كتاب الرؤيا

التويجري، حمود بن عبد الله

بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ومن نزغات الشيطان وتضليله، ومن تحزينه في النوم وتهويله. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي جعل البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لأوليائه المؤمنين المتقين فقال تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس: 62 - 64]. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله خاتم الأنبياء والمرسلين، أرسله الله رحمة للعالمين، فبلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصح الأمة ودلهَّم على كل خير، وحذَّرهم من كل شر، وتركهم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وكان مما أخبرهم به أنه لم يبقَ من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد، فقد جاء في الرؤيا أحاديث كثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، بعضها في تعظيم شأن الرؤيا الصالحة، وبعضها في بيان أنواع الرؤيا وما ينبغي أن يفعله

ذكر السبب الذي دعا إلى الكتابة في الرؤيا

من رأى شيئًا منها، وبعضها في الآداب التي تتعلق بتأويل الرؤيا، وبعضها في ذكر الرؤيا الظاهرة التي لا تحتاج إلى تأويل، وبعضها في تأويل الرؤيا التي تحتاج إلى التأويل، وسأذكر من ذلك ما تيسر إن شاء الله تعالى، وأذكر ما جاء عن بعض الصحابة والتابعين في تأويل الرؤيا وما جاء عمن بعدهم ممن اشتهر بتأويل الرؤيا. والذي دعاني إلى الكتابة في هذا الموضوع هو ما رأيته من تهاون الأكثرين بشأن الرؤيا سواء كانت صالحة أو غير صالحة، وما رأيته أيضًا من جهلهم بالآداب التي تتعلق بالرؤيا وتأويلها وما ينبغي ذكره من الرؤيا وما لا ينبغي ذكره، وقد رأيت كثيرًا من الناس يسارعون إلى السؤال عما يرونه في المنام من الرؤيا المكروهة وذلك لعدم علمهم بأنه لا يجوز ذكرها ولا السّؤال عنها لأنها من تهويل الشيطان وتحزينه وربما حملهم حب الاطلاع على ذكرها لبعض المتخرصين الذين لا علم لهم بآداب الرؤيا وتأويلها فيعبَّرونها لهم من الوجه المكروه فيحصل لهم الغم والحزن من تعبيرهم. وربما وقع بهم المكروه من الرؤيا لما سيأتي في حديث أبي رزين العقيلي رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت». فليحذر العاقل من ذكر الرؤيا لكل أحد، وليحذر أيضًا أن يقص رؤياه على غير ذي رأي عالم بالتأويل. والأولى بالعاقل أن يكتم ما يراه في منامه من المكروه ولا يذكره لأحد من الناس ولو كان أقرب قريب إليه. وأما ما يراه من الحسن الذي يعجبه فإنه يذكره لمن يحبه كما سيأتي بيان ذلك في بعض الأحاديث الصحيحة. والله المسئول المرجو الإجابة أن يجعل عملي خالصًا لوجهه الكريم إنه خير مأمول وأكرم مسئول. فصل في تعظيم شأن الرؤيا الصالحة وقد جاء في تعظيمها أحاديث كثيرة تزيد على الثلاثين: الأول منها عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

يقول: «لم يبق من النبوة إلا المبشرات»، قالوا: وما المبشرات؟ قال: «الرؤيا الصالحة» رواه البخاري. وقد رواه مالك في الموطأ مختصرًا ولفظه: «ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة» ورواه أحمد وأبو داود وابن حبان في "صحيحه" والحاكم في "مستدركه" كلهم من طريق مالك وصححه الحاكم والذهبي. الحديث الثاني: روى مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لن يبقى بعدي من النبوة إلا المبشرات» فقالوا: وما المبشرات يا رسول الله؟ قال: «الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو تُرى له» «جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة» وهذا مرسل صحيح الإسناد، ويشهد له حديث أبي هريرة المذكور قبله وما سيأتي بعده من الأحاديث الصحيحة. الحديث الثالث: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أيها الناس إنه لم يبقَ من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له» رواه الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه" والبيهقي في "سننه". الحديث الرابع: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا نبي»، قال: فشق ذلك على الناس فقال: «ولكن المبشرات»، قالوا: يا رسول الله وما المبشرات؟ قال: «رؤيا الرجل المسلم وهي جزء من أجزاء النبوة» رواه الإمام أحمد والترمذي والحاكم؛ وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. وقال الحاكم: صحيح الإسناد على شرط مسلم ووافقه الذهبي في تلخيصه. وقال الترمذي: وفي الباب عن أبي هريرة وحذيفة بن أسيد وابن عباس وأم كرز وأبي أسيد. الحديث الخامس: عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يبقى بعدي من النبوة شيء إلا المبشرات»، قالوا: يا رسول الله وما المبشرات؟ قال: «الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو تُرى له» رواه الإمام أحمد

وابنه عبد الله بإسناد على شرط مسلم، وقد رواه البزار وقال فيه: قالوا: يا رسول الله وما المبشرات؟ قال: «الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو تُرى له». الحديث السادس: عن أبي الطفيل – عامر بن واثلة – رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا نبوة بعدي إلا المبشرات»، قال: قيل: وما المبشرات يا رسول الله؟ قال: «الرؤيا الحسنة»، أو قال: «الرؤيا الصالحة» رواه الإمام أحمد والطبراني. قال الهيثمي: ورجاله ثقات. الحديث السابع: عن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ذهبت النبوة فلا نبوة بعدي إلا المبشرات»، قيل: وما المبشرات؟ قال: «الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو تُرى له» رواه الطبراني والبزار. قال الهيثمي: ورجال الطبراني ثقات. الحديث الثامن: عن أم كرز الكعبية رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ذهبت النبوة وبقيت المبشرات» رواه الدارمي وابن ماجه وابن جرير وابن حبان في "صحيحه". الحديث التاسع: عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله تبارك وتعالى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ} [يونس: 64]، قال: «هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له» رواه الإمام أحمد والدارمي والترمذي وابن ماجه وابن جرير والحاكم. قال الترمذي: هذا حديث حسن، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي في تلخيصه. وفي رواية لأحمد وابن جرير عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أرأيت قول الله تبارك وتعالى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ}، فقال: «لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أمتي أو أحد قبلك»، قال: «تلك الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو تُرى له».

الأمر بالإخبار بالرؤيا الصالحة، والنهي عن الإخبار بالرؤيا المكرهة

الحديث العاشر: عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ}، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو تُرى له» رواه الإمام أحمد وابن أبي شيبة والترمذي وابن جرير والحاكم، وهذا لفظ ابن جرير في إحدى الروايات عنده ولأحمد نحوه في إحدى الروايات عنده. وقال الترمذي: هذا حديث حسن. زاد أحمد وابن جرير في إحدى الروايات عندهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «وبشراه في الآخرة الجنة» وقد جاءت هذه الزيادة في رواية ابن أبي شيبة مختصرة. الحديث الحادي عشر: عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، قال: «الرؤيا الصالحة يبشرها المؤمن، هي جزء من تسعة وأربعين جزءًا من النبوة فمن رأى ذلك فليخبر بها ومن رأى سوى ذلك فإنما هو من الشيطان ليحزنه فلينفث عن يساره ثلاثًا وليسكت ولا يخبر بها أحدًا» رواه الإمام أحمد من طريق ابن لهيعة عن دراج ابن أبي السمح. قال الهيثمي: وحديثهما حسن وفيهما ضعف وبقية رجاله ثقات. وقد رواه ابن جرير بنحوه مختصرًا ولفظه قال: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} «الرؤيا الصالحة يبشر بها العبد جزء من تسعة وأربعين جزءًا من النبوة» وفي رواية قال: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} «الرؤيا الصالحة يبشر بها المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة». الحديث الثاني عشر: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الرؤيا الحسنة هي البشرى يراها المسلم أو تُرى له» رواه ابن جرير وإسناده صحيح. وفي رواية له عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} «الرؤيا الصالحة يراها العبد الصالح أو تُرى له وهي في الآخرة الجنة». وفي رواية له قال أبو هريرة رضي الله عنه: «الرؤيا الحسنة بشرى من الله وهي المبشرات». الحديث الثالث عشر: عن هشام – وهو ابن حسان – عن محمد – وهو ابن سيرين – عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثًا ورؤيا

ذكر أنواع الرؤيا

المسلم جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة»، قال: وقال: «الرؤيا ثلاث فالرؤيا الصالحة بشرى من الله عز وجل والرؤيا تحزين من الشيطان والرؤيا من الشيء يحدث به الإنسان نفسه فإذا رأى أحدكم ما يكره فلا يحدثه أحدًا وليقم فليصل»، قال: «وأحب القيد في النوم وأكره الغُلّ، القيد ثبات في الدين» رواه الإمام أحمد عن يزيد – وهو ابن هارون – عن هشام وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد رواه مسلم وأبو داود والترمذي من طريق عبد الوهاب الثقفي عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحوه إلا أنه قد جاء في رواية مسلم: «ورؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءًا من النبوة» وليست هذه الجملة في رواية أبي داود. وجاء في رواية مسلم بعد قوله قال: «وأحب القيد وأكره الغُلّ والقيد ثبات في الدين» فلا أدري هو في الحديث أم قاله ابن سيرين، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ورواه الترمذي أيضًا من طريق قتادة عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الرؤيا ثلاث فرؤيا حق ورؤيا يحدث بها الرجل نفسه ورؤيا تحزين من الشيطان فمن رأى ما يكره فليقم فليصلَّ»، وكان يقول: «يعجبني القيد وأكره الغُلّ، القيد ثبات في الدين»، وكان يقول: «من رآني فإني أنا هو فإنه ليس للشيطان أن يتمثل بي»، وكان يقول: «لا تقصّ الرؤيا إلا على عالم أو ناصح». قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. قلت: ويستفاد منه أن ذكر القيد والغُلّ مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. ورواه ابن ماجه من طريق الأوزاعي عن ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا قرب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثًا، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة» هكذا رواه مختصرًا وإسناده صحيح. ورواه عبد الرزاق في "مصنفه" عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «في آخر الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثًا، والرؤيا ثلاث، الرؤيا الحسنة بشرى من الله، والرؤيا يحدث بها الرجل نفسه، والرؤيا تحزين من الشيطان

فإذا رأى أحدكم رؤيا يكرهها فلا يحدث بها أحدًا وليقم فليصل». قال أبو هريرة: يعجبني القيد وأكره الغُلّ، القيد ثبات في الدين، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة» وقد رواه الإمام أحمد والترمذي والحاكم من طريق عبد الرزاق. وساق مسلم إسناده من طريق عبد الرزاق وذكر منه قول أبي هريرة: «يعجبني القيد وأكره الغُلّ والقيد ثبات في الدين»، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة». وأما أول الحديث فقد اكتفى عن ذكره بما ذكره قبله من رواية عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه. وقد رواه البخاري في «باب القيد في المنام» من طريق عوف -وهو الأعرابي- قال: حدثنا محمد بن سيرين أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة وما كان من النبوة فإنه لا يكذب». قال محمد: وأنا أقول هذه. قال: وكان يقال الرؤيا ثلاث: حديث النفس وتخويف الشيطان وبشرى من الله؛ فمن رأى شيئًا يكرهه فلا يقصه على أحد وليقم فليصلَّ، قال: وكان يُكره الغُلّ في النوم، وكان يعجبهم القيد، ويقال القيد ثبات في الدين. وروى قتادة ويونس وهشام وأبو هلال عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأدرجه بعضهم كله في الحديث. وحديث عوف أبين. وقال يونس: لا أحسبه إلا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في القيد. قلت: قد جاء ذكر الغُلّ والقيد مرفوعًا وموقوفًا في أحاديث صحيحة، فأما الرفع فإنه ظاهر من رواية هشام بن حسان عن ابن سيرين، وصريح في رواية قتادة عن ابن سيرين، وصريح أيضًا فيما رواه الدارمي عن محمد بن عبد الله الرقاشي عن يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول: «أكره الغُلّ وأحب القيد، القيد ثبات في الدين» إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأما الوقف فإنه صريح في رواية أيوب عن ابن سيرين، وصريح أيضًا فيما رواه ابن أبي شيبة عن أبي أسامة عن هشام – وهو ابن حسان – عن محمد – وهو ابن

الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان

سيرين – عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أحب القيد في المنام وأكره الغُلّ، القيد ثبات في الدين» إسناده صحيح على شرط الشيخين. وعلى هذا فإنه يحتمل أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يحدث به تارة مرفوعًا وتارة يحدث به ولا يرفعه، وكذلك كان يفعل ابن سيرين يحدث به تارة مرفوعًا وتارة موقوفًا. وأما الرواة عن ابن سيرين فإن كلا منهم يحدث بما سمعه منه من الرفع أو الوقف، وبهذا يحصل الجمع بين الروايتين والله أعلم. الحديث الرابع عشر: عن عوف بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الرؤيا ثلاث، منها أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن آدم، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة» رواه ابن أبي شيبة وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي عبيد الله مسلم بن مِشْكَم عن عوف بن مالك. وزاد ابن ماجه قال: قلت له: أنت سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم، أنا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أنا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقد ذكر ابن حبان هذه الزيادة إلا أنه لم يكرر قوله، أنا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الخامس عشر: عن يحيى بن سعيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: سمعت أبا قتادة بن ربعي يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «الرؤيا الصالحة من الله والحُلْم من الشيطان، فإذا رأى أحدكم الشيء يكرهه فلينفث عن يساره ثلاث مرات إذا استيقظ وليتعوَّذ بالله من شرها فإنها لن تضره إن شاء الله». قال أبو سلمة: «إن كنت لأرى الرؤيا هي أثقل عليّ من الجبل فلما سمعت هذا الحديث فما كنت أباليها». رواه مالك والبخاري ومسلم وهذا لفظ مالك. ورواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه مختصرًا، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وزاد مسلم في رواية له: «وليتحول عن جنبه الذي كان عليه». وفي رواية ابن ماجه قال: «الرؤيا من الله والحُلْم من الشيطان فإن رأى أحدكم شيئًا يكرهه فليبصق عن يساره ثلاثًا وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم ثلاثًا وليتحول عن جنبه الذي كان عليه» إسناده صحيح وهو أحد الأسانيد عند مسلم.

ورواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم أيضًا من طريق الزهري عن أبي سلمة قال: كنت أرى الرؤيا أُعْرَى منها (¬1) غير أني لا أزمّل (¬2) حتى لقيت أبا قتادة فذكرت ذلك له فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «الرؤيا من الله والحُلْم من الشيطان فإذا حَلَم أحدُكم حُلْمًا يكرهه فلينفث عن يساره ثلاثًا وليتعوَّذ بالله من شرها فإنها لن تضره» هذا لفظ مسلم. وفي رواية أحمد قال: «فمن رأى رؤيا يكرهها فلا يخبر بها وليتفل عن يساره ثلاثًا وليستعذ بالله من شرها فإنها لا تضره». قال سفيان مرة أخرى: «فإنه لن يرى شيئًا يكرهه»؛ سفيان هو ابن عيينة رواه عن الزهري ورواه عنه أحمد. ورواية البخاري مختصرة. ورواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم أيضًا من طريق عبد ربه بن سعيد عن أبي سلمة قال: إن كنت لأرى الرؤيا تمرضني قال: فلقيت أبا قتادة فقال: وأنا فكنت لأرى الرؤيا تمرضني حتى سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «الرؤيا الصالحة من الله فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث بها إلا من يحب وإذا رأى ما يكره فليتفل عن يساره ثلاثًا وليتعوَّذ بالله من الشيطان الرجيم وشرها ولا يحدث بها أحدًا فإنها لا تضره» ورواه الدارمي بنحوه وزاد: «فإذا رأى أحدكم ما يحب فليحمد الله». وفي رواية لمسلم قال: «الرؤيا الصالحة من الله والرؤيا السوء من الشيطان فمن رأى رؤيا فكره منها شيئًا فلينفث عن يساره وليتعوذ بالله من الشيطان لا تضره ولا يخبر بها أحدًا، فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر ولا يخبر إلا من يحب». ¬

_ (¬1) قوله: أعْرى منها، أي يصيبني البرد والرَّعْدَة من الخوف يقال: عُرِي فهو مَعْرُوٌ. قال الجوهري: العُرَواء قرة الحمى ومسها في أول ما تأخذ بالرعدة وقد عُرِيَ الرجل على ما لم يسم فاعله فهو مَعْرُوٌ. وقال النووي في "شرح مسلم": أعرى بضم الهمزة وإسكان العين وفتح الراء أي أحَمُّ لخوفي من ظاهرها. قال أهل اللغة: يقال: عُرِيَ الرجل بضم العين وتخفيف الراء يُعْرى إذا أصابه عُراء بضم العين وبالمد وهو نفض الحمى، وقيل: رعدة انتهى. (¬2) قوله أزمَّل، قال النووي: معناه أغطى وألفّ كالمحموم.

ورواه الإمام أحمد والبخاري أيضًا من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من رأى رؤيا تعجبه فليحدث بها فإنها بشرى من الله عز وجل ومن رأى رؤيا يكرهها فلا يحدث بها وليتفل عن يساره ويتعوذ بالله من شرها» هذا لفظ أحمد، ولفظ البخاري قال: «الرؤيا الصالحة من الله والحُلْم من الشيطان فإذا حلم أحدكم فليعوذ منه وليبصق عن شماله فإنها لا تضره» ورواه البخاري أيضًا من طريق عبيد الله بن جعفر عن أبي سلمة عن أبي قتادة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الرؤيا الصالحة من الله والحُلْم من الشيطان فمن رأى شيئًا يكرهه فلينفث عن شماله ثلاثًا وليتعوذ من الشيطان فإنها لا تضره». ورواه الإمام أحمد والبخاري أيضًا من طريق يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الرؤيا الصالحة من الله والحُلْم من الشيطان فإذا حَلَم أحدكم حُلْمًا يخافه فليبصق عن شماله ثلاث مرات وليتعوذ بالله من الشيطان فإنه لا يضره» هذا لفظ أحمد. وعند البخاري قال: «فليبصق عن يساره وليتعوذ بالله من شرها فإنها لا تضره» ورواه الدارمي بنحو رواية أحمد. الحديث السادس عشر: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فإنما هي من الله فليحمد الله عليها وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ بالله من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره» رواه الإمام أحمد والبخاري. الحديث السابع عشر: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثًا وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثًا وليتحول عن جنبه الذي كان عليه» رواه ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وابن ماجه وابن حبان. الحديث الثامن عشر: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءًا من النبوة فمن رأى خيرًا فليحمد الله

الرؤيا الصالحة جزء من النبوة

عليه وليذكره ومن رأى غير ذلك فليستعذ بالله من شر رؤياه ولا يذكرها فإنها لا تضره» رواه الإمام أحمد والطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح غير سليمان بن داود الهاشمي وهو ثقة. وقال الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على المسند: إسناده صحيح. الحديث التاسع عشر: عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا رأى أحدكم في منامه ما يكره فلينفث عن يساره ثلاثًا وليستعذ مما رأى» رواه الإمام أحمد. قال الهيثمي: ورجاله ثقات. الحديث العشرون: عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إني أرى الرؤيا تمرضني، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الرؤيا الحسنة من الله والسيئة من الشيطان فإذا رأى أحدكم ذلك فلينفث عن يساره ثلاثًا وليتعوذ بالله من شرها فإنها لا تضره» رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي: وفيه كثير بن سليم وهو ضعيف وقد وثقه ابن حبان وذكره في الضعفاء. قلت: يشهد لحديثه كثير من الأحاديث الصحيحة التي تقدم ذكرها. الحديث الحادي والعشرون: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الرؤيا الصالحة بشرى وهي جزء من سبعين جزءًا من النبوة» رواه البزار والطبراني في "الكبير والصغير". قال الهيثمي: ورجال الصغير رجال الصحيح. الحديث الثاني والعشرون: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءًا من النبوة» رواه الإمام أحمد ومسلم وابن ماجه. الحديث الثالث والعشرون: عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءًا من النبوة» رواه الإمام أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني. قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح. الحديث الرابع والعشرون: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «رؤيا العبد المؤمن الصادقة الصالحة جزء من سبعين جزءًا من النبوة» رواه الإمام أحمد. قال الهيثمي: وفيه كليب بن شهاب وهو ثقة وفيه كلام لا يضر. وقد رواه ابن حبان في "صحيحه" مختصرًا ولفظه: «الرؤيا جزء من سبعين جزءًا من النبوة». الحديث الخامس والعشرون: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «رؤيا الرجل المسلم الصالح جزء من سبعين جزءًا من النبوة» رواه ابن أبي شيبة وابن ماجه. الحديث السادس والعشرون: عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة» رواه مالك وأحمد والبخاري وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه". الحديث السابع والعشرون: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة» رواه البخاري. الحديث الثامن والعشرون: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة» رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه. وفي رواية لأحمد ومسلم: «الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة»، ورواه مسلم ولفظه: «رؤيا المسلم يراها أو تُرى له». وفي حديث ابن مسهر: «الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة». وساق مالك في "الموطأ" إسناده إلى أبي هريرة وأحال بلفظه على حديث أنس الذي تقدم ذكره. الحديث التاسع والعشرون: عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة» رواه

ذكر الآثار عن الصحابة والتابعين في تعظيم شأن الرؤيا الصالحة

الإمام أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والدارمي. وقال الترمذي: حديث صحيح. الحديث الثلاثون: عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة» رواه البخاري. الحديث الحادي والثلاثون: عن أبي رزين – واسمه لقيط بن عامر العقيلي – رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة» رواه الإمام أحمد وابن أبي شيبة والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وصححه الحاكم والذهبي. وفي رواية لأحمد والترمذي وابن حبان: «رؤيا المؤمن جزء من أربعين جزءًا من النبوة». وفي رواية لأحمد: «الرؤيا الصالحة جزء من أربعين جزءًا من النبوة». وفي رواية لابن حبان: «الرؤيا جزء من سبعين جزءًا من النبوة». الحديث الثاني والثلاثون: عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة» رواه البزار. الحديث الثالث والثلاثون: عن جابر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «رؤيا الرجل المؤمن جزء من النبوة» رواه الإمام أحمد. قال الهيثمي: وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف. فصل في ذكر الآثار عن الصحابة والتابعين في تعظيم شأن الرؤيا الصالحة وقد جاءت عنهم في ذلك آثار كثيرة. منها ما رواه ابن جرير عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «ذهبت النبوة وبقيت المبشرات»، قيل: وما المبشرات؟ قال: «الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو تُرى له».

ومنها ما رواه ابن جرير أيضًا عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [يونس: 64] قال: «هي الرؤيا الحسنة يراها المؤمن أو تُرى له». وفي رواية قال: «هي الرؤيا الحسنة يراها العبد المسلم لنفسه أو لبعض إخوانه» ورواه ابن أبي شيبة بنحو هذه الرواية. ومنها ما رواه ابن جرير أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «الرؤيا الحسنة بشرى من الله وهي المبشرات» ورواه ابن أبي شيبة ولفظه قال: «الرؤيا من المبشرات وهي جزء من سبعين جزءًا من النبوة». ومنها ما رواه ابن جرير أيضًا عن نافع بن جبير عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} قال: «هي الرؤيا الحسنة يراها الإنسان أو ترى له». ومنها ما رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «الرؤيا الصالحة الصادقة جزء من سبعين جزءًا من النبوة» هذا لفظ ابن أبي شيبة، ولفظ عبد الرزاق: «رؤيا المؤمن جزء من سبعين جزءًا من النبوة». ومنها ما رواه ابن أبي شيبة عن أنس رضي الله عنه أنه قال: «رؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة». ومنها ما رواه مالك في "الموطأ" عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول في هذه الآية: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ} قال: «هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو تُرى له» ورواه ابن أبي شيبة وابن جرير بنحوه. ومنها ما رواه ابن أبي شيبة عن مجاهد: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} قال: «هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له» ورواه ابن جرير بنحوه.

فوائد الأحاديث التي جاءت في الرؤيا

ومنها ما رواه ابن جرير عن عطاء في قوله: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} قال: «هي رؤيا الرجل المسلم يبشر بها في حياته». ومنها ما رواه ابن جرير أيضًا عن إبراهيم قال: كانوا يقولون: «الرؤيا من المبشرات». ومنها ما رواه ابن جرير أيضًا عن يحيى بن أبي كثير في قوله: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} قال: «هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له». وهذه الآثار لها حكم الرفع وقد تقدمت بألفاظها في الأحاديث المرفوعة. فصل في ذكر فوائد الأحاديث التي تقدم ذكرها وقد اشتملت الأحاديث التي تقدم ذكرها على فوائد كثيرة وأمور مهمة من آداب الرؤيا وما يتعلق بها من الأحكام. الأولى: تعظيم شأن الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له، وبيان أنها من المبشرات التي يبشر بها المؤمن في حياته كما أخبر الله بذلك في قوله: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ}. قال ابن العربي المالكي: معنى صلاحها استقامتها وانتظامها. انتهى. الثانية: أن الرؤيا الصالحة جزء من أجزاء النبوة، وقد اختلفت الروايات في تحديد هذا الجزء كما تقدم، وكثرت أقوال العلماء في توجيه الروايات بما لا طائل تحته ولا فائدة في ذكره. وقد قال ابن العربي المالكي في "عارضة الأحوذي": القدر الذي أراده النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبيّن أن الرؤيا جزء من النبوة في الجملة لنا لأنه اطلاع على الغيب، وذلك قوله: «لم يبق بعدي من النبوة إلا المبشرات» وتفصيل النسبة تختص به درجة النبوة. وقال أيضًا وأنا موعز إليكم أن لا تتعرضوا لأعداد الشريعة فإنها ممتنعة عن إدراكها في متعلقاتها. انتهى. وقال الخطابي في الكلام على قوله - صلى الله عليه وسلم -: «رؤيا المؤمن جزء من ستة

كلام ابن الأثير وغيره على قوله صلى الله عليه وسلم (الرؤيا من الله والحلم من الشيطان)

وأربعين جزءًا من النبوة» معنى هذا الكلام تحقيق أمر الرؤيا وتأكيده. ونقل العيني في "عمدة القاري" عن الزجاج أنه قال تأويل قوله: «جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة» أن الأنبياء عليهم السلام يخبرون بما سيكون والرؤيا تدل على ما يكون. انتهى. وذكر الخطابي عن بعض العلماء أنه قال: معناه أن الرؤيا تجيء على موافقة النبوة، لا أنها جزء باق من النبوة. وقال آخر: معناه أنها جزء من أجزاء علم النبوة باقٍ، والنبوة غير باقية بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ذهبت النبوة وبقيت المبشرات الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له». انتهى. الثالثة: أن الرؤيا من الله والحُلْم من الشيطان. قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث": الرؤيا والحُلْم عبارة عما يراه النائم في نومه من الأشياء، لكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشيء الحسن، وغلب الحُلْم على ما يراه من الشر والقبيح. ومنه "أضغاث أحلام" ويستعمل كل منهما موضع الآخر، وتضم لام الحُلم وتسكن. ومنه الحديث: «من تَحلَّم كلّف أن يعقد بين شعيرتين» أي قال: إنه رأى في النوم ما لم يره. يُقال: حَلَم بالفتح إذا رأى، وتَحَلَّم إذا ادعى الرؤيا كاذبًا. انتهى. وقال الجوهري: الحُلْم بالضم ما يراه النائم تقول منه حَلَم بالفتح واحتلم، والحِلْم بالكسر الأناة تقول منه حَلُم الرجل بالضم وتَحَلَّم تكلف الحِلْم، وتحالم أرى من نفسه ذلك وليس به. انتهى. وقال النووي: أما الحُلْم فبضم الحاء وإسكان اللام، والفعل منه حَلَم بفتح اللام. انتهى. الرابعة: أنه إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب. وقد ذكر الخطابي وغيره من العلماء في معنى اقتراب الزمان قولين، أحدهما: أنه قرب زمان الساعة ودنو وقتها. والثاني: أن معنى اقترب الزمان اعتداله واستواء الليل والنهار. قال الخطابي والمعبرون: يزعمون أن أصدق الرؤيا ما كان في أيام الربيع ووقت اعتدال الليل والنهار. قلت: والقول الأول هو الصحيح وقد جاء النص على ذلك في رواية أيوب السختياني عن ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن

النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «في آخر الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب» وهو حديث صحيح وقد تقدم ذكره في الحديث الثالث عشر. وأما القول الثاني فباطل مردود لأنه لا قول لأحد مع قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد قال ابن العربي المالكي في "عارضة الأحوذي" قوله: "اقترب الزمان" هو افتعل من القرب، واختلف في معناه فقيل: أراد به اقترب من الاعتدال، والثاني إذا اقترب من الانتهاء بإقبال الساعة. فأما الأول فلا يصح من وجهين. أحدهما: أن اعتدال الليل والنهار ليس له في ذلك أثر ولا يتعلق به معنى إلا ما قالته الفلاسفة من أن اعتدال الزمان تعتدل به الأخلاط. وهذا مبني على تعليقها بالطبائع وهو باطل. الثاني: أنه يعارضه أن الزمان يعتدل إذا شارفت الشمس الميزان وهو معارض لصناعتهم لأن في ذلك الزمان وإن كان في مقابلة مشارفة الحمل تسقط الأوراق ويسقط الماء عن الثمار عكس المقارن الأول. والرؤيا عندهم فيه قاصرة وقد اغتّر بعض الناس بهذا التأويل فقال به، والأصح أنه اقتراب يوم القيامة فإنها الحاقة التي تحق فيها الحقائق فكلما قرب منها فهو أخص بها. انتهى. ونقل ابن حجر في "فتح الباري" عن ابن أبي جمرة أنه قال: معنى كون رؤيا المؤمن في آخر الزمان لا تكاد تكذب أنها تقع غالبًا على الوجه الذي لا يحتاج إلى تعبير فلا يدخلها الكذب. قال: والحكمة في اختصاص ذلك بآخر الزمان أن المؤمن في ذلك الوقت يكون غريبًا فيقل أنيس المؤمن ومُعينه في ذلك الوقت فيكرم بالرؤيا الصادقة. انتهى. الخامسة: أن أصدق المؤمنين حديثًا أصدقهم رؤيا. قال النووي: ظاهره أنه على إطلاقه لأن غير الصادق في حديثه يتطرق الخلل إلى رؤياه وحكايته إياها. وقال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي قوله: «أصدقهم رؤيا أصدقهم حديثًا» وذلك لأن الأمثال إنما تضرب له على مقتضى أحواله من تخليط وتحقيق وكذب وصدق وهزل وجدّ ومعصية وطاعة. قال ابن سيرين: ما احتلمت في حرام قط، فقال بعضهم: ليت عقل ابن سيرين في المنام يكون لي في اليقظة. انتهى. ونقل الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" عن المهلب أنه قال: الناس على ثلاث درجات، الأنبياء ورؤياهم كلها صدق وقد

يقع فيها ما يحتاج إلى تعبير، والصالحون والأغلب على رؤياهم الصدق وقد يقع فيها ما لا يحتاج إلى تعبير، ومن عداهم يقع في رؤياهم الصدق والأضغاث وهم على ثلاثة أقسام. مستورون فالغالب استواء الحال في حقهم، وفسقة والغالب على رؤياهم الأضغاث ويقل فيها الصدق، وكفار ويندر في رؤياهم الصدق جدًا، ويشير إلى ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: «وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثًا» وقد وقعت الرؤيا الصادقة من بعض الكفار كما في رؤيا صاحبي السجن مع يوسف عليه السّلام ورؤيا ملكهما وغير ذلك. انتهى. وقال القرطبي: المسلم الصادق الصالح هو الذي يناسب حاله حال الأنبياء فأكرم بنوع مما أكرم به الأنبياء وهو الاطلاع على الغيب، وأما الكافر والفاسق والمخلط فلا، ولو صدقت رؤياهم أحيانًا فذلك كما قد يصدق الكذوب، وليس كل من حدًّث عن غيب يكون خبره من أجزاء النبوة كالكاهن والمنجم. انتهى. وقال ابن حجر: إن الرؤيا الصحيحة وإن اختصت غالبًا بأهل الصلاح فقد تقع لغيرهم. انتهى. السادسة: تقسيم الرؤيا إلى ثلاث. الأولى: رؤيا حق وهي الرؤيا الصالحة التي هي بشرى من الله لمن رآها أو رؤيت له. الثانية: رؤيا مما يحدث به الرجل نفسه. الثالثة: رؤيا أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن آدم. قال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي: أما تقسيم الرؤيا على ثلاثة أقسام فهي قسمة صحيحة مستوفية للمعاني وهي عند الفلاسفة على أربعة أقسام بحسب الطبائع الأربع، وقد بيّنا في كل كتاب ونادينا على كل باب وصرخنا على الوهاد والأنقاب بأنه لا تأثير للأخلاط ولا فعل، وإنما الصحيح ما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي الرؤيا البشرى إما بمحبوب وإما بمكروه وإما تحزين من الشيطان يضرب به الأمثال المكروهة الكاذبة ليحزنه، وإما خطرات الوساوس وحديث النفوس فتجري على غير قصد ولا عقد في المنام جريانها في اليقظة. انتهى. السابعة: الإخبار عن الرؤيا التي تعجب من رآها بأنها بشرى من الله. الثامنة: أنه ينبغي للمؤمن أن يستبشر بالرؤيا الحسنة لقوله في بعض

الروايات عن أبي قتادة رضي الله عنه: «فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر». قال الإمام أحمد: الرؤيا تسرّ المؤمن ولا تغرّه. التاسعة: الأمر لمن رأى رؤيا يحبها أن يحمد الله عليها ويحدث بها. العاشرة: نهي من رأى رؤيا حسنة أن يخبر بها إلا من يحب. وهذا مما يتساهل فيه كثير من المنسوبين إلى العلم فضلاً عن العامة فتجد كثيرًا منهم يخبر بالرؤيا الحسنة من يحب ومن لا يحب. الحادية عشرة: نهي من رأى رؤيا يكرهها أن يحدث بها أحدًا. وهذا أيضًا مما يتساهل فيه كثير من الناس. الثانية عشرة: الأمر لمن رأى رؤيا يكرهها أن يبصق عن يساره ثلاثًا إذا استيقظ وأن يستعيذ بالله من الشيطان ثلاثًا وأن يتحول عن جنبه الذي كان عليه. الثالثة عشرة: أمره أيضًا أن يستعيذ من شر رؤياه. الرابعة عشرة: الإخبار بأن من فعل ما أمر به إذا رأى الرؤيا المكروهة واجتنب ما نهي عنه من التحديث بها فإنها لا تضره. وقد قال ابن سيرين: اتق الله في اليقظة ولا تبال ما رأيت في النوم. الخامسة عشرة: أمر من رأى رؤيا يكرهها أن يقوم فيصلي. قال ابن العربي المالكي: لأن التحرم بها عصمة من الأسواء ونهي عن المنكر والفحشاء. انتهى. السادسة عشرة: أن رؤية القيد في المنام حسن محمود وقد تقدم النص على أن القيد ثبات في الدين. قال أبو بكر ابن العربي المالكي: إنما جعل القيد ثباتًا في الدين لأن المقيد لا يستطيع المشي وقد ضربه النبي - صلى الله عليه وسلم - مثلاً للإيمان الذي يمنع عن المشي إلى الباطل فجعله ثباتًا في الدين كذلك. انتهى. السابعة عشرة: أن رؤية الغُلّ في المنام مكروه لأنه من صفات أهل النار. والغُلُّ بضم المعجمة وتشديد اللام واحد الأغلال. قال الفيومي في

"المصباح المنير": الغُلُّ بالضم طوق من حديث يجعل في العنق والجمع أغلال مثل قفل وأقفال. وقال ابن منظور في "لسان العرب": الغُلُّ جامعة توضع في العنق أو اليد، والجمع أغلال، ويقال: في رقبته غُلُّ من حديد. وقوله تعالى وتقدس: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا أغلالاً} [يس: 8] هي الجوامع تجمع أيديهم إلى أعناقهم، وقولهم في المرأة السيئة الخلق: «غُلُّ قَمِلٌ» أصله أن العرب كانوا إذا أسروا أسيرًا غلوه بغل من قِدًّ وعليه شعر فربما قمل في عنقه إذا قَبَّ ويبس فتجتمع عليه محنتان الغُلُّ والقمل. ضربه مثلاً للمرأة السيئة الخلق الكثيرة المهر لا يجد بعلها منها مخلصًا، والعرب تكني عن المرأة بالغُلّ. وفي الحديث: «وإن من النساء غُلاُّ قَمِلاً يقذفه الله في عنق من يشاء ثم لا يخرجه إلا هو». انتهى. قال المهلب: الغُلّ يعبّر بالمكروه لأن الله أخبر في كتابه أنه من صفات أهل النار بقوله تعالى: {إذ الأغلال في أعناقهم} [غافر: 71] الآية. وقد يدل على الكفر وقد يعبّر بامرأة تؤذي. انتهى. وقال ابن العربي المالكي قوله: «وأحب القيد وأكره الغُلّ» أما حبه القيد فلذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - له في قسم المحمود فقال: «قَيَّد الإيمان الفتك» وأما الغُلّ فذكره شرعًا في المذموم كقوله: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} [الحاقة: 30]، {إذ الأغلال في أعناقهم} [الإسراء: 29]، {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} [الإسراء: 29] و {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} [المائدة: 64]. انتهى. وقال النووي: قال العلماء: إنما أحب القيد لأنه في الرجلين وهو كفّ عن المعاصي والشرور وأنواع الباطل. وأما الغُلّ فموضعه العنق وهو صفة أهل النار. وأما أهل التعبير فقالوا: إن القيد ثبات في الأمر الذي يراه الرائي بحسب من يرى له ذلك. وقالوا: إذا انضم الغل إلى القيد دل على زيادة

النهي عن الإخبار بما يراه في نومه من المكروه وتلعب الشيطان به

المكروه، وإذا جعل الغل في اليدين حُمِد لأنه كفّ لهما عن الشر. وقد يدل على البخل بحسب الحال، وقالوا أيضًا: إن رأى أن يديه مغلولتان فهو بخيل. وإن رأى أنه قيّد وغلّ فإنه يقع في سجن وشدة. قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" بعد ذكره لكلام النووي، قلت: وقد يكون الغُلّ في بعض المرائي محمودًا كما وقع لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، فأخرج أبو بكر بن أبي شيبة بسند صحيح عن مسروق قال: «مر صهيب بأبي بكر فأعرض عنه فسأله فقال: رأيت يدك مغلولة على باب أبي الحشر رجل من الأنصار، فقال أبو بكر: جمع لي ديني إلى يوم الحشر». الثامنة عشرة: الأمر بأن لا تقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح. وسيأتي ذكر الأحاديث الواردة في هذا وكلام العلماء فيما يتعلق بهذه الفائدة في فصل مستقل إن شاء الله تعالى. فصل في النهي عن الإخبار بما يراه في نومه من المكروه وتلعّب الشيطان به فأما النهي عن الإخبار بالرؤيا المكروهة فقد تقدم في خمسة أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. أولها: الحديث الحادي عشر عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. وثانيها: الحديث الثالث عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه وقد جاء ذلك فيه من عدة طرق. وثالثها: الحديث الخامس عشر عن أبي قتادة رضي الله عنه وقد جاء ذلك فيه من عدة طرق. ورابعها: الحديث السادس عشر عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وخامسها: الحديث الثامن عشر عن ابن عمر رضي الله عنهما. وأما النهي عن إخبار الرجل بتلعب الشيطان به في النوم فقد جاء فيه حديثان صحيحان؛ أحدهما: عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا حَلَم أحدكم فلا يخبر أحدًا بتلعب الشيطان به في

المنام» رواه الإمام أحمد ومسلم وابن ماجه، وهذا لفظ مسلم. وفي رواية لمسلم وابن حبان عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لأعرابي جاءه فقال: إني حلمت أن رأسي قطع فأنا أتبعه، فزجره النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: «لا تخبر بتلعب الشيطان بك في المنام» وقد رواه ابن أبي شيبة مختصرًا ولفظه جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني رأيت كأن عنقي ضربت، قال: «لِمَ يخبر أحدكم بلعب الشيطان به». ورواه الإمام أحمد ومسلم أيضًا من حديث أبي سفيان – واسمه طلحة بن نافع – عن جابر رضي الله عنه قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل فقال: يا رسول الله رأيت البارحة فيما يرى النائم كأنّ عنقي ضربت فسقط رأسي فاتبعته فأخذته فأعدته مكانه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا لعب الشيطان بأحدكم فلا يحدثن به الناس» هذا لفظ أحمد، ورواه ابن ماجه بنحوه. وفي رواية مسلم قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله رأيت في المنام كأن رأسي قطع، قال: فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: «إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يحدث به الناس» ورواه ابن أبي شيبة بنحوه. وفي رواية لمسلم قال: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله رأيت في المنام كأن رأسي ضرب فتدحرج فاشتددت على أثره فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأعرابي: «لا تحدث الناس بتلعب الشيطان بك في منامك»، وقال – أي جابر -: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب فقال: «لا يحدثن أحدكم بتلعب الشيطان به في منامه». الحديث الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني رأيت رأسي ضرب فرأيته يتدهده، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: «يطرق أحدكم الشيطان فيتهول له ثم يغدو يخبر الناس» رواه الإمام أحمد وابن أبي شيبة وابن ماجه وأسانيدهم صحيحة على شرط الشيخين. وقد جاء أيضًا حديثان في ضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - من قول الرجل الذي أخبره أنه رأى في منامه أن رأسه قد قطع فذهب يتبعه، ولكن ليس في الحديثين نهي عن تحديث الرجل بتلعب الشيطان به في المنام فلذلك لم أذكرهما ههنا. وسيأتي ذكرهما في الفصل الذي تذكر فيه الأشياء التي يستدل بها على التأويل إن شاء الله تعالى.

ما يقوله من رأى في منامه ما يكرهه

فصل فيما يقوله من رأى في منامه ما يكرهه عن إبراهيم النخعي أنه قال: «إذا رأى أحدكم رؤيا يكرهها فليقل أعوذ بما عاذت به ملائكة الله ورسله من شر رؤياي التي رأيت الليلة أن تضرني في ديني ودنياي يا رحمن» رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة وإسناد كل منهما صحيح. وقد تقدم في الفصل الأول عدة أحاديث أمر فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالاستعاذة من شر الرؤيا المكروهة ومن شر الشيطان وأخبر أن من فعل هذا فإن الرؤيا لا تضره. فصل فيما يقوله من يروّع في منامه أو يجد وحشة روى مالك في "الموطأ" عن يحيى بن سعيد قال: بلغني أن خالد بن الوليد قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني أروّع في منامي، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «قل أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشرّ عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون» وروى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن الوليد بن الوليد رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله إني أجد وحشة، قال: «فإذا أخذت مضجعك فقل أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون فإنه لا يضرك وبالحري أن لا يقربك». وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا كلمات نقولهن عند النوم من الفزع: «بسم الله أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون» رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي ولفظه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا فزع أحدكم في النوم فليقل: أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون فإنها لن تضره» ثم قال: هذا حديث حسن غريب، ورواه الحاكم وصححه.

النهي عن قص الرؤيا على غير عالم أو ناصح

فصل في النهي عن قص الرؤيا على غير عالم أو ناصح قد تقدم في الحديث الثالث عشر ما رواه الترمذي من طريق قتادة عن محمد ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: «لا تقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح». قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقد رواه الدارمي بإسناد صحيح ولفظه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول: «لا تقصوا الرؤيا إلا على عالم أو ناصح». وروى الإمام أحمد والترمذي عن أبي رزين – واسمه لقيط بن عامر العقيلي – رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الرؤيا معلقة برجل طائر ما لم يحدث بها صاحبها فإذا حدث بها وقعت ولا تحدثوا بها إلا عالمًا أو ناصحًا أو لبيبًا» هذا لفظ إحدى روايات أحمد. وفي رواية له قال: وأحسبه قال: «لا يحدث بها إلا حبيبًا أو لبيبًا»، ورواه الترمذي بنحوه وقال: هذا حديث حسن صحيح، ورواه الإمام أحمد أيضًا وابن أبي شيبة وأبو داود وابن ماجه وابن حبان بنحوه وقالوا فيه: وأحسبه قال: «ولا تقصها إلا على وادًّ أو ذي رأي» وقد رواه الدارمي وابن حبان في "صحيحه" والحاكم في "مستدركه" مختصرًا وصححه الحاكم والذهبي. وروى عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الرؤيا تقع على ما تعبّر، ومَثَلُ ذلك مثل رجلٍ رفع رجله فهو ينتظر متى يضعها فإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحًا أو عالمًا» هكذا رواه مرسلاً ورجاله رجال الصحيح. وقد رواه الحاكم موصولاً من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره بمثله وصححه ووافقه الذهبي على تصحيحه. قال الخطابي في "معالم السنن" في الكلام على حديث أبي رزين رضي الله عنه، معنى هذا الكلام حُسن الارتياد لموضع الرؤيا واستعبارها العالم بها الموثوق برأيه وأمانته، وقوله: «على رجل طائر» مَثَلُ ومعناه أنها لا

يستقر قرارها ما لم تعبر. وقال أبو إسحاق الزجاج في قوله: «لا يقصها إلا على وادًّ أو ذي رأي» الوادّ لا يحب أن يستقبلك في تفسيرها إلا بما تحب وإن لم يكن عالمًا بالتعبير لم يعجل لك بما يغمك. لا أن تعبيره يزيلها عما جعلها الله عليه، وأما ذو الرأي فمعناه ذو العلم بتعبيرها فهو يخبرك بحقيقة تفسيرها أو بأقرب ما يعلم منها، ولعله أن يكون في تفسيره موعظة تردعك عن قبيح أنت عليه أو تكون فيها بشرى فتشكر الله على النعمة فيها. انتهى. وقال القاضي أبو بكر ابن العربي إن كانت – أي الرؤيا – بشرى أو شككت فيها فلا تحدث بها إلا عالمًا ناصحًا. العالم يعبرها له على الخير إذا أمكنه والناصح يرشده إلى ما ينفعه ويعينه عليه. وروي في آخر: «ولا تحدث بها إلا حبيبًا أو لبيبًا». أما الحبيب فإذا عرف قال وإن جهل سكت، وأما اللبيب وهو العاقل العارف بتأويلها فإنه ينبئك بما تُعَوَّل عليه فيها وإن ساءته سكت عنك وتركها. انتهى. وذكر البغوي في "شرح السنة" عن الإمام – وهو شيخه القاضي حسين بن محمد – أنه قال في قوله: «إذا رأى أحدكم ما يكره فلا يحدث به»، وفي حديث أبي قتادة: «فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب» فيه إرشاد المستعبر لموضع رؤياه فإن رأى ما يكره فلا يحدث به حتى لا يستقبله في تفسيرها ما يزاد به همًّا، وإن رأى ما يحبه فلا يحدث به إلا من يحبه لأنه لا يأمن ممن لا يحبه أن يعبره حسدًا على غير وجهه فيغمه أو يكيده بأمركما أخبر الله سبحانه وتعالى عن يعقوب عليه السلام حين قص عليه يوسف عليه السلام رؤياه: {قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} [يوسف: 5]. انتهى. وذكر ابن حجر في "فتح الباري" في الكلام على قوله: «فلا يحدث بها إلا من يحب» أن الحكمة فيه أنه إذا حدث بالرؤيا الحسنة من لا يحب قد يفسرها له بما لا يحب إما بغضًا وإما حسدًا فقد تقع على تلك الصفة أو يتعجل

ذكر أصدق الرؤيا

لنفسه من ذلك حزنًا ونكدًا فأمر بترك تحديث من لا يحب بسبب ذلك. انتهى. فصل في ذكر أصدق الرؤيا عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أصدق الرؤيا بالأسحار» رواه الإمام أحمد والترمذي والدارمي وابن حبان في "صحيحه" والحاكم وصححه ووافقه الذهبي على تصحيحه. قال القاضي أبو بكر بن العربي في الكلام على هذا الحديث، وذلك لوجهين. أحدهما: فضل الوقت بانتشار الرحمة فيه. الثاني: لراحة القلب والبدن بالنوم وخروجهما عن تعب الخواطر وتواتر الشعوب والتصرفات. ومتى كان القلب أفرغ كان الوعي لما يلقى إليه. انتهى. فصل في ذكر أقصى المدة التي ينتهي إليها تأويل الرؤيا عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: «كان بين رؤيا يوسف وتأويلها أربعون سنة» رواه ابن أبي شيبة وابن جرير والحاكم في "المستدرك"، وقال الذهبي في "تلخيصه": على شرط البخاري ومسلم. وعن عبد الله بن شداد أنه قال: «كان بين رؤيا يوسف وتأويلها أربعون سنة» رواه ابن أبي شيبة وابن جرير. وفي رواية لابن جرير عن عبد الله بن شداد قال: «وقعت رؤيا يوسف بعد أربعين سنة وإليها ينتهي أقصى الرؤيا». وقال سعيد بن المسيب: آخر الرؤيا أربعون سنة، يعني في تأويلها. رواها ابن سعد في "الطبقات". وقال ابن عبد البر في كتابه "بهجة المجالس" قال الزبير – يعني ابن بكار – حدثني أبو ضمرة أنس بن عياض قال: قيل لجعفر بن محمد: كم

تحريم التحلم بما لم يره في منامه وذكر الوعيد الشديد على ذلك

تتأخر الرؤيا؟ فقال: «رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأن كلبًا أبقع يلغ في دمه» فكان شمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين رضي الله عنه وكان أبرص فكان تأويل الرؤيا بعد خمسين سنة. فصل في تحريم التحلم بما لم يره في منامه وذكر الوعيد الشديد على ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أفرى الفرى أن يُري عينه ما لم تَرَ» رواه الإمام أحمد والبخاري، وفي رواية لأحمد قال: «أفرى الفرى من ادعى إلى غير أبيه وأفرى الفرى من أرى عينيه في النوم ما لم تريا ومن غير تخوم الأرض». وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن من أعظم الفرى أن يدعى الرجل إلى غير أبيه أو يري عينيه في المنام ما لم تريا أو يقول على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقل» رواه الإمام أحمد والبخاري وهذا لفظ أحمد وإسناده صحيح على شرط الشيخين. ورواه أحمد أيضًا بإسنادين كل منهما على شرط مسلم ولفظه في إحدى الروايتين: «إن أعظم الفرية ثلاث أن يفتري الرجل على عينيه يقول رأيت ولم ير وأن يفتري على والديه فيدعى إلى غير أبيه أو يقول سمعت ولم يسمع» ورواه ابن حبان في "صحيحه" والحاكم في "مستدركه" وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي في تلخيصه. قال ابن الأثير في «النهاية في غريب الحديث»: الفرى جمع فرية وهي الكذبة. وأفرى أفعل منه للتفضيل، أي من أكذب الكذبات أن يقول رأيت في النوم كذا وكذا ولم يكن رأي شيئًا لأنه كذب على الله فإنه هو الذي يرسل مَلَك الرؤيا ليريه المنام. انتهى. وعن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن من أعتى الناس على الله عز وجل من قتل غير قاتله أو طلب بدم الجاهلية من أهل

الإسلام أو بَصَّرَ عينيه في النوم ما لم تبصر» رواه أحمد والطبراني، قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح. وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من تَحلَّم بحلْم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل» رواه الإمام أحمد والبخاري وهذا لفظه. ولفظ أحمد: «ومن تحلم عذب يوم القيامة حتى يعقد شعيرتين وليس عاقدًا». وفي رواية له: «ومن تحلم كلف يوم القيامة أن يعقد شعيرتين – أو قال – بين شعيرتين وعذب ولن يعقد بينهما». وفي رواية له أيضًا: «ومن تحلم عذب حتى يعقد شعيرة وليس بعاقد»، ورواه أبو داود ولفظه: «ومن تحلم كلف أن يعقد شعيرة» ورواه الترمذي ولفظه: «من تحلم كاذبًا كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعرتين ولن يعقد بينهما» ثم قال: هذا حديث حسن صحيح. ورواه ابن ماجه ولفظه: «من تحلم حلمًا كاذبًا كلف أن يعقد بين شعيرتين ويعذب على ذلك» ورواه ابن حبان في "صحيحه" ولفظه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الذي يُري عينيه في المنام ما لم يَرَ يكلف يوم القيامة أن يعقد بين شعرتين». وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ومن تَحلَّم كاذبًا دفع إليه شعيرة وعذب حتى يعقد بين طرفيها وليس بعاقد» رواه الإمام أحمد. وعن علي رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من كذب في حُلْمِهِ كلف يوم القيامة عقد شعيرة» رواه الإمام أحمد والترمذي والدارمي والحاكم، وقال الترمذي: هذا حديث حسن. قال: وفي الباب عن ابن عباس وأبي هريرة وأبي شريح وواثلة. وعن علي رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من كذب في الرؤيا متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار» رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد المسند". قال ابن الأثير في «النهاية في غريب الحديث» ومنه الحديث: «من تَحلَّم كُلَّف أن يعقد بين شعيرتين» أي قال: إنه رأى في النوم ما لم يَرَه. يقال: حَلَم بالفتح إذا رأى. وتَحلَّم إذا ادعى الرؤيا كاذبًا. فإن قيل: إن كذب الكاذب في منامه لا يزيد على كذبه في يقظته فلِمَ زادت عقوبته ووعيده

ما جاء في رؤية الرب تبارك وتعالى في المنام

وتكليفه عقد الشعيرتين ... قيل: قد صح الخبر أن الرؤيا الصادقة جزء من النبوة. والنبوة لا تكون إلا وحيًا. والكاذب في رؤياه يدعي أن الله تعالى أراه ما لم يره وأعطاه جزءًا من النبوة لم يعطه إياه، والكاذب على الله تعالى أعظم فرية ممن كذب على الخلق أو على نفسه. انتهى. وقال الخطابي: معنى عقد الشعيرة أنه يكلف ما لا يكون ليطول عذابه في النار، وذلك أن عقد ما بين طرفي الشعيرة غير ممكن. انتهى. ونقل الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" عن الطبري أنه قال: إنما اشتد فيه الوعيد مع أن الكذب في اليقظة قد يكون أشد مفسدة منه إذ قد تكون شهادة في قتل أو حد أو أخذ مال، لأن الكذب في المنام كذب على الله أنه أراه ما لم يره. والكذب على الله أشد من الكذب على المخلوقين لقوله تعالى: {وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ} [هود: 18] الآية. وإنما كان الكذب في المنام كذبًا على الله لحديث: «الرؤيا جزء من النبوة» وما كان من أجزاء النبوة فهو من قِبَل الله تعالى. انتهى ملخصًا. فصل فيما جاء في رؤية الرب تبارك وتعالى في المنام قال ابن سيرين: من رأى ربه في المنام دخل الجنة، رواه الدارمي وأبو نعيم في "الحلية". وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: احتبس عنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات غداة عن صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى عين الشمس فخرج سريعًا فثوب بالصلاة فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتجوّز في صلاته فلما سلّم دعا بصوته فقال لنا: «على مصافكم كما أنتم» ثم انفتل إلينا فقال: «أما إني سأحدثكم ما حبسني عنكم الغداة، إني قمت من الليل فتوضأت وصليت ما قُدّر لي فنعست في صلاتي حتى استثقلت، فإذا أنا بربي تبارك وتعالى في أحسن صورة فقال:

يا محمد، قلت: لبيك رب، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري، قالها ثلاثًا، قال: فرأيته وضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين ثدييّ فتجلى لي كل شيء وعرفت. فقال: يا محمد، قلت: لبيك رب، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الكفارات، قال: ما هنّ؟ قلت: مشي الأقدام إلى الجماعات والجلوس في المساجد بعد الصلوات وإسباغ الوضوء في المكروهات، قال: ثم فيم؟ قلت: إطعام الطعام ولين الكلام والصلاة بالليل والناس نيام، قال: سل، قلت: اللهم أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون، وأسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقرب إلى حبك»، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنها حق فادرسوها ثم تعلموها» رواه الإمام أحمد والترمذي وابن خزيمة في "كتاب التوحيد". وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. سألت محمد بن إسماعيل – يعني البخاري – عن هذا الحديث فقال: هذا حديث حسن صحيح. وذكر ابن عدي عن أحمد أنه صححه، وقد رواه الحاكم في "المستدرك" مختصرًا ولم يتكلم عليه. وعن أبي قلابة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أتاني ربي عز وجل الليلة في أحسن صورة – أحسبه يعني في النوم – فقال: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال: قلت: لا، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: فوضع يده بين كتفيّ حتى وجدت بردها بين ثدييّ، أو قال: في نحري، فعلمت ما في السموات وما في الأرض، ثم قال: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال: قلت: نعم يختصمون في الكفارات والدرجات، قال: وما الكفارات والدرجات؟ قال: المكث في المساجد والمشي على الأقدام إلى الجمعات وإبلاغ الوضوء في المكاره. ومن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه. وقل يا محمد إذا صليت اللهم أسألك الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وإذا أردت بعبادك فتنة أن تقبضني إليك غير مفتون، قال: والدرجات بذل الطعام وإفشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام» رواه الإمام أحمد والترمذي

وهذا لفظ أحمد. ورواه الترمذي أيضًا من طريق أبي قلابة عن خالد بن اللجلاج عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره بنحوه مختصرًا. ثم قال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، قال: وفي الباب عن معاذ بن جبل وعبد الرحمن بن عائش عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وعن عبد الرحمن بن عائش عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج عليهم ذات غداة وهو طيب النفس مسفر الوجه أو مشرق الوجه فقلنا: يا رسول الله إنا نراك طيب النفس مسفر الوجه أو مشرق الوجه، فقال: «وما يمنعني وأتاني ربي عز وجل الليلة في أحسن صورة، قال: يا محمد، قلت: لبيك ربي وسعديك، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري أي رب، قال ذلك مرتين أو ثلاثًا قال: فوضع كفه بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي حتى تجلى لي ما في السموات وما في الأرض، ثم تلا هذه الآية: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية. قال: يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال: قلت: في الكفارات، قال: وما الكفارات؟ قلت: المشي على الأقدام إلى الجماعات والجلوس في المساجد خلاف الصلوات وإبلاغ الوضوء في المكاره، قال: من فعل ذلك عاش بخير ومات بخير وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه، ومن الدرجات طيب الكلام وبذل السلام وإطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام، فقال: يا محمد إذا صليت فقل اللهم إني أسألك الطيبات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تتوب عليّ وإذا أردت فتنة في الناس فتوفني غير مفتون» رواه الإمام أحمد، قال الهيثمي: ورجاله ثقات. وعن عبد الرحمن بن عائش قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «رأيت ربي في أحسن صورة، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ فقلت: أنت أعلم يا رب، قال: فوضع كفه بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي فعلمت ما في السموات والأرض وتلا: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} [الأنعام: 75]» رواه الدارمي هكذا مختصرًا. وقد رواه الطبراني

مطولاً ولفظه عن عبد الرحمن بن عائش قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «رأيت ربي في أحسن صورة فقال: يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: أنت أعلم أي رب، فوضع كفه بين كتفي فوجدت بردها بين ثدييّ فعلمت ما في السموات وما في الأرض ثم تلا: {* وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} ثم قال: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟ فقلت: في الكفارات، قال: وما هنّ؟ قلت: المشي على الأقدام إلى الجمعات والجلوس في المساجد خلاف الصلوات وإسباغ الوضوء أماكنه في المكاره، قال: قال الله عز وجل من يفعل ذلك يعش بخير ويمت بخير ويكون من ذنوبه كيوم ولدته أمه، ومن الدرجات إطعام الطعام وبذل السلام وأن تقوم بالليل والناس نيام، ثم قال: يا محمد قل اللهم إني أسألك فعل الطيبات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني وتتوب عليّ وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني غير مفتون، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: تعلموهن فو الذي نفسي بيده إنهن لحق». وفي رواية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غدا مستبشرًا على أصحابه يعرفون السرور في وجهه، فذكر نحوه وقال فيه: «وإذا صليت يا محمد فقل»، وقال فيه: «والدرجات الصوم وطيب الكلام». وفي رواية عن خالد بن اللجلاج قال: سمعت عبد الرحمن بن عائش يقول خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات غداة، قال فذكر نحو الذي قبل هذه الرواية. قال الهيثمي: رواه كله الطبراني ورجال الحديث الذي فيه خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثقات. وكذلك الرواية الأولى، وفي الرواية الوسطي معاوية بن عمران الجرمي ولم أعرفه، وقد سئل الإمام أحمد عن حديث عبد الرحمن بن عائش عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحديث فذكر أنه صواب هذا معناه، انتهى كلام الهيثمي. وقد روى الحاكم في "المستدرك" من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثنا خالد بن اللجلاج حدثنا عبد الرحمن بن عائش الحضرمي قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول وذكر الرب تبارك وتعالى فقال: «قل اللهم إني أسألك الطيبات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تتوب عليّ وتغفر لي وترحمني وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون»، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «تعلموهن فو الذي نفسي بيده إنهن لحق». قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي على تصحيحه.

