب أَو تلف أَو ضل أَو عطب أَو سرق وَنَحْوه لم يُجزئهُ وَلَزِمَه بدله. وَسن للمضحي أَن يَأْكُل وَيهْدِي وَيتَصَدَّق أَثلَاثًا أَي يَأْكُل هُوَ وَأهل بَيته الثُّلُث وَيهْدِي الثُّلُث وَيتَصَدَّق بِالثُّلثِ مُطلقًا أَي وَاجِبَة كَانَت أَو لَا، وَيجوز الإهداء لكَافِر من تطوع. وَإِن ضحى ولي يَتِيم عَنهُ لم يتَصَدَّق وَلم يهد شَيْئا. وَيسْتَحب أَن يتَصَدَّق بأفضلها وَيهْدِي الْوسط وَيَأْكُل الأدون، وَكَانَ من شعار الصَّالِحين تنَاول لقْمَة من كَبِدهَا أَو غَيره تبركا وخروجا من خلاف من أوجب الْأكل. (فِي بداية هَذِه الصفحة فِي الْكتاب وَردت كلمة: سنّ وَلَيْسَ يسْتَحبّ)

وَيسْتَحب الْحلق بعْدهَا أَي الْأُضْحِية وَإِن أكلهَا أَو أهداها كلهَا إِلَّا أُوقِيَّة تصدق بهَا جَازَ، فَإِن لم يتَصَدَّق بِشَيْء ضمن مَا يَقع عَلَيْهِ اسْم اللَّحْم. يعْتَبر تمْلِيك الْفَقِير فَلَا يَكْفِي إطعامه، وَحرم على مريدها أَي الْأُضْحِية أَخذ شَيْء من شعره وَمن ظفره وَمن بَشرته فِي الْعشْر أَي عشر ذِي الْحجَّة إِلَى الذّبْح وَلَو لوَاحِدَة لمن يُضحي بِأَكْثَرَ. قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى: وَحِكْمَة تَحْرِيم الْأَخْذ من الشّعْر وَالظفر كَمَا قَالَ الشَّيْخ الْمَنَاوِيّ تَشْمَل الْمَغْفِرَة وَالْعِتْق من النَّار جَمِيع أَجْزَائِهِ فَإِنَّهُ يغْفر لَهُ بِأول قَطْرَة من دَمهَا. وَقَالَ فِي الْإِقْنَاع وَشَرحه: فَإِن فعل أَي أَخذ شَيْئا مِمَّا تقدم تَابَ إِلَى الله تَعَالَى لوُجُوب التَّوْبَة من كل ذَنْب. قلت وَهَذَا إِذا كَانَ لغير ضَرُورَة وَإِلَّا فَلَا إِثْم كالمحرم وَأولى. انْتهى. وَلَا فديَة عَلَيْهِ إِجْمَاعًا سَوَاء فعله عمدا أَو سَهوا. وَتسن الْعَقِيقَة وَهِي الَّتِي تذبح عَن الْمَوْلُود وَتسَمى نسيكة، فِي حق الْأَب، فَلَا يَفْعَله غير سَوَاء كَانَ غَنِيا أَو فَقِيرا مُعسرا ويقترض، وَقَالَ الإِمَام 16 (أَحْمد) : إِذا لم يكن عِنْده مَا يعق فَاسْتقْرض رَجَوْت أَن يخلف الله عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَحْيَا سنة. قَالَ ابْن الْمُنْذر: صدق الإِمَام أَحْمد، إحْيَاء السّنَن واتباعها أفضل.

وَقَالَ الشَّيْخ 16 (تَقِيّ الدّين) طيب الله ثراه: مَحَله لمن لَهُ وَفَاء وَإِلَّا لَا يقترض لِأَنَّهُ إِضْرَار بِنَفسِهِ وغريمه. وَلَا يعق الْمَوْلُود عَن نَفسه إِذا كبر، فَإِن فعل لم يكره، وَاخْتَارَ جمع أَنه يعق عَن نَفسه وَهِي أَي الْعَقِيقَة عَن الْغُلَام شَاتَان متقاربتان سنا وشبها فَإِن عدمهما فَوَاحِدَة. وَعَن الْجَارِيَة شَاة وَلَا تجزىء بَدَنَة أَو بقرة إِلَّا كَامِلَة نصا، قَالَ فِي النِّهَايَة: وأفضله شَاة تذبح يَوْم السَّابِع من مِيلَاد بنية الْعَقِيقَة، ويحلق رَأس الْمَوْلُود فِيهِ وَيتَصَدَّق بوزنه ورق فضَّة. وَكره لطخه من دَمهَا، وَيُسمى فِيهِ. وَفِي الرِّعَايَة: يَوْم الْولادَة. وَالتَّسْمِيَة حق للْأَب، وَيسن أَن يحسن اسْمه، وَأحب الْأَسْمَاء إِلَى الله تَعَالَى عبد الله وَعبد الرَّحْمَن رَوَاهُ مُسلم مَرْفُوعا، وكل مَا أضيف إِلَى اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى كَعبد الرَّحِيم وَعبد الرازق وَنَحْو ذَلِك فَحسن. وَحرم أَن يُسمى بِعَبْد لغير الله كَعبد الْكَعْبَة وَعبد النَّبِي وَعبد الْعُزَّى، وَتكره بِحَرب ويسار ومفلح ومبارك وَخير وسرور ورباح ونجيح. وَلَا تكره بأسماء الْأَنْبِيَاء وَالْمَلَائِكَة كموسى وَجِبْرِيل. فَإِن فَاتَ الذّبْح فِي سابعه فَفِي أَرْبَعَة عشر يسن فَإِن فَاتَ فِي أَرْبَعَة عشر فَفِي أحد وَعشْرين من وِلَادَته يسن ثمَّ لَا تعْتَبر الأسابيع بعد ذَلِك فيعق فِي أَي يَوْم أَرَادَ كقضاء أضْحِية وَغَيرهَا.

وَيسن أَذَان فِي أذن الْمَوْلُود الْيُمْنَى حِين يُولد ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى، وَإِقَامَة فِي أُذُنه الْيُسْرَى. روى عَن عَليّ مَرْفُوعا: (من ولد لَهُ ولد فَإِذن فِي أُذُنه الْيُمْنَى وَأقَام فِي أُذُنه الْيُسْرَى دفعت عَنهُ أم الصّبيان) وَتقدم فِي الْأَذَان. ويحنك بتمرة بِأَن تمضغ يدلك بهَا دَاخل فَمه ويفت فَمه يصل إِلَى جَوْفه مِنْهَا شَيْء وَحكمهَا أَي الْعَقِيقَة ك حكم أضْحِية فَلَا يجزىء فِيهَا إِلَّا مَا يجزىء فِي أضْحِية. وَكَذَا فِي مَا يسْتَحبّ وَكره فِي أكل وهدية وَصدقَة لِأَنَّهَا نسيكة مَشْرُوعَة أشبهت الْأُضْحِية. وَينْزع أعضاؤها ندبا وَلَا يكسر عظمها تفاؤلا بالسلامة، وطبخها أفضل نصا، وَيكون مِنْهَا بحلو تفاؤلا بحلاوة أخلاقه، لَكِن يُبَاع جلد وَرَأس وسواقط مِنْهَا وَيتَصَدَّق بِثمنِهِ بِخِلَاف أضْحِية. وَلَا تخْتَص الْعَقِيقَة بالصغر بل يعق الْأَب عَن الْمَوْلُود وَلَو بعد بُلُوغه لِأَنَّهُ آخر لوَقْتهَا. وَإِن اتّفق وَقت عقيقة وأضحية أَجْزَأت إِحْدَاهمَا عَن الْأُخْرَى كَمَا لَو اتّفق يَوْم عيد وجمعة فاغتسل لأَحَدهمَا. وَكَذَا لَو ذبح متمتع شَاة يَوْم النَّحْر فتجزىء عَن الْوَاجِب وَعَن الْأُضْحِية.

كتاب الجهاد

(كتاب الْجِهَاد) كتاب الْجِهَاد. ختم بِهِ الْعِبَادَات لِأَنَّهُ أفضل تطوع الْبدن، وَهُوَ مَشْرُوع بِالْإِجْمَاع لقَوْله تَعَالَى 19 ((كتب عَلَيْكُم الْقِتَال)) إِلَى غير ذَلِك، ولفعله عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام وَأمره بِهِ، وَأخرج مُسلم (من مَاتَ وَلم يغز وَلم يحدث نَفسه بالغزو مَاتَ على شُعْبَة من النِّفَاق) وَهُوَ مصدر جَاهد جهادا ومجاهدة من جَاهد إِذا بَالغ فِي قتل عدوه، ولغة بذل الطَّاقَة والوسع. وَشرعا قتال الْكفَّار خَاصَّة. وَهُوَ أَي الْجِهَاد فرض كِفَايَة أَي إِذا قَامَ بِهِ من يَكْفِي سقط عَن البَاقِينَ وَإِلَّا أَثم النَّاس كلهم. وَفرض الْكِفَايَة مَا قصد حُصُوله من غير شخص معِين، فَإِن لم يُوجد إِلَّا وَاحِد تعين عَلَيْهِ كرد السَّلَام وَالصَّلَاة على الْجِنَازَة. وَيسن بتأكد مَعَ قيام من يَكْفِي بِهِ. وَلَا يجب إِلَّا على ذكر مُسلم حر مُكَلّف صَحِيح وَاجِد من المَال مَا يَكْفِيهِ وَأَهله فِي غيبته وَمَعَ مَسَافَة قصر مَا يحملهُ. وَيسن تشييع الْغَازِي لَا تلقيه، وَأَقل مَا يفعل مَعَ قدرَة كل عَام مرّة إِلَّا أَن تَدْعُو حَاجَة إِلَى تَأْخِيره فَيجوز تَركه، وَإِن دعت حَاجَة إِلَى أَكثر

من مرّة فِي عَام فعل وجوبا، وتحريمه فِي الْأَشْهر الْحرم مَنْسُوخ نصا إِلَّا إِذا حَضَره أَي حضر الرجل صف الْقِتَال فَهُوَ فرض عين عَلَيْهِ أَو إِلَّا إِذا حصره أَو حصر بَلَده عَدو وَلم يكن عذر واحتيج إِلَيْهِ فَفرض عين، أَو إِذا كَانَ النفير عَاما فَهُوَ حِينَئِذٍ فرض عين وَلَو عبدا. وغزو الْبَحْر أفضل من غَزْو الْبر، وتكفر شَهَادَته جَمِيع الذُّنُوب لِأَن الْبَحْر أعظم خطرا ومشقة بِخِلَاف شَهَادَة الْبر فَلَا تكفر الدّين. قَالَ شيخ الْإِسْلَام 16 (ابْن تَيْمِية) : وَلَا مظالم الْعباد كَقَتل وظلم، وَزَكَاة وَحج أخرهما. وَقَالَ: من اعْتقد أَن الْحَج يسْقط مَا وَجب عَلَيْهِ من الصَّلَاة وَالزَّكَاة فَإِنَّهُ يُسْتَتَاب، فَإِن لم يتب قتل. انْتهى. وَلَا يسْقط حق الْآدَمِيّ من دم أَو مَال أَو عرض بِالْحَجِّ إِجْمَاعًا. ويغزي مَعَ بر وَفَاجِر يحفظان الْمُسلمين لَا مَعَ مخذل وَنَحْوه، وَلَا يتَطَوَّع بِهِ أَي الْجِهَاد مَدين آدَمِيّ لَا وَفَاء لَهُ إِلَّا بِإِذن لَو رهن مُحرز أَو كَفِيل ملي، حَالا كَانَ الدّين أَو مُؤَجّلا، لِأَن الْجِهَاد يقْصد مِنْهُ الشَّهَادَة فَيفوت الْحق فَإِن كَانَ الدّين لله تَعَالَى أَو لآدَمِيّ وَله وَفَاء جَازَ التَّطَوُّع بِهِ. وَلَا يتَطَوَّع بِهِ من أحد أَبَوَيْهِ حر مُسلم إِلَّا بِإِذْنِهِ لحَدِيث ابْن عمر وَابْن الْعَاصِ قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي فَقَالَ يَا رَسُول الله أجاهد فَقَالَ: أَلَك أَبَوَانِ قَالَ: نعم، قَالَ: ففيهما فَجَاهد. وروى البُخَارِيّ مَعْنَاهُ من حَدِيث ابْن عمر. وَلِأَن بر الْوَالِدين فرض عين وَالْجهَاد فرض كِفَايَة وَالْأول مقدم. وَلَا يعْتَبر إِذن جد وَجدّة.

أما إِذا كَانَ الأبوان رقيقين أَو كَافِرين أَو مجنونين، أَو الْجِهَاد مُتَعَيّنا فَيسْقط إذنهما وَإِذن غَرِيم، وَكَذَا إِن كَانَ أَحدهمَا كَذَلِك فَلَا إِذن لَهُ، لَكِن يسْتَحبّ لمديون أَلا يتَعَرَّض لمظان الْقَتْل وَنَحْوه. وَلَا يعْتَبر إِذن الْوَالِدين فِي سفر لواجب من حج أَو علم. وَسن رِبَاط فِي سَبِيل الله. وَهُوَ لُغَة الْحَبْس، وَشرعا لُزُوم ثغر الْجِهَاد وَأقله أَي الرِّبَاط سَاعَة قَالَ الإِمَام 16 (أَحْمد) : يَوْم رِبَاط، وَلَيْلَة رِبَاط، وَسَاعَة رِبَاط وَتَمَامه أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَإِن زَاد فَلهُ، وَهُوَ بأشد الثغور خوفًا أفضل، وَأفضل من الْمقَام بِمَكَّة ذكره شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية إِجْمَاعًا، وَالصَّلَاة فِيهَا أفضل من الصَّلَاة بالثغر. وَلَا يجوز للْمُسلمين الْفِرَار من مثليهم وَلَو وَاحِد من اثْنَيْنِ ويلزمهم الثَّبَات وَإِن ظنُّوا التّلف، إِلَّا متحرفين لقِتَال أَو متحيزين إِلَى فِئَة وَإِن بَعدت، لحَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا (إِنِّي فِئَة لكم) وَكَانُوا بمَكَان بعيد مِنْهُ. وَقَالَ عمر: 16 (أَنا فِئَة كل مُسلم) . وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ وجيوشه بِالشَّام وَالْعراق وخراسان رَوَاهُمَا سعيد. فَإِن زادوا على مثليهم جَازَ الْفِرَار وَهُوَ أولى مَعَ ظن تلف. وَالْهجْرَة وَاجِبَة على كل من عجز عَن إِظْهَار دينة بِمحل يغلب فِيهِ حكم الْكفْر والبدع المضلة، فَإِن قدر على إِظْهَار دينه فمسنونة فِي حَقه ليتخلص من تَكْثِير الْكفَّار ومخالطتهم وليتمكن من جهادهم.

وَالْأسَارَى مِنْهُم على قسمَيْنِ: قسم يكون رَقِيقا بِمُجَرَّد السبى وهم النِّسَاء وَالصبيان، وَقسم لَا، وهم الرِّجَال البالغون الْمُقَاتِلُونَ، وَالْإِمَام فيهم مُخَيّر تَخْيِير مصلحَة واجتهاد للْمُسلمين لَا تَخْيِير شَهْوَة بَين رق وَقتل وَمن وَفِدَاء بِمَال أَو بأسير مُسلم، وَيجب عَلَيْهِ اخْتِيَار الْأَصْلَح فَلَا يجوز عدُول عَمَّا رَآهُ مصلحَة، فَإِن تردد نظره فَقتل أولى، وَلَا يقتل صبي وَأُنْثَى وَخُنْثَى وراهب وَشَيخ فان وزمن أعمى لَا رأى لَهُم وَلم يقاتلوا ويحرضوا على الْقِتَال. وَإِن تترس الْكفَّار بهم رموا بِقصد الْمُقَاتلَة لَا إِن تترسوا بِمُسلم إِلَّا إِن خيف علينا، ويقصد الْكفَّار بِالرَّمْي دون الْمُسلم، وَيتَعَيَّن الرّقّ بِإِسْلَام الْأَسير عِنْد الْأَكْثَر، وَيحكم بِإِسْلَام لمن لم يبلغ من أَوْلَاد الْكفَّار عِنْد وجود أحد أَسبَاب ثَلَاثَة: أَحدهَا أَن يسلم أحد أَبَوَيْهِ خَاصَّة أَو يشْتَبه ولد مُسلم بِولد كَافِر، فَيحكم بِإِسْلَام ولد الْكَافِر وَلَا يقرع. الثَّانِي أَن يعْدم أَحدهمَا بِدَارِنَا، كَأَن زنت كَافِرَة وَلَو بِكَافِر فَأَتَت بِولد بِدَارِنَا فَمُسلم نصا، وَكَذَا لَو مَاتَ أَحدهمَا بِدَارِنَا. الثَّالِث: أَن يسبيه مُسلم مُنْفَردا أَو مَعَ أحد أَبَوَيْهِ فَيحكم بِإِسْلَامِهِ، فَإِن سباه ذمى فعلى دينه أَي سبي مَعَ أَبَوَيْهِ فعلى دينهما وَملك السابي لَهُ لَا يمْنَع تبعيته لِأَبَوَيْهِ فِي الدّين. وَيجب على الإِمَام عِنْد الْمسير تعاهد الرِّجَال وَالْخَيْل وَمنع من لَا يصلح للحرب وَمنع مخذل أَي مُفند للنَّاس عِنْد الْغَزْو ومزهدهم فِي الْقِتَال وَالْخُرُوج إِلَيْهِ كقائل: الْحر أَو الْبرد الشَّديد، وَلَا تؤمن هزيمَة الْجَيْش، وَنَحْوه وَيجب عَلَيْهِ منع مرجف كمن يَقُول: هَلَكت سَرِيَّة الْمُسلمين

وَلَا لَهُم مدد أَو طَاقَة بالكفار، وَنَحْوه، وَمنع صبي لم يشْتَد وَمَجْنُون ومكاتب بأخبارنا ورام بَيْننَا الْعَدَاوَة وساع بِفساد ومعروف بِنفَاق وزندقة، وَنسَاء إِلَّا امْرَأَة الْأَمِير لِحَاجَتِهِ وَإِلَّا عجوزا لسقي مَاء وَنَحْوه. وَيجب على الْجَيْش طَاعَته أَي الْأَمِير وَالصَّبْر مَعَه فِي اللِّقَاء وَأَرْض الْعَدو والنصح لَهُ وَاتِّبَاع رَأْيه وَإِن خَفِي عَلَيْهِ صَوَاب عرفوه ونصحوه، فَلَو أَمرهم بِالصَّلَاةِ جمَاعَة وَقت لِقَاء الْعَدو فَأَبَوا عصوا. وَمن قَاتل قَتِيلا فِي حَالَة الْحَرْب أَو أثخنه أَو قطع أربعته فَلهُ سلبه، وَهُوَ مَا عَلَيْهِ من ثِيَاب وَمَال وَسلَاح ودابته الَّتِي قَاتل عَلَيْهَا وَمَا عَلَيْهَا، أما نَفَقَته ورحله وخيمته وجنيب فغنيمة. وَيكرهُ التلثم فِي الْقِتَال على أَنفه نصا لَا لبس عَلامَة كريش النعام. وَيحرم غَزْو بِلَاد بِلَا إِذن الْأَمِير إِلَّا إِن يهاجم عَدو يخَافُونَ كَلْبه بِفَتْح اللَّام أَي شَره وتملك الْغَنِيمَة بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا فِي دَار حَرْب لِأَنَّهَا مَال مُبَاح فملكت بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا كَسَائِر الْمُبَاحَات، وَتجوز قسمتهَا وتبايعها فِي دَار الْحَرْب فَيجْعَل خمسها الغينمة خَمْسَة أسْهم نَص عَلَيْهِ، مِنْهَا سهم لله تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ وَذكر اسْمه تبَارك وَتَعَالَى للتبرك لِأَن الدُّنْيَا وَالْآخِرَة لَهُ، وَكَانَ يصنع السهْم مَا شَاءَ، وَلم يسْقط بِمَوْتِهِ بل هُوَ بَاقٍ يصرف مصرف الفىء وَسَهْم لِذَوي الْقُرْبَى، وهم بَنو هَاشم وَبَنُو الْمطلب ابْني عبد منَاف دون غَيرهم من بني عبد منَاف، يقسم بَينهم حَيْثُ كَانُوا، للذّكر

مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ غنيهم وفقيرهم سَوَاء، وَيجب تعميمهم حسب الْإِمْكَان، جاهدوا أَو لَا، وَسَهْم لِلْيَتَامَى الْفُقَرَاء جمع يَتِيم وَهُوَ من لَا أَب لَهُ وَلم يبلغ، وَسَهْم للْمَسَاكِين جمع مِسْكين، وَهُوَ من لَا يجد تَمام كِفَايَته فَيدْخل فيهم الْفُقَرَاء، فهما صنفان فِي الزَّكَاة فَقَط وَفِي سَائِر الْأَحْكَام صنف وَاحِد، وَسَهْم لأبناء السَّبِيل فيعطون كَمَا يُعْطون من الزَّكَاة وَشرط فِيمَن يُسهم لَهُ من ذَلِك إِسْلَام لِأَنَّهَا عَطِيَّة من الله تَعَالَى فَلَا حق لكَافِر فِيهِ، وَلَا لقن كَزَكَاة، ثمَّ يقسم الْبَاقِي هُوَ أَرْبَعَة أَخْمَاس الْغَنِيمَة أَي يقسمهُ الإِمَام بَين من شهد الْوَقْعَة أَي الْحَرْب لقصد الْقِتَال، قَاتل أم لَا، حَتَّى تجار الْعَسْكَر وأجرائهم المستعدين لِلْقِتَالِ، ويسهم لخياط وخباز وبيطار وَنَحْوهم حَضَرُوا نصا. بِخِلَاف من لم يستعد لِلْقِتَالِ من تجار وَغَيرهم لِأَنَّهُ لَا نفع فيهم، فَيقسم للراجل وَلَو كَافِرًا أذن لَهُ الإِمَام سهم وَاحِد وللفارس على فرس عَرَبِيّ وَيُسمى الْعَتِيق ثَلَاثَة سهم لَهُ وسهمان للْفرس ولفارس على فرس غَيره أَي الْعَرَبِيّ وَهُوَ الهجين وَهُوَ مَا أَبوهُ فَقَط عَرَبِيّ، أَو المقرف وَهُوَ مَا أمه فَقَط عَرَبِيَّة عكس الهجين، أَو البرذون وَهُوَ مَا أَبَوَاهُ نبطيان اثْنَان أَي سَهْمَان سهم لَهُم وَسَهْم لفرسه وَإِن غزا اثْنَان على فرسهما فَلَا بَأْس بِهِ وسهمه لَهما بِقدر ملكيهما فِيهِ. وَسَهْم فرس مَغْصُوب لمَالِكه نصا. ) وَسَهْم معار ومستأجر وحبيس لراكبه، وَلَا يُسهم لأكْثر من فرسين وَلَا لغير الْخَيل وَيقسم من الغينمة لحر مُسلم ذكر مُكَلّف أَي بَالغ عَاقل،

ولكافر أذن لَهُ الإِمَام، لَا لمن لم يَسْتَأْذِنهُ، وَتقدم قَرِيبا، ويرضخ والرضخ الْعَطاء من الْغَنِيمَة دون السهْم لمن لَا سهم لَهُ لغَيرهم أَي لغير من تقدم ذكرهم مِمَّن لَا سهم لَهُ وهم النِّسَاء وَالصبيان المميزون وَالْعَبِيد الْمَأْذُون لَهُم من سيدهم، فَإِن لم يُؤذن لَهُم فَلَا سهم وَلَا رضخ لَهُم وَلَا لفرسهم، وَإِن كَانَ بِإِذن السَّيِّد على فرسه رضخ للْعَبد وأسهم للْفرس، فَيُؤْخَذ للْفرس العبي سَهْمَان، ولمعتق بعضه بِحِسَابِهِ من رضخ وإسهام كالحد وَالدية إِذا حَضَرُوا الْغَزْو. ومدبر ومكاتب كقن. وَخُنْثَى مُشكل كامرأة فَإِن انْكَشَفَ حَاله قبل تقضي الْحَرْب وَالْقِسْمَة أَو بعدهمَا فَتبين أَنه رجل أتم لَهُ سهم رجل. وَيكون الرضخ على مَا يرَاهُ الإِمَام من التَّسْوِيَة والتفضيل، فيفضل الْمقَاتل ذَا الْبَأْس وَمن تَسْقِي المَاء وتداوي الْجَرْحى على من لَيْسَ كَذَلِك، وَلَا بيلغ برضخ الراجل سهم الراجل، وَلَا الْفَارِس سهم الْفَارِس. والأرضون الْمَفْتُوحَة ثَلَاثَة أضْرب: أَحدهَا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وَإِذا فتحُوا أَي الْمُسلمُونَ أَرضًا بِالسَّيْفِ أَي جلا أَهلهَا عَنْهَا قهرا عَلَيْهِم كالشام وَالْعراق ومصر خير الإِمَام فِيهَا تَخْيِير مصلحَة كَمَا تقدم بَين قسمهَا بَين الْغَانِمين وَبَين وَقفهَا على الْمُسلمين بِلَفْظ يحصل بِهِ الْوَقْف حَال كَونه ضَارِبًا عَلَيْهَا خراجا مستمرا يُؤْخَذ الْخراج مِمَّن هِيَ فِي يَده من مُسلم وذمي وَهُوَ أجرتهَا كل عَام. وَالضَّرْب الثَّانِي: مَا جلا أَهلهَا خوفًا منا وَحكمهَا كالأولى قَالَه فِي الْمُنْتَهى. وَقَالَ فِي الْإِقْنَاع: تصير وَقفا بِنَفس الِاسْتِيلَاء. وَالضَّرْب الثَّالِث الْمصَالح عَلَيْهَا وَهِي نَوْعَانِ، فَمَا صولحوا على

أَنَّهَا لنا ونقرها مَعَهم بالخراج فَهِيَ كالعنوة. وَقَالَ فِي الْإِقْنَاع: تصير وَقفا بِنَفس الِاسْتِيلَاء أَيْضا، وَالنَّوْع الثَّانِي مَا صولحوا على أَنَّهَا لَهُم، وَلنَا الْخراج عَلَيْهَا فَهُوَ كجزية. وَإِن أَسْلمُوا أَو انْتَقَلت إِلَى مُسلم سقط، ويقرون فِيهَا بِلَا جِزْيَة لِأَنَّهَا لَيست دَار إِسْلَام بل تسمى دَار عهد، بِخِلَاف مَا قبلهَا من الْأَرْضين فَلَا يقرونَ فِيهَا سنة بِلَا جِزْيَة. وَمَا مُبْتَدأ أَخذ من مَال مُشْرك بِحَق الْكفْر - احْتِرَاز عَمَّا أَخذه من ذمِّي غَضبا وَنَحْوه أَو بِبيع وَنَحْوه (بِلَا قتال) خرج الْغَنِيمَة (كجزية وخراخ) من مُسلم وَكَافِر (وَعشر) تِجَارَة من حَرْبِيّ وَنصفه من ذمِّي. وَزَكَاة تغلبي وَمَا تَرَكُوهُ فَزعًا أَو عَن ميت لَا وَارِث لَهُ يسْتَغْرق وَمَال مُرْتَد إِذا مَاتَ على ردته (فَيْء) خبر، والفيْ أَصله من الرُّجُوع، يُقَال فَاء الظل إِذا رَجَعَ نَحْو الْمشرق سمي بِهِ الْمَأْخُوذ من الْكفَّار لِأَنَّهُ رَجَعَ مِنْهُم إِلَى الْمُسلمين، قَالَ تَعَالَى: {مَا أَفَاء الله على رَسُوله من أهل الْقرى فَللَّه وَلِلرَّسُولِ} [الْحَشْر: 7] ، الْآيَة. يصرف (لمصَالح الْمُسلمين) يبْدَأ بالأهم فالأهم من سد ثغر وكفاية أَهله وحاجة من يدْفع عَن الْمُسلمين وَعمارَة القناطر - أَي الجسور - وَإِصْلَاح الطّرق والمساجد، ورزق الْقَضَاء وَالْفُقَهَاء وَالْأَئِمَّة والمؤذنين وَغير ذَلِك، وَلَا يُخَمّس الْفَيْء نصا، فَإِن فضل عَن الْمصَالح شَيْء قسم بَين أَحْرَار الْمُسلمين غنيهم وفقيرهم. وَبَيت المَال ملك الْمُسلمين يضمنهُ متلفه، وَيحرم أَخذ مِنْهُ بِلَا إِذن الإِمَام (وَكَذَا خمس خمس الْغَنِيمَة) فِي الحكم كَمَا تقدم.

فصل في عقد الذمة

فصل فِي عقد الذِّمَّة (وَيجوز عقد الذِّمَّة) من إِمَام أَو نَائِبه فَقَط، وَلَا يَصح من غَيرهمَا. وَهِي لُغَة: الْعهْدَة وَالضَّمان والأمان. وَمعنى عقد الذِّمَّة: إِقْرَار بعض الْكفَّار على كفرهم بِشَرْط بذل الْجِزْيَة، والتراز أَحْكَام الْملَّة، وهما شَرْطَانِ لقعد الذِّمَّة المؤبدة. (لمن لَهُ كتاب) مُتَعَلق ب (يجوز) ، التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل. وَمن تدين بِالتَّوْرَاةِ كالسامرة أَو بالإنجيل كالفرنج وَالصَّابِئِينَ وَالروم والأرمن وكل من آمن بدين عِيسَى أَو لمن لَهُ شبهته أَي شُبْهَة كتاب كالمجوس، فَإِنَّهُ يروي أَنه كَانَ لَهُم كتاب وَرفع. وَيجب على الإِمَام عقدهَا حَيْثُ أَمن مَكْرهمْ. وَيُقَاتل بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي يُقَاتل السُّلْطَان هَؤُلَاءِ أَي أهل الذِّمَّة وَالْمَجُوس حَتَّى يسلمُوا أَو حَتَّى يُعْطوا الْجِزْيَة وَهُوَ مَال يُؤْخَذ مِنْهُم على وَجه الصغار كل عَام بَدَلا عَن قَتلهمْ وإقامتهم بدرانا وَيُقَاتل غَيرهم أَي غير أهل الذِّمَّة وَالْمَجُوس حَتَّى يسلمُوا أَو حَتَّى يقتلُوا. وَلَا تُؤْخَذ الْجِزْيَة من نَصَارَى بني تغلب وَلَو بذلوها، بل تُؤْخَذ من حَرْبِيّ مِنْهُم لم يدْخل فِي الصُّلْح إِذا بذلها، وَيُؤْخَذ عوضهَا زكاتان من أَمْوَالهم مِم فِيهِ زَكَاة

وَتُؤْخَذ الْجِزْيَة مِنْهُم أَي أهل الذِّمَّة وَالْمَجُوس حَال كَونهم ممتهنين عِنْد أَخذهَا مصغرين وَهُوَ بِأَن يطال قيامهم وتجر أَيْديهم حَتَّى يألموا أَو يتعبوا وَلَا يقبل إرسالها لفَوَات الصغار لقَوْله تَعَالَى 19 ((حَتَّى يُعْطوا الْجِزْيَة عَن يَد وهم صاغرون)) وَلَا يتداخل الصغار بل يمتهنون عِنْد كل جِزْيَة وَلَا تُؤْخَذ الْجِزْيَة من صبي وَلَا عبد وَلَو لكَافِر نصا وَلَا لامْرَأَة وَلَا خُنْثَى مُشكل، فَإِن بَان رجلا أَخذ مِنْهُ للمستقبل فَقَط وَلَا فَقير غير معتل عَاجز عَنْهَا لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ جعلهَا على ثَلَاث طَبَقَات وَجعل أدناها على الْفَقِير المعتمل وَنَحْوهم كأعمى وزمن وَمَجْنُون وَشَيخ فان وراهب بصومعة. قَالَ شيخ الْإِسْلَام 16 (ابْن تَيْمِية) : يُؤْخَذ مَا زَاد على بلغته. وَأما الرهبان الَّذين يخالطون النَّاس ويتخذون المتاجر والمزارع فحكمهم كَسَائِر النَّصَارَى، تُؤْخَذ مِنْهُم الْجِزْيَة بِاتِّفَاق الْمُسلمين، وَتُؤْخَذ من الشماس كَغَيْرِهِ لعدم الْفرق. وَمن أسلم مِنْهُم بعد الْحول سَقَطت عَنهُ، لَا إِن مَاتَ أَو جن وَنَحْوه فتؤخذ من تَرِكَة ميت وَمَال حر وَفِي أَثْنَائِهِ تسْقط. وَمن صَار أَهلا لجزية فِي أثْنَاء الْحول أَخذ مِنْهُ بِقسْطِهِ. ويلفق لمَجْنُون حول ثمَّ تُؤْخَذ مِنْهُ وَتُؤْخَذ عِنْد انْقِضَاء كل سنة هلالية. وَلَا يَصح شَرط تَعْجِيلهَا وَلَا يَقْتَضِيهِ الْإِطْلَاق. وَيصِح أَن يشْتَرط عَلَيْهِم مَعَ الْجِزْيَة ضِيَافَة من يمر بهم من الْمُسلمين وعلف دوابهم يَوْمًا

وَلَيْلَة. وَيصِح أَن يَكْتَفِي بهَا عَن الْجِزْيَة وَيعْتَبر بَيَان قدرهَا وأيامها وَعدد من يُضَاف وَلَا تجب بِلَا شَرط. وَيلْزم الإِمَام أَخذهم أَي أهل الذِّمَّة بِحكم الْإِسْلَام فِيمَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمه من قتل نفس وخوض فِي عرض وَأخذ مَال وَغَيرهَا كسرقة وَإِقَامَة حد فِيمَا يحرمونه كَالزِّنَا لَا فِيمَا يحلونه كَالْخمرِ وَأكل الْخِنْزِير وَنِكَاح محرم. فَمن قتل أَو قطع طرفا أَو تعدى على مَال أَو قذف أَو سبّ مُسلما أَو ذِمِّيا أَخذ بذلك كَالْمُسلمِ. يلْزمهُم أَي أهل الذِّمَّة التميز عَن الْمُسلمين فَيشْتَرط الإِمَام عَلَيْهِم بقبورهم وَتقدم ذَلِك فِي آخر الْجَنَائِز، وبحلاقهم بِحَذْف مقدم رؤوسهم بِأَن يجزوا نواصيهم قدر أَربع أَصَابِع، وَإِلَّا يفرقُوا شُعُورهمْ، وبكناهم وألقابهم فيمنعون من نَحْو أبي الْقَاسِم وَأبي عبد الله وَعز الدّين وشمس الدّين وَلَهُم أَي أهل الذِّمَّة ركُوب غير خيل بِغَيْر سرج عرضا وَصرح القَاضِي بِأَن يدْخل فِيهِ البغال. قَالَ فِي شرح الْإِقْنَاع: قلت وَلَعَلَّ المُرَاد إِذا لم ترد للغزو، لِأَنَّهَا إِذا كالخيل وَالْمَقْصُود إذلالهم. انْتهى. ويلزمهم التَّمْيِيز بلباسهم بالغيار كعسلي للْيَهُود وفاختي لون يضْرب إِلَى السوَاد لِلنَّصَارَى، وَشد خرق بقلانسهم وعمائمهم، وَشد زنار فَوق ثِيَاب نَصْرَانِيّ وَتَحْت ثِيَاب نَصْرَانِيَّة، ولامرأة غيار بخفين مختلفي اللَّوْن كأبيض وأحمر وَنَحْوهمَا إِن خرجت بخف. وَقَالَ شيخ الْإِسْلَام 16 (تَقِيّ الدّين)

وَلما صَارَت الْعِمَامَة الصَّفْرَاء والزرقاء والحمراء من شعائرهم حرم على الْمُسلم لبسهَا. ويلزمهم لدُخُول حمامنا جلجل وَخَاتم رصاص وَنَحْوه برقابهم وَيمْنَعُونَ من حمل سلَاح وثقاف وَرمي بمنجنيق وَضرب ناقوس وَلعب بِرُمْح ودبوس لِأَنَّهُ يعين على الْحَرْب. وَمن إِحْدَاث الْكَنَائِس وَالْبيع وَبِنَاء مَا انْهَدم وتعلية الْبناء على الْمُسلمين، وَلَو كَانَ بِنَاء الْمُسلم فِي غَايَة الْقصر وَلَو رَضِي جَاره الْمُسلم لِأَنَّهُ حق الله تَعَالَى وَيجب نقضه وَيضمن مَا تلف بِهِ لَا إِن ملكوه من مُسلم، وَلَا يُعَاد عَالِيا لَو انْهَدم، وَمن الْجَهْر بِكِتَابِهِمْ وَإِظْهَار الْعِيد والصليب وَالْأكل وَالشرب نَهَار رَمَضَان وَإِظْهَار الْخمر وَالْخِنْزِير فَإِن فعلوا أتلفناهما، وَمن رفع صَوت على ميت، وَقِرَاءَة الْقُرْآن وَدخُول حرم مَكَّة نَص عَلَيْهِ، وَلَو بذلوا مَالا حَتَّى غير مُكَلّف، وَحَتَّى رسولهم، وَيخرج إِلَيْهِ الإِمَام إِذا أَبى أَدَاء الرسَالَة إِلَّا لَهُ، وَيُعَزر من دخل مِنْهُم الْحرم لَا جهلا وَيخرج وَلَو مَرِيضا أَو مَيتا، وينبش إِن دفن بِهِ مَا لم يبل لَا حرم الْمَدِينَة، وَمن الْإِقَامَة بالحجاز كالمدينة واليمامة وخيبر وينبع وفدك وقراها، وَلَا يدْخلُونَهَا إِلَّا بِإِذن الإِمَام فَإِن دخلوها لتِجَارَة لم يقيموا فِي مَوضِع واحدأكثر من ثَلَاثَة أَيَّام، فَإِن فعل عزّر إِن لم يكن عذر، فَإِن كَانَ فيهم من

لَهُ دين حَال أجبر غَرِيمه على وفائه فَإِن تعذر جَازَت الْإِقَامَة لاستيفائه، فَإِن كَانَ مُؤَجّلا لم يُمكن ويوكل، وَإِن مرض جَازَت إِقَامَة حَتَّى يبرأ. وَيمْنَعُونَ من شِرَاء الْمُصحف وَالْفِقْه والْحَدِيث وأصول الدّين وَالتَّفْسِير وَمن ارتهان ذَلِك، وَلَا يصحان أَي الشِّرَاء وَالرَّهْن لَا من شِرَاء كتب اللُّغَة وَالْأَدب والنحو والتصريف الَّتِي لَا قُرْآن فِيهَا وَلَا أَحَادِيث. وَلَا يتعلمون الْعَرَبيَّة. قَالَ فِي الْإِقْنَاع: وَلَيْسَ لَهُم دُخُول مَسَاجِد الْحل وَلَو أذن فِيهِ مُسلم، وَيجوز دُخُولهَا للذِّمِّيّ إِذا اُسْتُؤْجِرَ لعمارتها. وَحرم تعظيمهم أَي أهل الذِّمَّة وَقيام لَهُم ولمبتدع يجب هجره كرافضي، وتصديرهم فِي الْمجَالِس وَلَا يوقرون. وَكره الْجُلُوس فِي مقابرهم لِأَنَّهُ رُبمَا أَصَابَهُم عَذَاب، قَالَ الله تَعَالَى 19 ((وَاتَّقوا فتْنَة لَا تصيبن الَّذين ظلمُوا مِنْكُم خَاصَّة)) ، وَحرم بداءتهم بِالسَّلَامِ فَإِن كَانَ مَعَهم مُسلم نوى بِالسَّلَامِ، وبكيف أَصبَحت، كَيفَ أَنْت أَو حالك، وتهنئتهم وتعزيتهم وَشَهَادَة أعيادهم وبيعنا لَهُم قَالَه فِي الْإِقْنَاع، وَقَالَ فِي الْمُنْتَهى: لَا بيعنا لَهُم. انْتهى. وَيجوز قَول الْمُسلم للمذمي: أكرمك الله وهداك، يَعْنِي بِالْإِسْلَامِ، وَأطَال الله بَقَاءَك وَأكْثر مَالك وولدك قَاصد بذلك كَثْرَة الْجِزْيَة. وَلَو كتب إِلَى كَافِر كتابا وَكتب فِيهِ سَلام كتب: سَلام على من اتبع الْهدى. وَإِن سلم على من ظَنّه مُسلما ثمَّ علم أَنه ذمِّي اسْتحبَّ قَوْله: رد على سلامي. وَإِن سلم أحدهم وَجب رده فَيُقَال: عَلَيْكُم. وَتكره مصافحته نصا

وتشميته، وَإِن شمت كَافِر مُسلما أَجَابَهُ الْمُسلم: يهديك الله. وَكَذَا إِن عطس الذِّمِّيّ. وَإِن تعدى الذِّمِّيّ على الْمُسلم بقتل عمدا قيد بِهِ أَو الْخطاب فِي خِلَافه الصَّغِير، ذكره فِي الْإِقْنَاع وَشَرحه وَأطْلقهُ فِي الْمُنْتَهى أَو فتنه عَن دينه أَو تعاون على الْمُسلمين بِدلَالَة من مُكَاتبَة الْمُشْركين ومراسلتهم بأخبار الْمُسلمين، أَو أَبى بذل الْجِزْيَة أَو الصغار أَو الْتِزَام حكمنَا أَو زنى بِمسلمَة قَالَ فِي شرح الْإِقْنَاع: وَقِيَاس الزِّنَا اللواط بِالْمُسلمِ على مَا ذكره السراج البُلْقِينِيّ الشَّافِعِي. انْتهى أَو أَصَابَهَا باسم نِكَاح نصا أَو قطع الطَّرِيق أَو قاتلنا أَو لحق بدار الْحَرْب مُقيما أَو نجسس أَو آوى جاسوسا أَو ذكر الله تَعَالَى أَو ذكر كِتَابه أَو ذكر رَسُوله أَو دينه بِسوء وَنَحْوه كَقَوْل من سمع الْمُؤَذّن يُؤذن: كذبت، فَيقْتل نصا انْتقض عَهده فَيُخَير الإِمَام فِيهِ كأسير حَرْبِيّ على مَا تقدم أول الْكتاب، وَمَا لَهُ فَيْء فِي الْأَصَح، وَيحرم قَتله إِن أسلم، وَلَو كَانَ سبّ النَّبِي لقَوْله تَعَالَى 19 ((قل للَّذين كفرُوا إِن ينْتَهوا يغْفر لَهُم مَا قد سلف)) وَقَوله (الْإِسْلَام يجب مَا قبله) وَكَذَا رقّه لَا إِن كَانَ رق قبل، وَأما قَاذفه

كتاب البيع وسائر المعلومات

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيقْتل بِكُل حَال وَيَأْتِي فِي الْقَذْف. وَمن جَاءَنَا بِأَمَان فَحصل لَهُ ذُرِّيَّة ثمَّ نقض الْعَهْد فكذمي أَي ينْتَقض عَهده دون ذُريَّته. وَإِن قَالَ ذمِّي جَهرا بَين الْمُسلمين بِأَن الْمَسِيح هُوَ الله عُوقِبَ على ذَلِك إِمَّا بِالْقَتْلِ أَو بِمَا دونه لَا إِن قَالَه سرا فِي نَفسه. وَإِن قَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُسلمُونَ الْكلاب أَبنَاء الْكلاب، وَأَرَادَ طَائِفَة مُعينَة من الْمُسلمين عُوقِبَ عُقُوبَة تزجره وَأَمْثَاله، وَإِن ظهر مِنْهُ قصد الْعُمُوم انْتقض عَهده وَوَجَب قَتله. (كتاب البيع وَسَائِر المعلومات) وَلما فرغ المُصَنّف رَحمَه الله من الْكَلَام على الْعِبَادَات وَهِي مُعَاملَة الْخَالِق، شرع يتلكم على الْمُعَامَلَات وَهِي مُعَاملَة الْخَلَائق فَقَالَ:

كتاب البيع وَسَائِر الْمُعَامَلَات. البيع مَأْخُوذ من الباع لِأَن كل وَاحِد من الْمُتَبَايعين يُصَافح صَاحبه عِنْد البيع، وَلذَلِك سمي البيع صَفْقَة. وأركانه ثَلَاثَة: العاقدان والمعقود عَلَيْهِ والصيغة الْمَعْقُود بهَا. وَهُوَ جَائِز بِالْإِجْمَاع لقَوْله تَعَالَى (أحل البيع) ، وَحَدِيث (الْمُتَبَايعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا) مُتَّفق عَلَيْهِ. وَهُوَ لُغَة دفع عوض وَأخذ معوض عَنهُ، وَشرعا (مُبَادلَة عين مَالِيَّة أَو مَنْفَعَة مُبَاحَة مُطلقًا) أَي بِأَن لَا تخْتَص إباحتها بِحَال دون آخر كممر دَار وبقعة لحفر بِئْر، بِخِلَاف نَحْو جلد ميتَة مدبوغ فَلَا يُبَاح هُوَ وَلَا ينْتَفع بِهِ مُطلقًا بل فِي اليابسات، (بِأَحَدِهِمَا) مُتَعَلق بمبادلة وَلَو فِي الذِّمَّة، بِشَرْط أَن يكون للْملك على التَّأْبِيد غير رَبًّا وقرض. ينْعَقد البيع إِن أُرِيد حَقِيقَته بِأَن رغب كل مِنْهُمَا فِيمَا بذل لَهُ من الْعِوَض لَا إِن وَقع هزلا بِلَا قصد لحقيقته وَلَا تلجئة وَأَمَانَة، وَهُوَ إِظْهَاره لدفع ظَالِم وَلَا يُرَاد بَيْعه بَاطِنا فَهَذَا لَا يَصح

بمعاطاة نصا مُتَعَلق ب (ينْعَقد) فِي الْقَلِيل وَالْكثير كَقَوْلِه: أَعْطِنِي بِهَذَا خبْزًا فيعطيه مَا يرضيه من الْخبز مَعَ سُكُوته، أَو يساومه سلْعَة بِثمن فَيَقُول بَائِعهَا: خُذْهَا، أَو: أعطيتكها بدرهم، أَو نَحوه فيأخذها مُشْتَر ويسكت، أَو يَقُول مُشْتَر: كَيفَ تبيع هَذَا الْخبز فَيَقُول: كَذَا، فَيَقُول لَهُ: خُذ، أَو اتزنه، فَيَأْخذهُ ويسكت. أَو وضع ثمنه الْمَعْلُوم لمثله عَادَة وَأَخذه من غير لفظ لوَاحِد مِنْهُمَا صَحَّ ذَلِك كُله. قَالَ فِي الْمُبْدع وَشرح الْمُنْتَهى: وَظَاهره وَلَو لم يكن الْمَالِك حَاضرا للْعُرْف. وَإِن تراخي أَحدهمَا عَن الآخر صَحَّ مَا داما فِي الْمجْلس وَلم يتشاغلا بِمَا يقطعهُ عرفا وَإِلَّا فَلَا. وَينْعَقد بِإِيجَاب كَقَوْل بَائِع: بِعْتُك، أَو: مَلكتك كَذَا أَو وليتكه. أَي بعتكه بِرَأْس مَاله ويعلمانه، وَقبُول كَقَوْل مُشْتَر: ابتعت ذَلِك، أَو: قبلت. أَو: تملكته، وَنَحْوه بِشَرْط أَن يكون الْقبُول على وفْق الْإِيجَاب فِي النَّقْد وَالْقدر وَالصّفة والحلول وَالْأَجَل. قَالَ فِي التَّلْخِيص: فَإِن تقدم الْقبُول على الْإِيجَاب صَحَّ بِلَفْظ أَمر أَو مَاض مُجَرّد عَن اسْتِفْهَام وَنَحْوه كالتمني والترجي كَمَا لَو قَالَ: أبعتني أَو: ليتك، أَو لَعَلَّك بعتني هَذَا، فَقَالَ: بعتكه، لم يَصح لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقبُول. وَكَذَا لَو قدمه بِلَفْظ الْمُضَارع كتبيعني، وَإِن كَانَ غَائِبا عَن الْمجْلس فكاتبه أَو راسله: إِنِّي بِعْتُك أَو بِعْت فلَانا دَاري بِكَذَا فَلَمَّا بلغه الْخَبَر قبل صَحَّ، قَالَه فِي الْإِقْنَاع. وَلَا ينْعَقد البيع إِلَّا بسبعة شُرُوط: أَحدهَا الرِّضَا بِهِ من كل مِنْهُمَا أَي الْمُتَبَايعين بِأَن تبَايعا اخْتِيَارا فَلَا يَصح إِن أكرها أَو أَحدهمَا إِلَّا بِحَق كمن أكرهه حَاكم على بيع مَاله لوفاء دينه فَيصح، لِأَنَّهُ قَول حمل عَلَيْهِ كإسلام الْمُرْتَد،

وَالثَّانِي كَون عَاقد جَائِز التَّصَرُّف أَي حرا مُكَلّفا رشيدا، فَلَا يَصح من مَجْنُون لَا فِي قَلِيل وَلَا كثير، أذن لَهُ أَو لَا، وَمثله المبرسم والسكران، وَلَا من سَفِيه وصغير إِلَّا فِي شَيْء يسير كرغيف وَنَحْوه فَيصح مِنْهُمَا وَمن قن، لِأَن الْحجر عَلَيْهِم لخوف ضيَاع المَال وَهُوَ مَفْقُود فِي الْيَسِير، وَإِلَّا إِذا أذن لمميز وسفيه وليهما فَيصح وَلَو فِي الْكثير، وَلَا يَصح مِنْهُمَا قبُول هبة وَوَصِيَّة بِلَا إِذن وليهما كَبيع، وَاخْتَارَ الْمُوفق وَالشَّارِح وَغَيرهمَا صِحَّته من مُمَيّز كَعبد، أَي كَمَا يَصح من العَبْد قبُول الْهِبَة وَالْوَصِيَّة بِلَا إِذن سَيّده نصا ويكونان لسَيِّده ذكره فِي الْإِقْنَاع وَشَرحه. وَيحرم إِذْنه لَهما بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالهمَا بِلَا مصلحَة، وَإِلَّا أذن لقن سَيّده فَيصح تصرفه لزوَال الْحجر عَنهُ بِإِذن لَهُ، وَالثَّالِث كَون مَبِيع أَي مَعْقُود عَلَيْهِ ثمنا كَانَ أَو مثمنا مَالا لِأَن غَيره لَا يُقَابل بِهِ وَهُوَ أَي المَال شرعا مَا فِيهِ مَنْفَعَة مُبَاحَة مُطلقًا كَمَا تقدم فَيُبَاح اقتناؤه فَخرج مَا لَا مَنْفَعَة فِيهِ كالحشرات، وَمَا فِيهِ مَنْفَعَة مُحرمَة كَالْخمرِ وَمَا لَا يُبَاح إِلَّا عِنْد الِاضْطِرَار كالميتة، ومالا يُبَاح اقتناؤه إِلَّا لحَاجَة كَالْكَلْبِ، بِخِلَاف بغل وحمار وطير يقْصد صَوته ودود قَز وبزره بِفَتْح الْبَاء وَكسرهَا قَالَه فِي المطلع، وَنحل مُفْرد عَن كوارته أَو مَعهَا خَارِجا عَنْهَا أَو وَهُوَ فِيهَا إِذا شوهد دَاخِلا إِلَيْهَا لحُصُول الْعلم بِهِ بذلك فَيصح بَيْعه لوُجُود الِانْتِفَاع الْمُبَاح لَا بيع كوارة بِمَا فِيهَا من عسل وَنحل للْجَهَالَة.

وَيصِح بيع لبن الْآدَمِيَّة وَلَو حرَّة إِذا كَانَ مُنْفَصِلا مِنْهَا لِأَنَّهُ طَاهِر مَعَ الْكَرَاهَة نصا. وَيصِح بيع هر وفيل وَمَا يصطاد عَلَيْهِ كبومة تجْعَل شباشا، أَو يصطاد بِهِ كديدان وسباع بهائم وطير، وَوَلدهَا وفرخها وبيضها طَاهِر لِأَنَّهُ ينْتَفع بِهِ فِي الْحَال والمآل، إِلَّا الْكَلْب فَلَا يَصح بَيْعه مُطلقًا وَيحرم اقتناؤه كخنزير وَلَو لحفظ بيُوت وَنَحْوهَا، إِلَّا كلب مَاشِيَة وصيد وحرث إِن لم يكن أسود بهما أَو عقورا، وَيجوز تربية الجرو لأجل الثَّلَاثَة. وَلَا يَصح بيع ترياق يَقع فِيهِ لُحُوم الْحَيَّات وَلَا بيع سموم قاتلة كسم الأفاعي. وَحرم بيع مصحف وَلَا يَصح لكَافِر قَالَه فِي التَّنْقِيح وَبيعه فِي الْمُنْتَهى، وَسَوَاء كَانَ بَيْعه فِي دين أَو غَيره لما فِيهِ من ابتذاله وَترك تَعْظِيمه، وَمَفْهُومه أَنه يَصح بَيْعه لمُسلم مَعَ الْحُرْمَة، وَقَالَ فِي الْإِنْصَاف أَنه الْمَذْهَب. وَإِن ملكه كَافِر بِإِرْث وَغَيره ألزم بِإِزَالَة يَده عَنهُ، وَلَا يكره شِرَاؤُهُ استنقاذا وَلَا إِبْدَاله لمُسلم بمصحف آخر وَلَو مَعَ دَرَاهِم من أَحدهمَا، وَيجوز نسخه بِأُجْرَة حَتَّى لكَافِر ومحدث بِلَا حمل وَلَا مس. وَيصِح شِرَاء كتب الزندقة والمبتدعة ليتلفها لَا خمر ليريقها، لِأَن فِي الْكتب مَالِيَّة الْوَرق وتعود وَرقا مُنْتَفعا بِهِ بالمعالجة بِخِلَاف الْخمر فَإِنَّهُ لَا نفع فِيهَا.

وَيصِح بيع نجس يُمكن تَطْهِيره كَثوب وَنَحْوه لَا بيع أدهان نَجِسَة أَو متنجسة وَلَو لكَافِر يعلم حَاله. وَيجوز بيع كسْوَة الْكَعْبَة إِذا خلعت عَنْهَا لَا بيع الْحر وَلَا مَا لَيْسَ مَمْلُوكا كالمباحات قبل حيازتها وتملكها. وَإِن بَاعَ أمة حَامِلا بَحر قبل وَضعه صَحَّ فِيهَا، وَالرَّابِع كَونه أَي الْمَبِيع مَمْلُوكا لبَائِعه وَقت عقد وَمثله الثّمن ملكا تَاما حَتَّى الْأَسير بِأَرْض الْعَدو إِذا بَاعَ ملكه بدار الْإِسْلَام أَو بدار الْحَرْب نفذ تصرفه فِيهِ لبَقَاء ملكه عَلَيْهِ أَو كَونه مَأْذُونا لَهُ فِيهِ أَي البيع وَقت عقد من مَالِكه أَو الشَّارِع كوكيل وَولي صَغِير وَنَحْوه وناظر وقف، وَلَو لم يعلم الْمَالِك أَو الْمَأْذُون صِحَة بَيْعه بِأَن ظَنّه لغيره فَبَان أَنه قد وَرثهُ أَو قد وكل فِيهِ، لِأَن الِاعْتِبَار فِي الْمُعَامَلَات بِمَا فِي نفس الْأَمر لَا بِمَا فِي ظن الْمُكَلف، وَإِن بَاعَ ملك غَيره بِغَيْر إِذْنه وَلَو بِحَضْرَتِهِ وسكوته، أَو اشْترى لَهُ بِعَين مَاله شَيْئا بِغَيْر إِذْنه لم يَصح وَلَو أُجِيز بعد. وَإِن اشْترى لَهُ فِي ذمَّته بِغَيْر إِذْنه صَحَّ إِن لم يُسَمِّيه فِي العقد، سَوَاء نقد الثّمن من مَال الْغَيْر أَو لَا، فَإِن أجَازه من اشْترى لَهُ ملكه من حِين العقد وَإِلَّا لزم المُشْتَرِي من اشْتَرَاهُ فَيَقَع الشِّرَاء لَهُ، وَالْخَامِس كَونه أَي الْمَبِيع مَقْدُورًا على تَسْلِيمه وَكَذَا الثّمن الْمعِين لِأَن غير الْمَقْدُور على تَسْلِيمه كَالْمَعْدُومِ، فَلَا يَصح بيع الْآبِق والشاره وَالطير والنحل فِي الْهَوَاء وَلَو لقادر على تَحْصِيل ذَلِك، وَلَا سمك

فِي مَاء إِلَّا مرئيا بمحوز يسهل أَخذه مِنْهُ، وَلَا مَغْصُوب إِلَّا لغاصبه، أَو لقادر على تخليصه من غاصبه، وَللْمُشْتَرِي الْفَسْخ إِن لم يقدر على تَحْصِيله بعد البيع إِزَالَة لضرره وَالسَّادِس كَونه أَي الْمَبِيع مَعْلُوما لَهما أَي الْمُتَبَايعين لِأَن الْجَهَالَة بِهِ غرر، إِمَّا بِرُؤْيَة تحصل بهَا معرفَة الْمَبِيع مُقَارنَة للْعقد أَو قبله بِيَسِير فَلَا يَصح إِن سبقت العقد بِزَمن يتَغَيَّر الْمَبِيع فِيهِ تغيرا ظَاهرا، وَمَا عرف بلمسه أَو ذوقه أَو شمه فكرؤيتها أَو ب صفة مَعْطُوف على مَا قبله تَكْفِي تِلْكَ الصّفة فِي السّلم لقِيَام ذَاك مقَام رُؤْيَة الْمُسلم فِيهِ بِأَن يستقصي صِفَات الْمُسلم فِيهِ، ثمَّ إِن وجد المُشْتَرِي مَا وصف لَهُ أَو تقدّمت رُؤْيَته متغيرا فَلهُ الْفَسْخ، لِأَن ذَلِك بِمَنْزِلَة عَيبه، وَيحلف مُشْتَر إِن اخْتلفَا فِي نقص صفة أَو تغيره عَمَّا كَانَ رَآهُ عَلَيْهِ وَهُوَ على التَّرَاخِي لَا يسْقط إِلَّا بِمَا يدل على الرِّضَا كسوم وَنَحْوه، لَا بركوب دَابَّة بطرِيق ردهَا، وَإِن أسقط حَقه من الرَّد فَلَا أرش لَهُ. وَلَا يَصح بيع حمل بِبَطن إِجْمَاعًا، وَلَا لبن بضرع وَنوى بِتَمْر وصوف على ظهر إِلَّا تبعا وَلَا مسك فِي فأرته وَلَا عسب فَحل وَهُوَ ضرابه وَلَا لفت وجزر وَنَحْوهمَا قبل قلع. وَلَا ثوب مطوى وَلَو تَامّ النسج، قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى لمصنفه: حَيْثُ لم ير مِنْهُ مَا يدل على بَقِيَّته. انْتهى. وَلَا بيع الْمُلَامسَة كَأَن يَقُول لَهُ: بِعْتُك ثوبي هَذَا على أَنَّك مَتى لمسته أَو إِن لمسته أَو أَي ثوب لمسته فَعَلَيْك بِكَذَا. وَلَا بيع الْمُنَابذَة وَهُوَ قَوْله مَتى نبذت أَي طرحت ثَوْبك أَو إِن نبذت هَذَا الثَّوْب أَو أَي ثوب نَبَذته فلك بِكَذَا.

وَلَا بيع الْحَصَاة كارمها فعلى أَي ثوب وَقعت فلك بِكَذَا أَو بِعْتُك من هَذِه الأَرْض قدر مَا تبلغ هَذِه الْحَصَاة: إِذا رميتها بِكَذَا. وَلَا بيع شَيْء لم يُعينهُ كَعبد من عَبْدَيْنِ أَو عبيد، وَلَا شَاة من قطيع أَو شَجَرَة من بُسْتَان وَلَا هَؤُلَاءِ العبيد إِلَّا وَاحِدًا غير معِين وَلَو تَسَاوَت الْقيمَة فِي ذَلِك كُله. فَإِن اسْتثْنى معينا من ذَلِك يعرفانه جَازَ. وَيصِح بيع مَا شوهد من حَيَوَان وَثيَاب وَإِن جهلا عدده، وَبيع مَا مأكوله فِي جَوْفه كبيض ورمان، وَبيع باقلاء وَجوز ولوز وفستق وَنَحْوه فِي قشرته. وَحب فِي سنبله وَيدخل السَّاتِر تبعا كنوى تمر، فَإِن اسْتثْنى القشر أَو التِّبْن بَطل البيع، وَيصِح بيع التِّين دون حبه قبل تصفيته مِنْهُ، لِأَنَّهُ مَعْلُوم بِالْمُشَاهَدَةِ كَمَا لَو بَاعَ القشر دون مَا دَاخله أَو التَّمْر دون نَوَاه ذكره صَاحب الْمُنْتَهى فِي شَرحه. وَيصِح بيع قفيز من هَذِه الصُّبْرَة إِن تَسَاوَت أجزاؤها وزادت عَلَيْهِ، وَبيع رَطْل من دن أَو زيرة حَدِيد، وَإِن تلفت الصُّبْرَة أَو الدن أَو الزبرة إِلَّا وَاحِدًا تعين البيع فِيهِ لتعين الْمحل لَهُ، وَلَو خرق قفزانا تَسَاوَت أجزاؤها وَبَاعَ مِنْهَا وَاحِدًا مُبْهما صَحَّ، وَيصِح بيع صبرَة جزَافا مَعَ علمهما أَو جهلهما، وَمَعَ علم بَائِع وَحده يحرم بيعهَا نصا، لِأَنَّهُ لَا يَبِيعهَا جزَافا مَعَ علمه بِالْكَيْلِ إِلَّا للتغرير ظَاهرا، وَيصِح البيع ولمشتر الرَّد، وَكَذَا مَعَ علم مُشْتَر وَحده، وَللْبَائِع الْفَسْخ لوُجُود الْغرَر. فَائِدَة: من بَاعَ صبرَة جزَافا بِعشْرَة مثلا على أَن يزِيدهُ قَفِيزا أَو ينقصهُ قَفِيزا لم يَصح لِأَنَّهُ لَا يدْرِي أيزيده أم ينقصهُ. وَإِن قَالَ: على أَن أزيدك

قَفِيزا وَأطلق لم يَصح أَيْضا لِأَن القفيز مَجْهُول، فَإِن قَالَ على أَن أزيدك قَفِيزا من هَذِه الصُّبْرَة الْأُخْرَى، أَو وَصفه بِصفة تَكْفِي فِي السّلم صَحَّ. وَإِن قَالَ على أَن أنقصك قَفِيزا لم يَصح للْجَهَالَة بِمَا مَعهَا وَهُوَ يُؤَدِّي إِلَى جَهَالَة مَا يبْقى بعد الصَّاع الْمُسْتَثْنى. وَإِن قَالَ بِعْتُك هَذِه الصُّبْرَة كل قفيز بدرهم على أَن أزيدك قَفِيزا من هَذِه الصُّبْرَة الْأُخْرَى لم يَصح، لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى جَهَالَة الثّمن فِي التَّفْصِيل لِأَنَّهُ يصير قَفِيزا وشيئا بدرهم وهما لَا يعرفانه لعدم معرفتهما بكمية قفزانها. وَلَا يَصح بيع جريب من أَرض وذراع من ثوب مُبْهما إِلَّا أَن علما ذرعهما وَيكون مشَاعا. وَيصِح اسْتثِْنَاء جريب من أَرض وذراع من ثوب إِذا كَانَ الْمُسْتَثْنى معينا بابتداء ومنتهى مَعًا، فَإِن عين أَحدهمَا مَعًا، فَإِن عين أَحدهمَا دون الآخر لم يَصح. ثمَّ إِن نقص ثوب بِقطع وتشاحا فِي قطعه كَانَا شَرِيكَيْنِ وَلَا فسخ وَلَا قطع حَيْثُ لم يشْتَرط المُشْتَرِي بل يُبَاع وَيقسم ثمنه على قدر مَا لكل مِنْهُمَا، وَكَذَا خَشَبَة بسقف وفص بِخَاتم إِذا تشاحا فيهمَا بيعا أَي السّقف بالخشبة والخاتم بالفص وَقسم الثّمن بالمحاصة. وَلَا يَصح اسْتثِْنَاء حمل مَبِيع من أمة أَو بَهِيمَة مأكولة أَو لَا، وَلَا شحمه وَلَا رَطْل لحم أَو شَحم من مَأْكُول لجَهَالَة مَا يبْقى، إِلَّا رَأسه وَجلده وأطرافه يَصح استثناؤها نصا حضرا أَو سفرا. وَلَا يَصح اسْتثِْنَاء مَالا يَصح بَيْعه مُفردا إِلَّا فِي هَذِه الصُّورَة للْخَبَر.

وَلَو أَبى مُشْتَر ذبحه وَلم يشْتَرط عَلَيْهِ البَائِع لم يجْبر مُشْتَر على ذبحه وَيلْزمهُ قيمَة ذَلِك الْمُسْتَثْنى نصا تَقْرِيبًا، وَإِن شَرطه لزم. وَللْمُشْتَرِي الْفَسْخ بِعَيْب يخْتَص الْمُسْتَثْنى كعيب بِرَأْسِهِ أَو جلده لِأَن الْجَسَد شَيْء وَاحِد يتألم كُله بألم عُضْو، وَالسَّابِع كَون ثمن مَعْلُوما حَال العقد وَلَو بِرُؤْيَة مُتَقَدّمَة بِزَمن لَا يتَغَيَّر فِيهِ، أَو وصف كَمَا تقدم، وَلَو فِي صبرَة من دَرَاهِم وَنَحْوهَا ثمن وَكَذَا أُجْرَة، وَيرجع مَعَ تعذر معرفَة ثمن فِي فسخ بِقِيمَة مَبِيع. وَلَو أسرا ثمنا بِلَا عقد ثمَّ عقداه ظَاهرا بآخر فالثمن الأول، وَلَو عقدا سرا بِثمن ثمَّ عَلَانيَة باكثر فكنكاح أَي يُؤْخَذ بِالزَّائِدِ مُطلقًا، وَالأَصَح قَول المنفح: الْأَظْهر أَن الثّمن هُوَ الثَّانِي إِن كَانَ فِي مُدَّة خِيَار وَإِلَّا فَالْأول. انْتهى. قَالَه فِي الْمُنْتَهى. فَلَا يَصح البيع بقوله بِعْتُك بِمَا يَنْقَطِع بِهِ السّعر وَلَا كَمَا يَبِيع النَّاس وَلَا بِدِينَار أَو دِرْهَم مُطلق وَثمّ نقود مُتَسَاوِيَة رواجا فَإِن لم يكن إِلَّا وَاحِد أَو غلب أَحدهَا صَحَّ وَصرف إِلَيْهِ. وَلَا: بِعشْرَة صحاحا أَو أحد عشر مكسرة، وَلَا: بِعشْرَة نَقْدا أَو عشْرين نَسِيئَة. مَا لم يَتَفَرَّقَا فِي الصُّورَتَيْنِ على أحد الثمنين فَإِن تفَرقا على الصِّحَاح أَو المكسرة فِي الأولى، أَو على النَّقْد أَو النَّسِيئَة فِي الثَّانِيَة صَحَّ لانْتِفَاء الْمَانِع بِالتَّعْيِينِ وَلَا بيع نَحْو ثوب برقمه وَلَا بِمَا بَاعَ بِهِ زيد إِلَّا إِن علماهما، وَلَا بِأَلف ذَهَبا أَو فضَّة، وَلَا بِثمن مَعْلُوم مَعَ رَطْل خمر أَو كلب أَو نَحوه، وَلَا بِمِائَة دِرْهَم إِلَّا دِينَارا أَو قفيزين وَنَحْوه، وَلَا أَن يَبِيع من صبرَة أَو ثوب

أَو قطيع كل قفيز أَو ذِرَاع أَو شَاة بدرهم لِأَن (من) للتَّبْعِيض و (كل) للعد فَيكون مَجْهُولا. وَيصِح بيع الصُّبْرَة أَو الثَّوْب أَو القطيع كل قفيز أَو ذِرَاع أَو شَاة بدرهم، وَإِن لم يعلمَا عدد ذَلِك لِأَن الْمَبِيع مَعْلُوم بِالْمُشَاهَدَةِ وَالثمن يعرف بِجِهَة لَا تتَعَلَّق بالمتعاقدين وَهُوَ كيل الصُّبْرَة أَو ذرع الثَّوْب أَو عد القطيع. وَيصِح بيع دهن وَعسل وَنَحْوهمَا فِي ظرفه مَعَه موازنة كل رَطْل بِكَذَا سَوَاء علما بمبلغ كل مِنْهُمَا أَو لَا لِأَن المُشْتَرِي رَضِي أَن يَشْتَرِي كل رَطْل بِكَذَا من الظّرْف وَمِمَّا فِيهِ، وكل مِنْهُمَا يَصح إِفْرَاده بِالْبيعِ فصح الْجمع بَينهمَا كالأرض الْمُخْتَلفَة الْأَجْزَاء. وَإِن احتسب بَائِع بزنة الظّرْف على مُشْتَر وَلَيْسَ الظّرْف مَبِيعًا وعلما مبلغ كل مِنْهُمَا صَحَّ وَإِلَّا فَلَا لجَهَالَة الثّمن. وَإِن بَاعه جزَافا بظرفه أَو دونه صَحَّ، أَو بَاعه إِيَّاه فِي ظرفه كل رَطْل بِكَذَا على أَن يطْرَح مِنْهُ وزن الظّرْف صَحَّ. وَإِن اشْترى زيتا وَنَحْوه فِي ظرف فَوجدَ فِيهِ رَبًّا أَو نَحوه صَحَّ البيع فِي الْبَاقِي بِقسْطِهِ ولمشتر الْخِيَار وَلم يلْزم البَائِع بدل الرِّبَا. وَإِن بَاعَ شخص شَيْئا مشَاعا بَينه وَبَين غَيره أَي بَاعَ جَمِيع مَا يملك بعضه بِغَيْر إِذن شَرِيكه أَو بَاعَ عَبده وَعبد غَيره صَفْقَة وَاحِدَة بِغَيْر إِذن مِنْهُ أَو بَاعَ عبدا وحرا صَفْقَة وَاحِدَة أَو بَاعَ خلا وخمرا صَفْقَة وَاحِدَة صَحَّ البيع فِي نصِيبه من الْمشَاع وَصَحَّ فِي عَبده بِقسْطِهِ

دون عبد غَيره وَصَحَّ فِي الْخلّ بِقسْطِهِ من الثّمن نصا، وتقدر الْخمر خلا وَالْحر عبدا ليقوم لتقسيط الثّمن، ولمشتر الْخِيَار إِن جهل الْحَال وَقت عقده وَإِلَّا فَلَا خِيَار لَهُ لدُخُوله على بَصِيرَة. وَإِن بَاعَ عَبده وَعبد غَيره بِإِذْنِهِ بِثمن وَاحِد أَو بَاعَ عَبْدَيْنِ لاثْنَيْنِ أَو اشْترى عَبْدَيْنِ من اثْنَيْنِ أَو من وكيلهما بِثمن وَاحِد صَحَّ وقسط على قيمتيهما، وكبيع إِجَارَة. وَإِن جمع من عقد بَين بيع وَإِجَارَة أَو صرف أَو خلع أَو نِكَاح بعوض وَاحِد صَحَّ وقسط عَلَيْهِمَا. وَبَين بيع وَكِتَابَة بِأَن كَاتب عَبده وَبَاعه دَاره بِمِائَة كل شهر عشرَة مثلا بَطل البيع لِأَنَّهُ بَاعَ مَاله بِمَالِه أشبه مَا لَو بَاعه قبل الْكِتَابَة وَصحت كِتَابَة بقسطها لعدم الْمَانِع. وَيحرم وَلَا يَصح بِلَا حَاجَة كمضطر إِلَى طَعَام أَو شراب وجده يُبَاع، وعريان وجد ستْرَة تبَاع، أَو وجد أَبَاهُ وَنَحْوه يُبَاع مَعَ من لَو تَركه لذهب، وَشِرَاء مركوب لعاجز، أَو قَائِد لضرير بيع فَاعل يَصح، وَلَا شِرَاء مِمَّن تلْزمهُ الْجُمُعَة وَلَو بِغَيْرِهِ وَلَو أحد الْمُتَعَاقدين والأخر لَا تلْزمهُ، وَكره البيع وَالشِّرَاء للْآخر. وَمحل ذَلِك بعد ندائها الْجُمُعَة الثَّانِي الَّذِي عِنْد أول الْخطْبَة. قَالَ المنقح أَو قبله لمن منزله بعيد بِحَيْثُ أَنه يُدْرِكهَا. انْتهى. وَيسْتَمر التَّحْرِيم إِلَى انْقِضَاء الصَّلَاة. وَكَذَا لَو تضايق وَقت مَكْتُوبَة غَيرهَا وَتَصِح سَائِر الْعُقُود من نِكَاح وَإِجَارَة وَصلح وقرض وَرهن وَضَمان وَنَحْوهمَا وإمضاء بيع خِيَار، أَو فَسخه بعد ندائها وَلَا يَصح بيع عصير أَو عِنَب أَو زبيب (لمتخذه) (سقط: أَي الْعصير

أَو الْعِنَب أَو الزَّبِيب) خمرًا وَلَو لذِمِّيّ لأَنهم مخاطبون بالفروع. وَلَا بيع مَأْكُول ومشروب ومشموم وقدح لمن يشرب عَلَيْهِ أَو بِهِ مُسكرا، وَلَا بيع سلَاح وَنَحْوه كفرس وَدرع فِي فتْنَة أَو لأهل حَرْب أَو قطاع طَرِيق إِذا علم ذَلِك وَلَو بقرائن، وَلَا بيع بيض وَجوز وَنَحْوهمَا لقمار وَلَا أكلهما وَلَا بيع غُلَام وَأمة لمن عرف بِوَطْء دبر أَو بغناء، وَلَو اتهمَ بِوَطْء غُلَامه فدبره أَو لَا وَهُوَ فَاجر معلن حيل بَينهمَا كمجوسي تسلم أُخْته وَيخَاف أَن يَأْتِيهَا فيحال بَينهمَا، وَلَا بيع عبد مُسلم لكَافِر وَلَو وَكيلا لمُسلم لَا يعْتق عَلَيْهِ فَإِن كَانَ يعْتق عَلَيْهِ كأبيه وَابْنه صَحَّ شِرَاؤُهُ لَهُ لِأَن ملكه لَا يسْتَقرّ عَلَيْهِ بل يعْتق عَلَيْهِ فِي الْحَال، وَإِن أسلم عبد لذِمِّيّ أجبر على إِزَالَة ملكه عَنهُ وَلَا تَكْفِي كِتَابَة. فَائِدَة يدْخل الرَّقِيق الْمُسلم فِي ملك الْكَافِر ابْتِدَاء بِالْإِرْثِ من قريب أَو مولى أَو زوج وباسترجاعه بإفلاس المُشْتَرِي بِأَن اشْترى كَافِر عبدا كَافِرًا ثمَّ أسلم العَبْد وأفلس المُشْتَرِي وَحجر عَلَيْهِ ففسخ البَائِع البيع، وَإِذا رَجَعَ فِي هِبته لوَلَده بِأَن وهب الْكَافِر لوَلَده ثمَّ أسلم العَبْد وَرجع الْأَب فِي هِبته، وَإِذا رد عَلَيْهِ بِعَيْب أَي بَاعه كَافِرًا ثمَّ أسلم وَظهر بِهِ عيب فَرده، وَكَذَا لَو رد بِغَبن أَو تَدْلِيس أَو خِيَار مجْلِس، وَإِذا اشْترط الْخِيَار مُدَّة فَأسلم العَبْد فِيهَا وَفسخ البَائِع البيع، وَإِذا وجد الثّمن الْمعِين معيبا فَرده وَكَانَ قد أسلم للْعَبد، وَفِيمَا إِذا ملكه الْحَرْبِيّ، وَفِيمَا إِذا قَالَ الْكَافِر لمُسلم أعتق عَبدك الْمُسلم عني وَعلي

ثمنه فَفعل. ذكره فِي الْإِقْنَاع وَشَرحه، وَيدخل الْمُصحف فِي ملك الْكَافِر ابْتِدَاء بِالْإِرْثِ وَالرَّدّ عَلَيْهِ لنَحْو عيب وبالقهر ذكره ابْن رَجَب وَحرم وَلم يَصح بَيْعه على بيع أَخِيه الْمُسلم زمن الخيارين الْمجْلس وَالشّرط وَهُوَ قَوْله لمن اشْترى شَيْئا بِعشْرَة: أُعْطِيك مثله بِتِسْعَة، أَو يعرض عَلَيْهِ سلْعَة يرغب فِيهَا المُشْتَرِي لفسخ البيع ويعقد مَعَه فَلَا يَصح البيع. وَحرم وَلم يَصح شِرَاؤُهُ على شِرَائِهِ أَي الْمُسلم كَقَوْلِه لبائع سلْعَة بِتِسْعَة: عِنْدِي فِيهَا عشرَة وَكَذَا اقتراضه بِأَن يعْقد مَعَه فَيَقُول آخر: أَقْرضنِي ذَلِك قبل تقييضه للْأولِ فيفسخه ويدفعه للثَّانِي، وَكَذَا اتهابه على اتهابه وافتراضه بِالْفَاءِ فِي الدِّيوَان على افتراضه، وَطلب الْعَمَل من الولايات بعد طلب غَيره وَنَحْو ذَلِك، وَالْمُسَاقَاة والمزارعة والجعالة وَنَحْوهَا كَالْبيع فَتحرم وَلَا تصح إِذا سبقت للْغَيْر قِيَاسا على البيع لما فِي ذَلِك من الْإِيذَاء ذكره فِي الْإِقْنَاع وَشَرحه، وَحرم سومه على سومه أَي الْمُسلم مَعَ الرِّضَا الصَّرِيح لحَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا أَن النَّبِي قَالَ: (لَا يسم الرجل على سوم أَخِيه) رَوَاهُ مُسلم. وَهُوَ أَن يتساوما على [] فِي غير المناداة حَتَّى يحصل الرِّضَا من البَائِع، وَأما المزايدة فِي المناداة قبل الرِّضَا فجائزة بِالْإِجْمَاع، وَكَذَا سوم إِجَارَة، وَيصِح العقد على السّوم فَقَط. وَمن استولى على ملك غَيره بِلَا حق أَو جَحده أَو مَنعه إِيَّاه حَتَّى

يَبِيعهُ لَهُ فَفعل لم يَصح. وَمن بَاعَ شَيْئا نَسِيئَة أَو بِثمن حَال لم يقبض حرم وَبَطل اسْتِرْدَاده لَهُ من مُشْتَرِيه نصا بِنَقْد من جنس الأول أقل مِنْهُ وَلَو نَسِيئَة وَكَذَا العقد الأول حَيْثُ كَانَ وَسِيلَة إِلَى الثَّانِي إِلَّا إِن تَغَيَّرت صفته، وَتسَمى (مسئلة الْعينَة) لِأَن مُشْتَرِي السّلْعَة إِلَى أجل يَأْخُذ بدلهَا عينا أَي نَقْدا حَاضرا. وعكسها مثلهَا بِأَن يَبِيع شَيْئا بِنَقْد حَاضر ثمَّ يَشْتَرِيهِ من مُشْتَرِيه أَو وَكيله بِنَقْد أَكثر من الأول من جنسه غير مَقْبُوض إِن لم تزد قيمَة الْمَبِيع بِنَحْوِ سمن أَو تعلم صنعتة. وَإِن اشْتَرَاهُ أَبَوَاهُ أَو ابْنه أَو غُلَامه وَنَحْوه صَحَّ مَا لم يكن حِيلَة، قَالَ شيخ الْإِسْلَام 16 (ابْن تَيْمِية) رَحمَه الله: وَيحرم على صَاحب الدّين أَن يمْتَنع من إنظار الْمُعسر حَتَّى يقلب عَلَيْهِ الدّين وَمَتى قَالَ رب الدّين إِمَّا أَن تقلبه وَإِمَّا أَن تقوم معي إِلَى عِنْد الْحَاكِم وَخَافَ أَن يحْبسهُ الْحَاكِم لعدم ثُبُوت إِعْسَاره عِنْده وَهُوَ مُعسر فَقلب على هَذَا الْوَجْه كَانَت هَذِه الْمُعَامَلَة حَرَامًا غير لَازِمَة بِاتِّفَاق الْمُسلمين، فَإِن الْغَرِيم مكره عَلَيْهَا بِغَيْر حق، وَمن نسب جَوَاز الْقلب على الْمُعسر بحيلة من الْحِيَل إِلَى مَذْهَب بعض الْأَئِمَّة فقد أَخطَأ فِي ذَلِك وَغلط، وَإِنَّمَا تنَازع النَّاس فِي الْمُعَامَلَات الاختيارية مثل التورق والعينة. انْتهى كَلَامه. وَهُوَ ظَاهر ذكره فِي الْإِقْنَاع. وَيحرم التسعير على النَّاس، وَهُوَ أَن يسعر الإِمَام سعرا وَيجْبر النَّاس على البيع والتبايع بِهِ. وَيكرهُ الشِّرَاء بِهِ وَإِن هدد حرم البيع وَبَطل. وَحرم أَن يَقُول لغير محتكر: بِعْ كالناس. وَأوجب شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية إِلْزَام السوقة الْمُعَاوضَة بِثمن الْمثل وَأَنه لَا نزاع فِيهِ لِأَنَّهُ مصلحَة عَامَّة لحق الله تَعَالَى وَلَا تتمّ مصلحَة النَّاس إِلَّا بهَا.

وَيحرم الاحتكار فِي قوت آدَمِيّ فَقَط لقَوْله (الجالب مَرْزُوق والمحتكر مَلْعُون) وَهُوَ أَن يَشْتَرِيهِ للتِّجَارَة ويحبسه ليقل فيغلو. قَالَ فِي الرِّعَايَة الْكُبْرَى: وَمن جلب شَيْئا أَو استغله من ملكه أَو مِمَّا اسْتَأْجرهُ أَو اشْتَرَاهُ زمن الرُّخص وَلم يضيق على النَّاس إِذا، أَو اشْتَرَاهُ من بلد كَبِير كبغداد أَو الْبَصْرَة ومصر وَنَحْوهَا فَلهُ حَبسه حَتَّى يغلو وَلَيْسَ بمحتكر، نَص عَلَيْهِ، وَترك ادخاره لذَلِك أولى. انْتهى. قَالَ فِي تَصْحِيح الْفُرُوع بعد حِكَايَة ذَلِك: قلت إِذا أَرَادَ بِفعل ذَلِك وتأخيره مُجَرّد الْكسْب فَقَط كره، وَإِن أَرَادَ التكسب ونفع النَّاس عِنْد الْحَاجة لم يكره. وَالله أعلم. وَمن احْتَاجَ إِلَى نقد فَاشْترى مَا يُسَاوِي مائَة بِمِائَة وَخمسين ليتوسع بِثمنِهِ فَلَا بَأْس نصا، وَهِي مَسْأَلَة التورق. وَيحرم البيع وَالشِّرَاء فِي الْمَسْجِد، وَلَا يَصح للمعتكف وَغَيره فِي الْقَلِيل وَالْكثير. وَبيع الْأمة الَّتِي يَطَؤُهَا قبل استبرائها حرَام وَيصِح العقد. وَلَا يَصح التَّصَرُّف فِي الْمَقْبُوض بِعقد فَاسد وَيضمن هُوَ وزيادته كمغصوب.

فصل

3 - (فصل) فِي بَيَان الشُّرُوط فِي البيع. والشروط جمع شَرط، وَتقدم تَعْرِيفه فِي شُرُوط الصَّلَاة، وَهُوَ فِيهِ أَي البيع وَشبهه كَالْإِجَارَةِ وَالشَّرِكَة إِلْزَام أحد الْمُتَعَاقدين الآخر بِسَبَب العقد مَا لَهُ فِيهِ مَنْفَعَة وَتعْتَبر مقارنته للْعقد. وَهِي فِي البيع ضَرْبَان ضرب صَحِيح لَازم وينقسم إِلَى ثَلَاثَة أَنْوَاع، أَحدهَا: مَا يَقْتَضِيهِ البيع كتقابض وحلول ثمن وَتصرف كل فِيمَا يصير إِلَيْهِ ورده بِعَيْب قديم وَنَحْوه، وَلم يذكر المُصَنّف رَحمَه الله هَذَا النَّوْع لِأَنَّهُ لَا أثر لَهُ. النَّوْع الثَّانِي: مَا كَانَ مصْلحَته وَهُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله كَشَرط رهن بِالثّمن وكشرط ضَامِن بِهِ مُعينين وَلَو كَانَ الرَّهْن الْمَبِيع فَيُصْبِح نصا فَإِذا قَالَ لَهُ: بِعْتُك هَذَا العَبْد بِكَذَا على أَن ترهننيه على ثمنه، فَقَالَ: اشْتريت ورهنت، صَحَّ الشِّرَاء وَالرَّهْن. وَلَيْسَ لبائع طلبهما أَي طلب رهن أَو ضَامِن من مُشْتَر إِن لم يكن اشتراطهما فِيهِ، وك تَأْجِيل ثمن كُله أَو بعضه إِلَى أجل معِين أَو شَرط صفة فِي الْمَبِيع كَالْعَبْدِ كَاتبا أَو فحلا أَو خَصيا أَو صانعا أَو مُسلما، وَالْأمة بكرا

أَو تحيض، وَالدَّابَّة هملاجة أَو لبونا أَو حَامِلا، والفهد أَو الْبَازِي صيودا، وَالْأَرْض خراجها كَذَا، والطائر مصوتا أَو يبيض أَو يَجِيء من مَسَافَة مَعْلُومَة أَو يَصِيح فِي وَقت مَعْلُوم كعند الصَّباح والمساء، فَيصح الشَّرْط فِي كل مَا ذكر لَازِما، فَإِن وفى بِهِ وَإِلَّا فَلهُ فسخ أَو أرش الصّفة، فَإِن تعذر رد تعين أرش كمعيب تعذر رده، لِأَن فِي اشْتِرَاط هَذِه الصِّفَات قصدا صَحِيحا، وتختلف الرغبات باختلافها فلولا صِحَة اشْتِرَاطهَا لفاتت الْحِكْمَة الَّتِي لأَجلهَا شرع البيع. وَإِن شَرط أَن الطير يوقظه للصَّلَاة أَو أَنه يَصِيح عِنْد دُخُول أَوْقَات الصَّلَاة لم يَصح لتعذر الْوَفَاء بِهِ، وَلَا كَون الْكَبْش نطاحا أَو الديك مناقرا أَو الْأمة مغنية أَو الزِّنَا فِي الرَّقِيق، أَو الْبَهِيمَة تحلب كل يَوْم قدرا مَعْلُوما أَو الْحَامِل تَلد وَقت بِعَيْنِه، لِأَنَّهُ إِمَّا محرم أَو لَا يُمكن. وَإِن أخبر بَائِع مُشْتَريا بِصفة فصدقة بِلَا شَرط بِأَن اشْترى وَلم يشترطها فَبَان فقدها فَلَا خِيَار لَهُ لِأَنَّهُ مقصر بِعَدَمِ الشَّرْط، أَو شَرط الْأمة ثَيِّبًا أَو كَافِرَة أَو سبطة أَو حَامِلا، فَبَانَت أعلا أَو جعدة أَو حَائِلا فِي خياء لمشتر لِأَنَّهُ زَاده خيرا، وَلَو شَرط العَبْد كَافِرًا فَبَان مُسلما فَحكمه حكم مَا إِذا شَرطهَا كَافِرَة فَبَانَت مسلمة، قَالَ فِي ((الْإِنْصَاف)) : قلت وَهُوَ الصَّحِيح. النَّوْع الثَّالِث: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (و) ك (شَرط بَائِع نفعا) غير وطئ ودواعية (مَعْلُوما فِي مَبِيع ك) اشْتِرَاط (سُكْنى الدَّار شهرا) مثلا وحملان الْبَعِير إِلَى مَحل معِين وخدمة العَبْد الْمَبِيع مُدَّة مَعْلُومَة فَيصح نصا، ولبائغ إِجَارَة مَا اسْتثْنى من النَّفْع وإعارته لَا لمن هُوَ أَكثر مِنْهُ ضَرَرا، وَإِن تلفت الْعين قبل اسْتِيفَاء بَائِع للنفع بِفعل مُشْتَر أَو تفريطه لزمَه أُجْرَة مثله لَا إِن

تلفت بِغَيْر ذَلِك (و) كَشَرط (مُشْتَر نفع بَائِع) فِي مَبِيع (ك) شَرط (حمل حطب أَو تكسيره) أَو خياطَة ثوب أَو تَفْصِيله أَو حصاد زرع أَو جزر رطبَة وَنَحْوه فَيصح ذَلِك إِن كَانَ مَعْلُوما، وَلزِمَ البَائِع فِيهِ مَا شَرط عَلَيْهِ فلمشتر عوض ذَلِك النَّفْع، وَإِن تَرَاضيا على أَخذ الْعِوَض وَلَا بِلَا عذر جَازَ، وَإِن شَرط المُشْتَرِي على البَائِع الْحمل إِلَى منزله وَهُوَ لَا يُعلمهُ لم يَصح الشَّرْط، هَذَا معنى مَا فِي ((شرح الْمُنْتَهى)) وَظَاهره صِحَة البيع، وَعَلِيهِ فَيثبت الْخِيَار، ذكره فِي ((شرح الْإِقْنَاع)) ، وَإِن بَاعَ المُشْتَرِي الْعين الْمُسْتَثْنى نَفعهَا صَحَّ البيع، وَتَكون فِي يَد المُشْتَرِي الثَّانِي مُسْتَثْنَاة أَيْضا فَإِن كَانَ عَالما بذلك فَلَا خِيَار لَهُ وَإِلَّا فَلهُ الْخِيَار، وَإِن أَقَامَ البَائِع مقَامه من يعْمل الْعَمَل فَلهُ ذَلِك لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الْأَجِير الْمُشْتَرك، وَإِن أَرَادَ دفع الْأُجْرَة أَو أَرَادَ المُشْتَرِي أَخذهَا وأبى الآخر لم يجْبر، وَإِن تَرَاضيا على ذَلِك جَازَ وَإِن جمع فِي بيع بَين شرطين وَلَو صَحِيحَيْنِ كحمل حطب وتكسيره أَو خياطَة ثوب وتفصيله بَطل البيع، إِلَّا أَن يَكُونَا من مُقْتَضَاهُ أَو مصْلحَته كاشتراط رهن وضمين مُعينين بِالثّمن فَيصح، وَيصِح تَعْلِيق فسخ غير خلع بِشَرْط كبعتك على أَن تنقدني الثّمن إِلَى كَذَا، أَو على أَن ترهننيه بِثمنِهِ وَإِلَّا فَلَا بيع بَيْننَا، وينفسخ البيع إِن لم يَفْعَله. وَالضَّرْب الثَّانِي من الشُّرُوط فِي البيع فَاسد وَيحرم اشْتِرَاطه، وَهُوَ ثَلَاثَة أَنْوَاع أَيْضا، أَحدهَا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وفاسد يُبطلهُ أَي البيع من أَصله كَشَرط عقد آخر من قرض وَغَيره من الْعُقُود كَبيع أَو سلف

أَو إِجَارَة أَو شركَة أَو صرف للثّمن، وَهُوَ بيعتان فِي بيعَة المنهى عَنهُ، وَالنَّهْي يَقْتَضِي الْفساد، قَالَه الإِمَام أَحْمد. وَكَذَا كل مَا كَانَ فِي معنى ذَلِك مثل أَن تَقول لَهُ: بِعْتُك على أَن تزَوجنِي ابْنَتك، أَو أزَوجك ابْنَتي وَنَحْوه. وَالنَّوْع الثَّانِي من الْفَاسِد الْمُبْطل مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله أَو مَا يتَعَلَّق البيع ك قَوْله بِعْتُك أَو اشْتريت مِنْك إِن جئتني كَذَا أَو بِعْتُك أَو اشْتريت مِنْك إِن رَضِي زيد فَهَذَا لَا يَصح لِأَنَّهُ عقد مُعَاوضَة يَقْتَضِي نقل الْملك حَال العقد وَالشّرط يمنعهُ. وَالنَّوْع الثَّالِث فَاسد غير مُبْطل للْعقد وَهُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وفاسد لَا يُبطلهُ أَي البيع كَشَرط يُنَافِي مُقْتَضَاهُ كَشَرط أَن لَا خسارة عَلَيْهِ أَو أَنه مَتى نفق وَإِلَّا رده وَنَحْو ذَلِك كَأَن لَا يقفه أَو لَا يَبِيعهُ أَو لَا يعتقهُ أَو إِن أعْتقهُ فولاؤه لبائع، أَو شَرط عَلَيْهِ أَن يفعل ذَلِك من وقف وَبيع وَنَحْوه، فَالشَّرْط فَاسد وَالْبيع صَحِيح، إِلَّا شَرط الْعتْق فَيصح أَن يَشْتَرِطه بَائِع على مُشْتَر وَيجْبر مُشْتَر إِن أَبَاهُ لِأَنَّهُ مُسْتَحقّ لله تَعَالَى فَإِن أصر أعْتقهُ حَاكم. وَمن قَالَ لغريمه بغني هَذَا على أَن أقضيك مِنْهُ دينك فَبَاعَهُ إِيَّاه صَحَّ البيع لَا الشَّرْط. وَإِن قَالَ رب الْحق: اقضني على أَن أبيعك كَذَا بِكَذَا فقضاه صَحَّ الْقَضَاء دون البيع. وَإِن قَالَ: اقضني أَجود مِمَّا لي عَلَيْك على أَن أبيعك كَذَا ففعلا فباطلان. وَيصِح: بِعْت وَقبلت إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

وَيصِح بيع العربون وَهُوَ دفع بعض الثّمن أَو الْأُجْرَة وَيَقُول: إِن أَخَذته أَو جِئْت بِالْبَاقِي وَإِلَّا فَهُوَ لَك، لَا إِن جَاءَ الْمُرْتَهن بِحقِّهِ فِي مَحَله وَإِلَّا فالرهن لَهُ، وَمَا دفع من العربون فلبائع ومؤجر إِن لم يتم العقد، وَمن قَالَ لقنه: إِن بِعْتُك فَأَنت حر، وَبَاعه عتق عَلَيْهِ وَلم ينْتَقل الْملك فِيهِ لمشتر نصا. وَإِن بَاعَ سلْعَة شَرط على مُشْتَر الْبَرَاءَة من كل عيب مَجْهُول بهَا لم يبرأ، أَو من عيب كَذَا إِن كَانَ أَو الْبَرَاءَة من الْحمل أَن مِمَّا يحدث بعد العقد وَقبل التَّسْلِيم فَالشَّرْط فَاسد وَلم يبرأ بَائِع بذلك، ولمشتر الْفَسْخ بِعَيْب سَوَاء كَانَ الْعَيْب ظَاهرا وَلم يُعلمهُ المُشْتَرِي أَو بَاطِنا، وَإِن سمى بَائِع الْعَيْب لمشتر أَن أَبرَأَهُ بعد العقد من عيب كَذَا أَو من كل عيب برىء. وَمن بَاعَ مَا يذرع على أَنه عشرَة فَبَان أَكثر صَحَّ وَلكُل الْفَسْخ مَا لم يُعْط بَائِع الزَّائِد مجَّانا فَيسْقط خِيَار مُشْتَر لِأَن البَائِع زَاد خيرا، وَإِن بَان أقل صَحَّ وَالنَّقْص على بَائِع، وَيُخَير بَائِع إِن أَخذه مُشْتَر بقسط بَين فسخ وإمضاء، لَا إِن أَخذه بِجَمِيعِ الثّمن وَلم يفْسخ مُشْتَر البيع.

فصل

3 - (فصل) . وَالْخيَار اسْم مصدر اخْتَار يخْتَار اخْتِيَارا، وَهُوَ هَهُنَا طلب خير الْأَمريْنِ الْفَسْخ أَو الْإِمْضَاء. وَهُوَ سَبْعَة أَقسَام أَحدهَا خِيَار مجْلِس بِكَسْر اللَّام وَأَصله مَكَان الْجُلُوس وَالْمرَاد بِهِ هُنَا مَكَان التبايع، وَيثبت فِي بيع وَلَو لم يَشْتَرِطه الْعَاقِد، وَصلح وَإِجَارَة وَهبة بعوض مَعْلُوم وَفِيمَا قَبضه شَرط لصِحَّته كصرف وَسلم وَبيع رِبَوِيّ بِجِنْسِهِ، وَلَا يثبت فِي بَقِيَّة الْعُقُود كالمساقاة والمزارعة وَالْحوالَة وَالْإِقَالَة وَالْأَخْذ بِالشُّفْعَة والجعالة وَالشَّرِكَة وَالْمُضَاربَة وَالْهِبَة بِغَيْر عوض والوديعة وَالْوَصِيَّة قبل الْمَوْت، وَلَا فِي النِّكَاح وَالْوَقْف وَالْخلْع وَالْإِبْرَاء وَالْعِتْق على مَال وَالرَّهْن وَالضَّمان وَالْكَفَالَة لِأَن ذَلِك لَيْسَ بيعا وَلَا فِي مَعْنَاهُ، فالمتبايعان بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا بأبدانهما عرفا لإِطْلَاق الشَّارِع التَّفَرُّق وَعدم بَيَانه فَدلَّ أَنه أَرَادَ مَا يعرفهُ النَّاس كَالْقَبْضِ والإحراز. قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى: فَإِن كَانَا فِي مَكَان وَاسع كمجلس كَبِير وصحراء فَيَمْشِي أَحدهمَا مستدبرا لصَاحبه خطوَات وَلَو لم يبعد عَنهُ بِحَيْثُ لَا يسمع كَلَامه فِي الْعَادة.

وَفِي الْإِقْنَاع: فَإِن كَانَ البيع فِي فضاء وَاسع أَو مَسْجِد كَبِير إِن صححنا البيع فِيهِ وَالْمذهب: لَا يَصح، أَو سوق فبأن يمشي أَحدهمَا مستدبرا لصَاحبه خطوَات بِحَيْثُ لَا يسمع كَلَامه كالمعتاد. انْتهى. وَإِن كَانَا فِي دَار كَبِير ذَات مجَالِس وبيوت فبمفارقته إِلَى بَيت آخر أَو صفة أَو نَحْوهَا. وَإِن كَانَا فِي دَار صَغِيرَة فبصعود أَحدهمَا السَّطْح أَو خُرُوجه مِنْهَا، وَإِن كَانَا بسفينة كَبِيرَة فبصعود أَحدهمَا إِن كَانَا أَسْفَل أَو نُزُوله أَن كَانَا أَعْلَاهَا، وَإِن كَانَت صَغِيرَة فبخروج أَحدهمَا مِنْهَا. فَإِن تفَرقا باختيارهما سقط، لَا كرها لَهما أَو لأَحَدهمَا على التَّفَرُّق أَو تفَرقا خوفًا من سبع أَو سيل أَو نَار أَو ظَالِم فهما على خيارهما مَا لم يتبايعا على أَن لَا خِيَار بَينهمَا، أَو يسقطان بعد العقد، وَإِن أسقط أَحدهمَا بَقِي خِيَار الآخر. وَيَنْقَطِع بِمَوْت أَحدهمَا لَا بجنونه وَهُوَ على خِيَاره إِذا أَفَاق وَلَا يثبت لوَلِيِّه وَإِن خرس قَامَت إِشَارَته مقَام نطقه. وَتحرم الْفرْقَة من الْمجْلس خشيَة الاستقالة. وَالثَّانِي من أَقسَام الْخِيَار خياط شَرط، هُوَ أَي خِيَار الشَّرْط أَن يشترطاه أَي يشْتَرط العاقدان الْخِيَار أَو يَشْتَرِطه أَحدهمَا فِي صلب العقد أَو زمن الخيارين مُدَّة مَعْلُومَة وَلَو فَوق ثَلَاثَة أَيَّام وَلَو فِيمَا يفْسد كبطيخ وَنَحْوه وَيُبَاع ويحفظ ثمنه إِلَى مضيه، وَحرم شَرط خِيَار فِي عقد بيع إِن جعل حِيلَة ليربح فِي قرض نصا لِأَنَّهُ وَسِيلَة إِلَى محرم. وَلَا يَصح تصرف فِي ثمن ومثمن قَالَه المنقح وَلم يَصح البيع كَسَائِر الْحِيَل

وينتقل الْملك فيهمَا أَي الخيارين الْمجْلس وَالشّرط لمشتر سَوَاء كَانَ خِيَار لَهما أَو لأَحَدهمَا، فَإِن تلف البيع زمن الخيارين أَو نقص بِعَيْب وَلَو قبل قَبضه إِن لم يكن مَكِيلًا وَنَحْوه وَلم يمنعهُ البَائِع، أَو كَانَ مَبِيعًا بكيل وَنَحْوه وَقَبضه مُشْتَر فَمن ضَمَانه، وَحَيْثُ قُلْنَا ينْتَقل الْملك للْمُشْتَرِي فَيعتق عَلَيْهِ قَرِيبه ونيفسخ نِكَاحه بِمُجَرَّد العقد زمن الخيارين وَيخرج فطْرَة الْمَبِيع إِذا غربت الشَّمْس زمن الخيارين وَيلْزمهُ مُؤنَة الْحَيَوَان وَالْعَبْد، وَكَسبه ونماؤه الْمُنْفَصِل لَهُ، وَإِن أولد مُشْتَر أمة مبيعة وَطئهَا زمن خِيَار فَهِيَ أم ولد لَهُ وَولده حر وعَلى بَائِع بِوَطْء مبيعته زمن الخيارين الْمهْر لمشتر، وَعَلِيهِ مَعَ علم تَحْرِيمه وَزَوَال ملكه وَأَن البيع لَا يَنْفَسِخ بِوَطْئِهِ لمبيعة الْحَد نصا، وَولده قن. وَالْحمل وَقت مَبِيع لإنماء فَترد الأمات بِعَيْب بقسطها، لَكِن هَذَا اسْتثِْنَاء من قَوْله: وينتقل الْملك فيهمَا لمشتر يحرم وَلَا يَصح لبائع ومشتر تصرف فِي مَبِيع وَلَا فِي عوضه مدتهما أَي الخيارين سَوَاء كَانَ الْخِيَار لَهما أَو لأَحَدهمَا لزوَال أَحدهمَا إِلَى الآخر وَعدم انْقِطَاع عتق زائل الْملك عَنهُ إِلَّا عتق مُشْتَر إِذا أعتق الْقِنّ الْمَبِيع فَينفذ الْعتْق مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ الْخِيَار لَهُ أَو لبائع لقُوَّة الْعتْق وسرايته. وَملك بَائِع الْفَسْخ لَا يمنعهُ، وَيسْقط فَسخه إِذا كَمَا لَو وهب ابْنه عبدا فَأعْتقهُ، وَلَا ينفذ عتق بَائِع وَلَا شَيْء من تَصَرُّفَاته سَوَاء كَانَ الْخِيَار لَهُ أَو لمشتر إِلَّا بتوكيل مُشْتَر لِأَن الْملك لَهُ وَيبْطل خيارهما إِن وَكله فِي نَحْو بيع مِمَّا ينْقل الْملك.

وَلَا ينفذ غير عتق مَعَ خِيَار البَائِع إِلَّا بِإِذْنِهِ أَو مَعَه كَأَن آجره أَو بَاعه لَهُ وَإِلَّا تصرفه أَي المُشْتَرِي فِي مَبِيع وَالْخيَار لَهُ فَقَط، جملَة حيالة، بِأَن تصرف فِيهِ بوقف أَو هبة أَو لمس بِشَهْوَة أَو نَحوه فَيصح وَيسْقط خِيَاره وسومه إِمْضَاء وَإِسْقَاط لخياره، وَلَا يسْقط بِاسْتِعْمَالِهِ لتجربة كركوب دَابَّة وَنَحْوه، كَمَا لَا يسْقط باستخدام وَلَو لغير تجربة وَلَا إِن قبلته الْمَبِيعَة ومل يمْنَعهَا نصا، وَتصرف البَائِع فِي الْمَبِيع لَيْسَ فسخا للْبيع نصا وَفِي الثّمن إِمْضَاء وَإِبْطَال للخيار. وَالثَّالِث من أَقسَام الْخِيَار خِيَار غبن يخرج عَن الْعَادة نصا لِأَنَّهُ لم يرد الشَّرْع بتحديده فَرجع فِيهِ إِلَى الْعرف، فَإِن لم يخرج عَن الْعَادة فَلَا فسخ لِأَنَّهُ يتَسَامَح بِهِ، وَيثبت فِي ثَلَاث صور: إِحْدَاهَا تلقي الركْبَان أَي أَن يتلقاهم حَاضر عِنْد قربهم من الْبَلَد وَلَو كَانَ التلقي بِلَا قصد نصا. إِذا باعوا أَو اشْتَروا قبل الْعلم بِالسَّفرِ وغبنوا فَلهم الْخِيَار. الثَّانِيَة مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله لنجش وَهُوَ أَن يزِيد فِي سلْعَة لَا يُرِيد شراءها وَلَو بِلَا مواطأة من بَائِع، وَهُوَ محرم لما فِيهِ من تغرير المُشْتَرِي وخديعته، وَيثبت لَهُ الْخِيَار إِذا غبن الْغبن الْمَذْكُور، وَمن النجش قَول بَائِع: أَعْطَيْت فِي السّلْعَة كَذَا وَهُوَ كَاذِب. وَلَا أرش مَعَ إمْسَاك. وَمن قَالَ عِنْد العقد: لَا خلابة بِكَسْر الْخَاء أَي لَا خديعة فَلهُ الْخِيَار إِذا خلب أَيْضا. وَالثَّالِثَة مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله أَو غَيره أَي النجش كالمسترسل اسْم فَاعل من استرسل إِذا اطْمَأَن واستأنس، وَشرعا الْجَاهِل بِالْقيمَةِ وَلَا يحسن بماكس من بَائِع ومشتر لِأَنَّهُ حصل لَهُ الْغبن لجهله بِالْبيعِ أشبه القادم

من سفر، وَيقبل قَوْله بِيَمِينِهِ فِي جهل الْقيمَة إِن لم تكذبه قرينَة، ذكره فِي الْإِقْنَاع. وَقَالَ ابْن نصر الله: الْأَظْهر احْتِيَاجه للبينة. انْتهى. وَلَا يثبت خِيَار غبن ل أجل استعجاله فِي البيع وَلَو توقف لم يغبن لِأَنَّهُ لَا تغرير فِيهِ، وَكَذَا من لَهُ خبْرَة بِسعْر الْمَبِيع لِأَنَّهُ دخل على بَصِيرَة بِالْغبنِ. وكبيع إِجَارَة، لَا نِكَاح فَلَا فسخ لأحد الزَّوْجَيْنِ إِن غبن فِي الْمُسَمّى لِأَن الصَدَاق لَيْسَ ركنا فِي النِّكَاح. وَالرَّابِع من أَقسَام الْخِيَار خِيَار تَدْلِيس من الدلسة بِالتَّحْرِيكِ بِمَعْنى الظلمَة، وَفعله حرَام للغرور، وعقده صَحِيح، وَلَا أرش فِيهِ فِي غير الكتمان. وَهُوَ ضَرْبَان أَحدهمَا الْعَيْب، وَالثَّانِي أَن يُدَلس الْمَبِيع بِمَا يزِيد بِهِ الثّمن وَإِن لم يكن عَيْبا كتسويد شعر جَارِيَة وتجعيده وتصرية لبن أَي جمعه فِي الضَّرع وتحمير وَجه وَجمع مَاء الرَّحَى وإرساله عِنْد عرضهَا للْبيع وتحسين وَجه الصُّبْرَة وتصنيع النساج وَجه الثَّوْب وصقل وَجه الْمَتَاع وَنَحْوه بِخِلَاف علف الدَّابَّة حَتَّى تمتلئ خواصرها فيظن حملهَا وتسويد أنامل عبد أَو ثَوْبه ليظنه كَاتبا وَنَحْو ذَلِك فَلَا خِيَار لَهُ، لِأَنَّهُ لَا تتَعَيَّن الْجِهَة الَّتِي ظنت. وَيحرم ذَلِك. ولمشتر خِيَار الرَّد حَتَّى وَلَو حصل التَّدْلِيس من البَائِع بِلَا قصد كحمرة وَجه جَارِيَة لخجل أَو تَعب وَنَحْوهَا وَخيَار غبن وَخيَار عيب وَخيَار تَدْلِيس على التَّرَاخِي مَا لم يُوجد من المُشْتَرِي دَلِيل يدل على الرِّضَا من نَحْو بيع فيقسط خِيَاره

إِلَّا فِي تصرية لبن ف يُخَيّر مُشْتَر ثَلَاثَة أَيَّام مُنْذُ علم بَين إِِمْسَاكهَا بِلَا أرش وَبَين ردهَا مَعَ صَاع تمر سليم إِن حَبسهَا، وَلَو زَادَت قِيمَته على مصراة نصا أَو نقصت عَن قيمَة اللَّبن، فَإِن لم يُوجد التَّمْر فَقيمته مَوضِع العقد. وَله رد مصراة من غير بَهِيمَة الْأَنْعَام كأمة وأتان مجَّانا، قَالَ المنقح: بِقِيمَة اللَّبن. قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى: قلت الْقيَاس بِمثلِهِ كباقي الْمُتْلفَات. وَالْخَامِس من أَقسَام الْخِيَار خِيَار عيب ينقص قيمَة الْمَبِيع عَادَة، فَمَا عده التُّجَّار منقصا نيط الحكم بِهِ كَمَرَض فِي جَمِيع حالاته فِي جَمِيع الْحَيَوَانَات وبخر فِي قن وفقد عُضْو كيد وزيادته أَي الْعُضْو كأصبع زَائِدَة وعفل وَقرن وفتق ورتق واستحاضة وجنون وسعال وبحة وبرص وجذام وفالج وقرع وَلَو غير منتن وعمى وعرج وخرس وطرش وَكَثْرَة كذب واستطالة على النَّاس وحمق من كَبِير فيهمَا، والأحمق الَّذِي يرتكب الْخَطَأ على بَصِيرَة يَظُنّهُ صَوَابا، وبق وَنَحْوه غير مُعْتَاد بِالدَّار، وَكَونهَا ينزلها الْجند وَنَحْو ذَلِك لَا معرفَة غناء فَلَيْسَتْ عَيْبا لِأَنَّهُ لَا نقص فِي قيمَة وَلَا عين، وَلَا ثيوبة وَعدم حيض وَلَا كفر لِأَنَّهُ الأَصْل فِي الرّقّ وَلَا فسق باعتقاد كرافضي أَو فعل غير زنا وَشرب وَنَحْوه وَلَا تغفيل وعجمة لِسَان وقرابة ورضاع وَكَونه تمتاما أَو فأفاء أَو أرت أَو ألثغ، وَلَا صداع وَحمى يسيرين وَسُقُوط آيَات يسيرَة عرفا بمصحف وَنَحْوه فَإِذا علم المُشْتَرِي أَن الْعَيْب كَانَ مَوْجُودا فِي الْمَبِيع قبل العقد أَو بعده قبل قبض مَا يضمنهُ بَائِع قبل الْقَبْض كثمر على شجر وَنَحْوه وَمَا بيع بكيل أَو نَحوه، وجهله حَال العقد خير المُشْتَرِي بَين إمْسَاك الْمَبِيع مَعَ أَخذ أرش الْعَيْب وَلَو لم يتَعَذَّر الرَّد وَرَضي البَائِع بِدفع الْأَرْش أَو سخط، وَهُوَ قسط مَا بَين قِيمَته صَحِيحا ومعيبا من ثمنه نصا،

فَلَو قوم الْمَبِيع صَحِيحا خَمْسَة عشر ومعيبا بِاثْنَيْ عشر فقد نقص خمس الْقيمَة فَيرجع بِخمْس الثّمن قل أَو كثر لِأَن الْمَبِيع مَضْمُون على مُشْتَرِيه بِثمنِهِ فَإِذا فَاتَهُ جُزْء مِنْهُ سقط عَنهُ مَا يُقَابله من الثّمن لِأَنَّهُ لَو ضمناه نقص الْقيمَة لَأَدَّى إِلَى اجْتِمَاع الْعِوَض والمعوض عَنهُ فِي نَحْو مَا لَو اشْترى شَيْئا بِعشْرَة وَقِيمَته عشرُون وَوجد بِهِ عَيْبا ينقصهُ النّصْف وَأَخذهَا، وَلَا سَبِيل إِلَيْهِ، مَا لم يفض إِلَى رَبًّا كَشِرَاء حلى فضَّة بزنته دَرَاهِم ويجده معيبا، أَو شِرَاء قفيز مِمَّا يجزى فِيهِ الرِّبَا كبر بِمثلِهِ جِنْسا وَقدرا ويجده معيبا، فَيرد مُشْتَر أَو يمسِكهُ مجَّانا، أَو بَين رد الْمَبِيع الْمَعِيب عطف على الظّرْف قبله، استدراكا لما فَاتَهُ لما يلْحقهُ من الضَّرَر فِي بَقَائِهِ فِي ملكه نَاقِصا من حَقه وَعَلِيهِ مئونة رده وَأخذ ثمن كَامِلا حَتَّى لَو وهبه البَائِع ثمنه أَو أَبرَأَهُ مِنْهُ كُله أَو بعضه ثمَّ فسخ رَجَعَ بِكُل الثّمن كَزَوج طلق قبل دُخُول بعد أَن أَبرَأته من الصَدَاق أَو وهبته فَإِنَّهُ يرجع بِنصفِهِ. وَإِن اشْترى حَيَوَانا أَو غَيره فَحدث بِهِ عيب عِنْد مُشْتَر وَلَو قبل مُضِيّ ثَلَاثَة أَيَّام أَو حدث فِي الرَّقِيق برص أَو جذام أَو جُنُون أَو نَحوه قبل سنة فَمن ضَمَان مُشْتَر وَلَيْسَ لَهُ رده نصا وَلَا أرش، وَإِن دلّس بَائِع فَلَا أرش لَهُ على مُشْتَر بتعيبه عِنْده وَذهب عِنْده وَذهب عَلَيْهِ إِن تلف أَو أبق نصا، وَإِن لم يكن البَائِع دلّس على المُشْتَرِي الْمَعِيب وَتلف مَبِيع تعيب بيد مُشْتَر أَو أعتق عبد أَي أعْتقهُ المُشْتَرِي أَو عتق عَلَيْهِ بِقرَابَة أَو تَعْلِيق ثمَّ علم عَيبه وَنَحْوه كَأَن تلف الْمَبِيع بِأَكْل مُشْتَر لَهُ أَو قتل العَبْد أَو استولد الْأمة أَو وهبه أَو رَهنه أَو وَقفه غير عَالم بِعَيْبِهِ ثمَّ علم عَيبه تعين أرش نصا، وَإِن تعيب الْمَبِيع عِنْده أَي المُشْتَرِي أَيْضا كَأَن اشْترى مَا مأكوله فِي جَوْفه كرمان وبطيخ فَوَجَدَهُ فَاسِدا وَلَيْسَ لمكسوره قيمَة كبيض

الدَّجَاج رَجَعَ بِثمنِهِ كُله مجَّانا وَلَيْسَ عَلَيْهِ رد الْمَبِيع الْفَاسِد لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة فِيهِ وَإِن كَانَ لمكسوره قيمَة كبيض النعام وَجوز الْهِنْد خير فِيهِ مُشْتَر بَين أَخذ أرش عيب الْمَبِيع وَبَين رد الْمَبِيع مَعَ دفع أرش كَسره وَيَأْخُذ ثمنه لاقْتِضَاء العقد السَّلامَة، وَلَا يفْتَقر رد إِلَى رضَا البَائِع وَلَا حُضُوره وَلَا حكم، وَسَوَاء كَانَ الرَّد قبل الْقَبْض أَو بعده، وَإِن اخْتلفَا أَي بَائِع ومشتر عِنْد من حدث الْعَيْب فِي الْمَبِيع مَعَ احْتِمَال قَول كل مِنْهُمَا كخرق ثوب وجنون وإباق وَنَحْو ذَلِك وَلَا بَيِّنَة لأَحَدهمَا ف القَوْل قَول مُشْتَر بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ يُنكر الْقَبْض فِي الْجُزْء الْفَائِت وَالْأَصْل عَدمه فَيحلف على الْبَتّ بِاللَّه تَعَالَى أَنه اشْتَرَاهُ وَبِه هَذَا الْعَيْب، أَو أَنه مَا حدث عِنْده وَله رد الْمَبِيع إِن لم يخرج عَن يَده إِلَى غَيره بِحَيْثُ لَا يصير مشاهدا لَهُ فَإِن خرج عَن يَده كَذَلِك فَلَيْسَ لَهُ الْحلف وَلَا الرَّد لِأَنَّهُ إِذا غَابَ عَنهُ احْتمل حُدُوثه عِنْد من انْتقل إِلَيْهِ فَلم يجز الْحلف على الْبَتّ وَلم يجز رده. قَالَ فِي الْمُبْدع وَغَيره: إِذا خرج من يَده إِلَى يَد غَيره لم يجز لَهُ أَن يردهُ، نَقله مهنا. وَإِن لم يحْتَمل إِلَّا قَول أَحدهمَا كالإصبع الزَّائِدَة وَالْجرْح الطري الَّذِي لَا يحْتَمل كَونه قَدِيما فَالْقَوْل قَوْله بِلَا يَمِين، وَيقبل قَول البَائِع أَن الْمَبِيع لَيْسَ الْمَرْدُود، إِلَّا فِي خِيَار شَرط فَقَوْل مُشْتَر بِيَمِينِهِ. وَالسَّادِس من أَقسَام الْخِيَار خِيَار تخير ثمن وَيثبت فِي أَربع

صور: فِي تَوْلِيَة كوليتكه بِرَأْس مَاله أَو بِمَا اشْتَرَيْته، أَو برقمه ويعلمانه. وَفِي شركَة وَهِي بيع بعضه بِقسْطِهِ من الثّمن كأشركتك فِي ثلثه، وأشركت فَقَط ينْصَرف إِلَى نصفه فَإِن قَالَ لوَاحِد أَشْرَكتك ثمَّ قَالَه الآخر عَالم بشركة الأول فَلهُ نصف نصِيبه وَإِلَّا فَلهُ نصِيبه كُله. وَإِن قَالَ ثَالِث أشركاني فأشركاه مَعًا أَخذ ثلثه. وَفِي مُرَابحَة وَهِي بَيْعه بِثمنِهِ وَربح مَعْلُوم، وَإِن قَالَ على إِن أربح فِي كل عشرَة درهما كره نصا. وَفِي مواضعة وَهِي بيع بخسران كبعتكه بِرَأْس مَاله مائَة وَوضع عشرَة وَكره فِيهَا مَا كره فِي مُرَابحَة كعلى أَو أَضَع فِي كل عشرَة درهما وَلَا تضر الْجَهَالَة لزوالها بِالْحِسَابِ وَيعْتَبر للأربع الصُّور علم الْعَاقِدين بِرَأْس المَال فَمَتَى أخبر بِثمن ثمَّ بَان الثّمن الَّذِي بَاعَ بِهِ أَكثر مِمَّا اشْترى بِهِ أَو بَان الثّمن الَّذِي اشْترى بِهِ البَائِع أَنه اشْتَرَاهُ مُؤَجّلا وَلم يبين ذَلِك فلمشتر الْخِيَار. وَقَالَ فِي الْمُنْتَهى وَشَرحه وَالْمذهب أَنه رَأس المَال مَتى بَان أقل مِمَّا أخبر بِهِ بَائِع فِي هَذِه الصُّور أَو بَان مُؤَجّلا وَلم يُبينهُ حط الزَّائِد عَن رَأس المَال فِي الْأَرْبَعَة لِأَنَّهُ بَاعه بِرَأْس مَاله فَقَط أَو مَعَ مَا قدره من ربح أَو وضيعة، فَإِذا بَان رَأس مَاله دون مَا أخبر بِهِ كَانَ مَبِيعًا بِهِ على ذَلِك الْوَجْه، وَلَا خِيَار لَهُ لِأَنَّهُ بالإسقاط قد زيد خيرا كَمَا لَو اشْتَرَاهُ معيبا فَبَان سليما وكما لَو وكل من يَشْتَرِيهِ بِمِائَة فَاشْتَرَاهُ بِأَقَلّ ويحط قسطه فِي مُرَابحَة وينقصه فِي مواضعة وَأجل فِي مُؤَجل وَلَا خِيَار. انْتهى. وَلَا تقبل دَعْوَى بَائِع غَلطا بِلَا بَيِّنَة لِأَنَّهُ مُدع لغلطه على غَيره أشبه الْمضَارب إِذا ادّعى الْغَلَط فِي الرِّبْح بعد أَن أقرّ بِهِ أَو اشْتَرَاهُ مِمَّن

لَا تقبل شَهَادَته لَهُ كَأحد عمودي نسبه أَو زَوجته أَو مِمَّن حاباه أَو اشْتَرَاهُ بِدَنَانِير وَأخْبر أَنه اشْتَرَاهُ بِدَرَاهِم أَو بِالْعَكْسِ أَو اشْتَرَاهُ بِعرْض فَأخْبر أَنه اشْتَرَاهُ بِثمن أَو بِالْعَكْسِ، وَلم يبين ذَلِك فلمشتر الْخِيَار، أَو اشْتَرَاهُ بِأَكْثَرَ من ثمنه حِيلَة أَو بَاعَ بعضه أَي الْمَبِيع بِقسْطِهِ وَلم يبين ذَلِك فلمشتر الْخِيَار جَوَاب الشَّرْط، بَين رد وإمساك كتدليس، وَالسَّابِع من أَقسَام الْخِيَار خِيَار يثبت لاخْتِلَاف الْمُتَبَايعين فِي الثّمن، وَكَذَا المؤجران فِي الْأُجْرَة فَإِذا اخْتلفَا أَي الْمُتَبَايعَانِ أَو ورثتهما، أَو أَحدهمَا وورثة الآخر فِي قدر ثمن أَو فِي قدر أُجْرَة بِأَن قَالَ: بعتكه بِمِائَة فَقَالَ المُشْتَرِي: بل بِثَمَانِينَ وَلَا بَيِّنَة لأَحَدهمَا أَو كَانَ لَهما أَي لكل مِنْهُمَا بَيِّنَة بِمَا ادَّعَاهُ حلف بَائِع أَو لَا على الْبَتّ مَا بِعته بِكَذَا وَإِنَّمَا بِعته بِكَذَا فَيجمع بَين النَّفْي الْإِثْبَات فالنفي لما ادّعى عَلَيْهِ وَالْإِثْبَات لما ادَّعَاهُ وَيقدم النَّفْي عَلَيْهِ لِأَنَّهُ الأَصْل فِي الْيَمين، ثمَّ حلف مُشْتَر بعد حلف بَائِع مَا اشْتَرَيْته بِكَذَا وَإِنَّمَا اشْتَرَيْته بِكَذَا وَيحلف وَارِث على الْبَتّ إِن علم الثّمن وَإِلَّا فعلى نفي الْعلم. فَإِن نكل أَحدهمَا لزمَه مَا قَالَ صَاحبه بِيَمِينِهِ أَي مَا حلف عَلَيْهِ، وَإِن نكلا صرفهما الْحَاكِم. وَكَذَا إِجَارَة وَلكُل مِنْهُمَا إِن لم يرض بقول الآخر وَلَو بِلَا حكم حَاكم وَمَعَ اخْتِلَافهمَا بعد تلف مَبِيع فِي قدر ثمنه قبل قَبضه يَتَحَالَفَانِ كَمَا لَو كَانَ الْمَبِيع بَاقِيا وَيغرم مُشْتَر قِيمَته الْمَبِيع إِن فسخ البيع وَظَاهره وَلَو مثلِيا لِأَن المُشْتَرِي لم يدْخل بِالْعقدِ على ضَمَانه بِالْمثلِ قَالَه فِي شرح الْمُنْتَهى.

وَإِن اخْتلفَا أَي الْمُتَبَايعَانِ فِي أجل بِأَن قَالَ المُشْتَرِي اشْتَرَيْته بِدِينَار مُؤَجل وَأنكر البَائِع فَقَوْل ناف، أَو اخْتلفَا فِي شَرط صَحِيح أَو فَاسد يبطل العقد أَو لَا، وَنَحْوه كَأَن يَقُول لَهُ بِعْتُك بِدِينَار على أَن ترهنني عَلَيْهِ كَذَا وَأنكر مُشْتَر ف القَوْل قَول ناف نصا. أَو أَي وَإِن اخْتلفَا فِي عين مَبِيع فَقَالَ مُشْتَر بِعني هَذَا العَبْد وَقَالَ البَائِع بل هَذَا فَقَوْل بَائِع أَو اخْتلفَا فِي قدره الْمَبِيع فَقَالَ المُشْتَرِي بعتني هذَيْن الْعَبْدَيْنِ بِثمن وَاحِد وَقَالَ البَائِع بل بِعْتُك أَحدهمَا وَحده ف القَوْل قَول بَائِع وَإِن اخْتلفَا فِي صفة ثمن أَخذ نقد الْبَلَد إِذا لم يكن بهَا إِلَّا نقد وَاحِد، ثمَّ غلب رواجا، فَإِن اسْتَوَت فالوسط وَيثبت الْخِيَار للخلف فِي الصّفة إِذا بَاعه بِالْوَصْفِ وَيثبت الْخِيَار تغير مَا تقدّمت رُؤْيَته.

فصل

3 - (فصل.) وَمن اشْترى مَكِيلًا كقفيز من صبرَة وَنَحْوه أَي الْمكيل كموزون ومعدود ومذروع كرطل من زبرة حَدِيد أَو كبيض على أَنه مائَة أَو كَثوب على أَنه عشرَة أَذْرع، ملك الْمَبِيع وَلزِمَ البيع فِيهِ بِالْعقدِ وَلم يَصح تصرفه أَي المُشْتَرِي فِيهِ أَي فِيمَا اشراه بكيل وَنَحْوه قبل قَبضه أَي مَبِيع بِبيع وَلَا غَيره. وَيصِح عتقه وَجعله مهْرا وخلع عَلَيْهِ وَوَصِيَّة بِهِ، وينفسخ العقد فِيمَا تلف قبل قَبضه بِآفَة سَمَاوِيَّة وَهِي الَّتِي لَا صنع لآدَمِيّ فِيهَا وَتَأْتِي لِأَنَّهُ من ضَمَان بَائِعه وَيُخَير مُشْتَر إِن بَقِي مِنْهُ شَيْء بَين أَخذه بِقسْطِهِ ورده. وَإِن تلف بِإِتْلَاف مُشْتَر أَو تعييبه لَهُ فَلَا خِيَار لَهُ. وبفعل بَائِع أَو أَجْنَبِي يُخَيّر مُشْتَر بَين فسخ وَبَين إِمْضَاء وَطلب متْلف بِمثل مثلى وَقِيمَة مُتَقَوّم مَعَ تلف، وَأرش نقص مَعَ تعيب. وَمَا عدا ذَلِك كَعبد معِين وَنَحْوه يجوز التَّصَرُّف فِيهِ قَبضه، وإجارته وَرَهنه وعتقه وَغير ذَلِك لِأَن التَّعْيِين كَالْقَبْضِ، فَإِن تلف فَمن ضَمَان مُشْتَر تمكن من قَبضه أَو لَا إِذا لم يمنعهُ بَائِع من قَبضه، إِلَّا الْمَبِيع بِصفة وَلَو معينا، أَو بِرُؤْيَة مُتَقَدّمَة فَلَا يَصح التَّصَرُّف فِيهِ قبل قَبضه

وَثمن لَيْسَ فِي الذِّمَّة كَثمن فِي حكمه فسابق فَلَو اشْترى شَاة بشعير فأكلته قبل قَبضه. فَإِن لم تكن بيد أحد انْفَسَخ البيع كالآفة السماوية وَإِن كَانَت بيد مُشْتَر أَو أَجْنَبِي خير بَائِع كَمَا مر. وَمَا فِي ذمَّة من ثمن ومثمن لَهُ أَخذ بدله لاستقراره فِي ذمَّته. وَحكم كل عوض ملك بِعقد مَوْصُوف بِأَنَّهُ يَنْفَسِخ بهلاكه قبل قَبضه كَأُجْرَة معينه وَعوض فِي صلح بِمَعْنى بيع وَنَحْوهمَا حكم عوض فِي بيع فِي جَوَاز التَّصَرُّف وَمنعه، وَكَذَا مَا لَا يَنْفَسِخ بهلاكه قبل قَبضه كعوض عتق وخلع وَمهر ومصالح بِهِ عَن دم عمد وَأرش جِنَايَة وَقِيمَة متْلف وَنَحْوه لَكِن يجب بتلفه مثله أَو قِيمَته وَيحصل قبض مَا بيع بكيل وَنَحْوه كوزن وعد وذرع بذلك أَي بِالْكَيْلِ أَو الْوَزْن أَو الْعد أَو الذرع مَعَ حُضُور مُشْتَر أَو حُضُور نَائِبه أَي المُشْتَرِي لقِيَامه مقَامه، ووعاؤه أَي المُشْتَرِي كَيده لِأَنَّهُمَا لَو نتازعا فِيهِ كَانَ لرَبه. وَتكره زَلْزَلَة الْكَيْل. يَصح قبض مُتَعَيّن بِغَيْر رضَا بَائِع وَقبض وَكيل من نَفسه لنَفسِهِ، كَأَن يكون لمدين وَدِيعَة عِنْد رب الدّين من جنسه فيوكله فِي أَخذ قدر حَقه لَهُ مِنْهَا، لِأَنَّهُ يَصح أَو يُوكل فِي البيع من نَفسه فصح أَن يُوكله فِي الْقَبْض مِنْهَا إِلَّا مَا كَانَ من غير جنس مَا الْوَكِيل على الْمُوكل كَأَن كَانَ الدّين دَنَانِير والوديعة دَرَاهِم فَلَا يَأْخُذ مِنْهَا عوض الدَّنَانِير، لِأَنَّهَا مُعَاوضَة تحْتَاج إِلَى عقد وَلم يُوجد. وَإِن قَبضه ثِقَة بقول باذل أَنه قدر حَقه وَلم يحضر كَيْله أَو وَزنه ثمَّ اختبره فَوجدَ نَاقِصا، قبل قَول الْقَابِض فِي قدر نَقصه بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ مُنكر إِن

لم تكن بَيِّنَة وَتلف أَو اخْتلفَا فِي بَقَائِهِ على حَاله، وَإِن اتفقَا فِي بَقَائِهِ على حَاله اعْتبر بِالْكَيْلِ وَنَحْوه. فَإِن صدقه قَابض فِي قدره برىء مقبض وتلفه على قَابض، وَلَا تقبل دَعْوَى نَقصه بعد تَصْدِيقه. وَيحصل قبض صبرَة يبعت جزَافا بِنَقْل وَقبض مَنْقُول كأحجار طواحين وَثيَاب بِنَقْل، وحيوان بتمشيته قَالَه فِي الشَّرْح والمبدع، وَيحصل قبض مَا يتَنَاوَل بِالْيَدِ كالأثمان والجواهر بتناوله إِذْ الْعرف فِيهِ بذلك وَيحصل قبض غَيره أَي الْمُتَقَدّم ذكره كعقار وثمر على شجر بتخلية بَائِع بَينه وَبَين مُشْتَر بِلَا حَائِل، وَلَو كَانَ بِالدَّار مَتَاع بَائِع، لِأَن الْقَبْض مُطلق فِي الشَّرْع فَيرجع فِيهِ إِلَى الْعرف كالحرز والتفرق، وَالْعرْف فِي ذَلِك مَا سبق، لَكِن يعْتَبر فِي جَوَاز قبض مشَاع بِنَقْل إِذن شَرِيكه فَلَو أَبى الشَّرِيك الْإِذْن وَكله مُشْتَر فِي قَبضه، وَإِن أَبى أَن يُوكل أَو أَبى الشَّرِيك أَن يتوكل نصب حَاكم من يقبض لَهما الْعين وأجرته عَلَيْهِمَا إِن كَانَ بِأُجْرَة. وَإِن سلم بَائِع الْمَبِيع لمشتر بِلَا إِذن شَرِيكه فَهُوَ غَاصِب وقرار الضَّمَان على مُشْتَر إِن علم، وَإِلَّا فعلى بَائِع الْمَبِيع. وَأُجْرَة كيال ووزان وعداد وذراع ونقاد لمنقول قبل قَبضه على باذل، وَأُجْرَة نقل على مُشْتَر نصا، وَلَا يضمن ناقد حاذق أَمِين خطا مُتَبَرعا كَانَ أَو بِأُجْرَة، لِأَنَّهُ أَمِين فَإِن لم يكن حاذقا أَو أَمينا ضمن كَمَا لَو كَانَ عمدا. وَالْإِقَالَة فسخ للْعقد لَا بيع، فَتَصِح فِي الْمَبِيع وَلَو قبل قَبضه كسلم وَغَيره حَتَّى فِيمَا بيع بكيل وَنَحْوه قبل قَبضه لِأَنَّهَا فسخ وَتَصِح بعد نِدَاء

جُمُعَة كَسَائِر الفسوخ، وَمن مضَارب وَشريك وَلَو بِلَا إِذن، وَلَا يَحْنَث بهَا من حلف لَا يَبِيع، وَمؤنَة رد على بَائِع وَتسن الْإِقَالَة للنادم من بَائِع ومشتر، وَتَصِح مَعَ تلف ثمن لَا مَعَ تلف مثمن وَلَا مَعَ موت عَاقد وَلَا بِزِيَادَة على ثمن أَو نَقصه أَو بِغَيْر جنسه. وَالْفَسْخ رفع عقد من حِين فسخ لَا من أَصله، فَمَا حصل من كسب ونماء مُنْفَصِل فلمشتر.

فصل فِي أَحْكَام الرِّبَا وَالصرْف. الرِّبَا محرم إِجْمَاعًا لقَوْله تَعَالَى 19 ((وَحرم الرِّبَا)) وَهُوَ من الْكَبَائِر لعده فِي السَّبع الموبقات. وَهُوَ مَقْصُور يكْتب بِالْألف وَالْوَاو وَالْيَاء، وَهُوَ لُغَة الزِّيَادَة، وَشرعا تفاضل فِي أَشْيَاء وَهِي المكيلات والموزونات بالموزونات، وَنسَاء فِي أَشْيَاء وَهِي المكيلات وَلَو بِغَيْر جِنْسهَا، والموزونات كَذَلِك، مُخْتَصّ بأَشْيَاء وَهِي المكيلات والموزونات وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحدهمَا رَبًّا فضل، وَالثَّانِي رَبًّا نَسِيئَة. ف أما رَبًّا الْفضل ف يحرم فِي كل مَكِيل بيع بجنسة مُتَفَاضلا، وَفِي كل مَوْزُون بيع بِجِنْسِهِ مُتَفَاضلا من نقد وَغَيره وَلَو كَانَ الْمَبِيع يَسِيرا لَا يَتَأَتَّى كَيْله كتمرة بتمرة أَو تمرتين، وَلَا وَزنه كَمَا دون الأرزة من الذَّهَب وَالْفِضَّة، وَسَوَاء كَانَ مطعوما كالحبوب وكاللوز والفستق والبندق والعناب والمشمش وَالتَّمْر وَالزَّبِيب الزعرور وَالزَّيْتُون وَالْملح، أَو غير مطعوم كالذهب وَالْفِضَّة والنحاس والرصاص وَالْحَدِيد وَالْحَرِير

والكتان وَالصُّوف والقطن، وَمَا عدا ذَلِك فمعدود لَا يجرى فِيهِ الرِّبَا، وَلَو مطعوما كالبطيخ والقثاء وَالْخيَار والجوز وَالْبيض وَالرُّمَّان والسفرجل والتفاح وَالثيَاب وَالْحَيَوَان، وَلَا فِيمَا أخرجته الصِّنَاعَة عَن الْوَزْن كالسلاح والفلوس والأواني من النّحاس وَنَحْوه غير الذَّهَب وَالْفِضَّة، وَلَا فِي مَال الْإِبَاحَة وَعدم ثمن لَهُ عَادَة، وَيصِح بِهِ أَي يَصح بيع قَلِيل بِمثلِهِ وموزون بِمثلِهِ بِشَرْطَيْنِ. أَحدهمَا: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله مُتَسَاوِيا، وَالثَّانِي: الْقَبْض قبل التَّفَرُّق. وَيصِح بيع جنس بِغَيْرِهِ مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ بتفاضل أَو لَا بِشَرْط قبض قبل تفرق من مجْلِس عقد، فَيصح بيع مد من الْحِنْطَة بِخَمْسَة أَمْدَاد من الشّعير بِشَرْط الْقَبْض قبل التَّفَرُّق، وَلَا يَصح بيع مَكِيل بِجِنْسِهِ وزنا وَلَا عَكسه أَي بيع مَوْزُون بِجِنْسِهِ كَيْلا إِلَّا إِذا علم تساويهما أَي الْمكيل الْمَبِيع بِجِنْسِهِ وزنا وَالْمَوْزُون الْمَبِيع بِجِنْسِهِ كَيْلا فِي المعيار أَي معياره الشَّرْعِيّ وَيصِح إِذا اخْتلف الْجِنْس كتمر ببر كَيْلا ووزنا وجزافا لقَوْله: (إِذا اخْتلفت هَذِه الْأَشْيَاء فبيعوا كَيفَ شِئْتُم إِذا كَانَ يدا بيد) رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد، وَلِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ يجوز التَّفَاضُل بَينهمَا فَجَاز جزَافا. وَيصِح بيع لحم إِذا نزع عظمه. وَلحم بحيوان من غير جنسه كقطة لحم إبل بِشَاة وَعسل بِمثلِهِ إِذا صفى وَفرغ مَعَه غَيره لمصْلحَة أَو مُنْفَردا كجبن بجبن وَسمن بِسمن متماثلا. وَالْجِنْس مَا شَمل أنواعا كالذهب وَالْفِضَّة وَالْبر وَالشعِير وَالْملح

فَهَذِهِ كلهَا أَجنَاس وفروعها أَجنَاس أَيْضا كالأدقة والأخباز والأدهان والخلول وَنَحْوهَا، فدقيق الْبر جنس ودقيق الشّعير جنس وخبز كل وَاحِد جنس والشيرج جنس وَاللَّحم وَاللَّبن أَجنَاس باخْتلَاف أُصُولهَا والشحم والمخ والألية وَالْقلب وَالطحَال والرئة والكلية والكبد والأكارع والرءوس والجلود والمعي والأصواف وَالْعِظَام وَنَحْوهَا أَجنَاس فَيصح بيع رَطْل لحم برطلي مخ وَنَحْو ذَلِك، وَيصِح بيع دَقِيق رِبَوِيّ بدقيقه إِذا اسْتَويَا نعومة، ومطبوخة بمطبوخه وخبزه بخبزه إِذا اسْتَويَا نشافا أَو رُطُوبَة، وعصير بعصيره ورطبه برطبه ويابسه بيابسه ومنزوع نَوَاه بِمثلِهِ بِشَرْط الْمُمَاثلَة فِي الْكل، وَالْقَبْض قبل التَّفَرُّق. لَا بيع منزوع نَوَاه مَعَ نَوَاه بِمثلِهِ لِأَنَّهُ يصير كَمَسْأَلَة مد عَجْوَة وَدِرْهَم تأتى وَلَا منزوع نَوَاه بِمَا نَوَاه فِيهِ، وَلَا حب بدقيقه أَو سويقه، وَلَا دَقِيق حب بسويقه وَلَا خبز بحب أَو دقيقه أَو سويقه للْجَهْل وَلَا نيئة بمطبوخه وَلَا أصل بعصيره كزيتون بزيته وَنَحْوه، وَلَا خالصه أَو مشوبه بمشوبه وَلَا رطب بيابسه، وَلَا المحاقلة وَهِي بيع الْحبّ المشتد فِي سنبله بِجِنْسِهِ، لِأَن الْجَهْل بالتساوي كَالْعلمِ بالتفاضل. وَيصِح بِغَيْر جنسه. وَلَا الْمُزَابَنَة وَهِي بيع الرطب على رُءُوس النّخل بِالتَّمْرِ إِلَّا فِي الْعَرَايَا وَهِي بَيْعه خرصا بِمثل مَا يؤول إِلَيْهِ إِذا جف كَيْلا فِيمَا دون خَمْسَة أوسق لمحتاج لرطب وَلَا ثمن مَعَه بِشَرْط الْحُلُول والتقابض فِي مجْلِس العقد فَقبض مَا على نخل بِتَخْلِيَتِهِ وتمر بكيل وَتقدم، فَلَو سلم أَحدهمَا ثمَّ مشيا فَسلم الآخر قبل التَّفَرُّق صَحَّ، وَلَا تصح الْمُزَابَنَة فِي بَقِيَّة الثِّمَار.

وَيصِح بيع نوى بِتَمْر فِيهِ نوى، وَلبن بِذَات لبن وصوف بحيوان عَلَيْهِ صوف، وَدِرْهَم فِيهِ نُحَاس بنحاس أَو بِدَرَاهِم مُسَاوِيَة فِي غش، لِأَن النَّوَى بِالتَّمْرِ وَالصُّوف وَاللَّبن بِالْحَيَوَانِ والنحاس بِالدَّرَاهِمِ غير مَقْصُود فَلَا أثر لَهُ، أشبه حبات الشّعير بِالْحِنْطَةِ. وَيصِح بيع تُرَاب مَعْدن وصاغة بِغَيْر جنسه لَا بِجِنْسِهِ، وَلَا يَصح بيع رِبَوِيّ بِجِنْسِهِ مَعَهُمَا أَو مَعَ أَحدهمَا من غير جنسهما كمد عَجْوَة وردهم بمثلهما، أَو مد عَجْوَة وَدِرْهَم بمدين أَو بِدِرْهَمَيْنِ إِلَّا أَن يكون مَعَ الرِّبَوِيّ شَيْء لَا يقْصد كخبز فِيهِ ملح بِمثلِهِ وَنَحْوه فَيصح، لِأَن الْملح فِي الْخبز لَا يُؤثر فِي الْوَزْن فوجوده كَعَدَمِهِ، وَيصِح: أَعْطِنِي بِنصْف هَذَا الدِّرْهَم نصفا وبالآخر فُلُوسًا أَو حَاجَة أَو أَعْطِنِي بِهِ نصا وفلوسا، وَيصِح قَوْله للصائغ: صغ لي خَاتمًا من فضه وَزنه دِرْهَم وَأُعْطِيك مثل وَزنه وأجرتك درهما، وللصائغ أَخذ الدرهمين أَحدهمَا فِي مُقَابل فضَّة الْخَاتم وَالثَّانِي أجرته، وَلَيْسَ بيع دِرْهَم بِدِرْهَمَيْنِ. ومرجع كيل عرف الْمَدِينَة وَوزن عرف مَكَّة على عهد النَّبِي ومالا عرف لَهُ هُنَاكَ يعْتَبر فِي مَوْضِعه، فَإِن اخْتلف اعْتبر الْغَالِب فَإِن لم يكن رد إِلَى أقرب مَا يُشبههُ بالحجاز، وكل مَائِع مَكِيل. وَأما رَبًّا النَّسِيئَة من النِّسَاء بِالْمدِّ وَهُوَ التَّأْخِير ف يحرم فِي مَا أَي مبيعين اتفقَا فِي عِلّة رَبًّا فضل بَيَان فضل وَهُوَ الْكَيْل وَالْوَزْن وَإِن اخْتلف الْجِنْس كمكيل بيع بمكيل من جنسه أَو غَيره بِأَن بَاعَ مد بر بِجِنْسِهِ أَو شعير وك مَوْزُون بيع بموزون كَأَن بَاعَ رَطْل حَدِيد بِجِنْسِهِ أَو بنحاس وَنَحْوه نسَاء فَيشْتَرط فِيمَا بيع بذلك حُلُول وَقبض بِالْمَجْلِسِ.

تَنْبِيه: التَّقَابُض هَهُنَا اعْتبر شَرط لبَقَاء العقد بِالصِّحَّةِ، إِذْ الْمَشْرُوط لَا يتَقَدَّم على شَرطه. إِلَّا أَن يكون الثّمن أحد النَّقْدَيْنِ كسكر بِدَرَاهِم وخبز بِدَنَانِير فَيصح لِأَنَّهُ لَو حرم النِّسَاء فِي ذَلِك لسد بَاب السّلم فِي الموزونات غَالِبا وَقد رخص فِيهِ الشَّرْع، وأصل رَأس مَاله النقدان، إِلَّا فِي صرف النَّقْد بفلوس نافقة نصا فَيشْتَرط الْحُلُول وَالْقَبْض إِلْحَاقًا لَهَا بالنقدين، قَالَه فِي الْمُنْتَهى وَشَرحه. وَجوز فِي الْإِقْنَاع النِّسَاء فِي ذَلِك وَهُوَ اخْتِيَار الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَابْن عقيل وَغَيرهمَا وَيجوز بيع مَكِيل بموزون كبر بسكر وَيجوز عَكسه كحديد بشعير مُطلقًا أَي سَوَاء تفَرقا قبل الْقَبْض أَو لَا سَوَاء كَانَ نسَاء أَو لَا لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ فِي عِلّة رَبًّا الْفضل أشبه بيع غير الرِّبَوِيّ بِغَيْرِهِ. وَمَا كَانَ بِمَا لَيْسَ بمكيل وَلَا مَوْزُون كثياب وحيوان وَغَيرهمَا لجَوَاز النِّسَاء فِيهِ سَوَاء بيع بِجِنْسِهِ أَو بِغَيْر جنسه متساويان ومتفاضلان. وَلَا يَصح بيع كالىء بكالىء، وَهُوَ بيع دين بدين مُطلقًا لنَهْيه عَن بيع الكالىء بالكالىء، وَله صور مِنْهَا بيع مَا فِي الذِّمَّة حَالا من عرُوض وأثمان بِثمن إِلَى أجل لمن هُوَ عَلَيْهِ وَلغيره، وَمِنْهَا جعل الدّين رَأس مَال سلم، بِأَن يكون لَهُ

على آخر دين فَيَقُول: جعلت مَا فِي ذِمَّتك رَأس مَال سلم على كَذَا، وَمِنْهَا لَو كَانَ لكل وَاحِد من اثْنَيْنِ دين على صَاحبه من غير جنسه كالذهب وَالْفِضَّة وتصادفاهما وَلم يحضراهما أَو أَحدهمَا فَإِنَّهُ لَا يجوز، سَوَاء كَانَا حَالين أَو مؤجلين، فَإِن أحضراهما أَو كَانَ عِنْده أَمَانَة أَو غصبا وَنَحْوه جَازَ وتصارفا على مَا يرضيان بِهِ من السّعر. وَالصَّحِيح من الْمَذْهَب أَن يكون بِسعْر يَوْمه وَلَا يجْبر أَحدهمَا على سعر لَا يُريدهُ، فَإِن لم يتَّفقَا على سعر أدّى كل وَاحِد مَا عَلَيْهِ، وَلَو كَانَ لرجل على آخر دِينَار فقضاه دَرَاهِم مُتَفَرِّقَة شَيْئا بعد شَيْء فَإِن كَانَ يُعْطِيهِ كل نقدة بحسابها من الدِّينَار بِأَن يَقُول لَهُ: هَذَا الدِّرْهَم عَن عشر الدِّينَار مثلا أَو هَذَانِ الدرهمان عَن خَمْسَة صَحَّ الْقَضَاء لِأَنَّهُ بيع دين بِعَين، فَإِن لم يفعل ذَلِك ثمَّ تحاسبا بعد فصارفه بهَا وَقت المحاسبة لم يجز، لِأَنَّهُ بيع دين بدين. والحيل كلهَا غير جَائِزَة فِي شَيْء من أُمُور الدّين، وَهِي التوسل إِلَى محرم بِمَا ظَاهره الْإِبَاحَة. وَيجوز صرف ذهب بِفِضَّة وَهُوَ بَيْعه بِهِ، وَالصرْف مَأْخُوذ من الصريف وَهُوَ تصويت النَّقْد بالميزان وَيجوز عَكسه أَي صرف فضَّة بِذَهَب. وَالْقَبْض فِي الْمجْلس شَرط، فَإِن طَال الْمجْلس أَو تماشيا مصطحبين إِلَى منزل أَحدهمَا أَو إِلَى الصراف فتقابضا عِنْده جَازَ، وَإِذا اقترق متصارفان قبل التَّقَابُض من الْجَانِبَيْنِ بَطل العقد، وَإِن قبض الْبَعْض ثمَّ افْتَرقَا كفرقة خِيَار مجْلِس قبل تقابض الْبَاقِي بَطل العقد فِيمَا لم

يقبض نصا. . وَإِن مَاتَ أحد المتصارفين قبل التَّقَابُض بَطل العقد لَا بعده وَقبل التَّفَرُّق. وَلَو كَانَ لرجل على آخر عشرَة دَنَانِير فوفاه عشرَة عددا، فَوَجَدَهَا أحد عشر كَانَ الدِّينَار الزَّائِد فِي يَد الْقَابِض مشَاعا مَضْمُونا لمَالِكه. وَإِن كَانَ لَهُ عِنْده دِينَار وَدِيعَة فصارفه بِهِ وَهُوَ مَعْلُوم بَقَاؤُهُ أَو مظنون صَحَّ الصّرْف، وَإِن ظن عَدمه فَلَا، وَإِن شكّ فِي عَدمه صَحَّ لِأَن الأَصْل بَقَاؤُهُ، فَإِن تبين عَدمه حِين العقد تبنيا أَي العقد وَقع بَاطِلا. وصارف فضَّة بِدِينَار أعْطى أَكثر مِمَّا بالدينار ليَأْخُذ قدر حَقه مِنْهُ فَفعل جَازَ وَلَو بعد تفرق لوُجُود التَّقَابُض قبل التَّفَرُّق وَإِنَّمَا أخر للتمييز، وَالزَّائِد أَمَانَة بِيَدِهِ. وَيحرم الرِّبَا بَين الْمُسلمين وَبَين الْمُسلم وَالْحَرْبِيّ فِي دَار الْإِسْلَام وَدَار الْحَرْب، وَلَو لم يكن بَينهمَا أَمَان، لَا بَين سيد ورقيقه وَلَو مُدبرا أَو أم ولد أَو مكَاتبا فِي مَال الْكِتَابَة فَقَط فِيمَا إِذا عجل الْبَعْض وَأسْقط عَنهُ الْبَاقِي. وَيجوز الصّرْف والمعاملة بمغشوش وَلَو بِغَيْر جنسه كالدراهم تغش بنحاس، لمن يعرف الْغِشّ، فَإِن اجْتمعت عِنْده دَرَاهِم زيوف أَي نُحَاس فَإِنَّهُ يمْسِكهَا وَلَا يَبِيعهَا وَلَا يُخرجهَا فِي مُعَاملَة وَلَا صَدَقَة، فَإِن قابضها رُبمَا خلطها بِدَرَاهِم جَيِّدَة وأخرجها على من لَا يعرف حَالهَا فَيكون تغريرا للْمُسلمين وَإِدْخَال للضَّرَر عَلَيْهِم. قَالَ الإِمَام 16 (أَحْمد) : إِنِّي أَخَاف يغر بهَا الْمُسلمين وَلَا أَقُول: إِنَّه حرَام. قَالَ فِي الشَّرْح: فقد صرح بِأَنَّهُ إِنَّمَا كرهه لما فِيهِ من التَّغْرِير بِالْمُسْلِمين، قَالَه فِي الْإِقْنَاع.

ويتميز ثمن عَن مثمن بباء الْبَدَلِيَّة وَلَو أَن أَحدهمَا نقد، وَمن اشْترى شَيْئا بِنصْف دِينَار لزمَه شقّ أَي نصف من دِينَار، ثمَّ إِن اشْترى شَيْئا آخر بِنصْف لزمَه شقّ آخر وَيجوز إِعْطَاؤُهُ عَنهُ دِينَارا صَحِيحا لِأَنَّهُ قد زَاده خيرا.

