كتاب الردة للواقدي

الواقدي

[مقدمة]

[مقدمة] بِسمِ الله الرَّحمَنِ الرَّحيم لقد حظيت حروب الردّة وما فيها من أخبار وأشعار باهتمام المؤلفين العرب فقد ألّفت منذ زمن مبكر عدة كتب أفردت لحروب الردّة غير الأخبار التي تضمنتها كتب التاريخ والأدب، فقد وقفنا على ثمانية كتب كلها تحمل اسم الردّة هي: لمحمد بن إسحاق (ت 150 هـ-) ، وسيف بن عمر (ت 193 هـ-) ، والواقدي (ت 207 هـ-) ، ووثيمة بن موسى الوشاء (ت 237 هـ-) ، وأبي مخنف لوط بن يحيى الأزدي (ت 157 هـ-) ، وإسحاق بن بشر الهاشمي (ت 206 هـ-) ، وعلي بن محمد المدائني (ت 234 هـ-) ، وإسماعيل بن عيسى العطار. ولم يصل من هذه الكتب إلا كتاب الواقدي هذا، في نسخته الوحيدة النادرة التي عثرت عليها أثناء تسفاري في بلاد الهند في مكتبة خدابخش في يانكي بور مقاطعة باتنا وتقع المخطوطة في ست وأربعين لوحة بخط نسخي مقروء، وفيها شعر كثير يجاوز التسعمائة بيت، أكثره من الشعر النادر الذي لم تحفظه الكتب والدواوين، وقد ضاع مثله في غمرة الحروب، وهو شعر يمثل الفروسية والبطولة العربية، لأنه قيل أثناء التهيؤ للقتال أو الدعوة للنزال أو وصف الأحداث، وغالبية هذا الشعر لشعراء مغمورين لم يعرفوا بقول الشعر ولم يشتهروا به، وقد أنطقتهم الحروب وأحداث الردّة، وهم جنود مقاتلون لا يعنون بتجويد الشعر وصناعته، وإنما تجيش صدورهم بأبيات يحمسون بها أنفسهم ومن معهم، ويفخرون بحسن بلائهم وبلاء قومهم، ولذلك جاءت أشعارهم مقطعات يغلب عليها الارتجال وتقتصر موضوعاتها على الحرب وما تقتضيها من استعداد لها واستبسال في سبيلها وتحريض المقاتلين

ودعوة للنزال ومديح للأبطال وافتخار بالنصر وتعيير بالهزيمة وهجاء الخصوم. وقد أحصينا في الكتاب أربعة وثلاثين ومائة قطعة وقصيدة، موزعة على تسع عشرة قصيدة وخمس عشرة ومائة قطعة وتسع عشرة أرجوزة كلها من مشطور الرجز، وبلغ مجموع الأبيات ثلاثة وتسعمائة بيت، وجاءت أوزان الشعر على الوجه الآتي: الطويل تسع وعشرون قطعة، الكامل أربع وعشرون، الرجز تسع عشرة، المتقارب سبع عشرة، الخفيف اثنتا عشرة، الرمل سبع، الوافر سبع، البسيط ست، السريع اثنتان، الهزج واحدة. وقد توزع الشعر على ستة وستين شاعرا من الشعراء المعروفين، وستة وستين شاعرا من الشعراء المجهولين، وامرأتين. وجاء الشعر المنسوب لقائليه وتعداده اثنتا عشرة ومائة قطعة والشعر المجهول القائل اثنتان وعشرون قطعة، كأن يقال: قال رجل من المسلمين أو قال رجل من بني فلان، وهكذا. ولا شك أن كثيرا من الشعر الذي قيل في الردّة قد ضاع، وما حفظته الذاكرة والكتب هو القليل، وهذا أمر بديهي بسبب طبيعة الأحداث وإن أكثر هذا الشعر قيل من قبل المرتدين الذين يقاتلون المسلمين ويجاهرون بالخروج على السلطة الإسلامية هذا من جانب ومن جانب آخر فإن أغلب هذا الشعر سهل فيه خلل واضطراب لأنه شعر مرتجل خال من الصنعة والتأنق الغريب، فلم يحفل به الرواة الذين يعنون بالشاهد اللغوي وجودة الصياغة، وقد كان المؤرخون كذلك يتجاوزون كثيرا من هذا الشعر، ويقتصرون على ذكر شواهد في ذكر الحادثة والخبر، فإذا كان وقت المبارزة وخرج فارس يدعو للنزال وينشد شعرا ذكره المؤرخ وذكر ما ينشده الفارس الآخر، فإذا كثر المتنازلون وكثرت أشعارهم يكتفي المؤرخ ببعض هذا الشعر ويغفل ما سواه، وهذا ما فعله الواقدي وأشار إليه من ذلك ما جاء في الورقة 39 أ، قوله: (فَلَمَّا أَصْبَحَ الأَشْعَثُ أَمَرَ بِبَابِ الْحِصْنِ فَفَتَحَ وَخَرَجَ فِي أَوَائِلِ الْقَوْمِ وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ: يا قوم إن الصبر بالإخلاص ... ، ثم خرج خلفه الخنفسيس بن عمرو ... وأنشد أبياتا اختصرنا عن ذكرها، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بَعْدِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ محرز الحطمي ... وَأَنْشَدَ أَبْيَاتًا تَرَكْنَا ذِكْرَهَا، ثُمَّ خَرَجَ

مِنْ بَعْدِهِ مُسَيْلِمَةُ بْنُ يَزِيدَ الْقُشَيْرِيُّ وَأَنْشَدَ أَبْيَاتًا تَرَكْنَا ذِكْرَهَا، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بَعْدِهِ سعد بن معد يكرب وأنشد أبياتا تركنا ذكرها) ، وهكذا يخرج كثير من الفرسان فيقولون شعرا لم يذكره الواقدي اختصارا ببعض الذي أنشد، فكم ضاع من هذا الشعر الذي أغفله المؤرخون ورواة الشعر وتجاهله المسلمون لأن بعضه مما يناهض الإسلام أو يهجو المسلمين وقد تبرأ منه المرتدون بعد أن عادوا إلى حضيرة الإسلام وانطلقوا نحو الفتوح يجالدون الفرس والروم. وقد كانت عناية المؤلف الواقدي في هذا الكتاب كدأبه في كتابه المغازي معنيا بذكر تفاصيل الأحداث حريصا على تدوين الرسائل والكتب والخطب وذكر المحاورات والمناوشات، لم يهمل الجزئيات والتفاصيل سجل كل ما يمكن تسجيله في هذه الحروب مع تفسير شاف لأسباب الوقائع والأحداث، ولذلك فقد تفرّد الكتاب بمعلومات وروايات وأشعار لم تذكرها كتب التاريخ والأدب قبله، وقد اقتبس بعض المؤرخين من هذا الكتاب وذكروا بعض نصوصه مختصرة من مثل ابن سعد في الطبقات، والطبري في تاريخه، وعبد الرحمن بن حبيش في كتابه المغازي، وابن حجر في الإصابة، وغيرهم. وقد وجدت في تحقيق هذا الكتاب وخدمته إحياء لتراثنا التاريخي والأدبي في عصر الخلافة الراشدة، وإشادة بالبطولة العربية الإسلامية ومثلها العليا التي وحّدت الجزيرة العربية وحملت راية الإسلام خفّاقة منتصرة تنشر التوحيد والحرية والسلام في الخافقين، أسأل الله سبحانه السداد والرشاد في القول والعمل، فمنه الهداية وبه التوفيق والحمد للَّه أولا وآخرا. بغداد يحيى وهيب الجبوري 5 رجب 1410 هـ- 31 كانون الثاني (يناير) 1990 م

المؤلف

المؤلف أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد الواقدي المدني، مولى بني سهم إحدى بطون بني أسلم، وهذا إجماع من ترجم له [1] ، إلا ابن خلكان [2] فقد جعله مولى بني هاشم. كانت ولادته بالمدينة سنة 130 هـ في آخر خلافة مروان بن محمد كما يذكر محمد بن سعد كاتبه وتلميذه [3] ، وقيل: إنه ولد سنة 129 هـ- على ما يرجح الصفدي وابن تغريبردي [4] . ويذكر أبو الفرج الأصفهاني أن أمه هي بنت عيسى بن جعفر بن سائب خاثر التي كان والدها فارسياً [5] . ليس هناك معلومات متيسرة عن نشأته، ولكن المصادر تتحدث عن اهتمام الواقدي المبكر بالمغازي وجمع الأخبار والتعرف على التفاصيل، نقل عن الواقدي قوله: (ما أدركت رجلا من أبناء الصحابة وأبناء الشهداء ولا مولى لهم إلا سألته: هل سمعت أحدا من أهلك يخبرك عن مشهده وأين قتل، فإذا أعلمني

_ [1] أنظر الطبقات 5/ 314، عيون الأثر 1/ 17، الفهرست ص 111، تاريخ دمشق 11/ ورقة 3، تذكرة الحفاظ 1/ 348، سير أعلام النبلاء 7/ ورقة 117، لسان الميزان 6/ 152، شذرات الذهب 2/ 18، الوافي بالوفيات 4/ 238، الجرح والتعديل 4/ 20، الديباج المذهب ص 230، تهذيب التهذيب 9/ 363. [2] وفيات الأعيان 4/ 348. [3] الطبقات 7/ 77. [4] الوافي بالوفيات 4/ 238، النجوم الزاهرة 2/ 184. [5] الأغاني 8/ 233.

مضيت إلى الموضع فأعاينه، ولقد مضيت إلى المريسع فنظرت إليها، وما علمت غزاة إلا مضيت إلى الموضع حتى أعاينه) [1] . وعن هارون الفروي قال: (رأيت الواقدي بمكة ومعه ركوة [2] ، فقلت: أين تريد، قال: أريد أن أمضي إلى حنين حتى أرى الموضع والوقعة) [3] . وقد عرف عن الواقدي هذا الاهتمام بمعرفة الأخبار ومعاينة المشاهد ومعرفة التفصيلات، من ذلك ما ذكر ابن سعد من أن الخليفة هارون الرشيد ويحيى بن خالد البرمكي حين زارا المدينة في حجتهما، طلبا من يدلهما على قبور الشهداء والمشاهد، فذكر لهما الواقدي الذي صحبهما في زيارتهما، ولم يدع موضعا من المواضع ولا مشهدا من المشاهد إلا مر بهما عليه [4] ، وعلى إثر هذا اللقاء توثقت العلاقة بين الواقدي والخليفة الذي وهبه عشرة آلاف درهم، يسّرت حاله وفكّت ضائقته، وقد توثقت صلته كذلك بيحيى البرمكي الذي أغدق عليه الأموال. وكان الواقدي جوّادا سخيا متلافا، حصل على أموال كثيرة ولكنه كان ينفقها، ويعود في ضائقة مالية جديدة، ويرزح تحت ثقل الديون، وهذا ما جعله يرحل من المدينة إلى العراق قاصدا يحيى البرمكي، ففي سنة 180 هـ غادر الواقدي المدينة قاصدا العراق [5] ، ويبين الخطيب البغدادي سبب هذه الرحلة، فينقل عن الواقدي قوله: (كنت حنّاطا «بائع حنطة» بالمدينة في يدي مائة ألف درهم للناس أضارب بها، فتلفت الدراهم، فشخصت إلى العراق فقصدت يحيى بن خالد) [6] ، ويروي ابن سعد أن سبب هذه الرحلة هو الدين الذي ركبه

_ [1] تاريخ دمشق 11/ 5، تاريخ بغداد 3/ 6، عيون الأثر 1/ 18، كتاب المغازي- الواقدي المقدمة ص 6. [2] إناء للماء من جلد. [3] المصادر السابقة. [4] الطبقات 5/ 315 ط ليدن، ومقدمة كتاب المغازي ص 6) . [5] الطبقات 7/ 77. [6] تاريخ بغداد 3/ 4.

وضيق ذات اليد، فيقول على لسان الواقدي: (ثم إن الدهر أعضّنا، فقالت لي أم عبد الله: يا أبا عبد الله ما قعودك، وهذا وزير أمير المؤمنين قد عرفك وسألك أن تسير إليه حيث استقرت به الدار، فرحلت من المدينة) [1] ، وحين وصل إلى بغداد وجد أن الخليفة والحاشية قد ذهبوا إلى الرقة بالشام، فتوجه نحو الشام ولحق بهم هناك، وحين لقي يحيى البرمكي أكرمه وأغدق عليه عطاياه، كما أغدق الرشيد عليه عطاياه أيضا، وعن ذلك يقول الواقدي: (صار إليّ من السلطان ستمائة ألف درهم، ما وجبت علي فيها الزكاة [2] ، ثم يعود إلى بغداد وكانت مكانة الواقدي لدى الخليفة هارون الرشيد طيبة عالية مرموقة، لذلك فقد ولّاه القضاء بشرقي بغداد كما يذكر ياقوت الحموي [3] . وفي عهد المأمون ترتفع مكانة الواقدي، فحين يعود المأمون من خراسان يعينه قاضيا لعسكر المهدي في الجانب الشرقي من بغداد [4] ، ونقل ابن خلكان عن ابن قتيبة أن الواقدي كان قاضيا في الجانب الغربي، ثم صححه اعتمادا على قول السمعاني أنه قاض بالجانب الشرقي [5] . وقد لقي الواقدي من المأمون الرعاية والإكرام، كتب الواقدي إليه مرة يشكو من ضائقة لحقته وركبه دين بسببها وعين مقداره في قصة، فوقع المأمون في كتابه بخطه: (فيك خلتان سخاء وحياء، فالسخاء أطلق يديك بتبذير مالك، والحياء حملك أن ذكرت لنا بعض دينك، وقد أمرنا لك بضعف ما سألت، وإن كنا قصرنا عن بلوغ حاجتك فبجنايتك على نفسك، وإن كنا بلغنا بغيتك فزد في بسطة يدك، فإن خزائن الله مفتوحة ويده بالخير مبسوطة، وأنت حدثتني حين كنت على قضاء الرشيد أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال للزبير: «يا زبير إن مفاتيح الرزق بإزاء العرش، ينزل الله سبحانه للعباد أرزاقهم على قدر نفقاتهم، فمن كثَّر كثَّر له،

_ [1] الطبقات 5/ 315. [2] تاريخ بغداد 3/ 20. [3] معجم الأدباء 18/ 279. [4] الطبقات 7/ 77. [5] وفيات الأعيان 4/ 350.

ومن قلّل قلّل عليه» . قال الواقدي: وكنت نسيت الحديث، فكانت مذاكرته إياي أعجب إليّ من صلته) [1] . وتبقى صلة الواقدي بالمأمون متينة مكينة، وعلى الرغم من علم المأمون بصلة الواقدي بيحيى البرمكي، فإن هذه الصلة لم تمنع المأمون من إكرام الواقدي وتوليته القضاء بعد نكبة البرامكة [2] ، فقد مكث الواقدي قاضيا على عسكر المهدي مدة أربع سنوات قبل وفاته [3] ، ويصفه ابن حجر بأنه أحد الأعلام وقاضي العراق وبغداد [4] . وقد نال الواقدي من السلطان والمال الشيء الكثير، أغدق عليه الرشيد ويحيى البرمكي والمأمون، ومع كل ذلك فقد كان الواقدي سخيا متلافا، مات وعليه ديون، ولم يملك ما يكفن به، فقد أرسل المأمون بأكفانه [5] ، وكان الواقدي قد أوصى إلى المأمون أن يقضي دينه، فقبل المأمون وصيته وقضى دينه [6] . وتجمع أغلب المصادر على أن وفاة الواقدي كانت سنة سبع ومائتين، ويحدد ابن سعد ليلة الوفاة ويوم الدفن بقوله: (مات ببغداد ليلة الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة سبع ومائتين، ودفن يوم الثلاثاء في مقابر الخيزران وهو ابن ثمان وسبعين سنة) [7] ، وهناك روايات مرجوحة تذكر أنه توفي سنة 206 أو 209 [8] ، والرواية الأولى هي الأصح لأنها جاءت عن تلميذه وكاتبه ابن سعد محددة بالشهر واليوم [9] .

_ [1] وفيات الأعيان 4/ 349. [2] شذرات الذهب 2/ 18. [3] الوافي بالوفيات 4/ 238. [4] لسان الميزان 6/ 852. [5] تاريخ دمشق 11/ ورقة 3، تاريخ بغداد 3/ 20. [6] الطبقات 5/ 321. [7] الطبقات 7/ 77، وانظر وفيات الأعيان 4/ 350. [8] انظر الروايات في وفيات الأعيان 4/ 350، ورجح سنة 207، وانظر تاريخ بغداد 3/ 20. [9] الطبقات 7/ 77.

كتبه

كتبه كان الواقدي غزير العلم كثير التأليف، كثير الجمع والحفظ، يذكر ابن النديم قول ابن إسحاق: (قرأت بخط عتيق قال: خلّف الواقدي بعد وفاته ستمائة قمطر كتبا، كل قمطر منها حمل رجلين، وكان له غلامان مملوكان يكتبان له الليل والنهار، وقبل ذلك بيع له كتب بألفي دينار) [1] ، وكانت كتبه من الكثرة بحيث أنه لما انتقل من الجانب الغربي حملت كتبه على عشرين ومائة وقر [2] ، وكانت عناية الواقدي بالعلوم الإسلامية عامة والتاريخ خاصة، يقول إبراهيم الحربي إن الواقدي (كان أعلم الناس بأمر الإسلام، فأما في الجاهلية فلم يعلم فيها شيئا) [3] ويصفه ابن سعد كاتبه وتلميذه: (كان عالما بالمغازي والسيرة والفتوح واختلاف الناس وأحاديثهم، وقد فسّر ذلك في كتب استخرجها ووضعها وحدّث بها) [4] . ذكرت كتب الواقدي في أكثر من مصدر، فقد ذكرها ياقوت [5] ، والصفدي [6] ، وإسماعيل باشا البغدادي [7] ، وسأذكر جريدة كتب الواقدي كما

_ [1] الفهرست ص 111. [2] الوافي بالوفيات 4/ 238، تاريخ بغداد 3/ 5، عيون الأثر 1/ 18 سير أعلام النبلاء 7/ 118. [3] سير أعلام النبلاء 7/ ورقة 117 مخطوط. [4] الطبقات 5/ 314 ط ليدن، 7/ 334- 335 ط صادر. [5] معجم الأدباء 18/ 281. [6] الوافي بالوفيات 4/ 239. [7] هدية العارفين 2/ 10.

جاءت في الفهرست لابن النديم وأقارنها بالمصادر الأخرى، قال ابن النديم: وله من الكتب المصنفة [1] : 1- كتاب التاريخ والمغازي والمبعث. 2- كتاب أخبار مكة. 3- كتاب الطبقات. 4- كتاب فتوح الشام. 5- كتاب فتوح العراق. 6- كتاب الجمل (سمّاه ياقوت: كتاب يوم الجمل) . 7- كتاب مقتل الحسين (عليه السلام) . 8- كتاب السيرة (لم يذكره الصفدي) . 9- كتاب أزواج النبي عليه السلام. 10- كتاب الردّة والدار. 11- كتاب حرب الأوس والخزرج (جاء لدى الصفدي باسم: حروب الأوس والخزرج) . 12- كتاب صفين (لم يذكره الصفدي) . 13- كتاب وفاة النبي عليه السلام. 14- كتاب أمر الحبشة والفيل. 15- كتاب المناكح. 16- كتاب السقيفة وبيعة أبي بكر. 17- كتاب ذكر الأذان [2] . 18- كتاب سيرة أبي بكر ووفاته. 19- كتاب مداعي قريش والأنصار في القطاع (القطائع) [3] ووضع عمر الدواوين

_ [1] الفهرست ص 111. [2] في الطبعة التجارية: ذكر القرآن، وجاء كذلك لدى الصفدي: ذكر الأذان. [3] في نسخة: مراعي قريش والأنصار في القطائع. واكتفى ياقوت والصفدي بذكر اسم الكتاب وحذفا العبارة الأخيرة (وتصنيف القبائل ومراتبها وأنسابها) .

وتصنيف القبائل ومراتبها وأنسابها. 20- كتاب الترغيب في علم المغازي وغلط الرجال [1] . 21- كتاب مولد الحسن والحسين ومقتل الحسين عليه السلام [2] . 22- كتاب ضرب الدنانير والدراهم [3] . 23- كتاب تاريخ الفقهاء. 24- كتاب الآداب. 25- كتاب التاريخ الكبير. 26- كتاب غلط الحديث. 27- كتاب السنّة والجماعة وذم الهوى وترك الخروج [4] في الفتن. 28- كتاب الاختلاف (ويحتوي على اختلاف أهل المدينة والكوفة في الشفعة والصدقة والهبة والعمري والرقبى والوديعة والعارية والبضاعة والمضاربة والغصب والشركة (في نسخة: والسرقة) والحدود والشهادات، وعلى نسق كتب الفقه ما بقي) [5] . وجاءت هذه الجريدة نفسها في كشف الظنون مع خلاف بسيط في بعض الأسماء، وزاد عليها كتاب (تفسير القرآن) ولعله هو (ذكر القرآن) الذي ذكره ابن النديم.

_ [1] في نسخة: (كتاب الترغيب في علم القرآن وغلط الرجال) وعند ياقوت: (كتاب الترغيب في علم القرآن) . [2] عند الصفدي: (كتاب مولد الحسن والحسين ومقتله) ، أما ياقوت فقد جعل الكتاب كتابين: (مولد الحسن والحسين) ، و (مقتل الحسين) . [3] عند الصفدي: (كتاب ضرب الدنانير) . [4] في نسخة: (وترك الخوارج في الفتن) ، وعند ياقوت: (كتاب السنّة والجماعة وذم الهوى) . [5] جاءت العبارة الأخيرة مختصرة عند الصفدي: (كتاب اختلاف أهل المدينة والكوفة في أبواب الفقه) .

كتاب الردة

كتاب الردّة أول ما يرد ذكر كتاب الردة عند ابن النديم (438 هـ-) في كتابه الفهرست، وقد ذكره باسم: (كتاب الردّة والدار) ، ولعلهما كتابان، الأول (كتاب الردّة) ، والثاني (كتاب الدار) ومقتل الخليفة عثمان بن عفان، وحصل مزج بينهما، إذ ليس من المعقول أن يكونا كتابا واحدا، وبين الردّة (سنة 13 هـ-) ويوم الدار (سنة 35 هـ-) اثنتان وعشرون سنة. وقد وافق ابن النديم في هذه التسمية كلّ من ياقوت الحموي (626 هـ-) [1] والصفدي (764 هـ) [2] فأسمياه: (كتاب الردّة والدار) ، ولعلهما نقلا عن ابن النديم. أما المصادر الأخرى فتذكره ابسم (كتاب الردّة) ، فابن خير الأشبيلي (575 هـ-) يسميه كتاب الردّة [3] ، وكذلك ابن خلكان (681 هـ-) الذي يقول [4] : (وله كتاب الردّة ذكر فيه ارتداد العرب بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ومحاربة الصحابة رضي الله عنهم لطليحة بن خويلد الأزدي والأسود العنسي ومسيلمة الكذاب، وما أقصر فيه) . أما اليافعي (768 هـ-) [5] فقد نقل عبارة ابن خلكان السابقة، وذكره حاجي خليفة (1067 هـ) أيضا باسم: (كتاب الردّة) [6] .

_ [1] معجم الأدباء 18/ 281. [2] الوافي بالوفيات 4/ 239. [3] فهرست ما رواه عن شيوخه ص 237. [4] وفيات الأعيان 4/ 348. [5] مرآة الجنان 2/ 36. [6] كشف الظنون 2/ 1420.

أما في العصر الحديث فأول من نبّه عليه هو بروكلمان (1961 م) [1] وذكر مكان المخطوطة في مكتبة بانكيبور بالهند ورقمها 15/ 1042، ثم ذكرها سزكين في كتابه تاريخ التراث العربي [2] . وقد اقتبس من كتاب الردّة مجموعة من المؤلفين رجعت إليهم وقابلت رواياتهم في تحقيق الشعر.

_ [1] تاريخ الأدب العربي- الترجمة العربية 3/ 17. [2] الترجمة العربية 1/ 102 (التدوين التاريخي) .

من ألف في الردة

من ألّف في الردّة عرفت مجموعة من الكتب تحمل اسم (كتاب الردّة) ، ولم يصلنا منها إلا كتاب الردّة للواقدي هذا، وأهم هذه الكتب التي حفظت أسماءها والكتب هي: 1- كتاب الردّة- لمحمد بن إسحاق (150 هـ-) ، جاء ذكره في الطبري والبلاذري والكلاعي، ونقلوا عنه بعض النصوص. [1] . 2- كتاب الردّة والفتوح- لسيف بن عمر التميمي (193 هـ-) ، ذكره ابن النديم باسم (كتاب الفتوح الكبير والردّة) [2] ، وذكره بروكلمان [3] ، كما ذكره سزكين [4] ، وقال عنه: ذكره ابن حجر كثيرا في الإصابة وأفاد منه، وهو أحد مصادر الطبري في تاريخه، وقد أخذ ابن حجر قسما من هذا الكتاب بطريق السماع أو القراءة، وكان يقدم لمقتبساته بعبارة: (حدثني السري، قال: حدثنا شعيب عن سيف) كما أخذ قسما آخر منه بطريق (الكتابة) أو (المكاتبة) مقدما لذلك بعبارة: (كتب إليّ السري عن شعيب عن سيف) ، كما اقتبس منه ياقوت كذلك في معجم البلدان، وأفاد منه ابن عساكر كذلك. 3- كتاب الردّة- للواقدي (207 هـ-) وهو هذا الكتاب، ونقل عنه ابن سعد

_ [1] انظر الاكتفاء في مغازي المصطفى- للكلاعي، مقدمة المحقق أحمد غنيم ص 8، 9 ط القاهرة 1979. [2] الفهرست 1069. [3] تاريخ الأدب العربي 3/ 36. [4] تاريخ التراث العربي 1/ 2/ 134.

والطبري وابن حجر في الإصابة، واقتبس منه عبد الرحمن بن محمد بن حبيش (584 هـ-) في كتابه (المغازي) [1] . 4- كتاب الردّة- لوثيمة بن موسى بن الفرات الوشاء (237 هـ-) [2] ، وقد جاءت منه نصوص كثيرة اقتبسها ابن حجر في الإصابة وهي عشر ومائة قطعة، وهذا ما حدا بالمستشرق الألماني ولهلم هونرباخ بجمع هذه النصوص في كتاب أسماه (قطع من كتاب الردّة) [3] . 5- كتاب الردّة- لأبي مخنف لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف الأزدي (157 هـ-) ، انفرد بذكره ابن النديم [4] . 6- كتاب الردّة- لإسحاق بن بشر بن محمد الهاشمي بالولاء أبي حذيفة البخاري (206 هـ-) ذكره ابن النديم [5] وقال: له كتاب الردّة، ولم تذكره الكتب الأخرى. 7- كتاب الردّة- للمدائني أبي الحسن علي بن محمد بن عبد الله مولى سمرة بن جندب المتوفى سنة (234 هـ- أو 235 هـ-) ، ذكره ابن النديم [6] ولم تذكره الكتب الأخرى. مثل بروكلمان أو سزكين. 8- كتاب الردّة- لإسماعيل بن عيسى العطار من أهل بغداد من أصحاب السير، ذكره ابن النديم [7] ولم أقف على وفاته.

_ [1] انظر تاريخ التراث العربي 1/ 2/ 102. [2] انظر ترجمته في وفيات الأعيان 6/ 226- 231. [3] طبع مجمع العلماء والأدباء بمنيصة 1951، وانظر سزكين- تاريخ التراث العربي 1/ 2/ 143. [4] الفهرست ص 105. [5] الفهرست ص 106 وانظر ترجمة المؤلف في الأعلام 1/ 294. [6] الفهرست ص 115. [7] الفهرست ص 112.

المخطوطة

المخطوطة المخطوطة المعتمدة هي النسخة الوحيدة الموجودة في مكتبة خدابخش في بلدة يانكي بور في باتنا ورقمها 1042، وتقع في 46 ورقة، خطها نسخ واضح خال من الشكل قد يهمل الإعجام أحيانا، فيها أخطاء نحوية ولغوية وتحريف وتصحيف في أسماء بعض الأعلام والمواضع، وجاء الشعر في أكثره ضمن النثر لم يميز بكتابته شعرا في الصدر والعجز إلا قليلا. كتبت العنوانات بالحبر الأحمر وكذلك اسم النبي محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم، عدد الأسطر في الصفحة 23- 25 سطرا، وفي السطر 12- 14 كلمة، تخلو من اسم الناسخ وكتبت سنة 1278 هـ-. أولها صفحة العنوان (كتاب الردّة للواقدي) ، ثم الصفحة الأولى وبدايتها: (بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، رَوَى أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَفْصِ بْنِ مِهْرَانَ الْبَرْدَعِيُّ أَعَزَّهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ بْنُ أَعْثَمَ الْكُوفِيُّ قراءة عليه ... ) . وتنتهي أخبار الردّة في الورقة 41 ب بقوله: (انْقَضَتْ أَخْبَارُ الرِّدَّةِ عَنْ آخِرِهَا بِحَمْدِ اللَّهِ ومنّه وَحُسْنِ تَيْسِيرِهِ وَعَوْنِهِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ) . ويتلو ذلك نبذة في فتوح العراق بعنوان جاء فيه: (نُبْذَةٌ فِي ذِكْرِ الْمُثَنَّى بْنِ حَارِثَةَ الشَّيْبَانِيِّ، وَهُوَ أَوَّلُ الْفُتُوحِ بَعْدَ قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ، وهو أيضا من رواية ابن أعثم الكوفي) . ويبدأ هذا الجزء بقوله: (قال: فلما فرغ أبو بكر رضي الله عنه

من حروب أهل الرِّدَّةِ عَزَمَ عَلَى مُحَارَبَةِ الأَعَاجِمِ مِنَ الْفُرْسِ والروم وأصناف الكفر) . وبعد سبع صفحات ينتهي الكتاب بقوله: (وَكَانَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كلما افتتح موضعا في الْعِرَاقِ أَخْرَجَ مِنْ غَنَائِمِهِ الْخُمُسَ فَيُوَجِّهُ بِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَيُقَسِّمُ بَاقِي الْمَغْنَمِ فِي أَصْحَابِهِ، قَالَ: إِلَى أَنْ تَحَرَّكَتِ الرُّومُ بِأَرْضِ الشَّامِ، فَنَرْجِعُ الآنَ إِلَى ذِكْرِ فُتُوحِ الشَّامِ بِعَوْنِ اللَّهِ وَكَرَمِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْحَمْدُ للَّه رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ. تمت بعون الله وتوفيقه آخر العصر في يوم الأحد شهر ربيع الآخر الذي خلت منه أيام 24 سنة 1278 من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام) . وفي صفحة تالية مستقلة جاء عنوان الختام بخط كبير في الورقة 46: (هذا مما كان من أخبار أهل الردّة من مسيلمة الكذاب وطليحة وكندة وبني بكر بن وائل وغيرهم من العرب) .

منهج التحقيق

منهج التحقيق حاولت أن أحرر نسخة مهذبة محققة من هذا الكتاب هي أقرب إلى ما وضعها مؤلفها، فقد صححت الوهم والغلط النحوي واللغوي الذي جاء في الأصل، وهذا الغلط مرجعه النسّاخ والنقلة الذين يكون فيهم الجاهل والغافل، وقد جاءت أوهام في النص من تحريف أسماء الأعلام والمواضع والمعاني، فصححت ذلك على ضوء كتب التراجم والبلدان والمعاجم اللغوية. وقارنت الروايات والأخبار بما ورد منها في كتب التاريخ كتاريخ الطبري وابن الأثير وكتاب الفتوح لابن أعثم، وكذلك ما جاء منها في كتب الأدب، وبينت الفروق وصححت الوهم وشرحت الغامض، وقد جاءت الأخبار في هذا الكتاب وافية مفصلة بينما نجدها في كتب التاريخ مقتضبة مختصرة، وقد كان ابن أعثم خاصة ينقل عن هذا الكتاب ويختصر ويتجاوز ذكر الأشعار غير مطالع بعض القصائد والمقطعات. وقد حفل الكتاب بالأحاديث النبوية والأمثال والخطب والرسائل، فخرّجت الأحاديث تخريجا وافيا بالرجوع إلى كتب الحديث الصحيحة المعتمدة، ووثقت الأمثال والخطب والرسائل بالرجوع إلى المصادر وقارنت بينها وخاصة حين يكون هناك خطأ أو لبس بالقدر الذي يوضح الرواية ويوثقها، ولم أثقل الهوامش بكثرة النقول، ولا شك أن عملا كهذا لا يمكن أن يكون كاملا، فقد تبقى بعض الأحاديث والخطب لا نجد لها مصدرا يوثقها أو قد يغيب عنا ذلك المصدر. وفي الكتاب ذكر لأعلام كثيرين، وكثرتهم من الجنود المقاتلين سواء من المسلمين أو من القبائل المرتدة، فمنهم المعروف وأكثرهم مجهول، وقد ترجمت

للأعلام ورجعت في ذلك إلى كتب التراجم وعنيت خاصة بالأعلام الذين لهم أثر في الأحداث، والذين وقع في أسمائهم تحريف أو تصحيف أو وهم، ولم أعن بالأعلام الذين ترد أسماؤهم عرضا، وقد أترجم للعلم في الموضع الذي يكون له أثر في الخبر، ولا أكرر الترجمة عند تكرره في أخبار أخرى. أما الشعر فقد جاء كثير منه مضطربا مختل الوزن فيه تقديم وتأخير وفيه أغلاط في اللغة والنحو، فحاولت تقويمه وضبطه وتخريجه ونسبته إلى قائليه بالقدر الذي أسعفتني المصادر ووفق ما هداني اجتهادي. وقد جاء بعض هذا الشعر غير منسوب أو مجهول القائل وقد تفرد هذا الكتاب بذكره دون غيره من المصادر، وهذا أمر بديهي لأنه شعر جنود مقاتلين تجيش عواطفهم بالشعر فيرتجلونه في الوقائع والحروب، ولهذا السبب جاء مضطربا وجاء سهلا لا تعقيد فيه ولا صناعة، ولم يعن به الرواة الذين غالبا ما يعنون بالشعر الذي يصلح شاهدا لعلوم العربية ويحفل بالغريب والنادر. لقد شرحت بعض المعاني والألفاظ الصعبة أو التي يقع فيها وهم ولبس سواء أكان ذلك في النثر أم في الشعر، وقد جاء في الأصل بياض وسقط، فوضعت الساقط أو الكلمات التي توضح المعنى أو يقتضيها السياق بين معقوفتين، أما الشعر المضطرب فقد أصلحته وفق المصادر وإن لم أجد مصدرا اجتهدت في تقويمه وأشرت إلى الأصل المخطوء في الهامش. وقد أردت أن أخدم الكتاب بصنع فهارس وافية تيسر الإفادة منه والرجوع إليه. وما التوفيق إلا باللَّه العلي العظيم.

كِتَابُ الرِّدَّةِ لِلْوَاقِدِيِّ رِوَايَةُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بن أعثم الكوفي

[اضطراب امر الناس عند وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم]

[اضطراب امر الناس عند وفاة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم] بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين رَوَى أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَفْصِ بْنِ مِهْرَانَ الْبَرْدَعِيُّ أَعَزَّهُ اللَّهُ تَعَالَى، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ بْنُ أَعْثَمَ الْكُوفِيُّ [1] قِرَاءَةً عَلَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنِي نُعَيْمُ بْنُ مُزَاحِمٍ الْمِنْقَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ وَاقِدٍ الْوَاقِدِيُّ الأَسْلَمِيُّ [2] ، وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَلاءِ الْقُرَشِيُّ الْمَدَنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْكِنْدِيُّ، وَنَصْرُ بْنُ خَالِدٍ النَّحْوِيُّ وَأَبُو حَمْزَةَ الْقُرَشِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ الْمُطَّلِبِيِّ [3] ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ زَيْدُ بْنُ رُومَانَ، وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ [4] ،

_ [1] أحمد بن محمد بن علي بن أعثم الكوفي، أبو محمد، مؤرخ من أهل الكوفة، من كتبه المشهورة (الفتوح) انتهى فيه إلى أيام الرشيد، و (التاريخ) من أيام المأمون إلى أيام المقتدر، قال ياقوت: رأيت الكتابين، توفي ابن أعثم سنة 314 هـ-. (معجم الأدباء 2/ 230، دائرة المعارف الإسلامية 1/ 91، الأعلام 1/ 206)) . [2] في الأصل: (السلمي) . [3] محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي بالولاء، المدني، من أقدم مؤرخي العرب، من أهل المدينة، كان جده يسار من سبى عين التمر، قال ابن حبان: لم يكن أحد بالمدينة يقارب ابن إسحاق في علمه أو يوازيه في جمعه، وهو من أحسن الناس سياقا للأخبار، له من الكتب (السيرة النبوية) هذّبها ابن هشام و (كتاب الخلفاء) و (كتاب المبدأ) وكان من حفّاظ الحديث، سكن بغداد ومات فيها سنة 151 هـ-. (تهذيب التهذيب 9/ 38، طبقات ابن سعد 2/ 7/ 67، معجم الأدباء 6/ 399، وفيات الأعيان 1/ 483، تاريخ بغداد 1/ 214، الأعلام 6/ 28) . [4] صالح بن كيسان المدني، من فقهاء المدينة الجامعين للحديث والفقه، وهو أحد الثقات

وَيَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ [1] ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ [2] ، وَمَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ [3] ، وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ [4] ، كُلٌّ يَذْكُرُ: أَنَّهُ لَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، شَمِتَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بِأَهْلِ الإِسْلامِ، وَظَهَرَ النِّفَاقُ فِي الْمَدِينَةِ مِمَّنْ كَانَ يُخْفِيهِ قَبْلَ ذلك، وماج الناس

_ [ () ] في رواية الحديث، وهو مؤدب أبناء عمر بن عبد العزيز، قيل إنه عاش أكثر من مائة سنة، توفي سنة 140 هـ-. (تهذيب التهذيب 4/ 399، تهذيب ابن عساكر 6/ 378، الإصابة 3/ 458، الأعلام 3/ 195) . [1] يحيى بن عروة بن الزبير بن العوام الأسدي، من أعيان المدينة له رواية قليلة للحديث وله شعر، وهو ابن أخي عبد الله بن الزبير، وأمه عمة عبد الملك بن مروان، قال أبياتا يعرض فيها بإبراهيم بن هشام المخزومي والي المدينة فضربه حتى مات سنة 114 هـ-. (نسب قريش ص 256، 247، 380، جمهرة أنساب العرب ص 124، المحبر ص 262، تهذيب التهذيب 11/ 258، البيان والتبيين 1/ 320، الأعلام 8/ 156) . [2] الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي، الصحابي، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأول من سلّ سيفه في الإسلام، وهو ابن عمة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وله 12 سنة، شهد بدرا وأحدا واليرموك، وشهد الجابية مع عمر بن الخطاب، روى الحديث النبوي وله 38 حديثا، خرج من طلحة وعائشة على علي بن أبي طالب، وقتل غيلة، قتله ابن جرموز يوم الجمل بوادي السباع سنة 36 هـ-. (تهذيب ابن عساكر 5/ 355، صفة الصفوة 1/ 132، حلية الأولياء 1/ 89، البدء والتاريخ 5/ 83، الأعلام 3/ 43) . [3] في الأصل: (معوذ بن لبيد) ، وصوابه محمود بن لبيد الذي يروي عن عاصم بن عمر بن قتادة، وهو محمود بن لبيد بن عقبة بن رافع الأوسي الأنصاري المدني، وأمه أم منظور بنت محمد بن مسلمة، روى عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أحاديث ولم تصح له رؤية ولا سماع منه، روى عنه الزهري وعاصم بن عمرو بن قتادة وجعفر بن عبد الله بن الحكم وغيرهم، ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من التابعين، فيمن ولد على عهد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقال: سمع من عمر وتوفي بالمدينة سنة تسعين للهجرة. (تهذيب التهذيب 10/ 66) . [4] عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان الخزرجي الأنصاري، روى الحديث، وقال ابن معين وأبو زرعة والنسائي: ثقة، وقال ابن سعد: كان راوية للعلم وله علم بالمغازي والسير، وأمره عمر بن عبد العزيز أن يجلس في مسجد دمشق فيحدث الناس بالمغازي ومناقب الصحابة ففعل، وكان ثقة كثير الحديث عالما، توفي سنة 120 هـ-. (تهذيب التهذيب 5/ 54) .

وَاضْطَرَبُوا، وَأَقْبَلَ مَالِكُ بْنُ التَّيِّهَانِ الأَنْصَارِيُّ حَتَّى وَقَفَ عَلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَنْصِتُوا وَاسْمَعُوا مَقَالَتِي، وَتَفَهَّمُوا مَا أُلْقِيهِ إِلَيْكُمْ، اعْلَمُوا أَنَّهُ قَدْ شَمِتَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بِمَوْتِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَقَدْ ظَهَرَتْ حَسِيكَةُ [1] أَهْلِ الرِّدَّةِ، وَعِظَمُ الْمَصَائِبِ عَلَيْنَا أَنَّ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ [2] خَرَجَ بِأَرْضِ الْيَمَامَةِ [3] بِرَعْدٍ وَبَرْقٍ، وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ كَانَ يَدَّعِي النُّبُوَّةَ فِي حَيَاةِ نبينا صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَالآنَ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ طُلَيْحَةَ بْنَ خُوَيْلِدٍ الأَسَدِيَّ أَيْضًا قَدِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ بِبِلادِ نَجْدٍ، وَأَنَا وَاللَّهِ خَائِفٌ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ أَنْ تَرْتَدَّ عَنْ دِينِ الإِسْلامِ، فَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِهَذَا الأَمْرِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، أَوْ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَهُوَ وَاللَّهِ الْهَلاكُ والبوار، ثم أنشأ أبو الهيثم يقول [4] :

_ [1] الحسك والحسيكة: الحقد والعداوة. [2] مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب الحنفي الوائلي، أبو ثمامة، متنبئ من المعمرين ولد ونشأ باليمامة في القرية المسماة بالجبيلة بوادي حنيفة في نجد، وتلقب في الجاهلية بالرحمن، وعرف برحمان اليمامة، كان مع وفد حنيفة الذي وفد على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بعد فتح مكة، وأسلم الوفد وتخلّف مسيلمة في الرحال خارج مكة وهو شيخ هرم، ولما رجع الوفد ادعى مسيلمة النبوّة، وتوفي رسول الله قبل القضاء على فتنة مسيلمة، وسار خالد ابن الوليد إلى بني حنيفة وقضى على مسيلمة، وقتل سنة 12 هـ-. (السيرة النبوية 3/ 74، الروض الأنف 2/ 340، الكامل في التاريخ 2/ 137- 140، تاريخ الخميس 2/ 157، البدء والتاريخ 1/ 162، الأعلام 7/ 226) . [3] اليمامة: في كتاب العزيزي: إنها في الإقليم الثالث وعرضها خمس وثلاثون درجة وكان فتحها وقتل مسيلمة الكذاب في أيام أبي بكر الصديق رضي الله عنه سنة 12 للهجرة وفتحها خالد بن الوليد عنوة ثم صولحوا، وبين اليمامة والبحرين عشرة أيام وهي معدودة من نجد وقاعدتها حجر، وتسمى اليمامة جوا والعروض (بفتح العين) ، وكان اسمها قديما جوّا، فسميت اليمامة باليمامة بنت سهم بن طسم، قال أهل السير: كانت منازل طسم وجديس اليمامة وكانت تدعى جوا وما حولها إلى البحرين، ومنازل عاد الأولى الأحقاف، وهو الرمل ما بين عمان إلى الشحر إلى حضرموت إلى عدن أبين ... وكانت اليمامة أحسن بلاد الله أرضا وأكثرها خيرا وشجرا ونخلا. (ياقوت: اليمامة) . [4] الشاعر هو أبو الهيثم مالك بن التيهان بن مالك بن عتيك الأنصاري الأوسي، شهد بيعة

أَلا قَدْ أَرَى أَنَّ الْفَتَى لَمْ يَخْلُدِ ... وَأَنَّ الْمَنَايَا لِلرِّجَالِ بِمَرْصَدِ [1] لَقَدْ جُدِّعَتْ آذَانُنَا وَأُنُوفُنَا ... غَدَاةَ فُجِعْنَا بِالنَّبِيِّ مُحَمَّدِ [2] نَصَارَى يَقُولُونَ الشَّجَا وَمُنَافِقٌ ... وَكُلُّ كَفُورٍ شَامِتٍ مُتَهَوِّدِ ثَلاثَةُ أَصْنَافٍ مِنَ النَّاسِ كُلُّهُمْ ... يَرُوحُ عَلَيْنَا بِالسِّنَانِ وَيَغْتَدِي تَكَلَّمَ أَهْلُ الْكُفْرِ مِنْ بَعْدِ ذِلَّةٍ ... لِغَيْبَةِ هَادٍ كَانَ فِينَا وَمُهْتَدِ وَأَرْعَدَ كَذَّابَ الْيَمَامَةِ [3] جَهْدَهُ ... وَأَكْلَبَ فِينَا بِاللِّسَانِ وَبِالْيَدِ وَدَانَاهُ فِيمَا قَالَ غَيْرُ مُقَصِّرٍ ... أَخُو الْجَهْلِ حَقًّا طَلْحَةُ [4] بْنُ خُوَيْلِدِ فَإِنْ يَكُ هَذَا الْيَوْمَ مِنْهُمْ شَمَاتَةٌ ... فَلا تَأْمَنُوا مَا يُحْدِثُ اللَّهُ فِي غَدِ وَمَا نَحْنُ إِنْ لَمْ يَجْمَعِ اللَّهُ أَمْرَنَا ... بِخَيْرِ قُرَيْشٍ كُلِّهَا بَعْدَ أَحْمَدِ بِأَمْنَعِ مَنْ شَاءَ [5] بِقَفْرٍ مَطِيرَةٍ ... وَفَقْعَةِ قَاعٍ أَوْ ضِبَاعٍ بِفَدْفَدِ [6] وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَقُومَ بِأَمْرِنَا ... عَلِيٌّ أَوِ الصِّدِّيقُ أَوْ عَمْرٌو مِنْ غَدِ [7] وَتَعْدُو زَكَاةُ الْحَيِّ فِهْرَ بْنَ مَالِكٍ ... وأنصار هذا الدين من كلّ معتد

_ [ () ] العقبة وكان أول من بايع وشهد بدرا، أخى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بينه وبين عثمان بن مظعون، وشهد المشاهد كلها، مات سنة عشرين، وقيل قتل بصفين سنة 37 هـ-. (الإصابة 7/ 449- 450) . [1] جعل الناسخ الشعر في الكتاب مع الكلام دون أن يميزه عن النثر. [2] جاء البيت الثاني فقط في الإصابة 7/ 450 في ترجمة مالك بن التيهان (أبو الهيثم) . [3] في الأصل: (كذاب الإمامة) . وكذاب اليمامة: مسيلمة الحنفي. [4] في الأصل: (طليحة) وبها يختل الوزن. [5] في الأصل: (من شي) . [6] الفقعة: الكمأة البيضاء وهي أردأ الكمإ، ويشبه بها الرجل الذليل، وفي المثل: (أذل من فقع بقاع) و (أذل من فقع بقرقرة) . (الميداني 1/ 284، جمهرة الأمثال 1/ 469، اللسان: فقع) . [7] الأبيات الثلاثة الأخيرة خرجة من الحاشية، وفيها خلل في الوزن، ولعل البيت الأول في الأصل: (أو العمر) ، وأراد بعمرو: عمر بن الخطاب، والضرورة ساقته إلى تغيير الاسم.

وَأَمْسَى مُسَيْلِمٌ [1] فِي الْيَمَامَةِ غَالِبًا ... عَلَى النَّاسِ طُرًّا بِالْقَنَا وَالْمُهَنَّدِ قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَلَى الْمُسْلِمِين فَقَالَ: (أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَاللَّهُ لَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ 39: 30 [2] ، ثُمَّ قَالَ: وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ، كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ 21: 34- 35 [3] ، ثُمَّ قَالَ: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ 3: 144 الآيَةَ [4] ، أَلا وَإِنَّ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلامُ قَدْ مَضَى لِسَبِيلِهِ، وَلا بُدَّ لِهَذَا الأَمْرِ مِنْ قَائِمٍ يَقُومُ بِهِ، فَدَبِّرُوا وَانْظُرُوا وَهَاتُوا مَا عندكم رحمكم الله) .

_ [1] في الأصل: (مسيلمة في اليمامة غالب) وهي مختلة الوزن ويستقيم بما أثبتنا، ولعل الأبيات الثلاثة إضافة من متأخر. [2] سورة الزمر 30. [3] الأنبياء 34- 35. [4] آل عمران 144.

أخبار سقيفة بني ساعدة

أَخْبَارُ سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ [1] قَالَ: فَنَادَاهُ النَّاسُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ: نُصْبِحُ وَنَنْظُرُ فِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، قَالَ: فَانْصَرَفَ النَّاسُ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ انْحَازَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَانْحَازَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ الْخَزْرَجِيِّ [2] فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ [3] ، قَالَ: وَجَلَسَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ فِي مَنْزِلِهِ مَغْمُومًا بِأَمْرِ النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَعِنْدَهُ نَفَرٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَفِيهِمُ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، قَالَ: وَاجْتَمَعَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ جَمِيعِ جَنَبَاتِ الْمَدِينَةِ يَسْمَعُونَ مَا يَكُونُ مِنْ كَلامِ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ مِنَ الأَنْصَارِ يَوْمَئِذٍ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ [4] ذُو الشَّهَادَتَيْنِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، إِنَّكُمْ قَدْ قَدَّمْتُمْ قُرَيْشًا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، يَتَقَدَّمُونَكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَأَنْتُمُ الأَنْصَارُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وجل،

_ [1] انظر خبر السقيفة في السيرة النبوية 2/ 656- 661، وتاريخ الطبري 3/ 203- 211. [2] سعد بن عبادة بن ديلم بن حارثة الخزرجي، صحابي كان سيد الخزرج وأحد الأمراء الأشراف في الجاهلية والإسلام، شهد العقبة مع السبعين من الأنصار، وشهد أحدا والخندق وغيرهما، وكان أحد النقباء الإثني عشر، ولما توفي النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم طمح إلى الخلافة ولم يبايع أبا بكر، خرج في زمن عمر إلى الشام مهاجرا فمات بحوران سنة 14 هـ-. (تهذيب ابن عساكر 6/ 84، الإصابة 3/ 65- 67، صفة الصفوة 1/ 202، ابن سعد 3/ 142، البدء والتاريخ 5/ 123، الأعلام 3/ 86) . [3] سقيفة بني ساعدة: بالمدينة، وهي ظلة كانوا يجلسون تحتها، فيها بويع أبو بكر الصديق رضي الله عنه، قال الجوهري: السقيفة: الصّفّة، ومنه سقيفة بني ساعدة، وبنو ساعدة حي من الأنصار وهم بنو ساعدة بن كعب بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو، منهم سعد بن عبادة بن ديلم الخزرجي. (ياقوت: سقيفة بني ساعدة) . [4] خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة الأنصاري، صحابي من أشراف الأوس في الجاهلية

وَإِلَيْكُمْ كَانَتِ الْهِجْرَةُ، وَفِيكُمْ قَبْرُ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَاجْمَعُوا أَمْرَكُمْ عَلَى رَجُلٍ تَهَابُهُ قُرَيْشٌ وَتَأْمَنُهُ الأَنْصَارُ، قَالَ: فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: صَدَقْتَ يَا خُزَيْمَةُ، إِنَّ الْقَوْلَ لَعَلَى مَا تَقُولُ، قَدْ رَضِينَا بِصَاحِبِنَا سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، قَالَ: فَقَطَّبَ [1] الْمُهَاجِرُونَ وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، ثُمَّ وَثَبَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ الأَنْصَارِيُّ الأَوْسِيُّ [2] ، وَكَانَ مَقْبُولَ الْقَوْلِ عِنْدَ الأَنْصَارِ وَأَهْلِ الطَّاعَةِ فِيهِمْ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، إِنَّهُ قَدْ عَظُمَتْ نِعْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ سَمَّاكُمُ الأَنْصَارَ وَجَعَلَ إِلَيْكُمُ الْهِجْرَةَ، وَفِيكُمْ قُبِضَ الرَّسُولُ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَاجْعَلُوا ذَلِكَ للَّه، وَإِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ دُونَكُمْ، فَمَنْ قَدَّمُوهُ فَقَدِّمُوهُ، وَمَنْ أَخَّرُوهُ فَأَخِّرُوهَ، قَالَ: فَوَثَبَ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَأَغْلَظُوا لَهُ الْقَوْلَ وَسَكَّتُوهُ فَسَكَتَ، ثُمَّ وَثَبَ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ الأَنْصَارِيُّ [3] الأَعْوَرُ، وَكَانَ أَيْضًا مِنْ أَفَاضِلِ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَاِر، إنما أنتم بقريش وقريش بكم، ولو

_ [ () ] والإسلام ومن شجعانهم المقدمين، حمل راية بني خطمة من الأوس يوم فتح مكة، وعاش إلى خلافة علي بن أبي طالب، وشهد معه صفين، وقتل فيها سنة 37 هـ-. (الإصابة 2/ 278- 279، صفة الصفوة 1/ 293، الأعلام 2/ 305) . [1] في الأصل: (فقطبت) . [2] أسيد بن حضير الأنصاري: صحابي كان شريفا في الجاهلية والإسلام، يعد من عقلاء العرب وذوي الرأي فيهم، وكان يسمى الكامل، والكامل عندهم من أجاد الكتابة والعوم والرمي، شهد العقبة الثانية مع السبعين من الأنصار، وكان أحد النقباء الإثني عشر، وشهد أحدا فجرح سبع جراحات وثبت من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حين انكشف عنه الناس، وشهد الخندق والمشاهد كلها، وفي الحديث: (نعم الرجل أسيد بن الحضير) ، توفي في المدينة سنة 20 هـ-. (الإصابة 1/ 83، ابن سعد 3/ 135، تهذيب التهذيب 1/ 347، صفة الصفوة 1/ 201، الأعلام 1/ 330) . [3] في الأصل: (بشر بن سعد) وسيتكرر كذلك، وهو بشير بن سعد بن ثعلبة بن الجلاس الخزرجي الأنصاري، صحابي شهد بدرا واستعمله النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم على المدينة في عمرة القضاء، وكان يكتب بالعربية في الجاهلية وهو أول من بايع أبا بكر الصديق من الأنصار، وهو أبو النعمان بن بشير أول مولود للأنصار بعد الهجرة والذي كان واليا على حمص وعلى الكوفة زمن معاوية وابنه يزيد. وكان بشير مع خالد بن الوليد منصرفه من اليمامة، وقتل يوم عين التمر سنة 12 هـ-.

كَانَ مَا تَدَّعُونَ حَقًّا لَمَا أُعْرِضَ عَلَيْكُمْ فِيهِ، فَإِنْ قُلْتُمْ بِأَنَّا آوَيْنَا وَنَصَرْنَا، فَمَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا أُعْطِيتُمْ، فَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً، وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ 14: 28 [1] ، قَالَ: فَوَثَبَ عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ الأَنْصَارِيُّ [2] ، وَهُوَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ: فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَالله يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ 9: 108 [3] ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، إِنَّكُمْ أَوَّلُ مَنْ قَاتَلَ عَنِ الدِّينِ، فَلا تَكُونُوا أَوَّلَ مَنْ قَاتَلَ أَهْلَهُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْخِلافَةَ لا تَكُونُ إلا لأهل النبوّة، [2 ب] فَاجْعَلُوهَا [4] / حَيْثُ جَعَلَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّ لَهُمْ دَعْوَةَ النَّبِيِّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، قَالَ: ثُمَّ وَثَبَ مَعْنُ بْنُ عَدِيٍّ الأَنْصَارِيُّ [5] فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، إِنْ كَانَ هَذَا الأَمْرُ لَكُمْ مِنْ دُونَ قُرَيْشٍ فَخَبِّرُوهُمْ بِذَلِكَ حَتَّى يبايعوكم عليه، فإن كان

_ [ () ] (ابن سعد 3/ 531، تهذيب التهذيب 1/ 464، الإصابة 1/ 311- 312، تهذيب تاريخ ابن عساكر 3/ 261، شعر النعمان بن بشير ص 9، الأعلام 2/ 56) . [1] إبراهيم 28. [2] في الأصل الاسم محرف (عر عمر بن ساعدة) ، وهو عويم بن ساعدة بن عائش الأوسي الأنصاري، كان ممن شهد العقبة وبدرا وأحدا والمغازي، مات في خلافة عمر بن الخطاب، قيل لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: (من الذين قال الله تعالى فيهم رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا 9: 108 فقال: نعم المرء منهم عويم بن ساعدة) ، وكان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قد آخى بينه وبين عمر، وقيل: آخى بينه وبين حاطب بن أبي بلتعة، قال عمر: ما نصبت راية للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إلا وتحت ظلها عويم. (الإصابة 4/ 745- 746، السيرة النبوية 2/ 660، الطبري 3/ 206) . [3] التوبة 108، راجع الخبر في الطبري 3/ 206 وما بعدها. [4] في الأصل: (فجعلوها) . [5] معن بن عدي بن الجد بن العجلان الأنصاري، ذكره ابن إسحاق فيمن شهد أحدا وجرى ذكره في حديث عمر الطويل في شأن السقيفة، وفيه: لمّا توجه مع أبي بكر وأبي عبيدة، قال: فلقينا رجلان صالحان، قال عروة: أحدهما عويم بن ساعدة والآخر معن بن عدي، فبلغنا أن الناس بكوا على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقالوا: والله لوددنا أنّا متنا قبله، فإنا نخشى أن نفتن بعده، فقال معن بن عدي: لكني والله لا أحب أني مت قبله لأصدقه ميتا كما صدقته حيا، فقتل معن بن عدي يوم اليمامة شهيدا، وذكر الواقدي في كتاب الردة: أنه كان مع خالد بن الوليد في قتال أهل الردّة وأنه وجهه طليعة إلى اليمامة في مائتي فارس (الإصابة 6/ 190) .

لهم من دونكم، فسلّموه إليهم، فو الله مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ حَتَّى صَلَّى بِنَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَعَلِمْنَا أَنَّهُ قَدْ رَضِيَهُ لَنَا، لأَنَّ الصَّلاةَ عِمَادُ الدِّينِ، قَالَ: فَبَيْنَمَا الأَنْصَارُ كَذَلِكَ فِي الْمُحَاوَرَةِ، إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ [1] ، وَتَبِعَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَإِذَا بِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَدْ زُمِّلَ بِالثِّيَابِ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ مِنْ عِلَّةٍ كَانَ يَجِدُهَا فِي بَدَنِهِ، وَإِذَا بِقَوْمٍ مِنَ الأَنْصَارِ قَدْ أَحْدَقُوا بِهِ مَا يُرِيدُونَ بِهِ بَدَلا. قَالَ: فَقَعَدَ الْمُهَاجِرُونَ وَسَكَتُوا سَاعَةً لا يَتَكَلَّمُونَ بِشَيْءٍ، فَتَكَلَّمَ [ثَابِتُ بْنُ] [2] قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ الأَنْصَارِيُّ [3] ، وَكَانَ خَطِيبَ الأَنْصَارِ، لَمْ يَزَلْ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، لَقَدْ عَلِمْتُمْ وَعَلِمْنَا أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَعَثَ نَبِيَّهُ محمدا صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَكَانَ فِي بَدْءِ أَمْرِهِ مُقِيمًا بِمَكَّةَ عَلَى الأَذَى وَالتَّكْذِيبِ، لا يَأْمُرُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلا بِالْكَفِّ وَالصَّفْحِ الْجَمِيلِ، ثُمَّ أَمَرَهُ بعد ذلك

_ [1] أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري القرشي الأمير القائد الفاتح للديار الشامية، أحد العشرة المبشرين بالجنة، كان لقبه أمين الأمة، ولد بمكة وهو من السابقين إلى الإسلام وشهد المشاهد كلها، ولّاه عمر بن الخطاب قيادة الجيش الزاحف إلى الشام بعد خالد بن الوليد فتمّ له الفتح، توفي بطاعون عمواس ودفن في غور بيسان سنة 18 هـ. (الإصابة 3/ 586- 590، حلية الأولياء 1/ 100، البدء والتاريخ 5/ 87، ابن عساكر 7/ 157، صفة الصفوة 1/ 142، الأعلام 3/ 252) . [2] في الأصل: (قيس بن شماس) والصواب ابنه ثابت بن قيس، لأن قيس بن شماس مات في الجاهلية. انظر فيه الإصابة 6/ 561- 562، وسيرد الاسم صحيحا بعد. [3] ثابت بن قيس بن شماس الخزرجي الأنصاري، صحابي كان خطيب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، شهد أحدا وما بعدها من المشاهد، وفي الحديث: (نعم الرجل ثابت) ، ودخل عليه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو عليل، فقال: (أذهب الباس رب الناس عن ثابت بن قيس بن شماس) ، وخطب ثابت بن قيس مقدم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم المدينة فقال: نمنعك مما نمنع منه أنفسنا وأولادنا، فما لنا، قال: الجنة، قالوا: رضينا. قتل ثابت بن قيس يوم اليمامة شهيدا في خلافة أبي بكر سنة 12 هـ. (الإصابة 1/ 395- 396، صفة الصفوة 1/ 257، تهذيب التهذيب 2/ 12- 13، الأعلام 2/ 98) .

بِالْهِجْرَةِ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ الْقِتَالَ، وَنَقَلَهُ مِنْ دَارِهِ، فَكُنَّا أَنْصَارَهُ، وَكَانَتْ أَرْضُنَا مُهَاجَرَهُ وَقَرَارَهُ، ثُمَّ إِنَّكُمْ قَدِمْتُمْ عَلَيْنَا فَقَاسَمْنَاكُمُ الأَمْوَالَ وَكَفَيْنَاكُمُ الأَعْمَالَ، وَأَنْزَلْنَاكُمُ الدِّيَارَ، وَآثَرْنَاكُمْ بِالْمَرَافِقِ، فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ وَكَتِيبَةُ الإِسْلامِ، وَنَحْنُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فينا: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ 59: 9 [1] ، وَغَيْرَهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا لا يُنْكِرُهُ لَنَا مُنْكِرٌ، وَأُخْرَى، فَإِنَّكُمْ قَدْ عَلِمْتُمْ مَا ذَكَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِينَا مِنَ الْفَضَائِلِ الشَّرِيفَةِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ رَجُلا بِعَيْنِهِ، وَأَنْ مَا وَكَلَ النَّاسَ، إِنَّمَا وَكَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْجَامِعَةِ، وَاللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لا يَجْمَعُ هَذِهِ الأُمَّةَ عَلَى الضَّلالِ، فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ، وَلَنَا الإِمَامَةُ فِي النَّاسِ، فَهَاتُوا مَا عِنْدَكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، وَالسَّلامُ. قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مِنْ كَلامِهِ أَقْبَلَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: يَا ثَابِتُ، أَنْتُمْ لَعَمْرِي كَمَا وَصَفْتَ بِهِ قَوْمَكَ، لا يَدْفَعُهُمْ عَنْ ذَلِكَ دَافِعٌ/ وَنَحْنُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَهُّ عَزَّ وَجَلَّ فِينَا: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ الله وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ 59: 8 [2] ، فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَدْ أَكْرَمَكُمُ الله أن تكونوا الصادقين لقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ 9: 119 [3] ، وَأُخْرَى، فَإِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الْعَرَبَ لا تُقِرُّ بِهَذَا الأَمْرِ إِلا لِقُرَيْشٍ، لأَنَّهُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارًا، وَلَهُمْ دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، فَبَايِعُوا أَيَّهُمَا شئتم [4] .

_ [1] الحشر 9. [2] الحشر 8. [3] التوبة 119. [4] جاء الخبر مختصرا في الطبري 3/ 205- 206، وانظر السيرة النبوية 2/ 659، والكامل لابن الأثير 2/ 325 وما بعدها.

قَالَ: فَقَالَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، أَرَضِيتُمْ بِمَا يَقُولُهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالُوا: قَدْ رَضِينَا، فَقَالَ: يَا هَؤُلاءِ، لَيْسَ يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَنْسُبُوا أَبَا بَكْرٍ لِلْعِصْيَانِ لِرَسُولِهِ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: وَكَيْفَ ذَلِكَ، فَقَالَ: لأَنَّكُمْ ذَكَرْتُمْ أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ اخْتَارَهُ وَرَضِيَ لَكُمْ فِي حَيَاتِهِ، فَقَدَّمَهُ لِلصَّلاةِ وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ إِلا وَقَدِ اسْتَخْلَفَهُ عَلَيْكُمْ، فَقَدْ عَصَى أَبُو بَكْرٍ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِإِخْرَاجِ نَفْسِهِ مِنَ الْخِلافَةِ، وَقَوْلُهُ: قَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، فَكَيْفَ لَكُمَا قُدْوَةُ هَذَيْنِ [1] ، وَقَدِ اخْتَارَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَفَضَّلَهُ عَلَيْهِمَا، وَلَعَلَّكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ أَنْتُمُ الَّذِينَ عَصَيْتُمُ اللَّهَ فِي شَهَادَتِكُمْ عَلَى نَبِيِّكُمْ أَنَّهُ اسْتَخْلَفَ أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: لَقَدْ عَلِمْتُمْ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ عَبَدَ اللَّهَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ وَآمَنَ برسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَوْلِيَاؤُهُ وَعَشِيرَتُهُ، وَهُمْ أَحَقُّ النَّاسِ مِنْ بَعْدِهِ بِهَذَا الأَمْرِ، فلا يُنَازِعُهُمْ فِي ذَلِكَ إِلا ظَالِمٌ مُعْتَدٍ، وَأَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، فَلَسْنَا نُنْكِرُ فَضْلَكُمْ وَلا سَبْقَكُمْ فِي الإِسْلامِ، سَمَّاكُمُ اللَّهُ أَنْصَارَ الدِّينِ، وَجَعَلَ إِلَيْكُمُ الْهِجْرَةَ، فَلَيْسَ أَحَدٌ بَعْدَ الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ أَعَزَّ عَلَيْنَا منكم، ونحن الأمراء وأنتم الوزراء، ولا تفتاتون [2] بِمَشُورَةٍ، وَلا تُقْضَى دُونَكُمُ الأُمُورُ، قَالَ: فَوَثَبَ الحباب بن المنذر بن الجموح الأنصاري [3] ، وصاحب فِي بَنِي عَمِّهِ صَيْحَةً، ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، انْظُرُوا لا تُخْدَعُوا عَنْ حَقِّكُمْ، فو الله مَا عُبِدَ [4] اللَّهُ عَلانِيَةً إِلا فِي بِلادِكُمْ، وَلا اجْتَمَعَتِ الصَّلاةُ إِلا فِي مَسَاجِدِكُمْ، وَلا دانت العرب

_ [1] في الأصل: (قدوة اللتين) ، وسيرد قوله في الصفحة 4 ب: (أيها شئتم فبايعوا) . [2] كذا في الأصل، وفي كامل ابن الأثير 2/ 329: (لا تفاوتون) . [3] في الأصل: (الخباب بن المنذر) بالخاء المعجمة، وقد تكرر ذلك. وهو الحباب بن المنذر بن الجموح بن زيد الخزرجي، صحابي من الشعراء الشجعان، يقال له: ذو الرأي، وهو صاحب المشورة يوم بدر، أخذ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم برأيه، ونزل جبريل فقال: الرأي ما قال حباب، وهو الذي قال في السقيفة عند بيعة أبي بكر: (أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب، فذهبت مثلا) ، توفي في خلافة عمر بن الخطاب سنة 20 هـ-. (الكامل في التاريخ 2/ 330، الإصابة 2/ 10، ثمار القلوب ص 230، الأعلام 2/ 163) . [4] في الأصل: (ما أعبد) .

بِالإِيمَانِ إِلا بِأَسْيَافِكُمْ، فَأَنْتُمُ الْيَوْمَ أَعْظَمُ نَصِيبًا فِي الدِّينِ، وَفَضِيلَةً فِي الإِسْلامِ، وَأَنْتُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِهَذا الأَمْرِ، فَإِنْ أَبَى هَؤُلاءِ الْقَوْمُ ما نقول، فمنا أمير ومنكم أمير. [3 ب] قَالَ: فَوَثَبَ أُسَيْدُ/ بْنُ حُضَيْرٍ، وَبَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ الأَنْصَارِيَّانِ، فَقَالا: بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا حُبَابُ، وَلَيْسَ هَذَا بِرَأْيٍ أَنْ يَكُونَ أَمِيرَانِ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ، أَحَدُهُمَا يُخَالِفُ لِصَاحِبِهِ، فَقَالَ الْحُبَابُ: وَاللَّهِ يَا أُسَيْدُ وَيَا بَشِيرُ بْنَ سَعْدٍ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إِلا عِزَّكُمَا، فَإِذَا قَدْ أَبَيْتُمَا فَإِنِّي مَعَكُمَا، فَإِنْ أَتَى مَا يَكْرَهُونَ قَدِمْنَا عَلَى هَذَيْنِ مُهَاجِرِينَ فلكما، ثُمَّ أَنْشَأَ حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ يَقُولُ [1] : (مِنَ الطَّوِيلِ) 1- سَعَى ابْنُ حُضَيْرٍ فِي الْفَسَادِ لِحَاجَةٍ ... وَأَسْرَعُ مِنْهُ فِي الْفَسَادِ بَشِيرُ 2- يَظُنَّانِ أَنَّا قَدْ أَتَيْنَا عَظِيمَةً ... وَخَطْبُهُمَا فِيمَا يُرَادُ صَغِيرُ 3- وَمَا صَغُرَا إِلا لِمَا كَانَ مِنْهُمَا ... وَخَطْبُهُمَا لَوْلا الْفَسَادُ كَبِيرُ 4- وَلَكِنَّهُ مَنْ لا يُرَاقِبُ قَوْمَهُ ... قليل ذليل ما علمت حقير 5- فيا ابن حُضَيْرٍ وَابْنَ سَعْدٍ كِلاكُمَا ... بِتِلْكَ الَّتِي تَعْنِي الرِّجَالُ خَبِيرُ 6- أَلَمْ تَعْلَمَا للَّه دَرُّ أَبِيكُمَا ... وَمَا النَّاسُ إِلا أَكْمَهٌ وَبَصِيرٌ 7- بِأَنَّا وَأَعْدَاءُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ ... أُسُودٌ لَهَا فِي الْغَابَتَيْنِ زَئِيرُ [2] 8- نَصَرْنَا وَآوَيْنَا النَّبِيَّ وَمَا لَهُ ... سِوَانَا مِنْ أَهْلِ الْمِلَّتَيْنِ نَصِيرُ 9- فَدَيْنَاهُ بِالأَبْنَاءِ مِنْهُمْ دِمَاؤُنَا ... وَأَمْوَالُنَا وَالْمُشْرِكُونَ كَثِيرُ 10- فَكُنَّا لَهُ فِي كُلِّ أَمْرٍ يُرِيدُهُ ... سِهَامًا صِيَابًا ضَيْمُهُنَّ حَظِيرُ [3] 11- فَمَنْ ذَا الَّذِي أَوْلَى بِهَا مِنْ مَعَاشِرٍ ... هُمُ هكذا إذ مخ جند وزير [4]

_ [1] جاءت الأبيات: 6، 7، 8، في الإصابة 2/ 10 في ترجمة حباب بن المنذر. [2] في الإصابة: (في العالمين زئير) . [3] في الأصل: (حضير) ، وصوابها (حظير) أي محظور وهو الممنوع والمحرم. [4] كذا الشطر بالأصل، ولم أهتد لصوابه.

12- فَكَانَ عَظِيمًا أَنَّنِي قُلْتُ: مِنْهُمُ ... أَمِيرٌ وَمِنَّا يَا بَشِيرُ أَمِيرُ فَلَمَّا فَرَغَ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ شِعْرِهِ، أَقْبَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: نَعَمْ يَا حُبَابُ، لَقَدْ قُلْتَ عَظِيمًا، لأَنَّهُ لا يَجْتَمِعُ فِي غِمْدٍ سَيْفَانِ، وَالْعَرَبُ لا تَرْضَى أَنْ يُؤَمِّرُوكُمْ [1] وَنَبِيُّهَا مِنْ غَيْرِكُمْ، وَلَكِنْ يُؤَمِّرُونَ [2] مَنْ كَانَتِ النُّبُوَّةُ فِيهِمْ، وَفِي الَّذِي قُلْتَ يَا حُبَابُ فَسَادٌ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا جَمِيعًا، اللَّهُ وَاحِدٌ، وَالإِسْلامُ وَاحِدٌ، وَالدِّينُ وَاحِدٌ، وَلا تَصْلُحُ الأُمُورُ وَالأَشْيَاءُ إِلا عَلَى وَاحِدٍ، لأَنَّهُ إِنْ جَرَى الْيَوْمَ إِمَامَانِ، جَرَى غَدًا إِمَامَانِ، وَلا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الإِسْلامُ إِلا وَاحِدًا، فاتَّق اللَّهَ وَسَلِّمُوا هَذَا الأَمْرَ لِمَنْ تَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ مِنْ قُرَيْشٍ. قَالَ: فَقَالَ حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، لا تَلْتَفِتُوا إِلَى كَلامِ هَذَا وَأَصْحَابِهِ فَيَذْهَبُ نَصِيبُكُمْ مِنْ هَذَا الأَمْرِ، وَإِنْ أَبَى عَلَيْكُمْ هَؤُلاءِ فَأَجْلُوهُمْ عَنِ الْمَدِينَةِ/ وَتَوَلَّوْا عَلَيْهِمْ هَذِهِ الأُمُورَ [3] ، فَقَدْ علمت العرب عزكم ومنعتكم في [4 أ] الجاهلية والإسلام، وو الله لا يَرُدُّ أَحَدٌ عَلَيَّ بَعْدَ هَذَا إِلا خَطَمْتُ أَنْفَهُ بِالسَّيْفِ، فَقَالَ عُمَرُ: إِذَنْ يَقْتُلُكَ اللَّهُ يَا حُبَابُ [4] ، فَقَالَ الْحُبَابُ: بَلْ إِيَّاكَ يَقْتُلُ يَا عُمَرُ، [فَقَالَ عُمَرُ:] [5] لَقَدْ عَلِمَتِ الْعَرَبُ قَاطِبَةً أَنَّكُمْ أَنْصَارُ اللَّهِ، وَأَنْصَارُ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَأَنْتُمْ إِخْوَانُنَا فِي الإِسْلامِ، وشركاؤنا في الدين، وو الله مَا كُنَّا قَطُّ فِي خَيْرٍ وَلا شَرٍّ إِلا وَكُنْتُمْ مَعَنَا فِيهِ، وَأَنْتُمْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْنَا، وَأَكْرَمُ الْخَلْقِ عَلَيْنَا، وَأَنْتُمُ الْمُؤْثِرُونَ عَلَى أنفسهم في الخصاصة [6] ، وو الله ما زلتم تؤثرون إخوانكم من

_ [1] في الأصل: (يأمروكم) . [2] في الأصل: (يأمرون) . [3] انظر الكامل لابن الأثير 2/ 330. [4] في الأصل: (يا حمار) والكلمة تحريف عن حباب، كما في بقية المصادر. [5] ما بين العضادتين زيادة يقتضيها السياق، راجع جمهرة خطب العرب 1/ 176. [6] يشير إلى الآية الكريمة التي نزلت في حق الأنصار: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ، وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ، وَمن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 59: 9 [الحشر 9] .

الْمُهَاجِرِينَ بِأَمْوَالِكُمْ مُنْذُ كُنْتُمْ، وَقَدْ يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ لا يَكُونَ اخْتِلافُ هَذِهِ الأُمَّةِ وَانْتِقَاضِهَا عَلَى أَيْدِيكُمْ، وَأُخْرَى فَإِنَّهُ لَيْسَ يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَحْسِدُوا إِخْوَانَكُمْ عَلَى خَيْرِ سَاقِهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ سَعْدًا لا يَصْلُحُ لَهَا. قَالَ ثَابِتٌ: بَلَى يَا عُمَرُ، سَعْدٌ لَهَا أَصْلَحُ مِنْ غَيْرِهِ وَأَوْلَى بِهَا، لأَنَّ الدَّارَ دَارُهُ، وَأَنْتُمْ نَازِلُونَ عَلَيْهِ، قَالَ: ثُمَّ وَثَبَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ [1] : (مِنَ الْبَسِيطِ) 1- لا تنكرنَّ قُرَيْشٌ فَضْلَ صَاحِبِنَا ... سَعْدٍ فَمَا فِي مَقَالِي الْيَوْمَ مِنْ أَوَدِ [2] 2- قَالَتْ قُرَيْشٌ لَنَا السُّلْطَانُ دُونَكُمُ ... لا يَطْمَعُ الْيَوْمَ فِي ذَا الأَمْرِ مِنْ أَحَدِ [3] 3- قُلْنَا لَهُمْ بَرْهِنُوا حَقًّا فَنَتَّبِعَهُ [4] ... لَسْنَا نُرِيدُ سِوَاهُ آخِرَ الأَبَدِ 4- إِنْ كَانَ عِنْدَكُمُ عَهْدٌ لَهُ سَبَبٌ [5] ... بَعْدَ الرَّسُولِ فَمَا قُلْنَاهُ بِالْفَنَدِ [6] 5- أَوْ لا يَكُنْ عِنْدَكُمْ عَهْدٌ فإنَّ لَهُ ... أَصْحَابَ بَدْرٍ وَأَهْلَ الشِّعب من أحد [7]

_ [1] القطعة في ديوان حسان ص 463 تحقيق وليد عرفات ط بيروت 1974، والحور العين- الحميري ص 214 تحقيق كمال مصطفى ط مصر 1948. [2] في الأصل: (لأشكرن قريشا) . في الديوان والحور العين: (وما في مقالي) . [3] الديوان والحور العين: (لا تطمعن بهذا الأمر) . [4] في الديوان: (قلنا لهم ثوروا حقا فنتبعه) . [5] في الأصل: (عهد فان له) وكتب فوقها (له سبب) ، والوهم متأت من البيت بعده. في الديوان والحور العين: (عهد فيظهر لي) . [6] في الديوان: (إن كان عندكم عهد فيظهر لي ... أشياخ بدر وأهل الشعب من أحد) [7] الشعب: هو شعب أحد، وأصل الشعب: الطريق في الجبل، وما انفرج بين جبلين فهو شعب، وقد نزل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في معركة أحد عند الشعب وجعل ظهره إلى أحد، وقال: (لا يقاتلن أحد منكم حتى نأمره بالقتال) . (السيرة النبوية 2/ 65، ياقوت: الشعب) .

6- نَحْنُ الَّذِينَ ضَرَبْنَا النَّاسَ عَنْ عَرَضٍ ... حَتَّى اسْتَقَامُوا وَكَانُوا بَيْضَةَ الْبَلَدِ [1] 7- فِي كُلِّ يَوْمٍ لَنَا أَمْرٌ نَفُوزُ بِهِ ... أَعْطَى الإِلَهُ عَلَيْهِ جَنَّةَ الْخُلُدِ [2] 8- لَسْتُمْ بِأَوْلَى بِهَا [3] مِنَّا لأنَّ لنا ... وسط المدينة فضل (ال-) عزّ وَالْعَدَدِ [4] 9- وإنَّنا يَوْمَ بِعْنَا اللَّهَ أَنْفُسَنَا ... لَمْ يَبْقَ خَوْفٌ عَلَى مَالٍ وَلا وَلَدِ [5] 10- وَالنَّاسُ حَرْبٌ لَنَا وَالنَّاسُ كُلُّهُمُ ... مِثْلُ الثَّعَالِبِ تَخْشَى صَوْلَةَ الأَسَدِ [6] قَالَ: وَضَجَّ الْمُهَاجِرُونَ، وَضَجَّتِ الأَنْصَارُ، حَتَّى هَمَّ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، قَالَ: فَوَثَبَ مَعْنُ بْنُ عَدِيٍّ الأَنْصَارِيُّ فَسَكَّنَ النَّاسَ، ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، وَاللَّهِ مَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ أَعَزُّ عَلَيْنَا مِنْكُمْ، وَلَكِنَّا نَخَافُ مَا يَكُونُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ أَقْرَبُ إِلَى الْعَدْلِ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ/ وَهُوَ يَقُولُ: (الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ وَلا [4 ب] يَكُونُ هَذَا إِلا فِيهِمْ) [7] ، فَقَالَ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ الأَنْصَارِيُّ: بَلَى وَاللَّهِ قَدْ سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ قَوْمَهُ أولوا الإِمَارَةِ مِنْ بَعْدِه، وَايْمُ اللَّهِ لا يَرَانِي اللَّهُ وَأَنَا أُنَازِعُهُمْ هَذَا الأَمْرَ، فَاتَّقُوا اللَّهَ [8] يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، وَلا تُخَالِفُوهُمْ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَحْسَنْتَ رَحِمَكَ اللَّهُ وَجَزَاكَ عَنِ الإِسْلامِ خَيْرًا، إِنِّي لَسْتُ أُرِيدُ هَذَا الأَمْرَ، هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) [9] أَيَّهُمَا شئتم فبايعوا.

_ [1] بيضة البلد: مثل يضرب لمن لا يعبأ به، وقد يراد بها المدح، والبلد: أدحى النعام. (مجمع الأمثال 1/ 97، جمهرة الأمثال 1/ 231، فصل المقال ص 487، اللسان: بلد) . [2] الديوان والحور العين: (يعطي الإله) . [3] الديوان والحور العين: (بأولى به منا) . [4] في الأصل: (فضل عز والعدد) ، وبإضافة (ال-) يستقيم البيت. [5] في الديوان والحور العين: (لم نبد خوفا) . [6] الديوان والحور العين: (في الله كلهم) ، (تغشى غابة الأسد) . [7] الحديث في مسند أحمد بن حنبل 3/ 129، 183، 4/ 421. [8] في الأصل: (فاتق) . [9] ما بين القوسين من كلام المؤلف وليس من كلام أبي بكر.

فَقَالَ عُمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: لا يَتَوَلَّى هَذَا الأَمْرَ أَحَدٌ سِوَاكَ أَنْتَ أَفْضَلُ الْمُهَاجِرِينَ، وَثَانِيَ اثْنَيْنِ فِي الْغَارِ، وَخَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ عَلَى الصَّلاةِ، فَمَنْ ذَا الَّذِي يَتَقَدَّمُكَ وَيَتَوَلَّى هَذَا الأَمْرَ عَلَيْكَ، ابْسُطْ يَدَكَ حَتَّى نُبَايِعَكَ. فَقَالَ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ الأَنْصَارِيُّ: وَاللَّهِ مَا يُبَايِعُهُ أَحَدٌ قَبْلِي، ثُمَّ تَقَدَّمَ بَشِيرٌ فَصَفَّقَ عَلَى يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ بِالْبَيْعَةِ، فَقَالَ لَهُ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ: يَا بَشِيرُ، مَا الَّذِي أَحْوَجَكَ إِلَى مَا صَنَعْتَ، أَنَفِسْتَ عَلَى ابْنِ عَمِّكَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَنْ يَكُونَ أَمِيرًا، فَقَالَ بَشِيرٌ: لا وَاللَّهِ وَلَكِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُنَازِعَ قَوْمًا حَقًّا جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُمْ دُونِي، قَالَ: فَضَرَبَ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ يَدَهُ إِلَى سَيْفِهِ فَاسْتَلَّهُ مِنْ غِمْدِهِ وَهَمَّ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا، فَبَادَرَتْ إِلَيْهِ الأَنْصَارُ فَأَخَذُوا بِيَدِهِ وَسَكَّنُوهُ، فَقَالَ: أَتُسَكِّنُونِي وَقَدْ فَعَلْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ، أَمَا وَاللَّهِ وَكَأَنِّي بِأَبْنَائِكُمْ وَقَدْ وَقَفُوا عَلَى أَبْوَابِهِمْ يَسْأَلُونَ النَّاسَ الْمَاءَ فَلا يُسْقَوْنَ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَمَتَى تَخَافُ ذَلِكَ يَا حُبَابُ، فَقَالَ: إِنِّي لَسْتُ أَخَافُ مِنْكَ، وَلَكِنْ أَخَافُ مَنْ يَأْتِي مِنْ بَعْدِكَ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ وَرَأَيْتَ مَا لا تُحِبُّ فَالأَمْرُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إِلَيْكَ. فَقَالَ الحباب: هيهات يا أبابكر، مِنْ أَيْنَ يَكُونُ ذَلِكَ إِذَا مَضَيْتُ أَنَا وَأَنْتَ وَجَاءَنَا قَوْمٌ مِنْ بَعْدُ، يَسُومُونَ أَبْنَاءَنَا سُوءَ الْعَذَابِ؟ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ. قَالَ: وَتَتَابَعَ الأَنْصَارُ بِالْبَيْعَةِ لأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَانْكَسَرَتِ الْخَزْرَجُ خَاصَّةً، لِمَا كَانُوا عَزَمُوا عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ صَاحِبِهِمْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَأَنْشَأَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ [1] يَقُولُ: (مِنَ الْكَامِلِ) 1- رُدِّي الْمُشَطَّبَ فِي الْقِرَابِ نَوَارُ ... تَرَكَ اللَّجَاجَ وَبَايَعَ الأَنْصَارُ 2- قَوْمٌ هُمُ نَصَرُوا الرَّسُولَ مُحَمَّدًا ... وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ به كفّار

_ [1] الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي، صحابي، وهو أخو أبي جهل، كان شريفا في الجاهلية والإسلام، شهد بدرا مع المشركين فانهزم فعيّره حسان بن ثابت بأبيات فاعتذر بأبيات هي أحسن ما قيل في الاعتذار من الفرار، وشهد أحدا مشركا، أسلم يوم فتح مكة وخرج في أيام عمر بأهله وماله من مكة إلى الشام، فلم يزل مجاهدا بالشام إلى أن مات في طاعون عمواس سنة 18 هـ-. (الإصابة 1/ 605، الاستيعاب 1/ 307، ابن عساكر 4/ 5 ثمار القلوب 1/ 97) .

3- بَذَلُوا النُّفُوسَ وَقَاسَمُوا أَمْوَالَهُمْ ... فَلَنَا دِيَارٌ مِنْهُمُ وعقار/ [5 أ] 4- زلفوا بسعد للخلافة بعد ما ... صَغَتِ الْقُلُوبُ وَزَاغَتِ الأَبْصَارُ 5- يَا سَعْدُ سَعْدُ بَنِي عُبَادَةَ خَلِّهَا ... عَفْوًا وَلا يَكُ حَظَّكَ الإِكْثَارُ 6- إنَّ الَّتِي مَنَّتْكَ نَفْسُكَ خَالِيًا ... عَارٌ عَلَيْكَ وَفِي مُنَاكَ بَوَارُ 7- إِنَّ الْخِلافَةَ فِي قُرَيْشٍ دُونَكُمْ ... وَلَكُمْ مَحِلٌّ بَيْنِنَا وَالدَّارُ 8- وَإِلَيْكُمُ كَانَ الْمَهَاجَرُ وَالَّذِي ... سَبَقَتْ إِلَيْهِ الأَوْسُ وَالنَّجَّارُ [1] 9- وَالْخَزْرَجِيُّونَ الَّذِينَ رِمَاحُهُمْ ... سُمُّ الْعَدُوِّ وَفِيهِمُ الأَخْيَارُ 10- وَهُمُ الْحُمَاةُ إِذَا الْحُرُوبُ تَضَرَّمَتْ ... وَهُمُ الْكُفَاةُ السَّادَةُ الأَحْرَارُ [2] قَالَ: فَازْدَحَمَ النَّاسُ بِالْبَيْعَةِ عَلَى أبي بكر، حتى كادوا أن يطأوا سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ بِأَرْجُلِهِمْ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا هَؤُلاءِ، اتَّقُوا سَعْدًا فَإِنَّهُ عَلِيلٌ، شَدِيدُ الْعِلَّةِ، فَأَنْشَأَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ يَقُولُ [3] : (مِنَ الْكَامِلِ) 1- شُكْرًا لِمَنْ هُوَ بِالثَّنَاءِ حَقِيقٌ ... ذَهَبَ اللَّجَاجُ وَبُويِعَ الصِّدِّيقُ 2- مِنْ بَعْدِ مَا دَحَضَتْ بِسَعْدٍ فِعْلَةٌ ... وَرَجَا رَجَاءً دُونَهُ الْعَيُّوقُ 3- حَفَّتْ بِهِ الأَنْصَارُ عَاصِبَ رَأْسِهِ ... فَنَهَاهُمُ [4] الصِّدِّيقُ وَالْفَارُوقُ 4- وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَالَّذِينَ إِلَيْهِمُ ... نَفْسُ الْمُؤَمِّلِ لِلْبَقَاءِ تَتُوقُ 5- فَتَدَارَكُوهَا بِالصَّوَابِ فَبَايَعُوا ... شَيْخًا لَهُ فِي رَأْيِهِ تَحْقِيقُ 6- مِنْ بَعْدِ مَا نَظَمُوا لسعد أمره ... لم يخط مثل خطاهم [5] مخلوق

_ [1] أراد بالنجار: الخزرج من بني النجار، اضطرته إلى ذلك القافية. [2] في الأصل: (الكفات سادات الأحرار) ، ولا يستقيم بها الشطر. [3] الشاعر هو: أبو عبرة القرشي، راجع شرح نهج البلاغة 6/ 8، وشعر المخضرمين وأثر الإسلام فيه ص 306. [4] في الأصل: (فأنهاهم) . [5] في الأصل: (خطاتهم) .