وعن ثوبان رضي الله عنه قال: خرج إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد صلاة الصبح فقال: «إن ربي أتاني الليلة في أحسن صورة فقال: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال: قلت: لا، قال: ثم ذكر شيئًا، قال: فخيل لي ما بين السماء والأرض، قال: قلت: نعم يختصمون في الكفارات والدرجات. فأما الدرجات فإطعام الطعام وبذل السلام وقيام الليل والناس نيام. وأما الكفارات فمشي على الأقدام إلى الجماعات. وإسباغ الوضوء في المكروهات، وجلوس في المساجد خلف الصلوات، ثم قال: يا محمد قل يسمع وسل تعطه، قال: قلت: فعلمني، قال: قل اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني إليك وأنا غير مفتون، اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك وحبًا يبلغني حبك». رواه البزار من طريق أبي يحيى عن أبي أسماء الرحبي، قال الهيثمي وأبو يحيى: لم أعرفه وبقية رجاله ثقات، قلت: قد روى ابن أبي عاصم في "كتاب السنة" طرفًا من أوله. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلبث عن أصحابه في صلاة الصبح حتى قالوا: طلعت الشمس أو تطلع، ثم خرج فصلى بهم صلاة الصبح فقال: «اثبتوا على مصافكم»، ثم أقبل عليهم فقال لهم: «هل تدرون ما حبسني عنكم»؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «إني صليت في مصلاي فضرب على أذني فجاءني ربي تبارك وتعالى في أحسن صورة فقال: يا محمد، فقلت: لبيك رب وسعديك، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري يا رب فوضع يده بين كتفيّ حتى وجدت بردها بين ثدييّ فعلمت ما سألني عنه، ثم قال: يا محمد، قلت: لبيك رب وسعديك، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ فقلت: في الكفارات والدرجات، قال: وما الكفارات والدرجات؟ قلت: الكفارات إسباغ الوضوء عند الكريهات، ومشي على الأقدام إلى الجماعات وجلوس في المساجد خلف الصلوات، وأما الدرجات فإطعام الطعام وطيب الكلام والسجود بالليل والناس نيام، فقال لي ربي تبارك وتعالى: سلني يا محمد، قلت: أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأسألك أن تغفر لي وترحمني وإذا أردت بقوم فتنة

رؤيا الأنبياء في المنام وحي وحق

فتوفني غير مفتون، اللهم إني أسألك إيمانًا يباشر قلبي حتى أعلم أن لن يصيبني إلا ما كتبت لي ورضني بما قضيت لي» رواه البزار. وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أتاني ربي في أحسن صورة فقال: يا محمد، قلت: لبيت وسعديك، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري، فوضع يده بين ثدييّ فعلمت في مقامي ذلك ما سألني عنه من أمر الدنيا والآخرة فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الدرجات والكفارات، فأما الدرجات فإسباغ الوضوء من السبرات وانتظار الصلاة بعد الصلاة، قال: صدقت، من فعل ذلك عاش بخير ومات بخير وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه، وأما الكفارات فإطعام الطعام وإفشاء السلام وطيب الكلام والصلاة بالليل والناس نيام، ثم قال: اللهم إني أسألك عمل الحسنات وترك السيئات وحب المساكين ومغفرة وأن تتوب عليّ وإذا أدرت بقوم فتنة فنجني غير مفتون» رواه الطبراني في "الكبير". قال الهيثمي: وفيه ليث بن أبي سليم وهو حسن الحديث على ضعفه، وبقية رجاله ثقات، قلت: قد روى ابن أبي عاصم في كتاب "السنة" طرفًا من أوله. وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله تعالى تجلى لي في أحسن صورة فسألني فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال: قلت: ربي لا أعلم به، قال: فوضع يده بين كتفيّ حتى وجدت بردها بين ثدييّ -أو وضعها بين ثدييّ حتى وجدت بردها بين كتفي- فما سألني عن شيء إلا علمته» رواه ابن أبي عاصم في "كتاب السنة" ورجاله رجال الصحيح. فصل في بيان أن رؤيا الأنبياء في المنام وحي وحقّ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «رؤيا الأنبياء في المنام وحي» رواه ابن أبي حاتم وذكره الترمذي في مناقب عمر بن الخطاب تعليقًا. وعنه رضي الله عنه أنه قال: «كانت رؤيا الأنبياء وحيًا» رواه ابن جرير

وابن أبي عاصم في "كتاب السنة" والحاكم في "مستدركه" وقال: صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي في تلخيصه. وعن عبيد بن عمير قال: «إن رؤيا الأنبياء وحي» ثم قرأ: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102] رواه البخاري. وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه موقوفًا: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ما رأى في يقظته أو نومه فهو حق» رواه الإمام أحمد وابن أبي عاصم في "كتاب السنة" بأسانيد صحيحة. وفي رواية لأحمد: «رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - حق». وإذا علم أن رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام وحي وحق فليعلم أيضًا أنه يجب الإيمان بما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من رؤيته لربه تبارك وتعالى في المنام في أحسن صورة وأنه وضع كفه. وفي رواية يده بين كتفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى وجد بردها بين ثدييه. ويجب أيضًا إمرار ما جاء في ذلك الأحاديث التي تقدم ذكرها كما جاء من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، وقد تلقاها الصحابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقابلوها بالقبول والتسليم وأمروها كما جاءت، ثم تلقاها من رواها عنهم من التابعين وكذلك أتباع التابعين من بعدهم وقابلوها بالقبول والتسليم وأمروها كما جاءت ثم خرجها من جاء بعدهم من أكابر المحدثين الذين تقدم ذكرهم وقابلوها بالقبول والتسليم وأمروها كما جاءت. وهذه الطريقة هي طريقة السلف في آيات الصفات وأحاديث الصفات، وهي أسلم وأحكم من طريقة الخَلَف الذين خاضوا في تأويل آيات الصفات وأحاديثها وصرفوها عن ظاهرها بما سنح لهم من الاحتمالات والتأويلات الباطلة حتى آل بهم ذلك إلى التعطيل. وقد قال ابن عبد البر في كتابه "جامع بيان العلم وفضله": إن السلف رووا أحاديث الصفات وسكتوا عنها وهم كانوا أعمق الناس علمًا وأوسعهم فهمًا وأقلهم تكلفًا، ولم يكن سكوتهم على عيّ، فمن لم يسعه ما وسعهم فقد خاب وخسر. انتهى. وذكر الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" عن القاضي عياض أنه قال: لم يختلف العلماء في

اتفاق العلماء على جواز رؤية الله في المنام وصحتها

جواز رؤية الله تعالى في المنام. انتهى. وذكر النووي في "شرح مسلم" عن القاضي أنه قال: اتفق العلماء على جواز رؤية الله تعالى في المنام وصحتها. انتهى المقصود من كلامه. وذكر البغوي في كتابه "شرح السنة" عن الإمام -وهو شيخه القاضي حسين بن محمد بن أحمد أبو علي المروروذي شيخ الشافعية في زمانه- أنه قال: رؤية الله في المنام جائزة، فإن رآه فوعد له جنة أو مغفرة أو نجاة من النار فقوله حق ووعده صدق. وإن رآه ينظر إليه فهو رحمته، وإن رآه معرضًا عنه فهو تحذير من الذنوب لقوله سبحانه وتعالى: {أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ} [آل عمران: 77]. وإن أعطاه شيئًا من متاع الدنيا فأخذه فهو بلاء ومحن وأسقام تصيب بدنه يعظم بها أجره لا يزال يضطرب فيها حتى يؤديه إلى الرحمة وحسن العاقبة. انتهى. فصل فيما جاء في رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي» رواه الإمام أحمد ومسلم وابن ماجه بهذا اللفظ. وفي لفظ لأحمد: «من رآني في المنام فقد رآني إن الشيطان لا يتشبه بي»، ورواه البخاري ولفظه: «ومن رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي»، ورواه ابن أبي شيبة بهذا اللفظ، ورواه الإمام أحمد بنحوه ولفظه: «من رآني في المنام فقد رآني إن الشيطان لا يتصور بي». قال شعبة أو قال: «لا يتشبه بي»، ورواه الترمذي ولفظه: «من رآني فإني أنا هو فإنه ليس للشيطان أن يتمثل بي». قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وفي رواية لأحمد وابن حبان: «من رآني في المنام فقد رأى الحق إن الشيطان لا يتشبه بي». وفي رواية لأحمد: «من رآني في

المنام فقد رآني الحق إن الشيطان لا يستطيع أن يتشبه بي». وفي رواية لأحمد والبخاري ومسلم وأبي داود: «من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي»، هذا لفظ البخاري، ولفظ أحمد ومسلم وأبي داود «من رآني في المنام فسيراني في اليقظة أو فكأنما رآني في اليقظة لا يتمثل الشيطان بي» زاد البخاري: قال ابن سيرين: إذا رآه في صورته. وفي رواية لأحمد عن عاصم بن كليب حدثني أبي أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي». قال عاصم: فحدثنيه ابن عباس رضي الله عنهما فأخبرته أني قد رأيته، قال: رأيته؟ قلت: إي والله لقد رأيته. قال: فذكرت الحسن بن علي، قال: إني والله قد ذكرته ونعته في مشيته، قال فقال ابن عباس رضي الله عنهما: إنه كان يشبهه، وقد رواه الترمذي في الشمائل والحاكم بنحوه مختصرًا وصححه الحاكم والذهبي. وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": سنده جيد. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي» رواه الإمام أحمد والبخاري. ورواه ابن أبي شيبة مختصرًا، ولفظه: «إن الشيطان لا يتمثل بي»، ورواه الترمذي في "الشمائل" بنحو رواية أحمد والبخاري. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من رآني في النوم فقد رآني إنه لا ينبغي للشيطان أن يتمثل في صورتي» رواه الإمام أحمد ومسلم وابن أبي شيبة وابن ماجه. وفي رواية لمسلم: «من رآني في النوم فقد رآني فإنه لا ينبغي للشيطان أن يتشبه بي». وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا ينبغي له أن يتمثل بمثلي» رواه الإمام أحمد والدارمي والترمذي وابن ماجه. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من رآني فقد

رأى الحق» رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم والدارمي وهذا لفظ البخاري ومسلم. ولفظ أحمد: «من رآني فقد رآني الحق»، ولفظ الدارمي: «من رآني في المنام فقد رأى الحق». وفي رواية للبخاري: «وإن الشيطان لا يتراءى بي». وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من رآني فقد رأى الحق فإن الشيطان لا يتكونني» رواه الإمام أحمد والبخاري وابن أبي شيبة وابن ماجه وهذا لفظ البخاري. ولفظ أحمد: «من رآني فقد رآني الحق فإن الشيطان لا يتكون بي». ولفظ ابن أبي شيبة وابن ماجه: «من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي». قال ابن الأثير في «النهاية في غريب الحديث» فيه: «من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتكونني». وفي رواية: «لا يتكون في صورتي» أي يتشبه بي ويتصور بصورتي وحقيقته يصير كائنًا في صورتي. انتهى. وقد روى الطبراني في "الصغير والأوسط" حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ولفظه: «من رآني في المنام فقد رآني حقًا فإن الشيطان لا يتمثل بي ولا بالكعبة». قال الهيثمي: فيه محمد بن أبي السري وثقه ابن معين وغيره وفيه لين وبقية رجاله رجال الصحيح. وعن أبي جحيفة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من رآني في المنام فكأنما رآني في اليقظة إن الشيطان لا يستطيع أن يتمثل بي» رواه ابن ماجه وابن حبان في "صحيحه" وهذا لفظ ابن ماجه، وفي رواية ابن حبان: «فإن الشيطان لا يتشبه بي». وعن أبي مالك الأشجعي عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من رآني في المنام فقد رآني» رواه الإمام أحمد وابن أبي شيبة والبزار والطبراني. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. وقد رواه الترمذي في "الشمائل" ورجاله رجال الصحيح. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من

رآني في المنام فكأنما رآني في اليقظة، من رآني فقد رأى الحق فإن الشيطان لا يتمثل بي» رواه الطبراني في "الأوسط والكبير" وهذا لفظه في "الكبير"، قال الهيثمي: ورجاله ثقات. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من رآني في المنام فإياي رأى فإن الشيطان لا يتخيل بي» رواه الإمام أحمد وابن ماجه وهذا لفظ أحمد، ولفظ ابن ماجه: «من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي». وفي إسناد كل منهما جابر الجعفي وهو ضعيف ولكن لحديثه هذا شواهد كثيرة مما ذكر قبله من الصحاح. وعن يزيد الفارسي قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النوم زمن ابن عباس رضي الله عنهما وكان يزيد يكتب المصاحف، قال: فقلت لابن عباس: إني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النوم، قال ابن عباس: فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: «إن الشيطان لا يستطيع أن يتشبه بي فمن رآني في النوم فقد رآني» فهل تستطيع أن تنعت لنا هذا الرجل الذي رأيت؟ قال: قلت: نعم، رأيت رجلاً بين الرجلين جسمه ولحمه أسمر إلى البياض حسن المضحك أُكحل العينين جميل دوائر الوجه قد ملأت لحيته من هذه إلى هذه حتى كادت تملأ نحره، قال: فقال ابن عباس رضي الله عنهما: لو رأيته في اليقظة ما استطعت أن تنعته فوق هذا. رواه الإمام أحمد. قال الهيثمي: ورجاله ثقات. وقد رواه الترمذي في "الشمائل" بنحوه، ورواه ابن أبي شيبة مختصرًا، ويشهد للمرفوع منه ما تقدم من الأحاديث الصحيحة. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يخيل على من رآه» رواه الطبراني، قال الهيثمي: ورجاله ثقات. وعن المثنى – يعني ابن سعيد – قال: «سمعت أنسًا رضي الله عنه يقول: قَلَّ ليلة تأتي عليّ إلا وأنا أرى فيها خليلي - صلى الله عليه وسلم -، وأنس يقول ذلك وتدمع عيناه» رواه الإمام أحمد، قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح.

أقوال العلماء في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام

فصل في ذكر أقوال العلماء في رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام قال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي في كتابه "عارضة الأحوذي" حديث رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام، قد قيل: إن الرؤيا لا حقيقة لها وهم القدرية، تعسًا لهم. وغلا صالح فيه فقال: كل الرؤيا والرؤية بعين الرأس حقيقة، وهذا حماق، وقيل: مدركة بعينين في قلبه، وهذه عبارة مجازية. قال: والصحيح عندي أنها إدراك. فأما رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - فمن رآه في المنام بصفة معلومة فهو إدراك الحقيقة، وإن رآه على غير صفته فهو إدراك المثال، وقد جاء الحديث على أربعة ألفاظ صحاح: الأول: «من رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي». الثاني: قوله: «من رآني فقد رأى الحق». الثالث: «فسيراني في اليقظة». الرابع: «فكأنما رآني في اليقظة». فأما قوله: «من رآني فقد رآني» فقد بيناه في وجه إدراكه. وأما قوله: «فقد رأى الحق» فتفسيره قوله: «إن الشيطان لا يتمثل بي»، وأما قوله: «فسيراني في اليقظة» فيحتمل أن يكون معناه فسيرى تفسير ما رأى لأنه حق وغيب ألقاه إليه الملك، وقيل معناه: فسيراني في القيامة، وهذا لا معنى له ولا فائدة في هذا التخصيص، وأما قوله: «فكأنما رآني» فتشبيه ووجهه أنه لو رآه في اليقظة لرآه حقًا فكذلك هذا يكون حقًا وكان الأول حقًا وحقيقة ويكون الثاني حقًا تمثيلاً ومجازًا، فإن قيل: فإن رآه على خلاف صفة ما هو، قلنا: هي أمثال. فإن رآه حسن الهيئة حسن الأقوال والأفعال مقبلاً على الرائي كان خيرًا له وفيه. وإن رأى خلاف ذلك كان شرًا له وفيه لا يلحق النبي من ذلك شيء. انتهى. وقال النووي في "شرح مسلم": اختلف العلماء في معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: «فقد رآني»، فقال ابن الباقلاني: معناه أن رؤياه صحيحة ليست بأضغاث

ولا من تشبيهات الشيطان، ويؤيد قوله رواية: «فقد رأى الحق» أي الرؤية الصحيحة، قال: وقد يراه الرائي على خلاف صفته المعروفة كمن رآه أبيض اللحية وقد يراه شخصان في زمن واحد أحدهما في المشرق والآخر في المغرب ويراه كل منهما في مكانه. ثم ذكر النووي عن القاضي أنه قال: يحتمل أن يكون قوله - صلى الله عليه وسلم -: «فقد رآني» أو: «فقد رأى الحق فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي» المراد به إذا رآه على صفته المعروفة له في حياته، فإن رأى على خلافها كانت رؤيا تأويل لا رؤيا حقيقة. قال النووي: وهذا الذي قاله القاضي ضعيف، بل الصحيح أنه يراه حقيقة سواء كان على صفته المعروفة أو غيرها. وقد تعقب الحافظ ابن حجر كلام النووي فقال: لم يظهر لي من كلام القاضي ما ينافي ذلك، بل ظاهر قوله أنه يراه حقيقة في الحالين. لكن في الأولى تكون الرؤيا مما لا يحتاج إلى تعبير، والثانية مما يحتاج إلى التعبير. ثم ذكر ابن حجر عن القرطبي أنه قال: من المعلوم أنه يرى في النوم على حالة تخالف حالته في الدنيا من الأحوال اللائقة به وتقع تلك الرؤيا حقًا، ولو تمكن الشيطان من التمثيل بشيء مما كان عليه أو ينسب إليه لعارض عموم قوله: «فإن الشيطان لا يتمثل بي»؛ فالأولى أن تنزه رؤياه وكذا رؤيا شيء منه أو مما ينسب إليه عن ذلك فهو أبلغ في الحرمة وأليق بالعصمة كما عصم من الشيطان في يقظته. قال: والصحيح في تأويل هذا الحديث أن مقصوده أن رؤيته في كل حالة ليست باطلة ولا أضغاثًا، بل هي حق في نفسها ولو رؤي على غير صورته فتصور تلك الصورة ليس من الشيطان بل هو من قِبَل الله. قال: وهذا قول القاضي أبي بكر بن الطيب وغيره. ويؤيده قوله: «فقد رأى الحق» أي رأى الحق الذي قصد إعلام الرائي به فإن كانت على ظاهرها وإلا سعى في تأويلها ولا يهمل أمرها لأنها إما بشرى بخير أو إنذار من شر، إما ليخيف الرائي وإما لينزجر عنه وإما لينبه على حكم يقع له في دينه أو دنياه. انتهى باختصار. وذكر النووي عن القاضي أنه قال: قال بعض العلماء: خص الله النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن رؤية الناس إياه صحيحة وكلها صدق ومنع الشيطان أن يتصور في خلقته لئلا يكذب على لسانه في النوم كما خرق الله تعالى العادة للأنبياء عليهم

السّلام بالمعجزة وكما استحال أن يتصور الشيطان في صورته في اليقظة، ولو وقع لاشتبه الحق بالباطل ولم يوثق بما جاء به مخافة من هذا التصور فحماها الله من الشيطان ونزغه ووسوسته وإلقائه وكيده، قال: وكذا حمى رؤيتهم أنفسهم. انتهى. وذكر الحافظ ابن حجر عن أبي سعد أحمد بن محمد بن نصر أنه قال: من رأى نبيًا على حاله وهيئته فذلك دليل على صلاح الرائي وكمال جاهه وظفره بمن عاداه، ومن رآه متغير الحال عابسًا مثلاً فذاك دال على سوء حال الرائي. وذكر ابن حجر أيضًا عن أبي محمد بن أبي جمرة أنه قال: منهم من قال إن الشيطان لا يتصور على صورته أصلاً فمن رآه في صورة حسنة فذاك حسن في دين الرائي وإن كان في جارحة من جوارحه شين أو نقص فذاك خلل في الرائي من جهة الدين. قال: وهذا هو الحق وقد جرب ذلك فوجد على هذا الأسلوب، وبه تحصل الفائدة الكبرى في رؤياه حتى يتبين للرائي هل عنده خلل أو لا؟ وكذلك يقال في كلامه - صلى الله عليه وسلم - في النوم أنه يعرض على سنته فما وافقها فهو حق وما خالفها فالخلل في سمع الرائي، فرؤيا الذات الكريمة حق والخلل إنما هو في سمع الرائي أو بصره، قال: وهذا خير ما سمعته في ذلك. انتهى. وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من رآني في المنام فسيراني في اليقظة» فقد تقدم قوله: ابن العربي المالكي أنه يحتمل أن يكون معناه فسيرى تفسير ما رأى لأنه حق وغيب ألقاه إليه الملك. وذكر الحافظ ابن حجر عن ابن بطال أنه قال: يريد تصديق تلك الرؤيا في اليقظة وصحتها وخروجها على الحق، وليس المراد أنه يراه في الآخرة لأنه سيراه يوم القيامة جميع أمته من رآه في النوم ومن لم يره منهم. وقال المازري: إن كان المحفوظ «فكأنما رآني في اليقظة» فمعناه ظاهر، وإن كان المحفوظ «فسيراني في اليقظة» احتمل أن يكون أراد أهل عصره ممن يهاجر إليه فإنه إذا رآه في المنام جعل ذلك علامة على أنه سيراه بعد ذلك في اليقظة. وقال القاضي: وقيل معناه: سيرى تأويل تلك الرؤيا في اليقظة وصحتها، انتهى المقصود مما ذكره ابن حجر عن بعض العلماء في معنى الحديث.

رؤية الأنبياء والملائكة في المنام

فصل في رؤية الأنبياء والملائكة في المنام ذكر البغوي في "شرح السنة" عن الإمام – وهو شيخه القاضي حسين بن محمد المروروذي – أنه قال: رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام حق ولا يتمثل الشيطان به، وكذلك جميع الأنبياء والملائكة، وكذلك الشمس والقمر والنجوم المضيئة والسحاب الذي فيه الغيث لا يتمثل الشيطان بشيء منها. ومن رأى نزول الملائكة بمكان فهو نصرة لأهل ذلك المكان وفرج إن كانوا في كرب، وخصب إن كانوا في ضيق وقحط، وكذلك رؤية الأنبياء صلوات الله عليهم، ومن رأى ملكًا يكلمه ببر أو بعظة أو يبشره فهو شرف في الدنيا وشهادة في العاقبة. ورؤية الأنبياء مثل رؤية الملائكة إلا في الشهادة لأن الأنبياء كانوا يخالطون الناس، والملائكة عند الله سبحانه وتعالى لا يراهم الناس. ورؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - في مكان سعةُ لأهل ذلك المكان إن كانوا في ضيق وفرجٌ إن كانوا في كرب ونصرةٌ إن كانوا في ظلم، وكذلك رؤية الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ورؤية أهل الدين بركة وخير على قدر منازلهم في الدين، ومن رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - كثيرًا في المنام لم يزل خفيف الحال مُقِلاًّ في دنياه من غير حاجة فادحة ولا خذلان من الله عز وجل، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الفقر أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منتهاه»، ورؤية الإمام إصابة خير وشرف. انتهى. فصل في بيان حقيقة الرؤيا قال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي في كتابه "عارضة الأحوذي": قد بينا حقيقة الرؤيا وأنها إدراكات يخلقها الله في قلب العبد على يدي الملك أو الشيطان، إما بأمثالها، وإما أمثالاً بكناها، وإما تخليطًا. ونظير ذلك في اليقظة الخواطر فإنها تأتي على نسق في قصد، وتأتي مسترسلة غير محصلة، فإذا خلق الله من ذلك في المنام على يدي الملك شيئًا كان وحيًا منظومًا

الرؤيا نوعان، ظاهرة لا تحتاج إلى تأويل، ورؤيا من ضرب الأمثال للنائم وهي التي يحتاج فيها إلى التأويل

وبرهانًا مفهومًا. انتهى. وقد تقدم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الرؤيا ثلاث، فرؤيا حق ورؤيا يحدث بها الرجل نفسه ورؤيا تحزين من الشيطان». وتقدم أيضًا في حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الرؤيا من الله والحُلْم من الشيطان». وفي رواية: «الرؤيا الصالحة من الله والرؤيا السوء من الشيطان». قال البغوي في "شرح السنة": قوله: «الرؤيا ثلاثة» فيه بيان أن ليس كل ما يراه الإنسان في منامه يكون صحيحًا ويجوز تعبيره، إنما الصحيح منها ما كان من الله عز وجل يأتيك به ملك الرؤيا من نسخة أم الكتاب، وما سوى ذلك أضغاث أحلام لا تأويل لها. وهي على أنواع قد يكون من فعل الشيطان يلعب بالإنسان أو يريه ما يحزنه، وله مكايد يحزن بها بني آدم، ومن لعب الشيطان به الاحتلام الذي يوجب الغسل فلا يكون له تأويل. وقد يكون ذلك من حديث النفس كمن يكون في أمر أو حرفة يرى نفسه في ذلك الأمر. والعاشق يرى معشوقه ونحو ذلك. وقد يكون ذلك من مزاج الطبيعة كمن غلب عليه الدم يرى الفصد والحجامة والرعاف والحمرة والرياحين والمزامير والنشاط ونحوها، ومن غلب عليه طبيعة الصفراء يرى النار والشمع والسراج والأشياء الصفر والطيران في الهواء وغيرها، ومن غلب عليه السوداء يرى الظلمة والسواد والأشياء السود وصيد الوحوش والأهوال والأموات والقبور والمواضع الخربة وكونه في مضيق لا منفذ له أو تحت ثقل ونحو ذلك، ومن غلب عليه البلغم يرى البياض والمياه والأنداء والثلج والجمد والوحل ونحوها فلا تأويل لشيء منها. انتهى. إذا علم هذا فالكلام في هذا الفصل فيما يجوز تعبيره من الرؤيا وهي الرؤيا الصحيحة التي جاء وصفها في حديث أبي هريرة رضي الله عنه بأنها رؤيا حق، وجاء وصفها في حديث أبي قتادة رضي الله عنه بأنها الرؤيا الصالحة وأنها من الله، وهذه الرؤيا نوعان. أحدهما: ما هو ظاهر لا يحتاج إلى تأويل. والثاني: ما هو من ضرب الأمثال للنائم، وهذا النوع هو الأكثر

ذكر النوع الأول من الرؤيا وما جاء فيه من الأحاديث

والغالب على الرؤيا وهو الذي يحتاج فيه إلى التأويل. ومن النوع الأول رؤيا إبراهيم عليه الصلاة والسلام في المنام أنه يذبح ابنه. وقد ذكر الله هذه القصة في قوله تعالى: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 101 - 107]. وقد جاء في هذا النوع أحاديث كثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسأذكر منها ما تيسر إن شاء الله تعالى، وأذكر بعدها جملة مما جاء في غير الأحاديث المرفوعة وهو مما يستحسن ذكره. فمن ذلك ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رأى ربه في المنام في أحسن صورة وأن الله تعالى سأله عما يختصم فيه الملأ الأعلى، وأنه تعالى وضع كفه، -وفي رواية يده- بين كتفي النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى وجد بردها بين ثدييه. وقد ذكرت الأحاديث الواردة في ذلك قريبًا فلتراجع. ومن ذلك رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام أنه أتي بعائشة رضي الله عنها فعرضت عليه وقيل له هذه زوجتك. وقد روى الحديث الوارد في ذلك أحمد والبخاري من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «رأيتك في المنام مرتين أرى رجلاً يحملك في سَرَقَة حرير فيقول هذه امرأتك فأكشفها فإذا هي أنت فأقول إن يكن هذا من عند الله يمضه»، وفي رواية للبخاري قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أُريتكِ في المنام يجيء بك الملَك في سَرَقَة من حرير فقال لي هذه امرأتك فكشفت عن وجهك الثوب فإذا أنت هي فقلت إن يك هذا من عند الله يمضه»، وفي رواية له أخرى: قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أُريتك قبل أن أتزوجك مرتين رأيت

الملك يحملك في سَرَقَة من حرير فقلت له اكشف فكشف فإذا هي أنت فقلت: إن يكن هذا من عند الله يمضه، ثم أريتك يحملك في سَرَقَة من حرير فقلت: اكشف فكشفت فإذا هي أنت، فقلت: إن يك هذا من عند الله يمضه» ورواه مسلم بنحو الرواية الثانية عند البخاري إلا أنه قال في أوله: «أُريتك في المنام ثلاث ليال» ورواه ابن حبان في "صحيحه" بمثل الرواية الأولى عند أحمد والبخاري ورواه البيهقي بمثل رواية مسلم. ورواه الترمذي من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها: «أن جبريل جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن هذه زوجتك في الدنيا والآخرة». قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، ورواه ابن حبان في "صحيحه" بنحوه. قوله: «سَرَقة من حرير» هي بفتح السين والراء. قال الجوهري: السَّرَق شقق الحرير، قال أبو عبيد: إلا أنها البيض منها الواحدة منها سَرَقة. قال: وأصلها بالفارسية "سَرَهْ" أي: جيد فعربوه. انتهى. ومن ذلك رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - دار الهجرة. وقد جاء ذلك في حديثين عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أحدهما: عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل فذهب وَهَلي إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب» رواه البخاري ومسلم وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه". قوله: «فذهب وَهَلي» قال النووي في "شرح مسلم": الوَهَل بفتح الهاء ومعناه وهمي واعتقادي. قال: وهجر مدينة معروفة وهي قاعدة البحرين، وأما يثرب فهو اسمها في الجاهلية فسماها الله تعالى المدينة وسماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طيبة وطابة. انتهى. وقال ابن حجر في "فتح الباري": يقال وَهَل بالفتح إذا ظن شيئًا فتبين الأمر بخلافه. قال: وهجر بفتح الهاء والجيم بلد معروف من البحرين وهي من مساكن عبد القيس.

قلت: وهو الذي يسمى في زماننا الأحساء. ولا يزال اسم هجر باقيًا على هذه البلاد زماننا. الحديث الثاني: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمسلمين: «قد رأيت دار هجرتكم أريت سبخة ذات نخل بين لابتين وهما حرتان» فخرج من كان مهاجرًا قِبَل المدينة حين ذكر ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة من المسلمين. رواه الإمام أحمد والبخاري وابن حبان في أثناء حديث طويل في الهجرة، وهذا لفظ أحمد، ونحوه عند ابن حبان ورواه البيهقي بمثل رواية أحمد. ومن ذلك رؤيا الأذان، وقد جاء ذلك في عدة أحاديث. منها ما رواه أبو داود والبيهقي عن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار قال: اهتم النبي - صلى الله عليه وسلم - للصلاة كيف يجمع الناس لها فقيل له: انصب راية عند حضور الصلاة فإذا رأوها آذن بعضهم بعضًا فلم يعجبه ذلك. قال: فذكر له القُنْع -يعني الشَّبُّور- شَبُّور اليهود فلم يعجبه ذلك وقال: «هو من أمر اليهود» قال: فذكر له الناقوس فقال: «هو من أمر النصارى» فانصرف عبد الله بن زيد وهو مهتم لِهَمّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأري الأذان في منامه قال: فغدا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره فقال: يا رسول الله، إني لبين نائم ويقظان إذ أتاني آت فأراني الأذان، قال: وكان عمر بن الخطاب قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يومًا ثم أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: «ما منعك أن تخبرني؟» فقال: سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا بلال قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله»، قال: فأذن بلال. ومنها ما رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن عبد الله بن زيد الأنصاري جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله رأيت في المنام كأن رجلاً قام وعليه بردان أخضران على جذمة حائط فأذن مثنى وأقام مثنى وقعد قعدة. قال فسمع ذلك بلال فقام فأذن مثنى وأقام مثنى وقعد قعدة. ومنها ما رواه الإمام أحمد والدارمي وأبو داود وابن ماجه وابن حبان

والبيهقي عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال: حدثني عبد الله بن زيد قال: لما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالناقوس ليضرب به للناس في الجمع للصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسًا في يده فقلت له: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال: ما تصنع به؟ قال: فقلت: ندعو به إلى الصلاة، قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ قال: فقلت له: بلى، قال: تقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله. ثم استأخر غير بعيد ثم قال: تقول: إذا أقيمت الصلاة الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدًا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، فلما أصبحت أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته بما رأيت فقال: «إنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألقِ عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتًا منك»، قال: فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به، قال: فسمع بذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج يجر رداءه يقول: والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي أُري، قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فلله الحمد». هذا لفظ أحمد ورواه أبو داود والبيهقي بنحوه. وقد جاء في رواية الدارمي وابن ماجه وابن حبان ورواية عند أحمد: أن الرجل الذي طاف بعبد الله بن زيد بن عبد ربه وهو نائم كان عليه ثوبان أخضران. وجاء في رواية الدارمي أن عمر رضي الله عنه لما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رأى مثل ما رأى عبد الله بن زيد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فلله الحمد فذاك أَثْبَتُ»، وقد جاء مثل ذلك في رواية الترمذي فإنه قد روى حديث عبد الله بن زيد مختصرًا جدًا، ولفظه عن محمد بن عبد الله بن زيد عن أبيه قال: لما أصبحنا أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته بالرؤيا فقال: «إن هذه لرؤيا حق فقم مع بلال فإنه أندى وأَمدُّ صوتًا منك فألقِ عليه ما قيل لك وليناد بذلك»، قال: فلما سمع عمر بن الخطاب نداء بلال بالصلاة خرج إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يجر إزاره وهو يقول: يا رسول الله والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي قال، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فلله الحمد فذلك أَثْبَتُ». قال الترمذي: حديث عبد الله بن زيد حديث حسن صحيح. وذكر في كتاب

"العلل" أنه سأل محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال: هو عندي حديث صحيح. قال الترمذي: وفي الباب عن ابن عمر رضي الله عنهما. قلت: هذا الحديث رواه ابن ماجه بإسناد فيه مقال عن سالم عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استشار الناس لما يُهِمُّهم إلى الصلاة فذكروا البوق فكرهه من أجل اليهود ثم ذكروا الناقوس فكرهه من أجل النصارى فأري النداء تلك الليلة رجل من الأنصار يقال له عبد الله بن زيد وعمر بن الخطاب فطرق الأنصاري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلاً فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالاً به فأذن. قال الزهري: «وزاد بلال في نداء صلاة الغداء الصلاة خير من النوم فأقرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال عمر: يا رسول الله قد رأيت مثل الذي رأى ولكنه سبقني». وقد رواه ابن سعد في الطبقات وقال فيه: «حتى أُري رجل من الأنصار يقال له عبد الله بن زيد الأذان وأُريه عمر بن الخطاب تلك الليلة، فأما عمر فقال: إذا أصبحت أخبرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأما الأنصاري فطرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الليل فأخبره وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالاً فأذن بالصلاة. قال: فزاد بلال في الصبح، الصلاة خير من النوم، فأقرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليست فيما أري الأنصاري». ومن الأحاديث في رؤيا الأذان ما رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: جاء رجل من الأنصار إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني رأيت في النوم كأني مستيقظ أرى رجلاً نزل من السماء عليه بردان أخضران نزل على جذم حائط من المدينة فأذن مثنى مثنى ثم جلس ثم أقام فقال مثنى مثنى قال: «نِعْمَ ما رأيت علمها بلالاً»، قال: قال عمر: قد رأيت مثل ذلك ولكنه سبقني. ومن الرؤيا الظاهرة أيضًا رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سيأتي البيت هو وأصحابه ويطوفون به، وكان ذلك قبل عمرة الحديبية، فلما صدهم المشركون عن دخول مكة عام الحديبية وصالحهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن يرجعوا عامهم ذلك وأن يعتمروا في العام القابل قال عمر رضي الله عنه للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: «بلى فأخبرتك أنا نأتيه العام»،

قال: قلت: لا، قال: «فإنك آتيه ومطوّف به» رواه البخاري في حديث طويل في «باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط»، وقد وقع تصديق رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - في عمرة القضاء حيث جاء هو وأصحابه إلى البيت وطافوا به وهم آمنون لا يخافون، وقد ذكر الله هذه الرؤيا الصادقة في قوله تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 27] وهذا الفتح هو الصلح الذي جرى بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين مشركي قريش. قال الزهري قوله: {فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} يعني صلح الحديبية، وما فتح في الإسلام فتح كان أعظم منه إنما كان القتال حيث التقى الناس فلما كانت الهدنة وضعت الحرب وأمن الناس كلهم بعضهم بعضًا فالتقوا فتفاوضوا في الحديث والمنازعة فلم يكلم أحد بالإسلام يعقل شيئًا إلا دخل فيه فلقد دخل في تينك السنتين في الإسلام مثل من كان في الإسلام قبل ذلك وأكثر. رواه ابن جرير. ومن الرؤيا الظاهرة أيضًا رؤيا الأمر بدفع السواك إلى الأكبر. والحديث بذلك في الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أراني في المنام أتسوك بسواك فجذبني رجلان أحدهما أكبر من الآخر فناولت السواك الأصغر منهما فقيل لي: كبّر فدفعته إلى الأكبر». ومن ذلك رؤيا عيسى ابن مريم يطوف بالبيت ورؤيا الدجال وراءه، والحديث بذلك رواه مالك وأحمد والبخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بينا أنا نائم رأيتني أطوف بالكعبة فإذا رجل آدم سبط الشعر بين رجلين ينطف رأسه ماء فقلت من هذا قالوا ابن مريم فذهبت ألتفت فإذا رجل أحمر جسيم جعد الرأس أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية قلت من هذا قالوا هذا الدجال أقرب بها شبهًا ابن قطن» زاد

حديث سمرة الطويل في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم

البخاري، وابن قطن رجل من بني المصطلق من خزاعة، وفي رواية قال الزهري: رجل من خزاعة هلك في الجاهلية، وقد جاءت هذه الزيادة في إحدى الروايات عند أحمد. ومن ذلك رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن بني الحكم ينزون على منبره. والحديث بذلك رواه أبو يعلى والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى في منامه كأن بني الحكم ينزون على منبره وينزلون فأصبح كالمتغيظ فقال: «ما لي رأيت بني الحكم ينزون على منبري نزو القردة؟» قال: فما رُئِي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستجمعًا ضاحكًا بعد ذلك حتى مات - صلى الله عليه وسلم -. قال الهيثمي: رجال أبي يعلى رجال الصحيح غير مصعب بن عبد الله بن الزبير وهو ثقة. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وقال الذهبي: على شرط مسلم. وقد رواه البيهقي في "دلائل النبوة" بنحوه. ومن الرؤيا الظاهرة ما جاء في حديث سمرة بن جندب الطويل وقد رواه الإمام أحمد والبخاري من طريقين، أحدهما عن عوف – وهو الأعرابي – عن أبي رجاء العطاردي حدثنا سمرة بن جندب الفزاري رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما يكثر أن يقول لأصحابه: «هل رأى أحد منكم من رؤيا؟» قال: فيقص عليه ما شاء الله أن يقصّ وإنه قال لنا ذات غداة: «إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني وإنهما قالا لي انطلق وإني انطلقت معهما وإنا أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتدهده الحجر ههنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل به المرة الأولى، قال: قلت لهما: سبحان الله ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه، قال: ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى، قال: قلت: سبحان الله ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على مثل التنور، قال: وأحسب أنه كان يقول فإذا فيه لغط

وأصوات قال: فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا، قال: قلت لهما: ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، قال: فانطلقنا فأتينا على نهر حسبت أنه كان يقول أحمر مثل الدم وإذا في النهر رجل سابح يسبح وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه فيلقمه حجرًا فينطلق يسبح ثم يرجع إليه كلما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجرًا، قال: قلت لهما: ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، قال: فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرآة كأكره ما أنت راء رجلاً مرآة وإذا عنده نارٌ يحشها ويسعى حولها، قال: قلت لهما: ما هذا؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة فيها من كل لون الربيع وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولاً في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط، قال: قلت لهما: ما هذا؟ ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أَرَ روضة قط أعظم منها ولا أحسن، قال: قالا لي: ارق؛ فارتقيت فيها قال: فارتقينا فيها فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففُتح لنا فدخلناها فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء وشطر كأقبح ما أنت راء، قال: قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر، قال: وإذا نهر معترض يجري كأنَّ ماءه المحض من البياض فذهبوا فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم فصاروا في أحسن صورة، قال: قالا لي: هذه جنة عَدْنٍ وهذاك منزلك، قال: فسما بصري صُعُدًا فإذا قصر مثل الربابة البيضاء، قال: قالا لي: هذاك منزلك، قال: قلت لهما: بارك الله فيكما ذراني فأدخله، قالا: أما الآن فلا، وأنت داخله، قال: قلت لهما: فإني قد رأيت منذ الليلة عجبًا فما هذا الذي رأيتُ؟ قال: قالا لي: أما إنّا سنخبرك؛ أما الرجل الأول الذي أَتيتَ عليه يُثْلَغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة، وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق، وأما الرجال والنساء

العراة الذين في مثل بناء التنور فهم الزناة والزواني، وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجر فإنه آكل الربا، وأما الرجل الكريه المرآة الذي عند النار يحشها ويسعى حولها فإنه مالك خازن جهنم، وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة»، قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «وأولاد المشركين، وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسنًا وشطر قبيحًا فإنهم قوم خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيئًا تجاوز الله عنهم» هذا لفظ البخاري. وقد رواه ابن شيبة وابن حبان في "صحيحه" بنحوه. قوله: "ضوضوا" قال أبو عبيدة: يعني ضجوا وصاحوا. وقال الجوهري: الضوضاة أصوات الناس وجلبتهم يقال ضوضوا بلا همز، وضوضيت أبدلوا من الواو ياء، وقوله: «فأتينا على روضة مُعْتَمَّة فيها من كل لون الربيع» كذا جاء في رواية البخاري، وجاء في رواية أحمد وابن أبي شيبة: «فأتينا على روضة معشبة فيها من كل نور الربيع». قال ابن حجر في "فتح الباري" قوله: «فأتينا على روضة معتمة» بضم الميم وسكون المهملة وكسر المثناة وتخفيف الميم بعدها هاء تأنيث. ولبعضهم بفتح المثناة وتشديد الميم. قال الداودي: اعتمَّت الأرض: غطاها الخصب. انتهى المقصود من كلامه، وقوله: «فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أَرَ روضة قط أعظم منها ولا أحسن» هكذا جاء في رواية البخاري، وجاء في رواية أحمد وابن أبي شيبة وابن حبان: «فانتهينا إلى دوحة عظيمة لم أَرَ دوحة قط أعظم منها ولا أحسن». قال الجوهري: الدوحة الشجرة العظيمة من أي الشجر كان، انتهى. وسيأتي في رواية جرير بن حازم ما يؤيد رواية أحمد وابن أبي شيبة وابن حبان. الطريق الثاني: عن جرير بن حازم قال: سمعت أبا رجاء العطاردي يحدث عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى صلاة الغداة أقبل علينا بوجهه فقال: «هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا» فإن كان أحد رأى تلك الليلة رؤيا قصَّها عليه فيقول فيها ما شاء الله أن يقول،

فسألنا يومًا فقال: «هل رأى منكم الليلة رؤيا»، قال: فقلنا: لا، قال: «لكن أنا رأيت رجلين أتياني فأخذا بيدي فأخرجاني إلى أرض فضاء أو أرض مستوية فمرا بي على رجل ورجل قائم على رأسه بيده كلوب من حديد فيدخله في شدقه فيشقه حتى يبلغ قفاه ثم يخرجه فيدخله في شقه الآخر ويلتئم هذا الشق فهو يفعل ذلك به، قلت: ما هذا؟ قالا: انطلق، فانطلقت معهما فإذا رجل مستلق على قفاه ورجل قائم بيده فهر أو صخرة يشدخ بها رأسه فيتدهدى الحجر فإذا ذهب ليأخذه عاد رأسه كما كان فيصنع مثل ذلك فقلت: ما هذا؟ قالا لي: انطلق، فانطلقت معهما فإذا بيت مبني على بناء التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يوقد تحته نار فإذا فيه رجال ونساء عراة فإذا أوقدت ارتفعوا حتى يكادوا أن يخرجوا فإذا خمدت رجعوا فيها فقلت: ما هذا؟ قالا لي: انطلق، فانطلقت فإذا نهر من دم فيه رجل وعلى شط النهر رجل بين يديه حجارة فيقبل الرجل الذي في النهر فإذا دنا ليخرج رمى في فيه حجرًا فرجع إلى مكانه فهو يفعل ذلك به، فقلت: ما هذا؟ فقالا: انطلق، فانطلقت فإذا روضة خضراء فإذا فيها شجرة عظيمة وإذا شيخ في أصلها حوله صبيان وإذا رجل قريب منه بين يديه نار فهو يحششها ويوقدها فصعدا بي في الشجرة فأدخلاني دارًا لم أر دارًا قط أحسن منها فإذا فيها رجال شيوخ وشباب وفيها نساء وصبيان فأخرجاني منها فصعدا بي في الشجرة فأدخلاني دارًا هي أحسن وأفضل منها فيها شيوخ وشباب، فقلت لهما: إنكما قد طوفتماني منذ الليلة فأخبراني عما رأيت؟ فقالا: نعم. أما الرجل الأول الذي رأيت فإنه رجل كذاب يكذب الكذبة فتحمل عنه في الآفاق فهو يصنع به ما رأيت إلى يوم القيامة ثم يصنع الله تبارك وتعالى به ما شاء، وأما الرجل الذي رأيت مستلقيًا فرجل آتاه الله تبارك وتعالى القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل بما فيه بالنهار فهو يفعل به ما رأيت إلى يوم القيامة، وأما الذي رأيت في التنور فهم الزناة، وأما الذي رأيت في النهر فذاك آكل الربا، وأما الشيخ الذي في أصل الشجرة فذاك إبراهيم عليه السلام، وأما الصبيان الذي رأيت فأولاد الناس، وأما الرجل الذي رأيت يوقد النار ويحششها فذاك مالك خازن النار وتلك النار، وأما الدار التي دخلت أولاً فدار عامة المؤمنين، وأما الدار الأخرى فدار

حديث أبي أمامة الطويل في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم

الشهداء، وأنا جبريل وهذا ميكائيل. ثم قالا لي: ارفع رأسك، فرفعت رأسي فإذا هي كهيئة السحاب فقالا لي: وتلك دارك، فقلت لهما: دعاني أدخل داري، فقالا: إنه قد بقي لك عمل لم تستكمله فلو استكملته دخلت دارك» هذا لفظ أحمد، وفي رواية البخاري: «قالا: إنه بقي لك عمر لم تستكمله فلو استكملت أتيت منزلك». وقد روى مسلم والترمذي طرفًا من أوله وهو قوله: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الصبح أقبل عليهم بوجهه فقال: «هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا»؟ قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ويروى هذا الحديث عن عوف وجرير ابن حازم عن أبي رجاء عن سمرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة طويلة. انتهى. ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه الطبراني في "الكبير" عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد صلاة الصبح فقال: «إني رأيت رؤيا هي حق فاعقلوها، أتاني رجل فأخذ بيدي فاستتبعني حتى أتى بي جبلاً وعرًا طويلاً فقال لي: إرقه، فقلت: إني لا أستطيع، فقال: إني سأسهله لك، فجعلت كلما رقيت قدمي وضعتها على درجة حتى استوينا على سواء الجبل فانطلقنا فإذا نحن برجال ونساء مشققة أشداقهم، فقلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يقولون ما لا يعلمون. ثم انطلقنا فإذا نحن برجال ونساء مسمرة أعينهم وآذانهم فقلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذي يُرُوْنَ أعينهم ما لا يَرَوْن ويسمعون آذانهم ما لا يسمعون. ثم انطلقنا فإذا نحن بنساء معلقات بعراقيبهن مصوبة رءوسهن تنهش ثديانهن الحيات، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يمنعون أولادهن من ألبانهن. ثم انطلقنا فإذا نحن برجال ونساء معلقات بعراقيبهن مصوبة رءوسهن يلحسن من ماء قليل وحمأ، فقلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يصومون ويفطرون قبل تحلة صومهم، ثم انطلقنا فإذا نحن برجال ونساء أقبح شيء منظرًا وأقبحه لبوسًا وأنتنه ريحًا كأنما ريحهم المراحيض، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء الزانون والزناة. ثم انطلقنا فإذا نحن بموتى أشد شيء انتفاخًا وأنتنه ريحًا، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء موتى الكفار. ثم انطلقنا وإذا نحن نرى دخانًا ونسمع عواء، قلت: ما هذا؟ قال: هذه جهنم فدعه. ثم انطلقنا فإذا نحن برجال نيام

حديث عبد الرحمن بن سمرة الطويل في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم

تحت ظلال الشجر، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء موتى المسلمين. ثم انطلقنا فإذا نحن بغلمان وجوار يعلبون بين نهرين، قلت: ما هؤلاء؟ قال: ذرية المؤمنين. ثم انطلقنا فإذا نحن برجال أحسن شيء وجهًا وأحسنه لبوسًا وأطيبه ريحًا كأن وجوههم القراطيس، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء الصديقون والشهداء والصالحون. ثم انطلقنا فإذا نحن بثلاثة نفر يشربون خمرًا لهم ويتغنون، فقلت: ما هؤلاء؟ قال: ذلك زيد بن حارثة وجعفر وابن رواحة فملت قبلهم فقالوا: قدنا لك قدنا لك، قال: ثم رفعت رأسي فإذا ثلاثة نفر تحت العرش قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء الصديقون والشهداء والصالحون. ثم انطلقنا فإذا نحن بثلاثة نفر يشربون خمرًا لهم ويتغنون، فقلت: ما هؤلاء قال: ذلك زيد بن حارثة وجعفر وابن رواحة فلمت قبلهم فقالوا: قدنا لك قدنا لك، قال: ثم رفعت رأسي فإذا ثلاثة نفر تحت العرش قلت: ما هؤلاء؟ قال: ذاك أبوك إبراهيم وموسى وعيسى وهم ينتظرونك صلى الله عليهم أجمعين». قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، وقال الحافظ ابن حجر: سنده جيد، ورواه الطبراني أيضًا بنحوه مختصرًا وقال فيه: «ثم انطلق بي حتى أشرفت على غلمان يلعبون بين نهرين، قلت: من هؤلاء؟ قال: ذراري المؤمنين يحضنهم إبراهيم». ورواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم في "مستدركه" مختصرًا ولا سيما رواية الحاكم فإنها مختصرة جدًا، وأوله عندهم: «بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعي فأتي بي جبلاً وعرًا فقالا لي: اصعد، فقلت: إني لا أطيقه، فقالا: إنا سنسهله لك» الحديث. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي في تلخيصه، وقد نقله ابن كثير في "البداية والنهاية" في ذكر فضيلة أمراء مؤتة من كتاب "دلائل النبوة" لأبي زرعة الرازي وفيه اختصار عما جاء في رواية الطبراني. ومن الرؤيا الظاهرة ما جاء في حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا وكنا في صُفَّة المدينة فقام علينا فقال: «إني رأيت البارحة عجبًا، رأيت رجلاً من أمتي أتاه ملك الموت ليقبض روحه فجاءه بره بوالديه فرد ملك الموت عنه، ورأيت رجلاً من أمتي قد بسط عليه عذاب القبر فجاءه وضوؤه فاستنقذه من ذلك، ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته الشياطين فجاءه ذكر الله عز وجل فطرد الشيطان عنه، ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته ملائكة العذاب فجاءته صلاته فاستنقذته من أيديهم، ورأيت رجلاً من أمتي يلهث عطشًا كلما دنا من حوض منع وطرد

فجاءه صيام شهر رمضان فسقاه وأرواه، ورأيت رجلاً من أمتي ورأيت النبيين جلوسًا حلقًا حلقًا كلما دنا إلى حلقة طُرد فجاءه غسله من الجنابة فأخذ بيده فأقعده إلى جنبي، ورأيت رجلاً من أمتي بين يديه ظلمة ومن خلفه ظلمة وعن يمينه ظلمة وعن يساره ظلمة ومن فوقه ظلمة ومن تحته ظلمة وهو متحير فيها فجاءه حجّه وعمرته فاستخرجاه من الظلمة وأدخلاه في النور، ورأيت رجلاً من أمتي يتقي بيده وهج النار وشررها فجاءته صدقته فصارت سترة بينه وبين النار وظللت على رأسه، ورأيت رجلاً من أمتي يكلم المؤمنين ولا يكلمونه فجاءته صلته لرحمه فقالت: يا معشر المسلمين إنه كان وصولاً لرحمه فكلموه فكلمه المؤمنون وصافحوه وصافحهم، ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته الزبانية فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فاستنقذه من أيديهم وأدخله في ملائكة الرحمة، ورأيت رجلاً من أمتي جاثيًا على ركبتيه وبينه وبين الله عز وجل حجاب فجاءه حسن خلقه فأخذ بيده فأدخله على الله عز وجل، ورأيت رجلاً من أمتي قد ذهبت صحيفته من قِبَل شماله فجاءه خوفه من الله عز وجل فأخذ صحيفته فوضعها في يمينه، ورأيت رجلاً من أمتي خَفَّ ميزانه فجاءه أَفْراطه فثقلوا ميزانه، ورأيت رجلاً من أمتي قائمًا على شفير جهنم فجاءه رجاؤه من الله عز وجل فاستنقذه من ذلك ومضى، ورأيت رجلاً من أمتي قد هوى في النار فجاءته دمعته التي بكى من خشية الله عز وجل فاستنقذته من ذلك، ورأيت رجلاً من أمتي قائمًا على الصراط يرعد كما ترعد السعفة في ريح عاصف فجاءه حسن ظنه بالله عز وجل فسكَّن رعدته ومضى، ورأيت رجلاً من أمتي يزحف على الصراط ويحبو أيحانًا ويتعلق أحيانًا فجاءته صلاته عليّ فأقامته على قدميه وأنقذته، ورأيت رجلاً من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة فغلقت الأبواب دونه فجاءته شهادة أن لا إله إلا الله ففتحت له الأبواب وأدخلته الجنة» رواه الحافظ أبو موسى المديني في كتاب «الترغيب في الخصال المنجية، والترهيب من الخلال المردية» وقال: هذا حديث حسن جدًا. ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه «الوابل الصيب في الكلم الطيب» ووصف هذا الحدث قبل سياقه له بأنه حديث عظيم شريف القدر ينبغي لكل مسلم أن يحفظه. ثم قال فنذكره بطوله لعموم فائدته وحاجة الخلق إليه، وبعد

أن انتهى من سياقه قال: وكان شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يعظم شأن هذا الحديث وبلغني عنه أنه كان يقول شواهد الصحة عليه. انتهى. وقد رواه الطبراني في الأحاديث الطوال وإسناده ضعيف. ومن الرؤيا الظاهرة ما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - لأم سليم وبلال وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم وقد جاء ذلك في عدة أحاديث. منها ما ذكروا فيه جميعًا. ومنها ما ذكر فيه اثنان منهم. ومنها ما ذكر فيه كل واحد منهم على انفراده. فمن الأحاديث التي ذكروا فيها جميعًا حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أريتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء، امرأة أبي طلحة، وسمعت خشفة أمامي قلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا بلال، قال: ورأيت قصرًا أبيض بفنائه جارية فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل من المسلمين من أمة محمد قلت: فأنا محمد لمن هذا القصر؟ قال: هذا لعمر بن الخطاب فأردت أن أدخله فأنظر إليه قال فذكرت غيرتك»، فقال عمر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أو عليك أغار. رواه الإمام أحمد والبخاري وهذا لفظ أحمد في إحدى الروايتين عنده. ورواه مسلم مختصرًا ولفظه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أُريت الجنة فرأيت امرأة أبي طلحة ثم سمعت خشخشة أمامي فإذا بلال». ومن الأحاديث التي ذكر فيها عمر وبلال رضي الله عنهما حديث بريدة رضي الله عنه قال: أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعا بلالاً فقال: «يا بلال بم سبقتني إلى الجنة، ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي، إني دخلت البارحة الجنة فسمعت خشخشتك فأتيت على قصر من ذهب مرتفع مشرف فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل من العرب، قلت: أنا عربي لمن هذا القصر؟ قالوا: لعمر بن الخطاب». فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لولا غيرتك يا عمر لدخلتُ القصر»، فقال: يا رسول الله ما كنت لأغار عليك، قال: وقال لبلال: «بمَ سبقتني إلى الجنة»، قال: ما أحدثت إلا توضأت وصليت ركعتين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بهذا» رواه الإمام أحمد والترمذي وهذا لفظ أحمد في إحدى الروايتين عنده.