فصل

3 - (فصل) فِي بيع الْأُصُول وَالثِّمَار. الْأُصُول جمع أصل وَهُوَ مَا يتَفَرَّع عَنهُ غَيره، وَالْمرَاد بِهِ هَهُنَا أَرض ودور وبساتين وطواحين وحوانيت ومعاصر وَنَحْوهَا. وَالثِّمَار جمع ثَمَر كجبل وجبال، وَهِي أَعم مِمَّا يُؤْكَل. وَإِذا بَاعَ شخص أَو وهب أَو رهن أَو وقف دَارا أَو أقرّ أَو أوصى بدار شَمل البيع وَنَحْوه أرْضهَا بمعونها الجامد وَشَمل بناءها لِأَنَّهُمَا داخلان فِي مسماها، وَشَمل فناءها بِكَسْر الْفَاء وَهُوَ مَا اتَّسع أمامها إِن كَانَ لَهَا فنَاء وَشَمل سقفها ودرجها وَشَمل بَابا مَنْصُوبًا وحلقته وَحجر رحى مَنْصُوبًا وَشَمل سلما بِضَم السِّين وَفتح اللَّام مَأْخُوذ من السَّلامَة تفاؤلا وَهُوَ الْمرقاة وَشَمل رفا مسمورين أَي السّلم والرف وَشَمل خابية مدفونة وَنَحْوهَا كأجرنة مَبْنِيَّة وأساسات حيطان وَشَمل مَا فِيهَا من شجر وعرش وَلَا يشْتَمل البيع وَنَحْوه قفلا وَلَا مفتاحا وَلَا دلوا وَلَا بكرَة وَنَحْوهَا كفرش وَحجر رحى فوقاني ومعدن جَار وَمَاء نبع. وَإِن ظهر ذَلِك بِالْأَرْضِ وَلم يعلم بَائِع فَلهُ الْفَسْخ، وَلَا يَشْمَل كنزا

وحجرا مدفونين ورفوفا مَوْضُوعَة على الْأَوْتَاد بِغَيْر تسمير وَلَا غرز فِي الْحَائِط لعدم اتصالها، فَإِن كَانَ فِي الدَّار مَتَاع للْبَائِع لزمَه نَقله بِحَسب الْعَادة فَلَا يلْزمه لَيْلًا وَلَا جمع الحمالين. أَو أَي إِذا بَاعَ أَو وهب وَنَحْوه أَرضًا أَو بستانا شَمل البيع وَنَحْوه غرسها وَشَمل بناءها وَلَو لم يقل: بحقوقها لاتصالهما بهَا وكونهما من حُقُوقهَا. والبستان اسْم للشجر وَالْأَرْض والحائط، إِذْ الأَرْض المكشوفة لَا تسمى بِهِ. وَلَا يَشْمَل زرعا لَا يحصد إِلَّا مرّة كبر وَنَحْوه، وَيبقى لبائع إِلَى أول وَقت أَخذه بِلَا أُجْرَة ولايشمل بذره أَي الزَّرْع إِلَّا بِشَرْط وَلَا يدْخل شجر مَقْطُوع ومقلوع وَيدخل المَاء تبعا بِمَعْنى أَن يصير أَحَق بِهِ. وَإِذا بَاعَ قَرْيَة لم تدخل مزارعها إِلَّا بذكرها أَو قرينَة، وَيصِح البيع وَنَحْوه مَعَ جهل ذَلِك أَي الزَّرْع وَالْبذْر ولمشتر جَهله الْخِيَار بَين فسخ وإمضاء مجَّانا، وَمَا يجز مرَارًا كرطبة وَبقول أَو يلقط مرَارًا كقثاء وباذنجان فأصوله لمشتر وَنَحْوه وجزة ولقطة ظاهرتان وزهر تفتح وَقت عقد لبائع وَعَلِيهِ قطعه فِي الْحَال مالم يَشْتَرِطه مُشْتَر فَإِن شَرطه كَانَ لَهُ لحَدِيث (الْمُسلمُونَ عِنْد شروطهم) ، وقصب سكر كزرع يبْقى إِلَى أول أَخذه وقصب فَارسي

كثمرة فَمَا ظهر مِنْهُ فَللْبَائِع وَعَلِيهِ قطعهَا فِي الْحَال مَا لم يَشْتَرِطه مُشْتَر ويقطعه فِي أول وَقت أَخذه وعروقه لمشتر، وبذر بَقِي أَصله كبذر قثاء وَنَحْوه كشجر يتبع الأَرْض. وَمن بَاعَ أَو رهن أَو وهب نخلا قد تشقق طلعه أَي وعَاء عنقوده وَلَو لم يُؤثر أَي يلقح وَهُوَ وضع طلع الفحال فِي طلع الثَّمر فالثمر لَهُ أَي لمعط وَنَحْوه فَقَط دون العراجين والليف والجريد والخوص مبقى أَي متروكا لَهُ إِلَى جذاذ أَي قطع، وَذَلِكَ حَتَّى تتناهى حلاوة ثمره مَا لم تجر عَادَة بِأَخْذِهِ بسرا أَو يكن بسره خيرا من رطبه فيجذه بَائِع إِذا استحكمت حلاوة بسره لِأَنَّهُ عَادَة أَخذه مالم يشرطه أَي الْقطع مُشْتَر على بَائِع فَإِن شَرطه قطع، وَمَا تتضرر الْأُصُول بِبَقَائِهِ أجبر على قطعه إِزَالَة لضَرَر المُشْتَرِي بِخِلَاف وقف وَوَصِيَّة، فَإِن الثَّمَرَة تدخل فيهمَا نصا أبر أَو لم يؤبر كفسخ بِعَيْب ومقايلة فِي بيع وَنَحْو ذَلِك وَكَذَا حكم شجر فِيهِ ثَمَر باد أَي ظَاهر عِنْد العقد لَا قشر عَلَيْهِ وَلَا نور كعنب وتوت وتين وَجوز ورمان وجميز أَو ظهر من نوره كمشمش بِكَسْر ميمه وتفاح وسفرجل ولوز وخوخ أَو خرج من أكمامه جمع كم بِكَسْر الْكَاف وَهُوَ الغلاف كورد وياسمين وبنفسج وقطن، وَمَا مُبْتَدأ، بيع قبل ذَلِك أَي قبل البدو فِي نَحْو عِنَب وَالْخُرُوج من النُّور فِي نَحْو مشمش والظهور من الأكمام فِي نَحْو ورد وَالْوَرق بِالرَّفْع مَعْطُوف على (مَا) مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ يقْصد أَخذه كورق توت لتربية دود القز أَو لَا يقْصد لمشتر خبر، لِأَنَّهُ دَاخل فِي مُسَمّى الشّجر وَمن أَجْزَائِهِ.

وَيقبل قَول معط فِي بَدو قبل عقد لتَكون بَاقِيَة لَهُ. وَإِن ظهر أَو تشقق بعض ثَمَرَة أَو بعض طلع وَلَو من نوع فلبائع وَغَيره لمشتر إِلَّا فِي الشَّجَرَة الْوَاحِدَة إِذا تشقق بعض طلعها، أَو ظهر بعض ثَمَرَتهَا فَالْكل لبائع وَنَحْوه، لِأَن الشَّيْء الْوَاحِد يتبع بعضه. وَلكُل السَّقْي لمصلته وَلَا يمنعهُ الآخر وَلَو تضرر. وَمن اشْترى شَجَرَة وَلم تتبعها أرْضهَا وَلم يشْتَرط قطعهَا أبقاها فِي أَرض بَائِع وَلَا يغْرس مَكَانهَا لَو بادت وَله الدُّخُول لمصلحتها. . وَلَا يَصح بيع ثَمَر قبل بَدو صَلَاحه وَلَا بيع زرع قبل اشتداد حبه لغير مَالك أصل أَي مَالك الشّجر أَو لغير مَالك أرضه أَي الزَّرْع، فَإِن بَاعَ الثَّمر قبل بَدو صَلَاحه لمَالِك الأَصْل، أَو الزَّرْع قبل اشتداد حبه لمَالِك الأَرْض صَحَّ البيع لحُصُول التَّسْلِيم للْمُشْتَرِي على الْكَمَال لملكه الأَصْل والقرار، فصح كبيعهما مَعَهُمَا إِلَّا إِذا بَاعَ الثَّمر قبل بَدو صَلَاحه وَالزَّرْع قبل اشتداد حبه بِشَرْط قطع فِي الْحَال إِن كال مُنْتَفعا بِهِ حِينَئِذٍ وَلَيْسَ مشَاعا فَيصح، فَإِن لم يكن مُنْتَفعا بِهِ كثمر الْجَوْز وَزرع الترمس أَو كَانَ مشَاعا لم يَصح، لِأَنَّهُ لَا يُمكنهُ قطعه إِلَّا بِقطع ملك غَيره وَلم يَصح اشْتِرَاطه وَكَذَا فِي حكم مَا تقدم بقل ورطبة أَي فصفصة لَا يَصح بيع شَيْء مِنْهَا مُفردا لغير مَالك الأَرْض إِلَّا جزة جزة بِشَرْط الْقطع فِي الْحَال، وَلَا يَصح بيع قثاء وَنَحْوه كباذنجان وبامياء إِلَّا لقطَة لقطَة، مَوْجُودَة لِأَن مَا لم يخلق لَا يجوز بَيْعه أَو إِلَّا مَعَ أَصله فَيجوز لِأَنَّهُ أصل تَتَكَرَّر ثَمَرَته أشبه الشّجر، وَإِن ترك مُشْتَر مَا أَي ثمرا أَو زرعا شَرط عَلَيْهِ قطعه حَيْثُ لَا يَصح بِدُونِهِ بَطل البيع بِزِيَادَة غير يسيرَة عرفا، وَكَذَا لَو اشْترى رطبا عرية

ليأكلها فَتَركهَا حَتَّى أثمرت إِلَّا الْخشب إِذا بيع يشرط الْقطع وَترك حَتَّى زَاد فَلَا يبطل البيع بذلك ويشتركان أَي البَائِع وَالْمُشْتَرِي فِيهَا أَي الزِّيَادَة نصا فَيقوم الْخشب يَوْم العقد وَيَوْم الْقطع فَالزِّيَادَة مَا بَين الْقِيمَتَيْنِ فيشتركان فِيهَا، وحصاد زرع ولقاط مَا يُبَاع لقطَة وجذاذ ثَمَر على مُشْتَر وَمَتى بدا صَلَاح ثَمَر أَو اشْتَدَّ حب جَازَ بَيْعه بِلَا شَرط قطع وبشرط التبقية ولمشتر بَيْعه قبل جذه لِأَنَّهُ مَقْبُوض بِالتَّخْلِيَةِ، وَله قطعه فِي الْحَال وتبقيته، وعَلى بَائِع سقِِي الثَّمر بسقي الشّجر وَلَو تضرر أصل أَي شجر بالسقي، وَيجْبر بَائِع إِن أَبى السَّقْي، وَمَا مُبْتَدأ تلف من ثَمَر بيع بعد بَدو صَلَاحه مُنْفَردا على أُصُوله وَقبل أَوَان أَخذه أَو قبل بَدو صَلَاحه بِشَرْط الْقطع قبل التَّمَكُّن مِنْهُ سوى يسير لَا يَنْضَبِط لقَتله بِآفَة مُتَعَلق بِتَلف سَمَاوِيَّة وَهِي الَّتِي لَا صنع لآدَمِيّ فِيهَا كجراد وجندب وحر وَبرد وريح وعطش وثلج وَبرد وجليد وصاعقة وَنَحْوهَا وَلَو بعد قبض بتخلية ف ضَمَانه على بَائِع خبر مالم يبع الثَّمر مَعَ أصل فَإِن بيع مَعَه فَمن ضَمَان مُشْتَر. وَكَذَا لَو بيع لمَالِك أَصله لحُصُول الْقَبْض التَّام وَانْقِطَاع علقَة البَائِع عَنهُ أَو مالم يُؤَخر بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَخذ أَي مَا لم يُؤَخر المُشْتَرِي أَخذ الثَّمر عَن عَادَته فَإِن أَخّرهُ فَمن ضَمَانه لتلفه بتقصيره. وَإِن تعيب الثّمن بالآفة خير مُشْتَر بَين إِمْضَاء بيع وَأخذ أرش أَو رد وَأخذ ثمن كَامِلا. وَإِن تلف بصنع آدَمِيّ خير مُشْتَر بَين فسخ أَو إِمْضَاء ومطالبة متْلف.

وأصل مَا يتَكَرَّر حمله كقثاء وَنَحْوه كشجر، وثمره فِي جائعة وَغَيرهَا وَصَلَاح بعض ثَمَرَة شَجَرَة صَلَاح لجَمِيع نوعها الَّذِي فِي الْبُسْتَان لِأَن اعْتِبَار الصّلاح فِي الْجَمِيع يشق فصلاح ثَمَر نخل وَهُوَ البلح أَن يحمر أَو يصفر، وَصَلَاح عِنَب أَن يتموه بِالْمَاءِ الحلو وَصَلَاح بَقِيَّة ثَمَر كرمان ومشمش وخوخ وَجوز وسفرجل بَدو نضج وَطيب أكل. وَصَلَاح مَا يظْهر فَمَا بعد فَم كَخِيَار وقثاء أَن يُؤْكَل عَادَة، وَفِي حب أَن يشْتَد أَو يبيض. ويشمل بيع دَابَّة كفرس عذارها أَي لجامها ومقودها بِكَسْر الْمِيم ونعلها لتبعيته لَهَا عرفا ويشمل بيع قن ذكر أَو أُنْثَى لِبَاسه الَّذِي لغير جمال لَا ثِيَاب الْجمال وَلَا مَا مَعَه من مَال أَو حلي سَوَاء ملكه إِيَّاه سَيّده أَو خصّه فَمَاله وحليه للْبَائِع إِلَّا أَن يَشْتَرِطه المُشْتَرِي أَو بعضه فَيكون لَهُ مَا اشْترط، فَإِن كَانَ قَصده المَال اشْترط علمه بِهِ وَسَائِر شُرُوط البيع وَله الْفَسْخ بِعَيْب مَاله كَهُوَ، وَإِن لم يكن قَصده المَال وَثيَاب الْجمال وَلَا الحلى فَلَا يشْتَرط لَهُ شُرُوط البيع لدُخُوله تبعا غير مَقْصُود أشبه أساسات الْحِيطَان وتمويه سقف بِذَهَب، وَسَوَاء قُلْنَا الْقِنّ يملك بالتمليك أَو لَا. وَمَتى رد الْقِنّ الْمَشْرُوط مَاله لنَحْو عيب رد مَاله مَعَه، لِأَن قِيمَته تكْثر بِهِ وتنقص مَعَ أَخذه فَلَا يملك رده حَتَّى يدْفع مَا يزِيل نَقصه، فَإِن تلف مَاله ثمَّ أَرَادَ رده فكعيب حدث عِنْد مُشْتَر.

فصل

3 - (فصل) السّلم بِفَتْح السِّين وَاللَّام لُغَة أهل الْحجاز، وَالسَّلَف لُغَة أهل الْعرَاق، فهما لُغَة شَيْء وَاحِد، وَسمي سلما لتسليم رَأس المَال بِالْمَجْلِسِ، وسلفا لتقديمه. وَيُقَال السّلف للقرض. وَشرعا عقد على مَوْصُوف فِي الذِّمَّة مُؤَجل بِثمن مَقْبُوض بِمَجْلِس عقد، وَيصِح بِلَفْظِهِ كأسلمتك هَذَا الدِّينَار فِي كَذَا من الْقَمْح، وبلفظ سلف كأسلفتك كَذَا فِي كَذَا، وبلفظ بيع كابتعت مِنْك قمحا، صفته كَذَا وَكيله كَذَا إِلَى كَذَا، وَبِكُل مَا ينْعَقد بِهِ البيع لِأَنَّهُ نوع مِنْهُ إِلَّا أَنه يجوز فِي الْمَعْدُوم. وَله شُرُوط أَخذ المُصَنّف يتَكَلَّم عَلَيْهَا فَقَالَ: وَيصِح لسلم بسبعة شُرُوط فَإِن اخْتَلَّ شَرط مِنْهَا لم يَصح: أَحدهَا أَن يكون الْمُسلم فِيهِ فيمايمكن ضبط صِفَاته لِأَنَّهُ مَالا تنضبط صِفَاته يخْتَلف كثيرا فيفضي إِلَى الْمُنَازعَة والمشاقة وَعدمهَا مَطْلُوب شرعا وَذَلِكَ كمكيل من حب ودهن وتمر وَلبن وَنَحْوه أَي الْمكيل كموزون من خبز وَلحم وَلَو مَعَ عظمه إِن عين مَوضِع الْقطع فَإِن لم يعين لم يَصح، وكمذروع من ثِيَاب وخيوط، وكمعدود من حَيَوَان وَلَو آدَمِيًّا كَعبد صفته كَذَا لَا فِي أمة وَوَلدهَا أَو أُخْتهَا وَنَحْوه لنذرة جَمعهمَا فِي الصّفة، وَلَا فِي حَامِل، لَا فِي فواكه مَعْدُودَة كرمان وخوخ واجاص

وكمثري وَلَو أسلم فِيهَا وزنا لاختلافها صغرا وكبرا بِخِلَاف نَحْو عِنَب وَرطب، وَلَا فِي بقول وجلود ورؤوس وأكارع وبيض وَنَحْوهَا، وَأَوَان مُخْتَلفَة رؤوسا وأوساطا كقماقم وأسطال، فَإِن لم تخْتَلف رؤوسها وأوساطها صَحَّ السّلم فِيهَا، وَلَا فِيمَا لَا يَنْضَبِط كجوهر وَلَو بعد وَنَحْوهَا، وَلَا فِيمَا يجمع أخلاطا غير متميزة كمعاجين وند وغالية وَنَحْوهَا لعدم ضَبطهَا بِالصّفةِ وَالشّرط الثَّانِي ذكر جنس الْمَبِيع فَيَقُول مثلا، تمر وَذكر نَوعه فَيَقُول مثلا: برني أَو معقلي وَذكر كل وصف يخْتَلف بِهِ أَي الْوَصْف الثّمن غَالِبا لِأَن السّلم عوض يثبت فِي الذِّمَّة فَاشْترط الْعلم بِهِ كَالثّمنِ فَفِي نَحْو بر يُقَال: صعيدي أَو بحيري بِمصْر، وحوراني أَو شمَالي بِالشَّام، وصغار حب أَو كباره وَذكر حَدَاثَة وَذكر قدم فَإِن أطلق الْعَتِيق وَلم يُقَيِّدهُ بعام أَو أَكثر أَجْزَأَ أَي عَام كَانَ لتناول الِاسْم لَهُ مَا لم يكن مسوسا أَو حشفا وَهُوَ رَدِيء التَّمْر أَو متغيرا فَلم يلْزم الْمُسلم قبُوله. وَإِن شَرط عَتيق عَام أَو عَاميْنِ فَهُوَ على مَا شَرط. وَذكر سنّ حَيَوَان، وذكرا أَو سمينا ومعلوفا أَو ضدها، وصيد أحبولة أَو كلب أَو صقر أَو شبكة أَو فخ. وَفِي رَقِيق ذكر نوع كرومي أَو حبشِي أَو زنجي بشبر، قَالَ الإِمَام 16 (أَحْمد) : يَقُول خماسي أَو سداسي يَعْنِي خَمْسَة أشبار أَو سِتَّة أعجمي أَو فصيح، ذكر أَو أُنْثَى كحلا أَو دعجا، بكارة أَو ثيوبة وَنَحْوهَا.

وَفِي طير نوع كحمام وكركي ولونه وَكبره. وَلَا يَصح اشْتِرَاطه أَجود أأردأ وَله أَخذ دون مَا وصف لَهُ من جنسه، وَأخذ غير نَوعه من جنسه، وَيلْزمهُ أَخذ أَجود مِنْهُ من نَوعه. وَالشّرط الثَّالِث ذكر قدره أَي الْمُسلم فِيهِ بِالْكَيْلِ فِي الْمكيل وَالْوَزْن فِي الْمَوْزُون وَالْعدَد فِي الْمَعْدُود والذرع فِي المذروع وَلَا يَصح أَن يسلم فِي مَكِيل كلبن وتمر وزيت وشيرج وزنا، وَلَا يَصح عَكسه أَي يسلم فِي مَوْزُون كَيْلا نصا، لِأَنَّهُ مَبِيع يشْتَرط معرفَة قدره فَلَا يجوز بِغَيْر مَا هُوَ مُقَدّر بِهِ فِي الأَصْل كَبيع الربويات بَعْضهَا بِبَعْض وَلِأَنَّهُ قدره بِغَيْر مَا هُوَ مُقَدّر بِهِ قي الأَصْل فَلم يجز كَمَا لَو أسلم فِي المذروع وزنا أَو بِالْعَكْسِ. وَلَا يَصح شَرط صنجة أومكيال أَو ذِرَاع لَا عرف لَهُ، لَكِن لَو عين مكيال رجل بِعَيْنِه أَو مِيزَانه أَو صنجته أَو ذراعه صَحَّ العقد دون التَّعْيِين. وَالشّرط الرَّابِع ذكر أجل مَعْلُوم نصا، لَهُ وَقع فِي الثّمن عَادَة لِأَن اعْتِبَار الْأَجَل لتحَقّق الرِّفْق لَا يحصل بِمدَّة وَلَا وَقع لَهَا فِي الثّمن عَادَة كشهر وَنَحْوه كنصفه كَمَا فِي الْكَافِي فَإِن أسلم إِلَى أجل قريب كَالْيَوْمِ واليومين وَالثَّلَاثَة لم يَصح السّلم لفَوَات شَرطه، وَهُوَ أَن مثل ذَلِك لَا وَقع لَهُ فِي الثّمن إِلَّا إِذا أسلم فِي نَحْو خبز وَلحم ودقيق وَيَأْخُذ مِنْهُ كل يَوْم جُزْءا مَعْلُوما فَيصح سَوَاء بَين ثمن كل قسط أَولا لدعاء الْحَاجة إِلَيْهِ.

وَمن أسلم أَو بَاعَ أَو أجر أَو شَرط الْخِيَار مُطلقًا أَي غير موقت أَو لأجل مَجْهُول كحصاد وجذاذ ونزول مطر أَو إِلَى عيد أَو ربيع أَو جُمَادَى بالتنكير أَو إِلَى النَّفر لم يَصح من هَذِه الْعُقُود إِلَّا البيع فَيصح حَالا، فَإِن عين الْأَضْحَى أَو الْفطر أَو ربيعا الأول أَو الثَّانِي أَو جمادي كَذَلِك أَو النَّفر الأول وَهُوَ ثَانِي أَيَّام التَّشْرِيق أَو الثَّانِي وَهُوَ ثَالِثهَا صَحَّ لِأَنَّهُ مَعْلُوم. وَيصِح تَأْجِيله بِشَهْر وَعِيد روميين إِن عرفا. وَيقبل قَول مَدين حَيّ قدر الْأَجَل ومضيه وَمَكَان التَّسْلِيم بِيَمِينِهِ. وَإِن أَتَى بِمَا عَلَيْهِ من سلم أَو غَيره قبل مَحَله وَلَا ضَرَر فِي قَبْضَة لزم رب الدّين قبُوله نصا فَإِن أَبى الْقَبْض قَالَ لَهُ الْحَاكِم إِمَّا أَن تقبض أَو تبرىء فَإِن أباهما قَبضه الْحَاكِم لَهُ أَي رب الدّين وَمن أَرَادَ قَضَاء دين عَن غَيره فَأبى ربه، أَو أعْسر بِنَفَقَة زَوجته فبذلها أَجْنَبِي فَأَبت لم يجْبر أَو ملكت الْفَسْخ وَيَأْتِي فِي النَّفَقَات. وَالشّرط الْخَامِس أَن يُوجد الْمُسلم فِيهِ غَالِبا فِي مَحَله بِكَسْر الْحَاء أَي وَقت حُلُوله لوُجُوب تَسْلِيمه إِذا، سَوَاء كَانَ الْمُسلم فِيهِ مَوْجُودا حَال العقد أَو مَعْدُوما كالسلم فِي الرطب وَالْعِنَب زمن الشتَاء إِلَى الصَّيف بِخِلَاف عَكسه لِأَنَّهُ لَا يُمكنهُ تَسْلِيمه غَالِبا عِنْد وجوب أشبه بيع الْآبِق بل أولى. وَيصِح إِن عين نَاحيَة تبعد عَنْهَا آفَة كتمر الْمَدِينَة لَا صَغِيرَة أَو بستانا وَلَا من غنم زيد أَو نتاج فَحله أَو فِي مثل هَذَا الثَّوْب. وَإِن أسلم إِلَى مَحل يُوجد فِيهِ مُسلم عَاما فَانْقَطع وَتحقّق بَقَاؤُهُ لزمَه تَحْصِيله وَلَو شقّ

فَإِن تعذر مُسلم فِيهِ أَو تعذر بعضه صَبر مُسلم إِلَى وجوده فيطالبه بِهِ أَو فسخ فِي المتعذر كلا كَانَ أَو بَعْضًا أَو أَخذ رَأس مَاله إِن فسخ لتعذره كُله أَو أخذعوضه إِن عدم لتعذر رده. وَإِن أسلم ذمِّي إِلَى ذمِّي فِي خمر فَأسلم أَحدهمَا رَجَعَ الْمُسلم فَأخذ رَأس مَاله. وَالشّرط السَّادِس قبض الثّمن أَي رَأس مَال السّلم قبل التَّفَرُّق من الْمجْلس لِئَلَّا يصير بيع دين بدين، فَإِن قبض الْبَعْض ثمَّ افْتَرقَا صَحَّ فِيمَا قبض وَبَطل فِيمَا لم يقبض وَيشْتَرط كَون رَأس مَال السّلم وَمَعْلُوم الصّفة وَالْقدر لَا بَصِيرَة مُشَاهدَة وَلَا بِمَا لَا يُمكن ضَبطه كجوهر وَنَحْوه فَإِن فعلا فَبَاطِل وَيرجع إِن كَانَ بَاقِيا وَإِلَّا فَقيمته أَو مثله فَإِن اخْتلفَا فِي قدر قيمَة فَقَوْل مُسلم إِلَيْهِ فَإِن قَالَ لَا أعلم قدر ذَلِك فقيمة مُسلم فِيهِ مُؤَجّلا الْأَجَل الَّذِي عَيناهُ. وَالشّرط السَّابِع إِن يسلم فِي الذِّمَّة وَلم يذكرهُ بَعضهم للاستغناء عَنهُ بِذكر الْأَجَل إِذْ الْمُؤَجل لَا يكون إِلَّا فِي الذِّمَّة فَلَا يَصح السّلم فِي عين كدار وشجرة نابتة وَلَا فِي ثَمَرَة شَجَرَة مُعينَة وَنَحْوهَا لِأَنَّهُ يُمكن بَيْعه فِي الْحَال فَلَا حَاجَة إِلَى السّلم فِيهِ وَيجب الْوَفَاء أَي وَفَاء الْمُسلم فِيهِ مَوضِع العقد إِذا كَانَ مَحل إِقَامَة لِأَن مُقْتَضى العقد التَّسْلِيم فِي مَكَانَهُ إِن لم يشْتَرط الْوَفَاء فِي غَيره أَي غير مَكَان العقد فَيلْزم، أَو مَا لم يعْقد ببرية أَو دَار حَرْب أَو بَحر أَو جبل غير مسكون فَيشْتَرط ذكره لتعذر الْوَفَاء مَوضِع العقد فَيكون مَحل التَّسْلِيم فَاشْترط تَعْيِينه بالْقَوْل كالزمان، وللمسلم أَخذه فِي غير

مَكَان العقد إِن رَضِيا لَا مَعَ أُجْرَة حمله إِلَيْهِ كَمَا لَا يجوز أَخذ بدل السّلم وَلَا يَصح بيع مُسلم فِيهِ قبل قَبضه وَلَو لمن هُوَ عَلَيْهِ وَلَا هبة دين غَيره لغير من هُوَ فِي ذمَّته لِأَن الْهِبَة تَقْتَضِي وجود معِين وَهُوَ مُنْتَفٍ هَهُنَا وَلَا تصح الْحِوَالَة بِهِ أَي بِمُسلم فِيهِ، لِأَنَّهَا مُعَاوضَة بِمُسلم فِيهِ قبل قَبضه فَلم تجز كَالْبيع وَلَا تصح الْحِوَالَة عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لَا تصح إِلَّا على دين مُسْتَقر وَالسّلم عرضة الْفَسْخ، وَلَا يَصح أَخذ رهن بِهِ وَلَا أَخذ كَفِيل بِهِ أَي بِمُسلم فِيهِ وَلَا يَصح أَخذ غَيره عوضا عَنهُ وَيصِح بيع دين مُسْتَقر من ثمن وقرض وَمهر بعد دُخُول وَأُجْرَة استوفى نَفعهَا وَأرش جِنَايَة وَقِيمَة متْلف وَنَحْوه لمدين فَقَط، لَكِن إِن كَانَ الدّين من ثمن مَكِيل أَو مَوْزُون بَاعه بِالنَّسِيئَةِ أَو بِثمن لم يقبض فَإِنَّهُ لَا يَصح أَن يَأْخُذ عوضه مَا يُشَارك الْمَبِيع فِي عِلّة رَبًّا فضل أَو نَسِيئَة فَلَا يعتاض عَن ثمن مَكِيل مَكِيلًا وَلَا عَن ثمن مَوْزُون مَوْزُونا حسما لمادة رَبًّا النَّسِيئَة. وَإِن بَاعه بِمَا لَا يُبَاع بِهِ نَسِيئَة كذهب بِفِضَّة وبر بشعير، أَو بموصوف فِي الذِّمَّة اشْترط قبض عوضه فِي الْمجْلس قبل التَّفَرُّق. وَمن أسلم وَعَلِيهِ سلم فَقَالَ لغريمه: اقبض سلمى لنَفسك لم يَصح لنَفسِهِ، إِذْ هُوَ حِوَالَة بسلم، وَلَا للْآمِر لِأَنَّهُ لم يُوكله فِي قَبضه والمقبوض بَاقٍ على ملك الدَّافِع، وَصَحَّ إِن قَالَ: اقبض لي ثمَّ لَك فَيصح قبض وَكيل من نَفسه لنَفسِهِ نصا إِلَّا مَا كَانَ من غير جنس مَاله فَلَا يَصح.

فصل. الْقَرْض بِفَتْح الْقَاف وَحكى كسرهَا مصدر قرض الشَّيْء يقْرضهُ بِكَسْر الرَّاء إِذا قطعه وَمِنْه: المقراض، وَالْقَرْض اسْم مصدر بِمَعْنى الِاقْتِرَاض، وَشرعا دفع مَال إرفاقا لمن ينْتَفع بِهِ وَيرد بدله، وَيصِح بِلَفْظ قرض وَسلف وكل مَا أدّى مَعْنَاهُمَا. وَشرط علم قدره وَوَصفه وَكَون مقرض يَصح تبرعه، وَمن شَأْنه أَن يُصَادف ذمَّة فَلَا يَصح على مَا يحدث ذكره فِي الِانْتِصَار. قَالَ ابْن عقيل: الدّين لَا يثبت إِلَّا فِي الذمم. وَفِي الموجز يَصح قرض حَيَوَان وثوب لبيت المَال ولآحاد الْمُسلمين. انْتهى. وَلَا يثبت فِيهِ خِيَار وَهُوَ من الْمرَافِق الْمَنْدُوب إِلَيْهَا لما فِيهِ من الْأجر الْعَظِيم لقَوْله (من كشف عَن مُؤمن كربَة من كرب الدُّنْيَا فرج الله عَنهُ كربَة من كرب يَوْم الْقِيَامَة) وَحَدِيث أنس أَن

النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وزاده شرفا وكرامة قَالَ: (رَأَيْت لَيْلَة أسرى بِي على بَاب الْجنَّة مَكْتُوبًا: الصَّدَقَة بِعشر أَمْثَالهَا وَالْقَرْض بِثمَانِيَة عشر. فَقلت: يَا جِبْرِيل مَا بَال الْقَرْض أفضل من الصَّدَقَة قَالَ: لِأَن السَّائِل يسْأَل وَعِنْده، والمقترض لَا يستقرض إِلَّا عَن حَاجَة) . رَوَاهُ ابْن مَاجَه. وَهُوَ مُبَاح للمقترض، وَلَا إِثْم على من سُئِلَ فَلم يقْرض وَلَيْسَ من الْمَسْأَلَة المذمومة، كل مَا صَحَّ بَيْعه صَحَّ قرضه من مَكِيل وموزون وَغَيره وجوهر وحيوان إِلَّا بني آدم لِأَنَّهُ لم ينْقل قرضهم وَلَا هُوَ من الْمرَافِق. وَلَا يَصح قرض مَنْفَعَة. وَيتم الْقَرْض بِقبُول وَيملك وَيلْزم بِقَبض فَلَا يملك مقرض استرجاعه إِلَّا إِن حجر على مقترض فَيملك الرُّجُوع فِيهِ بِشَرْطِهِ. وَإِن شَرط رده بِعَيْنِه لم يَصح وَيجب على الْمُقْتَرض رد مثل فلوس وَلَو تغير سعرها بِنَقص أَو كسدت وَيجب رد مثل مَكِيل وَمثل مَوْزُون لَا صناعَة فِيهِ مُبَاحَة يَصح السّلم فِيهِ. قَالَ فِي الْمُبْدع: إِجْمَاعًا، لِأَنَّهُ يضمن فِي الْغَصْب والإتلاف بِمثلِهِ فَكَذَا هُنَا مَعَ أَن الْمثل أقرب شبها بِهِ من الْقيمَة مَا لم يتعيب الْقَرْض أَو يكن فُلُوسًا أَو دَرَاهِم مكسرة فيحرمها السُّلْطَان فَلهُ قيمَة وَقت قرض نصا من غير جنسه إِن جرى بَينهمَا رَبًّا فضل فَإِن فقد الْمثل ف عَلَيْهِ قِيمَته يَوْم فَقده لِأَنَّهُ يَوْم ثُبُوتهَا فِي ذمَّته

وَيجب قيمَة غَيرهَا أَي الْفُلُوس والمكيل وَالْمَوْزُون كجوهر وَنَحْوه مِمَّا لَا يَنْضَبِط بِالصّفةِ يَوْم قَبضه لاخْتِلَاف قِيمَته فِي الزَّمن الْيَسِير بِكَثْرَة الرواغب وقلتها فتزيد زِيَادَة كَثِيرَة فيتضرر الْمُقْتَرض وتنقص فيتضرر الْمقْرض. وَتعْتَبر قيمَة غير الْجَوْهَر وَنَحْوه كمذروع ومعدود يَوْم قرض لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تثبت فِي ذمَّته. وَيرد مثل كيل مَكِيل دفع وزنا لِأَن الْكَيْل هُوَ معياره الشَّرْعِيّ، وَكَذَا مثل وزن مَوْزُون دفع كَيْلا. وَيجوز قرض المَاء كَيْلا كَسَائِر الْمَائِعَات. ولسقي أَرض إِذا قدر بأنبوبة. يجوز قرضه مُقَدرا بِزَمن عَن نوبَة غَيره ليرد عَلَيْهِ مثله فِي الزَّمن من نوبَته نصا قَالَ الإِمَام 16 (أَحْمد) : وَإِن كَانَ فِي غير مَحْدُود كرهته لِأَنَّهُ لَا يُمكن رد مثله. وقرض الْخبز والخمير عددا ورده عددا بِلَا قصد زِيَادَة. وَيثبت للقرض الْبَدَل حَالا وَلَو مَعَ تَأْجِيله وَيحرم الْإِلْزَام بتأجيله وَكَذَا كل دين حَال، وَيجوز شَرط رهن وضمين فِيهِ لَا شَرط نقص وَفَاء، وَلَا شَرط أَحدهمَا على الآخر أَنه يَبِيعهُ أَو يؤجره أَو يقْرضهُ كَشَرط زِيَادَة وهدية وَيحرم كل شَرط فِي الْقَرْض يجر نفعا نَحْو أَن يسكنهُ دَاره مجَّانا أَو رخيصا أَو يعيره دَابَّته أَو يَقْضِيه خيرا مِنْهُ أَو بِبَلَد أخر، قَالَ فِي المغنى وَالشَّرْح: إِن لم يكن لحمله مُؤنَة جَازَ وَإِلَّا حرم وَإِن وفاه أَي وَفِي الْمُقْتَرض الْمقْرض أَجود مِمَّا لَهُ عَلَيْهِ أَو أَكثر أَو دون مَاله عَلَيْهِ بتراضيهما فَلَا بَأْس أَو أهْدى الْمُقْتَرض إِلَيْهِ أَي

الْمقْرض هَدِيَّة بعد وَفَاء أَو علمت زِيَادَته لشهرة سخائه وَفعل ذَلِك بِلَا شَرط وَلَا مواطأة فِي الْجَمِيع نصا فَلَا بَأْس بِهِ وَقبل وَفَاء وَلم ينْو مقرض احتسابه من دينه أَو مكافأته لم يجز، إِلَّا أَن جرت عَادَة بَينهمَا بِهِ قبل قرض، فَإِن كَانَت جَارِيَة فَلَا بَأْس. قَالَه فِي الْإِقْنَاع وَشَرحه. وَإِن زَادَت الْهَدِيَّة على الْعَادة فَالزِّيَادَة حرَام كَذَا قَرَّرَهُ شَيخنَا التغلبي انْتهى. فَإِن استضافه حسب لَهُ مَا أكل نصا. وَمن طُولِبَ بِبَدَل قرض أَن غصب بِبَلَد آخر لزمَه أَدَاؤُهُ إِلَّا مَا لحمله مُؤنَة وَقِيمَته بِبَلَد الْقَرْض أَو الْغَصْب انقص وَلَو بذل الْمُقْتَرض أَو الْغَاصِب مَا عَلَيْهِ بِغَيْر بلد الْقَرْض أَو الْغَصْب وَلَا مُؤنَة لحملة لزم ربه قبُوله مَعَ أَمن الْبَلَد وَالطَّرِيق.

فصل

3 - (فصل) . الرَّهْن لُغَة الثُّبُوت والدوام وَمِنْه 19 ((كل نفس بِمَا كسبت رهينة)) وَشرعا توثقه دين بِعَين يُمكن أَخذه أَو بعضه مِنْهَا أَو من ثمنهَا إِن تعذر الْوَفَاء من غَيرهَا وَيجوز أَن يرْهن الْإِنْسَان مَال نَفسه على غَيره وَلَو بِغَيْر رضَا الْمَدِين كَمَا يجوز ضَمَانه وَأولى، وَلَا يَصح مُعَلّقا بِشَرْط وَلَا بِدُونِ إِيجَاب وَقبُول أَو مَا يدل عَلَيْهِمَا، وَلَا بُد من معرفَة الرَّهْن وَقدره وَصفته. وكل مَا جَازَ بَيْعه من الْأَعْيَان جَازَ رَهنه لِأَن الْمَقْصُود فِيهِ الاستيثاق الْموصل للدّين وَلَو نَقْدا أَو مُؤَخرا أَو معارا، وَيسْقط ضَمَان الْعَارِية إلاالمصحف فَلَا يَصح رَهنه وَلَو لمُسلم وَلَو قُلْنَا يَصح بَيْعه، نقل الْجَمَاعَة عَن الإِمَام 16 (أَحْمد) قَالَ: لَا أرخص فِي رهن الْمُصحف لِأَنَّهُ وَسِيلَة إِلَى بَيْعه وَهُوَ محرم. وكل مَالا يَصح بَيْعه كَأُمّ ولد وحر ووقف وكلب وآبق ومجهول وخمر لَا يَصح رَهنه وَكَذَا ثَمَر وَكَذَا زرع لم يبد صلاحهما أَي الثَّمر وَالزَّرْع فَيصح رهنهما بِلَا شَرط قطع، لِأَن المنهى عَن بيعهمَا لعدم أَمن العاهة، وَبِتَقْدِير تلفهما لَا يفوت حق الْمُرْتَهن من الدّين لتَعَلُّقه بِذِمَّة الرَّاهِن

وَكَذَا قن ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى يَصح رَهنه دون وَلَده وَنَحْوه كأخيه وَأَبِيهِ لِأَن حُرْمَة البيع لأجل التَّفْرِيق وَهُوَ مَفْقُود هَهُنَا. وَلَا يَصح الرَّهْن إِلَّا من مَالِكه أَو مَأْذُون لَهُ فِي رَهنه مِمَّن يَصح تبرعه وَلَا رهن يَتِيم لفَاسِق. وَلَا يَصح إِلَّا مَعَ الْحق أَو بعده، وَعلم مِنْهُ أَنه لَا يَصح قبل الدّين نَص عَلَيْهِ. وللراهن الرُّجُوع فِي الرَّهْن مَا لم يقبضهُ الْمُرْتَهن، وَيلْزم الرَّهْن فِي حق رَاهن بِقَبض لِأَن الْحَظ فِيهِ لغيره فَلَزِمَ من جِهَته كالضمان بِخِلَاف مُرْتَهن، لِأَن الْحَظ فِيهِ لَهُ وَحده فَكَانَ لَهُ فَسخه كالمضمون لَهُ وَتصرف كل وَاحِد مِنْهُمَا أَي الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن فِيهِ أَي الرَّهْن بِغَيْر إِذن الآخر بَاطِل إِلَّا عتق رَاهن فَيصح سَوَاء كَانَ مُوسِرًا أَو مُعسرا نصا، وَيحرم بِلَا إِذن مُرْتَهن لإبطال حَقه من عين الرَّهْن وَتُؤْخَذ قِيمَته أَي الرَّهْن مِنْهُ أَي الرَّاهِن تكون مَكَانَهُ رهنا وَكَسبه ونماؤه الْمُتَّصِل والمنفصل رهن يُبَاع مَعَه فِي وَفَاء الدّين، وَهُوَ أَي الرَّهْن أَمَانَة فِي يَد مُرْتَهن لَا يضمنهُ إِلَّا بِالتَّعَدِّي أَو التَّفْرِيط، وَيقبل قَوْله بِيَمِينِهِ فِي عدم ذَلِك، وَإِن تلف بعض الرَّهْن فباقيه رهن بِجَمِيعِ الْحق وَلَا يَنْفَكّ مِنْهُ شَيْء حَتَّى يقبض الدّين كُله، وَإِن رهن مَا يَصح رَهنه عِنْد اثْنَيْنِ بدين لَهما فَكل مِنْهُمَا ارْتهن نصفه ف مَتى وَفِي رَاهن أَحدهمَا أَي المرتهنين دينه انْفَكَّ فِي نصِيبه أَو رهناه أَي رهن اثْنَان شَيْئا وَاحِدًا فاستوفي الْمُرْتَهن من أَحدهمَا دينه انْفَكَّ الرَّهْن فِي نصِيبه أَي الموفي لما عَلَيْهِ،

وَإِذا حل الدّين وَامْتنع مَدين من وفائه أَي الدّين فَإِن كَانَ الرَّاهِن قد أذن لمرتهن فِي بَيْعه أَي الرَّهْن أَو أذن لغيره وَلم يرجع عَن إِذْنه بَاعه أَي الرَّهْن مَأْذُون لَهُ من مُرْتَهن وَغَيره، وَإِلَّا يكن إِذن أَو أذن وَرجع أجبر مَدين أَي أجْبرهُ حَاكم على الْوَفَاء من غير الرَّهْن أَو أجبر على بيع الرَّهْن ليوفى من ثمنه فَأن أَبى الْوَفَاء وَالْبيع حبس أَو عزّر أَي حَبسه حَاكم أَو عزره حَتَّى يفعل مَا أَمر بِهِ فَإِن أصر على الِامْتِنَاع من كل مِنْهُمَا بَاعه الرَّهْن حَاكم نصا بِنَفسِهِ أَو أَمِينه لتعينه طَرِيقا لأَدَاء الْوَاجِب ووفى دينه لقِيَامه مقَام الْمُمْتَنع. وغائب فِي الحكم كممتنع. وَلَا يَبِيعهُ مُرْتَهن إِلَّا بِإِذن ربه أَو الْحَاكِم وَيصِح جعله بيد عدل معِين جَائِز التَّصَرُّف من مُسلم وَكَافِر عدل أَو فَاسق ذكر أَو أُنْثَى لِأَنَّهُ تَوْكِيل فِي قبض فِي عقد فَجَاز كَغَيْرِهِ، وَإِن شَرط الرَّاهِن إِن لَا يُبَاع الرَّهْن إِذا حل الدّين لم يَصح الشَّرْط لمنافاته الرَّهْن وَلم يفْسد العقد، أَو شَرط للْمُرْتَهن أَنه إِن جَاءَهُ بِحقِّهِ فِي وَقت كَذَا وَإِلَّا فالرهن لَهُ أَي للْمُرْتَهن يَأْخُذهُ بِالدّينِ لم يَصح الشَّرْط وَلم يفْسد العقد بل يلْزمه الْوَفَاء، أَن يَأْذَن للْمُرْتَهن فِي بيع الرَّهْن أَو يَبِيعهُ هُوَ بِنَفسِهِ فَإِن أصر بَاعه حَاكم كَمَا تقدم، ولمرتهن أَن يركب مَا أَي حَيَوَانا يركب كفرس وبعير بِقدر نَفَقَته وَله أَن يحلب مَا يحلب واسترضاع أمة بِقدر نَفَقَته متحريا الْعدْل نصا، وَلَا ينهكه نصا، بِلَا إِذن الرَّاهِن وَلَو حَاضرا وَلم يمْتَنع. ومئونة الرَّهْن وَأُجْرَة مخزنه ورده من إباقه وكفنه وَبَقِيَّة تَجْهِيزه إِن مَاتَ وسقيه وتلقيحه وزباره وجذاذه ورعي مَاشِيَة ومداواته لمَرض وجرح وختانه على الرَّاهِن،

وَإِن أنْفق مُرْتَهن عَلَيْهِ أَي الرَّهْن بِلَا إِذن رَاهن ليرْجع عَلَيْهِ مَعَ إِمْكَانه لاستئذانه لم يرجع وَلَو نوى الرُّجُوع لِأَنَّهُ مُتَبَرّع ومفرط بِعَدَمِ الاسْتِئْذَان، وَإِلَّا يقدر على اسْتِئْذَانه لغيبته أَو تواريه وَنَحْو ذَلِك فأنفق رَجَعَ بِالْأَقَلِّ مِمَّا أنفقهُ على رهن وَمن نَفَقَة مثله إِن نَوَاه أَي الرُّجُوع وَلَو لم يسْتَأْذن حَاكما مَعَ قدرته عَلَيْهِ وَلَو لم يشْهد، وحيوان معار ومؤجر ومودع ومشترك بيد أَحدهمَا بِإِذن الآخر إِذا أنْفق عَلَيْهِ مستعير ومستأجر ووديع وَشريك كرهن فِيمَا سبق تَفْصِيله، وَإِن مَاتَ فَكَفنهُ مُرْتَهن فَكَذَلِك وَلَو خرب الرَّهْن كدار انْهَدَمت فعمره مُرْتَهن رَجَعَ معمر بآلته فَقَط لِأَنَّهَا ملكه، لَا بِمَا يحفظ بِهِ مَالِيَّة الدَّار كَثمن مَاء ورماد وطين وجص ونورة وَأُجْرَة معمرين إِلَّا بِإِذن مَالِكهَا. وَإِن جنى رهن تعلق الْأَرْش بِرَقَبَتِهِ، فَإِن استغرقه خير سَيّده بَين فدائه بِالْأَقَلِّ مِنْهُ وَمن قِيمَته وَالرَّهْن بِحَالهِ أَو بَيْعه فِي الْجِنَايَة أَو تَسْلِيمه فِيهَا لاستقرار كَونه عوضا عَنْهَا بذلك فَيبْطل كَونه محلا للرَّهْن كَمَا لَو تلف أَو بَان مُسْتَحقّا وَإِن لم يسْتَغْرق أرش الْجِنَايَة الرَّهْن بيع مِنْهُ بِقَدرِهِ وَبَاقِيه رهن، فَإِن تعذر بيع بعضه أَو نقص بتشقيق بيع كُله وَبَاقِي ثمنه رهن. وَمن قبض الْعين لحظ نَفسه كمرتهن وأجير ومستأجر ومشتر وبائع وغاصب وملتقط ومقترض ومضارب وَادّعى الرَّد للْمَالِك فَأنكرهُ لم يقبل إِلَّا بِبَيِّنَة.

فصل فِي أَحْكَام الضَّمَان وَالْكَفَالَة وَالْحوالَة. الضَّمَان جَائِز إِجْمَاعًا فِي الْجُمْلَة، وَيصِح ضَمَان جَائِز التَّصَرُّف مَا أَي مَالا وَجب على غَيره كَثمن وقرض وَقِيمَة متْلف مَعَ بَقَائِهِ على مَضْمُون عَنهُ فَلَا يسْقط بِالضَّمَانِ أَو ضَمَان مَا سيجب على غَيره كجعل على عمل. وَلَا يَصح ضَمَان جِزْيَة سَوَاء كَانَ قبل وُجُوبهَا أَو بعده من مُسلم أَو كَافِر لفَوَات الصغار عَن الْمَضْمُون بِدفع الضَّامِن. وَلَا دين كِتَابَة. وَيحصل الِالْتِزَام بِلَفْظ أَنا ضمين وكفيل وقبيل وحميل وصبير وزعيم، وضمنت دينك أَو تحملته وَنَحْوه، وَيصِح بِإِشَارَة مفهومة من أخرس وَشرط لصِحَّة الضَّمَان رِضَاء ضَامِن لِأَن الضَّمَان تبرع بِالْتِزَام الْحق فَاعْتبر لَهُ الرِّضَا كالتبرع بالأعيان فَقَط أَي لَا يشْتَرط رِضَاء مَضْمُون عَنهُ وَلَا رِضَاء مَضْمُون لَهُ لِأَنَّهُ وَثِيقَة لَا يعْتَبر لَهَا قبض فَلم يعْتَبر لَهَا رِضَاء كَالشَّهَادَةِ. وَلَا معرفَة ضَامِن لمضمون لَهُ ومضمون عَنهُ وَلَا الْعلم بِالْحَقِّ

ولرب الْحق مُطَالبَة من شَاءَ مِنْهُمَا أَي الضَّامِن والمضمون عَنهُ لثُبُوت الْحق فِي ذمتيهما، ومطالبتهما مَعًا فِي الْحَيَاة وَالْمَوْت، لَكِن لَو ضمن إِنْسَان دينا حَالا إِلَى أجل مَعْلُوم صَحَّ وَلم يُطَالب بِهِ قبل مضيه. فَإِن قيل: عنْدكُمْ الْحَال لَا يُؤَجل فَكيف يُؤَجل على الضَّامِن أَو كَيفَ يثبت فِي ذمَّته على غير الْوَصْف الَّذِي يَتَّصِف بِهِ فِي ذمَّة الْمَضْمُون عَنهُ فَالْجَوَاب أَن الْحق يتأجل من ابْتِدَاء ثُبُوته إِذا كَانَ بِعقد وَلم يكن على الضَّامِن حَالا ثمَّ تأجل، وَيجوز تخَالف مَا فِي الذمتين بِدَلِيل مَا لَو مَاتَ الْمَضْمُون عَنهُ وَالدّين مُؤَجل. إِذا ثَبت هَذَا وَكَانَ الدّين مُؤَجّلا إِلَى شهر فضمنه إِلَى شَهْرَيْن لم يكن لَهُ أَن يُطَالِبهُ إِلَى مضيهما. انْتهى. وَيصِح ضَمَان عُهْدَة الثّمن وَالثمن إِن ظهر بِهِ عيب أَو خرج مُسْتَحقّا وَضَمان الْمَقْبُوض على وَجه السّوم وَهُوَ أَن يساوم إِنْسَان على عين وَيقطع ثمنهَا أَو لم يقطعهُ ثمَّ يَأْخُذهَا ليريها أَهله فَإِن رَضوا أَخذهَا وَإِلَّا ردهَا لِأَنَّهُ مَضْمُون مُطلقًا. وَإِن أَخذ شَيْئا بِإِذن ربه ليريه أَهله فَإِن رَضوا بِهِ أَخذه وَإِلَّا رده من غير مساومة وَلَا قطع ثمن فَلَا يضمن إِذا تلف وَلَا تَفْرِيط، وَلَا يَصح ضَمَانه بل التَّعَدِّي فِيهِ من قبيل الْأَمَانَات وَتقدم حكمهَا أول الْفَصْل. وَإِن قضى الضَّامِن مَا على الْمَدِين وَنوى الرُّجُوع عَلَيْهِ رَجَعَ وَلَو لم يَأْذَن لَهُ فِي الضَّمَان وَالْقَضَاء. وَإِن لم ينْو فَلَا رُجُوع لَهُ وَلَو ضمنه بِإِذْنِهِ. وَمن ضمن أَو كفل شخصا ثمَّ قَالَ لم يكن عَلَيْهِ حق صدق خَصمه الْمَضْمُون لَهُ أَو الْمَكْفُول بِيَمِينِهِ فَإِن نكل قضى عَلَيْهِ بِبَرَاءَة الضمين والأصيل. وَإِن برىء الْمَضْمُون برىء ضامنه وَلَا عكس.

وَلَو ضمن اثْنَان فَأكْثر وَاحِدًا، وَقَالَ وَاحِد: ضمنت لَك الدّين، كَانَ لرَبه طلب كل وَاحِد بِالدّينِ كُله، وَإِن قَالَا: ضمنا لَك الدّين، فبينهما بِالْحِصَصِ. وَتَصِح الْكفَالَة وَهِي مصدر كفل بِمَعْنى الْتزم وَشرعا أَن يلْتَزم رشيد ب إِحْضَار بدن من عَلَيْهِ حق مَالِي من دين أَو عَارِية وَنَحْوهمَا إِلَى ربه. وتنعقد بِمَا ينْعَقد بِهِ الضَّمَان. وَإِن ضمن مَعْرفَته أَخذ بِهِ، وَتَصِح بِكُل عين يَصح ضَمَانهَا كالمغصوب والعواري لَا ببدن من عَلَيْهِ حد أَو قصاص وَلَا بِغَيْر معِين كَأحد هذَيْن وَشرط لصحتها رِضَاء كَفِيل فَقَط لَا مكفول بِهِ وَلَا مكفول لَهُ كضمان. وَتَصِح حَالَة ومؤجلة فَإِن أطلق كَانَت حَالَة فَإِن سلم كَفِيل مكفولا بِهِ لمكفول لَهُ بِمحل العقد وَقد حل الْأَجَل أَو لَا وَلَا ضَرَر وَلَيْسَ ثمنه يَد حائلة ظالمة أَو سلم نَفسه برىء كَفِيل أَو مَاتَ مكفول بِهِ برىء كَفِيل لسُقُوط الْحُضُور عَنهُ بِمَوْتِهِ أَو تلفت الْعين الْمَضْمُونَة الَّتِي تكفل ببدن من هِيَ عِنْده بِفعل الله تبَارك وَتَعَالَى قبل طلب لَهَا برِئ كَفِيل لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة موت الْمَكْفُول. وَإِن تعذر على الْكَفِيل إِحْضَار الْمَكْفُول مَعَ بَقَائِهِ بِأَن توارى أَو غَابَ أَو امْتنع أَو غير ذَلِك ومضي زمن يُمكن رده فِيهِ أَو زمن عينه ضمن مَا عَلَيْهِ. والسجان كالكفيل فَيغرم إِن هرب الْمَحْبُوس وَعجز عَن إِحْضَاره. وَتجوز الْحِوَالَة، واشتقاقها من التَّحَوُّل لِأَنَّهَا تحول الْحق من ذمَّة الْمُحِيل إِلَى ذمَّة الْمحَال عَلَيْهِ. وَهِي عقد إرفاق، وَشرعا انْتِقَال مَال من ذمَّة إِلَى ذمَّة بلفظها كأحلتك بِدينِك أَو بمعناها الْخَاص بهَا كأتبعتك دينك على زيد وَنَحْوه.

وشروطها خَمْسَة: أَحدهَا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله على دين مُسْتَقر فَلَا تصح على مَال سلم أَو رَأسه بعد فسخ وَلَا على صدَاق قبل دُخُول. وَلَا يشْتَرط اسْتِقْرَار المَال الْمحَال بِهِ. الثَّانِي: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله إِن اتّفق الدينان جِنْسا ووقتا ووصفا وَقدرا فَلَا يَصح أَن يحِيل بِدَنَانِير على دَرَاهِم وَلَا بِحَال على مُؤَجل وَلَا بصحاح على مكسرة وَلَا بِعشْرَة على خَمْسَة وَعَكسه، وَتَصِح الْحِوَالَة بِخَمْسَة على خَمْسَة من عشرَة وَيصِح عَكسه كَأَن يحِيل بِخَمْسَة من عشرَة على خَمْسَة. وَلَا يضر اخْتِلَاف سببي الدينَيْنِ. وَالثَّالِث علم قدر كل من الدينَيْنِ الْمحَال بِهِ والمحال عَلَيْهِ لاعْتِبَار التَّسْلِيم، والجهالة تمنع مِنْهُ. وَالرَّابِع كَون الْمحَال عَلَيْهِ يَصح السّلم فِيهِ من مثلي وَغَيره ومعدود. وَالْخَامِس مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وَيعْتَبر رِضَاء محيل لِأَن الْحق عَلَيْهِ فَلَا يلْزمه أَدَاؤُهُ من جِهَة الدّين على الْمحَال عَلَيْهِ وَيعْتَبر أَيْضا رِضَاء محتال بالحوالة على غير ملىء فَإِن أُحِيل على ملىء لم يعْتَبر وضاه وَيجْبر على اتِّبَاعه نصا، والملىء الَّذِي يجْبر محتال على اتِّبَاعه الْقَادِر بِمَالِه وَقَوله وبدنه نصا، فَفِي مَاله الْقُدْرَة على الْوَفَاء، وَفِي قَوْله أَن لَا يكون مماطلا، وَفِي بدنه إِمْكَان حُضُوره لمجلس الحكم فَلَا يلْزم أَن يحتال على وَالِده وَلَا على من هُوَ فِي غير بَلَده وَلَا أَن يحِيل على أَبِيه.

وَإِن ظَنّه مليئا وجهله فَبَان مُفلسًا رَجَعَ على محيل وَلم يجْبر على اتِّبَاعه، فَمَتَى توفرت الشُّرُوط برىء الْمُحِيل من الدّين بِمُجَرَّد الْحِوَالَة وَلَو أفلس الْمحَال عَلَيْهِ بعد ذَلِك أَو مَاتَ أَو جحد الدّين وَعَلِيهِ الْمُحْتَال أَو صدق الْمُحِيل أَو ثَبت بِبَيِّنَة فَمَاتَتْ وَنَحْوه وَإِلَّا فَلَا يقبل قَول محيل فِيهِ بِمُجَرَّدِهِ فَلَا يبرأ بهَا. وَإِن لم تتوفر الشُّرُوط لم تصح الْحِوَالَة وَإِنَّمَا تكون وكَالَة.

فصل. وَالصُّلْح لُغَة التَّوْفِيق وَالسّلم بِفَتْح السِّين وَكسرهَا أَي قطع الْمُنَازعَة. وَشرعا معاقدة يتَوَصَّل بهَا إِلَى مُوَافقَة بَين مُخْتَلفين. وَهُوَ جَائِز بِالْإِجْمَاع. وَهُوَ خَمْسَة أَنْوَاع، بَين الْمُسلمين وَأهل الْحَرْب، وَبَين أهل عدل وبغي، وَبَين زَوْجَيْنِ خيف شقَاق بَينهمَا أَو خَافت إعراضه، وَبَين متخاصمين فِي غير مَال، وَالْخَامِس مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله فِي الْأَمْوَال وَهُوَ المُرَاد هَهُنَا. وَلَا يَقع فِي الْغَالِب إِلَّا عَن انحطاط رُتْبَة إِلَى مَا دونهَا على سَبِيل المداراة لحُصُول بعض الْغَرَض. وَهُوَ من أكبر الْعُقُود فَائِدَة، وَلذَلِك حسن فِيهِ الْكَذِب. وَهُوَ فِي الْأَمْوَال قِسْمَانِ: أَحدهمَا يكون على الْإِقْرَار، وَهُوَ أَي الصُّلْح على الْإِقْرَار نَوْعَانِ: أَحدهمَا الصُّلْح على جنس الْحق الْمقر بِهِ مثل أَن يقر جَائِز التَّصَرُّف لَهُ بدين مَعْلُوم أَو يقر لَهُ بِعَين بِيَدِهِ فَيَضَع الْمقر الْعين الْمقر بهَا وَيَأْخُذ الْمقر لَهُ الْبَاقِي من الدّين وَالْعين فَيصح ذَلِك مِمَّن يَصح تبرعه لِأَنَّهُ جَائِز التَّصَرُّف لَا يمْنَع من إِسْقَاط بعض حَقه أَو هِبته كَمَا لَا يمْنَع من اسْتِيفَائه، وَقد كلم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ

وَسلم غُرَمَاء جَابر ليضعوا عَنهُ، فَيصح إِن كَانَ بِغَيْر لفظ صلح لِأَنَّهُ هضم للحق وَبلا شَرط مثل أَن يَقُول لَهُ: على أَن تُعْطِينِي فَإِن فعل ذَاك لم يَصح لِأَنَّهُ لَا يَصح تَعْلِيق الْهِبَة وَالْإِبْرَاء بِشَرْط. وَلَا يَصح الصُّلْح بأنواعه مِمَّن لَا يَصح تبرعه كمكاتب وَمن مَأْذُون لَهُ فِي تِجَارَة وَولي يَتِيم وناظر وقف وَنَحْوهم إِلَّا إِن أنكر من عَلَيْهِ الْحق وَلَا بَيِّنَة لمدعيه، لِأَن اسْتِيفَاء الْبَعْض عَن الْعَجز عَن اسْتِيفَاء الْكل أولى من التّرْك، وَيصِح من ولى عَمَّا ادّعى بِهِ على موليه وَبِه بَيِّنَة فَيدْفَع الْبَعْض وَيَقَع الْإِبْرَاء أَو الْهِبَة فِي الْبَاقِي لِأَنَّهُ مصلحَة، فَإِن لم يكن بِهِ بَيِّنَة لم يُصَالح عَنهُ وَظَاهره وَلَو علمه الْوَلِيّ. وَلَا يَصح الصُّلْح عَن دين مُؤَجل بِبَعْضِه نصا إِلَّا فِي كِتَابَة إِذا عجل الْمكَاتب لسَيِّده بعض كِتَابَة عَنْهَا لِأَن الرِّبَا لَا يجرى بَينهمَا فِي ذَلِك. وَإِن وضع رب دين بعض دين حَال وَأجل بَاقِيه صَحَّ الْوَضع لَا التَّأْجِيل، وَإِن قَالَ لَهُ أقرّ لي بدين وَأُعْطِيك مِنْهُ مائَة فَأقر صَحَّ الْإِقْرَار وَلزِمَ الدّين وَلم يلْزمه أَن يُعْطِيهِ شَيْئا. وَالنَّوْع الثَّانِي من نَوْعي الصُّلْح على الْإِقْرَار أَن يُصَالح على غير جنسه الْحق، بِأَن أقرّ بِعَين أَو دين ثمَّ صَالحه عَنهُ بِغَيْر جنسه فَهُوَ مُعَاوضَة تصح بِلَفْظ الصُّلْح فَإِن كَانَ بأثمان عَن أَثمَان فَهُوَ صرف لَهُ حكمه لِأَن بيع أحد النَّقْدَيْنِ بِالْآخرِ فَيشْتَرط لَهُ الْقَبْض فِي الْمجْلس. وَإِن كَانَ بِعرْض عَن نقد وَعَكسه بِأَن صَالح بِنَقْد عَن عرض أَو بِعرْض عَن عرض فَهُوَ بيع تثبت فِيهِ أَحْكَام البيع.

وَالصُّلْح عَن دين يَصح بِغَيْر جنسه بِأَكْثَرَ من الدّين وَأَقل مِنْهُ بِشَرْط الْقَبْض قبل التَّفَرُّق لِئَلَّا يصير بيع دين بدين. وَيحرم بِجِنْسِهِ إِذا كَانَ مَكِيلًا أَو مَوْزُونا بِأَكْثَرَ أَو أقل على سيل الْمُعَاوضَة لِأَنَّهُ رَبًّا لَا ناقل على سَبِيل الْإِبْرَاء والحطيطة فَيصح كَمَا لَو أَبرَأَهُ من الْكل. وَيصِح الصُّلْح عَمَّا تعذر علمه من دين كمن بَينهمَا مُعَاملَة أَو حِسَاب مضى عَلَيْهِ زمن طَوِيل كقفيز حِنْطَة وقفيز شعير اختلطا وطحنا بِمَال مَعْلُوم حَال أَو نَسِيئَة، فَإِن لم يتَعَذَّر علمه فكبراءة من مَجْهُول جزم بِهِ فِي التَّنْقِيح وَتَبعهُ فِي الْمُنْتَهى وَقدمه فِي الْفُرُوع، قَالَ فِي التَّلْخِيص: وَقد نزل أَصْحَابنَا الصُّلْح عَن الْمَجْهُول الْمقر بِهِ بِمَعْلُوم منزلَة الْإِبْرَاء من الْمَجْهُول فَيصح على الْمَشْهُور لقطع النزاع، وَظَاهر كَلَامه فِي الْإِنْصَاف أَن الصَّحِيح الْمَنْع لعدم الْحَاجة إِلَيْهِ وَلِأَن الْأَعْيَان لَا تقبل الْإِبْرَاء وَقطع بِهِ فِي الْإِقْنَاع، قَالَ فِي الْفُرُوع وَهُوَ ظَاهر نصوصه. وَالْقسم الثَّانِي من قسمي الصُّلْح فِي الْأَمْوَال الصُّلْح على الْإِنْكَار، بِأَن يَدعِي إِنْسَان عَلَيْهِ أَي على آخر عينا فِي يَده أَو دينا فِي ذمَّته فينكر الْمُدَّعِي عَلَيْهِ أَو يسكت وَهُوَ يجهل مَا ادّعى بِهِ عَلَيْهِ ثمَّ يصالحه على نقد أَو نَسِيئَة لِأَن الْمُدَّعِي ملْجأ إِلَى التَّأْخِير بِتَأْخِير خَصمه فَيصح الصُّلْح وَيكون صلح الْإِنْكَار إِبْرَاء فِي حَقه أَي الْمُدعى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بذل الْعِوَض لدفع الْخُصُومَة عَن نَفسه لَا فِي مُقَابلَة حق تثبت عَلَيْهِ فَلَا شُفْعَة فِيهِ وَلَا يسْتَحق لعيبه شَيْئا وَيكون الصُّلْح بيعا فِي حق مُدع فَلهُ رد الْمصَالح بِهِ عَمَّا ادَّعَاهُ بِعَيْب يجده فِيهِ لِأَنَّهُ أَخذه على أَنه عوض عَمَّا ادَّعَاهُ وانفسخ الصُّلْح وَإِن وَقع على عينه وَإِلَّا طَالب بِبَدَلِهِ

وَمن علم كذب نَفسه من مُدع ومدعى عَلَيْهِ فَالصُّلْح بَاطِل فِي حَقه أما الْمُدَّعِي فَلِأَن الصُّلْح مَبْنِيّ على دَعْوَاهُ الْبَاطِلَة، وَأما الْمُدعى عَلَيْهِ فَلِأَنَّهُ مَبْنِيّ على جَحده حق الْمُدعى ليَأْكُل مَا ينقصهُ بِالْبَاطِلِ، وَمَا أَخذ فَحَرَام لِأَنَّهُ أكل مَال الْغَيْر بِالْبَاطِلِ، وَلَا يشْهد لَهُ الشَّاهِد بِهِ إِن علم ظلمه لِأَنَّهُ أَعَانَهُ على بَاطِل. وَمن ادّعى عَلَيْهِ بِمَال فَأنكرهُ ثمَّ قَالَ صالحني عَن الْملك الَّذِي تدعيه لم يكن مقرا بِهِ، وَإِن صَالح أَجْنَبِي عَن مُنكر الدَّعْوَى صَحَّ الصُّلْح أذن لَهُ الْمُنكر أَو لَا لَكِن لَا يرجع عَلَيْهِ بِدُونِ إِذْنه. وَمن صَالح عَن دَار وَنَحْوهَا فَبَان الْعِوَض مُسْتَحقّا رَجَعَ بِالدَّار مَعَ الْإِقْرَار بِالدَّعْوَى، قَالَ فِي الرِّعَايَة: أَو قيمَة الْمُسْتَحق الْمصَالح بِهِ مَعَ الْإِنْكَار. وَلَا يَصح الصُّلْح عَن خِيَار أوشفعة أَو حد قذف وَتسقط جَمِيعهَا، وَلَا أَن يُصَالح شاربا أَو سَارِقا أَو زَانيا لِيُطْلِقَهُ أَو شَاهدا ليكتم شَهَادَته.

فصل

3 - (فصل) فِي حكم الْجوَار. بِكَسْر الْجِيم وصمها مصدر جاور وَأَصله الْمُلَازمَة. وَقَالَ رَسُول الله: (مَا زَالَ جِبْرِيل يوصيني بالجار حَتَّى ظَنَنْت أَنه سيورثه) وَإِذا حصل فِي أرضه أَو على جِدَاره أَو فِي هوائه الْمَمْلُوك لَهُ هُوَ أَو بعضه أَو منفعَته غُصْن شَجَرَة غَيره أَو غرفته أَي غرفَة غَيره لزمَه رب الْغُصْن والغرفة إِزَالَته أَي الْغُصْن برده إِلَى نَاحيَة أُخْرَى أَو قطعه سَوَاء أثر ضَرَره أَو لَا ليخلي ملكه الْوَاجِب إخلاؤه، والهواء تَابع للقرار وَلَزِمَه إِزَالَة الغرفة أَيْضا وَضمن رب غُصْن أَو غرفَة مَا تلف بِهِ بعد طلب إِزَالَته ليصيرورته مُتَعَدِّيا بإبقائه فَإِن أَبى إِزَالَته لم يجْبر فِي الْغُصْن لِأَن حُصُوله فِي هوائه لَيْسَ من فعله، ولواه أَي الْغُصْن ربه وجوبا فَإِن أمكن ليه وَنَحْوه لم يجز لرب الأَرْض أَن الْهَوَاء إِتْلَاف كالبهيمة الصائلة إِذا اندفعت بِدُونِ الْقَتْل، فَإِن أتْلفه فِي هَذِه الْحَالة فَعَلَيهِ غرمه لتعديه وَإِن لم يُمكن

ليه فَلهُ أَي لرب الأَرْض أَو الْهَوَاء قِطْعَة أَي الْغُصْن بِلَا حكم حَاكم وَلَا غرم عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يلْزمه إِقْرَار مَال غَيره فِي ملكه بِلَا رِضَاهُ، وَلَا يَصح صلح رب الْغُصْن وَلَا من مَال حَائِطه أَو زلق خشبه إِلَى ملك غَيره عَن ذَلِك بعوض وَيجوز فتح بَاب لاستطراق إِذا كَانَ فِي درب نَافِذ لَا فِي غير نَافِذ إِلَّا بِإِذن أَهله، وَيجوز نقل بَاب فِي غير نَافِذ إِلَى أَوله بِلَا ضَرَر كمقابلة بَاب غَيره وَنَحْوه لَا إِلَى دَاخل مِنْهُ نصا إِن لم يَأْذَن من فَوْقه. . وَإِن أذن من فَوْقه جَازَ وَيكون إِعَارَة لَازِمَة فَلَا رُجُوع للآذن بعد بِفَتْح الدَّاخِل وسد الأول، وَلَا يجوز إِخْرَاج جنَاح إِلَى نَافِذ وَهُوَ الروشن على أَطْرَاف خشب أَو حجر مدفونة فِي الْحَائِط وَلَا إِخْرَاج ساباط وَهُوَ سَقِيفَة بَين حائطين تحتهَا طَرِيق وَلَا إِخْرَاج ميزاب بنافذ إِلَّا بِإِذن إِمَام أَو نَائِبه مَعَ أَمن الضَّرَر فِيهِنَّ، وَلَا إِخْرَاج دكان بِضَم الدَّال الْمُهْملَة وَلَا دكة بِفَتْحِهَا قَالَه فِي الْقَامُوس بطرِيق نَافِذ سَوَاء أضرّ بالمارة أَو لَا لِأَنَّهُ إِن لم يضر حَالا فقد يضر مَآلًا، وَسَوَاء أذن فِيهِ الإِمَام أَو لَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَن يَأْذَن فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مصلحَة لَا سِيمَا مَعَ احْتِمَال أَن يضر فَيضمن مَا يتْلف بذلك لتعد، وَفعل ذَلِك مُبْتَدأ أَي إِخْرَاج جنَاح وساباط وميزاب ودكان أَو دكة فِي ملك جَار أَو هوائه وَفِي درب مُشْتَرك أَي غير نَافِذ وَفتح بَاب فِيهِ لاستطراق حرَام خبر بِلَا إِذن مُسْتَحقّ للدرب لِأَنَّهُ ملكهم فَلم يجز التَّصَرُّف فِيهِ إِلَّا بإذنهم. وَيجوز الصُّلْح عَن ذَلِك بعوض لِأَنَّهُ حق لمَالِكه الْخَاص وَلأَهل

الدَّرْب فَجَاز أَخذ الْعِوَض عَنهُ كَسَائِر الْحُقُوق، وَمحله فِي الْجنَاح وَنَحْوه إِن علم مِقْدَار خُرُوجه وعلوه. وَيحرم على الْجَار أَن يحدث بِملكه مَا يضر بجاره كحمام ورحى وتنور لحَدِيث (لَا ضَرَر وَلَا ضرار) وَهَذَا إِضْرَار بجاره ولجاره مَنعه من ذَلِك بِخِلَاف طبخ وخبز فِيهِ فَلَا يمْنَع مِنْهُ لدعاء الْحَاجة إِلَيْهِ وضرره يسير لَا سِيمَا بالقرى، وَمن لَهُ حق مَاء يجْرِي على سطح جَاره لم يجز لجاره تعلية سطحه فَيمْنَع جرى المَاء أَو ليكْثر ضَرَره. وَيحرم تصرف فِي جِدَار جَار أَو مُشْتَرك بِفَتْح روزنة أَو طاق أَو ضرب وتد وَنَحْوه إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَكَذَا يحرم وضع خشب على جِدَار جَار مُشْتَرك إِلَّا ب أَن لَا يُمكن تسقيف إِلَّا بِهِ ضَرَر ف يجوز نصا وَلَو ليتيم أَو مَجْنُون وَيجْبر رب الْجِدَار أَو الشَّرِيك إِن أَبى، وَمَسْجِد فِي حكم مَا تقدم كدار نصا لِأَنَّهُ إِذا جَازَ فِي ملك الْآدَمِيّ مَعَ شحه وضيقه فَحق الله تَعَالَى أولى. وللإنسان أَن يسْتَند إِلَى حَائِط غَيره ويسند قماشه وَيجْلس فِي ظله وَنظر فِي ضوء سراجه وَإِن طلب شريك فِي حَائِط انْهَدم طلقا كَانَ أَو وَقفا أَو فِي سقف انْهَدم مشَاعا بَينهمَا أَو بَين سفل أَحدهمَا وعلو الآخر شَرِيكه فِيهِ مفعول طلب للْبِنَاء مَعَه أَي الطَّالِب أجبر جَوَاب الشَّرْط الْمَطْلُوب على الْبناء مَعَه نصا ك مَا يجْبر على نقض خوف سُقُوط الْحَائِط

أَو السّقف دفها للضَّرَر، فَإِن أَبى أَخذ حَاكم من مَاله وَأنْفق، فَإِن تعذر اقْترض عَلَيْهِ وَإِن بناه شريك بِإِذن شريك أَو بِإِذن حَاكم أَو بِدُونِ إذنهما بنية الرُّجُوع على شَرِيكه وبناه شركَة رَجَعَ على شَرِيكه مِمَّا أنْفق على حِصَّته، وَإِن بناه لنَفسِهِ بآلته أَي المنهدم فشركة بَينهمَا، وَإِن بناه لنَفسِهِ بِغَيْر آلَة المنهدم فالبناء لَهُ خَاصَّة وَله نقضه لَا إِن دفع لَهُ شَرِيكه نصف قِيمَته، لِأَنَّهُ يجْبر على الْبناء فجبر على الْإِيفَاء، وَكَذَا فِي الحكم نهر وَنَحْوه أَي كبئر ودولاب وناعورة وقناة مُشْتَركَة بَين اثْنَيْنِ فَأكْثر فَيجْبر الشَّرِيك على الْعِمَارَة إِن امْتنع، وَفِي النَّفَقَة مَا سبق تَفْصِيله، وَإِن عجز قوم عَن عمَارَة قناتهم أَو نَحْوهَا فأعطوها لمن يعمرها وَيكون لَهُ مِنْهَا جُزْء مَعْلُوم كَنِصْف وَربع صَحَّ، وَكَذَا إِن لم يعْجزُوا، وَمن لَهُ علو أَو طبقَة ثَالِثَة لم يُشَارك فِي بِنَاء مَا انْهَدم تَحْتَهُ من سفل أَو وسط وأجبر مَالِكه على بنائِهِ ليتَمَكَّن رب الْعُلُوّ من انتفاعه بِهِ. وَيلْزم الْأَعْلَى ستْرَة تمنع مشارفة الْأَسْفَل، فَإِن لم يكن أَحدهمَا أَعلَى من الآخر اشْتَركَا فِيهَا. وَإِن هدم الشَّرِيك الْبناء وَكَانَ لخوف سُقُوطه فَلَا شَيْء عَلَيْهِ لشَرِيكه لوُجُوب هَدمه إِذا، وَإِلَّا لَزِمته إِعَادَته كَمَا كَانَ لتعديه على حِصَّة شَرِيكه. وَإِن أهمل بِنَاء حَائِط بُسْتَان اتفقَا على بنائِهِ مِمَّا تلف من ثَمَرَته ضمن حِصَّة شَرِيكه.

الجزء 2

فصل فِي الْحجر مَا يتَعَلَّق بِهِ. وَهُوَ بِالْفَتْح وَالْكَسْر، لُغَة التَّضْيِيق وَالْمَنْع، وَمِنْه سمى الْحَرَام حجرا قَالَ الله تَعَالَى 19 ((وَيَقُولُونَ حجرا مَحْجُورا)) أَي حَرَامًا محرما لِأَنَّهُ مَمْنُوع مِنْهُ، وسمى الْعقل حجرا لِأَنَّهُ يمْنَع صَاحبه من ارْتِكَاب مَا يقبح وتضر عاقبته. وَشرعا منع الْمَالِك من التَّصَرُّف فِي مَاله، سَوَاء كَانَ الْمَنْع من قبل الشَّرْع كالصغير وَالْمَجْنُون وَالسَّفِيه أَو الْحَاكِم كمنعه المُشْتَرِي من التَّصَرُّف فِي مَاله حَتَّى قضى الثّمن الْحَال. والمفلس لُغَة من لَا مَال وَلَا مَا يدْفع بِهِ حَاجته، وَعند الْفُقَهَاء من دينه أَكثر من مَاله. وَالْحجر نَوْعَانِ: أَحدهمَا لحق الْغَيْر كعلى مُفلس وراهن ومريض وقن ومكاتب ومرتد ومشتر بعد طلب الشَّفِيع وَنَحْو ذَلِك، الثَّانِي لَحْظَة نَفسه كعلى صَغِير وَمَجْنُون وسفيه وَيَأْتِي وَلَا يُطَالب وَلَا يحْجر بدين لم يحل. ولغريم من أَرَادَ سفرا طَويلا وَلَيْسَ بِدِينِهِ رهن يحرز أَو كَفِيل ملىء

مَنعه حَتَّى يوثقه بِأَحَدِهِمَا وَلَو غير مخوف أَو لَا يحل قبل مدَّته قَالَه فِي الْإِقْنَاع، وَلم يُقيد فِي الْمُنْتَهى بالطويل تبعا لأكْثر الْأَصْحَاب. وَلَا يملك تَحْلِيله إِن أحرم. وَيجب وَفَاء دين حَال بِطَلَب ربه فَوْرًا على قَادر فَلَا يترخص من سَافر قبله ويمهل بِقدر مَا يتَمَكَّن بِهِ من الْوَفَاء، ويحتاط إِن خيف هروبه بملازمته أَو كَفِيل ملىء أَو ترسيم، وَكَذَا لَو طلب مَحْبُوس تَمْكِينه من الْإِبْقَاء فَيمكن ويحتاط إِن خيف هروبه، أَو توكل إِنْسَان فِي وَفَاء حق وَطلب الْإِمْهَال لإحضار الْحق فَيمكن مِنْهُ كالموكل، وَإِن مطل الْمَدِين رب الدّين حَتَّى شكاه وَجب على حَاكم أمره بوفائه بِطَلَب غَرِيمه وَلم يحْجر عَلَيْهِ وَمَا غرم بِسَبَبِهِ فعلى مماطل. وَلَو أحضر مدعى عَلَيْهِ مدعى بِهِ فَتَقَع الدَّعْوَى على عينه وَلم يثبت لمدع لزمَه مُؤنَة إِحْضَاره ورده إِلَى مَحَله لِأَنَّهُ ألجىء إِلَى ذَلِك. فَإِن أَبى الْمَدِين الْوَفَاء حَبسه وَلَيْسَ لَهُ إِخْرَاجه حَتَّى يتَبَيَّن أمره، فَإِن كَانَ مُعسرا وَجَبت تخليته وَحرمت مُطَالبَته وَالْحجر عَلَيْهِ مَا دَامَ مُعسرا، فَإِن أصر على عدم الْوَفَاء عزره ويكرر حَبسه وتعزيره حَتَّى يَقْضِيه، وَلَا يُزَاد كل يَوْم على أَكثر من عشرَة أسواط. فَإِن أصر مَعَ ذَلِك بَاعَ مَاله وقضاه، فَإِن ادّعى الْعسرَة وَلم يصدقهُ رب الدّين وَدينه عَن عوض كَثمن وقرض، أَو عرض لَهُ مَال سَابق وَالْغَالِب بَقَاؤُهُ، أَو عَن غير عوض كخلع وصداق وَضَمان وَكَانَ أقرّ أَنه ملىء حبس إِلَّا أَن يُقيم بَيِّنَة بالعسرة، وَيعْتَبر فِي الْبَيِّنَة أَن تخبر بَاطِن حَاله وَلَا يحلف مَعهَا، وَيَكْفِي فِي الْحَالين أَن

تشهد بالتلف أَو الْإِعْسَار، وَتسمع بَيِّنَة التّلف ويصدقه على عسرته فَلَا يحبس فِي الْمسَائِل الثَّلَاث وَهِي مَا إِذا أَقَامَ بَيِّنَة بعسرته، أَو تلف مَاله وَنَحْوه، أَو صدقه مُدع على ذَلِك. وَإِن أنكر مُدع عسرته وَأقَام بَيِّنَة بقدرته على الْوَفَاء أَو حلف بِصفة جَوَابه حبس حَتَّى يبرأ أَو تظهر عسرته. وَإِن لم يكن دينه عَن عوض وَلم يعرف لَهُ مَال الأَصْل بَقَاؤُهُ وَلم يقر أَنه ملىء وَلم يحلف مُدع طلب يَمِينه أَنه لَا يعلم عسرته، حلف مَدين أَنه لَا مَال لَهُ وخلى سَبيله. وَلَيْسَ على مَحْبُوس قَول مَا يبذله غَرِيمه لَهُ مِمَّا عَلَيْهِ فِيهِ منَّة وَحرم إِنْكَار مُعسر وحلفه وَلَو تَأَول نصا فَقَالَ رَحمَه الله وَمن مَاله لَا يَفِي بِمَا أَي بِالدّينِ الَّذِي عَلَيْهِ حَال كَونه حَالا وَجب على حَاكم الْحجر عَلَيْهِ أَي على من لَهُ مَال لَا يَفِي بِمَا عَلَيْهِ بِطَلَب بعض غُرَمَائه فَإِن لم يسْأَل أحد لم يحْجر عَلَيْهِ وَلَو سَأَلَهُ الْمُفلس، وَسن إِظْهَاره أَي الْحجر لفلس وسفه ليعلم النَّاس حَالهمَا فَلَا يعاملان إِلَّا على بَصِيرَة، وَسن الْإِشْهَاد على الْحجر لذَلِك. وَيتَعَلَّق بِالْحجرِ عَلَيْهِ أَرْبَعَة أَحْكَام: أَحدهَا تعلق حق الْغُرَمَاء بِمَالِه وَلَا ينفذ تصرفه أَي الْمُفلس فِي مَاله بعد الْحجر بِغَيْر تَدْبِير وَوَصِيَّة وَلَا إِقْرَاره أَي الْمُفلس عَلَيْهِ أَي على نَفسه بِأَن المَال الَّذِي بِيَدِهِ لغيره، فَإِن كَانَ صانعا كالقصار والحائك فِي يَده مَتَاع فَأقر بِهِ لأربابه لم يقبل قَوْله، وتباع الْعين الَّتِي فِي يَده حَيْثُ لَا بَيِّنَة وتقسم بَين الْغُرَمَاء

وَتَكون قيمتهَا وَاجِبَة على الْمُفلس إِذا قدر عَلَيْهَا، بل يقبل قَوْله بِأَن مَا بِيَدِهِ من الْمَتَاع أَو المَال لغيره فِي ذمَّته فَيُطَالب بِهِ بعد فك حجر عَنهُ، وَيكفر هُوَ وسفيه بِصَوْم. وَإِن تصرف فِي ذمَّته بشرَاء أَو بِإِقْرَار أَو ضَمَان صَحَّ فَيُطَالب بِهِ بعد فك حجر عَنهُ. وَالثَّانِي مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وَمن سلمه أَي الْمُفلس عين مَال بيعا أَو قرضا أَو رَأس مَال سلم وَنَحْو ذَلِك حَال كَونه جَاهِل الْحجر عَلَيْهِ أَخذهَا بهَا لِأَنَّهُ أَحَق بهَا من غَيره إِن كَانَت الْعين بِحَالِهَا بِأَن لم تُوطأ بكر وَلم يخرج قن، فَإِن وطِئت أَو جرح جرحا تنقص بِهِ قِيمَته فَلَا رُجُوع، وَأَن يكون عوضهَا كلهَا بَاقٍ فِي ذمَّته فَإِن أدّى بعضه فَلَا رُجُوع، وَأَن تكون كلهَا فِي ملكه فَلَا رُجُوع إِن تلف بَعْضهَا بِبيع أَو وقف أَو نَحْو ذَلِك، وَلم تختلط بِغَيْر متميز وَلم يتَعَلَّق بهَا حق للْغَيْر كرهن وَنَحْوه، وَلم تَتَغَيَّر صفتهَا بِمَا يزِيل اسْمهَا كنسج غزل وخبز دَقِيق، وَلم تزد زِيَادَة مُتَّصِلَة كسمن وَكبر وَتعلم صَنْعَة، وَكَون مُفلس حَيا إِلَى أَخذهَا. فَمَتَى جد شَيْء من ذَلِك امْتنع الرُّجُوع. وَيصِح رُجُوعه بقول وَلَو متراخيا بِلَا حَاكم وَهُوَ فسخ لَا يحْتَاج إِلَى معرفَة مرجوع فِيهِ وَلَا قدرَة على تَسْلِيمه. وَالثَّالِث مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وَيبِيع حَاكم مَاله الَّذِي لَيْسَ من جنس الدّين لُزُوما ويقسمه هُوَ وَالْمَال الَّذِي من جنسه على غُرَمَائه أَي الْمُفلس فَوْرًا وَسن إِحْضَاره وإحضار غُرَمَاء عِنْد بيع ليضبط الثّمن، وَلِأَنَّهُ أطيب لقُلُوبِهِمْ وَأبْعد من التُّهْمَة، وَإِن بَاعه حَاكم من غير حضورهم كلهم جَازَ،

وَسن بيع كل شَيْء فِي سوقه. وَيجب ترك مَا يَحْتَاجهُ من مسكن وخادم صالحين لمثله إِن لم يَكُونُوا عين مَال الْغُرَمَاء، فَإِن كَانَا لم يتْرك شَيْء وَلَو كَانَ مُحْتَاجا إِلَيْهِ وَيَشْتَرِي أَو يتْرك لَهُ بدلهما ويبدل أَعلَى بِصَالح لمثله. وَيجب أَيْضا ترك آلَة حِرْفَة لمحترف، فَإِن لم يكن صَاحب حِرْفَة ترك لَهُ مَا يتجر بِهِ لمؤنته وَينْفق عَلَيْهِ وعَلى من تلْزمهُ نَفَقَتهم من مَاله بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ أدنى مَا ينْفق على مثله، وعَلى مَسْكَنه مثله من مأكل ومشرب وَكِسْوَة. ويجهز هُوَ وَمن تلْزمهُ مُؤْنَته غير زَوجته من مَاله مقدما على غَيره وَلَو على دين برهن، وَتقدم فِي الْجَنَائِز. ويكفن فِي ثَلَاث أَثوَاب، وَقدم فِي الرِّعَايَة: فِي ثوب وَاحِد. وَأُجْرَة مُنَاد وَنَحْوه لم يتَبَرَّع من المَال. وَلَا يلْزم الْغُرَمَاء بِبَيَان أَن لَا غَرِيم سواهُم. وَمن لم يقدر على وَفَاء شَيْء من دينه أَو هُوَ أَو دينه مُؤَجل تحرم مُطَالبَته وحبسه وَتقدم بعضه فِي الْفَصْل، وَكَذَا تحرم ملازمته. وَالرَّابِع انْقِطَاع الطّلب عَنهُ فَمن أقْرضهُ أَو بَاعه شَيْئا لم يملك الطّلب حَتَّى يَنْفَكّ حجره. وَلَا يحل دين مُؤَجل بفلس وَلَا بجنون وَلَا بِمَوْت إِن وثق الْوَرَثَة أَو أَجْنَبِي رب الدّين برهن مُحرز أَو كَفِيل ملىء فَإِن تعذر توثق أَو لم يكن وَارِث حل وَلَو ضمنه الإِمَام.

وَإِن ظهر غَرِيم آخر بعد الْقِسْمَة أَي قسْمَة المَال وَدينه حَال رَجَعَ على الْغُرَمَاء بِقسْطِهِ أَي على كل وَاحِد بِقدر حِصَّته وَلم تنقض الْقِسْمَة، وَإِن ظهر وَدينه مُؤَجل لم يحل نصا، وَلم يُوقف لَهُ شَيْء وَلم يرجع على الْغُرَمَاء بِشَيْء إِذا حل دينه.

فصل. ويحجر على الصَّغِير وعَلى الْمَجْنُون وعَلى السَّفِيه لحظهم، فَلَا يَصح تصرفهم فِي أَمْوَالهم وَلَا فِي ذممهم قبل الْإِذْن وَمن دفع إِلَيْهِم أَو إِلَى أحدهم مَاله بِعقد كإجارة وَبيع أَو لَا بِعقد كوديعة وعارية رَجَعَ الدَّافِع فِيمَا بَقِي من مَاله لبَقَاء ملكه عَلَيْهِ وَلَا يرجع فِي مَا تلف مِنْهُ بِنَفسِهِ كموت حَيَوَان أَو قن أَو بِفعل مَحْجُور عَلَيْهِ كقتله وَهُوَ على ملك صَاحبه غير مَضْمُون لِأَنَّهُ سلطه عَلَيْهِ بِرِضَاهُ وَسَوَاء علم الدَّافِع بِحجر عَلَيْهِ أَو لَا لتَفْرِيطه ويضمنون أَي الْمَحْجُور عَلَيْهِم لحظ أنفسهم جِنَايَة على نفس أَو طرف ويضمنون إِتْلَاف مَا لم يدْفع إِلَيْهِم من المَال لِاسْتِوَاء الْمُكَلف وَغَيره فِيهِ. وَمن أَخذ من أحدهم مَالا ضمنه حَتَّى يَأْخُذهُ وليه لَا إِن أَخذه ليحفظه وَتلف وَلم يفرط، وَمن بلغ من ذكر أَو أُنْثَى أَو خُنْثَى حَال كَونه رشيدا انْفَكَّ الْحجر عَنهُ، أَو بلغ مَجْنُونا ثمَّ عقل ورشد انْفَكَّ الْحجر عَنهُ بِلَا حكم بفكه، وَسَوَاء رشده الْوَلِيّ أَو لَا وَأعْطى مَاله لقَوْله تَعَالَى 19 ((فَإِن ءانستم مِنْهُم رشدا فادفعوا إِلَيْهِم أَمْوَالهم)) . وَلَا يعْطى مَاله قبل ذَلِك بِحَال وَلَو صَار شَيخا لِلْآيَةِ.

وَيحصل بُلُوغ ذكر بإمناء باحتلام أَو جماع أَو غَيرهمَا كإمناء بِيَدِهِ أَو ب تَمام خمس عشرَة سنة أَو ب نَبَات شعر خشن أَي الَّذِي يسْتَحق أَخذه بالموس لَا زغب ضَعِيف حول قبله، وبلوغ أُنْثَى بذلك أَي بِالَّذِي يحصل بِهِ بُلُوغ الذّكر وتزيد عَلَيْهِ بحيض، وَحملهَا دَلِيل إمنائها لإجراء الْعَادة بِخلق الْوَلَد من مائهما، قَالَ الله تَعَالَى 19 ((فَلْينْظر الْإِنْسَان مِم خلق، خلق من مَاء دافق يخرج من بَين الصلب والترائب)) . فَيحكم ببلوغها مُنْذُ حملت وَيقدر ذَلِك بِمَا قبل وَضعهَا بِسِتَّة أشهر لِأَنَّهُ الْيَقِين. وبلوغ خُنْثَى بسن أَو نَبَات شعر حول قبليه، فَإِن وجد حول أَحدهمَا فَلَا قَالَه القَاضِي وَابْن عقيل، وإمناء من أحد فرجيه أَو حيض من قبل أَو هما أَي الْمَنِيّ وَالْحيض من مخرج وَاحِد، لِأَنَّهُ إِن كَانَ ذكرا فقد أمنى وَإِن كَانَت أُنْثَى فقد أمنت وحاضت، وَلَا اعْتِبَار بغلظ الصَّوْت وَفرق الْأنف ونهود الثدي وَشعر الْإِبِط. وَلَا يدْفع إِلَيْهِ أَي إِلَى من بلغ رشيدا ظَاهرا مَاله حَتَّى يختبر وَلَا يختبر إِلَّا من يعرف الْمصلحَة من الْمفْسدَة وتصرفه حَال الإختبار صَحِيح بِمَا يَلِيق بِهِ وَحَتَّى يؤنس أَي يعلم رشده، وَمحله أَي الإختبار قبل بُلُوغ، والرشد هُنَا أَي فِي الْحجر إصْلَاح المَال وصونه عَمَّا لَا فَائِدَة فِيهِ، وَيخْتَلف ذَلِك باخْتلَاف النَّاس فولد تَاجر يؤنس رشده بِأَن يَبِيع وَيَشْتَرِي ويتكرر ذَلِك مِنْهُ فَلَا يغبن غَالِبا غبنا فَاحِشا، وَولد رَئِيس

وَصدر كَبِير وَكَاتب الَّذين يصان أمثالهم عَن الْأَسْوَاق بِأَن يدْفع إِلَيْهِ نَفَقَة لينفقها فِي مَصَالِحه، فَإِن صرفهَا فِي مصارفها ومواقعها وَاسْتوْفى على وَكيله فِيمَا وكل فِيهِ وستقصى عَلَيْهِ دلّ ذَلِك على رشده، وَيعْتَبر مَعَ مَا تقدم من إيناس رشده أَن لَا يبْذل مَاله فِي حرَام كقمار وغناء وَشِرَاء الْمُحرمَات وَنَحْوه و، لَا فِي غير فَائِدَة كحرق نفط يَشْتَرِيهِ للتفرج عَلَيْهِ، بِخِلَاف صرفه فِي بَاب بر كصدقة أَو فِي مطعم ومشرب وملبس ومنكح يَلِيق بِهِ فَلَيْسَ بتبذير إِذْ لَا إِسْرَاف فِي الْخَيْر، وَالْأُنْثَى يُفَوض إِلَيْهَا مَا يُفَوض إِلَى ربة الْبَيْت من الْغَزل والاستغزال بِأُجْرَة الْمثل وتوكيلها فِي شِرَاء الْكَتَّان وَنَحْوه وَحفظ الْأَطْعِمَة من الهر والفأر وَغير ذَلِك، فَإِن وجدت ضابطة لما فِي يَدهَا مستوفية من وكيلها فَهِيَ رَشِيدَة. وَمن نوزع فِي رشده فَشهد بِهِ عَدْلَانِ ثَبت رشده، ووليهم أَي ولي صَغِير وَبَالغ مَجْنُون وَمن بلغ سَفِيها وَاسْتمرّ حَال الْحجر الْأَب الْبَالِغ لكَمَال شفقته فَإِن ألحق الْوَلَد بِابْن عشر فَأكْثر وَلم يثبت بُلُوغه فَلَا ولَايَة لَهُ، وَيشْتَرط أَن يكون رشيدا عَاقِلا حرا عدلا ظَاهرا وَلَو كَافِرًا على وَلَده الْكَافِر بِأَن يكون عدلا فِي دينه. ثمَّ بعد الْأَب ووصيه أَي وصّى الْأَب وَلَو بِجعْل وَثمّ مُتَبَرّع. ثمَّ بعد الْأَب وَصِيَّة الْحَاكِم لانْقِطَاع الْولَايَة من جِهَة الْأَب فَتكون للْحَاكِم كولاية النِّكَاح لِأَنَّهُ ولى من لَا ولى لَهُ، فَإِن عدم الْحَاكِم فأمين يقوم مقَامه. وَلَا يتَصَرَّف الْوَلِيّ وجوبا لَهُم أَي الْمَحْجُور عَلَيْهِم إِلَّا بالأحظ لَهُم لقَوْله تَعَالَى: 19 ((وَلَا تقربُوا مَال الْيَتِيم إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أحسن)) ، وَالسَّفِيه وَالْمَجْنُون فِي مَعْنَاهُ، فَإِن تبرع ولى الصَّغِير

وَالْمَجْنُون بِصَدقَة أَو هبة أَو حابى أَو زَاد على النَّفَقَة عَلَيْهِمَا أَو على من تلزمهما مُؤْنَته بِالْمَعْرُوفِ ضمن، وتدفع النَّفَقَة إِن أفسدها يَوْمًا بِيَوْم فَإِن أفسدها أطْعمهُ مُعَاينَة وَإِلَّا كَانَ مفرطا. وَإِن أفسد كسوته ستر عَوْرَته فَقَط فِي بَيت إِن لم يكن تحيل على إبقائها عَلَيْهِ وَلَو بتهديد. وَلَا يَصح أَن يَبِيع الْوَلِيّ أَن يَشْتَرِي أَو يرتهن من مَالهمَا لنَفسِهِ لِأَنَّهُ مَظَنَّة التُّهْمَة، إِلَّا إِذا كَانَ أَبَا فَلهُ ذَلِك، ويلي طرفِي العقد، والتهمة منتفية بَين الْوَالِد وَولده إِذْ من طبيعة الشَّفَقَة عَلَيْهِ. وَيسْتَحب إكرام الْيَتِيم وَإِدْخَال السرُور عَلَيْهِ وَدفع النَّقْص والإهانة عَنهُ، فجبر قلبه من أعظم مَصَالِحه، وَإِن أقرّ السَّفِيه بِحَدّ أَو نسب أَو طَلَاق أَو قصاص صَحَّ وَأخذ بِهِ فِي الْحَال، وبمال أَخذ بِهِ بعد فك الْحجر عَنهُ، وَتقدم بعضه، وَحكم تصرف ولي سَفِيه كولي صَغِير وَمَجْنُون، وللولي غير الْحَاكِم وأمينه أَن يَأْكُل من مَال موليه مَعَ الْحَاجة الْأَقَل من أُجْرَة مثله وكفايته، وَلَا يلْزمه عوضه بيساره، وَمَعَ عدم الْحَاجة يَأْكُل مَا فَرْضه لَهُ الْحَاكِم. ولناظر وقف وَلَو لم يَصح أكل بِمَعْرُوف. ولقن غير مَأْذُون لَهُ فِي تِجَارَة أَن يتَصَرَّف من قوته بِمَا لَا يضر كرغيف وبيضة وفلس لجَرَيَان الْعَادة بالمسامحة فِيهِ. ولزوجة وكل متصرف فِي بَيت كأجير وَغُلَام متصرف فِي بَيت سَيّده الصَّدَقَة مِنْهُ بِلَا إِذن صَاحبه بِنَحْوِ ذَلِك إِلَّا أَن يمْنَع رب الْبَيْت مِنْهُ أَو يكون بَخِيلًا فَيحرم فيهمَا الْإِعْطَاء من مَاله بِلَا إِذْنه لِأَن الأَصْل عدم رِضَاهُ إِذا. وَإِن كَانَت الْمَرْأَة مَمْنُوعَة من التَّصَرُّف فِي بَيت زَوجهَا كَالَّتِي يطْعمهَا بِالْفَرْضِ، وَلَا يُمكنهَا من طَعَامه فَهُوَ كَمَا لَو منعهَا بالْقَوْل.

وَمن اشْترى من قن شَيْئا فَوَجَدَهُ معيبا فَقَالَ الْقِنّ: أَنا غير مَأْذُون لي فِي التِّجَارَة لم يقبل قَوْله نصا، وَلَو صدقه سَيّده لِأَنَّهُ يَدعِي فَسَاد العقد والخصم يَدعِي صِحَّته. وَيقبل قَوْله أَي الْمولى بعد فك حجر عَن مَحْجُور عَلَيْهِ لعقله ورشده فِي مَنْفَعَة وضرورة فِي تلف وَفِي غِبْطَة وَهُوَ شِرَاؤُهُ لموليه شَيْئا بِزِيَادَة كَثِيرَة على ثمن مثله، وَفِي قدر نَفَقَته وَلَو على عقار مَحْجُور عَلَيْهِ أَو كسوته أَو كسْوَة زَوجته أَو رَقِيقه وَنَحْوه. وَفِيمَا إِذا ادّعى عَلَيْهِ موليه تَعَديا فِي مَاله أَو مُوجب ضَمَان كتفريط أَو تبرع وَنَحْوهمَا فَالْقَوْل قَول ولي، لِأَنَّهُ أَمِين مَا لم يُخَالِفهُ عَادَة وَعرف فَيرد للقرينة، وَيحلف ولي غير حَاكم. وَلَا يقبل قَول ولي يَجْعَل فِي دفع مَال بعد رشد أَو عقل لِأَنَّهُ قبض المَال لمصلحته أشبه الْمُسْتَعِير إِلَّا من مُتَبَرّع فَيقبل قَوْله فِي دفع المَال إِذا، لِأَنَّهُ قبض المَال لمصْلحَة الْمَحْجُور عَلَيْهِ فَقَط أشبه الْوَدِيع. وَلَا يقبل قَول ولي فِي قدر زمن الْإِنْفَاق بِأَن قَالَ: من انْفَكَّ حجره أنفقت على سنة، فَقَالَ الْوَلِيّ: بل سنتَيْن، إِلَّا بِبَيِّنَة لِأَن الأَصْل عدم مَا يَدعِيهِ. وَيتَعَلَّق جَمِيع دين قن مَأْذُون لَهُ إِن اسْتَدَانَ فِيمَا أذن فِيهِ أَو غَيره نصا بِذِمَّة سَيّده لِأَنَّهُ غر النَّاس بِإِذْنِهِ لَهُ. وَكَذَا مَا اقترضه بِإِذْنِهِ يتَعَلَّق بِذِمَّة سَيّده بَالغا مَا بلغ لِأَنَّهُ متصرف لسَيِّده وَلِهَذَا لَهُ الْحجر عَلَيْهِ وإمضاء بيع خِيَار وفسخه وَيثبت الْملك لَهُ، وَسَوَاء كَانَ بيد الْمَأْذُون لَهُ أَو لَا. وَيتَعَلَّق دين غَيره أَي غيرالمأذون لَهُ فِي تِجَارَة بِأَن اشْترى فِي

ذمَّته أَو اقْترض بِغَيْر إِذن سَيّده وَتلف مَا اشْتَرَاهُ أَو اقترضه بِيَدِهِ أَو يَد سَيّده بِرَقَبَتِهِ، فيفديه سَيّده بِالْأَقَلِّ من الدّين أَو قِيمَته أَو يَبِيعهُ وَيُعْطِيه، أَو يُسلمهُ لرب الدّين لفساد تصرفه فَأشبه أرش الْجِنَايَة. وَمحل تعلقه بِرَقَبَتِهِ إِن تلف باستدانته وَإِلَّا أَخذه مَالِكه حَيْثُ أمكن. وَأرش جِنَايَة قن وقيم متلفاته يتَعَلَّق بِرَقَبَتِهِ أَي الْقِنّ سَوَاء كَانَ مَأْذُونا لَهُ أَو لَا.

فصل

3 - (فصل) . وَتَصِح الْوكَالَة وَهِي بِفَتْح الْوَاو وَكسرهَا - اسْم مصدر بِمَعْنى التَّوْكِيل ولغة التَّفْوِيض تَقول: وكلت أَمْرِي إِلَى الله تَعَالَى. أَي فوضته واكتفيت بِهِ، وَتطلق أَيْضا بِمَعْنى الْحِفْظ وَمِنْه: حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل، أَي الحفيظ. وَشرعا استنابة جَائِز التَّصَرُّف مثله فِيمَا تدخله النِّيَابَة. وَتَصِح مُؤَقَّتَة، كَأَنْت وَكيلِي شهرا، ومعلقة كوصية وَإِذا دخل رَمَضَان وَنَحْوه، وَتَصِح بِكُل قَول يدل على إِذن نصا كبع عَبدِي فلَانا أَو أعْتقهُ وَنَحْوه، أَو فوضت إِلَيْك أمره، أَو جعلتك نَائِبا عني فِي كَذَا، أَو أقمتك مقَامي لِأَنَّهُ لفظ دلّ على الْإِذْن فصح كلفظها، وَيصِح قبُولهَا أَي الْوكَالَة بِكُل قَول أَو فعل من الْوَكِيل يدل عَلَيْهِ أَي الْقبُول. وَيصِح فَوْرًا أَو متراخيا، وكل عقد جَائِز كشركة ومساقاة وَنَحْوهمَا فَهُوَ كَالْوكَالَةِ فِيمَا تقدم، وَشرط تعْيين الْوَكِيل لَا علمه بِالْوكَالَةِ، فَلَو بَاعَ عبد زيد على أَنه فُضُولِيّ وَبَان أَن زيدا كَانَ وَكله فِيهِ قبل البيع، صَحَّ اعْتِبَارا بِمَا فِي نفس الْأَمر لَا بِمَا فِي ظن الْمُكَلف. وللوكيل التَّصَرُّف بِخَبَر من ظن صدقه بتوكيل زيد لَهُ مثلا، وَيضمن مَا ترَتّب على تصرفه إِن أنكر زيد الْوكَالَة، وَإِن أَبى الْوَكِيل قبُولهَا فكعزله نَفسه،

وَشرط كَونهمَا أَي الْمُوكل وَالْوَكِيل جائزي التَّصَرُّف، فَلَا يَصح تَوْكِيل السَّفِيه فِي عتق عَبده سوى تَوْكِيل أعمى وَنَحْوه عَالما فِيمَا يحْتَاج لرؤية كجوهر وعقار فَيصح، وَإِن لم يَصح مِنْهُ ذَلِك بِنَفسِهِ لِأَن منعهما التَّصَرُّف فِي ذَلِك لعجزهما عَن الْعلم بِالْمَبِيعِ لَا لِمَعْنى فيهمَا يَقْتَضِي منع التَّوْكِيل. وَمثله توكل فَلَا يَصح أَن يُوجب نِكَاحا عَن غَيره من لَا يَصح مِنْهُ إِيجَابه لموليته لنَحْو فسق، وَلَا أَن يقبله من لَا يَصح مِنْهُ لنَفسِهِ ككافر يتوكل فِي قبُول نِكَاح مسلمة لمُسلم، سوى قبُول نِكَاح أُخْته وَنَحْوهَا لأَجْنَبِيّ، وَسوى قبُول حر وَاجِد الطول نِكَاح أمة لمن تُبَاح لَهُ الْأمة من قن أَو حر عادم الطول خَائِف الْعَنَت، وَسوى توكل غَنِي فِي قبض زَكَاة لفقير، وَسوى طَلَاق امْرَأَة نَفسهَا أَو غَيرهَا بوكالة. وَتَصِح وكَالَة الْمُمَيز بِإِذن وليه فِي كل تصرف لَا يعْتَبر لَهُ الْبلُوغ كتصرفه بِإِذْنِهِ، وَمن لَهُ تصرف فِي شَيْء فَلهُ توكل فِيهِ وَله تَوْكِيل فِيهِ أَي فِيمَا لَهُ التَّصَرُّف فِيهِ، وَتَصِح الْوكَالَة فِي كل حق آدَمِيّ من عقد وَغَيره كَطَلَاق ورجعة وَبيع وَشِرَاء وحوالة وَرهن وَضَمان وَشركَة وَكِتَابَة ووديعة ومضاربة وجعالة ومساقاة وَإِجَارَة وقرض وَصلح وَهبة وَصدقَة وَوَصِيَّة وتدبير وإيقاف وَقِسْمَة وَنَحْو ذَلِك، وَلَا تصح فِي ظِهَار وَلَا فِي لعان وَلَا فِي أَيْمَان وَنذر وإيلاء وقسامة وَقسم بَين الزَّوْجَات وَشَهَادَة والتقاط واغتنام وَدفع جِزْيَة ومعصية ورضاع وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا تدخله النِّيَابَة، وَتَصِح فِي بيع مَاله كُله أَو مَا شَاءَ مِنْهُ،

وبالمطالبة بحقوقه كلهَا أَو مَا شَاءَ مِنْهَا، وبالإبراء مِنْهَا كلهَا أَو مَا شَاءَ مِنْهَا. قَالَ فِي الْإِقْنَاع: وَظَاهر كَلَامهم فِي بِعْ، من مَالِي مَا شِئْت، لَهُ بيع كل مَاله. وَلَا يَصح: وَكلتك فِي كل قَلِيل وَكثير وَتسَمى المفوضة ذكر الْأَزجيّ اتِّفَاق الْأَصْحَاب، لِأَنَّهُ يدْخل فِيهِ كل شَيْء من هبة مَاله وَطَلَاق نِسَائِهِ وَعتق رَقِيقه فيعظم الْغرَر وَالضَّرَر، وَلِأَن التَّوْكِيل شَرطه أَن يكون فِي تصرف مَعْلُوم. وَلَا يَصح قَوْله: اشْتَرِ مَا شِئْت أَو اشْتَرِ عبدا بِمَا شِئْت حَتَّى يبين لَهُ نوعا يَشْتَرِيهِ وَقدر ثمن. وَتَصِح الْوكَالَة فِي كل حق الله عز وَجل تدخله النِّيَابَة من إِثْبَات حق واستيفائه وَعبادَة كتفرقة صَدَقَة وَنذر وَكَفَّارَة وَزَكَاة وَحج وَعمرَة، وَتدْخل رَكعَتَا الطّواف تبعا لَهما. وَيصِح: أخرج زَكَاة مَالِي من مَالك. وللوكيل اسْتِيفَاء حد بِحَضْرَة مُوكله وغيبته وَلَو فِي قصاص وحد قذف، وَالْأولَى بِحُضُورِهِ فيهمَا. وَلَيْسَ لَهُ أَن يُوكل فِيمَا يتَوَلَّى مثله إِلَّا بِإِذن مُوكله، وَله أَن يُوكل فِيمَا يعجز عَنهُ مثله لكثرته وَلَو فِي جَمِيعه وَفِيمَا لَا يتَوَلَّى مثله لنَفسِهِ كالأعمال الدنية فِي حق أَشْرَاف النَّاس المترفعين عَنْهَا عَادَة، لِأَن الْإِذْن إِنَّمَا ينْصَرف لما جرت بِهِ الْعَادة، وَإِن أذن لَهُ مُوكل فِي التَّوْكِيل تعين أَن يكون الثَّانِي أَمينا فَلَا يجوز لَهُ أَن يُوكل غير أَمِين إِلَّا مَعَ تعْيين الْمُوكل الأول بِأَن قَالَ لَهُ: وكل زيدا مثلا، فَلهُ تَوْكِيله وَإِن لم يكن أَمينا. وَإِن وكل أَمينا فخان فَعَلَيهِ عَزله لِأَن إبقاءه تَفْرِيط تَضْييع:

وَلَيْسَ لَهُ أَن يعْقد مَعَ فَقير أَو قَاطع طَرِيق أَو يَبِيع نسَاء أَو بِمَنْفَعَة أَو عرض أَو بِغَيْر نقد الْبَلَد غالبه إِن جمع نقودا. أَو بِغَيْر الْأَصْلَح مِنْهَا إِن تَسَاوَت رواجا إِلَّا بِإِذن مُوكله فِي الْكل. وَهِي أَي الْوكَالَة وَشركَة ومضاربة ومساقاة ومزارعة ووديعة وجعالة ومسابقة وعارية عُقُود جَائِزَة من الطَّرفَيْنِ، لِأَن غايتها إِذن وبذل نفع وَكِلَاهُمَا جَائِز، وَلكُل من الْمُتَعَاقدين فَسخهَا أَي هَذِه الْعُقُود كفسخ الْإِذْن فِي أكل طَعَامه، وَتبطل كلهَا بِمَوْت أَحدهمَا وجنونه وَالْحجر عَلَيْهِ لسفه حَيْثُ اعْتبر رشده كالتصرف المالي. فَإِن وكل فِي طَلَاق ورجعة وَنَحْوهمَا لم تبطل بِسَفَه. وَتبطل بسكر يفسق بِهِ فِيمَا يُنَافِيهِ كإيجاب نِكَاح. وبفلس مُوكل فِيمَا حجر عَلَيْهِ فِيهِ. وبردته لَا بردة وَكيله إِلَّا فِيمَا ينافيها. وبتدبيره أوكتابته قِنَا وكل فِي عتقه لَا بسكناه وَلَا بِبيعِهِ بيعا فَاسِدا مَا وكل فِي بَيْعه. وينعزل بِمَوْت مُوكله وبعزله وَلَو لم يبلغهُ ذَلِك. وَلَا يقبل قَول مُوكل إِنَّه عزل وَكيله قبل تصرفه فِي غير طَلَاق بِلَا بَيِّنَة. وَيقبل قَوْله إِنَّه أخرج زَكَاته قبل دفع وَكيله للساعي، ويأخذها الْوَكِيل من السَّاعِي إِن بقيت فِي يَده لفساد الْقَبْض فَإِن فرقها على مستحقيها، أَو تلفت بِيَدِهِ فَلَا رُجُوع عَلَيْهِ. وَحُقُوق عقد مُتَعَلقَة بموكل لِأَن الْملك ينْتَقل إِلَيْهِ ابْتِدَاء وَلَا يدْخل فِي ملك الْوَكِيل فَلَا يعْتق قريب وَكيل عَلَيْهِ وَلَا يَصح بِلَا إِذن مُوكل بيع وَكيل لنَفسِهِ بِأَن يَشْتَرِي مَا وكل فِي بَيْعه من نَفسه لنَفسِهِ وَلَا يَصح شِرَاؤُهُ أَي الْوَكِيل مِنْهَا أَي من نَفسه لمُوكلِه بِأَن وكل فِي شِرَاء شَيْء فَاشْتَرَاهُ من نَفسه لمُوكلِه لِأَنَّهُ خلاف الْعرق فِي ذَلِك، وكما لَو صرح لَهُ فَقَالَ بِعْهُ أَو اشتره من غَيْرك للحوق

التُّهْمَة لَهُ فِي ذَلِك فَإِن أذن لَهُ صَحَّ إِذا تولى طرفِي العقد فيهمَا، كأب الصَّغِير إِذا بَاعَ من مَاله لوَلَده أَو اشْترى من مَاله لوَلَده. وَمثله نِكَاح كَأَن يُوكل الْوَلِيّ الزَّوْج أَو عَكسه أَو يوكلا وَاحِدًا أَو يُزَوّج عَبده الصَّغِير بأمته وَنَحْوه فيتولى طرفِي العقد. وَولده أَي الْوَكِيل ووالده ومكاتبه وَنَحْوهم مِمَّن ترد شَهَادَته لَهُ كنفسه فَلَا يجوز البيع لأَحَدهم وَلَا الشِّرَاء مِنْهُ مَعَ الْإِطْلَاق، لِأَنَّهُ يتهم فِي حَقهم ويميل إِلَى ترك الِاسْتِقْصَاء عَلَيْهِم فِي الثّمن كتهمته فِي حق نَفسه، بِخِلَاف نَحْو أَخِيه وَعَمه، وكالوكيل حَاكم وأمينه ووصي وناظر وقف ومضارب، قَالَ المنقح: وَشريك عنان ووجوه فَلَا يَبِيع أحد مِنْهُم من نَفسه وَلَا وَلَده ووالده لما تقدم، فَيعلم مِنْهُ أَنه لَيْسَ لناظر الْوَقْف غير الْمَوْقُوف عَلَيْهِ أَن يُؤجر عين الْوَقْف لوَلَده وَلَا وزجته، وَلَا تؤجر ناظرة زَوجهَا وَنَحْوه للتُّهمَةِ وَإِن بَاعَ الْوَكِيل أَو الْمضَارب بِدُونِ ثمن مثل أَو بِدُونِ ثمن مُقَدّر أَو اشْترى الْوَكِيل أَو الْمضَارب ب ثمن أَكثر مِنْهُ أَي من ثمن الْمثل أَو الْمُقدر نصا صَحَّ البيع وَالشِّرَاء لِأَن من صَحَّ بَيْعه وشراؤه بِثمن صَحَّ بأنقص مِنْهُ وأزيد كَالْمَرِيضِ وَضمن وَكيل ومضارب فِي شِرَاء زِيَادَة أَي مثل الزِّيَادَة عَن ثمن مثل أَو مُقَدّر أَو أَي وَضمن نقصا أَي كل النَّقْص عَن مُقَدّر وَضمن كل مَالا يتَغَابَن بِمثلِهِ عَادَة فِيمَا لم يقدر، بِأَن يُعْطي لوَكِيله ثوبا ثمن مثله مائَة دِرْهَم، يَبِيعهُ لَهُ وَلم يقدر لَهُ الثّمن فيبيعه بِثَمَانِينَ وَالْحَال أَن مثل الثَّوْب وَقد يَبِيعهُ غَيره بِخَمْسَة وَثَمَانِينَ درهما، فَهَذِهِ الْخَمْسَة الَّتِي نقصت عَن ثمن مثله مِمَّا يتَغَابَن النَّاس بِمثلِهِ فِي الْعَادة فَلَو أَو الْوَكِيل بَاعَ بِمثل هَذَا النَّقْص لم يضمن لِأَن التَّحَرُّز عَن مثل هَذَا

عسر، لكنه لَو بَاعَ بِنَقص لَا يتَغَابَن بِمثلِهِ فِي التِّجَارَة وَهُوَ عشرُون من مائَة فَيضمن جَمِيع هَذَا النَّقْص. وبعه لزيد، فَبَاعَهُ لغيره لم يَصح. وَمن أَمر بِدفع شَيْء إِلَى نَحْو قصار معِين ليصنعه فَدفع ونسيه فَضَاعَ لم يضمن. وَإِن أطلقهُ الْمَالِك فَدفعهُ الْوَكِيل إِلَى من لَا يعرفهُ ضمن، وبعه بدرهم فَبَاعَهُ بِهِ وبعرض أَو بِدِينَار صَحَّ، وَكَذَا بِأَلف نسَاء فَبَاعَ بِهِ حَالا وَلَو مَعَ ضَرَر يلْحق الْمُوكل بحفظه الثّمن لِأَنَّهُ زَاده خيرا مَا لم يَنْهَهُ فَإِن نَهَاهُ لم يَصح للمخالفة. وَبعد فَبَاعَ بعضه بِدُونِ ثمنه كُله لم يَصح، أَو يكن عبيدا أَو صبرَة وَنَحْوهَا فَيصح بَيْعه مفرقا مَا لم يقل: صَفْقَة. وَكَذَا شَاءَ فَلَو قَالَ اشْتَرِ لي عشرَة عبيد أَو عشرَة أَرْطَال غزل أَو عشرَة أَمْدَاد بر صَحَّ شراؤها صَفْقَة وشيئا بعد شَيْء مَا لم يقل صَفْقَة. وبعه بِأَلف فِي سوق كَذَا فَبَاعَهُ فِي سوق آخر صَحَّ مَا لم يَنْهَهُ أَو يكن لَهُ فِيهِ غَرَض صَحِيح. وَإِن قَالَ اشتره بِكَذَا فَاشْتَرَاهُ مُؤَجّلا، أَو اشْتَرِ شَاة بِدِينَار فَاشْترى شَاتين تساويه إِحْدَاهمَا أَو شَاة تساويه بِأَقَلّ صَحَّ ووكيل شخص وَكله فِي مَبِيع ليَبِيعهُ لَهُ يُسلمهُ أَي يملك تَسْلِيمه لمشتريه لِأَنَّهُ من تَمام البيع وَلَا يقبض الْوَكِيل ثمنه أَي لَا يملك قبض ثمنه فَإِن تعذر قَبضه لم يلْزمه شَيْء كَمَا لَو ظهر الْمَبِيع مُسْتَحقّا أَو مَبِيعًا، قَالَ المنقح: مَا لم يفض إِلَى رَبًّا، فَإِن أفْضى إِلَى رَبًّا كأمره بِبيع قفيز بر بِمثلِهِ أَو شعير فَبَاعَهُ وَلم يحضر مُوكله ملك قَبضه للْإِذْن فِيهِ شرعا وَعرفا إِلَّا أَن يَأْذَن لَهُ فِي الْقَبْض فَلهُ الْقَبْض أَو إِلَّا بِقَرِينَة تدل عَلَيْهِ مثل تَوْكِيله فِي بيع ثوب فِي سوق غَائِب عَن الْمُوكل

أَو مَوضِع يضيع الثّمن بترك قبض أَو نَحْو ذَلِك فَلهُ قَبضه أَيْضا فَمَتَى ترك قَبضه ضمنه، وَسلم وَكيل الشِّرَاء الثّمن أَي يملك تَسْلِيم الثّمن ووكيل خُصُومَة أَي إِذا وكل شخص آخر فِي خُصُومَة ف لَا يقبض الْوَكِيل لِأَن الْإِذْن فِيهِ لم يتَنَاوَلهُ نطقا وَلَا عرفا وَقد يرضى للخصومة من لَا يرضى للقبض ووكيل فِي قبض دين أَو عين يُخَاصم أَي يكون وَكيلا فِي مخاصمة وَالْوَكِيل أَمِين لَا يضمن مَا تلف بِيَدِهِ إِلَّا بتعد أَو تَفْرِيط لِأَنَّهُ نَائِب عَن الْمَالِك فِي الْيَد وَالتَّصَرُّف، فالهلاك فِي يَده كالهلاك فِي يَد الْمَالِك كَالْمُودعِ وَالْوَصِيّ، وَسَوَاء كَانَ مُتَبَرعا أَو بِجعْل فَإِن فرط أَو تعدى ضمن وَيقبل قَوْله أَي الْوَكِيل فِي نفيهما أَي التَّعَدِّي والتفريط بِيَمِينِهِ إِذا ادَّعَاهُ مُوكله، لِأَنَّهُ أَمِين وَلَا يُكَلف بِبَيِّنَة لِأَنَّهُ مِمَّا تتعذر إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ، وَلِئَلَّا يمْتَنع النَّاس من الدُّخُول فِي الْأَمَانَات مَعَ الْحَاجة إِلَيْهَا، وَيقبل قَوْله فِي هَلَاك الْعين أَو الثّمن بِيَمِينِهِ، ك مَا تقبل دَعْوَى شخص مُتَبَرّع رد الْعين أَو رد ثمنهَا أَي الْعين لموكل لِأَنَّهُ قبض الْعين لنفع مَالِكهَا لَا غير، فَهُوَ كَالْمُودعِ، وَلَا يقبل قَول وَكيل يَجْعَل، لِأَن فِي قَبضه نفعا لنَفسِهِ أشبه الْمُسْتَعِير وَلَا إِذا ادّعى الرَّد لوَرثَته أَي الْمُوكل لأَنهم لم يأتمنوه وَلَا قَول وَرَثَة وَكيل فِي دفع لموكل إِلَّا بِبَيِّنَة تشهد بذلك. وَيقبل إِقْرَاره على الْمُوكل فِي كل مَا وكل فِيهِ من بيع وَإِجَارَة وَصرف وَغَيرهَا.

وَمن عَلَيْهِ حق فَادّعى إِنْسَان أَنه وَكيل ربه فِي قَبضه أَو أَنه وَصِيّه أَو أُحِيل بِهِ فَصدقهُ مدعى عَلَيْهِ لم يلْزمه دفع إِلَيْهِ وَإِن كذبه لم يسْتَحْلف، وَإِن دَفعه وَأنكر صَاحبه ذَلِك حلف وَرجع على دَافع وَحده إِن كَانَ دينا فَإِن نكل لم يرجع بِشَيْء، وَرجع دَافع على مدعي الْوكَالَة أَو الْحِوَالَة بِمَا دفع مَعَ بَقَائِهِ وببدله إِن تلف بتعديه أَو تفريطه لَا بِمَنْزِلَة الْغَاصِب وَبلا تعد أَو تَفْرِيط لم يضمنهُ وَلم يرجع عَلَيْهِ دَافع بِشَيْء لِأَنَّهُ مقرّ بِأَنَّهُ أَمِين حَيْثُ صدقه فِي دَعْوَى الْوكَالَة أَو الْوَصِيَّة، وَأما مَعَ دَعْوَى الْحِوَالَة فَيرجع دَافع على قَابض مُطلقًا أَي سَوَاء بَقِي فِي يَده أَو تلف بتعد أَو تَفْرِيط أَو لَا، لِأَنَّهُ قَبضه لنَفسِهِ فَدخل على أَنه مَضْمُون عَلَيْهِ. وَإِن كَانَ الْمَدْفُوع عينا كوديعة وَنَحْوهَا ووجدها رَبهَا أَخذهَا لِأَنَّهَا عين مَاله، وَإِن لم يجدهَا ضمن أَيهمَا شَاءَ، وَلَا يرجع الدَّافِع بهَا على غير متْلف أَو مفرط لاعتراف كل مِنْهُمَا بِأَن مَا أَخذه الْمَالِك ظلم واعتراف الدَّافِع بِأَنَّهُ لم يحصل من الْقَابِض مَا يُوجب الضَّمَان فَلَا يرجع عَلَيْهِ بظُلْم غَيره، هَذَا كُله إِذا صدق من عَلَيْهِ الْحق الْمُدَّعِي، وَأما مَعَ عدم تَصْدِيق فَيرجع على مَدْفُوع إِلَيْهِ بِمَا دَفعه لَهُ مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ دينا أَو عينا، بَقِي أَو تلف، لِأَنَّهُ لم يقر بوكالته وَلم يثبت بَيِّنَة، وَمُجَرَّد التَّسْلِيم لَيْسَ تَصْدِيقًا. وَإِن ادّعى مَوته وَأَنه وَارثه لزمَه دَفعه إِلَيْهِ مَعَ تَصْدِيق، وحلفه مَعَ إِنْكَار موت رب الْحق وَإِن الطَّالِب وَارثه، وَصفَة الْيَمين أَنه لَا يعلم صِحَة مَا قَالَه لِأَن الْيَمين هَهُنَا على فعل الْغَيْر فَتكون على نفي الْعلم.

فصل

3 - (فصل) فِي الشّركَة. وَالشَّرِكَة بِفَتْح الشين مَعَ كسر الرَّاء وسكونها وبكسر الشين مَعَ سُكُون الرَّاء جَائِزَة بِالْإِجْمَاع، وَهِي قِسْمَانِ: أَحدهمَا اجْتِمَاع فِي اسْتِحْقَاق، وَهِي أَنْوَاع: أَحدهَا فِي الْمَنَافِع والرقاب كَعبد ودرا بَين اثْنَيْنِ فَأكْثر بِإِرْث أَو بيع وَنَحْوهمَا، الثَّانِي فِي الرّقاب كَعبد موصى بمنفعته وَرثهُ اثْنَان فَأكْثر، الثَّالِث فِي الْمَنَافِع كمنفعة موصى بهَا لاثْنَيْنِ فَأكْثر، الرَّابِع فِي حُقُوق الرّقاب كَحَد قذف إِذا قذف جمَاعَة يتَصَوَّر مِنْهُم الزِّنَا عَادَة بِكَلِمَة وَاحِدَة فَإِذا طلبُوا كلهم وَجب لَهُم حد وَاحِد. وَيَأْتِي فِي الْقَذْف. وَالْقسم الثَّانِي اجْتِمَاع فِي تصرف، وَهِي شركَة الْعُقُود الْمَقْصُودَة هَهُنَا، وَتكره مَعَ كَافِر كمجوسي نصا لِأَنَّهُ لَا يَأْمَن مُعَامَلَته بالربا وَبيع الْخمر نَحوه. وَلَا تكره مَعَ كتابي لَا يَلِي التَّصَرُّف، وَهِي فِي التَّصَرُّف خَمْسَة أضْرب جمع ضرب أَي صنف: أَحدهَا شركَة عنان بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَلَا خلاف فِي جَوَازهَا، بل فِي بعض شُرُوطهَا، سميت بذلك لِأَنَّهُمَا يستويان فِي المَال وَالتَّصَرُّف

كالفارسين المستويين فِي السّير، فَإِن عناني فرسيهما يكونَانِ سَوَاء. يملك كل مِنْهُمَا التَّصَرُّف فِي كل المَال كَمَا يتَصَرَّف الْفَارِس فِي عنان فرسه. وَهِي أَي شركَة الْعَنَان أَن يحضر كل وَاحِد من عدد اثْنَيْنِ فَأكْثر جَائِز التَّصَرُّف فَلَا ينْعَقد على مَا فِي الذِّمَّة، وَلَا مَعَ صَغِير وسفيه من مَاله فَلَا ينْعَقد بِنَحْوِ مَغْصُوب، نَقْدا ذَهَبا أَو فضَّة مَضْرُوبا وَلم لم يتَّفق الْجِنْس، كَمَا لَو أحضر أَحدهمَا ذَهَبا وَالْآخر فضَّة فَلَا تصح بِعرْض وَلَو مثلِيا وَلَا بِقِيمَتِه وَلَا بِثمنِهِ الَّذِي اشْترى بِهِ وَالَّذِي يُبَاع بِهِ وَلَا بمغشوش كثيرا وَلَا بفلوس أَو نافقة وَلَا بنقرة لم تضرب. وَلَا أثر لغش يسير لمصْلحَة كحبة فضَّة وَنَحْوهَا فِي دِينَار. وَيشْتَرط أَن يكون النَّقْد مَعْلُوما قدره وَصفته فَلَا تصح على مجهولين للغرر، فَإِن اشْتَركَا فِي مَال مختلط بَينهمَا شَائِعا صَحَّ عقد الشّركَة إِن علما قدر مَا لكل مِنْهُمَا فِيهِ لعمل مُتَعَلق بيحضر فِيهِ أَي فِي المَال جَمِيعه كل مِم لَهُ فِيهِ شَيْء على أَن لَهُ من الرِّبْح بِنِسْبَة مَا لَهُ بِأَن شَرط لرب نصف المَال نصف الرِّبْح ولرب الثُّلُث ثلث الرِّبْح ولرب السُّدس سدس الرِّبْح مثلا، أَو على أَن لكل مِنْهُم جُزْءا مشَاعا مَعْلُوما وَلَو أَكثر من نِسْبَة مَاله كَأَن جعل لرب السُّدس نصف الرِّبْح لقُوَّة حذقه، أَو يُقَال: بَيْننَا فيستوون فِيهِ، لَا يشْتَرط خلط الْمَالَيْنِ وكل عقد لَا ضَمَان فِي صَحِيحه لَا ضَمَان فِي فاسده إِلَّا بِالتَّعَدِّي أَو التَّفْرِيط كالشركة وَالْمُضَاربَة وَالْوكَالَة والوديعة، وكل عقد يجب الضَّمَان فِي صَحِيحه يجب فِي فاسده كَالْبيع وَالْإِجَارَة وَالنِّكَاح وَالْقَرْض، وَلكُل من الشَّرِيكَيْنِ أَن يَبِيع وَيَشْتَرِي وَيَأْخُذ وَيُعْطِي وَيُطَالب ويخاصم وَيفْعل كل مَا فِيهِ حَظّ للشَّرِكَة.

وَالضَّرْب الثَّانِي من الشّركَة الْمُضَاربَة من الضَّرْب فِي الأَرْض أَي السّفر فِيهَا، أَو من ضرب كل مِنْهُمَا بِسَهْم فِي الرِّبْح وَهَذِه تَسْمِيَة أهل الْعرَاق، وَأهل الْحجاز يسمونها قراضا من قرض الفار الثَّوْب أَي قطعه كَانَ رب المَال اقتطع قِطْعَة من مَاله وَسلمهَا لَهُ واقتطع لَهُ قِطْعَة من ربحها. وَهِي أَي الْمُضَاربَة شرعا دفع مَال أَي نقد مَضْرُوب غير مغشوش كثيرا كَمَا تقدم، أَو مَا فِي معنى الدّفع كَالْوَدِيعَةِ وَالْعَارِية وَالْغَصْب إِذا قَالَ رَبهَا لمن هِيَ تَحت يَده ضَارب بهَا على كَذَا معِين صفة المَال فَلَا يَصح: ضَارب بِأحد هذَيْن تَسَاوِي مَا فيهمَا أَو اخْتلف، مَعْلُوم قدره فَلَا يَصح بصرة دَرَاهِم أَو دَنَانِير لِأَنَّهُ لَا بُد من الرُّجُوع إِلَى رَأس المَال ليعلم الرِّبْح، وَلَا يُمكن ذَلِك مَعَ جَهله لمن يتجر فِيهِ أَي المَال مُتَعَلق بِدفع جُزْء مُتَعَلق بيتجر مَعْلُوم مشَاع من ربحه كنصفه أَو عشره. وَهِي أَمَانَة ووكالة، فَإِن ربحت فشركة وَإِن فَسدتْ فإجارة أَي كَالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَة، لِأَن الرِّبْح كُله لرب المَال وللعامل أُجْرَة مثله نَص عَلَيْهِ. وَلَو خسر المَال. وَإِن تعدى فَغَضب. قَالَ فِي الْهدى: الْمضَارب أَمِين وأجير ووكيل وَشريك. فأمين إِذا قبض المَال، ووكيل إِذا تصرف فِيهِ، وأجير فِيمَا يباشره من الْعَمَل بِنَفسِهِ، وَشريك إِذا ظهر فِيهِ الرِّبْح. انْتهى. وَلَيْسَ لَهُ شِرَاء من يعْتق على رب المَال بِغَيْر إِذْنه فَإِن فعل صَحَّ وَعتق وَضمن ثمنه، وَإِن لم يعلم أَنه يعْتق على رب المَال، لِأَنَّهُ إِتْلَاف، فَإِن كَانَ بِإِذن انْفَسَخت فِي قدر ثمنه لتلفه، فَإِن كَانَ ثمنه كل المَال

انْفَسَخت كلهَا. وَإِن كَانَ فِي المَال ربح أَخذ حِصَّته مِنْهُ وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَلَا نَفَقَة لِلْعَامِلِ إِلَّا بِشَرْط نصا. فَإِن شرطت مُطلقَة وَاخْتلفَا فَلهُ نَفَقَة مثله عرفا من طَعَام وَكِسْوَة، وَإِن تعدد رب المَال فَهِيَ على قدر مَا لكل مِنْهُمَا أَو مِنْهُم إِلَّا أَن يشترطها بعض أَرْبَاب المَال من مَاله عَالما بِالْحَال فتختص بِهِ. وَإِن ضَارب الْعَامِل أَي أَخذ مُضَارَبَة لآخر فأضر اشْتِغَاله بِالْعَمَلِ فِي المَال الثَّانِي رب المَال الأول حرم عَلَيْهِ ذَلِك، لِأَنَّهُ يمنعهُ مَقْصُود الْمُضَاربَة من طلب النَّمَاء والحظ، وَإِن لم يضر بِالْأولِ بِأَن كَانَ مَال الثَّانِي يَسِيرا لَا يشغل عَن الْعَمَل فِي مَال الأول جَازَ. وَإِن ضَارب الآخر بِحَيْثُ يضر الأول رد الْعَامِل حِصَّته من الْمُضَاربَة فِي الشّركَة أَو شركَة الأول نصا فَيدْفَع لرب الْمُضَاربَة الثَّانِيَة نصِيبه من الرِّبْح وَيَأْخُذ نصيب الْعَامِل فيضم لربح الْمُضَاربَة الأولى ويقتسمه مَعَ رَبهَا على مَا شرطاه لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّه بِالْمَنْفَعَةِ الَّتِي اسْتحقَّت العقد الأول. ورده صَاحب الْمُغنِي كَمَا ذكره صَاحب الْمُنْتَهى فِي شَرحه وَإِن تلف رَأس المَال أَو تلف بعضه أَو تعيب بعد تصرف فِيهِ أَو خسر بِسَبَب مرض أَو تغير صفة أَو نزُول سعر جبر بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول رَأس المَال من ربح بَاقِيه قبل قسْمَة أَي الرِّبْح ناضا أَو قبل تنضيضه مَعَ محاسبته نصا. وَالْعَامِل أَمِين فَيصدق بِيَمِينِهِ فِي قدر رَأس المَال وَربح وَعَدَمه وهلاك وخسران. وَلَو أقرّ بِرِبْح ثمَّ ادّعى تلفا أَو خسارة قبل قَوْله لِأَنَّهُ أَمِين إِلَّا إِن

ادّعى غَلطا أَو كذبا أَو نِسْيَانا أَو اقتراضا تمم بِهِ رَأس المَال بعد إِقْرَاره بِهِ لرَبه. وَيقبل قَول مَالك فِي عدم رد مَال الْمُضَاربَة إِن ادّعى عَامل رده إِلَيْهِ وَلَا بَيِّنَة نصا لِأَنَّهُ مُنكر، وَلِأَن الْعَامِل قَبضه لنفع لَهُ فِيهِ أشبه الْمُسْتَعِير، وَيقبل قَوْله أَيْضا فِي قدر مَا شَرط لِلْعَامِلِ. وَيجوز دفع عبد أَو دَابَّة لمن يعْمل عَلَيْهِ بِجُزْء من أجرته وخياطة ثوب أَو نَسِيج غزل أَو حصاد زرع أَو رضَاع قن أَو اسْتِيفَاء مَال وَنَحْو ذَلِك بِجُزْء مشَاع مِنْهُ. وَدفع دَابَّة أَو نحل لمن يقوم بهما مُدَّة مَعْلُومَة بِجُزْء مِنْهُمَا والنماء ملك لَهما. بِجُزْء من النَّمَاء كالدر والنسل وَالصُّوف وَالْعَسَل. وَالضَّرْب الثَّالِث من الشّركَة شركَة الْوُجُوه وَهِي أَن يشتركا بِلَا مَال فِي ربح مَا يشتريان فِي ذمتهما بجاهليهما أَي بوجهيهما وثقة التُّجَّار بهما، سميت بذلك لِأَنَّهُمَا يعاملان فِيهَا بوجوهما والجاه وَالْوَجْه وَاحِد يُقَال: فلَان وجيه أَي ذُو جاه. وَهِي جَائِزَة لاشتمالها على مصلحَة بِلَا مضرَّة. وَلَا يشْتَرط لصحتها ذكر مَا يشتريانه وَلَا قدره وَلَا وَقت الشّركَة، فَلَو قَالَ أَحدهمَا للْآخر كل مَا اشْتريت من شَيْء فبيننا وَقَالَهُ الآخر صَحَّ. وكل وَاحِد من شَرِيكي الْوُجُوه وَكيل الآخر فِي بيع وَشِرَاء وكفيله بِالثّمن لِأَن مبناها على الْوكَالَة وَالْكَفَالَة، وَيكون الْملك بَينهمَا على مَا شرطاه لحَدِيث (الْمُؤْمِنُونَ عِنْد شروطهم) وَالرِّبْح كَذَلِك، والوظيفة على قدر الْملك، فَمن لَهُ الثُّلُثَانِ فَعَلَيهِ ثلثا الْوَظِيفَة، وَمن لَهُ الثُّلُث فَعَلَيهِ

ثلثهَا سَوَاء كَانَ الرِّبْح كَذَلِك أَو لَا لِأَن الْوَظِيفَة تخص رَأس المَال وَهُوَ مُخْتَصّ بملاكه فيوزع عَلَيْهِم على قدر الحصص، وتصرفهما كتصرف شَرِيكي عنان فِيمَا يُوجب لَهما وَعَلَيْهِمَا. وَالضَّرْب الرَّابِع من الشّركَة شركَة الْأَبدَان سميت بذلك لاشْتِرَاكهمَا فِي عمل أبدانهما وَهِي نَوْعَانِ: أَحدهمَا أَن يشتركا فِيمَا يتملكان بأبدانهما من مُبَاح كاصطياد وَنَحْوه كاحتشاش واحتطاب وتلصص على دَار حَرْب وَنَحْو ذَلِك. وَالثَّانِي مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله أَو يشتركا فِيمَا يتقبلان أَي الشريكان فِي ذممهما من عمل كخياطة وقصارة وحدادة وَنَحْوهَا، وَإِن قَالَ أَحدهمَا: أَنا أتقبل وَأَنت تعْمل وَالْأُجْرَة بَيْننَا صَحَّ لِأَن تقبل الْعَمَل يُوجب الضَّمَان على المتقبل وَيسْتَحق بِهِ الرِّبْح فَصَارَ كتقبله المَال فِي الْمُضَاربَة، وَالْعَمَل يسْتَحق بِهِ الْعَامِل الرِّبْح كعمل الْمضَارب فَينزل منزلَة الْمُضَاربَة فَمَا تقبله أَحدهمَا أَي الشريكان لزمهما عمله وطولبا بِهِ لِأَن مبناها على الضَّمَان فَكَأَنَّهَا تَضَمَّنت ضَمَان كل وَاحِد مِنْهُمَا عَن الآخر مَا يلْزمه. وَلكُل من الشَّرِيكَيْنِ طلب أُجْرَة عمله وَلَو تقبله شَرِيكه، وَيبرأ مُسْتَأْجر بدفعها لأَحَدهمَا، وَتلف الْأُجْرَة بيد أَحدهمَا بِلَا تَفْرِيط مِنْهُ عَلَيْهِمَا، وَإِقْرَار أَحدهمَا بِمَا فِي يَده تقبل عَلَيْهِمَا، وَيقسم الْحَاصِل من الْمُبَاح كَمَا شرطا عِنْد العقد من تساو وتفاضل، وَلَا يشْتَرط اتِّفَاق صَنْعَة وَلَا مَعْرفَتهَا، فَلَو اشْترك شخصان لَا يعرفان الْخياطَة فِي تقبلهَا ويدفعان مَا تقبلاه لمن يعمله وَمَا بَقِي من الْأُجْرَة لَهما صَحَّ وَإِن ترك أَحدهمَا أَي الشريكان الْعَمَل مَعَ شَرِيكه لعذر أَو لَا

بِأَن كَانَ حَاضرا صَحِيحا فالكسب بَينهمَا على مَا شرطا وَيلْزم من عذر بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي حصل لَهُ عذر من نَحْو مرض فِي ترك عمل مَعَ شَرِيكه أَن يُقيم مقَامه بِطَلَب شَرِيكه أَو أَي وَيلْزم من لم يعرف الْعَمَل بالصنعة أَن يُقيم مقَامه عَارِفًا ليعْمَل مَا لزمَه للْمُسْتَأْجر بِطَلَب شريك. وَيصِح جمع بَين شركَة عنان وأبدان ووجوه ومضاربة. وَالضَّرْب الْخَامِس من الشّركَة شركَة الْمُفَاوضَة وَهُوَ لُغَة الِاشْتِرَاك فِي كل شَيْء، وَشرعا قِسْمَانِ: صَحِيح، وَهُوَ نَوْعَانِ: الأول مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله أَن يُفَوض كل من الشَّرِيكَيْنِ فَأكْثر إِلَى صَاحبه كل تصرف مَالِي كَبيع وَشِرَاء فِي الذِّمَّة ومضاربة وتوكيل ومسافرة بِالْمَالِ وارتهان وَضَمان أَي تقبل مَا يرى من الْأَعْمَال. وَالنَّوْع الثَّانِي مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: وَأَن يشتركا فِي كل مَا يثبت لَهما وَعَلَيْهِمَا، فَتَصِح إِن لم يدخلا فِيهَا أَي الشّركَة كسبا نَادرا كوجدان لقطَة وركاز وَمَا يحصل لَهما من الْمِيرَاث أَو يلْزم أَحدهمَا من ضَمَان وغصب وَأرش جِنَايَة وَنَحْو ذَلِك. الْقسم الثَّانِي: فَاسد، وَهُوَ مَا إِذا أدخلا فِيهَا كسبا نَادرا أَو نَحوه، وَحَيْثُ فَسدتْ فَلِكُل مِنْهُمَا ربح مَاله وَأُجْرَة عمله، وَمَا يستفيده لَهُ لَا يُشَارِكهُ فِيهِ غَيره لفساد الشّركَة، وَيخْتَص بِضَمَان مَا غصبه أَو جناه أَن ضمنه عَن الْغَيْر وَكلهَا أَي الْخَمْسَة الأضرب جَائِزَة، وَلَا ضَمَان فِيهَا إِلَّا بتعد أَو تَفْرِيط.

فصل. وَتَصِح الْمُسَاقَاة وَهِي مفاعلة من السَّقْي لكَونه أهم أمرهَا بالحجاز لِأَن النّخل تسقى بِهِ نضحا من الْآبَار فتكثر مشقته. وَشرعا عمل على شجر مَعْلُوم لَهُ ثَمَر يُؤْكَل فَلَا تصح على قطن ومقائي وَمَا لَا سَاق لَهُ وَمَا لَا ثَمَر لَهُ مَأْكُول كالصفصاف والسرو وَلَو كَانَ لَهُ زهر يقْصد كنرجس وياسمين. وَتَصِح الْمُسَاقَاة على ثَمَرَة مَوْجُودَة لم تكمل بِجُزْء مشَاع مَعْلُوم مِنْهَا أَي الثَّمَرَة، فَلَا تصح الْمُسَاقَاة إِن جعل لِلْعَامِلِ كل الثَّمَرَة، وَلَا جُزْءا مُبْهما كسهم وَنصِيب، وَلَا آصعا وَلَو مَعْلُومَة أَو دَرَاهِم، وَلَا ثَمَرَة شَجَرَة فَأكْثر مُعينَة. وَإِن كَانَ فِي الْبُسْتَان أَجنَاس وَجعل لَهُ من كل جنس جُزْءا مشَاعا مَعْلُوما كَنِصْف البلح وَثلث الْعِنَب وَربع الرُّمَّان وَهَكَذَا جَازَ أَو مُسَاقَاة على بساتين أَحدهمَا بِالنِّصْفِ وَالْآخر بِالثُّلثِ وَنَحْوه، أَو ساقاه على بُسْتَان وَاحِد ثَلَاث سِنِين، السّنة الأولى بِالنِّصْفِ وَالثَّانيَِة بِالثُّلثِ، وَالثَّالِثَة بِالربعِ وَنَحْوه جَازَ. وَتَصِح الْمُسَاقَاة على البعل من الشّجر كَالَّذي يحْتَاج للسقي. وَتَصِح إِجَارَة أَرض بِجُزْء مشَاع مَعْلُوم مِمَّا يخرج مِنْهَا طَعَاما كَانَ كبر أَو غير طَعَام كقطن،

وَتَصِح المناصبة وَهِي المغارسة وَهِي دفع شجر مَعْلُوم لَهُ ثَمَر مَأْكُول بِلَا غرس مَعَ أرضه لمن يغرسه فِيهَا وَيعْمل عَلَيْهِ حَتَّى يُثمر بِجُزْء مشَاع مَعْلُوم من الثَّمَرَة أَو من الشّجر أَو من كل مِنْهُمَا أَي الثَّمَرَة وَالشَّجر نصا. وَيعْتَبر كَون عاقديها جائزي التَّصَرُّف فَإِن مَاتَ أَحدهمَا أَو فسخ مَالك الْمُسَاقَاة قبل ظُهُور ثَمَرَة وَبعد شُرُوع فِي عمل فلعامل أجرته أَي أُجْرَة مثل عمله لاقْتِضَاء العقد الْعِوَض الْمُسَمّى، وَلم يرض بِإِسْقَاط حَقه مِنْهُ لِأَن الْمَوْت لم يَأْته بِاخْتِيَارِهِ، وَلِأَن الْمَالِك هُوَ الَّذِي مَنعه من إتْمَام الْعَمَل، فَإِذا تعذر الْمُسَمّى رَجَعَ إِلَى أُجْرَة الْمثل، وَفَارق ذَلِك فسخ رب المَال الْمُضَاربَة قبل ظُهُور الرِّبْح، لِأَن الْعَمَل هَهُنَا منفض إِلَى ظُهُور الثَّمَرَة غَالِبا بِخِلَاف الْمُضَاربَة فَإِنَّهُ لَا يعلم إفضاؤها إِلَى الرِّبْح. وَإِن بَان الشّجر مُسْتَحقّا فَلهُ أُجْرَة مثله أَو أَي وَإِن فسخ عَامل الْمُسَاقَاة أَو هرب قبل ظُهُور الثَّمَرَة فَلَا شَيْء لَهُ أَي الْعَامِل، وَإِن ساقاه إِلَى مُدَّة تكمل فِيهَا الثَّمَرَة فَلم تحمل تِلْكَ السّنة فَلَا شَيْء لِلْعَامِلِ. وتملك الثَّمَرَة بظهورها فَيجب على عَامل تَمام الْعَمَل إِذا فسخت الْمُسَاقَاة بِفَسْخ أَحدهمَا أَو مَوته وَنَحْوه بعد أَي الظُّهُور، كالمضارب بِبيع الْعرُوض بعد فسخ الْمُضَاربَة وَظُهُور الرِّبْح لينض المَال، فَإِن ظَهرت ثَمَرَة بعد الْفَسْخ فَلَا شَيْء لَهُ فِيهَا. قَالَ المنقح: فَيُؤْخَذ مِنْهُ دوَام الْعَمَل على الْعَامِل فِي المناصبة وَلَو فسخت إِلَى أَن تبيد. وَالْوَاقِع كَذَلِك. ذكره فِي الْمُنْتَهى.

وعَلى عَامل فِي مُسَاقَاة ومزارعة ومغارسة عِنْد الْإِطْلَاق كل مَا فِيهِ نمو أَو صَلَاح للثمر وَالزَّرْع من سقِِي واستقاء وحرث وآلته وبقره وزبار وَقطع مَا يحْتَاج إِلَى قطعه وتسوية الثَّمَرَة وَإِصْلَاح الْحفر الَّتِي يجْتَمع فِيهَا المَاء على أصُول النّخل وإدارة الدولاب والتلقيح والتجفيف وَإِصْلَاح طرق المَاء وتفريق الزبل وَنقل الثَّمر وَنَحْوه لجرين، وَعَلِيهِ أَيْضا حصاد وَنَحْوه كدياس ولقاط وتصفية حب زرع لِأَن هَذَا كُله من الْعَمَل، وعَلى رب أصل حفظ الأَصْل كسد حَائِط وَنَحْوه كتحصيل زبل وسباخ، وَعَلَيْهِمَا أَي الْمَالِك وَالْعَامِل بِقدر حصتيهما جذاذ نصا أَي قطع ثَمَرَة وَيصِح شَرطه على عَامل نصا وَيتبع الْعرف فِي الكلف السُّلْطَانِيَّة مَا لم يكن شَرط فَيتبع، فَمَا عرف أَخذه من رب المَال فَهُوَ عَلَيْهِ وَمَا عرف أَخذه من الْعَامِل كَانَ عَلَيْهِ. وَتَصِح الْمُزَارعَة، وَهِي دفع أَرض وَحب لمن يزرعه وَيقوم عَلَيْهِ أَو مزروع ليعْمَل عَلَيْهِ بِجُزْء مشَاع مَعْلُوم مِمَّا يخرج من الأَرْض وَتسَمى مخابرة من الخبار بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَهِي الأَرْض اللينة والمؤاكرة، وَالْعَامِل فِيهَا خَبِير وأكار ومؤاكر، وَلَو غير مَأْكُول كغرة وَنَحْوهَا بِشَرْط علم بذر كقمح مثلا وَعلم قدره أَي الْبذر معاقدة على عمل فَلم يجز على غير مُقَدّر كَالْإِجَارَةِ، وَيشْتَرط كَونه أَي الْبذر من رب الأَرْض نصا فَلَا يَصح كَون

الْبذر من عَامل أَو مِنْهُمَا أَو من أَحدهمَا وَالْأَرْض لَهما، وَلَا الْعَمَل من وَاحِد وَالْبذْر من الآخر، ولاالأرض من وَاحِد وَالْعَمَل من ثَان وَالْبذْر من ثَالِث وَالْبَقر من رَابِع، أَو الأَرْض وَالْبذْر وَالْبَقر من وَاحِد وَالْمَاء من الآخر. وَيكرهُ الْحَصاد والجذاذ لَيْلًا خشيَة الضَّرَر.