7- إِنَّ الْخِلافَةَ فِي قُرَيْشٍ مَا لَهُمْ ... فِيهَا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ تَفْرُوقُ [1] قَالَ: وَأَقْبَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ [2] ، حَتَّى وَقَفَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، إِنَّكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مَا ذَكَرْتُمْ مِنَ الْفَضْلِ وَالشَّرَفِ والنصرة، فو الله لا يُنْكَرُ لَكُمْ ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِيكُمْ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَلا عُثْمَانَ وَلا أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْكُمْ أَنْ تُسَوُّوا فِي الْفَضْلِ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْكُمْ، فقال له زيد بن الأرقم الأنصاري: يا ابن عَوْفٍ، إِنَّا لا نُنْكِرُ فَضْلَ مَنْ ذَكَرْتَ، وَإِنَّ مِنَّا لَسَيِّدَ الْخَزْرَجِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، وَمِنَّا سَيِّدَ الأَوْسِ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ (الَّذِي) اهْتَزَّ الْعَرْشُ لِمَوْتِهِ، وَمِنَّا أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ [3] أَقْرَأُ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَمِنَّا مَنْ يَجِيءُ إِمَامَ الْعُلَمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ [4] ، وَمِنَّا أفرض أهل دهره زيد بن

_ [1] كذا بالأصل: (تفروق) لعله (الفرق) وهو مكيال صغير، أي ليس لهم شيء، ولعله أراد بالتفروق (المفارقة) أي أن الخلافة لا تفارق قريشا فهي مجتمعة لهم. [2] عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث الزهري القرشي، صحابي أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين جعل عمر الخلافة فيهم، وأحد السابقين إلى الإسلام، كان جوادا شجاعا عاقلا، شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها وجرح يوم أحد إحدى وعشرون جراحة، كانت حرفته التجارة، واجتمعت له ثروة كبيرة أنفق الكثير منها في سبيل الله، توفي في المدينة سنة 32 هـ-. (صفة الصفوة 1/ 135، حلية الأولياء 1/ 98، تاريخ الخميس 2/ 257، البدء والتاريخ 5/ 86، الإصابة 4/ 246- 250، الأعلام 3/ 321) . [3] أبيّ بن كعب بن قيس بن عبيد، من بني النجار من الخزرج، صحابي من الأنصار، كان حبرا من أحبار اليهود قبل الإسلام مطّلعا على الكتب القديمة، ولما أسلم كان من كتاب الوحي، شهد مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها، وكان يفتي على عهده، وهو الذي كتب كتاب الصلح لأهل بيت المقدس زمن عمر، اشترك في جمع القرآن زمن عثمان، له في الصحيحين وغيرهما 164 حديثا، وفي الحديث: (أقرأ أمتي أبيّ بن كعب) ، توفي بالمدينة سنة 21 هـ-. (طبقات ابن سعد 3/ 2/ 59، غاية النهاية 1/ 31، صفة الصفوة 1/ 188، حلية الأولياء 1/ 250، الأعلام 1/ 82) . [4] معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي، صحابي كان أعلم الأمة بالحلال والحرام، وهو أحد الستة الذين جمعوا القرآن على عهد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، شهد العقبة وبدرا

ثَابِتٍ [1] ، وَمِنَّا مَنْ حَمَتْهُ الدُّبُرُ خُبَيْبَ بْنَ عَدِيٍّ [2] ، وَمِنَّا غَسِيلَ الْمَلائِكَةِ حَنْظَلَةَ بْنَ أَبِي عَامِرٍ [3] ، وَمِنَّا مَنْ أَمْضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ شَهَادَتَهُ بِشَهَادَتَيْنِ خُزَيْمَةَ بْنَ ثَابِتٍ، وَغَيْرَ هَؤُلاءِ مِمَّنْ لا يَخْفَى عَلَيْكَ أَمْرُهُ مِمَّنْ يَطُولُ عَلَيْنَا ذِكْرُهُمْ وَصَنِيعُهُمْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، يا ابن عَوْفٍ، لَوْلا أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرُهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ اشتغلوا بدفن النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَبِحُزْنِهِمْ عَلَيْهِ فَجَلَسُوا فِي مَنَازِلِهِمْ، مَا طمع

_ [ () ] وأحدا والخندق والمشاهد كلها، بعثه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بعد غزوة تبوك قاضيا ومرشدا لأهل اليمن، وعاد إلى المدينة في عهد أبي بكر، وكان في الشام مجاهدا مع أبي عبيدة بن الجراح، توفي بناحية الأردن بطاعون عمواس سنة 18 هـ-. (طبقات ابن سعد 3/ 2/ 120، الإصابة 6/ 136- 138، أسد الغابة 4/ 376، حلية الأولياء 1/ 228، صفة الصفوة 1/ 195، الأعلام 7/ 258) . [1] زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري الخزرجي، صحابي أحد كتّاب الوحي، ولد بالمدينة ونشأ بمكة، هاجر مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو ابن إحدى عشرة سنة، تفقّه في الدين فكان رأسا بالمدينة في القضاء والفتوى والقراءة والفرائض، وكان عمر يستخلفه على المدينة إذا سافر، كان أحد الذين جمعوا القرآن في عهد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من الأنصار، وعرضه عليه، وهو أحد الذين أوكل إليهم عثمان كتابة المصحف حين جهّز المصاحب إلى الأمصار، توفي سنة 45 هـ-. (صفة الصفوة 1/ 294، غاية النهاية 1/ 296، تهذيب التهذيب 3/ 399، الإصابة 2/ 592- 595، الأعلام 3/ 57) . [2] خبيب بن عدي بن مالك بن عامر الأنصاري الأوسي، شهد بدرا واستشهد في عهد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، بعثه النبي مع رهط إلى مشركي مكة فظفر بهم المشركون، وباعوه هو وزيد بن الدثنة بمكة واشتراه بنو الحارث بن عامر فقتلوه صبرا، وهو القائل عندها: ولست أبالي حين أقتل مسلما ... على أي جنب كان في الله مصرعي وكان مقتله في السنة الرابعة من الهجرة. (السيرة النبوية 2/ 172- 183، تاريخ ابن الأثير 2/ 167- 168، الإصابة 2/ 262- 263) . [3] حنظلة بن أبي عامر بن صيفي بن مالك الأنصاري الأوسي المعروف بغسيل الملائكة، استشهد يوم أحد، قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: (إن صاحبكم تغسله الملائكة، فاسألوا صاحبته، فقالت: خرج وهو جنب لما سمع الهيعة، فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: لذلك تغسله الملائكة، قتله شداد بن الأسود بن شعوب الليثي سنة 3 هـ-. (الإصابة 2/ 137، السيرة النبوية 2/ 75) .

[5 ب] فِيهَا مَنْ طَمِعَ، فَانْصَرِفْ/ وَلا تُهِجْ عَلَى أَصْحَابِكَ مَا لا تَقُومُ لَهُ، قَالَ: فَانْصَرَفَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَخَبَّرُه بِمَا كَانَ مِنْ مَقَالَتِهِ لِلأَنْصَارِ، وَبِرَدِّهِمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: لَقَدْ كُنْتَ غَنِيًّا عَنْ هَذَا، أَنْ تَأْتِيَ قَوْمًا قَدْ بَايَعُوا وَسَكَتُوا فَتَذْكُرَ لَهُمْ مَا قَدْ مَضَى. قَالَ: ثُمَّ أَرْسَلَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عَلِيٍّ فَدَعَاهُ، فَأَقْبَلَ وَالنَّاسُ حُضُورٌ، فَسَلَّمَ وَجَلَسَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: لِمَ دَعَوْتَنِي، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: دَعَوْنَاكَ لِلْبَيْعَةِ الَّتِي قَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا هَؤُلاءِ، إِنَّمَا أَخَذْتُمْ هَذَا الأَمْرَ مِنَ الأَنْصَارِ بِالْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، وَالْقَرَابَةِ لأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لأَنَّكُمْ زَعَمْتُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مِنْكُمْ، فَأَعْطُوكُمُ الْمَقَادَةَ وَسَلَّمُوا إِلَيْكُمُ الأَمْرَ، وَأَنَا أَحْتَجُّ عَلَيْكُمْ بِالَّذِي احْتَجَجْتُمْ بِهِ عَلَى الأَنْصَارِ، نَحْنُ أَوْلَى بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ حَيًّا وَمَيِّتًا، لأَنَّا أَهْلُ بَيْتِهِ، وَأَقْرَبُ الْخَلْقِ إِلَيْهِ، فَإِنْ كُنْتُمْ تَخَافُونَ اللَّهَ فَانْصِفُونَا، وَاعْرِفُوا لَنَا فِي هَذَا الأَمْرِ مَا عَرَفَتْهُ لَكُمُ الأَنْصَارُ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّكَ أَيُّهَا الرَّجُلُ لَسْتَ بِمَتْرُوكٍ، أَوْ تُبَايِعُ كَمَا بَايَعَ غَيْرُكَ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِذَنْ لا أَقْبَلُ مِنْكَ ولا أبايع من أنا أحق [با] لبيعة [1] مِنْهُ. فَقَالَ لَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ: وَاللَّهِ يَا أَبَا الْحَسَنِ إِنَّك لَحَقِيقٌ لِهَذَا الأَمْرِ لِفَضْلِكَ وَسَابِقَتِكَ وَقَرَابَتِكَ، غَيْرَ أَنَّ النَّاسَ قَدْ بَايَعُوا وَرَضُوا بِهَذَا الشَّيْخِ، فَارْضَ بِمَا رَضِيَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: يَا أَبَا عُبَيْدَةَ [2] ، أَنْتَ أَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ، فَاتَّقِ اللَّهَ فِي نَفْسِكَ، فَإِنَّ هَذَا الْيَوْمَ لَهُ مَا بَعْدَهُ مِنَ الأَيَّامِ، وَلَيْسَ يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تُخْرِجُوا سُلْطَانَ مُحَمَّدٍ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مِنْ دَارِهِ وَقَعْرِ بَيْتِهِ، إِلَى دُورِكُمْ وَقُعُورِ بُيُوتِكُمْ، فَفِي بُيُوتِنَا نَزَلَ الْقُرْآنُ، وَنَحْنُ مَعْدِنُ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ وَالدِّينِ وَالسُّنَّةِ وَالْفَرَائِضِ، وَنَحْنُ أَعْلَمُ بِأُمُورِ الْخَلْقِ مِنْكُمْ، فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى فَيَكُونَ نَصِيبُكُمُ الأَخَسَّ. قَالَ: فَتَكَلَّمَ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَسَنِ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ هَذَا الْكَلامَ سَمِعَهُ النَّاسُ مِنْكَ قَبْلَ الْبَيْعَةِ لَمَا اخْتَلَفَ عَلَيْكَ رَجُلانِ، ولبايعك

_ [1] في الأصل: (أحق لبيعة) . [2] في الأصل: (أبا عبيد) .

النَّاسُ كُلُّهُمْ، غَيْرَ أَنَّكَ جَلَسْتَ فِي مَنْزِلِكَ وَلَمْ تَشْهَدْ هَذَا الأَمْرَ، فَظَنَّ النَّاسُ أَنَّ لا حَاجَةَ لَكَ فِيهِ، وَالآنَ فَقَدْ سَبَقَتِ الْبَيْعَةُ لِهَذَا الشَّيْخِ، وَأَنْتَ عَلَى رَأْسِ أَمْرِكَ، قَالَ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: وَيْحَكَ يَا بَشِيرُ، أَفَكَانَ يَجِبُ أَنْ أَتْرُكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ فَلَمْ أُجِبْهُ إِلَى حُفْرَتِهِ، وَأَخْرُجَ أُنَازِعُ النَّاسَ بِالْخِلافَةِ. قَالَ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ/ فَقَالَ: يَا أبا الحسن، إني لو [6 أ] عَلِمْتُ أَنَّكَ تُنَازِعُنِي فِي هَذَا الأَمْرِ مَا أَرَدْتُهُ وَلا طَلَبْتُهُ، وَقَدْ بَايَعَ النَّاسُ، فَإِنْ بَايَعْتَنِي فَذَلِكَ ظَنِّي بِكَ، وَإِنْ لَمْ تُبَايِعْ فِي وَقْتِكَ هَذَا وَتُحِبُّ أَنْ تَنْظُرَ فِي أَمْرِكَ لَمْ أُكْرِهْكَ عَلَيْهِ، فَانْصَرِفْ رَاشِدًا إِذَا شِئْتَ. قَالَ: فَانْصَرَفَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى مَنْزِلِهِ فَلَمْ يُبَايِعْ حَتَّى تُوُفِّيَتْ فَاطِمَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، ثُمَّ بَايَعَ بَعْدَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ لَيْلَةً مِنْ وَفَاتِهَا، وَقِيلَ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ. فَهَذَا أَكْرَمَكَ اللَّهُ مَا كَانَ مِنْ سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَهَذَا رِوَايَةُ [1] الْعُلَمَاءِ، وَلَمْ أُرِدْ أَنْ أكتب هاهنا شَيْئًا مِنْ زِيَادَاتِ الرَّافِضَةِ، فَيَقَعَ هَذَا الْكِتَابُ فِي يَدِ غَيْرِكَ فَتُنْسَبَ أَنْتَ إِلَى أَمْرٍ مِنَ الأُمُورِ، وَاللَّهُ يَقِيكَ. رَجَعْنَا إِلَى مَا كَانَ بَعْدَ السَّقِيفَةِ مِنْ قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ، والله الموفق للصواب.

_ [1] كذا بالأصل ولعله (هذه رواية) وكلاهما صحيح.

ذكر أخبار الردة

ذِكْرُ أَخْبَارِ الرِّدَّةِ [1] قَالَ الرَّاوِي: ثُمَّ إِنَّهُ لَمَّا اسْتَقَامَ الأَمْرُ لأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ، فَقَامَ فِيهِمْ خَطِيبًا، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ [2] : أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّنِي قَدْ وَلِيتُكُمْ [3] وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ، فَإِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي، وَإِنْ أَسَأْتُ فَقَوِّمُونِي، أَلا إِنَّ الصِّدْقَ أَمَانَةٌ، وَالْكَذِبَ خِيَانَةٌ، أَلا وَإِنَّ الضَّعِيفَ عِنْدِي قَوِيٌّ حَتَّى آخُذَ لَهُ الْحَقَّ [4] ، وَالْقَوِيَّ عِنْدِي ضَعِيفٌ حَتَّى آخُذَ مِنْهُ الْحَقَّ، أَلا وَإِنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ قَوْمٌ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلا ضَرَبَهُمُ اللَّهُ بِالذُّلِّ، وَلَمْ تَشِعِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ إِلا وَعَمَّهُمُ اللَّهُ بِالْبَلاءِ، فَأَطِيعُونِي مَا أَطَعْتُ اللَّهَ، وَإِذَا عَصَيْتُ فَلا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ [5] . قَالَ: ثُمَّ نَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ وَصَلَّى بِالنَّاسِ، وَدَخَلَ مَنْزِلَهُ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَيَّامًا قَلائِلَ حَتَّى ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ عَلَى أَعْقَابِهَا كُفَّارًا، فَمِنْهُمْ مَنِ ارْتَدَّ وَادَّعَى النبوة، ومنهم من ارتد ومنع الزكاة.

_ [1] كتبت العنوانات بحبر أحمر وكذلك اسم النبي (محمد) صلّى الله عليه وآله وسلّم في كل المواضع. [2] راجع الخطبة مع خلاف في بعض الكلمات في: العقد الفريد 2/ 130، إعجاز القرآن ص 115، عيون الأخبار 2/ 234، تاريخ الطبري 3/ 203، شرح نهج البلاغة 2/ 8، 4/ 167، السيرة النبوية 2/ 661، جمهرة خطب العرب 1/ 180. [3] السيرة النبوية: (وليت عليكم) . [4] السيرة النبوية: (والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله) . [5] بعدها في السيرة: (قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله) .

قَالَ: فَارْتَدَّتْ بَنُو أَسَدٍ وَرَأَّسُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ طُلَيْحَةَ بْنَ خُوَيْلِدٍ الأَسَدِيَّ [1] ، وَهُوَ الَّذِي ادَّعَى النُّبُوَّةَ فِي أَرْضِ بَنِي أَسَدٍ، وَارْتَدَّتْ فَزَارَةُ وَرَأَّسُوا عَلَيْهِمْ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ [2] ، وَارْتَدَّتْ بَنُو عَامِرٍ وَغَطَفَانُ، وَرَأَّسُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ قُرَّةَ بْنِ سَلَمَةَ الْقُشَيْرِيِّ، وَارْتَدَّتْ بَنُو سُلَيْمٍ وَرَأَّسُوا عَلَى أَنْفُسِهِمُ الْفُجَاءَةَ بْنَ عَبْدِ يَالِيلَ السُّلَمِيَّ، وَارْتَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَرَأَّسُوا عَلَيْهِمُ امرأة يقال لها سجاح [3] ،

_ [1] طليحة بن خويلد الأسدي من الشجعان الفصحاء، كان يعد بألف فارس، قدم على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم سنة تسع للهجرة في وفد قومه، وأسلموا، ولما رجعوا ارتد طليحة وادعى النبوّة في حياة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، وبعد وفاة النبي كثر أتباع طليحة من أسد وغطفان وطيئ، وجه إليه أبو بكر خالد بن الوليد فانهزم إلى بزاخة بأرض نجد وكان مقامه في سميراء في طريق مكة، وقاتله خالد ففر إلى الشام، ثم أسلم بعد أن أسلمت أسد وغطفان، ووفد على عمر فبايعه في المدينة، وخرج إلى العراق فحسن بلاؤه في الفتوح، واستشهد بنهاوند سنة 21 هـ-. (تاريخ ابن الأثير 2/ 343- 349، ياقوت: بزاخة، تهذيب ابن عساكر 7/ 90، تاريخ الخميس 2/ 160، الإصابة 3/ 542- 543، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 254، الأعلام 3/ 230) . [2] عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، صحابي من المؤلفة قلوبهم، أسلم قبل الفتح وشهد فتح مكة وحنينا والطائف، بعثه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لبني تميم فسبى بعض بني العنبر، كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يسميه الأحمق المطاع، ارتد زمن أبي بكر ومال إلى طليحة، ثم عاد إلى الإسلام، عاش إلى خلافة عثمان بن عفان. (الإصابة 4/ 767- 770، السيرة النبوية ج 2 في مواضع متفرقة، جمهرة أنساب العرب ص 256، أسد الغابة 4/ 331، الاستيعاب 3/ 1249- 1251) . [3] سجاح بنت الحارث بن سويد بن عقفان التميمية، من بني يربوع، كنيتها أم صادر، شاعرة أديبة رفيعة الشأن في قومها، نبغت في عهد الردة أيام أبي بكر وادعت النبوة بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، وكانت في بني تغلب بالجزيرة، وكان لها علم بالكتابة، أخذته عن نصارى تغلب، فتبعها جمع من عشيرتها بينهم بعض كبار تميم كالزبرقان بن بدر وعطارد بن حاجب وشبث بن ربعي وعمرو بن الأهتم، فأقبلت بهم من الجزيرة تريد غزو أبي بكر، فنزلت باليمامة، فبلغ خبرها مسيلمة المتنبئ الكذاب، وقيل لها إن معها أربعين ألفا، فخافها وأقبل عليها في جماعة من قومه وتزوج بها، فأقامت معه قليلا وأدركت صعوبة الإقدام على قتال المسلمين، فرجعت إلى أخوالها في الجزيرة، ثم لما قتل مسيلمة، أسلمت وهاجرت إلى البصرة، وتوفيت فيها سنة 55 هـ-.

وَارْتَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ كِنْدَةَ وَرَأَّسُوا عَلَى أَنْفُسِهِمُ الأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ [1] وَغَيْرَهُ مِنْ مُلُوكِ كِنْدَةَ، وَارْتَدَّتْ بَنُو بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ بِأَرْضِ الْبَحْرَيْنِ [2] ، وَرَأَّسُوا عَلَى أَنْفُسِهِمُ الْحَكَمَ بْنَ زَيْدٍ مِنْ بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، وَاجْتَمَعَتْ بَنُو حَنِيفَةَ إلى مسيلمة الكذاب [6 ب] بِأَرْضِ الْيَمَامَةِ، فَقَلَّدُوهُ أَمْرَهُمْ وَادَّعَى أَنَّهُ/ نَبِيُّهُمْ. قَالَ: وَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا بَكْرٍ، فَاغْتَمَّ، فَبَادَرَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَنَادَى فِي الْعَرَبِ، فَقَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ مِنْكُمْ أُغْنِي مَا تُغْنُونَ، وَأُحَامِي كَمَا تُحَامُونَ، وَأَنْتُمْ شركائي في هذا الأمر، فهاتوا

_ [ () ] (الطبري 3/ 236، الدر المنثور ص 240، تاريخ الخميس 2/ 159، البدء والتاريخ 5/ 194، جمهرة الأنساب ص 215، الإصابة 7/ 723، الأعلام 3/ 78) . [1] الأشعث بن قيس بن معدي كرب الكندي، أمير كندة في الجاهلية والإسلام، كانت إقامته في حضرموت، وفد على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في جمع من قومه، فأسلم وشهد اليرموك فأصيبت عينه، ولما ولي أبو بكر الخلافة امتنع الأشعث وبعض بطون كندة عن تأدية الزكاة، فحاصر الوالي حضرموت بنجدة أتته من المدينة، فاستسلم الأشعث وفتحت حضرموت عنوة، وأرسل الأشعث موثوقا إلى أبي بكر، فأطلقه أبو بكر وزوجه أخته أم فروة، فأقام في المدينة وشهد الوقائع وأبلى البلاء الحسن، ثم كان مع سعد بن أبي وقاص في حروب العراق، ولما آل الأمر إلى علي بن أبي طالب، كان الأشعث معه في صفين، وحضر معه وقعة النهروان، وورد المدائن ثم عاد إلى الكوفة، وتوفي فيها سنة 40 هـ-. (تاريخ ابن عساكر 3/ 64، تاريخ الخميس 2/ 289، ثمار القلوب ص 69، خزانة الأدب 2/ 465، تاريخ بغداد 1/ 196، الإصابة 1/ 87- 90، الأعلام 1/ 332) . [2] البحرين: اسم جامع لبلاد على ساحل بحر الهند بين البصرة وعمان، قيل هي قصبة هجر وقيل: هجر قصبة البحرين، وقد عدها قوم من اليمن، وجعلها آخرون قصبة برأسها، وربما عد بعضهم اليمامة من أعمالها، الصحيح أن اليمامة عمل برأسه في وسط الطريق بين مكة والبحرين، قال أبو عبيدة: بين البحرين واليمامة مسيرة عشرة أيام، وبين هجر مدينة البحرين والبصرة مسيرة خمسة عشر يوما على الإبل، وبينها وبين عمان مسيرة شهر، قال: والبحرين هي الخط والقطيف والآرة وهجر وبينونة والزارة وجواثا والسابور ودارين والغابة، قال: وقصبة هجر الصفا والمشقر. وأما فتحها فإنها كانت في مملكة الفرس وكان بها خلق كثير من عبد القيس وبكر بن وائل وتميم مقيمين في باديتها، وكان بها من قبل الفرس المنذر بن ساوى التميمي، وفي سنة ثمان للهجرة وجه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم العلاء بن

مَا عِنْدَكُمْ مِنَ الرَّأْيِ، قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، إِنَّ الْعَرَبَ قَدِ ارْتَدَّتْ عَلَى أَعْقَابِهَا كُفَّارًا كَمَا قَدْ عَلِمْتَ، وَأَنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُنْفِذَ جَيْشَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ [1] ، وَفِي جَيْشِ أُسَامَةَ جَمَاهِيرُ الْعَرَبِ وَأَبْطَالُهُمْ، فَلَوْ حَبَسْتَهُ عِنْدَكَ لَقَوِيتَ بِهِ عَلَى مَنِ ارْتَدَّتْ مِنْ هَؤُلاءِ الْعَرَبِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ السِّبَاعَ تَأْكُلُنِي فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ لأَنْفَذْتُ جَيْشَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، كَمَا قال النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: (امْضُوا جَيْشَ أُسَامَةَ) [2] ، قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ الله لَنا 9: 51 [3] ، وَأَمَّا مَنِ ارْتَدَّتْ مِنْ هَؤُلاءِ الْعَرَبِ، فَمِنْهُمْ مَنْ لا يُصَلِّي وَقَدْ كَفَرَ بِالصَّلاةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي وَقَدْ مَنَعَ الزَّكَاةَ، وَلا وَاللَّهِ يَا أَبَا حَفْصٍ مَا أُفَرِّقُ بَيْنَ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ لأَنَّهُمَا مَقْرُونَتَانِ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، فَلَوْ أَغْمَضْتَ وَتَجَافَيْتَ عَنْ زَكَاةِ هَؤُلاءِ الْعَرَبِ فِي عَامِكَ هَذَا وَرَفَقْتَ بِهِمْ، لَرَجَوْتُ أَنْ يَرْجِعُوا عَنْ مَا هُمْ عَلَيْهِ، فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: أُمِرْتُ أَنْ أقاتِلَ الناسَ حَتَّى يَقُولُوا لا إلهَ إِلا اللَّهُ وَإِنِّي محمدٌ رسولُ اللَّهِ، فَإِذَا قَالُوهَا فَقَدْ عَصَمُوا منِّي دماءَهم وأموالَهم إِلا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى الله) [4] .

_ [ () ] عبد الله الحضرمي ليدعو أهلها إلى الإسلام، فأسلم المنذر بن ساوى وجميع العرب هناك وبعض العجم، وبقي العلاء واليا عليها إلى أن توفي سنة 20 هـ-، فولى عمر مكانه أبا هريرة الدوسي. (ياقوت: البحرين) [1] أسامة بن زيد بن حارثة، من كنانة عوف، صحابي جليل، ولد بمكة ونشأ على الإسلام كان أبوه من أول الناس إسلاما، وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يحبه حبا جما، هاجر مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى المدينة، وأمّره النبي قبل أن يبلغ العشرين من عمره، فكان مظفرا موفقا، استعمله النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم على جيش فيه أبو بكر وعمر، ولما توفي الرسول رحل أسامة إلى وادي القرى فسكنه، ثم انتقل إلى دمشق في أيام معاوية ثم عاد إلى المدينة فأقام إلى أن توفي بالجرف سنة 54 هـ-. (طبقات ابن سعد 4/ 42، تهذيب ابن عساكر 2/ 391- 399، الإصابة 1/ 49 الأعلام 1/ 291) . [2] الحديث بلفظ: (أنفذوا جيش أسامة) في كنز العمال 10/ 374. [3] سورة التوبة: 51. [4] الحديث في: مسلم: إيمان 32- 36، البخاري: إيمان 17، 28، صلاة 28، زكاة 1،

قَالَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي مِنَ الزَّكَاةِ عِقَالا مِمَّا كَانَ يَأْخُذُ مِنْهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهِ أَبَدًا وَلَوْ مَا حَيِيتُ، ثُمَّ لنحاربنَّهم أَبَدًا حَتَّى يُنْجِزَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَيَفِيَ لَنَا عَهْدَهُ، فَإِنَّهُ قَالَ [1] وَقَوْلُهُ صِدْقٌ لا يُخْلَفُ لَهُ: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً 24: 55 [2] . قَالَ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، إِنَّمَا قْد شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَكَ لِقِتَالِ الْقَوْمِ، فَسَمْعٌ وَطَاعَةٌ. قَالَ: وَتَتَابَعَ النَّاسُ عَلَى رَأْيِ أَبِي بَكْرٍ، فَأَنْشَأَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيُّ [3] : (مِنَ الْكَامِلِ) 1- عُمَرٌ رَأَى وَاللَّهُ بَالِغُ أَمْرِهِ ... رَأْيًا فَخَالَفَ رَأْيَهُ الصِّدِّيقُ 2- إِذْ قَالَ غَمِّضْ فِي الْهُدَى إِغْمَاضَةً ... وَارْفُقْ فَإِنَّكَ فِي الأُمُورِ رَفِيقُ 3- وَتَجَافَ عَنْ أَمْوَالِهِمْ فَأَبَى لَهُ ... إِلا قِتَالُ عَدُوِّهِ التَّوْفِيقُ 4- إِنَّ الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ نُفُوسُنَا ... فِي الْحَادِثَاتِ مِنَ الْحُرُوبِ تَتُوقُ 5- قَوْلُ الْخَلِيفَةِ قَاتِلُوا أَعْدَاءَكُمْ ... إِنَّ الدَّنِيَّةَ رَدَّةُ التَّعْوِيقِ [4] 6- وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُوا عِقَالا وَاحِدًا ... أَوْ فَاتَ مما عنده تفروق [5]

_ [ () ] اعتصام 2، 28، أبو داود: جهاد 65، النسائي: زكاة 3، ابن ماجة: فتن 1- 3، الدارمي: سير 10، ابن حنبل 4، 8. [1] في الأصل العبارة مضطربة: (فإن قلناه) . [2] سورة النور 5. [3] لم أجد الشعر في المصادر التي بين يدي، وقد تفرّد الكتاب بذكره. [4] في الأصل: (درة التعويق) ، وفي البيت اقواء. [5] التفروق: تكرر في شعره، ويبدو أنها بمعنى الشيء الحقير القليل.

7- لَرَمَيْتُ قَوْمًا بِالْقَبَائِلِ وَالْقَنَا/ ... مَنَعُوا الزَّكَاةَ وإنَّني لمحوق [1] [7 أ] 8- بِقِتَالِهِمْ فِي قِلَّةٍ أَوْ كَثْرَةٍ ... مَا دَامَ لِلسَّهْمِ الْمُرَيَّشِ فُوقُ 9- أَعْظِمْ بِنِعْمَتِهِ عَلَيْنَا نِعْمَةً ... فيها لحرب عدوّنا مسبوق

_ [1] في الأصل: (القبائل) ولعلها (بالقنابل (أي جماعات الناس والخيل. محوق: كذا بالأصل ولعلها (لحقيق) .

ذكر خروج أسامة بن زيد

ذِكْرُ خُرُوجِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَهُوَ مُعَسْكِرٌ خَارِجَ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ: امْضِ رَحِمَكَ اللَّهُ لِوَجْهِكَ الَّذِي أمرك به النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَلا تُقَصِّرْ فِي أُمُورِكَ، وَإِذَا رَأَيْتَ أَنْ تَأْذَنَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِالْمُقَامِ عِنْدِي، فَإِنِّي أَسْتَأْنِسُ بِهِ وَأَسْتَعِينُ بِرَأْيِهِ، قَالَ أُسَامَةُ: قَدْ فَعَلْتُ. وَسَارَ أُسَامَةُ فِي جَيْشِهِ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ بِالْخُرُوجِ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَلْقَ هُنَاكَ أَحَدًا مِنَ الْكُفَّارِ، فَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَدْ عَزَمَ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ وَالْخُرُوجِ إِلَيْهِمْ بِنَفْسِهِ، وَالْمُسْلِمُونَ يَنْهَوْنَهُ عَنْ ذَلِكَ وَيَقُولُونَ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، نَنْشُدُكَ اللَّهَ أَنْ لا تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ بِنَفْسِكَ، فَقَدْ عَرَفْتَ حَالَ النَّاسِ، فَإِنْ هَلَكْتَ فَهُوَ هَلاكُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ [1] وَأَقِمْ أَنْتَ فِي الْمَدِينَةِ، فَلْيَقْدُمْ عَلَيْكَ من عمان، واكتب إلى أبان بن

_ [1] عمرو بن العاص بن وائل السهمي القرشي، أحد دهاة العرب أولي الرأي والحزم والمكيدة فيهم، كان في الجاهلية من الأشداء على الإسلام، أسلم في هدنة الحديبية، ولّاه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إمرة جيش ذات السلاسل، ثم استعمله على عمان، وكان من أمراء الجيوش في الشام زمن عمر، وولّاه فلسطين ثم مصر فافتتحها، وعزله عثمان، انضم إلى معاوية في الفتنة فولّاه على مصر، فأطلق له خراجها ست سنين، فجمع أموالا طائلة، توفي في مصر سنة 43 هـ-. (تاريخ الإسلام- الذهبي 2/ 235- 240، المغرب في حلى المغرب قسم مصر 13- 14، جمهرة أنساب العرب ص 154، الاستيعاب 3/ 1184- 1191، الإصابة 4/ 650- 654 الأعلام 5/ 79) .

سَعِيدٍ [1] يَقْدُمُ عَلَيْكَ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، وَاجْمَعْ إِلَيْكَ الْعَسَاكِرَ ثُمَّ ضُمَّهُمْ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَوْ مِنَ الأَنْصَارِ تَكُونُ قَدْ عَرَفْتَهُ بِالْبَأْسِ [2] وَالشِّدَّةِ، فَوَجِّهْهُ إِلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ الْمُرْتَدَّةِ، فَعَسَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَنْصُرَكَ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ، فَعِنْدَهَا كَتَبَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِعُمَانَ، قَدْ كَانَ ولّاه النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِ كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَقْبَلَ عَلَى أَهْلِ عُمَانَ فَقَالَ: (يَا هَؤُلاءِ، إِنَّكُمْ قَدْ علمتم أن النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ عَامِلا وَأَمِيرًا وَدَاعِيًا، فَقَبِلْتُمُ الأَمْرَ وَأَجَبْتُمْ إِلَى الإِسْلامِ، وَكُنْتُمْ عَلَى مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ تُوُفِّيَ رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَقَدْ قَامَ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَطَاعَ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ حَيًّا، فَيَجِبُ أَنْ يُطِيعَهُ مَيِّتًا، وَقَدْ حَدَثَتْ هَذِهِ الرِّدَّةُ، وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ سَيُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَرُدَّهُمْ إِلَى دِينِ الإِسْلامِ، وَهَذَا كِتَابُهُ أَتَى يَأْمُرُنِي بِالْقُدُومِ عَلَيْهِ، فَمَا الَّذِي عِنْدَكُمْ مِنَ الرَّأْيِ) ، فَوَثَبَ إِلَيْهِ أَبُو صُفْرَةَ، وَاسْمُهُ ظَالِمُ بْنُ سَرَّاقٍ [3] ، فَقَالَ: (يَا عَمْرُو، إِنَّا نُطِيعُكَ الْيَوْمَ بِطَاعَةِ أَمْسِ، وَنُطِيعُكَ غَدًا بِطَاعَةِ الْيَوْمَ، وَلا عَصَيْنَا مَنْ أَرْسَلَكَ إِلَيْنَا، وَالسَّلامُ) . قَالَ: ثُمَّ وَثَبَ إِلَيْهِ عَبَّادُ بْنُ الْجَلَنْدِيِّ [4] ، فَقَالَ: (يَا عَمْرُو، إِنَّ الْخِيَارَ ليس إلينا، ولكن

_ [1] أبان بن سعيد بن العاص الأموي، صحابي من ذوي الشرف، كان أول الإسلام شديد الخصومة للإسلام والمسلمين، ثم أسلم سنة 7 هـ-، وبعثه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عاملا على البحرين فبقي فيها إلى أن توفي النبي فرجع إلى المدينة وأقام فيها إلى أن كانت وقعة أجنادين فحضرها واستشهد بها زمن أبي بكر الصديق سنة 13 هـ-، وقيل مات في خلافة عثمان. (تاريخ الإسلام 1/ 378، حسن الصحابة ص 220، تهذيب ابن عساكر 2/ 124، الإصابة 1/ 15- 18، الأعلام 1/ 27) . [2] في الأصل: (بالناس) وهو تصحيف. [3] في الأصل: (أبو سفرة) بالسين، وهو أبو صفرة ظالم بن سارق أو سراق الأزدي العتكي البصري، والد المهلب بن أبي صفرة الأمير المشهور، قدم أبو صفرة على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فأسلم، وقيل كان أبو صفرة مسلما على عهد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ولم يفد عليه، ووفد على عمر في عشرة من ولده أصغرهم المهلب، لم تذكر وفاته. (الإصابة 7/ 221- 222، الاستيعاب 4/ 1692) . [4] عباد بن الجلندي، وقيل عبيد بن الجلندي الأزدي: أخو جيفر بن الجلندي ملك عمان،

الْخِيَارَ للَّه عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَقَدْ كَانَ اخْتَارَكَ وَأَرْسَلَكَ إِلَيْنَا، وَطَاعَتُهُ مَيِّتًا كَطَاعَتِهِ حَيًّا، لَسْنَا نَكْرَهُ مُقَامَكَ وَالأَمْرُ إليك، والسلام) . [7 ب] ثُمَّ وَثَبَ جَعْفَرُ بْنُ خَيْثَمٍ، فَقَالَ: / (يَا عَمْرُو، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَرْسَلَكَ إِلَيْنَا فَدَعَوْتَنَا فَأَجَبْنَاكَ، فَإِنْ يَكُنِ الرَّسُولُ قَدْ مَاتَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيٌّ لا يَمُوتُ، فَإِنْ أَقَمْتَ عِنْدَنَا أَطَعْنَاكَ، وَإِنْ شِئْتَ الْمَسِيرَ خَفَرْنَاكَ وَالسَّلامُ) . فَقَالَ عَمْرٌو: (جَزَاكُمُ اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ تَكَلَّمْتُمْ وَأَحْسَنْتُمْ، وَقَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ تَخْفِرُونِي) ، فَقَالُوا: (نَفْعَلُ ذَلِكَ) . فَتَجَهَّزَ عَمْرٌو، وَخَرَجَ مَعَهُ أَبُو صُفْرَةَ ظَالِمُ بْنُ سَرَّاقٍ، وَجُفَيْرُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَعُبَادَةُ بْنُ الْجَلْنَدِيِّ فِي سَبْعِينَ فَارِسًا مِنْ وُجُوهِ أَهْلِ عُمَانَ، فَأَنْشَأَ عُقْبَةُ بْنُ النُّعْمَانِ الْعَتَكِيُّ [1] يَقُولُ فِي ذَلِكَ [2] : (مِنَ الطَّوِيلِ) 1- وَفَيْنَا لِعَمْرٍو يَوْمَ عَمْرٍو كَأَنَّهُ ... طَرِيدٌ نَفَتْهُ [3] مَذْحِجٌ وَالسَّكَاسِكُ [4] 2- رَسُولِ رَسُولِ اللَّهِ أَعْظِمْ بِحَقِّهِ ... عَلَيْنَا وَمَنْ لا يَعْرِفِ الحقّ هالك

_ [ () ] لم ير النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم هو ولا أخوه، قال عمرو بن العاص: وبعثني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى جيفر وعبيد ابني الجلندي وكانا بعمان، وكان الملك منهما جيفرا وكانا من الأزد، فذكر قصة إسلامهما وأنهما خليا بينه وبين الصدقة، وأسلم معهما بشر كثير. (الإصابة 1/ 542) . [1] في الأصل: (العكي) وهو العتكي نسبة إلى العتيك بن الأزد، وعقبة بن النعمان العتكي ممن ثبتوا على الإسلام زمن الردّة، وكان ممن شيع عمرو بن العاص في مسيره من عمان إلى المدينة بعد وفاة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقدم ومن معه إلى أبي بكر فشكر لهم أبو بكر ثباتهم. (الإصابة 5/ 131- 132، أسد الغابة 4/ 61، تاريخ بغداد 2/ 195) . [2] الأبيات: 1، 2، 6 في الإصابة 5/ 132، وقطع من كتاب الردّة ص 27. والبيت الأول في: المحمدون من الشعراء ص 282 دون نسبة، وإنباه الرواة ص 93، وتاريخ بغداد 2/ 195. [3] الإصابة وقطع من كتاب الردة: (بغته) . [4] مذحج: قبيلة من اليمن نسبة إلى مذحج وهو مالك بن أدد. (جمهرة النسب ص 476)

3- رَدَدْنَاهُ لَمْ يُشْتُمْ لُؤَيُّ بْنُ غَالِبٍ ... بِهِ الآنَ إِذْ ضَاقَتْ عَلَيْهِ الْمَسَالِكُ 4- تَضَمَّنَهُ مِنَّا عِبَادٌ وَجَيْفَرٌ [1] ... وَظَالِمٌ الْمُودِي [2] إِلَيْهِ الصَّعَالِكُ 5- فَأَصْبَحَ عَمْرٌو بِالْمَدِينَةِ سَالِمًا ... يُقَهْقِهُ مَزْجِيًّا [3] عَلَيْهِ الأَرَامِكُ [4] 6- وَنَحْنُ أُنَاسٌ يَأْمَنُ الْجَارُ وَسْطَنَا ... إِذَا كَانَ يَوْمٌ كَاسِفُ الشَّمْسِ حَالِكُ [5] 7- بِذَلِك أَوْصَى نِسْوَةُ الْخَيْرِ قَوْمَهُ [6] ... وَعِمْرَانُ وَالْحَامِي الْحَقِيقَةَ مَالِكُ قَالَ: وَقَدْ مَدَحَهُمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ حَيْثُ يَقُولُ [7] : (مِنَ الطَّوِيلِ) 1- أَقُولُ وَحَوْلِي آلُ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ ... جَزَى اللَّهُ عَنِّي الأَزْدَ خَيْرَ جَزَاءِ 2- أَتَيْتُ عُمَانًا [8] وَالْحَوَادِثُ جَمَّةٌ ... وَلَيْسَتْ بِأَرْضٍ لِي وَلا بِسَمَاءِ 3- فَحَيَّ هَلا [9] بِالأَزْدِ أَرْبَابِ نِعْمَةٍ ... وَأَهْلِ حِبَاءٍ صَادِقٍ وَوَفَاءِ 4- تَضَمَّنَنِي مِنْهُمْ عِبَادٌ وَجَيْفَرٌ ... وَظَالِمٌ الدَّاعِي لِكُلِّ علاء

_ [ () ] والسكاسك: قبيلة من قبائل زيد بن كهلان، من اليمن، نسبة إلى سكسك بن أشرس بن كندة. (جمهرة النسب ص 431) . [1] عباد: هو عبادة بن الجلندي، وجيفر: هو جيفر بن ظالم من أهل عمان الذين شيعوا عمرو بن العاص إلى المدينة. [2] ظالم: هو أبو صفرة ظالم بن مسروق أحد أفراد الوفد الذين شيعوا عمرو بن العاص إلى المدينة، والمودي: أي الأسد. [3] يقهقه مزجيا: أي ضحك حتى زجا أي انقطع ضحكه (اللسان: زجا) . [4] الأرامك: جمع الرامك، شيء أسود يخلط بالمسك (الصحاح: رمك) . [5] في الأصل: (يوما) ، والوجه (يوم) . في الإصابة وقطع من كتاب الردّة: (هالك) . [6] كذا بالأصل: (نسوة الخير) ، ولعل (نسوة) اسم شخص حرف بهذا الرسم. [7] لم أجد هذه الأبيات في مصدر آخر، ولعل غيري سيجد يوما ويرفع عقيرته باللوم لتقصيري. [8] صرف (عمان) وهي غير مصروفة، ويجوز هذا في الشعر. [9] في الأصل: (فحيلي هل) .

5- أَتَيْتُ [1] إِلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ سَالِمًا ... أُجَرْجِرُ فِيهَا مِئْزَرِي وَرِدَائِي 6- عَلَى حِينِ أَنْ جَاشَتْ مَعَدُّ بِرِدَّةٍ ... وَأَوْبَاشُ هَذَا الْحَيِّ حَيِّ ضِبَاءِ [2] 7- فَمَا بَيْنَنَا إِلا سُيُوفٌ وَتَارَةً ... بِهَسْمٍ [3] وَأْشَطَانِ الْجُزُورِ ظِمَاءِ 8- مُقَرَّبَةُ الآجَالِ مِنَّا وَمِنْهُمُ ... عَلَى كُلِّ حَالٍ لَيْسَ ذَا بِخَفَاءِ 9- تَدُورُ رَحَا الآجَالِ فِينَا وَفِيهِمُ ... بِدَوْرِ فَنَاءٍ أَوْ بِدَوْرِ بَقَاءِ قَالَ: وَقَدْ قَدِمَ الْقَوْمُ الْمَدِينَةَ حَتَّى دَخَلُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَسَلَّمُوا عليه، ثم أخذوا بضبع [4] عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَقَالُوا: (يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، وَيَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا أَمِيرُنَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ الَّذِي وَجَّهَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ لَهُ شَاكِرُونَ، وَهَذِهِ أَمَانَةٌ قَدْ كَانَتْ فِي أَعْنَاقِنَا، وَوَدِيعَةٌ كَانَتْ عِنْدَنَا، وَقَدْ تَبَرَّأْنَا مِنْهَا إِلَيْكُمْ، وَالسَّلامُ) . قَالَ: فَأَثْنَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَالْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ ثَنَاءً حسنا، وجزوهم [8 أ] خيرا. فأنشأ رجل من قريش يقول [5] : / (من الخفيف)

_ [1] في الأصل: (فأتيت) ، والفاء زائدة لا يستقيم بها الوزن. [2] في الأصل: (ضياء) بالياء المثناة، والصواب: (ضباء) بالباء الموحدة، وضباء بالفتح والتشديد: موضع جاء في شعر الحسين بن مطير الأسدي: وأصبحت منهم ضبّاء خالية ... كما خلت منهم الزوراء فالعوج (ياقوت: ضباء) [3] في الأصل الكلمة غير واضحة تحتمل (ببسم، أو بهسم، أو بسهم) . الهسم: الكسر لغة في الهشم، هسم الشيء يهسمه هسما، كسره، وقال ابن الأعرابي (الهسم) بضمتين، الكاوون، قال أبو منصور: كأن الأصل الحسم، وهم الذين يتابعون الكي مرة بعد أخرى، ثم قلبت الحاء هاء. (اللسان: هسم) . [4] في الأصل: (بصبغ) وهو تصحيف، والضبع: العضد كلها وأوسطها بلحمها، أو الإبط إلى نصف العضد من أعلاه (القاموس: ضبع) . [5] القصيدة ضعيفة ومضطربة الوزن.

1- يا عبادا ويا بن سَارِقِ الْخَيْرِ ... يَا جُفَيْرُ بْنَ جِفْرٍ خَيْرَ هُمَامِ 2- قُمْتُمْ بِالَّذِي بُشِّرَ بِهَا الأَزْدُ ... وَقَدْ كُنْتُمْ بِذَا مَعَ الإِسْلامِ 3- وَرَدَدْتُمْ [1] عَمْرًا وَقَدْ رجع النا ... س عَنِ الدِّينِ فِعْلَ قَوْمٍ كِرَامِ 4- يَمَنِيُّونَ وَالأَمَانَةُ في الأز ... د وَوَشْكُ الْقِرَى وَحُسْنِ الْكَلامِ 5- وَبِحُسْنِ الْجِوَارِ قَدْ فضل النا ... س وَمَنْعِ الْحِمَى وَقَتْلِ الْحَمَامِ 6- سِرْتُمْ لِلْوَفَاءِ خَيْرَ مَسِيرٍ ... نَظَرًا فِي عَوَاقِبِ الأَيَّامِ 7- مِنْ عُمَانَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَالنَّا ... سُ يَمْرُجُونَ [2] فِي الْعَمَى وَالظَّلامِ 8- بِرَسُولِ النَّبِيِّ إِذْ عَظُمَ الْخَطْ ... بُ وَخَفَتْ طَوَامِنُ الأَحْلامِ [3] 9- قُلْتُمْ إِذْ أَتَى الْمَدِينَةَ يا عم- ... رو قَضَيْنَا الذِّمَامَ بَعْدَ الذِّمَامِ 10- فَعَلَيْكَ السَّلامُ مَا هبّت الري- ... ح وَمَا نَاحَ فَاقِدَاتُ الْحِمَامِ 11- قَدْ قَضَيْنَا [4] حَقَّ الْمَسِيرِ إِلَيْهِ ... وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ حَقَّ الذِّمَامِ قَالَ: وَسُرَّ الْمُسْلِمُونَ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِقُدُومِ عَمْرٍو عَلَيْهِمْ، قَالَ: وَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى أَبَانِ بْنِ سَعِيدٍ [5] يَسْتَقْدِمُهُ مِنْ أَرْضِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَجَّهَهُ إِلَيْهَا أَمِيرًا، فَلَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِ الْكِتَابُ نَادَى فِي أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ فَجَمَعَهُمْ، ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْهِمْ كِتَابَ أَبِي بَكْرٍ، وَقَالَ: (قَدْ عَلِمْتُمْ [أَنَّ] [6] أَهْلَ عُمَانَ قَدْ وَفَّوْا لِصَاحِبِهِمْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ) ، قَالَ: فَوَثَبَ رَجُلٌ مِنْ سَادَاتِ عَبْدِ الْقَيْسِ يُقَالُ لَهُ الْجَارُودُ بْنُ المعلَّى [7] ، فَقَالَ: (يَا أَبَانُ، قَدْ عَلِمْتَ بِأَنَّ إسلامنا كان طوعا بلا

_ [1] في الأصل: (وردتم) . [2] يمرجون: من المرج (بفتحتين) الفساد والقلق والاضطراب، وأمر مريج أي مختلط. (القاموس: مرج) . [3] طوامن الأحلام: العقول الرزينة. [4] في الأصل: (وقد قضيت) ولا يستقيم بها الوزن. [5] مرت ترجمة أبان بن سعيد. [6] في الأصل: (يا أهل عمان) . [7] في الأصل: (الجازورد) تحريفا، وهو الجارود، واسمه بشر بن عمرو بن حنش بن المعلى العبدي سيد عبد القيس (وهم بطن من أسد ربيعة) ، كان شريفا في الجاهلية،

قِتَالٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِينَا: وَلَهُ أَسْلَمَ من في السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً 3: 83 [1] ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ حَمَلْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ صَدَقَاتِ أَمْوَالِنَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَحْمِلَهَا إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، فَإِنْ أَقَمْتَ عِنْدَنَا أَطَعْنَاكَ، وَإِنْ ظَعَنْتَ عَنَّا خَفَرْنَاكَ) . قَالَ: ثُمَّ وَثَبَ إِلَيْهِ هَرِمُ بْنُ حَيَّانَ الْعَبْدِيُّ [2] ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ شَيْخُ عَبْدِ الْقَيْسِ وَأَسَنُّهَا فَقَالَ: (يَا أَبَانُ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ كَثَّرَ بِالإِسْلامِ عَدَدَنَا، وَشَدَّ بِهِ قُلُوبَنَا وَأَلْسِنَتَنَا، فَلَسْنَا نَخَافُ أَعْدَاءَنَا مِنَ النَّاسِ، وَقَدْ أَبَيْتَ الْمُقَامَ بِأَرْضِنَا، فَإِنْ كَانَ أَوْحَشَكَ مِنَّا شَيْءٌ أَمَنَّاكَ مِنْهُ، وَإِنْ خَشِيتَ أَنْ تَعْجِزَ عَنْ وُلايَتِنَا أَعَنَّاكَ بِأَنْفُسِنَا، وَإِذَا أَرَدْتَ خَيْرًا مِمَّا أَنْتَ فِيهِ بَذَلْنَا لَكَ أَمْوَالَنَا) . ثُمَّ وَثَبَ إِلَيْهِ الْمُنْذِرُ بْنُ عَائِذٍ الْعَبْدِيُّ [3] ، وَهُوَ الَّذِي سَوَّدَهُ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم على

_ [ () ] سمي بالجارود بعد وقعة أغار بها على بني بكر بن وائل فظفر بهم، وقالت العرب: جردهم. أدرك الإسلام ووفد على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ومعه جماعة من قومه وكانوا نصارى، فأسلم وأكرمه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثبت في الردة على عهده، وجهه الحكم بن أبي العاص إلى فارس لقتال أهل (سهرك) ، فقتل في عقبة الطين (موضع بفارس) شهيدا سنة 20 هـ-، وقيل قتل مع النعمان بن مقرن بنهاوند سنة 21 هـ-. (ابن سعد 5/ 407، تاريخ الكامل 2/ 265، تاريخ الإسلام 2/ 44، الإصابة 1/ 441- 442، الأعلام 2/ 55) . [1] آل عمران 83. [2] هرم بن حيان العبدي الأزدي من بني عبد القيس، من التابعين النساك، كان أمير عبد القيس في الفتوح، ولي بعض الحروب أيام عمر وعثمان بأرض فارس وحاصر (بوشهر) سنة 18 هـ- ودخلها، وكان من سكان البصرة، بعثه عثمان بن أبي العاص أمير البحرين إلى قلعة (بجرة) ويقال لها (قلعة الشيوخ) فافتتحها عنوة سنة 26 هـ-، ومات في إحدى غزواته سنة 26 هـ-. (ابن سعد 7/ 95، أسد الغابة 5/ 57، تاريخ الإسلام 3/ 211، صفة الصفوة 3/ 137، الإصابة 6/ 533، البيان والتبيين 1/ 363، الأعلام 8/ 82) . [3] المنذر بن عائذ العبدي المعروف بالأشج، أشج عبد القيس، وقيل اسمه منقذ بن عائذ، قيل إنه سيدهم وقائدهم إلى الإسلام وابن ساداتهم، قال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا أشج، وكان أول يوم سمي فيه الأشج. (الإصابة 6/ 129، 216، الاستيعاب 4/ 1449) .

وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ، حِينَ وَفَدُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ: (يَا أَبَانُ، إِنَّ مُقَامَكَ عِنْدَنَا خَيْرٌ لَكَ ولنا، ولو كنت تريد مقامك لنفسك لا تبعنا هَوَاكَ، وَلَكِنَّا نُرِيدُكَ لأَنْفُسِنَا، وَفِي خُرُوجِكَ عَنَّا مَعْصِيَةٌ لإِمَامِكَ وَعَيْبٌ عَلَيْنَا، فَإِنْ أَبَيْتَ إِلا الْخُرُوجَ عَنَّا فَغَيْرُ مَأْمُورٍ وَلا مَطْرُودٍ) . فَقَالَ أَبَانُ بْنُ سَعِيدٍ: (جَزَاكُمُ اللَّهُ خَيْرًا يَا معشر عبد القيس، فو الله مَا رَأَيْتُ خَصْلَةً مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ إِلا وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِيكُمْ وَلَوْ/ أَقَمْتُ عِنْدَكُمْ لَعَلِمْتُ [1] [8 ب] أَنَّكُمْ تَمْنَعُونِي مَا تَمْنَعُونَ بِهِ عَنْ أَنْفُسِكُمْ وَأَبْنَائِكُمْ، وَهَذَا كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَدْ وَرَدَ عَلَيَّ، وَاللُّحُوقُ بِهِ وَاجِبٌ، فَإِنَّهُ قَدْ حَدَثَتْ هَذِهِ الرِّدَّةُ، وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ يَدًا مِنْ أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ عَنْهَا) . فَأَجَابَهُ الْقَوْمُ إِلَى ذَلِكَ، وَخَرَجَ أَبَانُ بْنُ سَعِيدٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، وَمَعَهُ هَرِمُ بْنُ حَيَّانَ، وَأَخُوهُ صَبَاحُ بْنُ حَيَّانَ وَجَارُودُ بْنُ الْمُعَلَّى، وَالأَشَجُّ بْنُ عَائِذٍ [2] ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَوَّارٍ [3] ، وَالْحَارِثُ بن مرة. قال: فخرج معه هؤلاء القوم فِي ثَلاثِينَ فَارِسًا [مِنْ] سَادَاتِ عَبْدِ الْقَيْسِ، فَأَنْشَأَ أَبَانٌ يَقُولُ [4] : (مِنْ مَجُزوءِ الرَّمَلِ) 1- جُزِيَ الْجَارُودُ خَيْرًا [5] ... عَنْ أَبَانِ بْنِ سَعِيدِ 2- وَصَبَاحٌ وأخوه ... هرم خير عميد [6]

_ [1] بالأصل: (لعلمتم) . [2] في الأصل: (السج) ، وهو الأشج بن عائذ أو المنذر بن عائذ العبدي، السابق ذكره. [3] عبد الله بن سوار: من عمال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم على البحرين، وكان ممن وفى لأبان بن سعيد بن العاصي. (الإصابة 5/ 92) . [4] القصيدة مضطربة الوزن وفيها خلل كثير نحاول أن نصلحه. جاء البيتان: 1، 2 في الإصابة 3/ 404 وقطع من كتاب الردة ص 23 الذي ينقل عن الإصابة، وحسن الصحابة 1/ 220. [5] في الأصل: (جزى الله الجارود خير) ، والتصويب من الإصابة. [6] في الأصل: (هرمه خير حميد) ، والتصويب من الإصابة.

3- وأشجّ القوم ذو السُّوء ... دد وَالرَّأْيِ السَّدِيدِ [1] 4- وَجُزِيَ الْحَارِثُ مِنْ بَعْ ... دِ جزاء بمزيد 5- وابن سوّار فنعم المر ... ء فِي الْعَامِ الشَّدِيدِ [2] 6- أَسْلَمُوا طَوْعًا وَكَفُّوا ... كُلَّ شيطان مريد [3] 7- ووفوا بالعهد والذّ ... مة وَالأَمْرِ الْحَمِيدِ 8- سَوْفَ تَأْتِيهِمْ مُنَاهُمْ [4] ... مِنْ قَرِيبٍ وَبَعِيدِ 9- إِنَّ مَا [5] أَخْلَقَ مِنِّي ... مِنْ ثَنَاءٍ لَجَدِيدِ قَالَ: وَسَارَ الْقَوْمُ مَعَ أَبَانٍ حَتَّى أَوْرَدُوهُ الْمَدِينَةَ سَالِمًا، فَأَنْشَأَ رَجُلٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ يَقُولُ فِي ذَلِكَ: (مِنَ الطَّوِيلِ) 1- أَتَانَا أَبَانٌ وَالْخُطُوبُ كَثِيرَةٌ ... أَمِيرًا فَقُلْنَا مَرْحَبًا بِأَبَانِ 2- رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ أَعْظِمْ بِحَقِّهِ ... عَلَى كُلِّ عَدْنَانٍ وَكُلِّ يَمَانِ 3- أَطَعْنَا فَلَمْ نَعْصِ أَبَانَا قِلامَةَ [6] ... وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَّا أَذًى بِلِسَانِ 4- وَكُنَّا لَهُ فِي كُلِّ أَمْرٍ يُرِيدُهُ ... كَأَنَّا رَضِيعًا ثَدْيَ أُمِّ أَبَانِ [7] 5- فَلَمَّا أَتَى نَعْيُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ ... تَخَّوَنُهُ رَيْبٌ مِنَ الْحَدَثَانِ 6- أَمَرْنَا أَبَانًا بِالْمُقَامِ مَكَانَهُ ... عَلَى ثِقَةٍ مِنْ أَمْرِهِ وَبَيَانِ 7- وَقُلْنَا لَهُ الْبَحْرَيْنَ أَرْضٌ مضيئةٌ ... بِهَا الدِّينُ والدنيا وأيّ أوان

_ [1] في الأصل: (ذو المودة والرأي السديد) . [2] في الأصل: (في عام الشديد) وخلله واضح. [3] في الأصل: (عن شيطان) . [4] في الأصل: (سرن يأتيهم) . [5] في الأصل: (ان من) ، والصواب (ما) لغير العاقل، وفي البيت اقواء. [6] في الأصل: (فلم نعصي أبانا قلامتا) . [7] في الأصل: (كأنا رضيعي) وهو لحن.

8- وَمَا جَارُ عَبْدِ الْقَيْسِ فِيهِمْ بِمُسْلِمٍ ... يَدُ الدَّهْرِ مَا أَوْفَتْ هِضَابُ عِدَانِ [1] 9- فَلَمَّا أَبَى إِلا اللِّحَاقَ بِقَوْمِهِ ... سَنَنَّا لَهُ مَا سَنَّ أَهْلُ عُمَانِ 10- تَضَمَّنَهُ مِنَّا ثَلاثُونَ رَاكِبًا ... إِلَى قَوْمِهِ وَالنَّاسُ أَهْلِ سِنَانِ قَالَ: وَلَمَّا قَدِمَتْ عَبْدُ الْقَيْسِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، مع أَبَانِ بْنِ سَعِيدٍ، أَثْنَى عَلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَالْمُسْلِمُونَ ثَنَاءً حَسَنًا، قَالَ أَبَانُ بْنُ سَعِيدٍ: وَاللَّهِ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، مَا فَارَقْتُ الْقَوْمَ وَخَرَجْتُ لِشَيْءٍ كَرِهْتُهُ مِنْهُمْ، وَإِنَّهُمْ عَلَى دِينِ الإِسْلامِ، مَا غَيَّرُوا وَلا بَدَّلُوا، وَلَقْد عَرَضُوا عَلَيَّ الْمُقَامَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، غَيْرَ أَنَّهُ وَرَدَ عَلَيَّ كِتَابُكَ فَأَجَبْتُكَ طَائِعًا، وَقَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ عَلَى أَهْلِ الرِّدَّةِ. قَالَ: وَجَعَلَ النَّاسُ يَجْتَمِعُونَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَيَتَقَرَّبُونَ إِلَيْهِ، وَإِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِقِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ. قَالَ: وَهَمَّتْ قَبَائِلُ طَيِّءٍ أَنْ يَرْتَدُّوا عَنْ دِينِ الإسلام، فقام/ سيدهم [9 أ] عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ الطَّائِيُّ [2] ، فَقَالَ: (يَا مَعْشَرَ طَيِّءٍ، إِنَّكُمْ إِنْ أَقَمْتُمْ عَلَى دِينِ الإِسْلامِ أَصَبْتُمُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ، وَإِنْ رَجَعْتُمْ عَنْهُ خَسِرْتُمُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ، وَاسْتَغْنَى اللَّهُ عَنْكُمْ، وَعَلِمْتُمْ أَنَّ الله تبارك وتعالى قد قبض نبيكم محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهذا خليفته

_ [1] هضاب عدان: أراد بها عدن حاضرة حضرموت، وزاد الألف للوزن. وعدان: بتشديد الدال، مدينة كانت على الفرات لأخت الزباء، ومقابلتها أخرى يقال لها (عزان) ، ولا أظن الشاعر أراد ذلك. (ياقوت: عدن، عدان) . [2] عدي بن حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج الطائي، أمير صحابي من الأجواد العقلاء، كان رئيس طيء في الجاهلية والإسلام، وقام في حرب الردّة بأعمال كبيرة، قال ابن الأثير: خير مولود في أرض طيء وأعظمه بركة عليهم، وكان إسلامه سنة 9 هـ-، وشهد فتح العراق، ثم سكن الكوفة وشهد الجمل وصفين والنهروان مع علي بن أبي طالب، وفقئت عينه في صفين، وهو ابن حاتم الطائي الذي يضرب به المثل بجوده، قيل: عاش أكثر من مائة سنة وتوفي بالكوفة سنة 28 هـ-. (امتاع الأسماع 1/ 509، الروض الأنف 2/ 343، الإصابة 4/ 469- 472، خزانة الأدب 1/ 139، الأعلام 4/ 220) .

قَدْ قَامَ بِأَمْرِهِ فِي أُمَّتِهِ، فَوَفِّرُوا عَلَيْهِ صَدَقَاتِكُمْ وَلا تَمْنَعُوهَا، فَإِنَّ مَنْعَهَا يَمْحَقُ الْمَالَ وَيُقَرِّبُ الأَجَلَ، وَخِفُّوا إِلَى قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ مِنْ أَسَدٍ وَغَطَفَانَ وَفَزَارَةَ، فَإِنَّ الْخَلِيفَةَ قَدْ عَزَمَ عَلَى غَزْوِهِمْ، فَإِنَّهُمْ أَقْيَالُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَشُجْعَانُهُمْ فِي الإِسْلامِ، وَأَنْتُمُ الْيَوْمَ خَيْرٌ مِنْكُمْ أَمْسِ، وَالسَّلامُ) . قَالَ: ثُمَّ أَنْشَأَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ يَقُولُ: (مِنَ الطَّوِيلِ) 1- أَلا إنَّ هَذَا الدِّينَ أَصْبَحَ أَهْلُهُ ... عَلَى مِثْلِ حَدِّ السَّيْفِ بَعْدَ مُحَمَّدِ 2- وَلا ذَاكَ مِنْ ذُلٍّ وَلا مِنْ مَخَافَةٍ ... عَلَى الدِّينِ وَالدُّنْيَا لإِنْجَازِ مَوْعِدِ 3- وَلَكِنْ أُصِبْنَا بِالنَّبِيِّ فَلَيْلُنَا ... طَوِيلٌ كَلَيْلِ الأَرْمَدِ الْمُتَلَدِّدِ [1] 4- وَإِنَّا وَإِنْ جَاشَتْ فَزارَةُ كُلُّهَا ... وَذِبْيَانُ فِي مَوْجٍ مِنَ الْبَحْرِ مُزْبِدِ 5- وَأَجْرَى لَهُمْ فِيهَا ذُيُولَ غُرُورِهِ ... طُلَيْحَةُ مَأْوَى كُلِّ غَاوٍ وَمُلْحِدِ 6- نُغَادِرُهُمْ بِالْخَيْلِ حَتَّى نُقِيمَهُمْ ... بِصُمِّ الْعَوَالِي وَالصَّفِيحِ الْمُهَنَّدِ 7- وَحَتَّى يُقِرُّوا بِالنُّبُوَّةِ أَنَّهَا ... مِنَ اللَّهِ حَقٌّ وَالْكِتَابِ لأَحْمَدِ 8- وَقَدْ سَرَّنِي مِنْكُمْ مَعَاشِرَ طَيِّءٍ ... حِمَايَةَ هَذَا الدِّينِ مِنْ كُلِّ مُعْتَدِ 9- وَبَيْعَكُمْ أَمْوَالِكُمْ وَنُفُوسِكُمْ ... رَجَاءَ الَّذِي يَجْزِي بِهِ اللَّهُ فِي غَدِ 10- وَإِعْطَاؤُكُمْ مَا كَانَ مِنْ صَدَقَاتِكُمْ ... بِغَيْرِ جِهَادٍ مِنْ لِسَانٍ وَلا يَدِ قَالَ: فَلَمَّا انْتَهَى شِعْرُهُ وَثَبَ زَيْدُ الخيل الطائي [2] ، فقال: (يا معشر طيء،

_ [1] المتلدد: المتبلد المتحير والمتلفت يمينا وشمالا. (القاموس: لدد) . [2] زيد الخيل الطائي: زيد بن مهلهل بن منهب، من أبطال الجاهلية، لقب بزيد الخيل لكثرة خيله، أو لكثرة طراده بها، كان طويلا جسيما جميلا، وكان شاعرا محسنا وخطيبا لسنا، موصوفا بالكرم، وله مهاجاة مع كعب بن زهير، أدرك الإسلام ووفد على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم سنة تسع للهجرة في وفد طيء فأسلم وسرّ به الرسول وسماه (زيد الخير) ، وأقطعه أرضا بنجد، فمكث في المدينة سبعة أيام وأصابته حمى شديدة فخرج عائدا إلى نجد، فنزل على ماء يقال له (فردة) فمات هنا لك سنة 9 هـ-، وقيل مات في خلافة عمر بن الخطاب. (الأغاني 17/ 245- 269، خزانة الأدب 2/ 448، ذيل المذيل ص 33، ثمار القلوب ص 78،

اعْلَمُوا أَنَّكُمْ فِي مِثْلِ الإِكْلِيلِ مِنْ مُضَرَ، وَأَقْرَبُ الْقَوْمِ إِلَيْكُمْ [1] أَسَدٌ وَغَطَفَانُ، وَقَدْ كُنْتُمْ شُجْعَانَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَدْ بَرِئَ اللَّهُ مِنْهُمْ لِرُجُوعِهِمْ عَنْ دِينِ الإِسْلامِ، وَمَنْعِهِمُ الزَّكَاةِ، وَهَذَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَقَدْ عَزَمَ عَلَى أَنْ يُوَجِّهَ إِلَيْهِمْ بِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ [2] فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، فَكُونُوا سَيْفَهُ الْقَاطِعَ، وَرُمْحَهُ النَّافِذَ، وَسَهْمَهُ الصَّائِبَ) . فَأَجَابَتْهُ قَبَائِلُ طَيِّءٍ إِلَى جَمِيعِ مَا أَحَبَّ، فَأَنْشَدَ زَيْدُ الْخَيْلِ يَقُولُ [3] : (مِنَ الطَّوِيلِ) 1- أَبَى اللَّهُ مَا تَخْشِينَ [4] أُخْتَ بَنِي نَصْرٍ ... فَقَدْ قَامَ بِالأَمْرِ الْجَلِيِّ أَبُو بَكْرِ 2- نَجِيُّ رَسُولِ اللَّهِ فِي الْغَارِ وَحْدَهُ [5] ... وَصَاحِبُهُ الصِّدِّيقُ فِي مُعْظَمِ الأَمْرِ 3- أُمَامَةُ إِنَّ الْقَوْمَ عُمُّوا بِفِتْنَةٍ ... تَكُونُ عليهم مثل راغية البكر [6]

_ [ () ] الشعر والشعراء ص 95، حسن الصحابة ص 284، الإصابة 2/ 622- 624 الأعلام 3/ 61) . [1] (إليكم) : خرجة من فوق السطر. [2] خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي، سيف الله القرشي، كان من أشراف قريش في الجاهلية وشهد مع مشركيهم حروب الإسلام، وأسلم قبل فتح مكة هو وعمرو بن العاص سنة 7 هـ- فسر بهما رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وولّاه الخيل، وجهه أبو بكر لقتال مسيلمة ومن ارتد من أعراب نجد، ثم سيّره إلى العراق سنة 12 هـ- ففتح الحيرة ثم إلى الشام وجعله أمير من فيها من الأمراء، ثم لما تولى عمر بن الخطاب عزله وولى أبا عبيدة بن الجراح، فقاتل بين يدي أبي عبيدة إلى أن تم لهما الفتح سنة 14 هـ-، فرحل إلى المدينة ومات بها، وقيل بحمص في الشام سنة 21 هـ-. (الإصابة 2/ 251- 256، الاستيعاب 2/ 427- 431، صفة الصفوة 1/ 268، تاريخ الخميس 2/ 247، ذيل المذيل ص 43، تهذيب ابن عساكر 5/ 92- 114، الأعلام 2/ 300) . [3] البيتان: 1، 2 في تاريخ دمشق 6/ 36، والإصابة 2/ 624. [4] في الأصل: (أن تخشين) وفيه لحن. الإصابة: (أمام أما تخشين بنت أبي نصر) . [5] يستفيد الشاعر من قوله تعالى: إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما في الْغارِ 9: 40 [التوبة: 40] . [6] راغية البكر: كناية عن الذل، ومنه حديث أبي رجاء: (لا يكون الرجل متقيا حتى يكون

4- بَنُو أَسَدٍ مِنْ بَعْدِ ذُبْيَانَ رَدَّهُمْ ... طُلَيْحَةُ مِنْ بَعْدِ الضَّلالِ إِلَى الْكُفْرِ 5- فَقُلْ لِبَنِي بَدْرٍ إِذَا مَا لَقِيتَهُمْ ... مَتَى كُنْتُمُ الأَذْنَابَ آلَ بَنِي بَدْرِ [1] 6- فَإِنْ تَمْنَعُوا حَقَّ الزَّكَاةِ وَتَتْرُكُوا ... صَلاةً وَفِي هَاتَيْنِ قَاصِمَةُ الظَّهْرِ 7- فَنَحْنُ لأَجْلابِ الْحَوَادِثِ عُرْضَةٌ ... وَمَا مِثْلُنَا حَيٌّ عَلَى العسر واليسر [9 ب] 8- نُقَاتِلُكُمْ فِي اللَّهِ حَتَّى نُقِيمَكُمْ/ ... بِصُمِّ الْعَوَالِي وَالْمُهَنَّدَةِ السُّمْرِ 9- وَحَتَّى يَقُولُوا إِنَّمَا كانَ.... ............... ...... [2] قَالَ: وَجَمَعَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ وَزَيْدُ الْخَيْلِ مَا كَانَ قِبَلَهُمَا مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا، حَتَّى قَدِمَا عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: وَفَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لِكَثْرَةِ مَا رَأَوْا مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ، وَظَنُّوا أَنَّهُ عَسْكَرٌ وَرَدٌّ عَلَيْهِمْ، قَالَ: ثُمَّ تَقَدَّمَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ حَتَّى سَلَّمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ: (يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، هَلْ تَعْرِفُنِي) ، قَالَ: (نَعَمْ، أَنْتَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ الَّذِي أَسْلَمْتَ إِذْ كَفَرُوا، وَأَقْبَلْتَ حِينَ أَدْبَرُوا، وَأَوْفَيْتَ إِذْ غَدَرُوا، وَقَدْ عَرَفْتُكَ وَعَرَفْتُ صَاحِبَكَ زَيْدَ الْخَيْلِ، وَلَوْ لَمْ أَعْرِفْكُمَا لَكَانَ اللَّهُ يُعَرِّفُكُمَا) . فَقَالَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ: (يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، إِنَّا أَطَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَأَطَعْنَاكَ بِطَاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَهَذِهِ قَبَائِلُ طَيِّءٍ قَدْ أَتَيْنَاكَ بِهَا، ونحن خارجون إلى قتال أهل الردة إذا أَنْتَ عَزَمْتَ عَلَى ذَلِكَ، وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) 18: 39. قَالَ: فَدَعَا لَهُمَا أَبُو بَكْرٍ بِخَيْرٍ، وَأَثْنَى عَلَيْهِمَا ثَنَاءً حَسَنًا. ثُمَّ تَقَدَّمَ فَتًى من آل طيء، فأنشأ يقول [3] :

_ [ () ] أذل من قعود كل من أتى إليه أرغاه) أي قهره وأذله، لأن البعير لا يرغو إلا عن ذل واستكانة، وإنما خص القعود لأن الفتى من الإبل يكون كثير الرغاء. (اللسان: رغا) . [1] بنو بدر: نسبة إلى بدر بن عمرو بن جوية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة بن ذبيان. (جمهرة أنساب العرب ص 256) . [2] بياض في الأصل المخطوط بقدر تتمة البيت. [3] الشعر للحارث بن مالك الطائي، انظر أسد الغابة 1/ 345.

(مِنَ الطَّوِيلِ) 1- وَفَيْنَا وَفَاءً لَمْ يَرَ النَّاسُ مِثْلَهُ [1] ... وَسَرْبَلَنَا مَجْدًا عَدِيُّ بْنُ حَاتِمِ 2- وَقَدْ كَانَ زَيْدُ الْخَيْلِ فِيهَا ابْنَ حُرَّةٍ ... عَدُوًّا لِمَنْ عَادَى وَسَلْمُ الْمُسَالِمِ 3- أَفَاءَا عَلَى الصِّدِّيقِ أَنْعَامَ طَيِّءٍ ... بَصِيرَانِ بِالْعُلْيَا وَكَسْبِ الْمَكَارِمِ 4- وَإِنَّ لَنَا قَوْلَ النَّصِيحَيْنِ بِالَّتِي ... تُخْبِرُهَا الرُّكْبَانُ أَهْلَ الْمَوَاسِمِ 5- أَلا إِنَّ هَذَا الدِّينَ للَّهِ طَاعَةٌ ... فَأَلْقُوا إِلَى مَنْ شَاءَكُمْ بِالْجَرَائِمِ 6- وَمَالِكٌ بُعْدًا لِلتَّمِيمِيِّ مَالِكٍ [2] ... وَصَاحِبَةِ قَيْسِ الظَّلُومِ بْنِ عَاصِمِ [3] 7- وَلا مَا أَتَى الْبَدْرِيُّ [4] فِيهَا وَقَوْمُهُ ... عُيَيْنَةُ ذَاكَ الرَّأْيِ رَأْيُ الْغَشَائِمِ 8- تَمَادَوْا وَكَانُوا فِي ظُنُونٍ كَثِيرَةٍ ... مَتَى تَكْشِفُوهَا تَقْرَعُوا سِنَّ نَادِمِ 9- فَلَمَّا أَتَاهُمْ خَالِدٌ فِي جُمُوعِهِ ... تَنَادَوْا وَعَضُّوا عِنْدَهَا بِالأَبَاهِمِ 10- وَصَارُوا جَمِيعًا فِي اللِّقَاءِ فَكُلُّهُمْ ... أَحَادِيثَ طَسْمٍ [5] أَوْ كَأَضْغَاثِ حَالِمِ قَالَ: وَأَقْبَلَ الزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ [6] التَّمِيمِيُّ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بني سعد، فقال:

_ [ () ] البيت الأول: في مروج الذهب 2/ 301، الإصابة 2/ 301، وقطع من كتاب الردّة ص 5، وشعر طيء وأخبارها 2/ 561. [1] الإصابة وقطع من كتاب الردّة: (ما وفى الناس مثله) . [2] في الأصل: (ومالك بعدا فعل التميمي مالك) وهو مضطرب الوزن، وقد حاولنا إصلاحه بالحذف دون الإضافة. [3] مالك: هو مالك بن نويرة التميمي، وقيس: هو قيس بن عاصم سيد تميم، سترد ترجمتهما. [4] البدري: نسبة إلى بدر بن عمرو بن جوية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة، جد عيينة ابن حصن، نسبة إلى جده، وليس البدري هنا من حضر بدرا من الصحابة، لأن عيينة ممن أسلم بعد الفتح وهو المؤلفة قلوبهم. (انظر جمهرة النسب ص 256) . [5] طسم: قوم نسبة إلى طسم بن لاوذ بن أرم بن سام بن نوح عليه السلام، وطسم وعملاق أخوان، وهما ابنا عم جديس وثمود. (جمهرة النسب ص 462) . [6] في الأصل: (الزبرقان بن زيد) ، وسيتكرر ذلك. الزبرقان بن بدر بن امرئ القيس، والزبرقان لقب له وهو الحصين التميمي السعدي،

(يَا مَعْشَرَ بَنِي زَيْدِ مَنَاةَ، إِنَّ نَبِيَّنَا عَلَيْهِ السَّلامُ قَدْ مَضَى لِسَبِيلِهِ، وَهَذَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ قَامَ بِالأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ، وَقَدْ عَزَمَ عَلَى أَنْ يُوَجِّهَ بِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى مَنِ ارْتَدَّ عَنْ هَذَا الدِّينِ وَمَنَعَ الزَّكَاةَ، وَقَدْ بَلَغَكُمْ مَا كَانَ مِنْ بَنِي آلِ طَيِّءٍ، وَكَيْفَ أَجَابُوهُ إِلَى الْحَقِّ، وَأَدَّوُا الزَّكَاةَ، فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي أَنْفُسِكُمْ، وَلا تَسْفِكُوا دِمَاءَكُمْ، وَلا تَرُدُّوا عَلَيَّ كَلامِي، فَإِنِّي لَكُمْ نَاصِحٌ) . فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ: (يَا هَذَا، نَحْنُ وَاللَّهِ أَوْلَى بِصَدَقَاتِنَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَقَدْ جَمَعْنَاهَا إِلَيْكَ، وَدَفَعْنَاهَا لِتَمْضِيَ بِهَا إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَالآنَ قَدْ مَضَى لِسَبِيلِهِ، فَرُدَّ صَدَقَاتِنَا) . فَغَضِبَ الزِّبْرِقَانُ/ بْنُ بَدْرٍ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: (بِئْسَ مَا ظَنَنْتُمْ يَا بَنِي تَمِيمٍ، إِنِّي أَرُدُّ هَذِهِ [1] الإِبِلَ، لأَنَّنِي إِنَّمَا قَبَضْتُهَا للَّه وَفِي حَقِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالَّذِي وَجَبَتْ عَلَيْكُمْ مِنْ زَكَاةِ أَمْوَالِكُمْ، وَاللَّهِ لا رَدَدْتُهَا عَلَيْكُمْ أَبَدًا، وَلأَمْضِيَنَّ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَاصْنَعُوا مَا بَدَا لَكُمْ) . قَالَ: ثُمَّ أَنْشَأَ الزِّبْرِقَانُ يَقُولُ [2] : (مِنَ الطَّوِيلِ) 1- لَقَدْ عَلِمَتْ قَيْسٌ وخندف [3] أَنَّنِي ... وَفَيْتُ إِذَا مَا فَارِسُ الْحَرْبِ أَحْجَمَا 2- أَتَيْتُ الَّتِي قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّهَا ... إِذَا ذُكِرَتْ كَانَتْ أَعَفَّ وَأَكْرَمَا 3- فَزَوَّجْتُهَا مِنْ آلِ حرْقٍ وَأَصْبَحَتْ ... تُثِيرُ بِأَيْدِيهَا الْحَصَى قَدْ تَحَطَّمَا [4]

_ [ () ] صحابي من رؤساء قومه، ولّاه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم صدقات قومه فثبت إلى زمن عمر، كان فصيحا شاعرا، كف بصره في آخر عمره، توفي في أيام معاوية سنة 45 هـ-. (ذيل المذيل ص 32، جمهرة النسب ص 208، خزانة الأدب 1/ 531، طبقات الشعراء ص 47، عيون الأخبار 1/ 226، الإصابة 2/ 550- 552 الاستيعاب 2/ 560- 562، الأعلام 3/ 41) . [1] في الأصل: (هذا) . [2] ورد البيت الأول في: مجاز القرآن 1/ 324، وفي الاكتفاء ص 21- 22 الأبيات الثلاثة الأولى مع بيتين آخرين. [3] في الأصل: (قريش وخندف) ولا يستقيم بها الوزن، والتصويب من مجاز القرآن. [4] في الاكتفاء: (الحصى والمحرما) .

4- وَقَالَ رِجَالٌ خَلِّ عَنْ صَدَقَاتِنَا ... فَقُلْتُ نَعَمْ تِلْكَ الَّتِي تُورِثُ الْعَمَى 5- أَأَقْبِضُهَا للَّه ثُمَّ أَرُدُّهَا ... إِلَيْكُمُ جَهِلْتُمْ فِي الْمَقَالِ وَبِئْسَمَا 6- ظَنَنْتُمْ بَنِي سَعْدِ بْنِ زَيْدٍ وَلَمْ يَقُمْ ... عَلَيْنَا مَعَ الأَشْيَاخِ فِي الْحَيِّ مَأْثَمَا 7- أَبَى اللَّهُ لي ثم أشقى بردّها [1] ... إِّيكم وَلَمْ تَشْقَوْا وَلَمْ أَشْقَ عَلَقْمَا 8- وَإِنِّي بِحَمْدِ اللَّهِ لا عَنْ عَدُوِّكُمْ ... رَجَعْتُ إِذَا مَا الْقُرْبُ حَوْلِي تَجَسَّمَا 9- وَإِنِّي لأَسْتَحْيِي لِبَدْرٍ وَشَيْخِهِ [2] ... عَلَى كُلِّ حَالٍ أَنْ يُذَمَّ وَيُشْتَمَا قَالَ: ثُمَّ قَدِمَ الزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ [3] بِزَكَاةِ قَوْمِهِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ: وَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ كُلَّمَا قَدِمَ عَلَيْهِ وَاحِدٌ مِنْ سَادَاتِ قَوْمِهِ يَقْبِضُ مِنْهُ الزَّكَاةَ، وَيَضُمُّهُ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، حَتَّى صَارَ خَالِدٌ فِي جَيْشٍ كَثِيرٍ. قَالَ: ثُمَّ وَلَّى مَسْعُودًا [4] عَلَى حِفْظِ الْمَدِينَةِ وَحِرَاسَتِهَا، وَأَمَرَهُ أَلا يَتْرُكَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَنْ يَدْخُلَ الْمَدِينَةَ وَلا يَدْنُوَ مِنْهَا. قَالَ: وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ بِالْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمَدِينَةِ حَتَّى ضَرَبَ عَسْكَرَهُ بِمَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ (الْجُرْفُ) [5] ، قَالَ: ثُمَّ دَعَا أَبُو بَكْرٍ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فعقد

_ [1] في الأصل: (أبى الله لي ثم أأشقى بردها) وهو مضطرب وغير موزون، ولعل ما أثبتنا أقرب إلى الصواب. [2] بدر وشيخه: أراد أباه وجده، وهو بدر بن امرئ القيس بن خلف بن بهدلة بن عوف بن سعد. (جمهرة النسب ص 218) . [3] في الأصل: (الزبرقان بن زيد) وقد تكرر هذا الخطأ في كل موضع ورد فيه اسمه. [4] (مسعود) كذا بالأصل، ولعله ابن مسعود، وهو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي، صحابي من أكابرهم فضلا وعقلا وقربا من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهو من أهل مكة ومن السابقين إلى الإسلام، وأول من جهر بقراءة القرآن بمكة، وكان خادم رسول الله وصاحب سره ورفيقه في حله وترحاله، ولي بعد وفاة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بيت مال الكوفة، ثم قدم المدينة في خلافة عثمان فتوفي فيها سنة 32 هـ-. (البدء والتاريخ 5/ 97، صفة الصفوة 1/ 154، حلية الأولياء 1/ 124، البيان والتبيين 2/ 56، غاية النهاية 1/ 458، الإصابة 4/ 233- 336، الأعلام 4/ 137) . [5] الجرف: موضع على ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام، به كانت أموال لعمر بن الخطاب

لَهُ عَقْدًا، وَضَمَّ إِلَيْهِ الْجَيْشَ، ثُمَّ قَالَ: (يَا خَالِدُ [1] ، سِرْ نَحْوَ طُلَيْحَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ الأَسَدِيِّ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ بَنِي أَسَدٍ وَغَطَفَانَ وَفَزَارَةَ، وَانْظُرْ إِذَا وَصَلْتَ إِلَى الْقَوْمِ وَنَزَلْتَ بِدِيَارِهِمْ وَسَمِعْتَ أَذَانًا، فَلا تُقَاتِلَنَّ أَحَدًا حَتَّى تَعْذِرَ إِلَيْهِمْ وَتُنْذِرَهُمْ، ثُمَّ دَسِّسْ إِلَى أُمَرَائِهِمْ وَأَشْرَافِهِمْ فَأَعْطِهِمْ مِنَ الْمَالِ عَلَى أَقْدَارِهِمْ، وَانْظُرْ إِذَا وَافَيْتَهُمْ، فَلا تَنْزِلَنَّ بِهِمْ نَهَارًا فَيَرَوْا عَسْكَرَكَ، وَيَعْلَمُوا مَا فِيهِ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ انْزِلْ بِهِمْ لَيْلا عِنْدَ وَقْتِ نَوْمِهِمْ، ثُمَّ ارْعُوا إِبِلَكُمْ وَحَرِّكُوا أَسْلِحَتَكُمْ، وَهَوِّلُوا عَلَيْهِمْ مَا قَدَرْتُمْ، وَإِنْ أَظْفَرَكُمُ اللَّهُ بِطُلَيْحَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ وَأَصْحَابِهِ، فَسِرْ نَحْوَ الْبِطَاحِ [2] مِنْ أَرْضِ تَمِيمٍ، إِلَى مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ [3] وَأَصْحَابِهِ (وَلَعَلِّي) [4] آتِيكَ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى إِنْ قَدَرْنَا عَلَى ذَلِكَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَلا قُوَّةَ إِلا باللَّه الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ) . فَقَالَ خَالِدٌ: (يَا خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ، فَإِذَا أَنَا وَافَيْتُ الْقَوْمَ، فَإِلَى مَا أَدْعُوهُمْ؟) قَالَ: (ادْعُوهُمْ إِلَى عَشْرِ خِصَالٍ، شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شريك له، وأن

_ [ () ] ولأهل الميدنة، وفيه بئر جشم وبئر حمل. (ياقوت: الجرف) . [1] انظر وصية أبي بكر لخالد بن الوليد في العقد الفريد 1/ 40، مع خلاف في اللفظ. [2] البطاح: (بضم الباء) ماء في ديار بني أسد بن خزيمة، وهناك كانت الحرب بين المسلمين وأميرهم خالد بن الوليد وبين أهل الردة، وكان ضرار بن الأزور الأسدي قد خرج طليعة لخالد بن الوليد، وخرج مالك بن نويرة طليعة لأصحابه، فالتقيا بالبطاح، فقتل ضرار مالكا. (ياقوت: البطاح) [3] مالك بن نويرة بن جمرة بن شداد اليربوعي التميمي، فارس شاعر من أرداف الملوك في الجاهلية، يقال له (فارس ذي الخمار) ، وذو الخمار فرسه، وفي أمثالهم: (فتى ولا كمالك) ، أدرك الإسلام، وولّاه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم صدقات بني يربوع، ولما ولي أبو بكر اضطرب مالك في أموال الصدقات وفرّقها، فتوجه إليه خالد بن الوليد وقبض عليه في البطاح وأمر ضرار بن الأزور الأسدي فقتله سنة 12 هـ-. (النقائض ص 22، 247، 258، 298، معجم الشعراء ص 360، الشعر والشعراء ص 119، طبقات الشعراء ص 170، خزانة الأدب 1/ 236، الإصابة 5/ 754- 756، الأعلام 5/ 267) . [4] في الأصل كلمة مطموسة لعلها: (لعلي) .

مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، / وَالنَّهْيِ عن المنكر، والطاعة، والجماعة) . [10 ب] قَالَ: ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [1] : (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ عبد الله بن عثمان خليفة رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، إِلَى جَمِيعِ مَنْ قُرِئَ عَلَيْهِ كِتَابِي هَذَا، مِنْ خَاصٍّ وَعَامٍّ، أَقَامَ عَلَى إِسْلامِهِ، أَوْ رَجَعَ عَنْهُ، سَلامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، وَرَجَعَ مِنَ الضَّلالَةِ وَالرَّدَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ 9: 33 [2] ، ولِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ 36: 70 [3] ، يَهْدِي اللَّهُ مَنْ أَقْبَلَ إِلَيْهِ، وَضَرَبَ بِالْحَقِّ مَنْ أَدْبَرَ عَنْهُ وَتَوَلَّى، أَلا إِنِّي أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَأَدْعُوكُمْ إِلَى مَا جَاءَ بِهِ نبيكم محمد صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ باللَّه فَهُوَ ضَالٌّ، وَمَنْ لَمْ يُؤَمِّنْهُ اللَّهُ فَهُوَ خَائِفٌ، وَمَنْ لَمْ يَحْفَظْهُ اللَّهُ فَهُوَ ضَائِعٌ، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ فَهُوَ كَاذِبٌ، وَمَنْ لَمْ يُسْعِدْهُ فَهُوَ شَقِيٌّ، وَمَنْ لَمْ يَرْزُقْهُ فَهُوَ مَحْرُومٌ، وَمَنْ لَمْ يَنْصُرْهُ فَهُوَ مَخْذُولٌ، أَلا فَاهْدُوا بِهُدَى اللَّهِ رَبِّكُمْ، وَبِمَا جَاءَ به نبيكم صلّى الله عليه وآله وسلّم، فإنه من يَهْدِ الله فَهُوَ الْمُهْتَدِ، وَمن يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً 18: 17 [4] . وَقَدْ بَلَغَنِي رُجُوعُ مَنْ رَجَعَ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ بَعْدَ الإِقْرَارِ بِالإِسْلامِ، وَالْعَمَلِ بِشَرَائِعِهِ، اغْتِرَارًا باللَّه، عَزَّ وَجَلَّ، وَجَهَالَةً بِأَمْرِهِ، وَطَاعَةً لِلشَّيْطَانِ، والشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ، فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا، إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا من أَصْحابِ السَّعِيرِ 35: 6 [5] ، وَبَعْدُ، فَقَدْ وَجَّهْتُ إِلَيْكُمْ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، فِي جَيْشِ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَأَمَرْتُهُ أَنْ لا يُقَاتِلَ أَحَدًا حَتَّى يَدْعُوهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَيَعْذِرُ إِلَيْهِ وَيُنْذِرُ، فَمَنْ دَخَلَ فِي الطَّاعَةِ وَسَارَعَ إِلَى الْجَمَاعَةِ، وَرَجَعَ مِنَ الْمَعْصِيَةِ إِلَى مَا كَانَ يَعْرِفُ مِنْ دِينِ الإِسْلامِ، ثُمَّ تَابَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَمِلَ صَالِحًا، قبل الله منه

_ [1] راجع الكتاب في الطبري 3/ 250- 251 مع خلاف في اللفظ وزيادة ونقص. [2] أفاد من سورة الصف 9، والفتح 28، والتوبة 33. [3] سورة يس 70. [4] الكهف 17. [5] سورة فاطر 6 (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ ... ) 35: 6 الآية.

