كشف الأوهام والإلتباس عن تشبيه بعض الأغبياء من الناس

سليمان بن سحمان

بسم الله الرحمن الرحيم

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله رب الْعَالمين وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين وَلَا عدوان إِلَّا على الظَّالِمين وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ إِلَه الْأَوَّلين والآخرين وقيوم السَّمَوَات وَالْأَرضين وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله إِمَام الْمُتَّقِينَ وقائد الغر المحجلين وَصلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وصحبة وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان إِلَى يَوْم الدّين أما بعد فَإِنِّي قد رَأَيْت سؤالا أوردهُ حُسَيْن بن الشَّيْخ حسن بن حُسَيْن على الشَّيْخ مُحَمَّد ابْن الشَّيْخ عبد اللَّطِيف هَذَا لَفظه بِحُرُوفِهِ

مَا يَقُول الشَّيْخ ابْن الشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف بن عبد الرَّحْمَن فِي أنَاس تنازعوا فَقَالَ بَعضهم الْجَهْمِية كفار وَالَّذِي مَا يكفرهم كَافِر وَاسْتَدَلُّوا على ذَلِك بقول بعض الْعلمَاء من لم يكفر الْمُشْركين أَو شكّ فِي كفرهم فَهُوَ كَافِر وَقَالَ الْآخرُونَ أما قَوْلكُم الْجَهْمِية كفار فَهَذَا حق إِن شَاءَ الله وَنحن نقُول بذلك وَهُوَ قَول جُمْهُور الْعلمَاء من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة كَمَا ذكر ذَلِك الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن حسن رَحمَه الله فِي كِتَابه فتح الْمجِيد شرح كتاب التَّوْحِيد فِي الْكَلَام على أول بَاب من جحد شَيْئا من الْأَسْمَاء وَالصِّفَات وكما ذكره الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن حسن أَيْضا فِي جَوَابه على شُبْهَة الجهمي ابْن كَمَال الْمَذْكُور فِي مَجْمُوعَة التَّوْحِيد وكما ذكره ابْن الْقيم رَحمَه الله فِي كِتَابه الكافية الشافية بقوله (وَلَقَد تقلد كفرهم خَمْسُونَ فِي ... عشر من الْعلمَاء فِي الْبلدَانِ)

وَأما قَوْلكُم وَالَّذِي مَا يكفرهم كَافِر فَهَذَا بَاطِل مَرْدُود لما ذكره هَؤُلَاءِ الْأَعْلَام من تَكْفِير الْجُمْهُور من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة للجهمية وَعدم تَكْفِير البَاقِينَ من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة لَهُم أفيجوز تَكْفِير من لم يكفرهم من الْعلمَاء الْمَذْكُورين أَو غَيرهم مَعَ ذَلِك وَهل رَأَيْتُمْ أحدا من الْأَئِمَّة كفر هَؤُلَاءِ الْعلمَاء الَّذين لم يكفروا الْجَهْمِية أما ورد فِي الحَدِيث (من كفر مُسلما فقد كفر) وَأَنْتُم كَفرْتُمْ أمة من الْعلمَاء وَمن الْمُسلمين أما يَتَّقُونَ الله وَمَعَ هَذَا الْبَيَان يَا شيخ مُحَمَّد لم يفهموا وَلم يرجِعوا بل فتنُوا وافتتنوا وَالْعِيَاذ بِاللَّه وَقَالُوا لَهُم أَيْضا فِي الْجَواب وَأما قَول بعض الْعلمَاء من لم يكفر الْمُشْركين أَو شكّ فِي كفرهم فَهُوَ كَافِر فَهَذَا حق وَنحن نعتقده بِحَمْد الله لَكِن هَذَا فِيمَن أجمع عُلَمَاء الْإِسْلَام على كفره وَأما من اخْتلفُوا فِيهِ فَلَا يُقَال فِيمَن لم يكفره ذَلِك إِذْ يلْزم مِنْهُ تَكْفِير طَائِفَة من عُلَمَاء السّلف من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَمن تَبِعَهُمْ مِمَّن سكت عَن تكفيرهم من عوام الْمُسلمين وَفِيه الْوَعيد الشَّديد وَالنَّهْي الأكيد كَمَا تقدم وَمَعَ

هَذَا كُله لم يفهموا لكَوْنهم من الْعَوام وَلَهُم مَقَاصِد سوء لَا يُمكن بَيَانهَا فِي هَذَا السُّؤَال انْتهى الْمَقْصُود مِنْهُ وَقد أَخْبرنِي الشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف أَنه أَجَابَهُ بِجَوَاب مُجمل وَذكر لَهُ أَن هَذَا خلاف مَا عَلَيْهِ أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَأَنه لم يقل أحد من الْعلمَاء بِهَذَا القَوْل فَلم ير عودا إِلَى جَوَابه بل كَابر وعاند وأصر على باطله وَهَذَا السُّؤَال سُؤال جَاهِل مركب لَا يدْرِي وَلَا يدْرِي أَنه لَا يدْرِي أما أَولا فَلِأَنَّهُ كذب على الْعلمَاء وافترى عَلَيْهِم مَا لم يقولوه وَإِنَّمَا ظن بمفهومه الْفَاسِد أَنه لما ذكر بعض الْعلمَاء أَن الْجُمْهُور كفرُوا الْجَهْمِية أَو أَنه كفرهم كثير من الْعلمَاء وَأَن البَاقِينَ لَا يكفرونهم وَهَذَا لَيْسَ بِلَازِم وَلَا شَرط فِي عدم تَكْفِير البَاقِينَ لَهُم كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه وَأما ثَانِيًا فَإِنَّهُ جهل وتناقض فِي كَلَامه وَمَا هَكَذَا طَريقَة أهل الْعلم وَالتَّحْقِيق أما جَهله دَعْوَاهُ أَن الْعلمَاء اخْتلفُوا فِي تَكْفِير الْجَهْمِية وَلم يذكر إِمَامًا وَاحِدًا من أَئِمَّة الْمُسلمين خَالف فِي ذَلِك

وَأما تناقضه فَإِنَّهُ ذكر أَولا أَن الْجَهْمِية كفار وَأَن هَذَا هُوَ الْحق ثمَّ زعم أَن بعض الْعلمَاء لَا يكفرونهم وانتصر لهَذَا القَوْل كَمَا قَالَ فِي قصيدته (ناسبا ذَلِك عَن أهل الْعلم ... فَمَا كفرُوا الجهمي ردي الْمذَاهب) (لأَنهم إِن كفرُوا شَرّ فرقة ... وهم تابعوا جهم بِكُل المعائب) ثمَّ قَالَ أفيجوز تَكْفِير من لم يكفرهم من الْعلمَاء وَهُوَ قد ذكر أَنهم كفار وَأَنه هُوَ الْحق ثمَّ جعل الْكَلَام فِيمَن لم يكفرهم من الْعلمَاء وَمن عوام الْمُسلمين وَأَنه يلْزم من تكفيرهم تَكْفِير أمة من الْعلمَاء وَمن الْمُسلمين حَيْثُ لم يكفروهم لِأَن من كفر مُسلما فقد كفر فأولا كفرهم وَذكر أَنه هُوَ الْحق وَثَانِيا انتصر لقَوْل من لم يكفرهم فَلَا أَدْرِي أَيكُون الْحق مَعَ من كفرهم أَو مَعَ من انتصر لقَوْله وَأَنَّهُمْ مُسلمُونَ وَمن كفر مُسلما فقد كفر ثمَّ أضْرب عَن الْكَلَام فِي الْجَهْمِية وَأَن فيهم الْقَوْلَيْنِ وَجعل الْكَلَام فِي الْإِلْزَام بِكفْر من لم يكفرهم فأعجب لهَذَا التَّخْلِيط والتخبيط كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلَو كَانَ من عِنْد غير الله لوجدوا فِيهِ}

اخْتِلَافا كثيرا) وأظن أَنه سمع بِالْخِلَافِ فِي الْجُهَّال المقلدين لَهُم وَقد قَالَ ابْن الْقيم رَحمَه الله تَعَالَى وَلَا يدْرِي قدر الْكَلَام فِي هَذِه الطَّبَقَة إِلَّا من عرف مَا فِي كتب النَّاس ووقف على أَقْوَال الطوائف فِي هَذَا الْبَاب وانْتهى إِلَى غَايَة مرامهم وَنِهَايَة إقدامهم إِلَى آخر كَلَامه وَهَذَا الرجل لم يطلع على أَقْوَال الطوائف وَلَا انْتهى إِلَى غَايَة مرامهم وَنِهَايَة إقدامهم وَلَا عرف مَا فِي كتب النَّاس فلأجل عدم مَعْرفَته بأحوال هَذِه الطَّبَقَة وهم جهال المقلدين للجهمية ولعباد الْقُبُور وَقع فِيمَا لَا مخلص مِنْهُ إِن كَانَ عني بِكَلَامِهِ هَؤُلَاءِ وَأما ظَاهر كَلَامه فَهُوَ فِي الْجَهْمِية المعاندين حَيْثُ لم يفصل كَمَا قَالَ ابْن الْقيم رَحمَه الله تَعَالَى (فَعَلَيْك بالتفصيل والتبيين فالإجمال ... وَالْإِطْلَاق دون بَيَان) (كم أفسدا هَذَا الْوُجُود وخبطا الآراء ... والأذهان كل زمَان) وَقد أُتِي من سوء فهمه وضلال وهمه لِأَنَّهُ لَا إِلْمَام لَهُ بِهَذِهِ المباحث وَلَا غيرَة لَهُ من تَعْطِيل هَؤُلَاءِ الْجَهْمِية وكفرهم بِرَبّ الْعَالمين ويحاول أَن تمشي الْحَال مَعَ من هَب ودرج وَأَن لَيْسَ

فِي ذَلِك من عَار وَلَا حرج فلأجل ذَلِك تهور فِي القَوْل وَحكم بالعول وَأما ثَانِيًا فَإِنَّهُ سَأَلَهُ ثمَّ أجَاب نَفسه وَعلل وَفصل وَبَين بِزَعْمِهِ وَقد قَالَ ابْن حجر فِي الْفَتْح على حَدِيث عَائِشَة وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (ائذني لَهُ تربت يَمِينك) فَقَالَ وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَن المستفتي إِذا بَادر بِالتَّعْلِيلِ قبل سَماع الْفَتْوَى أنكر عَلَيْهِ لقَوْله (تربت يَمِينك) فَإِن فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنه كَانَ من حَقّهَا أَن تسْأَل عَن الْحِكْمَة فَقَط وَلَا تعلل انْتهى وَهَذَا الرجل استفتى وَعلل وَفصل وَبَين فِي زَعمه وَأجَاب نَفسه وَاسْتوْفى الدَّلِيل فَمَا فَائِدَة السُّؤَال حِينَئِذٍ لَوْلَا سوء الْأَدَب ورؤية النَّفس والإعجاب بهَا واحتقار الْمَسْئُول ثمَّ إِنَّه بَلغنِي عَن هَذَا الرجل وَعَن أَصْحَاب لَهُ على هَذَا الْمَذْهَب انتحال هَذِه الطَّرِيقَة الضَّالة وراسلنا بعض الإخوان فِي ذَلِك فأعرضنا عَنْهُم بُرْهَة من الزَّمَان حَتَّى رَأينَا مَا نقل إِلَيْنَا عَنْهُم صَرِيحًا فِيمَا كتبه يُوسُف بن شبيب الكويتي فَتعين علينا بَيَان الْحق ونصرة الإخوان والذب عَنْهُم على مَا ظهر مِنْهُم واشتهر

فكتبنا رِسَالَة وجيزة فِي بَيَان غلط هَذَا الكويتي وتشبيهه بِكَلَام شيخ الْإِسْلَام رَحمَه الله وَوَضعه فِي غير مَوْضِعه مَعَ أَنه لَا شُبْهَة فِي كَلَام شيخ الْإِسْلَام وَلَكِن من يرد الله فتْنَة فَلَنْ تملك لَهُ من الله شَيْئا وأعرضنا عَمَّن سوى يُوسُف ثمَّ إِنَّه بَلغنِي أَن حُسَيْن بن حسن وضع قصيدة ينتصر فِيهَا لهَؤُلَاء الْقَوْم ويهجونا فِيهَا نَحوا من إِحْدَى وَعشْرين بَيْتا وَلم أر مِنْهَا إِلَّا سِتَّة أَبْيَات هَذَا نَصهَا (دهتك الدَّوَاهِي بِابْن سحمان كلهَا ... جَزَاء الْمقَال السوء إِذا أَنْت قَائِله) (تسي ظنونا بالشبيبي وصهره ... وكل إِمَام بَان فِينَا فضائله) (وَلَيْسَ كَمَا قد قلت يَا شَرّ واهم ... وَلَكِن سوء الْفَهم تبدو عواضله) (وَمَا أَنْت إِلَّا شَاعِر ذُو قصائد ... فدع عَنْك فِي الْأَحْكَام مَا أَنْت جاهله) (ولازم للا أَدْرِي وَلَا تكرهنها ... وَلَا تتبع ظنا تصبك غوائله) (وَهَذَا قَلِيل فِي الْجَواب عجالة ... وسوف ترى مَا لَا تطِيق تحاوله) وَقد كنت فِيمَا سلف معرضًا عَنهُ وَعَن غلطاته وورطاته مُرَاعَاة لحق وَالِده ولإخوانه وَلِأَنَّهُم يَزْعمُونَ أَن هَذَا مِمَّا قيل على لِسَانه وطلبوا مني أَن لَا أستعجل بِالْجَوَابِ حَتَّى أتحقق مِنْهُ ذَلِك لأَنهم ظنُّوا أَن هَذَا لَا يصدر مِنْهُ لِأَنَّهُ خلاف مَا يعتقدونه وَخلاف مَا عَلَيْهِ

شيخ الْإِسْلَام مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب والفضلاء النبلاء من أَوْلَاده وتلامذته بل هُوَ خلاف مَا عَلَيْهِ أهل السّنة وَالْجَمَاعَة فَلَمَّا رَأَيْت هَذِه الورطات وسفاسط هَذِه الغلطات بقلمه وتحققت ذَلِك مِنْهُ فِي هَذَا السُّؤَال عدلت عَن الْجَواب بالنظم وبينت لَهُ الْأَحْكَام الَّتِي زعم أَنِّي أجهلها وَهِي بِحَمْد الله لَا تخفى على أدنى طلبة الْعلم وَقد وضحها أهل الْعلم وبينوها وَلَكِن عميت عين بصيرته عَنْهَا وأخلد إِلَى الأَرْض وَاتبع هَوَاهُ وليت شعري مَا هَذِه الْأَحْكَام الَّتِي أَشَارَ أَنِّي أَدعِي الْكَلَام فِيهَا لجهلي بهَا فِيمَا كتبته على رِسَالَة يُوسُف بن شبيب الكويتي وَمَا هَذَا الْمقَال السوء الَّذِي قلته فِيهَا أهل هَذِه الْأَحْكَام هِيَ الَّتِي زعم بمفهومه الْفَاسِد وتحصيله الكاسد أَن أهل الْعلم اخْتلفُوا فِي تَكْفِير الْجَهْمِية مُطلقًا أَو فِي جهمية دبي وَأبي ظَبْي فَإِن كَانَ الْكَلَام فِي الْجَهْمِية مُطلقًا فَهَذَا كَلَام أهل الْعلم فيهم مَشْهُور ومعروف ذكر مِنْهُ شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية قدس الله روحه بعض أَقْوَال أهل الْعلم فِي الرسَالَة الحموية وَذكر طرفا مِنْهُ فِي التدمرية وَاسْتوْفى الْكَلَام فِيهِ فِي مُوَافقَة الْعقل الصَّحِيح للنَّقْل الصَّرِيح وَفِي التسعينية وَذكر ذَلِك فِي غَالب مصنفاته وَذكر ابْن الْقيم مِنْهُ بَعْضًا فِي الجيوش الإسلامية وَفِي الكافية الشافية فِي

الِانْتِصَار للفرقة النَّاجِية وَفِي غَالب مصنفاته وَذكر عبد الله ابْن الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله مَا يشفي العليل ويروي الغليل فِي كتاب السّنة وَكَذَلِكَ الإِمَام عبد الْعَزِيز بن يحيى الْكِنَانِي صَاحب الحيدة وَالْإِمَام عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ وَذكر من صنف فِي السّنة تكفيرهم عَن عَامَّة أهل الْعلم والأثر وَمن آخر من ذكر ذَلِك عَنْهُم شَيخنَا وقدوتنا الشَّيْخ عبد اللَّطِيف رَحمَه الله وَسَيَأْتِي كَلَامه فَإِن كَانَ مَا ذكره أهل الْعلم ووضحوه ظَاهرا بَينا لَا غُبَار عَلَيْهِ كَمَا هُوَ كَذَلِك وأوضح من ذَلِك فَلَا كَلَام وَإِن كَانَ مَا ذَكرُوهُ ووضحوه لَيْسَ على ظَاهره بل لَهُ بَاطِن يُخَالف ظَاهره بِمَنْزِلَة الألغاز والأحاجي الَّتِي يُخَالف بَاطِنهَا ظَاهرهَا وَأَن أهل الْعلم قصروا فِي هَذَا الْبَاب وأوهموا بِمَا بَاطِنه مُخَالف لظاهره فَعَلَيهِ أَن يبين لنا هَذِه الْأَحْكَام الَّتِي جهلناها من كَلَام أهل الْعلم حَيْثُ لم يوضحوها على الْوَجْه الَّذِي يفهم من ظَاهرهَا وَإِن كَانَ الْكَلَام فِي جهمية دبي وَأبي ظَبْي الَّذين بالسَّاحل من أَرض عمان فستقف على كَلَام شَيخنَا قَرِيبا فَإِن كَانَ الْخلاف الْمَنْسُوب إِلَى الْعلمَاء فِي هَؤُلَاءِ فَمن هم هَؤُلَاءِ الْعلمَاء من أهل هَذَا الزَّمَان الَّذين نَأْخُذ بأقوالهم ونترك كتاب الله وَسنة رَسُوله وَإِجْمَاع سلف الْأمة وأئمتها لأجل خلاف من لَا يؤبه

لَهُ وَلَا يعد من أهل الْعلم وَلَا يلْتَفت إِلَى خِلَافه وليذكر لنا وَاحِدًا مِنْهُم حَتَّى تعرف حَاله وَإِن كَانَ الْخلاف من الْعلمَاء الْمُتَقَدِّمين أهل السّنة وَالْجَمَاعَة فليذكر لنا عددا من الْأَئِمَّة الْأَعْلَام الَّذين هم الْقدْوَة وبهم الأسوة فَإِن زعم أَن جهمية هَذَا السَّاحِل كلهم جهال مقلدون وَأَن الْخلاف يتناولهم وَيُرِيد أَن ينتصر لَهُم لأَنهم مُسلمُونَ قيل لَهُ أَولا هَؤُلَاءِ الْجَهْمِية الَّذين بالسَّاحل قد بلغتهم الدعْوَة وَقَامَت عَلَيْهِم الْحجَّة مُنْذُ أعصار متطاولة لَا يُنكر ذَلِك إِلَّا مكابر فِي الضروريات مباهت فِي الحسيات وَهَؤُلَاء طلبة الْعلم فِي كل زمَان وَمَكَان يشنون الْغَارة عَلَيْهِم بِكَلَام أهل الْعلم ويبينون لَهُم كفرهم وضلالهم وَلَا يزيدهم ذَلِك إِلَّا عنادا وعتوا فَلَا عذر لَهُم بِالْجَهْلِ فَإِنَّهُم وَإِن لم يَكُونُوا زنادقة مستبصرين فَلَا ريب أَنهم زنادقة مقلدون بِمَنْزِلَة الْأَنْعَام والبهائم وَقد ذكر أهل الْعلم خُصُوصا الشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب وَأَوْلَاده من أهل الْعلم أَنه لَا يشْتَرط فِي إبلاغ الْحجَّة مِمَّن بلغته أَن يفهم عَن الله وَرَسُوله مَا يفهمهُ أهل الْإِيمَان وَالْقَبُول والانقياد لما جَاءَ بِهِ الرَّسُول وَقيل ثَانِيًا إِنَّمَا الْخلاف الْوَاقِع بَين الْعلمَاء فِي نوع من جهال المقلدين لَهُم لَا فِي الْجُهَّال المقلدين لَهُم مُطلقًا كَمَا زَعمه هَذَا الرجل فِي قصيدته وَأما فِي سُؤَاله فَأطلق وأجمل وَلم يفصل وَلم

يسْتَثْن ابْن الْقيم رَحمَه الله إِلَّا الْعَاجِز كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه فَتبين من هَذَا أَنه لَا خلاف بَين الْعلمَاء فِي الْجَهْمِية مُطلقًا بل قد ذكر شيخ الْإِسْلَام فِي بعض أجوبته تَكْفِير الإِمَام أَحْمد للجهمية وَذكر كَلَام السّلف فِي تكفيرهم وإخراجهم من الثَّلَاث وَالسبْعين فرقة وَغلظ القَوْل فيهم وَذكر الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَكْفِير من لم يكفرهم وَذكر شَيخنَا الشَّيْخ عبد اللَّطِيف رَحمَه الله أَن هَؤُلَاءِ الَّذين شبهوا بِكَلَام شيخ الْإِسْلَام لم يفهموه وَإِنَّمَا كَلَامه فِي طوائف مَخْصُوصَة وَأَن الْجَهْمِية وَعباد الْقُبُور وَأهل الْكتاب غير داخلين فِيهِ وَإِن كَانَ مَا أجهله من الْأَحْكَام تكفيري لعباد الْقُبُور فَالْكَلَام فيهم كَالْكَلَامِ فِي الْجَهْمِية فالمعاند لَهُ حكم المعاند مِنْهُم والجهال المقلدون لَهُم حكمهم حكم المقلدين للجهمية لَا فرق وَإِن كَانَ فِي الأباضية فأباضية أهل هَذَا الزَّمَان على مَا بلغنَا جهمية عباد قُبُور لَيْسُوا على مَذَاهِب أسلافهم الماضين فَإِن كنت ترى أَنِّي أَدعِي الْكَلَام فِي هَؤُلَاءِ وَإِنَّمَا ذكرته فِي هَذَا وَفِي كشف الشبهتين من كَلَام الْعلمَاء لَيْسَ بِصَحِيح وَلَا هُوَ الْحق عنْدك وَلَيْسَ من