فصل. الْإِجَارَة مُشْتَقَّة من الْأجر وَهُوَ الْعِوَض، وَمِنْه سمى الثَّوَاب أجرا لِأَن الله تَعَالَى يعوض العَبْد على طَاعَته أَو صبره عَن مَعْصِيَته. وَهِي فِي اللُّغَة المجازاة يُقَال: آجره على عمله إِذا جازاه عَلَيْهِ. وَشرعا عقد على مَنْفَعَة مُبَاحَة مَعْلُومَة مُدَّة مَعْلُومَة من عين مُعينَة كسكني هَذِه الدَّار سنة، أَو مَوْصُوفَة فِي الذِّمَّة كدابة صفتهَا كَذَا للْحَمْل أَو الرّكُوب سنة، أَو على عمل مَعْلُوم كحمله إِلَى مَوضِع كَذَا بعوض مَعْلُوم، وَيَأْتِي بَيَان ذَلِك. وتنعقد بِلَفْظ إِجَارَة وكرى كآجرتك وأكريتك وستأجرت واكتريت، وَمَا بمعناهما كأعطيتك أَو مَلكتك نفع هَذِه الدَّار سنة بِكَذَا. وَلَا تصح إِلَّا من جَائِز التَّصَرُّف. وَتَصِح الْإِجَارَة بِثَلَاثَة شُرُوط: أَحدهَا معرفَة مَنْفَعَة لِأَنَّهَا الْمَعْقُود عيها، فَاشْترط فِيهَا الْعلم كَالْبيع إِمَّا بعرف كسكني الدَّار شهرا وَنَحْوه، وَإِمَّا بِوَصْف كحمل زبرة حَدِيد وَزنهَا كَذَا إِلَى مَحل كَذَا وَبِنَاء حَائِط يذكر طوله وَعرضه وسمكه وآلته. وَتَصِح إِجَارَة أَرض مُعينَة بِرُؤْيَة لزرع أَو غرس أَو بِنَاء مَعْلُوم،

أَو لزرع أَو غرس أَو بِنَاء مَا شَاءَ، أَو لزرع أَو لغرس أَو لبِنَاء، ويسكت. وَله فِي الأولى زرع مَا شَاءَ، وَفِي الثَّانِيَة غرس مَا شَاءَ، وَفِي الثَّالِثَة بِنَاء مَا شَاءَ كَأَنَّهُ اسْتَأْجرهَا لأكْثر من ذَلِك ضَرَرا، أَو يَقُول آجرتك الأَرْض وَيُطلق وَتصْلح للْجَمِيع. قَالَ الشَّيْخ 16 (تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية) : إِن أطلق وَقَالَ انْتفع بهَا بِمَا شِئْت فَلهُ زرع وغرس وَبِنَاء. انْتهى. وَإِن كَانَت الْإِجَارَة لركوب اشْترط مَعَ ذكر الْموضع المركوب إِلَيْهِ معرفَة رَاكب بِرُؤْيَة أَو صفة، وَذكر جنس مركوب كمبيع، وَمَعْرِفَة مَا يركب بِهِ من سرج وَغَيره، وَكَيْفِيَّة السّير من هملاج وَغَيره، لَا ذكرريته أَو أنوثيته أَو نَوعه، وَيشْتَرط لحمل مَا يتَضَرَّر كخزف وَنَحْوه معرفَة حامله، وَمَعْرِفَة حَامِل لمحمول بِرُؤْيَة أَو صفة، وَذكر جنسه وَقدره، ولحرث معرفَة أَرض بِرُؤْيَة. وَالشّرط الثَّانِي إباحتها أَي الْمَنْفَعَة الْمَعْقُود عَلَيْهَا مُطلقًا بِلَا ضَرُورَة، بِخِلَاف جلد ميتَة أَو إِنَاء ذهب أَو فضَّة لِأَنَّهُ لَا يُبَاح إِلَّا عِنْد الضَّرُورَة لعدم غَيره، فَلَا تصح الْإِجَارَة على الزِّنَا وَالزمر والغناء والنياحة، وَلَا إِجَارَة الدَّار لتجعل كَنِيسَة أَو بَيت نَار أَو لبيع الْخمر والقمار وَسَوَاء شَرط ذَلِك فِي العقد أَو لَا، وَأَن يكون النَّفْع مَقْصُودا، مُتَقَوّما، يَسْتَوْفِي دون اسْتِهْلَاك الْأَجْزَاء، مَقْدُورًا عَلَيْهِ لمستأجر. وَلَا تصح على آنِية وشمع لتجمل، وتفاح لشم، وشمع لشغل، وصابون لغسل، وديك ليوقظه لصَلَاة، فَلَا يَصح نصا لِأَنَّهُ يقف على فعل الديك وَلَا يُمكن استخراجه مِنْهُ بِضَرْب وَلَا غَيره، وَلَا اسْتِئْجَار دَابَّة لركوب مؤجر.

وَالْمَنْفَعَة الْمُبَاحَة ككتاب حَدِيث أَو فقه أَو شعر مُبَاح أَو لُغَة أَو صرف أَو نَحْو ذَلِك لنظر وَقِرَاءَة وَنقل أَو بِهِ خطّ حسن يكْتب عَلَيْهِ ويتمثل مِنْهُ لِأَنَّهُ تجوز إعارته لذَلِك فجازت إِجَارَته. وَلَا تصح إِجَارَة مصحف وَلَا طير لسَمَاع صَوته وَلَا طَعَام أَو شراب لأكل أَو شرب وَلَا كلب أَو خِنْزِير وَلَو كَانَ يصيد أَو يحرس. وَيدخل نقع بِئْر وَحبر نَاسخ وخيط خياط وكحل كَحال وصبغ صباغ ودبغ دباغ تبعا للْعَمَل لَا أَصَالَة، فَلَو غَار مَاء بِئْر دَار مأجورة فَلَا فسخ لمستأجر. وَالشّرط الثَّالِث معرفَة أُجْرَة لِأَنَّهُ عوض فِي عقد مُعَاوضَة فَاعْتبر علمه كَالثّمنِ، إِلَّا أَجِيرا وظئرا استؤجرا بطعامهما وكسوتهما فَيصح، وَكَذَا لَو استأجرهما بِدَرَاهِم مَعْلُومَة وَشرط مَعهَا طعامهما وكسوتهما، وهما عِنْد التَّنَازُع كَزَوْجَة فَلَهُمَا نَفَقَة مثلهمَا، وَشرط معرفَة مرتضع بمشاهدة وأمد رضَاع ومكانه، لِأَنَّهُ يشق عَلَيْهَا الرَّضَاع فِي بَيت الْمُسْتَأْجر ويسهل فِي بَيتهَا، لَا يَصح اسْتِئْجَار دَابَّة بعلفها للْجَهَالَة إِلَّا إِن اشْتَرَطَهُ مَوْصُوفا كشعير وَنَحْوه، وَقدره بِمَعْلُوم فَيجوز. وَاخْتَارَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَجمع الصِّحَّة مُطلقًا كاستئجار الْأَجِير بطعامه. انْتهى. وَلَا من يسلخها لِأَنَّهُ لَا يعلم أيخرج سليما أَو لَا وَهل ثخين أَو رَقِيق، فَإِن سلخه على ذَلِك فَلهُ أُجْرَة مثله، وَلَا أَن يرعاها بِجُزْء من نمائها أَو يطحن كربر بقفيز مِنْهُ للْجَهَالَة

وَإِن دخل الشَّخْص حَماما أَو ركب سفينة أَو أعْطى ثَوْبه خياطا أَو قصارا أَو صباغا وَنَحْوه كَمَا لَو اسْتعْمل دلالا أَو حمالا أَو حلاقا بِلَا عقد مَعَه صَحَّ ذَلِك وَله أَي لمن فعل ذَلِك أُجْرَة مثل عمله، وَمَا يَأْخُذهُ حمامي فَهُوَ أُجْرَة مَحل وسطل ومئزر، وَالْمَاء تبع. وَهِي أَي الْإِجَارَة ضَرْبَان: أَحدهمَا إِجَارَة عين، وَشرط فِيهَا مَعْرفَتهَا أَي الْعين الْمُؤجرَة للعاقدين بِرُؤْيَة أَو صفة، وَشرط قدرَة من الْمُؤَجّر على تَسْلِيمهَا أَي الْعين، وَشرط عقد فِي غير ظئر على نَفعهَا أَي الْعين دون أَجْزَائِهَا وَلَا تصح إِجَارَة الطَّعَام للْأَكْل كَمَا تقدم، وَشرط اشتمالها على النَّفْع الْمَقْصُود مِنْهَا فَلَا تصح فِي زمنة لحمل أَو سبخَة لزرع. وَشرط كَونهَا أَي الْعين الْمُؤجرَة ملكا لمؤجر أَو كَونه ماذونا لَهُ فِيهَا بطرِيق الْولَايَة كحاكم يُؤجر مَال سَفِيه أَو غَائِب أَو وَقفا لَا نَاظر لَهُ، أَو من قبل شخص معِين كناظر خَاص أَو وَكيل فِي إِجَارَة، لِأَنَّهَا بيع فَاشْترط فِيهَا ذَلِك كَبيع الْأَعْيَان وَإِجَارَة الْعين الْمَعْقُود عَلَيْهَا مُعينَة كَانَت أَو مَوْصُوفَة فِي الذِّمَّة قِسْمَانِ: أَحدهمَا أَن تكون إِلَى أمد كآجرتك هَذِه الدَّار شهرا، أَو فرسا صفته كَذَا وَكَذَا لتركبه يَوْمًا. مَعْلُوم كشهر من الْآن أَو وَقت كَذَا لِأَنَّهُ الضابطة للمعقود عَلَيْهِ الْمُعَرّف لَهُ، وَإِن اسْتَأْجرهُ سنة وَأطلق حملت على الْأَهِلّة، لِأَنَّهَا الْمَعْهُودَة شرعا يغلب على الظَّن بَقَاؤُهَا أَي الْعين الْمُؤجرَة فِيهِ أَي الأمد وَإِن طَال. وَالْقسم الثَّانِي من قسمي إِجَارَة الْعين أَن تكون لعمل مَعْلُوم

كإجارة دَابَّة لركوب أَو حمل عَلَيْهَا إِلَى مَوضِع معِين وللمستأجر ركُوب مؤجرة لمحل مثله فِي طَرِيق مماثل للطريق الْمَعْقُود عَلَيْهِ مَسَافَة وسهولة وَغَيرهمَا، وبشرط ضبط الْعَمَل بِمَا لَا يخْتَلف، وَعلمه لِأَنَّهُ إِن لم يكن كَذَلِك كَانَ مَجْهُولا، فَمن آجر بَهِيمَة لإدارة رحى اشْترط علمه بِالْحجرِ إِمَّا بِالْمُشَاهَدَةِ أَو بِالصّفةِ لِأَنَّهُ يخْتَلف بالثقل والخفة، وَأَن يقدر الْعَمَل إِمَّا بِالزَّمَانِ كَيَوْم أَو بِالطَّعَامِ بِأَن يذكر جنسه وَكيله. وَإِذا اسْتَأْجر دابتين لموضعين مُخْتَلفين اشْترط التَّعْيِين، وَيصِح اكتراء ظهر يتعاقبان عَلَيْهِ، وَمن اسْتَأْجر لكحل أَو مداواة اشْترط تَقْدِير ذَلِك بالمدة كشهر وَنَحْوه، لِأَن الْعَمَل يخْتَلف وَتَقْدِيره بِزَمن الْبُرْء مَجْهُول. الضَّرْب الثَّانِي من ضربي الْإِجَارَة عقد على مَنْفَعَة فِي الذِّمَّة فِي شَيْء معِين أَو مَوْصُوف فَيشْتَرط تقديرها أَي الْمَنْفَعَة بِعَمَل أَو مُدَّة كبناء دَار وخياطة ثوب وَحمل شَيْء لمحل معِين وَشرط معرفَة ذَلِك وَشرط ضَبطه بِمَا لَا يخْتَلف، كخياطة ثوب يذكر جنسه وَقدره وَصفَة الْخياطَة، وكبناء دَار يذكر آلتها وَنَحْوهَا، أَو بِنَاء حَائِط يذكر طوله وَعرضه وسمكه وَتقدم. فَائِدَة: يَصح الِاسْتِئْجَار لتطيين الأَرْض والسطوح والحيطان وتجصيصها، وَلَا يَصح على علم معِين، لِأَن الطين يخْتَلف فِي الرقة والغلظ وَالْأَرْض مِنْهَا العالي والنازل وَكَذَلِكَ الْحِيطَان والأسطحة فَلذَلِك لم يَصح إِلَّا على مُدَّة. وَإِن اسْتَأْجرهُ لضرب لبن احْتَاجَ إِلَى تعْيين عدد وَذكر القالب وَمَوْضِع الضَّرْب، لِأَنَّهُ يخْتَلف بِاعْتِبَار المَاء وَالتُّرَاب فَإِن كَانَ هُنَاكَ قالب

مَعْرُوف لَا يخْتَلف جَازَ، وَإِن قدره بِالْعرضِ والطول والسمك جَازَ وَلَا يَكْتَفِي بمشاهدة قالب الضَّرْب إِذْ لم يكن مَعْرُوفا لِأَنَّهُ قد يتْلف، وَشرط كَون أجِير فِيهَا أَي الْإِجَارَة آدَمِيًّا جَائِز التَّصَرُّف لِأَنَّهَا مُعَاوضَة على عمل فِي الذِّمَّة وَشرط كَون عمل مَعْقُود عَلَيْهِ لَا يخْتَص فَاعله أَن يكون من أهل الْقرْبَة وَهُوَ الْمُسلم كأذان وَإِقَامَة وإمامة وَتَعْلِيم قُرْآن وَفقه وَحَدِيث ونيابة فِي حج وَقَضَاء، وَلَا يَقع إِلَّا قربَة لفَاعِله وَيحرم أُجْرَة عَلَيْهِ لَا أَخذ جعَالَة على ذَلِك أَو على رقية نصا. وللمستأجر اسْتِيفَاء للنفع بِنَفسِهِ أَو بِمثلِهِ بإعارة أَو غَيرهَا، وَلَو شَرط عَلَيْهِ اسْتِيفَاء الْمَنْفَعَة بِنَفسِهِ فسد الشَّرْط وَلم يلْزمه الْوَفَاء بِهِ. وَيشْتَرط مماثلة رَاكب فِي طول وَقصر وَغَيره لَا معرفَة ركُوب، وَمن اكترى أَرضًا لزرع الْحِنْطَة فَلهُ زرع الشّعير وَنَحْوه لَا دخن وذرة وقطن وَنَحْوهَا، لِأَنَّهُ أَكثر ضَرَرا من الْحِنْطَة، وَلَا يملك غرسا وَلَا بِنَاء، وَإِن اسْتَأْجرهَا لأَحَدهمَا لم يملك الآخر، ولغرس لَهُ الزَّرْع لِأَنَّهُ أقل ضَرَرا وَتقدم. وَإِن اسْتَأْجر داردا للسُّكْنَى لم يعْمل فِيهَا حدادة وَلَا قصارة وَلَا يسكنهَا دَابَّة وَلَا يَجْعَلهَا مخزنا لطعام. وَإِن اكترى دَابَّة لركوب أَو حمل لَا يملك الآخر، أَو لحمل قطن أَو حَدِيد لَا يملك حمل الآخر، فَإِن فعل مكتر مَالا يملكهُ أَو سلك طَرِيقا أشق فَعَلَيهِ الْأجر الْمُسَمّى مَعَ تفَاوت المنتفعين فِي أُجْرَة الْمثل. فَإِذا كَانَت الأَرْض أجرتهَا لزرع الْبر ثَمَانِيَة وللدخن عشرَة فَيَأْخُذ مؤجر مَعَ مَا وَقع عَلَيْهِ العقد اثْنَيْنِ نصا. لِأَنَّهُ لما عين الْبر مثلا لم يتَعَيَّن فَإِذا زرع مَا يزِيد عَلَيْهِ

ضَرَرا فقد استوفى الْمَنْفَعَة وَزِيَادَة عَلَيْهَا فَوَجَبَ الْمُسَمّى للمنفعة والتفاوت فِي أُجْرَة الْمثل للزِّيَادَة. وَمن اكترى لحمولة قدر كمائة رَطْل حَدِيد فَزَاد عَلَيْهِ، أَو اكترى ليركب أَو يحمل إِلَى مَوضِع فجاوزه فَعَلَيهِ الْمُسَمّى، ولزائد أُجْرَة مثله، وَإِن تلفت دَابَّة فِي زِيَادَة أَو بعد ردهَا إِلَى مَكَان عينه أَو بعد وضع الْحمل عَنْهَا فعلى الْمُكْتَرِي قيمتهَا كلهَا، وَلَو أَنَّهَا بيد صَاحبهَا بِأَن كَانَ مَعهَا وَلم يرض بذلك إناطة للْحكم بِالتَّعَدِّي، وسكوت رَبهَا لَا يدل على رِضَاهُ، كَمَا لَو بيع مَاله أَو خرق ثَوْبه وَهُوَ سَاكِت وَلِأَن الْيَد للراكب أَو صَاحب الْحمل. وَلَا يضمن مُسْتَأْجر إِن تلفت بيد صَاحبهَا وَلَيْسَ لمستأجر عَلَيْهَا شَيْء بِسَبَب غير حَاصِل من الزِّيَادَة. وعَلى مؤجر على الْإِطْلَاق كل مَا جرت بِهِ عَادَة وَعرف من آلَة كزمام مركوب وَشد وَرفع وَحط لمحمول لِأَنَّهُ الْعرف وَبِه يتَمَكَّن الْمُكْتَرِي من الِانْتِفَاع، وَعَلِيهِ أَيْضا رَحْله نصا وحزامه وقتبه وقوده وسوقه وَلُزُوم دَابَّة لنزول لحَاجَة وواجب وتبريك بعير لامْرَأَة وَشَيخ ومريض وَمَا يتَمَكَّن بِهِ مُسْتَأْجر من نفع، كترميم دَار بإصلاح منكسر وَإِقَامَة مائل وَعمل بَاب وتنظيف سطح من نَحْو ثلج وتطيينه. وعَلى مكتر بِمَعْنى أَنه لَا يلْزم الْمُؤَجّر بل إِن أَرَادَهُ مكتر فَمن مَاله نَحْو محمل قَالَ فِي الْقَامُوس: كمجلس شقتان على بعير يحمل فيهمَا العديلان ومظلة بِكَسْر الْمِيم وَفتحهَا الْكَبِير من الأخبية قَالَه فِي الْقَامُوس، ووطاء فَوق الرحل وحبل الْقرَان بَين المحملين، وَدَلِيل جهلا الطَّرِيق وحبل ودلو وبكرة

وَعَلِيهِ أَيْضا تعزيل نَحْو بالوعة وكنيف وَدَار من قمامة وزبل ورماد إِن تسلمها الْمُكْتَرِي فارغة مِمَّا ذكر، وعَلى مكر تَسْلِيمهَا أَي الْمُؤجرَة كَذَلِك أَي فارغة بالوعتها وكنيفها وَنَحْوه لِأَنَّهُ لَا يُمكن الِانْتِفَاع بذلك مَعَ إمتلائه. وَتَسْلِيم مِفْتَاح وَهُوَ أَمَانَة بيد مُسْتَأْجر فَإِن ضَاعَ من غير تَفْرِيط مُعلى مؤجر بدله.

فصل

3 - (فصل) . وَهِي الْإِجَارَة عقد لَازم من الطَّرفَيْنِ لَيْسَ لأَحَدهمَا فَسخهَا بِلَا مُوجب لِأَنَّهَا عقد مُعَاوضَة كَالْبيع فَإِن تحول مُسْتَأْجر من الْمُؤَجّر فِي أثْنَاء الْمدَّة بِلَا عذر أَو لم يكن فِيهَا لعذر يخْتَص بِهِ أَو لَا فَعَلَيهِ كل الْأُجْرَة، وَإِن حوله الْمُسْتَأْجر مَالك أَو امْتنع الْأَجِير من تَكْمِيل الْعَمَل فَلَا شَيْء لَهُ لما عمله قبل، لِأَن كلا مِنْهُمَا لم يسلم إِلَى الْمُسْتَأْجر مَا وَقع عَلَيْهِ عقد الْإِجَارَة فَلم يسْتَحق شَيْئا، وَإِن شَردت مؤجرة أَو تعذر اسْتِيفَاء بَاقِي النَّفْع بِغَيْر فعل أَحدهمَا فعلى الْمُسْتَأْجر من الْأُجْرَة بِقدر مَا استوفى، وَإِن هرب أجِير ومؤجر عين بهَا أَو شَردت دَابَّة مؤجرة قبل اسْتِيفَاء بعض نَفعهَا حَتَّى انْقَضتْ مُدَّة الْإِجَارَة انْفَسَخت، فَلَو كَانَت على مَوْصُوف بِذِمَّة كخياطة ثوب اسْتَأْجر من مَاله من يُعلمهُ فَإِن تعذر خير مُسْتَأْجر بَين فسخ وصبر، وَإِن مَاتَ أَو هرب وَترك بهائمه الَّتِي أكراها وَله مَال أنْفق عَلَيْهَا مِنْهُ حَاكم، وَإِن لم يكن لَهُ مَال وَأنْفق مؤجر بِإِذن حَاكم أَو نِيَّة رُجُوع وَلَو بِدُونِ إِذن حَاكم رَجَعَ لقِيَامه عَنهُ بِوَاجِب، فَإِذا انْقَضتْ الْإِجَارَة بَاعهَا حَاكم ووفى مَا أنفقهُ على الْبَهَائِم وَحفظ بَاقِي ثمنهَا لمَالِكهَا. وتنفسخ الْإِجَارَة بِتَلف مَعْقُود عَلَيْهِ كدابة مَاتَت أَو دَار انْهَدَمت،

قبضهَا الْمُسْتَأْجر أَو لَا، لزوَال الْمَنْفَعَة بِتَلف الْمَعْقُود عَلَيْهِ، وَقَبضهَا إِنَّمَا يكون باستيفائها أَو التَّمَكُّن مِنْهُ وَلم يحصل ذَلِك. وَإِن تلف مؤجر فِي الْمدَّة وَقد مضى مِنْهَا مَاله أُجْرَة انْفَسَخت فِيمَا بقى، وتنفسخ الْإِجَارَة ب موت مرتضع أَو امْتِنَاعه من الرَّضَاع مِنْهَا لتعذر اسْتِيفَاء الْمَعْقُود عَلَيْهِ، لِأَن غَيره لَا يقوم مقَامه فِي الارتضاع لاخْتِلَاف المرتضعين فِيهِ وَقد يدر اللَّبن على وَاحِد دون آخر وَكَذَا إِن مَاتَت الْمُرضعَة وتنفسخ أَيْضا ب انقلاع ضرس اكترى لقلعه أَو ببرئه فَأن لم يبرأ وَامْتنع من قلعه لم يجْبر وَنَحْوه أَي نَحْو مَا ذكر كمن اُسْتُؤْجِرَ ليقتص من آخر أَو يحده فَمَاتَ، أَو ليداويه فبرىء أَو مَاتَ، وَسَوَاء كَانَ التّلف بِفعل آدَمِيّ كقتله العَبْد الْمُؤَجّر أَو بِغَيْر فعل أحد كموته حتف أَنفه، وَسَوَاء كَانَ الْقَاتِل الْمُسْتَأْجر أَو غَيره، وَيضمن مَا أتلف كَالْمَرْأَةِ تقطع ذكر زَوجهَا وتملك الْفَسْخ، وَلَا تَنْفَسِخ الْإِجَارَة بِبيع الْعين الْمُؤجرَة وَيصِح بيعهَا ولمشتر لم يعلم فسخ وإمضاء مجَّانا، وَلَا بهبتها وَلَو لمستأجر وَلَا بوقفها وَلَا بانتقال الْملك فِيهَا بِإِرْث أَو وَصِيَّة أَو نِكَاح أَو خلع أَو طَلَاق أَو صلح وَنَحْوه وَلَا يضمن أجِير خَاص وَهُوَ من قدر نَفعه بالزمن وَيَأْتِي مَا جنت فِيهِ يَده خطأ مَا لم يَتَعَدَّ أَو يفرط وَلَا يضمن نَحْو حجام وطبيب وبيطار وختان خَاصّا كَانَ أَو مُشْتَركا عرف حذقهم لأَنهم إِذا لم يَكُونُوا كَذَلِك لم تحل لَهُم مُبَاشرَة الْفِعْل فيضمنون سرايته كَمَا لَو تعدوا بِهِ إِن أذن فِيهِ أَي الْفِعْل مُكَلّف وَقع الْفِعْل بِهِ أَو أذن فِيهِ ولي غَيره أَي

الْمُكَلف كولي الصَّغِير وَالْمَجْنُون، فَإِن لم يَأْذَن لَهُم فِيهِ ضمنُوا، وَأَن لَا يتجاوزا بفعلهم مَالا يَنْبَغِي تجاوزه بِأَن لم تجن أَيْديهم فَإِن تجاوزوا بالختان الْحَشَفَة أَو بِقطع السّلْعَة وَنَحْوهَا مَحل الْقطع أَو قطعُوا فِي وَقت لَا يصلح الْقطع فِيهِ، أَو بِآلَة كالة وَنَحْوهَا ضمنُوا لِأَنَّهُ إِتْلَاف لَا يخْتَلف ضَمَانه بالعمد وَالْخَطَأ كإتلاف المَال وَلَا يضمن رَاع مَا لم يَتَعَدَّ أَو يفرطبنوم أَو غيبتها عَنهُ وَنَحْوه. وَإِن اخْتلفَا فِي تعد أَو تَفْرِيط فَقَوْل رَاع، وَإِن ادّعى مَوتهَا قبل بِيَمِينِهِ وَلَو لم يحضر جلدا وَلَا غَيره، لِأَنَّهُ أَمِين كالوديع وَلِأَنَّهُ مِمَّا تتعذر فِيهِ إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ فِي الْغَالِب. وَيضمن أجِير مُشْتَرك وَهُوَ من قدر نَفعه بِالْعَمَلِ وَيَأْتِي أَيْضا مَا تلف بِفِعْلِهِ وَلَو مَعَ خطئه كتخريق قصار الثَّوْب وَغلط فِي تَفْصِيله وبزلق حمال أَو عثرته وَسُقُوط عَنهُ كَيفَ كَانَ وسقوطه عَن دَابَّة وَانْقِطَاع حبله الَّذِي يشد بِهِ حمله، وَكَذَا طباخ وخباز وحائك وملاح السَّفِينَة وَنَحْوهم حضر رب المَال أَو غَابَ، وَيضمن مَا نقص بخطئه فِي فعل كصباغ أَمر بصبغ الثَّوْب أصفر فصبغه أسود وخياط أَمر بتفصيله قبَاء ففصله قَمِيصًا وَنَحْو ذَلِك، وَلَو كَانَ خَطؤُهُ بِدَفْعِهِ إِلَى غير ربه غَلطا فَإِنَّهُ يضمنهُ لِأَن فَوته عَلَيْهِ، وَلَيْسَ للمدفوع إِلَيْهِ لبسه إِذا علم وَعَلِيهِ رده للقصار وَنَحْوه نصا، وَغرم قَابض قطعه أَو لبسه جَاهِلا أَنه ثوب غَيره أرش قطعه أَو لبسه لتعديه على ملك غَيره وَرجع بهما على دَافع نصا، لِأَنَّهُ غره وَيُطَالب بِثَوْبِهِ إِن وجده وَإِلَّا ضمنه الْأَجِير، وَلَا يضمن مَا تلف من حرزه أَو بِغَيْر فعله إِذا لم يفرط نصا وَلَا

أُجْرَة لَهُ لعمل فِيهِ لِأَنَّهُ لم يسلم عمله إِلَى الْمُسْتَأْجر وَلَا يُمكن تَسْلِيمه إِلَّا بِتَسْلِيم الْمَعْمُول فَلم يسْتَحق عوضه كمكيل بيع وَتلف قبل قَبضه. وللأجير حبس مَعْمُول على أجرته إِن أفلس ربه وَإِن لم يفلس فَتلف مَعْمُول أَو أتْلفه أجِير بعد عمله أَو حمله خير مَالك بَين تَضْمِينه إِيَّاه غير مَعْمُول أَو مَحْمُول وَلَا أُجْرَة لَهُ أَو مَعْمُولا أَو مَحْمُولا وَله الْأُجْرَة. وَإِن اسْتَأْجر أجِير مُشْتَرك أَجِيرا خَاصّا فَلِكُل مِنْهُمَا حكم نَفسه، فَمَا تقبله صَاحب الدّكان وَدفعه إِلَى أجيره فَتلف فِي يَده بِلَا تعد وَلَا تَفْرِيط لم يضمنهُ لِأَنَّهُ أجِير خَاص وَضَمنَهُ صَاحب الدّكان لِأَنَّهُ مُشْتَرك. والأجير قِسْمَانِ: خَاص، ومشترك. فالأجير الْخَاص من قدر نَفعه بالزمن، والأجير الْمُشْتَرك من قدر نَفعه بِالْعَمَلِ وَتقدم قَرِيبا. فالخاص يسْتَحق الْمُسْتَأْجر نَفعه فِي جَمِيع الْمدَّة الْمُقدر نَفعه فِيهَا، سوى فعل الصَّلَوَات الْخمس فِي أَوْقَاتهَا بسننها وَصَلَاة جُمُعَة وَعِيد، وَسَوَاء سلم نَفسه للْمُسْتَأْجر أَو لَا، وَيسْتَحق الْأُجْرَة بِتَسْلِيم نَفسه عمل أَو لم يعْمل، وتتعلق الْإِجَارَة بِعَيْنِه فَلَا يَسْتَنِيب، وَتجب الْأُجْرَة أَي تملك فِي إِجَارَة عين أَو إِجَارَة ذمَّة بِالْعقدِ شَرط الْحُلُول فِيهِ أَو أطلق كَمَا يجب الثّمن بِعقد البيع، وَالصَّدَاق بِالنِّكَاحِ، وَيسْتَحق الْأُجْرَة كَامِلَة بِتَسْلِيم عين أَو بذلها، وتستقر بفراغ عمل مَا بيد مُسْتَأْجر وبدفع غَيره مَعْمُولا مالم تؤجل الْأُجْرَة فَإِن أجلت لم يملك الْمُطَالبَة بهَا حَتَّى تفرغ مُدَّة الْأَجَل وَلَا ضَمَان على مُسْتَأْجر فِيمَا تلف فِي يَده كدار انْهَدَمت أَو دَابَّة مَاتَت وَنَحْو ذَلِك، وَلَو شَرط على نَفسه الضَّمَان لِأَنَّهُ أَمِين إِلَّا إِذا كَانَ

التّلف بتعد أَو تَفْرِيط مِنْهُ، وَالْقَوْل قَوْله بِيَمِينِهِ فِي نفيهما أَي التَّعَدِّي والتفريط. وَإِن شَرط الْمُؤَجّر على الْمُسْتَأْجر أَن لَا يسير بهَا فِي اللَّيْل أَو وَقت القائلة أَو لَا يتَأَخَّر بهَا عَن الْقَافِلَة وَنَحْو ذَلِك مِمَّا فِيهِ غَرَض صَحِيح فَخَالف ضمن. وَمَتى انْقَضتْ الْإِجَارَة رفع الْمُسْتَأْجر يَده عَن الْمُؤَجّر وَلم يلْزمه رد وَلَا مُؤنَة كمودع.

فصل

3 - (فصل) وَتجوز الْمُسَابقَة وَهِي من السَّبق بِسُكُون الْبَاء وَهُوَ بُلُوغ الْغَايَة قبل غَيره، والسباق فعال مِنْهُ والسبق بِفَتْح الْبَاء والسبقة الْجعل يسابق عَلَيْهِ وَجمعه أسباق على أَقْدَام وسهام وسفن ومزاريق ومقاليع وطيور وأحجار وَسَائِر حَيَوَان كإبل وخيل وبغال وحمير وفيله. و [لَا] تجوز الْمُسَابقَة بعوض [إِلَّا] إِذا كَانَت على [إبل وخيل وسهام وَشرط] فِيهَا خَمْسَة شُرُوط: أَحدهَا تعْيين المركوبين أَو الراميين بِالرُّؤْيَةِ سَوَاء كَانَا اثْنَيْنِ أَو جماعتين لَا تعْيين الراكبين وَلَا القوسين، وَالثَّانِي اتحادهما أَي المركوبين أَو القوسين بالنوع فَلَا يَصح بَين عَرَبِيّ وهجين، وَلَا قَوس عَرَبِيَّة وَهِي النبل وفارسية وَهِي النشاب وَشرط تعْيين رُمَاة بِخِلَاف الراكبين كَمَا تقدم، وَالثَّالِث تَحْدِيد مَسَافَة ومدى رمى بِمَا جرت بِهِ الْعَادة، وَذَلِكَ إِمَّا بالمشاهد أَو بالذرع لِأَن الْإِصَابَة تخْتَلف بِالْقربِ والبعد، نَحْو مائَة ذِرَاع أَو مِائَتي ذِرَاع، وَمَا لم تجر بِهِ عَادَة وَهُوَ مَا زادعلى ثلثمِائة ذِرَاع فَلَا يَصح عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يفوت بِهِ الْغَرَض الْمَقْصُود بِالرَّمْي، وَقد قيل إِنَّه مَا رمى فِي أَرْبَعمِائَة ذِرَاع إِلَّا عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ،

وَالرَّابِع علم عوض لِأَنَّهُ مَال فِي عقد فَوَجَبَ الْعلم بِهِ كَسَائِر الْعُقُود، وَيعلم إِمَّا بِالْمُشَاهَدَةِ أَو الْوَصْف، وَيجوز حَالا ومؤجلا وَبَعضه حَالا وَبَعضه مُؤَجّلا كَالْبيع وَشرط إِبَاحَته أَي الْعِوَض أَيْضا وَالْخَامِس خُرُوج عَن شبه قمار بِكَسْر الْقَاف يُقَال قامره قمارا ومقامرة فقمرة إِذا راهنه فغلبه بِأَن لَا يخرج جَمِيعهم، وَإِن أخرجَا مَعًا لم يجز إِلَّا بِمُحَلل لَا يخرج شَيْئا وَلَا يجوز اكثر من مُحَلل وَاجِد يكافىء مركوبه مركوبيهما، أَو رميه رمييهما فَإِن سبقاه أحرزا سبقيهما وَلم يُؤْخَذ من الْمُحَلّل شَيْء، وَإِن سبق هُوَ أَو أَحدهمَا أحرز السبقين وَإِن سبق الْمُحَلّل وَأحد المخرجين فَسبق مَسْبُوق بَينهمَا، وهى جعَالَة لَا يُؤْخَذ بعوضها رهن وَلَا كَفِيل، وَلكُل فَسخهَا مَا لم يظْهر الْفضل لصَاحبه فَيمْتَنع عَلَيْهِ، وَتبطل بِمَوْت أحد الْمُتَعَاقدين أَو المركوبين لَا أحد الراكبين أَو تلف إِحْدَى القوسين أَو السِّهَام، وَيجْعَل سبق فِي خيل متماثلي الْعُنُق بِرَأْس، وَفِي مختلفيهما وَفِي إبل مُطلقًا بكتف لتعذر اعْتِبَار الرَّأْس هَهُنَا، فَإِن طَوِيل الْعُنُق قد يسْبق رَأسه بطول عُنُقه لَا بِسُرْعَة عده، وَفِي الْإِبِل مَا يرفع رَأسه وفيهَا مَا يمد عُنُقه فَرُبمَا سبق رَأسه بطول عُنُقه لَا بسبقه. والمناضلة من النضل يُقَال ناضله نضالا ومناضلة وَسمي الرَّمْي نضالا لِأَن السهْم التَّام يُسمى نضلا، فالرمي عمل بالنضل. وهى ثَابِتَة بِالْكتاب الْعَزِيز لقَوْله تَعَالَى: 19 ( {قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِق} ) . وقرىء ننتضل، وَالسّنة شهيرة بذلك وَمحل بسطها المطولات فَرَاجعهَا.

فصل

3 - (فصل) 3. وَالْعَارِية بتَخْفِيف الْيَاء وتشديدها الْعين الْمَأْخُوذَة للِانْتِفَاع بِلَا عوض، والإعارة إِبَاحَة نَفعهَا بِلَا عوض. وَهِي سنة، وتنعقد بِكُل قَول أَو فعل يدل عَلَيْهَا كأعرتك هذة الدَّابَّة. أَو: اركبها، أَو: استرح عَلَيْهَا، وَنَحْو دلك. وبدفعه دَابَّته لرفيقه عِنْد تَعبه، وتغطيته بكساء إِذْ برد، وَنَحْو دلك. وَشرط للإعارة أَرْبَعَة شُرُوط: أَحدهَا كَون معير أَهلا للتبرع شرعا، لِأَن الْإِعَارَة نوع تبرع، وَالثَّانِي كَون مستعير أَهلا للتبرع لَهُ بِتِلْكَ الْعين المعارة بِأَن يَصح مِنْهُ قبُولهَا هبة أشبه إِبَاحَة بِالْهبةِ، فَلَا تصح إِعَارَة عبد مُسلم لكَافِر لخدمته. وَيَأْتِي فِي الْمَتْن. وَالثَّالِث مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وكل مُبْتَدأ مَا أَي شَيْء ينْتَفع بِهِ مَعَ بَقَاء عينه كدواب ورقيق ودور ولباس وَنَحْو تصح إعارته بِخِلَاف مَا لَا ينْتَفع بِهِ إِلَّا مَعَ تلف عينه كأطعمة وأشربة، فَإِن أَعْطَاهَا بِلَفْظ إِعَارَة فَقَالَ ابْن عقيل: يحْتَمل أَن يكون اباحة للِانْتِفَاع على وَجه الْإِتْلَاف. نَقله الْمجد فِي شَرحه وَاقْتصر عَلَيْهِ. وَالرَّابِعَة مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله نفعا مُبَاحا وَلَو لم يَصح الِاعْتِيَاض

عَنهُ كإعارة كلب لصيد وَنَحْوه تصح إعارته خبر، فَلَا تصح إِعَارَة لغناء أَو زمر وإناء ذهب أَو فضَّة وحلي محرم على رجل ليلبسه الا الْبضْع وَهُوَ أَن يعيره أمته ليستمتع بهَا فَيحرم وَلَا يَصح، فَإِنَّهُ وطىء مَعَ الْعلم بِالتَّحْرِيمِ فَعَلَيهِ الْحَد، وَكَذَا هِيَ إِن طاوعته وَولده رَقِيق، وَإِن كَانَ جَاهِلا فَلَا حد وَلَده حر وَيلْحق بِهِ، وَتجب قِيمَته للْمَالِك وَمهر الْمثل فيهمَا وَلَو مطاوعة إِلَّا أَن يَأْذَن السَّيِّد فَإِن أذن فَلَا مهر. وَأما للْخدمَة فَإِن كَانَت بَرزَة أَو شوهاء أَو كَبِيرَة لَا يَشْتَهِي مثلهَا جَازَ، وَكَذَا إِن كَانَت شَابة وَكَانَت الاعارة لمحرم أَو امْرَأَة أَو صبي، وَإِن كَانَت لشاب كره خُصُوصا العزب لِأَنَّهُ لَا يُؤمن عَلَيْهَا. وَتحرم الْخلْوَة بهَا وَالنَّظَر إِلَيْهَا بِشَهْوَة وَإِلَّا عبدا مُسلما فَتحرم إعارته لكَافِر لخدمة خَاصَّة، وَتقدم وَتَصِح إِعَارَة الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير للوزن فَإِن استعارها لينفقها أَو استعارها مَكِيلًا أَو مَوْزُونا فقرض. وَتجب إِعَارَة مصحف لمحتاج الى قِرَاءَة فِيهِ وَلم يجد غَيره وَإِن لم يكن مَالِكه مُحْتَاجا اليه وَإِلَّا صيدا وَنَحْوه أى الصَّيْد كإعارة آلَة يصيد بهَا وَنَحْوهَا فَتحرم لمحرم فَإِن فعل فَتلف الصَّيْد ضمنه لله بالجزاء وللمالك بِالْقيمَةِ. وَكَذَا يحرم أَن يعير أحد لمحرم كل مَا يحرم عَلَيْهِ اسْتِعْمَاله فِي الاحرام، وَإِلَّا أمة، وَإِلَّا أَمْرَد فَتحرم إعارتهما لغير مَأْمُون لِأَنَّهُ لَا يُؤمن عَلَيْهِمَا مِنْهُ. وَتكره اسْتِعَارَة أَبَوَيْهِ وَإِن علوا للْخدمَة. ولمستعير الرَّد مَتى شَاءَ. ولمعير الرُّجُوع مَتى شَاءَ مُطلقَة كَانَت أَو موقتة مَا لم يُؤذن فِي شغله بشىء يضر بالمستعير رُجُوعه، مثل أَن يعيره

سفينة لحمل مَتَاعه ولوحا يرقع بِهِ سفينة فرقعها بِهِ ولج فِي الْبَحْر فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوع وَلَا الْمُطَالبَة مَا دَامَت فِي اللجة حَتَّى ترسو السَّفِينَة. وَله الرُّجُوع قبل دُخُولهَا فِي الْبَحْر. وَكَذَا من أعَار أَرضًا للدفن أَو الزَّرْع. وَلَيْسَ لمن أعَار حَائِطا لوضع خشب عَلَيْهِ الرُّجُوع مَا دَامَ عَلَيْهِ، وَله الرُّجُوع قبل الْوَضع وَبعده مَا لم يبن عَلَيْهِ، فَإِن سقط لهدم أَو غَيره لم يعد إِلَّا بِإِذْنِهِ أَو عِنْد الضَّرُورَة إِن لم يتَضَرَّر الْحَائِط. وَمن أعير أَرضًا لغرس أَو بِنَاء وَشرط قلعه بِوَقْت أَو رُجُوع لزم قلعه عِنْده لَا تسويتها بِلَا شَرط، وَإِن لم يشْتَرط ذَلِك فلمعير أَخذه بِقِيمَتِه وقلعه وَيضمن نَقصه، وَإِن اخْتَار مستعير الْقلع سوى الْحفر. ومستعير فِي اسْتِيفَاء النَّفْع كمستأجر إِلَّا أَنه لَا يعير وَلَا يُؤجر إِلَّا بِإِذن. فَإِن أَعَارَهُ أَرضًا للغراس وَالْبناء أَو لأَحَدهمَا فَلهُ ذَلِك وَله أَن يزرع مَا شَاءَ، وَإِن استعارها للزَّرْع لم يغْرس وَلم يبن، وللغرس أَو الْبناء لم يملك الآخر. وتضمن الْعَارِية مُطلقًا أَي فرط أَو لم يفرط وَلَو شَرط نفي الضَّمَان. وكل مَا كَانَ أَمَانَة أَو مَضْمُونا لَا يَزُول عَن حكمه بِالشّرطِ بِمثل مثلى كصنجة من نُحَاس لَا صناعَة بهَا استعارها ليزن بهَا فَتلفت فَعَلَيهِ مثل مثل وَزنهَا من نوعها. وتضمن الْعَارِية ب [قيمَة غَيره] أَي المثلى يَوْم تلف لِأَن قيمتهَا

بدل عَنْهَا فَوَجَبَ عِنْد تلفهَا كَمَا يجب عِنْد إتلافها وَلِأَنَّهُ يَوْم تحقق فَوَاتهَا فِيهِ فَوَجَبَ اعْتِبَار الضَّمَان فِيهِ. و [لَا] تضمن الْعَارِية إِن تلفت بِاسْتِعْمَال بِمَعْرُوف كخمل منشفة وطنفسه، وثوب بلَى باللبس، لِأَن الْإِذْن فِي الِاسْتِعْمَال تضمن الْإِذْن فِي الاتلاف، وَمَا أذن فِي إِتْلَافه لَا يضمن كالمنافع، فَإِن حمل فِي الثَّوْب تُرَابا وَنَحْوه فَتلف ضمن لتعديه. وَيقبل قَول مستعير بِيَمِينِهِ إِنَّه لم يَتَعَدَّ، وَعَلِيهِ مئونه ردهَا، لَا مؤنتها عِنْده زمن انْتِفَاع بل على مَالِكهَا كالمؤجرة، وَيبرأ بردهَا إِلَى من جرت عَادَة الْإِنْسَان بِالرَّدِّ على يَده، كسائس وخازن وَزَوْجَة ووكيل عَام ووكيل فِي قبض حُقُوقه لَا بردهَا إِلَى اصطبله أَو غُلَامه، وَمن سلم لشَرِيكه الدَّابَّة فَتلفت بِلَا تعد وَلَا تَفْرِيط لم يضمن. وَإِن اخْتلف الْمَالِك والقابض، فَقَالَ: آجرتك، فَقَالَ: بل أعرتني قبل مُضِيّ مُدَّة من الْقَبْض لَهَا أُجْرَة فَقَوْل قَابض بِيَمِينِهِ، وَبعدهَا فَقَوْل مَالك فِيمَا مضى بِيَمِينِهِ وَله أُجْرَة الْمثل. وَكَذَا لَو ادّعى أَنه زرع الأَرْض عَارِية، وَقَالَ رَبهَا: إِجَارَة. وَإِن قَالَ قَابض لمَالِك: أعرتني أَو آجرتني، فَقَالَ: بل غضبتني، أَو قَالَ: أعرتك، فَقَالَ: بل آجرتني والبهيمة تالفة وَاخْتلفَا فِي ردهَا فَقَوْل مَالك بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ مُنكر. وَكَذَا لَو قَالَ الْقَابِض: أعرتني، قَالَ: غصبتني وَالْعين قَائِمَة فَقَوْل مَالك بِيَمِينِهِ فِي وجوب الْأجر وَرفع الْيَد ورد الْعين لمَالِكهَا، لِأَن الأَصْل عدم مَا يَدعِيهِ الْقَابِض. وَإِن قَالَ: أعرتك، فَقَالَ: أودعتني فَقَوْل مَالك، وَله قيمَة تالفه. وَكَذَا فِي عكسها بِأَن قَالَ الْمَالِك: أودعتك، فَقَالَ الْقَابِض: أعرتني فَقَوْل مَالك بِيَمِينِهِ وَله أُجْرَة

مَا انْتفع بهَا. وَإِن قَالَ مَالك: غصبتني. وَقَالَ قَابض: أودعتني، فَقِيَاس مَا سبق لِأَن الأَصْل فِي قبض مَال الْغَيْر الضَّمَان. وَلَا تضمن الْعَارِية إِن كَانَت وفقا ككتب علم وَسلَاح كسيف ورمح وَدرع مَوْقُوفَة على الْغُزَاة إِلَّا بتفريط وَلَا فِيمَا إِذا أعارها الْمُسْتَأْجر وَعَلِيهِ أَي الْمُسْتَعِير [مُؤنَة ردهَا] لمَالِكهَا كمغصوب وَإِن أركب شخص دَابَّته مُنْقَطِعًا لله تَعَالَى فَتلفت تَحْتَهُ لم يضمن الرَّاكِب شَيْئا لِأَنَّهَا بيد صَاحبهَا لكَون الرَّاكِب لم ينْفَرد بحفظها، أشبه مَا لَو غطى ضَيفه بلحافه فَحرق عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يضمنهُ. وَمن اسْتعَار ليرهن فالمرتهن أَمِين لَا يضمن إِلَّا بِالتَّعَدِّي أَو التَّفْرِيط وَيضمن الْمُسْتَعِير سَوَاء تلفت تَحت يَده أَو يَد الْمُرْتَهن.

فصل

3 - (فصل) 3. وَالْغَصْب مصدر غصب يغصب من بَاب ضرب، وَهُوَ لُغَة: أَخذ الشَّيْء ظلما، قَالَه الْجَوْهَرِي وَابْن سَيّده، وَشرعا: اسْتِيلَاء غير حَرْبِيّ غَيره قهرا بِغَيْر حق. وَهُوَ حرَام إِجْمَاعًا بِالْكتاب وَالسّنة لقَوْله تَعَالَى 19 ((لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ وتدلوا بهَا إِلَى الْحُكَّام)) . وَقَوله تَعَالَى 19 ((لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تكون تِجَارَة عَن ترَاض مِنْكُم)) وَقَوله (إِن دماءكم وَأَمْوَالكُمْ وَأَعْرَاضكُمْ حرَام عَلَيْكُم) وَقَوله (من غصب شبْرًا من أَرض طوقه الله يَوْم الْقِيَامَة بِسبع أَرضين)

وَهُوَ كَبِيرَة من الْكَبَائِر الْعِظَام. فَمن غصب كَلْبا يقتني أَي يجوز اقتناؤه ككلب صيد وَزرع أَو غصب خمر ذمِّي مُحْتَرمَة أَي مستترة ردهما أَي الْكَلْب وَالْخمر لُزُوما، لِأَن الذِّمِّيّ غير مَمْنُوع من إِِمْسَاكهَا كخمر الْخلال وَالْكَلب يجوز الِانْتِفَاع بِهِ، وَإِن تلفا لم تلْزمهُ قيمتهمَا لتحريمهما فهما كالميتة، وَلَا يلْزمه رد جلد ميتَة غصبه لِأَنَّهُ لَا يطهر بالدباغ، وأتلف الثَّلَاثَهْ أَي الْكَلْب وَالْخمر وَالْجَلد هدر مُسلما كَانَ أَو ذِمِّيا. وَإِن استولى إِنْسَان على حر مُسلم، وَلم يُقَيِّدهُ فِي الْإِقْنَاع والمنتهى وَغَيرهمَا بِالْمُسلمِ، كَبِيرا كَانَ أَو صَغِيرا بِأَنَّهُ حَبسه وَلم يمنعهُ الطَّعَام وَالشرَاب فَمَاتَ عِنْده لم يضمنهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَال، [بل] يضمن [ثِيَاب] حر [صَغِير و] يضمن حليه وَلَو لم يَنْزِعهَا عَنهُ، لِأَن الصَّغِير لَا ممانعة لَهُ عَن ذَلِك أشبه مَا لَو غصبه مُنْفَردا. وعَلى من أبعده عَن بَيت أَهله رده إِلَيْهِ ومؤنته عَلَيْهِ، وَإِن اسْتَعْملهُ الْحر كرها فِي خدمَة أَو خياطَة أَو غَيرهمَا فَعَلَيهِ أجرته، لِأَنَّهُ استوفى مَنَافِعه المتقومة فضمنها كمنافع العَبْد أَو حَبسه الْحر مُدَّة لَهَا أُجْرَة فَعَلَيهِ أجرته مُدَّة حَبسه لِأَنَّهُ فَوت منفعَته بِالْحَبْسِ، وَهِي مَال يجوز أَخذ الْعِوَض عَنهُ [ك] مَنَافِع [قن] ، وَإِن مَنعه الْعَمَل من غير حبس لم يضمن، وَلَو كَانَ الْمَمْنُوع عبدا. وَيلْزمهُ أى الْغَاصِب رد مَغْصُوب إِلَى مَحَله إِن قدر عَلَيْهِ بِزِيَادَتِهِ أَي الْمَغْصُوب الْمُتَّصِلَة والمنفصله كالسمن وَالْكَسْب، وَلَو غرم على رده أَضْعَاف قِيمَته لكَونه بعد أَو بنى عَلَيْهِ،

وَإِن نقص الْمَغْصُوب بعد غصبه وَقبل رده وَكَانَ نَقصه [لغير تغير سعر] كنبات لحية عبد فَعَلَيهِ أى الْغَاصِب أَرْشه أَي أرش مَا نقص من قِيمَته، وَإِن كَانَ لتغير سعر بِأَن نزل لذهاب موسم لم يضمن سَوَاء ردَّتْ الْعين أَو تلفت لِأَن الْمَغْصُوب لم تنقص عينه وَلَا صفته فَلم يلْزمه شَيْء سوى رد الْمَغْصُوب أَو بدله، والفائت إِنَّمَا هُوَ رغبات النَّاس وَلَا تقَابل بِشَيْء. وَإِن بنى الْغَاصِب فِي أَرض غصبهَا أَو الشَّرِيك وَلَو من غير غصب لكنه فعله بِغَيْر إِذن شَرِيكه أَو غرس فِيهَا لزمَه أَي من فعل ذَلِك قلع بنائِهِ وغرسه وَلَزِمَه أرش نقض وَلَزِمَه تَسْوِيَة أَرض وفيهَا الْأُجْرَة ايضا أَي أُجْرَة الْمثل، وَلَو غصب مَا اتّجر بِهِ أَو غصب جارحا أَو قوسا أَو فرسا ف [صَاد] هُوَ أَو غَيره بِهِ أَو عَلَيْهِ أَو غنم فَهُوَ لمَالِكه، [أَو] غصب منجلا ف [حصد] بِهِ أَو قطع بِهِ خشبا أَو حشيشا [فمهما حصل ب] سَبَب ذَلِك من مَال تِجَارَة أَو صيد أَو غنيمَة أَو أُجْرَة منجل. وَأما الْمَقْطُوع والمخضود بالمنجل فَهُوَ لغاصب لحُصُول الْفِعْل مِنْهُ كَمَا لَو غصب سَيْفا فقاتل، أَو حشيش قطعه بِهِ ف هُوَ لمَالِكه لِأَنَّهُ حصل بِسَبَب الْمَغْصُوب فَكَانَ لمَالِكه، وَإِن [خلطه] أَي خلط الْغَاصِب الْمَغْصُوب بِمَا لَا يتَمَيَّز كزيت وَنقد بمثلهما لزم مثله مِنْهُ. وَإِن خلطه بِدُونِهِ أَو بِخَير مِنْهُ أَو بِغَيْر جنسه على وَجه لَا يتَمَيَّز كزيت بشيرج ودقيق حِنْطَة بدقيق شعير وَنَحْوه فهما شريكان بِقدر قيمتهمَا كاختلاطهما من غير غصب نصا، وَحرم تصرق غَاصِب فِي قدر مَاله فِيهِ أَو صبغ الْغَاصِب الثَّوْب الَّذِي غصبه أَو لت السويق بِزَيْت وَلم

تنقص قيمتهمَا وَلم تزد أَو زادتا مَعًا فهما شريكان بِقدر ملكيهما لِاجْتِمَاع ملكيهما وَهُوَ يقتضى الاشراك فَيُبَاع ذَلِك ويوزع الثّمن على قدر الْقِيمَتَيْنِ. وَكَذَا لَو غصب زيتا فَجعله صابونا. وَإِن نقصت الْقيمَة أَي قيمَة الثَّوْب والصبغ، أَو السويق وَالزَّيْت أَو قيمَة أَحدهمَا فَالزِّيَادَة لصَاحبه. وَإِن أَرَادَ أَحدهمَا قلع الصَّبْغ لم يجْبر الآخر عَلَيْهِ لِأَن فِيهِ إتلافا لملك الآخر. وَلَو أَرَادَ الْمَالِك بيع الثَّوْب فَلهُ ذَلِك وَلَو أَبى الْغَاصِب، وَإِن أَرَادَ الْغَاصِب بَيْعه لم يجْبر الْمَالِك، وَإِن وهب الصَّبْغ أَو تزويق الدَّار وَنَحْوهمَا للْمَالِك لزمَه قبُوله.

[فصل وَمن اشْترى أَرضًا فغرس أوبنى] فِيهَا [ثمَّ] بعد الْغَرْس أَو الْبناء [وجدت] الأَرْض اى ظَهرت مُسْتَحقَّة لغير بَائِعهَا وَقلع ذَلِك الْغِرَاس أَو الْبناء لِأَنَّهُ وضع بِغَيْر حق [رَجَعَ] مُشْتَر على بَائِع بِمَا غرمه من ثمنه لقبضه وَأُجْرَة غارس وَبَان وَثمن مُؤَن مستهلكة وَأرش نقص لقلع وَنَحْو ذَلِك، لِأَنَّهُ غره وأوهمه أَنَّهَا ملكه وَذَلِكَ سَبَب غراسه وبنائه. وَعلم مِنْهُ أَن لرب الأَرْض قلع الْغِرَاس وَالْبناء بِلَا ضَمَان نقص، لِأَنَّهُ وضع فِي ملكه بِغَيْر إِذْنه فَحكمه كالغصب وَإِن غصب شَيْئا ف أطْعمهُ أى الْمَغْصُوب ل شخص عَالم بغصبه أَي بِأَنَّهُ غصبه وأطعمه إِيَّاه ضمن آكل مَا أكله: لِأَنَّهُ أتلف مَال غَيره بِغَيْر إِذْنه عَالما من غير تغرير، وللمالك تضمين الْغَاصِب وتضمين آكله. إِن أطْعمهُ لغير عَالم بِأَنَّهُ غصبه وَلَو لمَالِك لم يبرأ غَاصِب. وَيضمن بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول مَغْصُوب مثلي وَهُوَ كل مَكِيل أَو موزن لَا صناعَة فِيهِ مُبَاحَة يَصح السّلم فِيهِ بِمثلِهِ نصا فَإِن أعوز الْمثل فَقيمته يَوْم إعوازه، فَإِن قدر على الْمثل لَا بعد أَخذ الْقيمَة وَجب الْمثل لِأَنَّهُ الأَصْل وَيضمن غَيره أَي غير المثلى كَالثَّوْبِ وَالسيف وَنَحْو ذَلِك إِذا تلف أَو أتلف بِقِيمَتِه يَوْم تلفه فِي بلد غصبه من نَقده لِأَنَّهُ مَوضِع الضَّمَان

بِمُقْتَضى التَّعَدِّي، فَإِن كَانَ نقود فَمن غالبها، وَيضمن محرم صناعَة بوزنه من جنسه، وَحرم تصرف غَاصِب وَغَيره مِمَّن علم الْحَال بمغصوب، وَلَا يَصح عقد من الْعُقُود بِهِ كَالْبيع وَالْإِجَارَة وَالْهِبَة وَنَحْوهَا، وَلَا تصح عبَادَة بِهِ كاستجمار بِنَحْوِ حجر مَغْصُوب ووضوء وَغسل وَتيَمّم بمغصوب وَصَلَاة فِي ثوب مَغْصُوب أَو بقْعَة مغصوبه وَإِخْرَاج زَكَاة أَو حج من مَال مَغْصُوب، وَالْقَوْل مُبْتَدأ إِن اخْتلفَا فِي قيمَة تَالِف بِأَن قَالَ مَالك: كَانَ قِيمَته خمسين، فَقَالَ غَاصِب: بل أَرْبَعِينَ، أَو اخْتلفَا فِي قدره بِأَن قَالَ: عشرَة أَذْرع فَقَالَ غَاصِب: بل ثَمَانِيَة أَو اخْتلفَا فِي صفته بِأَن قَالَ: كَانَ كَاتبا فَأنكرهُ غَاصِب، أَو اخْتلفَا فِي ملك ثوب على مَغْصُوب أَو سرج على فرس قَوْله خبر أَي الْغَاصِب بِيَمِينِهِ حَيْثُ لَا بَيِّنَة للْمَالِك لِأَنَّهُ، مُنكر وَالْأَصْل بَرَاءَته من الزَّائِد وَعدم الصِّنَاعَة فِيهِ وَعدم ملك الثَّوْب أَو السرج عَلَيْهِ، وَإِن اخْتلفَا فِي رده إِلَى مَالِكه أَو اخْتلفَا فِي عيب فِيهِ بِأَن قَالَ غَاصِب: كَانَ العَبْد أَعور أَو أعرج أَو يَبُول فِي فرَاشه وَنَحْوه فَالْقَوْل قَول ربه بِيَمِينِهِ على نفي ذَلِك، لِأَن الأَصْل عدم الرَّد وَالْعَيْب. وَمن بِيَدِهِ غصب غصب أَو غَيره كرهن وَسَائِر الْأَمَانَات وَالْأَمْوَال الْمُحرمَة وَجَهل ربه أَو عرفه وفقده وَلَيْسَ لَهُ وَارِث فَلهُ الصَّدَقَة بِهِ أَي الْغَصْب وَغَيره عَنهُ أَي عَن مَالِكه بنية الضَّمَان لرَبه كلقطة وَيسْقط عَنهُ إِثْم غصب، وَإِن دَفعه إِلَى حَاكم لزمَه قبُوله وبريء من عهدته. وَلَيْسَ لمن هُوَ فِي يَده أَخذ شَيْء مِنْهُ فَقِيرا نصا.

وَإِذا تصدق بِالْمَالِ ثمَّ حضر الْمَالِك خير بَين الْأجر وَالْأَخْذ من الْمُتَصَدّق، فَإِن اخْتَار الْأَخْذ فَلهُ ذَلِك وَالْأَجْر للمتصدق. وَمن لم يقدر على مُبَاح لم يَأْكُل مَاله غنية عَنهُ كحلوى وَنَحْوهَا. وَمن أتلف من مُكَلّف أَو غَيره إِن لم يَدْفَعهُ ربه إِلَيْهِ وَلَو سَهوا مَالا مُحْتَرما لغيره بغيرإذنه وَمثله يضمن ضمنه متْلف لِأَنَّهُ فَوته عَلَيْهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانه كَمَا لَو غصبه فَتلف عِنْده فَخرج بِالْمَالِ نَحْو سرجين نجس وكلب، وبالمحترم نَحْو صنم وصليب، وَبِقَوْلِهِ (لغيره) مَال نَفسه، وَبِقَوْلِهِ بِغَيْر إِذْنه مَا إِذا أذن لَهُ مُكَلّف رشيد بِإِتْلَاف مَاله فأتلفه، ويقوله وَمثله يضمن مَا يتلفه أهل الْعدْل من مَال أهل الْبَغي وَقت حَرْب وَعَكسه، وَمَا يتلفه الْمُسلم من مَال حَرْبِيّ وَعَكسه، وَمَا يتلفه مَحْجُور عَلَيْهِ لَحْظَة مِمَّا دفع إِلَيْهِ، وَمَا يتلفه بِدفع صائل عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي هَذِه الصُّور. وَإِن أكره على إِتْلَاف مَال مَضْمُون فأتلفه ضمنه مكرهه وَلَو على إِتْلَاف مَال نَفسه. وَإِن فتح قفصا عَن طَائِر، أَو حل قيد قن أَو أَسِير، أَو دفع لأَحَدهمَا مبردا فبرد الْقَيْد، أَو حل فرسا أَو سفينة ففات، أَو عقر شَيْء من ذَلِك بِسَبَب إِطْلَاقه بِأَن كَانَ الطير جارحا فَقلع عين إِنْسَان وَنَحْوه، أَو حل وكاء زق فِيهِ مَائِع فأذابته الشَّمْس، أَو بقى يعد حلّه فألقته الرّيح فاندفق، ضمن فِي الْجَمِيع. وَلَو بقى الطَّائِر أَو الْفرس حَتَّى نفرهما آخر ضمن المنفر، [وَإِن ربط إِنْسَان] أَو أوقف دَابَّة بطرِيق ضيق ضمن مَا أتلفته الدَّابَّة مُطلقًا أى سَوَاء كَانَت لَهُ أَو لغيره، يَده عَلَيْهَا أَو لَا، ضربهَا أَو لَا، وَسَوَاء جنت بمقدمها أَو مؤخرها أَو فمها.

وَكَذَا لَو ترك بِالطَّرِيقِ نَحْو خَشَبَة أَو طين أَو عَمُود أَو حجر أَو كيس دَرَاهِم فَإِنَّهُ يضمن مَا تلف بِسَبَب ذَلِك. وَيجوز قتل هرة تَأْكُل نَحْو لحم كالفواسق، وَفِي الْفُصُول: حِين أكله، وَفِي التَّرْغِيب: إِن لم تنْدَفع إِلَّا بِهِ كصائل. وَمن أجج نَارا بِملكه فتعدت إِلَى فتعدت إِلَى غَيره فأتلفته ضمنه إِن فرط بِأَن أجج نَارا تسري فِي الْعَادة لكثرتها، أَو فِي ريح شَدِيدَة تحملهَا إِلَى ملك غَيره لَا إِن طَرَأَ ت ريح. وَمن بسط فِي مَسْجِد حَصِيرا أَو بَارِية أَو بساطا أَو علق أَو أوقد فِيهِ قِنْدِيلًا أَو نصب فِيهِ بَابا أَو عمدا لمصْلحَة أَو رفا لنفع النَّاس أَو هُوَ سقفه أَو بنى جدارا وَنَحْوه أَو جلس أَو اضْطجع أَو قَامَ فِيهِ أَو فِي طَرِيق وَاسع فعثر بِهِ حَيَوَان لم يضمن مَا تلف بِهِ. وَمن اقتنى كَلْبا عقورا أَو لَا يقتني كَمَا لَو كَانَ لغير مَاشِيَة وَنَحْوهَا أَو أسود بهيما أَو أسدا أَو نمرا أَو ذئبا أَو جارحا أَو هرا يَأْكُل الطُّيُور ويقلب الْقُدُور عَادَة فأتلف شَيْئا ضمنه، وَلَا يضمن رب بَهِيمَة غير ضارية أى مَعْرُوفَة بالصول مَا أتلفته نَهَارا من الْأَمْوَال والأبدان، وَإِن كَانَت الدَّابَّة بيد رَاكب لَهَا أَو بيد قَائِد لَهَا أَو بيد سائق لَهَا مَالِكًا كَانَ أَو مُسْتَأْجرًا أَو مستعيرا أَو موصي لَهُ بنفعها وَكَانَ قَادِرًا على التَّصَرُّف فِيهَا ضمن جِنَايَة مقدمها كفمها ويدها وَوَلدهَا أَو ضَمَان وَطئهَا الدَّابَّة برجلها لَا مَا نفحت بهَا بِلَا سَبَب مَا لم يكبحها أى يجذبها باللجام زِيَادَة على الْعَادة أَو يضْرب وَجههَا. وَلَا جِنَايَة ذنبها.

وَضمن رَبهَا ومستأجرها ومستعيرها ومودعها مَا أفسدت من زرع وَشَجر وَغَيرهمَا لَيْلًا فَقَط نصا. وَإِن تعدد رَاكب ضمن الأول أَو من خَلفه إِن انْفَرد بتدبيرها، وَإِن اشْتَركَا فِيهِ أَو لم يكن إِلَّا سائق وقائد اشْتَركَا فِي الضَّمَان. وَإِن اصطدمت سفينتان فغرقتا ضمن كل من قيمى السفينتين سفينة الآخر وَمَا فِيهَا من نفس وَمَال إِن فرط، وَإِن تعمداه فهما شريكان فِي إتلافهما وَمَا فيهمَا، فَإِن قتل غَالِبا فالقود بِشَرْطِهِ، وَإِن لَا يقتل غاليا فَشبه عمد. وَمن قتل صائلا عَلَيْهِ وَلَو آدَمِيًّا دفعا عَن نَفسه وَلم ينْدَفع بِغَيْر الْقَتْل، أَو خنزيرا، أَو أتلف وَلَو مَعَ صَغِير مِزْمَارًا أَو طنبورا أَو عودا أَو طبلا أَو دفا بصنوج أَو حلق أَو نردا أَو شطرنجا أَو صليبا أَو كسر إِنَاء فضَّة أَو ذهب أَو إِنَاء فِيهِ خمر مَأْمُور بإراقتها قدر على إراقتها بِدُونِهِ أَو لَا حليا محرما على ذكر لم يَتَّخِذهُ يصلح للنِّسَاء أَو آله سحر أَو تعزيم أَو تنجيم أَو صور خيال أَو أوثانا أَو كتب مبتدعة مضلة أَو كفرا وأكاذيب أَو سخائف لأهل الضَّلَالَة والبطالة أَو كتابا فِيهِ أَحَادِيث رَدِيئَة أَو حرق مخزن خمر لم يضمن شَيْئا فِي الْجَمِيع. قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى للمؤلف: وَظَاهره وَلَو كَانَ مَعهَا غَيرهَا. وَأما دف الْعَرُوس الَّذِي لَا حلق فِيهِ وَلَا صنوج فمضمون لإباحته، وَكَذَلِكَ طبل حَرْب، وَلَا فرق بَين كَون الْمُتْلف مُسلما أَو كَافِرًا.

فصل

3 - (فصل) 3. بِإِسْكَان الْفَاء من الشفع وَهُوَ الزَّوْج أَو من الشَّفَاعَة أى الزِّيَادَة أَو التقوية، وَهِي شرعا اسْتِحْقَاق الشَّرِيك انتزاع شقص شَرِيكه مِمَّن انْتقل إِلَيْهِ بعوض مَالِي إِن كَانَ مثله أَو دونه. وَلَا تسْقط بحيلة وَلَا تثبيت إِلَّا بطلبها فَوْرًا بِأَن يشْهد بِالطَّلَبِ حِين يعلم إِن لم يكن عذر، ثمَّ لَهُ أَن يُخَاصم وَلَو بعد أَيَّام فَإِن أخر الطّلب بِغَيْر عذر سَقَطت لمُسلم مُتَعَلق بتثبت على مُسلم وَكَافِر ولكافر على كَافِر لَا على مُسلم، نصا، تَامّ الْملك فَلَا تثبت لمَالِك ملكا غير تَامّ كشركة ووقف وَلَو على معِين، فَلَا يَأْخُذ مَوْقُوف عَلَيْهِ بِالشُّفْعَة لقُصُور ملكه فِي حِصَّة شَرِيكه المنتقلة لغيره أَي الشَّفِيع بعوض فَلَا شُفْعَة فِي الْمَوْرُوث والموصي بِهِ والموهوب بِلَا عوض [مَالِي] صفة لعوض، فَلَا شُفْعَة فِيمَا جعل مهْرا أَو عوضا فِي خلع أَو صلحا عَن دم عمد وَنَحْوه [بِمَا] أَي بِمثل الثّمن الَّذِي [اسْتَقر عَلَيْهِ العقد] قدرا وجنسا وَصفَة، فَإِن جهل وَلَا حِيلَة سَقَطت وَمَعَ الْحِيلَة يجب قيمَة الشّقص،

وَشرط لثُبُوت الْأَخْذ بِالشُّفْعَة تقدم ملك شَفِيع لرقبة الْعقار فَيثبت لمكاتب كَغَيْرِهِ [لَا] لأحد اثْنَيْنِ اشتريا دَارا صَفْقَة على الآخر وَشرط أَيْضا كَون شقص مَبِيع [مشَاعا] أَي غير مفرز من أَرض تجب قسمتهَا أَي الأَرْض إجبارا بِطَلَب من لَهُ فِيهَا جُزْء [وَيدخل غراس] وَيدخل [بِنَاء] بِالشُّفْعَة تبعا لأرض وَلَا يدْخل ثَمَرَة ظَاهِرَة [و] لَا [زرع] بشفعة لَا تبعا وَلَا مُفردا، لِأَنَّهُ لَا يدْخل فِي البيع تبعا فَلَا يُؤْخَذ بِالشُّفْعَة. فَلَا شُفْعَة فِيمَا لَا يَنْقَسِم إجبارا كحمام صَغِير وبئر وطرق وعراص ضيقَة ورحى صَغِيرَة، وَلَا فِيمَا لَيْسَ بعقار كشجر وحيوان وَبِنَاء مُفْرد وجوهر وَسيف وسكين وَزرع وثمر وكل مَنْقُول. وَشرط أَيْضا أَخذ جَمِيع مَبِيع دفعا لضَرَر المُشْتَرِي بتبعيض الصَّفْقَة فِي حَقه بِأخذ بعض الْمَبِيع مَعَ أَن الشُّفْعَة على خلاف الأَصْل دفعا لضَرَر الشّركَة فَإِذا أَخذ الْبَعْض لم ينْدَفع الضَّرَر فَإِن أَرَادَ الشَّفِيع أَخذ الْبَعْض من الْمَبِيع مَعَ بَقَاء الْكل أَي لم يتْلف مِنْهُ شَيْء سَقَطت شفعته، وَإِن تلف الْبَعْض فَلهُ أَخذ بَاقِيه بِحِصَّتِهِ من ثمنه أَو عجز الشَّفِيع وَلَو عَن بعض الثّمن بعد إنظاره أَي الشَّفِيع ثَلَاثًا لَيَال بأيامها حَتَّى يتَبَيَّن عَجزه نصا وَلم يَأْتِ بِهِ سَقَطت حَتَّى وَلَو أَتَى برهن أَو ضَامِن مَلِيء لبَقَاء ضَرَره بِتَأْخِير الثّمن أَو قَالَ الشَّفِيع لمشتر: بمعني إِيَّاه أَو قَالَ لَهُ صالحني عَلَيْهِ أَو: هبه لي، أَو: اشْتريت رخيصا أَو غاليا وَنَحْوه سَقَطت، أَو أخبرهُ بذلك عدل وَاحِد وَلَو عبدا أَو أُنْثَى فكذبه وَنَحْوه كَأَن أخبرهُ من لَا يقبل قَوْله كفاسق فَصدقهُ وَلم يطْلب سَقَطت لِأَنَّهُ غير مَعْذُور

فَإِن عَفا بَعضهم أَي الشُّرَكَاء عَن حَقه من الشُّفْعَة أَخذ باقيهم أى الشُّرَكَاء الْكل بِالشُّفْعَة أَو تَركه كُله لِأَن فِي أَخذهم الْبَعْض إِضْرَارًا بالمشتري وَإِن مَاتَ شَفِيع قبل طلب الشُّفْعَة مَعَ قدرَة أَو إِشْهَاد، مَعَ عذر بِطَلَب أَي سَقَطت لَا بعد طلب أَو إِشْهَاد حَيْثُ اعْتبر الْإِشْهَاد كَمَرَض شَفِيع وَنَحْوه، وَتَكون لوَرثَته كلهم بِقدر إرثهم فَإِن عدموا فلإمام الْأَخْذ بهَا، وَإِن كَانَ الثّمن أَي ثمن الشّقص مُؤَجّلا أَخذ مَلِيء أَي قَادر على الْوَفَاء [بِهِ] أَي بِالثّمن مُؤَجّلا وَأخذ غَيره أَي غير المليء الشّقص الْمُؤَجل [بكفيل مَلِيء] نصا لِأَنَّهُ تَابع للْمُشْتَرِي فِي الثّمن وَصفته، والتأجيل من صِفَاته وينتفي عَنهُ الضَّرَر بِكَوْنِهِ مليئا أَو كفيله مليئا. [وَلَو أقرّ بَائِع بِالْبيعِ] أَي بيع الشّقص الْمَشْفُوع وَأنكر مُشْتَر ثبتَتْ الشُّفْعَة بِمَا قَالَ البَائِع فَيَأْخُذ الشَّفِيع الشّقص مِنْهُ وَيدْفَع إِلَيْهِ الثّمن إِن لم يكن مقرا بِقَبْضِهِ، وَإِن كَانَ مقرا بِالْقَبْضِ من الْمُشْتَرى بقى فِي ذمَّة الشَّفِيع إِلَى أَن يَدعِيهِ المُشْتَرِي.

فصل

3 - (فصل) . وَيسن قبُول وَدِيعَة وَهِي فعيلة من ودع الشَّيْء إِذا تَركه، وَهِي متروكة عِنْد الْمُودع، قيل مُشْتَقَّة من الدعة فَكَأَنَّهَا عِنْد الْمُودع غير مبتذلة للِانْتِفَاع بهَا، وَقيل من ودع الشَّيْء إِذا سكن، فَكَأَنَّهَا سَاكِنة عِنْد الْمُودع، وَشرعا المَال الْمَدْفُوع إِلَى من يحفظه بِلَا عوض، فَخرج الْكَلْب وَالْخمر وَمَا ألقته نَحْو ريح من نَحْو ثوب إِلَى دَار غَيره، وَمَا تعدى بِأَخْذِهِ وَالْعَارِية وَنَحْوهَا والأجير على حفظ مَال لمن مُتَعَلق بيسن يعلم من نَفسه الْأَمَانَة. وَهِي عقد جَائِز من الطَّرفَيْنِ [وَيلْزم] الْوَدِيع [حفظهَا] أَي الْوَدِيعَة فِي [حرز مثلهَا] عرفا أَي فِي كل مَال بِحَسبِهِ وَإِن عينه أَي الْحِرْز رَبهَا أَي الْوَدِيعَة بِأَن قَالَ: احفظها بِهَذَا الْبَيْت أَو الْحَانُوت فأحرزها بِدُونِهِ أَي دون الْمعِين رُتْبَة فِي الْحِفْظ فَضَاعَت ضمنهَا، وَلَو ردهَا إِلَى الْمعِين لِأَنَّهُ تعدى بوضعها فِي الدون فَلَا تعود أَمَانَة إِلَّا بِعقد جَدِيد، وَإِن أحرزها بِمثلِهِ أَو فَوْقه وَلَو لغير حَاجَة لم يضمن، أَو إِن تعدى الْوَدِيع فِي الْوَدِيعَة [أَو فرط] فِي حفظهَا ضمنهَا

لَا بِلَا تعد وَلَا تَفْرِيط لِأَنَّهُ تَعَالَى سَمَّاهَا أَمَانَة، وَالضَّمان يُنَافِي الْأَمَانَة حَتَّى وَلَو تلفت من بَين مَاله وَلم يذهب مَعهَا شَيْء مِنْهُ [أَو] إِن [قطع] الْوَدِيع [علف دَابَّة عَنْهَا] أَو سقيها حَتَّى مَاتَت جوعا أَو عطشا بِغَيْر قَوْله مَالِكهَا ضمن لَا إِن نَهَاهُ مَالِكهَا عَن ذَلِك، وَيحرم مُطلقًا. وَإِن نَهَاهُ عَن إخْرَاجهَا فأخرجها لشَيْء الْغَالِب مِنْهُ الْهَلَاك لم يضمن إِن وَضعهَا فِي حرز مثلهَا أَو فَوْقه، فَإِن تعذر فأحرز بِدُونِهِ لم يضمن وَإِن قَالَ: لَا تخرجها وَإِن خفت عَلَيْهَا فَحصل خوف فأخرجها أَو لَا لم يضمن. وَإِن قَالَ اتركها فِي جيبك فَتَركهَا فِي كمه أَو يَده ضمن لَا إِن قَالَ: اتركها فِي كمك أَو يدك فَتَركهَا فِي جيبه لِأَن الجيب أحرز. وَلَا إِن أَلْقَاهَا عِنْد هجوم ناهب وَنَحْوه إخفاء لَهَا، وَإِن قَالَ مُودع خَاتم: اجْعَلْهُ فِي البنصر فَجعله فِي الْخِنْصر ضمن لَا عَكسه، إِلَّا إِن انْكَسَرَ لغلظها أَي البنصر فَيضمنهُ لِأَنَّهُ أتْلفه بِمَا لم يَأْذَن فِيهِ مَالِكه، وَإِن جعله فِي الْوُسْطَى وَأمكن إِدْخَاله فِي جَمِيعهَا فَضَاعَ لم يضمنهُ، وَإِن لم يدْخل فِي جَمِيعهَا فَجعله فِي بَعْضهَا لِأَنَّهُ أدنى من الْمَأْمُور بِهِ، وَإِن دَفعهَا إِلَى من يحفظ مَاله عَادَة كَزَوْجَة وَعبد وَنَحْوهمَا أَو لعذر إِلَى أَجْنَبِي ثِقَة أَو حَاكم لم يضمن وَإِن لم يكن عذر ضمن، وَإِن أخرج الدَّرَاهِم لينفقها أَو لينْظر إِلَيْهَا ثمَّ ردهَا إِلَى وعائها أَو كسر خَتمهَا أَو حل كيسها أَو جَحدهَا ثمَّ أقرّ بهَا، أَو ركب الدَّابَّة لَا ليسقيها أَو لبس الثَّوْب لَا لخوف من عث ضمن وَوَجَب ردهَا فَوْرًا

وَلَا تعود أَمَانَة بِغَيْر عقد متجدد , وَصَحَّ قَول مُودع لوديع: كلما خُنْت ثمَّ عدت إِلَى أَمَانَة فَأَنت أَمِين. وَمن أودعهُ صَغِير وَدِيعَة لم يبرأ إِلَّا بردهَا لوَلِيِّه ويضمنها إِن تلفت مَا لم يكن الصَّغِير مَأْذُونا لَهُ فِي الْإِيدَاع أَو يخف هلاكها مَعَه فَإِنَّهُ لَا يضمنهَا. وَإِن أودع جَائِز التَّصَرُّف مَاله لصغير أَو مَجْنُون أَو سَفِيه فأتلفه لم يضمنهُ [وَيقبل قَول مُودع فِي ردهَا] أَي الْوَدِيعَة إِلَى رَبهَا أَو إِلَى (غَيره أَي غير رَبهَا مِمَّن يحفظ مَاله عَادَة من نَحْو زَوْجَة وخازن؛ لِأَنَّهُ أَمِين بِإِذْنِهِ أَي إِذن لَا إِن ادّعى دَفعهَا إِلَى وَارثه أَي الْمَالِك إِلَّا بِبَيِّنَة وَيقبل قَوْله فِي [تلفهَا] أَي الْوَدِيعَة بِسَبَب خَفِي كسرقة لتعذر إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ؛ وَلِئَلَّا يمْتَنع النَّاس من قبُول الْأَمَانَات مَعَ الْحَاجة إِلَيْهِ. وَكَذَا إِن لم يذكر سَببا لَا بِسَبَب ظَاهر كحريق إِلَّا بِبَيِّنَة تشهد بِوُجُودِهِ ثمَّ يحلف أَنَّهَا ضَاعَت بِهِ؛ فَإِن لم تقم بِبَيِّنَة بِالسَّبَبِ الظَّاهِر ضمن لِأَنَّهُ لَا تتعذر إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ. وَيقبل قَوْله فِي عدم تَفْرِيط لِأَنَّهُ أَمِين وَالْأَصْل عَدمه وَفِي عدم تعد وَعدم خِيَانَة , وَيقبل قَوْله أَيْضا فِي الْإِذْن إِذا قَالَ الْمُودع: أَذِنت لي بدفعها لفُلَان وَفعلت. [وَإِن أودع اثْنَان] إنْسَانا [مَكِيلًا] يقسم أَو مَوْزُونا يقسم إجبارا فَطلب أَحدهمَا نصِيبه لغيبة شريك أَو مَعَ حُضُوره وامتناعه من أَخذ نصِيبه وَمن الْإِذْن لشَرِيكه فِي أَخذ نصِيبه سلم إِلَيْهِ أَي الطَّالِب نصِيبه وجوبا

ولمودع خبر مقدم [ومضارب ومرتهن ومستأجر] قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى: قلت وَمثلهمْ الْعدْل بِيَدِهِ الرَّهْن ولأجير عل حفظ عين وَالْوَكِيل فِيهِ وَالْمُسْتَعِير والمجاعل على عَملهَا إِن غصبت الْعين أَي الْوَدِيعَة أَو مَال الْمُضَاربَة أَو الرَّهْن أَو الْمُسْتَأْجرَة الْمُطَالبَة بهَا مُبْتَدأ مُؤخر , مِمَّن غصبهَا , لِأَنَّهَا من جملَة حفظهَا الْمَأْمُور بِهِ. وان أكره مُودع على دَفعهَا لغير رَبهَا لم يضمن.

فصل

3 - (فصل) فِي إحْيَاء الْموَات. واشتقاقه من الْمَوْت وَمن أَحْيَا لَو ذِمِّيا أَو بِلَا إِذن من الإِمَام أَرضًا منفكة عَن الاختصاصات وَعَن ملك مَعْصُوم مُسلم أَو كَافِر ملكهَا كالخرب الَّتِي ذهبت أنهارها واندرست أثارها وَلم يعلم لَهَا مَالك وَيحصل إحْيَاء الْموَات بحوزها إِمَّا [بحائط منيع] سَوَاء أرادها للْبِنَاء أَو الزَّرْع أَو حَظِيرَة للغنم أَو الْخشب أَو غَيرهَا نصا. وَالْمرَاد بِالْحَائِطِ المنيع أَي يمْنَع مَا وَرَاءه وَلَا يعْتَبر مَعَ ذَلِك تسقيف أَو ب [إِجْرَاء مَاء] بِأَن يَسُوق إِلَيْهَا من نهر أَو بِئْر لَا تزرع إِلَّا بِهِ أَي المَاء أَوب قطع مَاء لَا تزرع مَعَه أَي المَاء [أَو] بِحَفر بِئْر أَو نهر أَو بغرس شجر فِيهَا أَي الْموَات. ووارثه أَحَق بهَا من بعده. وَمن حفر بِئْرا بموات ملك حريمها , وَهُوَ من كل جَانب فِي قديمَة وَتسَمى العادية نِسْبَة لعاد خَمْسُونَ ذِرَاعا

وَفِي غَيرهَا خَمْسَة وَعِشْرُونَ ذِرَاعا. وحريم عين وقناة خَمْسمِائَة ذِرَاع , ونهر من جانبية مَا يحْتَاج إِلَيْهِ لطرح كرايته وَطَرِيق شاوية وَنَحْوهَا. وشجرة قدر مد أَغْصَانهَا. وَأَرْض تزرع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ لسقيها وربط دوابها وَطرح سبخها. [وَمن سبق إِلَى طَرِيق وَاسع فَهُوَ أَحَق بِالْجُلُوسِ فِيهِ مَا بقى مَتَاعه] أَي مُدَّة بَقَاء مَتَاعه فِيهِ مالم يضر أحدا من النَّاس. وَمن سبق إِلَى لَقِيط أَو لقطَة فَهُوَ أَحَق بِهِ أَو إِلَى مُبَاح كعنبر ولؤلؤ ومرجان ومسك وصيد وثمر وحطب وَعسل نحل وطرفاء وقصب وَنَحْو ذَلِك فَهُوَ لَهُ , وَالْملك مَقْصُور على الْقدر الْمَأْخُوذ فَلَا يملك مَا يحرزه وَلَا يمْنَع غيرَة مِنْهُ , فان سبق إلية اثْنَان قسم بَينهمَا.

فصل

3 - (فصل) فِي الْجعَالَة. وَالْأَصْل فِي مشروعيتها قَوْله تَعَالَى (وَلمن جَاءَ بِهِ حمل بعير) وَحَدِيث اللديغ وَيجوز جعل شَيْء مَعْلُوم لمن يعْمل عملا مُبَاحا وَلَو كَانَ الْعَمَل مَجْهُولا كرد عبد رد لقطَة وَبِنَاء حَائِط وَنَحْو ذَلِك , فَمن فعله أَي الْعَمَل المجعول على عمله الْجعل بعد علمه بالجعل اسْتَحَقَّه أَي الْجعل كُله لِأَن العقد اسْتَقر بِتمَام الْعَمَل فَاسْتحقَّ مَا جعل لَهُ عَلَيْهِ كَالرِّيحِ فِي الْمُضَاربَة , وان بلغه الْجعل فِي أثْنَاء الْعَمَل اسْتحق حِصَّة تَمَامه إِن أتمه , وَبعد فرَاغ الْعَمَل لم يسْتَحق شَيْئا. وهى عقد جَائِز من الطَّرفَيْنِ لكل من القاعدين [فَسخهَا ف] إِن حصل الْفَسْخ من عَامل ف [لَا شَيْء لَهُ] لإِسْقَاط حق نَفسه حَيْثُ لم يوف بِالشّرطِ علية , وَإِن حصل من جَاعل فعلية لعامل أُجْرَة مثل عملة وَإِن اخْتلفَا فِي جعل فَقَوْل من يَنْفِيه , وَفِي قدره أَو مَسَافَة بِأَن قَالَ

جَاعل: جعلته لمن يردهُ من بريدين , وَقَالَ عَامل من بريد فَقَوْل جَاعل لِأَنَّهُ مُنكر وَالْأَصْل بَرَاءَة , وكل مَا جَازَ أَخذ الْعِوَض علية فِي الْإِجَازَة من الْأَعْمَال جَازَ أَخذه علية فِي الْجعَالَة وَمَا لَا فَلَا , كالغناء وَالزمر وَنَحْوهمَا من الْمُحرمَات , وَمن يخْتَص فَاعله أَن يكون من أهل الْقرْيَة مِمَّا لَا يتَعَدَّى نفع فَاعله كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَام لَا يجوز أَخذ الْعِوَض عَلَيْهِ. وَأما [مَا] يتَعَدَّى نَفعه كالأذان وَتَعْلِيم نَحْو فقه فَيجوز و [إِن عمل] شخص غير معد لأخذ أُجْرَة على عمله لغيره عملا [بِلَا جعل] مِمَّن لَهُ [أَو] عمل معد لاخذ أُجْرَة لغيره عملا [بِلَا إِذن] مِمَّن عمله لَهُ فَلَا شَيْء لَهُ لتبرعه بِعَمَلِهِ حَيْثُ بذله بِلَا عوض وَلِئَلَّا يلْزم الْإِنْسَان مَا لم يلْتَزم بِهِ وَلم تطب بِهِ نَفسه إِلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ إِحْدَاهمَا [تَحْصِيل مَتَاع] غَيره [من بَحر أَو فلاة] أَو فَم سبع يظنّ هَلَاكه فِي تَركه فَلهُ أجر مثله لانه يخْشَى هَلَاكه وتلفه على مَالِكه بِخِلَاف اللّقطَة , وَفِيه حث وترغيب على إنقاذ الْأَمْوَال من الهلكة , والمسئلة الثَّانِيَة مَا أَشَارَ إِلَيْهَا بقوله وَإِلَّا فِي رد رَقِيق أبق من قن ومدبر وَأم ولد إِن لم يكن الرَّاد الإِمَام فَلهُ مَا قدره الشَّارِع وَهُوَ [دِينَار أَو اثْنَا عشر درهما] سَوَاء رده سَوَاء من خَارج الْمصر أَو من دَاخله قربت الْمسَافَة أَو بَعدت يُسَاوِي الْمِقْدَار الَّذِي قدره الشَّارِع أَو لَا , أَو كَانَ الرَّاد زوجا للرقيق أَو ذَا رحم فِي عِيَال الْمَالِك أَو لَا مَا لم يمت سيد مُدبر وآم ولد قبل وُصُول فيعتقا وَلَا شي لَهُ.

فصل

3 - (فصل) فِي تبين أَحْكَام اللّقطَة واللقيط. واللقطة قَالَ فِي الْقَامُوس: محركة أَي مَفْتُوحَة اللَّام وَالْقَاف - وَحكى عَن الْخَلِيل: اللّقطَة بِضَم اللَّام وَفتح الْقَاف الْكثير الِالْتِقَاط , وَحكى عَنهُ فِي الشَّرْح أَنَّهَا اسْم للملتقط لِأَن مَا جَاءَ على فعله فَهُوَ اسْم الْفَاعِل كالضحكة والهمزة , وَهِي ثَلَاثَة أَقسَام: الأول مَالا تتبعه همة أوساط النَّاس كرغيف وَتَمْرَة وسوط وَشسع بكر الشين الْمُعْجَمَة الْمُتَقَدّمَة أحد سيور النَّعْل يدْخلهُ بَين الإصبعين فَيملك بِأَخْذِهِ بِلَا تَعْرِيف وَيُبَاح الِانْتِفَاع بِهِ نصا. الثَّانِي الضوال جمع ضَالَّة اسْم للحيوان خَاصَّة الَّتِي تمْتَنع من صغَار السبَاع كذئب وَابْن آوى وَأسد صَغِير , وامتناعها إِمَّا لكبر جثتها [كخيل وابل وبقر] وبغال وحمير وَإِمَّا لسرعة عدوها كظباء , واما بطيرانها كطير , أَو بنابها كفهد , وقن كَبِير فَيحرم التقاطها مَا عدا الْقِنّ الْآبِق وَلَا تملك بتعريفها. الثَّالِث بَاقِي الْأَمْوَال كَثمن أَي ذهب وَفِضة ومتاع كثياب وفرش وَأَوَان وآلات حَرْب وَنَحْوهَا , ومالا يمْتَنع من صغَار السبَاع ك [غنم وفصلان] بِضَم الْفَاء وَكسرهَا جمع فصيل ولد النَّاقة إِذا فصل

عَن أمه و [عجا جيل] جمع عجل ولد الْبَقَرَة , النَّاس غير الْمَسَاجِد وَهُوَ أَن يُنَادي عَلَيْهَا فِي الْأَسْوَاق وأبواب الْمَسَاجِد: من ضَاعَ مِنْهُ شَيْء , أَو نفقه؟ قَالَ فِي الْمُغنِي: يذكر جِنْسهَا لَا غير فَيَقُول: من ضَاعَ مِنْهُ ذهب , أَو فضَّة , أَو دَنَانِير , أَو دَرَاهِم , أَو ثِيَاب وَنَحْو ذَلِك. انْتهى.

وَأُجْرَة الْمُنَادِي على الْمُلْتَقط , وَمَا حرم الْتِقَاطه ضمن آخذه إِن أتلف أَو نقص كغاصب لعدم إِذن الشَّارِع فِيهِ , وَلَا يضمن كليا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَال. وَمن الْتقط مَا لَا يجوز الْتِقَاطه وكتمه عَن ربه ثمَّ ثَبت بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار فَتلف فعلية قِيمَته مرَّتَيْنِ لرَبه نصا. وَيَزُول ضَمَانه بِدَفْعِهِ إِلَى الإِمَام أَو نَائِبه. أَو برده إِلَى مَكَانَهُ بأَمْره [حولا] مُتَعَلق بيجب [كَامِلا] فَوْرًا , كل يَوْم مرّة أسبوعا , أَي مُدَّة سَبْعَة أَيَّام , ثمَّ بعد الْأُسْبُوع يعرفهَا شهرا , كل أُسْبُوع مرّة , ثمَّ بعد ذَلِك يعرفهَا مرّة كل شهر إِلَى آخر الْحول [وتملك] اللّقطَة [بعده] أَي الْحول [حكما] كالميراث نصا , فيتصرف فِيهَا بِمَا شَاءَ بِشَرْط ضَمَانهَا وَيحرم على الْمُلْتَقط تصرفه فِيهَا أَي اللّقطَة بعد تَعْرِيفه الْحول وَلَو بخلط بِمَا لَا تتَمَيَّز مِنْهُ قبل معرفَة وعائها وَهُوَ كيسها وَنَحْوه [و] قبل معرفَة وكائها وَهُوَ مَا شدّ بِهِ الْوِعَاء هَل هُوَ سير أَو خيط أَو ابريسم أَو كتَّان أَو غَيره وَقبل معرفَة عفاصها بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَهُوَ صفة الشد وَقبل معرفَة قدرهَا بالعد أَو الْوَزْن أَو الْكَيْل بمعياره الشَّرْعِيّ وَقبل معرفَة جِنْسهَا وصفتها الَّتِي تتَمَيَّز بهَا من الْجِنْس وَهُوَ لَوْنهَا ونوعها وَمَتى جَاءَ رَبهَا أَي اللّقطَة يَوْمًا من الدَّهْر فوصفها بصفتها الَّتِي أَمر الْمُلْتَقط أَن يعرفهَا [لزم] الْمُلْتَقط دَفعهَا أَي اللّقطَة إِلَيْهِ بنمائها الْمُتَّصِل مُطلقًا , والمنفصل فِي حول التَّعْرِيف لِأَنَّهُ تَابع لَهَا. وَإِن أدْركهَا بعد حول التَّعْرِيف مبيعة أَو موهوبة لم يكن لَهُ إِلَّا الْبَدَل. وَمن وجد فِي حَيَوَان نَقْدا أَو درة فلقطة لواجده يلْزمه تَعْرِيفه , وَمن اسْتَيْقَظَ من نَومه فَوجدَ فِي ثَوْبه مَالا [لَا] يدْرِي من صرة فَهُوَ لَهُ.

وَمن أَخذ من نَائِم شَيْئا لم يبرأ إِلَّا بِتَسْلِيمِهِ لَهُ بعد انتباهه وَمن أَخذ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول نَعله وَنَحْوه كخفه وَوجد غَيره مَكَانَهُ ف هُوَ لقطَة يلْزمه تَعْرِيفه. وَالله أعلم. وأوز ودجاج , وخشبة صَغِيرَة وَقطعَة حَدِيد ونحاس ورصاص , وزق من دهن أَو عسل , وغرارة من حب , وَكتب , وَمَا أجْرى مجْرى ذَلِك , وَالْمَرِيض من كبار الْإِبِل وَنَحْوهَا كالصغير [ف] يجوز لمن أَمن نَفسه عَلَيْهَا أَي اللّقطَة [أَخذهَا] وتملك بتعريفها الْمُعْتَبر شرعا وَالْأولَى مَعَ ذَلِك تَركهَا وَلَو وجدهَا بمضيعة لِأَن فِيهَا تعريضا لنَفسِهِ لأكل الْحَرَام وتضييع الْأَمَانَة فِيهَا [وَيجب] على من التقطها حفظهَا جَمِيعًا لِأَنَّهَا صَارَت أَمَانَة بِيَدِهِ بالتقاطها فَإِن أَخذهَا ثمَّ ردهَا موضعهَا ضمن. وَالْقسم الْأَخير ثَلَاثَة أَنْوَاع: أَحدهَا مَا التقطه من حَيَوَان فَيلْزمهُ فعل الْأَصْلَح لمَالِكه من ثَلَاثَة أُمُور , أكله بِقِيمَتِه , أَو بَيْعه وَحفظ ثمنه , أَو حفظه وَينْفق عَلَيْهِ الْمُلْتَقط من مَاله وَله الرُّجُوع على مَالِكه بِمَا أنْفق إِن نَوَاه , فَأن اسْتَوَت الثَّلَاثَة خير. الثَّانِي مَا يخْشَى فَسَاده بتعيبه كالبطيخ والخضراوات وَنَحْوهَا , فَيلْزمهُ فعل الْأَصْلَح من بَيْعه وَأكله وتجفيفه , فَإِن اسْتَوَت الثَّلَاثَة خير , فَإِن تَركه حَتَّى تلف ضمنه لِأَنَّهُ مفرط. الثَّالِث بَاقِي المَال الْمُبَاح الْتِقَاطه من أَثمَان ومتاع وَنَحْوه , فَيلْزمهُ حفظ جَمِيع حَيَوَان وَغَيره لِأَنَّهُ صَار أَمَانَة فِي يَده بالتقاطه , وَيجب تَعْرِيفهَا أَي الْجَمِيع فِي مجامع [واللقيط] فعيل بِمَعْنى الْمَفْعُول كالقتيل والجريح والطريح. وَشرعا طِفْل لَا يعرف نسبه وَلَا رقّه , نبذ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي طرح فِي شَارِع أَو غَيره أَو ضل الطَّرِيق - مَا بَين وِلَادَته إِلَى سنّ التَّمْيِيز فَقَط على الصَّحِيح قَالَه فِي الْإِنْصَاف وَعند الْأَكْثَر إِلَى الْبلُوغ. قَالَ فِي الْفَائِق: وَهُوَ الْمَشْهُور. والتقاطه اللَّقِيط فرض كِفَايَة , وَينْفق عَلَيْهِ مِمَّا مَعَه إِن كَانَ فَإِن لم يكن مَعَه أَي اللَّقِيط شَيْء فَمن بَيت المَال وَإِن تعذر بَيت المَال اقْترض عَلَيْهِ الْحَاكِم , وَظَاهره وَلَو مَعَ وجود مُتَبَرّع بهَا؛ لِأَنَّهُ أمكن الْإِنْفَاق عَلَيْهِ بِلَا منَّة تلْحقهُ أشبه أَخذهَا من بَيت المَال. وَإِن اقْترض الْحَاكِم مَا انفق عَلَيْهِ ثمَّ بَان رَقِيقا أَو لَهُ أَب مُوسر رَجَعَ عَلَيْهِ , فان لم يظْهر لَهُ أحد وفى من بَيت المَال فَأن تعذر الِاقْتِرَاض عَلَيْهِ أنْفق عَلَيْهِ أَي اللَّقِيط عَالم بِهِ وجوبا لِأَنَّهَا فرض كِفَايَة وَلما فِي ترك الْإِنْفَاق عَلَيْهِ من هَلَاك حفظه عَنهُ وَاجِب كإنقاذه من الْغَرق [بِلَا رُجُوع] على أحد بِمَا أنفقهُ لوُجُوبه عَلَيْهِ. أَي اللَّقِيط مُسلم حر فِي جَمِيع أَحْكَامه ان وجد فِي بلد إِسْلَام أَو فِي بلد أهل حَرْب يكثر فِيهِ أَي الْبَلَد وَإِن وجد فِي بلد أهل حَرْب وَلَا مُسلم فِيهِ أَو فِيهِ مُسلم كتاجر وأسير فكافر رَقِيق , وَإِن كَانَ بهَا مُسلم يُمكن كَونه مِنْهُ

فَمُسلم , وَإِن لم يبلغ من قُلْنَا بِكُفْرِهِ تبعا للدَّار حَتَّى صَارَت دَار إِسْلَام فَمُسلم. وَالْأولَى بحضانته أَجِدهُ إِن كَانَ أَمينا عدلا - وَلَو ظَاهرا - حرا رشيدا مُكَلّفا وَله حفظ مَاله والإنفاق عَلَيْهِ مِنْهُ وَقبُول هبة وَوَصِيَّة بِغَيْر حكم حَاكم , وميراثه وديته إِن قتل لبيت المَال , وَيُخَير إِمَام فِي عمد بَين أَخذهَا وَالْقصاص , وَإِن قطع طرفه انْتظر بُلُوغه ورشده ليقتص أَو يعْفُو , إِلَّا أَن يكون فَقِيرا فَيلْزم الإِمَام الْعَفو عَليّ مَا ينْفق عَلَيْهِ مِنْهُ. وان ادّعى أَجْنَبِي أَي غير وَاجِد رقّه وَهُوَ بِيَدِهِ أَي بيد الْمُدَّعِي رقّه صدق بِيَمِينِهِ , وَيثبت نسبه مَعَ بَقَائِهِ لسَيِّده وَلَو مَعَ بَيِّنَة بنسبه , وَإِن ادّعى الرّقّ ملتقط لم يقبل إِلَّا بِبَيِّنَة. وَأَن أقرّ بِهِ أَي بِأَن اللَّقِيط وَلَده من يُمكن كَونه مِنْهُ أَي الْمقر وَلَو كَانَ الْمقر كَافِرًا أَو رَقِيقا أَو ذَات زوج أَو نسب مَعْرُوف ألحق أَي اللَّقِيط وَلَو مَيتا بِهِ أَي الْمقر وَيثبت نسبه لِأَن الْإِقْرَار بِالنّسَبِ مصلحَة مَحْضَة للقيط لاتصال نسبه وَلَا مضرَّة على غَيره فِيهِ فَقبل كَمَا لَو أقرّ لَهُ بِمَال , وَهَذَا بِلَا خلاف. وَفِي الْمَذْهَب فِيمَا إِذا كَانَ الْمقر رجلا حرا يُمكن كَونه مِنْهُ نصي عَليّ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة الْجَمَاعَة.

فصل

3 - (فصل) - وَالْوَقْف مصدر وقف الشَّيْء إِذا حبسهوأحبه، قَالَ الْحَارِثِيّ: وَأَوْقفهُ لُغَة لبني تَمِيم وَهُوَ سنة اخْتصَّ بهَا الْمُسلمُونَ قَالَ الشَّافِعِي: لم يحبس أهل الْجَاهِلِيَّة ووانما حبس أهل الْإِسْلَام. انْتهى. ثمَّ هُوَ شرعا تحبيس مَالك التَّصَرُّف مَاله المنتفع بِهِ مَعَ بَقَاء عينه بِقطع تصرفه وَتصرف غَيره فِي رقبته بِشَيْء من التَّصَرُّفَات يصرف ريعه فِي جِهَة بر تقربا إِلَى الله تَعَالَى. وَيصِح الْوَقْف بقول وَفعل مَعَ شَيْء دَال يدل عَلَيْهِ أَي الْوَقْف عرفا لمشاركة القَوْل فِي الدّلَالَة عَلَيْهِ كمن بنى أرضه مَسْجِدا أَو جعلهَا مَقْبرَة وَأذن للنَّاس إِذْنا عَاما أَن يصلوا فِيهِ أَي الْمَسْجِد الَّذِي بناه وَأَن [يدفنوا فِيهَا] أَي الأَرْض الَّتِي جعلهَا مَقْبرَة. وللوقف صَرِيح وكناية , ف صَرِيحَة قَول الْوَاقِف وقفت وحبست وسبلت لِأَن كل وَاحِدَة من هَذِه الثَّلَاث لَا تحْتَمل غَيره بعرف الِاسْتِعْمَال وَالشَّرْع , وكنايته أَي الْوَقْف تَصَدَّقت وَحرمت وأبدت لعدم خلوص كل مِنْهَا عَن الِاشْتِرَاك , فالصدقة تسْتَعْمل فِي الزَّكَاة وَهِي ظَاهِرَة

فِي صَدَقَة التَّطَوُّع وَالتَّحْرِيم وَيصِح الْوَقْف من مُسلم على ذمِّي معِين وَلَو أَجْنَبِيّا من الْوَاقِف , وَيسْتَمر الْوَقْف لَهُ إِذا أسلم , وبلغو شَرط الْوَاقِف ,

وَيصِح [عَكسه] أَي من ذمِّي على مُسلم معِين أَو طَائِفَة كالمساكين , ولايصح على الْكَنَائِس أَو بيُوت النَّار أَو البيع أَو الصوامع وَلَو من ذمِّي وَلَا على كتب التوارة وَالْإِنْجِيل وَلَا على حَرْبِيّ ومرتد وَلَا على نَفسه عِنْد الْأَكْثَر وينصرف إِلَى من بعده فِي الْحَال , فَمن وقف على نَفسه ثمَّ أَوْلَاده أَو الْفُقَرَاء صرفه فِي الْحَال إِلَى أَوْلَاده أَو الْفُقَرَاء لِأَن وجود من لَا يصلح الْوَقْف عَلَيْهِ كَعَدَمِهِ فَكَأَنَّهُ وَقفه على من بعده ابْتِدَاء فَإِن لم يذكر بعد نَفسه جِهَة فملكه بِحَالهِ وَيُورث مِنْهُ وَعنهُ يَصح المنقح: اخْتَارَهُ جمَاعَة ابْن أبي مُوسَى وَالشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَصَححهُ ابْن عقيل والحارثي وَأَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَة وَالْخُلَاصَة والتصحيح وَإِدْرَاك الْغَايَة , وَمَال إِلَيْهِ فِي التَّلْخِيص , وَجزم بِهِ فِي الْمنور وَمُنْتَخب الْآدَمِيّ , وَقدمه فِي الْهِدَايَة وَالْمُسْتَوْعب وَالْهَادِي وَالْفَائِق وَالْمجد فِي مسودته على الْهِدَايَة وَعَلِيهِ الْعَمَل فِي زَمَاننَا وَقَبله عِنْد حكامنا من أزمنة متطاولة وَهُوَ أظهر , وَفِي الْإِنْصَاف: وَهُوَ الصَّوَاب وَفِيه مصلحَة عَظِيمَة وترغيب فِي فعل الْخَيْر وَهُوَ من محَاسِن الْمَذْهَب. انْتهى من الْمُنْتَهى شَرحه.

وان وقف على غَيره وَاسْتثنى غَلَّته أَو بَعْضهَا لَهُ ولأولاده أَو الاستنفاع لنَفسِهِ أَو لأَهله أَو يطعم صديقه مُدَّة حَيَاته أَو مُدَّة مَعْلُومَة صَحَّ الْوَقْف وَالشّرط , فَلَو مَاتَ فِي أَثْنَائِهَا فالباقي لوَرثَته. وَتَصِح إِجَارَتهَا. وَمن وقف على الْفُقَرَاء فافتقر تنَاول مِنْهُ. وَلَو وقف مَسْجِدا أَو مدرسة للفقهاء أَو رِبَاطًا للصوفية وَنَحْوه مِم يعم فَهُوَ كَغَيْرِهِ فِي الِانْتِفَاع بِهِ. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: لَكِن من كَانَ من الصُّوفِيَّة جماعا لِلْمَالِ وَلم يتخلق بالأخلاق المحمودة وَلَا تأدب بالآداب الشَّرْعِيَّة غَالِبا لَا آدَاب وضعية , أَو كَانَ فَاسِقًا لم يسْتَحق شَيْئا من الْوَقْف على الصُّوفِيَّة , والصوفي الَّذِي يدْخل فِي الْوَقْف على الصُّوفِيَّة يعْتَبر لَهُ ثَلَاثَة شُرُوط: الأول أَن يكون عدلا فِي دينه , الثَّانِي أَن يكون ملازما لغالب الْآدَاب الشَّرْعِيَّة فِي غَالب الْأَوْقَات وَإِن لم تكن وَاجِبَة كآداب الْأكل وَالشرب واللباس وَالنَّوْم وَالسّفر والصحبة والمعاملة مَعَ الْخلق إِلَى صَرِيح فِي الظِّهَار. والتأبيد يسْتَعْمل فِي كل مَا يُرَاد تأبيده وَمن وقف وَغَيره. وَلَا بُد فِي الْكِنَايَة من نِيَّة الْوَقْف مَا لم يقل: على قَبيلَة كَذَا , أَو طَائِفَة كَذَا أَو يقرن الْكِنَايَة بِأحد الْأَلْفَاظ الْخَمْسَة فتصدقت صَدَقَة مَوْقُوفَة أَو محبسه أَو مسبلة أَو مُحرمَة أَو مؤيدة , أَو قرنها بِحكم كَأَن لَا تبَاع أَو لَا تورث لِأَن ذَلِك كُله لَا يسْتَعْمل فِي سوى الْوَقْف فانتفت الشّركَة. وشروطه أَي الْوَقْف خَمْسَة: الأول كَونه فِي عين مَعْلُومَة يَصح بيعهَا فَلَا يَصح وقف أم ولد وكلب ومرهون غير مصحف أَي فَيصح وَقفه سَوَاء قُلْنَا بِصِحَّة بَيْعه على مَا فِي شرح الْمُنْتَهى وَغَيره , أَو بِعَدَمِ الصِّحَّة على مَا فِي الْإِقْنَاع , وَينْتَفع بهَا - عطف على يَصح بيعهَا - مَا يعد انتفاعا عرفا نفعا مُبَاحا مَعَ بَقَائِهَا أَي الْعين فَلَا يَصح وقف مطعوم ومشروب ومشموم لَا ينْتَفع بِهِ مَعَ بَقَاء عينه بِخِلَاف ند أَو صندل وَقطع كافور فَيصح وَقفه لشم مَرِيض وَغَيره لَا وقف دهن وشمع لشعل وَلَا أَثمَان وقناديل تقد على الْمَسَاجِد وَلَا على غَيره. وَالثَّانِي كَونه للْوَقْف على جِهَة بر وَهُوَ اسْم جَامع للخير وَأَصله طَاعَة الله تَعَالَى , وَالْمرَاد اشْتِرَاط معنى الْقرْيَة فِي الصّرْف إِلَى الْمَوْقُوف عَلَيْهِ لِأَن الْوَقْف قربَة وَصدقَة فَلَا بُد من وجودهَا فِيمَا لأَجله الْوَقْف إِذْ هُوَ الْمَقْصُود , وَسَوَاء كَانَ الْوَاقِف مُسلما أَو ذِمِّيا. غير ذَلِك من آدَاب الشَّرِيعَة , الثَّالِث: أَن يكون قانعا بالكفاية من الرزق بِحَيْثُ لَا يمسك مَا فضل عَن حَاجته فِي كَلَام طَوِيل ذكره فِي الْفَتَاوَى المصرية. انْتهى. وَلَا يشْتَرط فِي الصُّوفِي لِبَاس الْخِرْقَة المتعارفة عِنْدهم من يَد شيخ

وَلَا رسوم اشْتهر تعارفها بَينهم , فَمَا وَافق مِنْهَا الْكتاب وَالسّنة فَهُوَ حق , وَمَا لَا فَهُوَ بَاطِل , وَلَا يلْتَفت إِلَى أشتراطه قَالَه الْحَارِثِيّ. انْتهى. وَالثَّالِث كَونه أَي الْوَقْف فِي غير مَسْجِد وَنَحْوه على معِين من جِهَة أَو شخص يملك ملكا ثَابتا كزيد وَمَسْجِد , كَذَا فَلَا يَصح على مَجْهُول كَرجل وَمَسْجِد أَو أحد هذَيْن أَو لَا يملك كقن وَأم ولد أَو ملك من الْمَلَائِكَة أَو بَهِيمَة أَو ميت أم طير أَو جنى وَلَا على حمل اسْتِقْلَالا بل تبعا. فَإِن قيل: كَيفَ جوزتم الْوَقْف على الْمَسَاجِد والسقايات وأشباهها وَهِي لَا تملك , قُلْنَا الْوَقْف هُنَاكَ على الْمُسلمين إِلَّا أَنه عين فِي نفع خَاص لَهُم. وَالرَّابِع كَون وَاقِف نَافِذ التَّصَرُّف فَلَا يَصح من مَحْجُور عَلَيْهِ وَلَا مَجْنُون. وَالْخَامِس أَن يكون وَقفه ناجزا أَي غير مُعَلّق وَلَا مُؤَقّت أَو مَشْرُوط فِيهِ الْخِيَار فَلَا يَصح تَعْلِيقه إِلَّا بِمَوْتِهِ بِأَن قَالَ: هُوَ وقف بعد موتِي , وَيلْزم من حِينه وَيكون من ثلث مَاله. وَيجب الْعَمَل بِشَرْط وَاقِف فِي الْوَقْف إِن وَافق شَرطه الشَّرْع كَشَرط لزيد كَذَا ولعمرو كَذَا , وَمثله اسْتثِْنَاء كعلي أَوْلَاد زيد إِلَّا فلَانا لم يكن لَهُ بِشَيْء , ومخصص من صفة كالفقهاء وَالْمَسَاكِين أَو قَبيلَة كَذَا فَيخْتَص بهم , لانه فِي معنى الشَّرْط. وَأَن خصص مَقْبرَة أَو رِبَاطًا أَو مدرسة أَو إمامتها أَو إِمَامَة مَسْجِد بِأَهْل مَذْهَب أَو بلد أَو قَبيلَة تَخْصِيص لَا الْمُصَلِّين بهَا بِذِي مَذْهَب فَلَا تَخْصِيص لَهُم , ولغيرهم الصَّلَاة بهَا لعدم التزاحم وَلَو وَقع لَكَانَ أفضل لِأَن الْجَمَاعَة ترَاد لَهُ.

وَلَو جهل شَرط الْوَاقِف عمل بعادة جَارِيَة ثمَّ عرف , وَمَعَ إِطْلَاق الْوَاقِف يَسْتَوِي فِي الْوَقْف غَنِي وفقير وَذكر وَأُنْثَى لثُبُوت الشّركَة دون التَّفْصِيل , وَالنَّظَر عِنْد عدم الشَّرْط أَي شَرط الْوَاقِف نَاظرا أَو شَرطه فَمَاتَ لموقوف عَلَيْهِ إِن كَانَ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ محصورا وكل مِنْهُم ينظر على حِصَّته عدلا كَانَ أَو فَاسِقًا وَإِلَّا يكن الْوَقْف على مَحْصُور [ف] النّظر لحَاكم بلد الْمَوْقُوف كَمَا لَو كَانَ الْوَقْف [على مَسْجِد وَنَحْوه] كالفقراء , وَمن أطلق النّظر للْحَاكِم شَمل أَي حَاكم كَانَ , سَوَاء كَانَ مَذْهَب الْحَاكِم مَذْهَب حَاكم الْبَلَد زمن الْوَقْف أَو لَا. وَشرط فِي النَّاظر إِسْلَام إِن كَانَ الْوَقْف على مُسلم أَو جِهَة إِسْلَام كالمساجد والمدارس والربط وَنَحْوهَا , وتكليف , وكفاية لتصرف وخبرة بِهِ وَقُوَّة عَلَيْهِ. وَيضم لضعيف قوي أَمِين - لَا الذُّكُورَة وَالْعَدَالَة حَيْثُ كَانَ يَجْعَل الْوَاقِف لَهُ , فَإِن كَانَ غَيره فَلَا بُد من الْعَدَالَة. وَلَا نظر لحَاكم مَعَ نَاظر خَاص , لَكِن لَهُ النّظر الْعَام فيعترض عَلَيْهِ إِن فعل مَالا يسوغ فعله , وَله ضم أَمِين إِلَيْهِ مَعَ تفريطه وتهمته ليحصل الْمَقْصُود , وَلَا اعْتِرَاض لأهل الْوَقْف على نَاظر أَمِين وَلَاء الْوَاقِف. ولناظر الِاسْتِدَانَة على الْوَقْف بِلَا إِذن حَاكم لمصْلحَة , كشرائه للْوَقْف سَيِّئَة أَو بِنَقْد لم يُعينهُ. ووظيفته حفظ الْوَقْف وعمارته وإيجاره وزرعه ومخاصمة فِيهِ وَتَحْصِيل ريعه من أُجْرَة أَو زرع أَو ثَمَر وَالِاجْتِهَاد فِي تنميته صرفه فِي

جهاته من عمَارَة وَإِعْطَاء مُسْتَحقّ وَنَحْوه , وَله وضع يَده عَلَيْهِ والتقرير فِي وظائفه , وَمن قرر فِي وَظِيفَة على وفْق الشَّرْع حرم صرفه عَنْهَا بِلَا مُوجب شَرْعِي. وَلَو آجر النَّاظر الْوَقْف بأنقص صَحَّ وَضمن النَّقْص. وَينْفق على ذِي روح مِمَّا عين وَاقِف. فَإِن لم يعين فَمن غَلَّته , فَإِن لم يكن فعلى مَوْقُوف عَلَيْهِ معِين , فَإِن تعذر بيع وَصرف ثمنه فِي عين تكون وَقفا لمحل الضَّرُورَة , ونفقه مَا على معِين كالفقراء وَنَحْوهم من بَيت المَال فَإِن تعذر بيع كَمَا تقدم. وَإِن كَانَ عقارا لم تجب عِمَارَته إِلَّا بِشَرْط وَاقِف فَأن شَرطهَا عمل بِهِ , وان أطلقها بِأَن شَرط أَن يعمر من ريعه مَا أتهدم تقدم على أَرْبَاب الْوَظَائِف. قَالَ المنقح: مَا لم يفض إِلَى تَعْطِيل مَصَالِحه فَيجمع بَينهمَا حسب الْإِمْكَان. وَإِن وقف على عدد معِين ثمَّ الْمَسَاكِين فَمَاتَ بَعضهم رد نصِيبه عَليّ من بقى. فَلَو مَاتَ الْكل فَهُوَ للْمَسَاكِين. وَإِن لم يذكر لَهُ مَالا بِأَن قَالَ: هَذَا وقف على زيد وَعَمْرو وَبكر وَسكت , فَمن مَاتَ مِنْهُم صرف نصِيبه إِلَى الْبَاقِي. ثمَّ إِن مَاتُوا جَمِيعًا صرف مصرف الْمُنْقَطع لوَرَثَة الْوَاقِف نسبا على قدر إرثهم وَقفا , فَإِن عدموا فللمساكين. وَإِن وقف على وَلَده أَو ولد غَيره كعلي ولد زيد ثمَّ الْمَسَاكِين فَهُوَ أَي الْوَقْف لذكر وَأُنْثَى وَخُنْثَى موجودين حَال الْوَقْف وَلَو حملا فَقَط نصا , لِأَن اللَّفْظ يشملهم إِذْ الْوَلَد مصدر أُرِيد بِهِ اسْم الْمَفْعُول أَي الْمَوْلُود بِالسَّوِيَّةِ لِأَنَّهُ شرك بَينهم وَإِطْلَاق ألتشربك يَقْتَضِي التَّسْوِيَة ,

ثمَّ بعد انْقِرَاض أَوْلَاد الصلب ينْصَرف لولد بنيه أَي الْوَقْف أَو زيد لأَنهم دخلُوا فِي مُسَمّى الْوَلَد وَسَوَاء وجدوا حَالَة الْوَقْف أَو لَا , ويستحقونه مُرَتبا بعد آبَائِهِم كَمَا لَو قَالَ: بَطنا بعد بطن. وَلَا يدْخل ولد الْبَنَات [و] إِن وقف على [بنيه أَو] على بني فلَان ف الْوَقْف [لذكور فَقَط] لَا يشاركهم غَيرهم من الْإِنَاث والخناثى إِلَّا أَن يتضحوا؛ لِأَن لفظ الْبَنِينَ وضع لذَلِك قَالَ تَعَالَى (أصطفى الْبَنَات على الْبَنِينَ) . وان كَانُوا أَي بَنو فلَان قَبيلَة كبني هَاشم وَبني تَمِيم دخل النِّسَاء لِأَن اسْم الْقَبِيلَة يَشْمَل ذكرهَا وأنثاها دون أَوْلَادهنَّ أَي أَوْلَاد نسَاء تِلْكَ الْقَبِيلَة من رجال غَيرهم لأَنهم إِنَّمَا ينتسبون لِآبَائِهِمْ. وَلَا يدْخل مواليهم لأَنهم لَيْسُوا مِنْهُم حَقِيقَة. وَإِن وقف على عقبه أَو نَسْله أَو ولد وَلَده أَو ذُريَّته لم يدْخل ولد بَنَاته إِلَّا بقرينه كَقَوْلِه: من مَاتَ عَن ولد فَنصِيبه لوَلَده. وَإِن وقف على قرَابَته أَو قرَابَة زيد [أَو] على أهل بَيته أَو على قومه دخل فِي الْوَقْف ذكر وَأُنْثَى من أَوْلَاده وَأَوْلَاد أَبِيه وهم إخْوَته وأخواته وَدخل أَوْلَاد جده وهم أَبوهُ وأعمامه وعماته وَأَوْلَاد جد أَبِيه وهم جده وأعمام وعمات أَبِيه فَقَط. وَإِن قَالَ: وقفت على الْأَيَامَى والعزاب فَلِمَنْ لَا زوج لَهُ من رجل وَامْرَأَة , والأرامل النِّسَاء اللَّاتِي فارقهن أَزوَاجهنَّ - نصا وَبكر وثيب وعانس - وَهُوَ من بلغ حد التَّزْوِيج وَلم يتَزَوَّج - وأخوة بِضَم الْهمزَة وَتَشْديد الْوَاو - وعمومة لذكر وَأُنْثَى. والشاب والفتى من الْبلُوغ إِلَى الثَّلَاثِينَ , والكهل مِنْهَا إِلَى

الْخمسين , وَالشَّيْخ مِنْهَا إِلَى السّبْعين , والهرم مِنْهَا إِلَى الْمَوْت , أحسن الله ختاما. وَيَأْتِي فِي الْوَصَايَا. والرهط مَا دون الْعشْرَة من الرِّجَال خَاصَّة وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه وَالْجمع أرهط وأراهط وأراهيط , وَفِي كشف الْمُشكل الرَّهْط مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة. وَإِن وقف أَو أوصى لأهل قريته أَو قرَابَته أَو إخْوَته وَنَحْوهم ف لَا يدْخل فِي الْوَقْف مُخَالف دينه أَي الْوَاقِف أَو الْمُوصي إِلَّا بقرينه تدل على إرادتهم , فَلَو كَانُوا كلهم مخالفين لدينِهِ دخلُوا كلهم لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى رفع اللَّفْظ بِالْكُلِّيَّةِ. فَأن كَانَ فيهم وَاحِد على دينه وَالْبَاقُونَ يخالفون فَفِي الِاقْتِصَار عَلَيْهِ وَجْهَان , وَجزم فِي الْإِقْنَاع بِأَنَّهُ لَا يقْتَصر؛ لِأَن حمل الْعَام على الْوَاحِد بعيد جدا وَإِن وقف على جمَاعَة يُمكن حصرهم كبنيه وَإِخْوَته أَو بني فلَان وَلَيْسوا قَبيلَة وَجب تعميمهم بِالْوَقْفِ وَجَبت التَّسْوِيَة بَينهم فِيهِ كَمَا لَو أقرّ لَهُم وَإِلَّا يُمكن كالوقف على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين لم يجب تعميمهم وَجَاز التَّفْضِيل بَينهم لِأَنَّهُ إِذا جَازَ حرمَان بَعضهم جَازَ تَفْضِيل غَيره عَلَيْهِ وَجَاز الِاقْتِصَار على وَاحِد لِأَن مَقْصُود الْوَاقِف عدم مُجَاوزَة الْجِنْس. وَإِن وقف على الْفُقَرَاء أَو على الْمَسَاكِين تنَاول الآخر وَلَا يدْفع إِلَى وَاحِد أَكثر مِمَّا يدْفع إِلَيْهِ من زَكَاة إِن كَانَ على صنف من أصنافها , وَمن وجد فِيهِ صِفَات أَخذ بهَا كفقير هُوَ غَارِم وَابْن سَبِيل. وَمن يَأْخُذهُ الْفُقَهَاء من الْوَقْف فَهُوَ كرزق من بَيت المَال لَا كجعل وَلَا كَأُجْرَة.

وَإِن وقف على الْقُرَّاء فللحافظ , وعَلى أهل الحَدِيث فَلِمَنْ عرف وَلَو أَرْبَعِينَ حَدِيثا , وعَلى الْعلمَاء فلحملة الشَّرْع , وعَلى سَبِيل الْخَيْر فَلِمَنْ أَخذ من زَكَاة لحَاجَة. وَالْوَقْف عقد لَازم بِمُجَرَّد القَوْل لَا يَنْفَسِخ بإقالة وَلَا غَيرهَا إِلَّا أَن تتعطل مَنَافِعه الْمَقْصُودَة مِنْهُ بخراب وَلم يُوجد مَا يعمر بِهِ , أَو بِغَيْر خراب وَلَو مَسْجِدا يضيق على أَهله , أَو خراب محلته أَو حَبِيسًا لَا يصلح للغزو فَيُبَاع وَلَو شَرط واقفه عدم بَيْعه وَشَرطه إِذن فَاسد نصا , وَيصرف ثمنه فِي مثله أَو بعض مثله , وَيصِح بيع بعض الْمَوْقُوف لإِصْلَاح بَاقِيَة إِن اتخذ الْوَاقِف والجهة. وَيجوز نقض مَنَارَة مَسْجِد وَجعلهَا فِي حَائِطه لتحصينه نصا. وَيجوز اخْتِصَار آنِية وانفاق الْفضل على الْإِصْلَاح. وَمن وقف على ثغر فاختل صرف فِي ثغر مثله. وعَلى قِيَاسه مَسْجِد ورباط وَنَحْوهمَا. وَنَصّ الإِمَام أَحْمد فِيمَن وقف على قنطرة فانحرف المَاء: يرصد لَعَلَّه يرجع. وَمَا فضل عَن حَاجَة الْمَوْقُوف عَلَيْهِ مَسْجِدا كَانَ أَو غَيره من حصر وزيت ومغلَّ وَآلَة وَثمنهَا وأنقاض يجوز صرفه فِي مثله وَإِلَى فَقير نصا وَيحرم حفر بِئْر وغرس شجر بِمَسْجِد , فَإِن فعل طمت وقلعت فَإِن لم تقلع فثمرتها لمساكينه , وَإِن غرست قبل بنائِهِ ووقفت مَعَه فَإِن عين مصرفها عمل بِهِ وَإِلَّا فكوقف مُنْقَطع لوَرَثَة الْوَاقِف.

فصل

3 - (فصل) وَالْهِبَة أَصْلهَا من هبوب الرّيح أَي مروره , يُقَال وهبت لَهُ وهبا بِإِسْكَان الْهَاء وَفتحهَا وَهبة , وَهُوَ واهب ووهاب ووهوب ووهابة. وَالِاسْم الموهب والموهبة بِكَسْر الْهَاء فيهمَا , والاتهاب قبُول الْهِبَة. والاستيهاب سؤالها , وتواهبوا وهب بَعضهم لبَعض. وَشرعا تمْلِيك جَائِز التَّصَرُّف مَالا مَعْلُوما أَو مَجْهُولا تعذر علمه كدقيق اخْتَلَط بدقيق لاخر فوهب أَحدهمَا للْآخر ملكه مِنْهُ فَيَصِيح مَعَ الْجَهَالَة للْحَاجة , وَفِي الْكَافِي: تصح هبة ذَلِك وكلب ونجاسة يُبَاح نَفعهَا مَوْجُودا مَقْدُورًا على تَسْلِيمه غير وَاجِب , فَلَا تسمى نَفَقَة الزَّوْجَة وَنَحْوهَا هبة لوُجُوبهَا , وَأَن تكون فِي الْحَيَاة بِلَا عوض بِمَا يعد هبة عرفا. وَهِي مُسْتَحبَّة إِذا قصد بهَا وَجه الله تَعَالَى كَالْهِبَةِ للْعُلَمَاء والفقراء وَالصَّالِحِينَ , وَمَا قصد بِهِ صلَة الرَّحِم لَا مباهاة ورئاء وسَمعه وَتَصِح هبة مصحف. فَإِن قصد بِإِعْطَاء ثَوَاب الْآخِرَة فَقَط فصدقة وإكراما وتوددا فهدية , وَإِلَّا فهبة , وعطية ونحلة , وألفاظ ذَلِك متفقة معنى وَحكما ويعم جَمِيعًا لفظ الْعَطِيَّة وَمن أهْدى ليهدي لَهُ أَكثر فَلَا بَأْس وَيكرهُ ردهَا وَإِن قلت , بل السّنة أَن يكافىء أَو يَدْعُو لَهُ , وَإِن علم مِنْهُ أَنه أهْدى حَيَاء وَجب الرَّد.

وَتَصِح هبة كل مَا يَصح بَيْعه قَالَ الفتوحي وَعلم من هَذَا أَن كل مَا لَا يَصح بَيْعه لَا تصح هِبته وَهُوَ الْمَذْهَب وَاخْتَارَهُ القَاضِي وَقدمه فِي الْفُرُوع. وتنعقد الْهِبَة بِكُل مَا يدل عَلَيْهَا عرفا من قَول كوهبتك وَنَحْوه كمعاطاة , فتجهيز بنته إِلَى بَيت زَوجهَا تمْلِيك وَتلْزم الْهِبَة بفيض قبضهَا كقبض مَبِيع بِإِذن واهب وَلَا يَصح قيضها إِلَّا بِإِذْنِهِ وان مَاتَ واهب فوارثه مقَامه فِي إِذن وَرُجُوع , وَلَا تصح لحمل وَيقبل وَيقبض لصغير وَمَجْنُون وليهما وَمن أَبْرَأ غَرِيمه من دينه أَو وهبه لمدينه أَو أحله مِنْهُ أَو أسقط عَنهُ أَو تَركه أَو ملكه لَهُ أَو تصدق بِهِ عَلَيْهِ أَو عَفا عَنهُ صَحَّ ذَلِك كُله وبريء غَرِيم من الدّين , وَكَذَا لَو قَالَ: اعطيتكه. وَإِنَّمَا صَحَّ بِلَفْظ الْهِبَة وَالصَّدَََقَة والعطية , لِأَنَّهُ لما لم يكن هُنَاكَ عين مَوْجُودَة يَتَنَاوَلهَا اللَّفْظ انْصَرف الى معنى الْإِبْرَاء وَلَو وَقع ذَلِك قبل حُلُوله وَلَو لم يقبل الْمَدِين الْإِبْرَاء؛ لِأَنَّهُ يفْتَقر إِلَى الْقبُول كَالْعِتْقِ وَالطَّلَاق بِخِلَاف هبة الْعين؛ لِأَنَّهُ تمْلِيك وَلَو جهل رب الدّين قدره وَوَصفه كَالْأَجْنَبِيِّ أَي فَيصح الْإِبْرَاء وَيبرأ الْمَدِين لَا إِن علم الْمَدِين فَقَط وكتمه خوفًا من أَنه إِن أعلمهُ لم يُبرئهُ. وَإِن قَالَ: إِن مت - بِضَم التَّاء - فَأَنت فِي حل فوصية. وَلَا تصح الْهِبَة مُؤَقَّتَة إِلَّا فِي الْعُمْرَى والرقبة كأعمرتك أَو أرقبتك هَذِه الدَّار أَو الْفرس أَو الْأمة وَنَصه: لَا يَطَأهَا.

وَحمل على الْوَرع وَتَكون للمعطى ولورثته من بعده إِن كَانُوا وَإِلَّا فلبيت المَال. وَلَا تصح هبة الدّين لغير من هُوَ عَلَيْهِ إِلَّا إِن كَانَ ضَامِنا وَيجب على واهب ذكر أَو أُنْثَى تَعْدِيل فِي عَطِيَّة وَارِث بِأَن يُعْطي كلا من الْوَرَثَة حِصَّة بِقدر إِرْثه نصا وَيُعْطِي من حدث حِصَّة وجوبا فَإِن فضل بَعضهم على بعض بِلَا إِذن الْبَقِيَّة حرم عَلَيْهِ وَسوى بِرُجُوع أَي رَجَعَ فَأخذ مِنْهُم وَدفع الْبَاقِي حَتَّى يستووا , وَله التَّخْصِيص بِإِذن الْبَقِيَّة مِنْهُم وَإِن مَاتَ معط قبله أَي التَّسَاوِي بَينهم وَلَيْسَت فِي مرض موت ثَبت تفضيله وَلَا رُجُوع لبَقيَّة الْوَرَثَة عَلَيْهِ نصا. وتباح قسْمَة مَاله بَين ورثته حَال حَيَاته , وَالسّنة أَن لَا يُزَاد ذكر على أُنْثَى فِي وقف وَيحرم على واهب وَلَا يَصح أَن يرجع فِي هِبته بعد قبض وَلَو نقوطا أَو حمولة فِي نَحْو عرس للزومها بِهِ وَكره رُجُوع فِيهَا قبله أَي الْقَبْض سَوَاء كَانَ الْوَاهِب أما أَو غَيره إِلَّا من وهبت زَوجهَا شَيْئا بمسألته ثمَّ ضرها بِطَلَاق أَو تزوج عَلَيْهَا وَإِلَّا الْأَب فَلهُ أَن يرجع بأَرْبعَة شُرُوط: أَن لَا يسْقط حق من الرُّجُوع , وَأَن لَا تزيد زِيَادَة مُتَّصِلَة , وَأَن تكون الْعين بَاقِيَة فِي ملكه , وَأَن لَا يرهنها. فان أسقط حَقه أَو زَادَت نَحْو سمن أَو تلفت أَو رَهنهَا فَلَا رُجُوع. وَلَا يَصح الا بالْقَوْل فَيَقُول: رجعت فِيهَا , أَو: ارتجعتها , أَو: رَددتهَا وَنَحْوه من الْأَلْفَاظ الدَّالَّة عَلَيْهِ علم الْوَلَد أ , لَا , وَلَا يحْتَاج إِلَى حكم حَاكم.

وَله أَي الْأَب الْحر أَن يتَمَلَّك بِقَبض مَعَ قَول تملك أَو مَعَ نِيَّة التَّمَلُّك لِأَن الْقَبْض أَعم من أَن يكون للتَّمَلُّك أَو غَيره فَاعْتبر القَوْل أَو النِّيَّة لتعين وَجه الْقَبْض من مَال وَلَده مُتَعَلق بيتملك غير سَرِيَّة أَي أمة للِابْن وَطئهَا , فَلَيْسَ لِأَبِيهِ تَملكهَا وَلَو لم تكن أم وَلَده لِأَنَّهَا مُلْحقَة بِالزَّوْجَةِ نصا مَا مفعول يتَمَلَّك شَاءَ أَي أَرَادَ سَوَاء كَانَ ذَلِك بِعلم وَلَده أَو بِغَيْر علمه صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا ذكرا أَو أُنْثَى رَاضِيا أَو ساخطا مَعَ حَاجَة وَعدمهَا مَا لم يضرّهُ أَي يضر الْأَب وَلَده بِمَا يَتَمَلَّكهُ مِنْهُ فَإِن ضره بِأَن تتَعَلَّق بِهِ حَاجَة الْوَلَد كآلة حرفته وَنَحْوهَا لم يتَمَلَّك لِأَن حَاجَة الْإِنْسَان مُقَدّمَة على دينه فَلِأَن تقدم على أَبِيه أولى , أَو مَا لم يكن تملكه ليعطيه الْأَب لولد آخر فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك نصا أَو مَا لم يكن التَّمَلُّك بِمَرَض موت أَحدهمَا أَي الْأَب أَو الابْن لِأَنَّهُ بِالْمرضِ قد انْعَقَد السَّبَب الْقَاطِع للتَّمَلُّك أَو مَا لم يكن الْأَب كَافِرًا وَالِابْن مُسلما فَلَيْسَ لَهُ أَن يتَمَلَّك من مَال وَلَده الْمُسلم. وَلَا يَصح أَن يتَمَلَّك مَا فِي ذمَّته من مَال وَلَده وَلَا أَن يبريء نَفسه وَلَا غَرِيم وَلَده وَلَا يملك قبض دين وَلَده من الْغَرِيم لِأَن الْوَلَد لَا يملك الدّين إِلَّا بِقَبْضِهِ من غَرِيمه. وَلَو أقرّ الْأَب بِقَبْضِهِ وَأنكر الْوَلَد أَو أقرّ رَجَعَ على غَرِيمه وَرجع الْغَرِيم على الْأَب وَلَيْسَ لولد وَلَا لوَرثَته أَي الْوَلَد مُطَالبَة أَبِيه بدين كقرض وَثمن مَبِيع وَنَحْوه أَي الدّين كقيمة متْلف وَأرش جِنَايَة وَأُجْرَة أَرض وزرعها وَدَار يسكنهَا وَنَحْوه لحَدِيث أَنْت وَمَالك لأَبِيك بل إِذا مَاتَ الْأَب

أَخذه من تركته من رَأس المَال إِلَّا أرش الْجِنَايَة , فَيسْقط بِمَوْت الْأَب وَلَيْسَ للْوَلَد الرُّجُوع بِهِ فِي تركته بل للِابْن الْمُطَالبَة بِنَفَقَة وَاجِبَة على أَبِيه لفقره وعجزه عَن الْكسْب , زَاد فِي الْوَجِيز: وحبسه عَلَيْهَا وَمن كَانَ مَرضه غير مخوف كصداع وَحمى يسيرَة كَيَوْم , قَالَه فِي الرِّعَايَة , ورمد وجرب وتصرفه كتصرف صَحِيح حَتَّى وَلَو صَار مخوفا وَمَات بِهِ أَو أَي وَمن مَرضه مخوف كبرسام بِكَسْر الْمُوَحدَة وَهُوَ بخار يرتقي إِلَى الرَّأْس يُؤثر فِي الدِّمَاغ فيختل بِهِ الْعقل. وَقَالَ عِيَاض ورم فِي الدِّمَاغ فيتغير مِنْهُ عقل الْإِنْسَان ويهذي وإسهال متدارك وَهُوَ الَّذِي لَا يسْتَمْسك وَإِن كَانَ سَاعَة؛ لِأَن من يلْحقهُ ذَلِك أسْرع فِي هَلَاكه , وَكَذَا إسهال مَعْدُوم لِأَنَّهُ يضعف الْقُوَّة , وَذَات الْجنب وَهِي قُرُوح بباطن الْجنب , ورعاف دَائِم , وفالج فِي ابْتِدَائه , وسل فِي انتهائه , وَكَذَلِكَ من كَانَ بَين الصفين وَقت الْحَرْب وكل من الطَّائِفَتَيْنِ يكافىء , أَو هُوَ من الطَّائِفَة المقهورة , أَو كَانَ باللجة وَقت الهيجان أَو وَقع الطَّاعُون بِبَلَدِهِ , أَو قدم للْقَتْل , أَو حبس لَهُ , أَو جرح جرحا موحيا , أَو أسر عِنْد من عَادَته الْقَتْل , أَو حَامِلا عِنْد الطلق مَعَ الْأَلَم حَتَّى تنجو من نفَاسهَا , أَو هَاجَتْ بِهِ الصَّفْرَاء أَو البلغم وَمَا قَالَ طبيبان مسلمان عَدْلَانِ لَا وَاحِد وَلَا عدم غَيره عِنْد إشكاله أَي الْمَرَض أَنه مخوف كوجع الرئة والقولنج , وَهُوَ مَعَ الْحمى أَشد خوفًا لَا يلْزم تبرعه أَي تبرع صَاحب الْمَرَض الْمخوف لوَارث بِشَيْء وَلَا يلْزم تبرعه بِمَا فَوق الثُّلُث أَي ثلث المَال فَقَط لغيره أَي الْوَارِث وَهُوَ الْأَجْنَبِيّ إِلَّا بِإِجَازَة الْوَرَثَة.

وَمن امْتَدَّ مَرضه بجذام وَنَحْوه كفالج فِي دَوَامه وسل لَا فِي حَال انتهائه وَلم يقطعهُ الْمَرَض بفراش فكصحيح وَإِن قطعه بفراش فمخوف وَيعْتَبر عِنْد الْمَوْت أَي موت واهب أَو موص كَونه أَي كَون من وهب لَهُ من قبل مَرِيض هبة أَو وصّى لَهُ بِوَصِيَّة وَارِثا أَو لَا فَلَو أعتق عبدا لَا يملك غَيره ثمَّ ملك مَالا فَخرج العَبْد من ثلثه تَبينا أَنه عتق كُله. وَإِن صَار عَلَيْهِ دين يسْتَغْرق لم يعْتق مِنْهُ شَيْء؛ لِأَن الدّين على الْوَصِيَّة. وتفارق الْعَطِيَّة الْوَصِيَّة فِي أَرْبَعَة أَحْكَام: أَحدهَا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وَيبدأ بِالْأولِ فَالْأول بِالْعَطِيَّةِ وَالْوَصِيَّة يسوى بَين متقدمها ومتأخرها. وَالثَّانِي مَا أَشَارَ بقوله وَلَا يَصح الرُّجُوع فِيهَا أَي الْعَطِيَّة بعد لُزُومهَا بِالْقَبْضِ وَإِن كثرت لِأَن الْمَنْع من الزِّيَادَة على الثُّلُث لحق الْوَرَثَة لَا لحقه فَلم يملك إِجَارَتهَا وَلَا ردهَا , وَالْوَصِيَّة بِخِلَاف ذَلِك فَيصح الرُّجُوع فِيهَا لِأَن التَّبَرُّع بهَا مَشْرُوط بِالْمَوْتِ فَلم يُوجد فِيمَا قبل الْمَوْت كَالْهِبَةِ قبل الْقبُول. وَالثَّالِث مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وَيعْتَبر قبُولهَا عِنْد وجودهَا وَالْوَصِيَّة بِخِلَاف ذَلِك لِأَنَّهَا تبرع بعد الْمَوْت فَلَا حكم لقبولها وَلَا ردهَا قبله. وَالرَّابِع مَا أَشَارَ بقوله وَيثبت الْملك فِيهَا أَي الْعَطِيَّة مراعى من حينها , وَالْوَصِيَّة بِخِلَاف ذَلِك كُله.

كتاب الوصايا

(كتاب الْوَصَايَا) 1. جمع وَصِيَّة كقضايا جمع قَضِيَّة يُقَال: وصّى توصية وَأوصى إيصاء , وَالِاسْم الْوَصِيَّة والوصاية بِفَتْح الْوَاو وَكسرهَا وهما بِمَعْنى , وَهِي لُغَة الْأَمر قَالَ تَعَالَى 19 ((ووصى بهَا إِبْرَاهِيم بنبه وَيَعْقُوب)) . قَالَ تَعَالَى 19 ((وَصَّاكُم بِهِ)) وَشرعا الْأَمر بِالتَّصَرُّفِ بعد الْمَوْت , كوصيته إِلَى من يغسلهُ أَو يصلى عَلَيْهِ إِمَامًا وَنَحْوه , وَالْوَصِيَّة بِمَال التَّبَرُّع بِهِ بعد الْمَوْت. وَلَا يعْتَبر فِيهَا الْقرْبَة؛ لِأَنَّهَا تصح لمرتد وحربي بدار حَرْب كَالْهِبَةِ. وأركانها أَرْبَعَة: موص وَصِيغَة ومرصى لَهُ وموصى بِهِ , فَيشْتَرط فِي المرصى أَن يكون عَاقِلا لم يغر غر أَي لم يصل روحه حلقومه , وَلَو من صَغِير يَعْقِلهَا فَإِن غرغر لم تصح. وَفِي الصِّيغَة أَن تكون بِلَفْظ مسموع من الْوَصِيّ بِلَا خلاف وبخط ثَابت أَنه خطّ موص بِإِقْرَار وَارثه أَو بَيِّنَة تشهد أَنه خطه. وَفِي الْمُوصى لَهُ صِحَة تملكه من سلم وَكَافِر معِين وَلَو مُرْتَدا أَو حَرْبِيّا كَمَا تقدم. وَفِي الْمُوصى بِهِ اعْتِبَار إِمْكَانه فَلَا تصح الْوَصِيَّة بِمد بر وَأم ولد أَو حمل أمته الآيسة أَو خدمَة أمته الزمنة وَنَحْوه.

وَالْوَصِيَّة تعْتَبر بهَا الْأَحْكَام الْخَمْسَة فَقَالَ رَحمَه الله يسن لمن ترك مَالا كثيرا عرفا فَلَا يتَقَدَّر بِشَيْء [الْوَصِيَّة بخمسه] أَي المَال لقَوْله تَعَالَى (كتب عَلَيْكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت الْوَصِيَّة) نسخ الْوُجُوب بقى الِاسْتِحْبَاب وَتحرم الْوَصِيَّة مِمَّن يَرِثهُ غير أحد الزَّوْجَيْنِ بِأَكْثَرَ من الثُّلُث لأَجْنَبِيّ أَو أَي وَتحرم الْوَصِيَّة مِمَّن يَرِثهُ غير أحد الزَّوْجَيْنِ [بأكنز] من الثُّلُث لأَجْنَبِيّ أَو أَي وَتحرم الْوَصِيَّة مِمَّن يَرِثهُ غير أحد الزَّوْجَيْنِ لوَارث بِشَيْء مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَت الْوَصِيَّة فِي صِحَّته أَو مَرضه. وَتَصِح هَذِه الْوَصِيَّة الْمُحرمَة حَال كَونهَا مَوْقُوفَة على الْإِجَازَة من الْوَرَثَة. وَيسن أَن يكْتب الْمُوصى وَصيته وَيشْهد عَلَيْهَا وَأَن يكْتب فِي صدرها: هَذَا مَا أوصى بِهِ فلَان أَنه يشْهد أَلا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَأَن الْجنَّة حق وَالنَّار حق والساعة آتِيَة لَا ريب فِيهَا وَأَن الله يبْعَث من فِي الْقُبُور , وأوصي أَهلِي أَن يتقوا الله ويصلحوا ذَات بَينهم ويطيعوا الله وَرَسُوله إِن كَانُوا مُؤمنين , وأوصيهم بِمَا أوصى بِهِ إِبْرَاهِيم بنيه وَيَعْقُوب (يَا بني إِن الله اصْطفى لكم الدّين فَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ) وَتكره الْوَصِيَّة من فَقير وَارثه مُحْتَاج وتباح إِن كَانَ غَنِيا. وَتَصِح مِمَّن لَا وَارِث لَهُ بِجَمِيعِ مَاله , وَتجب على من عَلَيْهِ دين أَو عِنْده وَدِيعَة بِلَا بَيِّنَة. وَتبطل بِخَمْسَة أَشْيَاء: بِرُجُوع الْمُوصي بقول أَو فعل يدل عَلَيْهِ , وبموت الْمُوصى لَهُ قبل الْمُوصي , وبقتله الْمُوصي , وبردة الْوَصِيَّة , ويتلف الْعين الْمعينَة الْمُوصى بهَا وَيَأْتِي هَذَا الحكم ,

فَإِن لم يَفِ الثُّلُث أَي ثلث مَاله بالوصايا وَلم يجز الْوَرَثَة تحاصوا أَي الْمُوصى لَهُم فِيهِ الثُّلُث كمسائل الْعَوْل أَي فَيدْخل عَليّ كل مِنْهُم بِقدر وَصيته وَلَو عتقا فَلَو أوصى لوَاحِد بِثلث مَاله , وَلآخر بِمِائَة , ولثالث بِعَبْد قِيمَته خَمْسُونَ , وبثلاثين لفداء أَسِير , ولعمارة مَسْجِد بِعشْرين وَكَانَ ثلث مَاله مائَة. وَبلغ مَجْمُوع الْوَصَايَا ثَلَاثمِائَة نسبت مِنْهَا الثُّلُث فَهُوَ ثلثهَا فيعطي كل وَاحِد ثلث وَصيته. وان أجازها الْوَرَثَة بِلَفْظ إجَازَة أَو إِمْضَاء أَو تَنْفِيذ لَزِمت وَهِي تَنْفِيذ لَا يثبت لَهَا حكم الْهِبَة , فَلَا يرجع إِن جَازَ لِابْنِهِ , وَلَا يَحْنَث بهَا من حلف لَا يهب. وَلَا يثبت الْملك للْمُوصى لَهُ إِلَّا بقبوله بعد موت الْمُوصي وَإِن امْتنع من الْقبُول وَالرَّدّ حكم عَلَيْهِ بِالرَّدِّ وَسقط حَقه من الْوَصِيَّة , وَإِن قبل ثمَّ رد لَزِمت وَلم يَصح الرَّد. وَتدْخل فِي ملكه من حِين قبُوله قهرا , وَمَا حدث من نَمَاء مُنْفَصِل قبل الْقبُول فللورثة , وَلَا عِبْرَة بقبوله ورده قبل الْمَوْت. وَإِن كَانَت على غير مَحْصُور كالعلماء والفقراء لم يشْتَرط قبُول ولزمت بِمُجَرَّد موت. وَتخرج الْوَاجِبَات على الْمَيِّت من دين وَحج وَزَكَاة وَنَحْوه من رَأس المَال مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ أوصى بِهِ أَو لم يوص , فَإِن لم يَفِ المَال بِالْوَاجِبِ الَّذِي عَلَيْهِ تحاصوا والمخرج لذَلِك وَصِيّه ثمَّ وَارثه ثمَّ الْحَاكِم.

وَلَا تصح لكَافِر غير معِين كاليهود وَالنَّصَارَى وَنَحْوهم , وَلَا لكَافِر بمصحف وَلَا بِعَبْد مُسلم وَلَا بسلاح , وَلَا بِحَدّ قذف , فَلَو كَانَ العَبْد كَافِرًا ثمَّ أسلم قبل موت الْمُوصي أَو بعده قبل الْقبُول بطلت. وَتَصِح الْوَصِيَّة لعَبْدِهِ أَي قنه ومدبره ومكاتبه وَأم وَلَده بمشاع من مَاله كثلث من أَو ربع وَنَحْوه. لَا إِن أوصى لَهُ بِمعين لَا يدْخل هُوَ فِيهِ كدار وَفرس وثوب وَنَحْوه , وَيعتق مِنْهُ أَي العَبْد بِقَدرِهِ أَي الثُّلُث وَنَحْوه , فَلَو كَانَت الْوَصِيَّة لعَبْدِهِ بِثلث مَاله وَقِيمَته مائَة وَله سواهَا خَمْسُونَ عتق نصفه لِأَن نصفه يُقَابل خمسين وَهِي ثلث الْمِائَة وَالْخمسين. فَإِن كَانَت الْوَصِيَّة بِالثُّلثِ مثلا وَفضل مِنْهُ شَيْء بعد عتقه أَخذه فَلَو وصّى لَهُ بِالثُّلثِ وَقِيمَته مائَة وَله سواهُ خَمْسمِائَة عتق وَأخذ مائَة لِأَنَّهَا تَمام الثُّلُث الْمُوصى بِهِ. وَإِن وصّى لَهُ بِربع المَال وَقِيمَته مائَة وَله سواهُ ثَمَانمِائَة عتق وَأعْطى مائَة وَخَمْسَة وَعشْرين تَمام الرّبع. وَتَصِح لعَبْدِهِ بِنَفسِهِ ورقبته بِأَن يَقُول لَهُ: أوصيت لَك بِنَفْسِك , أَو رقبتك كَمَا لَو وصّى لَهُ بِعِتْقِهِ وَيعتق كُله بقوله إِن خرج من الثُّلُث وَإِلَّا بِقَدرِهِ. وَلَا تصح لقن غَيره قَالَه فِي الْمُنْتَهى وَهُوَ معنى مَا فِي التَّنْقِيح. وَقَالَ فِي الْمقنع: وَتَصِح لعبد غَيره قَالَ فِي الْإِنْصَاف: هَذَا الْمَذْهَب وَعَلَيْهَا الْأَصْحَاب. انْتهى. وَجزم بِهِ فِي الْإِقْنَاع , وَعَلِيهِ فَتكون لسَيِّده بِقبُول الْقِنّ وَلَا يفْتَقر إِلَى إِذن سَيّده

وَتَصِح الْوَصِيَّة بِحمْل أمة وَفرس أَو نَحْوهمَا إِذا تحقق وجوده حينها. وَتَصِح الْوَصِيَّة لحمل إِذا تحقق وجوده أَي الْحمل حينها أَيْضا بِأَن تضعه حَيا لدوّنَ أَربع سِنِين إِن لم تكن فراشا لزوج أَو سيد. أَو لأَقل من سِتَّة أشهر فراشا كَانَت أَو لَا من حينها وَإِن قَالَ: إِن كَانَ فِي بَطْنك ذكر فَلهُ كَذَا وَإِن كَانَ أُنْثَى فلهَا كَذَا فَكَانَا فَلَهُمَا مَا شَرط. وطفل من لم يُمَيّز , وَصبي وَغُلَام ويافع ويتيم من لم يبلغ , قَالَ فِي فتح الْبَارِي فِي حَدِيث (علمُوا الصَّبِي الصَّلَاة ابْن سبع) : يُؤْخَذ من إِطْلَاق الصَّبِي عَليّ ابْن سبع الرَّد [على] من زعم أَنه لَا يُسمى صَبيا إِلَّا إِذا كَانَ رضيعا ثمَّ قَالَ لَهُ غُلَام إِلَى أَن يصير ابْن تسع ثمَّ يصير يافعا إِلَى عشر، ويوافق الحَدِيث قَول الْجَوْهَرِي: الصَّبِي الْغُلَام. انْتهى. وَلَا يَشْمَل الْيَتِيم ولد الزِّنَا , ومراهق من قَارب الْبلُوغ وشاب وفتى مِنْهُ إِلَى الثَّلَاثِينَ وكهل مِنْهَا إِلَى الْخمسين وَشَيخ مِنْهَا إِلَى السّبْعين، ثمَّ هرم إِلَى آخر عمره، وَتقدم بعضه فِي الْوَقْف. وَتَصِح الْوَصِيَّة للمساجد والقناطر والثغور وَنَحْوهَا وللَّه وَلِلرَّسُولِ وَتصرف فِي الْمصَالح الْعَامَّة. وَإِن وصّى بإحراق ثلث مَاله صرف فِي تجمير الْكَعْبَة وتنوير الْمَسَاجِد، وبدفنه فِي التُّرَاب صرف فِي تكفين الْمَوْتَى، وبرميه فِي المَاء صرف فِي عمل سفن للْجِهَاد.