ذَلِكَ، وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ، وَمَنْ أَبَى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الإِسْلامِ بَعْدَ أَنْ يَدْعُوَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَيَعْذِرَ إِلَيْهِ، فَقَدْ أَمَرْتُهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ أَشَدَّ الْقِتَالِ، بِنَفْسِهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ أَنْصَارِ دِينِ اللَّهِ وَأَعْوَانِهِ، لا يَتْرُك أَحَدًا قَدَرَ عَلَيْهِ إِلا أَحْرَقَهُ بِالنَّارِ إِحْرَاقًا، وَيَسْبِي الذَّرَارِيَّ وَالنِّسَاءَ، وَيَأْخُذَ الأَمْوَالَ، فَقَدْ أَعْذَرَ مَنْ أَنْذَرَ، وَالسَّلامُ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلا قُوَّةَ إِلا باللَّه الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ) . قَالَ: ثُمَّ طَوَى الْكِتَابَ وَخَتَمَهُ، وَدَفَعَهُ إِلَى خَالِدٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِمَا فِيهِ. قَالَ: فَسَارَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ إِلَى أَهْلِ الرِّدَّةِ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، يُرِيدُ طُلَيْحَةَ بْنَ خُوَيْلِدٍ الأَسَدِيَّ وَأَصْحَابَهُ. قَالَ: وَمَعَ خَالِدٍ يَوْمَئِذٍ جَمَاعَةٌ مِنْ [11 أ] بَنِي أَسَدٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَم/ يَرْتَدُّوا، وَكَتَبَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ ضِرَارُ بْنُ الأَزْوَرِ [1] إِلَى بَنِي عَمِّهِ بَنِي أَسَدٍ، بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ: (مِنَ الْمُتَقَارِبِ) 1- بَنِي أَسَدٍ مَا لَكُمْ عَاذِرٌ ... يَرُدُّ عَلَى السَّامِعِ النَّاظِرِ 2- وَأَعْيَيْتُمُونِي كُلَّ الْعَيَا ... فَتَعْسًا لِجَدِّكُمُ الْغَابِرِ 3- فَهَلْ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنْ مُخْبِرٍ ... يُخَبِّرُ عَنْ كَاهِنٍ سَاحِرِ 4- طُلَيْحَةُ أَكَذْبُ مَنْ يَلْمَعُ [2] ... وَأَشْأَمُ فِي الشُّؤْمِ مِنْ قاشر [3]

_ [1] ضرار بن مالك (الأزور) بن أوس بن خزيمة الأسدي، أحد الأبطال في الجاهلية والإسلام، كان شاعرا مطبوعا، له صحبة، وهو الذي قتل مالك بن نويرة بأمر خالد بن الوليد، وقاتل يوم اليمامة أشد قتال حتى قطعت ساقاه، فجعل يحبو على ركبته ويقاتل والخيل تطأه، ومات بعد أيام من اليمامة سنة 11 هـ-، وقيل قتل في أجنادين في خلافة أبي بكر، وقيل في خلافة عمر. (الإصابة 3/ 481- 483، الاستيعاب 2/ 748- 749، تهذيب ابن عساكر 7/ 30، خزانة الأدب 2/ 8، الأعلام 3/ 216) . [2] أكذب من يلمع: هذا مثل، واليلمع السراب، والبرق الذي لا يمطر سحابه، يضرب للكذوب، قال الشاعر: إذا ما شكوت الحبّ كيما تثيبني ... بودّي قالت: إنّما أنت يلمع (انظر المثل في: مجمع الأمثال 2/ 167، جمهرة الأمثال 2/ 171، المستقصى 1/ 293، اللسان: لمع، معجم الأمثال 1/ 177) . [3] أشأم من قاشر: هذا مثل، وقاشر فحل كان لبني عوافة بن سعد بن تميم، استطرقوه رجاء

5- وَأَخْرَجُ مِنْ لُمُعَاتِ الشَّراب [1] ... بِقَفْرٍ وَأَشْقَى مِنَ الْعَاقِرِ 6- فَمَنْ لانَ مِنْ قَبْلِ حدِّ الظُّبا ... وَمِنْ وَطْأَةِ الخفِّ وَالْحَافِرِ 7- وَمَنْ لانَ مِنْ قَبْلِ سَبْيِ النِّساء ... وَسَفْكِ الدِّماء مَعَ الْكَافِرِ 8- كأنّي بكم قد حَوَى جَمْعِكُمْ ... وَجَمْعِ الشُّقاة بَنِي عَامِرِ 9- وَجَمْعِ الطُّغَاةِ بَنِي فَقْعَسٍ ... وَجَمْعِ الْعُتَاةِ بَنِي دَاهِرِ [2] قَالَ: وَكَتَبَ أَيْضًا يَزِيدُ بْنُ حُذَيْفَةَ [3] إِلَى بَنِي عَمِّهِ بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ [4] : (مِنَ الطَّوِيلِ) 1- بَنِي أَسَدٍ مَا فِي طُلَيْحَةَ خَصْلَةٌ ... يُطَاعُ بِهَا يَا قَوْمُ فِي حَيِّ فَقْعَسِ [5] 2- فَكَيْفَ بِقَوْمٍ قَلَّدُوهُ أُمُورَهُمْ ... جُدِعْتُمْ بِهَذَا مِنْكُمْ كلَّ مَعْطَسِ [6]

_ [ () ] أن يؤنث إبلهم، فماتت الأمهات والنسل. (انظر: الميداني 1/ 380، جمهرة الأمثال 1/ 556، المستقصى/ 183، اللسان: قشر، معجم الأمثال العربية القديمة 1/ 107) . [1] كذا بالأصل ولعلها: (من لمعان السراب) ، ولعل الشراب هنا جمع شربة، والشربة: أرض لينة تنبت العشب وليس بها شجر (اللسان: شرب) . [2] بنو داهر: نسبة إلى دهر بن تيم الأدرم بن غالب (جمهرة النسب ص 175) . [3] في الأصل: (يزيد بن خزيمة) ، وفي الإصابة: يزيد بن حذيفة الأسدي، ذكره وثيمة في كتاب الردّة فيمن ثبت على إسلامه هو ابنه زفر، وكان من أشراف بني أسد فالتحق بخالد بن الوليد، وأرسل إلى بني أسد يحذرهم من طليحة بأبيات. (الإصابة 6/ 699) . [4] البيت الأول في الإصابة 6/ 699، وقطع من كتاب الردة ص 4. [5] فقعس: نسبة إلى فقعس بن طريف بن عمرو بن قعين بن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد. (جمهرة النسب ص 195، اللسان: فقعس) . [6] في الأصل: (جذعتم ... مغطس) وهو تصحيف.

3- طُلَيْحَةُ كَذَّابٌ مَتَى يَرَ عَوْرَةً ... يَرْمِهَا وَإِنْ تَنْصَبْ لَهُ الْحَرْبُ يَجْلِسِ 4- فَلا تَتَّبِعُوهُ إنَّه سَاحِبٌ لَكُمْ [1] ... ذُيُولَ غُرُورٍ بَعْدَهَا يَوْمُ أَنْحَسِ 5- وَكِيسُوا فإنَّ الْكَيْسَ فِيهِ صَلاحُكُمْ ... وَأَنْ يَحْذَرَ الْكَذَّابُ غَيْرَ الْمُكَيَّسِ [2] قَالَ: وَلَمْ يَبْقَ مَعَ خَالِدٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُعْرَفُ بِالصَّلاحِ، إِلا كَتَبَ إِلَى قَوْمِهِ، يُحَذِّرُهُمْ مَقْدَمَ [3] خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ عَلَيْهِمْ، وَيَعْذِلُهُمْ فِي ارْتِدَادِهِمْ عَنْ دِينِ الإِسْلامِ. وَآخِرُ مَنْ كَتَبَ إِلَيْهِمْ جَعْوَنَةُ بْنُ مَرْثَدٍ الأَسَدِيُّ [4] ، بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ [5] : (مِنَ الطَّوِيلِ) 1- بَنِي أَسَدٍ قَدْ سَاءَنِي مَا فَعَلْتُمُ [6] ... وَلَيْسَ لِقَوْمٍ حَارَبُوا اللَّهَ مَحْرَمُ 2- وَأُقْسِمُ بِالرَّحْمَنِ أَنْ قَدْ غَوَيْتُمُ ... بَنِي أَسَدٍ فَاسْتَأْخِرُوا وَتَقَدَّمُوا [7] 3- فإنِّي وَإِنْ عِبْتُمْ عَلَيَّ سَفَاهَةً ... حَنِيفٌ عَلَى دِينِ النَّبيِّ وَمُسْلِمِ [8] 4- أُجَاهِدُ إِنْ كَانَ الْجِهَادُ غَنِيمَةً ... وللَّه بالأمر المجاهد أعلم [9]

_ [1] في الأصل: (صاحب) ، وصوابها (ساحب) بدلالة ذيول التي بعدها. [2] غير المكيس: أي الأحمق، والكيس الظرف والعقل والجود والغلبة. (القاموس: كيس) . [3] في الأصل: (مقام) ، ولا وجه لها. [4] في الأصل: (جعونة بن مزيد) وهو: جعونة بن مرثد، كما في الإصابة، قال: مخضرم، له في طلحة بن خويلد لما ادعى النبوة: (بني أسد قد ساءني ما فعلتم ... ) وذكر البيتين. (الإصابة 1/ 538) . [5] البيتان: 1، 3 في الإصابة 1/ 538. والبيتان: 1، 2 مع ثلاثة أبيات أخرى في تاريخ دمشق 7/ 102 منسوبة إلى ضرار بن الأزور. [6] تاريخ دمشق: (ساءني ما صنعتم) . [7] في الأصل: (وتقدم) . [8] في الإصابة: (على الدين القويم ومسلم) . [9] جاءت ثلاثة أبيات بعدها في تاريخ دمشق 7/ 102 هي: نهيتكم أن تنهبوا صدقاتكم ... وقلت لكم يا آل ثعلبة اعلموا عصيتم ذوي ألبابكم وأطعتم ... ضمينا وأمر ابن اللّقيطة أشام وقد بعثوا وفدا إلى أهل دومة ... فقبّح من وفد ومن يتيمّم

ذكر فجاءة بن عبد ياليل

ذِكْرُ فُجَاءَةَ بْنِ عَبْدِ يَالِيلَ [1] قَالَ: وَسَارَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ يُرِيدُ بَنِي أَسَدٍ، فَأَقْبَلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، يُقَالُ لَهُ: الْفُجَاءَةُ بْنُ عَبْدِ يَالِيلَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: (يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، أَنَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ، وَعَلَى دِينِ الإِسْلامِ مُنْذُ كُنْتُ، لا غَيَّرْتُ وَلا بَدَّلْتُ، وَقَدْ رَغِبْتُ فِي قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ، وَقَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ تُعِينَنِي بِقُوَّةٍ مِنْ خَيْلٍ وَسِلاحٍ، حَتَّى أُفَرِّقَهُ فِي قَوْمِي، وَبَنِي عَمِّي مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، وَأَلْحَقَ بِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَأُقَاتِلَ مَعَهُ طُلَيْحَةَ بْنَ خُوَيْلِدٍ وَأَصْحَابَهُ) . قَالَ: فَدَفَعَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَشَرَةً مِنَ الْخَيْلِ وَسِلاحًا كَثِيرًا، مِنْ سُيُوفٍ وَرِمَاحٍ وَقِسِيٍّ وَسِهَامٍ، وَوَجَّهَ مَعَهُ عَشَرَةَ نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: فَخَرَجَ الْفُجَاءَةُ مِنَ الْمَدِينَةِ، كَأَنَّهُ يُرِيدُ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، ثُمَّ تَرَكَ الطَّرِيقَ إِلَى خَالِدٍ، وَعَطَفَ إِلَى دَارِ بَنِي سُلَيْمٍ، فَأَرْسَلَ إِلَى قَوْمٍ مِنْهُمْ، وَدَعَاهُمْ فَأَجَابُوا، فَعَطَفَهُمْ عَلَى هَؤُلاءِ الْعَشَرَةِ الَّذِينَ وَجَّهَ بِهِمْ مَعَهُ، فَقَتَلَهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ، ثُمَّ إِنَّهُ فَرَّقَ تِلْكَ

_ [1] انظر الخبر موجزا في الطبري 3/ 264- 265. فجاءة بن عبد ياليل: هو إياس بن عبد الله بن عبد ياليل بن عميرة بن خفاف، وقيل بجير بن إياس بن عبد الله، وقد أتى أبا بكر عند ارتداد العرب، فقال: احملني وقوني أقاتل المرتدين، فحمله وأعطاه سلاحا، فخرج يعترض الناس ويقتل المسلمين والمرتدين، وجمع جمعا، فقاتله طريف بن حاجزة وأسره، وبعث به إلى أبي بكر فأمر بحرقه. (البلاذري ص 104، الطبري 3/ 265، جمهرة النسب ص 261، معجم ما استعجم 3/ 1077) .

الْخَيْلَ وَالسِّلاحَ الَّذِي أَعْطَاهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَلَى مَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ سُفَهَاءِ قَوْمِهِ، ثُمَّ سَارَ، فَجَعَلَ يَقْتُلُ النَّاسَ كُلَّهُمْ [1] ، ولا يبقي على قومه ولا على [11 ب] غَيْرِهِمْ، وَهُوَ يَقُولُ: / (مِنَ الْوَافِرِ) 1- أَلَمْ تَرَنِي خَدَعْتُ الْقَوْمَ حَتَّى ... قَوِيتُ بِمَا أَخَذْتُ مِنَ السِّلاحِ 2- وَقُلْتُ لَهُ أَبَا بَكْرٍ أَعِنِّي ... عَلَى مَنْ بِالْبُزَاخَةِ وَالْبِطَاحِ [2] 3- وَقُلْتُ لَهُ أُقَاتِلُ مَنْ عَصَاكُمْ ... وَأَنْصُرُكُمْ عَلَى أَهْلِ الْجَنَاحِ [3] 4- فَقَوَّانِي بِكُلِّ أَقَبِّ نَهْدٍ ... وَبِيضٍ كَالْعَقَائِقِ والرِّماح [4] 5- فَمِلْتُ بِهَا عَلَى الأَقْصَيْنِ قَتْلا ... وَفِي الأَدْنَيْنِ آثَارُ الْجِرَاحِ [5] 6- وَلَسْتُ أَرَى عَلَى تَقْتِيلِ قَوْمِي ... وَلا قَتْلِ الأَبَاعِدِ مِنْ جَنَاحِ 7- سِوَى أنِّي أَقُولُ إِذَا اعْتَرَتْنِي ... هُمُومُ النَّفْسِ مِنْ كُلِّ النَّوَاحِي 8- سَتَلْقَانِي الْمَنِيَّةُ مُسْتَقِلا ... بِأَوْتَادِ الرِّجَالِ ذَوِي السِّلاح [6] 9- وَتِلْكَ سَجِيَّتِي إنِّي وَلُوعٌ ... بِإِيثَارِ الْفَسَادِ عَلَى الصَّلاح [7]

_ [1] في الأصل: (كله) . [2] من بالبزاخة والبطاح: يريد بني تميم وبني أسد. البزاخة: قال الأصمعي: ماء لطيء بأرض نجد، وقال أبو عمرو الشيباني: ماء لبني أسد، كانت فيه وقعة عظيمة في أيام أبي بكر الصديق مع طليحة بن خويلد الأسدي. (ياقوت: بزاخة) . [3] الجناح: الإثم، أو الميل إليه. [4] أقب نهد: فرس ضامر ضخم قوي. العقائق: جمع عقيقة وهي البرقة تستطيل في عرض السحاب يشبهون بها السيوف. (اللسان: عقق) . [5] في الأصل: (الجناح) . [6] أوتاد الرجال: الرجال الأقوياء النابهون، وأوتاد البلاد أيضا: رؤساؤها. (اللسان: وتد) . [7] في الأصل: (شجيتي) بالشين المنقوطة، و (الفسان) ، والناسخ لا يقيم رسم الحروف أحيانا.

قَالَ: فَجَعَلَ الْفُجَاءَةُ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُ، وَيَلْتَمُّ إِلَيْهِ النَّاسُ مِنْ أَهْلِ الدَّعَارَةِ وَالْفَسَادِ، وَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَقْبَلَ عَلَى مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ وغَيْرِهِمْ مِنْ قَيْسِ عَيْلانَ [1] ، فَخَبَّرَهُمْ بِمَا صَنَعَ الْفُجَاءَةُ، فَاغْتَمَّ بَنُو سُلَيْمٍ خَاصَّةً غَمًّا شَدِيدًا، وَقَالُوا: (وَاللَّهِ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، لَقَدْ حَدَّثَتْنَا أَنْفُسُنَا بِبَعْضِ ذَلِكَ، وَلَقَدْ قَلَّدَنَا عَدُوُّ اللَّهِ بِفِعَالِهِ عَارًا لا يُغْسَلُ عَنَّا أَبَدًا) . قَالَ: ثُمَّ وَثَبَ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ الْكِلابِيُّ [2] ، وَكَانَ شَيْخًا مِنْ [بَنِي] كِلابٍ وَفَارِسِهِمْ وَعَمِيدِهِمْ وَشَاعِرِهِمْ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (وَاللَّهِ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، لَقَدْ كَانَ عَدُوُّ اللَّهِ يَرُومُ الْفَسَادَ، وَمَا كُنْتُ أَقُولُ إِنَّهُ يَقْدُمُ عَلَى مِثْلِ هَذَا، وَلَقَدْ كُنْتُ أحذِّر قَوْمِي مِنْ بَنِي ذَكْوَانَ أَنْ يَسْمَعُوا مِنْهُ، وَيَأْخُذُوا بِرَأْيِهِ، فَأَبَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلا مَا أَرَادَ) . ثُمَّ أَنْشَأَ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ يَقُولُ: (مِنَ الطَّوِيلِ) 1- أَلا يَا لِقَوْمِي مِنْ حَوَادِثِ ذَا الدَّهْرِ ... وَإِجْمَاعِ قوم للفجاة عَلَى الْكُفْرِ 2- غَوِيٌّ دَعَا قَوْمًا غُوَاةً لِفِتْنَةٍ ... وَقَدْ يَهْلِكُ الإِنْسَانُ مِنْ حَيْثُ لا يَدْرِي 3- فَقُلْتُ لِقَوْمِي إِنَّهُ قَاذِفٌ بِكُمْ ... غَدًا يَا بَنِي ذَكْوَانَ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ 4- وَإِنَّ لَكُمْ مِنْهُ فَلا تَبْعَثُوا بِهِ ... لَيَوْمًا عَبُوسًا هُوَ [3] أَحَرُّ مِنَ الْجَمْرِ 5- فَلَمَّا دَعَاهُمْ كَانَ أَوْدَعَ سِرَّهُمْ ... إِلَيْهِ وَجَيَّفَ الْخَيْلَ فِي الْبَلَدِ الْقَفْرِ

_ [1] في الأصل: (قيس وعيلان) . [2] الضحاك بن سفيان بن عوف بن كعب الكلابي، صحابي شجاع، كان نازلا بنجد، ولّاه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، على من أسلم بنجد من قومه، ثم اتخذه سيّافا فكان يقوم على رأس النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، متوشحا بسيفه، وكانوا يعدونه بمائة فارس، استشهد في قتال أهل الردة من بني سليم سنة 11 هـ-. (الإصابة 3/ 477- 478، الاستيعاب 2/ 2/ 742- 743، الروض الأنف 2/ 295، الأعلام 3/ 214) . [3] اقرأ واو الضمير (هو) ساكنا لإقامة الوزن.

6- أَلا قَاتَلَ اللَّهُ الْفُجَاةَ لَقَدْ أَتَى ... بِغَدْرَتِهِ [1] الْكُبْرَى عَظِيمًا مِنَ الأَمْرِ 7- فَظَنَّ بِهِ الصِّدِّيقُ ظَنًّا فَخَانَهُ ... وَجَرَّرَ أَثْوَابَ الْخِيَانَةِ وَالْمَكْرِ 8- وَلَيْسَ يَحِيقُ الْمَكْرُ إِلا بِأَهْلِهِ [2] ... كَذَاكَ قَضَاءُ اللَّهِ [3] فِي مُحْكَمِ الزُّبْرِ 9- وَإِنِّي لأَسْتَحْيِي مِنَ اللَّهِ أَنْ أَرَى ... عَلَى كُلِّ حَالٍ نَاصِبًا لأَبِي بَكْرِ 10- وَلا لابِسًا فِي النَّاسِ أَثْوَابَ غَدْرَةٍ ... أَذُوقُ بَها كَأْسًا أَمَرَّ مِنَ الصَّبْرِ [4] 11- أَبَى اللَّهُ لِي بَيْعَ الْهُدَى بِضَلالَةٍ ... أُعَابُ بِهَا حَيًّا وَمَا دُمْتُ فِي قَبْرِي قَالَ: ثُمَّ كَتَبَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَخَبَّرَهُ بِمَا صَنَعَ الْفُجَاءَةَ، وَمَا أَخَذَ مِنَ السِّلاحِ، وَمَا قَتَلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُوَجِّهَ إِلَيْهِ بِقَوْمٍ يَطْلُبُونَهُ فَيَأْتُوا بِهِ حَيْثُ مَا كَانَ. فَلَمَّا وَرَدَ الْكِتَابُ عَلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، لَمْ يُعَجِّلْ بالمسير إلى [12 أ] طُلَيْحَةَ/ بْنِ خُوَيْلِدٍ، لَكِنَّهُ دَعَا رَجُلا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، يُقَالُ لَهُ مُعَاذُ بْنُ وَاثِلَةَ [5] فضم إليه ثلاثمائة فَارِسٍ [مِنْ] [6] أَبْطَالِ عَسْكَرِهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَسِيرَ إِلَى الْفُجَاءَةِ فَيَطْلُبَهُ حَيْثُ كَانَ مِنْ أَرْضِ اللَّهِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ يَأْخُذُهُ أَسِيرًا، وَأَنْ يبعثه إلى

_ [1] في الأصل: (بغدريه) . [2] يشير إلى الآية الكريمة: اسْتِكْباراً في الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ 35: 43 [فاطر: 43] . [3] في الأصل: (كذلك قضا الله) ولا يستقيم بها الوزن. [4] الصبر: بكسر الباء، الدواء المر ولا يسكن إلا في الضرورة كما في هذا البيت، وكما في قول الراجز: أمرّ من صبر ومقر وحضض (الصحاح واللسان: صبر) . [5] في الأصل: (معا بن وايلة) واسم الأب غير معجم وسيرد معجما (واثلة) . ولعل اسمه (معاذ) أو (مضاء) وسيتكرر بالرسم نفسه (معا) . وفي المصادر أن الذي قاتل الفجاءة وأتى به أسيرا إلى أبي بكر هو طريفة بن حاجز. (انظر الطبري 3/ 265، ابن الأثير- التاريخ 2/ 350- 351، الاستيعاب 2/ 776) . [6] (من) زيادة يقتضيها السياق، وما وضعناه بين معقوفتين زيادة من عندنا.

أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَإِنْ قَتَلَهُ وَجَّهَ بِرَأْسِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ. قَالَ: فَخَرَجُوا يُرِيدُونَ الْفُجَاءَةَ، فَلَمَّا سَمِعَ الْفُجَاءَةُ بِذَلِكَ، سَارَ إِلَى قَوْمِهِ يُرِيدُ لِقَاءَ الْمُسْلِمِينَ غَيْرَ عَاجِزٍ، وَدَنَا الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالا شَدِيدًا، وَكَانَتِ الدَّائِرَةُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ، فَأَنْشَأَ رَجُلٌ [1] مِنْ أَصْحَابِ الْفُجَاءَةِ [2] : (مِنَ الطَّوِيلِ) 1- صَحَا الْقَلْبُ عَنْ سُعْدَى [3] هَوَاهُ وَأَقْصَرَا ... وَطَاوَعَ فِيهَا الْعَاذِلِينَ فَأَبْصَرَا 2- وَأَصْبَحَ ودِّي رَايَةَ [4] الْوَصْلِ مِنْهُمُ ... كَمَا وُدُّهَا عنّا كذلك تغيّرا 3- ألا أيّها المدلي بكثرة قومه ... وحظّلك مِنْهُمْ أَنْ تُضَامَ وَتُقْسَرَا [5] 4- سَلِ النَّاسَ عَنَّا كُلَّ يَوْمِ كَرِيهَةٍ ... إِذَا مَا الْتَقَيْنَا دَارِعِينَ وَحُسَّرَا 5- أَلَسْنَا نُعَاطِي ذَا الطِّمَاحِ لِجَامَهُ ... وَنَظْفَرُ فِي الْهَيْجَا إِذَا الْمَوْتُ أَضْجَرَا [6] 6- وَعَارِضَةٌ شَهْبَاءُ تَقْطُرُ بِالْقَنَا [7] ... تَرَى الْبِيضَ فِي حَافَاتِهَا والسَّنورا [8]

_ [1] هو أبو شجرة بن عبد العزى السلمي، وهو ابن الخنساء كما في الطبري 3/ 266، نسب قريش ص 320، ابن الأثير 2/ 351. [2] القطعة مع بيت آخر في تاريخ المدينة المنورة 2/ 764- 765، وتاريخ الطبري 3/ 266، ورغبة الآمل 4/ 92. والأبيات: 1، 3، 4، 5، 7، في تاريخ الكامل 2/ 351. والأبيات: 3، 4، 7، في فتوح البلدان ص 107، والاكتفاء ص 158، 161، والإصابة 7/ 203. والبيت السابع في نسب قريش ص 320. [3] في الطبري وابن الأثير: (عن مي هواه) . [4] الطبري: (وأصبح أدنى رائد الجهل والصبا) . [5] الطبري وابن الأثير والإصابة: (أن تضام وتقهرا) . [6] الطبري وابن الأثير: (ونطعن في الهيجا إذا الموت أقفرا) . [7] الطبري: (تخطر بالقنا ترى البلق) . [8] السنور: كل سلاح من حديد، والسنور: جملة السلاح، وخص بعضهم به الدروع، وقال الأصمعي، السنور ما كان من حلق، يريد به الدروع، والسنور: لبوس من قدّ يلبس في

7- فروَّيت [1] رُمْحِي مِنْ كَتِيبَةِ خَالِدٍ ... وإنِّي لأَرْجُو بَعْدَهَا أَنْ أعمَّرا قَالَ: فَنَادَى [2] الْقَوْمُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا، وَأَحْدَقَتِ الْخَيْلُ بِالْفُجَاءَةِ، فَذَهَبَ لِيَحْمِلَ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَكَبَا بِهِ فَرَسُهُ، فَسَقَطَ إِلَى الأَرْضِ، فَأُخِذَ أَسِيرًا، وَوَلَّى [3] أَصْحَابُهُ مُنْهَزِمِينَ، فَأَخَذَهُمُ السَّيْفُ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ مَنْ قُتِلَ، وَأَفْلَتَ الْبَاقُونَ، ثُمَّ اسْتَوْثَقَ مُعَاذُ [4] بْنُ وَاثِلَةَ مِنَ الْفُجَاءَةِ، وَقَالَ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ، أَخَذْتَ خَيْلَ أَبِي بَكْرٍ وَسِلاحَهُ، فَقَتَلْتَ بِهِ الْمُسْلِمِينَ وَرَجَعْتَ عَنْ دِينِ الإِسْلامِ، أَظَنَنْتَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ يَغْفَلُ عَنْ أَفْعَالِكَ، قَالَ: فَسَكَتَ الْفُجَاءَةُ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا. فَأَرْسَلَ مُعَاذٌ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، يُخْبِرُهُ بِالْوَقْعَةِ وَأَخَذَ الْفُجَاءَةَ، فَأَرْسَلَ خَالِدٌ: أَنْ وَجِّهْ بِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَيَرَى فِيهِ رَأْيَهُ، فَحَمَلَ الْفُجَاءَةُ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مَا كَلَّمَهُ بِشَيْءٍ، وَلا سَأَلَهُ عَمَّا فَعَلَ، ثُمَّ دَعَا رَجُلا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ يُقَالُ لَهُ: طُرَيْفَةُ [5] ، فَقَالَ: يَا طُرَيْفَةُ، خُذْ إِلَيْكَ عَدُوَّ اللَّهِ فَأَخْرِجْهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ، وَأَحْرِقْهُ بِالنَّارِ إِحْرَاقًا. قَالَ: فَأُخْرِجَ الْفُجَاءَةُ، ثُمَّ جُمِعَ لَهُ الْحَطَبُ، وَشُدَّتْ يَدَاهُ وَرِجْلاهُ، وَوُضِعَ فِي وَسْطِ الْحَطَبِ، وَأُضْرِمَ الْحَطَبُ بِالنَّارِ، وَأُحْرِقَ الْفُجَاءَةُ حَتَّى صَارَ فَحْمًا، فَأَنْشَأَ رجل من بني سليم يقول [6] :

_ [ () ] الحرب كالدرع، قال لبيد: وجاءوا به في هودج ووراءه ... كتائب خضر في نسيج السَّنوَّر (اللسان: سنر) . [1] نسب قريش: (ورويت) . [2] بالأصل الكلمة مطموسة لعلها: فنادى أو فدعا. [3] في الأصل: (وولت) . [4] في الأصل: (معا) . [5] في الأصل: (ظريفة) بالظاء المعجمة، وهو طريفة بن حاجز، انظر فيه: الطبري 3/ 265، وابن الأثير 2/ 350- 351، والاستيعاب 2/ 776. [6] لم أقف على اسم الشاعر ولم أجد للقطعة تخريجا في المصادر، وكثير من شعر هذا الكتاب لمجهولين ولم يرد شعرهم في الكتب، والقطعة من الشعر الركيك.

1- إنَّ حرق الفجاة من نعم اللّ ... هـ عَلَى مَنْ أقرَّ بِالإِسْلامْ 2- أَخَذَ الْخَيْلَ والسِّلاح على العه ... د فَخَانَ الْفُجَاةُ عَهْدَ الإِمَامْ 3- ثُمَّ لَمْ يَبْرَحِ الفجاة يرى الح ... قّ سفاها والحلَّ منه الحرام [1] / [12 ب] 4- يقتل الناس لا يرى أنَّ لل ... هـ جَزَاءً فِي عَاقِبِ الأَيَّامْ 5- لَمْ يُبَالِ [2] فِي قَبِيلِ سُلَيْمٍ ... جرَّد السَّيْفِ أَمْ قَبِيلِ حِزَامْ 6- قرّت العين بالفجاة إذ النَّا ... ر تَلَظَّى عَلَيْهِ بِالإِضْرَامْ 7- إنَّ مِثْلَ الَّذِي رَأَيْتُ شفاء النّ ... فس يَرْوِي الشَّجي [3] مِنَ الأَسْقَامْ قَالَ: ثُمَّ كَتَبَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، يُخْبِرُهُ بِمَا فَعَلَ اللَّهُ بِالْفُجَاءَةِ، وَيَأْمُرُهُ بِالدُّخُولِ إِلَى أَرْضِ بَنِي أَسَدٍ، إِلَى طُلَيْحَةَ بْنِ الْخُوَيْلِدِ وَأَصْحَابِهِ.. قَالَ: فَسَارَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالنَّاسِ، حَتَّى إِذَا صَارَ بِأَرْضِ بَنِي أَسَدٍ، نَدِمَتْ بَنُو غَطَفَانَ عَلَى اتِّبَاعِهِمْ طُلَيْحَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ، وَلَمْ يُحِبُّوا أَنْ يَكُونُوا أَذْنَابًا لِبَنِي أَسَدٍ. قَالَ: وَكَانَ فِيهِمْ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْغَطَفَانِيُّ [4] ، فَهَرَبَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ بَنِي عَمِّهِ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، قَالَ: فَأَكْرَمَهُ خَالِدٌ، وَرَفَعَ قَدْرَهُ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُخْبِرُهُ، وَكَتَب الْغَطَفَانِيُّ إِلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حصن الفزاري بهذه الأبيات [5] :

_ [1] كذا في الأصل وفيه اقواء ولحن، والوجه (الحراما) بتقدير: يرى الحل الحراما. [2] في الأصل: (لم يبالي) وهو لحن. [3] تسكن ياء (الشجي) لضرورة الوزن، والشجي: الحزين ذو الهم. [4] زياد بن عبد الله الغطفاني، أدرك الإسلام وكان ممن فارق عيينة بن حصن لما بايع طليحة في الردة، ولحق بخالد بن الوليد، وأنشد له شعرا يقول فيه: أبلغ عيينة إن عرضت لداره ... (الإصابة 2/ 642) . [5] الأبيات: 1، 2، 5 في الإصابة 2/ 643، وقطع من كتاب الردة ص 4.

(مِنَ الْكَامِلِ) 1- أَبْلِغْ عُيَيْنَةَ إِنْ مَرَرْتَ بِدَارِهِ [1] ... قَوْلا يَسِيرُ بِهِ الشَّفِيقُ النَّاصح 2- أَعُيَيْنُ [2] إنَّ طُلَيْحَةَ بْنَ خُوَيْلِدٍ ... كَلْبٌ بِأَكْنَافِ الْبُزَاخَةِ نَابِحُ [3] 3- إِنْ تَحْتَشِدْ [4] تَسْلَمْ، فَزَارَةُ كُلُّهَا ... وَيُقِمْ بِمَدْحِكَ يا بن حصن مادح 4- أولا فإنَّك [5] يا بن حصن هالك ... خذها وقرنك يا بن بَدْرٍ نَاطِحُ [6] 5- كَالطَّوْدِ وَالأَنْصَارُ تَحْتَ لِوَائِهِ [7] ... وَمُهَاجِرُونَ مُشَاوَرُونَ شَرَامِحُ [8] 6- بَاعُوا الإِلَهَ بِقَوْلِهِم طَلَبُ الَّتِي ... فِيهَا النَّجَاةُ وَذَاكَ بَيْعٌ رَابِحُ 7- فَهُنَاكَ يَقْشَعُ عَنْ طُلَيْحَةَ كِذْبُهُ ... وَيَضِيقُ مُلْتَبِسٌ وَيَصْلَدُ قَادِحُ [9] 8- وَيَقُومُ بِالأَمْرِ الْجَلِيلِ نَوَائِحُ ... هَتَكَ الْجُيُوبَ بِهِنَّ دَمْعٌ سَافِحُ 9- كَمْ مِنْ [10] رَئِيسٍ مِنْ فَزَارَةَ صالح ... والناس منهم صالحون وطالح

_ [1] الإصابة: (إن عرضت لداره) . [2] الإصابة: (أعلمت أن طليحة) . [3] البزاخة: موضع في ديار بني أسد كانت فيه وقعة للمسلمين على بني أسد زمن الردة، مرت الترجمة فيما سبق. [4] في الأصل: (إن تخشه) وهو خلاف المعنى المراد. تحتشد: أي تنحاز عنه. [5] في الأصل: (بأنك) . [6] في الأصل: (ناطحوا) . يا بن بدر: نسبة إلى جد عيينة بن حصن الأكبر بدر بن عمرو بن جوية بن لوذان. (انظر جمهرة النسب ص 256) . [7] هذا البيت غير مرتبط المعنى بما قبله، ولعل هناك أبياتا سقطت من الرواية. [8] مشاورون: ذوو رأي يستشار بهم. شرامح: طوال أشداء. [9] في الأصل: (ومصلد) . صلد الزند: صوت ولم يخرج نارا، وأصلد الرجل: أي صلد زنده. (الصحاح: صلد) . [10] في الأصل: (كمن) .

10- قَدْ قَادَ قَوْمَ طُلَيْحَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ ... وَالْقَوْمُ قَائِدُهُمْ كَذُوبٌ فَاضِحُ 11- أَعْظِمْ بِهَذَا فِي فَزَارَةَ سُبَّةً ... مَاذَا أَقُولُ فَأَنْتَ نَابٌ جَامِحُ [1] قَالَ: فَلَمَّا وَصَلَ هَذَا الشِّعْرُ إِلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيِّ، أَقْبَلَ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ، فَقَالَ: اعْلَمُوا أَنَّا مَا صَنَعْنَا شَيْئًا، وَإِنَّا لَنَرَى النَّقْصَ وَالْعَارَ فِي مَسِيرِنَا هَذَا مَعَ طُلَيْحَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ، وَلَسْنَا نَدْرِي كَيْفَ يَكُونُ الأَمْرُ غَدًا، لَنَا أَمْ عَلَيْنَا، وَلَقَدْ لَبِسْنَا فِي مَسِيرِنَا هَذَا ثَوْبَ الْمَخَازِي. قَالَ: فَبَيْنَمَا الْقَوْمُ كَذَلِكَ، إِذَا هُمْ بِأَمَةٍ سَوْدَاءَ وَاقِفَةٍ عَلَى الْمَاءِ تَسْقِي غَنَمًا لَهَا، وَهِيَ تَقُولُ [2] : (مِنَ الْمُتَقَارِبِ) 1- بَنِي أَسَدٍ أَيْنَ الْفِرَارُ غُلِبْتُمُ ... إِذَا مَا أَنَاخَ بِكُمْ خَالِدُ 2- نَمَاهُ الْوَلِيدُ وَمَنْ مِثْلُهُ ... إِذَا عَدَّ مِنْ قَوْمِهِ وَاحِدُ 3- وَأَحْيَا الْمُغِيرَةُ مَا قَبْلَهُ ... فَأَنْجَبَهُ الْجَدُّ وَالْوَالِدُ 4- رَحِيبُ الذِّراع بِسَفْكِ الدِّما ... أَلا إنَّه الأَسَدُ اللابِدُ 5- أَلا إنَّه اللَّيث [3] فِي غَيْلِهِ ... / ألا إنَّه الأهرت الجارد [4] [13 أ] قَالَ: فَقَالَ لَهَا عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ: (وَيْلَكِ يَا سَوْدَاءُ، مَنْ يَقُولُ هَذَا الشِّعْرَ) ، فَقَالَتْ: (لا وَاللَّهِ مَا أَدْرِي، غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ دَوِيًّا مِنْ هَذَا الْغَدِيرِ، وَقَائِلا يَقُولُ هَذِهِ الأَبْيَاتَ) . فَاغْتَمَّ عُيَيْنَةُ وَانْكَسَرَ لِذَلِكَ انْكِسَارًا شَدِيدًا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى طُلَيْحَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ، وَهُوَ جَالِسٌ فِي بَنِي عَمِّهِ، فَقَالَ لَهُ: (أَبَا عامر، أتاك جبريل مذ نزلت هذا

_ [1] في الأصل: (غاب) . الناب: الناقة المسنة. [2] الشطر الأول من البيت الأول من بحر الطويل، وبقية الأبيات من المتقارب. [3] في الأصل: (أنه ليث) . [4] الأهرت: الواسع الفم، صفة الأسد، تشبه خالدا بالأسد. الجارد: الذي يقشر ويقطع، أي يبيد أعداءه.

الْمَنْزِلَ) ؟، قَالَ طُلَيْحَةُ: (لا) ، قَالَ: (فَهَلْ تَرْجُو أَنْ يَأْتِيَكَ) ، قَالَ: (نَعَمْ، وَلِمَ سَأَلْتَ عَنْ ذَلِكَ) ، فَقَالَ: (إِنِّي سَمِعْتُ هَذِهِ الأَمَةَ السَّوْدَاءَ تَزْعُمُ أَنَّهَا سَمِعَتْ مِنْ هَذَا الْغَدِيرِ كَذَا وَكَذَا) . قَالَ: فَضَحِكَ طُلَيْحَةُ، ثُمَّ قَالَ: (تَرَى أَنَّ سِحْرَ قُرَيْشٍ وَصَلَ إِلَيْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ) ؟ قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ قُرَّةُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ الْقُشَيْرِيُّ [1] عَلَى بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، فَقَالَ: (يَا بَنِي عَامِرٍ، هَذَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَقَدْ أَظَلَّكُمْ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَقَدْ تَقَارَبَ مِنْ أَرْضِكُمْ، فَلَوْ صَاحَ بِخَيْلِهِ صَيْحَةً لَصَبَّحَكُمْ، فَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ، وَارْجِعُوا عَنْ هَذَا الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ، فَأَنْتُمْ قَتَلْتُمْ بِالأَمْسِ الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو السَّاعِدِيَّ [2] ، وَكَانَ مِنْ أَخْيَارِ أَصْحَابِ محمد صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ خَفَرْتُمْ [3] ذِمَّةَ أَبِي بَرَاءٍ [4] ،............... ............... ............... ............... .....

_ [1] قرة بن سلمة بن هبيرة القشيري، وفي الاستيعاب: قرة بن هبيرة بن عامر بن سلمة الخير بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة القشيري، وفد على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وقال له: (يا رسول الله، الحمد للَّه، إنَّا كنا نعبد الآلهة لا تنفعنا ولا تضرنا) ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: (نعم ذا عقلا) . وقرة هذا هو جد الصمة القشيري الشاعر، وأحد وجوه الوفود من العرب على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم. (الإصابة 5/ 437- 440، الاستيعاب 3/ 1281) . [2] المنذر بن عمرو بن خنيس بن حارثة الخزرجي الساعدي، عقبي بدري، استشهد يوم بئر معونة، وذلك أن عامر بن مالك ملاعب الأسنة قدم على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال: (ابعث معي من عندك من شئت وأنا لهم جار) ، فبعث رهطا منهم المنذر بن عمرو وهو الذي يقال له أعنق ليموت، فسمع بهم عامر بن الطفيل فاستنفر لهم بني سليم فنفر منهم رهط بنو عصية وبنو ذكوان فكانت وقعة بئر معونة وقتل المنذر ومن معه، وكانت الوقعة في صفر سنة أربع هجرية. (السيرة النبوية 2/ 183- 185، الكامل في التاريخ 2/ 171، الإصابة 6/ 217- 218) . [3] في الأصل: (حقرتم) وصوابها حفرتم، وخفر الذمة: نقض العهد وغدر. [4] أبو براء: هو عامر بن مالك ملاعب الأسنة، رئيس بني عامر بن صعصعة، وفارس قيس، وأحد أبطال العرب في الجاهلية، وهو عم لبيد بن ربيعة الشاعر، سمي ملاعب الأسنة بقول أوس بن حجر: ولاعب أطراف الأسنّة عامر ... فراح له خطّ الكتيبة أجمع

وَرَدَّكُمْ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ [1] عَنْ دِينِ الإِسْلامِ، وَإِنِّي خَائِفٌ عَلَى طُلَيْحَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ أَنْ يَظْفَرَ بِهِ خَالِدٌ، فَإِذَا قَدْ هَلَكَ هَلَكْنَا مَعَهُ) . قَالَ: فَأَبَى قَوْمُهُ أَنْ يُطِيعُوهُ، ثُمَّ قَالُوا: (لا وَاللَّهِ، لا نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا أَبَدًا، وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالزَّكَاةِ مِنَ ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ) . قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ قُرَّةُ بْنُ سلمة الغافر [2] بِأَنَّكُمْ (إِنْ لَمْ تُعْطُوا الدَّنِيَّةَ فِي دِينِكُمْ أَنْ تَسْفِكُوا دِمَاءَكُمْ بِإِجْمَاعِكُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ) ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ [3] : (مِنَ الطَّوِيلِ) 1- أَرَاكُمْ أُنَاسًا مُجْمِعِينَ عَلَى الْكُفْرِ ... وَأَنْتُمْ غَدًا نَهْبٌ لِجَيْشِ أَبِي بَكْرِ [4] 2- بَنِي عَامِرٍ لا تَأْمَنُوا الْيَوْمَ خَالِدًا ... يُصِبْكُمْ غَدًا مِنْهُ بِقَاصِمَةِ الظَّهر [5] 3- بَنِي عَامِرٍ مَا عِنْدَ قُرَّةَ مَنْعَةٌ ... إِذَا الْخَيْلُ جَالَتِ بالمثّقفة السّمر

_ [ () ] أدرك الإسلام وقدم على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بتبوك، توفي سنة 10 هـ-. (الإصابة 3/ 599، المحبر ص 472، الروض الأنف 2/ 174، جمهرة النسب ص 193 خزانة الأدب 1/ 338 الأعلام 3/ 255) . [1] عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر العامري، فارس بني عامر، وأحد فتّاك العرب وشعرائهم وساداتهم في الجاهلية، أدرك الإسلام فوفد على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في المدينة بعد فتح مكة يريد الغدر به، فدعاه إلى الإسلام فاشترط أن يجعل له نصف ثمار المدينة وأن يجعله ولي الأمر من بعده، فرده فغادر حنقا، فمات في طريقه قبل أن يبلغ قومه، وهو ابن عم لبيد الشاعر، مات بالغدة سنة 11 هـ-. (الشعر والشعراء ص 118، البيان والتبيين 1/ 32، المحبر ص 234، خزانة الأدب 1/ 471- 474، الإصابة 5/ 172، الأعلام 3/ 252) . [2] الشعر لقرة بن سلمة القشيري كما في كتاب الردة، وفي الإصابة جاء بيتان منه لخويلد بن ربيعة العقيلي، وهو أصح، لأن قرة بن سلمة كان من المرتدة كما ينص البيت الثالث. [3] البيتان: 1، 2، في الإصابة 2/ 364، وفيه: لخويلد بن ربيعة العقيلي أبو حرب من بني عامر، قال وثيمة في الردة: وأنه خطب قومه بني عامر وأمرهم بالثبات على الإسلام. [4] في الإصابة: (لخيل أبي بكر) . [5] في الإصابة: (بني عامر إن تأمنوا اليوم خالدا ... يصبكم غدا منه بقارعة الدهر)

4- فَوَارِسُهَا الآسَادُ آسَادُ جَيْشِهِ [1] ... وَإِخْوَانُهُ الشُّمُّ الْعَرَانِينَ مِنْ فِهْرِ 5- أُولَئِكَ [2] أَصْحَابُ النَّضير وَخَيْبَرَ ... وَيَوْمِ حُنَيْنٍ وَالْفَوَارِسِ مِنْ بَدْرِ 6- وَمِنْ كلِّ حَيٍّ فارس ذو حَفِيظَةٍ ... وَقُورٍ إِذَا رِيعَ الْجَبَانُ مِنَ الذُّعْرِ 7- تَقَحَّمَهَا فِي غَمْرَةِ الْمَوْتِ خَالِدٌ ... بِمُعْتَرَكِ ضَنْكٍ أحرَّ من الجمر 8- هنا لك لا تَلْوِي عَجُوزٌ عَلَى ابْنِهَا ... وَتَخْرُجُ رَأْسُ الْكَاعِبَاتِ [3] مِنَ الْخِدْرِ قَالَ: فَأَبَى الْقَوْمُ أَنْ يُطِيعُوهُ، ولجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ وَارْتِدَادِهِمْ. قَالَ: وَدَنَا خالد ابن الْوَلِيدِ مِنْ أَرْضِ بَنِي أَسَدٍ، ثُمَّ دَعَا بِعُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ الأَسَدِيِّ [4] ، وَثَابِتِ بْنِ أَقْرَمَ الأَنْصَارِيِّ [5] ، وَمَعْبَدِ بْنِ عَمْرٍو الْمَخْزُومِيِّ، وَقَالَ لَهُمُ: انْطَلِقُوا وَتَجَسَّسُوا الْخَبَرَ عَنْ طُلَيْحَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ وأصحابه وعن موضع عسكره، قال: فبينا [13 ب] هُمْ كَذِلَك، إِذْ وَقَعَ عَلَيْهِمْ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ/ طُلَيْحَةَ فَقَتَلُوهُمْ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ لا يَعْلَمُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا أَبْطَأَ عَلَيْهِ خَبَرُهُمْ، كَأَنَّهُ أَنْكَرَ أَمْرَهُمْ، فَرَكِبَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَسَارَ، وَإِذَا هُمْ بِالْقَوْمِ قَتْلَى، فَاغْتَمَّ لِذَلِكَ غَمًّا شَدِيدًا، ثُمَّ أَمَرَ بِهِمْ فَحُمِلُوا وَدُفِنُوا في عسكر المسلمين.

_ [1] كذا بالأصل ولعلها (آساد بيشة) . [2] في الأصل: (وإليك) محرفة عن (أولئك) تقدمت الألف على الواو، والناسخ لا يرسم الهمزة بل يجعلها ياء. [3] في الأصل: (الكاعنات) . [4] في الأصل: (الأزدي) ، وهو عكاشة بن محصن الأسدي، من بني غنم، صحابي من أمراء السرايا، يعد من أهل المدينة، شهد المشاهد كلها مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وقتل في حرب الردة ببزاخة من أرض نجد، قتله طليحة بن خويلد سنة 12 هـ-. (الإصابة 4/ 533- 534، حلية الأولياء 2/ 12، الروض الأنف 2/ 73، الأعلام 4/ 244) . [5] في الأصل: (ثابت بن أرقم) وصوابه: ثابت بن أقرم بن ثعلبة بن عدي بن العجلان البلوي حليف الأنصار، ممن شهد بدرا، وهو الذي أخذ الراية بعد مقتل عبد الله بن رواحة يوم مؤتة فدفعها إلى خالد بن الوليد، قتل في عهد أبي بكر الصديق، قتله طليحة بن خويلد الأسدي سنة 12 هـ-. (الإصابة 1/ 383- 384، الاستيعاب 1/ 199، السيرة النبوية 2/ 379- 380) .

قَالَ: وَبَلَغَ بَنِي أَسَدٍ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ قَدْ دَنَا مِنْ أَرْضِهِمْ، فَأَقْبَلُوا عَلَى طليحة ابن خُوَيْلِدٍ، فَقَالُوا: (يَا أَبَا عَامِرٍ، إِنَّا نَظُنُّ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ سَارَ إِلَى مَا قَبْلَنَا، وَذَلِكَ أنَّا قَتَلْنَا ثَلاثَةَ أَنْفُسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَوْ بَعَثْتَ مَنْ يَتَجَسَّسُ لَنَا خَبَرَهُ) ، قال: فقال طليحة: (نعم أريتم [1] إِنْ بَعَثْتُمْ بِفَارِسَيْنِ بَطَلَيْنِ عَلَى فَرَسَيْنِ عَتِيقَيْنِ أَدْهَمَيْنِ أَغَرَّيْنِ مُحَجَّلِينَ مِنْ بَنِي نَصْرِ بْنِ قُعَيْنٍ [2] ، أَتَيَاكُمْ مِنَ الْقَوْمِ بِعَيْنٍ) . فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: (أَبَا عَامِرٍ، أَشْهَدُ أَنَّكَ لَنَبِيٍّ حَقًّا، فَلَيْسَ هَذَا الْكَلامُ إِلا مِنْ كَلامِ الأَنْبِيَاءِ) . قَالَ: ثُمَّ بَعَثَ الْقَوْمُ بِفَارِسَيْنِ عَلَى مَا وَصَفَ طُلَيْحَةُ لِيَتَجَسَّسَا أَخْبَارَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَرَجَعَا يَرْكُضَانِ وَهُمَا يَقُولانِ: (هَذَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، أَقْبَلَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ) ، قَالَ: فَازْدَادَ الْقَوْمُ فِتْنَةً إِلَى فِتْنَتِهِمْ، وَجَعَلَ طُلَيْحَةُ يُشَجِّعُ أَصْحَابَهُ وَيَقُولُ: (يَا مَعْشَرَ بَنِي أَسَدٍ، لا يُهَوِّلَنَّكُمْ مَا قَدِ اجْتَمَعَ إِلَى خَالِدٍ مِنْ هَذَا الْجَيْشِ، فَإِنَّهُمْ عَلَى بَاطِلٍ وَغُرُورٍ، وَأُخْرَى فَإِنَّهُمْ لَهِجُوا بِهَذِهِ الصَّلاةِ، فَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُحْسِنُونَ، وَلَقَدْ أَتَانِي جِبْرِيلُ يُخْبِرُنِي عَنْ رَبِّي أَنَّهُ لَيْسَ يَحْتَاجُ إِلَى تَعْفِيرِ وُجُوهِكُمْ، وَفَتْحِ أَدْبَارِكُمْ، وَلا يُرِيدُ مِنْكُمْ رُكُوعًا وَلا سُجُودًا، وَلَكِنْ يُرِيدُ مِنْكُمْ أَنْ تَذْكُرُوهُ قِيَامًا وَقُعُودًا، فَانْظُرُوا أَنْ تَمْنَعُوا الْقَوْمَ أَمْوَالَكُمْ كَمَا مَنَعْتُمُوهَا فِي جَاهِلِيَّتِكُمْ، وَأَمَّا عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ فَقَدْ أَخْبَرَنِي عَنْهُ جِبْرِيلُ أَنَّهُ قَدْ خَافَ مِنْ حَرْبِ الْقَوْمِ، وَايْمُ اللَّهِ، لَوْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ صَادِقَةٌ لَمَا خَافَ أَبَدًا إِذَا كَانَ عَلَى هَذَا الدِّينِ) ، ثُمَّ أَنْشَأَ طُلَيْحَةُ بْنُ خُوَيْلِدٍ يَقُولُ [3] : (مِنَ الطَّوِيلِ) 1- بَنِي أَسَدٍ لا تطمعوا صَدَقاتِكُمْ ... مَعَاشِرَ حَيٍّ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ [4]

_ [1] كذا بالأصل أي أرأيتم. [2] في الأصل: (نضر بن قصي) مصحف ومحرف، وصوابه: (نصر بن قعين) ابن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد. (انظر: جمهرة أنساب العرب ص 190) . [3] لم أجد القطعة في المصادر الأخرى. [4] في الأصل: (معاشر من حي لؤي) ولا يستقيم بها الوزن.

2- وَحَامُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ بِرِمَاحِكُمْ ... وَبِالْخَيْلِ تُرْدِي وَالسُّيُوفِ الْقَوَاضِبِ 3- كَمَا كُنْتُمْ بِالأَمْسِ فِي جَاهِلِيَّةٍ ... تَهَابَكُمُ الأَحْيَاءُ مِنْ كُلِّ جَانِبِ 4- فَلَمْ يَظْفَرُوا مِنْكُمْ بِشَيْءٍ وَكُنْتُمْ ... شَجًا نَاشِبًا وَالدَّهْرُ جَمُّ الْعَجَائِبِ 5- فَإِنْ قَامَ بِالأَمْرِ الْمُخَوِّفِ قَائِمٌ ... مَنَعْنَا حِمَانَا أو لحقنا بمأرب [14 أ] 6- وخلَّفتم الأَرْضَ الْفَضَاءَ وإنَّني ... أُحَاذِرُ فِيمَا كَانَ جبُّ الْغَوَارِبِ [1] / 7- وَقَدَمًا أَتَتْكُمْ مِنْ عُيَيْنَةَ قَالَةً ... وَلَيْسَتْ لَهُ فِيمَا يُرِيدُ بِصَاحِبِ 8- فَإِنْ تَحْذَرِ الْحَرْبَ الْعَوَانَ فإنَّني ... لِحَرْبِ قُرَيْشٍ كلِّها غَيْرُ هَائِبِ 9- فَقُولا لَهُ صَرِّحْ وَفِينَا بقيَّة ... وَدَعْ يا بن وثَّاب دَبِيبَ الْعَقَارِبِ [2] قَالَ: ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَى طُلَيْحَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالُوا: (يا أبا عامر، أنا قد أضربنا الْعَطَشُ، فَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ حِيلَةٍ) ، فَقَالَ طُلَيْحَةُ: (نَعَمِ، ارْكَبُوا عِلالا، فَاضْرِبُوا أَمْيَالا، وَجَاوِزُوا الرِّمَالا، وَشَارِفُوا الْجِبَالا، وَيَمِّمُوا التِّلالا، تَجِدُوا هُنَاكَ قِلالا) . قَالَ: فَرَكِبَ بَعْضُ بَنِي أَسَدٍ فَرَسًا لِطُلَيْحَةَ يُقَالُ لَهُ عِلالٌ [3] ، ثُمَّ سَارَ إِلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي وَصَفَهُ طُلَيْحَةُ، فَإِذَا هُوَ بِمَاءٍ عَذْبٍ زُلالٍ، فَشَرِبَ مِنْهُ، وَمَلأَ سِقَاءً كَانَ مَعَهُ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَخَبَّرَهُمْ بِذَلِكَ، فَمَضَوْا إِلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَاسْتَقَوْا وَازْدَادُوا فِتْنَةً إِلَى فِتْنَتِهِمْ. قَالَ: وَجَعَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ يَتَأَتَّى بِطُلَيْحَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ، وَيُرْسِلُ إِلَيْهِ الرُّسُلَ، وَيُحَذِّرُهُ سَفْكَ دِمَاءِ أَصْحَابِهِ، وَطُلَيْحَةُ يَأْبَى ذَلِكَ، ولجّ في طغيانه، قال: فعندها

_ [1] جب الغوارب: قطع السنام. [2] دبيب العقارب: يريد النمائم، ويقال للرجل الذي يقترض أعراض الناس: (إنه لتدب عقاربه) (اللسان: عقرب) . وفي المثل: (دبت إلينا عقاربهم) أي شرهم وأذاهم. (المستقصي في الأمثال 2/ 79) . [3] علال: لم يرد ذكره في كتب الخيل، ولطليحة من الخيل المعروفة: الحمالة، والحمامة الصغرى. (أسماء خيل العرب ص 74، 87، الأقوال الكافية ص 297) .

عَزَمَ خَالِدٌ عَلَى حَرْبِ الْقَوْمِ، وَزَحَفَ إِلَيْهِمْ، فَوَافَاهُمْ بِأَرْضٍ يُقَالُ لَهَا بُزَاخَةُ [1] ، وَإِذَا طُلَيْحَةُ قَدْ عَبَّأَ أَصْحَابَهُ، وَعَبَّأَ خَالِدٌ أَصْحَابَهُ، فَكَانَ عَلَى مَيْمَنَتِهِ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ الطَّائِيُّ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِ زَيْدُ الْخَيْلِ، وَعَلَى الْجَنَاحِ الزِّبْرِقَانُ التَّمِيمِيُّ، وَنَادَى الْقَوْمُ بَعْضَهُمْ مَعَ بَعْضٍ، وَاخْتَلَطَ الْقَوْمُ، وَاقْتَتَلُوا، فَقُتِلَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ جَمَاعَةٌ، وَحَمَلَتْ بَنُو أَسَدٍ وَغَطَفَانُ وَفَزَارَةُ فَقَاتَلُوا بَيْنَ يَدَيْ طُلَيْحَةَ أَشَدَّ الْقِتَالِ، وَهُمْ يُنَادُونَ: (لا نُبَايِعُ أَبَا الْفَصِيلِ) ، يَعْنُونَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَجَعَلَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ يَحْمِلُ عَلَيْهِمْ فِي أَصْحَابِهِ فَيُقَاتِلُهُمْ، وَهُوَ يَقُولُ: (وَاللَّهِ لَنُقَاتِلَنَّكُمْ أَبَدًا، أَوْ تُكَنُّونَهُ بِالْفَحْلِ الأَكْبَرِ) . وَأَنْشَأَ حُرَيْثُ بْنُ زَيْدِ الْخَيْلِ [2] ، يَقُولُ [3] : (مِنَ الْوَافِرِ) 1- أَلا أَبْلِغْ بَنِي أَسَدٍ جَمِيعًا ... وَهَذَا الْحَيُّ مِنْ غَطَفَانَ قِيلِي 2- بأنَّ طُلَيْحَةَ الْكَذَّابَ أَهْلٌ ... لَحَاهُ اللَّهُ لِلْجَدْعِ الأَصِيلِ [4] 3- دَعَاكُمْ للشَّقا فَأَجَبْتُمُوهُ ... وَكُنْتُمْ فِي حَوَادِثِ شُرَحْبِيلِ 4- بِشَتْمِكُمْ أَبَا بَكْرٍ سَفَاهًا ... وَقُلْتُمْ لا نُطِيعُ أَبَا الْفَصِيلِ 5- وَرَجَّعَكُمْ عَنِ الإِسْلامِ كُفْرًا ... وَقَدْ كُنْتُمْ عَلَى دِينِ الرَّسول 6- فَلا وَاللَّهِ تَبْرَحُ نَائِحَاتٌ ... يُعَالِينَ الْبُكَاءَ عَلَى القتيل

_ [1] بزاخة: ماء لبني أسد، مر ذكرها، وكذلك مرت ترجمة الأعلام التالية في هذه الفقرة. [2] حريث بن زيد الخيل بن مهلهل الطائي، شاعر نشأ في الجاهلية ووفد على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، فأسلم هو وأخ له اسمه مكنف، وبعث النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم حريثا في رسالة إلى أهل أيلة، وشهد قتال أهل الردة مع خالد بن الوليد، يعد من الصحابة ومن شعراء الحماسة، عاش إلى أيام مصعب بن الزبير، وقتله مبارزة في حرب بها عبيد الله بن الحر الجعفي سنة 60 هـ-. (النوادر- أبو مسحل ص 29، الإصابة 2/ 54، الشعر والشعراء 1/ 86 في ترجمة أبيه زيد الخيل، الأعلام 2/ 174) . [3] البيتان: 1، 2 في الإصابة 2/ 54، وشعر طيء وأخبارها 2/ 566. [4] الإصابة: (بأن طليحة الكذاب أضحى ... عدو الله حاد عن السبيل)

7- وَإِلا فَاصْبِرُوا لِجَلادِ يَوْمٍ ... مِنَ الأَيَّامِ مَشْهُورٍ طويل [14 ب] 8- تَشِيبُ النَّاهد الْعَذْرَاءُ مِنْهُ ... عَزِيزُ الْقَوْمِ فِيهِ كَالذَّلِيلِ/ 9- كَمَا كُنْتُمْ وَكَانَ بَنُو أَبِيكُمْ ... وَكُنَّا فِي حَوَادِثِهَا النُّزُولِ 10- مَتَى نَغْزُوكُمْ نَرْجِعْ بِنَهْبٍ ... وَنَشْفِ [1] الصَّدْرَ مِنْ دَاءِ الْغَلِيلِ 11- مِنَ الحيَّين مِنْ أَسَدٍ جَمِيعًا ... وَمِنْ غَطَفَانَ تَهْتِفُ بِالْعَوِيلِ 12- إلى أن تقبلوا الإسلام كرها ... بحدِّ الرَّمح والسَّيف الصَّقيل 13- وحتَّى تَدْعُوَ الأَحْيَاءُ طرَّا ... أَبَا بَكْرٍ أَبَا فَحْلِ الْفُحُولِ [2] قَالَ: وَجَعَلَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ، وَزَيْدُ الْخَيْلِ، وَقَبَائِلُ طَيِّءٍ، يقاتلون بين يدي خالد ابن الْوَلِيدِ، قِتَالا لَمْ يُقَاتِلُوا قَبْلَهُ فِي يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِهِمْ الَّتِي سَلَفَتْ، وَقَدْ مَدَحَهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، يَقُولُ [3] : (مِنَ الطَّوِيلِ) 1- جَزَى اللَّهُ عنَّا طيِّئا فِي بِلادِهَا ... بِمُعْتَرَكِ الأَبْطَالِ خَيْرَ جَزَاءِ 2- هُمْ أَهْلُ رَايَاتِ [4] السَّماحة والنَّدى ... إِذَا مَا الصَّبا أَلْوَتْ بِكُلِّ خِبَاءِ 3- هُمْ قَسَرُوا [5] قيسا على الدين بعد ما ... أَجَابُوا مُنَادِيَ فِتْنَةٍ وَعَمَاءِ [6] 4- مِرَارًا فَمِنْهَا يَوْمُ أعلى بزاخة ... ويوم ثغاء رذيَّة ببكاء [7]

_ [1] في الأصل: (تشفي) . [2] في الأصل: (أبو فحل) . [3] الأبيات مع بيت آخر في: تاريخ دمشق 7/ 99، ومعجم البلدان 4/ 212. والأبيات: 1، 2، 3 في البداية والنهاية 5/ 28. [4] في الأصل: (أهل أرباب السماحة) ولا يستقيم، والتصويب من المصادر المذكورة أعلاه، وأرباب محرّفة عن رايات. [5] في الأصل: (هم نصروا قيسا) ولا يستقيم بها المعنى، والكلمة محرّفة عن قسروا. وفي معجم البلدان: (هم ضربوا بعثا على الدين) . [6] بعد هذا البيت في تاريخ دمشق ومعجم البلدان، قوله: (وخال أبونا الغمر لا يسلمونه ... وثجّت عليهم بالرماح دماء) [7] العجز في معجم البلدان: (ومنها القصيم ذو زهى ودعاء) .

قَالَ: وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ، وَعَظُمَ الأَمْرُ، وعضَّت الْحَرْبُ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، فَأَقْبَلَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ إِلَى طُلَيْحَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ، وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَابِ خَيْمَتِهِ، وَفَرَسُهُ عِلالٌ إِلَى جَنْبِهِ، وَامْرَأَتُهُ نَوَّارُ جَالِسَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُيَيْنَةُ: (أَبَا عَامِرٍ، هَلْ أَتَاكَ جِبْرِيلُ بَعْدُ [1] ؟) قَالَ: (لا) ، فَرَجَعَ عُيَيْنَةُ إِلَى الْحَرْبِ فَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُ سَاعَةً ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: (هَلْ أَتَاكَ جِبْرِيلُ بَعْدُ؟) قَالَ: (لا) ، فَرَجَعَ فَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُ حَتَّى بَلَغَ مِنْهُ الْجَهْدُ، وَاشْتَدَّ بِهِ الأَمْرُ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى طُلَيْحَةَ فَقَالَ: (أَبَا عَامِرٍ، أَتَاكَ جِبْرِيلُ؟) فَقَالَ: (لا) ، قَالَ عُيَيْنَةُ: (فَحَتَّى مَتَى وَيْحَكَ، بَلَغَ مِنَّا الْجَهْدُ، وَاشْتَدَّ بِنَا الأَمْرُ، فَأَحْجَمَ النَّاسُ عَنِ الْحَرْبِ) . ثُمَّ رَجَعَ فَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُ وَبَنُو عَمِّهِ مِنْ فَزَارَةَ، حَتَّى ضَجِرَ مِنَ الطِّعَانِ وَالضِّرَابِ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: (يَا أَبَا عَامِرٍ، هَلْ أَتَاكَ جِبْرِيلُ) ، قَالَ: (نَعَمْ، قَدْ أَتَانِي) ، قَالَ عُيَيْنَةُ: (اللَّهُ أَكْبَرُ، هَاتِ الآنَ مَا عِنْدَكَ، وَمَا الَّذِي قَالَ لَكَ جِبْرِيلُ) ، قَالَ: (نَعَمْ، قَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ: إِنَّ رِجَالا تَقُومُ لِرِجَالٍ، وَإِنَّ لَكَ وَلَهُ حَدِيثًا لا تَنْسَاهُ النَّاسُ أَبَدًا) . ثُمَّ أَقْبَلَ عُيَيْنَةُ عَلَى بَنِي عَمِّهِ مِنْ فَزَارَةَ فَقَالَ لَهُمْ: (وَيْحَكُمْ يَا بَنِي عَمِّي، هَذَا وَاللَّهِ رَجُلٌ كَذَّابٌ، وَالآنَ صَحَّ عِنْدِي كِذْبُهُ لِتَخْلِيطِهِ فِي كَلامِهِ) ، ثُمَّ أَنْشَأَ عُيَيْنَةُ يَقُولُ: (مِنَ الْخَفِيفِ) 1- خفَّ حِلْمِي [2] أَطَاعَنِي أَصْحَابِي ... وَالْهَوَى فِي طُلَيْحَةَ الكذَّاب 2- صرَّح الأَمْرُ بَعْدَ طُولِ شُرُورٍ ... عَنْ غُرُورٍ كَمُخَلَّفَاتِ السَّحاب 3- ورمانا بفتنة كلظى النَّا ... ر رَجَعْنَا بِهَا عَلَى الأَعْقَابِ 4- فَلَئِنْ كَانَ مَا يَقُولُ سَرَابًا ... وَهَبَاءً يَغِرُّ مِثْلَ السَّرَابِ 5- مَا لَنَا الْيَوْمَ فِي طُلَيْحَةَ رَأْيٌ/ ... غَيْرَ شَدِّ النَّحى وترك القباب [3] [15 أ]

_ [1] في الأصل: سطر مكرر ومشطوب. [2] في الأصل: (علمي) . [3] في الأصل: (النحا) ، ولعلها النحى جمع النحي: سهم عريض النصل، كني به عن

6- ثُمَّ لا يَنْظُرُ الْحَدِيدُ [1] إِلَيْهِ ... مَا عَوَى [2] اللَّيْلَ نَابِحَاتُ كِلابِ قَالَ: ثُمَّ وَلَّى عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ مُنْهَزِمًا مَعَ بَنِي عَمِّهِ مِنْ فَزَارَةَ، وَانْهَزَمَتْ بَنُو أَسَدٍ وَغَطَفَانَ، وَسُيُوفُ الْمُسْلِمِينَ فِي أَقْفِيَتِهِمْ كَأَنَّهَا الصَّوَاعِقُ، فَقَالَ طُلَيْحَةُ بْنُ خُوَيْلِدٍ: (وَيَلْكُمْ مَا بَالُكُمْ مُنْهَزِمُونَ؟) فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ: (أَنَا أُخْبِرُكَ يَا أَبَا عَامِرٍ لَمْ نَنْهَزِمْ، نَحْنُ قَوْمٌ نُقَاتِلُ نُرِيدُ الْبَقَاءَ، وَهَؤُلاءِ يُقَاتِلُونَ وَيُحَبُّونَ الْفَنَاءَ) . فَقَالَتْ لَهُ نَوَّارُ امْرَأَةُ طُلَيْحَةَ: (أَمَا إِنَّهُ لَوْ كَانَتْ لَكُمْ نِيَّةٌ صَادِقَةٌ لَمَا انْهَزَمْتُمْ عَنْ نَبِيِّكُمْ) . فَقَالَ لَهَا رَجُلٌ مِنْهُمْ: (يَا نَوَّارُ، لَوْ كَانَ زَوْجُكِ هَذَا نَبِيًّا لَمَا خَذَلَهُ رَبُّهُ) ، قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ طُلَيْحَةُ ذَلِكَ صَاحَ بِامْرَأَتِهِ: (وَيْلَكِ يَا نَوَّارُ، اقْتَرِبِي منِّي، فَقَدِ اتَّضَحَ الْحَقُّ وَزَاحَ الْبَاطِلُ) . قَالَ: ثُمَّ اسْتَوَى طُلَيْحَةُ عَلَى فَرَسِهِ، وَأَرْدَفَ امْرَأَتَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَمَرَّ مُنْهَزِمًا مَعَ مَنِ انْهَزَمَ. وَاحْتَوَى خَالِدٌ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى غَنَائِمِ الْقَوْمِ وَعَامَّةِ سَلَبِهِمْ وَأَوْلادِهِمْ [3] ، فَأَنْشَأَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ [4] يَقُولُ [5] : (مِنَ الْكَامِلِ) 1- سَائِلْ طُلَيْحَةَ يَوْمَ وَلَّى هَارِبًا ... بَلْوَى بُزَاخَةَ وَالدِّمَا تَتَصَبَّبْ [6] 2- يَوْمَ اجْتَلَبْنَا بِالرِّمَاحِ عَذَارِيًا ... بيض الوجوه كأنَّهنَّ الرّبرب [7]

_ [ () ] السلاح، ومن معاني النحى: الزق، وجرة فخار يجعل فيها لبن ليمخض، ونوع من الرطب. (القاموس: نحا) . [1] الحديد: الرجل اللسن والفطن والشديد الغضب. [2] في الأصل: (ما غوى) ، والناسخ لا يحقق النقاط فقد يهمل المعجم ويعجم المهمل. [3] كذا بالأصل، ولعلها (أموالهم) . [4] هو عوف بن عبد الله الأسدي، كما في الإصابة 5/ 165. [5] البيتان: 2، 6 في الإصابة 5/ 165. [6] في الأصل: (براحة والدما تصب) . [7] الإصابة: (يوم اختلسنا) و (حواسرا كالربرب) .

3- ظَنُّوا وَغَرَّهُمُ طُلَيْحَةُ بِالْمُنَى ... حقَّا وَدَاعِي ربِّنا لا يَكْذِبْ 4- لمَّا رَأَوْنَا بِالْفَضَاءِ وإنَّنا ... نَدْعُو إِلَى دِينِ النَّبِيِّ وَنَرْغَبْ 5- وَلَّوْا فِرَارًا وَالرِّمَاحُ تَنُوشُهُمْ ... وَبِكُلِّ وَجْهٍ أَقْصَدُوهُ وَمَرْقَبْ 6- وَنَجَا طُلَيْحَةُ مُرْدِفًا امْرَأَتَهُ ... وَسْطَ الْعَجَاجَةِ كَالسِّقَاءِ الْمُحْقِبْ [1] 7- يَعْدُو بِهِ نَهْدٌ أَقَبُّ كأنَّه ... عِيرٌ بِدُومَةٍ [2] أَوْ بِوَادِي الأَجْرَبْ [3] 8- يَلْحَى فَوَارِسَهُ وَأَكْثَرُ قَوْلِهِ ... لَنْ يُنْجِيَ [4] الْمَهْزُومَ غَيْرُ الْمَهْرَبْ [5] قَالَ: فَجَمَعَ خَالِدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ غَنَائِمَ الْقَوْمِ، فَوَكَّلَ بِهَا نفرا من المسلمين يحفظونها، ثم خرج فِي طَلَبِ الْقَوْمِ يَتْبَعُ آثَارَهُمْ، حَتَّى وَافَاهُمْ بباب الأجرب،

_ [1] السقاء: جلد السخلة إذا أجذع، يكون للماء واللبن، شبه امرأة طليحة وهي خلفه على ظهر الفرس بهذا السقاء. المحقب: أي اتخذها كالحقيبة، وهي الرفادة في مؤخر القتب، وكل ما شد في مؤخر الرجل أو القتب فقد احتقب (القاموس: حقب) . [2] دومة: قال أبو عبيد السكوني: دومة الجندل حصن وقرى بين الشام والمدينة قرب جبلي طيء، كانت به بنو كنانة من كلب، قال: ودومة من القريّات، من وادي القرى إلى تيماء أربع ليال، والقريّات: دومة وسكاكة وذو القارة، فأما دومة فعليها سور يتحصن به، وفي داخل السور حصن منيع يقال له مارد وهو حصن أكيدر الملك بن عبد الملك ابن عبد الحي الكندي. (ياقوت: دومة الجندل) [3] الأجرب: موضع يذكر مع الأشعر من منازل جهينة بناحية المدينة، وأجرب: موضع آخر بنجد، قال أوس بن قتادة بن عمرو بن الأخوص: أفدي ابن فاختة المقيم بأجرب ... بعد الظّعان وكثرة الترحال (ياقوت: أجرب) [4] في الأصل: (لم ينجى) . [5] راجع الطبري 3/ 253- 261. وكان طليحة حين حلّت به الهزيمة قد أعدّ فرسه عنده، وهيأ بعيرا لامرأته النوار، فلما أن غشوه يقولون: ماذا تأمرنا، قام فوثب على فرسه وحمل امرأته ثم نجا بها، وقال: من استطاع منكم أن يفعل مثل ما فعلت وينجو بأهله فليفعل، وإلى هذا يشير الشاعر. (الطبري 3/ 256)

فَاقْتَتَلُوا قِتَالا شَدِيدًا، فَأُسِرَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ، وَأُسِرَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ بَنِي عَمِّهِ، وَأَفْلَتَ طُلَيْحَةُ بْنُ خُوَيْلِدٍ، فَمَرَّ هَارِبًا عَلَى وَجْهِهِ نَحْوَ الشَّامِ، حَتَّى صَارَ إِلَى بَنِي جَفْنَةَ، فَلَجَأَ إِلَيْهِمْ وَاسْتَجَارَ بِهِمْ، فَأَجَارُوهُ، فَأَنْشَأَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ [1] ، يَقُولُ [2] : (مِنَ الطَّوِيلِ) 1- أَلَمْ تَرَ أنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ نَصْرَهُ ... وصبَّ عَلَى الكفَّار سَوْطَ عَذَابْ [3] 2- وعضَّت بَنُو أَسَدٍ (بِأَيْرِ) [4] أَبِيهِمُ ... .... [5] طُلَيْحَةَ الكذَّاب 3- وَعُيَيْنَةُ الْبَدْرِيُّ أَصْبَحَ نَادِمًا ... مُغْرِي الثِّيَابِ مُشَذِّبَ الأَصْحَابْ 4- كُلَّ يَوْمٍ يَعُرُّهُ مَا بَنَاهُ ... وَعَلَيْنَا مِنْ عَارِهِ أَثْوَابْ [6] 5- فَلَيْتَ أَبَا بَكْرٍ رَأَى مِنْ سُيُوفِنَا ... وَمَا تَخْتَلِي [7] مِنْ أَذْرُعِ الأَصْحَابْ قَالَ: ثُمَّ جَمَعَ خَالِدٌ الأُسَارَى جَمِيعَهُمْ مِنْ بَنِي أَسَدٍ وَغَطَفَانَ وَفَزَارَةَ، وَعَزَمَ

_ [1] القائل هو بجير بن بجرة كما في التذكرة السعدية ص 124 وذكر له أربعة أبيات، والشاعر في الإصابة اسمه: عميرة بن بجرة، وذكر له بيتين. الإصابة 5/ 162. [2] البيتان: 1، 5 في الإصابة 5/ 162 والتذكرة السعدية ص 124- 125 وفي الأخير زيادة بيتين آخرين هما: كأنَّهم والخيل تتبع فلَّهم ... جراد زهته الريح يوم ضباب إذا ما فرغنا من ضراب كتيبة ... سمونا لأخرى مثلها بضراب [3] في الإصابة: (يوم بزاخة أحال على الكفار سوط عذاب) . في التذكرة السعدية: (يوم براجة) وهو تحريف بزاخة، و (يصب على الكفار) . [4] في الأصل: (أسد أبيهم) ، وبالزيادة يستقيم البيت. [5] في الأصل كلمة: (ونبوتهن) ولا يستقيم بها الوزن والمعنى، ولعله أراد: ونبيهم. [6] كذا جاء البيت وهو مستقيم المعنى ولكنه خارج على وزن القطعة. [7] في الأصل: (وما يجتلي) وهو تصحيف. في الإصابة: (يرى من سيوفنا وما ... تختلي من أذرع ورقاب) . في التذكرة السعدية: (يرى من سيوفنا وما ... تختلي من معصم ورقاب)

أن يوجّه بِهِمْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَنْشَأَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يَقُولُ: (مِنَ الْخَفِيفِ) 1- صدَّنا وَالْهَوَى لَهُ أَسْبَابٌ ... عَنْ هَوَانَا طُلَيْحَة الكذاب/ [15 ب] 2- لبس العار باتباع هواه ... فإذا قوله اللَّعين سراب 3- فَأَجَبْنَا إِذَا دَعَانَا سَفَاهًا ... وَصَحِبْنَا وللشَّقا أَصْحَابْ 4- يَا عُيَيْنُ بْنَ حِصْنٍ [1] آل عَدِيٍّ ... أَنْتُمْ مِنْ فَزَارَةَ أَذْنَابْ 5- حَسْبُكَ الْيَوْمَ مِنْ طُلَيْحَةَ مَا حَسْبُ- ... كَ طَالَ الْبَلا [2] وَقَلَّ الْعِتَابْ قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ خَالِدٌ بِالْمَجَامِعِ [3] ، وَوُضِعَتْ في أعناق هؤلاء الأسارى، ووجّه بهم مع الْغَنَائِمِ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا أَشْرَفَتِ الْغَنَائِمُ عَلَى الْمَدِينَةِ، خَرَجَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَى الأُسَارَى، فَإِذَا هُمْ بِعُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ عَلَى بَعِيرٍ وَيَدُهُ مَجْمُوعَةٌ إِلَى عُنُقِهِ، فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَشْتُمُونَهُ وَيَلْعَنُونَهُ وَهُوَ سَاكِتٌ لا يَنْطِقُ بِشَيْءٍ، وَهُمْ يَنْخُسُونَهُ بِالْعُسْبَانِ [4] وَيَقُولُونَ لَهُ: (يَا عَدُوَّ اللَّهِ، أَكَفَرْتَ بَعْدَ إِيمَانِكَ، وَقَاتَلْتَ الْمُسْلِمِينَ) . فَقَالَ: (وَاللَّهِ مَا آمَنَ ذَلِكَ الرَّجُلُ باللَّه سَاعَةً قَطُّ) ، يَعْنِي نَفْسَهُ [5] . ثُمَّ أُوتِيَ بِهِ حَتَّى أُدْخِلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَوْقَفَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: (يَا عَدُوَّ اللَّهِ، أَسْلَمْتَ وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ ثُمَّ رَجَعْتَ عَنْ دِينِ الإِسْلامِ كَافِرًا، لأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ صَبْرًا) . قَالَ عُيَيْنَةُ: (يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، إِنَّ الْجَمِيلَ أَجْمَلُ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَعْرَفَ بِي مِنْكَ، لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ شيء من أمري،

_ [1] في الأصل: (بن حصين ال عدي) ولا يستقيم بها الوزن. [2] في الأصل: (البلاء) وتحذف الهمزة للوزن. [3] المجامع: جمع جامعة وهي الغل. [4] في الأصل: (العسيان) بالياء، وصوابها العسبان بالباء الموحدة جمع عسيب، جريدة من النخل مستقيمة دقيقة يكشط خوصها، والعسيب من السعف: فويق الكرب لم ينبت عليه الخوص، وما نبت عليه الخوص فهو السعف، والجمع عسب وعسوب وعسبان. (اللسان: عسب) [5] انظر الخبر موجزا في الطبري 3/ 260.

وَلَقَدْ خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا وَإِنِّي لَمُقِيمٌ عَلَى النِّفَاقَ، غَيْرَ أَنِّي تَائِبٌ إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكَ فِي يَوْمِي هَذَا، فَاعْفُ عَنِّي، عَفَا اللَّهُ عَنْكَ) . فَعَفَا عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَصَفَحَ عَنْ بَنِي عَمِّهِ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ وَكَسَاهُمْ، فَأَنْشَأَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ يَقُولُ: (مِنَ الْكَامِلِ) 1- إنِّي لَشَاكِرُ نِعْمَةِ الصِّدِّيقِ ... ذَاكَ [1] المعصَّب بِالأُمُورِ عَتِيقُ 2- تُنْمِيهِ مِنْ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ [2] خَيْرُهَا ... مِنْ فَرْعِهَا وَأَشَمُّهَا الْغِرْنِيقُ [3] 3- وَاللَّهِ لَوْلا عَفْوُهُ وَفِضَالُهُ [4] ... ضَاقَ الْبِلادُ وَلَمْ يَسِغْ لِي رِيقِي [5] 4- إِذْ قَالَ قَائِلُهُمْ عُيَيْنَةُ هَالِكٌ ... وَجَرَتْ ظُنُونُ النَّفْسِ بِالتَّحْقِيقِ 5- إِنِّي لَعَمْرُكَ يَوْمَ أَطْلُبُ حَرْبَهُ ... لأَخُو [6] الضَّلالِ مُجَانِبُ التَّوْفِيقِ 6- أَنْتَ الَّذِي كُنَّا نُؤَمِّلُ دُونَهَا ... طُولَ الشَّجَا وَتَنَاوُلَ الْعُيُّوقِ [7] قَالَ: ثُمَّ قَدِمَ قُرَّةُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ الْقُشَيْرِيُّ [8] حَتَّى أُوقِفَ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَيَدُهُ مَجْمُوعَةٌ إِلَى عُنُقِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (اضْرِبُوا عُنُقَهُ) ، فَقَالَ قُرَّةُ: (يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، إِنِّي رَجُلٌ مُسْلِمٌ، يَشْهَدُ لِي بِذَلِكَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ مَرَّ بِي منصرفا من عمان فقريته [9] وأكرمته

_ [1] في الأصل: (ذلك) ولا يستقيم بها الوزن. [2] في الأصل: (من تميم مرة) . [3] الغرنيق: الشاب الأبيض الجميل. [4] في الأصل: (وإفضاله) . [5] في الأصل: (ولم يستغني رقي) ولا يستقيم المعنى. [6] في الأصل: (لأخي) . [7] في الأصل: (الأهيوق) . أراد المثل: (دونه العيوق) مجمع الأمثال 1/ 264، والعيوق: نجم أحمر مضيء في طرف المجرة الأيمن يتلو الثريا لا يتقدمها. (القاموس: عيق) . [8] راجع خبره بين يدي أبي بكر في الطبري 3/ 260. [9] قريته: من القرى، أي أضفته وأطعمته.

وَدَلَلْتُهُ عَلَى الطَّرِيقِ، وَهُوَ عَارِفٌ بِإِسْلامِي) . قَالَ: فَدَعَا أَبُو بَكْرٍ بِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَقَالَ لَهُ: (يَا عَبْدَ اللَّهِ، مَا الَّذِي عِنْدَكَ مِنَ الشَّهَادَةِ لِقُرَّةَ بْنِ هُبَيْرَةَ، فَإِنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّكَ تَشْهَدُ لَهُ بِالإِسْلامِ) ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: (نَعَمْ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، عِنْدِي مِنَ الشَّهَادَةِ أَنِّي مَرَرْتُ بِهِ وَأَنَا مُنْصَرِفٌ/ من عمان، فلما [16 أ] نَزَلْتُ إِلَيْهِ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَئِنْ تَجَافَى [1] أَبُو بَكْرٍ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ عَنْ زَكَاةِ أَمْوَالِنَا، وَإِلا فَمَا لَهُ فِي رِقَابِنَا طَاعَةٌ) . فَقَالَ قُرَّةُ بْنُ هُبَيْرَةَ: (لَمْ يَكُنِ الْقَوْلُ عَلَى مَا تَقُولُ يَا عَمْرُو) ، [فَقَالَ عَمْرُو:] [2] (بَلَى وَاللَّهِ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، لَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، وَعَلِمْتُ أَنَّهُ قَدْ عَزَمَ عَلَى الْعِصْيَانِ وَمَنْعِ الزَّكَاةِ) ، وَأَنْشَأْتُ أَقُولُ هَذِهِ الأَبْيَاتَ: (مِنَ الْكَامِلِ) 1- يَا قَرُّ إِنَّكَ لا مَحَالَةَ مَيِّتٌ ... يَوْمًا وَإِنَّكَ بَعْدَ مَوْتِكَ رَاجِعُ 2- إِنْ كَانَ أَوْدَى بِالنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ ... صَلَّى الإِلَهُ عَلَيْهِ دَهْرٌ فَاجِعُ 3- فاللَّه حَيٌّ لا يَمُوتُ وَدِينُنَا ... دِينُ النَّبِيِّ وَلِلرِّجَالِ مَصَارِعُ 4- لَيْسَ الْخَلِيفَةُ تَارِكًا لِزَكَاتِكُمْ ... مَا دَامَ سَلْعٌ فِي الْبَسِيطِ وَفَارِعُ [3] 5- إِنَّ الَّتِي مَنَّتْكَ نَفْسُكَ [4] خَالِيًا ... مِمَّا تُؤَمِّلُهُ سَرَابٌ سَاطِعُ 6- إِنْ تَمْنَعُوهَا تَأْتِكُمْ مَبْثُوثَةً ... قَبُّ الْبُطُونِ مِنَ الْفِجَاجِ طَوَالِعُ 7- يَعْلُونَ مِنْ عَليَا هَوَازِنَ نَهْيُهَا ... فيها المنيّة والسّمام النّاقع [5]

_ [1] في الأصل: (لان تجافا) . يقتصر الطبري على هذا الخبر دون تتمته ومجادلة عمرو له. [2] زيادة يقتضيها السياق. [3] سلع: جبل بسوق المدينة، قال الأزهري: سلع موضع بقرب المدينة، وسلع أيضا حصن بوادي موسى بقرب بيت المقدس، وسلع: جبل بديار هذيل. (ياقوت: سلع) . فارع: اسم أطم، وهو حصن بالمدينة. (ياقوت: فارع) . [4] في الأصل: (منتك نفس) . [5] في الأصل: (السهام) وصوابها السمام، لأن الموصوف بالناقع هو السم وليس السهم. النهي: الغدير أو شبهه، وكل موضع يجتمع فيه الماء، والموضع الذي له حاجز ينهى الماء

8- وَاعْلَمْ بِأَنَّ لِكُلِّ سَاعٍ سَعْيُهُ ... هَذَا لَعَمْرُ أَبِيكَ أَمْرٌ جَامِعُ فَلَمَّا قُلْتُ هَذِهِ الأَبْيَاتَ، رَأَيْتُهُ وَقَدْ بَيَّنَ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: (مِنَ الْخَفِيفِ) 1- إِنَّ عَمْرًا يَرَى نَصِيحَةَ غِشٍّ ... وَيَرَى كُلَّ مَا أَقُولُ خَبَالا 2- لَيْسَ مَا وَافَقَ الْهَوَى بِصَوَابٍ ... أَنْ يَكُونَ الْمُسَوِّدُونَ نِعَالا 3- ثَانِيًا عِطْفَهُ نَحْوَ فَتَى الْحَرْ ... ب سفاها [1] ويضرب الأمثالا 4- فلفقت الجواب هيبة ما قا ... ل وَقَدْ كُنْتُ لا أَهَابُ الرِّجَالا 5- قُلْتُ خَلُّوا عن الغريب وكفّوا ... عن أذاهم وثمّروا الأموالا 6- ثم عودوا عليهم فخذوا الما ... ل وَلا تَتْرُكُوا عَلَيْهِمْ عَقَالا 7- إِنَّ هَذَا الرَّأْيَ الشّفيق على الدّي ... ن وَقَدْ خِفْتُ أَنْ يَكُونَ وَبَالا (فَهَذَا وَاللَّهِ يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مَا كَانَ مِنْ مَقَالَتِي وَمَقَالَتِهِ، ثُمَّ إِنِّي رَحَلْتُ عَنْهُ، فَلَمَّا قَرَّبْتُ فَرَسِي وَرَكِبْتُ سَمِعْتُهُ يَقُولُ) : (مِنْ مَشْطُورِ الرَّجَزِ) 1- يَا عَمْرُو يا ابن العاص يا ابن وَائِلْ ... 2- لا يُوحِشَنَّكَ الْيَوْمَ قَوْلُ قَائِلْ 3- مِنْ قَيْسِ عَيْلانَ وَقَوْلِ فَاعِلْ [2] ... 4- لَيْسَ لِذِي الدِّينِ بِذِي غَوَائِلْ 5- أَوْعَدْتَنَا يَا عَمْرُو بِالْقَبَائِلْ [3] ... 6- لَسْتَ بما أوعدتنا بالطّائل [4]

_ [ () ] أن يفيض منه، وقيل: هو الغدير في لغة أهل نجد. (القاموس واللسان: نهى) . [1] في الأصل: (شفاها) وهو تصحيف، وفي الشطر الأول خلل في الوزن. [2] في الأصل: (قول قائل) . [3] في الأصل: (أوعدنا) ولا يستقيم بها المعنى. [4] في الأصل: (ليست) ولا يستقيم بها المعنى.

7- إِنْ تَأْتِنَا تَعْضُضْ عَلَى الأَنَامِلْ فَقَالَ قُرَّةُ [1] بْنُ هُبَيْرَةَ: (يَا هَذَا، فَقَدْ كَانَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتَ، فَكَمْ وَإِلَى كَمْ هَذَا التَّحْرِيضُ) . قَالَ: فَسَكَتَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَتَكَلَّمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: (سَوْأَةً لَكَ يَا عَمْرُو، رَجُلٌ نَزَلْتَ عَلَيْهِ فَآوَاكَ وَأَحْسَنَ ضِيَافَتَكَ وَأَطْعَمَكَ وَأَسْقَاكَ، ثُمَّ تَكَلَّمَ بِكَلامٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَكَ، فَأَجَبْتَهُ عَلَى كَلامِهِ، ثُمَّ رَحَلْتَ عَنْهُ، فَالآنَ لَمَّا نَظَرْتَ إِلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَسِيرًا قَدْ جُمِعَتْ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ، وَثَبْتَ قَائِمًا عَلَى قَدَمَيْكَ هَوَيْتَ عَلَيْهِ بِجَهْدِكَ) . فَاسْتَحْيَا عَمْرٌو وَنَدِمَ عَلَى مَا تَكَلَّمَ/، وَالْتَفَتَ عمر [16 ب] إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: (يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ سَادَاتِ الْعَرَبِ وَأَشْرَافِ بَنِي عَامِرٍ وَمَا أَوْلاكَ بِالصَّفْحِ عَنْهُ بَعْدَ أَنْ قَدَرْتَ عَلَيْهِ، فَقَدْ كَانَ مِنْهُ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِهِ، فَاعْفُ عَنْهُ كَمَا عَفَوْتَ عَنْ غَيْرِهِ) ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: (قَدْ عَفَوْتُ عَنْهُ) ، ثُمَّ أَطْلَقَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَسَاهُ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ، وَأَطْلَقَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ بَنِي عَمِّهِ، فَأَنْشَأَ قُرَّةُ يَقُولُ: (مِنَ الْمُتَقَارِبِ) 1- جَزَى اللَّهُ بِالْخَيْرِ تَيْمَ بْنَ مُرَّةْ [2] ... وَإِنْ جُرِّعَتْ كَأْسَهَا الْمُرَّةْ 2- بِإِطْلاقِهِ الْغُلِّ خَيْرَ الْجَزَا ... وَإِبْلاعِهَا الرِّيقِ كَمْ مَرَّةْ 3- أَرَدْتُ الْفِرَارَ وَأَيْنَ الْفِرَارُ ... مِنَ اللَّهِ رَبِّكَ يَا قُرَّةْ 4- حَلَفْتُ لِقَوْمِ بَنِي عَامِرٍ ... وَكَانَتْ يَمِينِي لَهُمْ بَرَّةْ 5- عَلَى الْخَيْلِ يَقْدُمُهَا خَالِدٌ ... وَكَانَتْ هَوَازِنُ [3] مُغْتَرَّةْ 6- وَأُعْطُوا هُنَاكَ بِأَيْدِيهِمْ [4] ... كَمَا تُعْطِي الأمة [5] الغرّة

_ [1] هو قرة بن سلمة بن هبيرة كما مر، وسترد كثيرا: قرة بن هبيرة. [2] كذا بالأصل والشطر مختل الوزن وكذلك في بعض الأشطار اضطراب. [3] هوازن: قبيلة، نسبة إلى هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان. (جمهرة أنساب العرب ص 265) . [4] في الأصل: (يأيدهم) . [5] في الأصل: (اللامة) .