وفي رواية الترمذي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «فأتيت على قصر مربَّع مشرف من ذهب فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا: لرجل من العرب، فقلت: أنا عربي لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل من قريش، قلت: أنا قرشي لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل من أمة محمد، قلت: أنا محمد لمن هذا القصر؟ قالوا: لعمر بن الخطاب». فقال بلال: يا رسول الله ما أذنت قط إلا صليت ركعتين وما أصابني حدث قط إلا توضأت عندها ورأيت أن لله عليَّ ركعتين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بهما». قال الترمذي: هذا حديث صحيح غريب. قال: وفي الباب عن جابر ومعاذ وأنس وأبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «رأيت في الجنة قصرًا من ذهب فقلت: لمن هذا؟ فقيل: لعمر بن الخطاب»، قال: ومعنى هذا الحديث أني دخلت البارحة الجنة، يعني رأيت في المنام كأني دخلت الجنة. هكذا روي في بعض الحديث، ويروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «رؤيا الأنبياء وحي» انتهى كلام الترمذي. قلت: وقد جاء التصريح في حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى ذلك في المنام. وقد جاء في ذكر عمر وحده ثلاثة أحاديث: أحدها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بينما أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة توضأ إلى جنب قصر فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لعمر بن الخطاب فذكرت غيرتك فوليت مدبرًا» وعمر حين يقول ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس عنده مع القوم فبكى عمر حين سمع ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: أعليك بأبي أنت وأمي أغار يا رسول الله، رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه". الثاني: حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «دخلت الجنة، أو أتيت الجنة، فأبصرت قصرًا فقلت: لمن هذا؟ قالوا: لعمر بن الخطاب فأردت أن أدخله فلم يمنعني إلا علمي بغيرتك». قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله بأبي أنت وأمي يا نبي الله أوعليك

أغار. رواه الإمام أحمد والبخاري وابن حبان في "صحيحه" وهذا لفظ البخاري في "باب الغيرة" من "كتاب النكاح" ورواه في "كتاب التعبير" ولفظه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «دخلت الجنة فإذا أنا بقصر من ذهب فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: لرجل من قريش فما منعني أن أدخله يا ابن الخطاب إلا ما أعلمه من غيرتك»، قال: وعليك أغار يا رسول الله. وفي رواية ابن حبان: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أدخلت الجنة فرأيت فيها قصرًا من ذهب أو لؤلؤ فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لعمر بن الخطاب» وذكر بقيته بنحوه. وقد بوّب البخاري على هذا الحديث وحديث أبي هريرة المذكور قبله بقوله «باب القصر في المنام». الثالث: حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «دخلت الجنة فإذا أنا بقصر من ذهب فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لشاب من قريش، قلت: لمن؟ قالوا: لعمر بن الخطاب، قال: فلولا ما علمت من غيرتك لدخلته»، فقال عمر رضي الله عنه: عليك يا رسول الله أغار، رواه الإمام أحمد عن ابن أبي عدي عن حميد عن أنس، ورواه أيضًا عن يحيى – وهو ابن سعيد القطان – عن حميد عن أنس. ورواه أيضًا عن عبد الله بن بكر – وهو السهمي – عن حميد عن أنسٍ، وكل واحد من هذه الأسانيد الثلاثة ثلاثي على شرط الشيخين، ورواه أيضًا بإسنادين صحيحين سوى هذه الأسانيد الثلاثة، ورواه الترمذي وابن حبان في "صحيحه" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ومما جاء في ذكر بلال وحده حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - لبلال عند صلاة الغداة: «يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته عندك في الإسلام منفعة فإني سمعت الليلة خشف نعليك بين يدي في الجنة قال بلال: ما عطلت عملاً في الإسلام أرجى عندي منفعة من أني لا أتطهر طهورًا تامًا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب الله لي أن أصلي» رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم. قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" قوله: «عند صلاة الفجر» فيه إشِارة إلى أن ذلك وقع في

المنام لأن عادته - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقص ما رآه ويعبر ما رآه أصحابه بعد صلاة الفجر. انتهى. ومما جاء في ذكر الرميصاء وحدها حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «دخلت الجنة فسمعت خشفة بين يديّ فقلت: ما هذا؟ قالوا: الغميصاء بنت ملحان أم أنس بن مالك» رواه الإمام أحمد عن هشيم عن حميد عن أنس، ورواه أيضًا عن ابن أبي عدي عن حميد عن أنس، ورواه أيضًا عن يحيى عن حميد عن أنس رضي الله عنه، وكل واحد من هذه الأسانيد الثلاثة ثلاثي على شرط الشيخين، ورواه أيضًا بإسنادين صحيحين من طريق ثابت عن أنس رضي الله عنه، ورواه مسلم وابن حبان في "صحيحه" والطبراني في "الكبير". ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه الإمام أحمد بأسانيد صحيحة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «نمت فرأيتني في الجنة فسمعت صوت قارئ يقرأ فقلت: من هذا؟ فقالوا: حارثة بن النعمان»، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كذلك البر كذلك البر» وكان أبر الناس بأمه، وقد رواه عبد الرزاق وابن حبان في "صحيحه" والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي في تلخيصه. ومن الرؤيا الظاهرة رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزاة البحر الذين غزوا قبرص في زمان عثمان رضي الله عنه والذين غزوا الروم في زمان معاوية رضي الله عنه، وقد جاء في ذلك حديثان. أحدهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه. وقد روي عنه من ثلاثة طرق: أحدها: ما رواه مالك في "الموطأ" عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذهب إلى قباء يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا فأطعمته وجلست تفلي رأسه فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحك يا رسول الله؟ قال: «ناس من أمتي عرضوا عليّ غزاة في سبيل الله يركبون ثبج

لا فرق بين رؤيا الليل والنهار ورؤيا النساء والرجال

هذا البحر ملوكًا على الأسرة، أو قال مثل الملوك على الأسرة» يشك إسحاق – فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها، ثم وضع رأسه فنام ثم استيقظ وهو يضحك فقلت: ما يضحك يا رسول الله؟ قال: «ناس من أمتي عرضوا عليّ غزاة في سبيل الله ملوكًا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة» كما قال في الأولى، قالت: فقلت: يا رسول الله ادعُ الله أن يجعلني منهم، قال: «أنت من الأولين»، قال: فركبت البحر في زمان معاوية فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت، وقد رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من طريق مالك ومن غير طريقه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وأم حرام بنت ملحان هي أخت أم سليم وهي خالة أنس بن مالك. انتهى. وقد ترجم البخاري لهذا الحديث بقوله: «باب رؤيا النهار» قال: وقال ابن عون عن ابن سيرين: رؤيا النهار مثل رؤيا الليل. وذكر الحافظ ابن حجر عن علي بن أبي طالب القيرواني أنه قال: لا فرق في حكم العبارة بين رؤيا الليل والنهار وكذا رؤيا النساء والرجال. وقال المهلب نحوه. انتهى. الطريق الثاني: عن محمد بن يحيى بن حَبَّان عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن خالته أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها، رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارمي بنحو ما تقدم في حديث إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس رضي الله عنه. الطريق الثالث: عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه، رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم بنحو ما تقدم في حديث إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس رضي الله عنه. الحديث الثاني: عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن امرأة حدثته قالت: نام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم استيقظ وهو يضحك فقلت: تضحك مني يا رسول الله؟ قال: «لا، ولكن من قوم من أمتي

رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم أنه سحره لبيد بن الأعصم اليهودي

يخرجون غزاة في البحر مثلهم مثل الملوك على الأسرة»، قالت: ثم نام ثم استيقظ أيضًا يضحك فقلت: تضحك يا رسول الله مني؟ قال: «لا، ولكن من قوم من أمتي يخرجون غزاة في البحر فيرجعون قليلة غنائمهم مغفورًا لهم»، قلت: ادعُ الله أن يجعلني منهم فدعا لها، قال: فأخبرني عطاء بن يسار قال: فرأيتها في غزاة غزاها المنذر بن الزبير إلى أرض الروم وهي معنا فماتت بأرض الروم، رواه الإمام أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وقد رواه عبد الرزاق في مصنفه، وقال: فيه عطاء بن يسار: أن امرأة حذيفة قالت. والظاهر أن قوله امرأة حذيفة تصحيف من بعض النسّاخ أو الطابعين، والصواب أن امرأة حدثته كما جاء ذلك في رواية الإمام أحمد عن عبد الرزاق. ويدل لهذا ما رواه أبو داود عن يحيى بن معين عن هشام بن يوسف عن معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أخت أم سليم الرميصاء قالت: نام النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستيقظ وكانت تغسل رأسها فاستيقظ وهو يضحك فقالت: يا رسول الله أتضحك من رأسي؟ قال: «لا»، قال أبو داود وساق هذا الخبر يزيد وينقص. انتهى. وإسناد هذه الرواية صحيح على شرط البخاري. وفيها بيان أن المرأة التي لم تسم في رواية الإمام أحمد هي الرميصاء أخت أم سليم. ومن الرؤيا الظاهرة رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرضه أن الوجع الذي أصابه كان بسبب السحر، وقد جاء في ذلك حديثان عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم، فأما حديث عائشة رضي الله عنها فقد روي عنها من طريقين: أحدهما عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: سَحَرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهوديُّ من يهود بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم، قالت: حتى كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله، حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم دعا ثم دعا ثم قال: «يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه جاءني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي أو الذي عند رجلي للذي عند رأسي: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب، قال: من طّبه قال: لبيد بن الأعصم، قال: في أي شيء؟ قال: في مشط ومشاطة، قال: وجبّ طلعة ذكر، قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذي أروان»، قالت: فأتاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أناس من أصحابه ثم قال: «يا عائشة والله لكأن ماءها نقاعة

الحناء ولكأن نخلها رءوس الشياطين»، قالت: فقلت: يا رسول الله أفلا أحرقته؟ قال: «لا، أما أنا فقد عافاني الله وكرهت أن أثير على الناس شرًا فأمرت بها فدفنت» رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم وابن ماجه وابن سعد وهذا لفظ مسلم ونحوه عند أحمد وابن ماجه، وليس في هذه الرواية ولا في غيرها من الروايات عند البخاري تصريح بأن مجيء الرجلين إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في المنام. وقد جاء التصريح بذلك وبأن الرجلين كانا من الملائكة في حديث صحيح عند الإمام أحمد. وجاء أيضًا في حديث عمرة عن عائشة رضي الله عنها كما سيأتي إن شاء الله تعالى. فأما الحديث الذي عند أحمد فهو ما رواه عن إبراهيم بن خالد عن رباح عن معمر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: لبث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ستة أشهر يرى أنه يأتي ولا يأتي فأتاه ملكان فجلس أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال أحدهما: ما باله؟ قال: مطبوب، قال: من طبّه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: فِيْمَ؟ قال: في مشط ومشاطة في جف طلعة ذكر في بئر ذروان تحت رعوفة، فاستيقظ النبي - صلى الله عليه وسلم - من نومه فقال: «أي عائشة ألم ترين أن الله أفتاني فيما استفتيته» فأتى البئر فأمر به فأخرج فقال: «هذه البئر التي أريتها والله كأنّ ماءها نقاعة الحناء وكأن رءوس نخلها رءوس الشياطين»، فقالت عائشة: لو أنك كأنها تعني أن يتنشر، قال: «أما والله قد عافاني الله وأنا أكره أن أثير على الناس منه شرًا». في إسناده إبراهيم بن خالد وهو القرشي الصنعاني المؤذن، ورباح وهو ابن زيد القرشي مولاهم الصنعاني وكل منهما ثقة وبقية رجاله رجال الصحيح. وأما حديث عمرة عن عائشة رضي الله عنها وهو الطريق الثاني من الروايتين عنها فقد رواه البيهقي في "دلائل النبوة" قالت: كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - غلام يهودي يخدمه يقال له لبيد بن أعصم، وكان تعجبه خدمته، فلم تزل به يهود حتى سحر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذوب ولا يدري ما وجعه، فبينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة نائم إذ أتاه ملكان فجلس أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه: ما وجعه؟ قال الذي عند رأسه: مطبوب، قال الذي عند رجليه: مَنْ طبَّه؟ قال الذي عند

رأسه: لبيت بن أعصم، قال الذي عند رجليه: بِمَ طبَّه؟ قال الذي عند رأسه: بمشط ومشاطة وجفّ طلعة ذكر بذي أروان وهي تحت راعوفة البئر. فاستيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعا عائشة فقال: «يا عائشة أشعرت أن الله عز وجل قد أنبأني بوجعي»، فلما أصبح غدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغدا معه أصحابه إلى البئر فإذا ماؤها كأنه نقوع الحناء وإذا نخلها الذي يشرب من مائها قد التوى سعفه كأنه رءوس الشياطين، قال: فنزل رجل فاستخرج جفَّ طلعة من تحت الراعوفة فإذا فيها مشط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن مراطة رأسه وإذا تمثال من شمع تمثال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإذا فيها إبر مغروزة، وإذا وَتَر فيه إحدى عشرة عقدة فأتاه جبريل عليه السلام بالمعوذتين فقال: يا محمد: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1] وحل عقدة {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق: 2] وحل عقدة، حتى فرغ منها، ثم قال: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1]، وحل عقدة حتى فرغ منها وحل العُقد كلها؛ وجعل لا ينزع إبرة إلا وجد لها ألمًا ثم يجد بعد ذلك راحة، فقيل: يا رسول الله لو قتلت اليهودي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «قد عافاني الله عز وجل وما وراءه من عذاب الله أشد» قال: فأخرجه. قال البيهقي: قد روينا في هذا عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ببعض معناه، ورويناه في الحديث الصحيح عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها في أبواب دعواته دون ذكر المعوذتين. انتهى. وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما فرواه ابن سعد في "الطبقات" من طريق جويبر – وهو ضعيف – عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأُخِذ عن النساء وعن الطعام والشراب فهبط عليه ملكان وهو بين النائم واليقظان فجلس أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، ثم قال أحدهما لصاحبه: ما شَكْوُه؟ قال: طُبَّ، يعني سُحر؛ قال: ومن فعله؟ قال: لبيد بن أعصم اليهودي، قال: ففي أي شيء جعله؟ قال: في طلعة، قال: فأين وضعها؟ قال: في بئر ذروان تحت صخرة، قال: فما

بيان أن السحر الذي أصيب به رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان تأثيره في جسده لا في قلبه وعقله

شفاؤه؟ قال: تنزح البئر وترفع الصخرة وتستخرج الطلعة، وارتفع الملكان. فبعث نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إلى علي وعمار رضي الله عنهما فأمرهما أن يأتيا الركي فيفعلا الذي سمع فأتياها وماؤها كأن قد خضب بالحناء فنزحاها ثم رفعا الصخرة فأخرجا طلعة فإذا فيها إحدى عشرة عُقْدة ونزلت هاتان السورتان: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلما قرأ آية انحلت عُقدة حتى انحلت العقد وانتشر نبي الله - صلى الله عليه وسلم - للنساء والطعام والشراب، وهذا الحديث وإن كان ضعيف الإسناد فلبعضه شاهد مما تقدم في حديث عائشة رضي الله عنها. وليعلم أن السحر الذي أصيب به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومرض منه ستة أشهر إنما كان تأثيره في جسده لا في قلبه وعقله فإن الله حمى قلبه وعقله وصانهما من وصول السحر إليهما، وما كان الله ليسلط السحرة والشياطين على قلب رسوله ومقر وحيه وتنزيله، هذا لا يكون أبدًا. وأما بدنه فإنه عرضة للأقسام والآلام كسائر البشر، وذلك لا يحط من قدره، بل يزيده أجرًا وثوابًا في الدار الآخرة. قال القاضي عياض في كتابه "الشفا": السحر مرض من الأمراض وعارض من العلل يجوز عليه كأنواع الأمراض مما لا ينكر ولا يقدح في نبوته. وأما ما ورد أنه كان يخيل إليه أنه فعل الشيء ولا يفعله فليس في هذا ما يُدْخل عليه داخلة في شيء من تبليغه أو شريعته أو يقدح في صدقه لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا، وإنما هذا فيما يجوز طُروّه عليه في أمر دنياه التي لم يبعث بسببها ولا فضّل من أجلها وهو فيها عرضة للآفات كسائر البشر فغير بعيد أن يخيل إليه من أمورها ما لا حقيقة له ثم ينجلي عنه كما كان – إلى أن قال -: إن السحر إنما تسلط على ظاهره وجوارحه لا على قلبه واعتقاده وعقله وأنه إنما أثر في بصره وحبسه عن وطء نسائه وطعامه وأضعف جسمه وأمرضه، ويكون معنى قوله يخيل إليه أنه يأتي أهله ولا يأتيهن أي يظهر له من نشاطه ومتقدم عادته القدرة على النساء فإذا دنا منهن أخذته أخذة السحر فلم يقدر على إتيانهن كما يعتري من أُخذ واعترض. وإذا كان هذا لم يكن فيما ذكر من إصابة السحر له وتأثيره فيه ما يُدخل لَبْسًا ولا يجد به الملحد المعترض أُنْسًا. انتهى.

ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه الإمام أحمد وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه" والبيهقي في "دلائل النبوة" عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أن رجلين من بليّ قدما على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان إسلامهما جميعًا فكان أحدهما أشد اجتهادًا من الآخر فغزا المجتهد منهما فاستشهد ثم مكث الآخر بعده سنة ثم توفي. قال طلحة: فرأيت في المنام بينا أنا عند باب الجنة إذا أنا بهما فخرج خارج من الجنة فأذن للذي توفي الآخر منهما ثم خرج فأذن للذي استشهد ثم رجع إليّ فقال: ارجع فإنك لم يأن لك بعد. فأصبح طلحة يحدث به الناس فعجبوا لذلك فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحدثوه الحديث فقال: «من أي ذلك تعجبون؟» فقالوا: يا رسول الله هذا كان أشد الرجلين اجتهادًا ثم استشهد ودخل هذا الآخر الجنة قبله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أليس قد مكث هذا بعده سنة؟» قالوا: بلى، قال: «وأدرك رمضان فصامه وصلى كذا وكذا من سجدة في السنة؟» قالوا: بلى، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فلما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض» وروى الإمام أحمد عن طلحة رضي الله عنه قريبًا منه في المعنى وفي آخره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس أحد أفضل عند الله من مؤمن يعمّر في الإسلام لتسبيحه وتكبيره وتهليله» ورجال هذه الرواية والرواية التي قبلها كلهم ثقات. ومن الرؤيا الظاهرة رؤيا ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان بيده قطعة استبرق يطير بها في الجنة، والحديث بذلك رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت في المنام كأن بيدي قطعة استبرق ولا أشير بها إلى مكان من الجنة إلا طارت بي إليه فقصتها حفصة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «إن أخاك رجل صالح» أو: «إن عبد الله رجل صالح». قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ومن الرؤيا الظاهرة رؤيا ابن عمر رضي الله عنها أنه ذُهب به إلى النار ثم صرف عنها. والحديث في ذلك رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم وابن ماجه عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان الرجل في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى رؤيا قصها على النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فتمنيت أن أرى رؤيا فأقصها على النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: وكنت غلامًا شابًا عزبًا فكنت أنام في المسجد

على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فرأيت في النوم كأنّ ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار فإذا هي مطوية كطي البئر وإذا لها قرنان وإذا فيها ناس قد عرفتهم فجعلت أقول أعوذ بالله من النار أعوذ بالله من النار فلقيهما ملك آخر فقال لي: لن تراع فقصصتها على حفصة فقصتها حفصة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل». قال سالم: فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلاً. وفي رواية للبخاري: فرأيت ملكين أتياني فانطلقا بي فلقيهما ملك آخر فقال لن تراع إنك رجل صالح. وقد رواه البخاري أيضًا من حديث نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إن رجالاً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا يرون الرؤيا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقصونها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقول فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما شاء الله، وأنا غلام حديث السن وبيتي المسجد قبل أن أنكح فقلت في نفسي: لو كان فيك خير لرأيت مثل ما يرى هؤلاء. فلما اضطجعت ليلة قلت: اللهم إن كنت تعلم في خيرًا فأرني رؤيا، فبينما أنا كذلك إذ جاءني ملكان في يد كل واحد منهما مقمعة من حديد يقبلان بي إلى جهنم وأنا بينهما أدعو الله، اللهم إني أعوذ بك من جهنم، ثم أراني لقيني ملك في يده مقمعة من حديد فقال: لن تراع نعم الرجل أنت لو تكثر الصلاة فانطلقوا بي حتى وقفوا بي على شفير جهنم فإذا هي مطوية كطي البئر له قرون كقرون البئر بين كل قرنين ملك بيده مقمعة من حديد وأرى فيها رجالاً معلقين بالسلاسل رءوسهم أسفلهم عرفت فيها رجالاً من قريش فانصرفوا بي عن ذات اليمين، فقصصتها على حفصة فقصتها حفصة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن عبد الله رجل صالح» فقال نافع: لم يزل بعد ذلك يكثر الصلاة، وقد رواه ابن أبي شيبة مختصرًا. ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه الإمام أحمد بإسنادين صحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعجبه الرؤيا الحسنة فربما قال: «هل رأى أحد منكم رؤيا؟» فإذا رأى الرجل رؤيا سأل عنه فإن كان ليس به بأس كان أعجب لرؤياه إليه، قال: فجاءت امرأة فقالت: يا رسول الله رأيت كأني

دخلت الجنة فسمعت بها وجبة ارتجت لها الجنة فنظرت فإذا قد جيء بفلان ابن فلان وفلان ابن فلان حتى عدت اثني عشر رجلاً، وقد بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية قبل ذلك، قالت: فجيء بهم عليهم ثياب طلس تشخب أوداجهم، قال: فقيل: اذهبوا بهم إلى نهر السدخ، أو قال: إلى نهر البيدج؛ قال: فغمسوا فيه فخرجوا منه وجوههم كالقمر ليلة البدر، قال: ثم أتوا بكراسي من ذهب فقعدوا عليها وأُتي بصحفة -أو كلمة نحوها- فيها بسرة فأكلوا منها فما يقلبونها لشق إلا أكلوا من فاكهة ما أرادوا وأكلت معهم، قال: فجاء البشير من تلك السرية فقال: يا رسول الله كان من أمرنا كذا وكذا وأصيب فلان وفلان حتى عدّ الاثنى عشر الذين عدتهم المرأة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «علي بالمرأة»، فجاءت قال: «قص على هذا رؤياك» فقصت، قال: هو كما قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورواه ابن حبان في "صحيحه" والبيهقي في "دلائل النبوة" بنحوه. ومن الرؤيا الظاهرة رؤيا خزيمة بن ثابت رضي الله عنه أنه يقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - ويسجد على جبهته. وقد جاء ذلك من طرق. أحدها: عن أبي جعفر المديني الخطمي قال: سمعت عمارة بن عثمان بن حنيف يحدَّثُ عن خزيمة بن ثابت أنه رأى في منامه أنه يقبّل النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بذلك فناوله النبي - صلى الله عليه وسلم - فقبّل جبهته. رواه الإمام أحمد. قال الهيثمي: فيه عمارة بن عثمان ولم يرو عنه غير أبي جعفر الخطمي وبقية رجاله ثقات، قلت: قال ابن حجر في "تقريب التهذيب": عمارة بن عثمان بن حنيف الأنصاري المدني مقبول. انتهى. ويؤيد حديث عمارة ما سيأتي في الطريقين بعده. الطريق الثاني: عن أبي جعفر الخطمي عن عمارة بن خزيمة بن ثابت أن أباه قال: رأيت في المنام أني أسجد على جبهة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرت بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «إن الروح لتلقى الروح» وأقنع النبي - صلى الله عليه وسلم - رأسه هكذا فوضع جبهته على جبهة النبي - صلى الله عليه وسلم -، رواه الإمام أحمد وابن أبي شيبة والطبراني في "الكبير" مختصرًا. قال الهيثمي: رواه أحمد بأسانيد أحدها هذا وهو متصل ورواه الطبراني وقال: فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اجلس واسجد واصنع كما رأيت» ورجالهما ثقات.

الطريق الثالث: عن الزهري عن ابن خزيمة بن ثابت الأنصاري صاحب الشهادتين عن عمه أن خزيمة بن ثابت الأنصاري رأى في المنام أنه سجد على جبهة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك فاضطجع له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: «صدق بذلك رؤياك» فسجد على جبهة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، رواه الإمام أحمد عن عثمان بن عمر بن فارس عن يونس عن الزهري عن ابن خزيمة بن ثابت عن عمه. ورجال هذا الإسناد كلهم ثقات، وقد رواه ابن حبان في "صحيحه" بنحوه. ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه ابن أبي شيبة عن أبي معاوية عن الأعمش عن مسلم – وهو ابن صبيح أبو الضحى – قال: أتى رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله رأيت رجلاً يخرج من الأرض وعلى رأسه رجل في يده مرزبة من حديد كلما أخرج رأسه ضرب رأسه فيدخل في الأرض ثم يخرج من مكان آخر فيأتيه فيضرب رأسه، قال: «ذاك أبو جهل بن هشام لا يزال يصنع به ذلك إلى يوم القيامة» رجاله رجال الصحيح وهو مرسل وقد أورده ابن أبي شيبة فيما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من الرؤيا. ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قتلت جانًا فأتيت فيما يرى النائم فقيل لها: أَمَ والله لقد قتلت مسلمًا، قالت: فلم يدخل على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقيل لها: ما يدخل عليك إلا وعليك ثيابك، فأصبحت فزعة وأمرت باثني عشر ألفًا في سبيل الله. ومن الرؤيا الظاهرة رؤيا عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه سيقتل. وقد جاء ذلك في عدة أحاديث. منها ما رواه ابن أبي شيبة وابن سعد في "الطبقات" عن أم هلال بنت وكيع عن امرأة عثمان قالت: أغفى عثمان فلما استيقظ قال: إن القوم يقتلونني، قلت: كلا يا أمير المؤمنين، قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر قال: قالوا: «أفطر عندنا الليلة»، أو قالوا: «إنك تفطر عندنا الليلة». ومنها ما رواه ابن أبي شيبة والحاكم عن نافع عن ابن عمر رضي الله

عنهما أن عثمان رضي الله عنه أصبح يحدث الناس قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الليلة في المنام فقال: «يا عثمان أفطر عندنا» فأصبح صائمًا وقُتل من يومه، صححه الحاكم والذهبي. وقد رواه ابن سعد في "الطبقات" عن نافع قال: أصبح عثمان بن عفان يوم قتل يقصّ رؤيا على أصحابه رآها فقال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البارحة فقال لي: «يا عثمان أفطر عندنا»، قال: فأصبح صائمًا وقُتل في ذلك اليوم، وقد رواه البيهقي في "دلائل النبوة" مختصرًا. ومنها ما رواه أبو يعلى الموصلي وعبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند عن مسلم أبي سعيد مولى عثمان بن عفان أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البارحة في المنام ورأيت أبا بكر وعمر وإنهم قالوا لي: «اصبر فإنك تفطر عندنا القابلة» ثم دعا بمصحف فنشره بين يديه فقُتل وهو بين يديه. قال الهيثمي: رجالهما ثقات. وصحح الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على مسند الإمام أحمد إسناد هذا الحديث. ومن الرؤيا الظاهرة رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - وابن عباس وأم سلمة رضي الله عنهم في قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما، فأما رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك فهي في حديث رواه الحاكم عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اضطجع ذات ليلة للنوم فاستيقظ وهو حائر ثم اضطجع فرقد ثم استيقظ وفي يده تربة حمراء يقبلها فقلت: ما هذه التربة يا رسول الله؟ قال: «أخبرني جبريل أن هذا يُقتل بأرض العراق» للحسين «فقلت لجبريل: أرني تربة الأرض التي يقتل بها فهذه تربتها». قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي في تلخيصه، وقد رواه الطبراني في "الكبير" مختصرًا ولفظه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اضطجع ذات يوم فاستيقظ وهو خاثر النفس وفي يده تربة حمراء يقلبها فقلت: ما هذه التربة يا رسول الله؟ فقال: «أخبرني جبريل عليه السلام أن هذا يُقتل بأرض العراق» للحسين «فقلت لجبريل: أرني تربة الأرض التي يُقتل بها فهذه تربتها». قال ابن الأثير: خاثر النفس أي ثقيل النفس غير طيب ولا نشيط. انتهى.

رؤيا أم حبيبة بنت أبي سفيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيتزوجها

وأما رؤيا ابن عباس رضي الله عنهما فقد رواها الإمام أحمد والطبراني في "الكبير" والحاكم من طريق عمار بن أبي عمار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام بنصف النهار أشعث أغبر معه قارورة فيها دم يلتقطه، أو يتتبع فيها شيئًا، قال: قلت: يا رسول الله ما هذا؟ قال: «دم الحسين وأصحابه لم أزل أتتبعه منذ اليوم». قال عمار: فحفظنا ذلك اليوم فوجدناه قتل ذلك اليوم، هذا لفظ أحمد في إحدى الروايتين وإسناده في كل منهما صحيح على شرط مسلم. وقد رواه البيهقي في «دلائل النبوة» بنحوه, وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي في تخليصه. وأما رؤيا أم سلمة رضي الله عنها فقد رواها الترمذي والحاكم من طريق رزين -وهو الجهني- قال: حدثتني سلمى -وهي البكرية- قالت: دخلت على أم سلمة وهي تبكي فقلت: ما يبكيك؟ قالت: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، تعني في المنام، وعلى رأسه ولحيته التراب، فقلت: مالك يا رسول الله؟ قال: «شهدت قتل الحسين آنفًا». قال الترمذي: هذا حديث غريب. وفي رواية الحاكم قالت: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنام يبكي وعلى رأسه ولحيته التراب، الحديث. وقد رواه البيهقي في "دلائل النبوة" من طريق الحاكم. وقد انتقم الله تبارك وتعالى من قتلة الحسين رضي الله عنه على يد المختار بن أبي عبيد الثقفي الكذاب فتتبعهم وقتلهم، وقد رأى الشعبي في ذلك رؤيا رواها الطبراني في "الكبير" عن مجالد عن الشعبي قال: رأيت في النوم كأن رجالاً نزلوا من السماء معهم حراب يتتبعون قتلة الحسين رضي الله عنه، فما لبثت أن نزل المختار فقتلهم. قال الهيثمي: إسناده حسن. ومن الرؤيا الظاهرة رؤيا أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيتزوجها، وقد جاء ذلك في قصة طويلة ذكرها الحاكم في المستدرك في «ذكر أم حبيبة بنت أبي سفيان» من كتاب «معرفة الصحابة» ففيه أن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: أرى في النوم كأن آتيًا يقول لي يا أم المؤمنين ففزعب وأوّلتها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتزوجني، قالت: فما هو إلا أن انقضت عدتي فما شعرت إلا برسول النجاشي على بابي يستأذن فإذا جارية له

يقال لها أبرهة كانت تقوم على ثيابه ودهنه فدخلت علي فقالت: إن الملك يقول لك إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إليّ أن أزوَّجك، فقلت: بشرك الله بخير، وقالت: يقول لك الملك وكلي من يزوجك، وذكرت القصة. ورواه ابن سعد في "الطبقات" بنحوه. ومن الرؤيا الظاهر رؤيا المرأة التي حلفت أن الله لا يعذبها وقد ذكرها الحاكم في المستدرك بإسناده عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: اجتمع نساء من نساء المؤمنين عند عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فقالت امرأة منهن: والله لا يعذبني الله أبدًا إنما بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن لا أشرك بالله شيئًا ولا أسرق ولا أزني ولا أقتل ولدي ولا آتي ببهتان أفتريه بين يدي ورجلي ولا أعصيه في معروف وقد وفيت. قال: فرجعت إلى بيتها فأتيت في منامها فقيل لها: أنت المتألية على الله تعالى أن لا يعذبك فكيف بقولك فيما لا يعنيك ومنعك ما لا يغنيك، قال: فرجعت إلى عائشة رضي الله عنها فقالت لها: إني أُتيت في منامي فقيل لي كذا وكذا وإني أستغفر الله وأتوب إليه، ورواه البيهقي في "دلائل النبوة" مختصرًا. ومن الرؤيا الظاهرة قصة ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه بعد موته وقد روى قصته الطبراني في "الكبير" عن عطاء الخراساني قال: قدمت المدينة فسألت فسألت عمن يحدثني بحديث ثابت بن قيس بن شماس فأرشدوني إلى ابنته فسألتها -فذكر الحديث عنها وفيه- فلما استنفر أبو بكر رضي الله عنه المسلمين إلى أهل الردة واليمامة ومسلمة الكذاب سار ثابت بن قيس فيمن سار فلما لقوا مسيلمة وبني حنيفة هزموا المسلمين ثلاث مرات فقال ثابت وسالم مولى أبي حذيفة: ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعلا لأنفسهما حفرة فدخلا فيها فقاتلا حتى قُتِلا، قالت: وأُري رجل من المسلمين ثابت بن قيس في منامه فقال: إني لما قتلت بالأمس مَرَّ بي رجل من المسلمين فانتزع مني درعًا نفيسة ومنزله في أقصى العسكر وعند منزله فرس يستنّ في طِوَله وقد أكفأ على الدرع برمة وجعل فوق البرمة رَحْلاً وائت خالد بن الوليد فليبعث إلى درعي فليأخذها فإذا قدمت على خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعلمه أن علي من الدين كذا، ولي من المال كذا، وفلان من رقيقي عتيق، وإياك أن تقول هذا حُلْم.

رؤيا عبد المطلب بن هاشم أنه أمر بحفر زمزم

فتضيعه، قال: فأتى خالد بن الوليد فوجه إلى الدرع فوجدها كما ذكر، وقدم على أبي بكر رضي الله عنه فأخبره فأنفذ أبو بكر رضي الله عنه وصيته بعد موته، فلا نعلم أن أحدًا جازت وصيته بعد موته إلا ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه. قال الهيثمي: وبنت ثابت بن قيس لم أعرفها وبقية رجاله رجال الصحيح والظاهر أن بنت ثابت بن قيس صحابية فإنها قالت سمعت أبي والله أعلم. وروى الطبراني أيضًا من طريق ثابت عن أنس رضي الله عنه أن ثابت بن قيس رضي الله عنه جاء يوم اليمامة وقد تحنط ونشر أكفانه فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء وأعتذر مما صنع هؤلاء فقتل وكانت له درع فسرقت فرآه رجل فيما يرى النائم فقال: إن درعي في قدر تحت الكانون في مكان كذا وكذا وأوصاه بوصايا فطلبوا الدرع فوجدوها وأنفذوا الوصايا. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. ومن الرؤيا الظاهرة ما أُمِر به عبد المطلب بن هاشم جد النبي - صلى الله عليه وسلم - من حفر زمزم بعدما اندرس موضعها وعفى أثرها. قال ابن إسحاق: حدثني يزيد ابن أبي حبيب المصري عن مرثد بن عبد الله اليزني عن عبد الله بن زرير الغافقي أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يحدث حديث زمزم حين أمر عبد المطلب بحفرها، قال: قال عبد المطلب: إني لنائم في الحجر إذ أتاني آتٍ فقال: احفر طيبة، قال: قلت وما طيبة؟ قال: ثم ذهب عني. فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال: احفر برّة (¬1)، قال: فقلت: وما برّة، قال: ثم ذهب عني. فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال: احفر المضنونة، قال: فقلت: وما المضنونة؟ قال: ثم ذهب عني. فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال: احفر زمزم، قال: قلت: وما زمزم؟ قال: لا تنزف أبدًا ولا تذم، تسقي الحجيج الأعظم، وهي بين الفرث والدم، عند نقرة الغراب الأعصم، عند قرية النمل. ¬

_ (¬1) قال ابن الأثير: سماها بَرَّة لكثرة منافعها وسعة مائها. قال: والمضنونة التي يضن بها لنفاستها وعزتها.

قال ابن إسحاق: فلما بيّن له شأنها ودل على موضعها وعرف أنه قد صُدِق غدا بمعوله ومعه ابنه الحارث بن عبد المطلب ليس له يومئذ ولد غيره فحفر فلما بدا لعبد المطلب الطي كبّر فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته فقاموا إليه فقالوا: يا عبد المطلب إنها بئر أبينا إسماعيل وإن لنا فيها حقًا فأشركنا معك فيها، قال: ما أنا بفاعل إن هذا الأمر قد خصصت به دونكم وأعطيته من بينكم، فقالوا له: فأنصفنا فإنا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها، قال: فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمكم إليه، قالوا: كاهنة بني سعد بن هذيم؟ قال: نعم، قال: وكانت بأشراف الشام فركب عبد المطلب ومعه نفر من بني أبيه من بني عبد مناف وركب من كل قبيلة من قريش نفر، قال: والأرض إذ ذاك مفاوز، قال: فخرجوا حتى إذا كانوا ببعض تلك المفاوز بين الحجاز والشام فني ماء عبد المطلب وأصحابه فظمئوا حتى أيقنوا بالهلكة فاستسقوا من معهم من قبائل قريش فأبوا عليهم وقالوا: إنا بمفازة ونحن نخشى على أنفسنا مثل ما أصابكم، فلما رأى عبد المطلب ما صنع القوم وما يتخوف على نفسه وأصحابه قال: ماذا ترون؟ قالوا: ما رأينا إلا تبع لرأيك فمرنا بما شئت، قال: فإني أرى أن يحفر كل رجل منكم حفرته لنفسه بما بكم الآن من القوة فكلما مات رجل دفعه أصحابه في حفرته ثم واروه حتى يكون آخركم رجلاً واحدًا، فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعًا. قالوا: نِعْمَ ما أمرت به. فقام كل واحد منهم فحفر حفرته ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشًا. ثم إن عبد المطلب قال لأصحابه: والله إن إلقاءنا بأيدينا هكذا للموت لا نضرب في الأرض ولا نبتغي لأنفسنا لَعَجْزٌ فعسى الله أن يرزقنا ماء ببعض البلاد ارتحلوا فارتحلوا حتى إذا فرغوا ومن معهم من قبائل قريش ينظرون إليهم ما هم فاعلون تقدم عبد المطلب إلى راحلته فركبها فلما انبعثت به انفجرت من تحت خفها عين ماء عَذْب فكبّر عبد المطلب وكبّر أصحابه ثم نزل فشرب وشرب أصحابه واستقوا حتى ملئوا أسقيتهم ثم دعا القبائل من قريش فقال: هلمَّ إلى الماء فقد سقانا الله فاشربوا واستقوا فجاءوا فشربوا واستقوا ثم قالوا: قد والله قُضِي لك علينا يا عبد المطلب والله لا نخاصمك في زمزم أبدًا. إن الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة لهو الذي سقاك زمزم

رؤيا رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم في الجاهلية أنهم يؤمرون بالاستسقاء والكلام على ما جاء في هذه القصة من الغريب

فارجع إلى سقايتك راشدًا، فرجع ورجعوا معه ولم يصلوا إلى الكاهنة وخلوا بينه وبينها. قال ابن إسحاق: فهذا الذي بلغني من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه في زمزم. قلت: رجال إسناده كلهم ثقات وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث فزال ما يخشى من تدليسه. وقد رواه البيهقي في "دلائل النبوة" من طريق ابن إسحاق وإسناده حسن. ومن الرؤيا الظاهرة رؤيا رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم في الجاهلية الأمر بالاستسقاء حين أصاب قريشًا القحط والمحل. وقد روى حديثها الطبراني في "الكبير" وفي الأحاديث الطوال، والبيهقي في "دلائل النبوة" وابن الأثير في "أسد الغابة" عن مخرمة بن نوفل رضي الله عنه عن أمه رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم وكانت لِدَةَ عبد المطلب قالت: تتابعت على قريش سنون جدبة أقحلت الجلد وأرقت العظم، قالت: فبينا أنا راقدة اللهم أو مهومة إذا أنا بهاتف صيت يصرخ بصوت صحل يقول: يا معشر قريش إن هذا النبي مبعوث منكم وهذا إبان مخرجه فحيَّ هلاً بالخير والخصب، ألا فانظروا منكم رجلاً طوالاً عظامًا أبيض بضًا أشم العرنين، له فخر يكظم عليه وسنة تهدي إليه، ألا فليخلص هو وولده وليدلف إليه من كل بطن رجل، ألا فليشنوا من الماء وليمسوا من الطيب وليستلموا الركن، وليطوفوا بالبيت سبعًا ثم ليرتقوا أبا قبيس فليستسق الرجل وليؤمن القوم، ألا وفيهم الطاهر والطيب لذاته، ألا فغثتم إذًا ما شئتم وعشتم. قالت: فأصبحت عَلِمَ الله مفئودة مذعورة قد قف جلدي ووله عقلي فاقتصصت رؤياي فنمت في شعاب مكة. فو الحرمة والحرم إن بقي بها أبطحي إلا قال هذا شيبة الحمد، هذا شيبة، وتتامت عنده قريش. وانفض إليه من كل بطن رجل فشنوا وطيبوا واستلموا وطافوا ثم ارتقوا أبا قبيس وطفق القوم يدفون حوله ما إن يدرك سعيهم مهله حتى قر لذروته فاستكنوا جنابيه ومعهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يومئذ غلام قد أيفع أو كَرَبَ. فقام عبد المطلب فقال: اللهم سادّ الخلّة وكاشف الكربة أنت عالم غير معلَم ومسئول غير مبخّل، وهذه عبداؤك وإماؤك بعذارت حرمك يشكون إليك سنتهم التي قد أقحلت الظلف والخف، فاسمعن اللهم وامطرن غيثًا مريعًا مغدقًا، فما راموا حتى انفجرت السماء بمائها وكظ الوادي بثجيجه.

