قواعد الجغرافيا العامة الطبيعية والبشرية

جودة حسنين جودة

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة يسرنا أن نقدم هذا الكتاب "قواعد الجغرافيا العامة" لأبنائنا طلاب الصفوف الأولى بأقسام الجغرافيا بكليات البنات، وبشعب الجغرافيا والتاريخ بكليات التربية، وبمعاهد المعلمين والمعلمات العليا. والجغرافيا بمفهومها الحديث هى العلم الذي يدرس البيئة والإنسان من حيث إن كلًّا منهما يؤثر في الآخر ويتأثر به، وندرك من هذا التعريف أن الجغرافيا تجمع في طبيعتها وشكلها وموضوعها بين مركب العلوم التي تدرس البيئة، وتلك التي تدرس الإنسان، ثم تضيف إلى ذلك ميزة فريدة تتمثل في أنها تدرس التفاعل والتأثير المتبادل بين ضوابط البيئة الطبيعية والعوامل البشرية والإنسانية. فلعلم الجغرافيا جانبان: جانب طبيعي، وجانب بشري. وتُعنى الجغرافيا الطبيعية بمختلف أفرعها بدراسة الظواهر الطبيعية التي لا دخل للإنسان في وجودها. فهي تدرس الأرض باعتبارها فردًا من أفراد الأسرة الشمسية، وتبحث في ظواهر غلافها الصخري والجوي. وهي تلتزم بالفكر الجيولوجي الجغرافي الحديث، ومؤداه أن الأرض في تغير مستمر. فالجبال تنشأ وتشمخ في العلا، ثم تتآكل وتتحول إلى سهول ومنخفضات، وتتقدم البحار وتطغى على اليابسة، ثم تتقهقر وتنحسر عنه، وتستحيل الصخور الصلبة بفعل الضغط والحرارة إلى صهير يندفع خلال قشرة الأرض وينبثق إلى السطح في هيئة براكين. كما تتغير الأحياء الحيوانية والنباتية وتتبدل من فصيلة لأخرى، وقد بدأ هذا التغير والتطور منذ نشأة

قشرة الأرض الصلبة، ومنذ ظهور الحياة على سطحها كنتيجة للعمليات الطبيعية التي ما تزال دائبة مستمرة حتى عصرنا الحالى. أما الجغرافيا البشرية فتتناول بالدراسة توزيع المجتمعات البشرية ومدى التأثير المتبادل بينها وبين بيئاتها الطبيعية والصور الاجتماعية التى تنجم عن تفاعل الإنسان ببيئته المحلية مثل توزيع السكان وأنماط العمران حَضَرِيًّا كان أم ريفيًّا، ومظاهر النشاط البشري ومؤثراته في البيئات المختلفة، وكذلك التركيب السياسي للدول كظاهرة سياسية جغرافية تمثل رقاعا من سطح الأرض لها حدودها وموقعها ومقوماتها الطبيعية والحضارية، وما يترتب على ذلك من نتائج سياسية تخضع بالضرورة للظروف الجغرافية السائدة على المستويين الإقليمي والعالمي. وقد وضعنا نصب أعيننا عند تأليف هذا الكتاب أن نحقق هدفين رئيسيين: 1- أن يحوي الكتاب الأصول العلمية الصحيحة لعلم الجغرافيا بمختلف أفرعه، وأن يتضمن أدق المعلومات وأحدثها. 2- أن يكون أسلوبه سهلًا مبسطًا، وأن تكون معلوماته مشروحة شرحًا وافيًا، وأن يكون مزودًا بعدد كافٍ من الأشكال التوضيحية والصور. بل إننا في كثير من المواضع حاولنا تتبع مراحل تكوين الظاهرة بالشكل والكلمة. ويقع الكتاب في أحد عشر بابًا، يتناول الباب الأول: دراسة مبادئ الجغرافيا الفلكية، والباب الثاني: التركيب الصخري لقشرة الأرض والأزمنة الجيولوجية، والباب الثالث: القوى التي تؤثر في تشكيل سطح الأرض، والباب الرابع: التضاريس، والباب الخامس: الغلاف الجوي، والباب السادس: الغلاف الجوي، والباب السادس: الغلاف الحيوي "نبات طبيعي، وحيوان"، والباب السابع: عن الإنسان وعناصر البيئة، والباب الثامن: سكان العالم، والباب التاسع: مراكز العمران

البشري، والباب العاشر: عن الحرف الكبرى للإنسان، ثم الباب الحادي عشر والأخير: في الجغرافيا والسياسة. وإننا إذ نقدم لأبنائنا الطلاب هذا الجهد لنرجو لهم به النفع، والله ولي التوفيق، دكتور/ جودة حسين جودة دكتور/ فتحي محمد أبو عيانة.

محتويات الكتاب

محتويات الكتاب: الباب الأول: مبادئ الجغرافيا الفلكية رقم الصفحة الفصل الأول: المجموعة الشمسية 17 الفصل الثاني: نشأة الأرض 27 الفصل الثالث: شكل الأرض وأبعادها، خطوط الطول والعرض 31 الفصل الرابع: حركات الأرض 47 الباب الثاني: التركيب الصخري لقشرة الأرض والأزمنة الجيولوجية الفصل الأول: التركيب الصخري لقشرة الأرض 59 الفصل الثاني: الأزمنة الجيولوجية وأهميتها الجغرافية 67 الباب الثالث: القوى التي تؤثر في تشكيل سطح الأرض الفصل الأول: القوى الداخلية البطيئة 85 الفصل الثاني: القوى الداخلية السريعة 103 الفصل الثالث: القوى الخارجية وأثرها في تشكيل سطح الأرض 121

الباب الرابع: التضاريس الفصل الأول: توزيع اليابس والماء وتضاريس اليابس 185 الفصل الثاني: التوزيع العام للمرتفعات والمنخفضات في مختلف القارات 199 الباب الخامس: الغلاف الجوي الفصل الأول: درجة الحرارة 227 الفصل الثاني: الضغط الجوي وعلاقته بالدورة الهوائية العامة 243 الفصل الثالث: الرياح 255 الفصل الرابع: التبخر والرطوبة 273 الفصل الخامس: التكاثف 279 الفصل السادس: المطر 285 الباب السادس: الغلاف الحيوي الفصل الأول: النباتات الطبيعية وتوزيعها على سطح الأرض 303 الفصل الثاني: الحيوانات وتوزيعها على سطح الأرض 323 الباب السابع: عناصر البيئة الطبيعية والإنسان الفصل الأول: مفهوم الجغرافيا البشرية وتطورها 333 الفصل الثاني: عناصر البيئة الطبيعية والإنسان 343

الباب الثامن: سكان العالم الفصل الأول: توزيع السكان في العالم 365 الفصل الثاني: النمو الطبيعي للسكان 379 الفصل الثالث: الهجرات السكانية 397 الباب التاسع: مراكز العمران الريفي الفصل الأول: مراكز العمران الريفي 415 الفصل الثاني: نشأة المدن وتطورها 429 الفصل الثالث: استخدام الأرض داخل المدينة 451 الباب العاشر: من الحرف الكبرى للإنسان الفصل الأول: الزراعة 469 الفصل الثاني: صيد الأسماك 491 الفصل الثالث: التعدين 507 الباب الحادي عشر: في الجغرافيا والسياسة الفصل الأول: الدولة ومقوماتها الجغرافية 521 الفصل الثاني: دور الجغرافيا في التخطيط الإقليمي 548 المراجع الرئيسية 557

الباب الأول: مبادئ الجغرافيا الفلكية

الباب الأول: مبادئ الجغرافيا الفلكية مدخل ... الباب الأول: مبادئ الجغرافيا الفلكية: تمهيد: الجغرافيا الفلكية هي العلم الذي يدرس الكون الفسيح، وما فيه من أجرام كالنجوم والسدم والكواكب والنيازك والشهب والمذنبات. وهى من أقدم العلوم التي مارسها الإنسان؛ نظرا لأن حب الاستطلاع يدفعه إلى النظر إلى الأشياء البعيدة عنه، والتي تستهويه بجمالها أو غرابتها. وقد ساهم الفراعنة ومن بعدهم الأغريق فالرومان ثم العرب المسلمون في تقدم علم الفلك، وبرز من أبناء مصر القديمة ومن علماء الدولة الإسلامية من رصد النجوم والكواكب والأقمار، وتتبع حركاتها ومساراتها.

الفصل الأول: المجموعة الشمسية

الفصل الأول: المجموعة الشمسية مدخل ... الفصل الأول: المجموعة الشمسية: يتألف الكون من عدد كبير من المجموعات النجمية، والمجموعة الشمسية هي أحدى تلك المجموعات. وتتكون المجموعة الشمسية من نجم عظيم يشغل مركزها وهو الشمس، ومن عشرة كواكب سيارة أحدها كوكب الأرض، وتدور جميعها حول الشمس في مدارات "بيضاوية" الشكل في اتجاه واحد من الغرب إلى الشرق، وفي مستوى واحد هو مستوى الخسوف والكسوف. وهذه الكواكب مرتبة بحسب قربها من الشمس هي: 1-عطارد ... Mercury ... 2- المشترى ... Jupiter 2- الزهرة ... Venus ... 7- زحل ... Saturn 3- الأرض ... Earth ... 8- أورانوس ... Uranus 4- المريخ ... Mars ... 9- نبتون ... Neptune 5- الكويكبات ... Asteroids-Planetoids ... 10- بلوتو ... Pluto وتختلف الكواكب فيما بينها من حيث الحجم والكثافة والبعد عن الشمس. فمن حيث الحجم من الكواكب ما هو صغير وما هو كبير. والمشترى هو أكبرها حجمًا ويقع في مركز متوسط بينها. أما بقية الكواكب فإن أحجامها تتدرج في الصغر كلما بعدت عنه في كلا جانبيه. وإذا اتخذنا قطر الأرض ومقداره 12683 كم، واعتبرناه وحدة قياس، فإننا سنجد أن أقطار الكواكب الأخرى كالآتي: عطارد 0.38وحدة ... المشترى 11.00 وحدة الزهرة 0.97 وحدة ... زحل 9.5 وحدة الأرض 1.00 وحدة ... أورانوس 4.00 وحدة المريخ 0.50 وحدة ... نبتون 3.89 بلوتو مجهول "من نصف وحدة إلى وحدة".

انظر إلى الشكل رقم 1 ورتب الكواكب حسب أحجامها من الكبير إلى الضغير شكل "1": كواكب المجموعة الشمسية ويعتقد الفلكيون أن كثافة الكواكب الصغيرة الحجم أكبر من كثافة الكواكب الكبيرة الحجم، وإذا ما اتخذنا الكثافة العامة للمياه كوحدة قياس مقارنة سنجد أن متوسط كثافات الكواكب كما يلي: عطارد: 3.73 ... المشترى: 1.34 ... بلوتو مجهول. الزهرة: 5.21 ... زحل: 0.69 ... الأرض: 5.52 ... أورانوس: 1.36 ... المريخ: 3.94 ... نبتون: 1.32 ... وإذا اتخذنا المسافة التى تقع بين الأرض والشمس ومقدارها 149.500.000 كم واعتبرناها وحدة قياس للمسافة فإننا سنجد أن الكواكب تبتعد عن الشمس بالوحدات الآتية: عطارد: 0.39 وحدة ... المشترى: 5.20 وحدة ... بلوتو: 39.46 وحدة الزهرة: 0.72 وحدة ... زحل: 9.45 وحدة ... الأرض: 1.00 وحدة ... أورانوس: 19.19 وحدة ... المريخ: 1.52 وحدة ... نبتون: 30.07 وحدة ... ويمكنك أن تتعرف على الأبعاد الحقيقة بالأرقام من الشكل رقم 2. ويفصل مجموعة الكواكب القريبة من الشمس عن مجموعة الكواكب البعيدة عنها نطاق من الكويكبات يبلغ عدد الكبير منها أكثر من 1500 كويكب. وتتكون الكويكبات من مجمعات من الأجسام الصغيرة الشبيهة بالكواكب تدور هى

شكل "2": أبعاد الكواكب عن الشمس.

الأخرى حول الشمس في مدارات "بيضاوية" فيما بين مداري المريخ والمشترى. وتقدر كتلتها الكلية بنحو 0.00003 من كتلة الأرض التى تبلغ 5000 مليون مليون مليون طن. ويظن أنها تكونت نتيجة لانفجارات حدثت في كوكب كبير، أو أن ذلك الكوكب الكبير قد اصطدم بغيره فتفتَّتَ، أو أنها أجرام صغيرة فشلت في التجمع والالتحام لتكوين كوكب كبير. شكل3: الأقمار التابعة لبعض الكواكب وهناك ستة كواكب لها توابع أو أقمار وهي: الأرض والمريخ والمشترى وزحل وأورانوس ونبتون "شكل3". ويدور معظم هذه الأقمار حول الكواكب في نفس اتجاه دوران الكواكب حول الشمس. ويتبع المشترى أكبر عدد من الأقمار إذ يبلغ عددها "12"، منها ثمانية تدور حوله في نفس اتجاه دوران الكوكب نفسه أى من الغرب إلى الشرق، بينما الأربعة الأخرى تدور في اتجاه معاكس. ويتبع المريخ قمران، وزحل تسعة أقمار كما تحيط به هالة. أما أورانوس فيتبعه خمسة أقمار ونبتون قمران، والأرض قمر واحد. أما الكواكب الأخرى فليس لأي منها قمر يتبعها. وعلى هذا تشتمل المجموعة الشمسية على عشرة كواكب وواحد وثلاثين قمرًا دون حساب الهالة الغازية حول زحل. وفي 2 يناير من عام 1959 أطلق الاتحاد السوفيتي أول صاروخ للفضاء، استطاع أن يخرج من مجال جاذبية الأرض ليتخذ له مدارًا حول الشمس، وبالتالى أصبح أول تابع صناعي للمجموعة الشمسية. وبالإضافة إلى الشمس والكواكب العشرة والأقمار التابعة لها تحتوي المجموعة الشمسية على عدد هائل من أجرام سماوية صغيرة الحجم تعرف بالمذنبات والشهب والنيازك وفيما يلي وصف لكل منها:

الشمس

1- الشمس: هي كرة هائلة تتكون من غازات ملتهبة، ويبلغ قطرها نحو 1.380.000 كم، وهو يعادل قطر الكرة الأرضية بنحو مائة مرة، وحجمها قدر حجم الأرض مليون مرة،. وتقدر درجة حرارة سطح الشمس بنحو 7000 درجة مئوية. وتندلع منها ألسنة نارية تشاهد وقت الكسوف الكلي للشمس. ويندفع لهيبها في الفضاء بسرعة تقدر بنحو 400 كم في الثانية. ومن هذه الكتلة الملتهبة تشع الحرارة باستمرار فتصل إلى الأرض. ولكن مقدار ما يستطيع الوصول إلى الأرض من الإشعاع الشمسي لا يزيد على 1: 2 مليار منه، أما الباقي فتمتصه الغازات في طبقات الجو العليا. ورغم ضآلة هذا القدر فأنه كافٍ لأن تقوم الحياة على وجه الأرض. والشمس بالنسبة لسكان الأرض أبهى وأهم نجوم الكون. وهى تهيمن على كل أفراد أسرتها. فكل الكواكب تتحرك في مدارتها تحت تأثير جاذبيتها، ومن أشعتها تنبعث الطاقة التى هى مصدر كل حركة وحياة على سطح الأرض.

الكواكب

الكواكب مدخل ... 2- الكواكب: أجرام سماوية صخرية معتمة لا تضيء بنفسها، وإنما تستمد نورها من الشمس، وهى كما رأينا تختلف في أحجامها وكثافتها وكتلتها وبعدها عن الشمس.

عطارد

أ- عطارد: كوكب عطارد هو أقرب الكواكب إلى الشمس، ويتحرك بسرعة كبيرة في مداره. وهو أصغر الكواكب حجمًا، ويدور حول الشمس في 88 يومًا. وهو يواجه الشمس بجانب واحد، كما يفعل القمر بالنسبة للأرض، وجانبه المواجه للشمس يتعرض للإشعاع الشمسي الشديد، بينما يبقى الجانب الآخر في ظلام دائم. ولا يحيط بعطارد غلاف جوي، ومن ثم تستحيل الحياة عليه.

الزهرة

ب- الزهرة: يقارب حجمُ كوكب الزهرة حجمَ الأرض، ولكنه في الكثافة وفي الكتلة 4/ 5 كتلة الأرض، وهو يدور حول نفسه ببطء، كما يتم دورته حول الشمس في 44 يومًا، وقد تمكنت سفينة الفضاء مارينز 2 من الاقتراب منه في ديسمبر من عام 1962. فأرسلت إلى الأرض معلومات تفيد بأنه جافٌّ شديد الحرارة في أجزائه المنخفضة نحو 315 ْم، وقارس البرودة في أجزائه المرتفعة المظاهرة للشمس، ويبدو أن الحياة تنعدم فيه. شكل 4: كوكب المشترى "لاحظ البقعة الحمراء الضخمة من نصفه الجنوبي".

المريخ

ج- المريخ: ويشبه المريخ كوكب الأرض في أنه يحتوي على يابس وماء، وفي كليهما تبخر الحرارة المياه، ويشكل التكاثف سحبًا تسوقها الرياح. ويحيط به غلاف غازي قد يلائم نمو نبات وحيوان، وإن كان يحتوي على نسبة مرتفعة من ثاني أكسيد الكربون. ولكن المريخ يختلف عن الأرض في أنه أصغر منها حجمًا وكتلة، ومن ثم فقوة جاذبيته صغيرة "0.38 من جاذبية الأرض". ولهذا فغلافه الجوي ضئيل ومياهه ليست وفيرة. وعلى الرغم من أن هناك أوجه شبه بين المريخ والأرض في تعاقب فصول السنة الأربعة، إلا أن مداها على المريخ ضعف مداها على الأرض تقريبًا، فسنة المريخ 686.5 يومًا تقريبًا بينما سنة الأرض 365.25 يومًا، ويرجع ذلك إلى أن مدار المريخ حول الشمس أطول وأكثر "بيضاوية" من مدار الأرض.

المشترى

د- المشترى: هو أكبر الكواكب، وحجمه قدر حجم الأرض 1300 مرة، وكثافته ربع كثافة الأرض تقريبًا، وكتلته قدر كتلة الأرض 300 مرة، وضعف كتلة الكواكب مجتمعة. ومن ثم تجوز تسميته بحق بالكوكب العملاق. وهو سريع الدوران حول محوره، فيتم دورة كاملة حول نفسه في 9 ساعات و55 دقيقة لكنه بطيء الدوران حول الشمس إذ يتم دورته حولها في 11.9 سنة أرضية، وأهم ما يميزه وجود نطاقات داكنة وأخرى فاتحة تمتد موازية تقريبًا لدائرته الاستوائية. ويبدو أنها تمثل انخفاضات في الغلاف الجوى الكثيف الذي يحيط بالمشترى. وكثيرًا ما تشاهد عليه أشكال بيضية تشبه السحب. ولكن أهم الظواهر التي أمكن رؤيتها بوضوح تلك البقع الحمراء التى شوهدت لأول مرة في عام 1877 واشتدت حمرتها في العام التالى. ويعتقد أنها -كالنطاقات الداكنة والفاتحة- انخفاضات جوية تتكون بلون أرض الكوكب من أسفلها أو بلون الأبخرة الحمراء العالقة بطبقات غلافه الجوي السفلى. وكثيرًا ما نشاهد بقعًا بيضية الشكل بيضاء اللون على سطح المشترى، تتحرك بسرعة متفاوتة يظن أنها سحب سيارة. ووجود هذه السحب والأبخرة دليل على أن كوكب المشترى ما زال حارًّا حتى على سطحه. فالإشعاع الشمسي الذي يتلقاه المشترى ضئيل "5 % من الإشعاع الشمسي على الأرض" لا يكفي لتكوين السحب وإحداث التغيرات السريعة التى تعاينها "شكل4".

زحل

هـ- زحل: يدور زحل حول نفسه في 10 ساعات و14 دقيقة، بينما حول الشمس في 29.5 سنة أرضية تقريبًا، وحجمه قدر حجم الأرض 740 مرة لكن كتلته تبلغ 95 مثلًا من كتلة الأرض؛ نظرًا لأن كثافته منخفضة. وهو يشبه المشترى في تلك النطاقات الداكنة والفاتحة على سطحه، لكنها أقل من نطاقات الكوكب العملاق وضوحًا وتغيرًا. ويحيط به غلاف جوي يتكون من غازات الأيدروجين والهليوم والميثان. ويمتص غلافه الجوي جزءًا من

الإشعاع الشمسي، ويحيط بالكوكب هالة تتألف من ثلاث حلقات تحتوي على أجسام صغيرة متناثرة وتدور الهالة من حوله، وهو يشبه في طبيعته وتكوينه كوكب المشترى لكن يبدو أنه أكثر منه برودة. شكل5: زحل والهالة من حوله وتتكون هالة زحل من أربعة أقراص رقيقة يبلغ اتساعها الكلي نحو 60.000 كيلو متر، والحلقتان الخارجيتان مضيئتان، بينما الحلقة الداخلية ضعيفة اللمعان، وهامشها الداخلي لا يبعد عن قرص زحل بأكثر من 16.000 كم. ويفصل بين الحلقتين الخارجيتين مسافة تقدر بنحو 2600 كم. ويبلغ سمك الحلقات نحو 160 كم، وهى تتألف من أجسام منفصلة لا تحصى عددًا، وهي في واقع الأمر توابع صغيرة تشبه أسراب النيازك، من الممكن أن تتصادم ببعضها منشئة لجو مغبر ملتهب يحيط بها شكل 5.

أورانوس

و أورانوس: يبلغ حجم أورانوس 64 مثلًا لحجم الأرض، ويدور حول محوره في فترة تقدر بين 10-12 ساعة، لكنه يتم دورته حول الشمس في نحو 48 سنة أرضية. وهو يبدو من خلال المنظار الفلكي كقرص لونه أشبه بخضرة مياه البحر، ويبدو في خضرته نطاقات داكنة نوعًا، ويقال أنه محاط بغلاف جوي

يتألف من غازات الميثان والنشادر والهيليوم. وله خمسة أقمار تدور في اتجاه معاكس لدوران الكواكب حول الشمس أي من الشرق إلى الغرب.

نبتون

ز- نبتون: كوكب نبتون هو أبعد الكواكب عن الشمس باستثناء بلوتو، وهو لا يتلقى من الإشعاع الشمسي 0.09% مما تتلقاه الأرض منه. وتبلغ كثافته ربع كثافة الأرض، وكتلته قدر كتلة الأرض 17 مرة، وهو مثل أورانوس محاط بغلاف من غاز الميثان والنشادر والهيليوم ويتبعه قمران. شكل 6: مورهاوس. لاحظ رأسه الشديدة التوهج، وذيله المضيء الممتد في الفضاء.

بلوتو

س- بلوتو: كوكب صغير وبعيد لدرجة أنه يصعب قياسه بدقة؛ ولذلك فلا يعرف عنه شيء سوى أنه يدور حول الشمس في 247 سنة أرضية ويدور حول نفسه في 6.4 يومًا، ويبدو أنه لا يزيد حجمًا عن المريخ، وله فلك شاذ يدخله في مدار نبتون، بل يجعله أقرب إلى الشمس من نبتون حينما يكون عند نقطة الرأس من مدراه حول الشمس؛ ولهذا وغيره يظنه بعض الفلكيين مجرد تابع هارب من الكوكب نبتون.

المذنبات

3- المذنبات: وهي جزء من المجموعة الشمسية. وتشاهد من الأرض في هيئة بقع مضيئة تمثل رءوسها، ومنها تمتد ألسنة أو ذيول منيرة في الفضاء. وتتركب المذنبات من غازات أهمها أول أكسيد الكربون ومن حبيبات دقيقة من التراب الكوني الذي يعكس أشعة الشمس. وتشاهد عقدة متصلبة معينة عند رأس المذنب ويبدو أن هذه الرءوس تتكون من مجمعات صخرية وحصوية تتباعد عن بعضها بمسافات صغيرة. وكتلة المذنب صغيرة جدًّا، ولا تزيد عن كتلة كويكب صغير، وهي تقدر بنحو واحد في المليار من كتلة الأرض. وتدور المذنبات، كالكواكب حول الشمس في مدارات "بيضاوية"، ويتحرك بعضها في مدارات "بيضاوية" مستطيلة نوعًا، ولهذا يمكن رؤيتها موسميًّا من الأرض، أما الغالبية العظمى من المذنبات فيدور في أفلاك مستطيلة جدًّا؛ لهذا فإنها تستغرق من الزمن مئات السنين وأحيانا آلافًا من السنين لتكمل دورتها حول الشمس ومن أشهرها مجموعة "أنك" ومجموعة "مورهاوس" ومجموعة "هالي".

الشهب والنيازك

الشهب والنيازك ... 4- الشهب النيازك: عبارة عن حطام أجسام كونية متحللة تماثل في تركيبها الكواكب من صنف الأرض، ولا تختلف الشهب عن النيازك إلا في الحجم. فالشهب في حجم الحصى، أما النيازك فيصل قطرها بضعة أمتار. وهى تسبح في الفضاء زرافاتٍ ووحدانًا. وحين تقترب من مجال جاذبية الأرض تندفع إليها وتقتحم الغلاف الجوي بسرعة هائلة، ويتولد عن احتكاكها بجو الأرض حرارة شديدة تؤدي إلى اشتعالها واحتراق معظمها وتلاشيه في الجو، بينما يصل بعض موادها إلى الأرض. ومن دراسة هذه المواد تبين أن كل المعادن التى تدخل في تكوينها معروف في الأرض. فهى إما تتركب من معادن ثقيلة كالحديد والنيكل، أو من معادن خفيفة كالتي تدخل في تركيب الصخور الأرضية.

الفصل الثاني: نشأة الأرض

الفصل الثاني: نشأة الأرض مدخل ... الفصل الثاني: نشأة الأرض تقدم العلماء بطائفة من النظريات التى تبحث في نشأة المجموعة الشمسية بصفة عامة والكرة الأرضية بصفة خاصة، وبعض هذه النظريات قديم كنظريتي "كانت" و"لابلاس" وبعضها الآخر حديث. وسنقتصر هنا على عرض ثلاث من النظريات الحديثة التي تهتم بنشأة الكواكب على وجه الخصوص، وهى نظرية الكويكبات، ونظرية المد الغازى، ونظرية الازدواج النجمي.

نظرية الكويكبات

1- نظرية الكويكبات: ترى هذه النظرية أن الكواكب قد تم انفصالها عن الشمس ذاتها، وذلك عن طريق التأثير المتبادل بين الشمس ونجم آخر أضخم منها حجمًا. فقد حدث أن اقترب نجم عظيم الجرم من الشمس فجذبها إليه. فحدث فيها تمدد أو انبعاج عند كل من جانبيها المواجه والمظاهر للنجم. كما حدث انفجار في جسم الشمس نتيجة الضغط الشديد الواقع على أجزائها الداخلية. ونشأ عن هذا وذاك أن انفصلت عن جسم الشمس ألسنة ملتهبة من المنطقتين اللتين أصابهما الانبعاج على دفعات متتابعة، ثم أخذت تلك الألسنة تبرد وتتكاثف وتتحرك إلى أجسام صلبة صغيرة هي التي أطلق عليها اسم الكويكبات. وأخذت تلك الكويكبات تتجاذب وتتلاحم ويجمع الكبير منها الصغير بدرجات متفاوتة، إلى أن كبرت ونمت ووصلت إلى أحجام الكواكب العشرة المعروفة التى تتألف منها المجموعة الشمسية. "انظر شكل رقم 6".

نظرية المد الغازي

2- نظرية المد الغازي: تقوم نظرية المد الغازي أساسًا على الاعتراف بقوة الجذب على اعتبار

إنها العامل المؤثر الوحيد، وتنكر عمليات الانفجار التي تفترض حدوثها نظرية الكويكبات. شكل 6: تفسير نظرية الكويكبات. أ- الشمس الأصلية، وقد اقترب منها نجم أعظم منها حجمًا، فجذب إليه منها لسانًا غازيًّا عظيم الجرم. ب- اللسان يتعرض لضغط شديد وانفجار فينفصل. ج- تكاثف مواد اللسان وتجمعها بالتدريج لتكون كوكبًا. وتقول هذه النظرية إنه قد اقترب نجم من الشمس أعظم منها حجمًا عدة مرات ونتيجة لقوة جذب النجم لجسم الشمس تحطمت حوافها الملتهبة، وقذفت بعيدًا عنها. فكانت هذه المقذوفات الغازية تحتوي من المواد ما يكفي لأن يجعلها تتماسك في شكل عمود غازي ضخم بلغ طوله قدر طول المسافة بين الكوكب بلوتو والشمس، وبلغ سمكه آلاف الكيلومترات. وكان هذا العمود الغازي أكثر سمكًا وضخامة في الوسط عنه عند طرفيه، وبمرور الزمن تكاثفت مواد العمود الغازي وانفصلت إلى عشرة أجزاء. وكانت الأجزاء التي انفصلت واستقلت في الوسط أكبر حجمًا من غيرها، وفيها نشأت وتكونت الكواكب الأكبر حجمًا، أما الكواكب الصغيرة فقد تكونت عند طرفي العمود الغازي أو بالقرب منها، ويتفق هذا الترتيب في أحجام الكواكب مع الحقائق المعروفة الخاصة بالمجموعة الشمسية، إذ يشغل الكوكبان العظيمان المشترى وزحل مركزًا وسطًا بين الكواكب "شكل رقم 7". وتفترض النظرية أيضًا أن الأقمار قد انفصلت عن الكواكب تحت تأثير جاذبية الشمس، أو ربما بتأثير جاذبية النجم الزائر نفسه، وتذكر النظرية

أن الأرض وسائر الكواكب قد بردت إلى أن وصلت إلى حالة سائلة تمامًا، ثم تصلبت بعد ذلك عن طريق فقدان الحرارة بالإشعاع. وعلى هذا النحو أمكن ترتيب مواد الأرض أثناء عمليات التبريد في شكل أغلفة تزداد كثافة بالاتجاه نحو مركز الكرة الأرضية. شكل 7: تفسير نظرية المد الغازي أ- الشمس الأصلية وحولها هالة غازية عظيمة الحجم. ب- اقترب منها نجم أعظم منها حجمًا، فجذب إليه الهالة الغازية. ج- انفصال الهالة الغازية عن الشمس، وابتعادها عنها مكونة عمودًا غازيًا يشبه السيجار في شكله، أي أنه كان أكثر سمكًا وضخامة في وسطه عنه عند طرفيه، وبالتدريج تكاثفت مواده مكونة للكواكب المختلفة، ويلاحظ أن الكواكب في الوسط أكبر حجمًا من الكواكب التى تشكلت عند الطرفين.

نظرية الازدواج النجمي

نظرية الازدواج النجمي مدخل ... 3- نظرية الازدواج النجمي: كانت نظرية المد الغازي في مجموعها مقبولة لتفسير الصورة العامة لعملية نشأة المجموعة الشمسية، وقد ظهر كثير من الصعوبات أمام صحتها، أهمها اثنتان:

الصعوبة الأولى

الصعوبة الأولى: أن الكواكب ما هى إلا قسم يسير من الكتلة الكلية للمجموعة الشمسية، ومع ذلك تبعد بعدًا عظيمًا عن الشمس وتتحرك حولها، فالمسافات الشاسعة التي تفصل بين الشمس والكواكب لا تعزز أية نظرية تفترض انفصال مادة الكوكب من جسم الشمس، إذ إنه لو أن الكواكب قد انفصلت عن الشمس لكانت تبعد عنها بمسافات قصيرة محددة.

الصعوبة الثانية

الصعوبة الثانية: أن الشمس تتركب في معظمها من عناصر خفيفة كالأيدروجين والهيليوم. وهي عناصر يقل وجودها في الأرض. بينما نجد أن الأرض والكواكب الأخرى تتركب من نسب كبيرة من عناصرَ وزنُها الذريُّ عظيم كالحديد والألمونيوم، وهى عناصر نادرة الوجود في جسم الشمس. لهذا نجد أن المواد التي يمكن أن تنفصل عن الشمس بشكل أو بآخر كالعمود الغازي لا يمكن أن تؤدي إلى تكوين مواد كواكب المجموعة الشمسية. وقد جاءت نظرية الازدواج النجمي لتفادي هاتين الصعوبتين. فهي تذكر أنه يمكن التغلب على الصعوبة الأولى لو تصورنا أن الشمس وقت زيارة النجم لم تكن منفردة، بل كان يصاحبها نجم آخر. وظاهرة الازدواج النجمي نجدها شائعة نسبيًّا في الكون، معنى هذا أنه كان يوجد ثلاثة أجرام: الشمس والنجم المصاحب لها ثم النجم الزائر الذي كان يكبرها حجمًا. وقد تعرض النجم المصاحب لجذب النجم الزائر كما تعرض لانفجار شديد. وقد أدى الانفجار العنيف إلى طرد نواة هذا النجم بعيدًا عن مجال جاذبية الشمس، بينما بقيت كتلة من الغاز كانت كافية لتكوين عمود غازي عظيم، فيه نشأت وتكاثفت الكواكب المعروفة على أبعاد من الشمس تتناسب مع أبعادها الحالية. وللتغلب على الصعوبة الثانية ترى النظرية أن انفجار النجم المصاحب قد ولَّد حرارة هائلة كانت كافية لتأليف العناصر الثقيلة التي تتركب منها الأرض وبقية الكواكب، ويمكن اعتبار ما جاء بهذه النظرية بمثابة تفسير عام لا بأس به لنشأة المجموعة الشمسية.

الفصل الثالث: شكل الأرض وأبعادها خطوط الطول والعرض

الفصل الثالث: شكل الأرض وأبعادها خطوط الطول والعرض مدخل ... الفصل الثالث: شكل الأرض وأبعادها، خطوط الطول والعرض: تحتل الأرض مكانها في المجموعة الشمسية كغيرها من الكواكب، ولكنها تقع من الشمس موقعًا وسطًا، فهى ليست شديدة القرب من الشمس مثل عطارد والزهرة، فتتعرض للحرارة الشديدة، وليست بعيدة عن الشمس مثل المشترى وزحل فتتعرض للبرودة القارصة بسبب نقصان الحرارة المقتبسة من الشمس، ومن ثم فإن موقع الأرض المتوسط بالنسبة للشمس يسمح بوصول قدر من الإشعاع الشمسي يكفي لنمو وازدهار الحياة على سطحها.

شكل الأرض

شكل الأرض: أدرك القدماء منذ القرن الثالث قبل الميلاد أن الأرض كُروية، شأنها في ذلك شأن سائر الأجرام السماوية، وكانت لهم في ذلك أدلة تطورت بتطور العلوم ورقيها منها: استدارة ظل الأرض على سطح القمر، واستدارة الأفق واتساعه تبعًا للارتفاع. وظهور أعالي الأشياء قبل أسافلها، واختفاء أسافلها قبل أعاليها واختلاف الزمن في الأقطار المختلفة "شكل 8" كما قام ماجلان برحلته المشهورة التي استغرقت عامين 1519-1521 وطاف خلالها حول الأرض. ومنذ أن اكتشفت قوة البخار والآلة ذات الاحتراق الداخلي أصبح في إمكان السفن، ثم الطائرات أن تقوم بالسياحة حول الأرض، مما لا يدع مجالًا للشك في كروية الأرض. وفي عصرنا الحالى "عصر الفضاء" الذى ابتدأ عام 1959، تمكن العلماء من إطلاق سفن الفضاء التى تحمل آدميين إلى أبعاد عظيمة خارج الغلاف الجوي المحيط بالأرض، ومن هذا الارتفاع الشاهق دارت السفن حول الأرض مئات المرات وشاهدها رواد الفضاء، كما سجلت لها آلاف الصور. وقد

أكدن كل المشاهدات والصور أن الأرض كروية الشكل، وهي تظهر لأعين الرواد من بعيد مضيئة كما يبدو القمر لنا، نتيجة لانعكاس أشعة الشمس على وجهها. شكل 8: شكل الأرض توضح الرسوم الستة الشواهد التقليدية على كروية الأرض

أبعاد الأرض

أبعاد الأرض: الأرض في واقع الأمر ليست كرة هندسية متقنة، وهي حقيقة سبق أن اكتشفها نيوتن في نهاية القرن السابع عشر، وقد أثبت القياس الدقيق فيما

بعد أن هناك اختلافات بين أبعاد الكرة الأرضية، فقد ظهر أن القطر الاستوائي أطول من قطرها القطبي بنحو 43.5 كيلومتر، إذ يبلغ القطر الاستوائي 12683.5 كم، والقطر القطبي 12640 كم "شكل 9". معنى هذا أن شكل الأرض مفرطح عند القطبين ومنبعج عند خط الاستواء ونسبة الفرطحة هي 1: 297. القطر الاستوائي - القطر القطبي 1 = القطر الاستوائي 297 أما محيط الكرة الأرضية فإنه يزيد نوعًا في دائرة خط الاستواء عن المحيط المار بالقطبين، فالمحيط الاستوائي يبلغ طوله نحو 40076 كم، والقطبي نحو 40007 كم، والمسافة بين أي من القطبين وخط الاستواء نحو 10.000 كم، وتقدر مساحة الأرض بنحو 510 مليون كم2. شكل9: أبعاد الأرض

خطوط العرض والطول

خطوط العرض والطول مدخل ... خطوط العرض والطول: هي خطوط تصورية وترسم على سطح الكرة الأرضية بنظام معين حتى يتيسر تحديد مواقع الأماكن والبلدان على سطح الأرض، وبما أن الأرض تدور حول نفسها فقد نشأ عن دورانها هذا وجود نقطتين ثابتتين

عند طرفي محور الدوران وهما القطبان، ويمكن استخدامهما في رسم خطين نتخذهما أساسًا لتعيين مختلف المواقع.

الخط الأول

الخط الأول: يرسم في منتصف المسافة بين القطبين، ويلف حول الكرة الأرضية في شكل دائرة كاملة، ويسمى خط الاستواء أو الدائرة الاستوائية، ويقسم سطح الكرة الأرضية إلى نصفين متساويين: نصف الكرة الشمالي ونصف الكرة الجنوبي.

الخط الثاني

الخط الثاني: يصل بين القطبين ويمر ببلدة جرينتش بجوار لندن، ويسمي لذلك بخط جرينتش أو خط الطول الرئيسي. شكل 10: دوائر العرض الرئيسية.

خطوط العرض

خطوط العرض: هى دوائر ترسم حول الكرة الأرضية موازية لخط الاستواء في شماله وجنوبه، وأكبرها خط الاستواء. وتصغر هذه الدوائر تدريجيًّا حتى تصبح مجرد نقطة عند كل من القطبين، وبما أن المسافة بين خط الاستواء

وكل من القطبين ربع دائرة أو 90 ْ، كان عدد خطوط العرض 90 خطًّا في شمال خط الاستواء و90 في جنوبه، ومن ثم تصبح المسافة بين كل خط عرض وآخر درجة واحدة، فالمسافة بين دوائر العرض متساوية تقريبًا. خطوط العرض الرئيسية: حتى لا تزدحم الخرائط العامة للكرة الأرضية بكثرة الخطوط، يكتفى عادة برسم دوائر العرض الرئيسية وهي شكل10. 1- خط الاستواء: وهو أكبر الدوائر العرضية، وتسقط عليه أشعة الشمس عمودية تمامًا مرتين في السنة، ودرجته صفر. 2- المداران: وهما الدائرتان العرضيتان اللتان تتعامد أشعة الشمس على كل منهما مرة في السنة، ولا تتعداهما شمالًا وجنوبًا، ويعرف الشمالي منها بمدار السرطان ودرجته 23.5 ْشمالًا، أما الجنوبي منهما فيعرف بمدار الجدي ودرجته 23.5 درجة جنوبًا. 3- الدائرتان القطبيتان: إحداهما في الشمال والأخرى في الجنوب، وتبعد كل منهما عن خط الاستواء بمقدار 66.5 درجة. 4- القطبان: وهما مرد نقطتين عند طرفي محور الأرض، ودرجة كل منهما 90 ْ درجة شمالًا وجنوبًا، وتسمى دوائر العرض القريبة من خط الاستواء بالعروض العليا، أما ما يقع بينهما فيعرف بالعروض الوسطى أو المعتدلة. وتدعى خطوط العرض القريبة من المدارين باسم العروض المدارية أو عروض الخل.

خطوط الطول

خطوط الطول: هي خطوط تصل بين القطب الشمالي والقطب الجنوبي، وتقطع خط الاستواء متعامدة عليه، وهي تسمى أيضًا خطوط الزوال؛ نظرًا لأن جميع الأماكن التي تقع على أي خط منها يحل فيها الظهر في وقت واحد. وهي أنصاف دوائر تلتقي عند القطبين وعددها 360 خطًّا، منها 180 خطًّا شرق خط جرينتش، و180 إلى الغرب منه "شكل 11". شكل 11: خطوط الطول 1- تعيين مواضع الأمكنة على سطح الكرة الأرضية بدقة: فالموقع الصحيح لمكان ما على سطح الأرض يمكن تعيينه بتحديد موضعه بالنسبة لخط الاستواء شمالًا أو جنوبًا وذلك بدرجات العرض، وبتحديد ذلك الموضع أيضًا بالنسبة لخط جرينتش شرقًا أو غربًا بالدرجات الطولية، فإذا أردنا تعيين موقع القاهرة وجب علينا أن نعرف خط العرض وكذلك خط الطول الَّذَيْن تقع عليهما. ويقول حينئذ: إن القاهرة تقع عند التقاء خط عرض 30 درجة شمالًا "أي شمال خط الاستواء" بخط طول 531.15 شرقًا "أي شرق خط جرينتش". 2- تفيد في ضبط رسم الخرائط، وفي تعيين المواقع والاتجاهات اللازمة للبحارة والطيارين والمسافرين.

3- يمكن التعرف على الحالة المناخية لمكان ما عن طريق معرفة موقعه بالنسبة لخط العرض. فكلما اقترب المكان من خط الاستواء ارتفعت درجة حرارته، وكلما ابتعد عنه انخفضت درجة حرارته؛ وذلك لأن أشعة الشمس تسقط عمودية أو قريبة من العمودية في العروض الاستوائية. فتشتد حرارتها تبعًا لذلك. بينما يزداد ميل أشعة الشمس ويقل تأثيرها الحراري كلما ابتعدنا عن العروض الدنيا. 4- ويستفاد من خطوط الطول في معرفة زمن مختلف البلدان. خطوط الطول والزمن: يتوحد الزمن في الأماكن الواقعة على خط طول واحد، فيحلُّ الزوال أو الظهر مثلًا في جميعها في وقت واحد، فتوقيت الإسكندرية كتوقيت لننجراد بالاتحاد السوفيتي وكتوقيت الأبيض بالسودان، فالبلدان الثلاثة تقع على خط طول واحد تقريبًا "30 درجة شرقًا" ولكن التوقيت يختلف في الأماكن الواقعة على خطوط طول مختلفة. فنجد وقت الزوال في بغداد أسبق منه في بورسعيد بنحو خمسين دقيقة، وفي بورسعيد أسبق منه في الإسكندرية بنحو عشر دقائق، وفي الإسكندرية أسبق منه في بنغازي بنحو أربعين دقيقة. انظر إلى الشكلين "رقم 12، 13" ولاحظ ما يأتي: 1- حينما يحل الظهر أو الزوال فوق خط جرينتش، يصبح الزمن في جميع الأماكن الواقعة عليه 12 ظهرًا، فساكن لندن أو وهران "بالجزائر" أو أكرا "غانا" وهي جميعًا تقع على ذلك الخط تقريبًا يرى الشمس في السمت، بينما الواقف على خط طول 180 درجة "شرقي جزر نيوزيلندا بالمحيط الهادي" يسمع الساعة تدق معلنة منتصف الليل. 2- ويشاهد الواقف في مدينة نيوأورليانز مثلًا "على خليج المكسيك" عند خط 90 ْ غربًا الشمسَ وهي تشرق في الأفق في الساعة السادسة صباحًا بينما يلاحظها ساكن مدينة دكا "ببنجلاديش" عند خط طول 90 ْ شرقًا، وهي تغيب في الساعة السادسة مساء.

شكل 12: تحديد الزمن في جهات العالم المختلفة والسبب في اختلاف الزمن في الأماكن الواقعة على خطوط طول متباينة يرجع إلى: أ- دوران الأرض حول نفسها أمام الشمس مرة كل 24 ساعة كاملة. ولما كان سطح الكرة الأرضية قد قسم إلى 360 درجة طولية، فإن الأرض

تقطع في الساعة الواحدة 15 درجة طولية " 360 درجة طولية 24 ساعة" والمدة التي تستغرقها درجة الطول أمام الشمس هي 24 ساعة = 4 دقائق 360 درجة طولية ب- اتجاه دوران الأرض حول نفسها باستمرار وبسرعة منتظمة من الغرب إلى الشرق، ويترتب على ذلك أن الشمس تشرق على الأماكن الواقعة على خطوط الطول الشرقية قبل أن تشرق على الأماكن الواقعة على خطوط الطول الغربية بمعدل 4 دقائق عن كل خط. شكل 13: خطوط الطول والزمن تعيين زمن المكان: يمكنك تعيين زمن مكان ما باتباع الخطوات الآتية:

1- احسب الفرق في درجات الطول بين المكان الذي تريد تعيين زمنه وأي خط آخر زمنه معروف. 2- حول هذه الدرجات إلى دقائق ثم إلى ساعات. 3- أضفِ الدقائق أو الساعات إذا كان المكان واقعًا في الشرق، وأنقِصها إذا كان في الغرب. ولنضرب لذلك الأمثلة الثلاثة الآتية: المثال الأول: إذا كانت الساعة 12 ظهرًا في الإسكندرية الواقعة على خط طول 30 درجة شرقًا، فكم تكون الساعة في طرابلس بالجماهيرية الليبية الواقعة على خط طول 15 درجة شرقًا. الحل: 1- الفرق بالدرجات الطولية بين البلدين =30 - 15=15 درجة. 2- الفرق في الزمن بين البلدين =15× 4=60 دقيقة "1 ساعة". 3- لما كانت طرابلس تقع إلى الغرب من الإسكندرية فإن زمنها يكون متأخرًا عن زمن الإسكندرية. 4- إذا زمن طرابلس = 12 ظهرا - 1 ساعة= 11 صباحًا. المثال الثاني: إذا كانت الساعة 12 ظهرًا في الأسكندرية الواقعة على خط طول 30 درجة شرقًا، فكم تكون الساعة في بغداد الواقعة على خط طول 45 درجة شرقًا؟ الحل: 1- الفرق بالدرجات الطولية البلدين = 45 - 30= 15 درجة طولية. 2- الفرق في الزمن بين المكانين = 15× 4= 60 دقيقة "ساعة واحدة".

3- لما كانت بغداد تقع إلى الشرق من الإسكندرية فإنها تسبقها في الزمن. 4- إذًا زمن بغداد= 12 ظهرا + 1ساعة = 1 مساء. يلاحظ في المثالين السابقين أن البلدان المذكورة تقع كلها على خطوط طول في جهة واحدة إلى الشرق من جرينتش. ويمكن اتباع نفس الخطوات السابقة لبلدان تقع إلى الغرب من ذلك الخط. أما إذا أردت تعيين زمن مكان بقع إلى الشرق من جرينتش بالاستعانة بمكان آخر زمنه معروف ويقع إلى الغرب من ذلك الخط، أو العكس، فيمكنك اتباع الخطوات التى نوردها في المثال التالي: إذا كانت الساعة 12 ظهرًا في الإسكندرية الواقع على خط طول 30 درجة شرقًا، فكم تكون الساعة في نيويورك الواقعة على خط طول 75 درجة غربًا. الحل: 1- الفرق بالدرجات الطولية بين الإسكندرية وجرينتش= 30 - 0= 30 درجة طولية. 2- الفرق بالدرجات بين نيويورك وجرينتش= 75 - 0= 75 درجة طولية. 3- الفرق بالدرجات الطولية بين الإسكندرية ونيويورك= 30+ 75= 105 درجة طولية. 4- الفرق في الزمن بين المدينتين= 105× 420 دقيقة= 7 ساعات. 5- بما أن نيويورك تقع غرب الإسكندرية فإن توقيتها يتأخر عن توقيت الإسكندرية. 6- إذًا زمن نيويورك = 12 ظهرًا - 7 ساعة = 5 صباحًا. تعيين خط طول المكان: ويمكنك بطريقة مماثلة أن تعرف خط طول مكان ما ذلك باتباع الخطوات التى نوردها في المثال الآتي:

إذا كانت الساعة 12 ظهرًا في الإسكندرية، وكانت الساعة العاشرة صباحًا في وهران بالجزائر الواقعة على خط جرينتش، فما خط طول الإسكندرية. الحل: 1- الفرق في الزمن بين المدينتين = 12 - 10= 2ساعة أي 120 دقيقة. 2- الفرق بالدرجات الطولية بين المدينتين = 120 ÷ 4= 30 درجة طولية. 3- وبما أن زمن الإسكندرية متقدم على زمن وهران. إذًا فالإسكندرية تقع إلى الشرق من وهران. 4- إذًا تقع الإسكندرية على خط طول 30 درجة شرقًا.

القمر وأوجهه

القمر وأوجهه مدخل ... القمر وأوجهه القمر -تابع الأرض الطبيعي- يدور حول نفسه كما يدور حول الأرض، وهو فوق ذلك يلازم الأرض في دورانه حول نفسه يتعامد على مستوى دوران الأرض حول محورها، ولهذا فإننا نرى منه ذلك النصف المواجه لنا بينما يظل النصف الآخر مختفيًا عنا. والقمر جسم كروي غير منتظم الشكل تمامًا، ويبلغ قطره نحو 1/ 4 قطر الأرض، وحجمه 1/ 49 من حجمها، وتبلغ كثافته نحو3.3، وقوة جاذبيته 1/ 6 قوة جاذبية الأرض. وأنت حين تنظر إلى القمر تراه مشرقًا مضيئًا، فيخيل إليك أنه جسم ملتهب مضيء بطبيعته كالشمس، وهذا غير الواقع، فالقمر جسم معتم كالأرض تمامًا يستمد نوره من الشمس كما تستمد الأرض نورها منها. وما نور القمر إلا ضوء الشمس منعكسًا منه على الأرض. والقمر قاحل أجرد، ولا نبت فيه ولا ضرع، فالقمر لا يحيط به غلاف جوي، إذ هو من الصغر بحيث لا يستطيع الاحتفاظ بمثله كالأرض. فإنه يتأثر بكامل الإشعاع الشمسي بما فيه الأشعة المميتة فوق البنفسجية وأشعة أكس وأشعة جاما، وينعدم فيه وجود الماء السطحي اللازم للحياة. ودرجة حرارة الظهيرة عند خط استوائه أعلى من درجة غليان الماء، وتهبط الحرارة أثناء ليله إلى ما دون الصفر بكثير، ويوجد القمر في فراغ تامٍّ، ومن ثم فإن إمكانيات الحياة معروفة على وجهه. ويمكنك أن تتعرف على طبيعة القمر لو أنك استعنت على مشاهدته بمنظار فلكي مقرب "شكل 14" فإنك سترى سطحه مضرسًا وعرًا، وستلاحظ على وجهه سهولًا وجبالًا، وستبدو لك السهول داكنة نظرًا لأنها مغطاة بمواد بركانية قاتمة اللون. ويطلق على هذه السهول اسم لاتيني هو "ماريا" أي بحار؛ وذلك لأن فلكيي القرن السابع عشر ظنوها بحارًا، وما هي ببحار. وستبدو لك الجبال من خلال المنظار المقرب فضية اللون مشرقة.

وقد تبين أنها تغطي نحو 60% من الجانب الذى نراه من القمر، كما تغطي الجانب الآخر الذى لا نراه، والذى تعرفنا على طبيعته عن طريق الصور التي التقطتها سفن الفضاء، "لونا وزوند وأوربيتر". شكل 14: بعض مظاهر تضاريس القمر ويزخر سطح القمر بعدد كبير من الفوهات البركانية، بعضها عظيم الاتساع، وقد أمكن إحصاء نحو 1/ 3 مليون فوهة على الجانب المواجه لنا وحده، وقد تكون بعضها عن طريق النشاط البركاني، وبعضها الآخر نتيجة لاصطدام أجرام سماوية كالنيازك بسطح القمر، ويقدر العلماء قطر الجرم الذي فجر فوهة تيشو بنحو 4 كم. ولا بد أن القمر قد اهتز بعنف الارتطام كما تهتز سلطانية من "الجيلي". وتكتنف سطح الأرض مخروطات بركانية تشبه مثليتها على الأرض لكنها قليلة الارتفاع، وارتفاعها نحو 300 م. كما توجد به أودية ضيقة تشبه أودية الأنهار الأرضية. وهي تتلوى وتتعرج في منعطفات لمسافات

طويلة، ويظن أنها نشأت نتيجة لتقلص وانكماش مجارى سفلية أو نتيجة لتصدع قشرة القمر. وتشبه بعض صخور القمر أكثر الصخور البركانية على الأرض شيوعًا وهي البازلت، وتتكون تربته في المواضع التي رست فوقها سفن الفضاء من مواد رمادية دقيقة الحبيبات، وهي تربة لينة، فحين وطئتها أقدام رواد الفضاء "رحلتا أبوللو 11، وأبوللو 12 في شهري يوليو ونوفمير من عام 1969 على التوالي" تركت فيها آثارًا واضحة، لكنهم استطاعوا السير عليها بدون عناء.

أوجه القمر

أوجه القمر: عرفت أن القمر يدور حول نفسه، كما يدور حول الأرض، وفي أثناء دورانه حول الأرض نرى جانبه المضيء المواجه لنا بأحجام أو أشكال مختلفة تعرف بأوجه القمر. فإذا لاحظت القمر في أول الشهر العربي، فإنك لا ترى من نصفه المضيء إلا جزءًا صغيرًا، يأخذ هذا الجزء في الزيادة بانتقال القمر شرقًا يومًا بعد يوم، حتى نراه كاملًا في منتصف الشهر العربي، ويكون القمر حينئذ قد أتم نصف دورته حول الأرض. ثم يأخذ الجانب المضيء في النقصان ثانية حتى نهاية الشهر العربي، وحينئذ يكون القمر قد أتم دورة كاملة حول الأرض. وفي الشكل رقم "15" ترى دائرتين عليهما مواضع القمر في أثناء انتقاله حول الأرض. وتوضح الدائرة الداخلية أن نصف القمر مضيء باستمرار، والدائرة الخارجية توضح شكل الجزء المضيء كما يبدو لنا على الأرض في مختلف مواقع القمر بالنسبة للأرض والشمس أثناء دورته حول الأرض. انظر الشكل "15" ولاحظ ما يأتي: 1- في أول الشهر العربي يكون القمر بين الشمس والأرض، فلا نرى من النصف المضيء شيئًا، ويسمى القمر عندئذ المحاق.

شكل 15: أوجه القمر 2- اليوم الثاني يكون القمر قد انتقل قليلًا نحو الشرق، فنرى جزءًا صغيرًا من نصفه المضيء يبدو لنا على شكل هلال. 3- ويتزايد الهلال حجمًا حتى إذا جاء اليوم السابع من الشهر العربي رأينا نصف جانبه المضيء، ويسمى هذا بالتربيع الأول. 4- وفي اليوم الحادي عشر نرى من جانبه المضيء ثلاثة أرباعه، فيسمى الشكل حينئذ بالأحدب. 5- وفي منتصف الشهر العربي يكون القمر قد انتقل نصف دائرة في مداره حول الأرض، فنرى نصفه المضيء كله، ويبدو لنا مستديرًا منيرًا يدعى البدر. 6- يتناقص بعد ذلك النصف المضيء أو البدر في شكل الأحدب، ثم التربيع الأخير، فالهلال، ثم المحاق.

الفصل الرابع: حركات الأرض

الفصل الرابع: حركات الأرض مدخل ... الفصل الرابع: حركات الأرض تدور الكرة الأرضية حول محورها، وفي الوقت نفسه تدور حول الشمس، ولكلا هاتين الحركتين أثر عظيم في حياة الكائنات على سطح الأرض.

حركة الأرض حول محورها

حركة الأرض حول محورها مدخل ... حركة الأرض حول محورها: تدور الأرض حول محور يعتبر أقصر قطر لها وهو القطر القطبي، والمحور خط وهمي يخترق الكرة الأرضية من مركزها ويخرج من طرفيها، ويسمى أحد طرفيه بالقطب الشمالي، والطرف الآخر بالقطب الجنوبي، والمحور ليس عموديًّا إذ إنه يميل عن الوضع العمودي بمقدار 23.5 ْ تقريبًا، وميله ثابت في اتجاه واحد لا يتغير "شكل 16". شكل 16: محور دوران الأرض

وحين نحرك نموذجًا لكرة أرضية نحو الشرق يكون هذا هو الاتجاه السليم لدوران الأرض، أي أنها تدور حول محورها من الغرب إلى الشرق. ولما كانت النجوم ومنها الشمس ثابتة، والأرض هي المتحركة، فإنه يبدو لنا كما لو كانت النجوم والشمس تتحرك في قبة السماء من الشرق إلى الغرب، أي عكس حركة الأرض الصحيحة، فالشمس تظهر كل يوم من الشرق، ثم تعلو في الأفق حتى تصل إلى نقطة السمت "الظهر"، ثم تميل بالتدريج حتى تغرب "شكل 17"، والواقع أن ما نراه من انتقال الشمس في مسلكها كل يوم من الشرق إلى الغرب هو حركة ظاهرية تنشأ عن دوران الأرض حول نفسها في اتجاه مضاد، أي من الغرب إلى الشرق، ويشبه هذا ما يراه المسافر في قطار سريع، إذ تظهر له الأشجار وأعمدة البرق كأنها تتحرك في اتجاه مضاد لاتجاه سير القطار، مع أنها في الواقع كالنجوم ثابتة في أماكنها. شكل 17: حركة الشمس الظاهرية يوضح الشكل حركة الشمس الظاهرية بالنسبة للأماكن التى تقع على خط طول 104 شرقًا "سنغافورة مثلًا"، ويلاحظ أن أقصر ظل للعصى يتجه جنوبًا، ويحدث عند الظهر، أي حينما تصل الشمس إلى أعلى نقطة في السماء. وإذا أردنا أن نعرف مدة دورة الأرض حول محورها فلننظر إلى الشمس، ونحسب المدة التى تنقضي بين السمت والسمت "بين الظهر والظهر"، فإن هذا يدلنا على أن الأرض دارت في هذه المرة دورة كاملة، وهذه المدة مقدارها 24 ساعة، وهي ما ندعوها باليوم الشمسي.

وينشأ عن دوران الأرض حول نفسها أمام الشمس ظاهرتان على جانب عظيم من الأهمية: شكل 18: الليل والنهار توضح الأشكال الأربعة ما يحدث على خط جرينتش أثناء دورة واحدة للأرض في يوم 21 مارس.

الظاهرة الأولى

الظاهرة الأولى: هي تعاقب الليل والنهار "شكل 18". فكل مكان على وجه الأرض يتمتع بضوء النهار من طلوع الشمس إلى غروبها، ثم يأتي عليه الليل ويظل

مظلمًا حتى الصباح التالي، وهكذا يتعاقب عليه النهار والليل نتيجة لدوران الكرة الأرضية حول نفسها من الغرب إلى الشرق، أما إذا كانت الأرض ثابتة أمام شمس فلا يكون هناك تعاقب نهار وليل، بل يظل جانبها المواجه للشمس نهارًا دائمًا، وجانبها المظاهر للشمس ليلًا مستمرًّا، وهذا مخالف للواقع.

الظاهرة الثانية

والظاهرة الثانية: تتمثل في قوة اندفاع عظيمة تعرف بقوة الدفع أو الطرد المركزية، وهذه القوة تدفع بمواد الأرض وما عليها نحو الخارج، ولو كانت القوة الطاردة الناشئة عن دوران الأرض حول محورها هي القوة الوحيدة المؤثرة، لتطاير سطح الأرض عنها، بل ولاستحال على جرم الأرض كله أن يتماسك، ولكن هناك قوة أخرى تقاومها وهي قوة الجاذبية التي تفوقها بمرات عديدة، وهي التي يرجع إليها الفضل في تلاصق أجزاء الأرض واندماجها. ومن الممكن أن يكون انبعاج الأرض عند خط الاستواء وفرطحتها عند القطبين راجعًا إلى تأثير دوران الأرض حول نفسها. فإن قوة الطرد المركزية هي أقوى ما تكون عند خط الاستواء، فيؤدي هذا إلى تباعد الأجزاء الاستوائية عن المركز أكثر من الأجزاء القطبية. ويدور كل جزء من أجزاء الأرض بانتظام بما في ذلك اليابس والماء والهواء. ولكن سرعة دوران كل جزء تختلف بحسب موقعه من المحور، فكلما كان المكان بعيدًا عن المحور كانت سرعته في الدوران أشد؛ وذلك لكي يبقى جسم الأرض متماسكًا، فدوران الأرض عند خط الاستواء أسرع منه في أي مكان آخر على سطح الأرض، وتقل السرعة كلما اتجهنا نحو القطبين، وعندما تصبح صفرًا، وينتفع بهذه الحقيقة في تفسير انحراف الأجسام المتحركة على سطح الأرض كالرياح والتيارات البحرية، فهي تنحرف إلى يمين اتجاهها الأصلي في نصف الكرة الشمالي، وإلى يسار اتجاهها في نصف الكرة الجنوبي، ولا بد من حساب أثر هذا الانحراف في تعديل توجيه الصواريخ الموجهة.