وَلَا تصح الْوَصِيَّة لكنيسة وَلَا لبيت نَار أَو مَكَان من أَمَاكِن الْكفْر سَوَاء كَانَ ببنائه أَو بِشَيْء ينْفق عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَعْصِيّة فَلم تصح الْوَصِيَّة بِهِ , وَلَا لبيعة وَلَا لصومعة وَلَا لحصر بهَا أَو قناديل وَلَا لإصلاحها وشعلها وَخدمتهَا وَلَا لكتب التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَنَحْوهَا كالصحف وَلَو من ذمِّي لِأَنَّهَا كتب مَنْسُوخَة والاشتغال بهَا غير جَائِز وَلَا لمللك أَو ميت. وَإِن أوصى لفرس زيد صَحَّ وَلم يقبله زيد وَصرف فِي علقه فَإِن مَاتَ الْفرس فالباقي للْوَرَثَة لتعذر صرفه إِلَى الْمُوصى لَهُ كَمَا لَو رد موصى لَهُ الْوَصِيَّة , وَلَا يصرف فِي فرس حبيس آخر نصا. وَإِن وصّى لحي وميت يعلم مَوته أَو لَا فللحي النّصْف فَقَط وَلَو لم يقل بَينهمَا. وَإِن وصّى بِثلث مَاله لمن تصح لَهُ كَمَا إِذا وصّى لزيد ولجبريل عَلَيْهِ السَّلَام أَو لزيد وحائط، أَو لزيد وَحجر وإذاوصى لأهل سكنه فلاهل زقاقه حَال الْوَصِيَّة نصا. ولجيرانه تنَاول أَرْبَعِينَ دَارا من كل جَانب نصا لحَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: الْجَار أَرْبَعُونَ دَارا هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا. وجار الْمَسْجِد من سمع الْأَذَان وَتَصِح الْوَصِيَّة بِشَيْء مَجْهُول كَثوب وَنَحْوه وَيُعْطى مَا يَقع عَلَيْهِ الِاسْم فَإِن اخْتلف الِاسْم بِالْحَقِيقَةِ وَالْعرْف غلبت الْحَقِيقَة فالشاة

وَالْبَعِير والثور وَالْفرس وَالرَّقِيق اسْم للذّكر وَالْأُنْثَى من صَغِير وكبير. وحصان بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وبغل وَحمل وحمار وَعبد للذّكر فَقَط. وَالْحجر والناقة والأتان وَالْبَقَرَة اسْم الْأُنْثَى. وَالدَّابَّة اسْم للخيل وَالْبِغَال وَالْحمير. وَتَصِح الْوَصِيَّة بِشَيْء مَعْدُوم كَمَا تحمل أمته أَو شجرته أبدا أَو مُدَّة مَعْلُومَة فَإِن حصل شَيْء فَهُوَ لَهُ إِلَّا حمل الْأمة فَلهُ قِيمَته يَوْم الْولادَة لِئَلَّا يفرق بَين ذَوي رحم فِي الْملك وَإِن لم يحصل شَيْء بطلت لِأَنَّهَا لم تصادف محلا كَمَا لَو وصّى بِثُلثِهِ وَلم يخلف شَيْئا. وَتَصِح بِإِنَاء ذهب أَو فضَّة وَبِمَا فِيهِ نفع مُبَاح من غير المَال ككلب صيد وَزرع وماشية، وجرو لما يُبَاح اقتناوه مِنْهَا وبزيت مُتَنَجّس لغير مَسْجِد وَله ثلث الْكَلْب وَالزَّيْت إِن لم تجز الْوَرَثَة وَتَصِح الْوَصِيَّة بِمَا لَا يقدر على تَسْلِيمه كآبق وشارد وطير فِي هَوَاء وَحمل بِبَطن وَلبن بضرع وبمنفعة مُفْردَة كخدمة عبد واجرة دَار وَثَمَرَة بُسْتَان أَو شَجَرَة سَوَاء أوصى بذلك مُدَّة مَعْلُومَة أَو بِجَمِيعِ الثَّمَرَة وَالْمَنْفَعَة فِي الزَّمَان كُله وَيعْتَبر خُرُوج جَمِيعهَا من الثُّلُث وَمَا حدث بعد الْوَصِيَّة وَلَو بِنصب أحبولة قبل مَوته فَيَقَع فِيهَا صيد بعده يدْخل من ثلثه فِيهَا أَي الْوَصِيَّة. وَإِن قتل وآخذت دِيَته فَهِيَ مِيرَاث تدخل فِي وَصيته وَيقْضى مِنْهَا دينه وَتبطل الْوَصِيَّة بِتَلف شَيْء معِين وصّى بِهِ سَوَاء كَانَ قبل موت الْمُوصي أَو بعده قبل الْقبُول وَتقدم

وان وصّى لإِنْسَان بِمثل نصيب وَارِث معِين بِالتَّسْمِيَةِ كَقَوْلِه: ابْني فلَان أَو بِالْإِشَارَةِ كَقَوْلِه: ابْنَتي هَذِه فَلهُ أَي الْمُوصى لَهُ مثله أَي مثل ذَلِك الْوَارِث بِلَا زِيَادَة وَلَا نُقْصَان حَال كَونه مَضْمُونا إِلَى الْمَسْأَلَة أَي مسالة الْوَرَثَة وبمثل نصيب ابْنه وَله ابْنَانِ فَلهُ ثلث , وَإِن كَانُوا ثَلَاثَة فَلهُ ربع , وَإِن كَانَ مَعَهم بنت فَلهُ تسعان وَإِن وصّى لشخص بِمثل نصيب أحد ورثته مثل مَا لاقلهم أَي الْوَرَثَة نَصِيبا لِأَنَّهُ جعله كأقلهم نَصِيبا فَجعل كأقلهم لِأَنَّهُ الْيَقِين. وَإِن وصّى لَهُ بِسَهْم من مَاله لإِنْسَان فَلهُ أَي الْمُوصى لَهُ سدس بِمَنْزِلَة سدس مَفْرُوض. فَإِن لم تكمل فروض الْمَسْأَلَة أَو كَانُوا عصبَة أعْطى سدسا كَامِلا، وَإِن كملت أعيلت بِهِ كَزَوج وَأُخْت لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب فَهِيَ سِتَّة وتعال بِسبع يعطاه , أَو كَانَت عائلة كَمَا إِذا كَانَ فِي الْمَسْأَلَة جدة فَهِيَ عائلة إِلَى سَبْعَة وَيُزَاد فِي عولها بِثمن يعطاه , وَإِن وصّى لَهُ بِشَيْء أَو حَظّ أَو جُزْء أَو نصيب أَو قسط يُعْطِيهِ الْوَارِث مَا شَاءَ مِمَّا يتمول , قَالَ فِي الْمُغنِي: لَا أعلم فِيهِ خلافًا , لِأَن كل شَيْء حَظّ وجزء وَنصِيب وقسط وَشَيْء , وَكَذَا لَو قَالَ: أعْطوا فلَانا من مَالِي أَو ارزقوه لِأَن ذَلِك لَا حد لَهُ لُغَة وَلَا شرعا فَهُوَ على إِطْلَاقه.

فصل

3 - (فصل) 3. فِي بَيَان حكم الْمُوصى إِلَيْهِ - أَي الْمَأْذُون بِالتَّصَرُّفِ بعد الْمَوْت فِي المَال وَغَيره مِمَّا للْمُوصى فعله وَالتَّصَرُّف فِيهِ حَال الْحَيَاة وتدخله النِّيَابَة بِملكه وولايته الشَّرْعِيَّة. وَالدُّخُول فِي الْوَصِيَّة للقوى عَلَيْهَا قربَة وَتَركه أولى فِي هَذِه الْأَزْمِنَة. وَيصِح الْإِيصَاء إِلَى كل مُسلم لِأَن الْكَافِر لَا يَلِي مُسلما [مُكَلّف] أَي بَالغ عَاقل رشيد عدل إِجْمَاعًا وَلَو كَانَ عدلا ظَاهرا أَو أعمى أَو امْرَأَة أَو أم ولد أَو قِنَا وَلَو كَانَ لموصى [و] يَصح الْإِيصَاء من كَافِر الى مُسلم وَإِلَى كَافِر عدل فِي دينه وَلَا يوصى الْوَصِيّ إِلَّا إِن جعله لَهُ الْمُوصي. وَلَا يَصح الْإِيصَاء إِلَّا فِي تصرف مَعْلُوم ليعلم موصى إِلَيْهِ مَا وصّى بِهِ إِلَيْهِ ليتصرف فِيهِ كَمَا أَمر يملك الْمُوصى فعله أَي فعل مَا وصّى فِيهِ لِأَنَّهُ أصل وللوصى فَرعه فَلَا يملك الْفَرْع مَا لَا يملك الأَصْل , كَمَا إِذا وَصِيّ بِقَضَاء دين وتفرقة وَصِيَّة ورد حُقُوق إِلَى أَهلهَا وَنظر فِي أَمر غير مُكَلّف وَنَحْو ذَلِك. وَمن وصّى فِي شَيْء لم يصر وَصِيّا فِي غَيره. وَإِن قَالَ: ضع ثلث

مَالِي حَيْثُ شِئْت , أَو أعْطه لمن شِئْت , أَو تصدق بِهِ على من شِئْت لم يجز لَهُ أَخذه وَلَا دَفعه إِلَى ورثته - أَي الْوَصِيّ - الْوَارِثين أَغْنِيَاء كَانُوا أَو فُقَرَاء - نصا , وَلَا إِلَى وَرَثَة الْمُوصى. قَالَ فِي شرع الْمُنْتَهى: لِأَنَّهُ قد وصّى بخراجه فَلَا يرجع إِلَى ورثته. وَمن مَاتَ بِمحل بَلْدَة أَو بَريَّة أَو غَيرهمَا لَا حَاكم فِيهِ أَي الْمحل الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَنَحْوه وَلَا وصّى لَهُ بِأَن يوص إِلَى أحد فل كل مُسلم حَضَره حوز تركته أَي الْمَيِّت وَتَوَلَّى أمره وَفعل الْأَصْلَح فِيهَا أَي التَّرِكَة من بيع مَا يسْرع إِلَيْهِ الْفساد وإبقاء غَيره وَنَحْو ذَلِك لِأَنَّهُ مَوضِع ضَرُورَة لحفظ مَال الْمُسلم عَلَيْهِ , أَو فِي تَركه إِتْلَاف لَهُ نَص عَلَيْهِ فِي الْمَنَافِع وَالْحَيَوَان , وَقَالَ: وَأما الْجَوَارِي فَأحب أَن يتَوَلَّى بيعهنَّ حَاكم من الْحُكَّام , وَله تَجْهِيزه مِنْهَا أَي التَّرِكَة إِن كَانَت وَأمكن. وَمَعَ عدمهَا أَي التَّرِكَة بِأَن لم يكن مَعَه شَيْء أَو عدم الْإِمْكَان يجهزه حَاضِرَة مِنْهُ وَيرجع بِمَا أنفقهُ عَلَيْهَا أَي التَّرِكَة إِن وجدت أَو على من تلْزمهُ نَفَقَته إِن لم يكن لَهُ تَرِكَة إِن نَوَاه أَي الرُّجُوع؛ لِأَنَّهُ قَامَ عَنهُ بِوَاجِب أَو أَي وَيرجع بِمَا أنفقهُ إِن اسْتَأْذن حَاكما فِي تَجْهِيزه على تركته أَو على من تلْزمهُ نَفَقَته لِئَلَّا يمْتَنع النَّاس من فعله مَعَ الْحَاجة إِلَيْهِ.

[كتا] كتاب الْفَرَائِض) 1. جمع فَرِيضَة بِمَعْنى مَفْرُوضَة ولحقتها الْهَاء للنَّقْل من الْمصدر إِلَى الِاسْم كالحفيرة , من الْفَرْض بِمَعْنى التَّوْقِيت وَمِنْه فَمن فرض فِيهِنَّ الْحَج والإنزال وَمِنْه إِن الَّذِي فرض عَلَيْك الْقُرْآن والإحلال قَالَ تَعَالَى 9 ((مَا كَانَ على النَّبِي من حرج فِيمَا فرض الله لَهُ)) أَي أحل وَقَوله تَعَالَى 9 ((سُورَة أنزلناها وفرضناها)) جعلنَا فِيهَا فَرَائض الْأَحْكَام. وبالتشديد أَي جعلنَا فِيهَا فَرِيضَة بعد فَرِيضَة أَو فصلناها وبيناها , وَبِمَعْنى التَّقْدِير وَمِنْه فَنصف مَا فرضتم وَغير ذَلِك , وَشرعا الْعلم بقسمة الْمَوَارِيث , وموضوعه التركات؛ لِأَنَّهَا الَّتِي يبْحَث عَنْهَا فِيهِ عَن عوارضها الذاتية لَا الْعدَد فَإِنَّهُ مَوْضُوع علم الْحساب , وَالْفَرِيضَة نصيب مُقَدّر شرعا لمستحقه. والمواريث جمع مِيرَاث وَهُوَ مصدر بِمَعْنى الْإِرْث والوراثة أَي الْبَقَاء وانتقال الشَّيْء من قوم إِلَى آخَرين , وَشرعا بِمَعْنى التَّرِكَة أَي الْحق المخلف عَن ميت , وَيُقَال لَهُ التراث وتاؤه متقلبة عَن وَاو

وَقد وَردت أَحَادِيث تدل على تعلمه وتعليمه , فَمن ذَلِك مَا روى أَبُو هُرَيْرَة مَرْفُوعا تعلمُوا الْفَرَائِض وعلموها , فَإِنَّهَا نصف الْعلم وَهُوَ ينسى , وَهُوَ أول علم ينتزع من أمتِي وَقد اخْتلف فِي مَعْنَاهُ , فَقَالَ أهل السَّلامَة: لَا يتَكَلَّم فِيهِ بل يجب علينا إتباعه. وَقَالَ قوم: إِن معنى كَونهَا نصف الْعلم بِاعْتِبَار الْحَال , فَإِن حَال النَّاس اثْنَان - حَيَاة ووفاة - فالفرائض مُتَعَلق بِالثَّانِي وَبَاقِي الْعُلُوم بِالْأولِ , وَقيل بِاعْتِبَار الثَّوَاب لِأَنَّهُ يسْتَحق بتعليم مَسْأَلَة وَاحِدَة فِي الْفَرَائِض مائَة حَسَنَة وبغيرها من الْعُلُوم عشر حَسَنَات، وَقيل بِاعْتِبَار الْمَشَقَّة. وَضعف بَعضهم هذَيْن الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ: إِن أحسن الْأَقْوَال أَن يُقَال: أَسبَاب الْملك نَوْعَانِ: اخْتِيَاري وَهُوَ مَا يملك رده كالشراء وَالْهِبَة وَنَحْوهَا , واضطراري وَهُوَ مَا لَا يملك رده وَهُوَ الْإِرْث. وَمن ذَلِك حَدِيث ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا: تعلمُوا الْفَرَائِض وعلموها النَّاس , فَانِي امْرُؤ مَقْبُوض , وَإِن الْعلم سيقبض , وتضهر الْفِتَن حَتَّى يخْتَلف اثْنَان فِي الْفَرِيضَة فَلَا يجدان من يقْضِي بَينهمَا رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَلَفظه لَهُ. وَإِذا مَاتَ الْإِنْسَان بدىء من تركته بكفنه وتجهيزه من رَأس مَاله , سَوَاء تعلق بِهِ حق رهن أَو أرش جِنَايَة أَولا، وَمَا بَقِي بعد ذَلِك تقضى مِنْهُ

دُيُون الله تَعَالَى كَالزَّكَاةِ وَالْحج وديون الْآدَمِيّين كالقرض وَالْأُجْرَة وَنَحْوهمَا , وَمَا بَقِي بعد ذَلِك تنفذ وَصَايَاهُ من ثلثه , ثمَّ يقسم مَا بَقِي على ورثته , فَقَالَ رَحمَه الله أَسبَاب الْإِرْث - جمع سَبَب وَهُوَ لُغَة مَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى غَيره كالسلم لطلوع السَّطْح , وَاصْطِلَاحا مَا يلْزم من وجوده الْوُجُود وَمن عَدمه الْعَدَم لذاته - ثَلَاثَة فَقَط فَلَا يَرث وَلَا يُورث بغَيْرهَا: الأول رحم أَي قرَابَة وَهِي الِاتِّصَال بَين إنسانيان بالاشتراك فِي ولادَة قريبَة أَو بعيدَة فيرث بهَا لقَوْله تَعَالَى (وأولو الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض فِي كتاب الله) , وَالثَّانِي نِكَاح وَهُوَ عقد الزَّوْجِيَّة الصَّحِيح فَلَا مِيرَاث فِي النِّكَاح الْفَاسِد لِأَن وجوده كَعَدَمِهِ , وَالثَّالِث وَلَاء بِفَتْح الْوَاو وَالْمدّ وَهُوَ ثُبُوت حكم شَرْعِي بِالْعِتْقِ أَو تعَاطِي أَسبَابه فيرث بِهِ الْمُعْتق وعصبته من عَتيق وَلَا عكس لحَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا: الْوَلَاء لحْمَة كلحمة النّسَب وَكَانَت تَرِكَة النَّبِي صَدَقَة لم تورث. وموانعه أَي الْإِرْث ثَلَاثَة أَيْضا: الأول قتل , وَالثَّانِي رق , وَالثَّالِث اخْتِلَاف دين. وأركانه ثَلَاثَة أَيْضا: وَارِث وموروث , وَمَال موروث. وشروطه ثَلَاثَة أَيْضا: أَحدهَا تحقق موت مورث أَو إِلْحَاقه بالأموات , وَالثَّانِي تحقق وجود وَارِث , وَالثَّالِث الْعلم بالجهة الْمُقْتَضِيَة للإرث.

وَالْمجْمَع على توريثهم من الذُّكُور عشرَة: الابْن , وَابْنه وَإِن نزل , وَالْأَب , وَأَبوهُ وَإِن علا , وَالْأَخ من كل جِهَة , وَابْن الْأَخ لَا من الْأُم , وَالْعم , وَابْنه كَذَلِك , وَالزَّوْج , وَذُو الْوَلَاء. وَمن النِّسَاء سبع: الْبِنْت , وَبنت الابْن وان نزل أَبوهَا , وَالأُم , وَالْجدّة , وَالْأُخْت مُطلقًا , وَالزَّوْجَة , ومولاة النِّعْمَة. وَالْوَرَثَة ثَلَاثَة أَقسَام: أَحدهَا ذُو فرض , وَالثَّانِي عصبَة , وَالثَّالِث ذُو رحم وَيَأْتِي تَعْرِيفهَا فِي محلهَا. فذو الْفَرْض من الذُّكُور وَالْإِنَاث عشرَة: الزَّوْجَانِ والأبوان مُجْتَمعين وَمُتَفَرِّقِينَ , وَالْجد وَالْجدّة كَذَلِك , وَالْبِنْت , وَبنت الابْن , وَالْأُخْت لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب , وَولد الْأُم ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى. وَمَتى اجْتمع الْجمع على إرثهم من الرِّجَال وَورث مِنْهُم ثَلَاثَة: الزَّوْج , وَالِابْن وَالْأَب فَقَط. وَمن النِّسَاء ورث مِنْهُم خمس: الْبِنْت , وَبنت الابْن , وَالأُم , وَالزَّوْجَة , وَالْأُخْت لِأَبَوَيْنِ. وَمن الصِّنْفَيْنِ ورث الأبوان والولدان وَأحد الزَّوْجَيْنِ. والفروض الْمقدرَة فِي كتاب الله تعالي سِتَّة: النّصْف , وَالرّبع , وَالثمن , وَالثُّلُثَانِ , وَالثلث , وَالسُّدُس أَو نقُول: السُّدس , وَالثمن , وَضعفهمَا , وَضعف ضعفهما , أَو الثُّلُثَانِ وَالنّصف , ونصفهما , وَنصف نصفهما. أَو الثُّلُث , وَالرّبع , وَنصف كل مِنْهُمَا وَضَعفه. وَهَذِه أخصر الْعبارَات.

فالنصف فرض خَمْسَة الأول الزَّوْج إِن لم يكن أَي يُوجد للزَّوْجَة ولد وَلَا ولد ابْن فَإِن كَانَ وَلَكِن قَامَ بِهِ مَانع من الْمَوَانِع فوجود كَالْعدمِ وَالثَّانِي الْبِنْت وَحدهَا قَالَ فِي الْمُغنِي: لَا خلاف فِي هَذَا بَين أحد من الْمُسلمين لقَوْل 19 (: (وان كَانَت وَاحِدَة فلهَا النّصْف)) وَالثَّالِث بنت الابْن مُنْفَرِدَة وَإِن نزل أَبوهَا مَعَ عدم ولد الصلب مُطلقًا وَالرَّابِع الْأُخْت لِأَبَوَيْنِ عِنْد عدم الْوَلَد وَعدم ولد الابْن الْوَارِث وذكرا كَانَ أَو أُنْثَى لَان السَّاقِط كَالْمَعْدُومِ وَالْخَامِس الْأُخْت لأَب عِنْد انفرادها وَعند عدم الأشقاء وَمحل فرض النّصْف للْبِنْت وَبنت الابْن وَالْأُخْت الشَّقِيقَة أَو لأَب إِذا كن منفردات لم يعصبن. وَالرَّابِع فرض اثْنَيْنِ الأول الزَّوْج فيرث الرّبع مَعَ وجود الْوَلَد للزَّوْجَة سَوَاء كَانَ مِنْهُ أَو من غَيره أَو مَعَ وجود ولد الابْن بِشَرْط أَن يكون وَارِثا وَالثَّانِي الزَّوْجَة الْوَاحِدَة فَأكْثر فترث أَو يرثن الرّبع مَعَ عدمهما إِي الْوَلَد وَولد الابْن. وَالثمن فرض صنف وَاحِد وَهُوَ الزَّوْجَة الْوَاحِدَة فَأكْثر مَعَ الْوَلَد أَو مَعَ ولد الابْن ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى وَاحِدًا أَو مُتَعَددًا مِنْهُ أَو من غَيره. وَالثُّلُثَانِ فرض أَرْبَعَة: فرض البنتين فَأكْثر وَفرض بِنْتي للِابْن فَأكْثر وَفرض الْأُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ فاكثر وَفرض الْأُخْتَيْنِ لأَب فاكثر عِنْد عدم معصب فِي الْجَمِيع. وَالثلث فرض اثْنَيْنِ فرض وَلَدي الْأُم ذكرين أَو أنثيين

أَو مُخْتَلفين فَأكْثر يَسْتَوِي فِيهِ أَي الثُّلُث ذكرهم وأنثاهم إِجْمَاعًا لقَوْله تَعَالَى وان كَانَ رجل يُورث كَلَالَة أَو امْرَأَة وَله أَخ أَو أُخْت فَلِكُل وَاحِد مِنْهُمَا السُّدس فَإِن كَانُوا أَكثر من ذَلِك فهم شُرَكَاء فِي الثُّلُث اجْمَعُوا على أَنَّهَا فِي الاخوة للام وقرا ابْن مَسْعُود وَسعد بن ابي وَقاص: وَله أَخ أَو أُخْت من أم. والكلالة هِيَ الْوَرَثَة غير الْأَبَوَيْنِ والولدين نصوا عَلَيْهِ وَهُوَ قَول الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَقيل: الْمَيِّت الَّذِي لَا ولد لَهُ وَلَا وَالِد روى عَن عمر وَعلي وَابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنْهُمَا وَقيل: قرَابَة الْأُم. وَالثَّانِي فرض الْأُم حَيْثُ لَا ولد للْمَيت وَلَا ولد ابْن وَلَا عدد من الاخوة وَالْأَخَوَات قَالَ فِي الْمُغنِي: بِلَا خلاف نعلمهُ بَين أهل الْعلم. انْتهى. لِأَن الله تَعَالَى قَالَ (فان لم يكن لَهُ ولد وَورثه أَبَوَاهُ فلامه الثُّلُث) لَكِن لَهَا أَي الْأُم ثلث الْبَاقِي أَي بَاقِي المَال بعد فرض الزَّوْج أَو الزَّوْجَة فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ المسماتين بالعمريتين لِأَن عمر رضى الله عَنهُ قضى فيهمَا بِهَذَا الْقَضَاء , فَاتبعهُ على ذَلِك عُثْمَان وَزيد بن ثَابت وَابْن مَسْعُود رضى الله عَنْهُم وتسميان بالغراوين وَأَيْضًا تَشْبِيها لَهما بالكوكب الْأَغَر لاشتهارهما وهما إِي العمريتان: أَبَوَانِ وَزوج أَو زَوْجَة. وَالسُّدُس فرض سَبْعَة: فرض الْأُم إِذا كَانَت مَعَ الْوَلَد أَو مَعَ ولد الابْن أَو مَعَ عدد من الاخوة وَالْأَخَوَات كاملي الْحُرِّيَّة لقَوْله تَعَالَى (فَإِن كَانَ لَهُ اخوة فلأمه السُّدس) . وَلَفظ الاخوة هَهُنَا يتَنَاوَل الْأَخَوَيْنِ

وَفرض الْجدّة فاكثر إِلَى ثَلَاث فَقَط مَعَ تحاذ أَي تساو فِي الدرجَة بِحَيْثُ لَا تكون وَاحِدَة مِنْهُنَّ أَعلَى من الْأُخْرَى وَلَا أنزل مِنْهَا كَأُمّ أم أم , وَأم أم أَب , وَأم أَب أَب , وَكَذَا أم أم أم أم , وَأم أم أم [أَب , وَأم أم] أَب أَب , وَلَا يرثن إِلَّا مَعَ عدم الْأُم كَمَا باتي فِي الْحجب , وَفرض بنت الابْن فاكثر مَعَ عدم وجود بنت الصلب تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ إِذا لم تعصب وَفرض أُخْت فاكثر لأَب مَعَ أُخْت لِأَبَوَيْنِ تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ مَعَ عدم معصب أَيْضا وَفرض الْوَاحِد من ولد الْأُم ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى أَو خُنْثَى , وَفرض الْأَب مَعَ الْوَلَد أَو مَعَ ولد الابْن وَفرض الْجد كَذَلِك أَي مَعَ الْوَلَد أَو ولد الابْن , وَلَا ينزلان عَنهُ بِحَال , وَقد يكون عائلا.

فصل

3 - (فصل) وَالْجد أَبُو الْأَب وَإِن علا مَعَ الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات سَوَاء كَانُوا لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب كأحدهم مَا لم يكن الثُّلُث أحظ لَهُ فَيَأْخذهُ وَالْبَاقِي للذّكر مثل حَظّ الأنثين , فَإِن لم يكن أَي يُوجد مَعَه أَي الْجد صَاحب فرض كَأُمّ وَزَوْجَة فَلهُ أَي الْجد خير أَمريْن إِمَّا الْمُقَاسَمَة أَو ثلث جَمِيع المَال فَإِن كَانَت الْأُخوة أقل من مثلَيْهِ فالمقاسمة أحظ لَهُ. وتنحصر صوره فِي خمس: جد وَأَخ , وجد وَأُخْت , وجد وأختان , وجد وَثَلَاث أَخَوَات , وجد وَأَخ وَأُخْت. وَإِن كَانُوا مثلَيْهِ اسْتَوَى لَهُ الْمُقَاسَمَة وَثلث جَمِيع التَّرِكَة وتنحصر صوره فِي ثَلَاث: جد وَأَخَوَانِ , وجد وَأَرْبع أَخَوَات , وجد وَأَخ وأختان. وَإِن كَانُوا أَكثر من مثلَيْهِ فثلث جَمِيع المَال خير لَهُ , وَلَا تَنْحَصِر صوره كجد وَأَرْبَعَة إخْوَة وَخَمْسَة إخْوَة وَهَكَذَا. وان كَانَ وجد مَعَه صَاحب فرض كجدة وَبنت فَلهُ أَي الْجد خير ثَلَاثَة أُمُور: إِمَّا الْمُقَاسَمَة لمن يُوجد من الْأُخوة وَالْأَخَوَات كأخ زَائِد أَو ثلث الْبَاقِي من المَال بعد صَاحب الْفَرْض أَو سدس جَمِيع المَال فزوجة

وجد وَأُخْت من أَرْبَعَة , للزَّوْجَة الرّبع وَالْبَاقِي للْجدّ ولأخت أَثلَاثًا لَهُ سَهْمَان وَله سهم , وَتسَمى مربعة الْجَمَاعَة فَإِن لم يبْق من المَال بعد أَخذ صَاحب الْفَرْض غَيره أَي السُّدس أَخذه الْجد كمن خلفت بنتين وَأما وجدا وأخوات لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب فللبنتين الثُّلُثَانِ أَرْبَعَة وَللْأُمّ السُّدس وَاحِد - وَالْبَاقِي سدس للْجدّ وسقطوا أَي الْأُخوة لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب ذُكُورا كَانُوا أَو إِنَاثًا وَاحِدًا أَو أَكثر لِأَن الْجد لَا ينقص عَن سدس جَمِيع المَال , أَو تَسْمِيَته كَزَوج وَأم وبنتين وجد فَهِيَ من أثنى عشر وتعول إِلَى خَمْسَة عشر , فَإِنَّهُ سمى سدسا وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة ثلثا خمس. إِلَّا الْأُخْت لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب فِي الْمَسْأَلَة الْمُسَمَّاة ب [الأكدرية] سميت بذلك لتكديرها أصُول زيد حَيْثُ أعالها وَلَا عول فِي مسَائِل الْجد وَالإِخْوَة غَيرهَا , وَقيل لتكدير زيد على الْأُخْت نصِيبهَا بإعطائها النّصْف واسترجاع بعضه , وَقيل لِأَنَّهُ سَأَلَ عَنْهَا رجل من أكدر , وَقيل غير ذَلِك. وَهِي أَي الأكدرية: زوج وَأم وجد وَأُخْت لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب فَللزَّوْج نصف وَللْأُمّ ثلث وللجد سدس وَللْأُخْت نصف , فتعول الْمَسْأَلَة إِلَى تِسْعَة , وَلم تحجب الْأُم عَن الثُّلُث لِأَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا حجبها بِالْوَلَدِ وَالإِخْوَة وَلَيْسَ هَهُنَا ولد وَلَا إخْوَة , ثمَّ يقسم نصيب الْجد وَالْأُخْت بَينهمَا , وَهُوَ أَي مَجْمُوع النَّصِيبَيْنِ أَرْبَعَة على ثَلَاثَة رَأس الْجد وَرَأس الْأُخْت لِأَنَّهَا إِنَّمَا تسْتَحقّ مَعَه بِحكم الْمُقَاسَمَة , وانما أعيل لَهَا لِأَنَّهَا لَا تسْقط وَلَيْسَ فِي الْفَرِيضَة من يُسْقِطهَا , وَلم يعصبها الْجد ابْتِدَاء لِأَنَّهُ لَيْسَ بعصبة مَعَ هَؤُلَاءِ بل يفْرض لَهُ. وَلَو كَانَ مَكَانهَا أَخ لسقط لِأَنَّهُ عصبَة بِنَفسِهِ.

وَالْأَرْبَعَة لَا تَنْقَسِم على الثَّلَاثَة وتباينها , فَاضْرب الثَّلَاثَة فِي الْمَسْأَلَة يعولها تِسْعَة فَتَصِح الْمَسْأَلَة من سَبْعَة وَعشْرين للزَّوْج تِسْعَة وَهِي ثلث المَال , وَللْأُمّ سِتَّة هِيَ ثلث الْبَاقِي وللجد ثَمَانِيَة وَهِي الْبَاقِي بعد الزَّوْج وَالأُم وَالْأُخْت وَللْأُخْت أَرْبَعَة وَهِي ثلث بَاقِي الْبَاقِي , فَلذَلِك يعايا بهَا فَيُقَال: أَرْبَعَة ورثوا مَال ميت أَخذ أحدهم ثلثه , وَالثَّانِي ثلث الْبَاقِي , الثَّالِث ثلث مَا بقى , وَالرَّابِع مَا بقى. وَلَا يعول فِي مسَائِل الْجد وَالإِخْوَة إِلَّا فِيهَا وَتقدم قَرِيبا وَلَا يفْرض لأخت مَعَه ابْتِدَاء إِلَّا فِيهَا أَي الأكدرية , وَاحْترز بقوله ابْتِدَاء عَن الْفَرْض لَهَا فِي مسَائِل الْمُعَادَة , وَإِذا كَانَ مَعَ الْأَخ الشَّقِيق ولد أَب عده أَي عد الشَّقِيق الْأَخ لأَب على الْجد بِأَخ شَقِيق إِن احْتَاجَ لعده , فَإِن اسْتغنى عَن الْمُعَادَة كجد وأخوين لِأَبَوَيْنِ وَأَخ لأَب فَلَا معادة لعدم الْفَائِدَة ثمَّ أَخذ الشَّقِيق مَا حصل لَهُ أَي لولد الْأَب فجد وَأَخ لِأَبَوَيْنِ وَأَخ لأَب , فَالْمَسْأَلَة من ثَلَاثَة للْجدّ سهم وَيَأْخُذ الْأَخ لِلْأَبَوَيْنِ السهْم الَّذِي حصل لَهُ والسهم الَّذِي حصل لِأَخِيهِ , وَكَذَلِكَ جد وأختان لِأَبَوَيْنِ وَأَخ لأَب يَأْخُذ الْجد ثلثا والأختان الثُّلثَيْنِ وَيسْقط الْأَخ لأَب وَتَأْخُذ أُنْثَى وَاحِدَة لِأَبَوَيْنِ مَعَ جد وَولد أَب فَأكْثر ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى تَمام فَرضهَا أَي النّصْف , لِأَنَّهُ لَا يُمكن أَن تزاد عَلَيْهِ مَعَ عصبَة

وَيَأْخُذ الْجد الأحظ لَهُ على مَا تقدم والبقية بعد مَا يأخذانه لولد الْأَب وَاحِدًا كَانَ أَو أَكثر ذكرا أَو أُنْثَى , وَلَا يتَّفق شَيْء لولد الْأَب بعد الْجد وَالْأُخْت لِأَبَوَيْنِ فِي مَسْأَلَة فِيهَا فرض غير سدس , فَمن صور ذَلِك الزيديات الْأَرْبَع أَي المنسوبات إِلَى زيد بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ وَعَن بَقِيَّة الصَّحَابَة أَجْمَعِينَ وعنا بهم أَنه أرْحم الرَّاحِمِينَ: الْمَسْأَلَة الأولى العشرية , وَهِي جد وشقيقة وَأَخ لأَب أَصْلهَا خَمْسَة عدد رؤوسهم لِأَن الْمُقَاسَمَة أحظ للْجدّ فَلهُ سَهْمَان , ثمَّ يفْرض للْأُخْت النّصْف وَالْمَسْأَلَة لَا نصف لَهَا صَحِيح فَتضْرب مخرجه اثْنَيْنِ من خَمْسَة فَتَصِح من عشرَة للْجدّ أَرْبَعَة وَللْأُخْت خَمْسَة وللأخ للْأَب وَاحِد وَهُوَ الْبَاقِي. وَالْمَسْأَلَة الثَّانِيَة العشرينية وَهِي جد وشقيقة وأختان لأَب أَصْلهَا خَمْسَة للْجدّ سَهْمَان والشقيقة النّصْف سَهْمَان وَنصف , وَالنّصف الْبَاقِي للأختين لأَب لكل وَاحِدَة ربع فمخرج الرّبع من أَرْبَعَة فَاضْرِبْهُ فِي الْخَمْسَة تصح من عشْرين , للْجدّ مِنْهَا ثَمَانِيَة وللشقيقة عشرَة وَلكُل أُخْت لأَب سهم. وَالْمَسْأَلَة الثَّالِثَة مختصرة زيد , وَهِي أم وجد وشقيقة وَأَخ وَأُخْت لأَب , سميت بذلك لِأَنَّهُ صححها من مائَة وَعشْرين وردهَا بالاختصار إِلَى أَرْبَعَة وَخمسين , وَبَيَانه أَن الْمَسْأَلَة من مخرج فرض الْأُم وَهُوَ سِتَّة , للْأُم وَاحِد يبْقى خَمْسَة على سِتَّة رُؤُوس الْجد والاخوة لَا تَنْقَسِم وتباين فَتضْرب عَددهمْ وَهُوَ سِتَّة فِي أصل الْمَسْأَلَة سِتَّة يحصل سِتَّة وَثَلَاثُونَ: للْأُم سِتَّة وللجد عشرَة وَالَّتِي لِأَبَوَيْنِ ثَمَانِيَة عشر يبْقى سَهْمَان لوَلَدي الْأَب على

ثَلَاثَة وتباين فَتضْرب ثَلَاثَة فِي سِتَّة وَثَلَاثِينَ تبلغ مائَة وَثَمَانِية مِنْهَا تصح للْأُم ثَمَانِيَة عشر وللجد ثَلَاثُونَ وللشقيقة أَرْبَعَة وَخَمْسُونَ وللأخ للْأَب أَرْبَعَة وَالْأُخْت لأَب سَهْمَان , والأنصباء كلهَا متفقة بِالنِّصْفِ فَترد الْمَسْأَلَة إِلَى نصفهَا وَنصِيب كل وَارِث إِلَى نصفه فترجع إِلَى مَا ذكر أَولا , وَلَو اعْتبرت للْجدّ فِيهَا ثلث الْبَاقِي لصحت ابْتِدَاء من أَرْبَعَة وَخمسين. وَالْمَسْأَلَة الرَّابِعَة تسعينية زيد , وَهِي أم وجد وشقيقة وَأَخَوَانِ وَأُخْت لأَب , أَصْلهَا سِتَّة للْأُم سدس وَاحِد بَقِي خَمْسَة الأحظ للْجدّ ثلث الْبَاقِي وَالْبَاقِي لَا ثلث لَهُ صَحِيح , فَاضْرب مخرج الثُّلُث ثَلَاثَة فِي سِتَّة بِثمَانِيَة عشر للْأُم وَاحِد فِي ثَلَاثَة بِثَلَاثَة , وللجد ثلث الْبَاقِي خَمْسَة , وللشقيقة النّصْف تِسْعَة يفضل وَاحِد لأَوْلَاد الْأَب على خَمْسَة فَاضْرب خَمْسَة فِي ثَمَانِيَة عشر حصل تسعون ثمَّ اقْسمْ , فللام خَمْسَة عشر , وللجد ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ , وللشقيقة خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ , وَلكُل أَخ سَهْمَان ولأختهما سهم وَاحِد. وَالله أعلم بِالصَّوَابِ.

فصل

3 - (فصل) الْحجب لُغَة الْمَنْع مَأْخُوذ من الْحجاب والحاجب لِأَنَّهُ يمْنَع من أَرَادَ الدُّخُول وَشرعا منع من قَامَ بِهِ سَبَب الْإِرْث من الْإِرْث بِالْكُلِّيَّةِ وَيُسمى حجب حرمَان , أومن أوفر حظيه وَيُسمى حجب نُقْصَان. فحجب النُّقْصَان يدْخل على كل الْوَرَثَة. وحجب الحرمان نَوْعَانِ: بِالْوَصْفِ وَيدخل على كل الْوَرَثَة أَيْضا وبالشخص لَا يدْخل على خَمْسَة: الزَّوْجَيْنِ والأبوين وَالْولد إِجْمَاعًا لأَنهم يدلون إِلَى الْمَيِّت بِغَيْر وَاسِطَة فهم أقوى الْوَرَثَة وَإِنَّمَا حجب الْمُعْتق بِالْإِجْمَاع مَعَ أَنه مدل إِلَى الْمَيِّت بِنَفسِهِ لِأَنَّهُ اضعف من الْعَصَبَات بِالنّسَبِ , وَيسْقط الْجد بِالْأَبِ , وَيسْقط [كل جد] أبعد بجد أقرب وَيسْقط كل ابْن أبعد بِابْن أقرب فَيسْقط أبوأبي أَب بِأبي أَب , وَابْن ابْن ابْن بِابْن ابْن , هَكَذَا وَتسقط كل جدة مُطلقًا بِأم وَتقدم أَن الْجدَّات لَا يرثن إِلَّا عِنْد عدم الْأُم لِأَنَّهُنَّ يرثن بِالْولادَةِ فالأم أولى لمباشرتها الْولادَة

وَالْجدّة الْقُرْبَى مِنْهُنَّ تحجب الْجدّة البعدى لقربها مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَتَا من جِهَة وَاحِدَة أَو وَاحِدَة من قبل الْأُم وَوَاحِدَة من قبل الْأَب وَسَوَاء كَانَت الْقُرْبَى من جِهَة الْأُم إِجْمَاعًا أَو بِالْعَكْسِ وَلَا يحجب أَب أمه أَي أم نَفسه أَو أَي وَلَا يحجب أَيْضا أم أَبِيه بل تَرث وَلَا يَرث من الْجدَّات إِلَّا ثَلَاث: أم أم , وَأم أَب , وَأم أَبى أَب وان علون أمومة مَعَ تحاذ فِي الدرجَة كَمَا تقدم. مِثَاله فِي أَصْحَاب السُّدس فَلَا مِيرَاث لأم أبي أم وَلَا لأم أَبى جد بأنفسهما لَان ذَوي الْأَرْحَام يَرِثُونَ بالتنزيل كَمَا يَأْتِي فِي فَصله ولجدة ذَات فرابتين مَعَ جدة ذَات قرَابَة وَاحِدَة ثلثا السُّدس ولذات الْقَرَابَة ثلث السُّدس , وَلَو تزوج بنت عمته فَاتَت بِولد فجدة المتزوج لِأَبِيهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْوَلَد الَّذِي ولد بَينهمَا أم أم أم ولدهما وَأم أبي أَبِيه فترث مَعهَا أم أم أَبِيه ثلث السُّدس. وَيسْقط ولد الْأَبَوَيْنِ بِثَلَاثَة: الأول مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله بِابْن وَالثَّانِي بِابْنِهِ وَإِن نزل وَالثَّالِث بأب حَكَاهُ ابْن الْمُنْذر إِجْمَاعًا لِأَنَّهُ تَعَالَى جعل إرثهم الْكَلَالَة وَهِي إسم لمن عدا الْوَالِد وَالْولد وَيسْقط ولد الْأَب بهولاء الْمَذْكُورين وَأَخ لِأَبَوَيْنِ لقُوته بِزِيَادَة الْقرب

وَيسْقط ابْن أَخ لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب بهؤلاء أَي بالابن وَابْنه وَإِن نزل وبالأب وَالْأَخ الشَّقِيق وَالْأَخ للْأَب وَيسْقط بجد أَيْضا وَإِن علا بِلَا خوف لِأَن الْجد أقرب , وَيسْقط ابْن الْأَخ للْأَب بهؤلاء وبابن الْأَخ الشَّقِيق وَيسْقط ولد الْأُم ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى أَو خُنْثَى بأَرْبعَة: الأول مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله بِولد ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى وَالثَّانِي بِولد ابْن كَذَلِك وَإِن نزل وَالثَّالِث بَاب وَالرَّابِع بابيه أَي الْأَب وَإِن علا أَبوهُ. وَتسقط بَنَات الابْن ببنتي الصلب مَا لم يكن مَعَهُنَّ من يعصبهن من ولد الابْن سَوَاء كَانَ أَخا أَو ابْن عَم إِذا كَانَ فِي دَرَجَتَيْنِ أَو انْزِلْ مِنْهُنَّ. وَتسقط الْأَخَوَات للْأَب بالأختين الشقيقتين فَأكْثر مَا لم يكن مَعَهُنَّ أخوهن فيعصبهن وَمن لَا يَرث لمَانع فِيهِ كَقَتل ورق اخْتِلَاف دين لَا يحجب نصا وَلَا حرمانا وَلَا نُقْصَانا بل وجوده كَالْعدمِ. وللمحجوب بالشخص يحجب نُقْصَانا كالإخوة يحجبون الْأُم من الثُّلُث إِلَى السُّدس , وَإِن كَانُوا محجوبين بِالْأَبِ فَكَلَام صَاحب الْمُنْتَهى لَيْسَ على إِطْلَاقه بِدَلِيل مَا سبق آنِفا , وكل من أدلى بِوَاسِطَة حَجَبته تِلْكَ الْوَاسِطَة إِلَّا ولد الْأُم لَا يحجبون بهَا بل يحجبونها من الثُّلُث إِلَى السُّدس وَإِلَّا أم الْأَب وَأم الْجد مَعَهُمَا , وَتقدم أَن الْحجب حرمانا بالشخص لَا يدْخل على الزَّوْجَيْنِ والأبوين والولدين , بل نُقْصَانا كَمَا لَو مَاتَ الْإِنْسَان عَن زَوْجَة وَولد , للزَّوْجَة الثّمن وَالْبَاقِي للِابْن فلولا الابْن لأخذت الرّبع. أَو مَاتَ عَن أَب

وَابْن فللأب السُّدس وللابن الْبَاقِي فلولا الابْن لأخذ الْأَب الْكل وَمَعَ وجوده أَخذ سدسا فَقَط , وكما لَو خلف ابْنَيْنِ فَالْمَال بَينهمَا أنصافا فَلَو كَانَ وَاحِدًا فَقَط لورث جَمِيع المَال , وَكَذَا حكم الزَّوْج وَالأُم فَحِينَئِذٍ دخل الْحجب بالشخص على جَمِيعهم.

فصل

3 - (فصل) . والعصبة جمع عاصب من العصب وَهُوَ الشد , وَمِنْه عِصَابَة الرَّأْس والعصب لِأَنَّهُ يشد الْأَعْضَاء وعصابة الْقَوْم لاشتداد بَعضهم بِبَعْض وَقَوله تَعَالَى: (هَذَا يَوْم عصيب) أَي شَدِيد , وَتسَمى الْأَقَارِب عصبَة لشد الأزر , واختص التَّعْصِيب الذُّكُور غَالِبا لأَنهم أهل النُّصْرَة والشدة , والعاصب شرعا من يَرث بِلَا تَقْدِير ف يَأْخُذ مَا أبقت الْفُرُوض بعد ميراثهم كَمَا لَو مَاتَ عَن أم وَبنت وَعم فللأم السُّدس وَاحِد فرضا وللبنت النّصْف ثَلَاثَة فرضا أَيْضا يفضل اثْنَان يأخذهما الْعم تعصيبا وان لم يبْق بعد أَصْحَاب الْفُرُوض شَيْء كَمَا لَو مَاتَت عَن زوج , وَأُخْت لغير أم , وَعم فَأخذ الزَّوْج النّصْف وَاحِدًا وَأخذت الْأُخْت النّصْف الآخر وَاحِدًا [سقط] الْعم فِي الْمَسْأَلَة لِأَنَّهُ عاصب وَلم يبْق بعد أَصْحَاب الْفُرُوض شَيْء مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ العاصب فِي الْمَسْأَلَة الْمُشْتَركَة أَو غَيرهَا , وَلَا تتمشى على قواعدنا وَهِي زوج وَأم وإخوة لأم اثْنَان أَو أَكثر ذُكُورا كَانُوا أَو إِنَاثًا أَو ذكرا وَأُنْثَى وإخوة لغَيْرهَا فَالْمَسْأَلَة من سِتَّة للزَّوْج النّصْف ثَلَاثَة وَللْأُمّ السُّدس وَاحِد وللإخوة من الْأُم اثْنَان وَسقط بَاقِي الْإِخْوَة لاستغراق الْفُرُوض التَّرِكَة وهم عصبَة , فَهَذَا دَاخل تَحت قَوْله: مُطلقًا ,

وان انْفَرد العاصب أَخذ جَمِيع المَال كَمَا لَو مَاتَ عَن ابْن فَقَط أَو عَم أَو أَخ وَنَحْوه فَإِنَّهُ يسْتَقلّ بِالْمَالِ وَحده لَكِن هَذَا اسْتثِْنَاء من حكم الْعَصَبَات للْجدّ أَبى الْأَب ول الْأَب ثَلَاث حالات ف حَالَة يرثان فِيهَا بِالتَّعْصِيبِ فَقَط أَي دون الْفَرْض وَذَلِكَ مَعَ عدم الْوَلَد وَعدم ولد الابْن كَمَا إِذا مَاتَ شخص عَن أَب فَقَط أَو جد فَقَط. وَحَالَة يرثان فِيهَا بِالْفَرْضِ فَقَط أَي دون التَّعْصِيب وَذَلِكَ مَعَ ذكوريته أَي الْوَلَد كَمَا لَو مَاتَ عَن أَب وَابْن , أَو جد وَابْن , فَإِن الْأَب أَو الْجد يَرث بِالْفَرْضِ وَحده وَهُوَ سدس التَّرِكَة وَالْبَاقِي للِابْن , وَحَالَة يرثان فِيهَا بِالْفَرْضِ والتعصيب مَعًا فيجمعان بَينهمَا وَذَلِكَ مَعَ أنوثيته أَي الْوَلَد كَمَا إِذا مَاتَ عَن بنت وَأب أَو جد , فَإِن للْأَب أَو الْجد السُّدس فرضا , وللبنت النّصْف فرضا وَالْبَاقِي للْأَب أَو الْجد تعصيبا , وَترجع بالاختصار إِلَى اثْنَيْنِ للتوافق بَين الْأَنْصِبَاء. وَأعلم أَن النِّسَاء كُلهنَّ صاحبات فرض وَلَيْسَ فِيهِنَّ عصبَة إِلَّا الْمُعتقَة , وَإِن الرِّجَال كلهم عصبات بِأَنْفسِهِم إِلَّا الزَّوْج وَولد الْأُم فَإِنَّهُمَا صاحبا فرض. وَأُخْت لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب فَأكْثر من وَاحِدَة مَعَ بنت فَأكْثر [أَو] مَعَ بنت ابْن فَأكْثر عصبَة مَعَهُنَّ أَو مَعَ إِحْدَاهُنَّ يرثن أَي الْأُخْت أَو الْأَخَوَات لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب مَا فضل عَن الْبِنْت أَو بنت الابْن كالإخوة فبنت وَبنت ابْن وَأُخْت لغير أم من سِتَّة , للْبِنْت النّصْف ثَلَاثَة , ولبنت الابْن السُّدس تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ وَاحِد وَالْبَاقِي اثْنَان للْأُخْت تعصيبا. وَلَو كَانَ بنتان وَبنت ابْن وَأُخْت لغير أم فللبنتين الثُّلُثَانِ وَالْبَاقِي للْأُخْت تعصيبا وَلَا شَيْء لبِنْت الابْن لاستغراق البنتين الثُّلثَيْنِ ,

وَلَو كَانَ بنتان وَبنت ابْن وَأُخْت لغير أم وَأم فللأم السُّدس وللبنتين الثُّلُثَانِ يفضل سدس تَأْخُذهُ الْأُخْت تعصيبا وَتسقط بنت الابْن. وَالِابْن وَابْنه وَالْأَخ لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب يعصبون أخواتهم فللذكر مِنْهُم مثلاما لأنثى من التَّرِكَة. قَالَ فِي الْإِقْنَاع: وَأَرْبَعَة من الذُّكُور يعصبون أخواتهم ويمنعونهن الْفَرْض ويقتسمون مَا ورثوا للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ , وهم الابْن وَابْنَة وَالْأَخ من الْأَب. ويعصب ابْن الابْن بنت عَمه أَيْضا فيمنعها الْفَرْض لِأَنَّهَا فِي دَرَجَته. انْتهى. وَمَتى كَانَ العاصب عَمَّا أَو ابْنه أَي ابْن عَم أَو كَانَ ابْن أَخ لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب انْفَرد بِالْإِرْثِ وَحده دون أخواته وَاحِدَة كَانَت أَو أَكثر , لِأَنَّهُنَّ من ذَوي الْأَرْحَام والعصبة مقدم على ذِي الرَّحِم، بِخِلَاف الابْن وَابْنه وَالْأَخ لغير أم فَإِنَّهُ يعصب أُخْته وَمَتى كَانَ أحد بني عَم زوجا أَو أَخا لَام اخذ فَرْضه وشارك البَاقِينَ وَإِن عدمت عصبَة النّسَب ورث الْمولى الْمُعْتق مُطلقًا أَي ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى لحَدِيث انما الْوَلَاء لمن اعْتِقْ وَحَدِيث (الْوَلَاء لحْمَة كلحمة النّسَب) وَالنّسب يُورث فَكَذَا الْوَلَاء ثمَّ أَن لم يكن الْمُعْتق حَيا ورث عصبته أَي الْمُعْتق الذُّكُور يقدم الْأَقْرَب مِنْهُم إِلَى الْمُعْتق فَالْأَقْرَب كالنسب ثمَّ مَوْلَاهُ كَذَلِك ثمَّ الرَّد ثمَّ الرَّحِم وَيَأْتِي حكمهَا.

فصل

3 - (فصل) أصُول الْمسَائِل جمع أصل أَي المخارج الَّتِي تخرج مِنْهَا فروضها والمسائل جمع مَسْأَلَة مصدر سَأَلَ سؤالا وَمَسْأَلَة. وَالْمرَاد بهَا هَهُنَا المسئولة من بَاب إِطْلَاق الْمصدر على إسم الْمَفْعُول. وَهِي سَبْعَة لِأَن الْفُرُوض القرآنية سِتَّة: النّصْف وَالرّبع وَالثمن وَهِي نوع وَالثُّلُثَانِ وَالثلث وَالسُّدُس وَهِي نوع أَيْضا ومخارجها مُفْردَة خَمْسَة لِاتِّحَاد مخرج الثُّلثَيْنِ و [أَرْبَعَة] مِنْهَا لَا تعول وَهِي الِاثْنَان وَالثَّلَاثَة وَالْأَرْبَعَة وَالثَّمَانِيَة وهى أَي الْأَرْبَعَة الَّتِي لَا تعول مَا كَانَ فِيهَا فرض وَاحِد أَو فرضان من نوع وَاحِد فنصفان كَزَوج وَأُخْت لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب من اثْنَيْنِ مخرج النّصْف وتسميان باليتيمين تَشْبِيها بِالدرةِ الْيَتِيمَة الَّتِي لَا نَظِير لَهَا. لانهما فرضان متساويان أَو نصف والبقية كَزَوج وَأب أَو أَخ لغير أم أَو عَم وَابْنه كَذَلِك من اثْنَيْنِ مخرج النّصْف للزَّوْج وَاحِد وَالْبَاقِي للعاصب وَثُلُثَانِ والبقية من ثَلَاثَة كبنتين وَأَخ لغير أم أَو ثلث والبقية كأبوين أَو ثلثان وَثلث كأختين لأم وأختين لغَيْرهَا من ثَلَاثَة لِاتِّحَاد المخرجين وَربع والبقية كَزَوج وَابْن من أَرْبَعَة مخرج الرّبع

أَو ربع مَعَ النّصْف والبقية كَزَوج وَبنت عَم من أَرْبَعَة لدُخُول مخرج النّصْف فِي مخرج الرّبع وَثمن والبقية كَزَوج وَابْن من ثَمَانِيَة مخرج الثّمن للزَّوْجَة الثّمن وَالْبَاقِي سَبْعَة للِابْن أَو ثمن مَعَ النّصْف والبقية كَزَوْجَة وَبنت عَم من ثَمَانِيَة لدُخُول مخرج النّصْف فِي مخرج الثّمن. هَذِه الْأَرْبَعَة لَا تزاحم فِيهَا الْفُرُوض إِذْ الْأَرْبَعَة وَالثَّمَانِيَة لَا تكون إِلَّا نَاقِصَة أَي فِيهَا عاصب , والاثنان وَالثَّلَاثَة تَارَة تَكُونَانِ كَذَلِك وَتارَة تَكُونَانِ عادلتين , والعادلة مَا سَاوَى مَالهَا فروضها. وَثَلَاثَة أصُول وَهِي الْبَاقِيَة تعول أَي يتَصَوَّر عولها , يُقَال عَال الشَّيْء إِذا زَاد وَغلب , قَالَ فِي الْقَامُوس: وَالْفَرِيضَة عالت فِي الْحساب زَادَت وَارْتَفَعت وعلتها أَنا وأعلتها انْتهى. وَهِي أَي الْأُصُول الثَّلَاثَة الَّتِي تعول مَا فَرضهَا نَوْعَانِ فَأكْثر كَنِصْف مَعَ ثلثين أَو ثلث , وكربع وَسدس أَو ثلث أَو ثلثين وكثمن وَسدس فَنصف مَعَ ثلثين كَزَوج وأختين لغير أم من سِتَّة وتعول إِلَى سَبْعَة أَو نصف مَعَ [ثلث] كَزَوج وَأم وَعم من سِتَّة أَو نصف مَعَ سدس كَزَوج وَأَخ لأم وَعم من سِتَّة لتباين المخرجين فِي الْأَوَّلين وَدخُول مخرج النّصْف فِي مخرج السُّدس فِي الثَّالِثَة , وَتَصِح بِلَا عول كَزَوج وَأم وأخوين لأم وَتسَمى مَسْأَلَة الْإِلْزَام وتعول السِّتَّة إِلَى عشرَة شفعا ووترا فتعول الى سَبْعَة كَزَوج وَأُخْت لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب وَجدّة , وَكَذَا زوج وأختان لغير أم , أَو زوج وَأُخْت لِأَبَوَيْنِ وَأُخْت لأَب وَأم , وَكَذَا أُخْت لِأَبَوَيْنِ وَأُخْت لأَب وَولدا أم وَأم.

وَإِلَى ثَمَانِيَة كَزَوج وَأم وَأُخْت لغَيْرهَا , وَتسَمى المباهلة , وَإِلَى تِسْعَة كَزَوج وَولدا أم وأختين لغير أم وَتسَمى الغراء والمروانية , وَكَذَا زوج وَأم وَثَلَاث أَخَوَات متفرقات , وَإِلَى عشرَة كَزَوج وَأم وأختين لأم وأختين لغَيْرهَا , وَتسَمى أم الفروخ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة لِكَثْرَة عولها , وَلَا تعول مَسْأَلَة أَصْلهَا سِتَّة إِلَى أَكثر من عشرَة؛ لِأَنَّهُ لَا يُمكن أَن يجْتَمع فِيهَا فروض أَكثر من هَذِه وَربع مَعَ ثلثين كَزَوج وبنتين وَعم , وكزوجة وشقيقتين وَعم من إثنى عشر لتباين المخرجين أَو ربع مَعَ ثلث كَزَوْجَة وَأم وَأَخ لغَيْرهَا من أثني عشر لما تقدم أَو ربع مَعَ سدس كَزَوج وَأم وأبن , أَو زَوْجَة وَجدّة وَعم من اثْنَي عشر لتوافق مخرج الرّبع وَالسُّدُس بِالنِّصْفِ وَحَاصِل ضرب النّصْف أَحدهمَا فِي الآخر مَا ذكر , وَتَصِح بِلَا عول كَزَوْجَة وَأم وَأَخ لأم وعاصب وتعول الاثنا عشر إِلَى سَبْعَة عشر لَا أَكثر وترا لَا شفعا , وَلَا بُد فِي هَذَا الأَصْل أَن يكون الْمَيِّت أحد الزَّوْجَيْنِ فتعول إِلَى ثَلَاثَة عشر كَزَوج وبنتين وَأم , وكزوجة وَأُخْت لغير أم وَوَلَدي أم. والى خَمْسَة عشر كَزَوج وبنتين وأبوين وَكَذَا زَوْجَة وأختان لغير أم , وَولدا أم. وَإِلَى سَبْعَة عشر كثلاث زَوْجَات وجدتين وَأَرْبع أَخَوَات لأم وثماني أَخَوَات لغَيْرهَا وَتسَمى: أم الأرامل لأنوثة الْجَمِيع , وَأم الْفروج بِالْجِيم , والدينارية الصُّغْرَى , وَلَا يكون الْمَيِّت فِي العائلة إِلَى سَبْعَة عشر إِلَّا ذَلِك , وَثمن مَعَ السُّدس كَزَوْجَة وَأم وَابْن من أَرْبَعَة وَعشْرين؛ لِأَن الثّمن من ثَمَانِيَة وَالسُّدُس من سِتَّة وهمامتوافقان بِالنِّصْفِ , وَحَاصِل ضرب أَحدهمَا

فِي نصف الآخر أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ أَو ثمن مَعَ ثلثين كَزَوْجَة وبنتين وَعم من أَرْبَعَة وَعشْرين لتباين مخرج الثّمن والثلثين أَو ثمن مَعَ هما أَي الثُّلثَيْنِ وَالسُّدُس كَزَوْجَة وبنتي ابْن وَأم وَعم من أَرْبَعَة وَعشْرين للتوافق بَين مخرج السُّدس وَالثمن مَعَ دُخُول مخرج الثُّلثَيْنِ فِي مخرج السُّدس , وَلَا يجْتَمع الثّمن مَعَ الثُّلُث لِأَن الثّمن لَا يكون إِلَّا لزوجة مَعَ فرع وَارِث وَلَا يكون الثُّلُث فِي مَسْأَلَة فِيهَا فرع وَارِث وتعول الْأَرْبَعَة وَالْعشْرُونَ مرّة وَاحِدَة فَقَط إِلَى سَبْعَة وَعشْرين كَزَوْجَة وبنتين وأبوين , أَو بدل البنتين بِنْتا وَتسَمى المنبرية؛ لِأَن عليا سُئِلَ عَنْهَا وَهُوَ على الْمِنْبَر , والبخيلة لقلَّة عولها. وَتَصِح من أَرْبَعَة وَعشْرين بِلَا عول كَزَوْجَة وبنتين وَأم واثنى عشر أَخا وَأُخْت لغير أم , للزَّوْجَة الثّمن ثَلَاثَة وللبنتين الثُّلُثَانِ سِتَّة عشر , لكل وَاحِدَة ثَمَانِيَة وَللْأُمّ السُّدس أَرْبَعَة , يبْقى للإخوة وَالْأُخْت وَاحِد على عدد رؤوسهم خَمْسَة وَعشْرين لَا يَنْقَسِم وَلَا يُوَافق , فَاضْرب خَمْسَة وَعشْرين فِي أَصْلهَا أَرْبَعَة وَعشْرين تبلغ سِتّمائَة وَمِنْهَا تصح للزَّوْجَة ثَلَاثَة من أَصْلهَا مَضْرُوبَة فِي خَمْسَة وَعشْرين بِخَمْسَة وَسبعين , وللبنتين سِتَّة عشر مَضْرُوبَة فِي خَمْسَة وَعشْرين بأربعمائة , لكل وَاحِدَة مِائَتَان وَللْأُمّ أَرْبَعَة فِي خَمْسَة وَعشْرين بِمِائَة , وَيبقى للإخوة وَالْأُخْت خَمْسَة وَعِشْرُونَ لكل أَخ سَهْمَان وَللْأُخْت سهم , وَتسَمى الدينارية الْكُبْرَى والركابية والشاكية. ثمَّ أَخذ يتَكَلَّم على الرَّد فَقَالَ وان فضل عَن صَاحب [الْفَرْض] أَو [الْفُرُوض] شَيْء أَي لم تستغرق الْفُرُوض التَّرِكَة وَالْحَال أَنه لَا عصبَة هُنَاكَ رد فَاضل عَن الْفَرْض على كل ذِي فرض بِقدر فَرْضه كالغرماء يقتسمون مَال الْمُفلس بِقدر دُيُونهم

مَا عدا الزَّوْجَيْنِ فَلَا يرد عَلَيْهِمَا نصا من حَيْثُ الزَّوْجِيَّة لِأَنَّهُمَا رحم لَهما. فَإِن رد على وَاحِد أَخذ الْكل فرضا وردا. وَيَأْخُذ جمَاعَة من جنس وَاحِد كبنات بِالسَّوِيَّةِ. ثمَّ شرع فِي الْكَلَام على قسم التركات فَقَالَ: وَإِذا كَانَت التَّرِكَة مَعْلُومَة وَأمكن نِسْبَة سهم كل وَارِث من الْمَسْأَلَة بِجُزْء كخمس أَو عشر وَنَحْوه فَلهُ أَي ذَلِك الْوَارِث من التَّرِكَة مثل نسبته أَي نِسْبَة سَهْمه إِلَى الْمَسْأَلَة , فَلَو مَاتَت امْرَأَة من مائَة دِينَار وَعَن زوج وأبوين وابنتين فَالْمَسْأَلَة عائلة الى خَمْسَة عشر , للزَّوْج ثَلَاثَة وَهِي خمس الْمَسْأَلَة فَلهُ خمس التَّرِكَة عشرُون وَلكُل وَاحِد من الْأَبَوَيْنِ اثْنَان من الْخَمْسَة عشر وهما ثلثا خمسها فَلِكُل وَاحِد مِنْهُمَا ثلثا خمس التَّرِكَة ثَلَاثَة عشر دِينَارا وَثلث دِينَار , وَلكُل وَاحِد من البنتين أَرْبَعَة من الْمَسْأَلَة ونسبتها إِلَى الْخَمْسَة عشر خمس وَثلث خمس فأعط كل وَاحِدَة مِنْهُمَا سِتَّة وَعشْرين دِينَارا وثلثي دِينَار فَهِيَ ضعف مَا لكل وَاحِد من الْأَبَوَيْنِ. وَإِن شِئْت ضربت سهامه أَي سِهَام كل وَارِث فِي التَّرِكَة وَقسمت الْحَاصِل على الْمَسْأَلَة فَمَا خرج ف هُوَ نصِيبه , فسهام الزَّوْج ثَلَاثَة اضربها فِي مائَة واقسم الثلاثمائة على الْمَسْأَلَة خَمْسَة عشر يحصل كَمَا سبق , وَاضْرِبْ لكل من الْأَبَوَيْنِ اثْنَيْنِ فِي مائَة واقسم الْمِائَتَيْنِ على الْخَمْسَة عشر يخرج كَمَا سبق وَاضْرِبْ لكل من البنتين أَرْبَعَة فِي مائَة واقسم الأربعمائة على الْخَمْسَة عشر يحصل كَمَا سبق وان شِئْت قسمته على غير ذَلِك من الطّرق كَمَا إِذا قسمت الْمَسْأَلَة على نصيب كل وَارِث ثمَّ قسمت التَّرِكَة على خَارج الْقِسْمَة فَيخرج حَقه ,

فَفِي الْمِثَال نصيب الزَّوْج من الْمَسْأَلَة ثَلَاثَة اقْسمْ الْمَسْأَلَة عَلَيْهَا يخرج خَمْسَة , اقْسمْ الْمِائَة عَلَيْهَا يخرج لَهُ عشرُون وَنصِيب كل من الْأَبَوَيْنِ اثْنَان اقْسمْ عَلَيْهَا الْخَمْسَة عشر يخرج سَبْعَة وَنصف ثمَّ اقْسمْ عَلَيْهَا الْمِائَة. وَنصِيب كل من البنتين أَرْبَعَة اقْسمْ عَلَيْهَا الْخَمْسَة عشر يحصل ثَلَاثَة وَثَلَاثَة أَربَاع , اقْسمْ عَلَيْهَا الْمِائَة يخرج كَمَا سبق وان شِئْت بِغَيْرِهِ من الطّرق.

فصل

3 - (فصل) فِي بَيَان حكم ذَوي الْأَرْحَام وَكَيْفِيَّة توريثهم. الْأَرْحَام جمع رحم وَهِي الْقَرَابَة أَي النّسَب , وَاصْطِلَاحا كل قرَابَة لَيْسَ بِذِي فرض وَلَا عصبَة. وَاخْتلف فِي توريثهم فَقَالَ بتوريثهم عِنْد عدم الْعصبَة وَذَوي الْفُرُوض غير الزَّوْجَيْنِ أَبُو حنيفَة وَأحمد , وَالشَّافِعِيّ إِذا لم يَنْتَظِم بَيت المَال , وَاسْتَدَلُّوا لذَلِك بِأَحَادِيث وَردت فِيهِ , وَكَانَ زيد لَا يورثهم وَلَا يَجْعَل الْبَاقِي لبيت المَال وَبِه قَالَ مَالك وَغَيره , وَلنَا قَوْله تَعَالَى: وأولو الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض فِي كتاب اللَّه وَحَدِيث سهل بن حنيف أَن رجلا رمى رجلا بِسَهْم فَقتله , وَلم يتْرك إِلَّا خالا فَكتب فِيهِ أَبُو عبيده لعمر رَضِي الله عَنْهُمَا فَكتب إِلَيْهِ عمر أَنِّي سَمِعت رَسُول الله يَقُول: الْخَال وَارِث من لَا وَارِث لَهُ. رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَورد غَيره , وهم أَي ذَوُو الْأَرْحَام أحد عشر صنفا أَحدهَا ولد الْبَنَات الصلب أَو لِابْنِ , وَالثَّانِي ولد الْأَخَوَات لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب وَالثَّالِث

بَنَات الْأُخوة لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب وَالرَّابِع بَنَات الْأَعْمَام لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب وَالْخَامِس ولد ولد الْأُم ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى وَالسَّادِس الْعم لأم سَوَاء كَانَ عَم الْمَيِّت أَو عَم أَبِيه أَو عَم جده وان علا وَالسَّابِع العمات لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب أَو لأم , وَسَوَاء عمات الْأَب أَو عمات أَبِيه أَو جده وَالثَّامِن الأخوال والخالات للْمَيت ولأبويه أَو لأجداده أَو جداته وَالتَّاسِع أَبُو الْأُم وَأَبوهُ وان علا والعاشر كل جدة أدلت بأب بَين أميَّن كَأُمّ أبي الْأُم أَو أدلت ب [أَب أَعلَى من الْجد] كَأُمّ أبي الْجد وان علا وَالْحَادِي عشر من أدلى بهم أَي بِوَاحِد من صنف مِمَّن سبق , كعمة الْعمة أَو الْعم وخال الْعمة أَو الْخَال وَأخي أبي الْأُم وَعَمه وخاله وَنَحْوهم وانما يَرِثُونَ أَي ذَوُو الْأَرْحَام إِذا لم يكن أَي يُوجد صَاحب فرض وَلَا عصبَة , بتنزيلهم منزلَة من أدلوا بِهِ فَينزل كل مِنْهُم منزلَة من أدلى بِهِ من الْوَرَثَة بِدَرَجَة أَو دَرَجَات حَتَّى يصل إِلَى من يَرث فَيَأْخُذ مِيرَاثه , فولد بنت لصلب أَو لِابْنِ وَولد أُخْت كَأُمّ كل مِنْهُم , فَينزل الأول منزلَة الْبِنْت وَالثَّانِي منزلَة بنت الابْن , وَالثَّالِث منزلَة الْأُخْت ثمَّ يَجْعَل نصيب كل وَارِث بِفَرْض أَو تعصيب لمن أدلى بِهِ من ذَوي الْأَرْحَام وَذكرهمْ أَي ذَوي الْأَرْحَام كأنثاهم فِي الْإِرْث أَي من غير تَفْضِيل ولزوج أَو زَوْجَة مَعَهم أَي ذَوي الْأَرْحَام فَرْضه بِالزَّوْجِيَّةِ بِلَا حجب للزَّوْج من النّصْف الى الرّبع وللزوجة من الرّبع إِلَى الثّمن فَلَا يحجبان بِأحد من ذَوي الْأَرْحَام وب لَا عول لِأَن فرض الزَّوْجَيْنِ بِنَصّ الْقُرْآن فر يحجبان بذوي الْأَرْحَام وهم غير مَنْصُوص عَلَيْهِم , وَأَيْضًا فذو الرَّحِم

لَا يَرث مَعَ ذِي الْفَرْض وَإِنَّمَا ورث مَعَ أحد الزَّوْجَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يرد عَلَيْهِ فَيَأْخُذ أحد الزَّوْجَيْنِ فَرْضه وَالْبَاقِي بعد فَرْضه لَهُم أَي لِذَوي الْأَرْحَام كانفرادهم , فلبنت بنت وَبنت وَبنت أُخْت أَو بنت أَخ بعد فرض الزَّوْجِيَّة الْبَاقِي بِالسَّوِيَّةِ. وَمن لَا وَارِث لَهُ فَمَاله لبيت المَال وَلَيْسَ وَارِثا وَإِنَّمَا يحفظ المَال الضائع فَهُوَ جِهَة ومصلحة.

فصل

3 - (فصل) فِي مِيرَاث الْحمل والمفقود والخنثي والغرقى وَأهل الْملَل والمطلقة وَالْإِقْرَار بمشارك فِي الْمِيرَاث وَالْقَاتِل وَالْمُعتق بعضه , فَقَالَ رَحمَه الله: وَالْحمل - بِفَتْح الْحَاء - بقال امْرَأَة حَامِل وحاملة إِذا كَانَت حُبْلَى يَرث الْحمل وَيُورث عَنهُ ملكه بِإِرْث أَو وَصِيَّة إِن اسْتهلّ أَي صَوت بعد وضع كُله صَارِخًا نصا أَو عطس أَو تنفس أَو ارتضع أَو وجد مِنْهُ دَلِيل يدل على حَيَاته كحركة طَوِيلَة وسعال؛ لِأَن هَذِه الْأَشْيَاء تدل على الْحَيَاة المستقرة فَيثبت لَهُ حكم المستهل سوى حَرَكَة أَو سوى تنفس يسيرين أَو اخْتِلَاج , قَالَ الْمُوفق: وَلَو علم مَعهَا حَيَاة لِأَنَّهُ لَا يعلم استقرارها لاحْتِمَال كَونهَا الْمَذْبُوح. وَإِن ظهر بعضه فَاسْتهلَّ ثمَّ انْفَصل مَيتا , فَكَمَا لَو لم يستهل وَإِن طلب الْوَرَثَة الْقِسْمَة أَي قسْمَة التَّرِكَة لم يجبروا على الصَّبْر

وَقسمت ووقف لَهُ أَي الْحمل الْأَكْثَر من ارث ذكرين أَو انثيين وَيدْفَع لمن لَا يَحْجُبهُ الْحمل إِرْثه كَامِلا وَيدْفَع لمن ينقصهُ أَي يَحْجُبهُ حجب نُقْصَان الْيَقِين وَهُوَ أقل مِيرَاثه , وَلَا يدْفع لمن يسْقطهُ شَيْء فَإِذا ولد الْحمل وَتبين أَن إِرْثه أقل مِمَّا وقف لَهُ أَخذ نصِيبه من ورد مَا بَقِي بعد فَرْضه لمستحقه وَإِن أعوز شَيْئا بِأَن وقف لَهُ نصيب ذكرين فَولدت ثَلَاثَة ذُكُور رَجَعَ على كل من هُوَ فِي يَده. ثمَّ لنتكلم على مِيرَاث الْمَفْقُود وَمن انْقَطع جبره لغيبه ظَاهرهَا السَّلامَة كالأسر وَطلب الْعلم انْتظر تَتِمَّة تسعين سنة مُنْذُ ولد , فَإِن فقد ابْن تسعين اجْتهد الْحَاكِم. وَإِن كَانَ غالبها الْهَلَاك كطريق الْحجاز أَو فقد من بَين أَهله وَنَحْوه انْتظر تَتِمَّة أَربع سِنِين مُنْذُ فقد ثمَّ يقسم مَاله لِأَنَّهَا مُدَّة يتَكَرَّر فِيهَا تردد الْمُسَافِرين والتجار فانقطاع خَبره عَن أَهله مَعَ غيبته على هَذَا الْوَجْه يغلب فِيهِ ظن الْهَلَاك , إِذْ لَو كَانَ بَاقِيا لم يَنْقَطِع خَبره إِلَى هَذِه الْغَايَة , ولاتفاق الصَّحَابَة على اعْتِدَاد امْرَأَته بعد تربصها هَذِه الْمدَّة وحلها للأزواج بعد , ويزكي مَاله قبل قسمه لما مضى , وَإِن قدم بعد قسم مَاله أَخذ مَا وجده بِعَيْنِه وَرجع على من أَخذ الْبَاقِي. ثمَّ شرعت فِي الْكَلَام على مِيرَاث الْخُنْثَى , وَهُوَ من لَهُ شكل ذكر وَفرج أُنْثَى وَيعْتَبر ببوله , فسبقه من أَحدهمَا , وَإِن خرج مِنْهُمَا مَعًا اعْتبر أكثرهما , فَإِن اسْتَويَا فمشكل من أشكل الْأَمر الْتبس , فَإِن رُجي كشفه أعْطى وَمن مَعَه الْيَقِين لتظهر ذُكُور يته بنبات لحية وَنَحْوهَا أَو أنوثته بحيض وَنَحْوه , فَإِن مَاتَ أَو بلغ بِلَا أَمارَة أَخذ نصف إِرْثه بِكَوْنِهِ ذكرا فَقَط كَوَلَد أخي الْمَيِّت أَو عَمه أَو نصف إِرْثه بِكَوْنِهِ أُنْثَى فَقَط كَوَلَد أَب مَعَ زوج

وَأُخْت لِأَبَوَيْنِ وان ورث بهما تَسَاويا كَوَلَد أم فَلهُ السُّدس سَوَاء ظَهرت ذكوريته أَو أنوثته أَو بقى على إشكاله , وان ورث بهما مُتَفَاضلا فطريقه أَن تعْمل الْمَسْأَلَة على أَنه ذكر ثمَّ على أَنه أُنْثَى. وَيُسمى مَذْهَب المنزلين , ثمَّ اضْرِب إِحْدَاهمَا فِي الْأُخْرَى إِن تباينا , أَو وفقها إِن اتفقَا وتجتزىء بِإِحْدَاهُمَا إِن تماثلتا وبأكبرهما إِن تداخلنا ثمَّ اضْرِب الْحَاصِل فِي اثْنَيْنِ عدد حَالي الْخُنْثَى ثمَّ من لَهُ شَيْء من إِحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ اضربه فِي الْأُخْرَى إِن تباينتاأو فِي وفقها إِن توافقتا واجمع مَاله فيهمَا إِن تماثلتا , وَمن لَهُ شَيْء من أقل العدديين اضربه فِي نِسْبَة أقل الْمَسْأَلَتَيْنِ إِلَى الْأُخْرَى ثمَّ يُضَاف الى مَاله من أكثرهما إِن تناسبتا. فَإِذا كَانَ ابْن وَبنت وَولد خُنْثَى فمسألة ذكوريته من خَمْسَة وأنوثته من أَرْبَعَة فَاضْرب إِحْدَاهمَا فِي الْأُخْرَى لتباينهما تكن عشْرين ثمَّ فِي اثْنَيْنِ تكن أَرْبَعِينَ , للْبِنْت سهم من أَرْبَعَة فِي خَمْسَة وَسَهْم من خَمْسَة فِي أَرْبَعَة تِسْعَة , وللذكر سَهْمَان فِي خَمْسَة وسهمان فِي أَرْبَعَة ثَمَانِيَة عشر وللخنثى سهم فِي خَمْسَة وسهمان فِي أَرْبَعَة ثَلَاثَة عشر , وَكَذَلِكَ يفعل فِي الْبَقِيَّة. ثمَّ لنتكلم على مِيرَاث الغرقى وَنَحْوهم. وَإِذا علم موت متوارثين مَعًا فَلَا إِرْث لأَحَدهمَا من الآخر فَإِن جهل الأسبق أَو علم ثمَّ نسى أَو جهلوا عينه , فان يدع وَرَثَة كل سبق موت الآخر ورث كل صَاحبه من تلاد مَاله - بِكَسْر التَّاء أَي قديم مَاله - الَّذِي مَاتَ وَهُوَ يملكهُ دون مَا وَرثهُ من الْمَيِّت مَعَه فَيقدر أَحدهمَا مَاتَ أَولا وَيُورث الآخر مِنْهُ ثمَّ يقسم مَا وَرثهُ على الْأَحْيَاء من ورثته ثمَّ يصنع بِالثَّانِي كَذَلِك ثمَّ بالثالث كَذَلِك وَهَكَذَا.

ثمَّ لنتكلم على مِيرَاث أهل الْملَل. وَلَا يَرث مباين فِي دين إِلَّا بِالْوَلَاءِ وَإِلَّا إِذا أسلم كَافِر قبل قسم مِيرَاث مُوَرِثه الْمُسلم فيرث مِنْهُ نصا وَلَو كَانَ الْوَارِث مُرْتَدا حِين موت مُوَرِثه. وَيَرِث الْكفَّار بَعضهم بَعْضًا وَلَو أَن أَحدهمَا ذمِّي وَالْآخر حَرْبِيّ , أَو مستأمن وَالْآخر ذمِّي أَو حَرْبِيّ إِن اتّفقت أديانهم , وهم ملل شَتَّى لَا يتوارثون مَعَ اختلافها. ثمَّ نتكلم على مِيرَاث الْمُطلقَة. وَيثبت الْإِرْث لأحد الزَّوْجَيْنِ فِي مُدَّة رَجْعِيَّة سَوَاء طَلقهَا فِي الصِّحَّة أَو الْمَرَض , وَيثبت الْمِيرَاث لَهَا فَقَط فِي تهمته بِقصد حرمانها بِأَن أَبَانهَا فِي مرض مَوته الْمخوف أَو سَأَلته أقل من ثَلَاث فَطلقهَا ثَلَاثًا وَنَحْو ذَلِك. ثمَّ نتكلم على مِيرَاث الْإِقْرَار بمشارك فِي الْمِيرَاث. وَإِذا أقرّ كل الْوَرَثَة وهم مكلفون وَلَو بِنْتا , وَلَيْسوا أَهلا للشَّهَادَة بوارث مشارك لمن أقرّ فِي الْمِيرَاث كَابْن يقر بِابْن آخر أَو يقر بمسقط لَهُ كأخ يقر بإبن للْمَيت، وَلَو من أمته أَي الْمَيِّت نصا فَصدقهُ مقرّ بِهِ أَو كَانَ صَغِيرا أَو مَجْنُونا ثَبت إِرْثه , لَكِن يشْتَرط لثُبُوت نِسْبَة إِمَّا إِقْرَار جَمِيع الْوَرَثَة حَتَّى الزَّوْج وَولد الْأُم أَو شَهَادَة عَدْلَيْنِ , فَلَا تقبل شَهَادَة إِنْسَان , فَإِن لم يقر جمعيهم ثَبت نسبه وإرثه مِمَّن أقرّ بِهِ فَقَط. ثمَّ تكلم على عدم مِيرَاث الْقَاتِل فَقَالَ رَحمَه الله: [وَمن قتل مُوَرِثه وَلَو] كَانَ الْقَتْل بمشاركة أَو ب سَبَب كحفر بِئْر أَو نصب نَحْو سكين أَو وضع حجر أَو رش مَاء أَو إِخْرَاج جنَاح بطرِيق أَو جِنَايَة مَضْمُونَة من بَهِيمَة وَنَحْو ذَلِك لم يَرِثهُ لحَدِيث لَيْسَ لقَاتل شَيْء وَمحل ذَلِك إِن

لزمَه أَي الْقَاتِل بِمُبَاشَرَة أَو تقود أَو لزمَه دِيَة أَو لزمَه كَفَّارَة , فَمن شربت دَوَاء , فَأسْقطت لزمتها غرَّة عبد أَو أمة وَلَا تَرث مِنْهَا شَيْئا , وَكَذَلِكَ لَا يَرث من سقى وَلَده وَنَحْوه دَوَاء أَو أدبه أَو فصده أَو بسط سلْعَته لحَاجَة فَمَاتَ جزم بِهِ فِي الْمُنْتَهى , وَاخْتَارَ الْمُوفق وَالشَّارِح أَن من أدب وَلَده وَنَحْوه أَو بسط سلْعَته لحَاجَة يَرِثهُ وَصَوَّبَهُ فِي الْإِقْنَاع لِأَنَّهُ غير مَضْمُون , وَمَا لَا يضمن شَيْئا من هَذَا كَالْقَتْلِ قصاصا أَو حدا أَو دفعا عَن نَفسه وكقتل الْعَادِل الْبَاغِي وَعَكسه فِي الْحَرْب فَلَا يمْنَع الْإِرْث. ثمَّ شرع فِي الْكَلَام على بَيَان منع مِيرَاث الرَّقِيق وَبَيَان مِيرَاث الْمبعض فَقَالَ رَحمَه الله: [وَلَا يَرث رَقِيق] بِجَمِيعِ أَنْوَاعه كالمدبر وَالْمكَاتب وَالْمُعَلّق عتقه بِصفة وَأم الْوَلَد وَلَا يُورث لِأَن فِيهِ نقصا منع كَونه مورثا فَمنع كَونه وَارِثا. وَأَجْمعُوا على أَن الْمَمْلُوك لَا يُورث لِأَنَّهُ لَا مَال لَهُ وَلِأَن سَيّده أَحَق بمنافعه واكتسابه فِي حَيَاته فَكَذَا بعد مماته وَيَرِث مبعض وَيُورث ويحجب بِقدر حُرِّيَّته وَكَسبه وإرثه بجزئه الْحر لوَرثَته , فَابْن نصفه حر وَأم وَعم حران فَلهُ نصف مَاله لَو كَانَ حرا وَهُوَ ربع وَسدس وَللْأُمّ ربع لِأَن الابْن الْحر يحجبها عَن سدس فنصفه الْحر يحجبها عَن نصف سدس فلهَا سدس وَنصف ومجموعها الرّبع , وَالْبَاقِي وَهُوَ ثلث للعم تعصيبا وَتَصِح من اثْنَي عشر للْأُم ثَلَاثَة وللمبعض خَمْسَة وللعم أَرْبَعَة , وَبنت وَأم نصفهما حر وَأب حر للْبِنْت نصف مَا لَهَا لَو كَانَت حرَّة وَهُوَ ربع لِأَنَّهَا تَرث النّصْف لَو كَانَت حرَّة , وَللْأُمّ مَعَ حريتها ورق الْبِنْت

ثلث , وَالسُّدُس مَعَ حريَّة الْبِنْت فقد حَجَبتهَا عَن السُّدس فبنصفها تحجبها عَن نصفه , يبْقى للْأُم الرّبع لَو كَانَت حرَّة فلهَا بِنصْف حريتها نصفه وَهُوَ الثّمن. وَالْبَاقِي وَهُوَ نصف وَثمن للْأَب فرضا وتعصيبا , وَتَصِح من ثَمَانِيَة للْأُم وَاحِد وللبنت اثْنَان وَللْأَب خَمْسَة , وَإِن حصل بَينه وَبَين سَيّده مهيأة فَكل تركته لوَرثَته وَإِلَّا فبينهما بِالْحِصَصِ.

كتاب العتق

(كتاب الْعتْق) كتاب فِي بَيَان أَحْكَام [الْعتْق] وَالتَّدْبِير وَالْكِتَابَة وَأم الْوَلَد وَالْوَلَاء. الْعتْق لُغَة الخلوص وَمِنْه عتاق الْخَيل وَالطير أَي خالصها. وسمى الْبَيْت الْحَرَام عتيقا لخلوصه من أَيدي الْجَبَابِرَة , وَشرعا تَحْرِير الرَّقَبَة وتخليصها من الرّقّ , وخصت الرَّقَبَة مَعَ وُقُوعه على جَمِيع الْبدن لِأَن ملك السَّيِّد لَهُ كالغل فى رقبته الْمَانِع لَهُ من التَّصَرُّف فَإِن أعتق فَكَأَن رقبته أطلقت من ذَلِك , يُقَال عتق العَبْد أعْتقهُ فَهُوَ عَتيق ومعتق وهم عُتَقَاء وَمِنْه عَتيق وعتيقة. وَالْإِجْمَاع على صِحَّته وَحُصُول الْقرْيَة بِهِ , بل هُوَ من أفضل الْقرب لقَوْله تَعَالَى: فَتَحْرِير رَقَبَة وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا [من اعْتِقْ رَقَبَة] مزمنة اعْتِقْ اللَّه بِكُل إرب مِنْهَا إربا مِنْهُ من النَّار حَتَّى الْيَد بِالْيَدِ وَالرجل بِالرجلِ والفرج بالفرج مُتَّفق عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ تَعَالَى جعله كَفَّارَة للْقَتْل ولوطء فِي رَمَضَان وللأيمان وَجعله النَّبِي فكاكا لمعتقه من النَّار , وَلما فِيهِ من تَخْلِيص الْآدَمِيّ الْمَعْصُوم من ضَرَر الرّقّ , وَملك نَفسه ومنافعه , وتكميل أَحْكَامه وتمكينه من التَّصَرُّف فِي نَفسه على حسب اخْتِيَاره.

فَقَالَ رَحمَه الله يسن عتق من أى رَقِيق لَهُ كسب وَيكرهُ الْعتْق لمن لَا قُوَّة لَهُ وَلَا كسب لَهُ لسُقُوط نَفَقَته بإعتاقه فَيصير كلا على النَّاس وَيحْتَاج إِلَى المسالة أَو كَانَ يخَاف من زنا أَو فَسَادًا أَو لُحُوقا بدار حَرْب وَإِن علم ذَلِك مِنْهُ أَو ظَنّه حرم وَصَحَّ الْعتْق , وَيحصل بقوله وَله صَرِيح وكناية فصريحة لفظ الْعتْق وَالْحريَّة كَيفَ صرف كَقَوْلِه: أَنْت حر , أَو مُحَرر أَو حررتك , وأعتقتك أَو أَنْت عَتيق أَو مُعتق بِفَتْح التَّاء فَيعتق فِي هَذِه الصُّور وَلَو لم يُنَوّه غير أَمر ومضارع وَاسم فَاعل كاعتق وتعتق ومعتق بِكَسْر التَّاء فَلَا يعْتق بذلك وَنَحْوه. وَيَقَع من هازل لَا نَائِم وَنَحْوه. وكنايته على نِيَّة خليتك وأطلقتك وَالْحق بأهلك بِهَمْزَة وصل وَفتح الْحَاء واذهب حَيْثُ شِئْت وَلَا سَبِيل أَو سُلْطَان أَو ملك إِن رق أَو لَا خدمَة لي عَلَيْك وفككت رقبتك وَهبتك للَّه , وَرفعت يَدي عَنْك إِلَى اللَّه وَأَنت للَّه , وَأَنت مولَايَ وَأَنت سائبة أَو مَلكتك نَفسك وتزيد الْأُنْثَى بأنت طَالِق أَو حرَام وَنَحْو ذَلِك. وَيعتق حمل لم يسْتَثْن بِعِتْق أمة كَمَا لَو اشْترى أمة من وَرَثَة ميت موصى بحملها لغيره فيسرى الْعتْق إِلَى الْحمل إِن كَانَ معتقها مُوسِرًا بِقِيمَتِه يَوْم عتقه وَيضمن قِيمَته لمَالِكه الْمُوصي لَهُ بِهِ يَوْم وِلَادَته حَيا فان استثن الْحمل مُعتق لم يعْتق ربه قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ الإِمَام 16 (أَحْمد) : اذْهَبْ إِلَى حَدِيث ابْن عمر فِي الْعتْق وَلَا اذْهَبْ إِلَيْهِ فِي البيع. انْتهى.

وَمن مثل برقيقه فَقطع أَنفه أَو أُذُنه أَو حرق عضوا من أَعْضَائِهِ عتق نصا بِلَا حكم حَاكم وَله وَلَاؤُه نصا , وَكَذَا لَو استكرهه على الْفَاحِشَة بِأَن فعلهَا بِهِ مكْرها لانه من الْمثلَة أَو وطىء أمة مُبَاحَة لَا يُوطأ مثلهَا لصِغَر فأفضاها عتقت عَلَيْهِ لَا بخدش وَضرب وَلعن. وَمن اعْتِقْ جُزْءا مشَاعا كَنِصْف وَنَحْوه غير ظفر وَشعر وَنَحْوه من رَقِيق عتق عَلَيْهِ كُله. وَيصِح تَعْلِيقه بِصفة كَقَوْلِه: إِن أَعْطَيْتنِي ألفا فَأَنت حر , وَنَحْوه لَا يملك السَّيِّد بطلَان التَّعْلِيق مَا دَامَ ملكه عَلَيْهِ , وَلَا يعْتق بإبراء سَيّده لَهُ من الْألف لانه لَا حق لَهُ فِي ذمَّته حَتَّى يُبرئهُ مِنْهُ وَلَا يبطل التَّعْلِيق بذلك وَإِذا قَالَ لرقيقه أَنْت حر وَعَلَيْك ألف يعْتق وَلَا شَيْء عَلَيْهِ. و: على ألف أَو بِأَلف أَو على أَن تُعْطِينِي ألفا أَو بِعْتُك نَفسك بِأَلف لَا يعْتق حَتَّى يقبل. و: أَنْت حر على أَن تخدمني سنة يعْتق فِي الْحَال بِلَا قبُول وَتلْزَمهُ. ثمَّ شرع فِي بَيَان التَّدْبِير فَقَالَ وَلَا تصح الْوَصِيَّة بِهِ بل يَصح تَعْلِيقه أَي الْعتْق بِالْمَوْتِ الْمُعْتق وَهُوَ أَي التَّعْلِيق بِالْمَوْتِ التَّدْبِير وسمى بذلك لِأَن الْمَوْت دبر الْحَيَاة وَيُقَال دابر يدابر إِذا مَاتَ قَالَ ابْن عقيل: مُشْتَقّ من إدباره عَن الدُّنْيَا وَلَا يسْتَعْمل فِي شَيْء بعد الْمَوْت من وَصِيَّة ووقف وَغَيرهمَا غير الْعتْق فَهُوَ لفظ يخْتَص بِهِ الْعتْق بعد الْمَوْت. وَيعْتَبر كَونه مِمَّن تصح وَصيته فَيصح من مَحْجُور عَلَيْهِ بِسَفَه أَو فلس ومميز يعقله وَيعْتَبر خُرُوجه من الثُّلُث أَي ثلث المَال يَوْم مَوته نصا لِأَنَّهُ تبرع بعد الْمَوْت أشبه الْوَصِيَّة بِخِلَاف الْعتْق فِي الصِّحَّة لِأَنَّهُ لم يتَعَلَّق بِهِ الْوَرَثَة فَينفذ من جَمِيع المَال كَالْهِبَةِ فِي الصِّحَّة.

وصريحة لفظ عتق أَو حريَّة معلقين بِمَوْتِهِ وَلَفظ تَدْبِير وَمَا تصرف مِنْهُمَا غير أَمر ومضارع وَاسم فَاعل نَحْو دبر وتدبر ومدبر بِكَسْر الْبَاء. وَيصِح وقف مُدبر وَبيعه وهبته وَلَو أمة أَو كَانَ بَيْعه فِي غير دين نصا. وَمَتى عَاد لملكه أعَاد التَّدْبِير وَإِن جنى بيع فِي الْجِنَايَة وان فدى بقى تدابيره وَإِن بيع بعضه فباقيه مُدبر. ثمَّ شرع فِي بَيَان حكم الْكِتَابَة فَقَالَ وَتسن كِتَابَة من علم سَيّده فِيهِ أَي ألقن خيرا لقَوْله تَعَالَى 19 (: (فكاتبوهم إِن علمْتُم فيهم خيرا)) وَهُوَ أَي الْخَيْر الْكسْب وَالْأَمَانَة. وَالْكِتَابَة بيع سيد رَقِيقه نَفسه بِمَال فِي ذمَّته مُبَاح مَعْلُوم يَصح السّلم فِيهِ منجم نجمين فَصَاعِدا يعلم قسط كل نجم ومدته. أَو بَيْعه بمنفعه منجمة إِلَى أجلين فَأكْثر بِأَن يكاتبه فِي الْمحرم على خدمته فِيهِ وَفِي رَجَب على خياطَة ثوب أَو بِنَاء حَائِط عينهما , فان كَاتبه على خدمَة شهر معِين أَو سنة مُعينَة لم يَصح لِأَنَّهُ نجم وَاحِد. وَتَكون الْكِتَابَة لمن لَا كسب لَهُ وَلَا قُوَّة لَهُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يصير كلا النَّاس مَا تقدم. وَتَصِح كِتَابَة الْمبعض بِأَن يُكَاتب السَّيِّد بعض عبد حريَّة بعضه فَمَتَى أدّى مَا عَلَيْهِ فَقَبضهُ مِنْهُ سَيّده أَو ولى سَيّده أَو أَبرَأَهُ سَيّده أَو وَارِث سَيّده المسر من حِصَّته عتق وَمَا فضل بِيَدِهِ فَهُوَ لَهُ , وَيملك الْمكَاتب كَسبه ونفعه وكل تصرف يصلح مَاله كَبيع وَشِرَاء واجارة وَنَحْوهَا وَيصِح شَرط وَطْء مُكَاتبَته نصا

وَيجوز بيع الْمكَاتب ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى ومشتريه أَي الْمكَاتب يقوم مقَام مكَاتبه بِكَسْر التَّاء فَإِن أدّى الْمكَاتب مَا عَلَيْهِ عتق لِأَن الْكِتَابَة عقد لَازم لَا تَنْفَسِخ بِنَقْل الْملك فِيهِ ولمشتر جهلها الرَّد أَو الْأَرْش وَوَلَاؤُهُ أَي الْمكَاتب لمنتقل إِلَيْهِ. وَلَا تَنْفَسِخ بِمَوْت السَّيِّد وَلَا بجنونه وَلَا بِالْحجرِ عَلَيْهِ وَلَا يدخلهَا خِيَار وتنفسخ بِمَوْت الْمكَاتب قبل أَدَائِهِ وَمَا بِيَدِهِ لسَيِّده نصا وَيصِح فَسخهَا باتفاقهما ولمكاتب قَادر على التكسب تعجيز نَفسه إِن لم يملك وَفَاء فَإِن ملكه أجبر على أَدَائِهِ ثمَّ عتق وَلَا يملك أَحدهمَا فَسخهَا للزومها. وَيلْزم أَن يُؤَدِّي السَّيِّد إِلَى من أدّى كِتَابَته ربعهَا بقوله تَعَالَى: (وءاتوهم من مَال اللَّه الَّذِي أَتَاكُم) . وَظَاهر الْآيَة للْوُجُوب. ثمَّ أَخذ يتَكَلَّم على بَيَان أَحْكَام أم الْوَلَد فَقَالَ رَحمَه الله: وَأم الْوَلَد تعْتق بِمَوْت سَيِّدهَا من كل مَاله وَهِي أَي أم الْوَلَد من ولدت مَا أَي جسما فِيهِ صُورَة وَلَو كَانَت الصُّورَة خُفْيَة من مَالك وَلَو كَانَ مَالِكًا بَعْضهَا أَو مكَاتبا أَو كَانَت الْأمة مُحرمَة عَلَيْهِ كبنته وَعَمَّته من رضَاع أَو ولدت من أَبِيه أَي أبي الْمَالِك أَن لم يكن وَطئهَا الابْن نصا فان كَانَ وطىء لم تصر أم ولد للْأَب باستيلادها لِأَنَّهَا تحرم عَلَيْهِ أبدا بِوَطْء ابْنه لَهَا فَلَا تحل لَهُ بِحَال فَأشبه وَطْء الْأَجْنَبِيّ فَلَا يملكهَا وَلَا تعْتق بِمَوْتِهِ , وَيعتق وَلَدهَا لِأَنَّهُ ذُو رَحمَه , وَنسبه لَاحق بِالْأَبِ لِأَنَّهُ وَطْء يدرا فِيهِ الْحَد لشُبْهَة الْملك. وَلَا تصير أم ولد بِوَضْع جسم لَا تخطيط فِيهِ كالمضغة والعلقة. وَمن ملك أمة حَامِلا فَوَطِئَهَا حرم عَلَيْهِ بيع ذَلِك الْوَلَد وَلم يَصح وَيلْزمهُ عتقه نصا. وأحكامها أَي أم الْوَلَد كأحكام أمة من وَطْء

وخدمة وَإِجَارَة وَنَحْوهَا إِلَّا فِي التَّدْبِير فَلَا يَصح لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة فِيهِ إِذا الِاسْتِيلَاد أقوى مِنْهُ حَتَّى لَو طرأء عَلَيْهِ أبْطلهُ , وَإِلَّا فِيمَا ينْقل الْملك فِي رقبَتهَا كَبيع وَهبة ووقف أَو يُرَاد لَهُ أَي لنقل الْملك كرهن. وَتَصِح كتَابَتهَا. ثمَّ أَخذ يتَكَلَّم على الْوَلَاء فَقَالَ وَمن أعتق رَقَبَة أَو عتقت عَلَيْهِ برحم فَلهُ الْمُعْتق عَلَيْهَا أَي الرَّقَبَة العتيقة الْوَلَاء لحَدِيث (إِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعتق) , وَهُوَ أَنه أَي إِنْسَان يصير الْمُعْتق عصبَة لَهَا أَي الرَّقَبَة مُطلقًا أَي ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى أَو خُنْثَى عِنْد عدم جَمِيع عصبَة النّسَب , وَالله تَعَالَى الْمُوفق. وَلما فرغ الْمنصف رَحمَه الله من الْكَلَام على الْمُعَامَلَات وَمَا يتَعَلَّق بهَا أَخذ بتكلم على أَحْكَام النِّكَاح وَمَا يتَعَلَّق بِهِ فَقَالَ.

كتاب النكاح

(كتاب النِّكَاح) كتاب النِّكَاح. مصدر نكح من بَاب ضرب وَهُوَ لُغَة الْوَطْء الْمُبَاح قَالَه الْأَزْهَرِي وَقَالَ الْجَوْهَرِي: النِّكَاح الْوَطْء وَقد يكون العقد , ونكحتها ونكحت أَي تزوجت. انْتهى. وَإِذا قَالُوا: نكح فُلَانَة أَو ابْنة فلَان أَرَادوا عقد عَلَيْهَا وَإِذا قَالُوا نكح امْرَأَته أَو زَوجته لم يُرِيدُوا إِلَّا المجامعة لقَرِينَة ذكر امْرَأَته أَشَارَ أليه أَو عَليّ الْفَارِسِي. وَفِي اللُّغَة اسْم للْجمع بَين شَيْئَيْنِ وَمِنْه قَوْله: أَيهَا المنكح الثريا سهيلا عمرك الله كَيفَ يَجْتَمِعَانِ وَهُوَ شرعا حَقِيقَة فِي عقد التَّزْوِيج مجَاز فِي الْوَطْء وَالْأَشْهر أَن لفظ النِّكَاح مُشْتَرك فِي العقد وَالْوَطْء فيطلق على كل مِنْهُمَا على انْفِرَاده حَقِيقَة. قَالَ فِي الْإِنْصَاف: وَعَلِيهِ الْأَكْثَر. انْتهى. وَهُوَ على ثَلَاثَة أَقسَام: فَالْأول مَا أَشَارَ أليه بقوله يسن النِّكَاح مَعَ شَهْوَة لمن لم يخف الزِّنَا من رجل وَامْرَأَة وَلَو فَقِيرا عَاجِزا عَن الْإِنْفَاق نَص عَلَيْهِ واشتغاله بِهِ أفضل من التخلي لنوافل الْعِبَادَات. وَالثَّانِي: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وَيجب النِّكَاح بِنذر وعَلى من يخافه أَي الزِّنَا بترك النِّكَاح وَلَو ظنا من رجل وَامْرَأَة لانه يلْزمه إعفاف

نَفسه وصرفها عَن الْحَرَام وَطَرِيقَة النِّكَاح وَيقدم حِينَئِذٍ على حج وَاجِب. الثَّالِث يُبَاح لمن لَا شَهْوَة لَهُ أصلا كعنين وَمن ذهبت شَهْوَته لنَحْو مرض وَكبر. وَلَا يَكْتَفِي فِي الْوُجُوب بِمرَّة بل يكون فِي مَجْمُوع الْعُمر ليحصل الإعفاف وَصرف النَّفس عَن الْحَرَام. وَيجوز نِكَاح مسلمة بدار حَرْب الضَّرُورَة لغير أَسِير ويعزل وجوبا قَالَ فِي الْمُغنِي: وَأما الْأَسير فَظَاهر كَلَام الإِمَام 16 (أَحْمد) لَا يحل لَهُ التَّزْوِيج مَا دَامَ أَسِيرًا. وَيسن نِكَاح وَاحِدَة أَن حصل بهَا الإعفاف لَا اكثر لانه تَعْرِيض للْمحرمِ قَالَه فِي شرح الْمُنْتَهى حسية وهى النسيبة أَو طيبَة الأَصْل ليَكُون وَلَدهَا نجيبا لابنت زنا ولقيطة وهى من لَا يعرف أَبوهَا. جميلَة قَالَ الإِمَام 16 (أَحْمد) : إِذا خطب الرجل امْرَأَة سَأَلَ عَن جمَالهَا أَولا فَإِن حمد سَأَلَ عَن دينهَا فَإِن حمد تزوج وَإِن لم يحمد رد لأجل الدّين وَلَا يسْأَل أَولا عَن الدّين فَإِن 16 (حمد) سَأَلَ عَن الْجمال فان لم يحمد ردهَا للجمال لَا للدّين. انْتهى. دينه أَي ذَات دين لحَدِيث آبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا تنْكح الْمَرْأَة لأَرْبَع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بِذَات الدّين تربت يداك مُتَّفق عَلَيْهِ

أَجْنَبِيَّة فَإِن وَلَدهَا يكون أَنْجَب وَلِأَنَّهُ لَا يُؤمن فراقها فأفضى مَعَ الْقَرَابَة إِلَى قطيعة الرَّحِم الْمَأْمُور بصلتها والعداوة. ذَات عقل لَا حمقاء بكر لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام (فَهَلا بكرا تلاعبها وتلاعبك) مُتَّفق عَلَيْهِ إِلَّا أَن تكون الْمصلحَة فِي نِكَاح الثّيّب ارجح فيقدمها على الْبكر. لحَدِيث أنس مَرْفُوعا (تزوجوا الْوَدُود الْوَلُود فَانِي مُكَاثِر بكم الْأُمَم يَوْم الْقِيَامَة) رَوَاهُ سعيد وَيعرف كَون الْبكر ولودا بِكَوْنِهَا من نسَاء يعرفن بِكَثْرَة الْأَوْلَاد. وَيُبَاح لمريد خطْبَة امْرَأَة بِكَسْر الْخَاء مَعَ غَلَبَة [ظن إِجَابَة] لَهُ [نظر] ويكرره ويتأمل المحاسن بِلَا إِذن الْمَرْأَة: قَالَ فِي الْإِقْنَاع: وَلَعَلَّه أولى إِلَى مَا يظْهر مِنْهَا أَي الْمَرْأَة غَالِبا كوجه ورقبة وَيَد وَقدم بِلَا خلْوَة بهَا أَن أَمن الشَّهْوَة أَي ثوراتها وَله أَي الرجل نظر ذَلِك أَي الْوَجْه والرقبة وَالْيَد والقدم وَنظر رَأس وسَاق من ذَوَات مَحَارمه وَهن من يحرمن عَلَيْهِ بِنسَب أَو سَبَب مُبَاح كرضاع لحرمتها لقَوْله تَعَالَى: (وَلَا يبدين زينتهن إِلَّا لبعولتهن أَو ءابائهن) الْآيَة. وَيُبَاح نظر إِلَى هَذِه الْأَعْضَاء السِّتَّة من أمة ظَاهر صَنِيع المُصَنّف لَا فرق بَين كَون الْأمة مستامة وَهِي الْمَطْلُوب شراؤها أَو غير مستامة قَالَ فِي الْإِقْنَاع وَشَرحه: وَكَذَا الْأمة غير المستامة وَهُوَ أصوب فِي التَّنْقِيح حَيْثُ قَالَ: وَمن أمة غير مستامة إِلَى غير عَورَة صَلَاة. وَتَبعهُ فِي الْمُنْتَهى قَالَ فِي شَرحه: وَمَا ذكره فِي التَّنْقِيح مُخَالف للمعنى

الَّذِي أُبِيح النّظر من أَجله وَقَالَ: وَالَّذِي يظْهر التَّسْوِيَة بَينهمَا كَمَا ذكره صَاحب الْإِقْنَاع. ولعَبْد نظر ذَلِك من مولاته لَا مبعض ومشترك. وَيجوز أَن ينظر مِمَّن لَا تشْتَهي كعجوز وقبيحة وبرزة ونحوهن إِلَى غير عَورَة صَلَاة وَقَالَ فِي الْكَافِي: يُبَاح النّظر مِنْهَا إِلَى مَا يظْهر غَالِبا انْتهى. وَيحرم نظر خصي ومجبوب وممسوح إِلَى أَجْنَبِيَّة. ولشاهد ومعامل نظر وَجه مشهود عَلَيْهَا تحملا وَأَدَاء عِنْد الْمُطَالبَة مِنْهُ لتَكون الشَّهَادَة وَاقعَة على عينهَا , وَنَصه: وَنظر كفيها لحَاجَة ولطبيب مَسّه. وَلمن يَلِي خدمَة مَرِيض وَلَو أُنْثَى فِي وضوء أَو استنجاء نظر وَمَسّ دعت الْحَاجة إِلَيْهِ. وَيجوز نظره لأمته الْمُحرمَة عَلَيْهِ بتزويج وَنَحْوه كالوثنية والمجوسية , ولحرة مُمَيزَة دون تسع وَنظر الْمَرْأَة للْمَرْأَة وَنظر الرجل للرجل وَلَو أَمْرَد إِلَى مَا عدا مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة وَلَا يجوز النّظر الى أحد مِمَّن ذكرنَا بِشَهْوَة أَو مَعَ خوف ثورانها , ولمس كنظر وَأولى , وَصَوت الْأَجْنَبِيَّة لَيْسَ بِعَوْرَة , وَيحرم تلذذ بِسَمَاعِهِ وَلَو بِقِرَاءَة. وَلكُل من الزَّوْجَيْنِ نظر جَمِيع بدن الآخر ولمسه بِلَا كَرَاهَة حَتَّى فرجهَا - نصا - كَبِنْت دون سبع , وَكره نظر اليه حَال الْحيض , زَاد فِي الرِّعَايَة الْكُبْرَى وَحَال الْوَطْء. انْتهى. وَتَقْبِيله بعد الْجِمَاع لَا قبله وَكَذَا سيد مَعَ أمته الْمُبَاحَة لَهُ ,

وَحرم تَصْرِيح وَهُوَ مَا لَا يحْتَمل غير النِّكَاح بِخطْبَة مُعْتَدَّة بَائِن قَالَ فِي الْمُبْدع: بِالْإِجْمَاع , وَمثلهَا مستبرأة عتقت بِمَوْت سَيِّدهَا على غير زوج تحل لَهُ كالمخلوعة والمطلقة دون ثَلَاث على عوض؛ لِأَنَّهُ يُبَاح نِكَاحهَا فِي عدتهَا أشبهت غير الْمُعْتَدَّة بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ , فان وطِئت بِشُبْهَة أَو زنا فِي عدتهَا فالزوج كَالْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّهَا لَا تحل إِذن كالمطلقة ثَلَاثًا , وَحرم أَيْضا وَهُوَ مَا يفهم مِنْهُ النِّكَاح مَعَ احْتِمَال غَيره بِخطْبَة رَجْعِيَّة لِأَنَّهَا فِي حكم الزَّوْجَات أشبهت الَّتِي فِي صلب النِّكَاح. وَيجوز التَّعْرِيض فِي عدَّة وَفَاة وَفِي خطْبَة مُعْتَدَّة بَائِن وَلَو بِغَيْر ثَلَاث , وَالْمَرْأَة فِي الْجَواب كَالرّجلِ فِيمَا يحل وَيحرم من تَصْرِيح وتعريض , فَيجوز للبائن التَّعْرِيض فِي عدتهَا دون التَّصْرِيح لغير من تحل لَهُ إِذا , وَيحرم على الرَّجْعِيَّة التَّعْرِيض وَالتَّصْرِيح فِي الْجَواب مَا دَامَت فِي الْعدة. وَكَيْفِيَّة التَّرْغِيب: اني فِي مثلك لراغب , وَلَا تفوتيني بِنَفْسِك. وتجيبه هِيَ: مَا يرغب عَنْك , وان قضى شَيْء كَانَ. وَتحرم خطْبَة على خطْبَة مُسلم أُجِيب تَصْرِيحًا أَو تعريضا , إِن علم الثَّانِي إِجَابَة الأول. وَسن عقده أَي النِّكَاح يَوْم الْجُمُعَة مسَاء لِأَنَّهُ يَوْم شرِيف وَيَوْم عيد وَالْبركَة فِي النِّكَاح مَطْلُوبَة , فاستحب لَهُ أشرف الْأَيَّام طلبا للتبرك. وَيسن أَن يكون العقد بعد خطْبَة بِضَم الْخَاء عبد الله بن مَسْعُود رضى الله عَنهُ وَعَن جَمِيع الصَّحَابَة وَهِي: إِن الْحَمد لله نحمده ونستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ ونتوب إِلَيْهِ. وتعوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا وسيئات أعمالنامن يهد الله فَلَا مضل لَهُ , وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ.

وَأشْهد أَلا اله إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله. وَيقْرَأ ثَلَاث آيَات: (اتَّقوا الله حق تُقَاته وَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ) (اتَّقوا الله الَّذِي تساءلون بِهِ والأرحام إِن الله كَانَ عَلَيْكُم رقيبا) (اتَّقوا الله وَقُولُوا قولا سديدا) الْآيَة. وَبعد فان الله تَعَالَى أَمر بِالنِّكَاحِ وَنهى عَن السفاح فَقَالَ تَعَالَى مخبرا وآمرا (وَأنْكحُوا الْأَيَامَى مِنْكُم وَالصَّالِحِينَ من عبادكُمْ وامائكم إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِم اللَّه من فَضله وَالله وَاسع عليم) . ويجزيء من ذَلِك أَن يتَشَهَّد وَيُصلي على النَّبِي وَالْمُسْتَحب خطْبَة وَاحِدَة لاثنتان إِحْدَاهمَا من الزَّوْجَة , وَكَانَ الإِمَام أَحْمد إِذا حضر عقد نِكَاح وَلم يخْطب فِيهِ بهَا قَامَ وتركهم , وَلَيْسَت وَاجِبَة بل مُسْتَحبَّة. وَسن أَن يُقَال لمتزوج: بَارك الله لَكمَا وعليكما وَجمع بَيْنكُمَا فِي خير وعافية. فَإِذا زفت إِلَيْهِ سنّ قَوْله: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك خَيرهَا و [خير] مَا جبلتها عَلَيْهِ , وَأَعُوذ بك من شَرها وَشر مَا جبلتها عَلَيْهِ.

فصل فِي بَيَان أَرْكَان النِّكَاح وشروطه أَرْكَانه ثَلَاثَة: الأول الزَّوْجَانِ الخاليان من الْمَوَانِع أَي مَوَانِع النِّكَاح من نسب أَو سَبَب كرضاع ومصاهرة وَاخْتِلَاف دين بِأَن يكون مُسلما وَهِي مَجُوسِيَّة أَو كَونهَا فِي عدَّة , أَو أَحدهمَا محرما. وَالثَّانِي إِيجَاب أَي اللَّفْظ الصَّادِر من الْوَلِيّ أَو من يقوم مقَامه بِلَفْظ أنكحت أَو لفظ زوجت وَإِن فتح ولى تَاء زوجت فَقيل يَصح النِّكَاح سَوَاء كَانَ عَالما بِالْعَرَبِيَّةِ أَو لَا , قَادِرًا على النُّطْق بِالضَّمِّ أَو لَا - وَأفْتى بِهِ الْمُوفق - ذكره فِي الْمُنْتَهى , وَقيل لَا يَصح إِلَّا من جَاهِل وعاجز قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى للمؤلف: وَهَذَا هُوَ الْأَظْهر. انْتهى. وَقطع بِهِ فِي الْإِقْنَاع. وَيصِح إِيجَاب بِلَفْظ زوجت بِضَم الزاى وَفتح التَّاء على الْبناء للْمَفْعُول. وَالثَّالِث قبُول مَعْطُوف على إِيجَاب بِلَفْظ قبلت فَقَط أَو بِلَفْظ رضيت فَقَط أَي من غير ذكر نِكَاح أَو بقوله مَعَ هَذَا النِّكَاح أَي قبلت هَذَا النِّكَاح أَو رضيت هَذَا النِّكَاح أَو بقوله تَزَوَّجتهَا وَفِي الْفُرُوع: أَو رضيت بِهِ. وَيصِح إِيجَاب وَقبُول من هازل لحَدِيث ثَلَاث

جدهن جد وهزلهن جد: النِّكَاح , وَالطَّلَاق , وَالرَّجْعَة وَلَا يَصح بِكِتَابَة وَإِشَارَة إِلَّا من أخرس فيصحان مِنْهُ بِالْإِشَارَةِ نصا كَبَيْعِهِ وطلاقه , وَإِذا صَحا بِالْإِشَارَةِ فالكتابة أولى لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة الصَّرِيح فِي الطَّلَاق وَالْإِقْرَار. وان ترَاخى قبُول عَن إِيجَاب حَتَّى تفَرقا أَو تشاغلا بِمَا يقطعهُ عرفا بَطل الْإِيجَاب. وَلَا بُد من كَونهمَا مرتبين , فان تقدم الْقبُول على الْإِيجَاب لم يَصح النِّكَاح وَمن جهلهما أَي الْإِيجَاب وَالْقَبُول بِالْعَرَبِيَّةِ لم يلْزمه تعلم أَرْكَانه بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَو قدر عَلَيْهِ وَكَفاهُ مَعْنَاهُمَا الْخَاص بِكُل لِسَان أَي لُغَة؛ لِأَنَّهُ عقد مُعَاوضَة كَالْبيع بِخِلَاف تَكْبِير الصَّلَاة؛ وَلِأَن الْمُفِيد هَاهُنَا الْمَعْنى دون اللَّفْظ المعرب بِخِلَاف الْقِرَاءَة. وشروطه أَي النِّكَاح أَرْبَعَة: الأول تعْيين الزَّوْجَيْنِ فِي العقد؛ لِأَن النِّكَاح عقد مُعَاوضَة أشبه البيع فَلَا يَصح إِن قَالَ زَوجتك ابْنَتي , وَله غَيرهَا حَتَّى يميزها باسم وَصفَة لَا يشاركها فِيهَا غَيرهَا كالكبرى أَو الطَّوِيلَة أَو الْبَيْضَاء , وَالْكَبِير أَو الْقصير أَو الْأَبْيَض , أَو يُشِير إِلَيْهَا وهى حَاضِرَة كهذه. وَإِن لم يكن لَهُ غَيرهَا صَحَّ لعدم الالتباس حَتَّى وَلَو سَمَّاهَا بِغَيْر اسْمهَا. وَالشّرط الثَّانِي رضاهما أَي رضَا زوج مُكَلّف وَلَو رَقِيقا فَلَيْسَ لسَيِّده إِجْبَاره لِأَنَّهُ يملك الطَّلَاق فَلَا يجْبر على النِّكَاح كَالْحرِّ , ورضا

زَوْجَة حرَّة عَاقِلَة ثيبة ثمَّ لَهَا تسع سِنِين وَلها إِذن صَحِيح مُعْتَبر نصا فَيشْتَرط مَعَ ثيوبه وَيسن مَعَ بكارة نصا , لَكِن لأَب وَوَصِيَّة فِي نِكَاح تَزْوِيج صبي صَغِير , وتزويج بَالغ معتوه وتزويج مَجْنُونَة سَوَاء كَانَت بَالِغَة أَو لَا وثيبا أَو لَا , وَلَو كَانَت بِلَا شَهْوَة لِأَن ولَايَة الْإِجْبَار انْتَفَت عَن الْعَاقِلَة بخيرة نظرها لنَفسهَا بِخِلَاف الْمَجْنُونَة , وَله تَزْوِيج ثيب لَهَا من الْعُمر دون تسع بِإِذْنِهَا وبدونه , وَله تَزْوِيج بكر مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَت بَالِغَة أَو لَا بِإِذْنِهَا أَو لَا , وَلَيْسَ ذَلِك للْجدّ كسيد مَعَ إمائه وَمَعَ عَبده الصَّغِير أَي كَمَا يملك السَّيِّد وَلَو فَاسِقًا إِجْبَار أمته كَبِيرَة كَانَت أَو صَغِيرَة بكرا أَو ثَيِّبًا قِنَا أَو مُدبرَة أَو أم ولد , وَعَبده الصَّغِير وَلَو مَجْنُونا لَا الْكَبِير الْعَاقِل كَمَا تقدم آنِفا , وَأما الْمَجْنُونَة فَإِنَّهُ يُزَوّجهَا لحاجتها إِلَى النِّكَاح كل ولي لدفع ضررالشهوة عَنْهَا وصيانتها عَن الْفُجُور وَتَحْصِيل الْمهْر وَالنَّفقَة والعفاف وصيانة الْعرض , وتعرف شهوتها من كَلَامهَا وقرائن أحوالها كتتبعها الرِّجَال وميلها إِلَيْهِم. فَلَا يُزَوّج بَاقِي الْأَوْلِيَاء صَغِيرَة لَهَا دون تسع سِنِين بِحَال من الْأَحْوَال سَوَاء أَذِنت أَو لَا؛ لِأَنَّهُ لَا إِذن لَهَا وَغير الْأَب ووصيه لَا إِجْبَار لَهُ وَلَا يُزَوّج بَاقِي الْأَوْلِيَاء بنت تسع سِنِين فَأكْثر إِلَّا بِإِذْنِهَا وَهُوَ أَي الْإِذْن صمَات بكر أَي سكوتهاوكذا ضحكها أَو بكاؤها , ونطقها أبلغ من صماتها لِأَنَّهُ الأَصْل , وَاكْتفى

بصمات الْبكر لاستحيائها , ونطق ثيب عطف على مَا قبله وَهِي من وطِئت فِي قبلهَا بِآلَة الرِّجَال وَلَو بزنا أَو مَعَ عود الْبكارَة. وَيشْتَرط فِي الاسْتِئْذَان تَسْمِيَة الزَّوْج على وَجه تقع مَعْرفَتهَا بِهِ , بِأَن يذكر نسبه ومنصبه وَنَحْوه مِمَّا يَتَّصِف بِهِ لتَكون على بَصِيرَة فِي إِذْنهَا فِي تَزْوِيجه لَا تَسْمِيَة مهر , وَالشّرط الثَّالِث الْوَلِيّ نصا إِلَّا على النَّبِي لقَوْله تَعَالَى 19 (: (النَّبِي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم)) وَالْأَصْل فِي اشْتِرَاط الْوَلِيّ حَدِيث أبي مُوسَى مَرْفُوعا لَا نِكَاح إِلَّا بولِي رَوَاهُ الْخَمْسَة إِلَّا النَّسَائِيّ وَصَححهُ الإِمَام 16 (أَحْمد) وان معِين قَالَه الْمَرْوذِيّ. وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا مَرْفُوعا أَيّمَا امْرَأَة نكحت بِغَيْر إِذن وَليهَا فنكاحها بَاطِل وَلَيْسَ لَهَا انكاح غَيرهَا بِالطَّرِيقِ الأولى , فعلى هَذَا إِذا كَانَ لمحجور عَلَيْهَا لصِغَر أَو جُنُون أَو سفه أمة وأرادت تَزْوِيجهَا لمصْلحَة فيزوجها ولي مولاتها فِي مَالهَا , وَأما أمة المكلفة الرشيدة فيزوجها ولي سيدتها فِي النِّكَاح لِامْتِنَاع ولَايَة النِّكَاح فِي حَقّهَا لأنوثتها , فثبتت لأوليائها كولاية نَفسهَا بِشَرْط إِذن سيدتها نطقا وَلَو كَانَت سيدتها بكرا. وشروطه أَي الْوَلِيّ سِتَّة: أَحدهَا تَكْلِيف وَهُوَ أَن يكون بَالغا عَاقِلا فَلَا ولَايَة لصغير وَمَجْنُون مطبق لِأَن الْولَايَة يعْتَبر لَهَا كَمَال

الْحَال , لِأَنَّهَا تَنْفِيذ تصرف فِي حق غَيره , فان جن أَحْيَانًا أَو أُغمي عَلَيْهِ أَو نقص عقله بِنَحْوِ مرض , أَو أحرم انْتظر وَلَا يَنْعَزِل وَكيله أيطريان ذَلِك. وَالثَّانِي ذكورة لِأَن الْمَرْأَة لَا تثبت لَهَا ولَايَة على نَفسهَا فعلى غَيرهَا أولى. وَالثَّالِث حريَّة أَي كمالها لِأَن العَبْد والمبعد لَا يستقلان بِالْولَايَةِ على أَنفسهمَا , فعلى غَيرهمَا بِالطَّرِيقِ الأولى , إِلَّا مكَاتبا فانه يُزَوّج أمته وَالرَّابِع رشد وَهُوَ هَاهُنَا معرفَة الْكُفْء ومصالح النِّكَاح , وَلَيْسَ حفظ المَال فَإِن رشد كل مقَام بِحَسبِهِ لَا كَونه بَصيرًا أَو متكلما إِذا فهمت إِشَارَته. وَالْخَامِس اتِّفَاق دين الْوَلِيّ والمولي عَلَيْهَا فَلَا ولَايَة لكَافِر على مسلمة , وَلَا لنصراني على مَجُوسِيَّة وَنَحْوه لِأَنَّهُ لَا توارث بِالنّسَبِ. وَالسَّادِس عَدَالَة نصا لما روى عَن ابْن عَبَّاس: لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وشاهدي عدل. قَالَ الإِمَام 16 (أَحْمد) : أصح شَيْء فِي هَذَا قَول ابْن عَبَّاس وَلَو كَانَ عدلا ظَاهرا فَيَكْفِي مَسْتُور الْحَال كولاية المَال إِلَّا فِي سُلْطَان فَلَا يشْتَرط فِي ولَايَته الْعَامَّة عَدَالَة للْحَاجة وَإِلَّا فِي سيد أمة لِأَنَّهُ يتَصَرَّف فِي ملكه كَمَا لَو آجرها ,

وَيقدم بِنِكَاح الْحرَّة أَولا وجوبا أَب لِأَنَّهُ أكمل نظرا وَأَشد نَفَقَة فَوَجَبَ تَقْدِيمه فِي الْولَايَة , ثمَّ بعد الْأَب يقدم وَصِيّه أَي الْأَب فِيهِ أَي النِّكَاح , ثمَّ بعد الْأَب ووصيه يقدم جد لأَب وَإِن علا جدوده , فَيقدم على الابْن وَابْنه لِأَن لَهُ ايلادا وتعصيبا فَقدم عَلَيْهِمَا كَالْأَبِ , فان اجْتمع أجداد فأولاهم أقربهم كالجد مَعَ الْأَب ثمَّ بعد مَا ذكر فِي الأحقية بِالْولَايَةِ ابْن الْحرَّة فابنه وان نزل فَيقدم الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب وَهَكَذَا على تَرْتِيب الْمِيرَاث فَيقدم أَخ لِأَبَوَيْنِ فلأب فَعم لِأَبَوَيْنِ فلأب , ثمَّ بنوهما كَذَلِك وَهَكَذَا على تَرْتِيب الْمِيرَاث , ثمَّ الْمولي الْمُنعم أَي الْمُعْتق ثمَّ أقرب عصبته إِلَيْهِ نسبا ثمَّ أقرب عصبته إِلَيْهِ وَلَاء , ثمَّ مولي الْمولي ثمَّ عصبته كَذَلِك وَهَكَذَا على تَرْتِيب الْمِيرَاث , ثمَّ بعد من تقدم ذكرهم الأحق بِالْولَايَةِ السُّلْطَان وَهُوَ الإِمَام الْأَعْظَم أَو نَائِبه , قَالَ الإِمَام 16 (أَحْمد) : و 16 (القَاضِي) أحب إليَّ من الْأَمِير. انْتهى. وَلَو من بغاة إِذا استولوا على بلد فَيجْرِي فِيهِ حكم سلطانهم وقاضيهم مجري الإِمَام وقاضيه. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: تَزْوِيج الْأَيَامَى فرض كِفَايَة إِجْمَاعًا فَإِن أَبَاهُ حَاكم إِلَّا يظلم كطلبه جعلا لَا يسْتَحقّهُ صَار وجوده كَالْعدمِ. فَإِن عدم الْكل زَوجهَا ذُو سُلْطَان فِي مَكَانهَا كعضل أوليائها مَعَ عدم إِمَام أَو نَائِبه فِي مَكَانهَا , فان تعذر وكلت عدلا يُزَوّجهَا. قَالَ الإِمَام 16 (أَحْمد) فِي دهقان قَرْيَة: يُزَوّج من لَا ولي لَهَا إِذا احتاط لَهَا فِي الْكُفْء وَالْمهْر إِن لم يكن فِي الرستاق قَاض. لِأَن اشْتِرَاط الْوَلِيّ

فِي هَذِه الْحَالة يمْنَع النِّكَاح بِالْكُلِّيَّةِ فان عضل الْوَلِيّ الْأَقْرَب والعضل الِامْتِنَاع يُقَال: دَاء عضال إِذا أعيا الطَّبِيب دواؤه وَامْتنع. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: وَمن صور العضل إِذا امْتنع الْخطاب لشدَّة الْوَلِيّ. انْتهى. ويفسق بِهِ إِن تكَرر مِنْهُ أَو لم يكن الْوَلِيّ الْأَقْرَب أَهلا لولاية التَّزْوِيج كَمَا لَو كَانَ طفْلا أَو كَافِرًا أَو فَاسِقًا أَو عبدا أَو كَانَ الْوَلِيّ الْأَقْرَب مُسَافِرًا سفرا فَوق مَسَافَة قصر وَلَا تقطع إِلَّا بِمَشَقَّة وكلفة قطع بِهِ فِي الْإِقْنَاع وَلم يُقيد فِي الْمُنْتَهى بمسافة الْقصر بل قَالَ: إِذا غَابَ غيبَة مُنْقَطِعَة وَهِي مَالا تقطع إِلَّا بكلفة ومشقة. الْمُنْتَهى. أَو تَعَذَّرَتْ مُرَاجعَته لحبس أَو أسر , أَو كَانَ غَائِبا لَا يعلم أَقَرِيب هُوَ أم بعيد , أَو علم أَنه قريب وَلم يعلم مَكَانَهُ زوج - جَوَاب الشَّرْط - امْرَأَة حرَّة ولى أبعد أَي من يَلِي الْأَقْرَب الْمَذْكُور فِي الْولَايَة فَإِن عضلوا كلهم زَوجهَا حَاكم. وَزوج أمة غَابَ سَيِّدهَا أَو تَعَذَّرَتْ مُرَاجعَته بأسر وَنَحْوه حَاكم لِأَن لَهُ النّظر فِي مَال الْغَائِب وَنَحْوه , وَإِن زوج حَاكم أَو أبعد بِلَا عذر للأقرب لم يَصح النِّكَاح. وَالشّرط الرَّابِع [شَهَادَة رجلَيْنِ] على النِّكَاح احْتِيَاطًا للنسب خوف الْإِنْكَار لحَدِيث عَائِشَة مَرْفُوعا لَا بُد فِي النِّكَاح من حُضُور أَرْبَعَة: الْوَلِيّ وَالزَّوْج والشاهدان رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مكلفين أَي بالغين عاقلين وَلَو رقيقين عَدْلَيْنِ وَلَو ظَاهرا وَلَا ينْقض لَو بانا فاسقين سميعين ناطقين

مُسلمين وَلَو أَن الزَّوْجَة ذِمِّيَّة , وَلَو ضريرين من غير عمودي نسب الزَّوْجَيْنِ وَالْوَلِيّ , وَلَا تشْتَرط الشَّهَادَة بخلوها عَن الْمَوَانِع وَلَا على إِذْنهَا لوَلِيّهَا , وَالِاحْتِيَاط الأشهاد لَهما قطعا للنزع. والكفاءة تكون فِي الزَّوْج وَهِي لُغَة الْمُمَاثلَة , والمساواة مُعْتَبرَة فِي خَمْسَة أَشْيَاء: الدّيانَة والصناعة والميسرة وَالْحريَّة , وَالنّسب , فَلَا يكون الْفَاجِر وَالْفَاسِق كفئا لعفيفة وَلَا الْحجام وَنَحْوه كفئا لبِنْت بزاز , وَلَا الْمُعسر كفئا للموسرة وَلَا العجمي وَهُوَ من لَيْسَ من الْعَرَب كفئا لعربية. وَهِي شَرط للزومه أَي النِّكَاح لَا لصِحَّته فَيحرم تَزْوِيجهَا لغيره أَي الْكُفْء إِلَّا بِرِضَاهَا وَهُوَ الْمَذْهَب عِنْد أَكثر الْمُتَأَخِّرين , قَالَ فِي الْمقنع وَالشَّرْح: وَهُوَ أصح , وَهَذَا قَول أَكثر أهل الْعلم فَيصح النِّكَاح مَعَ فقدها وَلمن لم يرض من امْرَأَة أَو عصبَة حَتَّى من يحدث الْفَسْخ فَيفْسخ أَخ مَعَ رضَا أَب , على التَّرَاخِي فَلَا يسْقط إِلَّا بِإِسْقَاط عصبَة أَو بِمَا يدل على رِضَاهَا من قَول أَو فعل. وَقدم فِي الْمُنْتَهى رِوَايَة أَنَّهَا شَرط للصِّحَّة قَالَ فِي شَرحه: وَهِي الْمَذْهَب عِنْد أَكثر الْمُتَقَدِّمين , وَعَلَيْهَا فَتكون حَقًا لله تَعَالَى وَلها ولأوليائها فَلَو رضيت مَعَ أوليائها بِغَيْر كُفْء لم يَصح , وَلَو زَالَت بعد عقد فلهَا فَقَط الْفَسْخ.

فصل

3 - (فصل) . الْمُحرمَات فِي النِّكَاح ضَرْبَان: ضرب على الْأَبَد وَهُوَ خَمْسَة أَقسَام: قسم بِالنّسَبِ وَهن سبع أَشَارَ إلَيْهِنَّ بقوله وَيحرم أبدا أم وَهِي الوالدة وَجدّة لأَب أَو لأم وَإِن علت لقَوْله تَعَالَى (حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم) وأمهاتك كل من تنْسب إِلَيْهَا بِوِلَادَة وَبنت الصلب وَبنت ولد ذكرا كَانَت أَو أُنْثَى وَإِن سفلت وارثة كَانَت أَو غير وارثة لقَوْله تَعَالَى: (وبناتكم) وَلَو منفية بِلعان أَو من زنا وَأُخْت مُطلقًا أَي شَقِيقَة كَانَت أَو لأَب أَو لأم لقَوْله تَعَالَى: (وأخواتكم) وبنتها أَي الْأُخْت مُطلقًا وَبنت وَلَدهَا أَي الْأُخْت وان سفلت لقَوْله تَعَالَى: (وَبَنَات الْأُخْت) وَبنت كل أَخ شَقِيق أَو لأم أَو لأَب وبنتها أَي بنت بنت الْأَخ وَبنت ودلها وَإِن سفلت لقَوْله تَعَالَى: [وَبَنَات الْأُخْت] [وَبَنَات الْأَخ] وعمة مُطلقًا وَخَالَة مُطلقًا أَي شَقِيقَة كَانَت الْعمة وَالْخَالَة أَو لأَب أَو لأم وَإِن علت كعمة أَبِيه وعمة أمه لقَوْله تَعَالَى: (وعماتكم وخالاتكم) .

وَالْقسم الثَّانِي من الْمُحرمَات على الْأَبَد الْمُحرمَات بِالرّضَاعِ وَهُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: وَيحرم برضاع وَلَو كَانَ الْإِرْضَاع محرما كمن أكره امْرَأَة على إِرْضَاع طِفْل فترضعه فَتحرم عَلَيْهِ لوُجُود سَبَب التَّحْرِيم وَهُوَ الْإِرْضَاع مَا يحرم بِنسَب يَعْنِي أَن كل امْرَأَة حرمت بِنسَب حرم مثلهَا من رضَاع حَتَّى من مصاهرة فَتحرم زَوْجَة أَبِيه وَولده من رضَاع إِلَّا أم أَخِيه وَأُخْت ابْنه من رضَاع. وَالْقسم الثَّالِث من الْمُحرمَات على الْأَبَد مَا يحرم بمصاهرة وَهن أَربع , ثَلَاث يحرمن من ب مُجَرّد عقد فَالْأول وَالثَّانِي حلائل عمودي جمع حَلِيلَة أَي زَوْجَات آبَائِهِ وأبنائه , وَسميت لِأَنَّهُ تحل إِزَار زَوجهَا ومحلة لَهُ. وَالثَّالِث أُمَّهَات زَوجته وَإِن علون من نسب ومثلهن من رضَاع فيحرمن بِمُجَرَّد عقد نصا. وَالرَّابِع مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: وَتحرم بِدُخُول ربيبة وَهِي بنت زَوجته الَّتِي دخل بهَا وَتحرم بنتهَا وَبنت وَلَدهَا أَي الربيبة وَإِن سفلت من نسب أَو رضَاع , فَإِن مَاتَت الزَّوْجَة أَو أَبَانهَا بعد خلْوَة وَقبل وَطْء لم تحرم بناتها لقَوْله تَعَالَى: 19 (فان لم تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهن فَلَا جنَاح عَلَيْكُم) وَالْخلْوَة لَا تسمى دُخُولا. وَلَا يحرم - بتَشْديد الرَّاء - وَطْء فِي مصاهرة إِلَّا بتغييب لحفشة أَصْلِيَّة فِي فرج أُصَلِّي وَلَو دبر وَظَاهره وَلَو بِحَائِل أَو شُبْهَة أَو زنا بِشَرْط حياتهما وَكَون مثلهمَا يطَأ ويوطأ مثله , فَلَو أولج ابْن دون عشر حَشَفَة فِي

فرج امْرَأَة أَو أولج ابْن عشر فَأكْثر حشفته فِي فرج بنت دون تسع لم يُؤثر فِي تَحْرِيم الْمُصَاهَرَة , وَكَذَا تغيب بعض الْحَشَفَة والقبلة والمباشرة دون الْفرج لَا تَأْثِير لَهُ , وَيحرم بِوَطْء ذكر مَا يحرم بِوَطْء امْرَأَة فَلَا يحل لكل من لائط وملوط بِهِ نِكَاح أم لآخر وَلَا ابْنَته. وَالْقسم الرَّابِع من الْمُحرمَات على الْأَبَد المرحمة بِاللّعانِ نصا فَمن لَا عَن زَوجته وَلَو فِي نِكَاح فَاسد أَو بعد إبانة لنفي ولد حرمت عَلَيْهِ أبدا وَلَو أكذب نَفسه. وَالْقسم الْخَامِس من الْمُحرمَات على الْأَبَد زَوْجَات النَّبِي فيحرمن على غَيره , وَلَو من فَارقهَا فِي حَيَاته , وَهن أَزوَاجه دنيا وَأُخْرَى. وَالضَّرْب الثَّانِي من ضربي الْمُحرمَات فِي النِّكَاح الْمُحرمَات إِلَى أمد فَتحرم أُخْت معتدته حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا أَو أَي وَتحرم زَوجته حَتَّى يُفَارق أُخْتهَا وتنقضي عدتهَا أَو تَمُوت , أَو ملك أُخْت زَوجته أَو عَمَّتهَا أَو خَالَتهَا فَكَذَلِك لَا بَين أُخْت شخص من أَبِيه وَأُخْته من أمه وَلَو فِي عقد وَاحِد وَمن ملك أُخْتَيْنِ وَنَحْوهمَا كامرأة وعمتها مَعًا صَحَّ وَله وَطْء آيتهما شَاءَ وَيحرم بِهِ وَطْء الْأُخْرَى نصا حَتَّى يحرم الْمَوْطُوءَة بِإِخْرَاج عَن ملكه وَلَو بِبيع للْحَاجة أَو هبة أَو تَزْوِيج بعد اسْتِبْرَاء , وَلَا يَكْفِيهِ مُجَرّد تَحْرِيمهَا وَلَا كتَابَتهَا وَلَا رَهنهَا وَلَا بيعهَا بِشَرْط الْخِيَار للْبَائِع , فَلَو خَالف ووطىء لزمَه إِن يمسك عَنْهُمَا حَتَّى يحرم إِحْدَاهمَا كَمَا تقدم , فَإِن عَادَتْ لملكه وَلَو قبل وَطْء الْبَاقِيَة لم يصب وَاحِدَة مِنْهُمَا حَتَّى يحرم الْأُخْرَى ,

لا يحل لك النساء من بعد

وَلَيْسَ لحر جمع أَكثر من أَربع زَوْجَات إِلَّا النَّبِي فَكَانَ لَهُ أَن يتَزَوَّج أَي عدد شَاءَ وَنسخ تَحْرِيم الْمَنْع وَهُوَ قَوْله تَعَالَى 19 - (: (لَا يحل لَك النِّسَاء من بعد) الْآيَة. بقوله تَعَالَى 19 (: (ترجى من تشَاء مِنْهُنَّ) الْآيَة. وَلَيْسَ لعبد أَكثر من ثنيتين , وَيجوز لمن نصفه فَأكْثر حر جمع ثَلَاث زَوْجَات نصا ثنيتين بِنصفِهِ الْحر وَوَاحِدَة بِنصفِهِ الرَّقِيق وَلمن دون نصفه حر نِكَاح ثِنْتَيْنِ فَقَط. وَمن طلق وَاحِدَة من نِهَايَة جمعه كحر طلق وَاحِدَة من أَربع نسْوَة , وَعبد وَاحِدَة من ثِنْتَيْنِ حرم تزوجيه بدلهَا حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا بِخِلَاف مَوتهَا. وَتحرم زَانِيَة إِذا علم زنَاهَا على الزَّانِي وَغَيره حَتَّى تتوب بِأَن ترواد على الزِّنَا فتمتنع نصا وَحَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا فَإِن تابت ونقضت عدتهَا حل نِكَاحهَا لزان وَغَيره , وَلَا يشْتَرط تَوْبَة الزَّانِي إِذا نَكَحَهَا. وَتحرم عَلَيْهِ مُطلقَة ثَلَاثًا سَوَاء كَانَ حد أَو لَا حَتَّى يَطَأهَا زوج غَيرهَا أَي غير الْمُطلق وطأ بِشَرْطِهِ وَهُوَ أَن يَطَأهَا بِنِكَاح صَحِيح فِي قبلهَا مَعَ الانتشار كَمَا يَأْتِي فِي الرّجْعَة. وتنقضي عدتهَا من الزَّوْج الَّذِي أنكحته. وَتحرم مُحرمَة حَتَّى تحل من إحرامها وَتحرم مسلمة على كَافِر وكافرة على مُسلم حَتَّى تسلم بقوله تَعَالَى: (وَلَا تنْكِحُوا

المشركات حَتَّى يُؤمن) إِلَّا حرَّة كِتَابِيَّة وَلَو حربية أبواها كتابيان وَلَو من بني تغلب وَمن فِي مَعْنَاهَا من نَصَارَى الْعَرَب ويهودهم. وَتحرم على حر مُسلم أمة مسلمة أَي نِكَاحهَا مَا لم يخف عنت عزوبة لحَاجَة مُتْعَة أَو خدمَة امْرَأَة لَهُ لكبر أَو مرض أَو نَحْوهمَا نصا , وَلَو كَانَ خوف الْعَنَت مَعَ صغر زَوجته الْحرَّة أَو غيبتها أَو مَرضهَا نصا. وَكَانَ يعجز عَن طول حرَّة أَي مَال حَاضر يَكْفِيهِ لنكاح حرَّة وَلَو كِتَابِيَّة أَو كَانَ يعجز عَن ثمن أمة وَلَو كِتَابِيَّة فَتحل لَهُ الْأمة حِينَئِذٍ وَالصَّبْر عَنْهَا مَعَ ذَلِك خير وَأفضل لقَوْله تَعَالَى 19 (: (وان تصبروا خير لكم) وَيحرم على عبد سيدته أَي نِكَاحهَا وَلَا يَصح وَلَو ملكت بعضه حَكَاهُ ابْن الْمُنْذر إِجْمَاعًا. وَيُبَاح لأمة نِكَاح عبد وَلَو لابنها ولعَبْد نِكَاح أمة وَلَده وَيحرم على سيد أمته أَي أَن يَتَزَوَّجهَا لِأَن ملك الْيَمين أقوى , وَأمة مُكَاتبَة وَأمة لَهُ فِيهَا ملك وَأمة وَلَده من النّسَب دون الرَّضَاع فَلهُ أَن يتَزَوَّج أمة وَلَده من الرَّضَاع بِشَرْط كَالْأَجْنَبِيِّ , وَيحرم على حرَّة قن وَلَدهَا بِخِلَاف أمة وَتقدم قَرِيبا , وَمن جمع فِي عقد بَين مُبَاحَة ومحرمة كأيم وَزَوْجَة صَحَّ فِي الأيم. وَبَين أم وَبنت صَحَّ فِي الْبِنْت دون الْأُم وَمن حرم وَطْؤُهَا بِعقد كالمجوسية الوثنية والمرتدة وَنَحْو ذَلِك حرم وَطْؤُهَا بِملك يَمِين لِأَنَّهُ إِذا حرم النِّكَاح لكَونه طَرِيقا الى الْوَطْء فَهُوَ نَفسه أولى بِالتَّحْرِيمِ إِلَّا أمة كِتَابِيَّة فَيحرم نِكَاحهَا لَا وَطْؤُهَا بِملك

يَمِين لعُمُوم قَوْله تَعَالَى: (أَو مَا ملكت أَيْمَانكُم) وَلِأَن نِكَاح الْكِتَابِيَّة إِنَّمَا حرم لأجل إرفاق الْوَلَد وبقائه مَعَ كَافِرَة وَهَذَا معدم فِي ملك الْيَمين. وَلَا يَصح نِكَاح خنثي مُشكل حَتَّى يتَبَيَّن أمره نصا. وَلَا يحرم فِي الْجنَّة زِيَادَة الْعدَد وَلَا الْجمع بَين الْمحرم وَغَيرهَا , لِأَنَّهَا لَيست دَار تَكْلِيف.

فصل

3 - (فصل) . والشروط جمع شَرط وَتقدم تَعْرِيفه فِي الصَّلَاة , وَهُوَ هَاهُنَا مَا يَشْتَرِطه أحد الزَّوْجَيْنِ على الآخر مِمَّا لَهُ فِيهِ غَرَض صَحِيح وَلَيْسَ بمناف لمقْتَضى النِّكَاح , وَمحل الصَّحِيح مِنْهَا صلب العقد , وَكَذَا لَو اتفقَا عَلَيْهِ قبله , قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين عَفا اللَّه عَنهُ. وَهِي فِي النِّكَاح نَوْعَانِ أَحدهمَا صَحِيح لَازم للزَّوْج فَلَيْسَ لَهُ فكه بِدُونِ إبانتها وَيسن وفاؤه بهَا وَذَلِكَ كَشَرط زِيَادَة مقدرَة فِي مهرهَا وَكَذَا لَو شرطت عَلَيْهِ نَفَقَة وَلَدهَا وَكسوته مُدَّة مُعينَة , وَيكون من الْمهْر أَو كَون الْمهْر من نقد معِين أَو لَا يُخرجهَا من دارها أَو بَلَدهَا أَو يتَزَوَّج أَو يتسرى عَلَيْهَا أَو لَا يفرق بَينهَا وَبَين أَبَوَيْهَا أَو أَوْلَادهَا أَو لَا يُسَافر بهَا أَو أَن ترْضع وَلَدهَا الصَّغِير أَو يُطلق ضَرَّتهَا أَو يَبِيع أمته فَيلْزم الزَّوْج ذَلِك كُله لِأَن فِيهِ قصدا صَحِيحا فَإِن لم يَفِ الزَّوْج بذلك أَي بِمَا شَرط عَلَيْهِ فلهَا أَي الزَّوْجَة الْفَسْخ على التَّرَاخِي إِن فعله لَا إِن عزم. وَلَا يسْقط إِلَّا بِمَا يدل على رِضَاهَا من قَول أَو تَمْكِين مَعَ الْعلم بِفِعْلِهِ مَا اشْترطت أَن لَا يَفْعَله , فَإِن مكنته قبل الْعلم بِهِ لم يسْقط فَسخهَا. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: لَو خدعها فسافر بهَا ثمَّ كرهته لم يكن لَهُ أَن يكرهها بعد ذَلِك. انْتهى.

وَمن شَرط أَن لَا يُخرجهَا من منزل أَبَوَيْهَا فَمَاتَ أَحدهمَا بَطل الشَّرْط. وَمن شرطت سكناهَا مَعَ أَبِيه ثمَّ أرادتها مُنْفَرِدَة فلهَا. وَالنَّوْع الثَّانِي فَاسد وَهُوَ نَوْعَانِ: نوع يبطل العقد أَي عقد النِّكَاح من أَصله وَهُوَ أَرْبَعَة أَشْيَاء أَحدهَا [نِكَاح الشّغَار] بِكَسْر الشين وَهُوَ أَن يُزَوّج رجل رجلا ابْنَته أَو أُخْته وَنَحْوهمَا على أَن يُزَوجهُ الآخر وليته وَلَا مهر بَينهمَا , يُقَال شغر الْكَلْب إِذا رفع رجله ليبول فَسمى هَذَا النِّكَاح شغارا تَشْبِيها فِي الْقبْح بِرَفْع الْكَلْب رجله للبول - أَو يَجْعَل بضع كل وَاحِدَة مَعَ دَرَاهِم مَعْلُومَة مهر الْأُخْرَى , فَإِن سموا مهْرا مُسْتقِلّا غير قَلِيل وَلَا حِيلَة صَحَّ النِّكَاح نصا , وَإِن سمى لإحداهما صَحَّ نِكَاحهَا فَقَط. وَالثَّانِي نِكَاح الْمُحَلّل وَهُوَ أَن يتَزَوَّج الْمُطلقَة ثَلَاثًا على أَنَّهَا مَتى أحلهَا طَلقهَا أَو فَلَا نِكَاح , وَهُوَ حرَام بَاطِل لحَدِيث (لعن الله الْمُحَلّل والمحلل لَهُ) أَو ينويه الزَّوْج وَلم يذكر الشَّرْط فِي العقد فَالنِّكَاح بَاطِل أَيْضا نصا , أَو يتَّفق قبل العقد وَلم يذكر فِي العقد فَلَا يَصح إِن لم يرجع عَنهُ وينو حَال العقد أَنه نِكَاح رَغْبَة , فَإِن حصل ذَلِك صَحَّ لخلوه عَن نِيَّة التَّحْلِيل وَالْقَوْل قَوْله فِي نِيَّته , أَو يُزَوّج عَبده بمطلقته ثَلَاثًا بنية هِبته أَو هبة بعضه لَهَا لأجل أَن يَنْفَسِخ نِكَاحهَا فَلَا يَصح.