فلسمعتُ شيخان قريش وهي تقول لبعد المطلب: هنيئًا لك أبا البطحاء هنيئًا، أي بك عاش أهل البطحاء. وفي ذلك تقول رقيقة: بشيبة الحمد أسقى الله بلدتنا ... وقد فقدنا الحيا واجلوَّذَ المطر فجاد بالماء جَوْنيّ له سَبَلٌ ... دانٍ فعاشت به الأمصار والشجر سيلٌ من الله بالميمون طائره ... وخير من بُشَّرت يومًا به مضر مبارك الأمر يستسقى الغمام به ... ما في الأنام له عدل ولا خطر هذه إحدى الروايتين عند البيهقي. وقال ابن الأثير بعد إيراده: أخرجه أبو نعيم وأبو موسى، وقال أبو موسى – يعني المديني – هذا حديث حسن عالٍ، وفي هذا الحديث غريب نشرحه مختصرًا، قوله: لِدَةُ عبد المطلب، أي على سنه. وأقحلت أيبست. وأرقت العظم، أي جعلته ضعيفًا من الجهد. والتهويم أول النوم. والإبان الوقت. وحي هلا كلمة تعجيل. والحيا – مقصور – المطر والخصب، أي أتاكم المطر والخصب عاجلاً. والعُظَام بضم العين أبلغ من العظيم. والبضّ الرقيق البشرة. والأشم المرتفع. وقوله: له فخر يكظم عليه أن يخفيه ولا يفاخر به. والسنة الطريقة. وتهدي إليه، أي تدل الناس عليه. فليشنوا، بالسين والشين، أي فليصبوا، ومعناه فليغتسلوا. فغثتم أي أتاكم الغيث والغوث. ونَمَتْ أي فشت، وشيبة الحمد لقب عبد المطلب. وتَتَامَّت إليه، أي جاءوا كلهم. ومَهَلُه سكونه. وقوله: كَرَبَ أي قرب. والخَلَّة الحاجة. والعذرات الأفنية. والسنة القحط والشدة. ويعني بالظلف والخف الغنم والإبل. والمُغْدق الكثير. واكتظ أي ازدحم. والثجيج سيلان كثرة الماء. والشيخان المشايخ. واجْلَوَّذ أي تأخر. والجوني السحاب الأسود. انتهى. وفي القصة كلمات لم يشرحها ابن الأثير وهي تحتاج إلى الشرح. منها قوله: بصوت صحل أي فيه بحوحة. وقوله: رجلا طُوالاً أي طويل فإذا أفرط في الطول قيل طُوَّال بالتشديد. وقوله: فليدلف، الدليف هو المشي الرويد يقال: دَلَف إذا مشى وقارب الخطو. وقولها: وفيهم الطاهر والطيب لذاته -تعني به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقولها: مفئودة، المفئود هو الذي أصيب فؤاده -أي قلبه- بوجع. والذعر بالضم الخوف والفزع. وقوله: وقَفَّ جلدي أي تقبض،

وقيل: أرادت قف شعري فقام من الفزع. والوله ذهاب العقل والتحير من شدة الوجد. وقولها: فوالحرمة والحرم، هذا من الحلف بغير الله وهو شرك، وقد وقع ذلك منها في زمن الجاهلية وهي إذ ذاك مشركة. وقولها: يدفّون حوله أي يسيرون سيرًا لينًا. والميمون طائره وخير من بُشّرت به مضر هو النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يبعد أن تكون إغاثة قريش بسبب كونه - صلى الله عليه وسلم - مع المستغيثين منهم، والله أعلم. ومن الرؤيا الظاهرة رؤيا خالد بن سعيد بن العاص قبل إسلامه ما كان سببًا في إسلامه، وقد روى قصته محمد بن سعد في "الطبقات" عن محمد بن عمر – وهو الواقدي – قال: حدثني جعفر بن محمد بن خالد بن الزبير عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان قال: كان سلام خالد بن سعيد قديمًا وكان أول إخوته أسلم، وكان بدء إسلامه أنه رأى في النوم أنه واقف على شفير النار فذكر من سعتها ما الله به أعلم، ويرى في النوم كأن أباه يدفعه فيها ويرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخذًا بحقويه لئلا يقع، ففزع من نومه فقال: أحلف بالله إن هذه لرؤيا حق، فلقي أبا بكر بن قحافة فذكر ذلك له فقال أبو بكر: أريد بك خير، هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاتبعه فإنك ستتبعه وتدخل معه في الإسلام الذي يحجزك من أن تقع فيها، وأبوك واقع فيها. فلقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بأجياد فقال: يا محمد إلى ما تدعو؟ قال: «أدعو إلى الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله وخلع ما أنت عليه من عبادة حجر لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع ولا يدري مَنْ عَبَده ممن لم يعبده»، قال خالد: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله؛ فسَّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإسلامه. وتغيب خالد وعلم أبوه بإسلامه فأرسل في طلبه من بقي من ولده ممن لم يسلم ورافعًا مولاه فوجدوه فأتوا به إلى أبيه أبي أحيحة فأنبه وبكته وضربه بمقرعة في يده حتى كسرها على رأسه ثم قال: اتبعت محمدًا وأنت ترى خلافه قومه وما جاء به من عيب آلهتهم وعيب من مضى من آبائهم، فقال خالد: قد صدق والله واتبعته فغضب أبو أحيحة ونال من ابنه وشتمه ثم قال: اذهب يا لكع حيث شئت فوالله لأمنعنك القوت، فقال خالد: إن منعتني فإن الله يرزقني ما أعيش به. فأخرجه وقال لبنيه: لا يكلمه أحد منكم إلا صنعت به ما صنعت به،

فانصرف خالد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان يلزمه ويكون معه. ورواه الحاكم في "المستدرك": والبيهقي في "دلائل النبوة" من طريق الواقدي، ورواية البيهقي مختصرة. ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن طفيل بن سخبرة أخي عائشة لأمها أنه رأى فيما يرى النائم كأنه مرّ برهط من اليهود فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن اليهود، قال: إنكم أنتم القوم لولا أنكم تزعمون أن عزيرًا ابن الله، فقالت اليهود: وأنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد، ثم مرّ برهط من النصارى فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن النصارى، فقال: إنكم أنتم القوم لولا أنكم تقولون المسيح ابن الله، قالوا: وإنكم أنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وما شاء محمد؛ فلما أصبح أخبر بها من أخبر ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره فقال: «هل أخبرت بها أحدًا» قال: نعم، فلما صلوا خطبهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «إن طفيلاً رأى رؤيا فأخبر بها من أخبر منكم وإنكم كنتم تقولون كلمة كان يمنعني الحياء منكم أن أنهاكم عنها، قال: لا تقولوا ما شاء الله وما شاء محمد». وقد رواه الطبراني في "الكبير" والحاكم في "المستدرك" والبيهقي في "دلائل النبوة" بنحوه. وفي رواية للطبراني: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «فإذا قلتم فقولوا ما شاء الله وحده»، وفي رواية الحاكم: «فلا تقولوا ما شاء الله وما شاء محمد ولكن قولوا ما شاء الله وحده لا شريك له». وقد رواه ابن ماجه بإسناد صحيح عن ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما أن رجلاً من المسلمين رأى في النوم أنه لقي رجلاً من أهل الكتاب فقال: نعم القوم أنتم لولا أنكم تشركون، تقولون ما شاء الله وشاء محمد وذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «أما والله إن كنت لأعرفها لكم، قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد» ثم رواه بإسناد صحيح عن ربعي بن حراش عن الطفيل بن سخبرة أخي عائشة لأمها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحوه. ورواه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن ربعي – وهو ابن حراش – عن حذيفة قال: أتى رجل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني رأيت في المنام أني لقيت بعض أهل الكتاب فقال: نعم

القوم أنتم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «قد كنت أكرهها منكم فقولوا ما شاء الله ثم شاء محمد». ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه ابن أبي شيبة وأبو نعيم في "الحلية" من طريقه والبيهقي في "دلائل النبوة" عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال عمر رضي الله عنه: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنام فرأيته لا ينظر إليّ فقلت: يا رسول الله ما شأني؟ قال: «ألست الذي تقبّل وأنت صائم؟» قلت: والذي بعثك بالحق لا أقبّل بعدها وأنا صائم. ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه الخطيب البغدادي في تاريخه عن أحمد بن سنان قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: رأيت ربّ العزة في المنام فقال لي: يا يزيد تكتب عن حَرِيْز بن عثمان؟ فقلت: يا ربّ ما علمت منه إلا خيرًا، فقال لي: يا يزيد لا تكتب منه فإنه يسب عليّا. ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه الخطيب أيضًا عن سعيد بن سافري الواسطي قال: كنت في مجلس أحمد بن حنبل فقال له رجل: يا أبا عبد الله رأيت يزيد بن هارون في النوم فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي ورحمني وعاتبني، فقلت: غفر لك ورحمك وعاتبك! قال: نعم، قال لي: يا يزيد بن هارون كتبت عن حَرِيز بن عثمان، قلت: يا ربّ العزة ما علمت إلا خيرًا، قال: إنه كان يبغض أبا الحسن علي بن أبي طالب. وروى الخطيب أيضًا عن أبي نافع بن بنت يزيد بن هارون قال: كنت عند أحمد بن حنبل وعنده رجلان -وأحسبه قال: شيخان- فقال أحدهما: يا أبا عبد الله رأيت يزيد بن هارون في المنام فقلت له: يا أبا خالد ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وشفعني وعاتبني، قال: قلت: غفر لك وشفعك قد عرفتُ ففيم عاتبك؟! قال: قال لي: يا يزيد أتحدث عن حَرِيز بن عثمان؟ قال: قلت: يا رب ما علمت إلا خيرًا، قال: يا يزيد إنه كان يبغض أبا حسن علي بن أبي طالب. قال: وقال الآخر: أنا رأيت يزيد بن هارون في المنام فقلت له: هل أتاك منكر ونكير؟ قال: إي والله وسألاني مَنْ ربك وما دينك ومَن نبيك؟ قال: فقلت: ألمثلي يقال هذا وأنا كنت أعلم الناس بهذا

رؤيا الشافعي أن أحمد سيمتحن ويدعى إلى القول بخلق القرآن

في دار الدنيا، فقالا لي: صدقت فنم نومة العروس لا بؤس عليك. وقال السفاريني في كتاب "البحور الزاخرة": أخرج السلفي في الطيوريات عن سهل بن عمار قال: رأيت يزيد بن هارون في المنام بعد موته فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: أتاني إلى قبري ملكان فظان غليظان فقالا: ما دينك ومن ربك ومن نبيك، فأخذت بلحيتي البيضاء وقلت: لمثلي يقال هذا وقد علمت الناس جوابكما ثمانين سنة، فقالا: أكتبتّ عن حَرِيز بن عثمان؟ قلت: نعم، قالا: إنه كان يبغض عثمان فأبغضه الله. قال السفاريني: ورواه اللالكائي بدون زيادة أكتبت إلى آخره، وبدل ثمانين سنة ستين سنة؛ وزاد فقال أحدهما: صدق نم نومة العروس فلا روعة عليك بعد اليوم. وروى الخطيب في "تاريخه" عن وهب بن بيان قال: رأيت يزيد بن هارون في المنام فقلت: يا أبا خالد أليس قد متَّ؟ قال: أنا في قبري وقبري روضة من رياض الجنة. ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه ابن الجوزي في «مناقب الإمام أحمد» بإسناده إلى عبد الله بن الإمام أحمد قال: سمعت أبي يقول: رأيت ربّ العزة عز وجل في المنام فقلت: يا ربّ ما أفضل ما تقرب به المتقربون إليك؟ فقال: كلامي يا أحمد، قال: قلت: يا ربّ بفهمٍ أو بغير فهمٍ؟ قال: بفهمٍ وبغير فهمٍ. ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه القاضي أبو الحسين في «طبقات الحنابلة» عن أبي جعفر محمد بن منصور العابد المعروف بالطوسي قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنام فقلت: يا رسول الله كل ما روى عنك أبو هريرة حق؟ قال: «نعم». ومن الرؤيا الظاهرة رؤيا الشافعي أن أحمد سيُمتحن ويُدعى إلى القول بخلق القرآن وقد روى ذلك ابن الجوزي في «مناقب الإمام أحمد» بإسناده إلى الربيع بن سليمان قال: قال لي الشافعي: يا ربيع خذ كتابي وامض به وسلمه إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل وأتني بالجواب، قال الربيع: فدخلت بغداد ومعي الكتاب ولقيت أحمد بن حنبل صلاة الصبح فصليت معه الفجر

فلما انفتل من المحراب سلمت إليه الكتاب وقلت له: هذا كتاب أخيك الشافعي من مصر، فقال أحمد: نظرت فيه؟ قلت: لا، وكسر أحمد الخاتم وقرأ الكتاب فتغرغرت عيناه بالدموع، فقلت له: أي شيء فيه يا أبا عبد الله؟ فقال: يذكر أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام، فقال له: اكتب إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل واقرأ عليه مني السلام وقل إنك ستُمتحن وتُدعى إلى خلق القرآن فلا تجبهم يرفع الله لك علمًا إلى يوم القيامة. قال الربيع: فقلت: البشارة فخلع قميصه الذي يلي جلده فدفعه إلي فأخذته وخرجت إلى مصر وأخذت جواب الكتاب وسلمته إلى الشافعي فقال لي: يا ربيع أي شيء الذي دفع إليك؟ قلت: القميص الذي يلي جده. فقال لي الشافعي: ليس نفجعك به ولكن بله وادفع إلينا الماء حتى أشركك فيه. ورواه أيضًا من طريق آخر عن الربيع بن سليمان وقال فيه: إن الشافعي ذكر في كتابه أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في نومه وهو يقول له: يا ابن إدريس بشر هذا الفتى أبا عبد الله أحمد بن حنبل أنه سيُمتحن في دين الله ويُدعى إلى أن يقول القرآن مخلوق فلا يفعل وإنه سيُضرب بالسياط وإن الله عز وجل ينشر له بذلك علمًا لا ينطوي إلى يوم القيامة، وذكر بقية القصة بنحو ما تقدم. ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه ابن الجوزي في "مناقب الإمام أحمد" عن أبي بكر أحمد بن محمد الرملي قاضي دمشق قال: دخلت العراق فكتبت كتب أهلها وأهل الحجاز فمن كثرة خلافهما لم أدر بأيهما آخذ فلما كان جوف الليل قمت فتوضأت وصليت ركعتين وقلت: اللهم اهدني إلى ما تحب، ثم أويت إلى فراشي فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرى النائم دخل من باب بني شيبة وأسند ظهره إلى الكعبة فرأيت الشافعي وأحمد بن حنبل على يمين النبي - صلى الله عليه وسلم -، والنبي يتبسم إليهما. وبشر المريسي من ناحية، فقلت: يا رسول الله من كثرة اختلافهما لا أدري بأيها آخذ، فأومأ إلى الشافعي وأحمد فقال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ} [الأنعام: 89] ثم أومأ إلى بشر فقال: {فَإِنْ

يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: 89 - 90]. ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه ابن الجوزي أيضًا عن محمد بن أبي الورد قال: سمعت يحيى الجلاء – أو علي بن الموفق – قال: ناظرت قومًا من الواقفة أيام المحنة فنالوني بما أكره فصرت إلى منزلي وأنا مغموم بذلك فقدمت إلي امرأتي عشاء فقلت لها: لست آكل، فرفعته ونمت فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم داخل المسجد وفي المسجد حلقتان إحداهما فيها أحمد بن حنبل وأصحابه، والأخرى فيها ابن أبي دؤاد وأصحابه فوقف بين الحلقتين وأشار بيده وقال: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ} وأشار إلى حلقة ابن أبي دؤاد {فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} وأشار إلى الحلقة التي فيها أحمد بن حنبل، وقد رواه الخطيب في "تاريخه" بمثله. ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه ابن الجوزي أيضًا عن عبد الوهاب الوراق قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أقبل فقال لي: «ما لي أراك محزونًا؟» قال: قلت: وكيف لا أكون محزونًا وقد حلّ بأمتك ما قد ترى، قال: فقال لي: «لينتهين الناس إلى مذهب أحمد بن حنبل لينتهين الناس إلى مذهب أحمد بن حنبل». ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه ابن الجوزي أيضًا عن أبي زرعة قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم فشكوت ما نلقى من الجهمية فقال: «لا تحزن فإن أحمد بن حنبل قد سدَّ عليهم الأفق». ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه ابن الجوزي أيضًا عن أبي عبد الله السجستاني قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنام فقلت: يا رسول الله من تركت لنا في عصرنا هذا من أمتك نقتدي به في ديننا؟ قال: «عليكم بأحمد بن حنبل». وروى ابن الجوزي أيضًا عن أحمد بن نصر الخزاعي نحوه، ورواه القاضي أبو الحسين في "طبقات الحنابلة" بنحوه أيضًا.

رؤيا في استخلاف إبليس لبشر المريسي بالعراق

ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه ابن الجوزي أيضًا عن بندار محمد بن بشار العبدي قال: رأيت أحمد بن حنبل في المنام شبه المغضب فقلت: يا أبا عبد الله أراك مغضبًا، فقال: وكيف لا أغضب وجاءني منكر ونكير يسألان مَنْ ربك فقلت لهما: ولمثلي يقال مَنْ ربك، فقالا لي: صدقت يا أبا عبد الله ولكن بهذا أمرنا فاعذرنا. وروى ابن الجوزي أيضًا عن عبد الله بن الإمام أحمد قال: رأيت أبي في المنام فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، قلت: جاءك منكر ونكير؟ قال: نعم، قالا لي: من ربك؟ قلت: سبحان الله أما تستحيان مني، فقالا لي: يا أبا عبد الله اعذرنا بهذا أمرنا. ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه ابن الجوزي أيضًا عن ابن خزيمة قال: لما مات أحمد بن حنبل اغتممت غمًا شديدًا فبت من ليلتي فرأيته في النوم وهو يتبختر في مشيته فقلت: يا أبا عبد الله ما هذه المشية؟ قال: مشية الخدام في دار السلام فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وتوجني وألبسني نعلين من ذهب، وقال لي: يا أحمد هذا بقولك القرآن كلامي، ثم قال لي: يا أحمد لِمَ كتبت عن حَرِيز بن عثمان، فقلت: يا ربّ كان ثقة، فقال: صدقت ولكنه كان يبغض عليًا أبغضه الله، ثم قال لي: يا أحمد ادعني بتلك الدعوات التي بلغتك عن سفيان الثوري كنت تدعو بها في دار الدنيا، فقلت: يا ربّ كل شيء، فقال: هيه، فقلت: بقدرتك على كل شيء، فقال: صدقت، فقلت: لا تسألني عن شيء، واغفر لي كل شيء، فقال: يا أحمد هذه الجنة فادخل إليها. ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه الخطيب البغدادي في "تاريخه" عن يحيى بن يوسف الزمي قال: رأيت في المنام إبليس رجلاه في الأرض ورأسه في السماء أسود مثل الليل وله عينان في صدره، فلما رأيته قلت: من أنت؟ قال: هو إبليس فجعلت اقرأ آية الكرسي، قال: فقلت له: ما أقدمك هذه البلاد؟ قال: إلى بشر بن يحيى رجل من الجهمية، قال: قلت: من استخلفت بالعراق؟ قال: ما من مدينة ولا قرية إلا ولي فيها خليفة، قلت:

رؤيا سيئة للمريسي وابن أبي دؤاد

ومن خليفتك بالعراق؟ فقال: بشر المريسي دعا الناس إلى أمر عجزت عنه. وفي رواية قال: دعا الناس إلى ما عجزت عنه قال القرآن مخلوق، وقال في هذه الرواية، إن بشر بن يحيى كان بمرو يرى رأي المريسي. ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه الخطيب أيضًا عن أحمد بن الدورقي قال: مات رجل من جيراننا شاب رأيته في الليل وقد شاب فقلت: ما قصتك؟ قال: دفن بشر في مقبرتنا زفرت جهنم زفرةً شاب منها كل من في المقبرة. ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه الخطيب أيضًا وابن الجوزي في "مناقب أحمد" عن عبد الله بن المبارك الزَّمِن قال: رأيت زبيدة في المنام فقلت: ما فعل الله بك؟ قالت: غفر لي بأول معول ضرب في طريق مكة، قلت: فما هذه الصفرة في وجهك؟ قالت: دفن بين ظهرانينا رجل يقال له بشر المريسي زفرت عليه جهنم زفرة فاقشعر لها جلدي، فهذه الصفرة من تلك الزفرة. زاد ابن الجوزي، قلت: فما فعل أحمد بن حنبل؟ قالت: الساعة فارقني أحمد بن حنبل في طبار من درة بيضاء في لجة حمراء يريد زيارة الجبار عز وجل، قلت: بما نال ذلك؟ قلت: بقوله القرآن كلام الله غير مخلوق. ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه الخطيب أيضًا عن سفيان بن وكيع قال: رأيت كأن جهنم زفرت فخرج منها اللهب فقلت: ما هذا؟ قال: أُعِدَّت لابن أبي دؤاد. ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه الآجري في كتاب "الشريعة" عن بقية بن الوليد قال: حدثني أبو غياث قال: بينا أنا أغسل رجلاً من أهل القدر قال: فتفرقوا عني فبقيت أنا وحدي فقلت: ويل للمكذبين بأقدار الله، قال: فانتفض حتى سقط عن دفه، قال: فلما دفناه عند باب الشرقي رأيت في ليلتي تلك في منامي كأني منصرف من المسجد إذا بجنازة في السوق يحملها حبشيان رجلاها بين يديهما فقلت: ما هذا؟ قالوا: فلان، قلت: سبحان الله أليس قد دفناه عند باب الشرقي، قال: دفنتموه في غير موضعه، فقلت: والله لأتبعنه حتى أنظر ما يصنع به فلما أن خرجوا به من باب اليهود مالوا به إلى

نواويس النصارى فأتوا قبرًا منها فدفنوه فيه فبدت لي رجلاه فإذا هو أشد سوادًا من الليل. ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه شيخ الإسلام أبو إسماعيل الهروي بإسناده إلى أبي زيد المروزي قال: كنت نائمًا بين الركن والمقام فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام فقال لي: يا أبا زيد إلى متى تدرس كتاب الشافعي ولا تدرس كتابي؟ فقلت: يا رسول الله وما كتابك؟ قال: جامع محمد بن إسماعيل. ذكر هذه الرؤيا الحافظ ابن حجر في آخر مقدمة "فتح الباري". ومن الرؤيا الظاهرة ما ذكره ابن رجب في "ذيل طبقات الحنابلة" عن عبد الله البرداني الزاهد قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام فقال لي: يا عبد الله من تمسك بمذهب أحمد في الأصول سامحته فيما اجترح – أو فيما فرّط – في الفروع. ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه الخطيب في "تاريخه" قال: حدثني علي بن الحسين العكبري قال: رأيت أبا القاسم هبة الله بن الحسن الطبري في المنام فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، قلت: بماذا؟ فكأني به قال كلمة خفية، يقول بالسنّة. ومن الرؤيا الظاهرة ما نقله ابن رجب في "ذيل طبقات الحنابلة" عن ابن السمعاني: سمعت أبا حفص عمر بن المبارك بن سهلان سمعت الحسين بن خسرو البلخي قال: رئي الشيخ أبو منصور الخياط في النوم فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بتعليمي الصبيان فاتحة الكتاب. ومن الرؤيا الظاهرة ما نقله ابن رجب عن ابن الجوزي قال: أنبأنا سعد الله بن نصر قال: كنت خائفًا من الخليفة لحادث نزل فأغفيت فرأيت في المنام كأني في غرفة أكتب شيئًا فجاء رجل فوقف بإزائي وقال: اكتب ما أملي عليك وأنشد: ادفع بصبرك حادث الأيام ... وترج لطف الواحد العلام لا تيأسن وإن تضايق كربها ... ورماك ريب صروفها بسهام وله تعالى بين ذلك فرجة ... تخفى عن الأبصار والأوهام كم من نجا من بين أطراف القنا ... وفريسة سلمت من الضرغام

رؤيا في ضرر علم الكلام وكلام لابن رجب في ذمه

ومن الرؤيا الظاهرة ما ذكره ابن رجب عن ابن النجار أنه ذكر في ترجمة داود بن أحمد الضرير الظاهري أنه سمعه يقول: سمعت يعقوب بن يوسف الحربي يقول: رأيت عبد المغيث بن زهير الحربي في المنام بعد موته فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال: العلم يحيي أناسًا في قبورهم ... والجهل يلحق أحياء بأموات ومن الرؤيا الظاهرة ما ذكره ابن رجب في "ذيل طبقات الحنابلة" قال: أنباني أبو الربيع علي بن عبد الصمد بن أحمد بن أبي الجيش عن أبيه قال: قال عفيف الدين معتوق القليوبي: رأيت فيما يرى النائم قائلاً يقول: لعمرك قد أودى وعطل منبر ... وأعيى على المستفهمين جواب قال: فانتبهت من نومي فقلت: ترى أي شيء قد جرى فجاءنا الخبر وقت العصر بموت الشيخ ابن الجوزي فقلت: ولم يبق من يرجى لإيضاح شكل ... وأصبح ربع العلم وهو خراب ومن الرؤيا الظاهرة ما ذكره ابن رجب عن ابن النجار أنه ذكر عن علي الفاخراني الضرير قال: رأيت صدقة الناسخ (¬1) في المنام فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بعد شدة فسألته عن علم الأصول – أي الكلام – فقال: لا تشتغل به فما كان شيء أضرّ عليّ منه وما نفعني إلا خمس قصيبات – أو قال تميرات – تصدقت بها على أرملة. قال ابن رجب: قلت: هذا المنام حق، وما كانت مصيبته إلا من علم الكلام، ولقد صدق القائل ما ارتدى أحد بالكلام فأفلح، وبسبب شبه المتكلمين والمتفلسفة كان يقع له أحيانًا حيرة وشك يذكرها في أشعاره ويقع له من الكلام والاعتراض ما يقع. انتهى. ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه الفاكهي في "أخبار مكة" عن إبراهيم بن سعيد بن صيفي المخزومي – وكان صديقًا لعبيد الله بن قثم بن عباس – قال: ¬

_ (¬1) صدقة الناس اسمه صدقة بن الحسين بن الحسن بن بختيار بن الحداد البغدادي الشاعر المتكلم، له ترجمة في "ذيل طبقات الحنابلة" (339 - 342/ 1).

أرسل إليّ عبيد الله بن قُثّم وهو أمير مكة نصف النهار وكان نازلاً ببئر ميمون في دار لُبَابة بنت علي – أي ابن عبد الله بن عباس – زوجته وهي معه فأتيته وهو مذعور فقال: يا أبا إسماعيل إني رأيت والله عجبًا في قائلتي، خرج إلي وجه إنسان من هذا الجدار فقال: بينما الحي وافرون بخير ... حَمَلُوا خيرهم على الأعواد أنا والله ميت، قال: قلت: كلا، هذا والله من الشيطان، قال: لا والله، قال: قلت: فينعي غيرك، قال: مَنْ؟ قلت: لَعلَّ غيرك، قال: كأنك تعرّض بلبابة بنت علي، هي والله خير مني، قال: فوالله ما مكثنا إلا شهرًا أو نحوه حتى ماتت لُبَابة. فقال لي: يا أبا إسماعيل، هو ما قُلْتَ، قال: ثم أقمنا فأرسل إليّ في مثل ذلك الوقت فأتيته فقال: قد والله خرج إلي ذلك الوجه بعينه فقال: بينما الحي وافرون بخير ... حَمَلُوا خيرهم على الأعواد أنا والله ميت. قال: قلت: كلا إن شاء الله، قال: ليس ههنا لُبَابة أخرى تعللني بها. قال: فمكثنا شهرًا أو نحوه ثم مات. وروى الفاكهي أيضًا أن عبيد الله بن قُثَم – وهو يومئذ والي مكة – قال: رأيت في منامي أن رجلاً وقف بين يدي فقال: بينما الحي وافرون بخير ... حَمَلُوا خيرهم على الأعواد قال: فظننت أنه يعنيني بذلك، وقلت: نُعيت إلي نفسي ثم ذكر أن لبابة بنت علي بن عباس زوجته فقلت: إنها خير مني وأنها التي تموت. وأقمت شهرين أو ثلاثة بذلك ثم ماتت، فأقمت بعدها شهرًا أو نحوها فإذا بذاك قد مَثَل بين يدي فقال: فقل للذي يبقى خلاف الذي مضى ... تأهب لأخرى بعدها فكأن قدي قال: فبعث حين رأى ذلك إلى إبراهيم بن سعيد بن صيفي وإلى زكريا بن الحارث بن أبي مسرة فذكر ذلك لهما فتوجعا له وقالا له: يقيك الله أيها الأمير، قال: فلم يلبث إلا يسيرًا حتى مات.

البغانشي كان يرى الأموات في منامه ويسألهم عما يراد منهم من الأخبار وذكر بعض قصصه

ومن الرؤيا الظاهرة ما ذكره ابن القيم في كتاب "الروح" أن عمير بن وهب رضي الله عنه أتي في منامه فقيل له: قم إلى موضع كذا وكذا من البيت فاحفره تجد مال أبيك، وكان أبوه قد دفن مالاً ومات ولم يوص به فقام عمير من نومه فاحتفر حيث أمره فأصاب عشرة آلاف درهم وتبرًا كثيرًا فقضى دينه وحسن حاله وحال أهل بيته وكان ذلك عقب إسلامه فقالت له الصغرى من بناته: يا أبت ربنا هذا الذي حبانا بدينه خير من هُبَل والعزى ولولا أنه كذلك ما ورثك هذا المال وإنما عبدته أيامًا قلائل. قال ابن القيم: قال علي بن أبي طالب القيرواني العابر: وما حديث عمير هذا واستخراجه المال بالمنام بأعجب مما كان عندنا وشاهدناه في عصرنا بمدينتنا من أبي محمد عبد الله البغانشي وكان رجلاً صالحًا مشهورًا برؤية الأموات وسؤالهم عن الغائبات ونقله ذلك إلى أهلهم وقراباتهم حتى اشتهر بذلك وكثر منه فكان المرء يأتيه فيشكو إليه أن حميمه قد مات من غير وصية وله مال لا يهتدى إلى مكانه فيعده خيرًا ويدعو الله في ليلته فيتراءى له الميت الموصوف فيسأله عن الأمر فيخبره به. فمن نوادره أن امرأة عجوزًا من الصالحات توفيت ولامرأة عندها سبعة دنانير وديعة فجاءت إليه صاحبة الوديعة وشكت إليه ما نزل بها وأخبرته باسمها واسم الميتة صاحبتها ثم عادت إليه من الغد فقال لها: تقول لك فلانة عدّي من سقف بيتي سبع خشبات تجدي الدنانير في السابعة في خرقة صوف ففعلت ذلك فوجدتها كما وصف لها. قال: وأخبرني رجل لا أظن به كذبًا قال: استأجرتني امرأة من أهل الدنيا على هدم دار لها وبنائها بمال معلوم فلما أخذت في الهدم لزمت الفعلة هي ومن معها فقلت: ما لك؟ قالت: والله ما لي إلى هدم هذه الدار من حاجة لكن أبي مات وكان ذا يسار كثير فلم نجد له كثير شيء فخلت أن ماله مدفون فعمدت إلى هدم الدار لعلي أجد شيئًا، فقال لها بعض من حضر: لقد فاتك ما هو أهون عليك من هذا، قالت: وما هو؟ قال: فلان تمضين إليه وتسألينه أن يبيت قصتك الليلة فلعله يرى أباك فيدلك على مكان ماله بلا

ذبح الذي كان يسب أبا بكر وعمر في المنام وعقوبة آخرين على ذلك

تعب ولا كلفة فذهبت إليه ثم عادت إلينا فزعمت أنه كتب اسمها واسم أبيها عنده فلما كان من الغد بكرت إلى العمل وجاءت المرأة من عند الرجل فقالت: إن الرجل قال لي رأيت أباك وهو يقول المال في الحنية، قال: فجعلنا نحفر تحت الحنية وفي جوانبها حتى لاح لي شق وإذا المال فيه، قال: فأخذنا في التعجب والمرأة تستخف بما وجدت وتقول: مال أبي كان أكثر من هذا ولكني أعود أليه، فمضت فأعلمته ثم سألته المعاودة فلما كان من الغد أتت وقالت: إنه قال لها إن أباك يقول لك احفري تحت الجابية المربعة التي في مخزن الزيت، قال: ففتحت المخزن فإذا بجابية مربعة في الركن فأزلناها وحفرنا تحتها فوجدنا كوزًا كبيرًا فأخذته ثم دام بها الطمع في المعاودة ففعلت فرجعت من عنده وعليها الكآبة فقالت: زعم أنه رآه وهو يقول له قد أخذت ما قُدّر لها وأما ما بقي فقد جلس عليه عفريت من الجن يحرسه إلى من قدّر له. وذكر ابن القيم أيضًا عن القيرواني أنه ذكر في "كتاب البستان" عن بعض السلف قال: كان لي جار يشتم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فلما كان ذات يوم أكثر من شتمهما فتناولته وتناولني فانصرفت إلى منزلي وأنا مغموم حزين فنمت وتركت العشاء فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنام فقلت: يا رسول الله فلان يسب أصحابك قال: «من أصحابي؟» قلت: أبو بكر وعمر فقال: «خذه هذه المدية فاذبحه بها»، فأخذتها فأضجعته وذبحته ورأيت كأن يدي أصابها من دمه فألقيت المدية وأهويت بيدي إلى الأرض لأمسحها فانتبهت وأنا أسمع الصراخ من نحو داره فقلت: ما هذا الصراخ؟ قالوا: فلان مات فجأة فلما أصبحنا جئت فنظرت إليه فإذا خط موضع الذبح. قال: وقال محمد بن عبد الله المهلبي: رأيت في المنام كأني في رحبة بني فلان وإذا النبي - صلى الله عليه وسلم - جالس على أكمة ومعه أبو بكر وعمر واقف قدامه فقال له عمر: يا رسول الله إن هذا يشتمني ويشتم أبا بكر، فقال: «جيء به يا أبا حفص»، فأتى برجل فإذا هو العماني وكان مشهورًا بسبهما فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أضجعه»، فأضجعه ثم قال: «اذبحه» فذبحه، قال: فما نبهني إلا صياحه فقلت: ما لي لا أخبره عسى أن يتوب فلما تقربت من منزله

سمعت بكاءً شديدًا، فقلت: ما هذا البكاء؟ فقالوا: العماني ذبح البارحة على سريره، قال: فدنوت من عنقه فإذا من أذنه إلى أذنه طريقة حمراء كالدم المحصور. قال: وقال القيرواني: أخبرني شيخ لنا من أهل الفضل قال: أخبرني أبو الحسن المطلبي إمام مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: رأيت بالمدينة عجبًا، كان رجل يسب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فبينا نحن يومًا من الأيام بعد صلاة الصبح إذ أقبل رجل وقد خرجت عيناه وسالتا على خديه فسألناه ما قصتك؟ فقال: رأيت البارحة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلي بين يديه ومعه أبو بكر وعمر فقالا: يا رسول الله هذا الذي يؤذينا ويسبنا، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من أمرك بهذا يا أبا قيس؟» فقلت له: علي، وأِشرت إليه فأقبل عليَّ عليُّ بوجهه ويده وقد ضم أصابعه وبسط السبابة والوسطى وقصد بها إلى عيني فقال: إن كنت كذبت ففقأ الله عينيك وأدخل أصبعيه في عيني فانتبهت من نومي وأنا على هذه الحال فكان يبكي يخبر الناس وأعلن بالتوبة. قال: وفي "كتاب المنامات" لابن أبي الدنيا عن شيخ من قريش قال: رأيت رجلاً بالشام قد أسود نصف وجهه وهو يغطيه فسألته عن ذلك فقال: قد جعلت لله علي أن لا يسألني أحد عن ذلك إلا أخبرته به، كنت شديد الوقيعة في علي بن أبي طالب رضي الله عنه فبينا أنا ذات ليلة نائم إذ أتاني آت من منامي فقال لي: أنت صاحب الوقيعة في، فضرب شق وجهي فأصبحت وشق وجهي أسود كما ترى. قال: وذكر ابن أبي الدنيا عن أبي حاتم الرازي عن محمد بن علي قال: كنا بمكة في المسجد الحرام قعودًا فقام رجل نصف وجهه أسود ونصفه أبيض فقال: يا أيها الناس اعتبروا بي فإني كنت أتناول الشيخين وأشتمهما فبينما أنا ذات ليلة نائم إذ أتاني آت فرفع يده فلطم وجهي وقال لي: يا عدو الله يا فاسق ألست تسب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فأصبحت وأنا على هذه الحالة. قال: وقال القيرواني: أخبرني شيخ من أهل الفضل قال: أخبرني فقيه

قال: كان عندنا رجل يكثر الصوم ويسرده ولكنه كان يؤخر الفطر فرأى في المنام كأن أسودين آخذين بضبعيه وثيابه إلى تنور محمى ليلقياه فيه قال: فقلت لهما: على ماذا؟ فقالا: على خلافك لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه أمر بتعجيل الفطر وأنت تؤخره، قال: فأصبح وجهه قد اسودّ من وهج النار فكان يمشي متبرقعًا في الناس. قال: وذكر مسعدة عن هشام بن حسان عن واصل مولى أبي عيينة عن موسى بن عبيدة عن صفية بنت شيبة قالت: كنت عند عائشة رضي الله عنها فأتتها امرأة مشتملة على يدها فجعل النساء يولعن بها فقالت: ما أتيتك إلا من أجل يدي إن أبي كان رجلاً سمحًا وإني رأيت في المنام حياضًا عليها رجال معهم آنية يسقون من أتاهم فرأيت أبي قلت: أين أمي؟ فقال: انظري، فنظرت فإذا أمي ليس عليها إلا قطعة خرقة، فقال: إنها لم تتصدق قط إلا بتلك الخرقة وشحمة من بقرة ذبحوها فتلك الشحمة تذاب وتطرى بها وهي تقول واعطشاه قالت: فأخذت إناء من الآنية فسقيتها فنوديت من فوقي: مَنْ سقاها أيبس الله يده فأصبحت يدي كما ترين. قال: وذكر الحارث بن أسد المحاسبي وأصبغ وخلف بن القاسم وجماعة عن سعيد بن مسلمة قال: بينما امرأة عند عائشة إذ قالت: بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن لا أشرك بالله شيئًا ولا أسرق ولا أزني ولا أقتل ولدي ولا آتي ببهتان أفتريه من بين يدي ورجلي ولا أعصي في معروف فوفيت لربي ووفا لي ربي فوالله لا يعذبني الله، فأتاها في المنام ملك فقال لها: كلا، إنك تتبرجين، وزينتك تبدين، وخيرك تكندين، وجارك تؤذين، وزوجك تعصين، ثم وضع أصابعه الخمس على وجهها وقال: خمس بخمس ولو زدت زدناك، فأصبحت وأثر الأصابع في وجهها، قلت: وقد روى هذه القصة الحاكم في "المستدرك" والبيهقي في "دلائل النبوة" بسياق غير هذا السياق وتقدم ذكرها فلتراجع. قال ابن القيم: وذكر مسعدة في كتابه في الرؤيا عن ربيع بن الرقاشي قال: أتاني رجلان فقعدا إلي فاغتابا رجلاً فنهيتهما فأتاني أحدهما بعدُ فقال:

إني رأيت في المنام كأن زنجيًا أتاني بطبق عليه جنب خنزير لم أر لحمًا قط أسمن منه فقال لي: كُلْ، فقلت: آكل لحم خنزير، فتهددني فأكلت فأصبحت وقد تغير فمي فلم يزل يجد الريح في فمه شهرين. قال: وكان العلاء بن زياد له وقت يقوم فيه فقال لأهله تلك الليلة: إني أجد فترة فإذا كان وقت كذا فأيقظوني فلم يفعلوا، قال: فأتاني آت في منامي فقال: قم يا علاء بن زياد اذكر الله يذكرك وأخذ بشعرات في مقدم رأسي فقامت تلك الشعرات في مقدم رأسي فلم تزل قائمة حتى مات، قال يحيى بن بسطام: فلقد غسلناه يوم مات وإنهن لقيام في رأسه. قال: وكان نافع القاري إذا تكلم يشم من فيه رائحة المسك فقيل له: كلما قعدت تطيبت، فقال: ما أمس طيبًا ولا أقربه ولكن رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنام وهو يقرأ في فمي فمن ذلك الوقت يشم من في هذه الرائحة. قال: وكان سماك بن حرب قد ذهب بصره فرأى إبراهيم الخليل في المنام فمسح على عينيه وقال: اذهب إلى الفرات فانغمس فيه ثلاثًا ففعل فأبصر. قال: وكان إسماعيل بن بلال الحضرمي قد عمي فأتي في المنام فقيل له: قل يا قريب يا مجيب يا سميع الدعاء يا لطيف بمن يشاء رد علي بصري، قال الليث بن سعد: أنا رأيته قد عمي ثم أبصر. وروى الخطيب في "تاريخه" عن عبد الله بن محمد بن إسحاق السمسار قال: سمعت شيخي يقول: ذهبت عينا محمد بن إسماعيل -يعني البخاري- في صغره فرأت والدته في المنام إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام فقال لها: يا هذه قد ردّ الله على ابنك بصره لكثرة بكائك أو لكثرة دعائك، قال: فأصبح وقد رد الله عليه بصره، وقد ذكر هذه القصة الحافظ ابن حجر في "مقدمة فتح الباري" من رواية غنجار في تاريخ بخارى واللالكائي في "شرح السنة" في "باب كرامات الأولياء". ومن الرؤيا الظاهرة ما نقله القلقشندي في كتاب "مآثر الأنافة، في

قصة يعقوب بن داود السلمي وزير المهدي ورؤياه في الحبس

معالم الخلافة" عن القضاعي أنه حكى في "خطط مصر" أنه كان للإمام الليث بن سعد دار ببلدة قلقشندة فهدمها عبد الملك بن رفاعة عنادًا له فعمرها الليث فهدمها عبد الملك فعمرها فهدمها، فلما كان في الثالثة بينما الليث نائم إذا بهاتف يهتف به: قم يا ليث {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص: 5] فأصبح ابن رفاعة وقد أصابه الفالج فأوصى إلى الليث وبقي ثلاثًا ثم مات. ومن الرؤيا الظاهرة ما رآه يعقوب بن داود السلمي وزير المهدي وهو في الحبس وأوله بأنه سيخرج من الحبس. وقد روى ذلك الخطيب البغدادي في "تاريخه" من طريق ابن أبي الدنيا: حدثني خالد بن يزيد الأزدي حدثني عبد الله بن يعقوب بن داود قال: قال أبي: حبسني المهدي في بئر وبنيت علي قبة فمكثت فيها خمس عشرة حجة حتى مضى صدر من خلافة الرشيد وكان يدلي إلي في كل يوم رغيف وكوز من ماء وأوذن بأوقات الصلاة، فلما كان في رأس ثلاث عشرة حجة أتاني آت في منامي فقال: حنا على يوسف رب فأخرجه ... من قعر جب وبيت حوله غمم قال: فحمدت الله وقلت: أتى الفرج، قال: فمكثت حولاً لا أرى شيئًا فلما كان رأس الحول أتاني ذلك الآتي فقال لي: عسى فرج يأتي به الله إنه ... له كل يوم في خليقته أمر قال: ثم أقمت حولاً لا أرى شيئًا ثم أتاني ذلك الآتي بعد الحول فقال: عسى الكرب الذي أمسيتَ فيه ... يكون وراءه فرج قريب فيأمن خائف ويفك عانٍ ... ويأتي أهله النائي الغريب قال: فلما أصبحت نوديت فظننت أني أوذن بالصلاة فدلي لي حبل أسود وقيل لي: اشدد به وسطك ففعلت فأخرجوني فلما قابلت الضوء عَشَى بصري فانطلقوا بي فأدخلت على الرشيد فقيل: سَلّم على أمير المؤمنين،

رؤيا عظيمة رآها الملك العادل نور الدين في رجلين أرادا إخراج النبي صلى الله عليه وسلم من قبره

فقلت: السلام عيك أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، المهدي قال: لست به، قلت: السلام عليك أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، الهادي، قال: لست به، قلت: السلام عليك أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، قال: الرشيد، فقلت: الرشيد، فقال: يا يعقوب بن داود إنه والله ما شفع فيك إلي أحد، غير أني حملت الليلة صبية لي على عنقي فذكرت حملك إياي على عنقك فرثيت لك من المحل الذي كنت به فأخرجتك، قال: فأكرمني وقرّب مجلسي، قال: ثم إن يحيى بن خالد تنكر لي كأنه خاف أن أغلب على أمير المؤمنين دونه، فخفته فاستأذنت للحج فأذن لي، فلم يزل مقيمًا بمكة حتى مات بها. ومن الرؤيا الظاهرة العظيمة ما ذكر عن الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بن أقسنقر أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنام يستنجده على رجلين أرادا إخراجه من قبره. وقد ذكر القصة في هذه الرؤيا نور الدين علي بن أحمد السمهودي في كتابه "الوفا بأخبار دار المصطفى" وذكر أن ذلك كان في سنة سبع وخمسين وخمسمائة، وهذا نص ما ذكره. خاتمة: فيما نقل من عمل نور الدين الشهيد الخندق حول الحجرة الشريفة مملوءًا بالرصاص، وذكر السبب في ذلك وما ناسبه. اعلم أني وقفت على رسالة قد صنفها العلامة جمال الدين الأسنوي في المنع من استعمال الولاة للنصارى، وسماها بعضهم بـ "الانتصارات الإسلامية" ورأيت عليها بخط تلميذه شيخ مشايخنا زين الدين المراغي ما صورته «نصيحة أولي الألباب، في منع استخدام النصارى كتّاب» لشيخنا العلامة جمال الدين الأسنوي، ولم يسمه فسميته بحضرته فأقرني عليه، انتهى. فرأيته ذكر فيها ما لفظه: وقد دعتهم أنفسهم – يعني النصارى – في سلطنة الملك العادل نور الدين الشهيد إلى أمر عظيم ظنوا أنه يتم لهم، {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32]. وذلك أن السلطان المذكور كان

له تهجد يأتي به بالليل وأوراد يأتي بها، فنام عقب تهجده فرأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في نومه وهو يشير إلى رجلين أشقرين ويقول: أنجدني أنقذني من هذين، فاستيقظ فزعًا ثم توضأ وصلى ونام فرأى المنام بعينه، فاستيقظ وصلى ونام فرآه أيضًا مرة ثالثة، فاستيقظ وقال: لم يبق نوم وكان له وزير من الصالحين يقال له جمال الدين الموصلي فأرسل خلفه ليلاً وحكى له جميع ما اتفق له فقال له: وما قعودك، اخرج الآن إلى المدينة النبوية واكتم ما رأيت، فتجهز في بقية ليلته وخرج على رواحل خفيفة في عشرين نفرًا وصحبته الوزير المذكور ومالٌ كثير فقدم المدينة في ستة عشر يومًا فاغتسل خارجها ودخل فصلى بالروضة وزار ثم جلس لا يدري ماذا يصنع. فقال الوزير وقد اجتمع أهل المدينة في المسجد: إن السلطان قصد زيارة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأحضر معه أموالاً للصدقة فاكتبوا مَنْ عندكم فكتبوا أهل المدينة كلهم وأمر السلطان بحضورهم، وكل من حضر ليأخذ يتأمله ليجد فيه الصفة التي أراها النبي - صلى الله عليه وسلم - له فلا يجد تلك الصفة فيعطيه ويأمره بالانصراف إلى أن انقضى الناس، فقال السلطان: هل بقي أحد لم يأخذ شيئًا من الصدقة، قالوا: لا، فقال: تفكروا وتأملوا، فقالوا: لم يبق أحد إلا رجلين مغربيين لا يتناولان من أحد شيئًا وهما صالحان غنيان يكثران الصدقة على المحاويج، فانشرح صدره وقال: عليّ بهما؛ فأتي بهما فرآهما الرجلين اللذين أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهما بقوله «أنجدني أنقذني من هذين»، فقال لهما: من أين أنتما؟ فقالا: من بلاد المغرب جئنا حاجين فاخترنا المجاورة في هذا العام عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أصدقاني، فصمما على ذلك، فقال: أين منزلهما فأخبر بأنهما في رباط بقرب الحجرة فأمسكهما وحضر إلى منزلهما فرأى فيه مالاً كثيرًا وختمتين وكتبًا في الرقائق ولم ير فيه شيئًا غير ذلك فأثنى عليهما أهل المدينة بخير كثير وقالوا: إنهما صائمان الدهر ملازمان الصلوات في الروضة الشريفة وزيارة النبي - صلى الله عليه وسلم - وزيارة البقيع كل يوم بكرة وزيارة قباء كل سبت ولا يردان سائلاً قط بحيث سدَّا خلة أهل المدينة في هذا العام المجدب، فقال السلطان: سبحان الله، ولم يظهر شيئًا مما رآه، وبقي السلطان يطوف في البيت بنفسه فرفع حصيرًا في البيت فرأى سردابًا محفورًا ينتهي إلى صوب الحجرة الشريفة

فارتاعت الناس لذلك، وقال السلطان عند ذلك: أصدقاني حالكما، وضربهما ضربًا شديدًا فاعترفا بأنهما نصرانيان بعثهما النصارى في زي حجاج المغاربة وأمالوهما بأموال عظيمة وأمروهما بالتحيل في شيء عظيم خيلته لهم أنفسهم وتوهموا أن يمكنهم الله منه وهو الوصول إلى الجناب الشريف ويفعلوا به ما زينه لهم إبليس في النقل وما يترتب عليه فنزلا في أقرب رباط إلى الحجرة الشريفة وفعلا ما تقدم وصارا يحفران ليلاً ولكل منهما محفظة جلد على زي المغاربة، والذي يجتمع من التراب يجعله كل منهما في محفظته ويخرجان لإظهار زيارة البقيع فيلقيانه بين القبور وأقاما على ذلك مدة فلما قربا من الحجرة الشريفة أرعدت السماء وأبرقت وحصل رجيف عظيم بحيث خيّل انقلاع تلك الجبال فقدم السلطان صبيحة تلك الليلة واتفق إمساكهما واعترافهما فلما اعترفا وظهر حالهما على يديه ورأى تأهيل الله له لذلك دون غيره بكى بكاءً شديدًا وأمر بضرب رقابهما فقتلا تحت الشباك الذي يلي الحجرة الشريفة وهو مما يلي البقيع، ثم أمر بإحضار رصاص عظيم وحفر خندقًا عظيمًا إلى الماء حول الحجرة الشريفة كلها وأذيب ذلك الرصاص وملأ به الخندق فصار حول الحجرة الشريفة سورًا رصاصًا إلى الماء، ثم عاد إلى ملكه وأمر بإضعاف النصارى وأمر أن لا يستعمل كافر في عمل من الأعمال وأمر مع ذلك بقطع المكوس جميعها. انتهى. وقد أشار إلى ذلك الجمال المطري باختصار ولم يذكر عمل الخندق حول الحجرة وسبك الرصاص به. لكن بين السنة التي وقع فيها ذلك مع مخالفة لبعض ما تقدم فقال في الكلام على سور المدينة المحيط بها اليوم: وصل السلطان نور الدين محمود بن زنكي بن أقسنقر في سنة سبع وخمسين وخمسمائة إلى المدينة الشريفة بسبب رؤيا رآها ذكرها بعض الناس وسمعتها من الفقيه عَلَم الدين يعقوب بن أبي بكر المحترق أبوه ليلة حريق المسجد عمن حدثه من أكابر من أدرك أن السلطان محمودًا المذكور رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات في ليلة واحدة وهو يقول في كل واحدة: يا محمود أنقذني من هذين الشخصين الأشقرين تجاهه فاستحضر وزيره قبل الصبح فذكر له ذلك، فقال له: هذا أمر حدث في مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس له غيرك فتجهز وخرج على

قصة أخرى لمن أراد نبش النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه

عجل بمقدار ألف راحلة وما يتبعها من خيل وغير ذلك حتى دخل المدينة على حين غفلة من أهلها، والوزير معه، وزار وجلس في المسجد لا يدري ما يصنع، فقال له الوزير: أتعرف الشخصين إذا رأيتهما؟ قال: نعم، فطلب الناس عامة للصدقة وفرق عليهم ذهبًا كثيرًا وفضة وقال: لا يبقين أحد بالمدينة إلا جاء فلم يبق إلا رجلان مجاوران من أهل الأندلس نازلان في الناحية التي قبلة حجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - من خارج المسجد عند دار آل عمر بن الخطاب التي تعرف اليوم بدار العشرة فطلبهما للصدقة فامتنعا وقالا: نحن على كفاية ما نقبل شيئًا، فجدّ في طلبهما فجيء بهما فلما رآهما قال للوزير: هما هذان، فسألهما عن حالهما وما جاء بهما فقالا: لمجاورة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أصدقاني، وتكرر السؤال حتى أفضى إلى معاقبتهما فأقرا أنهما من النصارى وأنهما وصلا لكي ينقلا من في هذه الحجرة الشريفة باتفاق من ملوكهم ووجدهما قد حفرا نقبًا تحت الأرض من تحت حائط المسجد القبل وهما قاصدان إلى جهة الحجرة الشريفة ويجعلان التراب في بئر عندهما في البيت الذي هما فيه فضرب أعناقهما عند الشباك الذي في شرقي حجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - خارج المسجد ثم أحرقا بالنار آخر النهار وركب متوجهًا إلى الشام. انتهى. وقد وقع في سنة تسعين وثلاثمائة قصة قريبة الشبه من قصة النصرانيين اللذين أرادا نقل النبي - صلى الله عليه وسلم - من المدينة، وقد ذكر هذه القصة ابن النجار في "ذيل تاريخ بغداد" ونقلها عنه ابن الجزري في تاريخه ونقلها تقي الدين محمد بن أحمد الحسني الفاسي في كتابه "العقد الثمين، في تاريخ البلد الأمين" عن الجزري، وذكرها أيضًا النجم عمر بن فهد في كتابه «إتحاف الورى، بأخبار أم القرى» وذكرها أيضًا السمهودي في كتابه «وفاء الوفاء، بأخبار دار المصطفى» وذكر ابن فهد أن هذه القصة وقعت في سنة تسعين وثلاثمائة. قال الفاسي: ذكر الجزري في تاريخه حكاية اتفقت لأبي الفتوح صاحب مكة بالمدينة، نقلها عن تاريخ ابن النجار البغدادي، وقد رأيت أن أذكرها لغرابتها. أنبئت عمن أنبأه الحافظ ابن النجار – ثم ساق بالإسناد إلى أبي القاسم عبد الحكيم بن محمد المقري الزاهد قال: أشار بعض الزنادقة

قصة عجيبة لعلي الدقاق مع قائد من قواد الديلم

على الحاكم العبيدي بنبش قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه وحملهم إلى مصر وقال له: متى تّمَّ هذا الأمر شد الناس رحالهم من أقطار الأرض إلى مصر فكانت منقبة يعود جمالها على مصر وساكنيها فدخل ذلك عقل الحاكم فنفذ إلى أبي الفتوح يأمره بذلك فسار أبو الفتوح حتى قدم المدينة وحضر إليه جماعة من أهلها لأنه كان بلغهم ما قدم بسببه وكان حضر معهم قارئ يعرف بالركباني فقرأ بين يدي أبي الفتوح: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ * أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَاتِلُوهُمْ} [التوبة: 12 - 14] قال: فماج الناس وكادوا أن يقتلوا أبا الفتوح ومن معه من الأجناد، وما منعهم إلا أن البلاد كانت للحاكم، فلما رأى أبو الفتوح ما الناس عليه قال لهم: الله أحق أن يخشى والله لا أتعرض لشيء من ذلك وَدَعِ الحاكم يفعل فيّ ما أراد، ثم استولى عليه ضيق الصدر وتقسيم الفكر كيف أجاب، فما غابت الشمس في بقية ذلك اليوم حتى أرسل الله تعالى من الريح ما كادت الأرض تزلزل منه وتدحرجت الإبل بأقتابها والخيل بسروجها كما تدحرج الكرة على وجه الأرض وهلك خلق كثيرون من الناس وانفرج هَمُّ أبي الفتوح لما أرسل الله تعالى تلك الرياح التي شاع ذكرها في الآفاق لتكون له حجة عند الحاكم من الامتناع من نبش القبور الكريمة. انتهى. ومن الرؤيا الظاهرة ما جاء في قصة طويلة ذكرها اللالكائي في كتابه "شرح السنة" عن يوسف بن الحسن بن إبراهيم الخياط قال: كان في الجانب الشرقي في وقت أبي الحسن بن بويه رجل ديلمي من قوّاده يسمى جبنه، مشهور، وَجْهٌ من وجوه عسكره. ويذكر جماعة من الحاضرين لهذه الحكاية أنه كان رجلاً مشهورًا له مال ونجدة وجمال، قال: بينما هو واقف يومًا في موسم الحاج ببغداد وقد أخذ الناس في الخروج إلى مكة إذ عبر به رجل يعرف بعلي الدقاق – معافري – قال يوسف: هو حدثني بهذه القصة

إذ هو صاحبها والمبتلى بها، وكنت أسمع غيره من الناس يذكرونها لشهرتها إلا أني سمعته يقول: عبرت على جبنه، فقال لي: يا علي هو ذا تحج هذه السنة؟ قلت: لم تتفق لي حجة إلى الآن وأنا في طلبها، فقال لي جوابًا عن كلامي: أنا أعطيك حجة، فقلت له من غير أن يصح في نفسي كلامه: هاتها، فقال: يا غلام مُرَّ إلى عثمان الصيرفي وقل له يزن لك عشرين دينارًا فمررت مع غلامه فوزن لي عثمان عشرين دينارًا ورجعت إليه فقال لي: أصلح أمورك فإذا عزمت على الرحيل فأرني وجهك لأوصيك بوصية فانصرفت عنه وهيأت أموري فرجعت إليه فقال لي: أولاً قد وهبت لك هذه الحجة ولا حاجة لي فيها ولكن أحملك رسالة إلى محمد، فقلت: ما هي؟ قال: قل له أنا بريء من صاحبيك أبي بكر وعمر اللذين هما معك، ثم حلفني بالطلاق إنك لتقولنها وتبلغن هذه الرسالة إليه، فورد عليّ مورد عظيم وخرجت من عنده مهمومًا حزينًا وحججت ودخلت المدينة وزرت قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصرت مترددًا في الرسالة أبلغها أم لا، وفكرت في أني إن لم أبلغها طلقت امرأتي وإن بلغت عظمت علي مما أواجه به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستخرت الله تعالى في القول، وقلت: إن فلان بن فلان يقول كذا وكذا وأديت الرسالة بعينها واغتممت غمًا شديدًا وتنحيت ناحية فغلبتني عيناي فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «قد سمعت الرسالة التي أديتها فإذا رجعت إليه فقل إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: أبشر يا عدو الله يوم التاسع والعشرين من قدومك بغداد بنار جهنم»، وقمت وخرجت ورجعت إلى بغداد فلما عبرت إلى الجانب الشرقي فكرت وقلت: إن هذا رجل سوء بلغت رسالته إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبلغ رسالته إليه، وما هو إلا أن أخبره بها حتى يأمر بقتلي أو يقتلني بيده، وأخذت أُقَدّم وأؤخر، فقلت: لأقولنها ولو كان فيها قتلي ولا أكتم رسالته وأخالف أمره، فدخلت عليه قبل الدخول على أهلي فما هو إلا أن وقعت عينه علي فقال لي: يا دقاق ما عملت في الرسالة؟ قلت: أديتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن قد حمّلني جوابها، قال: ما هي؟ فقصصت عليه رؤياي، فنظر إلي وقال: إن قتل مثلك علي هيّن -وسَبَّ وشتم، وكان بيده زوبين يهزه فهزه في وجهي- ولكن لأتركنك إلى اليوم الذي ذكرته ولأقتلنك بهذا الزوبين -وأشار إلى الزوبين- ولامني الحاضرون