حركة الأرض حول الشمس

حركة الأرض حول الشمس مدخل ... حركة الأرض حول الشمس: وفي الوقت الذي تدور فيه الأرض حول نفسها تنتقل وتتحرك حول

الشمس وتتم دورتها في سنة أو في 1/ 4 365 يومًا. وتسمى هذه الحركة بالدورة السنوية، والطريق الذي تسلكه الأرض في انتقالها حول الشمس يسمى فلك الأرض أو مدار الأرض، وهو ليس على شكل دائرة مركزها الشمس، وإنما على شكل بيضاوي، ولذلك تكون الأرض أقرب إلى الشمس مرة، وبعيدة عنها مرة أخرى في كل سنة. ومن ثم يظهر قرص الشمس كبيرًا في الشتاء وصغيرًا في الصيف "شكل 19". شكل 19: الفصول الأربعة وموقع الأرض بالنسبة إلى الشمس. وقد سبق أن عرفنا أن محور الأرض مائل دائمًا عن فلكها بزاوية مقدارها1/2 23 ْ، وهو يحافظ على اتجاهه في أثناء دوران الأرض حول الشمس. وميل المحور في أثناء دوران الأرض حول الشمس يفسر لنا حقيقتين هامتين هما: 1- اختلاف طول الليل والنهار. 2- حدوث الفصول الأربعة.

اختلاف طول الليل والنهار

اختلاف طول الليل والنهار: حينما ننظر إلى الشكل 20 نلاحظ أن الأرض تقع في موضع من مدارها بحيث يتجه قطبها الشمالي نحو الشمس، ومن ثم يتعرض القسم الأكبر من نصف الكرة الشمالي للضوء، ويقع القسم الأصغر في الظلام، ولذلك يكون النهار فيها أطول من الليل. ويزداد طول النهار كلما اتجهنا شمالا من خط الاستواء، حتى ما إذا وصلنا إلى الدائرة القطبية الشمالية وجدنا

النهار يشغل اليوم كله، بينما ينعدم الليل. ويتساوى طول الليل والنهار عند خط الاستواء، فتصبح فترة كل منهما 12 ساعة. ويحدث العكس في نصف الكرة الجنوبي فيطول الليل ويقصر النهار بالاتجاه جنوبًا، وعند الدائرة القطبية الجنوبية ينعدم النهار. وحينما ننظر إلى الشكل 21 نلاحظ أن الأرض تقع في موقع من مدارها بحيث ينحرف قطبها الشمالي عن الشمس، ومن ثم يتعرض القسم الأكبر من نصف الكرة الشمالي للظلام، وتبعًا لذلك يقصر فيها النهار ويطول الليل، ويزداد الليل طولًا بالاتجاه شمالًا حتى يشغل اليوم كله عند الدائرة القطبية الشمالية. ويحدث عكس ذلك في نصف الكرة الأرضية الجنوبي، فيقصر الليل ويطول النهار ليشغل اليوم كله عند الدائرة القطبية الجنوبية، ويبقى طول النهار مساويًا لطول الليل عند خط الاستواء. وعندما لا يميل أحد القطبين نحو الشمس، تصل أشعة الشمس إلى القطبين، فيتساوى حينئذ طول الليل والنهار على جميع بقاع الأرض "شكل 22". مما سبق يتضح لنا الحقائق الآتية: شكل 20: القطب الشمالي مائل نحو الشمال. شكل 21: القطب الشمالي منحرف عن الشمس. 1- أن الليل والنهار يتساويان في طولهما عند خط الاستواء. 2- وهما يتساويان أيضًا على جميع جهات الأرض عندما تتعامد الشمس على خط الاستواء.

3- أن الاختلاف بين طوليهما قليل فيما بين المدارين. 4- يعظم الاختلاف بين طوليهما كلما ذهبنا شمالًا أو جنوبًا بعيدًا عن المدارين. 5- يتراوح أقصى طول لليل أو النهار في الأقاليم القطبية بين 24 ساعة عند الدائرتين القطبيتين وستة شهور عند القطبين. شكل 22: لا يميل أحد القطبين نحو الشمس

الفصول الأربعة

الفصول الأربعة: تنشأ الفصول الأربعة من دوران الأرض حول الشمس مع ميل المحور، وهذا الميل يجعل أشعة الشمس تسقط عمودية على خط الاستواء مرتين فقط كل سنة، في يوم 21 مارس، وهو يسمى بالاعتدال الربيعي حين يبدأ الربيع، وفي يوم 23 سيتمبر ويسمى بالاعتدال الخريفي حين يبدأ الخريف. أما في يوم 21 يونيو فيكون محور الأرض مائلًا نحو الشمس فتكون أشعة الشمس عمودية على مدار السرطان "خط عرض 1/ 2 23 درجة شمال خط الاستواء"، ويكون هذا وقت الانقلاب الصيفي حين يبدأ فصل الصيف في نصف الكرة الشمالي، فتشتد الحرارة ويطول النهار، وفي يوم 21 ديسمبر تتعامد الشمس على مدار الجدي "خط عرض 1/ 2 23 درجة جنوب خط الاستواء"، فيكون هذا وقت الانقلاب الشتوي حين يبدأ موسم الشتاء، فتنخفض الحرارة ويطول النهار في نصف الكرة الشمالي.

شكل 23: الفصول الأربعة. وحينما ننظر إلى الشكل رقم 23 الذي يبين أوضاع الأرض في مدارها حول الشمس في وقتي الاعتدالين ووقتي الانقلابين نلاحظ ما يأتي: 1- في يوم 21 مارس تسقط أشعة الشمس عمودية على خط الاستواء، فيتعادل ميل أشعتها على نصفي الكرة، فيتساوى عليهما الليل والنهار، كما تتعادل فيهما الحرارة، وحينئذ يبدأ الربيع في نصف الكرة الشمالي والخريف في نصفها الجنوبي. 2- في يوم 23 سبتمبر تسقط أشعة الشمس مرة أخرى عمودية على خط الاستواء، فيتعادل ميل أشعتها على نصفي الكرة، ويتساوى عليهما الليل والنهار كما تتعادل فيهما الحرارة، حينئذ يبدأ الخريف في نصف الكرة الشمالي، والربيع في نصفها الجنوبي. هذا ويعرف الربيع بفصل الانتقال من الشتاء إلى الصيف، كما يعرف الخريف بفصل الانتقال من الصيف إلى الشتاء. 3- في يوم 21 يونيو تسقط أشعة الشمس عمودية على مدار السرطان، ومن ثم تسقط أشعتها عمودية على نصف الكرة الشمالي، ومائلة على نصفها الجنوبي، فيطول النهار، وترتفع الحرارة في النصف الشمالي، ويقصر

النهار وتنخفض الحرارة في نصف الجنوبي، وتبعًا لذلك يحل الصيف في نصف الكرة الشمالي، والشتاء في نصفها الجنوبي. 4- في يوم 21 ديسمبر تسقط أشعة الشمس عمودية على مدار الجدي، ومن ثم تسقط أشعتها مائلة على نصف الكرة الشمالي، وعمودية على نصفها الجنوبي، فيقصر النهار وتنخفض الحرارة في النصف الشمالي، ويطول النهار وترتفع الحرارة في النصف الجنوبي، وبذلك يحل الشتاء في نصف الكرة الشمالي، والصيف في نصفها الجنوبي. هذا ويبدأ الربيع من 21 مارس حتى 21 يونيو، والصيف من 21 يونيو حتى 23 سبتمبر، والخريف من 23 سبتمبر حتى 21 ديسمبر، والشتاء من 21 ديسمبر حتى 21 مارس. ولا يشترط أن يكون للفصول معنى مناخي في كل مكان في العالم، فهي تدل على الزمن، وتشير إلى أوضاع خاصة للأرض بالنسبة للشمس، فالسنة فصل حرارة واحد في نطاقين: في النطاق الاستوائي حيث تسقط أشعة الشمس عمودية أو قريبة من العمودية، وحول القطبين حيث تصل أشعة الشمس شديدة الميل، فهنا وهناك لا نكاد نجد اختلافًا يذكر بين الفصول من الوجهة الحرارية، فالسنة في النطاق الأول صيف دائم مرتفع الحرارة، وحول القطبين شتاء مستمر قارس البرودة. لكن التمايز بين الفصول من الوجهة المناخية يظهر فيما بين النطاقين السالفي الذكر، أي فيما يسمى بالمناطق المعتدلة.

الباب الثاني: التركيب الصخري لقشرة الأرض والأزمنة الجيولوجية

الباب الثاني: التركيب الصخري لقشرة الأرض والأزمنة الجيولوجية الفصل الأول: التركيب الصخري لقشرة الأرض الأغلفة التي تحيط بالأرض ... الفصل الأول: التركيب الصخري لقشرة الأرض الأغلفة التي تحيط بالأرض: يحيط بباطن الكرة الأرضية غلاف من الصخر أحاطة تامة، ومن فوق هذا الغلاف نرى غلافًا آخر من الماء، ولكنه لا يحيط بالأرض تمامًا، بل يترك جزء يابسًا أقل من ثلث السطح كله طافيًا بارزًا فوق سطح البحار والمحيطات. ومن فوق هذا كله نجد غلافًا غازيًا عظيمًا يحيط بالكرة الأرضية أحاطة تامة. وهناك غلاف آخر غير مطرد في توزيعه وانتشاره وهو الغلاف النباتي أو الحيوي. تأمل الشكل رقم 24 ستجد أن الكرة الأرضية تتألف من: 1- كتلة أو نواة باطنية عظيمة الجرم. 2- غلاف صخري ويعرف باسم قشرة الأرض. 3- غلاف مائي. 4- غلاف غازي أو جوي. 5- غلاف حيوي "نباتي أو حيواني". وقد سبق أن علمت أن هناك قوتين متعارضتين: الأولى: هي قوة الطرد المركزية الناشئة عن دوران الأرض حول محورها، وهى تدفع الأجسام بعيدًا عن مركز الأرض. والأخرى: وهي أكبر منها بكثير وهى قوة الجاذبية التي تعمل على إدماج وتماسك أجزاء الأرض، وتتأثر الأجسام الثقيلة الوزن بقوة الجاذبية أكثر من الأجسام الخفيفة. بينما تتأثر الأجسام الخفيفة ومنها الغازية بقوة الطرد

أكثر من الثقيلة، ولهذا نرى ترتيبًا في غلافات الأرض، بحيث يكون أبعدها عن مركز الأرض أخفها وزنًا وهو الغلاف الجوي، ثم تزداد مواد الأرض ثقلًا كلما اقتربنا من مركز الأرض؛ ولذلك كانت الكتلة الباطنية أشد ثقلًا من الغلاف الصخري بنحو أربعة أمثال. شكل 24: الأغلفة التى تحيط بالأرض.

تركيب القشرة الأرضية

تركيب القشرة الأرضية: تتركب قشرة الأرض كيماويًّا من 95 عنصرًا، لكن معظمها نادر الوجود، أكثر العناصر شيوعًا وانتشارًا تسعة، وهذه تكون نحو 98 % من وزن

قشرة الأرض، ويأتي الأوكسجين في المقدمة، وتبلغ حصته حوالي النصف، يليه السيليكون. وهما معًا يمثلان نحو ثلاثة أرباع وزن الغلاف الصخري، ولا يوجد من العناصر المعروفة في حالته العنصرية الأصلية سوى القليل، ومنها الذهب والبلاتين والفضة والنحاس والكبريت أما معظم العناصر التي تحتويها قشرة الأرض، فتوجد متحدة في صورة مركبات كيماوية متجانسة تعرف بالمعادن.

الصخور

الصخور مدخل ... الصخور: الصخور التي تتألف منها قشرة الأرض عبارة عن مركب معدني ينشأ عن اندماج مجموعة من المعادن، وقد يتركب الصخر من معدن واحد كالرخام، ولكن الأغلب والأعم أن يتكون الصخر من مجموعة من المعادن كصخر الجرانيت.

تقسيم الصخور

تقسيم الصخور: يمكن تقسيم الصخور بناءًا على أصل نشأتها إلى ثلاث مجموعات هى: 1- الصخور النارية. 2- الصخور الرسوبية. 3- الصخور المتحولة. أولًا: الصخور النارية: كانت في أول أمرها منصهرة لشدة حرارتها، ثم تأثرت بالبرودة فتصلبت، وتسمى بالصخور الأولية؛ لأنها الصخور التي اشتقت منها الصخور الأخرى، وهي في مجموعها عبارة عن بلورات من معادن مختلفة يتماسك بعضها مع بعض تماسكًا شديدًا، والصخور النارية بصفة عامة شديدة الصلابة عديمة المسام؛ لهذا لا تسمح بتسرب المياه خلالها، وهى مندمجة غير طباقية، ولا تحوي أي أثر من مظاهر الحياة؛ لأنها تكونت من صهير شديد الحرارة، يستحيل على أي كائن حي أن يعيش فوقه. وتختلف الصخور النارية من ناحية طريقة تكوينها وأصل نشأتها: فمنها الصخور الجوفية أو العميقة: وهي الصخور التي تكونت نتيجة لتصلب الصهير في أعماق بعيدة عن

سطح الأرض حيث سمحت ظروف الحرارة والضغط بعمليات تبلور تام لمكونات المواد المنصهرة، وذلك نتيجة للتبريد البطيء والضغط المستمر، ولهذا تبدو المعادن المكونة للصخور الجوفية في شكل بلورات كبيرة الحجم، متساوية النمو، متناسقة الترتيب، وتبدو هذه الصخور حينئذ كاملة التبلور كبيرة الحبيبات. فأنت إذا تناولت قطعة من صخر الجرانيت، وهو من الصخور الجوفية، فإنك ترى بلوراته في شكل حبيبات من معدن الكوارتز الرمادي اللون، ومن معادن الفلسبار الوردية البراقة. ومنها الصخور المتداخلة أو الوسيطة: ومن الصخورالنارية ما نشأ أثناء تصلب الصهير في داخل قشرة الأرض، ولكن قريبًا من السطح، وتعرف هذه الصخور المتداخلة أو الوسيطة، ونظرًا لأن الصهير الذي تداخل واندفع خلال الشقوق والكسور قد برد هنا بسرعة نسبية فإن موارده لم تجد الفرصة للتبلور الكامل، فيبدو الصخر حينئذ مكونًا من البلورات المعدنية الكبيرة الحجم مبعثرة في وسط حبيبات المعادن الدقيقة المكونة لكتلة الصخر. ومنها الصخور الطفحية: وهناك نوع آخر من الصخور النارية يعرف بالصخور الطفحية أو البركانية، وهي التي نشأت من تصلب كتل الصهير التي انبعثت وفاضت على سطح الأرض، ويحدث ذلك حين يتدفق الصهير من فوهات البراكين النشطة، أو من الشقوق والكسور التي يصادفها أثناء صعوده إلى سطح الأرض، وتتصلب هذه المواد المنصهرة التي تُعرف باللافا بسرعة كبيرة نتيجة لتعرضها للجو، ومن ثم لا تعطى ذراتها الفرصة الكافية لأن تتخذ الشكل البلوري. فإذا تناولت قطعة البازلت وهو صخر طفحي أو بركاني وجدته يتركب من كتلة متشابهة زجاجية المظهر، عديمة التبلور، سوداء اللون. ثانيًا: الصخور الرسوبية: تتميز الصخور الرسوبية عن الصخور النارية بأنها تنشأ فوق سطح

الغلاف الصخري نتيجة لتأثير العوامل الظاهرية "عوامل التعرية" وفعل الكائنات العضوية. وبينما يتركب جوف الغلاف الصخري كلية من الصخور النارية نجد أن 70 % من كتلة سطحه تتركب من الصخور الرسوبية، ويتباين سمك الطبقات الرسوبية من مكان لآخر وهو عمومًا ليس كبيرًا، ففي بعض المناطق لا يتجاوز بضع عشرات أو مئات من الأمتار، وفي مناطق أخرى قد يصل إلى بضعة آلاف من الأمتار. وتوجد بعض الصخور الرسوبية في حالة مفككة هشة، وبعضها الآخر في حالة اندماج أو صلابة، فالرمال المفككة حين تندمج بمادة لاحمة تتحول إلى صخر رملي، والحصى حين يلتحم يصير إلى صخر المجمعات "كونجلوميرات" وتتباين المواد اللاحمة في تركيبها، ويتكون معظمها من مركبات كيميائية مختلفة تترسب في المياه التي تجري وتتخلل الرواسب فتعمل على تماسكها، فقد تتركب من كربونات الكالسيوم أو من السيليكا أو من أكاسيد الحديد، أو قد تتكون من مجرد مادة صلصالية. والصخر الرسوبي يحتوي على كثير من المسام التي تتخلل حبيباته، ولتقرير المسامية أهمية كبرى من الوجهة الاقتصادية والعلمية، إذ إن لها دلالتها الخاصة من حيث درجة استطاعتها لإنفاذ المياه أو البترول. وتتصف الصخور الرسوبية عادة بالطباقية، أى أنها تتكون من طبقات بعضها فوق بعض، ويرتبط تكوين الطبقة بظروف وطبيعة الإرساب، وبالتالى تنشأ طبقة رسوبية جديدة، وهكذا نجد الصخور وقد تكونت من عدة طبقات متباينة بعضها فوق بعض. وتتميز الصخور الرسوبية أيضًا باحتوائها على بقايا عضوية حيوانية ونباتية تدل على نوع الحياة التي كانت سائدة فوقها والبيئة التى تكونت فيها، ويستعان بتلك البقايا العضوية في تحديد عمر الطبقات والتعرف على العصور والأزمنة الجيولوجية. ويمكن تقسيم الصخور الرسوبية بناء على أصل نشأتها إلى الأقسام الرئيسية الثلاثة الآتية:

1- صخور رسوبية ميكانيكية: وهذه تدين بنشأتها إلى تحطيم الصخور الأصلية التي سبق وجودها تحطيمًا طبيعيًّا ثم تراكم الحطام الصخري وتماسكه دون أن يطرأ عليه أي تغير كيميائي، ويتم تحطيم الصخور ونقلها ثم إرسابها بواسطة عوامل التعرية كالرياح والماء الجارى والجليد المتحرك. ومن هذه الصخور ما هو كبير الحبيبات، ومثلها صخر المجمعات الحصوية المستديرة أو الكونجلوميرات ومنها ما هو متوسط حجم الحبيبات، وتعرف عادة بالصخور الرملية التي تتسم عادة بالصلابة ومقاومة عوامل التعرية، خصوصًا لو كانت المادة اللاحمة وفيرة، وكانت من نوع يتحمل فعل التعرية كالسيلكا ومنها ما هو دقيق الحبيبات كالصخور الطينية. 2- صخور رسوبية كيميائية: وتتكون من عمليات الترسيب التي تنشأ من محاليل تحتوي على مواد مذابة عندما ترتفع درجة تركيزها، أو قد تتكون الرواسب نتيجة تفاعل كيميائي بين مكونات هذه المحاليل. ومنها الصخور الجيرية التي تتكون نتيجة ترسيب كربونات الكالسيوم من المحاليل الجيرية، والصخور السيليكية وتتكون من ترسيب مادة السيليكا ومثلها صخر الصوان، ومنها أيضًا الصخور الملحية التي تنشأ من تبخر مياه البحيرات والبحار المقفلة، وأهمها الجبس والملح الصخري، وتوجد الرواسب الملحية في مناطق متعددة في العالم العربي، ففي مصر توجد ملاحات إدكو ورشيد والمكس وفي وادى النطرون، كما توجد حول شواطئ البحر الميت، وفي سبخات المغرب العربي. 3- الصخور العضوية: وتنشأ نتيجة لتراكم بقايا الكائنات الحية "حيوانية ونباتية" في طبقات سميكة ثم تحللها بمرور الزمن وتماسكها مع بعضها في هيئة صخور وهى قسمان: أ- صخور عضوية حيوانية: وتتكون من مواد عضوية حيوانية بعضها جيرى، وينشأ منها تكوين عدد

من الصخور تسمى بأسماء الحيوانات التي اشتقت منها ومثلها الصخر الجيري المرجاني والحجر الطباشيري وصخر الفوسفات الذي ينشأ من ترسب عظام الأسماك والزواحف وتحللها، ويوجد الفوسفات في بعض الواحات المصرية كما يوجد في المغرب العربي. ب- صخور عضوية نباتية: وتنشأ من بقايا النباتات التي تتعفن وتتحلل ثم تتفحم، ومن أكثر الرسوبيات الفحمية شهرة وشيوعًا الفحم القطراني والفحم البني. ثالثًا: الصخور المتحولة: هي صخور كانت في الأصل صخورًا نارية أو رسوبية، ثم تغير تركيبها المعدني والكيميائي كما تغير نسيجها ومظهرها، ويحدث هذا التغير نتيجة لتأثير عمليات تحدث في جوف الغلاف الصخري تسمى بعلميات التحول، التي تنشأ نتيجة لتغيرات في البيئة الجيولوجية التي يوجد فيها الصخر الأصلي، كأن يعاني من ضغط شديد أو حرارة مرتفعة أو من كليهما معًا. وقد يحتفظ الصخر المتحول ببعض آثار صفات الصخر الأصلي الذي اشتق منه، ولكن عادة ما نجد أن التغير كان من الشدة بحيث تتلاشى في الصخر المتحول كل المميزات التي كان يتصف بها الصخر القديم. فالصخور الرسوبية تشتد صلابتها عندما تتحول نتيجة لازدياد تبلورها، فتتلاشى طباقيتها، وتختفي بقايا الكائنات العضوية التي تحترق بواسطة الحرارة الشديدة، أما الصخور النارية فيتغير مظهرها ونسيجها، وتنتظم بلوراتها في ترتيب آخر يتلاءم مع الظروف الجديدة. عوامل التحول: هي الحرارة والضغط أو كلاهما، وتتعرض الصخور لتأثير هذه العوامل في الحالات الآتية: 1- عند ملامسة الصخور لمواد الصهير الحارة المتداخلة، ويكون التأثير الحراري على أشده في الصخور المجاورة للصهير، ويقل تدريجيًّا بعيدًا

عن منطقة الاحتكاك، ويتوقف نوع الصخر المتحول بالحرارة على نوع صخور المكان الأصلية، وعلى التركيب الكيميائي للمادة المنصهرة المتداخلة. فمثلًا يتحول الحجر الرملي إلى صخر أصلب منه وأشد اندماجًا يعرف باسم كوارتزيت الذي يتميز بحبيبات متبلورة من الكوارتز أكبر نسبيًّا من حبيبات الرمل الأصلية، وتتحول الصخور الجيرية فتتحول إلى رخام، ويسمى هذا التحول بالتحول الحرارى. 2- حينما تتعرض الصخور لاضطرابات أرضية فتتعرض بسببها لضغط وحرارة شديدين، وغالبًا ما يؤدي هذا النوع من التحول إلى إعادة ترتيب المعادن المكونة للصخور الأصلية رسوبية أو نارية في نظام جديد، وقد تشتد وطأة التحول، فتزول معالم الصخر الأصلي تمامًا. وينشأ عن التحول بالحرارة والضغط معًا صخور عدة، بعضها من أصل رسوبي كالاردواز "متحول عن الطفل" وبعضها الآخر من أصل رسوبي أو ناري كصخور النيس والشست، وهما من أكثر الصخور المتحولة شيوعًا وانتشارًا. وتتميز الصخور المتحولة عمومًا بأنها متبلورة، وهي تبدو في شكل طباقي أو ما يشبهه، نتيجة لتعاقب وجود ما يشبه الطبقات من معادن مختلفة، فنجد مثلًا في صخر النيس طبقات بيضاء من معدن الكوارتز تتعاقب مع طبقات أو شرائح من المعادن السوداء. وتوجد الصخور المتحولة في أنحاء متفرقة من العالم العربي، ويكثر وجودها خصوصًا النيس في جبال البحر الأحمر وفي جنوب شبه جزيرة سيناء.

الفصل الثاني: الأزمنة الجيولوجية وأهميتها الجغرافية

الفصل الثاني: الأزمنة الجيولوجية وأهميتها الجغرافية مدخل ... الفصل الثاني: الأزمنة الجيولوجية وأهميتها الجغرافية: نحن نفكر في التاريخ البشري بوحدات زمنية قوامها القرون والأجيال والسنين، ومثل هذا التقسيم الزمني لازم وضروري لتنظيم أفكارنا، ولربط الأحداث الماضية في مختلف أوجه النشاط البشري وفي مختلف الأماكن بعضها ببعض، وبنفس الطريقة يلزم لتاريخ الأرض الطويل تقسيمات زمنية تقدر بعشرات ومئات الملايين من السنين، إذ لا تجدي في إدراكها وتصورها الوحدات الزمنية التي نستخدمها كالسنين أو الأجيال أو القرون أو حتى آلاف السنين.

تقدير عمر الأرض

تقدير عمر الأرض: لقد استخدم العلماء طرقًا شتَّى لتقدير عمر الأرض، ووصلوا بواستطها إلى نتائج متباينة، ومن أهمها ما يأتي: 1- تقدير سمك الطبقات الرسوبية، ثم تقدير متوسط سمك الرواسب التي يمكن أن تتراكم في كل عام، وبقسمة الرقم الأول على الرقم الثاني أمكن الوصول إلى تقدير عمر الأرض، وقد وجد أن أكبر سمك لجميع الطبقات الجيولوجية يبلغ 110200 مترًا، كما وجد أن متوسط سمك ما يتم إرسابه من التكوينات سنويًّا هو 1/15 من السنتيمتر الواحد، ومن ثم أمكن تقدير عمر الأرض بنحو 165 مليون سنة. وهذه الطريقة في الواقع لا يمكن الاعتماد عليها في تقدير معقول لعمر الأرض؛ وذلك لسببين هامين هما: أولهما: أن معدل الإرساب يختلف من مكان لآخر باختلاف الظروف والأحوال. ثانيهما: أن الطبقات الرسوبية تتعرض للنحت والاكتساح بواسطة عوامل التعرية، ومن ثم يصعب تقدير السمك الحقيقي للرواسب الأصلية.

2- وجد حديثًا أن خير وسيلة لتقدير عمر الأرض هي استخدام العناصر المشعة التي تحتويها معادن وصخور قشرة الأرض، فعنصر اليورانيوم والثوريوم يتحللان بالإشعاع بمرور الزمن، ويتحولان إلى غاز الهيليوم وعنصر الرصاص، ولما كانت سرعة التحلل من الوجهة الزمنية معروفة لدى العلماء، فإنه أصبح من الممكن لتحديد عمر الصخر أو المعدن الذي يحتوي على العنصر المشع وعلى مخلفاته، وبهذه الطريقة تمكن العلماء من تقدير عمر الأرض منذ بداية الزمن الأركى بنحو 2100 مليون سنة، كما قدروا عمر تصلب قشرة الأرض بنحو 3200 مليون سنة، وعمر الأرض منذ انفصالها واستقلالها بنحو 4500 مليون سنة.

التاريخ الجيولوجي للأرض

التاريخ الجيولوجي للأرض مدخل ... التاريخ الجيولوجي للأرض: لقد أجمع الجيولوجيون على تقسيم عمر الأرض إلى أربعة أزمنة، كل زمن منها ينقسم بدوره إلى عدة عصور، ويمتاز كل زمن وكل عصر بمجموعة من الطبقات الصخرية وبحياة حيوانية ونباتية تختص به وتميزه عن غيره. وقد تمكن العلماء من وضع جدول كامل للتكوينات الرسوبية بحسب الأزمنة والعصور، وهو يهدف إلى ترتيب الأحداث الجيولوجية ترتيبًا زمنيًّا منذ تكوين الأرض إلى عصرنا الحاضر، وقد استعانوا في ذلك بأساسين هامين هما:

تعاقب الطبقات

1- تعاقب الطبقات: هناك قاعدة أساسية تختص بالصخور الرسوبية دون سواها، ومؤداها أن كل طبقة تعتبر أقدم من الطبقة التي تعلوها، وأحدث من الطبقة التي تقع أسفلها، وتسمى هذه القاعدة بقانون تعاقب الطبقات. على أن تطبيق هذه القاعدة له عيوبه، ففي الجهات التي أصابتها حركات الالتواء والانكسار نجد الطبقات الصخرية قد انقلبت ظهرًا على عقب، وبالتالى يختل توافقها وتتابعها الزمني، ولهذا فقد لجأ العلماء إلى الاستعانة بالحفريات للوصول إلى تحديد التعاقب الزمني للأحداث الجيولوجية.

الحفريات

2- الحفريات: هي بقايا الكائنات الحية سواء كانت حيوانية أو نباتية التي يعثر عليها

في تكوينات الصخور الرسوبية، وهى تعتبر الدليل المباشر على وجود الكائنات الحية في سالف الزمن، وتتمثل هذه البقايا في أجزاء صلبة مثل المحارات وهياكل المرجان وعظام الحيوانات الفقارية، كما تتمثل في جذوع النبات وأوراقه. وعلى الرغم من أن هذه الحفريات لا تعطي الصورة الكاملة للكائنات الحية القديمة إلا أن دراسة خصائصها ومميزاتها تساعد مساعدة فعالة في تقسيم التاريخ الجيولوجي للأرض، ولذلك فهي تعرف أحيانًا بالحفريات المرشدة؛ لأنها ترشد الجيولوجي إلى طبيعة الزمن أو العصر الذي عاشت فيه. ولكي تتحول الكائنات الحية إلى حفريات يلزم لها شرطان: الأول: أن تحتوى على أجزاء صلبة تقاوم عوامل التحلل والفناء، وبالتالي فإن الحيوانات الرخوة مثل أسماك الجيلى لا تترك أثرًا بعد موتها وتحللها. الثاني: أن يندفن الحيوان أو النبات في الرواسب بمجرد موته، وإلا تعرض للتمزق ثم التشتت والفناء بواسطة عوامل التعرية. أهمية الحفريات: للحفريات دلالات وفوائد كثيرة أهمها: 1- تحديد عمر الطبقات الصخرية التي تحتويها ومعرفة العصر الذي كانت تعيش فيه. والحفريات هي الأساس الذي يعتمد عليه الجيولوجيون في عمل تاريخ متكامل لعمر الأرض. 2- يمكن عن طريق دراسة الحفريات الاستدلال على البيئة الجغرافية القديمة التي كانت تعيش فيها، وعلى الظروف المناخية التي كانت سائدة أثناء وجود الكائن الحي في مكان معين، فحفريات أشجار النخيل مثلًا تدل على شيوع مناخ حارٍّ. 3- أمكن بواسطة الحفريات الاستدلال على التطور الذي حدث للكائنات

الحية منذ أقدم الأزمنة حتى عصرنا الحالي، فالحيوان قد بدأ بخلية واحدة وانتهى بأرقى الأنواع وهو الإنسان، كما تطورت النباتات البدائية وارتقت إلى النباتات المزهرة الحالية.

أقسام التاريخ الجيولوجي للأرض

أقسام التاريخ الجيولوجي للأرض: قسم الجيولوجيون تاريخ الكرة الأرضية إلى أربعة أزمنة كبرى هى من القديم إلى الحديث كما يلي: 1- الزمن الأركي أو زمن ما قبل الكمبري. 2- الزمن الباليوزوي أو زمن الحياة القديمة. 3- الزمن الميزوزوي أو زمن الحياة الوسطى. 4- الزمن الكاينوزوي أو زمن الحياة الحديثة. وقد أمكن تقسيم كل زمن إلى وحدات زمنية أصغر، وذلك لتسهيل الدراسة الجيولوجية، والمساعدة على متابعة التعاقب الزمني، مثال ذلك زمن الحياة الحديثة الذي يمكن تقسيمه إلى قسمين: يعرف أحدهما بالثالث أو الثلاثي "أقدم"، ويعرف الأحدث بالرابع أو الرباعي، وكل منهما يختص بمميزات معينة. وقد أمكن أيضًا عن طريق دراسة تغير الحفريات وتدرجها وتطورها تقسيم الأزمنة إلى عصور، والعصور إلى عهود. وعندما ندرس الأزمنة والعصور الجيولوجية ينبغي أن نلاحظ الأمور الآتية: 1- أن الأزمنة والعصور ليست متساوية في الطول، فبعضها طويل جدًّا كالزمن الأركي، وبعضها قصير نوعًا كزمن الحياة الحديثة. 2- أن لكل زمن ولكل عصر حفرياته وتكويناته الخاصة به، والتي تميزه عن غيره.

3- أن فترات الانتقال من زمن لآخر قد صحبتها عمومًا حركات أرضية أنشأت الجبال والهضاب، وغيرت من معالم سطح الأرض، كما نتج عنها تغيير كبير في أنواع الكائنات الحية. 4- الاختلاف في أسماء العصور، إذ فضلًا عن أن الاختلاف في التسمية له أهميته البديهية كاختلاف أسماء البشر، فإن له دلالاته الخاصة، فقد يسمى العصر بحسب قدمه أو حداثته بالنسبة لعصر آخر، مثال ذلك عصر الأوليجوسين معناه العصر الأقل حداثة بينما عصر البلايوستوسين معناه العصر الأكثر حداثة، وهكذا في كل أسماء عصور زمن الحياة الحديثة، فكل اسم منها يدل على نسبة العصر في الحداثة. وقد يسمى العصر باسم صفة مميزة في تركيب طبقاته، مثل العصر الفحمي الذي يحتوي على طبقات من الفحم، أو العصر الطباشيرى "الكريتاسي" الذي يحتوي على الكثير من الرواسب الطباشيرية، وقد يسمى العصر باسم الموقع الجغرافي الذي اكتشفت فيه تكويناته لأول مرة أو حيث توجد به التكوينات بصورة مثالية، مثل العصر الكامبري وهو الاسم القديم لأقليم ويلز بانجلترا، والعصر الديفوني نسبة إلى مقاطعة ديفون بجنوب غرب انجلترا، والعصر البرمي نسبة لمنطقة بيرم في روسيا. وقد يسمى العصر باسم مجموعة عصور بشرية كعصر الأوردوفيش والسيلورى، وقد سميا باسمي قبيلتين قديمتين كانتا تعيشان في ويلز.

الأزمنة الجيولوجية

الأزمنة الجيولوجية: الزمن الأركي: سبب التسمية: كلمة أركي تعنى الأول، أي بداية عمر الأرض بعد تكوينها وتصلب قشرتها. المدى الزمني: يقدر مداه الزمني بمقدار يتراوح بين 1500 مليون و 2000

مليون سنة أي قدر الأزمنة الجيولوجية الثلاثة التي تَلَتْهُ بنحو ثلاث أو أربع مرات. أنواع الصخور: صخور نارية كالجرانيت، ومتحولة كالنيس والشست والرخام، وهي تمثل الأساس الذي ترتكز عليه الكتل القارية الحالية، وتظهر فوق السطح، حيثما استطاعت عوامل التعرية أن تنحت الطبقات الرسوبية السطحية، وتصل إلى هذا الأساس الصخري الأركي. وتبدو هذه الصخور الأركية ظاهرة واضحة فوق مساحات شاسعة حول البحر البلطي، وفي كندا وشبه جزيرة العرب وأفريقيا وغيرها من الكتل القارية الأركية. الأحداث الجيولوجية: تمثلت في اضطرابات أرضية عنيفة، أدت إلى حدوث سلسلة متتابعة من الحركات الالتوائية صاحبها نشاط بركاني عظيم. أنواع الأحياء: ينعدم وجود حفريات حيوانية ونباتية في قسمه الأول وفي قسمه الثاني وجدت بقايا نادرة لحيوانات إسفَنْجية وأعشاب، وهي تمثل ظهور الحياة في أواخر الزمن الأركي. الأهمية الاقتصادية: تحتوى تكوينات هذا الزمن على صخور ومعادن ذات قيمة اقتصادية كبيرة، فمن صخوره القيمة صخر الرخام الملون والجرانيت الوردي أو الأحمر، وهما يستخدمان كأحجار زخرفية، كما يستعمل الجرانيت عمومًا؛ بسبب شدة صلابته في بناء المنشآت الضخمة كالسدود ومنها السد العالي والخزانات والقناطر. ومن معادنه الذهب والفضة والنحاس والزنك والحديد والكروم والنيكل والرصاص والقصدير، وهي تعدن أو بعضها في كثير من أقطار العالم مثل اسكنديناوه وكندا والولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية وجمهورية مصر العربية، ويوجد بعض الذهب في المملكة العربية السعودية، كما تعدن بعض خامات العناصر المشعة من زائير. هذا عدا الأحجار الكريمة وشبه الكريمة وأهمها الزبرجد في جزيرة الزبرجد بالبحر الأحمر، والزمرد المصرى.

زمن الحياة القديمة

زمن الحياة القديمة: سبب التسمية: يقصد بزمن الحياة القديمة ذلك الزمن الذي ظهرت فيه أحياء تختلف كل الاختلاف عن أحياء عصرنا الحاضر، وقد زالت كلها وانقرضت تمامًا. المدى الزمني: حوالى 330 مليون سنة. العصور: الكمبري، الأردوفيشي، السيلوري، الديفوني، الفحمي، البرمي. أنواع الصخور: تتمثل في تكوينات صخرية رسوبية طينية ورملية وجيرية، وتبدو الصخور عمومًا مندمجة وداكنة اللون؛ ويرجع ذلك إلى تعرضها للضغط والحرارة بسبب ثقل الرواسب التي تراكمت فوقها أثناء الأزمنة والعصور اللاحقة. الأحداث الجيولوجية: 1- نشطت البراكين في أثناء هذا الزمن خصوصًا في أواسطه وأواخره، ولذلك تكثر الصخور البركانية بين طبقاته الرسوبية. 2- حدثت في أواسطه في العصر السيلوري، حركة الالتواءات الكاليدونية التي استطاعت أن ترفع قيعان البحار القديمة بما تحمله من رواسب، والتي كانت تجاور الكتل القارية الأركية في هيئة جبال نحتتها عوامل التعرية فيما بعد. ومن بقاياها مرتفعات اسكنديناوه واسكتلنده في قارة أوربا. 3- حدثت في أواخره حركة الالتواءات الهرسينية "في العصرين الفحمي والبرمي" التي أنشأت نطاقات عظيمة من السلاسل الجبلية في مختلف القارات. وتتمثل بقاياها الآن في مرتفعات وهضاب وسط أوربا، وفي شرق أمريكا الشمالية وشرق استراليا. أنواع الأحياء: الحيوان: شاع وجود الحيوانات اللافقرية في البحار كالقواقع. وفي أواسطه

بدأ ظهور الحيوانات الفقرية ممثلة في أنواع من الأسماك البدائية، وفي أواخره ظهرت حيوانات برمائية. كما ظهرت الزواحف. النبات: تطورت النباتات البدائية، ونمت بسرعة أولًا في البحار ثم فوق اليابس، وقد كثرت الأشجار المخروطية والنباتات السرخسية، وانتشرت انتشارًا عظيمًا خاصة في العصر الفحمي، مما ساعد على تكوين الرواسب الفحمية في المناطق التي توافرت فيها الظروف الطبيعية الملائمة لتكوينها، وتتمثل هذه الظروف في وجود مستنقعات وبحيرات ساحلية ضحلة، تساقطت فيها أجزاء النبات وانطمرت في الرواسب، وبسبب تعرض هذه النباتات المطمورة إلى ارتفاع الضغط وازدياد الحرارة من جراء تراكم الرواسب فوقها، فقد تحولت بمرور الزمن إلى فحم يسمى بالفحم الحجرى تمييزًا له عن الفحم النباتي الذي يصنعه الإنسان من أخشاب الأشجار الحالية. الأهمية الاقتصادية: أهم ما يستغل من تكوينات هذا الزمن هي الرواسب الفحمية، وتوجد أهم مناجمها في انجلترا وفرنسا وبلجيكا والاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة والصين، كما توجد أيضًا في بعض البلاد العربية كجمهورية مصر العربية واليمن، ولكن بكميات قليلة. وتحوي تكوينات هذا الزمن أيضًا بعض الخامات المعدنية، كخام الحديد في انجلترا، والمنجنيز في شبه جزيرة سيناء.

زمن الحياة الوسطى

زمن الحياة الوسطى: سبب التسمية: سمي بزمن الحياة الوسطى؛ نظرًا لأن الحياة الحيوانية والنباتية وسط بين أحياء زمن الحياة القديمة وزمن الحياة الحديثة، إذ ترجع بعض أنواعها إلى أسلاف عاشت في العصور القديمة، كما تطورت أنواع أخرى عاشت في هذا الزمن واستمرت وارتقت في عصور زمن الحياة الحديثة. المدى الزمني: يقدر مداه بنحو 125 مليون سنة. العصور: الترياسي، والجوراسي، الكريتاسي "أو الطباشيري". أنواع الصخور: صخور رسوبية تراكم معظمها فوق قيعان البحار والمحيطات.

وهي تتركب من طبقات متتابعة من الصخور الطينية والرملية والطفلية والجيرية والطباشيرية وتتخللهما مستويات من الجبس أو الملح. الأحداث الجيولوجية: كان هذا الزمن زمن هدوء وسكون، فلم تتعرض فيه قشرة الأرض لتأثير اضطرابات أو حركات أرضية بطيئة اللهم إلا في أواخره حين بدأت حركة الالتواءات الألبية التي استمرت وبلغت عنفوانها في زمن الحياة الحديثة، وتخلو تكويناته من آثار النشاط البركاني إلا فيما ندر. أنواع الأحياء: الحيوان: 1- في البحر: تطورت وارتقت وانتشرت معظم أنواع الحيوانات اللافقرية، كما انقرضت بنهايته أنواع هامة منها، وظهرت القنافذ البحرية البدائية، وارتقت أنواع الأسماك وكان من بينها ما يشبه بعض الأنواع الحالية. 2- فوق اليابس: شاعت الزواحف وازدهرت وتطورت وبلغت أحجامًا عملاقة، ومن أمثلتها حيوان الديناصور وكذلك السلاحف والتماسيح، وقد اختفت كلها بانتهاء هذا الزمن، وظهرت الحيوانات الثديية الأولية متطورة من الزواحف، وكانت من الأنواع الكيسية التى تحمل صغارها في كيس يقع أسفل بطنها مثل الكنجرو الذي يعيش حاليًا في استراليا. ظهرت الضفادع والفراشات والطيور الأولية. وكانت الطيور ضخمة ذات أسنان، وهي تمثل بداية التطور من الزواحف إلى الطيور، التي تطورت وارتقت فيما بعد، ولم تنتشر إلا في العصور الجيولوجية الحديثة، كثرت الحشرات، وكان بعضها يشبه الأنواع الحالية. ظهرت السحالي وأشباه الثعابين والتماسيح الحالية. النبات: اختفت الأشجار الضخمة التي انتشرت في زمن الحياة القديمة، وحلت محلها أنواع الأشجار الصنوبرية التي تشبه الأنواع الحالية.

بدأ ظهور النباتات المزهرة في أواخر هذا الزمن كأنواع من أشجار النخيل. الأهمية الاقتصادية: يستغل الملح الصخري والجبس من بعض طبقاته، وتحتوى تكويناته على خام الحديد الذي يعدن في جنوب مصر قرب أسوان، وعلى خام الفوسفات الذي يستغل في جهات متفرقة من مصر والمغرب، ويستغل البترول من طبقاته التي تنتمي لعصر الكريتاسي "أو الطباشيري" في الكويت ومنطقة الخليج العربي.

زمن الحياة الحديثة

زمن الحياة الحديثة: سبب التسمية: بديهي أن يسمى أحدث الأزمنة التي ينقسم إليها عمر الأرض بزمن الحياة الحديثة، كما أن الأحياء التي عاشت أثناءه تشبه الأحياء التي تعيش في عصرنا الحاضر. ولما كان هذا الزمن ينقسم إلى قسمين متميزين: ثلاثي ورباعي، ولهذا فإننا سنتناول بالدراسة كلًّا منهما على حدة: أولًا: القسم الثلاثي: المدى الزمني: حوالى 70 مليون سنة. العصور: الباليوسين، الأيوسين، الأوليجوسين، الميوسين، البليوسين. أنواع الصخور: تتركب من طبقات متتابعة من الصخور الجيرية والطفلية والطينية، وينتشر وجود هذه الصخور في معظم البلاد العربية. الأحداث الجيولوجية: صحب هذا القسم الثلاثي نشاط بركاني عظيم، وحركات انكسارية على نطاق واسع أدت إلى تكوين الأخدود الأفريقي العظيم الذي يفصل الآن بين قارتي آسيا وإفريقيا، ويقع فيه البحر الأحمر ومنخفض نهر الأردن. وقد بلغت الحركات الالتوائية الألبية عنفوانها، وكان لها أكبر الأثر في

تشكيل سطح الأرض، فارتفعت سلاسل الجبال الضخمة التي تمتد امتدادًا عظيمًا بعلو شاهق في معظم القارات الحالية كسلاسل الألب في أوربا، والهيملايا في آسيا، وأطلس في المغرب العربي، والروكي والأنديز في غرب الأمريكتين. وقد بدأ توزيع اليابس والماء يتخذ شكله الحالي تقريبًا. أنواع الأحياء: أولًا: في البحر: ازدهرت الأسماك الفقرية والرخويات، واقتربت الحيوانات البحرية عمومًا من أشكالها الحالية، وظهر الكثير من فصائل الحيوانات الثديية البحرية. ثانيًا: فوق اليابس: استمر وجود الزواحف كالثعابين والسحالي. تضخمت أحجام الحيوانات الثديية، وظهرت منها أنواع عملاقة انقرضت بانتهائه، اندثرت الطيور ذوات الأسنان، وحلت محلها طيور عديمة الأسنان، كثرت الحشرات وتنوعت. انتشر أسلاف الفيل والجمل الحاليين، كما ظهر البقر الوحشي والغزلان والحمير البرية والخيول والثيران والدببة والذئاب وغيرها. ظهرت أنواع عديدة من القردة ومنها القردة العليا. تكاثرت النباتات المزهرة، وانتشرت انتشارًا كبيرًا مثل النخيل وأشجار الصنوبر والتين وغيرها. الأهمية الاقتصادية: تستغل الصخور الجيرية والطينية في صناعة الأسمنت، وتستخدم أنواع الجبس في صناعة المصيص، والبازلت في رصف الطرق، وتحتوي التكوينات على خامات الكبريت والزنك والرصاص والبترول كما في جمهورية مصر العربية. القسم الرباعي: ويشتمل على عصرين فقط هما البلايوستوسين والحديث.

المدى الزمني: حوالي مليون سنة. أنواع الصخور: تتركب تكوينات عصر البلايوستوسين من الرواسب التي نحتها واكتسحها الجليد المتحرك ثم أرسبها، ومن رواسب الأنهار القديمة. أما تكوينات العصر الحديث فتتركب من رواسب الأنهار الحالية من حصىً ورمل وطمي، ومن الرواسب الهوائية مثل الكثبان الرملية، ومن الرواسب التي تتراكم في البحيرات والبحار والمحيطات. الأحداث الجيولوجية: تتمثل في استمرار بطيء جدا لحركات الرفع الالتوائية الألبية، ومع نشاط بركاني محدود، وقد اتخذت القارات والمحيطات توزيعها الحالي تقريبًا، وفي أثناء عصر البلايوستوسين الذي يعرف أيضًا بالعصر الجليدي انخفضت درجات الحرارة العالمية. كما ازداد التساقط في هيئة ثلج مما أدى إلى تراكم الجليد فوق مساحات هائلة من قارة أوربا وآسيا وأمريكا الشمالية، أما في نطاق الصحاري الحارة الجافة حاليًا كالصحراء الكبرى الإفريقية، فقد ازداد سقوط المطر ومن ثم يعرف هذا العصر فيها بالعصر المطير. أنواع الأحياء: لا تزال الغالبية العظمى من الكائنات الحية التي عاشت في عصر البلايوستسين موجودة حتى وقتنا الحالى، ولم ينقرض سوى عدد قليل من الحيوانات الثديية، وقد ثبت بما لا يدع مجالًا للشك بأن الإنسان كان موجودًا في هذا العصر، فقد عثر على عظام الإنسان نفسه، وعلى الكثير من الأدوات الحجرية التي كان يستعملها في الصيد وفي الدفاع عن نفسه. أما في العصر الحديث فقد بلغت الأحياء أقصى درجات الكمال، وهو عصر الإنسان الحديث الذي يعتبر تاج الخليقة. الأهمية الاقتصادية: تستخدم الرواسب الجليدية كالجلاميد والحصى والرمال والطين في رصف الطرق وصنع الطوب للبناء، أما الرواسب النهرية فهي تكون التربة الزراعية الخصيبة التي تمد البشر بمواد الغذاء ومحاصيل الألياف. الأهمية الجغرافية للأزمنة الجيولوجية: من هذا العرض العام للأزمنة الجيولوجية يتضح بجلاء أنها ذات أهمية

كبيرة بالنسبة للجغرافي، فهي تفسر له الكثير من الظاهرات الجغرافية البحتة التي يتعذر عليه تفسيرها ما لم يكن ملمًّا بخصائص كل منها. وأنت بعد قراءتك لمميزات الأزمنة الجيولوجية والتطورات الطبيعية والحيوية التي حدثت خلالها لن يستعصي عليك فهم ظاهرات مثل: 1- اختلاف التركيب الصخري لمختلف القارات من حيث النوع والعمر، فمن الصخور ما هو صلد قديم قدم الأرض، ومنها ما هو لين إرسابي حديث النشأة. 2- عدم استقرار حالة سطح الأرض، فاليابس قد يهبط ويصبح قسمًا من قاع بحر، وقاع البحر قد يرتفع ويصبح جزءًا من يابس قارة. وتوزيع اليابس والماء قديمًا كان يختلف عنه في وقتنا الحالي. 3- نشوء الجبال والهضاب وتطورها. فهي تولد وترتفع عاليًا، ثم تتناولها عوامل التعرية بالنحت والاكتساح، وحمل موادها إلى المحيطات، ثم تأتي اضطرابات أرضية جديدة فيرتفع سطح الأرض من جديد. 4- التشابه في امتدادات الجبال واتجاهاتها. فجبال الألب في أوربا والهيمالايا في آسيا تمتد شامخة عظيمة من الغرب إلى الشرق، وأنت تجد تفسير ذلك إذا رجعت إلى الأحداث الجيولوجية في زمن الحياة الحديثة، فتكوينها مرتبط بحركات أرضية حدثت فيه، وستجد هناك إيضاحًا لتكوين الأخدود الإفريقي العظيم الذي يقع فيه البحر الأحمر. 5- النشاط البركاني الحالي وارتباطه بأجزاء معينة من سطح الأرض، تلك الأجزاء الضعيفة المقلقلة التي أصابتها حركات أرضية حديثة كما في جنوب أوربا وغرب الأمريكتين. 6- الأحياء التى تجدها الآن على الأرض تسعى وتملأ وجهها بالحركة والحياة ويتوجهها وجود الإنسان، كلها قد نشأت وتطورت وارتقت خلال الأزمنة والعصور الجيولوجية. ولا يمكن للجغرافي أن يفهمها على حقيقتها إلا إذا بحث في ماضيها.

7- التعرف على توزيع المعادن والرسوبيات القيمة المفيدة، فهى ترتبط بتكوينات عصور جيولوجية معينة. كالفحم مثلًا الذي يرتبط وجود أنواعه الجيدة بالعصر الفحمي. من هذا ترى أن لكل ظاهرة جعرافية ماضيها وحاضرها ومستقبلها، ولا يمكن فهمها إلا بالتعرف على ماضيها، ومن هنا تأتي أهمية الإلمام بخصائص الأزمنة والعصور الجيولوجية بالنسبة للجغرافي.

الباب الثالث: القوى التي تؤثر في تشكيل سطح الأرض

الباب الثالث: القوى التي تؤثر في تشكيل سطح الأرض مدخل ... الباب الثالث: القوى التي تؤثر في تشكيل سطح الأرض: مقدمة: تنشأ أشكال سطح الأرض نتيجة لمجموعتين من القوى: أحداهما تأتى من خارج قشرة الأرض، وتسمى بمجموعة القوى الخارجية "أو عوامل التعرية"، وإليها يرجع الفضل في تشكيل قسم عظيم من سطح الأرض، وتأتي الثانية من جوف الأرض وتعرف بمجموعة القوى الداخلية، وهي التي تعمل أساسًا على إنشاء البناء الداخلي وتركيب تضاريس وجه الأرض، وعلى الرغم من إمكانية تقسيم هذه القوى على النحو السالف الذكر، فينبغي أن لا ننسى أن هذه القوى تتعاون وترتبط ببعضها ارتباطًا وثيقًا في التأثير على قشرة الأرض بحيث يصعب علينا أن نتفهم ظاهرات سطح الأرض إذا ما حاولنا الفصل بين تأثيرات كل منهما. القوى الداخلية: تتعرض قشرة الأرض لقوى داخلية أو حركات أرضية تؤثر في تشكيل سطحها. فقشرة الأرض في الواقع غير ثابتة ولا مستقرة، فطبقات الصخور الرسوبية التي أرسبت في الأصل على الكتل القارية القديمة أو في الأحواض البحرية قد تعرضت للالتواء والانكسار، فتغير نظامها الأفقي المنتظم الذي أرسبت به في الأصل. وعدا ما تصاب به قشرة الأرض من حركات الالتواء والانكسار، تعاني أيضًا من قوى فجائية أو سريعة الحدوث والتأثير تتمثل في الزلازل والبراكين. ولهذا يمكن تقسيم القوى الداخلية التي تصيب قشرة الأرض وتؤثر في تشكيل سطحها إلى نوعين رئيسيين هما:

1- قوى بطيئة تنشأ خلال ملايين من السنين، وتظهر آثارها بعد مضي فترات طويلة من الزمن، وتتمثل في الالتواءات والانكسارات. 2- قوى سريعة أو فجائية، وتتمثل في الزلازل والبراكين.

الفصل الأول: القوى الداخلية البطيئة

الفصل الأول: القوى الداخلية البطيئة مدخل ... الفصل الأول: القوى الداخلية البطيئة: وهي من أهم الظاهرات التي تدل على عدم استقرار قشرة الأرض، وهي تنقسم إلى نوعين أساسيين حسب اتجاه تأثيرها: 1- قوى رأسية إلى أعلى أو إلى أسفل، ينشأ عنها أن ترتفع الكتل القارية أو تنخفض عن مستوى سطح البحر، ولهذا فإن النطاقات الساحلية تعتبر أحسن المناطق في الاستدلال على حدوث ارتفاع أو انخفاض في سطح الأرض بالنسبة لمنسوب سطح البحر، ويعرف هذا النوع من القوى بالقوى المكونة للقارات. 2- قوى أفقية ينشأ عنها ثني الصخور والتواؤها، وهي المسئولة عن تكوين السلاسل الجبلية الالتوائية، وتسمى بالقوى المكونة للجبال.

الالتواءات

أولًا: الالتواءات مظهر الالتواء: في كثير من المناطق نجد الصخور الطباقية وقد انثنت في شكل التواءات منتظمة وأخرى غير منتظمة وحينئذ يمكن رؤيتها في سهولة ويسر "شكل: 25، 26" ولكن عادة يمتد الالتواء فوق مساحة شاسعة تظهر في بعض أجزائها الطبقات الصخرية مكشوفة ظاهرة، وتختفي في أجزائها الأخرى "تحت غطاء نباتي أو جليدي مثلًا"، فيستلزم الأمر حينئذ دراسة دقيقة لمميزات الطبقات وطبيعة بنائها وأشكالها ونظامها، وتجتمع تلك المميزات والظاهرات على امتداد مسافة قد تبلغ عديدًا من الكيلومترات قبل أن يتمكن الدارس من تكوين فكرة واضحة عن نظام الالتواء في المنطقة.

شكل 25: التواء صخري منتظم، تتعاقب فيه القمم والأحواض، وتعرف القمم بالمحدبات "1،1" التي تكون حافات، أما الأحواض "2،3" فتسمى بالمقعرات التي تشكل أودية. شكل 26: طبقات صخرية أصابها الالتواء. وتحدث الالتواءات الصخرية عادة في تتابع تتعاقب فيه القمم والأحواض، وتعرف قمم الالتواءات بالثنيات المحدبة، أما الأحواض فتعرف بالتثنيات المقعرة "شكل 27". وحينما يكون الالتواء حديث النشأة، فإن الثنيات المحدبة تبدو فيه في شكل حافات جبلية، أما الثنيات المقعرة فتظهر في هيئة أودية.

شكل 27: ثنيتان صخريتان صغيرتان إحداهما محدبة "اليسرى" والأخرى مقعرة "اليمنى". وكثيرًا ما يحدث أن تنقلب أشكال السطح بواسطة تأثير عوامل التعرية، فتصبح الأودية في مواقع الثنيات المحدبة، بينما تشغل الحافات الجبلية مواضع الثنيات المقعرة، ومع هذا يبقى استخدام مفهومي ثينة محدبة وثنية مقعرة للأشكال الصخرية الأصلية "شكل 28". شكل 28: انقلاب التضاريس بتأثير عوامل التعرية.

كيفية التواء الصخور

كيفية التواء الصخور: قد يبدو غريبًا أن تلتوي الصخور الصلبة التواء حادًّا، فنحن إذا ما حاولنا أن نلوي قطعة من الصخر الصلب بالضغط عليها من طرفيها في اتجاهين متقابلين بواسطة آلة قوية، فإن قطعة الصخر تتكسر إلى شقين أو تتحطم إلى بضعة أجزاء، فكيف يتأتى للطبقات الصخرية أن تنثني دون أن تتداعى. هناك عاملان رئيسيان يبدو أن الفضل يرجع إليهما في عملية التواء الصخور في الطبيعة هما: 1- تلك القوى الباطنية الجبارة التي تعمل على ثني الصخور، ولكن ببطء شديد أثناء فترات طويلة جدًّا من الزمن، ولهذا فإن الصخور تستسلم لقوى الالتواء البطيئة، فتتثني دون أن تتكسر أو تتحطم. 2- طبيعة الإرساب: إذ إن معظم الطبقات الصخرية الملتوية التي نراها الآن فوق اليابس قد أرسبت في الأصل في أحواض بحرية عظيمة، وقد عمل ضغط الرواسب فوق بعضها على عرقلة تكسرها حينما أصابها تأثير قوى الالتواء، ويقال إن قوى الضغط الالتوائي تستطيع، على هذا النحو، أن تلوي أكثر الصخور قابلية للكسر لو أعطيت الوقت الكافي لكي تستجيب لها تلك الصخور فتنثني كما لو كانت لينة مرنة.

كيفية وجود الصخور الرسوبية في قشرة الأرض

كيفية وجود الصخور الرسوبية في قشرة الأرض: إن أهم الصفات المميزة للصخور الرسوبية هي أنها تتكون من طبقات متتابعة أرسبت في الأصل في وضع أفقي، ولكنها حين تتعرض لقوى الالتواء تميل وتنثني، ويشاهد ذلك في كثير من المناطق خصوصًا في الأقاليم التي يكثر بها وجود سلاسل الجبال، ويعتبر تعيين ميل الطبقات الصخرية ومعرفة اتجاهاتها من الأمور الأساسية في الدراسات الجيولوجية.

أجزاء الالتواء وعناصره

أجزاء الالتواء وعناصره: تتكون كل ثنية سواء كانت محدبة أو مقعرة من جانبين أو طرفين

يربط بينهما قوس محدب في حالة الثنية المحدبة يسمى القمة، أو قوس مقعر في حالة الثنية المقعرة ويسمى القاع. شكل "29-أ": أجزاء الالتواء وعناصره. وفي الثنية المحدبة العادية تلتوي الطبقات إلى أعلى في هيئة قبو، وتميل خارج المحور أي بعيدًا عن القمة، كما أن الطبقات الأقدم تقع حينئذ داخل "في باطن" القبو. وفي الثنية المقعرة تنثني الطبقات إلى أسفل في شكل قبو مقلوب، تميل فيه الطبقات تجاه المحور أي تجاه قاع القبو المقلوب، كما أن الطبقات الأحدث تقع حينئذ في داخل القبو، هذا وتتوقف أشكال وأحجام الالتواءات على عدة عوامل هي: 1- التركيب الصخري للطبقات ومدى قابليتها للانثناء.

2- مقدار سمك الطبقات الصخرية التي تتعرض للالتواء. 3- اتجاه ومدى قوة الضغط التي تنشأ عن العمليات والحركات المكونة للجبال.