وَالثَّالِث نِكَاح الْمُتْعَة وَهُوَ أَن يَتَزَوَّجهَا إِلَى مُدَّة مثل أَن يَقُول زَوجتك ابْنَتي شهرا أَو سنة وَنَحْوه أَو يَقُول هُوَ: أمتعيني نَفسك , فَتَقول: أمتعتك نَفسِي لَا بولِي وَلَا بِشَاهِد , أَو يَنْوِي طَلاقهَا بِقَلْبِه , أَو يتَزَوَّج الْغَرِيب بنية طَلاقهَا إِذا خرج إِلَى بَلَده. وَالرَّابِع نِكَاح الْمُعَلق إِلَى شَرط غير مَشِيئَة الله تَعَالَى كَقَوْلِه زَوجتك إِذا جَاءَ رَأس الشَّهْر أَو رضيت أمهَا أَو فلَان , أَو أَن وضعت زَوْجَتي بِنْتا فقد فقد زوجتكها وَيصِح زَوجتك فُلَانَة إِن كَانَت ابْنَتي أَو إِن كنت وَبهَا أَو إِن انْقَضتْ عدتهَا والعاقدان يعلمَانِ إِنَّهَا بنته أَو أَنه وَليهَا أَو أَن عدتهَا قد انْقَضتْ. أَو قَالَ زوجتكها إِن شِئْت فَقَالَ: شِئْت أَو قبلت وَنَحْوه , فَيصح لِأَنَّهُ لَيْسَ بتعليق حَقِيقَة بل توكيد وتقوية. وَالنَّوْع الثَّانِي من نوعى الْفَاسِد [فَاسد] يَصح مَعَه النِّكَاح وَلَا يُبطلهُ النِّكَاح كَشَرط أَن لَا مهر أَو لَا نَفَقَة لَهَا أَو أَن يُقيم عِنْدهَا اكثر من ضَرَّتهَا أَو أقل وَيقسم لَهَا اكثر من ضَرَّتهَا أَو اقل مِنْهَا أَو أَن صدقهَا رَجَعَ , أَو يشترطان أَو أَحدهمَا عدم وَطْء وَنَحْوه كَقَوْلِه عَنْهَا: وَلَا تسلم نَفسهَا أليه أَلا بعد مُدَّة مُعينَة وَنَحْو ذَلِك بَطل الشَّرْط وَصَحَّ العقد. وان شَرط الزَّوْج [نفى عيب] عَن الزَّوْجَة لَا يفْسخ بِهِ إِي الْعَيْب النِّكَاح كشرطها سميعة أَو بَصِيرَة أَو ناطقة وَنَحْوه فَوجدَ مَا شَرط نَفْيه بهَا الزَّوْجَة فَلهُ الْفَسْخ لِأَنَّهُ شَرط صفة مَقْصُودَة أَو انه شَرطهَا مسلمة أَو قَالَ لَهُ الْوَلِيّ زَوجتك هَذِه الْمسلمَة أَو ظَنّهَا مسلمة

وَلم تعرف بتقدم كفر فَبَانَت كِتَابِيَّة أَو شَرطهَا بكرا أَو جميلَة أَو نسيبة فَبَانَت بِخِلَافِهِ فَلهُ الْخِيَار. وَمن تزوج أمته وَظن أَنَّهَا حرَّة أَو شَرط أَنَّهَا حرَّة فَولدت مِنْهُ مَعَ رقها فولده ويفيدي مَا ولدت حَيا لوقت يعِيش لمثله بِقِيمَتِه يَوْم الْولادَة , ثمَّ إِن كَانَ مِمَّن يحل لَهُ نِكَاح الْإِمَاء فرق بَينهمَا وَإِلَّا فَلهُ الْخِيَار فَإِن رضى بالْمقَام مَعهَا فَإِن ولدت بعد ثُبُوت رقها فرقيق وَيرجع زوج بِالْفِدَاءِ وَالْمهْر الْمُسَمّى على من غره إِن كَانَ أَجْنَبِيّا وَإِن كَانَ سَيِّدهَا الْغَار وَلم تعْتق بذلك بِأَن لم يكن التَّغْرِير بِلَفْظ تحصل بِهِ الْحُرِّيَّة , أَو كَانَت هِيَ الْغَارة وهى مُكَاتبَة فَلَا مهر لسَيِّدهَا حَيْثُ كَانَ هُوَ الْغَار وَلَا مهر لَهَا أَن كَانَت هِيَ الْغَارة وَوَلدهَا مكَاتب فَيغرم أَبوهُ قِيمَته لَهَا إِن لم تكن هِيَ الْغَارة , وَيرجع بِمَا يغرمه على من غره. وَإِن كَانَت قِنَا تعلق مَا غرمه لسَيِّدهَا برقبتها. وَلمن عتقت كلهَا تَحت رَقِيق كُله الْفَسْخ بِغَيْر حكم حَاكم وَإِلَّا فَلَا فسخ.

فصل

3 - (فصل) . فِي عُيُوب النِّكَاح وَنِكَاح الْكفَّار. وعيب نِكَاح أَي الْمُثبت للخيار ثَلَاثَة أَنْوَاع مِنْهَا نوع مُخْتَصّ بِالرجلِ كجب ذكره كُله أَو بعضه بِحَيْثُ لَا يُمكن الْجِمَاع بِمَا بقى وَيقبل قَوْلهَا فِي عدم إِمْكَانه أَو قطع خصيتيه أَو رض بيضتيه أَو سلهما وكعنة بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد النُّون والعنين من لَا يُمكنهُ الْوَطْء لكبر أَو مرض وَنَوع مُخْتَصّ بالمرآة كسد فرج بقرن وعفل وَهُوَ لحم فِيهِ يسده فعلى هَذَا الْقرن والعفل فِي الْعُيُوب وَاحِد وَهُوَ قَول القَاضِي وَظَاهر الخرقى بِأَن لَا يسلكه الذّكر وكرتق بِفَتْح الرَّاء وَهُوَ تلاحم الشفرتين خلقَة لَا مَسْلَك للذّكر فِيهِ أَو بِهِ بخر أَو قُرُوح سيالة أَو كَونهَا فتقاء بانخراق سَبِيلهَا أَو بَين مخرج بَوْل مني وَكَونهَا مُسْتَحَاضَة وَنَوع مُشْتَرك بَينهمَا أَي الرجل والمرآة كجنون وَلَو أَحْيَانًا وجذام وبرص وبخر فَم واستطلاق بَوْل أَو غَائِط وباسور وناسور وقرع راس لَهُ رَائِحَة مُنكرَة فَيفْسخ النِّكَاح أَي فَيملك كل من الزَّوْجَيْنِ الْفَسْخ بِوُجُود كل وَاحِدَة على انفرادها من ذَلِك لما فِيهِ من النفرة

وَالنَّقْص أَو خوف تعدى أَذَاهُ أَو تعدى نَجَاسَته حَتَّى وَلَو حدث ذَلِك بعد دُخُول لِأَنَّهُ عيب فِي النِّكَاح ثَبت بِهِ الْخِيَار مُقَارنًا فأثبته طارئا كإعسار , وَلِأَنَّهُ عقد على مَنْفَعَة فحدوث الْعَيْب بهَا يثبت الْخِيَار كَالْإِجَارَةِ , وَلَا يفْسخ ب [غير] مَا ذكر من نَحْو عمى وعور وعرج وطرش وخرس وَقطع يَد أَو قطع رجل وقرع لَا ريح لَهُ وَكَون أَحدهمَا عقيما أَو نضوا أَي نحيفا جدا أَو سمينا جدا أَو كسيحا لِأَن ذَلِك كُله لَا يمْنَع الِاسْتِمْتَاع وَلَا يخْشَى تعديه إِلَّا بِشَرْط أَي كل من شَرط نفى ذَلِك كُله أَو بعضه فَلهُ شَرطه كَمَا تقدم فِي الْفَصْل السَّابِق. [وَمن ثبتَتْ عنته] بِإِقْرَارِهِ أَو بَيِّنَة عَلَيْهِ أَو طلبت يَمِينه فنكل وَلَو يدع وطئا سَابِقًا على دَعْوَاهَا [أجل] بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول سنة هلالية من حِين ترفعه الزَّوْجَة إِلَى الْحَاكِم لِأَن الْعَجز قد يكون لعنَّة وَقد يكون لمَرض فَتضْرب لَهُ سنة ليمر بِهِ الْفُصُول الْأَرْبَعَة فَإِن كَانَ من يبس زَالَ فِي زمن الرُّطُوبَة وَبِالْعَكْسِ وَإِن كَانَ من برودة زَالَ فِي فصل الْحَرَارَة وان كَانَ من احتراق مزاج زَالَ فِي فصل الِاعْتِدَال فان مَضَت الْفُصُول الْأَرْبَعَة وَلم يزل علم أَنَّهَا خلقَة وَلَا يحْتَسب عَلَيْهِ من السّنة مَا اعتزلته الزَّوْجَة فَقَط فان عزل نَفسه أَو سَافر حسب عَلَيْهِ فان مَضَت السّنة وَلم يطَأ هَا فِي السّنة فلهَا الْفَسْخ وان قَالَ وطئتها وَأنْكرت ثيبة وَهِي ثَيِّبًا قبل قَوْلهَا إِن ثبتَتْ عنته وَمَجْنُون ثبتَتْ عنته كعاقل فِي ضرب الْمدَّة وَخيَار عيب على التَّرَاخِي لِأَنَّهُ خِيَار يثبت لدفع ضَرَر مُحَقّق فَكَانَ على التَّرَاخِي كَخِيَار الْقصاص لَكِن يسْقط الْخِيَار بِمَا يدل على الرِّضَا كَوَطْء إِذا كَانَ الْخِيَار للزَّوْج لِأَنَّهُ يدل على رغبته فِيهَا , أَو تَمْكِين إِذا كَانَ

الْخِيَار لَهَا لِأَنَّهُ دَلِيل على رغبتها فِيهِ مَعَ الْعلم بِالْعَيْبِ وَلَا يسْقط الْخِيَار فِي عنة إِلَّا بقول امْرَأَة الْعنين: أسقطت حَقي فِي الْخِيَار لعنته , أَو رضيت بِهِ , أَو باعترافها بِوَطْئِهِ فِي قبلهَا - لَا بتمكينها من الْوَطْء فِي الْعنَّة فَقَط , لِأَنَّهُ وَاجِب عَلَيْهَا لتعلم أزالت عنته أَو لَا وَلَا فسخ أَي وَلَا يَصح الْفَسْخ هَاهُنَا وَفِي خِيَار الشَّرْط [إِلَّا ب] حكم [حَاكم] فيفسخه أَو يردهُ إِلَيّ من لَهُ الْخِيَار فيفسخه , وَيصِح فِي غيبَة زوج وَالْأولَى مَعَ حُضُوره. وَالْفَسْخ لَا ينقص عدد الطَّلَاق , وَله رَجعتهَا بِنِكَاح جَدِيد وَتَكون عِنْده على طَلَاق ثَلَاث حَيْثُ لم يسْبق لَهُ طَلَاق , وَكَذَا الْفَسْخ للإعسار وَفسخ الْحَاكِم على المؤلى وَنَحْوهمَا أَي لَا ينقص عدد الطَّلَاق فَإِن فسخ النِّكَاح قبل دُخُول فَلَا مهر لَهَا عَلَيْهِ سَوَاء كَانَ الْفَسْخ مِنْهُ أَو مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ إِن كَانَ الْعَيْب مِنْهَا فالفرقة من قبلهَا؛ وَإِن كَانَ مِنْهُ فَإِنَّمَا فسخ بِعَيْب دلّس بالإخفاء فَصَارَ الْفَسْخ كَأَنَّهُ مِنْهَا وَإِن فسخ النِّكَاح بعده أَي الدُّخُول وَالْخلْوَة اسْتَقر لَهَا الْمُسَمّى فِي عقد كَمَا لَو طَرَأَ الْعَيْب بعد الدُّخُول يرجع زوج بِهِ أَي بنظير الْمُسَمّى الَّذِي غرمه على مغرر لَهُ من زَوْجَة عَاقِلَة وَولي ووكيل وَيقبل قَول ولي [وَلَو] محرما فِي عدم علمه حَيْثُ لَا بَيِّنَة بِعِلْمِهِ فَحِينَئِذٍ لَا غرم عَلَيْهِ , وَلَو وجد التَّغْرِير من زَوْجَة وَولي فَالضَّمَان على الْوَلِيّ , وَلَيْسَ لوَلِيّ صَغِير أَو صَغِيرَة أَو مَجْنُون أَو سيد أمة تزوجيهم بمعيب يرد بِهِ النِّكَاح , وَلَا لوَلِيّ مكلفة تَزْوِيجهَا بِهِ بِلَا رِضَاهَا فَلَو فعل لم يَصح إِن علم الْعَيْب , وَإِلَّا صَحَّ وَله الْفَسْخ إِذا علمه.

ثمَّ أَخذ يبين حكم نِكَاح الْكفَّار فَقَالَ: [ويقر الْكفَّار على نِكَاح فَاسد إِن اعتقدوا صِحَّته] وَلم يرتفعوا إِلَيْنَا , فَإِن أتونا قبل عقده عقدناه على حكمنَا , ونكاحهم كَنِكَاح الْمُسلمين فِيمَا يجب بِهِ من وُقُوع طَلَاق وظهار وإيلاء وَوُجُوب مهر وَنَفَقَة وَقسم وَإِبَاحَة [للمطلق] ثَلَاثًا فَلَو طلق الْكَافِر زَوجته ثَلَاثًا ثمَّ تزَوجهَا قبل وَطْء زوج آخر لم يقْرَأ عَلَيْهِ لَو أسلما أَو ترافعا إِلَيْنَا وَإِن طلق أقل ثمَّ أسلما فَهِيَ عِنْده على مَا بَقِي من طَلاقهَا و [إِن] أتونا بعد عقده أَو أسلم الزَّوْجَانِ على نِكَاح لم نتعرض بكيفية العقد من وجود صيغته أَو ولى أَو شُهُود , قَالَ ابْن عبد الْبر: أجمع الْعلمَاء على أَن الزَّوْجَيْنِ إِذا أسلما مَعًا فِي حَالَة وَاحِدَة أَن لَهما الْمقَام على نِكَاحهمَا مَال لم يكن بَينهمَا نسب أَو رضَاع , وَقد أسلم خلق كَثِيرُونَ فِي عهد النَّبِي وَأسلم نِسَاؤُهُم فأقروا على أنكحتهم وَلم يسألهم النَّبِي عَن شُرُوط النِّكَاح وَلَا كيفيته. فان أتونا بعد عقده أَو أسلم الزَّوْجَانِ وَكَانَت الْمَرْأَة تُبَاح إِذن أَي حَال الترافع أَو الْإِسْلَام كعقد فِي عدَّة فرغت نصا أَو على أُخْت زَوْجَة مَاتَت أَو بِلَا شُهُود أَو ولي أَو صِيغَة أقرا على نِكَاحهمَا. وَإِن حرم ابْتِدَاء نِكَاحهمَا حَال الترافع أَو الْإِسْلَام كذات محرم أَو فِي عدَّة لم تفرغ فرق بَينهمَا. وان أسلمت كِتَابِيَّة تَحت كَافِر كتابي أَو غَيره أَو أسلم أحد الزَّوْجَيْنِ غير كتابين كالمجوسيين والوثنيين قبل دُخُول فيهمَا انْفَسَخ النِّكَاح وَلَا يكون طَلَاقا.

وَإِن ارتدا مَعًا أَو أَحدهمَا قبل دُخُول فيهمَا انْفَسَخ النِّكَاح وَيسْقط الْمهْر بردتها وبردتهما مَعًا ويتنصف بردته. وَإِن كَانَت بعد الدُّخُول وَقعت الْفرْقَة على انْقِضَاء الْعدة وَيمْنَع من وَطئهَا وَتسقط نَفَقَتهَا بردتها لَا بردته وَلَا بردتهما مَعًا. وَإِن أسلم وَتَحْته أَكثر من أَربع نسْوَة فأسلمن أَو كن كتابيات اخْتَار وَلَو فِي حَالَة إِحْرَام أَرْبعا مِنْهُنَّ وَلَو ميتات؛ لِأَن الِاخْتِيَار اسْتِدَامَة للنِّكَاح وَتَعْيِين للمنكوحة فصح من الْمحرم بِخِلَاف ابْتِدَاء النِّكَاح , هَذَا إِن كَانَ الزَّوْج مُكَلّفا وَإِلَّا وقف الْأَمر حَتَّى يُكَلف فيختار مِنْهُنَّ لِأَن غير الْمُكَلف لَا حكم لقَوْله , ويعتزل المختارات حَتَّى تَنْقَضِي عدَّة المفارقات وجوبا إِن كَانَت المفارقات أَرْبعا فَأكْثر وَإِلَّا اعتزل من المختارات بعددهن لِئَلَّا يجمع مَاءَهُ فِي أَكثر من أَربع , فان كن خمْسا فَفَارَقَ إِحْدَاهُنَّ فَلهُ وَطْء ثَلَاث من المختارات , وَلَا يطَأ الرَّابِعَة حَتَّى تَنْقَضِي عدَّة الْمُفَارقَة , وان كن سِتا وَفَارق اثْنَتَيْنِ من المختارات وَهَكَذَا.

باب الصداق

(بَاب الصَدَاق) وَمَا يقرره وينصفه ويسقطه. وَهُوَ بِفَتْح الصَّاد وَكسرهَا يُقَال أصدقت الْمَرْأَة ومهرتها وَلَا يُقَال أمهرتها. قَالَ فِي الْمُغنِي وَالشَّرْح وَالنِّهَايَة وَهُوَ الْعِوَض الْمُسَمّى فِي عقد النِّكَاح وَبعده لمن لم يسم لَهَا فِيهِ. وَله تِسْعَة أَسمَاء مِنْهَا ثَمَانِيَة نظمها ابْن أبي الْفَتْح فِي بَيت قَالَ: صدَاق وَمهر نحلة وفريضة وحباء وَأجر ثمَّ عقد علائق وَالتَّاسِع صَدَقَة بِفَتْح الصَّاد وَضم الدَّال على الْمَشْهُور , وَضم الصَّاد وَفتحهَا مَعَ سُكُون الدَّال فيهمَا وَقد نظمتها جَمِيعًا فِي بَيت وَهُوَ هَذَا: فَرِيضَة مهر العقد أجر ونحلة حباء صدَاق صَدَقَة وعلائق

وَهُوَ مَشْرُوع فِي النِّكَاح إِجْمَاعًا لقَوْله تَعَالَى: (وَآتوا النِّسَاء صدقاتهن نحلة) . يسن تَسْمِيَته أَي الصَدَاق [فِي العقد] لِأَنَّهُ قطع للنزاع وَيسن تخفيفه وَهُوَ أَن يكون من أَرْبَعمِائَة دِرْهَم فضَّة وَهُوَ صدَاق بَنَات النَّبِي , وان زَاد فَلَا بَأْس , وَيصِح بِأَقَلّ مُتَمَوّل وكل مَا صَحَّ ثمنا فِي بيع أَو صَحَّ أُجْرَة فِي إِجَارَة صَحَّ مهْرا وَإِن قلا , وَلَو على مَنْفَعَة زوج أَو غَيره مَعْلُومَة مُدَّة مَعْلُومَة كرعاية غنمها مُدَّة مَعْلُومَة فَإِن لم يسم مهْرا أَو سمى وَلَكِن بطلت التَّسْمِيَة أَي وَقعت بَاطِلَة , فَإِن كَانَ على عوض فَاسد كَالْخمرِ وَالْحر وَالْميتَة وَالْخِنْزِير صَحَّ العقد نصا وَوَجَب لَهَا عَلَيْهِ مهر مثل بِعقد بَالغا مَا بلغ لاقْتِضَاء فَسَاد الْعِوَض رد عوضه , وَقد تعذر لصِحَّة النِّكَاح فَوَجَبَ رد قِيمَته وَهِي مهر الْمثل. وَإِن تزَوجهَا على عبد فَخرج حرا أَو مَغْصُوبًا فلهَا قِيمَته يَوْم عقد , وعَلى عصير فَبَان خمرًا فلهَا مثل الْعصير. وَيشْتَرط علم الصَدَاق فَلَا يَصح على مَجْهُول كَمَا لَو أصدقهَا ثوبا أَو دَارا أَو دَابَّة أَو عبدا مُطلقًا , أَو رد عَبدهَا أَيْن كَانَ أَو خدمتها مُدَّة فِيمَا شَاءَت , أَو شَيْئا مَعْدُوما نَحْو مَا يُثمر شَجَره وَنَحْوه أَو مَتَاعا ببيته وَنَحْوه , فَكل ذَلِك لم يَصح لعدم الْعلم بِهِ , وكل مَوضِع لَا تصح التَّسْمِيَة فِيهِ أَو خلا العقد عَن ذكر الصَدَاق وَهُوَ تَفْوِيض الْبضْع وَجب مهر الْمثل بِعقد.

وَلَو أصدقهَا قَمِيصًا من قمصانه وَنَحْوه صَحَّ وَلها أَحدهَا بِقرْعَة نصا. وقنطارا من زَيْت وثوبا هروبا أَو قَفِيزا من حِنْطَة وَنَحْوهَا صَحَّ وَلها الْوسط. وَإِن تزَوجهَا إِلَى ألف إِن لم يكن لَهُ زَوْجَة أَو إِن لم يُخرجهَا من دارها أَو بَلَدهَا وعَلى أَلفَيْنِ إِن كَانَ لَهُ زَوْجَة أَو إِن أخرجهَا وَنَحْو ذَلِك صَحَّ - لَا على ألف إِذا كَانَ أَبوهَا حَيا , وألفين إِن كَانَ مَيتا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي موت أَبِيهَا غَرَض صَحِيح , وَرُبمَا كَانَ حَال الْأَب غير مَعْلُوم فَيكون الصَدَاق مَجْهُولا. وَإِن أصدقهَا تَعْلِيم أَبْوَاب من فقه أَو حَدِيث أَو شَيْء من شعر مُبَاح أَو أدب أَو صَنْعَة أَو كِتَابَة أَو مَا يجوز أَخذ الْأُجْرَة على تَعْلِيمه وَهُوَ معِين صَحَّ حَتَّى وَلَو كَانَ الزَّوْج لَا يحفظه , ويتعلمه ثمَّ يعلمهَا , وَإِن تعلمته من غَيره أَو تعذر عيه تعليمها لزمَه أُجْرَة الْمثل , وَعَلِيهِ بِطَلَاق قبل تَعْلِيم وَدخُول نصف الْأُجْرَة وَبعد دُخُول كلهَا , وَإِن علمهَا ثمَّ سقط الصَدَاق رَجَعَ بِالْأُجْرَةِ وَمَعَ تنصيفها بِنِصْفِهَا , وَإِن أصدقهَا تَعْلِيم شَيْء من الْقُرْآن وَلَو معينا لم يَصح لِأَن الْفروج لَا تستباح إِلَّا بالأموال , وَكَذَا تَعْلِيم التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل أَو شَيْء مِنْهُمَا وَلَو كِتَابِيَّة أَو هُوَ كتابي لِأَنَّهُ مَنْسُوخ مبدل محرم وَإِن تزَوجهَا على ألف لَهُ وَألف لأَبِيهَا أَو على أَن الْكل لَهُ صَحَّ إِن صَحَّ تملكه من مَال وَلَده وَإِلَّا بِأَن كَانَ بِنَحْوِ مرض موت أَحدهمَا أَو ليعطيه لولد آخر فَالْكل لَهَا

فَلَو طلق الزَّوْج قبل دُخُول رَجَعَ بألفها أَي الزَّوْجَة فَقَط فِي الْمَسْأَلَة الأولى دون ألف الْأَب لِأَنَّهُ أَخذ من مَال ابْنَته فَلَا يجوز الرُّجُوع عَلَيْهِ بِهِ , وَرجع فِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة بِقدر نصفه عَلَيْهَا وَلَا شَيْء على الْأَب لَهما أَي الزَّوْج وَالزَّوْجَة إِن قَبضه بنية التَّمَلُّك؛ لأَنا قَدرنَا أَن الْجَمِيع صَار لَهَا ثمَّ أَخذه الْأَب مِنْهَا فَصَارَ كَأَنَّهَا قَبضته ثمَّ أَخذه مِنْهَا , وَإِن شَرط بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول لغير الْأَب كجد أَو أَخ أَو عَم [شَيْء] من الصَدَاق [ف] الشَّرْط بَاطِل وَالْكل أَي كل الْمهْر لَهَا أَي الزَّوْجَة. وَللْأَب تَزْوِيج بكر وثيب وَلَو كَبِيرَة بِدُونِ صدَاق مثلهَا وَإِن كرهت نصا وَلَا يلْزم أحدا تتمته. وان فعل ذَلِك غَيره بِإِذْنِهَا صَحَّ وبدونه بلزم زوجا تتمته. فال فِي الْمُنْتَهى وَشَرحه: وَنَصه يلْزم الْوَلِيّ كَمَا تلْزم تَتِمَّة مُقَدّر من زوج موليته بِدُونِ مَا قدرته من صدَاق. انْتهى. وَإِن زوج أَب ابْنه فَقيل لَهُ: من أَيْن تَأْخُذ الصَدَاق؟ فَقَالَ: عِنْدِي؛ وَلم يزدْ على ذَلِك لزمَه فَلَو قَضَاهُ الْأَب ثمَّ طلق الإبن قبل الدُّخُول وَلَو قبل بُلُوغه فنصفه للِابْن. وَيصِح تَأْجِيله أَي الْمهْر وَإِن أطلق الْأَجَل بِأَن لم يقدر لَهُ زَمنا يَدْفَعهُ فِيهِ فمحله أَي حُلُوله الْفرْقَة أَي الْمَوْت أَو الطَّلَاق , وتملكه أَي تملك الزَّوْجَة الْحرَّة وَسيد الْأمة الْمهْر كُله بِعقد وَلها نَمَاء معِين كَعبد معِين وَنَحْوه , وَالتَّصَرُّف فِيهِ. وَالَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح الزَّوْج لَا ولي صَغِير. وَيصِح تَفْوِيض بضع والتفويض الإهمال كَأَن الْمهْر أهمل حَيْثُ لم يسم , وَهُوَ نَوْعَانِ:

تَفْوِيض بضع وَهُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله بِأَن يُزَوّج أَب ابْنَته الْمُجبرَة بِلَا مهر أَو يُزَوّج ولي غَيرهَا أَي الْمُجبرَة أيا كَانَ أَو غَيرهَا بِإِذْنِهَا بِلَا مهر , وَالثَّانِي تَفْوِيض مهر بِأَن يَجْعَل الْمهْر إِلَى رَأْي أحد الزَّوْجَيْنِ أَو غَيرهمَا ك قَوْله: زَوجتك ابْنَتي أَو أُخْتِي وَنَحْوهمَا على مَا شَاءَت الزَّوْجَة [أَو] على مَا [شَاءَ فلَان] سَوَاء كَانَ قَرِيبا لَهما أَو لأَحَدهمَا أَو لَا وَالْعقد صَحِيح وَيجب لَهَا أَي الزَّوْجَة على زَوجهَا بِعقد مهر مثل ويستقر الْمهْر بِدُخُول بهَا وَإِن مَاتَ أَحدهمَا أَي الزَّوْجَانِ فِي نِكَاح التَّفْوِيض قبل دُخُول بمفوضة بِكَسْر الْوَاو وَفتحهَا وَقبل فرض حَاكم مهر الْمثل وَرثهُ الآخر سَوَاء كَانَ الْمَيِّت الزَّوْج أَو الزَّوْجَة وَلها أَي الزَّوْجَة مَعَ موت أَحدهمَا وَكَذَا سَائِر مَا يَتَقَرَّر بِهِ الْمهْر مهر نسائها أَي مهر مثلهَا مُعْتَبرا يمن يساويها من أقاربها كأمها وَأُخْتهَا وعمتها وخالتها , وان طلقت مفوضة قبلهمَا أَي الدُّخُول وَفرض الْمهْر وَلم يكن لَهَا أَي الزَّوْجَة عَلَيْهِ أَي الْمُطلق إِلَّا الْمُتْعَة نصا وَهِي مَا يجب لحرة أَو سيد أمة على زوج بِطَلَاق قبل دُخُول لمن لم يسم لَهَا مهر صَحِيح سَوَاء أَكَانَت مفوضة بضع أَو مهر أَو مُسَمّى لَهَا مهر فَاسد كخمر وخنزير , وَسَوَاء أَكَانَ الزَّوْجَانِ حُرَّيْنِ أَو رقيقين أَو مُخْتَلفين , مُسلمين أَو ذميين أَو مُسلما وذمية لعُمُوم النَّص , وَهِي أَي الْمُتْعَة مُعْتَبرَة فِي حق الزَّوْج فعلى الْمُوسر بِقدر يسره وعَلى الْمُعسر بِقدر [عسره] نصا فأعلاها خَادِم ذكر أَو أُنْثَى إِذا كَانَ

الزَّوْج مُوسِرًا وَأَدْنَاهَا كسْوَة تجزئها فِي صلَاتهَا إِذا كَانَ فَقِيرا , وَهِي درع وخمار أَو ثوب يُصَلِّي فِيهِ بِحَيْثُ يستر جَمِيع مَا يجب ستره. وَإِن دخل بهَا اسْتَقر مهر الْمثل وَلَا مُتْعَة إِن طلق بعده. وَلَا مهر بفرقة قبل دُخُول فِي نِكَاح فَاسد وَلَو بِطَلَاق أَو موت وَيجب مهر مثل لمن وطِئت وَلَو مَجْنُون فِي نِكَاح بَاطِل إِجْمَاعًا كَنِكَاح خَامِسَة أَو مُعْتَدَّة أَو وطِئت بِشُبْهَة أَو وطِئت ب [زنا كرها] إِن كَانَ الْوَطْء فِي قبل وَلَا يجب على الواطىء أرش بكارة مَعَه أَي الْمهْر لِأَن الْأَرْش يدْخل فِي مهر الْمثل , ويتعدد الْمهْر فِي وَطْء شُبْهَة بتعددها , كَأَن وَطئهَا ظَانّا أَنَّهَا زَوجته خَدِيجَة , ثمَّ وَطئهَا ظنا أَنَّهَا زَوجته زَيْنَب ثمَّ وَطئهَا ظَانّا أَنَّهَا زَوجته فَاطِمَة فَيجب لَهَا ثَلَاثَة مُهُور , فَإِن اتّحدت الشُّبْهَة وتعدد الْوَطْء فمهر وَاحِد. ويتعدد أَيْضا بِتَعَدُّد إِكْرَاه على زنا. وَيجب بِوَطْء ميتَة من الْمهْر مَا يجب بِوَطْء حَيَّة , وَلَا مهر لمطاوعة غير أمة ومبعضة فَيجب لسَيِّد الْأمة مهر مثلهَا على زَان , ولسيد المبعضة من مهرهَا بِقدر رق وعَلى من أذهب عذرة أَجْنَبِيَّة بِضَم الْعين بِلَا وَطْء أرش بَكَارَتهَا. وَإِن فعله زوج ثمَّ طلق قبل دُخُول لم يكن عَلَيْهِ إِلَّا نصف الْمُسَمّى. وَلَا يَصح تَزْوِيج من نِكَاحهَا فَاسد قبل طَلَاق أَو فسخ فَإِن أَبَاهَا زوج فَسخه حَاكم نصا. وَلها أَي الزَّوْجَة منع نَفسهَا قبل دُخُول حَتَّى تقبض مهْرا حَالا مُسَمّى كَانَ أَو مفوضة حَكَاهُ ابْن الْمُنْذر إِجْمَاعًا , وَلِأَن الْمَنْفَعَة المعقودة عَلَيْهَا تتَعَلَّق بِالِاسْتِيفَاءِ , فَإِذا تعذر عَلَيْهَا اسْتِيفَاء الْمهْر لم يُمكنهَا استرجاع بدله بِخِلَاف البيع.

وَلَا تمنع نقسها إِذا كَانَ الصَدَاق مُؤَجّلا وَقد حل الْأَجَل قبل تَسْلِيم نَفسهَا للزَّوْج أَو تبرعت الزَّوْجَة بِتَسْلِيم نَفسهَا للزَّوْج وَلها - زمن منع نَفسهَا لقبض مهر حَال - النَّفَقَة لِأَن الْحَبْس من قبله نصا , لَهَا أَيْضا السّفر بِلَا إِذْنه لِأَنَّهُ لم يثبت لَهُ عَلَيْهَا حق الْحَبْس فَصَارَت كمن لَا زوج لَهَا , وَبَقَاء دِرْهَم كبقاء جَمِيعه كَسَائِر الدُّيُون , وَمَتى سَافَرت بِلَا إِذْنه فَلَا نَفَقَة لَهَا كَمَا بعد الدُّخُول وَلَو قَبضته وسلمت نَفسهَا ثمَّ بَان معيبا فلهَا منع نَفسهَا حَتَّى تقبض بدله , وَلَو أَبى كل تَسْلِيم مَا وَجب عَلَيْهِ أجبر زوج ثمَّ زَوْجَة , وَإِن بَادر أَحدهمَا أجبر الآخر وَإِن أعْسر الزَّوْج مهر وَلَو بعد الدُّخُول فلهَا أَي الْحرَّة المكلفة الْفَسْخ لتعذر الْوُصُول إِلَى الْعِوَض كَمَا لَو أفلس مُشْتَر بِثمن - مَا لم تكن عَالِمَة بعسرته حِين العقد لرضاها بذلك , والخيرة لحرة وَسيد أمة لَا ولى صَغِيرَة ومجنونة وَلَا يَصح الْفَسْخ لذَلِك إِلَّا [ب] حكم حَاكم لِأَن الْفَسْخ مُخْتَلف فِيهِ أشبه الْفَسْخ للعنة والإعسار بِالنَّفَقَةِ , ويقرر الْمهْر الْمُسَمّى كُله موت أحد الزَّوْجَيْنِ سَوَاء كَانَت الزَّوْجَة حرَّة أَو أمة ويقرره كُله [قتل] أَحدهمَا الآخر وَقتل نَفسه؛ لِأَن النِّكَاح بلغ نهايته فَقَامَ ذَلِك مقَام الِاسْتِيفَاء فِي تَقْرِير الْمهْر وَلِأَنَّهُ أوجب الْعدة فَأوجب كَمَال الْمهْر كالدخول [و] يقرره كُله وَطْء الزَّوْجَة حَيَّة فِي فرج وَلَو دبرا , ويقرره كُله [خلْوَة] بهَا وَلَو لم يَطَأهَا عَن مُمَيّز بَالغ مُطلقًا أَي مُسلما كَانَ أَو كَافِرًا ذكرا أَو أُنْثَى عَاقِلا أَو مَجْنُونا أعمى أَو بَصيرًا إِن كَانَ الزَّوْج [مِمَّن يطَأ مثله] كَابْن عشر ويوطأ مثلهَا كَبِنْت تسع مَعَ علمه بِالزَّوْجَةِ إِن لم تَمنعهُ

من وَطئهَا فَإِن منعته لم يَتَقَرَّر الْمهْر لعدم التَّمْكِين التَّام , وَلَا تقبل دَعْوَاهُ عدم علم بهَا وَلَو نَائِما أَو بِهِ عمى نصا , إِن لم تصدقه لِأَن الْعَادة أَنه لَا يخفي عَلَيْهِ ذَلِك فَقدمت الْعَادة هَاهُنَا على الأَصْل قَالَه فِي الْإِقْنَاع , أَو كَانَ بهما أَو بِأَحَدِهِمَا مَانع حسي كجب ورتق , أَو شَرْعِي كحيض وإحرام , فَإِذا خلا بهَا وَلَو فِي حَال من هَذِه تقرر الصَدَاق بِالشُّرُوطِ السَّابِقَة , لِأَن الْخلْوَة نَفسهَا مقررة للمهر [و] يقرره كُله طَلَاق فِي مرض موت أَحدهمَا أَي الزَّوْجَيْنِ الْمخوف قبل دُخُول , لِأَنَّهُ يجب عَلَيْهَا عدَّة الْوَفَاء إِذا ومعاملة لَهُ بضد قَصده كالفار بِالطَّلَاق من الْإِرْث وَالْقَاتِل مَا لم تتَزَوَّج قبل مَوته أَو ترتد عَن الْإِسْلَام لِأَنَّهَا لَا تَرثه إِذا ويقرره كُله لمس الزَّوْج الزَّوْجَة أَو أَي ويقرره كُله [نظر] الزَّوْج إِلَى فرجهَا أَي الزَّوْجَة بِشَهْوَة فيهمَا أَي اللَّمْس وَالنَّظَر وَلَو بِلَا خلْوَة مِنْهُمَا نصا لقَوْله تَعَالَى: (وَإِن طلقتموهن من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ) الْآيَة. وَحَقِيقَة الْمس التقاء البشرتين ويقرره كُله تقبيلها وَلَو بِحَضْرَة النَّاس لِأَنَّهُ نوع استمتاع أشبه الْوَطْء. وَإِن تزَوجهَا على صداقين سرا وَعَلَانِيَة أَخذ بِالزَّائِدِ سَوَاء كَانَ الأول اكثر أَو الثَّانِي. وتلحق الزِّيَادَة بِالْمهْرِ بعد عقد النِّكَاح. إِن وعدوه وَلم يفوا رَجَعَ بهَا وَمَا قبض بِسَبَب نِكَاح فكمهر وينصفه أَي الصَدَاق [كل فرقة] بِضَم الْفَاء جَاءَت من قبله أَي

الزَّوْج قبل دُخُول بِالزَّوْجَةِ كطلاقه وخلعه لَهَا وَلَو بسؤالها واسلامه إِن لم تكن كِتَابِيَّة وَيملك أَحدهمَا الْأُخَر وكل فرقة جَاءَت من قبلهَا أَي الزَّوْجَة قبله أَي الدُّخُول تسقطه أَي الْمهْر جَمِيعه حَتَّى الْمُتْعَة كفرقة اللمعان وفسخه بعيبها وفسخها بِعَيْنِه أَو إِعْسَاره أَو عدم وفائه بِشَرْط واختيارها لنَفسهَا يَجْعَل الزَّوْج لَهَا ذَلِك بسؤالها واسلامها تَحت كَافِر أَو تَحت مُسلم ورضاعها من يَنْفَسِخ بِهِ نِكَاحهَا.

فصل

3 - (فصل) وَتسن الْوَلِيمَة بتأكد وَأَصلهَا تَمام الشَّيْء واجتماعه لِأَنَّهَا مُشْتَقَّة من الالتئام وَهُوَ الِاجْتِمَاع قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أولم الرجل إِذا اجْتمع عقله وخلقه. هِيَ الِاجْتِمَاع للعرس خَاصَّة وَيَعْنِي طَعَام الْعرس لَا تقع على غَيره حَكَاهُ ابْن عبد الْبر عَن ثَعْلَب وَغَيره من أَئِمَّة اللُّغَة لِاجْتِمَاع الرجل وَالْمَرْأَة كَمَا قَالَه الْأَزْهَرِي. وحذاق اسْم لطعام حذاق صبي قَالَه فِي الْقَامُوس يولم حذاق الصَّبِي يَوْم خَتمه الْقُرْآن وعذيرة وإعذار اسْم لطعام ختان وخرسة وخرس بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء اسْم لطعام ولادَة ووكيرة لدَعْوَة بِنَاء ونقيعة لقدوم غَائِب وعقيقة لذبح لمولود ومادية بِضَم الدَّال الْمُهْملَة اسْم لكل دَعْوَة بِسَبَب وَغَيره ووضيمة لطعام مأتم بِالْمُثَنَّاةِ فَوق وَهُوَ العزاء وَأَصله اجْتِمَاع الرِّجَال وَالنِّسَاء وتحفة اسْم لطعام قادم قَالَ ابْن نصر الله فَتكون التُّحْفَة من القادم والنقيعة لَهُ. انْتهى. وشندخية اسْم لطعام إملاك على زَوْجَة وشنداخ اسْم لطعام مَأْكُول فِي ختمة القارىء وعتيرة وهى الَّتِي تذبح أول رَجَب والقرى بِكَسْر الْقَاف اسْم لطعام الضيفان.

كانت الوليمة بشاة فاقل من شاة

وَقيل تطلق الْوَلِيمَة على كل طَعَام وسرور وحادث لَكِن اسْتِعْمَالهَا فِي الْعَام الْعرس اكثر والدعوة الْعَامَّة تسمى الجفلى بِفَتْح الْفَاء والخاصة النقرى بِالتَّحْرِيكِ. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: تسْتَحب بِالدُّخُولِ وَمَشى عَلَيْهِ فِي الْإِقْنَاع وَقَالَ فِي الْمُنْتَهى: تسن الْوَلِيمَة بِعقد. انْتهى. و19 - (كَانَت الْوَلِيمَة بِشَاة فاقل من شَاة كمدين من شعير وَالسّنة أَن لَا تنقص عَن شَاة وَالْأولَى الزِّيَادَة عَلَيْهَا. وَإِن نكح اكثر من وَاحِدَة فِي عقد أَو عُقُود أَجْزَأته وَاحِدَة إِذا نَوَاهَا عَن الْكل. و [تجب الْإِجَابَة] أول مرّة على من يَطْلُبهُ دَاع إِلَيْهَا أَي الْوَلِيمَة بِشَرْطِهِ بِأَن لم يكن لَهُ عذر وَلَا ثمَّة مُنكر وَلَا عبدا بِإِذن سَيّده وَأَن يكون الدَّاعِي مُسلما يحرم هجره ومكسبه طيب وهى حق لَهُ وَتسقط بعفوه وَإِن كَانَ الْمَدْعُو مَرِيضا أَو ممرضا أَو مَشْغُولًا بِحِفْظ مَال فِي شدَّة حر أَو برد أَو مطر يبل الثِّيَاب اَوْ وَحل أَو أَجِيرا وَلم يَأْذَن لَهُ الْمُسْتَأْجر لم تجب الْإِجَابَة. وَسَائِر الدَّعْوَات مُبَاحَة فَلَا تكره وَلَا تسْتَحب نصا غير مأتم وعقيقة فتسن و [تسن] الْإِجَابَة لكل دَعْوَة مُبَاحَة غير مأتم فتكره وَتكره الْإِجَابَة لمن فِي مَاله شَيْء حرَام ك كَرَاهَة أكل مِنْهُ وَهُوَ تكره مُعَامَلَته أَي مُعَاملَة من فِي مَاله حرَام وَيكرهُ قبُول هديته وَقبُول هِبته وصدقته قل الْحَرَام أَو أَكثر , وتقوى الْكَرَاهَة وتضعف بِحَسب كَثْرَة الْحَرَام وقلته , فَإِن دَعَاهُ بالجفلى كَقَوْلِه: يَا أَيهَا النَّاس تَعَالَوْا إِلَى الطَّعَام أَو دَعَاهُ ذمِّي كرهت إجَابَته؛ لِأَن الْمَطْلُوب إذلاله وَهُوَ يُنَافِي إجَابَته لما فِيهَا من الْإِكْرَام ,)

19 - (وَلِأَن اخْتِلَاط طَعَامه فِي الْحَرَام وَالنَّجس غير مَأْمُون , وَكَذَا من لَا يحرم هجره كمبتدع ومتجاهربمعصية , وَيكرهُ لأهل الْعلم وَالْفضل الْإِسْرَاع إِلَى الْإِجَابَة والتسامح فِيهِ؛ لِأَن فِيهِ بذلة ودناءة وشرها لَا سِيمَا الْحَاكِم , وَإِن دَعَاهُ أَكثر من وَاحِد أجَاب الأسبق قولا فالأدين فَالْأَقْرَب رحما فجوارا ثمَّ أَقرع , وان علم أَن فِي الدعْوَة مُنْكرا كزمر وخمر وَأمكنهُ الْإِنْكَار حضر وَأنْكرهُ وَإِلَّا لم يحضر وَلَو حضر فشاهده أزاله وَجلسَ وَإِن لم يقدر انْصَرف , وَإِن علم وَلم يره وَلم يسمعهُ أُبِيح الْجُلُوس وَالْأكل نصا. وَيسن لمن حضر طَعَاما دعى إِلَيْهِ الْأكل وان كَانَ صَائِما تَطَوّعا - لَا وَاجِبا وَيَأْتِي قَرِيبا - وَلَا يقْصد بالإجابة نفس الْأكل بل الاقتداد بِالسنةِ وإكرام أَخِيه الْمُؤمن؛ وَلِئَلَّا يظنّ لَهُ التكبر. وإباحته أَي الْأكل تتَوَقَّف على صَرِيح إِذن من رب الطَّعَام أَو على قرينَة تدل على إِذن كتقديم طَعَام وَدُعَاء إِلَيْهِ مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ الْأكل من بَيت قَرِيبه أَو صديقه أَو غَيره وَلم يحرزه عَنهُ , وَيقدم مَا حضر عِنْده من غير تكلّف. قَالَ فِي الْإِقْنَاع: وَمن التَّكَلُّف أَن يقدم جَمِيع مَا عِنْده. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: إِذا دعِي إِلَى أكل دخل بَيته فَأكل مَا يكسر نهمته قبل ذَهَابه. انْتهى. و [الصَّائِم] صوما فرضا يَدْعُو و [الصَّائِم] نفلا يسن أكله مَعَ جبر خاطر الدَّاعِي لِأَن فِي ترك الْأكل كسر قلبه , فَإِن لم يكن كسر قلب كَانَ إتْمَام الصَّوْم أفضل من الْفطر. وَمن قدم إِلَيْهِ طَعَام لم يملكهُ وَيهْلك على ملك صَاحب

وَتسن التَّسْمِيَة جَهرا على أكل وَشرب , وَالْحَمْد إِذا فرغ. قَالَ فِي الْإِقْنَاع: وَيُسمى الشَّارِب عِنْد كل ابْتِدَاء ويحمد عِنْد كل قطع. وَقد يُقَال مثله فِي أكل لقْمَة فعله الإِمَام أَحْمد. وَقَالَ: أكل وَحمد خير من أكل وَصمت. انْتهى. وَأكل مِمَّا يَلِيهِ بِثَلَاث أَصَابِع , وتخليل مَا علق بِأَسْنَانِهِ وَمسح الصحفة الَّتِي أكل مِنْهَا وَأكل مَا تناثر وغض عَن جليسه وإيثاره , وشربه ثَلَاثًا مصا , وَغسل يَدَيْهِ قبل الطَّعَام وَإِن كَانَ على وضوء , ويتقدم بِهِ ربه وَبعده أَيْضا يتَأَخَّر بِهِ ربه. وَكره تنفسه فِي الْإِنَاء ورد شَيْء من فِيهِ إِلَيْهِ وَنفخ الطَّعَام ليبرد وَأكله حارا وَمن أَعلَى الصحفة أَو وَسطهَا وَفعل مَا يستقذره غَيره كمخاط وَنَحْوه , وَكَذَا الْكَلَام بِمَا يضحكهم أَو يحزنهم قَالَ الشَّيْخ عبد الْقَادِر قدس سره , ومدح طَعَام وتقويمه وعيب الطَّعَام , وَحرمه فِي الغنية , وقرانه فِي تمر سَوَاء كَانَ هُنَاكَ شريك لم يَأْذَن أَو لما فِيهِ من الشره , قَالَ صَاحب التَّرْغِيب وَالشَّيْخ تَقِيّ الدّين: وَمثله قرَان مَا الْعَادة جرت بتناوله أفرادا. انْتهى. وَأَن يفجأ قوما عِنْد وضع طعامهم تعمدا نصا , فان لم يتَعَمَّد أكل نصا , وَأكل بِشمَالِهِ بِلَا ضَرُورَة , وَكَثِيرًا بِحَيْثُ يُؤْذِيه , أَو قَلِيلا بِحَيْثُ يضرّهُ ,) 19 - (وشربه من فَم السقاء وَفِي أثْنَاء الطَّعَام بِلَا عَادَة أَو ضَرُورَة كَمَا لَو غص وَنَحْوه , وَمن ثلمة الْإِنَاء لَا قَائِما والأكمل جَالِسا وتعلية قَصْعَة وَنَحْوهَا بِخبْز نصا , وَالْخبْز الْكِبَار كرهه الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى.

فَائِدَة - قَالَ فِي الْآدَاب الْكُبْرَى: اللَّحْم سيد الْأدم , وَالْخبْز أفضل الْقُوت. وَاخْتلف النَّاس أَيهمَا أفضل , وَيتَوَجَّهُ أَن اللَّحْم أفضل , لِأَنَّهُ طَعَام أهل الْجنَّة , وَلِأَنَّهُ أشبه بجوهر الْبدن , وَلقَوْله تَعَالَى 19 (: (أتستبدلون الَّذِي هُوَ أدنى بِالَّذِي هوخير)) . انْتهى. وَكره نثار والتقاطه فِي عرس وَغَيره , وَمن حصل فِي حجره مِنْهُ شَيْء وَأَخذه فَهُوَ لَهُ سَوَاء قصد تملكه ذَلِك أَو لَا. وتباح المناهدة وَهِي أَن يخرج كل وَاحِد من رفْقَة شَيْئا وَإِن لم يتساووا , ويدفعونه الى من ينْفق عَلَيْهِم من ويأكلون جَمِيعًا , فَلَو أكل بَعضهم أَكثر أَو تصدق فَلَا بَأْس وَسن إعلان نِكَاح وَسن ضرب بدف مُبَاح وَهُوَ مَا لَا حلق فِيهِ وَلَا صنوج , فِيهِ أَي النِّكَاح لحَدِيث (أعْلنُوا النِّكَاح) وَفِي لفظ (أظهرُوا النِّكَاح) وَكَانَ يحب أَن يضْرب عَلَيْهِ بالدف. وَفِي لفظ واضربوا عَلَيْهِ بالغربال رَوَاهُمَا ابْن ماجة. وَظَاهر كَلَامه سَوَاء كَانَ الضَّارِب رجلا أَو امْرَأَة. قَالَ فِي الْفُرُوع: وَظَاهر نصوصه وَكَلَام الْأَصْحَاب التَّسْوِيَة. وَمَشى عَلَيْهِ فِي الْمُنْتَهى. وَقَالَ الْمُوفق: ضرب الدفوف مَخْصُوص بِالنسَاء , وَقطع بِهِ فِي الْإِقْنَاع. وَقَالَ فِي الرِّعَايَة: وَيكرهُ للرِّجَال مُطلقًا. انْتهى.

وَيسن ضرب بدف مُبَاح [فِي ختان وَنَحْوه] كقدوم غَائِب وولادة وإملاك وَنَحْوه. فَائِدَة: يحرم كل ملهاة سوى الدُّف كمزمار وطنبور ورباب وناي ومعزفة وجفانة وعود وزمارة الرَّاعِي وَنَحْوهمَا سَوَاء اسْتعْملت لحزن أَو سرُور , وَكره الإِمَام أَحْمد الطبل لغير حَرْب واستحبا ابْن عقيل فِي الْحَرْب.

فصل

3 - (فصل) . عشرَة النِّسَاء بِكَسْر الْعين أَصْلهَا الِاجْتِمَاع , وَيُقَال لكل جمَاعَة عشرَة ومعشر , وَشرعا مَا يكون بَين زَوْجَيْنِ من الألفة والانضمام , فَقَالَ رَحمَه الله: وَيلْزم كلا من الزَّوْجَيْنِ معاشرة الآخر بِالْمَعْرُوفِ من الصُّحْبَة الجميلة وكف الْأَذَى وَأَن لَا يمطله بِمَا يلْزمه لَهُ مَعَ قدرته وَلَا يتكره لبذله أَي بذل مَا عَلَيْهِ من حق الآخر بل ببشر وطلاقه وَجه لَا يتبعهُ منَّة وَلَا أَذَى , وَحقه عَلَيْهَا أعظم من حَقّهَا عَلَيْهِ لقَوْله تَعَالَى: (وللرجال عَلَيْهِنَّ دَرَجَة) وَليكن غيورا من غير إفراط. وَيسن لكل مِنْهُمَا تَحْسِين الْخلق لصَاحبه والرفق بِهِ وَاحْتِمَال أَذَاهُ. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: معاشرة الْمَرْأَة بالتلطف مَعَ إِقَامَة الهيبة. انْتهى. وَلَا يَنْبَغِي أَن يعلمهَا قدر مَاله وَلَا بفشي إِلَيْهَا سرا يخَاف إذاعته وَيجب بِعقد تَسْلِيم زَوْجَة حرَّة يُوطأ مثلهَا أَي الزَّوْجَة وَإِلَّا لم يلْزم تَسْلِيمهَا وَلَو قَالَ: أحصنها وأربيها لِأَنَّهَا لَيست محلا للاستمتاع وَلَا يُؤمن أَن يوقعها فيفيضها وَنَصه: بنت تسع فَإِن أَتَى عَلَيْهَا تسع سِنِين

دفعت إِلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُم أَن يحبسوها بعد التسع وَلَو نَضرة الْخلقَة فِي بَيت زوج مُتَعَلق بيجب إِن طلبَهَا الزَّوْج وَلم تكن الزَّوْجَة شرطت دارها فان شرطتها فلهَا الْفَسْخ إِن نقلهَا عَنْهَا للُزُوم الشَّرْط وَلَا يلْزم ابْتِدَاء تَسْلِيم مُحرمَة ومريضة لَا يُمكن الِاسْتِمْتَاع بهَا وصغيرة وحائض وَلَوْلَا أَطَأ وَقَوله ابْتِدَاء احْتِرَاز عَمَّا لَو طرا الْإِحْرَام أَو الْمَرَض أَو الْحيض بعد الدُّخُول فَلَيْسَ لَهَا مَعَ نَفسهَا من زَوجهَا مِمَّا بياح لَهُ مِنْهَا وَلَو بذلت نَفسهَا وَهِي كَذَلِك لزمَه تسلم مَا عدا الصَّغِيرَة وَمَتى امْتنعت قبل مرض ثمَّ حدث الْمَرَض قلا نَفَقَة لَهَا وَلَو بذلت نَفسهَا عُقُوبَة لَهَا. وَمن استمهل مِنْهُمَا أمْهل الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَة لِأَنَّهَا مِمَّا جرت بِهِ الْعَادة طلبا لليسر والسهولة وَيرجع فِي ذَلِك للْعُرْف لِأَنَّهُ لَا تَقْدِير فِيهِ. وَلَا يُمْهل من طلب المهلة مِنْهُمَا لعمل جهاز بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا وَفِي الغنية إِن استمهلت هِيَ أَو أَهلهَا اسْتحبَّ لَهُ إجابتهم مَا يعلم بِهِ التهيؤ من شِرَاء جهاز وتزين وَيجب تَسْلِيم أمة مَعَ الْإِطْلَاق لَيْلًا فَقَط نصا وَللسَّيِّد استخدامها نَهَارا فَلَو شَرط التَّسْلِيم نَهَارا أَو بذله سَيِّدهَا نَهَارا وَكَانَ قد شَرط كَونهَا فِيهِ عِنْده أَو لَا وَجب لَيْلًا وَنَهَارًا لِأَن الزَّوْجِيَّة تَقْتَضِي وجوب التَّسْلِيم مَعَ الْبَذْل لَيْلًا وَنَهَارًا وَإِنَّمَا منع مِنْهُ فِي الْأمة نَهَارا لحق السَّيِّد فَإِذا بذله فقد ترك حَقه فَعَاد إِلَى الأَصْل ولزوج استمتاع بِزَوْجَة كل وَقت على أَي صفة كَانَت إِذا كَانَ الْوَطْء فِي الْقبل وَلَو من جِهَة عجيزتها مَا لم

يَضرهَا أَو لم يشغلها عَن فرض وَلَو كَانَت على التَّنور أَو ظهر القتب وَله الاستمناء بِيَدِهَا فَإِن زَاد عَلَيْهَا فِي الْجِمَاع صولحوا على شَيْء مِنْهُ قَالَ 16 (القَاضِي) : لِأَنَّهُ غير مُقَدّر فَرجع الى اجْتِهَاد الإِمَام وَلَا يجوز لَهَا تطوع بِصَلَاة وَلَا صَوْم وَهُوَ حَاضر أَلا بِإِذْنِهِ وَلَا يكره الْجِمَاع فِي لَيْلَة من اللَّيَالِي وَلَا يَوْم من الْأَيَّام وَكَذَا السّفر وَالتَّفْصِيل والخياطة والغزل والصناعات كلهَا وَله التَّلَذُّذ بَين الآليتين من غير إيلاج وَلَيْسَ لَهَا استدخال ذكره وَهُوَ نَائِم بِلَا إِذْنه وَلها لمسه وَتَقْبِيله بِشَهْوَة وَقَالَ 16 (القَاضِي) : يجوز تَقْبِيل الْفرج قبل الْجِمَاع وَيكرهُ بعده. وَيحرم وَطْؤُهَا فِي الدبر فَإِن فعل عزّر إِن علم التَّحْرِيم لارتكابه مَعْصِيّة لَاحَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَة وَإِن تطاوعا عَلَيْهِ أَو أكرهها وَنهى فَلم ينْتَه فرق بَينهمَا وَله السّفر حَيْثُ شَاءَ بِغَيْر إِذْنهَا وَله السّفر ب زَوْجَة حرَّة مَا لم تكن شرطت بَلَدهَا أَو تكن أمة فَلَيْسَ لَهُ السّفر بهَا بِلَا إِذن سَيِّدهَا وَلَا لسَيِّد سفر بهَا بِلَا إِذن زَوجهَا وَله أى الزَّوْج إجبارها أى الزَّوْجَة على غسل من حيض ونفاس إِن كَانَت مكلفة وَظَاهر مَا فِي الْمُنْتَهى وَلَو ذِمِّيَّة خلافًا لما فِي الْإِقْنَاع وَله إجبارها على غسل من جَنَابَة وعَلى غسل نَجَاسَة وعَلى اخذ مَا تعافه النَّفس من شعر وَغَيره كظفر وَظَاهره وَلَو قَلِيلا بِحَيْثُ تعافه النَّفس وَإِزَالَة وسخ فان احْتَاجَت إِلَى شِرَاء المَاء فثمنه عَلَيْهِ وتمنع من أكل مَاله رَائِحَة كريهة كبصل وثوم وكراث وَمن تنَاول مَا يمرضها وتمنع الذِّمِّيَّة من دُخُول كَنِيسَة وبيعة وَتَنَاول محرم وَشرب مَا

يسكرها لَا دونه نصا وَلَا تكره على إِفْسَاد صَومهَا أَو صلَاتهَا بِوَطْء أَو غَيره وَلَا على إِفْسَاد سبتها لبَقَاء تَحْرِيمه عَلَيْهِم. وَيلْزمهُ أى الزَّوْج الْوَطْء لزوجة مسلمة كَانَت أَو ذِمِّيَّة حرَّة أَو أمة بطلبها فِي كل أَرْبَعَة اشهر مرّة وَاحِدَة إِن قدر على الْوَطْء نصا لِأَنَّهُ تَعَالَى قدره بأَرْبعَة اشهر فِي حق المؤلى فَكَذَا فِي حق غَيره فَإِن أَبى الْوَطْء بعد الْأَرْبَعَة الْأَشْهر بِلَا عذر فرق الْحَاكِم بَينهمَا إِن طلبت ذَلِك وَلَو قبل الدُّخُول نَص عَلَيْهِ فِي رجل يَقُول: غَدا أَدخل بهَا غَدا ادخل بهَا الى شهر هَل يجْبر على الدُّخُول؟ قَالَ: اذْهَبْ إِلَى أَرْبَعَة اشهر إِن دخل والا فرق بَينهمَا قَالَه فِي الْإِقْنَاع وَيلْزمهُ مبيت فِي المضجع بِطَلَب الزَّوْجَة حرَّة كَانَت أَو أمة فيبيت عِنْد زَوْجَة حرَّة لَيْلَة من كل أَربع لَيَال إِن لم يكن عذر وَعند [أمة] لَيْلَة [من كل سبع] لَيَال لِأَن اكثر مَا يُمكن انه يجْتَمع مَعهَا ثَلَاث حرائر لَهُنَّ سِتّ وَلها السَّابِعَة وَله الِانْفِرَاد فِي الْبَقِيَّة بِنَفسِهِ أَو مَعَ سريته. وَإِن سَافر الزَّوْج فَوق نصف سنة فِي غير حج أَو غَزْو أَو طلب رزق يحْتَاج إِلَيْهِ نصا وَطلبت الزَّوْجَة قدومه راسله حَاكم فَإِن أَبى إِن يقدم بِلَا عذر بعد مراسلة الْحَاكِم إِلَيْهِ فرق بَينهمَا بطلبها وَلَو قبل الدُّخُول نصا وَإِن غَابَ غيبَة ظَاهرهَا السَّلامَة وَلم يعلم خَبره فَلَا فسخ لزوجته لذَلِك بِحَال سَوَاء تضررت بترك النِّكَاح أَو لَا.

وَسن إِن يَقُول عِنْد الْوَطْء: اللَّهُمَّ جنبنا الشَّيْطَان وجنب الشَّيْطَان مَا رزقتنا. قَالَ ابْن نصر الله: وتقوله الْمَرْأَة أَيْضا. وَقَالَ عَطاء فِي قَوْله تَعَالَى: (وَقدمُوا لأنفسكم) أَي التَّسْمِيَة عِنْد الْجِمَاع. وَكره الْوَطْء متجردين وإكثار الْكَلَام حَالَته ونزعه قبل فراغها ووطؤه بِحَيْثُ يرَاهُ أَو يسمعهُ غير طِفْل لَا يعقل وَلَو رَضِيا وَأَن يحدثا بِمَا جرى بَينهمَا وَحرمه فِي الغنية لِأَنَّهُ من السِّرّ وإفشاء السِّرّ حرَام وَأَن يقبلهَا أَو يُبَاشِرهَا بِحَضْرَة النَّاس لِأَنَّهُ دناءة، وَسن أَن يُغطي رَأسه حَال الْجِمَاع وان لَا يسْتَقْبل الْقبْلَة وَله الْجمع بَين نِسَائِهِ مَعَ إمائه بِغسْل وَاحِد، وَسن أَن يتَوَضَّأ لمعاودة وَطْء وَالْغسْل أفضل وَتقدم فِي آخر فصل الْغسْل. [وَحرم] على زوج [جمع] بَين [زوجتيه] إِن زَوجته وامته أَو زَوْجَاته وإمائه بمسكن وَاحِد مالم ترضيا وَله منعهَا أَي الزَّوْجَة من الْخُرُوج من منزله وَيحرم عَلَيْهَا ذَلِك بِلَا إِذن أَو ضَرُورَة كإتيان بمأكل ومشرب وَنَحْوهمَا لعدم من يَأْتِيهَا بِهِ، وَلَا نَفَقَة لَهَا مَا دَامَت خَارِجَة من منزله مَا لم تكن حَامِلا لنشوزها وَلَيْسَ لَهُ منعهَا من كَلَام أَبَوَيْهَا وَلَا منعهما من زيارتها إِلَّا مَعَ ظن حُصُول ضَرَر يعرف بقرائن الْحَال وَلَا يلْزمهَا طَاعَة أَبَوَيْهَا فِي فِرَاقه وَلَا فِي زيارتهما وَنَحْوه بل طَاعَته أَحَق.

تَتِمَّة: يسْتَحبّ أَن يلاعبها عِنْد الْجِمَاع لتنهض شهوتها فتنال من اللَّذَّة مثل مَا ناله , وَأَن تتَّخذ خرقَة تنَاولهَا لَهُ بعد فَرَاغه من جِمَاعهَا. قَالَ أَبُو حَفْص: يَنْبَغِي أَن لَا تظهر الْخِرْقَة بَين يَدي امْرَأَة من أهل دارها , فَإِنَّهُ يُقَال إِن الْمَرْأَة إِذا أخذت الْخِرْقَة وفيهَا المنى فتمسحت بهَا كَانَ مِنْهُ الْوَلَد. انْتهى. وَقَالَ الْحلْوانِي فِي التَّبْصِرَة: وَيكرهُ أَن يمسح ذكره بالخرقة الَّتِي تمسح بهَا فرجهَا. انْتهى. وَلَا يكره نخرها عِنْد الْجِمَاع وَلَا نخره قَالَ مَالك: لَا بَأْس بالنخر عِنْد الْجِمَاع وَأرَاهُ سفها فِي غير ذَلِك يعاب على فَاعله. [و] يجب [على] زوج غير طِفْل التَّسْوِيَة بَين زَوْجَات فِي الْقسم بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الْمُهْملَة , وَهُوَ توزيع الزَّمَان على زَوْجَاته إِن كن اثْنَتَيْنِ فَأكْثر , وَلَا يجب عَلَيْهِ التَّسْوِيَة بَينهُنَّ فِي وَطْء ودواعيه وَكِسْوَة وَنَحْوهمَا أَي الْوَطْء وَالْكِسْوَة كالتسوية فِي النَّفَقَة والشهوة [إِذا قَامَ بِالْوَاجِبِ] وَإِن أمكنه ذَلِك كَانَ أولى لِأَنَّهُ أبلغ فِي الْعدْل وعماده الْقسم اللَّيْل لِأَنَّهُ مأوى الْإِنْسَان إِلَى منزله , وَفِيه يسكن إِلَى أَهله وينام على فرَاشه مَعَ زَوْجَاته , وَالنَّهَار للمعاش والاشتغال قَالَ تَعَالَى: (وَمن رَحمته جعل لكم اللَّيْل وَالنَّهَار لتسكنوا فِيهِ ولتبتغوا من فَضله) وَاللَّيْل يتبعهُ النَّهَار إِلَّا فِي حارس وَنَحْوه كمن معاشه بِاللَّيْلِ ف عماد قسمه النَّهَار ويتبعه اللَّيْل , وَيكون الْقسم لَيْلَة وَلَيْلَة إِلَّا أَن يرضين بِأَكْثَرَ.

وَزَوْجَة أمة على النّصْف من زَوْجَة حرَّة وَلَو كِتَابِيَّة فلهَا مَعَ الْحرَّة لَيْلَة من ثَلَاث لَيَال , زَوْجَة مبعضة يقسم لَهَا بِالْحِسَابِ فللمنصفة ثَلَاث لَيَال والحرة أَربع , وَيقسم مَرِيض ومجبوب وَخصي وعنين وَنَحْوه لِأَن الْقسم للأنس , وَيقسم لحائض ونفساء ومريضة ومعيبة ورتقاء وكتابية ومحرمة وزمنة ومميزة ومجنونة مَأْمُونَة وَنَحْوهَا. وَيحرم أَن يدْخل إِلَى غير ذَات لَيْلَة فِيهَا أَو فِي نَهَارهَا إِلَّا لضَرُورَة أَو حَاجَة كعيادة وَنَحْوهَا فَإِن لم يلبث لم يقْض وَإِن لبث أَو جَامع لزمَه قَضَاء لبث وجماع وَإِن أَبَت الزَّوْجَة الْمبيت مَعَه أَي الزَّوْج أَي أغلقت الْبَاب دونه أَو قَالَت لَهُ لَا تدخل عِنْدِي أَو أَبَت السّفر مَعَه أَو سَافَرت فِي حَاجَتهَا وَلَو بِإِذْنِهِ سقط قسمهَا وَسَقَطت نَفَقَتهَا لعصيانها فِي الْأَوليين وَعدم التَّمْكِين من الِاسْتِمْتَاع فِي الْأَخِيرَة , بِخِلَاف مَا إِذا سَافَرت مَعَه لوُجُود التَّمْكِين , وَلَا يسْقط حَقّهَا إِن سَافَرت لِحَاجَتِهِ كبعثه بهَا أَو انتقالها إِلَى بلد آخر بِإِذْنِهِ. وَإِن تزوج بكرا وَلَو أمة وَمَعَهُ غَيرهَا وَلَو حرائر أَقَامَ عِنْدهَا سبعا ثمَّ دَار الْقسم [أَو] أَي وَإِن تزوج ثَيِّبًا وَلَو أمة وَمَعَهُ غَيرهَا أَقَامَ عِنْدهَا ثَلَاثًا لِأَنَّهُ يُرَاد للأنس وَإِزَالَة الاحتشام , وَالْأمة والحرة سَوَاء فِي الِاحْتِيَاج إِلَى ذَلِك فاستوتا فِيهِ كَالنَّفَقَةِ ثمَّ دَار الْقسم وَلَا يحْتَسب عَلَيْهَا بِمَا أَقَامَ عِنْدهَا وَتصير الجديدة آخِرهنَّ نوبَة. والنشوز من النشز وَهُوَ مَا ارْتَفع من الأَرْض فَكَأَن الزَّوْجَة ارْتَفَعت

وتعالت عَمَّا فرض عَلَيْهَا من المعاشرة بِالْمَعْرُوفِ , وَيُقَال نشزت بالشين وَالزَّاي ونشصت بالصَّاد الْمُهْملَة فَهِيَ نَاشِزَة ونشز عَلَيْهَا زَوجهَا جفاها وأضر بهَا قَالَ فِي الْمُبْدع وَغَيره وَهُوَ حرَام أَي النُّشُوز معصيتها أَي الزَّوْجَة إِيَّاه أَي الزَّوْج فِيمَا يجب عَلَيْهَا إطاعته فِيهِ فَمَتَى ظهر مِنْهَا أمارته أَي النُّشُوز بِأَن منعته الِاسْتِمْتَاع أَو أَجَابَتْهُ مُكْرَهَة أَو بتثاقل وعظها أَي خوفها الله تَعَالَى , وَذكرهَا مَا أوجب عَلَيْهَا من الْحق وَالطَّاعَة وَمَا يلْحقهَا من الْإِثْم بالمخالفة وَمَا يسْقط بِهِ من النَّفَقَة وَالْكِسْوَة وَمَا يُبَاح من هجرها وضربها لقَوْله تَعَالَى: 19 (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن) . وَفِي الحَدِيث (إِذا باتت الْمَرْأَة مهاجرة فرَاش زَوجهَا لعنتها الْمَلَائِكَة حَتَّى ترجع) , مُتَّفق عَلَيْهِ فان أصرت الزَّوْجَة نَاشِزَة بعد وعظها هجرها فِي المضجع أَي ترك مضاجعتها مَا شَاءَ مَا دَامَت كَذَلِك وهجرها فِي الْكَلَام ثَلَاثًا أَي ثَلَاثَة أَيَّام لَا فَوْقهَا لقَوْله تَعَالَى 19 (: (واهجروهن فِي الْمضَاجِع) [/ اي] وَلِحَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا لَا يحل لمُسلم أَن يهجر أَخَاهُ فَوق ثَلَاث أَيَّام فَإِن أصرت مَعَ هجرها فِي المضجع وَالْكَلَام على مَا هِيَ عَلَيْهِ ضربهَا ضربا غير شَدِيد لحَدِيث لَا يجلد أحدكُم امْرَأَته جلد العَبْد ث

يضاجعها فِي آخر الْيَوْم ,) 19 - (وَيكون عشرَة أسواط فَأَقل بفرقها على بدنهَا ويجتنب الْوَجْه والبطن والمواضع المخوفة , وَلَيْسَ لَهُ ضربهَا إِلَّا بعد هجرها فِي الْفراش وَالْكَلَام لِأَن الْقَصْد التَّأْدِيب والزجر فَيبْدَأ بالأسهل فالأسهل , وَله أَي الزَّوْج ضربهَا أَي الزَّوْجَة على ترك فَرَائض الله تبَارك وَتَعَالَى كواجب صَلَاة وَصَوْم وَنَحْوهمَا لَا تعزيرها فِي حَادث مُتَعَلق بِحَق الله تَعَالَى. وَإِن ادّعى كل ظلم صَاحبه أسكنهما الْحَاكِم إِلَى جَانب ثِقَة يشرف عَلَيْهِمَا ويكشف حَالهمَا كَمَا يكْشف عَن عَدَالَة وإفلاس من خبْرَة بَاطِنه ويلزمها الْإِنْصَاف وَيكون الإسكان الْمَذْكُور قبل بعث الْحكمَيْنِ , فَإِن خرجا إِلَى الشقاق والعداوة وبلغا إِلَى المشاتمة بعث الْحَاكِم حكمين حُرَّيْنِ مُسلمين ذكرين عَدْلَيْنِ مكلفين يعرفان الْجمع والتفريق وَالْأولَى من أهلهما وهما وكيلان من الزَّوْجَيْنِ فِي ذَلِك لَا يرسلان إِلَّا برضاهما وتوكيلهما فَلَا يملكَانِ تفريقا إِلَّا بإذنهما. فَيَأْذَن الرجل لوَكِيله فِيمَا يرَاهُ من طَلَاق أَو إصْلَاح وكإذن الْمَرْأَة لوكيلها فِي الْخلْع وَالصُّلْح على مَا يرَاهُ.

بَاب الْخلْع. يُقَال خلع امْرَأَته خلعا وخالعها مخالعة واختلعت هِيَ مِنْهُ فَهِيَ خَالع. وَأَصله من خلع الثَّوْب؛ لِأَن الْمَرْأَة تتخلع من لِبَاس زَوجهَا قَالَ تَعَالَى: (هن لِبَاس لكم وَأَنْتُم لِبَاس لَهُنَّ) . وَهُوَ - بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون اللَّام - فِرَاق الزَّوْج زَوجته بعوض يَأْخُذهُ مِنْهَا أَو من غَيرهَا بِأَلْفَاظ مَخْصُوصَة وَيَأْتِي. يُبَاح الْخلْع لسوء عشرَة بَين زَوْجَيْنِ بِأَن صَار كل مِنْهُمَا كَارِهًا للْآخر وَلَا يحسن صحبته لقَوْله تَعَالَى: (فان خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُود اللَّه فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت بِهِ) وَيُبَاح ل بغضة الْمَرْأَة زَوجهَا لخلقه أَو خلقه ول كبر ول قلَّة دينه أَو ضعفه وخافت إِثْمًا بترك حَقه. وَتسن إجابتها إِلَّا أَن يكون لَهُ إِلَيْهِمَا ميل ومحبة فَيُسْتَحَب صبرها وَعدم افتدائها. وَيكرهُ الْخلْع وَيصِح مَعَ استقامة الْحَال. وَإِن عضلها أَي ضارها بِالضَّرْبِ أَو التَّضْيِيق عَلَيْهَا أَو منعهَا حُقُوقهَا من الْقسم وَالنَّفقَة وَنَحْو ذَلِك ظلما لتفدي نَفسهَا فالخلع بَاطِل والعوض مَرْدُود والزوجية بِحَالِهَا إِلَّا

أَن يكون بِلَفْظ طَلَاق أَو نِيَّته فَيَقَع رَجْعِيًا وَإِلَّا لَغْو , وَإِن فعل ذَلِك لَا لتفتدي أَو لزناها أَو نشوزها أَو تَركهَا فرضا فالخلع صَحِيح , وَلَا يفْتَقر إِلَى حَاكم. وَلَا بَأْس بِهِ فِي الْحيض وَالطُّهْر الَّذِي أَصَابَهَا فِيهِ إِن كَانَ بسؤالها. [وَهُوَ] أَي الْخلْع بِلَفْظ خلع كخلعة أَو بِلَفْظ فسخ كفسخت أَو بِلَفْظ [مفاداة] كفاديت وَلم ينْو بِهِ طَلَاق فسخ لَا ينقص بِهِ عدد الطَّلَاق؛ وَلَو لم ينْو الْخلْع لِأَنَّهَا صَرِيحَة وكناياته باريتك وأبرأتك وابنتك فَمَعَ سُؤال الْخلْع وبذل الْعِوَض يَصح بِلَا نِيَّة وَإِلَّا فَلَا بُد مِنْهَا من أَتَى بكناية وَتعْتَبر الصِّيغَة مِنْهُمَا فَلَا خلع بِمُجَرَّد بذل مَال وقبوله بِلَا لفظ من زوج.) 19 - (وَإِن أجابها بِلَفْظ طَلَاق وَقع بِهِ طَلْقَة بِأَنَّهُ أَو أجابها بنيته أَي الطَّلَاق وَقع بِهِ طَلْقَة بَائِنَة إِن أجابها بكنيته أَي الطَّلَاق الْخفية وَقع طَلْقَة بَائِنَة وَلَا يَصح الْخلْع وَإِلَّا بعوض مِنْهَا أَو من غَيرهَا فَإِن خَالعهَا بِلَا عوض لم يَقع خلع وَلَا طَلَاق وَإِلَّا أَن يكون بِلَفْظ أَو نِيَّته فَيَقَع رَجْعِيًا. وَيكرهُ أَن يخلعها بعوض أَكثر مِمَّا أَعْطَاهَا إِيَّاه وَيصِح بذله أَي الْعِوَض مِمَّن يَصح تبرعه وَهُوَ الْحر الْمُكَلف غير الْمَحْجُور عَلَيْهِ من [زَوْجَة واجنبي] وَلَو مِمَّن شهد بِطَلَاقِهَا وَردت شَهَادَتهمَا. وَيصِح الْخلْع ب [عوض] مَجْهُول كعلى مَا بِيَدِهَا أَو ببيتها من دَرَاهِم أَو مَتَاع فان لم يكن شَيْء فَلهُ ثَلَاثَة دَرَاهِم أَو مايسمى مَتَاعا كَالْوَصِيَّةِ

وَيصِح الْخلْع بِشَيْء مَعْدُوم كعلي حمل أمتها أَو غنهما وَنَحْو ذَلِك فَإِن لم تحمل شَيْئا أرضته بِشَيْء نصا. الْوَاجِب مَا بتناوله الِاسْم وَلَا يَصح الْخلْع إِن خلعها بِلَا عوض وَتقدم قَرِيبا لِأَنَّهُ لَا يملك فسخ النِّكَاح بِلَا مُقْتَض مَعَه بِخِلَاف على عوض فَيصير مُعَارضَة. وَلَا يَصح بعوض محرم يعلمَانِهِ كخمر وخنزير وَهُوَ بالمحرم كَيْلا عوض فَإِذا خلعها على عوض محرم يعلمَانِهِ بنية طَلَاق وَقع رَجْعِيًا لَان الْخلْع من كنايات الطَّلَاق فادا نَوَاه بِهِ وَقع وَقد خلا عَن الْعِوَض فَكَانَ رَجْعِيًا فَإِن لم ينْو طَلَاقا فلغو. وَإِن لم يعلماه محرما كَأَن خلعها على عبد فَبَان حرا أَو مُسْتَحقّا أَو على خل فَبَان خمرًا أَو مُسْتَحقّا صَحَّ الْخلْع وَله بدله قيمَة العَبْد أَو مثل الْخلّ. وَيحرم الْخلْع وَلَا يَصح أَن وَقع حِيلَة ل أجل إِسْقَاط يَمِين طَلَاق والحيل خداع لَا يحل مَا حرم اللَّه تَعَالَى. قَالَ فِي التَّنْقِيح: وغالب النَّاس وَاقع فِي ذَلِك. وَفِي وَاضح ابْن عقيل: يسْتَحبّ إِعْلَام المستفتي بِمذهب غَيره أَن كَانَ أَهلا للرخصة كطالب التخليص من الرِّبَا فَيردهُ إِلَى من يرى التَّحَلُّل للخلاص مِنْهُ وَالْخلْع بعد وُقُوع الطَّلَاق أَي تَعْلِيقه. انْتهى. وَطَلَاق منجز بعوض أَو مُعَلّق بعوض كخلع فِي أبانته فَلَو قَالَ لزوجته إِن أَعْطَيْتنِي عبدا فَأَنت طَالِق طلقت بَائِنا بِأَيّ عبد اعته لَهُ وَملكه. وَإِن أَعْطَيْتنِي هَذَا العَبْد أَو هَذَا الثَّوْب الهروى فَأَنت طَالِق وأعطته إِيَّاه طلقت وَلَا شَيْء لَهُ إِن بَان معيبا أَو مرويا لِأَنَّهَا لم تلتزم غَيره وتغليبا

للْإِشَارَة وان علقه على خمر وَنَحْوه فَأَعْطَتْهُ إِيَّاه فالطلاق رَجْعِيّ وَإِن أَعْطَيْتنِي ثوبا هرويا فَأَعْطَتْهُ مرويا أَو هرويا مَغْصُوبًا لم تطلق وَإِن أَعطَتْهُ هرويا معيبا فَلهُ مطالبتها بسليم وَتطلق بِوُجُود الصّفة الْمُعَلق عَلَيْهَا وَإِذا قَالَ لزوجته مَتى أَعْطَيْتنِي أَو أقبضتني ألفا فَأَنت طَالِق أَو قَالَ لَهَا إِذا أَعْطَيْتنِي أَو اقبضتني ألفا فَأَنت طَالِق أَو قَالَ لَهَا أَن أَعْطَيْتنِي أَو أقبضتني ألفا فَأَنت طَالِق لزم التَّعْلِيق من جِهَته فَلَيْسَ لَهُ إِبْطَاله لِأَن الْمُغَلب فِيهِ حكم التَّعْلِيق لجِهَة تَعْلِيقه على الشَّرْط فَأَي وَقت أَعطَتْهُ على صفة يُمكنهُ الْقَبْض فِيهَا آلفا فَأكْثر وازنة بإحضار الْألف وآذنها فِي قَبضه طلقت طَلَاقا بَائِنا بعطيته أَي بعطية الزَّوْجَة الْألف لزَوجهَا وَلَو مَعَ نقص فِي الْعدَد وَاكْتفى بِتمَام الْوَزْن وَملكه لِأَنَّهُ إِعْطَاء شَرْعِي وَلَو تراخت بإعطائها لَهُ الْألف.) 19 - (وَإِن قَالَت لزَوجهَا أخلعني أَو طَلقنِي بِأَلف أَو قَالَت لَهُ أخلعني أَو طَلقنِي على ألف أَو اخلعني أَو طَلقنِي وَلَك ألف أَو أَن خلعتني أَو طَلقنِي فلك أَو أَنْت بَرِيء من الْألف فَفعل الزَّوْج أَي خلعها أَو طَلقهَا وَلَو لم يذكر الْألف بَانَتْ مِنْهُ واستحقها أَي الْألف من غَالب نقد الْبَلَد أَن أجابها على الْفَوْر وَلها الرُّجُوع قبل إجَابَته. وَلَيْسَ لَهُ أَي الْأَب خلع زَوْجَة ابْنه الصَّغِير أَو الْمَجْنُون وَلَا طَلاقهَا وَلَا لسيدهما أَيْضا وَلَا خلع ابْنَته الصَّغِيرَة بِشَيْء من مَالهَا كَغَيْرِهِ من الْأَوْلِيَاء لانه لَا حَظّ لَهَا فِيهِ. وان خالعت وَأمة زَوجهَا على شَيْء بِلَا إِذن سَيِّدهَا أَو محجورة لسفه

أَو صغر أَو جُنُون لم يَصح وَلَو أذن فِيهِ ولي. وَيَقَع بِلَفْظ طَلَاق أونيته رَجْعِيًا. وَإِذا قَالَ لَهَا: خالعتك بِأَلف فأنكرته أَو قَالَت إِنَّمَا خالعك غَيْرِي بَانَتْ وتحلف لنفي الْعِوَض وَإِن أقرَّت وَقَالَت ضمنه غَيْرِي أَو فِي ذمَّة غَيْرِي فَقَالَ بل فِي فِي ذِمَّتك لَزِمَهَا الْعِوَض. وَإِن اخْتلفَا فِي قدره أَو عينه أَو صفته أَو تَأْجِيله فقولها نصا وان علق الزَّوْج طَلاقهَا أَي الزَّوْجَة على صفة كَقَوْلِه: إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا مثلا ثمَّ أَبَانهَا بخلع أَو طَلْقَة أَو ثَلَاث فَوجدت الصّفة حَال بينونتها [أَو لَا نَكَحَهَا فَوجدت] الصّفة بِأَن دخلت الدَّار وَهِي فِي عصمته أَو فِي عدَّة طَلَاق رَجْعِيّ طلقت نصا وَكَذَا فِي الحكم عتق أَي إِذا علق عتق قنه على صفة ثمَّ بَاعه فَوجدت الصّفة أَولا ثمَّ بَاعه فَوجدت عتق وَإِلَّا فَلَا. وَالله اعْلَم.

كتاب الطلاق

(كتاب الطَّلَاق) كتاب الطَّلَاق: وَأَجْمعُوا على جَوَازه. وَهُوَ لُغَة التَّخْلِيَة وَشرعا حل قيد النِّكَاح أَو بعضه. يكره الطَّلَاق بِلَا حَاجَة لإِزَالَة النِّكَاح الْمُشْتَمل على الْمصَالح الندوب إِلَيْهَا وَلِحَدِيث أبْغض الْحَلَال إِلَى الله تَعَالَى الطَّلَاق وَيُبَاح الطَّلَاق [لَهَا] أَي للْحَاجة كسوء خلق الْمَرْأَة. والتضرر بِهِ من غير حُصُول الْفَرْض لَهَا. وَيسن الطَّلَاق لتضررها باستدامة الْوَطْء كَحال الشقاق وَمَا يحوج الْمَرْأَة إِلَى المخالعة ليزيل ضررها. وَيسن الطَّلَاق أَيْضا لتركها الزَّوْجَة صَلَاة , ولتركها عفة وَنَحْوهمَا كتفريطها فِي حُقُوق اللَّه إِذا لم يُمكنهُ إجبارها عَلَيْهَا لِأَن فِيهِ نقصا لدينِهِ وَلَا يَأْمَن من إِفْسَاد فرَاشه والحاقها بِهِ ولدا من غَيره إِذا لم تكن عفيفة. وَله عضلهاإذن والتضييق عَلَيْهَا لتفتدي مِنْهُ لقَوْله تَعَالَى 19 (: (وَلَا تعضلوهن لتذهبوا بِبَعْض مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة))

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: إِذا كَانَت تَزني لم يكن لَهُ إِِمْسَاكهَا على تِلْكَ الْحَال بل بفارقها وَإِلَّا كَانَ ديوثا. انْتهى وَيحرم الطَّلَاق فِي الْحيض وَفِي طهر أَصَابَهَا فِيهِ وَنَحْو ذَلِك. وَيجب على المؤلى بعد التَّرَبُّص إِذا لم يفِيء. وَالزَّوْجَة كالزوج فَيسنّ أَن تخلع مِنْهُ إِن ترك حَقًا للِّه تَعَالَى من صَلَاة وَنَحْوهَا فينقسم الطَّلَاق إِلَى أَحْكَام التَّكْلِيف الْخَمْسَة. وَلَا يجب على ابْن إطاعة أَبَوَيْهِ ولوعدلين فِي طَلَاق أَو منع من تَزْوِيج نصا وَلَا يَصح الطَّلَاق إِلَّا من زوج لحَدِيث إِنَّمَا الطَّلَاق لمن أَخذ بالساق. وَلَو كَانَ الزَّوْج [مُمَيّزا يعقله] أَي الطَّلَاق فَيصح طَلَاقه كَالْبَالِغِ. وَإِلَّا من الْحَاكِم على مؤل بعد التَّرَبُّص إِذا لم يفِيء. وَيعْتَبر إِرَادَة لَفظه لمعناه فَلَا طَلَاق لفقيه يكرره وَلَا حاك وَلَو عَن نَفسه وَلَا نَائِم. وَمن عذر بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول بِزَوَال عقله بِنَحْوِ جُنُون أَو إِغْمَاء أَو سرسام أَو نشاف أَو شرب مُسكر كرها أَو لم يعلم أَنه يزِيل الْعقل وَيَأْكُل بنج فَطلق لذَلِك لم يَقع أَو أكره على الطَّلَاق ظلما بِمَا يؤلمه كالضرب والخنق وعصر السَّاق وَالْحَبْس والغط فِي المَاء مَعَ الْوَعيد فَطلق لذَلِك لم يَقع أَو هدد من قَادر بِمَا يضرّهُ كثيرا بقتل وَقطع طرف وَضرب شَدِيد وَحبس وَقيد طَوِيل وَأخذ مَال كثير وَإِخْرَاج من ديار وَنَحْو ذَلِك ويغلب

على الظَّن وُقُوع مَا هدده بِهِ وَعجز عَن دَفعه والهرب مِنْهُ والاختفاء فَطلق لذَلِك أَي تبعا لقَوْل مكره لم يَقع عَلَيْهِ الطَّلَاق. وَكَذَا من سحر ليطلق قَالَه الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَاقْتصر عَلَيْهِ فِي الْفُرُوع. قَالَ قي الْإِنْصَاف: قلت هُوَ من أعظم الإكراهات. أَو ترك التَّأْوِيل بِلَا عذر أَي لم يَقع. وَيَنْبَغِي لمن أكره على الطَّلَاق وطلق أَن يتَأَوَّل. فينوي بِقَلْبِه غير امْرَأَته وَنَحْو ذَلِك خُرُوجًا من خلاف من أوقع طَلَاق الْمُكْره إِذا لم يتَأَوَّل. أَو أكره على طَلَاق مُبْهمَة فَطلق مُعينَة لم يَقع أَيْضا. وَلَا يكون السب والشتم وَأخذ المَال الْيَسِير والاخراق وَهُوَ الإهانة بالشتم إِكْرَاها وَيَقَع الطَّلَاق من غَضْبَان وسكران ويؤاخذان بِكُل مَا يصدر مِنْهُمَا من قَول وَفعل يعْتَبر لَهُ الْعقل كَقَتل وَقذف وَنَحْوهمَا قَالَ ابْن رَجَب فِي شرح الْأَرْبَعين النووية: مَا يَقع من الغضبان من طَلَاق وعتاق وَيَمِين فَإِنَّهُ يُؤَاخذ بذلك كُله بِغَيْر خلاف وَاسْتدلَّ لذَلِك بأدلة صَحِيحَة وَأنكر على من يَقُول بِخِلَاف ذَلِك. وَمن غضب حَتَّى أغمى وغشى عَلَيْهِ لم يَقع طَلَاقه فِي تِلْكَ الْحَال لزوَال عقله أشبه الْمَجْنُون. وَمن صَحَّ طَلَاقه من بَالغ ومميز يعقله صَحَّ تَوْكِيله فِيهِ وَصَحَّ توكله فِيهِ أى الطَّلَاق لِأَن من صَحَّ تصرفه فِي شَيْء تجوز فِيهِ الْوكَالَة بِنَفسِهِ صَحَّ تَوْكِيله فِيهِ وَلِأَن الطَّلَاق إِزَالَة ملك فَيصح التَّوَكُّل فِيهِ وَالتَّوْكِيل فِيهِ كَالْعِتْقِ ولوكيل لم يحد مُوكله حدا أَن يُطلق مَتى شَاءَ لاوقت بِدعَة وَلَا أَكثر من وَاحِدَة إِلَّا إِن يَجْعَل لَهُ ذَلِك.

وَيصِح تَوْكِيل امْرَأَة زَوجته أَو غَيرهَا فِي طَلَاق نَفسهَا أَو غَيرهَا فَإِذا قَالَ لزوجته طَلِّقِي نَفسك كَانَ لَهَا ذَلِك متراخيا كوكيل , وَيبْطل بِرُجُوع زوج عَنهُ بِوَطْء. فَائِدَة: لَو وكل فِي ثَلَاث فَطلق وَاحِدَة أَو وكل وَاحِدَة فَطلق ثَلَاثًا طلقت وَاحِدَة نصا. وَالسّنة لمريد الطَّلَاق أَن يطلقهَا أَي زَوجته طَلْقَة وَاحِدَة فِي طهر لم يُجَامع هَا فِيهِ أَي فِي الطُّهْر ثمَّ يَدعهَا بَان لَا يطلقهَا ثَانِيَة حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا إِلَّا طَلَاقا فِي طهر متعقب لرجعة فِي طَلَاق فِي حيض أَو نِفَاس أَو فِي [طهر جَامع فِيهِ] أَي الطُّهْر وَلم يستبن حملهَا أَو علقه على أكلهَا وَنَحْوه مِمَّا يعلم وُقُوعه حَالَة الْحيض وَالطُّهْر الَّذِي جَامع فِيهِ فَهُوَ بِدعَة أى طَلَاق بِدعَة محرم وَقع نصا لَكِن تسن رَجعتهَا من طَلَاق الْبِدْعَة. وَيحرم أَن يطلقهَا ثَلَاثًا وَلَو بِكَلِمَات فِي طهر فَأكْثر لم يصبهَا فِيهِ لَا بعد رَجْعَة أَو عقد محرم. وَلَا سنة وَلَا بِدعَة لمستبين حملهَا وَلَا لصغيرة وايسة لِأَنَّهَا لَا تَعْتَد بِالْأَقْرَاءِ فَلَا تخْتَلف عدتهَا وَلَا سنة وَلَا بِدعَة غير مَدْخُول بهَا لِأَنَّهَا لَا عدَّة لَهَا فتتضرر بتأخيرها وَيَقَع الطَّلَاق بتصريحه الصَّرِيح فِي الطَّلَاق وَغَيره مَا لَا يحْتَمل غير مَا وضع لَهُ اللَّفْظ مُطلقًا أَي سَوَاء نَوَاه بذلك أَو لَا هازلا كَانَ أَو مخطئا.

وَيَقَع الطَّلَاق بكنايته وَهِي مَا تحْتَمل غَيره وتدل على معنى الصَّرِيح [مَعَ النِّيَّة] أَي نِيَّة الطَّلَاق. وصريحة أَي الطَّلَاق لفظ طَلَاق أى الْمصدر فَيَقَع بقوله أَنْت الطَّلَاق وَنَحْوه وَمَا تصرف مِنْهُ أَي الطَّلَاق كطالق ومطلقة وطلقتك غير أَمر كطلقي وَغير مضارع كتطلقين وَغير اسْم فَاعل مُطلقَة بِكَسْر اللَّام وَمن قيل لَهُ: أطلقت امْرَأَتك فَقَالَ: نعم وَأَرَادَ الْكَذِب طلقت وَإِن لم ينْو الطَّلَاق لِأَن نعم صَرِيح فِي الْجَواب وَالْجَوَاب الصَّرِيح بِلَفْظ الصَّرِيح وأخليتهاونحوه فَقَالَ: نعم كِنَايَة إِن نوى بهَا الطَّلَاق وَقع وَإِلَّا فَلَا. وَمن طلق أَو ظَاهر من زَوجته ثمَّ قَالَ عقبه لضرتها شركتك أَو أَشْرَكتك مَعهَا أَو أَنْت شريكتها أَو مثلهَا أَو كهى فَهُوَ صَرِيح فيهمَا نصا. وَمن كتب صَرِيح طَلَاق زَوجته مِمَّا يبين وَقع وان لم ينْو لِأَنَّهَا صَرِيحَة فِيهِ فَلَو قَالَ لم أرد إِلَّا تجويد خطى أَو غم أَهلِي أَو قرا مَا كتبه وَقَالَ لم أرد إِلَّا الْقِرَاءَة قبل حكما. وَيَقَع بِإِشَارَة من أخرس فَقَط فَلَو لم يفهمها إِلَّا بعض النَّاس فكناية. وكناياته نَوْعَانِ: ظَاهِرَة وخفية فالظاهرة خمس عشرَة: أَنْت خلية وبرية وبائن وبتة وبتله وحرة وَأَنت الْحَرج وحبلك على غاربك وتزوجي من شِئْت وحللت للأزواج وسبيل أَو لاسلطان لي عَلَيْك وأعتقتك وغطي شعرك وتقنعي. والخفية عشرُون وَهِي: أَخْرِجِي واذهبي وذوقي وتجرعي وخليتك وَأَنت مخلاة وَأَنت وَاحِدَة وَلَيْسَت لي بِامْرَأَة واعتدي واستبرئي واعتزلي والحقي بِهَمْزَة وصل وَفتح الْحَاء بأهلك وَلَا

حَاجَة لي فِيك وَمَا بقى شَيْء وأغناك الله وَأَن الله قد طَلَّقَك وَالله قد أراحك مني وَجرى الْقَلَم وَلَفظ فِرَاق وَلَفظ السراح. فَائِدَة: من طلق فِي قلبه لم يَقع فَإِن تلفظ بِهِ أَو حرك لِسَانه وَقع وَلَو لم يسمع نَفسه بِخِلَاف قِرَاءَة فِي صَلَاة. انْتهى. وَلَا يَقع بكناية وَلَو ظَاهِرَة إِلَّا بنية مُقَارنَة للفظ وَلَا يشْتَرط حَالَة الْخُصُوم أَو الْغَضَب أَو سُؤال طَلاقهَا وَلَو لم يردهُ أَو أَرَادَ غير إِذن دين وَلم يقبل حكما. وأمرك بِيَدِك كِنَايَة ظَاهِرَة تملك بهَا ثَلَاثًا واختاري نَفسك خُفْيَة لَيْسَ لَهَا أَن تطلق بهَا وَلَا بطلقي نَفسك أَكثر من وَاحِدَة. وَيَقَع بكناية ظَاهِرَة ثَلَاث وَلَو نوى وَاحِدَة على الْأَصَح وبخفية وَاحِدَة فَإِن نوى أَكثر وَقع مَا نَوَاه. وَقَوله أَنا طَالِق أَو بَائِن أَو حرَام أَو بَرِيء أَو راد مِنْك أَو قَالَ كلي واشربي واقعدي واقربي وَبَارك اللَّه عَلَيْك وَأَنت مليحة أَو قبيحة لَغْو لَا يَقع طَلَاقا وَإِن نَوَاه لِأَنَّهُ لَا يحْتَمل الطَّلَاق. وَإِن قَالَ: أَنْت طَالِق كل الطَّلَاق أَو أَكْثَره أَو جَمِيعه أَو عدد الحصي وَنَحْوه أَو قَالَ لَهَا يَا مائَة طَالِق وَقع ثَلَاث وان نوى وَاحِدَة. وان قَالَ: أَنْت طَالِق أَشد الطَّلَاق أَو أغلظه أَو أطوله أَو ملْء الدُّنْيَا أَو مثل الْجَبَل أَو على سَائِر الْمذَاهب وَقع وَاحِدَة مالم ينْو أَكثر. وَالطَّلَاق لَا يَتَبَعَّض بل جُزْء طَلْقَة كهي وَإِن طلق بعض زَوجته أَو جُزْءا لَا ينْفَصل كيدها وأذنها وأنفها طلقت وَإِن طلق جُزْءا ينْفَصل كشعرها وظفرها وسنها وريقها لم تطلق

وَإِن قَالَ لزوجته أَنْت عليَّ حرَام فظهار وَلَو نوى بِهِ طَلَاقا أَو إِن قَالَ أَنْت عليَّ كَظهر أُمِّي أَو الْحل على حرَام أَو أحل الله على حرَام أَو يلْزَمنِي الْحَرَام أَو الْحَرَام لَازم لي فَهُوَ ظِهَار وَلَو نوى بِهِ طَلَاقا وياتي فِي الظِّهَار. وان قَالَ: فِرَاشِي عَليّ حرَام فَإِن نوى امْرَأَته فظهار وَإِن نوى فرَاشه فيمين نصا وَإِن قَالَ أَنْت على كالميتة أَو قَالَ أَنْت على كَالدَّمِ وَقع مَا نَوَاه من طَلَاق وظهار وَيَمِين وَمَعَ عدم نِيَّة الطَّلَاق وَالظِّهَار وَالْيَمِين وَمَعَ عدم نِيَّة الطَّلَاق وَالظِّهَار وَالْيَمِين فَهُوَ ظِهَار لِأَن مَعْنَاهُ أَنْت على حرَام كالميتة وَالدَّم وَإِن قَالَ حَلَفت بِالطَّلَاق لَا أفعل كَذَا أَو لأفعلنه وَكذب بِأَن لم يكن حلف بِالطَّلَاق دين فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى وَلَزِمَه الطَّلَاق حكما مُؤَاخذَة لَهُ بِإِقْرَارِهِ وَيعْتَبر عدد الطَّلَاق بِالرِّجَالِ حريَّة وَرقا فَيملك حر ثَلَاث تَطْلِيقَات. وَيملك مبعض ثَلَاث تَطْلِيقَات وَيملك عبد وَلَو طرا رقّه كذمي تزوج ثمَّ لحق بدار حَرْب فاسترق قبل أَن يُطلق وَلَو كَانَ مَعَه حرَّة أثنين تَطْلِيقَتَيْنِ وَلَو مُدبرا أَو مكَاتبا فَلَو علق عبد الثَّلَاث بِشَرْط فَوجدَ بعد عتقه وَقعت وان علقها بِعِتْقِهِ فَعتق لغت الثَّالِثَة وَلَو عتق بعد طَلْقَة ملك تَمام الثَّلَاث وَبعد طَلْقَتَيْنِ أَو عتقا مَعًا لم يملك ثَالِثَة فَلَو عتق بعد طَلْقَتَيْنِ لم يملك نِكَاحهَا حَتَّى تنْكح زوجا غَيره بِشُرُوطِهِ. وَإِذا قَالَ: أَنْت الطَّلَاق أَو أَنْت طَلَاق أَو أَنْت طَالِق وَلَو لم يذكر الْمَرْأَة وَنَحْوه فَهُوَ صَرِيح مُنجزا كَانَ أَو مُعَلّقا أَو محلوفا بِهِ

وَيَقَع وَاحِدَة مَا لم ينْو أَكثر: فَمن مَعَه عدد وَثمّ نِيَّة أَو سَبَب يَقْتَضِي تعميما أَو تَخْصِيصًا عمل بِهِ وَإِلَّا يَقع بِكُل وَاحِدَة طَلْقَة [وَيصِح اسْتثِْنَاء النّصْف] . وَالِاسْتِثْنَاء لُغَة من الثني وَهُوَ الرُّجُوع يُقَال ثنى رَأس الْبَعِير إِذا عطفه إِلَى وَرَائه فَكَانَ الْمُسْتَثْنى يرجع فِي قَوْله إِلَى مَا قبله. وإصطلاحا إِخْرَاج بعض الْجُمْلَة بإلا أَو مَا يقوم مقَامهَا من مُتَكَلم وَاحِد. فَأَقل من النّصْف نصا لِأَنَّهُ كَلَام مُتَّصِل أبان بِهِ الْمُسْتَثْنى غير مُرَاد بِالْأولِ فصح كَقَوْل الْخَلِيل (إِنَّنِي برَاء مَا تَعْبدُونَ إِلَّا الَّذِي فطرني) يُرِيد بِهِ الْبَرَاءَة مِمَّا سوى الله عز وَجل , من عدد طلقات كَمَا إِذا قَالَ لامْرَأَته أَنْت طَالِق ثِنْتَيْنِ إِلَّا وَاحِدَة يَقع طَلْقَة وَثَلَاثًا إِلَّا ثِنْتَيْنِ إِلَّا طَلْقَة يَقع ثِنْتَانِ. وَأَنت طَالِق ثَلَاثًا إِلَّا وَاحِدَة إِلَّا وَاحِدَة وَأَنت طَالِق أَرْبعا إِلَّا ثِنْتَيْنِ يَقع ثِنْتَانِ أَيْضا. وَثَلَاثًا إِلَّا ثَلَاثًا أَو إِلَّا ثِنْتَيْنِ يَقع ثَلَاثًا وَيصِح اسْتثِْنَاء النّصْف فَأَقل من عدد [مطلقات] كَقَوْلِه: زوجتاى طالقتان إِلَّا فُلَانَة أَو زوجاتي الْأَرْبَع طَوَالِق إِلَّا فُلَانَة وفلانة [وَشرط] فِي اسْتثِْنَاء الطلقات تلفظ بِهِ فَلَا يَكْتَفِي اسْتِثْنَاؤُهُ بِقَلْبِه واتصال مُعْتَاد إِمَّا لفظا كَمَا إِذا أَتَى بِهِ متواليا وَإِمَّا حكما كانقطاعه بسعال أَو عطاس أَو تنفس وَنَحْوه بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ انْقِطَاعه بِكَلَام معترض أَو زمن طَوِيل فَإِنَّهُ يمْنَع صِحَة الِاسْتِثْنَاء.

وَشرط أَيْضا نِيَّته أَي الِاسْتِثْنَاء قبل تَمام مُسْتَثْنى مِنْهُ وَكَذَا شَرط مُلْحق كَقَوْلِه أَنْت طَالِق إِن دخلت الدَّار وَنَحْوه. وَيصِح أَن يسْتَثْنى بقلب النّصْف فَأَقل من عدد مطلقات فَقَط كَمَا إِذا قَالَ كنسائي طَوَالِق وَاسْتثنى وَاحِدَة بِقَلْبِه لم تطلق مَا لم يقل الْأَرْبَع وَنَحْوه فَإِن قَالَ نسَائِي الْأَرْبَع أَو الثَّلَاث أَو الاثنتان طَوَالِق وَاسْتثنى وَاحِدَة بِقَلْبِه طلقت فِي الحكم قَالَه فِي الْإِقْنَاع وَظَاهر الْمُنْتَهى تطلق بَاطِنا. وَإِن اسْتثْنى من سَأَلته طَلاقهَا دين وَلم يقبل فِي الحكم وان قَالَت طلق نِسَاءَك فَقَالَ: نسَائِي طَوَالِق طلقت مَا لم يستثنها وَلَو بقبله فَلَا تطلق. وَلَا يَصح أَن يسْتَثْنى بِقَلْبِه من عدد طلقات فَلَو قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا وَاسْتثنى بِقَلْبِه إِلَّا وَاحِدَة وَقعت الثَّلَاث. وَإِن قَالَ أَنْت طَالِق قبل موتِي تطلق فِي الْحَال وَكَذَا قبل موتك أَو قبل موت زيد لِأَن مَا قبل مَوته من حِين عقد الصّفة مَحل الطَّلَاق وَلَا وَمُقْتَضى للتأخر وقبيل موتِي أَو موتك أَو موت زيد يَقع فِي الْجُزْء الَّذِي يَلِيهِ الْمَوْت لِأَنَّهُ التصغير يَقْتَضِي أَن الْجُزْء الَّذِي يبْقى يسير. [و] إِن قَالَ: أَنْت طَالِق بعده أَي بعد موتِي أَو موتك أَو أَنْت طَالِق مَعَه أَي موتِي أَو موتك فَلَا تطلق لحُصُول الْبَيْنُونَة بِالْمَوْتِ. وان قَالَ: يَوْم موتِي طلقت بأوله. وَإِذا مت فَأَنت طَالِق قبله بِشَهْر لم يَصح. وَأَنت طَالِق أمس أَو قبل أَن أتزوجك وَنوى وُقُوعه إِذا وَقع فِي الْحَال وَإِلَّا لم يَقع وان علقه بِفعل مُسْتَحِيل كَأَن صعدت السَّمَاء أَو شَاءَ الْمَيِّت أَو الْبَهِيمَة أَو طرت أَو قلبت الْحجر ذَهَبا أَو علقه على مُسْتَحِيل لذاته كَانَ رددت أمس أَو جمعت بَين الضدين أَو شربت مَاء

الْكوز وَلَا مَاء فِيهِ لم تطاق فِي الْجَمِيع. وان قَالَ أَنْت طَالِق فِي هَذَا الشَّهْر أَو فِي هَذَا الْيَوْم أَو فِي هَذِه السّنة تطلق فِي الْحَال , فَإِن قَالَ الْحَالِف أردْت فِي الْكل أَن يَقع آخر الْكل أَي كل وَقت من هَذِه الْأَوْقَات أَو فِي وَقت كَذَا دين قبل ذَلِك مِنْهُ حكما لِأَن آخر هَذِه الْأَوْقَات وأوساطها مِنْهَا لذَلِك لَا يُخَالف لَفظه إِذا لم يَأْتِ بِمَا يدل على استغراق الزَّمن للطَّلَاق , وَإِن قَالَ أَنْت طَالِق عدا أَو أَنْت طَالِق يَوْم السبت وَنَحْوه كَيَوْم الْخَمِيس تطلق بأوله أَي بِطُلُوع فجره , فَلَو قَالَ أردْت الآخر لم يدين وَلم يقبل ذَلِك مِنْهُ. وَأَنت طَالِق فِي غَد أَو رَجَب وَنَحْوه يَقع بأولهما , وَله وَطْء قبل وُقُوعه. وَأَنت طَالِق إِلَى شهر أَو إِلَى حول أَو إِلَى أُسْبُوع وَنَحْوه يَقع بمضيه. وان قَالَ إِذا مَضَت سنة بالتنكر فَأَنت طَالِق تطلق بِمُضِيِّ اثْنَي عشر شهرا بِالْأَهِلَّةِ تَامَّة أَو نَاقِصَة لقَوْله تَعَالَى: 19 (وان عدَّة الشُّهُور عِنْد الله اثْنَا عشر شهرا) أَي شهور السّنة ويكمل مَا طلق فِي أَثْنَائِهِ بِالْعدَدِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا. وان قَالَ إِذا مَضَت السّنة بالمعرفة فَأَنت طَالِق فَتطلق [بانسلاخ] شهر [ذِي] الْحجَّة من السّنة الْمُعَلق فِيهَا. وَأَنت طَالِق إِذا مضى شهر فبمضي ثَلَاثِينَ يَوْمًا. وَإِذا مضى الشَّهْر فبانسلاخه. وَأَنت طَالِق كل يَوْم طَلْقَة. وَكَأن تلفظه نَهَارا - وَقع فِي الْحَال طَلْقَة. وَالثَّانيَِة بفجر الْيَوْم الثَّانِي وَالثَّالِثَة [بفجر الْيَوْم الثَّالِث] .

فصل

3 - (فصل) . فِي تَعْلِيقه بِالشُّرُوطِ بِأَن الشّرطِيَّة أَو إِحْدَى أخواتها وَيَأْتِي حكمهَا وَمن علق طَلَاقا وَنَحْوه كعتق بِشَرْط مقدم كَانَ دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق أَو مُؤخر كَأَنْت طَالِق إِن دخلت الدَّار لم يَقع الطَّلَاق الْمُعَلق وَنَحْوه حَتَّى يُوجد الشَّرْط وَهُوَ دُخُول الدَّار , فَلَو لم يلفظ الْحَالِف بِهِ أَي التَّعْلِيق بل قَالَ أَنْت طَالِق وأدعاه أَي التَّعْلِيق بِأَن قَالَ أردْت إِن قُمْت دين وَلم يقبل حكما. وَلَا يَصح تَعْلِيقه إِلَّا من زوج يَصح تنجيزه مِنْهُ حِين التَّعْلِيق بِصَرِيح كَأَنْت طَالِق وَإِن جِئْت وب كِنَايَة كَأَنْت مسرحة إِن دخلت الدَّار مَعَ قصد الطَّلَاق بِالْكِنَايَةِ وبقطعه أَي التَّعْلِيق فصل بَين شَرط وجزائه بتسبيح وتهليل وتكبير وَنَحْوه ويقطعه أَيْضا فصل ب سكُوت بَين شَرط وجزائه سكُوتًا يُمكنهُ كَلَام فِيهِ وَلَو قل وَلَا يقطعهُ فصل ب كَلَام مُنْتَظم كَأَنْت طَالِق يَا زَانِيَة إِن قُمْت أَو إِن قُمْت يَا زَانِيَة فَأَنت طَالِق لِأَنَّهُ مُتَّصِل حكما , وَكَذَا لَا يقطعهُ عطاس وَنَحْوه. وأدوات الشَّرْط أَي الْأَلْفَاظ الَّتِي يُؤدى بهَا مَعْنَاهُ نَحْو إِن بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون النُّون وَهِي أم الأدوات وَمَتى وَإِذا وأى بِفَتْح الْهمزَة

وَتَشْديد الْيَاء , وَمن بِفَتْح الْمِيم , وَكلما وَهِي وَحدهَا للتكرار لِأَنَّهَا تعم الْأَوْقَات فَهِيَ بِمَعْنى كل وَقت وَإِذا قَالَ: إِن كلمتك أَو إِذا أَو مَتى كلمتك وَنَحْوه [فَأَنت طَالِق فتحققي , أَو] زجرها تنحى وَنَحْوه كاسكتي أَو مري وَنَحْوه تطلق سَوَاء اتَّصل ذَلِك بِيَمِينِهِ أَو لَا لم ينْو غير ذَلِك الْكَلَام , وَكَذَا لَو سَمعهَا تذكره بِسوء؛ فَقَالَ: الْكَاذِب عَلَيْهِ لعنة فانه يَحْنَث نصا لِأَنَّهُ كلمها. أَو قَالَ: إِن قُمْت فَأَنت طَالِق طلقت بذلك وَإِن لم تقم , لِأَنَّهُ كَلَام خَارج عَن الْيَمين مَا لم ينْو كلَاما غير ذَلِك الْكَلَام أَو ترك كحادثتها أَو الإجتماع بهَا فَلَا يحث وَإِن قَالَ لزوجته إِن بدأتك بالْكلَام فَأَنت طَالِق فَقَالَت هِيَ لَهُ إِن بدأتك بِهِ أَي الْكَلَام فَعَبْدي حر انْحَلَّت يَمِينه لِأَنَّهَا كَلمته أَولا مَا لم تكن لَهُ نِيَّة أَن لَا يبدأها بالْكلَام مرّة أُخْرَى وَتبقى يَمِينهَا ثمَّ إِن بَدأته بِكَلَام حنث وَعتق عَبدهَا لوُجُود الصّفة , وَإِن بدأها انْحَلَّت يَمِينهَا. وَإِن علقه بكلامها زيدا فكلمته فَلم يسمع كَلَامهَا لغفله أَو شغل أَو لخفض صَوتهَا وَنَحْو ذَلِك أَو مَجْنُون أَو سَكرَان غير مصروعين أَو كَانَ أَصمّ وَلَوْلَا الْمَانِع لسمع أَو كاتبته أَو راسلته وَلم ينْو مشافهتها أَو كلمت غير زيد [وَزيد] يسمع لقصده بِهِ حنث فِي الْجَمِيع , لَا إِن كَلمته مَيتا أَو غَائِبا أَو مغمى عَلَيْهِ أَو نَائِما أَو هِيَ مَجْنُونَة , أَو أشارت إِلَيْهِ لَان الْإِشَارَة لَيست كلَاما شرعا. وَإِن علقه على صِفَات واجتمعن فِي عين وَاحِدَة كَقَوْلِه: أَن رَأَيْت رجلا فَأَنت طَالِق , وَإِن رَأَيْت أسود فَأَنت طَالِق وَإِن رَأَيْت فَقِيها فَأَنت طَالِق فرأت رجلا اسود فَقِيها طلقت ثَلَاثًا ,

وَإِن قَالَ لَهَا إِن خرجت بِغَيْر إذني وَنَحْوه كَانَ خرجت إِلَّا بإذني أَو حَتَّى إِذن لَك فَأَنت طَالِق ثمَّ أذن لَهَا فَخرجت ثمَّ خرجت ثَانِيًا بِغَيْر إِذن أَو أذن لَهَا فِي الْخُرُوج وَلم تعلم بِإِذْنِهِ فَخرجت طلقت خلافًا للشَّافِعِيَّة لِأَن الْإِذْن هُوَ الْإِعْلَام وَلم يعلمهَا وَلَا يحث بخروجها إِن أذن لَهَا كلما شَاءَت نصا. وَإِن قَالَ لَهَا: إِن خرجت إِلَى غير الْحمام بِلَا إذني فلنت طَالِق فَخرجت إِلَى غَيره طلقت سَوَاء عدلت أَو لم تعدل , وَإِن خرجت تُرِيدُ الْحمام وَغَيره أَو خرجت إِلَى الْحمام ثمَّ عدلت إِلَى غَيره طلقت. وَمَتى قَالَ: كنت أَذِنت قبل مِنْهُ بِيَمِينِهِ , وَإِن قَالَ: إِن قربت بِضَم الرَّاء إِلَى دَار كَذَا فَأَنت طَالِق وَقع بوقوفها تَحت فنائها ولصوفها بجدرانها وبكسر الرَّاء لم يَقع حَتَّى تدْخلهَا. وَإِن علقه أَي الطَّلَاق على مشيئتها كَمَا إِذا قَالَ: أَنْت طَالِق إِن أَو إِذا أَو مَتى حَيْثُ أَو أَنى أَو أَيْن أَو كَيفَ أَو أَي وَقت شِئْت تطلق بمشيئتها حَال كَونهَا غير مُكْرَهَة سَوَاء شَاءَت فَوْرًا أَو تراخيا راضية أَو كارهة , هِيَ عبارَة الْإِقْنَاع والمنتهى كَذَلِك وَهِي الصَّوَاب , وَعبارَته فِي الْإِنْصَاف والتنقيح وَلَو مُكْرَهَة قَالَ فِي الْإِقْنَاع: وَهُوَ سبقة قلم. قَالَ فِي شَرحه: لِأَن فعل الْمُكْره ملغي. انْتهى. وَلَو شَاءَت بقلبها دون نطقها أَو قَالَت: قد شِئْت إِن طلعت الشَّمْس أَو قد شِئْت إِن شِئْت أَو شَاءَ فلَان لم يَقع وَلَو شَاءَ. أَو أَي وَإِن علقه بِمَشِيئَة اثْنَيْنِ كَأَنْت طَالِق إِن شِئْت وَشاء

أَبوك أَو إِن شَاءَ زيد وَعَمْرو فَلَا يَقع إِلَّا بمشيئتهما كَذَلِك أَي غير مكرهين وَلَو اخْتلفَا فِي الْفَوْرِيَّة والتراخي وان علقه أى الطَّلَاق على مَشِيئَة الله تَعَالَى كَقَوْلِه: أَنْت طَالِق إِن شَاءَ اللَّه أَو إِلَّا أَن يَشَاء الله وان لم يَشَاء الله أَو مَا لم يَشَأْ الله أَو قدم الشَّرْط كَقَوْلِه أَن شَاءَ الله فَأَنت طَالِق تطلق مِنْهُ فِي الْحَال نصا , وَكَذَا أَي وَمثل الطَّلَاق فِي الحكم عتق أى كَمَا إِذا قَالَ: عَبدِي حر إِن شَاءَ الله أَو إِن شَاءَ الله فَعَبْدي حر عتق فِي الْحَال نصا. وَحكم تَعْلِيق عتق كَطَلَاق لَكِن يَصح تَعْلِيق عتق بِمَوْت وَإِذا قَالَ لامْرَأَته: أَنْت طَالِق إِذا رَأَيْت الْهلَال أَو عِنْد رَأسه وَقع الطَّلَاق إِذا رؤى الْهلَال بعد غرُوب الشَّمْس أَو بعد تَمام الْعدة فان نوى العيان بِكَسْر الْعين مصدر عاين أَي نوى مُعَاينَة الْهلَال وَهُوَ إِدْرَاكه بحاسة الْبَصَر خَاصَّة أَو نوى حَقِيقَة رؤيتها قبل حكما وَهُوَ هِلَال إِلَى ثَالِثَة ثمَّ يقمر. وَإِن رَأَيْت زيدا فَأَنت طَالِق فرأته لَا مُكْرَهَة وَلَو مَيتا أَو فِي مَاء أَو زجاج شفاف طلقت إِلَّا مَعَ نِيَّة أَو قرينَة لَا إِن رَأَتْ خياله فِي مَاء أَو مرْآة أَو جالسته عمياء وَإِن قَالَ لزوجاته أول من تقوم مِنْكُن فَهِيَ طَالِق وَأول من قَامَ من عَبِيدِي فَهُوَ حر فَقَامَ الْكل دفْعَة وَاحِدَة لم يَقع طَلَاق وَلَا عتق. وَمن حلف عَليّ مُمْسك مَأْكُولا لَا آكله وَلَا أَلْقَاهُ وَلَا أمْسكهُ فَأكل بَعْضًا وَرمى الْبَاقِي لم يَحْنَث وَإِن حلف لَا يدْخل دَارا أَو حلف لَا يخرج مِنْهَا أَي الدَّار فَأدْخل فِيهَا بعض جسده فِي الصُّورَة الأولى أَو أخرج مِنْهَا بعض جسده فِي الثَّانِيَة لم يَحْنَث أَو دخل طاق الْبَاب أَي بَاب الدَّار لم يَحْنَث

أَو حلف على امْرَأَة لَا يلبس ثوبا من غزلها فبس ثوبا فِيهِ أى الثَّوْب مِنْهُ أَي غزلها لم يَحْنَث لِأَنَّهُ كُله لَيْسَ من غزلها أَو حلف لَا يشرب مَاء هَذَا الْإِنَاء فَشرب بعضه لم يَحْنَث لِأَنَّهُ لم يشربه بل بعضه. أَو حلف لَا يَبِيع عَبده وَلَا يَهبهُ وَلَا يؤجره وَنَحْوه فَبَاعَ أَو وهب أَو أجر بعضه أَو بَاعَ بعضه ووهب بَاقِيه لم يَحْنَث لِأَنَّهُ لم يَبِعْهُ كُله وَلَا وهبه كُله. وَإِن حلف لَا يشرب مَاء هَذَا النَّهر فَشرب مِنْهُ أَو لَا يلبس من غزلها فَلبس ثوب فِيهِ مِنْهُ حنث بِخِلَاف ثوبا من غزلها وَإِن حلف ليفعلن شَيْئا لَا يبر إِلَّا بِفِعْلِهِ أى الْمَحْلُوف عَلَيْهِ كُله مَا لم يكن أَي يُوجد لَهُ أَي الْحَالِف نِيَّة أَو قرينَة تَقْتَضِي فعل الْبَعْض فَمن حلف ليأكلن هَذَا الرَّغِيف لم يبر إِلَّا بِأَكْلِهِ أَو حلف ليدخلن الدَّار لم يبر حَتَّى يدخلهَا بجملته وَإِن فعل الْحَالِف المحلف عَلَيْهِ أَي على ترك فعله مكْرها أَو مَجْنُونا أَو مغمى عَلَيْهِ أَو نَائِما لم يَحْنَث , وَإِن فعله نَاسِيا أَو جَاهِلا حنث فِي طَلَاق وعناق فَقَط أَي دون الْيَمين المكفرة أَو حلف أَو حلف ليفعلنه فَتَركه مكْرها لم يَحْنَث , وناسيا أَو جَاهِلا يَحْنَث فِي طَلَاق وَعتق فَقَط قطع بِهِ فِي الْإِقْنَاع , وَقَالَ فِي الْمُنْتَهى تبعا للتنقيح: فَتَركه مكْرها أَو نَاسِيا لم يَحْنَث. قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى: وَقد يفرق بِأَن التّرْك يكثر فِيهِ النسْيَان فَيشق التَّحَرُّز مِنْهُ وينفع غير ظَالِم تَأَول وَهُوَ أَن يُرِيد بِلَفْظ مَا يُخَالف ظَاهره بِيَمِينِهِ لقَوْله: يَمِينك على مَا يصدقك بِهِ صَاحبك

وَلَو كَانَ التَّأْوِيل بِلَا حَاجَة , سَوَاء كَانَ المتأول مظلوم أَو غير مظلوم وَلَا ظَالِم وَأما الظَّالِم فَلَا يَنْفَعهُ. وَمن حلف على زَوجته لَا سرقت مني شَيْئا فخانته لم يَحْنَث إِلَّا بنية أَو بِسَبَب بِأَن كَانَ سَبَب يَمِينه خيانتها , وَمن شكّ وَالشَّكّ هَاهُنَا مُطلق التَّرَدُّد فِي طَلَاق أَو شكّ فِي مَا أَي فِي وجود شَرطه الَّذِي علق عَلَيْهِ الطَّلَاق , وَلَو كَانَ الشَّرْط عدميا كَإِن لم يقم زيد يَوْم كَذَا فزوجتي طَالِق وَشك فِي قِيَامه فِي ذَلِك الْيَوْم بعد مضيه لم يلْزمه الطَّلَاق وَله الْوَطْء؛ لِأَنَّهُ شكّ طَرَأَ على يَقِين فَلَا يُزِيلهُ. قَالَ الْمُوفق وَمن تَابعه: الْوَرع الْتِزَام الطَّلَاق , فَإِن كَانَ الْمَشْكُوك فِيهِ رَجْعِيًا رَاجعهَا إِن كَانَت مد خولا بهَا وَإِلَّا جدد نِكَاحهَا إِن كَانَت غير مَدْخُول بهَا أَو انْقَضتْ عدتهَا وَمن شكّ فِي عدده أَي الطَّلَاق الْوَاقِع عَلَيْهِ رَجَعَ إِلَى الْيَقِين وَهُوَ الْأَقَل , فَإِن لم يدل أواحدة طلق أَو ثَلَاثًا , أَو قَالَ أَنْت طَالِق بِعَدَد مَا طلق بِهِ فلَان وَجَهل عدده فَوَاحِدَة وَله مراجعتها وَيحل لَهُ وَطْؤُهَا. وَإِذا قَالَ لامرأتيه: إحداكماطالق وَهِي منوية طلقت وَحدهَا. لِأَنَّهُ عينهَا بنية أشبه تَعْيِينه بِلَفْظِهِ , فان لم ينْو مُعينَة أخرجت بِقرْعَة نصا كَمَا لَو طلق مُعينَة ونسبها فتميز بِقرْعَة. وَمَتى ظهر أَن الْمُطلقَة غير المخرجة ردَّتْ المخرجة لزَوجهَا مَا لم تتَزَوَّج فَلَا ترد إِلَيْهِ لتَعلق حق غَيره بهَا أَو مَا لم يحكم بِالْقُرْعَةِ أَو يقرع بَينهمَا حَاكم لِأَنَّهَا لَا يُمكن الزَّوْج دَفعهَا كَسَائِر الحكومات.

وَإِذا قَالَ: إِن كَانَ هَذَا الطَّائِر غرابا فحفصة طَالِق أَو حَماما فعمرة طَالِق , وَجَهل لم تطلق وَاحِدَة مِنْهُمَا لاحْتِمَال كَونه لَيْسَ غرابا وَلَا حَماما وان قَالَ لمن ظَنّهَا زَوجته فُلَانَة أَنْت طَالِق طلقت زَوجته نصا اعْتِبَارا بِالْقَصْدِ دون الْخطاب لَا عكسها بِأَن لَقِي امْرَأَته فظنها أَجْنَبِيَّة فَقَالَ: أَنْت طَالِق أَو تنحى يَا مُطلقَة لم تطلق امْرَأَته قَالَه فِي الْإِقْنَاع , وَجزم فِي الْمُنْتَهى. بِوُقُوع الطَّلَاق فَقَالَ: وَكَذَا عكسها. قَالَ فِي شَرحه لِأَنَّهُ واجهها بِصَرِيح الطَّلَاق كَمَا لَو علمهَا زَوجته وَلَا أثر لظنها أَجْنَبِيَّة , لِأَنَّهُ لَا يزِيد على عدم إِرَادَة الطَّلَاق. انْتهى. وَمثله الْعتْق. وَمن أوقع بِزَوْجَتِهِ كلمة وَشك هَل هِيَ أَي لكلمة طَلَاق أَو ظِهَار لم يلْزمه شَيْء وان شكّ هَل ظَاهر أَو حلف بِاللَّه لزمَه بحنث أدنى كفارتهما.

فصل

3 - (فصل) . الرّجْعَة بِفَتْح الرَّاء أفْصح من كسرهَا قَالَه الْجَوْهَرِي. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: الْكسر أَكثر. وَهِي لُغَة من الرُّجُوع , وَشرعا إِعَادَة مُطلقَة غير بَائِن إِلَى مَا كَانَت عَلَيْهِ بِغَيْر عقد , فَقَالَ رَحمَه اللَّه: وَإِذا طلق حر ظَاهره وَلَو مُمَيّز يعقل لِأَن الرّجْعَة إمْسَاك وَهُوَ يملكهُ من أَي من زَوْجَة دخل بهَا أَو خلا بهَا فِي نِكَاح صَحِيح طَلَاقا أقل من ثَلَاث أَو طلق عبد من دخل أَو خلا بهَا فِي نِكَاح صَحِيح طَلْقَة وَاحِدَة بِلَا عوض من الْمَرْأَة وَلَا غَيرهَا فيهمَا أَي فِي طَلَاق الْحر وَالْعَبْد فَلهُ أَي الْمُطلق حرا كَانَ أَو عبدا رَجعتهَا فِي عدتهَا ولولي مَجْنُون طلق بِلَا عوض دون مَا يملكهُ وَهُوَ عَاقل ثمَّ جن رَجعتهَا فِي عدتهَا أَي الْمُطلقَة مُطلقًا أَي سَوَاء رضيت أَو كرهت مَرِيضا كَانَ أَو محرما أَو مُسَافِرًا أَو لَا , لقَوْله تَعَالَى: (وبعولتهن أَحَق بردهن فِي ذَلِك) فان لم يكن دخل أَو خلا بهَا فَلَا رَجْعَة لِأَنَّهُ لَا عدَّة عَلَيْهَا فَلَا تمكن رَجعتهَا. وَكَذَا إِن النِّكَاح فَاسد كبلا شُهُود فَيَقَع فِيهِ الطَّلَاق بَائِنا وَلَا رَجْعَة لِأَنَّهَا إِعَادَة إِلَى النِّكَاح , فَإِذا لم تحل بِالنِّكَاحِ وَجب أَن لَا تحل بالرجعة إِلَيْهِ.

وَكَذَا إِن طلق الْحر ثَلَاثًا وَالْعَبْد اثْنَتَيْنِ لِأَنَّهَا لَا تحل حَتَّى تنْكح زوجا غَيره كَمَا يَأْتِي فَلَا رَجْعَة. وَكَذَا إِن كَانَ الطَّلَاق بعوض لِأَنَّهُ إِنَّمَا جعل لتفتدي بِهِ الْمَرْأَة من الزَّوْج وَلَا يحصل ذَلِك مَعَ ثُبُوت الرّجْعَة. وَتحصل الرّجْعَة بِلَفْظ راجعتها وارتجعتها وأمسكتها ورددتها وَنَحْوه. لَا بنكحتها أَو تَزَوَّجتهَا. وَسن لَهَا أَي الرّجْعَة إِشْهَاد احْتِيَاطًا وَلَيْسَ من شَرطهَا لِأَنَّهَا لَا تفْتَقر إِلَى قبُول كَسَائِر حُقُوق الزَّوْج وَلَا إِلَى ولي وَلَا صدَاق وَلَا رضَا الْمَرْأَة كَمَا مر وَلَا علمهما إِجْمَاعًا. وَتحصل الرّجْعَة بِوَطْئِهَا بِلَا إِشْهَاد مُطلقًا أَي سَوَاء نوى بِهِ الرّجْعَة أَولا , لَا بِمُبَاشَرَة وَنظر لفرج , والمطلقة الرَّجْعِيَّة زَوْجَة يلْحقهَا الطَّلَاق وَالظِّهَار وَالْإِيلَاء وَاللّعان وَالْخلْع , وَلها نَفَقَة وان لم تكن حَامِلا إِلَى انْقِضَاء الْعدة , وَيَرِث كل صَاحبه إِجْمَاعًا فِي غير قسم أَي مَا عدا الْقسم , فانه لَا يقسم لَهَا صرح بِهِ الْمُوفق وَالشَّارِح وَالزَّرْكَشِيّ فِي الْحَضَانَة , وَلَعَلَّه مُرَاد من أطلق , وَيُبَاح لزَوجهَا وَطْؤُهَا وَالسّفر بهَا , وَلها أَن تتزين لَهُ وتتشرف. وَتَصِح الرّجْعَة بعد طهر من حيضا ثَالِثَة قبل غسل هَا نصا , وَظَاهره وَلَو فرطت فِي الْغسْل سِنِين وَلم تبح للأزواج , وَتَصِح أَيْضا قبل وضع ولد مُتَأَخّر , وَلَا يَصح تَعْلِيقهَا بِشَرْط , ككلما طَلقتك فقد رَاجَعتك , وَلَو عَكسه فَقَالَ للرجعية: كلما رَاجَعتك فقد طَلقتك صَحَّ التَّعْلِيق وَطلقت كلما رَاجعهَا؛ لِأَنَّهُ طَلَاق مُعَلّق بِصفة

وَلَا تعود بعد غسل من حَيْضَة ثَالِثَة أَو بعد فرَاغ من عدَّة إِلَّا بِعقد جَدِيد وتعود إِلَيْهِ الرَّجْعِيَّة إِذا رَاجعهَا والبائن إِذا نَكَحَهَا على مَا بقى من طَلاقهَا. وَأَقل مَا تَنْقَضِي بِهِ عدَّة الْحرَّة من الْأَقْرَاء وَهِي الْحيض تِسْعَة وَعِشْرُونَ يَوْمًا ولحظة , وَمن ادَّعَت انْقِضَاء عدتهَا بِوِلَادَة أَو غَيرهَا وَأمكن بِأَن مضى زمن يُمكن انقضاؤها فِيهِ قبل ت دَعْوَاهَا , وَلَا تقبل دَعْوَاهَا انْقِضَاء عدتهَا فِي شهر بحيض إِلَّا بِبَيِّنَة نصا لقَوْل شرح: إِذا ادَّعَت أَنَّهَا حَاضَت ثَلَاث حيضا فِي الشَّهْر وَجَاءَت بِبَيِّنَة من النِّسَاء الْعُدُول من بطانة أَهلهَا مِمَّن يرضى صدقهَا وعدلها أنهارأت مَا يحرم عَلَيْهَا الصَّلَاة من الطمث وتغتسل عِنْد كل قرء وَتصلي فقد انْقَضتْ عدتهَا وَإِلَّا فَهِيَ كَاذِبَة. فَقَالَ عَليّ: قالون. وَمَعْنَاهُ بالرومية أَحْسَنت: وَإِنَّمَا لم تصدق فِي ذَلِك مَعَ إِمْكَانه لندرته بِخِلَاف مَا زَاد على الشَّهْر , وَإِن طلق زوج حر زَوجته حرَّة كَانَت أَو أمة طَلَاقا ثَلَاثًا دفْعَة وَاحِدَة أَو دفعات , أَو طلق عبد زَوجته اثْنَتَيْنِ أَي طَلْقَتَيْنِ وَلَو عتق قبل انْقِضَاء عدتهَا لم تحل لَهُ حَتَّى يَطَأهَا زوج غَيره فِي قبل هَا , لِأَن الْوَطْء الْمُعْتَبر شرعا لَا يكون فِي غَيره , بِنِكَاح صَحِيح مَعَ انتشار وَتقدم بعضه فِي مُحرمَات النِّكَاح؛ لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى تَذُوقِي عسليته وَيَذُوق عُسَيْلَتك وَإِنَّمَا يكون ذَلِك مَعَ الانتشار فيكتفي بذلك وَلَو مجبوبا أَو خَصيا أَو نَائِما أَو مغمى عَلَيْهِ وأدخلت ذكره فِي فرجهَا , أَو كَانَ الزَّوْج الثَّانِي ذِمِّيا وَهِي ذِمِّيَّة ,

وَيَكْفِي فِي حلهَا تغييب حَشَفَة أَو قدرهَا من مقطوعها وَلَو لم ينزل لَان الْعسيلَة هِيَ الْجِمَاع , أَو كَانَ بِمَ يبلغ عشرا لعُمُوم 19 (حَتَّى تنْكح زوجا غَيره) أَو كَانَ حِين وَطئه ظَنّهَا أَجْنَبِيَّة؛ لوُجُود حَقِيقَة الْوَطْء من زوج فِي نِكَاح صَحِيح، أَو كَانَ الْوَطْء محرما لمَرض وضيق وَقت صَلَاة وَفِي مَسْجِد , ولقبض مهر حَال وَنَحْو ذَلِك , وَلَا يحلهَا وَطْء فِي حيض أَو فِي نِفَاس أَو فِي إِحْرَام أَو فِي صَوْم فرض أَو فِي ردة أَو فِي دبر أَو نِكَاح بَاطِل أَو فَاسد؛ لِأَن التَّحْرِيم فِي هَذِه الصُّور لِمَعْنى فِيهَا لحق الله تَعَالَى بِخِلَاف الَّتِي قبلهَا وَلِأَن النِّكَاح فِي الْفَاسِد لَا أثر لَهُ فِي الشَّرْع فِي الْحل فَلَا يدْخل فِي قَوْله تَعَالَى: 19 ((حَتَّى تنْكح زوجا غَيره)) . وَمن غَابَ عَن مطلقته ثَلَاثًا ثمَّ حضر فَذكرت لَهُ أَنَّهَا نكحت من أَصَابَهَا وَانْقَضَت عدتهَا وَأمكن ذَلِك بِمُضِيِّ زمن يَتَّسِع لَهُ , فَلهُ نِكَاحهَا إِذا غلب على ظَنّه صدقهَا إِمَّا بأمانتها أَو بِخَبَر غَيرهَا مِمَّن يعرف حَالهَا وَإِلَّا فَلَا. وَمثلهَا لَو جَاءَت حَاكما وأدعت أَن زَوجهَا طَلقهَا وَانْقَضَت عدتهَا فَلهُ تَزْوِيجهَا إِذا ظن صدقهَا , وَلَا سِيمَا إِن كَانَ الزَّوْج لَا يعرف. تَنْبِيه: إِذا طلق الرجل زَوجته ثَلَاثًا وَانْقَضَت عدتهَا وَتَزَوَّجت بِغَيْرِهِ بِنِكَاح صَحِيح ثمَّ طَلقهَا الثَّانِي بعد أَن وَطئهَا وعادت لزَوجهَا الأول فَإِنَّهَا تعود على طَلَاق ثَلَاث بِإِجْمَاع أهل الْعلم , وَإِذا طَلقهَا دون ثَلَاث وَانْقَضَت عدتهَا وَتَزَوَّجت من أَصَابَهَا , أَو من لم يصبهَا وَبَانَتْ مِنْهُ وعادت إِلَى

الأول فَالْمَذْهَب أَنَّهَا تعود على مَا بقى من طَلاقهَا , هَذَا قَول أكَابِر أَصْحَاب النَّبِي مِنْهُم عمر وَعلي وَأبي معَاذ وَعمْرَان بن حُصَيْن وَأَبُو هُرَيْرَة وَزيد وَعبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ وعنى بهم.

فصل

3 - (فصل) . والايلاء بِكَسْر الْهمزَة وَالْمدّ مصدر آلي يؤلى إِيلَاء وألية - بتَشْديد الْيَاء التَّحْتِيَّة - لُغَة: الْحلف , وَهُوَ حرَام لانه يَمِين على ترك وَاجِب , وَكَانَ هُوَ وظهار طَلَاقا فِي الْجَاهِلِيَّة , وَهُوَ أَي الايلاء شرعا حلف زوج لاسيد عَاقل لامجنون يَصح طَلَاقه ويمكنه الْوَطْء بِاللَّه تَعَالَى أَو بِصفة من صِفَات كالرحمن الرَّحِيم وَرب الْعَالمين وخالقهم على ترك وَطْء زَوجته لَا أمته أَو أَجْنَبِيَّة الْمُمكن جِمَاعهَا فِي قبل أبدا كَقَوْلِه: وَالله لَا وَطئتك أبدا أَو مُطلقًا بِأَن لم يُقيد مُدَّة ترك الْوَطْء بِزَمن كَقَوْلِه: وَالله لَا وَطئتك أَو علق على ترك الْوَطْء على مُدَّة فَوق أَرْبَعَة اشهر مُصَرحًا بهَا أَو نَاوِيا بِأَن يحلف أَنه لَا يَطَؤُهَا وينوى فَوق أَرْبَعَة اشهر وَسَوَاء حلف فِي حَال الرِّضَا وَغَيره، وَالزَّوْجَة مَدْخُول بهَا أَو لَا هُنَا وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى 19 ((وللذين يؤلون من نِسَائِهِم تربص أَرْبَعَة اشهر)) الْآيَة. من حِين يَمِينه وَيَتَرَتَّب حكمه مَعَ خصاء زوج وَجب بعض ذكره إِن بقى مِنْهُ مَا يُمكنهُ الْجِمَاع بِهِ وَمَعَ عَارض يُرْجَى زَوَاله كحبس وَنَحْوه لِأَنَّهُ لَا يُمكنهُ مَعَ ذَلِك الْوَطْء

[فَمَتَى مضى أَرْبَعَة اشهر أَو شهر من يَمِينه] وَلَو قِنَا وَلم يُجَامع فِيهَا أَي الْأَرْبَعَة الْأَشْهر بِلَا عذر من نَحْو مرض وإحرام وَحبس ظلما أَو نَحوه أتمر بِهِ أَي الْجِمَاع فَإِن أَبى أَي امْتنع من الْوَطْء أَمر بِالطَّلَاق إِن طلبت ذَلِك فَإِن امْتنع من الْوَطْء والتفكير وَالطَّلَاق طلق عَلَيْهِ أَي الْمولى حَاكم بطلبها وَاحِدَة أَو ثَلَاثًا أَو فسخ وتنحل يَمِين مؤل جَامع وَلَو مَعَ تَحْرِيم الْجِمَاع كَمَا إِذا كَانَ فِي الْحيض أَو النّفاس أَو الْإِحْرَام وَنَحْوه و [يجب بِوَطْئِهِ] أَي الزَّوْج كَفَّارَة الْيَمين لحنثه أدنى مَا يَكْفِي من الْوَطْء تغييب حَشَفَة أَو قدرهَا وَلَو من مكره أَو نَاس أوجاهل أَو نَائِم أَو مَجْنُون أَو أَدخل ذكر نَائِم لوُجُود الْوَطْء وَاسْتِيفَاء الْمَرْأَة حَقّهَا بِهِ أشبه مَا لَو فعله قصدا. وتارك الْوَطْء لزوجته ضَرَرا بهَا بِلَا عذر لَهُ وَلَا يَمِين كمؤل فِي الحكم من ضرب الْمدَّة وَطلب الْوَطْء وَالْأَمر بِالطَّلَاق إِن لم يعنن وَنَحْو ذَلِك وَمثله من ظَاهر وَلم يكفر.

فصل

3 - (فصل) . وَالظِّهَار مُشْتَقّ من الظّهْر وانما خص دون سَائِر الْأَعْضَاء لِأَنَّهُ مَوضِع الرّكُوب وَلذَلِك سمى المركوب ظهرا وَالْمَرْأَة مركوبة إِذا غشيت فَكَأَنَّهُ يُشِير بقوله: أَنْت عليَّ كَظهر أُمِّي. أَي ركُوبهَا للْوَطْء حرَام كركوب أمه لذَلِك وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى 19 (: (وَالَّذين يظاهرون من نِسَائِهِم)) الْآيَة وَهُوَ [محرم] إِجْمَاعًا حَكَاهُ ابْن الْمُنْذر لقَوْله تَعَالَى 19 ((وانهم ليقولون مُنْكرا من القَوْل وزورا)) إِذْ قَول الْمُنكر والزور من أكبر الْكَبَائِر وَهُوَ أَي الظِّهَار شرعا أَن يشبه زوج زَوجته أَو يشبه بَعْضهَا كظهرها ويدها وَنَحْو ذَلِك بِمن تحرم عَلَيْهِ كَأُمِّهِ أَو أُخْته من نسب أَو رضَاع وحماته زَوجته ابْنه وَلَو كَانَ تَحْرِيمهَا عَلَيْهِ إِلَى أمد كأخت زَوجته وخالتها أَو يشبه زَوجته أَو بَعْضهَا أَو عضوا مِنْهَا بِبَعْضِهَا أَي بعض من تحرم عَلَيْهِ كَقَوْلِه: أَنْت أَو يدك أَو وَجهك كَظهر أُمِّي أَو كيد أَو رجل أَو بطن أُمِّي

أَو يشبه زَوجته بِرَجُل أَو بعضو مِنْهُ مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ الرجل ذَا قرَابَة أَو أَجْنَبِيّا. قَالَ فِي الْمُنْتَهى وَشَرحه: وَإِن قَالَ لَهَا أَنْت كَظهر أبي طَالِق أَو قَالَ لَهَا عَكسه أى أَنْت طَالِق كَظهر أبي يلزمانه أَي الطَّلَاق وَالظِّهَار لإتيانه بصرحهما وَجزم فِي الشَّرْح والإقناع بِأَنَّهُ لَيْسَ بظهار فِي الثَّانِيَة إِلَّا أَن ينوبه انْتهى. وَقَوله: أَنا مظَاهر أَي على الظِّهَار أَو يلْزَمنِي الظِّهَار أَو على الْحَرَام أَو يلْزَمنِي الْحَرَام أَو أَنا عَلَيْك حرَام أَو أَنا عَلَيْك كَظهر رجل أَو كَظهر أبي مَعَ نِيَّة ظِهَار أَو قرينَة دَالَّة عَلَيْهِ ظِهَار وَإِلَّا فلغو وَتقدم بعضه فِي الطَّلَاق. وَلَا يَصح التَّشْبِيه إِن شبه زَوجته أَو عضوا مِنْهَا أَو شعرًا وَنَحْوه بِشعر [وَسن وظفر وريق وَنَحْوهَا] كروح وَسمع وبصر وَنَحْو ذَلِك كَأَن يَقُول: شعرك أَو سنك وَنَحْوه على كَظهر أُمِّي أَو حرَام وَإِن قالته أَي قَالَت الزَّوْجَة لزَوجهَا نَظِيره مَا يصير بِهِ مُظَاهرا لَو قَالَه فَلَيْسَ بظهار وَيجب عَلَيْهَا أى الزَّوْجَة حَال كَونهَا مطاوعة لِأَنَّهَا أحد الزَّوْجَيْنِ وَعَلَيْهَا التَّمْكِين لزَوجهَا قبل التَّكْفِير لِأَنَّهُ حق لَهُ فَلَا تَمنعهُ كَسَائِر حُقُوقه. وَلِأَنَّهُ لم يثبت لَهَا حكم الظِّهَار وَإِنَّمَا وَجَبت الْكَفَّارَة تَغْلِيظًا وَلَهُمَا ابْتِدَاء الْقبْلَة والاستمتاع قبل التفكير. وَيكرهُ دُعَاء أحد الزَّوْجَيْنِ الآخر بِمَا يخْتَص بِذِي رحم كَأبي وَأمي وَأخي وأختي قَالَ الإِمَام 16 (احْمَد) : لَا يُعجبنِي. وَيصِح الظِّهَار من كل من أَي زوج يَصح طَلَاقه مُسلما كَانَ

أَو كَافِرًا حرا أَو عبدا كَبِيرا أَو مُمَيّزا يعقله لِأَنَّهُ تَحْرِيم كَالطَّلَاقِ فَجرى مجْرَاه وَصَحَّ مِمَّن يَصح مَعَه. وَيصِح مُنجزا ومعلقا ومحلوفا بِهِ وَيحرم عَلَيْهِمَا أى على مظَاهر وَمظَاهر مِنْهَا وَطْء وداعيه أى الْوَطْء كقبلة واستمتاع بِمَا دون الْفرج وَنَحْو ذَلِك قبل إِخْرَاج كفأراته أَي الظِّهَار لقَوْله تَعَالَى 19 (: (فنحرير رَقَبَة من قبل أَن يتماسا)) وَقَوله تَعَالَى 19 (: (فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين من قبل أَن يتماسا)) وَلَو كَانَ التَّكْفِير بإطعام بِخِلَاف كَفَّارَة يَمِين فَلهُ إخْرَاجهَا قبل الْحِنْث وَبعده وَإِن مَاتَ أيحدهما بعد ظِهَار وَقبل الْوَطْء والتفكير سَقَطت كَفَّارَته ويرثها وترثه كَمَا بعد التفكير وَهِي أَي كَفَّارَة الظِّهَار على التَّرْتِيب: عتق رَقَبَة مُؤمنَة فَإِن لم يجد الرَّقَبَة فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين حرا كَانَ أَو قِنَا وَيلْزمهُ تبيت النِّيَّة من اللَّيْل لكَونه وَاجِبا وتعيينها جِهَة الْكَفَّارَة وَيَأْتِي آخر الْفَصْل. وَيَنْقَطِع التَّتَابُع بِوَطْء مظَاهر مِنْهَا وَلَو نَاسِيا أَو مَعَ عذر يُبِيح الْفطر أَو لَيْلًا لَا وَطْء غَيرهَا فَإِن لم يسْتَطع الصَّوْم لكبر أَو مرض لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ فالطعام سِتِّينَ مِسْكينا مُسلما حرا لكل مِسْكين مدَّبَّر أَو نصف صَاع من غَيره , وَلَا يضر وَطْء مظَاهر مِنْهَا فِي أثْنَاء الطَّعَام , ويجزيء دَفعهَا إِلَى صَغِير من أَهلهَا وَلَو لم يَأْكُل الطَّعَام ويقبضها لَهُ وليه وَلَا يجزيء الْخبز وَيكفر كَافِر بِمَال فَإِن كفر بِالْعِتْقِ لم يُجزئهُ إِلَّا عتق رَقَبَة مُؤمنَة فَإِن كَانَت بِملكه أَو ورثهَا أَجْزَأت عَنهُ وَإِلَّا فَلَا سَبِيل إِلَى شِرَاء رَقَبَة مُؤمنَة. وَيتَعَيَّن تَكْفِير بإطعام إِلَّا أَن يَقُول الذِّمِّيّ لمُسلم أعتق عَبدك الْمُسلم عني وَعلي ثمنه فسيصح , ذكره فِي الْإِقْنَاع.

وَيكفر عبد بِالصَّوْمِ أَي صَوْم شَهْرَيْن مُتَتَابعين كَالْحرِّ وَشرط فِي أَجزَاء رَقَبَة فِي كَفَّارَة مُطلقًا وَفِي نذر عتق مُطلق إِسْلَام وَلَو كَانَ الْمُعْتق كَافِرًا وَشرط فِيهَا سَلامَة من عيب مُضر بِالْعَمَلِ ضَرَرا بَينا لِأَن الْمَقْصُود تمْلِيك ألقن نَفسه وتمكينه من التَّصَرُّف لنَفسِهِ , وَهَذَا غير حَاصِل مَعَ مَا يضر بِالْعَمَلِ كَذَلِك كعمى وشلل يَد أَو رجل أَو قطع إِحْدَاهمَا أَو سبابة أَو وسطى أَو إِبْهَام من يَد أَو رجل أَو خنصر وبنصر من يَد وَاحِدَة , وَقطع أُنْمُلَة وَاحِدَة من إِبْهَام أَو أنملتين من غَيره كَقطع الإصبع وَلَا يجزيء التَّكْفِير إِلَّا بِمَا أَي قوت ويجزيء إِخْرَاجه فطْرَة وَلَو كَانَ قوت بَلَده غير مَا يجزيء أَن يغدى الْمَسَاكِين أَو يعشيهم بِخِلَاف نذر إطعامهم وَلَا تجزيء الْقيمَة ويجزيء فِي الْكَفَّارَة مَا يجزيء فِي الْفطْرَة وَهُوَ من البِّر مدّ وَاحِد وَهُوَ نصف قدح بكيل مصر يُعْطي لكل مِسْكين , وَمن غَيره أَي الْبر وَهُوَ الشّعير وَالتَّمْر وَالزَّبِيب والأقط مدان نصف صَاع وَذَلِكَ قدح بكيل مصر , وَسن إِخْرَاج أَدَم مَعَ إِخْرَاج مَا يجزيء نصا كَمَا فِي الْإِقْنَاع وَلَا يجزيء فِي كَفَّارَة عتق وَلَا صَوْم وَلَا إطْعَام إِلَّا بنية بِأَن ينويه جِهَة الْكَفَّارَة. وَتقدم. وَلَا تَكْفِي نِيَّة التَّقَرُّب إِلَى الله تَعَالَى فَقَط.