الْأَحْكَام الَّتِي وضحها أهل الْعلم وَأَن مَا ذكره أهل الْعلم لَيْسَ هُوَ على ظَاهره وَأَن دلَالَته لَيست بجلية بل لَهُ بَاطِن يُخَالف ظَاهره ودلالته ظنية لَيست بقطعية فَإِنِّي أشهد الله وَمَلَائِكَته وأولي الْعلم من خلقه أَنِّي أدين الله بِهَذِهِ الْأَحْكَام الَّتِي ذكرهَا الْعلمَاء ووضحوها وَأَنَّهَا على ظَاهرهَا وَأَن دلالتها قَطْعِيَّة جلية لَيست بظنية وَلَا خُفْيَة وَلَا أدع الْكَلَام فِيهَا لشناعة من شنع من الأغبياء الَّذين لَا معرفَة لَهُم بمدارك الْأَحْكَام وَلَا اطلَاع لَهُم على مَا ذكره أَئِمَّة الْإِسْلَام وَمَا أحسن مَا قيل (وَقل للعيون الرمد للشمس أعين ... سواك ترَاهَا فِي مغيب ومطلع) (وسامح نفوسا أطفأ الله نورها ... بأهوائها لَا تستفيق وَلَا تعي) وَإِن كَانَ مَا أجهله من الْأَحْكَام إنكاري على من أنكر على الإخوان فِي تكفيرهم للجهمية وَعباد الْقُبُور وأباضة أهل هَذَا الزَّمَان وإنكاري معاداتهم لَهُم وبغضهم إيَّاهُم وتجهيلهم وتضليلهم وَالرَّدّ عَلَيْهِم حَيْثُ جعلُوا همتهم وسعيهم فِي التحذير عَن الْجَهْمِية وإيذاء من والاهم وَإِظْهَار بغضه وعداوته وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ للجهمي الْمُعَطل وَلمن يدعوا غير الله يَا جهمي وَيَا كَافِر وَيَا مُبْتَدع ويهجرون من لَا يعاديهم وَلَا يظْهر بغضهم ويحذرون

عَن مجالستهم وَلَا يسلمُونَ عَلَيْهِم هَذَا كَلَام أهل الْعلم قد ذكرته فِي كشف الشبهتين فَإِن كَانَ هَذَا لَيْسَ من الْأَحْكَام الَّتِي ذكرهَا أهل الْعلم فبينوا لنا هَذِه الْأَحْكَام وَالْحق ضَالَّة الْمُؤمن فَإِن كَانَت الْأَحْكَام الَّتِي لَا يَنْبَغِي لي أَن أَتكَلّم فِيهَا أَن هَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَة أَعدَاء الله وَرَسُوله المعطلين للصانع عَن عَرْشه وعلوه على خلقه الجاحدين لأسمائه وصفات كَمَاله ونعوت جَلَاله قد اخْتلف الْعلمَاء فِي تكفيرهم وَإِذا اخْتلف الْعلمَاء فيهم كَانَ الْوَاجِب السُّكُوت عَن بَيَان كفرهم وضلالهم وَأَنَّهُمْ زنادقة وَعَن بَيَان إلحادهم وتكفيرهم وتكفير من لَا يكفرهم أَو شكّ فِي كفرهم لأَنهم عِنْد من لَا يكفرهم مِمَّن لَا يؤبه لقَوْله مُسلمُونَ وَمن كفر مُسلما فقد كفر وَلِأَنَّهُ يلْزم من تكفيرهم أَو تَكْفِير من لم يكفرهم أَو شكّ فِي كفرهم تَكْفِير طوائف من الْعلمَاء لَا يُحْصى عَددهمْ أَو تَكْفِير من سكت عَن تكفيرهم من عوام الْمُسلمين وَكَذَلِكَ عباد الْقُبُور لِأَنَّهُ رُبمَا لم تبلغهم الدعْوَة وَلم تقم عَلَيْهِم الْحجَّة لأَنهم جهال مقلدون وَأَن مَكَّة المشرفة قبل الْفَتْح لَيست دَار كفر وَلَا حَرْب على التَّعْمِيم لِأَن الله قسم أَهلهَا ثَلَاثَة أَقسَام فَكَذَلِك كل بلد فِيهَا مُسلمُونَ حكمهَا كَذَلِك

فَلَا يكون فِي الدُّنْيَا على هَذَا القَوْل بلد كفر وَحرب إِلَّا أَمَاكِن الْيَهُود وَالنَّصَارَى لِأَنَّهُ لَا تَخْلُو الأَرْض من أهل الْإِسْلَام إِلَّا مَا شَاءَ الله حَتَّى إِلَّا ندرة بلد الأنقليز النَّصَارَى فِيهَا مُسلمُونَ على مَا بلغنَا فَإِن كَانَت هَذِه هِيَ الْأَحْكَام الَّتِي أجهلها فَإِنِّي لَا أدع الْكَلَام فِيهَا وَأَبْرَأ إِلَى الله من السُّكُوت عَن بَيَان غلط من وهم فِيهَا وَإِن كَانَ الحبيب المصافيا لأجل شناعة المشنعين من أهل الْجَهْل وَقد قَالَ القَاضِي أَبُو الْحُسَيْن قَالَ الْمَرْوذِيّ قلت لأبي عبد الله ترى للرجل أَن يشْتَغل بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاة ويسكت عَن الْكَلَام فِي أهل الْبدع فكلح فِي وَجْهي وَقَالَ إِذا هُوَ صلى وَصَامَ وَاعْتَزل النَّاس أهوَ لنَفسِهِ قلت بلَى قَالَ فَإِذا تكلم كَانَ لَهُ وَلغيره يتَكَلَّم أفضل وَقَالَ أَبُو طَالب عَن الإِمَام أَحْمد كَانَ أَيُّوب يقدم الْجريرِي على سُلَيْمَان التَّيْمِيّ لِأَن الْجريرِي كَانَ يُخَاصم الْقَدَرِيَّة وَأهل الْبدع فَإِذا كَانَ هَذَا حَال السّلف الصَّالح فَإِنِّي إِن شَاءَ الله تَعَالَى لَا أدع الْكَلَام فِي عيب أهل الْبدع والطعن عَلَيْهِم وَلَا أدع الْكَلَام فِيمَن خرج عَن طَريقَة أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم وَهُوَ حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل نعم الْمولى وَنعم النصير

وَقد أرسل حُسَيْن بن حسن هَذَا النّظم عجالة فِي زَعمه ووعد أَنِّي أرى مَا لَا أُطِيق أحاوله فلأجل ذَلِك أَمْسَكت عنان الْقَلَم حَتَّى يأتينا مَا وعدنا بِهِ مِمَّا لَا نطيق نحاوله بِزَعْمِهِ ويأتينا النّظم بِتَمَامِهِ الَّذِي يزْعم أَنه عجالة بقلم يَده وَأما الغزاونة صهر الشبيبي وَهَؤُلَاء الْأَئِمَّة الَّذين بَان لَهُ فَضلهمْ فَإِنَّهُ لم يسمهم بِأَسْمَائِهِمْ وَلم نر شَيْئا من أَقْوَالهم مَنْسُوبا إِلَيْهِم وَلَا حَاجَة بِنَا إِلَى الْبَحْث عَنْهُم فَإِن كَانُوا على هَذَا الْمَذْهَب فَأَي فَضِيلَة مَعَ التَّلَبُّس بِهَذِهِ الفضائح والتلوث بِهَذِهِ القبائح فَنحْن نبرأ إِلَى الله مِنْهُم وَقد رَأَيْت رِسَالَة لبَعْضهِم أرسلها إِلَى الشَّيْخ عبد الله يعْتَذر عَن صهر الشبيبي ويتنصل من هَذِه الْأَقْوَال وَأَنه لَا يَقُول بهَا وَأَن مَا قيل عَنهُ كذب عَلَيْهِ فلأجل ذَلِك أعرضنا عَنْهُم وَلَا نذْكر إِلَّا من شهر نَفسه ونصبها هدفا دون أَعدَاء الله وَرَسُوله وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل على الله توكلنا رَبنَا افْتَحْ بَيْننَا وَبَين قَومنَا بِالْحَقِّ وَأَنت خير الفاتحين وَهَذَا بعض الْإِشَارَة إِلَى بعض مَا فِي كَلَامه من الْجَهْل وَالظُّلم وَالْكذب على الْعلمَاء ليتبين لكل منصف عور كَلَامه وَسُوء مرامه فِي قَوْله

(وَلَيْسَ كَمَا قد قلت يَا شَرّ واهم ... وَلَكِن سوء الْفَهم تبدو عواضله) قَالَ فِي سُؤَاله بقلمه وَأما قَوْلكُم وَالَّذِي مَا يكفرهم كَافِر فَهَذَا بَاطِل مَرْدُود لما ذكره هَؤُلَاءِ الْأَعْلَام من تَكْفِير الْجُمْهُور من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة للجهمية وَعدم تَكْفِير البَاقِينَ من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة لَهُم فَالْجَوَاب أَن يُقَال لهَذَا الغبي الْجَاهِل قد ذكر أهل الْعلم أَن من لم يكفر الْمُشْركين أَو شكّ فِي كفرهم فَهُوَ كَافِر كَمَا قَالَ الشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب فِي نواقض الْإِسْلَام الْعشْرَة الثَّالِث من لم يكفر الْمُشْركين أَو شكّ فِي كفرهم أَو صحّح مَذْهَبهم فَهُوَ كَافِر وَقد ذكر أهل الْعلم تَكْفِير الْجَهْمِية وَلم يَخْتَلِفُوا فِي تكفيرهم وَأَنَّهُمْ ضلال زنادقة فَمن ذكر عَنْهُم غير ذَلِك فقد كذب عَلَيْهِم وافترى فَلَو ذكر من أَئِمَّة الْمُسلمين عددا يبلغ معشار مَا ذكره أهل الْعلم فِي عدم تكفيرهم لَكَانَ ذَلِك كَافِيا وجوابا شافيا لكنه لم يذكر وَلَو رجلَيْنِ من أَئِمَّة الْإِسْلَام وَهُدَاة الْأَنَام يصرحون بِعَدَمِ تَكْفِير الْجَهْمِية وَأَنَّهُمْ مُسلمُونَ وَأما مَا فهمه هَذَا الغبي من قَول ابْن الْقيم رَحمَه الله تَعَالَى (وَلَقَد تقلد كفرهم خَمْسُونَ فِي ... عشر من الْعلمَاء فِي الْبلدَانِ) فَهُوَ مَفْهُوم فَاسد وَلَا يدْرِي كَلَام ابْن الْقيم إِلَّا أهل الْعلم فَإِن هَذَا الْجَاهِل زعم أَن مَا عدى هَذَا الْعدَد الْمَذْكُور فِي كَلَام ابْن الْقيم

وَنَحْوهم لَا يكفرون الْجَهْمِية وَإِنَّمَا كفرهم جُمْهُور أهل الْعلم وَلم يكفرهم الْبَاقُونَ وَهَذَا الْمَفْهُوم يردهُ صَرِيح مَنْطُوق مَا ذكره الْعلمَاء من أهل التَّحْقِيق الَّذين هم أعلم بِاللَّه وبدينه وشرعه وبكلام أهل الْعلم من هَؤُلَاءِ المتعمقين المتمعلمين الصعافقة الَّذين تكلفوا أَن يتجرؤا فِينَا بِلَا أَثمَان قَالَ شَيخنَا الشَّيْخ عبد اللَّطِيف بن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن فِي جَوَاب سُؤال ورد عَلَيْهِ من سَاحل عمان وَجَوَاب هَذَا لَو سلم من أوضح الواضحات عِنْد طلبة الْعلم وَأهل الْأَثر وَذَلِكَ أَن الإِمَام أَحْمد وَأَمْثَاله من أهل الْعلم والْحَدِيث لَا يَخْتَلِفُونَ فِي تَكْفِير الْجَهْمِية وَأَنَّهُمْ ضلال زنادقة وَقد ذكر من صنف فِي السّنة تكفيرهم عَن عَامَّة أهل الْعلم والأثر وعد اللالكائي رَحمَه الله تَعَالَى مِنْهُم عددا يتَعَذَّر ذكرهم فِي هَذِه الرسَالَة وَكَذَلِكَ ابْن الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى فِي كتاب السّنة والخلال فِي كتاب السّنة وَابْن أبي مليكَة فِي كتاب السّنة وَإِمَام الْأَئِمَّة ابْن خُزَيْمَة قد قرر كفرهم وَنَقله عَن

أساطين الْأَئِمَّة وَقد حكى كفرهم شمس الدّين ابْن الْقيم رَحمَه الله تَعَالَى فِي كافيته عَن خَمْسمِائَة من أَئِمَّة الْمُسلمين وعلمائهم وَالصَّلَاة خَلفهم لَا سِيمَا الْجُمُعَة لَا تنَافِي القَوْل بتكفيرهم لَكِن تجب الْإِعَادَة حَيْثُ لَا تمكن الصَّلَاة خلف غَيرهم وَقد يفرق بَين من قَامَت عَلَيْهِ الْحجَّة الَّتِي يكفر تاركها وَبَين من لَا شُعُور لَهُ بذلك وَهَذَا القَوْل يمِيل إِلَيْهِ شيخ الْإِسْلَام فِي الْمسَائِل الَّتِي قد يخفى دليلها على بعض النَّاس وعَلى هَذَا القَوْل فالجهمية فِي هَذِه الْأَزْمِنَة قد بلغتهم الْحجَّة وَظهر الدَّلِيل وَعرفُوا مَا عَلَيْهِ أهل السّنة واشتهرت الْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة وَظَهَرت ظهورا لَيْسَ بعده إِلَّا المكابرة والعناد وَهَذَا حَقِيقَة الْكفْر والإلحاد كَيفَ لَا وَقَوْلهمْ يَقْتَضِي تَعْطِيل الذَّات وَالصِّفَات وَالْقَوْل بِمَا اتّفق عَلَيْهِ الرسَالَة والنبوات وَشهِدت بِهِ الْعُقُول السليمات مَا لَا يبْقى مَعَه حَقِيقَة للربوبية والألوهية وَلَا وجود للذات المقدسة المتصفة بجميل الصِّفَات وهم إِنَّمَا يعْبدُونَ عدما لَا حَقِيقَة لوُجُوده ويعتمدون من الخيالات والشبه مَا يعلم فَسَاده بضرورة الْعقل وبالضرورة من دين الْإِسْلَام عِنْد من عرفه وَعرف مَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل من الْإِثْبَات ولبشر المريسي وَأَمْثَاله من الشّبَه وَالْكَلَام من نفي الصِّفَات مَا هُوَ من جنس هَذَا الْمَذْكُور من الْجَهْمِية الْمُتَأَخِّرين بل كَلَامه أخف إلحادا من بعض هَؤُلَاءِ الضلال وَمَعَ ذَلِك فَأهل الْعلم متفقون على تكفيره

وعَلى أَن الصَّلَاة لَا تصح خلف كَافِر جهمي أَو غَيره وَقد صرح الإِمَام أَحْمد فِيمَا نقل عَنهُ ابْنه عبد الله وَغَيره أَنه كَانَ يُعِيد صَلَاة الْجُمُعَة وَغَيرهَا وَقد يَفْعَله الْمُؤمن مَعَ غَيرهم من الْمُرْتَدين إِذا كَانَ لَهُم شَوْكَة ودولة والنصوص فِي ذَلِك مَعْرُوفَة مَشْهُورَة نحيل طَالب الْعلم على أماكنها ومظانها وَبِهَذَا ظهر الْجَواب عَن السُّؤَال الَّذِي وصل مِنْكُم انْتهى فَإِذا تحققت مَا قَالَه أهل الْعلم وَمَا قَرَّرَهُ شَيخنَا رَحمَه الله تَعَالَى علمت أَن هَذَا الغبي الْجَاهِل الَّذِي يَتَخَلَّل بِلِسَانِهِ كَمَا تتخلل الْبَقَرَة بلسانها قد نزع بهَا الْمَفْهُوم الَّذِي لم يسْبق إِلَيْهِ وَأَنه بنى كَلَامه على أصل فَاسد فَإِنَّهُ ظن أَنه لَا يكفر الْجَهْمِية من أهل الْعلم إِلَّا هَذَا الْعدَد الَّذِي ذكره ابْن الْقيم فَقَط لِأَنَّهُ لَا إِلْمَام لَهُ بِكَلَام الْعلمَاء وَلَا اطلَاع لَهُ على ذَلِك وخفي عَلَيْهِ مَا نَقله الْعلمَاء من أَئِمَّة أهل السّنة من تَكْفِير الْجَهْمِية عَن عَامَّة أهل الْعلم والأثر أفيجول فِي خلد أحد أَنه إِذا نقل بَعضهم عَن جُمْهُور أهل السّنة تكفيرهم أَن البَاقِينَ لَا يكفرونهم وَأَنه يلْزم من كفرهم أَو كفر من شكّ فِي كفرهم تَكْفِير هَؤُلَاءِ البَاقِينَ وَهل هَذَا إِلَّا تمويه على خفافيش البصائر مَعَ أَنه لم يقل بِهَذَا القَوْل أحد فِيمَا نعلم قبل هَذَا المتنطع وَلَا ذكره هُوَ عَن أحد من الْعلمَاء يجب الْمصير إِلَى قَوْله بِالْحجَّةِ القاطعة

وَقد رغب هَذَا الرجل عَمَّا نَقله عُلَمَاء أهل السّنة عَن خَمْسمِائَة إِمَام من أَئِمَّة الْمُسلمين إِلَى خيال توهمه بمفهومه أَن مَا سوى هَذَا الْعدَد لَا يكفرون الْجَهْمِية وَهَذَا الْمَفْهُوم بَاطِل مَرْدُود بِمَا نَقله بَعضهم عَن عَامَّة أهل الْعلم والأثر وَتَأمل أَيهَا الْمنصف مَا ذكره شَيخنَا رَحمَه الله عَن شيخ الْإِسْلَام من أَنه قد يفرق بَين من قَامَت عَلَيْهِ الْحجَّة الَّتِي يكفر تاركها وَبَين من لَا شُعُور لَهُ بذلك وَأَن شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية يمِيل إِلَى هَذَا القَوْل فِي الْمسَائِل الَّتِي قد يخفى دليلها على بعض النَّاس وَتَأمل قَوْله وعَلى هَذَا القَوْل فالجهمية فِي هَذِه الْأَزْمِنَة قد بلغتهم الْحجَّة وَظهر الدَّلِيل وَعرفُوا مَا عَلَيْهِ أهل السّنة واشتهرت الْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة وَظَهَرت ظهورا لَيْسَ بعده إِلَّا المكابرة والعناد وَهَذَا حَقِيقَة الْكفْر والإلحاد إِلَى آخر كَلَامه وَقد تقدم فَلَيْسَ بعد هَذَا التَّفْصِيل وَالْكَلَام الْفَاصِل الْوَاضِح الْجَلِيل حجَّة للمخالف وَلَا دَلِيل أفيظن هَذَا الْجَاهِل الْمِسْكِين أَنا نَأْخُذ بقوله وَمَفْهُومه أَو نَدع الْكَلَام عَن بَيَان غلطه ووهمه ونترك مَا وضحه أهل الْعلم وبينوه بَيَانا شافيا لَا غُبَار عَلَيْهِ ويل أمه من متمعلم قد ضل عَن مَنْهَج السَّبِيل ونكب عَن مُوجب النَّص وَالدَّلِيل وَمَا عَلَيْهِ أَئِمَّة الْإِسْلَام وَهُدَاة الْأَنَام

قَالَ الشَّيْخ عبد الله ابْن الشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب رَحمَه الله تَعَالَى فِي جَوَاب سُؤال ورد عَلَيْهِ فَاعْلَم ألهمك الله للصَّوَاب وأزال عَنْك ظلم الشَّك والارتياب أَن الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ من الْعلمَاء أَن أهل الْبدع كالخوارج والمرجئة والقدرية وَنَحْوهم لَا يكفرون وَذَلِكَ أَن الْكفْر لَا يكون إِلَّا بإنكار مَا علم بِالضَّرُورَةِ وَأما الْجَهْمِية فَالْمَشْهُور من مَذْهَب أَحْمد رَحمَه الله وَعَامة أَئِمَّة السّنة تكفيرهم فَإِن قَوْلهم صَرِيح فِي مناقضة مَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل من الْكتاب وَالسّنة وَحَقِيقَة قَوْلهم جحود الصَّانِع وجحود مَا أخبر بِهِ عَن نَفسه وعَلى لِسَان رَسُوله بل وَجَمِيع الرُّسُل وَلِهَذَا قَالَ عبد الله بن الْمُبَارك إِنَّا لنحكي كَلَام الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَلَا نستطيع أَن نحكي كَلَام الْجَهْمِية وَبِهَذَا كفرُوا من يَقُول الْقُرْآن مَخْلُوق وَأَن الله لَا يرى فِي الْآخِرَة وَأَن الله لَيْسَ على الْعَرْش وَأَنه لَيْسَ لَهُ علم وَلَا قدرَة وَلَا رَحْمَة وَلَا غضب وَلَا غير ذَلِك من صِفَاته وهم عِنْد كثير من السّلف مثل ابْن الْمُبَارك ويوسف بن أَسْبَاط وَطَائِفَة من أَصْحَاب أَحْمد لَيْسُوا من الثَّلَاث وَسبعين فرقة الَّتِي افْتَرَقت عَلَيْهَا الْأمة انْتهى