أنواع الالتواءات

أنواع الالتواءات: تختلف الالتواءات فيما بينها من حيث درجة ميلها على طرفي الثنية، ومن ثم يمكن تقسيمها إلى ما يأتي "شكل 28": 1- الالتواء الأحادى الميل أو الوحيد الطرف: وفيه تنثني الطبقات في اتجاه واحد فقط "شكل 29". وهو يمثل شكلًا انتقاليًّا بين ظاهرتي الالتواء والانكسار، وعلى كلا طرفي الثنية نجد الطبقات أفقية أو قد تميل ميلًا متناسقًا هينًا، وفيما بين الطرفين تلتوي الصخور في اتجاه رأسي تقريبًا، ومن ثم فإننا نجد أن جانبًا من الطبقات قد ارتفع أو انخفض بالنسبة للجانب الآخر، وقد يحدث بعد ذلك أن تشتد حركة الرفع أو الهبوط، فتنفصل الطبقات عن بعضها على طول خط الانكسار، وبذلك يتحول الالتواء الوحيد الطرف إلى انكسار أو فالق. 2- الالتواء المنتظم أو المتماثل: ويتميز بتساوي ميل الطبقات على كلا طرفيه، سواء كان الالتواء في هيئة ثنية محدبة أو في شكل ثنية مقعرة. "شكل 29 أ". 3- الالتواء المائل أو غير المنتظم: تميل الطبقات التي تؤلف أحد طرفيه ميلًا شديدًا. "شكل 29 ب". 4- الالتواء المتوازي: وفيه تضغط الطبقات على كلا طرفي الثنية حتى تصبح متوازية، وقد يحدث هذا في بضع ثنيات متعاقبة، فتصير أطرافها متوازية، وتميل بزوايا متماثلة. "شكل 29 ب".

5- الالتواء المستلقي أو النائم: ويتميز بانثناء طرفيه وميلهما ميلًا شديدًا، وإذا زاد الثني عن ذلك انكسرت الثنية على سطح معين، وسميت ثنية نائمة مكسورة، ويكثر شكل 29-ب: أنواع الالتواءات.

وجود هذا النوع من الثنيات النائمة في مرتفعات الألب بقارة أوربا، وفي الهيمالايا بآسيا، وفي الروكي والأنديز بالأمريكتين، وهي مرتفعات التوائية حديثة، فيها نجد طبقات رسوبية سميكة قد أصابتها التواءات شديدة معقدة "شكل 29 ب". وتعرف الالتواءات النائمة الضخمة في مرتفعات الألب باسم الالتواءات الغطائية، ويقصد بالغطاء الالتوائي شريط عظيم من الطبقات الصخرية قد تحرك بفعل القوى الضاغطة لمسافة كبيرة فوق تكوينات صخرية أسفل منه وأمامه، ثم غطاها كما تغطى المنضدة بالمفرش. هذا ومن الممكن أن تحدث جميع أشكال الالتواءات الآنفة الذكر -فيما عدا الالتواءات الغطائية- كظاهرات منفردة في وسط طبقات صخرية أفقية، أما الالتواءات العظيمة الامتداد فتنشأ في مجموعات معقدة الأشكال في أحواض شاسعة الرقعة، وهذه الأحواض عبارة عن نطاقات مستطيلة متسعة من أرض قارة أو قاع محيط. قد انثنى قاعها إلى أسفل انثناءًا هينًا، وتقدر أبعادها بمئات الكيلومترات. وقد كانت الأحواض القديمة تتلقى كميات هائلة من الرواسب بلغ سمكها عدة كيلومترات، وقد التوت هذه الرواسب فيما بعد مكونة لمرتفعات شاهقة عظيمة الامتداد. كمرتفعات الروكي والأنديز، ومرتفعات الألب والهيمالايا.

فترات الحركات المكونة للجبال

فترات الحركات المكونة للجبال: لقد أمكن تمييز أربع فترات رئيسية حدثت أثنائها حركات التوائية عظيمة: 1- فترة التواءات ما قبل الكامبري: وقد حدثت أثنائها عدة التواءات متتالية أمكن التعرف عليها على الخصوص في شمال شرق أمريكا الشمالية. 2- فترة التواءات الكالديونية: وقد شملت العصر السيلوري. وتنتمي لهذه الفترة مرتفعات أظهرها في أوربا جبال اسكتلندا واسكنديناوه.

3- فترة الالتواءات الهيرسينية: وقد شغلت أواخر العصر الفحمي وأوائل العصر البرمي، وفي أثناء تلك الفترة ظهرت مرتفعات تتمثل بقاياها الآن في شكل كتل منفصلة قطعتها عوامل التعرية، ومن أمثلتها في أوربا: هضبة المزيتا، وهضبة فرنسا الوسطى، وجبال الفوج والغابة السوداء. وفي آسيا: جبال التاي، وتيان شان. وفي استراليا: في مرتفعاتها الشرقية. وفي أمريكا الشمالية: في جبال أبلاش. وفي أمريكا الجنوبية في بعض أجزائها الشرقية. وفي إفريقيا: في بعض أجزاء القسم الشمالي من الصحراء الكبرى. 4- الالتواءات الألبيَّة: وقد بدأت في أواخر الزمن الثاني، وبلغت الحركات الالتوائية عنفوانها في الزمن الثالث. واستمرت تأثيراتها في الزمن الرابع حتى وقتنا الحاضر. وتحيط المرتفعات التي نشأت أثناء هذه الفترة بالمحيط الهادي، وتتمثل في مرتفعات غرب الأمريكتين، وفي أقواس الجزر التي تمتد قرب السواحل الشرقية لآسيا. وتمتد السلاسل الألبية أيضًا في اتجاه عرضي من المحيط الأطلسي غربًا إلى المحيط الهادي شرقًا. وتشمل سلاسل الجبال الحديثة في حوض البحر المتوسط في شمال أفريقيا وهي جبال أطلس، وفي جنوب أوربا وهي سلاسل الألب وامتداداتها شرقًا وغربًا. كما تشمل مجموعة عظيمة من السلاسل الجبلية التي تمتد في قارة آسيا ممثلة في ارتفاعات آسيا الصغرى في الغرب حتى جزر أندونيسيا في الشرق. ومن أشهرها جبال الهيمالايا. وتتعرض المرتفعات لتأثير عوامل التعرية منذ بداية تكوينها وظهورها على سطح الأرض. ولهذا فإننا نجد أعظم القمم الجبلية تقع ضمن المرتفعات الحديثة النشأة وهى المرتفعات الألبية.

الانكسارات

الانكسارات مدخل ... الانكسارات تزخر صخور قشرة الأرض بالكثير من الكسور التي تكتنفها في كل الاتجاهات. وتتباين هذه الكسور في أحجامها، فمنها الشقوق والثلوم الدقيقة التي لا ترى بالعين المجردة. ومنها الانكسارات والفوالق الضخمة التي صحبها تزحزح وانتقال في كتل الصخور من موضع لآخر.

أهميتها

أهميتها: لهذه الظواهر الانكسارية أهميتها الجيولوجية التي تتمثل فيما يأتي: 1- أنها تعتبر بمثابة شواهد لكثير من الأحداث الجيولوجية التي انتابت قسمًا أو آخر من الأرض أثناء تاريخها الجيولوجي الطويل. 2- على جوانب الفوالق تظهر الطبقات الجيولوجية واضحة بينة، ومن ثم يتمكن الجيولوجي من دراستها وتقييمها. 3- تمثل الكسور والفوالق مناطق ضعف في تركيب الصخور، ولهذا فهي تفسح المجال لفعل عمليات التعرية والتجوية. 4- تؤثر الكسور والفوالق في دورة المياه الأرضية، إذ عن طريقها تتسرب المياه إلى جوف قشرة الأرض، وعن طريقها أيضا تتدفق المياه الأرضية إلى ظاهر الأرض. 5- الظواهر الانكسارية أهميتها الكبرى من الوجهة الاقتصادية، إذ إنها تحمل الكثير من الرواسب المعدنية. هذا ويمكن أن نميز بين نوعين من الكسور: النوع الأول: ويسمى المفصل أو الفاصل، وهو الكسر أو الشق الذي يصيب الصخر دون أن يترتب على وجوده حدوث أي زحزحة أو انتقال في الطبقات أو الكتل الصخرية. النوع الثاني: ويسمى بالفالق أو الصدع أو الانكسار، وفيه تتحرك الطبقات أو الكتل الصخرية وتتزحزح من مكانها على طول سطح الفالق.

الفواصل

الفواصل: وهي ظاهرة شائعة الوجود في جميع أنواع الصخور، وهي تنتظم في مجموعات حيث توجد بوفرة، وإن وجدت مجموعة واحدة منها في الصخور فإنها تقسمها إلى كتل صخرية متوازية ذات اتجاه واحد. وعادة ما نجد على الأقل مجموعتين واضحتين من الفواصل تتقاطعان بزاوية كبيرة، وعدا سطوح الانفصال الطبيعية التي تفصل بين الطبقات الرسوبية نجد أن الفواصل تقسم الصخور الطباقية إلى كتل متلاصقة "شكل 30". شكل "30": الفواصل في الصخور. أسباب تكوين الفواصل: هناك أسباب يعزى إليها تكوين الفواصل: فقد تنشأ في الصخور الرسوبية نتيجة لعمليات الشد الناتجة عن تقلص وانكماش تلك الصخور بسبب تجفيفها فوق سطح البحر. وقد تتكون نتيجة لعمليات الانثناء والتقوس التي تصيب تلك الصخور أثناء معاناتها لضغوط القوى الالتوائية. وتتكون الفواصل في الصخور النارية بسبب عمليات التقلص والانكماش التي تنشأ عن تبريد تلك الصخور عقب تحولها من الحالة المنصهرة إلى الحالة الصلبة. وهناك نوع خاص من الفواصل ينشأ عند انكماش الصخور النارية عند تبريدها وتصلبها يؤدي إلى تكوين المظهر العمداني للصخور. ويتضح

هذا المظهر ويكثر في نطاقات اللافا السميكة حيث نجد العديد من الفواصل المتقاطعة التي تقسم الصخور إلى منشورات متلاصقة، تتميز باختلاف عدد حوافها. ولكنها عادة ما تبدو سداسية الشكل.

الانكسارات "الفوالق أو الصدوع"

الانكسارات "الفوالق أو الصدوع": تعتبر الانكسارات من الظواهر الشائعة في كل أنواع الصخور، وقد يحدث أن تتحرك الكتل الصخرية على طول انكسار حين ينشأ مباشرة أو بعد حدوثه بوقت ما. وأظهر ما تكون الانكسارات وضوحا في الصخور الرسوبية الطباقية، إذ يسهل فيها التعرف على الفوالق وقياس أبعادها. ويمكن تمييز الانكسارات أيضا في الصخور النارية المندمجة غير الطباقية، خاصة حين تحتوي على عروق من المعادن تتزحزح من مكانها وقد تختفي محليا. ولهذا فإن دراسة الانكسارات في الصخور النارية لها أهميتها الخاصة من الوجهة الاقتصادية غير أهميتها العلمية.

أجزاء الانكسار

أجزاء الانكسار: "انظر شكل 31": شكل "31": أجزاء الانكسار.

سطح الانكسار

سطح الانكسار: وهو السطح الذي على طوله وامتداده تتحرك الطبقات وتنتقل من مكانها

الحائط المعلق: وهو كتلة الصخور التي تعلو سطح الانكسار. الحائط الأسفل أو الأساسي: وهو الكتلة التي تقع أسفل سطح الانكسار ويرتكز عليها الحائط المعلق. مرمى الانكسار: يقصد به مقدار الانتقال الرأسي لأي طبقة أو كتلة صخرية على جانبي الانكسار.

أنواع الانكسارات

أنواع الانكسارات: تصنف الانكسارات عادة على أساس مقدار التحرك والانتقال النسبي أو الظاهر للكتل الصخرية على جانبي الانكسار. ويستدل عليه من دراسة الطبقات أو السدود الصخرية المتداخلة التي أصابتها الحركة. والواقع أنه من الصعب تحديد أي من جانبي الانكسار قد تحرك. وحتى لو حدث وقطع الكسر جسما معلوما محدودا في الصخر كبلورة أو حصوة إلى قسمين، وتحرك القسمان وابتعدا عن بعضهما لمسافة معينة. فإننا مع هذا لا نستطيع أن نحدد ما إذا كان هذا الجانب أو ذاك قد تحرك أو بقي ثابتا، أو ما إذا كان الجانبان قد اشتركا في الحركة ومع هذا فيمكن تمييز الأنواع الآتية من الانكسارات: 1- الانكسار العادي: وفيه ينزلق الحائط المعلق على طول سطح الانكسار ويهبط إلى أسفل بالنسبة للحائط الأساسي، ويميل سطح الانكسار نحو الحائط المعلق الذي هبط. وينشأ هذا النوع عادة نتيجة لحركات الشد. ولهذا يسمى أحيانا بانكسار الشد "شكل 32أ". 2- الانكسار المعكوس: وهنا يبدو الحائط المعلق وقد تحرك وارتفع وأصبح مستواه أعلى من

مستوى الحائط الأساسي، وفيه يميل سطح الانكسار نحو الحائط المعلق الذي ارتفع، وينشأ هذا النوع نتيجة لحركات ضاغطة، ولهذا يسمى أيضا بانكسار الضغط "شكل 32ب". شكل "32": الانكسار العادي، والانكسار المعكوس 3- الانكسار الزاحف: وهو نوع من الانكسارات المعكوسة التي صحبتها حركات وانتقالات صخرية. وفي هذا النوع يزحف الحائط المعلق فوق صخور الحائط الأساسي أو الأسفل على طول سطح يسمى سطح الزحف "شكل 32". وقد يبلغ مقدار الزحف عشرات الكيلومترات. وتحدث مثل هذه الانكسارات للثنيات النائمة أو الالتواءات الغطائية، ويكثر وجودها في نطاقات الجبال الالتوائية الحديثة كالألب والهيمالايا والروكي والإنديز. 4- الانكسار الأفقي: وهو يختلف عن الأنواع السابقة في أن الحركة التي تنشئه تكون أفقية.

شكل "33": الانكسار الزاحف. وحينما يقطع الانكسار الأفقي طبقات أفقية فإنه يتعذر قياس مقدار الحركة إلا بالتعرف على مقدار تحرك وانتقال مختلف الظواهر على سطح الأرض "شكل 34". شكل "34": انكسار أفقي، أو انكسار المضرب. 5- الانكسار السلمي أو المدرج: وهو كتلة انكسارية تنشأ نتيجة هبوط الكتل الصخرية على جوانبها هبوطا منتظما في شكل مدرج. "شكل 35". شكل 35: انكسار سلمي.

6- هورست: "كلمة ألمانية معناها عش النسر" وهي كتلة انكسارية تنشأ نتيجة لمجموعة من الانكسارات التي تتسبب في رفع كتلة صخرية وسطى إلى أعلى، أو قد تتكون من هبوط الكتل الصخرية على طول انكسارات جانبية بينما تبقى الكتلة الصخرية الوسطى ثابتة بارزة "شكل 36". 7- الانكسار الأخدودي "جرابين": وفيه يحدث أن تهبط الطبقات أو الكتل الصخرية بين كسرين، فينشأ عن ذلك حوض أو منخفض يسمى أخدودا. وقد تبقى الحافتان ثابتتان أو قد ترتفعان، وتسمى كل منهما هورست "شكل 36". شكل36: انكسار الهورست والانكسار الأخدودي. هذا وتتباين الانكسارات في أبعادها بدرجة كبيرة. إذ لا يزيد مقدار التحرك أو مرمى الانكسار في بعضها عن بضعة سنتيمترات، وفي بعضها الآخر قد يصل إلى مئات الأمتار. ففي النطاق الهضبي في ولايتي أريزونا ويوتاه بالولايات المتحدة الأمريكية تمتد عدة انكسارات عظيمة في اتجاه شمالي جووبي، ويمكن تتبعها على مسافة تزيد على 150 كيلو مترا، ويقطع بعضها الخانق العظيم. وتعتبر الأخاديد من الظاهرات التضاريسية الهامة على سطح الأرض،

ويمثلها في أوروبا أخدود وادي الراين الذي يشغل حوضا هابطا يبلغ طوله نحو 320 كيلو مترا وعرضه حوالي 30 كيلو مترا. وفي شرق أفريقيا وغرب آسيا يمتد الأخدود العظيم الذي يبدأ في القسم الشرقي من أفريقيا ببحيرة نياسا، وتقع فيه مجموعة البحيرات الأخدودية الأفريقية، ثم البحر الأحمر وخليجا السويس والعقبة، والبحر الميت ووادي الأردن، وينتهي في شمال سوريا إلى الجنوب من مرتفعات طووس "شكل 37" شكل "37": الأخدود الأفريقي العظيم بشرق أفريقيا.

الفصل الثاني: القوى الداخلية السريعة

الفصل الثاني: القوى الداخلية السريعة الزلازل مدخل ... الفصل الثاني: القوى الداخلية السريعة أولا: الزلازل عبارة عن هزات أرضية تصيب قشرة الأرض، وتنتشر في شكل موجات خلال مساحات شاسعة منها. وتعاني قشرة الأرض دائما من الحركات الزلزالية نظرا لعدم استقرار باطنها، إلا أن هذه الهزات المستديمة تكون عادة من الضعف بحيث لا نشعر بها، ولا تحسها إلا أجهزة الرصد "السيسموجراف" ومثلها الزلازل التي تصيب منطقة الدلتا والوادي في مصر بين حين وآخر. وإن كان آخرها الذي أصاب منظقة أسوان في أوائل عام 1982، اتسم بالخطورة النسبية، وخشي منه على جسم السد العالي. ودراسة الزلازل ولا شك مهمة بالنسبة للجغرافي لأنها تتصل اتصالا مباشرا بحياة الإنسان ونشاطه على وجه الأرض. وقد سجل الكثير من الزلازل المدمرة أثناء العصر التاريخي وذكر منها الآلاف، كما أثبتت الدراسات الجيولوجية أن قشرة الأرض كانت تعاني دائما خلال عمرها الطويل من الهزات الزلزالية، وتشير تلك الدراسات أيضا إلى استمرار حدوثها في المستقبل.

منشأ الزلازل

منشأ الزلازل: تنشأ الزلازل نتيجة لسببين: 1- حدوث تشقق وتكسر في قشرة الأرض بسبب اضطراب التوازن فيها. ويختل توازن قشرة الأرض نتيجة لاكتساح كميات هائلة من المواد القارية بواسطة عوامل التعرية التي تنقلها وترسبها في البحار والمحيطات. 2- تحركات المواد الصخرية المنصهرة خلال قشرة الأرض أو أسفلها. وبناء على ذلك يمكن تقسيم الزلازل إلى أنواع بحسب القوى التي تسببها: 1- زلازل بركانية: ويرتبط حدوثها بالنشاط البركاني، واندفاع المواد الصخرية المنصهرة

من جوف الأرض إلى سطحها. مثال ذلك ما يصحب ثوران براكين جزر هاواى من زلازل غاية في العنف والقوة. وحينما ثار بركان كراكاتا في "أندونيسيا" أحدث الكثير من التدمير والتخريب. فقد أدى انفجاره إلى هزات عنيفة أثارت مياه البحر في شكل أمواج ضخمة عارمة، أغارت على السهول الواقعة في الجزر القريبة منها فأغرقتها، ودمرت المنازل وشردت العديد من السكان، وأحدثت خسائر فادحة لسكان جزيرتي سومطرة وجاوه والجزر الأخرى المجاورة. ومع هذا فإن معظم الهزات الزلزالية التي تحدث بسبب النشاط البركاني هي في الواقع هزات محلية لا تؤثر في مساحات كبيرة، كما أن كثيرا من الثورانات البركانية تصحبها هزات ضعيفة. 2- زلازل تكتونية: وتحدث في المناطق التي تصيبها الانكسارات وتتعرض للتصدع. وهذا النوع شائع كثير الحدوث. وهو يرتكز على الخصوص في القشرة السطحية على أعماق تصل إلى 70 كم. 3- زلازل بلوتونية: "نسبة إلى بلوتو إله الأرض عند الإغريق". ويوجد مركزها على عمق سحيق من الأرض. فقد سجلت زلازل على عمق 800 كم في شرقي آسيا. هذا ويحدث النوعان الأخيران -التكتوني والبلوتوني- على الخصوص نتيجة لتحركات في قشرة الأرض وما تحتها. وهناك كثير من الأدلة والشواهد المقنعة تشير إلى أن معظم الهزات الأرضية الرئيسية تحدث نتيجة لضغوط عنيفة فجائية في قشرة الأرض، ينجم عنها تصدع وانتقال الطبقات على طول خطوط انكسارات قديمة كانت موجودة بالفعل. ففي كاليفورنيا يوجد نطاق انكساري يمتد مسافة تقرب من ألف كيلو متر وقد حدثت في مجاله حركة فجائية فى عام 1906 سببت زلزالا عنيفا أحدث خسائر فادحة، وكانت الحركة أفقية فلم ينتج عنها ظهور حافات انكسارية وإنما سببت تزحزح الطرق وأسوار المزارع والحدائق من مواضعها الأصلية إلى مواقع أخرى على طول خط الانكسار، وقد بلغ مقدار التزحزح الأفقي نحو ستة أمتار.

المركز السطحي والمركز الداخلي للزلازل

المركز السطحي والمركز الداخلي للزلازل ... المركز السطحي والمركز الداخلي للزلزال: لا تكون قوى الزلزال واحدة على سطح الأرض، وهي تبلغ ذروتها عند نقطة على سطح الأرض تسمى بالمركز السطحي وفي أسفله فى اتجاه عمودي تقع نقطة أخرى هي نقطة مولده وتسمى بالمركز الداخلي للزلزال. وفيه تنشأ الهزات العنيفة التي تحدثها القوى الأرضية. وهذه تنشئ ذبذبات تماوجية تصل في اتجاه رأسي إلى المركز السطحي، كما تنتشر في اتجاهات متباينة أخرى إلى جميع أجزاء جسم الأرض.

آثار الزلازل

آثار الزلازل: تتباين الهزات الزلزالية في درجة قوتها، فمنها الضعيف الذي يحدث ولا يكاد يحس به أحد، ومنها المدمر الذي يسبب خسائر كبيرة في مناطق العمران. ويمكن إجمال آثارها في النقاط التالية: 1- قد تسبب تزحزحا وانتقالا لأجزاء من قشرة الأرض في الاتجاهين الأفقي والرأسي. 2- يمكنها أن ترفع أو تخفض أجزاء من قاع البحر كما حدث في خليج ساجامي باليابان في عام 1923 فقد ارتفعت أجزاء منه "نحو 250م" وانخفضت أجزاء أخرى "نحو 400م". 3- تستطيع أن ترفع أو تخفض مناطق ساحلية كما حدث في ألاسكا "عام 1899" وكما حدث لساحل الإسكندرية أثر زلزال حدث في القرن الرابع عشر. 4- قد تسبب انزلاقات أرضية كما حدث في شمال الصين في عامي 1920 و 1927. 5- تنشئ الزلازل التي تحدث في قيعان المحيطات أمواجا عاتية تحدث التدمير في السواحل التي تتعرض لها. 6- تدمر الزلازل التي تحدث في المناطق الآهلة بالسكان الكثير من المنشآت وتتسبب في إحداث خسائر فادحة في الأرواح.

أمثلة من الزلازل المدمرة

أمثلة من الزلازل المدمرة: في البرتغال عام 1755: انخفض قاع البحر قرب لشبونة. نشأت أمواج عاتية دمرت المنشآت الساحلية. في بيرو عام 1968: قتل 30.000 شخص وفي عام 1970 قتل 35.000 شخص. في ألاسكا عام 1899: ارتفع ساحل أحد خلجانها بمقدار 12م. في كاليفورنيا عام 1906: خربت مدينة سان فرنسيسكو. في شيلي عام 1906: قتل 30.000 شخص. في اليابان عام 1960: حدث ارتفاع وانخفاض في خليج ساجامي. قتل 200.000 شخص. في الصين عام 1927: قتلت الانزلاقات الأرضية الناشئة عن الزلازل 100.000 شخص. في نيوزيلندا عام 1931: خربت مدينة تابير. في نيكارجوا عام 1931: دمرت العاصمة ماناجوا.

في المملكة المغربية عام 1960: أصاب الخراب مدينة أغادير. في إيران عام 1962: قتل 20.000 شخص. عام 1968 قتل 50.000 شخص. في تركيا عام 1970: قتل 50.000 شخص.

التوزيع الجغرافي للزلازل

التوزيع الجغرافي للزلازل: على الرغم من أن الهزات الزلزالية شائعة في جميع أنحاء الأرض، إلا أن ما يحدث منها على اليابس يتركز في مناطق معينة، ومعظمها يقع ضمن ثلاثة نطاقات كبيرة هي: 1- نطاق يمتد فوق سلاسل المرتفعات التي تحيط بسواحل المحيط الهادي في أمريكا الجنوبية وأمريكا الشمالية وآسيا، ويتضمن الجزر وأشباه الجزر التي تكتنف تلك السواحل. شكل "38": التوزيع الجغرافي للزلازل.

2- نطاق يمتد فوق سواحل البحر المتوسط، ويشمل مرتفعات الألب والقوقاز، ويمتد شرقا في آسيا ليشمل مرتفعات الهيمالايا إلى جزر أندونيسيا، وهناك يلتقي بالنطاق الأول. 3- نطاق يشمل منطقة الأخاديد بشرقي أفريقيا وجنوب غربي آسيا ويرتبط حدوث الزلازل في هذا النطاق بوجود الانكسار الأفريقي العظيم. ويلاحظ أن توزيع هذه النطاقات يتفق مع توزيع سلاسل المرتفعات الحديثة التي تمثل مناطق ضعف واضطراب في قشرة الأرض. ويتفق أيضا مع وجود مناطق الانكسارات التي ما تزال نشطة حتى وقتنا الحاضر. "شكل 38".

استجابة الأرض للموجات الزلزالية "طبيعة باطن الأرض"

استجابة الأرض للموجات الزلزالية طبيعة باطن الأرض تمكن العلماء من معرفة الكثير عن طبيعة الأرض عن طريق الهزات الزلزالية. فعندما تنبعث الهزات من المركز الداخلي للزلزال تنطلق منه طاقة تؤدي إلى تكوين ذبذبات قوية في الصخور تسري فيها على شكل موجات تكون عنيفة عند المركز السطحي للزلزال، وتضعف كلما بعدت عنه. وتقوم أجهزة خاصة "السيسموجراف" بتسجيل تلك الموجات على اختلاف قوتها ونوعها. وهناك ثلاثة أنواع من تلك الموجات: 1- الموجات الأولية: وهي أول ما يصل من الموجات إلى أجهزة الرصد نظرا لأنها سريعة جدا "من 8-12 كم في الثانية" وهي تخترق باطن الأرض في كل الاتجاهات. 2- الموجات الثانوية: وهي ثاني ما يصل من الموجات إلى أجهزة الرصد، نظرا لأنها أبطأ من الموجات الأولية "من 4-8 كم في الثانية". وهي تخترق جسم الأرض إلى أعماق كبيرة.

3- الموجات الطويلة: ويقتصر مسارها على الأجزاء العليا لقشرة الأرض، وهي تسير "من 3-5 كم في الثانية". وتصل متأخرة عن النوعين السابقين. ونظرا لأنها تنتشر أساسا من المركز السطحي للزلزال، فإنها المسئولة عن التخريب والتدمير الذي يحدث لمناطق العمران. شكل "39": تسجيل الموجات الزلزالية: لاحظ الموجات المباشرة والموجات المنعكسة. وقد لوحظ أن الموجات الزلزالية تنعكس وتنكسر أثناء اختراقها لجسم الأرض كما يحدث لأشعة الضوء عندما تمر من الجو وتخترق المياه "انظر شكل 39". مما يدل على أن جسم الأرض يتركب من مواد مختلفة الكثافة. ويمكن تلخيص أهم الحقائق التي أمكن جمعها من مختلف الدراسات الزلزالية أن الأرض تتركب من: 1- نواة باطنية يبلغ قطرها 6800 كم تدعى بالكتلة أو الكرة الباطنية.

وهي تتركب من مواد معدنية ثقيلة ذات كثافة عالية "بين 8-11" وهي الحديد والنيكل. 2- غلاف صخري يحيط بالكرة الباطنية ويبلغ سمكه 2900كم. وهو بدوره ينقسم إلى ثلاثة أغلفة: أ- غلاف داخلي يتركب من صخور نارية ثقيلة جدا "كثافته 5.6". ب- غلاف خارجي يتركب من صخور نارية بازلتية ثقيلة "كثافتها 4.0". ج- قشرة سطحية تتركب من صخور نارية جرانيتية خفيفة هي التي تتكون منها الكتل القارية "كثافتها 2.7". من هذا ترى أنه قد حدث في المواد المكونة لجسم الأرض تصنيف طبقي من حيث الكثافة، فأكثر مواد الأرض كثافة يوجد حول المركز، وأقلها كثافة قرب السطح. ولهذا يعتقد أن الأرض قد مرت في المرحلة الأولى من تاريخ تكوينها بفترة كانت فيها في حالة منصهرة. وفي أثناء تلك المرحلة عملت الجاذبية الأرضية على أن تستقر المواد الثقيلة عند المركز وحواليه. تليها تجاه السطح المواد الخفيفة ثم الأخف، وهكذا نشأت أغلفة مستديرة حول النواة تختلف في كثافتها. ويحدث مثل هذا في أفران صهر المعادن حيث يستخلص المعدن من الخام. فحينما تصهر كتلة كبيرة من الخام المعدني فإن المعدن ينفصل ويترسب في قاع الفرن نظرا لثقله، يليه إلى أعلى طبقة من الأكاسيد وهي مواد ثقيلة أيضا إلا أنها أخف من المعدن نفسه، ثم على السطح نجد طبقة من المخلفات الصخرية وهي أخفها جميعا. وباطن الأرض عظيم الحرارة، يدل على ذلك تلك المواد المنصهرة والغازات التي تخرج من فوهات البراكين. لكنه مع ذلك صلب نظرا لما يعانيه من ضغوط شديدة. فإذا ما أزيحت عنه هذه الضغوط نتيجة لحدوث الصدوع والكسور تحولت المواد الصلبة إلى سوائل وغازات. ويتزايد الضغط بسرعة كلما اتجهنا من ظاهر الأرض إلى باطنها. فعلى

عمق كيلو متر يكون الضغط معادلا 275 وحدة ضغط جوي، وعند عمق 2900 كم يصبح 1.213.100 ضغط جوي، أما في مركز الأرض فيصل مقدار الضغط نحو 4.163.450 ضغط جوي.

النشاط الناري الطفحي "البراكين"

النشاط الناري الطفحي "البراكين" مدخل ... ثانيا: النشاط الناري الطفحي البراكين تعتبر الثورانات البركانية من أكبر الظاهرات المروعة والمفجعة في الطبيعة. وفي معرض الحديث عن البراكين كثيرا ما يقال بتقسيمها إلى براكين نشطة، وأخرى خامدة. والواقع أن هذا التقسيم اصطلاحي محض. فهناك من البراكين ما ثارت ونشطت بعد فترة سكون دامت عدة قرون، نمت أثناءها الغابات على جوانبها وتحولت فوهاتها إلى بحيرات. ولهذا يمكن اعتبار البركان نشيطا إذا استمر نشاطه أو أنه قد ثار مرة أو أكثر أثناء العصر التاريخي المعروف لدينا. أما البركان الخامد فهو الذي سكن وخمد قبل العصر التاريخي، وبالتالي لم يذكر التاريخ شيئا عن نشاطه. ويوجد في العالم الآن نحو 475 من أكبر البراكين النشطة، وأكثر من 4000 من البراكين الخامدة.

أجزاء البراكين

أجزاء البراكين: إذا نظرت إلى الشكل "40أ" ستجد أنه يتكون من: 1- جبل مخروطي الشكل: يتركب من حطام صخري أو لافا متصلبة. وهي المواد التي يقذفها البركان من فوهته، وكانت كلها أو بعضها في حالة منصهرة. 2- فوهة: وهي عبارة عن تجويف مستدير الشكل تقريبا في قمة المخروط، يتراوح اتساعه بين بضعة مئات وبضعة آلاف من الأمتار. وتنبثق من الفوهة على فترات غازات وكتل صخرية وقذائف وحمم ومواد منصهرة "لافا". وقد يكون للبركان أكثر من فوهة ثانوية إلى جانب الفوهة الرئيسية في قمته كما ترى في الشكل:

3- مدخنة أو قصبة: وهي قناة من قاع الفوهة إلى أسفل حيث تتصل بفرن الصهير في جوف الأرض. وتندفع خلالها المواد البركانية إلى الفوهة، وتعرف أحيانا بعنق البركان. وبجانب المدخنة الرئيسية، قد يكون للبركان عدة مداخن تتصل بالفوهات الثانوية "انظر شكل 40 أ". شكل "40": أجزاء البركان، وبعض أشكال البراكين

أنواع المواد البركانية

أنواع المواد البركانية: يخرج من البراكين حين ثورانها حطام صخري صلب وغازات ومواد سائلة: 1- الحطام الصخري: ينبثق نتيجة للانفجارات البركانية حطام صخري مختلف الأنواع والأحجام عادة في الفترة الأولى من الثوران البركاني. ويشتق الحطام الصخري من القشرة المتصلبة التي تتركب من اللافا القديمة المتخلفة عن ثورانات سابقة، ومن المواد الصخرية التي تنتزع من جدران العنق نتيجة لدفع اللافا والمواد الغازية المنطلقة من الصهير بقوة وعنف ويتركب الحطام الصخري من مواد

تختلف في أحجامها منها الكتل الصخرية، والقذائف والجمرات، والرمل والغبار البركاني. 2- الغازات: تخرج من البراكين أثناء نشاطها غازات أهمها بخار الماء. وهو ينبثق بكميات عظيمة مكونا لسحب هائلة يختلط معه فيها الغبار والغازات الأخرى. وتتكاثف هذه الأبخرة مسببة لأمطار غزيرة تتساقط في محيط البركان. ويصاحب الانفجارات وسقوط الأمطار حدوث أضواء كهربائية تنشأ من احتكاك حبيبات الرماد البركاني ببعضها، ونتيجة للاضطربات الجوية. وعدا الأبخرة المائية الشديدة الحرارة، ينفث البركان غازات متعددة أهمها الأيدروجين والكلورين والكبريت والنيتروجين والكربون والأوكسجين. شكل "41": بركان الجزيرة البيضاء في شمال نيوزيلندا وهو ينفث الغازات 3- اللافا: هي كتل سائلة تلفظها البراكين، وتبلغ درجة حرارتها بين 1000 ْم و 1200 ْم. وتنبثق اللافا من فوهة البركان، كما تطفح من خلال الشقوق والكسور في جوانب المخروط البركاني. تلك الكسور التي تنشئها الانفجارات وضغط كتل الصهير. وتتوقف طبيعة اللافا ومظهرها على التركيب الكيماوي لكتل الصهير الذي تنبعث منه وهي نوعان

أ- لافا خفيفة فاتحة اللون: وهذه تتميز بعظم لزوجتها، ومن ثم فإنها بطيئة التدفق. ومثلها اللافا التي انبثقت من بركان بيلي "في جزر المرتنيك في البحر الكاريبي" عام 1902 فقد كانت كثيفة لزجة لدرجة أنها لم تقو على التحرك، وأخذت تتراكم وترتفع مكونة لبرج فوق الفوهة بلغ ارتفاعه 300م، ثم ما لبث بعد ذلك أن تكسر وتحطم نتيجة للانفجارات التى أحدثها خروج الغازات. ب- لافا ثقيلة داكنة اللون: وهي لافا بازلتية، وتتميز بأنها سائلة ومتحركة لدرجة كبيرة، وتنساب في شكل مجارٍ على منحدرات البركان. وحين تنبثق هذه اللافا من خلال كسور عظيمة الامتداد، فإنها تنتشر فوق مساحات هائلة مكونة لهضاب فسيحة، ومثلها هضبة الحبشة وهضبة الدكن بالهند وهضبة كولومبيا بأمريكا الشمالية.

أشكال البراكين

أشكال البراكين: 1- براكين الحطام الصخري: يختلف المخروط البركاني باختلاف المواد التي يتركب منها. فإذا كان المخروط يتركب كلية من الحطام الصخري، فإننا نجده مرتفعا شديد الانحدار بالنسبة للمساحة التي تشغلها قاعدته. وهنا نجد أن درجة الانحدار تبلغ 30 درجة وقد تصل أحيانا إلى 40 درجة. وتنشأ هذه الأشكال عادة نتيجة لانفجارات بركانية. وتتمثل في جزر أندونيسيا. 2- البراكين الهضبية: وتنشأ نتيجة لخروج اللافا وتراكمها حول فوهة رئيسية ولهذا تبدو قليلة الارتفاع بالنسبة للمساحة الكبيرة التي تشغلها قواعدها. وتبدو قممها أشبه بهضاب محدبة تحدبا هينا، ومن هنا جاءت تسميتها بالبراكين الهضبية "شكل 42". وقد نشأت هذه المخروطات من تدفق مصهورات اللافا الشديدة الحرارة والعظيمة السيولة، والتي انتشرت فوق مساحات واسعة. وتتمثل هذه البراكين الهضبية أحسن تمثيل في براكين جزر هاواى كبركان مونالوا

الذي يبلغ ارتفاعه 4100م. وهو يبدو أشبه بقبة فسيحة تنحدر انحدارا سهلا هينا. شكل "42": البركان الهضبي 3- البراكين الطباقية: البراكين الطباقية نوع شائع الوجود. وهي في شكلها وسط بين النمطين السابقين. وتتركب مخروطاتها من مواد الحطام الصخري ومن تدفقات اللافا التي يخرجها البركان حين يهدأ ثورانه. وتكون اللوافظ التي تخرج من البركان أثناء الانفجارات المتتابعة طبقات بعضها فوق بعض، ويتألف قسم منها من مواد خشنة وقسم آخر من مواد دقيقة، وبين هذا وذاك تتداخل اللافا في هيئة أشرطة قليلة السمك. ومن هذا ينشأ نوع من الطباقية في تركيب المخروط، ويمثل هذا الشكل بركان مايون أكثر براكين جزر الفلبين نشاطا في الوقت الحاضر.

التوزيع الجغرافي للبراكين

التوزيع الجغرافي للبراكين: تنتشر البراكين فوق نطاقات طويلة على سطح الأرض أظهرها: 1- النطاق الذي يحيط بسواحل المحيط الهادي والذي يعرف أحيانا بحلقة النار. فهو يمتد على السواحل الشرقية من ذلك المحيط فوق مرتفعات الإنديز إلى أمريكا الوسطى والمكسيك وفوق مرتفعات غربي أمريكا الشمالية إلى جزر ألوشيان ومنها إلى سواحل شرق قارة آسيا إلى جزر اليابان والفلبين ثم إلى جزر أندونيسيا ونيوزيلندا. "انظر الخريطة شكل 43". 2- يوجد الكثير من البراكين في المحيط الهادي نفسه. وبعضها ضخم عظيم نشأ في قاعه وظهر شامخا فوق مستوى مياهه. ومنها براكين جزر هاواى التي ترتكز قواعدها في المحيط على عمق نحو 5000م، وترتفع فوق

سطح مياهه أكثر من 4000م. وبذلك يصل ارتفاعها الكلي من قاع المحيط إلى قممها نحو 9000م. شكل "43": التوزيع الجغرافي للبراكين

3- جنوب أوروبا المطل على البحر المتوسط والجزر المتاخمة له. وأشهر البراكين النشطة هنا هي فيزوف قرب نابولي بإيطاليا واثنا بجزيرة صقلية واسترو مبولي "منارة البحر المتوسط" في جزر ليباري. 4- مرتفعات غربي آسيا وأشهر براكينها أرارات واليوزنز. 5- النطاق الشرقي من أفريقيا وأشهر براكينه كلمنجارو. "ارتفاعه 6110م".

آثار البراكين

آثار البراكين: 1- في تشكيل سطح الأرض: تستطيع مما سلف أن تتبين آثار البراكين في تشكيل سطح الأرض: فهي تنشئ الجبال الشامخة والهضاب الفسيحة. وحين تخمد تنشأ في تجاويف فوهاتها البحيرات في الجهات المطيرة. 2- في النشاط البشري: من الغريب أن الإنسان لم يعزف عن السكنى بجوار البراكين حتى يكون بمأمن من أخطارها، إذ نجده يقطن بالقرب منها، بل وعلى منحدراتها أيضا. فبركان "فيزوف" تحيط به القرى والمدن، وتغطيه حدائق الفاكهة وبساتين الكروم، وجميعها تنتشر على جوانبه حتى قرب قمته. وتقوم الزراعة أيضا على منحدرات بركان "اثنا" في جزيرة صقلية حتى ارتفاع 1200م في تربة خصيبة تتكون من البازلت الأسود الذي تدفق فوق المنطقة أثناء العصور التاريخية. وهذه البراكين لا ترحم، إذ تثور من وقت لآخر فتدمر قرية أو أخرى. ويمكن للسائر على طول الطريق الرئيسي فوق السفوح السفلى من بركان "اثنا" وعند نهاية تدفقات اللافا التي انبثقت منه في عام 1929 أن يرى بقايا وأطلال البيوت الحجرية التي جرفتها سيول اللافا المتدفقة، وهي شواهد أبدية تشير إلى الخطر الدائم المحدق بالمنطقة. وتشتهر جزيرة جاوه ببراكينها الثائرة والنشطة، وبراكينها تفوق في

الواقع كل براكين العالم في كمية الطفوح واللوافظ التي انبثقت منها منذ عام 1500م. ومع هذا نجد الجزيرة تغص بالسكان، فهي أكثر جهات العالم الزراعية سكانا بالنسبة لمساحتها، ويسكنها نحو 75 مليون شخص، ويرجع ذلك كما أسلفنا إلى خصوبة التربة البركانية، وقد أنشئت بها مصلحة للبراكين وظيفتها التنبؤ بحدوث الانفجارات البركانية وتحذير السكان قبل ثورانات البراكين مما يقلل من أخطار وقوعها.

المداخن والينابيع والنافورات الحارة

المداخن والينابيع والنافورات الحارة مدخل ... ثالثا: المداخن والينابيع والنافورات الحارة: وتعتبر جميعها من بين الظاهرات البركانية، ويرتبط وجودها بالأقاليم البركانية.

المداخن

المداخن: يطلق تعبير مدخنة على كسر أو ثقب في الصخور تخرج منه أبخرة وغازات. وتسود نسبة بخار الماء بين الغازات إذ تصل إلى نحو 98%. ومن بين الغازات التي تلفظها المداخن غاز ثاني أكسيد الكربون والكلور والأيدروجين.

الينابيع الحارة

المداخن: يطلق تعبير مدخنة على كسر أو ثقب في الصخور تخرج منه أبخرة وغازات. وتسود نسبة بخار الماء بين الغازات إذ تصل إلى نحو 98%. ومن بين الغازات التي تلفظها المداخن غاز ثاني أكسيد الكربون والكلور والأيدروجين. الينابيع الحارة: يكثر وجودها بجوار المداخن في الأقاليم البركانية. وهناك ارتباط وثيق بينهما، إذ تتحول بعض الينابيع الحارة إلى مداخن حينما يحل الفصل الجاف، ثم تعود سيرتها الأولى حينما يأتي الفصل المطير. وقد أدى هذا التبادل الفصلي إلى الاعتقاد بأن الينابيع الحارة تستمد مياهها على الخصوص من الماء الباطني الذي يتسرب من سطح الأرض ثم يسخن بواسطة بخار الصهير. 1- الينابيع الغالية: وهي توجد بكثرة في منطقة لاسين البركانية وفي منتزه ييلوستون بالولايات المتحدة الأمريكية. وتظهر هناك في شكل أحواض مليئة بالمياه

بعضها يغلي ويئز في هدوء أو بشدة واستمرار، وبعضها الآخر يغلي بشكل انفجاري، وتتخلل الانفجارات فترات هدوء قصيرة. 2- الجيزر: هي عبارة عن نافورة أو فوارة حارة تنفجر على فترات مكونة لأعمدة من الأبخرة والمياه الساخنة. وهي تشبه البركان من حيث وجود الفوهة والقصبة والمخروط ولكن الفرق في الحجم بينهما كبير. ويتركز وجودها في ثلاث مناطق هي: جزيرة أيسلندا وجزيرة نيوزيلندا ومنطقة ييلوستون بارك. وبالأخيرة نافورة شهيرة "تسمى أولد فيثفول" تنفجر كل 66 دقيقة، وتقذف بعمود من المياه الحارة يتراوح ارتفاعه بين 30-50م. وينبثق منها مع كل انفجار كمية من المياه تتراوح بين 10.000-12.000 جالون "شكل 44". شكل "44": قطاع رأسي يوضح الظروف اللازمة لنشاط الجيزر، المساحات المنقطة تمثل تجمعات الأبخرة في كهوف عظيمة الاتساع

الفصل الثالث: القوى الخارجية وأثرها في تشكيل سطح الأرض

الفصل الثالث: القوى الخارجية وأثرها في تشكيل سطح الأرض مدخل ... الفصل الثالث: القوى الخارجية وأثرها في تشكيل سطح الأرض رأينا كيف تستطيع القوى الداخلية أن تؤثر في قشرة الأرض. فهي التي تعمل أساسا على إنشاء البناء الداخلي وتركيب تضاريس تلك القشرة. وهي التي ترفع الجبال وتنشئ الهضاب سواء بالالتواء أو الانكسار أو بالنشاط البركاني. وعندما تظهر تلك الأشكال على سطح الأرض تتناولها القوى الخارجية بالتعديل والتشكيل، تلك القوى التي تتمثل في عوامل التجوية والتعرية. وبينما تتولد القوى الداخلية في باطن الأرض نتيجة للاضطراب الذي يحدث فيها، تنشأ القوى الخارجية في نطاق الغلافين الجوي والمائي. وتنقسم القوى الخارجية إلى مجموعتين: أولا: عوامل التجوية: ويقصد بها فعل الجو "وهو الهواء في حالة السكون" وتأثيره في تفكيك الصخور وتفتيتها محليا. ويتم ذلك إما ميكانيكيا أو كيميائيا. ويقتصر تأثير عوامل التجوية في الصخور على تفتيتها دون نقلها. ثانيا: عوامل التعرية: وهي التي تعمل على تفتيت الصخور ونحتها ثم نقلها من موضعها وإرسابها في موضع آخر. وهذه العوامل هي: المياه الجارية، الرياح، وفعل البحر، والجليد المتحرك، وتؤدي هذه العوامل المتحركة وظائف ثلاث: النحت ثم النقل فالإرساب.

التجوية

التجوية مدخل ... أولا: التجوية: تعد التجوية بمثابة المرحلة الأولى في عمليات تعرية البيئة الطبيعية،

وهي عملية -كما رأينا- ثابتة لا يرتبط بعملها التحرك والانتقال، وهي تؤدي إلى تفكيك الصخر وإعداده لكي ينقل بواسطة عوامل أخرى متحركة كالماء الجاري والرياح والجليد المتحرك. وتنقسم عوامل التجوية إلى قسمين: 1- عوامل التجوية الميكانيكية أو الأولية: ويقصد بها تلك العوامل التي تؤدي إلى تحطيم الصخر وتجزئته إلى مفتتات بشرط أن يظل تركيبه المعدني كما هو دون أن يتغير. 2- عوامل التجوية الكيميائية: وهي التي تعمل على تآكل الصخر وتحلله، وينشأ عنها تغير في تركيبه المعدني.

التجوية الميكانيكية

التجوية الميكانيكية: وهذه تمارس عملها في تحطيم الصخور بطريقتين: الطريقة الأولى: الاختلاف اليومي الكبير في درجات الحرارة: ويتضح تأثير ذلك على الخصوص في الجهات الصحراوية حيث تنخفض الرطوبة في الجو، وحيث يساعد صفاء السماء على عظم الفرق بين درجات الحرارة في الليل وفي النهار، وتتعرض الصخور في تلك الجهات تعرضا مباشرا لأشعة الشمس، فترتفع حرارتها في النهار، ويؤدى ذلك إلى تمدد المعادن المكونة لها. أما في الليل فإن الحرارة تهبط هبوطا كبيرا، وحينئذ تنكمش معادن الصخور. ولما كانت الصخور تتكون من معادن مختلفة تتباين في درجات تمددها وانكماشها فإنها تتعرض للتفكك والتكسر والتقشر "شكل 45". وتشير تقارير الرحالة في الجهات الصحراوية إلى حدوث أصوات تشبه فرقعة طلقات البندقية، يعتقد أنها أصوات تكسر الصخور بتأثير التغييرات الحرارية.

شكل "45": التجوية بفعل التمدد والانكماش الحراري. والطريقة الثانية: التغير الحراري اليومي في الجهات الباردة: وهنا تلعب المياه المتسربة في مسام الصخور دورا كبيرا في تحطيمها، ففي النهار تعمل الحرارة على إذابة الجليد، فتشرب المياه الذائبة في مسام الصخور وشروخها وتملأها. وفي الليل تؤدي البرودة الشديدة إلى تجمد المياه في المسام والشروخ، فيكبر حجمها، ومن ثم تضغط على جزئيات الصخر وتساعد على فصلها من بعضها "شكل 46". شكل "46": تفكك الصخر

وتأثيرات عملية التجمد والذوبان شائعة الحدوث في الحياة اليومية بالجهات الباردة. فكثيرا ما تحدث انتفاخات وتشققات في حواري وأزقة القرى ويصعب تحريك أبواب المنازل بسبب تجمد المياه. وقد تنفجر مواسير المياه، كما تتشقق أجهزة التبريد في السيارات، ويعظم تأثير هذه العملية في الصخور اللينة حتى أثناء الموجات القصيرة الأمد. ويحدث أحيانا أن تنفصل طبقات من أسطح المحاجر الطباشيرية بسبب نمو بلورات الثلج في ثناياها. "شكل 47" شكل "47": التجوية بفعل التجمد والذوبان "فعل الصقيع"

التجوية الكيميائية

التجوية الكيميائية: وتنشأ عادة من تفاعل غازات الجو كالأوكسجين وثاني أكسيد الكربون وبخار الماء مع العناصر التي تتكون منها معادن الصخور. ومن ثم يمكن التمييز بين العمليات الآتية التي تحدث بواسطتها تجوية الصخور كيميائيا: 1- عملية الأكسدة: ويقصد بها اتحاد الأوكسجين مع عنصر من العناصر التي تتألف منها معادن الصخور، فيتحول هذا العنصر إلى مادة أقل صلابة هي التي تعرف بالأوكسيد. ويعد الحديد أكثر العناصر تأثرا بهذه العملية، ولهذا كانت أكاسيده واسعة الانتشار على سطح الأرض. 2- عملية الكربنة أو الإذابة: وهي مهمة في التحليل الكميائي للصخور الجيرية الواسعة الانتشار على سطح الأرض. ومؤدى هذه العملية أن مياه الأمطار تذيب غاز ثاني

أوكسيد الكربون الموجود في الجو، فتتحول المياه إلى حامض كربونيك مخفف. وهذا الحامض له القدرة على إذابة المادة التي يتكون منها الصخر الجيري "وهي كربونات الكالسيوم". وله القدرة أيضا على التأثير في بعض العناصر التى تتألف منها بعض معادن الصخور النارية. ونتيجة لإذابة بعض المركبات الكيماوية من الصخور بواسطة عملية الكربنة هي أن يتحول الصخر من حالة الاندماج والصلابة إلى حالة من التفكك وعدم التماسك، فتسهل بعد ذلك عملية نحته وإزالته. وهناك بعض المعادن والصخور التي تقبل الذوبان في الماء العادي ومنها الملح الصخري "ملح الطعام" لكنها قليلة الانتشار على سطح الأرض. 3- عملية التميؤ: ويقصد بها اتحاد الماء أو بخاره مع بعض العناصر التي تتألف منها معادن الصخور فتكبر وتتمدد. وينشأ عن هذا التمدد ضغوط تؤثر في الصخر وتعمل على إضعافه وتفككه. العوامل التي يتوقف عليها تأثير التجوية: يؤثر في درجة التجوية ونوعها عدة عوامل أهمها: 1- التركيب المعدني للصخور: نحن نعلم أن الصخور تتركب من معادن متباينة وكل معدن يختلف عن الآخر في درجة تأثيره بالتجوية. ولذلك فإن الصخور التي تتكون من معادن مقاومة للتجوية كالجرانيت لا تتحلل بسهولة. بعكس الصخور التي تتركب من معادن قابلة للتجوية "الكربنة" كالصخر الجيري، أو الإذابة بالماء العادي كالملح الصخري. 2- نسيج الصخر ومظهره: فالصخور الكبيرة الحبيبات أسرع في تأثرها بالتجوية من الصخور الدقيقة الحبيبات.

3- بناء الصخور: فالصخور تحوي فواصل ومنها الصخور النارية، وسطوح انفصال كالصخور الرسوبية الطباقية، أو تتميز بما يشبه الطباقية كالصخور المتحولة. ومثل هذه التراكيب الثانوية تسمح بنفاذ تأثير عوامل التجوية الكيميائية. وكلما كثر وجودها في الصخر كلما ازداد تأثره بالتجوية. وفضلا عن ذلك فإن الصخور التي يصيبها الالتواء والانكسار، تكون أكثر تعرضا للتجوية من غيرها، نظرا لما يحدث بها من تكسر وتفلق. 4- المناخ: وهو يؤثر في الأهمية النسبية لمختلف أنواع التجوية. فالتجوية الميكانيكية "الذوبان والتجمد والاختلاف الحراري اليومي والفصلي" تسود في الأقاليم الباردة والجافة. بينما تسود التجوية الكيميائية "الكربنة والإذابة والأكسدة والتميؤ" في الأقاليم الرطبة سواء كانت معتدلة أو حارة. 5- الزمن: من البديهي أنه كلما طال زمن تعرض الصخر للتجوية كلما اشتد عمقها وزاد تأثر الصخر بها. 6- الغطاء النباتي والتربة: وهما يحميان الصخور الموجودة أسفلهما من فعل التجوية الميكانيكية على الخصوص. أما التجوية الكيميائية فتستطيع النفاذ إلى الأساس الصخري والتأثير فيه، خصوصا حينما تتركز الأحماض العضوية في التربة وهي الأحماض الناشئة عن تعفن وتحلل النباتات.

آثار التجوية

آثار التجوية في تشكيل سطح الأرض: 1- تعتبر التجوية بمثابة عملية مساعدة لعوامل التعرية المتحركة، فهي تفكك الصخور وتفتتها ومن ثم تجهزها للنقل بواسطة الرياح أو الماء الجاري أو الجليد المتحرك. فتسهم بذلك في سرعة تآكل الصخور وتخفيض سطح اليابس.

2- تساهم عملية الإذابة "الكربنة" في تخفيض سطح المناطق التي تتركب من صخور جيرية. فالمناطق الجيرية التي توجد بالأقاليم الرطبة تتميز بأنها أقل ارتفاعا من المناطق المجاورة التي تتركب من صخور أكثر مقاومة لعملية الإذابة. "شكل 48": فعل التجوية والتعرية في كتلة صخرية تتركب من طبقات أفقية متفاوتة الصلابة 3- تساهم في تشكيل سطح الأرض، فهي تحدث فجوات وحفرا خاصة في المناطق الجيرية. 4- تنشئ تلالا مروحية الشكل عند حضيض المرتفعات. 5- تعمل على تكوين التربة. والتربة هي الغطاء السطحي المكون من المفتتات الصخرية الدقيقة.

عوامل التعرية

عوامل التعرية التعرية النهرية ... ثانيا: عوامل التعرية: أ- التعرية النهرية: الأنهار بما تقوم به من نحت ونقل وإرساب هي أهم عوامل التعرية جميعا في تشكيل سطح الأرض، ويرجع ذلك إلى أن أثرها لا يقتصر على المناطق الدائمة أو الفصلية المطر، بل يتعداها إلى المناطق الصحراوية الجافة التي تسقط عليها أمطار فجائية بين حين وآخر فتنشئ سيولا جارفة تحفر لنفسها أودية لا تختلف كثيرا في مظهرها عن أودية الأنهار الدائمة الجريان. وكذلك تخترق كثير من الأنهار نطاقات صحراوية نابعة من مناطق بعيدة ومنها نهر النيل ونهر السند. وفي المناطق الباردة تتحول بعض الأنهار الجليدية إلى أنهار تجري فيها مياه الجليد الذائب. مصادر مياه الأنهار: مياه الأمطار هي المصدر الرئيسي لكل أنواع المياه التي تجري جريانا سطحيا فوق قشرة الأرض. وحين تسقط الأمطار يتبخر بعضها، ويتسرب بعضها في مسام الصخور وخلال فتحات الشقوق والفوالق الصخرية، أو يختزن في البحيرات والمستنقعات والغطاءات الجليدية والأنهار الجليدية، بينما ينحدر الباقي مكونا للأنهار، من هذا نرى أن مياه الأمطار ترد إلى الأنهار من: 1- التدفق السطحي عقب سقوط الأمطار مباشرة. 2- المياه الجوفية المختزنة في مسام الصخور، وهي تتسرب إلى الأنهار تسربا جانبيا، فتعوض ما تفقده المجاري المائية من المياه نتيجة للتبخر. مثال ذلك ما يتسرب من مياه إلى نهر النيل في فترة التحاريق من طبقة المياه الجوفية في الصحراء الشرقية والصحراء الغربية. 3- المياه الذائبة من الجليد "كنهر الرون في فرنسا الذي ينبع من ثلاجة الرون"، والمنطلقة من البحيرات "كنهر النيل الذي ينبع من البحيرات الاستوائية"، والمنبثقة من العيون والينابيع "كنهر التيمز في إنجلترا وأنهار لبنان". وسقوط الأمطار هو الخطوة الأولى في سبيل تكوين الأنهار

وتتفاوت كميات الأمطار التي تسقط في جهات العالم تفاوتا كبيرا، كما تختلف مواسم سقوطها اختلافا واضحا. ولهذا الاختلاف الكبير في كمية الأمطار ونظام سقوطها أثر مباشر في مائية الأنهار، وما تؤديه من أعمال النحت والنقل. كيف تنشأ الأنهار: حينما تسقط الأمطار أو تذوب الثلوج في جهة من الجهات المرتفعة فإن مياهها تنحدر على سطح الأرض، وتكون مسيلات غير محددة الجوانب، ويتفق اتجاهها مع الانحدار العام لسطح الأرض. ولا تلبث هذه المسيلات أن تتجمع في مجار مائية محدودة الجوانب صغيرة الحجم. ثم تتلاقى هذه المجاري الصغيرة مكونة مجاري أكبر فأكبر حتى تكون في النهاية مجاري رئيسية تحمل المياه وتلقي بها في بحر كنهر النيل، أو في محيط كنهر زائير "الكونغو"، أو في بحيرة أو بحر داخلي كنهر الفولجا، أو في مستنقع مالح كنهر تاريم في آسيا. ويلتقي بالنهر أثناء جريانه من منبعه إلى مصبه عدد من الأنهار تدعى بالروافد وينشأ بذلك نظام نهري يشغل مساحة تجميع للمياه تسمى حوضا. ويحيط بالحوض خط تقسيم مياه رئيسي يفصل بينه وبين حوض نهر آخر. نظم جريان الأنهار: يقصد بنظام جريان النهر، التفاوت الفصلي في مقدار ما يجري به من مياه وتتجه العناية إلى دراسة نظم جريان الأنهار لما لها من ارتباط وثيق بالمشروعات الخاصة بالتحكم في الفيضان وتوليد القوى الكهربائية. ويتوقف نظام جريان أي نهر على عدة عوامل هي: 1- انحدار سطح الأرض: فكلما اشتد انحدار الأرض كلما زاد انصراف المياه في النهر، وعلا مستواها، وعظم خطرها. مثال ذلك نهر دجلة الذي يجري بالقرب من جبال زاجروس، ويتلقى مياه عديد من النهيرات التي تتميز بانحدارات شديدة جدا، ومن ثم يتميز بفيضانات فجائية مخربة. وبسبب سرعة تدفق المياه إليه

يأتي فيضانه في شهر أبريل مبكرا عن فيضان نهر الفرات "في شهر مايو" شهرا كاملا. 2- نظام التساقط وكميته في مختلف فصول السنة: سواء كان التساقط على هيئة مطر أو ثلج، فالأنهار التي تنبع وتجري في أقاليم مطرها منتظم الكمية والتوزيع طول العام تحافظ على مستوى المياه فيها إلى حد كبير ومنها الأنهار التي تجري في الجهات الاستوائية كنهر الأمزون. ومثل هذه الأنهار يعلو مستوى مياهها بعض الشيء في الاعتدالين، بينما الأنهار التي تستقي مياهها من أمطار تسقط في الشتاء فقط أو في الصيف فقط، نجدها تفيض وتمتلئ بالمياه في فصل المطر، وينخفض مستواها في فصل الجفاف. ومنها أنهار إقليم البحر المتوسط التي تفيض شتاء، وأنهار الإقليم الموسمي التي تفيض صيفا كنهر إيراوادي. ويفيض نهر النيل صيفا نتيجة لسقوط الأمطار في منطقة منابعه بالهضبة الحبشية. وإذا كان النهر يستمد مياهه من ذوبان الثلوج المتراكمة فوق المرتفعات عند منابعه فإن موسم فيضانه يتفق مع الربيع وأوائل الصيف، مثال ذلك نهر الفرات الذي يصل إلى أقصى منسوب له في شهر مايو حين يعظم ذوبان الثلوج في الأجزاء العليا من حوضه، بينما يصل مستوى الماء فيه إلى أدناه في الخريف عقب فصل الصيف الطويل الحار الجاف. 3- وجود حقول أو أنهار جليدية: فإن كان النهر يستمد مياهه كلية من ذوبان الثلوج والجليد في منابعه، فإن فترة انخفاض مياه النهر تتفق مع موسم التجمد الشتوي، وهذه مشكلة تواجه محطات توليد الكهرباء في المناطق الألبية، أما الفيضان فيحدث أثناء ذوبان الثلوج في الربيع وأوائل الصيف. هذا ويساعد الأنهار على الاحتفاظ بمستوى مياه مناسب في مجاريها عدة عوامل هي: 1- وجود صخور مسامية في النطاق الذي يجري به النهر: فهي تعمل على امتصاص المياه أثناء ارتفاع منسوب مياه النهر وتعيدها إليه وقت التحاريق. وقد سبق أن ضربنا لذلك مثلا بنهر النيل

2- كثافة الغطاء النباتي الذي يكسو الأرض التي يجري بها النهر: فهي تعوق سير المياه. ومن ثم يقل تدفقها وقت الفيضان، فتتصرف في المجرى بالتدريج، مثال ذلك نهر الأمزون الذي يجري خلال نطاق من الغابات الاستوائية الكثيفة. 3- مرور النهر في مناطق حوضية أو بحيرات تعمل على تنظيم تدفق المياه فيه حين يخرج منها. فهي بمثابة خزانات تحتجز فيها المياه الزائدة. وتغذيه بها وقت الانخفاض. مثال ذلك نهر الرون الذي يمر ببحيرة جنيف والراين ببحيرة كونستنس، ونهر النيل بالبحيرات الاستوائية وبحيرة نو. 4- تعدد المصادر التي تغذي النهر بالمياه: كأن يتلقى النهر مياها من ذوبان الثلوج في الربيع والصيف ومياها من أمطار الخريف والشتاء كنهر الجارون في فرنسا. أو أن يجري النهر في أقاليم مناخية مختلفة، تسقط فيها الأمطار وتذوب الثلوج في مواسم متباينة كنهر الراين والدانوب في أوربا ونهر المسيسبي في أمريكا الشمالية.