رؤيا عجيبة للمسور بن مخرمة رضي الله عنهما

وقال لغلامه: احبسه في الاصطبل وقيّده. فحبست وقيّدت وجاءني أهلي وبكوا علي ورثوا لي ولاموني. فقلت: قضي الذي كان ولا موت إلا بأجل. ولم تزل تمر بي الأيام والناس يتفقدوني ويرحموني مما أنا فيه حتى مضت سبعة وعشرون يومًا فلما كانت الليلة الثامنة والعشرون اتخذ الديلمي دعوة عظيمة أحضر فيها عامة وجوه قوّاد العسكر وجلس معهم للشرب فلما كان نصف الليل جاءني السايس فقال لي: يا دقاق، القائد أخذته حمى عظيمة وقد تدثر بجميع ما في الدار ووقع عليه الغلمان فوق الثياب وهو ينتفض في الثياب نفضًا عظيمًا، وكان على حالته اليوم الثامن والعشرين وأتت ليلة التاسع والعشرين ودخل السايس نصف الليل وقال: يا دقاق مات القائد وحلّ عني القيد فلما أصبحنا اجتمع الناس من كل وجه وجلس القوّاد للعزاء وأخرجت أنا، وكانت قصتي مشهورة واستعادوني فقصصت عليهم ورجع جماعة كثيرة عن مذابهم الرديئة. ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه ابن أبي الدنيا قال: حدثني أحمد بن جميل حدثنا عبد الله بن المبارك أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن زيد بن أسلم قال: أغمي على المسور بن مخرمة رضي الله عنهما ثم أفاق فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله أحب إلي من الدنيا وما فيها، عبد الرحمن بن عوف في الرفيق الأعلى مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا، وعبد الملك والحجاج يجران أمعاءهما في النار. وقد ذكر الحافظ ابن حجر هذه القصة في ترجمة الحجاج بن يوسف من "تهذيب التهذيب" ثم قال: هذا إسناد صحيح ولم يكن للحجاج حينئذ ذكر ولا كان عبد الملك ولي الخلافة بَعْدُ لأن المسور مات في اليوم الذي جاء فيه نعي يزيد بن معاوية من الشام وذلك في ربيع الأول سنة أربع وستين من الهجرة. انتهى. ومن الرؤيا الظاهرة ما رآه عمر بن عبد العزيز حين أغمي عليه، وقد ذكر هذه القصة أبو نعيم في "الحلية" وابن الجوزي في سيرة عمر بن عبد العزيز وذكرها غيرهما من المؤرخين، وهي قصة طويلة وقد جاء فيها أن عمر بن عبد العزيز حين أُغمي عليه رأى أن القيامة قد قامت ورأى أنه أوقف بين يدي الله وأن الله

رؤيا أبي الأصمعي وغيره في الحجاج بن يوسف

رحمه وأمر به إلى الجنة، قال: فبينا أنا مارُّ مع الملكين الموكلين بي إذ مررت بجيفة ملقاة على رماد فقلت: ما هذه الجيفة؟ قالوا: ادن منه وسله يخبرك فدنوت منه فوكزته برجلي وقلت له: من أنت؟ فقال لي: من أنت؟ قلت: أنا عمر بن عبد العزيز، قال لي: ما فعل الله بك وبأصحابك؟ قلت: أما أربعة فأمر بهم ذات اليمين إلى الجنة ثم لا أدري ما فعل الله بمن كان بعد علي، فقال لي: أنت ما فعل الله بك؟ قلت: تفضل علي ربي وتداركني منه برحمة وقد أمر بي ذات اليمين إلى الجنة، فقال: أنا كما صرت ثلاثًا، قلت: أنت من أنت؟ قال: أنا الحجاج بن يوسف، قلت له: حجاج أرددها عليه ثلاثًا، قلت: ما فعل الله بك، قال: قدمت على رب شديد العقاب، ذي بطشة منتقم ممن عصاه، قتلني بكل قتلة قتلت بها مثلها، ثم ها أنا ذا موقوف بين يدي ربي أنتظر ما ينتظر الموحدون من ربهم إما إلى جنة وإما إلى نار. ومن الرؤيا الظاهرة ما ذكره ابن كثير في "البداية والنهاية" عن الأصمعي عن أبيه قال: رأيت الحجاج في المنام فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: قتلني بكل قتلة قتلت بها إنسانًا، قال: ثم رأيته بعد الحول فقلت: يا أبا محمد ما صنع الله بك؟ فقال: يا مّاصَّ بظر أمه أما سألت عن هذا عام أول. وقال القاضي أبو يوسف: كنت عند الرشيد فدخل عليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين رأيت الحجاج البارحة في النوم، قال: في أي زي رأيته، قال: في زي قبيح، فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: ما أنت وذاك يا مَاصَّ بظر أمه. فقال هارون: صدق والله أنت رأيت الحجاج حقًا، ما كان أبو محمد ليدع صرامته حيًا وميتًا. وروى حنبل بن إسحاق بإسناده عن أشعث الخراز قال: رأيت الحجاج في المنام في حالة سيئة فقلت: يا أبا محمد ما صنع بك ربك؟ قال: ما قتلت أحدًا قتلة إلا قتلني بها، قال: ثم أمر بي إلى النار، قلت: ثم مه، قال: ثم أرجو ما يرجو أهل لا إله إلا الله. ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه ابن أبي الدنيا في كتاب «من عاش بعد الموت» عن أبي مسعود الجريري قال: ذكر شيخ في مسجد الأشياخ كان يحدثنا عن أبي قال: بينما نحن حول مريض لنا إذ هدأ وسكن حتى ما يتحرك

رؤيا عجيبة لرجل عطار

منه عرق فسجيناه وأغمضناه وأرسلنا إلى ثيابه وسدره وسريره فلما ذهبنا نحمله لنغسله تحرك فقلنا: سبحان الله ما كنا نراك إلا قد مت، قال: فإني قد مت وذهب بي إلى قبري فإذا إنسان حسن الوجه طيب الريح قد وضعني في لحدي وطواه بالقراطيس، إذ جاءت إنسانة سوداء منتنة الريح فقالت: هذا صاحب كذا، وهذا صاحب كذا، أشياء والله أستحي منها كأنما أقلعت عنها ساعتئذ. قال: قلت: أنشدك أن تدعني وهذه، قالت: انطلق نخاصمك قال: فانطلقنا إلى دار فيحاء واسعة وفيها مصطبة كأنها من فضة في ناحية منها مسجد ورجل قائم يصلي فقرأ سورة النحل فتردد في مكان منها ففتحت عليه فانفتل فقال: السورة معك؟ قلت: نعم، قال: أما إنها سورة النعم، قال: ورفع وسادة قريبة منه فأخرج صحيفة فنظر فيها فبدرته السوداء فقالت: فعل كذا وفعل كذا، قال: وجعل الحسن الوجه يقول وفعل كذا وفعل كذا، يذكر محاسن، قال: فقال الرجل: عبد ظالم لنفسه لكن الله تجاوز عنه، لم يجئ أجل هذا بَعْدُ، أجل هذا يوم الاثنين، قال: فقال لهم: انظروا فإن متُّ يوم الاثنين فارجوا لي ما رأيت. وإن لم أمت يوم الاثنين فإنما هو هذيان الوجع، قال: فلما كان يوم الاثنين صح حتى بعد العصر ثم أتاه أجله فمات، وفي هذا الحديث: فلما خرجنا من عند الرجل قلت للرجل الحسن الوجه الطيب الريح: ما أنت؟ قال: أنا عملك الصالح، قلت: فما الإنسانة السوداء المنتنة الريح، قال: ذلك عملك الخبيث. ومن الرؤيا الظاهرة ما ذكره ابن كثير في "البداية والنهاية" في ترجمة الوزير علي بن عيسى بن داود بن الجراح المتوفى في سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة. قال: روى أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي عن أبيه عن جماعة أن عطارًا من أهل الكرخ كان مشهورًا بالسنة ركبه ستمائة دينار دينًا فأغلق دكانه وانكسر عن كسبه ولزم منزله وأقبل على الدعاء والتضرع والصلاة ليالي كثيرة فلما كان في بعض تلك الليالي رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنام وهو يقول له: «اذهب إلى علي بن عيسى الوزير فقد أمرته لك بأربعمائة دينار»، فلما أصبح الرجل قصد باب الوزير فلم يعرفه أحد فجلس لعل أحدًا يستأذن له على الوزير حتى طال عليه المجلس وهمّ بالانصراف، ثم إنه قال لبعض الحجبة:

قل للوزير إني رجل رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنام وأنا أريد أن أقصّه على الوزير، فقال له الحاجب: وأنت صاحب الرؤيا، إن الوزير قد أنفذ في طلبك رسلاً متعددة. ثم دخل الحاجب فأخبر الوزير فقال: أدخله عليّ سريعًا فدخل عليه فأقبل عليه الوزير يستعلم عن حاله واسمه وصفته ومنزله فذكر ذلك له فقال له الوزير: إني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يأمرني بإعطائك أربعمائة دينار فأصبحت لا أدري من أسأل عنك ولا أعرفك ولا أعرف أين أنت وقد أرسلت في طلبك إلى الآن عدة رسل فجزاءك الله خيرًا عن قصدك إياي، ثم أمر الوزير بإحضار ألف دينار فقال: هذه أربعمائة دينار لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وستمائة هبة من عندي، فقال الرجل: لا والله لا أزيد على ما أمرني به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإني أرجو الخير والبركة فيه، ثم أخذ منها أربعمائة دينار، فقال الوزير: هذا هو الصدق واليقين. فخرج ومعه الأربعمائة دينار فعرض على أرباب الديون أموالهم فقالوا: نحن نصبر عليك ثلاث سنين وافتح بهذا الذهب دكانك ودم على كسبك، فأبى إلا أن يعطيهم من أموالهم الثلث فدفع إليهم مائتي دينار وفتح حانوته بالمائتي دينار الباقية فما حال عليه الحول حتى ربح ألف دينار. وقد ذكر هذه القصة القاضي أبو علي التنوخي في الجزء الثاني من كتاب " الفرج بعد الشدة" وفي الجزء الثاني من كتاب "نشوار المحاضرة". ومن الرؤيا الظاهرة ما ذكره ابن كثير في "البداية والنهاية" قال: اجتمع بالديار المصرية محمد بن نصر -يعني: المروزي- ومحمد بن جرير الطبري ومحمد بن المنذر فجلسوا في بيت يكتبون الحديث ولم يكن عندهم في ذلك اليوم شيء يقتاتونه فاقترعوا فيما بينهم أيهم يخرج يسعى لهم في شيء يأكلونه فوقعت القرعة على محمد بن نصر فقام إلى الصلاة فجعل يصلي ويدعو الله عز وجل، وذلك في وقت القائلة فرأى نائب مصر – وهو طولون وقيل أحمد بن طولون – في منامه في ذلك الوقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول له: «أدرك المحدثين فإنهم ليس عندهم ما يقتاتونه» فانتبه من ساعته فسأل من ههنا من المحدثين، فذكر له هؤلاء الثلاثة فأرسل إليهم في الساعة الراهنة بألف دينار فدخل الرسول بها عليهم وأزال الله ضررهم ويسر أمرهم. تنبيه: ليعلم طالب العلم أن باب الأحلام الظاهرة واسع جدًا. وما

رؤيا طولون بشأن الثلاثة المحدثين

ذكرته في هذا الفصل من الأحلام التي ليست في الأحاديث المرفوعة والموقوفة فهو قليل من كثير مما وقفت عليه مما جاء في هذا النوع. ولو ذكرت كل ما وقفت عليه من ذلك لطال الكتاب، وفيما ذكرته كفاية إن شاء الله تعالى. فصل النوع الثاني من الرؤيا ما هو من ضرب الأمثال للنائم يضربها له الملك الموكل بالرؤيا وهذا النوع هو الأكثر، وهو الذي يحتاج فيه إلى التأويل، وهو الذي نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقص على غير عالم أو ناصح. وقد ذكرت الأحاديث الواردة في ذلك في أول الكتاب فلتراجع وليراجع أيضًا ما ذكرته من كلام العلماء في معناها. ومن هذا النوع رؤيا يوسف عليه الصلاة والسلام ورؤيا كل من الفتيين اللذين دخلا السجن مع يوسف، ورؤيا ملك مصر، فأما رؤيا يوسف عليه الصلاة والسلام فقد ذكرها الله تعالى في قوله: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [يوسف: 4 - 6] وقد وقع تأويل هذه الرؤيا بعد أربعين سنة، وقيل: بعد ثمانين سنة والصحيح الأول. وهو قول سلمان الفارسي رضي الله عنه وعبد الله بن شداد، وقد ذكرت ذلك في أول الكتاب، وقد أخبر الله تعالى عن وقوع تأويلها بقوله: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ * وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا

تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} [يوسف: 99 - 100]. وأما رؤيا كل من الفتيين فقد ذكرهما الله تعالى في قوله: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآَخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 36]، ثم أخبرهما بتأويل رؤيا كل منهما فقال: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآَخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} [يوسف: 41]. وقد روى ابن جرير والحاكم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «الفتيان اللذان أتيا يوسف عليه الصلاة والسلام في الرؤيا إنما كانا تكاذبا فلما أوَّلَ رؤياهما قالا: إنا كنا نلعب، قال يوسف: {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ}». قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي في تلخيصه، قال ابن كثير: وكذا فسره مجاهد وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم، وحاصله أن من تَحَلَّم بباطل وفسره فإنه يلزم بتأويله. انتهى. وأما رؤيا ملك مصر فقد ذكرها الله تعالى وذكر تأويلها الذي أولها به يوسف عليه الصلاة والسلام فقال تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ * قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ * وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ * يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ * قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا

مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} [يوسف: 43 - 49]. وقوله تعالى: {قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ} قال ابن جرير: يعنون أنها أخلاط رؤيا كاذبة لا حقيقة لها، وهي جمع ضغث، والضغث أصله الحزمة من الحشيش يشبه بها الأحلام المختلطة التي لا تأويل لها. انتهى. وذكر الماوردي والقرطبي عن أبي عبيدة أنه قال: الأضغاث ما لا تأويل له من الرؤيا، وروى ابن جرير أيضًا عن قتادة في قوله: {أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ} قال: أما السمان فسنون منها مخصبة، وأما السبع العجاف فسنون مجدبة لا تنبت شيئًا، وقوله: {وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ} أما الخضر فهن السنون المخاصيب، وأما اليابسات فهن الجدوب المحول، والعجاف هي المهازيل. وقوله: {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا} الآية. قال القرطبي: لما أعلمه بالرؤيا جعل يفسرها له فقال: السبع من البقرات السمان والسنبلات الخضر سبع سنين مخصبات، وأما البقرات العجاف والسنبلات اليابسات فسبع سنين مجدبات فذلك قوله: {تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا} أي متوالية متتابعة. قال القرطبي: وهذه الآية أصل في صحة رؤيا الكافر وأنها تُخرج على حسب ما رأى. انتهى. وقوله: {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} قال ابن جرير: هذا خبر من يوسف عليه السلام للقوم عما لم يكن في رؤيا ملكهم ولكنه من علم الغيب الذي أتاه الله دلالة على نبوته وحجة على صدقه، ثم روي عن قتادة أنه قال زاده الله علم سَنَة لم يسألوه عنها فقال: {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} ويعني بقوله: {فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ}

ذكر ما تعتبر به الرؤيا

بالمطر والغيث، وروي أيضًا عن ابن جريج قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما: {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ} قال: أخبرهم بشيء لم يسألوه عنه وكان الله قد علمه إياه عام فيه يغاث الناس بالمطر. وذكر القرطبي عن قتادة أنه قال: زاده الله علم سنة لم يسألوه عنها إظهارًا لفضله وإعلامًا لمكانه من العلم وبمعرفته. فصل في ذكر ما تعتبر به الرؤيا عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «للرؤيا كنى ولها أسماء فكنوها بكناها واعتبروها بأسمائها والرؤيا لأول عابر» رواه ابن أبي شيبة وابن ماجه من طريق يزيد الرقاشي، وهو ضعيف. وعنه رضي الله عنه قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعبر على الأسماء» رواه البزار وقال: يعنى الرؤيا، قال الهيثمي: فيه من لم أعرفه. وعن محمد – وهو ابن سيرين – عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أحب القيد في المنام وأكره الغُلَّ، القيد ثبات في الدين»، وقال أبو هريرة: «اللبن في المنام الفطرة» رواه ابن أبي شيبة وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وروى عبد الرزاق منه قوله: «يعجبني القيد وأكره الغُلَّ، القيد ثبات في الدين» وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد روي هذا الحديث مرفوعًا بأسانيد صحيحة وتقدم ذكره في الحديث الثالث عشر في أول الكتاب فليراجع. وأما قوله: «اللبن في المنام فطرة» فقد رواه ابن أبي شيبة موقوفًا، ورواه البزار مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي إسناده محمد بن مروان، قال الهيثمي: وهو ثقة وفيه لين قال: وبقية رجاله ثقات. وعن محمد بن قيس قال: حدثني بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اللبن الفطرة والسفينة نجاة والجمل حزن والخضرة الجنة والمرأة خير» رواه الدارمي.

ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم في منامه وأخبر أصحابه بتأويله

فصل في ذكر ما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - في منامه وأخبر أصحابه بتأويله فمن ذلك تعبيره لبعض ما رآه على ما تقتضيه الأسماء التي في الرؤيا كما في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «رأيت ذات ليلة فيما يرى النائم كأنا في دار عقبة بن رافع فأتينا برطب من رطب ابن طاب فأوّلت الرفعة لنا في الدنيا والعاقبة في الآخرة وأن ديننا قد طاب» رواه الإمام أحمد ومسلم وأبو داود وابن أبي شيبة. ومن ذلك رؤياه لمَا وقع في يوم أحد، وقد جاء ذلك في عدة أحاديث. منها حديث أبي موسى رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل فذهب وَهَلي إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب، ورأيت في رؤياي هذه أني هززت سيفًا فانقطع صدره فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد. ثم هززته أخرى فعاد أحسنٍ ما كان فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين، ورأيت فيها أيضًا بقرًا، والله خير، فإذا هم النفر من المؤمنين يوم أحد، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير بَعْدُ وثواب الصدق الذي آتانا الله بعد يوم بدر» رواه البخاري ومسلم وابن ماجه والدارمي، ورواه ابن حبان في "صحيحه" مختصرًا. الحديث الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: تنفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيفه ذا الفقار يوم بدر وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد فقال: «رأيت في سيفي ذا الفقار فلاًّ فأولته فلاًّ يكون فيكم، ورأيت أني مردف كبشًا فأولته كبش الكتيبة، ورأيت أني في درع حصينة فأولتها المدينة، ورأيت بقرًا تذبح، فبقر والله خير فبقر والله خير» فكان الذي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. رواه الإمام أحمد والبزار والحاكم والبيهقي في "دلائل النبوة" وصححه الحاكم والذهبي وروى الترمذي وابن ماجه طرفًا من أوله وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. ورواه الطبراني في "الكبير والأوسط" ولفظه قال: لما نزل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد أبو سفيان وأصحابه قال لأصحابه: «إني رأيت في المنام سيفي ذا الفقار انكسر وهي مصيبة ورأيت بقرًا تذبح وهي مصيبة ورأيت علي

درعي وهي مدينتكم لا يصلون إليها إن شاء الله». قال الهيثمي: فيه أبو شيبة إبراهيم بن عثمان وهو متروك، قلت: لحديثه شاهد مما تقدم في الرواية قبله وما سيأتي بعده. الحديث الثالث: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «رأيت كأني في درع حصينة ورأيت بقرًا منحرة فأوّلت أن الدرع الحصينة المدينة وأن البقر هو والله خير» رواه الإمام أحمد والدارمي والبزار وهذا لفظ أحمد ورجاله رجال الصحيح وكذا رجال الدارمي والبزار. وفي رواية الدارمي: «وإن البقر نفر والله خير»، وفي رواية البزار: «والبقر بقر والله خير»، والبقر الشق وهو ما حصل في المسلمين من القتل يوم أحد. الحديث الرابع: عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «رأيت فيما يرى النائم كأني مردف كبشًا وكأن ظُبَةَ سيفي انكسرت فأولت أني أقتل صاحب الكتيبة وأن رجلاً من أهل بيتي يقتل» رواه الإمام أحمد والبزار والحاكم وهذا لفظ أحمد. وزاد البزار فقتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلحة بن أبي طلحة وكان صاحب لواء المشركين، وقُتِلَ حمزة بن عبد المطلب ونحوه عند الحاكم. قال الهيثمي: فيه علي بن زيد وهو ثقة سيئ الحفظ وبقية رجالهما ثقات، وقد رواه البيهقي في "دلائل النبوة" بنحو رواية البزار، قال الجوهري: وغيره من أهل اللغة: ظُبَةَ السيف طرفه. ومن المنامات التي رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأوَّلها بنقل الوباء من المدينة إلى الجحفة. وقد جاء ذلك في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «رأيت في المنام امرأة سوداء ثائرة الشعر تَفِلةً أخرجت من المدينة فأسكنت مَهْيَعَة فأولتها في المنام وباء المدينة ينقله الله تعالى إلى مَهْيَعَة» رواه الإمام أحمد والبخاري والترمذي وابن ماجه. وهذا لفظ إحدى روايات أحمد. وفي غير هذه الرواية عنده وعند البخاري والترمذي وابن ماجه تسمية مَهْيَعَة بالجحفة، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، ورواه الدارمي بنحو رواية أحمد. ومن ذلك أيضًا رؤياه ما ضرب له ولأمته من المثل، وقد جاء ذلك في

حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتاه فيما يرى النائم ملكان فقعد أحدهما عند رجليه والآخر عند رأسه فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه: اضرب مثل هذا ومثل أمته، فقال: عن مثله ومثل أمته كمثل قوم سَفْر انتهوا إلى رأس مفازة فلم يكن معهم من الزاد ما يقطعون به المفازة ولا ما يرجعون به فبينما هم كذلك إذ أتاهم رجل في حلة حِبَرة فقال: أرأيتم إن وردت بكم رياضًا معشبة وحياضًا رواء أتتبعوني؟ فقالوا: نعم، قال: فانطلق بهم فأوردهم رياضًا معشبة وحياضًا رواء فأكلوا وشربوا وسمنوا، فقال لهم: ألم ألقكم على تلك الحال فجعلتم لي إن وردت بكم رياضًا معشبة وحياضًا رواء أن تتبعوني فقالوا: بلى، قال: فإن بين أيديكم رياضًا أعشب من هذه وحياضًا هي أروى من هذه فاتبعوني، قال: فقالت طائفة: صدق والله لنتبعنه، وقالت طائفة: رضينا بهذا نقيم عليه. رواه الإمام أحمد والطبراني والبزار. قال الهيثمي: وإسناده حسن، وروى الحاكم في "المستدرك" نحوه من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي في تلخيصه. ومن ذلك أيضًا رؤياه أنه ضرب له مثل آخر، وقد جاء ذلك فيما رواه البخاري والبيهقي في "دلائل النبوة" من طريق سعيد بن مِيْنَاء حدثنا – أو سمعت – جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: «جاءت ملائكة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو نائم فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: إن لصاحبكم هذا مثلاً، قال: فاضربوا له مثلاً، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: مثله كمثل رجل بنى دارًا وجعل فيها مأدبة وبعث داعيًا، فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة، فقالوا: أولوها له يفقهها، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: فالدار الجنة والداعي محمد - صلى الله عليه وسلم - فمن أطاع محمدًا - صلى الله عليه وسلم - فقد أطاع الله، ومن عصى محمدًا - صلى الله عليه وسلم - فقد عصى الله، ومحمد فرق بين الناس». قال البخاري: تابعه قتيبة عن ليث عن خالد عن سعيد بن أبي هلال عن جابر، خرج علينا النبي - صلى الله عليه وسلم -.

قلت: قد روى هذه المتابعة الترمذي عن قتيبة حدثنا الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال أن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا فقال: «إني رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي وميكائيل عند رجلي يقول أحدهما لصاحبه: اضرب له مثلاً، فقال: اسمع، سمعت أذنك واعقل عقل قلبك إنما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك اتخذ دارًا ثم بنى فيها بيتًا ثم جعل فيها مأدبة ثم بعث رسولاً يدعو الناس إلى طعامه، فمنهم من أجاب الرسول ومنهم من تركه، فالله هو الملك والدار الإسلام والبيت الجنة وأنت يا محمد رسول فمن أجابك دخل الإسلام ومن دخل الإسلام دخل الجنة ومن دخل الجنة أكل ما فيها»، قال الترمذي: هذا حديث مرسل، سعيد بن أبي هلال لم يدرك جابر بن عبد الله. قال: وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسناد أصح من هذا. قال: وفي الباب عن ابن مسعود، انتهى كلامه. وقد روى هذا الحديث ابن سعد في "الطبقات" عن الحجاج بن محمد الأعور عن ليث بن سعد، ورواه ابن جرير من طريق الحجاج عن ليث بن سعد فذكراه بمثل رواية الترمذي، ورواه الحاكم في "المستدرك" موصولاً من طريق عبد الله بن صالح حدثني الليث حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الحسين وتلا هذه الآية: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس: 25] فقال: حدثني جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا فقال، فذكر الحديث بنحو رواية الترمذي ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي على تصحيحه. وقد رواه البيهقي في "دلائل النبوة" من طريق الحاكم فذكره بنحو ما تقدم ورواه أيضًا من طريق سعيد بن أبي هلال عن عطاء عن جابر وصححه ووافقه الذهبي على تصحيحه. وعن ربيعة الجرشي قال: أُتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقيل له: لتنم عينك ولتسمع أذنك وليعقل قلبك، قال: «فنامت عيناي وسمعت أذناي وعقل قلبي،

قال: فقيل لي: سيد بنى دارًا فصنع مأدبة وأرسل داعيًا فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ورضي عنه السيد ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يطعم من المأدبة وسخط عليه السيد. قال: فالله السيد ومحمد الداعي والدار الإسلام والمأدبة الجنة» رواه الدارمي والطبراني، قال الهيثمي: وإسناده حسن. وقال الحافظ ابن حجر في "كتاب الاعتصام" من "فتح الباري": سنده جيد. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشاء ثم انصرف فأخذ بيد عبد الله بن مسعود حتى خرج به إلى بطحاء مكة فأجلسه ثم خط عليه خطًا ثم قال: «لا تبرحن خطك فإنه سينتهي إليك رجال فلا تكلمهم فإنهم لا يكلمونك»، قال: ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث أراد فبينا أنا جالس في خطي إذ أتاني رجال كأنهم الزط (¬1) أشعارهم وأجسامهم لا أرى عورة ولا أرى قِشْرًا (¬2) وينتهون إليّ لا يجاوزون الخط ثم يصدرون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كان من آخر الليل، لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جاءني وأنا جالس فقال: «لقد أراني منذ الليلة» ثم دخلي عليّ في خطي فتوسد فخذي فرقد وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رقد نفخ فبينا أنا قاعد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوسد فخذي إذا أنا برجال عليهم ثياب بيض، الله أعلم ما بهم من الجمال فانتهوا إليّ فجلس طائفة منهم عند رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطائفة منهم عند رجليه، ثم قالوا بينهم: ما رأينا عبدًا قط أوتي مثل ما أوتي هذا النبي، إن عينيه تنامان وقلبه يقظان، اضربوا له مثلاً مثل سيد بنى قصرًا ثم جعل مأدبة فدعا الناس إلى طعامه وشرابه فمن أجابه أكل من طعامه وشرب من شرابه ومن لم يجبه عاقبه أو قال عذبه، ثم ارتفعوا واستيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك فقال: «سمعت ما قال هؤلاء؟ وهل تدري من هؤلاء؟»، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «هم ¬

_ (¬1) الزط: جنس من السودان والهنود. (¬2) القشر اللباس. قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" ومنه حديث ابن مسعود ليلة الجن، لا أرى عورة ولا قشرًا، أي لا أرى منهم عورة منكشفة ولا أرى عليهم ثيابًا.

سعة علم عمر وتفوقه على الصحابة سوى أبي بكر وكلام ابن مسعود وحذيفة في ذلك

الملائكة فتدري ما المثل الذي ضربوا؟» قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «المثل الذي ضربوا الرحمن تبارك وتعالى بنى الجنة ودعا إليها عباده فمن أجابه دخل الجنة ومن لم يجبه عاقبه أو عذبه» رواه الدارمي باختصار والترمذي وهذا لفظه وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. وذكر الحافظ ابن حجر في "كتاب الاعتصام" من "فتح الباري": أن ابن خزيمة صححه. وقد رواه الإمام أحمد مطولاً بمعناه، قال الهيثمي: ورجاله رجاله الصحيح غير عمرو البكالي وذكره العجلي في "ثقات التابعين" وابن حبان وغيره في "الصحابة". وقد تقدم في رواية البخاري عن جابر رضي الله عنه: أن الملائكة لما ضربوا المثل للنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو نائم «قالوا: أوّلوها له يفقهها»، قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": قيل يؤخذ منه حجة لأهل التعبير، أن التعبير إذا وقع في المنام اعتمد عليه. قال ابن بطال قوله: "أوّلوها" يدل على أن الرؤيا على ما عبرت في النوم. انتهى. ومن الرؤيا التي رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأولها ما جاء في حديث حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن أبيه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت حتى إني لأرى الري يخرج في أظفاري ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب»، قالوا: فما أوّلته يا رسول الله؟ قال: "العلم" رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وابن أبي شيبة والدارمي وابن حبان، وقال الترمذي: حديث حسن. وروى الطبراني في "الكبير" بإسناد صحيح عن أبي بكر بن سالم عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «رأيت في النوم أني أعطيت عُسًّا (¬1) مملوءًا لبنًا فشربت منه حتى تملأت حتى رأيته يجري في عروقي بين الجلد واللحم ففضلت فضلة وأعطيتها عمر بن الخطاب فأوّلوها»، قالوا: يا نبي الله هذا علم أعطاك الله فملأك منه ففضلت فضلة فأعطيتها عمر ¬

_ (¬1) العس بالضم القدح الكبير.

ابن الخطاب، فقال: «أصبتم»، قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. وقد رواه الحاكم في "المستدرك" وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي في تلخيصه. قلت: ليس بين هذه الرواية والرواية التي قبلها مغايرة إلا في تأويل الرؤيا. ففي رواية حمزة عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي أَوَّلَ رؤياه في شرب اللبن، وفي رواية سالم عن أبيه: أن الصحابة هم الذين أَوَّلُوها حين أمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بتأويلها، فيحتمل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدث برؤياه في مجلسين فأَوَّلها في أحدهما وأمر أصحابه بتأويلها في المجلس الآخر والله أعلم. وفي هذا الحديث فضيلة عظيمة لعمر رضي الله عنه لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاه فضل شرابه في النوم وشهد له في اليقظة بالعلم، وقد ظهر أثر هذه الشهادة على عمر رضي الله عنه فكان أعلم الأمة بعد أبي بكر الصديق رضي الله عنه. ولم يكن في زمانه وما بعد زمانه أحد يساويه في العلم فضلاً عن أن يكون فيهم من يفوقه فيه، وقد ذكرت الأدلة الكثيرة على غزارة علمه وتفوقه على غيره في أول كتابي المسمى "تنزيه الأصحاب، عن تنقص أبي تراب" وذكرت أيضًا ما جاء في ذلك عن بعض الصحابة والتابعين، فليراجع ما ذكرته في الكتاب المشار إليه فإنه مهم جدًا، ومن أهم ما جاء فيه من الآثار قول ابن مسعود رضي الله عنه: «لو أن عِلْم عمر وضع في كفة الميزان ووضع علم أهل الأرض في كفة لرجح علمه بعلمهم»، وقوله أيضًا: «إني لأحسب تسعة أعشار العلم ذهب يوم ذهب عمر» روى ذلك الطبراني والحاكم بأسانيد صحيحة، وروى ابن سعد في "الطبقات" بإسناد صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «لو وضع علم أحياء العرب في كفة وعلم عمر في كفة لرجح بهم علم عمر – قال: وإن كنا لنحسب عمر قد ذهب بتسعة أعشار العلم». وقال ابن عبد البر في "الاستيعاب": قال ابن مسعود رضي الله عنه: «لو وضع علم أحياء العرب في كفة ميزان ووضع علم عمر في كفة لرجح علم عمر ولقد كانوا يرون أنه ذهب بتسعة أعشار العلم، ولمجلس كنت أجلسه مع عمر أوثق من عمل سنة».

قوة عمر في الدين وتفوقه على غيره سوى أبي بكر

ومن أهم الآثار الواردة في ذلك أيضًا قول حذيفة رضي الله عنه: «كأن علم الناس كلهم قد دسّ في جحر مع علم عمر» ذكره ابن عبد البر في "الاستيعاب". ورواه ابن سعد في "الطبقات" بإسناد رجاله كلهم ثقات إلا أن فيه انقطاعًا بين شمر بن عطية وبين حذيفة رضي الله عنه فإنه لم يدركه. وقال عمرو بن ميمون: «ذهب عمر بثلثي العلم» فذكر ذلك لإبراهيم النخعي فقال: «ذهب عمر بتسعة أعشار العلم» رواه الدارمي، وبهذا يعلم مطابقة حال عمر في العلم لما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - في منامه وما قاله في تأويل رؤياه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. ومن الرؤيا التي رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأَوَّلّها ما جاء في حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه سمع أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون عليّ وعليهم قُمُص، منها ما يبلغ الثُّدِيَّ، ومنها ما دون ذلك، وعرض عليّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره»، قالوا: فما أوّلت ذلك يا رسول الله، قال: «الدين» رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي والدارمي وابن حبان. قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" قالوا: وجه تعبير القميص بالدين أن القميص يستر العورة في الدنيا والدين يسترها في الآخرة ويحجبها عن كل مكروه والأصل فيه قوله تعالى: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: 26] الآية. والعرب تكني عن الفضل والعفاف بالقميص. واتفق أهل التعبير على أن القميص يعبر بالدين وأن طوله يدل على بقاء آثار صاحبه من بعده. وفي الحديث: أن أهل الدين يتفاضلون في الدين بالقلة والكثرة وبالقوة والضعف، وهذا من أمثلة ما يحمد في المنام ويذم في اليقظة أعني جر القميص لما ثبت من الوعيد في تطويله. قال: وفيه فضيلة لعمر. انتهى. وقال الحافظ في موضع آخر من "فتح الباري": وقد استشكل هذا الحديث بأنه يلزم منه أن عمر أفضل من أبي بكر الصديق والجواب عنه تخصيص أبي بكر من عموم

قوله: «عُرِض عليّ الناس» فلعل الذين عرضوا إذ ذاك لم يكن فيهم أبو بكر وأن كون عمر عليه قميص يجره لا يستلزم أن لا يكون على أبي بكر قميص أطول منه وأسبغ فلعله كان كذلك إلا أن المراد كان حينئذ بيان فضيلة عمر فاقتصر عليها والله أعلم. انتهى كلامه. ومن الرؤيا التي رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأَوَّلَها ما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات غداة بعد طلوع الشمس فقال: «رأيت قُبَيْل الفجر كأني أعطيت المقاليد والموازين، فأما المقاليد فهذه المفاتيح، وأما الموازين فهي التي تزنون بها فوضعت في كفة ووضعت أمتي في كفة فُوِزِنت بهم فرجحتُ، ثم جيء بأبي بكر فَوُزِن بهم فَوَزَن، ثم جيء بعمر فَوُزِن فَوزَن، ثم جيء بعثمان فُوزِن بهم، ثم رفعت» رواه الإمام أحمد والطبراني إلا أنه قال: «فرجح بهم» في الجميع، وقال: «ثم جيء بعثمان فوضع في كفة ووضعت أمتي في كفة فرجح بهم ثم رفعت». قال الهيثمي: رجاله ثقات، وقد رواه ابن أبي شيبة بنحو رواية الطبراني وزاد فقال له رجل: يا رسول الله فأين نحن؟ قال: «حيث جعلتم أنفسكم» وسيأتي تأويل ما جاء فيه من الوزن في حديث أبي بكرة وحديث سفينة وأن المراد بذلك خلافة النبوة. ومن الرؤيا التي رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأَوَّلّها رؤياه في الغنم السود والبيض. وقد جاء فيها ثلاثة أحاديث. أحدها: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «رأيت غنمًا كثيرة سوداء دخلت فيها غنم كثيرة بيض»، قالوا: فما أوّلته يا رسول الله؟ قال: «العجم يشركونكم في دينكم وأنسابكم» رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري ووافقه الذهبي في تلخيصه. الحديث الثاني: عن أبي الطفيل -واسمه عامر بن واثلة الكناني- رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «رأيت فيما يرى النائم غنمًا سودًا تتبعها غنم عفر فأوّلت أن الغنم السود العرب والعفر العجم» رواه البزار. قال الهيثمي: فيه علي بن زيد وهو ثقة سيئ الحفظ وبقية رجاله رجال الصحيح.

الحديث الثالث: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «رأيت كأني أسقي غنمًا سودًا إذ خالطها غنم عفر إذ جاء أبو بكر فنزع ذنوبًا أو ذنوبين وفيه ضعف ويغفر الله له إذ جاء عمر فأخذ الدلو فاستحالت غربًا فأروى الناس وصدر الشاء فلم أر عبقريًا يفري فريَ عمر»، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فأوّلت أن الغنم السود العرب وأن العفر إخوانكم من هذه الأعاجم» رواه البيهقي في "دلائل النبوة". ومن الرؤيا التي رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأوَّلّها رؤياه في الكذابين مسيلمة والعنسي، وقد جاء في هذه الرؤيا عدة أحاديث. أحدها: عن نافع بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل يقول: إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته، وقدمها في بشر كثير من قومه فأقبل إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه ثابت بن قيس بن شماس – وفي يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطعة جريد – حتى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال: «لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها ولن تعدو أمر الله فيك ولئن أدبرت ليعقرنك الله وإني لأراك الذي أريت فيه ما رأيت وهذا ثابت يجيبك عني» ثم انصرف عنه. قال ابن عباس رضي الله عنهما: فسألت عن قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنك أرى الذي أريت فيه ما أريت» فأخبرني أبو هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب فأهمني شأنهما فأوحي إليّ في المنام أن انفخهما فنفختهما فطارا فأوّلتهما كذابين يخرجان بعدي أحدهما العنسي والآخر مسيلمة». رواه البخاري ومسلم. وروى الترمذي منه رواية ابن عباس عن أبي هريرة وقال: هذا حديث صحيح حسن غريب. الحديث الثاني: عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: بلغنا أن مسيلمة الكذاب قدم المدينة فنزل في دار بنت الحارث. وكانت تحته بنت الحارث بن كُرَيْز – وهي أم عبد الله بن عامر – فأتاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه ثابت بن قيس بن شماس – وهو الذي يقال له خطيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضيب فوقف عليه فكلمه فقال له مسيلمة: إن شئت خلينا بينك وبين الأمر ثم جعلته لنا بعدك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لو سألتني هذا القضيب ما أعطيتكه وإني لأراك الذي أُرِيْتُ فيه ما أُرِيْتُ وهذا ثابت بن قيس سيجيبك

عني»، فانصرف النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال عبيد الله بن عبد الله: سألت عبد الله بن عباس عن رؤيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي ذكر فقال ابن عباس رضي الله عنهما: ذكر لي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «بينا أنا نائم أُرِيْتُ أنه وضع في يديّ سواران من ذهب ففظعتهما وكرهتهما فأذن لي فنفختهما فطارا فأوّلتهما كذابين يخرجان». فقال عبيد الله: أحدهما العنسي الذي قتله فيروز باليمن والآخر مسيلمة الكذاب، رواه البخاري. وروى الإمام أحمد منه المرفوع وقول عبيد الله في العنسي ومسيلمة، ورواه البخاري أيضًا مختصرًا بنحو رواية أحمد. الحديث الثالث: عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر أحاديث. منها وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بينا أنا نائم أتيت بخزائن الأرض فوضع في يديّ أسوارين من ذهب فكبرا عليّ وأهماني فأوحي إليّ أن أنفخهما فنفختهما فذهبا فأوّلتهما الكذابين اللذين أنا بينهما صاحب صنعاء وصاحب اليمامة» رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم. ورواه الإمام أحمد أيضًا وابن أبي شيبة وابن ماجه من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «رأيت فيما يرى النائم كأن في يديّ سوارين من ذهب فنفختهما فرفعا فأوّلت أن أحدهما مسيلمة والآخر العنسي». قال ابن القيم في كتابه "زاد المعاد": هذا الحديث من أكبر فضائل الصديق فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفخ السوارين فطارا، وكان الصديق هو ذلك الروح الذي نفخ مسيلمة وأطاره. انتهى. الحديث الرابع: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب الناس على منبره وهو يقول: «أيها الناس إني قد أريت ليلة القدر ثم أنسيتها ورأيت أن في ذراعيّ سوارين من ذهب فكرهتهما فنفختهما فطارا فأولتهما هذين الكذابين صاحب اليمن وصاحب اليمامة» رواه الإمام أحمد والبزار، قال الهيثمي: ورجالهما ثقات. ومن المنامات التي رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأوَّلَها ما رواه الحاكم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «رأيت في المنام كأنَّ أبا جهل أتاني فبايعني»؛ فلما أسلم خالد بن الوليد قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قد صدق الله رؤياك يا رسول الله، هذا كان إسلام خالد، فقال: «ليكونن غيره» حتى

ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم في منامه ولم يخبر بتأويله

أسلم عكرمة بن أبي جهل وكان ذلك تصديق رؤياه. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي في تلخيصه. وقد رواه عبد الرزاق عن الزهري مرسلاً بنحوه. فصل في ذكر ما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - في منامه ولم يخبر بتأويله فمن ذلك رؤياه في النزع من القليب وقد جاء ذلك في حديثين. أحدهما: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو فنزعت منها ما شاء الله ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع بها ذنوبًا أو ذنوبين وفي نزعه ضعفه، والله يغفر له ضعفه، ثم استحالت غربًا فأخذها ابن الخطاب فلم أر عبقريًا من الناس ينزع نزع عمر حتى ضرب الناس بعطن» رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم وابن حبان ... الحديث الثاني: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أريت في المنام أني أنزع بدلو بكرة على قليب فجاء أبو بكر فنزع ذنوبًا أو ذنوبين نزعًا ضعيفًا، والله يغفر له، ثم جاء عمر بن الخطاب فاستحالت غربًا فلم أر عبقريًا يفري فَريه حتى روي الناس وضربوا بعطن» رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وابن أبي شيبة، وقال الترمذي: صحيح غريب ... قال الخباري: قال وهب – أي ابن جرير أحد الرواة لحديث ابن عمر رضي الله عنهما -: العطن مبرك الإبل، يقول: حتى رويت الإبل فأناخت. انتهى. وأما العبقري فهو الرجل القوي. قال الجوهري: قالوا هذا عبقري قوم للرجل القوي. وفي الحديث: «فلم أر عبقريًا يفري فَريه»، وقال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث": عبقري القوم سيدهم وكبيرهم وقويهم. والأصل في العبقري فيما قيل أن عبقر قرية يسكنها الجن فيما يزعمون فكلما رأوا شيئًا فائقًا غريبًا مما يصعب عمله ويدق أو شيئًا عظيمًا في نفسه نسبوه إليها فقالوا عبقري، ثم اتسع فيه حتى سمي به السيد الكبير. انتهى.

وقد ذكرت في الفصل الذي قبل هذا الفصل حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي رواه البيهقي في "دلائل النبوة" وفيه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى أنه يسقي غنمًا سودًا وعفرًا، وأن أبا بكر رضي الله عنه نزع ذنوبًا أو ذنوبين وأن عمر رضي الله عنه أخذ الدلو فأروى الناس، وإنما ذكرته هناك لما فيه من تأويل الغنم السود بأنهم العرب، وتأويل الغنم العفر بالأعاجم. وأما ما جاء فيه من النزع بالدلو فلم يأت فيه تأويل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكذلك ما ذكرته في هذا الفصل من حديث أبي هريرة وحديث ابن عمر رضي الله عنهم في النزع بالدلو لم يأت فيه تأويل عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وتأويله ظاهر من قيام النبي - صلى الله عليه وسلم - بالدعوة إلى الله تعالى وجهاد المشركين وبذل النصيحة للأمة وتعليمهم أمور دينهم وما ينفعهم في دنياهم وآخرتهم وغير ذلك من الأمور العظيمة والمصالح العامة التي قام بها - صلى الله عليه وسلم - أتم القيام، ثم قام أبو بكر الصديق بما كان يتولاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أمور المسلمين أتم القيام وحارب أهل الردة حتى أدخلهم من الباب الذي خرجوا منه، ثم بعث الجيوش إلى الفرس والروم وحصل في زمانه عدة انتصارات عليهم، ثم كانت خاتمة أعماله الجليلة أَنْ عهد بالخلافة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فكانت ولاية عمر رضي الله عنه حسنة من حسنات أبي بكر رضي الله عنه، وكانت مدة ولاية أبي بكر رضي الله عنه سنتين وشهرين تقريبًا فكانت مطابقة لما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - في منامه أنه نزل بالدلو ذنوبًا أو ذنوبين. ثم قام عمر رضي الله عنه بعده بأمور المسلمين أكثر من عشر سنين ففتح الله له الفتوح الكثيرة بالشام والعراق وخراسان ومصر وغيرها من الأمصار وأذل الله به أمم الكفر، ودوَّنَ الدواوين وقام بتدبير أمور المسلمين أتم القيام وكان مضرب المثل في العدل والحزم وحسن السيرة. فكانت أعماله في ولايته مطابقة لما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - في منامه من قوة نزعه للماء وإرواء الناس حتى ضربوا بعطن، وقد روى البيهقي في "دلائل النبوة" بإسناد صحيح عن الشافعي رحمه الله تعالى أنه قال: رؤيا الأنبياء وحي. وقوله: «وفي نزعه ضعف» قصر مدته وعجلة موته وشغله بالحرب مع أهل الردة عن الافتتاح والتزيد الذي بلغه عمر في طول مدته. انتهى. وقال النووي في "شرح مسلم": ومعنى ضرب الناس بعطن، أي

أرووا إبلهم ثم آووها إلى عطنها وهو الموضع الذي تساق إليه بعد السقي لتستريح. قال العلماء: هذا المنام مثال واضح لما جرى لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما في خلافتهما وحسن سيرتهما وظهور آثارهما وانتفاع الناس بهما، وكل ذلك مأخوذ من النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بركته وآثار صحبته. فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - هو صاحب الأمر فقام به أكمل قيام وقرر قواعد الإسلام ومَهَّدَ أموره وأوضح أصوله وفروعه ودخل الناس في دين الله أفواجًا وأنزل الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] ثم توفي - صلى الله عليه وسلم - فخلفه أبو بكر رضي الله عنه سنتين وأشهرًا. وهو المراد بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ذنوبًا أو ذنوبين» وحصل في خلافته قتال أهل الردة وقطع دابرهم واتساع الإسلام، ثم توفي فخلفه عمر رضي الله عنه فاتسع الإسلام في زمنه وتقرر لهم من أحكامه ما لم يقع مثله، فعبّر بالقليب عن أمر المسلمين لما فيها من الماء الذي به حياتهم وصلاحهم، وشبه أميرهم بالمستقي لهم، وسقيه هو قيامه بمصالحهم وتدبير أمورهم، وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - في أبي بكر رضي الله عنه: «وفي نزعه ضعف» فليس فيه حط من فضيلة أبي بكر ولا إثبات فضيلة لعمر عليه وإنما هو إخبار عن مدة ولايتهما وكثرة انتفاع الناس في ولاية عمر لطولها ولاتساع الإسلام وبلاده والأموال وغيرها من الغنائم والفتوحات ومصّر الأمصار ودَوَّن الدواوين. وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: «والله يغفر له» فليس فيه تنقيص له ولا إشارة إلى ذنب وإنما هي كلمة كان المسلمون يدعمون بها كلامهم ونعمت الدعامة، وقد سبق في الحديث في صحيح مسلم أنها كلمة كان المسلمون يقولونها افعل كذا والله يغفر لك. قال العلماء: وفي كل هذا إعلام بخلافة أبي بكر وعمر وصحة ولايتهما وبيان صفتها وانتفاع المسلمين بها، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «فلم أر عبقريًا من الناس يفري فريه» أما يفري فبفتح الياء وإسكان الفاء وكسر الراء، ,أما فريه فروي بوجهين. أحدهما: فريه بإسكان الراء وتخفيف الياء. والثاني: كسر الراء وتشديد الياء وهما لغتان صحيحتان. وأنكر الخليل التشديد وقال: هو غلط؛ واتفقوا على أن معناه لم أر سيدًا يعمل عمله ويقطع قطعه، وأًل الفري بالإسكان القطع. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «حتى

ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم وأوله أبو بكر أو غيره من الصحابة

ضرب الناس بعطن» قال القاضي: ظاهره أنه عائد إلى خلافة عمر خاصة، وقيل: يعود إلى خلافة أبي بكر وعمر جميعًا لأن بنظرهما وتدبيرهما وقيامهما بمصالح المسلمين تم هذا الأمر وضرب الناس بعطن لأن أبا بكر قمع أهل الردة وجمع شمل المسلمين وألفّهم وابتدأ الفتوح ومَهَّد الأمور وتمت ثمرات ذلك وتكاملت في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، انتهى كلام النووي ملخصًا. فصل في ذكر ما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - في منامه وأَوَّلَه أبو بكر الصديق رضي الله عنه أو أَوَّلَه غيره من الصحابة رضي الله عنهم فمن ذلك رؤياه في اتباع الغنم له وقد رواه البيهقي في "دلائل النبوة" مرسلاً من طريقين. أحدهما: عن عمرو بن شرحبيل قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إني رأيت الليلة كأنما تتبعني غنم سود ثم أردفتها غنم بيض حتى لم تر السود فيها» فقصّها على أبي بكر رضي الله عنه فقال: يا رسول الله هي العرب تبعتك ثم أردفتها العجم حتى لم يروا فيها، قال: «أجل، كذلك عَبَرها الملَك سَحَرًا». الطريق الثاني: عن حصين عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض معناه وقد رواه ابن أبي شيبة عن عبد الله بن إدريس عن حصين عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إني رأيتني يتبعني غنم سود يتبعها غنم عفر»، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله هذه العرب تتبعك تتبعها العجم، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كذلك عَبَرها الملَك». وفي وراية قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كذلك عَبَرها الملَك بالسحر» وقد رواه الحاكم موصولاً من طريق حصين بن عبد الرحمن عن ابن أبي ليلى عن أبي أيوب رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إني رأيت في المنام غنمًا سوداء يتبعها غنم عفر يا أبا بكر اعبرها»، فقال أبو بكر: يا رسول الله هي العرب

رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعطي مفاتيح خزائن الأرض والكلام على ذلك وعلى ظهور مصداق الحديث في زماننا

تتبعك ثم تتبعها العجم حتى تغمرها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «هكذا عبرها الملَك بسَحَر». ومن ذلك رؤياه في عَجْم التمر وقد جاء ذلك فيما رواه الإمام أحمد والحميدي والدارمي من طيق مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «رأيت كأني أتيت بكتلة تمر فعجمتها في فمي فوجدت فيها نواة آذتني فلفظتها ثم أخذت أخرى فعجمتها فوجدت فيها نواة فلفظتها ثم أخذت أخرى فعجمتها فوجدت فيها نواة فلفظتها»، فقال أبو بكر رضي الله عنه: دعني فلأعبرها، قال: قال: «اعبرها»، قال: هو جيشك الذي بعثت يسلم ويغنم فيلقون رجلاً فينشدهم ذمتك فيَدعونه ثم يلقون رجلاً فينشدهم ذمتك فيدعو ثم يلقون رجلاً فينشدهم ذمتك فيَدعونه، قال: «كذلك قال الملَك». قال الهيثمي: فيه مجالد بن سعيد وهو ثقة وفيه كلام. وزاد الدارمي: أن الراوي عن مجالد قال له: ما ينشد ذمتك؟ قال: يقول: لا آله إلا الله. ومن ذلك ما رواه ابن سعد في "الطبقات" عن ابن شهاب مرسلاً، قال: رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - رؤيا فقصها على أبي بكر فقال: «يا أبا بكر رأيت كأني استبقت أنا وأنت درجة فسبقتك بمرقاتين ونصف»، قال: خير يا رسول الله يبقيك الله حتى ترى ما يسرك ويقر عينك، قال: فأعاد عليه مثل ذلك ثلاث مرات وأعاد عليه مثل ذلك. قال: فقال له في الثالثة: «يا أبا بكر رأيت كأني استبقت أنا وأنت درجة فسبقتك بمرقاتين ونصف»، قال: يا رسول الله يقبضك الله إلى رحمته ومغفرته وأعيش بعدك سنتين ونصفًا. ومن ذلك رؤياه أنه قد أعطي مفاتيح خزائن الأرض، وقد جاء ذلك في حديثين. أحدهما: عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج يومًا فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف إلى المنبر فقال: «إني فرط لكم وإني شهيد عليكم وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخاف عليكم أن تتنافسوا فيها» رواه الإمام أحمد

والبخاري ومسلم وابن حبان. الحديث الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «نصرت بالرعب وأعطيت جوامع الكلام وبينا أنا نائم إذ جيء بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي»، فقال أبو هريرة رضي الله عنه: لقد ذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنتم تنتثلونها، رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن حبان. قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": قال أهل التعبير: المفتاح مال وعز وسلطان فمن رأى أنه فتح بابًا بمفتاح فإنه يظفر بحاجته بمعونة من له بأس، وإن رأى أن بيده مفاتيح فإنه يصيب سلطانًا عظيمًا. ونقل عن الخطابي أنه قال: المراد بخزائن الأرض ما فتح على الأمة من الغنائم من ذخائر كسرى وقيصر وغيرهما ويحتمل معادن الأرض التي فيها الذهب والفضة. وقال غيره: بل يحمل على أعم من ذلك. قال الحافظ: ومفاتيح خزائن الأرض المراد منها ما يفتح لأمته من بعده من الفتوح، وقيل: المعادن. قلت: وهذا هو المطابق للواقع في زماننا كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. وقال الحافظ في الكلام على قوله، وأنتم تنتثلونها من النثل بالنون والمثلثة أي تستخرجونها تقول: نثلت البئر إذا استخرجت ترابها. انتهى. وقد ظهر مصداق حديثي عقبة وأبي هريرة رضي الله عنهما في زماننا حيث ظهرت آبار البترول والماء البعيد في أعماق الأرض، وما ظهر أيضًا من معادن الذهب وغير ذلك من خزائن الأرض التي لم يتمكن الناس من الوصول إليها إلا في هذه الأزمان. وأما تأويل بعض العلماء مفاتيح خزائن الأرض بما فتح على أوائل هذه الأمة من خزائن الملوك وكنوزهم ففيه نظر لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما نص في حديثي عقبة وأبي هريرة رضي الله عنهما على خزائن الأرض لا على خزائن الملوك، وخزائن الأرض هي ما أودعه الله فيها من الماء والمعادن السائلة والجامدة، وأما خزائن الملوك فقد جاء ذكرها في الأحاديث الصحيحة باسم الكنوز وأضيفت إلى أهلها لا إلى الأرض كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا

هلك قيصر فلا قيصر بعده والذي نفس محمد بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله». وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما مثله. رواهما الإمام أحمد والبخاري ومسلم، وروى الإمام أحمد ومسلم أيضًا وأهل السنن عن ثوبان رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض» والمراد بهما كنز كسرى وقيصر. وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى» رواه البخاري. وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لتفتحن عصابة من المسلمين أو من المؤمنين كنز آل كسرى الذي في الأبيض» رواه الإمام أحمد ومسلم، وبالجمع بين هذه الأحاديث وبين حديثي عقبة بن عامر وأبي هريرة رضي الله عنهما يتبين أن خزائن الأرض غير كنوز الملك، والله أعلم. وقد حصل للعرب وغيرهم من الدول الذين ظهرت عندهم خزائن الأرض في زماننا من الثروة العظيمة ما لم يحصل مثله للذين فتحت عليهم خزائن الملوك وكنوزهم في أول الإسلام وبهذا ظهر مصداق قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض». ومن الرؤيا التي رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأوّلها بعض الصحابة رضي الله عنهم ما جاء في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أرى الليلة رجل صالح أن أبا بكر نيط (¬1) برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونيط عمر بأبي بكر ونيط عثمان بعمر»، قال جابر: فلما قمنا من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلنا: أما الرجل الصالح فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأما ما ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نوط بعضهم ببعض فهم ولاة هذا الأمر الذي بعث الله به نبيه - صلى الله عليه وسلم -، رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن حبان في صحيحه والحاكم في "المستدرك" والبيهقي في "دلائل النبوة" وصححه الذهبي في "تلخيص المستدرك". ومن الرؤيا التي رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يئولها وأوَّلها الصحابي بالخلافة ¬

_ (¬1) قوله: نيط معناه علق، قاله الخطابي.