وَقد رَأَيْت هَذَا الْكَلَام الَّذِي ذكره الشَّيْخ عبد الله فِي بعض أجوبة شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية قدس الله روحه وَالَّذِي غر هَذَا الْجَاهِل فِيمَا أَظن مَا ذكره ابْن الْقيم رَحمَه الله تَعَالَى فِي الكافية بقوله بعد أَبْيَات ذكرهَا (فاسمع إِذا يَا منصفا حكميهما ... وَانْظُر إِذا هَل يَسْتَوِي الحكمان) (هم عندنَا قِسْمَانِ أهل جَهَالَة ... وذووا العناد وَذَلِكَ القسمان) (جمع وَفرق بَين نوعيهم هما ... فِي بِدعَة لَا شكّ يَجْتَمِعَانِ) (وذووا العناد فَأهل كفر ظَاهر ... والجاهلون فَإِنَّهُم نَوْعَانِ) (متمكنون من الْهدى وَالْعلم بالأسباب ... ذَات الْيُسْر والإمكان) (لَكِن إِلَى أَرض الْجَهَالَة أخلدوا ... واستسهلوا التَّقْلِيد كالعميان) (لم يبذلوا الْمَقْدُور فِي إدراكهم ... للحق تهوينا بِهَذَا الشان) (فهم الأولى لَا شكّ فِي تفيسقهم ... وَالْكفْر فِيهِ عندنَا قَولَانِ) (وَالْوَقْف عِنْدِي فيهمو لست الَّذِي ... بالْكفْر أنعتهم وَلَا الْإِيمَان) (وَالله أعلم بالبطانة منهموا ... وَلنَا ظهارة حلَّة الْإِيمَان) (لكِنهمْ مستوجبون عِقَابه ... قطعا لأجل الْبَغي والعدوان)

فصل

ثمَّ قَالَ رَحمَه الله تَعَالَى فصل (وَالْآخرُونَ فَأهل عجز عَن بُلُوغ ... الْحق مَعَ قصد وَمَعَ إِيمَان) (بِاللَّه ثمَّ رَسُوله ولقائه ... وهموا إِذا ميزتهم ضَرْبَان) (قوم دهاهم حسن ظنهموا بِمَا ... قالته أَشْيَاخ ذَوُو أَسْنَان) (وديانة فِي النَّاس لم يَجدوا سوى ... أَقْوَالهم فرضوا بهَا بِأَمَان) (لَو يقدرُونَ على الْهدى لم يرتضوا ... بَدَلا بِهِ من قَائِل الْبُهْتَان) (فأولاء معذورون إِن لم يظلموا ... ويكفروا بِالْجَهْلِ والعدوان) (وَالْآخرُونَ فطالبون الْحق لَكِن ... صدهم عَن علمه شَيْئَانِ) (مَعَ بحثهم ومصنفات قصدهم ... مِنْهَا وصولهموا إِلَى الْعرْفَان) (إِحْدَاهمَا طلب الْحَقَائِق من سوى ... أَبْوَابهَا متسوري الجدران) (وسلوك طرق غير موصلة إِلَى ... دَرك الْيَقِين ومطلع الْإِيمَان) (فتشابهت تِلْكَ الْأُمُور عليهموا ... مثل اشْتِبَاه الطّرق بالحيران) (فترى أفاضلهم حيارى كلهم ... فِي التيه يقرع ناجذ الندمان) (وَيَقُول قد كثرت عَليّ الطّرق لَا ... أَدْرِي الطَّرِيق الْأَعْظَم السُّلْطَان) (بل كلهَا طرق مخوفات بهَا الْآفَات ... حَاصِلَة بِلَا حسبان)

(فالوقف غَايَته وَآخر آمره ... من غير شكّ مِنْهُ فِي الرحمان) (أَو دينه وَكتابه وَرَسُوله ... ولقائه وقيامة الْأَبدَان) (فأولاء بَين الذَّنب والأجرين أَو ... إِحْدَاهمَا أَو وَاسع الغفران) إِلَى آخر كَلَامه رَحمَه الله وَقد فصل وَبَين حكم هَذِه الْمَسْأَلَة ووضحها فِي الطَّبَقَات وَسَيَأْتِي بَيَانه وَأَنه لم يسْتَثْن إِلَّا الْعَاجِز عَن إِدْرَاك الْحق مَعَ شدَّة طلبه وإرادته لَهُ وَلَيْسَ كَلَامه فِي خُصُوص الْجَهْمِية النفاة المعطلين أهل العناد وأتباعهم المعرضين عَن طلب الْحق بل صَرِيح كَلَامه فِي الْجُهَّال المقلدين لَهُم من الْمُتَكَلِّمين وَغَيرهم مِمَّن دخل عَلَيْهِ شَيْء من كَلَام الْجَهْمِية من أهل الْمذَاهب الْأَرْبَعَة وَغَيرهم من طوائف أهل الْبدع الَّذين أَحْسنُوا الظَّن بِمن قلدوه مِمَّن نزع إِلَى مَذْهَب الْجَهْمِية فأعرضوا عَن طلب الْحق واستسهلوا التَّقْلِيد وردوا قَول الرَّسُول وطعنوا فِي دينه لظنهم أَن مَا قالته أَشْيَاخهم هُوَ الْحق وَسَيَأْتِي تَفْصِيله فِي هَؤُلَاءِ وَأما من صدر عَنهُ مَا يُوجب كفره من الْأُمُور الَّتِي هِيَ مَعْلُومَة من ضروريات الدّين مثل عبَادَة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَإِثْبَات علوه على عَرْشه وَإِثْبَات أَسْمَائِهِ وَصِفَاته فَمن أشرك بِاللَّه تَعَالَى وَجحد علو الله على خلقه واستوائه على عَرْشه وَنفى صِفَات كَمَاله ونعوت جَلَاله الذاتية والفعلية وَمَسْأَلَة علمه بالحوادث والكائنات قبل

كَونهَا فَإِن الْمَنْع من التَّكْفِير والتأثيم بالْخَطَأ وَالْجهل فِي هَذَا كُله رد على من كفر معطلة الذَّات ومعطلة الربوبية ومعطلة الْأَسْمَاء وَالصِّفَات ومعطلة إِفْرَاد الله تَعَالَى بالإلهية والقائلين بِأَن الله لَا يعلم الكائنات قبل كَونهَا كغلاة الْقَدَرِيَّة وَمن قَالَ بِإِسْنَاد الْحَوَادِث إِلَى الْكَوَاكِب العلوية وَمن قَالَ بالأصلين النُّور والظلمة فَإِن من الْتزم هَذَا كُله فَهُوَ أكفر وأضل من الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَشَيخ الْإِسْلَام وتلميذه ابْن الْقيم رحمهمَا الله تَعَالَى قد صرحا فِي غير مَوضِع أَن الْخَطَأ وَالْجهل قد يغفرا لمن لم يبلغهُ الشَّرْع وَلم تقم عَلَيْهِ الْحجَّة فِي مسَائِل مَخْصُوصَة إِذا اتَّقى الله مَا اسْتَطَاعَ واجتهد بِحَسب طاقته وَأَيْنَ التَّقْوَى وَأَيْنَ الِاجْتِهَاد الَّذِي يَدعِيهِ عباد الْقُبُور والداعون للموتى والغائبين والمعطلون للصانع عَن علوه على خلقه وَنفي أَسْمَائِهِ وصفات كَمَاله ونعوت جَلَاله كَيفَ وَالْقُرْآن يُتْلَى فِي الْمَسَاجِد والمدارس والبيوت ونصوص السّنة النَّبَوِيَّة مَجْمُوعَة مدونة مَعْلُومَة الصِّحَّة والثبوت وَقد بَين ابْن الْقيم رَحمَه الله تَعَالَى فِي الطَّبَقَات تنويع الْجُهَّال المقلدين لأهل الْكفْر من الْجَهْمِية وَعباد الْقُبُور وَغَيرهم وَفصل النزاع وأزال الْإِشْكَال فَقَالَ رَحمَه الله تَعَالَى

الطَّبَقَة السَّابِعَة عشر طبقَة المقلدين وجهال الْكَفَرَة وأتباعهم وحميرهم الَّذين هم مَعَهم تبع يَقُولُونَ {إِنَّا وجدنَا آبَاءَنَا على أمة} وَلنَا أُسْوَة بهم وَمَعَ هَذَا فهم مسالمون لأهل الْإِسْلَام غير محاربين لَهُم كنساء الْمُحَاربين وخدمهم وأتباعهم الَّذين لم ينصبوا أنفسهم لما نصب لَهُ أُولَئِكَ أنفسهم من السَّعْي فِي إطفاء نور الله وَهدم دينه وإخماد كَلِمَاته بل هم بِمَنْزِلَة الدَّوَابّ وَقد اتّفقت الْأمة على أَن هَذِه الطَّبَقَة كفار وَإِن كَانُوا جُهَّالًا مقلدين لرؤسائهم وأئمتهم إِلَّا مَا يحْكى عَن بعض أهل الْبدع أَنه لم يحكم لهَؤُلَاء بالنَّار وجعلهم بِمَنْزِلَة من لم تبلغه الدعْوَة وَهَذَا مَذْهَب لم يقل بِهِ أحد من أَئِمَّة الْمُسلمين لَا الصَّحَابَة وَلَا التابعون وَلَا من بعدهمْ وَإِنَّمَا يعرف عَن بعض أهل الْكَلَام الْمُحدث فِي الْإِسْلَام إِلَى أَن قَالَ وَالْإِسْلَام هُوَ تَوْحِيد الله وعبادته وَحده لَا شريك لَهُ وَالْإِيمَان بِرَسُولِهِ واتباعه فِيمَا جَاءَ بِهِ فَمَا لم يَأْتِ العَبْد بهَا فَلَيْسَ بِمُسلم وَإِن لم يكن كَافِرًا معاندا فَهُوَ كَافِر جَاهِل فغاية هَذِه الطَّبَقَة أَنهم

كفار جهال غير معاندين وَعدم عنادهم لَا يخرجهم عَن كَونهم كفَّارًا فَإِن الْكَافِر من جحد تَوْحِيد الله تَعَالَى وَكذب رَسُوله إِمَّا عنادا وَإِمَّا جهلا وتقليدا لأهل العناد فَهَذَا وَإِن كَانَ غَايَته أَنه غير معاند فَهُوَ مُتبع لأهل العناد وَقد أخبر الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن فِي غير مَوضِع بِعَذَاب المقلدين لأسلافهم من الْكفَّار وَأَن الأتباع مَعَ متبوعيهم فَإِنَّهُم يتحاجون فِي النَّار وَأَن الأتباع يَقُولُونَ {رَبنَا هَؤُلَاءِ أضلونا فآتهم عذَابا ضعفا من النَّار} وَذكر آيَات نَحْو هَذِه فَانْظُر أَيهَا الْمنصف كَلَام شمس الدّين ابْن الْقيم وتكفيره لهَؤُلَاء الْجُهَّال المقلدين للمعاندين وَهَذَا الرجل الَّذِي أعمى الله قلبه يَقُول إِن بعض أهل السّنة وَالْجَمَاعَة لَا يكفرون الْجَهْمِية أفيجوز تَكْفِير من لم يكفرهم من الْعلمَاء الْمَذْكُورين وَأما جُمْهُور الْعلمَاء فهم يكفرونهم وَمرَاده بذلك الرَّد على من قَالَ من الْعلمَاء بتكفير من لم يكفر الْكَافِر وَالْعُلَمَاء لم يَخْتَلِفُوا فِي تَكْفِير الْجَهْمِية النفاة المعطلين للذات والأسماء وَالصِّفَات بل قد اتّفقت الْأمة على تَكْفِير الأتباع الْجُهَّال المقلدين لرؤسائهم وأئمتهم الَّذين هم تبع

لَهُم وَإِنَّمَا ذكر ابْن الْقيم رَحمَه الله الْقَوْلَيْنِ للْعُلَمَاء فِي الْجُهَّال المقلدين الَّذين أَحْسنُوا الظَّن بِمن قلدوه وأعرضوا عَن قبُول الْحق تقليدا لأشياخهم الَّذين تمكنوا من الْعلم والمعرفة وَقد فصل النزاع وَبَين أَنْوَاع هَؤُلَاءِ بقوله نعم لابد فِي هَذَا الْمقَام من تَفْصِيل بِهِ يَزُول الْإِشْكَال وَهُوَ الْفرق بَين مقلد تمكن من الْعلم وَمَعْرِفَة الْحق فَأَعْرض عَنهُ ومقلد لم يتَمَكَّن من ذَلِك والقسمان واقعان فِي الْوُجُود فالمتمكن المعرض تَارِك للْوَاجِب لَا عذر لَهُ عِنْد الله وَأما الْعَاجِز عَن السُّؤَال وَالْعلم الَّذِي لَا يتَمَكَّن من الْعلم بِوَجْه فهم قِسْمَانِ أَحدهمَا مُرِيد للهدى مُؤثر لَهُ محب لَهُ غير قَادر عَلَيْهِ وَلَا على طلبه لعدم من يرشده هَذَا حكمه حكم أَرْبَاب الفترات وَمن لم تبلغه الدعْوَة قلت وعَلى هَذَا فجهمية دبي وَأبي ظَبْي الَّذين وَقع الْخلاف فيهم خارجون عَن هَذَا الْقسم وَلَا يَقُول مُسلم أَنهم غير متمكنين من الْعلم وَمَعْرِفَة الْحق وَلَا هم كَذَلِك عاجزون عَن السُّؤَال وَالْعلم الَّذِي يتمكنون بِهِ من الْعلم وَطلب الْهدى بل هم قادرون على طلبه والمرشدون لهَذَا الدّين والداعون إِلَيْهِ موجودون غير معدومين وهم

مَعَ ذَلِك بَين أظهر الْمُسلمين وَقد بلغتهم الدعْوَة وَقَامَت عَلَيْهِم الْحجَّة كَمَا تقدم فِي كَلَام الشَّيْخ عبد اللَّطِيف رَحمَه الله لكِنهمْ غير مريدين للهدى وَلَا مؤثرين لَهُ وَلَا محبين لَهُ بل معرضين عَنهُ رَأْسا راضين بِمَا هم عَلَيْهِ ويكفرون أهل الْإِسْلَام وهم معادون لَهُم مبغضون لَهُم محاربون لَهُم غير مسالمين لَهُم ناصبين أنفسهم للسعي فِي إطفاء نور الله وَهدم دينه وإخماد كَلِمَاته فَلَا يكون حكمهم حكم أَرْبَاب الفترات وَمن لم تبلغه الدعْوَة وَلَا يَقُول ذَلِك إِلَّا من أعمى الله قلبه مَعَ أَنه قد انتصب أنَاس جهال فِي الذب عَنْهُم وَأَنَّهُمْ مُسلمُونَ على دَعْوَى قَول طوائف من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة الَّذين لم يكفروا الْجَهْمِية وَهُوَ قَول لَا دَلِيل عَلَيْهِ ويستدل بقوله (من كفر مُسلما فقد كفر) ثمَّ قَالَ ابْن الْقيم الثَّانِي معرض لَا إِرَادَة لَهُ وَلَا يحدث نَفسه بِغَيْر مَا هُوَ عَلَيْهِ فَالْأول يَقُول يَا رب لَو أعلم لَك دينا خيرا مِمَّا أَنا عَلَيْهِ لدنت بِهِ وَتركت مَا أَنا عَلَيْهِ وَلَكِن لَا أعرف سوى مَا أَنا عَلَيْهِ وَلَا أقدر إِلَّا عَلَيْهِ فَهُوَ غَايَة جهدي وَنِهَايَة معرفتي وَالثَّانِي رَاض بِمَا هُوَ عَلَيْهِ لَا يُؤثر غَيره وَلَا تطلب نَفسه سواهُ وَلَا فرق عِنْده بَين حَال عَجزه وَقدرته وَكِلَاهُمَا عَاجز وَهَذَا

لَا يجب أَن يلْحق بِالْأولِ لما بَينهمَا من الْفرق فَالْأول كمن طلب الدّين فِي الفترة فَلم يظفر بِهِ فَعدل عَنهُ بعد استفراغه الوسع فِي طلبه عَجزا أَو جهلا وَالثَّانِي كمن لم يَطْلُبهُ بل مَاتَ على شركه وَإِن كَانَ لَو طلبه لعجز عَنهُ فَفرق بَين عجز الطَّالِب وَعجز المعرض فَتَأمل هَذَا الْموضع وَالله يقْضِي بَين عباده يَوْم الْقِيَامَة بعدله وحكمته وَلَا يعذب إِلَّا من قَامَت عَلَيْهِ الْحجَّة بالرسل فَهُوَ مَقْطُوع بِهِ فِي جملَة الْخلق وَأما كَون زيد بِعَيْنِه وَعَمْرو قد قَامَت عَلَيْهِ الْحجَّة أم لَا فَذَلِك مِمَّا لَا يُمكن الدُّخُول بَين الله وعباده فِيهِ بل الْوَاجِب على العَبْد أَن يعْتَقد أَن كل من دَان بدين غير دين الْإِسْلَام فَهُوَ كَافِر وَأَن الله سُبْحَانَهُ لَا يعذب أحدا إِلَّا بعد قيام الْحجَّة عَلَيْهِ بالرسول هَذَا فِي الْجُمْلَة وَالتَّعْيِين موكول إِلَى علم الله تَعَالَى وَحكمه هَذَا فِي أَحْكَام الثَّوَاب وَالْعِقَاب وَأما فِي أَحْكَام الدُّنْيَا فَهِيَ جَارِيَة على ظَاهر الْأَمر فأطفال الْكفَّار ومجانينهم كفار فِي أَحْكَام الدُّنْيَا لَهُم حكم أَوْلِيَائِهِمْ وَبِهَذَا التَّفْصِيل يَزُول الْإِشْكَال فِي الْمَسْأَلَة إِلَى آخر كَلَامه رَحمَه الله وَالَّذِي ندين الله بِهِ أَن من نفى علو الله على خلقه واستوائه على

عَرْشه وَجحد صِفَات كَمَاله ونعوت جَلَاله وَأَن الله لَا يتَكَلَّم بمشيئته وَقدرته وَلَا نزل مِنْهُ شَيْء وَلَا يصعد إِلَيْهِ شَيْء إِلَى غير ذَلِك من صِفَات كَمَاله أَنه قد دَان بدين غير دين الْإِسْلَام قَالَ شَيخنَا الشَّيْخ عبد اللَّطِيف رَحمَه الله فِي رده على دَاوُد الْعِرَاقِيّ لما ذكر كَلَام ابْن الْقيم الْمُتَقَدّم ذكره قَالَ فقف هُنَا وَتَأمل هَذَا التَّفْصِيل البديع فَإِنَّهُ رَحمَه الله لم يسْتَثْن إِلَّا من عجز عَن إِدْرَاك الْحق مَعَ شدَّة طلبه وإرادته لَهُ فَهَذَا الصِّنْف هُوَ المُرَاد فِي كَلَام شيخ الْإِسْلَام وَابْن الْقيم وأمثالهما من الْمُحَقِّقين وَأما الْعِرَاقِيّ وإخوانه المبطلون فشبهوا أَن الشَّيْخ لَا يكفر الْجَاهِل وَأَنه يَقُول هُوَ مَعْذُور وأجملوا القَوْل وَلم يفصلوا وَجعلُوا هَذِه الشُّبْهَة ترسا يدْفَعُونَ بهَا الْآيَات القرآنية وَالْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة وصاحوا على عباد الله الْمُوَحِّدين كَمَا جرى لأسلافهم من عباد الْقُبُور وَالْمُشْرِكين وَإِلَى الله الْمصير وَهُوَ الْحَاكِم بِعِلْمِهِ بَين عباده فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ انْتهى

وَهَذَا الرجل وَأَضْرَابه من الْجُهَّال سلكوا مَسْلَك دَاوُد بإلقاء الشّبَه وَزَعَمُوا أَن أهل الْعلم لَا يكفرون الْجَاهِل بل الْجَهْمِية مُطلقًا وأجملوا وَلم يفصلوا وصاحوا على عباد الله الْمُوَحِّدين وَلكُل قوم وَارِث وَقد أورد يُوسُف بن شيب الكويتي كَلَام شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية الَّذِي أوردهُ دَاوُد فِي كِتَابه صلح الإخوان وَشبه بِهِ على عباد الله وَزعم كَمَا زعم دَاوُد أَن الْجَاهِل المخطيء مَعْذُور وسمى رسَالَته نصيحة الْمُؤمنِينَ عَن تَكْفِير الْمُسلمين وانتصر لَهُ حُسَيْن بن حسن بقصائد يهجوا فِيهَا أهل الْإِسْلَام وَجَهل وضلل من اعْترض عَلَيْهِ وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل وَالْمَقْصُود أَن هَذَا الْجَاهِل الغبي زعم أَن لأهل الْعلم فِي الْجَهْمِية قَوْلَيْنِ طَائِفَة تكفرهم وهم الْجُمْهُور وَطَائِفَة لَا يكفرونهم فأجمل الغبي وَلم يفصل وَالْخلاف إِنَّمَا هُوَ فِي الْقسم الثَّانِي من جهالهم المقلدين المتمكنين من الْهدى وَالْعلم المعرضين عَن طلبه وَقد قطع النزاع وأزال الْإِشْكَال وَلم يسْتَثْن إِلَّا من عجز عَن إِدْرَاك الْحق مَعَ شدَّة طلبه لَهُ وإرادته لَهُ وَهَؤُلَاء العاجزون عَن بُلُوغ الْحق ضَرْبَان

فالضرب الأول من قلد أَشْيَاخ الضلال الَّذين سلكوا على طَريقَة الْجَهْمِية وقفُوا آثَارهم فقلدهم هَؤُلَاءِ وأحسنوا بهم الظَّن لأجل ديانتهم فِي النَّاس وَلم يَجدوا سوى أَقْوَالهم فقنعوا بهَا وَرَضوا بهَا وَلَو يقدرُونَ على الْهدى وسلوك الصِّرَاط الْمُسْتَقيم الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتابعوهم لم يرتضوا بسواه وَلم يستبدلوا بِهِ أَقْوَال من صدف عَن الْحق ونكب عَنهُ وَقَالَ بالبهتان فَهَؤُلَاءِ معذورون إِن لم يظلموا ويكفروا بِالْجَهْلِ والعدوان وَالضَّرْب الثَّانِي من طلب الْحق وَبحث وصنف وقصده التَّوَصُّل إِلَى معرفَة الْحق لَكِن طلبه للحق لَيْسَ هُوَ من بَابه بل سلك طرقا تُفْضِي بِهِ إِلَى غير الْحق ودرك الْيَقِين وحقائق الْإِيمَان فَلم يتَبَيَّن لَهُ الْحق من الْبَاطِل بل اشتبهت عَلَيْهِ الْأُمُور وموارد الطّرق الَّتِي تورده إِلَى الصِّرَاط الْمُسْتَقيم وَإِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ السّلف الصَّالح فَوقف متحيرا لَا يدْرِي أَيْن طَرِيق الْحق الَّذِي ينجيه من طَرِيق الْبَاطِل الَّذِي يرديه مَعَ حسن قَصده وَعدم شكه فِي الله وَدينه وَكتابه وَرَسُوله ولقائه فَهَذَا الضَّرْب بَين الذَّنب والأجرين أَو أَحدهمَا أَو مغْفرَة الله وَهَذَا بِخِلَاف الْعَاجِز المعرض الَّذِي لم يرفع رَأْسا بدين الْإِسْلَام بل هُوَ رَاض بِمَا هُوَ عَلَيْهِ لَا يُؤثر غَيره وَلَا تطلب نَفسه سواهُ وَلَا طلب الْحق وَلَا أحبه وَلَا أَرَادَهُ وَهَؤُلَاء الْأَقْسَام كلهم مجتمعون فِي الْبِدْعَة وَإِن اخْتلفت أحكامهم وَإِذا