الأنهار كعامل نحت ونقل وإرساب

الأنهار كعامل نحت ونقل وإرساب: بعد أن يتكون النهر، يركز كل جهوده في أعمال التعرية، فتنشط مياهه في تفتيت الصخور، وفي حمل الفتات الصخري إلى حيث يمكن إرسابه. النحت النهري: يتخلص فعل الأنهار كعامل نحت في أربع عمليات هي 1- فعل المياه: ويتمثل في قوة تحركها في مجاريها. فللمياه المتدفقة مقدرة على اكتساح المواد المفككة التي تصادفها، كما تدخل المياه في الشقوق وتتماوج فيها وتساعد على تحطيم الصخر الصلب. وللاضطرابات المائية والدوامات التي تنشأ عند منحنيات المجرى تأثير قوي. فهي تعمل على نحت ضفاف المجرى، خصوصا إذا كانت تتركب من صخور رملية ضعيفة التماسك أو صخور صلصالية وحصوية "شكل 49".

شكل "49": عمليات النحت النهرى. 2- عملية نحت الجوانب والقاع: ويستعين النهر في ذلك بحمولته التي يستخدمها كأداة طحن وسحق. ويشتد فعل هذه العملية حيث تستطيع الدوامات المائية إدارة الحصى في الفجوات التي توجد في قاع المجرى، فتنحت ما يسمى بالحفر الوعائية. ونتيجة لنحت القاع وجرف مواده يزداد عمقه. 3- عملية احتكاك المواد الصخرية ببعضها: تحتك المواد الصخرية التي تجرفها مياه النهر ببعضها، كما تحتك بالقاع وبالجوانب وينشأ عن ذلك تحطمها وتفتيتها إلى جزيئات أصغر فيسهل على مياه النهر حملها ونقلها. الإذابة والتحلل: تستطيع مياه النهر بما تحويه من غازات ومواد مذابة أن تذيب بعض أنواع الصخور التي يتألف منها سطح الأرض. وتعد الصخور الجيرية أكثر الصخور قابلية للذوبان، لهذا كانت الأنهار التي تجري في مناطق تتركب من تلك الصخور أقدر على النحت وعلى تكوين أودية عميقة ومتسعة من تلك التي في صخور نارية أو رملية.

وتعمل مياه النهر أيضا على تفكك وتحلل الصخور غير القابلة للذوبان. فلا يذوب الصخر كلية في هذه الحالة، وإنما تحلل المياه بعض العناصر التي تدخل في تكوينه، فيختل ويفقد تماسكه.

النقل النهري

النقل النهري: يستهلك النهر جزءا من طاقته في الاحتكاك بقاعه وجوانبه، وجزء آخر في نقل حمولته. وتتألف حمولة النهر من المواد التي فتتتها عوامل التجوية ومن الرواسب التي نحتتها مياه النهر ذاته. وتعظم مقدرة النهر على الحمل حينما تكثر مياهه وتزداد سرعة تياره في زمن الفيضان. وتتألف حمولة النهر من نوعين من المواد: 1- مواد ذائبة: سبق أن عرفت أن بعض أنواع الصخور يقبل الذوبان في الماء العادي كالملح الصخري أو في الماء المذاب فيه ثاني أكسيد الكربون كالحجر الجيري. فالأمطار التي تغذي الأنهار تذيب أثناء سقوطها بعضا من ثاني أكسيد الكربون الموجود في الجو. ومن ثم تستطيع مياه النهر أن تذيب كثيرا من الصخور الجيرية. خصوصا إذا كان النهر يجري على جميع طوله فوق أرض جيرية كنهر شانون في أيرلندا. كما أن المياه الباطنية، التي تخرج من جوانب النهر ومن قاعه وتساهم في مائية النهر، تحوي الكثير من هذه المواد الذائبة. وتحمل الأنهار إلى مصباتها مقدارا هائلا من تلك المواد الذائبة. فقد قدر ما يحمله نهر المسيسبي منها كل عام بنحو 136 مليون طن. 2- مواد غير ذائبة: وتتركب من الحطام الصخري المختلف الأحجام. ويستطيع النهر نقل هذه المواد على اختلاف أحجامها بعدد من الطرق: فهو يحمل حبيبات الرواسب الدقيقة كمادة تعلق في مياهه وتسمى هذه بالحمولة العالقة.

وتتحرك الحبيبات الكبيرة على قاع المجرى بقوة دفع التيار عن طريق القفز فهي تلمس قاع النهر على فترات. أما الحصى فيتدحرج على القاع بقوة الجاذبية ودفع المياه. ولا يستطيع تيار النهر في العادة أن يدفع بالكتل الصخرية الكبيرة إلا في زمن الفيضان حين تكثر مياهه. وتسمى حمولة المواد التي تتحرك على امتداد القاع سواء بالقفز أو التدحرج أو الجر بحمولة القاع أو حمولة الجر. ولا ينقل النهر جميع هذه المواد بدرجة واحدة في جميع أجزاء مجراه. ففي الأجزاء العليا من المجرى حيث تعظم سرعة المياه يقوى النهر على حمل المواد المختلفة سواء كانت كبيرة أو صغيرة. أما حيث يهدأ التيار وتقل سرعة المياه فإن مقدرة النهر على حمل هذه المواد تقل، ويحدث ذلك على الخصوص في المجرى الأدنى من النهر، وتبعا لذلك ترسب المواد في قاع النهر وعلى جوانبه. ومن هذا نرى أن النهر يوزع رواسبه توزيعا منتظما على حجم المواد التي تتألف منها تلك الرواسب، وثقل المعادن التي تدخل في تركيبها. ففي المنابع والأجزاء العليا من المجرى ترسب الكتل الصخرية والحصى، وفي الأجزاء الدنيا ترسب المواد الدقيقة كالرمال والطين، وتكون حمولة النهر في جزئه الأدنى من الدقة والتناسق لدرجة أن المياه غالبا ما تكون ذات لون بني داكن. وقد أحصيت كميات الرواسب التي يحملها نهر النيل وتمر عند وادي حلفا بنحو 100 مليون طن كل سنة، منها نحو 30 مليون طن من الرمال الدقيقة وحوالي نفس القدر من الصلصال، والباقي "40 مليون طن" من الغرين. ومعظم هذه المواد قد اشتقت من تعرية الصخور البركانية في هضبة الحبشة وهي غنية بالمعادن التي ساعدت على تخصيب الأرض المصرية حينما كانت تنتشر عليها مع مياه كل فيضان. وقد بدأ السد العالي منذ عام 1967 في حجز مياه الفيضان، وأمامه يتم إرساب قدر هائل من المواد العالقة.

ويحمل نهر المسيسبي كل سنة نحو 340 مليون طن من المواد العالقة، و 400 مليون طن عن طريق الجر "حمولة القاع". ويقدر العلماء أن المياه الجارية تكتسح كل عام نحو 50 طنا من المواد الذائبة و300 طن من المواد الصلبة من كل ميل مربع واحد من سطح الأرض.

الإرساب النهري

الإرساب النهري: يلقي النهر برواسبه حينما يقل حجم مياهه أو حينما تتناقص سرعته. ويقل حجم المياه في النهر في الحالات الآتية: 1- حينما يعبر النهر إقليما جافا فتتعرض مياهه للتبخر الشديد. ويعظم التبخر إذا اتسم الإقليم بالحرارة الشديدة إلى جانب الجفاف الشديد. 2- إذا شق النهر طريقه أو جزء منه خلال منطقة تتركب من صخور مسامية كالصخر الرملي أو الحجر الجيري، فيتسرب قسم من مياهه خلال مسامها ويضيع. 3- حينما يحل فصل الجفاف، فلا تسقط في منابع النهر أو في حوضه أمطار تغذيه بالمياه. وتتناقص سرعة النهر في الحالات الآتية "شكل 50": 1- حينما يمر في بحيرة متسعة، فتتوزع مياهه فيها وتضمحل سرعة تياره. 2- حينما يدخل إلى بحر. 3- إذا دخل إلى سهل فسيح أو هين الانحدار. ويلقي النهر بحمولته من المواد الغليظة كالحصى في أول مرحلة من مراحل الإرساب ويكون إرسابها في مجرى النهر نفسه أو على جوانبه. ولا يقتصر إرساب هذه المواد الغليظة على جهة معينة من وادي النهر دون الأخرى. لكن معظمها يتم إرسابه في العادة في المجرى الأعلى من النهر. وفي مرحلة أخرى

من مراحل الإرساب يلقي النهر بحمولته من المواد الدقيقة ثم الأدق، وينشرها فوق أرض الوادى في الفترات التي تفيض فيها المياه، فتتكون بذلك طبقة من الغرين، تكون أعظم سمكا في المناطق التي تمتد على جانبي المجرى. وهى في هذه المناطق تبدو على شكل جسور طبيعية. شكل "50": حالات "أسباب" تناقص سرعة النهر

الأودية النهرية

الأودية النهرية لكل نهر "دورة حياة" مثله في ذلك مثل الحيوان أو النبات "شكل 51". ففي البداية حينما يكون النهر يافعا في مرحلة الشباب فإنه يتدفق بسرعة في وادٍ ضيق عميق شديد انحدار الجوانب شكله في هيئة حرف V، وتعترض قاعه الحفر الوعائية والجنادل والشلالات. وبمرور الزمن تعمل التعرية النهرية على توسيع الوادي وتعميق قاعه. كما يقل انحدار النهر فتتناقص سرعة تياره. وتظهر المنعطفات في مجراه ويزداد وضوحها. ويكون النهر حينئذ قد وصل إلى مرحلة النضج. "شكل 51": دورة حياة النهر وحوضه وتستمر التعرية في عملها فيتسع الوادي اتساعا عظيما، ويقل الانحدار

كثيرا فتنشط عمليات الإرساب. ويلقي النهر بطبقات من الرواسب ويبسطها فوق أرض الوادي كله. فينشأ عن ذلك سهل فسيح هين الانحدار يعرف بالسهل الفيضي. ويترنح النهر في جريانه بطيئا خلال منعطفات كبيرة. وقد ينفصل ويتفرع إلى عدة مجارٍ تجري في سهله الفيضي متجهه نحو المصب. ويصبح النهر حينئذ في مرحلة شيخوخة "شكل 53". وينشئ الإرساب النهري في منطقة المصب أحيانا قطعة من الأرض مثلثة الشكل تعرف بالدلتا. "شكل 52": المنعطفات النهرية وتتمثل كل هذه المراحل الثلاث في كثير من الأودية النهرية كنهر النيل ونهر السند ونهر إيراوادي "في بورما". فالجزء من المجرى الذي يقع في المناطق الجبلية ويسمي بالسيل أو بالمجرى الأعلى يمثل مرحلة الشباب، والجزء الأوسط من النهر الذي يعرف بالوادي يمثل مرحلة النضج، بينما تتمثل في الجزء الأدنى من النهر ويعرف بالسهل كل مظاهر مرحلة الشيخوخة. ولا يشترط بالضرورة أن تتمثل كل هذه المراحل الثلاث في كل الأنهار. فكثيرا ما تظهر فيها مرحلة واحدة أو مرحلتان فقط، ومنها الأنهار الجبلية التي تجري من المنابع صوب البحر مباشرة. ويزداد عمق الوادي النهري بواسطة النحت الرأسي، ويزداد اتساعه

"شكل 53": وادي النهر في مرحلة الشيخوخة بواسطة النحت الجانبي "انظر الأشكال أ، ب، ج، د، 54" والنحت الرأسي عملية يقوم بها النهر وحده. أما النحت الجانبي فعملية يشترك فيها عاملان: النهر ذاته ويقوم بنحت جوانب المجرى، والتجوية وتعمل على على تفتيت صخور جوانب الوادي. وحينما يكون انحدار النهر شديدا أي حينما يكون النهر في مرحلة الشباب "السيل"، يكون النحت الرأسي هو السائد. وعندما يكون انحدار النهر هينا أي حينما يكون في مرحلة النضج "الوادي" يشيع النحت الجانبي. وحينما يكون انحدار النهر هينا جدا أي عندما يكون النهر في مرحلة الشيخوخة "السهل" يقل النحت ويعظم الإرساب "انظر الأشكال الخاصة بوادي النهر في مختلف مراحله أ، ب، ج، د، 54". الظاهرات المثالية لوادي النهر في مرحلة الشباب: عرفت أن النهر في هذه المرحلة يكون شديد البأس، وأن النحت الرأسي يكون عظيما. ونتيجة لهذا وذاك تنشأ ظاهرات تميز الوادي في هذه المرحلة وهي الظاهرات التي نجدها في السيل أو المجرى الأعلى للنهر، نجملها فيما يلي: 1- الخوانق. 2- الحفر الوعائية. 3- منعطفات الشباب. 4- الجنادل. 5- الشلالات.

"شكل 54": توسيع الوادي بالنحت الجانبي 1- الخوانق: يطلق اسم خانق على مجرى نهر أو جزء منه يتميز بأنه شديد انحدار الجوانب وعميق بالنسبة لاتساعه "شكل 55". ويوجد الخانق النهري حيث يتغلب النحت الرأسي على النحت الجانبي. ومعظم المجاري العليا أو السيول الجبلية هي بمثابة خوانق خصوصا حينما تجري على امتداد نطاق ضعف

صخري أصابه التكسر، ومثل هذه الخوانق نجدها بكثرة في المناطق الجبلية ومنها مرتفعات الألب. "شكل 55": الخانق العظيم لنهر كلورادو بولاية أريزونا "الولايات المتحدة الأمريكية". وينشأ الخانق عادة في الصخور الصلبة، حيث تبقى جوانبه قائمة شديدة الانحدار دون أن تنهار. أو ينشأ حيث تقل الأمطار، فيقل فعل عوامل التجوية في جوانبه ومن ثم تتراجع ببطء. ومن الخوانق الشهيرة نذكر: خانق الآري في سويسرا، خانق نهر السند في ولاية كشمير، وخانق براهما بوترا في شرق جبال الهيمالايا. ويبلغ عمق كل من الخانقين الأخيرين نحو 5 كم. وخانق الكولورادو العظيم بأمريكا الشمالية الذي يبلغ طوله زهاء 500 كم وعمقه نحو 1.9 كم. والخوانق التي توجد في أعالي النيل الأزرق بهضبة الحبشة. 2- الحفر الوعائية: وهي عبارة عن منخفضات مستديرة الشكل توجد في قاع النهر. وتنشأ من تحرك الكتل الصخرية على القاع حركة دائرية متأثرة بقوة الدوامات المائية التى يكونها تيار النهر. وتؤدي هذه الحركة الدائرية إلى تآكل قاع النهر وإلى تكوين فجوات فيه هي التي تعرف بالحفر الوعائية "شكل 56".

"شكل 56": الحفر الوعائية 3- منعطفات الشباب: وهذه تتكون أيضا في مرحلة الشباب حينما يكون النحت الرأسي على أشده ودائبا في تعميق الوادي. ويتفادى النهر في جريانه العقبات الصخرية الصلبة التي تصادفه، فيتثنى ويتلوى من حولها منشئا لتلك المنعطفات "شكل 57".. ويشتد النحت في الضفاف المقعرة لتلك المنعطفات مكونا لجروف شديدة الانحدار، بينما يقل النحت أو ينعدم على الضفاف المحدبة المقابلة فيترك سفوحا هينة الانحدار. "شكل 57": منعطفات نهرية، وبحيرات مقتطعة

4- الجنادل: وتنشأ نتيجة اختلاف في طبيعة الصخور التي يتركب منها قاع المجرى النهري. فالصخور الصلبة تقاوم عملية النحت بينما تتآكل الصخور اللينة، ومن ثم تبقى الصخور الصلبة ناتئة بارزة تعترض سير المياه. ومثلها الجنادل الستة التي تعترض مجرى النيل بين الخرطوم وأسوان. "انظر "شكل 58": الجنادل الستة في مجرى نهر النيل

الخريطة شكل 58" فقد نحت نهر النيل مجراه رأسيا في الحجر الرملي النوبي إلى أن وصل في بعض المواضع إلى الصخور النارية القديمة التي تقع أسفله. وقد قاومت تلك الصخور النارية عملية النحت النهري، فظهرت بارزة من القاع منشئة لجزر صخرية صغيرة تقسم مجرى النيل عندها إلى أكثر من مجرى. 5- الشلالات أو المساقط المائية: تنشأ المساقط المائية للأسباب الآتية: أ- عندما ينحدر مجرى النهر من جهة مرتفعة إلى أخرى منخفضة كأن ينحدر من هضبة تشرف على السهول من حولها بحافات حادة واضحة المعالم، ومثلها الهضبة الأفريقية. فنهر الكنغو ينحدر من حافتها من علو 360م في سلسلة متتابعة من المساقط المائية عددها 32 مسقطا تعرف في مجموعها بشلالات ليفنجستون، وينحدر نهر الأورانج هو الآخر من فوق الهضبة من علو 140م عبر سلسلة من الشلالات تعرف باسم أوجرابي. "شكل 59": قسم من شلالات فيكتوريا على نهر زمبيزي "قارة أفريقيا"

ب- إذا اعترضت طبقة صخرية صلبة مقاومة للتعرية مجرى النهر، وكانت الطبقات الصخرية التي تقع أسفلها وحولها رخوة وأقل مقاومة للتعرية حينئذ يتكون الشلال نظرا لأن مياه النهر تنحت في الطبقات اللينة أكثر مما تنحت في الطبقات الصلبة، فينشأ عن ذلك اختلاف في منسوب المجرى، فتسقط المياه من مستوى مرتفع وهو مستوى الطبقة الصلبة إلى مستوى منخفض وهو مستوى الطبقة اللينة المتآكلة. ويعمل احتكاك المياه الساقطة "شكل 60": شلالات نياجارا بقاعدة الشلال على نحت الصخور اللينة السفلى، بينما تبقى الطبقة الصخرية بارزة معلقة فوقها، ثم لا تلبث أن تسقط نتيجة لثقلها وضغط المياه عليها. وتتكرر عملية النحت السفلي وسقوط أجزاء من الطبقة الصلبة باستمرار، ولذا نجد أن الشلالات تتراجع دائما نحو المنبع تاركة وراءها خانقا. وتعد شلالات نياجارا التي تقع في مجرى نهر السنت لورانس بين بحيرتي إيري وأونتاريو بأمريكا الشمالية مثلا واضحا لهذه الظروف. ويوضح لك الشكل رقم "61أ" اعتراض طبقة صخرية صلبة لمجرى النهر، والشكل رقم "61ب" مجرى النهر بعد أن نحتت المياه الطبقات اللينة فاختلف المنسوب وتكون المسقط المائي. وفي الشكل رقم "62" ترى الطبقة

الصلبة في أوضاع مختلفة، فهي قد تكون أفقية "جـ" وقد تكون مائلة تجاه المنبع "ب" وقد تكون رأسية "أ". وفي جميع الحالات يتكون المسقط المائي نتيجة لسرعة تآكل الطبقات اللينة. "شكل 62": طريقة تكوين الشلال نتيجة لاعتراض طبقة صخرية صلبة في وضع قائم "أ"، أو في وضع مائل تجاه المنبع "ب"، أو في وضع أفقي "ج"

والشكل رقم "63" يوضح لك مراحل تراجع الشلال نحو المنبع إلى أن ينتهي إلى خوانق ومندفعات. "شكل 63": مراحل تراجع الشلال نحو المنبع إلى أن ينتهي إلى خوانق ومندفعات.

الظاهرات المثالية لوادي النهر في حالة النضج: يتميز النهر في مرحلة النضج بظاهرات معينة نجدها أيضا في المجرى الأوسط الذي يعرف بالوادي. وإليك مميزات وادي النهر في تلك المرحلة: 1- يصبح وادي النهر أكثر اتساعا، نظرا لأن النحت الجانبي يزداد قوة. 2- يقل الانحدار فتتناقص سرعة التيار عنها في مرحلة الشباب. 3- يزداد وضوح منعطفات الشباب. فتبرز الضفاف المقعرة قائمة مكونة لجروف نهرية بينما تنحدر الضفاف المحدبة انحدارا هينا مكونة لسفوح رسوبية. ويمكنك التعرف على أدوار المنعطفات إذا تتبعت الأشكال المجسمة رقم "54أ، ب، ج، د". ففي الشكل "54أ" ترى منعطفات الشباب، فالنهر يتفادى الكتل أو الألسنة الصخرية فيدور حولها في هيئة أقواس. وترى التعرية الجانبية قد بدأت عملها في الضفاف المقعرة. وفي الشكل رقم "54ب" ترى جوانب الوادي وقد تآكلت وانخفض مستواها بفعل التجوية كما تآكلت أطراف الكتل أو الألسنة الصخرية بفعل النحت الجانبي. وقد ترتب على ذلك أن أصبح الوادي أكثر اتساعا. كما ازدادت أهمية الإرساب على الضفاف المحدبة. وفي الشكل رقم "54جـ" ترى الوادي وقد أصبح ناضجا. فهو يبدو متسعا تكتنفه الجروف، كما تغطي الرواسب معظم أرضيته. وفي الشكل "54د" تشاهد الوادي وقد اكتمل نضجه تماما، وأخذ في الاقتراب من مرحلة الشيخوخة. وأنشأ النحت الجانبي واديا عريضا تغطي أرضه كلها طبقات من الرواسب. وتتضح بداية تكوين السهل الفيضي. كما تشاهد المنعطفات وهي تقطع أرض الوادى بجميع اتساعه من جانب إلى جانب.

انظر إلى الأشكال "العلوية" بإمعان، لتتبين حركة المياه وفعلها في المنحنيات. الظاهرات المثالية لوادي النهر في مرحلة الشيخوخة: في هذه المرحلة يجري النهر بطيئا مترنحا في سلسلة متتابعة من المنعطفات فوق واد مستوٍ، تحف به حافات صخرية منخفضة. ويصبح للإرساب أهمية كبرى، بينما يتوقف النحت الرأسي باستثناء عملية شق المجرى خلال السهل الفيضي. وأهم الظاهرات التي تتسم بها مرحلة الشيخوخة والتي نجدها في المجرى الأدنى للنهر ما يلي: 1- السهل الفيضي: يمر تكوين السهل الفيضي بالأدوار الآتية: الدور الأول: يتمثل في عملية توسيع الوادي عن طريق النحت الجانبي، ويتم ذلك في مرحلة النضج. الدور الثاني: يتمثل في عملية الإرساب التي تحدث على الجوانب المحدبة للمنعطفات، فينشأ من ذلك ظهور ضفاف نهرية إرسابية. ويتوالى تحرك المنعطفات على أرض الوادي، حتى تتغطى كلها بغطاء من الرواسب. وتبدأ تلك العملية في مرحلة النضج وتستمر في مرحلة الشيخوخة. والدور الثالث: يميزه إرساب الغرين والطين على أرض الوادي. ويحدث ذلك حينما يفيض النهر، ويطغى على ضفافه، فينشر تلك الرواسب على جميع أرض الوادي. وتلك هي العملية الأخيرة في تكوين ونمو السهل الفيضي "انظر الشكل 53". وتتميز السهول الفيضية عادة بعظم سمك رواسبها. ففي وادي النيل الأدنى على سبيل المثال لم تصل أعمال حفر الآبار رغم عمقها إلى القاعدة الصخرية التي ترتكز عليها الرواسب النيلية. وفي موسم كل فيضان

يستطيع النهر أن يوزع طبقة من الرواسب الغرينية فوق سهله الفيضي. وهي ظاهرة لها أهميتها الخاصة بالنسبة للزراعة في أودية الأنهار الكبرى؛ نظرا لأنها تجدد خصوبة الأرض. كما كان الحال بالنسبة لنهر النيل قبل إنشاء السد العالي، وكما هو الحال بالنسبة لنهري دجلة والفرات، والأودية النهرية الآسيوية حيث يعتمد مئات الملايين من السكان على زراعة الأرز. 2- البحيرات المقتطعة: عرفت أن النهر في مجراه الأدنى يسير مترنحا فوق سهله الفيضي الفسيح المستوي، وتلك ظروف ملائمة لوجود المنعطفات. فتيار النهر يكون بطيئا فلا تستطيع المياه التغلب عى العقبات التي تعترضها، فتضطر إلى تفاديها باللف حولها، فتنشأ نتيجة لذلك المنعطفات. تأمل الشكل رقم "64" تجد منعطفا نهريا وقد اقتربت ضفتاه المقعرتان من بعضهما نتيجة لنحت المياه فيهما، وتلاحظ وجود عنق من اليابس يفصل بينهما نسميه "عنق المنعطف". وفي الشكل "64" نجد مياه النهر وقد نجحت بالنحت في اختراق عنق المنعطف مكونة لنفسها مجرى جديدا قصيرا بدلا من مجرى المنعطف الذي كانت تسير فيه من قبل، ويحدث ذلك غالبا في موسم الفيضان. ويسمى المنعطف حينئذ "بالمنعطف المقطوع" نظرا لأنه قد اقتطع من المجرى النهري. وفي الشكل "64جـ" ترى النهر وقد كون سدا رسوبيا يفصل المجرى الجديد عند طرفي المنعطف المقطوع، فيبدو الأخير على شكل بحيرة هلالية الشكل تسمى بالبحيرة المقتطعة لأنها اقتطعت من مجرى النهر. وبعد تكوين البحيرة المقتطعة، يظل الإرساب مستمرا فوق قاع النهر وعلى ضفافه فيعلو مستواهما بالتدريج عن مستوى البحيرة المقتطعة. وهذا ما تشاهده في القطاع "شكل رقم جـ". ويكثر وجود المنعطفات والبحيرات المقتطعة في المجاري الدنيا للأنهار الكبيرة ومثلها نهر المسيسبي وميكونج "كامبوديا" وهوانجهو "بالصين". وحين تنظر إلى خريطة لمجرى النيل في مصر تلاحظ وجود منعطفات تزداد

عددا في مجرى فرعي رشيد ودمياط. لكننا لا نرى بحيرات مقتطعة في وقتنا الحالي، ولا ينتظر تكوينها في المستقبل، لأن مصر تتحكم في مجرى النهر فلا تسمح له بالسير على طبيعته. فهي تعرقل النحت بتقوية الجسور وإقامة الرءوس من الأحجار في المنحنيات التي يشتد فيها التيار، حتى لا تطغى المياه على الأراضي الزراعية. ومع هذا فإنه يتضح من دراسة خريطة محافظة القليوبية أن هناك بحيرة مقتطعة كانت متصلة من قبل بفرع دمياط، وهناك قرية تقع في غربها بينها وبين فرع دمياط تسمى جزيرة الأعجام. ولا شك أن أمثال هذه البحيرة كان موجودا من قبل، لكنها جفت وسويت وأضيفت إلى الأرض الزراعية. 3- الجسور الطبيعية ورفع قاع المجرى بالإرساب: يتم تكوين الجسور الطبيعية وإطماء المجرى "أي رفع قاعه بالإرساب" بالمراحل الآتية "انظر الشكل رقم 53". أ- يحدث الإرساب على ضفاف نهر في مرحلة الشيخوخة "المجرى الأدنى للنهر" أثناء موسم الفيضان. ومع كل فيضان يزداد سمك الرواسب فيرتفع منسوب الضفاف. وبذلك تتكون الجسور الطبيعية. ب- ويحدث الإرساب في قاع النهر في وقت التحاريق "في غير موسم الفيضان" ومن ثم يرتفع منسوب القاع. ج- وبمرور الزمن، وبتكرار الإرساب فوق قاع المجرى وضفافه، يصبح النهر وقد ارتفع منسوبه فوق مستوى سهله الفيضي. وتعتبر مثل هذه الأنهار التي تجري على منسوب يعلو سهولها الفيضية مصدر خطر وتهديد لمناطق العمران التي تحف بها. ففي مواسم الفيضان العالي قد تجتاح جسورها وتطغى المياه على سهولها الفيضية، فتحدث الكثير من التخريب والتدمير. ومثلها الهوانجهو واليانجستي -كيانج في الصين والمسيسبي في الولايات المتحدة والبو في شمال إيطاليا، فهي جميعا تجري في أجزائها الدنيا فوق منسوب سهولها الفيضية، وتسبب فيضاناتها بين حين وآخر كوارث مدمرة.

4- الدالات: تنشأ الدالات من إرساب حمولة النهر وتراكمها عند مصبه في بحر أو "شكل 64": كيفية تكوين البحيرة المقتطعة

بحيرة، وهي على عدة أشكال: فمنها المثلثي الشكل كدلتا النيل والكانج "الهند" والسند "باكستان" وإيراوادي "بورما"، ومنها ما يشبه قدم الطائر كدلتا المسيسبي شكل "65". شكل "65": دلتا المسيسبي المرحلة الأولى: يحدث الإرساب ويتفرع النهر إلى عدة فروع تحف بها جسور طبيعية، وتنشأ ألسنة وحواجز رسوبية، وتبدأ البحيرات في التكوين. المرحلة الثانية: تبدأ البحيرات في الامتلاء بالرواسب، وتتحول إلى مستنقعات ضحلة وتتسع الدلتا ويكبر حجمها. المرحلة الثالثة: تصبح الأجزاء القديمة من الدلتا وقد غطتها النباتات الطبيعية، ويعلو مستواها تبعا لذلك وأيضا بسبب الإرساب أثناء الفيضان. وتختفي المستنقعات بالتدريج. وتصبح هذه الأجزاء جافة صالحة للسكن وللاستغلال الاقتصادي. تأمل خريطة الدلتا المصرية "شكل 67"، ولاحظ أنها دلتا ناضجة عمرها

الإنسان منذ القدم، وهي أكثف جهات مصر سكانا. ومع ذلك فما تزال أطرافها الشمالية عامرة بالبحيرات وهي من الشرق إلى الغرب: المنزلة، البرلس، إدكو، مريوط. ويتفرع النيل حاليا إلى الشمال من القاهرة إلى شكل "66": مراحل تكوين الدلتا

فرعين رئيسيين هما: فرع دمياط وفرع رشيد، والأول أطول من الثاني، إذ يبلغ طوله من القناطر الخيرية حتى البحر المتوسط 242 كم، بينما يقل طول فرع رشيد عن ذلك بنحو 6 كم. وتنمو الدالات على حساب البحر كل عام. وهي تختلف في درجة نموها. فبعض الدالات تنمو أسرع من الأخرى إذا ما توافرت ظروف إرساب أنسب. فدلتا المسيسبي تتقدم في خليج المكسيك بمعدل 76 مترا كل عام، ودلتا نهر البو "في شمال إيطاليا" تنمو في البحر الأدرياتي بمعدل 12 مترا كل عام. أما دلتا النيل فقد توقفت عن النمو في البحر بسبب السد العالى الذي يحجز أمامه الرواسب. شكل "67": دلتا نهر النيل وفروعها شروط تكوين الدالات: ينبغي لتكوين الدالات توافر شروط معينة هي: 1- أن تكون حمولة النهر كبيرة. وهذا يعني أن تكون التعرية النهرية نشيطة قوية في مجراه الأعلى. 2- أن يكون الجزء الأدنى من النهر في مرحلة الشيخوخة، حتى يكون

النهر بطيء الجريان فيرسب معظم حمولته عند المصب. "النهر السريع الجريان يستطيع رفع رواسبه إلى عرض البحر". 3- أن تكون منطقة المصب هادئة خالية من التيارات البحرية والأمواج وحركات المد والجزر، حتى لا تتحرك الرواسب وتنقلها بعيدا عن المصب. 4- أن تكون البحيرات التي تعترض مجرى النهر قليلة أو معدومة، حتى لا يرسب النهر فيها حمولته فلا يصل منها إلى المصب إلا قليلا. 5- أن تكون منطقة المصب ضحلة "غير عميقة وغير آخذة في الهبوط" فتنمو الدلتا بسرعة.

أهمية المجاري المائية وأوديتها للإنسان

أهمية المجاري المائية وأوديتها للإنسان: أولا: أهمية المجاري المائية: 1- تستخدم الأنهار خصوصا منها ما هو في مرحلة الشيخوخة كطرق مواصلات طبيعية. نذكر من بينها اليانجتسي-كيانج، والمسيسبي. والراين، والنيل. فحركة النقل في كل منها نشطة وكثيفة. 2- تستخدم كثير من الأنهار في إمداد المناطق الزراعية بحاجتها من مياه الري، ومنها النيل والسند واليانجتسي-كيانج. 3- تستخدم الأنهار في توليد القوى الكهربائية. فالأنهار الشابة تحوي مساقط مائية، أو تجري مياهها خلال خوانق، وعندها تنشأ محطات توليد القوى الكهربائية. مثال ذلك سد كاريبا الذي أنشئ في نهاية الخانق الذي يقع أسفل شلالات فيكتوريا على نهر زمبيزي. وسد بولدر قرب الخانق العظيم على نهر كولورادو. وسد أوينز قرب شلالات أوينز عند مخرج النيل من بحيرة فيكتوريا. وتستغل الأنهار الناضجة أيضا في توليد الكهرباء، عن طريق بناء السدود كسد أسوان والسد العالي، والسدود التي أقيمت على أنهار الدنييبر والدون والفولجا بالاتحاد السوفيتي. 4- تصلح بعض مناطق المصبات النهرية لإقامة المواني خصوصا حيثما تكون عميقة ومحمية. ومنها كلكوتا على فرع من فروع الكانج، وشنغهاي

على دلتا اليانجتسي-كيانج، ونيو أورليانز في دلتا المسيسبي، والإسكندرية التي تقع عند الحافة الغربية للدلتا وتصلها بفرع رشيد ترعة المحمودية. ثانيا: أهمية الأودية النهرية: 1- الأودية الجبلية ممرات سهلة لعبور الجبال، وتمر خلالها الطرق والخطوط الحديدية الجبلية. 2- في الأودية الناضجة مراكز صالحة للعمران. وعلى امتدادها تقام الطرق وتنشأ الخطوط الحديدية نظرا لاتساع قيعانها وانحداراتها الهينة. 3- السهول الفيضية والدالات ذات تربات خصبة تجود فيها الزراعة. ولذلك فقد عمرها السكان منذ القدم. وفيها حضارات خالدة على سهول النيل ودجلة والفرات والسند وهوانجهو. ويعيش عدد هائل من السكان على السهول الفيضية ودالات آسيا حيث يزرعون الأرز. وأهمها دالات اليانجتسي-كيانج "الصين". والنهر الأحمر "فيتنام" وميكونج "فيتنام" وإيراوادي "بورما" والسند "باكستان" واليانج "الهند وبنجالاديش" ومن بين الدالات الأخرى الهامة في القارات الأخرى دلتا النيل والنيجر "أفريقيا"، والمسيسبي "أمريكا الشمالية" والراين "أوروبا". فعل الرياح كعامل تعرية: الرياح ظاهرة عالمية تنتشر في كل أرجاء الأرض، لكنها لا تصبح عاملا مشكلا لسطح الأرض إلا حيث يسود الجفاف. فالغطاء النباتي يكسر حدة احتكاك الرياح ويحمي الأرض من تأثيرها. وتبعا لذلك فإن المناطق الفقيرة في نباتها أو الخالية منه، أي مناطق الصحاري وشبه الصحاري هي التي تتعرض لفعل الرياح كعامل تعرية. ففي تلك المناطق تكثر المواد التي فتتها فعل التجوية، فيسهل على الرياح التقاطها وحملها أو رفعها واكتساحها. أما في المناطق الرطبة. فإن الغطاء النباتي يحمي التربة، كما تعمل ذرات الماء على تماسك حبيباتها، فيقل تبعا لذلك تأثير الرياح كعامل تعرية. النحت بواسطة الرياح: حينما تكون الرياح نقية خالية من الرمال والغبار يصبح تأثيرها كعامل

تعرية محدودا جدا أو معدوما مهما بلغت قوتها. ومن ثم لا بد لها من فتات صخري تنقله ويكون لها بمثابة معاول هدم، تؤثر بها في الصخور. وتهيئ لها عوامل التجوية "فعل تتابع الحرارة والبرودة" ذلك الفتات الصخري. ويشتد تأثير الرياح في الأجزاء السفلى من الكتل الصخرية البارزة، نظرا لأن الرياح لا تقوى على رفع الفتات الصخري إلى علو كبير "انظر شكل 68". وتشاهد هذه الظاهرة في الصحاري المصرية، فنجد الأجزاء السفلى في أعمدة التلغراف وقد تآكلت وصقلت بفعل الرياح دون أجزائها العليا. ويتوقف تأثير الرياح كعامل نحت على سرعتها وقوتها وبالتالي على مقدار ما تحمله من رمال. ثم على طبيعة الصخر الذي تؤثر فيه إن كان لينا هشا أو صلبا مندمجا. مظاهر النحت بواسطة الرياح: 1- بري الصخور وصقلها: وتكوين خطوط غائرة وكهوف وحفر وثقوب. ومن أمثلتها الثقوب التي تنتشر في الصخور الرملية بصحراء مصر الشرقية. شكل "68": تأثير التعرية الهوائية في الكتل الصخرية

2- الموائد الصحراوية: تنخر الرياح في الكتل الصخرية فتحولها إلى أشكال غريبة تبدو بهيئة قواعد التماثيل وتدعى بالموائد الصحراوية. انظر إلى الشكل رقم "68أ". تجد كتلة صخرية تتركب من طبقات متتابعة من الصخور اللينة والصخور الصلبة. ثم تأمل نفس الكتلة "الشكل رقم 68ب" بعد أن أثرت فيها الرياح، ولاحظ أن الصخور اللينة قد تآكلت بسرعة، وأن الطبقة الصخرية اللينة السفلى القريبة من مستوى الأرض هي أسرع الجميع في التآكل. لعلك قد استنتجت أن الموائد الصحراوية تنشأ من تآكل الطبقات اللينة لكتلة صخرية خصوصا السفلي منها، بينما تبقي الطبقات العليا الصلبة بارزة في هيئة مائدة. 3- الجبال الجزيرية: تستطيع الرياح أن تنحت الصخور اللينة التي يتألف منها سطح الصحاري فتخفضه، ولا يبقى منه بارزا سوى الكتل الصخرية الصلبة مكونة لما يعرف بالجبال الجزيرية فهي تبدو كجزر ناتئة في وسط محيط من الأرض المنخفضة "شكل 69". وهي شائعة الوجود في صحراء كلهاري بجنوب أفريقيا وفي أجزاء من صحراء الجزائر وشمال غربي نيجيريا. تأمل شكل الجبل الجزيري تلاحظ أن قمته مستديرة أو منبسطة، كما تجد جوانبه شديدة الانحدار، وتتقوس في هيئة مقعرة عند أسافلها. شكل 69: الجبال الجزيرية 4- المنخفضات الصحراوية: تنشأ المنخفضات في المناطق الصحراوية التي تتكون من صخور هشة، فتستطيع الرياح أن تحفرها وتكتسح موادها "شكل 70". ومن هذه المنخفضات ما هو واسع وعميق يصل إلى مستوى الماء

الأرضي، فتنبثق المياه في شكل عيون ومن ثم تنشأ الواحات. ومثلها منخفضات الواحات التي توجد في صحراء مصر الغربية "الداخلة والخارجة وتعرفان الآن بالوادي الجديد، والبحرية والفرافرة وسيوه". أو قد ترشح المياه إلى قاع المنخفض مكونة المستنقعات كما في منخفض القطارة الذي يصل عمقه إلى نحو 120م تحت منسوب البحر. شكل "70": تكوين المنخفضات الصحراوية النقل بواسطة الرياح: تتوقف مقدرة الرياح على النقل على سرعتها وقوتها. فالرياح القوية تستطيع أن تدفع الحصى وتدحرج الرمال أو تحملها لمسافة محدودة على سطح الأرض. لكنها تستطيع أن تحمل الذرات الدقيقة التي تعرف بالغبار عبر مسافات كبيرة. فالرياح العاصفة التي تهب في الربيع من الصحراء الكبرى الأفريقية تنقل كميات هائلة من الغبار الصحراوي تقدر بعشرات الملايين من الأطنان إلى جنوب أوروبا ووسطها. وتعرف تلك الرياح في مصر باسم الخماسين وفي جنوب أوروبا باسم السيروكو. وحين تكون الرياح من القوة بحيث تدفع وتكتسح كل المواد والمفتتات الصخرية من سطح الصحراء وتترك صخوره عارية تماما تدعى الصحراء حينئذ بالصحراء الصخرية وهي تسمى بالحمادة في الصحراء الكبرى الأفريقية "شكل 71". وحين لا تقوى الرياح على دفع الحصى واكتساحه فإنه يبقى فوق سطح الصحراء مكونا لما يعرف بالصحراء الحصوية وهي تسمى في ليبيا بالسرير "أي الحصى بلهجة البدو في ليبيا".

شكل "71": جزء من صحراء صخرية بجنوب الجزائر أما الصحراء الرملية التي تسمى بالأرج أو العرق في الصحراء الكبرى الأفريقية، فإنها تبدو في هيئة سهل عظيم من الرمال المموجة التي أرسبتها الرياح حين ضعفت قوتها. الإرساب بواسطة الرياح: يحدث الإرساب الهوائي في أي مكان تضعف فيه مقدرة الرياح على النقل. وتستطيع الرياح كما رأينا أن تحمل ذرات الغبار عبر مسافات كبيرة، وتلقيها في بقاع بعيدة غريبة عن موطنها الأصلي. أما الرمال فلا تقوى على حملها إلا الرياح القوية، وهي لا تستطيع رفعها كثيرا عن سطح الأرض ثم تعيد إرسابها بعد مسافة قصيرة. مظاهر الإرساب: وهذه تتمثل في الكثبان الرملية بأنواعها المختلفة، وفي رواسب اللوس. الكثبان الرملية: حين تصادف الرياح في طريقها عقبات مثل كتلة صخرية أو تجمع

نباتي، فإنها تضعف فتلقي بجزء من حمولتها من الرمال التي تتجمع حول تلك العقبات مكونة لتلال رملية تعرف بالكثبان "شكل 73". شكل "72": برخانات، كثبان رملية هلالية الشكل مع تموجات رملية في مقدمة الصورة. والكثبان على أشكال مختلفة تبعا لظروف نشأتها فمنها: أ- الكثبان الهلالية التي تعرف بالبرخان: ويكثر وجودها في صحاري آسيا وأفريقيا. وينشأ البرخان "اسم تركستاني" حينما تهب الرياح في اتجاه واحد، وتعمل على دفع طرفي الكثيب، فيبدو في شكل قوس يتجه جانبه المحدب إلى الجهة التي تأتي منها الرياح، بينما يتجه طرفاه إلى الجهة التي تسير نحوها الرياح. انظر الشكل "رقم 73ب" ولاحظ اتجاه الرياح، ثم تأمل شكل البرخان ستجد جانبه المواجه للرياح محدبا طويلا، وجانبه الآخر مقعرا قصيرا. ما السبب؟ انظر إلى القطاع العرضي للبرخان وتتبع سير الرياح عن طريق الأسهم، سترى أن الرياح حينما تجتاز قمة الكثيب تصادف انخفاضا فجائيا في الجانب الآخر، فتحدث لها حركة عكسية أشبه بالدوامة تعمل على رفع جزء من الرمال وعلى ارتكاز بعض حبات الرمال فوق قمة الكثيب، وتحول

دون هبوطها وتبعا لذلك يظهر هذا الجانب الآخر في شكل مقعر. وتوجد البرخانات عادة في مجموعات تحتل مساحات كبيرة من وجه الصحراء. وهي تتحرك حركة بطيئة في اتجاه سير الرياح تبلغ بضع ديسيمترات أو أمتار كل عام. شكل "73": أنواع الكثبان الرملية

ب- الكثبان الطولية التي تعرف بالسيوف: وهي توجد في صحراء ثار شمال غربي الهند وفي صحراء غربي استراليا، كما يكثر وجودها في صحراء مصر الغربية حيث تعرف بالغرود. وهي كثبان طولية متوازية يتألف كل غرد منها من سلسلة من التلال الرملية يبلغ طولها عشرات الكيلومترات "شكل 73أ". وأشهرها غرد أبي المحاريق الذي يمتد مسافة يبلغ طولها نحو 350 كم إلى الجنوب من منخفض القطارة. شكل "74": المنخفضات الصحراوية في الصحراء الغربية لجمهورية مصر العربية.

حتى مشارف الوادي الجديد "منخفض الواحة الخارجة والداخلة" وموادها قد اشتقت من تكوينات المنخفض الذي حفرته الرياح السائدة "شكل 74". رواسب اللوس: تحمل الرياح كميات كبيرة من غبار الصحراء الدقيق الذرات كل عام. ويترسب بعضه في البحار، وبعضه الآخر فوق الأرض حيث يتراكم مكونا رواسب اللوس. وهي رواسب دقيقة الحبيبات ولونها بني فاتح أو رمادي، وتحوي الكثير من الذرات المعدنية المتنوعة وتبعا لذلك فهي عظيمة الخصوبة. وينتشر وجود اللوس في بقاع كثيرة من العالم منها شمال الصين ووسط أوروبا وشرقها ووسط أمريكا الشمالية وسهول البمباس في أمريكا الجنوبية. وقد اشتقت رواسب لوس شمال الصين أصلا من الغبار الصحراوي الذي نقلته الرياح من صحراء جوبي في الغرب "انظر الخريطة شكل 75". أما رواسب اللوس في مناطق توزيعها الأخرى فقد اشتق معظمها من ذرات الغبار التي حملتها الرياح الجافة أثناء العصر الجليدي من الرواسب التي أرسبها الجليد. وقد شاركت الرواسب النهرية كمصدر لذرات اللوس في تكوين لوس البمباس ولوس الصين. شكل "75": توزيع اللوس في شمال الصين

قيمة الرواسب الهوائية بالنسبة للإنسان: 1- رواسب اللوس عادة عظيمة الخصوبة. فالزراعة قائمة في منطقة اللوس بشمال الصين منذ أربعة آلاف سنة. وتجود زراعة القمح في أوكرانيا بروسيا وفي سهول البرارى بأمريكا الشمالية والبمباس بأمريكا الجنوبية، وكلها تتركب أساسا من رواسب اللوس. 2- تستخدم رواسب اللوس في أعمال البناء. ويحفر الصينيون مساكنهم في رواسب اللوس التي يبلغ سمكها هناك بين 100-300 م. ومزايا هذه المساكن أنها سهلة البناء، كما أنها تتميز بالدفء في الشتاء والبرودة النسبية في الصيف. فهي مكيفة الهواء بالطبيعة. لكنها سهلة الانهيار حين يصيب المنطقة زلزال حتى ولو كان ضعيفا. ونرى بقايا لأمثال هذه المساكن في تكوينات لوس مشابهة بإقليم طرابلس بالجماهيرية الليبية. الجليد كعامل تعرية حينما تهبط حرارة الجو إلى ما دون الصفر المئوي يتكاثف بعض بخار الماء ويتجمد، فيتحول إلى بلورات ثلجية تتساقط على سطح الأرض في شكل زغب الريش أو القطن المندوف، وهذا ما يعرف بالثلج. وتتساقط الثلوج في الشتاء فوق مناطق كثيرة تقع في العروض العليا، لكن الثلوج ما تلبث أن تذوب في معظمها أثناء الصيف التالي. وحينما تبقى بعض الثلوج دون إذابة بسبب استمرار انخفاض الحرارة دون نقطة التجمد، فإنها تكون غطاء ثلجيا مستديما. ويحدث هذا في جرينلندا وأنتاركتيكا "القارة القطبية الجنوبية" وفوق قمم بعض الجبال العالية. ويعرف المستوى الذي عنده يبدأ الثلج في الذوبان بخط الثلج الدائم، وهو عند منسوب سطح البحر حول القطبين، لكنه يرتفع في جبال شرقي أفريقيا الواقعة عند خط الاستواء -حيث تشتد الحرارة- إلى نحو 6000 متر. وحينما يزداد تراكم الثلج في منطقة ما من سنة لأخرى فإنه يتحول بالتدريج

إلى جليد صلب بسبب تضاغطه وثقله. وفي بداية البلايوستوسين أي منذ حوالي مليون سنة أخذت مناخات أقاليم العروض العليا في البرودة المستمرة. وتبعا لذلك فإن الثلوج التي كانت تتساقط في الشتاء لم تكن كلها تذوب في الصيف. فتراكمت الثلوج وازداد سمكها واتساعها في المناطق القطبية وفي شمال أمريكا الشمالية وفي الشمال وفي شمال غرب أوروبا. وقد تحولت ثلوج الحقول الثلجية الفسيحة بالتدريج إلى الجليد الذي امتد فوق معظم الأراضي المنخفضة والجبال ودام فترة طويلة. تعرف بالعصر الجليدي، وتدعى كتل الجليد التي تغطي مساحات عظيمة من سطح قارة باسم الغطاءات الجليدية، كما تعرف تلك الكتل التي تشغل أودية جبلية باسم الأودية الجليدية أو الثلاجات الجبلية. وتوجد الغطاءات الجليدية في وقتنا الحالي في أنتاركتيكا وجرينلندا. أما الأودية الجليدية أو الثلاجات فتوجد في جبال الهيمالايا والألب والروكي والإنديز "شكل 76". شكل "76": نهر جليدي بألاسكا ويغير فعل الجليد من مظهر المناطق التي يغطيها ويتحرك فوقها تغييرا كبيرا. فتتعرض المناطق الجبلية لنحته. والسهول لإرسابه. وفي كثير من أجزاء القارات الشمالية التي تخلو حاليا من الجليد، نشاهد الكثير من ظاهرات النحت والإرساب التي أنشأها جليد عصر البلايوستوسين. فحين

ذاب الجليد في نهاية العصر الجليدي تحررت كميات هائلة من المياه، وتجمع بعضها في تجاويف وحفر أو احتبس وراء الرواسب الجليدية "تسمى ركامات" مكونا البحيرات. وقد تكونت بهذه الطريقة مجموعة البحيرات العظمى في أمريكا الشمالية وكذلك بحيرات فنلندا التي تعد بالآلاف. ومع هذا فإن معظم المياه الذائبة قد انسابت مكونة لأنهار مائية تنصرف إلى البحار. وقد حملت تلك الأنهار كميات عظيمة من الرواسب الجليدية "أو الركامية" وأرسبتها بعد ذلك فوق أراضٍ تقع بعيدا عن المناطق التي غطاها الجليد. وهناك أنشأت سهولا رسوبية فسيحة تعرف بسهول الرواسب الجليدية، وهي عادة تتركب من الرمال. النحت بواسطة الجليد: يمارس الجليد فعله في نحت الصخور عن طريق عمليتين: 1- تفتيت كتل الصخور في قاع الوادي وجوانبه والتقاطها ودفعها معها. 2- تآكل الصخور أسفل الثلاجة عن طريق نقل الجليد وضغطه واحتكاك الصخور التي تحملها الثلاجة. مظاهر النحت الجليدي: تساهم عملية النحت بفعل الجليد في تشكيل سطح الأرض، وهي مسئولة عن تكوين عدة ظاهرات أهمها: "انظر شكل 77". 1- الأودية التي تتخذ شكل حرف U. 2- الأودية المعلقة. 3- الحلباب. 4- الحافات الجبلية. 5- القمم الهرمية. 6- الصخور الغنمية. وتنشأ هذه الظاهرات أساسا بفعل الثلاجات. الأودية التي تبدو في هيئة حرف U: لو تتبعت الأشكال الثلاثة "شكل 78أ، ب، جـ" لأمكنك أن تتعرف

بسهولة على طريقة تكوين الأودية الجليدية واتخاذها شكل حرف U. ويوضح الشكل الأول مظهر منطقة جبلية يجري بها نهر له روافد تأتيه من خطوط تقسيم المياه على جانبيه، وذلك قبل أن تتأثر بفعل الجليد. شكل "77": بعض ظواهر النحت الجليدي وحين غطى الجليد المنطقة في العصر الجليدي بدأ يمارس فعله "الشكل

الثاني. فأخذ الجليد في تعميق وتوسيع الوادي النهري كما أخذ في العمل على أن يكون الوادي مستقيما وذلك بنحت وتقطيع الألسنة الجبلية التي تحف شكل "78": الأودية الجليدية وطريقة تكوينها

به، كما تراجعت بالنحت والتجوية خطوط تقسيم المياه وتقطعت وتحولت إلى حافات جبلية وقمم هرمية. وحينما ذاب الجليد نهائيا، ظهرت تلك الأشكال بوضوح، فأنت ترى في الشكل الثالث هيئة الوادي أشبه بحرف U. الأودية المعلقة: انظر إلى الشكل الأخير "جـ" ستجد أودية جانبية على مستوى عال بالنسبة للوادي الرئيسي الذي يبدو بشكل حرف U. وتتصل مجاري تلك الأودية بالنهر الرئيسي عن طريق مساقط مائية. هذه الأودية تسمى بالأودية المعلقة. ويرجع تكوينها إلى أن كتل الجليد التي كانت تجرى بها لم تستطع نحت مجاريها إلى مستوى قاع الوادي الرئيسي الذي نحته النهر الجليدي الرئيسى "انظر الشكل الثانى" فبقيت قيعانها معلقة أي أعلى من قاع الوادي الرئيسي. الحلبات والحافات والقمم الجبلية: تنشأ من عمليات تعميق الثلاجات لحفر كانت موجودة في الأصل عند رءوس الأودية في أعالي الجبال، فتتحول تلك الحفر إلى حلبات أي إلى أحواض شكلها هلالي أو نصف دائري. وقد تملأها المياه مكونة البحيرات حينما يذوب جليدها. وتتكون الحافات الجبلية حينما يزداد النحت في جانبي حلبتين متجاورتين فتقتربان من بعضهما، ولا يفصلهما حينئذ سوى حافة جبلية حادة. أما القمم الهرمية فتنشأ حين تتجاور ثلاث حلبات أو أكثر ويفصل بينها حافات جبلية. تتبع نشوء الظاهرات الثلاثية بدراستك للأشكال المرفقة "شكل 79". الصخور الغنمية: وهي عبارة عن صخور بارزة في قاع الوادي الجليدي، تتميز بسطحها

الأملس وبشكلها المنحني الذي يشبه ظهور الغنم. وترجع نشأتها إلى أن الجليد أثناء نحته لقاعه رأسيا لم يقو على إزالتها أو الدوران من حولها كما تفعل المياه. بل تحرك وأخذ يحتك بها. فصقلها وبراها. شكل "79": الحلبات والحافات والقمم الهرمية

الإرساب بفعل الجليد ومظاهره: تحمل الأنهار الجليدية كميات عظيمة من المواد الصخرية التي تعرف في مجموعها بالرواسب الجليدية أو الركامية، وهي رواسب غير متجانسة وتتركب من جلاميد ورمال وطين. وقد اشتق بعضها من نحت الجليد لقاع المجرى وجوانبه، وبعضها الآخر قد تساقط من المنحدرات الجبلية على سطح الجليد، ثم دخل بين ثناياه خلال الشقوق الطولية والعرضية التي تكتنفه. وتتمثل أهم مظاهر الإرساب الجليدي في تلك التلال التي تعرف بالركامات وهي على أنواع "شكل 80": شكل "80": مظاهر الإرساب الجليدي

1- ركام جانبي: ويتراكم على جانبي الوادي الجليدي. وتتألف مواده من الحطام الصخري الذي يتساقط من جدران الوادي وجوانبه بفعل عمليات التجوية كتأثير الصقيع والتجمد والذوبان وبفعل احتكاك الجليد بالصخور التي تتركب منها جوانب الوادي. انظر الشكل تجد الركامات الجانبية وهي تحف جليد النهر من جانبيه وتحدد مجراه. 2- ركام أوسط: إذا تأملت الشكل سترى ركاما في الوسط. وترجع نشأته إلى اتحاد ركامين جانبيين لنهرين جليديين قد التحما في مجرى واحد. وقد تتصل عدة أنهار جليدية وتجري كلها في مجرى واحد متسع. فينشأ عن ذلك عدة خطوط متوازية من الركامات الوسطى. 3- الركام السفلي أو الأرضي: ويتكون في قاع النهر الجليدي من المواد التي نحتها الجليد وطحنها أثناء تحركه، ومن المواد التي تتساقط من جوانب الوادي على سطح الجليد، ثم تنزلق خلال الشقوق الطولية والعرضية وتصل إلى القاع. وهي عموما قليلة السمك ولا تظهر إلا حينما يذوب الجليد. 4- الركام النهائي: وهو الذي يتكون عند نهاية النهر الجليدي حيث يذوب الجليد ويتحول إلى مياه لا تقدر على حمل المواد التي جرفها وحملها الجليد، فيترسب قسم كبير منها في هيئة تلال هلالية الشكل تقريبا. ويرجع شكلها الهلالي إلى اختلاف سرعة تحرك كتل الجليد في النهر الجليدي. فحركة الجليد في الوسط أسرع عادة منها في الجوانب نظرا لاحتكاكه بها. وتبعا لذلك نجد نهاية النهر الجليدي محدبة أو هلالية الشكل. ويعظم حجم الركام النهائي حينما تتوقف جبهة أو نهاية النهر الجليدي فترة طويلة فيحدث الذوبان والإرساب أثناءها باستمرار.

5- الصخور الضالة: وهي عبارة عن كتل صخرية كبيرة الحجم نقلها الجليد لمسافات طويلة. ثم أرسبها في مناطق بعيدة عن مصادرها الأصلية. وتظهر فيها حزوز وخدوش هي آثار لاحتكاك الجليد بها. وسميت بالصخور الضالة لأنها توجد الآن في أماكن غريبة عن موطنها وأصلها. فقد نجد كتلة جرانيتية ضالة في منطقة تتأف من الصخور الجيرية مثلا. وقد تسمى بالصخور المرشدة نظرا لأنه بدراستها يمكن التعرف على المنطقة التي اشتقت منها، ومن ثم ترشدنا إلى مسار الجليد الذي دفعها ونقلها من موطنها الأصلي إلى بيئتها الجديدة. "شكل 81" شكل "81": صخور ضالة: تركيبها يختلف عن تركيب الصخور المحلية تأمل الشكل رقم "82" ستجد أنواعا من الأشكال الأرضية التي نشأت من فعل الجليد. وتذكر أن هذه مجرد شكل مجسم مبسط، ففي الطبيعة ستجد تلك الأشكال مختلفة مضطربة التوزيع. وتظهر تلك الأشكال واضحة حينما يأخذ المناخ في الدفء، فيذوب جليد الأنهار الجليدية ثم تختفي في النهاية. وهذا بالطبع يأخذ وقتا طويلا خلاله تترسب كل المواد الركامية. ويحمل الماء الذائب من جبهة الجليد كميات هائلة من المواد الركامية الدقيقة ثم يرسبها مكونا لسهول رملية فسيحة.