ما رآه بعض الصحابة وأوله رسول الله صلى الله عليه وسلم

ما جاء في حديث الأسود بن هلال عن رجل عن قومه أنه كان يقول في خلافة عمر بن الخطاب: لا يموت عثمان بن عفان حتى يستخلف، قلنا: من أين تعلم ذلك؟ قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «رأيت الليلة في المنام كأن ثلاثة من أصحابي وزنوا فَوُزِن أبو بكر فَوَزَن ثم وُزِن عمر فَوَزَن ثم وُزِنَ عثمان فنقص وهو صالح» رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح على شرط الشيخين. فصل في ذكر ما رآه بعض الصحابة في المنام وأوَّلَه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمن ذلك ما جاء في حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: وفدت مع أبي إلى معاوية بن أبي سفيان فأدخلنا عليه فقال: يا أبا بكرة حدثني بشيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعجبه الرؤيا الصالحة ويسأل عنها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم: «أيكم رأى رؤيا؟» فقال رجل: أنا يا رسول الله، رأيت كأن ميزانًا دلي من السماء فوزنت أنت بأبي بكر فرجحت بأبي بكر ثم وزن أبو بكر بعمر فرجح أبو بكر بعمر ثم وزن عمر بعثمان فرجح عمر بعثمان ثم رفع الميزان، فاستاء لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «خلافة نبوة ثم يؤتي الله تبارك وتعالى الملك من يشاء» رواه الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي وابن أبي شيبة وفيه علي بن زيد وهو ثقة سيئ الحفظ وبقية رجاله رجال الصحيح. قال الخطابي: قوله: استاء لها أي كرهها حتى تبينت المساءة في وجهه، انتهى. وفي بعض الروايات عند أحمد فساءه ذلك. وقد رواه أبو داود السجستاني والترمذي والحاكم والبيهقي من طريق الأشعث بن عبد الملك الحمراني عن الحسن بن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذات يوم: «من رأى منكم رؤيا»؟ فقال رجل: أنا رأيت كأن ميزانًا نزل من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت أنت بأبي بكر ووزن أبو بكر وعمر فرجح أبو بكر ووزن عمر وعثمان فرجح عمر ثم رفع الميزان، فرأينا الكراهية في وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وصححه أيضًا الحاكم والذهبي. وقال الحاكم في موضع آخر: صحيح على شرط

الشيخين وتعقبه الذهبي فقال أشعث هذا ثقة لكن ما احتجَّا به. ومن ذلك ما جاء في حديث سعيد بن جُهْمان عن سفينة مولى أم سلمة رضي الله عنها قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الصبح أقبل على أصحابه فقال: «أيكم رأى الليلة رؤيا؟» قال: فصلى ذات يوم فقال: «أيكم رأى رؤيا؟» فقال رجل: أنا رأيت يا رسول الله، كأنَّ ميزانًا دلي به من السماء فوضعت في كفة ووضع أبو بكر في كفة أخرى فرجحت بأبي بكر فرفعتَ وترك أبو بكر مكانه فجيء بعمر بن الخطاب فوضع في الكفة الأخرى فرجح به أبو بكر فرفع أبو بكر وجيء بعثمان فوضع في الكفة الأخرى فرجح عمر بعثمان ثم رفع عمر وعثمان ورفع الميزان، قال: فتغير وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: «خلافة النبوة ثلاثون عامًا ثم تكون ملكًا». قال سعيد بن جُهْمان: فقال لي سفينة: أَمْسِك، سنتي أبي بكر، وعشر عمر، وثنتي عشرة عثمان، وست علي رضي الله عنهم، رواه البزار مختصرًا والحاكم وهذا لفظه وفيه مؤمل بن إسماعيل. قال الهيثمي: وثقه ابن معين وابن حبان وضعفه البخاري وغيره وبقية رجاله ثقات. قلت: وحديث أبي بكرة المذكور قبله يشهد له ويقويه. ومن ذلك ما رواه أبو داود عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله إني رأيت كأن دلوًا دلي من السماء فجاء أبو بكر فأخذ بعراقيها فشرب شربًا ضعيفًا ثم جاء عمر فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع ثم جاء عثمان فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع ثم جاء علي فأخذ بعراقيها فانتشطت وانتضح عليه منها شيء. ورواه البيهقي في "دلائل النبوة" من طريق أبي داود، ورواه ابن شيبة مختصرًا لم يذكر فيه غير أبي بكر وعمر، ورواه الإمام أحمد من حديث سمرة بن جندب أن رجلاً قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «رأيت كأن دلوًا دليت من السماء» فذكر الحديث في شرب أبي بكر وعمر، قال: «ثم جاء عثمان فأخذ بعراقيها فشرب فانتشطت منه فانتضح عليه منها شيء» ولم يذكر عليًا. كذا جاء في رواية أحمد أن الرؤيا كانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وجاء في رواية ابن أبي شيبة وأبي داود أن الرؤيا كانت لرجل من الصحابة. ومخرج الحديث

واحد لأن كلاً من المذكورين قد رواه من طريق حماد بن سلمة عن الأشعث ابن عبد الرحمن الجرمي عن أبيه عن سمرة بن جندب رضي الله عنه، فأما أحمد فرواه عن عبد الصمد وعفان عن حماد بن سلمة، وأما ابن أبي شيبة فرواه عن عفان عن حماد بن سلمة، وأما أبو داود فرواه عن محمد بن المثنى عن عفان عن حماد بن سلمة؛ وعلى هذا فلا تخلو إحدى الروايتين من الغلط، ولعل ذلك في رواية أحمد وأنه قد وقع من بعض النساخ ويكون الصواب أن رجلاً قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأيت، والله أعلم. وليس في الحديث تأويل للرؤيا، وتأويلها ينطبق على الخلافة كما تقدم النص على ذلك في حديثي أبي بكرة وسفينة رضي الله عنهما. وقوله في أبي بكر رضي الله عنه أنه شرب شربًا ضعيفًا إنما هو إشارة إلى قصر مدة ولايته، قاله الخطابي. قال: وذلك لأنه لم يعش أيام الخلافة أكثر من سنتين وشيء وبقي عمر عشر سنين وشيئًا فذلك معنى تضلعه. انتهى. وأما قوله: فانتشطت منه، فمعناه نزعت وجذبت. قال الجوهري: نشطت الدلو من البئر نزعتها بغير بكرة. وقال ابن منظور في "لسان العرب": نشط الدلو عن البئر نزعها وجذبها من البئر صُعُدًا بغير قامة وهي البكرة فإذا كان بقامة فهو المتح. انتهى. ومن المنامات التي أَوَّلَها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رؤيا أم العلاء الأنصارية عينًا تجري لعثمان بن مظعون، وقد جاء ذلك فيما رواه الإمام أحمد والبخاري عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أم العلاء – وهي امرأة من نسائهم بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: طار لنا عثمان بن مظعون في السكنى حين اقترعت الأنصار على سكنى المهاجرين فاشتكى فمرضناه حتى توفي ثم جعلناه في أثوابه فدخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: رحمة الله عليك أبا السائب فشهادتي عليك لقد أكرمك الله، قال: «وما يدريك؟» قلت: لا أدري والله، قال: «أما هو فقد جاءه اليقين إني لأرجو له الخير من الله والله ما أدري – وأنا رسول الله – ما يفعل بي ولا بكم»، قالت أم العلاء: فوالله لا أزكي أحدًا بعده، قالت: ورأيت لعثمان في النوم عينًا تجري فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

فذكرت ذلك له فقال: «ذاك عمله يجري له». قولها: طار لنا عثمان، قال ابن حجر: يعني وقع في سهمنا. ومن المنامات التي أَوَّلَها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رؤيا عبد الله بن سلام رضي الله عنه في الأخذ بالعروة والاستمساك بها وقد روي ذلك عنه من طريقين. أحدهما: عن قيس بن عُبَاد قال: كنت بالمدينة في ناس فيهم بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاء رجل في وجهه أثر من خشوع فقال بعض القوم: هذا رجل من أهل الجنة، هذا رجل من أهل الجنة، فصلى ركعتين يتجوز فيهما ثم خرج فاتبعته فدخل منزله ودخلت فتحدثنا فلما استأنس قلت له: إنك لما دخلت قَبْلُ قال رجل كذا وكذا، قال: سبحان الله ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم وسأحدثك لِمَ ذاك رأيت رؤيا على عهد رسول - صلى الله عليه وسلم - فقصصتها عليه، رأيتنى في روضة – ذكر سعتها وعشبها وخضرتها – ووسط الروضة عمود من حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء، في أعلاه عروة، فقيل لي: ارقه، فقلت له: لا أستطيع فجاءني مِنْصف – قال ابن عون والمنصف الخادم – فقال: بثيابي من خلفي – وَصَفَ أنه رفعه من خلفه بيده – فرقيت حتى كنت في أعلى العمود فأخذت بالعروة، فقيل لي: استمسك فلقد استيقظت وإنها لفي يدي فقصصتها على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «تلك الروضة الإسلام وذلك العمود عمود الإسلام وتلك العروة عروة الوثقى وأنت على الإسلام حتى تموت»، قال: والرجل عبد الله بن سلام، رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم. وفي رواية للبخاري ومسلم عن قيس بن عُباد قال: كنت في حلقة فيها سعد بن مالك وابن عمر فمرّ عبد الله بن سلام فقالوا: هذا رجل من أهل الجنة، فقمت فقلت له: إنهم قالوا كذا وكذا، قال: سبحان الله ما كان ينبغي لهم أن يقولوا ما ليس لهم به علم، إنما رأيت كأن عمودًا وضع في روضة خضراء فنصب فيها وفي رأسها عروة وفي أسفلها منصف – والمنصف الوصيف – فقيل لي: ارقه، فرقيت حتى أخذت بالعروة فقصصتها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يموت عبد الله وهو آخذ بالعروة الوثقى».

الطريق الثاني: عن خَرَشَة بن الحرّ قال: قدمت المدينة فجلست إلى شِيْخة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاء شيخ يتوكأ على عصا له فقال القوم: من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا، فقام خلف سارية فصلى ركعتين فقمت إليه فقلت له: قال بعض القوم كذا وكذا فقال: الحمد لله الجنة لله عز وجل يدخلها من يشاء وإني رأيت على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - رؤيا رأيت كأن رجلاً أتاني فقال: انطلق، فذهبت معه فسلك بي منهجًا عظيمًا فعرضت لي طريق عن يساري فأردت أن أسلكها فقال: إنك لست من أهلها ثم عرضت لي طريق عن يميني فسلكتها حتى انتهيت إلى جبل زلق فأخذ بيدي فزجل بي فإذا أنا على ذروته فلم أتقارَّ ولم أتماسك فإذا عمود من حديد في ذروته حلقة من ذهب فأخذ بيدي فزجل بي حتى أخذت بالعروة فقال: استمسك، فقلت: نعم فضرب العمود برجله فاستمسكت بالعروة فقصصتها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «رأيت خيرًا أما المنهج العظيم فالمحشر وأما الطريق التي عرضت عني يسارك فطريق أهل النار ولست من أهلها، وأما الطريق التي عرضت عن يمينك فطريق أهل الجنة، وأما الجبل الزلق فمنزل الشهداء، وأما العروة التي استمسكت بها فعروة الإسلام فاستمسك بها حتى تموت». قال: فأنا أرجو أن أكون من أهل الجنة. قال: وإذا هو عبد الله بن سلام، رواه الإمام أحمد وابن أبي شيبة وابن ماجه. وقد رواه مسلم بأطول من هذا ولفظه عن خَرَشَة بن الحرّ قال: كنت جالسًا في حلقة في مسجد المدينة قال: وفيها شيخ حسن الهيئة وهو عبد الله بن سلام قال: فجعل يحدثهم حديثًا حسنًا، قال: فلما قام قال القوم: من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا، قال: فقلت: والله لأتبعنه فلأعلمن مكان بيته، قال: فتبعته فانطلق حتى كاد أن يخرج من المدينة ثم دخل منزله، قال: فاستأذنت عليه فأذن لي فقال: ما حاجتك يا ابن أخي؟ قال: فقلت له: سمعت القوم يقولون لك لما قمت من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا فأعجبني أن أكون معك، قال: الله أعلم بأهل الجنة وسأحدثك ممّ قالوا، ذاك إني بينما أنا نائم إذ أتاني رجل فقال لي: قم فأخذ بيدي فانطلقت معه، قال: فإذا أنا بجوادّ عن شمالي

قال: فأخذت لآخذ فيها فقال لي: لا تأخذ فيها فإنها طرق أصحاب الشمال، قال: فإذا جواد منهج على يميني فقال لي: خذ ههنا فأتى بي جبلاً فقال لي: اصعد قال: فجعلت إذا أردت أن أصعد خررت على إستي قال: حتى فعلت ذلك مرارًا، قال: ثم انطلق بي حتى أتى بي عمودًا رأسه في السماء وأسفله في الأرض، في أعلاه حلقة فقال لي: اصعد فوق هذا، قال: قلت: كيف أصعد هذا ورأسه في السماء، قال: فأخذ بيدي فزجل بي، قال: فإذا أنا متعلق بالحلقة، قال: ثم ضرب العمود فخرّ، قال: وبقيت متعلقًا بالحلقة حتى أصبحت، قال: فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقصصتها عليه فقال: «أما الطرق التي رأيت عن يسارك فهي طرق أصحاب الشمال، قال: وأما الطرق التي رأيت عن يمينك فهي طرق أصحاب اليمين، وأما الجبل فهو منزل الشهداء ولن تناله، وأما العمود فهو عمود الإسلام، وأما العروة فهي عروة الإسلام ولن تزال متمسكًا بها حتى تموت» قوله: فإذا جوادّ منهج. قال النووي: الجوادّ جمع جادّة وهي الطريق البينة المسلوكة والمشهور فيها جوادّ بتشديد الدال. والنهج الطريق المستقيم، وطريق منهج، بيّن واضح. وقوله: زجل بي أي رمى بي. انتهى. ومن المنامات التي أَوَّلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رؤيا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه يلعق سمنًا وعسلاً. وقد روى ذلك الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: رأيت فيما يرى النائم لكأن في إحدى إصبعي سمنًا وفي الأخرى عسلاً فأنا ألعقهما فلما أصبحت ذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «تقرأ الكتابين التوراة والفرقان» فكان يقرأهما، فيه ابن لهيعة وقد حّسَّن ابن عدي وابن كثير والهيثمي حديثه وضعفه بعض الأئمة وبقية رجاله ثقات. ومن المنامات التي أَوَّلَها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما جاء عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: رأيت في المنام كأن الأرض تنزع إلى السماء بأشطان شداد فقصصت ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «ذلك وفاة ابن أخيك» رواه البزار والطبراني. قال الهيثمي: ورجالهما ثقات. وقد رواه

الدارمي بإسناد رجاله رجال الصحيح ولفظه قال: رأيت في المنام كأن شمسًا أو قمرًا في الأرض ترفع إلى السماء بأشطان شداد فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «ذاك ابن أخيك» يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفسه. ومن المنامات التي أَوَّلَها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رؤيا أم الفضل بنت الحارث زوجة العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه وعنها أن في بيتها عضوًا من أعضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد جاء ذلك من ثلاثة طرق عنها رضي الله عنها. أحدها: ما رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن الحارث عن أم الفضل رضي الله عنها قالت: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: إني رأيت في منامي في بيتي أو حجرتي عضوًا من أعضائك، قال: «تلد فاطمة إن شاء الله غلامًا فتكفلينه»، فولدت فاطمة حسنًا فدفعته إليها فأرضعته بلبن قُثَم، الحديث وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وقد جاء في آخره: «إنما يغسل بول الجارية ويصب على بول الغلام». الطريق الثاني: عن قابوس بن المخارق عن أم الفضل رضي الله عنها قالت: رأيت كأن بي بيتي عضوًا من أعضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: فجزعت من ذلك فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له فقال: «خيرًا تلد فاطمة غلامًا فتكفلينه بلبن ابنك قُثَم»، قالت: فولدت حسنًا فأعطيته فأرضعته حتى تحرك أو فطمته، الحديث رواه الإمام أحمد وابن ماجه والطبراني في "الكبير" ورجاله كلهم ثقات. وقد جاء في آخره عند أحمد والطبراني: «إنما يغسل بول الجارية وينصح بول الغلام» وقد قيل: إنه فيه انقطاعًا بين قابوس بن المخارق وبين أم الفضل؛ والصحيح أنه لا انقطاع فيه فقد ذكر المزي في "تهذيب الكمال" أن قابوس بن المخارق روى عن أم الفضل وذكر ذلك غيره أيضًا. وقد روى أبو داود وابن ماجه وابن خزيمة في "صحيحه" والحاكم في "المستدرك" طرفًا من آخر هذا الحديث في حكم بول الجارية وبول الغلام وأنه يغسل من بول الجارية وينضح من بول الغلام، وقد رووه كلهم من طريق قابوس بن المخارق عن لبابة بنت الحارث – وهي أم الفضل – وصححه الحاكم والذهبي. ولو كان فيه انقطاع لبينوه، وقد رواه الطبراني في "الكبير" أيضًا

من طريق قابوس بن المخارق عن أبيه عن أم الفضل رضي الله عنها، وهذا من المزيد في متصل الأسانيد. الطريق الثالث: عن أبي عمار شداد بن عبد الله عن أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها أنها دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إني رأيت حلمًا منكرًا الليلة، قال: «وما هو؟» قالت: إنه شديد، قال: «وما هو؟» قالت: رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «رأيت خيرًا تلد فاطمة إن شاء الله غلامًا فيكون في حجرك» فولدت فاطمة الحسين فكان في حجري كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، رواه الطبراني في "الكبير" والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين. وتعقبه الذهبي فقال: بل منقطع فإن شدادًا لم يدرك أم الفضل ومحمد بن مصعب ضعيف، قلت: يشهد له ما تقدم قبله من حديث عبد الله بن الحارث وقابوس بن المخارق. ومن الرؤيا التي أَوَّلّها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرتين أو ثلاثًا فوقعت على وفق تأويله ثم أوّلتها عائشة رضي الله عنها بخلاف ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يئولها عليه فوقعت على وفق تأويل عائشة رضي الله عنها. وقد جاء ذلك فيما رواه سليمان بن يسار عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنها قالت: كانت امرأة من أهل المدينة لها زوج تاجر يختلف فكانت ترى رؤيا كلما غاب عنها زوجها وقلما يغيب إلا تركها حاملاً فتأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتقول: إن زوجي خرج تاجرًا فتركني حاملاً فرأيت فيما يرى النائم أن سارية بيتي انكسرت وأني ولدت غلامًا أعور، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «خَيْرٌ يرجع زوجك عليك إن شاء الله تعالى صالحًا وتلدين غلامًا برًا» فكانت تراها مرتين أو ثلاثًا. كل ذلك تأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقول ذلك لها فيرجع زوجها وتلد غلامًا فجاءت يومًا كما كانت تأتيه ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - غائب وقد رأت تلك الرؤيا فقلت لها: عَمَّ تسألين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا أمة الله؟ فقالت: رؤيا كنت أراها فآتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسأله عنها فيقول خيرًا فيكون كما قال فقلت: فأخبريني ما هي؟ قالت: حتى يأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعرضها عليه كما كنت أعرض فوالله ما تركتها حتى أخربتني فقلت: والله لئن صدقت رؤياك ليموتنَّ زوجك ولتدلن غلامًا فاجرًا، فقعدت

ذكر ما أوله أبو بكر الصديق رضي الله عنه

تبكي وقالت: ما لي حين عرضت عليك رؤياي فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي تبكي فقال لها: «ما لها يا عائشة؟» فأخبرته وما تأوّلت لها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَهْ يا عائشة إذا عبرتم للمسلم الرؤيا فاعبروها على خير فإن الرؤيا تكون على ما يعبرها صاحبها» فمات والله زوجها ولا أراها إلا ولدت ولدًا فاجرًا، رواه الدارمي وفي إسناده ابن إسحاق وقد عنعن وهو مدلس وبقية رجاله رجال الصحيح. وقد ذكر الحافظ ابن حجر هذا الحديث في "فتح الباري" في الكلام على «باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب» وقال: سنده حسن، وذكر أيضًا نحوه من مرسل عطاء بن أبي رباح عند سعيد بن منصور. فصل في ذكر ما أَوَّلَه أبو بكر الصديق رضي الله عنه من أنواع الرؤيا فمن ذلك ما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني رأيت الليلة في المنام ظلة تنطف السمن والعسل فأرى الناس يتكففون منها فالمستكثر والمستقل، وإذا سبب واصل من الأرض إلى السماء فأراك أخذت به فعلوت، ثم أخذ به رجل من بعدك فعلا، ثم أخذ به رجل آخر فعلا، ثم أخذ به رجل آخر فانقطع به ثم وصل له فعلا، فقال أبو بكر: يا رسول الله بأبي أنت والله لتدعنّي فلأعبرنّها، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اعبرها»، قال أبو بكر: أما الظلة فظلة الإسلام، وأما الذي ينطف من السمن والعسل فالقرآن حلاوته ولينه، وأما ما يتكفف الناس من ذلك فالمستكثر من القرآن والمستقل، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه تأخذ به فيعليك الله به، ثم يأخذ به رجل من بعدك فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع به ثم يوصل له فيعلو به. فأخبرني يا رسول الله بأبي أنت أصبت أم أخطأت؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا»، قال: فوالله يا رسول الله لتحدثني ما الذي أخطأت؟ قال: «لا تقسم» رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن أبي شيبة والدارمي وغيرهم. وقال

الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. قال النووي في "شرح مسلم": هذا الحديث دليل لما قاله العلماء أن إبرار المقسم المأمور به في الأحاديث الصحيحة إنما هو إذا لم تكن في الإبرار مفسدة ولا مشقة ظاهرة، فإن كان لم يؤمر بالإبرار لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يبر قسم أبي بكر لما رأى في إبراره من المفسدة، ولعل المفسدة ما علمه من سبب انقطاع السبب مع عثمان وهو قتله وتلك الحروب والفتن المترتبة عليه فكره ذكرها مخالفة من شيوعها، أو أن المفسدة لو أنكر عليه مبادرته ووبخه بين الناس، أو أنه أخطأ في ترك تعيين الرجال الذين يأخذون بالسبب بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان في بيانه - صلى الله عليه وسلم - أعيانهم مفسدة والله أعلم، قال: وفيه أنه لا يستحب إبرار المقسم إذا كان فيه مفسدة أو مشقة ظاهرة. انتهى. ومن ذلك ما رواه ابن أبي شيبة عن مسروق قال: مرّ صهيب بأبي بكر فأعرض عنه، فقال: ما لك أعرضت عني أبلغك شيء تكرهه، قال: لا والله إلا لرؤيا رأيتها كرهتها، قال: وما رأيت؟ قال: رأيت يدك مغلولة إلى عنقك على باب رجل من الأنصار يقال له أبو الحشر، فقال أبو بكر رضي الله عنه: نِعمَ ما رأيت جمع لي ديني إلى يوم الحشر. ومن ذلك ما رواه ابن أبي شيبة عن أبي قلابة أن عائشة رضي الله عنها قالت لأبيها: إني رأيت في النوم كأن قمرًا وقع في حجرتي حتى ذكرت ذلك ثلاث مرات، فقال أبو بكر رضي الله عنه: إن صدقت رؤياك دفن في بيتك خير أهل الأرض ثلاثة، رجاله رجال الصحيح إلا أنّه مرسل لأن أبا قلابة لم يرو عن عائشة مباشرة. وروى مالك في "الموطأ" عن يحيى بن سعيد أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنها قالت: رأيت ثلاثة أقمار سقطن في حَجْري "حجرتي" فقصصت رؤياي على أبي بكر الصديق، قالت: فلما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودفن في بيتها قال لها أبو بكر: هذا أحد أقمارك وهو خيرها، وهذا فيه انقطاع لأن يحيى بن سعيد لم يدرك عائشة رضي الله عنها، وقد رواه الحاكم في "المستدرك" من طريق مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة عن

عائشة رضي الله عنها قالت: رأيت في المنام كأن ثلاثة أقمار سقطن في حجرتي فقصصت رؤياي على أبي بكر رضي الله عنه فلما دفن النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيتي قال أبو بكر رضي الله عنه: هذا أحد أقمارك وهو خيرها. قال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي على تصحيحه. ورواه الطبراني في "الكبير" والحاكم والبيهقي في "دلائل النبوة" من طريق يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: قالت عائشة رضي الله عنها: رأيت كأن ثلاثة أقمار سقطن في حجرتي فسألت أبا بكر رضي الله عنه فقال: يا عائشة إن تصدق رؤياك يدفن في بيتك خير أهل الأرض ثلاثة، فلما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودفن قال لي أبو بكر: يا عائشة هذا خير أقمارك وهو أحدها. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي في تلخيصه. ورواه الطبراني أيضًا بإسناد صحيح عن أيوب عن نافع أو محمد بن سيرين عن عائشة رضي الله عنها فذكره بنحو رواية سعيد بن المسيب عن عائشة وزاد في آخره: ودفن في بيتها أبو بكر وعمر. قال الهيثمي: رجال الكبير رجال الصحيح. وروى الحاكم تأويل هذه الرؤيا مرفوعًا من طريق موسى بن عبد الله السلمي حدثنا عمر بن حماد بن سعيد الأبح عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعجبه الرؤيا قال: «هل رأى منكم رؤيا اليوم؟» فقالت عائشة رضي الله عنها: رأيت كأن ثلاثة أقمار سقطن في حجرتي، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن صدقت رؤياك دفن في بيتك ثلاثة هم أفضل أو خير أهل الأرض» فلما توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - ودفن في بيتها قال لها أبو بكر رضي الله عنه: هذا أحد أقمارك وهو خيرها ثم توفي أبو بكر وعمر فدفنا في بيتها. قال الذهبي في "تلخيص المستدرك": عمر بن حماد بن سعيد الأبح أحد الضعفاء تفرد به عنه موسى بن عبد الله السلمي لا أدري من هو. انتهى. وقد رواه الطبراني في "الكبير" بالإسناد المذكور في رواية الحاكم عن قتادة عن الحسن عن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

قال؛ فذكره بمعنى ما تقدم في رواية الحاكم عن أنس رضي الله عنه. قال الهيثمي: فيه عمر بن سعيد الأبح وهو ضعيف. ومن المنامات التي أَوَّلَها أبو بكر رضي الله عنها ما جاء في رواية مجالد عن الشعبي قال: قالت عائشة رضي الله عنها لأبي بكر رضي الله عنه: إني رأيت في المنام بقرًا ينحرن حولي، قال: إن صدقت رؤياك قتلت حولك فئة. رواه ابن أبي شيبة وفيه مجالد وهو ضعيف. وروى ابن أبي شيبة أيضًا بإسناد صحيح عن مسروق عن عائشة قالت: رأيتني على تل كأن حولي بقرًا ينحرن فقال مسروق: إن استطعت أن لا تكوني أنت هي فافعلي، قال: فابتليت بذلك رحمها الله. ورواه الحاكم في "المستدرك" عن مسروق قال: قالت لي عائشة رضي الله عنها: إني رأيتني على تلّ وحولي بقر تنحر فقلت لها: لئن صدقت رؤياك لتكونن حولك ملحمة، قالت: أعوذ بالله من شرك بئس ما قلت، فقلت لها، فلعله إن كان أمرًا سيسوؤك، فقالت: والله لئن أخر من السماء أحب إليّ من أن أفعل ذلك. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي في تليخصه. ومن ذلك ما رواه ابن أبي شيبة عن معتمر عن أيوب عن أبي قلابة أن رجلاً أتى أبا بكر رضي الله عنه فقال: إني رأيت في النوم كأني أبول دمًا، قال: أراك تأتي امرأتك وهي حائض، قال: نعم، قال: فاتق الله. وهذا مرسل صحيح الإسناد. ومن ذلك ما رواه ابن أبي شيبة عن مجالد عن الشعبي قال: أتى رجل أبا بكر رضي الله عنه فقال: إني رأيت في المنام كأني أجري ثعلبًا، قال: أنت رجل كذوب فاتق الله ولا تعد. وهذا مرسل ضعيف الإسناد. ومن ذلك ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال: رأى عبد الله بن بديل رؤيا فقصّها على أبي بكر رضي الله عنه فقال: إن صدقت رؤياك فإنك ستقتل في أمر ذي لبس فقتل يوم صفين، وهذا مرسل صحيح الإسناد. ومن ذلك ما ذكره الواقدي في قصة إسلام خالد بن الوليد رضي الله عنه

ما رآه عمر وأوله وما أوله له غيره وما أوله لغيره

أنه قال: أرى في النوم كأني في بلاد ضيقة مجدبة فخرجت في بلاد خضراء واسعة فقلت: إن هذه لرؤيا فلما أن قدمت المدينة قلت: لأذكرنها لأبي بكر، فقال: مخرجك الذي هداك الله للإسلام والضيق الذي كنت فيه من الشرك. ومن ذلك ما رواه ابن أبي شيبة عن علي بن زيد وأبي عمران الجوني أن سمرة بن جندب قال لأبي بكر رضي الله عنه: رأيت في المنام كأني أفتل شريطًا وأضعه إلى جنبي ونفر يأكله، قال: تزوج امرأة ذات ولد يأكل كسبك. قال: ورأيت ثورًا خرج من جحر فلم يستطع يعود فيه، قال: هذه العظيمة تخرج من في الرجل فلا يستطيع أن يردها. فصل في ذكر ما رآه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأَوَّلَه وما أَوَّلَه له غيره، وما أَوَّلَه لغيره فمن ذلك ما رواه الإمام أحمد بأسانيد صحيحة عن معدان بن أبي طلحة اليعمري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قام على المنبر يوم الجمعة فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر أبا بكر رضي الله عنه ثم قال: رأيت رؤيا لا أراها إلا لحضور أجلي رأيت كأن ديكًا نقرني نقرتين. زاد في إحدى الروايات قال: وذكر لي أنه ديك أحمر فقصصتها على أسماء بنت عميس امرأة أبي بكر رضي الله عنهما فقالت: يقتلك رجل من العجم، وقد رواه ابن أبي شيبة وابن سعد بدون الزيادة التي في إحدى روايات أحمد. ورواه الحاكم ولفظه قال: إني رأيت في المنام كأن ديكًا نقرني ثلاث نقرات، فقلت: أعجمي. وروى الإمام أحمد أيضًا بإسناد صحيح عن جويرية بن قدامة قال: حججت فأتيت المدينة العام الذي أصيب فيه عمر رضي الله عنه قال: فخطب فقال: إني رأيت كأن ديكًا أحمر نقرني نقرة أو نقرتين فكان من أمره أنه طعن، وقد رواه ابن أبي شيبة وابن سعد بنحوه وليس في روايتهما وصف

الديك بأنه أحمر، وزاد ابن سعد: فما عاش إلا تلك الجمعة حتى طعن. وروى ابن أبي شيبة عن عبد الله بن الحارث الخزاعي قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول في خطبته: إني رأيت البارحة ديكًا نقرني ورأيته يجليه الناس عني، فلم يلبث إلا قليلاً حتى قتله عبد المغيرة أبو لؤلؤة. وروى ابن أبي شيبة أيضًا عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: خطب عمر الناس فقال: إني رأيت في منامي ديكًا أحمر نقرني على معقد إزاري ثلاث نقرات فاستعبرتها أسماء بنت عميس فقالت: إن صدقت رؤياك قتلك رجل من العجم. وروى ابن سعد عن سعيد بن أبي هلال أنه بلغه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس يوم الجمعة فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أما بعد أيها الناس إني رأيت رؤيا لا أراها إلا لحضور أجلي، رأيت أن ديكًا أحمر نقرني نقرتين فحدثتها أسماء بنت عميس، فحدثتني أنه يقتلني رجل من الأعاجم. وروى ابن سعد أيضًا عن أيوب عن محمد قال: قال عمر: رأيت كأن ديكًا نقرني نقرتين، فقلت: يسوق الله إليّ الشهادة ويقتلني أعجم أو عجمي. ومن ذلك ما رواه ابن أبي شيبة عن ثابت عن أنس بن مالك أن أبا موسى الأشعري أو أنسًا قال: رأيت في المنام كأني أخذت جوادًا كثيرة فسلكتها حتى انتهيت إلى جبل فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوق الجبل وأبو بكر إلى جنبه وجعل يومي بيده إلى عمر فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، مات والله عمر، فقلت: ألا تكتب به إلى عمر، فقال: ما كنت أكتب أنعي إلى عمر نفسه، ورواه ابن سعد عن ثابت البناني عن أنس بن مالك عن أبي موسى الأشعري قال: رأيت كأني أخذت جوادًا كثيرة فاضمحلت حتى بقيت جادة واحدة فسلكتها، ثم ذكر بقيته بنحو ما تقدم. ومن ذلك ما رواه ابن سعد في "الطبقات" عن أبي بردة عن أبيه

رضي الله عنه قال: رأى عوف بن مالك أن الناس قد جمعوا في صعيد واحد فإذا رجل قد علا الناس بثلاثة أذرع، قلت: من هذا؟ قال: عمر بن الخطاب، قلت: بِمَ يعلوهم؟ قال: إن فيه ثلاث خصال، لا يخاف في الله لومة لائم، وإنه شهيد مستشهد وخليفة مستخلف، فأتى عوف أبا بكر فحدثه فبعث إلى عمر فبشره فقال أبو بكر: قصّ رؤياك، قال: فلما قال: خليفة مستخلف انتهره عمر فأسكته، فلما ولي عمر انطلق إلى الشام فبينما هو يخطب إذ رأى عوف بن مالك فدعاه فصعد معه المنبر فقال: اقصص رؤياك فقصّها، فقال: أما أن لا أخاف في الله لومة لائم فأرجو أن يجعلني الله فيهم، وأما خليفة مستخلف فقد استخلفت فأسأل الله أن يعينني على ما ولاني، وأما شهيد مستشهد فأنى لي الشهادة وأنا بين ظهراني جزيرة العرب لست أغزو الناس حولي، ثم قال: ويلي ويلي (¬1) يأتي بها الله إن شاء الله، وقد رواه ابن عبد البر في "الاستيعاب" بنحوه. ومن ذلك ما رواه ابن أبي شيبة حدثنا ابن فضيل عن عطاء بن السائب قال: حدثني غير واحد أن قاضيًا من قضاة أهل الشام أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين رأيت رؤيا أفظعتني، قال: ما هي؟ قال: رأيت الشمس والقمر يقتتلان والنجوم معهما نصفين، قال: فمع أيهما كنت؟ قال: مع القمر على الشمس، قال عمر: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء: 12] قال: فانطلق فوالله لا تعمل لي عملاً أبدًا. وقد ذكر هذه القصة ابن عبد البر في كتابه "بهجة المجالس" وقال في آخرها: فعزله وقتل مع معاوية بصفين. ومن ذلك ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: إني رأيت كأن الأرض أعشبت ثم أجدبت ثم أعشبت ثم أجدبت. فقال عمر رضي الله عنه: أنت رجل تؤمن ثم تكفر ثم تؤمن ثم ¬

_ (¬1) قوله: ويلي ويلي، كذا هو في الطبقات وصوابه بلى، كما قد جاء ذلك في الاستيعاب.

ذكر منامات متفرقة

تكفر ثم تموت كافرًا، فقال الرجل: لم أر شيئًا، فقال عمر رضي الله عنه: {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} [يوسف: 41] قد قضى لك ما قضي لصاحب يوسف. فصل في ذكر منامات متفرقة فمن ذلك ما رواه ابن سعد في "الطبقات" عن حرام بن عثمان الأنصاري قال: قدم أسعد بن زرارة من الشام تاجرًا في أربعين رجلاً من قومه فرأى رؤيا أن آتيًا أتاه فقال: إن نبيًا يخرج بمكة يا أبا أمامة فاتبعه، وآية ذلك أنكم تنزلون منزلاً فيصاب أصحابك فتنجو أنت وفلان يطعن في عينه، فنزلوا منزلاً فبيتهم الطاعون فأصيبوا جميعًا غير أبي أمامة وصاحب له طعن في عينه. ومن ذلك ما رواه ابن سعد أيضًا عن صالح بن كيسان أن خالد بن سعيد قال: رأيت في المنان قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ظلمة غشيت مكة حتى ما أرى جبلاً ولا سهلاً، ثم رأيت نورًا يخرج من زمزم مثل ضوء المصباح كلما ارتفع عظم وسطع حتى ارتفع فأضاء لي أول ما أضاء البيت ثم عظم الضوء حتى ما بقي من سهل ولا جبل إلا وأنا أراه ثم سطع في السماء ثم انحدر حتى أضاء في نخل يثرب فيها البسر وسمعت قائلاً يقول في الضوء: سبحانه سبحانه تمت الكلمة وهلك ابن مارد بهضبة الحصى بين أذرح والأكمة، سعدت هذه الأمة، جاء نبي الأميين وبلغ الكتاب أجله، كذبته هذه القرية، تعذب مرتين، تتوب في الثالثة، ثلاث بقيت، ثنتان بالمشرق وواحدة بالمغرب؛ فقصّها خالد بن سعيد على أخيه عمرو بن سعيد فقال: لقد رأيت عجبًا وإني لأرى هذا أمرًا يكون في بني عبد المطلب إذ رأيت النور خرج من زمزم. ومن ذلك المنام العجيب الذي رأته عاتكة بنت عبد المطلب رضي الله عنها قبل وقعة بدر بأيام ووقع تأويله يوم بدر. وقد روي ذلك من طرق. منها

ما رواه ابن إسحاق قال: حدثني محمد بن مسلم الزهري وعاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير وغيرهم من علمائنا عن ابن عباس رضي الله عنهما، كل قد حدثني بعض هذا الحديث فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث بدر، قالوا: لما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأبي سفيان مقبلاً من الشام ندب المسلمين إليهم وقال: هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها فانتدب الناس فخف بعضهم وثقل بعضهم وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلقى حربًا، وكان أبو سفيان حين دنا من الحجاز يتحسس الأخبار ويسأل من لقي من الركبان تخوفًا على أمر الناس حتى أصاب خبرًا من بعض الركبان أن محمدًا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك فحذر عند ذلك فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى مكة وأمره أن يأتي قريشًا فيستنفرهم إلى أموالهم ويخبرهم أن محمدًا قد عرض لها في أصحابه فخرج ضمضم بن عمرو سريعًا إلى مكة. قال ابن إسحاق: فأخبرني من لا أتهم عن عكرمة عن ابن عباس، ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير قالا: وقد رأت عاتكة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث ليال رؤيا أفزعتها فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت له: يا أخي والله لقد رأيت الليلة رؤيا أفظعتني وتخوفت أن يدخل على قومك منها شر ومصيبة فاكتم عني ما أحدثك به، فقال لها: وما رأيت؟ قالت: رأيت راكبًا أقبل على بعير له حتى وقف بالأبطح ثم صرخ بأعلى صوته: ألا انفروا يا آل غُدر لمصارعكم في ثلاث فأرى الناس اجتمعوا إليه ثم دخل المسجد والناس يتبعونه فبينما هم حوله مَثَلَ به بعيره على ظهر الكعبة ثم صرخ بمثلها، ألا انفروا يا آل غُدر لمصارعكم في ثلاث، ثم مَثَلَ به بعيره على رأس أبي قبيس فصرخ بمثلها ثم أخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضت فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دار إلا دخلتها منها فلقة. قال العباس: والله إن هذه لرؤيا وأنت فاكتميها ولا تذكريها لأحد. ثم خرج العباس فلقي الوليد بن عتبة بن ربيعة وكان له صديقًا فذكرها له واستكتمه إياها فذكرها الوليد لأبيه عتبة ففشا الحديث بمكة حتى تحدثت به قريش. قال العباس: فغدوت لأطوف بالبيت، وأبو جهل بن هشام في رهط من قريش.

قعود يتحدثون برؤيا عاتكة، فلما رآني أبو جهل قال: يا أبا الفضل إذا فرغت من طوافك فأقبل إلينا حتى جلست معهم فقال لي أبو جهل: يا بني عبد المطلب متى حدثت فيكم هذه النبية؟ قال: قلت: وما ذاك؟ قال: تلك الرؤيا التي رأت عاتكة، قال: فقلت: وما رأت؟ قال: يا بني عبد المطلب أما رضيتم أن يتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نسائكم وقد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال، انفروا في ثلاث فسنتربص بكم هذه الثلاث فإن يكن حقًا ما تقول فسيكون وإن تمض الثلاث ولم يكن من ذلك شيء نكتب عليكم كتابًا أنكم أكذب أهل بيت في العرب، قال العباس: فوالله ما كان مني إليه كبير شيء إلا أني جحدتُ ذلك وأنكرتُ أن تكون رأت شيئًا، قال: ثم تفرقنا فلما أمسيت لم تبق امرأة من بني عبد المطلب إلا أتتني فقالت: أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم ثم قد تناول النساء وأنت تسمع ثم لم يكن عندك غِيَرٌ لشيء مما سمعت، قال: قلت: قد والله فعلتُ ما كان مني إليه من كبير وأيم الله لأتعرضن له فإن عاد لأكفيكنّه، قال: فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة وأنا حديد مغضب أرى أني قد فاتني منه أمر أحب أن أدركه منه، قال: فدخلت المسجد فرأيته فوالله إني لأمشي نحوه أتعرضه ليعود لبعض ما قال فأقع به وكان رجلاً خفيفًا حديد الوجه حديد اللسان حديد النظر، قال: إذ خرج نحو باب المسجد يشتد، قال: فقلت في نفسي: ما له لعنه الله: أكلّ هذا فَرَقٌ مني أن أشاتمه، قال: وإذا هو قد سمع ما لم أسمع، صوت ضمضم بن عمرو الغفاري وهو يصرخ ببطن الوادي واقفًا على بعيره قد جدع بعيره وحول رحله وشق قميصه وهو يقول: يا معشر قريش، اللطيمة اللطيمة، أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه لا أرى أن تدركوها، الغوث الغوث، قال: فشغلني عنه وشغله عني ما جاء من الأمر. وقد رواه الحاكم في "مستدركه" والبيهقي في "دلائل النبوة" من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق وزادا بعد قوله: فشغلني عنه وشغله عني ما جاء من الأمر فلم يكن إلا الجهاز حتى خرجنا فأصاب قريشًا ما أصابها يوم بدر من قتل أشرافهم وأسر خيارهم. فقالت عاتكة بنت عبد المطلب فيما رأت وما

رؤيا جهيم بن الصلت بنحو رؤيا عاتكة

قالت قريش في ذلك: ألم تكن الرؤيا بحق وجاءكم ... بتصديقها فَلٌّ من القوم هارب فقلتم ولم أكذب كذبت وإنما ... يكذبنا بالصدق من هو كاذب ورواه الطبراني في "الكبير" من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة مرسلاً. قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وفيه ضعف وحديثه حسن، ورواه البيهقي أيضًا من طريق موسى بن عقبة عن ابن شهاب مرسلاً. وذكر ابن إسحاق أن قريشًا لما نزلوا الجحفة رأى جهيم بن الصلت بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف رؤيا فقال: إني رأيت فيما يرى النائم وإني لبين النائم واليقظان إذ نظرت إلى رجل قد أقبل على فرس حتى وقف ومعه بعير له ثم قال: قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو الحكم بن هشام وأمية بن خلف وفلان وفلان فعدد رجالاً ممن قتل يوم بدر من أشراف قريش، ثم رأيته ضرب في لبة بعيره ثم أرسله في العسكر فما بقي خباء من أخبية العسكر إلا أصابه نضح من دمه، قال: فبلغت أبا جهل فقال: وهذا أيضًا نبي آخر من بني عبد المطلب سيعلم غدًا من المقتول إنْ نحن التقينا. ورواه البيهقي في "دلائل النبوة" من طريق موسى بن عقبة عن الزهري مرسلاً وقال فيه: إن قريشًا ساروا حتى نزلوا الجحفة نزلوها عشاء يتروون من الماء وفيهم رجل من بني المطلب بن عبد مناف يقال له جهيم بن الصلت بن مخرمة فوضع جهيم رأسه فأغفى ثم فزع فقال لأصحابه: هل رأيتم الفارس الذي وقف علي آنفًا؟ فقالوا: لا، فإنك مجنون، فقال: قد وقف علي فارس آنفًا، فقال: قتل أبو جهل وعتبة وشيبة وزمعة وأبو البختري وأمية بن خلف فعدَّ أشرافًا من كفار قريش، فقال له أصحابه: إنما لعب بك الشيطان. ورفع حديث جهيم إلى أبي جهل فقال: قد جئتمونا بكذب بني المطلب مع كذب بني هاشم سترون غدًا من يقتل. ومن ذلك رؤيا سودة بنت زمعة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيتزوجها. وقد روى قصتها محمد بن سعد في "الطبقات" عن هشام بن حمد بن السائب الكلبي عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله

عنهما قال: كانت سودة بنت زمعة عند السكران بن عمرو أخي سهيل بن عمرو فرأت في المنام كأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقبل يمشي حتى وطئ على عنقها فأخبرت زوجها بذلك فقال: وأبيك لئن صدقت رؤياك لأموتن وليتزوجنك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: حِجْرًا وسِتْرًا – قال هشام: الحجر تنفي عن نفسها ذاك – ثم رأت في المنام ليلة أخرى أن قمرًا انقض عليها من السماء وهي مضطجعة فأخبرت زوجها فقال: وأبيك لئن صدقت رؤياك لم ألبث إلا يسيرًا حتى أموت وتزوجين من بعدي فاشتكى السكران من يومه ذلك فلم يلبث إلا قليلاً حتى مات وتزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ومن ذلك رؤيا جويرية بنت الحارث رضي الله عنها. وقد روى قصتها الحاكم في "المستدرك" من طريق الواقدي قال: حدثني حزام بن هشام عن أبيه قال: قالت جويرية بنت الحارث رضي الله عنها: رأيت قبل قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - بثلاث ليال كأن القمر أقبل يسير من يثرب حتى وقع في حجري فكرهت أن أخبر بها أحدًا من الناس حتى قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما سبينا رجوت الرؤيا فلما أعتقني وتزوجني والله ما كلمته في قومي حتى كان المسلمون هم الذين أرسلوهم وما شعرت إلا بجارية من بنات عمي تخبرني الخبر فحمدت الله عز وجل، وقد رواها البيهقي في "دلائل النبوة" من طريق الحاكم. ومن ذلك رؤيا صفية بنت حيي رضي الله عنها. وقد روى قصتها محمد بن سعد في "الطبقات" والطبراني في "الكبير"، فأما ابن سعد فروى في ذكر غزوة خيبر عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اصطفى صفية يوم خيبر وأنه رأى بوجهها أثر خضرة قريبًا من عينها فقال: «ما هذا؟» فقالت: يا رسول الله رأيت في المنام قمرًا أقبل من يثرب حتى وقع في حجري فذكرت ذلك لزوجي كنانة فقال: تحبين أن تكوني تحت هذا الملك الذي يأتي من المدينة فضرب وجهي. وأما الطبراني فروى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان بعيني صفية خضرة فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما هذه الخضرة بعينيك؟» فقالت: قلت لزوجي: إني رأيت فيما يرى النائم قمرًا وقع في حجري فلطمني وقال:

رؤيا الشافعي أن عليا رضي الله عنه سلم عليه وصافحه وأعطاه خاتمه

أتريدين ملك يثرب؟. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، قلت: وهو على شرط مسلم. ومن ذلك ما رواه ابن أبي شيبة عن عبد الله بن بكر عن حميد عن أنس رضي الله عنه قال: رأيت فيما يرى النائم كأن عبد الله بن عمر يأكل تمرًا فكتبت إليه إني رأيتك تأكل تمرًا وهو حلاوة الإيمان إن شاء الله تعالى. إسناده ثلاثي على شرط الشيخين. ومن ذلك ما رواه الحاكم في "المستدرك" عن عمران بن عبد الله قال: رأى الحسن بن علي رضي الله عنهما فيما يرى النائم بين عينيه مكتوبًا: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] فقصّها على سعيد بن المسيب فقال: إن صدقت رؤياك فقد حضر أجلك، قال: فسُمَّ في تلك السنة ومات رحمة الله عليه. ومن ذلك ما رواه البيهقي في "دلائل النبوة" عن سليم بن عامر قال: جاء رجل إلى أبي أمامة رضي الله عنه فقال: يا أبا أمامة إني رأيت في منامي أن الملائكة تصلي عليك كلما دخلت وكلما خرجت وكلما قمت وكلما جلست، قال أبو أمامة رضي الله عنه: اللهم غفرًا دعونا عنكم وأنتم لو شئتم صلّت عليكم الملائكة ثم قرأ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 41 - 43]. ومن ذلك ما رواه الخطيب البغدادي في "تاريخه" عن المزني قال: سمعت الشافعي يقول: رأيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه في النوم فسلم عليّ وصافحني وخلع خاتمه وجعله في إصبعي وكان لي عم ففسرها لي فقال لي: أما مصافحتك لعلي فأمان من العذاب، وأما خلع خاتمه وجعله في إصبعك فسيبلغ اسمك ما بلغ اسم علي في الشرق والغرب، ثم روى الخطيب عن الربيع بن سليمان أنه قال: والله لقد فشا ذكر الشافعي في الناس بالعلم كما فشا ذكر علي بن أبي طالب.

رؤيا للرشيد ورؤيا في ابن عربي وابن الفارض

وذكر ابن عبد البر في كتابه "بهجة المجالس" أن الرشيد رأى رؤيا فهمته فوجه إلى الكرماني بريدًا فلما أتاه ومَثَلَ بين يديه خلا به وقال: بعثت إليك لرؤيا رأيتها، فقال: وما هي قال: رأيت كلبين ينهشان قُبُلَ جارية من جواريّ، فقال له الكرماني: ما رأيت إلا خيرًا يا أمير المؤمنين، فقال له الرشيد: قُلْ ما تراه وهات ما عندك؟ فقال له: هذه جارية دعوتها لتجامعها وكان لا عهد لك معها بذلك وكانت ذات شعر فكرهت أن تحلق فتجد أثر الموسى وكرهت أن تبقى على هيئتها فأخذت جَلَمًا (¬1) فحلقت بعض الشعر وتركت بعضه، فأشار الرشيد إليه بالقعود وقام فدخل إلى نسائه ودعا بتلك الجارية فسارّها مستفهمًا منها عن ذلك فأقرت به وصدقت الكرماني فخرج إليه الرشيد فقال له: أصبت وسررتني وأمر له بصلة سنية، ثم قال له: إياك أن تحدث بها ما كنت حيًا، قال: فوالله ما حدثت بها ما دام الرشيد حيًا. ومن ذلك ما ذكره شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى في بعض مؤلفاته. قال: حدثني الفقيه الفاضل تاج الدين الزنباري أنه سمع الشيخ إبراهيم الجعبري يقول: رأيت في منامي ابن عربي وابن الفارض وهما شيخان أعميان يمشيان ويتعثران ويقولان: كيف الطريق؟ أين الطريق؟. انتهى وهو في (صفحة 246) من المجلد الثاني من مجموع الفتاوى. فصل في ذكر ما أوّله سعيد بن المسيب من الرؤيا قال ابن سعد في "الطبقات" قال محمد بن عمر – يعني الواقدي -: كان سعيد بن المسيب من أعبر الناس للرؤيا وكان أخذ ذلك عن أسماء بنت أبي بكر وأخذته أسماء عن أبيها أبي بكر رضي الله عنه. فمن تأويله ما تقدم قريبًا أن الحسن بن علي رضي الله عنهما رأى رؤيا وأولها سعيد بن المسيب بحضور أجله. ¬

_ (¬1) الجَلَم بفتحتين هو المقراض، قال ابن الأثير: الجَلَم الذي يجز به الشعر والصوف.

ومن تأويله أيضًا ما رواه ابن سعد في "الطبقات" عن عمر بن حبيب بن قليع قال: كنت جالسًا عند سعيد بن المسيب يومًا وقد ضاقت عليّ الأشياء ورهقني دين فجلست إلى ابن المسيب ما أدري أين أذهب فجاءه رجل فقال: يا أبا محمد إني رأيت رؤيا، قال: ما هي؟ قال: رأيت كأني أخذت عبد الملك بن مروان فأضجعته إلى الأرض ثم بطحته فأوتدت في ظهره أربعة أوتاد، قال: ما أنت رأيتها؟ قال: بلى أنا رأيتها، قال: لا أخبرك أو تخبرني، قال: ابن الزبير رآها وهو بعثني إليك، قال: لئن صدقت رؤياه قتله عبد الملك بن مروان وخرج من صلب عبد الملك أربعة كلهم يكون خليفة، قال: فرحلت إلى عبد الملك بالشام فأخبرته بذلك عن سعيد بن المسيب فسرّه وسألني عن سعيد وعن حاله فأخبرته وأمر لي بقضاء ديني وأصبت منه خيرًا. ومن تأويله أيضًا ما رواه ابن سعد عن إسماعيل بن أبي حكيم قال: قال رجل: رأيت كأن عبد الملك بن مروان يبول في قبلة مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - أربع مرار فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب فقال: إن صدقت رؤياك قام فيه من صلبه أربعة خلفاء. ومن تأويله أيضًا ما رواه ابن سعد عن شريك بن أبي نمر قال: قلت لابن المسيب: رأيت في النوم كأن أسناني سقطت في يدي ثم دفنتها، فقال ابن المسيب: إن صدقت رؤياك دفنت أسنانك من أهل بيتك. ومن تأويله أيضًا ما رواه ابن سعد عن مسلم الخياط قال: قال رجل لابن المسيب: إني أراني أبول في يدي، فقال: اتق الله فإن تحتك ذات محرم، فنظر فإذا امرأة بينها وبينه رضاع. وجاءه آخر فقال: يا أبا محمد إني أرى كأني أبول في أصل زيتونة، قال: انظر من تحتك، تحتك ذات محرم فنظر فإذا امرأة لا يحل له نكاحها. ومن تأويله ما رواه ابن سعد عن مسلم الخياط قال: قال له رجل: إني رأيت حمامة وقعت على المنارة منارة المسجد فقال: يتزوج الحجاج ابنة عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.