كَانُوا أهل بِدعَة وضلالة فَمَا المسوغ للذب عَنْهُم والمجادلة دونهم بِالْبَاطِلِ ومعادات من عاداهم وَأظْهر الشناعة عَلَيْهِم لَوْلَا مُتَابعَة الْهوى وحمية الْجَاهِلِيَّة وَمن يرد الله فتنته فَلَنْ تملك لَهُ من الله شَيْئا وَمن لم يَجْعَل الله نورا فَمَا لَهُ من نور

فصل

فصل ونزيد هَذَا الْمقَام إيضاحا وبيانا بِمَا ذكره شمس الدّين ابْن الْقيم رَحمَه الله تَعَالَى فِي الجيوش الإسلامية لِئَلَّا يتَوَهَّم من لَا معرفَة لَدَيْهِ بمدارك الْأَحْكَام وَلَا تَمْيِيز لَهُ بِمَا عَلَيْهِ أَئِمَّة الْإِسْلَام أَن هَذَا الْكَلَام إِنَّمَا هُوَ فِي عُمُوم الْكفَّار مِمَّن أشرك بِاللَّه فِي عِبَادَته وَعدل بِهِ سواهُ فِي تَوْحِيد الربوبية وتوحيد الإلهية وَأما الْجَهْمِية نفات الذَّات وَالصِّفَات فَلَيْسَ هَذَا الْكَلَام فيهم لِأَن الْعلمَاء قد اخْتلفُوا فِي تكفيرهم فَلهم فيهم قَولَانِ كَمَا قد توهمه هَذَا الغبي وَأَضْرَابه فَقَالَ رَحمَه الله قَالَ شَيخنَا يَعْنِي شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية قدس الله روحه النَّاس فِي الْهدى الَّذِي بعث الله بِهِ رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعَة أَقسَام قد اشْتَمَلت عَلَيْهِم هَذِه الْآيَات من أول السُّورَة فَذكر الْقسم الأول الَّذِي قبلوا الْهدى بَاطِنا وظاهرا وهم نَوْعَانِ ثمَّ قَالَ

الْقسم الثَّانِي من رده بَاطِنا وظاهرا وَكفر بِهِ وَلم يرفع بِهِ رَأْسا وَهَؤُلَاء أَيْضا نَوْعَانِ أَحدهمَا عرفه وتيقن صِحَّته وَأَنه حق وَلَكِن حمله الْحَسَد وَالْكبر وَحب الرِّئَاسَة وَالْملك والتقدم بَين قومه على جَحده وَدفعه بعد البصيرة وَالْيَقِين النَّوْع الثَّانِي أَتبَاع هَؤُلَاءِ الَّذين يَقُولُونَ هَؤُلَاءِ سَادَاتنَا وكبراؤنا وهم أعلم منا بِمَا يقبلونه وَمَا يردونه وَلنَا أُسْوَة بهم وَلَا نرغب بِأَنْفُسِنَا عَن أنفسهم وَلَو كَانَ حَقًا كَانُوا هم أَهله وَأولى بقبوله وَهَؤُلَاء بِمَنْزِلَة الدَّوَابّ والأنعام يساقون حَيْثُ يسوقهم راعيهم وهم الَّذين قَالَ الله فيهم عز وَجل {إِذْ تَبرأ الَّذين اتبعُوا من الَّذين اتبعُوا وَرَأَوا الْعَذَاب وتقطعت بهم الْأَسْبَاب} الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى {يَوْم تقلب وُجُوههم فِي النَّار يَقُولُونَ يَا ليتنا أَطعْنَا الله وأطعنا الرسولا وَقَالُوا رَبنَا إِنَّا أَطعْنَا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا} الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى فيهم {وَإِذ يتحاجون فِي النَّار فَيَقُول الضُّعَفَاء للَّذين استكبروا إِنَّا كُنَّا لكم تبعا فَهَل أَنْتُم مغنون عَنَّا نَصِيبا من النَّار} الْآيَة وَقَالَ فيهم {هَذَا فليذوقوه حميم وغساق وَآخر من شكله أَزوَاج}

إِلَى قَوْله {فبئس الْقَرار} إِلَى أَن قَالَ رَحمَه الله تَعَالَى

فصل

فصل الْقسم الثَّالِث الَّذين قبلوا مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وآمنوا بِهِ ظَاهرا وجحدوه وَكَفرُوا بِهِ بَاطِنا وهم المُنَافِقُونَ الَّذين ضرب الله لَهُم هَذَانِ المثلان بمستوقد النَّار وبالصيب وهم أَيْضا نَوْعَانِ أَحدهمَا من أبْصر ثمَّ عمي وَعلم ثمَّ جهل وَأقر ثمَّ أنكر وآمن ثمَّ كفر فَهَؤُلَاءِ رُؤُوس أهل النِّفَاق وساداتهم وأئمتهم وَمثلهمْ مثل من استوقد نَارا ثمَّ حصل بعْدهَا على الظلمَة وَالنَّوْع الثَّانِي ضعفاء البصائر الَّذين أعشى بصائرهم ضوء الْبَرْق فكاد أَن يَخْطفهَا لِضعْفِهَا وقوته وأصم آذانهم صَوت الرَّعْد فهم يجْعَلُونَ أَصَابِعهم فِي آذانهم من الصَّوَاعِق فَلَا يقربون من سَماع الْقُرْآن وَالْإِيمَان بل يهربون مِنْهُ وَيكون حَالهم من يسمع الرَّعْد الشَّديد فَمن شدَّة خَوفه مِنْهُ يَجْعَل أَصَابِعه فِي أُذُنَيْهِ وَهَذِه

حَال كثير من خفافيش البصائر فِي كثير من نُصُوص الْوَحْي إِذا وَردت عَلَيْهِ مُخَالفَة لما تَلقاهُ عَن أسلافه وَذَوي مذْهبه وَمن يحسن بِهِ الظَّن وَرَآهَا مُخَالفَة لما عِنْده عَنْهُم هرب من النُّصُوص وَكره من يسمعهُ إِيَّاهَا وَلَو أمكنه لسد أُذُنَيْهِ عِنْد سماعهَا وَيَقُول دَعْنَا من هَذِه وَلَو قدر لعاقب من يتلوها وحفظها وينشرها وَيعلمهَا فَإِذا ظهر لَهُ مِنْهَا مَا يُوَافق مَا عِنْده مَشى فِيهَا وَانْطَلق فَإِذا جَاءَت بِخِلَاف مَا عِنْده أظلمت عَلَيْهِ فَقَامَ حائرا لَا يدْرِي أَيْن يذهب ثمَّ يعزم لَهُ التَّقْلِيد وَحسن الظَّن برؤسائه وسادته على اتِّبَاع مَا قَالُوهُ دونهَا وَيَقُول مِسْكين الْحَال هم أخبر بهَا مني وَأعرف فيالله الْعجب أوليس أَهلهَا والذابون عَنْهَا والمنتصرون لَهَا والمعظمون لَهَا والمخالفون لأَجلهَا آراء الرِّجَال المقدمون لَهَا على مَا خالفها أعرف بهَا أَيْضا مِنْك وَمِمَّنْ اتبعته فَلم كَانَ من خالفها وعزلها عَن الْيَقِين وَزعم أَن الْهدى وَالْعلم لَا يُسْتَفَاد مِنْهَا وَأَنَّهَا أَدِلَّة لفظية لَا تفِيد شَيْئا من الْيَقِين وَلَا يجوز أَن يحْتَج بهَا على مَسْأَلَة وَاحِدَة من مسَائِل التَّوْحِيد وَالصِّفَات ويسميها الظَّوَاهِر النقلية ويسمي مَا خالفها القواطع الْعَقْلِيَّة فَلم كَانَ هَؤُلَاءِ أَحَق بهَا وَأَهْلهَا وَكَانَ أنصارها والذابون عَنْهَا والحافظون لَهَا هم أعداؤها ومحاربوها

وَلَكِن هَذِه سنة الله فِي أهل الْبَاطِل أَنهم يعادون الْحق وَأَهله وينسبونهم إِلَى معاداته ومحاربته كالرافضة الَّذين عَادوا أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بل وَأهل بَيته ونسبوا أَتْبَاعه وَأهل سنته إِلَى معاداته ومعادات أهل بَيته {وَمَا كَانُوا أولياءه إِن أولياؤه إِلَّا المتقون وَلَكِن أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ} وَالْمَقْصُود أَن هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقين صنفان أَئِمَّة وسَادَة يدعونَ إِلَى النَّار وَقد مَرَدُوا على النِّفَاق وَأَتْبَاع لَهُم بِمَنْزِلَة الْأَنْعَام والبهائم فَأُولَئِك زنادقة مستبصرون وَهَؤُلَاء زنادقة مقلدون فَهَؤُلَاءِ أَصْنَاف بني آدم فِي الْعلم وَالْإِيمَان وَلَا يُجَاوز هَذِه السّنة اللَّهُمَّ إِلَّا من أظهر الْكفْر وأبطن الْإِيمَان كَحال المستضعف بَين الْكفَّار الَّذِي تبين لَهُ الْإِسْلَام وَلم يُمكنهُ المجاهرة بِخِلَاف قومه وَلم يزل هَذَا الضَّرْب فِي النَّاس على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَؤُلَاء عكس الْمُنَافِقين من كل وَجه وعَلى هَذَا فَالنَّاس إِمَّا مُؤمن ظَاهرا وَبَاطنا وَإِمَّا كَافِر ظَاهرا وَبَاطنا أَو مُؤمن ظَاهرا كَافِرًا بَاطِنا أَو كَافِر ظَاهرا مُؤمنا بَاطِنا والأقسام الْأَرْبَعَة قد اشْتَمَل عَلَيْهَا الْوُجُود وَقد بَين الْقُرْآن أَحْكَامهَا

فالأقسام الثَّلَاثَة الأول ظَاهِرَة وَقد اشْتَمَلت عَلَيْهَا أول سُورَة الْبَقَرَة وَأما الْقسم الرَّابِع فَفِي قَوْله تَعَالَى {وَلَوْلَا رجال مُؤمنُونَ وَنسَاء مؤمنات لم تعلموهم أَن تطؤوهم} فَهَؤُلَاءِ كَانُوا يكتمون إِيمَانهم فِي قَومهمْ وَلَا يتمكنون من إِظْهَاره ثمَّ ذكر رَحمَه الله من هَؤُلَاءِ مُؤمن آل فِرْعَوْن الَّذِي كَانَ يكتم إيمَانه وَالنَّجَاشِي الَّذِي صلى عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمَقْصُود أَن هَؤُلَاءِ الأتباع المقلدين للجهمية إِمَّا أَن يَكُونُوا زنادقة مقلدين لزنادقة مستبصرين وَإِمَّا أَن يَكُونُوا من الْقسم الثَّالِث من النَّوْع الَّذين يردون كثيرا من نُصُوص الْوَحْي إِذا وَردت عَلَيْهِم مُخَالفَة لما تلقوهُ عَن أسلافهم وَذَوي مَذْهَبهم وَمن يحسنون بِهِ الظَّن ويزعمون أَن أَدِلَّة الْكتاب وَالسّنة لَا يُسْتَفَاد مِنْهَا الْهدى وَالْعلم وَأَنَّهَا أَدِلَّة لفظية لَا تفِيد شَيْئا من الْيَقِين ويسمونها الظَّوَاهِر النقلية وَمَا خالفها القواطع الْعَقْلِيَّة كَمَا هُوَ مَعْرُوف مَشْهُور عَن أَتبَاع هَؤُلَاءِ الْجَهْمِية المقلدين لَهُم فهم لَا يخرجُون عَن هذَيْن الْقسمَيْنِ كَمَا تقدم بَيَانه آنِفا فَإِذا تبين لَك أَن هَؤُلَاءِ الْجَهْمِية زنادقة مستبصرين وَأَن أتباعهم المقلدين لَهُم إِمَّا أَن يَكُونُوا زنادقة مقلدين

لهَؤُلَاء الزَّنَادِقَة المستبصرين وَإِمَّا أَن يَكُونُوا من النَّوْع الثَّانِي من الْقسم الثَّالِث وَقد بَين شيخ الْإِسْلَام أَن الْقسم الثَّانِي نَوْعَيْنِ النَّوْع الأول مِمَّن رده ظَاهرا وَبَاطنا وَكفر بِهِ وَلم يرفع بِهِ رَأْسا سَادَات وكبراء وَأهل رئاسة وَتقدم وَالنَّوْع الثَّانِي أَتبَاع هَؤُلَاءِ وَأَن الْقسم الثَّالِث نَوْعَانِ أَيْضا رُؤْس أهل النِّفَاق وساداتهم وأئمتهم وَأَتْبَاع مقلدون لَهُم وَهَؤُلَاء مِمَّن آمن ظَاهرا وَكفر بَاطِنا فَإِذا عرفت هَذَا تبين لَك خطأ من زعم أَن لأهل الْعلم فيهم قَوْلَيْنِ خُصُوصا فِي الْجَهْمِية النفات معطلة الْأَسْمَاء وَالصِّفَات وَالله يَقُول الْحق وَهُوَ يهدي السَّبِيل وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل

فصل

فصل وَأما قَوْله أفيجوز تَكْفِير من لم يكفرهم من الْعلمَاء الْمَذْكُورين أَو غَيرهم مَعَ ذَلِك وَهل رَأَيْتُمْ أحدا من الْأمة كفر هَؤُلَاءِ الَّذين لم يكفروا الْجَهْمِية أما ورد فِي الحَدِيث (من كفر مُسلما فقد كفر) وَأَنْتُم كَفرْتُمْ أمة من الْعلمَاء من الْمُسلمين إِلَى آخر كَلَامه فَالْجَوَاب أَن يُقَال أَولا هَذِه دَعْوَى كَاذِبَة خاطئة فَإِنَّهُ لم ينْقل عَن أحد من الْعلمَاء الْمَذْكُورين أَو غَيرهم عدم تَكْفِير الْجَهْمِية الْبَتَّةَ وَلَا أصل لَهُ فِي كَلَام أحد من الْعلمَاء إِلَّا مَا يحْكى عَن طَائِفَة من أهل الْبدع أَنهم لم يحكموا بِكفْر المقلدين من جهال الْكفَّار الَّذين هم أتباعهم وحميرهم الَّذين مَعَهم تبع وَلم يحكموا لَهُم بالنَّار وجعلوهم بِمَنْزِلَة من لم تبلغه الدعْوَة وَهَذَا مَذْهَب لم يقل بِهِ أحد من أَئِمَّة الْمُسلمين لَا الصَّحَابَة وَلَا التابعون وَلَا من بعدهمْ وَقد اتّفقت الْأمة على أَن هَذِه الطَّبَقَة كفار وَإِن كَانُوا جُهَّالًا مقلدين لرؤسائهم وأئمتهم

وَيُقَال نعم قد قَالَ الإِمَام أَحْمد فِي عقيدته لما ذكر أَن من قَالَ بِخلق الْقُرْآن فَهُوَ جهمي كَافِر قَالَ وَمن لم يكفر هَؤُلَاءِ الْقَوْم فَهُوَ مثلهم وَقَالَ أَبُو زرْعَة من زعم أَن الْقُرْآن مَخْلُوق فَهُوَ كَافِر بِاللَّه الْعَظِيم كفرا ينْقل عَن الْملَّة وَمن شكّ فِي كفره مِمَّن يفهم وَلَا يجهل فَهُوَ كَافِر وَسَيَأْتِي ذكر ذَلِك وَلم ينْقل الْخلاف إِلَّا فِي نوع من الْجُهَّال المقلدين وهم الَّذين تمكنوا من الْهدى وَالْعلم بالأسباب الَّتِي يقدرُونَ بهَا على طلبه ومعرفته لَكِن أَعرضُوا وأخلدوا إِلَى أَرض الْجَهَالَة وأحسنوا الظَّن بِمن قلدوه واستسهلوا التَّقْلِيد وَهَؤُلَاء توقف ابْن الْقيم عَن وَصفهم بالْكفْر وَعَن وَصفهم بِالْإِسْلَامِ فِي الكافية الشافية وَجزم فِي الطَّبَقَات أَنه لَا عذر لَهُم عِنْد الله ثمَّ إِن جَمِيع من صنف فِي السّنة من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة يردون فِيهَا على هَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَة الزَّنَادِقَة الضلال ويبينون ضلالهم وكفرهم وابتداعهم وَلم نسْمع أَن أحدا مِنْهُم اعتذر عَن هَؤُلَاءِ الْجَهْمِية وَقَالَ إِنَّهُم مُسلمُونَ لَان بعض أهل الْعلم لم يكفروهم وَلَا اعتذر عَن أحد من أهل الْأَهْوَاء والبدع

بل شنوا الْغَارة عَلَيْهِم وبدعوهم وضللوهم وَهَؤُلَاء الْجُهَّال الأغبياء يُقِيمُونَ الْقِيَامَة على من عاداهم وكفرهم وضللهم ويصنفون فِي الرَّد على أهل الْإِسْلَام ويهجونهم بالقصائد فَإِذا تحققت أَن الْأَئِمَّة قد اجْتمعت على كفر الأتباع الْجُهَّال المقلدين لرؤسائهم وأئمتهم فَكيف الْحَال بالجهمية المعاندين وَقد أطلق هَذَا الرجل القَوْل فَزعم أَن جُمْهُور الْعلمَاء يكفرونهم وَأَن البَاقِينَ لَا يكفرونهم وأجمل وَلم يفصل ليندرج جهمية دبي وَأبي ظَبْي فِي جملَة من اخْتلف الْعلمَاء فيهم بِزَعْمِهِ وَهَؤُلَاء قد بلغتهم الدعْوَة وَقَامَت عَلَيْهِم الْحجَّة وكابروا وعاندوا وجادلوا بِالْبَاطِلِ ليدحضوا بِهِ الْحق ثمَّ إِن جُمْهُور الْعلمَاء الَّذين كفرُوا الْجَهْمِية هم الْحجَّة فِي كل زمَان وَمَكَان وهم وَرَثَة الْأَنْبِيَاء وخلفاء الرُّسُل وأعلام الْهدى ومصابيح الدجى الَّذين قَامَ بهم الْكتاب وَبِه قَامُوا وبهم نطق الْكتاب وَبِه نطقوا وأدلتهم الْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع سلف الْأمة فهم الْقدْوَة وبهم الأسوة وَلَا عِبْرَة بِمن خالفهم أَو سكت وَإِن كَانُوا لَا يُحصونَ عددا وَمن خالفهم فَقَوله شَاذ لَا يلْتَفت إِلَيْهِ وَلَا يعول عَلَيْهِ بل قد بدعه أهل الْعلم وأخرجوه عَن الْجَمَاعَة كَمَا قَالَ

باب القول في المذهب

أَبُو مُحَمَّد حَرْب بن إِسْمَاعِيل الْكرْمَانِي فِي مسَائِله الْمَعْرُوفَة الَّتِي نقلهَا عَن أَحْمد وَإِسْحَاق وَغَيرهمَا وَذكر مَعهَا من الْآثَار عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالصَّحَابَة وَغَيرهم مَا ذكر وَهُوَ كتاب كَبِير صنفه على طَريقَة الْمُوَطَّأ وَنَحْوه من المصنفات قَالَ فِي آخِره فِي الْجَامِع بَاب القَوْل فِي الْمَذْهَب هَذَا مَذْهَب أَئِمَّة الْعلم وَأَصْحَاب الْأَثر وَأهل السّنة المعروفين بهَا المقتدى بهم فِيهَا وَأدْركت من أدْركْت من عُلَمَاء أهل الْعرَاق والحجاز وَالشَّام وَغَيرهم عَلَيْهَا فَمن خَالف شَيْئا من هَذِه الْمذَاهب أَو طعن فِيهَا أَو عَابَ قَائِلهَا فَهُوَ مُبْتَدع خَارج عَن الْجَمَاعَة زائل عَن مَنْهَج السّنة وسبيل الْحق وَهُوَ مَذْهَب أَحْمد وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَبَقِي بن مخلد وَعبد الله بن الزبير الْحميدِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَغَيرهم مِمَّن جالسنا وأخذنا عَنْهُم الْعلم وَذكر الْكَلَام فِي الْإِيمَان وَالْقدر وَغير ذَلِك إِلَى آخر كَلَامه رَحمَه الله وَالْمَقْصُود أَن من خَالف هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة مُبْتَدع خَارج من الْجَمَاعَة زائل عَن مَنْهَج السّنة وسبيل الْحق هَذَا لَو فرض أَن أحدا من أهل الْعلم نقل عَنهُ عدم تكفيرهم فَكيف يَقُول هَذَا الْجَاهِل أَنه يلْزم من كفر الْجَهْمِية تَكْفِير طَائِفَة من عُلَمَاء السّلف من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة

وَمن تَبِعَهُمْ ثمَّ لَو قدر أَن أحدا من الْعلمَاء توقف عَن القَوْل بِكفْر أحد من هَؤُلَاءِ الْجُهَّال المقلدين للجهمية أَو الْجُهَّال المقلدين لعباد الْقُبُور أمكن أَن نعتذر عَنهُ بِأَنَّهُ مخطيء مَعْذُور وَلَا نقُول بِكُفْرِهِ لعدم عصمته من الْخَطَأ وَالْإِجْمَاع فِي ذَلِك قَطْعِيّ وَلَا بدع أَن يغلط فقد غلط من هُوَ خير مِنْهُ كَمثل عمر بن الْخطاب فَلَمَّا نبهته الْمَرْأَة رَجَعَ فِي مَسْأَلَة الْمهْر وَفِي غير ذَلِك وكما غلط غَيره من الصَّحَابَة وَقد ذكر شيخ الْإِسْلَام فِي رفع الملام عَن الْأَئِمَّة الْأَعْلَام عشرَة أَسبَاب فِي الْعذر لَهُم فِيمَا غلطوا فِيهِ وأخطأوا وهم مجتهدون وَأما تكفيره أَعنِي المخطيء والغالط فَهُوَ من الْكَذِب والإلزام الْبَاطِل فَإِنَّهُ لم يكفر أحد من الْعلمَاء أحدا إِذا توقف فِي كفر أحد لسَبَب من الْأَسْبَاب الَّتِي يعْذر بهَا الْعَالم إِذا أَخطَأ وَلم يقم عِنْده دَلِيل على كفر من قَامَ بِهِ هَذَا الْوَصْف الَّذِي يكفر بِهِ من قَامَ بِهِ بل إِذا بَين لَهُ ثمَّ بعد ذَلِك عاند وكابر وأصر وَلِهَذَا لما اسْتحلَّ طَائِفَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ كقدامة بن مَظْعُون وَأَصْحَابه شرب الْخمر وظنوا أَنَّهَا تُبَاح لمن عمل صَالحا على مَا فهموه من آيَة الْمَائِدَة اتّفق عُلَمَاء الصَّحَابَة كعمر وَعلي وَغَيرهمَا على أَنهم يستتابون فَإِن أصروا على الاستحلال كفرُوا وَإِن أقرُّوا بِالتَّحْرِيمِ جلدُوا فَلم يكفروهم

بالاستحلال ابْتِدَاء لأجل الشُّبْهَة الَّتِي عرضت لَهُم حَتَّى يبين لَهُم الْحق فَإِذا أصروا على الْجُحُود كفرُوا وَلَكِن الْجَهْل وَعدم الْعلم بِمَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أوقعك فِي التهور بالْقَوْل بِغَيْر حجَّة وَلَا دَلِيل بالإلزامات الْبَاطِلَة والجهالات العاطلة وَكَانَت هَذِه الطَّرِيقَة من طرائق أهل الْبدع فنسج على منوالهم هَذَا المتنطع بالتمويه والسفسطة وَمَا هَكَذَا يَا سعد تورد الْإِبِل

فصل

فصل وَأما قَوْله وَقَالُوا لَهُم أَيْضا وَأما قَول بعض الْعلمَاء من لم يكفر الْمُشْركين أَو شكّ فِي كفرهم فَهُوَ كَافِر فَهَذَا حق وَنحن نعتقده بِحَمْد الله لَكِن هَذَا فِيمَن أجمع عُلَمَاء الْإِسْلَام على كفره وَأما من اخْتلفُوا فِيهِ فَلَا يُقَال فِيمَن لم يكفره ذَلِك فَالْجَوَاب أَن يُقَال من لم يكفر الْمُشْركين أَو شكّ فِي كفرهم فَهُوَ كَافِر وَهَذَا هُوَ الْحق كَمَا أَقرَرت بِهِ وَهُوَ قَول أهل السّنة وَالْجَمَاعَة لَكِن من أَيْن لَك أَن الْعلمَاء لم يجمعوا على تَكْفِير الْجَهْمِية وَأَنَّهُمْ ضلال زنادقة فقد ذكر من صنف فِي السّنة من عُلَمَاء الْمُسلمين وأئمتهم تَكْفِير الْجَهْمِية ونقلوه عَن عَامَّة أهل الْعلم والأثر كَمَا تقدم ذكره وَقد ذكر حَرْب بن إِسْمَاعِيل الْكرْمَانِي صَاحب الإِمَام أَحْمد أَن من خالفهم فَهُوَ مُبْتَدع خَارج عَن الْجَمَاعَة زائل عَن مَنْهَج السّنة وسبيل الْحق وَقَالَ عبد الله ابْن الإِمَام أَحْمد حَدثنِي الْحسن بن عِيسَى مولى

ابْن الْمُبَارك عَن حَمَّاد بن قِيرَاط سَمِعت إِبْرَاهِيم بن طهْمَان يَقُول الْجَهْمِية كفار والقدرية كفار حَدثنِي الْحسن بن عِيسَى قَالَ كَانَ ابْن الْمُبَارك يَقُول الْجَهْمِية كفار وَقَالَ الْحسن بن عِيسَى من قَول نَفسه وَمن يشك فِي كفر الْجَهْمِية وَهَذَا يدل على أَنه قد كَانَ من الْمَعْلُوم عِنْد السّلف وأئمة الْهدى أَنهم لَا يَشكونَ فِي كفر الْجَهْمِية وَقَالَ الْخلال فِي السّنة أَخْبرنِي عَليّ بن عِيسَى أَن حنبلا حَدثهمْ قَالَ سَمِعت أَبَا عبد الله يَقُول من زعم أَن الله لم يكلم مُوسَى فقد كفر بِاللَّه وَكذب الْقُرْآن ورد على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آمره يُسْتَتَاب من هَذِه الْمقَالة فَإِن تَابَ وَإِلَّا ضربت عُنُقه انْتهى فَهَذَا كَلَام الإِمَام أَحْمد فِيمَن نفى صفة الْكَلَام فَكيف إِذا أضَاف إِلَى ذَلِك نفي علو الله على خلقه واستوائه على عَرْشه وَزعم أَنه لَا دَاخل الْعَالم وَلَا خَارجه وَلَا مُتَّصِلا بِهِ وَلَا مُنْفَصِلا عَنهُ وَلَا محايث لَهُ أَتَرَى أَنه يشك فِي كفر هَؤُلَاءِ أَو فِي كفر من لم يكفرهم

وَقَالَ الإِمَام أَبُو زرْعَة رَحمَه الله فِي أثْنَاء كَلَام لَهُ وَمن زعم أَن الْقُرْآن مَخْلُوق فَهُوَ كَافِر بِاللَّه الْعَظِيم كفرا ينْقل عَن الْملَّة وَمن شكّ فِي كفره مِمَّن يفهم وَلَا يجهل فَهُوَ كَافِر انْتهى وَقَالَ الشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب رَحمَه الله وَأما الْكَلَام فِي الطواغيت مثل إِدْرِيس وَآل شمسان فَالْكَلَام على هَذَا طَوِيل وَلَكِن هَؤُلَاءِ الَّذين يخاصمونك لَا يعبأون بِكَلَام الله وَرَسُوله شَيْئا وَلَا عِنْدهم إِلَّا مَا فِي كِتَابهمْ فَقل إِذا كَانَ فِي كِتَابهمْ قد صرح تَصْرِيحًا لَا مزِيد عَلَيْهِ وَنقل الْإِجْمَاع أَن من فعل معشار مَا فعل هَؤُلَاءِ الطواغيت أَنه كَافِر حَلَال الدَّم وَالْمَال وَقد صرح بِأَن من شكّ فِي كفرهم فَهُوَ كَافِر إِلَى آخر كَلَامه وَقَالَ أَيْضا لما اخْتلف النَّاس بعد مقتل عُثْمَان وبإجماع أهل الْعلم أَنه لَا يُقَال فيهم إِلَّا الْحسنى مَعَ أَنهم عثوا فِي دِمَائِهِمْ وَمَعْلُوم أَن كلا من الطَّائِفَتَيْنِ أهل الْعرَاق وَأهل الشَّام تعتقد أَنَّهَا على الْحق وَأَن الْأُخْرَى ظالمة ونبغ من أَصْحَاب عَليّ من أشرك بعلي وَأجْمع

الصَّحَابَة كلهم على كفرهم وردتهم وقتلهم لَكِن حرقهم عَليّ وَابْن عَبَّاس يرى قَتلهمْ بِالسَّيْفِ أَتَرَى أهل الشَّام لَو حملهمْ مُخَالفَة عَليّ على الِاجْتِمَاع بهم والاعتذار عَنْهُم والمقاتلة مَعَهم لَو امْتَنعُوا أَتَرَى أَن أحدا يشك فِي كفر من التجئ إِلَيْهِم وَلَو أظهر الْبَرَاءَة من اعْتِقَادهم وَأَنه إِنَّمَا التجأ إِلَيْهِم وزين مَذْهَبهم لأجل الاقتصاص من قتلة عُثْمَان انْتهى وَقَالَ فِي نواقض الْإِسْلَام الْعشْرَة الثَّالِث من لم يكفر الْمُشْركين أَو شكّ فِي كفرهم أَو صحّح مَذْهَبهم فَهُوَ كَافِر فَكيف يكون الْحَال بِالشَّكِّ فِي كفر الْجَهْمِية أَعدَاء الله وَرَسُوله الجاحدين للصانع والنافين لصفات كَمَاله ونعوت جَلَاله وَأما قَوْله وَأما من اخْتلفُوا فِيهِ فَلَا يُقَال فِيمَن لم يكفره ذَلِك فَالْجَوَاب أَن يُقَال فرض هَذَا الْكَلَام وَتَقْدِيره فِي أهل الْأَهْوَاء والبدع الَّذين لم تخرجهم بدعتهم من الْإِسْلَام كالخوارج وَنَحْوهم مَعَ أَنه لَا عتب على من أَخذ بقول طَائِفَة من الْعلمَاء مَعَهم دَلِيل مُعْتَقدًا صِحَة مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ من التَّكْفِير بِهَذَا الدَّلِيل وَقد أحسن من انْتهى إِلَى مَا سمع كمن كفر الْخَوَارِج بِدَلِيل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(يَمْرُقُونَ من الدّين كَمَا يَمْرُق السهْم من الرَّمية ثمَّ لَا يعودون إِلَيْهِ إِلَّا كَمَا يعود السهْم إِلَى فَوْقه) وَقد حكى الْقَوْلَيْنِ فِي تَكْفِير الْخَوَارِج وَغَيرهم من أهل الْبدع شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية وَنَقله عَن الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وأتباعهم وَلم يبدع ويضلل من كفرهم وَلَا فسقه وَلَا شنع عَلَيْهِ كَمَا شنع هَذَا الْجَاهِل وَأَضْرَابه بل قد ذكر تَكْفِير الْجَهْمِية عَن الإِمَام أَحْمد وَعَن السّلف وَلم يذكر خلافًا فِي تكفيرهم وَذكر رِوَايَتَيْنِ عَن الْعلمَاء فِي كفر من شكّ فِي كفرهم وَإِن كَانَ رَحمَه الله يخْتَار عدم تَكْفِير الْخَوَارِج لما رُوِيَ عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وَغَيره من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم من عدم تكفيرهم وَأما الْجَهْمِية وَعباد الْقُبُور فَلم يخْتَلف الْعلمَاء فِي تكفيرهم بل أخرجهم أَكثر الْعلمَاء من الثَّلَاث وَسبعين فرقة وَقد سُئِلَ الإِمَام عبد الله بن الْمُبَارك عَن الْجَهْمِية فَقَالَ لَيْسُوا من أمة مُحَمَّد ذكره عَنهُ شيخ الْإِسْلَام رَحمَه الله فَمن. فِي كفر من أجمع الْعلمَاء على كفره فَهُوَ كَافِر إِن كَانَ قد علم ذَلِك ثمَّ بعد ذَلِك أصر وكابر وعاند

قَالَ شَيخنَا الشَّيْخ عبد اللَّطِيف رَحمَه الله تَعَالَى فِي رده على الصحاف وَإِن كَانَ الْمُكَفّر لأحد من هَذِه الْأمة يسْتَند فِي تكفيره إِلَى نَص وبرهان من كتاب الله وَسنة نبيه وَقد رأى كفرا بواحا كالشرك بِاللَّه وَعبادَة مَا سواهُ والاستهزاء بِهِ تَعَالَى أَو بآياته وَرُسُله أَو تكذيبهم أَو كَرَاهَة مَا أنزل الله من الْهدى وَدين الْحق أَو جحد صِفَات الله تَعَالَى ونعوت جَلَاله وَنَحْو ذَلِك فالمكفر بِهَذَا وَأَمْثَاله مُصِيب مأجور مُطِيع لله وَرَسُوله قَالَ الله تَعَالَى {وَلَقَد بعثنَا فِي كل أمة رَسُولا أَن اعبدوا الله وَاجْتَنبُوا الطاغوت فَمنهمْ من هدى الله وَمِنْهُم من حقت عَلَيْهِ الضَّلَالَة} فَمن لم يكن من أهل عبَادَة الله تَعَالَى وَإِثْبَات كَمَاله ونعوت جَلَاله مُؤمنا بِمَا جَاءَت بِهِ رسله مجتنبا لكل طاغوت يدعوا إِلَى خلاف مَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل فَهُوَ مِمَّن حقت عَلَيْهِ الضَّلَالَة وَلَيْسَ مِمَّن هدى الله للْإيمَان بِهِ وَبِمَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل عَنهُ والتكفير بترك هَذِه الْأُصُول وَعدم الْإِيمَان بهَا من أعظم دعائم الدّين يعرفهُ كل من كَانَت لَهُ نهمة فِي معرفَة دين الْإِسْلَام وغالب مَا فِي الْقُرْآن إِنَّمَا هُوَ فِي إِثْبَات ربوبيته تَعَالَى وصفات كَمَاله ونعوت جَلَاله وَوُجُوب عِبَادَته وَحده لَا شريك لَهُ وَمَا أعد لأوليائه الَّذين أجابوا رسله فِي الدَّار الْآخِرَة وَمَا أعد لأعدائه الَّذين كفرُوا بِهِ

وبرسله وَاتَّخذُوا من دونه الْآلهَة والأرباب وَهَذَا بَين بِحَمْد الله انْتهى وَأما من اخْتلف الْعلمَاء فِيهِ فَنحْن لَا نرى تَكْفِير من شكّ فِي كفره مِنْهُم بل هُوَ عندنَا مُخطئ غير مُصِيب وَأما من كفر بعض صلحاء الْأمة متأولا مخطئا وَهُوَ مِمَّن يسوغ لَهُ التَّأْوِيل فَهَذَا وَأَمْثَاله مِمَّن رفع عَنهُ الْحَرج والتأثيم لاجتهاده وبذل وَسعه كَمَا فِي قصَّة حَاطِب بن أبي بلتعة فَإِن عمر رَضِي الله عَنهُ وَصفه بالنفاق وَاسْتَأْذَنَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَتله فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَمَا يدْريك أَن الله اطلع على أهل بدر فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد غفرت لكم) وَمَعَ ذَلِك فَلم يعنف عمر على قَوْله لحاطب أَنه قد نَافق وَقد قَالَ الله تَعَالَى {رَبنَا لَا تُؤَاخِذنَا إِن نَسِينَا أَو أَخْطَأنَا} وَقد ثَبت أَن الرب تبَارك وَتَعَالَى قَالَ بعد نزُول هَذِه الْآيَة وَقِرَاءَة الْمُؤمنِينَ لَهَا قد فعلت انْتهى من كَلَام شَيخنَا رَحمَه الله تَعَالَى ثمَّ إِنَّا لم نر فِي كَلَام أحد مِمَّن تشنع عَلَيْهِم بِهَذَا القَوْل شَيْئا مِمَّا تذكر إِلَّا تَكْفِير من شكّ فِي كفر الْجَهْمِية وَعباد الْقُبُور وَلَا خلاف فِي ذَلِك وَأما من عداهم من أهل الْأَهْوَاء والبدع فللعلماء فيهم

الرِّوَايَتَيْنِ الَّتِي ذكر شيخ الْإِسْلَام وَنحن فيهم على مَا ذكره الشَّيْخ من عدم تكفيرهم لاحْتِمَال مَانع يمْنَع من تكفيرهم إِمَّا جهلا وَإِمَّا خطأ فَإِن من كَانَ فِي قلبه الْإِيمَان بالرسول وَمَا جَاءَ بِهِ وَقد غلط فِي بعض مَا تَأَوَّلَه من الْبدع فَهَذَا لَيْسَ بِكَافِر أصلا كَمَا تقدم بَيَانه عَن أهل الْعلم وكما سنبينه إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَأما قَوْله إِذْ يلْزم مِنْهُ تَكْفِير طَائِفَة من عُلَمَاء السّلف من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَمن تَبِعَهُمْ مِمَّن سكت عَن تكفيرهم من عوام الْمُسلمين وَفِيه الْوَعيد الشَّديد وَالنَّهْي الأكيد فَالْجَوَاب أَن يُقَال لَا يلْزم ذَلِك وَلَو لزم فلازم الْمَذْهَب لَيْسَ بِمذهب كَمَا هُوَ مُقَرر مَعْلُوم من كَلَام الْعلمَاء قَالَ الشَّيْخ عبد الله ابْن الشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب رَحمَه الله فِي رسَالَته الَّتِي كتبهَا بعد دُخُول مَكَّة المشرفة فِي جَوَاب من قَالَ يلْزم من تقريركم وقطعكم فِي أَن من قَالَ يَا رَسُول الله أَسأَلك الشَّفَاعَة أَنه مُشْرك مهدر الدَّم أَن يُقَال بِكفْر غَالب الْأمة لاسيما الْمُتَأَخِّرين لتصريح عُلَمَائهمْ المعتبرين أَن ذَلِك مَنْدُوب وشنوا الْغَارة على من خَالف فِي ذَلِك فَقَالَ رَحمَه الله لَا يلْزم ذَلِك لِأَن لَازم الْمَذْهَب لَيْسَ بِمذهب كَمَا هُوَ مُقَرر وَمثل ذَلِك لَا يلْزم أَن نَكُون مجسمة وَإِن قُلْنَا بِجِهَة الْعُلُوّ كَمَا ورد

الحَدِيث بذلك وَنحن نقُول فِيمَن مَاتَ {تِلْكَ أمة قد خلت} وَلَا نكفر إِلَّا من بلغته دَعوتنَا للحق ووضحت لَهُ المحجة وَقَامَت عَلَيْهِ الْحجَّة وأصر مستكبرا معاندا كغالب من نقاتلهم الْيَوْم يصرون على ذَلِك الْإِشْرَاك ويمتنعون من فعل الْوَاجِبَات ويتظاهرون بِأَفْعَال الْكَبَائِر الْمُحرمَات وَغير الْغَالِب إِنَّمَا نقاتله لمناصرته لمن هَذِه حَاله وَرضَاهُ بِهِ ولتكثير سَواد من ذكر والتأليب مَعَه فَلهُ حِينَئِذٍ حكمه فِي حل قِتَاله ونعتذر عَمَّن مضى بِأَنَّهُم مخطئون معذورون لعدم عصمتهم من الْخَطَأ وَالْإِجْمَاع فِي ذَلِك قَطْعِيّ إِلَى أَن قَالَ فَإِن قلت هَذَا فِيمَن ذهل فَلَمَّا نبه انتبه فَمَا القَوْل فِيمَن حرر الْأَدِلَّة واطلع على كَلَام الْأَئِمَّة الْقدْوَة وَاسْتمرّ مصرا على ذَلِك حَتَّى مَاتَ قلت وَلَا مَانع أَن نعتذر لمن ذكر وَلَا نقُول أَنه كَافِر أَولا لما تقدم أَنه مُخطئ وَإِن اسْتمرّ على خطئه لعدم من يناضل عَن هَذِه الْمَسْأَلَة فِي وقته بِلِسَانِهِ وسيفه وسنانه فَلم تقم عَلَيْهِ الْحجَّة وَلَا وضحت لَهُ المحجة بل الْغَالِب على زمن المؤلفين الْمَذْكُورين

التواطؤ على هجر كَلَام أَئِمَّة السّنة فِي ذَلِك فَمن اطلع عَلَيْهِ أعرض عَنهُ قبل أَن يتَمَكَّن فِي قلبه وَلم يزل أكابرهم تنْهى أصاغرهم عَن مُطلق النّظر فِي ذَلِك وصولة الْمُلُوك قاهرة لمن وقر فِي قلبه شَيْء من ذَلِك إِلَّا من شَاءَ الله مِنْهُم هَذَا وَقد رأى مُعَاوِيَة وَأَصْحَابه رَضِي الله عَنْهُم منابذة أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ بل وقتاله ومناجزته الْحَرْب وهم فِي ذَلِك مخطئون بِالْإِجْمَاع واستمروا فِي ذَلِك الْخَطَأ حَتَّى مَاتُوا وَلم يشْتَهر عَن أحد من السّلف تَكْفِير أحد مِنْهُم إِجْمَاعًا بل وَلَا تفسيقه بل أثبتوا لَهُم أجر الِاجْتِهَاد وَإِن كَانُوا مخطئين كَمَا أَن ذَلِك مَشْهُور عِنْد أهل السّنة وَنحن كَذَلِك لَا نقُول بِكفْر من صحت ديانته وَشهر صَلَاحه وَعلم ورعه وزهده وَحسنت سيرته وَبلغ من نصحه الْأمة ببذل نَفسه لتدريس الْعُلُوم النافعة والتأليف فِيهَا وَإِن كَانَ مخطئا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَو غَيرهَا كَابْن حجر الهيتمي فَإنَّا نعلم كَلَامه فِي الدَّار المنظم وَلَا ننكر سَعَة علمه وَلِهَذَا نعتني بكتبه ك شرح الْأَرْبَعين والزواجر وَغَيرهمَا

ونأخذ بنقله إِذا نقل لِأَنَّهُ من جملَة عُلَمَاء الْمُسلمين انْتهى وَيُقَال أَيْضا إِذا كَانَ يلْزم من تَكْفِير الْجَهْمِية تَكْفِير طَائِفَة من عُلَمَاء السّلف من أهل السّنة وَمن تَبِعَهُمْ لأَنهم لَا يكفرون الْجَهْمِية على قَوْلكُم قيل فَكَذَلِك يلْزم من لم يكفر الْجَهْمِية تضليل من كفرهم من الْعلمَاء كأحمد بن حَنْبَل إِمَام أهل السّنة وَأَمْثَاله من أَئِمَّة الْمُسلمين أَو تكفيرهم لأَنهم عِنْده مُسلمُونَ وَمن كفر مُسلما فقد كفر ولحقه الْوَعيد الشَّديد وَالنَّهْي الأكيد فَمَا لزم هَذَا لزم هَذَا ولابد وَلَا محيص عَن هَذَا على قَوْلكُم ورأيكم الْفَاسِد ونعوذ بِاللَّه من القَوْل على الله وعَلى رَسُوله وعَلى أهل الْعلم بِلَا علم وَلَا دَلِيل وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل

فصل

فصل وَأما قَوْله وَمَعَ هَذَا الْبَيَان يَا شيخ مُحَمَّد لم يفهموا بل فتنُوا وافتتنوا إِلَى آخر كَلَامه فَجَوَابه أَن يُقَال لم تحكم التأصيل وَلم تحسن القَوْل فِي التَّفْصِيل فَأَي بَيَان مَعَ عدم الدَّلِيل وَذكر من خَالف الْجُمْهُور من الْعلمَاء وَلَو بِعَدَد قَلِيل بل السُّؤَال متناقض ينْقض بعضه بَعْضًا بل كَانَ على خلاف مَا عَلَيْهِ أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَمثل هَذَا لَا يكون بَيَانا شافيا وَلَا جَوَابا مكافيا بل هُوَ كبحر لجي يَغْشَاهُ موج من فَوْقه موج من فَوْقه ظلمات بَعْضهَا فَوق بعض إِذا أخرج يَده لم يكد يَرَاهَا وَمن لم يَجْعَل الله لَهُ نورا فَمَا لَهُ من نور ثمَّ يُقَال ثَانِيًا مَا هَذِه الْفِتْنَة الَّتِي افتتنوا بهَا وفتنوا النَّاس بهَا أَهِي تَكْفِير أَعدَاء الله وَرَسُوله الْجَهْمِية الزَّنَادِقَة الضلال وأباضية أهل هَذَا الزَّمَان فَإِن كَانَ أَرَادَ هَؤُلَاءِ وَأَنَّهُمْ افتتنوا بتكفيرهم وفتنوا النَّاس بذلك فثكلته أمه من متمعلم جَاهِل مَا أعظم جرأته وجنايته وَمَا أقل

عنايته فَهَذَا إِمَام أهل السّنة الإِمَام أَحْمد وَالْإِمَام عبد الله بن الْمُبَارك وأمثالهما من الْأَئِمَّة الْأَعْلَام نَحْو خَمْسمِائَة إِمَام كفروهم وصنفوا فِي الرَّد عَلَيْهِم فِي جَمِيع مصنفاتهم كالصحاح وَالْمَسَانِيد وَالسّنَن وَغَيرهَا فَيُقَال إِنَّهُم افتتنوا وفتنوا النَّاس بتكفيرهم وَالرَّدّ عَلَيْهِم وَبَيَان ضلالهم وزندقتهم وَالْعِيَاذ بِاللَّه وَإِن كَانَ أَرَادَ أَنهم افتتنوا وفتنوا بتكفير من لم يكفر الْجَهْمِية فَهَذَا كَلَام أهل الْعلم فِي ذَلِك مَعْرُوف مَشْهُور وَقد ذكر فِي الْإِقْنَاع وَشَرحه وَالْفُرُوع والإنصاف عَن شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية رَحمَه الله أَنه قَالَ من دعى عَليّ ابْن أبي طَالب فَهُوَ كَافِر وَمن شكّ فِي كفره فَهُوَ كَافِر وَذكر الشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب رَحمَه الله فِي بعض رسائله عَن أهل الْعلم أَنه قَالَ من شكّ فِي كفر أَتبَاع بن عَرَبِيّ فَهُوَ كَافِر وَكفر من زعم أَنه لَا وجود للذات المقدسة الموصوفة بجميل الصِّفَات وَأَنه لَا دَاخل الْعَالم وَلَا خَارجه أعظم كفرا وإلحادا مِمَّن أقرّ بالصانع لكنه أشرك بِهِ فِي إلهيته وربوبيته وَإِن كَانَ أَرَادَ أَنهم افتتنوا وفتنوا بالتحذير من مُوالَاة أَعدَاء الله وَرَسُوله وبغضهم ومعاداتهم والتنضير عَنْهُم وَعَن مجامعتهم ومجالستهم فَهَذَا كَلَام أهل الْعلم فِي ذَلِك مَشْهُور مَذْكُور فِي كتب أهل السّنة كَمَا ذكره الإِمَام بن وضاح وَغَيره وَمن آخِرهم الشَّيْخ مُحَمَّد وَأَوْلَاده والنبلاء الْفُضَلَاء من أَتْبَاعه وَقد عقد الشَّيْخ لذَلِك

بَابا فَقَالَ بَاب وجوب معادات من حاد الله وَرَسُوله وَذكر من الْآيَات وَكَلَام أهل الْعلم مَا هُوَ مَذْكُور فِي إِفَادَة المستفيد فعلى هَذَا قد فتن الشَّيْخ مُحَمَّد النَّاس بِذكر هَذِه الْأُمُور الَّتِي هِيَ فِي الْبدع الَّتِي لَا تخرج من الْملَّة فَكيف يكون الْكَلَام فِيمَا يخرج من الْملَّة وافتتن فِي نَفسه ويل أمه مَا أجهله وَمَا أقل درايته وأوهن عنايته فليت شعري أَي شَيْء يحض على الرُّجُوع إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لم يَأْتِ بِعلم وَلَا حجَّة قَاطِعَة وَلَا دعى إِلَى هدى يهدي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم بل إِلَى جهام قد أهريق مَاؤُهُ فَهُوَ يَبْرق ويرعد وَلَا مَاء فِيهِ وَإِلَى آل بقيعة يحسبه الظمآن مَاء حَتَّى إِذا جَاءَهُ لم يجده شَيْئا وَالله يَقُول الْحق وَهُوَ يهدي السَّبِيل وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل

فصل

فصل ثمَّ إِنِّي قد رَأَيْت لهَذَا الرجل قصيدة اعْترض فِيهَا على مُحَمَّد بن حسن المرزوقي وإخوانه من أهل سَاحل عمان قَالَ فِيهَا أعظم وأشنع مِمَّا قَالَه فِي سُؤَاله من عدم تَكْفِير الْجَهْمِية وَأَن للْعُلَمَاء فيهم قَوْلَيْنِ وفيهَا إِلْزَام من كفر الْجَهْمِية بتكفير طوائف من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَأَن من كفر أباضية أهل هَذَا الزَّمَان فقد كفر جَمِيع الصَّحَابَة لَا سِيمَا عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ يهجو من نازعه فِي هَذِه الْمسَائِل (فَقُلْنَا لَهُ هَذَا الْجَواب لقولكم ... أَلا فَاسْمَعُوا قَول الهداة الأطايب) (فَأَما الَّذِي قد قلتموا قبل أَنكُمْ ... حكمتم بِكفْر الْقَوْم من كل جَانب) (لأنهموا مَا كفرُوا شَرّ فرقة ... وهم تابعوا جهم بِكُل المعائب)

(فقولك هَذَا قد تضمن وَاقْتضى ... لتكفير أهل الْعلم أهل المناقب) (وَذَلِكَ خلق منهموا طَال عدهم ... فَمَا كفرُوا الجهمي ردي الْمذَاهب) فَانْظُر إِلَى هَذَا الْكَلَام يَا من نور الله قلبه فَإِنَّهُ أبلغ فِي الشناعة وَالْخَطَأ وَالوهم على الْعلمَاء وَالْكذب عَلَيْهِم من قَوْله فِي سُؤَاله للشَّيْخ مُحَمَّد وَهُوَ من أبشع الْأَقْوَال وأعمها لأنواع الضلال فَإِنَّهُ أَتَى بِلَفْظ الْكل الْمُشْتَمل على جَمِيع أَفْرَاده وجزئياته وَهَذَا بِخِلَاف الْكُلِّي الَّذِي يدل على الْبَعْض وَمن الْمَعْلُوم أَن من معائب أَقْوَال الْجَهْمِية الدَّاخِل فِي مُسَمّى الْكل قَوْلهم إِنَّه لَيْسَ فَوق السَّمَوَات وَلَا على الْعَرْش إِلَه يعبد وَيصلى لَهُ وَيسْجد وَلَا يشار إِلَيْهِ بالأصابع إِلَى فَوق كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ أعظم الْخلق فِي أعظم مجمع وجد على ظهر الأَرْض وَلَا ينزل مِنْهُ شَيْء وَلَا يصعد إِلَيْهِ شَيْء وَلَا تعرج الْمَلَائِكَة وَالروح إِلَيْهِ وَلَا رفع الْمَسِيح إِلَيْهِ وَلَا عرج برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِ وَلَا تكلم بقدرته ومشيئته وَلَا ينزل كل لَيْلَة إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا وَلَا يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة وَلَا يَجِيء وَلَا يغْضب بعد أَن كَانَ رَاضِيا وَلَا يرضى بعد أَن كَانَ غضبانا وَلَا يقوم بِهِ فعل الْبَتَّةَ وَلَا أَمر مُجَدد بعد أَن لم يكن وَلَا يُرِيد شَيْئا بعد أَن لم يكن مُرِيد فَلَا يَقُول للشَّيْء كن حَقِيقَة وَلَا اسْتَوَى على عَرْشه بعد أَن لم يكن مستويا وَلَا يغْضب يَوْم الْقِيَامَة غَضبا لم يغْضب قلبه مثله وَلنْ يغْضب بعده مثله وَلَا يُنَادي عباده يَوْم الْقِيَامَة بعد أَن لم

يكن مناديا وَأَنه لَا وَجه لَهُ وَلَا يدان وَلَا سمع وَلَا بصر وَلَا قدرَة وَلَا علم وَلَا حَيَاة وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا يثبتون لله شَيْئا من أَسْمَائِهِ وَلَا صِفَاته وَلَا أَفعاله بل يصفونَ الله بِالْعدمِ الْمَحْض كَقَوْلِهِم إِنَّه لَا دَاخل الْعَالم وَلَا خَارجه وَلَا مُتَّصِلا بِهِ وَلَا مُنْفَصِلا عَنهُ وَلَا محايثا لَهُ إِلَى غير ذَلِك من أَقْوَالهم فِي جَمِيع مَا قَالُوهُ وخالفوا بِهِ أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَجَمِيع الْأَحْكَام الدِّينِيَّة والقوانين الشَّرْعِيَّة مِمَّا لَا يُمكن حصره فِي هَذِه الأوراق فَإِذا كَانَ تَكْفِير هَؤُلَاءِ الَّذين هم أَتبَاع جهم بِكُل هَذِه المعائب يَقْتَضِي ويتضمن تَكْفِير أهل الْعلم الَّذين لَا يحصي عَددهمْ إِلَّا الله لأَنهم مَا كفرُوا الجهمي رَدِيء الْمذَاهب بِكُل هَذِه المعائب فَإِذا كَانُوا لَيْسُوا بكفار عِنْده بِكُل هَذِه المعائب وأضعافها وأضعاف أضعافها مِمَّا لم نذكرهُ من كفرياتهم وضلالهم وَأَن من كفرهم يلْزمه تَكْفِير أهل الْعلم الَّذين لَا يحصي عَددهمْ إِلَّا الله فَمَا حكم هَؤُلَاءِ الْجَهْمِية المتصفين بِكُل هَذِه المعائب حِينَئِذٍ عِنْده فقد كَانَ من الْمَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ من دين الْإِسْلَام أَن فِي الْمَنْع من تَكْفِير هَؤُلَاءِ وتأثيمهم بِالْجَهْلِ وَالْخَطَأ فِي كل هَذِه المعائب رد على من كفرهم من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وتضليلهم وَمن الْتزم هَذَا كُله وَمنع من تكفيرهم فَهُوَ أكفر وأضل من الْيَهُود وَالنَّصَارَى كَيفَ لَا وَقد اتّفقت الْأمة على أَن أَتبَاع الْكفَّار الْجُهَّال المقلدين لَهُم الَّذين هم

مَعَهم تبع يَقُولُونَ {إِنَّا وجدنَا آبَاءَنَا على أمة} وَلنَا أُسْوَة بهم أَنهم كفار وَإِن كَانُوا جُهَّالًا مقلدين لرؤسائهم فَكيف بالجهمية المعاندين وَقد قَالَ الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله فِي عقيدته الْمَشْهُورَة عَنهُ من زعم أَن الْقُرْآن كَلَام الله وَلم يقل لَيْسَ بمخلوق فَهُوَ أَخبث من الأول وَمن زعم أَن لفظنا بِالْقُرْآنِ وتلاوتنا لَهُ مخلوقة وَالْقُرْآن كَلَام الله فَهُوَ جهمي وَمن لم يكفر هَؤُلَاءِ الْقَوْم فَهُوَ مثلهم انْتهى وَقَالَ الإِمَام أَبُو زرْعَة رَحمَه الله فِي أثْنَاء كَلَام لَهُ وَمن زعم أَن الْقُرْآن مَخْلُوق فَهُوَ كَافِر بِاللَّه الْعَظِيم كفرا ينْقل عَن الْملَّة وَمن شكّ فِي كفره مِمَّن يفهم وَلَا يجهل فَهُوَ كَافِر انْتهى فَمَاذَا يحكم بِهِ هَذَا الْجَاهِل الْمركب على هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة حِينَئِذٍ لَو كَانَ يعقل مَا يَقُول أَو يدْرِي مَا بِهِ يصول وَمَعَ هَذَا كُله يزْعم أَن هَذَا هُوَ قَول الهداة الأطايب وليت شعري من هَؤُلَاءِ الهداة الأطايب الَّذين خالفوا أَئِمَّة الْهدى ومصابيح الدجى وَهُدَاة الْأَنَام إِلَى دَار السَّلَام الَّذين هم الْقدْوَة وبهم الأسوة كَمَا قَالَ ابْن الْقيم رَحمَه الله (وَلَقَد تقلد كفرهم خَمْسُونَ فِي ... عشر من الْعلمَاء فِي الْبلدَانِ) (واللالكائي الإِمَام حَكَاهُ عَنْهُم ... بل قد حَكَاهُ قبله الطَّبَرَانِيّ)

فصل

فصل ثمَّ قَالَ فِي قصيدته حُسَيْن بن حسن (وَأما عُمُوم الْكفْر للدَّار كلهَا ... فَهَذَا من الْجَهْل الْعَظِيم المعائب) (أَلَيْسَ كتاب الله فِي أهل مَكَّة ... يبين هَذَا الحكم خير المطالب) (أما قسم الرَّحْمَن أحكم حَاكم ... أُولَئِكَ أقساما فقسم محَارب) (وَقسم عصاة ظَالِمُونَ نُفُوسهم ... أُولَئِكَ مأواهم سعير اللهائب) (وَقسم ضِعَاف عاجزون فَهَؤُلَاءِ ... عفى الله عَنْهُم مَا أَتَوا من معائب) (أَلا فافهموا نَص الْكتاب وحققوا ... زواجره فَهِيَ النجى فِي العواقب) وَالْجَوَاب أَن يُقَال قد خلط فِي هَذِه القصيدة وخبط فِيهَا خبط عشواء وَقد خَال أَنه استولى على الأمد واحتوى وَصَارَ على نصيب وافر من كَلَام أَئِمَّة الدّين وَالْفَتْوَى وَمَا علم الْمِسْكِين أَنه قد ركب الأحموقة وَنزل إِلَى الحضيض الْأَدْنَى وَعدل عَن الْمنْهَج الْمُسْتَقيم الْأَسْنَى وهام فِي مهمهة يهما

وَالْجَوَاب أَن يُقَال لهَذَا الْجَاهِل هَذَا من نمط مَا قبله من الْجَهْل والغباوة وَعدم الْمعرفَة بِالْأَحْكَامِ وَمَا عَلَيْهِ أَئِمَّة الْإِسْلَام لِأَن لفظ الدَّار قد يُطلق وَيُرَاد بِهِ الْحَال وَيُطلق وَيُرَاد بِهِ الْمحل فَإِن كَانَ أَرَادَ الأول فَصَحِيح وَلَا كَلَام وَإِن كَانَ أَرَادَ الثَّانِي فَغير صَحِيح فَإِن هَذَا التَّقْسِيم للساكن لَا للدَّار وَقد أجمع الْعلمَاء على أَن مَكَّة المشرفة قبل الْفَتْح دَار كفر وَحرب لَا دَار إِسْلَام وَلَو كَانَ فِيهَا القسمان الْمَذْكُورَان وَلم يقسم أحد من الْعلمَاء هَذَا التَّقْسِيم للدَّار فِي قديم الزَّمَان وَحَدِيثه بل هَذَا التَّقْسِيم للساكن فِيهَا وَلَا حكم يتَعَلَّق بِهَذَيْنِ الْقسمَيْنِ بل الحكم للأغلب من أَهلهَا إِذْ هم الغالبون القاهرون من عداهم وَمن سواهُم مستخف مستضعف مضهود مقهور لَا حكم لَهُ وَظَاهر كَلَام هَذَا الْجَاهِل الْمركب أَن مَكَّة شرفها الله وصانها وَجعل أهل الْإِسْلَام ولاتها وسكانها قبل الْفَتْح لَيست دَار كفر لِأَن الله تَعَالَى قسم أَهلهَا ثَلَاثَة أَقسَام محَارب وعاص ظَالِم لنَفسِهِ ومستضعف عَاجز فَلَا تكون دَار كفر وَلَا تعمم الدَّار بالْكفْر بل تكون على حكم السَّاكِن على ثَلَاثَة أَقسَام وَهَذَا لم يقل بِهِ أحد من الْعلمَاء فِي مَكَّة المشرفة قبل الْفَتْح بل الَّذِي اتّفق عَلَيْهِ الْعلمَاء أَنَّهَا

بِلَاد كفر وَحرب وَلَو كَانَ فِيهَا أنَاس مُسلمُونَ مستخفون أَو ظَالِمُونَ لأَنْفُسِهِمْ بِالْإِقَامَةِ فِي دَار الْكفْر غير مظهرين لدينهم كَمَا هُوَ مَعْرُوف مَشْهُور وَقد تقدم عَن شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية قدس الله روحه أَن أحد الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة الَّتِي قد اشْتَمَلت عَلَيْهَا الْوُجُود هُوَ الْقسم الرَّابِع وهم الَّذين عَنى الله بقوله {وَلَوْلَا رجال مُؤمنُونَ وَنسَاء مؤمنات لم تعلموهم أَن تطؤوهم} هم من كَانَ كَافِرًا ظَاهرا مُؤمنا بَاطِنا فَهَؤُلَاءِ كَانُوا يكتمون إِيمَانهم فِي قَومهمْ وَلَا يتمكنون من إِظْهَاره فهم فِي الظَّاهِر لَهُم حكم الْكفَّار وعَلى زعم هَذَا الْجَاهِل أَنه إِذا كَانَت مَكَّة المشرفة قد قسمهَا الله ثَلَاثَة أَقسَام فَلَا تكون مَعَ هَذَا التَّقْسِيم بِلَاد كفر وَحرب إِذْ ذَاك وَإِلَّا فَمَا وَجه الِاسْتِدْلَال بِهَذَا التَّقْسِيم حِينَئِذٍ وَإِذا كَانَ ذَلِك كَذَلِك فَحكم بلد دبي وَأبي ظَبْي حكم مَكَّة وَلَا شكّ أَن فِيهَا مُسلمين ظالمين لأَنْفُسِهِمْ ومستضعفين عاجزين وكل بلد من بِلَاد الْكفْر فِيهَا نوع من هَؤُلَاءِ يكون حكمهَا كَذَلِك عِنْد هَذَا المتنطع المتمعلم سُبْحَانَ الله مَا أعظم شَأْنه وأعز سُلْطَانه كَيفَ لعب الشَّيْطَان بعقول هَؤُلَاءِ حَتَّى قلبوا الْحَقَائِق عَلَيْهِم نَعُوذ بِاللَّه من الْفِتَن مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن وَأما تَعْرِيف بِلَاد الْكفْر فقد ذكر الْحَنَابِلَة وَغَيرهم أَن الْبَلدة الَّتِي تجْرِي عَلَيْهَا أَحْكَام الْكفْر وَلَا تظهر فِيهَا أَحْكَام الْإِسْلَام بَلْدَة كفر

وَمَا ظهر فِيهَا هَذَا وَهَذَا فقد أفتى شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية بِأَنَّهُ يُرَاعى فِيهَا الجانبان فَلَا تُعْطى حكم الْإِسْلَام من كل وَجه وَلَا حكم الْكفْر من كل وَجه كَمَا نَقله عَنهُ ابْن مُفْلِح وَغَيره وَذكر بعض الْعلمَاء أَن الحكم للأغلب عَلَيْهَا وَأما حكم العَاصِي الظَّالِم الْقَادِر على الْهِجْرَة الَّذِي لَا يقدر على إِظْهَار دينه فَهُوَ على مَا ظهر من حَاله فَإِن كَانَ ظَاهره مَعَ أهل بَلَده فَحكمه حكمهم فِي الظَّاهِر وَإِن كَانَ مُسلما يخفي إِسْلَامه لما روى البُخَارِيّ فِي صَحِيحه من حَدِيث مُوسَى بن عقبَة قَالَ ابْن شهَاب حَدثنَا أنس بن مَالك أَن رجَالًا من الْأَنْصَار قَالُوا يَا رَسُول الله ائْذَنْ لنا فنترك لِابْنِ أُخْتنَا عَبَّاس فداءه فَقَالَ لَا وَالله لَا تَذَرُون مِنْهُ درهما وَقَالَ يُونُس بن بكير عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن يزِيد بن رُومَان عَن عُرْوَة عَن الزُّهْرِيّ عَن جمَاعَة سماهم قَالُوا بعث قُرَيْش فِي فدى أَسْرَاهُم ففدى فِي كل قوم أسيرهم بِمَا رَضوا وَقَالَ الْعَبَّاس يَا رَسُول الله قد كنت مُسلما فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أعلم بِإِسْلَامِك فَإِن يكون كَمَا يَقُول فَإِن الله يجْزِيك بِهِ وَأما ظاهرك فقد كَانَ علينا