شكل "82": بعض مظاهر التعرية الجليدية "نحت، نقل، إرساب". تأمل الشكل الأوسط ولاحظ اتجاه مسار النهر الجليدي وتذكر أن المنطقة قد ذاب جليدها فظهرت أشكال أرضية هي: 1- ركام نهائي متكامل يبدو بشكل هلالي. 2- على يساره سهل يتركب من الرمال المتجانسة في أحجامها التي أرسبتها مياه الجليد الذائب. 3- تلال مستديرة الشكل تعرف باسم "دراملين" تتركب من مواد طينية وكتل صخرية. 4- رصيف صخري نحته وصقله فعل الجليد المتحرك. 5- تلال مستطيلة الشكل تبدو في شكل ضلوع تعرف باسم "اسكر" وتتركب من الرمال والحصى. 6- نهر مائي احتجزت مياهه أمام الركام النهائي فنشأت بحيرة.

7- بحيرات كثيرة تشغل التجاويف والأحواض والحفر الصخرية التي خلفها نحت الجليد في المناطق اللينة الصخور. 8- صخرة ضالة نقلها وأرسبها النهر الجليدي. فوائد الظاهرات الجليدية للإنسان: 1- بعض سهول الرواسب الجليدية خصيبة تجود فيها الزراعة كما في أجزاء من شمال أوروبا وشمال شرق أمريكا الشمالية حيث يوجد نطاق زراعي لتربية الماشية ومستخرجات الألبان. 2- تمثل قيعان البحيرات الجليدية القديمة التي جفت أرضا خصبة صالحة للزراعة. ومثلها كثير من جهات البراري الكندية التي تنتج سنويا كميات هائلة من القمح. ويعزى نجاح الزراعة فيها إلى رواسبها الخصبة التي تجمعت فوق قيعان بحيرات جليدية. 3- لبعض البحيرات الجليدية "أي التي أنشأها نحت الجليد وملأتها مياهه الذائبة" أهمية كبيرة كطرق للمواصلات المائية ومثلها البحيرات العظمى في أمريكا الشمالية. 4- تصلح المساقط المائية التي تنشأ عند مصبات الأودية المعلقة لتوليد القوى الكهربائية، وتنتج النرويج وسويسرا قدرا هائلا من القوى الكهربائية من مثل هذه المساقط المائية. 5- تجذب المناطق الجبلية التي أصابها فعل الجليد مئات الآلاف من السائحين، نظرا لكثرة وتنوع مناظرها. وهم يقصدونها في فصل الشتاء حينما تتساقط الثلوج لممارسة أنواع من الرياضة كالتزحلق على الجليد. 6- تكثر المراعي الجبلية الصيفية التي تعرف بالمراعي الألبية فوق الجبال وعلى جوانب الأودية المرتفعة التي أصابها فعل الجليد. ففي فصل الصيف تنمو الحشائش وتينع، فيقصدها الرعاة بقطعانهم لترعاها، ثم يعودون بها إلى الأودية المنخفضة أثناء الشتاء، حين تشتد البرودة وتتساقط الثلوج. وحركة انتقال الماشية في الشتاء والصيف تعرف

بحركة الرعي الموسمية. وهي تمارس في سويسرا والنرويج وغيرها من الأقطار الجبلية. وعلى الرغم من تعدد مزايا المناطق التي أصابها فعل الجليد بالنسبة للإنسان فلها أيضا مثالبها: 1- ففي بعض المناطق الرملية التي تتركب تربتها من الصلصال الجلاميدي نشأت مستنقعات لا تصلح فيها الزراعة كما في وسط أيرلندا. 2- تحوي كثير من سهول الإرساب الجليدي رمالا غير خصبة، تحتاج لكثير من العمل والجهد لإنجاح الزراعة بها. 3- تتحول مساحات كبيرة من الأراضي التي أصابها فعل الجليد إلى آلاف من البحيرات. وهذه قليلة القيمة بالنسبة للاستغلال الاقتصادي. ومثلها بحيرات فنلندا التي يبلغ عددها أكثر من 60 ألف بحيرة وتغطي 1/8 مساحتها. موازنة بين النهر المائي والنهر الجليدي: أولا: من حيث المجرى: 1- النهر المائي أطول من النهر الجليدي؛ لأن الأخير يقتصر وجوده على منحدرات الجبال العالية التي يتوجها الجليد "ثلاجة اليتش بسويسرا طولها 40 كم وثلاجة موير بألاسكا طولها 60 كم". 2- النهر المائي طوله ثابت صيفا وشتاء، أما النهر الجليدي فطوله شتاء أكثر منه صيفا. 3- النهر المائي أسرع من الجليدي؛ والسبب أن الماء سائل سريع الحركة، أما الجليد فجسم صلب بطيء الحركة. 4- مجرى النهر المائي أوسع عادة من الجليدي "عرض النهر الجليدي لا يتعدى ألف متر في العادة". 5- مجرى النهر المائي ضيق عند المنابع ويتسع كلما اتجهنا نحو المصب أما المجرى الجليدي فعريض عند المنبع حيث حقول الثلج.

6- سطح ماء النهر مستوٍ، أما سطح الجليد في النهر الجليدي ففيه شقوق عرضية تنشأ من مرور الجليد فوق عقبات فيتشقق عرضيا، وشقوق طولية تنشأ من ازدياد سرعة الجليد في وسط النهر عنه في الجانبين. 7- مجرى النهر المائي متعرج وتكثر به المنعطفات. أما مجرى النهر الجليدي فمستقيم إلى حد كبير. ثانيا: من حيث شكل الرواسب ونوعها: 1- رواسب النهر المائي مستديرة؛ لأن الصخور تتدحرج مع الماء وتحتك ببعضها وبالجوانب والقاع فتنحت من جميع نواحيها ومن ثم تستدير، أما رواسب النهر الجليدي فتبدو خشنة مسننة وغير منتظمة الشكل، وقد تصقل في الجهة المواجهة لسير الجليد. 2- رواسب النهر المائي متجانسة متشابهة في الشكل والوزن حيثما أرسبت، أما رواسب النهر الجليدي فتكون مختلطة ببعضها وغير متجانسة. ثالثا: من حيث نظام الإرساب والبناء: 1- يجري النهر المائي عملية تصنيف للمواد التي يرسبها حسب قوته وقدرته على الحمل. فهو يرسب الكتل الصخرية عند المنبع، والزلط والحصى في المجرى الأوسط، والرواسب الدقيقة في مجراه الأدنى. أما النهر الجليدي فيرسب حمولته بلا تصنيف، ومعظمها يترسب في نهايته. 2- تبني رواسب النهر المائي الدالات والسهول الفيضية والجزر، بينما تشكل رواسب النهر الجليدى الركامات بأنواعها.

الباب الرابع: التضاريس

الباب الرابع: التضاريس مدخل ... الباب الرابع: التضاريس سطح الأرض مضرس غير مستوٍ. ففيه تبرز الجبال والتلال والهضاب فوق مستوى السهول والأحواض والوديان. وهي أشكال نراها ويعيش في أحضانها الإنسان، وكلها واضح ظاهر فوق اليابس الذي ندعوه بالقارات. وتحيط بالقارات وتفصل بينها مساحات شاسعة من الأحواض الضخمة تغمرها المياه المالحة، وتلك ندعوها بالبحار والمحيطات. وهي من الضخامة والاتساع بحيث تبدو عليها القارات وكأنها كتل طافية. ونحن نعرف تضاريس الأرض بما على سطحها من مرتفعات ومنخفضات. وحين نتناول بالدراسة الأشكال الكبرى على سطح الأرض فإننا ندرس حينئذ توزيع اليابس والماء وخصائص هذا التوزيع ونسمي ذلك بتضاريس المرتبة الأولى. وحين نكتفي بدراسة المرتفعات العظيمة والسهول الفسيحة على سطح القارات فقط فإننا ندعو ذلك بتضاريس المرتبة الثانية. أما تضاريس المرتبة الثالثة: فنعني بها الأشكال الصغيرة المحلية التي نشأت من تفاعل عمليات التعرية مع التراكيب الصخرية المحلية.

الفصل الأول: توزيع اليابس والماء، وتضاريس اليابس

الفصل الأول: توزيع اليابس والماء، وتضاريس اليابس مدخل ... الفصل الأول: توزيع اليَابس وَالمَاء وَتضَاريس اليَابس: حين ننظر إلى نموذج للكرة الأرضية ستبدو لنا الظواهر الآتية واضحة جلية: 1- أن مساحة الماء أكبر بكثير من مساحة اليابس. فمساحة الماء تشغل نحو 71% من جملة مساحة وجه الأرض. بينما يمثل اليابس 29% فقط. 2- أن هناك سبع كتل قارية هي: آسيا وأوروبا "ويطلق عليهما معا اسم أوراسيا" وأفريقيا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية واستراليا ثم القارة القطبية الجنوبية "تسمى أنتاركتيكا". وأربعة محيطات هي: الهادي والأطلسي والهندي والمحيط المتجمد "أو القطبي" الشمالي. لاحظ أن اليابس يشغل القطب الجنوبي. 3- حين تضع أصبعك على خط الاستواء وتدير نموذج الكرة الأرضية وتنظر إلى توزيع اليابس والماء في كلا النصفين ستلاحظ أن معظم اليابس في نصف الكرة الشمالي، ومعظم مساحة الماء في النصف الجنوبي "استعن في ذلك بالخريطة شكل 83". 4- حرك أصبعك هذه المرة فوق خطي طول جرينتش و 180 درجة حركة دائرية تمر بالقطبين، وانظر إلى توزيع القارات والمحيطات في كلا النصفين، ستلاحظ أن معظم اليابس في نصف الكرة الشرقي، ومعظم الماء في نصفها الغربي. من هذا وذاك ترى أن معظم الماء في غرب الأرض وجنوبها، وأن معظم اليابس في شرق الأرض وشمالها. 5- انظر إلى المحيط الشمالي على النموذج أو الخريطة تجد اليابس

يحيط به إحاطة تكاد تكون تامة. وعلى النقيض من ذلك تجد يابس قارة أنتاركتيكا حول القطب الجنوبي وقد أحاطت به المياه إحاطة تامة. شكل "83": نصف الكرة المائي، ونصف الكرة القاري 6- ضح أصبع يدك اليمنى على أي جزء يابس من سطح النموذج وأصبع يدك اليسرى على جزء يقابله تماما من الناحية الأخرى ستجده ماء. جرب عدة مرات، لعلك قد استنتجت أن كل جزء من اليابس يقابله من الجهة الأخرى جزء من الماء، هذا باستثناء بعض الحالات الشاذة "بتاجونيا في

جنوب الأرجنتين تقابل جزءا من شمال الصين، ونيوزيلندا تقابل قسما من أيبيريا". 7- انظر إلى أشكال القارات والمحيطات. هل تذكرك بشكل هندسي معين؟ إنه المثلث. أين تقع رءوس المثلثات القارية وأين تمتد قواعدها؟. لاحظ أن المثلثات المحيطية معكوسة الوضع بالنسبة للمثلثات القارية. والشكل الهندسي واضح جدا بالنسبة للأمريكتين وأفريقيا، بينما تنتهي قارة آسيا وأوروبا في الجنوب بأشباه جزر مثلثة الشكل. 8- تأمل وضع المحيط الهادي، تجده يمثل حوضا عظيم الرقعة تبلغ مساحته نحو ثلث مساحة وجه الأرض. 9- لاحظ أن كل المحيطات تتصل ببعضها، وأن ألسنة منها تتداخل في اليابس مكونة البحار، كالبحر المتوسط الذي يمتد من المحيط الأطلسي بين قارتي أوروبا وأفريقيا، والبحر الأحمر الذي يمتد من المحيط الهندي بين أفريقيا وآسيا. اقرأ على الخريطة أسماء بحار أخرى.

تضاريس اليابس

تضاريس اليابس مدخل ... تضاريس اليابس عرفت أن اليابس يبرز فوق صفحة الماء. كما علمت أنه مضرس تكتنفه المرتفعات والمنخفضات. وتلك أشكال أظهرتها قوى باطنية سبقت لك دراستها "قوى الالتواء والانكسار والنشاط البركاني" ثم عدلت من مظهرها القوى الخارجية "عوامل التعرية". وعلى الرغم من الروعة والعظمة التي تبدو بها تضاريس الأرض فإنها في الواقع ليست سوى نتوءات بسيطة في كتلة الكرة الأرضية الهائلة. فجبل إفرست في الهيمالايا يشمخ إلى ارتفاع يزيد على 9 كم، لكن هذا الارتفاع الشاهق لا يعادل سوى 1/1400 من محور الكرة الأرضية. ولسهولة الدراسة تقسم التضاريس إلى قسمين: أ- تضاريس موجبة: وتشمل المرتفعات التي تتمثل في الجبال والتلال والهضاب. ب- تضاريس سالبة: وتشمل المنخفضات التي تتمثل في الأودية والسهول والأحواض.

التضاريس الموجبة

التضاريس الموجبة: وهي تتمثل كما أسلفنا في الجبال والتلال والهضاب. أ- الجبال والتلال: الجبل هو كل مرتفع من الأرض له قمة لا يقل علوها عن 1000 متر تقريبا. أما إذا قل الارتفاع عن ذلك فإن المرتفع يسمى تلا. والجبل والتل لا يختلفان عن بعضهما في ظروف تكوينهما أو في بنائهما، والخلاف بينهما لا يعدو الارتفاع. وقمة الجبل أو التل هي أعلى نقطة فيه، فإذا امتدت واستطالت سميت حافة، وسلسلة الجبال أو التلال هي مجموعة من الجبال أو التلال المتلاصقة التي تمتد لمسافة كبيرة. ولما كانت الجبال والتلال لا تختلف عن بعضها إلا في الارتفاع، فإن الدراسة التالية ستكون شاملة لها دون تمييز، حتى نتفادى كثرة ترديد كلمة تل، وكلمة جبل. ويمكن تقسيم الجبال حسب طريقة نشأتها إلى: 1- الجبال الالتوائية: تنشأ من التواء الطبقات الرسوبية التي تعرضت لضغوط جانبية أو لضغوط من أسفل إلى أعلى، فيرتفع مستواها، وتبدو كسلاسل ضخمة تمتد امتدادا متصلا على نحو ما نرى في جبال الألب بأوروبا والهيمالايا بآسيا. والروكي بأمريكا الشمالية والإنديز بأمريكا الجنوبية. والجبال الالتوائية من أكثر الجبال انتشارا، وتشمل أطول وأضخم وأعلى السلاسل الجبلية، وبها أعلى القمم كقمة إفرست في الهيمالايا. وحين ترجع إلى الالتواءات التي سبقت لك دراستها ستشاهد أشكالا متنوعة للجبال الالتوائية. 2- الجبال الانكسارية: وتنشأ نتيجة لحركات تحدث في قشرة الأرض، ولكن بدلا من أن تلتوي الطبقات فإنها تنكسر وتتصدع، فتهبط أجزاء منها وترتفع أجزاء أخرى

في شكل جبال، "راجع الدراسة الخاصة بالانكسارات لتتمكن من تحقيق أسباب تكوين الجبال الانكسارية". فإذا ما حدث انكساران متوازيان وهبطت الأرض بينهما وارتفع جانباهما فإنهما سيظهران في هيئة سلسلتين أو حافتين انكساريتين. وهذا ما يحدث مثلا بالنسبة للانكسارات المتوازية في منطقة البحر الأحمر. فالبحر يشغل الجزء الهابط، بينما تحتل جبال البحر الأحمر في المملكة السعودية الجانب الشرقي الذي ارتفع، وتمثل جبال البحر الأحمر في مصر والسودان الجانب الغربي المرتفع. ومثال آخر لجبال انكسارية في أوروبا يتمثل في جبال الغابة السوداء في ألمانيا والفوج في فرنسا، ويفصل بينهما جزء هابط يشغله وادي نهر الراين. 3- الجبال التراكمية: وتنشأ نتيجة لتجمع المواد وتراكمها بحيث ترتفع على سطح الأرض بشكل قمة. تذكر أشكال التراكم الهوائي والجليدي. هل يستطيع الإرساب بواسطة الرياح أو الجليد أن ينشئ جبالا؟ لقد سبق أن أسمينا الكثبان الرملية التي تبنيها الرياح تلالا، ودعونا الركامات التي يرسبها الجليد تلالا أيضا. فجميعها أشكال لا تطاول الجبال ارتفاعا. ما هو العامل الذي ينشئ الجبال التراكمية؟ إنه النشاط البركاني. فهو ينشئ جبالا مخروطية الشكل تتألف من تكوينات اللافا التي خرجت من جوف الأرض. والجبال البركانية تكون منفردة، كل جبل على حدة. وقد تنشأ مجموعة منها متجاورة في منطقة واحدة، ولكنها تكون منفصلة كل منها قائم بذاته، مثل مجموعة جبال مفمبيرر في وسط أفريقية. وقد تتكون وسط السلاسل الالتوائية وتبرز فوق مستواها مثل أكونكاجوا في مرتفعات الإنديز "ارتفاعه 7000م". وحينما يكون النشاط البركاني عظيما تنشأ جبال غاية في الضخامة والارتفاع مثل مخروط مونالوا، وهو أحد براكين جزر هاواي في المحيط الهادي الذي يرتفع فوق مستوى سطح المحيط بنحو 4000م، ويبلغ قطره نحو 80 كم واتساع فوهته 16 كم. وإذا قدرنا أبعاده ابتداء من قاعدته التي ترتكز على قاع

المحيط إلى قمته التي تعلو عن مستوى الماء بلغ ارتفاعه نحو 9000 م، وبلغ قطر قاعدته 256 كم. 4- جبال التعرية: وتنشأ هذه الجبال نتيجة لفعل عوامل التعرية مدة طويلة من الزمن في الجبال والهضاب الموجودة على سطح الأرض بالفعل. تلك الجبال والهضاب التي سبق أن رفعتها القوى الباطنية سواء قوى الالتواء أو الانكسار أو النشاط البركاني. ووظيفة عوامل التعرية هي تشكيل تلك الجبال والهضاب بأنواعها، فهي تنحت الجبال وتقطع الهضاب وتخلق ما يعرف بالجبال التحاتية أو جبال التعرية. سبق أن درست الالتواءات، وعرفت أنها تتكون من ثنيات محدبة تمثل المرتفعات وأخرى مقعرة تمثل المنخفضات. وهذه وتلك تتعرض لفعل التعرية، لكن طبقات الثنيات المحدبة دائما أضعف من المقعرة، وتبعا لذلك فإنها تتأثر بالتعرية بدرجة أسرع، فتتآكل وتتحول إلى منخفضات بينما تبقى طبقات الثنيات المقعرة بارزة مكونة لجبال التعرية. ومثل هذه الظاهرة نجدها في جبال أبلاش بشرق أمريكا الشمالية، وغيرها في منخفض الواحة البحرية "جبال حورابي وميسرة ومنديشة". انظر إلى الشكل "28" ولاحظ في الشكل "28أ": أن الجبال الالتوائية تتخذ مظهرها العادي، فالجبال مكونة من طبقات ملتوية إلى أعلى "ثنيات محدبة" والمنخفضات مؤلفة من طبقات منثنية إلى أسفل "ثنيات مقعرة". وفي الشكل "28هـ": انقلبت الآية فأصبحت الثنيات المحدبة منخفضات والمقعرة مرتفعات وذلك بفعل عوامل التعرية. وحينما تكون المنطقة التي تتأثر بالتعرية من نوع الهضاب، فإنها تتقطع إلى هضبات صغيرة تعرف أيضا بجبال التعرية، ومثلها جنوب شرق هضبة الحبشة حيث استطاعت الأنهار أن تحفر عددا كبيرا من الخوانق، وأن تقطع المنطقة إلى عدد كبير من الجبال التحاتية. وتستطيع التعرية الهوائية أن تنشئ الجبال والتلال التحاتية. وقد

سبق لك التعرف على الجبال الجزيرية والموائد الصحراوية. وكذلك التعرية الجليدية التي يظهر أثرها في تشكيل الكتل الجليدية التي تتألف منها شبه جزيرة إسكنديناوه. ب- الهضاب: هي أجزاء واسعة من الأراضي المرتفعة، يغلب على سطحها الاستواء. ويميزها ارتفاعها عن سطح البحر وعن الأراضي المجاورة. وقد يكون بالهضاب وديان عميقة أو قمم تبرز فوق سطحها، لكن ارتفاعها ينبغي أن يكون متجانسا إلى حد كبير لكي نسميها هضبة. وهي كالجبال يختلف بعضها عن بعض من حيث ظروف نشأتها وتكوينها. وتبعا لذلك تنقسم إلى: 1- الهضاب الالتوائية: وهي تنشأ مثل الجبال الالتوائية بسبب الحركات الالتوائية التي تصيب قشرة الأرض فترفع مستواها عن الأرض المجاورة "شكل 84". والحركات المكونة لها قد تكون أفقية أو رأسية أو كليهما معا. ويرتبط توزيع الهضاب الالتوائية بالسلاسل الالتوائية، فالحركات التي أنشأتها واحدة ومتعاصرة. ومنها هضبة التبت التي ترتفع إلى علو 4000م والتي ساعدت على تكوينها الضغوط التي جعلت قشرة الأرض تلتوي وتكون سلاسل الهيمالايا، وهضبة الشطوط في المغرب العربي التي تنحصر بين سلاسل أطلس البحرية وأطلس الصحراوية، وهضبة كولومبيا والمكسيك بأمريكا الشمالية، وهضبة بيرو وبوليفيا بأمريكا الجنوبية. 2- الهضاب الانكسارية: وتنشأ في الكتل القارية القديمة، التي تتركب من صخور نارية أركية صلبة، فهذه الكتل تتأثر بالقوى الباطنية ولكنها بدلا من أن تلتوي فإنها تنكسر عند أطرافها وتهبط الأرض من جوانبها بينما تبقى هي مرتفعة. ويميزها أن لها حوافا رأسية، وأنها مستوية السطح، وأنها على الأغلب

تتألف من صخور أركية نارية ومتحولة. وإلى هذه الهضاب تنتمى كتلة الهضبة الأفريقية، وهضبة بلاد العرب، وهضبة الدكن بالهند، وهضبة البرازيل بأمريكا الجنوبية، والهضبة اللورنسية بأمريكا الشمالية، والكتلة البلطية بأوروبا، وهضبة غرب الدلتا. شكل "84": تكوين الأحواض والهضاب الالتوائية 3- الهضاب البركانية: وتنشأ من خروج اللافا السائلة من خلال كسور وشقوق طويلة في قشرة الأرض، فتنتشر فوق مساحات هائلة تتراكم فوق بعضها في شكل طبقات عظيمة السمك. وهي تختلف في ذلك عن الجبال البركانية التي تخرج مصهوراتها من خلال فتحات ضيقة تسمى الفوهات حيث تتراكم من حولها مكونة مخروطات. ومنها هضبة الحبشة، وهضبة اليمن وهضبة شمال غرب الدكن، وهضبة كولومبيا وأيداهو بأمريكا الشمالية. 4- هضاب التعرية: وتنشأ من فعل عوامل التعرية في المناطق الجبلية، فتعمل على تآكل قممها وأجزائها البارزة وتسوي سطحها. فتصبح المنطقة الجبلية بمضي الزمن وقد تحولت إلى أرض عالية منبسطة السطح فنسميها هضبة تحاتية. ومثلها الهضاب التي نشأت من تعرية السلاسل الالتوائية القديمة العهد كهضبة الأردين في بلجيكا وهضبة بريتاني في شمال غرب فرنسا.

التضاريس السالبة

التضاريس السالبة: وتشمل الأودية والسهول والأحواض والبحيرات:

أ- الأودية: هي الأراضي المستطيلة الضيقة نسبيا، والمنخفضة السطح بالنسبة للمناطق التي تحيط بها. وتنقسم بحسب نشأتها إلى عدة أنواع: 1- الأودية الالتوائية: وهذه تمثل مناطق الثنيات المقعرة "أي المنخفضة" في المناطق الالتوائية، بينما تحتل الجبال مناطق الثنيات المحدبة. ومن أمثلتها أودية الجورا والألب ووادي إبرو "إسبانيا" في أوروبا، وأودية الروكي ومنها سان جواكين في أمريكا الشمالية. وأودية شرقي الهيمالايا وتفريعاتها في جنوب شرقي آسيا "أودية إيراوادي وميكونج ويانجتسي - كيانج". 2- الأودية الانكسارية: وتنشأ نتيجة لهبوط الأرض بين الانكسارات المتوازية، وتسمى بالأودية الأخدودية "شكل 85". ومنها وادي الراين فيما بين الفوج والغابة السوداء، ووادي نهر العاصي في سوريا. شكل "85": نشأة الأودية الأخدودية

3- الأودية التحاتية: وتنشأ نتيجة لفعل مختلف عوامل التعرية، فهناك الأودية النهرية التي أنشأها الماء الجاري. والأودية الجليدية التي نحتها فعل الجليد، والأودية الجافة التي توجد في المناطق الصحراوية والتي ساهم في نشأتها عامل المياه "خصوصا أثناء العصر المطير" وعامل الرياح. "راجع في ذلك التعرية النهرية والجبلية والهوائية لتتبين طريقة نشأة كل نوع منها". ب- السهول: هي أجزاء فسيحة من سطح الأرض تتميز باستوائها وقلة ارتفاعها. وتنشأ بفعل العوامل الظاهرية "عوامل التعرية" وحدها. ولما كانت عوامل التعرية تنحت في جهة وترسب في أخرى نجد السهول على نوعين رئيسيين: 1- سهول تحاتية "تعرية". 2- سهول رسوبية. 1- السهول التحاتية: وهي السهول التي تنشأ من نحت عوامل التعرية للأجزاء البارزة من سطح الأرض فسوتها وحولتها إلى سهول منبسطة منخفضة المستوى. وتبعا لذلك تسمى السهول باسم عامل التعرية الذي نحتها وسواها: فهناك سهول كونها الجليد مثل سهل شمال كندا حول خليج هدسون، والسهل الروسي. وهناك سهول نحتتها الرياح كسهول كردوفان بالسودان، وهناك سهول نحتتها الأمواج باصطدامها بالمناطق الساحلية وتسمى بالسهول الساحلية. 2- السهول الرسوبية: وتنشأ نتيجة لإرساب ما تنقله عوامل التعرية من مواد صخرية. وقد سبق لك دراسة الإرساب النهري وعرفت كيف تتكون السهول الفيضية والدالات. وما للدالات إلا سهول رسوبية تكونت في بحر أو بحيرة. وهناك سهول دلتاوية صحراوية تتكون من الرواسب التي ترسبها الأنهار في الصحراوات مكونة دالات مروحية مثل دلتا خور الجاش في كسلا بالسودان.

والسهول خاصة منها السهول الرسوبية هي مناطق الحياة والعمران نظرا لاستواء سطحها، ولسهولة مواصلاتها، وخصوبة تربتها وسهولة فلحها وريها، وقرب معظمها من البحار. ج- الأحواض: هي أراضٍ واسعة منخفضة السطح بالنسبة للأراضي المحيطة بها. وتنشأ الأحواض نتيجة لعاملين: 1- عامل باطني: يتسبب في هبوط قشرة الأرض كالحوض العظيم بأمريكا الشمالية وحوض تاريم بهضبة التبت وحوض المجر، وكلها تنحصر بين سلاسل من المرتفعات. 2- عامل ظاهري: كالرياح مثلا التي استطاعت أن تنشئ عديدا من الأحواض المنخفضة ومن أمثلتها منخفضات الواحات بصحراء مصر الغربية. 5- البحيرات: وهي تجاويف تملؤها المياه ويحيط بها اليابس من كل الجهات. وهي تنشأ نتيجة لأسباب متنوعة سبقت لك دراسة معظمها، ونجملها هنا في الآتي: 1- فقد تنشأ نتيجة لحركات أرضية انكسارية، وتسمى بالبحيرات الأخدودية. وهذه تكون مستطيلة عميقة، ومنها البحر الميت، وبحيرة بيكال بآسيا، وبحيرة رودولف ونياسا وتنجانيقا وألبرت وإدوارد بأفريقيا. شكل "86": بحيرة بركانية: نشأت من امتلاء فوهة بركان بالمياه

2- وقد تنشأ نتيجة لامتلاء فوهات البراكين الخامدة بالمياه وذلك في المناطق المطيرة وتسمى بالبحيرات البركانية "شكل 86". 3- أو نتيجة لفعل الجليد وتسمى بالبحيرات الجليدية "شكل 87". وينشأ بعضها نتيجة لنحت الجليد لأجزاء لينة أثناء زحفه، مكونا لفجوات تملؤها المياه حينما يذوب، ومنها بحيرات فنلندا، وبعضها الآخر نتيجة لاحتباس المياه الذائبة أمام الركامات النهائية "بحيرات ركامية". شكل "87": بحيرة جليدية: نشأت بسبب احتباس المياه الذائبة في الجليد أمام الركام 4- وقد تتكون عند أطراف الدالات البحرية نتيجة لعدم اكتمال الإرساب "انظر مراحل تكوين الدالات". 5- وقد تكون نتيجة للتعرية النهرية في المجاري الدنيا للأنهار، وقد سبق أن سمينا أمثالها بالبحيرات المقتطعة. ومن البحيرات ما هو عذب المياه ومنها ما هو مالح المياه. والبحيرات العذبة هي التي تتجدد مياهها باستمرار نتيجة لسقوط الأمطار أو دخول نهر فيها وخروج نهر آخر منها. أما المالحة فهي التي توجد عادة في مناطق حارة تتبخر مياهها فتتركز الأملاح فيها، وقد تصب فيها أنهار ولكن لا تخرج منها أنهار.

والبحيرات ظاهرات طبيعية مؤقتة فمصيرها إلى الزوال بسبب عمليات الإرساب المستمرة التي تحدث فيها. وهي ذات أهمية في تنظيم جريان المياه في الأنهار فتحول دون حدوث الفيضانات، وفي تغذية المدن المجاورة بالمياه العذبة، وفي تلطيف مناخ الأراضي المتاخمة لها صيفا وشتاء، وفي تنظيم حركة الملاحة حول سواحلها، كما أنها تجذب إليها السياح من المناطق الداخلية.

الفصل الثاني: التوزيع العام للمرتفعات والمنخفضات في مختلف القارات

الفصل الثاني: التوزيع العام للمرتفعات والمنخفضات في مختلف القارات مدخل ... الفصل الثاني: التوزيع العام للمرتفعات والمنخفضات في مختلف القارات: درست أنواعا مختلفة من المرتفعات والمنخفضات، وعرفت كيف نشأت واتخذت أشكالها الحالية، كما عرفت بعضا من توزيعها العام. ويجدر بك الآن أن تحاول استخدام معلوماتك السابقة في توزيع مختلف المرتفعات والمنخفضات في كل قارة.

قارة أفريقيا

أولا: قارة أفريقيا: تأمل الخريطة "شكل 88" ولاحظ ما يأتي: 1- أن الهضاب تسود سطح القارة. وهي في معظمها قديمة تتركب من صخور أركية نارية ومتحولة. وحوافها قائمة شديدة الانحدار؛ لأنها انكسارية. 2- أن القارة تخلو من الجبال الشاهقة الارتفاع باستثناء جبال أطلس في الشمال ودراكنزبيرج في الجنوب. ارسم هيكل خريطة لأفريقيا بالاستعانة بالخريطة "شكل 88" ووقع عليها الظاهرات الآتية: الجبال: التوائية: أطلس التل - أطلس الصحراء. انكسارية: جبال البحر الأحمر - حافات الأخدودين الشرقي والغربي. بركانية: كينيا - كلمنجارو - الجن. تعرية: دراكنزبيرج - تبستي - كميرون.

شكل "88": تضاريس أفريقيا الهضاب: التوائية: هضبة الشطوط بين أطلس التل وأطلس الصحراء. انكسارية: كتلة الهضبة الأفريقية نفسها. بركانية: هضبة الحبشة. تعرية: هضبة أفريقيا الجنوبية - هضبة أفريقيا الشمالية.

الوديان: التوائية: الأودية الطولية في جبال أطلس. انكسارية: الأخدودان. تعرية: جميع الأودية النهرية بالقارة "استخرجها من الخريطة شكل "88" ووقعها على خريطتك". ويمكنك أن تضيف إليها الأودية الجافة بصحاري مصر. السهول: رسوبية: النيل - النيجر - الكنغو. تعرية: سهول دارفور وكردفان - أجزاء من الصحراء الكبرى. الأحواض: تعرية: القطارة - الريان - الفيوم - منخفضات الواحات. البحيرات: أخدودية: رودولف - نياسا - تنجانيقا - كيفو - إدوارد - ألبرت. بركانية: فوهات البراكين في منطقة نياسا. مقتطعة: في القسم الأدنى من النيل الأزرق "تذكر واحدة قرب بنها اقتطعت من فرع دمياط". ساحلية: البروديل - المنزلة - البرلس - إدكو - مريوط. يمكنك بعد هذا التوزيع أن تجمع مختلف الظاهرات المتشابهة في أقاليم مستقلة، وبذلك تقسم تضاريس القارة على النحو التالي: 1- أفريقيا العليا: وتمثل كل القسم الجنوبي من القارة الذي يشتمل على أغلب هضاب وجبال القارة. وتتكون أفريقيا العليا من ثلاث هضاب:

أ- الهضبة الجنوبية: وهي أعلى أجزاء أفريقيا العليا. وهي قديمة أثرت فيها عوامل التعرية، وحوافها تنحدر بشدة نحو المحيط الذي لا يفصله عنها سوى سهول ساحلية ضيقة. وتنحدر الأنهار من حوافها مكونة لمساقط مائية ومنها الزمبيزي والكنغو. وتبرز في أقصى جنوب الإقليم جبال التوائية قديمة أثرت فيها عوامل التعرية تعرف باسم دراكنزبيرج. ب- الهضبة الشرقية: وهي تشبه الهضبة الجنوبية في مظهرها العام. فهي تشرف على المحيط بحافة شديدة الانحدار، والسهول الساحلية بينها وبين المحيط ضيقة. ولكن الذي يميزها وجود الأخدود الأفريقي بفرعيه الذي يشغل حيزا كبيرا منها. تتبع بداية الأخدود من بحيرة نياسا، ثم تتبع تفرعه إلى فرعين: شرقي ويمر بجنوب شرق الحبشة ومنها إلى البحر الأحمر. وغربي وتقع فيه بحيرة تنجانيقا وكيفو وإدوارد وألبرت. ويميز الهضبة الشرقية أيضا وجود أكبر تجمع من الجبال البركانية الحديثة ومنها كلمنجارو وكينيا وبرتفعان إلى أكثر من 5000 م. هـ- هضبة الحبشة: وهي هضبة بركانية يبلغ ارتفاعها في المتوسط 2500م. وهي وعرة السطح، ومقطعة تقطيعا شديدا بواسطة الانكسارات وعوامل التعرية خصوصا التعرية النهرية. لاحظ أن للنيل روافدَ عدة تنبع منها وهي التي تجلب لنا مياه الفيضان. وهي السوبات والنيل الأزرق والعطبرة. 2- أفريقيا السفلى: وهذه تشمل الصحراء الكبرى وغرب أفريقيا. وقد سميت سفلى لأنها أقل ارتفاعا من أفريقيا العليا. وتبرز من فوقها بعض المرتفعات التي تتألف من هضبة الحجار وتبستي وتاسيلي، وتظهر فيها آثار التعرية المائية والهوائية. وقد زاد من ارتفاعها واتساعها نشاط بركاني قديم. وتعلو تبستي عدة قمم بركانية خامدة ترتفع إلى اكثر من 3300م. وتتميز الصحراء الكبرى بوجود عديد من المنخفضات، سبقت لك دراسة بعضها.

3- أفريقيا الصغرى: وتتكون من جبال أطلس، وهي مجموعة جبلية منعزلة تعتبر امتدادا للنظام الألبي الأوروبي. وهي سلاسل تمتد متوازية في شمال غرب أفريقيا، وتعرف الشمالية منها باسم أطلس التل أو أطلس التحرية، ويفصلها عن البحر المتوسط سهل ساحلي ضيق، والجنوبية باسم أطلس الصحراء. وتنحصر هضبة الشطوط بينهما.

قارة أسيا

ثانيا: قارة آسيا: تتميز قارة آسيا بأنها تحوي أعظم المرتفعات وأكثرها علوا وحجما. كما أنها تختلف عن أفريقيا في أنها تحوي الكثير من أشباه الجزر والجزر التي تكتنف سواحلها. ارسم هيكلا لخريطة آسيا بالاستعانة بالشكل "89" ووقع عليه الظاهرات الآتية كما فعلت بأفريقيا: الجبال: التوائية: بنطس - طوروس - القوقاز - البورز - زاجروس - هندوكوش - سليمان - هيمالايا - كون لن. انكسارية: جبال الحجاز. بركانية: فوجي ياما باليابان - ديمافند بإيران. تعرية: يابلونوي - ستانوفوي. الهضاب: التوائية: الأناضول - أرمينيا - إيران - بامير - التبت. انكسارية: منغوليا - سيناء. بركانية: الحبشة - شمال غرب الهند. تعرية: هضبة بلاد العرب - هضبة الدكن. الوديان: التوائية: الأودية الطولية بالجبال الالتوائية ومثلها إيراوادي وسالوين.

شكل "89": تضاريس قارة آسيا. انكسارية: وادي الأردن "شكل 90". تعرية: هوائية: وديان صحراء العرب. مائية: أودية جميع الأنهار "وقعها على الخريطة، الشكل 89". جليدية: في أعالي الهيمالايا. السهول: رسوبية: سهل الدجلة والفرات "العراق" - سهول السند وكانج "شمال الهند" سهل الهونجهو واليانجستي - كيانج "الصين"

تعرية: أجزاء من سهول سيبيريا. الأحواض: التوائية: حوض تاريم - وسط إيران. تعرية: في المناطق الصحراوية. شكل "90": وادي الأردن الأخدودي. البحيرات: أخدودية: البحر الميت - بحيرة بيكال. انظر إلى الخريطة التي رسمتها وحاول تقسيم سطح القارة إلى مجموعة من الأقاليم التضاريسية على النحو التالي: 1- السهول الشمالية الغربية: وتعرف بسهول سيبيريا وتجري بها عدة أنهار هي أوب وينسي ولينا. وتتسع السهول في الغرب وتضيق كلما اتجهنا شرقا. وتغطيها الرواسب في الغرب بينما تبرز الصخور القاحلة في الشرق.

2- المرتفعات الوسطى: وهي جبال التوائية حديثة. لاحظ أنها عبارة عن سلاسل جبلية تحصر بينها هضابا ثم تتجمع في عقد هضبية. فجبال بنطس وطوروس تحصران بينهما هضبة الأناضول ثم تجتمعان في عقدة أرمينيا. وجبال البورز - هندوكوش "في الشمال" وزاجروس "في الجنوب" تحصران بينهما هضبة إيران ثم تلتقيان فى عقدة بامير. ومن هضبة بامير تتفرع عدة سلاسل جبلية كالمروحة أهمها الهيمالايا وكون لون وتحصران بينهما هضبة التبت, وجميعها جبال وهضاب شاهقة الارتفاع. تبدو الجبال والهضاب مقطعة بعديد من الأنهار، اذكر أهمها. 3- الهضاب الجنوبية: وهي هضاب قديمة تتركب من صخور بلورية صلبة، وتوجد في أشباه جزر هي شبه جزيرة العرب، والدكن والهند الصينية. وقد أثرت فيها عوامل التعرية تأثيرا بينا: الهوائية في شبه جزيرة العرب، والمائية في الدكن والهند الصينية. وتحف بها جبال انكسارية، وهي جبال البحر الأحمر في غربي وجنوبي شبه جزيرة العرب وحافة الدكن الشرقية التي تعرف بالغابات الشرقية. أما الغربية فتعرف بالغابات الغربية -لاحظ أن الهضاب تنفصل عن المرتفعات الوسطى بواسطة سهول كونتها الأنهار. 4- الجزر: يكتنف الساحل الشرقي لآسيا مجموعات من الجزر. تتبعها واذكر أسماءها من الشمال إلى الجنوب. ولاحظ أنها لم تستقر بعد، إذ تصيبها الزلازل وتثور بها البراكين بين وقت وآخر. اذكر بعضا من براكينها الشهيرة.

قارة أوروبا

ثالثا: قارة أوروبا تتميز قارة أوروبا بتنوع تضاريسها رغم صغر مساحتها، وباتساع

سهولها، وبكثرة أشباه الجزر بها، وتداخل البحار في يابسها. ارسم الخطوط الخارجية لقارة أوروبا ووقع بداخلها المعلومات التضاريسية الآتية: الجبال: التوائية: سيبرا نيفادا - البرانس - الألب - أبنين - الألب الدينارية - الكربات - ترانسيلفانيا - البلقان - القوقاز. شكل "91": تضاريس قارة أوروبا

انكسارية: الفوج - الغابة السوداء. بركانية: فيزوف "إيطاليا" - اتنا "صقلية". تعرية: إسكنديناوه وإسكتلندا - أورال "شرق روسيا الأوروبية". الهضاب: التوائية: سويسرا - مزيتا "أيبيريا". انكسارية: بوهيميا. بركانية: هضبة ايفيل في غرب ألمانيا - أجزاء من هضبة فرنسا الوسطى. تعرية: بريتاني في شمال فرنسا. الأردين "بلجيكا". الوديان: التوائية: الوديان الطولية بجميع الجبال الالتوائية. انكسارية: وادي الراين - وادي الأندلس. تعرية: مائية: وديان الأنهار المائية، استخرجها من الشكل رقم "91". جليدية: في أعالي جبال الألب وإسكنديناوه وإسكتلندا. السهول: رسوبية: المجر - رومانيا - لومبارديا - دلتا الراين - دلتا الدانوب. تعرية: سهل روسيا الشمالي - سهل جنوب السويد - سهل فنلندا - وكلها نشأت من نحت الجليد أثناء العصر الجليدي. الأحواض: التوائية: حوض باريس. البحيرات: أخدودية: بعض بحيرات إسكتنلدا. بركانية: بحيرات قرب روما.

جليدية: منتشرة في شمال القارة خصوصا في فنلندا وإسكنديناوه. انظر إلى الخريطة بعد أن ملأتها بالمعلومات التضاريسية. تظهر أمامك بوضوح إمكانية تقسيم القارة إلى ثلاثة أقاليم تضاريسية كبرى هي: 1- المرتفعات الشمالية الغربية: وتشمل مرتفعات اسكنديناوه واسكتلندا. إلى أي نوع من الجبال تنتمي؟. هي جبال قديمة أثرت فيها التعرية النهرية والجليدية تأثيرا واضحا. لاحظ تسنن الساحل وتداخل البحر فيه في هيئة خلجان تسمى الفيوردات. وهي عبارة عن المجاري الدنيا لأنهار جليدية هبطت ثم طفت عليها مياه البحر. فتتميز لذلك بعمقها وشدة انحدار جوانبها. 2- المرتفعات الجنوبية: وتتألف من مجموعة من الجبال والهضاب والسهول المحصورة بينها. تتبع هذه الجبال والهضاب والسهول من الغرب إلى الشرق، واذكر انواعها. استخرج من الخريطة أسماء الأنهار التي تقطع المرتفعات وتجري بالسهول. والمرتفعات الجنوبية هي أعلى جبال أوروبا، وقد كونتها حركة أرضية حديثة تدعى بالحركة الألبية. 3- السهل الأوروبي: ويقع في الشمال من المرتفعات الجنوبية. ويمتد من المحيط الأطلسي غربا حتى جبال أورال وبحر قزوين شرقا. أين يضيق السهل وأين يتسع؟. إلى أي نوع من السهول ينتمي؟ اذكر أهم الأنهار التي تجري فيه؟ من أين تنبع؟ وأين تصب؟

قارة أمريكا الشمالية

رابعا: قارة أمريكا الشمالية انظر إلى الخريطة "شكل 92" وتتبع عليها توزيع المرتفعات والمنخفضات الآتي ذكرها: الجبال: التوائية: سلاسل المحيط الهادي - سلاسل الروكي.

انكسارية: أجزاء من الروكي تطل على الحوض العظيم. بركانية: شاستا "غرب الولايات المتحدة" جوروللو في المكسيك. تعرية: أبلاش في شرق القارة. شكل "92": تضاريس أمريكا الشمالية الهضاب: التوائية: يوكون - كولومبيا - كلورادو - المكسيك. انكسارية: الكتلة الكندية.

بركانية: أجزاء من هضبتي كولومبيا والمكسيك. تعرية: لبرادور. الأودية: التوائية: الأودية الطولية في المرتفعات الغربية الالتوائية "مثل سان جواكين وسكرمنتو". انكسارية: نفادا - سان فرانسيسكو. تعرية: مائية: أودية جميع الأنهار - استخرج أسماءها من الخريطة. هوائية: أودية صحراء كاليفورنيا. جليدية: أودية شبه جزيرة آلاسكا. السهول: رسوبية: سهل المسيسبي والسنت لورنس. تعرية: شمال كندا حول خليج هدسن. الأحواض: انكسارية: الحوض العظيم "شكل 93". البحيرات: جليدية: في شمال كندا - البحيرات الخمس العظمى. وبناء على الخريطة التضاريسية يمكن تجميع المرتفعات والمنخفضات في ثلاثة أقاليم مستقلة هي: 1- المرتفعات الغربية: وتمتد في غرب القارة من الشمال إلى الجنوب في هيئة سلاسل متوازية تقريبا، تتبع هذه السلاسل ولاحظ أن بعضها شرقي وبعضها الآخر غربي، وأنها تحصر بينها هضابا، تتبع هذه الهضاب من الشمال إلى الجنوب. إلى

أي نوع تنتمي هذه الجبال والهضاب؟ إنها التوائية حديثة. لذلك فهي شاهقة الارتفاع. ويفصلها عن المحيط الهادي سهل ساحلي ضيق. في شماله تكثر الفيوردات. شكل "93": تراكيب انكسارية كتلية في الحوض العظيم بالولايات المتحدة الأمريكية. 2- المرتفعات الشرقية: وهذه تتكون من قسمين: أ- الهضبة الكندية أو اللورنسية: ولبرادور جزء منها. وهذه قد أثرت فيها التعرية خاصة الجليدية. ب- مرتفعات أبلاش: وهي الأخرى قد تأثرت بالتعرية. نذكر ظاهرة انقلاب التضاريس في الأبلاش فثنياتها المحدبة أصبحت وديانا، والثنيات المقعرة أصبحت جبالا. وتنحصر بينها وبين المحيط الأطلسي سهول ساحلية متسعة في الجنوب وضيقة في الشمال. ويفصل الهضبة الكندية عن مرتفعات أبلاش نهر السنت لورنس. أي البحيرات تتصل به وكيف تكونت؟ وما أهميتها؟.

السهول الوسطى: وهي سهول واسعة. وقسمها الشمالي تحاتي "تعرية جليدية" أما قسمها الجنوبي فرسوبي. تتبع نهر المسيسبي، واذكر أهم روافده ومنابعها. هذا النهر وروافده هو المسئول عن تكوين قسم عظيم من السهول الوسطى، وهو يصب في خليج المكسيك مكونا لدلتا عظيمة، ذات شكل أصبعي يشبه قدم الطائر.

قارة أمريكا الجنوبية

خامسا: قارة أمريكا الجنوبية: انظر الخريطة "شكل 94" وتتبع نظام توزيع المرتفعات والمنخفضات بالقارة. لاحظ أوجه الشبه بين هذا التوزيع وبين نظام توزيع التضاريس في قارة أمريكا الشمالية. ارسم خريطة للقارة ووقع عليها المعلومات التضاريسية الآتية: الجبال: التوائية: الإنديز. بركانية: أكونكاجوا، كوتابكسي. تعرية: مرتفعات شرقي جيانا والبرازيل. الهضاب: التوائية: إكوادور - بيرو - بوليفيا. انكسارية: هضبة البرازيل. تعرية: جيانا - البرازيل. الأودية: التوائية: الأودية الطولية بالإنديز. انكسارية: وادي جنوب غرب شيلي. تعرية: هوائية: أودية صحراء اتكاما.

مائية: أودية جميع أنهار القارة "أورينوكو - الأمزون ... بارانا - برجواي". جليدية: في إنديز أقصى جنوب شيلي. شكل "94": تضاريس قارة أمريكا الجنوبية السهول: رسوبية: اللانوس "سهل نهر أورينوكو" - السلفاس "سهل نهر الأمزون" - البمباس "سهل بارانا - برجواي".

تعرية: جليدية: بتاجونيا نتيجة نحت الجليد أثناء العصر الجليدي. الأحواض: التوائية: حوض بوليفيا في وسط هضبة بوليفيا. تتضح لك من توزيع المرتفعات والمنخفضات في أمريكا الجنوبية إمكانية تقسيمها إلى ثلاثة أقاليم تضاريسية هي: 1- المرتفعات الغربية: تتبعها من الشمال نحو الجنوب، ولاحظ أنها امتداد للمرتفعات الغربية بأمريكا الشمالية. وهي أيضا سلاسل شرقية وأخرى غربية وتحصر بينها هضابا. لاحظ أن السلاسل تتسع وتتباعد عن بعضها في الشمال بينما تضيق وتقترب من بعضها في الجنوب حيث تختفي الهضاب المحصورة بينها. 2- المرتفعات الشرقية: وهي مثل زميلتها في أمريكا الشمالية تتألف من قسمين: هضبة جيانا في الشمال وهضبة البرازيل في الجنوب، وهما هضبتان انكساريتان أثرت فيهما عوامل التعرية فقطعتهما تقطيعا شديدا، ويفصل بينهما نهر، ما هو؟ من أين ينبع؟ وأين يصب؟. 3- السهول الوسطى: وهي سهول رسوبية كونتها الأنهار، تتبعها على الخريطة، واربط كل سهل بالنهر الذي يجري فيه.

قارة استراليا

سادسا: قارة استراليا: تتميز استراليا عن غيرها من القارات التي سبقت لك دراستها بأنها تخلو من الالتواءات الحديثة. وتبعا لذلك فإنها تخلو من الجبال والهضاب والأودية والأحواض الالتوائية. وتظهر الانكسارات في الهضبة الغربية، وهي أيضا هضبة تعرية. كما أن ظاهرات النشاط البركاني قليلة للغاية. وترجع معظم مظاهر سطحها إلى فعل عوامل التعرية.

وإذا نظرت إلى الخريطة "شكل 95" ستلاحظ أنه يمكن تقسيم تضاريس استراليا إلى ثلاثة أقسام هي: شكل "95": تضاريس قارة استراليا 1- المرتفعات الشرقية: وتمتد من الشمال إلى الجنوب. وهي أكثر جهات استراليا ارتفاعا. وهي جبال قديمة أثرت فيها عوامل التعرية "جبال تعرية" لاحظ أنها تضيق في الشمال وتتسع في الوسط والجنوب، وأن أنهار استراليا تنبع منها.

2- الهضبة الغربية: وهي كتلة قديمة تشغل أكثر من نصف مساحة القارة. وهي هضبة انكسارية أثرت فيها التعرية خصوصا الهوائية. وتنحدر بشدة نحو المحيط ويفصلها عنه سهل ساحلي ضيق وتبرز فوقها بعض السلاسل الجبلية ومنها مكدونيل. 3- السهول الوسطى: وتنحصر بين الهضبة الغربية والمرتفعات الشرقية، وتجري بها مجموعتان من الأنهار. إحداهما تصب في بحيرة ير، والأخرى في المحيط. ما هي هذه الأنهار، وما نوع السهول التي كونتها.

الباب الخامس: الغلاف الجوي

الباب الخامس: الغلاف الجوي مدخل ... البَاب الخَامِس: الغِلَاف الجوّي: تعريفه: الغلاف الجوي -أو الهواء المحيط بنا- عبارة عن طبقة غازية تحيط بالكرة الأرضية، ويبلغ سمك هذه الطبقة حوالي 350 كيلو مترا فوق سطح البحر. وتحدث في الجزء الأسفل من الغلاف الجوي كثير من المظاهر المناخية من حرارة وتكاثف بخار الماء وتساقطه، وهذا الجزء هو الذي يهمنا من الوجهة المناخية. العناصر التي يتكون منها الغلاف الجوي: يتكون الغلاف الجوي من أربعة عناصر "غازات" معروفة في الطبيعة هي "شكل 96": 1- النيتروجين "الآزوت" 78.21% 2- الأوكسجين 20.96% 3- أرجون 00.79% 4- ثاني أكسيد الكربون 00.04% ولا تتفاعل هذه الغازات مع بعضها لأن كلا منها يحتفظ بخواصه مستقلة في الجو، ولولا ذلك لتحول الغلاف الجوي أو الهواء إلى عنصر واحد لا يكون له خواص ومؤثرات الهواء الحالي. وإلى جانب الغازات السابقة هناك مواد عالقة بالغلاف الجوي لها تأثيراتها المناخية الواضحة، وأهم هذه المواد الغبار وبخار الماء. العوامل الرئيسية التي يتوقف عليها المناخ: تطالعنا الصحف كل يوم بحالة الطقس من حيث الحرارة والرياح والأمطار.

كما أن المذياع والتليفزيون ينقلان إلينا أيضا طقس اليوم لما له من أهمية. إذ إنه لا يمكن مزاولة العمل بنجاح بالنسبة للفلاح إذا جاء اليوم غير صحو أو غير مشمس، وبالنسبة لقائد السفينة الشراعية إذا جاءت الريح غير مناسبة. ودراستنا هذه لا تختص بحالة الطقس وحده، وإنما تهمنا كجغرافيين بصفة خاصة حالة المناخ. وعلى ذلك يجب أن نفرق بين الطقس والمناخ: شكل "96": العناصر التي يتكون منها الهواء ويقصد بالطقس حالة الجو في مكان ما من حيث الحرارة والرطوبة والرياح والأمطار لمدة قصيرة قد تكون يوما أو بعض يوم، ولذلك فإنه لا بد من نشر حالة الطقس بانتظام في كل يوم عن طريق محطات خاصة تسمى محطات الأرصاد الجوية التي تهتم بتدوين أي تغيرات في حالة الجو. أما المناخ فهو متوسط حالة الجو لمدة طويلة قد تكون شهرا أو فصلا أو سنة. فيقال مثلا إن مناخ إقليم البحر المتوسط، دفيء ممطر شتاء، حار جاف صيفا، والصحراء الكبرى مثلا مناخها حار جاف طول العام. وهناك عوامل رئيسية لها أثر واضح في الحالة المناخية لأي مكان على سطح الأرض هي: أولا: موقع المكان بالنسبة لخط العرض: يتأثر مناخ أي مكان بحسب قربه أو بعده عن خط الاستواء، فكلما كان المكان قريبا من خط الاستواء ارتفعت درجة حرارته. وكلما بعد عنه انخفضت

درجة حرارته. والسبب في ذلك أن الجهات الاستوائية أكثر من غيرها تعرضا لأشعة الشمس العمودية. "شكل 97". فالأشعة التي تصل عمودية إلى الأرض تكون أقوى من الأشعة التي تصلها مائلة، لأن الأشعة المائلة تخترق مسافة أطول في الجو، فتفقد قسما أكبر من قوتها، بينما الأشعة العمودية التي تخترق مسافة أقصر تفقد قسما أقل. أضف إلى ذلك أن الأشعة العمودية تتركز في مساحة أصغر من سطح الأرض فتزداد قوتها ويعظم تأثيرها، بينما تتوزع الأشعة المائلة على مساحة أكبر فيقل تركيزها ويضمحل تأثيرها "شكل 97". شكل "97": الأشعة العمودية "أ"، الأشعة المائلة "ب" ثانيا: توزيع اليابس والماء: ترسل الشمس أشعتها إلى سطح الكرة الأرضية فيسخن اليابس والماء، ولكن اليابس يسخن بسرعة أكثر من الماء. وسبب ذلك طبيعة الماء السائلة، وتحركه في هيئة أمواج وتيارات مائية وحركات مد وجزر، كل ذلك يؤدي إلى توزيع الحرارة على سطوح أكبر من الماء، وعدم حصرها في جزء محدود كما هو الحال في اليابس. أضف إلى ذلك أن أشعة الشمس تستطيع أن تنفذ خلال الماء إلى عمق كبير بسبب شفافيته مما يؤدي إلى توزيع الإشعاع الشمسي في سمك كبير من الماء، بينما يتركز الإشعاع في سمك رقيق في حالة اليابس المعتم الذي يتصف برداءة التوصيل للحرارة. وبما أن الأجسام التي تمتص حرارتها بسرعة تفقدها بسرعة أيضا،

فإن اليابس يبرد بسرعة في حين يبرد الماء ببطء، ويترتب على ذلك أن هواء البحر يكون أبرد من هواء اليابس في فصل الصيف وأدفأ منه في فصل الشتاء. ولهذا يؤثر البحر في مناخ الجهات القريبة منه. ثالثا: الارتفاع أو الانخفاض عن سطح البحر "التضاريس": من المعروف أن درجة الحرارة تنخفض درجة مئوية واحدة كلما ارتفعنا عن سطح البحر بمقدار 150 مترا. والعكس فإن درجة الحرارة ترتفع درجة مئوية واحدة كلما انخفضنا عن سطح البحر بمقدار 150 مترا. وعلى ذلك فإن المرتفعات أقل حرارة من السهول المنخفضة، لهذا نجد سكان السهول يتخذون المرتفعات كمصيف وقت اشتداد الحرارة والرطوبة في السهول. ويدل انخفاض درجة الحرارة مع الارتفاع على أن سطح الأرض هو مصدر الحرارة التي تسخن الهواء، أي أن الهواء يسخن بملامسته لسطح الأرض. ومع أن أشعة الشمس تسخن طبقات الهواء العلوي بطريق مباشر أثناء مرورها خلالها في طريقها إلى سطح الأرض، إلا أن مقدرة الهواء العلوي على امتصاص أشعة الشمس ضعيفة بعكس الطبقات السفلى من الهواء التي تستطيع امتصاص كمية أكبر من الإشعاع الشمسي، بسبب كثرة ما يعلق بها من غبار وبخار ماء. رابعا: التيارات البحرية: تدفع الرياح المياه السطحية في البحار والمحيطات، وتسبب لذلك تيارات بحرية تسير بحذاء شواطئ القارات، وتؤثر هذه التيارات على مناخ الجهات الساحلية لهذه القارات. فإن كانت آتية من جهات أبرد من الجهات الساحلية التي تسير إليها تسبب انخفاضا في درجة الحرارة وجفافا في المناخ. أما إذا كانت آتية من جهات أدفا من الجهات التي تقصدها سبب ذلك ارتفاعا في درجة الحرارة ورطوبة في الجو. فلو نظرت إلى شكل "98" ترى أنه يوجد بالمحيط الأطلنطي تيارات دفيئة تدفعها الرياح العكسية الجنوبية الغربية نحو أوروبا، فتجلب الأمطار والدفء، إلى السواحل الغربية للقارة. وهناك تيارات باردة تأتي إلى السواحل الشمالية الغربية لقارة أفريقية، وكذلك إلى الجهات

الجنوبية الغربية منها "تتبعها على الخريطة" في حين أن التيارات الاستوائية تكون دافئة دائما سواء في شرق القارة أو غربها، فتزيد من حرارة الجهات الساحلية الاستوائية، وتزيد أيضا من رطوبتها. شكل "98": التيارات البحرية

خامسا: الرياح: للرياح تأثير كبير على مناخ الإقليم الذي تهب عليه، فإذا كانت تهب من جهات دفيئة فإنها ترفع حرارة الأقليم، أما إذا كانت تهب من جهات باردة فإنها تخفض من درجة حرارته. وإذا كانت الرياح محملة ببخار الماء وانخفضت درجة حرارتها أثناء هبوبها فإنها تسقط الأمطار، أما إذ كانت آتية من جهات جافة كالصحاري مثلا فلا تسقط أمطارا.

الفصل الأول: درجة الحرارة

الفَصلُ الأول: دَرَجَة الحَرَارة مصدر حرارة الجو: تعتبر درجة الحرارة أهم عنصر من عناصر المناخ، نظرا لأنها تؤثر على بقية العناصر الأخرى من ضغط جوي ورياح ورطوبة. وللحرارة آثار واضحة على الإنسان والحيوان والنبات. وترجع حرارة الجو أصلا إلى الشمس التي تحمل أشعتها الضوء والحرارة في وقت واحد إلى الأرض، وتكون هذه الأشعة عمودية على خط الاستواء، ومائلة على خطوط العرض الأخرى، ويزداد ميلها كلما اقتربنا من القطبين "انظر شكل 97" وهذا الميل يضعف أثرها الحراري، لأنها تخترق طبقة سميكة من الغلاف الجوي، كما أنها تنتشر على مساحة أكبر من سطح الأرض. بالإضافة إلى حرارة الشمس فإن حرارة الأرض الباطنية أو الإشعاع الأرضي، الذي يتمثل في أشعة قاتمة، له أثر ضعيف جدا بالنسبة لأشعة الشمس، حيث إنه يعطي حرارة ولا يعطي ضوءا. ووظيفة الإشعاع الأرضي رد الحرارة الشمسية من الأرض إلى الهواء.