7- قَضَى اللَّهُ رَبُّكَ ذَا [1] غَالِبٍ ... وَقُدْرَةُ رَبِّي هِيَ الْقُدْرَةْ قَالَ: وَبَلَغَ طُلَيْحَةَ بْنَ خُوَيْلِدٍ أَنَّ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ وَقُرَّةَ بْنَ هُبَيْرَةَ قَدْ حُمِلا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَقَدْ عَفَا عَنْهُمَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَنَدِمَ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ أَشَدَّ النَّدَامَةِ، ثُمَّ إِنَّهُ وَجَّهَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الشَّامِ مَعَ بَعْضِ الْوَارِدَةِ [2] ، بِهَذِه الأَبْيَاتِ [3] : (مِنَ الطَّوِيلِ) 1- نَدِمْتُ عَلَى مَا كَانَ مِنْ قَتْلِ ثَابِتٍ ... وَعُكَّاشَةَ الْغُنْمِيِّ [4] وَالْمَرْءِ مَعْبَدِ [5] 2- وَأَعْظَمُ مِنْ هَاتَيْنِ عِنْدِي مُصِيبَةً ... رُجُوعِي عَنِ الإِسْلامِ رَأْيَ التَّعَمُّدِ 3- وَتَرْكُ بِلادِي وَالْحَوَادِثُ جَمَّةٌ ... طَرِيدًا وَقَدِمًا كُنْتُ غَيْرَ مُطَرَّدِ 4- فَهَلْ يَقْبَلُ الصِّدِّيقُ أَنِّي مُرَاجِعٌ ... وَمُعْطٍ لِمَا أَحْدَثْتُ مِنْ حِدْثِ يَدِي 5- وَأَنِّي مِنْ بَعْدِ الضَّلالَةِ شَاهِدٌ ... شَهَادَةَ حقّ لست فيها بملحد

_ [1] في الأصل: (رب كذا) وهو تحريف في الرسم، ويبدو أن الناسخ كان يكتب ما يسمع دون فهم المعنى. [2] في الأصل: (البواردة) والباء جاءت من امتداد ذيل الضاد قبلها، والواردة القوم يردون الماء، والقوم يقدمون من سفر. [3] الأبيات: 1، 2، 4 في التبيين في أنساب القرشيين ص 459. والبيتان: 4، 5 في تاريخ اليعقوبي 2/ 129 ط صادر. والبيت: 5 في المحاسن والمساوىء- البيهقي ص 34 ط صادر 1970. [4] في الأصل: (العتمي) ، وصوابه (الغنمي) ، وثابت هو ثابت بن أقرم البلوي حليف الأنصار خرج مع عكاشة الغنمي طليعة لجيش خالد بن الوليد، وخرج طليحة وأخوه سلمة، فقتل سلمة ثابتا. (الطبري 3/ 254) ، وعكاشة: هو عكاشة بن محصن الأسدي قتله طليحة وأخوه سلمة. [5] معبد: هو معبد بن عمرو المخزومي الذي قتله جيش طليحة مع ثابت وعكاشة، وقد مرت ترجمته.

6- بِأَنَّ إِلَهَ النَّاسِ رَبِّي وَأَنَّنِي ... ذَلِيلٌ وَأَنَّ الدِّينَ دِينُ مُحَمَّدِ 7- وَإِلا فَمَا بِالشَّامِ وَالرُّومِ مَهْرَبٌ [1] ... مِنَ اللَّهِ فِي يَوْمِي يَقِينًا وَفِي غَدِي [2] 8- وَمَا كُنْتُ إِلا مُشْرِكًا وَمُنَافِقًا ... وَلَسْتُ بِنَصْرَانِيٍّ وَلا مُتَهَوِّدِ 9- وَلَكِنْ رَمَى إِبْلِيسُ قَلْبِي بِفِتْنَةٍ ... ظَلَلْتُ [3] بِهَا أَشْقَى وَأَخْلَفْتُ مَوْعِدِي قَالَ: فَلَمَّا انْتَهَى شِعْرُهُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقُرِئَ عَلَيْهِ، رَقَّ أَبُو بَكْرٍ لَهُ رِقَّةً [4] شَدِيدَةً، وَعَلِمَ أَنَّهُ نَدِمَ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ. قَالَ: وَجَعَلَ طُلَيْحَةُ بْنُ خُوَيْلِدٍ يُقَدِّمُ فِي الرُّجُوعِ إِلَى دَارِ الإِسْلامِ وَيُؤَخِّرُ، إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ [5] وَاسْتُخْلِفَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَقَدِمَ عَلَيْهِ طُلَيْحَةُ مُسْلِمًا تَائِبًا، فَلَمَّا رَآهُ عُمَرُ قَطَبَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: «يَا طُلَيْحَةُ، كَيْفَ تَرْجُو النَّجَاةَ مِنَ النَّارِ وَقَتَلْتَ ثَابِتَ بْنَ أَرْقَمَ الأَنْصَارِيَّ، وَعُكَّاشَةَ بْنَ مِحْصَنٍ الأَسَدِيَّ» [6] ، وَقَالَ طُلَيْحَةُ: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ذَلِكُمَا [7] رَجُلانِ أَكْرَمَهُمَا اللَّهُ بالجنة/ وساق إليهما [17 أ] الشَّهَادَةَ عَلَى يَدَيَّ وَلَمْ يَقْتُلْنِي بِأَيْدِيهِمَا فَأَكُونَ فِي النَّارِ» . قَالَ: فَأُعْجِبَ عُمَرُ بِمَقَالَتِهِ فَقَرَّبَهُ وَأَدْنَاهُ، وَأَقَامَ طُلَيْحَةُ عِنْدَهُ إِلَى أَنْ تَحَرَّكَتِ الفرس بعد ذلك، فوجّه

_ [1] في الأصل: (مهربا) . [2] في الأصل: (وفد غد) . [3] في الأصل: (ضللت) . [4] في الأصل: (رقبة) . [5] في الطبري 3/ 261: إنه بعد أن أسلم وأسلمت أسد وغطفان وعامر (خرج إلى مكة معتمرا في إمارة أبي بكر، ومر بجنبات المدينة، فقيل لأبي بكر: هذا طليحة، فقال: ما أصنع به، خلوا عنه، فقد هداه الله للإسلام. ومضى طليحة نحو مكة فقضى عمرته، ثم أتى عمر إلى البيعة حين استخلف، فقال له عمر: أنت قاتل عكاشة وثابت، والله لا أحبك أبدا، فقال: يا أمير المؤمنين ما تهمّ من رجلين أكرمهما الله بيدي ولم يهني بأيديهما، فبايعه عمر ثم قال له: يا خدع، ما بقي من كهانتك، قال: نفخة أو نفختان بالكير، ثم رجع إلى دار قومه فأقام بها حتى خرج إلى العراق) . [6] في الأصل: (الأزدي) وصوابه: الأسدي. [7] في الأصل: (ذلك) .

بِهِ مَعَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فَقَاتَلَ بِالْعِرَاقِ قِتَالا شَدِيدًا، وَقَاتَلَ أَيْضَا بِنُهَاوَنْدَ [1] ، وَلَمْ يزل ناصر الدين الإِسْلامِ حَتَّى لَحِقَ باللَّه. فَهَذَا مَا كَانَ من أمر طليحة بن خويلد الأسدي وارتداده، وخروجه إلى أبي بكر وتوبته.

_ [1] نهاوند: مدينة عظيمة قبلة همذان بينهما ثلاثة أيام، فتحها المسلمون سنة 19 هـ- ويقال سنة 20 هـ-، وقيل: كانت وقعة نهاوند سنة 21 هـ- أيام عمر بن الخطاب، وأمير المسلمين النعمان بن مقرن المزني، وقال المبارك بن سعيد عن أبيه: نهاوند من فتوح أهل الكوفة، والدينور من فتوح أهل البصرة. (ياقوت: نهاوند) .

خبر مالك بن نويرة ومسيلمة الكذاب

خَبَرُ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ وَمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِنْ حَرْبِ بَنِي أَسَدٍ وَغَطَفَانَ وَفَزَارَةَ، وَأَمْكَنَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ، أَقْبَلَ عَلَى مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ خَلِيفَةَ رَسُولِ الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ أَمَرَنِي بِالْبِطَاحِ [1] مِنْ أَرْضِ بَنِي تَمِيمٍ إِلَى مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَأَنَا سَائِرٌ، فَمَا الَّذِي عِنْدَكُمْ مِنَ الرَّأْيِ» ، قَالَ: فَقَالَتْ لَهُ الأَنْصَارُ: «يَا أَبَا سُلَيْمَانَ، إِنَّكَ لَسْتَ عِنْدَنَا بِمُتَّهَمٍ، غَيْرَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَعْهَدْ إِلَيْنَا عَهْدًا فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ أَمَرَكَ بِالْمَسِيرِ إِلَى بَنِي تَمِيمٍ فَسِرْ رَاشِدًا، فَإِنَّاَ غَيْرُ سَائِرِينَ» ، فَقَالَ خَالِدٌ: «لَسْتُ أُكْرِهُكُمْ عَلَى شَيْءٍ، وَأَنَا سَائِرٌ بِمَنْ مَعِي مِنَ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى أُنْفِذَ أَمْرَ أَبِي بَكْرٍ» . قَالَ: ثُمَّ سَارَ خَالِدٌ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ يُرِيدُ أَرْضَ بَنِي تَمِيمٍ، وَأَقَامَتِ الأَنْصَارُ فِي مَوَاضِعِهَا، حَتَّى إِذَا سَارَ خَالِدٌ يَوْمَهُ ذَلِكَ كَأَنَّهُ اغْتَمَّ عَلَى تَخَلُّفِ الأَنْصَارِ عَنْهُ. قَالَ: وَتَلاوَمَتِ الأَنْصَارُ أَيْضًا، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: (وَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ غَدًا عَلَى هَذَا الْجَيْشِ مُصِيبَةٌ فَإِنَّهُ لَعَارٌ عَلَيْنَا، لَيَقُولَنَّ النَّاسُ بِأَنَّكُمْ خَذَلْتُمُ الْمُهَاجِرِينَ وَأَسْلَمْتُمُوهُمْ لِعَدُوِّهِمْ، وَلَئِنْ أَصَابُوا فَتْحًا فَإِنَّهُ خَيْرٌ حُرِمْتُمُوهُ، وَلَكِنْ سِيرُوا والحقوا [2] إخوانكم) .

_ [1] البطاح: ماء في ديار بني أسد بن خزيمة وهناك كانت الحرب بين المسلمين وأميرهم خالد بن الوليد، وأهل الردة. (ياقوت: البطاح) . [2] حقه (بالكسر) ولحق به لحاقا (بالفتح) : أي أدركه.

قَالَ: فَسَارَتِ الأَنْصَارُ حَتَّى لَحِقَتْ بِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَصَارَ الْقَوْمُ جَمْعًا وَاحِدًا، وَتَوَسَّطَ خَالِدٌ أَرْضَ الْبِطَاحِ [1] ، وَبِالْبِطَاحِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ بَنِي تَمِيمٍ يُقَالُ لَهُ (الْجُفُولُ) [2] ، لأَنَّهُ جَفَلَ إِبِلَ الصَّدَقَةِ وَمَنَعَ الزَّكَاةَ، وَجَعَلَ يَقُولُ لِقَوْمِهِ: (يَا بَنِي تَمِيمٍ، إِنَّكُم قَدْ عَلِمْتُمْ بِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ قَدْ جَعَلَنِي عَلَى صَدَقَاتِكُمْ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَقَدْ هَلَكَ مُحَمَّدٌ وَمَضَى لِسَبِيلِهِ وَلا بُدَّ لِهَذَا الأَمْرِ مِنْ قَائِمٍ يَقُومُ بِهِ، فَلا تُطْمِعُوا أَحَدًا فِي أَمْوَالِكُمْ، فَأَنْتُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِكُمْ) ، قَالَ: فَلامَهُ بَعْضُ قَوْمِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَحَمِدَ بَعْضُهُمْ وَسَدَّدَ لَهُ رَأْيَهُ، فَأَنْشَأَ مَالِكٌ يَقُولُ [3] : (مِنَ الطَّوِيلِ) 1- يَقُولُ [4] رِجَالٌ سُدِّدَ الْيَوْمَ مَالِكٌ ... وَقَوْمٌ يَقُولُوا [5] مَالِكٌ لَمْ يُسَدَّدِ 2- وَقُلْتُ خُذُوا أَمْوَالَكُمْ غَيْرَ خَائِفٍ ... وَلا نَاظِرٍ فِيمَا تَخَافُونَ مِنْ غد [6]

_ [1] ينظر خبر البطاح ومقتل مالك بن نويرة في الطبري 3/ 276- 280، والأغاني 15/ 298- 314، وطبقات الشعراء 1/ 205- 209، وقد مرت ترجمة مالك في هامش هذا الكتاب. [2] الجفول: هو مالك بن نويرة، سمي الجفول لأنه جفل إبل الصدقة أي ذهب بها، وقيل: سمي الجفول لكثرة شعره، ولعله سمي الجفول لجرأته وإقدامه، كالريح الجفول وهي السريعة تجفل السحاب وتسوقه. (انظر معجم الشعراء ص 360 وطبقات الشعراء 1/ 205 هامش المحقق) . [3] الأبيات: 1- 5 في الاكتفاء ص 79 مع بيت زيادة، والأبيات غير السادس مع بيت زيادة في شرح نهج البلاغة 5/ 152 ط بيروت. والبيتان: 2، 5 في طبقات الشعراء 1/ 206 وكتاب العفو والاعتذار 1/ 108، والأغاني 15/ 305، ومعجم الشعراء ص 260، والأنوار ومحاسن الأشعار ص 137- 138 والإصابة 5/ 755. والبيت الثاني مع عجز الثالث والبيت الرابع في اللسان: صرر. [4] في الأصل: (تقول) . [5] كذا بالأصل، والوجه (يقولون) وحذف النون لضرورة الشعر وهو لحن، وفي المصادر: (وقال رجال مالك لم يسدد) . [6] طبقات الشعراء والأغاني والعفو والاعتذار والإصابة: (ولا ناظر فيما يجيء من الغد) . اللسان: (وقلت خذوها هذه صدقاتكم ... مصررة أخلافها لم تحرد)

3- وَدُونَكُمُوهَا إِنَّهَا صَدَقاتُكُمْ ... مُصَرَّرَةٌ أَخْلافُهَا لَمْ تُجَدَّدِ [1] 4- سَأَجْعَلُ نَفْسِي دُونَ مَا تَحْذَرُونَهُ/ ... وَأَرْهِنُكُمْ يَوْمًا بما أفلتت يدي [2] [17 ب] 5- فَإِنْ قَامَ [3] بِالأَمْرِ الْمُخَوَّفِ قَائِمٌ ... أَطَعْنَا [4] وَقُلْنَا الدِّينُ دِينُ مُحَمَّدِ 6- وَإِلا فَلَسْنَا فِقَعَةً بِتَنُوفَةٍ ... وَلا شَحْمَ شَاءٍ أَوْ ظِبَاءٍ بِفَدْفَدِ [5] قَالَ: وَبَلَغَ شِعْرُهُ وَكَلامُهُ أَبَا بَكْرٍ وَالْمُسْلِمِينَ فَازْدَادُوا عَلَيْهِ حَنَقًا [6] وَغَيْظًا، وَأَمَّا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَإِنَّهُ حَلَفَ وَعَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ لَيَقْتُلَنَّهُ وَلَيَجْعَلَنَّ رَأْسَهُ أَثْفِيَّةً [7] لِلْقِدْرِ. قَالَ: ثُمَّ ضَرَبَ خَالِدٌ عَسْكَرَهُ بِأَرْضِ بَنِي تَمِيمٍ، وَبَثَّ السَّرَايَا فِي الْبِلادِ يُمْنَةً وَيُسْرَةً، قَالَ: فَوَقَفَتْ سَرِيَّةٌ مِنْ تِلْكَ السَّرَايَا عَلَى مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ، وَإِذَا هُوَ فِي حَائِطٍ لَهُ [8] ، وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ بَنِي عَمِّهِ. قَالَ: فَلَمْ يعلم مالك إلا والخيل

_ [1] مصررة أخلافها: مشدودة ضروعها، والصّرار: ما يشد به ضرع الناقة لئلا يرضعها ولدها (اللسان: صرر) . لم تجدد: لم يذهب لبنها. [2] اللسان: (وأرهنكم يوما بما قلته يدي) . [3] في الأصل: (فإن خاف) . [4] طبقات الشعراء والأغاني والعفو والاعتذار: (منعنا وقلنا) . الإصابة: (فإن قام بالأمر المحوق قائم أطعنا وقلنا) . المحوق: من حوق عليه الكلام: عوج عليه (القاموس: حوق) . [5] في الأصل: (بفرقد) وهو تحريف فدفد. الفقعة: الأبيض الرخو من الكمأة، وبه يشبه الرجل الذليل، فيقال: (أذل من فقع بقاع، و (أذل من فقع بقرقرة) انظر: الدرة الفاخرة 1/ 203، 204 ومجمع الأمثال 1/ 284 وجمهرة الأمثال 1/ 469 والمستقصي 1/ 134. الفدفد: الفلاة التي لا شيء فيها، والأرض الغليظة ذات الحصى، والأرض المستوية، والموضع الذي فيه غلظ وارتفاع. (اللسان: فدفد) . [6] في الأصل: (حفظا) ثم كتب فوقها (حنقا) ، والحفظ بمعنى الحنق. [7] في الأصل: (تقية) ، والأثفية: الحجر توضع عليه القدر. [8] الحائط: يراد به الحديقة والروضة والبستان.

قَدْ أَحْدَقَتْ بِهِ، فَأَخَذُوهُ أَسِيرًا، وَأَخَذُوا امْرَأَتَهُ مَعَهُ، وَكَانَتْ بِهَا مُسَيْحَةٌ مِنْ جَمَالٍ. قَالَ: وَأَخَذُوا كُلَّ مَا كَانَ مِنْ بَنِي عَمِّهِ، فَأَتَوْا بِهِمْ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ حَتَّى أَوْقَفُوهُ بَيْنَ يَدَيْهِ. قَالَ: فَأَمَرَ خَالِدٌ بِضَرْبِ أَعْنَاقِ بَنِي عَمِّهِ بَدْيًا [1] ، فَقَالَ الْقَوْمُ: (إِنَّا مُسْلِمُونَ فَعَلامَ تَضْرِبُ أَعْنَاقَنَا) ؟ قَالَ خَالِدٌ: (وَاللَّهِ لأَقْتُلَنَّكُمْ) ، فَقَالَ لَهُ شَيْخٌ مِنْهُمْ: (أَلَيْسَ قَدْ نَهَاكُمْ أَبُو بَكْرٍ أَنْ تَقْتُلُوا مَنْ صَلَّى إِلَى الْقِبْلَةِ) ، فَقَالَ خَالِدٌ: (بَلَى قَدْ أَمَرَنَا بِذَلِكَ، وَلَكِنَّكُمْ لَمْ تُصَلُّوا سَاعَةً قَطُّ) . قَالَ: فَوَثَبَ أَبُو قَتَادَةَ [2] إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَقَالَ: (إِنِّي أَشْهَدُ أَنَّهُ لا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهِمْ) ، قَالَ خَالِدٌ: (وَكَيْفَ ذَلِكَ) ، قَالَ: (لأَنِّي كُنْتُ فِي السَّرِيَّةِ [3] الَّتِي قَدْ وَافَتْهُمْ، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْنَا قَالُوا: مَنْ أَنْتُمْ، قُلْنَا: نَحْنُ الْمُسْلِمُونَ، فَقَالُوا: وَنَحْنُ الْمُسْلِمُونَ، ثُمَّ أَذَنَّا وَصَلَّيْنَا وَصَلَّوْا مَعَنَا) . فَقَالَ خَالِدٌ: (صَدَقْتَ يَا قَتَادَةُ، إِنْ كَانُوا قَدْ صَلَّوْا مَعَكُمْ فَقَدْ مَنَعُوا الزَّكَاةَ الَّتِي تَجِبُ عَلَيْهِمْ، وَلا بُدَّ مِنْ قَتْلِهِمْ) ، قَالَ: فَرَفَعَ شَيْخٌ مِنْهُمْ صَوْتَهُ يَقُولُ: (مِنَ الْكَامِلِ) 1- يَا مَعْشَرَ الأَشْهَادِ إِنَّ أَمِيرَكُمْ ... أَمَرَ الْغَدَاةَ بِبَعْضِ مَا لَمْ يُؤْمَرِ [4] 2- حَرُمَتْ عَلَيْهِ دِمَاؤُنَا بِصَلاتِنَا ... وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّنَا لَمْ نَكْفُرِ 3- إِنْ تَقْتُلُونَا تَقْتُلُوا إِخْوَانَكُمْ ... وَالرَّاقِصَاتِ إِلَى منى والمشفر [5]

_ [1] أي بدءا، أولا. [2] في الأصل: (أبى قتادة) أو (أي قتادة) ، وأبو قتادة هو الحارث بن ربعي الأنصاري الخزرجي السلمي، صحابي من الأبطال الولاة، اشتهر بكنيته (أبو قتادة) وكان يقال له: (فارس رسول الله) ، وفي الحديث: (خير فرساننا أبو قتادة) شهد الوقائع مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ابتداء من وقعة أحد، ولي مكة زمن علي بن أبي طالب، وشهد صفين مع علي، ومات بالمدينة سنة 54 هـ-. (الإصابة 7/ 327- 329، الاستيعاب 4/ 1731- 1732، تهذيب التهذيب 12/ 204- 205، الأعلام 2/ 154) . [3] في الأصل: (في السيرة) وهو تحريف. [4] في الأصل: (ما لا يؤمر) وبالجزم يستقيم روي البيت بالكسرة. [5] في الأصل: (المعشر) محرفة. الراقصات: الإبل المسرعة، ورقص البعير رقصا: إذا أسرع. المشعر: مزدلفة.

4- يا ابن الْمُغِيرَةِ إِنَّ فِينَا خُطَّةً ... شَنْعَاءَ فَاحِشَةً فَخُذْهَا أَوْ ذَرِ قَالَ: فَلَمْ يَلْتَفِتْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ إِلَى مَقَالَةِ الشَّيْخِ، فَقَدَّمَهُمْ وَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ. قَالَ: وَكَانَ قَتَادَةُ قَدْ عَاهَدَ اللَّهَ أَنْ لا يَشْهَدَ مَعَ خَالِدٍ مَشْهَدًا أَبَدًا بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ. قَالَ: ثُمَّ قَدَّمَ خَالِدٌ مَالِكَ بْنَ نُوَيْرَةَ لِيَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَقَالَ مَالِكٌ: (أَتَقْتُلُنِي وَأَنَا مُسْلِمٌ أُصَلِّي الْقِبْلَةَ) ، فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ: (لَوْ كُنْتَ مُسْلِمًا لَمَا مَنَعْتَ الزَّكَاةَ وَلا أَمَرْتَ قَوْمَكَ بِمَنْعِهَا، وَاللَّهِ لَمَا قِلْتَ بِمَا فِي مَنَامِكَ [1] حَتَّى أَقْتُلَكَ) . قَالَ: فَالْتَفَتَ مَالِكُ بْنُ نُوَيْرَةَ إِلَى امْرَأَتِهِ فَنَظَرَ إِلَيْهَا ثُمَّ قَالَ: (يَا خَالِدُ، بِهَذَا تَقْتُلُنِي) . فَقَالَ خَالِدٌ: (بَلْ للَّه أَقْتُلُكَ بِرُجُوعِكَ عَنْ دين الإسلام/ وجفلك لإبل الصدقة [2] ، [18 أ] وَأَمْرِكَ لِقَوْمِكَ بِحَبْسِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ زَكَاةِ أَمْوَالِهِمْ) ، قَالَ: ثُمَّ قَدَّمَهُ خَالِدٌ فَضَرَبَ عُنُقَهُ صَبْرًا. فَيُقَالُ إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةِ مَالِكٍ، وَدَخَلَ بِهَا، وَعَلَى ذَلِكَ أَجْمَعَ أَهْلَ الْعِلْمِ، وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ حَوِيُّ بْنُ سَعِيدِ بْنِ زُهْرَةَ السَّعْدِيُّ [3] ، حَيْثُ يَقُولُ [4] : (مِنَ الطَّوِيلِ) 1- أَلا قُلْ لِحَيٍّ أَوْطِئُوا بالسَّنابك ... تَطَاوَلَ هَذَا اللَّيْلُ مِنْ بَعْدِ مَالِكِ 2- عَدَا خَالِدٌ بَغْيًا [5] عَلَيْهِ لِعُرْسِهِ ... وَكَانَ لَهُ فِيهَا هوى قبل ذلك

_ [1] كذا ولعلها: (مقامك) . [2] جفل الإبل: أي طردها، وبهذا سمي (الجفول) . انظر معجم الشعراء ص 360. [3] الشاعر هو أبو زهير السعدي، راجع ترجمة وثيمة بن الفرات الذي صنّف كتابا في أخبار الردّة وذكر فيها القبائل التي ارتدت، وما جرى لخالد مع مالك بن نويرة. (وفيات الأعيان 6/ 12- 15) . [4] الأبيات الستة في وفيات الأعيان 6/ 15. والأبيات: 1، 2، 3، 4 في المختصر في أخبار البشر المعروف بتاريخ أبي الفداء 1/ 158 والبيت الأول في قطع من كتاب الردّة ص 12. [5] في الأصل: (غدا خالد بغتا) .

3- وَأَمْضَى هَوَاهُ [1] خَالِدٌ غَيْرُ عَاطِفٍ ... عِنَانَ الْهَوَى عَنْهَا وَلا مُتَمَالِكِ 4- فَأَصْبَحَ ذَا أَهْلٍ وَأَصْبَحَ مَالِكٌ ... عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ هَالِكًا فِي الْهَوَالِكِ 5- فَمَنْ لِلْيَتَامَى عَائِلٌ [2] بْعَد مَالِكٍ ... وَمَنْ لِلرِّجَالِ الْمُرْمِلِينَ الصَّعَالِكِ 6- (أُصِيبَتْ تَمِيمٌ غَثُّهَا وَسَمِينُهَا) [3] ... بِفَارِسِهَا الْمَرْجُوِّ تَحْتَ الْحَوَالِكِ [4] ............ [5] ، هَذَا مَا كَانَ (مِنْ أَمْرِ) [6] هَؤُلاءِ. قَالَ: وَأَقَامَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِالْبِطَاحِ مِنْ أَرْضِ بَنِي تَمِيمٍ بَعْدَ قَتْلِ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ لِيَنْظُرَ أَمْرَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَجَعَلَ مُسَيْلِمَةُ بْنُ حَبِيبٍ الْكَذَّابُ [7] يَعْلُو أَمْرُهُ بِالْيَمَامَةِ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، وَيَقُولُ لِقَوْمِهِ: (يَا بَنِي حَنِيفَةَ، أُرِيدُ أَنْ تُخْبِرُونِي بِمَاذَا صَارَتْ قُرَيْشٌ أَحَقَّ بِالنُّبُوَّةِ وَالإِمَامَةِ مِنْكُمْ، وَاللَّهِ مَا هُمْ بِأَكْثَرَ مِنْكُمْ وَأَنْجَدَ [8] ، وَإِنَّ بِلادَكُمْ لأَوْسَعُ مِنْ بِلادِهِمْ، وَأَمْوَالَكُمْ أَكْثَرُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَإِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ لَيَأْتِينِي فِي كُلِّ يَوْمٍ بِالَّذِي أُرِيدُهُ مِنَ الأُمُورِ، ينزل علي كما كان يَنْزِلُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ. وَبَعْدُ، هَذَا الرَّجَّالُ بْنُ نَهْشَلٍ [9] ، وَمُحْكَمُ بن الطفيل [10] ، وهما من سادات أهل

_ [1] في الأصل: (هوا خالد) . [2] في الأصل: (ليلتنا ما علمه) وهو تحريف. في وفيات الأعيان: (فمن لليتامى والأرامل بعده) ، (ومن للرجال المعدمين) . [3] في الأصل: (أصبت على ... ) وبعدها بياض، والتصويب والتكملة من وفيات الأعيان. [4] وفيات الأعيان: (تحت الحوارك) . [5] بياض في الأصل بقدر نصف سطر. [6] تكملة يقتضيها السياق. [7] مرت ترجمة مسيلمة، وانظر خبره في الطبري 3/ 281- 301. [8] أنجد: أكثر نجدة وشجاعة. [9] الرجال بن نهشل: وقيل رجّال بن عنفوة الحنفي، قدم على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في وفد بني حنيفة، وكانوا بضعة عشر رجلا فأسلموا، ولكنه ارتد وقتل على الكفر، وقالوا: افتتن وشهد لمسيلمة أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أشركه في الأمر، وكان الرجال يقول: كبشان انتطحا فأحبهما إلينا كبشنا. (الطبري 3/ 287- 289، الإصابة 2/ 540، والاستيعاب 2/ 551- 552) . [10] محكم بن الطفيل: من أعوان مسيلمة وفرسانه وممن شهد له أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أشركه في

الْيَمَامَةِ، وَهُمَا يَشْهَدَانِ لِي أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَدْ أَشْرَكَنِي فِي نُبُوَّتِهِ مِنْ قَبْلِ وَفَاتِهِ) . قَالَ: فَأَقْبَلَ قَوْمٌ مِنْ أَشْرَافِ بَنِي حَنِيفَةَ إِلَى الرَّجَّالِ بْنِ نَهْشَلٍ وَمُحْكَمِ بْنِ الطُّفَيْلِ فَقَالُوا لَهُمَا: (إِنَّ مُسَيْلِمَةَ بْنَ حَبِيبٍ قَدِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، وَيَزْعُمُ لَنَا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَدْ أَشْرَكَهُ فِي النُّبُوَّةِ قَبْلَ وَفَاتِهِ وَأَنْتُمَا شَاهِدَانِ، مَا مَعَكُمَا وَأَنْتُمَا شَيْخَانِ صَادِقَانِ، فَمَا الَّذِي عِنْدَكُمَا) . قَالَ الرَّجَّالُ بْنُ نَهْشَلٍ: (لَقَدْ صَدَقَ مُسَيْلِمَةُ فِي قَوْلِهِ، أَنَا أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَدْ أَشْرَكَهُ فِي نُبُوَّتَهِ قَبْلَ وَفَاتِهِ) ، وَقَالَ مُحْكَمُ بن الطفيل: (وأنا أشهد بذلك) . قال: فعندها تَسَارَعَ النَّاسُ إِلَى مُسَيْلِمَةَ، وَآمَنُوا بِنُبُوَّتِهِ إِلا الْقَلِيلَ مِنْهُمْ، فَأَنْشَأَ رَجُلٌ [1] مِنْ مُؤْمِنِي أَهْلِ اليمامة يقول [2] :

_ [ () ] الأمر، كان من سادات أهل اليمامة يلقب بمحكم اليمامة، قتل مع مسيلمة في حديقة الموت، رماه عبد الرحمن بن أبي بكر بسهم وهو قائم يخطب في بني حنيفة يحرضهم على الصبر والقتال. (الطبري 3/ 88- 95، الكامل في التاريخ 2/ 265- 267، البداية والنهاية 6/ 341، الاكتفاء ص 85، 114، كتاب الفتوح 1/ 31- 37) . [1] الشاعر هو ابن عمرو اليشكري، كما في الاكتفاء ص 76، وتنسب لغيره منهم: حنيف بن عمير اليشكري (معجم الشعراء ص 243 والحماسة البصرية 2/ 77 والإصابة 2/ 184) ، ويزيد بن المهلب (البيان والتبيين 3/ 260) ، وإبراهيم بن العباس (أمالي المرتضى 1/ 486) . [2] الأبيات مع بيت آخر في: الاكتفاء ص 78- 79. والأبيات: 1، 2، 5، 6، 8 في الإصابة 2/ 185 لحنيف بن عمير اليشكري، وخزانة الأدب 2/ 541 ط بولاق، ومن الضائع من معجم الشعراء ص 49. والأبيات: 1، 3، 5، 9 في الإصابة 5/ 161 لعمير بن ضابئ اليشكري، وقطع من كتاب الردة ص 16- 17. والبيت الثامن: في كتاب سيبويه 2/ 109، 315، والبيان والتبيين 3/ 290، والحيوان 3/ 49، والممتع في صنعة الشعر ص 336، وجمهرة اللغة 2/ 82 وأساس البلاغة 1/ 467، ومعجم الشعراء ص 243، وأمالي المرتضى 1/ 486، والصحاح واللسان والتاج (فرج) لأمية بن أبي الصلت، وروى في كتب كثيرة أخرى لأن البيت من الشواهد النحوية وأبيات الحكمة.

(مِنَ الْخَفِيفِ) 1- يَا سُعَادَ الْفُؤَادِ بِنْتَ أُثَالٍ ... طَالَ لَيْلِي لِفِتْنَةِ الرِّجَالِ [1] 2- إِنَّهَا يَا سُعَادُ مِنْ حَدَثِ الدَّهْ- ... رِ عَلَيْكُمْ كَفِتْنَةِ الدَّجَّالِ [18 ب] 3- فِتَنُ الْقَوْمِ بِالشَّهَادَةِ وَاللَّ- ... هُـ عَزِيزٌ ذُو قُوَّةٍ وَمَعَالِي [2] 4- لا يُسَاوِي الَّذِي يَقُولُ مِنَ الأَمْ- ... رِ فَتِيلا وَإِنَّهُ ذُو ضَلالٍ 5- إِنَّ دِينِي دِينُ الْوَفِيِّ وَفِي الْقَوْ ... مِ رِجَالٌ عَلَى الْهُدَى أَمْثَالِي [3] 6- أَهْلَكَ الْقَوْمَ مُحْكَمُ بْنُ طُفَيْلٍ ... وَرِجَالٌ لَيْسُوا لَنَا بِرِجَالِ 7- بَزَّهُمْ أَمْرَهُمْ مُسَيْلِمَةُ الْيَوْمَ ... فَلَنْ يَرْجِعُوا بِإِحْدَى اللَّيَالِي [4] 8- رُبَمَا تَجْزَعُ النُّفُوسُ مِنَ الأَمْ- ... رِ لَهُ فُرْجَةٌ كَحَلِّ الْعِقَالِ [5] 9- إِنْ تَكُنْ مُنْيَتِي [6] عَلَى فِطْرَةِ اللّ- ... هـ حنيفا [7] فإنّني لا أبالي

_ [1] الإصابة 2/ 185: (يا سواد) (بفتنة الرجّال) ، وفي الإصابة 5/ 161: (يا سعاد.. لفتنة الرجال) . الخزانة: (بفتنة الرحال) بالحاء المهملة. وسعاد هذه: هي سعاد بنت أثال بن النعمان الحنفي من أعوان مسيلمة في الردة (الإصابة 1/ 30) . [2] الإصابة: (ذو قوة ومحال) . [3] الإصابة والخزانة والضائع من معجم الشعراء: (إن دين الرسول ديني) وفي الإصابة 5/ 161: (إن ديني دين النبي) . [4] في الأصل: (برهم) والناسخ قد لا يعجم بعض الكلمات، وبزهم: غلبهم وغصبهم. بعد هذا البيت في الاكتفاء: قلت للنفس إذ تعاظمها الصبر ... وساءت مقالة الأقوال [5] في الأصل: (ولها فرحة) ويختل بها الوزن والمعنى. الإصابة: (له فرجة) ، كتاب سيبويه وأساس البلاغة والحماسة البصرية وأمالي المرتضى واللسان والتاج والخزانة: (ربما تكره النفوس) . [6] تخفف شدة (منيتي) لضرورة الوزن. [7] في الأصل: (وإنني) ، والوجه بالفاء. الحنيف: المسلم الذي يتحنف عن الأديان ويميل إلى الحق، وسمي حنيفا لعدوله عن الشرك. (اللسان: حنف) .

قَالَ: فَبَلَغَ مُسَيْلِمَةَ هَذِهِ الأَبْيَاتُ، فَهَمَّ بِقَتْلِ قَائِلِهَا، فَهَرَبَ حَتَّى لَحِقَ بِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ: وَظَهَرَ أَمْرُ مُسَيْلِمَةَ بِالْيَمَامَةِ، وَانْتَشَرَ ذِكْرُهُ فِي النَّاسِ، وَسَمِعَتْ بِهِ سَجَاحُ بِنْتُ الْمُنْذِرِ [1] ، وَقَدْ كَانَتِ ادَّعَتِ النُّبُوَّةَ وَتَبِعَهَا رِجَالٌ مِنْ قَوْمِهَا: غَيْلانُ بْنُ خَرْشَنَةَ، وَالْحَارِثُ بْنُ الأَهْتَمِ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ. قَالَ: وَكَانَ لَهَا مُؤَذِّنٌ يُؤَذِّنُ لَهَا وَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّ سَجَاحَ نَبِيَّةُ اللَّهِ. قَالَ فَسَارَتْ سَجَاحُ [2] هَذِهِ إِلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ، فَسَلَّمَتْ عَلَيْهِ بِالنُّبُوَّةِ، وَقَالَتْ: (إِنَّهُ بَلَغَنِي أَمْرُكَ، وَسَمِعْتُ بِنُبُوَّتِكَ، وَقَدْ أَقْبَلْتُ إِلَيْكَ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ بِكَ. وَلَكِنْ أَخْبِرْنِي مَا الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ. فقال المسيلمة: أُنْزِلَ عَلَيَّ مِنْ رَبِّي: «لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ، 90: 1 وَلا تَبْرَحْ هَذَا الْبَلَدَ، حَتَّى تَكُونَ ذَا مَالٍ وَوَلَدٍ، وَوَفْرٍ وَصَفَدٍ، وَخَيْلٍ وَعَدَدٍ، إِلَى آخِرِ الأَبَدِ، عَلَى رَغْمٍ مِنْ حَسَدٍ» . قَالَ: فَقَالَتْ سَجَاحُ: (إِنَّكَ نَبِيٌّ حَقًّا وَقَدْ رَضِيتُ بِكَ، وَزَوَّجْتُكَ نَفْسِي، وَلَكِنْ أُرِيدُ أَنْ تَجْعَلَ لِي صَدَاقًا يُشْبِهُنِي) . قَالَ مُسَيْلِمَةُ: (فَإِنِّي قَدْ فَعَلْتُ ذَلِكَ) ، ثُمَّ دَعَا بِمُؤَذِّنِهِ فَقَالَ: (نَادِ [3] فِي قَوْمِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ: أَلا إِنَّ نَبِيَّكُمْ مُسَيْلِمَةَ قَدْ رَفَعَ عَنْكُمْ صَلاتَيْنِ مِنَ الْخَمْسِ الَّتِي جَاءَ بِهَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَهِيَ صَلاةُ الْفَجْرِ وَصَلاةُ الْعِشَاءِ الأَخِيرَةِ) . فَقَالَتْ سَجَاحُ: (أَشْهَدُ لَقَدْ جِئْتَ بِالصَّوَابِ) . قَالَ: وَلِمُسَيْلِمَةَ عِنْدَ مُوَاقَعَتِهَا كَلامٌ قَبِيحٌ لا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، وَهَذَا كلامه لها [4] :

_ [1] سجاح بنت المنذر: مرت ترجمتها، وفي الطبري 3/ 236: سجاح بنت الحارث بن سويد، وفي جمهرة النسب ص 226: سجاح بنت أوس بن حريز بن أسامة بن العنبر بن يربوع. [2] تكرر في الأصل رسم (شجاح) بالشين المعجمة. [3] في الأصل: (نادى) . [4] الأبيات أربعة في الطبري 3/ 273، والكامل في التاريخ 2/ 356، نهاية الأرب 19/ 329. والأبيات: 1، 2، 3 في الأوائل- العسكري 2/ 174، والأغاني 21/ 34 (مع بيت آخر) ، وثمار القلوب ص 315، والدرّة الفاخرة 1/ 325، ومحاضرات الأدباء 4/ 431، والمستقصى 1/ 29، وجمهرة اللغة 3/ 41، 83، والتاج (خدع) .

(مِنَ الْهَزَجِ) 1- أَلا قُومِي إِلَى الْمَخْدَعْ ... فَقَدْ هُيِّئْ لَكِ الْمَضْجَعْ [1] 2- وَإِنْ شِئْتِ [2] سَلَقْنَاكِ [3] ... وَإِنْ شِئْتِ عَلَى أَرْبَعْ 3- وَإِنْ شِئْتِ بِتَثْلِيثِ [4] ... وَإِنْ شِئْتِ بِهِ أَجْمَعْ فَقَالَتْ سَجَاحُ: (قَدْ شِئْتُ بِهِ أَجْمَعَ، فَهُوَ أَجْمَعُ لِلشَّمْلِ، وَأَجْدَرُ أَنْ يَنْفَعَ) . قَالَ: فَضَجَّ الْمُسْلِمُونَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالُوا: (يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، أَلا تَسْمَعُ إِلَى مَا قَدِ انْتَشَرَ مِنْ ذِكْرِ هَذَا الْمَلْعُونِ الْكَذَّابِ بِأَرْضِ الْيَمَامَةِ) ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (لا تَعْجَلُوا فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ أَذِنَ بِهَلاكِهِ) . قَالَ: ثُمَّ كَتَبَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُقِيمٌ فِي الْبِطَاحِ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ عَبْدِ الله بن عثمان، خليفة [19 أ] رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَمَنْ مَعَهُ/ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالتَّابِعِينَ بِإِحْسَانٍ، أَمَّا بَعْدُ، يَا خَالِدُ، فَإِنِّي قَدْ أَمَرْتُكَ بِالْجِدِّ فِي أَمْرِ اللَّهِ، وَالْمُجَاهَدَةِ لِمَنْ تَوَلَّى عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ وَرَجَعَ عَنْ دِينِ الإِسْلامِ وَالْهُدَى، إِلَى الضَّلالَةِ وَالرَّدَى، وَعَهْدِي إِلَيْكَ يَا خَالِدُ أَنْ تَتَّقِيَ اللَّهَ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَعَلَيْكَ بالرفق والتأني،

_ [1] الطبري والأغاني: (ألا قومي إلى النيك) . محاضرات الأدباء: (إلى المهجع) . وبعده في الطبري والأغاني وبقية المصادر: وإن شئت ففي البيت ... وإن شئت ففي المخدع [2] في الأصل: (وإن شئتي) وكذلك الكلمات المكررة بعدها. [3] في الأصل: (سنلقاك) تحريفا، والصواب ما أثبتناه كما هو في مصادر التخريج. المختصر في أخبار البشر وجمهرة اللغة 3/ 84: (صلقناك) أي سلقناك. الجمهرة 3/ 41 ومحاضرات الأدباء: (علقناك) . [4] في بقية المصادر: (وإن شئت بثلثيه) .

وَسِرْ نَحْوَ بَنِي حَنِيفَةَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ، وَاعْلَمْ بِأَنَّكَ لَمْ تَلْقَ قَوْمًا قَطُّ يُشْبِهُونَ بَنِي حَنِيفَةَ فِي الْبَأْسِ وَالشِّدَّةِ، فَإِذَا قَدِمْتَ عَلَيْهِمْ فَلا تَبْدَأْهُمْ بِقِتَالٍ حَتَّى تَدْعُوهُمْ إِلَى دَاعِيَةِ الإِسْلامِ، وَاحْرِصْ عَلَى صَلاحِهِمْ، فَمَنْ أَجَابَكَ مِنْهُمْ فَاقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَمَنْ أَبَى فَاسْتَعْمِلْ فِيهِ السَّيْفَ، وَاعْلَمْ يَا خَالِدُ فَإِنَّكَ إِنَّمَا تُقَاتِلُ قَوْمًا كُفَّارًا باللَّه وَبِالرَّسُولِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فَإِذَا عَزَمْتَ عَلَى الْحَرْبِ فَبَاشِرْهَا بِنَفْسِكَ وَلا تَتَّكِلْ عَلَى غَيْرِكَ، وَصُفَّ صُفُوفَكَ وَاحْكُمْ تَعْبِيَتَكَ وَاحْزِمْ عَلَى أَمْرِكَ، وَاجْعَلْ عَلَى مَيْمَنَتِكَ رَجُلا تَرْضَاهُ، وَعَلَى مَيْسَرَتِكَ مِثْلَهُ، وَاجْعَلْ عَلَى خَيْلِكَ رَجُلا عَالِمًا صَابِرًا، وَاسْتَشِرْ مَنْ مَعَكَ مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُوَفِّقُكَ بِمَشُورَتِهِمْ، وَاعْرِفْ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ حَقَّهُمْ وَفَضْلَهُمْ، وَلا تَكْسَلْ وَلا تَفْشَلْ، وَأَعِدَّ السَّيْفَ لِلسَّيْفِ، وَالرُّمْحَ لِلرُّمْحِ، وَالسَّهْمَ لِلسَّهْمِ، وَاسْتَوْصِ بِمَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، وَلَيِّنِ الْكَلامَ وَأَحْسِنِ الصُّحْبَةَ وَاحْفَظْ وَصِيَّةَ نبيك محمد صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فِي الأَنْصَارِ خَاصَّةً، وَأَنْ تُحْسِنَ إِلَى مُحْسِنِهِمْ وَتَتَجَاوَزَ عَنْ مُسِيئِهِمْ، وَقُلْ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا باللَّه» . قَالَ: فَلَمَّا وَرَدَ الْكِتَابُ عَلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، جَمَعَ أَصْحَابَهُ ثُمَّ أَقْرَأَهُمُ الْكِتَابَ، وَقَالَ: (مَا الَّذِي تَرَوْنَ مِنَ الرَّأْيِ) ، فَقَالُوا: (الرَّأْيُ رَأْيُكَ، وَلَيْسَ فِينَا أَحَدٌ يُخَالِفُكَ) ، قَالَ: فَعِنْدَهَا عَزَمَ خَالِدٌ عَلَى الْمَسِيرِ إِلَى مُسَيْلِمَةَ وَأَصْحَابِهِ. وَكَتَبَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ إِلَى مُحْكَمِ بْنِ الطُّفَيْلِ وَزِيرِ مُسَيْلِمَةَ بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ [1] : (مِنَ الْبَسِيطِ) 1- يَا مُحْكَمُ بْنَ طُفَيْلٍ [2] قَدْ نَصَحْتُ لَكُمْ ... أَتَاكُمُ اللَّيْثُ لَيْثُ الحضر والبادي

_ [1] ليست في ديوان حسان، وجاء البيت الثاني من زيادات المحقق نقلا عن الروض الأنف 1/ 86، انظر ديوان حسان بتحقيق وليد عرفات ص 468. الأبيات غير الأول والأخير في الاكتفاء ص 86- 87. والبيت الثاني: في الروض الأنف 1/ 86. [2] في الأصل: (محكم بن الطفيل) وكذلك في البيتين بعده، ولا يستقيم الوزن بألف التعريف.

2- يَا مُحْكَمُ بْنَ طُفَيْلٍ قَدْ أُتِيحَ لَكُمْ ... للَّه دَرُّ أَبِيكُمْ حَيَّةِ الْوَادِي [1] 3- يَا مُحْكَمُ بْنَ طُفَيْلٍ إِنَّكُمْ نَفَرٌ ... كَالشَّاءِ أَسْلَمَهَا الرَّاعِي لآسَادِ 4- مَا فِي مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ مِنْ عِوَضٍ ... مِنْ دَارِ قَوْمٍ وَأَمْوَالٍ [2] وَأَوْلادِ 5- فَاكْفُفْ حَنِيفَةُ عَنْهُمْ قَبْلَ نَاعِيَةٍ [3] ... تَنْعَى فَوَارِسَ حَرْبٍ شَجْوُهَا بَادِ 6- وَيْلُ الْيَمَامَةِ [4] وَيْلٌ لا قَوَامَ لَهُ ... إِنْ حَالَتِ الْخَيْلُ فِيهَا بِالْقَنَا الصَّادِي [5] 7- وَاللَّهِ وَاللَّهِ لا تُثْنَى أَعِنَّتُهَا [6] ... حَتَّى تَكُونُوا كَأَهْلِ الْحِجْرِ أَوْ عَادِ [7] 8- لا تَأْمَنُوا خَالِدًا بِالْبَرْدِ مُلْتَثِمًا [8] ... وَسْطَ الْعَجَاجَةِ مِثْلَ الضَّيْغَمِ الْعَادِي 9- تَعْدُو بِه سَرِحَ [9] الرِّجْلَيْنِ طَاوِيَةٌ ... قُبٌّ مُشَرَّفَةُ الْمَتْنَيْنِ والهادي [19 ب] قَالَ: فَلَمَّا وَصَلَ هَذَا الشِّعْرُ إِلَى مُحْكَمِ بْنِ الطُّفَيْلِ وَزِيرِ مُسَيْلِمَةَ/ قَرَأَهُ، وَأَرْسَلَ إِلَى وُجُوهِ الْيَمَامَةِ فَجَمَعَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: (يَا بَنِي حَنِيفَةَ، هَذَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ قَدْ سَارَ إِلَيْكُمْ فِي جَمْعِ الْمُهَاجِرِينَ، وَإِنَّكُمْ تَلْقَوْنَ غَدًا قَوْمًا يَبْذُلُونَ أَنْفُسَهُمْ دُونَ صَاحِبِهِمْ، فَابْذُلُوا أَنْفُسَكُمْ دُونَ صَاحِبِكُمْ) . قَالَ: فَقَالَتْ بَنُو حَنِيفَةَ: (سَيَعْلَمُ خَالِدٌ غَدًا إِذَا نَحْنُ الْتَقَيْنَا بِخِلافِ مَنْ لَقِيَ مِنَ الْعَرَبِ) ، فَقَالَ مُحْكَمُ بْنُ الطُّفَيْلِ: (فَهَذَا الَّذِي أُرِيدُ مِنْكُمْ) ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى خالد بن الوليد بهذه الأبيات:

_ [1] السهيلي: يقال: (فلان حية الوادي) إذا كان مهيبا يذعر منه، قال حسان: (وذكر البيت) ، يعني بحية الوادي خالد بن الوليد. [2] الاكتفاء: (وإخوان وأولاد) . [3] الاكتفاء: (قبل نائحة ... فوارس شاج شجوها باد) . [4] في الأصل: (ويل اللامامة) . [5] في الأصل: (الصاد) . [6] في الاكتفاء: (والله لا تنثني عنكم أعنتها) . [7] الحجر: بلد بين الشام والحجاز، وهو ديار ثمود قوم النبي صالح عليه السلام. (معجم ما استعجم 2/ 426) (واللسان: حجر) . عاد: قوم النبي هود عليه السلام. [8] الاكتفاء: (بالبرد معتجرا) (تحت العجاجة مثل الأغضف) . [9] في الأصل: (يعدو به سرحتي الرجلين) وهو تحريف، والسرح: السريعة السهلة المشي.

(من المتقارب) 1- (أيا) [1] ابن الوليد ويا خالد ... ويا أيّها الأَسَدُ اللابِدُ 2- لَرُبَّ أُنَاسٍ قَدْ أَفْنَيْتَهُمْ ... وَأَنْتَ إِلَى مِثْلِهَا عَائِدُ 3- وَرُبَّ أُنَاسٍ لَهُمْ سَوْرَةٌ [2] ... قَصَدْتَ وَأَنْتَ لَهُمْ عَائِدُ 4- فَأَنْتَ تَدُلُّ عَلَى حَرْبِهِ ... وَأَنْتَ عَلَى فِعْلِهِمْ حَاقِدُ 5- وَأَمَّا الْيَمَامَةُ فَاشْدُدْ لَهَا ... حَيَازِمَكَ [3] الْيَوْمَ يَا خَالِدُ 6- سَتَلْقَى الْيَمَامَةَ مَمْنُوعَةً ... بِصُمِّ الْقَنَا عِزُّهَا تَالِدُ 7- وَبِيضُ السُّيُوفِ بِأَيْدِي الرِّجَالِ ... يَحِنُّ لَهَا الْكَفُّ وَالسَّاعِدُ 8- وَهَامٌ يَطِيرُ بِأَقْفَائِهَا ... وَشُدَّ عَلَيْكَ لَهُمْ وَاحِدُ 9- فَإِنْ تَلْقَهُمْ تَلْقَهُمْ مَعْشَرًا ... مَتَى يَنْزِلُوا بِكَ يَسْتَأْسِدُوا [4] 10- إِذَا مَا قَضَى الْقَوْمُ حَقَّ الرِّمَاحِ ... وَقَالُوا الطِّعَانُ بِهَا جَالَدُوا [5] 11- فَإِنْ أَنْتَ قَارَبْتَهُمْ قَارَبُوا ... وَإِنْ أَنْتَ بَاعَدْتَهُمْ بَاعَدُوا 12- بِهِ يَأْمَنُ الْقَوْمُ أَمْوَالَهُمْ ... كَمَا أَمِنَ الْجَدُّ وَالْوَالِدُ قَالَ: فأجابه حسان بن ثابت الأنصاري يقول [6] :

_ [1] زيادة يقتضيها الوزن. [2] في الأصل: (صورة) وهو تحريف، والسورة: الشدة والقوة. [3] الحيازم: جمع حزيم وهو موضع الحزام من الصدر والظهر كله ما استدار، يقال: قد شد حزيمه، وأنشد: شيخ إذا حمل مكروهة ... شد الحيازيم لها والحزيما وقول علي بن أبي طالب: أشدد حيازيمك للموت ... فإن الموت لاقيكا وهو كناية عن التشمر للأمر والاستعداد له. [4] في الأصل: (يستأسد) . [5] في الأصل: (جالد) . [6] ليست القطعة في ديوانه.

(مِنَ الْمُتَقَارِبِ) 1- حَنِيفَةُ قَدْ كَادَكَ الْكَائِدُ ... وَبَعْدَ غَدٍ جَمْعُهُمْ هَامِدُ 2- فَوَيْلُ الْيَمَامَةِ وَيْلٌ لَهَا ... إِذَا مَا أَنَاخَ بِهِمْ خَالِدُ 3- فَلا تَأْمَنُوهُ عَلَى غِرَّةٍ ... وَهَلْ يُؤْمَنُ الأَسَدُ اللابِدُ 4- هُوَ الْقَاتِلُ الْقَوْمَ يَوْمَ الْبُزَاخِ [1] ... وَقَدْ طَاعَنُوهُ وَقَدْ جَالَدُوا 5- وَأَوْطَا بَنِي [2] أَسَدٍ ذِلَّةً ... وَذُبْيَانُ أَوْطَا [3] وَقَدْ عَانَدُوا 6- فَوَلَّى طُلَيْحَتُهُمْ هَارِبًا ... وَمَا مِثْلُهُ مِنْكُمْ وَاحِدُ 7- وَقَادَ عُيَيْنَةُ [4] فِي غِلِّهِ ... فَسُبَّ بِهِ الْجَدُّ وَالْوَالِدُ 8- وَأَمْكَنَهُ اللَّهُ مِنْ قُرَّةَ [5] ... وَمَالِكٍ إِذْ [6] كُفْرُهُ تَالِدُ 9- وَأَنْتُمْ غَدًا مِثْلُهُ بِهَلَّةٍ [7] ... يُعْنَى بِهَا الصَّادِرُ وَالْوَارِدُ قَالَ: وَبَلَغَ بَنِي حَنِيفَةَ أَنَّ خَالِدًا قَدْ سَارَ إِلَيْهِمْ فِي الْحَدِّ وَالْحَدِيدِ، وَالْخَيْلِ وَالْجُنُودِ، فَاجْتَمَعُوا إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَكَابِرِهِمْ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أثال [8] ، وكان ذا

_ [1] يوم البزاخ: يريد يوم بزاخة حيث أوقع خالد بأسد وغطفان الذين تابعوا طليحة، راجع الترجمة فيما مضى. [2] في الأصل: (بنو أسد) . [3] في الأصل: (أوطى) . [4] هو عيينة بن حصن الفزاري، مرت ترجمته. [5] هو قرة بن هبيرة، مرت ترجمته. [6] توصل همزة (إذ) لإقامة الوزن، ومالك: هو مالك بن نويرة، مرت ترجمته. [7] بهلة: إبل سارحة مهملة دون راع، والناقة غير المصرورة يحلبها من شاء، وأبهل الوالي رعيته واستبهلها: إذا أهملها، ومنه قول النابغة في بني شيبان: وشيبان حيث استبهلتها البواهل أي أهملها ملوك الحيرة لأنهم كانوا نازلين على ساحل الفرات لا يصل إليهم السلطان يفعلون ما شاءوا (اللسان: بهل) . [8] ثمامة بن أثال الحنفي: صحابي من الفرسان الشعراء، أسلم وخرج معتمرا، فلما كان ببطن مكة لبى فكان أول من دخل مكة ملبيا، ولما كانت الردة وارتد قومه ثبت على

عَقْلٍ وَفَهْمٍ وَرَأْيٍ، وَكَانَ مُخَالِفًا لِمُسَيْلِمَةَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، فَقَالُوا: (يَا أَبَا عَامِرٍ، إِنَّهُ قَدْ سَارَ هَذَا الرَّجُلُ إِلَى مَا قَبْلَنَا يُرِيدُ قَتْلَنَا وَبَوَارَنَا وَاسْتِئْصَالَنَا عَنْ جَدِيدِ الأَرْضِ، فَهَذَا مُسَيْلِمَةُ بْنُ حَبِيبٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَقَدِ ادَّعَى مَا قَدْ عَلِمْتَ مِنَ النُّبُوَّةِ، فَهَاتِ الَّذِي عِنْدَكَ مِنَ الرَّأْيِ) . قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ ثُمَامَةُ: (وَيْحُكُمْ يَا بَنِي حَنِيفَةَ، اسْمَعُوا قَوْلِي تَهْتَدُوا وَأَطِيعُوا/ أَمْرِي تَرْشُدُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ محمد بن عبد الله نبي [20 أ] مُرْسَلٌ [1] لا شَكَّ فِي نُبُوَّتِهِ، وَهَذَا مُسَيْلِمَةُ رَجُلٌ كَذَّابٌ، فَلا تَغْتَرُّوا بِهِ وَلا بِقَوْلِهِ وَكَذِبِهِ، فَإِنَّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمُ الْقُرْآنَ الَّذِي أَتَى به محمد صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ عَنْ رَبِّهِ إِذْ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، حم، تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ 40: 0- 3 [2] ، فَأَيْنَ هَذَا الْكَلامُ مِنْ كَلامِ مُسَيْلِمَةَ، فَانْظُرُوا فِي أُمُورِكُمْ وَلا يَذْهَبَنَّ هَذَا عَنْكُمْ، أَلا وَإِنِّي خَارِجٌ إِلَى ابْنِ الْوَلِيدِ فِي لَيْلَتِي هَذِهِ، وَطَالِبٌ مِنْهُ الأَمَانَ عَلَى نَفْسِي وَمَالِي وَأَهْلِي وَوَلَدِي) . فَقَالَ الْقَوْمُ: (نَحْنُ مَعَكَ يَا أَبَا عَامِرٍ [3] ، فَكُنْ مِنْ ذَلِكَ عَلَى عِلْمٍ) . ثُمَّ خَرَجَ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فِي نَفَرٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ، حَتَّى صَارَ إِلَى خَالِدٍ فَاسْتَأْمَنَ إِلَيْهِ، فَأَمَّنَهُ خَالِدٌ وَأَمَّنَ أَصْحَابَهُ. قَالَ: وَكَتَبَ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ بهذه الأبيات [4] إلى مسيلمة [5] :

_ [ () ] الإسلام ونهى قومه عن اتباع مسيلمة، ثم فارقهم والتحق بخالد بن الوليد ثم خرج مع العلاء بن الحضرمي لقتال المرتدين في البحرين، وقتل بعد ذلك سنة 12 هـ-. (الإصابة 1/ 410- 412 الاستيعاب 1/ 213 السيرة النبوية 2/ 638 تاريخ دمشق 6/ 170 الأعلام 2/ 100) . [1] في الأصل: (نبيا مرسلا) . [2] [غافر 1- 3] [3] في الأصل: (يا أبا سليمان عامر) والصواب: يا أبا عامر، كما مر في الصفحة السابقة. [4] قوله: (بهذه الأبيات) خرجة من الحاشية. [5] الأبيات غير الأخير في الاكتفاء ص 90.

(مِنَ الْمُتَقَارِبِ) 1- مُسَيْلِمَةُ ارْجِعْ وَلا تَمْحَكْ [1] ... فَإِنَّكَ فِي الأَمْرِ لَمْ تُشْرَكْ 2- كَذَبْتَ عَلَى اللَّهِ فِي وَحْيِهِ ... وَكَانَ هَوَاكَ هَوَى الأَنْوَكْ [2] 3- وَمَنَّاكَ قَوْمُكَ أَنْ يَمْنَعُو ... كَ وَإِنْ يَأْتِهِمْ خَالِدٌ تُتْرَكْ 4- فَمَا لَكَ فِي الْجَوِّ مِنْ مَصْعَدٍ ... وَمَا لَكَ فِي الأَرْضِ مِنْ مَسْلَكْ [3] 5- سَحَبْتَ الذُّيُولَ إِلَى سَوْأَةٍ ... عَلَى مَنْ يَقُلْ مِثْلَهُ يُهْلَكْ قَالَ: وَسَارَ خَالِدٌ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، حَتَّى إِذَا تَقَارَبَ مِنْ أَرْضِ الْيَمَامَةِ نَزَلَ إِلَى جَنْبِ وَادٍ مِنْ أَوْدِيَتِهَا، ثُمَّ بَعَثَ بِجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يَزِيدُونَ عَلَى مِائَتَيْ فَارِسٍ، وَقَالَ لَهُمْ: (سِيرُوا فِي هَذِهِ الْبِلادِ فَأْتُونِي بِكُلِّ مَنْ قَدَرْتُمْ عَلَيْهِ) . فَسَارُوا فَإِذَا هُمْ بِرَجُلٍ مِنْ أَشْرَافِ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ مُجَّاعَةُ بْنُ مُرَارَةَ [4] وَمَعَهُ ثَلاثَةٌ وَعِشْرُونَ رَجُلا مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ. قَالَ: فَدَنَا منهم المسلمون،

_ [1] في الأصل: (ولا تدعى) والتصويب من الاكتفاء، تمحك: من المحك وهو اللجاجة وسوء الخلق (القاموس: محك) . وقوله: (فإنك في الأمر لم تشرك) إشارة إلى زعم مسيلمة أنه أشرك في النبوة مع النبي محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم، وكان قد كتب مسيلمة إلى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم سنة عشر من الهجرة: (من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله سلام عليك، أما بعد فإني قد أشركت في الأمر معك، وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض، ولكن قريشا قوم يعتدون) السيرة النبوية 2/ 600) . [2] في الأصل: (الأوتد) والتصويب من الاكتفاء، والنوك: الحمق. [3] في الاكتفاء: (فما لك من مصعد في السما ... ء ولا لك في الأرض من مسلك) [4] مجاعة بن مرارة بن سلمى الحنفي اليمامي، صحابي كان بليغا حكيما من رؤساء قومه، أقطعه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أرضا في اليمامة، أسره خالد يوم اليمامة واستبقاه، وتزوج خالد ابنته، وكان مجاعة شاعرا عاش إلى عهد معاوية وتوفي سنة 45 هـ-. (الإصابة 5/ 768- 770، تهذيب التهذيب 10/ 39، معجم الشعراء ص 472، الأعلام 5/ 277) .

قَالُوا: (مَنْ أَنْتُمْ) ، قَالُوا: (نَحْنُ قَوْمٌ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ) ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: (فَلا أَنْعَمَ اللَّهُ بِكُمْ عَيْنًا يَا أَعْدَاءَ اللَّهِ) ، ثُمَّ أَحَاطُوا بِهِمْ فَأَخَذُوهُمْ، وَجَاءُوا بِهِمْ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، حَتَّى أَوْقَفُوهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ خَالِدٌ: (يَا بَنِي حَنِيفَةَ، مَا تَقُولُونَ فِي صَاحِبِكُمْ مُسَيْلِمَةَ) ، فَقَالُوا: (نَقُولُ إِنَّهُ شَرِيكُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي نُبُوَّتِهِ) . فَقَالَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ سَارِيَةُ بْنُ عَامِرٍ [1] : (يَا أَبَا سُلَيْمَانَ، وَلَكِنِّي لا أَقُولُ ذَلِكَ) ، قَالَ خَالِدٌ: (يَا مُجَّاعَةُ، مَا تَقُولُ فِيمَا يَقُولُ أَصْحَابُكَ هَؤُلاءِ) ، فَقَالَ مُجَّاعَةُ: (أَقُولُ إِنِّي قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ [2] وبها رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُهُ أَنا وَصَاحِبِي هَذَا سَارِيَةُ بْنُ عَامِرٍ، وَلا وَاللَّهِ مَا غَيَّرْنَا وَلا بَدَّلْنَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَنَا بُدٌّ مِنْ مُدَارَاةِ مُسَيْلِمَةَ خَوْفًا عَلَى أَنْفُسِنَا وَأَمْوَالِنَا وَأَوْلادِنَا) . قَالَ: فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ: (فَاعْتَزِلْ أَنْتَ وَصَاحِبُكَ/ هَذَا نَاحِيَةً مِنْ هَؤُلاءِ الْكُفَّارِ) ، ثم قدم خالد بقية القوم [20 ب] فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ صَبْرًا، ثُمَّ عَمِدَ إِلَى مُجَّاعَةَ، فَقَالَ مُجَّاعَةُ: (أَيُّهَا الأَمِيرُ، إِنِّي لَمْ أَزَلْ مُسْلِمًا، وَأَنَا الْيَوْمَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ أَمْسِ، وَقَدْ رَأَيْتُكَ عَجِلْتَ عَلَى هَؤُلاءِ الْقَوْمِ بِالْقَتْلِ، وَأَنَا وَاللَّهِ خَائِفٌ عَلَى نَفْسِي مِنْكَ، وَلَكِنْ أَيُّهَا الأَمِيرُ إِنْ كَانَ رَجُلٌ كَذَّابٌ خَرَجَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا فَادَّعَى مَا ادَّعَى، فَلَيْسَ يَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَأْخُذَ الْبَرِيءَ بِأَمْرِ السَّقِيمِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى 6: 164 [3] ، ثُمَّ أَنْشَأَ مُجَّاعَةُ يَقُولُ [4] : (مِنَ الْخَفِيفِ) 1- أَتَرَى خَالِدًا يَقْتُلُنَا الْيَوْ ... مَ بِذَنْبِ الأُصَيْفِرِ [5] الْكَذَّابِ

_ [1] سارية بن عامر: وفي الإصابة: سارية بن عمرو الحنفي، وهو الذي قال لخالد بن الوليد يوم اليمامة: إن كان لك في أهل اليمامة حاجة فاستبق هذا، يعني مجاعة بن مرارة. (الإصابة 3/ 246) . [2] في الأصل: (أقول إلى قدمت المدينة) . [3] [الأنعام: 164] . [4] البيتان: 1، 3 في الإصابة 5/ 769، وفي الإصابة 6/ 580 منسوبة للهيثم الحنفي، وقطع من كتاب الردة ص 15. [5] في الأصل والإصابة: (الأصفر) وهو تحريف، والأصيفر: هو مسيلمة، وكذلك جاءت

2- عِنْدَنَا الْيَوْمَ فِي مُسَيْلِمَةَ الرَّ ... دِّ لِتِلْكَ الْقُرَى وَطُولِ الْعِتَابِ 3- لَمْ نَدَعْ مِلَّةَ النَّبِيِّ وَلا نَحْ- ... - نُ رَجَعْنَا عَنْهَا عَلَى الأَعْقَابِ [1] 4- إِنْ يَكُنْ خَالِدٌ يُرِيدُ دِمَى الْيَوْ ... مَ فَمَا إِنْ أَرَادَهُ [2] بِصَوَابِ 5- وَلَسَفْكُ الدِّمَا [3] أَخَفُّ عَلَيْهِ ... يَا لَكَ الْخَيْرُ مِنْ طَنِينِ الذُّبَابِ 6- قُلْتُ لِلنَّفْسِ إِنْ تَعَاظَمَكِ الْمَوْ ... تُ فَعُدِّي مَنْ مَاتَ مِنْ أَصْحَابِي 7- مِنْ عَدِيٍّ وَعَامِرٍ وَمَنَاةَ ... وَبَنِي الدُّوَلِ تِلْكُمُ أَحْبَابِي 8- وَلَنَا أُسْوَةٌ بمن أكل الدّه- ... - ر [4] وليس الرؤوس كَالأَذْنَابِ قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ سَارِيَةُ بْنُ عَامِرٍ، فَقَالَ: (أَيُّهَا الأَمِيرُ، مَنْ خَافَ سَيْفَكَ رَجَاَ عَدْلَكَ، وَمَنْ رَجَا عَدْلَكَ، رَجَا أَمَانًا مُنَعَّمًا، وَقَدْ خِفْتُكَ وَرَجَوْتُكَ، وَأَنَا بِحَمْدِ اللَّهِ عَلَى دِينِ الإِسْلامِ مَا غَيَّرْتُ وَلا بَدَّلْتُ، فَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ يَسْتَقِيمَ لَكَ أَمْرُ بَنِي حَنِيفَةَ [5] فَاسْتَبْقِنِي وَاسْتَبْقِ هَذَا الشَّيْخَ فَإِنَّهُ سَيِّدُ أهل اليمامة، ولا تؤاخذنا بِمَا كَانَ مِنْ تَخَلُّفِنَا عَنْكَ وَالسَّلامُ) . ثُمَّ أنشأ يقول: (من البسيط) 1- يا ابن الْوَلِيدِ لَقَدْ أَسْرَعْتَ فِي نَفَرٍ ... مِنْ عَامِرٍ وَعَدِيٍّ أَوْ مِنَ الدُّوَلِ 2- فَاسْتَبْقِ مُجَّاعَةَ الْمَأْمُولِ إِنَّ لَهُ ... خَطْبًا عَظِيمًا وَرَأْيًا غَيْرَ مَجْهُولِ 3- إِنْ تُعْطِهِ مِنْكَ عَهْدًا لا تَجِيشُ بِهِ [6] ... تقطع به عنك عيب القال والقيل

_ [ () ] صفته في الطبري حين بحث عنه بين القتلى: (فإذا رويجل أصيفر أخينس) فقال مجّاعة: هذا صاحبكم قد فرغتم منه. (الطبري 3/ 295) . وفي الإصابة 6/ 580: (بذنب الأصيغر) بالغين المعجمة. [1] الإصابة: (لم يدع ملة) ، (رجعنا فيها) وفي موضع آخر: (رجعنا منها) . [2] في الأصل: (فما أراداده) وصحح ذلك في الحاشية. [3] في الأصل: (الدماء) ولا يستقيم بها الوزن. [4] أكل الدهر: كناية عن الهلاك. [5] في الأصل: (أن تستقيم لك أمرتي حنيفة) . [6] أي: تعطه عهدا ثابتا لا تهيج به ولا تثور عليه، وجاش من جيشان القدر إذا غلت وارتفعت

4- وَيْلُ الْيَمَامَةِ وَيْلٌ لا ارْتِجَاعَ لَهُ ... إِنْ كَانَ مَا قُلْتُ فِيهِ غَيْرَ مَقْبُولِ قَالَ خَالِدٌ: (فَإِنِّي قَدْ عَفَوْتُ عَنْكُمَا، وَلَكِنْ أَقِيمَا فِي عَسْكَرِي وَلا تَبْرَحَا حَتَّى أَنْظُرَ عَلَى مَا يَنْصَرِمُ أَمْرِي وَأَمْرُ بَنِي حَنِيفَةَ) . ثُمَّ أَمْرُ خَالِدٍ بِمُجَّاعَةَ [1] وَسَارِيَةَ فَأُطْلِقَا مِنْ حَدِيدِهِمَا فَأَنْشَأَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُ [2] : (مِنَ الْمُتَقَارَبِ) 1- بَنِي عَامِرٍ أَنْتُمُ عُصْبَةٌ ... لِعَالِي الْمَكَارِمِ مُتْبَاعَهْ 2- وَقَدْ زَانَ مَجْدَكُمُ خَالِدٌ ... بِإِطْلاقِهِ غُلَّ مجَّاعه 3- وَسَارِيَةٍ (ذَاكَ) [3] قَدْ فَكَّهُ ... وَكَانَ رَهِينَةَ مُجَّاعَهْ 4- بِعَضْبٍ حُسَامٍ رَقِيقِ الذُّبَابِ ... بكفِّ فَتًى غَيْرِ جَعْجَاعَهْ [4] 5- فإنَّ [5] الْمُخَالِفَ لابْنِ الْوَلِيدِ ... أَذَلَّ مِنَ الْفَقْعِ في القاعة [6] 6- فيا ابن الْوَلِيدِ وَأَنْتَ امْرُؤٌ/ ... تُقَاتِلُ مَنْ شَكَّ فِي السّاعه [21 أ] 7- وَمَنْ مَنَعَ الْحَقَّ مِنْ مَالِهِ ... وَنَفْسُكَ لِلذُّلِّ مَنَّاعَهْ 8- وَكَفَّاكَ كَفٌّ تَضُرُّ [7] الْعِدَى ... وَكَفٌّ لِمَنْ شئت نفّاعه

_ [ () ] (انظر اللسان: جيش) ، ولعلها: (لا تخيس) أي لا تنكث ولا تغدر. [1] في الأصل: (بعجاجة) تحريفا. [2] لم أقف على اسمه. [3] في الأصل: (وسارية قد فكه) والشعر ناقص، ولعله: (وسارية ذاك قد فكه) ، أو: (وسارية الخير قد فكه) ، وبهما يستقيم الوزن والمعنى. [4] الجعجاعة: الرجل الكثير الكلام ولا خير فيه، والذي يعد ولا يفعل، ومنه المثل: (أسمع جعجعة ولا أرى طحنا) ، والجعجعة: صوت الرحى ونحوها. (اللسان: جعع، وانظر المثل أيضا: «جعجعة ولا أرى طحنا» في مجمع الأمثال 1/ 160) . [5] في الأصل: (فأنت المخالف) . [6] القاعة والقاع: أرض سهلة مطمئنة قد انفرجت عنها الجبال والآكام والجمع قيع وقيعة وقيعان (القاموس: قاع) ، والفقع: الكمأة، وفي المثل: (أذل من فقع بقاع) (الدرة الفاخرة 1/ 203، واللسان: فقع) . [7] في الأصل: (نصر العدى) .

9- فَمَا لِلْيَمَامَةِ [1] مِنْ مَلْجَإٍ ... سِوَى السَّمْعِ للَّه وَالطَّاعَهْ قَالَ: وَسَارَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِالْمُسْلِمِينَ حَتَّى نَزَلَ بِمَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ عَقْرُبَاءَ [2] مِنْ أَرْضِ الْيَمَامَةِ، فَضَرَبَ عَسْكَرَهُ هُنَاكَ، وَسَارَ مُسَيْلِمَةُ فِي جَمِيعِ بَنِي حَنِيفَةَ حَتَّى نَزَلَ حِذَاءَ خَالِدٍ، فَأَقَامُوا يَوْمَهُمْ ذَلِكَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ وَثَبَ خَالِدٌ [3] يُعَبِّئُ [4] أَصْحَابَهُ، فَكَانَ عَلَى مَيْمَنَتِهِ زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ [5] ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ [6] مَوْلَى رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَعَلَى الْجَنَاحِ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ [7] أَخُو أنس بن مالك.

_ [1] في الأصل: للإمامة) وهو تحريف اليمامة. [2] عقرباء: منزل من أرض اليمامة في طريق النّباج قريب من قرقرى، وهو من أعمال العرض وهو لقوم من بني عامر بن ربيعة، وخرج إليها مسيلمة لما بلغه سري خالد إلى اليمامة فنزل بها في طرف اليمامة ودون الأموال، وجعل ريف اليمامة وراء ظهره، وجاءت في شعر ضرار بن الأزور بعد قتل مسيلمة: ولو سئلت عنّا جنوب لأخبرت ... عشية سالت عقرباء وملهم (معجم البلدان: عقرباء) [3] في الأصل: (وثب مسيلمة) وهو خطأ ظاهر. [4] في الأصل: (يعني) . [5] زيد بن الخطاب: بن نفيل بن عبد العزي القرشي العدوي، وهو أخو عمر بن الخطاب، صحابي من شجعان العرب في الجاهلية والإسلام، كان أكبر من عمر وأسلم قبله، شهد المشاهد ثم كانت راية المسلمين يوم اليمامة في يده إلى أن قتل، قتله أبو مريم الحنفي سنة 12 هـ- فحزن عمر عليه حزنا شديدا. (طبقات ابن سعد 3/ 274، أسد الغابة 2/ 285، الإصابة 2/ 604، الاستيعاب 2/ 550- 553، الأعلام 3/ 58) . [6] مرت ترجمته. [7] البراء بن مالك: بن النضر بن ضمضم الخزرجي صحابي، هو أخو مالك بن أنس خادم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، شهد أحدا وما بعدها مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وكان من أشجع الناس وهو الذي اقتحم على المرتدين يوم اليمامة حديقتهم، حيث أجلسوه على ترس وقال: ارفعوني برماحكم فألقوني إليهم، ففعلوا فأدركوه وقد قتل عشرة منهم، وكان على ميمنة أبي موسى الأشعري يوم فتح تستر فاستشهد على بابها الشرقي سنة 20 هـ-. (الطبري 3/ 290، صفة الصفوة 1/ 256، حلية الأولياء 1/ 350، معجم البلدان: تستر، تاريخ الإسلام 3/ 30، أسد الغابة 1/ 206، الإصابة 1/ 279- 282، الأعلام 2/ 47) .

قَالَ: وَسَلَّتْ بَنُو حَنِيفَةَ سُيُوفَهَا مِنْ أَجْفَانِهَا وَأَبْرَقُوا بِهَا، ثُمَّ إِنَّهُمْ ضَجُّوا ضَجَّةً، وَنَفِرُوا نَفْرَةً مُنْكَرَةً، فَقَالَ خَالِدٌ: أَيُّهَا الْقَوْمُ، أَبْشِرُوا، فَإِنَّ الْقَوْمَ مَخْذُولُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنَّمَا سَلُّوا هَذِهِ السُّيُوفَ لِيُرْهِبُوكُمْ، وَلَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ إِلا جَزَعًا وَفَشَلا. قَالَ: فَسَمِعَ رَجُلٌ من بني حنيفة فقال: (هيهات والله يا ابن الْوَلِيدِ، وَلَكِنْ أَبْرَزْنَاهَا لَكُمْ مِنْ أَغْمَادِهَا لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا لَيْسَتْ كَسُيُوفِكُمُ الْخَشِنَةِ الْكَلِيلَةِ) . قَالَ: وَدَنَا الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَتَقَدَّمَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي أَوَائِلِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ يَقُولُ [1] : (مِنْ مَشْطُورِ الرَّجَزِ) 1- لا تُوعِدُونَا بِالسُّيُوفِ الْمُبْرَقَهْ ... 2- إِنَّ السِّهَامَ بِالرَّدَى مُفَوَّقَهْ [2] 3- وَالْحَرْبُ خُلْوٌ مِنْ عِقَالٍ مُطْلَقَهْ [3] ... 4- لا ذَهَبَ يُنْجِيكُمْ وَلا رِقَهْ [4] 5- وَخَالِدٌ مِنْ دِينِهِ عَلَى ثِقَهْ ثُمَّ حَمَلَ سَاعَةً وَرَجَعَ. وَتَقَدَّمَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ [5] وَفِي يَدِهِ صفيحة يمانية، وهو يرتجز ويقول:

_ [1] الرجز غير الأول في: لسان العرب: ورق، مع خلاف في الترتيب. [2] في الأصل: (موفقة) وهو تحريف (مفوقة) ، والتصويب من اللسان. [3] في اللسان: (والحرب ورهاء العقال مطلقة) . [4] في الأصل: (لا ذهبا) وهو لحن. الرقة: الفضة والدراهم المضروبة، وفي الحديث: (في الرّقة ربع العشر) (اللسان: ورق) (والحديث في البخاري: زكاة 38 أبو داود: زكاة 5) . [5] عمار بن ياسر بن عامر الكناني المذحجي، أبو اليقظان، صحابي من الولاة الشجعان ذوي الرأي، وهو أحد السابقين إلى الإسلام والجهر به، هاجر إلى المدينة وشهد بدرا وأحدا والخندق، وكان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يسميه (الطيب المطيب) ، وهو أول من بنى مسجدا في الإسلام هو مسجد قباء، ولّاه عمر الكوفة، وشهد الجمل وصفين مع علي بن أبي طالب، وقتل في صفين سنة 37 هـ- وعمره ثلاث وتسعون سنة.

(مِنْ مَشْطُورِ الرَّجَزِ) 1- إِنِّي أَبُو الْيَقْظَانِ شَيْخِي يَاسِرُ ... 2- مِنْ مَعْشَرٍ آبَاؤُهُمْ أَخَايِرُ 3- وَفِي يَمِينِي ذُو وَمِيضٍ بَاتِرُ ... 4- صَفِيحَةٌ وَرِثْتُهَا يَا عَامِرُ ثم حمل، فلم يزل يقاتل حتى قتل مِنْهُمْ جَمَاعَةً. وَحَمَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ وَضَرَبَهُ ضَرْبَةً فَالْتَقَاهَا بِحَجَفَتِهِ [1] فَزَاحَتِ الضَّرْبَةُ فِي الْحَجَفَةِ وَهَوَتْ إِلَى أُذُنِ عَمَّارٍ فَرَمَتْ بِهَا. قَالَ: وَدَاخَلَهُ عَمَّارٌ فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً فَقَتَلَهُ. قَالَ: ثُمَّ تَقَدَّمَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيُّ [2] أَخُو أَبِي جَهْلِ [3] بْنِ هِشَامٍ، فَجَعَلَ يَهْدِرُ كَالْفَحْلِ وَهُوَ يَقُولُ: (مِنْ مَشْطُورِ الرَّجَزِ) 1- إِنِّي بِرَبِّي وَالنَّبِيِّ مُؤْمِنُ ... 2- وَالْبَعْثِ مِنْ بَعْدِ الْمَمَاتِ مُوقِنُ

_ [ () ] (الإصابة 4/ 575، الاستيعاب 3/ 1135- 1141، المحبر ص 289- 296، حلية الأولياء 1/ 139، صفة الصفوة 1/ 175 الأعلام 5/ 36) . [1] الحجفة: الترس، يقال للترس إذا كان من جلود وليس فيه خشب ولا عقب حجفة ودرقة والجمع حجف (الصحاح: حجف) . [2] الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي القرشي، صحابي كان شريفا في الجاهلية والإسلام وهو أخو أبي جهل، يضرب المثل ببناته في الحسن والشرف وغلاء المهر، شهد بدرا مع المشركين فانهزم فعيّره حسان بن ثابت بأبيات، فاعتذر بأبيات هي أحسن ما قيل في الاعتذار من الفرار، أسلم يوم فتح مكة وخرج في أيام عمر إلى الشام فلم يزل مجاهدا بالشام إلى أن مات في طاعون عمواس سنة 18 هـ-. (الإصابة 1/ 605- 608، الاستيعاب 1/ 301، ابن عساكر 4/ 5، ثمار القلوب ص 238، الأعلام 2/ 158) . [3] في الأصل: (أخو أبا جهل) .

3- وَالدَّهْرُ قِدْمًا بِالرَّحِيلِ مُؤْذِنُ ... 4- أَقْبِحْ بِشَخْصٍ لِلْحَيَاةِ مَوْطِنُ ثُمَّ حَمَلَ فَقَاتَلَ قِتَالا شَدِيدًا وَرَجَعَ إِلَى مَوْقِفِهِ. وَتَقَدَّمَ زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ: (مِنْ مَشْطُورِ الرَّجَزِ) 1- قَدْ عَلِمَ الأَقْوَامُ أَنِّي زَيْدُ ... 2- لَيْثٌ هَصُورٌ لَيْسَ مِنِّي حَيْدُ 3- لَكِنَّنِي فِي الْحَرْبِ عِنْدِي كَيْدُ ... 4- وَذُو أَنَاةٍ ثُمَّ عِنْدِي أَيْدُ [1] ثُمَّ حَمَلَ، وَذَلِكَ فِي آخِرِ النَّهَارِ، فَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُ حَتَّى قتل خمسة من/ [21 ب] وُجُوهِ الْقَوْمِ وَفُرْسَانِهِمْ، وَقُتِلَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ. قَالَ: فَتَقَدَّمَ ابْنُ عَمٍّ يُقَالُ لَهُ: عَامِرُ بْنُ كَثِيرٍ الْعَدَوِيُّ حَتَّى وَقَفَ بَيْنَ الْجَمْعَيْنِ وَأَنْشَأَ يَقُولُ [2] : (مِنَ الْوَافِرِ) 1- أَلا يَا زَيْدُ زَيْدُ بَنِي نُفَيْلِ ... لَقَدْ أَوْرَثْتَنَا وَيْلا بِوَيْلِ 2- كَأَنَّكَ وَالْقَنَا لَيْثٌ هَصُورٌ ... أَبُو شِبْلَيْنِ يَحْمِي بطن غيل 3- غداة غدت حَنِيفَةُ فِي مِكَرٍّ ... كَأَنَّ جُمُوعَهُمْ دَفَّاعُ سَيْلِ 4- فَلَمْ تَبْرَحْ تُضَارِبُهُمْ بِعَضْبٍ ... يُنَفِّحُهُمْ صَبَاحًا جُنْحَ لَيْلِ 5- فَأَمْسَيْتُ الْعَشِيَّةَ ذَا اغْتِبَاطٍ ... غَفِيرَ الْخَدِّ من رجل وخيل [3]

_ [1] الأناة: الحلم والوقار. الأيد: القوة والشدة. [2] البيت الأول فقط: في الإصابة 2/ 499 منسوب لرهم العدوي ابن عم عمر بن الخطاب، وقطع من كتاب الردة ص 22. [3] في الأصل: (من خيل ورجل) وهو من وهم الناسخ الذي قدم وأخّر ويكون فيه عيب هو سناد الردف.

6- فَتِلْكَ مُصِيبَةٌ عَظُمَتْ وَجَلَّتْ ... مُجَدَّعَةُ الْمَعَاطِسِ مِنْ نُفَيْلِ [1] قَالَ: ثُمَّ حَمَلَ، فَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُ حَتَّى قُتِلَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ. قَالَ: وَاشْتَبَكَ الْحَرْبُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، فَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [2] عَلَى زُهَاءِ ثَلاثِ مِائَةِ رَجُلٍ، وَمِنْ بَنِي حَنِيفَةَ أَضْعَافُهُمْ، وَأَمْسَى الْمَسَاءُ فَرَجَعَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ. وَتَقَدَّمَ مُحْكِمُ بْنُ الطُّفَيْلِ لَمَّا يَخَافُونَ مِنَ الْبَيَاتِ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ دَنَا بعضهم من بعض، وتقدم محكم ابن الطُّفَيْلِ وَزِيرُ مُسَيْلِمَةَ حَتَّى وَقَفَ أَمَامَ أَصْحَابِهِ وَهُوَ شَاهِرٌ سَيْفَهُ عَلَى عَاتِقِهِ، رَافِعًا صَوْتَهُ وَهُوَ يَقُولُ: (مِنَ الْخَفِيفِ) 1- رُبَّ رَخْوِ النِّجَادِ [3] مصطلم الكش- ... - حين بَدْرٍ يَلُوحُ كَالْمِخْرَاقِ 2- أَبْلَغَتْهُ [4] السُّيُوفُ لَمَّا الْتَقَيْنَا ... كَانَ فِي أَهْلِهِ عَزِيزَ الْفِرَاقِ 3- مَنْ يَرَ الْمَوْتَ غُنْمًا عَظِيمًا ... عِنْدَ وَقْتِ الْهَيَاجِ وَالْمِصْدَاقِ 4- سَاقَهُمْ حَتْفُهُمْ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ ... فِيهِ فَرْيُ [5] السُّيُوفِ للأعناق

_ [1] المعاطس: الأنوف، مجدعة المعاطس: مقطعة الأنوف، كناية عن الذل. [2] انظر خبر القتال في الطبري 3/ 290- 301، وذكر الطبري أن قتلى المسلمين من أهل قصبة المدينة يومئذ ثلاث مائة وستون، ومن المهاجرين من غير أهل المدينة والتابعين بإحسان ثلاث مائة من هؤلاء وثلاث مائة من هؤلاء، ستمائة أو يزيدون، وقتل من بني حنيفة في الفضاء بعقرباء سبعة آلاف، وفي حديقة الموت سبعة آلاف وفي الطلب نحو منها. (الطبري 3/ 296- 297) . [3] في الأصل: (النجاة) وهو تحريف. رخو النجاد: أي طويل، والنجاد: ما وقع على العاتق من حمائل السيف، ويكنون بطول النجاد عن طول الرجل (اللسان: نجد) . مصطلم الكشحين: أي أهيف ليس سمينا، والصلم: القطع والاستئصال، ويذم الرجل إذا كان سمينا عظيم الكشحين، هو ذم للرجل ومدح للمرأة. المخراق: ثور الوحش، وهو أبيض، ولذلك شبّه به فقال: بدر كالمخراق، والمخراق أيضا: الرجل الحسن الجسم. (القاموس: خرق) . [4] في الأصل: (أبلغت) . [5] في الأصل: (قرى) وهو تصحيف، والفرى: الشق والقطع.