فصل

3 - (فصل) . وَيجوز اللّعان واشتقاقه من اللَّعْن وَهُوَ الطَّرْد والإبعاد لِأَن كل وَاحِد من الزَّوْجَيْنِ يلعن نَفسه فِي الْخَامِسَة إِن كَانَ كَاذِبًا , وَقيل: لِأَن أَحدهمَا لَا يَنْفَكّ عَن كَونه كَاذِبًا فَتحصل اللَّعْنَة عَلَيْهِ. وَشرعا شَهَادَات مُؤَكدَة بأيمان من الْجَانِبَيْنِ مقرونة بلعن من زوج وَغَضب من زَوْجَة قَائِمَة مقَام حد قذف أَو تَعْزِير فِي جَانِبه أَو حبس فِي جَانبهَا. وَيشْتَرط أَن يكون بَين زَوْجَيْنِ وَلَو قبل الدُّخُول وَلها نصف الصَدَاق إِذا لاعنها قبله بالغين عاقلين لِأَنَّهُ إِمَّا يَمِين أَو شَهَادَة وَكِلَاهُمَا لَا يَصح من مَجْنُون وَلَا غير بَالغ إِذْ لَا غبرة بقولهمَا وَلَو قنين أَو فاسقين أَو ذميين أَو أَحدهمَا , وَأَن يتقدمه قَذفهَا بالزنة وَأَن تكذبه وَيسْتَمر تكذبيها إِلَى انْقِضَاء اللّعان. وَيسْقط مَا لزمَه بقذفها بتصديقها أَو بِإِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهَا بِهِ ل [أجل] [إِسْقَاط الْحَد] تَعْلِيل ليجوز فَمن قذف زَوجته بالزنة لفظا وَلَو بطهر وطيء فِيهِ قبل أَو دبر بِأَن قَالَ زَنَيْت فِي قبلك أَو دبرك وكذبته الزَّوْجَة المقذوفة فَيلْزمهُ مَا

يلْزم بِقَذْف أَجْنَبِيَّة فَلهُ أَي الزَّوْج لعانها ليسقط الْحَد عَنهُ وَلَوْلَا عَن وَحده وَلم تلاعن هِيَ , وَصفته بِأَن يَقُول زوج أَولا أَرْبعا: أشهد بِاللَّه إِنِّي لصَادِق فِيمَا رميتها بِهِ من الزِّنَا وَيُشِير إِلَيْهَا من حُضُورهَا وَلَا حَاجَة لِأَن تسمى أَو تنْسب إِلَّا مَعَ غيبتها وَيزِيد فِي الْخَامِسَة: وَأَن لعنة اللَّه عَلَيْهِ إِن كَانَ من الْكَاذِبين وَلَا يشْتَرط أَن يَقُول: فِيمَا رميتها بِهِ من الزِّنَا. ثمَّ تَقول هِيَ الزَّوْجَة أَرْبعا أَيْضا: أشهد بِاللَّه أَنه لَكَاذِب فِيمَا رماني بِهِ من الزِّنَا , وتزيد فِي الْخَامِسَة: وَأَن غضب الله عَلَيْهَا إِن كَانَ من الصَّادِقين , وَلَا يشْتَرط أَن تَقول: فِيمَا رماني بِهِ من الزنة. وَسن تلاعنها قيَاما وبحضرة جمَاعَة , أَن لَا ينقصوا عَن أَرْبَعَة رجال , وَيتَعَيَّن حُضُور حَاكم وَيُعَزر بِقَذْف زَوجته الصَّغِيرَة والمجنونة وَلَا لعان لِأَن التَّكْلِيف شَرط كَمَا تقدم , فَإِذا تمّ اللّعان بَينهمَا سقط الْحَد عَنْهَا وَعنهُ وَإِن كَانَت مُحصنَة أَو التعذير إِن لم تكن كَذَلِك وَثبتت الْفرْقَة المؤبدة بَين المتلاعنين وَلَو بِلَا فعل حَاكم بِأَن لم يفرق بَينهمَا حَاكم. وَيثبت التَّحْرِيم المؤبد وَلَو أكذب نَفسه وينتفي الْوَلَد عَن الْملَاعن بنفيه لَهُ , وَيعْتَبر لنفيه ذكره صَرِيحًا كَقَوْلِه: أشهد باللَّه لقد زنت وَمَا هَذَا وَلَدي ويتمم اللّعان , وتعكس هِيَ فَتَقول: أشهد باللَّه لقد كذب وَهَذَا الْوَلَد وَلَده وتتمم اللّعان لِأَنَّهَا أحد الزَّوْجَيْنِ فَكَانَ ذكر الْوَلَد مِنْهَا شرطا فِي اللّعان كالزوج , أَو ذكره تضمنا كَقَوْل زوج مُدع زنَاهَا فِي طهر لم يَطَأهَا فِيهِ لِأَنَّهُ اعتزلها: أشهد بِاللَّه أَنِّي لمن الصَّادِقين فِيمَا ادعيت عَلَيْهَا أَو رميتها بِهِ من الزِّنَا. وتعكس هِيَ.

وَلَو نفى عددا من الْأَوْلَاد كَفاهُ لعان وَاحِد , وَمَتى أكذب نَفسه بعد نَفْيه حد لمحصنة وعزر لغَيْرهَا كذمية ورقيقة , وانجر النّسَب من جِهَة الْأُم إِلَى جِهَة الْأَب كانجرار وَلَاء من موَالِي الْأُم الى موَالِي الْأَب بِعِتْق الْأَب وعَلى الْأَب مَا أنفقته الْأُم قبل استلحاقه , ذكره فِي الْمُغنِي والإقناع وَشرح الْمُنْتَهى. ويتوارث الْأَب المكذب نَفسه وَالْولد الَّذِي الَّذِي اسْتَلْحقهُ بعد نَفْيه وان استحلفه وَرَثَة الْملَاعن بعده لم يلْحق نصا. والتوءمان أَخَوان لأم. ثمَّ أَخذ المُصَنّف يتَكَلَّم على مَا يلْحق من النّسَب فَقَالَ: وَمن أَتَت زَوجته بِولد بعد نصف سنة أَي سِتَّة أشهر مُنْذُ أمكن اجتماعه بهَا وَلَو مَعَ غيبَة فَوق أَربع سِنِين , وَلَا يَنْقَطِع الْإِمْكَان بحيض أَو أَتَت بِهِ لدوّنَ أَربع سِنِين مُنْذُ أَبَانهَا زَوجهَا , وَلَو كَانَ الزَّوْج ابْن عشر سِنِين فيهمَا لحقه أَي الزَّوْج نسبه أَي الْوَلَد لِإِمْكَان كَونه مِنْهُ حفظا للنسب واحتياطا لحَدِيث الْوَلَد للْفراش وَمَعَ هَذَا لَا يكمل بِهِ مهر إِن لم يثبت الدُّخُول أَو الْخلْوَة وَلَا تثبت بِهِ عدَّة وَلَا رَجْعَة لعدم ثُبُوت مُوجبهَا , وَلَا يحكم بِبُلُوغِهِ أَي الزَّوْج لاستدعاء الحكم بِبُلُوغِهِ يَقِينا لترتيب الْأَحْكَام عَلَيْهِ من التكاليف وَوُجُوب الغرامات فَلَا يحكم بِهِ مَعَ شكّ فِيهِ أَي فِي بُلُوغه وَلِأَن الأَصْل عَدمه. وَإِن ولدت رَجْعِيَّة بعد أَربع سِنِين مُنْذُ طَلقهَا وَقبل انْقِضَاء عدتهَا أَو ولدت لأَقل من أَربع سِنِين مُنْذُ انْقَضتْ عدتهَا

لحق نسبه بالمطلق , لِأَن الرَّجْعِيَّة فِي حكم الزَّوْجَات فِي أَكثر الْأَحْكَام أشبه مَا قبل الطَّلَاق. وَمن أخْبرت بِمَوْت زَوجهَا فاعتدت ثمَّ تزوجت ثمَّ ولدت لحق بِزَوْج ثَان مَا وَلدته لنصف سنة فَأكْثر مُنْذُ تزوجت نصا لِأَنَّهَا فرَاشه , أما مَا وَلدته لدوّنَ نصف سنة وعاش فَيلْحق بِالْأولِ لِأَنَّهُ لَيْسَ من الثَّانِي يَقِينا. وَمن ثَبت عَلَيْهِ إِقْرَار أَنه وطىء أمته فِي الْفرج أَو دونه فَولدت لنصف سنة فَأكْثر لحقه نسب مَا وَلدته؛ لِأَنَّهَا صَارَت فراشا لَهُ بِوَطْئِهِ , وَلَو قَالَ عزلت أَو لم أنزل. وان أقرّ بِالْوَطْءِ مرّة ثمَّ ولدت وَلَو بعد أَربع سِنِين من وَطئه لحقه نسب مَا وَلدته. وَمن استلحق ولدا لم يلْحقهُ مَا تلده بعده بِدُونِ إِقْرَار آخر , وَمن أعتق أمة أقرّ بِوَطْئِهَا أَو بَاعَ من أَي أمة أقرّ بِوَطْئِهَا فَولدت ولدا لدوّنَ نصف سنة مُنْذُ أعْتقهَا أَو بَاعهَا لحقه أَي الْمُعْتق أَو البَائِع مَا وَلدته لِأَن أقل مُدَّة الْحمل نصف سنة فَمَا وَلدته لدونها وعاش علم أَنَّهَا كَانَت حَامِلا بِهِ قبل الْعتْق أَو البيع حِين كَانَت فراشا لَهُ وَالْبيع بَاطِل لِأَنَّهَا أم ولد وَالْعِتْق صَحِيح وَلَو كَانَ قد أستبرأها قبله. وَيتبع الْوَلَد أَبَاهُ فِي النّسَب إِجْمَاع: فولد قرشي وَلَو من غير قرشية قرشي , وَولد قرشية من غير قرشي لَيْسَ قرشيا. وَيتبع أمه فِي الْحُرِّيَّة وَالْملك , فولد حرَّة حر وَإِن كَانَ من رَقِيق , وَولد أمة وَلَو من حر رَقِيق لمَالِك أمه إِلَّا مَعَ شَرط أَو غرور فَيكون حرا.

وَيتبع فِي الدّين خيرهما , فَلَو تزوج مُسلم حرَّة كِتَابِيَّة فَمَا تَلد مِنْهُ يكون مُسلما , وَإِن تزوج كتابي حرَّة مَجُوسِيَّة - أَو تسري بِأمة مَجُوسِيَّة - فَمَا تَلد مِنْهُ يكون كتابيا , لَكِن لَا تحل ذَبِيحَته , وَلَا لمُسلم نِكَاحه لَو كَانَ أُنْثَى. وَيتبع فِي النَّجَاسَة وَتَحْرِيم النِّكَاح والذكاة وَالْأكل أخبثهما: فالبغل نجس محرم الْأكل لتبعيته لأخبث أَبَوَيْهِ وَهُوَ الْحمار الَّذِي هُوَ النَّجس الْمحرم الْأكل دون أطيبهما الَّذِي هُوَ الْفرس الطَّاهِر الْمُبَاح الْأكل.

بَاب الْعدَد وَاحِدهَا عدَّة بِكَسْر الْعين فيهمَا مَأْخُوذ من الْعدَد بِفَتْحِهَا لِأَن أزمنة الْعدة لعدد الْأَزْمَان وَالْأَحْوَال كالحيض وَالْأَشْهر , وَالْمَقْصُود مِنْهَا الْعلم بِبَرَاءَة الرَّحِم غَالِبا , وَهِي أَرْبَعَة أَقسَام: تعبدي مَحْض كعدة المتوفي عَنْهَا من زوج لَا يلْحق بِهِ الْوَلَد ولمعنى مَحْض كالحامل أَو يجْتَمع الْأَمْرَانِ والتعبد أغلب , كالمتوفى عَنْهَا الْمُمكن حملهَا إِذا مَضَت أقراؤها فِي أثْنَاء الشُّهُور وَبِالْعَكْسِ كعدة الْمَوْطُوءَة الَّتِي يُمكن حملهَا مِمَّن يُولد لمثله , وَهِي التَّرَبُّص الْمَحْدُود شرعا لَا عدَّة وَاجِبَة فِي فرقة زوج حَيّ قبل وَطْء وَقبل خلْوَة وَلَا بقبلة أَو لمس , وَشرط فِي عدَّة لوطء كَونهَا أَي الْمَوْطُوءَة يُوطأ مثلهَا وَكَونه أَي الواطىء يلْحق بِهِ الْوَلَد فَإِن وطِئت بنت دون تسع أَو وطىء ابْن دون عشر فَلَا عدَّة لذَلِك الْوَطْء لتيقن بَرَاءَة الرَّحِم من الْحمل , وَشرط الْخلْوَة مطاوعته , أَي مطاوعة الزَّوْجَة لزَوجهَا فَإِن خلا بهَا مُكْرَهَة على الْخلْوَة فَلَا عدَّة؛ لِأَن الْخلْوَة إِنَّمَا أُقِيمَت مقَام الْوَطْء لِأَنَّهَا

مظنته وَلَا تكون كَذَلِك إِلَّا مَعَ التَّمْكِين , وَشرط الْخلْوَة أَيْضا كَونهَا يُوطأ مثلهَا وَكَونه يلْحق بِهِ الْوَلَد كَمَا فِي الْوَطْء وَأولى , وَشرط للخلوة علمه أَي الزَّوْج بهَا أَي الزَّوْجَة فَلَو خلا بهَا أعمى لَا يبصر وَلم يعلم بهَا أَو تركت بِمَخْدَعٍ من الْبَيْت بِحَيْثُ لَا يَرَاهَا الْبَصِير وَلم يعلم بهَا الزَّوْج فَلَا عدَّة لعدم التَّمْكِين الْمُوجب للعدة. وَحَيْثُ وجدت شُرُوط الْخلْوَة وَجَبت الْعدة لقَضَاء الْخُلَفَاء بذلك , وَلَو كَانَت الْخلْوَة مَعَ مَانع شَرْعِي أَو حسي كإحرام وَصَوْم وَجب وعنة ورتق إناطة للْحكم بِمُجَرَّد الْخلْوَة الَّتِي هِيَ مَظَنَّة الْإِصَابَة دون حَقِيقَتهَا وَتلْزم الْعدة لوفاة مُطلقًا أَي كَبِيرا كَانَ الزَّوْج أَو صَغِيرا يُمكنهُ الْوَطْء أَو لَا خلا بهَا أَو لَا كَبِيرَة كَانَت أَو صَغِيرَة لعُمُوم قَوْله تَعَالَى 19 (: (وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا) وَلَا فرق فِي عدَّة بَين نِكَاح صَحِيح وفاسد نصا وَلَا عدَّة فِي بَاطِل إِلَّا بِالْوَطْءِ. والمعتدات سِتّ: إِحْدَاهُنَّ الْحَامِل وعدتها مُطلقًا أَي من موت أَو غَيره كَطَلَاق وَفسخ حرَّة كَانَت أَو أمة مسلمة كَانَت أَو كَافِرَة إِلَى وضع كل حمل فان كَانَ الْحمل وَاحِد فحتى ينْفَصل كُله , وَإِن كَانَ أَكثر فحتى ينْفَصل بَاقِي الْأَخير لقَوْله تَعَالَى 19 (: (وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ) وَبَقَاء بعض الْحمل يُوجب بَقَاء بعض الْعدة لِأَنَّهَا لم تضع حملهَا بل بعضه , وَظَاهره وَلَو مَاتَ بِبَطْنِهَا لعُمُوم الْآيَة: قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى.: قلت وَلَا نَفَقَة لَهَا حَيْثُ تجب للحامل لِأَن النَّفَقَة للْحَمْل وَالْمَيِّت لَيْسَ محلا لوُجُوبهَا. انْتهى.

وَلَا تَنْقَضِي عدَّة حَامِل إِلَّا بِوَضْع مَا تصير بِهِ أَي الْحمل أمة أم ولد وَهُوَ مَا تبين فِي خلق الْإِنْسَان وَلَو خفِيا وَشرط لانقضاء عدَّة حَامِل بِوَضْع حمل لُحُوقه أَي الْحمل للزَّوْج فَإِن لم يلْحقهُ لصغره أَو لكَونه ممسوحا أَو خَصيا أَو لكَونهَا أَتَت بِهِ لدوّنَ نصف سنة مُنْذُ نِكَاحهَا لم تنقض بِهِ عدتهَا. وَأَقل مدَّته الْحمل الَّذِي يعِيش سِتَّة أشهر لقَوْله تَعَالَى 19 (: (وَحمله وفصاله ثَلَاثُونَ شهرا) مَعَ قَوْله تَعَالَى 19 (: (والوالدات يرضعن أَوْلَادهنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلين) والفصال انْقِضَاء مُدَّة الرَّضَاع لِأَنَّهُ ينْفَصل بذلك عَن أمه , وَإِذا سقط حولان من ثَلَاثِينَ شهرا بَقِي سِتَّة أشهر هِيَ مُدَّة الْحمل وغالبها أَي مُدَّة الْحمل تِسْعَة أشهر؛ لِأَن غَالب النِّسَاء يلدن كَذَلِك وأكثرها أَي مُدَّة الْحمل أَربع سِنِين لِأَن مَا لَا تَقْدِير فِيهِ شرعا يرجع فِيهِ إِلَى الْوُجُود , وَقد وجد من تحمل أَربع سِنِين , وَامْرَأَة مُحَمَّد بن عجلَان حملت ثَلَاثَة بطُون كل دفْعَة أَربع سِنِين , وَبَقِي مُحَمَّد بن عبد الله بن الْحسن فِي بطن أمه أَربع سِنِين. وَأَقل مَا يتَبَيَّن فِيهِ خلق ولد أحد وَثَمَانُونَ يَوْمًا. وغالبه على مَا ذكر الْمجد وَابْن تَمِيم وَابْن حمدَان وَغَيرهم ثَلَاثَة أشهر وَيُبَاح لأنثى إِلْقَاء نُطْفَة قبل تَمام أَرْبَعِينَ يَوْمًا بِشرب دَوَاء مُبَاح وَتقدم فِي الْحيض. الثَّانِيَة من المعتدات المتوفي عَنْهَا زَوجهَا بِلَا حمل مِنْهُ وَإِن

كَانَ من غَيره وطِئت بِشُبْهَة فَحملت ثمَّ مَاتَ زَوجهَا اعْتدت بِوَضْع الْحمل للشُّبْهَة واعتدت للوفاة بعد وضع الْحمل لِأَنَّهَا حقان لآدمين فَلَا يتداخلان كالدينين وَتجب عدَّة وَفَاة حَتَّى وَلَو كَانَ المتوفي لم يُولد لمثله وَلم يُوطأ مثلهَا وَقبل خلْوَة وَتقدم قَرِيبا فتعد زَوْجَة حرَّة أَرْبَعَة أشهر وَعشر لَيَال بِعشْرَة أَيَّام لِلْآيَةِ وَالنَّهَار تبع لِليْل وتعد أمة توفى عَنْهَا زَوجهَا نصفهَا شَهْرَيْن وَخمْس لَيَال بِخَمْسَة أَيَّام لإِجْمَاع الصَّحَابَة على تنصيف عدَّة الْأمة أَو تَعْتَد أمة مبعضة مَاتَ عَنْهَا زَوجهَا بِالْحِسَابِ فَمن نصفهَا حر تَعْتَد ثَلَاثَة أشهر وَسَبْعَة أَيَّام وَنِصْفهَا فجبر الْكسر فَصَارَ ثَمَانِيَة أَيَّام. وَمن ثلثهَا حر شَهْرَيْن وَسَبْعَة وَعشْرين يَوْمًا مَعَ جبر الْكسر أَيْضا. وَإِن مَاتَ فِي عدَّة من أَبَانهَا فِي الصِّحَّة لم تنْتَقل من عدَّة الطَّلَاق لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّة مِنْهُ فِي النّظر والتوارث ولحوق طَلَاق وَنَحْوه، وَتعْتَد من أَبَانهَا زَوجهَا فِي مرض مَوته الْمخوف قرارا الأطول من عدَّة وَفَاة أَو عدَّة طَلَاق إِن ورثت عَنهُ بِأَن كَانَت حرَّة مسلمة وَلم تكن جَاءَت الْبَيْنُونَة من قبلهَا بِأَن لم تسأله طَلاقهَا فَيجب عَلَيْهَا عدَّة الْوَفَاء كالرجعية لِأَنَّهَا مُطلقَة فيلزمها عدَّة الطَّلَاق ويندرج اقلها فِي الْأَكْثَر وَإِلَّا بِأَن لم تَرث بِأَن كَانَت أمة أَو ذِمِّيَّة أَو جَاءَت الْفرْقَة من قبلهَا بَان سألنه طَلاقهَا فَتعْتَد عدَّة طَلَاق لَا غير لانْقِطَاع أثر النِّكَاح لعدم إرثها مِنْهُ. وَلَا تَعْتَد لمَوْت من انْقَضتْ عدتهَا قبله بحيض أَو شهور أَو وضع حمل وَلَو ورثت.

الثَّالِثَة من المعتدات ذَات الْحيض الْمُفَارقَة أَي الَّتِي فَارقهَا زَوجهَا فِي الْحَيَاة بعد دُخُول أَو خلْوَة وَلَو بِطَلْقَة ثَالِثَة إِجْمَاعًا قَالَه فِي الْفُرُوع فَتعْتَد زَوْجَة حرَّة وَزَوْجَة مبعضة مسلمة كَانَت أَو كَافِرَة بِثَلَاث حيضا لقَوْله تَعَالَى 19 (: (والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة قُرُوء) والقرء الْحيض. وَتعْتَد أمة بحيضتين لحَدِيث قرء الْأمة حيضتان وَلَيْسَ الطُّهْر عدَّة وَلَا يعْتد بحيض طلقت فِيهَا بل تَعْتَد بعْدهَا بِثَلَاث حيض كَامِل , قَالَ فِي الشَّرْح: لَا تعلم فِيهِ خلافًا بَين أهل الْعلم. وَلَا تحل لغيره إِذا انْقَطع دم الْأَخِيرَة حَتَّى تَغْتَسِل وتنقطع بَقِيَّة الْأَحْكَام بانقطاعه الرَّابِعَة من المعتدات الْمُفَارقَة فِي الْحَيَاة وَلم تَحض لصِغَر أَو إِيَاس فَتعْتَد حرَّة بِثَلَاثَة أشهر لقَوْله تَعَالَى: (واللائى يئسن من الْمَحِيض من نِسَائِكُم إِن ارتبتم فعدتهن ثَلَاثَة أشهر) من حِين الْفرْقَة , فَإِن فَارقهَا فِي نصف اللَّيْل أَو النَّهَار اعْتدت من ذَلِك الْوَقْت إِلَى مثله فِي قَول أَكثر الْعلمَاء فَإِن كَانَ الطَّلَاق فِي أول الشَّهْر اعْتبر ثَلَاثَة أشهر بِالْأَهِلَّةِ وَإِن كَانَ فِي أَثْنَائِهِ اعْتدت بَقِيَّته وشهرين بِالْأَهِلَّةِ كَامِلين كَانَا أَو ناقصين وَمن الشَّهْر الثَّالِث تَمام ثَلَاثِينَ يَوْمًا تَكْمِلَة الأول , لِأَن الشَّهْر يُطلق على مَا بَين الهلالين مُطلقًا وعَلى ثَلَاثِينَ , وَتعْتَد أمة لم تَحض بشهرين نصا وَتعْتَد مبعضة لم

تَحض كَذَلِك بِالْحِسَابِ تزيد على الشَّهْرَيْنِ من الشَّهْر الثَّالِث بِقدر مَا فِيهَا من الْحُرِّيَّة , فَمن ثلثهَا حر تَعْتَد بشهرين وَعشرَة أَيَّام وَمن نصفهَا حر فعدتها شَهْرَان وَنصف شهر , وَمن ثلثاها حر عدتهَا شَهْرَان وَعِشْرُونَ يَوْمًا. وَأم ولد ومكاتبه ومدبرة فِي عدَّة كأمة لِأَنَّهَا مَمْلُوكَة وَكَذَا مُعَلّق عتقهَا على صفة قبل وجودهَا. الْخَامِس من المعتدات من ارْتَفع حيض وَلم تعلم مَا رَفعه فَتعْتَد للْحَمْل غَالب مدَّته تِسْعَة أشهر ليعلم بَرَاءَة رَحمهَا ثمَّ تَعْتَد بعد ذَلِك كآيسة على مَا فصل آنِفا فِي الْحرَّة والمبعضة وَالْأمة وَإِن علمت من ارْتَفع حَيْضهَا مَا رَفعه أَي الْحيض من مرض أَو رضَاع وَنَحْوه فَلَا تزَال متربصة فِي عدَّة حَتَّى يعود حيضا فَتعْتَد بِهِ وان طَال الزَّمَان لعدم إياسها مِنْهُ فَتَنَاولهَا عُمُوم قَوْله تَعَالَى 19 - (:) 19 - (والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة قُرُوء) أَو لَا تزَال متربصة حَتَّى تصير آيسة أَي من الاياس [فَتعْتَد عدتهَا] أَي الآيسة لقَوْله تَعَالَى: 19 (واللائى يئسن من الْحيض) الْآيَة , وعدة بَالِغَة لم تَحض وَلم تَرَ نفاسا كآيسة , وعدة مُسْتَحَاضَة مُبتَدأَة أَو مستحاضية ناسية لوقت حيضا [كآيسة] ثَلَاثَة أشهر إِن كَانَت حرَّة إِجْمَاعًا وشهران إِن كَانَت أمة. السَّادِسَة من المعتدات [امْرَأَة الْمَفْقُود] أَي من انْقَطع خَبره فَلم تعلم حَيَاته وَلَا مَوته تَتَرَبَّص امْرَأَته وَلَو كَانَت أمة تَتِمَّة أَربع سِنِين مُنْذُ فقد إِن كَانَ انْقَطع خَبره أَي الْمَفْقُود لغيبة ظَاهرهَا الْهَلَاك كمن فقد من بَين أَهله أَو فِي مفازة أَو بَين الصفين حَال الْحَرْب وَنَحْو

ذَلِك وساوت الْأمة الْحرَّة هَهُنَا لِأَن تربص الْمدَّة الْمَذْكُورَة ليعلم حَاله مَا حَيَاة أَو موت وَذَلِكَ لَا يخْتَلف بِحَال زَوجته , وتتربص تَتِمَّة تسعين سنة مُنْذُ ولد إِن كَانَ انْقَطع خَبره لغيبة ظَاهرهَا السَّلامَة كَأَن سَافر لتِجَارَة أَو طلب علم أَو سياحة وَنَحْوهمَا , ثمَّ تَعْتَد زَوجته فِي الْحَالين الموفاة أَرْبَعَة أشهر وَعشرا إِن كَانَت حرَّة وَنِصْفهَا إِن كَانَت أمة , وَلَا تفْتَقر زَوْجَة الْمَفْقُود فِي ذَلِك التَّرَبُّص إِلَى حكم حَاكم بِضَرْب الْمدَّة وعدة الْوَفَاة. وَمن ظهر مَوته باستفاضة أَو بَيِّنَة ثمَّ قدم فكمفقود فَترد إِلَيْهِ زَوجته إِن لم يَطَأهَا الزَّوْج الثَّانِي وَيُخَير الأول إِن كَانَ الثَّانِي وطىء بَين أَخذهَا وَتركهَا وَله الصَدَاق , وتضمن الْبَيِّنَة مَا تلف من مَاله بِسَبَب شَهَادَتهمَا. قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى: قلت إِن تعذر تضمين الْمُبَاشر وَإِلَّا فَالضَّمَان عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مقدم على المتسبب , وَإِن طلق زوج غَائِب عَن زَوجته أَو مَاتَ عَنْهَا فابتداء الْعدة من وَقت الْفرْقَة أَي الطَّلَاق أَو الْمَوْت وَإِن لم تحد لِأَن الْإِحْدَاد لَيْسَ شرطا لانقضاء الْعدة , وَثَبت ذَلِك بِبَيِّنَة أَو أخْبرهَا من تثق بِهِ. وعدة من وطِئت بِشُبْهَة أَو زنا حرَّة كَانَت أَو أمة مُزَوّجَة ك عدَّة زَوْجَة مُطلقَة لِأَنَّهُ وَطْء يَقْتَضِي شغل الرَّحِم فَوَجَبت الْعدة مِنْهُ كَالْوَطْءِ فِي النِّكَاح إِلَّا أمة غير مُزَوّجَة فستبرأ إِذا وطِئت بِشُبْهَة أَو زنا بحيض لِأَن استبرائها من الْوَطْء الْمُبَاح يحصل بذلك فَكَذَا غَيره , وَلَا يحرم على زوج حرَّة أَو أمة وطِئت بِشُبْهَة أَو زنا فِي عدتهَا غير وَطْء فِي فرج؛ لِأَن تَحْرِيمهَا

لعَارض يخْتَص الْفرج فأبيح الِاسْتِمْتَاع بِمَا دونه كالحيض , وَلَا يَنْفَسِخ نِكَاحهَا بزنا - نصا. وَإِن وطِئت مُعْتَدَّة بِشُبْهَة أَو زنا أَو وطِئت ب نِكَاح فَاسد وَفرق بَينهمَا أتمت عدَّة الأول سَوَاء كَانَت عدته من نِكَاح صَحِيح أَو فَاسد أَو وَطْء بِشُبْهَة أَو زنا مَا لم تحمل من الثَّانِي؛ فَإِن حملت انْقَضتْ عدتهَا بِوَضْع الْحمل ثمَّ تتمّ عدَّة الأول , وَلَا يحْتَسب مِنْهَا أَي عدَّة الأول [مقَامهَا عِنْد ثَان] بعد وَطئه لانقطاعها بِوَطْئِهِ وَله رَجْعَة فِي تَتِمَّة عدته لعدم انْقِطَاع حَقه من رَجعتهَا كَمَا لَو وطِئت بِشُبْهَة أَو زنا ثمَّ اعْتدت بعد تَتِمَّة عدَّة الأول [ل] وَطْء [ثَان] لِأَنَّهُمَا حقان اجْتمعَا لِرجلَيْنِ فَلم يتداخلا وَقدم أسبقهما كَمَا لَو تَسَاويا فِي مُبَاح غير ذَلِك. وَمن تزوجت فِي عدتهَا فنكاحها بَاطِل وَيفرق بَينهمَا وَلم تَنْقَطِع عدتهَا بِالْعقدِ حَتَّى يَطَأهَا الثَّانِي لِأَنَّهُ عقد بَاطِل لَا تصير بِهِ الْمَرْأَة فراشا، فَإِن وَطئهَا انقذعت ثمَّ إِذا فَارقهَا من تزَوجهَا أَو فرق الْحَاكِم بينهمابنت على عدتهَا من الأول واستأنفتها كَامِلَة للثَّانِي وَللثَّانِي أَن ينْكِحهَا بعد العدتين. وتتعدد عدَّة بِتَعَدُّد وَطْء بِشُبْهَة أَو بزنا , وَكَذَا أمة تَتَعَدَّد بِشُبْهَة لَا زنا قِيَاسا على الْحرَّة. وَمن طلقت طَلْقَة رَجْعِيَّة فَلم تنقض عدتهَا حَتَّى طَلقهَا أُخْرَى بنت على مَا مضى من عدتهَا وَإِن رَاجعهَا ثمَّ طَلقهَا استأنفت عدَّة الطَّلَاق الثَّانِي. وَيحرم إحداد والإحداد الْمَنْع إِذْ الْمَرْأَة تمنع نَفسهَا مِمَّا كَانَت تتهيأ بِهِ لزَوجهَا من تطيب وتزين , يُقَال حدت الْمَرْأَة إحدادا فَهِيَ محدة ,

وحدت تحد بِالضَّمِّ وَالْكَسْر فَهِيَ حادة , وسمى الْحَدِيد حديدا للامتناع بِهِ لامتناعه على من يحاوله على ميت غير زوج فَوق ثَلَاث لَيَال بأيامها لحَدِيث (لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تحد على ميت فَوق ثَلَاث إِلَّا على زوج أَرْبَعَة أشهر وَعشرا) مُتَّفق عَلَيْهِ. وَيجب احداد على زَوْجَة ميت بِنِكَاح صَحِيح , وَأما الْفَاسِد فَلَيْسَتْ زَوْجَة فِيهِ شرعا , حَتَّى على ذِمِّيَّة وَأمة وَغير مكلفة , زمن عدته وَيُبَاح إحداد لبائن وَلَا يسن لَهَا قَالَه فِي الرِّعَايَة. وَهُوَ أَي الْإِحْدَاد ترك زِينَة أَي مَا يتزين بِهِ وَترك طيب كزعفران وَلَو كَانَ بهَا سقم لِأَن الطّيب يُحَرك الشَّهْوَة وَيَدْعُو إِلَى الْجِمَاع وَترك كل مَا يَدْعُو إِلَى جِمَاعهَا ويرغب فِي النّظر إِلَيْهَا كلبس حلي وَلَو خَاتمًا , وملون من ثِيَاب لزينة كأحمر وأصفر وأخضر وأزرق صافيين , وَمَا صبغ قبل نسجه كبعده , وتحسين بحناء وأسفيداج أَو كحل أسود بِلَا حَاجَة إِلَيْهِ , وإدهان بمطيب بحمير وَجه وحفه وَنَحْو ذَلِك , وَلَا تمنع من صَبر تطلي بِهِ بدنهَا لِأَنَّهُ لَا طيب فِيهِ إِلَّا فِي الْوَجْه فتمنع مِنْهُ , وَلَا من لبس أَبيض وَلَو حسنا أَو حَرِيرًا لِأَن حسنه من أصل خلقته فَلَا يلْزم تَغْيِيره , قَالَ فِي الْمُبْدع وَظَاهره وَلَو عمدا للزِّينَة وَفِيه وَجه. انْتهى. ذكره فِي شرع الْإِقْنَاع , وَلَا من ملون لدفع وسخ ككحلي وَنَحْوه وَلَا من نقاب وَأخذ ظفر وعانة ونتف إبط وَنَحْوه وَلها تزين فِي فرش لِأَن الْإِحْدَاد فِي الْبدن فَقَط , وتنظف وَغسل وامتشاط وَدخُول حمام لِأَنَّهُ لَا يُرَاد للزِّينَة وَلَا طيب فِيهِ.

وَيحرم على مُعْتَدَّة لوفاة بِلَا حَاجَة من نَحْو خوف على نَفسهَا أَو مَالهَا أَو تَحْويل مَالك الْمسكن لَهَا أَو طلبه فَوق أجرته الْمُعْتَادَة وَلَا تَجِد مَا تكترى بِهِ إِلَّا من مَالهَا وَنَحْو ذَلِك تحولها فَاعل يحرم من مسكن وَجَبت عَلَيْهَا الْعدة فِيهِ وَهُوَ الَّذِي مَاتَ زَوجهَا وَهِي سَاكِنة فِيهِ وَلَو مؤجرا أَو معارا , وتحول بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول لأذاها لجيرانها وَلَا يجول من حولهَا دفعا لأذاها. وَمِنْه يُؤْخَذ تَحْويل الْجَار السوء وَمن يُؤْذِي غَيره , وَيلْزم منتقلة بِلَا حَاجَة الْعود لتتم مدَّتهَا تداركا للْوَاجِب , وتنقضي الْعدة بِمُضِيِّ الزَّمَان حَيْثُ كَانَت وَلها أَي الْمُعْتَدَّة لوفاة الْخُرُوج لحاجتها من نَحْو بيع وَشِرَاء وَلَو كَانَ لَهَا من يقوم بهَا لَا لحَاجَة غَيرهَا وَلَا لعيادة وزيارة وَنَحْوهمَا , وَحَيْثُ حَان لَهَا الْخُرُوج لم يبح إِلَّا نَهَارا فَقَط لِأَن اللَّيْل مَظَنَّة الْفساد. وَمن سَافَرت زَوجته بِإِذْنِهِ أَو مَعَه لنقله إِلَى بلد آخر فَمَاتَ قبل مُفَارقَة الْبُنيان أَو سَافَرت لغَيْرهَا وَلَو لحج وَلم تحرم وَمَات قبل مَسَافَة قصر رجعت واعتدت بمئزر , وَظَاهره إِن سَافَرت بِلَا إِذْنه رجعت مُطلقًا. وَإِن مَاتَ بعد مُفَارقَة الْبُنيان لنقله أَو فَوق مَسَافَة قصر لغَيْرهَا تخير بَين الرُّجُوع فَتعْتَد بمنزلها وَبَين الْمُضِيّ إِلَى مقصدها. وَتعْتَد بَائِن بمأمون من الْبَلَد الَّذِي بَانَتْ بِهِ حَيْثُ شَاءَت مِنْهُ - نصا , وَلَا تبيت إِلَّا بِهِ أَي الْمَأْمُون وَمن ملك وَلَو طفْلا أمة بِإِرْث أَو شِرَاء وَنَحْوه يُوطأ مثلهَا بكرا كَانَت أَو ثَيِّبًا وَلَو سبيت أَو لم تَحض لصِغَر أَو إيأس من أَي شخص كَانَ أَي ذكرا كَانَ من ملكهَا مِنْهُ أَو أُنْثَى صَغِيرا أَو كَبِيرا أَو مجبوبا أَو من

رجل قد استبرأها ثمَّ لم يَطَأهَا حرم جَوَاب الشَّرْط عَلَيْهِ أَي الْمَالِك وَطْؤُهَا الْأمة ومقدماته أَي الْوَطْء من قبله ولمس بِشَهْوَة وَنَحْوهمَا قبل استبراءها. وَإِن وطِئت أمته ثمَّ أَرَادَ تَزْوِيجهَا أَو بيعهَا حرما عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَبْرِئهَا فَلَو خَالف وَفعل صَحَّ البيع دون النِّكَاح , وَإِن لم يَطَأهَا أبيحا قبل الِاسْتِبْرَاء , وَإِذا أعتق أم وَلَده أَو سريته أَي الْأمة الَّتِي اتخذها لوطئه أَو مَاتَ عَنْهَا لَزِمَهَا اسْتِبْرَاء برَاء نَفسهَا , إِلَّا إِن كَانَ استبرأها قبل عتقهَا لحُصُول الْعلم بِبَرَاءَة الرَّحِم , أَو أَرَادَ بعد عتقهَا أَن يَتَزَوَّجهَا فَلَا اسْتِبْرَاء لِأَنَّهَا لم تنقل إِلَى غَيره - واستبراء حَامِل بِوَضْع كل الْحمل واستبراء من تحيض بحيض كَامِلَة فَلَا يحصل الِاسْتِبْرَاء ببقيتها إِذا ملكهَا حَائِضًا حَتَّى وَلَو كَانَت لَا تحيض إِلَّا بعد شهر فَلَا تستبرأ إِلَّا بِحَيْضَة نصا لَا بِشَهْر لِأَنَّهَا من ذَوَات الْحيض , واستبراء آيسة واستبراء صَغِيرَة وبالغة لم تَحض بِشَهْر لإقامته مقَام حيض , وَإِن حَاضَت فِيهِ فبحيضة. واستبراء مُرْتَفع حَيْضهَا وَلم تعلم مَا رَفعه بِعشْرَة أشهر تِسْعَة للْحَمْل وَشهر للاستبراء. وان علمت مَا رَفعه فكحرة لَا تزَال فِي الِاسْتِبْرَاء حَتَّى يعود الْحيض فتستبرى بِحَيْضَة أَو تصير آيسة.

فصل

3 - (فصل) . الرَّضَاع - بِفَتْح الرَّاء وَقد تكسر لُغَة مص لبن من ثدي وشربه وَشرعا مص لبن من ثدي امْرَأَة ثاب أَي أجتمع عَن حمل فِي الْحَوْلَيْنِ أَو شربه أَو أكله بعد تجبينه وَنَحْو ذَلِك، وَيحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب لابقية أَحْكَام النّسَب من النَّفَقَة وَالْإِرْث وَالْعِتْق ورد الشَّهَادَة وَغير ذَلِك لِأَن النّسَب أقوي على رَضِيع وعَلى فَرعه أَي الرَّضِيع وَإِن نزل من أولد الْبَنِينَ وَالْبَنَات [فَقَط] فَمن أرضعت وَلَو مُكْرَهَة بِلَبن حمل لَاحق بالواطىء طفْلا صَار ذَلِك الطِّفْل فِي تَحْرِيم نِكَاح وَثُبُوت محرميه وَإِبَاحَة نظر وخلوة ولدهما وَأَوْلَاده وان سفلوا أَوْلَاد ولدهما وَأَوْلَاد كل مِنْهُمَا من الآخر أَو من غَيره إخْوَته وأخواته وأباؤهما أجداده وجداته وإخوتهما أَعْمَامه وعماته وأخواله وخالاته. وَلَا حُرْمَة بِالرّضَاعِ إِلَّا بِشَرْطَيْنِ: أَحدهمَا أَن يكون بِخمْس رَضعَات فَأكْثر متفرقات بِشَرْط أَن يصل لبن كل رضعه إِلَى جَوْفه , وعده فِي الْإِقْنَاع شرطا ثَالِثا فَمَتَى امتص الثدي ثمَّ قطعه شبعا أَو لتنفس أَو لمله أَي مَا يلهيه عَن المص

أَو قهرا أَو إِن [الِانْتِقَال] من ثدي إِلَى آخر أَو من امْرَأَة إِلَى أخري فرضعه ثمَّ إِن عَاد وَلَو قَرِيبا فثانية. وَالشّرط الثَّانِي أَن تكون الْخمس الرضعات فِي [الْحَوْلَيْنِ] وَلَو كَانَ قد فطم قبله فَلَو ارتضع بعدهمَا بلحظة وَلَو قبل فطامه أَو ارتضع الْخَامِسَة كلهَا بعدهمَا بلحظة لم تثبت الْحُرْمَة لقَوْله تَعَالَى (والوالدات يرضعن أَوْلَادهنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلين لمن أَرَادَ أَن يتم الرضَاعَة) فَجعل تَمام الرضَاعَة حَوْلَيْنِ فَدلَّ على أَنه لَا حكم للرضاعة بعدهمَا وَتثبت الْحُرْمَة [بسعوط] فِي أنف ووجور فِي فَم كَمَا ثبتَتْ فِي رضَاع وَتثبت بِشرب لبن امْرَأَة إِذا حلب أَو ارتضع من ثديا بعد مَوتهَا كَمَا لَو حلب فِي حَيَاتهَا ثمَّ شربه بعد مَوتهَا. وَمن حلف لَا يشرب من لبن امْرَأَة فَشرب مِنْهُ وهى ميتَة حنث. وَتثبت الْحُرْمَة بِشرب لبن مَوْطُوءَة بِشُبْهَة أَو بِعقد فَاسد وَكَذَا بِعقد بَاطِل أَو زنا وَيكون المرتضع ابْنا لَهَا فَقَط من الرَّضَاع [و] بِشرب لبن [مشوب] أَي مخلوط بِغَيْرِهِ وَصِفَاته بَاقِيَة سَوَاء خلط بِطَعَام أَو شراب أَو غَيرهمَا لَا بحقنة وَلَا إِن وصل إِلَى جَوف لَا يغدي كالمثانة وَالذكر والجائفة لِأَنَّهُ ينشر الْعظم وَلَا ينْبت اللَّحْم. وَيكرهُ استرضاع الْفَاجِرَة والكافرة والذمية وسيئة الْخلق الجذماء والبرصاء خشيَة وُصُول ذَلِك إِلَى الرَّضِيع وَسَيَأْتِي فِي الْحَضَانَة إِن لَا حضَانَة وَلَا رضَاع لأم جذماء وَلَا برصاء وَفِي الْمُجَرّد:

والبهيمة. فِي التَّرْغِيب: وعمياء وَفِي الْإِقْنَاع: وزنجية فَإِنَّهُ يُقَال: الرَّضَاع بِغَيْر الطباع لقَوْله لَا تزوجوا الحمقاء فَإِن صحبتهَا بلَاء وَفِي وَلَدهَا ضيَاع. وَلَا تسترضعوها فان لَبنهَا يُغير الطباع وكل امْرَأَة تحرم عَلَيْهِ بنتهَا كَأُمِّهِ وجدته وربيبته وَأُخْته وَبنت أَخِيه وَبنت أُخْته [إِذا أرضعت طفلة] رضَاعًا محرما حرمتهَا عَلَيْهِ أبدا كبنتها من نسب وكل رجل تحرم عَلَيْهِ بنته كأخيه وَأَبِيهِ وربيبه وجده وَابْنه إِذا أرضعت امْرَأَته أَو أمته أَو موطوء ته شُبْهَة بلبنه طفلة خمس رَضعَات فِي الْحَوْلَيْنِ حرمتهَا عَلَيْهِ أبدا لحَدِيث (يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من الْولادَة) وينفسخ النِّكَاح فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ إِن كَانَت الطفلة زَوجته. وَمن أفسدت نِكَاح نَفسهَا برضاع قبل دُخُول فَلَا مهر لَهَا وَلَو كَانَت طفلة بِأَن تدب إِلَى الْكُبْرَى فترضع مِنْهَا وَهِي نَائِمَة أَو مغمى عَلَيْهَا أَو مَجْنُونَة لِأَنَّهُ لَا فعل للزَّوْج فِي الْفَسْخ فَلَا مهر عَلَيْهِ وَلَا يسْقط بعد دُخُول. وَإِن أفْسدهُ غَيرهَا لزمَه قبل دُخُول نصفه وَبعده كُله وَيرجع بِمَا يلْزمه مهر أَو نصفه على مُفسد , وَمن تزوج ثمَّ قَالَ إِن زَوجته أُخْته من الرَّضَاع بَطل نِكَاحه حكما سَوَاء كَانَ قَوْله ذَلِك بعد الدُّخُول أَو قبله لإِقْرَاره بِمَا يُوجب ذَلِك فَلَزِمَهُ كَمَا لَو أقرّ أَنه أَبَانهَا , وانفسخ أَيْضا فِيمَا بَينه وَبَين الله عز وَجل إِن تبين أَنه لَا نِكَاح لِأَنَّهَا أُخْته فَلَا تحل لَهُ.

وَإِن لم يتَبَيَّن رضَاع فَالنِّكَاح بِحَالهِ بَينه وَبَين الله تَعَالَى لِأَن كذبه لَا يحرمها وَالْمحرم حَقِيقَة الرَّضَاع لَا القَوْل , وَلَا مهر لَهَا إِن أقرّ بأخوتها قبل دُخُول إِن صدقته على إِقْرَاره وَهِي حرَّة لاتِّفَاقهمَا على بطلَان النِّكَاح من أَصله أشبه مَا لَو ثَبت بِبَيِّنَة , وَيجب لَهَا نصفه أَي الْمهْر إِن كَذبته لِأَن قَوْله لَا يقبل عَلَيْهَا [و] لَهَا الْمهْر كُله بعد دُخُول مُطلقًا أَي سَوَاء صدقته أَو كَذبته مَا لم تطاوعه الْحرَّة على الْوَطْء عَالِمَة بِالتَّحْرِيمِ فَلَا لِأَنَّهَا إِذا زَانِيَة مطاوعة وَإِن قَالَت هِيَ أَي الزَّوْجَة ذَلِك أَي أَنه أَخُوهَا من الرَّضَاع وكذبها زَوجهَا فَهِيَ زَوجته حكما حَيْثُ لَا بَيِّنَة لَهَا فَلَا يقبل قَوْلهَا عَلَيْهِ فِي فسخ النِّكَاح لِأَنَّهُ حق ثَبت عَلَيْهَا , ثمَّ إِن أقرَّت بذلك قبل الدُّخُول فَلَا مهر لَهَا لإقرارها بِأَنَّهَا لَا تستحقه , وَبعد الدُّخُول فان أقرَّت أَنَّهَا كَانَت عَالِمَة بِأَنَّهَا أُخْته وبتحريمها عَلَيْهِ وطاوعته فِي الْوَطْء فَكَذَلِك لإقرارها بِأَنَّهَا زَانِيَة مطاوعة , وَإِن أنْكرت شَيْئا من ذَلِك فلهَا الْمهْر لِأَنَّهُ وَطْء بِشُبْهَة على زعمها وَهِي زَوجته ظَاهرا , وَأما فِيمَا بَينهَا وَبَين الله تَعَالَى فَإِن علمت مَا أقرَّت بِهِ لم يحل لَهَا مساكنه وَلَا تَمْكِينه من وَطئهَا وَعَلَيْهَا أَن تَفِر مِنْهُ وتفتدي بِمَا أمكنها لِأَن وطأه لَهَا زنا فعلَيْهَا التَّخَلُّص مَا أمكنها كمن طَلقهَا ثَلَاثًا وَأنكر. قَالَ فِي الشَّرْح والمبدع والإنصاف: وَيَنْبَغِي أَن يكون الْوَاجِب لَهَا بعد الدُّخُول أقل المهرين من الْمُسَمّى أَو مهر الْمثل. قَالَ فِي الْإِقْنَاع: وَإِن قَالَ هِيَ ابْنَتي من الرَّضَاع وَهِي فِي سنّ لَا يحْتَمل ذَلِك

كَأَن كَانَت قدره فِي السن أَو أَكثر لم تحرم لتيقن كذبه , وَإِن احْتمل فَكَمَا لَو قَالَ: هِيَ أُخْتِي من الرَّضَاع وَمن شكّ فِي وجود رضَاع يَبْنِي على الْيَقِين , لِأَن الأَصْل عَدمه. أَو شكّ فِي عدده أَي الرَّضَاع بنى على الْيَقِين , لِأَن الأَصْل بَقَاء الْحل , وَكَذَا لَو شكّ فِي وُقُوعه فِي العامين لَكِن تكون من الشُّبُهَات تَركهَا أولى قَالَه الشَّيْخ تَقِيّ الدّين. وَيثبت التَّحْرِيم بِإِخْبَار امْرَأَة مُرْضِعَة مرضية سَوَاء كَانَت متبرعة بِالرّضَاعِ أَو بِأُجْرَة , وَيثبت التَّحْرِيم أَيْضا بِشَهَادَة شخص عدل مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ الْعدْل ذكرا أَو أُنْثَى. وَلَيْسَ للزَّوْجَة أَن ترْضع غير وَلَدهَا إِلَّا بِإِذن الزَّوْج قَالَه الشَّيْخ تَقِيّ الدّين رَحمَه الله.

باب النفقات

(بَاب النَّفَقَات) . جمع نَفَقَة وَتجمع على نفاق كثمرة وثمار , وَهِي لُغَة الدَّرَاهِم وَنَحْوهَا من الْأَمْوَال , مَأْخُوذَة من النافقاء مَوضِع يَجعله اليربوع فِي مُؤخر الْجُحر رَقِيقا بعده لِلْخُرُوجِ إِذا أَتَى من بَاب الْجُحر رَفعه بِرَأْسِهِ وَخرج مِنْهُ , وَمِنْه النِّفَاق لِأَنَّهُ خُرُوج من الْإِيمَان أَو خُرُوج الْإِيمَان من الْقلب فَسمى الْخُرُوج نَفَقَة لذَلِك. وَشرعا كِفَايَة من يمونه خبْزًا وأدم وَكِسْوَة وتوابعها كَمَاء شرب وطهارة وإعفاف وَنَحْوه , وَيجب على زوج نَفَقَة زَوجته وَلَو مُعْتَدَّة من وَطْء بِشُبْهَة غير مطاوعة لواطىء؛ لِأَن للزَّوْج أَن يسْتَمْتع مِنْهَا بِدُونِ الْفرج فَإِن طاوعت فَلَا نَفَقَة لَهَا لِأَنَّهَا فِي معنى الناشز من مَأْكُول ومشروب وَكِسْوَة وسكنى بِالْمَعْرُوفِ لحَدِيث (عَلَيْكُم رزقهن وكسوتهن بِالْمَعْرُوفِ) وويعتبر حَاكم ذَلِك بحالهما إِن تنَازعا فيفرض لموسرة مَعَ مُوسر عِنْد

تنَازع الزَّوْجَيْنِ من أرفع خبز الْبَلَد الْخَاص وأدمه الْمُعْتَاد لمثلهَا وَلَحْمًا عَادَة الموسرين بمحلهما , وتنقل متبرمة من أَدَم إِلَى آخر , وَلَا بُد من ماعون الدَّار ويكتفي بخزف وخشب وَالْعدْل مَا يَلِيق بهما وَمن الْكسْوَة مَا يلبس مثلهَا من حَرِير وقز وجيد كتَّان وقطن على مَا جرت بِهِ الْعَادة لمثلهَا من الموسرات بذلك الْبَلَد وَأقله قَمِيص وَسَرَاويل وطرحة هِيَ مَا تضيفه فَوق المقنعة ومقنعة ومداس وجبة الشتَاء , ويفرض لَهَا مَا ينَام مثلهَا عَلَيْهِ وَهُوَ فرَاش ولحاف ومخدة وَأَقل مَا يفْرض للجلوس بِسَاط ورفيع الْحصْر. ويفرض لفقيرة مَعَ فَقير كفايتها من أدنى خبز الْبَلَد وَهُوَ الخشكار وأدمه وزيت مِصْبَاح وَلحم الْعَادة. ويفرض لفقيرة من كسْوَة وَمَا يلبس مثلهَا وَمَا ينَام مثلهَا عَلَيْهِ. وَيجْلس عَلَيْهِ , ويفرض لمتوسطة مَعَ متوسط وموسرة مَعَ فَقير وعكسها أَي فقيرة مَعَ مُوسر مَا بَين ذَلِك لِأَنَّهُ اللَّائِق بحالتهما لِأَن فِي إِيجَاب الْأَعْلَى لموسرة تَحت فَقير ضَرَرا عَلَيْهِ بتكليفه مَا لَا يَسعهُ حَاله وَإِيجَاب الْأَدْنَى ضَرَر عَلَيْهَا فالتوسط أولى , وَإِيجَاب الْأَعْلَى لفقيرة تَحت مُوسر زِيَادَة على مَا يَقْتَضِيهِ حَالهَا , وَقد أَمر بِالْإِنْفَاقِ من سعته فالتوسط أولى , وموسر نصفه حر كمتوسطين , ومعسر نصفه حر كمعسرين , وَلَا يملك الْحَاكِم أَن يفْرض الْقيمَة أَي قيمَة النَّفَقَة إِلَّا برضاهما أَي الزَّوْجَيْنِ , وَإِن طلبت مَكَان الْخبز حبا أَو دَرَاهِم أَو دَقِيقًا أَو غير ذَلِك أَو مَكَان الْكسْوَة دَرَاهِم أَو غَيرهَا لم يلْزمه بذله , وَلَا يلْزمهَا قبُوله بِغَيْر رِضَاهَا لَو بذله , وَلَو تَرَاضيا على ذَلِك جَازَ.

وَعَلِيهِ أَي الزَّوْج مُؤنَة نظافتها أَي الزَّوْجَة من دهن وَسدر وَثمن مَاء ومشط وَأُجْرَة قيمَة بتَشْديد الْيَاء التَّحْتَانِيَّة الَّتِي تغسل شعرهَا وتسرحه وتضفره وَعَلِيهِ كنس الدَّار وَنَحْوه و [لَا] يلْزمه [دَوَاء وَأُجْرَة طيب] لَو مَرضت لِأَن ذَلِك لَيْسَ من حَاجَتهَا الضرورية الْمُعْتَادَة بل لعَارض فَلَا يلْزمه , وَلَا يلْزمه أَيْضا ثمن طيب وحناء وخضاب وَنَحْوه , وَإِن أَرَادَ مِنْهَا تزينا بِمَا ذكر أَو قطع رَائِحَة كريهة وأتاها بِهِ لَزِمَهَا اسْتِعْمَاله. وَيجب عَلَيْهَا ترك حناء وزينة نهى عَنْهُمَا الزَّوْج قَالَه الشَّيْخ تَقِيّ الدّين. وَعَلِيهِ لمن كَانَت بِلَا خَادِم ويخدم مثلهَا وَلَو لمَرض خَادِم وَاحِد وَيجوز كَونه امْرَأَة كِتَابِيَّة , وَإِن قَالَت: أَنا أخدم نَفسِي وآخذ مَا يجب لخادم , أَو قَالَ هُوَ أَنا أخدمك بنفسي وَأبي الآخر لم يجْبر. وَيلْزمهُ مؤنسة لحَاجَة. وَالْوَاجِب دفع الْقُوت أول نَهَار كل يَوْم , وَيجوز مَا اتفقَا عَلَيْهِ من تَعْجِيل وَتَأْخِير وَلَا يجْبر من أبي , وَتجب النَّفَقَة وَالْكِسْوَة وَنَحْوهمَا لمطلقة رَجْعِيَّة سَوَاء كَانَت حَامِلا أَو لَا كَزَوْجَة , وَتجب ل [بَائِن] بِفَسْخ أَو طَلَاق حَامِل وَكَذَا ناشز [حَامِل] وَلَا شَيْء لغير الْحَامِل , وَلَا تجب النَّفَقَة لزوجة متوفى عَنْهَا زَوجهَا من مَاله وَلَو حَامِلا بل من نصيب الْحمل , قَالَ فِي الْإِقْنَاع: وَلَا نَفَقَة من التَّرِكَة لمتوفى عَنْهَا زَوجهَا وَلَو حَامِلا , وَنَفَقَة الْحمل من نصِيبه , وَلَا لأم ولد حَامِل وتنفق من مَال حملهَا نصا وَلَا سُكْنى لَهما وَلَا كسْوَة. انْتهى.

وَتجب لحمل ملاعنة إِلَى أَن يَنْفِيه بِلعان بعد وَضعه. وَمن أنْفق على بَائِن يَظُنهَا حَامِلا فَبَانَت حَائِلا رَجَعَ عَلَيْهَا. وَمن ترك الْإِنْفَاق يَظُنهَا حَائِلا فَبَانَت حَامِلا لزمَه نَفَقَة مَا مضى. وَمن ادَّعَت حملا وَجب إِنْفَاق ثَلَاثَة أشهر فان مَضَت وَلم يبن رَجَعَ , وَالنَّفقَة لنَفس الْحمل لَا لَهَا من أَجله. فَتجب بِوُجُودِهِ وَتسقط عِنْد انقضائه , وعَلى هَذَا لَو مَاتَ بِبَطْنِهَا انْقَطَعت لِأَنَّهَا لَا تجب لمَيت , قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى: وَتسقط نَفَقَته بِمُضِيِّ الزَّمَان كَسَائِر الْأَقَارِب , قَالَ المنقح: مَا لم تستدن بِإِذن الْحَاكِم أَو تنْفق بنية الرُّجُوع. انْتهى وَمن حبست عَن زَوجهَا وَلَو ظلما سَقَطت نَفَقَتهَا أَو نشزت أَو صَامت صوما نفلا أَو صَامت لكفارة أَو قَضَاء رَمَضَان وَوَقته أَي الْقَضَاء متسع سَقَطت نَفَقَتهَا أَو حجت حجا نفلا بِلَا إِذْنه أَو سَافَرت لحاجتها أَو لزيارة أَو نزهة وَلَو بِإِذْنِهِ أَو زنت فسافرت لأجل التَّغْرِيب سَقَطت نَفَقَتهَا لعدم التَّمْكِين بِخِلَاف حج فرض أَو صَلَاة مَكْتُوبَة فِي وَقتهَا بسنتها. وَلها أَي الزَّوْجَة الْكسْوَة على الزَّوْج والغطاء والوطاء كل عَام مرّة فِي أَوله من زمن الْوُجُوب وتملكه بِقَبض فَلَا بدل لما سرق أَو بلَى , وَإِن انْقَضى الْعَام وَالْكِسْوَة بَاقِيَة فَعَلَيهِ كسْوَة الْعَام الْجَدِيد اعْتِبَارا بِمُضِيِّ الزَّمَان. وَإِن أكلت مَعَه أَو كساها بِلَا إِذْنهَا سَقَطت وَمَتى لم ينْفق عَلَيْهَا مُدَّة لعذر أَو غَيره وَلَو غَائِبا أَو مُعسرا لم تسْقط وَلَو لم يفرضها حَاكم وَتبقى النَّفَقَة دينا فِي ذمَّته أَي الزَّوْج , وَلَو منع مُوسر نَفَقَة أَو كسْوَة أَو بعضهما وقدرت على مَاله أخذت كفايتها

وكفاية وَلَدهَا الصَّغِير عرفا بِغَيْر إِذْنه وَإِن لم تقدر أجْبرهُ حَاكم فَإِن أبي حَبسه فَإِن أصر على الْحَبْس وَقدر الْحَاكِم على مَاله أنْفق مِنْهُ , فَإِن لم يقدر على مَاله أخذا وَلم يقدر على النَّفَقَة من مَال غَائِب وَلم يجد إِلَّا عرُوضا أَو عقارا بَاعه وَأنْفق عَلَيْهَا مِنْهُ , فَيدْفَع إِلَيْهَا نَفَقَة يَوْم بِيَوْم فَإِن تعذر ذَلِك فلهَا الْفَسْخ بحاكم , وَإِذا أعْسر بنفقتها فبذلها غَيره لم تجبر إِلَّا إِن ملكهَا الزَّوْج أَو دَفعهَا إِلَيْهَا وَكيله وَكَذَا من أَرَادَ قَضَاء دين عَن غَيره فَلم يقبل ربه أَي الدّين فَلَا يجْبر وَتقدم فِي السّلم , وَإِن أنفقت الزَّوْجَة من مَاله أَي الزَّوْج فِي غيبته فَإِن الزَّوْج مَيتا رَجَعَ عَلَيْهَا أَي الزَّوْجَة وَارِث بِمَا أنفقته بعد مَوته , سَوَاء أنفقته بِنَفسِهَا أَو بِأَمْر حَاكم لانْقِطَاع وجوب النَّفَقَة عَلَيْهِ بِمَوْتِهِ [وَمن تسلم من] أَي زَوْجَة [يلْزمه] الزَّوْج [تسلمها] وَهِي الَّتِي يُوطأ مثلهَا وَجَبت نَفَقَتهَا وكسوتها أَو بذلته أَي التَّسْلِيم للزَّوْج تسلما تَاما هِيَ أَو وَليهَا وَجَبت عَلَيْهِ نَفَقَتهَا وكستها وَلَو مَعَ صغره أَي الزَّوْج ومرضه وعنته وجبه أَي قطع ذكره بِحَيْثُ لَا يُمكنهُ الْوَطْء , أَو مَعَ تعذر وَطْء لحيض ونفاس أَو رتق أَو قرن أَو لكَونهَا نضوة الْخلقَة أَو مَرِيضَة أَو حدث بهَا شَيْء من ذَلِك عِنْده فَيلْزمهُ نَفَقَتهَا وكسوتها لَكِن لَو امْتنعت ثمَّ مَرضت فبذلته فَلَا نَفَقَة لَهَا , وَإِن كَانَت الزَّوْجَة صَغِيرَة لَا يُمكن وَطْؤُهَا وَزوجهَا طِفْل أَو بَالغ لم تجب نَفَقَتهَا وَلَو مَعَ تَسْلِيم نَفسهَا لِأَنَّهَا لَيست للاستمتاع. وَمن بذلته وَزوجهَا غَائِب لم يفْرض لَهَا حَتَّى يراسله حَاكم ويمضي زمن يُمكن قدومه فِي مثله

وَلها أَي الزَّوْجَة منع تَسْلِيم نَفسهَا لزَوجهَا قبل دُخُول بهَا لقبض مهر حَال , وَلها عَلَيْهِ النَّفَقَة إِذا , وَعلم مِنْهُ أَنه لَيْسَ لَهَا منع نَفسهَا بعد الدُّخُول حَتَّى تقبضه , وَلَا قبله حَتَّى تقبض الْمهْر الْمُؤَجل حَتَّى وَلَو حل الدُّخُول فَإِن فعلت فَلَا نَفَقَة لَهَا , وَكَذَا وَلَو تساكنا بعد العقد فَلم يطْلبهَا الزَّوْج وَلم تبذل نَفسهَا وَلَا بذلها وَليهَا , وَإِن طَال مقَامهَا على ذَلِك فَلَا نَفَقَة لَهَا لِأَن النَّفَقَة فِي مُقَابلَة التَّمْكِين الْمُسْتَحق وَلم يُوجد , وَإِن أعْسر الزَّوْج بِنَفَقَة مُعسر فَلم يجد الْقُوت أَو أعْسر بكسوة مُعسر أَو أعْسر ب بَعْضهَا أَي النَّفَقَة أَو الْكسْوَة , أَو أعْسر بمسكن مُعسر , أَو صَار مُعسرا , وَصَارَ لَا يجد النَّفَقَة إِلَّا يَوْمًا دون يَوْم فلهَا الْفَسْخ فَوْرًا ومتراخيا , وَلها الْمقَام مَعَه مَعَ منع نَفسهَا وبدونه , وَسَوَاء كَانَت حرَّة بَالِغَة رَشِيدَة أَو رقيقَة أَو صَغِيرَة أَو سَفِيهَة دون سَيِّدهَا أَو وَليهَا أَي فَلَا خيرة لَهُ وَلَا مَجْنُونَة لاخْتِصَاص الضَّرَر بهَا وَلَا تفسخ الزَّوْجَة إِن أعْسر زَوجهَا بِمَا أَي دين فِي ذمَّته أَو إِن غَابَ عطف على قَوْله: إِن أعْسر أَي إِن غَابَ مُوسر عَن زَوجته وتعذرت عَلَيْهَا النَّفَقَة باستدانة أَو غَيرهَا كَمَا إِذا لم يكن لَهُ مَال تتَنَاوَل مِنْهُ فلهَا أَي الزَّوْجَة الْفَسْخ جَوَاب الشَّرْط لتعذر الْإِنْفَاق عَلَيْهَا , وَلَا يمْنَعهَا تكسبا وَلَا يحبسها مَعَ عسرته إِذا لم تفسخ لِأَنَّهُ إِضْرَار بهَا , وَسَوَاء كَانَت غنية أَو فقيرة , لِأَنَّهُ إِنَّمَا يملك حَبسهَا إِذا كفاها المئونة وأغناها عَمَّا لَا بُد لَهَا مِنْهُ. وتملك الْفَسْخ بعد رِضَاهَا بالْمقَام مَعَه وَبعد قَوْلهَا رضيت بعسرته أَو تزوجته عَالِمَة بهَا.

وَتبقى نَفَقَة مُعسر وَكسوته ومسكنه لزوجته إِن أَقَامَت مَعَه وَلم تمنع نَفسهَا دينا فِي ذمَّته , وَمن قدر أَن يكْسب أجبر. وَلَا تملك الْفَسْخ إِلَّا بحاكم فَيفْسخ بطلبها أَو تفسخ بأَمْره وَترجع الزَّوْجَة على زَوجهَا بِمَا استدانته لَهَا أَو لولدها الصَّغِير مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَت استدانتها بِإِذن حَاكم أَو لَا.

فصل

3 - (فصل) . فِي نَفَقَة الْأَقَارِب والمماليك من الْآدَمِيّين والبهائم. وَالْمرَاد بالأقارب من يَرِثهُ بِفَرْض أَو تعصيب كَمَا يَأْتِي , وَأَجْمعُوا على وجوب نَفَقَة الْوَالِدين وَالْولد بقوله تَعَالَى 19 (: (وعَلى الْمَوْلُود لَهُ رزقهن وكسوتهن بِالْمَعْرُوفِ) وَقَوله تَعَالَى: 19 (وَقضى رَبك أَن لَا تعبدا إِلَّا إِيَّاه والوالدين إحسانا) وَمن الْإِحْسَان الْإِنْفَاق عَلَيْهِمَا عِنْد حاجتهما , وَحَدِيث هِنْد (خذي مَا يَكْفِيك وولدك بِالْمَعْرُوفِ) مُتَّفق عَلَيْهِ. وَمن عَائِشَة مَرْفُوعا إِن أطيب مَا أكل الرجل من كَسبه , وان وَلَده من كَسبه رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَن ولد الْإِنْسَان بعضه وَهُوَ بعض وَالِده فَكَمَا يجب عَلَيْهِ أَن ينْفق على نَفسه وَزَوجته , فَكَذَلِك على بعضه وَأَصله فَقَالَ رَحمَه الله: وَتجب النَّفَقَة أَو إكمالها عَلَيْهِ أَي على الشَّخْص بِمَعْرُوف لكل وَاحِد من أَبَوَيْهِ أَي أَبِيه وَأمه وان علوا , أَو أَي وَتجب عَلَيْهِ لكل وَاحِد من وَلَده وَإِن سفل وَلَو حجبه أَي الْغَنِيّ مِنْهُم مُعسر كجد مُوسر مَعَ وجود أَب مُعسر وَنَحْوه ,

وَتجب النَّفَقَة لكل من أَي فَقير يَرِثهُ قَرِيبه الْغَنِيّ بِفَرْض كالأخ لأم أَو تعصيب كَابْن عَم لغير أم لَا إِن كَانَ يَرِثهُ برحم كخال سوى عمودي نسبه فَتجب لَهُم وَعَلَيْهِم مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ حجب الْغَنِيّ بالفقير أَو لَا وانما تجب حَيْثُ قُلْنَا تجب مَعَ فقر من تجب لَهُ النَّفَقَة وَمَعَ عَجزه عَن كسب وَلَا يعْتَبر نَقصه فَتجب لصحيح مُكَلّف لَا حِرْفَة لَهُ لِأَنَّهُ فَقير إِذا كَانَت النَّفَقَة [فاضلة] مُتَعَلق بتجب عَن قوت نَفسه أَي الْمُنفق وقوت زَوجته وَعَن قوت رَقِيقه يَوْمه وَلَيْلَته وَعَن الْكسْوَة والمسكن كفطرة إِمَّا من مَاله أَو كَسبه لَا من رَأس مَال تِجَارَة وَثمن ملك وَآلَة صَنْعَة , وَتسقط النَّفَقَة هَاهُنَا , أَي نَفَقَة الْأَقَارِب بِمُضِيِّ زمن مَا لم يفرضها حَاكم أَو مَا لم تستدن الْأَقَارِب النَّفَقَة [بِإِذْنِهِ] الْحَاكِم فَلَا تسْقط فيهمَا وَإِن امْتنع من النَّفَقَة من أَي زوج أَو قريب وَجَبت عَلَيْهِ النَّفَقَة فأنفق غَيره رَجَعَ عَلَيْهِ أَي على الْمُمْتَنع منفق على زَوْجَة أَو قريب بنية الرُّجُوع لِأَن الِامْتِنَاع قد يكون لضعف من وَجَبت لَهُ وَقُوَّة من وَجَبت عَلَيْهِ , فَلَو لم يملك الْمُنفق الرُّجُوع لضاع الضَّعِيف. وعَلى من تلْزمهُ نَفَقَة صَغِير ظئره أَي مرضعته حَوْلَيْنِ وَهِي أَي النَّفَقَة على كلا وَاحِد من الْوَرَثَة بِقدر ارثه فَقَط وَلَا يلْزم الْمُوسر مِنْهُم مَعَ فقر الآخر سوى قدر إِرْثه , كَمَا إِذا كَانَ الأخوان أَحدهمَا مُوسر فَعَلَيهِ نصف النَّفَقَة فَقَط لِأَنَّهُ إِنَّمَا يجب عَلَيْهِ مَعَ يسَار الآخر ذَلِك الْقدر , فَلَا يحْتَمل غَيره إِذا لم يجد الْغَيْر مَا يجب عَلَيْهِ إِذا لم يكن عمودي النّسَب , كمن لَهُ ابْنَانِ أَحدهمَا مُوسر فينفرد بِجَمِيعِ النَّفَقَة , وَكَذَا

جد مُوسر مَعَ فقر أَب , وَجدّة موسرة مَعَ فقر أم , لعدم اشْتِرَاط الْإِرْث فِي عمودي النّسَب لقُوَّة الْقَرَابَة وَتقدم بعضه قَرِيبا. و [إِن كَانَ] لَهُ أَب [غَنِي] انْفَرد بهَا أَي نَفَقَة وَلَده لقَوْله تَعَالَى 19 (: (وعَلى الْمَوْلُود لَهُ رزقهن وكسوتهن) الْآيَة وَتقدم ذَلِك. وَمن لَهُ جد وَأَخ أَو أم أم وَأم أَب فالنفقة بَينهمَا سَوَاء , أَو لَهُ أم وجد , أَو ابْن وَبنت فأثلاثا , أَو أم وَبنت أَو جدة وَبنت فأرباعا , أَو جدة وعاصب فأسداسا وعَلى هَذَا حِسَاب النَّفَقَات. وَتجب النَّفَقَة أَولا على نَفسه لحَدِيث (ابدأ بِنَفْسِك) ثمَّ على زَوجته ثمَّ تجب عَلَيْهِ لرقيقة وَلَو كَانَ الرَّقِيق آبقا وَالْأمة ناشزا أَو مَعَ اخْتِلَاف الدّين وَلَا نَفَقَة مَعَ اختلافه إِلَّا بِالْوَلَاءِ , أَو كَانَ أعمى أَو مَرِيضا أَو زَمنا أَو انْقَطع كَسبه , وَهِي من غَالب قوت الْبَلَد وأدم مثله , وَالْكِسْوَة من غَالب الْكسْوَة لأمثال العبيد فِي ذَلِك الْبَلَد الَّذِي هُوَ فِيهِ وغطاء وَوَطْء ومسكن وماعون , وَإِن مَاتَ كَفنه وجهزه وَدَفنه. وَيسن أَن يلْبسهُ مِمَّا يلبس ويطعمه مِمَّا يطعم وعيه أَن يعفه إِن طلب وَلَا يجوز لَهُ أَن يكلفه عملا مشق كثيرا لَا يطيقه فَإِن كلفه أَعَانَهُ وَيجب عَلَيْهِ أَن يريحه وَقت قائلة وَوقت [نوم ول] أَدَاء صَلَاة فرض لِأَنَّهُ الْعَادة وَلِأَن تَركه إِضْرَار بِهِ , ويركبه عقبَة إِذا سَافر أَي يركب تَارَة وَيَمْشي أُخْرَى.

وَلَا يجوز تَكْلِيف أمة رعيا لِأَن السّفر مَظَنَّة الطمع فِيهَا لبعدها عَمَّن يدْفع عَنْهَا , وَلَا ضربه على وَجهه وَلَا شتم أَبَوَيْهِ وَلَو كَافِرين. وَتسن مداواته إِذا مرض , وَقَالَ جمَاعَة: تجب , ذكره فِي الْفُرُوع , وَقَالَ فِي الْإِنْصَاف: قلت الْمَذْهَب أَن ترك الدَّوَاء أفضل على مَا تقدم فِي أول كتاب الْجَنَائِز. انْتهى. وَلَا يجوز لَهُ أكل من مَال سَيّده إِلَّا بِإِذْنِهِ نصا؛ لِأَنَّهُ افتيات عَلَيْهِ مَا لم يمنعهُ السَّيِّد مَا وَجب لَهُ عَلَيْهِ فَلهُ أَن يَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ كَالزَّوْجَةِ والقريب. ولزوج وَأب ولسيد تَأْدِيب زَوْجَة وَولد ورقيق إِذا أذنبوا بِضَرْب غير مبرح , وَيسن أَن يعْفُو عَن الرَّقِيق مرّة أَو مرَّتَيْنِ , وَلَا يجوز بِلَا ذَنْب وَلَا ضربا مبرحا , وَله تَقْيِيده إِذا خَافَ إباقا نصا قَالَ الإِمَام 16 (أَحْمد) : يُبَاع أحب إِلَى. وَلَا يلْزم بَيْعه بِطَلَب مَعَ الْقيام بِحقِّهِ , ثمَّ بعد تَقْدِيم الزَّوْج نَفسه وَزَوجته ورقيقه ينْفق على وَلَده فأبيه فأمه فولد ابْنه فجده فأخيه ثمَّ الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه السِّرّ المصون معاشرة الْوَلَد باللطف والتأديب والتعليم وَإِذا احْتِيجَ إِلَى ضربه ضرب , وَيحمل على أحسن الْأَخْلَاق , ويجنب سيئها , وَإِذا كبر فالحذر مِنْهُ , وَلَا يطلعه على كل الْأَسْرَار , وَمن الْغَلَط ترك تَزْوِيجه إِذا بلغ فَإنَّك مَا هُوَ فِيهِ بِمَا كنت فِيهِ فصنه عَن الزلل عَاجلا خُصُوصا الْبَنَات , وَإِيَّاك أَن تزوج الْبِنْت بشيخ أَو شخص مَكْرُوه. وَأما الْمَمْلُوك فَلَا يَنْبَغِي أَن تسكن إِلَيْهِ بِحَال بل كن مِنْهُ على حذر وَلَا تدخل الدَّار مِنْهُم مراهقا وَلَا خَادِمًا فَإِنَّهُم رجال مَعَ النِّسَاء وَنسَاء مَعَ الرِّجَال وَرُبمَا امتدت عين امْرَأَة إِلَى غُلَام محتقر. انْتهى ذكره فِي الْإِقْنَاع. وَيجب عَلَيْهِ أَي على مَالك بهائم علف بهائمه أَو إِقَامَة من

يرعاها وَيجب عَلَيْهِ سقيها أَي بهائمه لحَدِيث ابْن عمر: (عذبت امْرَأَة فِي هرة حبستها حَتَّى مَاتَت جوعا , فَلَا هِيَ أطعمتها وَلَا هِيَ أرسلتها تَأْكُل من خشَاش الأَرْض) مُتَّفق عَلَيْهِ. وَإِن عجز مَالك عَن نَفَقَتهَا [أجبر على بيعهَا] أَو على إِجَارَة هَا أَو على ذبح مَأْكُول مِنْهَا إِزَالَة لظلمها؛ وَلِأَنَّهَا تتْلف إِذا تركت بِلَا نَفَقَة , وإضاعة المَال مَنْهِيّ عَنْهَا , فان أَبى فعلى الْحَاكِم الْأَصْلَح من الثَّلَاثَة أَو اقْترض عَلَيْهِ , وَيجوز انْتِفَاع بهَا فِي غير مَا خلقت لَهُ كبقر الْحمل وركوب وإبل وحمر لحرث وَنَحْوه , وجيفتها إِن مَاتَت لمالكهاوإز التها عَلَيْهِ دفعا لأذاها , وَحرم تحميلها أَي الْبَهِيمَة شَيْئا مشقا لما قي ذَلِك من تَعْذِيب الْحَيَوَان , وَحرم لعنها وَحرم حلبها مَا أَي شَيْئا يضر بِوَلَدِهَا لِأَنَّهُ لبنه مَخْلُوق لَهُ أشبه ولد الْأمة. وَحرم ذبح غير مَأْكُول لَا رَاحَة وَحرم ضرب وَجه وَحرم وسم فِيهِ أَي الْوَجْه قَالَ فِي الْفُرُوع: لعن النَّبِي من وسم أَو ضرب الْوَجْه وَنهى عَنهُ , فتحريم ذَلِك ظَاهر كَلَام الإِمَام أَحْمد وَالْأَصْحَاب , وَيجوز الوسم فِي غَيره أَي الْوَجْه إِذا كَانَ لغَرَض صَحِيح وَيكرهُ خصاء الْحَيَوَان وجز مَعْرفَته وناصيته وذنبه وَتَعْلِيق جرس ونزو حمَار على فرس.

فصل

3 - (فصل) . الْحَضَانَة بِفَتْح الْحَاء مصدر حضنت الصَّغِير حضَانَة أَي تحملت مئونته وتربيته مُشْتَقَّة من الحضن وَهُوَ الْجنب لضم المربي والكافل الطِّفْل وَنَحْوه إِلَى حضنه وَتجب الْحَضَانَة لحفظ صَغِير وَمَجْنُون ومعتوه وَهُوَ المختل الْعقل عَمَّا يضرهم وتربيتهم بِعَمَل مصالحهم من غسل بدنهم وثيابهم ودهنهم وتكحيلهم وربط طِفْل فِي المهد وتحريكه لينام وَنَحْو ذَلِك , وَهِي وَاجِبَة كإنفاق عَلَيْهِ , ومستحقها رجل عصبَة وَامْرَأَة وارثة أَو مدلية بوارث كالخالة وَبَنَات الْأَخَوَات أَو مدلية بعصبة كبنات الْإِخْوَة والأعمام وَذي الرَّحِم غير من تقدم وحاكم , والأحق بهَا أَي الْحَضَانَة أم مَعَ أهليتها وحضورها وقبولها لِأَنَّهَا أشْفق عَلَيْهِ وَأقرب وَلَا يشاركها فِي الْقرب إِلَّا الْأَب وَلَيْسَ لَهُ مثل شفقتها , وَلَا يتَوَلَّى الْحَضَانَة بِنَفسِهِ وانما يَدْفَعهُ إِلَى امْرَأَته أَو غَيرهَا من النِّسَاء , وَأمه أولى من الَّتِي يَدْفَعهُ إِلَيْهَا فَتقدم على غَيره وَلَو بِأُجْرَة مَعَ وجود متبرعة كرضاع , وَلَو امْتنعت لم تجبر , ثمَّ الأحق بالحضانة بعد الْأُم أمهاتها الْقُرْبَى فالقربى لِأَنَّهُنَّ نسَاء لَهُنَّ ولادَة متحققة فهن فِي معنى الْأُم , ثمَّ الأحق بهَا أَب لِأَنَّهُ

أصل النّسَب إِلَيّ الطِّفْل , وأحق بِولَايَة مَاله فَكَذَلِك فِي الْحَضَانَة ثمَّ أمهاته الْأَب كَذَلِك أَي الْقُرْبَى فالقربى لإدلائهن بعصبة قريبَة , ثمَّ جد لِأَنَّهُ فِي معنى الْأَب ثمَّ أمهاته الْجد كَذَلِك أَي الْقُرْبَى فالقربى لإدلائهن بعصبة ثمَّ أُخْت لِأَبَوَيْنِ لقُوَّة قرابتها , ثمَّ أُخْت لأم لِأَن هَؤُلَاءِ نسَاء يدلين بهَا فَكَانَ من يُدْلِي بهَا أولى مِمَّن يُدْلِي بِالْأَبِ كالجدات , ثمَّ أُخْت الْأَب , ثمَّ خَالَة لِأَبَوَيْنِ أَي أُخْت أم الْمَحْضُون , ثمَّ خَالَة لأم ثمَّ لأَب [ثمَّ عمَّة] لِأَبَوَيْنِ ثمَّ لأَب ثمَّ خَالَة أَب وَعَمَّته كَذَلِك ثمَّ بنت أَخ لِأَبَوَيْنِ ثمَّ لأم ثمَّ لأَب وَبعدهَا بنت أُخْت لِأَبَوَيْنِ ثمَّ لأم ثمَّ لأَب [ثمَّ بنت عَم] لِأَبَوَيْنِ ثمَّ لأم ثمَّ لأَب [و] بنت [عمَّة] كَذَلِك ثمَّ بنت عَم أَب لِأَبَوَيْنِ ثمَّ لأم ثمَّ لأَب وَبنت عمته أَي الْأَب على مَا فصل التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم [ثمَّ] تكون الْحَضَانَة لباقي الْعصبَة أَي عصبَة الْمَحْضُون الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب فَتقدم الْإِخْوَة الأشقاء ثمَّ لأَب ثمَّ بنوهم ثمَّ الأعمامُم بنوهم كَذَلِك وَهَكَذَا وَشرط كَونه الْعصبَة محرما وَلَو برضاع وَنَحْوه كمصاهرة [لأنثى] محضونة فَلَا حضَانَة عَلَيْهَا لِابْنِ الْعم وَنَحْوه لِأَنَّهُ لَيْسَ من محارمها وَفِي الْمُغنِي والمنتهى: إِذا بلغت سبعا لِأَنَّهَا مَحل الشَّهْوَة وَقبلهَا لَهُ الْحَضَانَة وَهُوَ قوي. ويسلمها غير محرم كَابْن عَم وَتعذر غَيره إِلَى ثِقَة يختارها الْعصبَة

ثمَّ بعد جَمِيع الْعصبَة تكون الْحَضَانَة لذِي رحم ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى غير مَا تقدم وأولاهم أَبُو أم فأمهاته فأخ لأم فخال ثمَّ تكون بعد ذِي الرَّحِم [لحَاكم] لِأَنَّهُ لَهُ ولَايَة على من لَا أَب لَهُ وَلَا وَصِيّ. والحضانة ولَايَة. وتنتقل مَعَ امْتنَاع مستحقها أَو عدم أَهْلِيَّته كالرقيقة إِلَى من بعده وَلَا تثبت الْحَضَانَة وَإِن قل لِأَنَّهَا ولَايَة كولاية النِّكَاح ولاحضانة [لكَافِر على مُسلم] لِأَنَّهُ يفتنه عَن دينه ويخرجه عَن الْإِسْلَام بتعليمه الْكفْر وتربيته عَلَيْهِ وَفِي ذَلِك كل الضَّرَر وَلَا حضَانَة الْفَاسِق ظَاهر لِأَنَّهُ لَا يوثق بِهِ فِي أَدَاء وَاجِب الْحَضَانَة. ولاحظ لمحضون لِأَنَّهُ رُبمَا نَشأ على أَحْوَاله وَلَا لمَجْنُون وَلَو غير مطبق وَلَا لمعتوه وَلَا لطفل وَلَا لعاجز عَنْهَا كأعمى وَنَحْوه وَلَا حضَانَة لأمرأة مُزَوّجَة رجل أَجْنَبِي من محضون من حِين عقدا وَلَو رَضِي زَوجهَا بحضانتها لقَوْله (أَنْت أَحَق بِهِ مَا لم تنكحي) وَلِأَن الزَّوْج يملك منافعا بِمُجَرَّد العقد وَيسْتَحق مِنْهَا من الْحَضَانَة أشبه مَا لَو دخل بهَا. فَإِن تزوجت بقريب محضونها وَلَو غير محرم لَهُ لم تسْقط حضانتها وَإِن أَرَادَ أَبَوَيْهِ أَي الْمَحْضُون نقلة إِلَى بلد آمن وَطَرِيقه أَي الْبَلَد مَسَافَة قصر فَأكْثر ليسكنه وَكَانَ آمنا أَيْضا فأب أَحَق لِأَنَّهُ الَّذِي يقوم عَادَة بتأديبه وَحفظ نسبه. فَإِذا لم يكن بِبَلَد أَبِيه

ضَاعَ. وَمَتى اجْتمع الأبوان عَادَتْ الْحَضَانَة لأم أَو أَي وَإِن أَرَادَ أحد أَبَوَيْهِ نَقله الى بلد قريب دون مَسَافَة الْقصر [للسُّكْنَى فَأم] أَحَق فَتبقى على حضانتها لِأَنَّهَا أَثم شُفْعَة كَمَا لَو لم يُسَافر أَحدهمَا وَإِن أَرَادَ أحد أَبَوَيْهِ سفرا [لحَاجَة] وَيعود مَعَ بعد الْبَلَد الَّذِي أَرَادَ أَو لَا أَي مَعَ عدم بعده فمقيم من أَبَوَيْهِ أَحَق بحضانته إِزَالَة لضَرَر السّفر. قَالَ فِي الْهدى: هَذَا كُله مَا لم يرد بالنقلة مضارة الْأُخَر وانتزاع الْوَلَد. فَإِن أَرَادَ ذَلِك لم يجب إِلَيْهِ. انْتهى. وَإِذا بلغ صبي محضون سبع سِنِين عاقلاأي تمت لَهُ السَّبع خير بَين أَبَوَيْهِ فَكَانَ عِنْد من اخْتَارَهُ مِنْهُمَا على الْأَصَح قضى بذلك عمر وعَلى وَشُرَيْح للْحَدِيث. وَلِأَن التَّقْدِيم فِي الْحَضَانَة لحق الْوَلَد فَيقدم من هُوَ أشْفق وَمن حَظّ الْوَلَد عِنْده أَكثر. واعتبرنا الشَّفَقَة بمظنتها إِذْ لم يُمكن اعْتِبَارهَا بِنَفسِهَا فَإِذا بلغ الْغُلَام حدا يعبر فِيهِ عَن نَفسه ويميز بَين الْإِكْرَام وضده فَمَال إِلَى أحد الْأَبَوَيْنِ دلّ على أَنه أرْفق بِهِ وأشفق فَقدم بذلك وقيدناه بالسبع لِأَنَّهَا أول حَال أَمر الشَّارِع فِيهِ بمخاطبته بِالْأَمر بِالصَّلَاةِ. وَلِأَن الْأُم قد قدمت فِي حَالَة الصغر لِحَاجَتِهِ الى من يحملهُ ويباشر خدمته لِأَنَّهَا أعرف بذلك وأقوم بِهِ. فَإِذا اسْتغنى عَن ذَلِك تَسَاوِي والداه لقربهما مِنْهُ فَرجع بِاخْتِيَارِهِ فَإِن اخْتَار أَبَاهُ كَانَ عِنْده لَيْلًا وَنَهَارًا وَلَا يمْنَع من زِيَارَة أمه وَإِن اخْتَار أمه كَانَ عِنْدهَا لَيْلًا وَعند أَبِيه نَهَارا يؤدبه ويعلمه.

وَإِن عَاد فَاخْتَارَ الآخر نقل إِلَيْهِ وان عَاد فَاخْتَارَ الأول رد إِلَيْهِ وَهَكَذَا أبدا فَإِن لم يخْتَر أَحدهمَا أَو أختارهما أقره ثمَّ إِن اخْتَار غير من قدم بِالْقُرْعَةِ رد اليه. وَإِن اخْتَار أَبَاهُ ثمَّ زَالَ عقله رد إِلَى الْأُم وَبَطل أخياره وَلَا يقر محضون بيد من لَا يصونه وَلَا يصلحه لِأَن وجود ذَلِك كَعَدَمِهِ فينقل عَنهُ إِلَى من يَلِيهِ. وَلَا حضَانَة وَلَا رضَاع لأم جذماء وَلَا برصاء كَمَا أفتى بِهِ الْمجد وَبَعْضهمْ. وَتَكون بنت سبع سِنِين تَامَّة عِنْد أَب وجوبا أَو عِنْد من يقوم مقَامه أَي الْأَب إِلَى حِين زفاف بِكَسْر أَوله لِأَنَّهُ أحفظ لَهَا وأحق بولايتها من غَيره فَوَجَبَ أَن تكون تَحت نظره ليؤمن عَلَيْهَا من دُخُول الْفساد لكَونهَا معرضة للآفات لَا يُؤمن عَلَيْهَا الانخداع. وَلِأَنَّهَا إِذا بلغت السَّبع قاربت الصلاحية للتزويج ويمنعها الْأَب أَو من يقوم مقَامه من الِانْفِرَاد وَلَا تمنع من زِيَارَة أمهَا وَلَا أمهَا من زيارته إِن لم يخف الْفساد. وَلَا تثبت الْحَضَانَة على الْبَالِغ الرشيد الْعَاقِل وَإِلَيْهِ الْخِبْرَة فِي الْإِقَامَة عِنْد من شَاءَ مِنْهُمَا فَإِن كَانَ رجلا فالانفراد بِنَفسِهِ إِلَّا أَن يكون أَمْرَد يخَاف عَلَيْهِ الْفِتْنَة فَيمْنَع من مفارقتهما. وَلما فرغ المُصَنّف رَحمَه الله من الْكَلَام على أَحْكَام النِّكَاح وَمَا يتَعَلَّق بِهِ شرع يتَكَلَّم على أَحْكَام الْجِنَايَات وَمَا يتَعَلَّق بهَا فَقَالَ:

كتاب الجنايات

(كتاب الْجِنَايَات) كتاب الْجِنَايَات. جمع جِنَايَة وَهِي لُغَة التَّعَدِّي يُوجب على نفس أَو مَال وَشرعا التَّعَدِّي على نفس الْبدن بِمَا يُوجب قصاصا أَو مَالا قَالَ أَبُو السعادات: الْجِنَايَة الجرم والذنب وَمَا يَفْعَله الْإِنْسَان مِمَّا يُوجب عَلَيْهِ الْعَذَاب أَو الْعقَاب فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. انْتهى. وجمعت الْجِنَايَة وَإِن كَانَ مصدرا بِاعْتِبَار أَنْوَاعهَا على جنايات وجنايا كعطايا وَالْفَاعِل جَان وَالْجمع جناه كقاض وقضاة. وَالْقَتْل يَقع على ثَلَاثَة أضْرب: وَاجِب كَقَتل الْمُحَارب وَالزَّانِي والمحصن وَالْمُرْتَدّ ومباح كَالْقَتْلِ قصاصا ومحظور وَهُوَ الْقَتْل عمدا بِغَيْر حق وَهُوَ من الْكَبَائِر. وتوبة الْقَاتِل مَقْبُولَة عِنْد أَكثر أهل الْعلم وَأمره إِلَى الله تَعَالَى إِن شَاءَ عذبه وان شَاءَ غفر لَهُ وَلَا يسْقط حق الْمَقْتُول فِي الْآخِرَة بِمُجَرَّد التَّوْبَة قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: فعلى هَذَا يَأْخُذ الْمَقْتُول من حَسَنَات الْقَاتِل بِقدر مظلمته فَإِن اقْتصّ من الْمَقْتُول أَو عُفيَ عَنهُ فَفِي مُطَالبَته بِالآخِرَة وَجْهَان. قَالَ ابْن الْقيم: وَالتَّحْقِيق فِي الْمَسْأَلَة أَن الْقَتْل يتَعَلَّق بِهِ ثَلَاثَة حُقُوق: حق الله وَحقّ الْمَقْتُول وَحقّ الْوَلِيّ.

فَإِن سلم الْقَاتِل نَفسه طَوْعًا واختيارا إِلَى الْوَلِيّ ندما على مَا فعله وخوفا من الله تبَارك وَتَعَالَى وَتَابَ تَوْبَة نصُوحًا سقط حق الله تَعَالَى بِالتَّوْبَةِ وَحقّ الْأَوْلِيَاء بِالِاسْتِيفَاءِ أَو الصُّلْح أَو الْعَفو وبقى حق الْمَقْتُول يعوضه الله تعلى يَوْم الْقِيَامَة من عَبده التائب المحسن فَلَا يضيع حق هَذَا وَلَا يعطل تَوْبَة هَذَا. فَقَالَ رَحمَه الله تَعَالَى: الْقَتْل أَي فعل تزهق بِهِ النَّفس أَي تفارق بِهِ الرّوح الْجَسَد ثَلَاثَة أضْرب: أَحدهَا عمد، وَالثَّانِي شبه عمد وَيُقَال خطأ الْعمد وَعمد الْخَطَأ [و] الثَّالِث [خطأ] . وقسمه فِي الْمقنع وَأَبُو الْخطاب وَصَاحب الْوَجِيز وَالرِّعَايَتَيْنِ وَغَيرهم إِلَى أَرْبَعَة أَقسَام وَزَادُوا مَا أجْرى مجْرى الخطا كانقلاب النَّائِم على شخص فيقتله وَمن يقتل بِالسَّبَبِ كحفر الْبِئْر وَنَحْوه تَعَديا فَيَمُوت بِهِ أحد وَهَذِه الصُّورَة عِنْد الْأَكْثَر من قسم الخطا أَعْطوهُ حكمه. وَفِي الإتصاف: قلت الَّذِي نظر إِلَى الْأَحْكَام المترتبة على الْقَتْل جعل الْأَقْسَام ثَلَاثَة وَالَّذِي نظر إِلَى الصُّورَة فَهِيَ أَرْبَعَة بِلَا شكّ وَأما الْأَحْكَام فمتفق عَلَيْهَا: فالعمد يخْتَص الْقود بِهِ فَلَا يثبت فِي غَيره والقود قتل الْقَاتِل بِمن قَتله مَأْخُوذ من قَود الدَّابَّة لِأَنَّهُ يُقَاد الى الْقَتْل بِمن قَتله وَهُوَ أَي الْعمد أَن يقْصد الْجَانِي من يُعلمهُ آدَمِيًّا مَعْصُوما فيقتله بِمَا أَي بِشَيْء يغلب على الظَّن مَوته بِهِ وَله تسع صور إِحْدَاهمَا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله كجرحه بِمَا لَهُ نُفُوذ أى دُخُول فِي الْبدن من حَدِيد كسكين ومسلة بِكَسْر الْمِيم أَو غير ذَلِك كشوكة وقصب وَلَو جرحا صَغِيرا كَشَرط حجام أَو فِي غير مقتل أَو بِشَيْء صَغِير كإبرة وَنَحْوهَا من مقتل كالفؤاد وَنَحْوه أَو فِي

غَيره كفخذ وَيَد فتطول علته أَو يصير ضمنا وَلَو لم يداو مَجْرُوح قَادر على المداواة جرحه حَتَّى يَمُوت أَو يَمُوت فِي الْحَال لِأَن الظَّاهِر مَوته بِفعل الْجَانِي. الثَّانِيَة أَشَارَ إِلَيْهَا بقوله كضربه بِحجر كَبِير لَو فِي غير مقتل لِأَنَّهُ يقتل غَالِبا وكضربه بمثقل فَوق عَمُود الْفسْطَاط لَا كَهُوَ نصا وَهُوَ الْخَشَبَة الَّتِي يقوم عَلَيْهَا بَيت الشّعْر أَو بِمَا يغلب على الظَّن مَوته بِهِ من كوزين وَهُوَ مَا يدق بِهِ الدقاق الثِّيَاب ولت بِضَم اللَّام وَتَشْديد التَّاء نوع من السِّلَاح مَعْرُوف وسندان حداد وَفِي مقتل أَو فِي حَال ضعف قُوَّة أَو مرض أَو صغر أَو كبر أَو حر أَو برد وَنَحْو ذَلِك من شَاهِق أَو يلقِي عَلَيْهِ حَائِطا أَو سقفا وَنَحْوهمَا فَيَمُوت فَفِي ذَلِك كُله الْقود وَلَو قَالَ لم اقصد قَتله لم يصدق الثَّالَّةِ أَن يلقيه بزبية الْأسد بِضَم الزَّاي أَي حفيرته أَو مكتوفا بفضاء بِحَضْرَة ذَلِك أَو فِي مضيق بِحَضْرَة حَيَّة أَو بنهشه كَلْبا أَو يلسعه عقربا من القواتل غَالِبا فَيقْتل بِهِ. الرَّابِعَة أَن يلقيه فِي مَاء يغرقه أَو نَار وَلَا يُمكنهُ التَّخَلُّص مِنْهُمَا فَيَمُوت فيقاد بِهِ وَأَن أمكنه التَّخَلُّص فيهمَا فَهدر الْخَامِسَة: أَن يخنقه بِحَبل أَو غَيره أَو سد فَمه وَأَنْفه أَو يعصر خصيته زَمنا يَمُوت فِي مثله غَالِبا فَيقْتل بِهِ. السَّادِسَة: أَن يحْبسهُ ويمنعه الطَّعَام وَالشرَاب فَيَمُوت جوعا وعطشا لزمن يَمُوت فِيهِ من ذَلِك غَالِبا بِشَرْط تعذر الطّلب عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا قَود وَلَا دِيَة كتركه شدّ فصده.

السَّابِعَة: أَن يسْقِيه سما يقتل غَالِبا لَا يعلم بِهِ أَو يخلطه بِطَعَام أَو يطعمهُ لَهُ ويخلطه بِطَعَام أكله فَأَكله جهلا فَيَمُوت فيقاد بِهِ: فَإِن علم آكل مُكَلّف بالسم أَو خلطه بِطَعَام نَفسه فَأَكله أحد بِلَا إِذن فَمَاتَ فَهدر الثَّامِنَة: أَن يقْتله بِسحر يقتل غَالِبا أَو مَتى أدعى قَاتل بِسم أَو بِسحر عدم علمه أَن السم أَو السحر قَاتل أَو جهل مرض يقتل مَعَه ذَلِك لم يقبل. التَّاسِعَة: أَن يشْهد رجلَانِ على شخص بقتل عمدا أَو ردة حَيْثُ امْتنعت تَوْبَته أَو أَرْبَعَة بزنا مُحصن فَيقْتل بِشَهَادَتِهِم ثمَّ ترجع الْبَيِّنَة وَتقول عمدنا قَتله أَو يَقُول الْحَاكِم والوالي: علمت كذبهما وعمدت قَتله فيقاد بذلك كُله وَشبهه بِشَرْط. وَلَا قَود على بَيِّنَة وَلَا على حَاكم مَعَ مُبَاشرَة ولي عَالم بِالْحَال وَيخْتَص بِالْقصاصِ مبَاشر عَالم فولي فَبَيِّنَة وحاكم وَمَتى لَزِمت حَاكما وَبَيِّنَة دِيَة فعلى عَددهمْ وَلَو رَجَعَ الْوَلِيّ وَالْبَيِّنَة ضمنه الْوَلِيّ وَحده لمباشرته الْقَتْل. وَشبه الْعمد أَي الْمُسَمّى بخطأ الْعمد وَعمد الخطا أَن يقْصد الْجَانِي جِنَايَة لَا تقتل غَالِبا وَلم يجرحه بهَا أى الْجِنَايَة كضرب سَوط أَو عَصا أَو حجر صَغِير إِلَّا أَن يصغر جدا كقلم وإصبع فِي غير مقتل أَو يمسهُ بالكبير بِلَا ضرب فَلَا قصاص وَلَا دِيَة أَو لكز أَو لكم غَيره فِي غير مقتل أَو أَلْقَاهُ فِي مَاء قَلِيل أَو سحره بِمَا لَا يقتل غَالِبا أَو صَاح بعاقل اغتفله فَيسْقط فَيَمُوت أَو بصغير أَو معتوه على نَحْو سطح فيسقطان فيموتان فَفِيهِ الْكَفَّارَة فِي مَال جَان وَالدية على عَاقِلَته.

وَإِن صَاح بمكلف لم يغتفله فَلَا شَيْء عَلَيْهِ مَاتَ أَو ذهب عقله. وَالْخَطَأ ضَرْبَان: ضرب فِي الْقَصْد وَضرب فِي الْفِعْل. فَضرب الْقَصْد نَوْعَانِ أَحدهمَا أَن يَرْمِي مَا يَظُنّهُ صيدا أَو مُبَاح الدَّم فيتبين آدَمِيًّا أَو مَعْصُوما أَو يفعل مَا لَهُ فعله كَقطع لحم فَيقْتل إنْسَانا أَو يتَعَمَّد الْقَتْل صَغِيرا أَو مَجْنُونا فالكفارة فِي مَاله وَالدية على عَاقِلَته. النَّوْع الثَّانِي أَن يقتل بدار حَرْب أَو صف كفار من يَظُنّهُ حَرْبِيّا فيتبين مُسلما أَو يَرْمِي وجوبا لكفار تترسوا بِمُسلم وَيجب رميهم حَيْثُ خيف على الْمُسلمين إِن لم نرمهم فيقصدهم دونه فيقتله بِلَا قصد فَفِيهِ الْكَفَّارَة فَقَط أَي دون الدِّيَة. وَالضَّرْب الثَّانِي: فِي الْفِعْل وَهُوَ أَن يفعل مَا لَهُ فعله كرمي صيد وَنَحْوه كهدف فَيُصِيب آدَمِيًّا مَعْصُوما اعْتَرَضَهُ لم يَقْصِدهُ أَو يَنْقَلِب وَهُوَ نَائِم أَو مغمى عَلَيْهِ وَنَحْوه على إِنْسَان فَيَمُوت فَعَلَيهِ الْكَفَّارَة فِي مَاله وَالدية على عَاقِلَته وَعمد صبي وَعمد [مَجْنُون خطأ] لِأَنَّهُ لَا قصد لَهما فعمدهما كخطأ الْمُكَلف وَمن قَالَ كنت يَوْم قتلت صَغِيرا أَو مَجْنُونا وَأمكن صدق بِيَمِينِهِ. وَإِن كَانَ الرَّامِي ذِمِّيا فَأسلم بَين رمي وإصابة ضمن الْمَقْتُول فِي مَاله لمباينة دين عَاقِلَته بِإِسْلَامِهِ وَلَا يُمكن ضيَاع دِيَة الْمَقْتُول فَتكون فِي مَال الْجَانِي. وَمن قتل بِسَبَب كحفر بِئْر وَنصب سكين أَو حجر أَو نَحوه تَعَديا إِن قصد جِنَايَة فَشبه عمد وَإِلَّا فخطأ وإمساك الْحَيَّة محرم وَجِنَايَة لانه ألْقى نَفْيه إِلَيّ التَّهْلُكَة فَلَو قتلت ممسكا من يدعى مشيخة وَنَحْوه فَهُوَ قَاتل

نَفسه وَمَعَ ظن أَنَّهَا لَا تقتل شبه عمد بِمَنْزِلَة من أكل حَتَّى بشم وَلَا شَيْء لوَرثَته من دِيَته على عَاقِلَته لقَتله نَفسه فيضيع هدرا كَمَا لَو تعمد ذَلِك. وَمن أُرِيد قَتله قودا بِبَيِّنَة لَا إِقْرَار فَقَالَ شخص: أَنا الْقَاتِل لَا هَذَا فَلَا قَود على وَاحِد مِنْهُمَا وعَلى مقرّ الدِّيَة وَلَو أقرّ الثَّانِي بعد إِقْرَار الأول قتل الأول وَيقتل عدد أَي مَا فَوق الْوَاحِد بِوَاحِد قَتَلُوهُ إِن صلح فعل كل وَاحِد مِنْهُم للْقَتْل بِهِ بِأَن كَانَ فعل كل وَاحِد لَو انْفَرد لوَجَبَ فِيهِ الْقصاص لإِجْمَاع الصَّحَابَة فَإِن لم يصلح وَلَا تواطؤ فَلَا قصاص وَمَعَ عَفْو عَن قَود يجب عَلَيْهِم دِيَة وَاحِدَة لَا اكثر لِأَن الْقَتِيل وَاحِد فَلَا يلْزمهُم أَكثر من دِيَته كَمَا لَو قَتَلُوهُ خطأ وَإِن جرح وَاحِد جرحا وَآخر مائَة فَسَوَاء فِي الْقصاص أَو الدِّيَة وَمن أكره شخصا مُكَلّفا على قتل شخص آخر معِين فَفعل فعلى كل مِنْهُمَا الْقود أَو إكراهه على أَن يكره عَلَيْهِ أَي قتل الْمعِين فَفعل أَي أكره من قَتله فعلى كل وَاحِد من الثَّلَاثَة الْقود إِن لم يعف وليه أَو الدِّيَة إِن عَفا وَقَول قَادر على مَا هدد بِهِ غَيره: اقْتُل نَفسك وَإِلَّا قتلتك إِكْرَاه فَيقْتل بِهِ إِن قتل نَفسه كَمَا لَو أكره عَلَيْهِ غَيره وان أَمر إِنْسَان بِهِ الْقَتْل شخصا غير مُكَلّف كصغير وَمَجْنُون فَقتل أَو أَمر بِهِ من يجهل تَحْرِيمه كمن نشا بِغَيْر دَار الْإِسْلَام فَقتل أَو أَمر سُلْطَان ظلما من أَي إنْسَانا جهل ظلمه أَي الْآمِر فِيهِ أى الْقَتْل لزم الْقصاص الْآمِر لعذر الْمَأْمُور لوُجُوب طَاعَة الإِمَام فِي غير الْمعْصِيَة وَالظَّاهِر أَن الْإِسْلَام لَا يَأْمر إِلَّا بِحَق.

وَإِن علم الْمَأْمُور الْمُكَلف تَحْرِيمه لزمَه الْقصاص وأدب آمُر. وَمن دفع لغير مُكَلّف آلَة قتل وَلم يَأْمُرهُ بِهِ فَقتل لم يلْزمه شَيْء. وَلَو قَالَ مُكَلّف غير قن لغيره: اقتلني أَو أجرحني فَفعل فَهدر نصا. كَمَا لَو قَالَ لَهُ: اقتلني وَإِلَّا قتلتك قَالَ فِي الِانْتِصَار: وَلَا إِثْم هَهُنَا وَلَا كَفَّارَة وَلَو قَالَ ذَلِك قن ضمنه الْقَاتِل بِقِيمَتِه أَو أرش الْجراحَة. وَمن أمسك إنْسَانا لآخر حَتَّى قَتله أَو قطع طرفه فَمَاتَ أَو فتح فَمه حَتَّى سقَاهُ سما قتل قَاتل بِالْفِعْلِ أَو السم لقَتله عمدا من يُكَافِئهُ بِغَيْر حق وَحبس مُمْسك حَتَّى يَمُوت وَلَا قَود عَلَيْهِ وَلَا دِيَة وَإِن كَانَ الممسك لَا يعلم أَن الْقَاتِل يقْتله فَلَا شَيْء عَلَيْهِ.

فصل

3 - (فصل) وَيشْتَرط لوُجُوب الْقصاص أَي الْقود [أَرْبَعَة شُرُوط] بالاستقراء: أَحدهَا تَكْلِيف قَاتل أَي بِأَن يكون بَالغا عَاقِلا قَاصِدا لِأَن الْقصاص عُقُوبَة مُغَلّظَة فَلَا تجب على [غير] مُكَلّف كصغير وَمَجْنُون ومعتوه لأَنهم لَيْسَ لَهُم قصد صَحِيح كقاتل خطأ. وَإِن قَالَ جَان: كنت حَال الْجِنَايَة صَغِيرا وَقَالَ ولي الْجِنَايَة: بل مُكَلّفا وَأَقَامَا بينتين تَعَارَضَتَا وَتقدم أَن القَوْل قَول الصَّغِير حَيْثُ أمكن وَلَا بَيِّنَة. وَالشّرط الثَّانِي: عصمَة مقتول وَلَو مُسْتَحقّا دَمه بقتل لغير قَاتله. فَإِن قتل حَرْبِيّا أَو مُرْتَدا قبل تَوْبَته إِن قبلت ظَاهرا أَو زَانيا مُحصنا وَلَو قبل ثوبته عِنْد حَاكم إِذا ثَبت أَنه زنى مُحصنا بعد قَتله فَلَا قَود وَلَا دِيَة وَلَو أَنه مثله وَيُعَزر لاقتفائه على الإِمَام وَمن قطع طرف مُرْتَد أَو حَرْبِيّ فَأسلم ثمَّ وَقع بِهِ المرمى فَمَاتَ فَهدر. وَمن قطع طرفا أَو أَكثر من مُسلم فَارْتَد ثمَّ مَاتَ فَلَا قَود وَعَلِيهِ

الْأَقَل من دِيَة النَّفس أَو دِيَة مَا قطع يَسْتَوْفِيه الإِمَام، لِأَن مَال الْمُرْتَد فَيْء للْمُسلمين واستيفاؤه للْإِمَام. وَلَو عَاد لِلْإِسْلَامِ وَلَو بعد زمن تسري فِيهِ الْجِنَايَة فَكَمَا لَو لم يرْتَد فعلى قَاتله الْقود نصا لِأَنَّهُ مُسلم حَال الْجِنَايَة وَالْمَوْت أشبه مَا لَو لم يرْتَد. وَالشّرط الثَّالِث مكافأته أَي الْمَقْتُول لقَاتل حَال الْجِنَايَة بِأَن لَا يفضله قَاتله بدين وَلَا بحريّة وَلَا ملك فَيقْتل مُسلم أَو عبد بِمثلِهِ وكتابي بمجوسي وذمي بمستأمن وَكَافِر غير حَرْبِيّ جنى ثمَّ أسلم بِمُسلم لَا حربقن ومبعض وَلَا مكَاتب بقنه وَلَو كَانَ ذَا رحم محرم. وَإِن انْتقض عهد ذمِّي بقتل مُسلم حر أَو عبد وَقتل لنقض الْعَهْد فَعَلَيهِ دِيَة الْحر أَو قيمَة العَبْد. وَالشّرط الرَّابِع عدم الْولادَة بِأَن لَا يكون الْمَقْتُول ولدا للْقَاتِل وَإِن سفل وَلَا ولد بنت وَإِن سفلت فَيقْتل ولد بأب وَأم وجد وَجدّة لَا أحد الأَصْل من النّسَب بِالْوَلَدِ ولد الْبِنْت وَإِن سفل وَلَو كَانَ الْوَلَد أَو وَالِد الْبِنْت وان سفل حرا مُسلما وَالْقَاتِل كَافِرًا قِنَا. وَيُؤْخَذ حر بِالدِّيَةِ وَمَتى ورث قَاتل أَو وَلَده بعض دم الْمَقْتُول فَلَا قَود على قَاتل لِأَن الْقصاص لَا يَتَبَعَّض وَلَا يتَصَوَّر وُجُوبه للْإنْسَان [على] نَفسه وَلَا لوَلَده عَلَيْهِ كَمَا لَو قتل زَوجته فَورثَهَا وَلَدهَا مِنْهُ سقط الْقصاص أَو قتل أخاها فورثته ثمَّ مَاتَت فَورثَهَا الْقَاتِل أَو وَلَده فَكَذَلِك أَو قتلت أَو أَخا زَوجهَا فورثه زَوجهَا ثمَّ مَاتَ زَوجهَا فورثته هِيَ أَو وَلَدهَا فَلَا قصاص.

وَمن قتل شخصا لَا يعرف بِإِسْلَام وَلَا حريَّة أَو قتل ملفوفا وَادّعى كفره أَو رقّه أَو مَوته وَأنكر وليه أَو قتل شخصا فِي دَاره أَي الْقَاتِل وَادّعى أَنه دخل لقَتله أَو أَخذ مَاله فَقتله دفعا عَن نَفسه وَأنكر وليه، أَو تجارح اثْنَان وَادّعى كل الدّفع عَن نَفسه فالقود إِن وَجب شَرطه، أَو الدِّيَة وَيصدق مُنكر بِيَمِينِهِ، وَمَتى صدق الْوَلِيّ فَلَا قَود وَلَا دِيَة، وَيشْتَرط لاستيفائه أَي الْقصاص [ثَلَاثَة] شُرُوط: أَحدهَا تَكْلِيف مُسْتَحقّ لَهُ لِأَن غير الْمُكَلف لَيْسَ أَهلا للاستيفاء وَلَا تدخله النِّيَابَة وَلَا يملك استيفاءه لصغير أَو مَجْنُون أَب كوصي وحاكم، فَإِن احتاجا للنَّفَقَة فلولي مَجْنُون لَا صَغِير الْعَفو إِلَى الدِّيَة. وَالثَّانِي اتِّفَاقهم أَي الْمُسْتَحقّين للْقصَاص عَلَيْهِ أَي على الِاسْتِيفَاء فَلَيْسَ لبَعْضهِم اسْتِيفَاء بِدُونِ إِذن البَاقِينَ، لِأَنَّهُ يكون مُسْتَوْفيا لحق غَيره بِلَا إِذْنه وَلَا ولَايَة لَهُ عَلَيْهِ أشبه الدّين. [و] الثَّالِث أَن يُؤمن فِي اسْتِيفَائه أَي الْقصاص تعديه الِاسْتِيفَاء [إِلَى غير جَان] لقَوْله تَعَالَى (فَلَا يسرف فِي الْقَتْل) فَلَو لزم الْقود حَامِلا أَو حَائِلا فَحملت لم تقتل حَتَّى تضع حملهَا وتسقيه اللبأ، ثمَّ إِن وجد من يرضعه أقيد مِنْهَا، وَإِلَّا فحتى تفطمه لحولين، وَكَذَا حد برجم. وتقاد فِي الطّرف وتحد بجلد بِمُجَرَّد وضع. وَمَتى ادَّعَت الْحمل وَأمكن قبل وحبست لقود وَلَو مَعَ غيبَة ولي مقتول حَتَّى يتَبَيَّن أمرهَا فِي الْحمل وَعَدَمه.

[وَيحبس] جَان [لقدوم] وَارِث [غَائِب] ول [بُلُوغ] وَارِث صَغِير ول إفاقة وَارِث مَجْنُون لأَنهم شُرَكَاء فِي الْقصاص وَلِأَنَّهُ أحد بدلى النَّفس فَلَا ينْفَرد [بِهِ بَعضهم كَمَا لَا ينْفَرد] بِالدِّيَةِ لَو وَجَبت. وَيسْتَحق كل وَارِث من الْقود بِقدر إِرْثه من المَال وَمن لَا وَارِث لَهُ فالإمام وليه لَهُ أَن يقْتَصّ أَو يعْفُو إِلَى المَال. وَيجب اسْتِيفَاؤهُ أَي الْقصاص بحضره سُلْطَان أَو نَائِبه لافتقاره إِلَى اجْتِهَاد، وَيحرم الحيف فِيهِ، فَلَو خَالف وَفعل أَي اقْتصّ بِغَيْر حُضُوره وَقع الْموقع وَله تعزيره لافتئاته عَلَيْهِ، وَيجب اسْتِيفَاؤهُ بِآلَة مَاضِيَة وعَلى الإِمَام تفقدها فَإِن كَانَت كالة أَو مَسْمُومَة مَنعه من الِاسْتِيفَاء بهَا فَإِن عجل وَاسْتوْفى بهَا عزّر، وَينظر الإِمَام أَو نَائِبه فِي الْوَلِيّ فَإِن كَانَ يقدر على الِاسْتِيفَاء وَيحسن مكنه مِنْهُ، وَيُخَير ولي بَين أَن يُبَاشر وَلَو فِي طرف وَبَين أَن يُوكل، وَإِن لم يحسن الِاسْتِيفَاء أمره السُّلْطَان أَو نَائِبه أَن يُوكل. وَيجب اسْتِيفَاء فِي النَّفس بِضَرْب الْعُنُق أَي عتق الْجَانِي بِسيف لحَدِيث (إِذا قتلم فَأحْسنُوا القتلة) وَلِحَدِيث (قَود إِلَّا بِالسَّيْفِ) وَلِأَن الْقَصْد إِتْلَاف جملَته وَقد أمكن بِضَرْب عُنُقه لَا يجوز تعذيبه بِإِتْلَاف أَطْرَافه كقتله بِآلَة كالة. وَيحرم بِغَيْر سيف سَوَاء كَانَ قتل بِهِ أَو بِمحرم لعَينه كسحر وتجريع

خمر ولواط أَو بِحجر أَو تغريق أَو تحريق أَو هدم أَو حبس أَو خنق أَو غَيره، وَمن قطع طرف شخص ثمَّ قَتله قبل برئه دخل قَود طرفه فِي قَود نَفسه وَكفى قَتله، وَمن فعل بِهِ ولي الْجِنَايَة كَفِعْلِهِ فقد أَسَاءَ وَلم يضمنهُ، وَلَا يجوز قطع طرف بِغَيْر سكين.

فصل

3 - (فصل) فِي الْعَفو عَن الْقصاص. وَهُوَ المحو والتجاوز، وَأَجْمعُوا على جَوَازه وَيجب ب قتل عمد عدوان الْقود أَو الدِّيَة، فَيُخَير ولي الْجِنَايَة بَينهمَا و [الْعَفو مجَّانا أفضل] لقَوْله تَعَالَى 19 ((وَأَن تعفوا أقرب للتقوى)) . وَلِحَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا (مَا عَفا رجل عَن مظْلمَة إِلَّا زَاده الله تَعَالَى عزا) رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ. وَيصِح عَفوه بِلَفْظ صَدَقَة. وكل مَا أدّى مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ إِسْقَاط ثمَّ لَا تَعْزِير على جَان، فَإِن اخْتَار الْوَلِيّ الْقود فَلهُ أَخذ الدِّيَة وَالصُّلْح على أَكثر مِنْهَا، وَمَتى اخْتَار الدِّيَة ابْتِدَاء تعيّنت فَلَو قَتله قتل بِهِ [أَو عَفا] عَن الْقود عفوا مُطلقًا بِأَن قَالَ: عَفَوْت عَن الْقود وَلم يقل على مَال أَو بِلَا مَال تعيّنت الدِّيَة أَو هلك جَان تعيّنت الدِّيَة فِي مَاله لتعذر اسْتِيفَاء الْقود. وَمن قطع طرفا عمدا كإصبع فعفى عَنهُ ثمَّ سرت الْجِنَايَة

إِلَى عُضْو آخر كَبَقِيَّة الْيَد أَو إِلَى النَّفس وَالْعَفو على مَال أَو غَيره كخمر وَنَحْوه فَلَا قصاص وَله تَمام دِيَة مَا سرت إِلَيْهِ من يَد أَو نفس وَلَو مَعَ موت جَان فيغلي أرش مَا عفى عَنهُ من دِيَة مَا سرت إِلَيْهِ وَيجب الْبَاقِي لِأَنَّهُ حق الْمَجْنِي عَلَيْهِ فِيمَا سرت إِلَيْهِ الْجِنَايَة لَا فِيمَا عفى عَنهُ، وَمن وكل غَيره فِي اسْتِيفَاء قَود ثمَّ عَفا مُوكل عَن قَود وكل فِيهِ وَالْحَال أَنه لم يعلم وَكيل بعفوه حَتَّى اقْتصّ فَلَا شَيْء عَلَيْهِمَا أَي لَا على الْوَكِيل وَلَا على الْمُوكل لِأَنَّهُ محسن بِالْعَفو، وَلَا تَفْرِيط من الْوَكِيل لعدم تمكن استدراكه، أشبه مَا لَو عَفا بعد مَا رَمَاه، فَإِن علم الْوَكِيل فَعَلَيهِ الْقصاص وَإِن وَجب لقن قَود أَو وَجب لَهُ تَعْزِير قذف فَطَلَبه أَي طلب مَا وَجب لَهُ من قَود أَو تَعْزِير قذف لَهُ [وإسقاطه] أَي إِسْقَاط مَا وَجب لَهُ عَن ذَلِك لَهُ أَي للقن لاختصاصه بِهِ وَإِن مَاتَ الْقِنّ قبل اسْتِيفَاء ذَلِك ف طلبه وإسقاطه لسَيِّده لِأَنَّهُ أَحَق بِهِ مِمَّن لَيْسَ فِيهِ ملك والقود فِيمَا دون النَّفس كالقود فِيهَا أَي النَّفس، أَي من أَخذ بِغَيْرِهِ فِي النَّفس أَخذ فِيمَا دونهَا وَمن لَا فَلَا، كالأبوين مَعَ ولدهما، وَالْحر مَعَ العَبْد، وَالْمُسلم مَعَ الْكَافِر. [وَهُوَ] الْقود فِيمَا دون النَّفس نَوْعَانِ: أَحدهمَا فِي الطّرف فَيُؤْخَذ كل من عين وأنف وَأذن وَسن وَنَحْوهَا كجفن وشقة وَيَد وَرجل وَنَحْو ذَلِك بِمثلِهِ أَي الْعُضْو الْمُتْلف فتؤخذ الْعين بِالْعينِ وَالْأنف بالأنف وَالْأُذن بالأذن وَالسّن بِالسِّنِّ والجفن بالجفن والشقة الْعليا

بالعليا والسفلى بالسفلى وَالْيَد بِالْيَدِ وَالرجل بِالرجلِ والإصبع بالإصبع وَالذكر بِالذكر والخصية والألية والشفر وَنَحْوه كل وَاحِد بِمثلِهِ لقَوْله تَعَالَى 19 ((وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ)) الْآيَة. وَيشْتَرط للْقصَاص فِي الطّرف ثَلَاثَة شُرُوط الأول مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله بِشَرْط مماثلة فِي الِاسْم كَالْيَدِ بِالْيَدِ، وَفِي الْموضع كاليمين بِالْيَمِينِ، فَلَا تُؤْخَذ يَد بِرَجُل وَلَا يَمِين بيسار وَعَكسه. وَالثَّانِي مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وبشرط أَمن من حيف أَي يُمكن الِاسْتِيفَاء بِلَا حيف، بِأَن يكون الْقطع من مفصل بِفَتْح أَوله وَكسر ثالثه أَو يَنْتَهِي إِلَى حد كمارن أنف وَهُوَ مَا لَان فَلَا قصاص فِي جَائِفَة وَكسر عظم غير سنّ وَنَحْوه كضرس، وَلَا إِن قطع قَصَبَة الْأنف أَو بعض ساعد أَو سَاق أَو ورك، وَأما الْأَمْن من الحيف فَشرط لجَوَاز الِاسْتِيفَاء لوُجُوب الْقصاص حَيْثُ وجدت شُرُوطه، وَهُوَ العداون على مكافئه عمدا مَعَ الْمُسَاوَاة فِي الِاسْم وَالصِّحَّة والكمال لَكِن الِاسْتِيفَاء غير مُمكن لخوف الْعدوان. وَفَائِدَة ذَلِك أَنا إِذْ قُلْنَا: إِنَّه شَرط للْوُجُوب تعيّنت الدِّيَة إِذا لم يُوجد الشَّرْط، وَإِن قُلْنَا إِنَّه شَرط للاستيفاء دون الْوُجُوب، فَإِن قُلْنَا الْوَاجِب الْقصاص عينا لم يجب بذلك شَيْء إِلَّا أَن الْمَجْنِي عَلَيْهِ إِذا عَفا يكون قد عَفا حَتَّى يحصل لَهُ ثَوَابه، وَإِن قُلْنَا مُوجب الْعمد أحد شَيْئَيْنِ انْتقل الْوُجُوب إِلَى الدِّيَة قَالَه فِي الْمُنْتَهى وَشَرحه. وَالثَّالِث: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وبشرط اسْتِوَاء الطَّرفَيْنِ فِي

صِحَة وَكَمَال فَلَا تُؤْخَذ يَد أَو رجل كَامِلَة الْأَصَابِع والأظفار بناقصتها رضى أَو لَا، وَلَا عين صَحِيحَة بقائمة، وَلَا لِسَان نَاطِق بأخرس، وَلَا عُضْو صَحِيح بأشل وَلَا ذكر فَحل بِذكر خصي أَو عنين وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا اسْتِوَاء فِيهِ. وَمن أذهب بعض لِسَان أَو مارن أَو شفة أَو حَشَفَة أَو أذن أَو سنّ أَو قيد مِنْهُ مَعَ أَمن قلع لسن بِقدر الَّذِي أذهبه جَان بِنِسْبَة الْأَجْزَاء كثلث وَربع وَخمْس، وَلَا قَود وَلَا دِيَة لما رجى عوده فِي مُدَّة تَقُولهَا أهل الْخِبْرَة من عين كسن وضرس وَنَحْوهمَا، أَو مَنْفَعَة كعدو وَنَحْوه فَلَو مَاتَ فِي تِلْكَ الْمدَّة تعيّنت دِيَة الذَّاهِب. النَّوْع الثَّانِي من نَوْعي الْقود فِيمَا دون النَّفس فِي الجروح وَيجوز الْقصاص فِيهَا بِشَرْط انتهائها أَي الجروح إِلَى عظم كموضحة فِي رَأس وَوجه وجرح عضد وساعد وَنَحْوهمَا كفخذ وسَاق وَقدم وَنَحْوه، ولمجروح جرحا أعظم من مُوضحَة كهاشمة ومنقلة أَن يقْتَصّ مُوضحَة وَيَأْخُذ مَا بَين دِيَتهَا ودية الشَّجَّة، فَيَأْخُذ فِي هاشمة خمْسا من الْإِبِل وَفِي منقلة عشرا وتضمن سرَايَة جِنَايَة بقود أَو دِيَة فِي نفس ودونها وَلَو اندمل الْجرْح واقتص من جَان ثمَّ انْتقصَ فسرى، لحُصُول التّلف بِفعل الْجَانِي أشبه مَا لَو بَاشرهُ، فَلَو قطع إصبعا فتآكلت أُخْرَى أَو الْيَد وَسَقَطت فالقود، وَفِيمَا يشل الْأَرْش، وَلَا تضمن سرَايَة [قَود] لقَوْل 16 (عمر وَعلي) : من مَاتَ عَن أحد أَو قصاص لَا دِيَة لَهُ، الْحق قَتله، رَوَاهُ سعيد بِمَعْنَاهُ، فَلَو قطع طرفا قودا

فسرى إِلَى النَّفس فَلَا شَيْء على قَاطع، لَكِن لَو قطعه قهرا مَعَ حر أَو برد أَو بِآلَة كالة أَو مَسْمُومَة وَنَحْوه لزمَه بَقِيَّة الدِّيَة. وَلَا يقْتَصّ مجني عَلَيْهِ أَي يحرم عَلَيْهِ ذَلِك عَن جِنَايَة طرف وَلَا جِنَايَة [جرح] قبل الْبُرْء لحَدِيث جَابر أَن رجلا جرح رجلا وَأَرَادَ أَن يستقيد فَنهى النَّبِي أَن يستقاد من الْجَارِح حَتَّى يبرأ الْمَجْرُوح. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَلَا يطْلب لَهما أَي جِنَايَة الطّرف وَالْجرْح دِيَة قبل الْبُرْء لاحْتِمَال السَّرَايَة، فَإِن اقْتصّ مَجْرُوح قبل برْء فسراية الْجَانِي والمجني عَلَيْهِ بعد الاقتصاص هدر.

فصل

3 - (فصل) . الدِّيات جمع دِيَة مُخَفّفَة وَهِي مصدر وديت الْقَتِيل إِذا أدّيت دِيَته، كالعدة من الْوَعْد والزنة من الْوَزْن، وَشرعا المَال الْمُؤَدِّي إِلَى مجني عَلَيْهِ أَو وليه بِسَبَب جِنَايَة، فَمن أتلف إنْسَانا أَو جُزْءا مِنْهُ مُسلما أَو ذِمِّيا أَو معاهدا بِمُبَاشَرَة أَو سَبَب كَشَهَادَة وَنَحْوهَا فَالدِّيَة. ودية الْعمد على الْجَانِي لِأَن الْعَاقِلَة لَا تحْتَمل الْعمد. وَغَيرهَا أَي غير دِيَة الْعمد وَهُوَ الْخَطَأ وَشبه الْعمد على عَاقِلَته أَي الْجَانِي، فَمن ألْقى على آدَمِيّ أَفْعَى أَي حَيَّة خبيثة قَالَه فِي الْقَامُوس أَو أَلْقَاهُ عَلَيْهَا فَقتله أَو طلبه بِسيف أَو نَحوه مُجَردا فَتلف فِي هربه وَلَو غير ضَرِير، أَو روعه بِأَن شهره فِي وَجهه، أَو دلاه من شَاهِق فَمَاتَ أَو ذهب عقله، أَو حفر بِئْرا محرما حفره كبئر فِي طَرِيق ضيق أَو وضع حجرا أَو قشر بطيخ أَو خِيَار أَو باقلاء، أَو صب مَاء بفنائه أَو فِي الطَّرِيق، أَو بَال أَو بَالَتْ دَابَّته بهَا أَي الطَّرِيق وَيَده عَلَيْهَا كراكب وسائق وقائد أَو رمى من منزله حجرا أَو غَيره أَو حمل بِيَدِهِ رمحا جعله بَين يَدَيْهِ أَو خَلفه لَا قَائِما فِي الْهَوَاء وَهُوَ يمشي أَو وَقع على نَائِم بِفنَاء جِدَار فأتلف إنْسَانا أَو تلف بِهِ،

فَعَلَيهِ دِيَته، فَمَا مَعَ قصد فَشبه عمد وَمَا بِدُونِهِ فخطأ، وَفِي كل مِنْهُمَا الدِّيَة على الْعَاقِلَة وَالْكَفَّارَة فِي مَاله. وَمن سلم على غَيره أَو أمسك يَده فَمَاتَ أَو تلف وَاقع على نَائِم غير متعمد بنومه فَهدر، وَإِن تلف النَّائِم فَغير هدر. وَمن قيد حرا مُكَلّفا بَالغا عَاقِلا وغله فَتلف بحية أَو صَاعِقَة فَالدِّيَة لهلاكه فِي حَال تعديه، وَمُقْتَضَاهُ أَنه إِذا قَيده فَقَط أَو غله لَا ضَمَان لِأَنَّهُ يُمكنهُ الْفِرَار، أشبه مَا لَو أَلْقَاهُ فِي مَاء يُمكنهُ الْخَلَاص مِنْهُ أَو غصب حرا صَغِيرا أَو مَجْنُونا فَتلف بحية أَو صَاعِقَة وَهِي نَار تنزل من السَّمَاء فِيهَا رعد شَدِيد قَالَ الْجَوْهَرِي - فَالدِّيَة لهلاكه فِي حَال تعديه بحبسه، وَإِن لم يُقيد وَلم يغله لضَعْفه عَن الْهَرَب من الصاعقة والبطش بالحية أَو دَفعهَا عَنهُ وَلَا يضمن الْحر الْمُكَلف من قَيده وغله أَو الصَّغِير من حَبسه إِن مَاتَ بِمَرَض أَو مَاتَ فَجْأَة نصا لِأَن الْحر لَا يدْخل تَحت الْيَد، وَلَا جِنَايَة إِذا، وَأما الْقِنّ فَيضمنهُ غاصبه تلف أَو أتلف. وَإِن تجاذب حران مكلفان حبلا أَو نَحوه فَانْقَطع فسقطا فماتا فعلى عاقله كل دِيَة الآخر، سَوَاء انكبا أَو استلقيا أَو انكب أَحدهمَا واستلقى الآخر لتسبب كل فِي قتل الآخر، لَكِن نصف دِيَة الْمنْكب مُغَلّظَة وَنصف دِيَة المستلقي مُخَفّفَة قَالَه فِي الرِّعَايَة، وَإِن اصطدما وَلَو ضريرين أَو أَحدهمَا فماتا فكمتجاذبين. وَإِن اصطمدت امْرَأَتَانِ حاملان فماتا فكرجلين. فَإِن أسقطت كل مِنْهُمَا جَنِينهَا فعلى كل وَاحِدَة مِنْهُمَا نصف ضَمَان جَنِينهَا وَنصف ضَمَان جَنِين صاحبتها

لاشْتِرَاكهمَا فِي قَتله وعَلى كل مِنْهُمَا عتق ثَلَاثَة رِقَاب وَاحِدَة لقتل صاحبتها وَاثْنَتَانِ لمشاركتها فِي الجنينين. وَإِن أسقطت إِحْدَاهمَا دون الْأُخْرَى وماتتا اشتركتا فِي ضَمَانه وعَلى كل مِنْهُمَا عتق رقبتين. وَإِن اصطدما عمدا وَذَلِكَ يقتل غَالِبا فَعمد يلْزم كلا دِيَة الآخر فِي ذمَّته فيتقاصان وَلَا شَيْء على الْعَاقِلَة لِأَنَّهَا لَا تحمل الْعمد، وعَلى هَذَا إِن مَاتَ أَحدهمَا وَحده فالقصاص أَو الدِّيَة فِي مَال صَاحبه. وَإِن لم يقتل غَالِبا فَشبه عمد. وَإِن كَانَا راكبين فَمَا تلف من دابتيهما فَقيمته على الآخر. وَإِن كَانَ أَحدهمَا وَاقِفًا أَو قَاعِدا فضمان مَا لَهما أَي الْوَاقِف والقاعد على سَائِر نصا، وديتهما على عَاقِلَته لحُصُول التّلف بصدمه. وَإِن انحرف الْوَاقِف فصادفت الصدمة انحرافه فهما كالسائرين. وَإِن اصطدم قنان ماشيان فماتا فَهدر. وَإِن مَاتَ أَحدهمَا فَقيمته فِي رَقَبَة الآخر كَسَائِر جناياته. وَإِن كَانَ حرا وقنا فماتا فقيمة قن فِي تَركه الْحر وَتجب دِيَة الْحر كَامِلَة فِي تِلْكَ الْقيمَة وَمن أركب صغيرين وَلَا ولَايَة لَهُ على كل مِنْهُمَا فاصطدما فماتا فديتهما وَمَا تلف بهما من مَاله، فَإِن أركبهما ولي لمصْلحَة كتمرين على ركُوب مَا يصلح لركوبهما وَكَانَا يثبتان بأنفسهما أَو ركبا من عِنْد أَنفسهمَا فهما كبالغين مخطئين.

وَإِن اصطدم كَبِير وصغير فَمَاتَ الصَّغِير فَقَط ضمنه الْكَبِير، وَإِن مَاتَ الْكَبِير ضمنه مركب الصَّغِير إِن تعدى بإركابه، وَإِن أركبه لمصْلحَة وَركب من عِنْد نَفسه فكبالغ مخطيء على مَا سبق. وَمن قرب صَغِيرا من هدف فأصيب ضمنه. وَمن أرْسلهُ لحَاجَة فأتلف نفسا أَو مَالا فجنايته خطأ من مرسله. وَإِن جنى عَلَيْهِ ضمنه مرسله، قَالَ ابْن حمدَان: إِن تعذر تضمين الْجَانِي، فَإِن لم يتَعَذَّر فَالضَّمَان عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مبَاشر والمرسل متسبب. وَمن أتلف نَفسه أَو طرفا خطأ فَهدر كعمد. وَمن حفر بِئْرا قَصِيرَة فعمقها آخر فضمان مَا تلف بَينهمَا، وَإِن وضع ثَالِث سكينا فأثلاثا. وَمن اضْطر إِلَى طَعَام غير مُضْطَر أَو شرابه فَطَلَبه حَتَّى مَاتَ، أَو أَخذ طَعَام غَيره أَو شرابه وَهُوَ عَاجز عَن دَفعه فَتلف أَو تلفت دَابَّته أَو أَخذ مِنْهُ مَا يدْفع بِهِ صائلا عَلَيْهِ من سبع أَو حَيَّة أَو نمر وَنَحْوهَا فَأَهْلَكَهُ ضمنه، لَا من أمكنه إنجاء نفس من هلكه فَلم يفعل. وَمن أفزع إنْسَانا أَو ضربه وَلَو صَغِيرا فأحدث بغائط أَو بَوْل أَو ريح وَلم يدم فَعَلَيهِ ثلث الدِّيَة وَإِن دَامَ فَالدِّيَة كَامِلَة. وَإِن أدب إنْسَانا امْرَأَته بنشوز بِلَا إِسْرَاف فَلَا ضَمَان أَو أدب ولدا معلم صَبِيه أَو أدب سُلْطَان رَعيته بِلَا إِسْرَاف أَي لم يزدْ على الضَّرْب الْمُعْتَاد فِيهِ لَا فِي عدد وَلَا شدَّة فَتلف فَلَا ضَمَان بِتَلف شَيْء من ذَلِك كُله على الْمُؤَدب نصا،

وَمن أَمر من مُكَلّف وَغَيره مُكَلّفا أَن ينزل بِئْرا أَو يصعد شَجَرَة فَهَلَك بِهِ أَي بنزول الْبِئْر أَو بصعود الشَّجَرَة لم يضمن وَإِن لم يكن الْمَأْمُور مُكَلّفا ضمنه الْآمِر. أَو سلم مُكَلّف نَفسه أَو وَلَده إِلَى سابح حاذق ليعلمه السباحة فغرق، أَو وضع نَحْو جرة أَو حجر على سطحه أَو حَائِطه وَلَو متطرفا فرمته ريح أَو طَائِر على آدَمِيّ فَتلف لم يضمن مَا تلف بذلك لسقوطه بِغَيْر فعله وزمن وَضعه كَانَ فِي ملكه. وَمن دَفعهَا حَال سُقُوطهَا عَن نَفسه أَو تدحرجت فَدَفعهَا لم يضمن مَا تلف بِدَفْعِهِ. وَلَو مَاتَت حَامِل أَو مَاتَ حملهَا من ريح طَعَام وَنَحْوه كرائحة الكبريت ضمن ربه إِن علم ذَلِك أَي إِن علم أَن الْحَامِل تَمُوت أَو يَمُوت حملهَا من ريح ذَلِك عَادَة أَي بِحَسب الْمُعْتَاد وَأَن الْحَامِل هُنَاكَ وَإِلَّا فَلَا إِثْم وَلَا ضَمَان.

فصل

3 - (فصل) . فِي مقادير ديات النَّفس. وَهِي جمع مِقْدَار وَهُوَ مبلغ الشَّيْء وَقدره فَقَالَ رَحمَه الله: ودية الْحر الْمُسلم مائَة بعير أَو ألف مِثْقَال ذَهَبا أَو إثنا عشر ألف دِرْهَم إسلامي فضَّة أَو مِائَتَا بقرة أَو ألفا شَاة قَالَ 16 (القَاضِي) : لَا يخْتَلف الْمَذْهَب أَن أصُول الدِّيَة الْإِبِل وَالذَّهَب وَالْوَرق وَالْبَقر وَالْغنم. وَهَذِه الْخَمْسَة فَقَط أُصُولهَا فَيُخَير من عَلَيْهِ دِيَة بَينهَا أَي بَين هَذِه الْخَمْسَة فَإِذا أحضر أَحدهَا لزم ولي الْجِنَايَة قبُوله. [وَيجب فِي] قتل عمد وَفِي شبهه أَي الْعمد من إبل ربع الْمِائَة خمس وَعِشْرُونَ بنت مَخَاض وَربع بنت لبون وَربع حقة وَربع جَذَعَة. وتغلظ فِي طرف كَمَا تغلظ فِي نفس لَا فِي غير إبل لعدم وُرُوده. وَتجب الدِّيَة فِي قتل خطأ أَخْمَاسًا ثَمَانُون من الْأَنْوَاع الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة أَي عشرُون بنت مَخَاض وَعِشْرُونَ بنت لبون وَعِشْرُونَ حقة وَعِشْرُونَ جَذَعَة وَعِشْرُونَ ابْن مَخَاض وَهِي تَمام الْمِائَة قَالَ فِي الشَّرْح: لَا يخْتَلف فِيهِ الْمَذْهَب وَهُوَ قَول ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ. وَتُؤْخَذ دِيَة من بقر نصف مسنات وَنصف أتبعه. وَتُؤْخَذ دِيَة من غنم نصف ثنايا وَنصف أجذعة. وَتعْتَبر السَّلامَة من كل عيب فِي كل

الْأَنْوَاع، لِأَن الطَّلَاق يَقْتَضِي السَّلامَة وَلَا تعْتَبر [الْقيمَة] أَي لَا يعْتَبر فِي قيمتهَا أَن تبلغ دِيَة نقد لعُمُوم حَدِيث (فِي النَّفس المؤمنة مائَة من الْإِبِل) وَهِي مُطلق فَلَا يجوز تَقْيِيده إِلَّا بِدَلِيل وَلِأَنَّهَا كَانَت تُؤْخَذ على عَهده وَقيمتهَا ثَمَانِيَة آلَاف وَقَول عمر إِن الْإِبِل قد غلت فقومها على أهل الْوَرق بإثني عشر ألفا دَلِيل على أَنَّهَا فِي حَال رخصها أقل قيمَة من ذَلِك. ودية أُنْثَى نصف دِيَة رجل من أهل دِيَتهَا بمثناة تَحت فمثناة فَوق. أَي خَمْسُونَ من الْإِبِل أَو خَمْسمِائَة ذَهَبا أَو سِتَّة آلَاف دِرْهَم فضَّة أَو مائَة بقرة أَو ألف شَاة. [وجراحها] أَي الْمَرْأَة فِي قطع أَو جرح تَسَاوِي جراحه أَي الرجل من أهل دِيَتهَا فِيمَا يُوجب دون ثلث دِيَته فَإِذا بلغت أَو زَادَت عَلَيْهِ صَارَت على النّصْف مِنْهُ. قَالَ ربيعَة قلت لسَعِيد بن الْمسيب: كم فِي إِصْبَع الْمَرْأَة قَالَ: عشر. قلت: فَفِي إِصْبَعَيْنِ قَالَ: عشرُون. قلت: فَفِي ثَلَاث أَصَابِع؟ قَالَ: ثَلَاثُونَ. قلت: فَفِي أَربع قَالَ: عشرُون. قلت لما عظمت مصيبتها قل عقلهَا قَالَ: هَكَذَا السّنة يَا ابْن أخي. انْتهى. ودية خُنْثَى مُشكل حر مُسلم نصف دِيَة كل مِنْهُمَا أَي ثَلَاثَة أَربَاع دِيَة الذّكر لاحْتِمَال الذُّكُورَة وَالْأُنُوثَة احْتِمَال وَاحِد وَقد أيس من انكشاف

حَاله فَوَجَبَ التَّوَسُّط بَينهمَا وَالْعَمَل بِكُل وَاحِد من الِاحْتِمَالَيْنِ. وَكَذَا جِرَاحَة. ودية كتابي أَي يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ أَو متدين بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيل حر ذمِّي أَو معاهد أَو مستأمن نصف دِيَة حر مُسلم وَكَذَا جِرَاحَة ودية مَجُوسِيّ حر ذمِّي أَو معاهد أَو مستأمن ثَمَانمِائَة دِرْهَم، ودية وَثني أَي عَابِد وثن وَغَيره من الْمُشْركين مستأمن أَو معاهد بِدَارِنَا أَو غَيرهَا ثَمَانمِائَة دِرْهَم إسلامي، وجراحاتهم من دياتهم كجراحات الْمُسلمين من دياتهم نصا، وَمن لم تبلغه الدعْوَة إِن كَانَ لَهُ أَمَان فديته دِيَة أهل دينه فَإِن لم يعرف دينه فكمجوسي لِأَنَّهُ الْيَقِين، وَإِن لم يكن لَهُ أَمَان فَلَا شَيْء فِيهِ، ودية أنثاهم على النّصْف من ذكرهم، قَالَ فِي الشَّرْح: لَا نعلم فِيهِ خلافًا [ودية رَقِيق] ذكرا أَو أُنْثَى صَغِيرا أَو كَبِيرا وَلَو مُدبرا أَو أم ولد أَو مكَاتبا قِيمَته عمدا كَانَ الْقَتْل أَو خطأ من حر أَو غَيره وَسَوَاء ضمن بِالْيَدِ أَو الْجِنَايَة، وَلَو كَانَت قِيمَته فَوق دِيَة الْحر لِأَنَّهُ مَال فضمن بِكَمَال قِيمَته كالفرس، وَضَمان الْحر لَيْسَ بِضَمَان مَال وَلذَلِك لم يخْتَلف باخْتلَاف صِفَاته الَّتِي تزيد بهَا قِيمَته لَو كَانَ قِنَا وَإِنَّمَا يضمن بِمَا قدره الشَّارِع، وَضَمان الْقِنّ ضَمَان مَال يزِيد بِزِيَادَة الْمَالِيَّة وَينْقص بنقصها هُنَا، وجرحه أَي الْقِنّ إِن كَانَ مِقْدَار من الْحر فَهُوَ مُقَدّر مِنْهُ أَي الْقِنّ مَنْسُوبا إِلَى قِيمَته فَفِي لِسَانه قيمَة كَامِلَة وَفِي يَده نصفهَا وَفِي مُوضحَة عشر قيمَة سَوَاء نقص بجنابة أقل من ذَلِك أَو أَكثر مِنْهُ

وَإِلَّا يكن فِيهِ مُقَدّر من الْحر كالعصعص وخرزة الصلب ف على جَان مَا نَقصه بِجِنَايَة بعد برْء لِأَن الْأَرْش جبر لما فَاتَ بِالْجِنَايَةِ وَقد انجبر بذلك فَلَا يُزَاد عَلَيْهِ كَغَيْرِهِ من الْحَيَوَانَات، فَلَو جنى على رَأسه أَو وَجهه دون مُوضحَة ضمن مَا نقص وَلَو أَكثر من أرش مُوضحَة وَفِي نصفه حر نصف دِيَة حر وَنصف قِيمَته، وَكَذَا جراحه، وَلَيْسَت أمة كحرة فِي رد أرش جراح بلغت ثلث قيمتهَا أَو أَكثر إِلَى نصفه، وَمن قطع خصيتي عبد وَذكره، أَو أَنفه وَأُذُنَيْهِ لزمَه قِيمَته كَامِلَة لسَيِّده، وَإِن قطع ذكره ثمَّ خصاه فَعَلَيهِ قِيمَته لقطع ذكره وَعَلِيهِ قِيمَته مَقْطُوعًا ذكره لقطع خصيتيه وَملك سَيّده بَاقٍ عَلَيْهِ ودية جَنِين مُبْتَدأ وَلَو أُنْثَى حر مُسلم وَهُوَ الْوَلَد الَّذِي فِي بطن أمه من الأجنان وَهُوَ السّتْر لِأَنَّهُ أجنه بطن أمه أَي ستره قَالَ الله تَعَالَى 19 ((وَإِذ أَنْتُم أجنة فِي بطُون أُمَّهَاتكُم)) إِذا سقط بِجِنَايَة عمدا أَو خطأ أَو فَزعًا من طلب سُلْطَان أَو من ريح طَعَام مَعَ علم ربه كَمَا تقدم، أَو ظهر بعض يَده وَرجله وَرَأسه، أَو ألقته حَيا لدوّنَ سِتَّة أشهر أَو أَلْقَت جزءأ من أَجزَاء الْآدَمِيّ، فِي حَيَاتهَا أَو بعد مَوتهَا، أَو أَلْقَت مَا تصير بِهِ الْأمة أم ولد وَهُوَ مَا تبين فِيهِ خلق أنسان وَلَو خفِيا لَا مُضْغَة أَو علقَة غرَّة خبر وَالْأَصْل فِي الْغرَّة الْخِيَار سمى بهَا العَبْد وَالْأمة لِأَنَّهُمَا من أنفس الْأَمْوَال، وَلَيْسَ الْبيَاض فِيهَا شرطا عِنْد الْفُقَهَاء وتتعدد الْغرَّة بتعدده، بِخِلَاف مَا إِذا أَلْقَت رَأْسَيْنِ أَو أَربع أيد فَلَا تجب إِلَّا غرَّة وَاحِدَة عبدا أَو أمة

موروثة عَنهُ أَي الْجَنِين كَأَنَّهُ سقط حَيا ثمَّ مَاتَ وَلَا حق فِيهَا لقَاتل وَلَا لكامل الرّقّ قيمتهَا أَي الْغرَّة عشر دِيَة أمه أَي الْجَنِين الْحر خمس من الْإِبِل ودية جَنِين قن عشر قيمتهَا أَي قيمتهَا أَي قيمَة أمة يَوْم الْجِنَايَة تقدر أَو الْجَنِين أمة، وَقِيمَة الْأمة بِمَنْزِلَة دِيَة الْحرَّة، وَلِأَنَّهُ جُزْء مِنْهَا فَقدر بدل من قيمتهَا كَسَائِر أعضائها، ودية الْجَنِين الْمَحْكُوم بِكُفْرِهِ كجنين ذِمِّيَّة من ذمِّي لَا حق بِهِ غرَّة قيمتهَا عشر دِيَة أمة وَإِن أَلْقَت الجينين حَيا لوقت يعِيش لمثله وَهُوَ نصف سنة فَأكْثر وَلَو لم يستهل ثمَّ مَاتَ فَفِيهِ مَا فِي الْحَيّ فَإِن كَانَ حرا فَفِيهِ دِيَة كَامِلَة وَإِن كَانَ رَقِيقا فَقيمته إِن اخْتلفَا فِي خُرُوجه حَيا أَو مَيتا فَقَوْل الْجَانِي مَعَ يَمِينه، وَفِي جَنِين الدَّابَّة مَا نقص من قيمَة أمه، وتقدر حرَّة حَامِل برقيق بِأَن أعْتقهَا سَيِّدهَا واستثناه أمة وَيُؤْخَذ عشر قيمتهَا يَوْم جِنَايَة تقدر كَسَائِر أروش الْأَمْوَال، وتقدر أمة حَامِل بَحر حرَّة لتَكون بِصفة الْجَنِين فَفِي جَنِينهَا غرَّة قيمتهَا خمس من الْإِبِل وَإِن جنى رَقِيق عبد أَو أمة وَلَو مُدبرا أَو أم ولد أَو مُعَلّقا عتقه بِصفة [خطأ أَو عمدا] لَا قَود فِيهِ أَو عمدا فِيهِ قَود واختير المَال أَو أتلف مَالا بِغَيْر إِذن سَيّده تعلق بِرَقَبَتِهِ وَخير سَيّده بَين فدائه بِأَرْش الْجِنَايَة أَو تَسْلِيمه أَي الرَّقِيق لوَلِيّهَا أَي الْجِنَايَة فَيملكهُ أَو يَبِيعهُ وَيدْفَع ثمنه لوَلِيّهَا فَإِن كَانَت الْجِنَايَة أَكثر من قِيمَته لم يكن على السَّيِّد أَكثر من قِيمَته إِلَّا أَن يكون أمره بِالْجِنَايَةِ أَو أذن لَهُ فِيهَا فَيلْزمهُ الْأَرْش كُله، وَإِن لم تكن بأَمْره أَو إِذْنه وَلَو أعْتقهُ وَلَو كَانَ إِعْتَاقه بعد علمه بِالْجِنَايَةِ فيفديه بِالْأَقَلِّ مِنْهُ أَو من قِيمَته.

وَإِن سلمه لوَلِيّ الْجِنَايَة فَأبى قبُوله وَقَالَ بِعْ لم يلْزمه ويبيعه حَاكم ولسيده التَّصَرُّف فِيهِ بِبيع أَو هبة أَو غَيرهَا كوارث فِي تَركه موروثه الْمَدِين، ثمَّ إِن وفى الْحق نفذ تصرفه وَإِلَّا رد التَّصَرُّف وَنفذ عتقه، وَإِن مَاتَ الْجَانِي أَو هرب قبل مُطَالبَة سَيّده أَو بعده وَلم يمْنَع مِنْهُ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ. وَإِن جنى عمدا فَعَفَا ولى قَود على رقبته لم يملكهُ بِغَيْر رضَا سَيّده. وتغلظ دِيَة قتل الْخَطَأ فِي كل من حرم وإحرام وَشهر حرَام بِثلث الدِّيَة، وَهَذَا على الْأَصَح الَّذِي نَقله الْجَمَاعَة عَن الإِمَام أَحْمد وَهُوَ من مُفْرَدَات الْمَذْهَب فَمَعَ اجْتِمَاع الثَّلَاثَة يجب ديتان وَإِن قتل مُسلم كَافِرًا عمدا ضعفت دِيَته أَي صَارَت كدية الْمُسلم، وَظَاهره لَا إضعاف فِي جراحه ذكره فِي الْوَجِيز وَلم يتَعَرَّض لَهُ فِي الْإِنْصَاف.