قياس وتسجيل درجة الحرارة

قياس وتسجيل درجة الحرارة: أولا: تقاس درجة الحرارة عن طريق: 1- قياس درجة الحرارة العادية. 2- قياس أعلى وأدنى درجة للحرارة. ويتم القياس بواسطة الترمومتر "شكل 99" وهو عبارة عن أنبوبة رفيعة من الزجاج مدرجة بها بعض الزئبق الذي يمتد وينكمش تبعا لارتفاع وانخفاض درجة الحرارة.

وهناك أنواع من الترمومترات نذكر منها: النوع الأول: وهو ترمومتر مئوي، ودرجاته من الصفر، وهي الدرجة التي يتجمد عندها الماء "درجة التجمد". وينتهي عند درجة 100، وهي درجة غليان الماء "درجة الغليان". شكل "99": ترمومتر مئوي وفهرنهيتي

النوع الثاني: وهو ترمومتر فهرنهيتي، ودرجاته تبدأ من درجة 32 وهي درجة التجمد. وتنتهي بدرجة 212 وهي درجة الغليان. ومعنى ذلك أن الدرجة المئوية تعادل 1.8 درجة فهرنهيتية، ولما كان النوع الأول أسهل من النوع الثاني، فقد أخذ به في أغلب جهات العالم، ومنها جمهورية مصر العربية، إلا أن هناك نوعا من الترمومترات يدرج أحد جانبيه بالتدريج المئوي، والجانب الآخر بالتدريج الفهرنهيتي. ويجب أن يوضع هذا الترمومتر في وضع رأسي دائما "كما هو موضح بالشكل". وهناك أيضا ترمومترات خاصة تقيس النهايتين العظمى والصغرى لدرجة الحرارة "شكل 100" ويجب أن توضع ترمومترات النهايتين العظمى والصغرى في وضع أفقي دائما مع ميل بسيط، كما في شكل "100". ويتكون الترمومتر الذي يقيس أعلى درجة للحرارة أثناء اليوم من: شكل "100": ترمومتر النهاية الصغرى للحرارة، وترمومتر النهاية العظمى للحرارة 1- مستودع للزئبق. 2- اختناق في أنبوبة الزئبق يسمح بتمدد الزئبق في الأنبوبة في حالة ارتفاع درجة الحرارة، ولا يسمح بعودة الزئبق مرة ثانية إلى المستودع في حالة انخفاض درجة الحرارة.

3- أنبوبة رفيعة. أما الترمومتر الذي يقيس أدنى درجة للحرارة أثناء اليوم فإنه يختلف عن الترمومتر السابق حيث إنه: 1- يستعمل الكحول الملون بدلا من الزئبق. 2- به مؤشر لا يتأثر بتمدد الكحول عند ارتفاع الحرارة، ولكنه يتراجع إلى الخلف عند انخفاضها مع الكحول، ليشير إلى أدنى درجة وصلت إليها درجة الحرارة. وإذا ارتفعت درجة الحرارة مرة أخرى فإن الكحول يتمدد في الأنبوبة، ولكنه يترك المؤشر في موضعه دون أن يتحرك. ثانيا: يتم تسجيل درجة الحرارة بواسطة جهاز الترموجراف، وهو يسجل درجات الحرارة لفترة من الزمن تبلغ عادة أسبوعا، ويتكون كما في "شكل 101" من: شكل "101": جهاز الترموجراف "مسجل الحرارة" 1- قطعة معدنية تتأثر بدرجة الحرارة من حيث تمددها وانكماشها تبعا لارتفاع وانخفاض درجة الحرارة. 2- رافعة تنقل الحركة السابقة إلى ذراع متصل بها. 3- ذراع يتحرك عن طريق الرافعة إلى أعلى أو إلى أسفل تبعا لتمدد وانكماش القطعة المعدنية. وبنهاية الذراع ريشة تملأ بالحبر.

شكل "102": جدول قراءات الرصد الجوي.

4- أسطوانة تدور حول نفسها بواسطة ساعة بداخلها مرة في الأسبوع، ويلف حول هذه الأسطوانة ورقة رسم خاصة ترسم عليها الريشة التي ينتهي بها الذراع خطا بيانيا يبين سير درجة الحرارة خلال الأسبوع.

كيفية قراءة الترمومترات

كيفية قراءة الترمومترات: 1- قراءة الترمومتر العادي: في الساعة الثامنة من صباح كل يوم يقرأ الرقم المجاور لنهاية عمود الزئبق، ويدون في جدول خاص بذلك كما في الشكل رقم "102". ويجب أن تكون القراءة دقيقة بحيث تعين نهاية عمود الزئبق بالدرجة الصحيحة وأجزاء الدرجة. أ- ترمومتر النهاية العظمى يعين درجة الحرارة 40 درجة مئوية ب- ترمومتر النهاية العظمى وقد عادت نهاية عمود الزئبق بسبب تحريكه إلى 18 درجة مئوية شكل "103": طريقة قراءة ترمومتر النهاية العظمى للحرارة

قراءة ترمومتر النهاية العظمى

2- قراءة ترمومتر النهاية العظمى: تقرأ كل يوم درجة الحرارة التي تعينها نهاية عمود الزئبق في الأنبوبة.

شكل "103أ" وتدون في الجدول الخاص بها. ثم بعد ذلك يعد الترمومتر للاستعمال بتحريكه بشدة كما في شكل "103ب" حتى يتم رجوع الزئبق إلى مستودعه عن طريق القوة.

قراءة ترمومتر النهاية الصغرى

3- قراءة ترمومتر النهاية الصغرى: في الوقت الذي يقرأ فيه الترمومتر السابق يجب أن يقرأ ترمومتر النهاية الصغرى. ويشير إلى النهاية الصغرى طرف المؤشر البعيد عن مستودع الكحول "شكل 104أ". وبعد ذلك يعد للقراءة مرة ثانية عن طريق رفع طرف مستودعه إلى أعلى حتى تتساوى نهاية المؤشر مع نهاية الكحول من جديد "شكل 104ب". أ- ترمومتر النهاية الصغرى وقد وصلت نهاية الكحول ومعها المؤشر إلى 12 درجة مئوية بسبب انخفاض درجة الحرارة ب- ترمومتر النهاية الصغرى وقد تحرك عمود الكحول من جديد إلى درجة 20 وترك المؤشر عند درجة 10 وهي أقل درجة وصل إليها. شكل "104": طريقة قراءة ترمومتر النهاية الصغرى للحرارة

إعداد الترموجراف للاستعمال وطريقة قراءته

إعداد الترموجراف للاستعمال وطريقة قراءته: تتبع الخطوات الآتية لإعداد الترموجراف: 1- في الساعة الثامنة صباح يوم الاثنين من كل أسبوع ترفع الورقة

البيانية التي حول الاسطوانة، ويوضع بدلا منها ورقة جديدة يمسك طرفاها بواسطة ماسك معدني، وتضبط الريشة على يمين الماسك المعدني وعلى بداية الورقة التي يكتب عليها تاريخ بداية الأسبوع. 2- بعد مرور أسبوع تدور الاسطوانة دورة كاملة حول نفسها، فيظهر لك أن سن الريشة على يسار الماسك المعدني، وعلى ذلك يكون سن الريشة قد رسم على الورقة خطا بيانيا أثناء الأسبوع. 3- يلزم لتغيير الورقة رفع الغطاء الخارجي فيظهر الترموجراف كما في الشكل "105". شكل "105": الترموجراف بعد رفع غطائه الخارجي شكل "106": الترموجراف وقد أبعد الذراع عن الاسطوانة ورفع غطاء الاسطوانة

4- يبعد الزراع والريشة عن الأسطوانة، وعندئذ يمكن إدارة الأسطوانة باليد دون أن تمسها الريشة. ثم ينزع غطاء الأسطوانة فيبدو من تحته مفتاح الساعة، فتدار حتى تمتلئ كما في الشكل "106". 5- يرفع الماسك المعدني إلى أعلى لتخليصه من حافة الأسطوانة فتنفصل الورقة منه كما في شكل "107" ثم يكتب عليها تاريخ اليوم الأخير من الأسبوع المسجلة أرصاده في الورقة. شكل "107" أ: الترموجراف وقد انحنى الماسك المعدني إلى الخارج وانفصل طرفا الورقة شكل "107" ب: ورقة بيانية للترموجراف

6- تركب ورقة جديدة وتثبت على الاسطوانة، ويعاد الماسك المعدني عليها، ثم يركب غطاء الاسطوانة، وبذلك يعود الجهاز إلى وضعه السابق. ويغطى بغطائه الخارجي. ثم يوضع الجهاز في موضعه الخاص في كشك الأرصاد. بعد الانتهاء من الخطوات السابقة تفرد الورقة البيانية كما هو موضح في الشكل "107ب" وتقرأ التغيرات الحرارية أثناء الدورة التي مرت بها درجة الحرارة أثناء الأسبوع، ويبين الوقت الذي تبلغ فيه درجة الحرارة أقصاها، والوقت الذي تبلغ فيه الحرارة أدناها.

كيفية حساب المتوسطات لدرجة الحرارة

كيفية حساب المتوسطات لدرجة الحرارة: من قراءة الترمومترات السابقة وقراءة الورقة البيانية لجهاز الترموجراف يمكن معرفة درجة الحرارة في أي مكان في ساعات اليوم المختلفة "الساعة 8 صباحا و 2 بعد الظهر، 8 مساء"، ومن هذه القراءات يستخرج المتوسط اليومي للحرارة، ومنها يمكن معرفة المتوسط الشهري، ومن المتوسطات الشهرية يمكن معرفة المتوسط السنوي للحرارة، وبذلك يمكن الحكم على مناخ الإقليم إذا كان حارا أو معتدلا أو باردا. ويمكن حساب المتوسط اليومي عن طريق أخذ أعلى درجة الحرارة والتي تحدث عادة في الساعة الثانية بعد الظهر، وأدنى درجة للحرارة وتحدث حوالي الساعة الرابعة صباحا، ثم نجمعهما ونقسم حاصل الجمع على 2. المتوسط اليومي: درجة الحرارة العظمي + درجة الحرارة الصغرى 2 ويمكن أن نحسب المتوسط الشهري على أساس جمع المتوسطات اليومية خلال الشهر، ثم نقسمها على عدد أيام هذا الشهر. وعن طريق المتوسط الشهري نحسب المتوسط السنوي والذي يكون بجمع المتوسطات الشهرية لدرجة الحرارة وقسمتها على عدد شهور السنة. ويجب أن نقرن المتوسط الحراري بالفرق بين أعلى وأدنى درجة للحرارة ويسمى هذا الفرق بالمدى الحراري. حيث إنه لمعرفة أقصى وأدنى درجة

للحرارة سواء لليوم أو للسنة أهمية عظمى، لأنهما يعطيان فكرة صحيحة عن درجة حرارة المكان، وأثر ذلك في الحياة البشرية والنباتية والحيوانية، وذلك لأن متوسط الحرارة لأي مكان لا يعطي صورة صحيحة، فقد يكون المتوسط 20 م لمكان تتراوح فيه الحرارة بين 14 درجة م في الشتاء، 26 درجة م في الصيف، أو لبلد تتراوح فيه درجة الحرارة بين 7 درجات م في الشتاء، 33 درجة م في الصيف.

خطوط الحرارة المتساوية

خطوط الحرارة المتساوية: عبارة عن خطوط تصل بين الأماكن التي تتساوى في معدل درجة حرارتها سواء الشهرية أو السنوية، وذلك بعد أن تعدل هذه المعدلات إلى مستوى سطح البحر. فإذا كان معدل درجة حرارة المكان 12 درجة مئوية وارتفاع هذا المكان عن سطح البحر 3000 متر، فإننا نزيد درجة مئوية واحدة عن كل 150 مترا في الارتفاع، بحيث تكون حرارة هذا المكان على الخريطة هي 32 درجة مئوية. وعلى ذلك فإن حساب خطوط الحرارة المتساوية يكون على أساس واحد لجميع الأماكن وهو مستوى سطح البحر. ولخطوط الحرارة المتساوية فائدة كبيرة حيث إنها تعطي صورة عامة عن توزيع الحرارة، والتي لا يمكن الحصول عليها بغيرها، كما أن تعرجاتها وانثناءاتها تبين لنا أثر العوامل الكثيرة مثل توزيع اليابس والماء، وأثر التيارات البحرية والرياح، وأثر الغطاء النباتي وغير ذلك من العوامل "انظر شكل 108 أ، ب". وبالنظر إلى خرائط خطوط الحرارة المتساوية نجد أن تلك الخطوط تتجه بصفة عامة من الشرق إلى الغرب تبعا لاتجاه خطوط العرض. وهذا أمر طبيعي لأن خطوط العرض تؤثر في توزيع الحرارة. ويصيب كل الأماكن التي تقع على خط عرض واحد نفس القدر من أشعة الشمس، هذا باستثناء بعض العوامل المحلية التي قد يكون لها تأثير في تغيير هذه الأحوال العامة. وإذا ما أجرينا مقارنة بين نصفي الكرة الشمالي والجنوبي، لوجدنا أن خطوط الحرارة المتساوية السنوية تكون أقل تعرجا وأكثر استقامة في

نصف الكرة الجنوبي عنها في النصف الشمالي. وذلك لارتفاع نسبة اليابس في النصف الشمالي. وسيادة الماء في النصف الجنوبي. وحينما ننظر إلى خريطة خطوط الحرارة المتساوية في شهر يوليو نلاحظ الآتي "شكل 108أ". "شكل 108أ"

"شكل 108 ب"

1- أشد جهات العالم حرارة في النصف الشمالي، حيث تقع الصحاري المدارية ممثلة في الصحراء الكبرى الأفريقية وصحاري غربي آسيا ووسطها، وفيها يبلغ المتوسط الحراري أكثر من 30 درجة مئوية. 2- لا أثر للتجمد "الانخفاض الحراري لما دون الصفر" في النصف الشمالي باستثناء شمال جرينلندا، لذلك تكون جميع موانيه مفتوحة للملاحة البحرية. 3- تنحني خطوط الحرارة المتساوية نحو القطب على يابس النصف الشمالي لشدة حرارته، ونحو خط الاستواء على محيطاته لانخفاض حرارة المياه نسبيا. 4- يسير خط صفر درجة مئوية في نصف الكرة الجنوبي كأنه خط مستقيم لأنه يقع جميعه على الماء. 5- لا أثر للتجمد في قارات النصف الجنوبي لأنها لا تمتد كثيرا نحو القطب الجنوبي. وبالمثل يمكننا أن نتبين عدة ملاحظات على خريطة خطوط الحرارة المتساوية في شهر يناير "شكل 108ب": 1- تقع أشد جهات العالم برودة في يابس النصف الشمالي في أقصى شمال أمريكا الشمالية وشمال شرق سيبيريا، حيث تهبط درجة الحرارة إلى -40 درجة مئوية، وهو ذلك الجزء من اليابس الذي يسمى "قطب البرودة"، ولا نظير له في شتاء النصف الجنوبي "باستثناء القارة القطبية الجنوبية". 2- تنحني خطوط الحرارة المتساوية في نصف الكرة الشمالي فجأة وبشدة نحو خط الاستواء فوق يابس القارات البارد، كما تنثني فجأة وبشدة أيضا فوق المحيطات الأكثر دفئا "لاحظ تأثير كل من تيار الخليج الدافئ في المحيط الأطلسي، وتيار اليابان الدافئ في المحيط الهادي"، بينما في يوليو نجد العكس صحيحا. 3- أشد جهات العالم حرارة في يناير تقع في النصف الجنوبي على

اليابس حول مدار الجدي حيث توجد صحراء استراليا وكلهاري واتكاما التي يبلغ متوسط حرارتها 30 درجة مئوية. 4- ينحني خط الحرارة 20 درجة مئوية نحو خط الاستواء قرب سواحل غرب أفريقيا وسواحل غرب أمريكا الجنوبية لوجود التيارات البحرية الباردة "تيار بنجويلا البارد وتيار بيرو البارد".

المناطق الحرارية العامة

المناطق الحرارية العامة مدخل ... المناطق الحرارية العامة: بعد أن عرفنا سابقا أن الأساس في توزيع الحرارة على سطح الأرض هو مقدار تعامد الشمس على دوائر العرض المختلفة، فإن الأقاليم الاستوائية تكون حارة، أما الأقاليم القطبية فهي باردة، وفيما بين هذه الأقاليم تتدرج درجة الحرارة تبعا لبعد الإقليم عن خط الاستواء أو القرب من القطبين. ولما كانت خطوط العرض لا تكون فواصل دقيقة بين المناطق الحرارية على سطح الأرض، لذا فقد قسم الجغرافيون سطح الأرض إلى مناطق حرارية على أساس المتوسط السنوي لدرجة الحرارة، ويمكن أن نلخص هذه المناطق الحرارية العامة فيما يلي "انظر الخريطة شكل 108":

المنطقة الحارة

1- المنطقة الحارة: وهي المنطقة فيما بين مداري السرطان والجدي. وتمتاز بقلة التغيرات بين فصول السنة، ويبلغ فيها المتوسط السنوي لدرجة الحرارة 20 درجة مئوية أو أكثر، إلا أن الحرارة تزداد في فصلي الربيع والخريف نظرا لتعامد الإشعاع الشمسي عليها.

المنطقتان المعتدلتان

2- المنطقتان المعتدلتان: المنطقة الأولى شمالية فيما بين مدار السرطان والدائرة القطبية الشمالية، أما الثانية فهي فيما بين مدار الجدي والدائرة القطبية الجنوبية. ومتوسط الحرارة السنوي بهما 15 درجة مئوية، وكل منهما حارة في الصيف ومعتدلة في الشتاء.

"شكل 108": المناطق الحرارية 3- المنطقتان الباردتان: وتقع المنطقة الأولى شمال الدائرة القطبية الشمالية، والثانية جنوب الدائرة القطبية الجنوبية ولا يتعدى المتوسط الشهري للحرارة فيهما 10 درجات مئوية إلا في أربعة أشهر. 4- المنطقتان القطبيتان: وفيهما يقل المتوسط الشهري للحرارة عن 10 درجات مئوية على مدار السنة.

الفصل الثاني: الضغط الجوي وعلاقته بالدورة الهوائية العامة

الفَصلُ الثَّاني: الضّغط الجَوّي وعلاقته بالدورة الهوائية العامة الضغط الجوي: الهواء كسائر المواد له وزن وثقل معين، ويمكنك أن تثبت ذلك عن طريق وزن زجاجة مملوءة بالهواء ثم وزنها بعد تفريغ الهواء منها. فتجد أن وزنها في الحالة الأولى أكبر من وزنها في الحالة الثانية. وكلما كان الجسم ثقيلا كلما كان ضغطه كبيرا، والعكس صحيح. ويعرف مقدار وزن الهواء فوق أي مكان بالضغط الجوي وهو يعادل عمودا من الزئبق ارتفاعه 76 سنتيمترا أو 30 بوصة، ويحسب متوسطه إما بالسنتيمتر أو الملليمتر أو بالبوصة وأجزائها، أو بالمليبار وهو يساوي "0.75من الملليمتر أو 0.03 من البوصة تقريبا". وتبعا لذلك يكون ضغط الهواء على سطح الأرض كبيرا عند مستوى سطح البحر، ويقل تبعا للارتفاع. وذلك لتناقص ثقل الهواء بالارتفاع لتخلخله، وقلة كثافته في الطبقات العليا عنه في الطبقات السفلى.

العوامل التي تؤثر في الضغط الجوي

العوامل التي تؤثر في الضغط الجوي درجة الحرارة ... وهناك عدة عوامل تؤثر في الضغط الجوي هي: 1- درجة الحرارة: فإذا ارتفعت تمدد الهواء وانخفض ضغطه، والعكس صحيح، لذلك يكون الضغط مرتفعا في الصباح والشتاء لانخفاض الحرارة، ومنخفضا عند الظهر وأثناء الصيف لارتفاع الحرارة. ولهذا فإن توزيع الحرارة على سطح الأرض من أهم العوامل التي تتحكم في توزيع الضغط الجوي.

كمية بخار الماء العالق بالجو

2- كمية بخار الماء العالق بالجو: من المعروف أن بخار الماء أخف من الهواء في الطبقات السفلى من الغلاف لجوي. فإذا كثر في الهواء خف وزنه وانخفض ضغطه، وإذا قل وجوده في الهواء ارتفع الضغط.

حركة الهواء الرأسية

3- حركة الهواء الرأسية: فإذا كان الهواء صاعدا، تخلخل وانخفض ضغطه. كما يحدث في النطاق الاستوائي. وإذا كان الهواء هابطا تضاغط وارتفع ضغطه لازدياد ثقله، كما يحدث في النطاقات المدارية.

الارتفاع عن مستوى سطح البحر

4- الارتفاع عن مستوى سطح البحر: فكلما زاد الارتفاع كلما نقص وزن الهواء وقل ضغطه، بسبب تناقص سمك الغلاف الجوي. وتخلخل الهواء وقلة كثافته.

توزيع اليابس والماء

5- توزيع اليابس والماء: ينخفض الضغط على اليابس نهارا وصيفا، وعلى المسطحات البحرية والمحيطية ليلا وشتاء، والعكس صحيح. وذلك لأن توزيع اليابس والماء يؤثر في درجة الحرارة، وهذه تؤثر بدورها في الضغط. لذلك يختلف الضغط على اليابس والماء في نفس خطوط العرض وهذا واضح جدا في النصف الشمالي في يوليو بين خطي عرض 40 - 70 درجة شمالا حيث يزداد تداخل اليابس والماء.

قياس الضغط الجوي وتسجيله

قياس الضغط الجوي وتسجيله: يقدر الضغط الجوي بواسطة: 1- البارومتر الزئبقي. 2- البارومتر المعدني. وهما جهازان للقياس. 3- الباروجراف: وهو جهاز للتسجيل. ويتكون البارومتر الزئبقي كما في شكل "109".

شكل "109": البارومتر الزئبقي أ- أنبوبة بها زئبق طرفها الأعلى مقفل، وطرفها الأسفل مفتوح ومنكس في حوض به زئبق. ب- حوض به زئبق سطحه معرض للجو. وكلما زاد الضغط الجوي على سطح الحوض ارتفع الزئبق في الأنبوبة، ويحدث العكس إذا انخفض الضغط الجوي. أما البارومتر المعدني: فهو يشبه الساعة شكل "110" وهو عبارة عن صندوق معدني مستدير، تستخدم به صفائح معدنية مفرغة من الهواء. تتأثر بالضغط الجوي فتحرك المؤشر الذي يبين مقدار الضغط الجوي على قرص مدرج. ويتركب جهاز الباروجراف الذي يسجل بنفسه الضغط الجوى مما يأتي "شكل 111": 1- صفائح معدنية تتأثر بالضغط الجوي، فتتحرك إلى أسفل إذا زاد الضغط وإلى أعلى إذا قل هذا الضغط.

شكل "110": البارومتر المعدني 2- عدة روافع تنقل حركة الصفائح إلى ذراع متصل بها. 3- ذراع في نهايته ريشة، ويتحرك الذراع تبعا لحركة الصفائح فيرتفع إلى أعلى أو إلى أسفل. 4- اسطوانة تدور بواسطة ساعة دورة كاملة كل أسبوع، وتثبت عليها ورقة بيانية خاصة، ترسم عليها الريشة خطا يبين سير الضغط الجوي خلال الأسبوع. كيفية إعداد الباروجراف للاستعمال: يتبع في إعداد الباروجراف للاستعمال نفس الخطوات التي اتبعت في إعداد جهاز الترموجراف.

خطوط الضغط المتساوي

خطوط الضغط المتساوي: وهي الخطوط التي تصل بين الأماكن التي يتساوى فيها الضغط الجوي في ساعة معينة من اليوم كما هو الحال في خرائط الطقس أو في شهر أو

في سنة وذلك بعد تعديله إلى مستوى سطح البحر، كما هو الحال في خطوط الحرارة المتساوية، حيث إن الضغط يقل بالارتفاع بمقدار ملليبار واحد لكل ارتفاع مقداره 9 أمتار "انظر شكل 111- أ، ب". شكل "111": جهاز الباروجراف "مسجل الضغط الجوي"

الضغط الجوي والدورة الهوائية العامة

الضغط الجوي والدورة الهوائية العامة: أجرِ التجربة الآتية لمعرفة مدى العلاقة بين الضغط الجوي والدورة الهوائية العامة فالشكل رقم "112" يمثل صندوقا زجاجيا مقفولا ومملوءا بالماء، وضع تحته جهاز اشتعال في منتصفه فينشأ عن ذلك تحرك المياه في هيئة تيارات مائية، الساخن منها يصعد إلى أعلى، والبارد يهبط إلى أسفل. والهواء على سطح الأرض مثل الماء في الصندوق الزجاجي، وجهاز الاشتعال يمثل الشمس التي ترسل أشعتها عمودية على الجهات الاستوائية، وعن طريق تأثير درجة الحرارة ينخفض الضغط الجوي على هذه الجهات عن الضغط الواقع على الجهات الواقعة حول خطي عرض 30 درجة شمالا وجنوبا، فتحدث دورة هوائية عامة تشمل العالم بأكمله.

شكل "111 أ": خطوط الضغط المتساوي على قارة آسيا شتاء شكل "111 ب": خطوط الضغط المتساوي على قارة آسيا صيفا

شكل "112": تحرك التيارات نتيجة لارتفاع درجة الحرارة ذلك أن الهواء عند المنطقة الاستوائية يسخن وتزيد كمية بخار الماء فيه بسبب كثرة التبخر، ومن ثم تقل كثافته، وينخفض ضغطه، وتنشط التيارات الهوائية الصاعدة، ويرتفع الهواء إلى طبقات الجو العليا، فيتجه قسم منه نحو الشمال وقسم آخر نحو الجنوب في شكل رياح عليا. لكن انتقاله في الطبقات العليا الباردة يؤدي إلى برودته وتكاثف جو من بخار الماء فيه، وعندئذٍ تزداد كثافته، ويرتفع ضغطه فيهبط جزء منه نحو سطح الأرض حول خط عرض 30 درجة شمالا وجنوبا "عروض الخيال" وينشأ عن ذلك تشكيل منطقتين للضغط المرتفع إحداهما في النصف الشمالي والثانية في النصف الجنوبي. بينما يتابع الجزء الباقي من الهواء تحركه في الطبقات العليا متجها نحو القطبين. وهناك تشتد برودته، ويزداد ضغطه، فيهبط عندهما على شكل تيارات هوائية هابطة تساعد في تكوين منطقتين من الضغط المرتفع. وتتشعب التيارات الهابطة عند كل من خطي عرض 30 درجة شمالا وجنوبا إلى شعبتين قرب سطح الأرض، تتجه إحداهما نحو خط الاستواء على شكل رياح سطحية هي التي تعرف بالرياح التجارية أو الشرقية، وتتجه الشعبة الأخرى نحو كل من الدائرتين القطبيتين على شكل رياح سطحية أيضا تعرف بالرياح العكسية أو الغربية. أما التيارات الهابطة عند القطبين فتتجه في هيئة رياح سطحية نحو كل من الدائرتين القطبيتين، هي الرياح القطبية. وتتقابل الرياح القطبية مع الرياح العكسية بالقرب من كل من الدائرتين القطبيتين. وينشأ عن تقابلهما

تيارات هوائية صاعدة هي المسئولة، مع زيادة كمية بخار الماء في الهواء في تلك العروض، عن تشكيل منطقتي الضغط المنخفض حول الدائرتين القطبيتين الشمالية والجنوبية. وتتشعب هذه التيارات الصاعدة في طبقات الجو العليا، فتتجه شعبة منها نحو كل من القطبين، حيث تبرد ويزداد ثقلها فتهبط إلى سطح الأرض، بينما تتجه شعبة أخرى نحو كل من خطي عرض 30 درجة شمالا وجنوبا حيث تبرد وتقل كمية الرطوبة بها فيزداد ثقلها وتهبط إلى سطح الأرض. وتعرف هذه الدورة بدورة الهواء العامة حول الكرة الأرضية. ومن الشكل رقم "113" نتبين في الدورة الهوائية أربع مناطق تمتاز بالحركة الرأسية وهي تقع حول خط الاستواء، وخط عرض 30 درجة، 60 درجة تقريبا شمالا وجنوبا، ثم عند القطبين، والهواء يصعد في الأولى والثالثة فيساعد على وجود ضغط منخفض، ويهبط في الثانية والرابعة فيساعد على وجود ضغط مرتفع. شكل "113": الدورة الهوائية ومناطق الضغط والخلاصة هي أنه يوجد على سطح الأرض مناطق ذات ضغط منخفض

وأخرى ذات ضغط مرتفع، وأن الرياح السطحية تهب من الضغط المرتفع إلى الضغط المنخفض، ومناطق الضغط المنخفض والمرتفع هذه تسمى بمناطق الرهو أو الركود لهدوء الهواء عندها. حيث تكون حركة الهواء إما صاعدة أو هابطة.

المناطق الرئيسية للضغط الجوي

المناطق الرئيسية للضغط الجوي مدخل ... المناطق الرئيسية للضغط الجوي: تتوزع مناطق الضغط على سطح الأرض كالآتي شكل "114": شكل "114": توزيع مناطق الضغط الجوي الرئيسية

منطقة الضغط المنخفض حول خط الاستواء

1- منطقة الضغط المنخفض حول خط الاستواء: وهي التي تسمى بمنطقة الرهو الاستوائي. وهي ذات ضغط منخفض لشدة حرارتها ورطوبتها وتياراتها الهوائية الصاعدة.

منطقتان من الضغط المرتفع

2- منطقتان من الضغط المرتفع: وتوجد إحداهما شمال مدار السرطان عند خط عرض 30 درجة شمالا، والأخرى جنوب مدار الجدي حول خط عرض 30 درجة جنوبا. وذلك بسبب التيارات الهوائية الهابطة إلى سطح الأرض، وبسبب جفاف الهواء أيضا.

منطقتان من الضغط المنخفض عند الدائرتين القطبيتين

3- منطقتان من الضغط المنخفض عند الدائرتين القطبيتين: نتيجة للتيارات الصاعدة عن طريق تقابل الرياح الآتية من ناحية المدارين بالرياح الآتية من القطبين وأيضا لرطوبة الهواء.

منطقتان من الضغط المرتفع نوعا

4- منطقتان من الضغط المرتفع نوعا: عند القطبين بسبب برودة الهواء وجفافه فوقهما وبسبب تياراتها الهوائية الهابطة.

التوزيع الحقيقي للضغط الجوي

التوزيع الحقيقي للضغط الجوي: هذا وينبغي أن نشير إلى أن هذه المناطق جميعها تتزحزح نحو الشمال أو نحو الجنوب بمقدار يتراوح بين 5، 10 درجات عرضية، وذلك تبعا لحركة الشمس الظاهرية بين المدارين، وأنها تبلغ أقصى تزحزح لها في نصف الكرة الشمالي في شهرى يوليو وأغسطس، وأقصى تزحزح لها في نصف الكرة الجنوبى في شهري يناير وفبراير. والواقع أن مناطق الضغط المشار إليها لا تمثل إلا التوزيع النظري للضغط الجوي، بافتراض أن سطح الكرة الأرضية كله متجانس، أي أنه مكون إما من اليابس أو من الماء، كما يفترض أيضا أن الإشعاع الشمسي متعامد دواما على دائرة الاستواء. وهذا بالطبع مخالف للواقع. فسطح الأرض يتكون من يابس وماء. وهما يتأثران بالحرارة بدرجات متفاوتة. كما أن توزيع اليابس والماء غير متكافئ في نصفي الكرة. أضف إلى ذلك تأثير عوامل أخرى محلية كشكل التضاريس والتداخل بين اليابس والماء. كل ذلك يؤدي إلى تمزق الصورة العامة لمناطق الضغط. ويمكننا في ضوء ما تقدم أن نورد الملاحظات التالية: 1- مناطق الضغط لا تثبت في مواضعها، بل تنتقل شمالا وجنوبا تبعا لحركة الشمس الظاهرية.

2- مناطق الضغط في النصف الجنوبي أكثر انتظاما منها في النصف الشمالي، بسبب التجانس في سطح النصف الجنوبي. 3- تختلف نظم نظم توزيع الضغط فوق الكتل القارية تبعا لاختلاف الحرارة في فصول السنة، وكذلك تبعا للتضاريس. بينما نجد نظم الضغط فوق المحيطات أكثر انتظاما.

الفصل الثالث: الرياح

الفصل الثالث: الرياح مدخل ... الفَصل الثَّالِث: الرِّيَاح ذكرنا أن الرياح تهب من مناطق الضغط المرتفع إلى مناطق الضغط المنخفض، وتدور الرياح حول مراكز الضغط المختلفة بتأثير حركة الأرض حول محورها من الغرب إلى الشرق فيؤثر ذلك في اتجاه الرياح، فيجعلها تنحرف إلى يمين اتجاهها في النصف الشمالي للكرة الأرضية وإلى يسار اتجاهها في النصف الجنوبي، ويعرف هذا بقانون فرل. فمثلا الرياح الآتية من الشمال تنحرف وتصبح شمالية شرقية والآتية من الجنوب تصير جنوبية غربية. أما في نصف الكرة الجنوبي فتصير الرياح الآتية من الشمال شمالية غربية، والآتية من الجنوب تصبح جنوبية غربية كما في شكل "113".

قياس الرياح

قياس الرياح: تقاس سرعة الرياح بواسطة جهاز الأنيمومتر شكل "115" ويتركب من: 1- أربع طاسات كروية توضع فوق عمود تدور حوله في مستوى أفقي بواسطة الرياح. 2- عداد يبين سرعة الرياح نتيجة لسرعة دوران الطاسات. وتقدر سرعة الرياح عن طريق قراءة العداد، ويدون الرقم الذي يدل عليه وليكن 1524.64 كما هو مبين في الشكل "116أ"، وبعد ثلاث دقائق يقرأ العداد مرة ثانية، ويدون الرقم الذي يدل عليه وليكن 1526.14 كما هو مبين في الشكل "116ب"، فالفرق بين القراءتين يكون 1526.14-1524.64= 0.50 كيلو متر عبارة عن سرعة الرياح في ثلاث دقائق، ومنه يستدل على أن سرعتها في الدقيقة هي 1/2 كيلو متر، أي أن سرعتها 30 كيلو متر في الساعة.

شكل "115": الأنيمومتر "مقياس سرعة الرياح" أما اتجاه الرياح فيعرف بواسطة جهاز يسمى دوارة الرياح كما هو في شكل "117" ويتكون من: 1- ذراع من الحديد على شكل سهم يركب على عمود رأسي من الحديد يدور عليه في مستوى أفقي. 2- ذراعين من الحديد مثبتين في العمود الرأسي تشير أطرافهما إلى الجهات الأصلية. ويعين اتجاه الرياح عن طريق رأس السهم التي تتجه دائما إلى الجهة

التي تأتي منها الرياح، ففي الشكلين "118أ، 118ب" تؤثر حركة الرياح في ذيل السهم العريض، أما رأسه فلا يتأثر بها لأنها مدببة، فإذا كانت الرياح تهب من الغرب إلى الشرق، ثم غبرت اتجاهها فأصبحت تهب من الجنوب إلى الشمال، فإنها تدفع أمامها ذيل السهم نحو الشمال، ولذا تصبح رأس السهم المدببة تتجه نحو الجنوب مشيرة إلى الجهة التي تهب منها الرياح. أ- القراءة الأولى ب- القراءة الثانية شكل "116": عداد مقياس سرعة الرياح

العوامل المؤثرة في حركة الرياح

العوامل المؤثرة في حركة الرياح: 1- التباين في الضغط الجوي: فالهواء يتحرك في هيئة رياح تهب من مناطق الضغط المرتفع إلى مناطق الضغط المنخفض. ويشير اتجاه خطوط الضغط الجوي المتساوية إلى اتجاه الرياح التي تهب عادة شبه موازية لها.

التضاريس

2- التضاريس: تؤثر في سرعة الرياح التي تزداد بالارتفاع عن منسوب البحر. وتتسبب عوائق التضاريس في تغيير اتجاه الرياح. وانقسامها أحيانا إلى عدة شعب.

قوة كوريولي

3- قوة كوريولي: وهي القوة الانحرافية الناشئة عن دوران الأرض حول نفسها فتنحرف الرياح إلى يمين اتجاهها الأصلي في نصف الكرة الشمالي، وإلى يسار

اتجاهها الأصلي في النصف الجنوبي على نحو ما أسلفنا "قانون فرل". ولو افترضنا أن الأرض ثابتة لأصبحت الرياح تهب مباشرة في خط مستقيم من الضغط المرتفع إلى الضغط المنخفض. شكل "117": جهاز دوارة الرياح

أنواع الرياح

أنواع الرياح مدخل ... أنواع الرياح: للرياح أنواع مختلفة أهمها: 1- الرياح الدائمة. 2- الرياح الموسمية. 3- الرياح المحلية. 4- الرياح اليومية.

الرياح الدائمة

1- الرياح الدائمة: وهي أهم أنواع الرياح إذ إنها تهب طول العام وتشمل الرياح المنتظمة التجارية والعكسية "الغربية" والقطبية "شكل 119". الرياح التجارية: تهب من منطقتي الضغط المرتفع فيما وراء المدارين "عروض الخيل 30 درجة

و 35 درجة شمالا وجنوبا" إلى منطقة الضغط المنخفض "الرهو أو الركود" الاستوائي، ويكون اتجاهها شمالية شرقية في نصف الكرة الشمالي، وجنوبية شرقية في نصف الكرة الجنوبي. وهذه الرياح منتظمة طول السنة سواء في اتجاهها أو في قوتها، وتكاد تقتصر على طبقات الجو السفلى، وكانت لها أهمية عظيمة في الملاحة البحرية أيام شيوع السفن الشراعية. فالرياح الشمالية الشرقية هي التي ساعدت كولومبس في اجتياز المحيط الأطلنطي من غرب أفريقية إلى جزر الهند الغربية. وهذه الرياح جافة بصفة عامة إلا إذا مرت على البحار والمحيطات فإنها تتشبع ببخار الماء، الذي يسقط على شكل أمطار على الأجزاء المرتفعة في السواحل الشرقية من القارات التي تقع في مناطق هبوبها، ولكنها تصل جافة إلى الأجزاء الغربية من القارات التى تقع في نفس العروض. وهذا هو السبب في أن معظم صحاري العالم في مجال هبوب الرياح التجارية تقع في غرب القارات. أ- الرياح تهب من الغرب ب- الرياح غيرت اتجاهها فأصبحت تهب من الجنوب شكل "118": تعيين اتجاه الرياح

وللرياح التجارية أثر في تلطيف الجو في الأقاليم التي تهب عليها، لأنها تنتقل من جهات أقل حرارة إلى جهات أعلى حرارة. شكل "119": الرياح الدائمة. والرياح التجارية ذات سرعة معتدلة تتراوح بين 16-24 كيلو مترا في الساعة، وهي أكثر استقرارا وهدوءا في الأجزاء الشرقية من المحيطات عنها في الأجزاء الغربية منها.

الرياح العكسية الغربية: تهب من منطقتي الضغط المرتفع وراء المدارين "عروض الخيل" إلى منطقتي الضغط المنخفض عند الدائرتين القطبيتين، واتجاهها جنوبية غربية في النصف الشمالي للكرة الأرضية، وشمالية غربية في النصف الجنوبي، وتعرف أحيانا بالرياح الغربية أو الغربيات. وتختلف عن الرياح التجارية بقلة انتظامها وعدم استقراراها على حالة واحدة في اتجاهها أو في قوتها. كما تمتاز بظهور كثير من الأعاصير التي تنتقل من الغرب إلى الشرق، وأثناء هبوب الأعاصير يسود الاضطراب في اتجاه الرياح وسرعتها، وقد تحدث عواصف هوجاء، تصحبها رياح تهب من كل الجهات. والرياح العكسية تهب على جهات أبرد من الجهات التي تهب منها، وتكون مشبعة بالبخار، ولذلك فإنها تجلب الدفء والأمطار للجهات التي تهب عليها في غربي القارات. والرياح الغربية أكثر انتظاما في نصف الكرة الجنوبي عنها في النصف الشمالي. فهي تتصف في النصف الشمالي بالتغير الكبير من فصل لآخر. بسبب الاختلاف الفصلي في درجات الحرارة وفي توزيع الضغط فوق اليابس والماء اللذين يتداخلان في بعضهما بشكل واضح. أما في النصف الجنوبي فهبوبها منتظم بسبب تجانس السطح لغلبة الماء عليه. خاصة فيما بين دائرتي عرض 35 درجة - 60 درجة جنوبا. الرياح القطبية: تهب من القطبين إلى منطقتي الضغط المنخفض عند الدائرتين القطبيتين، ويكون اتجاهها شمالية شرقية في نصف الكرة الشمالي، وجنوبية شرقية في النصف الجنوبي، ومن أهم مميزات هذه الرياح أنها باردة وجافة. وهي رياح ضعيفة في العادة، ولهذا عندما تلتقي بالرياح العكسية، تتفوق عليها الأخيرة، وتسود في مجالات هبوبها. هذا ويؤدي التقاء الرياح العكسية بالرياح القطبية إلى تشكيل جبهة هوائية تتولد على امتدادها الأعاصير التي تنتقل من الغرب إلى الشرق مع الرياح الغربية.

الرياح الموسمية

2- الرياح الموسمية تهب الرياح في مواسم معينة، وتتميز بأن اتجاهها يتغير في معظم

الأحيان في فصل الصيف عنه في الشتاء، وهي تظهر غالبا فيما بين المدارين، وعلى المناطق الشرقية للقارات، وخير مثل لدينا هو الرياح التي تهب على القارة الآسيوية وخاصة على الهند والهند الصينية والصين واليابان وكوريا. وهي على نوعين: موسمية شتوية، وموسمية صيفية. ففي الشتاء يكون الهواء باردا فوق قارة آسيا فيزداد ضغطه بسبب ارتفاع كثافته، في حين يكون الهواء على المحيطين الهادي والهندي أدفأ من الهواء على اليابس، وبالتالي يكون ضغطه أقل ارتفاعا، وتبعا لذلك تندفع الرياح من القارة الآسيوية نحو المحيطين السابقين "شكل 120" أي أنها تهب من الداخل نحو السواحل الجنوبية والشرقية، وتتميز هذه الرياح الموسمية الشتوية بأنها باردة جافة، إلا إذا عبرت البحار أو المحيطات، فإنها تتشبع ببخار الماء الذي يسقط على شكل أمطار عندما تعترضها المرتفعات. شكل "120": الرياح الموسمية في فصل الشتاء وفي فصل الصيف يحدث العكس، حيث يكون الهواء على القارة أكثر

حرارة مما يقلل من ضغطه "ضغط منخفض"، في حين يكون الهواء على المحيط الهندي والهادي أقل حرارة، وبالتالي أعلى ضغطا، فتندفع الرياح منها نحو القارة، وتكون جنوبية شرقية على شرقي القارة، وجنوبية غربية على الهند، وهذه الرياح الصيفية لها أهمية عظيمة، لأنها تأتي بالأمطار الغزيرة على جنوب القارة وشرقها، تلك الأمطار التي يتوقف عليها قيام الزراعة ونجاحها في تلك الجهات "شكل 121". شكل "121": الرياح الموسمية في فصل الصيف وتنفرد القارة الآسيوية بهذا النظام الموسمي المثالي، وتوجد نظم شبه موسمية في جهات أخرى من العالم مثل جنوب وجنوب شرق الولايات المتحدة الأمريكية، وفي شمال استراليا، وفي الحبشة، وفي سواحل اليمن وعسير.

الرياح المحلية

3- الرياح المحلية وهي رياح تنشأ نتيجة لاختلاف الضغط في مساحة صغيرة ولمدة قصيرة،

كما تسببها عوامل خاصة بالتضاريس. وهي تختلف عن الرياح الموسمية في أنها لا تشمل موسما كاملا وإنما تهب في فترات متقطعة. وتهب الرياح المحلية حول الانخفاضات الجوية، ونظام هبوبها لذلك له نظام خاص لا يتمشى بالضرورة مع دورة الهواء العامة. ففي النصف الشمالي من الكرة الأرضية تهب الرياح المحلية في مقدمة الانخفاضات الجوية من الجنوب. ولذلك تكون حارة أو دافئة خصوصا في النصف الصيفي من السنة. أما في مؤخرة الانخفاض فتهب من الشمال، ولذلك تكون باردة خصوصا في النصف الشتوي من السنة. ولكل من هذه الرياح تأثيره الخاص من الوجهة البشرية. وهي تسمى بأسماء متباينة بحسب المناطق التي تهب عليها. ويمكن تقسيم الرياح المحلية إلى المجموعات الرئيسية الثلاث الآتية: 1- مجموعة الرياح المحلية الحارة: ويهب معظمها في مقدمة الانخفاضات الجوية، وأشهرها الخماسين والقبلي، والسيروكو والسولانو، والهرمطان والهبوب. 2- مجموعة الرياح المحلية الدفيئة: ويهب معظمها في مقدمة الانخفاضات الجوية، ولكنها لا تظهر إلا في المناطق الجبلية، حيث تكتسب معظم حرارتها نتيجة لتضاغطها على منحدرات الجبال، ومن أشهرها رياح الفون والشنوك. 3- مجموعة الرياح الباردة: وتهب في مؤخرة الانخفاضات الجوية، كرياح المسترال في وادي الرون، ورياح البورا في شمال البحر الأدرياتي. الرياح المحلية الحارة: الخماسين: ويكون هبوبها في فصل الربيع وأوائل الصيف، أي في مارس وأبريل

ومايو ويونيو بمعدل ثلاث مرات في الشهر. وهي لا تهب في جميع هذه الفترة بانتظام، ولكنها تهب في فترات متقطعة عندما توجد منطقة من الضغط المنخفض في شمال غربي الدلتا "شكل 122". والخماسين رياح ساخنة ترفع من درجة الحرارة، وتحمل الغبار وتنشره في الجو، فيؤذي الإنسان والحيوان والنبات الرقيق كالخضر التي تتأثر بانخفاض الرطوبة النسبية انخفاضا واضحا. والأيام التي تسود فيها هي في المتوسط 27 يوما في كل عام، منها نحو سبعة أيام في كل من مارس وأبريل، وستة في فبراير، وخمسة في مايو، ويومان في يونيو. ويستمر هبوب الرياح حين يمر انخفاض خماسيني على مصر من يوم إلى خمسة أيام، ويكون فيها يوم واحد شديد الحرارة قاسيا، ويكون الجو فيه مكفهرا متربا، يبعث في النفس الضيق. ويختلف اتجاه الريح باختلاف موقع المكان من مركز الإعصار. ويكون اتجاهها جنوبية شرقية إذا كان مركز الإعصار في غرب الدلتا، فإذا أصبح في شمال الدلتا صارت جنوبية، فإذا ما صار في شرق الدلتا أصبحت جنوبية غربية. وهي تسبب الكثير من الحرائق في الريف بسبب اضطراب وكثرة تغيير اتجاهاتها، كما تنشر أمراض العيون. وتبلغ درجة الحرارة أثناء الموجة الحارة 45 درجة مئوية. وفي نهاية الموجة تهب الرياح باردة من الشمال فتنخفض الحرارة إلى نحو 15 درجة مئوية. ومن أمثلة الرياح المحلية الحارة المتربة التي تهب في الربيع من الجنوب إلى الشمال في الصحراء الكبرى الأفريقية رياح الجبلي "القبلي" في ليبيا، وفي صحراء العرب رياح السموم. السيروكو: رياح محلية قوية تهب من الصحراء الكبرى الأفريقية إلى صقلية وجنوب إيطاليا واليونان، في فصل الربيع. ويساعد على ازدياد قوتها التغير السريع في الضغط الجوي من الجنوب إلى الشمال. وتكون محملة بالأتربة، ثم تتشبع بالرطوبة عند مرورها على مياه البحر المتوسط، فتسقط حمولتها على تلك

الجهات من مياه ومطر. وللسيروكو آثار سيئة على الإنسان بسبب حرارتها ورطوبتها وغبارها، وعلى النبات الذي قد يتلف بسببها. السولانو: وهي كالسيروكو رياح ساخنة تهب من الصحراء الكبرى على جنوب إسبانيا، وتكون محملة بالرمال والرطوبة. وهي تهب شرقية على منطقة جبل طارق، وتتسبب في أحداث دوامات مائية تكون خطرا على الملاحة. ويطلق عليها أحيانا اسم الليفانتر Levanter، المأخوذة من كلمة ليفانت Levant، وهو التعبير الذي يطلق على منطقة الحوض الشرقي للبحر المتوسط. الهرمطان: وهي رياح محلية حارة شديدة الجفاف، تهب من الصحراء الكبرى في فصلي الشتاء والربيع، نحو ساحل غانة في غرب أفريقيا، واتجاهها شرقي. وسبب هبوبها الاختلاف بين الضغط المرتفع فوق الصحراء الكبرى في الشتاء وبين الضغط المنخفض الاستوائي. ورغم أنها حارة ومتربة إلا أن السكان هناك يرحبون بهبوبها، ويسمونها "الطبيب" لأنها تريحهم ولو لفترة قصيرة، من الرطوبة العالية التي يتصف بها ساحل غانة وأفريقيا الغربية. الهبوب: وهي زوابع ترابية تهب على شمال السودان ومنطقة جنوب البحر الأحمر في فصل الصيف وهي ناشئة عن انخفاض محلي شديد في الضغط بسبب شدة الحرارة، فيؤدي هذا إلى إثارة تيارت هوائية صاعدة محملة بالأتربة. سرعان ما تنقلها الرياح الجنوبية السائدة حينئذٍ، وتدفعها في هيئة سحب هائلة من الغبار، وتلقي به على المدن والقرى. وقد تبقى هذه الأحوال من يوم إلى ثلاثة أيام، ويصحبها برق ورعد وتسقط أمطار. البريكفيلدرز: رياح حارة متربة تهب على جنوب شرقي استراليا من الصحراء الغربية

الأسترالية في مقدمة الانخفاضات الجوية التي تعبر القارة من الغرب إلى الشرق. وتنتهي بعد أن تهب عدة أيام. وتحل محلها رياح باردة في مؤخرة الانخفاض تهب من الجنوب، وتعرف باسم الرياح المندفعة الجنوبية شكل "122": رياح الخماسين الرياح المحلية الدفيئة: رياح الفون: هي رياح دافئة جافة، تهب من شمال إيطاليا إلى سويسرا وألمانيا في فصلي الشتاء والربيع. وهي تنشأ من التباين في الضغط بين منطقة سهل لومباردي وسفوح الألب الجنوبية حيث يرتفع الضغط، وبين سفوح الألب الشمالية ووسط أوروبا حيث تمر الانخفاضات الجوية أو الأعاصير من الغرب إلى الشرق. فيؤدي هذا إلى اندفاع الهواء من الضغط المرتفع صاعدا على السفوح الجنوبية للألب فيبرد، ويتكاثف بخاره ويتساقط مطرا، فيكتسب الهواء أسعار الحرارة الكامنة التي كانت ببخار الماء، وعندما تهبط الرياح

على السفوح الشمالية للألب، تتضاغط فتزداد حرارتها. لذلك تصبح هذه الرياح دافئة وجافة. ولهذه الرياح آثار طيبة، فهي تذيب الجليد، وترتفع بسببها حرارة الإقليم التي تهب عليها من صفر إلى 15 درجة مئوية وأحيانا إلى 20 درجة مئوية، ولذلك تساعد على نضج الفواكه والحبوب. وقد تسبب الفون بعض حرائق الغابات؛ لسرعتها وشدة جفافها، كما قد تضر مرضى القلب. الشنوك: وتشبه الفون في مواسم هبوبها، فهي تهب في الشتاء والربيع، كما تشبهها في طريقة هبوبها، فهي تأتي من المحيط الهادي نحو غرب أمريكا الشمالية، فتعترضها جبال الروكي. فتضطر إلى الصعود على سفوحها الغربية، والهبوط على سفوحها الشرقية، فتدفأ بسبب ارتفاع حرارتها. وهي لذلك تساعد على نضج محصول القمح في براري الولايات المتحدة الأمريكية. سانتا آنا: وهي تهب على جنوب كاليفورنيا بالولايات المتحدة في فصلي الشتاء والربيع "حيث تمر الأعاصير" من الصحراء الواقعة شرق السييرا نفادا حيث يرتفع الضغط، ومنه يندفع الهواء عبر الجبال، ثم ينحدر إلى الساحل الغربي حيث تمر الانخفاضات الجوية. وهي نوع من الرياح يحمل صفات الخماسين وصفات الفون. فهي كالخماسين صحراوية وحارة ومتربة، وعندما تهبط من أعالي السييرا نفادا تتضاغط، وترتفع حرارتها أكثر، كما يحدث للفون. وهي ذات تأثير سيّئ على المحاصيل خصوصا في الربيع حينما تبدأ أشجار الفاكهة في اخراج براعهما، كما أنها مصدر مضيقة للإنسان والحيوان. الرياح المحلية الباردة: السترال: تهب في فصل الشتاء في أواسط فرنسا نحو الجنوب خلال دهليز وادي الرون. وتجذبها بشدة الانخفاضات الجوية المارة في الحوض الغربي للبحر

المتوسط، فتدفع بسرعة تبلغ نحو 60 كيلو مترا في الساعة، وقد تبلغ المائة. وهي باردة وجافة، وتؤخر نضج المحاصيل، وتسبب برودة سواحل الريفييرا، فيهجرها السائحون أثناء هبوبها. البورا: وهي تشبه المسترال. فهي رياح شمالية شديدة البرودة والجفاف، تهب في فصل الشتاء من جبال الألب إلى شمال البحر الأدرياتي، وهي تنشأ بسبب بروز انخفاضات جوية "أعاصير" في البحر الأدرياتي تجذبها إليها. وكلمة بورا تعني ريح الشمال. 4- الرياح اليومية: تحدث هذه الرياح بانتظام في كل يوم، ومن أمثلتها نسيم البر والبحر، ونسيم الوادى والجبل. شكل "123": نسيم البر، ونسيم البحر نسيم البر ونسيم البحر: يسببه تجاور اليابس والماء في المناطق المدارية، وفي العروض المتوسطة.

ففي أثناء النهار يسخن هذا اليابس، فينخفض ضغطه، بينما يظل هواء البحر أقل حرارة، ومن ثم يصبح ضغطه مرتفعا، فيهب من البحر إلى البر نسيم لطيف يسمى نسيم البحر. ويمتد تأثيره في داخل اليابس لمسافة لا تزيد عن 50 كيلو مترا من ساحل البحر. أما نسيم البر فيحدث ليلا، حين يبرد هواء اليابس فيصبح ذا ضغط مرتفع بينما يحتفظ هواء الماء بحرارته فيصبح ذا ضغط منخفض، فيهب من اليابس إلى البحر نسيم يسمى نسيم البر "شكل 123". شكل "124" نسيم الجبل، ونسيم الوادي

نسيم الوادي ونسيم الجبل: أما نسيم الوادي والجبل فيرجع سببه إلى عامل التضاريس والجاذبية الأرضية "شكل 124". ويكثر حدوثه في الجهات الجبلية كسويسرا. ويحدث نسيم الوادي نهارا. فعندما تسطع الشمس فإنها تدفئ الوادي، فيتمدد ويزحف على منحدر الجبل صاعدا نحو قمته، وهو دافئ يذيب بعض الجليد إن وجد. أما نسيم الجبل فيحدث ليلا. فعندما تغيب الشمس يبرد هواء الجبل وينكمش. ويهبط من أعلى الجبل بسبب ثقله، زاحفا نحو الوادي، فيسبب برودته، كما يسبب تكوين الضباب.

الفصل الرابع: التبخر والرطوبة

الفَصلُ الرّابع: التبَخّر َوالرّطُوبَة التبخر: يتبخر الماء بكميات غير صغيرة من جميع الأجسام المبللة به، كالصخور والتربة والكائنات الحية. ويتبخر الماء في كل درجات الحرارة حتى إن الثلج نفسه يتبخر ببطء شديد إذا عرض للهواء مدة كافية، وبالطبع يزداد التبخر كلما ارتفعت درجة الحرارة.

قياس التبخر

قياس التبخر: يقدر التبخر بواسطة: 1- جهاز ويلد. 2- جهاز بيش. والجهاز الأول عبارة عن حوض يعرض للجو مباشرة، وهو مملوء بالماء ومدرج في أحد جوانبه، ويبلغ اتساع هذا الحوض 180 سنتيمترا مربعا، وعمقه 46 سنتيمترا، ويقاس التبخر بمقدار انخفاض الماء في الحوض "شكل 125". أما الجهاز الثاني فهو عبارة عن أنبوبة زجاجية مدرجة، وأحد طرفيها مغلق، والآخر مفتوح، تملأ بالماء وتوضع منعكسة، بحيث يكون الطرف المفتوح إلى أسفل، ويثبت على الفوهة قطعة من ورق النشاف بواسطة ماسك معدني. ونتيجة لتعرضها لأشعة الشمس فإن الماء يتبخر من سطح ورقة النشاف التي تمتص الماء من الأنبوبة فينخفض ارتفاع الماء بها، فمثلا إذا كان طول الأنبوبة 24 سم، ومملوءة بالماء كلية، ووضعت في الوضع الصحيح لها، وبعد مدة قدرها ساعة مثلا وجدنا أن الماء في الأنبوبة انخفض

إلى 23.4 سم، فإن مقدار التبخر سيكون 24.00 - 23.4= 0.6 سم. وهكذا يمكن معرفة مقدار التبخر خلال ساعات اليوم، ومنه نستنتج المتوسط اليومي للتبخر. شكل "125": أجهزة قياس التبخر وهناك علاقة وطيدة بين درجة الحرارة والتبخر، فنلاحظ أن التبخر يزداد دائما في أشهر الصيف عنه في أشهر الشتاء. ومن الثابت أيضا أن التبخر يتناقص بصفة عامة كلما بعدنا عن خط الاستواء شمالا أو جنوبا، كما يتناقص أيضا كلما زاد الارتفاع عن سطح البحر بسبب انخفاض درجة الحرارة بالارتفاع أيضا.

الرطوبة

الرطوبة: يحتوي كل حيز من الهواء على سطح الأرض على مقدار من بخار الماء. ويسمى الهواء جافا إذا قل ما به من بخار الماء، ورطبا إذا كانت كمية بخار الماء به كبيرة. وتعبير "الرطوبة الجوية" يعني بخار الماء العالق بالهواء، ويستمد الهواء رطوبته من مصادر متعددة أهمها: البخار والمحيطات والبحيرات والأنهار، والنتح من النباتات. وأهم شيء في قياس الرطوبة معرفة نسبتها أي الرطوبة النسبية، وهي عبارة عن النسبة المئوية لما يوجد في الهواء فعلا من بخار الماء في درجة حرارة معينة إلى المجموع الكلي لما يمكن أن يتحمله

الهواء وهو في نفس درجة الحرارة، أو بعبارة أخرى طاقة الهواء على حمل بخار الماء. مثال ذلك إذا كان الهواء في درجة 20 درجة مئوية يمكنه أن يحمل 4 ذرات من بخار الماء في كل لتر مكعب، ولكن وجد أنه يحمل بالفعل 2 ذرة فقط. معنى هذا أن رطوبة هذا الهواء تبلغ النصف فقط من تشبعه الكامل. وتكون الرطوبة النسبية في هذه الحالة هي 2/4×100= 50%.

قياس الرطوبة

قياس الرطوبة وتسجيلها: تقدر نسبة الرطوبة في الجو بواسطة: 1- الهيجرومتر: للقياس. 2- الهيجروجراف: للتسجيل. ويتكون الجهاز الأول كما في شكل "126" من: ترمومترين: أحدهما جاف والآخر مبلل. ويعين الترمومتر المبلل درجة حرارة أقل من درجة حرارة الترمومتر الجاف، وسبب ذلك أن التبخر حول الفقاعة المبللة يؤدي إلى انخفاض درجة الحرارة في الترمومتر، ويزيد هذا التبخر أو ينقص حسب مقدار رطوبة الهواء. ويتركب جهاز الهيجروجراف الذي يسجل الرطوبة النسبية في الجو تلقائيا من: شكل "127" 1- خصلة شعر الإنسان تتأثر بالرطوبة فتتمدد بزيادة الرطوبة وتنكمش بقلتها. 2- مجموعة روافع تنقل حركتي التمدد والانكماش من خصلة الشعر إلى الذراع المتصل بها. 3- ذراع في نهاية طرفه ريشة تتحرك إلى أعلى وأسفل. 4- أسطوانة معدنية تدور حول نفسها بواسطة ساعة دورة كاملة كل أسبوع. 5- يلف حول الاسطوانة ورقة بيانية ترسم عليها الريشة خطا بيانيا لنسبة الرطوبة في الهواء طوال الأسبوع.