5- فَأَنَا مُحْكِمٌ فَهَلْ مِنْ شُجَاعٍ ... يَبْرُزُ الْيَوْمَ لِلسُّيُوفِ الرِّقَاقِ قَالَ: ثُمَّ حَمَلَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَاتَلَ قِتَالا شَدِيدًا، وَحَمَلَ عَلَيْهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ الأَنْصَارِيُّ، فَطَعَنَهُ فِي خَاصِرَتِهِ طَعْنَةً نَكَّسَهُ عَنْ فَرَسِهِ قَتِيلا، ثُمَّ جَالَ الأَنْصَارِيُّ فِي مَيْدَانِ الْحَرْبِ جَوْلَةً، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: (مِنَ الْكَامِلِ) 1- سَائِلْ بِنَا أَهْلَ الْيَمَامَةِ إِذْ بَغَوْا ... وَتَمَرَّدُوا فِي الْكُفْرِ وَالإِصْغَارِ 2- جَعَلُوا مُسَيْلِمَةَ الْكَذُوبَ نَبِيَّهُمْ ... يَا بِئْسَ فِعْلِ مَعَاشِرِ الْفُجَّارِ 3- سِرْنَا إِلَيْهِمْ بِالْقَنَابِلِ [1] وَالْقَنَا ... وَبِكُلِّ عَضْبٍ مُرْهَفٍ بَتَّارِ 4- وَمُهَاجِرِينَ كَأَنَّهُمْ أُسْدُ الشِّرَى [2] ... قَدْ أُيِّدُوا بِالأَوْسِ وَالنَّجَّارِ [3] 5- فِي جَيْشِ سَيْفِ اللَّهِ جُنْدِ مُحَمَّدٍ ... وَالسَّابِقِينَ بِسُنَّةِ الأَخْيَارِ قَالَ: ثُمَّ حَمَلَ هَذَا الأَنْصَارِيُّ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ، حَتَّى قُتِلَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ. قَالَ: ثُمَّ تَقَدَّمَ السَّائِبُ بْنُ الْعَوَّامِ [4] ، أَخُو الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، وهو يرتجز ويقول:

_ [1] القنابل: جمع قنبلة، طائفة من الخيل ما بين الثلاثين إلى الأربعين ونحوه، وكذلك القنبلة من الناس: طائفة منهم. (الصحاح: قنبل) . [2] الشرى: موضع تنسب إليه الأسد، يقال للشجعان: ما هم إلا أسود الشرى، وقال بعضهم: شرى موضع بعينه تأوي إليه الأسد، وقيل: هو شرى الفرات وناحيته، وبه غياض وآجام ومأسدة، قال الشاعر الأشهب بن رميلة: أسود شرى لاقت أسود خفيّة ... تساقوا على حرد دماء الأساود والشرى: طريق في جبل سلمى كثير الأسد. (اللسان: شرى، وأمالي القالي ص 6) . [3] ذكر النجار خضوعا للقافية وأراد الخزرج، والنجار من الخزرج، فهو: النجار بن ثعلبة ابن عمرو بن الخزرج. (جمهرة النسب ص 346) . [4] السائب بن العوام القرشي الأسدي، أخو الزبير بن العوام شقيقه، شهد بدرا والخندق وغيرها مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، استشهد باليمامة سنة 12 هـ-. (الإصابة 3/ 25، الاستيعاب 2/ 575) .

(مِنْ مَشْطُورِ الرَّجَزِ) 1- يَا قَوْمِ جِدُّوا فِي قِتَالِ الْقَوْمِ ... 2- وَاهْتَجِرُوا النَّوْمَ فَمَا مِنْ نَوْمِ 3- قد ذهب اللّوم [1] فما من لوم ... [22 أ] 4- إِنْ لَمْ تُغَاثُوا بِالدُّعَا وَالصَّوْمِ/ قَالَ: ثُمَّ حَمَلَ فَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُ حَتَّى قُتِلَ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ. قَالَ: وَكَانَ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ فَارِسًا بَطَلا [2] لا يَصْطَلِي بِنَارِهِ، وَكَانَ إِذَا شَهِدَ الْحَرْبَ وَعَايَنَهَا أَخَذَتْهُ الرِّعْدَةُ وَيَنْتَفِضُ انْتِفَاضًا شَدِيدًا، حَتَّى كَأَنَّهُ يُعْقَلُ بِالْحِبَالِ وَيَضْبِطُهُ الرِّجَالُ فَلا يَزَالُ كَذَلِكَ سَاعَةً حَتَّى يُفِيقَ، فَإِذَا أَفَاقَ يَبُولُ بَوْلا أَحْمَرَ كَأَنَّهُ الدَّمُ، ثُمَّ إِنَّهُ يَثِبُ قَائِمًا مِثْلَ الأَسَدِ، فَيُقَاتِلُ قِتَالا لا يَقُومُ لَهُ أَحَدٌ، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ، وَعَايَنَ مِنْ شِدَّةِ الْحَرْبِ مَا عَايَنَ أَخَذَتْهُ الرِّعْدَةُ وَالنَّفْضَةُ، فَلَمَّا أَفَاقَ وَثَبَ، وَجَعَلَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ: (مِنْ مَشْطُورِ الرَّجَزِ) 1- قَدْ ثَارَ لَيْثُ الْغَيْلِ لِلْقِرَاعِ ... 2- بِذِي غَرَارٍ خَذِمٍ قَطَّاعِ 3- وَلَهْذَمٍ [3] مُقَوَّمٍ لَمَّاعِ ... 4- لَهُ بَرِيقٌ وَهُوَ ذُو شُعَاعِ ثُمَّ حَمَلَ عَلَى جَمِيعِ بَنِي حَنِيفَةَ، فَجَعَلَ تَارَةً يَضْرِبُ بِسَيْفِهِ، وَتَارَةً يَطْعَنُ بِرُمْحِهِ، حَتَّى قَتَلَ مِنْهُمْ جَمَاعَةً وَرَجَعَ إِلَى مَوْقِفِهِ.

_ [1] في الأصل: (النوم) وهما. [2] في الأصل: (بطالا) ، وقد مرّت ترجمة البراء بن مالك، انظر خبره في هذه الوقعة وصفته في الطبري 3/ 290. [3] في الأصل: (والهدم) ، واللهذم: السنان القاطع.

قَالَ: وَصَاحَتْ بَنُو حَنِيفَةَ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ، وَحَمَلُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَمْلَةً مُنْكَرَةً، فَأَزَالُوهُمْ عَنْ مَوْقِفِهِمْ، وَقَتَلُوا مِنْهُمْ نَيِّفًا عَلَى ثَمَانِينَ [1] رَجُلا، قَالَ: ثُمَّ كَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ وَكَشَفُوهُمْ كَشْفَةً قَبِيحَةً، ثُمَّ تَرَاجَعَتْ بَنُو حَنِيفَةَ وَمَعَهُمْ صَاحِبُهُمْ مُسَيْلِمَةُ، حَتَّى وَقَفَ أَمَامَ قَوْمِهِ، ثُمَّ حَسَرَ عَنْ رَأْسِهِ، وَجَعَلَ يَقُولُ: (مِنْ مَشْطُورِ الرَّجَزِ) 1- أَنَا رَسُولٌ وَارْتَضَانِي الْخَالِقُ ... 2- الْقَابِضُ الْبَاسِطُ ذَاكَ الرّازق 3- يا ابن الْوَلِيدِ أَنْتَ عِنْدِي فَاسِقُ ... 4- وَكَافِرٌ بِرَبِّهِ مُنَافِقُ قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ حَمَلَ، وَحَمَلَتْ مَعَهُ بَنُو حَنِيفَةَ كَحَمْلَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَانْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَأَسْلَمُوا سَوَادَهُمْ. قَالَ: وَصَارَتْ بَنُو حَنِيفَةَ إِلَى فُسْطَاطِ خَالِدٍ، فَأَحْدَقُوا بِهِ، وَثَبَتَ لَهُمْ خَالِدٌ يَوْمَئِذٍ وَحْدَهُ، يُقَاتِلُهُمْ بِالسَّيْفِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ كَشَفَهُمْ عَنْ فُسْطَاطِهِ، وَيَلْتَفِتُ إِلَى الْمُسْلِمِينَ فَيُنَادِيهِمْ: (وَيْحَكُمْ يَا قُرَّاءَ الْقُرْآنِ، أَمَا تَخَافُونَ غَضَبَ الرَّحْمَنِ، وَعَذَابَ النِّيرَانِ، وَيْحَكُمْ يَا أَهْلَ دِينِ الإِسْلامِ، أَيْنَ الْقُرْآنُ مِمَّنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ شَرِيكُ نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ فِي نُبُوَّتِهِ وَرِسَالَتِهِ، أَمَا تخافون الله أن يطلع عليكم فيجازيكم عَلَى شَرِّ أَفْعَالِكُمْ) . قَالَ: فَثَابَ إِلَيْهِ النَّاسُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ حَتَّى أَحْدَقُوا بِهِ، وَدَنَتْ بَنُو حَنِيفَةَ لِلْقِتَالِ كَأَنَّهُمُ الأُسْدُ الضَّارِيَةُ، وَاشْتَدَّ الْحَرْبُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَتَقَدَّمَ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بن خرشة [2] الأنصاري،............... ............... .......

_ [1] كذا في الأصل: (نيّفا على) ، ونيّف على: أي زاد. [2] في الأصل: (شمال بن خرشنة) . وهو سماك بن خرشة، وقيل: سماك بن أوس بن خرشة، الخزرجي البياضي الأنصاري، المعروف بأبي دجانة، صحابي من الأبطال الشجعان شهد بدرا وثبت يوم أحد، وأصيب بجراحات كثيرة، يسمى ذا السيفين لقتاله يوم أحد بسيفه وسيف رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وكانت له مشية عجيبة في الخيلاء يضرب بها المثل، نظر إليه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في معركة وهو يتبختر بين الصفين فقال: (هذه مشية يبغضها الله إلا في

وَجَعَلَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ [1] : (مِنْ مَشْطُورِ الرَّجَزِ) 1- أَسْتَعْدِي اللَّهَ عَلَى الأَنْصَارِ [2] ... 2- كَانُوا يَدًا طُرًّا عَلَى الْكُفَّارِ 3- فِي كُلِّ يَوْمٍ طَالِعِ الْغُبَارِ [3] ... 4- فَاسْتَبْدَلُوا النَّجْدَةَ بِالْفِرَارِ [4] 5- يَا بِئْسَ فِعْلِ الْمَعْشَرِ الأَبْرَارِ/ ... 6- الْيَوْمَ طَعْنٌ [5] وَغَدًا فِرَارُ 7- الْيَوْمَ أُفْنِي مَعْشَرَ الْفُجَّارِ قَالَ: ثُمَّ حَمَلَ أَبُو دُجَانَةَ عَلَى بَنِي حَنِيفَةَ حَتَّى قَتَلَ مِنْهُمْ جَمَاعَةً، قَالَ: وَحَمَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ سَادَاتِ بَنِي حَنِيفَةَ لِيَضْرِبَهُ بِالسَّيْفِ فَأَخْطَأَهُ، وَضَرَبَهُ أَبُو دُجَانَةَ ضَرْبَةً فَقَطَعَهُ نِصْفَيْنِ، وَحَمَلَ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ، وَوَلَّى الْحَنَفِيُّ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَلَحِقَهُ أَبُو دُجَانَةَ فَضَرَبَهُ فَقَطَعَ سَاقَيْهِ جَمِيعًا، ثُمَّ حَمَلَ عَلَى مَيْمَنِتِهِمْ فَضَرَبَ فِيهِمْ ضَرْبًا وَجِيعًا، وَحَمَلَ عَلَى مَيْسَرَتِهِمْ فَفَعَلَ كَذَلِكَ، وَكَانَ رُبَّمَا حَمَلَ عَلَى الرَّجُلِ فَيُعَانِقُهُ ثُمَّ يَذْبَحُهُ، ثُمَّ يَقِفُ وَيُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا أَهْلَ الدِّينِ وَالإِسْلامِ، إِلَيَّ إِلَيَّ، فِدَاكُمْ أَبِي وَأُمِّي، فثاب إليه أهل السواتر [6] من أهل

_ [ () ] هذا المكان) ، استشهد يوم اليمامة سنة 12 هـ-. (الإكليل 2 الورقة 178، ثمار القلوب ص 68، التاج (دجن) المحبر ص 72، الاستيعاب 4/ 1644، الإصابة 7/ 119، الأعلام 2/ 128- 129) . [1] الأبيات: 1- 4 في كتاب الاكتفاء ص 111. [2] في الاكتفاء: (أسعدني ربي على الأنصار) . [3] في الاكتفاء: (ساطع الغبار) . [4] الاكتفاء: (فاستبدلوا النجاة بالفرار) ، والوجه أن يقول: (فاستبدلوا بالنجدة الفرار) لأنه في مجال لومهم وليس في مجال مدحهم، والباء تلزم المتروك. [5] في الأصل: (اليوم يوم طعن) ولا يستقيم البيت، وكلمة (يوم) زائدة. [6] في الأصل: (السواتر) ، ولعلها السوابق.

بَدْرٍ وَأُحُدٍ وَالأَحْزَابِ، وَكَبَّرُوا وَحَمَلُوا مَعَهُ حَمْلَةً عَجِيبَةً عَلَى مُسَيْلِمَةَ وَأَصْحَابِهِ فَكَشَفُوهُمْ كَشْفَةً فَاضِحَةً، وَقَتَلُوا مِنْهُمْ جَمَاعَةً ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى مَوْقِفِهِمْ. فَتَقَدَّمَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شِمَاسٍ الأَنْصَارِيُّ [1] خَطِيبُ الأَنْصَارِ وَشَيْخُهُمْ، وَفِي يَدِهِ رَايَةٌ صَفْرَاءُ، فَجَعَلَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ: (مِنْ مَشْطُورِ الرَّجَزِ) 1- آمَنْتُ باللَّه الْعَلِيِّ الأَمْجَدِ ... 2- هَادٍ إِلَى سُبْلِ الْهُدَى وَمُهْتَدِ [2] 3- قَدْ كَانَتِ [3] الأَنْصَارُ فِي الْيَوْمِ الْبَدِي [4] ... 4- آسَادُ غَيْلٍ لا ضِبَاعُ فَدْفَدِ 5- فَأَصْبَحُوا مِثْلَ النَّعَامِ الشُّرَّدِ ... 6- وَالْمَوْتُ لا شَكَّ بِهِمْ رَهْنُ يَدِي قَالَ: ثُمَّ حَمَلَ عَلَى الْقَوْمِ، فَلَمْ يزل يقاتل حتى قتل رحمة الله عليه. قَالَ: فَحَمَلَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ يُقَالُ لَهُ بَشِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ [5] مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ النَّجَّارِ، حَتَّى وَقَفَ بَيْنَ الْجَمْعَيْنِ وَأَنْشَأَ يَقُولُ: (مِنَ الْبَسِيطِ) 1- بِأَبِي يَا بِنْتَ نُعْمَانَ بْنِ خِرَاسِ ... طَالَ الْبَلاءُ عَلَى النَّاسِ مِنَ النَّاسِ 2- أَبْقَى لَنَا ثَابِتٌ وَالدَّهْرُ ذُو عَجَبٍ ... حزنا طويلا وجرحا ما له آس

_ [1] مرت ترجمة ثابت بن قيس. [2] في الأصل: (هادي ... ومهتدى) ، وسكنت باء (سبل) لضرورة الوزن. [3] في الأصل: (فكانت) ولا يستقيم بها الوزن. [4] اليوم البدي: اليوم العجب، ومنه قول الشاعر: (اللسان: بدا) . عجبت جارتي لشيب علاني ... عمرك الله هل رأيت بديّا [5] بشير بن عبد الله بن الحارث بن النجار، قيل: استشهد باليمامة سنة 12 هـ-. (الإصابة 1/ 312، الاستيعاب 1/ 175) .

3- لَمَّا رَأَى النَّاسَ قَدْ وَلَّوْا ظُهُورَهُمُ ... لاقَى الْقِتَالَ وَحَامَى عُرْضَةَ النَّاسِ 4- مَا زَالَ يَطْعَنُ بِالْخُطَى مُعْتَرِضًا ... جَمْعَ الْعِدَاةِ كَلَيْثٍ بَيْنَ أَخْيَاسِ [1] 5- يَمْضِي إِلَى اللَّهِ قِدْمًا لا يُرِيدُ بِهِ ... دُنْيَا وَلا يَبْتَغِي حَمْدًا مِنَ النَّاسِ 6- حَتَّى أَصَابَ الَّذِي قَدْ كَانَ أَمَلُهُ ... أَعْظِمْ بِمَا نَالَهُ الْمَرْءُ ابْنُ شِمَاسِ قَالَ: ثُمَّ حَمَلَ بَشِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هَذَا، فَلَمْ يَزَلْ يقاتل حتى قتل، رحمة الله عليه. قال رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ الأَنْصَارِيُّ [2] : (وَاللَّهِ لَقَدْ كُنَّا نَقْرَأُ هَذِهِ الآيَةَ فِيمَا مَضَى: سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ 48: 16 [3] ، فَلَمْ نَعْلَمْ مَنْ هُمْ، حَتَّى دَعَانَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى قِتَالِ بَنِي حَنِيفَةَ، فَلَمَّا قَاتَلْنَاهُمْ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ أُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ هَزَمُونَا نَيِّفًا عَلَى عِشْرِينَ هَزِيمَةً، وَقَتَلُوا مِنَّا مَقْتَلَةً عَظِيمَةً، كَادُوا أَنْ يَفْتَحُونَا مِرَارًا، غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أحب أن يعز دينه) . [23 أ] قَالَ: ثُمَّ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ اجْتَمَعَتْ آرَاؤُهُمْ/ أَنْ يَحْمِلُوا بِأَجْمَعِهِمْ عَلَى بَنِي حَنِيفَةَ حَمْلَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ إِنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ حَتَّى يَنْكَوْا [4] فِيهِمْ، فَعَزَمُوا عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّهُمُ اجْتَمَعُوا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَكَبَّرُوا تَكْبِيرَةً، ثُمَّ حَمَلُوا عَلَيْهِمْ فكشفوهم، حتى ألجئوهم إِلَى حَدِيقَةٍ [5] لَهُمْ فَلَمَّا دَخَلُوا إِلَى الْحَدِيقَةِ وحصنوا

_ [1] في الأصل: (أجناس) ، والأخياس: جمع خيس (بالكسر) وهو موضع الأسد. [2] رافع بن خديج بن رافع بن عدي الخزرجي الأنصاري، عرض على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم بدر فاستصغره وأجازه يوم أحد، فخرج بها وشهد ما بعدها، كان عريف قومه في المدينة، توفي متأثرا من جراحه سنة 74 هـ- وصلّى عليه عبد الله بن عمر. (الإصابة 2/ 436- 437، الاستيعاب 2/ 479، الأعلام 3/ 12) . [3] [الفتح: 16] . [4] ينكوا فيهم: يقتلوا ويجرحوا، نكى في العدو: قتل فيهم وجرح، ينكي نكاية. (الصحاح: نكى) . [5] الحديقة: بستان كان بقنا حجر من أرض اليمامة لمسيلمة الكذاب، كانوا يسمونه حديقة الرحمن. (ياقوت: الحديقة) وعرفت بعد ذلك بحديقة الموت.

فِي جَوْفِهَا، وَمُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ مَعَهُمْ، أَقْبَلَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى الْحَدِيقَةِ فَقَالَ أَبُو دُجَانَةَ الأَنْصَارِيُّ: وَيْحَكُمْ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، احْمِلُونِي حَمْلَةً وَأَلْقُونِي إِلَيْهِمْ. قَالَ: فَحَمَلَ أَبُو دُجَانَةَ عَلَى تُرْسِ بَعْضِ الأَنْصَارِ ثُمَّ رَفَعَ بِالرِّمَاحِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي جَوْفِ الْحَدِيقَةِ. قَالَ: فَوَقَعَ أَبُو دُجَانَةَ فِي الْحَدِيقَةِ، ثُمَّ وَثَبَ كَاللَّيْثِ الْمُغْضِبِ، وَهُوَ يَرْتَجِزُ ويقول: (من مشطور الرجز) 1- أنا سماك (و) [1] أبو دُجَانَهْ ... 2- لَسْتُ بِذِي ذُلٍّ وَلا مَهَانَهْ 3- وَلا جَبَانِ الْقَلْبِ ذِي اسْتِكَانَهْ ... 4- لا خَيْرَ فِي قَوْمٍ بِدِينٍ خَانَهْ [2] قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُ فِي جَوْفِ الْحَدِيقَةِ حَتَّى قُتِلَ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ. قَالَ: وَصَاحَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ بِأَصْحَابِهِ: وَيْلَكُمْ يَا مَعْشَرَ بَنِي حَنِيَفَةَ، اعْلَمُوا أَنَّ هذِهِ الْحَدِيقَةَ حَدِيقَةُ الْمَوْتِ، فَقَاتِلُوا أَبَدًا حَتَّى تَمُوتُوا كِرَامًا. قَالَ: وَاقْتَحَمَ خَالُدَ بْن الُوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِنْدَ الْحَدِيقَةِ بِفَرَسِهِ، وَفِي يَدِهِ سَيْفُهُ لَوْ ضَرَبَ الْحَجَرَ قَطَعَهُ، فَجَعَلَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ: (مِنْ مَشْطُورِ الرَّجَزِ) 1- أَسْعَدَنَا قَوْمٌ عَلَى الْمَوْتِ فَنَوْا ... 2- لَمْ يَهْدِمُوا الدِّينَ وَلا الدُّنْيَا أَبَوْا 3- وَاللَّهُ يَجْزِي كُلَّ قَوْمٍ مَا نَوَوْا ... 4- فَطَالَمَا جَاعُوا وَطَالَمَا ظَمَوْا 5- فَالْيَوْمَ حقّا شبعوا ثم رووا

_ [1] الواو زيادة يقتضيها الوزن. [2] خانة: جمع خائن.

قَالَ: فَاسْتَقْبَلَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ فَقَالَ له: أين تريد يا ابن كَذَا وَكَذَا، فَحَمَلَ عَلَيْهِ خَالِدٌ وَاعْتَنَقَهُ الْحَنَفِيُّ فَسَقَطَا عَنْ فَرَسَيْهِمَا [1] جَمِيعًا إِلَى الأَرْضِ، فَسَقَطَ الْحَنَفِيُّ تَحْتَ خَالِدٍ، فَجَعَلَ يَجْرَحُهُ مِنْ تَحْتِهِ بِخِنْجَرٍ سَبْعَ جِرَاحَاتٍ، وَوَثَبَ خَالِدٌ مِنْ فَوْقِهِ وَتَرَكَهُ، وَإِذَا فَرَسُ خَالِدٍ قَدْ غَابَ فِي الْحَدِيقَةِ، وَجَعَلَ يُقَاتِلُ حَتَّى تَخَلَّصَ وَهُوَ لِمَا بِهِ. قَالَ: وَأَقْبَلَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ الأَنْصَارِيُّ [2] حَتَّى وَقَفَ عَلَى بَابِ الْحَدِيقَةِ، ثُمَّ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: (يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، احْطِمُوا جُفُونَ سُيُوفِكُمْ وَاقْتَحِمُوا هَذِهِ [3] الْحَدِيقَةَ عَلَيْهِمْ، فَقَاتِلُوهُمْ أَبَدًا، أَوْ يَقْتُلُ اللَّهُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ) ، قَالَ: ثُمَّ كسر عباد بن بشر جَفْنَ سَيْفِهِ، وَكَسَرَتِ الأَنْصَارُ جُفُونَ سُيُوفِهِمْ، فَاقْتَحَمُوا الْحَدِيقَةَ وَهُمْ عِشْرُونَ وَمِائَةُ رَجُلٍ، فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى مَا بَقِيَ مِنْهُمْ إِلا أَرْبَعَةُ نَفَرٍ، فَإِنَّهُمْ أَقْبَلُوا مَجْرُوحِينَ لِمَا بِهِمْ. قَالَ: وَعَظُمَ الأَمْرُ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، وَالْتَفَتَتْ بَنُو حَنِيفَةَ إِلَى مُسَيْلِمَةَ، فَقَالُوا لَهُ: (أَلا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قِتَالِ هَؤُلاءِ) ، فَقَالَ: (بِهَذَا أتاني الوحي، [23 ب] إِنَّ الْقَوْمَ/ يُلْجِئُونَكُمْ إِلَى هَذِهِ الْحَدِيقَةِ وَيَكُونُ قِتَالُكُمْ [4] مَعَهُمْ فِي جَوْفِهَا) ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُهُمْ: فَأَيْنَ مَا وَعَدْتَنَا مِنْ رَبِّكَ أَنْ يَنْصُرَنَا عَلَى عَدُوِّنَا، وَإِنَّ هَذَا الدِّينَ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ هُوَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) ، فَقَالَ مُسَيْلِمَةُ: (أَمَّا الدِّينُ فَلا دِينَ لَكُمْ، وَلَكِنْ قَاتِلُوا عَنْ أَحْسَابِكُمْ، أَتَظُنُّونَ أَنَّا إِنَّمَا كُنَّا نُقَاتِلُ إِلَى الساعة ونحن على الحق وهم على

_ [1] في الأصل: (عن فرسهم) . [2] في الأصل: (عباد بن بشير) وصوابه: بشر، وهو: عباد بن بشر بن وقش الأشهلي الخزرجي الأنصاري، صحابي من الفرسان، أسلم في المدينة وشهد المشاهد كلها، وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يبعثه إلى القبائل يصدّقها (يجمع الصدقات) ، وجعله على مقاسم حنين واستعمله على حرسه بتبوك، استشهد يوم اليمامة سنة 12 هـ-. (ابن سعد 2/ 3/ 17، تهذيب التهذيب 5/ 90، المحبر ص 282، الإصابة 3/ 611- 612، الاستيعاب 3/ 801، الأعلام 3/ 257) . [3] في الأصل: (هذا) . [4] في الأصل: (قتال قتالكم) ، والناسخ كثيرا ما يكتب الكلمة أو جزءا منها ثم يتركها ناقصة، ويعيد كتابتها ثانية دون أن يلغيها بالشطب عليها، وكثيرا ما يكون هذا في نهاية السطر.

الْبَاطِلِ، إِنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى مَا تَظُنُّونَ إِذَنْ لَمَا قُهِرْنَا، وَلا فَلَّ أَحَدٌ جَمْعَنَا) . قَالَ: وَجَعَلَ مُسَيْلِمَةُ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ: (مِنْ مَشْطُورِ الرَّجَزِ) 1- فَلَوْ عَلَى الْحَقِّ صَبَرْنَا صَبْرَنَا ... 2- وَعَانَدَ الْقَوْمُ فَكَانُوا مِثْلَنَا 3- وَكَانَ فِي حَقٍّ يَجُوزُ أَمْرُنَا ... 4- مَا فَلَّ خَلْقٌ فِي الأَنَامِ جَمْعَنَا فَعِنْدَهَا عَلِمَ الْقَوْمُ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي غُرُورٍ وَضَلالٍ مِنِ اسْتِمْسَاكِهِمْ بِدِينِ مُسَيْلِمَةِ الْكَذَّابِ النَّجِسِ، وَجَعَل رَجُلٌ [1] مِنْهُمْ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ [2] : (مِنْ مَشْطُورِ الرَّجَزِ) 1- لَبِئْسَ مَا أَوْرَدَنَا مُسَيْلِمَهْ ... 2- أَبْقَى لَنَا [3] مِنْ بَعْدِنَا أُغَيْلِمَهْ 3- وَنِسْوَةً جُرًّا لَهُمْ مُنَيْنِمَهْ [4] ... 4- وَاشتما رِمَالهَا أُمَيْنِمَهْ [5] قَالَ: ثُمَّ اقْتَحَمَ الْمُسْلِمُونَ بِأَجْمَعِهِمْ إِلَى مُسَيْلِمَةَ وَأَصْحَابِهِ، فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى احْمَرَّتْ أَرْضُ الْحَدِيقَةِ مِنَ الدِّمَاءِ. قَالَ: وَنَظَرَ وَحْشِيٌّ [6] ............... ............... ............... .....

_ [1] هو محكم بن الطفيل الحنفي، كما في الاكتفاء ص 114. [2] الشطران الأول والثاني في الاكتفاء ص 114. [3] في الاكتفاء: (أوردنا من بعده) . [4] كذا بالأصل. [5] كذا بالأصل. [6] وحشي بن حرب الحبشي غلام جبير بن مطعم بن عدي، صحابي من سواد مكة، وهو قاتل حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بتحريض من هند بنت عتبة أم معاوية بن أبي سفيان، ثم وفد على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم مع وفد أهل الطائف بعد أخذها، وأسلم وشهد اليرموك وشارك في قتل مسيلمة، وزعم أنه رماه بحربته التي قتل فيها حمزة، وكان يقول:

غُلام جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ إِلَى مُسَيْلِمَةَ [1] وَقَدْ أَلْجَأَهُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى جَانِبِ الْحَدِيقَةِ، فَقَصَدَهُ وَحْشِيٌّ، وَقَصَدَهُ أَيْضًا رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ [2] ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا مُسَيْلِمَةُ وَقَدْ قَصَدَاهُ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمَا، فَبَدَرَهُ الأَنْصَارِيُّ بِضَرْبَةٍ عَلَى رَأْسِهِ فَأَوْهَنَهُ، وَرَمَى وَحْشِيٌّ بِحَرْبَةٍ كَانَتْ فِي يَدِهِ، فَوَقَعَتِ الْحَرْبَةُ فِي خَاصِرَتِهِ فَسَقَطَ مُسَيْلِمَةُ عَدُوُّ اللَّهِ عَنْ فَرَسِهِ قَتِيلا. قَالَ: وَتَصَايَحَ النَّاسُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ: أَلا أَنَّ مُسَيْلِمَةَ عَدُوَّ اللَّهِ قَدْ قَتَلَهُ عَبْدٌ أَسْوَدُ وَهُوَ وَحْشِيٌّ غُلامُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ. قَالَ: وَجَعَلَ وَحْشِيٌّ يُنَادِي: (أَيُّهَا النَّاسُ، أَنَا وَحْشِيٌّ غُلامُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَتَلْتُ خَيْرَ النَّاسِ وَأَنَا كَافِرٌ، أَعْنِي حَمْزَةَ بْنَ عبد المطلب [3] ، وقتلت أشر الناس [4]

_ [ () ] قتلت بحربتي هذه خير الناس وشر الناس، سكن حمص ومات فيها سنة 25 هـ-. (الإصابة 6/ 601، الاستيعاب 4/ 1564، الأعلام 8/ 111) . [1] انظر خبر مقتل مسيلمة في الطبري 3/ 290- 291. [2] عبد الله بن زيد بن عاصم بن ليث الأنصاري من بني النجار، صحابي كان فارسا شجاعا، شهد بدرا واشترك في قتل مسيلمة الكذاب مع وحشي بن حرب، وكان مسيلمة قتل أخاه حبيب بن زيد، قتل عبد الله في وقعة الحرة سنة 63 هـ-. (تهذيب التهذيب 5/ 223، إمتاع الأسماع 1/ 148- 149، الإصابة 4/ 98- 99، كتاب المحن ص 164- 165، الاستيعاب 3/ 913، الأعلام 4/ 88) . (تهذيب التهذيب 5/ 223، إمتاع الأسماع 1/ 148- 149، الإصابة 4/ 98- 99، كتاب المحن ص 164- 165، الاستيعاب 3/ 913، الأعلام 4/ 88) . [3] حمزة بن عبد المطلب بن هاشم عمّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأحد أبطال قريش وساداتهم في الجاهلية والإسلام، ولد ونشأ في مكة وكان أعز قريش وأشدها شكيمة، كان يدافع عن النبي قبل أن يسلم، هاجر مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى المدينة وحضر وقعة بدر وغيرها، وكان أول لواء عقده النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لواء حمزة، قاتل يوم بدر بسيفين، استشهد يوم أحد، قتله وحشي بن حرب الحبشي بتحريض من هند بنت عتبة سنة 3 هـ-. (الإصابة 2/ 121 صفة الصفوة 1/ 144، تاريخ الخميس 1/ 164، تاريخ الإسلام 1/ 99، الاستيعاب 1/ 369، الروض الأنف 1/ 185، 2/ 131، الأعلام 2/ 278) . [4] كذا بالأصل: (أشر الناس) وتحذف الهمزة من أفعل التفضيل هذا لكثرة الاستعمال حذفا شاذا، فيقال: (شر الناس) .

وَأَنَا مُسْلِمٌ) ، يَعْنِي مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ، ثُمَّ أَنْشَأَ الأَنْصَارِيُّ [1] يَقُولُ [2] . (مِنَ الْمُتَقَارِبِ) 1- أَلَمْ تَرَ أَنِّي [3] وَوَحْشِيُّهُمْ ... قَتَلْنَا مُسَيْلِمَةَ الْمُفْتَتَنْ 2- تُسَائِلُنِي النَّاسُ عَنْ قَتْلِهِ ... فَقُلْتُ ضَرَبْتُ وَهَذَا طَعَنْ 3- وَقَدْ زَعَمَ الْعَبْدُ أَنَّ السِّنَانَ ... هَوَى فِي خَوَاصِرِهِ وَارْجَحَنّْ [4] 4- ويزعم أنّي ضربت الشّؤون ... بِأَبْيَضَ عَضْبٍ يُطِيرُ الْقَنَنْ [5] 5- فَلَسْتُ بِصَاحِبِهِ دُونَهُ ... وَلا هُوَ بِصَاحِبِهِ فَاعْلَمَنْ [6] 6- وَلَكِنْ شَرِيكَانِ فِي قَتْلِهِ ... كَمَا شَارَكَ الرُّوحَ ... [7] وَالْبَدَنْ 7- وَلَمْ يَكُنِ الْحَظُّ إِلا لَهُ ... وَلا الْحَظُّ إِلا لِمَنْ قد طعن/ [24 أ] قَالَ: فَدَفَعْتُ حَنِيفَةَ جَانِبًا [8] مِنَ الْحَائِطِ الَّذِي لِلْحَدِيقَةِ، وَخَرَجُوا مِنْهَا، وَالسَّيْفُ يَأْخُذُهُمْ. فَأَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَوَقَفُوا عَلَى مُسَيْلِمَةَ [9] وَهُوَ مَقْتُولٌ ونظر إليه، فإذا هو أجفس [10]

_ [1] هو عبد الله بن زيد الأنصاري كما مر أعلاه، ونسبها صاحب الإصابة إلى شنّ الجرشي حليف الأنصار وذكر له بيتين هما الأول والخامس، الإصابة 3/ 363. [2] البيتان: 1، 5 في الإصابة 3/ 363، وقطع من كتاب الردّة ص 21 والأخير مصدره الإصابة. [3] في الأصل: (ألم تر أني الغلام ووحشيهم) . ولا يستقيم الوزن ب (الغلام) . [4] في الأصل: (حوى) بدلا من (هوى) ، ارجحن: مال واهتز. [5] القنن: هنا الرؤوس، وقنة كل شيء أعلاه. [6] في الأصل: (نعلمن) . وفي الإصابة: (وليس بصاحبه دون شن) ، قال: شن الجرشي حليف الأنصار، ذكر وثيمة في الردّة أنه شارك وحشي بن حرب في قتل مسيلمة. [7] في الأصل: كلمة مطموسة. [8] في الأصل: (جانب) . [9] في الأصل: (على المسيلمة) . [10] في الأصل: (أجهس) أو (أجعس) أو (أجفس) وتحتمل الكلمة الهاء والعين والفاء. الأجعس: اللئيم الخلقة والخلق، والجعس: العذرة (اللسان: جعس) . الأجفس: اللئيم من الناس مع ضعف وفدامة (اللسان: جفس) ، وكلا المعنيين وارد في صفة مسيلمة.

ضَعِيفُ الْبَدَنِ [1] ، فَقَالَ خَالِدٌ: (أَيْنَ مُجَّاعَةُ بْنُ مُرَارَةَ) ، فَقَالَ: (هَا أَنَا ذَا أَصْلَحَ اللَّهُ الأَمِيرَ) ، فَقَالَ: (هَذَا صَاحِبُكُمُ الَّذِي أَوْقَعَكُمْ) ، فَقَالَ مُجَّاعَةُ: (نَعَمْ أَصْلَحَ اللَّهُ الأَمِيرَ، هَذَا صَاحِبُنَا، فلعنة الله عليه، فلقد كان مشؤوما عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى بَنِي حَنِيفَةَ) . قَالَ: ثُمَّ جَعَلَ مُجَّاعَةُ بْنُ مُرَارَةَ يَقُولُ: (مِنَ الرَّمَلِ) 1- قُلْتُ وَالأُفْقُ عَلَيْهِ [2] قَتَمُهْ ... بِئْسَ [3] مَا جَرَّ عَلَيْنَا مَسْلَمَهْ [4] 2- حَاوَلَ الْقَتْلَ فَأَلْفَى خَالِدًا [5] ... كَعَتِيقِ [6] الطَّيْرِ خَلَّى رَخِمَهْ 3- قَالَ لَمَّا أَنْ رَآهُ [7] مُقْبِلا ... إِنَّ هَذَا قَدْ يُرِيدُ الْقَحَمَهْ 4- أَصْبَحَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا ضَائِعًا [8] ... وَيْلَكَ الْخَيْرُ عَلَى مَا دَهَمَهْ [9] قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ مُجَّاعَةُ عَلَى خَالِدٍ فَقَالَ: (أَيُّهَا الأَمِيرُ، فَلِمَ [لا] تُصَالِحُنِي عَلَى مَنْ وَرَائِي مِنَ النَّاسِ، فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ مَا آتَاكَ إِلَى الْحَرْبِ إِلا سَرْعَانُ الْخَيْلِ) [10] . فَقَالَ خَالِدٌ: (وَيْلَكَ مَا تَقُولُ يَا مُجَّاعَةُ) ، فَقَالَ: (أَقُولُ: أَرَى الْحُصُونَ مَمْلُوءَةً رِجَالا وَسِلاحًا) . فَظَنَّ خَالِدٌ كَمَا يَقُولُ، فَجَعَلَ يُقَدِّمُ وَيُؤَخِّرُ في الصلح.

_ [1] في الطبري 3/ 295: (فإذا رويجل أصيفر أخينس) . [2] في الأصل: (عليها) . [3] في الأصل: (ليس) وهو تحريف. [4] في الأصل: (مسيلمة) ولا يستقيم به الوزن. [5] في الأصل: (فألقى خالد) . [6] في الأصل: (يعتنق) ، وعتيق الطير: الجوارح. الرخمة: طير أبقع يشبه النسر في الخلقة، يقال له الأنوق (الصحاح: عتق، رخم) . [7] في الأصل: (قال ما رآه مقبلا) . [8] في الأصل: (ضائع) . [9] البيتان الأخيران خرجة من الحاشية. [10] في الطبري 3/ 296: (فقال له مجاعة: إنه والله ما جاءك إلا سرعان الناس، وإن الحصون لمملوءة رجالا، فهلمّ لك إلى الصلح على ما ورائي، فصالحه على كل شيء دون النفوس) .

قَالَ: وَكَانَ مُجَّاعَةُ أَرْسَلَ إِلَى الْحُصُونِ [1] فَأَمَرَ النساء أن يلبس الدُّرُوعَ وَالْمَغَافِرَ وَيَتَقَلَّدْنَ السُّيُوفَ، وَيَقِفْنَ عَلَى أَسْوَارِ الْحُصُونِ، حَتَّى نَظَرَ إِلَيْهِنَّ خَالِدٌ، فَلَمَّا نَظَرَ خالد إليهن قال: (يوحك يَا مُجَّاعَةُ، إِنِّي أَرَى الْحُصُونَ مَمْلُوءَةً رِجَالا وَسِلاحًا) ، فَقَالَ مُجَّاعَةُ: (قَدْ خَبَّرْتُكَ بِذَلِكَ أَيُّهَا الأَمِيرُ لَكِنَّكَ أَبَيْتَ أَنْ تُصَالِحَنِي) . قَالَ خَالِدٌ: (إِنِّي قَدْ صَالَحْتُكَ) [2] . فَصَالَحَهُ خَالِدٌ عَلَى مَا ظَهَرَ مِنَ الصَّفْرَاءِ وَالْبَيْضَاءِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَعَلَى ثُلُثِ الْكُرَاعِ وَرُبُعٍ مِنَ السَّبْيِ. وَأَقْبَلَ مُجَّاعَةُ نَحْوَ الْحُصُونِ، فَإِذَا هُوَ بِامْرَأَةٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ قَدْ رَفَعَتْ صَوْتَهَا تَقُولُ [3] : (مِنَ المتقارب) 1- مُسَيْلِمُ [4] لَمْ يَبْقَ إِلا النِّسَاءُ ... سَبَايَا لِذِي الْخُفِّ وَالْحَافِرِ 2- وَطِفْلٌ تُرَشِّحُهُ أُمُّهُ ... صَغِيرٌ مَتَى يُدْعَ يَسْتَأْخِرِ 3- فَأَمَّا الرِّجَالُ فَأَوْرَدْتَهُمْ [5] ... حَوَادِثَ مِنْ دَهْرِنَا الْغَابِرِ 4- فَلَيْتَ أَبَاكَ مَضَى حَيْضَةً ... وَلَيْتَكَ قَدْ كُنْتَ فِي الْقَابِرِ [6] 5- سَحَبْتَ عَلَيْنَا ذُيُولَ الْبَلاءِ ... وَجِئْتَ بِهِنَّ سَمَا قَاشِرِ [7] 6- أَلا يَا مُجَاعَةَ فَانْظُرْ لَنَا [8] ... فَلَيْسَ لَنَا الْيَوْمَ مِنْ نَاظِرِ 7- سِوَاكَ فَإِنَّا عَلَى حَالَةٍ ... يَرِقُّ لَهَا قلب ذا الكافر [9]

_ [1] في الأصل: (حتى نظر إليهن خالد) ثم شطب عليها لأنها ستأتي. [2] انظر الروايات في خبر الصلح، الطبري 3/ 296- 298. [3] الأبيات غير الثامن في: الاكتفاء ص 128- 129. [4] في الأصل: (مسيلمة) ويرخم، ويجوز في حركة الميم الضم على لغة من لا ينتظر، أو الفتح على لغة من ينتظر. [5] في الأصل: (فاودتهم) . وفي الاكتفاء: (فأودى بهم) . [6] في الاكتفاء: (وليتك لم تك في الغابر) . [7] في الأصل: (وقد جئت مسلما بالفاقر) وهو مختل، والتصويب من الاكتفاء. [8] كذا في الأصل والشعر مختل الوزن. [9] في الاكتفاء: (تروعنا مرة الطائر) .

8- نِسَاءُ عَدِيٍّ وَعَبْدِ مَنَاةَ ... وَحَيِّ بَنِي الدُّولِ أو عامر [24 ب] قَالَ: فَدَنَا مِنْهُمْ مُجَّاعَةُ [1] وَقَالَ لَهَا: (بِرِضَى اللَّهِ، أَنَا مُجَّاعَةُ بْنُ مُرَارَةَ/ وَقَدْ صَالَحْتُ خَالِدًا صُلْحَ مَكْرٍ، فَلا تَبْرَحْنَ عَنْ مَوَاضِعِكُنَّ [2] حَتَّى يَتِمَّ الصُّلْحُ) . قَالَ: وَأُحْصِيَ مَنْ قُتِلَ من المسلمين ألفان ومائتا رجل [3] ، منهم سبعمائة رَجُلٍ [مِنْ] حُفَّاظِ الْقُرْآنِ. وَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَامَتِ النَّائِحَاتُ فِي المدينة على الفتلى. قَالَ: وَكَتَبَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى خَالِدٍ يُحَرِّضُهُ عَلَى قَتْلِ مَنْ بَقِيَ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ: (مِنَ الْكَامِلِ) 1- يَا أَيُّهَا الرَّجُلانِ إِنَّ كُلُومَنَا ... دَمِيَتْ وَعَاوَدَ قَرْحَهَا [4] التَّنْزِيفُ 2- سِيرَا بِهَا للَّه [5] دَرُّ أَبِيكُمَا ... سَيْرًا حَثِيثًا فِي مَدَاهُ وَجِيفُ 3- قَتَلَتْ حَنِيفَةُ وَالْحَوَادِثُ جَمَّةٌ ... أَهْلَ الْقُرْآنِ فَدَمْعُنَا تَذْرِيفُ 4- قُولا لِخَالِدٍ الْمُزَاحِمِ دُونَنَا ... قَوْلا لَهُ في بعضه تعنيف 5- يا ابن الْوَلِيدِ فَشَرِّدَنْ [6] مَنْ خَلْفَهُمْ ... بِهِمُ وَذَا خَطْبٌ عَلَيْكَ خَفِيفُ 6- لا يَقْتُلَنَّكَ مِنْهُمُ ذُو لَهْجَةٍ ... فالطف فإنّك في الأمور لطيف

_ [1] في الأصل: (المجاعة) . [2] في الأصل: (مواضع كن) . [3] راجع في عدد القتلى الطبري 3/ 296- 297 وفيه: (وقد قتل من المهاجرين والأنصار من أهل قصبة المدينة يومئذ ثلاثمائة وستون، قال سهل: ومن المهاجرين من غير أهل المدينة والتابعين بإحسان ثلاثمائة من هؤلاء وثلاثمائة من هؤلاء، ستمائة أو يزيدون، وقتل من بني حنيفة في الفضاء بعقرباء سبعة آلاف، وفي حديقة الموت سبعة آلاف وفي الطلب نحو منها) . [4] في الأصل: (قروحها) . [5] في الأصل: (أسرى بها الله) . [6] في الأصل: (فشردا) .

7- واقتلهم قتل الكلاب ولا تكن ... يا ابن الْمُغِيرَةِ دَأْبُكَ [1] التَّسْوِيفُ 8- تَبِعُوا مُسَيْلِمَةَ الْكَذُوبَ سَفَاهَةً ... قَبُحَ الشَّرِيفُ وَقُبِّحَ الْمَشْرُوفُ قَالَ: فَلَمَّا وَصَلَتْ هَذِهِ الأَبْيَاتُ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَنَظَرَ فِيهَا، قَالَ: (إِنَّهُ لَوْلا مَا قَدْ مَضَى مِنْ صُلْحِ الْقَوْمِ لَفَعَلْتُ ذَلِكَ، فَأَمَّا الآنَ فَلَيْسَ إِلَى قَتْلِهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) . قَالَ: ثُمَّ كَتَبَ خَالِدٌ الْكِتَابَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ فِيهِ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ خَلِيفَةِ رَسُولِ الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يُرِدْ بِأَهْلِ الْيَمَامَةِ [2] إِلا مَا صَارُوا إِلَيْهِ، وَقَدْ صَالَحْتُ الْقَوْمَ عَلَى مَا وُجِدَ مِنَ الصَّفْرَاءِ وَالْبَيْضَاءِ، وَعَلَى ثُلُثِ الْكُرَاعِ وَرُبُعِ السَّبْيِ، وَلَعَلَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ فِي عَاقِبَةِ صُلْحِهِمْ خَيْرًا، وَالسَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ) . قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ قَرَأْتُ كِتَابَكَ، وَمَا ذَكَرْتَ فِيهِ مِنْ صُلْحِ الْقَوْمِ بِأَنَّهُمْ صَالَحُوكَ، فَأَتْمِمْ لِلْقَوْمِ مَا صَالَحْتَهُمْ عَلَيْهِ، وَلا تَغْدُرْ بِهِمْ، وَاجْمَعِ الْغَنَائِمَ وَالسَّبْيَ وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ مِنْ مَالِ بَنِي حَنِيفَةَ، فَأَخْرِجْ مِنْ ذَلِكَ الْخُمُسَ، وَوَجِّهْ بِهِ إِلَيْنَا لِيُقَسَّمَ فِيمَنْ يَحْضُرُنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَادْفَعْ إِلَى كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَالسَّلامُ) . وَبَلَغَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ أَنَّ مُجَّاعَةَ بْنَ مُرَارَةَ قَدْ خَدَعَهُ، وَأَوْقَفَ النِّسَاءَ عَلَى حِيطَانِ السُّورِ، وَأَلْبَسَهُمُ السِّلاحَ، فَإِنَّهُ صَالَحَ خَالِدًا صُلْحَ مَكْرٍ. قَالَ: فَدَعَا بِهِ خَالِدٌ وَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: (نَعَمْ أَيُّهَا الأَمِيرُ، إِنِّي لَمْ أَجِدْ بُدًّا مِمَّا فَعَلْتُ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَوْمِي وَعَشِيرَتِي، وَخَشِيتُ عَلَيْهِمُ الْفَنَاءَ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونُوا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ/ أَعْوَانًا لَكَ عَلَى مَنْ نَاوَأَكَ) . قَالَ: فَسَكَتَ عَنْهُ خَالِدٌ، ولم يحب أن ينقض [25 أ]

_ [1] في الأصل: (بدابك) من وهم الناسخ. [2] في الأصل: (الإمامة) وهو تحريف.

الصُّلْحَ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُجَّاعَةَ، فَانْصَرَفَ مُجَّاعَةُ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَأَنْشَأَ يَقُولُ: (مِنَ الطَّوِيلِ) 1- يَلُومُ عَلَى بَنِي حَنِيفَةَ ضَلَّةً ... وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ لِلْعُلَى غَيْرُ وَاحِدِ 2- وَهَلْ يَنْهَضُ الْبَازِيُّ [1] إِلا بِرِيشِهِ ... وَهَلْ يَحْمِلُ الأَعْضَادَ غَيْرُ السَّوَاعِدِ 3- فَمَا لِي إِلا مَنْ بَقِي الْيَوْمَ مِنْهُمُ ... وَمَا مَنْ مَضَى مِنْهُمْ إِلَيَّ بِعَائِدِ 4- وَلَوْ قِيلَ أَفْدِي مَنْ مَضَى لَفَدَيْتُهُ ... بِنَفْسِي وَمَا لِي مِنْ طَرِيفٍ وَتَالِدِ 5- وَإِنْ كُنْتُ قَدْ خَاطَرْتُ فِيهِمْ بِمُهْجَتِي ... فَلَمْ أَجِدْ إِلا وَجْدَ جَدِّي وَوَالِدِي [2] 6- هُمَا مَا هُمَا كَانَا لِكُلِّ عَظِيمَةٍ ... تَهَابُ وَتَخْشَى رَأْيَ أَهْلِ الْمَحَامِدِ 7- فَأَحْيَيْتُ مَا أَحْيَا مُرَارَةُ [3] إِنَّهُ ... وَوَالِدُهُ كَانَا لِتِلْكَ الشَّدَائِدِ 8- وَقُلْتُ لِقَوْمِي قَلِّدُونِي أُمُورَكُمْ ... فَلَسْتُ لِمَا حَمَّلْتُمُونِي بِقَاعِدِ 9- وَلَوْ خَالِدٌ [4] كَانَ الْمُصَابَ بِقَوْمِهِ ... لَنَاظَرَ فِيهِمْ بِالْوَغَى وَالْمَكَائِدِ 10- لَقَالَتْ قُرَيْشٌ: خَالِدٌ سَيِّدُ الْوَرَى ... وَإِنْ كَانَ فِيهَا قَطْعُ تِلْكَ الْقَلائِدِ 11- فَلَمْ يَنْقُضِ الْحَقَّ الْمَكِيدَةُ عِنْدَهُ ... وَلَكِنَّهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ زَائِدُ [5] قَالَ: ثُمَّ جَمَعَ خَالِدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْغَنَائِمَ، فَأَخْرَجَ مِنْهَا الْخُمُسَ، وَقَسَّمَ بَاقِي ذَلِكَ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَبَعَثَ الْخُمُسَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَانْتَخَبَ خَمْسِينَ مِنْ وُجُوهِ أَهْلِ الْيَمَامَةِ فَوَجَّهَ بِهِمْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَتَّى قَدِمَ هَؤُلاءِ الْقَوْمُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ مَعَ الْخُمُسِ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ وَسَلَّمُوا رَدَّ عَلَيْهِمُ السَّلامَ، ثُمَّ قَالَ: (يَا بَنِي حَنِيفَةَ، مَا هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ أَزْمَعْتُمْ [6] عليه من أمر مسيلمة) .

_ [1] في الأصل: (الباز) . [2] في الأصل: (ألا جد وجدي ووالد) . أجدى: من الجدوى وهي العطية. [3] مرارة: هو أبو مجاعة. [4] في الأصل: (ولو خالدا) وهو لحن. [5] في البيت اقواء. [6] في الأصل: (أزعمتم) وهو تحريف.

قَالَ: فَتَكَلَّمَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ عَمْرُو بْنُ سَمُرَةَ فَقَالَ: (يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، خرج بيننا وكان رجلا مشؤوما، أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ وَأَمَانِيِّ الشَّيْطَانِ، دَعَا إِلَيْهِ قَوْمَهُ مَنْ مِثْلَهُ فَأَجَابُوهُ إِلَى مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ، فَلَمْ يُبَارِكِ اللَّهُ لَهُ وَلا لِقَوْمِهِ فِيهِ، وَقَدْ كَانَ مِنَّا مِمَّا كَانَ مِنْ غَيْرِنَا، مِمَّنِ ارْتَدَّ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَأَنْتَ أَوْلَى بِالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ الْجَمِيلِ وَالسَّلامُ) ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ [1] : (مِنَ الْمُتَقَارِبِ) 1- رَمَتْنَا الْقَبَائِلُ بِالْمُنْكَرَاتِ ... وَمَا نَحْنُ إِلا كَمَنْ قَدْ جَحَدْ 2- وَلَسْنَا بِأَكْفَرَ مِنْ عَامِرٍ ... وَلا غَطَفَانَ وَلا مِنْ أَسَدْ 3- وَلا مِنْ سُلَيْمٍ وَسَادَاتِهَا [2] ... وَلا مِنْ تَمِيمٍ وَأَهْلِ الْجَنَدْ [3] 4- وَلا ذِي الْخِمَارِ [4] وَلا قَوْمِهِ ... وَلا الأَشْعَثِ [5] الْيَوْمَ لَوْلا النَّكَدْ 5- وَلا مِنْ عَرَانِينَ مِنْ وَائِلٍ ... تَسُوقُ [6] الْمُحَرَّقَ سوق النّقد [7]

_ [1] القصيدة لعمرو بن سمرة الحنفي أحد الوفد الذين وفدوا إلى أبي بكر الصديق، كما مر، وفي معجم البلدان (الجند) منسوبة لعلي بن هوذة الحنفي، قالها بعد قتل مسيلمة، وسمع الناس يعيرون بني حنيفة بالردة، ويذكر من ارتد من العرب غير بني حنيفة. الأبيات السبعة الأولى فقط في معجم البلدان: (جند) . [2] في معجم البلدان: (ولا من سليم وألفافها) . [3] الجند: مخلاف في اليمن، قال أبو سنان اليماني: وأعمال اليمن في الإسلام مقسومة على ثلاثة ولاة، فوال على الجند ومخاليفها، وهو أعظمها، ووال على صنعاء ومخاليفها وهو أوسطها، ووال على حضرموت ومخاليفها وهو أدناها، والجند: مسماة بجند بن شهران بطن من معافر. (ياقوت: الجند) . [4] في الأصل: (ذا الخمار) وقد مرت ترجمته. [5] معجم البلدان: (ولا أشعث العرب لولا النكد) . [6] معجم البلدان: (بسوق النجير وسوق النقد) . [7] النقد (بالتحريك) : جنس من الغنم قصار الأرجل قباح الوجوه تكون بالبحرين، الواحدة نقدة، ويقال: (أذل من النقد) ، قال الأصمعي: أجود الصوف صوف النقد. (الصحاح: نقد) .

6- وَكُنَّا أُنَاسًا عَلَى شُبْهَةٍ [1] ... نَرَى الْغَيَّ لا شَكَّ [2] مِثْلَ الرَّشَدْ 7- نَدِينُ بِمَا دَانَ [3] كَذَّابُنَا ... فَيَا لَيْتَ وَالِدَهُ لَمْ يَلِدْ 8- تَمَنَّى النُّبُوَّةَ فِي شِرْكِهِ ... وَمَا قَالَهَا قَبْلَهُ مِنْ أَحَدْ 9- فَلَمَّا أَنَاخَ بِنَا خَالِدٌ ... جَهِدْنَا لَدَى الْحَرْبِ فِيمَنْ جَهِدْ 10- فَصَالَحَنَا بَعْدَ حَرِّ الْقِتَالِ ... عَلَى مَا أَرَادَ وَمَا لَمْ نُرِدْ 11- خَرَجْنَا إِلَيْهِ بِأَمْوَالِنَا ... وَرُبْعِ النِّسَاءِ وَثُلْثِ النَّقَدْ 12- عَلَى الصَّغْرِ مِنَّا بِلا مِرْيَةٍ ... فَقَلَّدَنَا عَارَهَا فِي الأَبَدْ [25 ب] قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ عَمْرٌو مِنْ شِعْرِهِ أَقْبَلَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ/ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ، وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ 3: 182 [4] ، قَالَ: ثُمَّ رَضِيَ عَنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَأَمَرَهُمْ بِالرُّجُوعِ إِلَى بَلَدِهِمْ بِالْيَمَامَةِ. قَالَ: وَخَطَبَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ إِلَى مُجَّاعَةَ ابْنَتَهُ فَزَوَّجَهُ إِيَّاهَا، ودخل خالد بها هنا لك بِأَرْضِ الْيَمَامَةِ، فَكَانَ إِذَا جَاءَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ يَرُدُّ عَلَيْهِمُ السَّلامَ وَيَأْمُرُهُمْ بِالْجُلُوسِ، فَيَجْلِسُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ حَيْثُ مَا لَحِقَ، وَإِذَا جَاءَ أَعْمَامُ هَذِهِ الْجَارِيَةِ الَّتِي قَدْ تَزَوَّجَ بِهَا، يَرْفَعُ مَجَالِسَهُمْ وَيَقْضِي حَوَائِجَهُمْ، قَالَ: فَغَضِبَ الْمُسْلِمُونَ لِذَلِكَ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمْ مَا يَفْعَلُهُ خَالِدٌ، فَكَتَبَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ، يَقُولُ [5] : (مِنَ الطَّوِيلِ) 1- أَلا أَبْلِغِ الصِّدِّيقَ قَوْلا كَأَنَّهُ ... إِذَا بثّ بين المسلمين المبارد [6]

_ [1] معجم البلدان: (على غرة) . [2] معجم البلدان: (نرى الغي في أمرنا كالرشد) . [3] معجم البلدان: (ندين كما دان كذابنا) . [4] [آل عمران: 182] ، و [الأنفال: 51] . [5] الأبيات غير الخامس في: ديوان حسان 1/ 459 (ط وليد عرفات) ، والاشتقاق 1/ 149، والأبيات: 1، 3، 4 في كتاب العفو والاعتذار 1/ 115. [6] في الأصل: (المبادر) تحريفا. ديوان حسان والاشتقاق: (إذا قص بين المسلمين المبارد) .

2- أَتَرْضَى بِأَنَّا لا تَجِفُّ [1] دِمَاؤُنَا ... وَهَذَا عَرُوسٌ بِالْيَمَامَةِ خَالِدُ 3- يَبِيتُ يُنَاغِي عُرْسَهُ فِي فِرَاشِهِ [2] ... وَهَامٌ لَنَا مَطْرُوحَةٌ وَسَوَاعِدُ 4- إِذَا نَحْنُ جِئْنَا صَدَّ عَنَّا بِوَجْهِهِ ... وَتُثْنَى [3] لأَعْمَامِ الْعَرُوسِ الْوَسَائِدُ 5- وَقَدْ كَانَتِ الأَنْصَارُ مِنْهُ قَرِيبَةً ... فَلَمَّا رَأَوْهُ قَدْ تَبَاعَدَ بَاعَدُوا 6- وَمَا كَانَ فِي صِهْرِ الْيَمَامِيِّ رَغْبَةً ... وَلَوْ لَمْ يُصَبْ [4] إِلا مِنَ النَّاسِ وَاحِدُ 7- فَكَيْفَ بِأَلْفٍ قَدْ أُصِيبُوا وَنَيِّفٍ ... على المائتين [5] الْيَوْمَ أَوْ زَادَ زَائِدُ 8- فَإِنْ تَرْضَ هَذَا فَالرِّضَا مَا رَضِيتَهُ ... وَإِلا فَأَيْقِظْ إِنَّ مَنْ تَحْتَ رَاقِدُ [6] قَالَ: فَلَمَّا وَرَدَتْ هَذِهِ الأَبْيَاتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، غَضِبَ لِذَلِكَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: (يَاَ أَبَا حَفْصٍ مَا تَرَى إِلَى خَالِد بْنِ الْوَلِيدِ وَحِرْصِهِ عَلَى التَّزَوُّجِ، وَقِلَّةِ اكْتِرَاثِهِ بِمَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ، فَقَالَ عُمَرُ: (إِنَّا وَاللَّهِ لا يَزَالُ يَأْتِينَا مِنْ خَالِدٍ فِي كُلِّ حِينٍ مَا تَضِيقُ بِهِ الصُّدُورُ) . قَالَ: ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ أبو بكر [7] :

_ [ () ] العفو والاعتذار: (من مبلغ الصديق) . [1] الديوان والاشتقاق: (لم تجف) . [2] الديوان والاشتقاق: (يناغي عرسه ويضمها) . العفو والاعتذار: (يظل يناجي عرسه في فراشها ... وهام لنا مبثوثة وسواعد) [3] الديوان والاشتقاق: (وتلقى لأعمام العروس) . العفو والاعتذار: (إذا أبصر الأنصار صد بوجهه ... وتلقى لأعمام العروس الوسائد) [4] في الأصل: (ولم يصبه) ، والتصويب من ديوان حسان والاشتقاق. [5] في الديوان والاشتقاق: (قد أصيبوا كأنما ... دماؤهم بين السيوف المجاسد) وقد مر في الورقة 24 ب من المخطوطة أن قتلى المسلمين بلغوا ألفا ومائتين، وإلى هذا يشير حسان وهو يوافق الواقع التاريخي، وسيذكر ذلك العدد أبو بكر في رسالته إلى خالد فيما يلي. [6] الديوان والاشتقاق: (وإلا فغير إن أمرك راشد) . [7] في الطبري 3/ 300: (فبلغ ذلك أبا بكر فكتب إليه كتابا يقطر الدم، لعمري يا ابن أم خالد،

(أما بعد يا ابن الْوَلِيدِ، فَإِنَّكَ فَارِغُ الْقَلْبِ حَسَنُ الْعَزَاءِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، إِذْ قَدِ اعْتَكَفْتَ عَلَى النِّسَاءِ وَبِفِنَاءِ بَيْتِكَ أَلْفٌ وَمِائَتَا رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، مِنْهُمْ سبعمائة رَجُلٍ مِنْ حَمَلَةِ الْقُرْآنِ، إِنْ لَمْ يَخْدَعْكَ مُجَّاعَةُ بْنُ مُرَارَةَ عَنْ رَأْيِكَ أَنْ صَالَحَكَ عَنْهُ صُلْحَ مَكْرٍ، وَقَدْ أَمْكَنَ اللَّهُ مِنْهُمْ، أَمَا وَاللَّهِ يَا خَالِدُ مَا هِيَ بِنُكْرٍ، وَإِنَّهَا شَبِيهَةٌ بِفِعْلِكَ بِمَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ، فَسَوْأَةٌ لَكَ وَلأَفْعَالِكَ هَذِهِ الْقَبِيحَةِ الَّتِي سَاءَتْكَ فِي بَنِي مَخْزُومٍ وَالسَّلامُ) . قَالَ: فَلَمَّا وَصَلَ الْكِتَابُ إِلَى خَالِدٍ وَقَرَأَهُ تَبَسَّمَ ضَاحِكًا، ثُمَّ قَالَ: (يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، وَاللَّهِ مَا أَعْرِفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ كَلامِهِ شَيْئًا، وَلا هَذَا إِلا مِنْ كَلامِ ابْنِ الْخَطَّابِ [1] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَدْ كَانَ الَّذِي كَانَ وَلَيْسَ إِلَى رَدِّهِ مِنْ سَبِيلٍ) . قَالَ: وَغَضِبَ أَهْلُ الْيَمَامَةِ لِمَا كَانَ مِنْ إِزْرَاءِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى خَالِدٍ فِي تَزْوِيجِهِ مِنْهُمْ، فَأَنْشَأَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يَقُولُ: (مِنَ الطَّوِيلِ) 1- إِنَّا وَإِنْ كَانَتْ قُرَيْشٌ أَئِمَّةً ... عَلَيْنَا وَفِيهِمْ نَخْوَةُ الْعِزِّ وَالشَّرَفْ [26 أ] 2- فَلَسْنَا نَرَى صِهْرَ الْمُغِيرِيِّ خَالِدٍ [2] ... لِمُجَّاعَةَ الْحَامِي الدِّيَارِ مِنَ السَّرَفْ/ 3- لَهُ شَرَفٌ فِي حَيِّ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ ... إِلَى خَلَفٍ مَا مِثْلُهُ فِيهِ مِنْ خَلَفْ 4- عَلَى أَنَّ سَيْفَ اللَّهِ عِزَّةُ قَوْمِهِ ... بَرِيءٌ مِنَ الأَمْرِ الْمُقَرِّبِ لِلتَّلَفْ 5- وَلَكِنَّ مُجَّاعَ الْيَمَامَةِ سَيِّدٌ ... خِضَمٌّ [3] فَمَنْ شَا أَنْكَرَ الْيَوْمَ أَوْ عَرَفْ 6- وَقَدْ نَفَّرَ الصِّدِّيقُ لِلصِّهْرِ نَخْوَةً ... تَوَخَّى لَهَا مِنْ خَالِدٍ بَعْضَ مَا سَلَفْ 7- فَمَا كَرِهَ الصِّدِّيقُ مِنْهُ كَرِيهَةً ... وما سخف الصدّيق من أمره سخف

_ [ () ] إنك لفارغ تنكح النساء، وبفناء بيتك دم ألف ومائتي رجل من المسلمين لم يجف بعد) . [1] في الطبري 3/ 300: (قال: فلما نظر خالد في الكتاب جعل يقول: هذا عمل الأعيسر، يعني عمر بن الخطاب) . [2] في الأصل: (خالدا) . [3] في الأصل: (حصم) غير معجمة. الخضمّ: السيد الحمول الجواد المعطاء الكثير المعروف والعطية. (اللسان: خضم) .

ذكر ردة أهل البحرين

ذِكْرُ رِدَّةِ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ [1] قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِنْ أَمْرِ الْيَمَامَةِ وَبَنِي حَنِيفَةَ وَقَتَلَ مُسَيْلِمَةَ، أَقَامَ بِأَرْضِ الْيَمَامَةِ يَنْظُرُ أَمْرَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: وَعَزَمَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يُوَجِّهَ بِجَيْشٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مُحَارَبَةِ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ، وَكَانَ مِنْ سَبَبِ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ وَارْتِدَادِهِمْ عَنْ دِينِ الإِسْلامِ، أَنَّ نَفَرًا مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ كَانُوا يُعَادُونَ قَبَائِلَ عَبْدِ الْقَيْسِ، وَعَبْدُ الْقَيْسِ يَوْمَئِذٍ بِالْبَحْرَيْنِ مُتَمَسِّكُونَ بِدِينِ الإِسْلامِ، لَمْ يَرْتَدُّوا مَعَ مَنِ ارْتَدَّ، وَجَعَلَ هَؤُلاءِ الَّذِينَ ارْتَدُّوا مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: (تَعَالَوْا حَتَّى نَرُدَّ الْمُلْكَ فِي دَارِ النُّعْمَانِ ابْنِ الْمُنْذِرِ [2] ، فَإِنَّهُ أَحَقُّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنَ ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ) . قَالَ: فَعَزَمُوا عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ خَرَجَ نَفَرٌ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ وَأَهْلِ الشَّرَفِ فِيهِمْ حَتَّى قَدِمُوا عَلَى كِسْرَى مَلِكِ الْفُرْسِ، فَاسْتَأْذَنُوا عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَحَيَّوْهُ بِتَحِيَّةِ الْمُلُوكِ. فَقَالَ كِسْرَى: (مَا الَّذِي أَقْدَمَكُمْ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ) ، فَقَالُوا: (أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّهُ قَدْ مَضَى ذَلِكَ الرَّجُلُ [مِنَ] الْعَرَبِ الَّذِي كَانَتْ قُرَيْشٌ وَسَائِرُ مُضَرَ يَعْتَزُّونَ بِهِ، يَعْنُونَ بِذَلِكَ رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَقَدْ قَامَ بَعْدَهُ خَلِيفَةٌ لَهُ ضَعِيفُ البدن،

_ [1] انظر في ردة البحرين: الطبري 3/ 301- 313، وتاريخ الكامل 2/ 368- 372، والأغاني 15/ 255- 262. [2] النعمان بن المنذر بن عمرو بن المنذر بن الأسود بن النعمان بن المنذر بن امرئ القيس، كان آخر ملوك الحيرة. (جمهرة أنساب العرب ص 422- 423) .

ضَعِيفُ الرَّأْيِ، وَقَدِ انْصَرَفَ عَامِلُهُ إِلَى أَصْحَابِهِ، وَبِلادُ الْبَحْرَيْنِ الْيَوْمَ ضَائِعَةٌ لَيْسَ بِهَا أَحَدٌ مِمَّنْ هُوَ عَلَى دِينِ الإِسْلامِ، إِلا شِرْذِمَةٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، وَلَيْسَ هُمْ عِنْدَنَا بِشَيْءٍ، وَنَحْنُ أَكْثَرُ مِنْهُمْ خَيْلا وَرَجْلا، وَلَوْ بَعَثْتَ إِلَى الْبَحْرَيْنِ رَجُلا يَأْخُذُهَا، لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يُمَانِعُهُ عَلَيْهَا) . قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ كِسْرَى: (مَنْ تُحِبُّونَ أَنْ أُوَجِّهَ مَعَكُمْ إِلَى الْبَحْرَيْنِ) ، قَالُوا: (مَنْ أَحَبَّ الْمَلِكُ) ، قَالَ: (فَمَا تَقُولُونَ فِي الْمُنْذِرِ [1] بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ) ، فَقَالُوا: (أَيُّهَا الْمَلِكُ، هُوَ لَنَا رِضًا، وَمَا نُرِيدُ بِهِ بَدَلا) . قَالَ: فَأَرْسَلَ كِسْرَى إِلَى الْمُنْذِرِ بْنِ النُّعْمَانِ، فَدَعَاهُ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ غُلامٌ حَدَثُ السِّنِّ حِينَ بَقِلَ وَجْهُهُ [2] فَخَلَعَ عَلَيْهِ بِخِلَعٍ، وَتَوَّجَهُ بِتَاجٍ وَحَمَلَهُ عَلَى مِائَةٍ مِنَ الْخَيْلِ، وَضَمَّ إِلَيْهِ سَبْعَةَ آلافِ فَارِسٍ وَرَاجِلٍ، وَعَزَمَ أَنْ يُوَجِّهَ بِهِ مَعَ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ [3] إِلَى الْبَحْرَيْنِ. قَالَ: وَتَجَهَّزَ الْمُنْذِرُ بْنُ النُّعْمَانِ لِيَخْرُجَ مَعَ الْقَوْمِ، وَنَدِمَ كِسْرَى عَلَى مَا فَعَلَ، وَجَعَلَ يَقُولُ لِوُزَرَائِهِ: (إِنِّي لَمْ أَصْنَعْ شَيْئًا عَمِلْتُهُ إِلَى غُلامٍ حَدَثِ السِّنِّ لا مَعْرِفَةَ لَهُ بِالأُمُورِ فَجَعَلْتُهُ رَأْسًا لِلْعَرَبِ، وَمَا عَسَى أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ) . قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ الْمُنْذِرَ بْنَ النُّعْمَانِ، فَأَقْبَلَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى كِسْرَى، فحياه [26 ب] بِتَحِيَّةِ الْمُلُوكِ/ وَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى مَنْ بِحَضْرَتِهِ مِنَ الْعَرَبِ، ثُمَّ قَالَ: (انْظُرُوا أَنْ تُفَسِّرُوا مَا أَقُولُ) ، ثُمَّ أَنْشَأَ يقول:

_ [1] المنذر بن النعمان الثالث بن المنذر الرابع بن المنذر بن امرئ القيس اللخمي، المعروف بالغرور، آخر المناذرة أصحاب الحيرة في الجاهلية، وليها بعد زاديه بن ماهان الهمذاني الفارسي، ولم تطل مدته، حكم ثمانية أشهر، وقتل أيام فتح البحرين سنة 12 هـ-. (فتوح البلدان ص 90- 91، تاريخ ابن خلدون 2/ 261، الكامل لابن الأثير 12/ 141، المحبر ص 360- 361، الأغاني 14/ 45، معجم البلدان: البحرين، الأعلام 7/ 295) . [2] بقل وجه الغلام: خرجت لحيته. (الصحاح: بقل) . [3] في الأصل: (بكر بن وائلة) .

(مِنَ الْكَامِلِ) 1- قُولا لِكِسْرَى وَالْخُطُوبُ كَثِيرَةٌ ... إِنَّ الْمُلُوكَ تَهِينُ مَا لَمْ تُخْبَرُ 2- فَإِذَا بَلَوْا كَانُوا لأَوَّلِ غَايَةٍ ... بَيْنَ الْمُبَرِّزِ وَالسُّقُوطِ الأَغْبَرِ 3- إِنْ لَمْ أَكُنْ كَانَ الَّذِي أَنْمَى لَهُ ... فكذا [ك] [1] لَمْ يَكُ وَالِدِي كَالْمُنْذِرِ 4- وَكَذَاكَ وَالِدُهُ جَرَى مِنْ جَدِّهِ ... وَعَلَيْهِ آخِرُنَا فَخُذْنَا أَوْ ذَرِ 5- وَالْمَرْءُ يُخْلِفُهُ ابْنُهُ مِنْ بَعْدِهِ ... حَتَّى يَكُونَ بِمَسْمَعٍ أَوْ مَنْظَرِ 6- إِنْ كَانَ لِلنُّعْمَانِ [2] ذَنْبٌ أَوْ لَهُ ... عُذْرٌ فَمَا لِي فِيهِمَا مِنْ مَصْدَرِ 7- قَدْ كَانَ نَاصِحَكَ النَّصِيحَةِ كُلِّهَا ... وَجَنَى عَدُوُّكَ فَقْعَةً بِالْقَرْقَرِ [3] 8- إِنِّي كَذَلِكَ لِلصَّنِيعَةِ شَاكِرٌ ... لا خَيْرَ فِي الْمَعْرُوفِ مَا لَمْ يُشْكَرِ قَالَ: فَلَمَّا فُسِّرَتْ هَذِهِ الأَبْيَاتِ عَلَى كِسْرَى وَفَهِمَهَا، أَمَرَهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ مَعَ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، فَقَالُوا: وَمَعَهُمْ أَبُو ضُبَيْعَةَ الْحُطَمُ [4] بْنُ زَيْدٍ، وَظَبْيَانُ بْنُ عَمْرٍو، وَمُسْمِعُ بْنُ مَالِكٍ. قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِمُ الْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ [5] وعذلهم في فعالهم، ونهاهم عما قد

_ [1] في الأصل: (فكذا) . [2] في الأصل: (لنعمان) . [3] في الأصل: (بالفرقد) وهو تحريف (القرقر) . القرقر: القاع الأملس، يشير إلى المثل: (أذل من فقع بقرقر) . [4] في الأصل: (الحطيم) . وهو الحطم. الحطم: هو شريح بن ضبيعة بن عمرو بن مرثد، أحد بني قيس بن ثعلبة، والحطم لقبه، سمي به لقوله: (قد لفّها الليل بسوّاق حطم) أسلم ثم ارتد بالبحرين هو وبنو قيس بن ثعلبة، وسار الحطم حتى لحق بربيعة فانضم إليها والتجأ إلى حصن جواثا، فوقعت الحرب بينه وبين المسلمين وعلى المسلمين علاء بن الحضرمي. (فتوح البلدان 1/ 101) . [5] المثنى بن حارثة بن سلمة الشيباني، صحابي من القادة الفاتحين، أسلم سنة 9 هـ- وغزا بلاد فارس في أيام أبي بكر، وفد على أبي بكر فأكرمه، وأمّره على قومه، فكان يغير على السواد، أمدّه أبو بكر بخالد بن الوليد فكان بدء الفتح، جرح المثنى في وقعة قس الناطف

عَزَمُوا عَلَيْهِ مِنْ حَرْبِهِمْ لإِخْوَتِهِمْ عَبْدِ الْقَيْسِ، وَيُهَدِّدُهُمْ بِالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَكَتَبَ فِي كِتَابِهِ إِلَيْهِمْ بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ: (مِنَ الرَّمَلِ) 1- طَالَ لَيْلِي لِتَمَنِّي مِسْمَعِ ... وَابْنِ ظَبْيَانَ جَمِيعًا وَالْحُطَمْ [1] 2- وَغَزَوْا خُنْفُسَ [2] جُبْنًا مِنْهُمُ ... عَمْرُكَ اللَّهُ وَجَبْنَا لِلْعَجَمْ 3- لَنْ [3] تُحِبَّ الْفُرْسُ بَكْرًا أَبَدًا مَا ... جَرَى الْبَحْرُ وَمَا أَوْفَى إِضَمْ [4] 4- بَعْدَ ذِي قَارٍ [5] وَلَوْلا صبركم ... كنتم مثل ثمود أو إرم [6]

_ [ () ] زمن عمر بن الخطاب، وشهد المثنى عدة وقائع بعد شفائه، فانتقضت عليه جراحه، فمات سنة 14 هـ-. (الإصابة 5/ 766، البداية والنهاية 7/ 49، جمهرة الأنساب ص 305، الاستيعاب 4/ 1456- 1457، الأعلام 5/ 276) . [1] في الأصل: (الحكم) ، وقد مر أعلاه الحطم. [2] خنفس: ناحيد من أعمال اليمامة قريبة من خزالا ومريفق بين جراد وذي طلوح، بينها وبين حجر سبعة أيام أو ثمانية، ويوم الخنفس من أيام العرب، قال: وهو ماء لهم. (ياقوت: خنفس) . [3] في الأصل: (أن تحب) . [4] إضم: واد بجبال تهامة وهو الوادي الذي فيه المدينة، ويسمى من عند المدينة القناة، ومن أعلى منها عند السد يسمى الشظاة، ومن عند الشظاة إلى أسفل يسمى اضما إلى البحر، وقال ابن السكيت: اضم واد يشق الحجاز حتى يفرغ في البحر، وعن نصر: اضم أيضا جبل بين اليمامة وضرية. (ياقوت: اضم) قلت: ولعل المراد هذا الجبل الأخير لأنه أقرب إلى اليمامة. [5] في الأصل: (ذي قار) . ذو قار: ماء لبكر بن وائل قريب من الكوفة بينها وبين واسط، وحنو ذي قار على ليلة منه وفيه. كانت الوقعة المشهورة بين بكر بن وائل والفرس، قيل: وكانت وقعة ذي قار عند منصرف النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من وقعة بدر الكبرى، وكان أول يوم انتصف فيه العرب من العجم وبرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم انتصفوا، وهي من مفاخر بكر بن وائل. (ياقوت: ذو قار) . [6] ثمود: قوم صالح عليه السلام. وإرم: وهي إرم ذات العماد، إرم عاد، قيل إنها اليمن بين

5- فَأَصَابَ الْقَوْمُ مِنْكُمْ فُرْصَةً ... تَذْهَبُ الأَمْوَالُ فِيَها وَالْحُرَمْ 6- فَاعْطِفُوا الرَّحْمَ عَلَى أَعْمَامِكُمْ ... قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْكُمْ بِالْكَظَمْ [1] 7- قَبْلَ أَنْ يَقْرَعَ فِيكُمْ قَارِعٌ ... سِنَّهُ [2] الآنَ فَلا يُغْنِي النَّدَمْ 8- أَسْلِمُوا للَّه [3] تُعْطَوْا سُؤْلَكُمْ ... إِنَّ مَنْ أَشْرَكَ باللَّه ظَلَمْ 9- إِقْبَلُوهَا مِنْ أَخِيكُمْ نُصْحَةً ... لا تَقُولُوا لا وَقُولُوا لِي نَعَمْ 10- إِنَّ للَّه سُيُوفًا جَمَّةً ... وَرِجَالا مِثْلَ آسَادِ الأَجَمْ 11- تِلْكُمُ الأَنْصَارُ سُمٌّ نَاقِعٌ ... وَرِجَالٌ هَاجَرُوا تِلْكَ الْبُهَمْ [4] قَالَ: فَلَمَّا وَصَلَتْ هَذِهِ الأَبْيَاتُ إِلَى بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، جَعَلَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ لِبَعْضٍ: (لَقَدْ حَسَدَنَا الْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ عَلَى ثَلاثِ خِصَالٍ، عَلَى مُلْكِ الْمُنْذِرِ بْنِ النُّعْمَانِ، وَعَلَى صُلْحِنَا لِكِسْرَى، وَعَلَى التَّوَسُّعِ فِي الْبَحْرَيْنِ، وَاللَّهِ لا قَبِلْنَا مَا أَشَارَ بِهِ عَلَيْنَا) . قَالَ: ثُمَّ سَارَ الْقَوْمُ نَحْوَ الْبَحْرَيْنِ، وَأَنْشَأَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يَقُولُ: (مِنَ الطَّوِيلِ) 1- نَسِيرُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ نَأْكُلُ تَمْرَهَا [5] ... وَنَرْعَى حِمَاهَا بِالْقَنَا وَالْقَبَائِلِ [6] 2- وَنَعْرِكُهَا عَرْكَ الأَدِيمِ بِفِتْيَةٍ ... عَرَانِينَ مِنْ أَفْنَاءِ بَكْرِ بْنِ وائل

_ [ () ] حضرموت وصنعاء من بناء شداد بن عاد. (ياقوت: ارم) . [1] الكظم: مخرج النفس، يقال: أخذت بكظمه، أي بمخرج نفسه. (الصحاح: كظم) . [2] قرع السن: كناية عن الندم، وفي المثل: (قرع سن النادم) أي ندم (المستقصي 2/ 196) . [3] في الأصل: (باللَّه) . [4] البهم: جمع بهمة، الفارس الذي لا يدري من أين يؤتى من شدة بأسه، ويقال أيضا للجيش بهمة، ومنه قولهم: فلان فارس بهمة وليث غابة. (الصحاح: بهم) يصف المهاجرين. [5] في الأصل: (ثمرها) . [6] كذا بالأصل، ولعلها: (والقنابل) جمع القنبلة وهي الطائفة من الخيل ما بين الثلاثين إلى الأربعين ونحوه، وكذلك القنبلة من الناس: طائفة منهم. (الصحاح: قنبل) .

[27 أ] 3- فَتُصْبِحُ عَبْدُ الْقَيْسِ فِيهَا أَذِلَّةً ... كَفَقْعَةِ قَاعٍ [1] أَوْ كَشَحْمَةِ آكِلِ 4- وَنَجْعَلُ هَذَا الْمُلْكَ فِي آلِ مُنْذِرٍ ... كَمَا كَانَ فِيهِمْ فِي الدُّهُورِ الأَوَائِلِ 5- وَنَحْنُ يَدُ النُّعْمَانِ لا تُنْكِرُونَهُ ... عَلَى غَيْرِ حَافٍ مِنْ مَعَدٍّ وَنَاعِلِ 6- وَقَالَ رِجَالٌ خَاذِلُونَ [2] لِقَوْمِهِمْ ... ذَرُوا الْبَحْرَ لا تَغْزُوهُمُ دُونَ قَابِلِ 7- سَيَكْفُرُ قَوْمٌ فِي الْحُرُوبِ إِذَا الْتَقَوْا ... صُدُورَ الْمَذَاكِي [3] وَالْوَشِيجِ [4] الذَّوَابِلِ 8- فَقُلْ لِلْمُثَنَّى حِينَ قَرَّ قَرَارُهُ ... سَتَأْتِيكَ بِالأَخْبَارِ رُكْبَانُ قَافِلِ قَالَ: وَتَوَسَّطَتْ بَنُو بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ أَرْضَ الْبَحْرَيْنِ، وَاجْتَمَعَتْ عَبْدُ الْقَيْسِ إِلَى رَئِيسٍ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ يُقَالُ لَهُ: الْجَارُودُ بْنُ الْمُعَلَّى الْعَبْدِيُّ فِي أَرْبَعَةِ أَلْفٍ [5] مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ وَأَحْلافِهِمْ وَعَبِيدِهِمْ وَمَوَالِيهِمْ. قَالَ: وَدَنَتْ مِنْهُمْ بَنُو بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ فِي تِسْعَةِ أَلْفٍ مِنَ الْفُرْسِ، وَثَلاثَةِ أَلْفٍ مِنَ الْعَرَبِ، فَاقْتَتَلَ الْقَوْمُ قِتَالا شَدِيدًا، فَكَانَتِ الدَّائِرَةُ عَلَى بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ نَفَرٌ كَثِيرٌ وَمِنَ الْفُرْسِ، ثُمَّ اقْتَتَلُوا قِتَالا شَدِيدًا ثَانِيَةً، فَكَانَتِ الدَّائِرَةُ عَلَى عَبْدِ الْقَيْسِ، فَانْتَصَفَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَدَامَ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ أَيَّامًا كَثِيرَةً حَتَّى قُتِلَ مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً، وَاسْتَأْمَنَ عَامَّةَ عَبْدِ الْقَيْسِ إِلَى بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ. قَالَ: فَعِنْدَهَا عَلِمَتْ عَبْدُ الْقَيْسِ أَنَّهُ لا طَاقَةَ لَهُمْ مَعَ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، فَانْهَزَمُوا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّى صَارُوا إِلَى حِصْنٍ لَهُمْ بِأَرْضِ هَجَرَ يُقَالُ لَهُ جَوَاثِيُّ [6] فدخلوه،

_ [1] في الأصل: (لتفعة فاع) . والفقع: ضرب من الكمأة، هي البيضاء الرخوة، يشبه به الرجل الذليل فيقال: هو فقع قرقر، لأن الدواب تنجله بأرجلها. (الصحاح: فقع) . [2] في الأصل: (خاذلونا) . [3] المذاكي: الخيل التي أتى عليها بعد قروحها سنة أو سنتان، الواحدة: مذك، وفي المثل: (جرى المذكيات غلاء) (الصحاح: ذكا) . [4] الوشيج: شجر الرماح. [5] في الأصل: (أربعة ألف) وليست أربعة آلاف، وهو صحيح، وسيتكرر ذكر الألف. [6] جؤاثى أو جواثاء: يمد ويقصر، حصن لعبد القيس بالبحرين فتحه العلاء بن الحضرمي في أيام أبي بكر الصديق سنة اثنتي عشرة عنوة، وقال ابن الأعرابي: جواثا مدينة الخط،

وَأَقْبَلَتْ بَنُو بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ وَالْفُرْسُ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى الْحِصْنِ فَأَحْدَقُوا بِهِ، فَحَاصَرُوا عَبْدَ الْقَيْسِ حِصَارًا شَدِيدًا، وَمَنَعُوهُمْ مِنَ الطَّعَامِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْفٍ الْعَبْدِيُّ [1] هَذِهِ الأَبْيَاتِ، وَوَجَّهَ بِهَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ [2] : (مِنَ الْوَافِرِ) 1- أَلا أَبْلِغْ أَبَا بَكْرٍ رَسُولا [3] ... وَفِتْيَانَ الْمَدِينَةِ أَجْمَعِينَا 2- فَهَلْ لِي فِي شَبَابٍ مِنْكَ أَمْسَوْا ... جِيَاعًا فِي جَوَاثِيَ مُحْصَرِينَا [4] 3- تُحَاصِرُهُمْ بَنُو ذُهْلٍ وَعِجْلٍ ... وَشَيْبَانَ وَقَيْسٍ [5] ظَالِمِينَا 4- يَقُودُهُمُ الْغُرُورُ بغير حقّ ... ليستلب العقائل والبنينا [6]

_ [ () ] والمشقر مدينة هجر، وجؤاثاء أول موضع جمعت فيه الجمعة بعد المدينة، وقال عياض: وبالبحرين أيضا موضع يقال له قصر جواثا، ويقال: ارتدت العرب كلها بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إلا أهل جواثا، وكان أهل الردة بالبحرين حصروا طائفة من المسلمين بجواثا فجاءهم العلاء بن الحضرمي فاستنقذهم، وفتح البحرين كلها. (ياقوت: جواثاء) . [1] عبد الله بن عوف العبدي، وفي الطبري عبد الله بن حذف أحد بني أبي بكر بن كلاب، وانظر الخبر وأربعة أبيات من الشعر في الطبري 3/ 304. [2] الأبيات: 1، 2، 6 مع بيت رابع في تاريخ الطبري 3/ 304، والأغاني 15/ 257، والكامل لابن الأثير 2/ 368- 369، والاكتفاء ص 169، ومعجم البلدان (جواثاء) ، ونهاية الأرب 19/ 101، والبداية والنهاية 6/ 327، والإصابة 5/ 83، وقطع من كتاب الردة ص 25. والبيتان: 1، 2 في فتوح البلدان ص 94، ومعجم البلدان (بحرين) . [3] فتوح البلدان: (أبا بكر ألوكا) . الاكتفاء: (وسكان المدينة) . [4] رواية البيت في مصادر التخريج: فهل لكم إلى قوم كرام ... قعود في جواثا محصرينا فتوح البلدان: (أسارى في جواثا محصرينا) . بعد هذا البيت في المصادر السابقة: كأن دماءهم في كلّ فجّ ... شعاع الشمس يغشى الناظرينا [5] بنو ذهل وعجل وشيبان وقيس: بطون من بكر بن وائل. [6] في الأصل: (لتستلب المقاتل والبيانا) وهو تحريف واضح.

5- فَلَمَّا اشْتَدَّ حَصْرُهُمُ وَطَالَتْ ... أَكُفُّهُمُ بِمَا فِيهِ بُلِينَا [1] 6- تَوَكَّلْنَا عَلَى الرَّحْمَنِ إِنَّا ... وَجَدْنَا الْفَضْلَ لِلْمُتَوَكِّلِينَا [2] 7- وَقُلْنَا وَالأُمُورُ لَهَا قَرَارٌ [3] ... وَقَدْ سَفِهَتْ حُلُومُ بَنِي أَبِينَا 8- نُقَاتِلُكُمْ عَلَى الإِسْلامِ حَتَّى ... تَكُونُوا أَوْ نَكُونَ [4] الذَّاهِبِينَا 9- بِكُلِّ مُهَنَّدٍ عَضْبٍ حُسَامٍ ... يَقُدُّ الْبِيضَ وَالزُّرْدَ الدَّفِينَا قَالَ: فَلَمَّا نَظَرَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذِهِ الأَبْيَاتِ اغْتَمَّ فِيهِ غَمًّا شَدِيدًا لِمَا يَكُونُ فِيهِ مِنْ ذِكْرِ عَبْدِ الْقَيْسِ، وَمَا قَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُفَّارِ الْفُرْسِ وَبَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، فَدُعِيَ بِرَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُقَالُ لَهُ الْعَلاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ، فَعَقَدَ لَهُ عَقْدًا [27 ب] وَضَمَّ إِلَيْهِ أَلْفَيْ رَجُلٍ/ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَأَمَرَهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ إِلَى نُصْرَةِ عَبْدِ الْقَيْسِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: (انْظُرْ يَا عَلاءُ، لا تَمُرُّوا [5] بِحَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ إِلا اسْتَنْهَضْتَهُمْ إِلَى مُحَارَبَةِ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَتَوْا بِالْمُنْذِرِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ مِنْ عِنْدِ كِسْرَى مَلِكِ الْفُرْسِ، وَقَدْ عَقَدُوا التَّاجَ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَدْ عَزَمُوا عَلَى إِطْفَاءِ نُورِ اللَّهِ، وَقَتْلِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ، فَسِرْ وَقُلْ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا باللَّه) . قَالَ: فَسَارَ الْعَلاءُ بْنُ عَائِذٍ الْحَضْرَمِيُّ، حَتَّى صَارَ بِأَرْضِ الْيَمَامَةِ، فَاسْتَقْبَلَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أَثَالَ الْحَنَفِيُّ [6] ، وَكَانَ مُسْلِمًا تَقِيًّا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ قال: (أين يا علاء،

_ [1] في الأصل: (إلينا) . [2] بعد هذا البيت في الإصابة: وقلنا قد رضينا الله ربّا ... وبالإسلام دينا قد رضينا في الطبري: (وجدنا الصبر) . الأغاني وابن الأثير وياقوت والإصابة: (وجدنا النصر) . [3] في الأصل: (قرارا) . [4] في الأصل: (يكونوا) والوجه (نكون) . [5] في الأصل: (أن تمروا) . [6] ثمامة بن أثال الحنفي: كان أشد الناس عداوة لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقد أسره المسلمون، فأكرم النبي إساره فأسلم وصار أحب الناس إليه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو أول من دخل مكة

فَإِنِّي أَرَى مَعَكَ جَيْشًا كَثِيفًا) ، فَقَالَ: (وَاللَّهِ إِنَّنِي أُرِيدُ إِلَى بَنِي عَمِّكَ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَتَوْا بِالْمُنْذِرِ بْنِ النُّعْمَانِ مِنْ عِنْدِ كِسْرَى، وَقَدِ ارْتَدُّوا عَنْ دِينِ الإِسْلامِ، وَقَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى عَبْدِ الْقَيْسِ يُرِيدُونَ قَتْلَهُمْ وَبَوَارَهُمْ، وَقَدْ أَمَرَنِي الصِّدِّيقُ أَنْ أَسْتَنْهِضَ كُلَّ مَنْ لَقِيَنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى حَرْبِهِمْ، فَهَلْ لَكَ أَنْ تَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَجَابَ إِلَى هَذِهِ الدَّعْوَةِ) . قَالَ: فَقَالَ ثُمَامَةُ: (وَيْحَكَ يَا عَلاءُ، أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْمِي قَرِيبٌ عَهْدُهُمْ بِالرِّدَّةِ مَعَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ، وَمَا أَظُنُّهُمْ يُجِيبُونَ [1] إِلَى ذَلِكَ، وَلَكِنِ ارْقُبْ عَلَيَّ قَلِيلا [2] حَتَّى أَذُوقَ الْقَوْمَ وَأَنْظُرَ مَا عِنْدَهُمْ) . ثُمَّ أَرْسَلَ ثُمَامَةُ بْنُ أَثَالٍ إِلَى جَمَاعَةٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ فَدَعَاهُمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا عِنْدَهُ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ لَهُمْ: (يَا بَنِي حَنِيفَةَ، هَلْ لكم أن يرفع الله رؤوسكم مِمَّا كَانَ مِنْكُمْ مِنَ الْخُرُوجِ مَعَ مُسَيْلِمَةَ) [3] ، فَقَالُوا: (وَمَا ذَاكَ) ، قَالَ: (تَسِيرُونَ مَعَ الْعَلاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ إِلَى الْبَحْرَيْنِ فَتُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ) ، قَالُوا: (وَلِمَنْ نُقَاتِلُ) ، فَقَالَ: (تُقَاتِلُونَ قَوْمًا لَوْ دُعُوا إِلَى قِتَالِكُمْ لَقَاتَلُوكُمْ عَلَى الْبَاطِلِ) ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ: (يَا ثُمَامَةُ، حَسْبُنَا مَا كَانَ مِنَّا مِنَ الْخُرُوجِ مَعَ مُسَيْلِمَةَ حَتَّى فَنِيَ رِجَالُنَا وَذَهَبَتْ أَمْوَالُنَا، وَسُبِيَ أَوْلادُنَا وَنِسَاؤُنَا، فَلا تَلُمْنَا عَلَى الْقُعُودِ، فَحَسْبُنَا مَا نَزَلَ بِنَا) ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: (مِنَ الْخَفِيفِ) 1- يَا ثُمَامَةُ مِنْ خَيْرِ أَهْلِ الْيَمَامَةِ [4] ... لا تَلُمْنَا عَلَى الْقُعُودِ ثُمَامَهْ 2- إِنَّ فِي تَرْكِنَا الْمَسِيرَ لَعُذْرًا [5] ... أَوْسَعُ الْيَوْمَ فِي الْبَقَا وَالْمُقَامَهْ

_ [ () ] ملبيا. (السيرة النبوية 2/ 607، 638- 639) . [1] في الأصل: (يجيبوا) وهو لحن. [2] في الأصل: (أرقب على قليل) وهو لحن، وارقب علي: أي انتظرني. [3] في الأصل: (المسيلمة) . [4] في الأصل: (الإمامة) . [5] في الأصل: (لعذر) .