فصل

3 - (فصل) فِي دِيَة الْأَعْضَاء ومنافعها. وَمن أتلف مَا فِي الْإِنْسَان مِنْهُ شَيْء وَاحِد كأنف ولسان وَذكر وَلَو لصغير نصا فَفِيهِ أَي الْعُضْو الْمُتْلف دِيَة نَفسه أَي نفس الْمَقْطُوع مِنْهُ ذَلِك أَو أَي وَمن أتلف مَا فِيهِ مِنْهُ اثْنَان كعينين وأذنين وشفتين ولحيين وثندوتى رجل وأنثييه وثدي أُنْثَى ويدين وَرجلَيْنِ وَنَحْو ذَلِك ففيهما الدِّيَة كَامِلَة وَفِي أَحدهمَا نصفهَا أَو أتلف مَا فِيهِ مِنْهُ ثَلَاثَة كأنف يشْتَمل على المنخرين والحاجز بَينهمَا فَفِيهِ الدِّيَة كَامِلَة وَفِي كل وَاحِد مِنْهَا ثلثهَا، أَو أتلف مَا فِيهِ مِنْهُ أَكثر من ثَلَاثَة كأجفان الْعَينَيْنِ وَالْأَرْبَعَة فَكَذَلِك أَي فَفِي إتلافها كلهَا الدِّيَة وَفِي أحد ذَلِك الْمَذْكُور نسبته مِنْهَا أَي الدِّيَة، وَفِي أَصَابِع الْيَد كلهَا الدِّيَة وَكَذَا فِي الرجلَيْن، وَفِي إِصْبَع كل مِنْهُمَا عشرهَا. وَفِي الْأُنْمُلَة وَلَو بِلَا ظفر إِن كَانَت من إِبْهَام نصف عشرهَا، وَمن غَيرهَا ثلثه وَفِي الظفر إِن لم يعد، أَو عَاد أسود خمس دِيَة إِصْبَع نصا وَهِي بعيران وَفِي السّنة خَمْسَة أَبْعِرَة، وَفِي مارن أنف وَهُوَ مالان مِنْهُ وحشفة الذّكر، وحلمة الثدي، وتسويد سنّ وظفر وأنف وَأذن، بِحَيْثُ لَا يَزُول التسويد، وشلل غير أنف وَذكر ليد وَرجل وَنَحْوهمَا أَو ذهَاب نفع عُضْو

دِيَة ذَلِك الْعُضْو كَامِلَة، وَفِي أذن أَصمّ وأنف أخشم دِيَته كَامِلَة لِأَن الصمم وَعدم الشم عيب فِي غير الْأذن وَالْأنف وجمالهما بَاقٍ. وَفِي ذكر وأنثيين قطعت مَعًا، أَو هُوَ ثمَّ هما ديتان، وَإِن قطعتا، ثمَّ قطع ففيهما الدِّيَة وَفِيه حُكُومَة، وَمن قطع أنفًا أَو أذنين فَذهب الشم أَو السّمع فَعَلَيهِ ديتان، لِأَن الشم من غير الْأنف والسمع من غير الْأُذُنَيْنِ، فَلَا تدخل دِيَة أَحدهمَا فِي الآخر. وتندرج دِيَة نفع الْأَعْضَاء فِي دِيَتهَا فتندرج دِيَة الْبَصَر فِي الْعَينَيْنِ، وَاللِّسَان فيندرج فِيهِ الْكَلَام والذوق وَكَذَا سَائِر الْأَعْضَاء، وَفِي قطع نصف ذكر بالطول نصف دِيَته أَي الذّكر لإذهابه نصفه كَسَائِر مَا فِيهِ مُقَدّر. ذكره فِي الْمُنْتَهى وَشَرحه. وَاخْتَارَ فِي الْإِقْنَاع وَغَيره دِيَته كَامِلَة، فَإِذا ذهب نِكَاحه بذلك فديَة كَامِلَة للمنفعة. وَتجب الدِّيَة كَامِلَة فِي كل حساسة أَي القوى الحاسة، يُقَال حس وأحس، أَي علم وأيقن. وبالألف أفْصح وَبهَا جَاءَ الْقُرْآن. قَالَ الْجَوْهَرِي: الْحَواس المشاعر الْخمس، السّمع وَالْبَصَر والشم والذوق واللمس. وَكَذَا كَلَام أَي إِذا جنى عَلَيْهِ فخرس فَعَلَيهِ دِيَة كَامِلَة، لِأَن كل مَا تعلق الدِّيَة بإتلافه تعلّقت بإتلافته منفعَته كَالْيَدِ وَكَذَا عقل، كَمَا إِذا جنى عَلَيْهِ فجن فَعَلَيهِ دِيَة كَامِلَة، قَالَ بَعضهم: بِالْإِجْمَاع. وَتجب كَامِلَة فِي حدب وصعر بِفَتْح الْأَوَّلين المهملين من كل مِنْهُمَا بِأَن يضْربهُ فَيصير وَجهه فِي جَانب، وَكَذَا تسويده وَلم يزل، وَكَذَا مَنْفَعَة أكل، لِأَنَّهُ نفع مَقْصُود أشبه الشم، وَكَذَا مَنْفَعَة مَشى، لِأَنَّهُ مَقْصُود أشبه الْكَلَام، وَكَذَا مَنْفَعَة نِكَاح، كَأَن انْكَسَرَ صلبه

فَذهب نِكَاحه، روى عَن عَليّ، لِأَنَّهُ نفع مَقْصُود أشبه الْمَشْي، وَكَذَا صَوت وبطش. وَفِي إذهاب بعض يعلم قدره بِقَدرِهِ، كَأَن جنى عَلَيْهِ فَصَارَ يجن يَوْمًا يفِيق يَوْمًا. أَو يذهب ضوء عين أَو شم منخر أَو سمع أذن وَاحِدَة أَو أحد المذاق الْخمس وَهِي الْحَلَاوَة والمرارة والعذوبة والملوحة والحموضة، وَفِي كل وَاحِد خمس الدِّيَة [وَفِي] اثْنَيْنِ خمساها وَهَكَذَا. وَفِي إذهاب بعض الْكَلَام بِحِسَاب، وَيقسم على ثَمَانِيَة وَعشْرين حرفا جعلُوا للألف المتحركة واللينة حرفا وَاحِدًا لتقارب مخرجيهما وانقلاب إِحْدَاهمَا إِلَى الْأُخْرَى، وَلذَلِك إِذا احتاجوا إِلَى تَحْرِيك الْألف قلبوها همزَة، وَإِلَّا فَهِيَ تِسْعَة وَعِشْرُونَ حرفا كَمَا فِي حَدِيث أبي ذَر فَفِي نقص حرف مِنْهَا ربع سبع الدِّيَة وَفِي حرفين نصف سبعها وَفِي أَرْبَعَة سبعها وَهَكَذَا. وَإِن لم يعلم قدر الْبَعْض الذَّاهِب، كنقص سمع وبصر ومشي وشم وَانْحِنَاء قَلِيلا، أَو بِأَن صَار مدهوشا أَو فِي كَلَامه تمتمة، أَو لَا يلْتَفت، أَو لَا يبلع رِيقه إِلَّا بِشدَّة أَو أسود بَيَاض عَيْنَيْهِ، أَو أَحْمَر، أَو تقلصت شفته بعض التقلص، أَو تحركت سنه، أَو احْمَرَّتْ، أَو اصْفَرَّتْ، أَو اخضرت، أَو كلت أَي ذهبت حدتها بِحَيْثُ لَا يُمكنهُ عض شَيْء، فَحُكُومَة عدل فِي جَمِيع مَا تقدم. وَمن صَار ألثغ فَلهُ دِيَة الْحَرْف الذَّاهِب وَيقبل قَول مجني عَلَيْهِ فِي نقص بَصَره وسَمعه بِيَمِينِهِ، وَفِي قدر مَا أتلف كل من جانبين فَأكْثر. وَإِن اخْتلفَا فِي ذهَاب بصر أرى أهل الْخِبْرَة فَإِن لم يُوجد أهل خبْرَة أَو تعذر معرفَة ذَلِك امتحن بِأَن يُوقف فِي عين الشَّمْس وَيقرب الشَّيْء إِلَى عينه وَقت غفلته فَإِن حركهما فَهُوَ يبصر، لِأَن طبع الْآدَمِيّ الحذر على

عَيْنَيْهِ إِن بَقِيَتَا بحالهما حكم بِيَمِينِهِ لعلمنا بِأَنَّهُ لَا يبصر وَإِن اخْتلفَا فِي ذهَاب سمع أَو شم أَو ذوق صِيحَ بِهِ وَقت غفلته وأتبع بمنتن وَأطْعم المر فَإِن فزع من الصياح أَو عبس للمنتن أَو المر سَقَطت دَعْوَاهُ وَإِلَّا صدق بِيَمِينِهِ لِأَن الظَّاهِر صِحَة دَعْوَاهُ، وَيرد الدِّيَة آخذ علم كذبه، [وَمن وطيء زوجه يُوطأ مثلهَا لمثله] أَو أَجْنَبِيَّة كَبِيرَة مطاوعة وَلَا شُبْهَة فخرق الواطيء بِوَطْئِهِ مَا بَين مخرج بَوْل ومني أَو خرق [مَا بَين السَّبِيلَيْنِ فَهدر] لِأَنَّهُ ضَرَر حصل من فعل مَأْذُون فِيهِ فَلم يضمنهُ كأرش بَكَارَتهَا وكما لَو أَذِنت فِي قطع يَدهَا فسرى إِلَى نَفسهَا وَإِلَّا يُوطأ مثلهَا بِأَن كَانَت صَغِيرَة أَو نحيفة وخرق مَا بَين مخرج بَوْل ومني أَو مَا بَين السَّبِيلَيْنِ ف هِيَ جَائِفَة فَفِيهَا ثلث الدِّيَة إِن استمسك بَوْل وَإِلَّا يسْتَمْسك ف عَلَيْهِ الدِّيَة كَامِلَة لِأَن للبول مَكَانا من الْبدن يجْتَمع فِيهِ لِلْخُرُوجِ فَعدم إِمْسَاكه إبِْطَال لنفع ذَلِك الْمحل كَمَا لَو لم يسْتَمْسك الْغَائِط، وَفِي كل وَاحِد من الشُّعُور الْأَرْبَعَة شعر رَأس وَشعر حاجبين وَشعر أهداب الْعَينَيْنِ وَشعر لحية الدِّيَة كَامِلَة يروي عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَزيد بن ثَابت: فِي الشّعْر الدِّيَة، ولأذنه أذهب الْجمال على الْكَمَال كأذنى الْأَصَم وأنف الأخشم بِخِلَاف الْيَد الشلاء فَلَيْسَ جمَالهَا كَامِلا، وَفِي حَاجِب نصفهَا أَي الدِّيَة لِأَن فِيهِ من شَيْئَيْنِ، وَفِي هدب ربعهَا أَي الدِّيَة لِأَن فِيهِ أَرْبَعَة وَفِي شَارِب حُكُومَة نصا وَمَا عَاد من شعر سقط مَا وَجب فِيهِ من دِيَة أَو بَعْضهَا أَو حُكُومَة.

وَإِن قطع جفنا بهدبه فديَة الجفن فَقَط لتبعية الشّعْر لَهُ فِي الزَّوَال كالأصابع مَعَ الْكَفّ وَإِن قطع لحيين بأسنانهما فديَة الْكل، وَإِن قطع كفا بأصابعه لم تجب غير دِيَة الْيَد، وَإِن كَانَ بِهِ بَعْضهَا دخل فِي دِيَة الْأَصَابِع مَا حاذاها وَعَلِيهِ أرش بَقِيَّة الْكَفّ، وَفِي كف بِلَا أَصَابِع وذراع بِلَا كف وعضد بِلَا ذِرَاع ثلث دِيَته. وَكَذَا تَفْصِيل رجل وَفِي عين الْأَعْوَر دِيَة كَامِلَة، لِأَنَّهُ أذهب الْبَصَر كُله فَوَجَبَ عَلَيْهِ جَمِيع دِيَته، كَمَا لَو أذهبه الْعَينَيْنِ، لِأَنَّهُ يحصل بِعَين الْأَعْوَر مَا يحصل بِعَين الصَّحِيح لرُؤْيَته الْأَشْيَاء الْبَعِيدَة وإدراكه الْأَشْيَاء اللطيفة وَعَمله عمل البصراء. وَإِن قلعهَا أَي يَمِين الْأَعْوَر صَحِيح الْعَينَيْنِ أقيد، أَي قلعت عينه بِشَرْطِهِ السَّابِق فِي اسْتِيفَاء الْقصاص وَعَلِيهِ أَي الصَّحِيح أَيْضا مَعَ الْقود نصف الدِّيَة، لِأَنَّهُ أذهب بصلا الْأَعْوَر كُله وَلَا يُمكن إذهاب بَصَره كُله لما فِيهِ من أَخذ عينين بِعَين وَاحِدَة وَقد استوفى نصف الْبَصَر تبعا لعَينه بالقود وَبَقِي النّصْف الَّذِي لَا يُمكن الْقصاص فِيهِ فَوَجَبت دِيَته وَإِن قلع الْأَعْوَر مَا يماثل صحيحته أَي عينه الصَّحِيحَة من شخص صَحِيح الْعَينَيْنِ عمدا ف على الْأَعْوَر دِيَة كَامِلَة وَلَا قَود عَلَيْهِ، وَإِن فعل ذَلِك خطأ فنصفها، وَإِن قلع الْأَعْوَر عين صَحِيح فالقود وَالدية والأقطع من يَد أَو رجل كَغَيْرِهِ يَعْنِي مَقْطُوع الْيَد أَو الرجل إِذا قطعت يَده أَو رجله الْأُخْرَى وَلَو عمدا وَمَعَ ذهَاب الأولى هدرا، لَيْسَ فِيهَا إِلَّا نصف دِيَته ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى أَو خُنْثَى مُسلما أَو كَافِرًا أَو رَقِيقا كَبَقِيَّة الْأَعْضَاء،

وَلَو قطع الأقطع يَد صَحِيح أقيد بِشَرْطِهِ السَّابِق لوُجُود الْمُوجب وَانْتِفَاء الْمَانِع والشجاج جمع شجة وأصل الشج: الْقطع، من شججت الْمَفَازَة أَي قطعتها، وَهِي اسْم لجرح الرَّأْس وَالْوَجْه خَاصَّة وَبِاعْتِبَار أسمائها المنقولة عَن الْعرف عشر دِيَة خمس مِنْهَا مقدرَة وَخمْس فِيهَا حُكُومَة، فالتي فِيهَا مِقْدَار إِحْدَاهَا: مَا أَشَارَ إِلَيْهَا بقوله [وَفِي الْمُوَضّحَة] وَهِي الَّتِي توضح فِيهَا الْعظم أَي تبرزه، وَلَو بِقدر رَأس إبرة نصف عشر الدِّيَة [خمس من الْإِبِل] وَهِي وَإِن عَمت الرَّأْس أَو لم تعمه وَنزلت إِلَى الْوَجْه موضحتان، وَإِن أوضحه ثِنْتَيْنِ بَينهمَا حاجز فَعَلَيهِ عشر أَبْعِرَة، فَإِن ذهب الحاجز بِفعل جَان أَو سرايته صَار الجرحان مُوضحَة وَاحِدَة. وَالثَّانيَِة: مَا أَشَارَ إِلَيْهَا بقوله وَفِي الهاشمة وَهِي الَّتِي توضح الْعظم وتهشمه أَي تكسره عشر من الْإِبِل. وَالثَّالِثَة: مَا أَشَارَ إِلَيْهَا بقوله والمنقلة أَي الَّتِي توضح الْعظم وتهشمه وتنقله خَمْسَة عشر بَعِيرًا فَإِن كَانَتَا منقلتين فعلى مَا سبق، وَالرَّابِعَة: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وَفِي المأمومة وَهِي الَّتِي تصل إِلَى جلدَة الدِّمَاغ وَتسَمى أم الدِّمَاغ والآمة بِالْمدِّ قَالَ ابْن عبد الْبر: أهل الْعرَاق يَقُولُونَ لَهَا الآمة وَأهل الْحجاز المأمومة [ثلث الدِّيَة ك] مَا فِي [الْجَائِفَة] وَيَأْتِي تَعْرِيفهَا فِي الشَّرْح قَرِيبا.

وَالْخَامِسَة: مَا أَشَارَ إِلَيْهَا بقوله [و] فِي [الدامغة] بالغين الْمُعْجَمَة وَهِي الَّتِي تصل إِلَى جلدَة الدِّمَاغ وتخرقها ثلث الدِّيَة أَيْضا كالمأمومة. فِي كتاب عَمْرو بن حزم مَرْفُوعا (وَفِي المأمومة ثلث الدِّيَة) وَعَن ابْن عمر مَرْفُوعا مثله، والدامغة أولى وصاحبها لَا يسلم غَالِبا. وَالْخمس الَّتِي فِيهَا حُكُومَة إِحْدَاهَا: مَا أَشَارَ إِلَيْهَا بقوله وَفِي الحارصة بِالْحَاء وَالصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ أَي الَّتِي تحرص الْجلد أَي تشقه وَلَا تدميه حُكُومَة، وَالثَّانيَِة: فِي البازلة وَهِي الدامعة بِالْعينِ الْمُهْملَة أَي الَّتِي تدميه حُكُومَة، وَالثَّالِثَة: فِي الباضعة أَي الَّتِي تبضع اللَّحْم أَي تشقه بعد الْجلد حُكُومَة، وَالرَّابِعَة: فِي المتلاحمة وَهِي الَّتِي أخذت فِي اللَّحْم حُكُومَة، وَالْخَامِسَة: فِي السمحاق وَهِي الَّتِي بَينهَا وَبَين الْعظم قشرة رقيقَة تسمى السمحاق سميت الْجراحَة الْوَاصِلَة إِلَيْهَا بهَا فَفِي هَذِه الْخمس حُكُومَة لِأَنَّهُ لَا تَوْقِيف فِيهَا من الشَّرْع وَلَا قِيَاس يَقْتَضِيهِ، وَعَن مَكْحُول قَالَ: قضى النَّبِي فِي الْمُوَضّحَة بِخمْس من الْإِبِل وَلم يقْض فِيمَا دونهَا، وَفِي الْجَائِفَة ثلث الدِّيَة وَهِي كل مَا وصل إِلَى بَاطِن الْجوف كداخل بطن وَلَو لم تخرق المعا وَظهر وَصدر وَحلق ومثانة وَبَين خصيين وَنَحْو ذَلِك، وَإِن جرح جانبا فَخرج من آخر فجائفتان نصا.

وَفِي كسر ضلع بِكَسْر الضَّاد الْمُعْجَمَة وَفتح اللَّام وتسكينها جبر مُسْتَقِيمًا وَفِي ترقوة كَذَلِك بعير، وَفِي الترقوتين بعيران، والترقوة بِفَتْح التَّاء الْعظم المستدير حول الْعُنُق من النَّحْر إِلَى الْكَتف لكل آدَمِيّ ترقوتان. وَإِن لم يجْبر الضلع والترقوة مستقيمين فَفِي كل مِنْهُمَا حُكُومَة. وَفِي كسر كل عظم من نَحْو زند بِفَتْح الزَّاي وعضد وفخذ وسَاق وذراع وَهُوَ الساعد الْجَامِع لعظمى الزند بعيران نصا، وَفِيمَا عدا ذَلِك من نَحْو جرح وَكسر عظم ككسر خرزة صلب وعصعص وَعظم عانة حُكُومَة، وَهِي أَن يقوم مجنى عَلَيْهِ كَأَنَّهُ قن لَا جِنَايَة عَلَيْهِ ثمَّ يقوم وَهِي بِهِ قد برأت فَمَا نقص من الْقيمَة بِالْجِنَايَةِ فللمجني عَلَيْهِ على جَان كنيسته من الدِّيَة، فَيجب فِيمَن قوم صَحِيحا بِعشْرين ومجنيا عَلَيْهِ بِتِسْعَة عشر نصف عشر دِيَته.

فصل

3 - (فصل) . فِي الْعَاقِلَة وَمَا تحمله وَهِي جمع عَاقل، يُقَال عقلت فلَانا إِذا أدّيت دِيَته وعقلت عَن فلَان إِذا غرمت عَنهُ دِيَة جِنَايَته، وَأَصله من عقل الْإِبِل وَهِي الحبال الَّتِي تشد بهَا أيديها إِلَى ركبتها. وَقيل من الْعقل وَهُوَ الْمَنْع لأَنهم يمْنَعُونَ عَن الْقَاتِل، وَقيل لأَنهم يتحملون الْعقل وَهِي الدِّيَة سميت بذلك لِأَنَّهَا تعقل لِسَان ولي الْمَقْتُول. فَقَالَ رَحمَه الله: [وعاقلة جَان] ذكرا أَو أُنْثَى [ذُكُور عصبته نسبا وَوَلَاء] حَتَّى عمودى نسبه وَمن بعد كَابْن ابْن عَم جَان لَكِن لَو عرف نسبه من قَبيلَة وَلم يعلم من أَي بطونها لم يعقلوا عَنهُ. وَيعْقل هرم وزمن وأعمى وغائب كضدهم إِذا كَانُوا أَغْنِيَاء لاستوائهم فِي التَّعْصِيب وكونهم من أهل الْمُوَاسَاة وَلَا عقل على فَقير أَي من لَا يملك نِصَابا عِنْد حُلُول الْحول فَاضلا عَنهُ كحج وَكَفَّارَة ظِهَار وَلَو معتملا وَلَا على غير مُكَلّف كصغير أَو مَجْنُون أَو مَجْنُون وَلَا على امْرَأَة وَلَو مُعتقة وَلَا خُنْثَى مُشكل وَلَا على قن وَلَا مُخَالف دين جَان لفَوَات النُّصْرَة وَلَا تعاقل بَين ذمِّي

وحربي، ويتعاقل أهل ذمَّة اتّحدت مللهم، فَإِن اخْتلفت فَلَا تعاقل كَمَا لَا توارث، وَلَا يعقل عَن الْمُرْتَد أحد لَا مُسلم وَلَا ذمِّي لِأَنَّهُ لَا يقر فخطؤه فِي مَاله وَخطأ إِمَام وحاكم فِي حكمهَا فِي بَيت المَال، وَفِي غير حكمهَا على عاقلتهما، وَلَا تحمل الْعَاقِلَة عمدا رَجَب بِهِ قَود أَو لَا كجائفة ومأمومة وَلَا تحمل عبدا قتل عمدا أَو خطأ وَلَا دِيَة طرفه وَلَا جِنَايَته وَلَا تحمل صلحا أَي صلح إِنْكَار وَلَا تحمل اعترافا بِأَن يقر على نَفسه بِجِنَايَة خطأ أَو شبه عمد توجب ثلث دِيَة فَأكْثر وتنكر الْعَاقِلَة، وَلَا قيمَة دَابَّة وَلَا تحمل مَا دون ثلث الدِّيَة أَي دِيَة الْحر الْمُسلم الذّكر كَامِلَة، وَلَا تحمل الْعَاقِلَة يجب مُؤَجّلا فِي ثَلَاث سِنِين فِي آخر كل سنة ثلثه إِن كَانَ دِيَة كَامِلَة كدية نفس أَو طرف كأنف، وَإِن كَانَ الثُّلُث كدية المأمومة وَجب فِي آخر السّنة الأولى، وَإِن كَانَ نصف الدِّيَة كدية الْيَد أَو الرجل أَو الْمَرْأَة أَو الْكِتَابِيّ، أَو ثلثيها كدية المنخرين وَجب الثُّلُث فِي آخر السّنة الأولى وَالثلث الثَّانِي أَو السُّدس الْبَاقِي من النّصْف فِي آخر السّنة الثَّانِيَة. وَإِن كَانَ أَكثر من دِيَة مثل إِذا أذهب سمع إِنْسَان وبصره بِجِنَايَة وَاحِدَة فَفِي سِتّ سِنِين فِي كل سنة ثلث دِيَة. وَمن قتل نفسا مُحرمَة غير عمد أَي لم يتَعَمَّد قَتلهَا بِأَن كَانَ خطأ أَو شبه عمد أَو شَارك قَاتلا فِيهِ أَي الْقَتْل وَلَو لنَفسِهِ أَو قنه أَو مستأمن أَو معاهد أَو قتل بِسَبَب فِي حَيَاته أَو بعد مَوته كحفر بِئْر وَنصب سكين وَشَهَادَة زور، وَسَوَاء كَانَ الْمَقْتُول مُسلما أَو كَافِرًا مَضْمُونا حرا أَو عبدا صَغِيرا أَو كَبِيرا ذكرا أَو أُنْثَى، وَكَانَ الْقَاتِل كَافِرًا أَو عبدا أَو صَغِيرا

أَو مَجْنُونا أَو أُنْثَى أَو لَا أَو ضرب بطن حَامِل فَأَلْقَت جَنِينا مَيتا أَو حَيا ثمَّ مَاتَ لِأَنَّهُ نفس مُحرمَة لَا فِي قتل عمد مَحْض وَقتل أَسِير يُمكنهُ أَن يَأْتِي بِهِ الإِمَام فَقتله قبله وَقتل نسَاء حَرْب وذريتهم وَقتل من لم تبلغه الدعْوَة إِن وجد فَعَلَيهِ الْكَفَّارَة فِي مَاله الْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط. وَهِي أَي الْكَفَّارَة ككفارة ظِهَار أَي عتق رَقَبَة مُؤمنَة سليمَة من الْعُيُوب الْمضرَّة بِالْعَمَلِ فَإِن لم يجد فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين إِلَّا أَنَّهَا لَا إطْعَام أَي لَا يَكْفِي إطْعَام فِيهَا أَي فِي كَفَّارَة قتل. وَيكفر عد وسفيه ومفلس بِالصَّوْمِ لِأَنَّهُ لَا مَال لَهُ بِعِتْق مِنْهُ. وَيكفر من مَال غير مُكَلّف وليه فَيعتق عَنهُ رَقَبَة لعدم إِمْكَان الصَّوْم مِنْهُمَا وَلَا تدخله النِّيَابَة. وتتعدد الْكَفَّارَة بِتَعَدُّد قتل. والقسامة بِفَتْح الْقَاف اسْم الْقسم أقيم مقَام الْمصدر من، أقسم إقساما وقسامة، فَهِيَ الْإِيمَان إِذا كثرت على وَجه الْمُبَالغَة وَهِي إِيمَان مكررة فِي دَعْوَى قتل مَعْصُوم فَلَا تكون فِي طرف وَلَا جرح، وشروط صِحَّتهَا عشرَة، أَحدهَا: اللوث وَهِي الْعَدَاوَة الظَّاهِرَة، وجد مَعهَا أثر قتل أَو لَا. وَلَو كَانَت مَعَ سيد مقتول، الثَّانِي: تَكْلِيف قَاتل لتصح الدَّعْوَى، الثَّالِث: إِمْكَان الْقَتْل مِنْهُ فَلَا تصح من نَحْو زمن، الرَّابِع: وصف الْقَتْل فِي الدَّعْوَى كَأَن يَقُول جرحه بِسيف وَنَحْوه فِي مَحل كَذَا من بدنه أَو خنقه وَنَحْوه فَلَو استحلفه حَاكم قبل تَفْصِيله لم يعْتد بِهِ.

الْخَامِس: طلب جَمِيع الْوَرَثَة، السَّادِس: اتِّفَاقهم على الدَّعْوَى فَلَا يَكْفِي عدم تَكْذِيب بَعضهم بَعْضًا إِذْ السَّاكِت لَا ينْسب إِلَيْهِ حكم، السَّابِع: اتِّفَاقهم على الْقَتْل فَإِن أنكر بَعضهم فَلَا قسَامَة، الثَّامِن: اتِّفَاقهم على عين قَاتل نصا، فَلَو قَالَ: بَعضهم قَتله زيد، وَبَعْضهمْ: عَمْرو، فَلَا قسَامَة، التَّاسِع: كَونهم بَينهم ذُكُور مكلفون، وَلَا يقْدَح غيبَة بَعضهم وَلَا عدم تَكْلِيفه وَلَا نُكُوله، فلذكر حَاضر مُكَلّف أَن يحلف لقسطه من الْأَيْمَان وَيسْتَحق نصِيبه من الدِّيَة، وَلمن قدم أَو كلف أَن يحلف بقسط نصِيبه وَيَأْخُذهُ، الْعَاشِر: كَون الدَّعْوَى على وَاحِد معِين فَلَو قَالُوا قَتله هَذَا مَعَ آخر أَو قَتله أَحدهمَا فَلَا قسَامَة. وَلَا يشْتَرط كَونهَا بقتل عمد لِأَنَّهَا حجَّة شَرْعِيَّة فَوَجَبَ أَن يثبت بهَا الْخَطَأ كالعمد. وَإِذا تمت شُرُوطهَا أَي الْقسَامَة بديء بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول بِإِيمَان ذُكُور عصبته أَي الْقَتِيل [الْوَارِثين فَيحلفُونَ خمسين يَمِينا كل وَاحِد بِقدر إِرْثه] من الْقَتِيل لِأَنَّهُ حق يثبت تبعا لميراث أشبه المَال [وَيجْبر كسر] كَابْن وَزوج فَيحلف الابْن ثَمَانِيَة وَثَلَاثِينَ، وَالزَّوْج ثَلَاثَة عشر. وَإِن كَانُوا ثَلَاثَة بَنِينَ حلف كل وَاحِد مِنْهُم سَبْعَة عشر يَمِينا، وَإِن انْفَرد وَاحِد بِالْإِرْثِ حَلفهَا، وَإِن جاوزوا خمسين حلف خَمْسُونَ كل وَاحِد يَمِينا. وَالسَّيِّد كالوارث فَإِن نكلوا أَي ذُكُور الْعصبَة من أَيْمَان الْقسَامَة أَو كَانَ الْكل نسَاء أَو خناثى حَلفهَا أَي الْخمسين يَمِينا مدعى عَلَيْهِ وبريء إِن

رَضوا بأيمانه وَمَتى نكل لَزِمته الدِّيَة. وَإِن نكلوا وَلم يرْضوا بِيَمِينِهِ فدى الإِمَام الْقَتِيل من بَيت المَال كميت فِي زحمة جُمُعَة وَطواف، فَإِن تعذر لم يجب على الْمُدعى عَلَيْهِ شَيْء. وَإِن كَانَ فِي مَحل الْقَتْل فِي الزحمة من بَينه وَبَينه عَدَاوَة أَخذ بِهِ إِذا تمت شُرُوط الْقسَامَة، نَقله مهنأ، قَالَ القَاضِي فِي قوم ازدحموا فِي مضيق وَتَفَرَّقُوا عَن قَتِيل: إِن كَانَ فِي الْقَوْم من بَينه وَبَينه عَدَاوَة وَأمكن أَن يكون هُوَ قَتله فَهُوَ لوث. انْتهى. وَإِذا حلف الْأَوْلِيَاء استحقوا الْقود إِذا كَانَت الدَّعْوَى أَنه قَتله عمدا إِلَّا أَن يمْنَع مَانع كَعَدم الْمُكَافَأَة. وَصفَة الْيَمين أَن يَقُول الْوَارِث: وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَالم خَائِنَة الْأَعْين وَمَا تخفي الصُّدُور لقد قتل فلَان ابْن فلَان الْفُلَانِيّ وَيُشِير إِلَيْهِ فلَانا ابْني أَو أخي مُنْفَردا بقتْله مَا شَاركهُ غَيره عمدا أَو شبه عمد أَو خطأ بِسيف أَو بِمَا يقتل غَالِبا وَنَحْو ذَلِك فَإِن اقْتصر على لَفظه (وَالله) كفى، وَيكون بِالْجَرِّ فَإِن قَالَ وَالله مضموما أَو مَنْصُوبًا أَجْزَأَ قَالَ 16 (القَاضِي) : تَعَمّده أَو لم يتَعَمَّد، لِأَنَّهُ لحن لَا يحِيل الْمَعْنى، وَبِأَيِّ اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى، أَو صفة من صِفَات ذَاته حلف أَجْزَأَ إِذا كَانَ إِطْلَاقه ينْصَرف إِلَى الله تَعَالَى. وَيَقُول الْمُدعى عَلَيْهِ: وَالله مَا قتلته وَلَا شاركت فِي قَتله وَلَا فعلت شَيْئا مَاتَ مِنْهُ وَلَا كَانَ سَببا فِي مَوته وَلَا معينا عَلَيْهِ.

كتاب الحدود

(كتاب الْحُدُود) . جمع حد، وَهُوَ لُغَة الْمَنْع، وَمِنْه قيل للبواب حداد. وحدود الله تَعَالَى مَحَارمه لقَوْله تَعَالَى (تِلْكَ حُدُود الله فَلَا تقربوها) هِيَ أَيْضا مَا حَده وَقدره كالمواريث وتزويج الْأَرْبَع لقَوْله تَعَالَى (تِلْكَ حُدُود الله فَلَا تعتدوها) وَمَا حَده الشَّرْع لَا يجوز فِيهِ زِيَادَة وَلَا نُقْصَان، وَشرعا عُقُوبَة مقدرَة من الشَّارِع فِي مَعْصِيّة من زنا وَقذف وَشرب وَقطع طَرِيق وسرقة لتمنع من الْوُقُوع فِي مثلهَا سمى بذلك إِمَّا من الْمَنْع لمَنعه الْوُقُوع فِي مثل تِلْكَ الْمعْصِيَة، أَو من التَّقْدِير لِأَنَّهُ مُقَدّر شرعا، أَو من معنى الْمَحَارِم لِأَنَّهُ كَفَّارَة لَهَا وزواجر عَنْهَا. والجنايات الْمُوجبَة للحد خمس: الزِّنَا وَالْقَذْف وَالسَّرِقَة وَقطع الطَّرِيق وَشرب الْخمر، وَأما الْبَغي على إِمَام الْمُسلمين وَالرِّدَّة فقد عدهما قوم فِيمَا يُوجب الْحَد لِأَنَّهُ يقْصد بقتالهم الْمَنْع من ذَلِك، وَلم يعدهما قوم مِنْهَا لِأَنَّهُ لم يقْصد فِيهَا الزّجر عَمَّا سبق والعقوبة عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُقَاتلُون للرُّجُوع عَمَّا هم عَلَيْهِ من ترك الطَّاعَة وَالْكفْر.

لَا تجب الْحُدُود إِلَّا على مُكَلّف وَهُوَ الْبَالِغ الْعَاقِل لحَدِيث (رفع الْقَلَم على ثَلَاثَة) ، وَالْحَد أولى بالسقوط من الْعِبَادَات لعدم التَّكْلِيف، لِأَنَّهُ يدْرَأ بِالشُّبْهَةِ، وَمن يخنق إِن أقرّ فِي إِقَامَته أَنه زنا فِي إِقَامَته، أَخذ بِإِقْرَارِهِ وحد، وَإِن أقرّ فِي إِقَامَته أَنه زنى وَلم يضفه إِلَى حَال أَو شهِدت بَيِّنَة أَنه زنى وَلم تضفه إِلَى حَال إِفَاقَته، فَلَا حد للاحتمال، وَكَذَا لَا حد على نَائِم ونائمة مُلْتَزم أحكامنا من مُسلم وذمى بِخِلَاف حربى ومستأمن عَالم بِالتَّحْرِيمِ لقَوْل عمر وَعُثْمَان وَعلي رَضِي الله عَنْهُم وَعَن سَائِر الصَّحَابَة وعنى بهم: لَا حد إِلَّا على من علمه، فَلَا حد على من جهل تَحْرِيم الزِّنَا، أَو عين الْمَرْأَة كَأَن زفت إِلَيْهِ غير امْرَأَته فَوَطِئَهَا ظَانّا أَنَّهَا زَوجته وَنَحْو ذَلِك أَو تدفع لَهُ جَارِيَة غَيره فيتركها مَعَ جواريه ثمَّ يَطَؤُهَا ظَانّا أَنَّهَا من جواريه اللَّاتِي يملكهن لحَدِيث (ادرؤا الْحُدُود بِالشُّبُهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُم) . وَتحرم الشَّفَاعَة فِي حد الله تَعَالَى وقبولها بعد أَن يبلغ الإِمَام، وَتجب إِقَامَة الْحَد وَلَو كَانَ مقيمه شَرِيكا فِي تِلْكَ الْمعْصِيَة قَالَه الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَغَيره لما ذكره الْعلمَاء من أَصْحَابنَا وَغَيرهم، أَن الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر لَا يسْقط بذلك بل عَلَيْهِ أَن يَأْمر وَينْهى وَلَا يجمع بَين معصيتين

وعَلى إِمَّا أَو نَائِبه إِقَامَتهَا أَي الْحُدُود، سَوَاء الْحُدُود، سَوَاء كَانَت لله كَحَد زنا أَو لآدَمِيّ كَحَد قذف، وَلِأَنَّهُ يفْتَقر إِلَى اجْتِهَاد، وَلَا يُؤمن فِيهِ الحيف فَوَجَبَ تفويضه إِلَى نَائِب الله تَعَالَى فِي خلقه. ولسيد حر مُكَلّف عَالم بِالْحَدِّ وشروطه وَلَو فَاسِقًا أَو امْرَأَة إِقَامَته بجلد وإقامته تَعْزِير على رَقِيق كُله لَا مبعض، وَلَو مكَاتبا أَو مَرْهُونا أَو مُسْتَأْجرًا وَتحرم إِقَامَته بِالْمَسْجِدِ، وأشده جلد الزِّنَا فالقذف فالشرب فالتعزير، وَيضْرب رجل الْحَد حَال كَونه قَائِما، ليعطي كل عُضْو حَقه من الضَّرْب بِسَوْط وَهُوَ مَا بَين الْقَضِيب والعصا لَا خلق نصا بِفَتْح اللَّام لِأَنَّهُ لَا يؤلم وَلَا جَدِيد لِئَلَّا يجرج، وَفِي الرِّعَايَة: بَين الْيَابِس وَالرّطب. وَعَن عَليّ: ضرب بَين ضَرْبَيْنِ وسوط بَين سوطين، وَأي لَا شَدِيد فَيقْتل وَلَا ضَعِيف فَلَا يردع. وَإِن كَانَ مَغْصُوبًا أَجْزَأَ، وَإِن رأى الإِمَام الْجلد فِي حد الْخمر بِالْجَرِيدِ وَالنعال وَالْأَيْدِي فَلهُ ذَلِك، وَلَا يمد الْمَحْدُود وَلَا يرْبط وَلَا تشد يَده وَلَا يجرد من ثِيَابه بل يكون عَلَيْهِ غير ثِيَاب شتاء قَمِيص وقميصان، وَإِن كَانَ عَلَيْهِ فرو أَو جُبَّة محشوة نزعت، ويبالغ فِي ضربه بِحَيْثُ يشق الْجلد. وَلَا يُبْدِي أَي يظْهر ضَارب إبطه فِي رفع يَده للضرب نصا وَيسن تفريقه أَي الضَّرْب على الْأَعْضَاء ليَأْخُذ كل عُضْو حَظه من الضَّرْب، وتوالي ضرب عُضْو وَاحِد يُؤَدِّي إِلَى قَتله وَهُوَ مَأْمُور بِعَدَمِهِ. قَالَ

فِي الشَّرْح: وَيكثر مِنْهُ فِي مَوَاضِع اللَّحْم كالأليتين والفخذين وَيضْرب من جَالس ظَهره وَمَا قاربه. وَيجب فِي الْجلد اتقاء وَجه واتقاء رَأس وَفرج واتقاء كل مقتل كفؤاد وخصيتين لِئَلَّا يُؤَدِّي ضربه فِي شَيْء من ذَلِك إِلَى قَتله وإذهاب مَنْفَعَة وَالْقَصْد أدبه وَامْرَأَة كَرجل لَكِن تضرب جالسة لقَوْل 19 (عَليّ رَضِي الله عَنهُ) : تضرب الْمَرْأَة جالسة وَالرجل قَائِما وتشد عَلَيْهَا ثِيَابهَا وَتمسك يداها لِئَلَّا تنكشف لِأَن الْمَرْأَة عَورَة وَفعل ذَلِك أستر لَهَا، وَيعْتَبر للحد نِيَّة بِأَن ينويه لله تَعَالَى، فَإِن جلده للتشفي أَثم وَلَا يُعِيدهُ، وَلَا يُؤَخِّرهُ لمَرض وَلَو رجى زَوَاله وَلَا لحر أَو برد، فَإِن كَانَ الْحَد جلدا وَخيف من السَّوْط، لم يتَعَيَّن فيقام بِطرف ثوب وعثكول نخل بِوَزْن عُصْفُور، وَيُؤَخر لسكر حَتَّى يصحو شَارِب نصا، فَلَو خَالف سقط إِن أحس بألم الضَّرْب وَإِلَّا فَلَا، وَلَا تعْتَبر الْمُوَالَاة فِي الْحُدُود، وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: وَفِيه نظر، وَاقْتصر عَلَيْهِ فِي الْفُرُوع وَغَيره، وَإِن زَاد فِي الْحَد سَوْطًا أَو أَكثر عمدا أَو خطأ أَو فِي السَّوْط أَو اعْتمد فِي ضربه مَا لَا يحْتَملهُ ضمنه بِكُل الدِّيَة كَمَا إِذا ألْقى على سفينة حجر فغرقها، فَإِن كَانَت الزِّيَادَة من الجلاد من غير أَمر فَالضَّمَان على عَاقِلَته، وَمن أَمر بِزِيَادَة فَزَاد جَاهِلا تَحْرِيمهَا ضمن الْآمِر فالضارب، وَلَو تعمد العادَّ فَقَط أَو أَخطَأ وَادّعى الضَّارِب الْجَهْل ضمنه الْعَاد وتعمد الإِمَام الزِّيَادَة شبه عمد على الْعَاقِلَة

[وَلَا يحْفر لمرجوم] لأَجله وَلَو أُنْثَى وَلَو ثَبت بِبَيِّنَة. وَيجب فِي إِقَامَة حد زنا حُضُور إِمَام أَو نَائِبه وَطَائِفَة من الْمُؤمنِينَ وَلَو وَاحِدًا، وَمن حُضُور من شهد بِالزِّنَا وبداءتهم بِالرَّجمِ فَلَو ثَبت بِإِقْرَار سنّ بداءة إِمَام أَو من يقيمه مقَامه، وَمَتى رَجَعَ مقرّ بِالزِّنَا أَو السّرقَة أَو الشّرْب قبل إِقَامَته وَلَو بعد الشَّهَادَة على إِقْرَاره لم يقم عَلَيْهِ، وَإِن رَجَعَ فِي أَثْنَائِهِ أَو هرب ترك، وَإِن ثَبت بِبَيِّنَة فِي الْفِعْل فهرب لم يتْرك وَيحرم بعد حد حبس وإيذاء بِكَلَام كالتعبير، وَالْحَد كَفَّارَة لذَلِك الذَّنب نَص عَلَيْهِ. وَمن أَتَى حدا ستر على نَفسه وَلم يسن أَو يقر بِهِ عِنْد الْحَاكِم. وَإِن اجْتمعت حُدُود الله تَعَالَى من جنس وَاحِد بِأَن زنى مرَارًا أَو سرق مرَارًا أَو شرب مرَارًا تداخلت، فَلَا يحد سوى مرّة فحكاه ابْن الْمُنْذر إِجْمَاع كل من يحفظ عَنهُ من أهل الْعلم لِأَن الْغَرَض الزّجر عَن إتْيَان مثل ذَلِك فِي الْمُسْتَقْبل، وَهُوَ حَاصِل بِحَدّ وَاحِد كالكفارات من جنس، وَإِن اجْتمعت من أَجنَاس كَأَن شرب وزنى وسرق فَلَا تتداخل بل يجب أَن يبْدَأ بالأخف فالأخف فَيحد لشرب أَو لَا ثمَّ لزنا ثمَّ يقطع وَإِن كَانَ فِيهَا قتل استوفى وَحده. وتستوفى حُقُوق آدَمِيّ كلهَا سَوَاء كَانَ فِيهَا قتل أَو لَا. وَيبدأ بِغَيْر قتل بالأهم وجوبا وَلَا يسْتَوْفى حد حَتَّى يبرأ مَا قبله. وَمن قتل أَو أَتَى حدا خَارج حرم مَكَّة ثمَّ لَجأ إِلَيْهِ أَو لَجأ حربى أَو مُرْتَد إِلَيْهِ، وَحرم أَن يُؤَاخذ حَتَّى بِدُونِ قتل لقَوْله تَعَالَى 19 ((وَمن دخله كَانَ آمنا)) لَكِن لَا يُبَايع وَلَا يشاري وَلَا يكلم حَتَّى يخرج فيقام عَلَيْهِ.

وَمن قتل أَو أَتَى حدا أَو قطع طرفا أَو ارْتَدَّ فِيهِ أَخذ بِهِ فِيهِ لقَوْله تَعَالَى 19 ((وَلَا تقاتلوهم فِي الْمَسْجِد الْحَرَام حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ)) الْآيَة وَلَا تعصم الْأَشْهر الْحرم شَيْئا من الْحُدُود والجنايات. فَلَو أَتَى شَيْئا من ذَلِك ثمَّ دخل شهر حرَام أقيم عَلَيْهِ مَا وَجب قبله. وَإِذا أَتَى حدا أَو قودا وَهُوَ بِأَرْض الْعَدو لم يُؤَاخذ بِهِ حَتَّى يرجع إِلَى دَار الْإِسْلَام لِأَنَّهُ رُبمَا تلْحقهُ حمية الشَّيْطَان فَيلْحق بالكفار وَمن مَاتَ وَعَلِيهِ حد سقط عَنهُ. وَإِذا ثَبت الزِّنَا فيرجم زَان وَهُوَ الزِّنَى بِالْقصرِ عِنْد أهل الْحجاز وبالمد عِنْد تَمِيم وَهُوَ فعل الْفَاحِشَة فِي قبل أَو دبر وَهُوَ من أكبر الْكَبَائِر الْعِظَام وَأَجْمعُوا على تَحْرِيمه لقَوْله تَعَالَى 19 ((وَلَا تقربُوا الزِّنَا إِنَّه كَانَ فَاحِشَة وساء سَبِيلا)) وَقَالَ تَعَالَى 19 ((وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يزنون وَمن يفعل ذَلِك يلق أثاما)) الْآيَة مُحصن مُكَلّف نعت بعد نعت بحجارة مُتَعَلق بيرجم متوسطة كَالْكَفِّ فَلَا يَنْبَغِي أَن يثخن بصخرة كَبِيرَة وَلَا أَن يطول عَلَيْهِ بحصيات خَفِيفَة. وَيَتَّقِي الْوَجْه حَتَّى يَمُوت وَلَا يجلد قبله وَلَا يَنْفِي. وَغَيره أَي الْمُحصن يجلد مائَة جلدَة بِلَا خلاف ويغرب إِلَى مَا يرَاهُ الإِمَام عَاما كَامِلا مُسلما كَانَ أَو كَافِرًا، وَلَو أُنْثَى بِمحرم باذل نَفسه مَعهَا وجوبا وَعَلِيهِ أجرته فَإِن تَعَذَّرَتْ مِنْهَا فَمن بَيت المَال فَإِن أَبى أَو تعذر فوحدها مَسَافَة قصر، ويغرب غَرِيب ومغرِّب إِلَى غير وطنيهما

ويجلد رَقِيق خمسين جلدَة لقَوْله تَعَالَى 19 ((فعليهن نصف مَا على الْمُحْصنَات من الْعَذَاب)) وَالْعَذَاب الْمَذْكُور فِي الْقُرْآن مائَة جلدَة فَيَنْصَرِف التنصيف إِلَيْهِ دون غَيره، وَالرَّجم لَا يتأتي تنصيفه، وَلَا يغرب، لِأَنَّهُ عُقُوبَة لسَيِّده دونه إِذْ العَبْد لَا ضَرَر عَلَيْهِ فِي تغريبه، لِأَنَّهُ غَرِيب فِي مَوْضِعه، ويترفه فِيهِ بترك الْخدمَة ويتضرر سَيّده بتفويت خدمته والإنفاق عَلَيْهِ بعده عَنهُ فَيصير الْجلد مَشْرُوعا فِي حق الزَّانِي وَالضَّرَر على غير الْجَانِي. ويجلد مبعض زنى بِحِسَابِهِ فيهمَا الْجلد والتغريب، فالمنصف يجلد خمْسا وَسبعين جلدَة ويغرب نصف عَام ويحسب زمن التَّغْرِيب عَلَيْهِ من نصِيبه الْحر. وَمن ثلثه حر لزمَه ثلثا حد الْحر سِتّ وَسِتُّونَ جلدَة وَسقط الْكسر لِأَن الْحَد مَتى دَار بَين الْوُجُوب والإسقاط أسقط، ويغرب ثلث عَام وَالْمكَاتب وَالْمُدبر وَأم الْوَلَد وَالْمُعَلّق عتقه بِصفة كالقن فِي الْجد لِأَنَّهُ رَقِيق كُله. وَإِن زنى مُحصن ببكر أَو عَكسه فَلِكُل حَده. وزان بِذَات محرم كبغيرها. ولوطى فَاعل ومفعول كزان، فَمن كَانَ مِنْهُمَا مُحصنا رجم وَغير الْمُحصن الْحر يجلد مائَة ويغرب عَاما، وَالرَّقِيق خمسين. والمبعض بِحِسَابِهِ، ومملوكه إِذا لَاطَ بِهِ كأجنبي. وَمن زنى ببهيمة عزّر وَتقتل مأكولة كَانَت أَو لَا لِئَلَّا يعير بهَا لَكِن لَا تقتل إِلَّا بِالشَّهَادَةِ على فعله بهَا إِن لم تكن ملكه لِأَنَّهُ لَا يقبل إِقْرَاره على ملك غَيره وَيَكْفِي إِقْرَاره إِن ملكهَا وَيحرم أكلهَا وَعَلِيهِ ضَمَانهَا،

والمحصن من وطيء زَوجته لَا سريته بِنِكَاح صَحِيح لَا بَاطِل وَلَا فَاسد، وَلَو كِتَابِيَّة فِي قبلهَا وَلَو فِي زمن حيض أَو صَوْم أَو إِحْرَام وَنَحْوه وَلَو مرّة وَاحِدَة وهما مكلفان حران وَلَو ذميين أَو مستأمنين. وشروطه أَي حد الزِّنَا ثَلَاثَة: أَحدهَا: تغييب حَشَفَة أَصْلِيَّة من مُكَلّف وَلَو خَصيا فَلَا حد على صَغِير أَو مَجْنُون، وَإِن زنى ابْن عشر أَو بنت تسع عزرا، قَالَه فِي الرَّوْضَة، وَقَالَ فِي الْمُبْدع: يُعَزّر غير الْبَالِغ مِنْهُمَا. انْتهى. أَو تغييب قدرهَا لعدمها فِي فرج أُصَلِّي لآدَمِيّ حَيّ، فَإِن وطيء ميتَة عزّر وَلَا حد وَلَو دبرا لذكر أَو أُنْثَى. وَالشّرط الثَّانِي: انْتِفَاء الشُّبْهَة لحَدِيث (ادرأوا الْحُدُود بِالشُّبُهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُم) فَلَو وطيء زَوجته أَو سريته فِي حيض أَو فِي نِفَاس أَو فِي دبرهَا، أَو أمته الْمُحرمَة أبدا برضاع أَو غَيره لموطوءة أَبِيه وَأم زَوجته وَأمته الْمُزَوجَة أَو الْمُرْتَدَّة أَو الْمُعْتَدَّة أَو الْمَجُوسِيَّة أَو أمة لَهُ أَو لوَلَده أَو لبيت المَال فِيهَا شرك، أَو فِي نِكَاح مُخْتَلف فِيهِ يعْتَقد تَحْرِيمه كَنِكَاح مُتْعَة أَو بِلَا ولي، أَو فِي شِرَاء فَاسد بعد قبض الْمَبِيع أَو فِي ملك بِعقد فُضُولِيّ وَلَو قبل الْإِجَازَة أَو وطيء امْرَأَة على فرَاشه أَو منزله ظَنّهَا زَوجته أَو أمته ظن أَن لَهُ أَو لوَلَده فِيهَا شركا أَو جهل تَحْرِيم الزِّنَا لقرب إِسْلَامه أَو نشوئه ببادية بعيدَة عَن الْقرى، أَو جهل تَحْرِيم نِكَاح بَاطِل إِجْمَاعًا وَمثله يجهله أَو ادّعى أَنَّهَا زَوجته وَأنْكرت، فَلَا حد عَلَيْهِ فِي الْجَمِيع لِأَن دَعْوَاهُ ذَلِك شُبْهَة لاحْتِمَال صَدَقَة، ثمَّ إِن أقرَّت أَرْبعا بِأَنَّهُ زنى

بهَا مطاوعة عَالِمَة بِالتَّحْرِيمِ حدت وَحدهَا وَلَا مهر نصا. وَإِن وطيء فِي نِكَاح بَاطِل إِجْمَاعًا مَعَ علمه كَنِكَاح مُزَوّجَة أَو مُعْتَدَّة من غير زنا أَو خَامِسَة أَو ذَات محرم من نسب أَو رضَاع أَو زنى بحربية مستأمنة أَو بِمن اسْتَأْجرهَا لزنا أَو غَيره أَو بِمن لَهُ عَلَيْهَا قَود أَو بِامْرَأَة ثمَّ تزَوجهَا، أَو ملكهَا أَو أقرّ عَلَيْهَا فَسَكَتَتْ أَو جحدت أَو بمجنونة أَو صَغِيرَة يُوطأ مثلهَا أَو أمته الْمحرم بِنسَب أَو زنا مكْرها أَو جَاهِلا لوُجُوب الْعقُوبَة، حد فِي الْجَمِيع. وَإِن مكنت مكلفة من نَفسهَا مَجْنُونا أَو مُمَيّزا أَو من يجهله أَو حَرْبِيّا أَو مستأمنا أَو استدخلت ذكر نَائِم حدت لَا إِن أكره أكرهت أَو أكره ملوط بِهِ بِأَن غلبهما الواطىء على أَنفسهمَا أَو بتهديد أَو منع طَعَام أَو شراب مَعَ اضطرار وَنَحْوه فِي الصُّورَتَيْنِ، فَلَا حد. وَالشّرط الثَّالِث: ثُبُوته أَي الزِّنَا وَلَو صُورَتَانِ أَشَارَ للأولى بقوله بِشَهَادَة أَرْبَعَة رجال عدُول فِي مجْلِس وَاحِد وَلَو جَاءُوا مُتَفَرّقين وَاحِدًا بعد وَاحِد، وَصدقهمْ زَان بزنا وَاحِد مَعَ وَصفه أَي الزِّنَا لقَوْله تَعَالَى 19 ((وَالَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات ثمَّ لم يَأْتُوا بأَرْبعَة شُهَدَاء)) الْآيَة وَقَوله تَعَالَى 19 ((فاستشهدوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَة مِنْكُم)) فَيجوز لَهُم النّظر إِلَيْهَا حَالَة الْجِمَاع لإِقَامَة الشَّهَادَة عَلَيْهِمَا. وَاعْتبر كَونهم رجَالًا لِأَن الْأَرْبَعَة اسْم لعدد الذُّكُور وَلِأَن فِي شَهَادَة النِّسَاء شُبْهَة لتطرق الِاحْتِمَال إلَيْهِنَّ، وعدولا كَسَائِر الشَّهَادَات، وَكَونهَا فِي مجْلِس، لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ حد الثَّلَاثَة الَّذين شهدُوا على الْمُغيرَة بن شُعْبَة بِالزِّنَا لما تخلف الرَّابِع، وَلَوْلَا اعْتِبَار اتِّحَاد الْمجْلس لم يحدهم لاحْتِمَال أَن يكملوا برابع

فِي مجْلِس آخر، وَمعنى وَصفهم الزِّنَا أَن يَقُولُوا رَأينَا ذكره فِي فرجهَا، كالمرود فِي المكحلة والرشاء فِي الْبِئْر، فَإِن شهدُوا فِي مجلسين فَأكْثر أَو امْتنع بَعضهم من الشَّهَادَة أَو لم يكملها أَو كَانُوا كلهم أَو بَعضهم لَا تقبل شَهَادَتهم فِيهِ لعمى أَو فسق لكَون أحدهم زوجا، حدوا للقذف كَمَا لَو بِأَن مشهود عَلَيْهِ محيوبا أَو بَانَتْ رتقاء. وَلَا يحد زوج لَاعن. وَإِن عين اثْنَيْنِ زَاوِيَة من بَيت صَغِير عرفا وَعين إثنان أُخْرَى مِنْهُ، أَو قَالَ إثنان: فِي قَمِيص أَبيض أَو قَائِمَة وإثنان فِي قَمِيص أَحْمَر أَو نَائِمَة كملت شَهَادَتهم لعدم التَّنَافِي لاحْتِمَال كَونه ابْتَدَأَ الْفِعْل فِي إِحْدَى الزاويتين وكمله فِي الْأُخْرَى، أَو فِي قَمِيص أَبيض تَحْتَهُ قَمِيص أَحْمَر، ثمَّ خلع قبل الْفَرَاغ، وابتدأ بهَا الْفِعْل قَائِمَة وأتمه نَائِمَة. وَإِن كَانَ الْبَيْت كَبِيرا أَو عين إثنان بَيْتا أَو بَلْدَة أَو يَوْمًا وإثنان آخر فالأربعة قذفة وَلَو اتَّفقُوا على أَن الزِّنَا وَاحِد وَإِن شهد أَرْبَعَة بزناه بفلانة فَشهد أَرْبَعَة آخَرُونَ أَن الشُّهُود هم الزناة بهَا صدقُوا وَلم يحد مشهود عَلَيْهِ وحد الْأَولونَ فَقَط للقذف وَالزِّنَا. وكل زنا من مُسلم أَو ذمِّي أَو أوجب الْحَد لَا يقبل فِيهِ إِلَّا أَرْبَعَة شُهُود، وَيدخل فِيهِ اللواطة وَوَطْء الْمَرْأَة فِي دبرهَا. وَإِن أوجب التَّعْزِير كَوَطْء الْبَهِيمَة وَالْأمة الْمُشْتَركَة والمزوجة قبل فِيهِ رجلَانِ كشهود الْمُبَاشرَة دون الْفرج وَنَحْوهَا، وَإِن حملت من لَا زوج لَهَا وَلَا سيد لم حملت من لَا زوج لَهَا وَلَا سيد لم تحد بِمُجَرَّد ذَلِك، وتسأل اسْتِحْبَابا، وَلَا يجب سؤالها لما فِيهِ من إِشَاعَة الْفَاحِشَة وَهِي مَنْهِيّ عَنْهَا، فَإِن ادَّعَت إِكْرَاها أَو وطئا بِشُبْهَة أَو لم تقر بِالزِّنَا أَرْبعا لم تحد.

وَإِن شهد أَرْبَعَة فَرَجَعُوا كلهم أَو بَعضهم قبل الْحَد وَلَو بعد الحكم لم يحد مشهود عَلَيْهِ وحد الْأَرْبَعَة، وَإِن رَجَعَ بَعضهم بعد حد يجلد رَاجع فَقَط إِن ورث حد قذف بِأَن طَالب قبل مَوته وَإِلَّا فَلَا. وَالصُّورَة الثَّانِيَة: مَا أَشَارَ إِلَيْهَا بقوله أَو إقراراه أَي الزَّانِي الْمُكَلف وَلَو قِنَا حَال كَونه مُخْتَارًا أَربع مَرَّات وَلَو فِي مجَالِس لِأَن مَا عزا أقرّ عِنْد النَّبِي أَرْبعا فِي مجْلِس وَاحِد، والغامدية أقرَّت عِنْده فِي مجَالِس، مَعَ تصريحه ب [ذكر حَقِيقَة الْوَطْء] لحَدِيث ابْن عَبَّاس: لما أَتَى مَا عز بن مَالك النَّبِي قَالَ لَهُ: لَعَلَّك قبلت أَو غمزت أَو نظرت، قَالَ: لَا يَا رَسُول الله، قَالَ: أنكتها؟ لَا يكني، قَالَ: نعم، فَعِنْدَ ذَلِك أَمر برجمه رَوَاهُ البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد. وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: قَالَ لِلْأَسْلَمِيِّ: أنكتها؟ قَالَ: نعم، قَالَ: كَمَا يغيب المرود فِي المكحلة والرشاء فِي الْبِئْر قَالَ نعم، قَالَ فَهَل تَدْرِي مَا الزِّنَا قَالَ: نعم أتيت مِنْهَا حَرَامًا مَا يَأْتِي الرجل من امْرَأَته حَلَالا، قَالَ: فَمَا تُرِيدُ بِهَذَا القَوْل قَالَ: أُرِيد أَن تطهروني، فَأمر برجمه. رَوَاهُ دَاوُد الدَّارَقُطْنِيّ، وَلِأَن الْحَد يدْرَأ بِالشُّبْهَةِ فَلَا يَكْفِي فِيهِ الْكِنَايَة. وَلَا يعْتَبر ذكر مَكَان الزِّنَا وَذكر الْمُزنِيّ بهَا إِن كَانَت الشَّهَادَة على رجل، وَذكر الزَّانِي إِن كَانَت الشَّهَادَة على امْرَأَة ذكره فِي الْإِقْنَاع،

وَقطع فِي الْمُنْتَهى فِي الشَّهَادَات بِأَنَّهُ يعْتَبر ذكرهمَا. وَيشْتَرط أَن يسْتَمر على إِقْرَار بِلَا رُجُوع عَنهُ فَإِن رَجَعَ عَنهُ أَو هرب ترك بِخِلَاف ثُبُوته بِبَيِّنَة فَإِنَّهُ لَا يتْرك، وَتقدم ذَلِك. والقاذف من الْقَذْف وَهُوَ لُغَة الرَّمْي بِالزِّنَا واللواطة أَو الشَّهَادَة بِأَحَدِهِمَا وَلم تكمل الْبَيِّنَة، وَهَذِه كَبِيرَة محرم إِجْمَاعًا إِذا كَانَ مُكَلّفا مُخْتَارًا وَلَو أخرس بِإِشَارَة مفهومة، وَقذف شخصا مُحصنا وَلَو مجبوبا أَو ذَات محرم [يجلد حر ثَمَانِينَ] جلدَة لقَوْله تَعَالَى 19 ((فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جلدَة)) الْآيَة ويجلد قَاذف رَقِيق وَلَو عتق عقب قذف اعْتِبَارا بِوَقْت الْوُجُوب كَالْقصاصِ نصفهَا أَرْبَعِينَ جلدَة ويجلد قَاذف مبعض بِحِسَابِهِ فَمن نصفه حر يجلد سِتِّينَ، لِأَنَّهُ حد يَتَبَعَّض فَكَانَ على الْقِنّ فِيهِ نصف مَا على الْحر سوى أَبَوَيْهِ فَلَا يجلدان بِقَذْف ولد وَإِن نزل كقود وَلَا يعزران لَهُ. وَيسْقط حد الْقَذْف بِعَفْو مقذوف وَلَو بعد طلبة، وَمن قذف غير مُحصن وَلَو قنه عزّر ردعا لَهُ عَن أَعْرَاض المعصومين وكفا لَهُ عَن إيذائهم، والمحصن هُنَا أَي فِي بَاب [الْقَذْف الْحر الْمُسلم الْعَاقِل الْعَفِيف] عَن الزِّنَا ظَاهرا وَلَو تَائِبًا وملاعنة وَوَلدهَا ولد زنا كغيرهم نصا فَيحد بِقَذْف كل مِنْهُم إِذا كَانَ مُحصنا، وَشرط كَون مُحصنا، وَشرط كَون مثله أَي الْمَقْذُوف يطَأ أَو يُوطأ وَهُوَ ابْن عشر فَأكْثر وَبنت تسع فَأكْثر للحوق الْعَار بهما، وَلَا يشْتَرط بُلُوغه أَي الْمَقْذُوف. وَلَا يحد قَاذف غير بَالغ حَتَّى يبلغ وَيُطَالب بِهِ بعد بُلُوغه إِذْ لَا أثر لطلبه قبله لعدم اعْتِبَار كَلَامه، وَلَا طلب لوَلِيِّه عَنهُ لِأَن الْغَرَض مِنْهُ التشفي

فَلَا يقوم غَيره مقَامه فِيهِ كالقود، وَكَذَا لَو جن أَو أُغمي عَلَيْهِ قبل طلبه فَلَا يَسْتَوْفِي حَتَّى يفِيق وَيُطَالب بِهِ وَإِن جن أَو أغمى عَلَيْهِ بعده أَي الطّلب بِهِ يُقَام لوُجُود شَرطه وَانْتِفَاء مانعه. وَمن قذف غَائِبا لم يحد حَتَّى يثبت طلبه فِي غيبته بِشَرْطِهِ أَو يحضر وَيطْلب بِنَفسِهِ. وَمن قَالَ لمحصنة: زَنَيْت وَأَنت صغيره فَإِن فسره بِدُونِ تسع عزّر وَإِلَّا حد، وَكَذَا إِن قَالَه لذكر مُحصن وَفَسرهُ بِدُونِ عشر. وَمن قَالَ لِابْنِ عشْرين سنة: زَنَيْت قبل ثَلَاثِينَ سنة لم يحد للْعلم بكذبه. وَيحرم الْقَذْف إِلَّا فِي موضِعين أَحدهمَا: أَن يرى زَوجته تَزني فِي طهر لم يَطَأهَا فِيهِ فيعتزلها ثمَّ تَلد مَا يُمكن كَونه من الزَّانِي فَيلْزمهُ قَذفهَا أَو نَفْيه، وَكَذَا إِن وَطئهَا فِي طهر زنت فِيهِ وقوى ظَنّه أَو الْوَلَد من الزَّانِي لشبهه بِهِ أَو لكَون الزَّوْج عقيما، لِأَن ذَلِك مَعَ تَحْقِيق الزِّنَا دَلِيل على أَن الْوَلَد من الزَّانِي ولقيام الظَّن مقَام التَّحْقِيق. والموضع الثَّانِي: أَن يَرَاهَا تَزني وَلم تَلد مَا يلْزمه نَفْيه، أَو يستفيض زنَاهَا أَو يُخبرهُ بِهِ ثِقَة أويرى مَعْرُوفا بِالزِّنَا عِنْدهَا فَيُبَاح لَهُ قَذفهَا بِهِ، وفراقها أولى. وَله صَرِيح وكناية، فصريحه يَا منيوكة إِن لم يفسره بِفعل زوج أَو سيد فَإِن فسره بذلك فَلَيْسَ قذفا، يَا منيوك، يَا زاني، يَا عاهر وأصل العهر إتْيَان الرجل الْمَرْأَة لَيْلًا للفجور بهَا ثمَّ غلب على الزِّنَا فَأطلق العاهر على الزَّانِي سَوَاء جاءها للفجور أَو جَاءَتْهُ هِيَ لَيْلًا أَو نَهَارا. وَقد زَنَيْت، أَو زنى فرجك، أَو يَا لوطى، فَإِن قَالَ: أردْت

بِقَوْلِي يَا زاني أَي الْعين أَو عاهر الْيَد أَو إِنَّك من قوم لوط أَو تعْمل عَمَلهم غير إتْيَان الذُّكُور لم يقبل مِنْهُ، وَلست لأَبِيك أَو بِولد فلَان قذف لأمه. وكنايته والتعريض بِهِ: زنت يدك أَو رجلك أَو بدنك، وَيَا خنيث بالنُّون، يَا نظيف يَا عفيف، ولامرأة: يَا قحبة يَا فاجرة، ولزوجة شخص: قد فضحت زَوجك، وغطيت ونكست رَأسه وَجعلت لَهُ قرونا وعلقت عَلَيْهِ أَوْلَادًا من غَيره وأفسدت فرَاشه، ولعربي: يَا نبطي أَو يَا فَارسي أَو يَا رومي، ولأحدهم: يَا عَرَبِيّ، وَلمن يخاصمه: يَا حَلَال يَا ابْن الْحَلَال، مَا يعرفك النَّاس بِالزِّنَا، أَو مَا أَنا بزان، أَو مَا أُمِّي بزانية، أَو يسمع من يقذف شخصا فَيَقُول لَهُ: صدقت، أَو صدقت فِيمَا قلت، أَو أَخْبرنِي أَو أشهدني فلَان بأنك زَنَيْت وَكذبه فلَان. فَإِن فسره بمحتمل كَقَوْلِه: أردْت بالنبطي نبطي اللِّسَان وبالرومي رومي الْخلقَة، وبقولي أفسدت فرَاشه أَي خرقته أَو أتلفته وبقولي علقت عَلَيْهِ أَوْلَادًا من غَيره التقطت أَوْلَادًا ونسبتهم إِلَيْهِ وَنَحْو ذَلِك قبل وعزر لارتكابه مَعْصِيّة لَا حد فِيهَا وَلَا كَفَّارَة. وَإِن قذف أهل بَلْدَة أَو جمَاعَة لَا يتَصَوَّر الزِّنَا مِنْهُم عَادَة، أَو اخْتلفَا فِي أَمر فَقَالَ أَحدهمَا: الْكَاذِب ابْن الزَّانِيَة عزّر وَلَا حد نصا. وَمن قَالَ لمكلف: اقذفني، فقذفه لم يحد وعزر، وَمن قذف مَيتا وَلَو غير مُحصن، حد بِطَلَب وَارِث مُحصن خَاصَّة، فَإِن لم يكن الْوَارِث مُحصنا، لم يحد قَاذف، وَيثبت حد قذف الْمَيِّت وَالْقَذْف الْمَوْرُوث لجَمِيع الْوَرَثَة حَتَّى الزَّوْجَيْنِ وَإِن عَفا بَعضهم حد للْبَاقِي كَامِلا.

وَمن قذف نَبيا أَو أمه كفر وَقتل حَتَّى وَلَو تَابَ أَو كَانَ كَافِرًا فَأسلم، وَمن قذف جمَاعَة يتَصَوَّر الزِّنَا مِنْهُم عَادَة بِكَلِمَة وَاحِدَة فطالبوه أَو أحدهم، فَعَلَيهِ حد وَاحِد، وَإِن قذفهم بِكَلِمَات أَي قذف كلا بِكَلِمَة أَي جملَة، فَعَلَيهِ لكل وَاحِد حد، وَمن حد لقذف ثمَّ أَعَادَهُ أَو قذف مقرا بِالزِّنَا وَلَو دون أَربع مَرَّات عزّر. وَيُعَزر وَالتَّعْزِير لُغَة الْمَنْع وَمِنْه التَّعْزِير بِمَعْنى النُّصْرَة كَقَوْلِه تَعَالَى (ويعزروه ويوقروه) لمنع النَّاصِر المعادي والمعاند لمن ينصره، وَاصْطِلَاحا التَّأْدِيب فَيجب بِنَحْوِ قَول يَا كَافِر أَو يَا مَلْعُون أَو يَا أَعور أَو يَا أعرج أَو يَا فَاسق، يَا فَاجر، يَا حمَار، يَا تَيْس، يَا رَافِضِي، يَا خَبِيث الْبَطن أَو الْفرج، يَا عَدو الله، يَا كَذَّاب، يَا كَاذِب، يَا خائن، يَا شَارِب الْخمر، يَا مخنث، يَا قرنان، يَا قواد، يَا ديوث، يَا قرطبان، يَا كشخان، يَا علق، يَا مأبون، يَا ظَالِم، يَا مُنَافِق، يَا سَارِق، يَا أقطع، يَا أعمى، يَا مقْعد، يَا ابْن الزَّمن الْأَعْمَى الْأَعْرَج، يَا نمام، يَا حروي، يَا مرائي، يَا جَائِر، يَا معرص، يَا عَرصَة وَنَحْو ذَلِك. قَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ: الديوث الَّذِي يدْخل الرِّجَال على امْرَأَته. وَقَالَ ثَعْلَب: القرطبان الَّذِي يرضى أَن يدْخل الرِّجَال على نِسَائِهِ. وَقَالَ: القرطبان والكشخان لم أرهما فِي كَلَام الْعَرَب، ومعناهما عِنْد الْعَامَّة مثل معنى الديوث أَو قريب مِنْهُ، والقواد عِنْد الْعَامَّة السمسار فِي الزِّنَا. ومأبون قَالَ فِي الْفُنُون هُوَ لُغَة الْعَيْب يَقُولُونَ عود مأبون، وَالِابْن الْجُنُون والابنة الْعَيْب ذكره ابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الزَّاهِر.

وَيجب التَّعْزِير فِي كل مَعْصِيّة لَا حد فِيهَا وَلَا كَفَّارَة فِيهَا كمباشرة دون الْفرج وإتيان الْمَرْأَة الْمَرْأَة وسرقة لَا قطع فِيهَا، وَجِنَايَة لَا قَود فِيهَا كصفع ووكز أَي الدّفع وَالضَّرْب بِجمع الْكَفّ وَقذف غير ولد بِغَيْر زنا ولواطه كَقَوْلِه يَا فَاسق وَنَحْوه، ولعنة وَلَيْسَ لَهُ ردهَا على من لَعنه. وَدُعَاء عَلَيْهِ، وَالله أكبر عَلَيْك وخصمك الله وَنَحْوه، قَالَ بعض 16 (الْأَصْحَاب) : إِلَّا إِذا شتم نَفسه أَو سبها فَلَا يُعَزّر، وَقَالَ فِي الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة: إِذا تشاتم الْوَالِد وَولده لم يُعَزّر الْوَالِد لحق وَلَده وعزر الْوَلَد لحقه، وَلَا يجوز تعزيره إِلَّا بمطالبة الْوَالِد، وَلَا تحْتَاج إِقَامَة التَّعْزِير إِلَى مُطَالبَة فِي غير هَذِه، وَإِن تشاتم غَيرهمَا عزّر. وَيُعَزر من سبّ صحابيا وَلَو كَانَ وَارِثا وَلم يُطَالب بالتعزير. وَيُعَزر بِعشْرين سَوْطًا لشرب مُسكر فِي نَهَار رَمَضَان مَعَ الْحَد فَتكون جملَة الْجلد مائَة. وَإِن وطيء أمة امْرَأَته حد مَا لم تكن أحلتها لَهُ، فيجلد مائَة إِن علم التَّحْرِيم فِيهَا وَفِي الَّتِي قبلهَا وَلَا يرْجم وَلَا يغرب، وَإِن ولدت مِنْهُ لم يلْحقهُ نسبه. وَلَا يسْقط حد بِإِبَاحَة فِي غير هَذَا الْموضع وَمن وطيء أمة لَهُ فِيهَا شرك عزّر بِمِائَة سَوط إِلَّا سَوْطًا نصا لينقص عَن حد الزِّنَا. ومرجعه أَي التَّعْزِير إِلَى اجْتِهَاد الإِمَام فَلهُ نَقصه فِيمَا سبق بِحَسب اجْتِهَاده وَلَا يُزَاد على عشر فِي غير مَا تقدم نصا.

وَيحرم تَعْزِير بحلق لحية وَقطع طرف وجرح وَأخذ مَال وإتلافه. وَلَا بَأْس بتسويد وَجه والمناداة عَلَيْهِ بِذَنبِهِ وَيُطَاف بِهِ مَعَ ضربه. ) وَمن قَالَ لذِمِّيّ يَا حَاج ولعنه لغير مُوجب أدب. وَمن عرف بأذى النَّاس حَتَّى بِعَيْنِه حبس حَتَّى يَمُوت أَو يَتُوب. قَالَ المنقح: لَا يبعد أَن يقتل العائن إِذا كَانَ يقتل بِعَيْنِه غَالِبا وَأما مَا أتْلفه فيغرمه. انْتهى. وَفِي شرح منَازِل السائرين لِابْنِ الْقيم: إِذا كَانَ بِغَيْر اخْتِيَاره وَغلب على نَفسه لم يقْتَصّ مِنْهُ وَعَلِيهِ الدِّيَة، وَإِن عمد ذَلِك وَقدر على رده وَعلم أَنه يقتل بِهِ سَاغَ للْوَلِيّ أَن يقْتله بِمثل مَا قتل بِهِ فيعينه إِن شَاءَ كَمَا عان هُوَ الْمَقْتُول. وَأما قَتله بِالسَّيْفِ قصاصا فَلَا، لِأَن هَذَا لَيْسَ مِمَّا يقتل غَالِبا وَلَا هُوَ مماثل للجناية، وَفرق بَينه وَبَين السَّاحر من وَجْهَيْن قَالَ: وَسَأَلت شَيخنَا عَن الْقَتْل بِالْحَال هَل يُوجب الْقصاص فَقَالَ: للْوَلِيّ ان يقْتله بِالْحَال كَمَا قتل بِهِ. انْتهى كَلَامه. وَمن استمنى رجل أَو امْرَأَة لغير حَاجَة حرم وعزر، وَإِن فعله خوفًا من الزِّنَا أَو اللواط، فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَلَا يُبَاح إِلَّا إِذا لم يقدر على نِكَاح وَلَو لأمة، وَحكم الْمَرْأَة فِي ذَلِك حكم الرجل تسْتَعْمل شَيْئا مثل الذّكر. وَلَو اضْطر إِلَى جماع وَلَيْسَ من يُبَاح وَطْؤُهَا حرم الْوَطْء.

فصل

3 - (فصل) فِي حد الْمُسكر. وَهُوَ اسْم فَاعل من السكر وَهُوَ اخْتِلَاط الْعقل. قَالَ الْجَوْهَرِي: السَّكْرَان خلاف الصاحي وَالْجمع سكرى وسكارى بِضَم السِّين وَفتحهَا وَالْمَرْأَة سكرى ولغة بني أَسد سكرانة. وكل [شراب مُسكر يحرم] شربه مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ من الْعِنَب أَو الشّعير أَو غَيرهمَا، قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا لقَوْله تَعَالَى 19 ((إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر والأنصاب والأزلام رِجْس من عمل الشَّيْطَان فَاجْتَنبُوهُ)) وَلِحَدِيث (كل مُسكر خمر وكل مُسكر حرَام) رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَأَبُو دَاوُد. وَعَن ابْن عمر مَرْفُوعا (مَا أسكر كَثِيره فقليله حرَام) رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَابْن مَاجَه إِلَّا لدفع لقْمَة غص بهَا وَلم يجد غَيره وَأَن يكون مَعَ خوف تلف فَحِينَئِذٍ يجوز، لِأَنَّهُ مُضْطَر وَيقدم عَلَيْهِ أَي الْمُسكر بَوْل لوُجُوب الْحَد بِاسْتِعْمَالِهِ دون الْبَوْل، وَيقدم عَلَيْهِمَا مَاء نجس فَإِذا شربه أَي الْمُسكر

أَو شرب مَا خلط بِهِ وَلم يستهلك فِيهِ أَو استعط أَو احتقن بِهِ أَو أكل عجينا ملوتا بِهِ مُسلم فَاعل شربه مُكَلّف لَا صَغِير أَو مَجْنُون مُخْتَارًا لَا مكْرها حَال كَونه عَالما أَن كَثِيره أَي الْمُسكر يسكر وَيصدق إِن قَالَ: لم أعلم أَن كَثِيره يسكر، وَلَو لم يسكر الشَّارِب حد جَوَاب الشَّرْط حر وجد مِنْهُ شَيْء مِمَّا تقدم ثَمَانِينَ جلدَة وحد قن فِيمَا تقدم نصفهَا أَي أَرْبَعِينَ جلدَة ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى وَلَو مكَاتبا أَو مُدبرا أَو أم ولد، وَلَو جهل وجوب الْحَد. وَيُعَزر من وجد مِنْهُ رائحتها أَو حضر شرابها وتشبه بهم، وَلَا حد وَلَا تَعْزِير إِن جهل التَّحْرِيم، وَلَا تقبل دَعْوَى الْجَهْل مِمَّن نَشأ بَين الْمُسلمين. وَلَا حد على كَافِر شرب مُسكرا وَيثبت شرب بِإِقْرَارِهِ بِهِ مرّة كقذف لِأَن كلا مِنْهُمَا لَا يتَضَمَّن إتلافا بِخِلَاف زنا وسرقة أَو ب شَهَادَة عَدْلَيْنِ على الشّرْب وَالْإِقْرَار بِهِ وَلَو لم يَقُولَا شرب مُخْتَارًا عَالما بِتَحْرِيمِهِ، لِأَنَّهُ الأَصْل. وَحرم عصير عِنَب وَنَحْوه كعصير قصب أَو رمان أَو غَيره إِذا غلى إِلَى كغليان الْقدر بِأَن قذف بزيد نصا. وَظَاهره وَلَو لم يسكر لِأَن عِلّة التَّحْرِيم الشدَّة الْحَادِثَة وَهِي تُوجد بِوُجُود الغليان أَو أَي وَحرم عصير وَنَحْوه أَتَى عَلَيْهِ ثَلَاثَة أَيَّام بلياليهن وَإِن لم يغل نصا لحَدِيث (اشربوا الْعصير ثَلَاثًا مَا لم يغل) رَوَاهُ الشالنجي.

وَإِن طبخ قبل تَحْرِيمه حل إِن ذهب ثلاثاه فَأكْثر نصا وَوضع زبيب فِي خَرْدَل كعصير، أَي فَيحرم إِن إِلَى أَو أَتَى عَلَيْهِ ثَلَاثَة أَيَّام.

فصل

3 - (فصل) . الْقطع فِي السّرقَة أَجمعُوا عَلَيْهِ لقَوْله تَعَالَى (وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا) وَلِحَدِيث عَائِشَة مَرْفُوعا (تقطع الْيَد فِي ربع دِينَار فَصَاعِدا) إِلَى غَيره من الْأَخْبَار. وَيقطع السَّارِق إِذا سرق بِثمَانِيَة شُرُوط: أَحدهَا السّرقَة لِأَنَّهُ تَعَالَى أوجب الْقطع على السَّارِق، فَإِذا لم تُوجد السّرقَة، لم يكن الْفَاعِل سَارِقا. وَهِي أَي السّرقَة أَخذ مَال مَعْصُوم خُفْيَة من ملك أَو نَائِبه فَيقطع الطرار من الطر بِفَتْح الطَّاء أَي الْقطع وَهُوَ من يبط جيبا أَو كَمَا أَو غَيرهمَا وَيَأْخُذ مِنْهُ نِصَابا، لَا جَاحد وَدِيعَة ومنتهب ومختطف وغاصب وخائن يُؤمن عَن الشَّيْء فيخفيه أَو بعضه أَو يجْحَد. وَالثَّانِي: كَون سَارِق مُكَلّفا لِأَن غير الْمُكَلف مَرْفُوع عَنهُ الْقَلَم،

مُخْتَارًا لِأَن الْمَكْر مَعْذُور، عَالما بمسروق وب [تَحْرِيمه] أَي الْمَسْرُوق عَلَيْهِ وَلَا قطع بِسَرِقَة منديل بطرفه نِصَاب مشدود لم يُعلمهُ وَلَا بجوهر يظنّ قِيمَته دون نِصَاب، وَلَا على جَاهِل تَحْرِيم سَرقَة، وَلَا تقبل دَعْوَى الْجَهْل مِمَّن نَشأ بَين الْمُسلمين كشرب. وَالثَّالِث: كَون مَسْرُوق مَالا لِأَن غير المَال لَا يُسَاوِيه فَلَا يلْحق بِهِ، مُحْتَرما لِأَن غير الْمُحْتَرَم كَمَال الْحَرْبِيّ يجوز سَرقته، وَلَو كَانَ الْمَسْرُوق من غلَّة وقف وَلَيْسَ من مستحقيه، وَلَا يقطع بِسَرِقَة مكَاتب وَأم ولد وحر وَلَو صَغِيرا وَلَا بمصحف وَلَا بِمَا مَعَ الْحر والمصحف من حلي وَنَحْوه، لِأَنَّهُ تَابع لما لَا يقطع بسرقته وَلَا بكتب بدع وتصاوير وَلَا بِآلَة لَهو أَو صَلِيب أَو صنم وَلَا بآنية فِيهَا خمر أَو مَاء. وَالرَّابِع: كَونه أَي الْمَسْرُوق نِصَابا، وَهُوَ أَي النّصاب ثَلَاثَة دَرَاهِم فضَّة خَالِصَة أَو تخلص من مغشوشة أَو ربع مِثْقَال ذَهَبا وَيَكْفِي الْوَزْن من الْفضة الْخَالِصَة أَو التبر الْخَالِص وَلَو لم يضربا، ويكمل أَحدهمَا بِالْآخرِ، فَلَو سرق درهما وَنصف دِرْهَم من خَالص الْفضة وَثمن دِينَار من خَالص الذَّهَب قطع لِأَنَّهُ سرق نِصَابا أَو مَا أَي مَتَاعا تبلغ قِيمَته أَي قيمَة الْمَتَاع أَحدهمَا أَي نِصَاب الذَّهَب وَالْفِضَّة من غَيرهمَا كَثوب وَنَحْوه يُسَاوِي ذَلِك، وَتعْتَبر الْقيمَة حَالَة الْإِخْرَاج من الْحِرْز، فَلَو نقصت بعد إِخْرَاجه قطع لَا إِن أتْلفه فِي الْحِرْز بِأَكْل أَو غَيره أَو نَقصه بِذبح أَو غَيره ثمَّ أخرجه. وَالْخَامِس: إِخْرَاجه أَي النّصاب من حرز مثله فَلَو سرق من غير حرز بِأَن وجد بَابا مَفْتُوحًا فَأخذ مِنْهُ نِصَابا فَلَا قطع، وَمن أخرج بعض

ثوب قِيمَته نِصَاب قطع بِهِ إِن قطعه من الثَّوْب لتحَقّق إِخْرَاجه إِذن وَإِلَّا فَلَا قطع وحرز كل مَال مَا حفظ بِهِ ذَلِك المَال عَادَة لِأَن معنى الْحِرْز الْحِفْظ وَهُوَ مُخْتَلف باخْتلَاف جنس المَال وبلده وَعدل السُّلْطَان وقوته وضدهما، فحرز جَوْهَر وَنقد وقماش فِي الْعمرَان بدار ودكان وَرَاء غلق وثيق أَي قفل خشب أَو حَدِيد، وصندوق بسوق ثمَّ حارس حرز، وحرز بقل وقدور باقلاء وطبيخ وَثمّ حارس وَرَاء الشرائج، وحرز خشب وحطب الحظائر، وماشية الصير، وَفِي مرعى براع يَرَاهَا غَالِبا، وسفن فِي شط بربطها، وإبل باركة معقولة بحافظ حَتَّى نَائِم. وحرز ثِيَاب فِي حمام وأعدال وغزل بسوق أَو خَان وَمَا كَانَ مُشْتَركا فِي دُخُول بحافظ كقعوده على مَتَاع، وَإِن فرط حَافظ فَنَامَ، أَو اشْتغل فَلَا قطع على السَّارِق وَضمن حَافظ معد للْحِفْظ وَإِن لم يستحفظه، وحرز بَاب تركيبه بِموضع وحلقة تركيبها فِيهِ، ونوم على رِدَاء أَو مجر فرس وَلم يزل عَنهُ ونعل بِرَجُل حرز. وَالسَّادِس: انْتِفَاء الشُّبْهَة فَلَا قطع بِسَرِقَة من عمودي نسبه، وَأما سَائِر أَقَاربه إِذا سرق مِنْهُم قطع، أما سَرقته من مَال وَلَده فلحديث (أَنْت وَمَالك لأَبِيك) وَأما سَرقته من مَال أَبِيه أَو جده أَو أمه أَو جدته وَإِن علوا

أمومة أَو من مَال ولد ابْنه أَو ولد بنته وَإِن سفلا، فلأنهم بَينهم قرَابَة تمنع من قبُول شَهَادَة بَعضهم لبَعض، وَلِأَن النَّفَقَة تجب لأَحَدهم على الآخر حفظا لَهُ فَلَا يجوز إِتْلَافه حفظا لِلْمَالِ. وَلَا بِسَرِقَة من غنيمَة لأحد مِمَّن ذكرنَا فِيهَا حق وَلَا بِسَرِقَة مُسلم من بَيت المَال إِلَّا الْقِنّ نصا ذكره فِي الْمُحَرر وَغَيره بِمَعْنَاهُ وَمَشى عَلَيْهِ فِي الْمُنْتَهى، قَالَ المنقح: وَالصَّحِيح لَا قطع. انْتهى. لِأَنَّهُ لَا يقطع بِسَرِقَة من مَال لَا يقطع بِهِ سَيّده، وسيده لَا يقطع بِالسَّرقَةِ من بَيت المَال فَكَذَا هُوَ، وَمَشى عَلَيْهِ فِي الْإِقْنَاع فَقَالَ: وَلَا يقطع مُسلم بسرقته من بَيت المَال وَلَو عبدا إِن كَانَ سَيّده مُسلما. وَلَا سَرقَة زوج أَو زَوْجَة من مَال الآخر وَلَو أحرز عَنهُ. وَالسَّابِع: ثُبُوتهَا أَي السّرقَة بِشَهَادَة عَدْلَيْنِ لقَوْله تَعَالَى 19 ((واستشهدوا شهيدين من رجالكم)) يصفانها أَي السّرقَة فِي شَهَادَتهمَا وَإِلَّا لم يقطع لِأَنَّهُ حد فيدرأ بِالشُّبْهَةِ كَالزِّنَا، وَلَا تسمع شَهَادَتهمَا قبل الدَّعْوَى من مَالك مَسْرُوق أَو من يقوم مقَامه أَو ثُبُوتهَا ب [إِقْرَار] السَّارِق مرَّتَيْنِ لِأَنَّهُ يتَضَمَّن إتلافا فَاعْتبر تكْرَار الْإِقْرَار فِيهِ كَالزِّنَا، أَو يُقَال: الْإِقْرَار أحد حجتي الْقطع فَاعْتبر فِيهِ التّكْرَار، وَاحْتج الإِمَام 16 (أَحْمد 6 (فِي رِوَايَة مهنأ بِمَا حَكَاهُ عَن الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن عَن عَليّ: لَا تقطع يَد السَّارِق حَتَّى يشْهد على نَفسه مرَّتَيْنِ مَعَ وصفهَا أَي السّرقَة أَي يصفها فِي كل مرّة لاحْتِمَال ظَنّه وجوب الْقطع عَلَيْهِ مَعَ فقد بعض الشُّرُوط ودوام عَلَيْهِ أَي الْإِقْرَار بِأَن

لَا يرجع عَنهُ حَتَّى يقطع فَإِن رَجَعَ ترك، وَلَا بَأْس بتلقينه الْإِنْكَار ليرْجع عَن إِقْرَاره، وَلَا بالشفاعة إِذا لم يبلغ الإِمَام فَإِذا بلغه حرمت وَلزِمَ الْقطع.) ) 16 - ( 16 - (وَالثَّامِن: مطابة مَسْرُوق مِنْهُ أَو مُطَالبَة وَكيله أَو مُطَالبَة وليه إِن كَانَ مَحْجُورا عَلَيْهِ لحظه كسفيه وَنَحْوه لِأَن المَال يُبَاح بالبذل وَالْإِبَاحَة فَيحْتَمل إِبَاحَة مَالك إِيَّاه أَو إِذْنه لَهُ فِي دُخُول حرزه وَنَحْوه مِمَّا يسْقط الْقطع فَإِن طَالب رب المَال زَالَ هَذَا الِاحْتِمَال وانتفت الشُّبْهَة، فَلَو أقرّ بِسَرِقَة من مَال غَائِب أَو قَامَت بهَا بَيِّنَة انْتظر حُضُوره ودعواه لتتكامل شُرُوط الْقطع فَيحْبس السَّارِق إِلَى قدومه وَطَلَبه أَو تَركه وتعاد شَهَادَة الْبَيِّنَة بِهِ بعد دَعْوَاهُ لِأَن تَقْدِيمهَا عَلَيْهِ شَرط للاعتداد بهَا، وَإِن كذب مُدع نَفسه سقط الْقطع فَإِذا وَجب الْقطع لتوفر الشُّرُوط الْمُوجبَة لَهُ قطعت يَده أَي السَّارِق الْيُمْنَى لقِرَاءَة ابْن مَسْعُود فَاقْطَعُوا أيمانهما. وَهُوَ إِمَّا قِرَاءَة أَو تَفْسِير سَمعه من رَسُول الله إِذْ لَا يظنّ بِمثلِهِ أَن يثبت فِي الْقِرَاءَة شَيْئا بِرَأْيهِ وَلِأَنَّهُ قَول أبي بكر وَعمر وَلَا مُخَالف لَهما من الصَّحَابَة، وَلِأَن السّرقَة جِنَايَة الْيُمْنَى غَالِبا فتقطع من مفصل كَفه لقَوْل أبي بكر: تقطع يَمِين السَّارِق من الْكُوع وحسمت وغمست وجوبا فِي زَيْت مغلي، وَالْحكمَة فِي الغمس أَن الْعُضْو إِذا قطع فَغمسَ فِي زَيْت مغلي استدت أَفْوَاه الْعُرُوق فَيَنْقَطِع الدَّم إِذْ لَو ترك بِلَا غمس لنزف الدَّم فَأدى إِلَى مَوته. وَسن تَعْلِيقهَا ثَلَاثَة أَيَّام إِن رَآهُ الإِمَام فَإِن عَاد من قطعت يمناه إِلَى السّرقَة قطعت رجله الْيُسْرَى من

مفصل كَعبه بترك عقبَة نَص عَلَيْهِ، أما قطع الرجل فلحديث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا فِي السَّارِق (إِن سرق فَاقْطَعُوا يَده ثمَّ إِن سرق فَاقْطَعُوا رجله) وَلِأَنَّهُ قَول أبي بكر وَعمر وَلَا مُخَالف لَهما من الصَّحَابَة. وَأما كَونهَا الْيُسْرَى فقياسا على الْمُحَاربَة وَلِأَنَّهُ أرْفق بِهِ لِأَن الْمَشْي على الرجل الْيُمْنَى أسهل وَأمكن لَهُ من الْيُسْرَى. وَأما كَونه من مفصل كَعبه وَترك عقبه فَلَمَّا رُوِيَ عَن عَليّ أَنه كَانَ يقطع من شطر الْقدَم وَيتْرك عَقبهَا يمشي عَلَيْهِ وحسمت كَمَا تقدم فِي الْيَد، فَإِن عَاد فَسرق بعد قطع يَده وَرجله [حبس حَتَّى يَتُوب] وَيحرم أَو يقطع. وَقَالَ فِي الْإِقْنَاع: وَإِن وَجب قطع يمناه فَقطع الْقَاطِع يسراه بَدَلا عَن يمناه أَجْزَأت وَلَا تقطع يمناه، وَأما الْقَاطِع فَإِن كَانَ قطعهَا من غير اخْتِيَار من السَّارِق أَو كَانَ أخرجهَا السَّارِق دهشة أَو ظنا مِنْهُ أَنَّهَا تُجزئه فَعَلَيهِ دِيَتهَا. وَإِن كَانَ السَّارِق أخرجهَا اخْتِيَارا عَالما بالأمرين فَلَا شَيْء على الْقَاطِع وَلَا تقطع يمنى السَّارِق. انْتهى. وَجزم بِهِ فِي التَّصْحِيح وَالنّظم وَقدمه فِي الْمُنْتَهى. وَالْوَجْه الثَّانِي: تقطع جزم بِهِ فِي الْوَجِيز والتنقيح وَهُوَ ظَاهر مَا قدمه فِي الْفُرُوع.

ويجتمع الْقطع وَالضَّمان فَيرد مَا سرق لمَالِكه، وَإِن تلف فَمثل مثلي وَقِيمَة غَيره ويعمر مَا خربه من الْحِرْز وَعَلِيهِ أُجْرَة قَاطع وَثمن زَيْت حسم وَمن سرق ثمرا أَو جمار نخل وَهُوَ الكثر قبل إِدْخَال الْحِرْز كأخذه من رُءُوس نخل وَشَجر من غير حرز غرم قِيمَته مرَّتَيْنِ وَلَا قطع،) ) 16 - ( 16 - (أَو سرق مَاشِيَة من المرعى من غير حرز غرم قِيمَته مرَّتَيْنِ وَلَا قطع، وَمن لم يجد مَا يَشْتَرِيهِ من نَحْو قوت أَو لم يجد مَا يَشْتَرِي بِهِ الْقُوت زمن مجاعَة غلاء لم يقطع بِسَرِقَة مَا سَرقه نصا. وَإِذا سرق الضَّيْف من مَال مضيفه من الْموضع الَّذِي أنزل فِيهِ أَو مَوضِع لم يحرزه عَنهُ لم يقطع، أَو مُحرز عَنهُ فَإِن كَانَ مَنعه قراه فَسرق بِقَدرِهِ لم يقطع وَإِلَّا قطع.

فصل

3 - (فصل) فِي حد الْمُحَاربين. وهم قطاع الطَّرِيق المكلفون بالغين من الْمُسلمين وَأهل الذِّمَّة وينتقض بِهِ عَهدهم وَلَو أُنْثَى أَو رَقِيقا الَّذين يعترضون النَّاس بسلاح وَلَو عَصا أَو حجر فِي صحراء أَو بُنيان أَو بَحر فيغصبون مَالا مُحْتَرما مجاهرة، فَخرج الصَّغِير وَالْمَجْنُون وَالْحَرْبِيّ وَمن يعرض لنَحْو صيد أَو يعرض للنَّاس بِلَا سلَاح لأَنهم لَا يمْنَعُونَ من قصدهم، وَخرج أَيْضا من يغصب نَحْو كلب أَو سرجين نجس أَو مَال حَرْبِيّ وَنَحْوه وَمن يَأْخُذ خُفْيَة لِأَنَّهُ سَارِق، وَأما الْمُحَارب فيعتصم بِالْقِتَالِ دون الْخفية. وهم [أَنْوَاع] أَرْبَعَة أَشَارَ للْأولِ بقوله: فَمن قدر عَلَيْهِ مِنْهُم وَقد قتل إنْسَانا فِي الْمُحَاربَة مكافئا لَهُ كَالْحرِّ الْمُسلم يقتل مثله أَو قتل غَيره أَي غير مكافيء لَهُ كَوَلَد يقْتله أَبوهُ وقن يقْتله حر وذمي يقْتله مُسلم وَكَانَ كل مَا ذكر بِقصد مَاله وَأخذ المَال عطف على قتل [قتل] حتما لوُجُوبه لحق الله تَعَالَى كالقطع فِي السّرقَة ثمَّ صلب قَاتل [مكافيء] دون غَيره وَهُوَ من يُقَاد بِهِ لَو قَتله فِي غير محاربة لقَوْله تَعَالَى: 19 ((أَن يقتلُوا أَو يصلبوا))

حَتَّى يشْتَهر ليرتدع غَيره ثمَّ ينزل وَيغسل ويكفن وَيصلى عَلَيْهِ ويدفن، ذكره فِي الْإِقْنَاع، وَلَا يقطع مَعَ ذَلِك. وَلَو مَاتَ أَو قتل قبل قَتله للمحاربة لم يصلب، وَلَو قتل بَعضهم فَيثبت حكم الْقَتْل فِي حق جَمِيعهم. فَإِن قدر عَلَيْهِم قبل أَن يتوبوا قتل من قتل وَمن لم يقتل من الْمُكَلّفين. وَإِن قتل بعض وَأخذ المَال بعض تحتم قتل الْجَمِيع وصلبهم. وَالثَّانِي: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: وَمن قتل فَقَط لقصد المَال وَلم يَأْخُذ المَال قتل حتما وَلَا صلب لِأَن جنايتهم بِالْقَتْلِ وَأخذ المَال تزيد على جنايتهم بِالْقَتْلِ وَحده فَوَجَبَ اخْتِلَاف العقوبتين. الثَّالِث: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: وَمن أَخذ المَال أَي نِصَابا فَأكْثر لَا شُبْهَة لَهُ فِيهِ من بَين الْقَافِلَة لَا عَن مُنْفَرد عَنْهَا فَقَط أَي وَلم يقتل أحدا قطعت يَده أَي يَد كل من قطاع الطَّرِيق الْيُمْنَى ثمَّ رجله الْيُسْرَى لقَوْله تَعَالَى 19 ((من خلاف)) ورفقا بِهِ فِي إِمْكَان مَشْيه فِي مقَام وَاحِد حتما مُرَتبا وجوبا فَلَا ينظر بِقطع إِحْدَاهمَا اندمال الْأُخْرَى لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمر بقطعهما بِلَا تعرض لتأخير وَالْأَمر للفور فتقطع يمنى يَدَيْهِ وتحسم ثمَّ رجله الْيُسْرَى وتحسم وحسمتا وجوبا لحَدِيث 19 ((اقطعوه واحسموه)) وخلى عَنهُ لِاسْتِيفَاء مَا لزمَه كمدين يُوفي دينه: فَلَو كَانَت يَده الْيُسْرَى مفقودة أَو يَمِينه شلاء مَقْطُوعَة أَو مُسْتَحقَّة فِي قَود قطعت رجله الْيُسْرَى فَقَط.

الرَّابِع: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: وَإِن أَخَاف السَّبِيل فَقَط أَي لم يقتل أحدا وَلَا أَخذ مَا يبلغ نِصَابا مِمَّا لَا شُبْهَة لَهُ فِيهِ من حرزه نفي وشرد وَلَو قِنَا لقَوْله تَعَالَى (أَو ينفوا من الأَرْض) فَلَا يتْرك يأوي إِلَى بلد حَتَّى تظهر تَوْبَته وتنفي الْجَمَاعَة مُتَفَرِّقَة كل إِلَى جِهَة لِئَلَّا يجتمعوا على الْمُحَاربَة ثَانِيًا. وَشرط لوُجُوب حد قطاع الطَّرِيق ثَلَاثَة شُرُوط: أَحدهَا ثُبُوت ذَلِك أَي قطع الطَّرِيق بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار مرَّتَيْنِ، وَالثَّانِي حرز بِأَن يَأْخُذهُ عَن يَد مُسْتَحقَّة وَهُوَ بالقافلة فَلَو وجده مطروحا أَو أَخذ من سارقه أَو غاصبه أَو مُنْفَرد عَن قافلة لم يكن مُحَاربًا، وَالثَّالِث نِصَاب يقطع بِهِ السَّارِق وَهُوَ ثَلَاثَة دَرَاهِم فضَّة أَو ربع دِينَار ذَهَبا وَمن تَابَ مِنْهُم أَي قطاع الطَّرِيق قبل الْقُدْرَة عَلَيْهِ سقط عَنهُ حق الله تَعَالَى من صلب وَقطع وَنفي وتحتم قتل لقَوْله تَعَالَى 19 ((إِلَّا الَّذين تَابُوا من قبل أَن تقدروا عَلَيْهِم فاعلموا أَن الله غَفُور رَحِيم)) ، وَكَذَا خارجي وباغ مُرْتَد تَابَ قبل الْقُدْرَة عَلَيْهِ. وَأما من تَابَ مِنْهُم بعد الْقُدْرَة عَلَيْهِ فَلَا يسْقط عَنهُ شَيْء مِمَّا وَجب عَلَيْهِ لمَفْهُوم قَوْله تَعَالَى 19 ((من قبل أَن تقدروا عَلَيْهِم)) وَلِأَن ظَاهر حَال من تَابَ قبل الْقُدْرَة عَلَيْهِ أَن تَوْبَته إخلاص وَأما بعدهمَا فَالظَّاهِر أَنَّهَا تَوْبَة تقية من إِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ، وَإِن فِي قبُول تَوْبَته قبل الْقُدْرَة ترغيبا لَهُ بِخِلَاف مَا بعْدهَا فَإِنَّهُ لَا حَاجَة إِلَى ترغيبه فِيهَا،

وَأخذ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول عطف على سقط بِحَق آدَمِيّ إِن طلبه ربه من قصاص فِي نفس أَو دونهَا أَو غَرَامَة مَال أَو دِيَة لَا قصاص فِيهِ وحد قذف كَمَا قبل الْإِسْلَام وَقَوله تَعَالَى 19 ((قل للَّذين كفرُوا أَن ينْتَهوا يغْفر لَهُم مَا قد سلف)) وَحَدِيث (الْإِسْلَام يجب مَا قبله) فِي الْحَرْبِيين أَو فِي الْكفْر جمعا بَين الْأَدِلَّة، وَمن وَجب عَلَيْهِ حد للَّه تَعَالَى كشرب وسرقة فَتَابَ عَنهُ قبل ثُبُوته عِنْد حَاكم سقط عَنهُ بِمُجَرَّد تَوْبَته قبل صَلَاح عمل. وَمن أُرِيد أَي قصد مَاله أَو أريدت نَفسه بقتل أَو بِفعل الْفَاحِشَة أَو أريدت حرمته كَأُمِّهِ وَأُخْته ونحوهن بزنا أَو قتل وَلَو لم يكافىء من أريدت نَفسه وَنَحْوهَا المريد فَلهُ دَفعه بأسهل مَا يظنّ أَن ينْدَفع بِهِ، فَإِن ظن أَنه ينْدَفع بِضَرْب عَصا لم يكن لَهُ ضربه بحديد، وَإِن ولى هَارِبا لم يكن لَهُ قَتله وَلَا اتِّبَاعه. وَإِن ضربه فعطله لم يكن لَهُ أَن يثني عَلَيْهِ، وَإِن ضربه فَقطع يَمِينه فولى هَارِبا فَضَربهُ فَقطع رجله فالرجل مَضْمُونَة بقصاص أَو دِيَة، فَإِن مَاتَ بسراية القطعين فَعَلَيهِ نصف الدِّيَة، وَإِن لم ينْدَفع المريد الْأَذَى إِلَّا بِالْقَتْلِ أَو خَافَ ابْتِدَاء أَن يبدره بِالْقَتْلِ إِن لم يعاجل بِالدفع أُبِيح قَتله وَقطع طرفه حِينَئِذٍ وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ، وَإِن قتل المصول عَلَيْهِ فَهُوَ شَهِيد مَضْمُون. وَيجب الدّفع عَن حرمته إِن أريدت نصا، وَحُرْمَة غَيره وَكَذَا عَن نفس وَنَفس غَيره فِي غير فتْنَة وَكَذَا

عَن مَال غَيره، قَالَ فِي الْمُنْتَهى وَشَرحه: مَعَ ظن سلامتهما أَي الدَّافِع والمدفوع وَإِلَّا حرم. انْتهى. وَهُوَ خلاف ظَاهر الْإِقْنَاع فَإِن قَالَ: وَلَا يلْزمه الدّفع عَن مَاله وَلَا حفظه عَن الضّيَاع والهلاك كَمَال غَيره. انْتهى. وَله بذله لمن أَرَادَهُ مِنْهُ ظلما. ثمَّ أَخذ يتَكَلَّم على قتال الْبُغَاة والبغاة جمع بَاغ من الْبَغي أَي الْجور وَالظُّلم والعدول عَن الْحق وَالْبَغي بتَشْديد الْيَاء الزَّانِيَة ذَوُو أَصْحَاب شَوْكَة يخرجُون على الإِمَام لَو غير عدل بِتَأْوِيل سَائِغ لَو لم يكن فيهم مُطَاع، سموا بغاة لعدولهم عَن الْحق وَمَا عَلَيْهِ أَئِمَّة الْمُسلمين، وَالْأَصْل فِي قِتَالهمْ قَوْله تَعَالَى 19 ((فَقَاتلُوا الَّتِي تبغي حَتَّى تفيء إِلَى أَمر الله)) وَمَتى اخْتَلَّ شَرط مِمَّا تقدم بِأَن كَانُوا جمعا يَسِيرا لَا شَوْكَة لَهُم كالعشرة أَو لم يخرجُوا على الإِمَام أَو خَرجُوا بِلَا تَأْوِيل أَو بِتَأْوِيل غير سَائِغ فهم قطاع طَرِيق. وَنصب الإِمَام فرض كِفَايَة، وَيعْتَبر كَونه قرشيا مُكَلّفا سميعا بَصيرًا ناطقا عدلا حرا ذكرا عَالما ذَا بَصِيرَة كَافِيا ابْتِدَاء ودواما للحرب والسياسة وَإِقَامَة الْحُدُود، وَلَا تلْحقهُ رأفة فِي ذَلِك وَلَا فِي الذب عَن الْأمة، وَالْإِمَام يَنْعَزِل بِفِسْقِهِ بِخِلَاف القَاضِي. فَيلْزمهُ الإِمَام مراسلتهم أَي الْبُغَاة لِأَنَّهَا طَرِيق إِلَى الصُّلْح ولرجوعهم إِلَى الْحق، وَيلْزمهُ [إِزَالَة مَا يَدعُونَهُ من شُبْهَة ومظلمة] لِأَنَّهَا وَسِيلَة إِلَى الصُّلْح الْمَأْمُور بِهِ بقوله تَعَالَى (فأصلحوا بَينهمَا) فَإِن فاءوا أَي رجعُوا عَن الْبَغي وَطلب

الْقِتَال تَركهم [وَإِلَّا] يفيئوا قَاتلهم إِمَام قَادر على قِتَالهمْ لُزُوما لقَوْله تَعَالَى (فَقَاتلُوا الَّتِي تبغي حَتَّى تفيء إِلَى أَمر الله) وعَلى رَعيته معونته، فَإِن قَالَ لَهُ الْبُغَاة: أنظرنا مُدَّة حَتَّى نرى رَأينَا، وَرَجا فيئهم أنظرهم وجوبا حفظا لدماء الْمُسلمين، وَإِن خَافَ مكيدة فَلَا وَلَو أَعْطوهُ مَالا ورهنا، وَإِن تركُوا الْقِتَال حرم قَتلهمْ وَقتل مدبرهم وجريحهم وَلَا يغنم مَا لَهُم وَلَا تسبى ذَرَارِيهمْ وَيجب رد ذَلِك إِلَيْهِم، وَلَا يضمنُون مَا أتلفوه حَالَة الْحَرْب كَمَا لَا يضمن أهل عدل مَا أتلفوه لبغاة حَالَته، ويضمنان مَا أتلفاه فِي غير حَرْب، وَمَا أَخَذُوهُ حَال امتناعهم من زَكَاة وخراج وجزية اعْتد بِهِ لمَالِكه وَتقبل بِلَا يَمِين دَعْوَى دفع زَكَاة إِلَيْهِم لَا جِزْيَة وَلَا خراج إِلَّا بِبَيِّنَة، وهم فِي شَهَادَتهم وإمضاء حكمهم كَأَهل عدل. وَمن كفر أهل الْحق وَالصَّحَابَة واستحل دِمَاء الْمُسلمين وَأَمْوَالهمْ بِتَأْوِيل فهم خوارج بغاة فسقة ذكره فِي الْمُنْتَهى عَن الْفُرُوع قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: نصوصه صَرِيحَة على عدم كفر الْخَوَارِج والقدرية والمرجئة وَغَيرهم وَإِنَّمَا كفر الْجَهْمِية لَا أعيانهم، قَالَ: وَطَائِفَة تحكى عَنهُ رِوَايَتَيْنِ فِي تَكْفِير أهل الْبدع مُطلقًا حَتَّى المرجئة والشيعة المفضلة لعَلي رَضِي الله عَنهُ. وَعنهُ: كفار، قَالَ المنقع: وَهُوَ أظهر. انْتهى. قَالَ فِي " الْإِنْصَاف " وَهُوَ الصَّوَاب وَالَّذِي ندين الله بِهِ، انْتهى من " الْمُنْتَهى " و " شَرحه ".

وَإِن اقْتتلَتْ طَائِفَتَانِ لعصبية أَو رياسة فهما ظالمتان تضمن كل طَائِفَة مَا تتلفه على الْأُخْرَى وضمنتا سَوَاء مَا جهل متلفه كَمَا لَو قتل دَاخل بَينهمَا يصلح وَجَهل قَاتله، وَإِن علم كَونه من طَائِفَة بِعَينهَا وَجَهل عينه ضمنته وَحدهَا بِخِلَاف الْمَقْتُول فِي زحمة جَامع أَو طواف لِأَنَّهُ لَيْسَ فيهمَا تعد بِخِلَاف الأول ذكره ابْن عقيل.

فصل

3 - (فصل) فِي بَيَان حكم الْمُرْتَد فَقَالَ رَحمَه الله: [وَالْمُرْتَدّ] لُغَة الرَّاجِع، يُقَال ارْتَدَّ فَهُوَ مُرْتَد إِذا رَجَعَ، قَالَ تَعَالَى 19 ((وَلَا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين)) وَشرعا من كفر طَوْعًا وَلَو كَانَ مُمَيّزا بعد إِسْلَامه، فَمَتَى ادّعى النُّبُوَّة أَو صدق من ادَّعَاهَا كفر، لِأَنَّهُ يكذب الله تَعَالَى فِي قَوْله 19 ((وَلَكِن رَسُول الله وَخَاتم النَّبِيين)) وَلِحَدِيث (لَا نَبِي بعدِي) وَفِي الْخَبَر 19 ((لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يخرج ثَلَاثُونَ دجالًا كلهم يزْعم أَنه رَسُول الله)) أَو سبّ الله تبَارك وَتَعَالَى أَو أشرك بِهِ أَو سبّ رَسُوله أَي رَسُولا من رسله، أَو سبّ ملكا كفر، لِأَنَّهُ لَا يسبه إِلَّا وَهُوَ جَاحد بِهِ

أَو جحد ربوبيته تَعَالَى أَو وحدانيته أَو جحد صفة ذاتية لَهُ تَعَالَى [من صِفَاته] الْعلية كَالْعلمِ والحياة، كفر أَو جحد كتابا لَهُ أَو جحد رَسُولا لَهُ مجمعا عَلَيْهِ أَو ثَبت تواترا لَا آحادا كخالد بن سِنَان أَو جحد ملكا لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مجمعا عَلَيْهِ كفر، لِأَنَّهُ مكذب لله وَرَسُوله فِي ذَلِك لِأَن جحد بعض من ذَلِك كجحد الْكل، أَو جحد الْبَعْث أَو جحد وجوب إِحْدَى الْعِبَادَات الْخمس الْمشَار إِلَيْهَا بِحَدِيث (بني الْإِسْلَام على خمس شَهَادَات أَلا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَصَوْم رَمَضَان وَحج الْبَيْت) وَمِنْهَا الطَّهَارَة فيكفر من جحد وُجُوبهَا وضُوءًا كَانَت أَو غسلا أَو تيمما أَو جحد حكما ظَاهرا بَين الْمُسلمين بِخِلَاف السُّدس لبِنْت الابْن مَعَ بنت الصلب مجمعا عَلَيْهِ إِجْمَاعًا قَطْعِيا لَا سكوتيا، لِأَنَّهُ فِيهِ شُبْهَة، كجحد تَحْرِيم الزِّنَا أَو لحم الْخِنْزِير، أَو جحد حل خبز وَنَحْوه كلحم مذكى أَو شكّ فِي تَحْرِيم الزِّنَا وَنَحْوه أَو فِي حل نَحْو خبز وَمثله لَا يجهله أَو كَانَ يجهله وَعرف وأصر أَو سجد لكوكب أَو نَحوه أَو أَتَى بقول أَو فعل صَرِيح فِي الِاسْتِهْزَاء بِالدّينِ أَو امتهن الْقُرْآن أَو ادّعى اختلافه أَو الْقُدْرَة على مثله أَو أسقط حرفا مِنْهُ كفر لقَوْله تَعَالَى

19 - ((أَفلا يتدبرون الْقُرْآن وَلَو كَانَ من عِنْد غير الله لوجدوا فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا)) ، وَلَا يكفر من حكى كفرا سَمعه وَلَا يَعْتَقِدهُ. وَإِن ترك عبَادَة من الْخمس تهاونا مَعَ إِقْرَاره بِوُجُوبِهَا لم يكفر إِلَّا بِالصَّلَاةِ أَو شَرط أَو ركن لَهَا مجمع عَلَيْهِ إِذا دَعَاهُ الإِمَام أَو نَائِبه إِلَى شَيْء من ذَلِك وَامْتنع من فعله حَتَّى تضايق وَقت الَّتِي بعْدهَا فَإِنَّهُ يكفر، ويستتاب كمرتد ثَلَاثَة أَيَّام فَإِن أصر قتل كفرا بِخِلَاف الزَّكَاة وَالصِّيَام وَالْحج فَإِنَّهُ يقتل فِيهِنَّ حدا. فَمن ارْتَدَّ مُكَلّفا مُخْتَارًا [ف] إِنَّه يَدعِي إِلَى الْإِسْلَام ويستتاب ثَلَاثَة أَيَّام وجوبا وَيَنْبَغِي أَن يضيق عَلَيْهِ وَيحبس فَإِن تَابَ لم يُعَزّر وَلم يحبط عمله وَإِن أصر على ردته وَلم يتب قتل بِالسَّيْفِ وَلَا يحرق بالنَّار لحَدِيث (إِن الله كتب الْإِحْسَان على كل شَيْء فَإِذا قتلتم فَأحْسنُوا القتلة) وَحَدِيث (من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ وَلَا تعذبوه بِعَذَاب الله) يَعْنِي النَّار. رَوَاهُ البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد، إِلَّا رَسُول كفار فَلَا يقتل وَلَو مُرْتَدا بِدَلِيل رَسُولي مُسَيْلمَة، وَلَا يقْتله إِلَّا الإِمَام أَو نَائِبه فَإِن قَتله غَيرهمَا أَسَاءَ وعزر لافتياته على أولى الْأَمر وَلَا ضَمَان وَلَو قبل استتابته إِلَّا إِذا لحق بدار الْحَرْب فَلِكُل أحد أَن يقْتله وَيَأْخُذ مَا مَعَه. وَيصِح إِسْلَام مُمَيّز يعقله وَيَأْتِي آخر الْكتاب فِي الشَّرْح إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

وَتَصِح ردته فَإِن أسلم حيل بَينه وَبَين كفار، فَلَو قَالَ بعد إِسْلَامه لم أرد مَا قلته فَكَمَا لَو أرتد، وَلَا يقتل هُوَ وسكران حَتَّى يستتابا بعد بُلُوغه وصحو ثَلَاثَة أَيَّام، وَإِن مَاتَ فِي سكر أَو قبل بُلُوغه مَاتَ كَافِرًا، وَلَا تقبل ظَاهرا أَي بِحَسب أَحْكَام الدُّنْيَا تَوْبَة مِمَّن سبّ الله تَعَالَى أَو سبّ رَسُوله أَي رَسُولا لَهُ أَو ملكا لَهُ أَو تنقص أحدا مِنْهُم أَو أَي وَلَا تقبل تَوْبَة مِمَّن تَكَرَّرت ردته لقَوْله تَعَالَى 19 ((إِن الَّذين آمنُوا ثمَّ كفرُوا ثمَّ آمنُوا ثمَّ كفرُوا ثمَّ ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لَهُم وَلَا ليهديهم سَبِيلا)) وَقَوله تَعَالَى 19 ((وَإِن الَّذين كفرُوا بعد إِيمَانهم ثمَّ ازدادوا كفرا لن تقبل تَوْبَتهمْ)) . وَلَا تقبل ظَاهرا تَوْبَة من مُنَافِق وَهُوَ الَّذِي يظْهر الْإِسْلَام ويخفي الْكفْر، وَلَا تقبل تَوْبَة سَاحر مكفر بِفَتْح الْفَاء الْمُشَدّدَة بسحره كَالَّذي يركب المكنسة فِي الْهَوَاء لحَدِيث جُنْدُب بن عبد الله مَرْفُوعا (حد السَّاحر ضربه بِالسَّيْفِ) ، وَمن أظهر الْخَيْر وأبطن الْفسق فَهُوَ فِي تَوْبَته من فسقه كزنديق فِي تَوْبَته من كفره فَلَا تقبل شَهَادَته وَنَحْوهَا. وتوبة مُرْتَد وكل كَافِر إِتْيَانه بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَلَا يُغني قَوْله: مُحَمَّد رَسُول الله عَن كلمة التَّوْحِيد. وَلَا بُد من إِقْرَار جَاحد بِفَرْض أَو تَحْلِيل أَو تَحْرِيم أَو كتاب أَو رِسَالَة مُحَمَّد إِلَى غير الْعَرَب بِمَا جَحده. وَقَوله:

أَنا مُسلم تَوْبَة، وَإِن شهد إثنان على مُسلم أَنه كفر فَادّعى الْإِكْرَاه قبل مَعَ قرينَة فَقَط، وَلَو شهد عَلَيْهِ بِكَلِمَة كفر فَادّعى الْإِكْرَاه قبل مُطلقًا أَي بِقَرِينَة وَغَيرهَا. وَإِن أكره ذمِّي على إِقْرَار بِإِسْلَام لم يَصح، وَقَول من شهد عَلَيْهِ بردة أَنا بَرِيء من كل دين يُخَالف دين الْإِسْلَام تَوْبَة، وَإِن كتب كَافِر الشَّهَادَتَيْنِ، أَو قَالَ: أسلمت أَو أَنا مُسلم أَو أَنا مُؤمن صَار مُسلما، فَلَو قَالَ: لم أعلم الْإِسْلَام أَو لم أعتقده صَار مُرْتَدا وأجبر على الْإِسْلَام، نَص عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو يعلي الصَّغِير فِي مفرداته: لَا خلاف أَن الْكَافِر لَو قَالَ أَنا مُسلم وَلَا أنطق بِالشَّهَادَتَيْنِ لم يحكم بِإِسْلَامِهِ. انْتهى. وَمن قَالَ لكَافِر: أسلم وَخذ ألفا فَأسلم فَلم يُعْطه فَأبى الْإِسْلَام قتل، وَيَنْبَغِي أَن يَفِي بِمَا وعده. وَمن أسلم على أقل من الصَّلَوَات الْخمس قبل مِنْهُ وطولب بالخمس. وَمن ارْتَدَّ لم يزل ملكه عَن مَاله فَيملك التَّمَلُّك وَيمْنَع من التَّصَرُّف فِي مَاله وَيَقْضِي مِنْهُ دُيُونه وأروش جناياته وَينْفق مِنْهُ عَلَيْهِ وعَلى من تلْزمهُ نَفَقَته فَإِن أسلم فَمَاله لَهُ وَإِلَّا صَار فَيْئا من حِين مَوته مُرْتَدا، وَإِن لحق بدار حَرْب فَهُوَ وَمَا مَعَه كحربي. وَيُؤْخَذ مُرْتَد بِحَدّ أَتَاهُ فِي ردته لَا بِقَضَاء مَا ترك فِيهَا من عبَادَة. وَتجب التَّوْبَة فَوْرًا على كل مذنب فِي كل وَقت من كل ذَنْب كَبِير أَو صَغِير، وَهِي أَي التَّوْبَة إقلاع عَن الذَّنب وَنَدم على فعله وعزم على أَن لَا يعود لذنب فَهَذِهِ ثَلَاثَة شُرُوط للتَّوْبَة، وَقد تزيد شرطا رَابِعا مَعَ هَذِه الثَّلَاثَة، كَمَا إِذا كَانَت مظْلمَة فَلَا بُد من التَّوْبَة من رد مظْلمَة

لصَاحِبهَا لتبرأ ذمَّته مِنْهَا، لِأَن حُقُوق الْعباد مَبْنِيَّة على المشاحة، وَلَا يجب استحلال من نَحْو غيبَة وَقذف كشتم وَسَب، وَظَاهره بلغَة أَو لم يبلغهُ لِأَن فِيهِ زِيَادَة غم. وَيحرم تعلم السحر وتعليمه وَفعله، وَهُوَ عقد ورقى وَكَلَام يتَكَلَّم بِهِ أَو يَكْتُبهُ أَو يعْمل شَيْئا يُؤثر فِي بدن المسحور أَو قلبه أَو عقله من غير مُبَاشرَة لَهُ، وَله حَقِيقَة فَمِنْهُ مَا يقتل وَمَا يمرض وَمَا يَأْخُذ الرجل عَن زَوجته فيمنعه من وَطئهَا أَو يعْقد المتزوج فَلَا يُطيق وَطأهَا، وَمَا كَانَ مثل فعل لبيد بن الأعصم حِين سحر النَّبِي فِي مشط ومشاطة، أَو يسحره حَتَّى يهيم بَين الوحوش، وَمِنْه مَا يفرق بَين الْمَرْء وَزَوجته وَمَا يبغض أَحدهمَا إِلَى الآخر أَو يحبب بَين اثْنَيْنِ. وَيكفر السَّاحر بتعليمه وَفعله سَوَاء اعْتقد تَحْرِيمه أَو إِبَاحَته كَالَّذي يركب المكنسة وَغَيرهَا فتسير بِهِ فِي الْهَوَاء أَو يدعى أَن الْكَوَاكِب تخاطبه. وَيقتل إِن كَانَ مُسلما، وَكَذَا من يعْتَقد حلّه من الْمُسلمين فَيقْتل كفرا وَلَا يقتل ساحرا ذمِّي إِلَّا أَن يقتل بِهِ وَيكون مِمَّا يقتل غَالِبا فيقتص مِنْهُ، فَأَما من يسحر بأدوية وتدخين وَسقي شَيْء يضر فَإِنَّهُ لَا يكفر وَلَا يقتل، وَيُعَزر بليغا دون الْقَتْل إِلَّا أَن يقتل غَالِبا فيقتص مِنْهُ وَإِلَّا فَالدِّيَة، وَأما الَّذِي يعزم على الْجِنّ وَيَزْعُم أَنه يجمعها وَتُطِيعهُ فَلَا يكفر وَلَا يقتل، وَيُعَزر بليغا دون الْقَتْل. وَالله الْمُوفق إِلَى الْخَيْر.

فصل

3 - (فصل) فِي مَا يُبَاح من الْأَطْعِمَة وَمَا يحرم. وكل طَعَام مُبْتَدأ وَهُوَ مَا يُؤْكَل وَيشْرب طَاهِر صفة لطعام خرج النَّجس والمتنجس لَا مضرَّة فِيهِ احْتِرَاز من السمُوم، وَذَلِكَ كالحبوب وَالثِّمَار وَغَيرهمَا من سَائِر المأكولات حَتَّى الْمسك والفاكهة المسوسة أَو المدودة حَلَال خبر واصله الْحل قَالَ الله تَعَالَى 19 ((هُوَ الَّذِي خلق لكم مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا)) وَحرم نجس صرح بِالْمَفْهُومِ. وَلَو لم يكن فِيهِ مضرَّة كَدم وميتة لقَوْله تَعَالَى 19 ((حرمت عَلَيْكُم الْميتَة وَالدَّم)) وَلِأَن أكل الْميتَة أقبح من الإدهان بدهنها وَأَن يستصبح بِهِ وهما حرامان، فَلِأَن يحرم مَا هُوَ أقبح بِالطَّرِيقِ الأولى. وَحرم أَيْضا لحم خِنْزِير بِلَا خلاف بَين الْمُسلمين لقَوْله تَعَالَى 19 ((وَلحم الْخِنْزِير)) وَكَذَا الْبَوْل والروث وَحرم مُضر كسم وَحرم من حَيَوَان بر حمر أَهْلِيَّة وفيلة وَمَا يفترس أَي ينهش بنابه كأسد ونمر وفهد وثعلب على الْأَصَح [وَابْن آوى] وَابْن عرس وذئب وكلب وقرد ودب ونمس وسنور أهليا كَانَ أَو وحشيا وسنجاب وفنك بِفَتْح الْفَاء وَالنُّون وسمور، وَلَا يحرم [ضبع] بِضَم الْبَاء وَيجوز إسكانها وَجمعه ضباع لوُرُود الرُّخْصَة فِيهِ،

وَحرم من طير مَا يصيد بمخلب كعقارب وصقر وباز وباشق وشاهين وحدأة وبوم وَحرم من طير مَا يَأْكُل الْجِيَف كنسر ورخم ولقلق طَائِر نَحْو [الأوزة] طَوِيل الْعُنُق يَأْكُل الْحَيَّات، وعقعق وَهُوَ القاق، وغراب الْبَين والأبقع وَحرم مَا تستخبثه الْعَرَب ذَوُو الْيَسَار وهم أهل الْحجاز من أهل الْأَمْصَار، لأَنهم أولو النهى وَعَلَيْهِم نزل الْكتاب وخوطبوا بِهِ وبالسنة فَرجع فِي مُطلق ألفاظها إِلَى عرفهم دون غَيرهم بِخِلَاف الجفاة من أهل الْبَوَادِي، لأَنهم للمجاعة يَأْكُلُون مَا وجدوه كوطواط وَيُسمى خفاشا وخشافا، قَالَ الإِمَام 16 (أَحْمد) : وَمن يَأْكُل الخشاف. وقنفذ لحَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ ذكر الْقُنْفُذ لرَسُول الله فَقَالَ: هُوَ خَبِيث من الْخَبَائِث. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ونيص هُوَ عَظِيم القنافذ قدر السخلة على ظَهره شوك طَوِيل نَحْو ذِرَاع. وحية وفار وزنبور وَنحل وذباب وهدهد وفراش وخطاف وحشرات وكل مَا أَمر الشَّارِع بقتْله أَو نهى عَنهُ، وَحرم مَا تولد من مَأْكُول وَغَيره كبغل متولد من خيل وحمر أهليه، وحمار متولد بَين حمَار أَهلِي وَوَحْشِي، وَسمع بِكَسْر السِّين وَسُكُون الْمِيم ولد الضبع من ذِئْب. وَمَا تجهله الْعَرَب من الْحَيَوَان وَلَا ذكر لَهُ فِي الشَّرْع يرد إِلَى أقرب

الْأَشْيَاء شبها بِهِ بالحجاز فَإِن أشبه محرما أَو حَلَالا ألحق بِهِ وَإِن أشبه مُبَاحا ومحرما غلب التَّحْرِيم. وَمَا تولد من مَأْكُول طَاهِر كذباب باقلاء ودود خل والجبن يُؤْكَل تبعا لَا مُنْفَردا. وَيُبَاح مَا عدا هَذَا كبهيمة النعام والوحوش كزرافة وأرنب ووبر ويربوع نصا وبقر وَحش وحمره وضب وظباء وَبَاقِي الطير كنعام ودجاج وطاووس وببغاء وَهِي الدرة وزاغ وغراب زرع وَيُبَاح حَيَوَان بَحر كُله سوى ضفدع فَيحرم نصا وَاحْتج بِالنَّهْي عَن قَتله واستخباثها فَيدْخل فِي قَوْله تَعَالَى 19 ((وَيحرم عَلَيْهِم الْخَبَائِث)) وَسوى تمساح نصا لِأَن لَهُ نابا يفترس بِهِ وَسوى حَيَّة لِأَنَّهَا من المستخبثات. وَتحرم الْجَلالَة وَهُوَ الَّتِي أَكثر عَلفهَا النَّجَاسَة وَيحرم لَبنهَا وبيضها، وَيكرهُ ركُوبهَا لأجل عرقها حَتَّى تحبس ثَلَاثًا وَتطعم الطَّاهِر وتمنع من النَّجَاسَة طائرا كَانَت أَو بَهِيمَة وَتقدم بعضه فِي إِزَالَة النَّجَاسَة، وَمثله خروف ارتضع من كلبة ثمَّ شرب لنا طَاهِرا. وَيُبَاح أَن يعلف النَّجَاسَة مَا لم يذبح ويحلب قَرِيبا، وَمَا سقى أَو سمد بِنَجس من زرع وثمر فَيحرم نصا حَتَّى يسقى بِمَاء طَاهِر يستهلك عين النَّجَاسَة، وَيكرهُ أكل تُرَاب وفحم وطين وغدة وَأذن قلب، وبصل وثوم وَنَحْوهمَا مَا لم ينضج وَحب ديس بحرم أَهْلِيَّة نصا. وَتكره مذاومة أكل لحم قَالَ فِي شرح الْإِقْنَاع: قلت ومداومة تَركه لِأَن كلا مِنْهُمَا يُورث قسوة الْقلب. انْتهى.

وَلحم منتن ونيء ذكره فِي " الْإِقْنَاع ": وَخَالفهُ فِي " الْمُنْتَهى " فَقَالَ: لَا لحم نيء وَلَا منتن.) وَيحرم ترياق فِيهِ لُحُوم الْحَيَّات أَو الْخمر، وتداو بألبان حمر وكل محرم غير بَوْل إبل. وَسُئِلَ الإِمَام أَحْمد عَن الْخبز فَقَالَ: يُؤْكَل من كل أحد، فَقيل لَهُ عَن الْخبز الَّذِي تَصنعهُ الْمَجُوس فَقَالَ: مَا أَدْرِي. وَمن اضْطر بِأَن خَافَ التّلف إِن لم يَأْكُل نقل 16 (حَنْبَل) : إِذا علم أَن النَّفس تكَاد تتْلف، وَفِي الْمُنْتَخب: أَو مَرضا أَو انْقِطَاعًا عَن الرّفْقَة أَي بِحَيْثُ يَنْقَطِع فَيهْلك كَمَا فِي الرِّعَايَة أكل وجوبا نصا لقَوْله تَعَالَى 19 ((وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة)) قَالَ مَسْرُوق: من اضْطر فَلم يَأْكُل وَلم يشرب فَمَاتَ، دخل النَّار من محرم مُتَعَلق بِأَكْل غير سم وَمُضر مَا مفعول لأكل يسد رمقه بِفَتْح الْمِيم وَالْقَاف أَي بَقِيَّة روحه أَو قوته بعد أكله مَا لم يكن فِي سفر محرم كسفر لقطع طَرِيق أَو زنا وَنَحْو ذَلِك فَإِن كَانَ فِيهِ فَلَا، وَحَيْثُ أُبِيح الْأكل جَازَ التزود إِن خَافَ الْحَاجة، قَالَ فِي الْإِقْنَاع: وَلَيْسَ لَهُ الشِّبَع، كَمَا فَوق الشِّبَع، وَقَالَ الْمُوفق وَتَبعهُ جمَاعَة إِن كَانَت الضَّرُورَة مستمرة جَازَ الشِّبَع وَإِن كَانَت مرجوة الزَّوَال فَلَا. انْتهى. وَيجب تَقْدِيم السُّؤَال على أكله الْمحرم نصا خلافًا الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يجب السُّؤَال وَلَا يَأْثَم وَإنَّهُ ظَاهر الْمَذْهَب. انْتهى. وَإِن وجد ميتَة وَطَعَامًا يجهل مَالِكه أَو وجد ميتَة حَيا أَو ميتَة أَو بيض صيد سليما وَهُوَ محرم قدم الْميتَة، لِأَن فِيهَا جِنَايَة وَاحِدَة وَهُوَ مَنْصُوص عَلَيْهَا وَيقدم عَلَيْهَا لحم صيد ذبحه محرم، وَيقدم على

صيد حى طَعَاما يجهل، وَيقدم مُضْطَر محرم أَو غَيره ميتَة مُخْتَلفا فِيهَا كمتروك التَّسْمِيَة عمدا، وثعلبا ذبح على مجمع على تَحْرِيمهَا. ويتحرى فِي مذكاة اشتبهت بميتة. وَمن لم يجد إِلَّا طَعَام غَيره فربه الْمُضْطَر أَو الْخَائِف أَن يضْطَر أَحَق بِهِ وَلَيْسَ لَهُ إيثاره لِئَلَّا يلقِي بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَة، وَإِن لم يكن مُضْطَرّا لزمَه بذل مَا يسد رمقه فَقَط بِقِيمَتِه نصا وَلَو فِي ذمَّة مُعسر، فَإِن أَبى بذله أَخذه بالأسهل ثمَّ قهرا وَيُعْطِيه عوضه مثله أَو قِيمَته يَوْم أَخذه فَإِن مَنعه فَلهُ قِتَاله عَلَيْهِ فَإِن قتل الْمُضْطَر ضمن رب الطَّعَام بِخِلَاف عَكسه فَإِنَّهُ هدر. وَمن اضْطر إِلَى نفع مَال الْغَيْر مَعَ بَقَاء عينه كَثوب لبرد وحبل ودلو للاستقاء وَجب بذله مجَّانا مَعَ عدم حَاجته. وَمن لم يجد إِلَّا مُبَاح الدَّم كحربي وزان مُحصن ومرتد فَلهُ قَتله وَأكله لَا أكل مَعْصُوم ميت، أَو عضوا من أَعْضَاء نَفسه. وَمن مر بثمرة بُسْتَان لَا حَائِط عَلَيْهِ وَلَا نَاظر فَلهُ الْأكل وَلَو بِلَا حَاجَة مجَّانا من غير صعُود على شَجَرَة وَلَا ضربه أَو رميه بِشَيْء نصا. وَلَا يحمل وَلَا يَأْكُل من جنى إِلَّا لضَرُورَة، وَكَذَا زرع قَائِم وَشرب لبن، وَألْحق جمَاعَة بذلك باقلاء وحمصا أخضرين. قَالَ المنقح: وَهُوَ قوي. وَيلْزم مُسلما لَا ذِمِّيا ضِيَافَة مُسلم لَا ذمِّي مُسَافر لَا مُقيم فِي قَرْيَة لَا مصر يَوْمًا وَلَيْلَة قدر كِفَايَته مَعَ أَدَم، وَفِي الْوَاضِح: لفرسه تبن

لَا شعير. قَالَ فِي الْفُرُوع: وَيتَوَجَّهُ وَجه كأدمه، وَأوجب شَيخنَا الْمَعْرُوف عَادَة، قَالَ: كَزَوْجَة وَقَرِيب ورقيق. انْتهى. وَيجب إنزاله فِي بَيته مَعَ عدم مَسْجِد وَنَحْوه كخان ورباط، فَإِن أَبى فللضيف طلبه بِهِ عِنْد حَاكم، فَإِن تعذر جَازَ لَهُ الْأَخْذ من مَاله بِقدر مَا وَجب لَهُ. وَتسن الضِّيَافَة ثَلَاثَة أَيَّام بلياليهن. وَالْمرَاد يَوْمَانِ مَعَ الْيَوْم الأول، وَمَا زَاد فصدقة. وَأول من أضَاف الضَّيْف إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام. وَلَيْسَ لضيفان قسم طَعَام قدم إِلَيْهِم. وَمن امْتنع من الطَّيِّبَات بِلَا سَبَب شَرْعِي فَهُوَ مُبْتَدع مَذْمُوم، فَإِن كَانَ لسَبَب فِيهِ شَرْعِي كطيب فِيهِ شُبْهَة أَو عَلَيْهِ فِيهِ كلفة فَلَا بدع. وَمَا نقل عَن الإِمَام أَحْمد أَنه امْتنع من أكل بطيخ لعدم علمه بكيفية أكل النَّبِي فكذب، قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين.

فصل

3 - (فصل) . الذَّكَاة لُغَة تَمام الشَّيْء، وَمِنْه الذكاء فِي السن أَي تَمَامه. سمى الذّبْح ذَكَاة لِأَنَّهُ إتْمَام لزهوق الرّوح، وَشرعا ذبح حَيَوَان مَقْدُور عَلَيْهِ مُبَاح أكله يعِيش فِي الْبر. لَا يُبَاح حَيَوَان يعِيش فِي الْبر غير جَراد وَشبهه كالدبا إِلَّا بذكاته بِقطع حلقوم ومريء أَو عقر مُمْتَنع، وَيُبَاح وجراد وَشبهه وسمك وَمَا يعِيش فِي المَاء بِدُونِهَا وَلَا يُبَاح مَا يعِيش فِي المَاء وَالْبر كسلحفاة وسرطان وكلب مَاء إِلَّا بهَا وذكاة سرطان أَو يفعل مَا يَمُوت بِهِ. وَكره الإِمَام 16 (أَحْمد) شي السّمك الْحَيّ لَا الْجَرَاد الْحَيّ وَيحرم بلع السّمك حَيا، ذكره ابْن حزم إِجْمَاعًا، وَفِي الْمُغنِي وَالشَّرْح: وشروطهما أَي الذَّكَاة أَرْبَعَة: أَحدهَا: كَون ذابح أَو ناحر عَاقِلا ليَصِح مِنْهُ قصد التذكية وَلَو معتديا كغاصب أَو مُمَيّزا أَو مكْرها أَو قِنَا أَو أُنْثَى أَو خُنْثَى أَو حَائِضًا أَو نفسَاء أَو فَاسِقًا وَلَو كتابيا حَرْبِيّا أَو من نَصَارَى بني تغلب لَا من أحد أصليه غير كتابي تَغْلِيبًا للتَّحْرِيم، وَلَا ذَبِيحَة وثنى ومجوسي وزنديق ومرتد وسكران.

وَالثَّانِي: الْآلَة وَهِي كل محدد حَتَّى حجر لَهُ حد أَو قصب أَو خشب وَذهب وَفِضة وَعظم غير سنّ وظفر نصا لحَدِيث (مَا أنهر الدَّم فَكل، لَيْسَ السن وَالظفر) مُتَّفق عَلَيْهِ، وَلَو مَغْصُوبًا لعُمُوم الْخَيْر. وَالثَّالِث: قطع حلقوم وَهُوَ مجْرى النَّفس وَقطع مريء بِالْمدِّ وَهُوَ مجْرى الطَّعَام وَالشرَاب وَهُوَ تَحت الْحُلْقُوم سَوَاء كَانَ الْقطع فَوق الغلصمة وَهِي الْموضع الناتيء فِي الْحلق أَو دونهَا وَلَا يشْتَرط قطع شَيْء غَيرهمَا وَلَا إبانتهما بل يَكْفِي قطع الْبَعْض مِنْهُمَا وَلَا يضر رفع يَده إِن عَاد فَأَتمَّ الذَّكَاة على الْفَوْر وَسن قطع الودجين وَلَا يشْتَرط، وهما عرقان محيطان بالحلقوم، وَالْأولَى قطعهمَا خُرُوجًا من الْخلاف فَإِن قطع رَأسه حل سَوَاء كَانَ من جِهَة وَجهه أَو قَفاهُ أَو غَيرهمَا، وَمَا ذبح من قَفاهُ وَلَو عمدا إِن أَتَت الْآلَة على مَحل الذّبْح وَفِيه حَيَاة مُسْتَقِرَّة حل بذلك وَإِلَّا فَلَا، وَمَا أَصَابَهُ سَبَب موت من منخنقة وموقوذة ومتردية ونطيحة وأكيلة سبع ومريضة وَمَا صيد بشبكة أَو فخ أَو أنقذه من مهلكة، إِن ذكاه وَفِيه حَيَاة مُسْتَقِرَّة كترحيك يَده أَو رجله أَو طرف عينه وَنَحْو ذَلِك حل، وَمَا قطع حلقومه أَو أبينت حشوته فوجود حَيَاته كعدمها، وَمَا عجز عَنهُ أَي عَن ذبحه كواقع فِي بِئْر ومتوحش مثل أَن يند الْبَعِير ومترد من علو فَلَا يقدر المذكي على ذبحه يَكْفِي جرحه حَيْثُ كَانَ أَي فِي أَي مَوضِع أمكنه من بدنه وَهَذَا قَول أَكثر الْفُقَهَاء، فَإِن أَعَانَهُ أَي الْجرْح على قَتله غَيره ككون رَأسه الْوَاقِع فِي نَحْو بِئْر فِي المَاء وَنَحْوه مِمَّا يقتل لَو انْفَرد لم يحل لحُصُول الْقَتْل بمبيح وحاظر فغلب الخظر كَمَا لَو اشْترك مُسلم ومجوسي فِي ذبحه.

وَالرَّابِع: قَول باسم الله عِنْد تَحْرِيك يَده أَي الذَّابِح بِذبح، وَذكر جمَاعَة: وَعند الذّبْح قَرِيبا مِنْهُ وَلَو فصل بِكَلَام، كالتسمية على الطَّهَارَة. وَلَا يقوم غَيرهَا مقَامهَا كتسبيح وَنَحْوه، واختص بِلَفْظ الله لِأَن إِطْلَاق التَّسْمِيَة ينْصَرف إِلَيْهِ، ويجزىء بِغَيْر الْعَرَبيَّة وَلَو أحْسنهَا لِأَن الْمَقْصُود ذكر الله تَعَالَى، وَقِيَاسه الْوضُوء وَالْغسْل وَالتَّيَمُّم، بِخِلَاف التَّكْبِير فَإِن الْمَقْصُود لَفظه، وتجزىء إِشَارَة أخرس بِرَأْسِهِ أَو طرفه إِلَى السَّمَاء لقِيَامه مقَام نطقه [وَتسقط] التَّسْمِيَة سَهوا و [لَا] تسْقط هَهُنَا [جهلا] . تَنْبِيه: يضمن أجِير ترك التَّسْمِيَة إِن حرمت الذَّبِيحَة. قَالَ فِي النَّوَادِر: لغير شَافِعِيّ. وَفِي الْفُرُوع: يتَوَجَّه يضمن النَّقْص إِن حلت. انْتهى. وَمن ذكر مَعَ اسْم الله تَعَالَى اسْم غَيره حرم وَلم يحل، وَتحصل ذَكَاة جَنِين مبرح خرج من بطن أمه المذكاة مَيتا وَنَحْوه كَمَا لَو خرج متحركا مَذْبُوح وساء نبت شعره أَو لَا [بِذَكَاة أمه] . وَاسْتحبَّ الإِمَام أَحْمد أَن يذبحه ليخرج دَمه، وَلم يبح مَعَ حَيَاة مُسْتَقِرَّة إِلَّا بذَبْحه نصا. وَلَا يُؤثر جَنِين محرم الْأكل كسمع فِي ذَكَاة أمه الْمُبَاحَة وَهِي الضبع، لِأَن تبع فَلَا يمْنَع حل متبوعة. وَمن وجأ بطن أم جَنِين مسميا فَأصَاب مذبحه فَهُوَ مذكى وَالأُم ميتَة، وكرهت الذَّكَاة بِآلَة كالة، لِأَن الذّبْح بالكالة تَعْذِيب للحيوان، وَكره حَدهَا أَي الْآلَة بِحَضْرَة حَيَوَان مذكى، وَكره سلخ حَيَوَان مذكى وَكسر عنق قبل زهوق نَفسه، وَكره نفخ لحم بيع لِأَنَّهُ

غش، وَسن تَوْجِيهه أَي المذكى إِلَى الْقبْلَة فَإِن كَانَ لغَيْرهَا حل وَلَو عمدا وَكَونه [على شقَّه الْأَيْسَر] ، وَسن رفق بِهِ وَحمل على الْآلَة بِقُوَّة وإسراع بالشحط، وَسن مَعَ قَوْله باسم الله تَكْبِير لما ثَبت أَن النَّبِي كَانَ إِذا ذبح قَالَ (باسم الله وَالله أكبر) وَكَانَ ابْن عمر يَقُوله، وَلَا خلاف أَن قَول (باسم الله) يَكْفِيهِ. وَلَا تسن الصَّلَاة على النَّبِي.

فصل

3 - (فصل) . الصَّيْد مصدر صَاد يصيد، وَشرعا اقتناص حَيَوَان حَلَال متوحش طبعا غير مَقْدُور عَلَيْهِ، وَالْمرَاد بِهِ هَهُنَا المصيود، وَهُوَ مُبَاح إِجْمَاعًا لقَوْله تَعَالَى 19 ((يسئلونك مَاذَا أحل لَهُم قل أحل لكم الطَّيِّبَات وَمَا علمْتُم من الْجَوَارِح مكلبين)) الْآيَة، فَقَالَ رَحمَه الله: الصَّيْد مُبَاح لقاصده وَيكرهُ لهوا، وَهُوَ أفضل مَأْكُول والزراعة أفضل مكتسب، وَأفضل التِّجَارَة فِي بز وعطر وغرس وَزرع وماشية، وأبغضها ورقيق وَصرف، وَأفضل الصِّنَاعَة خياطَة، وَنَصّ الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله أَن كل مَا نصح فِيهِ فَهُوَ حسن وَأَدْنَاهُ حياكة وحجامة وَنَحْوهمَا، وأشدها كَرَاهَة صبغ وصياغة وحدادة وَنَحْوهَا. وَمن أدْرك صيدا مجروحا متحركا فَوق حَرَكَة مَذْبُوح واتسع الْوَقْت لتذكيته لم يبح إِلَّا بهَا وَلَو خشى مَوته وَلم يجد مَا يذكيه بِهِ، وَإِن امْتنع بعدوه فَلم يتَمَكَّن من ذبحه حَتَّى مَاتَ تعبا فحلال بِشُرُوطِهِ الْآتِيَة لِأَنَّهُ غير مَقْدُور عَلَيْهِ أشبه مَا لَو أدْركهُ مَيتا وَإِن لم يَتَّسِع الْوَقْت لتذكيته فكميت يحل بِشُرُوطِهِ.

وشروطه أَي الصَّيْد أَرْبَعَة أَحدهَا: كَون صائد من أهل ذَكَاة أَي تحل ذَبِيحَته وَلَو أعمى، فَلَا يحل صيد شَارك فِي صَيْده من لَا تحل ذَبِيحَته كمجوسي ومتولد بَينه وَبَين كتابي. وَالثَّانِي: الْآلَة وَهِي نَوْعَانِ: أَحدهمَا: آلَة ذَكَاة وَيشْتَرط جرحه بهَا فَإِن قَتله بثقله كشبكة وعصا وفخ وبندقة وَلَو مَعَ شدخ أَو قطع حلقوم ومريء لم يبح، وَمن نصب سكينا أَو منجلا أَو نَحْوهمَا مسميا حل مَا قَتله بِجرح وَلَو بعد موت ناصب أَو ردته، فَإِن لم يقْتله بجرحه لم يحل وَمَا رمى من صيد فَوَقع فِي مَاء أَو تردى من علو أَو وطيء عَلَيْهِ شَيْء وكل ذَلِك مِمَّا يقتل مثله لم يحل وَلَو مَعَه أَي جرحه، وَإِن رَمَاه بالهواء أَو على شَجَرَة حَائِط فَسقط أَو غَابَ مَا عقر وَأُصِيب يَقِينا وَلَو لَيْلًا ثمَّ وجد وَلَو بعد مَوته مَيتا حل كَمَا لَو وجد بِفَم جارحه أَو وَهُوَ يعبث بِهِ أَو فِيهِ سَهْمه. وَلَا يحل مَا وجد أثرا آخر يحْتَمل إعانته على قَتله كَأَكْل سبع. وَيحرم عُضْو أبانه صائد من صيد بمحدد مِمَّا بِهِ حَيَاة مُسْتَقِرَّة لحَدِيث (مَا أبين من حَيّ فَهُوَ ميتَة) ، فَإِن مَاتَ الصَّيْد فِي الْحَال حل كَمَا لَو لم تبْق فِيهِ حَيَاة مُسْتَقِرَّة.

وَالنَّوْع الثَّانِي: من آلَة الصَّيْد مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله أَو جارح معلم سَوَاء كَانَ مِمَّا يصيد كفهد وكلب أَو بمخلبه من الطير كصقر وباز وَنَحْوهمَا غير كلب أسود بهيم وَهُوَ مَا لَا بَيَاض فِيهِ نصا فَيحرم صَيْده نصا كَغَيْر الْمعلم إِلَّا أَن يُدْرِكهُ فِي الْحَيَاة فيذكي، لِأَنَّهُ أَمر بقتْله وَقَالَ: إِنَّه شَيْطَان رَوَاهُ مُسلم، وَيحرم اقتناؤه وتعليمه، وَيسن قَتله وَلَو معلما، وَكَذَا الْخِنْزِير، وَيحرم الِانْتِفَاع، وَفِي الْمُنْتَهى: يُبَاح قَتله أَي الْكَلْب الْأسود البهيم، وَيجب قتل الْعَقُور وَلَو معلما وَيحرم اقتناؤه. قَالَ فِي الغنية: وَيحرم تَركه قولا وَاحِدًا لَا إِن عقرت كلبة من قرب وَلَدهَا أَو خرقت ثَوْبه بل تنقل وَلَا يُبَاح قتل غَيرهمَا، وَهُوَ أَي تَعْلِيم مَا يصيد بنابه ثَلَاثَة أَشْيَاء أَن يسترسل إِذا أرسل وينزجر إِذا زجر قَالَ فِي الْمُغنِي: لَا فِي وَقت رُؤْيَة الصَّيْد، وَمَعْنَاهُ فِي الْوَجِيز وَإِذا أمسك صيدا لم يَأْكُل مِنْهُ وَلَا يعْتَبر تكَرر ذَلِك مِنْهُ، فَلَو أكل بعد لم يخرج عَن كَونه معلما وَلم يحرم مَا تقدم من صَيْده وَلم يبح صيد أكل مِنْهُ، وَيجب غسله مَا أصَاب فَم كلب. وَتَعْلِيم مَا يصيد بمخلبه بِكَسْر الْمِيم كصقر وباز وَنَحْوهمَا بأَمْره أَن يسترسل إِذا أرسل وَيرجع إِذا دعى لَا بترك الْأكل لقَوْل ابْن عَبَّاس: إِذا أكل الْكَلْب فَلَا تَأْكُل وَإِذا أكل الصَّقْر فَكل، رَوَاهُ الْخلال. وَيعْتَبر جرحه فَلَو قَتله بصدم وخنق لم يبح.