فافتد نَفسك وابنى أَخِيك وأخويك نَوْفَل بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب وَعقيل بن أبي طَالب بن عبد الْمطلب وخليفك عتبَة بن عمر وَأخي بني الْحَارِث بن فهر) قَالَ مَا ذَاك عِنْدِي يَا رَسُول الله فَقَالَ (فَأَيْنَ المَال الَّذين دَفَنته أَنْت وَأم الْفضل فَقلت لَهَا إِن أصبت فِي سَفَرِي هَذَا فَهَذَا المَال الَّذِي دَفَنته لبني الْفضل وَعبد الله وَقثم) قَالَ وَالله يَا رَسُول الله إِنِّي لأعْلم أَنَّك رَسُول الله هَذَا لشَيْء مَا علمه غَيْرِي وَغير أم الْفضل فأحسب لي يَا رَسُول الله مَا أصبْتُم مني عشْرين أُوقِيَّة من مَال كَانَ معي فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا ذَاك شَيْء أَعْطَانَا الله تَعَالَى مِنْك) ففدى نَفسه وَابْني أَخَوَيْهِ وَحَلِيفه الحَدِيث فاستحل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فداءه وَالْمَال الَّذِي كَانَ مَعَه لِأَن ظَاهره كَانَ مَعَ الْكفَّار بقعوده عِنْدهم وَخُرُوجه مَعَهم وَمن كَانَ مَعَ الْكفَّار فَلهُ حكمهم فِي الظَّاهِر وَمِمَّا يُوضح لَك أَن مَكَّة المشرفة قبل الْفَتْح بلد كفر وَحرب مَا قَالَه شيخ الْإِسْلَام رَحمَه الله فِي الْكَلَام على قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا هِجْرَة بعد الْفَتْح وَلَكِن جِهَاد وَنِيَّة وَإِذا استنفرتم فانفروا)

وَقَالَ (لَا تَنْقَطِع الْهِجْرَة مَا قوتل الْعَدو)

وَكِلَاهُمَا حق فَالْأول أَرَادَ بِهِ الْهِجْرَة الْمَعْهُودَة فِي زَمَانه وَهِي الْهِجْرَة إِلَى الْمَدِينَة من مَكَّة وَغَيرهَا من أَرض الْعَرَب فَإِن هَذِه الْهِجْرَة كَانَت مَشْرُوعَة لما كَانَت مَكَّة وَغَيرهَا دَار كفر وَحرب وَكَانَ الْإِيمَان بِالْمَدِينَةِ فَكَانَت الْهِجْرَة من دَار الْكفْر إِلَى دَار الْإِسْلَام وَاجِبَة لمن قدر عَلَيْهَا فَلَمَّا فتحت مَكَّة وَصَارَت دَار إِسْلَام وَدخلت الْعَرَب فِي الْإِسْلَام صَارَت هَذِه الأَرْض كلهَا دَار إِسْلَام فَقَالَ (لَا هِجْرَة بعد الْفَتْح) وَكَون الأَرْض دَار كفر وَدَار إِيمَان وَدَار فاسقين لَيست صفة لَازِمَة لَهَا بل هِيَ صفة عارضة بِحَسب سكانها وكل أَرض سكانها الْمُؤْمِنُونَ المتقون هِيَ دَار أَوْلِيَاء الله فِي ذَلِك الْوَقْت وكل أَرض سكانها الْكفَّار فَهِيَ دَار كفر فِي ذَلِك الْوَقْت وكل أَرض سكانها الْفُسَّاق فَهِيَ دَار فسق فِي ذَلِك الْوَقْت فَإِن سكنها غير من ذكرنَا وتبدلت بغيرهم فَهِيَ دَارهم وَكَذَلِكَ الْمَسْجِد إِذا تبدل بخمارة أَو صَار دَار فسق أَو دَار ظلم أَو كَنِيسَة يُشْرك فِيهَا بِاللَّه كَانَ بِحَسب سكانه وَكَذَلِكَ دَار الْخمر والفسوق وَنَحْوهَا إِذا جعلت مَسْجِدا يعبد الله فِيهَا عز وَجل كَانَ

بِحَسب ذَلِك وَكَذَلِكَ الرجل الصَّالح يصير فَاسِقًا أَو الْفَاسِق يصير صَالحا أَو الْكَافِر يصير مُؤمنا أَو الْمُؤمن يصير كَافِرًا وَنَحْو ذَلِك كل بِحَسب انْتِقَال الْأَحْوَال من حَال إِلَى حَال إِلَى أَن قَالَ فأحوال الْبِلَاد كأحوال الْعباد فَيكون الرجل تَارَة مُسلما وَتارَة كَافِرًا وَتارَة مُؤمنا وَتارَة منافقا وَتارَة برا تقيا وَتارَة فَاسِقًا وَتارَة فَاجِرًا شقيا وَهَكَذَا المساكن بِحَسب سكانها إِلَى آخر كَلَامه وَهَذَا مِمَّا لَا إِشْكَال فِيهِ بِحَمْد الله فَهَذَا كَلَام أهل الْعلم وَمُوجب سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حكم الدَّار وساكنها وَالْمَقْصُود بَيَان جهل هَذَا الرجل وَشدَّة غباوته وَعدم مَعْرفَته لكَلَام الْمُحَقِّقين من أهل الْعلم وَمَعَ هَذَا الْجَهْل يَقُول أَلا فافهموا نَص الْكتاب وحققوا زواجره وَهُوَ لم يفهم نَص الْكتاب وَلم يعظم زواجره باجتناب مَا حرم الله من مُوالَاة من حاد الله وَرَسُوله وامتثال أمره فِي معاداتهم ومقاطعتهم ومباعدتهم وبغضهم والبراءة مِنْهُم وَمِمَّنْ والاهم وركن إِلَيْهِم واتخذهم أَوْلِيَاء من دون الْمُؤمنِينَ وَينصب نَفسه هدفا دون من يُجَادِل عَنْهُم ويناضل وَيَقُول (وَلَا تتبعوا أهل الْجَهَالَة إِنَّهُم ... يصدون عَن نهج الْهدى كل رَاغِب) (ويسعون بالإفساد فِي الأَرْض جهدهمْ ... وَلَيْسوا على نهج من الدّين وَاجِب)

وَهُوَ قد اتبع هَوَاهُ بِغَيْر هدى من الله وأضل بمفهومه الْفَاسِد اتِّبَاع كل ناعق فِي تسهيله عَن مقاطعة أَعدَاء الله وَرَسُوله بِأَنَّهُم مُسلمُونَ وَأَن الْعلمَاء اخْتلفُوا فِي تكفيرهم فَمن كفرهم فَإِنَّهُ يلْزم مِنْهُ تَكْفِير طوائف كثيرين من السّلف وَمن تَبِعَهُمْ وهب أَن الْعلمَاء اخْتلفُوا فِي تكفيرهم وَأَجْمعُوا على تبديعهم وتفسيقهم وضلالهم فَمَا المسوغ لموالاتهم ونصرتهم والذب عَنْهُم ومعادات من عاداهم من أهل الْإِسْلَام وأبغضهم وحذر عَن مجالستهم ومجامعتهم فِي أَي كتاب وجدت ذَلِك عَن أهل الْعلم بِاللَّه وبدينه وَكتابه وشرعه وَمَعَ ذَلِك يحض على فهم نَص الْكتاب وَقد جعل حكم السَّاكِن وأقسامه للدَّار عكس مَا نَص الله فِي كِتَابه فَكَانَ هُوَ أَحَق بالجهالة وبإضلال النَّاس عَن نهج الْهدى وَالسَّعْي بالإفساد فِي الأَرْض جهده فَالله الْمُسْتَعَان وَإِذا كَانَ يعلم أَن جهمية دبي وَأبي ظَبْي وَنَحْوهم شَرّ فرقة وَأَن الجهمي رَدِيء الْمذَاهب وَيعلم أَن من فِي هَذِه البلدتين من الْمُسلمين عصاة ظَالِمُونَ لأَنْفُسِهِمْ وَيعلم أَن الْخَوَارِج من أهل الْبدع المارقين بِنَصّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنَّهُمْ كلاب النَّار وَأَنَّهُمْ دانوا بشر الْمذَاهب وَأَنَّهُمْ قد جَاءُوا بأعظم فِرْيَة فَمَا هَذَا التحامل والتجازف فِي مسَبَّة من عاداهم وأبغضهم وحذر عَن مجالستهم وَأَغْلظ فِي ذَلِك ولأي شَيْء نصب نَفسه غَرضا دونهم ويناضل أهل

الْإِسْلَام المكفرين للجهمية النافين لعلو الله على خلقه واستواءه على عَرْشه الجاحدين لصفات كَمَاله ونعوت جَلَاله الزاعمين أَنه تَعَالَى وتقدس عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ علوا كَبِيرا لَا دَاخل الْعَالم وَلَا خَارجه وَلَا مُتَّصِلا بِهِ وَلَا مُنْفَصِلا عَنهُ وَلَا محايثا لَهُ وَأَنه لَيْسَ فَوق السَّمَاء إِلَه يعبد وَيصلى لَهُ وَيسْجد وَلَيْسَ فَوْقه إِلَّا الْعَدَم الْمَحْض وَأَنه لَيْسَ لله فِي الأَرْض كَلَام وَلَا يشار إِلَيْهِ بالأصابع إِلَى فَوق وَلَا ينزل مِنْهُ شَيْء وَلَا يصعد إِلَيْهِ شَيْء وَلَا تعرج الْمَلَائِكَة وَالروح إِلَيْهِ وَلَا رفع الْمَسِيح إِلَيْهِ وَلَا عرج برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِ وَلَا يتَكَلَّم بقدرته ومشيئته وَلَا ينزل إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا حِين يبْقى ثلث اللَّيْل الآخر فَيَقُول (هَل من سَائل فَيعْطى سؤله هَل من دَاع فَأُجِيبَهُ هَل من مُسْتَغْفِر فَأغْفِر لَهُ) إِلَى أَن ينفجر الْفجْر وَأَنه لَا يرى فِي الْآخِرَة وَلَا يقوم بِهِ فعل الْبَتَّةَ وَهل هَذَا إِلَّا الْكفْر والإلحاد الصَّرِيح ثكلتك أمك وَمن يشك فِي كفر هَؤُلَاءِ أَو كفر من يشك فِي كفرهم وَهُوَ مِمَّن يفهم وَلَا يجهل وَهل شم رَائِحَة الْإِيمَان وبالخصوص جهمية هَذَا السَّاحِل فَإِنَّهُم بَين أظهر الْمُسلمين يجادلونهم ويوضحون لَهُم الْأَدِلَّة ويبينون لَهُم مَا هم عَلَيْهِ من الضلال فقد بلغتهم الدعْوَة وَقَامَت عَلَيْهِم الْحجَّة وتوضحت لَهُم الْأَدِلَّة وانتشرت الْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة وَظَهَرت ظهورا لَيْسَ بعده إِلَّا المكابرة والعناد وَلَا يُنكر هَذَا إِلَّا مباهت فِي الضروريات مكابر فِي الحسيات

يَا وَيلك أتدع مناضلة هَؤُلَاءِ وَإِظْهَار معاداتهم وتزعم أَنهم مُسلمُونَ لِأَن الْعلمَاء اخْتلفُوا فِي تَكْفِير الْجَهْمِية وَهُوَ زعم كَاذِب وتشن الْغَارة على أهل الْإِسْلَام المكفرين لَهُم وَتظهر معاداتهم وتضع القصائد فِي هجوهم وَالْكذب عَلَيْهِم نَعُوذ بِاللَّه من رين الذُّنُوب وانتكاس الْقُلُوب فَإِذا كَانَ يعلم أَن هَذَا من مَذَاهِب الْجَهْمِية فلأي شَيْء لَا يكفرهم أَو يغار لمن شكّ فِي كفرهم بالمحامات والمجادلة دونه وتضيق الْبِلَاد بِهِ ذرعا عِنْد سَماع مسبتهم وتكفيرهم وَإِظْهَار معاداتهم والتحذير عَنْهُم وَعَن مجالسة من لَا يكفرهم ويضلل طلبة الْعلم وَيَزْعُم أَنهم افتتنوا وفتنوا ويجادل فِي الله بِغَيْر علم وَلَا هدى وَلَا كتاب مُنِير وَيَزْعُم أَن من كفرهم أَو كفر من شكّ فِي كفر هَؤُلَاءِ الْجَهْمِية الضلال الزَّنَادِقَة الَّذين قد قَامَت عَلَيْهِم الْحجَّة أَنهم جهال متبعون لأهل الْجَهْل وَأَنَّهُمْ يضلون النَّاس عَن نهج الْهدى ويسعون فِي الأَرْض بِالْفَسَادِ جهدهمْ وَلَيْسَ مَعَهم دَلِيل على هَذِه الفضائح كلهَا لِأَن الْعلمَاء اخْتلفُوا فِي تَكْفِير الْجَهْمِية بمفهومه الْفَاسِد وَلَيْسَ مَعَه فِي ذَلِك أثارة من علم إِلَّا قَول بعض الْعلمَاء وَقد كفرهم جُمْهُور الْعلمَاء أَو أَكْثَرهم وَهَذَا لَا يلْزم مِنْهُ أَن البَاقِينَ لَا يكفرونهم كَمَا فهمه هَذَا الرجل الْجَاهِل وَقد قَالَ شيخ الْإِسْلَام رَحمَه الله وَلما اسْتحلَّ طَائِفَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ كقدامة بن مَظْعُون وَأَصْحَابه شرب الْخمر وظنوا أَنَّهَا تُبَاح لمن عمل

صَالحا على مَا فهموه من آيَة الْمَائِدَة اتّفق عُلَمَاء الصَّحَابَة كعمر وَعلي وَغَيرهمَا إِلَى آخر كَلَامه وَقد تقدم فَلم يذكر رَحمَه الله من عُلَمَاء الصَّحَابَة إِلَّا عمر وَعلي بن أبي طَالب وَقد كَانَ من الْمَعْلُوم أَن جَمِيع الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ من الْعلمَاء من أَئِمَّة السّلف لَا يخالفونهما فِي ذَلِك وَلم يقل أحد من الْعلمَاء أَن البَاقِينَ لَا يكفرونهم أَو استمروا على الاستحلال لأَنهم سكتوا وَقد بَينا فِيمَا مضى فَسَاد مَفْهُومه وَأَن الْعلمَاء أَجمعُوا على كفرهم بل على كفر الأتباع الْجُهَّال المقلدين لَهُم وَبينا بطلَان إِلْزَامه وَأَنه لَو لزم فلازم الْمَذْهَب لَيْسَ بِمذهب كَمَا ذكره أهل الْعلم وَبينا أَن هَذَا الْإِلْزَام من وراثة أهل الْكَلَام الْمُحدث فِي الْإِسْلَام وَبينا أَن الْخلاف فِي نوع من أَنْوَاع الْجُهَّال المقلدين لَهُم لَا فِي جَمِيعهم وَالْمَقْصُود هُنَا بَيَان جهل هَذَا المتنطع وَأَنه زبزب قبل أَن يحصرم وَتكلم قبل أَن يتَعَلَّم وَمن الْعجب أَنه ذكر الْخَوَارِج وَأَنَّهُمْ من أهل الْبدع وَأَنَّهُمْ دانوا بشر الْمذَاهب وَأَنَّهُمْ جَاءُوا بأعظم فِرْيَة فَإِذا قَالَ بعض الإخوان بِكفْر أباضية أهل هَذَا الزَّمَان لأَنهم زادوا فِي الشَّرّ على مَذْهَب أوائلهم وأسلافهم وعَلى مَذْهَب الْخَوَارِج بانتحال مَذْهَب الْمُعْتَزلَة وَأَنَّهُمْ على اعْتِقَاد عباد الْقُبُور فِي الذّبْح لغير الله

وَدُعَاء الْأَوْلِيَاء وَالصَّالِحِينَ وَنفي الشَّفَاعَة وَعَذَاب الْقَبْر وَغير ذَلِك جعل يضللهم ويجهلهم وَيَزْعُم أَنهم ساعين بِالْفَسَادِ فِي الأَرْض جهدهمْ وَأَنه يلْزمهُم تَكْفِير جَمِيع الصَّحَابَة لَا سِيمَا عَليّ بن أبي طَالب لأَنهم مَا كفرُوا الْخَوَارِج كَمَا سَيَأْتِي فِي نظمه ويل أمه مَا أجهله فَإِنَّهُ لَو لم يكن فِي الْجَهْمِية والأباضية إِلَّا أَنهم من أهل الْبدع لما سَاغَ لهَذَا الغبي مسَبَّة طلبة الْعلم وإيذائهم وَإِظْهَار عداوتهم وبغضهم كَيفَ وَقد حذر أهل الْعلم عَن مجالسة أهل الْبدع كَمَا فِي كتاب أَسد بن مُوسَى إِلَى أَسد بن الْفُرَات حَيْثُ قَالَ فِيهِ وَإِيَّاك أَن يكون لَك من أهل الْبدع أَخ أَو جليس أَو صَاحب فَإِنَّهُ جَاءَ فِي الْأَثر من جَالس صَاحب بِدعَة نزعت مِنْهُ الْعِصْمَة ووكل إِلَى نَفسه وَمن مَشى إِلَى صَاحب بِدعَة مَشى فِي هدم الْإِسْلَام وَجَاء مَا من إِلَه يعبد من دون الله أبْغض إِلَى الله من صَاحب هوى وَقد وَقعت اللَّعْنَة من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أهل الْبدع وَأَن الله لَا يقبل مِنْهُم صرفا وَلَا عدلا وَلَا فَرِيضَة وَلَا تَطَوّعا وَكلما ازدادوا اجْتِهَادًا أَو صوما وَصَلَاة ازدادوا من الله بعدا فَارْفض مجَالِسهمْ وأذلهم وأبعدهم كَمَا أبعدهم الله وأذلهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأئمة الْهدى وَقد ذكرته بِتَمَامِهِ فِي كشف الشبهتين

فصل

فصل ثمَّ قَالَ فِي قصيدته سنة 1324 هـ (وَمن جِهَة أُخْرَى لقد كَانَ قَائِلا ... بتكفير خير النَّاس أزكى الأطايب) (أُولَئِكَ أَصْحَاب النَّبِي وَآله ... ولاسيما مِنْهُم عَليّ بن أبي طَالب) (لأنهموا مَا كفرُوا الْخَوَارِج ... يرى وَصفهم بالْكفْر أوجب وَاجِب) (وَمن لم يكفرهم لَدَيْهِ فكافر ... وَلَيْسَ بمستثن لتِلْك المعايب) (فقد كَانَ أَصْحَاب النَّبِي جَمِيعهم ... على ضد مَا قَالَ فِي ذَا المطالب) وَالْجَوَاب أَن يُقَال وَهَذَا أَيْضا من جَهله وغباوته فَإِن تَكْفِير الأباضية خُصُوصا أباضية هَذَا الزَّمَان مُمكن مُتَّجه لأَنهم لَيْسُوا على مَذْهَب أوائلهم بل ازْدَادَ شرهم وكفرهم فَإِنَّهُم فِي هَذِه الْأَزْمِنَة جهمية على مَذْهَب أهل الاعتزال فِي زعمهم أَن الله لَا يرى فِي الْآخِرَة وعَلى مُعْتَقد عباد الْقُبُور فِي دُعَاء الْأَوْلِيَاء وَالصَّالِحِينَ وَالذّبْح للجن مَعَ إنكارهم للشفاعة وَالْمِيزَان وَعَذَاب الْقَبْر ونعيمه وَغير ذَلِك مِمَّا أحدثوه فِي الدّين وَخَرجُوا بِهِ عَن جمَاعَة الْمُسلمين وَقد اشْتهر أَمرهم وَظهر

خبرهم وَمَا هم عَلَيْهِ فِي سَاحل عمان وباطنه وَقد بلغتهم الدعْوَة وَقَامَت عَلَيْهِم الْحجَّة مُنْذُ أزمان متطاولة لَا يُنكر ذَلِك إِلَّا مكابر فَالْكَلَام وَالْخِصَام الْوَاقِع فِي أباضية هَذَا الزَّمَان لَا فِي الْخَوَارِج الَّذين خَرجُوا على عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَمن على مَذْهَبهم مِمَّن جَاءَ بعدهمْ فَمن غالط بالْكلَام فِي الْخَوَارِج الَّذين خَرجُوا على عَليّ وَجعل حكم هَؤُلَاءِ الَّذين كَانُوا بِهَذَا السَّاحِل على مَا وَصفنَا حكم الْخَوَارِج الْمُتَقَدِّمين فَهُوَ مشبه ملبس يمزج الْحق بِالْبَاطِلِ وَمَعَ هَذَا التلبيس يزْعم أَن من كفر هَؤُلَاءِ على هَذِه الصّفة الَّتِي ذكرنَا لزمَه تَكْفِير جَمِيع الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم لَا سِيمَا عَليّ بن أبي طَالب لأَنهم مَا كفرُوا الْخَوَارِج ثمَّ لَو سلمنَا أَنهم على مَذْهَب الْخَوَارِج لم يُجَاوِزُوهُ إِلَى غَيره لم يلْزم من ذَلِك تَكْفِير الصَّحَابَة كَمَا قدمنَا وَقد حكى شيخ الْإِسْلَام فِي الْفَتَاوَى فِي تَكْفِير الْخَوَارِج وَنَحْوهم عَن مَالك قَوْلَيْنِ وَعَن الشَّافِعِي كَذَلِك وَعَن أَحْمد أَيْضا رِوَايَتَيْنِ وَأَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ وَأَصْحَابه لَهُم قَولَانِ وَالْخلاف فيهم مَشْهُور فعلى قَول هَذَا الْجَاهِل أَنه يلْزم من كفرهم على الرِّوَايَة الثَّانِيَة عَن أَحْمد وعَلى القَوْل الثَّانِي عَن مَالك وَعَن الشَّافِعِي تَكْفِير أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَنهم مَا كفرُوا الْخَوَارِج وعَلى القَوْل الأول يلْزم من لم يكفرهم تضليل من كفرهم من الْعلمَاء أَو تكفيره لِأَنَّهُ ورد