3- إِنَّمَا عَهْدُنَا بِقَاصِمَةِ الظَّهْرِ ... وَيَوْمٍ لَنَا كَيَوْمِ الْقِيَامَهْ 4- أَمْسِ إِذْ صَارَ رُمْحُ قَوْمِكَ زِيرًا ... يَا لَكَ الْخَيْرُ وَالنَّضَارُ بِشَامَهْ 5- حَسْبُنَا مَنَعْنَا اليمامة من سا ... كن نَجْدٍ وَمِنْ رِجَالِ تِهَامَهْ 6- وَبَنِي الْحَارِثِ الَّذِينَ هم اليو ... م إِذَا مَا دُعِيَ الْقَبَائِلُ شَامَهْ 7- لَيْتَنَا لا نَكُونُ فَقْعَةَ قَاعٍ ... لِغَدٍ لا وَلا نَكُونُ [1] خُزَامَهْ 8- إِنْ تَسِرْ تَلْقَهُمْ ثُمَامَةُ قَوْمًا [2] ... تَقْرَعُ السّنّ ما بقيت ندامه [28 أ] 9- أَوْ تُصِبْهُمْ بِقَطْعِ كَفِّكَ كَفٌّ [3] ... أَوْ يُصِيبُوكَ لا تَكُونُ ظَلامَهْ/ فَقَالَ لَهُمْ ثُمَامَةُ بْنُ أَثَالٍ: (وَيْحَكُمْ يَا مَعْشَرَ بَنِي حَنِيفَةَ، لَيْسَ الأَمْرُ فِيمَا ذَكَرْتُمْ مِنْ هَتْكِ حَرِيمِكُمْ، وَسَفْكِ دِمَائِكُمْ، وَذَهَابِ أَمْوَالِكُمْ، فَذَلِكَ بِمَا كَانَ مِنْ كُفْرِكُمْ وَرُجُوعِكُمْ عَنْ دِينِ الإِسْلامِ، وَخُرُوجِكُمْ مَعَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ تَضْرِبُونَ وُجُوهَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، فَأَنْزَلَ بِكُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مَا أَنْزَلَ مِنَ الذُّلِّ وَالصَّغَارِ، وَالْعَلاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيُّ فِي وَقْتِهِ هَذَا، إِنَّمَا يَدْعُوكُمْ إِلَى نُصْرَةِ الإِسْلامِ، وَلَيْسَ الْقِيَاسُ [4] فِيمَا ذَكَرْتُمْ بِسَوَاءٍ، وَأَنَا وَاللَّهِ مَاضٍ مَعَهُ غَيْرُ رَاغِبٍ بِنَفْسِي عَنْهُ، وَاللَّهُ يَفْعَلُ فِي ذَلِكَ مَا يَشَاءُ) ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: (مِنَ الْكَامِلِ) 1- لَعَمْرُ أَبِيكَ وَالأَنْبَاءُ [5] تُنْمِي ... لَنِعْمَ الأَمْرُ صَارَ لَهُ الْعَلاءُ 2- وَنِعْمَ الأَمْرُ يَدْعُونَا إِلَيْهِ ... وَدَاعِي اللَّهِ لَيْسَ لَهُ خَفَاءُ 3- دَعَا لِقِتَالِ مَنْ لا شَكَّ فِيهِ ... وَذَري [6] الدِّينِ وَالدُّنْيَا بَقَاءُ 4- فَلَنْ أُثْنِي الأَعِنَّةَ عَنْ دُعَاهُ ... وعند الله في ذاك الجزاء

_ [1] في الأصل: (لغد ولا يكون) . [2] في الأصل: (قوم) . [3] في الأصل: (كفا) . [4] لاحظ لفظ (القياس) هل كان معروفا في هذا العصر، وهو من ألفاظ أهل المنطق. [5] في الأصل: (للانبا) . [6] كذا بالأصل، ولعله من ذريته تذرية: أي مدحته، أي مدح الدين والدنيا بقاء، يقال: فلان

5- وَقَدْ قَالَتْ حَنِيفَةُ إِذْ رَأَوْنِي ... نَهَضْتُ بِهَا: لَقَدْ كُشِفَ الْغِطَاءُ 6- وَقَالُوا يَا ثُمَامَةُ لا تَزِدْهُمْ ... فَإِنَّ الأَمْرَ أَثْقَلَهُ الدِّمَاءُ 7- وَإِنَّهُمُ الْوَضِيعَةُ [1] فَالْهَ عَنْهُمْ ... فَقُلْتُ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ 8- فَشَمَّرْتُ الإِزَارَ وَطَالَ رُمْحِي ... إِلَى قَوْمٍ دِمَاؤُهُمُ الشِّفَاءُ قَالَ: وَسَارَ ثُمَامَةُ بْنُ أَثَالٍ مَعَ الْعَلاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ فِي نَفَرٍ مِنْ بَنِي عَمِّهِ، حَتَّى إِذَا صَارَ الْعَلاءُ إِلَى أَرْضِ بَنِي تَمِيمٍ، لَقِيَهُ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ الْمِنْقَرِيُّ التَّمِيمِيُّ [2] ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَرَحَّبَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ الْعَلاءُ: (وَيْحَكَ يَا قَيْسُ، إِنَّ قَوْمَكَ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ أَبْطَأُوا عَنِ الإِسْلامِ وَتَأَخَّرُوا عَنْهُ، فَلَمَّا دَخَلُوا فِيهِ رَدَّتْهُمْ عَنْهُ امْرَأَةٌ، وَقَدْ كَانَ مِنْكَ مَا قَدْ عَلِمْتَ مِنْ تَأَخُّرِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، فَهَلْ لَكَ أَنْ تَسِيرَ مَعِي إِلَى أَرْضِ الْبَحْرَيْنِ فَتُقَاتِلُ هَؤُلاءِ الْمُرْتَدِّينَ عَنْ دِينِ الإِسْلامِ) . فَقَالَ لَهُ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ: (أَمَّا قَوْلُكَ بِأَنَّ قَوْمِي تَأَخَّرُوا عَنْ دِينِ الإِسْلامِ فَلَمَّا دَخَلُوا فِيهِ رَدَّتْهُمُ امْرَأَةٌ، قَدْ كَانَ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْتَ، وَقَوْمُكَ مِنَ اليمن أيضا قد ملكتهم امرأة [3] ،

_ [ () ] يذري حسبه، أي يمدحه ويرفع من شأنه، قال رؤبة: (اللسان: ذرا) . عمدا أذرّي حسبي أن يشتما ... لا ظالم الناس ولا مظلّما [1] الوضيعة: قوم من الجند يوضعون في كورة لا يغزون منها، وقوم كان كسرى ينقلهم من أرضهم فيسكنهم أرضا أخرى حتى يصيروا بها وضيعة أبدا وهم الشّحن والمسالح، قال الأزهري: والوضيعة والوضائع الذين وضعهم فهم شبه الرهائن كان يرتهنهم وينزلهم بعض بلاده (اللسان: وضع) . قلت: وهذه المعاني توافق معنى الوضيعة في البيت، حيث يصفهم بالذلة والهوان. [2] قيس بن عاصم بن سنان المنقري السعدي التميمي: أحد أمراء العرب وفرسانهم وعقلائهم الموصوفين بالحلم، كان شاعرا، اشتهر وساد في الجاهلية، وهو ممن حرّم الخمر على نفسه في الجاهلية، وفد على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في وفد بني تميم سنة 9 هـ- فأسلم، وقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: هذا سيد أهل الوبر، واستعمله على صدقات قومه، نزل البصرة في أواخر أيامه وتوفي بها سنة 20 هـ-. (الإصابة 5/ 483- 486، امتاع الأسماع 1/ 434، النقائض ص 1023، الخزانة 3/ 428، 429، 509، سمط اللآلئ ص 487، المحبر ص 238، 248، الأعلام 5/ 206) . [3] يريد بالمرأة بلقيس ملكة سبأ، وهي بلقيس بنت الهدهاد بن شرحبيل من بني يعفر بن

وَلَيْسَ هَذَا بِعَجَبٍ وَالْكَلامُ كَثِيرٌ، وَإِنْ زِدْتَ زِدْنَا، فَإِنِّي إِنَّمَا آتِيكَ الآنَ لأَخْفِرَكَ وَأَسِيرَ مَعَكَ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أَرْضِ بَنِي سَعْدٍ، فَأَكُونُ قَدْ قَضَيْتُ حَقَّ مَسِيرِكَ، وَلَيْسَ لِي حَاجَةٌ إِلَى قِتَالِ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ، إِلا أَنْ أَرَى فِي ذَلِكَ) . قَالَ: فَسَارَ الْعَلاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ وَمَعَهُ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ الْمِنْقَرِيُّ فِي عِشْرِينَ فَارِسًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَكَانَ لا يَنْتَهِي إِلَى مَاءٍ مِنْ مِيَاهِ بَنِي سَعْدٍ إِلا تَلَقَّوْهُ بِالْقِرَى وَالإِنْزَالِ وَالْعُلُوفَةِ وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْضُ بَنِي تَمِيمٍ حَيْثُ يَقُولُ: (مِنَ الْمُتَقَارِبِ) 1- أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَجَرْنَا الْعَلاءَ ... عَلَى كُلِّ مَنْ جَارَهُ مِنْ مُضَرْ 2- تَضَمَّنَ قَيْسٌ لَهُ ذِمَّةً ... فَحَطَّ بِهَا رَحْلَهُ فِي هَجَرْ [1] [28 ب] 3- فَأَحْيَا أَبَاهُ [2] بِهَا إِنَّهُ ... / لَعَمْرُ الإِلَهِ عَظِيمُ الْخَطَرْ 4- وَقَالَ النَّبِيُّ لَهُ إِذْ أَتَى ... هُوَ اليوم سيّد أهل الوبر [3]

_ [ () ] سكسك، من حمير، ملكة سبأ، يمانية من أهل مأرب، أشير إليها في القرآن الكريم ولم يسمها، وليت العهد من أبيها (في مأرب) وطمع بها عمرو بن أبرهة ذو الأذعار صاحب غمدان فزحف عليها فانهزمت إلى الأحقاف متخفية بزي أعرابي، فأدركها رجال ذي الأذعار فاستسلمت، وأصابت منه غرة في سكر فقتلته، ووليت أمر اليمن كله وانقادت لها أقيال حمير، فزحفت بالجيوش إلى بابل وفارس فخضع لها الناس، وعادت إلى اليمن فاتخذت مدينة (سبأ) قاعدة لها، تزوجها النبي سليمان بن داود وأقامت معه سبع سنين وأشهرا، وتوفيت فدفنها بتدمر، انكشف تابوتها في عصر الوليد بن عبد الملك وعليه كتابة تدل أنها ماتت لإحدى وعشرين سنة خلت من ملك سليمان، فأمر أن يبنى على التابوت بالصخر. (التيجان ص 137- 170، تاريخ الخميس 1/ 249، نهاية الأرب 14/ 134، شرح المقامات للشريشي 2/ 230، الدر المنثور ص 96، الأعلام 2/ 73- 74) . [1] هجر: مدينة، وهي قاعدة البحرين، وقيل: ناحية البحرين كلها هجر، وينسب إلى هجر هاجري على غير قياس، كما قيل: حاري بالنسبة إلى الحيرة، فتحت هجر في أيام النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم سنة ثمان، وقيل سنة عشر على يد العلاء بن الحضرمي. (ياقوت: هجر) . [2] في الأصل: (أبآ) . [3] سيد أهل الوبر: لقب أطلقه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم على قيس بن عاصم لما قدم المدينة في وفد

5- فَأَعْظِمْ لِقَيْسٍ بِهَا مُدْحَةً ... تُطَاطِي بِهَا جُهْدَهُ مَنْ فَخَرْ 6- وَقَيْسٌ لَعَمْرِي لَهُ طَاعَةٌ ... إِذَا قَالَ قَوْلا لَنَا أَوْ أَمَرْ قَالَ: وَسَارَ الْعَلاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ وَمَعَهُ أَلْفَا رَجُلٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَمَعَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أَثَالٍ، وَقَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ الْمِنْقَرِيُّ، فِي جَمَاعَةٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، وَبَنِي حَنِيفَةَ، حَتَّى تَوَسَّطَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ. قَالَ: وَبَنُو بَكْرِ بْنُ وَائِلٍ وَالْفُرْسُ نُزُولٌ عَلَى حِصْنِ جَوَاثِيَّ، قَدْ حَاصَرُوا الْمُسْلِمِينَ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، قَالَ: وَجَعَلَ الْعَلاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ قَدْ وَافَى فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ مَعُونَةً لَهُمْ، فَفَرِحُوا بِذَلِكَ وَاشْتَدَّتْ لَهُ ظُهُورُهُمْ. قَالَ: وَكَتَبَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْحِصْنِ يُعْلِمُهُ أَنَّ الْقَوْمَ لَيْسَ لَهُمْ إِلا الْبَيَاتُ [1] ، فَإِنْ بَايَتَهُمْ وَكَسَرَ عَسْكَرَهُمْ فَقَدْ قَتَلَهُمْ وَكَسَرَ شَوْكَتَهُمْ، وَأَثْبَتَ فِي كِتَابِهِ إِلَى الْعَلاءِ بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ: (مِنَ الْبَسْيِطِ) 1- قُلْ لِلْعَلاءِ لِيَفْهَمَ [2] مَا كَتَبْتُ لَهُ ... مِنِّي إِلَيْكَ وَخَيْرُ الرَّأْيِ مَا حَضَرَا 2- إِنَّ الْعَدُوَّ الَّذِي أَشْجَاكَ مَنْزِلُهُ ... مِثْلُ الأَسَاوِدِ [3] وَالْحَيِّ الَّذِي نَظَرَا 3- أُسْدُ النَّهَارِ ضِبَاعُ اللَّيْلِ لَيْسَ لَهُمْ ... إِلا الْبَيَاتُ بِمَا لا قَلَّ أَوْ كَثُرَا 4- هَذَا الَّذِي لا أَرَى إِلا عَزِيمَتَهُ ... وَالأَمْرُ للَّه يُعْطِي النَّصْرَ مَنْ صَبَرَا 5- كَمْ يَوْمَ سُوءٍ مِنَ الأَيَّامِ مُنْعَصِفٍ ... لَسْنَا نَرَى فيه لا شمسا ولا قمرا

_ [ () ] بني تميم، فلما راه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: (هذا سيد أهل الوبر) . (الحديث في مجمع الزوائد 3/ 107، 9/ 404، المطالب العالية 877، إتحاف السادة 4/ 182، وانظر الإصابة 5/ 483، وأنوار الربيع 4/ 324، والأغاني 14/ 74) . [1] في الأصل: (البياة) وتكررت بهذا الرسم. البيات: تدبير الأمر ليلا، وبيت العدو: أوقع بهم ليلا، ومنه قوله تعالى: إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى من الْقَوْلِ 4: 108 [سورة النساء: 108] ، (الصحاح: بيت) . [2] في الأصل: (للعلاء يفهم) . [3] الأساود: جمع الأسود، وهو العظيم من الحيات وفيه سواد.

6- فَرَجْتَهُ بِالَّتِي [1] لَيْسَتْ بِمُنْكَرَةٍ ... مِثْلَ الْعِدَاةِ فَحُزْتَ الْوِرْدَ وَالصَّدْرَا 7- بُؤْسًا وَتَعْسًا لِمَنْ نَاوَاكَ فِي رَهَجٍ ... لاقَى الْحِمَامَ وَلاقَى حَيَّةً ذَكَرَا [2] قَالَ: فَلَمَّا انْتَهَتْ هَذِهِ الأَبْيَاتُ إِلَى الْعَلاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ، عَلِمَ أَنَّهُ أَمَرَ بِبَيَاتِ الْقَوْمِ، وَعَزَمَ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَى أُولَئِكَ الْمُحَاصَرِينَ في الحصن: (أن كانوا عَلَى أُهْبَةِ الْحَرْبِ، فَإِذَا عَلِمْتُمْ أَنِّي قَدْ كَبَسْتُهُمْ [3] وَسَمِعْتُمُ الْمَعْمَعَةَ [4] فَاخْرُجُوا عَلَيْهِمْ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُمَكِّنَ اللَّهُ مِنْهُمْ) . قَالَ: وَبَاتَ الْعَلاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ فِي لَيْلَتِهِ تِلْكَ يُشَجِّعُ النَّاسَ وَيُقَوِّي قُلُوبَهُمْ وَعَزْمَهُمْ، وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْفَزَعِ وَالْفَشَلِ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ دَعَا بِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَالَ لَهُ: امْضِ وَتَجَسَّسْ لِي الْخَبَرَ مِنَ الْقَوْمِ، قَالَ: فَمَضَى ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَلَمَّا كَانَ وَقَدْ قَرُبَ انْفِجَارُ الصُّبْحِ، إِذَا بِالرَّجُلِ قَدْ وَافَاهُ فَقَالَ: أَيُّهَا الأَمِيرُ، قُمْ فَقَدْ أَمْكَنَكَ اللَّهُ مِنَ الْقَوْمِ، وَذَلِكَ أَنِّي قَدْ أَشْرَفْتُ إِلَى مُعَسْكَرِهِمْ فَلَمْ أَسْمَعْ لَهُمْ حَرَكَةً، وَالْقَوْمُ عِنْدِي سُكَارَى لا يَعْقِلُونَ. قَالَ: فَعِنْدَهَا نَادَى الْعَلاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ فِي أَصْحَابِهِ، فَرَكِبَ فَسَارَ نَحْوَ الْقَوْمِ رُوَيْدًا رُوَيْدًا، حَتَّى إِذَا عَايَنَ عَسْكَرَهُمْ أَكَبَّ عَلَيْهِمُ الْخَيْلَ، فَلَمْ يَشْعُرِ [5] الْفُرْسُ وَمَنْ مَعَهُمْ مِنَ الْعَرَبِ إِلا وَحَوَافِرُ الْخَيْلِ تَطَؤُهُمْ، فَاسْتَيْقَظُوا فَزِعِينَ، فَأَخَذَتْهُمُ السُّيُوفُ. قَالَ: وَفَتَحَ أُولَئِكَ الْمُحَاصَرُونَ [6] مِنْ بَابِ الْحِصْنِ، وَخَرَجُوا مِنْ ورائهم،

_ [1] في الأصل: (بالذي) . [2] في الأصل: (حية الذكرا) . حية ذكر: أي شجاع، والحية تكون للذكر والأنثى، وقد روى عن العرب: (رأيت حيّا على حية) ، أي ذكرا على أنثى، وفلان حية ذكر، أي شجاع شديد (اللسان: حيا) . [3] كبستهم: أي هجمت عليهم، وكبسوا دار فلان: أغاروا عليها فجأة. (الصحاح: كبس) . [4] في الأصل: (المدمعة) . المعمعة: صوت الأبطال في الحرب، وصوت الحريق في القصب. (الصحاح: معمع) . [5] في الأصل: (فلم يشعروا الفرس) . [6] في الأصل: (المحاصرين) .

فَاقْتَتَلَ الْقَوْمُ قِتَالا شَدِيدًا فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نَفَرٌ يَسِيرٌ، وَقُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، وَأَضَاءَ الصُّبْحُ وَانْهَزَمَ/ الْكُفَّارُ إلى موضع يقال له الرّدم [1] ، [29 أ] وَاجْتَهَدَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْ غَنَائِمِهِمْ. قَالَ: وَاجْتَمَعَتْ عَبْدُ الْقَيْسِ إِلَى الْعَلاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ مِنْ جَمِيعِ نَوَاحِي الْبَحْرَيْنِ حَتَّى صَارَ فِي نَيِّفٍ عَلَى سِتَّةِ أَلْفٍ مِنْ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ قَدِمُوا مَعَهُ، وَمِمَّنِ انْحَازَ إِلَيْهِ، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِمُ الْعَلاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ فَقَالَ: (يَا مَعْشَرَ عَبْدِ الْقَيْسِ، اعْلَمُوا أَنَّكُمْ فِي جِهَادِ هَؤُلاءِ كَجِهَادِ مَنْ جَاهَدَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ بَيْنَ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ فَرْقٌ إِلا فِي النَّسَبِ، اعْلَمُوا أَنَّ الْقَتِيلَ مِنْكُمْ فِي الْجِنَانِ وَالرِّزْقُ عِنْدَ اللَّهِ، وَلِلْحَيِّ مِنْكُمُ الْغُنْمُ وَالسُّرُورُ، وَقَدْ ذَلَّتْ لَكُمْ يَا مَعْشَرَ عَبْدِ الْقَيْسِ الرِّقَابُ بِقُدُومِي عَلَيْكُمْ، فَأَبْشِرُوا بِالنَّصْرِ عَلَى أَعْدَائِكُمْ، وَلْتَصْدُقْ نِيَّاتُكُمْ فِي الْجِهَادِ) . فَقَالَ الْمُنْذِرُ بْنُ الْجَارُودِ الْعَبْدِيُّ [2] : (صَدَقْتَ أَيُّهَا الأَمِيرُ، لَقَدْ كَانَ قُدُومُكَ عَلَيْنَا فَرَجٌ وَثَوَابٌ عَظِيمٌ لَنَا وَلَكَ فِي جِهَادِ عَدُوِّنَا، وَلَوْ لَمْ تَأْتِنَا لَكَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَنْصُرُنَا عَلَى عَدُوِّنَا، ولم يكن يخذلنا، ولكن أيها الأمير، ها هنا جزيرة فيها قوم كفارهم أَشَدُّ عَلَيْنَا مِنْ جَمِيعِ أَعْدَائِنَا، وَلَيْسَ إِلَيْهَا إِلا طَرِيقٌ وَاحِدٌ، فَسِرْ إِلَيْهِمْ فَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُمَكِّنَ مِنْهُمْ، فَإِذَا فَرَغْتَ فَسِرْ إِلَى عَدُوِّنَا وَعَدُوِّكَ مِنْ هَؤُلاءِ الْفُرْسِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الكفار) .

_ [1] الرّدم: قرية لبني عامر بن الحارث العبقسيين بالبحرين وهي كبيرة، قال: كم غادرت بالرّدم يوم الرّدم ... من مالك أو سوقة سيدمي (ياقوت: الردم) . [2] المنذر بن الجارود (واسم الجارود بشر) بن عمرو بن خنيس العبدي، أمير من الأجواد ولد في عهد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، وشهد الجمل مع علي بن أبي طالب، وولّاه علي على إمرة إصطخر، ثم بلغه عنه ما ساءه فعزله، ثم ولّاه عبيد الله بن زياد تعز الهند سنة 61 هـ-. فمات فيها. (الإصابة 6/ 264- 265، جمهرة النسب ص 279، نهج البلاغة 4/ 314، الأغاني 11/ 117، 12/ 323، الأعلام 7/ 292) .

قَالَ: فَسَارَ الْعَلاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ فِيمَنْ مَعَهُ يُرِيدُ جَزِيرَةَ دَارِينَ [1] وَفِيهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، وَلَيْسَ لَهَا إِلا طَرِيقٌ وَاحِدٌ، وَعَلَى طَرِيقِهَا قَوْمٌ يَحْرُسُونَهَا، فَلَمْ يَشْعُرِ الْحَرَسُ إِلا وَخَيْلُ الْمُسْلِمِينَ قَدْ وَافَتْهُمْ، فَقَتَلُوهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ، وَدَخَلَتِ الْخَيْلُ إِلَى الْجَزِيرَةِ فَمَا تَرَكَتْ فِيهَا ذَكَرًا إِلا قَتَلُوهُ، إِلا مَا كَانَ مِنْ صِغَارِ الذُّرِّيَّةِ. وَاحْتَوَى الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَمِيعِ مَا كَانَ فِي الْجَزِيرَةِ مِنَ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ وَالأَمْوَالِ، وَانْصَرَفُوا إِلَى عَسْكَرِهِمْ، فَأَنْشَأَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُ [2] : (مِنَ الْبَسِيطِ) 1- ضَاقَ الْفَضَاءُ بِدَارِينَا [3] وَسَاكِنِهَا ... ذَرْعًا فَخُضْتُ إِلَى كُفَّارِ دَارِينِ [4] 2- مِنْ حَيْثُ لَمْ يَعْلَمُوا حَتَّى رَمَيْتُهُمُ ... وَسْطَ الْجَزِيرَةِ بِالصَّيْدِ الْمَيَامِينِ 3- لَمَّا رَأَوْنَا نَخُوضُ الْبَحْرَ نَحْوَهُمُ ... أَخْلَى عَنِ الْمَوْتِ أَصْحَابُ الْيَتَامِينِ [5] 4- ظَنُّوا الظُّنُونَ وَقَالُوا الْجِسْرُ دُونَهُمُ ... فَاسْتَغْلَبَ الْقَوْمُ مَنْ دون الأطارين [6]

_ [1] في الأصل: (داريم) محرفة، وصوابها (دارين) كما في الطبري 3/ 310 والأغاني 15/ 256 والكامل لابن الأثير 2/ 371. دارين: فرضة بالبحرين يجلب إليها المسك من الهند، والنسبة إليها داري، قال الفرزدق: كأن تريكة من ماء مزن ... وداريّ الذكيّ من المدام وفي كتاب سيف: أن المسلمين اقتحموا إلى دارين البحر مع العلاء بن الحضرمي فأجازوا ذلك الخليج بإذن الله جميعا يمشون على مثل رملة ميثاء فوقها ماء يطمر أخفاف الإبل، وإن ما بين الساحل إلى دارين مسيرة يوم وليلة لسفر البحر في بعض الحالات، فالتقوا وقتلوا وسبوا فبلغ منهم الفارس ستة آلاف والراجل ألفين. قال: قلت أنا: وهذه صفة أوال أشهر مدن البحرين اليوم، ولعل اسمها أوال ودارين والله أعلم، فتحت في أيام أبي بكر رضي الله عنه سنة 12 هـ-. (ياقوت: دارين) . [2] الشاعر هو كرّاز النّكري، كما في فتوح البلدان ص 96. [3] في الأصل: (بدارنا) وهي محرفة عن (دابينا) ، أصلها (دارين) ممنوعة من الصرف وأطلق الفتحة فجعلها ألفا فصارت (دارينا) . [4] في الأصل: (الكفار دارينا) ولا تستقيم بها القافية. [5] اليتامين: كذا بالأصل، ولعلها جمع يتمان واحد اليتامى. انظر اللسان: يتم. [6] الأطارين: كذا بالأصل، ولعله من النوم المرفه في الحرير، ففي اللسان: الطّرنا الطارون:

5- فَالْخَيْلُ تُرْدِي بِأَبْطَالٍ جَحَاجِحَةٍ [1] ... عِنْدَ اللِّقَاءِ وَفُرْسَانٍ يَمَانِينِ 6- لا زَالَتِ الْبِيضُ وَالأَرْمَاحُ تَأْخُذُهُمْ ... فَتَتْرُكُ الْقَوْمَ صَرْعَى لِلْعَرَانِينِ [2] 7- حَتَّى اقْتَسَمْنَا بِدَارِينَا غَنَائِمَهَا ... مِنْ مَالِهَا مِنْ ذَوَاتِ الْخَزِّ وَالْعِينِ 8- اللَّهُ أَيَّدَنَا وَاللَّهُ أَظْفَرَنَا ... بِالْقَوْمِ طُرًّا عَلَى عَزْمِ [3] الْمَلاعِينِ قَالَ: ثُمَّ سَارَ الْعَلاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ حَتَّى وَافَى الْكُفَّارَ بِمَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ الرَّدْمُ، وَدَنَا الْقَوْمُ مِنَ الْقَوْمِ، وَاخْتَلَطُوا وَاقْتَتَلُوا سَاعَةً، فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنَ الْكُفَّارِ يُقَالُ لَهُ أَبْجَرُ بْنُ بُجَيْرٍ عَلَى قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ، فَضَرَبَهُ على رأسه فالتقاها/ [29 ب] بِالْحَجَفَةِ [4] ، ثُمَّ ضَرَبَهُ قَيْسٌ ضَرْبَةً أَثْخَنَتْهُ، ثُمَّ أَنْشَأَ قَيْسٌ يَقُولُ: (مِنَ الطَّوِيلِ) 1- أَلَمْ تَرَنِي [5] أَدْمَيْتُ رُمْحِي وَأَنَّنِي ... ضَرَبْتُ بِحَدِّ السَّيْفِ يَافُوخَ أَبْجَرِ 2- وَمَا فَاتَنِي إِلا بِآخِرِ جُرْعَةٍ ... مِنَ الْمَوْتِ فِي كَابٍ مِنَ اللَّوْنِ أَكْدَرِ 3- وَكَانَ لَهُ إِسْمٌ عَظِيمٌ لِفَضْلِهِ ... فَأَخْلَفَهُ فِي كُلِّ وِرْدٍ وَمَصْدَرِ 4- يَقُودُ إِلَى الإِسْلامِ بِالْجَهْلِ جَحْفَلا ... لينهب أموال الصّغار ومشعر [6]

_ [ () ] ضرب من الخز، قال الليث: الطرن الخز والطاروني ضرب منه (اللسان: طرن) . ولعله من السكر، أي غلبهم السكر فناموا، ففي اللسان: وفي النوادر: طرين الشرب وطرن إذا اختلطوا من السكر والله أعلم. (اللسان: طرن) . [1] جحاجحة: جمع جحجاح، وهو السيد الكريم، والهاء فيه لتوكيد الجمع، والجحجح: السيد السمح، وقيل الكريم ولا توصف به المرأة. (اللسان: جحجح) . [2] صرعى للعرانين: أي ملقون على وجوههم، والعرنين هو الأنف، أو هو أول الأنف حيث يكون فيه الشمم، يقال: هم شم العرانين، وعرانين القوم: سادتهم. (الصحاح: عرن) . [3] كذا ولعلها (على رغم) . والعزم: الجد والقوة والصبر. [4] الحجفة: التّرس إذا كان من جلود ليس فيه خشب ولا عقب، فهو حجفة ودرقة والجمع حجف (الصحاح: حجف) . [5] في الأصل: (ألم تراني) . [6] كذا بالأصل، ولعلها: (أموال الصفا والمشعر) أي أموال المسلمين التي تذهب إلى بيت المال.

5- فَأَوْجَرْتُهُ [1] كَأْسًا مِنَ الْمَوْتِ مُرَّةً ... فَوَلَّى حَثِيثَ الرَّكْضِ غَيْرَ مُقَصَّرِ 6- كَذَلِكَ فِعْلِي بِالْقَنَاةِ وَإِنَّنِي ... خُوَيْلِدُ غَيْلٍ بِالْمَكَاسِرِ قَسْوَرِ [2] قَالَ: وَانْهَزَمَ الْكُفَّارُ بَيْنَ أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ، وَأَخَذَتْهُمُ السُّيُوفُ، وَقَدْ كَانَ رَئِيسٌ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ الْحُطَمُ بْنُ زَيْدٍ [3] ، نَزَلَ عَنْ فَرَسِهِ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ الْهَزِيمَةُ، فَلَمَّا انْهَزَمَ الْقَوْمُ وَثَبَ مُسْرِعًا، فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ لِيَرْكَبَ، وَكَانَ ثَقِيلَ الْبَدَنِ، مَالَ بِهِ السَّرْجُ فَوَقَفَ قَائِمًا لا يَدْرِي مَا يَصْنَعُ، وَبَصُرَ بِهِ [4] رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [5] فَحَمَلَ عَلَيْهِ وَضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ جَعَلَ يَقُولُ: (مِنَ السَّرِيعِ) 1- لَمَّا بَدَا حُطَمٌ [6] لِي وَحْدَهُ ... يَدْعُو بِأَعْلَى الصَّوْتِ مَنْ عَاقِلِي 2- أَقْبَلْتُ فِي النَّقْعِ إِلَى فَارِسٍ ... أَشْبَهَ شَيْءٍ منه بالرّاجل 3- منقطع الحيلة في موضع ... فِيهِ قَصِيدٌ [7] مِنْ قَنَا ذَابِلِ 4- فَقُلْتُ لا تَعْجَلْ أَتَاكَ الرَّدَى ... فَلَسْتَ عَمَّا جِئْتُ بِالْغَافِلِ

_ [1] أوجرته: سقيته، والوجور: الدواء يوجر في وسط الفم، وأوجرته الرمح: إذا طعنته به في صدره (الصحاح: وجر) . [2] في البيت إقواء، وغيل هنا: بمعنى اغتال. [3] في الأصل (الخطيم) وهو الحطم بن زيد، وقد مر تصويبه، انظر خبر مقتله في الطبري 3/ 309، والأغاني 15/ 259. [4] في الأصل: (وبضربه) وهو تصحيف. [5] هو قيس بن عاصم، والأبيات التالية له، انظر الخبر في الطبري 3/ 309، والأغاني 15/ 259. [6] في الأصل: (خطيم) . [7] في الأصل: (قصدت) وهو تحريف. القصيد: الرمح المكسور، والقصد: الكسر، تقول: قصدت العود قصدا كسرته، وقيل: هو الكسر بالنصف، والقصدة: الكسرة منه والجمع قصد، يقال: القنا قصد، ورمح قصيد وقصد مكسور، وتقصدت الرماح: تكسرت، أنشد ثعلب: إذا بركت خوّت على ثفناتها ... على قصب مثل اليراع المقصّد (اللسان: قصد) .

5- لَمَّا انْثَنَى وَثَنَى رِجْلَهُ ... عَمَّمْتُهُ بِالْمُرْهَفِ الْقَاصِلِ [1] 6- سَيْفًا حُسَامًا فَوْقَ يَافُوخِهِ ... فَخَرَّ مِثْلَ الْجَمَلِ الْبَازِلِ [2] 7- أَعْظِمْ بِهِ رَزْءًا عَلَى قَوْمِهِ ... لا بَلْ عَلَى الْحَيَّيْنِ مِنْ وَائِلِ قَالَ: ثُمَّ مَضَى حَتَّى لَحِقَ بِالْمُسْلِمِينَ فَخَبَّرَهُمْ أَنَّهُ قَتَلَ حُطَمَ بْنَ زَيْدٍ. قَالَ: وَانْهَزَمَتْ بَنُو بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، فَلَحِقُوا بِالْبَرَارِي وَالْفَلَوَاتِ هَائِمِينَ مِنْ سُيُوفِ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَهَرَبَ الْمُنْذِرُ بْنُ النُّعْمَانِ حَتَّى صَارَ إِلَى آلِ جَفْنَةَ فَاسْتَجَارَ بِهِمْ، فَأَجَارُوهُ، وَانْهَزَمَ الْفُرْسُ، فَصَارَ بَعْضُهُمْ إِلَى مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ الزَّارَةُ [3] وَالْقَطِيفُ [4] ، وَمَضَى بَعْضُهُمْ حَتَّى لَحِقَ بِكِسْرَى فَخَبَّرَهُ بِمَا كَانَ مِنْهُمْ، فَاغْتَمَّ كِسْرَى لِذَلِكَ غَمًّا كَثِيرًا، وَاسْتَأْمَنَ أَيْضًا قَوْمٌ مِنَ الْفُرْسِ إِلَى الْعَلاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ فَأَمَّنَهُمْ، وَصَارُوا بِالْبَحْرَيْنِ حَرَّاثِينَ وَزَرَّاعِينَ [5] . وَجَمَعَ الْعَلاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنَ الْغَنَائِمِ، فَأَخْرَجَ مِنْهَا الْخُمُسَ وَوَجَّهَ بِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ يُخْبِرُهُ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْجَوَابِ، وَأَقَرَّهُ عَلَى الْبِلادِ. قَالَ: وَنَدِمَ الْمُنْذِرُ بْنُ النُّعْمَانِ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ أَشَدَّ النَّدَامَةِ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الشَّامِ بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ:

_ [1] القاصل: السيف القاطع. [2] البازل: البعير الذي فطر نابه أي انشق فهو بازل، ذكرا كان أو أنثى وذلك في السنة التاسعة. (اللسان: بزل) . [3] الزارة: قال أبو منصور: عين الزارة بالبحرين معروفة، والزارة: قرية كبيرة بها، ومنها مرزبان الزارة وله ذكر في الفتوح، وفتحت الزارة سنة 12 هـ- في أيام أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وصولحوا، قال أبو أحمد العسكري: الخط والزارة والقطيف قرى بالبحرين وهجر. (ياقوت: الزارة، ومعجم ما استعجم: زارة) . [4] القطيف: مدينة بالبحرين قصبتها وأعظم مدنها، وكان قديما اسما لكورة هناك غلب عليها الآن اسم هذه المدينة. (ياقوت: القطيف) . [5] في الأصل: (تراثين والزارعين) .

(مِنَ الْكَامِلِ) 1- عَجَبًا لأَمْرِي وَالْحَوَادِثُ جَمَّةٌ ... أُدْعَى الغرور وإنّني مغرور [30 أ] 2- قَدْ قُلْتُ [1] لَمَّا لَمْ أَجِدْ لِي مَهْرَبًا ... إِنِّي لَعَمْرُكَ وَاتِرٌ مَوْتُورُ 3- وَأَطْعُت كِسْرَى فِي الَّذِي أَمَّلْتُهُ ... وَوَتَرْتُ قَوْمًا وَتْرُهُمْ مَحْذُورُ 4- إِنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّمَاءَ مَكَانَهَا ... وَالشَّمْسَ فِي هَذِي [2] الْخَلائِقِ نُورُ 5- أَعْلَى بِإِفْرَادِ الْخَلائِقِ وَحْدَهُ ... إِنَّ الْمُرَاجِعَ ذَنْبُهُ مَغْفُورُ 6- لا خَيْرَ فِي مُلْكٍ يُنَقِّصُ أَهْلَهُ ... وَيَزُولُ عَنْهُ فَإِنَّهُ مَقْهُورُ 7- قَدْ كَانَ لِلنُّعْمَانِ مُلْكٌ وَاسِعٌ ... فِيهِ الْخُلُودُ وَجَارُهُ مَسْرُورُ 8- هَذَا الَّذِي يَبْقَى وَذَلِكَ هَالِكٌ ... شَيْئَانِ مَا الْمَحْقُوقُ وَالْمَوْقُورُ 9- فَمَضَى كَأَنَّا لَمْ نَكُنْ فِي ظِلِّهِ ... يَوْمًا وَلَمْ يَكُ فِيهِ لِي قطمير [3]

_ [1] في الأصل: (فقد قلت) ويكون في البيت زحاف. [2] في الأصل: (في هذا) . [3] القطمير: الفوفة التي في النواة، وهي القشرة الرقيقة، ويقال: هي النكتة البيضاء التي في ظهر النواة تنبت منها النخلة (الصحاح: قطمر) . دلالة على ضعة الشيء وقلّته وحقارته، أراد الشاعر أنه لم يحصل على شيء.

ذكر ارتداد أهل حضرموت من كندة وغيرها

ذِكْرُ ارْتِدَادِ أَهْلِ [1] حَضْرَمَوْتَ مِنْ كِنْدَةَ وَغَيْرِهَا [2] قال: فلما فرغ أبو بكر رضي الله عَنْهُ مِنْ حَرْبِ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ، عَزَمَ عَلَى مُحَارَبَةِ أَهْلِ حَضْرَمَوْتَ مِنْ كِنْدَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ عَامِلَهُمْ زِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ الأَنْصَارِيَّ [3] الَّذِي كَانَ وَلاهُ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ [4] ، كَانَ مُقِيمًا بِحَضْرَمَوْتَ، يُصَلِّي بِهِمْ وَيَأْخُذُ مِنْهُمْ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ زَكَاةِ أَمْوَالِهِمْ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ إِلَى أَنْ مَضَى رَسُولُ الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لِسَبِيلِهِ، وَصَارَ الأَمْرُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: (يَا هَذَا، إِنَّا قَدْ سَمِعْنَا كَلامَكَ ودعائك إِلَى هَذَا الرَّجُلِ، فَإِذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ اجْتَمَعْنَا) ، قَالَ لَهُ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ [5] : (يَا هَذَا، إِنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ) ، فَقَالَ الأَشْعَثُ: (إِنَّكَ لا تَدْرِي كَيْفَ يَكُونُ الأَمْرُ بَعْدَ ذَلِكَ) . قَالَ: فَسَكَت زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قَامَ إِلَى الأَشْعَثِ بن قيس

_ [1] في الأصل: (أرض حضرموت) . [2] انظر في ردة حضرموت وكندة: الطبري 3/ 330- 342، وابن الأثير 2/ 378- 383. [3] زياد بن لبيد بن ثعلبة بن سنان البياضي الأنصاري من بني بياضة بن عامر، خرج إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأقام معه في مكة، ثم هاجر معه إلى المدينة، شهد بدرا والمشاهد كلها، ولّاه الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم حضرموت وأقرّه عليها أبو بكر وأمره بقتال المرتدين، توفي في خلافة عمر، وقيل في خلافة معاوية. (الطبري 3/ 330 وما بعدها، أنساب الأشراف ص 245، 525، الإصابة 2/ 586- 587) . [4] قوله: (كان مقيما بينهم ... ما يجب عليهم) خرجة من الحاشية. [5] في الأصل: (نهيان بن لبيد) .

ابْنِ عَمٍّ لَهُ مِنْ كِنْدَةَ يُقَالُ لَهُ امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ عَابِسٍ [1] ، فَقَالَ: (يَا أَشْعَثُ، أَنْشُدُكَ باللَّه وَبِإيَمانِكَ وَقُدُومِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ إِنْ نَكَصْتَ أَوْ رَجَعْتَ عَنْ دِينِ الإِسْلامِ، فَإِنَّكَ إِنْ تَقَدَّمْتَ تَقَدَّمَتِ النَّاسُ مَعَكَ، وَإِنَّ هَذَا الأَمْرَ لا بُدَّ لَهُ مِنْ قَائِمٍ يَقُومُ بِهِ فَيَقْتُلُ مَنْ خَالَفَهُ عَلَيْهِ، فَاتَّقِ اللَّهَ فِي نَفْسِكَ، فَقَدْ عَلِمْتَ بِمَا جَرَى عَلَى مَنْ خَالَفَ أَبَا بَكْرٍ مِنَ العرب ومنعة الزكاة) . فقال له الأشعث: (يا ابن عَابْسٍ، إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَضَى لِسَبِيلِهِ، وَإِنَّ الْعَرَبَ قَدْ رَجَعَتْ إِلَى مَا تَعْبُدُ مِنَ الآبَاءِ، وَنَحْنُ أَقْصَى الْعَرَبِ دَارًا) . قَالَ لَهُ امْرُؤُ الْقَيْسِ: (فَسَيَبْعَثُ إِلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ جَيْشًا كَمَا بَعَثَ إِلَى غَيْرِكَ، وَأَيْضًا فَإِنَّ زِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَهُوَ عَامِلٌ عَلَيْنَا، فَلا يَدَعْكَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى الْكُفْرِ بَعْدَ الإيمان) . قال: فضحك الأشعث، ثم قال: (أو لا يرضى زياد يا ابن عَابِسٍ أَنْ نُجِيرَهُ وَيَكُونَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا) ، قَالَ لَهُ امْرُؤُ الْقَيْسِ: (يَا أَشْعَثُ، انْظُرْ مَا يَكُونُ بَعْدَ هَذَا) . قَالَ: ثُمَّ انْصَرَفَ امْرُؤُ الْقَيْسِ وَهُوَ يَقُولُ [2] : (مِنَ الْوَافِرِ) 1- أَلا أَبْلِغْ أبا بكر رسولا ... وسكّان المدينة أجمعينا [3]

_ [1] امرؤ القيس بن عابس (في الأعلام عانس وهما) بن المنذر بن امرئ القيس الكندي، وفد إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فأسلم وثبت على إسلامه ولم يرتد مع المرتدين من قومه كندة، شاعر مخضرم من أهل حضرموت، شهد فتح حصن النجير وخباية شرقي تريم، سكن الكوفة وتوفي بها سنة 25 هـ-. (الإصابة 1/ 112- 113، أسد الغابة 1/ 137، المؤتلف والمختلف ص 5، تاريخ شعر الحضرميين 1/ 44، الأعلام 2/ 12) . [2] جاءت الأبيات غير الرابع في: المؤتلف والمختلف ص 5، وتاريخ دمشق 3/ 115، وشرح أبيات مغني اللبيب- البغدادي 5/ 310. والأبيات: 1، 4، 5 في كتاب العفو والاعتذار 1/ 135. والأبيات: 1، 2، 4، 5 في الوحشيات ص 58- 59 نسبها لابن عامر الكندي. والبيتان: 1، 5 في كتاب المكاثرة عند المذاكرة ص 300. والبيتان: 1، 2 في الإصابة 1/ 112، والبيتان: 3، 5 في اللسان (سلم) . [3] المؤتلف والمختلف وشرح أبيات المغني: (وخص بها جميع المسلمينا) .

2- فَلَيْسَ مُجَاوِرًا [1] بَيْتِي بُيُوتًا ... بِمَا قَالَ النَّبِيُّ مُكَذِّبِينَا [2] 3- دَعَوْتُ عَشِيرَتِي لِلسِّلْمِ لَمَّا ... رَأَيْتُهُمُ تَوَلَّوْا مدبرينا [3] / [30 ب] 4- شأمتم قومكم وشأمتمونا ... وغابركم سيشأم [4] غَابِرِينَا 5- فَلَسْتُ بِعَادِلٍ للَّه رَبًّا [5] ... وَلا مُتَبَدِّلا بِالسِّلْمِ [6] دِينَا قَالَ: وَافْتَرَقَ الْقَوْمُ فِرْقَتَيْنِ، فِرْقَةٌ أَقَامُوا عَلَى دِينِ الإِسْلامِ، فَلَمْ يَرْجِعُوا وَعَزَمُوا عَلَى إِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَفِرْقَةٌ عَزَمُوا عَلَى مَنْعِ الزَّكَاةِ وَالْعِصْيَانِ. وَانْصَرَفَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ مَغْمُومًا إِلَى مَنْزِلِهِ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ نَادَى فِي أَهْلِ حَضْرَمَوْتَ فَجَمَعَهُمْ ثُمَّ قَالَ: (اجْمَعُوا صَدَقَاتِكُمْ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَوُجِّهَ بِهَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لأَنَّ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ، وَقَدْ أَهْلَكَ اللَّهُ أَهْلَ الرِّدَّةِ وَأَمْكَنَ مِنْهُمُ الْمُسْلِمِينَ) . قَالَ: فَجَعَلَ قَوْمٌ يُعْطُونَهُ الزَّكَاةَ طَائِعِينَ، وَقَوْمٌ يُعْطُونَهُ إِيَّاهَا كَارِهِينَ، وَزِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ يَجْمَعُ الصَّدَقَاتِ وَلا يُرِيهِمْ مِنْ نَفْسِهِ إِلا الصَّرَامَةَ، غَيْرَ أنه أخذ

_ [ () ] الوحشيات: (وأبلغها جميع المسلمينا) الإصابة: (وبلغها جميع المسلمينا) ، العفو والاعتذار: (وخص به سراة المؤمنينا) ، المكاثرة: (وبلغه سراة المؤمنينا) . [1] في الأصل: (مجاوري) . [2] المؤتلف وشرح أبيات المغني: (فلست مجاورا أبدا قبيلا ... بما قال النبي مكذبينا) [3] المؤتلف وشرح أبيات المغني: (للسلم حتى ... رأيتهم أغاروا مفسدينا) . [4] في الأصل: (وعايركم سيام عابرينا) دون إعجام. الوحشيات: (وآخركم سيشأم آخرينا) ، العفو والاعتذار: (كأشأم غابرينا) . [5] المؤتلف والمكاثرة وأبيات المغني واللسان والعفو والاعتذار: فلست مبدلا باللَّه ربا ... ولا مستبدلا بالسلم دينا الوحشيات: ولا متبدلا باللَّه ربا ... ولا متبدلا بالدين دينا [6] السلم: هنا الإسلام، ويلمح إلى قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا في السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ 2: 208 [البقرة: 208] .

يَوْمًا مِنَ الأَيَّامِ نَاقَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَوَسَمَهَا وَسَرَّحَهَا مَعَ الإِبِلِ الَّتِي يُرِيدُ [أَنْ] يُوَجِّهَ بِهَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَتْ هَذِهِ النَّاقَةُ لِفَتًى مِنْ كِنْدَةَ يُقَالُ لَهُ زَيْدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيُّ [1] مِنْ بَنِي قُشَيْرٍ، فَأَقْبَلَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ سَادَاتِ كِنْدَةَ يُقَالُ لَهُ حارثة بن سراقة [2] ، فقال له: (يا ابن عَمٍّ، إِنَّ زِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ قَدْ أَخَذَ نَاقَةً لِي فَوَسَمَهَا وَجَعَلَهَا فِي إِبِلِ الصَّدَقَةِ، وَأَنَا مَشْغُوفٌ بِهَا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُكَلِّمَهُ فِيهَا فَلَعَلَّهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَيَأْخُذَ غَيْرَهَا مِنْ إبلي، فإني لست أمنع عَلَيْهِ) . قَالَ: فَأَقْبَلَ حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ إِلَى زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ وَقَالَ: (أَرَأَيْتَ أَنْ تَرُدَّ نَاقَةَ هَذَا الْفَتَى عَلَيْهِ وَتَأْخُذَ غَيْرَهَا فَعَلْتَ مُنَعَّمًا) ، فَقَالَ لَهُ زِيَادٌ: (إِنَّهَا قَدْ دَخَلَتْ فِي حَقِّ اللَّهِ، وَقَدْ وَضَعَ عَلَيْهَا مِيسَمَ الصَّدَقَةِ وَلا أُحِبُّ أَنْ آخُذَ غَيْرَهَا) ، فَغَضِبَ حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: (أَطْلِقْهَا وَأَنْتَ كَرِيمٌ، وَإِلا أَطْلِقْهَا وَأَنْتَ لَئِيمٌ) ، قَالَ: فَغَضِبَ زِيَادٌ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: (لا أُطَلِّقُهَا حَتَّى أَنْظُرَ مَنْ يَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَهَا أَوْ يَمْنَعُهَا) ، قَالَ: فَتَبَسَّمَ حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ وَجَعَلَ يَقُولُ [3] : (مِنْ مَشْطُورِ السَّرِيعِ) 1- يَمْنَعُهَا شَيْخٌ بِخَدَّيْهِ الشَّيْبُ ... 2- مُلَمَّعٌ كَمَا يَلْمَعُ الثَّوْبُ [4]

_ [1] قوله: (زيد بن معاوية ... يقال له) خرجة من الحاشية. [2] حارثة بن سراقة بن معديكرب بن وليعة بن شرحبيل الكندي، أحد رؤساء كندة، ارتد ومنع الزكاة وقاتل زياد بن لبيد البياضي عامل أبي بكر الصديق رضي الله عنه. (الطبري 3/ 332، كتاب الفتوح 1/ 48- 50، معجم البلدان: حضرموت) . [3] الأشطار في تاريخ دمشق 3/ 63. والأشطار غير الرابع في كتاب الأوائل للعسكري 2/ 46 ومعجم البلدان (حضرموت) . والشطران: 1، 2 في تاريخ الطبري 3/ 332، وكتاب الفتوح 1/ 58، وتاريخ دمشق 3/ 72. والشطران: 1، 3 في كتاب الأمثال- للقاسم بن سلام ص 107. [4] الأوائل: (ملمعا فيه كتلميع الثوب) . تاريخ دمشق: (قد لمع الوجه كتلميع الثوب) .

3- مَاضٍ عَلَى الرَّيْبِ إِذَا خِيفَ الرَّيْبُ [1] ... 4- مَا إِنْ يُبَالِي الْعَيْبَ وَقْتَ الْعَيْبِ [2] قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ حَارِثَةُ [3] بْنُ سُرَاقَةَ إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ، فَأَخْرَجَ النَّاقَةَ بِعَيْنِهَا، ثُمَّ قَالَ لِصَاحِبِهَا: خُذْ نَاقَتَكَ إِلَيْكَ، فَإِنْ كَلَّمَكَ أَحَدٌ فَاخْطِمْ [4] أَنْفَهُ بِالسَّيْفِ، نَحْنُ إِنَّمَا أَطَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ إِذْ كَانَ حَيًّا، وَلَوْ قَامَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ لأَطَعْنَاهُ، وَأَمَّا [ابْنُ] أَبِي قُحَافَةَ فَمَا لَهُ طَاعَةٌ فِي رِقَابِنَا وَلا بَيْعَةٌ، ثُمَّ أَنْشَأَ حَارِثَةُ يَقُولُ [5] : (مِنَ الطَّوِيلِ) 1- أَطَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ إِذْ كَانَ وَسْطَنَا ... فَيَا عجبا ممّن يطيع أبا بكر [6]

_ [1] معجم البلدان: (إذا كان الريب) والقافية فيه مضمومة. كتاب الأمثال: (لا يحذر الريب إذا خيف الريب) . تاريخ دمشق: (اليوم لا أخلط بالعلم الريب) . [2] تاريخ دمشق: (وليس في منعي حريمي من عيب) . [3] في الأصل: (الحارثة بن سراقة) . [4] خطم أنفه: الخطم من الدابة مقدم أنفها وفمها، وخطمه: ضرب أنفه، والخطام: كل ما وضع في أنف البعير ليقتاد به. (القاموس: خطم) . [5] البيتان: 1، 2 في معجم البلدان (حضرموت) 2/ 271 لحارثة بن سراقة. الأبيات 1، 2، 4 مع بيت آخر في الطبري 3/ 246 للخيطل بن أوس أخي الحطيئة. قارن هذه القصيدة بقصيدة الحطيئة: ألا كلّ أرماح ركزن على الغمر ... فداء لأرماح ركزن على الغمر (ديوان الحطيئة ص 329- 330) إذ تتداخل بعض الأبيات والمعاني، ولعل هذه من تلك. [6] معجم البلدان: (ما دام بيننا فيا عجبا ... ما شأني وشأن أبي بكر) الطبري: (ما كان بيننا ... فيا ... لعباد الله ما لأبي بكر) ديوان الحطيئة: (إذ كان صادقا فيا عجبا ... ما بال دين أبي بكر)

2- لِيُورِثَهُ بَكْرًا إِذَا كَانَ بَعْدَهُ ... وَتِلْكَ وَبَيْتِ اللَّهِ قَاصِمَةُ الظَّهْرِ [1] 3- وَإِنَّ أُنَاسًا يَأْخُذُونَ زَكَاتَكُمْ ... أقلّ وربّ البيت عندي من الذّرّ [31 أ] 4- وَإِنَّ الَّذِي تُعْطُونَهُ بِجَهَالَةٍ/ ... لَكَالتَّمْرِ أَوْ أَحْلَى بِفِينَا مِنَ التَّمْرِ [2] 5- حَلَفْتُ يَمِينًا غَيْرَ حَنْثٍ مَشُوبَةً ... وَإِنِّي لأَهْلٌ أَنْ أُوَفِّي بِهَا نَذْرِي 6- عَلَى مَا تَرْجُو قُرَيْشٌ وَدُونَ مَا ... يُرَجُّونَ طَعْنٌ [3] بِالْمُثَقَّفَةِ السُّمْرِ 7- وَضَرْبٌ يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مُسْتَقَرِّهِ ... كَمَا كَانَتِ الأَشْيَاخُ فِي سَالِفِ الدَّهْرِ 8- أَنُعْطِي قُرَيْشِا مَالَنَا إِنَّ هَذِهِ ... لَتِلْكَ الَّتِي [4] يَخْزَى بِهَا الْمَرْءُ فِي الْقَبْرِ 9- فَيَا قَوْمِ لا تُعْطُوا اللِّئَامَ مُقَادَةً ... وَقُومُوا وَإِنْ كَانَ الْمُقَامُ عَلَى الْجَمْرِ [5] 10- فَكِنْدَةُ مَا زَالَتْ لُيُوثًا لدى الْوَغَى ... وَغَيْثَ بَنِي [حَوَّاءَ] [6] فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ 11- وَمَا لِبَنِي تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ [7] إِمْرَةٌ ... عَلَيْنَا وَلا تِلْكَ الْقَبَائِلُ مِنْ فِهْرِ [8] 12- لأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَوْجَبَ طَاعَةً ... وَأَوْلَى بِمَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِمْ مِنَ الأَمْرِ قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ هَذِهِ الأَبْيَاتِ، كَأَنَّهُ اتَّقَى عَلَى مَا جمع من إبل

_ [1] ديوان الحطيئة والطبري ومعجم البلدان: (أيورثها بكرا إذا مات بعده ... فتلك لعمر الله قاصمة الظهر) [2] ديوان الحطيئة: (فإن الذي أعطيتم أو منعتم ... لكالتمر أو أحلى لحلف بني فهر) [3] في الأصل: (ترجو قريشا ... طعنا) والصواب ما أثبتنا، أي: دون الذي يرجون طعن. [4] في الأصل: (الذي) . [5] في ديوان الحطيئة: (فقوموا ولا تعطوا اللئام مقادة ... وقوموا وإن كان القيام على الجمر) [6] في الأصل: (بني حرا) ولم أر لها وجها، ولعلها (حواء) أم البشر. [7] في الأصل (تميم بن مرة) تحريف تيم، ويريد بتيم بن مرة أبا بكر وقومه، لأن أبا بكر من عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة. (جمهرة النسب ص 136- 137) . [8] فهر: أبو قريش، وهو فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان، وليس من ولد فهر أحد إلا قريش. (جمهرة النسب ص 12 وما بعدها) .

الصَّدَقَةِ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُ، فَخَرَجَ مِنْ لَيْلَتِهِ يُرِيدُ الْمَسِيرَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا صَارَ عَلَى مَسِيرَةِ يَوْمَيْنِ مِنَ الْقَوْمِ [كَتَبَ] إِلَى حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ [1] : (مِنَ الطَّوِيلِ) 1- نُقَاتِلُكُمْ فِي اللَّهِ وَاللَّهُ غَالِبٌ ... عَلَى أَمْرِهِ حَتَّى تُطِيعُوا أَبَا بَكْرِ 2- وَحَتَّى تَقُولُوا بَعْدَ خِزْيٍ وَذِلَّةٍ ... رَضِينَا بِإِعْطَاءِ الزَّكَاةِ عَلَى الْقَسْرِ 3- وَحَتَّى تَقُولُوا بَعْدَ كُفْرٍ وَرِدَّةٍ ... بِأَنَّا أُنَاسٌ لا نَعُودُ إِلَى الْكُفْرِ 4- وَلَيْسَ لَنَا وَاللَّهِ بُدٌّ مِنَ اخْذِهَا ... فَدُونَكُمُوهَا مِثْلَ رَاغِيَةِ الْبَكْرِ [2] 5- فَإِنْ تَصْبِرُوا لِلضَّرْبِ وَالطَّعْنِ بِالْقَنَا ... فَإِنَّا أُنَاسٌ مُجْمِعُونَ عَلَى الصَّبْرِ قَالَ: فَلَمَّا وَرَدَتْ أَبْيَاتُ زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ هَذِهِ غَضِبَتْ أَحْيَاءُ كِنْدَةَ لِذَلِكَ غَضَبًا شَدِيدًا، ثُمَّ وَثَبَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَ: خَبِّرُونِي عَنْكُمْ يَا مَعْشَرَ كِنْدَةَ إِنْ كُنْتُمْ قَدْ أَزْمَعْتُمْ [3] عَلَى مَنْعِ الزَّكَاةِ وَحَرْبِ أَبِي بَكْرٍ، فَهَلا قَتَلْتُمْ زِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ، فَكَانَ يَكُونُ الأَمْرُ فِي ذَلِكَ وَاحِدًا كَائِنًا مَا كَانَ، وَلَكِنَّكُمْ أَمْسَكْتُمْ عَنْهُ حَتَّى أَخَذَ زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ ثُمَّ رَحَلَ عَنْكُمْ إِلَى صَاحِبِهِ، وَكَتَبَ إِلَيْكُمْ وَيُهَدِّدُكُمْ بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمِّهِ: صَدَقْتَ وَاللَّهِ يَا أَشْعَثَ، مَا كَانَ الرَّأْيُ إِلا قَتْلُ زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ وَارْتِجَاعُ مَا دُفِعَ إِلَيْهِ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ، وَاللَّهِ مَا نَحْنُ إِلا عَبِيدٌ لِقُرَيْشٍ، مَرَّةً يُوَجِّهُونَ إِلَيْنَا بِالْمُهَاجِرِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ [4] فَيَأْخُذُونَ مِنْ أَمْوَالِنَا مَا يُرِيدُونَ، ومرة يولون علينا

_ [1] جاء البيت الأول فقط في كتاب الفتوح- ابن أعثم 1/ 59. [2] (كانت عليهم كراغية البكر) هذا مثل يضرب في التشاؤم بالشيء، ويعني بالبكر بكر ثمود حين رماه صاحبهم فرغا عند الرمية، فأنزل الله بهم سخطه عند قتل الناقة وبكرها. (كتاب الأمثال- القاسم بن سلام ص 332) . [3] في الأصل: (أزعمتم) . [4] في الأصل: (المهاجر بن أمية) والصواب: ابن أبي أمية. المهاجر بن أبي أمية: سهل (أو حذيفة) بن المغيرة المخزومي القرشي، صحابي من القادة الفرسان، شهد بدرا مع المشركين، وقتل يومئذ أخواه هشام ومسعود كافرين، وأسلم

مِثْلَ زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ، فَيَأْخُذُ مِنْ أَمْوَالِنَا وَيُهَدِّدُنَا بِالْقَتْلِ، وَاللَّهِ لا طَمِعَتْ قُرَيْشٌ فِي أَمْوَالِنَا بَعْدَهَا أَبَدًا، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ [1] : (مِنَ الطَّوِيلِ) 1- إِذَا نَحْنُ أَعْطَيْنَا الْمُصَدِّقَ [2] سُؤْلَهُ ... فَنَحْنُ لَهُ فِيمَا يُرِيدُ عَبِيدُ 2- أَفِي كُلِّ يَوْمٍ للمهاجر جبوة [3] ... ولا بن لَبِيدٍ إِنَّ ذَا لَشَدِيدُ 3- فَحَتَّى مَتَى نُعْطِي الإِتَاوَةَ [4] مَعْشَرًا ... إِذَا أَخَذُوا قَالُوا لِمَعْشَرَ عُودُوا [31 ب] قَالَ: ثُمَّ تَكَلَّمَ آخَرُ مِثْلَ كَلامِ الأَوَّلِ، وَحَرَّضَ بَنِي عَمِّهِ/ عَلَى الْعِصْيَانِ وَمَنْعِ الزَّكَاةِ، وأنشأ يقول:

_ [ () ] المهاجر وكان اسمه (الوليد) فسمّاه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم (المهاجر) وتزوج النبيّ أخته لأمه (أم سلمة) واسمها هند، وأرسله إلى الحارث بن عبد كلال باليمن، وتخلف المهاجر عن وقعة تبوك سنة 9 هـ- فعتب عليه النبي ثم رضي عنه، واستعمله على صدقات كندة والصدف، وبعثه أبو بكر لقتال المرتدين إلى اليمن بعد مقتل الأسود العنسي، فتولى إمارة صنعاء سنة 11 هـ-، وكتب إليه أبو بكر أن ينجد زياد بن لبيد البياضي في حصاره لحصن النجير قرب حضرموت فأنجده وفتح الحصن سنة 12 هـ-، وله في قتال المرتدين شعر، توفي بعد سنة 12 هـ-. (نسب قريش ص 316، المحبر ص 126، 186- 188، معجم البلدان (النجير) ، أسد الغابة 5/ 277، الإصابة 6/ 228- 229، الأعلام 7/ 310) . [1] جاء البيت الأول فقط في كتاب الفتوح 1/ 59. [2] المصدق: الذي يأخذ الحقوق من الإبل والغنم، ويقال للذي يقبض الصدقات ويجمعها لأهل السهمان مصدق، وكذلك الذي ينسب المحدث إلى الصدق مصدق، قال تعالى: أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ 37: 52 [الصافات: 52] (اللسان: صدق) . [3] الجبوة والجبية: الحالة من جبي الخراج واستيفائه، وجبي الخراج: جمعه، قال ابن سيده في جبيت الخراج: جبيته من القوم وجبيته القوم، قال النابغة الجعدي: دنانير تجبيها العباد وغلّة ... على الأزد من جاه امرئ قد تمهّلا (اللسان: جبى) . [4] الإتاوة: الرشوة والخراج، وكل ما أخذ بكره أو قسم على موضع من الجباية وغيرها إتاوة. (اللسان: أتى) .

(مِنَ الطَّوِيلِ) 1- إِذَا نَحْنُ أَعْطَيْنَا الْمُصَدِّقَ سُؤْلَهُ ... فجدّع منّا كلّ أنف ومسمع 2- فو الله لَوْ قَالُوا عِقَالا لَقُلْتُ لا ... إِلَيْهِ سَبِيلٌ لا وَلا قَيْسُ أُصْبُعِ [1] 3- فَقُلْ لِزِيَادٍ وَالْمُهَاجِرِ [2] أَوْعِدَا ... فَمَا مِثْلُنَا فِي وَعْدِهِ بِمُوَرَّعِ [3] 4- وَمَا مِثْلُنَا يُعْطِي عَلَى الْقَسْرِ مَالَهُ ... وَنَحْنُ مُلُوكُ النَّاسِ مِنْ قَبْلِ تُبَّعِ [4] قَالَ: ثُمَّ تَكَلَّمَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ كِنْدَةَ، إِنْ كُنْتُمْ عَلَى مَا أَرَى، فَلْتَكُنْ كَلِمَتُكُمْ وَاحِدَةً، وَالْزَمُوا بِلادَكُمْ وَحَوِّطُوا حَرِيمَكُمْ، وَامْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ، فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ الْعَرَبَ لا تَقَرُّ بِطَاعَةِ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ وَتَدَعُ سَادَاتِ الْبَطْحَاءِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ إِلَى غَيْرِهَا، وَإِنَّهَا لَنَا أَجْوَدُ، وَنَحْنُ لَهُ أَحْرَى، وَأَصْلَحُ مِنْ غَيْرِنَا، لأَنَّا الْمُلُوكُ وَأَبْنَاءُ الْمُلُوكِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ قُرَشِيٌّ وَلا أَبْطَحِيٌّ [5] ، ثُمَّ أَنْشَأَ الأَشْعَثُ يَقُولُ: (مِنَ الطَّوِيلِ) 1- لَعَمْرِي لَئِنْ كَانَتْ قُرَيْشٌ تَتَابَعَتْ [6] ... عَلَى بَيْعَةٍ بعد الرسول وسمّحوا

_ [1] قيس إصبع: قدر إصبع، القيس والقاس: القدر، يقال: قيس رمح وقاسه، ويقال: هذه خشبة قيس إصبع أي قدر إصبع، والقيس والقيد سواء. (اللسان: قيس) . [2] زياد: هو زياد بن لبيد، والمهاجر: هو المهاجر بن أبي أمية، وقد مرت ترجمتهما. [3] مورع: أي متحرج ناكص، والورع التحرج، والورع الكف عن المحارم، والورع (بالتحريك) : الجبان سمي بذلك لإحجامه ونكوصه، قال ابن السكيت: وأصحابنا يذهبون بالورع إلى الجبان وليس كذلك، وإنما الورع الصغير الضعيف الذي لا غناء عنده، والورع: الضعيف في رأيه وعقله وبدنه. (اللسان: ورع) . [4] تبع: ملك من ملوك اليمن وهم التبابعة، وفي الحديث: (لا تسبوا تبعا فإنه أول من كسا الكعبة) ، قيل هو ملك في الزمان الأول اسمه أسعد أبو كرب، وقيل: كان ملك اليمن لا يسمى تبعا حتى يملك حضرموت وسبأ وحمير. (اللسان: تبع) . [5] الأبطحيّ: أي القرشي، وقريش البطاح: الذين ينزلون بين أخشبي مكة. (القاموس: بطح) . [6] في الأصل: (تتابعك) .

2- بِهَا لِبَنِي تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ جَهْرَةٌ ... وَسَمَّوْا عَتِيقًا [1] عِنْدَ ذَاكَ وَصَرَّحُوا 3- أَمِيرًا وَنَحَّوْا عَنْهُ آلَ مُحَمَّدٍ ... وَكَانُوا بِهَا أَوْلَى هُنَاكَ وَأَصْلَحُ 4- وَإِنْ صَلَحَتْ فِي تَيْمِ مُرَّةَ إِمْرَةٍ ... فَفِي كِنْدَةَ الأَمْلاكُ [2] أَحْرَى وَأَصْلَحُ 5- لأَنَّا مُلُوكُ النَّاسِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُرَى ... عَلَى الأَرْضِ تَيْمِيٌّ وَلا مُتَبَطِّحُ 6- فَمَنْ مُبْلِغٌ عَنِّي عَتِيقًا [3] بِأَنَّهُ ... أَنَا الأَشْعَثُ الْكِنْدِيُّ بِذَاكَ مُصَرِّحُ [4] 7- إِذَا [مَا] غَضِبْنَا مَادَتِ الأَرْضُ وَانْكَفَتْ ... فَإِنْ رَضِينَا الأَرْضُ لا تَتَزَحْزَحُ [5] قَالَ: ثُمَّ إِنَّ زِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ رَأَى مِنَ الرَّأْيِ أَنْ لا يُعَجِّلَ بِالْمَسِيرِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَوَجَّهَ بِمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ مَعَ ثِقَةٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ لا يُخْبِرَ أَبَا بَكْرٍ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ الْقَوْمِ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ سَارَ إِلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ كِنْدَةَ، يُقَالُ لَهُمْ بَنُو ذُهْلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَخَبَّرَهُمْ بِمَا كَانَ مِنْ قَوْمِهِمْ إِلَيْهِ، وَدَعَاهُمْ إِلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ سَادَاتِ الْقَوْمِ يُقَالُ لَهُ الْحَارِثُ بْنُ مُعَاوِيَةَ [6] ، فَقَالَ لَهُ: يَا زِيَادُ، إِنَّكَ لَتَدْعُو إِلَى الطَّاعَةِ لِرَجُلٍ لَمْ يُعْهَدْ إِلَيْنَا وَلا إِلَيْكُمْ فِيهِ عَهْدٌ، فَقَالَ لَهُ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ: صَدَقْتَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ إِلَيْنَا وَلا إِلَيْكُمْ فِيهِ عَهْدٌ، وَلَكِنِ اخْتَرْنَاهُ لِهَذَا الأَمْرِ، فَقَالَ لَهُ الْحَارِثُ: أَخْبِرْنِي فَلِمَ نَحَّيْتُمْ عَنْهَا أَهْلَ بَيْتِهِ، وَهُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا، لأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وجل يقول: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ 8: 75

_ [1] عتيق: اسم أبي بكر الصديق رضي الله عنه، قيل: سمي بذلك لأن الله تبارك وتعالى أعتقه من النار، واسمه عبد الله بن عثمان، روت عائشة أن أبا بكر دخل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (يا أبا بكر أنت عتيق الله من النار) ، فمن يومئذ سمي عتيقا، وقيل: كان يقال له عتيق لجماله. (اللسان: عتق، وانظر الحديث في صحيح الترمذي مناقب 16) . [2] الأملاك: أي الملوك جمع ملك، ملوك وأملاك وملكاء وملاك وملك. (القاموس: ملك) . [3] في الأصل: (عتيق) وهو لحن. [4] في الأصل: (مسرح) . [5] في الأصل: (إذا غضبنا مادت بك الأرض وانكفت ... ) وبه خلل في الوزن. [6] الحارث بن معاوية الكندي، من رؤساء بني ذهل بن معاوية، وكان ممن حرضوا على الردة. (كتاب الفتوح 1/ 50- 51) .

[1] . / فَقَالَ لَهُ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ: إِنَّ الْمُهَاجِرِينَ والأنصار أنظر لأنفسهم [32 أ] مِنْكَ، فَقَالَ لَهُ الْحَارِثُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: لا وَاللَّهِ، مَا أَزَلْتُمُوهَا عَنْ أَهْلِهَا إِلا حَسَدًا مِنْكُمْ لَهُمْ، وَمَا يَسْتَقِرُّ فِي قَلْبِي أَنَّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا وَلَمْ يَنْصِبُ لِلنَّاسِ عِلْمًا يَتَّبِعُونَهُ، فَارْحَلْ عَنَّا أَيُّهَا الرَّجُلُ، فَإِنَّكَ تَدْعُو إِلَى غَيْرِ رِضًا، ثُمَّ أَنْشَأَ الْحَارِثُ يَقُولُ [2] : (مِنَ الْكَامِلِ) 1- كَانَ [3] الرَّسُولُ هُوَ الْمُطَاعُ فَقَدْ مَضَى ... صَلَّى عَلَيْهِ اللَّهُ لَمْ يَسْتَخْلِفِ 2- هَذَا مَقَالُكَ يَا زِيَادُ فَقَدْ أَرَى ... أَنْ قَدْ أَتَيْتَ بِقَوْلِ سُوءٍ مُخْلِفِ 3- وَمَقَالُنَا أَنَّ النَّبِيَّ مُحَمَّدًا ... صَلَّى عَلَيْهِ اللَّهُ غَيْرُ مُكَلِّفِ 4- تَرَكَ الْخِلافَةَ بَعْدَهُ لِوُلاتِهِ ... وَدَعَا زِيَادٌ لامْرِئٍ لَمْ يَعْرِفِ 5- إِنْ كَانَ لابْنِ أَبِي قُحَافَةَ إِمْرَةٌ ... فَلَقَدْ أَتَى فِي أَمْرِهِ بِتَعَسُّفِ 6- أَمْ كَيْفَ سَلَّمْتَ الْخِلافَةَ هَاشِمٌ ... لِعَتِيقِ تَيْمٍ كَيْفَ مَا لَمْ تَأْنَفِ قَالَ: فَوَثَبَ عَرْفَجَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الذُّهْلِيُّ [4] فَقَالَ: صَدَقَ وَاللَّهِ الْحَارِثُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، أَخْرِجُوا هَذَا الرَّجُلَ عَنْكُمْ، فَمَا صَاحِبُهُ بِأَهْلٍ لِلْخِلافَةِ، وَلا يَسْتَحِقُّهَا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَمَا الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ بِأَنْظَرَ لِهَذِهِ الأُمَّةِ من نبيها صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَنْشَأَ عَرْفَجَةُ يَقُولُ: (مِنَ الطَّوِيلِ) 1- لَعَمْرِي وَمَا عُمْرِي عَلَيَّ بِهَيِّنٍ ... لَقَدْ قَالَ حَقًّا حَارِثُ بْنُ مُعَاوِيَهْ 2- أَيَمْلِكُ عَبْدٌ رَبَّهُ إِنَّ دَهْرَنَا ... لَيَطْرُقُنَا فِي كُلِّ حِينٍ بِدَاهِيَهْ

_ [1] [الأنفال: 75] . [2] جاء البيت الأول فقط في كتاب الفتوح 1/ 50. [3] في الأصل: (لان الرسول) . [4] عرفجة بن عبد الله الذهلي ممن ارتد وحرّض على الردة. (كتاب الفتوح 1/ 51) .

3- فَمَنْ مُبْلِغٌ عَنَّا عَتِيقًا رِسَالَةً ... لَبِسْتَ لِبَاسَ الظَّالِمِينَ عَلانِيَهْ 4- لَحَا اللَّهُ مَنْ أَعْطَاكَ طَاعَةَ بَيْعَةٍ ... مُقِرًّا وَلا أَبْقَى لَهُ الدَّهْرُ بَاقِيَهْ 5- أَتَمْلِكُهَا دُونَ الْقَرَابَةِ ظَالِمًا ... لَكَ الذَّبْحُ ذَرْهَا إِنَّمَا هِيَ عَارِيَهْ قَالَ: ثُمَّ وَثَبَ رَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ يُقَالُ لَهُ عَدِيُّ بْنُ عَوْفٍ [1] ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ، لا تَسْمَعُوا كَلامَ عَرْفَجَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَلا تُطِيعُوا أَمْرَهُ، فَإِنَّهُ يَدْعُوكُمْ إِلَى الْكُفْرِ وَيَصُدُّكُمْ عَنِ الْحَقِّ، اقْبَلُوا مِنْ زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ مَا يَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ، وَارْضَوْا بِمَا رَضِيَ بِهِ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ، فَإِنَّهُمْ أَنْظَرُ لأَنْفُسِهِمْ مِنْكُمْ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ [2] : (مِنَ الْكَامِلِ) 1- يَا قَوْمِ إِنِّي نَاصِحٌ لا تَرْجِعُوا ... فِي الْكُفْرِ وَاتَّبِعُوا مَقَالَ النَّاصِحِ [3] 2- لا تَرْجِعُوا عَنْ دِينِكُمْ فِي رِدَّةٍ ... بَغْيًا فَإِنَّ الْبَغْيَ أَمْرٌ فَاضِحُ 3- لا يَأْخُذَنَّكُمُ لِقَوْلٍ عِزَّةٌ ... حَتَّى يُخَالِفَكُمْ عَدُوٌّ كَاشِحُ 4- إِنِّي لأَرْهَبُ بَعْدَ هَذَا إِنْ تَكُنْ ... حَرْبٌ زَبُونٌ لِلْكِبَاشِ تَنَاطُحُ [4] 5- لا بَلْ أَخَافُ عَلَيْكُمُ مِثْلَ الَّذِي ... لاقَتْ ثَمُودٌ قَبْلَ ذَاكَ وَصَالِحُ قَالَ: فَوَثَبَ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ بَنِي عَمِّهِ فَضَرَبُوهُ حَتَّى أَدْمَوْهُ وَشَتَمُوهُ أقبح شتم، ثم [32 ب] وَثَبُوا إِلَى زِيَادٍ وَأَخْرَجُوهُ مِنْ دِيَارِهِمْ، وَهَمُّوا بِقَتْلِهِ، قَالَ: فَجَعَلَ/ زِيَادٌ لا يَأْتِي قَبِيلَةً مِنْ قَبَائِلِ كِنْدَةَ فَيَدْعُوهُمْ إِلَى الطَّاعَةِ إِلا رَدُّوا عَلَيْهِ مَا يَكْرَهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ سَارَ إِلَى الْمَدِينَةِ، إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَخَبَّرَهُ بِمَا كَانَ مِنَ الْقَوْمِ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّ قَبَائِلَ كِنْدَةَ قَدْ عَزَمَتْ عَلَى الارْتِدَادِ وَالْعِصْيَانِ. فَاغْتَمَّ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِذَلِكَ غَمًّا شَدِيدًا، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، هَذَا

_ [1] عدي بن عوف الكندي: ممن ثبت على الإسلام، وممن حرّض قومه على نبذ الردّة والتمسك بالإسلام. (كتاب الفتوح 1/ 51) . [2] جاء البيت الأول فقط في كتاب الفتوح 1/ 51. [3] في البيت اقواء لأن بقية الأبيات رويها مضموم، والاقواء كثير في الشعر القديم. [4] في الأصل: (يكن ... تناصحوا) .

خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مُقِيمٌ بِأَرْضِ الْيَمَامَةِ، وَقَدْ تَعْلَمُ أَنَّهُ رَجُلٌ مُظَفَّرٌ، فَوَجِّهْ بِهِ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ خَالِدًا لَكَمَا وَصَفْتُمْ، وَلَكِنَّ أَمِيرَهُمُ الَّذِي أَخْرَجُوهُ عَنْهَا هُوَ أَحَقُّ بِحَرْبِهِمْ مِنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ جَمَعَ أَبُو بَكْرٍ جَيْشًا فَضَمَّهُمْ إِلَى زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ، وَأَمَرَهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى الْقَوْمِ، فَسَارَ زِيَادٌ مِنَ الْمَدِينَةِ فِي أَرْبَعَةِ أَلْفٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ يُرِيدُ حَضْرَمَوْتَ. قَالَ: وَاتَّصَلَ الْخَبَرُ بِقَبَائِلَ كِنْدَةَ، فَكَأَنَّهُمْ نَدِمُوا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ، ثُمَّ قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَبْنَاءِ مُلُوكِهِمْ يُقَالُ لَهُ أَبْضَعَةُ بْنُ مَالِكٍ [1] : يَا مَعْشَرَ كِنْدَةَ، إِنَّا قَدْ أَضْرَمْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا نَارًا لا أَظُنُّ أَنَّهَا تُطْفَأُ أَوْ تَحْرِقُ مِنْهَا بَشَرًا كَثِيرًا، وَالرَّأْيُ عِنْدِي أَنْ نَتَدَارَكَ مَا فَعَلْنَا وَنُسْكِنَ هَذِهِ الثَّائِرَةَ الَّتِي ثَارَتْ، وَنَكْتُبُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَنُعْلِمُهُ بِطَاعَتِنَا، وَأَنْ نُؤَدِّيَ إِلَيْهِ زَكَاةَ أَمْوَالِنَا طَائِعِينَ غَيْرَ مُكْرَهِينَ، وَإِنَّا قَدْ رَضِينَا بِهِ خَلِيفَةً وَإِمَامًا، مَعَ أَنِّي أَقُولُ لَكُمْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَلَسْتُ بِخَارِجٍ مِنْ رَأْيِكُمْ، على أني أعلم ما تؤول أُمُورُكُمْ غَدًا، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ [2] : (مِنَ الْوَافِرِ) 1- أَرَى أَمْرًا لَكُمْ فِيهِ سُرُورُ ... وَآخِرُهُ لَكُمْ فِيهِ نَدَامَهْ 2- وَمَا لِي بَعْدَ كِنْدَةَ مِنْ بَقَاءٍ ... وَمَا لِي بَعْدَ ظَعْنِكُمُ إِقَامَهْ 3- فَأَمْرِي أَمْرُكُمْ فِيهِ وَأَنِّي ... لَكُمْ مِمَّا أُحَاذِرُهُ سَلامَهْ 4- وَقَدْ رَجَعَتْ بَنُو أَسَدٍ وَكَانَتْ ... بَنُو أَسَدٍ وَذُبْيَانَ خُزَامَهْ 5- وَقَرَّتْ عَامِرٌ جَزَعًا فَأَمْسَتْ [3] ... مُطَوَّقَةً بِهَا طَوْقَ الْحَمَامَهْ 6- وَقَدْ رَجَعَتْ قَبَائِلُ مِنْ سُلَيْمٍ ... وَكَانَ حَدِيثُهُمْ فِي النَّاسِ شَامَهْ 7- وَقَدْ رَجَعَتْ بِبَلْدَتِهَا تَمِيمٌ ... فَمَا كَسَرَتْ بِرَجْعَتِهَا بِشَامَهْ [4]

_ [1] أبضعة بن مالك الكندي: أحد أبناء ملوك كندة، كان ممن ارتدوا وقاتلوا المسلمين ثم ندم وأراد الرجوع إلى الإسلام والطاعة ودفع الزكاة. (كتاب الفتوح 1/ 52) . [2] جاء البيت الأول فقط في كتاب الفتوح 1/ 52. [3] في الأصل العبارة مضطربة وزنا ومعنى، وجاءت بهذا الرسم: (أمرت عامر جرعة) . [4] البشامة: واحدة البشام وهو شجر طيب الريح يستاك به. (الصحاح: بشم) .

8- وَقَدْ رَجَعَتْ حَنِيفَةُ فَاسْتَبَاحَتْ ... جُنُودُ اللَّهِ أَجْنَادَ الْيَمَامَهْ 9- وَفِي الْبَحْرَيْنِ قَدْ عَضَّتْ بِبَكْرٍ ... رِمَاحَ الْخَطِّ [1] وَالْبِيضَ الْخِذَامَهْ [2] قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَتْ قَبَائِلُ كِنْدَةَ هَذَا الشِّعْرَ وَالْكَلامَ، كَأَنَّهُمُ انْكَسَرُوا لِذَلِكَ وَجَعَلَ بَعْضُهُمُ يُثَوِّبُ [3] بَعْضًا، فَقَالَ قَوْمٌ: نَرْجِعُ عَمَّا فَعَلْنَا وَنُؤَدِّي الزَّكَاةَ، وَقَالَ قَوْمٌ: لا بَلْ نَمْنَعُ الزَّكَاةَ وَنُقَاتِلُ مَنْ يَجِيئُنَا مِنْ عِنْدِ أَبِي بَكْرٍ، فَأَنْشَأَ حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ يقول: (من الخفيف) [33 أ] 1- لَسْتُ أَدْرِي إِذَا خَلَوْتُ بِنَفْسِي ... أَخَطَأٌ أَوْلَى بِهَا أَمْ صَوَابُ/ 2- قَدْ مَنَعْتُ الْمُهَاجِرَ بْنَ أميّ- ... ة من مالنا وكلّ مجاب [4] 3- وزياد فَمَا أَرَى [5] لِزِيَادٍ ... فِي الَّذِي يَدَّعِي جَنَاحَ ذباب 4- أجمعت كندة الغداة على الحر ... ب هَوَى مَعْشَرٌ مِنَ الأَوْشَابِ 5- زَعَمُوا أَنَّهُمْ أَصَابُوا وَأَنَّا ... قَدْ نَكَصْنَاهُمْ عَلَى الأَعْقَابِ 6- فَلَئِنْ كَانَ ذَا غَدًا فَعَظِيمٌ ... مِثْلُ هَذَا عَلَى ذَوِي الأَحْسَابِ قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَتْ قَبَائِلُ كِنْدَةَ هَذِهِ الأَبْيَاتِ مِنْ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ، وَثَبُوا إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَمَّلْنَا [6] فيما نحن عليه سؤال، وما زلت مشؤوما في

_ [1] الخط: أرض تنسب إليها الرماح الخطية، وهو خط عمان، وقال أبو منصور: وذلك السيف كله يسمى الخط، ومن قرى الخط القطيف والعقير وقطر، قلت أنا: وجميع هذا في سيف البحرين وعمان وهي مواضع كانت تجلب إليها الرماح القنا من الهند فتقوم فيه وتباع على العرب. (ياقوت: الخط) . [2] البيض الخذامة: السيوف القاطعة، وخذم: أي قطع، والمخذم: السيف القاطع. (الصحاح: خذم) . [3] يثوب: يرجع، وثاب: رجع وعاد. ولعل الكلمة: (يؤنب) . [4] كذا والبيت مضطرب الوزن. [5] في الأصل: (فما رأى) . [6] كذا الكلمة مطموسة، وقوله: (ما أملنا ... بن قيس فقال) خرجة من الحاشية.

كُلِّ حَالٍ، ثُمَّ وَثَبَ إِلَيْهِ الأَشْعَثُ بْنُ قيس فقال: والله يا ابن سُرَاقَةَ لأَسْلَمْنَاكَ غَدًا إِلَى زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ، قَضَى فِيكَ مَا قَضَى، فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لِكِنْدَةَ مِنْ نَصْبِ الْحَرْبِ لِمِثْلِ أَبِي بَكْرٍ فِي سَبَبِ نَاقَةٍ لا أَقَلَّ وَلا أَكْثَرَ، ثُمَّ أَنْشَأَ الأَشْعَثُ يَقُولُ: (مِنَ الْخَفِيفِ) 1- عَجَبًا ما عجبت من حدث الدّه- ... ر وَمِنْ فِعْلِ حَارِثِ بْنِ سُرَاقَهْ 2- هَاجَ حَرْبًا يشيب من هولها الرأ ... س وَيُسْجِي بِهَا الْوَلِيدُ النَّاقَهْ 3- حَارِثُ خُذْهَا وَقَوْلُ بَنِي الْمُنْذِرِ ... فَمَاذَا يَكُونُ لَوْلا الْحَمَاقَهْ [1] 4- حَارِثُ أنت أشأم خلق اللّ- ... هـ فِي سَعْدِهَا وَيَوْمِ الْمَحَاقَهْ قَالَ: فَقَالَ حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ: يَا أَشْعَثُ، إِنَّ كَلامَكَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّكَ نَاصِحٌ قَوْمَكَ غَدًا إِذَا وَافَاهُمْ جَيْشُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ الأَشْعَثُ: وَاللَّهِ مَا أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ يَا حَارِثَةُ، فَكُنْ مِمَّا قُلْتَهُ عَلَى يَقِينٍ. قَالَ: فَاتَّصَلَ الْخَبَرُ بِزِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّ الأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ قَدْ نَدِمَ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ، فَجَزَوْهُ خَيْرًا، وَكَتَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ بَنِي عَمِّهِ [2] مِمَّنْ كَانَ مَعَ زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ [3] : (مِنَ الْكَامِلِ) 1- إِنْ تُمْسِ كِنْدَةُ نَاكِثِينَ عُهُودَهُمْ ... فاللَّه يَعْلَمُ أَنَّنَا لَمْ نَنْكِثِ [4] 2- وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّنَا لَمْ نَأْلُهُمْ ... نُصْحًا وَمَنْ يَحْلِفْ بِهَا لَمْ يَحْنَثِ 3- وَالرَّاقِصَاتُ إِلَى مِنًى مَبْعُوثَةٌ ... تَهْوِي بركب من خزاعة شعّث [5]

_ [1] كذا جاء البيت وهو وما بعده مختلا الوزن. [2] هو عثعث بن عمرو الكندي، كان ممن ثبت على إسلامه في الردة. انظر: الإصابة 5/ 122، وكتاب الفتوح 1/ 52. [3] جاء البيتان: 1، 5 في الإصابة 5/ 122 في ترجمة عثعث بن عمرو الكندي، وقطع من كتاب الردة ص 35، وجاء البيت الأول فقط في كتاب الفتوح 1/ 52. [4] الإصابة وقطع من كتاب الردة: (إنني لم أنكث) . [5] في الأصل: (بعث) .