شكل "126": جهاز الهيجرومتر

كيفية قراءة الهيجروجراف

كيفية قراءة الهيجروجراف: لإيجاد نسبة الرطوبة في الجو تتبع الخطوات التالية:

شكل "127": الهيجروجراف "مسجل الرطوبة" 1- تقرأ درجة الحرارة التي يعينها الترمومتر المبلل ولتكن مثلا 10 درجة مئوية. 2- تقرأ درجة الحرارة التي يعينها الترمومتر الجاف ولتكن مثلا 13 درجة مئوية. شكل "128": جزء من جدول الرطوبة 3- نرجع إلى جداول خاصة "شكل 128" فنجد أن الرقم المقابل لهاتين الدرجتين هو 66 وهو النسبة المئوية للرطوبة في الهواء.

كيفية إعداد الهيجروجراف للاستعمال

كيفية إعداد الهيجروجراف للاستعمال: يتبع في إعداد الهيجروجراف للاستعمال نفس الخطوات التي اتبعت في إعداد جهازي الترموجراف والباروجراف.

الفصل الخامس: التكاثف

الفصل الخامس: التكاثف مدخل ... الفَصلُ الخَامِس: التكَاثف إذا كان الهواء لا يستطيع أن يحتوي أكثر مما به من بخار الماء يقال إن الهواء مشبع بالرطوبة، فإذا ازدادت كمية البخار أو انخفضت درجة الحرارة فإن جزءا من بخار الماء يبدأ في التكاثف. والتكاثف عبارة عن تحول بخار الماء من حالة غير مرئية إلى حالة يمكن رؤيتها، من ذلك تحوله إلى ذرات صغيرة تبقى عالقة في الجو نشاهدها في هيئة سحب، أو إلى قطرات صغيرة من الماء كما هو الحال في المطر، أو إلى بللورات متجمدة كما هو الحال في الثلج. وينتج التكاثف عن طريق عوامل كثيرة منها: 1- فقدان الهواء لحرارته بالإشعاع نتيجة لانتشار الهواء وتمدده. 2- فقدان الحرارة من سطح الأرض بالإشعاع أيضا. 3- هبوب الرياح من جهات دفيئة إلى أخرى باردة. 4- ارتفاع التيارات الهوائية إلى أعلى. 5- مرور هواء ساخن محمل ببخار الماء فوق سطح جليدي أو فوق سطح تيار مائي بارد. وللتكاثف مظهران هامان: أ- تكاثف على سطح الأرض ويتمثل في: الضباب - الندى - الصقيع. ب- تكاثف في طبقات الجو العليا ويتمثل في: السحب - المطر - الثلج - البرد. وفيما يلي وصف مختصر لكل مظهر، لكننا سنفرد للمطر فصلا خاصا نظرا لأهميته.

تكاثف على سطح الأرض

تكاثف على سطح الأرض الضباب ... الضباب: يمثل حالة تكاثف بخار الماء على سطح الأرض وبكميات تحجب الرؤية وتجعلها صعبة. وأهم أسباب تكوينه: انتقال هواء دفيء رطب إلى جهات باردة، فيحدث التكاثف، وقد يتجمع الضباب فيكون كثيفا وخاصة على الجهات الساحلية، فتنتج عنه أخطار جسيمة في الملاحة، كما أنه يسبب قلة الرؤية خلاله. فتقصر إلى بضعة أمتار قليلة، فيعرقل المواصلات وخاصة في المدن الكبرى وإذا كان الضباب خفيفا في الصباح الباكر فإنه يعرف باسم الشابورة، التي لا تلبث أن تتشتت عندما تشرق الشمس وتشتد الحرارة.

الندى

الندى: عبارة عن قطرات مائية، أو طبقة رقيقة من الماء تتجمع على السطوح المعرضة للجو مباشرة، مثل أوراق النباتات وغيرها من الأجسام الصلبة. فهي تبرد أثناء الليل حين يتكاثف بخار الماء عليها نتيجة لانخفاض درجة الحرارة إلى ما دون نقطة الندى. وتعرف نقطة الندى بأنها درجة الحرارة التي عندها يتحول بخار الماء من الحالة الغازية إلى الحالة السائلة، ويكثر الندى بصفة خاصة أثناء الليالي الصافية والساكنة الهواء.

الصقيع

الصقيع: إذا كانت درجة حرارة الأجسام الصلبة أو أسطح أوراق النباتات المعرضة للجو أقل من نقطة التجمد فإن بخار الماء يتكثف عليها على شكل بلورات من الثلج المتجمد يطلق عليه اسم "صقيع". أي بخار الماء تحول من الحالة الغازية إلى الحالة الصلبة سريعا دون أن يمر بحالة السيولة. وللصقيع آثار ضارة بالنباتات وخاصة أشجار الفاكهة، وذلك لأنه يضعف من نموها ولذلك تدعو الضرورة أحيانا إلى إشعال النيران بين الأشجار، فيتصاعد منها الدخان الذي يكسو أرض الحديقة بغطاء يمنع الإشعاع الحراري منها.

تكاثف في طبقات الجو العليا

تكاثف في طبقات الجو العليا السحب ... السحب: تمثل مظهرا من مظاهر تكاثف بخار الماء في طبقات الجو العليا. وهي في الحقيقة ضباب كثيف، لكنه بعيد عن سطح الأرض، وتتكون السحب نتيجة لصعود هواء رطب إلى طبقات الجو العليا حيث تنخفض الحرارة. والسحب لها تأثير كبير في المناخ لأنها مصدر الثلوج والأمطار، كما أنها تكون بمثابة الغطاء الذي يعرقل الإشعاع الشمسي من النفاذ إلى الأرض نهارا، والإشعاع الأرضي إلى الجو أثناء الليل. وهناك أنواع من السحب حسب ارتفاعها عن سطح البحر منها المرتفع والمتوسط الارتفاع والمنخفض، ويتغير ارتفاع السحب بتغير فصول السنة فيزداد صيفا ويقل شتاء، كما يتأثر أيضا بالبعد أو القرب عن خط الاستواء. السحب المرتفعة: ويتراوح ارتفاعها بين 6000-12000 متر وتنقسم إلى: السمحاق Cirrus: وهي سحب بيضاء اللون رقيقة، تتشكل من بللورات ثلجية، وتشبه في هيئتها الريش الأبيض اللون أو القطن المندوف، وظهورها يدل على قرب حدوث جو رديء. السمحاق الركامي Cirro Cummulus: وتظهر على شكل بقع بيضاء، وتنتظم في مجموعات متراصة. السمحاق الطبقي Ciriostratus: وتبدو بهيئة ستار يغطي السماء، ويبدو بلون اللبن، وظهورها ينذر بقرب سقوط المطر. السحب المتوسطة: ويتراوح ارتفاعها بين 2000-6000 متر، وتنقسم إلى:

الركام المتوسط الارتفاع Altocumulus: تبدو بشكل كتل كروية، وتشكل طبقات مرتبة في هيئة أمواج متتابعة وأسفلها ذو لون داكن، ويشير ظهورها إلى قرب تغير سيئ في أحوال الجو. الطبقي المتوسط الارتفاع Altostratus: وهي سحب ذات لون رمادي أو ضارب إلى الزرقة. وقد تشكل ستارا يغطي السماء، ويحجب ضوء الشمس. ووجودها يشير إلى قرب سقوط المطر. السحب المنخفضة: وترتفع إلى علو 2000 متر، وتنقسم إلى: الركام الطبقي Stratocumulus: وتبدو بهيئة طبقة أو كتل أسطوانية الشكل رمادية اللون، ويصحبها أحيانا سقوط المطر. الطبقي Stratus: سحب منخفضة رمادية اللون، تحجب السماء بأكملها وكأنها ضباب مرتفع، قد يصحبها سقوط مطر خفيف. المزن الطبقي Nimbostratus: سحب رمادية، غالبا ما تكون قاتمة، وهي تحجب السماء بأكملها. ويصحبها سقوط أمطار غزيرة. الركامي Cumulus: وهي سحب تشبه في مظهرها القنبيط، فهي ناصعة البياض، وتنشأ نتيجة لنشاط التيارات الهوائية الصاعدة. ويصحبها سقوط مطر.

المزن الركامي Cumulonimbus: سحب ترتفع رأسيا حتى تصل إلى علو يسمح بالتكاثف، ويصحبها سقوط أمطار غزيرة، وحدوث رعد وبرق. كيفية قياس كمية السحب: تقاس كمية السحب بأن تقسم القبة السماوية إلى ثمانية أقسام. وتحسب نسبة الأقسام المحجبة منها بالسحب، كأن تكون مثلا1/8 أو 3/8. وهناك آلات خاصة لتسجيل مدة سطوع الشمس أثناء اليوم، وكذلك مدة احتجابها وراء السحب.

الثلج

الثلج: وهو عبارة عن بلورات رقيقة تشبه زغب الريش الأبيض، ويتكون نتيجة انخفاض درجة الحرارة إلى ما دون درجة الصفر في طبقات الهواء العليا. فتتساقط على سطح الأرض. ومن الصعب قياس الكمية الساقطة نظرا لأن الرياح تنقل البلورات الثلجية من مكان لآخر. وكثيرا ما يسبب تساقط الثلج وذوبانه على أعالي الهضاب وعلى قمم الجبال المرتفعة فيضان الأنهار. كما أنه نتيجة لتراكمه على شكل حقول واسعة يتصلب ويتحول إلى ما يعرف بالجليد، ويتساقط الثلج في كل العروض إلا أنه يقل للغاية عند خط الاستواء، ويقتصر سقوطه هناك على القمم العظيمة الارتفاع.

البرد

البرد: يحدث نتيجة لتكاثف بخار الماء في السحب على شكل قطرات صغيرة من الماء لا تلبث أن تتجمد على شكل كرات من الثلج بسبب شدة البرودة، فتبدأ في السقوط لثقلها، إلا أنها ترتفع مرة ثانية بواسطة التيارات الصاعدة إلى داخل السحب، فيتكثف حولها من جديد طبقة أخرى من الماء المتجمد، وهكذا تعاد العملية عدة مرات إلى أن يكبر حجمها ويصل قطرها إلى نحو سنتيمتر ونصف، وتسقط على الأرض بفعل ثقلها. ويسقط البرد في كل مكان مثل الثلج، إلا أنه نادر الحدوث عند المناطق الاستوائية.

الفصل السادس: المطر

الفصل السادس: المطر مدخل ... الفَصلُ السَّادِس: المَطَر يعتبر المطر من أهم المظاهر التي يتحول إليها بخار الماء من الحالة الغازية إلى الحالة السائلة في طبقات الجو العليا. وللمطر أهمية عظيمة: فمنه نستمد المياه العذبة اللازمة لحياتنا، وينساب جزء منه على سطح الأرض فيكون الأنهار التي تصب ماءها في البحار والمحيطات، وجزء آخر يتسرب في القشرة الأرضية مكونا مياها أرضية تنفجر في هيئة عيون وآبار، وجزء يتبخر فيصعد ثانية إلى الجو "شكل 129". شكل "129": دورة المطر

قياس المطر

قياس المطر: تقاس كمية المطر بواسطة مقياس خاص يتكون من إناءين أحدهما معدني

يتجمع فيها المطر. والآخر زجاجي مقسم إلى سنتيمترات تقاس به كمية المطر المتجمعة في الإناء المعدني. ويتكون الجهاز المعدني كما في شكل "130" من: شكل "130": مقياس المطر 1- جزء أعلى له فتحة مستديرة يدخل عن طريقها المطر، وفي نهاية هذا الجزء قمع. 2- جزء أسفل يمثل قاعدة لإناء آخر ذي فوهة ضيقة يتلقى الماء الذي ينزل من القمع. وتراعى النسبة بين مساحة فوهة الإناء المعدني وبين مساحة قاعدة الإناء الزجاجي، فإذا كانتا متساويتين يكون حجم المطر الساقط في الإناء المعدني مساويا لحجمه في الإناء الزجاجي "شكل 131"، أما إذا كانت مساحة

فوهة الإناء المعدني ضعف مساحة قاعدة الإناء الزجاجي، وكان ارتفاع المطر في الإناء المعدني ملليمترا واحدا، فإنه إذا وضع في الإناء الزجاجي سيكون ارتفاعه ملليمترين، وعلى ذلك يدرج الإناء الزجاجي بحيث تظل القراءة ملليمترا واحدا لأن كمية المطر المتجمعة في الإناء الزجاجي يدل على أن كمية المطر الساقطة هي ملليمتر واحد فقط. وكلما كبرت النسبة بين فوهة الإناء المعدني وقاعدة الإناء الزجاجي كلما كان المقياس دقيقا "شكل 132". شكل "131": مساحة فوهة الإناء المعدني مساوية لمساحة قاعدة الإناء الزجاجي وعلى أساس قياس المطر يمكن أن نحصل على معدلات شهرية وسنوية للكمية التي تسقط في الأقاليم المختلفة، كما يمكننا أن نرسم خطوطا تصل بين الأماكن التي تتساوى فيها كمية الأمطار، ويطلق عليها اسم خطوط المطر المتساوي. وتختلف هذه الخطوط عن خطوط الحرارة المتساوية أو خطوط الضغط المتساوية، إذ إنها عند رسمها لا تحتاج إلى تعديل الأرقام بالنسبة لسطح البحر، بل توضع على الخريطة كما هي بدون تعديل.

أنواع المطر

أنواع المطر مطر التيارات الصاعدة ... أنواع المطر: للمطر ثلاثة أنواع هي: 1- مطر التيارات الصاعدة: وهو المطر الناتج عن صعود الهواء الرطب، كما في مناطق الرهو

الاستوائية، حيث تشتد الحرارة، وتتصاعد التيارات الهوائية إلى طبقات الجو العليا فتبرد ويتكاثف ما بها من بخار الماء فيسقط المطر، وتتوقف غزارة هذا المطر على عاملين هما: كمية بخار الماء التي يحملها الهواء، ثم درجة الحرارة العليا التي تصعد إليها السحب. شكل "132": كلما كبرت النسبة بين فوهة الإناء المعدني وقاعدة الإناء الزجاجي أمكن تقدير كمية المطر بكل دقة مهما صغرت ويكثر هذا النوع من الأمطار في المناطق الاستوائية والمدارية، حيث يسقط بصورة منتظمة في جميع فصول السنة. ويحدث التصاعد الهوائي أثناء النهار الحار. ويتساقط المطر في المساء. والسحب المصاحبة لهذا النوع من الأمطار هي الركامي أو المزن الركامي. ويتصف المطر بالغزارة والانهمار في هيئة وابل، ولهذا فهو قد يضر المحاصيل، كما أن الجريان السطحي الغزير قد يجرف التربة ويؤدي إلى تعريتها.

مطر الأعاصير

2- مطر الأعاصير: وهو مطر الرياح العكسية التي تكثر بها الانخفاضات الجوية المسماة بالأعاصير. ومن أمثلتها أمطار البحر المتوسط وأمطار غرب أوروبا. ويتسبب في سقوطه مرور الأعاصير أو الانخفاضات الجوية، إذ يحدث

أن يجذب الإعصار تيارين هوائيين مختلفي المصدر من حيث الحرارة. كأن يأتي تيار من الشمال البارد، وآخر من الجنوب الحار. أو الدفيء. وحينما يتقابلان تحدث عملية تصعيد للهواء الدافئ، لأنه الأخف وزنا، وحينما يعلو فإنه يبرد، ويتكاثف ما به من بخار ماء، فيسقط مطرا. ويكثر المطر بالطبع حينما يكون الهواء الصاعد غزير الرطوبة.

مطر التضاريس

3- مطر التضاريس: وهو المطر الذي يسببه اعتراض الهضاب المرتفعة أو الجبال للرياح المحملة ببخار الماء. حيث ترتفع الرياح فوق المرتفعات فتبرد، ويتكاثف ما بها من البخار فيسقط المطر، مثل أمطار الجهات الموسمية وأمطار الرياح المنتظمة. وتكون المنحدرات الجبلية المواجهة لهبوب الرياح أكثر مطرا من المنحدرات المظاهرة لها، وتسمى السفوح الجافة التي لا يسقط عليها المطر بمنطقة "ظل المطر" ويزداد المطر في كميته كلما ازداد الارتفاع، حتى يصل إلى مستوى معين يأخذ بعده في التناقص، ويكثر مطر هذا النوع في كل الجهات الجبلية مثل جبال إسكندناوه في شمال غرب أوروبا، ومرتفعات الإنديز والروكي في غرب الأمريكتين، وجبال شبه جزيرة الهند وخاصة المنحدرات الجنوبية لجبال الهيمالايا.

نظم المطر

نظم المطر مدخل ... نظم المطر: ينبغي معرفة التوزيع الفصلي لكمية الأمطار الساقطة على كل إقليم من الأقاليم، وهذا ما يعرف بنظم المطر. ويمكن أن نميز بين النظم الأساسية ومميزات كل منها كما يلي:

النظام الاستوائي

النظام الاستوائي: يظهر هذا النظام في الأقاليم الواقعة حول خط الاستواء من 5 درجات شمالا إلى 55 درجة جنوبا. وتسقط الأمطار فيه طوال العام، وليس هناك فصل جاف، وتزداد في الاعتدالين عندما تكون الشمس عمودية على خط الاستواء. وأهم أسباب المطر هنا كثرة التبخر ووجود التيارات الهوائية الصاعدة، وكثرة الزوابع

الراعدة. ويبلغ متوسط ما يسقط من المطر بين متر ونصف إلى مترين في السنة. وهناك بالطبع اختلافات محلية، بسبب التباين في مظاهر السطح وتوزيع اليابس والماء، فأمطار حوض زائير أقل من أمطار جزر إندونيسيا وذلك لتضاريسها المرتفعة وإحاطة مياه المحيط بها. شكل "133": توزيع المطر على العالم

النظام السوداني

3- النظام السوداني: ويظهر في الأقاليم التي تقع بين خطي عرض 5 درجات - 20 درجة شمال وجنوب خط الاستواء. وخاصة في بلاد السودان وهضبة البرازيل، وأهم ما يميزه سقوط الأمطار صيفا، عندما تتعامد الشمس عليه، حين يقع في نطاق الضغط المنخفض فيما بين يونيو وسبتمبر. ويطول فصل المطر كلما اتجهنا نحو خط الاستواء، ويقل كلما بعدنا عنه، حتى يكاد ينعدم ويبلغ متوسط ما يسقط من مطر حوالى 2/1 متر في السنة.

النظام الموسمي

4- النظام الموسمي: يوجد هذا النظام في المناطق التي تقع جنوب شرق وشرق آسيا التي تهب عليها الرياح الموسمية المحملة ببخار الماء، وخاصة عندما يكون اليابس الآسيوي

مركز للضغط المنخفض. وهذا النظام يشبه النظام السوداني من حيث سقوط المطر فيه صيفا. إلا أن الأمطار الموسمية أشد غزارة. ويتراوح متوسط ما يسقط من المطر في هذا النظام بين 0.90 - 1.10 مترا في السنة. ويتذبذب المطر في كميته، وفي طول فصل سقوطه من عام لآخر. ويترتب على ذلك إلحاق الضرر بالمحاصيل وبالإنسان والحيوان كما يتسبب أحيانا في إحداث فيضانات عالية تغرق مناطق العمران.

النظام الصحراوي

5- النظام الصحراوي: ويوجد في الصحاري المدارية بين خطي عرض 18 درجة - 30 درجة شمال وجنوب خط الاستواء، أي إنه يقع بين منطقتي النظام السوداني ذي المطر الصيفي، ونظام البحر المتوسط ذي المطر الشتوي ويكاد المطر ينعدم به نظرا لوقوع الصحاري في مهب الرياح التجارية التي تصل إليها جافة. وتعتبر الصحراء الكبرى الأفريقية أعظم الصحاري المدارية مساحة، وتجد لها امتدادا عبر البحر الأحمر في صحراء شبه جزيرة العرب.

نظام البحر المتوسط

6- نظام البحر المتوسط: يوجد هذا النظام في غرب القارات بين خطي عرض 30 درجة - 40 درجة شمالا وجنوبا وتسقط به الأمطار في فصل الشتاء لا سيما فيما بين شهري نوفمبر وفبراير، بسبب هبوب الرياح الغربية العكسية والانخفاضات الجوية التي تصاحبها. ويبلغ متوسط كمية المطر في السنة نحو نصف متر. وفصل الصيف جاف نظرا لهبوب الرياح التجارية الجافة. ويتمثل هذا النظام في الأراضي المطلة على البحر المتوسط، كما يتمثل في كاليفورنيا، ووسط شيلي، وجنوب غرب كل من استراليا وأفريقيا.

النظام الصيني

7- النظام الصيني: ويوجد في شرق القارات بين خطي طول 30 درجة - 40 درجة شمالا وجنوبا، أي في نفس عروض نظام البحر المتوسط. لكن الأمطار تسقط هنا طول العام، وأكثرها في فصل الصيف بسبب هبوب الرياح الموسمية، أما في الشتاء فبسبب وجود انخفاضات جوية، ويسود هذا النظام جنوب ووسط الصين، وجنوب شرق الولايات المتحدة الأمريكية.

نظام غرب أوروبا

8- نظام غرب أوروبا: يوجد هذا النظام فيما بين خطي عرض 40 درجة - 60 درجة شمالا وجنوبا على السواحل الغربية للقارات كغرب أوروبا وغرب أمريكا الشمالية إلى الشمال من كاليفورنيا وتسقط به الأمطار طول العام بسبب الرياح الغربية التي تهب على السواحل من ناحية البحر وتشتد الأمطار في الخريف والشتاء بسبب كثرة ورود الأعاصير. ويبلغ مجموع المطر السنوي به ما يقرب من مترين في المتوسط.

نظام اللورنسي

9- النظام اللورنسي: ويسود في شرق القارات بين خطي عرض 40 درجة - 60 درجة شمالا وجنوبا، أي في نفس عروض نظام غرب أوروبا "لكن في شرق القارات". وتسمى بذلك نسبة إلى حوض نهر سنت لورنس بشمال شرق أمريكا الشمالية حيث يتمثل به هذا النظام خير تمثيل. ومطره يسقط طوال العام، ويزداد في فصل الصيف.

نظام الجهات الداخلية

10- نظام الجهات الداخلية: ويوجد هذا النظام في داخل القارات، والأمطار قليلة في جملتها، وإذا سقطت فإن غالبيتها يكون في فصل الصيف، بسبب التيارات الهوائية الصاعدة التي تنشط في الفصل الحار. ويظهر هذا النظام في شرق أوروبا، والسهول الوسطى بأمريكا الشمالية.

نظام الصحارى الداخلية المعتدلة

11- نظام الصحاري الداخلية المعتدلة: ويوجد في الجهات الداخلية من القارات في مجال عروض هبوب الرياح العكسية، فيوجد في وسط آسيا إلى الشرق من بحر قزوين. ولا تسقط الأمطار إلا إذا نجحت الرياح العكسية وأعاصيرها في الوصول إليها، وهذا لا يحدث إلا قليلا

الصحارى الباردة أو الجليدية

12- الصحاري الباردة أو الجليدية: وتسود في شمالي القارات بالنصف الشمالي من الكرة الأرضية على الخصوص، حيث تشتد البرودة في المناطق القطبية طول العام. والمطر نادر بسبب ارتفاع الضغط. وشدة البرودة التي لا تساعد على حمل بخار الماء. ويسقط المطر القليل "نحو 25 سم" في فصل الصيف القصير الذي لا يتعدى شهرا أو شهرين فيهما ترتفع الحرارة فوق الصفر بقليل.

خرائط الطقس

خرائط الطقس: توضح خرائط الطقس حالة الجو في أقليم ما لمدة قصيرة قد تكون يوما أو يومين، وتتنبأ بما عسى أن يطرأ على هذه الحالة من تغير في اليوم التالي أو اليومين التاليين، ولذلك فهي تصدر كل يوم. ولقد أصبح في مقدور العاملين بدراسة الأرصاد الجوية أن يتنبأوا بحالة الطقس. فمثلا في استطاعتهم أن يتنبأوا عما إذا كانت درجة الحرارة سترتفع أو تنخفض في اليوم التالي، أو ستبقى على ما هي عليه. وكذلك الحال بالنسبة للضغط الجوي، كما أنه في استطاعتهم أن يتنبأوا باتجاه الرياح، والأثر الذي ستحدثه في الحالة الجوية، مثل رفع درجة الحرارة أو تلطيفها، أو أنها ستثير الأتربة والغبار، بالإضافة إلى استطاعتهم أن يتنبأوا بصفاء السماء وخلوها من السحب، أو أنها ستكون ملبدة بها، وبما إذا كانت الأمطار ستسقط أم لا، وكذلك التنبؤ بالأماكن التي ستسقط عليها. ونظرا لدقة دراسة العناصر المناخية من حرارة وضغط ورياح ومطر.. إلخ بواسطة الأجهزة الحديثة مثل الأقمار الصناعية، فقد أصبح من النادر أن ترد أخطاء في التنبؤات الجوية. ويراعي المتنبئون الجويون عند تنبؤهم بحالة الجو الأمور الآتية: 1- الإلمام بالحالة الجوية العامة للإقليم، وذلك عن طريق دراسة الأرصاد المختلفة التي تسجلها المراصد في الإقليم أو الأقاليم المجاورة له. ودراسة المتوسطات التي تستنتج من هذه الأرصاد.

شكل "134": إحدى خرائط الطقس التي تصدرها مصلحة الأرصاد الجوية المصرية. 2- الإلمام بالحالة الجوية الخاصة بالإقليم، مثل معرفة خطوط سير

الانخفاضات الجوية وآثارها المناخية. فمن المعروف أن هذه الانخفاضات لها أثر كبير في الحالة الجوية، إذ إنها تسير من الغرب إلى الشرق فتتغير الحالة الجوية مع تحركها تبعا لموقع الانخفاض والطريق الذي يسلكه. ويوضح الشكل رقم "134" خريطة الطقس التي تصدرها مصلحة الأرصاد الجوية في صباح كل يوم، ومنها يمكن أن نوضح المعلومات المدونة فيها على النحو الآتي: 1- تقدر درجة الحرارة بالدرجات المئوية بجوار رمز المحطة وهو عبارة عن دائرة بجوارها رقم المحطة الدولي. 2- يقدر الضغط الجوي بالملليبار، ويوضح على الخريطة بخطوط هي خطوط الضغط الجوي المتساوي، بحيث يكون الفرق بين كل خط وآخر يليه ملليبارين. شكل "135": كيفية توضيح اتجاه وسرعة الرياح على خرائط الطقس

3- يبين اتجاه الريح بواسطة أسهم تتجه مع اتجاه الريح، وتبين عليها السرعة بواسطة شرط قصيرة ترسم في ذيل السهم "شكل 135". 4- يوضح التساقط بأنواعه المختلفة بواسطة علامات اصطلاحية "شكل 136". شكل "136": كيفية توضيح مختلف أنواع التساقط على خرائط الطقس 5- السحب وتبين داخل دائرة المحطة بواسطة شرط رأسية "شكل 137" شكل "137": كيفية توضيح السحب على خرائط الطقس

طريقة رسم خرائط الطقس

طريقة رسم خرائط الطقس ... عدد كبير من محطات الأرصاد الجوية موزعا توزيعا جيدا فوق مساحة واسعة داخل الدولة. وبالنسبة لجمهورية مصر العربية. نجد الاهتمام يزداد بجمع الأرصاد من المحطات الجوية التي توجد في الغرب، إذ إنه من ذلك الاتجاه تأتي الانخفاضات الجوية التي تؤثر في جو الجمهورية خلال فصلي الشتاء والربيع، وما يصاحبها من مظاهر جوية. ويجب أن تمر خريطة الطقس بثلاث مراحل هي: المرحلة الأولى: مرحلة جمع البيانات الخاصة بالأرصاد الجوية في مختلف مراصد المنطقة. سواء من داخل الدولة أو خارجها، وخاصة المناطق التي تؤثر وتتأثر بطقس الدولة. فمثلا تضم خريطة الطقس في مصر كل شمال أفريقيا. إلى جانب الجزء الجنوبي من أوروبا بالإضافة إلى الجزء الجنوبي والغربي من قارة آسيا. المرحلة الثانية: وفي هذه المرحلة يتم توقيع البيانات السابق جمعها كل في مكانه بجوار محطات الرصد، وذلك باستخدام الرموز والشفرات السابق دراستها. المرحلة الثالثة: وتعتبر هذه المرحلة أخيرة وتختص بالتنبؤ بحالة الطقس في يوم أو في يومين متتالين. وتبدأ هذه المرحلة برسم خطوط الضغط المتساوي. ثم تحديد خط سير الانخفاضات، ودراسة اتجاهات الرياح، وتوزيع درجة الحرارة والسحب إلى غير ذلك من عناصر الطقس. ولا بد أن يشرف على محطات الأرصاد الجوية ويقوم بتسجيل الأحوال الجوية فيها وتبليغها إلى المركز الرئيسي أشخاص مدربون تدريبا جيدا، وعندما تتجمع البيانات لا بد من رسم خريطة سريعة ونشرها في وقت قصير، وإلا فقدت قيمتها المرجوة منها. وأخيرا لا بد أن يقوم المتنبئون الجويون بإبلاغ التنبؤات للجهات المختلفة التي يهمها الأمر.

الباب السادس: الغلاف الحيوي

الباب السادس: الغلاف الحيوي مدخل ... البَاب السَّادِس: الغِلَاف الحيَوي مقدمة: سبق أن عرفنا أن الأرض تتكون من خمسة أغلفة تحيط بها. والغلاف الحيوي أحد هذه الأغلفة، وهو مدى التفاعل بين الغلاف الصخري من ناحية والغلاف الجوي من ناحية أخرى، فهو يهتم بالظاهرات الحية لسطح الأرض مثل النبات والحيوان والإنسان. وستقتصر دراستنا هنا على النبات والحيوان وذلك من حيث توزيع كل منهما وعلاقة ذلك بالتضاريس والمناخ.

الفصل الأول: النباتات الطبيعية وتوزيعها على سطح الأرض

الفصل الأول: النباتات الطبيعية وتوزيعها على سطح الأرض مدخل ... الفَصلُ الأول: النَّبَاتات الطَّبيعيَّة وتَوزيعهَا على سَطح الأرض يقصد بالنبات الطبيعي ما ينمو منه على سطح الأرض من تلقاء نفسه كالغابات والحشائش والأعشاب. ويلاحظ أن الأقاليم النباتية يتداخل بعضها في بعض، ولا يوجد فاصل بين إقليم وآخر.

العوامل التي تؤثر في توزيع النباتات

العوامل التي تؤثر في توزيع النباتات مدخل ... العوامل التي تؤثر في توزيع النباتات: يتوقف توزيع النباتات الطبيعية على سطح الأرض على عدة عوامل تؤثر في حياتها أهمها المناخ، التربة، التضاريس.

العامل المناخي

العامل المناخي يشمل ما يأتي: 1- الحرارة: لكل نبات درجة حرارة ينمو فيها، وعلى ذلك فإن النباتات تتوزع في الأقاليم المختلفة تبعاً لدرجة الحرارة في هذه الأقاليم. 2- الضوء: وهو ضروري جدا لنمو النباتات، ويظهر أثر الضوء في العروض العليا عندما يطول النهار في الصيف ويبقى ضوء الشمس ظاهرا مدة طويلة. وقلة الضوء تقلل من نمو الجذوع والأوراق، كما تحول دون نمو الزهور الكبيرة. 3- الماء: وهو ضروري أيضا لنمو النبات وتغذيته سواء كان ينزل على شكل أمطار أو يوجد في الهواء على شكل بخار. فإذا كثرت الأمطار طول السنة فإن التربة تختزن الماء، ومنه يتغذى النبات، فتنمو الغابات، أما إذا قل الماء في التربة فلا تنمو غير الأعشاب، وتسود الصحاري في الجهات النادرة المطر.

التربة

التربة: من العوامل المهمة في حياة النبات حيث يتغذى من العناصر التي تتكون منها، وهي بذلك تؤثر في توزيع النبات تأثيرا كبيرا بحسب خصائصها والمعادن المكونة لها وتساعد سهولة اختراق الماء والهواء للتربة دون شك على نمو النبات.

التضاريس

التضاريس: ويظهر أثرها في النبات في الجهات الجبلية حيث تتغير النباتات على جوانب الجبال بسبب تغير المناخ. كما أن النباتات تختلف على جوانب الوديان باختلاف درجة تعرضها لأشعة الشمس، فالجوانب التي تتعرض لأشعة الشمس وللمطر تكون مغطاة بالحشائش والغابات أكثر من الجوانب التي لا تتعرض لتلك الأشعة والأمطار. وقد قسم الجغرافيون الغطاء النباتي على سطح الأرض إلى أقسام مختلفة تعرف بالمجموعات النباتية أو الأقاليم النباتية. وتمتاز كل مجموعة منها بمميزات خاصة بها وهي: 1- الغابات: وتوجد في الأقاليم الاستوائية والمدارية، والأقاليم المعتدلة الدفيئة والمعتدلة الباردة. 2- الحشائش: وتوجد في الأقاليم المدارية "السافانا" والأقاليم المعتدلة "الإستبس". 3- الصحاري: وتتمثل في الجهات المدارية والمعتدلة.

4- التندرا: وتوجد في العروض العليا حيث تتميز بصفات خاصة. 5- نباتات الجبال: حيث المناطق الشاهقة الارتفاع والتي تتغطى بأنواع شتى من النبات.

الغابات

الغابات مدخل ... أولا: الغابات: لو نظرت إلى الخريطة شكل "138" لرأيت أن الغابات تنتشر على مساحات كبيرة في العالم وفي أقاليم مناخية مختلفة، وتسمى الغابات تبعا للإقليم الذي توجد فيه ومن ثم يمكن تمييز الأنواع الآتية:

الغابات الاستوائية

1- الغابات الاستوائية: التوزيع الجغرافي: توجد حول خط الاستواء وتتمثل في حوض الأمزون بأمريكا الجنوبية، وفي حوض زائير بأفريقية، وجهات أخرى متفرقة من العالم، من بينها جزر إندونيسيا "انظر الخريطة شكل رقم 138". المميزات المناخية: يمتاز إقليم الغابات الاستوائية بدرجة حرارته المرتفعة وأمطاره الغزيرة طول العام. ولذلك لا تتوقف حركة نمو النبات به. المميزات النباتية: يتميز إقليم الغابات الاستوائية بشدة كثافة الأشجار والذي يصعد في طائرة وينظر إليه من الجو لا يرى إلا كتلة كثيفة من الخضرة تخفي ما في باطنها من معالم، فإذا هبط إلى الأرض وأراد التوغل في الغابة، رأى أن أشجارها متراصة كبيرة الحجم عظيمة الارتفاع، تتوج رءوسها الأغصان والأوراق العريضة، فتكون بمثابة غطاء يمنع ضوء الشمس عن أرض الغابة، كما أن

بداخل الغابة هدوء وظلام وروائح كريهة تنبعث من الأوحال والأوراق الساقطة على الأرض. شكل "138": توزيع الغابات الاستوائية والمدارية الأهمية الاقتصادية: يوجد بالغابات الاستوائية كثير من الأشجار النافعة إما لأخشابها أو

لثمارها، أو لما يستخرج منها من مواد أولية، والأخشاب هنا من النوع الصلب. ومن أشهرها الماهوجني، ومن الأشجار المهمة أيضا المطاط والموز والكاكاو واللبان. أثر الإنسان: نظرا لشدة الظلام في الغابة، وارتفاع درجة الحرارة والرطوبة، وتعذر المواصلات، وكثرة الحيوانات القاتلة والحشرات، فإن الحياة في الغابة شاقة للغاية، ولذا فإن أثر الإنسان فيها ضئيل، ويعيش في الغابة قوم متنقلون قليلو العدد يعيشون على صيد الحيوانات والسمك والثمار. ومع ذلك فتلك الجهات كانت تقوم باستغلالها الدول الصناعية والأوروبية التي أنشأت في الجهات الساحلية منها مزارع واسعة يقوم بالعمل فيها العمال الوطنيون تحت إشرافهم، فزرعوا أشجار المطاط والمانجو والكاكاو والموز، كما زرعوا قصب السكر والأرز والطباق والتوابل وغيرها.

الغابات المدارية

الغابات المدارية: التوزيع الجغرافي: توجد في الهند والهند الصينية، وشمال استراليا، وسواحل جزيرة مدغشقر والساحل الشرقي لأفريقيا. وأيضا في أمريكا الوسطي وجزر الهند الغربية، وفي أمريكا الجنوبية حول الغابات الاستوائية. المميزات المناخية: يطلق على هذه الغابات أحيانا اسم الغابات الموسمية نظرا لأنها تنمو في الجهات التي يمتاز أحد الفصول فيها بالجفاف وخاصة في فصل الشتاء، بينما يسقط المطر في الفصول الأخرى من السنة. المميزات النباتية: وتختلف هذه الغابات عن الغابات الاستوائية في أنها أقل منها كثافة، وأشجارها أصغر حجما، وتنفض أورقها في فصل الشتاء، وأشهر أنواع أشجارها النخيل والكافور والخيزران والسنط.

الأهمية الاقتصادية: تصلح أماكن هذه الغابات لحياة الإنسان أكثر من أقاليم الغابات الاستوائية إذ إنها أسهل منها في تحويلها إلى حقول زراعية، كما أن مناخها يلائم زراعة الحاصلات الزراعية. أثر الإنسان: يعتبر إقليم الغابات المدارية "الموسمية" أكثر أقاليم العالم ازدحاما بالسكان، ولذا فقد تحولت معظم أراضيه إلى أرض زراعية، فيها يزرع الأرز وهو أهم الحبوب التي تنمو هناك، كما يزرع القمح والشعير زراعة شتوية، وفضلا عن ذلك يزرع الذرة والقطن وقصب السكر والتوابل والبن والمطاط. 3- الغابات في الأقاليم المعتدلة الدفيئة: يوجد نوعان من هذه الغابات أحدهما يوجد في غرب القارات ويسمى غابات البحر المتوسط، والآخر في شرق القارات ويسمى غابات الصين. أ- غابات إقليم البحر المتوسط: التوزيع الجغرافي: توجد هذه الغابات في الأراضي الواقعة حول البحر المتوسط، وفي أماكن أخرى من العالم من أهمها كاليفورنيا، ووسط شيلي، وجنوب أفريقيا، وأقصى جنوب غرب استراليا "انظر الخريطة شكل رقم 139". المميزات المناخية: يتميز مناخ البحر المتوسط بشتائه المعتدل، وصيفه الحار الجاف وتهب عليه الرياح العكسية بأعاصيرها فتسقط الأمطار شتاء. المميزات النباتية: تتميز الغابات بصفات خاصة تساعدها على الاخضرار الدائم حتى في

فصل الصيف الجاف. وهي تتحايل على الجفاف بطرق شتى: إما بطول الجذور كالكروم، أو بالأوراق السميكة كالتين، أو بحفظ العصارة في الثمار كالموالح، أو خزن الماء في الجذور كالنرجس. وفضلا عن ذلك تنمو أشجار الزيتون التي تتميز بأوراقها الصغيرة والفواكه الجافة كالجوز، واللوز والبندق شكل "139": توزيع الغابات المعتدلة الدفيئة

والفستق، وبعض الأشجار ذات الأخشاب الصلبة كالبلوط الفليني والسرو والحور، ونباتات عطرية كالفل والياسمين. الأهمية الاقتصادية وأثر الإنسان: إقليم البحر المتوسط هو مهد الديانات والحضارات القديمة، وقد عمره الإنسان واستثمره منذ القدم، فأزال معظم أشجاره الطبيعية وأحل محلها مختلف أنواع المزروعات: فزرع أشجار الفاكهة كالتين والخوخ والبرقوق، والموالح كالبرتقال والليمون. كما انتشرت زراعة الكروم والزيتون والحبوب مثل القمح والشعير التي تنمو على أمطار الشتاء. وكذلك زرع الأرز والذرة والقطن حيث تتوفر وسائل الري، وأشجار التوت لتربية دودة القز، أما النبات الطبيعي فيقتصر وجوده الآن في الجهات المنعزلة الفقيرة التربة. وهي أنواع هزيلة من الشجيرات والأعشاب. ب- غابات الصين: التوزيع الجغرافي: تتمثل هذه الغابات في جنوب الصين وجنوب شرق الولايات المتحدة بأمريكا الشمالية وأجزاء أخرى من العالم، أهمها جنوب شرق البرازيل، وجنوب شرق أفريقيا، والصين، وكوريا، وجنوب شرق استراليا، "انظر الخريطة شكل رقم 139". المميزات المناخية: يسقط المطر على الجهات السابقة طول العام، ولكنه غزير في فصل الصيف. المميزات النباتية: نباتات هذه الغابات تشبه النبات الموسمي إلا أنها أقل كثافة من الغابات الموسمية. وتشتمل على بعض أنواع الأشجار التي تنمو في إقليم البحر المتوسط كأشجار البلوط الفليني والتوت. وفضلا عن ذلك تنمو به أنواع لا وجود لها في الإقليم السابق كنبات الخيزران والماجنوليا.

الأهمية الاقتصادية: لأشجار هذه الغابات أهمية اقتصادية عظيمة كما تستغل معظم أراضيها في الزراعة نظرا لتباعد الأشجار وزيادة المسافة بينها. أثر الإنسان: أخذ الإنسان الصيني في قطع الكثير من أشجار غاباته، حيث يجد مكانها أراضي خصبة تصلح لزراعة بعض الغلات الهامة كالأرز والشاي والقطن، كما غرس أشجار التوت بكثرة لتربية دودة القز. الغابات في الأقاليم المعتدلة الباردة "شكل 140": 1- الغابات النفضية: التوزيع الجغرافي: توجد الغابات النفضية في شمال غرب أوروبا وغرب كندا في أمريكا الشمالية، وجنوب شيلي بأمريكا الجنوبية، وفي شرق آسيا في منشوريا واليابان. المميزات المناخية: نظرا لأن مناخ هذه الجهات صحي يدفع الإنسان إلى النشاط بالإضافة إلى صلاحية أراضيها للرعي والزراعة، كما أن بها مناطق غنية بالمعادن. كل هذا أدى إلى تقدم المدنية الحديثة في جهات توزيع هذه الغابات. المميزات النباتية: تتميز هذه الغابات بأنها تسقط أوراقها في فصل الشتاء بسبب انخفاض درجة الحرارة فيه، وتمتاز أشجار هذه الغابات بأوراقها العريضة ومن أهمها البلوط والزان والقسطل والجوز. الأهمية الاقتصادية: لأشجار هذه الغابات أهمية اقتصادية حيث يؤخذ منها جميعا الأخشاب

النافعة. ونظرا لأن مناخها صحي يدفع الإنسان إلى النشاط، بالإضافة إلى صلاحية أراضيها للرعي والزراعة، كما أن بها مناطق غنية بالمعادن، كل هذا أدى إلى نمو وتقدم المدنية الحديثة في جهات توزيع هذه الغابات. شكل "140": توزيع الغابات المعتدلة الباردة أثر الإنسان: تمكن الإنسان بفضل وجود مناطق مكشوفة في الغابة نفسها من السكن

داخلها، ومن قطع أشجارها بالتدريج وإعداد أرضها للزراعة، وخاصة زراعة الحبوب الغذائية، وفي أمريكا الشمالية يجري العمل على قطعها لتحل محلها المراعي والأراضي الزراعية وللتنقيب عن المعادن. 2 - الغابات المخروطية "الصنوبرية": التوزيع الجغرافي: تغطي هذه الغابات مساحات واسعة من آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية فيما بين خطي عرض 58 درجة، 66.5 درجة شمالا. المميزات المناخية: مناخ هذه الغابات دفيء في الصيف، وشديد البرودة في الشتاء. المميزات النباتية: تمتاز أشجار هذه الغابات بأوراقها الإبرية أو المخروطية وسيقانها المعتدلة. وهي كالغابات النفضية قليلة الأنواع ومن أهمها الصنوبر وشربين. الأهمية الاقتصادية: هذه الغابات موطن الحيوانات ذات الفراء كالدب والثعلب، ولذلك فإن صيد هذه الحيوانات له قيمة اقتصادية كبيرة، كما أن لأخشاب أشجارها أيضا قيمة كبيرة إذ إنها تعتبر أكبر مورد للأخشاب في العالم. أثر الإنسان: يقوم الإنسان بقطع الأخشاب من الأشجار، ويتم ذلك عادة في فصل الشتاء، حيث يمكن جرها على الجليد "الذي ينتشر في الجهات" إلى مجاري الأنهار، وتترك فيها حتى إذا حل الربيع وذاب الجليد، فإن تيار النهر يجرف الكتل الخشبية إلى حيث معامل النشر، فنشأ عن ذلك صناعة الأخشاب والأثاث والورق وأعواد الثقاب "الكبريت". ولقد زرع أيضا بالأماكن التي قطعت الأشجار منها بعض الحاصلات الزراعية التي تتحمل البرد، كالبنجر والكتان والشوفان والشيلم، وهي تنمو بسرعة عظيمة في فصل الخريف.

الحشائش

ثانيا: الحشائش: 1- الحشائش في الأقاليم المدارية: التوزيع الجغرافي: توجد هذه الحشائش بين مناطق غابات الجهات الاستوائية والمدارية من ناحية، والصحاري المدارية الحارة من ناحية أخرى. وأكبر مساحة لها توجد في وسط أفريقيا والسودان حيث تسمى سافانا، وفي أمريكا الجنوبية حيث تسمى لانوس في مرتفعات جيانا، وكامبوس في مرتفعات البرازيل، كما أنها توجد في القسم الشمالي من استراليا "انظر الخريطة شكل رقم 141". المميزات المناخية: درجة الحرارة مرتفعة بها في فصل الصيف الذي يسقط به المطر، ومنخفضة نوعا في فصل الشتاء الذي يمتاز أيضا بالجفاف. المميزات النباتية: نظرا لأن كمية الأمطار لا تكفي الأشجار، فإن النبات الذي يغلب وجوده هو الأعشاب الطويلة، وهناك نوع خاص من الأشجار ينمو وسط الحشائش يعرف بأشجار الباوباب. الأهمية الاقتصادية: تعتبر السافانا مناطق رعي ممتازة، ولذلك فإن أغلب السكان هنا رعاة للماشية. وهم يقومون بتصدير منتجاتها من ألبان وجلود ولحوم. أثر الإنسان: زرع الإنسان في مناطق الحشائش الحارة كثيرا من الغلات الزراعية الهامة؛ نظرًا لجودة تربة هذه المناطق، وأدخل فيها كثيرا من وسائل الرى. فتقدمت الزراعة في بعض جهاتها. ومن أهم الغلات الزراعية هنا القطن والذرة والحبوب الزيتية والفول السوداني.

شكل "141": توزيع الحشائش في العالم.

الحشائش في الأقاليم المعتدلة الدفيئة

2- الحشائش في الأقاليم المعتدلة الدفيئة: التوزيع الجغرافي: توجد هذه الحشائش بصفة خاصة حول نهر لابلاتا بأمريكا الجنوبية

وتسمى بمباس، وفي وسط الهضبة الجنوبية بأفريقيا وتسمى فلد، وفي حوض نهري مري ودارلنج باستراليا. "انظر الخريطة شكل رقم "141". المميزات المناخية: إذا سقطت الأمطار في الجهات المعتدلة الدفيئة، وتميز شتاؤها بجفافه النسبي، فإن الحشائش تكسو أرضها صيفا، وإذا تميز الشتاء بالمطر والصيف بالجفاف النسبي، فإن الحشائش تغطي أرضها شتاء. المميزات النباتية: تتميز هذه الحشائش بخشونتها، وبأطرافها الحادة، كي تتلاءم مع ظروف المناخ السابق ذكرها. الأهمية الاقتصادية: تعتبر مناطق الحشائش المعتدلة في الوقت الحاضر أعظم مناطق إنتاج اللحوم في العالم، كما أنها أعظم مناطق إنتاج القمح وبعض الحبوب الغذائية الأخرى. أثر الإنسان: حول الإنسان بعض أراضي هذه الحشائش إلى أراضٍ زراعية تزرع فيها الحبوب كالقمح والشعير والذرة.

الحشائش في الأقاليم المعتدلة الباردة

3- الحشائش في الأقاليم المعتدلة الباردة: التوزيع الجغرافي: توجد الحشائش في هذه الأقاليم وخاصة في وسط آسيا وجنوب شرق أوروبا، ويطلق عليها اسم الإستبس، وتوجد أيضا في وسط أمريكا الشمالية حيث تسمى البراري، ولا توجد هذه الحشائش في القارات الجنوبية. المميزات المناخية: نظرا لبعد مناطق هذه الحشائش عن السواحل فإن مناخها يكون حارا في فصل الصيف وشديد البرودة في الشتاء.

المميزات النباتية: الأمطار تسقط في العادة خلال مدة قصيرة في فصل الربيع كما تذوب فيه الثلوج فتكون سببا في كساء الأرض بالعشب الأخضر والأزهار الجميلة. الأهمية الاقتصادية: تستغل مناطق هذه الحشائش في الرعي. وخاصة رعي الخيول والأغنام والماشية، كما أن بعض مناطقها وخاصة في أمريكا الشمالية قد تحولت إلى أراض زراعية خصبة، تجود بها زراعة الحبوب كالقمح والشعير، وبذلك فإنها تعتبر مخازن للحبوب في العالم. كما قامت بعض المدن الصناعية التي تشتهر بصناعة حفظ اللحوم والألبان ودبغ الجلود وصناعة الصوف وطحن الغلال. أثر الإنسان: رغب الإنسان في سكنى تلك المناطق الواسعة لوفرة ما بها من عشب، ولخصوبة تربتها، وقد حول جزءا كبيرا منها إلى أراضٍ زراعية.

الصحارى

ثالثا: الصحاري: التوزيع الجغرافي: تشمل الصحاري مساحات واسعة من القارات وأهمها: الصحاري الحارة المدارية الكبرى في شمال أفريقيا، وصحراء شبه الجزيرة العربية في جنوب غرب آسيا، وصحارى غرب استراليا، وصحراء أريزونا والمكسيك في أمريكا الشمالية، وصحراء أتكاما في أمريكا الجنوبية. ثم الصحاري المعتدلة الباردة في وسط آسيا شكل "142".

المميزات المناخية والنباتية

المميزات المناخية والنباتية: هذه الصحراوات تنعدم فيها الحياة النباتية تقريبا بسبب قلة الأمطار وطول فصل الجفاف، وإذا وجدت النباتات فإنها من الأنواع التي تقاوم الجفاف الشديد، وتحتفظ بالماء في جوفها لكي تتمكن من الحياة بوسائل مختلفة: فبعضها جذوره طويلة كالنخيل الذي يمتص الماء من تحت التربة

وبعضها يختزن الماء في أوراق ليفية سميكة، وكثير منها يغطي أوراقه بالشوك أو بطبقة شمعية تسد مسامها لتعوق تبخر الماء منها مثل نبات الصبر والصبير شكل "142": توزيع الصحاري في العالم

الأهمية الاقتصادية

الأهمية الاقتصادية: توجد في مناطق الصحاري أرض صالحة للزراعة إذا توفرت لها مياه

الري التي تتمثل في مياه الأنهار أو في المياه الباطنية، حيث تحفر لها الآبار كما هو الحال في الواحات، وهذه الأراضي تصلح لزراعة أشجار نخيل البلح والزيتون والفاكهة وزراعة الحبوب.

أثر الإنسان

أثر الإنسان: يظهر أثر الإنسان في هذه الجهات على النحو الآتي: أ- الاستغلال الرعوي: هناك قبائل رحل يعيشون على رعي الجمال أو الخيول والأغنام والماعز، كما أن هناك فريقا آخر يقوم بالوساطة التجارية ونقل السلع بين الأقاليم التي تجاور الصحراء. ب- الاستغلال الزراعي: بعض القبائل في هذه الجهات يقيمون في الواحات ويشتغلون بالزراعة، وخاصة زراعة الزيتون والنخيل وتربية الأغنام، أو يقيمون على ضفاف الأنهار التي تشق الصحراء كما هو الحال في مصر، وهنا حول الإنسان الأراضي الصحراوية إلى أراضٍٍ زراعية بتنظيم وسائل الري. ج- الاستغلال المعدني: استغلت المناطق الصحراوية في التنقيب عن المعادن. فمثلا استخرجت النترات من صحراء شيلي، والذهب من صحراء استراليا، والبترول من صحراء شمال أفريقيا وصحراء بلاد العرب.

الصحراء الجليدية أو التندرا

رابعا: الصحراء الجليدية أو التندرا: التوزيع الجغرافي: كلمة تندرا كلمة روسية تطلق على الصحراء الجليدية، التي تغطي أراضيها الثلوج أكثر من ثلثي السنة. وتنتشر على كل الجهات التي تقع في شمال الغابات المخروطية أو الصنوبرية "شكل 142". حيث تمتد على سواحل المحيط المتجمد الشمالي في شمال كندا وشمال اسكنديناوه، وشمال سيبيريا بآسيا. ولا توجد في نصف الكرة الجنوبي.

المميزات المناخية

المميزات المناخية: المناخ هنا بارد في الصيف، والشتاء طويل قارس البرد، ويسقط عليها قليل من الثلج.

المميزات النباتية

المميزات النباتية: تؤثر شدة البرد في النبات، كما يؤثر فيه الجفاف أيضا، ولا تنمو إلا بعض الأشجار القزمية والنباتات العشبية التي من أهم أنواعها: الطحالب وحشائش الماء المختلفة الألوان والأزهار.

الأهمية الاقتصادية

الأهمية الاقتصادية: التندرا غنية بالحياة الحيوانية على الرغم من تغطية أراضيها بالثلوج، فتعيش فيها الحيوانات ذات الفراء مثل الدببة والثعالب التي تأوي إلى الغابات الصنوبرية جنوب الإقليم، كما تستغل أيضا في رعي حيوان الرنة في شمال آسيا وأوروبا، وثور المسك والكاريبو في شمال كندا.

أثر الإنسان

أثر الإنسان: الإنسان هنا لا يجد غير القليل من حاجاته نظرا لفقر الإقليم، ولذلك فهو يقوم برعي الرنة، وصيد الحيوانات البحرية كالسمك، وسبع البحر وعجل البحر والحوت، وصيد الدب القطبي والثعلب القطبي لفرائهما في فصل الصيف، كما أن الإنسان هنا يناضل في سبيل الحياة، حيث لا يستطيع أن يزرع الأرض لتجمد التربة من شدة البرد.

نباتات الجبال

خامسا: نباتات الجبال: تتنوع النباتات التي تنمو على السفوح الجبلية تنوعا كبيرا، بسبب انخفاض درجة الحرارة بالتدريج كلما ارتفعنا. أما المطر فهو غزير على السفوح السفلى ثم يأخذ في النقصان تدريجيا، لنقص مقدار بخار الماء في الطبقات العليا، حتى نصل إلى القمم التي تكسوها الثلوج معظم أيام السنة "شكل 143". وعلى ذلك تتابع تلك المناطق النباتية في كل الجهات الجبلية، ويتوقف ذلك على الإقليم الذي توجد به الجبال، وعلى موقع الجبال، والرياح التي تجلب المطر. فإذا تتبعنا النباتات التي تنمو على الجبال عند خط الاستواء مثل جبل كلمنجارو مثلا، فإن النباتات تتدرج على النحو التالي "شكل 144".

شكل "143": اختلاف النباتات بالنسبة لدائرة العرض والارتفاع. في السفوح السفلى نجد الغابات الاستوائية، تتدرج إلى السافانا الغنية بالأشجار، فالغابات المعتدلة، ثم الغابات النفضية، فالغابات المخروطية. ثم نصل إلى منطقة تكثر فيها الحشائش تشبه التندرا، وتعرف نباتاتها بالنباتات الألبية، وأخيرا نصل إلى منطقة الثلج الدائم التي لا تظهر إلا على القمم المرتفعة جدا. أما في الأقاليم المعتدلة فنجد أن التدرج يكون: أولا: نباتات تلك الأقاليم من غابات وحشائش تتبعها التندرا، ثم

منطقة الثلج الدائم الذي يكون بطبيعة الحال أقل ارتفاعا من سطح البحر عنه في الجهات الحارة شكل "145". شكل "144": قطاع يبين نباتات جبل كلمنجارو في وسط أفريقيا. ففي الجهات الحارة يكون خط الثلج الدائم على ارتفاع 5000 متر تقريبا، ثم يهبط إلى 3000 متر تقريبا في جبال الألب في أوروبا، وإلى 1600 متر تقريبا فوق جبال النرويج. على أن ارتفاع خط الثلج الدائم لا يتوقف على درجة الحرارة فقط، ولكنه يتأثر كذلك بالأمطار على جوانب الجبال، فالجوانب الغزيرة الأمطار يكون فيها خط الثلج الدائم أكثر انخفاضا عنه في الجوانب القليلة الأمطار. شكل "145": خط الثلج الدائم على الجبال في مختلف الأقاليم المناخية

الفصل الثاني: الحيوانات وتوزيعها على سطح الأرض

الفصل الثاني: الحيوانات وتوزيعها على سطح الأرض مدخل ... الفَصلُ الثَّاني: الحَيَوانات وَتَوزيعهَا عَلى سَطح الأرض تتأثر الحيوانات بظروف البيئة الطبيعية المحيطة بها، إلا أنها أقل تأثرا بتلك الظروف من النباتات، تبعا لقدرة الحيوانات العظيمة على الحركة والانتقال من مكان لآخر، كما أن أجسامها تحتفظ بدرجة حرارة معينة تساعدها على الحركة.

العوامل التي تؤثر في حياة الحيوانات

العوامل التي تؤثر في حياة الحيوانات: 1- المناخ: لكل نوع من الحيوانات مناخ يلائم حياته، فمثلا الأفاعي لا تعيش في الأماكن الشديدة البرودة، والتماسيح لا تُرى إلا في الأقاليم المدارية ونظرا لحركة وانتقال معظم الحيوانات فإننا نجد بعضها في جهات بعيدة عن موطنها، فالنمر مثلا يوجد في منشوريا بقارة آسيا. وتؤثر درجة الحرارة في لون وكثافة الشعر الذي يكسو جلد الحيوانات، ففي الجهات الشديدة الحرارة يكسو الحيوانات شعر قصير، وفي الجهات الشديدة البرودة يكسوها شعر كثيف من الصوف ليقيها شر البرد. وهناك حيوانات تقاوم هذه الظروف وتتحملها كالزواحف التي يكون لها فترة بيات وخاصة في فصل الشتاء لشدة انخفاض درجة الحرارة، وبعضها يتحمل العطش الشديد مثل الجمل في الجهات الصحراوية الحارة. 2- النباتات: تعتبر النباتات ذات أثر عظيم في حياة الحيوانات، إذ إنها تتغذى عليها بطريق مباشر كالحيوانات العشبية أو بطريق غير مباشر كالحيوانات الكاسرة "آكلة اللحوم" التي تعيش على لحوم الحيوانات العشبية. ولكل إقليم من الأقاليم النباتية حيوانات ذات صفات خاصة تميز بعضها عن البعض الآخر. 3- التضاريس: للتضاريس أثر عظيم في حياة الحيوانات، ففي الجهات الجبلية تتنوع الحيوانات مع تنوع النبات من قاعدة الجبل إلى قمته، كما أن السلاسل الجبلية تعتبر بمثابة حدود فاصلة بين الحيوانات التي تعيش على جوانبها، فجبال الإنديز في أمريكا الجنوبية مثلا تفصل بين الأنواع التي تعيش في شرقها والأنواع التي تعيش في غربها، وكذلك جبال الهيمالايا في الهند تفصل بين حيوانات الهند وحيوانات وسط القارة الآسيوية. 4- الإنسان: للإنسان أثر كبير في توزيع الحيوانات على سطح الأرض، فهو مثلا يعمل على زيادة بعض أنواع من الحيوانات مثل الخيول، أو يساعد على اختفاء بعض الحيوانات المتوحشة كالثيران الوحشية الأمريكية.