فِي الحَدِيث (من كفر مُسلما فقد كفر) وَهَذَا كُله إِلْزَام بِالْبَاطِلِ وَقد بَينا فِيمَا تقدم أَن هَذَا لَيْسَ بِلَازِم وَلَو لزم فلازم الْمَذْهَب لَيْسَ بِمذهب فَإِذا علمت هَذَا فَمن كفر بعض فرق الطوائف المبتدعة كالخوارج الْمُتَقَدِّمين يحْتَج بالنصوص المكفرة لَهُم من كتاب الله وَسنة رَسُوله كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يَمْرُقُونَ من الدّين كَمَا يَمْرُق السهْم من الرَّمية ثمَّ لَا يعودون إِلَيْهِ إِلَّا كَمَا يعود السهْم إِلَى فَوْقه) وَغير ذَلِك من النُّصُوص الَّتِي يحْتَج بهَا من كفرهم وَلَا يلْزم من هَذَا تَكْفِير من لم يكفرهم أوشك فِي كفرهم لِأَنَّهُ غير لَازم لاحْتِمَال مَانع يمْنَع من ذَلِك عِنْده وَلَو كَانَ لَازِما لقَالَ بِهِ الْعلمَاء ووضحوه وَمن لم ير تكفيرهم وَهُوَ الصَّحِيح فحجته أَن أصل الْإِسْلَام الثَّابِت لَا يحكم بزواله إِلَّا بِحُصُول منَاف لحقيقته مُنَاقض لأصله لِأَن الْعُمْدَة اسْتِصْحَاب الأَصْل وجودا وعدما وَلقَوْل عَليّ رَضِي الله عَنهُ لما سُئِلَ عَنْهُم أكفار هم قَالَ من الْكفْر فروا وَلم يُخَالِفهُ أحد من الصَّحَابَة وَلَا يلْزم من هَذَا تضليل من كفرهم أَو تكفيرهم لِأَنَّهُ ورد فِي الحَدِيث (من كفر مُسلما فقد كفر) فَإِنَّهُ غير لَازم لما ذكرنَا

وَالْمَقْصُود بَيَان غلط هَذَا الْجَاهِل المتمعلم المتعيقل فِي إِلْزَام من كفر الْخَوَارِج بتكفير الصَّحَابَة لأَنهم مَا كفرُوا الْخَوَارِج فَكيف بأباضية أهل هَذَا الزَّمَان بل هَذَا القَوْل وَهَذَا الْإِلْزَام من أَقْوَال أهل الْكَلَام الْمُحدث فِي الْإِسْلَام حَيْثُ ألزموا بِهِ السّلف فِي إِثْبَات الْعُلُوّ وَإِثْبَات الصِّفَات وَزَعَمُوا أَن من قَالَ بِهَذَا فَهُوَ مجسم إِلَى غير ذَلِك من إلزاماتهم الْبَاطِلَة إِذا تحققت هَذَا فَنحْن لَا نكفر الْخَوَارِج الأول مَعَ أَنهم من أظهر النَّاس بِدعَة وقتالا للْأمة وتكفيرا لَهَا لِأَن من كَانَ أصل الْإِيمَان فِي قلبه لَا نكفره بِمُجَرَّد تَأْوِيله

فصل

فصل وَأما قَوْله (وتكفير من قد كَانَ للشرك فَاعِلا ... إِذا كَانَ ذَا جهل فَلَيْسَ بصائب) (على الْفَوْر بل من بعد تبيان حجَّة ... إِذا قَارن الْإِشْرَاك شَرّ المعائب) (يجوز لنا التَّكْفِير للشَّخْص عينه ... وَلَيْسَ بِهِ بَأْس لَدَى كل صائب) (وَهَذَا سَبِيل الْمُرْسلين وَمن قفى ... لآثارهم من كل آل وَصَاحب) فَالْجَوَاب أَن يُقَال إِن الله تَعَالَى أرسل الرُّسُل مبشرين ومنذرين لِئَلَّا يكون للنَّاس على الله حجَّة بعد الرُّسُل فَكل من بلغه الْقُرْآن ودعوة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقد قَامَت عَلَيْهِ الْحجَّة قَالَ الله تَعَالَى {لأنذركم بِهِ وَمن بلغ} وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا كُنَّا معذبين حَتَّى نبعث رَسُولا} وَقد أجمع الْعلمَاء على أَن من بلغته دَعْوَة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن حجَّة الله قَائِمَة عَلَيْهِ وَمَعْلُوم بالاضطرار من الدّين أَن الله سُبْحَانَهُ بعث

مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْهدى وَدين الْحق وَأنزل عَلَيْهِ الْكتاب ليعبد وَحده لَا يُشْرك مَعَه غَيره فَلَا يدعى إِلَّا هُوَ وَلَا يذبح إِلَّا لَهُ وَلَا ينذر إِلَّا لَهُ وَلَا يتوكل إِلَّا عَلَيْهِ وَلَا يخَاف خوف السِّرّ إِلَّا مِنْهُ وَالْقُرْآن مَمْلُوء من هَذَا قَالَ تَعَالَى {فَلَا تدعوا مَعَ الله أحدا} وَقَالَ {لَهُ دَعْوَة الْحق} وَقَالَ {وَلَا تدع من دون الله مَا لَا ينفعك وَلَا يَضرك} وَقَالَ {فصل لِرَبِّك وانحر} وَقَالَ {وعَلى الله فتوكلوا إِن كُنْتُم مُؤمنين} وَقَالَ {فاعبده وتوكل عَلَيْهِ} وَقَالَ {فإياي فارهبون} وَقَالَ {فَلَا تخافوهم وخافون إِن كُنْتُم مُؤمنين} وَقَالَ {وَلم يخْش إِلَّا الله فَعَسَى أُولَئِكَ أَن يَكُونُوا من المهتدين} وَقد ذكر الله استواءه على عَرْشه فِي سَبْعَة مَوَاضِع من كِتَابه وَذكر فوقيته على خلقه فِي مَوَاضِع كَثِيرَة وَذكر أَسْمَائِهِ وَصِفَاته فِي آيَات

كَثِيرَة وَالله سُبْحَانَهُ لَا يعذب خلقه إِلَّا بعد الْإِعْذَار إِلَيْهِم فَأرْسل رسله وَأنزل كتبه لِئَلَّا يَقُولُوا {لَوْلَا أرْسلت إِلَيْنَا رَسُولا فنتبع آياتك ونكون من الْمُؤمنِينَ} وَقَالَ تَعَالَى {وَلَو أَنا أهلكناهم بِعَذَاب من قبله لقالوا رَبنَا لَوْلَا أرْسلت إِلَيْنَا رَسُولا فنتبع آياتك من قبل أَن نذل ونخزى} فَكل من بلغه الْقُرْآن فَلَيْسَ بمعذور فَإِن الْأُصُول الْكِبَار الَّتِي هِيَ أصل دين الْإِسْلَام قد بَينهَا الله فِي كِتَابه ووضحها وَأقَام بهَا حجَّته على عباده وَلَيْسَ المُرَاد بِقِيَام الْحجَّة أَن يفهمها الْإِنْسَان فهما جليا كَمَا يفهمها من هداه الله ووفقه وانقاد لأَمره فَإِن الْكفَّار قد قَامَت عَلَيْهِم حجَّة الله مَعَ إخْبَاره بِأَنَّهُ جعل على قُلُوبهم أكنة أَن يفقهوا كَلَامه فَقَالَ {وَجَعَلنَا على قُلُوبهم أكنة أَن يفقهوه وَفِي آذانهم وقرا} وَقَالَ {قل هُوَ للَّذين آمنُوا هدى وشفاء وَالَّذين لَا يُؤمنُونَ فِي آذانهم وقر وَهُوَ عَلَيْهِم عمى} وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّهُم اتَّخذُوا الشَّيَاطِين أَوْلِيَاء من دون الله وَيَحْسبُونَ أَنهم مهتدون} وَقَالَ تَعَالَى {قل هَل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الَّذين ضل سَعْيهمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وهم يحسبون أَنهم يحسنون صنعا}

والآيات فِي هَذَا الْمَعْنى كَثِيرَة يخبر تَعَالَى أَنهم لم يفهموا الْقُرْآن وَلم يفقهوه وَالله عاقبهم بالأكنة على قُلُوبهم والوقر فِي آذانهم وَأَنه ختم على قُلُوبهم وأسماعهم وأبصارهم فَلم يعذرهم الله مَعَ هَذَا كُله بل حكم بكفرهم فَهَذَا يبين لَك أَن بُلُوغ الْحجَّة نوع وفهمها نوع آخر إِذا تقرر هَذَا فَلَا يلْزم من قيام الْحجَّة وبلوغها أَن يبلغهَا الْإِنْسَان لكل فَرد من أَفْرَاد الْجَهْمِية وَعباد الْقُبُور وَغَيرهم مِمَّن تخرجه بدعته من الْإِسْلَام كغلاة الْقَدَرِيَّة والمرجئة وغلاة الرافضة كَمَا يزعمه هَؤُلَاءِ الْجُهَّال الَّذين يَزْعمُونَ أَن حجَّة الله بِالْقُرْآنِ لم تبلغ جَمِيع الْخلق وَأَنه لابد من إبلاغها لكل فَرد وَمَا علمت هَذَا عَن أحد من أهل الْعلم وَالَّذِي ذكر أهل الْعلم أَن هَذَا لَا يلْزم إِلَّا من نَشأ ببادية بعيدَة أَو كَانَ حَدِيث عهد بِالْإِسْلَامِ أَو يكون ذَلِك فِي الْمسَائِل الْخفية الَّتِي قد يخفى دليلها على بعض النَّاس وَأما من كَانَ بَين أظهر الْمُسلمين كجهمية دبي وَأبي ظَبْي وأباضية أهل هَذَا السَّاحِل وجهميته فَهَؤُلَاءِ قد بلغتهم الدعْوَة وَقَامَت عَلَيْهِم الْحجَّة وَقد وَقعت الْمُخَاصمَة والمجادلة بَينهم وَبَين من هُنَاكَ من طلبة الْعلم وراسلوا المشائخ وأجابوهم على مسائلهم وَأَقَامُوا عَلَيْهِم الْحجَّة بِالدَّلِيلِ فوضحت

لَهُم فَلم يبْق لَهُم عذر كَمَا تقدم فِي كَلَام الشَّيْخ عبد اللَّطِيف رَحمَه الله وكما هُوَ مَوْجُود مَشْهُور فِي رسائل قد وَردت على الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن حسن رَحمَه الله وَقد سُئِلَ الشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب رَحمَه الله تَعَالَى عَن هَذِه الْمَسْأَلَة فَأجَاب السَّائِل بقوله هَذَا من الْعجب العجاب كَيفَ تشكون فِي هَذَا وَقد وضحته لكم مرَارًا فَإِن الَّذِي لم تقم عَلَيْهِ الْحجَّة هُوَ الَّذِي حَدِيث عهد بِالْإِسْلَامِ وَالَّذِي نَشأ ببادية بعيدَة أَو يكون ذَلِك فِي مَسْأَلَة خُفْيَة مثل الصّرْف والعطف فَلَا يكفر حَتَّى يعرف وَأما أصُول الدّين الَّتِي وضحها الله وأحكمها فِي كِتَابه فَإِن حجَّة الله هِيَ الْقُرْآن فَمن بلغه فقد بلغته الْحجَّة وَلَكِن أصل الْإِشْكَال أَنكُمْ لم تفَرقُوا بَين قيام الْحجَّة وَفهم الْحجَّة فَإِن أَكثر الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ لم يفهموا حجَّة الله مَعَ قِيَامهَا عَلَيْهِم كَمَا قَالَ تَعَالَى {أم تحسب أَن أَكْثَرهم يسمعُونَ أَو يعْقلُونَ إِن هم إِلَّا كالأنعام بل هم أضلّ سَبِيلا} وَقيام الْحجَّة وبلوغها نوع وفهمهم إِيَّاهَا نوع

آخر وكفرهم الله ببلوغهم إِيَّاهَا مَعَ كَونهم لم يفهموها وَإِن أشكل عَلَيْكُم ذَلِك فانظروا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْخَوَارِج (أَيْنَمَا لقيتموهم فاقتلوهم) مَعَ كَونهم فِي عصر الصَّحَابَة ويحقر الْإِنْسَان عمل الصَّحَابَة مَعَهم وَمَعَ إِجْمَاع النَّاس أَن الَّذِي أخرجهم من الدّين هُوَ التشدد والغلو وَالِاجْتِهَاد وهم يظنون أَنهم مطيعون الله وَقد بلغتهم الْحجَّة وَلَكِن لم يفهموها وَكَذَلِكَ قتل عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ الَّذين اعتقدوا فِيهِ الإلهية وحرقهم بالنَّار مَعَ كَونهم تلاميذ الصَّحَابَة وَمَعَ عِبَادَتهم وهم أَيْضا يظنون أَنهم على حق وَكَذَلِكَ إِجْمَاع السّلف على تَكْفِير أنَاس من غلاة الْقَدَرِيَّة وَغَيرهم مَعَ كَثْرَة علمهمْ وَشدَّة عِبَادَتهم وكونهم يظنون أَنهم

يحسنون صنعا وَلم يتَوَقَّف أحد من السّلف فِي تكفيرهم لأجل أَنهم لم يفهموا فَإِن هَؤُلَاءِ كلهم لم يفهموا انْتهى كَلَامه رَحمَه الله فَإِذا علمت هَذَا وتحققته فَاعْلَم أَن هَذَا هُوَ سَبِيل الْمُرْسلين وَمن قفى أَثَرهم من الْآل وَالْأَصْحَاب وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ من الْأَئِمَّة المهتدين فحجة الله هِيَ الْقُرْآن فَمن بلغه الْقُرْآن فَلَا عذر وَلَيْسَ كل جهل يكون عذرا لصَاحبه فَهَؤُلَاءِ جهال المقلدين لأهل الْكفْر كفار بِإِجْمَاع الْأمة اللَّهُمَّ إِلَّا من كَانَ مِنْهُم عَاجِزا عَن بُلُوغ الْحق ومعرفته لَا يتَمَكَّن مِنْهُ بِحَال مَعَ محبته لَهُ وإرادته وَطَلَبه وَعدم المرشد إِلَيْهِ أَو من كَانَ حَدِيث عهد بِالْإِسْلَامِ أَو من نَشأ ببادية بعيدَة فَهَذَا الَّذِي ذكر أهل الْعلم أَنه مَعْذُور لِأَن الْحجَّة لم تقم عَلَيْهِ فَلَا يكفر الشَّخْص الْمعِين حَتَّى يعرف وَتقوم عَلَيْهِ الْحجَّة بِالْبَيَانِ وَأما التمويه والمغالطة من بعض هَؤُلَاءِ بِأَن شيخ الْإِسْلَام توقف فِي تَكْفِير الْمعِين الْجَاهِل فَهُوَ من التلبيس والتمويه على خفافيش البصائر فَإِنَّمَا الْمَقْصُود بِهِ فِي مسَائِل مَخْصُوصَة قد يخفى دليلها على بعض النَّاس كَمَا فِي مسَائِل الْقدر والإرجاء وَنَحْو ذَلِك مِمَّا قَالَه أهل الْأَهْوَاء فَإِن بعض أَقْوَالهم تَتَضَمَّن أمورا كفرية من رد أَدِلَّة الْكتاب وَالسّنة المتواترة فَيكون القَوْل المتضمن لرد بعض النُّصُوص كفرا وَلَا يحكم على قَائِله بالْكفْر لاحْتِمَال وجود مَانع يمْنَع مِنْهُ

كالجهل وَعدم الْعلم بِنَفس النَّص أَو بدلالته فَإِن الشَّرَائِع لَا تلْزم إِلَّا بعد بُلُوغهَا وَلذَلِك ذكرهَا فِي الْكَلَام على بدع أهل الْأَهْوَاء وَقد نَص على هَذَا فَقَالَ فِي تَكْفِير أنَاس من أَعْيَان الْمُتَكَلِّمين بعد أَن قرر هَذِه الْمَسْأَلَة قَالَ وَهَذَا إِذا كَانَ فِي الْمسَائِل الْخفية فقد يُقَال بِعَدَمِ الْكفْر وَأما مَا يَقع مِنْهُم فِي الْمسَائِل الظَّاهِرَة الجلية أَو مَا يعلم من الدّين بِالضَّرُورَةِ فَهَذَا لَا يتَوَقَّف فِي كفر قَائِله وَهَؤُلَاء الأغبياء أجملوا الْقَضِيَّة وَجعلُوا كل جهل عذرا وَلم يفصلوا وَجعلُوا الْمسَائِل الظَّاهِرَة الجلية وَمَا يعلم من الدّين بِالضَّرُورَةِ كالمسائل الْخفية الَّتِي قد يخفى دليلها على بعض النَّاس وَكَذَلِكَ من كَانَ بَين أظهر الْمُسلمين كمن نَشأ ببادية بعيدَة أَو كَانَ حَدِيث عهد بِالْإِسْلَامِ فضلوا وأضلوا كثيرا وَضَلُّوا عَن سَوَاء السَّبِيل إِذا عرفت هَذَا فمسألة علو الله على خلقه واستوائه على عَرْشه وَإِثْبَات صِفَات كَمَاله ونعوت جَلَاله من الْمسَائِل الجلية الظَّاهِرَة وَمِمَّا علم من الدّين بِالضَّرُورَةِ فَإِن الله قد وضحها فِي كِتَابه وعَلى لِسَان رَسُوله فَمن سمع الْآيَات القرآنية وَالْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة فقد قَامَت عَلَيْهِ الْحجَّة وَإِن لم يفهمها فَإِن كَانَ مِمَّن يقْرَأ الْقُرْآن فَالْأَمْر أعظم وأطم لَا سِيمَا إِن عاند وَزعم أَن مَا كَانَ عَلَيْهِ هُوَ الْحق وَأَن الْقُرْآن لم يبين ذَلِك بَيَانا شافيا كَافِيا فَهَذَا كفره أوضح من الشَّمْس فِي نحر

الظهيرة وَلَا يتَوَقَّف فِي كفره من عرف الْإِسْلَام وَأَحْكَامه وقواعده وَبِالْجُمْلَةِ فَمن دَان بدين غير دين الْإِسْلَام وَقَامَ بِهِ هَذَا الْوَصْف الَّذِي يكون بِهِ كَافِرًا فَهُوَ كَافِر وَلَا نحكم على معِين بالنَّار بل نكل أمره إِلَى الله وَإِلَى علمه وَحكمه فِي بَاطِن أمره هَذَا فِي أَحْكَام الثَّوَاب وَالْعِقَاب وَأما فِي أَحْكَام الدُّنْيَا فَهِيَ جَارِيَة على ظَاهر الْأَمر فَإِذا علمت هَذَا وتحققته علمت أَن هَذَا الرجل ملبس مموه فِي إِنْكَاره على من أطلق الْكفْر على من قَامَ بِهِ وصف الْكفْر وَقد كَانَ فِي جملَة من بلغتهم الدعْوَة وَقَامَت عَلَيْهِم الْحجَّة وَلم يقم بِهِ شَيْء من الْمَوَانِع الَّتِي تمنع من قيام الْحجَّة وَمرَاده بذلك التشنيع على الإخوان فِيمَا فَعَلُوهُ وقالوه من تَكْفِير الْجَهْمِية وَعباد الْقُبُور وأباضية أهل هَذَا الزَّمَان ويلزمهم باللوازم الَّتِي لَا تلزمهم وهم يبرؤن إِلَى الله من القَوْل بهَا وَقد قَالَ أَبُو الوفا ابْن عقيل رَحمَه الله نَعُوذ بِاللَّه من أَن نلزم إنْسَانا بِلَازِم قَول وَهُوَ يفر مِنْهُ انْتهى فَكيف إِذا لم يلْزمه ثمَّ لم يكتف بذلك حَتَّى قَامَ يَدْعُو إِلَى هَذَا الْمَذْهَب وَيَزْعُم أَن كل من تكلم فِيهِ وَبَينه ووضحه وعادى أَهله وَبَين غلطهم لَا يعرف الْأَحْكَام فِي هَذِه الْمسَائِل المهمة الْعِظَام لِأَنَّهُ فِيهَا جَاهِل فَهَلا بَينهَا ووضحها وَإِذا كَانَ ذَلِك كَذَلِك فَنَقُول {هاتوا برهانكم إِن كُنْتُم صَادِقين} {هَل عنْدكُمْ}

تمييز الصدق من المين في محاورة الرجلين

من علم فتخرجوه لنا إِن تتبعون إِلَّا الظَّن وَإِن أَنْتُم إِلَّا تخرصون) لكنه قد وعدنا أَنا سنرى مَا لَا نطيق نحاوله من الِاعْتِذَار للجهمية وَعباد الْقُبُور وأباضيه هَذَا الزَّمَان لأَنهم عِنْده جهال أَو مُسلمُونَ كَمَا صرح بذلك وَكَذَلِكَ الِاعْتِذَار لمن والاهم وذب عَنْهُم وَحِينَئِذٍ فَلَا عذر لَهُ عَن بَيَان هَذِه الْأَحْكَام الَّتِي جهلناها من كَلَام أَئِمَّة الْإِسْلَام وَهُدَاة الْأَنَام إِلَى دَار السَّلَام من عدم تَكْفِير الْجَهْمِية وأباضية أهل هَذَا الزَّمَان الْجَهْمِية الْمُعْتَزلَة عباد الْقُبُور وَبَيَان أَن من كفرهم يلْزمه تَكْفِير طوائف من عُلَمَاء السّلف لأَنهم مَا كفرُوا الْجَهْمِية وَعَمن نقل ذَلِك وَقَالَ بِهِ من الْعلمَاء وَيبين لنا الْأَحْكَام فِي أَن من كفر أباضية هَذَا الزَّمَان فقد كفر جَمِيع الصَّحَابَة لأَنهم مَا كفرُوا الْخَوَارِج الَّذين خَرجُوا على عَليّ وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم وَصلى الله على مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان إِلَى يَوْم الدّين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين السلسة السلفية للرسائل والكتب النجدية 6 الرسَالَة الثَّانِيَة تَمْيِيز الصدْق من المين فِي محاورة الرجلَيْن تأليف الشَّيْخ الْعَلامَة سُلَيْمَان بن سحمان الفزعي الْخَثْعَمِي (1266 - 1349 هـ) تَحْقِيق وَتَخْرِيج عبد الْعَزِيز بن عبد الله الزير آل حمد

§1/1