4- إِنْ كَانَ فِي قَوْمِي الَّذِينَ أَعُدُّهُمْ ... خَيْرٌ [1] فَذَاكَ الْخَيْرُ عِنْدَ الأَشْعَثِ 5- اسْمَعْ فِدًى لَكَ وَالِدَايَ [2] كِلاهُمَا ... أَقْبِلْ وَلا تَرْدُدْ نَصِيحَةَ عَثْعَثِ [3] قَالَ: فَوَثَب رَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ يُقَالُ لَهُ عَفِيفُ بْنُ مَعْدِيٍّ، وَكَانَ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ وَذَوِي أَنْسَابِهِمْ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ بَنِي كِنْدَةَ، إِنَّكُمْ قَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مَذْحِجٍ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالشَّحْنَاءِ، وَهَذِهِ خَيْلُ أَبِي بَكْرٍ قَدْ سَارَتْ إِلَى مَا قِبَلَكُمْ، تُخْبِرُونِي الآنَ أَيُّ الْخَيْلَيْنِ تَدْفَعُ عَنْكُمْ، خَيْلُ أَبِي بَكْرٍ أَمْ خَيْلُ مَذْحِجٍ، أَمَا وَاللَّهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَمَا أَنَا إِلا رَجُلٌ مِنْكُمْ، وَلَكِنْ كَأَنِّي بِمُلُوكِكُمْ وَسَادَاتِكُمْ قَدْ أَهْلَكَتْهُمْ هَذِهِ الْحُرُوبُ الَّتِي تَتَوَقَّعُونَهَا، وَقَدْ وَاللَّهِ وَقَعْنَا فِي أَمْرٍ مَا لَنَا مِنْ مَخْلَصٍ إِلا السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ، وَالسَّلامُ، ثم أنشأ يقول: (من الطويل) [33 ب] 1- وَقَعْنَا بِأَمْرٍ مَا لَنَا مِنْهُ مَخْرَجُ [4] ... / سِوَى دَفْعِهِ بِالصَّبْرِ حَتَّى تَفَرَّجَا 2- وَإِيزَاحِهِ عَنَّا بِغَيْرِ خِدَاجَةٍ ... وَلا خَيْرَ فِي أَمْرٍ إِذَا كَانَ مُخْدَجَا [5] 3- مَنَعْتُمْ زِيَادًا مَا لَكُمْ وَأَظُنُّهُ ... سَيُوقِدُها نَارًا عَلَيْكُمْ مُوَهَّجَا 4- فَيُصْبِحُ فِيهَا مِنْ جَنَاهَا سفاهة ... قليل العزا عن قومه متعجّجا [6]

_ [ () ] خزاعة: حي من الأزد، قال ابن الكلبي: إنما سموا خزاعة لأنهم انخزعوا عن قومهم حين أقبلوا من مأرب فنزلوا ظهر مكة، وهم بنو عمرو بن ربيعة، وهو لحي بن حارثة. (اللسان: خزع) . [1] في الأصل: (في قوم ... خيرا) . [2] في الأصل: (فذلك والدي) . [3] البيت في الإصابة: (لا تبغ إلّا الدين دينا واحدا ... خذها ولا تردد نصيحة عثعث) [4] في الأصل: (مخرجا) ولعله جاء بهذا اللحن توافقا مع القافية. [5] مخدج: من الخداج، وخدجت الناقة وغيرها ألقت ولدها قبل أوانه لغير تمام الأيام، وفي الحديث: (كلّ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج) أي نقصان، وأمر مخدج: أي ناقص. (اللسان: خدج) . [6] متعججا: أي صياحا، والعجاج: الأحمق، والعجاج من الناس: الغوغاء والأراذل ومن لا خير فيه، واحدهم عجاجة. (اللسان: عجج) .

5- أَلا خَبِّرُونِي وَالْحَوَادِثُ [1] جَمَّةٌ ... وَلا خَيْرَ فِي قَوْلٍ إِذَا كَانَ لَجْلَجَا 6- أَخَيْلُ أَبِي بَكْرٍ تَرُدُّونَ عَنْكُمُ ... إِذَا مَا أَتَتْكُمْ أَمْ تَرُدُّونَ مَذْحِجَا 7- أَظُنُّكُمُ وَاللَّهُ غَالِبُ أَمْرِهِ ... سَتَبْغُونَ فِي الْحَرْبِ الْهُمَامِ الْمُتَوَّجَا 8- وَتَبْغُونَ فِيهَا كُلَّ فَارِسِ بُهْمَةٍ [2] ... إِذَا اشْتَدَّ يَوْمًا حَالَةُ الْقَوْمِ أَهْوَجَا قال: وتقارب [ت] خَيْلُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بِلادِ حَضْرَمَوْتَ وَدِيَارِ كِنْدَةَ وَحُصُونِهِمْ، فَوَثَبَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ ثَوْرُ بْنُ مَالِكٍ [3] ، وَكَانَ قَدِيمَ الْعَهْدِ فِي الإِسْلامِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَسْلَمَ فِي أَيَّامِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِلَى أَرْضِ الْيَمَنِ، قَالَ: وَكَانَ ثَوْرُ بْنُ مَالِكٍ هَذَا مِمَّنْ أَسْلَمَ يَوْمَئِذٍ، فَأَقْبَلَ عَلَى قَوْمِهِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ كِنْدَةَ، أَرَاكُمْ مُجْتَمِعِينَ عَلَى حَرْبِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَرَى فِيكُمْ نَخْوَةَ الْمُلْكِ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ الَّذِي تَدْعُونَ [4] مِنَ الْمُلْكِ قَدْ مَحَقَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِنَبِيِّهِ محمد صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَأَنَّ السُّيُوفَ الَّتِي قَتَلَ اللَّهُ بِهَا أَهْلَ الرِّدَّةِ هِيَ السُّيُوفُ الَّتِي تُقَاتِلُكُمْ غَدًا، فَتَدَارَكُوا أُمُورَكُمْ، هَذِهِ خَيْلُ أَبِي بَكْرٍ قَدْ تَقَارَبَتْ مِنْكُمْ. قَالَ فَوَثَبَ بَعْضُهُمْ فَلَطَمَ وَجْهَهُ وَشَتَمَهُ وَضَعَّفَ أَمْرَهُ، ثُمَّ صَاحَ بِهِ رِجَالُ كندة من كل ناحية وقالوا: يا ابن مَالِكٍ، مَا أَنْتَ وَالْكَلامُ بَيْنَ أَيْدِي الْمُلُوكِ ولست هناك، قم من ها هنا فَالتُّرَابُ فَفِيكَ. قَالَ: فَوَثَبَ ثَوْرُ بْنُ مَالِكٍ مِنْ عِنْدِ الْقَوْمِ، وَقَدْ نَزَلَ بِهِ مِنْهُمْ ما نزل، فأنشأ يقول [5] :

_ [1] في الأصل: (في الحوادث) . [2] فارس بهمة: الفارس الذي لا يدري من أين يؤتى له من شدة بأسه، والبهمة: الشجاع. (اللسان: بهم) . [3] ثور بن مالك الكندي: كان في عصر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وصحب معاذ بن جبل باليمن، واستخلفه على كندة لما بلغه وفاة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، له خطبة يحث بها قومه على الثبات على الإسلام ونبذ الردة. (الإصابة 1/ 420) . [4] في الأصل: (يدعون) . [5] جاء البيتان: 2، 4، في الإصابة 1/ 420، وقطع من كتاب الردّة ص 38.

(مِنَ الْمُتَقَارِبِ) 1- تَطَاوَلَ لَيْلِي لِغَيِّ الْمُلُوكِ [1] ... وَقَدْ كُنْتُ قِدْمًا نَصَحْتُ الْمُلُوكَا 2- فَأَصْبَحْتُ أَبْكِي بُكَاءَ الثُّكُولِ [2] ... وَلَمْ أَكُ فِيمَا أَتَوْهُ شَرِيكَا 3- وَقُلْتُ لَهُمْ حِينَ رَدُّوا الأُمُورَ ... أَرَى لِلْمُلُوكِ هَلاكًا وَشِيكَا 4- فَقُلْتُ تَحَلَّوْا [3] بِدِينِ الرَّسُولِ ... فَقَالُوا سَفَاهًا تُرَابٌ بِفِيكَا [4] 5- فَأَصْبَحْتُ أَبْكِي عَلَى مُلْكِهِمْ ... بُكَاءً طَوِيلا وَحُزْنًا هَلُوكَا 6- وَقُلْتُ لِمَنْ عَابَنِي مِنْهُمُ ... عَسَى مَا تُسَرُّ بِهِ أَنْ يَسُوكَا قَالَ: وَأَشْرَفَتْ خَيْلُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى دِيَارِ بَنِي كِنْدَةَ، فَإِذَا أَرْبَعَةُ أُخْوَةٍ مِنْ مُلُوكِ بَنِي كِنْدَةَ، أَحَدُهُمْ يُقَالُ لَهُ [5] : مُخَوِّصٌ [6] ، وَمُشَرِّحٌ، وَجَمَدٌ، وَأَبْضَعَةُ، فَإِذَا هُمْ عَلَى شَرَابٍ لَهُمْ وَالْمَعَازِفُ [7] بَيْنَ أيديهم، لم يشعروا إلا وخيل المسلمين [34 أ] على رؤوسهم، فَوَضَعُوا فِيهِمُ السُّيُوفَ، وَقَتَلُوا أُخْتًا لَهُمْ/ يُقَالُ لها العمرّدة [8]

_ [1] في الأصل: (الملوكا) . [2] الإصابة: (فأصبحت أبكي على هلكهم) . [3] في الأصل: (تحلها) . [4] الإصابة: (وقلت تحلوا......... ... فقالوا التراب سفاها بفيكا) . [5] كذا بالأصل، ولعل الصواب: (هم) أو (يقال لهم) . [6] في القاموس: (مخوس) بالسين. (القاموس: العمرد) . [7] في الأصل: (المعارف) . [8] العمرد: الطويل من كل شيء، والعمردة أخت مشرح ومخوس وجمد وأبضعة الذين لعنهم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم (القاموس: العمرد) . قال: ومخوس كمنبر ومشرح وجمد وأبضعة: بنو معديكرب، الملوك الأربعة الذين لعنهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولعن أختهم العمردة، وفدوا مع الأشعث فأسلموا ثم ارتدوا، فقتلوا يوم النجير، فقالت نائحتهم: يا عين بكّي لي الملوك الأربعة وكانت ابنة جمد تحت الأشعث بن قيس، وهؤلاء الملوك الأربعة من بني حجر القرد بن الحارث. (جمهرة النسب ص 428، الإصابة 1/ 553، القاموس: خاس، العمرد) .

وَاحْتَوَوْا عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَقَلِيلِهِمْ وَكَثِيرِهِمْ، فَأَنْشَأَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ يَقُولُ [1] : (مِنْ مَشْطُورِ الرَّجَزِ) 1- شُكْرًا لِمَنْ يُعْطِي الرَّغَائِبَ مِنْ سَعَهْ ... 2- قَتَلَ الْمُلُوكَ بَنُو الْمُلُوكِ الأَرْبَعَهْ [2] 3- جَمَدُ النَّدَى وَمُشَرِّحٌ وَأَبْضَعَهْ [3] ... 4- وَمُخَوِّصٌ [4] لَيْسَ الْفَتَى بِذِي ضَعَهْ قَالَ: وَاتَّصَلَ هَذَا الْخَبَرُ بِالسَّكَاسِكِ وَالسُّكُونِ، وَهُمَا قَبِيلَتَانِ مِنْ قَبَائِلِ كِنْدَةَ، فَكَأَنَّهُمُ اتَّقَوْا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَرَكِبُوا فِي جَوْفِ اللَّيْلِ وَسَارُوا إِلَى زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ، فَاسْتَأْمَنُوا إِلَيْهِ وَعَزَمُوا عَلَى نُصْرَتِهِ. قَالَ: وَسَارَ زِيَادٌ إِلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ كِنْدَةَ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو هِنْدٍ، فَكَبَسَهُمْ وَقَاتَلَهُمْ فَوَقَعَتِ الْهَزِيمَةُ عَلَيْهِمْ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ جَمَاعَةً، وَوَلَّوُا الأَدْبَارَ، وَاحْتَوَى الْمُسْلِمُونَ عَلَى نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، فَأَنْشَأَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُ: (مِنَ الرَّمَلِ) 1- يَا بَنِي هِنْدٍ لَقِيتُمْ صَيْلَمَا [5] ... إِذْ كَفَرْتُمْ بالإله المنعما

_ [1] جاء البيتان: 2، 3 في العقد الفريد 3/ 392، ومعجم البلدان (حضرموت) والقائل هو زياد بن لبيد كما في معجم البلدان. [2] في الأصل: (بني الملوك) . العقد الفريد: (نحن قتلنا بالنجير أربعة) . معجم البلدان: (نحن قتلنا الأملاك الأربعة) وهو مضطرب الوزن. وقال: إنما سموا ملوكا لأنه كان لكل واحد منهم واد يملكه. [3] العقد الفريد: (مخوس مشرحا وجمدا أبضعه) . معجم البلدان: (جمدا ومخوسا ومشرحا وابضعة) . [4] في المصادر: (مخوس) بالسين. [5] الصيلم: الداهية، وهو يريد زياد بن لبيد، ويسمى السيف صيلما، والصيلم: الأمر المستأصل. (اللسان: صلم) .

2- فَتَرَرْنَاكُمْ [1] بِسُمْرٍ شُرَّعٍ ... وَبِبِيضِ الْهِنْدِ تَفْرِي اللِّمَمَا [2] 3- قد لَعَمْرِي سَاءَنِي [3] هَلْكُكُمْ ... وَبَكَتْ عَيْنِي دُمُوعًا وَدَمَا 4- فَارْجِعُوا لِلآنَ [4] عَنْ كُفْرِكُمُ ... وَاتْبَعُوا دِينًا حَنِيفًا قَيِّمَا 5- فَلَقَدْ أَبْدَيْتُ [5] نُصْحِي لَكُمُ ... فَتَعَوَّضْتُ بِنُصْحِي نَدَمَا قَالَ: ثُمَّ سَارَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ إِلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ كِنْدَةَ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو الْعَاتِكِ، فَوَافَاهُمْ وَهُمْ غَافِلُونَ، فَلَمَّا أَشْرَفَتِ الْخَيْلُ عَلَيْهِمْ تَصَايَحَتِ النِّسَاءُ وَخَرَجَ الرِّجَالُ إِلَى الْحَرْبِ، فَاقْتَتَلُوا سَاعَةً، وَوَقَعَتِ الْهَزِيمَةُ عَلَيْهِمْ، فَانْهَزَمُوا وَأَسْلَمُوا دِيَارَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَاحْتَوَى الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ، ثُمَّ أَنْشَأَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُ: (مِنَ الرَّمَلِ) 1- يَا بَنِي الْعَاتِكِ أَوْدَيْتُمْ مَعَا ... وَبَنُو هِنْدٍ أُبِيدُوا [6] أَجْمَعَا 2- زَرَعُوا بِالْبَغْيِ زَرْعًا ضَرَّهُمْ ... وَكَذَا يَحْصُدُهُ مَنْ زَرَعَا 3- صَنَعُوا قِدْمًا صَنِيعًا فَاحِشًا ... كَمْ صَنِيعٍ ضَرَّ مَنْ قَدْ صَنَعَا 4- عَيْنُ [7] فَابْكِيهِمْ عَلَى بَغْيِهِمْ ... ما دعا إلف لهم أو سجعا [8]

_ [1] تر الشيء: قطعه، وتر الشيء: بان وانقطع بضربة، وخص بعضهم به العظم، وترت يده تتر ترورا واترها هو، وكذلك كل عضو قطع بضربة فقد تر ترا. (اللسان: ترر) . [2] في الأصل: (تقرى للقما) . اللمم: جمع لمة، وهي شعر الرأس إذا كان فوق الوفرة، واللمة: الشيء المجتمع. (اللسان: لمم) . [3] في الأصل: (قد لعمري قد ساءني) . [4] في الأصل: (فارجعوا الآن) وهو مختل الوزن. [5] في الأصل: (ابدأت) . [6] في الأصل: (بيد ذا) محرفة. [7] في الأصل: (يا عين) ولا يستقيم بها الوزن. [8] في الأصل: (شجعا) مصحفة.

5- كَمْ رَئِيسٍ تَرَكُوهُ نَادِرًا [1] ... بِسُيُوفٍ مُرْهَفَاتٍ قَطَّعَا 6- قَتْلُهُمْ قَدْ هَدَّ رُكْنِي وَبَرَى [2] ... أَعْظُمِي فَالأَنْفُ مِنِّي جُدِّعَا 7- قَدْ بَذَلْنَا النُّصْحَ لَكِنْ لَمْ أَجِدْ ... فِيهِمُ يَوْمًا لِنُصْحِي مَوْضِعَا قَالَ: ثُمَّ سَارَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ إِلَى حَيٍّ مِنْ أحياء كندة يقال لهم بنو حجر، وهم يَوْمَئِذٍ جَمَرَاتُ [3] كِنْدَةَ وَفُرْسَانُهُمْ، فَلَمْ يَشْعُرُوا إِلا وَالْخَيْلُ قَدْ كَبَسَتْهُمْ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَاقْتَتَلَ الْقَوْمُ سَاعَةً، وَقُتِلَ مِنْ بَنِي حُجْرٍ مِائَتَا رَجُلٍ، وَأُسِرَ مِنْهُمْ خَمْسُونَ رَجُلا، وَوَلَّى [4] الْبَاقُونَ الأدبار، واحتوى/ المسلمون على قليلهم [34 ب] وَكَثِيرِهِمْ، فَأَنْشَأَ رَجُلٌ مِنْ مُسْلِمِي كِنْدَةَ يَقُولُ: (مِنَ الطَّوِيلِ) 1- أَيَا عَيْنُ فَابْكِي [5] مَا حَيِيتِ بَنِي حُجْرِ ... بِدَمْعٍ غَزِيرٍ لا قَلِيلٍ وَلا نَزْرِ 2- نَصَحْتُهُمُ لَوْ يَقْبَلُونَ نَصِيحَتِي ... وَقُلْتُ لَهُمْ لا تَتْرُكُنَّ [6] أَبَا بَكْرِ 3- فَلَمَّا أَبَوْا فِي الْبَغْيِ إِلا تَمَادِيًا ... صَبَحْنَاهُمُ مِنَّا بِقَاصِمَةِ الظَّهْرِ 4- لَقِينَاهُمُ لَيْلا هُنَاكَ بِجَحْفَلٍ ... فَكَانَ عَلَيْهِمْ مِثْلُ راغية البكر [7]

_ [1] في الأصل رأس الكلمة مطموس (فادرا) أو (غادرا) أو (نادرا) . ندر الرجل: سقط، وقيل: سقط وشد، وقيل: سقط من خوف شيء أو من بين شيء، وندر الرجل: إذا مات، قال ساعدة الهذلي: (اللسان: ندر) . كلانا وإن طال أيامه ... سيندر عن شزن مدحض [2] في الأصل: (ركني يدي) وصواب الكلمة (برى) بدلالة (أعظمى) بعدها. [3] الجمرة: القبيلة لا تنضم إلى أحد، أو التي فيها ثلاث مائة فارس، وقيل: هي القبيلة تقاتل جماعة القبائل، والجمرة ألف فارس، وكل قبيل انضموا فصاروا يدا واحدة ولم يحالفوا غيرهم فهم جمرة. (اللسان: جمر) . [4] في الأصل: (وولوا الباقون) وهو لحن. [5] في الأصل: (ابكى) . [6] في الأصل: (لا تتركون) وهو لحن. [7] راغية البكر: هذا مثل يضرب في التشاؤم بالشيء، ويعني بالبكر بكر ثمود، وقد مر شرح المثل، انظر كتاب الأمثال- القاسم بن سلام ص 332.

5- فَكَمْ سَيِّدٍ مِنْهُمْ تَرَكْنَا مُجَنْدَلا ... صَرِيعًا عَلَيْهِ الْخَامِعَاتُ [1] مَعَ النَّسْرِ قَالَ: ثُمَّ سَارَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ إِلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ كِنْدَةَ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو جَمْرٍ، وَهُمْ فُرْسَانٌ وَأَبْطَالٌ، فَالْتَقَى الْقَوْمُ لِلْقِتَالِ، فَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عِشْرُونَ رَجُلا، وَقُتِلَ مِنْ بَنِي جَمْرٍ قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ، وَوَقَعَتِ الْهَزِيمَةُ عَلَيْهِمْ، فَوَلَّوُا الأَدْبَارَ، وَأَسْلَمُوا الدِّيَارَ، وَاحْتَوَى الْمُسْلِمُونَ عَلَى النِّسَاءِ وَالأَوْلادِ، فَأَنْشَأَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ يَقُولُ: (مِنَ السَّرِيعِ) 1- قُلْ لِبَنِي جَمْرٍ إِذَا جِئْتَهُمْ ... قَدْ كَانَتِ الشِّدَّةُ مِثْلَ الْبُوسِ 2- قَدْ طَرَقَتْكُمْ وَقْعَةٌ [مِنْ] صَيْلَمٍ [2] ... أَرْدَتْكُمُ فِيهَا بِطَيْرِ النُّحُوسِ 3- وَسَمْتُكُمْ كِنْدَةُ فِي نَاقَةٍ ... بِيَوْمِ سُوءٍ مُقَمْطَرٍ [3] عَبُوسِ 4- فَكَمْ قَتَلْنَا مِنْكُمُ فِي الْوَغَى ... مِنْ فَارِسٍ نَجْدٍ وَكَبْشٍ [4] رَئِيسِ 5- وَعَنْ قَلِيلٍ لَكُمُ مِثْلُهَا ... (وَنَفْلٌ) وَخَوْفُنَا بِالنُّفُوسِ [5] قَالَ: وَبَلَغَ الأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ فِي بَنِي عَمِّهِ مِنْ بَنِي مُرَّةَ مَا فَعَلَهُ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ بِبَنِي هِنْدٍ وَبَنِي الْعَاتِكِ وَبَنِي حُجْرٍ وَبَنِي جَمْرٍ، فَغَضِبَ لِذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: لا كَرَامَةَ لِزِيَادٍ يَقْتُلُ قَوْمِي وَبَنِي عَمِّي، وَيَسْبِي النِّسَاءَ وَالذَّرَارِيَّ، وَيَحْتَوِي عَلَى الأَمْوَالِ، وَأَقْعُدُ عَنْهُ، قَالَ: ثُمَّ نَادَى الأَشْعَثُ فِي بَنِي عَمِّهِ مِنْ بَنِي مُرَّةَ وَبَنِي عَدِيٍّ وبني

_ [1] في الأصل: (الجامعان) . الخامعات: الخامعة الضبع لأنها تخمع إذا مشت، وخمع في مشيته إذا عرج، والخماع: العرج والخوامع: الضباع اسم لازم لها لأنها تخمع، والخمع (بالكسر) : الذئب، والخمع: اللص. (اللسان: خمع) . [2] الصيلم: الداهية والأمر الشديد القاطع. [3] مقمطر: شديد، ويوم مقمطر وقماطر وقمطرير: مقبض ما بين العينين لشدته، وقيل: إذا كان شديدا غليظا. (اللسان: قمطر) . [4] في الأصل الكلمة غير معجمة. الكبش: سيد القوم وقائدهم، والنجد: الشجاع الماضي فيما يعجز غيره. [5] في الأصل: (ونفد) والبيت مضطرب الوزن.

جَبَلَةَ، وَسَارَ يُرِيدُ زِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ وَمَعَهُ أَلْفُ فَارِسٍ مِنْ فُرْسَانِ قَوْمِهِ، وَزِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ فِي أَرْبَعَةِ أَلْفٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَخَمْسُ مِائَةِ رَجُلٍ مِنَ السَّكَاسِكِ وَالسُّكُونِ، فَالْتَقَى الْقَوْمُ قَرِيبًا مِنْ مَدِينَةٍ مِنْ مُدُنِ حَضْرَمَوْتَ، يقال لها تريم [1] ، فاقتتلوا هنا لك سَاعَةً، وَوَقَعَتِ الْهَزِيمَةُ عَلَى زِيَادٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ عَلَى نَيِّفٍ مِنْ ثَلاثِ مِائَةِ رَجُلٍ، وَانْهَزَمُوا هَزِيمَةً قَبِيحَةً، حَتَّى دَخَلُوا تِلْكَ الْمَدِينَةَ، وَاحْتَوَى الأَشْعَثُ عَلَى تِلْكَ الأَمْوَالِ وَالْغَنَائِمِ وَالذَّرَارِيِّ، فَرَدَّهَا إِلَى أَهْلِهَا، وَأَنْشَأَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمِّهِ يَقُولُ: (مِنَ الرَّمَلِ) 1- ظفر الأشعث لمّا كندة ... عند ما غَابَتْ حَوَاهَا وَاحْتَمَى [2] 2- تَرَكَ الأَوْتَارَ فِي أَعْدَائِهِمْ [3] ... وَسَمَا لِلْحَرْبِ [4] قِدْمًا وَانْتَمَى 3- يَا زِيَادُ لا تلاقي أشعثا ... فسيسقى ضلّة منك دما [5] / [35 أ] 4- إِنَّ لِلأَشْعَثِ صَوْلاتٍ إِذَا ... لَقِيَ الأَبْطَالَ يَمْضِي قِدَمَا 5- حَظُّهُ فِي الْحَرْبِ بِيْضٌ رُهَّفٌ [6] ... وَرِمَاحُ الْخَطِّ تَحْكِي الأَنْجُمَا قَالَ: وَأَقْبَلَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى نَزَلَ عَلَى مَدِينَةِ تِرْيَمَ [7] ،

_ [1] في الأصل: (يريم) وتكررت بهذا الرسم. تريم: اسم إحدى مدينتي حضرموت، لأن حضرموت اسم للناحية بجملتها، ومدينتاها شبام وتريم، وهما قبيلتان سميت المدينتان باسميهما. (ياقوت: تريم) . [2] حصل تقديم وتأخير في ألفاظ البيت فاختل وزنه ومعناه فرددناه إلى أصله، وهو في الأصل: (ظفر الأشعث عند ما كندة ... غابت لما حواها واحتما) [3] في الأصل: (اترك الأوتار من أعدائهم) . [4] في الأصل: (إلى الحرب) ولا يستقيم وزنه. [5] في الأصل البيت مضطرب جاء على هذا الوجه: (ليسقي ما صله منك دما) . [6] في الأصل: (مرهف) . رهّف: جمع رهيف، وسيف رهيف رقيق الحواشي لطيف. [7] في الأصل: (يريم) وقد تكررت بهذا الرسم في كل المواضع، فأثبتنا الصواب.

فَحَاصَرَ زِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حِصَارًا شَدِيدًا. قَالَ: وَكَتَبَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ إِلَى الْمُهَاجِرِ بْنِ أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيِّ يَسْتَنْجِدُهُ عَلَى الأَشْعَثِ، فَلَمَّا بَلَغَهُ مَا فِيهِ زِيَادٌ، سَارَ إِلَيْهِ فِيمَنْ مَعَهُ وَهُمْ أَلْفُ فَارِسٍ مَعُونَةً لَهُمْ، وَبَلَغَ ذَلِكَ الأَشْعَثَ، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَتَنَحَّوْا عَنْ بَابِ تِرْيَمَ، وَأَقْبَلَ الْمُهَاجِرُ بْنُ أُمَيَّةَ فِي أَلْفِ فَارِسٍ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ، وَصَارَ مَعَ زِيَادٍ، وَرَجَعَ الأَشْعَثُ وَجَلَسَ عَلَى الْبَابِ، وَأَرْسَلَ إِلَى جَمِيعِ قَبَائِلِ كِنْدَةَ، فَأَجَابَهُ الْجَبْرُ بْنُ قَشْعَمٍ [1] فِي قَوْمِهِ مِنْ بَنِي الأَرْقَمِ، وَأَجَابَهُ أَبُو قُرَّةَ الْكِنْدِيُّ فِي قَوْمِهِ مِنْ بَنِي حُجْرٍ، وَأَجابَهُ الْخَنْفَسِيسُ بْنُ عَمْرٍو فِي قَوْمِهِ مِنْ بَنِي هِنْدٍ. قَالَ: فَاجْتَمَعَ إِلَى الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ قَبَائِلِ كِنْدَةَ، فَنَزَلَ بِهِمْ عَلَى بَابِ تِرْيَمَ، فَحَاصَرُوا زِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ وَالْمُهَاجِرَ بْنَ أُمَيَّةَ وَمَنْ مَعَهُمَا حِصَارًا شَدِيدًا، وَضَيَّقُوا عَلَيْهِمَا. قَالَ: وَكَتَبَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كِتَابًا، فَأَنْشَأَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يَقُولُ [2] : (مِنَ الْكَامِلِ) 1- أَخْبِرْ زِيَادًا إِنَّ كِنْدَةَ أَجْمَعَتْ ... طُرًّا عَلَيْكَ فَكَيْفَ ذَلِكَ تَصْنَعُ [3] 2- أَحْيَاءُ كِنْدَةَ قَدْ أَتَتْكَ بِجَمْعِهَا ... وَلَدَيْكَ مِنْهَا جِيرَةٌ لَوْ تَنْفَعُ 3- قَدْ صَيَّرَتْكَ إِلَى التَّحَصُّنِ صَاغِرًا ... حَتَّى كَتَبْتَ إِلَى عَتِيقٍ [4] تَضْرَعُ 4- فَاصْبِرْ وَلا تَجْزَعْ لِوَقْعِ سُيُوفِنَا ... إِنَّ الْكَرِيمَ إِذَا جَنَى لا يَجْزَعُ قَالَ: فَلَمَّا وَرَدَ كِتَابُ زِيَادٍ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِخَبَرِ كندة وما

_ [1] الجبر بن قشعم: هو جبر الكندي، وفد على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وقال: (أهل اليمن هم ألين قلوبا وأرق أفئدة) (الإصابة 1/ 453) . [2] جاء البيت الأول فقط في كتاب الفتوح 1/ 55. [3] في الأصل: (تصنعوا) . في كتاب الفتوح: (أبلغ زيادا) . [4] عتيق: لقب أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ مِنْ حَرْبِ الْمُسْلِمِينَ، فَاغْتَمَّ بِذَلِكَ، وَاغْتَمَّ الْمُسْلِمُونَ أَيْضًا، وَلَمْ يَجِدْ أَبُو بَكْرٍ بُدًّا مِنَ الْكِتَابَةِ [1] إِلَى الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ بِالرِّضَا، فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَقُولُ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرحيم. من عبد الله بن عثمان خليفة رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَعَلَى أُمَّتِهِ، إِلَى الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ قَبَائِلِ كِنْدَةَ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ المنزل على نبيه عليه السلام: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ 3: 102 [2] ، وَأَنَا آمُرُكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَحْدَهُ وَأَنْهَاكُمْ أَنْ تَنْقُضُوا عَهْدَهُ، وَأَنْ تَرْجِعُوا عَنْ دِينِهِ إِلَى غَيْرِهِ، وَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى فَيُضِلَّكُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا حَمَلَكُمْ عَنِ الرُّجُوعِ عَنْ دِينِ الإِسْلامِ وَمَنْعِ الزَّكَاةِ مَا فَعَلَهُ بكم/ عاملي [35 ب] زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ، فَإِنِّي أَعْزِلُهُ عَنْكُمْ، وَأُوَلِّي عَلَيْكُمْ مَنْ تُحِبُّونَ، وَقَدْ أَمَرْتُ صَاحِبَ كِتَابِي هَذَا إِنْ أَنْتُمْ قَبِلْتُمُ الْحَقَّ أَنْ يَأْمُرَ زِيَادًا بِالانْصِرَافِ عَنْكُمْ، فَارْجِعُوا [3] إِلَى الْحَقِّ وَتُوبُوا مِنْ قَرِيبٍ، وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ لِكُلِّ مَا كَانَ فِيهِ رِضًى، وَالسَّلامُ) . ثُمَّ كَتَبَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَقُولُ [4] : (مِنَ الْمُتَقَارِبِ) 1- أَنِيبُوا إِلَى الْحَقِّ يَا قَوْمَنَا ... فَإِنِّي لَكُمْ نَاصِحٌ فَاقْبَلُوا 2- وَلا تَأْنَفُوا الْيَوْمَ أَنْ تَرْجِعُوا ... فَإِنَّ الرُّجُوعَ بِكُمْ أَجْمَلُ 3- رَمَيْتُ بِنُصْحِي لَكُمْ جَاهِدًا ... فَلا تَرْتَدُوا [5] ثُمَّ تَسْتَجْهِلُوا 4- فَأَنْتُمْ أُنَاسٌ لَكُمْ سُؤْدَدٌ ... وَيُنْمِيكُمُ الشَّرَفُ الأَطْوَلُ 5- صِبَاحُ الْوُجُوهِ نَمَاكُمْ إِلَى ... كريم الثّنا الشّرف الأوّل

_ [1] في الأصل: (من الكتاب) . [2] [آل عمران: 102] . [3] في الأصل: (فراجعوا) . [4] لم أجد الأبيات في ديوان حسان بن ثابت. [5] كذا بالأصل، وتقرأ الدال مخففة لإقامة الوزن، ولعلها: (فلا ترجعوا) .

6- فَشِيمُوا [1] السُّيُوفَ وَلا تَبْعَثُوا ... حُرُوبًا تُذَلُّ بِهَا النُّزَّلُ ثُمَّ طَوَى الْكِتَابَ وَعَنْوَنَ [2] خِتْمَهُ، وَدَفَعَهُ إِلَى رَجُلٍ مِنْ قَيْسِ عَيْلانَ يُقَالُ لَهُ مُسْلِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. فَلَمَّا وَصَلَ الْكِتَابُ إِلَى الأَشْعَثِ وَقَرَأَهُ، أَقْبَلَ عَلَى الرَّسُولِ وَقَالَ: (إِنَّ صَاحِبَكَ أَبَا بَكْرٍ هَذَا يُلْزِمُنَا الْكُفْرَ بِمُخَالَفَتِنَا لَهُ، وَلا يُلْزِمُ صَاحِبَهُ الْكُفْرَ بِقَتْلِهِ قَوْمِي) ، فَقَالَ لَهُ الرَّسُولُ: (نَعَمْ يَا أَشْعَثُ يُلْزِمُكَ الْكُفْرَ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ أَوْجَبَ عَلَيْكَ الْكُفْرَ [لِمُخَالَفَتِكَ] لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ) . قَالَ: فَوَثَبَ إِلَى الرَّسُولِ غُلامٌ مِنْ بَنِي مُرَّةَ ابْنِ عَمِّ الأَشْعَثِ، فَضَرَبَهُ بِسَيْفِهِ ضَرْبَةً فَلَقَ هَامَتَهُ، فَسَقَطَ الرَّسُولُ مَيِّتًا، فَقَالَ لَهُ الأَشْعَثُ: (للَّه أبوك، فلقد [ق] صرت الْعِتَابَ وَأَسْرَعْتَ الْجَوَابَ) . قَالَ: فَوَثَبَ أَبُو قُرَّةَ الْكِنْدِيُّ [3] مُغْضِبًا فَقَالَ: (يَا أَشْعَثُ، لا وَاللَّهِ، مَا يُوَافِقُكَ أَحَدٌ مِنَّا عَلَى هَذَا الأَمْرِ أَبَدًا، تَقْتُلُ الرَّسُولَ بِلا ذَنْبٍ كَانَ مِنْهُ، وَلا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهِ) ، ثُمَّ أَقْبَلَ أَبُو قُرَّةَ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ كِنْدَةَ فَقَالَ: (انْصَرِفُوا وَلا تُقِيمُوا، فَإِنَّ الصَّوَابَ عِنْدِي الرَّحِيلُ عَنْ هَذَا الرَّجُلِ، وَإِلا فَتَوَقَّعُوا الْعُقُوبَةَ) . قَالَ: ثُمَّ انْصَرَفَ أَبُو قُرَّةَ الْكِنْدِيُّ وَهُوَ يَقُولُ: (مِنَ الطَّوِيلِ) 1- قَتَلْتُمُ رَسُولا أَنْ أَتَى بِرِسَالَةٍ ... وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَوْ [4] إِلَيْهِ سَبِيلُ 2- فَجِئْتُمْ بِأَمْرٍ فِيهِ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ... وَذَلِكَ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ طَوِيلُ

_ [1] في الأصل: (سيموا) غير معجمة. شام السيف شيما: أغمده، وسله أيضا، وهو من الأضداد (اللسان: شيم) . [2] عنون الكتاب: كتب عنوانه. [3] أبو قرة الكندي: أبو قرة بن معاوية بن وهب بن قيس بن حجر الكندي، كان شريفا، وفد على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، وذكر ابن سعد أن ابنه عمرو بن قرة ولي قضاء الكوفة بعد شريح القاضي. (الإصابة 7/ 332) . [4] في الأصل: (ولا إليه) . ويختل بها الوزن.

3- فَلَسْتُ عَلَى هَذَا أُقِيمُ وَإِنَّنِي ... لَمُرْتَحِلٌ إِنَّ الصَّوَابَ رَحِيلُ 4- أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُنَادُوا بِضَبِّكُمْ [1] ... وَقَدْ هَلَكَتْ مِنْ بَعْدِ ذَاكَ جَدِيلُ 5- وَقَدْ هَلَكَتْ [2] مِنْ قَبْلِ طَسْمٍ وَخَثْعَمٍ ... وَقَدْ هَلَكَتْ مِنْ بَعْدِ ذَاكَ جَدِيلُ قَالَ: ثُمَّ وَثَبَ أَبُو شِمْرٍ الْكِنْدِيُّ فَقَالَ: (يَا أَشْعَثُ، لَقَدْ رَكِبْتَ عَظِيمًا مِنَ الأَمْرِ بِقَتْلِكَ مَنْ لا ذَنْبَ لَهُ، وَذَلِكَ أَنَّا نُقَاتِلُ مَنْ يُقَاتِلُنَا، وَأَمَّا قَتْلُ الرَّسُولِ فَلا، لأَنَّ الرَّسُولَ لا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ لأَنَّهُ مَأْمُورٌ) . فَقَالَ الأَشْعَثُ: (يَا هَؤُلاءِ، لا تَعْجَلُوا، فَإِنَّهُ/ قَدْ شَهِدَ عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ بِالْكُفْرِ، وَبَعْدُ فَلَمْ آمُرْ بِقَتْلِهِ ولا [36 أ] سَاءَنِي ذَلِكَ) . قَالَ: فَوَثَبَ الْجَبْرُ بْنُ الْقَشْعَمِ الْكِنْدِيُّ فَقَالَ: (يَا هَذَا إِنَّا رَجَوْنَا أَنَّكَ تَعْتَذِرُ إِلَيْنَا بِعُذْرٍ نَقْبَلُهُ مِنْكَ، فَأَجَبْتَنَا بِمَا قَدْ أَنْفَرَنَا مِنْكَ، وَأَيْمُ اللَّهِ لَوْ كُنْتَ ذَا إِرَبٍ لَغَيَّرْتَ هَذَا وَلَمْ تَرْكَبِ الْعُدْوَانَ، وَقَتْلَكَ رَسُولا لا جُرْمَ لَهُ) . قَالَ: ثُمَّ نَادَى جَبْرُ بْنُ الْقَشْعَمِ فِي بَنِي عَمِّهِ مِنْ بَنِي الأَرْقَمِ، فَقَالَ: (ارْحَلُوا عَنْ هَذَا الظَّالِمِ حَتَّى يَعْلَمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ لَمْ تَرْضَوْا بِمَا قَدْ فَعَلَ) ، وَأَنْشَأَ يَقُولُ: (مِنَ الْمُتَقَارِبِ) 1- سَيَرْحَلُ عَنْكُمْ بَنُو الأَرْقَمِ ... عَشِيَّةَ جَرَّتْ عَلَى الْمُسْلِمِ 2- أَيُؤْذَى الرَّسُولُ بِأَنْ حَلَّكُمْ ... بِخَطِّ كِتَابٍ وَلَمْ يُجْرِمِ 3- أَأَشْعَثُ أَوَّلُ ذَا الدِّيَةِ [3] ... لَغَيَّرْتَ ذَاكَ وَلَمْ تَظْلِمِ 4- أَخَافُ عَلَيْكُمْ بِأَفْعَالِكُمْ ... نُحُوسًا مِنَ الطَّائِرِ الأَشْأَمِ 5- وَلِلْبَغْيِ عَاقِبَةٌ تُتَّقَى ... تَحِلُّ بِمَنْ جَارَ وَلَمْ يَنْدَمِ قَالَ: فَتَفَرَّقَ عَنِ الأَشْعَثِ عَامَّةُ أَصْحَابِهِ، حَتَّى بَقِيَ فِي قَرِيبٍ من ألفي

_ [1] الضب: الحقد والغيظ، والضب: سيلان الدم. (القاموس: الضب) . [2] في الأصل: (ملكت) . [3] كذا جاء الشطر، وهو مضطرب الوزن والمعنى.

رَجُلٍ، وَأَقْبَلَ السَّكَاسِكُ وَالسُّكُونُ عَلَى زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ وَمُهَاجِرِ بْنِ أُمَيَّةَ فِي مَدِينَةِ تِرْيَمَ، فِي نَيِّفٍ مِنْ خَمْسَةِ أَلْفِ رَجُلٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْقَبَائِلِ، فَتَشَاوَرُوا فِي الْخُرُوجِ عَلَى الأَشْعَثِ، فَأَخَذُوا أُهْبَتَهُمْ وَخَرَجُوا إِلَى قِتَالِهِ، فَالْتَقَوْا بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ الرَّقَّانُ قَرِيبًا من مدينة تريم، فاقتتلوا هنا لك سَاعَةً، وَنَظَرَ الأَشْعَثُ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ زِيَادٍ يُقَالُ لَهُ جَفْنَةُ بْنُ قُتَيْرَةَ السُّكُونِيُّ [1] ، وَإِنَّهُ يُقَاتِلُ قِتَالا شَدِيدًا، فَحَمَلَ عَلَيْهِ الأَشْعَثُ فَطَعَنَهُ طَعْنَةً صَرَعَهُ عَنْ فَرَسِهِ، وَهَمَّ أَنْ ينزل إليه، فحماه ابن عم لَهُ مِنَ الأَشْعَثِ، فَأَفْلَتَ جَفْنَةُ، فَأَنْشَأَ ذَلِكَ الْفَتِيُّ يَقُولُ: (مِنَ الْمُتَقارِبِ) 1- تَدَارَكْتُ جَفْنَةَ مِنْ أشعث ... كررت عليه ولم أنكل 2- تداركته بعد ما قَدْ هَوَى ... رَهِينَ الْعَجَاجَةِ فِي الْقَسْطَلِ [2] 3- فَأَنْجَيْتُهُ مِنْ حِيَاضِ الرَّدَى ... فَآبَ سَلِيمًا وَلَمْ يُقْتَلِ قَالَ: ثُمَّ حَمَلَ الأَشْعَثُ أَيْضًا عَلَى رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ السِّمْطُ بْنُ الأَسْوَدِ السُّكُونِيِّ [3] فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً أَثْخَنَهُ مِنْهَا، قَالَ: فَوَلَّى السِّمْطُ بَيْنَ يَدَيِ الأَشْعَثِ هَارِبًا، وَوَقَفَ الأَشْعَثُ فِي مَيْدَانِ الْحَرْبِ، فَجَعَلَ يُلَوِّحُ بِسَيْفِهِ وَيَقُولُ: (مِنَ الْمُتَقَارِبِ) 1- كَرَرْتُ عَلَى السِّمْطِ وَقْتَ الْعَجَاجِ ... فَجَلَّلْتُهُ صَارِمًا [4] معضلا

_ [1] جفنة بن قتيرة السكوني، ورد نسبه في جمهرة النسب ص 429. [2] في الأصل: (القنطل) . القسطل والقسطال والقسطلان: الغبار. (القاموس: قسطل) . [3] السمط بن الأسود السكوني الكندي (في الأصل: الشمط) ، والد شرحبيل، وذكر سيف في الفتوح أنه شهد اليرموك، وذكر في الردة أنه ثبت هو وولده شرحبيل على الإسلام لما ارتدت كندة، وانضما إلى زياد بن لبيد، وأورد البيهقي في السنن أن عمر استعمل شرحبيل بن السمط على المدائن، وأبوه بالشام، فكتب إلى عمر: إنك تأمر ألا تفرق السبايا، وقد فرقت بيني وبين ابني، فكتب إليه فألحقه بابنه. (الإصابة 3/ 264) . [4] في الأصل: (صارم) .

2- فَوَلَّى حَثِيثًا عَلَى وَجْهِهِ ... وَلَوْ قَامَ لِي سَاعَةً جَدَّلا [1] 3- فَإِنْ عَادَ جَلَّلْتُهُ مِثْلَهَا ... وَيَكْفِيهِ مَا نَالَهُ أَوَّلا قَالَ: وَحَمَلَ مُهَاجِرُ بْنُ أُمَيَّةَ عَلَى الأَشْعَثِ، وَالْتَقَيَا بِضَرْبَتَيْنِ بَدَرَهُ بِهَا الأَشْعَثُ ضَرْبَةً قَدْ بَيَّضَتْهُ، وَأَسْرَعَ السَّيْفَ إِلَى رَأْسِهِ فَوَلَّى مُدْبِرًا، فَنَادَاهُ الأَشْعَثُ: يَا مُهَاجِرُ، تُعَيِّرُ/ النَّاسَ بِالْفِرَارِ وَتَفِرُّ فِرَارَ الْحِمَارِ، ثُمَّ أنشأ الأشعث يقول: [36 ب] (مِنَ الْمُتَقارِبِ) 1- لَقِيتُ الْمُهَاجِرَ فِي جَمْعِهِ ... بِعَضْبِ حُسَامٍ رَقِيقِ الْغَرَرِ 2- فَفَرَّ ذَلِيلا وَلَمْ يَنْثَنِي [2] ... فِرَارَ الْحِمَارِ مِنَ الْقَسْوَرِ [3] قَالَ: ثُمَّ حَمَلَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ وَأَصْحَابُهُ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، فَهَزَمَهُمْ حَتَّى أَدْخَلَهُمْ مَدِينَةَ تِرْيَمَ، وَقَدْ قُتِلَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ، وَجُرِحَ مِنْهُمْ بَشَرٌ كَثِيرٌ، ثُمَّ أَقْبَلَ الأَشْعَثُ بِأَصْحَابِهِ حَتَّى أَحْدَقُوا بِالْمَدِينَةِ وَنَزَلُوا عَلَيْهَا، وَحَصَرُوا زِيادَ بْنَ لَبِيدٍ وَأَصْحَابَهُ، وَضَيَّقُوا عَلَيْهِ غَايَةَ الضِّيقِ. قَالَ: وَكَتَبَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُخْبِرُهُ بِقَتْلِ الرَّسُولِ، وَيُعْلِمُهُ أَنَّهُ وَأَصْحَابَهُ مُحَاصَرُونَ فِي مَدِينَةِ تِرْيَمَ أَشَدَّ الْحِصَارِ، ثُمَّ كَتَبَ بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ [4] : (مِنَ الْكَامِلِ) 1- هَلْ رَاكِبٌ يَرِدُ المدينة مخبرا ... رهط الرسول وسادة الأنصار [5]

_ [1] جدل: صرع، والجدل: الصرع، وجدله جدلا، وجدّله فانجدل وتجدل: صرعه على الجدالة وهو مجدول، والجدالة: الأرض، يقال: طعنه فجدله أي رماه بالأرض فانجدل سقط. (اللسان: جدل) . [2] الوجه: (لم ينثن) وقد أطال الكسرة فجعلها ياء لإقامة الوزن. [3] القسور والقسورة: الأسد، وقد أفاد من قوله تعالى: كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ من قَسْوَرَةٍ 74: 50- 51 [المدثر: 50- 51] . وكذا جاءت قافية البيتين. [4] جاء البيت الأول فقط في كتاب الفتوح 1/ 58. [5] كتاب الفتوح: (من راكب نحو المدينة مخبرا) .

2- وَيَقُولُ لِلصِّدِّيقِ عِنْدَ لِقَائِهِ ... وَالدَّمْعُ يَهْمِلُ كَالْبَدِيِّ الْجَارِي [1] 3- إِنَّا حُصِرْنَا فِي تِرْيَمَ كَأَنَّنَا ... نَحْنُ النُّكُوصُ بِهَا عَلَى الأَدْبَارِ 4- حَشَدَتْ لَنَا أَمْلاكُ كِنْدَةَ وَاعْتَدَتْ ... بِالْمُرْهِفَاتِ وَبِالْقَنَا الْخُطَّارِ 5- فَامْنَعْهُمُ بِمُهَاجِرِينَ فَوَارِسٍ ... فُرْسَانِ صِدْقٍ مِنْ بَنِي نَجَّارِ 6- وَبِكُلِّ قَرْنٍ فِي الْهَيَاجِ مُهَذَّبٍ ... يَسْمُو بِعَضْبٍ صَارِمٍ بَتَّارِ قَالَ: فَلَمَّا وَرَدَ الْكِتَابُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَرَأَهُ، نَادَى فِي الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ قَالَ: (أَشِيرُوا عَلَيَّ مَا الَّذِي أَصْنَعُ فِي أَمْرِ كِنْدَةَ) . قَالَ: فَتَكَلَّمَ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: اسْمَعْ مَا أُشِيرُ بِهِ عَلَيْكَ، إِنَّ الْقَوْمَ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ، وَفِيهِمْ نَخْوَةُ الْمُلْكِ وَمَنْعَةٌ، وَإِذَا هَمُّوا بِالْجَمْعِ جَمَعُوا خَلْقًا كَثِيرًا، فَلَوْ صَرَفْتَ عَنْهُمُ الْخَيْلَ فِي عَامِكَ هَذَا، وَصَفَحْتَ عَنْ أَمْوَالِهِمْ لَرَجَوْتَ أَنْ يُنِيبُوا إِلَى الْحَقِّ، وَأَنْ يَحْمِلُوا الزَّكَاةَ إِلَيْكَ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ طَائِعِينَ غَيْرَ مُكْرَهِينَ، فَذَاكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مُحَارَبَتِكَ إِيَّاهُمْ، فَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُمْ فَوَارِسُ أَبْطَالٌ لا يَقُومُ لَهُمْ إِلا نُظَرَاؤُهُمْ مِنَ الرِّجَالِ) . قَالَ: فَتَبَسَّمَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَبِي أَيُّوبَ، ثُمَّ قَالَ: (وَاللَّهِ يَا أَبَا أَيُّوبَ، لَوْ مَنَعُونِي عِقَالا وَاحِدًا مِمَّا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَضَعَهُ عَلَيْهِمْ لَقَاتَلْتُهُمْ أَبَدًا، أَوْ يُنِيبُوا إِلَى الْحَقِّ) . قَالَ: فَسَكَتَ أَبُو أَيُّوبَ. وَأَنْشَأَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيُّ يَقُولُ [2] : (مِنَ الْكَامِلِ) 1- لَمَّا أَبُو أَيُّوبَ قَامَ بِخُطْبَةٍ ... يَنْهَى أَبَا بكر وقال مقالا

_ [1] البدى: الرّكي وهي الآبار، قيل: كل ما كان في الجاهلية من الركي ينسب عاديا، وأما ما حفر منذ كان الإسلام محدثا في جديد الأرض فإنه إسلامي، واحدته البديّ، وجماعته البديان: واد لبني عامر بنجد، والبدي أيضا: قرية من قرى حجر بين الزرائب والحوضي، قال امرؤ القيس: أصاب قطاتين فسال لواهما ... فوادي البدي فانتمى لأريض (معجم البلدان: البدي) [2] الأبيات مما أخل بها ديوان حسان وتفرد بها هذا الكتاب.

2- إِنْ تَلْقَ كِنْدَةَ تَلْقَهُمْ يَوْمَ الْوَغَى ... تَحْتَ الْعَجَاجِ فَوَارِسًا أَبْطَالا 3- فَاتْرُكْهُمُ عَامًا [1] هُنَاكَ لَعَلَّهُمْ ... أَنْ يَحْمِلُوا نَحْوَ الْهُدَى أَمْوَالا 4- فَلَذَاكَ خَيْرٌ إِنْ قَبِلْتَ نَصِيحَتِي ... مِنْ أَنْ تُرَى [2] مُتَعَسِّفًا قَتَّالا 5- فَأَجابَهُ الصِّدِّيقُ أَنْ لَوْ أَنَّنِي ... مِمَّا الرّسول حوى منعت عقالا/ [37 أ] 6- قَاتَلْتُهُمْ بِالْمُرْهِفَاتِ وَبِالْقَنَا ... وَثَنَيْتُ [3] خَيْلِي نَحْوَهُمْ وَرِجَالا 7- حَتَّى يُنِيبُوا رَاجِعِينَ إِلَى الْهُدَى ... وَيُرَوْنُ طُرًّا تَارِكِينَ ضَلالا قَالَ: ثُمَّ انْصَرَفَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَأَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [4] ، فَدَعَاهُ وَقَالَ: (إِنِّي عَزَمْتُ أَنْ أُوَجِّهَ إِلَى هَؤُلاءِ الْقَوْمِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَإِنَّهُ عَدْلُ رِضًى أَكْثَرَ النَّاسِ لِفَضْلِهِ وَشَجَاعَتِهِ وَقَرَابَتِهِ وَعِلْمِهِ وَفَهْمِهِ وَرِفْقِهِ بِمَا يُحَالُ مِنَ الأُمُورِ) . قَالَ: فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: (صَدَقْتَ يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، إِنَّ عَلِيًّا كَمَا ذَكَرْتَ، وَفَوْقَ مَا وَصَفْتَ، وَلَكِنَّنِي أَخَافُ عَلَيْكَ مِنْهُ خَصْلَةً وَاحِدَةً، أَنْ يَأْبَى قِتَالَ الْقَوْمِ فَلا يُقَاتِلُهُمْ، فَإِنْ أَبَى فَلَنْ تَجِدَ أَحَدًا يَسِيرُ إِلَيْهِمْ، إِلا عَلَى الْمَكْرَهِ مِنْهُ، وَلَكِنْ ذَرْ عَلِيًّا يَكُونُ عِنْدَكَ فَإِنَّكَ لا تَسْتَغْنِي عَنْ مَشُورَتِهِ، وَاكْتُبْ إِلَى عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ [5] ، فَمُرْهُ بِالْمَسِيرِ إلى الأشعث

_ [1] في الأصل: (عام) وهو لحن. [2] في الأصل: (يرى) . [3] في الأصل: (وتنيب) . [4] في الأصل: (عنهما) ، ولم يدرك الخطاب الإسلام أو يسلم. [5] عكرمة بن أبي جهل عمرو بن هشام المخزومي، من شجعان قريش في الجاهلية والإسلام، كان هو وأبوه من أشد الناس عداوة للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، أسلم عكرمة بعد فتح مكة، وحسن إسلامه، فشهد الوقائع وولى الأعمال لأبي بكر، وفي الحديث: (لا تؤذوا الأحياء بسبّ الموتى) ، قال المبرد: فنهى عن سب أبي جهل من أجل عكرمة، استشهد عكرمة في اليرموك أو يوم مرج الصفر سنة 13 هـ-، وعمره اثنتان وستون سنة. (تهذيب الأسماء 1/ 338، الإصابة 4/ 538- 539، ذيل المذيل ص 45، تاريخ الإسلام 1/ 380، الأعلام 4/ 244- 245) .

وَأَصْحَابِهِ فَإِنَّهُ رَجُلٌ لِحَرْبٍ أَهْلٌ لِمَا أُهِّلَ لَهُ) ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (هَذَا رَأْيٌ) . قَالَ: ثُمَّ كَتَبَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كِتَابًا إِلَى عِكْرِمَةَ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ: (أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ بَلَغَكَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ وَقَبَائِلِ كندة، وقد [1] أتاني كتاب زياد بْنِ لَبِيدٍ، يَذْكُرُ أَنَّ قَبَائِلَ كِنْدَةَ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ، وَقَدْ حَصَرُوهُمْ فِي مَدِينَةِ تِرْيَمَ بِحَضْرَمَوْتَ، فَإِذَا قَرَأْتَ كِتَابِي هَذَا فَسِرْ إِلَى زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ فِي جَمِيعِ أصحابك ومن أجابك من أهل مكة، واسمه لَهُ وَأَطِعْ، فَإِنَّهُ الأَمِيرُ عَلَيْكَ، وَانْظُرْ لا تَمُرَّنَّ بِحَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ إِلا اسْتَنْهَضْتَهُمْ فَأَخْرَجْتَهُمْ مَعَكَ إِلَى مُحَارَبَةِ الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ وَأَصْحَابِهِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَالسَّلامُ) . قَالَ: فَلَمَّا وَرَدَ الْكِتَابُ إِلَى عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ وَقَرَأَهُ، نَادَى فِي أَصْحَابِهِ وَمَنْ أَجَابَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَخَرَجَ فِي أَلْفَيْ فَارِسٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَمَوَالِيهِمْ وَأَحْلافِهِمْ، وَسَارَ عِكْرِمَةُ حَتَّى صَارَ إِلَى نَجْرَانَ [2] ، وَبِهَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ [3] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي بَنِي عَمِّهِ مِنْ بَجِيلَةَ، فَدَعَاهُ عِكْرِمَةُ إِلَى حَرْبِ الأَشْعَثِ، فَأَبَى عَلَيْهِ جَرِيرٌ، وَلَمْ يُجِبْ إِلَى ذَلِكَ، فَسَارَ عِكْرِمَةُ حَتَّى صَارَ إِلَى صَنْعَاءَ [4] فَاسْتَنْهَضَ

_ [1] في الأصل: (وقال) . [2] نجران: نجران في مخاليف اليمن من ناحية مكة، قالوا: سمي بنجران بن زيدان بن سبأ لأنه كان أول من عمرها ونزلها. (ياقوت: نجران) . [3] جرير بن عبد الله البجلي الصحابي، قال: جئت إلى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم لأسلم، فقال له: ما جاء بك، قلت: جئت لأسلم، فألقى إلي كساءه وقال: (إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه) ، ثم قدم المدينة وحارب قريشا وغيرهم وفتح مكة، كان جرير جميلا، قال عمر: هو يوسف هذه الأمة، وقدمه عمر في حروب العراق على جميع بجيلة، وكان لهم أثر عظيم في فتح القادسية، وسكن جرير الكوفة، وأرسله علي رسولا إلى معاوية، ثم اعتزل الفريقين وسكن قرقيسيا، ومات سنة 51 هـ- وقيل 54 هـ-. (الإصابة 1/ 475- 476، أسد الغابة 1/ 332، الاستيعاب 1/ 236) . [4] صنعاء: قصبة اليمن وأحسن بلادها، تشبّه بدمشق لكثرة فواكهها وتدفق مياهها، قيل:

أَهْلَهَا فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ، ثُمَّ سَارَ إِلَى مَأْرِبَ [1] فَنَزَلَهَا، وَبَلَغَ ذَلِكَ أَهْلَ دُبَا [2] فَغَضِبُوا عَلَى مَسِيرِ عِكْرِمَةَ إِلَى مُحَارَبَةِ كِنْدَةَ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ لِبَعْضٍ: تَعَالَوْا حَتَّى نَشْغَلَ عِكْرِمَةَ عَنْ مُحَارَبَةِ بَنِي عَمِّنَا مِنْ بَنِي كِنْدَةَ وَقَبَائِلِ الْيَمَنِ، فَعَزَمُوا عَلَى ذَلِكَ وَوَثَبُوا عَلَى [حُذَيْفَةَ بْنِ عَمْرٍو] عَامِلٍ لَهُمْ مِنْ جِهَةِ أَبِي بَكْرٍ، فَطَرَدُوهُ [3] عَنْ بَلَدِهِمْ، فَمَرَّ هَارِبًا حَتَّى صَارَ إِلَى عِكْرِمَةَ، / فَلَجَأَ إِلَيْهِ، فَكَتَبَ حذيفة بن عمرو [4] [37 ب] هَذَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَمْرِ أَهْلِ دُبَا وَارْتِدَادِهِمْ عَنْ دِينِ الإِسْلامِ، وَطَرْدِهِمْ إِيَّاهُ، ثُمَّ خَبَّرَهُ أَنَّهُ الْتَجَأَ إِلَى عِكْرِمَةَ فَصَارَ مَعَهُ، فَاغْتَاظَ [أَبُو بَكْرٍ] غَيْظًا شَدِيدًا، ثُمَّ إِنَّهُ كَتَبَ إِلَى عِكْرِمَةَ: (أَمَّا بَعْدُ، فَإِذَا قَرَأْتَ كِتَابِي فَسِرْ إِلَى أَهْلِ دُبَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ فَأَنْزِلْ بِهِمْ مَا هُمْ لَهُ أَهْلٌ، وَلا تُقَصِّرْ فِيمَا كَتَبْتُ بِهِ إِلَيْكَ، فَإِذَا فَرَغْتَ مِنْ أَمْرِهِمْ فَابْعَثْ إليّ بهم

_ [ () ] سميت بصنعاء بن أزال بن يقطن وهو الذي بناها، وقيل: ليس بجميع اليمن أكبر ولا أكثر مرافق وأهلا من صنعاء. (ياقوت: صنعاء) . [1] مأرب: بلاد الأزد باليمن، قال السهيلي: مأرب اسم قصر كان لهم، وقيل: هو اسم لكل ملك كان يلي سبأ، كما كان تبّعا اسم لكل من ولي اليمن والشحر وحضرموت، قال المسعودي: وكان هذا السد من بناء سبأ بن يشجب بن يعرب. (ياقوت: مأرب) . [2] في الأصل: (ذبا) بالذال المعجمة وقد تكررت بهذا الرسم. دبا: قال الأصمعي، سوق من أسواق العرب بعمان، وهي غير دما، ودما أيضا من أسواق العرب، وبعمان مدينة قديمة مشهورة لها ذكر في أيام العرب وأخبارها وأشعارها، وكانت قديما قصبة عمان، ولعل هذه السوق المذكورة فتحها المسلمون في أيام أبي بكر الصديق رضي الله عنه عنوة سنة 11 هـ-، وأميرهم حذيفة بن محصن فقتل وسبى. (ياقوت: دبا) . [3] في الأصل: (فطرده) . [4] حذيفة بن محصن الغلفاني (القلعاني) من حمير، كما في الطبري، استعمله أبو بكر على عمان بعد عزل عكرمة، ودعا أهل عمان إلى الإسلام، فأسلموا كلهم إلا أهل دبا، وولّاه عمر على اليمامة. (الطبري 3/ 314- 316، الإصابة 2/ 44، الاستيعاب 1/ 336، أسد الغابة 1/ 467) .

أَسِيرًا، وَسِرْ إِلَى زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَفْتَحَ عَلَى يَدَيْكَ بِلادَ حَضْرَمَوْتَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلا قُوَّةَ إِلا باللَّه الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ) . قَالَ: فَلَمَّا وَرَدَ الْكِتَابُ عَلَى عِكْرِمَةَ، سَارَ بِأَصْحَابِهِ إِلَى دُبَا، قَالَ: وَدَنَا الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ فَاقْتَتَلُوا، وَرَزَقَ اللَّهُ الظَّفَرَ لِعِكْرِمَةَ فَهَزَمُوهُمْ، حَتَّى بَلَغَ بِهِمْ إِلَى أَدْنَى بِلادِهِمْ، وَقَتَلَ مِنْهُمْ زُهَاءً عَنْ مِائَةِ رَجُلٍ، ثُمَّ سَارَ إِلَيْهِمْ عِكْرِمَةُ يُرِيدُ قِتَالَهُمْ ثَانِيَةً، وَدَخَلَ الْقَوْمُ مَدِينَتَهُمْ فَتَحَصَّنُوا بِهَا، وَنَزَلَ بِهِمْ عِكْرِمَةُ وَحَاصَرَهُمْ وَضَيَّقَ عَلَيْهِمْ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْحِصَارُ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا اعْتَادُوا لِذَلِكَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى عَامِلِهِمْ حُذَيْفَةَ بْنِ عَمْرٍو، وَيَسْأَلُونَهُ الصُّلْحَ عَلَى أَنَّهُمْ يُؤَدُّونَ الزَّكَاةَ وَيَرْجِعُونَ إِلَى مَحَبَّتِهِ، وَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ عِكْرِمَةُ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ عَامِلُهُمْ: (أَنَّهُ لا صُلْحَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، إِلا عَلَى الإِقْرَارِ مِنْكُمْ أَنَّا عَلَى الْحَقِّ وَأَنْتُمْ عَلَى بَاطِلٍ، وَأَنَّ قَتِيلَنَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتِيلَكُمْ فِي النَّارِ، وَعَلَى أَنَّا نَحْكُمُ فِيكُمْ بِمَا رَأَيْنَا) . قَالَ: فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ: أَنِ اخْرُجُوا الآنَ عَنْ مَدِينَتِكُمْ بِلا سِلاحٍ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ، وَدَخَلَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى حِصْنِهِمْ، فَقَتَلُوا أَشْرَافَهُمْ، وَسَبَوْا نِسَاءَهُمْ وَأَوْلادَهُمْ، وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، وَوَجَّهَ بِرِجَالِهِمْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَهُمْ ثَلاثُ مِائَةِ رَجُلٍ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ، وَأَرْبَعُ مِائَةٍ مِنَ النِّسَاءِ وَالذَّرَارِيِّ، فَهَمَّ أَبُو بَكْرٍ بِقَتْلِ رِجَالِهِمْ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (إِنَّ الْقَوْمَ عَلَى دِينِ الإِسْلامِ، لأَنِّي أَجِدُهُمْ يَحْلِفُونَ باللَّه مُجْتَهِدِينَ مَا رَجَعُوا عَنْ دِينِ الإِسْلامِ، وَلَكِنْ شَحُّوا عَلَى أَمْوَالِهِمْ، وَقَدْ كَانَ مِنْهُمْ مَا كَانَ فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ، وَاحْبِسْهُمْ عِنْدَكَ إِلَى أَنْ تَرَى فِيهِمْ رَأْيَكَ) . قَالَ: فَأَمَرَ بِحَبْسِهِمْ، فَحُبِسُوا فِي دَارِ رَمْلَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ [1] فَلَمْ يَزَالُوا هُنَاكَ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَدَعَاهُمْ عُمَرُ، ثُمَّ قال لهم: ( [إنكم تعرفون

_ [1] رملة بنت الحارث بن ثعلبة بن الحارث بن زيد الأنصارية النجارية، من المبايعات، ذكر ابن إسحق في السيرة أن بني قريظة لما حكم فيهم سعد بن معاذ حبسوا في دار رملة بنت الحارث، وهي زوجة معاذ بن الحارث بن رفاعة. (الإصابة 7/ 651) .

أَنَّ] [1] مَا كَانَ مِنْ رَأْيِ أَبِي بَكْرٍ مَا كَانَ مِنْ رَأْيٍ، وَقَدْ مَاتَ أَبُو بَكْرٍ، وَقَدْ أَفْضَى الأَمْرُ إِلَيَّ، فَانْطَلِقُوا إِلَى أَيِّ بَلَدٍ شِئْتُمْ، فَأَنْتُمْ أَحْرَارٌ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلا فِدْيَةَ عَلَيْكُمْ) . قَالَ: فَمَضَى الْقَوْمُ عَلَى وُجُوهِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ صَارَ إِلَى بِلادِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَارَ إِلَى الْبَصْرَةِ بَعْدَ عِمَارَتِهَا فَنَزَلَهَا، وَكَانَ أَبُو صُفْرَةَ أَبُو الْمُهَلَّبِ مِمَّنْ نَزَلَ الْبَصْرَةَ بَعْدَ عِمَارَتِهَا، فِيهَا خُطَطُ الْمَهَالِبَةِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا. قَالَ: وَسَارَ عِكْرِمَةُ/ يُرِيدُ زِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ، وَبَلَغَ ذَلِكَ الأَشْعَثَ بْنَ قيس، [38 أ] فَانْحَازَ إِلَى حِصْنٍ مِنْ حُصُونِ حَضْرَمَوْتَ [2] يُقَالُ لَهُ النُّجَيْرُ [3] ، فَرَمَّهُ وَأَصْلَحَهُ، ثُمَّ جَمَعَ نِسَاءَ قَوْمِهِ وَذُرِّيَّتَهُ، فَأَدْخَلَهُمْ ذَلِكَ الْحِصْنَ. قَالَ: وَنَادَى زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ فِي أَصْحَابِهِ فَجَمَعَهُمْ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، اعْلَمُوا أَنَّكُمْ تُقَاتِلُونَ أَهْلَ رِدَّةٍ وَكُفْرٍ، فَأَظْهِرُوا أَسْلِحَتَكُمْ، وَاشْحَذُوا سُيُوفَكُمْ، فَإِنِّي نَاهِضٌ إِلَيْهِمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَهَذَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ قَدْ جَاءَكُمْ مَدَدًا لَكُمْ في عسكر لجب [4] ، فابشروا بالنصر والظفر.

_ [1] في الأصل: (إنكم ما كان) . [2] حضرموت: اسم موضع واسم قبيلة، وهي ناحية واسعة في شرقي عدن بقرب البحر، وحولها رمال كثيرة تعرف بالأحقاف، وبها قبر هود عليه السلام، وبقربها بئر برهوت، ولها مدينتان يقال لأحدهما تريم وللأخرى شبام، وعندها قلاع وقرى. وقال ابن الفقيه: حضرموت مخلاف من اليمن بينه وبين البحر رمال، وبين حضرموت وصنعاء اثنان وسبعون فرسخا، وقيل: مسيرة أحد عشر يوما، أسلم أهلها في زمن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ثم ارتد الأشعث ومن معه زمن أبي بكر، وثبت فريق من كندة على الإسلام. (ياقوت: حضرموت) . [3] النّجير: حصن باليمن قرب حضرموت منيع، لجأ إليه أهل الردة مع الأشعث بن قيس في أيام أبي بكر رضي الله عنه فحاصره زياد بن لبيد البياضي حتى افتتحه عنوة وقتل من فيه وأسر الأشعث بن قيس وذلك في سنة 12 هـ-. (ياقوت: النجير) . [4] في الأصل: (نجب) .

قَالَ: وَجَعَلَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ يُحَرِّضُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى حَرْبِ عَدُوِّهِمْ وَهُوَ يَقُولُ: (مِنَ الْخَفِيفِ) 1- يَا بَنِي كِنْدَةَ الْكِرَامَ أَعِدُّوا ... وَاسْتَعِدُّوا لِوَقْعَةِ الأَحْزَابِ 2- قَدْ أَمَدَّ الْعَدُوُّ مِنْكُمْ بِخَيْلٍ ... وَكُهُولٍ لِحَرْبِكُمْ وَشَبَابِ 3- وَأَمِدُّوا نُفُوسَكُمْ بِاصْطِبَارٍ ... حِينَ تَلْقَوْنَ جَمْعَهُمْ وَاحْتِسَابِ 4- إِنَّكُمْ طَالَ مَا بِهِمْ قَدْ ظَفِرْتُمْ ... وَأَقَمْتُمْ لِلْقَوْمِ سُوقَ الضِّرَابِ 5- فَامْنَحُوهُمْ إِذَا الْتَقَيْتُمْ طِعَانًا ... وَضِرَابًا عَلَى الْمَذَاكِي الْعِرَابِ [1] قَالَ: وَبَلَغَ ذَلِكَ الأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ بِأَنَّ زِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ قَدْ شَجَّعَ أَصْحَابَهُ، فَجَعَلَ الأَشْعَثُ أَيْضًا يُشَجِّعُ أَصْحَابَهُ وَيُحَرِّضُهُمْ وَهُوَ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ كِنْدَةَ، لا يُهَوِّلَنَّكُمْ مَدَدُ أَعْدَائِكُمْ لأَصْحَابِهِمْ فَإِنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَالْقَوْمُ مَعَ الصَّبْرِ لا يَثْبُتُونَ، فَقَاتِلُوهُمْ مُحْتَسِبِينَ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: (مِنَ الرَّمَلِ) 1- لا يَهُولَنَّكُمْ بَنِي عَمْرِو النَّدَى ... مَدَدُ الْمَكِّي إِلَيْهِمْ [2] عِكْرِمَهْ 2- فَاسْتَعِدُّوا بِرِمَاحٍ شُرَّعٍ ... وَسُيُوفِ الْهِنْدِ تَفْرِي الْقِمَمَهْ [3] 3- وَاصْبِرُوا عَنْ كُلِّ مَا نَابَكُمُ ... فَعَلَى مَالِكِ تَيْمٍ وَكَمَهْ [4] 4- هَذِهِ نِيرَانُ حَرْبٍ أُضْرِمَتْ ... فَاصْطَلُوا نِيرَانَ حَرْبٍ مُضْرَمَهْ

_ [1] المذاكي العراب: المذاكي من الخيل التي أتى عليها بعد قروحها سنة أو سنتان. والعراب الخيل العتيقة الأصيلة، خلاف الهجينة وخلاف البخاتي والبراذين. [2] في الأصل: (إليكم) . وهو خلاف المراد. [3] القممة: جمع القمة، أعلى الرأس وكل شيء، وجماعة الناس. [4] مالك تيم: لعله يريد مالك بن تيم الله بن ثعلبة من بكر بن وائل. (جمهرة النسب ص 315) . الوكمة: من وكم الشيء قمعه، والوكم: القمع.

5- لَسْتُمُ فِيهَا بِأَنْكَاسٍ وَلا ... عُزْلا مِثْلَ اللِّئَامِ الْقِرَمَهْ [1] 6- فَافْلَقُوا بِالْبِيضِ هَامَاتِ الْعِدَى ... فِي الْوَغَى حَتَّى تُلاقَى الْبُهَمَهْ [2] قَالَ: وَجَعَلَ كُلُّ رَأْسٍ [3] مِنْ رُؤَسَاءِ كِنْدَةَ يُحَرِّضُ بَنِي عَمِّهِ عَلَى الْحَرْبِ، وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ لا يُقَصِّرُوا. قَالَ: وَأَصْبَحَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ وَقَدْ عَبَّى أَصْحَابَهُ، وَعَبَّى الأَشْعَثُ أَيْضًا أَصْحَابَهُ، وَتَسَرْبَلَ فِي سِلاحِهِ، وَعَلَى رأسه تاج لجده يزيد بن معديكرب، وَتَقَدَّمَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ حَتَّى وَقَفَ قُدَّامَ أَصْحَابِهِ، وَجَالَتِ الْحَرْبُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، وَاقْتَتَلُوا قِتَالا شَدِيدًا، وَتَنَاشَدُوا أَشْعَارًا لَمْ نَذْكُرْهَا، وَخَرَجَ الأَشْعَثُ لِزِيَادٍ، فَانْهَزَمَ زِيَادٌ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى دَخَلُوا مَدِينَةَ حَضْرَمَوْتَ فَتَحَصَّنُوا بِهَا، وَبَلَغَ ذَلِكَ عِكْرَمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ، فَكَتَبَ إِلَى زِيَادٍ يُعْلِمُهُ الْوَقْتَ الَّذِي يُوَافِيهِ فِيهِ، وَأَنَّهُ يُوَافِيهِ فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: فَفَرِحَ زِيَادٌ وَأَصْحَابُهُ، وَخَرَجَ مِنْ مَدِينَةِ تِرْيَمَ [4] ، وَأَنَّهُ يَشُكُّ بِقُدُومِ عِكْرِمَةَ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي وَعَدَهُ عِكْرِمَةُ أَنْ يُوَافِيَهُ فِيهِ، رَكِبَ زِيَادٌ فِي أَصْحَابِهِ/ وَخَرَجَ مِنْ مَدِينَةِ تِرْيَمَ، وَأَنَّهُ ليشد بالأيدي على استواء فرسه من [38 ب] الْجِرَاحَاتِ، فَعَلِمَ الأَشْعَثُ أَنَّ زِيَادًا [5] قَدْ خَرَجَ إِلَيْهِ، ثُمَّ رَكِبَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَسَارُوا نَحْوَ زِيَادٍ عَلَى غَيْرِ تَعْبِئَةٍ، فَلَمَّا تَلاقَى الْجَمْعَانِ، اخْتَلَطَ الْقَوْمُ وَاقْتَتَلُوا قِتَالا شَدِيدًا، وَهُمْ أَصْحَابُ زِيَادٍ بِالْهَزِيمَةِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ وَصَلَ إِلَيْهِمْ عِكْرِمَةُ فِي تَعْبِئَةٍ حَسَنَةٍ، وَخَيْلٍ عِتَاقٍ، وسلاح شاك، ورجال جلد.

_ [1] القرمة: سمة تكون فوق أنف البعير تسلخ منها جلدة ثم تجمع فوق أنفه، فتلك القرمة، والقرمة والقرامة: الجلدة المقطوعة منه. (اللسان: قرم) . [2] البهمة: بسكون الهاء وقد حركها الشاعر لضرورة الوزن، والبهمة: الشجاع الذي لا يهتدي من أين يؤتى، والخطة الشديدة، والصخرة، والجيش. (القاموس: بهم) . [3] الرأس: سيد القوم، كالرئيس. [4] ذكر أنهم تحصنوا بمدينة حضرموت. [5] في الأصل: (الزياد) .

قَالَ: وَنَظَرَتْ قَبَائِلُ كِنْدَةَ إِلَى خَيْلِ عِكْرِمَةَ وَقَدْ أَشْرَفَتْ عَلَيْهِمْ، فَصَاحُوا بِالأَشْعَثِ، مَا تَرَى هَذِهِ خَيْلُ عِكْرِمَةَ قَدْ أَشْرَفَتْ، وَنَحْنُ تَعِبْنَا وَخَيْلُنَا قَدْ كَلَّتْ، وَعَامَّتُنَا جَرْحَى. قَالَ: فَشَجَّعَهُمُ الأَشْعَثُ وَأَمَرَهُمْ بِالصَّبْرِ وَنَهَاهُمْ عَنِ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَاخْتَلَطَتْ خَيْلُ عِكْرِمَةَ وَخَيْلُ زِيَادٍ، فَصَارُوا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَاجْتَمَعُوا وَحَمَلُوا عَلَى الأَشْعَثِ وَأَصْحَابِهِ، فَلَمْ يَزُلْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنْ مَوْضِعِهِ، لَكِنَّهُمْ أَشْرَعُوا الرِّمَاحَ فِي صُدُورِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ جَالَتِ الْخَيْلُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، وَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنْ فُرْسَانِ الأَشْعَثِ، يُقَالُ لَهُ عَرْفَجَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الذُّهْلِيُّ، فَحَمَلَ عَلَى خَيْلِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُ حَتَّى ضَجَّ الْمُسْلِمُونَ مِنْ طِعَانِهِ، قَالَ: فَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ بِسَهْمٍ فَوَقَعَ فِي فُؤَادِهِ فَقَتَلَهُ، فَصَاحَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أَبْشِرُوا فَقَدْ أَخْمَدَ اللَّهُ جَمْرَةَ كِنْدَةَ بِقَتْلِ عَرْفَجَةَ الذُّهْلِيِّ. قَالَ: وَتَقَدَّمَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ حَاسِرَ الرَّأْسِ، وَطَلَبَ الْبِرَازَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ عِكْرِمَةُ، فَجَالا ثُمَّ الْتَقَيَا بِطَعْنَتَيْنِ وَلَمْ يَصْنَعَا شَيْئًا، فَرَمَى كُلُّ وَاحِدٍ بِرُمْحِهِ مِنْ يَدِهِ وَاعْتَمَدَ عَلَى قَائِمِ سَيْفِهِ، ثُمَّ الْتَقَيَا بِضَرْبَتَيْنِ، بَدَرَهُ الأَشْعَثُ بِضَرْبَةٍ قَدَّ بِهَا بَيْضَةَ عِكْرِمَةَ، ثُمَّ إِنَّ رَجُلا يُقَالُ لَهُ النُّعْمَانِ بْنُ الْحَارِثِ، حَمَلَ عَلَى الأَشْعَثِ فَطَعَنُه طَعْنَةً مُنْكَرَةً، حَتَّى كَادَ الأَشْعَثُ أَنْ يَسْقُطَ عَنْ فَرَسِهِ. قَالَ: وَجَعَلَ الأَشْعَثُ يُقَاتِلُ، وَكُلَّمَا حَمَلَ بِفَرَسِهِ عَلَى النَّاحِيَةِ الَّتِي فِيهَا زِيَادٌ يَنْحَازُ زِيَادٌ عَنْ ذَلِكَ الْمَوْقِفِ إِلَى غَيْرِهِ. وَهَبَّتْ رِيحٌ وَثَارَ الْعَجَاجُ، فَلَمْ يُبْصِرِ النَّاسُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَحَسَرَ الأَشْعَثُ عَنْ رَأْسِهِ، وَنَادَى: الصَّبْرَ الصَّبْرَ يَا مَعْشَرَ كِنْدَةَ، فَإِنَّ الْقَوْمَ قَدْ صَبَرُوا لَكُمْ. قَالَ: وَلَمْ يَزَلِ الْقَوْمُ عَلَى ذَلِكَ إِلَى وَقْتِ الْمَسَاءِ، ثُمَّ اجْتَمَعَ الْمُسْلِمُونَ بِأَجْمَعِهِمْ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ، ثُمَّ حَمَلُوا عَلَى الأَشْعَثِ وَأَصْحَابِهِ، كَحَمْلَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَهَزَمُوهُمْ حَتَّى أَلْجَئُوهُمْ إِلَى حِصْنِهِمُ الأَعْظَمِ. قَالَ: فَدَخَلَ الأَشْعَثُ وَأَصْحَابُهُ إِلَى ذَلِكَ الْحِصْنِ وَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ. وَأَقْبَلَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وَالْمُهَاجِرُ بن أمية، وجميع المسلمين، [39 أ] حَتَّى نَزَلُوا/ عَلَى الْحِصْنِ فَأَحْدَقُوا بِهِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَاشْتَدَّ الْحِصَارُ عَلَى مَنْ فِي

الْحِصْنِ مِنْ قَبَائِلِ كِنْدَةَ، فَقَالَ لَهُمُ الأَشْعَثُ: يَا بَنِي عَمِّي، مَا الرَّأْيُ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ الرَّأْيُ أَنْ نَمُوتَ كِرَامًا، قَالَ الأَشْعَثُ: فَإِنْ كُنْتُمْ عَزَمْتُمْ عَلَى ذَلِكَ فَافْعَلُوا كَمَا أَفْعَلُ حَتَّى أَعْلَمَ أَنَّكُمْ صَادِقُونَ، قَالَ: ثُمَّ ضَرَبَ الأَشْعَثُ بِيَدِهِ إِلَى نَاصِيَتِهِ فَجَزَّهَا وَرَبَطَهَا عَلَى رَأْسِ رُمْحِهِ، وَجَزَّ الْقَوْمُ نَوَاصِيَهُمْ وَرَبَطُوهَا فِي رؤوس رِمَاحِهِمْ، وَتَبَايَعُوا عَلَى الْمَوْتِ. فَلَمَّا أَصْبَحَ الأَشْعَثُ أَمَرَ بِبَابِ الْحِصْنِ فَفَتَحَ، وَخَرَجَ فِي أَوَائِلِ الْقَوْمِ، وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ: (مِنْ مَشْطُورِ الرَّجَزِ) 1- يَا قَوْمِ إِنَّ الصَّبْرَ بِالإِخْلاصِ ... 2- فَلِلإِلَهِ فَاحْلِقُوا النَّوَاصِي 3- وَبَارِزُوا الأَعْدَاءَ بِالْعِرَاصِ ... 4- عَلَى عِتَاقِ الْخَيْلِ وَالْقِلاصِ 5- لا تَجْزَعُوا قَوْمِي مِنَ الْقِصَاصِ ... 6- وَلا تَقَرُّوا الدَّهْرَ بِالنِّكَاصِ [1] 7- أَوْ لا تَصِيرُونَ إِلَى الْخَلاصِ قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ خَلْفَهُ الْخَنْفَسِيسُ بْنُ عَمْرٍو، وَضَفِيرَتُهُ مَعْقُودَةٌ عَلَى رَأْسِ رُمْحِهِ، وَأَنْشَدَ أَبْيَاتًا اخْتَصَرْنَا عَنْ ذِكْرِهَا. قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بَعْدِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحْرِزٍ الْحُطَمِّيُ وَنَاصِيَتُهُ مَرْبُوطَةٌ فِي رَأْسِ رُمْحِهِ، وَأَنْشَدَ أَبْيَاتًا تَرَكْنَا ذِكْرَهَا. قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بَعْدِهِ مُسَيْلِمَةُ بْنُ يَزِيدَ الْقُشَيْرِيُّ، وَأَنْشَدَ أَبْيَاتًا تَرَكْنَا ذِكْرَهَا. ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بَعْدِهِ سَعْدُ بْنُ معد يكرب، وَأَنْشَدَ أَبْيَاتًا تَرَكْنَا ذِكْرَهَا، قَالَ: فَكَانَ كُلَّمَا خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ خَرَجَ مَعَهُ قَوْمُهُ وَعَشِيرَتُهُ. قَالَ: وَاخْتَلَطَ الْقَوْمُ، فَاقْتَتَلُوا عَلَى بَابِ الحصن قتالا لم يقاتلوا [2] مثله في

_ [1] النكاص: أراد بها النكوص، وهو الإحجام والتكأكؤ والرجوع عما كان عليه من خير، ولم أجد لفظ (النكاص) في المعاجم. [2] في الأصل: (لم يقتلوا) .

يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِهِمْ، حَتَّى قُتِلَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ بَشَرٌ كَثِيرٌ. قَالَ: وَأُثْخِنَ الأَشْعَثُ بِالْجِرَاحَاتِ، فَوَلَّى مُنْهَزِمًا هُوَ وَأَصْحَابُهُ، حَتَّى دَخَلُوا الْحِصْنَ، فَحَاصَرَ [الْمُسْلِمُونَ] [1] الأَشْعَثَ وَأَصْحَابَهُ أَشَدَّ حِصَارٍ. قَالَ: وَسَمِعَتْ بِذَلِكَ قَبَائِلُ كِنْدَةَ مِمَّنْ كَانَ تَفَرَّقَ عَنِ الأَشْعَثِ لَمَّا قَتَلَ رَسُولَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: يَا قَوْمَنَا، إِنَّ بَنِي عَمِّنَا قَدْ حُصِرُوا فِي حِصْنِ النُّجَيْرِ، وَهَذَا عَارٌ عَلَيْنَا أَنْ نُسْلِمَهُمْ، فَسِيرُوا بِنَا إِلَيْهِمْ. قَالَ: فَسَارَتْ قَبَائِلُ كِنْدَةَ يُرِيدُونَ مُحَارَبَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَبَيْنَ أَيْدِيهِمُ الْجَبْرُ بْنُ الْقَشْعَمِ الأرقمي شَاكٍ فِي السِّلاحِ، وَهُوَ يَقُولُ: (مِنْ مَشْطُورِ الرَّجَزِ) 1- قَدْ حُصِرَتْ كِنْدَةُ فِي النُّجَيْرِ ... 2- مَا إِنْ لَهَا عَنِ الدِّفَاعِ غَيْرِي 3- وَمُنْجِهِمْ غَيْرِي مَعًا وَخَيْرِي ... 4- وَعَنْهُمُ أَنْفِي الْعِدَا بِصَبْرِي وَأَقْبَلَ أَبُو قُرَّةَ الْكِنْدِيُّ فِي قَوْمِهِ، وَأَنْشَدَ أَبْيَاتًا لَمْ نَذْكُرْهَا. قَالَ: وَأَقْبَلَ أَبُو الشِّمْرِ الْكِنْدِيُّ فِي قَوْمِهِ مِنْ بَنِي جَمْرَةَ، وَأَنْشَدَ أَبْيَاتًا لَمْ نَذْكُرْهَا. قَالَ: وَبَلَغَ زِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ مَسِيرُ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ إِلَيْهِ، فَكَأَنَّهُ جَزَعَ لِذَلِكَ، ثم أقبل [39 ب] عَلَى عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ فَقَالَ لَهُ/ مَا تَرَى، فَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَرَى أَنْ تُقِيمَ أَنْتَ عَلَى بَابِ الْحِصْنِ مُحَاصِرًا لِمَنْ فِيهِ، حَتَّى أَمْضِيَ أَنَا فَأَلْتَقِي هَؤُلاءِ الْقَوْمَ، فَقَالَ زِيَادٌ: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ، وَلَكِنِ انْظُرْ يَا عِكْرِمَةُ، إِنْ أَظْفَرَكَ اللَّهُ بِهِمْ فَلا تَرْفَعِ السَّيْفَ عَنْهُمْ أَوْ تُبِيدَهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ. فَقَالَ عِكْرِمَةُ: لَسْتَ أَلْوِي [2] جَهْدًا فِيمَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا باللَّه العلي العظيم.

_ [1] في الأصل: (فحاصروا الأشعث) . [2] لست ألوي: لا أقصر ولا أبطئ، ألا ألوا وألوّا وأليّا، وألى واتّلى: قصر وأبطأ. (القاموس: ألا) .