قلت: قد تزوج الحجاج بنت عبد الله بن جعفر فكتب إليه عبد الملك بن مروان يعزم عليه بطلاقها فطلقها، ذكر ذلك الحافظ ابن كثير في ترجمة الحجاج عن "البداية والنهاية". ومن تأويل سعيد بن المسيب أيضًا ما رواه ابن سعد عن مسلم الخياط قال: جاء رجل إلى ابن المسيب فقال: إني أرى أن تيسًا أقبل يشتد من الثنية، فقال: اذبح اذبح، قال: ذبحت، قال: مات ابن أم صلاء، فما برح حتى جاء الخبر أنه قد مات، قال محمد بن عمر – يعني الواقدي -: وكان ابن أم صلاء رجلاً من موالي أهل المدينة يسعى بالناس. ومن تأويله أيضًا ما رواه ابن سعد عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن السائب – رجل من القارة – قال: قال رجل من فهم لابن المسيب إنه يرى في النوم كأنه يخوض في النار، فقال: إن صدقت رؤياك لا تموت حتى تركب البحر وتموت قتلاً، قال: فركب البحر فأشفى على الهلكة وقتل يوم قديد (¬1) بالسيف. ومن تأويله أيضًا ما رواه ابن سعد عن الحصين بن عبيد الله بن نوفل قال: طلبت الولد فلم يولد لي، فقلت لابن المسيب: إني أرى أنه طرح في حجري بيض، فقال ابن المسيب: الدجاج عجمي فاطلب سببا إلى العجم، قال: فتسريت فولد لي، وكان لا يولد لي. ومن تأويله أيضًا ما رواه ابن سعد عن مسلم الخياط قال: قال رجل لابن المسيب: يا أبا محمد إني رأيت كأني جالس في الظل فقمت إلى الشمس، فقال ابن المسيب: والله لئن صدقت رؤياك لتخرجن من الإسلام، قال: يا أبا محمد إني أراني أُخرجتُ حتى أُدخلتُ في الشمس فجلست، قال: تكره على الكفر، قال: فخرج في زمان عبد الملك بن مروان فأسر فأكره على الكفر فرجع ثم قدم المدينة وكان يخبر بهذا. وروى أبو العرب محمد بن أحمد بن تميم التميمي في كتاب "المحن" ¬

_ (¬1) يوم قديد هو يوم كانت فيه وقعة بين أبي حمزة الخارجي وبين أهل المدينة، قتل فيها من أهل المدينة سبعمائة، ذكر ذلك ابن جرير في حوادث سنة ثلاثين ومائة من تاريخه.

عن غالب العقيلي قال: أتى سعيد بن المسيب آتٍ فقال: يا أبا محمد إني رأيت عند وجه السحر كأنّ موسى قاتل فرعون، فقال له: أيهما الغالب؟ قال: موسى غلب فرعون، قال فصاح بأعلى صوته: هلك ابن مروان وربّ الكعبة – ثلاث مرات – فأعلم صاحب المدينة فخرج حتى وقف على رأسه ثم قال: تتمنى موت أمير المؤمنين إني لأرجو أن يقتلك الله قبله، قال سعيد: ويحك سيجيئك خبره إلى تسعة أيام، قال: فما مكثوا إلا تسعة أيام حتى أتى راكب بموته واستخلاف الوليد ابنه. قلت: الظاهر أن سعيد بن المسيب أخذ تحديد مدة إتيان الخبر بموت عبد الملك بن مروان من قول الله تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [الإسراء: 101]، وقوله تعالى: {فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ} [النمل: 12]. وروى ابن سعد عن مسلم الخياط عن ابن المسيب قال: الكّبْل في النوم ثبات في الدين. وروى ابن سعد أيضًا عن شريك بن أبي نمر عن ابن المسيب قال: التمر في النوم رزق على كل حال والرطب في زمانه رزق. وروى ابن سعد أيضًا عن عثيم بن نسطاس قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول للرجل، إذا رأى الرؤيا وقصّها عليه، خيرًا رأيت. وروى ابن سعد أيضًا عن صالح بن خوات عن ابن المسيب قال: آخر الرؤيا أربعون سنة، يعني في تأويلها. قلت: قد تقدم في أول الكتاب أنه قيل لجعفر بن محمد: كم تتأخر الرؤيا؟ فقال: «رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأن كلبًا أبقع يلغ في دمه» فكان شمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين رضي الله عنه وكان أبرص، فكان تأويل الرؤيا بعد خمسين سنة.

ذكر ما أوله ابن سيرين من الرؤيا

فصل في ذكر ما أوّله محمد بن سيرين من الرؤيا قال الذهبي في كتابه "سير أعلام النبلاء" قد جاء عن ابن سيرين في التعبير عجائب يطول الكتاب بذكرها، وكان له في ذلك تأييد إلهي. انتهى. وقال الذهبي أيضًا في "تذكرة الحفاظ": كان علاّمة في التعبير. انتهى. فمن تأويله ما رواه ابن أبي شيبة حدثنا عفان قال: حدثنا جرير بن حازم قال: قيل لمحمد بن سيرين: إن فلانًا يضحك، قال: ولم لا يضحك فقد ضحك من هو خير منه. حدثت أن عائشة رضي الله عنها قالت: ضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - من رؤيا قصّها عليه رجل ضحكًا ما رأيته ضحك من شيء قط أشد منه، قال محمد: وقد علمت ما الرؤيا وما تأويلها، رأى كأن رأسه قطع فذهب يتبعه، فالرأس النبي - صلى الله عليه وسلم -، والرجل يريد أن يلحق بعمله عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو لا يدركه، إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد روى القاضي أبو بكر ابن العربي المالكي في شرح الترمذي بإسناده إلى أبي مجلز – واسمه لاحق بن حميد السدوسي – قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني رأيت في المنام أن رأسي قطع وجعلت أنظر إليه، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: «بأي عين كنت تنظر إلى رأسك إذ قطع؟» فلم يلبث إلا قليلاً حتى توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فأوّلوا رأسه موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونظره اتباعه سنته. قال ابن العربي: فلعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في إخباره بتلعب الشيطان كان على رؤيا ذهب بعضها، فأما ما أرى فإنه يحتمل موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واتباعه لهديه، أو لموته فيموت على قرب منه أو معه. انتهى. وقد تقدم في أول الكتاب (¬1) ما رواه جابر وأبو هريرة رضي الله عنهما أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: رأيت في المنام كأن رأسي قطع، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: «إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يحدث به الناس» هذا لفظ ¬

_ (¬1) صـ 26.

إحدى روايات مسلم عن جابر رضي الله عنه. وقال في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «يطرق أحدكم الشيطان فيتهول له ثم يغدو يخبر الناس» رواه الإمام أحمد وابن أبي شيبة وابن ماجه بأسانيد صحيحة. ومن المنامات التي أَوَّلَها ابن سيرين ما رواه ابن أبي شيبة حدثنا ابن علية عن أيوب قال: سأل رجل محمدًا قال: إني رأيت كأني آكل خبيصًا في الصلاة، فقال: الخبيص حلال ولا يحل لك الأكل في الصلاة، فقال له: أتقبل امرأتك وأنت صائم؟ قال: نعم، قال: فلا تفعل، إسناده على شرط الشيخين. ومن تأويله أيضًا ما رواه ابن أبي شيبة حدثنا أسود بن عامر قال: حدثنا بكير بن أبي السميط قال: سمعت محمد بن سيرين سئل عن رجل رأى في المنام كأن معه سيفًا مخترطه، فقال ولد ذكر، قال: اندق السيف قال: يموت، قال: وسئل ابن سيرين عن الحجارة في النوم، فقال: قسوة، وسئل عن الخشب في النوم، فقال: نفاق، إسناده حسن. ومن تأويله أيضًا ما رواه أبو نعيم في "الحلية" عن خالد بن دينار قال: كنت عند ابن سيرين فأتاه رجل فقال: يا أبا بكر رأيت في المنام كأني أشرب من بلبلة لها مثقبان فوجدت أحدهما عذبًا والآخر ملحًا، قال ابن سيرين: اتق الله لك امرأة وأنت تخالف إلى أختها. ومن تأويله أيضًا ما رواه أبو نعيم في "الحلية" عن أبي جعفر أن رجلاً رأى في المنام كان في حجره صبيًا يصيح فقصّ رؤياه على ابن سيرين، فقال: اتق الله ولا تضرب العود. ومن تأويله أيضًا ما رواه أبو نعيم في "الحلية" عن سليمان بن حبيب أن امرأة رأت في المنام أنها تحلب حية، فقُصَّتْ على ابن سيرين، فقال ابن سيرين: اللبن فطرة والحية عدو وليست من الفطرة في شيء، هذه امرأة يدخل عليها أهل الأهواء. ومن تأويله أيضًا ما رواه أبو نعيم في "الحلية" عن مغيرة بن حفص قال: رأى الحجاج بن يوسف في منامه رؤيا كأنَّ حَوْرَاوَيْن أتتاه فأخذ إحداهما

وفاتته الأخرى فكتب بذلك إلى عبد الملك فكتب إليه عبد الملك: هنيئًا يا أبا محمد فبلغ ذلك ابن سيرين، فقال: أخطأت استه الحفرة، هذه فتنتان يدرك إحداهما وتفوته الأخرى، قال: فأدرك الجماجم وفاتته الأخرى. قلت: أما الجماجم فهي الفتنة التي كانت بين الحجاج وابن الأشعث وكان ابتداؤها في سنة إحدى وثمانين وانتهت في سنة ثلاث وثمانين. وأما الفتنة الثانية التي فاتت الحجاج ولم يدركها فهي فتنة يزيد بن المهلب، وكان ابتداؤها في سنة إحدى ومائة وانتهت في سنة اثنتين ومائة، وكان بين موت الحجاج وبين ابتدائها خمس سنين. ومن المنامات التي أوّلها ابن سيرين ما رواه أبو نعيم في "الحلية" عن مغيرة قال: رأى ابن سيرين كأن الجوزاء تقدمت الثريا فأخذ في وصيته وقال: يموت الحسن وأموت بعده هو أشرف مني. وقد رواه يعقوب بن سفيان الفسوي في كتابه "المعرفة والتاريخ" عن ابن نمير حدثنا أبو بكر – يعني ابن عياش – عن مغيرة بن حفص قال: سئل ابن سيرين فقال: رأيت كأن الجوزاء تقدمت الثريا، فقال: هذا الحسن يموت قبلي ثم أتبعه وهو أرفع مني. وروى ابن عساكر في "تاريخه" عن هشام – وهو ابن حسان – عن ابن سيرين قال: لما مات الحسن بن أبي الحسن رأت امرأته في المنام كأنما لحقت الجوزاء بالثريا فاجتمع الناس ينظرون ويتعجبون، فقال رجل: ما تعجبون من هذا، ابعثوا إلى ابن سيرين يعبره لكم، قال: فأصبحت المرأة فأتت ابن سيرين فأخبرته فبكى ابن سيرين وقال: جزاكم الله خيرًا، أما الثريا فالحسن وأما الجوزاء فأنا فألحق به فعاش أحدًا وثمانين يومًا بعد الحسن. ومن الأحلام التي أوّلها ابن سيرين ما رواه أبو نعيم في "الحلية" عن الحارث بن مشقف قال: قال رجل لابن سيرين: إني رأيت كأني ألعق عسلاً من جام من جوهر، فقال: اتق الله وعاود القرآن فإنك رجل قرأت القرآن ثم نسيته، قال: وقال رجل لابن سيرين: رأيت كأني أحرث أرضًا لا تنبت، قال: أنت رجل تعزل عن امرأتك. ومن تأويله أيضًا ما رواه أبو نعيم في "الحلية" عن مبارك بن يزيد

البصري قال: قال رجل لابن سيرين: رأيت في المنام كأني أغسل ثوبي وهو لا ينقى، قال: أنت رجل مصارم لأخيك، قال: وقال رجل لابن سيرين: رأيت كأني أطير بين السماء والأرض، قال: أنت رجل تكثر المُنَى. ومن تأويله أيضًا ما رواه أبو نعيم في "الحلية" عن هشام بن حسان قال: جاء رجلٌ إلى ابن سيرين وأنا عنده فقال: إني رأيت كأن على رأسي تاجًا من ذهب، فقال له ابن سيرين: اتق الله فإن أباك في أرض غربة وقد ذهب بصره وهو يريد أن تأتيه، قال: فما رادّه الرجل الكلام حتى أدخل يده في حجزته فأخرج كتابًا من أبيه يذكر فيه ذهاب بصره وأنه في أرض غربة ويأمره بالإتيان إليه. ومن تأويله أيضًا ما رواه ابن عساكر في "تاريخه" عن معمر قال: جاء رجلٌ إلى ابن سيرين فقال: رأيت في النوم كأنه حمامة التقمت لؤلؤة فخرجت منها أعظم مما دخلت، ورأيت حمامة أخرى التقمت لؤلؤة فخرجت منها أصغر خلت ورأيت حمامة أخرى التقمت لؤلؤة فخرجت كما دخلت سواء؛ فقال له ابن سيرين: أما التي خرجت أعظم مما دخلت فذلك الحسن يسمع الحديث فيجوده بمنطقه ثم يصل فيه من مواعظه، وأما التي خرجت أصغر مما دخلت فذاك محمد بن سرين يسمع الحديث فينقص منه، وأما التي خرجت كما دخلت فهو قتادة فهو أحفظ الناس. ومن تأويله أيضًا ما رواه ابن عساكر في "تاريخه" عن عبد الله بن المبارك عن عبد الله بن مسلم – وهو رجل من أهل مرو – قال: كنت أجالس ابن سيرين فتركت مجالسته وجالست قومًا من الإباضية فرأيت فيما يرى النائم كأني مع قوم يحملون جنازة النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتيت ابن سيرين فذكرت له ذلك فقال: ما لك جالست أقوامًا يريدون أن يدفنوا ما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم -. ومن تأويله أيضًا ما رواه ابن عساكر في "تاريخه" عن هشام – يعني ابن حسان – قال: قصّ رجل على ابن سيرين قال: رأيت كأن بيدي قدحًا من زجاج فيه ماء فانكسر القدح وبقي الماء، فقال له: اتق الله فإنك لم تر شيئًا، فقال الرجل: سبحان الله أقصّ عليك الرؤيا وتقول إنك لم تر شيئًا، فقال له

ابن سيرين: إنه من كذب فليس عليّ من كذبه شيء، إن كنت رأيت هذا فستلد امرأتك وتموت ويبقى ولدها، فلما خرج الرجل قال: والله ما رأيت شيئًا. قال هشام: فما لبث الرجل غير كثير حتى ولدت امرأته غلامًا وماتت وبقي الغلام. قال: وجاء رجل إلى ابن سيرين فقال: إني رأيت كأني وجارية لي سوداء، نأكل في قصعة من صدر سمكة، قال: فقال ابن سيرين: هل يخفّ عليك أن تهيء لي طعامًا وتدعوني إلى منزلك؟ قال: نعم، قال: فهيأ له طعامًا ودعاه فلما وضعت المائدة إذا جارية له سوداء ممتشطة، قال: فقال له ابن سيرين: هل أصبت من جاريتك هذه شيئًا؟ قال: لا، قال: فإذا وضعت القصعة فخذ بيدها فأدخلها المخدع، فأخذ بيدها فأدخلها المخدع فصاح: يا أبا بكر رجل والله، فقال له ابن سيرين: هذا الذي كان يشاركك في أهلك. وقال ابن عبد البر في كتابه "بهجة المجالس": قال رجل لابن سيرين: رأيتُ في المنام كأن قردًا يأكل معي على مائدة، فقال: هذا غلامٌ أمرد اتخذه بعض نسائك. قال: وكان ابن سيرين يُعبر الأذان في النوم عملاً صالحًا فيه شهرة. قال: وقال ابن سيرين في جنازة يتبعها الناس: هذا قائد له أتباع. قال: وأتى رجل إلى ابن سيرين فقال: رأيت البارحةَ امرأة من جيراني كأنها ذبحت في بيت من دارها، فقال: هذه امرأة نكحت الليلة في ذلك البيت. فعزَّ على السائل ما ذكره لأن زوج المرأة كان غائبًا عنها فلما انصرف قال له أهله: رأيت فلانًا – يعنون الغائب جاره؟ فقال: وهل أتى، قالوا: نعم وفي بيته بات البارحة، فقصده وسأله فكان كما قال ابن سيرين. قال: وقال رجل لابن سيرين: رأيت في المنام كأن لحيتي بلغت سرتي وأنا أنظر إليها، فقال له: أنت رجل مؤذن تنظر في دور الجيران. قال: وكان ابن سيرين يستحب الطيب في النوم، يقول: هو ثناء

حسن، وكان يعجبه الطيب الأسود كالمسك والغالية وشبه ذلك ويقول: هو عيش وثناء حسن. قال: وسئل ابن سيرين عن الفيل في النوم، فقال: أمر جسيم قليل المنفعة. قال: وقال رجل لابن سيرين: ما تقول يا أبا بكر في امرأة كانت ترى في المنام كأنها تأكل رأس جزور، فقال: تتقي الله ولا تبغض العرب. قال: وكان ابن سيرين يستحب الزيت في النوم ويقول هو بركة كله، إن أكلته أو أدخلته بيتك أو شربته أو ادهنت به أو تلطخت لأنه من شجرة مباركة. قال: وكان ابن سيرين يقول: الماء في النوم فتنة وبلاء في الدين وأمر شديد لأن الله تعالى يقول: {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ} [البقرة: 249]، وقال: {مَاءً غَدَقًا * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [الجن: 16 - 17]. قال: وقال ابن سيرين: ومن عبر نهرًا قطع بلاء وفتنة ومشقة ونجا من ذلك. قال: وأتى رجل إلى ابن سيرين فقال له: خطبت امرأة فرأيتها في المنام، فقال له ابن سيرين: كيف رأيتها؟ قال: رأيتها سوداء قصيرة مكسورة الفم، فقال ابن سيرين: أما الذي رأيت من سوادها فإنها امرأة لها مال، وأما ما رأيت من كسر فمها فإنها امرأة فظيعة اللسان، وأما ما رأيت من قصرها فإنها امرأة قصيرة العمر وتوشك أن تموت عاجلاً فذهب فتزوجها. قال: وكان ابن سيرين يعبر الرجل إذا رأى أنه حل إزاره أو انحل، قال: هذا رجل يرزق امرأة. قال: وكان ابن سيرين لا يعبر الخاتم في المنام إلا امرأة يستفيدها، وكذلك كان هشام بن حسان لا يعبر الفصّ في الخاتم إلا أنه يقول امرأة فيها قسوة.

قول ابن سيرين ما حدثك الميت بشيء في النوم فهو حق لأنه في دار حق

قال: وقال هشام بن حسان: كان ابن سيرين يُسئل عن مائة رؤيا فلا يجيب فيها بشيء إلا أنه يقول: اتق الله وأحسن في اليقظة فإنه لا يضرك ما رأيت في النوم وكان يجيب في خلال ذلك ويقول إنما أجيب بالظن، والظن يخطئ ويصيب، قال: وقيل لابن سيرين: إنك تستقبل الرجل بما يكره، قال: إنه علم أكره كتمانه، انتهى المقصود مما ذكره ابن عبد البر. وروى أبو نعيم في "الحلية" عن سلام بن مسكين قال: سمعت محمد بن سيرين يقول: إذا اتقى الله العبد في اليقظة لا يضره ما رئي له في النوم. وروى أيضًا عن وهب بن جرير قال: حدثني أبي قال: كان الرجل إذا سأل ابن سيرين عن الرؤيا قال: اتق الله في اليقظة لا يضرك ما رأيت في المنام. وذكر القاضي أبو الحسين في "طبقات الحنابلة" عن ابن سيرين أنه قال: ما حدثك الميت بشيء في النوم فهو حق لأنه في دار حق. وروى الخطيب في "تاريخه" عن هشام بن حسان قال: قال محمد بن سيرين: ما أتيت امرأة في نوم ولا يقظة إلا أم عبد الله – يعني زوجته – قال: وقال ابن سيرين: إني أرى المرأة في المنام فأعرف أنها لا تحل لي فأصرف بصري عنها. وذكر القاضي أبو بكر ابن العربي المالكي في شرح الترمذي عن ابن سيرين أنه قال: ما احتلمت في حرام قط، قال ابن العربي: فقال بعضهم: ليت عقل ابن سيرين في المنام يكون لي في اليقظة. فصل وقد رأيت لابن القيم رحمه الله تعالى كلامًا حسنًا في ذكر الأصول التي تدل على تعبير الرؤيا، ذكره في أثناء الجزء الأول من كتابه "إعلام الموقعين" وكثير منه مأخوذ مما ذكره البغوي في كتابه "شرح السنة" من كلام شيخه القاضي حسين بن محمد المرورذي شيخ الشافعية في تعبير الرؤيا، وسأذكر كلام ابن القيم رحمه الله تعالى لما فيه من الفوائد الكثيرة في بيان أصول التعبير. قال رحمه الله تعالى: قالوا: وقد ضرب الله سبحانه الأمثال وصرفها

قدرًا وشرعًا ويقظة ومنامًا ودل عباده على الاعتبار بذلك وعبورهم من الشيء إلى نظيره واستدلالهم بالنظير على النظير، بل هذا أصل عبارة الرؤيا التي هي جزء من أجزاء النبوة ونوع من أنواع الوحي فإنها مبنية على القياس والتمثيل واعتبار المعقول بالمحسوس. ألا ترى أن الثياب في التأويل تدل على الدين فما كان فيها من طول أو قصر أو نظافة أو دنس فهو في الدين كما أوّل النبي - صلى الله عليه وسلم - القميص بالدين والعلم. والقدر المشترك بينهما أن كلاً منهما يستر صاحبه ويجمّله بين الناس، فالقميص يستر بدنه، والعلم والدين يستر روحه وقلبه ويجمّله بين الناس، ومن هذا تأويل اللبن بالفطرة لما في كل منهما من التغذية الموجبة للحياة وكمال النشأة وأن الطفل إذا خُلّي وفطرته لم يعدل عن اللبن فهو مفطور على إيثاره على ما سواه، وكذلك فطرة الإسلام التي فطر الله عليها الناس. ومن هذا تأويل البقر بأهل الدين والخير الذين بهم عمارة الأرض كما أن البقر كذلك مع عدم شرها وكثرة خيرها وحاجة الأرض وأهلها إليها، ولهذا لما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - بقرًا تنحر كان ذلك نحرًا في أصحابه، ومن ذلك تأويل الزرع والحرث بالعمل لأن العامل زارع للخير والشر، ولا بد أن يخرج له ما بذره كما يخرج للباذر زرع ما بذره، فالدنيا مزرعة والأعمال البذر، ويوم القيامة يوم طلوع الزرع وحصاده. ومن ذلك تأويل الخشب المقطوع المتساند بالمنافقين، والجامع بينهما أن المنافق لا روح فيه ولا ظل ولا ثمر، فهو بمنزلة الخشب الذي هو كذلك، ولهذا شبه الله تعالى المنافقين بالخشب المسندة لأنهم أجسام خالية عن الإيمان والخير. وفي كونها مسندة نكتة أخرى، وهي أن الخشب إذا انتفع به جعل في سقف أو جدار أو غيرهما من مظان الانتفاع. وما دام متروكًا فارغًا غير منتفع به جعل مسندًا بعضه إلى بعض، فشبه المنافقين بالخشب في الحالة التي لا ينتفع فيها بها. ومن ذلك تأويل النار بالفتنة لإفساد كل منهما ما يمر عليه ويتصل به، فهذه تحرق الأثاث والمتاع والأبدان، وهذه تحرق القلوب والأديان والإيمان. ومن ذلك تأويل النجوم بالعلماء والأشراف لحصول هداية أهل الأرض بكل منهما، ولارتفاع الأشراف بين الناس كارتفاع النجوم. ومن ذلك تأويل الغيث بالرحمة والعلم والقرآن والحكمة وصلاح حال الناس. ومن ذلك خروج الدم في التأويل يدل على خروج المال، والقدر المشترك أن قوام البدن بكل واحد منهما. ومن ذلك الحدث في التأويل يدل على الحدث في الدين، فالحدث الأصغر ذنب صغير، والأكبر ذنب كبير. ومن ذلك أن اليهودية والنصرانية في التأويل بدعة في الدين، فاليهودية تدل على فساد القصد

واتباع غير الحق، والنصرانية تدل على فساد العلم والجهل والضلال. ومن ذلك الحديد في التأويل وأنواع السلاح يدل على القوة والنصر بحسب جوهر ذلك السلاح ومرتبتة. ومن ذلك الرائحة الطيبة تدل على الثناء الحسن وطيب القول والعمل، والرائحة الخبيثة بالعكس، والميزان يدل على العدل، والجراد يدل على الجنود، والعساكر والغوغاء الذين يموج بعضهم في بعض، والنحل يدل على من يأكل طيبًا ويعمل صالحًا، والديك رجل عالي الهمة بعيد الصيت، والحية عدو أو صاحب بدعة يهلك بسمّه، والحشرات أوغاد الناس، والخلد رجل أعمى يتكفف الناس بالسؤال، والذئب رجل غشوم ظلوم غادر فاجر، والثعلب رجل غادر مكَّار محتال مراوغ عن الحق، والكلب عدو ضعيف كثير الصخب والشر في كلامه وسبابه، أو رجل مبتدع متبع هواه مؤثر له على دينه، والسَّنَّوْر العبد والخادم الذي يطوف على أهل الدار، والفأرة امرأة سوء فاسقة فاجرة، والأسد رجل قاهر مسلط، والكبش الرجل المنيع المتبوع. ومن كليات التعبير أن كل ما كان وعاء للماء فهو دال على الأثاث. وكل ما كان وعاء للمال كالصندوق والكيس والجراب فهو دال على القلب، وكل مدخول بعضه في بعض وممتزج ومختلط فدال على الاشتراك والتعاون أو النكاح، وكل سقوط وخرور من علو إلى أسفل فمذموم. وكل صعود وارتفاع فمحمود إذا لم يجاوز العادة وكان ممن يليق به، وكل ما أحرقته النار فجائحة وليس يرجى صلاحه ولا حياته. وكذلك ما انكسر من الأوعية التي لا ينشعب مثلها. وكل ما خطف وسرق من حيث لا يرى خاطفه ولا سارقه فإنه ضائع لا يرجى، وما عرف خاطفه أو سارقه أو مكانه أو لم يغب عن عين صاحبه فإنه يرجى عوده. وكل زيادة محمودة في الجسم والقامة واللسان والذكر واللحية واليد والرجل فزيادة خير. وكل زيادة متجاوزة للحد في ذلك مذمومة وشر وفضيحة. وكل ما رأى من اللباس في غير موضعه المختص به فمكروه

كالعمامة في الرجل والخف في الرأس والعقد في الساق. وكل من استقضى أو استخلف أو أمَّر أو استوزر أو خطب ممن لا يليق به ذلك نال بلاء من الدنيا وشرًا وفضيحة وشهرة قبيحة. وكل ما كن مكروهًا من الملابس فخلقه أهون على لابسه من جديده. والجوز مال مكنوز، فإن تفقع كان قبيحًا وشرًا. ومن صار له ريش أو جناح صار له مال، فإن طار سافر، وخروج المريض من داره ساكتًا يدل على موته، ومتكلمًا يدل على حياته، والخروج من الأبواب الضيقة يدل على النجاة والسلامة من شر وضيق هو فيه، وعلى توبة، ولا سيما إن كان الخروج إلى فضاء وسعة فهو خير محض، والسفر والنقلة من مكان إلى مكان انتقال من حال إلى حال بحسب حال المكانين، ومن عاد في المنام إلى حال كان فيها في اليقظة عاد إليه ما فارقه من خير أو شر، وموت الرجل ربما دل على توبته ورجوعه إلى الله لأن الموت رجوع إلى الله، قال تعالى: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ} [الأنعام: 62] والمرهون مأسور بدين أو بحق عليه لله أو لعبيده، ووداع المريض أهله أو توديعهم له دال على موته. وبالجملة فما تقدم من أمثال القرآن كلها أصول وقواعد لعلم التعبير لمن أحسن الاستدلال بها، وكذلك من فهم القرآن فإنه يعبّر به الرؤيا أحسن تعبير، وأصول التعبير الصحيحة إنما أخذت من مشكاة القرآن، فالسفينة تعبّر بالنجاة لقوله تعالى: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ} [العنكبوت: 15] وتعبّر بالتجارة، والخشب بالمنافقين، والحجارة بقساوة القلب، والبيض بالنساء، واللباس أيضًا بهن، وشرب الماء بالفتنة، وأكل لحم الرجل بغيبته، والمفاتيح بالكسب والخزائن والأموال، والفتح يعبّر مرة بالدعاء، ومرة بالنصر. وكالملك يرى في محلة لا عادة له بدخولها يعبّر بإذلال أهلها وفسادها، والحبل يعبّر بالعهد والحق والعضد، والنعاس قد يعبّر بالأمن، والبقل والبصل والثوم والعدس يعبّر لمن أخذه بأنه قد استبدل شيئًا أدنى بما هو خير منه من مال أو رزق أو علم أو زوجة أو دار، والمرض يعبّر بالنفاق والشك وشهوة الزنا، والطفل الرضيع يعبّر

بالعدو لقوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: 8]، والنكاح بالبناء، والرماد بالعمل الباطل لقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ} [إبراهيم: 18]، والنور يعبّر بالهدى، والظلمة بالضلال. وقيل: لعابر رأيت الشمس والقمر دخلا في جوفي فقال: تموت واحتج بقوله تعالى: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ} [القيامة: 7 - 10]. وقال رجل لابن سيرين: رأيت معي أربعة أرغفة فطلعت الشمس، فقال: تموت إلى أربعة أيام، ثم قرأ: {ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا * ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا} [الفرقان: 45 - 46]، وأخذ هذا التأويل أنه حمل رزق أربعة أيام. وقال له آخر: رأيت كيسي مملوءًا أرضة، فقال أنت ميت ثم قرأ: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ} [سبأ: 14]. والنخلة تدل على الرجل المسلم وعلى الكلمة الطيبة، والحنظلة تدل على ضد ذلك، والصنم يدل على العبد السوء الذي لا ينفع، والبستان يدل على العمل، واحتراقه يدل على حبوطه، ومن رأى أنه ينقض غزلاً أو ثوبًا ليعيده مرة ثانية فإنه ينقض عهدًا وينكثه، والمشي سويًا في طريق مستقيم يدل على استقامته على الصراط المستقيم. والأخذ في بنيات الطريق يدل على عدوله عنه إلى ما خالفه، وإذا عرضت له طريقان ذات يمين وذات شمال فسلك أحدهما فإنه من أهلها، وظهور عورة الإنسان له ذنب يرتكبه ويفتضح به، وهروبه وفراره من شيء نجاة وظفر، وغرقه في الماء فتنة في دينه ودنياه، وتعلقه بحبل بين السماء والأرض تمسكه بكتاب الله وعهده واعتصامه بحبله، فإن انقطع به فارق العصمة إلا أن يكون ولي أمرًا فإنه قد يقتل أو

كلام للقاضي حسين المروروذي في تعبير الرؤيا

يموت. فالرؤيا أمثال مضروبة يضربها الملَك الذي قد وَكَّلَه الله بالرؤيا ليستدل الرائي بما ضرب له من المثل على نظيره. ويعبر منه إلى شبهه، ولهذا سمي تأويلها تعبيرًا، وهو تفعيل من العبور كما أن الاتعاظ يسمى اعتبارًا وعبرة لعبور المتعظ من النظير إلى نظيره. انتهى. وذكر البغوي في "شرح السنة" عن شيخه القاضي حسين بن محمد المرورّوذي أنه قال: إعلم أن تأويل الرؤيا ينقسم أقسامًا فقد يكون بدلالة من جهة الكتاب أو من جهة السنة، أو من الأمثال السائرة بين الناس. وقد يقع التأويل على الأسماء والمعاني، وقد يقع على الضد والقلب. قال: والتأويل بدلالة الحديث كالغراب يعبّر بالرجل الفاسق لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سماه فاسقًا والفأرة تعبّر بالمرأة الفاسقة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سماها فويسقة، والضلع يعبر بالمرأة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن المرأة خلقت من ضلع أعوج»، والقوارير تعبّر بالنساء لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «يا أنجشة رويدك سوقًا بالقوارير». والتأويل بالأمثال كالصائغ يعبّر بالكذاب لقولهم: أكذب الناس الصواغون وحفر الحفرة يعبّر بالمكر لقولهم: من حفر حفرة وقع فيها. والحاطب يعبّر بالنمام لقولهم: لمن وشى إنه يحطب عليه وفسروا قوله سبحانه وتعالى: {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: 4] بالنميمة، ويعبّر طول اليد بصنائع المعروف لقولهم: أطول يدًا من فلان، ويعبّر الرمي بالحجارة وبالسهم بالقذف لقوهم: رمى فلانَا بفاحشة قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] ويعبّر غسل اليد باليأس عما يأمل لقولهم: غسلت يدي عنك. والتأويل بالأسامي كمن رأى رجلاً يسمى راشدًا بالرشد وإن كان يسمى سالمًا يعبّر بالسلامة. وأما التأويل بالضد والقلب فكالخوف في النوم يعبّر بالأمن لقوله سبحانه وتعالى: {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} [النور: 55] والأمن فيه يعبّر بالخوف،

التحذير من التسرع إلى تعبير الأحلام بغير علم

ويعبّر البكاء بالفرح إذا لم يكن رنّة، ويعبّر الضحك بالحزن إلا أن يكون تبسمًا، ويعبّر الطاعون بالحرب والحرب بالطاعون، وتعبّر العجلة في الأمر بالندم والندم بالعجلة، ويعبّر العشق بالجنون والجنون بالعشق، والنكاح بالتجارة والتجارة بالنكاح، ويعبّر التحول عن المنزل بالسفر والسفر بالتحول عن المنزل، والمريض يخرج من منزله ولا يتلكم فهو موته، وإن تكلم برأ. وقد يتغير التأويل عن أصله باختلاف حال الرائي كالغل في النوم مكروه وهو في حق الرجل الصالح قبض اليد عن الشر، وكان ابن سيرين يقول في الرجل يخطب على المنبر: يصيب سلطانًا فإن لم يكن من أهله يصلب، وسأل رجل ابن سيرين قال: رأيت في المنام كأني أؤذن، قال: تحج، وسأله آخر فأول بقطع يده في السرقة فقيل له في التأويلين فقال: رأيت الأول على سيما حسنة فأولت قوله سبحانه وتعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27]، ولم أرض هيئة الثاني فأوّلت قوله عز وجل: {ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} [يوسف: 70] وقد يرى الرجل في منامه فيصيبه عين ما رأى حقيقة من ولاية أو حج أو قدوم غائب أو خير أو نكبة فقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - الفتح فكان كذلك، قال الله تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ} [الفتح: 27] وقد يرى الشيء في المنام للرجل ويكون التأويل لولده أو قريبه أو سميّه فقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم مبايعة أبي جهل معه فكان ذلك لابنه عكرمة فلما أسلم قال عليه الصلاة والسلام: «هو هذا»، ورأى لأسيد بن العاص ولاية مكة فكان لابنه عتّاب بن أَسِيد ولاه النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة، انتهى باختصار. وليعلم المتسرعون إلى تأويل الرؤيا أن ما ذكر في هذا الفصل من التأويل ليس هو من التوقيف الذي يقطع به في تأويل الأشياء التي ذكرت فيه، وإنما هو من باب التقريب الذي قد يكون التأويل فيه صوابًا وقد يكون غير صواب، وقد تقدم ما ذكره ابن عبد البر عن هشام بن حسان أنه قال: كان ابن سيرين يسئل عن مائة رؤيا فلا يجيب فيها بشيء إلا أنه يقول: اتق الله وأحسن في

لا خير في الاشتغال بالكتب المؤلفة في تعبير الأحلام لأنه قد ينتج عن ذلك نتائج سيئة

اليقظة فإنه لا يضرك ما رأيت في النوم، وكان يجيب في خلال ذلك ويقول: إنما أجيب بالظن والظن يخطئ ويصيب. وإذا كان هذا قول إمام المعبرين في زمانه وما بعده من الأزمان فما الظن بغيره، فاتقوا الله أيها المتسرعون إلى تعبير الأحلام بغير علم، واعلموا أنكم ستسئلون عن تخرصاتكم يوم القيامة، ولا يأنف أحدكم أن يقول: لا أدري، فقد قال غير واحد من العلماء إن قول: لا أدري نصف العلم. فصل وقد أُلَّف في تعبير الأحلام عدة مؤلفات. منها ما ينسب إلى ابن سيرين. ومنها ما ينسب إلى غيره، ولا خير في الاشتغال بها وكثرة النظر فيها لأن ذلك قد يشوّش الفكر، وربما حصل منه القلق والتنغيص من رؤية المنامات المكروهة، وقد يدعو بعض من لا علم لهم إلى تعبير الأحلام على وفق ما يجدونه في تلك الكتب ويكون تعبيرهم لها بخلاف تأويلها المطابق لها في الحقيقة فيكونون بذلك من المتخرصين القائلين بغير علم، ولو كان كل ما قيل في تلك الكتب من التعبير صحيحًا ومطابقًا لكل ما ذكروه من أنواع الرؤيا لكان المعبرون للرؤيا كثيرين جدًا في كل عصر ومصر. وقد علم بالاستقراء والتتبع لأخبار الماضين من هذه الأمة أن العاملين بتأويل الرؤيا قليلون جدًا، بل إنهم في غاية الندرة في العلماء فضلاً عن غير العلماء. وذلك لأن تعبير الرؤيا علم من العلوم التي يختص الله بها من يشاء من عباده كما قال تعالى مخبرًا عن يعقوب عليه الصلاة والسلام أنه قال ليوسف عليه الصلاة والسلام: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} [يوسف: 6] وقال تعالى مخبرًا عن يوسف أنه قال للفتيين اللذين دخلا معه السجن: {لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي} [يوسف: 37] وقال تعالى مخبرًا عن يوسف أيضًا أنه قال: {رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي

إنما سمي تعبير الرؤيا تأويلا لأن الأمر فيه يؤول إلى ما رؤي في المنام

مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} [يوسف: 101]. والمراد بتأويل الأحاديث تعبير الرؤيا قاله غير واحد من المفسرين. وقال القرطبي: أجمعوا أن ذلك في تأويل الرؤيا، قال البغوي: وسمي تأويلاً لأنه يئول أمره إلى ما رأى في منامه، وبنحو هذا قال ابن الجوزي. وقال القرطبي: عَنَى بالأحاديث ما يراه الناس في المنام وهي معجزة له فإنه لم يلحقه فيها خطأ. وكان يوسف عليه الصلاة والسلام أعلم الناس بتأويلها، وكان نبينا - صلى الله عليه وسلم - نحو ذلك، وكان الصديق رضي الله عنه من أعبر الناس لها، وحصل لابن سيرين فيها التقدم العظيم والطبع والإحسان، ونحوه أو قريب منه كان سعيد بن المسيب فيما ذكروا. انتهى. فصل وممن اشتهر بتعبير الرؤيا وكان من الراسخين في هذا العلم أحمد بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة المقدسي النابلسي شهاب الدين أو العباس – المعروف بالشهاب العابر – وكان في المائة السابعة من الهجرة، وقد سمع منه خلق من الحفاظ ومنهم المزي والبرزالي والذهبي وابن القيم وحدث عنه غير واحد. وقد ترجم له الحافظ ابن رجب في "الذيل على طبقات الحنابلة" وقال: إنه برع في معرفة تعبير الرؤيا وانفرد بذلك بحيث لم يشارك فيه ولم يدرك شأوه، وكان الناس يتحيرون منه إذا عبر الرؤيا لما يخبر الرائي بأمور جرت له وربما أخبره باسمه وبلده ومنزله ويكون من بلد ناءٍ، وله في ذلك حكايات كثيرة غريبة مشهورة، وهي من أعجب العجب. وله مصنف في هذا العلم سماه "النور المنير". انتهى. وقال ابن كثير في ترجمته في "البداية والنهاية": كان عجبًا في تفسير المنامات وله فيه اليد الطولى، وله تصنيف فيه ليس كالذي يؤثر عنه من الغرائب والعجائب. انتهى. وقال ابن القيم في "زاد المعاد" في الفصل الذي ذكر فيه وفد بني حنيفة: أنبأني أبو العباس أحمد بن عبد الرحيم بن عبد المنعم بن نعمة بن

ذكر بعض تعبيرات الشهاب العابر وكلام ابن القيم عليها

سرور المقدسي – المعروف بالشهاب العابر – قال: قال لي رجل: رأيت في رجلي خلخالاً، فقلت له: تتخلخل رجلك بألم، فكان كذلك. وقال لي آخر: رأيت كأنّ في أنفي حلقة ذهب وفيها حب مليح أحمر، فقلت له: يقع بك رعاف شديد فجرى كذلك. وقال آخر: رأيت كلابندًا معلقًا في شفتي، فقلت: يقع بك ألم يحتاج إلى الفصد في شفتك، فجرى كذلك. وقال لي آخر: رأيت في يدي سوارًا والناس يبصرونه، فقلت له: سوء يبصره الناس في يدك. فعن قليل طلع في يده طلوع. ورأى ذلك آخر لم يكن يبصره الناس، فقلت: تتزوج أمراة حسنة وتكون رقيقة. قال ابن القيم: قلت: عَبَّرَ له السوار بالمرأة لمّا أخفاه وستره عن الناس، ووصفها بالحسن لحسن منظر الذهب وبهجته، وبالرقة لشكل السوار، والحلية للرجل تنصرف على وجوه فربما دلت على تزويج العزب لكونها من آلات التزويج، وربما دلت على الإماء والسراري، وعلى الغنى، وعلى البنات، وعلى الخدم، وعلى الجهاز، وذلك بحسب حال الرائي وما يليق به. قال أبو العباس العابر: وقال لي رجل: رأيت كأن في يدي سوارًا منفوخًا لا يراه الناس، فقلت له: عندك امرأة بها مرض الاستسقاء. قال ابن القيم: فتأمل كيف عَبَّر له السوار بالمرأة ثم حكم عليها بالمرض لصفرة السوار، وأنه مرض الاستسقاء الذي ينتفخ معه البطن. قال: وقال آخر: رأيت في يدي خلخالاً وقد أمسكه آخر وأنا ممسك له وأصيح عليه وأقول: اترك خلخالي فتركه، فقلت له: فكان الخلخال في يدك أملس، فقال: بل كان خشنًا تألمت منه مرة بعد مرة، وفيه شراريف، فقلت له: أمك وخالك شريفان، ولست بشريف، واسمك عبد القاهر، وخالك لسانه نجس رديء يتكلم في عرضك ويأخذ مما في يدك، قال: نعم، قلت: ثم إنه يقع في يد ظالم متعد ويحتمي بك فتشد منه وتقول: خلَّ خالي، فجرى ذلك عن قليل. قال ابن القيم: قلت: تأمل أخذه الخال من لفظ الخلخال ثم عاد إلى

قصة عجيبة في التعبير ذكرها ابن العربي المالكي

اللفظ بتمامه حتى أخذ منه: "خلَّ خالي" وأخذ شرفه من شرائف الخلخال، ودل على شرف أمه إذ هي شقيقة خاله، وحكم عليه بأنه ليس بشريف إذ شرفات الخال الدالة على الشرف اشتقاقًا هي في أمر خارج عن ذاته، واستدل على أن لسان خاله لسان رديء يتكلم في عرضه بالألم الذي حصل له بخشونة الخلخال مرة بعد مرة فهي خشونة لسان خاله في حقه، واستدل على أخذ خاله ما في يديه بتأذيه به، وبأخذه من يديه في النوم بخشونته، واستدل بإمساك الأجنبي للخلخال ومجاذبة الرائي عليه على وقوع الخال في يد ظالم متعد يطلب منه ما ليس له، واستدل بصياحه على المجاذب له وقوله: "خلَّ خالي" على أنه يعين خاله على ظالمه ويشد منه، واستدل على قهره لذلك المجاذب له وأنه القاهر يده عليه على أن اسمه عبد القاهر، وهذه كانت حال شيخنا هذا ورسوخه في علم التعبير وسمعت عليه عدة أجزاء ولم يتفق لي قراءة هذا العلم عليه لصغر السن واخترام المنية له رحمه الله تعالى. انتهى. فصل ومن القصص العجيبة في التعبير ما ذكره القاضي أبو بكر بن العربي المالكي في أثناء شرحه لأبواب الأدب من جامع الترمذي. فقد ذكر في الكلام على الأحاديث التي رواها الترمذي في امتناع الملائكة من دخول البيت الذي فيه صورة، أنه كان بمصر معبر للالكيُّ (¬1) وكانت أم الملك إذا ركبت من مدينتها إلى بركة الحبش للفرجة تمرّ به في خدمها وحشمها فلما حاذوه قالت الجارية لمولاتها: هذا هو المعبّر فنسأله، قالت لها: نعم، فقالت له وقد وقفن عليه: إن الملكة كانت ترى في المنام أنها تطأ بلالكتها على الكرسي، فقال لها: هات اللالكة من رجلك فرمت بها وظنت أنه يريد صفعها بها لعظيم قولها فأخذها وجعل يفصل باطنها من ظاهرها بالمقذة ويخرج حشوها فإذا في الحشو ¬

_ (¬1) قال ابن الأثر في "اللباب، في تهذيب الأنساب" ومرتضى الحسيني في "تاج العروس" اللالكائي منسوب إلى بيع اللوالك التي تلبس في الأرجل.

رؤيا عجيبة لبعض المعاصرين

رقعة فيها مكتوب: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] الآية؛ فناولها إياها وقال لها: هذا الذي كنت تطئين فأما الذي توهمته أو حلمته من عليين فلا سبيل إليه، فأمرت جارية أن تعطيه ما كان على منديلها من نفقة صلة له على ثقابة ذهنه وإصابة فطنته وكان مالاً كثيرًا. فصل ومن الأحلام العجيبة أيضًا ما أخبرني به أحد الإخوان من أهل البلدة الجنوبية في الزلفى. وهذا الرجل ظاهره الخير والصلاح والثقة والعدالة، قال: جلست عند رجل يبيع الساعات في مدينة الرياض فجاءت امرأةٌ تساومه وكانت سافرة بوجهها فجعلت أنظر إليها، ثم ذَهَبَتْ فلما نمت في أول ليلة بعد نظري إلى المرأة رأيت في منامي أن رجلاً جاء إليّ فوقف إلى جانبي الأيسر ومعه رجال كثيرون جلسوا أمامي وعن يميني وعن شمالي، ومعه أيضًا عدة نساء جلسن خلفي وهن متسترات غاية التستر فقرأ الرجل الذي قام إلى جانبي قول الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] ولما فرغ من قراءة الآية جعل يضربني على ظهري ضربًا شديدًا بعصا كانت معه حتى تألمت من ظهري من شدة ضربه، فلما فرغ من الضرب ذهب وذهب الذين كانوا معه، ثم استيقظت من نومي وأنا أجد ألم الضرب في ظهري، هكذا حدثني بهذه الرؤيا ونحن في المسجد الحرام في 27/ 9/1394هـ، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «زنا العينين النظر» رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وروى الإمام أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «العينان تزنيان». وروى الحاكم عن ابن مسعود رضي الله

رؤيا عجيبة أيضا لبعض المعاصرين وذكر الشواهد لها

عنه في قول الله عز وجل: {إِلَّا اللَّمَمَ} [النجم: 32] قال: «زنا العينين النظر» الحديث. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي في تلخيصه، وفي هذين الحديثين دليل على تحريم النظر إلى الأجنبيات من النساء لأن النظر إليهن نوع من أنواع الزنا، والزنا كله حرام، وليس في النظر إلى الأجنبيات من النساء حد مقدّر وإنما هو من المعاصي التي يجب اجتنابها خشية العقوبة عليها. وأما ما وقع لصاحب الرؤيا من الضرب في النوم من أجل نظره إلى المرأة الأجنبية فذلك من باب التعزير له لئلا يعود إلى النظر إلى الأجنبيات من النساء، والله أعلم. فصل ومن الأحلام العجيبة أيضًا ما حدثنا به غير واحد من الثقات أن رجلاً من أهل الرياض يسمى "عبد العزيز بن يحيّان" كان إمامًا لبعض المساجد في الرياض في أثناء النصف الأول من المائة الرابعة عشرة من الهجرة. وكان حافظًا للقرآن وحَسَنَ الصوت بالقراءة, وكانت آثار الصلاح ظاهرة عليه فمات فرآه رجل يسمى "حمد السيف" في النوم فسلم عليه وعانقه، وكان حمد يأتي إلى المسجد في آخر الليل ولا يخرج منه إلا بعد طلوع الشمس، فإذا خرج من المسجد ذهب إلى بيته فتأتيه زوجته بالتمر والقهوة، فملا كانت صبيحة الليلة التي رأى فيها الرؤيا ذهب إلى بيته وكانت عندهم امرأة تخدمهم فشمّت منه رائحة الطيب فذهبت إلى زوجته فقالت لها: إن زوجك قد تزوج في هذه الليلة وآية ذلك أن رائحة الطيب تفوح منه، فصدقتها الزوجة وصدت عن زوجها ولم تأته بالتمر والقهوة كما كانت تأتيه بهما في كل يوم، فلما أبطأت عليه ذهب إليها ليطلب منها أن تأتيه بهما فانتهرته وقالت له: اذهب إلى زوجتك الجديدة فلتأتك بالذي أنت تطلب فأنكر أن يكون قد تزوج وحلف لها على ذلك فلم تصدقه، وقالت: إن هذا الطيب الذي قد تطيب به لا يكون

إلا من زوجة جديدة فحلف لها عدة أيمان أنه لم يتزوج وأخبرها بما رآه في منامه وأن هذه الرائحة الطيبة قد علقت بيده حين صافح بها عبد العزيز بن يحيّان في النوم. قال الذين حدثوا بهذه القصة: إن الذين حدثوهم بها أخبروهم أن رائحة الطيب بقيت في يد حمد السيف مدة أيام مع أنه كان يغسلها للوضوء ولغير ذلك مما يسن له غسل الأيدي وما يستحب له. وقد ذكر بعض الراوين للقصة أن رائحة الطيب بقيت في يد حمد السيف نصف شهر وقال بعضهم: بل إنها بقيت أكثر من ذلك. قلت: ويشهد لهذه القصة ما تقدم نقله من كتاب "الروح" لابن القيم أن نافع القاري كان إذا تكلم يشم من فيه رائحة المسلك فقيل له: كلما قعدت تطيّبت، فقال: ما أمس طيبًا ولا أقربه ولكن رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنام وهو يقرأ في فمي فمن ذلك الوقت يشم من فيَّ هذه الرائحة. ويشهد لها أيضًا ما جاء في قصة للخطيب ابن نُباتة – واسمه عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل بن نُباتة الحُذاقي الفارقي – وقد ذكر هذه القصة ابن خلكان في كتابه "وفيات الأعيان" في ترجمة ابن نباتة وذكرها ابن كثير في "البداية والنهاية" وقد جاء فيها أن ابن نُباتة رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - تفل في فيه وأنه بقي بعد هذا المنام أيامًا لا يأكل الطعام ولا يشتهيه ويوجد من فيه رائحة المسك ولم يعش بعد ذلك إلا مدة يسيرة. ويشهد لها أيضًا ما ذكره الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي قال: قرأت بخط شيخنا أبي الحسن بن الزاغوني قال: كشف عن قبر أبي محمد البربهاري وهو صحيح لم يَرِمْ وظهرت من قبره روائح الطيب حتى ملأت مدينة السلام – يعني بغداد – وقوله: لم يَرِمْ: معناه لم يبرح على الحال التي دفن عليها.

لما كشف عن قبر البربهاري وجد صحيحا وظهرت عن قبره روائح الطيب حتى ملأت بغداد من الذين اشتهروا بتعبير الرؤيا محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب – ويعرب بالمصري – وكان في آخر القرن الثالث عشر وأول القرن الرابع عشر

فصل وممن اشتهر بتعبير الرؤيا من المتأخرين، وكانت له اليد الطولى في هذا العلم الشيخ محمد بن الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى – ويعرف هذا الشيخ عند عشيرته وأهل بلده بالمصري (¬1) – ولم يبلغني من تعبيره للرؤيا إلا النزر اليسير. وسأذكر ما بلغني من ذلك إن شاء الله تعالى. ¬

_ (¬1) إنما سمي الشيخ محمد بن عبد الرحمن بالمصري لأنه قد ولد بمصر ونشأ بها وقضى فيها زمانًا من عمره وبعد وفاة والده الشيخ عبد الرحمن انتقل إلى الرياض، وكانت لهجته في الكلام حين قدم إلى الرياض مثل لهجة المصريين فسمي بالمصري لهذا السبب، وكان جده الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد ابن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى قد نقله المصريون إلى مصر حين استولوا على الدرعية في سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وألف من الهجرة، ونقلوا معه ابنه الشيخ عبد الرحمن والد الشيخ محمد المسمى بالمصري، وهو إذ ذاك مراهق، وقد توفي الشيخ عبد الله بمصر في سنة ثلاث وأربعين ومائتين وألف، وتوفي ابنه الشيخ عبد الرحمن بمصر أيضًا في سنة أربع وسبعين ومائتين وألف، وكان من العلماء الأجلاء، وقد ذكره الشيخ عثمان بن عبد الله بن بشر في كتابه المسمى "عنوان المجد، في تاريخ نجد" فقال: وأما عبد الرحمن فإنه جلا مع أبيه إلى مصر في أول طلبه العلم وهو قريب البلوغ قبل أن يتم له الطلب، وذكر لنا أنه اليوم في رواق الحنابلة يُدَرَّس في الجامع الأزهر وأن له معرفة ودراية عظيمة. انتهى. وقال عثمان بن سند الوائلي في تاريخه "مطالع السعود" صفحة 106 ما نصه: واعلم أنه بقي للوهابية بقية بمصر ظلوا فيها برغبتهم لأنهم صار لهم فيها أولاد وأملاك بمصر مثل الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب النجدي وله أولاد منهم أحمد أزجي وعبد الله كاتب في القلعة، ثم قال: وأما الشيخ عبد الرحمن المذكور فقد أدركته في الجامع الأزهر يُدَرَّس مذهب الحنابلة سنة ثلاث وسبعين ومائتين وألف برواق الحنابلة، وتوفي سنة أربع وسبعين ومائتين وألف وكان عالمًا فقيهًا ذا سمعة حسنة يظهر عليه التقى والصلاح. انتهى. وأما الشيخ محمد بن عبد الرحمن المسمى بالمصري فقد ذكر بعض أحفاده أنه ولد بمصر سنة 1254هـ وبعد وفاة والده الشيخ عبد الرحمن انتقل إلى الرياض وذلك في آخر زمان الإمام فيصل بن تركي رحمه الله، وقد توفي في مدينة الرياض سنة 1344 هـ وقد بلغ من العمر تسعين سنة رحمه الله تعالى.