وَالثَّالِث: إرسالها أَي الْآلَة حَال كَون الْمُرْسل قَاصِدا للْفِعْل فَلَو احتك صيد بمحدد أَو وَقع عَلَيْهِ محدد فعقره بِلَا قصد أَو استرسل جارح بِنَفسِهِ فَقتل صيدا لم يحل وَمن حصل أَو عشش بِملكه صيد أَو طَائِر لم يملكهُ بذلك. وَيكرهُ صيد بشباش وَهُوَ طَائِر كالبومة تخيط عَيناهُ ويربط، وَأَن يصاد من وَكره لَا صيد الفرخ من وَكره وَلَا الصَّيْد لَيْلًا وَلَا بِمَا يسكر الصَّيْد نصا. وَيُبَاح شبكة وفخ ودبق وكل حِيلَة. وَذكر جمَاعَة يكره بمثقل كبنذق، وَكره الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الرَّمْي ببندق مُطلقًا لنهي عُثْمَان. وَنقل ابْن مَنْصُور وَغَيره لَا بَأْس بِبيع البندق يَرْمِي بِهِ الصَّيْد لَا الْعَبَث. وَالرَّابِع: التَّسْمِيَة أَي قَول باسم الله وتجزى بِغَيْر عَرَبِيَّة وَلَو مِمَّن يحسنها صَححهُ فِي الْإِنْصَاف عِنْد رمي نَحْو سهم أَو عِنْد إرْسَال جارح كذكاة، وَلَا تسْقط التَّسْمِيَة هَهُنَا أَي فِي الصَّيْد بِحَال أَي وَلَو سَهوا بِخِلَاف الذَّكَاة وَلَا يضر تقدم يسير. وَلَو سمى على صيد فَأصَاب غير حل لَا إِن سمى على سهم ثمَّ أَلْقَاهُ وَرمى بِغَيْرِهِ بِخِلَاف مَا لَو سمى على سكين ثمَّ أَلْقَاهَا وَذبح بغَيْرهَا لوُجُود التَّسْمِيَة على الذَّبِيحَة هَهُنَا وَسن تَكْبِير مَعهَا أَي التَّسْمِيَة، أَي قَول (باسم الله وَالله أكبر) كذكاة وَمن أعتق صيدا لم يزل ملكه عَنهُ أَو أرسل بَعِيرًا أَو غَيره كبقرة لم يزل ملكه عَنهُ.

باب الأيمان

(بَاب الْأَيْمَان) . بِفَتْح الْهمزَة وَاحِدهَا يَمِين وَهُوَ الْقسم بِفَتْح الْقَاف وَالسِّين الْمُهْملَة وأصل الْيَمين الْيَد، سمى الْحلف بهَا، لِأَن الْحَالِف يُعْطي يَمِينه فِيهِ وَيضْرب بهَا على يَمِين صَاحبه كَمَا فِي الْعَهْد وَالْمُعَاقَدَة. وَالْحلف على مُسْتَقْبل إِرَادَة تَحْقِيق خبر فِيهِ مُمكن بقوله يقْصد بِهِ الْحَث على فعل الْمُمكن كَقَوْلِه وَالله لأقومن وَنَحْوه، أَو على تَركه كَقَوْلِه: وَالله لَا أزني أبدا، أَو على مَاض إِمَّا (بر) وَهُوَ الصَّادِق أَو (غموس) وَهُوَ الْكَاذِب أَو (لَغْو) وَهُوَ مَا لَا أجر فِيهِ وَلَا إِثْم فِيهِ وَلَا كَفَّارَة. وَالْحلف قد يعْتَبر فِيهِ الْأَحْكَام الْخَمْسَة: فَالْوَاجِب مثل أَن يُنجي إنْسَانا مَعْصُوما من مهلكة وَلَو نَفسه مثل أَن تتَوَجَّه عَلَيْهِ أَيْمَان الْقسَامَة فِي دَعْوَى الْقَتْل عَلَيْهِ وَهُوَ بَرِيء، ومندوب مثل أَن تتَعَلَّق بِهِ مصلحَة من إصْلَاح بَين متخاصمين وَإِزَالَة حقد من قلب مُسلم على الْحَالِف أَو غَيره أَو دفع شَرّ، فَإِن حلف على فعل طَاعَة أَو ترك مَعْصِيّة فَلَيْسَ بمندوب. والمباح كالحلف على فعل الْمُبَاح أَو تَركه أَو على الْخَبَر بِشَيْء هُوَ صَادِق فِيهِ أَو يظنّ أَنه فِيهِ صَادِق.

وَالْمَكْرُوه كالحلف على فعل مَكْرُوه، أَو ترك مَنْدُوب، وَمِنْه الْحلف فِي البيع وَالشِّرَاء وَالْمحرم كالحلف كَاذِبًا عمدا أَو على فعل مَعْصِيّة أَو ترك وَاجِب، وَمَتى كَانَت الْيَمين على فعل وَاجِب كَانَ حنثها محرما وَيجب بره، فَقَالَ رَحمَه الله: تحرم الْأَيْمَان وَلَا تَنْعَقِد بِغَيْر ذَات الله تبَارك وَتَعَالَى نَحْو وَالله وَبِاللَّهِ وتالله، أَو باسم من أَسْمَائِهِ الَّتِي لَا يُسمى بهَا غَيره كالرحمن وَالْقَدِيم والأزلي وَالْأول الَّذِي لَيْسَ قلبه شَيْء وَالْآخر الَّذِي لَيْسَ بعده شَيْء وخالق الْخَالِق ورازق أَو رب الْعَالمين والعالم بِكُل شَيْء وَنَحْو ذَلِك، وَأما مَا يُسمى بِهِ غَيره وإطلاقه ينْصَرف إِلَى الله تَعَالَى كالرحيم والعظيم والرب وَالْمولى وَالسَّيِّد وَنَحْو ذَلِك، فَإِن نوى بِهِ الله تَعَالَى أَو أطلق كَانَ يَمِينا وَإِلَّا فَلَا، أَو أَي وَتحرم الْأَيْمَان بِغَيْر صفة من صِفَاته تَعَالَى كوجه الله تَعَالَى نصا وعظمته وكبريائه وجلاله وعزته وَعَهده وميثاقه وَحقه وأمانته وإرادته وَقدرته وجبروته، أَو أَي وَتحرم الْأَيْمَان بِغَيْر الْقُرْآن الْعَظِيم وَإِن قَالَ: يَمِينا أَو قسما أَو شَهَادَة أَو حلفا أَو ألية أَو عَزِيمَة بِاللَّه تَعَالَى انْعَقَدت يَمِينه

وَكَذَا بالمصحف وَكَلَام الله تَعَالَى أَو سُورَة أَو آيَة مِنْهُ وبالتوراة وَالْإِنْجِيل وَنَحْوهمَا من الْكتب الْمنزلَة، وَقَوله: وأيم الله وَمثله أَيمن الله يَمِين وهمزته همزَة وصل، وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: هُوَ جمع يَمِين وهمزته همزَة قطع فَكَانُوا يحلفُونَ بِالْيَمِينِ فَيَقُولُونَ وَيَمِين الله قَالَه أَو عُبَيْدَة، وَهُوَ مُشْتَقّ من الْيَمين بِمَعْنى الْبركَة، وَقَوله لعمر الله يَمِين أَيْضا، وَعمر بِفَتْح الْعين وَضمّهَا الْحَيَاة والمستعمل فِي الْقسم المفتوح خَاصَّة وَاللَّام للابتداء وَخَبره مَحْذُوف وجوبا أَي قسمي، وَأَقْسَمت أَو أقسم، وَشهِدت أَو أشهد، وَحلفت أَو أَحْلف، وعزمت أَو أعزم وآليت أَو أولى بِاللَّه تَعَالَى يَمِين بِشَرْط أَن يذكر اسْم الله تَعَالَى فِي كل لفظ مِنْهَا كأقسمت بِاللَّه واقسم بِاللَّه وَنَحْوه وَإِلَّا فَلَا يكون يَمِينا بِاللَّه إِلَّا بنية. وَمن حلف بمخلوق كالأولياء والأنبياء والكعبة وَنَحْوهَا حرم وَلَا كَفَّارَة وَعند أَكثر الْأَصْحَاب إِلَّا إِذا حلف بنبينا مُحَمَّد فتستحب الْكَفَّارَة إِن حنث وَنَصّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَة أبي طَالب، لِأَنَّهُ أحد شرطي الشَّهَادَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يصير بهما الْكَافِر مُسلما وَاخْتَارَ ابْن عقيل أَن الْحلف بِغَيْرِهِ من الْأَنْبِيَاء كَهُوَ وَالْأَشْهر لَا تجب بِهِ وَهُوَ قَول أَكثر الْفُقَهَاء لعُمُوم الْأَخْبَار وَيكرهُ حلف بالأمانة كمعق وَطَلَاق. قَالَ فِي الْمُنْتَهى وَفِي

الْإِقْنَاع: كَرَاهَة تَحْرِيم لحَدِيث (من حلف بالأمانة فَلَيْسَ منا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، فَمن حلف يَمِينا وَحنث بهَا وَجَبت عَلَيْهِ أَي الْحَالِف الْكَفَّارَة. ولوجوبها أَرْبَعَة شُرُوط فَلَا تجب مَعَ فقد وَاحِد مِنْهَا: الأول قصد عقد الْيَمين فَلَا تَنْعَقِد لَغوا بِأَن سبق على لِسَانه بِلَا قصد كَقَوْلِه لَا وَالله وبلى وَالله فِي عرض حَدِيثه وَلَا كَفَّارَة فِيهَا، وَالْعرض بِالضَّمِّ الْجَانِب وبالفتح خلاف الطول، وَلَا من نَائِم وَمَجْنُون وَنَحْوهمَا لأَنهم لَا قصد لَهُم. وَالشّرط الثَّانِي: كَونهَا أَي الْيَمين على مُسْتَقْبل مُمكن ليتأتى بره وحنثه بِخِلَاف الْمَاضِي وَغير الْمُمكن فَلَا تَنْعَقِد الْيَمين على مَاض كَاذِبًا عَالما بِهِ أَي بكذبه وَهِي الْغمُوس سميت بِهِ، لِأَنَّهَا تغمس صَاحبهَا فِي الْإِثْم ثمَّ فِي النَّار وَلَا كَفَّارَة فِيهَا. وَلَا تَنْعَقِد إِن حلف على مَاض ظَانّا صدق نَفسه فيبين بِخِلَافِهِ أَي بِخِلَاف ظَنّه وَلَا كَفَّارَة حَكَاهُ ابْن عبد الْبر إِجْمَاعًا لقَوْله تَعَالَى 19 ((لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم)) وَهَذَا مِنْهُ، لِأَنَّهُ يكثر فَلَو وَجب لَهُ كَفَّارَة لشق وَحصل الضَّرَر وَهُوَ مُنْتَفٍ شرعا وَلَا تَنْعَقِد يَمِين علق الْحِنْث فِيهَا على وجود فعل مُسْتَحِيل لذاته كَقَوْلِه وَالله لَا شربت مَاء الْكوز وَلَا مَاء فِيهِ، أَو لغيره كَقَوْلِه: وَالله لَا قتلت فلَانا الْمَيِّت أَو لَا أحييته.

وتنعقد بِحلف على عدم المستحيل كَقَوْلِه وَالله لأشربن مَاء الْكوز وَلَيْسَ فِيهِ مَاء أَو لأرددن أمس أَو لأقتلن فلَانا الْمَيِّت أَو إِن لم أفعل ذَلِك وَنَحْوه وَتجب الْكَفَّارَة عَلَيْهِ فِي الْحَال لِاسْتِحَالَة الْبر فِي المستحيل. وَالشّرط الثَّالِث: كَون حَالف مُخْتَارًا للْيَمِين فَلَا ينْعَقد من مكره عَلَيْهِ. وَالشّرط الرَّابِع: حنثه أَي الْحَالِف بِفعل مَا حلف على تَركه أَو ترك مَا حلف على فعله فَإِن لم يَحْنَث فَلَا كَفَّارَة لِأَنَّهُ لم يهتك حُرْمَة الْقسم، وَلَو كَانَا محرمين كَأَن حلف على ترك الْخمر فَشربهَا أَو صَلَاة فرض فَتَركهَا لوُجُود الْحِنْث حَال كَونه غير مكره، فَلَو حلف لَا يدْخل دَارا فَحمل مكْرها فَدَخلَهَا لم يَحْنَث، لِأَن فعل الْمُكْره لَا ينْسب إِلَيْهِ أَو غير جَاهِل أَو نَاس كَمَا لَو دخل فِي الْمِثَال نَاسِيا ليمينه أَو جَاهِلا أَنَّهَا للمحلوف عَلَيْهَا فَلَا كَفَّارَة، لِأَنَّهُ غير آثم، وَكَذَا إِن فعله مَجْنُونا. وَمن حلف بِاللَّه تَعَالَى لَا يفعل أَو ليفعلن كَذَا إِن شَاءَ الله أَو أَرَادَ الله أَو إِلَّا أَن يَشَاء الله واتصل لفظا أَو حكما كانقطاعه بتنفس أَو سعال لم يَحْنَث فعل أَو ترك بِشَرْط أَن يقْصد لاستثناء قبل تَمام الْمُسْتَثْنى مِنْهُ. وَيسن حنث من حلف وَيكرهُ بر إِذا كَانَت يَمِينه على فعل مَكْرُوه أَو على ترك مَنْدُوب وَعَكسه أَي الحكم كَمَا لَو حلف على ترك مَكْرُوه أَو فعل مَنْدُوب بعكسه أَي فَيكْرَه حنثه وَيسن بره. وَيجب إِن كَانَت على فعل محرم أَو ترك وَاجِب وَعَكسه بعكسه وَمن حلف على فعل وَاجِب أَو ترك محرم حرم حنثه لما فِيهِ من

من ترك الْوَاجِب أَو فعل الْمحرم، وَوَجَب بره، وَمن حلف على فعل محرم أَو ترك وَاجِب، وَجب حنثه؛) لِئَلَّا يَأْثَم بترك الْوَاجِب أَو فعل الْمحرم وَحرم بره. وَيُخَير فِي مُبَاح، وَحفظ الْيَمين فِي أولى من حنثه لقَوْله تَعَالَى 19 ((واحفظوا أَيْمَانكُم)) كَمَا لَو وَجَبت عَلَيْهِ يَمِين وَاجِب عِنْد حَاكم. وَلَا يلْزم محلوفا عَلَيْهِ إبرار قسم كَمَا لَا تلْزمهُ إِجَابَة سُؤال بِاللَّه تَعَالَى بل يسن.

فصل

3 - (فصل) . وَإِن حرم أمته أَو حرم حَلَالا غير زَوْجَة كَقَوْلِه: مَا أحل الله على حرَام وَلَا زَوْجَة لَهُ أَو: هَذَا الطَّعَام عليَّ حرَام، أَو: طَعَامي عَليّ كالميتة وَالدَّم وَنَحْوه، أَو علقه بِشَرْط مثل: إِن أَكلته فَهُوَ عليَّ حرَام، أَو: حرَام عَليّ إِن فعلت كَذَا وَكَذَا وَنَحْوه لم يحرم عَلَيْهِ مَا حرم وَعَلِيهِ كَفَّارَة يَمِين إِن فعله نصا لقَوْله تَعَالَى (قد فرض الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم) يَعْنِي التَّكْفِير، وَعَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر أَن النَّبِي جعل تَحْرِيم الْحَلَال يَمِينا وَمن قَالَ: هُوَ يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ أَو مَجُوسِيّ أَو يعبد الصَّلِيب أَو غير الله تبَارك وَتَعَالَى أَو مُشْرك إِن فعل كَذَا، أَو بَرِيء من الْإِسْلَام أَو من النَّبِي أَو هُوَ كَافِر بِاللَّه تَعَالَى إِن لم يفعل كَذَا فقد ارْتكب محرما وَعَلِيهِ كَفَّارَة يَمِين، إِن فعل مَا نَفَاهُ أَو ترك مَا أثْبته، وَمن أخبر عَن نَفسه بِأَنَّهُ حلف بِاللَّه تَعَالَى وَلم يكن حلف فكذبة لَا كَفَّارَة فِيهَا نصا،

وَتجب الْكَفَّارَة فَوْرًا بحنث نصا لِأَنَّهُ الأَصْل فِي الْأَمر وإخراجها قبله وَبعده سَوَاء وَلَو بِالصَّوْمِ، وَلَا تجزىء قبل حلف إِجْمَاعًا، لِأَنَّهُ تَقْدِيم للْحكم على سَببه كتقديم الزَّكَاة على ملك النّصاب وَيُخَير حَالف فِيهَا أَي فِي كَفَّارَة الْيَمين بَين ثَلَاثَة أَشْيَاء إطْعَام عشرَة مَسَاكِين من جنس وَاحِد أَو أَكثر مَا يجزىء من بر وشعير وتمر وزبيب وأقط، بِأَن أطْعم بَعضهم برا وَبَعْضهمْ تَمرا مثلا أَو كسوتهم كسْوَة تصح بهَا صَلَاة فرض من رجل أَو امْرَأَة [أَو عتق رَقَبَة مُؤمنَة] سليمَة مِمَّا يضر بِالْعَمَلِ ضَرَرا بَينا وَتقدم تَفْصِيله فِي الطَّهَارَة، وتجزىء الْكسْوَة من كتَّان وقطن وصوف ووبر وشعير، وللنساء من حَرِير، لِأَنَّهُ تَعَالَى أطلق كسوتهم فَأَي جنس كساهم خرج بِهِ عَن الْعهْدَة، ويجزيء الْجَدِيد واللبيس مَا لم تذْهب قوته فَإِن عجز من وَجَبت عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين عَن هَذِه الثَّلَاثَة [ك] عجز عَن فطْرَة صَامَ ثَلَاثَة أَيَّام لِلْآيَةِ متتابعة وجوبا لقِرَاءَة ابْن مَسْعُود فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام متتابعة إِن لم يكن عذر فِي التَّتَابُع من نَحْو مرض. ويجزيء أَن يطعم بَعْضًا ويكسو بَعْضًا لَا تَكْمِيل عتق إطْعَام أَو كسْوَة بِأَن أعتق نصف رَقَبَة وَأطْعم أَو كسا خَمْسَة مَسَاكِين، لِأَنَّهُ لم يعْتق رَقَبَة وَلم يطعم أَو يكس عشرَة مَسَاكِين كَبَقِيَّة الْكَفَّارَات. وَمن لَزِمته أَيْمَان مُوجبهَا وَاحِد وَلَو على أَفعَال نَحْو: وَالله لَا دخلت دَار فلَان، وَالله لَا أكلت كَذَا، وَالله لَا لَيست كَذَا وَحنث فِي الْكل قبل

التَّكْفِير فَعَلَيهِ كَفَّارَة وَاحِدَة، وَكَذَا حلف بنذور مكررة. وَإِن وَاخْتلف مُوجبهَا كظهار وَيَمِين بِاللَّه تَعَالَى لزمتاه وَلم تتداخلا. وَمن حلف يَمِينا وَاحِدَة على أَجنَاس مُخْتَلفَة كَقَوْلِه: وَالله لَا ذهب إِلَى فلَان وَلَا كَلمته وَلَا أخذت مِنْهُ فعلت كَفَّارَة وَاحِدَة سَوَاء حنث فِي الْجَمِيع أَو فِي الْجَمِيع أَو فِي وَاحِد وتنحل الْبَقِيَّة، لِأَنَّهَا يَمِين وَاحِدَة وحنثها وَاحِد، وَإِن حلف أيمانا على أَجنَاس كَقَوْلِه: وَالله لَا وهبت كَذَا، وَالله لَا شربت كَذَا، وَالله لَا لبست كَذَا فنحث فِي وَاحِد وَكفر ثمَّ حنث فِي أُخْرَى لَزِمته كَفَّارَة ثَانِيَة لوُجُوبهَا بِالْحِنْثِ بعد أَن كفر عَن الأولى كَمَا لَو وطيء فِي نَهَار رَمَضَان فَكفر ثمَّ وطيء فِيهِ أُخْرَى بِخِلَاف مَا لَو حنث فِي الْكل قبل أَن يكفر. وَلَيْسَ لقن. أَن يكفر بِغَيْر صَوْم يضر بِهِ أَو لَا. وَلَا لسَيِّد مَنعه مِنْهُ وَلَا مَنعه من صَوْم نذر. وَيكفر كَافِر وَلَو مُرْتَدا بِغَيْر صَوْم، لِأَنَّهُ لَا يَصح من الْكَافِر وَيتَصَوَّر عتقه للْمُسلمِ بقوله لمُسلم اعْتِقْ عَبدك عني وعَلى ثمنه فيفعل أَو يكون دَاخِلا فِي ملكه بِنَحْوِ إِرْث ومبنى يَمِين على الْعرف وَهُوَ مَا شهر مجازه حَتَّى غلب على حَقِيقَته كالرواية حَقِيقَة فِي الْجمل يسقى عَلَيْهِ وَعرفا للمزادة، وكالظعينة حَقِيقَة النَّاقة يظعن عَلَيْهَا وَعرفا الْمَرْأَة فِي الهودج، وكالدابة حَقِيقَة مَا دب ودرج وَعرفا الْخَيل وَالْبِغَال وَالْحمير، وكالغائط حَقِيقَة الْمَكَان المطئن من الأَرْض وَعرفا الْخَارِج المستقذر. وكالعذرة حَقِيقَة فنَاء الدَّار وَعرفا الْغَائِط وَنَحْو ذَلِك.

فتتعلق الْيَمين بِالْعرْفِ دون الْحَقِيقَة، لِأَنَّهَا صَارَت مهجورة فَلَا يعرفهَا أَكثر النَّاس، وَتَأْتِي تفاريع ذَلِك فِي الشَّرْح إِن شَاءَ الله. وَيرجع بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول فِيهَا أَي الْيَمين إِلَى نِيَّة حَالف فِي مبناها ابْتِدَاء لَيْسَ بهَا أَي الْيَمين أَو النِّيَّة ظَالِما نصا إِن احتملها أَي النِّيَّة لَفظه الْحَالِف كنيته بِبِنَاء أَو سقف السَّمَاء وبالفراش والبساط الأَرْض وباللباس اللَّيْل، وبنسائي طَوَالِق أَقَاربه النساد، وجواري أَحْرَار سفنه. فَمن دعى لغداء فَحلف لَا يتغدى لم يَحْنَث بغداء غَيره إِن قَصده لاختصاصه بِالْحلف، وَلَا يشرب لَهُ المَاء من عَطش وَنِيَّته أَو السَّبَب قطع منته حنث بِأَكْل خبزه واستعارة دَابَّته وكل مَا فِيهِ منَّة لَا بِأَقَلّ كعقوده فِي ضوء ناره. وَلَا يدْخل دَار فلَان وَقَالَ: نَوَيْت الْيَوْم قبل حكما وَلَا يَحْنَث بِدُخُولِهَا فِي غير ذَلِك الْيَوْم. لَا عدت رَأَيْتُك تدخلين دَار فلَان يَنْوِي منعهَا فَدخلت حنث وَلَو لم يرهَا. فَإِن لم ينْو شَيْئا رَجَعَ إِلَى سَبَب الْيَمين وَمَا هيجها، فَمن حلف ليقضين زيدا حَقه غَدا فقضاه قبله لم يَحْنَث إِذا قصد عدم تجاوزه أَو اقْتَضَاهُ السَّبَب. وَلَا يَبِيع كَذَا إِلَّا بِمِائَة فَبَاعَهُ بِأَكْثَرَ لم يَحْنَث وَإِن بَاعه بِأَقَلّ حنث. وَلَا يَبِيعهُ بِمِائَة فَبَاعَهُ بهَا أَو بِأَقَلّ حنث. وَلَا يدْخل بلد كَذَا لظلم فِيهَا فَزَالَ دَخلهَا. أَو لَا يكلم زيدا لشربه الْخمر فَكَلمهُ وَقد تَركه لم يَحْنَث. وَإِن عدم النِّيَّة وَالسَّبَب رَجَعَ إِلَى التَّعْيِين وَهُوَ الْإِشَارَة فَمن حلف

على دَار [فلَان هَذِه] لَا يدخلهَا فَدَخلَهَا وَقد بَاعهَا أَو وَهبهَا أَو وَهِي فضاء مَسْجِد أَو حمام، أَو لَا لبست هَذِه الْقَمِيص فلبسه وَهُوَ رِدَاء أَو نَحوه، أَو لَا كلمت هَذَا الصَّبِي فَصَارَ شَيخا، أَو كلمت امْرَأَة فلَان هَذِه أَو عَبده أَو صديقه هَذَا فَزَالَ ذَلِك ثمَّ كَلمهمْ، أَو لَا أكلت هَذَا الرطب فَصَارَ تَمرا أَو خلا أَو دبسا أَو لَا شربت هَذَا اللَّبن فَصَارَ جبنا وَأكله حنث فِي الْجَمِيع لبَقَاء الْمَحْلُوف عَلَيْهِ كحلفه: لَا لبست هَذَا الْغَزل فَصَارَ ثوبا. وَإِن عدم النِّيَّة وَالسَّبَب وَالتَّعْيِين رَجَعَ إِلَى مَا يتَنَاوَلهُ الِاسْم وَهُوَ ثَلَاثَة: شَرْعِي فعرفي فلغوي، فاليمين الْمُطلقَة تَنْصَرِف إِلَى الشَّرْعِيّ وتتناول الصَّحِيح مِنْهُ، فَمن حلف لَا يَبِيع أَو لَا يَشْتَرِي وَالشَّرِكَة وَالتَّوْلِيَة وَالسّلم وَالصُّلْح على مَال شِرَاء فعقد عقدا فَاسِدا لم يَحْنَث لَكِن لَو قيد يَمِينه بممتنع الصِّحَّة كحلفه لَا يَبِيع الْخمر ثمَّ بَاعهَا حنث بِصُورَة ذَلِك. وَإِن عدم الشَّرْعِيّ فمبني الْيَمين على الْعرف كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ المُصَنّف رَحمَه الله وَتقدم تَعْرِيفه هُنَاكَ. ولنمثل بعض مَا يتَفَرَّع مِنْهُ حَيْثُ وعدنا بذلك، فَمن حلف لَا يطَأ امْرَأَته أَو أمته حنث بجماعها، وَلَا يطَأ دَارا أَو لَا يضع قدمه فِي دَار فلَان حنث بِدُخُولِهَا رَاكِبًا وماشيا حافيا ومنتعلا، وَلَا يدْخل بَيْتا حنث بِدُخُول بَيت الشّعْر وَالْحمام وَالْمَسْجِد وَبَيت أَدَم والخيمة لَا بِدُخُول صفة دَار ودهليزها، وَلَا يضْرب فُلَانُهُ فخنقها أَو عضها أَو نتف شعرهَا حنث لَا إِن عضها للتلذذ وَلم يقْصد تأليمها. وَإِن عدم الْعرف رَجَعَ إِلَى اللُّغَة، فَمن حلف لَا يَأْكُل لَحْمًا حنث بِكُل لحم حَتَّى بالمحرم كالميتة وَالْخِنْزِير لَا بِمَا لَا يُسمى لَحْمًا كالمخ

والكلية والشحم والمرق وَنَحْوه إِلَّا بنية اجْتِنَاب الدسم فَيحنث بذلك كُله. وَلَا يَأْكُل شحما فَأكل شَحم الظّهْر أَو الْجنب أَو سمينهما أَو الإلية أَو السنام حنث. وَلَا يَأْكُل لَبَنًا فَأَكله وَلَو من أكل صيد أَو آدمية حنث، وَلَا يشرب من لبن آدمية فَشرب مِنْهُ وَهِي ميتَة حنث وَتقدم فِي الرَّضَاع لَا زبدا وَسمنًا أَو كشكا أَو مصلا أَو جبنا أَو أقطا، والأقط بِكَسْر الْقَاف اللَّبن المجفف وَتقدم تَعْرِيفه بأبسط من هَذَا فِي زَكَاة الْفطر. وَلَا يَأْكُل زبدا أَو سمنا مأكل الآخر وَلم يظْهر فِيهِ طعمه، أَو لَا يأكلهما فَأكل لَبَنًا لم يَحْنَث. وَلَا يَأْكُل بيضًا أَو رَأْسا حنث بِأَكْل رَأس طير وسمك وجراد وبيض ذَلِك. وَلَا يَأْكُل من هَذَا الدَّقِيق فاستفه أَو خبزه وَأكله حنث. وَلَا يَأْكُل فَاكِهَة حنث بِأَكْل بطيخ وثمر شجر غير بري كبلح وعنب ورمان وَلَو يَابسا كصنوبر وعناب وَجوز ولوز وبندق وَنَحْوه، لِأَن اليبس لَا يُخرجهُ من كَونه فَاكِهَة، وَلَا يَحْنَث بِأَكْل قثاء وَخيَار وزيتون وبلوط وبطم وزعرور بِضَم الزَّاي أَحْمَر بِخِلَاف أَبيض، وَلَا يَأْكُل مَا يكون بِالْأَرْضِ كجزر ولفت وفجل وَنَحْوه. وَلَا يَأْكُل رطبا أَو بسرا فَأكل الآخر أَو لَا يَأْكُل تَمرا فَأكل رطبا أَو بسرا أَو دبسا أَو ناطفا لم يَحْنَث. وَلَا يَأْكُل أدما حنث بِأَكْل بيض وشواء وَجبن وملح وتمر وزيتون وَلبن وخل وكل مصطبغ بِهِ أَي مَا جرت الْعَادة بِأَكْل الْخبز بِهِ.

وَلَا يَأْكُل قوتا حنث بِأَكْل خبز وَلحم وتمر وَلبن وكل مَا تبقى مَعَه البنية وَلَا يَأْكُل طَعَاما حنث بِكُل مَا يُؤْكَل وَيشْرب من قوت وأدم وحلوى وَفَاكِهَة وجامد ومائع. لَا بِشرب مَاء ورد وَأكل ورق شَجَرَة وتراب وَنَحْوهمَا. وَلَا يشرب مَاء حنث بِمَاء مالح ونجس لَا بجلاب. وَلَا يَأْكُل مَائِعا فَأَكله بِخبْز أَو لَا يشرب من النَّهر أَو الْبِئْر فاعترف بِإِنَاء وَشرب حنث لَا إِن حلف لَا يشرب من الْكوز فصب مِنْهُ فِي إِنَاء وشربه. وَلَا يَأْكُل من هَذِه الشَّجَرَة حنث بثمرتها فَقَط وَلَو لقطها من تحتهَا، وَلَا يلبس شَيْئا فَلبس ثوبا أَو درعا أَو جوشنا أَو خفا أَو نعلا. وَلَا يدْخل دَارا مُعينَة فَدخل سطحها، أَو لَا يدْخل بَابهَا فتحول وَدخل حنث لَا إِن دخل طاق الْبَاب أَو وقف على حائطها. وَلَا يكلم إنْسَانا حنث بِكَلَام كل إِنْسَان كَبِيرا كَانَ أَو صَغِيرا ذكرا أَو حرا أَو ضدهما حَتَّى بقول تَنَح، أَو اسْكُتْ، لَا بِسَلام من صَلَاة صلاهَا. وَلَا كلمت زيدا فكاتبه أَو راسله حنث مَا لم ينْو مشافهة، لَا إِذا أرتج عَلَيْهِ فِي صَلَاة فَفتح حَالف عَلَيْهِ وَإِن لم يكن إِمَامًا فَلَا يَحْنَث لِأَنَّهُ كَلَام الله عز وَجل وَلَيْسَ كَلَام الْآدَمِيّين.

وَلَا بَدأته بِكَلَام فتكلما مَعًا لم يَحْنَث. وَلَا كَلمته حَتَّى يكلمني أَو يبدأني بِكَلَام فتكلما مَعًا حنث. وَلَا كَلمته زَمنا أَو أمدا أَو دهرا أَو بَعيدا أَو مَلِيًّا أَو طَويلا أَو حقبا أَو وقتا فَأَقل زمَان. لَا كَلمته الْعُمر أَو الْأَبَد أَو الدَّهْر فَكل الزَّمَان. أَو أشهرا أَو شهورا أَو أَيَّامًا فَثَلَاثَة أشهر فِي الْأَوَّلين وَثَلَاثَة أَيَّام فِي الثَّالِثَة. وليضربنه بِمِائَة فجمعها وضربه بهَا ضَرْبَة بر لَا إِن حلف ليضربنه مائَة فجمعها وضربه بهَا وَاحِدَة وَلَو آلمه، لِأَن ظَاهر يَمِينه أَن يضْربهُ مائَة ضَرْبَة ليتكرر ألمه بِتَكَرُّر الضَّرْب. وَإِن حلف لَا يلبس أَو لَا يقوم، أَو لَا يقْعد أَو لَا يُسَافر أَو لَا يطَأ أَو لَا يمسك أَو لَا يُشَارك أَو لَا يَصُوم أَو لَا يحجّ أَو لَا يطوف وَهُوَ متلبس بِمَا حلف لَا يَفْعَله، أَو لَا يدْخل دَارا هُوَ داخلها أَو لَا يضاجعها على فرَاش فضاجعته ودام، أَو لَا يدْخل على فلَان بَيْتا فَخَل فلَان عَلَيْهِ فَأَقَامَ مَعَه حنث فِي الْجَمِيع مَا لم تكن لَهُ نِيَّة كَأَن نوى لَا يلبس ثوبا من غزلها غير مَا هُوَ لابسه أَو غير هَذَا الْيَوْم أَو لَا يُسَافر أَو لَا يطَأ غير هَذِه الْمرة فَيرجع إِلَى نِيَّته، فَإِن لم تكن فَإلَى سَبَب الْيَمين، وَمن حلف لَا يسكن هَذِه الدَّار أَو ليخرجن أَو ليرحلن مِنْهَا لزمَه الْخُرُوج بِنَفسِهِ وَأَهله ومتاعه الْمَقْصُود، فَإِن أَقَامَ فَوق زمن يُمكنهُ الْخُرُوج فِيهِ عَادَة وَلم يخرج حنث، فَإِن لم يجد مسكنا أَو مَا ينْقل مَتَاعه عَلَيْهِ أَو أَبَت زَوجته الْخُرُوج مَعَه وَلم يُمكنهُ إجبارها فَخرج وَحده لم يَحْنَث، وَكَذَا الْبَلَد إِلَّا أَنه يبر بِخُرُوجِهِ وَحده إِذا حلف ليخرجن مِنْهُ، وَلَا يَحْنَث

بِالْعودِ إِلَى الدَّار أَو الْبَلَد إِذا حلف ليخرجن أَو ليرحلن مِنْهَا مَا لم تكن لَهُ نِيَّة أَو قرينَة أَو سَبَب يَقْتَضِي هجران مَا حلف على الرحيل مِنْهُ فَيحنث بعوده، وَالسّفر الْقصير سفر يبر بِهِ من حلف ليسافرن وَيحنث بِهِ من حلف لَا يُسَافر، وَكَذَا النّوم الْيَسِير يبر بِهِ من حلف لينًا من وَيحنث من حلف لَا ينَام. وَمن حلف لَا ينَام. وَمن حلف لَا يستخدم فلَانا فخدمه وَهُوَ سَاكِت حنث. وَلَا يبات أَو لَا يَأْكُل بِبَلَد كَذَا فَبَاتَ أَو أكل بِخَارِج بنيانها لم يَحْنَث. وَفعل الْوَكِيل كالموكل، فَمن حلف لَا يفعل كَذَا فَوكل فِيهِ من يَفْعَله حنث وليشربن هَذَا المَاء أَو ليضربن غُلَامه إِذا أَو فِي غَد أَو أطلق بِأَن لم يُقيد بِوَقْت فَتلف الْمَحْلُوف عَلَيْهِ وَلَو بِغَيْر اخْتِيَاره قبل الْغَد أَو فِيهِ قبل الشّرْب أَو الضَّرْب حنث حَال تلف الْمَحْلُوف عَلَيْهِ لَا إِن جن حَالف قبل الْغَد حَتَّى خرج الْغَد، وَإِن أَفَاق قبل خُرُوجه حنث إِن أمكنه فعله أَو لَا أَو مَاتَ قبل الْغَد أَو أكره على ترك شربه أَو ضربه حَتَّى خرج الْغَد.

فصل

3 - (فصل) . النّذر لُغَة الْإِيجَاب، يُقَال: فلَان نذر دم فلَان، أَي أوجب قَتله، وَشرعا إِلْزَام مُكَلّف مُخْتَارًا وَلَو كَافِرًا بِعبَادة نصا نَفسه لله بِكُل قَول يدل على الِالْتِزَام. نَفسه مفعول ثَان لإلزام غير لَازم بِأَصْل الشَّرْع وَلَا محَال. بِخِلَاف: لله على أَن أجمع بَين ضدين فَلَا ينْعَقد. وَأَجْمعُوا على صِحَّته ولزومه وَالْوَفَاء بِهِ قَالَ الله تَعَالَى 19 ((يُوفونَ بِالنذرِ)) وَقَالَ تَعَالَى 19 ((وليوفوا نذورهم)) وَحَدِيث عَائِشَة (من نذر أَن يُطِيع الله فليطعمه وَمن نذر أَن يعصيه فَلَا يَعْصِهِ) رَوَاهُ الْجَمَاعَة إِلَّا مُسلما. فَقَالَ رَحمَه الله النّذر مَكْرُوه لحَدِيث (النّذر لَا يَأْتِي بِخَير، وَإِنَّمَا يسْتَخْرج بِهِ من مَال الْبَخِيل) وَقَالَ ابْن حَامِد وَغَيره: لَا يرد قَضَاء. وَلَا يَصح النّذر إِلَّا من مُكَلّف مُخْتَارًا وَلَو كَافِرًا

وَالنّذر المنعقد سِتَّة أَنْوَاع أَحْكَامهَا مُخْتَلفَة: أَحدهَا: النّذر [الْمُطلق] ك قَوْله لله على نذر أَو إِن فعلت كَذَا فَللَّه على نذر وَالْحَال أَنه لَا نِيَّة لحالف بِشَيْء ف عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين إِن فعله أَي فعل مَا علق عَلَيْهِ نَذره النَّوْع الثَّانِي: نذر لجاج وَغَضب. وَهُوَ تَعْلِيقه أَي النّذر بِشَرْط يقْصد الْمَنْع مِنْهُ أَي من فعل الشَّيْء أَو يقْصد الْحمل عَلَيْهِ، فَالْأول: ك قَوْله إِن كلمتك فعلى كَذَا أَي حج أَو صَوْم سنة أَو عتق وَنَحْو ذَلِك. وَالثَّانِي: إِن لم أخْبرك بِكَذَا فعلى كَذَا فَيُخَير بَين فعله وَكَفَّارَة يَمِين وَلَا يضر قَوْله: على مَذْهَب من يلْزمه بذلك. أَو: لَا أقلد من يرى الْكَفَّارَة، وَمن علق صَدَقَة شَيْء بِبيعِهِ وعلقها آخر بِشِرَائِهِ فَاشْتَرَاهُ كفر كل وَاحِد كَفَّارَة يَمِين نصا كَمَا لَو حلف وَحنث. النَّوْع الثَّالِث نذر فعل مُبَاح ك قَوْله لله على أَن ألبس ثوبي أَو أركب دَابَّتي وَنَحْوه فَيُخَير أَيْضا بَين فعله وَكَفَّارَة يَمِين. النَّوْع الرَّابِع نذر فعل مَكْرُوه ك نذر طَلَاق وَنَحْوه كَأَكْل ثوم وبصل وَنَحْوهمَا فالتكفير فِي حَقه أولى من فعله. النَّوْع الْخَامِس نذر فعل مَعْصِيّة وَهُوَ من مُفْرَدَات الْمَذْهَب فَينْعَقد على الْأَصَح كشرب خمر وَصَوْم يَوْم عيد أَو حيض أَو أَيَّام تَشْرِيق أَو ترك وَاجِب فَيحرم الْوَفَاء بِهِ وَيجب التَّكْفِير على من لم يَفْعَله وَيَقْضِي غير يَوْم حيض. وَمن نذر ذبح مَعْصُوم حَتَّى نَفسه فَعَلَيهِ كَفَّارَة يَمِين فَقَط.

وتتعدد الْكَفَّارَة على من نذر ذبح وَلَده بِتَعَدُّد ولد لِأَنَّهُ مُفْرد مُضَاف فَيعم مَا لم ينْو معينا. النَّوْع السَّادِس نذر تبرر كَصَلَاة وَصِيَام واعتكاف وَحج وَعمرَة وزيارة أَخ فِي الله تَعَالَى وعيادة مَرِيض وشهود جَنَازَة بِقصد التَّقَرُّب بذلك مُطلقًا أَي غير مُعَلّق بِشَرْط أَو مُعَلّقا بِشَرْط وجود نعْمَة أَو دفع نقمة كَقَوْلِه إِن شفى الله مريضي أَو سلم مَالِي فَللَّه عَليّ كَذَا فَيلْزم الْوَفَاء بِهِ أَي النّذر. وَيجوز إِخْرَاج مَا نذر من الصَّدَقَة وَفعل مَا نذر من الطَّاعَة قبل وجود مَا علق عَلَيْهِ لوُجُود سَببه وَهُوَ النّذر كإخراج كَفَّارَة يَمِين قبل حنث وَمن نذر الصَّدَقَة بِكُل مَاله بِقصد الْقرْبَة أجزاه أَي النَّاذِر ثلثه يَوْم نذر يتَصَدَّق بِهِ وَلَا كَفَّارَة نصا. وببعض مَاله مُسَمّى كَنِصْف وَنَحْوه لزمَه مَا سَمَّاهُ. وَمن حلف أَو نذر لَا رددت سَائِلًا، فَهُوَ كمن حلف أَو نذر الصَّدَقَة بِمَالِه فيجزئه الصَّدَقَة بِثُلثِهِ، فَإِن لم يتَحَصَّل لَهُ إِلَّا مَا يَحْتَاجهُ فَعَلَيهِ كَفَّارَة يَمِين وَإِن تحصل لَهُ فَوق مَا يَحْتَاجهُ تصدق بِثلث الزَّائِد عَن حَاجته. وحبه بر وَنَحْوهَا لَيست سُؤال السَّائِل وَحَدِيث (اتَّقوا النَّار وَلَو بشق تَمْرَة) يدل على إِجْزَاء نصف التمرة وَنَحْوهَا فَأكْثر لَا أقل. وَمن قَالَ: إِن ملكت مَال فلَان فعلي تصدق بِهِ فملكه بِكَمَالِهِ يُجزئهُ ثلثه.

وَمن حلف فَقَالَ: عليَّ الرَّقَبَة لَا فعلت كَذَا فَحنث فَعَلَيهِ كَفَّارَة يَمِين كالحلف بِاللَّه تَعَالَى أَو أَي وَمن نذر صَوْم شهر وَأطلق وَنَحْوه كجمعة لزمَه التَّتَابُع، لِأَن إِطْلَاق الشَّهْر يَقْتَضِيهِ سَوَاء صَامَ شهرا هلاليا أَو ثَلَاثِينَ يَوْمًا بِالْعدَدِ، وَإِن قطعه بِلَا عذر استأنفه، وبعذر يُخَيّر بَين الِاسْتِئْنَاف بِلَا كَفَّارَة وَبَين الْبناء وَيتم ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَيكفر. وَإِن عين الشَّهْر كربيع مئلا لزمَه تتَابع أَيْضا، فَإِن أفطر لغير عذر حرم وَلَزِمَه اسْتِئْنَاف الصَّوْم مَعَ كَفَّارَة يَمِين لفَوَات الْمحل، ولعذر يَبْنِي على مَا مضى وَكفر لفَوَات التَّتَابُع، وَالْفطر فِي السّفر لَا يقطعهُ. وَمن نذر صَوْم سنة مُعينَة لم يدْخل فِي نَذره شهر رَمَضَان وَيَوْم الْعِيدَيْنِ وَأَيَّام التَّشْرِيق. وَنذر اعْتِكَاف كَصَوْم على مَا تقدم تَفْصِيله وَلَا يلْزمه التَّتَابُع نصا، وَلَا يلْزمه التَّتَابُع نصا إِن نذر أَن يَصُوم أَيَّامًا مَعْدُودَة وَلَو ثَلَاثِينَ إِلَّا بِشَرْط بِأَن يَقُول متتابعة. وَمن نذر صوما مُتَتَابِعًا غير معِين فَأفْطر لمَرض يجب مَعَه الْفطر أَو الْحيض خير بَين الِاسْتِئْنَاف وَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَبَين الْبناء وَيكفر. وَإِن أفطر فِيهِ لسفر أَو بِمَا يُبِيح الْفطر مَعَ الْقُدْرَة على الصَّوْم كَمَرَض يجوز مَعَه لم يَنْقَطِع التَّتَابُع صَححهُ فِي الْإِنْصَاف وَقَالَ ابْن المنجا: يَجِيء على قَول الْخرقِيّ يُخَيّر بَين الِاسْتِئْنَاف وَبَين الْبناء وَالْكَفَّارَة كَمَا تقدم، قَالَ فِي الْإِنْصَاف: وَهُوَ ظَاهر كَلَام الْخرقِيّ وَالْأَصْحَاب لعدم تفريقهم فِي ذَلِك. قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى لمؤلفة: وَهَذَا الْأَخير لَا يعدل عَنهُ فَإِنَّهُ

لَا وَجه لكَون الْمَرَض الَّذِي يجب مَعَه الْفطر يقطع التَّتَابُع، وَالْفطر فِي السّفر لَا يقطعهُ. انْتهى. وَإِن أفطر بِغَيْر عذر يلْزمه أَن يسْتَأْنف بِلَا كَفَّارَة. وَمن نذر صوما فعجز عَنهُ لكبر أَو مرض لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ أَو نَذره حَال عَجزه أطْعم لكل يَوْم مِسْكينا وَكفر كَفَّارَة يَمِين. وَإِن نذر صَلَاة وَنَحْوهَا وَعجز فَعَلَيهِ الْكَفَّارَة فَقَط، وطوافا أَو سعيا فأقله أُسْبُوع. وَسن الْوَفَاء بالوعد وَلَا يلْزمه نصا وَحرم الْوَعْد بِلَا اسْتِئْنَاف لقَوْله تَعَالَى (وَلَا تقولن لشَيْء إِنِّي فَاعل ذَلِك إِذا إِلَّا أَن يَشَاء الله) أَي لَا تقولن ذَلِك إِلَّا مُعَلّقا بِأَن يَشَاء الله عز وَعظم سُلْطَانه.

كتاب القضاء

(كتاب الْقَضَاء) كتاب الْقَضَاء والفتيا. وَهِي مصدر من أفتى يُفْتِي إِفْتَاء، وَهِي تَبْيِين الحكم الشَّرْعِيّ. وَيَنْبَغِي للمستفتي حفظ الْأَدَب مَعَ الْمُفْتِي ويجله ويعظمه وَلَا يسْأَل عِنْد هم أَو ضجر وَنَحْوه، وَلَا يلْزمه جَوَابه مَا لم يَقع، وَلَا مَا لَا يحْتَملهُ سَائل، وَلَا مَا لَا نفع فِيهِ، وَحرم تساهل مفت فِي الافتاء، وتقليد مَعْرُوف بالتساهل، ويقلد الْعدْل الْمُجْتَهد وَلَو مَيتا. وَيجوز تَقْلِيد مفضول من الْمُجْتَهدين مَعَ وجود أفضل مِنْهُ. وَهُوَ أَي الْقَضَاء لُغَة: إحكام الشَّيْء والفراغ مِنْهُ، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (وقضينا إِلَى بني إِسْرَائِيل فِي الْكتاب لتفسدن فِي الأَرْض مرَّتَيْنِ) أَي أمضينا وأنهينا. وَشرعا تَبْيِين الحكم الشَّرْعِيّ والإلزام بِهِ وَفصل الْخُصُومَات. وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى 19 ((يَا دَاوُد إِنَّا جعلناك خَليفَة فِي الأَرْض فاحكم بَين النَّاس بِالْحَقِّ وَلَا تتبع الْهوى)) وَقَوله تَعَالَى 19 ((فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شجر بَينهم)) وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام (إِذا اجْتهد الْحَاكِم فَأصَاب فَلهُ أَجْرَانِ وَإِن أَخطَأ فَلهُ أجر) مُتَّفق عَلَيْهِ.

وَهُوَ فرض كِفَايَة لِأَن أَمر النَّاس لَا يَسْتَقِيم بِدُونِهِ كالإمامة وَالْجهَاد فِيهِ فضل عَظِيم لمن قوى عَلَيْهِ وَأَرَادَ الْحق فِيهِ، فينصب الإِمَام وجوبا بِكُل إقليم بِكَسْر الْهمزَة أحد الأقاليم السَّبْعَة قَاضِيا لِأَنَّهُ لَا يُمكن الإِمَام تولي الْخُصُومَات وَالنَّظَر فِيهَا فِي جَمِيع الْبِلَاد، وَلِئَلَّا تضيع الْحُقُوق بتوقف فصل الْخُصُومَات على السّفر لما فِيهِ من الْمَشَقَّة. والأقاليم السَّبْعَة أَولهَا الْهِنْد، الثَّانِي الْحجاز، الثَّالِث مصر، الرَّابِع بابل، وَالْخَامِس الرّوم وَالشَّام، السَّادِس بِلَاد التّرْك، السَّابِع بِلَاد الصين. كَذَا ذكر بَعضهم. ويختار الإِمَام لُزُوما لذَلِك أفضل من يجد علما وورعا لِأَن الإِمَام ينظر للْمُسلمين فَوَجَبَ عَلَيْهِ تَرْجِيح الْأَصْلَح لَهُم ويأمره بالتقوى لِأَنَّهَا رَأس الْأَمر كُله وملاكه، ويأمره ب تحرى الْعدْل أَي إِعْطَاء الْحق لمستحقه بِلَا ميل، لِأَنَّهُ الْمَقْصُود من الْقَضَاء، وَيجب على من يصلح للْقَضَاء إِذا طلب وَلم يُوجد غَيره من يوثق بِهِ أَن يدْخل فِيهِ إِن لم يشْغلهُ عَمَّا هُوَ أهم مِنْهُ فَلَا يلْزمه إِذن لحَدِيث (لَا ضَرَر) وَمَعَ وجود غَيره الْأَفْضَل لَهُ أَن لَا يجب. وَكره طلب الْقَضَاء مَعَ وجود صَالح لَهُ، وَيحرم بذل مَال فِيهِ وَأَخذه، وَهُوَ من أكل أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ. وَيحرم طلبه وَفِيه مبَاشر، وَتَصِح تَوْلِيَة مفضول مَعَ وجود فَاضل، وَشرط لصِحَّة ولَايَة كَونهَا من إِمَام أَو نَائِبه فِيهِ وَمَعْرِفَة أَن الْمولى صَالح. والفاظها الصَّرِيحَة سَبْعَة: وليتك الحكم، وقلدتك، وفوضت،

أَو رددت، أَو جعلت إِلَيْك الحكم، واستخلفتك، واستنبتك فِي الحكم، فَإِذا أَحدهَا وَقبل مولى حَاضر بِالْمَجْلِسِ أَو غَائِب بعد بُلُوغ الْولَايَة أَو شرع الْغَائِب فِي الْعَمَل، وانعقدت. وَالْكِنَايَة نَحْو: اعتمدت، وعولت عَلَيْك، وأسندت. وَلَا تَنْعَقِد بهَا إِلَّا بِقَرِينَة نَحْو فاحكم أَو فَاقْض. وتفيد ولَايَة حكم عَامَّة فصل الْخُصُومَات وَأخذ الْحق مِمَّن هُوَ عَلَيْهِ وَدفعه إِلَى ربه وَالنَّظَر فِي مَال يَتِيم وَمَال مَجْنُون وَمَال سَفِيه لَا ولي لَهُم وَمَال غَائِب وَالنَّظَر فِي وقف عمله ليجري على شَرطه وَغير ذَلِك كالنظر فِي مصَالح طرق عمله وأفنية جمع فنَاء بِكَسْر الْفَاء وَهُوَ مَا اتَّسع أَمَام دور عمله وتنفيذ الْوَصَايَا وتزويج من لَا ولي لَهَا. وَله طلب رزق من بَيت المَال لنَفسِهِ وأمنائه وخلفائه حَتَّى مَعَ عدم الْحَاجة، فَإِن لم يَجْعَل لَهُ شَيْء وَلَيْسَ لَهُ مَا يَكْفِيهِ وَقَالَ: لِلْخَصْمَيْنِ لَا أَقْْضِي بَيْنكُمَا إِلَّا بِجعْل جَازَ الْأَخْذ لَا الْأُجْرَة. وَيجوز للْإِمَام أَن يوليه أَي القَاضِي عُمُوم النّظر فِي عُمُوم الْعَمَل بِأَن يوليه سَائِر الْأَحْكَام فِي سَائِر الْبِلَاد وَيجوز أَن يوليه خَاصّا فِي أَحدهمَا أَو خَاصّا فيهمَا فيوليه عُمُوم النّظر بمحلة خَاصَّة أَو يوليه خَاصّا بمحلة خَاصَّة فَينفذ حكمه فِي مُقيم بهَا وَفِي طاريء إِلَيْهَا من غير أَهلهَا، لِأَنَّهُ يصير من أَهلهَا فِي أَكثر الْأَحْكَام لَا فِي من لَيْسَ مُقيما بهَا وَلَا طارئا إِلَيْهَا، لِأَنَّهُ لم يدْخل تَحت ولَايَته. وَمن عزل نَفسه من إِمَام وقاض ووال ومحتسب وَنَحْوهم انْفَرد، لِأَنَّهُ وَكيل وَقَالَ: صَاحب الرِّعَايَة إِن لم يلْزمه قبُوله. انْتهى

وَلَا يَنْعَزِل بعزل قبل علمه لتَعلق قضايا النَّاس بِهِ فَيشق بِخِلَاف الْوَكِيل فَإِنَّهُ يتَصَرَّف فِي أَمر خَاص. وَمن أخبر بِمَوْت نَحْو قَاض مولى بِبَلَد وَولي وَغَيره فَبَان حَيا لم يَنْعَزِل. وَشرط فِي القَاضِي عشر صِفَات: الأولى وَالثَّانيَِة: مَا أَشَارَ إِلَيْهِمَا بقوله كَون قَاض بَالغا عَاقِلا لِأَن غير الْمُكَلف تَحت ولَايَة غَيره فَلَا يكون وليا على غَيره. وَالثَّالِثَة: كَونه ذكرا لِأَن القَاضِي يحضر محافل الْخُصُومَة وَالرِّجَال وَيحْتَاج فِيهِ إِلَى كَمَال الرَّأْي وَتَمام الْعقل والفطنة، وَالْمَرْأَة نَاقِصَة الْعقل ضَعِيفَة الرَّأْي لَيست أَهلا للحضور فِي محافل الرِّجَال، وَلَا تقبل شهادتها وَلَو كَانَ مَعهَا ألف امْرَأَة مَا لم يكن مَعَهُنَّ رجل. وَالرَّابِعَة: كَونه حرا كُله لِأَن غير مَنْقُوص بِالرّقِّ مَشْغُول بِحُقُوق سَيّده وَلم يكن أَهلا للْقَضَاء كَالْمَرْأَةِ. وَالْخَامِسَة: كَونه مُسلما لِأَن الْإِسْلَام شَرط الْعَدَالَة فَأولى أَن يكون شرطا للْقَضَاء. وَالسَّادِسَة: كَونه عدلا وَلَو تَائِبًا من قذف نصا فَلَا يجوز توليه من فِيهِ نقص يمْنَع قبُوله الشَّهَادَة. وَالسَّابِعَة: كَونه سميعا لِأَن الْأَصَم لَا يسمع كَلَام الْخَصْمَيْنِ. وَالثَّامِنَة: كَونه بَصيرًا لِأَن الْأَعْمَى لَا يعرف الْمُدعى من الْمُدعى عَلَيْهِ وَلَا الْمقر من الْمقر لَهُ. والتاسعة: كَونه متكلما لِأَن الْأَخْرَس لَا يُمكنهُ النُّطْق بالحكم وَلَا يفهم جَمِيع النَّاس إِشَارَته.

الْعَاشِر: كَونه مُجْتَهدا قَالَ فِي الْفُرُوع: إِجْمَاعًا ذكره ابْن حزم لقَوْله تَعَالَى (لتَحكم بَين النَّاس بِمَا أَرَاك الله) وَإِنَّهُم أَجمعُوا لِأَنَّهُ لَا يحل لحَاكم وَلَا مفت تَقْلِيد رجل لَا يحكم وَلَا يُفْتِي إِلَّا بقوله لَكِن فِي الإفصاح إِن الْإِجْمَاع انْعَقَد على تَقْلِيد كل من الْمذَاهب الْأَرْبَعَة لِأَن الْحق لَا يخرج عَنْهُم وَلَو كَانَ اجْتِهَاده فِي مَذْهَب إِمَامه للضَّرُورَة بِأَن لم يُوجد مُجْتَهد مُطلق لَا كَونه كَاتبا أَو ورعا أَو زاهدا أَو يقظا أَو مثبتا الْقيَاس أَو حسن الْخلق، وَالْأولَى كَونه كَذَلِك. وَمَا يمْنَع التَّوْلِيَة ابْتِدَاء يمْنَعهَا دَوْمًا إِلَّا فقد السّمع وَالْبَصَر فَمَا ثَبت عِنْده وَهُوَ سميع بَصِير وَلم يحكم بِهِ حَتَّى عمى أَو طرش فَإِن ولَايَة حكمه بَاقِيَة فِيهِ. وَيتَعَيَّن عَزله مَعَ مرض يمْنَع الْقَضَاء. والمجتهد من يعرف الْكتاب وَالسّنة، والحقيقة وَالْمجَاز، وَالْأَمر وَالنَّهْي، والمجمل والمبين، والمحكم والمتشابه، وَالْعَام وَالْخَاص، وَالْمُطلق والمقيد، والناسخ والمنسوخ، والمستثنى مِنْهُ، وصحيح السّنة وسقيمهما، ومتواترها وآحادها ومسندها والمنقطع مِمَّا يتَعَلَّق بِالْأَحْكَامِ، وَالْمجْمَع عَلَيْهِ والمختلف فِيهِ، وَالْقِيَاس وشروطه وَكَيف يستنبط الْأَحْكَام، والعربية المتداولة بالحجاز وَالشَّام وَالْعراق وَمَا يواليهم، فَمن عرف أَكثر ذَلِك فقد صلح للفتيا وَالْقَضَاء لتمكنه من الاستنباط وَالتَّرْجِيح بَين الْأَقْوَال.

قَالَ فِي آدَاب الْمُفْتِي: وَلَا يضرّهُ جَهله بذلك لشُبْهَة أَو إِشْكَال، لَكِن يَكْفِيهِ معرفَة وُجُوه دلَالَة الْأَدِلَّة وَكَيْفِيَّة أَخذ الْأَحْكَام من لَفظهَا وَمَعْنَاهَا. وَزَاد ابْن عقيل: وَيعرف الِاسْتِدْلَال واستصحاب الْحَال وَالْقُدْرَة على إبِْطَال شُبْهَة الْمُخَالف وَإِقَامَة الدَّلِيل على مذْهبه وَإِن حكم إثنان بَينهمَا رجلا يصلح للْقَضَاء بِأَن اتّصف بِمَا تقدم من شُرُوط القَاضِي، قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: الْعشْر الصِّفَات الَّتِي ذكرهَا فِي الْمُحَرر فِي القَاضِي لَا تشْتَرط فِيمَن يحكمه الخصمان فَيحكم بَينهمَا نفذ حكمه فِي كل مَا ينفذ فِيهِ حكم من ولاه إِمَام أَو نَائِبه فَلَا يحل لأحد نقضه حَيْثُ أصَاب الْحق. وَسن كَونه أَي القَاضِي قَوِيا بِلَا عنف لِئَلَّا يطْمع فِيهِ الظَّالِم لينًا بِلَا ضعف لِئَلَّا يهابه المحق حَلِيمًا لِئَلَّا يغْضب من كَلَام الْخصم فيمنعه الحكم، متأنيا من التأني وَهُوَ ضد العجلة لِئَلَّا تُؤدِّي عجلته إِلَى مَا لَا يَنْبَغِي، فطنا لِئَلَّا يخدع من بعض الْخُصُوم لغرة، قَالَ فِي الشَّرْح عَالما بلغَة أهل ولَايَته، عفيفا أَي كافا نَفسه عَن الْحَرَام لِئَلَّا يطْمع فِي ميله بأطماعه، بَصيرًا بِأَحْكَام الْحُكَّام قبله، وسؤاله إِذا ولى فِي غير بَلَده عَن علمائه يشاورهم ويستعين بهم على قَضَائِهِ وَيسْأل عَن عدوله لاستناد أَحْكَامه إِلَيْهِم وَثُبُوت الْحُقُوق عِنْده بهم فَيقبل أَو يرد من يرَاهُ لذَلِك أَهلا وليكون على بَصِيرَة مِنْهُم. وَسن إعلامهم يَوْم دُخُوله ليتلقوه من غير أَن يَأْمُرهُم بتلقيه، ودخوله

يَوْم الْإِثْنَيْنِ أَو الْخَمِيس أَو السبت ضحوة تفاؤلا لاستقبال الشَّهْر لابسا أجمل ثِيَابه وَكَذَا أَصْحَابه وَلَا يتطير، وَإِن تفاءل فَحسن. وَيجب عَلَيْهِ أَي القَاضِي الْعدْل بَين متحاكمين ترافعا إِلَيْهِ فِي لَفظه أَي كَلَامه لَهما وَفِي لَحْظَة أَي ملاحظته وَفِي مَجْلِسه وَفِي دُخُول عَلَيْهِ إِلَّا إِذا سلم أَحدهمَا عَلَيْهِ فَيرد وَلَا ينْتَظر سَلام الآخر، وَإِلَّا الْمُسلم مَعَ الْكَافِر فيتقدم دُخُولا وَيرْفَع جُلُوسًا، وَلَا يكره قِيَامه لِلْخَصْمَيْنِ. وَيحرم أَن يسَار أَحدهمَا أَو يلقنه حجَّته أَو يضيفه أَو يقوم لَهُ دون الآخر، وَله تَأْدِيب خصم افتأت عَلَيْهِ وَلَو لم يُثبتهُ بِبَيِّنَة كَمَا إِذا قَالَ: ارتشيت عَليّ، أَو حكمت عَليّ بِغَيْر الْحق، وَنَحْو ذَلِك، وَيسن أَن يحضر مَجْلِسه فُقَهَاء الْمذَاهب ومشاورتهم فِيمَا يشكل، فَإِن اتَّضَح لَهُ الحكم وَإِلَّا أَخّرهُ حَتَّى يَتَّضِح، فَلَو حكم وَلم يجْتَهد لم يَصح وَلَو أصَاب الْحق، وَحرم على قَاض الْقَضَاء وَهُوَ غَضْبَان غَضبا كثيرا، أَو حاقن أَو فِي شدَّة جوع أَو فِي شدَّة عَطش أَو هم أَو ملل أَو كسل أَو نُعَاس أَو برد مؤلم أَو حر مزعج لِأَن ذَلِك كُله فِي معنى الْغَضَب، لِأَنَّهُ يشغل الْفِكر الْموصل إِلَى إِصَابَة الْحق غَالِبا، فَإِن خَالف وَحكم على هَذِه الْحَالة فَأصَاب الْحق نفذ. وَكَانَ للنَّبِي الْقَضَاء مَعَ ذَلِك، لِأَنَّهُ لَا يجوز عَلَيْهِ غلط يقر عَلَيْهِ قولا وفعلا فِي حكم.

وَحرم عَلَيْهِ قبُول رشوة بِتَثْلِيث الرَّاء وقبوله هَدِيَّة من غير من كَانَ يهاديه قبل ولَايَته وَالْحَال أَنه لَا حُكُومَة لَهُ فَيُبَاح لَهُ أَخذهَا لانْتِفَاء التُّهْمَة إِذا كَانَت، وردهَا أولى. وَقَالَ 16 (القَاضِي) : يسْتَحبّ لَهُ التَّنَزُّه عَنْهَا. وَيكرهُ بَيْعه وشراؤه إِلَّا بوكيل لَا يعرف بِهِ. وَلَيْسَ لَهُ وَلَا لوال أَن يتجر. وَسن لَهُ عِيَادَة الْمَرِيض وشهود الْجَنَائِز وتوديع حَاج وغاز مَا لم يشْغلهُ، وَهُوَ فِي الدَّعْوَات للولائم كَغَيْرِهِ، وَلَا يُجيب قوما ويدع قوما بِلَا عذر، ويوصي الوكلاء والأعوان بِبَابِهِ بالرفق بالخصوم وَقلة الطمع ويجتهد أَن يَكُونُوا شُيُوخًا وكهولا من أهل الدّين والعفة والصيانة. وَيُبَاح أَن يتَّخذ لَهُ كَاتبا. وَشرط كَونه مُسلما عدلا، وَسن كَونه حَافِظًا عَالما، وَيجْلس بِحَيْثُ يُشَاهد القَاضِي. وَلَا ينفذ حكمه أَي القَاضِي على عدوه كَالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بل يُفْتِي عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا إِلْزَام بالفتيا بِخِلَاف الْقَضَاء، وَلَا ينفذ حكمه وَلَا يَصح لنَفسِهِ وَلَا لمن لَا تقبل شَهَادَته أَي القَاضِي لَهُ كزوجته وعمودي نسبه وَمن استعداده أَي القَاضِي على خصم فِي الْبَلَد بِمَا تتبعه الهمة لزمَه أَي القَاضِي إِحْضَاره أَي الْخصم وَلَو لم يحرر المستعدى الدَّعْوَى نصا. وَمن طلبه خَصمه أَو حَاكم حَيْثُ يلْزمه إِحْضَاره بِطَلَبِهِ مِنْهُ لمجلس الحكم لزمَه الْحُضُور وَإِلَّا أعلم القَاضِي الْوَالِي بامتناعه فَأحْضرهُ وَمن حضر وَثَبت امْتِنَاعه فللقاضي تأديبه بِمَا يرَاهُ. وَلَا يعدي حَاكم فِي مثل مَا

لَا تتبعه الهمة، قَالَ فِي عُيُون الْمسَائِل: لَا يَنْبَغِي للْحَاكِم أَن يسمع شكية أحد إِلَّا وَمَعَهُ خَصمه يسمع شكواه وَيرد جوابها. انْتهى. إِلَّا غير امْرَأَة بَرزَة أَي الَّتِي تبرز لقَضَاء حَاجَتهَا، فَإِن استعدى على البرزة حضرت وَلَو بِغَيْر محرم نصا، وَأما غَيرهَا وَهِي المخدرة إِذا استعدى عَلَيْهَا فتوكل كمريض وَنَحْوه مِمَّن لَهُ عذر، وَإِن وَجَبت عَلَيْهَا يَمِين أرسل الْحَاكِم من أَي أَمينا مَعَه شَاهِدَانِ يحلفها بحضرتهما. وَمن ادّعى قبل إِنْسَان شَهَادَة لم تسمع دَعْوَاهُ وَلم يعد عَلَيْهِ وَلم يحلف خلافًا للشَّيْخ تَقِيّ الدّين.

فصل

3 - (فصل) فِي الدعاوي والبينات. وَتَصِح الدَّعْوَى بِالْقَلِيلِ وَلَو لم تتبعه الهمة بِخِلَاف الاستعداء للْمَشَقَّة. وَشرط فِيهَا شُرُوط كَون مُدع ومنكر جائزي التَّصَرُّف، وَشرط أَيْضا تَحْرِير الدَّعْوَى لترتب الحكم عَلَيْهِ، فَلَو كَانَت بدين على الْمَيِّت ذكر مَوته وحرر الدّين والتركة، وَشرط مدعى بِهِ ليتَمَكَّن الْحَاكِم من الْإِلْزَام بِهِ إِذا ثَبت إِلَّا فِيمَا أَي شَيْء نصححه حَالَة كَونه مَجْهُولا كوصية بِمَجْهُول بِأَن يدعى أَنه أوصى لَهُ بداية أَو بِشَيْء وَنَحْو ذَلِك وَإِلَّا فِي الْإِقْرَار بِمَجْهُول وخلع وَطَلَاق على مَجْهُول فَإِن ادّعى الْمُدعى عقدا وَلَو غير النِّكَاح كَبيع وَإِجَارَة ذكر شُرُوطه، أَو ادّعى إِرْثا ذكر سَببه وجوبا لاخْتِلَاف أَسبَاب الْإِرْث أَو ادّعى محلى بِأحد النَّقْدَيْنِ أَي الذَّهَب وَالْفِضَّة قومه بِالْآخرِ، فَإِن ادّعى محلى بِذَهَب قومه بِفِضَّة وَإِن ادّعى محلى بِفِضَّة قومه بِذَهَب لِئَلَّا يُفْضِي بِجِنْسِهِ إِلَى الرِّبَا.

قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى: قلت وَكَذَا لَو ادّعى مصوغا من أَحدهمَا صياغة مُبَاحَة تزيد بهَا قِيمَته عَن وَزنه أَو تَبرأ تخَالف قِيمَته وَزنه. انْتهى. أَو ادّعى محلى بهما أَي بالنقدين ف يقومه بِأَيِّهِمَا شَاءَ لانحصار الثمنية فيهمَا، وَإِذا ثَبت أعْطى عرُوضا. وَمن ادّعى عَلَيْهِ بِعَين اشْترط حُضُورهَا بِمَجْلِس الحكم لتعين بِالْإِشَارَةِ فَإِن كَانَت غَائِبَة وصفهَا كصفة السّلم. وَشرط كَون الدَّعْوَى منفكة عَمَّا يكذبها، فَلَا تصح أَن قتل أَو سرق من عشْرين سنة وَسنة دونهَا، وَنَحْو ذَلِك. وَإِذا حررها الدَّعْوَى الْمُدعى فَإِن أقرّ الْخصم أَي الْمُدعى عَلَيْهِ حكم عَلَيْهِ أَي على الْخصم بسؤال مُدع الْحَاكِم الحكم عَلَيْهِ لِأَن الْحق لَهُ فَلَا يَسْتَوْفِيه الْحَاكِم إِلَّا بمسئلته فَإِن ادّعى الْبَرَاءَة لم يلْتَفت لقَوْله بل يحلف الْمُدعى على نفي فعل مَا زَعمه وَيلْزمهُ بِالْحَقِّ إِلَّا أَن يُقيم بَيِّنَة ببراءته. وَإِن أنكر الْخصم ابْتِدَاء بِأَن قَالَ لمدع قرضا أَو ثمنا: مَا أَقْرضنِي وَمَا بَاعَنِي وَلَا يسْتَحق عليَّ شَيْئا مِمَّا ادَّعَاهُ وَلَا حق لَهُ عَليّ وَالْحَال أَنه لَا بَيِّنَة لمدع [ف] يعْمل [ب] قَوْله أَي الْمُدعى عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ وَلَيْسَ لَهُ استحلافه قبل سُؤال الْمُدعى فَإِن سَأَلَ إحلافه أحلفه وخلى سَبيله، فَإِن حلف أَو أحلفه قبل سُؤال الْمُدعى لم يعْتد بِيَمِينِهِ، فَإِن سَأَلَهَا الْمُدعى أَعَادَهَا لَهُ، وَلَا بُد من سُؤال الْمُدعى طَوْعًا وَله مَعَ الْكَرَاهَة تَحْلِيفه مَعَ علمه بكذبه وَقدرته على حَقه نصا فَإِن نكل مدعى عَلَيْهِ عَن الْيَمين حكم عَلَيْهِ حَاكم بِالنّكُولِ

بسؤال مُدع فِي مَال وَمَا يقْصد بِهِ المَال ويستحلف الْخصم فِي كل حق آدَمِيّ كَبيع وَإِجَارَة وإعارة وقرض وَنَحْوه سوي نِكَاح وَسوى رَجْعَة وَسوى نسب وَنَحْوهَا وَلَا يسْتَحْلف فِي حق من حُقُوق الله تَعَالَى كَحَد زنا وَشرب وَلَا فِي عبَادَة كَصَلَاة وَنَحْوهَا وَكَفَّارَة وَنذر وَنَحْوهمَا وَالْيَمِين الْمَشْرُوعَة لَا تَنْعَقِد إِلَّا بِاللَّه تَعَالَى وَحده أَو ب صفته تَعَالَى كالرحمن وَتقدم ذَلِك فِي الْإِيمَان وَيحكم بِالْبَيِّنَةِ بعد التَّحْلِيف بِأَن قَالَ لَا علم لي بِبَيِّنَة ثمَّ أَتَى بهَا، أَو قَالَ: عَدْلَانِ نَحن نشْهد لَك فَقَالَ: هَذِه بينتي سَمِعت، أَو سَأَلَ إحلافه وَلَا يقيمها فَحلف كَانَ لَهُ إِقَامَتهَا فَإِن قَالَ: مَا لي بَيِّنَة ثمَّ أَتَى بهَا فَلَا تسمع نصا عَلَيْهِ، وَإِن قَالَ: لي بَيِّنَة وَأُرِيد يَمِينه فَإِن كَانَت حَاضِرَة بِالْمَجْلِسِ، فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا إِحْدَاهمَا وَإِلَّا فَلهُ ذَلِك. وَشرط فِي بَيِّنَة عَدَالَة ظَاهرا وَشرط فِي بَيِّنَة غير عقد نِكَاح عَدَالَة بَاطِنا أَيْضا لقَوْله تَعَالَى 19 ((واستشهدوا ذَوي عدل مِنْكُم)) وَقَوله تَعَالَى 19 ((إِذا جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا)) وَالْفَاسِق لَا يُؤمن كذبه فَلَا بُد من الْعلم بهَا. وَلَو قيل إِن الأَصْل فِي الْمُسلمين الْعَدَالَة قَالَ الزَّرْكَشِيّ: لِأَن الْغَالِب الْخُرُوج عَنْهَا. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين نَفَعَنِي الله وَالْمُسْلِمين بِعُلُومِهِ فِي الدّين: من قَالَ إِن الأَصْل فِي الْإِنْسَان الْعَدَالَة فقد أَخطَأ، وَإِن الأَصْل فِيهِ الْجَهْل وَالظُّلم لقَوْله تَعَالَى 19 ((إِنَّه كَانَ ظلوما جهولا)) . انْتهى.

فالفسق وَالْعَدَالَة كل مِنْهُمَا يطْرَأ على الآخر، فتلخيصه أَن الشَّهَادَة فِي غير عقد النِّكَاح لَا بُد فِيهَا من الْعَدَالَة ظَاهرا وَبَاطنا كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ المُصَنّف رَحمَه الله، وَأما فِي عقد النِّكَاح فتكفي فِيهِ الْعَدَالَة ظَاهر وَلَا يبطل لَو كَانَا فاسقين، وَشرط فِي مزك معرفَة جرح وَمَعْرِفَة تَعْدِيل الْخِبْرَة باطنة غير مُتَّهم بعصبية أَو غَيرهَا وَمَعْرِفَة حَاكم خبرته الْبَاطِنَة بِصُحْبَة أَو مُعَاملَة وَنَحْوهمَا وَيَكْفِي قَول مزك: أشهد أَنه عدل، وَلَا يَكْفِي قَوْله: لَا أعلم إِلَّا خيرا، وَتقدم بِبَيِّنَة جرح على بَيِّنَة تَعْدِيل، لِأَن الْجَارِح مُثبت للجرح والمعدل ناف والمثبت مقدم على النَّافِي، وَيَكْفِي فِي التَّزْكِيَة الظَّن بِخِلَاف الْجرْح، فَإِنَّهُ لَا يسمع إِلَّا مُفَسرًا بِمَا يقدم فِي الْعَدَالَة عَن رُؤْيَة فَيَقُول: أشهد أَنِّي رَأَيْته يشرب الْخمر أَو يظلم النَّاس بِأخذ أَمْوَالهم أَو ضَربهمْ أَو يُعَامل بالربا، أَو عَن سَماع بِأَن يَقُول سمعته يقذف، أَو عَن استفاضة فَلَا يَكْفِي أَن يشْهد: أَنه فَاسق أَو لَيْسَ بِعدْل، وَلَا قَوْله بَلغنِي عَنهُ كَذَا، وَمن ثَبت عَدَالَته مرّة لزم الْبَحْث عَنْهَا مَعَ طول الْمدَّة فِي قَضِيَّة أُخْرَى وَإِن لم تطل فَلَا، فَمَتَى جهل حَاكم حَال بَيِّنَة طلب التَّزْكِيَة من الْمُدعى مُطلقًا أَي سَوَاء طلب الْخصم ذَلِك أَو سكت لِأَنَّهَا حق للشَّرْع فطلبها للْحَاكِم فَلَو رَضِي الْخصم أَن يحكم عَلَيْهِ بِشَهَادَة فَاسق لم يجز الحكم بهَا، وَإِن جهل حَاكم لِسَان خصم ترْجم لَهُ من يعرف بِلِسَانِهِ.

وَلَا يقبل فِيهَا أَي التَّزْكِيَة وَلَا فِي جرح وَنَحْوهمَا أَي التَّزْكِيَة وَالْجرْح كرسالة حَيْثُ يُرْسِلهُ حَاكم يبْحَث عَن حَال الشُّهُود، وترجمة وتعريف عَن حَاكم فِي غير مَال كَنِكَاح وَنسب وَطَلَاق وحد قذف وقصاص وَفِي غير زنا ولواط إِلَّا رجلَانِ عَدْلَانِ، وَأما فِي المَال فَيقبل فِيهِ رجلَانِ أَو رجل وَامْرَأَتَانِ، وَفِي الزِّنَا أَرْبَعَة رجال عدُول. وَحكم الْحَاكِم يرفع الْخلاف لَكِن لَا يَزُول الشَّيْء عَن صفته بَاطِنا فَمَتَى حكم لَهُ بِبَيِّنَة زور بزوجية امْرَأَة، فَإِنَّهَا لَا تحل لَهُ ويلزمها فِي الظَّاهِر وَعَلَيْهَا أَن تمْتَنع مِنْهُ مَا أمكنها، فَإِن أكرهها فالإثم عَلَيْهِ دونهَا، ثمَّ إِن وطيء مَعَ الْعلم فكزنا فَيحد وَإِن بَاعَ حنبلي مَتْرُوك التَّسْمِيَة عمدا فَحكم بِصِحَّتِهِ شَافِعِيّ نفذ وَمن ادّعى على غَائِب عَن الْبَلَد مَسَافَة قصر وَلَو فِي غير عمله أَي القَاضِي أَو ادّعى على مستتر فِي الْبَلَد أَو ادّعى على ميت أَو على غير مُكَلّف وَله بَيِّنَة وَلَو شَاهدا فِيمَا يقبل فِيهِ سَمِعت وَحكم بهَا فِي غير حق الله تَعَالَى أما فِي حَقه تَعَالَى فَلَا تسمع وَلَا يحكم على غَائِب وَنَحْوه فِيهِ، فَيَقْضِي فِي سَرقَة ثبتَتْ على غَائِب بغرم مَال مَسْرُوق لِأَنَّهُ حق آدَمِيّ دون قطع لحَدِيث (ادرأوا الْحُدُود بِالشُّبُهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُم) . وَلَا تسمع الدَّعْوَى وَلَا الْبَيِّنَة على غَيرهم أَي غير من ذكر كَمَا لَو كَانَ غَائِبا عَن الْمجْلس أَو عَن الْبَلَد دون مَسَافَة قصر غير مُمْتَنع حَتَّى يحضر بِمَجْلِس الحكم أَو حَتَّى يمْتَنع الْحَاضِر بِالْبَلَدِ

أَو الْغَائِب دون الْمسَافَة عَن الْحُضُور فَتسمع، ثمَّ إِن كَانَ لَهُ مَال وفاه مِنْهُ وَإِلَّا قَالَ للْمُدَّعى إِن عرفت لَهُ مَالا وَثَبت عِنْدِي وفيتك مِنْهُ. وَلَو رفع إِلَيْهِ الْحَاكِم حكم فِي مُخْتَلف فِيهِ نِكَاح امْرَأَة نَفسهَا لَا يلْزمه نقضه صفة لحكم، بِأَن لم يُخَالف نَص كتاب أَو سنة صَحِيحَة أَو إِجْمَاعًا قَطْعِيا لينفذه تَعْلِيل لزمَه أَي الْحَاكِم تنفيذه أَي الحكم وَإِن لم يره. وَإِن غصبه إِنْسَان مَالا جَهرا أَو كَانَ عِنْده عين مَاله فَلهُ أَخذ قدر الْمَغْصُوب جَهرا وَعين مَاله وَلَو قهرا، قَالَ فِي التَّرْغِيب: مَا لم يفض إِلَى فتْنَة، وَلَيْسَ لَهُ أَخذ قدر دينه من مَال مَدين تعذر أَخذ دينه بحاكم لحجر أَو غَيره إِلَّا إِذا تعذر على ضيف أَخذ حَقه بحاكم، أَو منع زوج وَمن فِي مَعْنَاهُ من نَفَقَة فَلهُ الْأَخْذ. وَلَو كَانَ لكل من اثْنَيْنِ على الآخر دين من غير جنسه فَجحد أَحدهمَا دين صَاحبه فَلَيْسَ للْآخر أَن يجْحَد دين الجاحد لدينِهِ لِأَنَّهُ كَبيع دين بدين وَلَا يجوز وَلَو تَرَاضيا فَإِن كَانَ من جنس تقاصا. وَيقبل كتاب قَاض إِلَى قَاض آخر معِين أَو غير معِين فِي كل حق آدَمِيّ كَالْبيع وَالْقَرْض وَالْغَصْب وَالْإِجَارَة وَالرَّهْن وَنَحْوهَا لَا فِي حق الله كَحَد زنا وَشرب وَنَحْوهمَا، وَيقبل كِتَابه فِيمَا حكم بِهِ الْكَاتِب ليفذه الْمَكْتُوب إِلَيْهِ وَلَو كَانَا بِبَلَد وَاحِد، لِأَن الحكم يجب إمضاؤه بِكُل حَال، وَلَا يقبل فِيمَا ثَبت عِنْده أَي الْكَاتِب ليحكم بِهِ الْمَكْتُوب إِلَيْهِ إِلَّا فِي مَسَافَة قصر فَأكْثر، وَذَلِكَ أَن يكْتب قَاض إِلَى آخر معِين

أَو إِلَى من يصل إِلَيْهِ من قُضَاة الْمُسلمين صُورَة الدَّعْوَى الْوَاقِعَة على الْغَائِب، بِشَرْط أَن يقْرَأ ذَلِك على عَدْلَيْنِ وَيعْتَبر ضبطهما لمعناه وَمَا يتَعَلَّق بِهِ الحكم ثمَّ يَدْفَعهُ لَهما وَيَقُول فِيهِ: وَإِن ذَلِك قد ثَبت عِنْدِي، وَإنَّك تَأْخُذ الْحق للْمُسْتَحقّ، فَيلْزم القَاضِي الْموصل إِلَيْهِ ذَلِك الْكتاب الْعَمَل بِهِ، وَإِذا وصل الْكتاب وأحضر الْخصم الْمَذْكُور فِيهِ باسمه وَنسبه وحليته فَقَالَ: مَا أَنا بالمذكور قبل قَوْله بِيَمِينِهِ، فَإِن نكل قضى عَلَيْهِ، وَإِن أقرّ بِالِاسْمِ وَالنّسب أَو ثَبت بِبَيِّنَة فَقَالَ: الْمَحْكُوم عَلَيْهِ غَيْرِي، لم يقبل إِلَّا بِبَيِّنَة تشهد أَن هُنَاكَ آخر وَلَو مَيتا يَقع بِهِ إِشْكَال فَيُوقف حَتَّى يعلم الْخصم. وَإِن مَاتَ القَاضِي الْكَاتِب أَو عزل لم يضر كموت بَيِّنَة أصل.

فصل

3 - (فصل) . وَالْقِسْمَة بِكَسْر الْقَاف اسْم مصدر من قسمت الشَّيْء فانقسم، وَشرعا تَمْيِيز بعض الْأَنْصِبَاء عَن بعض وإفرازها عَنْهَا، وَقسم النَّبِي خَيْبَر على ثَمَانِيَة عشر سَهْما، وَهِي نَوْعَانِ: أَحدهمَا قسْمَة ترَاض وَهِي فِيمَا لَا يَنْقَسِم إِلَّا بِضَرَر على الشُّرَكَاء أَو أحدهم لحَدِيث (لَا ضَرَر وَلَا ضرار) ، أَو لَا يقسم إِلَّا ب رد عوض مِنْهُم أَو من أحدهم لِأَنَّهَا مُعَاوضَة بِغَيْر الرِّضَا كحمام ودور صغَار بِحَيْثُ يتعطل الِانْتِفَاع بهَا إِذا قسمت أَو يقل، وكشجر مُفْرد وَأَرْض بِبَعْضِهَا بِئْر أَو نَحوه لَا يُمكن قسمتهَا بالأجزاء وَالتَّعْدِيل. وَشرط لَهَا أَي الْقِسْمَة رِضَاء كل الشُّرَكَاء لِأَن فِيهَا إِمَّا ضَرَر أَو رد عوض وَكِلَاهُمَا لَا يجْبر الْإِنْسَان عَلَيْهِ. وَحكمهَا أَي هَذِه الْقِسْمَة ك حكم بيع يجوز فِيهَا مَا يجوز فِيهِ لمَالِك ووليه خَاصّا لما فِيهَا من الرَّد وَبِه تصير بيعا لبذل صَاحبه إِيَّاه عوضا عَمَّا حصل لَهُ من حق شَرِيكه وَهَذَا هُوَ البيع.

قَالَ الْمجد: الَّذِي تقرر عِنْدِي فِيمَا فِيهِ رد أَنه بيع فِيمَا يُقَابل الرَّد وإفراز فِي الْبَاقِي. انْتهى. فَلَا يَفْعَلهَا الْوَلِيّ إِلَّا إِن رَآهَا مصلحَة، وَإِلَّا فَلَا كَبيع عقار موليه وَمن دَعَا شَرِيكه [فِيهَا وَفِي شركَة] نَحْو عبد وَسيف وَفرس وَكتاب وَنَحْوه إِلَى بيع أَو دَعَاهُ إِلَى إجَازَة أجبر الْمُمْتَنع على البيع مَعَه فَإِن أَبى أَي امْتنع شَرِيكه بيع أَي بَاعه حَاكم عَلَيْهِمَا أَو أجر الْمُشْتَرك عَلَيْهِمَا أَي الشَّرِيكَيْنِ وَقسم ثمن أَو قسمت أُجْرَة بَينهمَا نصا. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: وَهِي مَذْهَب أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد. الثَّانِي من نَوْعي الْقِسْمَة [قسْمَة إِجْبَار وَهِي مَالا ضَرَر فِيهَا] على أحد الشُّرَكَاء وَلَا رد عوض من وَاحِد على غَيره سميت بذلك لإجبار الْمُمْتَنع فِيهَا إِذا كملت شُرُوطه كمكيل من جنس وَاحِد كالحبوب كلهَا والمائعات وَمَا يُكَال من الثِّمَار كالتمر وَالزَّبِيب وَنَحْوهمَا، أَو من غَيرهَا كالأشنان وك مَوْزُون من جنس وَاحِد كالذهب وَالْفِضَّة وَنَحْوهَا من الجامدات سَوَاء كَانَ ذَلِك مِمَّا مسته النَّار كدبس وخل تمر أَولا كدهن وَلبن وك دور كبار ودكاكين وَأَرْض بساتين وَاسِعَة وَلَو لم تتساو أجزاؤها إِذا أمكنت قسمتهَا بالتعديل بِأَن لَا يَجْعَل شَيْء مَعهَا. وَيشْتَرط لحكم الْحَاكِم بالإجبار على الْقِسْمَة ثَلَاثَة شُرُوط: ثُبُوت ملك الدَّعْوَى، وَثُبُوت أَن لَا ضَرَر فِيهَا، وَثُبُوت إِمْكَان التَّعْدِيل للسهام فِي الْمَقْسُوم بِلَا جعل شَيْء مَعهَا وَإِلَّا فَلَا إِجْبَار فَيجْبر شريك أَو وليه إِن كَانَ مَحْجُورا عَلَيْهِ عَلَيْهَا أَي الْقِسْمَة وَيقسم حَاكم على غَائِب من الشَّرِيكَيْنِ أَو وليه، لِأَن قسْمَة الْإِجْبَار حق

على الْغَائِب فَجَاز الحكم بِهِ كَسَائِر الْحُقُوق بِطَلَب شريط للْغَائِب أَو وليه أَي ولي شريط الْغَائِب أَي إِن لم يكن مُكَلّفا، وَهَذِه الْقِسْمَة إِفْرَاز حق أحد الشَّرِيكَيْنِ من حق الآخر، يُقَال أفرزت الشَّيْء وفرزته إِذا عزلته، من الفرزة وَهِي الْقطعَة، فَكَانَ الْإِفْرَاد اقتطاع لحق أَحدهمَا من الآخر لَا بيع لِأَنَّهَا لَو كَانَت بيعا لم تصح بِغَيْر رضَا الشَّرِيك ولوجبت فِيهَا الشُّفْعَة وَلما لَزِمت بِالْقُرْعَةِ، فَيصح قسم لحم هدى وأضاحي، لَا قسم رطب من شَيْء بيابسه كَأَن يكون بَين اثْنَيْنِ قفيز رطب وقفيز تمر أَو رَطْل لحم نبيء ورطل مشوي لم يجز أَن يَأْخُذ أَحدهمَا التَّمْر وَاللَّحم المشوي وَالْآخر الرطب أَو اللَّحْم النيء لوُجُود الرِّبَا الْمحرم لِأَن حِصَّة كل وَاحِد من الرطب تقع بَدَلا من حِصَّة شَرِيكه من الْيَابِس فَيفوت التَّسَاوِي الْمُعْتَبر فِي بيع الربوى بِجِنْسِهِ. وَيصِح قسم ثَمَر يخرص خرصا، وَقسم مَا يُكَال وزنا وَعَكسه. وَيصِح أَن يتقاسما بأنفسهما وَأَن ينصبا قاسما، لِأَن الْحق لَا يعدوهما وَأَن يسألا حَاكما نَصبه، وَشرط كَون قاسما مُسلما إِذا نَصبه حَاكم وَكَونه عدلا وَكَونه عَارِفًا بِالْقِسْمَةِ ليحصل مِنْهُ الْمَقْصُود مَا لم يرضو بِغَيْرِهِ لِأَن الْحق لَا يعدوهم، وَيَكْفِي قَاسم وَاحِد حَيْثُ لم يكن فِي الْقِسْمَة تَقْوِيم، لِأَنَّهُ كالحاكم وَلَا يَكْفِي مَعَ تَقْوِيم إِلَّا إثنان، لِأَنَّهُ شَهَادَة بِالْقيمَةِ. وتباح أجرته وَهِي بِقدر الْأَمْلَاك نصا وَلَو شَرط خِلَافه قَالَ فِي الْمُنْتَهى، وَقَالَ فِي الْإِقْنَاع: فَإِن اسْتَأْجرهُ كل وَاحِد مِنْهُم بِأَجْر مَعْلُوم

ليقسم نصِيبه جَازَ، وَإِن استأجروه جَمِيعًا إِجَارَة وَاحِدَة بِأُجْرَة وَاحِدَة لزم كل وَاحِد من الْأجر بِقدر نصِيبه من الْمَقْسُوم مَا لم يكن شَرط. انْتهى. وَتسَمى الْأُجْرَة قسَامَة بِضَم الْقَاف وتعدل السِّهَام أَي سِهَام الْقِسْمَة أَي يعدلها الْقَاسِم بالأجزاء أَي أَجزَاء الْمَقْسُوم إِن تَسَاوَت، وَإِلَّا أَي وَإِن لم تتساو بل اخْتلفت فتعدل بِالْقيمَةِ، أَو تعدل ب [الرَّد إِن اقتضته] أَي الرَّد بِأَن لم يُمكن تَعْدِيل السِّهَام بالأجزاء وَلَا بِالْقيمَةِ فيعدل بِالرَّدِّ أَي بِأَن يَجْعَل لمن أَخذ الرَّدِيء أَو الْقَلِيل دَرَاهِم على من يَأْخُذ الْجيد أَو الْأَكْثَر ثمَّ يقرع بَين الشُّرَكَاء لإِزَالَة الْإِبْهَام فَمن خرج لَهُم سهم صَار لَهُ، وَكَيف مَا قرع جَازَ وَتلْزم الْقِسْمَة بهَا أَي الْقرعَة، لِأَن الْقَاسِم كالحاكم وقرعته حكم، نَص عَلَيْهِ، وَلَو كَانَت الْقِسْمَة فِيمَا فِيهِ رد عوض أَو ضَرَر إِذا تَرَاضيا عَلَيْهَا، وَسَوَاء تقاسموا بِأَنْفسِهِم أَو بقاسم، لِأَنَّهَا كَالْحكمِ من الْحَاكِم فَلَا تنقض وَلَا يعْتَبر رضاهم بعْدهَا كَمَا لَا يعْتَبر بعد حكم الْحَاكِم وَإِن خير أَحدهمَا أَي الشَّرِيكَيْنِ الآخر بِأَن قَالَ: لَهُ اختر أَي الْقسمَيْنِ شِئْت، بِلَا قرعه صحت أَي الْقِسْمَة ولزمت برضاهما وتفرقهما بأبدانهما لتفرق متابعين. وَمن ادّعى غَلطا فِيمَا تقاسماه بأنفسهما وأشهدا على رضاهما بِهِ لم يلْتَفت إِلَيْهِ فَلَا تسمع دَعْوَاهُ وَلَا تقتل مِنْهُ وَلَا يحلف غَرِيمه لرضاه بِالْقِسْمَةِ على مَا وَقع إِلَّا أَن يكون مدعى الْغَلَط مسترسلا لَا يحسن المشاحة فِيمَا يُقَال لَهُ فيغبن بِمَا لَا يتَسَامَح فِيهِ عَادَة فَتسمع دَعْوَاهُ وَيُطَالب بِالْبَيَانِ فَإِذا ثَبت غبنه فَلهُ فسخ الْقِسْمَة قِيَاسا على البيع، وَتقبل بِبَيِّنَة فِيمَا قسم

قَاسم حَاكم، وَإِن لم تكن بَيِّنَة حلف مُنكر الْغَلَط لِأَن الأَصْل صِحَة الْقِسْمَة وَأَدَاء الْأَمَانَة، وقاسم نصباه كقاسم حَاكم. وَإِذا تداعيا عينا لم تخل عَن أَرْبَعَة أَحْوَال: أَحدهَا أَن لَا تكون بيد أحد وَلَا ثمَّة ظَاهر وَلَا بَيِّنَة فيتحالفان ويتناصفانها، وَإِن وجد ظَاهر لأَحَدهمَا عمل بِهِ فيأخذها وَيحلف للْآخر. الثَّانِي: أَن تكون بيد أَحدهمَا فَهِيَ لَهُ بِيَمِينِهِ إِن لم تكن بَيِّنَة، فَإِن لم يحلف قضى عَلَيْهِ بِالنّكُولِ. الثَّالِث: أَن تكون بأيديهما كشيء كل مُمْسك لبعضه فيتحالفان ويتناصفانه، فَإِن قويت يَد أَحدهمَا كحيوان وَاحِد رَاكِبه وَآخر سائقه أَو قَمِيص وَاحِد لابسه وَآخر بكمه فَهُوَ للْأولِ بِيَمِينِهِ. وَإِن تنَازع صانعان فِي آلَة دكانهما فآلة كل صَنْعَة لصَاحِبهَا، وَمَتى كَانَ لأَحَدهمَا بَيِّنَة فالعين لَهُ وَلم يحلف فِي الْأَصَح، فَإِن كَانَ لكل مِنْهُمَا بَيِّنَة وتساوتا من كل وَجه تَعَارَضَتَا وتساقطتا فيتحالفان ويتناصفان مَا بأيديهما ويقرعان فِيمَا عداهُ كشيء لَيْسَ بيد أحد أَو بيد ثَالِث وَلم يُنَازع وَاحِد من المدعين فَمن خرجت لَهُ الْقرعَة فَهِيَ لَهُ بِيَمِينِهِ. وَإِن كَانَت الْعين بيد أَحدهمَا فَهُوَ دَاخل وَالْآخر خَارج وَبَيِّنَة الْخَارِج مُقَدّمَة على بَيِّنَة الدَّاخِل، لَكِن لَو أَقَامَ الْخَارِج بية أَنَّهَا ملكه وَأقَام الدَّاخِل بَيِّنَة أَنه اشْتَرَاهَا مِنْهُ قدمت بَينته هَهُنَا لما مَعهَا من زِيَادَة الْعلم. وَإِن أَقَامَ أَحدهمَا بَيِّنَة أَنه اشْتَرَاهَا من فلَان وَأقَام الآخر بَيِّنَة كَذَلِك عملا بأسبقهما تَارِيخا.

وَالرَّابِع: أَن تكون بيد ثَالِث فَإِن ادَّعَاهَا لنَفسِهِ حلف لكل وَاحِد يَمِينا فَإِن نكل أخذاها مِنْهُ مَعَ بدلهَا واقترعا عَلَيْهَا أَي على الْعين وبدلها لِأَن الْمَحْكُوم لَهُ بِالْعينِ غير معِين، وَإِن قَالَ: هِيَ لأَحَدهمَا وأجهله وصدقاه على جَهله بمستحقها مِنْهُمَا لم يحلف وَإِن كذباه حلف يَمِينا وَاحِدَة ويقرع بَينهمَا فَمن قرع وَأَخذهَا نصا. وَالله أعلم بِالصَّوَابِ.

كتاب الشهادات

(كتاب الشَّهَادَات) كتاب الشَّهَادَات وَاحِدهَا شَهَادَة مُشْتَقّ من الْمُشَاهدَة لِأَن الشَّاهِد يخبر عَمَّا شَاهده يُقَال شهد الشَّيْء إِذا رَآهُ هِيَ حجَّة شَرْعِيَّة تظهر الْحق وَلَا توجبه بل الْحَاكِم يلْزم بِهِ بِشَرْطِهِ فَهِيَ الْإِخْبَار بِمَا علمه بِلَفْظ خَاص كشهدت وَأشْهد وَالْأَصْل فِيهَا الْإِجْمَاع لقَوْله تَعَالَى 19 ((واستشهدوا شهيدين من رجالكم)) وَقَوله تَعَالَى 19 ((وَأشْهدُوا ذَوي عدل مِنْكُم)) وَقَوله (شَاهِدَاك أَو يَمِينه) تحملهَا أَي الشَّهَادَة فِي غير حق الله تَعَالَى سَوَاء كَانَ الْحق الْآدَمِيّ مَالا كَالْبيع وقرض وغصب أَو غَيره كَحَد قذف فرض كِفَايَة إِذا قَامَ بِهِ من يَكْفِي سقط عَن غَيره، فَإِن لم يُوجد إِلَّا من يَكْفِي تعين عَلَيْهِ وَلَو عبدا، وَلَيْسَ لسَيِّده مَنعه لقَوْله تَعَالَى 19 ((وَلَا يأب الشُّهَدَاء إِذا مَا دعوا)) . وأداؤها أَي الشَّهَادَة [فرض عين] فِي ظَاهر كَلَام الْخرقِيّ، قَالَ فِي الْفُرُوع: نَصه أَنه فرض عين، قَالَ فِي الْإِنْصَاف: وَهُوَ الْمَذْهَب لقَوْله تَعَالَى 19 ((وَلَا تكتموا الشَّهَادَة وَمن يكتمها فَإِنَّهُ آثم قلبه)) وَخص الْقلب بالإثم لِأَنَّهُ مَحل الْعلم بهَا، وعَلى مَا قدمه

الْمُوفق وَجزم بِهِ جمع أَنه فرض كِفَايَة أَيْضا كالتحمل، لِأَن الشَّهَادَة تطلق على التَّحَمُّل وَالْأَدَاء، من حَيْثُ إِطْلَاقه على الْأَدَاء تكون فرض كِفَايَة ويجبان إِذا دعى إِلَيْهِمَا دون مَسَافَة قصر مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِمَا بِلَا ضَرَر يلْحقهُ فَإِذا كَانَ عَلَيْهِ ضَرَر فِي التَّحَمُّل أَو الْأَدَاء بِبدنِهِ أَو مَاله أَو وَلَده أَو أَهله أَو كَانَ مِمَّن لَا يقبل الْحَاكِم شَهَادَته أَو يحْتَاج إِلَى التبذل فِي التَّزْكِيَة لم يلْزم لقَوْله تَعَالَى 19 ((وَلَا يضار كَاتب وَلَا شَهِيد)) وَلِحَدِيث (لَا ضَرَر وَلَا ضرار) فَلَو أدّى شَاهد وأبى الآخر وَقَالَ: أَحْلف بدلى أَثم اتِّفَاقًا، قَالَه فِي التَّرْغِيب. وَيخْتَص الْأَدَاء بِمَجْلِس الحكم وَمَتى وَجَبت [وَجَبت] كتَابَتهَا ويتأكد ذَلِك فِي حق رَدِيء الْحِفْظ لِأَن مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِب. وَحرم أَخذ أُجْرَة وَأخذ جعل عَلَيْهَا وَلَو لم تتَعَيَّن عَلَيْهِ، وَلَا يحرم أَخذ أُجْرَة مركوب من رب الشَّهَادَة لمتأذ بمش أَو عَاجز عَنهُ، وَحرم كتمها وَلَا ضَمَان، وَلمن عِنْده شَهَادَة يحد لله تَعَالَى إِقَامَتهَا، وَتركهَا أولى قَالَه القَاضِي، وَجزم فِي آخر الرِّعَايَة بِوُجُوب الإغضاء عَمَّن ستر الْمعْصِيَة، انْتهى. وللحاكم أَن يعرَّض بالتوقف عَنْهَا كتعريضه لمقر بِحَدّ لله تَعَالَى ليرْجع عَن إِقْرَاره. وَتقبل الشَّهَادَة بِحَدّ قذف وَتَصِح إِقَامَتهَا بِحَق الله تَعَالَى من غير تقدم دَعْوَى وَلَا تسْتَحب.

وَحرم أَن يشْهد أحد إِلَّا بِمَا يُعلمهُ بِرُؤْيَة أَو سَماع غَالِبا لِأَنَّهُ قد يجوز بِبَقِيَّة الْحَواس كالذوق مثلا فِي دَعْوَى مشترى مَأْكُول عَلَيْهِ لمرارة وَنَحْوه فَتشهد الْبَيِّنَة بِهِ أَو استفاضة عَن عدد يَقع بِهِ أَي بخبرهم الْعلم فِيمَا يتَعَذَّر علمه أَي الْمَشْهُود بِهِ [غَالِبا بغَيْرهَا] وَذَلِكَ [كنسب] إِجْمَاعًا وَمَوْت وَملك مُطلق وَعتق وَوَلَاء وولادة وعزل [وَنِكَاح] عقد أَو دوَام خلع وَطَلَاق نصا فِي الْخلْع وَالطَّلَاق، لِأَن مِمَّا يشيع ويشتهر غَالِبا وَالْحَاجة دَاعِيَة إِلَيْهِ ووقف بِأَن يشْهد أَن هَذَا وقف زيد لَا أَنه أوقفهُ ومصرفه أَي الْوَقْف وَمَا أشبه ذَلِك، وَمن سمع إنْسَانا يقر بِنسَب أَب أَو ابْن وَنَحْوهمَا فصدقة الْمقر لَهُ أَو سكت جَازَ أَن يشْهد لَهُ بِهِ نصا، وَمن رأى شَيْئا بيد إِنْسَان يتَصَرَّف فِيهِ مُدَّة طَوِيلَة كتصرف الْملاك من نقض وَبِنَاء وَإِجَارَة وإعازة فَلهُ الشَّهَادَة بِالْملكِ، والورع أَن يشْهد بِالْيَدِ وَالتَّصَرُّف، وَمن شهد بِعقد اعْتبر لصِحَّة شَهَادَته بِهِ ذكر شُرُوط عقد مشهود بِهِ للِاخْتِلَاف فِيهَا فَرُبمَا اعْتقد الشَّاهِد صِحَة مَالا يَصح عِنْد القَاضِي فَيعْتَبر فِي نِكَاح أَنه تزَوجهَا بِرِضَاهَا إِن لم تكن مجبرة، وَذكر بَقِيَّة الشُّرُوط كوقوعه بولِي مرشد وشاهدي عدل حَال خلوها من الْمَوَانِع، وَفِي رضَاع ذكر عدد الرضعات وَأَنه شرب من ثديها أَو من لبن حلب مِنْهُ وَنَحْو ذَلِك. وَيجب إِشْهَاد فِي عقد نِكَاح خَاصَّة لِأَنَّهُ شَرط فِيهِ فَلَا ينْعَقد بِدُونِهِ وَتقدم فِي النِّكَاح. وَيسن إِشْهَاد فِي غَيره أَي النِّكَاح كَالْبيع وَالْإِجَارَة وَالرَّهْن وَنَحْوهَا.

وَلَو شهد اثْنَان فِي جمع النَّاس على وَاحِد مِنْهُم أَنه طلق أَو أعتق، أَو شَهدا على خطيب أَنه قَالَ وَفعل على الْمِنْبَر فِي الْخطْبَة كَذَا وَلم يشْهد بِهِ أحد غَيرهمَا قبلت شَهَادَتهمَا. وَشرط فِي شَاهد سِتَّة شُرُوط بالاستقراء أَحدهَا: إِسْلَام فَلَا تقبل من كَافِر وَلَو على مثله غير رجلَيْنِ كتابيين عِنْد عدم مُسلم بِوَصِيَّة ميت بسفر مُسلم أَو كَافِر ويحلفهما حَاكم وجوبا بعد الْعَصْر مَعَ ريب لَا نشتري بِهِ ثمنا وَلَو كَانَ ذَا قربى، وَمَا خَانا وَأَنَّهَا لوصيته، فَإِن عثر أَي اطلع على أَنَّهُمَا استحقا إِثْمًا فآخران من أَوْلِيَاء الْمُوصي فحلفهما بِاللَّه لَشَهَادَتنَا أَحَق من شَهَادَتهمَا وَلَقَد خَانا وكتما - وَيَقْضِي لَهُم. وَالثَّانِي: بُلُوغ فَلَا تقبل من الصَّغِير ذكرا أَو غَيره وَلَو فِي حَال أهل الْعَدَالَة، وَالثَّالِث: عقل وَهُوَ نوع من الْعُلُوم الضرورية أَي غريزة ينشأ عَنْهَا ذَلِك يستعد بهَا لفهم دَقِيق الْعُلُوم وتدبير الصَّنَائِع الفكرية، والضروري هُوَ الَّذِي لَا يُمكن وُرُود الشَّك عَلَيْهِ، وَقَول نوع من الْعُلُوم لَا جَمِيعهَا وَإِلَّا لوَجَبَ أَن يكون الفاقد للْعلم بالمدركات لعدم إِدْرَاكهَا غير عَاقل، والعاقل من عرف الْوَاجِب عقلا الضَّرُورِيّ وَغَيره والممكن والممتنع وَمَا يضرّهُ وَمَا يَنْفَعهُ غَالِبا فَلَا تقبل من معتوه وَمَجْنُون، وَالرَّابِع: نطق الشَّاهِد متكلما فَلَا تقبل من أخرس بِإِشَارَة كإشارة النَّاطِق وَأَن الشَّهَادَة يعْتَبر فِيهَا الْيَقِين وَإِنَّمَا اكْتفى بِإِشَارَة الْأَخْرَس فِي أَحْكَامه كنكاحه وطلاقه لَكِن تقبل الشَّهَادَة من

أخرس إِذا أَدَّاهَا بِخَطِّهِ لدلَالَة الْخط على الْأَلْفَاظ وَتقبل مِمَّن يجن ويفيق إِذا تحملهَا وأداها حَال إِفَاقَته، وَالْخَامِس: حفظ فَلَا تقبل من مُغفل ومعروف بِكَثْرَة سَهْو وَغلط، وَعلم من ذَلِك أَنَّهَا تقبل مِمَّن يقل مِنْهُ السَّهْو والغلط، لِأَن ذَلِك لَا يسلم مِنْهُ أحد. وَالسَّادِس: عَدَالَة وَهِي لُغَة الإستقامة والاستواء مصدر معدل بِضَم الدَّال إِذْ الْعدْل ضد الْجور أَي الْميل، وَشرعا اسْتِوَاء أَحْوَال الشَّخْص فِي دينه واعتدال أَقْوَاله وأفعاله، وَيعْتَبر أَي يشْتَرط لَهَا أَي الْعَدَالَة شَيْئَانِ: الأول فِي الصّلاح فِي الدّين وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحدهمَا أَدَاء الْفَرَائِض أَي الصَّلَوَات الْخمس وَالْجُمُعَة قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى: قلت وَمَا وَجب من صَوْم وَحج وَزَكَاة وَغَيرهَا برواتبها أَي سننها الرَّاتِبَة فَلَا تقبل مِمَّن داوم على ترك الرَّوَاتِب، لِأَنَّهَا سنة سنّهَا النَّبِي وَمن ترك سنة فَهُوَ رجل شَرّ، وَالنَّوْع الثَّانِي: اجْتِنَاب الْمَحَارِم بِأَن لَا يَأْتِي كَبِيرَة وَلَا يدمن أَي يداوم على صَغِيرَة وَالْكذب صَغِيرَة فَلَا ترد الشَّهَادَة بِهِ إِن لم يداوم عَلَيْهِ، إِلَّا فِي شَهَادَة زور كذب على نَبِي وَرمي فتن وَنَحْوه فكبيرة. وَيجب الْكَذِب لتخليص مُسلم وَقتل قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: وكل مَقْصُود مَحْمُود لَا يتَوَصَّل إِلَيْهِ إِلَّا بِهِ، وَيُبَاح لإِصْلَاح وَحرب وَزَوْجَة. وَمن أَخذ بالرخص فسق.

والكبيرة مَا فِيهِ حد فِي الدُّنْيَا كزنا وَشرب، أَو وَعِيد فِي الْآخِرَة كَأَكْل مَال الْيَتِيم والربا. زَاد الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَو غضب أَو لعنة أَو نفي إِيمَان. وَمن الْكَبَائِر مِمَّا ذكره أَصْحَابنَا الشّرك وَقتل النَّفس الْمُحرمَة وَأكل الرِّبَا [وَالسحر] وَالْقَذْف بِالزِّنَا واللواط وَأكل مَال الْيَتِيم بِغَيْر حق والتولي يَوْم الزَّحْف وَالزِّنَا وَشرب الْخمر وكل مُسكر وَقطع الطَّرِيق وَالسَّرِقَة وَأكل الْأَمْوَال بِالْبَاطِلِ ودعواه مَا لَيْسَ لَهُ وَشَهَادَة الزُّور والغيبة والنميمة وَالْيَمِين الْغمُوس وَترك الصَّلَاة والقنوط من رَحْمَة الله تَعَالَى وإساءة الظَّن بِاللَّه وَأمن مكر الله وَقَطِيعَة الرَّحِم وَالْكبر وَالْخُيَلَاء والقيادة وَنِكَاح الْمُحَلّل وهجر الْمُسلم الْعدْل وَترك المستطيع الْحَج وَمنع الزَّكَاة وَالْحكم بِغَيْر الْحق والرشوة فِيهِ وَالْفطر فِي نَهَار رَمَضَان بِلَا عذر وَالْقَوْل على الله بِلَا علم وَسَب الصَّحَابَة والإصرار على الْعِصْيَان وَترك التَّنَزُّه من الْبَوْل ونشوزها على زَوجهَا وإلحاقها بِهِ ولدا من غَيره وإتيان فِي الدبر وكتم الْعلم عَن أَهله وتصوير ذِي الرّوح وإتيان الكاهن والعراف وتصديقهما وَالسُّجُود لغير الله تَعَالَى وَالدُّعَاء إِلَى بِدعَة أَو ضَلَالَة والغلول وَالنوح والتطير وَالْأكل وَالشرب فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة وجور الْمُوصي فِي وصينه وَمنعه مِيرَاثه وإباق الرِّيق وَبيع الْحر وَاسْتِحْلَال الْبَيْت الْحَرَام وَكِتَابَة الرِّبَا وَالشَّهَادَة عَلَيْهِ وَكَونه ذَا وَجْهَيْن وادعاؤه نسبا غير نسبه وغش الإِمَام الرّعية وإتيان الْبَهِيمَة وَترك الْجُمُعَة بِغَيْر عذر وسييء الملكة وَغير ذَلِك. فَأَما من أَتَى شَيْئا من النَّوْع الْمُخْتَلف فِيهِ كمن تزوج بِلَا ولي

أَو شرب من النَّبِيذ مَالا يسكره أَو أخر زَكَاة أَو حجا مَعَ إمكانهما وَنَحْوه متأولا لَهُ لم ترد شَهَادَته، وَإِن اعْتقد تَحْرِيمه ردَّتْ الشَّهَادَة. الثَّانِي مِمَّا يعْتَبر للعدالة اسْتِعْمَال الْمُرُوءَة بِوَزْن سهولة أَي الإنسانية بِفعل مَا يزينه ويجمله عَادَة كحسن الْخلق والسخاء وبذل الجاه وَحسن الْجوَار وَترك مَا يدنسه ويشينه أَي يعِيبهُ عَادَة من الْأُمُور الدنية المزرية بِهِ فَلَا شَهَادَة لمتمسخر ورقاص ومشعبذ ولاعب شطرنج وَنَحْوه وَلَا لمن يمد رجله بِحَضْرَة النَّاس أَو يكْشف من بدنه مَا جرت الْعَادة بتغطيته وَلَا لمن يَحْكِي المضحكات أَو يَأْكُل فِي السُّوق، وَيغْتَفر الْيَسِير كاللقمة والتفاحة. وَلَا تقبل شَهَادَة بعض عمودي النّسَب لبَعض فَلَا تقبل شَهَادَة وَالِد لوَلَده وَإِن سفل من وَلَده الْبَنِينَ وَالْبَنَات وَعَكسه وَلَو لم يجرّ الشَّاهِد بِمَا شهد بِهِ نفعا غَالِبا لمشهود لَهُ كَشَهَادَة بِعقد أَو قذف وَلَا تقبل شَهَادَة من أحد الزَّوْجَيْنِ للْآخر وَلَو كَانَ زوجا فِي الْمَاضِي وَلَا تقبل شَهَادَة من يجر بهَا أَي الشَّهَادَة إِلَى نَفسه نفعا فَلَا تقبل شَهَادَة لرقيقه ومكاتبه وَلَا لمورثه بِجرح قبل اندماله لِأَنَّهُ رُبمَا يسري الْجرْح إِلَى النَّفس فَتجب الدِّيَة للشَّاهِد بِشَهَادَتِهِ فَيصير كَأَنَّهُ شهد لنَفسِهِ، وَلَا لِشَرِيك فِيمَا هُوَ شريك فِيهِ وَلَا لمستأجر فِيمَا اسْتَأْجرهُ فِيهِ نَص عَلَيْهِ، وَمن أَمْثِلَة ذَلِك لَو اسْتَأْجر إِنْسَان قصارا على أَن يقصر لَهُ ثوبا ثمَّ نوزع فِي الثَّوْب فَشهد الْقصار فِي الثَّوْب أَنه ملك لمن اسْتَأْجرهُ على قصارته فَإِنَّهَا لَا تقبل أَو أَي وَلَا تقبل شَهَادَة من يدْفع بهَا أَي الشَّهَادَة عَنْهَا

أَي نَفسه ضَرَرا، فَلَا تقبل شَهَادَة الْعَاقِلَة بِجرح شُهُود قتل الْخَطَأ لأَنهم متهمون لما فِي ذَلِك من دفع الدِّيَة عَن أنفسهم، وَلَو كَانَ الشَّاهِد فَقِيرا أَو بَعيدا فِي الْأَصَح لجَوَاز أَن يوسر أَن يَمُوت من هُوَ أقرب مِنْهُ، وَلَا شَهَادَة الْغُرَمَاء بِجرح شُهُود دين على مُفلس، وَلَا شَهَادَة الضَّامِن لمن ضمنه بِقَضَاء الْحق أَو الْإِبْرَاء مِنْهُ، وَلَا شَهَادَة عَدو على عدوه. وَيعْتَبر فِي الْعَدَاوَة كَونهَا لغير الله تَعَالَى فِي غير عقد نِكَاح وَأما فِيهِ فَتقبل، وَمن سره مساءة أحد أَو غمه فرحه فَهُوَ عدوه قَالَ فِي التَّرْغِيب: وَمن موانعها العصبية فَلَا شَهَادَة لمن عرف بهَا وبالإفراط فِي الحمية كتعصب قَبيلَة على قَبيلَة وَإِن لم يبلغ رُتْبَة الْعَدَاوَة انْتهى. وكل من قُلْنَا لَا تقبل شَهَادَته لَهُ كعمودي نسب وَنَحْو ذَلِك فَإِنَّهَا تقبل عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا تهمه فِيهَا فَوَجَبَ أَن تقبل عَلَيْهِ كَغَيْرِهِ، وكل من تقبل شَهَادَة لَهُ لَا تقبل بِجرح شَاهد عَلَيْهِ كالسيد يشْهد بِجرح من شهد على مكَاتبه أَو عَبده بدين، لِأَنَّهُ مُتَّهم فِيهَا لم يحصل فِيهَا من دفع الضَّرَر عَن نَفسه فَكَأَنَّهُ شهد لنَفسِهِ، وَقد قَالَ الزُّهْرِيّ: مَضَت السّنة فِي الْإِسْلَام أَنه لَا يجوز شَهَادَة خصم وَلَا ظنين. والظنين الْمُتَّهم. وَتقبل مِمَّن صناعته دنيئة عرفا كحجام وحائك وحارس ونخال وَهُوَ الَّذِي يتَّخذ غربالا أَو نَحوه يغربل بِهِ فِي مجاري المَاء. وَمَاء الطَّرِيق وَغَيرهَا وَهُوَ المقلش وصباغ وزبال وكناس الْعذرَة فَإِن صلى بِالنَّجَاسَةِ وَلم ينظف لم تقبل شَهَادَته.

وَمَتى زَالَت الْمَوَانِع مِنْهُم فَبلغ الصَّغِير وعقل الْمَجْنُون وَأسلم الْكَافِر وَتَابَ الْفَاسِق قبلت شَهَادَتهم بِمُجَرَّد ذَلِك وَلَا يعْتَبر فِي التائب إصْلَاح الْعَمَل وَتقدم بَيَان التَّوْبَة فِي حكم الْمُرْتَد، والقاذف بالشتم ترد شَهَادَته وَرِوَايَته حَتَّى يَتُوب، وَالشَّاهِد بِالزِّنَا إِذا لم تصل الْبَيِّنَة تقبل رِوَايَته لَا شَهَادَته.

فصل

3 - (فصل) . فِي ذكر أَقسَام الْمَشْهُود بِهِ من حَيْثُ عدد الشُّهُود لِأَن عدد الشُّهُود يخْتَلف باخْتلَاف الْمَشْهُود بِهِ قَالَ الله تَعَالَى 19 ((واستشهدوا شهيدين من رجالكم فَإِن لم يَكُونَا رجلَيْنِ فَرجل وَامْرَأَتَانِ)) هَذَا فِي الْأَمْوَال، وَفِي الزِّنَا قَوْله تَعَالَى (لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بأَرْبعَة شُهَدَاء) الْآيَة، فدا هَذَا على اعْتِبَار الْعدَد فِي الْجُمُعَة وَهِي سَبْعَة بالاستقراء: أَحدهَا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وَشرط فِي ثُبُوت الزِّنَا واللواط أَرْبَعَة رجال يشْهدُونَ بِهِ أَو يشْهدُونَ أَنه أَي الْمَشْهُود عَلَيْهِ بذلك أقرّ بِهِ أَرْبعا لقَوْله تَعَالَى 19 ((لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بأَرْبعَة شُهَدَاء)) وَقَوله لهِلَال بن أُميَّة (أَرْبَعَة شُهَدَاء وَإِلَّا حد فِي ظهرك) . واللواط من الزِّنَا. وَالثَّانِي: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وَشرط فِي دَعْوَى فقر لأخذ زَكَاة مِمَّن عرف بغني ثَلَاثَة رجال يشْهدُونَ لَهُ. وَالثَّالِث: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: وَشرط فِي مُوجب قَود وإعسار وَمُوجب تَعْزِير كَوَطْء أمة مُشْتَركَة وبهيمة، وَيدخل فِيهَا وَطْء أمته فِي حيض أَو إِحْرَام أَو صَوْم أَو فِي مُوجب حد كقذف وَشرب رجلَانِ.

وَالرَّابِع: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وَشرط فِي نِكَاح وَنَحْوه أَي النِّكَاح مِمَّا لَيْسَ مَالا وَلَا يقْصد بِهِ المَال ويطلع عَلَيْهِ الرِّجَال غَالِبا كرجعة وخلع وَطَلَاق وَنسب وَوَلَاء رجلَانِ. وَالْخَامِس: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وَشرط فِي مَال وَمَا يقْصد بِهِ المَال كقرض وَرهن ووديعة وغصب وَإِجَارَة وَنَحْو ذَلِك رجلَانِ أَو رجل وَامْرَأَتَانِ أَو رجل وَيَمِين الْمُدَّعِي لَا امْرَأَتَانِ وَيَمِين لِأَن النِّسَاء لَا تقبل شَهَادَتهنَّ فِي ذَلِك منفردات، وكذل لَو شهد أَربع نسْوَة لم يقبل وَيجب تَقْدِيم الشَّهَادَة على الْيَمين. وَلَو نكل من أَقَامَ شَاهدا حلف مدعى عَلَيْهِ وَسقط الْحق، فَإِن شَهَادَتهنَّ نكل مُدع قضى عَلَيْهِ بِالنّكُولِ نصا، وَلَو كَانَ لجَماعَة حق بِشَاهِد فأقاموه فَمن حلف أَخذ نصِيبه وَلَا يُشَارِكهُ من لم يحلف. وَالسَّادِس: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وَشرط فِي دَاء دَابَّة وموضحة وَنَحْوهَا كداء بِعَين قَول اثْنَيْنِ أَي بيطارين أَو طبيبين أَو كحالين وَمَعَ وجود عذر بِأَن لم يكن بِالْبَلَدِ أَكثر من وَاجِد يعلم ذَلِك فَيَكْفِي وَاحِد، فَإِن اخْتلفَا بِأَن قَالَ أَحدهمَا بِوُجُود الدَّاء وَالْآخر بِعَدَمِهِ قدم قَول الْمُثبت. وَالسَّابِع: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وَمَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال غَالِبا كعيوب نسَاء تحب ثِيَاب ورضاع واستهلال وبكارة وثيوبة وحيض وبرص بِظهْر أَو بطن امْرَأَة ورتق وَقرن وعفل وجراحة وَنَحْوهَا كعارية ووديعة وقرض وَنَحْوهَا فِي حمام وعرس وَنَحْوهمَا مِمَّا لَا يحضرهُ الرِّجَال فَيَكْفِي فِيهِ امْرَأَة عدل والأحوط اثْنَتَانِ لِأَنَّهُ أبلغ أَو شهد بِهِ رجل فَأولى لكماله.

فصل

3 - (فصل) . وَتقبل الشَّهَادَة على الشَّهَادَة بثماينة شُرُوط: أَحدهَا كَونهَا فِي كل مَا يقبل فِيهِ كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي وَهُوَ حق الْآدَمِيّ دون حق الله تَعَالَى، لِأَن الْحُدُود مَبْنِيَّة على السّتْر والدرء بِالشُّبْهَةِ، وَالشَّهَادَة على الشَّهَادَة فِيهَا شُبْهَة لتطرق احْتِمَال الْغَلَط والسهو وَكذب شُهُود الْفَرْع فِيهَا مَعَ احْتِمَال ذَلِك فِي شُهُود الأَصْل، وَلِهَذَا لَا تقبل مَعَ الْقُدْرَة على شُهُود الأَصْل، وَلِأَنَّهُ لَا حَاجَة إِلَيْهَا فِي الْحَد لِأَن ستر صَاحبه أولى من الشَّهَادَة عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وَشرط تعذر شُهُود أصل بِمَوْت أَو مرض أَو غيبَة مَسَافَة قصر أَو خوف من سُلْطَان أَو غَيره لِأَن شَهَادَة الأَصْل أقوى فَتثبت نفس الْحق وَشَهَادَة الْفَرْع تثبت الشَّهَادَة عَلَيْهِ وَلَا يعدل عَن الْيَقِين مَعَ إِمْكَانه. وَالثَّالِث: دوَام تعذر شُهُود الأَصْل إِلَى صُدُور الحكم فَمَتَى أمكنت شَهَادَتهم وقف الحكم على استماعها. وَالرَّابِع: دوَام عدالتهما أَي عَدَالَة شُهُود أصل وَفرع إِلَى صُدُور الحكم فَمَتَى حدث من أحدهم مَا يمْنَع قبُوله وقف الحكم.

وَالْخَامِس: استرعاء شَاهد أصل لشاهد فرع استرعاؤه لغيره أَي الْفَرْع وَهُوَ أَي الْفَرْع يسمع استرعاء الأَصْل لغيره وأصل الاسترعاء من قَول الْمُحدث أرعني سَمعك، يُرِيد اسْمَع مني، مَأْخُوذ من رعيت الشَّيْء أَي حفظته، فشاهد الأَصْل يطْلب من شَاهد الْفَرْع أَن يحفظ شَهَادَته ويؤديها. وَصفَة الاسترعاء مَا ذكره بقوله فَيَقُول شَاهد الأَصْل لمن يسترعيه أشهد يَا فلَان على شهادتي أَو اشْهَدْ أَنِّي أشهد أَن فلَان بن فلَان وَقد عَرفته أشهدني على نَفسه أَو أشهد أَن عَلَيْهِ بِكَذَا أَو أقرّ عِنْدِي بِكَذَا وَنَحْوه، أَو يسمعهُ أَي يسمع الْفَرْع الأَصْل يشْهد عِنْد حَاكم، أَو يعزوها أَي شَهَادَته إِلَى سَبَب كَبيع وقرض وَنَحْوهمَا فَيشْهد على شَهَادَته، لِأَنَّهُ بِشَهَادَتِهِ عِنْد الْحَاكِم وبنسبته الْحق إِلَى سَببه يَزُول الِاحْتِمَال كالاسترعاء. وَالسَّادِس: تأدية شَاهد فرع بِصفة تحمله وَإِلَّا لم يحكم بهَا. وَالسَّابِع: تَعْيِينه أَي تعْيين شَاهد أَي فرع الأَصْل قَالَ 16 (القَاضِي) : وَلَو قَالَ تابعيان: أشهدنا صحابيان، لم يجز حَتَّى يعيناهما وَالثَّامِن: ثُبُوت عَدَالَة الْجَمِيع أَي شُهُود الأَصْل وَالْفرع لِأَنَّهُمَا شهادتان فَلَا يحكم بهَا بِدُونِ عَدَالَة الشُّهُود ولانبناء الحكم على الشَّهَادَتَيْنِ جَمِيعًا، وَلَا يجب على الْفَرْع تَعْدِيل أصل، وَتقبل شَهَادَة الْفَرْع بِهِ، وبموته أَي الأَصْل وَنَحْوه كغيبته ومرضه كتعديلهم لَا تَعْدِيل شَاهد لرفيقه. وَإِذا أنكر الأَصْل شَهَادَة الْفَرْع لم يعْمل بهَا.

وَيضمن شُهُود الْفَرْع برجوعهم بعد الحكم مَا لم يَقُولُوا بِأَن لنا كذب الْأُصُول أَو غلطهم. وَإِن رَجَعَ شُهُود الأَصْل بعده لم يضمنوا إِلَّا أَن قَالُوا كذبنَا أَو غلطنا. وَإِن قَالَ شَاهدا الأَصْل بعد الحكم: مَا أشهدنا هما بِشَيْء، لم يضمن الْفَرِيقَانِ شَيْئا مِمَّا حكم بِهِ لِأَنَّهُ لم يثبت كذب شَاهِدي الْفَرْع وَلَا رُجُوع شَاهِدي الأَصْل إِذْ الرُّجُوع إِنَّمَا يكون بعد الشَّهَادَة. وَإِن رَجَعَ شُهُود مَال أَو عتق فَإِن كَانَ ذَلِك قبل حكم لم يحكم بِشَيْء وَإِن كَانَ بعده أَي الحكم لم ينْقض لتمامه، وَرُجُوع الشُّهُود بعد الحكم لَا ينْقضه، لأَنهم إِن قَالُوا: عمدنا، فقد شهدُوا على أنفسهم بِالْفِسْقِ فهما متهمان بِإِرَادَة نقض الحكم كَمَا لَو شهد فاسقان على الشَّاهِدين بِالْفِسْقِ فَإِنَّهُ لَا يُوجب التَّوَقُّف فِي شَهَادَتهمَا، وَإِن قَالُوا أَخْطَأنَا لم يلْزم نقضه لجَوَاز خطئهما فِي قَوْلهمَا الثَّانِي بِأَن اشْتبهَ عَلَيْهِم الْحَال، وضمنوا مَا لم يُصدقهُمْ مشهود لَهُ. وَإِن رَجَعَ شُهُود قَود أَو حد بعد حكم وَقبل اسْتِيفَاء لم يسْتَوْف وَوَجَب دِيَة قَود شهدُوا بِهِ لمشهود لَهُ، لِأَن الْوَاجِب أحد شَيْئَيْنِ فَإِن امْتنع أَحدهمَا تعين الآخر، وَيرجع غَارِم على شُهُود. وَإِن استوفى ثمَّ قَالُوا أَخْطَأنَا غرموا دِيَة مَا تلف من نفس وَمَا دونهَا أَو أرش الضَّرْب نصا ويقسط الْغرم على عَددهمْ، وَإِن حكم بِشَاهِد وَيَمِين فَرجع الشَّاهِد غرم المَال كُله نصا. وَإِن بَان بعد حكم كفر شاهديه أَو فسقهما أَو أَنَّهُمَا من عمودي نسب

مَحْكُوم لَهُ أَو عدوا مَحْكُوم عَلَيْهِ نقض الحكم لتبين فَسَاده، ذكره فِي الْمُنْتَهى. وَقَالَ فِي الْإِقْنَاع: فينقضه الإِمَام أَو غَيره. انْتهى. وَرجع بِمَال أَو بِبَدَل لَهُ إِن تلف وببدل قَود مُسْتَوفى على مَحْكُوم لَهُ. وَإِذا علم الْحَاكِم بِشَاهِد زور بِإِقْرَارِهِ أَن تبين كذبه يَقِينا عزره وَلَو تَابَ بِمَا يرَاهُ من ضرب أَو حبس أَو كشف رَأس وَنَحْوه مِمَّا لم يُخَالف نصا كحلق لحيته أَو أَخذ مَاله أَو قطع طرفه وطيف بِهِ فِي مَوَاضِع شَتَّى يشْتَهر فِيهَا فَيُقَال: إِنَّا وَجَدْنَاهُ شَاهد زور فَاجْتَنبُوهُ. وَالْيَمِين تقطع حق الْخُصُومَة عِنْد النزاع وَلَا تسْقط حَقًا، فَتسمع الْبَيِّنَة بعْدهَا. وَمن حلف على فعل غَيره أَو فعل نَفسه أَو دَعْوَى عَلَيْهِ حلف على الْبَتّ وَالْقطع، وعَلى نفي فعل غَيره أَو نفي دَعْوَى عَلَيْهِ حلف على نفي الْعلم، ورقيقه كأجنبي فِي حلفه على نفي الْعلم. وَمن توجه عَلَيْهِ حلف لجَماعَة حلف لكل وَاحِد يَمِينا مَا لم يرْضوا بِوَاحِدَة، وتجزيء بِاللَّه تَعَالَى وَحده ولحاكم تغليظها فِيمَا فِيهِ خطر كجناية لَا توجب قودا أَو عتق وَنَحْوهمَا بِلَفْظ كوالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة الرَّحْمَن الرَّحِيم الطَّالِب الْغَالِب الضار النافع الَّذِي يعلم خائنه الْأَعْين وَمَا تخفي الصُّدُور. وَيَقُول الْيَهُودِيّ: وَالله الَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى وفلق لَهُ الْبَحْر ونجاه من فِرْعَوْن وملئه. وَيَقُول النَّصْرَانِي: وَالله الَّذِي أنزل الْإِنْجِيل على عِيسَى وَجعله يحيى الْمَوْتَى ويبريء الأكمه والأبرص.

وَيَقُول الْمَجُوسِيّ والوثني: وَالله الَّذِي خلقني وصورني وَرَزَقَنِي. وَيحلف الصابيء وَمن يعبد غير الله عز شَأْنه وَعظم سُلْطَانه وَتَعَالَى عَمَّا يَقُول الجاحدون علوا كَبِيرا بِاللَّه تَعَالَى. وتغليظ بِزَمن بعد الْعَصْر وَبَين أَذَان وَإِقَامَة. وبمكان فبمكة بَين الرُّكْن وَالْمقَام وبالقدس عِنْد الصَّخْرَة وَبَقِيَّة الْبِلَاد عِنْد الْمِنْبَر. وَيحلف ذمِّي بمَكَان يعظمه. زَاد بَعضهم: وبهيئة كتحليفه قَائِما مُسْتَقْبل الْقبْلَة. وَمن أَبى التَّغْلِيظ لم يكن ناكلا. وَإِن رأى حَاكم تَركه فَتَركه كَانَ مصيبا. وَإِن بَان أَي ظهر خطأ مفت لَيْسَ أَهلا الْفتيا أَو بَان خطأ قَاض فِي حكمه فِي إِتْلَاف لمُخَالفَة قَاطع ضمنا الْمُفْتِي وَالْقَاضِي مَا تلف بِسَبَب خطئهما.

كتاب الإقرار

(كتاب الْإِقْرَار) كتاب الْإِقْرَار. وَهُوَ لُغَة الِاعْتِرَاف لقَوْله تَعَالَى (وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق النَّبِيين) الْآيَة وَقَوله تَعَالَى (وءاخرون اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ) . وَقَوله تَعَالَى: (أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى) ورجم النَّبِي ماعزا والغامدية بإقرارها. وَشرعا الْإِظْهَار فَقَالَ رَحمَه الله: يَصح الْإِقْرَار من مُكَلّف أَي بَالغ عَاقل لَا من صَغِير غير مَأْذُون وَلَا من مَجْنُون مُخْتَار لَا مكره عَلَيْهِ بِلَفْظ أَو كِتَابَة أَو إِشَارَة من أخرس فَقَط لَا من نَاطِق وَلَا مِمَّن يثقل لِسَانه. وَلَا يَصح الْإِقْرَار على الْغَيْر إِلَّا إِذا كَانَ من وَكيل فَيصح على مُوكله فِيمَا وَكله فِيهِ وَإِلَّا من ولي على موليه وَإِلَّا من وَارِث على مُوَرِثه بِمَا يُمكن صدقه، بِخِلَاف مَا لَو أقرّ بِجِنَايَة من عشْرين سنة وَسنة دونهَا. وَيصِح الْإِقْرَار من مَرِيض مرض الْمَوْت الْمخوف بوارث وَيَأْخُذ

دين من وَارِث وبمال لغير وَارِث، وَلَا يقبل الْإِقْرَار من مَرِيض مرض الْمَوْت بِمَال وَارِث إِلَّا بِبَيِّنَة أَو إجَازَة بَاقِي الْوَرَثَة كالعطية وَلِأَنَّهُ مَحْجُور عَلَيْهِ فِي حَقه فَلم يَصح إِقْرَاره لَهُ، لَكِن يلْزم الْإِقْرَار إِن كَانَ حَقًا وَإِن لم يقبل وَلَو صَار الْوَارِث الْمقر لَهُ عِنْد الْمَوْت أَجْنَبِيّا وَيصِح إِقْرَاره لأَجْنَبِيّ وَلَو صَار عِنْد الْمَوْت وَارِثا اعْتِبَارا بِحَالَة الْإِقْرَار لَا بِالْمَوْتِ عكس الْوَصِيَّة، فَمن أقرّ لِأَخِيهِ فَحدث لَهُ ابْن، أَو قَامَ بِهِ مَانع لم يَصح إِقْرَاره. وَإِن أقرّ لَهُ وللمقر ابْن فَمَاتَ الابْن قبل الْمقر صَحَّ الْإِقْرَار، وَإِعْطَاء كإقرار فَلَو أعطَاهُ وَهُوَ غير وَارِث صَحَّ الْإِعْطَاء وَلَو صَار وَارِثا عِنْد الْمَوْت لعدم التُّهْمَة إِذْ ذَاك ذكر هَذِه الْمَسْأَلَة فِي التَّرْغِيب وَوَافَقَهُ مُوسَى الحجاوي عَلَيْهَا وتبعهما الْمَنْصُور عَلَيْهَا، وَالصَّحِيح أَن الْعبْرَة فِيهَا بِحَالَة الْمَوْت كَالْوَصِيَّةِ عكس الْإِقْرَار فيقف على إجَازَة الْوَرَثَة. وَإِن أقرَّت امْرَأَة وَلَو سَفِيهَة أَو أقرّ وَليهَا الْمُجبر أَو الَّذِي أَذِنت لَهُ فِي النِّكَاح بِنِكَاح لم يَدعه أَي النِّكَاح إثنان قبل أَو أقرَّت لاثْنَيْنِ قبل إِقْرَارهَا لِأَنَّهُ حق عَلَيْهَا وَلَا تُهْمَة فِيهِ فَلَو أَقَامَا بينتين قدم أسبقهما تَارِيخا فَإِن جَهله الْوَلِيّ فسخا وَلَا تَرْجِيح لأَحَدهمَا بِكَوْنِهَا بِيَدِهِ. وَيقبل إِقْرَار صبي تمّ لَهُ عشر سِنِين أَنه بلغ باحتلام، وَمثله جَارِيَة لَهَا تسع سِنِين لَا بسن إِلَّا بِبَيِّنَة. وَمن ادّعى عَلَيْهِ بِشَيْء كألف مثلا فَقَالَ فِي جَوَابه نعم أَو قَالَ بلَى أَو نَحْوهمَا كصدقت أَو إِنِّي مقرّ أَو قَالَ: اتزنه أَو خُذْهُ أَو اقبضه أَو هِيَ صِحَاح أَو كَأَنِّي جَاحد لَك حَقك فقد أقرّ لَهُ

لوُقُوع ذَلِك عقب الدَّعْوَى، لَا إِن قَالَ أَنا أقرّ وَلَا أنكر أَو خُذ لاحْتِمَال أَن يكون المُرَاد خُذ الْجَواب، أَو أَي وَلَا يقبل إِن قَالَ اتزن أَو نَحوه كأحرز أَو افْتَحْ كمك لاحْتِمَال أَن يكون ذَلِك لشَيْء غير الْمُدعى بِهِ. وَلَا يضر الْإِنْشَاء فِيهِ أَي فِي الْإِقْرَار كَأَن قَالَ: لَهُ على إِن شَاءَ الله، أَو إِلَّا أَن يَشَاء الله بل هُوَ إِقْرَار صَحِيح وَإِذا قَالَه لَهُ عَليّ ألف لَا يلْزَمنِي أَو قَالَ لَهُ على ألف من ثمن خمر وَنَحْوه. كَثمن كلب أَو: من مُضَارَبَة تلفت وَشرط على ضَمَانهَا أَو وَدِيعَة وَنَحْو ذَلِك يلْزمه أَي الْمقر ألف لِأَن مَا ذكر بعد قَوْله لَهُ على ألف رفع لجَمِيع مَا أقرّ بِهِ فَلَا يقبل كاستثناء الْكل وَإِن قَالَ لَهُ عَليّ ألف أَو كَانَ لَهُ عَليّ ألف قَضيته إِيَّاه أَو بعضه أَو قَالَ بَرِئت مِنْهُ وَلم يعزه لسَبَب ف هُوَ مُنكر يقبل قَوْله بِيَمِينِهِ نصا طبق جَوَابه ويخلى سَبيله حَيْثُ لَا بَيِّنَة، هَذَا الْمَذْهَب، قَالَ فِي الْإِنْصَاف: لِأَنَّهُ رفع مَا ثَبت بِدَعْوَى الْقَضَاء مُتَّصِلا. وَقَالَ أَبُو الْخطاب: يكون مقرا مُدعيًا للْقَضَاء فَلَا يقبل إِلَّا بِبَيِّنَة، فَإِن لم تكن بَيِّنَة حلف الْمُدعى أَنه لم يقْض وَلم يُبرئهُ وَاسْتحق، وَقَالَ: هَذَا رِوَايَة وَاحِدَة ذكرهَا ابْن أبي مُوسَى. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْوَفَاء وَابْن عَبدُوس فِي تَذكرته وَقدمه فِي الْمَذْهَب وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِير. انْتهى. قَالَ ابْن هُبَيْرَة: لَا يَنْبَغِي للْقَاضِي الْحَنْبَلِيّ أَن يحكم بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة وَيجب الْعَمَل بقول أبي الْخطاب لِأَنَّهُ الأَصْل وَعَلِيهِ جَمَاهِير الْعلمَاء، فَإِن ذكر السَّبَب فقد اعْترف بِمَا يُوجب الْحق من عقد أَو غصب أَو نَحْوهمَا

فَلَا يقبل قَوْله أَنه بَرِيء مِنْهُ إِلَّا بِبَيِّنَة. انْتهى من شرح الْمُنْتَهى. وَإِن ثَبت مَا أقرّ بِهِ بِبَيِّنَة أَو عزاهُ الْمقر لسَبَب كَأَن قَالَ: عَليّ كَذَا من قرض أَو ثمن فَلَا يقبل قَوْله حَيْثُ ثَبت عَلَيْهِ بِبَيِّنَة أَو عزاهُ لسَبَب، وَإِن أقرّ لَهُ بِأَلف وَأنكر سَبَب الْحق الْمُوجب للألف ثمَّ ادّعى الدّفع بِبَيِّنَة لم يقبل ذَلِك مِنْهُ. وَيصِح اسْتثِْنَاء النّصْف فَأَقل فَيلْزمهُ ألف فِي قَوْله: عَليّ ألف إِلَّا ألفا أَو إِلَّا سِتّمائَة، وَله عشرَة إِلَّا خَمْسَة يلْزمه خَمْسَة بِشَرْط أَلا يسكت بَين المستثني والمستثنى مِنْهُ وَأَن يكون من جنسه ونوعه. وَمن قَالَ: لَهُ على هَؤُلَاءِ العبيد الْعشْرَة إِلَّا وَاحِدًا فَصَحِيح وَيلْزمهُ تَسْلِيم تِسْعَة، فَإِن مَاتُوا أَو قتلوا أَو غصبوا إِلَّا وَاحِدًا فَقَالَ هُوَ الْمُسْتَثْنى قبل بِيَمِينِهِ. وَيصِح الِاسْتِثْنَاء من الِاسْتِثْنَاء فَمن قَالَ: لَهُ على سَبْعَة إِلَّا ثَلَاثَة إِلَّا درهما يلْزمه خَمْسَة وَمن أقرّ بِقَبض أَو إقباض أَو هبة وَنَحْوهَا كرهن وَنَحْوه ثمَّ أنكر الْمقر بِأَن قَالَ: مَا قَبضته وَنَحْوه وَلم يجْحَد إِقْرَاره الصَّادِر مِنْهُ بِالْقَبْضِ والإقباض وَالْحَال أَنه لَا بَيِّنَة تشهد بذلك وَسَأَلَ إحلاف خَصمه لزمَه لجَرَيَان الْعَادة بِالْإِقْرَارِ بذلك قبله، وَمن بَاعَ شَيْئا أَو وهب شَيْئا أَو أعتق عبدا ثمَّ أقرّ بذلك أَي بِمَا بَاعه أَو وهبه أَو أعْتقهُ لغيره لم يقبل إِقْرَاره على مُشْتَر أَو متهب أَو عَتيق لِأَنَّهُ أقرّ على غَيره وتصرفه نَافِذ ويغرمه أَي بدله لمقر لَهُ. وَإِن قَالَ: لم يكن ملكي ثمَّ ملكته بعد، قبل بِبَيِّنَة تشهد بِهِ مَا لم

يكذبها أَي الْبَيِّنَة بِنَحْوِ قبضت ثمن ملكي أَو قَالَ بِعْتُك أَو وَهبتك ملكي هَذَا، فَإِن وجد ذَلِك لم تسمع بِبَيِّنَة، وَلَا يقبل رُجُوع مقرّ عَن إِقْرَاره إِلَّا فِي حد لله تَعَالَى، فَأَما حُقُوق الْآدَمِيّين وَحُقُوق الله تَعَالَى الَّتِي لَا تدرأ بِالشُّبُهَاتِ كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَة فَلَا يقبل رُجُوعه عَنْهَا. وَمن قَالَ: غصبت هَذَا العَبْد من زيد لَا بل من عَمْرو أَو غصبته مِنْهُ وغصبه هُوَ من عَمْرو فَهُوَ لزيد وَيغرم قِيمَته لعَمْرو وغصبته من زيد وَملكه لعمر فَهُوَ لزيد وَلَا يغرم لعَمْرو شَيْئا وَإِن قَالَ: لَهُ عَليّ شَيْء أَو لَهُ عَليّ كَذَا أَو لَهُ مَال عَظِيم وَنَحْوه كخطير أَو كثير أَو نَفِيس، أَو زَاد: عِنْد الله، قيل لَهُ فسره، وَيلْزمهُ تَفْسِيره فَإِن فسره بِشَيْء وَصدقه الْمقر لَهُ ثَبت. وَإِن أَبى تَفْسِيره حبس حَتَّى يفسره وَيقبل تَفْسِيره بِأَقَلّ مَال لِأَن الشَّيْء يصدق على أقل مُتَمَوّل، والعظيم وَنَحْوه لَا حد لَهُ فِي الشَّرْع وَلَا فِي الْعرف وَيخْتَلف النَّاس فَمنهمْ من يعظم الْقَلِيل وَمِنْهُم من يعظم الْكثير فَلم يثبت فِي ذَلِك حد يرجع إِلَى تَفْسِيره، وَأي وَيقبل تَفْسِيره بكلف مُبَاح نَفعه وبحد قذف وشفعة لَا بميتة أَو خمر أَو كلب غيرمباح أَو مَالا يتمول كقشر جوزة وَنَحْوه كحبة بر ورد سَلام وتشميت عاطس. وَإِن قَالَ: لَهُ عَليّ مَا بَين دِرْهَم وَعشرَة دَرَاهِم لزمَه ثَمَانِيَة، لَهُ مَا بَين دِرْهَم إِلَى عشرَة، وَمن دِرْهَم إِلَى عشرَة، يلْزمه تِسْعَة. وَله على قفيز حِنْطَة بل قفيز شعير، أَو دِرْهَم بل دِينَار لزماه، وَله عليَّ دِرْهَم أَو دِينَار لزمَه أَحدهمَا ويعينه، وَله عَليّ دِرْهَم فِي دِينَار لزمَه دِرْهَم، وَإِن قَالَ أردْت الْعَطف أَو مَعَ لزماه،

وَإِن قَالَ لَهُ عِنْدِي تمر فِي جراب بِكَسْر الْجِيم أَو لَهُ عِنْدِي سكين فِي قرَاب بِكَسْر الْقَاف أَو لَهُ فص فِي خَاتم وَنَحْو ذَلِك كَثوب فِي منديل، أَو عبد عَلَيْهِ عِمَامَة، أَو دَابَّة عَلَيْهَا سرج، أَو سرج على دَابَّة، أَو عِمَامَة على عبد، أَو دَار مفروشة، أَو دَابَّة فِي بَيت أَو زَيْت فِي زق يلْزمه الأول دون الثَّانِي. وَإِقْرَاره بشجر لَيْسَ إِقْرَاره بأرضه فَلَا يملك غرس مَكَانهَا لَو ذهبت وَلَا يملك رب الأَرْض قلعهَا، وثمرتها للْمقر لَهُ وَإِقْرَاره بِأمة لَيْسَ إِقْرَاره بحملها، وببستان يَشْمَل أشجاره، وبشجرة يَشْمَل أَغْصَانهَا. وَإِن اتفقَا على عقد وَادّعى أَحدهمَا صِحَة العقد وَادّعى الآخر فَسَاده فَالْقَوْل قَول مدعى الصِّحَّة بِيَمِينِهِ. وَمن قَالَ بِمَرَض مَوته: هَذِه الْألف لقطَة فتصدقوا بِهِ، وَلَا مَا لَهُ غَيره لزم الْوَرَثَة الصَّدَقَة بِجَمِيعِهِ وَلَو كذبوه. وَيحكم بِإِسْلَام من أقرّ وَلَو مُمَيّزا أَو قبيل مَوته بِشَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله تَسْلِيمًا. اللَّهُمَّ اجْعَلنِي مِمَّن أقرّ بهَا مخلصا فِي حَيَاته وَعند مماته وَبعد وَفَاته آمين وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمرجع والمآب. قَالَ مُؤَلفه تغمده الله برحمته وَأَسْكَنَهُ أَعلَى فراديس جنته: وَهَذَا آخر مَا تيَسّر جمعه بمعونة الْملك الْوَهَّاب، وَأَنا أسأله تَعَالَى أَن يَجعله خَالِصا لوجهه الْكَرِيم، ونجاه من نَار الْجَحِيم وَالْعَذَاب الْأَلِيم، وَمَفَازًا بالنعيم الْمُقِيم، إِنَّه حَلِيم كريم رءوف رَحِيم، وَأَن ينفع بِهِ من اشْتغل بِهِ أَو نظر فِيهِ أَو تَأمل مَعَانِيه، وَأَن يحشرنا بحت لِوَاء سيد الْمُرْسلين، وَأَن يغْفر لي وَسَائِر الْمُسلمين أَجْمَعِينَ، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم، وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان إِلَى يَوْم الدّين. لخطأ لأَنهم متهمون لما فِي ذَلِك من دفع الدِّيَة عَن أنفسهم، وَلَو كَانَ الشَّاهِد فَقِيرا أَو بَعيدا فِي الْأَصَح لجَوَاز أَن يوسر أَن يَمُوت من هُوَ أقرب مِنْهُ، وَلَا شَهَادَة الْغُرَمَاء بِجرح شُهُود دين على مُفلس، وَلَا شَهَادَة الضَّامِن لمن ضمنه بِقَضَاء الْحق أَو الْإِبْرَاء مِنْهُ، وَلَا شَهَادَة عَدو على عدوه. وَيعْتَبر فِي الْعَدَاوَة كَونهَا لغير الله تَعَالَى فِي غير عقد نِكَاح وَأما فِيهِ فَتقبل، وَمن سره مساءة أحد أَو غمه فرحه فَهُوَ عدوه قَالَ فِي التَّرْغِيب: وَمن موانعها العصبية فَلَا شَهَادَة لمن عرف بهَا وبالإفراط فِي الحمية كتعصب قَبيلَة على قَبيلَة وَإِن لم يبلغ رُتْبَة الْعَدَاوَة انْتهى. وكل من قُلْنَا لَا تقبل شَهَادَته لَهُ كعمودي نسب وَنَحْو ذَلِك فَإِنَّهَا تقبل عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا تهمه فِيهَا فَوَجَبَ أَن تقبل عَلَيْهِ كَغَيْرِهِ، وكل من تقبل شَهَادَة لَهُ لَا تقبل بِجرح شَاهد عَلَيْهِ كالسيد يشْهد بِجرح من شهد على مكَاتبه أَو عَبده بدين، لِأَنَّهُ مُتَّهم فِيهَا لم يحصل فِيهَا من دفع الضَّرَر عَن نَفسه فَكَأَنَّهُ شهد لنَفسِهِ، وَقد قَالَ الزُّهْرِيّ: مَضَت السّنة فِي الْإِسْلَام أَنه لَا يجوز شَهَادَة خصم وَلَا ظنين. والظنين الْمُتَّهم. وَتقبل مِمَّن صناعته دنيئة عرفا كحجام وحائك وحارس ونخال وَهُوَ الَّذِي يتَّخذ غربالا أَو نَحوه يغربل بِهِ فِي مجاري المَاء. وَمَاء الطَّرِيق وَغَيرهَا وَهُوَ المقلش وصباغ وزبال وكناس الْعذرَة فَإِن صلى بِالنَّجَاسَةِ وَلم ينظف لم تقبل شَهَادَته. وَمَتى زَالَت الْمَوَانِع مِنْهُم فَبلغ الصَّغِير وعقل الْمَجْنُون وَأسلم الْكَافِر وَتَابَ الْفَاسِق قبلت شَهَادَتهم بِمُجَرَّد ذَلِك وَلَا يعْتَبر فِي التائب إصْلَاح الْعَمَل وَتقدم بَيَان التَّوْبَة فِي حكم الْمُرْتَد، والقاذف بالشتم ترد شَهَادَته وَرِوَايَته حَتَّى يَتُوب، وَالشَّاهِد بِالزِّنَا إِذا لم تصل الْبَيِّنَة تقبل رِوَايَته لَا شَهَادَته.

§1/1