قَالَ: ثُمَّ جَمَعَ عِكْرِمَةُ أَصْحَابَهُ وَسَارَ حَتَّى وَافَى الْقَوْمَ، وَقَدْ تَعَبَّأَ تَعْبِئَةَ الْحَرْبِ، فَلَمْ يَكْذِبْ [1] عِكْرِمَةُ أَنْ حَمَلَ عَلَيْهِمْ، وَاقْتَتَلُوا قِتَالا شَدِيدًا، وَجُرِحَ عِكْرِمَةُ فِي رَأْسِهِ، وَجَاءَ اللَّيْلُ فَحَجَزَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ، دَنَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَاقْتَتَلُوا حَتَّى أَمْسَوْا، وَالأَشْعُث لا يَعْلَمُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّهُ طَالَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ مَعَهُ الْحِصَارُ، وَاشْتَدَّ بِهِمُ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، فَأَرْسَلَ الأَشْعَثُ إِلَى زِيَادٍ أَنْ يُعْطِيَهُ الأَمَانَ وَلأَهْلِ بَيْتِهِ وَلِعَشَرَةٍ مِنْ وُجُوهِ أَصْحَابِهِ، فَأَجَابَهُ زِيَادٌ إِلَى ذَلِكَ، وَكَتَبَ بَيْنَهُمُ الْكِتَابَ، فَظَنَّ أَهْلُ الْحِصْنِ أَنَّ الأَشْعَثَ قَدْ أَخَذَ لَهُمُ الأَمَانَ بِأَجْمَعِهِمْ، فَسَكَتُوا وَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا، وَاتَّصَلَ الْخَبَرُ بِعِكْرِمَةَ فَقَالَ لِلَّذِينَ يُقَاتِلُونَهُ: يَا هَؤُلاءِ، عَلَى مَاذَا تُقَاتِلُونَ، فَقَالُوا: نُقَاتِلُكُمْ عَلَى صَاحِبِنَا الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ عِكْرِمَةُ: إِنَّ صَاحِبَكُمْ قَدْ طَلَبَ الأَمَانَ، وَهَذَا كِتَابُ زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ إِلَيَّ يُخْبِرُنِي بِذَلِكَ، وَرَمَى الْكِتَابَ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا قَرَأُوهُ قَالُوا: يَا هَذَا نَنْصَرِفُ، فَلا حَاجَةَ لَنَا فِي قِتَالِكَ بَعْدَ هَذَا. ثُمَّ انْصَرَفَ الْقَوْمُ عَنْ مُحَارَبَةِ عِكْرِمَةَ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ يَسُبُّونَ الأَشْعَثَ وَيَلْعَنُونَهُ، فَأَنْشَأَ عِكْرِمَةُ يَقُولُ: (مِنَ الطَّوِيلِ) 1- رَدَدْتُ بني وهب عن الحرب بعد ما ... عَلَيْنَا بِأَسْيَافٍ حِدَادٍ تَجَمَّعُوا 2- فَجَالَدْتُهُمْ صَدْرَ النَّهَارِ إِلَى الضُّحَى ... وَكَافَحَنِي مِنْهُمْ هُمَامٌ سَمَيْدَعُ [2] 3- فَلا الْقَوْمُ حَامُونَا [3] وَلا نَحْنُ عَنْهُمُ ... وَلَكِنَّ صُلْحَ الْقَوْمِ أَبْقَى وَأَوْدَعُ قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ عِكْرِمَةُ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: سِيرُوا وَأَسْرِعُوا السَّيْرَ إِلَى إِخْوَانِكُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ الأَشْعَثَ قَدْ طَلَبَ الأمان، فلعله أن يغنم زياد

_ [1] فلم يكذب: أي لم يلبث. [2] السّميدع: الكريم السيد الجميل الجسم الموطأ الأكناف، وقيل: هو الشجاع، ولا تقل (السّميدع) بضم السين، والذئب يقال له سميدع لسرعته، والرجل السريع في حوائجه. (اللسان: سميدع) وفي القاموس: سميذع بالذال المعجمة. (القاموس: سميذع) . [3] حامونا: رامونا، أي تمكنوا منا.

وَأَصْحَابُهُ مَا فِي الْحِصْنِ، إِنَّهُمْ لا يُشْرِكُونَكُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، لأَنَّهُمْ قَدْ سَبَقُوكُمْ إِلَى فَتْحِ الْحِصْنِ، إِلا أَنْ يَرَى زِيَادٌ فِي ذَلِكَ رَأْيَهُ. قَالَ: فَأَنْشَأَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَقُولُ [1] : (مِنَ الطَّوِيلِ) 1- أَلا لَيْتَ شِعْرِي وَالْحَوَادِثُ جَمَّةٌ ... أَيَشْرَكُنَا فِيهَا صِحَابُ زِيَادْ [2] 2- وَفِي بَذْلِ هَذَا ائْتِلافُ قُلُوبِنَا ... وَفِي مَنْعِ هَذَا لِلْقُلُوبِ فَسَادْ 3- نَهَضْنَا إِلَيْهِ نَاصِرِينَ وَدُونَهُ ... قَبَائِلُ أَبْطَالِ الْجِلادِ [3] مُرَادْ 4- إِذَا مَا أَتَانَا رَاكِبٌ برسالة ... رحلنا وفي الليل الطويل سواد [4] [40 أ] 5- إِلَى اللَّهِ قَوْمًا طَالِبِينَ سَبِيلَهُ [5] ... وَدِينًا نُحَامِي دُونَهُ [6] وَنَذُودْ 6- أَبَابِيلَ أَرْسَالا عَلَى كُلِّ وِجْهَةٍ ... كَأَنَّا إِذَا انْصَاحَ [7] الصَّبَاحُ جَرَادْ 7- فَلَمَّا أَتَى أَهْلُ النُّجَيْرِ مَسِيرَنَا ... وَفِي الصَّبْرِ فِي الْحَرْبِ الْعَوَانِ عِدَادْ 8- نَفَى النَّوْمَ عَنْهُمْ ذِكْرُنَا وَتَقَارَبُوا [8] ... وَقَدْ كَانَ فِيهِمْ قَبْلَ ذَاكَ بِعَادْ 9- فَأَعْطَوْا بِأَيْدِيهِمْ مَخَافَةَ حَرْبِنَا ... وَكَانَ زِيَادٌ قَبْلَ ذَاكَ يُكَادْ 10- فَقُلْ لِزِيَادٍ زَادَكَ اللَّهُ نِعْمَةً ... خُذِ الشُّكْرَ عَفْوًا فَالشَّكُورُ يُزَادْ قَالَ: ثُمَّ قَدِمَ عِكْرِمَةُ وَأَصْحَابُهُ عَلَى زِيَادٍ، وَالأَشْعَثُ بَعْدُ لَمْ يَنْزِلْ مِنَ الْحِصْنِ وَهُوَ يَسْتَوْثِقُ لِنَفْسِهِ وَلِمَنْ مَعَهُ مِنْ بَنِي عَمِّهِ، فَأَقْبَلَ زِيَادٌ عَلَى عكرمة

_ [1] جاء البيت الرابع فقط في كتاب الفتوح 1/ 66. [2] في البيت اقواء، ولعل الرواية: (فيما أصاب زياد) . [3] في الأصل: (أبطال السخاد) ولعلها تحريف الجلاد. [4] في الأصل: (أحلبنا في الليل) . والتصويب من كتاب الفتوح. [5] في الأصل: (سبيلهم) . وهو خلاف القصد. [6] في الأصل: (دونهم) . [7] انصاح: استنار وأضاء، انصاح الفجر انصياحا: إذا استنار وأضاء، وأصله الانشقاق. (القاموس واللسان: صوح) . [8] في الأصل: (وتقارنوا) .

فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ مَعَ قَبَائِلِ كِنْدَةَ، فَقَالَ: صَنَعْتُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَقِيتُ قَوْمًا لَهُمْ أَقْدَارٌ وَأَخْطَارٌ صُبْرٌ عَلَى الْمَوْتِ فَلَمْ أَزَلْ أُحَارِبُهُمْ حَتَّى عَلِمْتُ أَنَّ انْتِصَافَهُمْ مِنِّي أَكْثَرُ مِنَ انْتِصَافِي مِنْهُمْ، وَأَتَانِي كِتَابُكَ بِخَبَرِ الأَشْعَثِ أَنَّهُ بَعَثَ إِلَيْكَ يَسْأَلُكَ الأَمَانَ، فَكَفَفْتُ عَنْ حَرْبِ الْقَوْمِ وَانْصَرَفْتُ إِلَيْكُمْ. فَقَالَ زِيَادٌ: لا وَاللَّهِ، وَلَكِنَّكَ جَبُنْتَ وَضَعُفْتَ وَكَفَفْتَ عَنِ الْحَرْبِ، أَلَمْ آمُرْكَ أَنْ تَضَعَ سَيْفَكَ فِيهِمْ، ثُمَّ لا تَرْفَعْهُ عَنْهُمْ وَفِيهِمْ عَيْنٌ تَطْرُفُ، فَعَصَيْتَنِي وَأَحْبَبْتَ الْعَافِيَةَ، وَانْصَرَفْتَ إِلَيَّ بِأَصْحَابِكَ خَوْفًا مِنْ أَنْ تَفُوتَكَ الْغَنِيمَةُ، قَبَّحَ اللَّهُ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّكَ شُجَاعُ الْقَلْبِ بَعْدَ هَذَا. فَغَضِبَ عِكْرِمَةُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ يَا زِيَادُ، إِنْ لَقِيتَهُمْ وَقَدْ أَزْمَعُوا عَلَى حَرْبِكَ لَرَأَيْتَ أُسُودًا تَحْمِي أَشْبَالا وَتُكَافِحُ أَبْطَالا، ذَاتَ أَنْيَابٍ حِدَادٍ وَمَخَالِيبَ شِدَادٍ، لَتَمَنَّيْتَ أَنَّهُمْ يَنْصَرِفُونَ عَنْكَ وَيُخَلُّونَكَ، وَبَعْدُ فَإِنَّكَ أَظْلَمُ وَأَغْشَمُ وَأَجْبَنُ قَلْبًا، وَأَشَحُّ نَفْسًا، وَأَيْبَسُ كَفًّا، إِذْ قَاتَلْتَ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ، وَأَنْشَبْتَ هَذِهِ الْحَرْبَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ بِسَبَبِ نَاقَةٍ وَاحِدَةٍ، لا أَقَلَّ وَلا أَكْثَرَ، وَلَوْ لَمْ أُعِنْكَ بِجُنُودِي هَؤُلاءِ لَعَلِمْتَ أَنَّكَ تَكُونُ رَهِينَ سُيُوفِهِمْ، وَأَسِيرَ جَوَامِعِهِمْ. ثُمَّ أَنْشَأَ عِكْرِمَةُ يَقُولُ: (مِنَ الْكَامِلِ) 1- مَا كُنْتُ بِالرُّعْشِ الْكِهَامِ وَإِنَّنِي ... قِدْمًا غَدَاةَ الرَّوْعِ غَيْرُ نَكُوصِ 2- قَتْلُ الْكُمَاةِ إذا الحروب تسعّرت ... بالمرهفات لذي حَذْرُ [1] رَخِيصِ 3- لاقَيْتَ قَوْمًا أَفْزَعُوكَ بِوَقْعِهِمْ ... حَتَّى اتَّسَعْتَ وَقُلْتَ أَيْنَ مَحِيصِي 4- لَوْ لَمْ أُعِنْكَ لَكُنْتَ رَهْنَ سُيُوفِهِمْ ... تُغْرِي الْخَوَامِعُ مِنْكَ كُلَّ قَلُوصِ [2] قَالَ: ثُمَّ نَادَى عِكْرِمَةُ فِي أَصْحَابِهِ وَهَمَّ بِالرَّحِيلِ، فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ زِيَادٌ مِمَّا تَكَلَّمَ به، فقبل عكرمة عذره.

_ [1] في الأصل: (لذي حد) . [2] في الأصل: (تغري الجوامع) . الخوامع: الضباع، جمع خامعة.

وَنَزَلَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ مِنَ الْحِصْنِ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ وَعَشِيرَتِهِ مِنْ رُؤَسَاءِ بَنِي عَمِّهِ، مَعَ أَهَالِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَوْلادِهِمْ، فَقَالَ زِيَادٌ: (يَا أَشْعَثُ، أَلَسْتَ إِنَّمَا سَأَلْتَنِي الأَمَانَ لِعَشَرَةٍ مِنْ أَهَالِيهِمْ وَأَوْلادِهِمْ، وَبِهَذَا كَتَبْتُ لَكَ الْكِتَابَ) ، فَقَالَ الأشعث: [40 ب] (بَلَى، قَدْ كَانَ ذَلِكَ) ، قَالَ زِيَادٌ: / (فَالْحَمْدُ للَّه الَّذِي أَعْمَاكَ أَنْ تَأْخُذَ الأَمَانَ لِنَفْسِكَ، وَاللَّهِ لا أَرَى فِي الْكِتَابِ لَكَ اسْمًا، وَاللَّهِ لأَقْتُلَنَّكَ) ، فَقَالَ الأَشْعَثُ: (يَا أَقَلَّ الْخَلْقِ عَقْلا، أَتَرَى أَنَّهُ بَلَغَ مِنِّي الْجَهْلُ أَنْ أَطْلُبَ الأَمَانَ لِغَيْرِي وَأَتْرُكَهُ لِنَفْسِي، أَمَا إِنِّي لَوْ كُنْتُ أَخَافُ غَدْرَكَ لَبَدَأْتُ بِنَفْسِي فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ، وَلَكِنَّنِي أَنَا كُنْتُ الطَّالِبَ لِقَوْمِي الأَمَانَ فَلَمْ أَكُنْ بِالَّذِي أَطْلُبُ وَأُثْبِتُ نَفْسِي مع غيري، وأما قولك أنك تقتلني، فو الله لَئِنْ قَتَلْتَنِي لَتَجْلِبَنَّ [1] إِلَيْكَ وَعَلَى صَاحِبِكَ الْيَمَنَ بِأَجْمَعِهَا، وَخَيْلَهَا وَرَجْلَهَا، فَيُنْسِيَنَّكَ مَا قَدْ مَضَى) ، ثُمَّ أَنْشَأَ الأَشْعَثُ يَقُولُ: (مِنَ الْكَامِلِ) 1- مَا كُنْتُ أَنْسَى [2] فِي أَمَانِكَ فَاعْلَمَنْ ... نَفْسِي وَأَثْبِتْ غَيْرَهَا يَا خَاسِرْ 2- لَوْ خِفْتُ غَدْرَكَ يَا زِيَادُ سَفَاهَةً ... مَا كَانَ غَيْرِي فِي الْكِتَابِ الْعَاشِرْ 3- لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنْ سَتَفْعَلَ مَا أَرَى ... لَهَوَى بِرَأْسِكَ مِشْرَفِيٌّ بَاتِرْ 4- بَلْ أَنْتَ وَيْلَكَ يَا زِيَادُ مُلَعَّنٌ ... رَثُّ الأَمَانَةِ وَالدِّيَانَةِ غَادِرْ 5- كَمْ مَرَّةٍ مِنِّي فَرَرْتَ وَإِنَّنِي ... لَعَلَى حِصَارِكَ لَوْ أَرَدْتُ لَقَادِرْ 6- حَتَّى إِذَا ظَفِرَتْ يَدَاكَ حَصَرْتَنِي ... تَرِبَتْ يَدَاكَ أَلا فَبِئْسَ الظَّافِرْ 7- إِنِّي لأَصْبِرُ لِلْحُكُومَةِ مِنْ أَبِي ... بَكْرٍ فَيَنْظُرُ لِي فَنِعْمَ النَّاظِرْ قَالَ زِيَادٌ: (إِنِّي وَاللَّهِ لأَرْجُو أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْكَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ بِضَرْبِ عُنُقِكَ، فَإِنَّهُ أَهْلٌ لِذَلِكَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ) . فَقَالَ الأَشْعَثُ: (وَاللَّهِ يَا زِيَادُ، لَئِنْ يَأْكُلُنِي الأَسَدُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَأْكُلَنِي الْكَلْبُ، يَعْنِي بِالْكَلْبِ هُوَ، وَلَكِنْ كَيْفَ أَنْتَ يَا زِيَادُ مِنْ تِلْكَ الضَّرَبَاتِ الَّتِي نَالَتْكَ مني يوم بارزتني) .

_ [1] أجلبوا عليه: إذ تجمعوا وتألبوا، وأجلبوا عليه: يعينون عليه، وأجلب عليه: توعده بشر وجمّع الجمع عليه. (اللسان: جلب) . [2] في الأصل: (آتيك) .

قَالَ: فَسَكَتَ زِيَادٌ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا، فَازْدَادَ عَلَيْهِ غَضَبًا وَحَنَقًا، ثُمَّ اسْتَوْثَقَ بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ، وَدَخَلَ الْحِصْنَ فَجَعَلَ يَأْخُذُ الْمُقَاتِلَةَ وَيَضْرِبُ رِقَابَهُمْ صَبْرًا. فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ: (إِنَّمَا فَتَحْنَا بَابَ الْحِصْنِ لأَنَّ الأَشْعَثَ خَبَّرَنَا بِأَنَّكَ أَعْطَيْتَهُ الأَمَانَ، فَلَمْ تُقَاتِلْنَا) ، قَالَ زِيَادٌ: (كَذِبَ الأَشْعَثُ، مَا أَثْبَتُّ أَحَدًا مِنْكُمْ فِي الْكِتَابِ غَيْرَهُ وَغَيْرَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَعَشَرَةً مِنْ بَنِي عَمِّهِ) . قَالَ: فَسَكَتَ الْقَوْمُ وَعَلِمُوا أَنَّ الأَشْعَثَ هُوَ الَّذِي أَسْلَمَهُمْ لِلْقَتْلِ [1] . قَالَ: فَبَيْنَمَا زِيَادٌ كَذَلِكَ يَضْرِبُ أَعْنَاقَ الْقَوْمِ، إِذَا كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ وَرَدَ عَلَيْهِ، وَإِذَا فِيهِ: (أَمَّا بَعْدُ يَا زِيَادُ، فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ قَدْ سَأَلَكَ الأَمَانَ، وَقَدْ نَزَلَ عَلَى حُكْمِي، فَإِذَا وَرَدَ عَلَيْكَ كِتَابِي هَذَا، فَاحْمِلْهُ إِلَيَّ مُكْرَمًا، وَلا تَقْتُلَنَّ أَحَدًا مِنْ أَشْرَافِ كِنْدَةَ، صَغِيرًا وَلا كَبِيرًا، وَالسَّلامُ) . قَالَ: فَلَمَّا قَرَأَ زِيَادٌ [2] الْكِتَابَ قَالَ: (أَمَا إِنَّهُ لَوْ سَبَقَ هَذَا الْكِتَابُ قَبْلَ قَتْلِي هَؤُلاءِ مَا قَتَلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، وَلَكِنْ قَدْ مَضَى فِيهِمُ الْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ) . فَكَانَ نَهِيكُ بْنُ أَوْسٍ الأَنْصَارِيُّ [3] يَقُولُ: (لَقَدْ نَظَرْتُ إِلَى قَتْلِ كِنْدَةَ فَلَمْ أُشَبِّهْهُمْ إِلا بِقَتْلِ قُرَيْظَةَ/ يوم قتلهم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم) . [41 أ] قَالَ: ثُمَّ جَمَعَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ مَنْ بَقِيَ مِنْ بَقَايَا مُلُوكِ كِنْدَةَ، وَهُمْ ثَمَانُونَ رَجُلا، فَصَفَّدَهُمْ فِي الْحَدِيدِ، وَوَجَّهَ بِهِمْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَنْشَأَ الْمُهَاجِرُ بن أمية يقول:

_ [1] في الأصل: (للقتال) . [2] في الأصل: (الزياد) وقد كررها بهذا التعريف. [3] في الأصل: (نهيل) . وصوابه: نهيك. نهيك بن أوس بن خزمة بن عدي الأنصاري الخزرجي، شهد أحدا وما بعدها، وكان هو البشير بفتح خيبر، ثم كان رسول أبي بكر إلى زياد بن لبيد باليمن، وبعث معه زياد بالسبي وبالأشعث بن قيس أسيرا، ذكر ذلك الواقدي عن ابن أبي حبيبة عن داود بن الحصين. (الإصابة 6/ 476، الاستيعاب 4/ 1511) .

(مِنَ الْكَامِلِ) 1- هلَّا وَقَفْتَ بِرَبْعِ سَلْمَى الْمُقْفِرِ ... فَسَأَلْتَ عَنْ خَوْدٍ كِعَابٍ مُعْصِرِ [1] 2- مَمْلُوءَةِ السَّاقَيْنِ طَاوِيَةِ الْحَشَا ... وَفْرَانَةٍ [2] مِثْلَ الْغَزَالِ الأَحْوَرِ 3- بَانُوا بِهَا فَدُمُوعُ عَيْنِكَ بَعْدَهَا ... مِثْلُ الْجُمَانِ بِخَدِّكَ الْمُتَحَدِّرِ 4- دَعْ ذِكْرَ خَوْدٍ وَجَمَالٍ أَرْوَعٍ [3] ... تَسْبِي الْقُلُوبَ بِنُورِ وَجْهٍ مُقْمِرِ 5- وَاذْكُرْ وَقَائِعَ حَضْرَمَوْتَ فَإِنَّهَا ... تَشْفِي غَلِيلَ الْهَائِمِ الْمُتَحَيِّرِ 6- إِذْ نَحْنُ نجزر بالسّيوف رؤوسهم ... وَالْخَيْلُ تَعْثُرُ بِالْقَنَا الْمُتَكَسِّرِ 7- وَمُلُوكُ كِنْدَةَ فِي الْهَيَاجِ كَأَنَّهُمْ ... أُسْدُ الْعَرِينِ لَدَى الْعَجَاجِ الأَكْدَرِ 8- يَمْشُونَ فِي الْحِلَقِ الْمُضَاعَفِ بِالْقَنَا ... وَبِكُلِّ صَافِي الشَّفْرَتَيْنِ مُكَدَّرِ 9- كَمْ فَارِسٍ مِنَّا هُنَاكَ وَمِنْهُمُ ... تَحْتَ الْعَجَاجَةِ فِي الثَّرَى لَمْ يُقْبَرِ 10- وَلَنِعْمَ فُرْسَانُ الْكَرِيهَةِ فِي الْوَغَى ... كَانُوا وَنِعْمَ ذَوُو [4] السَّنَا وَالْمَفْخَرِ 11- كَانُوا الْمُلُوكَ عَلَى [5] الْبَرِيَّةِ كُلِّهَا ... بِتَسَلُّطٍ وَتَكَبُّرٍ وَتَجَبُّرِ 12- فَالْبَغْيُ أَوْرَدَهُمْ فَأَصْبَحَ جَمْعُهُمْ ... فِي مَعْرَكٍ مِثْلِ الْهَشِيمِ الْمُحْضَرِ قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى بِالأُسَارَى حَتَّى أُدْخِلُوا الْمَدِينَةَ، فَأُوقِفُوا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَلَمَّا نَظَرَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: (الْحَمْدُ للَّه الَّذِي أَمْكَنَ مِنْكَ يَا عَدُوَّ نَفْسِهِ) ، قَالَ الأَشْعَثُ: (لَعَمْرِي لَقْد أَمْكَنَكَ اللَّهُ مِنِّي، وَبَعْدُ فَإِنَّ قَوْمِي أَطَاعُونِي مُخَالِفًا، وَعَصَوْنِي مُحَارِبًا، وَقَدْ كَانَ مِنِّي مَا كان من غيري،

_ [1] الخود: الجارية الناعمة الحسنة الخلق الشابة. الكعاب: الجارية حين يبدو ثديها للنهود. المعصر: الجارية أول ما أدركت وحاضت، كأنها دخلت عصر شبابها أو بلغته. (الصحاح: خود، كعب، عصر) . [2] في الأصل: (وفراقة) وفرانة: أي وفراء ملأى. [3] في الأصل: (أريع) ، ولعله أروع: وهو من الروعة، الجمال والحسن. [4] في الأصل: (ذوي السنا) . [5] في الأصل: (عن البرية) .

وَذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَكَ زِيَادًا قَتَلَ قَوْمِي ظُلْمًا وَعُدْوَانًا، فَكَانَ مِنِّي مَا قَدْ عَلِمْتَ) . قَالَ: فَوَثَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: (يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، هَذَا الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، قَدْ كَانَ مسلما وآمن بالنبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، وَحَجَّ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، ثُمَّ إِنَّهُ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَغَيَّرَ وَبَدَّلَ، وَمَنَعَ الزكاة، وقد قال البني صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» [1] ، وَقَدْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْكَ فِيهِ، فَاقْتُلْهُ فَدَمُهُ حَلالٌ) . فَقَالَ الأَشْعَثُ: (يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، إِنِّي مَا غَيَّرْتُ وَلا بَدَّلْتُ وَلا شَحَحْتُ عَلَى مَالٍ، وَلَكِنَّ عَامِلَكَ زِيَادًا جَارَ عَلَى قَوْمِي، فَقَتَلَ مِنْهُمْ مَنْ لا ذَنْبَ لَهُ، فَأَنِفْتُ لِذَلِكَ، وَانْتَصَرْتُ لِقَوْمِي فَقَاتَلْتُهُ، وَقَدْ كَانَ مِنِّي مَا قَدْ كَانَ، فَإِنِّي أَفْدِي نَفْسِي وَهَؤُلاءِ الْمُلُوكَ، وَأُطْلِقُ كُلَّ أَسِيرٍ فِي بِلادِ الْيَمَنِ وَأَكُونُ عَوْنًا لَكَ وَنَاصِرًا مَا بَقِيتُ، عَلَى أَنَّكَ تُزَوِّجَنِي أُمَّ فَرْوَةَ بِنْتَ أَبِي قُحَافَةَ [2] ، فَإِنِّي لَكَ نِعْمَ الصِّهْرِ، فَهَذَا خَيْرٌ مِمَّا يَقُولُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) . قَالَ: فَأَطْرَقَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ: (إِنِّي قَدْ فَعَلْتُ) . قَالَ: ثُمَّ أَطْلَقَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ حَدِيدِهِ، وَأَطْلَقَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ مُلُوكِ كِنْدَةَ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَجَلَسَ، وَزَوَّجَهُ أَبُو بَكْرٍ/ رَضِيَ اللَّهُ عنه أخته [أم] فروة بنت [41 ب] أَبِي قُحَافَةَ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ غَايَةَ الإِحْسَانِ، وَكَانَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ وَأَرْفَعِهَا، وَيُقَالُ إِنَّ أُمَّ فَرْوَةَ بِنْتَ أَبِي قُحَافَةَ وَلَدَتْ مِنَ الأَشْعَثِ مُحَمَّدَ بْنَ الأَشْعَثِ [3] ، وَإِسْحَاقَ بْنَ الأَشْعَثِ، وإسماعيل، فأما

_ [1] الحديث في البخاري: جهاد 149، اعتصام 28، استتابة 2، أبو داود: حدود 1، الترمذي: حدود 25، النسائي: تحريم 14، ابن ماجة: حدود 2. [2] أم فروة بنت أبي قحافة التيمية أخت أبي بكر الصديق، ذكرها الدارقطني في كتاب الأخوة وقال: زوّجها أخوها الأشعث بن قيس، ولدت للأشعث محمدا وإسحاق وغيرهما. أمها هند بنت نفيل، ولها ذكر في فتح مكة حين فقدت طوقها، فقال لها أخوها: إن الأمانة في الناس اليوم قليلة. (الإصابة 8/ 274، جمهرة النسب ص 385، والكامل لابن الأثير 2/ 382) . [3] محمد بن الأشعث بن قيس الكندي، قائد من أصحاب مصعب بن الزبير، شهد معه أكثر وقائعه، وكان هو وعبيد الله بن علي بن أبي طالب على مقدمة جيش مصعب في حربه مع

إِسْمَاعِيلُ وَإِسْحَاقُ فَإِنَّهُمَا قُتِلا فِي أَيَّامِ عَبْدِ الملك ابن مَرْوَانَ فِي بَعْضِ الْوَقَائِعِ، وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ الأَشْعَثِ فَإِنَّهُ لَمْ يَزَلْ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَمَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَشَهِدَ مَقْتَلَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، وَقُتِلَ فِي أَيَّامِ الْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ [1] ، وَابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ [2] هُوَ الَّذِي خَرَجَ عَلَى الْحَجَّاجِ فِي أَيَّامِ دَيْرِ الْجَمَاجِمِ [3] . قَالَ: وَكَانَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ إِذَا ذَكَرَ قَتْلَى كِنْدَةَ يَتَمَثَّلُ بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ [4] .

_ [ () ] المختار الثقفي وقتل مع عبيد الله قبل مقتل المختار بأيام سنة 67 هـ-. (الإصابة 6/ 327- 328، الأعلام 6/ 39) . [1] المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي، أبو إسحاق من الثائرين على بني أمية، من أهل الطائف، انقطع في المدينة لبني هاشم، وكان مع علي بن أبي طالب في العراق، وسكن البصرة بعد مقتل علي، قبض عليه عبيد الله بن زياد بعد مقتل الحسين وجلده وحبسه، ثم نفاه إلى الطائف، انضم إلى عبد الله بن الزبير بعد موت يزيد، فأرسله إلى الكوفة، وكان أكبر همه أن يقتل من قاتلوا الحسين، فدعا إلى إمامة محمد بن الحنفية، ولما اشتدت شوكة المختار قاتله مصعب بن الزبير، فقتله ومن كان معه سنة 67 هـ-. (الطبري 7/ 146، ابن الأثير 4/ 82- 108، الحور العين ص 182، ثمار القلوب ص 70، فرق الشيعة ص 23، الإصابة 6/ 349- 353، الأعلام 7/ 192) . [2] عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي، أمير من القادة الشجعان وصاحب الوقائع مع الحجاج الثقفي، ثار على الحجاج واستولى على الكوفة، وحدثت بينهما وقعة دير الجماجم التي انتهت بخروج ابن الأشعث من الكوفة والتجائه إلى رتيبل ملك الترك، ثم قتله رتيبل وأرسل برأسه إلى الحجاج بعد تهديد الحجاج له، وكان قتله سنة 85 هـ-. (الطبري 8/ 39، ابن الأثير 4/ 192، الأخبار الطوال ص 306، الأعلام 3/ 323) . [3] دير الجماجم بظاهر الكوفة، على سبعة فراسخ منها على طرف البر للسالك إلى البصرة، وعند هذا الموضع كانت الوقعة بين الحجاج وعبد الرحمن بن الأشعث، التي كسر فيها ابن الأشعث وقتل القراء. (ياقوت: دير الجماجم) . [4] جاء البيتان: 1، 3 مع بيتين آخرين في فتوح البلدان ص 113، وتاريخ الطبري 3/ 341، وتاريخ دمشق 3/ 71، ونسب الطبري الأبيات إلى الأشعث بن مئناس السكوني يبكي أهل النجير.

نبذة في ذكر المثنى بن حارثة الشيباني، وهو أول الفتوح بعد قتال أهل الردة، وهو أيضا من رواية ابن الأعثم الكوفي

(مِنَ الطَّوِيلِ) 1- لَعَمْرِي وَمَا عُمْرِي عَلَيَّ بِهَيِّنٍ ... لَقَدْ كُنْتُ بِالْقَتْلَى أَحَقَّ ضَنِينِ [1] 2- وَإِنْ يَكُ هَذَا الدَّهْرُ فَرَّقَ بَيْنَنَا ... فَمَا الدَّهْرُ عِنْدِي بَعْدَهُمْ بِمَكِينِ [2] 3- وَلا غَزْوَ إِلا يَوْمَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ ... فَلَسْتُ لِشَيْءٍ بَعْدَهُمْ بِأَمِينِ [3] 4- فَلَيْتَ جُنُوبَ النَّاسِ قَبْلَ جُنُوبِهِمْ ... وَلَمْ يُنْسَ أَنِّي بَعْدَهُمْ بِحَنِينِ [4] انْقَضَتْ أَخْبَارُ الرِّدَّةِ عَنْ آخِرِهَا بِحَمْدِ اللَّهِ وَمِنَّتِهِ وَحُسْنِ تَيْسِيرِهِ وَعَوْنِهِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ [5] . نُبْذَةٌ فِي ذِكْرِ الْمُثَنَّى بْنِ حَارِثَةَ الشَّيْبَانِيِّ، وَهُوَ أَوَّلُ الْفُتُوحِ بَعْدَ قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ، وَهُوَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الأَعْثَمِ الْكُوفِيِّ [6] . قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ حُرُوبِ الرِّدَّةِ، عَزَمَ عَلَى مُحَارَبَةِ الأَعَاجِمِ مِنَ الْفُرْسِ وَالرُّومِ وَأَصْنَافِ الْكَفَرَةِ [7] . وَكَانَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ أَوَّلَ

_ [ () ] والأبيات: 1، 3، 4 مع بيت آخر في الاكتفاء ص 221. والبيت الأول في كتاب الفتوح 1/ 70. [1] الطبري: (لحق ضنين) . [2] في الأصل: (عندي عندكم بمكين) . [3] الطبري: (فلا غزو إلا يوم أقرع بينهم ... وما الدهر عندي بعدهم بأمين) [4] الطبري: (فليت جنوب الناس تحت جنوبهم ... ولم تمش أنثى بعدهم لجنين) وبعده بيت آخر هو: وكنت كذات البوّ ريعت فأقبلت ... على بوّها إذ طرّبت بحنين [5] قارن كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي حيث ينقل عن الواقدي حرفيا ويختصر. [6] في كتاب الفتوح: (ذكر الفتوحات التي كانت بعد الردة مع الفرس والروم وأصنافهم من الكفرة) . (كتاب الفتوح 1/ 71) . [7] في الأصل: (وأصناف الكفر) .

مَنْ أَلِفَ الْحَرْبَ بَيْنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ الْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ الشَّيْبَانِيُّ، وَذَلِكَ أَنَّ رَبِيعَةَ مِنْ بَنِي شَيْبَانَ وَغَيْرِهِمْ، سَكَنُوا الْعِرَاقَ مِنْ قَحْطٍ أَصَابَهُمْ بِالتَّهَائِمِ وَالْحِجَازِ، فَارْتَحَلَتْ رَبِيعَةُ إِلَى الْعِرَاقِ مِنَ الْقَحْطِ الَّذِي أَصَابَهُمْ، فَأَتَتِ الْجَزِيرَةَ وَسَكَنَتِ الْيَمَامَةَ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ بَعْضُ شُعَرَائِهَا [1] : (مِنَ الْكَامِلِ) 1- كَانَتْ تِهَامَةُ دَارَنَا حَتَّى إِذَا ... أَزِمَتْ فَأَخْلَفْنَا بِهَا الأَمْطَارُ 2- سِرْنَا إِلَى كَلإِ الْعِرَاقِ وَرِيفِهِ ... حَتَّى اسْتَقَرَّ بِنَا هُنَاكَ قَرَارُ 3- الْقَحْطُ سَارَ بِنَا وَخَيَّمَ غَيْرُنَا ... فِيهَا وَلَوْ شَاءَ الْمَسِيرَ لَسَارُوا 4- سِرْنَا فَقَارَعْنَا الْمُلُوكَ فَقَصَّرُوا ... عَنَّا فأنجد منجد وَأَغَارُوا قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَتْ رَبِيعَةُ الْعِرَاقَ، بَعَثَ إِلَيْهِمْ كِسْرَى مَلِكُ الْفُرْسِ فَدَعَاهُمْ، ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ، مَا الَّذِي أَقْدَمَكُمْ إِلَى بَلَدِي، فَقَالُوا: أَيُّهَا الْمَلِكُ، أَصَابَنَا فِي بَلَدِنَا قَحْطٌ وَجَهْدٌ، فَرَغِبْنَا فِي مُجَاوَرَةِ الْمَلِكِ، وَفَزِعْنَا إِلَى أَرْضِهِ وَالْكَيْنُونَةِ [2] فِي كَنَفِهِ، وَالاتِّصَالِ بِقُرْبِهِ، فَإِنْ أَذِنَ لَنَا أَقَمْنَا، وَإِلا ارْتَحَلْنَا. فَأَذِنَ لَهُمْ كِسْرَى فِي الْمُقَامِ عَلَى أَنَّهُمْ [3] لا يُفْسِدُونَ، وَأَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ لَهُ الْجِوَارَ، فَضَمِنُوا لَهُ ذَلِكَ قَالَ: فَنَزَلَ [4] بَنُو شَيْبَانَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ رَبِيعَةَ أَرْضَ الْعِرَاقِ، فَكَانُوا لا يُؤْذُونَ أَحَدًا مِنَ الْفُرْسِ، وَكَذَلِكَ الْفُرْسُ لَمْ يَكُونُوا يُؤْذُونَ [5] أَحَدًا مِنَ الْعَرَبِ، فَأَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُقِيمُوا. ثُمَّ إِنَّ الْفُرْسَ جَعَلَتْ تَتَعَدَّى عَلَى الْعَرَبِ وَتُؤْذِيهِمْ غاية الأذى، لسبب

_ [1] الخبر نفسه في كتاب الفتوح 1/ 73، ولكنه يختصر ويستثني الشعر، وقد يذكر البيت الأول فقط. [2] في الأصل: (والليونة) . [3] في الأصل: (إلا أنهم) . [4] في الأصل: (فنزلوا بنو شيبان) . [5] في الأصل: (لا يكونوا يؤذوا) .

الْمُلْكِ أَنَّهُ فِيهِمْ، فَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ/ حَتَّى وقعت بينهم العداوة والشحناء، فجعل [42 أ] الْمُثَنَّى يُغِيرُ عَلَى أَسَاوِرَةِ الْفُرْسِ مِمَّنْ كَانَ بِنَاحِيَةِ الْكُوفَةِ وَسَوَادِهَا، وَيُؤْذِيهِمْ غَايَةَ الأَذَى، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُتَمَسِّكٌ بِدِينِ الإِسْلامِ. قَالَ: وَبَلَغَ أَبَا بَكْرٍ فِعَالُهُ وَوَقْعُهُ [1] بِالْفُرْسِ، فَقَالَ لِلْمُسْلِمِينَ: (وَيْحَكُمْ، مَنْ هَذَا [الَّذِي] يَأْتِينَا خَبَرُهُ وَوَقَائِعُهُ قَبْلَ مَعْرِفَةِ خَبَرِهِ) ، قَالَ: فَوَثَبَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ الْمِنْقَرِيُّ وَقَالَ: (يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، هَذَا رَجُلٌ غَيْرُ خَامِلِ الذِّكْرِ، وَلا مَجْهُولُ النَّسَبِ، وَلا بِقَلِيلِ الْعَدَدِ وَالْمَدَدِ، هَذَا الْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ الشَّيْبَانِيُّ) . فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَجَعَلَهُ رَئِيسًا عَلَى قَوْمِهِ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِخِلْعَةٍ وَلِوَاءٍ، وَأَمَرَهُ بِقِتَالِ الْفُرْسِ. قَالَ: فَجَعَلَ الْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ يُقَاتِلُ الْفُرْسَ مِنْ نَاحِيَةِ الْكُوفَةِ وَمَا يَلِيهَا، وَيُغِيرُ عَلَى أَطْرَافِهَا، فَلَمْ يَتْرُكْ لَهُمْ سَارِحَةً وَلا رَائِحَةً إِلا اسْتَاقَهَا، وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ حَوْلا كَامِلا أَوْ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّهُ دَعَا بِابْنِ عَمٍّ لَهُ يُقَالُ لَهُ سُوَيْدُ بْنُ قُطْبَةَ [2] فَضَمَّ إِلَيْهِ جَيْشًا وَوَجَّهَهُ إِلَى نَحْوِ الْبَصْرَةِ، فَجَعَلَ يُحَارِبُ أَهْلَ الْبَصْرَةِ وَالأُبُلَّةِ [3] وَمَا يَلِيهِمْ مِنَ الْفُرْسِ. قَالَ: فَكَانَ الْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ بِنَاحِيَةِ الْكُوفَةِ وَمَا يَلِيهَا، وَسُوَيْدُ بْنُ قُطْبَةَ بِنَاحِيَةِ الْبَصْرَةِ [4] وَمَا يَلِيهَا، وَهُمَا [5] يُحَارِبَانِ الْفُرْسَ ولا يفتران من ذلك.

_ [1] في الأصل الكلمة غير واضحة كأنها: (وصفه) . [2] سويد بن قطبة الوائلي، له ذكر في الفتوح، لما قدم خالد بن الوليد موضع البصرة وجد بها رجلا يدعى سويد بن قطبة من بني بكر بن وائل، وقد اجتمع إليه جماعة، فجعل خالد سويد بن قطبة في أصحابه. (الإصابة 3/ 270- 271) . [3] الأبلة: بلدة على شاطئ دجلة البصرة العظمى في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة، وهي أقدم من البصرة، لأن البصرة مصرت في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكانت الأبلة فيها مسالح من قبل كسرى وقائد. (ياقوت: الأبلة) . [4] يريد بالبصرة والكوفة موضعهما قبل أن تمصرا، لأن البصرة مصرت سنة 14 هـ- في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومصرت الكوفة بعدها بستة أشهر. انظر (ياقوت: البصرة) . [5] في الأصل: (وهم) .

قَالَ: فَتَكَاثَرَتِ الْفُرْسُ عَلَى الْعَرَبِ حَتَّى كَادُوا أَنْ يُنَحُّوهُمْ عَنْهَا. وَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَاغْتَمَّ لِذَلِكَ وَلَمْ يَدْرِ مَا يَصْنَعُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، عِنْدِي رَأْيٌ أُشِيرُ بِهِ عَلَيْكَ) ، قَالَ: (وَمَا ذَلِكَ يَا أَبَا حَفْصٍ) ، قَالَ: (هَذَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ قَدْ فَتَحَ اللَّهُ الْيَمَامَةَ عَلَى يَدِهِ، وَهُوَ مُقِيمٌ بِهَا، مُصَاهِرٌ لِبَنِي حَنِيفَةَ، فَاكْتُبْ إِلَيْهِ وَمُرْهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى الْعِرَاقِ حَتَّى يَطَأَ لَكَ الْفُرْسَ بِخَيْلِهِ وَرَجْلِهِ مَعَ الْمُثَنَّى بْنِ الْحَارِثَةِ وَأَصْحَابِهِ، فَلَعَلَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَكْفِيكَ بِهِ أَمْرَ الْفُرْسِ) . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (هَذَا لَعَمْرِي رَأْيٌ) . قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عثمان خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، أَمَّا بَعْدُ، فَالْحَمْدُ للَّه الَّذِي أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَصَدَقَ عَبْدَهُ، وَأَعَزَّ أَوْلِيَاءَهُ، وَأَذَلَّ أَعْدَاءَهُ، وَأَظْهَرَ دِينَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ، وَقَدْ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَعْدًا لا خُلْفَ فِيهِ، وَقَوْلا لا رَيْبَ فِيهِ، وَقَدْ فَرَضَ الْجِهَادَ عَلَى عِبَادِهِ فَرْضًا مَفْرُوضًا، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى [1] أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَالله يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ 2: 216 [2] . وَقَدْ أَخْبَرَنَا الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: (أَنَّ الشُّهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُحْشَرُونَ وَسُيُوفُهُمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ، وَأَوْدَاجُهُمْ تَشْخُبُ دَمًا، فَلا يَتَمَنَّوْنَ عَلَى اللَّهِ شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُمْ إِيَّاهُ حَتَّى يُوَفَّوْا أَمَانِيهِمْ، وَمَا لَمْ يَخْطُرْ عَلَى قُلُوبِهِمْ، فَمَا مِنْ شَيْءٍ يَتَمَنَّاهُ الشُّهَدَاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْدَ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلا أَنْ يُرَدُّوا إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْرَضُوا بِالْمَقَارِيضِ فِي ذَاتِ اللَّهِ، لِعِلْمِهِمْ ثَوَابَ اللَّهِ) [3] ، فَثِقُوا عِبَادَ اللَّهِ بِمَوْعُودِ اللَّهِ وَأَطِيعُوهُ فِيمَا فَرَضَ عَلَيْكُمْ، وَارْغَبُوا فِي الْجِهَادِ رَحِمَكُمُ الله، وإن [42 ب] عظمت فيه المؤونة، وبعدت فيه الشقة، وفجعتم فيه بالأموال/ والأنفس

_ [1] في الأصل: (فعسى) وهو خطأ. [2] [البقرة: 216] . [3] الحديث في باب ما يتمنى الشهيد من الرجعة إلى الدنيا، البخاري: جهاد 6، 21، مسلم: إمارة 108، 109.

وَالأَوْلادِ، انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ 9: 41 [1] ، أَلا وَإِنِّي قَدْ أَمَرْتُ ابْنَ الْوَلِيدِ بِالْمَسِيرِ إِلَى الْعِرَاقِ لِيَلْحِقَ بِالْمُثَنَّى بْنِ حَارِثَةَ، فَيَكُونُ لَهُ عَوْنًا عَلَى مُحَارَبَةِ الْفُرْسِ، وَلا يَبْرَحُهَا حَتَّى يَأْتِيَهُ أَمْرِي، فَسِيرُوا مَعَهُ رَحِمَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَثَاقَلُوا [2] عَنِ الْمَسِيرِ فَإِنَّهُ سَبِيلٌ يُعْظِمُ اللَّهُ فِيهِ الأَجْرَ وَالثَّوَابَ، وَيَزِيدُ فِيهِ الْحَسَنَاتِ لِمَنْ حَسُنَتْ بِالْجِهَادِ نِيَّتُهُ، وَعَظُمَتْ فِي الْخَيْرِ رَغْبَتُهُ، كَفَانَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمُ الْمُهِمَّ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ وَالسَّلامُ) . قَالَ: ثُمَّ بَعَثَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِكِتَابِهِ هَذَا مَعَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ: (يَا أَبَا سَعِيدٍ، انْظُرْ لا تُفَارِقْ خَالِدًا حَتَّى تُشَيِّعَهُ إِلَى الْعِرَاقِ، وَقُلْ لَهُ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ: أَنِ امْضِ إِلَى الْعِرَاقِ فَإِنَّ بِهَا قَوْمًا [3] مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ الأَعَاجِمَ، وَهُمْ قَوْمٌ مِنْ بَنِي رَبِيعَةَ بْنِ شَيْبَانَ، وَلَهُمْ بَأْسٌ وَجَلَدٌ وَشَرَفٌ وَعَدَدٌ، فَإِنِ اتّصَلْتَ بِهِمْ عَلَى الأَعَاجِمِ رَجَوْتُ أَنْ يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْكَ الْعِرَاقَ، وَإِنِ احْتَجْتُ إِلَيْكَ فِي وَقْتٍ مِنَ الأَوْقَاتِ فَحَوَّلْتُكَ مِنَ الْعِرَاقِ إِلَى غَيْرِهَا كُنْتَ أَنْتَ الأَمِيرَ مِنْ دُونِهِ وَالسَّلامُ) . قَالَ: وَسَارَ أَبُو سَعِيدٍ بِالْكِتَابِ حَتَّى قَدِمَ عَلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بِالْيَمَامَةِ، فَلَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ قَالَ: (يَا أَبَا سَعِيدٍ، إِنَّ هَذَا الرَّأْيَ لَيْسَ مِنْ رَأْيِ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يُحَوِّلَنِي إِلَى الْعِرَاقِ) [4] . قَالَ: فَأَدَّى إِلَيْهِ أَبُو سَعِيدٍ رِسَالَتَهُ الَّتِي حَمَلَهَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَطَابَتْ نَفْسُهُ لِذَلِكَ، ثُمَّ نَادَى فِي أَصْحَابِهِ، فَجَمَعَهُمْ ثُمَّ خَطَبَهُمْ، ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْهِمُ. [5] الْكِتَابَ وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، هَذَا كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَدْ وَرَدَ عَلَيْنَا يَحُضُّنَا فِيهِ عَلَى طَاعَةِ رَبِّنَا، وَجِهَادِ عَدُوِّنَا، فَإِنَّ بِالْجِهَادِ أَعَزَّ اللَّهُ

_ [1] [التوبة: 41] . [2] في الأصل: (ولا تتناوا) . [3] في الأصل: (قوم) . [4] يريد أن هذا الرأي رأي عمر بن الخطاب، لأن خالدا تزوج في بني حنيفة. [5] في الأصل: (قرأهم) .

دَعْوَتَنَا، وَجَمَعَ أُلْفَتَنَا وَكَلِمَتَنَا، وَأَمَّنَ أَمْنَنَا، وَالْحَمْدُ للَّه رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَلا وَإِنِّي خَارِجٌ مِنَ الْيَمَامَةِ، وَسَائِرٌ غَدًا نَحْوَ الْعِرَاقِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلا قُوَّةَ إِلا باللَّه، مَنْ أَرَادَ الْغَنِيمَةَ فِي الْعَاجِلَةِ، وَالْمَغْفِرَةَ فِي الآجِلَةِ، فَلْيَعْزِمْ لِلْمَسِيرِ، فَإِنِّي رَاحِلٌ) . فَقَالَ النَّاسُ: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا. قَالَ: ثُمَّ انْكَمَشَ [1] خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَخَرَجَ مِنَ الْيَمَامَةِ يُرِيدُ الْعِرَاقَ، فَسَارَ بَيْنَ يَدَيْهِ الزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ التَّمِيمِيُّ وَهُوَ يَقُولُ [2] : (مِنَ الْكَامِلِ) 1- مَنْ مُبْلِغٌ قَيْسًا وَخِنْدِفَ [3] أَنَّنَا ... عَزَمَ الإِلَهُ لَنَا وَدِينِ مُحَمَّدِ 2- كُلُّ امْرِئٍ جَلْدِ النَّحِيزَةِ [4] مَاجِدٍ ... لا يَطْمَئِنُّ فُؤَادُهُ فِي الْمَرْقَدِ 3- ضَخْمِ الدَّسِيعَةِ [5] شَدْقَمِيٍّ حَازِمٍ ... لا يَسْتَطِيرُ سَوَادُهُ فِي الْمَشْهَدِ 4- قَادَ الْجِيَادَ مِنَ الْيَمَامَةِ قَاصِدًا ... سَلِسٌ قَلائِدُهَا تَرُوحُ وَتَغْتَدِي 5- تَهْوِي إِذَا طَلَعَ النُّجُومُ صُدُورُهَا ... ببنات نعش أو تصير الْفَرْقَدِ 6- يَخْبِطْنَ [6] بِالأَيْدِي حَيَاضِيَ عَيْلَمٍ [7] ... وِرْدًا لَعَمْرُ أَبِيكَ غَيْرَ مُصَرَّدِ 7- حَتَّى رَأَى أَهْلُ الْيَمَامَةِ فِعْلَهُ ... يَوْمَ الْهَيَاجِ أَشَمَّ غَيْرَ مُعَرَّدِ [8] 8- فَأَجَادَ قَلْبٌ جَامِعٌ وَعَزِيمَةٌ ... لَيْسَتْ بِمِثْلِ عَزِيمَةِ الْمُتَلَدِّدِ [9]

_ [1] انكمش: أسرع، والكمش والكميش: الرجل السريع. (القاموس: كمش) . [2] جاء البيت الأول فقط في الإصابة 2/ 551، وقطع من كتاب الردة ص 10. [3] في الأصل: (جندب) . [4] النحيزة: الطبيعة. [5] في الأصل: (هجم الدسيعة) . الدسيعة: العطية الجزيلة. شدقمي: واسع الشدق. سواده: شخصه. [6] في الأصل: (يخطبن) . [7] في الأصل: (علم) . العيلم: الركية الكثيرة الماء. [8] التعريد: الفرار، عرد الرجل تعريدا: إذا فر. (الصحاح: عرد) . [9] المتلدد: المتردد المضطرب، فلان يتلدد: أي يلتفت يمينا وشمالا. (الصحاح: لدد) .

9- فَامْضِ فَإِنَّكَ بَلْ هُنَالِكَ ضَيْغَمٌ ... وَشَبَا سِنَانُكَ جَمْرَةُ الْمُتَوَقِّدِ 10- وَانْفُذْ فإنَّك لَوْ حَلَلْتَ بِدُومَةٍ ... فِي رَأْسِ ذُرْوَتِهَا إِذَا لَمْ تَزْدَدِ 11- فَارْمِ [1] الأَعَاجِمَ إِذْ سَمَوْتَ لِجَمْعِهِمْ ... بِفَوَارِسٍ نِيرَانُهَا لَمْ تَخْمَدِ 12- فَعَلَى يَدَيْكَ بِإِذْنِ رَبِّكَ فُتِّحَتْ ... أَبْوَابُهَا وَفَكَكْتَ كُلَّ مُقَيَّدِ قَالَ: وَسَارَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ يُرِيدُ الْعِرَاقَ، وَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى الْمُثَنَّى بْنِ حَارِثَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ [2] : (أَمَّا بَعْدُ، يَا مُثَنَّى، فَإِنِّي وَجَّهْتُ إِلَيْكَ بِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَاسْتَقْبِلْهُ بِجَمِيعِ مَنْ مَعَكَ مِنْ قَوْمِكَ وَعَشِيرَتِكَ، وَسَاعِدْهُ وَوَازِرْهُ وَكَانِفْهُ [3] وَلا تَعْصِيَنَّ لَهُ أَمْرًا، فَإِنَّهُ مِنَ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً 48: 29 [4] ، فَانْظُرْ مَا أَقَامَ مَعَكَ بِالْعِرَاقِ فَهُوَ الأَمِيرُ عَلَيْكَ، فَإِذَا شَخَصَ [5] فَأَنْتَ عَلَى مَا كُنْتَ عليه) . قال: / فورد عليه كتاب [43 أ] أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَلَمَّا قَرَأَهُ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: (هَذَا كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَدْ وَرَدَ عَلَيَّ يَأْمُرُنِي أَنْ أَسْتَقْبِلَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَلَسْتُ أَدْرِي عَلَى أَيِّ طَرِيقٍ يَقْدُمُ فَأَسْتَقْبِلُهُ، وَلَكِنْ عَلَيْنَا أَنْ لا نَنْحَازَ [6] مِنْ بَيْنِ يَدَيْ هَؤُلاءِ الْعَجَمِ فَيَطْمَعُوا [7] فِينَا، فَإِذَا عَلِمْنَا أَنَّ خَالِدًا تَقَارَبَ مِنَّا اسْتَقْبَلْنَاهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَلا قُوَّةَ إِلا باللَّه) . قَالَ: وَسَارَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِنَ الْيَمَامَةِ حَتَّى صَارَ إلى البصرة، وبها يومئذ

_ [1] في الأصل: (فارمي) . [2] انظر الرسالة في فتوح الشام- للأزدي ص 51، وجمهرة رسائل العرب ص 121. [3] في الأصل: (وأوزره) وهو تحريف. وازره: أي ساعده وعاونه. كانفه: عاونه، والمكانفة: المعاونة. [4] [الفتح: 29] . [5] في الأصل: (شاخص) . [6] في الأصل مطموسة ظهر منها: (نتخا) ولعلها: ننحاز أو نتجافى. [7] في الأصل: (فيطمعون) .

سُوَيْدُ بْنُ قُطْبَةَ السَّدُوسِيُّ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَدْ وَافَاهُ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، فَرِحَ لِذَلِكَ وَاشْتَدَّ ظَهْرُهُ، وَقَوِيَ أَمْرُهُ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَهُ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ بَنِي عَمِّهِ، فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ: (يَا سُوَيْدُ، أَيُّ مَوْضِعٍ تَعْلَمُ أَنَّهُ أَعْظَمُ شَوْكَةً لِهَؤُلاءِ الْفُرْسِ فِي هَذِهِ النَّاحِيَةِ) ، فَقَالَ: (أَصْلَحَ اللَّهُ الأَمِيرَ، مَا أَتَّقِي إِلا مِنْ أَهْلِ الأُبُلَّةِ، فَإِنَّهُمْ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ) ، فَقَالَ خَالِدٌ: (لا عَلَيْكَ يَا سُوَيْدُ، فَإِنَّهُمْ عَلِمُوا بِنُزُولِي هَذَا الْبَلَدَ غَيْرَ أَنِّي رَاحِلٌ عَنْكَ إِلَى الْبَادِيَةِ فَإِذَا أَنَا رَحَلْتُ فَعَبِّئْ أَصْحَابَكَ وَسِرْ إِلَيْهِمْ وَنَابِذْهُمُ الْحَرْبَ، فَإِنَّهُمْ سَيَطْمَعُونَ فِيكَ، فَإِذَا الْتَحَمَ الأَمْرُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ فَإِنِّي رَاجِعٌ عَلَيْهِمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَلا قُوَّةَ إِلا باللَّه) . قَالَ: ثُمَّ نَادَى خَالِدٌ فِي أَصْحَابِهِ فَرَحَلَ مِنَ الْبَصْرَةِ كَأَنَّهُ يُرِيدُ الْبَادِيَةَ، وَعَلِمَتِ الْفُرْسُ بِذَلِكَ فَطَمِعُوا فِي سُوَيْدِ بْنِ قُطْبَةَ وَعَزَمُوا عَلَى أَنْ يُصَبِّحُوهُ بِالْحَرْبِ. قَالَ: وَرَجَعَ خَالِدٌ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ رُوَيْدًا رُوَيْدًا حَتَّى صَارَ إِلَى سُوَيْدٍ، فَكَمُنَ أَصْحَابُهُ بَيْنَ النَّخِيلِ، وَالْفُرْسُ لا تَعْلَمُ بِذَلِكَ. فَلَمَّا أَصْبَحَ سُوَيْدٌ عَبَّأَ أَصْحَابَهُ فَسَارَ نَحْوَ الأُبُلَّةِ، وَعَلِمَ الْفُرْسُ بِذَلِكَ فَخَرَجُوا إِلَيْهِ كَمَا كَانُوا يَخْرُجُونَ مِنْ قَبْلُ، فَلَمَّا اخْتَلَطَ الْقَوْمُ واشتبك [- ت] الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ، خَرَجَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَنَظَرَتِ الْفُرْسُ إِلَى الْخَيْلِ قَدْ خَرَجَتْ عَلَيْهِمْ، فَوَلَّوُا الأَدْبَارَ، فَأَخَذَتْهُمُ السُّيُوفُ، فَقُتِلَ منهم زيادة على أربعة ألف، وَغَرِقَ فِي الأَنْهَارِ مِنْهُمْ مِثْلُ ذَلِكَ، وَفَرَّ الْبَاقُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ مَفْلُوتِينَ قَدْ قَطَعَ اللَّهُ دَابِرَهُمْ وَأَلْقَى الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ. قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ خَالِدٌ إِلَى سُوَيْدِ بْنِ قُطْبَةَ فَقَالَ لَهُ: (أَبْشِرْ يَا سُوَيْدُ، فَإِنَّا قَدْ عَرَكْنَاهُمْ عَرْكَةً لا يَزَالُونَ [1] هَائِبِينَ وَمِنْكَ خَائِفِينَ مَا أَقَمْتَ بِهَذَا الْبَلَدِ) . قَالَ: وَسَارَ خَالِدٌ مِنَ الْبَصْرَةِ يُرِيدُ الْكُوفَةَ، فَأَخَذَ عَلَى جَادَةِ مَكَّةَ، فَصَارَ إِلَى الْحقَّيْنِ ثُمَّ إِلَى الدُّجَيْلِ، ثُمَّ إلى الشّجا والخرجاء [2] ..............

_ [1] في الأصل: (لا يزالوا) . [2] الخرجاء: ماءة احتفرها جعفر بن سليمان قريبا من الشجى، بين البصرة وحفر أبي موسى في طريق الحاج من البصرة. (ياقوت: الخرجاء) .

وَالْجَفْرِ [1] وَمَاوِيَةَ [2] ، وَالْعَشِيرِ وَالْيَنْسُوعَةِ [3] وَالسَّمِينَةِ [4] وَالنّبَاجِ [5] ، فَهَذِهِ عَشَرَةُ مَرَاحِلَ مِنَ الْبَصْرَةِ إِلَى النّبَاجِ، وَمِنَ النّبَاجِ إِلَى مَكَّةَ مَنَازِلُ أُخَرُ مِنْهَا: الْعَوْسَجَةُ، وَالْقَرْنَتَيْنِ، وَرَامَةُ، وَطَخْفَةُ، وَالضَّرِيَّةُ، وَمَحِلَّةُ، وَجَدِيلَةُ، وَالرَّفِيفَةُ، وَقِبَا، وَشُبَيْكَةُ، وَوَجْرَةُ، وَذَاتُ عِرْقٍ، وَسِتَارُ بَنِي عَامِرٍ، وَمَكَّةُ أَعَزَّهَا اللَّهُ تَعَالَى. غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا صَارَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِالنّبَاجِ نَزَلَ عَلَى مَاءٍ لِبَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، وَهُنَاكَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ يُقَالُ لَهُ أَبْجَرُ بْنُ بُجَيْرِ بْنِ حَجَّارٍ الْعِجْلِيُّ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَقَدْ نَزَلَ هُنَاكَ بِعَسْكَرِهِ، أَقْبَلَ حَتَّى وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: (أَيُّهَا الأَمِيرُ، قَدِمْتَ خَيْرَ مَقْدَمٍ فَعَظَّمَ اللَّهُ بِكَ الْمَغْنَمَ، وَدَفَعَ بِكَ الْهِمَمَ، وَنَصَرَكَ عَلَى

_ [1] في معجم البلدان: الجفرة موضع بالبصرة. [2] ماويّة: قال الأزهري: رأيت في البادية على جادة البصرة إلى مكة منهلة بين حفر أبي موسى وينسوعة يقال لها ماوية، وكان ملوك الحيرة يتبدّون إلى ماوية فينزلونها، وقال السكوني: ماوية من أعذب مياه العرب على طريق البصرة من النباج بعد العشيرة بينهما عند التواء الوادي الرقمتان. (ياقوت: ماوية) . [3] ينسوعة: قال أبو منصور: ينسوعة القف منهلة من مناهل طريق مكة على جادة البصرة بها ركايا عذبة الماء عند منقطع رمال الدهناء بين ماوية والرياح. وقال أبو عبيد الله السكوني: الينسوعة موضع في طريق البصرة بينها وبين النباج مرحلتان نحو البصرة. (ياقوت: ينسوعة) . [4] السّمينة: أول منزل من النباج للقاصد إلى البصرة، وهو ماء لبني الهجيم فيها آبار عذبة وآبار ملحة بينهما رملة صعبة المسلك، قال: السمينة بين النباج والينسوعة كالفضة البيضاء على الطريق، وقد جاءت في شعر مالك بن الريب: ولكن بأطراف السّمينة نسوة ... عزيز عليهنّ العشية ما بيا (ياقوت: السمينة) . [5] النباج: قال أبو منصور: وفي بلاد العرب نباجان أحدهما على طريق البصرة يقال له نباج بني عامر وهو بحذاء فيد، والآخر نباج بني سعد بالقريتين، وقال غيره: النباج منزل لحجاج البصرة، وقيل: النباج بين مكة والبصرة للكريزيين، ونباج آخر بين البصرة واليمامة بينه وبين اليمامة غبّان لبكر بن وائل، وقال السكوني: النباج من البصرة على عشر مراحل، وثيتل قريب من النباج، وبهما يوم من أيام العرب مشهور لتميم على بكر بن وائل. (ياقوت: النباج) .

الْعَجَمِ) . فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ: (أَظُنُّكَ شَاعِرًا) ، فَقَالَ: (نَعَمْ أَيُّهَا الأَمِيرُ، إِنِّي شَاعِرٌ، وَإِذَا شِئْتَ قُلْتُ) ، فَقَالَ خَالِدٌ: (فَأَيْنَ السَّلامُ، فَإِنِّي أَنْكَرْتُ مِنْكَ تَرْكَ السَّلامِ) . فَقَالَ: (أَيُّهَا الأَمِيرُ لَيْسَ فِي دِينِي السَّلامُ) ، قَالَ: وَكَانَ خَالِدٌ مُتَّكِئًا فَاسْتَوَى جَالِسًا، ثُمَّ قَالَ لَهُ: (وَمَا دِينُكَ) ، فقال: (أنا على دين عيسى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ) ، فَقَالَ خَالِدٌ: (وَأَنَا عَلَى دين عيسى بن مَرْيَمَ، وَلَكِنْ هَلْ تُؤْمِنُ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم) ، [43 ب] قَالَ أَبْجَرُ: (لا، أَنَا عَلَى دِينِ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ) ، قَالَ خَالِدٌ: (إِذَنْ فَإِنِّي أَضْرِبُ/ عُنُقَكَ) ، فَقَالَ أَبْجَرُ: (وَلِمَ تَضْرِبُ عُنُقِي، لأَنِّي لا أَتَّبِعُ دِينَكَ وَلا أُؤْمِنُ بِنَبِيِّكَ) ، قَالَ خَالِدٌ: (نَعَمْ أَقْتُلُكَ لِذَلِكَ السَّبَبِ، أَلَسْتَ عَرَبِيًّا) ، قَالَ: (بَلَى) ، قَالَ: (فَإِنَّا لا نَتْرُكُ عَرَبِيًّا عَلَى غَيْرِ دِينِنَا إِلا قَتَلْنَاهُ، أَوْ يَدْخُلَ فِي دِينِ الإِسْلامِ، أَوْ يُؤَدِّيَ الْجِزْيَةَ) ، فَقَالَ أَبْجَرُ: (يَا هَذَا، وَمَتَى جِئْتُمْ بِهَذَا الدِّينِ، إِنَّمَا جِئْتُمْ بِهِ مُنْذُ سَنَوَاتٍ، وَإِنَّمَا هُوَ دِينٌ مُحْدَثٌ) ، فَقَالَ: (إِنَّهُ لَمُحْدَثٌ، وَكَذَلِكَ كَانَ دِينُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ فِي بَدْءِ مَا جَاءَ بِهِ مُحْدَثًا، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ كَانَ يَفْشُو بِهِ فِي النَّاسِ وَيَنْتَشِرُ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، حَتَّى أَكْمَلَهُ اللَّهُ، وَلا بُدَّ مِنْ أَنْ تُسْلِمَ وَإِلا ضَرَبْتُ عُنُقَكَ) ، فَقَالَ لَهُ أَبْجَرُ: (فَإِنْ رَأَيْتُ أَنْ تُؤَخِّرَنِي فِي ذَلِكَ ثَلاثًا حَتَّى أَنْظُرَ فِي أَمْرِي) ، قَالَ خَالِدٌ: (فَإِنِّي قَدْ فَعَلْتُ ذَلِكَ) ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ خَالِدٌ فَقُيِّدَ وَحُبِسَ فِي خَيْمَةٍ لَهُ يَوْمَهُ ذَلِكَ، وَإِذَا الْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ الشَّيْبَانِيُّ قَدْ أَتَى إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فِي أَصْحَابِهِ وَبَنِي عَمِّهِ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ خَالِدٌ عَلَيْهِ السَّلامَ، ثُمَّ قَالَ: (مَرْحَبًا بِفَارِسِ العرب، وخيل كل مسلم، إليّ ها هنا عندي) . قال: ثم أدناه خالد ولا طفه وَأَكْرَمَهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ حَالِهِ وَحَالِ عَشِيرَتِهِ، فَتَحَدَّثَا سَاعَةً ثُمَّ دَعَا خَالِدٌ بِالطَّعَامِ فَأَكَلا جميعا. قال: فبينما خالد والمثنى كذلك إذ ارْتَفَعَ صَوْتٌ مِنَ الْخَيْمَةِ الأُخْرَى وَهُوَ يَقُولُ: (مِنَ الطَّوِيلِ) 1- مَتَى تُنْجِنِي يَا رَبُّ مِنْ سَيْفِ خَالِدِ ... فَأَنْتَ الْمُرَجَّى فِي الأُمُورِ الشَّدَائِدِ 2- فَلَيْتَ الْمُثَنَّى كَلَّمَ الْيَوْمَ خَالِدًا ... فَيُطْلِقُ أَسْرِي أَنَّهُ خَيْرُ وَافِدِ فَقَالَ الْمُثَنَّى: (أَيُّهَا الأَمِيرُ، مَنْ هَذَا الَّذِي يَطْلُبُ النَّجَاةَ مِنْ سَيْفِكَ ويستعين

بِي عَلَيْكَ) ، فَقَالَ خَالِدٌ: (هَذَا رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ يُقَالُ لَهُ أَبْجَرُ بْنُ بُجَيْرٍ، غَيْرَ أَنَّهُ عَلَى دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ، وَقَدْ كُنْتُ عَزَمْتُ عَلَى قَتْلِهِ، وَطَلَبَ مِنِّي التَّأْخِيرَ حَتَّى يَرَى رَأْيَهُ، وَقَدْ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ فِي دِينِ الإِسْلامِ وَلا بُدَّ مِنْ قَتْلِهِ) ، فَقَالَ الْمُثَنَّى: (أَيُّهَا الأَمِيرُ، إِنْ رَأَيْتُ أَنْ تُخَلِّيَ سَبِيلَهُ فِي وَقْتِهِ هَذَا، فَإِذَا فَرَغْتَ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ فَأَنا كَفِيلُهُ أَنْ أَدْفَعَهُ إِلَيْكَ فَتَحْكُمَ فِيهِ بِمَا تُحِبُّ) . قَالَ: فَأَخْرَجَهُ خَالِدٌ وَقَالَ: (يَا عَدُوَّ اللَّهِ، لَوْلا شَفَاعَةُ هَذَا الأَمِيرِ لَمَا أَفْلَتَّ إِلا مُسْلِمًا أَوْ مَقْتُولا) ، قَالَ: فَقَالَ أَبْجَرُ: (أَيُّهَا الأَمِيرُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَوْ علمت أن دينه خير من ديني لا تبعته) . فَزَبَرَهُ خَالِدٌ وَطَرَدَهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، ثُمَّ نَادَى فِي أَصْحَابِهِ بِالرَّحِيلِ، ثُمَّ رَحَلَ وَمَعَهُ الْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ مِنَ النّبَاجِ يُرِيدُ الْكُوفَةَ. قَالَ: وَسَمِعَتِ الأَعَاجِمُ بِمَسِيرِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى مَا قِبَلَهُمْ فِي جَيْشِهِ ذَلِكَ، وَأَنَّ الْمُثَنَّى بْنَ حَارِثَةَ قَدْ صَارَ مَعَهُ، فَأَلْقَى اللَّهُ الْخَوْفَ وَالرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ، فَجَعَلُوا يُنَقَّلُونَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَيَرْتَفِعُونَ، حَتَّى صَارَ خَالِدٌ إِلَى أَرْضِ الْكُوفَةِ وَنَزَلَهَا، وَنَزَلَتْ مَعَهُ قَبَائِلُ رَبِيعَةَ مَعَ صَاحِبِهِمُ الْمُثَنَّى بْنِ حَارِثَةَ. قَالَ: ثُمَّ إِنَّ خَالِدًا كَتَبَ إِلَى جَمِيعِ مُلُوكِ الْفُرْسِ بِنُسْخَةٍ وَاحِدَةٍ [1] : (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى مَرَازِبَةِ الْفُرْسِ أَجْمَعِينَ، سَلامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ: فَالْحَمْدُ للَّه الَّذِي فَضَّ جَمْعَكُمْ، وَهَدَمَ عِزَّكُمْ، وَأَوْهَنَ كَيْدَكُمْ، وَكَسَرَ شَوْكَتَكُمْ، وَفَلَّ حَدَّكُمْ، وَشَتَّتَ كَلِمَتَكُمْ، اعْلَمُوا أَنَّ مَنْ صَلَّى صَلاتَنَا، وَتَحَرَّفَ إِلَى قِبْلَتِنَا، وَأَكَلَ مِنْ ذَبِيحَتِنَا، وَشَهِدَ شَهَادَتَنَا، وَآمَنَ بِنَبِيِّنَا عَلَيْهِ السَّلامُ، فَنَحْنُ مِنْهُ وَهُوَ مِنَّا، وَهُوَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ مَا لَنَا، وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْنَا، وَإِنْ أَبَيْتُمْ ذَلِكَ، فَقَدْ وَجَّهْتُ كِتَابِي هَذَا إِلَيْكُمْ، نَذِيرًا وَمُحَذِّرًا، فَابْعَثُوا إِلَيَّ الرَّهَائِنَ، وَاعْتَقِدُوا مِنِّي الذِّمَّةَ، وَأَدَاءَ الْجِزْيَةِ، وَإِلا فَإِنِّي سَائِرٌ إِلَيْكُمْ بِقَوْمٍ يُحِبُّونَ الْمَوْتَ كَمَا تُحِبُّونَ الْحَيَاةَ، وَقَدْ أَعْذَرَ مَنْ أنذر، والسلام) .

_ [1] انظر الرسالة مع خلاف في اللفظ واختصار في كتاب الفتوح 1/ 77، والطبري 3/ 346.

قَالَ: فَلَمَّا وَرَدَ كِتَابُ خَالِدٍ إِلَى مَرَازِبَةِ الفرس، جزعوا لذلك ولم يجيبوه [44 أ] بِشَيْءٍ، وَجَعَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ يَبْعَثُ السَّرَايَا فَتُغِيرُ عَلَى مَا أَصَابَ/ لَهُمْ مِنْ كُرَاعٍ وَمَالٍ. قَالَ: ثُمَّ سَارَ خَالِدٌ بِالْمُسْلِمِينَ حَتَّى بَرَزَ عَلَى الْحَيْرَةِ، وَبِهَا يَوْمَئِذٍ حُصُونٌ وَثِيقَةٌ وَرِجَالٌ جُلْدٌ مِنَ الْفُرْسِ وَغَيْرِهِمْ، فَلَمَّا نَزَلُوا عَلَيْهِمْ جَعَلُوا يَرْمُونَهُ بِالنُّشَّابِ، وَيَرْجُمُونَهُ بِحِجَارَةٍ، فَغَضِبَ خالد مِنْ ذَلِكَ وَأَرَادَ يَعْجَلَ عَلَيْهِمْ [1] بِالْحَرْبِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يُقَالُ لَهُ ضِرَارُ بْنُ الأَزْوَرِ الأَسَدِيُّ [2] : أَيُّهَا الأَمِيرُ، لا تَعْجَلْ عَلَى هَؤُلاءِ الْقَوْمِ، فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ لا عُقُولَ لَهُمْ، وَلَيْسَتْ لَهُمْ مَكِيدَةٌ أَكْثَرَ عِنْدَهُمْ مِنْ رَمْيِ النُّشَّابِ وَالْحِجَارَةِ، وَلَكِنِ ابْعَثْ إِلَيْهِمْ وَأْمُرْهُمْ بِالْخُرُوجِ إِلَيْكَ، وَمُرْهُمْ بِمَا تُرِيدُ مِنْهُمْ. قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ خَالِدٌ أَنْ يَبْعَثُوا رَجُلا مِنْهُمْ لَهُ عَقْلٌ وَرَأْيٌ وَفَهْمٌ، يَعْلَمُ مَا يَقُولُ وَمَا يُقَالُ لَهُ، حَتَّى أُكَلِّمَهُ، وَلَعَلِّي أَنْ أُصَالِحَكُمْ. قَالَ: فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ رَجُلا مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ الْمَسِيحِ بْنُ بَلْقَاءَ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَارِثِ بْنِ بَقِيلَةَ الْغَسَّانِيُّ [3] ، فَقَالُوا إِلَيْهِ: سِرْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ وَانْظُرْ مَا يُرِيدُ مِنَّا، فَإِنْ قَدِرْتَ عَلَى صُلْحِهِ فَصَالِحْهُ عَنَّا. قَالَ: فَخَرَجَ عَبْدُ الْمَسِيحِ، وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ له نيّف على مائتي سنة، حتى

_ [1] في الأصل: (يجعل) . [2] مرت ترجمته في ردة مالك بن نويرة. [3] عبد المسيح بن بلقاء: لعله عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حيان بن بقيلة الغساني، معمر من الدهاة من أهل الحيرة، له شعر وأخبار، يقال إنه باني قصر الحيرة، عاش زمنا طويلا في الجاهلية وأدرك الإسلام وظل على النصرانية، واجتمع به خالد بن الوليد في الحيرة، وفي أمالي المرتضى خبر عن رجل من أهل الحيرة كان يحفر أساسا لبناء فظهر له قبر عبد المسيح بن بقيلة وعند رأسه أبيات من شعره، وهو ابن أخت سطيح الكاهن، توفي نحو سنة 12 هـ-. (أمالي المرتضى: 1: 188، الديارات ص 154، اللباب 1/ 136، البيان والتبيين 2/ 74، الأعلام 4/ 153) .

صَارَ إِلَى خَالِدٍ، فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَفَعَ صَوْتَهُ وَأَنْشَأَ يَقُولُ [1] : (مِنَ الْوَافِرِ) 1- أَبَعْدَ الْمُنْذِرِينَ أَرَى سَوَامًا ... تَرُوحُ إِلَى [2] الْخَوَرْنَقِ وَالسَّدِيرِ 2- وَبَعْدَ فَوَارِسِ النُّعْمَانِ أَرْعَى ... رِيَاضًا بَيْنَ دُومَةَ وَالْحَفِيرِ [3] 3- تَحَامَاهَا فَوَارِسُ كُلِّ حَيٍّ ... مَخَافَةَ أَغْضَفٍ [4] عَالِي الزَّئِيرِ 4- فَصِرْنَا بَعْدَ مَهْلِكِهِمْ ضِيَاعًا ... كَمِثْلِ الشَّاءِ فِي الْيَوْمِ الْمَطِيرِ [5] 5- تُقَسِّمُنَا الْقَبَائِلُ مِنْ مَعَدٍّ ... عَلانِيَةً كَأَعْضَاءِ الْجَزُورِ [6] 6- وَكُنَّا لا يُبَاحُ لَنَا حَرِيمٌ ... فَنَحْنُ كَضَرَّةِ الضَّرْعِ الْفَخُورِ [7] 7- كَذَاكَ الدَّهْرُ دَوْلَتُهُ سِجَالٌ ... فَيَوْمٌ مِنْ شُرُورٍ أَوْ سرور [8]

_ [1] الأبيات غير الثالث مع زيادة بيت آخر: في الطبري 3/ 362، وكتاب الفتوح 1/ 78- 79. والأبيات: 1، 3، 4، 5 في معجم البلدان (الخورنق) . [2] في الطبري وكتاب الفتوح ومعجم البلدان: (تروح بالخورنق) . [3] الطبري وكتاب الفتوح: (قلوصا بين مرة والحفير) . دومة: هي دومة الحيرة في العراق، وليست دومة الجندل في الشام، راجع: ياقوت (دومة الجندل) الحفير: أول منزل من البصرة لمن يريد مكة (ياقوت: الحفير) . [4] الأغضف: الأسد المتثني الأذنين أو المسترخيهما، أو المسترخي أجفانه العليا على عينيه غضبا أو كبرا. (القاموس: غضف) . [5] الطبري وكتاب الفتوح: (فصرنا بعد هلك أبي قبيس ... كجرب المعز في اليوم المطير) معجم البلدان: (فصرنا بعد هلك أبي قبيس ... كمثل الشاء في اليوم المطير) [6] الطبري وكتاب الفتوح: (كأيسار الجزور) . معجم البلدان: (كانا بعض أجزاء الجزور) [7] في الأصل: (كصرة ضرع الزرير) وهو مضطرب، والتصحيح من الطبري. وبعد هذا البيت في الطبري وكتاب الفتوح: نؤدي الخرج بعد خراج كسرى ... وخرج من قريظة والنّضير [8] الطبري وكتاب الفتوح: (فيوم من مساءة أو سرور) .

قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ عَبْدُ الْمَسِيحِ مِنْ شِعْرِهِ هَذَا قَالَ لَهُ خَالِدٌ: (مِنْ أَيْنَ أَنْتَ) ، قَالَ: (مِنَ الدُّنْيَا) ، قَالَ: (مَنْ أَقْصَى أَثَرَكَ) ، قَالَ: (مِنْ صُلْبِ أَبِي) ، قَالَ: (مِنْ أَيْنَ خَرَجْتَ) ، قَالَ: (مِنْ بَطْنِ أُمِّي) ، قَالَ: فَتَبَسَّمَ خَالِدٌ، فَقَالَ: (فِي أَيِّ شَيْءٍ جِئْتَ) ، قَالَ: (فِي ثِيَابِي) ، قَالَ: (وَيْحَكَ فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ أَنْتَ) ، قَالَ: (عَلَى الأَرْضِ) ، قَالَ خَالِدٌ: (مَا أَرَاكَ تَزِيدُنِي إِلا عَمًى) ، قَالَ: (أَفَتَعْقِلُ أَمْ لا) ، قَالَ: (نَعَمْ أَعْقِلُ وَأُفِيدُ) ، قَالَ خَالِدٌ: (أَنَا أُكَلِّمُكَ كَلامَ النَّاسِ) ، قَالَ: (وَأَنَا أُجِيبُكَ بِجَوَابِ النَّاسِ) ، قَالَ خَالِدٌ: (فَمَا أَنْتُمْ) ، قَالَ: (نَحْنُ مِنْ وَلَدِ آدَمَ) ، قَالَ: (فَسِلْمٌ أَنْتَ أَمْ حَرْبٌ) ، قَالَ: (بَلْ سِلْمٌ) ، قَالَ: (فَعَرَبٌ أَنْتُمْ أَمْ نَبَطٌ) ، قَالَ: (عَرَبٌ اسْتُنْبِطْنَا وَسْطَ الْفُرْسِ) ، فَقَالَ: (اللَّهُ أَكْبَرُ، بَعْدَ حِينٍ وَقَعْتَ عَلَى نَحْوِ كَلامِي، خَبِّرْنِي الآنَ لأَيِّ شَيْءٍ بَنَيْتُمْ هَذِهِ) [1] ، قَالَ: (بَنَيْنَاهَا لِلسَّفِيهِ [2] حَتَّى يَجِيءَ الْحَلِيمُ فَيَمْنَعُهُ مِنْ ظُلْمِنَا) ، قَالَ خَالِدٌ [3] : (إِنِّي أَرَى يَدَكَ مَضْمُومَةً عَلَى شَيْءٍ، فَخَبِّرْنِي مَا فِي يَدِكَ) ، قَالَ عَبْدُ الْمَسِيحِ: (فِي يَدِي سُمُّ سَاعَةٍ) ، قَالَ خَالِدٌ: (مَا تَصْنَعُ بِهِ) ، قَالَ: (جِئْتُ بِهِ [4] مَعِي، فَإِنْ كَانَ مِنْكَ إِلَيْنَا مَا يُوَافِقُ قَوْمِي فَذَلِكَ الَّذِي أُرِيدُ، وَإِنْ كَانَتِ الأُخْرَى شَرِبْتُ هَذَا السُّمَّ وَاسْتَرَحْتُ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا، فَقَدْ طَالَ عُمْرِي فِيهَا) ، فَقَالَ خَالِدٌ: (أَرِنِي هَذَا [5] السُّمَّ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ) ، فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ فَأَخَذَهُ مِنْ رَاحَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: (بِسْمِ اللَّهِ خَيْرِ الأَسْمَاءِ، بِسْمِ اللَّهِ رَبِّ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي خَالِقٌ خَلِيقَتَهُ مِنَ الْمَاءِ) ، ثُمَّ أَلْقَى السُّمَّ فِي فِيهِ وَبَلَعَهُ، فَجَعَلَ يَرْشَحُ عَرَقًا وَلَمْ يَضُرَّهُ شَيْئًا. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَبْدِ الْمَسِيحِ فَقَالَ: (اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ، وَإِلَيْهِ مُنْقَلَبُكُمْ وَمَعَادُكُمْ وَادْخُلُوا فِي دِينِ الإِسْلامِ، فَإِنَّكُمْ قَوْمٌ عَرَبٌ، وَقَدْ جِئْتُكُمْ بِقَوْمٍ هُمْ أَحْرَصُ عَلَى الْمَوْتِ مِنْكُمْ عَلَى الْحَيَاةِ) . فَقَالَ عَبْدُ الْمَسِيحِ: (ارْقُبْ

_ [1] أي الجدران، انظر كتاب الفتوح 1/ 79: (هذه الجدران لماذا رفعتموها) . [2] في الأصل: (للصفية) . [3] في الأصل: (ما تصنع به) ، وهي مكررة في السطر الثاني. [4] في الأصل: (جبته معي) ولعلها من عامي الناسخ. [5] في الأصل: (هذه) .

عَلَيَّ [1] قَلِيلا حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى قَوْمِي وَأُخْبِرَهُمْ بِذَلِكَ) . قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ عَبْدُ الْمَسِيحِ إِلَى أَهْلِ الْحَيْرَةِ، قَالُوا لَهُ: (مَا وَرَاءَكَ) ، فَقَالَ عَبْدُ الْمَسِيحِ: (وَيْلَكُمْ يَا قَوْمِ، اعْطُوا هَؤُلاءِ الْقَوْمَ مَا يُرِيدُونَهُ مِنْكُمْ فَلَيْسَ عِنْدِي هُمْ بِنَاسٍ، وَذَلِكَ إِنِّي رَأَيْتُ السُّمَّ لا يَعْمَلُ فِيهِمْ) . قَالَ: فَعِنْدَهَا طَلَبَ الْقَوْمُ الصُّلْحَ، فَصَالَحَهُمْ خالد على مائة ألف درهم [2] / [44 ب] وَعَلَى طَيْلَسَانِ شِيرَوَيْهِ بْنِ كِسْرَى [3] ، كَانَ يَقُومُ عَلَيْهِمْ بِثَلاثِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ. قَالَ: فَوَجَّهَ خَالِدٌ ذَلِكَ الْمَالَ مَعَ الطَّيْلَسَانِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَكَانَ أَوَّلَ مَالٍ حُمِلَ مِنَ الْعِرَاقِ إِلَى الْمَدِينَةِ. قَالَ: وَكَتَبَ لَهُمْ خَالِدٌ بِذَلِكَ كِتَابًا فَدَفَعَهُ إِلَيْهِمْ. ثُمَّ رَجَعَ خَالِدٌ إِلَى مَوْضِعِهِ مِنَ الْعِرَاقِ وَنَزَلَ بِهِ، وَدَعَا بِجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ، فَضَمَّ إِلَيْهِ جَيْشًا أَلْفَ فَارِسٍ وَوَجَّهَ بِهِ إِلَى مَوْضِعٍ مِنَ الْعِرَاقِ، فَنَزَلَ بِهِ يُقَالُ لَهُ بَانْقِيَا [4] ، وَفِيهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ مِنْ عُظَمَاءِ الْفُرْسِ، وَنَادَاهُمْ رَجُلٌ مِنَ الدَّهَاقِينِ يُقَالُ لَهُ يَصْفُرُ بْنُ صُلُوبَا [5] ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ، مَكَانَكُمْ لا تعبروا، فأنا أعبر

_ [1] ارقب عليّ: انتظرني، رقبه رقبة ورقبانا ورقوبا: انتظره، كترقبه وارتقبه. (القاموس: رقب) . [2] في الطبري 3/ 364: (على تسعين ومائة ألف درهم) . [3] في الأصل: (كسرويه بن كسرى) ، والتصويب من كتاب الفتوح 1/ 80. [4] في الأصل: (بالقا) والتصويب من كتاب الفتوح 1/ 80 ومعجم البلدان (بانقيا) 1/ 331. بانقيا: ناحية من نواحي الكوفة ذكرها في الفتوح، قال أحمد بن يحيى: لما قدم خالد بن الوليد رضي الله عنه العراق بعث بشير بن سعد أبا النعمان بن بشير الأنصاري إلى بانقيا فخرج عليه فرخبنداذ في جيش فهزمهم بشير وقتل فرخبنداذ، وانصرف بشير وبه جراحة فمات بعين التمر، ثم بعث خالد جرير بن عبد الله إلى بانقيا فخرج إليه بصبهرى بن قلوبا فاعتذر إليه وصالحه على ألف درهم وطيلسان، وقال: ليس لأحد من أهل السواد عهد، إلا لأهل الحيرة وألّيس وبانقيا. (ياقوت: بانقيا) . [5] في الطبري 3/ 346 ومعجم البلدان (بانقيا) : (بصبهرى بن صلوبا) وفي كتاب الفتوح 1/ 80: (داذويه بن فرخان) .

عَلَيْكُمْ بِالصُّلْحِ، قَالَ: ثُمَّ عَبَرَ إِلَيْهِ يَصْفُرُ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنَ الْفُرْسِ، فَصَالَحُوا جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى مِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ. قَالَ: وَهَرَبَ صَاحِبُ بَانْقِيَا [1] وَهُوَ دَاذَوَيْهِ بْنُ الْفَرّخَانِ حَتَّى صَارَ إِلَى يَزْدَجِرْدَ، فَاغْتَمَّ يَزْدَجِرْدُ بِذَلِكَ غَمًّا شَدِيدًا، فَأَنْشَأَ قَيْسُ بْنُ الْحَارِثِ الأَزْدِيُّ [2] يَقُولُ: (مِنَ الطَّوِيلِ) 1- سَمَوْنَا إِلَى الأَعْدَاءِ مِنْ فارس التي ... على عزّها [يوما و] [3] في الزَّمَنِ الْخَالِي 2- عَلَيْنَا مِنَ اوْلادِ الْمُغِيرَةِ [4] بَاذِخٌ ... وَسَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ فِي الْمَحْتَدِ الْعَالِي 3- لَهُ غُرَّةٌ تَسْمُو إِلَى كُلِّ صَالِحٍ ... وَمَعْشَرُ حَرْبٍ عِنْدَ هَيْجٍ وَتَنْزَالِ 4- وَفِينَا جَرِيرٌ [5] ذُو حِفَاظٍ وَسُؤْدَدٍ ... وَخَيْرِ يَمَانٍ بَادِيًا فِي مِصَالِ [6] 5- نَمَاهُ سَلِيلٌ مِنْ ذُرَى قَسْرَ [7] مُسْعِدًا ... فَغُصَّ بِقَوْلٍ لَيْسَ بِالْهَزْلِ الْغَالِي 6- بِقَوْمٍ أُولِي [8] دِينٍ وَرَأْيٍ وَنِيَّةٍ ... وَفَضْلٍ وَإِقْدَامٍ وَلَيْسُوا بِأَنْكَالِ قَالَ: ثُمَّ سَارَ خَالِدٌ نَفْسُهُ فِي أَصْحَابِهِ حَتَّى نَزَلَ على عين التمر [9] ،

_ [1] في الأصل: (باهنا) . [2] قيس بن الحارث الأزدي: له صحبة، قال: أسلمت وعندي ثمان نسوة، فذكرت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: اختر منهن أربعة، وهو يعد من الكوفيين. (الإصابة 5/ 459، الاستيعاب 3/ 1284- 1285، تهذيب التهذيب 8/ 386) . [3] الشعر ناقص في الأصل. [4] يريد به خالد بن الوليد وجده المغيرة بن عبد الله المخزومي. (انظر جمهرة النسب ص 147- 148) . [5] هو جرير بن عبد الله البجلي وقد مرت ترجمته. [6] في الأصل: (يوم خصال) . [7] في الأصل: (من ذرى قيس) ، وصوابه قسر واسمه مالك بن عبقر بن أنمار من بجيلة بنت صعب بن سعد العشيرة. (جمهرة النسب ص 387) . [8] في الأصل: (أولو) . [9] عين التمر: بلدة قريبة من الأنبار غربي الكوفة، بقربها موضع يقال له شفاثا، منها يجلب

فَافْتَتَحَهَا قَسْرًا وَسَبَى أَهْلَهَا، وَاحْتَوَى عَلَى غَنَائِمِهَا وَأَمْوَالِهَا، وَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى فَتَحَ شَيْئًا كَثِيرًا مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ، فَأَنْشَأَ قَيْسُ بْنُ الْحَارِثِ [1] يَقُولُ فِي ذَلِكَ: (مِنْ مَشْطُورِ الرَّجَزِ) 1- إِذَا رَأَيْتَ خَالِدًا تَحَفَّفَا ... 2- قَدْ رَكِبَ الأَشْقَرَ ثُمَّ خَفَّفَا 3- فَكَانَ مِنَ الْعَجَمَيْنِ مُنْصِفًا [2] ... 4- وَهَبَّتِ الرِّيحُ شِمَالا حَرْجَفَا 5- لَوَرَدَ بَعْضُ الْقَوْمِ لَوْ تَخَلَّفَا قَالَ: وَكَانَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كُلَّمَا افْتَتَحَ مَوْضِعًا مِنَ الْعِرَاقِ أَخْرَجَ مِنْ غَنَائِمِهِ الْخُمُسَ فَيُوَجِّهُ بِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ، إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَيُقَسِّمُ بَاقِي الْمَغْنَمِ فِي أَصْحَابِهِ. قَالَ: إِلَى أَنْ تَحَرَّكَتِ الرُّومُ بِأَرْضِ الشَّامِ، فَنَرْجِعُ الآنَ إِلَى ذِكْرِ فُتُوحِ الشَّامِ بِعَوْنِ اللَّهِ وَكَرَمِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْحَمْدُ للَّه رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ. تمت بعون الله وتوفيقه آخر العصر في يوم الأحد شهر ربيع الآخر الذي خلت منه أيام 24 سنة 1278 من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام.

_ [ () ] القسب والتمر إلى سائر البلاد وهو بها كثير جدا وهي على طرف البرية، وهي قديمة افتتحها المسلمون في أيام أبي بكر على يد خالد بن الوليد في سنة 12 هـ-، وكان فتحها عنوة فسبى نساءها وقتل رجالها. (ياقوت: عين التمر) . [1] في الأصل: الحارث بن قيس، وصوابه قيس بن الحارث كما مر ومرت ترجمته.

§1/1