جملة من الأحلام التي عبرها المصري

فمن ذلك أن رجلاً يقال له الحوطي كان يخدم الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ رحمهم الله تعالى رأى رؤيا فقصّها على الشيخ عبد الله فقال له: اذهب إلى الشيخ محمد – يعني المصري – فاقصصها عليه وأخبرني بتعبيره فذهب إلى المسجد الذي كان الشيخ محمد يصلي فيه وجلس ينتظره حتى خرج من المسجد فقصّ عليه رؤياه، قال: إني رأيت كأني خرجت مع الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف من الباب الشرقي للمسجد – أي مسجد الشيخ عبد الله المعروف في حي دخنه، بمدينة الرياض – فلما كنا تحت الساباط الذي في طريقنا إذا ذهبنا إلى بيت الشيخ عبد الله إذا نحن برجل نائم تحت الساباط في وسط الطريق فنظرنا إليه فإذا هو الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود فجلس الشيخ عبد الله عنده وجعل يتحدث معه، وأما أنا فأصابتني رعدة فجلست إلى جدار البيت الذي بجانب الساباط من جهة الجنوب وأسندت ظهري إلى الجدار، ثم إن الإمام تركي قام فاستقبل جهة المشرق وجعل ينظر إليها، ثم استدار إلى جهة الشمال وجعل ينظر إليها، ثم استدار إلى جهة الجنوب وجعل ينظر إليها، ثم استدار إلى جهة القبلة وجعل ينظر إليها، ثم ذهب يمشي مع السوق ومعه الشيخ عبد الله. وأما أنا فلم أزل مسندًا ظهري إلى جدار البيت الذي بجانب الساباط إلى أن انتبهت من نومي – وكانت هذه الرؤيا في زمان استيلاء آل رشيد على البلاد النجدية ولجوء الإمام عبد الرحمن بن فيصل وأولاده إلى الكويت – فقال الشيخ محمد: هذه رؤيا عظيمة، وتأويلها أن أحد أبناء الإمام عبد الرحمن بن فيصل بن تركي سيخرج من الكويت ويستولي على نجد كما كان جده تركي مستوليًا عليها ثم يستولي على الأحساء والجهة الشرقية، ثم يستولي على حائل وجهة الشمال، ثم يستولي على عسير وتلك الجهة، ثم يستولي على مكة والجهة الحجازية، وسيكون للشيخ عبد الله بن عبد اللطيف صلة قوية بالذي سيستولي على نجد من ذرية الإمام تركي، وأما أنت – يعني الحوطي الذي رأى الرؤيا – فستملك البيت الذي أسندت ظهرك إلى جداره أو يملكه أحد أبنائك، قال الحوطي: فقلت للشيخ محمد: إن تأويلك لهذه الرؤيا بعيد جدًا لأن آل رشيد قد استولوا على نجد كلها وليس لهم منازع. وأما الإمام عبد الرحمن وأبناؤه فإنهم قد لجأوا إلى

الكويت وليس عندهم مال ولا رجال فكيف يستولون على نجد فضلاً عن الجهات البعيدة عن وسط نجد. فقال الشيخ محمد: إنه لا بد أن يقع تأويل هذه الرؤيا. قال الحوطي: فلما أن دخل الملك عبد العزيز بلدة الرياض واستولى عليها جاء الشيخ محمد إليّ بعد صلاة الفجر في تلك الليلة وقال لي: هذا أول تأويل رؤياك قد وقع وستقع بقيته في المستقبل إن شاء الله تعالى. قلت: وقد وقع تأويل هذه الرؤيا على وفق ما عبّرها بها الشيخ محمد فقد استولى الملك عبد العزيز على جميع الجهات التي جاء ذكرها في الرؤيا. وكان للشيخ عبد الله بن عبد اللطيف صلة قوية بالملك عبد العزيز، فكان الشيخ موضع ثقة الملك ومشاورته، وقد زوّجه الشيخ بإحدى بناته فولدت له الملك فيصل بن عبد العزيز، وأما البيت الذي أسند الحوطي ظهره إلى جداره فإنه قد اشتراه أحد أبناء الحوطي، وكان الأمر فيه على وفق ما عبّره الشيخ محمد. وهذه الرؤيا وتأويلها من أعجب العجب، وفي تأويل الشيخ محمد لها دليل على رسوخه في علم التعبير. ومن تعبير الشيخ محمد أيضًا أن رجلاً قال له: إنه رأى في منامه أن فرسًا خرجت من جهة القصر المسمى بـ"المصمك" في بلدة الرياض فجاء حصان يعدو من جهة باب البلد الذي يسمى "دروازة الثميري" فنزى على الفرس، فقال الشيخ: هل رأيته أولج فيها فقال: نعم، فقال: إن صدقت رؤياك فإن عبد العزيز بن عبد الرحمن يدخل الرياض ويستولي عليه. قلت: وقد وقع تصديق هذه الرؤيا فقد دخل الملك عبد العزيز بلدة الرياض واستولى عليها في سنة تسع عشرة وثلثمائة وألف من الهجرة. ومن تعبير الشيخ محمد أيضًا أن الملك عبد العزيز لما أراد أن يغزو الأحساء رأى في منامه كأنه تحت سور رفيع وكان يحفر تحته فكان ينهار بسهولة فقصّ رؤياه على الشيخ محمد، فقال له: إن صدقت رؤياك فإنك تستولي على الأحساء بسهولة. قلت: وقد وقع الأمر على وفق ما عبّر به الشيخ رؤيا الملك.

ومن تعبير الشيخ محمد أيضًا أن الملك عبد العزيز قال له: إني رأيت في المنام أني أمسكت امرأة وجردتها من ثيابها وتركتها عريانة، فقال الشيخ: هل فعلت بها شيئًا؟ قال: لا، فقال الشيخ: إن صدقت رؤياك فإنك تستولي على بلاد حايل. قلت: وقد وقع الأمر على وفق ما عبّر به الشيخ رؤيا الملك. ومن الأحلام التي أَوَّلَها الشيخ محمد أن الملك عبد العزيز رأى في المنام أن الشريف حسينًا كان جالسًا على كرسي فتقدم إليه الملك عبد العزيز وأنزله على الكرسي وجلس عليه، فقال له الشيخ محمد: إنك سوف تستولي على مكة. قلت: وقد وقع الأمر على وفق ما عبّر به الشيخ رؤيا الملك. ومن الأحلام التي أَولَّهَا الشيخ محمد أن رجلاً يقال له ابن داود من أهل بلدة حايل وكان مع عجلان في الرياض حين كان عجلان أميرًا على البلاد من قِبَل ابن رشيد فرأى ابن داود في المنام أنه خرج من قصر المصمك فإذا حول القصر أبواب موضوعة على الأرض وعليها آثار المطر والوحل فمرّ في طريقه على بئر السدرة التي عند مسجد خالد فغسل رجليه من الطين ثم ذهب إلى بيت الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ فقصّ رؤياه على الشيخ محمد، فقال الشيخ: أما الأبواب الموضوعة على الأرض عند باب المصمك فإنهم رجال يقتلون هناك، وأما أنت فإنك تستجير بالشيخ عبد الله بن عبد اللطيف وتنجو من القتل. ومن الأحلام التي أَوَّلَها الشيخ محمد أن الشيخ عبد العزيز بن عبد الله النمر رأى في المنام أنه يمشي في الموضع الذي يسمى "الصفاة" في وسط بلدة الرياض وأن الإمام عبد الرحمن بن فيصل والملك عبد العزيز قد تبعاه من ورائه، فأَوَّلَها الشيخ محمد بأن أجله قريب وسوف يمشيان خلف جنازته. ومن الأحلام التي أَوَّلَها الشيخ محمد أن تركي بن الملك عبد العزيز رأى في المنام كأنه قريب من ربه وأن أخاه فهد قريب منه فقصّها تركي على الشيخ محمد، فقال له: خَيْرٌ إن شاء الله ولم يخبره بتأويلها، فلما خرج تركي من

عند الشيخ محمد قال عبد الحميد بن الشيخ لأبيه: قد جاء في هذا الليل يطلب منك أن تخبره بتأويل رؤياه فمل تفعل، فقال الشيح: إن رؤياه تدل على قرب أجله وأجل أخيه من بعده ولا أحب أن أخبره بذلك، وقد وقع الأمر على وفق تأويل الشيخ للرؤيا فمات تركي بعد مدة يسيرة في الطاعون الذي وقع في شهر صفر سنة سبع وثلاثين وثلثمائة وألف من الهجرة – وتسمي العامة هذه السنة سنة الصخونة وبعضهم يسميها سنة الرحمة – وهو طاعون عامُّ مات فيه خلائق لا يحصون، ثم مات فهد بعد أخيه تركي بيسير. ومن الأحلام التي أَوَّلَها الشيخ محمد أن تركي بن الملك عبد العزيز رأى أنه راكب على ناقة وهي تمشي به والناس يحفّون به وهم مشاة عن يمينه وعن شماله ومن أمامه ومن خلفه، فسأل الشيخ عن تأويل هذه الرؤيا وقيل: إنه أرسل إليه من يسأله عن تأويلها فقال الشيخ: رأى خيرًا ولم يخبرهم بتأويلها، ولما خرج السائل – أي تركي أو رسوله – قال الشيخ محمد للذين عنده: إن هذه الرؤيا تدل على حضور أجل تركي وأنه سيركب على النعش ويحفّ الناس به وهم مشاة، فوقع الأمر على وفق ما قاله الشيخ محمد. ومن الأحلام التي عبرها الشيخ محمد أن رجلاً يسمى محمد بن عقيل رأى عبد العزيز بن متعب بن رشيد في المنام فقال محمد بن عقيل لابنته: هذا عبد العزيز بن متعب تعالي لنتعاون عليه فجاءت أم عبد العزيز بن متعب فأخذت بيده وذهبت به فقصّ ابن عقيل رؤياه على الشيخ محمد، فقال: هل أمّ عبد العزيز بن متعب موجودة أم قد ماتت، فقيل له: إنها قد ماتت، فقال: إن صدقت رؤياك فإن عبد العزيز بن متعب سيقتل، وقد وقع الأمر على وفق ما عَبّر به الشيخ الرؤيا. ومن الأحلام التي أَوَّلَها الشيخ محمد أن الشيخ عبد الله بن حسن بن حسين رأى في المنام أنه أخذ عصا الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف فقصّ رؤياه على الشيخ محمد، فقال: إن صدقت رؤياك فإنه سيحصل لك من الرياسة والجاه مثل ما حصل للشيخ عبد الله بن عبد اللطيف، وقد وقع الأمر على وفق ما عَبّر به الشيخ الرؤيا.

ومن الأحلام التي عبرها الشيخ محمد أن الشيخ عبد الله بن حسن رأى في المنام أنه يصل يعلى مكان مرتفع ويقرأ سورة الفتح فقصّ رؤياه على الشيخ فلم يجبه بشيء فلما خرج من عنده قال الشيخ للذين عنده: إن ابن حسين – يعني الشيخ عبد الله بن حسن بن حسين آل الشيخ – يتمنى أن تفتح مكة وأن يؤم في المسجد الحرام، وإنما قال الشيخ محمد هذه الكلمة لأنه قد استبعد أن تفتح مكة للملك عبد العزيز لأنها كانت تحت ولاية الشريف حسين، وكانت لديه قوة عظيمة من العدد والعدة، ولكن الله تعالى يسّر فتحها للملك عبد العزيز في سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة وألف من الهجرة، وكان الشيخ عبد الله بن حسن بن حسين آل الشيخ من المرافقين للملك عبد العزيز في سفره إلى مكة، ثم حضر معه حصار جدة، وبعد تسليمها عيّنه الملك إمامًا وخطيبًا في المسجد الحرام، وبذلك وقع تصديق رؤياه وعلم من ذلك صحة تأويل الشيخ محمد لرؤيا الشيخ عبد الله بن حسن وإن كان قد ذكر تأويلها على وجه الاستبعاد لوقوع ذلك، ثم بعد زمن يسير صدر الأمر من الملك عبد العزيز بتعيين الشيخ عبد الله بن حسن رئيسًا للمحاكم في الحجاز والمناطق الجنوبية والشمالية والشرقية ولم يزل رئيسًا لها إلى أن توفي في سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة وألف من الهجرة؛ وبهذا وقع تصديق رؤيا الشيخ عبد الله بن حسن أنه قد أخذ عصا الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف، وعلم من ذلك صحة تأويل الشيخ محمد لرؤيا الشيخ عبد الله بن حسن بأنه سيحصل له من الرياسة والجاه مثل ما حصل للشيخ عبد الله بن عبد اللطيف. ومن الأحلام التي أَوَّلَها الشيخ محمد أن رجلاً من أهل الرياض رأى في المنام أن رجلاً من أهل الرياض أيضًا أخذ بيده فضرط فيها ثم جعل يمشي أمامه ويضرط نحوه ويتابع الضراط عليه فقصّ رؤياه على الشيخ محمد فقال: إنه سيكون بينك وبين الرجل الذي ضرط في يدك مصاهرة وسيحصل لك منه أذى، فلما كان بعد أيام قليلة أرسل الذي ذكر عنه الضراط إلى صاحب الرؤيا يخطب أخته فامتنع من إجابته إلى طلبه خوفًا من الأذى الذي ذكره الشيخ محمد في تأويله لرؤياه فلم يزل الخاطب يرسل إليه ويلحّ عليه وهو مصرّ على الامتناع من إجابته فلما رأى الخاطب إصراره على الامتناع من إجابته أرسل

إلى أم البنت يخبرها بامتناعه فقالت الأم: ما لك تمتنع من تزويج فلان بأختك وهو من الأكفاء الأغنياء الذين يرغب الناس في تزويجهم فإن أنت لم تزوجه فإني سوف أذهب إلى القاضي وأطلب منه أن يزوجها بغير رضاك، فملا رأى إلحاح الأم زوّج الرجل بأخته وهو كاره فكانت حال أخته مع ذلك الرجل على أحسن الأحوال ثم إنها توفيت فحينئذ ابتدأ زوجها بمخاصمة أخيها فيما كان يظن أن لزوجته شركة معه فيه من المال وتكررت مخاصمته له وشكايته وإحضاره عند القاضي لمخاصمته وآذاه أذى كثيرًا، وبهذا وقع تصديق الرؤيا وعلم من ذلك صحة تأويل الشيخ محمد لهذه الرؤيا. ومن الأحلام التي أَوَّلَها الشيخ محمد أن رجلاً من أهل الرياض يسمى عبد العزيز الشّدّي رأى في المنام أن أصابع يديه قد قطعت فقصّها على الشيخ محمد فقال: سيؤخذ منك عشرة أريل ثم لا ترد إليك، فعند ذلك أخذ صاحب الرؤيا في الاحتياط والحذر طمعًا منه أن لا يقع شيء مما أخبره به الشيخ محمد من تأويل الرؤيا ولكن الحذر لا ينفع من القدر، فبعد مدة يسيرة جاء رجل إلى الشدّي فقال له إن القِرَب – يعني أوعية الماء غالية جدًا في الأحساء فأعطاه الشدّي عشرة أريل ليشتري بها قربًا ويبيعها في الأحساء طمعًا منه في الربح الكثير فاشترى الرجل القِرَب وسافر بها معه إلى الأحساء فقطع الطريق على القافلة وأخذت القِرَب مع ما كان مع القافلة. ثم إن بعض الرؤساء أمسك قطاع الطريق وألزمهم برد ما أخذوه من القافلة فردوا كل شيء أخذوه منهم إلا القرب فإنها فُقِدَتْ، وبهذا وقع تصديق رؤيا الشدّي وعلم من ذلك صحة تأويل الشيخ محمد للرؤيا. ومن الأحلام التي أَوَّلَها الشيخ محمد أن امرأة رأت في منامها أن على سور بلدة الرياض ستائر قالت: فنظرت من خلال الستائر إلى خارج البلد فإذا هناك كلاب كثيرة مختلفة الألوان، فيها الأبيض والأسود والأحمر والأصفر والأزرق، وقيل: إن الذي رأى هذه الرؤيا رجل وأنه رأى خارج البلد جرادًا كثيرًا مختلفًا ألوانه فسئل الشيخ محمد عن تأويل هذه الرؤيا فقال: إن صدقت هذه الرؤيا فإن بلدة الرياض ستكون موضعًا يفد إليه الناس من أقطار الأرض على اختلاف أجناسهم وألوانهم ودياناتهم، وأما وضع الستائر على السور

نموذج عن أحلام الملوك المتقدمين وغيرهم من الأكابر

فتأويله أن أهل البلدة سيكونون في ستر ما دامت الستائر على سور البلد. قلت: وقد وقع تصديق هذه الرؤيا في آخر عهد الملك عبد العزيز وما بعده إلى زماننا حيث كثرت وفادة الناس من جميع أرجاء الأرض إلى الرياض وغير الرياض من مدن المملكة العربية السعودية على اختلاف أجناسهم وألوانهم ودياناتهم، وما أكثر أشباه الكلاب من الوافدين إلى المملكة السعودية، بل إن كثيرًا منهم شر من الكلاب والله المستعان. فصل وأختم الكتاب بذكر نموذج من تأويل الأحلام التي ذكرت عن بعض المتقدمين من الملوك والأكابر، وقد ذكرت فيما تقدم رؤيا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام أنه أمر بذبح ولده، ورؤيا يوسف الصدّيق عليه الصلاة والسلام أن أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر قد سجدوا له، ورؤيا الفتيين اللذين دخلا السجن مع يوسف، ورؤيا ملك مصر، ورؤيا عبد المطلب بن هاشم أنه أمر بحفر زمزم، ورؤيا رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم حين أصاب قريشًا القحط بأنهم يؤمرون بالاستسقاء؛ فكل هذا قد تقدم ذكره. فأما رؤيا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام ورؤيا عبد المطلب بن هاشم ورؤيا رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم فهي مذكورة مع الأحلام الظاهرة التي لا تحتاج إلى تأويل، وأما رؤيا يوسف الصدّيق عليه الصلاة والسلام ورؤيا الفتيين ورؤيا ملك مصر فهي مذكورة في أول الأحلام التي تحتاج إلى التأويل، وهي الأحلام التي تكون من باب ضرب الأمثال للنائم، فلتراجع هذه الأحلام في مواضعها. ومن أحلام الملوك رؤيا فرعون في منامه ما هَالَه وأفزعه. وقد روى ذلك ابن جرير في تاريخه من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود رضي الله عنه، وعن ناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنهم: أن فرعون رأى في منامه أن نارًا أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل وأخربت بيوت مصر، فدعا السحرة والكهنة والقافة

رؤيا بختنصر وتأويل دانيال لها

والحازة (¬1) فسألهم عن رؤياه فقالوا له: يخرج من هذا البلد الذي جاء بنو إسرائيل منه – يعنون بيت المقدس – رجل يكون على وجهه هلاك مصر فأمر ببني إسرائيل أن لا يولد لهم غلام إلا ذبحوه ولا يولد لهم جارية إلا تركت. ومن أحلام الملوك أيضًا رؤيا بختنصر. وقد ذكرها ابن كثير في "البداية والنهاية" عن محمد بن إسحاق بن يسار أنه ذكر في كتاب "المبتدأ" عن سعيد بن بشير عن قتادة عن كعب الأحبار. قال ابن كثير: وروى غيره عن وهب بن منبه أن بختنصر بعد أن خَرَّب بيت المقدس واستذل بني إسرائيل بسبع سنين رأى في المنام رؤيا عظيمة هالته فجمع الكهنة والحزار وسألهم عن رؤياه تلك، فقالوا: ليقصها الملك حتى نخبره بتأويلها، فقال: إني نسيتها وإن لم تخبروني بها إلى ثلاثة أيام قتلتكم عن آخركم فذهبوا خائفين وجلين من وعيده فسمع بذلك دانيال عليه السّلام وهو في سجنه فقال للسجان: اذهب إليه، فقل له: إن ههنا رجلاً عنده علم رؤياك وتأويلها فذهب إليه فأعلمه فطلبه فلما دخل عليه لم يسجد له فقال له: ما منعك من السجود لي؟ فقال: إن الله آتاني علمًا وعلمني وأمرني أن لا أسجد لغيره، فقال له بختنصر: إني أحب الذين يوفون لأربابهم بالعهود فأخبرني عن رؤياي، قال له دانيال: رأيت صنمًا عظيمًا رجلاه في الأرض ورأسه في السماء، أعلاه من ذهب ووسطه من فضة وأسفله من نحاس وساقاه من حديد ورجلاه من فخّار فبينا أنت تنظر إليه قد أعجبك حسنه وإحكام صنعته قذفه الله بحجر من السماء فوقع على قمة رأسه حتى طحنه واختلط ذهبه وفضته ونحاسه وحديده حتى تخيل إليك أنه لو اجتمع الإنس والجن على أن يميزوا بعضه من بعض لم يقدروا على ذلك ونظرتَ إلى الحجر الذي قذف به يربو ويعظم وينتشر حتى ملأ الأرض كلها فصرت لا ترى إلا الحجر والسماء، فقال له بختنصر: صدقت هذه الرؤيا التي رأيتها فما تأويلها؟ فقال دانيال: أما الصنم فأمم مختلفة في أول الزمان وفي وسطه وفي ¬

_ (¬1) القافة جمع قائف وهو الذي يتتبع الآثار ويعرفها، والحازة جمع حازٍ وهو الكاهن، قال ابن منظور في "لسان العرب" التحزي التكهن قال الليث الحازي الكاهن وقال ابن سيده تحزى تكهن. وفي الحديث كان لفرعون حازٍ أي كاهن. انتهى.

آخره، وأما الحجر الذي قذف به الصنم فدين يقذف الله به هذه الأمم في آخر الزمان فيظهره عليها فيبعث الله نبيًا أميًا من العرب فيدوّخ به الأمم والأديان كما رأيت الحجر دوّخ أصناف الصنم ويظهر على الأديان والأمم كما رأيت الحجر ظهر على الأرض كلها فيمحص الله به الحق ويزهق به الباطل ويهدي به أهل الضلالة ويعلم به الأميين ويقوي به الضعفة ويعز به الأذلة وينصر به المستضعفين، وقد رواه أبو نعيم الأصبهاني في "دلائل النبوة" من طريق إسحاق بن بشر عن سعيد بن بشير عن قتادة عن كعب الأحبار فذكره بنحوه وفيه زيادات ليست في رواية ابن إسحاق. وقد روى ابن جرير هذه القصة في "تاريخه" في أثناء خبر طويل ذكره عن وهب بن منبه، وفيه أن بختنصر رأى رؤيا فبينما هو قد أعجبه ما رأى إذ رأى شيئًا أصابه فأنساه الذي كان رأى فدعا دانيال وحنانيا وعزاريا وميشايل من ذراري الأنبياء فقال: أخبروني عن رؤيا رأيتها ثم أصابني شيء فأنسانيها وقد كانت أعجبتني، ما هي؟ قالوا له: أخبرنا بها نخبرك بتأويلها، قال: ما أذكرها وإن لم تخبروني بتأويلها لأنزعنّ أكتافكم، فخرجوا من عنده فدعوا الله واستغاثوا وتضرعوا إليه وسألوه أن يعلمهم إياها فأعلمهم الذي سألهم عنه فجاءوه فقالوا له: رأيت تمثالاً؟ قال: صدقتم، قالوا: قدماه وساقاه من فخّار وركبتاه وفخذاه من نحاس وبطنه من فضة وصدره من ذهب ورأسه وعنقه من حديد؟ قال: صدقتم، قالوا: فبينما أنت تنظر إليه قد أعجبك فأرسل الله عليه صخرة من السماء فدقّته فهي التي أنستكها؟ قال: صدقتم، فما تأويلها؟ قالوا: تأويلها أنك أريت ملك الملوك فكان بعضهم ألين ملكًا من بعض، وبعضهم كان أشد ملكًا من بعض، وبعضهم كان أشد ملكًا من بعض، فكان أول الملك الفخّار وهو أضعفه وألينه، ثم كان فوقه النحاس وهو أفضل منه وأشد، ثم كان فوق النحاس الفضة وهي أفضل من ذلك وأحسن، ثم كان فوق الفضة الذهب فهو أحسن من الفضة وأفضل، ثم كان الحديد ملكك فهو كان أشد الملوك وأعز مما كان قبله، وكانت الصخرة التي رأيت أرسل الله عليه من السماء فدقته نبيًا يبعثه الله من السماء فيدق ذلك أجمع ويصير الأمر إليه.

ورواه ابن جرير أيضًا في تفسيره من طريق أسباط عن السدي بنحوه، وفيه أن دانيال وأصحابه قالوا لبختنصر: رأيت كذا وكذا فقصوها عليه، فقال: صدقتم، قالوا: نحن نعبرها لك، أما الصنم الذي رأيت رأسه من ذهب فإنه ملكك حسن مثل الذهب، وكان قد ملك الأرض كلها، وأما العنق من الشبه فهو ملك ابنك بعدك يملك فيكون ملكه حسنًا ولا يكون مثل الذهب، وأما صدره الذي من حديد فهو ملك أهل فارس يملكون بعد ابنك فيكون ملكهم شديدًا مثل الحديد، وأما بطنه الأخلاط فإنه يذهب ملك أهل فارس ويتنازع الناس الملك في كل قرية حتى يكون الملك يملك اليوم واليومين والشهر والشهرين ثم يقتل فلا يكون للناس قوام على ذلك كما لم يكن للصنم قوام على رجلين من فخّار، فبينما هم كذلك إذ بعث الله تعالى نبيًا من أرض العرب فأظهره على بقية ملك أهل فارس وبقية ملك ابنك وملكك فدمره وأهلكه حتى لا يبقى منه شيء كما جاءت الصخرة فهدمت الصنم. ورواه أيضًا بإسناده عن سعيد بن جبير. وفيه أن بختنصر رأى رؤيا فجلس فنسيها فعاد فرقد فرآها فقام فنسيها ثم عاد فرقد فرآها فخرج إلى الحجرة فنسيها فلما أصبح دعا العلماء والكهان فقال: أخبروني بما رأيت البارحة وأوّلوا لي رؤياي وإلا فليمش كل رجل منكم إلى خشبته موعدكم ثالثة، فقالوا: هذا لو أخبرنا برؤياه، قال: وجعل دانيال كلما مر به أحد من قرابته يقول: لو دعاني الملك لأخبرته برؤياه ولأوّلتها له، قال: فجعلوا يقولون: ما أحمق هذا الغلام الإسرائيلي إلى أن مرّ به كَهْلٌ فقال له ذلك فرجع إليه فأخبره فدعاه فقال: ماذا رأيت؟ قال: رأيت تمثالاً، قال: إيه! قال: ورأسه من ذهب؟ قال: إيه! قال: وعنقه من فضة؟ قال: إيه! قال: وصدره من حديد؟ قال: إيه! قال: وبطنه من صفر؟ قال: إيه! قال: ورجلاه من آنك؟ قال: إيه! قال: وقدماه من فخار؟ قال: هذا الذي رأيت، قال: إيه! قال: فجاءت حصاة فوقعت في رأسه ثم في عنقه ثم في صدره ثم في بطنه ثم في رجليه ثم في قدميه قال فأهلكته، قال: فما هذا قال: أما الذهب فإنه ملكك، وأما الفضة فملك ابنك من بعدك ثم ملك ابن ابنك، قال: وأما الفخار فملك النساء فكساه جبة ترثون وسوّره وطاف به في

رؤيا ابن بختنصر وتأويل دانيال لها

القرية وأجاز خاتمه. ومن أحلام الملوك أيضًا رؤيا ابن بختنصر. وقد ذكرها ابن جرير في تفسيره في خبر طويل رواه عن سعيد بن جبير وفيه أن ابن بختنصر رأى كفًا خرجت بين لوحين ثم كتبت سطرين فدعا الكهان والعلماء فلم يجدوا لهم في ذلك علمًا فقالت له أمه: إنك لو أعدت إلى دانيال منزلته التي كانت له من أبيك أخبرك، وكان قد جفاه فدعاه فقال: إني معيد إليك منزلتك من أبي فأخبرني ما هذان السطران؟ فقال: أمَّا تعيد إليّ منزلتي من أبيك فلا حاجة لي بها، وأمَّا هذا السطران فإنك تقتل الليلة، فأخرج من في القصر أجمعين وأمر بقفله فأقفلت الأبواب عليه وأدخل معه آمَنَ أهل القرية في نفسه معه سيف فقال: من جاءك من خلق الله فاقتله وإن قال أنا فلان، وبعث الله عليه البطن فجعل يمشي حتى كان شطر الليل فرقد ورقد صاحبه ثم نبهه البطن فذهب يمشي والآخر نائم فرجع فاستيقظ به فقال له: أنا فلان فضربه بالسيف فقتله. ومن أحلام الملوك أيضًا رؤيا ربيعة بن نصر اللخمي أحمد ملوك حِمْيَر التبابعة، قال ابن إسحاق: كان ربيعة بن نصر ملك اليمن بين أضعاف ملوك التبابعة فرأى رؤيا هالته وفظع بها فلم يدع كاهنًا ولا ساحرًا ولا عائفًا ولا منجمًا من أهل مملكته إلا جمعه إليه فقال لهم: إني قد رأيت رؤيا هالتني وفظعت بها فأخبروني بها وبتأويلها، فقالوا له: اقصصها علينا نخبرك بتأويلها، قال: إني إن أخبرتكم بها لم أطمئن إلى خبركم عن تأويلها فإنه لا يعرف تأويلها إ لا من عرفها قبل أن أخبره بها، فقال له رجل منهم: فإن كان الملك يريد هذا فليبعث إلى سَطِيْح وشِقًّ (¬1) فإنه ليس أحد أعلم منهما فهما يخبرانه بما سأل عنه، فبعث إليهما فقدم عليه سَطِيْح قبل شِقًّ فقال له: إني قد رأيت رؤيا ¬

_ (¬1) أما سَطيح فاسمه ربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب بن عدي بن مازن غسان. قال ابن جرير: وكان يقال له الذئبي لنسبته إلى ذئب بن عدي، قلت: وهو الذي قال فيه الأعشى في شعره: «كما صدق الذئبي إذ سجعا» وذكر ابن عساكر في "تاريخه" أنه ولد في زمن سيل العرم وعاش إلى ملك ذي نواس، قلت: سيأتي في ذكر رؤيا الموبذان أنه عاش إلى أن وُلد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لم يكن شيء من بني آدم يشبه سطيحًا إنما كان لحمًا على وضم ليس فيه عظم ولا عصب إلا في رأسه وعنقه وكفيه وكان يطوى كما يطوى الثوب من رجليه إلى عنقه ولم يكن فيه شيء يتحرك إلا لسانه، وقيل: إنه كان إذا غضب انتفخ وجلس. وذكر ابن طرار الجريري أنه عاش سبعمائة سنة، وقال غيره: خمسمائة سنة، وقيل: ثلاثمائة سنة. ذكر ذلك ابن كثير في "البداية والنهاية". وأما شِق فهو ابن صعب بن يشكر بن رهم بن أفرك بن نذير بن قيس بن عبقر بن أنمار. قال السهيلي: كان شقٌّ شقَ إنسانٍ - فيما يذكرون- إنما له يد واحدة ورجل واحدة، وعين واحدة. قال: وذكر أبو الفرج أن خالد بن عبد لله القسري كان من ولد شق هذا. قلت: أبو الفرج هو المعافى بن زكريا بن طرار الجريري.

هالتني وفظعت بها فأخبرني بها فإنك إن أصبتها أصبت تأويلها، قال: أفعل، رأيت حُمَمَة (¬1)، خرجت من ظلمة، فوقعت بأرض تَهَمَة (¬2)، فأكلت منها كل ذات جمجمة، فقال له الملك: ما أخطأت منها شيئًا يا سطيح فما عندك في تأويلها؟ فقال: أحلف بما بين الحرتين من حنش (¬3) لتهبطن أرضكم الحبش، فليملكن ما بين أبين إلى جرش، فقال له الملك: وأبيك يا سطيح إن هذا لنا لغائظ موجع فمتى هو كائن، أفي زماني هذا أم بعده؟ قال: لا بل بعده بحين، أكثر من ستين أو سبعين، يمضين من السنين، قال: أفيدوم ذلك من ملكهم أم ينقطع؟ قال: لا بل ينقطع لبضع وسبعين من السنين، ثم يقتلون ويخرجون منها هاربين، قال: ومن يلي ذلك من قتلهم وإخراجهم؟ قال: يليه إرَمُ بن ذي يزن، يخرج عليهم من عدن، فلا يترك أحدًا منهم باليمن، قال: أفيدوم ذلك من سلطانه أم ينقطع؟ قال: لا بل ينقطع، قال: ومن يقطعه: قال: نبي زكي، يأتيه الوحي من قِبَل العلي، قال: وممن هذا النبي؟ قال: رجل من ولد غالب بن فهر بن مالك بن النضر، يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر، قال: وهل للدهر من آخر؟ قال: نعم، يوم يجمع ¬

_ (¬1) قال ابن الأثير: الحُمَمة الفحمة. وقال الجوهري: الحمم الرماد والفحم وكل ما احترق من النار، الواحدة حُمَمة. (¬2) قال الجوهري: التَّهم بالتحريك مصدر من تهامة، وفي لسان العرب أن التّهمة الأرض المتصوبة إلى البحر. (¬3) قال الجوهري: الحنش بالتحريك كل ما يصاد من الطير والهوام والجمع أحناش، وقال ابن منظور في "لسان العرب" الحنش الحية وقيل: الأفعى، وقال كُرَاع: هو كل شيء من الدواب والطير.

فيه الأولون والآخرون، يسعد فيه المحسنون، ويشقى فيه المسيئون، قال: أحق ما تخبرني؟ قال: نعم، والشفق والغسق، والفلق إذا اتسق، إن ما أنبأتك به لحقّ. ثم قدم عليه شِقّ فقال له كقوله لسطيح وكتمه ما قال سطيح لينظر أيتفقان أم يختلفان، فقال: نعم، رأيت حُمَمَة، خرجت من ظلمة، فوقعت بين روضة وأكمة (¬1)، فأكلت منها كل ذات نسمة، قال: فلما قال له ذلك عرف أنهما قد اتفقا، فإن قولهما واحد إلا أن سطيحًا قال: «وقعت بأرض تَهَمَة، فأكلت منها كل ذات جمجمة»، وقال شِقّ: «وقعت بين روضة وأكمة، فأكلت كل ذات نسمة». فقال الملك: ما أخطأت يا شقّ منها شيئًا فما عندك في تأويلها؟ قال: أحلف بما بين الحرتين من إنسان، لينزلن أرضكم السودان، فليغلبن على كل طَفْلَة البنان (¬2)، وليملكن ما بين أبين إلى نجران، فقال له الملك: وأبيك يا شِقّ إن هذا لنا لغائظ موجع فمتى هو كائن؟ أفي زماني أم بعده؟ قال: لا بل بعده بزمان، ثم يستنقذكم منه عظيم ذو شأن، ويذيقهم أشد الهوان، قال: ومَنْ هذا العظيم الشأن؟ قال: غلام ليس بدنيّ ولا مُدَنّ (¬3)، يخرج عليهم من بيت ذي يزن، فلا يترك أحدًا منهم باليمن، قال: أفيدوم سلطانه أم ينقطع؟ قال: بل ينقطع برسول مرسل، يأتي بالحق والعدل، بين أهل الدين والفضل، يكون الملك في قومه إلى يوم الفصل، قال: وما يوم الفصل؟ قال: يوم تجزي فيه الولاة، ويدعى فيه من ¬

_ (¬1) قال السهيلي: قوله بين روضة وأكمة، لأنها وقعت بين صنعاء وأحوازها – أي نواحيها. (¬2) قوله: طَفْلة البنان، قال الجوهري: الطّفْل بالفتح الناعم يقال جارية طَفْلة أي ناعمة وبنان طَفْل. وقال ابن منظور في "لسان العرب": الطفْل البنان الرَّخْص، وفي المحكم الطفل بالفتح الرّخْص الناعم، ويقال: جارية طَفْلة إذا كانت رَخْصة. (¬3) قوله: بغلام لا دَنِيّ ولا مُدَنْ. قال السهيلي: الدَّنِيُّ معروف والمدَنُّ الذي جمع الضعف مع الدناءة قاله صاحب العين. انتهى. وقال الجوهري: يقال إنه ليّدَنَّي في الأمور تَدْنيةً أي يتتبع صغيرها وخسيسها، والمدني من الرجال الضعيف. وقال ابن منظور في "لسان العرب": المُدَنِيّ من الناس الضعيف الذي إذا آواه الليل لم يبرح ضعفًا. ونقل عن اللحياني أنه قال: دَنَّ فلان طلب أمر خسيسًا.

السماء بدعوات، يسمع منها الأحياء والأموات، ويجمع فيه الناس للميقات، يكون فيه لمن اتقى الفوز والخيرات، قال: أحقّ ما تقول؟ قال: إي وربّ السماء والأرض، وما بينهما من رفع وخفض، إنَّ ما أنبأتك به لحق ما فيه أَمْض (¬1). قال ابن إسحاق: فوقع في نفس ربيعة بن نصر ما قالا فجهّز بنيه وأهل بيته إلى العراق بما يصلحهم وكتب لهم إلى ملك من ملوك فارس يقال له سابور بن خُرَّزاد فأسكنهم الحيرة، فمن بقية ولد ربيعة بن نصر النعمان بن المنذر، فهو في نسب اليمن وعلمهم النعمان بن المنذر بن النعمان بن المنذر بن عمرو بن عدي بن ربيعة بن نصر، ذلك الملك. قال ابن هشام: النعمان بن المنذر بن المنذر فيما أخبرني خلف الأحمر. وقد ذكر هذه القصة ابن هشام في "السيرة" وابن جرير في "تاريخه" وأبو نعيم الأصبهاني في "دلائل النبوة" وابن كثير "في البداية والنهاية"؛ كلهم عن ابن إسحاق. وزاد ابن جرير في رواية له عن ابن إسحاق قال: ولما قال سَطِيح وشِقّ لربيعة بن نصر ذلك وصنع ربيعة بولده وأهل بيته ما صنع ذهب ذكر ذلك في العرب وتحدثوا به حتى فشا ذكره وعلمه فيهم، فلما نزلت الحبشة اليمن ووقع الأمر الذي كانوا يتحدثون به من أمر الكاهنين، قال الأعشى: أعشى بني قيس بن ثعلبة البكري في بعض ما يقول وهو يذكر ما وقع من أمر ذينك الكاهنين سَطيح وشِقّ: ما نَظَرتْ ذَاتُ أشفار كنظرتها ... حقًا كما نطق الذئبي إذا سجعا (¬2) ¬

_ (¬1) قوله: ما فيه أَمْض، قال ابن هشام: أمض يعني شكّاً بلغة حمير، وقال أبو عمرو: أمض أي باطل. وقال السهيلي: وقوله: لحق ما فيه أَمْض، أي ما فيه شك ولا مستراب. (¬2) ذات الأشفار هي زرقاء اليمامة، وقد نظرت إلى جيش حسان بن تبان أسعد أبي كرب ملك اليمن من مسافة بعيدة فأنذرت قومها فكذبوها فصبحهم حسان بجيشه واستباحهم، وقوله: كما نطق، كذا جاء في تاريخ ابن جرير، وفي ديوان الأعشى "كما صدق الذئبي إذ سجعا".

رؤيا عبد المطلب بن هاشم في الذين يحسدونه ويكسرون حوضه بالليل

وكان سطيح إنما يدعوه العرب الذئبي لأنه من ولد ذئب بن عدي. انتهى ما ذكره ابن جرير. ومن أحلام الأكابر رؤيا عبد المطلب بن هاشم أنه أمر بحفر زمزم. وقد تقدم ذكر ذلك فيما رواه ابن إسحاق عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه (¬1)، وقد رواه البيهقي في "دلائل النبوة" بإسناده عن الزهري بسياق غير السياق الذي تقدم ذكره من رواية ابن إسحاق وقال فيه: فحفر حتى أنبط الماء فخرقها في القرار ثم بَحَّرها حتى لا تنزف ثم بنى عليها حوضًا فطفق هو وابنه ينزعان فيملآن ذلك الحوض فيشرب منه الحاج فيكسره أناس حَسَدة من قريش بالليل فيصلحه عبد المطلب حين يصبح، فلما أكثروا إفساده دعا عبد المطلب ربّه فأري في المنام فقيل له: قل: اللهم إني لا أحلها لمغتسل ولكن هي لشارب حلُّ وبِلُّ، ثم كفيتهم؛ فقام عبد المطلب حين اختلف قريش في المسجد فنادى بالذي أرى ثم انصرف فلم يكن يفسد حوضه عليه أحد من قريش إلا رمي في جسده بداء حتى تركوا حوضه وسقايته. ومن أحلام الأكابر أيضًا ما رواه أبو نعيم الأصبهاني في "دلائل النبوة" عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي الجهم عن أبيه عن جده قال: سمعت أبا طالب يحدث عن عبد المطلب قال: بينا أنا نائم في الحجر إذ رأيت رؤيا هالتني ففزعت منها فزعًا شديدًا فأتيت كاهنة قريش عليَّ مطرف خزّ وجمتي تضرب منكبي فلما نظرت إليّ عرفت في وجهي التغير وأنا يومئذ سيد قومي، فقالت: ما بال سيدنا قد أتانا متغير اللون هل رأيت من حدثان الدهر شيئًا؟ فقلت: بلى، وكان لا يكلمها أحد من الناس حتى يقبل يدها اليمنى ثم يضع يده على أم رأسها ثم يذكر حاجته ولم أفعل لأني كنت كبير قومي، فجلست فقلت: إني رأيت الليلة وأنا نائم في الحجر كأن شجرة نبتت قد نال رأسها السماء وضربت بأغصانها المشرق والمغرب وما رأيت نورًا أزهر منها أعظم من نور الشمس سبعين ضعفًا ورأيت العرب والعجم ساجدين لها وهي تزداد كل ساعة عظمًا ونورًا وارتفاعًا، ساعة تخفى وساعة تزهر ورأيت رهطًا من قريش ¬

_ (¬1) تقدم ذكر ذلك.

رؤيا أم النبي صلى الله عليه وسلم حين حملت به

قد تعلقوا بأغصانها ورأيت قومًا من قريش يريدون قطعها فإذا دنوا منها أخرهم شابٌّ لم أر قط أحسن منه وجهًا ولا أطيب منه ريحًا فيكسر أضلعهم ويقلع أعينهم فرفعت يدي لأتناول منها نصيبًا فمنعني الشاب فقلت: لمن النصيب؟ فقال: النصيب لهؤلاء الذين تعلقوا بها وسبقوك إليها، فانتبهت مذعورًا فزعًا، فرأيت وجه الكاهنة قد تغير. ثم قالت: لئن صدقت رؤياك ليخرجن من صلبك رجل يملك المشرق والمغرب ويدين له الناس، ثم قال لأبي طالب: لعلك تكون هذا المولود، قال: فكان أبو طالب يحدث بهذا الحديث والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد خرج ويقول: «كانت الشجرة» والله أعلم أبا القاسم الأمين، فيقال له: ألا تؤمن به؟ فيقول: «السبة والعار». قلت: الظاهر في تأويل هذه الرؤيا أن الشجرة العظيمة هي الإسلام الذي ملأ نوره ما بين المشرق والمغرب وعلا فوق جميع الأديان ودان له العرب والعجم، وأما خفاء الشجرة ساعة وازدهارها ساعة أخرى فهو – والله أعلم – ما يطرأ على الإسلام من القوة والإقبال في بعض الأحيان، وما يطرأ عليه من الضعف والإدبار في بعض الأحيان كما قد جاء ذلك في حديث أبي أمامة رضي الله عنه الذي رواه الحارث بن أبي أسامة والطبراني في ذكر إقبال الدين وإدباره، وأما الرهط من قريش الذين تعلقوا بأغصان الشجرة فهم – والله أعلم – الذين دخلوا في الإسلام من شيوخ قريش الذين كانوا في زمان عبد المطلب وأدركوا الإسلام فأسلموا، وأما القوم من قريش الذين يريدون قطع الشجرة فهم – والله أعلم – صناديد قريش وكبراؤهم الذين حاربوا الإسلام وأرادوا طمسه وإطفاء نوره، وأما الشاب الذي كان يكسر أضلع الذين يريدون قطع الشجرة من قريش ويقلع أعينهم فهو – والله أعلم – رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن جهاده لصناديد قريش وصدعه بالدعوة إلى الإسلام بين ظهرانيهم كان بمنزلة كسر ضلوعهم وقلع أعينهم حتى أظهر الله الإسلام وهم كارهون وقطع دابر الكافرين على يدي رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأما منع الشاب لعبد المطلب من تناول النصيب من الشجرة فهو – والله أعلم – لأن عبد المطلب مات قبل الإسلام فلم يكن له نصيب منه، هذا ما ظهر لي والعلم عند الله. ومن أحلام الأكابر أيضًا رؤيا أم النبي - صلى الله عليه وسلم - حين حملت به أنه خرج منها

نور أضاءت له قصور الشام، وقد جاء ذلك في أحاديث كثيرة، منها ما رواه ابن إسحاق حيث قال: حدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم قالوا له: أخبرنا عن نفسك، قال: «نعم أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام». قال ابن كثير في "البداية والنهاية": هذا إسناد جيد قوي. انتهى. وقد رواه الحاكم في "مستدركه" من طريق ابن إسحاق وصححه ووافقه الذهبي على تصحيحه. ومنها ما رواه الإمام أحمد عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قلت: يا نبي الله ما كان أول بدء أمرك؟ قال: «دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى ورأت أمي أنه يخرج منها نور أضاءت منه قصور الشام». قال الهيثمي: إسناده حسن وله شواهد تقويه. انتهى. وقد رواه أبو داود الطيالسي بالإسناد الذي عند أحمد، ورواه محمد بن سعد في "الطبقات" مختصرًا ولفظه: «رأت أمي كأنه خرج منها نور أضاءت منه قصور الشام». ومنها ما رواه الإمام أحمد والبزار والطبراني وابن حبان في "صحيحه" والحاكم في "المستدرك" عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إني عند الله في أم الكتاب لخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته وسأنبئكم بتأويل ذلك دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى قومه ورؤيا أمي التي رأت أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام». قال الهيثمي: أحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح غير سعيد بن سويد وقد وثقه ابن حبان. انتهى. وقال الحاكم: صحيح الإسناد شاهد للحديث الأول، وتعقبه الذهبي بتضعيف أحد رجال الإسناد وهو أبو بكر بن أبي مريم الغساني. ومنها ما رواه الإمام أحمد والدارمي عن عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: كيف كان أول شأنك يا رسول الله؟ قال: «كانت حاضنتي من بني سعد بن بكر» - فذكر الحديث في شق بطنه وغسله بماء الثلج والبرد وذر السكينة في قلبه والختم عليه بخاتم النبوة ووزنه

ما وقع في الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم من ارتجاس إيوان كسرى وسقوط الشرفات منه وخمود نار فارس ورؤيا الموبذان وما قاله سطيح في ذلك

بألف من أمته وفي آخر الحديث أن أمه - صلى الله عليه وسلم - قالت: «إني رأيت خرج مني نور أضاءت منه قصور الشام». قال الهيثمي: إسناده حسن. ومنها ما رواه أبو نعيم في "دلائل النبوة" عن بريدة رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسترضعًا في بني سعد بن بكر فقالت أمه آمنة لمرضعته: انظري ابني هذا فسلي عنه فإني رأيت كأنه خرج مني شهاب أضاءت له الأرض كلها حتى رأيت قصور الشام. ومن أحلام الأكابر أيضًا رؤيا الموبذان (¬1) أن إبلاً صعابًا تقود خيلا عرابًا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلاد فارس. وقد روى القصة في ذلك ابن جرير في "تاريخه" وأبو نعيم في "دلائل النبوة" والبيهقي في "دلائل النبوة" عن مخزوم بن هانئ المخزومي عن أبيه – وأتت عليه مائة وخمسون سنة – قال: لما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ارتجس إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وغاضت بحيرة ساوة، ورأى الموبذان إبلاً صعابًا تقود خيلاً عرابًا وقد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها، فلما أصبح كسرى أفزعه ما رأى فصبر تشجعًا، ثم رأى لا يكتم ذلك عن وزرائه ومرازبته فلبس تاجه وقعد على سريره وجمعهم إليه فلما اجتمعوا إليه أخبرهم بالذي بعث إليهم فيه ودعاهم، فبينا هم كذلك إذ ورد عليه كتاب بخمود النار فازداد غمًا إلى غمّه، فقال الموبذان: وأنا أصلح الله الملك، قد رأيت في هذه الليلة – وقص عليه الرؤيا في الإبل – فقال: أي شيء يكون هذا يا موبذان – وكان أعلمهم عند نفسه بذلك – فقال: حادث يكون من عند العرب، فكتب عند ذلك: من كسرى ملك الملوك إلى النعمان بن المنذر، أما بعد فوجه إليّ رجلاً عالمًا بما أريد أن أسأله عنه، فوجّه إليه عبد المسيح بن عمرو بن حبان بن بقيلة الغساني فلما قدم عليه قال له: أعندك علم بما أريد أن أسألك عنه؟ قال: ليخبرني الملك فإن كان عندي منه ¬

_ (¬1) الموبذان بضم الميم وفتح الباء. قال السهيلي: معناه القاضي أو المفتي بلغتهم. وقال ابن منظور في "لسان العرب": الموبذان للمجوس كقاضي القضاة للمسلمين، والموبذ القاضي، وقال صاحب القاموس: الموبذان فقيه الفرس وحاكم المجوس.

التحذير من التصديق بأحلام التبليغيين

علم وإلا أخبرته بمن يعلمه له. فأخبره بما رأى، فقال: علم ذلك عند خالٍ لي يسكن مشارف الشام يقال له سطيح، قال: فأته فاسأله عما سألتك عنه وأتني بجوابه، فركب عبد المسيح راحلته حتى قدم على سطيح وقد أشفى على الموت فسلّم عليه وحيّاه فلم يُحر سطيح جوابًا فأنشأ عبد المسيح يقول: أصم أم يسمع غطريف اليمن - وذكر سبعة أبيات من الشعر -. فلما سمع سطيح شعره رفع رأسه وقال: عبد المسيح، على جمل يسيح، إلى سطيح، وقد أوفى على الضريح، بعثك ملك بني ساسان، لارتجاس الإيوان، وخمود النيران، ورؤيا الموبذان، رأى إبلاً صعابًا، تقود خيلاً عرابًا، قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها، يا عبد المسيح، إذ كثرت التلاوة، وبعث صاحب الهراوة (¬1)، وفاض وادي السماوة، وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس، فليست الشام لسطيح شامًا، يملك منهم ملوك وملكات، على عدد الشرفات، وكل ما هو آت آت، ثم قضى سطيح مكانه، فقام عبد المسيح إلى رحله وهو يقول – وذكر له سبعة أبيات من الشعر – فلما ¬

_ (¬1) قال ابن منطور في "لسان العرب": الهراوة العصا، وقيل: العصا الضخمة. وقال ابن الأثير وتبعه ابن منظور في "لسان العرب". وفي حديث سطيح: "وخرج صاحب الهراوة" أراد به النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه كان يمسك القضيب بيده كثيرًا، وكان يُمْشَى بالعصا بين يديه وتغرز له فيصلي إليها. انتهى. قلت: قد وقع تأويل رؤيا الموبذان في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم حين غزى المسلمون بلاد الفرس وقطعوا دجلة إليهم وانتشروا في بلادهم يقتلون مقاتلتهم ويسبون نساءهم وأطفالهم حتى أثخنوهم وانتزعوا الملك والممالك منهم ومزقوهم كل ممزق، وكان معظم ذلك في خلافة عمر رضي الله عنه، وقد دعا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يمزقوا كل ممزق، وذلك حين بلغه أن كسرى مزّق كتابه الذي بعثه إليه يدعوه فيه إلى الإسلام. روى ذلك الإمام أحمد والبخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وروى ابن سعد في "الطبقات" عن عبد الله بن حذافة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما بلغه أن كسرى مزّق كتابه قال: «اللهم مزّق ملكه» وقد استجاب الله دعاء رسوله - صلى الله عليه وسلم - فمزّق ملك كسرى كل ممزّق ولم تقم لهم دولة بعد ذلك.

التحذير من الاغترار بالتبليغيين والانضمام إليهم

قدم عبد المسيح على كسرى أخبره بقول سطيح، فقال: إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكًا كانت أمور وأمور فملك منهم عشرة في أربع سنين، والباقون إلى خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه. فصل ومما ينبغي التنبيه عليه والتحذير من التصديق به ما يزعمه التبليغيون من الأحلام التي يملئون بها بياناتهم ويعمرون بها مجالسهم ومجتمعاتهم في المساجد وغير المساجد، ويظهر على بعضها أنها من تلاعب الشيطان بهم ليفتنهم بما زينه لهم من البدع والضلالات والجهالات التي منشؤها من الأخذ بالمذاهب الصوفية المبتدعة والانحراف عن عقائد أهل السنة والجماعة ومذاهبهم في الأصول والفروع. ومن القصص الغريبة من أحلام التبليغيين وتلاعب الشيطان بهم في اليقظة والمنام ما ذكره الأستاذ سيف الرحمن بن أحمد الدهلوي في صفحة (39) من كتابه المسمى "نظرة عابرة اعتبارية، حول الجماعة التبليغية" حيث قال ما ملخصه: وإن من غريب مضار الجهل ما حدث بالهند وباكستان من بعض أهل الدين والصلاح والتقى حيث رأوا في المنام أنهم ذبحوا – أو يذبحون – بعض أولادهم الذكور خاصة، فلما أصبحوا ظنوا منامهم إلهامًا وأمرًا وابتلاءً لهم من الله، فقاموا وأنجزوا ما أمروا به في زعمهم فذبحوا أبناءهم من أصلابهم كما يذبح الكبش مطرحًا وهو ينظر، وأحسنوا ذبحتهم في زعمهم واحتسبوهم وأحسنوا احتسابهم في زعمهم، فيا لهول المنظر ويا لفظاعة الجهل، ولما أخذوا ونوقشوا قالوا: لم نأت إمْرًا، ولم نحدث نكرًا، وإنما أنجزنا ما أمرنا به واتبعنا فيه سنة سيدنا إبراهيم عليه السلام، ولا يعلمون أن منام الأنبياء وحي، ومنام الصلحاء بشائر أو أضغاث أحلام ومجرد رؤيا منام أو إضلال شيطان، والسبب في جهلهم هذا وأمثاله قيادتهم الدينية فهي المسئولة عن جهل الأتباع -إلى أن قال-: ولم نسمع بمثل هذه الأحداث في البلاد العربية. فيا لكارثة العقول وزيغ القلوب، ويا لضياع الدين والدنيا معًا، فإنا

لله وإنا إليه راجعون. انتهى. وإذا كانت هذه الكارثة من أفعال الموصوفين بالدين والصلاح والتقى من التبليغيين فما الظن بمن هو دونهم في هذه الخصال، فليحذر المؤمن الناصح لنفسه من الاغترار بالتبليغيين والانضمام إليهم فإنهم أهل بدع وضلالات وجهالات ولا خير فيهم. ومن الأحلام التي لا شك أنها من تلاعب الشيطان بالجهال ما وقع للفئة التي فارقت الجماعة وألحدت في الحرم في أول سنة 1400هـ ومنعت الناس من الصلاة في المسجد الحرام ومن الطواف بالكعبة نصف شهر، فقد ذكر عن غير واحد منهم أنهم رأوا في المنام أن صاحبهم الذي ادعوا فيه المهدية هو المهدي الذي أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يخرج في آخر الزمان، فكانت النتيجة من هذه الأحلام الشيطانية أن فارقوا الجماعة وفعلوا الأفاعيل الشنيعة في حرم الله تعالى إلى أن يسر الله القبض عليهم والحكم عليهم بالإعدام، فغرّهم الشيطان بالأحلام الكاذبة ثم تخلى عنهم وأسلمهم للقتل. نعوذ بالله من مكايد الشيطان وأضاليله، وهذا آخر ما تيسر إيراده، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

§1/1