الأقاليم الحيوانية

الأقاليم الحيوانية حيوانات الغابات ... الأقاليم الحيوانية: شكل "146" أولا: حيوانات الغابات: سبق أن عرفنا أن الغابات تغطي مساحة شاسعة من اليابس، وعلى الرغم من تنوعها تبعا للعروض التي تقع فيها، فإن الحياة الحيوانية بها زاخرة، وتتنوع كذلك بتنوعها، فبعض الحيوانات تعيش على أرض الغابة، وبعضها الآخر لا تطأ قدمه الأرض بل يعيش على أشجار الغابة. 1- حيوانات الغابات الاستوائية والمدارية: نظرا لازدحام الغابة الاستوائية بالنبات والأشجار، ونظرا لصعوبة الحركة والانتقال، فإنه ليس هناك متسع للحيوانات الكبيرة الحجم والضخمة، كالفيلة والوحوش الكاسرة، فهذه تعيش على أطراف الغابة، أما الغابة نفسها فموطن للحيوانات التي تعيش على أعالي الأشجار كالقردة وضفادع الأشجار والطيور المختلفة الألوان التي تعيش على الفاكهة والحشرات،

وبعض الأفاعي والحشرات التي تعيش في الأراضي الرطبة وفي جذوع الأشجار. وتلك التي تعيش على المياه الراكدة والمستنقعات كالبعوض وذباب تسي تسي، وكذلك التماسيح وأفراس البحر "السيد قشطة" التي تعيش في مياه الأنهار والبحيرات والبرك. شكل "146": الأقاليم الحيوانية في العالم

وتمتاز الحيوانات التي تعيش في الأشجار بأعضائها التي تساعدها على التسلق والتعلق والقفز السريع بين فروع الأشجار. أما الغابات المدارية "الموسمية" فإنها مأوى الحيوانات التي تعيش على العشب كالفيل والخرتيت "وحيد القرن" والوحوش آكلة اللحوم كالنمور والحيوانات التي تعيش على الأشجار في الجهات الكثيفة منها هي القردة والسنجاب. 2- حيوانات الغابات الباردة: الحيوانات التي تعيش في هذه الغابات سواء في ذلك الغابات النفضية أو الصنوبرية قليلة بصفة عامة. وتشمل بعض أنواع الطيور التي تعيش على الفاكهة، ثم القارضة مثل السنجاب وهي تعيش على الحبوب الجافة، ثم بعض القطط المتوحشة، والحيوانات العشبية مثل الأرانب والثعالب والدب والذئب والخنزير البري والغزال الضخم. وتوجد هذه الحيوانات بصفة خاصة في غابات شمال أوراسيا وأمريكا الشمالية، كما تكثر بها الحيوانات المائية القارضة مثل كلب الماء.

حيوانات الحشائش

ثانيا: حيوانات الحشائش: تكسو الحشائش جزءا كبيرا من سطح الأرض فهي توجد في الجهات الحارة، وكذلك في الجهات المعتدلة الدفيئة والباردة. وتختلف الحياة الحيوانية بها تبعا لاختلاف ظروف البيئة في كل منها. 1- حيوانات السافانا: تختلف حيوانات السافانا عن حيوانات الغابات الاستوائية والمدارية، فبينما معظم حيوانات الغابات السابقة من النوع القادر على التسلق الذي يقضي حياته تقريبا على الأشجار، ويتغذى على ثمارها، نجد أن حيوانات السافانا معظمها من الأنواع الأرضية التي تتغذى على الحشائش، ومن أهمها البقر الوحشي والجاموس والحمار الوحشي والزراف والخرتيت والفيل والغزال، وبعض الحيوانات المفترسة آكلة اللحوم مثل النمر والأسد والفهد. وسهولة الحركة في إقليم السافانا تساعد الحيوانات على الحركة السريعة والهجرة

للبحث عن الغذاء والماء، وخاصة في فصل انقطاع الأمطار إلى نطاق الغابات. ويعيش في إقليم السافانا، كذلك بعض الحشرات والديدان التي تكثر في خلال فصل المطر والحرارة، وبعضها كالأنواع القارضة تعيش في مساكن تحفرها لنفسها في الأرض، وهنا تعيش أيضا بعض الطيور المتوطنة التي تتغذى على الحشرات، قد فقد بعضها القدرة على الطيران نظرا لضخامة جسمه وقصر أجنحته مثل النعامة. 2- حيوانات الإستبس: تختلف حشائش الإستبس عن السافانا في موقعها، وفي كثرة الحشائش بها، وخلوها من الأشجار، وتتعرض الحيوانات في الإستبس للجفاف والبرد الشديد الذي يهلك النبات والحيوان، ولهذا فإن بعض الحيوانات يضطر للهجرة إلى مناطق أخرى، بينما يضطر البعض الآخر إلى الاعتكاف في مسكنه حتى فصل الدفء. ومن أهم الحيوانات هنا الغزال والجمل ذو السنامين، وخاصة في إستبس قارة آسيا وأوروبا، وكثير من الحيوانات القارضة مثل السنجاب. وقد كان يعيش قديما في براري قارة أمريكا الشمالية الثور الوحشي. ومن صفات حيوانات الإستبس أنها حيوانات ليلية، أي أنها لا تخرج من حفرتها إلا ليلا، أما الطيور فمن أهمها السمان الذي يهاجر في أواخر الخريف نحو المناطق الدافئة هربا من برودة فصل الشتاء، وبحثا عن الغذاء ومنها كذلك القنابر "قنبرة" وبعض الطيور الجارحة كالحدأة والنسور.

حيوانات الصحارى

ثالثا: حيوانات الصحاري: لما كانت نباتات الجهات الصحراوية قليلة أو معدومة، كانت الحياة الحيوانية محدودة للغاية. وهي تتركز عادة في الواحات وقرب حدود الصحراء عنها في الداخل، وأهم هذه الحيوانات الجمل ذو السنام الواحد، والغزال، ثم الكثير من الزواحف كالأفاعي والسحالي، وبعض الحيوانات القارضة الصغيرة، ومعظمها يختفي بالنهار ولا يظهر إلا في الليل، كما أن أغلبها يتميز بلونه الذي لا يختلف كثيرا عن لون رمال الصحراء، وهي ميزة

تجعل من السهل عليها الاختفاء من أعدائها. كما أنها تتميز أيضا بتحملها للجفاف الشديد، والسير بسهولة في الجهات التي تغطيها الرمال، لأن لأقدامها شكلا خاصا يساعدها على ذلك.

حيوانات الجهات القطبية "التندرا"

رابعا: حيوانات الجهات القطبية "التندرا": الجهات القطبية ليست فقيرة في حياتها كما يخيل لنا من أول وهلة، بل إنها زاخرة بالحيوانات على الرغم من قسوة المناخ فيها، وقلة النبات أيضا. ونظرا لاقتراب اليابس في هذه الجهات واتصاله كانت الحيوانات فيها متشابهة في كل بقعة من بقاعها. وتشمل الحياة الحيوانية في التندرا بعض أنواع من الحيوانات والطيور التي تتميز بمقدرتها على تحمل البرودة عن طريق الفراء السميك الذي يحميها من البرد القارس. وتتغذى هذه الحيوانات من طبقات الشحم المتراكم على أجسامها خلال فصل الشتاء. وتعتبر الرنة من أهم هذه الحيوانات جميعا، ولقد استأنسها سكان هذه المناطق واستخدموها في جر الزحافات على الجليد في تنقلاتهم، فضلا عن أكل لحومها والاستفادة من جلودها في صناعة ملابسهم وخيامهم، ويطلق اسم الكاريبو على الرنة التي تعيش في كندا شمال أمريكا الشمالية. وفضلا عن ذلك تعيش بعض الحيوانات المفترسة مثل الدب والذئب والثعلب، وبعض الحيوانات القارضة مثل الجرذان والأرانب القطبية. وتتميز السواحل البحرية القطبية بوجود حيوانات خاصة مثل فرس البحر والدب القطبي، وكثير من الطيور البحرية مثل البطريق والبط والأوز المشهور بريشه الناعم. ونظرا لفقر التندرا في النباتات وخاصة في فصل الشتاء حين يكسوها الثلج، فإن حيواناتها تهاجر إلى نطاق الغابات الصنوبرية في جنوبها.

حيوانات الجبال

خامسا: حيوانات الجبال: تعيش في المناطق الجبلية أنواع من الحيوانات تختلف من منطقة إلى

أخرى على جوانب الجبال كما هو الحال على سطح الأرض.. وتتلاءم الحيوانات في الجهات الجبلية تبعا لظروف البيئة التي تعيش فيها. ومن أهم الحيوانات التي تعيش في الغابات الجبلية القردة ذات الفراء وهي توجد في جبال هيمالايا، وهضبة التبت غرب الصين، ثم الدب الأسود والنمر الأرقط الذي يمتاز بفرائه الأسود السميك ذي البقع الرمادية. وهو يوجد بصفة خاصة في هضبة منغوليا. وفي المنطقة التي تكسوها الحشائش يعيش نوع من الغزال الذي يوجد في جبال الألب بأوروبا، والياك في هضبة التبت في قارة آسيا، ويمتاز بشعره الكثيف وخفة حركته، وهو لذلك أهم وسيلة لحمل الأثقال في هذه الجهات. ويوجد أيضا كثير من حيوان الماعز والضأن والحيوانات القارضة. ولا توجد في منطقة الثلج الدائم على قمم الجبال إلا الديدان التي تعيش في الصخور نظرا لشدة البرد.

الباب السابع: عناصر البيئة الطبيعية والإنسان

الباب السابع: عناصر البيئة الطبيعية والإنسان الفصل الأول: مفهوم الجغرافيا البشرية وتطورها مدخل ... الفَصلُ الأول: مَفهُوم الجُغرافيَا البشريَّة وتَطوّرهَا الجغرافيا -علم من العلوم الإنسانية- تعددت الآراء في تعريفه وفي تحديد مجالات البحث فيه وإن كانت معظم الآراء تجمع على أنه يدرس سطح الأرض في تباينه المساحي بوصفه موطنا لبني البشر، وذلك بأسلوب علمي منتظم يقوم على الملاحظة والوصف والشرح والاستنتاج لظاهرات هذا السطح وتوزيعها واستنباط أوجه العلاقات القائمة بينها وبين الإنسان. وينقسم علم الجغرافيا إلى قسمين كبيرين: الجغرافيا الطبيعية والجغرافية البشرية، ويشمل كل منهما عدة فروع متخصصة تهتم بصورة أعمق بدراسة ظاهرات جغرافية محددة تتطلب لذلك منهجا خاصا ومنفردا وإن كان لا ينفصل عن باقي الفروع بل يتكامل معه في النهاية داخل إطار واحد ذي تفاعلات داخلية بين مكوناته. وتهتم الجغرافيا الطبيعية بدراسة سطح الأرض: تركيبه ومظاهره التضاريسية والمناخ والغطاء النباتي والحياة الحيوانية وكذلك المسطحات المائية البحرية والمحيطية، أما الجغرافيا البشرية فتتناول دراسة توزيع المجتمعات البشرية ومدى التأثير المتبادل بينها وبين بيئاتها الطبيعية والصور الاجتماعية الناجمة عن تفاعل الإنسان ببيئته المحلية مثل توزيع السكان وأنماط العمران حضريا كان أم ريفيا، كما تشمل دراسة النشاط البشري ومؤثراته وتوزيعها وكذلك التركيب السياسي للدول كظاهرات جغرافية تمثل رقعا من سطح الأرض لها حدودها الاصطناعية وموقعها وإمكانياتها الاقتصادية والبشرية، وما يترتب على ذلك من نتائج سياسية توجهها وتؤثر فيها بالضرورة الظروف الجغرافية السائدة على المستويين الإقليمي والعالمي. وتتحدد طبيعة الجغرافيا البشرية بدراستها لملامح التفاعل وأوجه التباين

والتشابه بين الأقاليم المختلفة في البيئات بعناصرها الطبيعية مثل أشكال السطح والتربة والمناخ والحياتين النباتية والحيوانية وموارد الثروة المعدنية كأساس وقاعدة لفهم العناصر الحضارية Cultural المترتبة عليه والمترابطة معه داخل إطار بيئي محدد وهذا التكامل في دراسة الجغرافيا البشرية يجعل منهجها يعتمد في فهمه وتحليله على العناصر الطبيعية للبيئة الجغرافية حتى يمكن إدراك بصماتها على نشاط البشر بمظاهره المتعددة. وعلى ذلك فإن الجغرافي في دراسته البشرية يربط كثافة السكان مثلا في أقليم ما بعناصر البيئة الطبيعية لهذا الأقليم مثل التربة وموارد المياه وظاهرات المناخ وغيرها، ثم بعناصر أخرى مثل النظم الاقتصادية السائدة وطرق النقل، كذلك فإنه يلاحظ كيف نمت المدن وتطورت، وعلاقة هذا النمو بملامح البيئة المحلية والعامة وما يترتب على هذا النمو من استغلال للأرض وإنشاء صناعات جديدة ومد طرق للمواصلات تزيد من ربط المدينة بظهيرها وغير ذلك وهو في هذا كله يؤكد مبدأ الارتباط Correlation في الجغرافيا والذي يثمر في فهم العلاقات التأثيرية والتأثرية Cause - Effect بين الإنسان وبيئته وما ينتج عن ذلك من أوجه اتفاق أو اختلاف على مستوى الأقاليم ومكوناتها. وتختلف الآراء في تعريف الجغرافيا البشرية بصورة لا تتناقض كثيرا مع بعضها البعض بل إنها تدور حول محور واحد هو الإنسان في بيئته، ولكن الاختلاف في الآراء ينبع من التباين في وجهات نظر الجغرافيين إلى الجغرافيا البشرية وفروعها كما يرتبط بنظرة المفكرين القدامى والمحدثين إلى مدى تأثر الإنسان بظروف بيئته الطبيعية وتأثيره فيها. فمنهم من يرى أن لتأثير البيئة على الإنسان تأثير حتمي أي أن الإنسان نتاج البيئة الطبيعية وغير قادر على التأثير فيها وإخضاعها لصالحه، ويقابل ذلك آراء أخرى تجمع على أن الإنسان في بيئته عامل جغرافي وأن تأثيره في هذه البيئة ممكن بما أوتي من قدرة على الابتكار وعلى تعديل ظروف البيئة لصالحه.

تطور الجغرافيا البشرية

تطور الجغرافيا البشرية: الحتمية الجغرافية Environmentalism: لم يظهر التخصص واضحا في الفكر الجغرافي عند المفكرين القدامى،

فالجغرافيا عند الإغريق هي علم وصف الأرض وكانت مقسمة إلى قسمين كبيرين هما الجغرافيا الفلكية، والجغرافيا الوصفية أو الإقليمية، وكان القسم الأول يتناول دراسة الأرض وأبعادها وموقعها من المجموعة الشمسية وخطوط الطول ودوائر العرض وغير ذلك من الأمور الفلكية، أما القسم الثاني فكان يتناول وصف الأرض وما عليها من بلدان، وكذا الأقاليم المعروفة آنذاك ولم يهمل الكتاب الإغريق أمثال هيبو قراط "القرن الخامس ق. م" وأرسطو "القرن الثالث ق. م" واصطرابون "القرن الأول ق. م" دراسة الأحوال الاجتماعية في البلاد التي تناولوها بالدراسة في كتاباتهم فقد أوضح هيبو قراط المفارقات التي لاحظها بين سكان الأقاليم الجبلية المعرضين للأمطار والرياح والذين يتصفون بالنحافة والشقرة وبأنهم ميالون للسيادة. كذلك لاحظ أرسطو نوعا من العلاقة بين المناخ وطبائع الشعوب حيث ذكر أن سكان البلاد الأوروبية الباردة شجعان ولكن تنقصهم الهمة لذلك يخضعون للقوي، أما سكان آسيا فهم حكماء مهرة ولكن يعوزهم الحماس لذلك فهم يرحبون بحياة الذل والعبودية أما الإغريق فنظرا لأنهم يعيشون في إقليم يقع في مركز متوسط بين الشمال والجنوب فهم يجمعون بين فضائل أهل الشمال أوروبا وأهل آسيا. وقد اهتم كثير من الكتاب والفلاسفة المسلمين بدراسة العلاقة بين البيئة وصفات البشر الجسمانية والعقلية ولعل أبرزهم ابن خلدون في مقدمته المشهورة "مقدمة ابن خلدون"، والمسعودي في كتابه "مروج الذهب" والقزويني في "عجائب المخلوقات" ... ولعل الفيلسوف المؤرخ عبد الرحمن ابن خلدون "1382-1405" ميلادية هو أفضل من تناول علاقة السكان بالبيئة في منهج واضح ومحدد ومفصل بل إنه يتفوق في هذا المجال على كتاب عصر النهضة في أوروبا1 وذلك لأنه ربط بين حوادث التاريخ وحقائق الجغرافيا محددا العوامل التي تؤدي إلى قيام الحضارة وازدهارها وتلك التي تؤدي إلى تدهورها -وقد تحدث الباب الأول من المقدمة "عن

_ 1 عبد الفتاح وهيبة: جغرافية الإنسان، دار النهضة العربية، بيروت 1971 ص10

العمران البشري"- ثم انتقل إلى الحديث عن أثر المناخ في طبائع الشعوب ثم درس البدو والحضر وخصائص كل منهما ودرس بعد ذلك تطور الدول والعوامل المؤثرة في قيامها وانهيارها. وقد استمر مبدأ الحتمية الجغرافية مسيطرا على الفكر الجغرافي بعد ذلك ويعتبر بودان Bodin 1530-1596 من كتاب عصر النهضة الذين اعتنقوا هذا المبدأ، حيث ربط بين طبائع الناس والمناخ وكتب محاولا تحديد شكل الحكومة أو الجمهورية وذاكرا أنه ينبغي أن يتطابق مع صفات البشر المتنوعة وذلك لأن أهل الأقاليم الشمالية الباردة قساة مخاطرون، بينما يتصف أهل الأقاليم الجنوبية الحارة بالمكر والأخذ بالثأر أما أهل الأقاليم المعتدلة المناخ فأكثر فطنة من أهل الشمال وأكثر نشاطا من أهل الجنوب ويختصون دون غيرهم بالقدرة على القيادة. وقد حاول مونتسكيو Montesquieu -بعد بودان بقرن من الزمان- في كتابه "روح القوانين" أن يربط بين المناخ والتربة من ناحية وطبائع السكان وصفاتهم من ناحية أخرى، وقد اعتبر الإنسان كائنا فردا أو وحدة طبيعية تقابله قوتان كبيرتان هما الأرض -أو التربة- والمناخ، ولم يكن المناخ عنده سوى الحرارة فهو إما حار أو بارد أو معتدل، والأرض أو التربة في نظره إما أن تكون خصبة أو مجدبة ومما قاله في ذلك "إن سكان المناطق الباردة أكثر قوة وشجاعة وأقل ريبة ومكرا من سكان المناطق الحارة الذين يتصفون بالوهن الجسماني والسلبية" أما التربة فأثرها عنده أقل من المناخ ومع ذلك فأثرها واضح في شكل الحكومة فالملكيات توجد عادة في المناطق ذات التربة الخصبة بينما تقوم الجمهوريات في الأراضي الفقيرة. وقد توصل مونتسكيو إلى استنتاجات خاطئة في دراسته للعلاقة بين البيئة والإنسان مثل علاقة المناخ الحار بالاستعباد والرق أو علاقة البرودة بالشجاعة أو أثر المناخ في ركود عادات الشعوب الشرقية وتعقد معتقداتها. وقد ظلت هذه الأخطاء عالقة في الأذهان بعد ذلك حتى القرن العشرين لدى البيئيين المحدثين بين ما لديهم من معلومات علمية عن المناخ وبين ما ورثوه من آراء مونتسكيو مما أدى إلى استنتاجات سطحية متناقضة تبدأ بالإنسان وتنتهي به دون الاهتمام بالأرض التي يحيا عليها، أي إن هؤلاء الكتاب الذين

تأثروا بآراء مونتسكيو نظروا إلى المجتمعات البشرية والبيئة الجغرافية وربطوا بينها بعلاقات سببية دون سابق دراسة أو تحليل ومن ثم فكان هدفهم هو التبرير لا التعليل ومن هنا جاء خطؤهم. ويرجع الفضل لهمبولت ورتر في وضع أسس الجغرافيا فقد أكد مبدأ الارتباط بين العناصر الثلاثة الكبرى: الهواء والماء والأرض في تفسير الحقائق وتطورها ومركباتها من ناحية وتوزيع الظاهرات وانتشارها في إطار مكاني من ناحية أخرى وكان لدراسات "ورتر" دور في استفادة الجغرافيا من العلوم الأرضية والعلوم الإنسانية حيث ارتبطت الجغرافيا بعلوم الجيولوجيا والنبات والمتيورولوجيا "المناخ" والتاريخ والديموغرافيا "علم السكان" والإحصاء وغيرها. ولم تجد هذه الآراء العلمية الخالصة في العلاقات بين الإنسان وبيئته من يرددها وسط تيار من الحتمية شديد وعلى الأخص بعد ظهور نظرية دارون في القرن التاسع عشر والتي ذكرها في كتابه "أصل الأنواع" Origin Of Species سنة 1859 حيث تفسر هذه النظرية العلمية تطور الكائنات تفسيرا طبيعيا وتبين أن العلاقة بين الكائن الحي والبيئة هي علاقة ملاءمة وتكيف وأن هذه الملاءمة علمية مادية حتمية لا يملك الكائن الحى إزاءها شيئا بل إن البيئة تختار الأفراد الذين تتلاءم صفاتهم مع ظروفها اختيارا طبيعيا وتترك غيرهم للفناء، وأن البقاء للأصلح "ملاءمة مع البيئة" التي اعتبرها دارون قوة عارمة تشكل الكائنات الحية حسب ظروفها الطبيعية. ولقد حاول بعض علماء الاجتماع وبعض الفلاسفة أمثال لبلاي Leplay وديمولان Demolin أن يؤكد مبدأ الحتمية الجغرافية البيئية، حيث رأى الأول أن البيئة تحدد نوع العمل، وأن العمل يحدد ولو جزئيا نظام المجتمع وقد ينطبق ذلك على العمل الزراعي بينما يختلف الأمر اختلافا جوهريا عن العمل داخل المدن الذي يعتمد على السكان اعتمادا رئيسيا ولا تحدده البيئة الطبيعية كما هو الحال في الريف مثلا الذي ترتبط حياته بالظروف الطبيعية ارتباطا كبيرا. أما ديمولان فقد كتب مؤلفه "كيف خلق الطريق النمط الاجتماعي 1901

-1903"، والذي أكد في مقدمته أن العامل الأول لتباين السكان المنتشرين على سطح الأرض هو الطريق الذي تسلكه الشعوب وهو الذي خلق الجنس والطراز الاجتماعي معا وذكر في الجزء الثاني من كتابه أنه لو أعاد التاريخ نفسه فلن يتغير فيه شيء لأنه سيكون استجابة لنفس مقتضيات البيئة الطبيعية. ويعتبر فردريك راتزل Ratzel الألماني مؤسس علم الجغرافيا البشرية في العصر الحديث ويعد كتابه "جغرافية الإنسان" Anthropogeoraphy من أشهر مؤلفاته، حيث تناول بالدراسة في جزئيه الأول والثاني "1882، 1891" ثلاثة موضوعات رئيسية هي: 1- أنماط توزيع البشر على أساس العدد والسلالة والقومية واللغة والدين. 2- شرح وتفسير هذه التوزيعات بالرجوع إلى عناصر البيئة الطبيعية. 3- النتائج المباشرة للبيئة على الأفراد والمجتمع. وكانت البيئة عنده طبيعية بحتة حيث أسهب في الحديث عن دور الأنهار والجبال والجزر والسواحل والصحاري في النشاط البشري. وقد حاول في هذا الكتاب أن يضع حدودا للمعمور واللامعمور من حيث علاقتها بالطرق والمواقع الطبيعية ودرس العوامل التي تتحكم في توزيع الإنسان وتطوره حضاريا فذكر أن المناخ يحدد المراكز الكبرى للحضارة في المنطقة المعتدلة وأن الجبال تقوم كتخوم وملاجئ ولم يحدث إلا نادرا أن وقفت عقبة في سبيل الإنسان وأن المسطحات المائية أهم العقبات في طريق الرجل البدائي بيد أنها تعتبر أهم الطرق الطبيعية عندما يتقن الإنسان فن الملاحة أما الأنهار والمستنقعات فتقف في طريق التوسع وإن كانت المستنقعات تصلح كمناطق لجوء واحتماء مثلها في ذلك كمثل الغابات تعيش في وسطها جماعات سكانية مختلفة. وقد أعقب راتزل كتابه هذا بكتاب آخر عن الجغرافيا السياسية ودرس

فيه الدولة على ضوء علاقتها بالبيئة وأساسها الطبيعي -أي دراسة الدولة كما هي واقفة في المكان- "وهو الأساس الثابت لأماني الشعوب وآمالها وأمزجتها المتغيرة وهو الذي يحكم مصير الأمم حكما صارما أعمى" وقد اعتبر الدولة كائنا حيا في حركة دائمة يمتد في المكان حتى يبلغ حدوده الطبيعية ثم يتعداها إن لم يجد من جيرانه مقاومة قوية ترده إلى حدوده، والدوافع إلى التوسع تتمثل في كسب الأرض وغزوها لخلق دولة كبرى أما المجتمعات البشرية فتنمو داخل إطارات طبيعية تحتل مواضع معينة من سطح الأرض ومن هنا جاء ارتباط كل مجتمع بمنطقة معينة تتزايد حتما في مساحتها كلما زاد عدد سكانها وتظل تتسع حتى تصطدم بموانع طبيعية وبشرية ولقد كان هذا المبدأ التوسعي أساسا من أسس الجيوبوليتكا Geopolitics الألمانية التي ازدهرت بتشجيع من النازية في الثلاثينات من هذا القرن. وقد تعرضت آراء راتزل في حتمية تأثير البيئة على الإنسان لمعارضة شديدة من قبل بعض علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا والتاريخ فقد أنكر دوركايم Dorkeim على راتزل دراسته لكل تأثيرات البيئة الطبيعية في الحياة الاجتماعية ولعل لوسيان فيفر Lucien Febvre هو أعنف من هاجم الحتميين في كتابه La Terre Et L'evolution والذي عالج فيه منهج علم الجغرافيا وفلسفتها وقدم الأدلة على سطحية الآراء الحتمية واستنتج فيفر من دراساته أنه لا توجد ضرورات وإنما توجد في كل مكان ممكنات والإنسان سيد هذه الممكنات وهو الذي يقضي باستعمالها، وهكذا ظهر مبدأ الإمكانية Possibilism في الجغرافيا. وبالرغم من ذلك فإن الدور الذي قام به راتزل في علم الجغرافيا البشرية يضعه رائدا من روادها -ذلك لأنه شرح موضوعاتها على أساس أصولي لم يسبقه إليه أحد- كما كانت دراساته لأنماط الحياة أساسا اعتمد عليه من جاء بعده ومنهم فيدال دي لابلاش Vidal De La Blache رائد الجغرافية الفرنسية الحديثة عند تعرضه للجغرافية البشرية بالبحث والدراسة. وتعتبر مس إلين سمبل E.Simple أهم تلاميذ راتزل الحتميين وقد أعادت كتابة الجغرافيا البشرية بشكل أكثر تنظيما في كتابها "مؤثرات البيئة الجغرافية، في سنة 1911".

وتؤكد "مس سمبل" أثر العوامل الجغرافية على الإنسان وتقسمها من حيث تأثيرها عليه إلى أقسام ثلاثة: - عوامل جغرافية ذات تأثير مباشر على الإنسان مثل المناخ وأثره على لون الجلد والصفات الجسمانية. - عوامل جغرافية ذات تأثير غير مباشر مثل الموقع الجغرافي وعامل القرب من مراكز الحضارة وعامل العزلة، وهذه تؤدي إلى التقدم الحضاري أو التأخر فالجهل. - عوامل جغرافية تؤثر في النمو الاجتماعي والاقتصادي للإنسان، أي أثر الجغرافيا في مقومات الإنتاج الزراعي والمعدني في الإقليم ومن ثم درجة غناه أو فقره. وصفوة القول: إن دعاة الحتمية الجغرافية -أو البيئيين- قد غالوا في آرائهم غلوا شديدا وجعلوا الإنسان عبدا للبيئة تؤثر فيه وتسيره كما تشاء ولقد ظل هذا المبدأ الجبري سائدا في الفكر الجغرافي حتى القرن التاسع عشر على الرغم من أنه كان قرن هجرات بشرية ضخمة ونشاط استعماري كبير وظهر فيه بجلاء التغيير البيئي الذي أحدثه الإنسان في المناطق المعمورة وخاصة في العالم الجديد.

الإمكانية الجغرافية

الإمكانية الجغرافية Possibilism: يعد بول فيدال لابلاش P. Vidal De La Blache رائد الإمكانية الجغرافية التي ترى أن الإنسان ليس عبدا لبيئته كما تنادي المدرسة الحتمية حيث إنه يختار من بين إمكانياتها ما يشاء تبعا لمستواه الحضاري ولذا فإن أنماط النشاط الاقتصادي على سطح الأرض هي نتائج لتفكير الإنسان ومجهوده وحركته الدائبة في إطار بيئته الطبيعية. وقد كتب فيدال دي لابلاش أعظم كتاب له في الجغرافيا البشرية لفرنسا والذي نشر في سنة 1911 وقد شرح فيه جغرافية فرنسا إقليما بأقليم وأوضح كيف أن المظهر الأرضي قد تأثر عبر القرون نتيجة الجهد البشري الذي لعب

دورا هاما في تاريخ فرنسا بل وفي تاريخ أوروبا بأسرها وقد رأى فيدال أن الجغرافيا البشرية هي دراسة المجتمعات الإنسانية دراسة مقارنة واتجه نحو دراسة الفروق بين هذه المجتمعات في ضوء علاقاتها بالبيئة. وفي كتابه عن مبادئ الجغرافيا البشرية Principles De Geogr. Humainc "1925" درس فيدال كثافة وتوزيع السكان وأشكال العمران ووسائل الإنتاج ثم المواصلات وذكر بأن هذه الدراسة يمكن تناولها لسببين جوهريين يرجع أولهما إلى التوسع في المعارف البشرية الجغرافية حتى نهاية القرن التاسع عشر وثانيهما يعود إلى ذلك الترابط المعقد بين الإنسان وبيئته ومن ثم تتوطد فكرة الارتباط البيئي - البشري وقد تجلى ذلك في الأفكار الجغرافية الحديثة والتي تجمع على أن ظواهر الجغرافيا البشرية ترتبط في كل مكان بالبيئة وعناصرها الطبيعية. وقد حدا هذا الارتباط لدى فيدال دي لابلاش بتأكيده لمبدأ الوحدة الأرضية كمبدأ أساسي في الجغرافيا تفسر من خلاله ظاهراتها البشرية، كذلك أبرز دور التفاعل البيئي - البشري في ذلك النطاق الواسع من العالم القديم شمال مدار السرطان والذي شهد أشكالا مبكرة من حضارات على نطاق كبير دون غيره من أقاليم الأرض الأخرى حيث كان هذا التفاعل خلاقا لإمبراطوريات أخرى كبرى ولأديان عظمى تتمثل في الإسلام والمسيحية والهندوكية والبوذية وغيرها. وباختصار فقد وضع فيدال لابلاش مناهج بحثه العلمي القائم على أساس أن الجغرافيا هي علم المكان وليس علم الإنسان ولها وهي تستمد معينها كغيرها من العلوم من الكون أن تستفيد من نتائج العلوم الطبيعية الأخرى ولكن عليها رسالة خاصة وهي أن تبين كيف أن الظاهرات الطبيعية والإنسانية التي تدرسها العلوم الأخرى منفصل بعضها عن بعض تتحد في المكان وتؤثر في الإنسان وتتأثر به وبعبارة أخرى تدرس الظاهرات الطبيعية في وحدتها المكانية. ويعد مكسمليان سور m.sorre أحد تلامذة فيدال دي لابلاش البارزين الذي أنجز عملا ضخما في الجغرافيا البشرية ظهر في ثلاثة مجلدات

ظهر الأول منها في سنة 1943 والأخير في سنة 1952 وذلك تحت عنوان: "أسس الجغرافيا البشرية" fondoment de la geogr. Humaine ويعد من أبرز الدراسات الجغرافية في المدرسة الفرنسية الحديثة وقد كرس الجزء الأول من هذه المجموعة لدراسة الإنسان ككائن يتكيف ويتلاءم مع ظروف بيئته الطبيعية وقد تعرض فيه لدور المناخ على وظائف أعضاء الجسم وكذلك على أصل وظائف الاختلافات الجنسية بين الأجناس ثم درس العلاقة بين الإنسان والأمراض البيئية في ذلك. أما الجزء الثاني من كتابه "في جزئين" فقد كرس لأساليب الحياة الاجتماعية حيث وضع الإنسان في صدر الصورة بكل ما أوتي من قوى الابتكار في قهر الطبيعة وتحويلها إلى ما يعرف بالأكيومين okumene أو النطاق المعمور من الأرض. وليست الوحدة الأرضية عند كل من فيدال دي لابلاش وسور إيكولوجية فحسب بل إنها تطورية كذلك؛ ذلك لأن المجتمع البشري قد استمد تعقيده وتشابكه من ظروف بيئته عندما تخطت مجموعات من البشر حدود الأكيومين أو العالم المعمور فإنهم وسعوا تلك الحدود وبدأوا في استغلال الموارد الاقتصادية في المناطق التي تم كشفها، كما كان الحال في عهد الكشوف الجغرافية فيما بين سنتي 1500، 1900 وإلى حد قليل من القرن العشرين وعندما تطورت وسائل النقل في العصر الحديث تحققت الوحدة الأرضية بصورة أوضح في انتشار المعرفة والتشابك الاقتصادي بين دول العالم. وقد ذكر هنتنجتون "1934" في كتابه مبادئ الجغرافيا البشرية principles of Human Geography مغزى الجغرافيا البشرية ومرماها حيث اتجه إلى دارسة العلاقات الإنسانية البيئية عن طريق دراسة العوامل الطبيعية المختلفة مثل الموقع ومظاهر السطح والتربة والمناخ ثم بعد ذلك الحياة الاقتصادية للإنسان ودرجة التحضر التي وصل إليها في مجتمعاته المختلفة وقد درس مناطق متعددة في الأراضي الحارة والأراضي الموسمية والصحاري والأقاليم الباردة وكذلك أقطار المناخ المعتدل البحري، والتي ذكر أن هذه الأقطار الأخيرة حبتها الطبيعة بعوامل جعلتها في قمة مراتب الحضارة الحديثة في العالم، وفي دراسته التي قام بها كانت الحقائق الجغرافية ترتبط بعضها ببعض في تسلسل منطقي وإن كانت مجردة من النظرة التاريخية الضرورية لتفسير الحاضر وكأن

كل مظاهر الحضارة الحالية نشأت دون تراث تاريخي ترتكز عليه ولذلك فإن العمران وأشكاله المتباينة لم يحظ باهتمام كبير في الجغرافيا البشرية والتي لا تقيم وزنا لحرية الاختيار بين الفرص المختلفة التي تقدمها ظروف البيئة الطبيعية وتلك الحرية التي منحتها الطبيعة للفرد دائما حتى في المجتمعات البدائية. وقد عارض هذه الآراء الأمريكية جغرافي ألماني هو أوتومول O. Maul والذي نشر في الثلاثينات أبحاثا في الجغرافيا البشرية ففي كتابه عن جغرافية الإنسان Geography of Man حذف الجغرافيا الاقتصادية تماما، وركز حديثه على موضوعين رئيسيين هما أجناس الإنسان مع الإشارة إلى ظروف تأقلمه والأمراض التي تصيبه ثم الجغرافية السياسية وخاصة الدولة وتركيبها وتعكس هذه الأفكار مفهوم الجيوبوليتيكا الألمانية فيما قبل الحرب العالمية الثانية أي دراسة الدولة ووظائفها لتحقيق ما يعرف بالمجال الحيوي لها وكذلك استطرد في الحديث عن أن طبيعة الدول وامتداد رقعتها الجغرافية وإمكانية التوسع لها والقوى المساعدة على هذا التوسع ومستقبلها كل ذلك يدخل في عداد الجغرافيا البشرية. أما في فرنسا فقد اتجهت الجغرافيا البشرية اتجاها معارضا للمادية الأمريكية والأيديولوجية الألمانية فقد ركز ألبرت ديمانجون أحد الجغرافيين الفرنسيين البارزين على توسيع آفاق الجغرافيا البشرية والارتباط بينها وبين التاريخ والعلوم الاجتماعية أكثر من ارتباطها بالعلوم الطبيعية ولذا فقد اهتم بدراسة الكثير من المشكلات في الجغرافيا البشرية معتمدا على الدراسات الاجتماعية والإثنوغرافية والاقتصادية والتاريخية لغيره من الباحثين. وليس من السهل أن تنحصر الجغرافيا البشرية في علم البيئة "الإيكولوجيا" فقط ذلك لأن هناك كثيرا من مظاهر العلاقة بين البيئة الطبيعية والإنسان تخرج عن دائرة الاهتمام الجغرافي فعلى سبيل المثال ذكر ديمانجون أنه ليس من شأن الجغرافي دراسة أجناس الإنسان بالرغم من ارتباط بعض الأجناس البشرية بمجال البحث الجغرافي في بعض مظاهر الوراثة ولا تسود المؤثرات البيئية والتي يمكن ملاحظتها في علم التشريح وعلم وظائف الأعضاء وحتى علم الدم عند بعض الجماعات البشرية ومن بين هذه الملامح والوراثة التي تعد

مستقلة عن البيئة - لون البشرة، وذكر ديمانجون أن مهمة الجغرافي ليست التعامل مع ذلك بل إن الجغرافيا البشرية هي في النهاية دراسة المجتمعات البشرية وعلاقتها بالبيئة. والجغرافيا البشرية على ذلك تدرس المجتمعات لا الأفراد وذلك في المجالات الثلاثة الآتية: 1- دراسة الجنس البشري: أعداده وتوزيعه والاختلافات في مجال الجغرافيا الديموغرافية- والتي تعد فرعا هاما من فروع الجغرافيا البشرية. 2- دراسة استغلال الأرض وشغلها بواسطة المجتمعات البشرية وذلك ابتداء من أكثر المحلات العمرانية تواضعا حتى أكثر المدن تعقيدا كعنصر هام. 3- دراسة استخدام الموارد الطبيعية: مثل استغلال النطاقات المناخية الكبرى في العالم بما تحويه من نباتات مزروعة وحيوانات مستأنسة وكذلك استغلال البحار والجبال ودراسة أقاليم الإنتاج الكبرى في العالم وطرق التجارة والنقل، وبمعنى آخر دراسة ما يعرف بالجغرافيا الاقتصادية كفرع هام من فروع الجغرافيا البشرية وانعكاس ذلك كله على أقدار الدول وعلاقاتها فيما يعرف بتحليل القوة السياسية للدولة فيما يعرف بالجغرافيا السياسية. ومع كل ذلك -كما تعود ديمانجون أن يقول- فإن الحقيقة الجغرافية تظل مجردة عن معناها حتى توقع على الخريطة ومن ثم تصبح ذات مغزى قوي وخاصة في علاقاتها بالظاهرات الجغرافية الأخرى ومعنى ذلك أن إظهار الحقيقة الجغرافية على الخريطة يعطي للبحث الجغرافي البشري أساسا قويا ومستندا هاما في تحليله. وأخيرا فإن الجغرافيا البشرية بعكس العلوم الاجتماعية الأخرى لا تقنع بدراسة الحقائق المشاهدة فقط بل تستدير للتاريخ لتستكشف المظهر الأصلي والتطور التاريخي للحقائق ولعل في دراستها للعمران الحضري والريفي ما

يعكس هذا الأسلوب؛ وذلك لأن الجغرافيا تستقي التفسير في تاريخ العمران وتطوره، كذلك فإن دراسة بيئة من البيئات في دولة قديمة تأثرت بالحضارة الأوروبية ليس من اليسير فهمها دون معرفة تاريخ استغلال الأرض وتطوره وإزالة الغطاء النباتي الأصلي بها ومدى التطور الذي طرأ على أساليب الزراعة من عصر لآخر وانعكاس ذلك كله على التغير الاجتماعي الذي طرأ على السكان والذي لا شك قد تأثر بالاحتكاك الحضاري والهجرة والتي لا يمكن اقتفاء آثارها على أرض الواقع فقط ولكن في التاريخ كذلك. وعلى ذلك فإن الجغرافيا البشرية علم يتطلب البحث المتأني وليس التعميم المتعجل وهي لا تسعى إلى سن قوانين تحكم علاقة البشر ببيئتهم بل تعيد تجميع الحقائق وترتيبها تمهيدا لمقارنتها في أقاليم الأرض المختلفة ثم تصل في النهاية إلى تحليل جزئي وحذر للحقائق الجغرافية دون أن تضع فروضا تحدد شكل النتائج.

الفصل الثاني: عناصر البيئة الطبيعة والإنسان

الفصل الثاني: عناصر البيئة الطبيعة والإنسان المناخ والإنسان مدخل ... الفَصلُ الثَّاني: عَنَاصِر البيئة الطَّبيعّية والإنسَان: أولا- المناخ والإنسان: يعد المناخ من العناصر الطبيعية البارزة التي تؤثر على النشاط البشري وتطوره؛ ذلك لأنه العامل الرئيسي الذي يكون الحياة النباتية ويحدد مظاهر الارتباط النباتي والحيواني في البيئة الطبيعية، ولذا فإن النطاقات المناخية الرئيسية على سطح الأرض تكون الإطارات الرئيسية التي تتمثل بها أوجه النشاط البشري. وتعتمد طبيعة الغطاء النباتي على ظروف درجات الحرارة وقد أثبت علماء الزراعة أن لكل نبات حد أدنى من درجات الحرارة "صفر النمو" يتوقف نموه إذا هبطت الحرارة عن هذا الحد كذلك فإن هناك درجة حرارة مثلى يكون النبات في أقصى درجات حيويته أثناءها، ولذا فإن صفر النمو والحرارة العالية يعتبران من العوامل المحددة لنمو النبات في البيئات الطبيعية المختلفة، وبالرغم من جهود علماء النبات في انتخاب أنواع من الزراعات تقل احتياجاتها الحرارية ومن ثم يتسع مدى زراعتها نحو الشمال القطبي كما هو الحال في الزراعات السوفيتية إلا أن درجات الحرارة ما زالت العنصر المناخي الرئيسي المحدد للقطاعات الزراعية في العالم فالحد الشمالي مثلا للأقاليم التي ينمو بها نخيل البلح يتمشى تماما مع الخط الحراري 65 درجة فهرنهيت "19 درجة مئوية" كذلك فإن العامل الرئيسي في تحديد زراعة الكروم هو درجة حرارة الصيف ذلك لأن العنب ينضج فقط في تلك الأقطار التي يزيد متوسط درجة الحرارة بها عن 59 درجة فهرنهيت "15 درجة مئوية" في الفترة من أبريل حتى أكتوبر، وتتأثر النباتات بدرجات الحرارة أكثر من تأثر الحيوانات بها ومع وجود استثناءات قليلة فإنه من المستحيل اليوم أقلمة النبات في أماكن يكون النظام الحراري بها مختلفا عن مثيله في البيئة الأصلية للنبات.

ويؤدي تتابع الفصول إلى تنظيم دورة الحياة النباتية ووجود مهن وتحركات سكانية مترتبة عليها حيث يرتبط بذلك العمل الزراعي تبعا لأوقات نمو النبات المختلفة وتخضع حركة الرعاة من وإلى المرتفعات الجبلية عبر السهول الدنيا لدورة التغير في الحياة النباتية هي الأخرى. ولما كانت درجات الحرارة هي العنصر الحيوي في توزيع النباتات فمن الواضح أن نموها يعتمد بالدرجة الأولى على كمية الإشعاع الشمسي خلال السنة أو بمعنى آخر على عدد الأيام الدفيئة، ومن هنا فإن الأقاليم المناخية الكبرى وهي الباردة والمعتدلة والحارة ذات مغزى كبير في جغرافيا النباتات. وتتأثر درجة الحرارة بعدة عوامل أبرزها موقع المكان بالنسبة لدوائر العرض Latitude وارتفاع المكان عن سطح البحر ثم الموقع بالنسبة للبحار والمحيطات ويعد الموقع الفلكي "بالنسبة لدوائر العرض" المؤثر في تحديد الزاوية التي تسقط بها أشعة الشمس على سطح الأرض وكذلك في تحديد طول الليل والنهار في فصول السنة المتعاقبة فعند خط الاستواء تسقط أشعة الشمس عمودية على الأرض في معظم أيام السنة، أما بالقرب من الدوائر القطبية فإن هذه الأشعة تسقط مائلة جدا وخاصة في نصف السنة الشتوي ويترتب على ذلك أن يكون المتوسط السنوي لما يصيب الأرض من الأشعة عند خط الاستواء أكبر منه في العروض الأخرى ويزداد الفرق كلما بعدنا عن خط الاستواء حتى إن نصيب البلاد الواقعة عند دائرة عرض 40 درجة شمالا أو جنوبا يعادل 3/4 نصيب البلاد الواقعة عند خط الاستواء1. كذلك فإنه يلاحظ أن ما تستفيده الأرض من أشعة الشمس يتوقف على طول النهار الذي يتوقف بدوره على الموقع بالنسبة لدوائر العرض، فمن الثابت أن طول النهار يزداد على حساب الليل في فصل الصيف والعكس في فصل الشتاء، وتزداد هذه الظاهرة بوضوح بالابتعاد عن خط الاستواء ولهذا فإنه على الرغم من أن المتوسط السنوي لما يصيب الأرض من أشعة الشمس عند القطب صغير في جملته بالنسبة للعروض الأخرى فإنه يكون في الفترة من أول

_ 1 عبد العزيز طريح: الجغرافيا المناخية والنباتية، الجزء الأول، 1961، ص41.

يونيه إلى منتصف يوليه أكبر منه في أي منطقة أخرى في العالم ويرجع هذا إلى أن الشمس تستمر ظاهرة طول هذه الفترة دون انقطاع، ولكن ليس معنى ذلك أن القطب يكون في هذه الفترة أشد حرارة من أي بقعة أخرى؛ وذلك لأن معظم الحرارة المكتسبة من الشمس تستنفد في صهر طبقات الجليد السميكة التي تغطي المناطق القطبية بدلا من أن تعمل على سرعة رفع درجة حرارة الهواء1. وعلى ذلك فإن النهار يتزايد بالاتجاه نحو القطبين حيث يصل طوله إلى 14 ساعة و 34 دقيقة عند دائرة عرض 40 درجة، 15 ساعة و 45 دقيقة عند دائرة عرض 50 درجة و 17 ساعة و 44 دقيقة عند خط عرض 60، أما عند دائرة عرض 68.30 درجة فيصل إلى 24 ساعة في الصيف، ويسرع الضوء من نمو النباتات في المناطق الباردة فعلى سبيل المثال فإن الشعير الربيعي ينضج في مائة يوم وسبعة أيام في جنوب السويد بينما يحتاج إلى 89 في اللابلاند Lapland وذلك بالرغم من انخفاض الحرارة في المنطقة الأخيرة، ويرجع ذلك إلى طول فترة الإشعاع بها. كذلك فإن القمح الربيعي يحتاج في منطقة الإلزاس عند دائرة عرض 48.30 درجة إلى مدة قدرها 145 يوما بين البذر والحصاد في الوقت الذي يحتاج فيه فقط إلى 114 يوما في منطقة سيكبوتن Skibotten عند دائرة عرض 69.30 درجة شمالا، ويمكن تفسير هذا الفرق في طول فترة الإنبات إذا أدركنا أن فترة الإلزاس وهي 145 يوما تكون جملة ساعات النهار خلالها 1795 ساعة مقابل 2486 ساعة في فترة الـ 114 يوما في منطقة اللابلاند وعلى ذلك فإن طول فترة الضوء في المناطق القطبية تعوض من نقص الموسم الدفيء بها وقد أدرك الزراع في كل من الاتحاد السوفيتي والشمال الكندي ذلك في محاصيلهم التي يزرعونها في فصل النمو.

_ 1 المرجع السابق، ص42.

المناخ وجسم الإنسان

المناخ وجسم الإنسان: يتأثر الإنسان -ككائن حي- بعناصر المناخ وأهمها الضغط الجوي والإشعاع الشمسي ودرجة الحرارة والرطوبة والرياح، ويعد التغير في الضغط الجوي أقل أهمية بالمقارنة مع باقي العناصر ذلك لأن التغيرات في الضغط

البارومتري قرب مستوى سطح البحر لا يترتب عليها أي تغيرات فيزيولوجية ظاهرة في الإنسان، ويتفاوت ارتفاع قمة عمود الزئبق في البارومتر بين 950 - 1050 ملليبارا إلا أن تناقص الضغط الجوي بالارتفاع يؤثر على الإنسان تأثيرا مباشرا فعلى ارتفاع 5300 متر "17500 قدم" ينخفض الضغط إلى نصف ما هو عليه عند سطح البحر حيث يصل إلى 500 ملليبار، أما على ارتفاع 9000 متر "30.000 قدم" فإن الضغط الجوي يصبح ما بين ثلث وربع مثيله عند سطح البحر. وبالرغم من قلة مساحة الأراضي المرتفعة إلا أن هناك شعوبا قليلة استوطنت مثل هذه المناطق كما هو الحال في مرتفعات الإنديز في بيرو، وكذلك في التبت حيث تعيش بعض الجماعات على ارتفاعات تصل إلى 4500 متر "15000 قدم" أو تزيد وأحيانا تصل القطعان التي يرعاها سكان هذه المناطق إلى 5500 متر "18000 قدم". ومن المعروف أن الإنسان إذا ارتفع من سطح البحر إلى ارتفاع 3000 متر "10000 قدم" فإنه يصاب بدوار الجبل Mountain Sickness وبضيق في التنفس والصداع وبالإعياء وإذا ارتفع عن ذلك بكثير فإنه يصاب بانهيار تام قد تعقبه الوفاة ولقد كان الاعتقاد السائد قديما أن وفاة الإنسان في الجبال العالية مرجعه سكنى هذه الجبال بالأشباح الشريرة إلى أن فسر أحد القساوسة السبب الحقيقي وراء ذلك في سنة 1590 ومنذ ذلك الوقت أثبتت التجارب أن دوار الجبل ينشأ من النقص في الأوكسجين كذلك أكدت أنه في ارتفاعات معينة فإن الجسم البشري يستطيع أن يتلاءم نسبيا مع النقص في الأوكسجين ولعل في سكان المكسيك والإنديز مثال على ذلك. أما درجة الحرارة فهي عنصر مناخي هام مؤثر في حياة الإنسان فتبلغ حرارة الجسم البشري الطبيعية 37 درجة مئوية "98.4 ف" سواء هبطت درجة حرارة الهواء المجاور إلى -68 درجة مئوية "-90 درجة ف" كما في شمال سيبيريا أو ارتفعت إلى 60 درجة مئوية "140 فهرنهيت" كما في الصحراء الكبرى وشبه الجزيرة العربية. وفي الأقاليم المناخية قاسية البرودة يكون الكساء أمرا ضروريا بالرغم من أنه ليس كذلك في المناطق الباردة نوعا كما هو الحال في جماعات الأكالوف Alacaluf البدائية في أقصى جنوب شيلي والذين يعيشون عراة في مناطق تتراوح درجة الحرارة بها بين -4

مئوية "25 درجة ف"، 9 درجات مئوية "48 ف" في نطاق الرياح الغربية الأنتاركتيكية وقد تلاءمت هذه الجماعات فسيولوجيا مع درجات الحرارة المنخفضة، ويحتوي الغذاء عند هذه الجماعات كما هو الحال في جماعات الإسكيمو على كمية من الشحوم التي يحصلون عليها من الحيتان وغيرها من الحيوانات وهم في ذلك يهضمون كمية من الشحوم تستحيل على غيرهم من الأجناس الأخرى كما يستهلكون الأغذية التي تعطيهم أكبر قدر من الطاقة الحرارية وتتميز أجسامهم بتراكم الشحوم فيما تحت الجلد وعلى ذلك فإن الجماعات البشرية التي تعيش في المناخ البارد جدا استطاعت أن تتأقلم مع درجات الحرارة المنخفضة السائدة في بيئتها. ويرى بعض الأنثروبولوجيين ومن بينهم بكستون Buxton أن الأنف الطويلة ذات الفتحات الضيقة التي تميز بعض الجماعات البشرية التي تعيش في المناطق الباردة والجافة تقوم بوظيفة هامة في تدفئة وترطيب الهواء المتنفس قبل أن يصل إلى الرئتين. من ذلك يبدو أن النشاط البشري والطاقة الجسمانية تتأثران بالمناخ تأثيرا كبيرا فالحرارة العالية والرطوبة الشديدة لا تساعدان على العمل كذلك فإن الهواء الحار مع الرطوبة المنخفضة تؤذي الجلد وتؤدي إلى تشققه وينتج عنها جفاف الحلق والأنف وتزيد من قابلية الإنسان لنزلات البرد، ولذلك فإن أنسب رطوبة هي التي تتراوح بين 40 - 60% كذلك فإن هناك الأمراض التي تكثر في بيئات معينة كالحشرات والأوبئة في البيئات الحارة الرطبة مثل الملاريا والحمى الصفراء والكوليرا والتيفود والدوسنتاريا بسبب البعوض والذباب وكذلك مرض النوم الذي تسببه ذبابة تسي تسي في المناطق الاستوائية والمدارية أما في المناطق الباردة فتكثر أمراض الرئة والأنفلونزا ويتعرض جسم الإنسان لخطر النزلات الشعبية وأمراض الحنجرة والقلب وغيرها. ويختلف توزيع الطاقة البشرية الجسمانية والذهنية في جهات العالم المختلفة باختلاف الأقاليم المناخية التي يعيش فيها ولا يمكن تجاهل أثر المناخ البارد نوعا في النشاط الفكري والجسماني إلى حد ما وأثر المناخ الحار الرطب في بعث الخمول وانحطاط الطاقة الذهنية والجسمانية.

وقد حدا ذلك ببعض الباحثين إلى إعطاء أهمية عظمى في أثر المناخ في تطور الحضارة البشرية ومنهم السورث هنتنجتون Huntington الذي توصل إلى نتائج هامة يمكن تطبيقها على نواحي النشاط البشري -بعد أن أجرى دراساته بين العمال والطلبة في شرق الولايات المتحدة وكندا- وهذه النتائج هي: 1- أن الإنسان يصل إلى أقصى درجات النشاط الجسماني إذا كانت درجة الحرارة تتراوح بين 60 - 65 درجة فهرنهيت أي بين 15 - 18 مئوية ويصل إلى أقصى درجات النشاط الذهني إذا كانت درجة الحرارة خارج المساكن تصل إلى 38 درجة ف ومع حدوث بعض الصقيع ليلا. 2- أن المناخ الذي يسير على وتيرة واحدة يقلل من النشاط الجسماني كذلك التغيرات المفاجئة في المناخ. 3- أن ارتفاع نسبة الرطوبة يزيد من النشاط البشري إذا ما كان المناخ باردا أما إذا كان المناخ حارا فهي تبعث على الكسل وانحطاط الجهد. 4- أن الطقس الإعصاري يزيد من الرغبة في العمل والقدرة عليه على ألا تكون تغيرات الطقس فجائية. وقد دلت دراسات هنتنجتون أن هناك أربع مناطق يتمثل فيها المناخ الأمثل من حيث النشاط البشري وهي: شمال شرق الولايات المتحدة والجزر البريطانية وغرب أوروبا وجزر اليابان والجزيرة الجنوبية لنيوزيلندا وكولومبيا البريطانية بكندا. على أن دراسة المناخ والنشاط البشري والحضارة أساسه درجة تناسب المناخ للنشاط البشري فدراسة أثر المناخ في تطور الحضارة المصرية مثلا لا يجب أن يقارن بمناخ إنجلترا بل يجب دراسة درجة ملاءمة المناخ بمصر لسكانها من ناحية النشاط والصحة والقوة الاقتصادية وكذلك فإن التطور الحضاري مختلف في الماضي عما هو عليه في الوقت الحاضر حيث تكثر الإمكانيات التي تجعل الإنسان يقي نفسه شرور الطبيعة إلى حد كبير.

الحياة النباتية والإنسان

ثانيا- الحياة النباتية والإنسان: تتميز النباتات بخاصية أساسية وهي قدرتها على امتصاص العناصر الغذائية من الهواء والتربة وتحولها بعد ذلك إلى غذاء للإنسان، وحتى تصبح المادة غير العضوية غذاء للإنسان فلا بد أن تمر خلال النبات، ولذلك فقد كتب فيدال دي لابلاش الجغرافي الفرنسي المشهور قائلا: "إن النباتات وحدها هي القادرة على سحب العناصر الغذائية من الهواء، لذا فإنها تشبه مصنعا حيا للغذاء"1. وتقوم المملكة النباتية بعد المملكة الحيوانية بالغذاء ولذا فإن الحياة النباتية الطبيعية في قطر ما تتناسق مع أنواع الحيوانات بها وكذلك فإن أنماط الحياة وخاصة بين المجتمعات البدائية ترتبط بكل من الحياتين النباتية والحيوانية وتتأثر بالتالي بالظروف المناخية السائدة بها. وأيضا فإن نطاقات الغطاء النباتي التي تغطي مساحة من سطح الأرض تفوق مساحة المناطق الجرداء والجليدية تتمشى مع أنماط الحياة البشرية بصفة عامة وهذه القطاعات الطبيعية الرئيسية تعد نطاقات بشرية إلى حد كبير وفي كل منها حياة الإنسان تتعرض لقوى البيئة الطبيعية المتمثلة في النظام المناخي والارتباط بين الحياتين النباتية والحيوانية ويستطيع الإنسان أن يغير في هذه العناصر الطبيعية بقدر ما أوتي من قوة ذاتية متمثلة في إمكانياته وأساليبه التي ابتكرها لهذا الغرض، وتلائم المجتمعات البشرية المختلفة ظروف حياتها مع ظروف بيئاتها ولكنها رغم ذلك لا تملك قدرة التغيير الكامل لهذه البيئة ولعل في دراسة المجتمعات البشرية في العالم الجديد قبل مجيء الأوروبيين إليه ما يؤكد التطابق بين الأقاليم الطبيعية وأنماط الحياة بين الشعوب ذات الأساليب البدائية فعلى كلا جانبي الاستواء كان هناك تماثل بل وأنماط مكررة لأشكال الحضارات الوثيقة الارتباط بالظروف المناخية ففي فيوردات بتاجونيا وكولومبيا البريطانية كانت هناك جماعات تمارس صيد الأسماك، وكذلك كانت هناك جماعات صيد الجاموس البري في البراري والغوناق "حيوان ثديي أمريكي من فصيلة الجمل" في البمبا وجماعات زراع الذرة في الأقاليم المدارية وشبه المدارية وزراع الكاسافا في الإقليم الاستوائي.

_ 1 Perpillou, A., Human Geography, London, 1972, P.5

وبصفة عامة فإن سطح الأرض يمكن أن ينقسم إلى المناخ المداري الحار والمناخ الجاف والمعتدل والبارد وذلك منذ أن بدأ المناخ الحالي يسود الأرض -أي منذ فترة العصر الحجري الحديث- وهذه الفترة في تاريخ الإنسان أعقبت العصر الحجري القديم والذي كان المناخ فيه مختلفا وكذلك أنماط الحياة وأساليبها، وقد انتهى العصر الحجري القديم في وقت كان المناخ فيه باردا وتميز في أوروبا بامتداد الغطاء الجليدي وفي صحاري العالم القديم بظروف مناخية تتصف بالرطوبة التي ساعدت على نمو الإستبس في مناطق واسعة تعد صحراوية وقاحلة اليوم. ولم تبدأ المدنيات القائمة على الزراعة في أقاليم العالم في وقت واحد فقد ظهرت متأخرة في العروض العليا في إسكنديناوه ويذهب بعض العلماء إلى أن البرونز كان معروفا للمصريين القدماء منذ حوالي 5000 سنة قبل الميلاد في الوقت الذي لم يبدأ فيه العصر البرونزي في السويد مثلا حتى القرن الثامن عشر أو السابع عشر قبل الميلاد وبين بعض الجماعات في شرق سيبيريا فإن عصر البرونز لم يبدأ إلا في أوائل العصر المسيحي1. وكقاعدة عامة، فقد كان التطور بطيئا في بعض مظاهر الحضارة مثال ذلك أن استخدام الحديد يرجع إلى القرنين الخامس والثالث قبل الميلاد في السويد بينما كان مألوفا في إيطاليا منذ القرن الثاني عشر قبل الميلاد، ويرى هنتنجتون أن هناك تغيرات مناخية كبيرة قد طرأت على امتداد التاريخ البشري ويستدل على ذلك باختفاء بعض المدن في جنوب غرب آسيا مثل تدمر التي كانت مزدهرة حتى بداية العصر المسيحي وهي اليوم أطلال بالية في الصحراء كذلك فإن هناك مدنا رومانية أخرى وخاصة تلك التي شيدت على أطراف الصحراء الأفريقية تحولت إلى أطلال لعدة عوامل أبرزها تغير الظروف المناخية، بل إن هنتنجتون يرجع الثورة الزراعية التي حدثت في إيطاليا حوالي سنة 200 ق. م إلى تناقص كمية الأمطار مما ترتب عليه نقص في محصول القمح وهجرة كثير من الريفيين إلى المدن. بل إنه يربط بين التغيرات المناخية والأحداث التاريخية الكبرى مثل ثورة العبيد والاضطرابات ثم غزو البرابرة والتي ترجع

_ 1 Ibid, p.7.

كلها إلى تدهور المراعي في آسيا مما ترتب عليه هجرة الشعوب الجائعة نحو المناطق الأقل جفافا ولكن هذه الآراء تلقى الكثير من المعارضة من بعض الباحثين. وتعتبر الحياة النباتية من العوامل الطبيعية المؤثرة في حياة الإنسان ذلك لأنها تؤثر في إنتاج الإقليم الاقتصادي وتحدد نوع الحرفة التي يقوم بها الإنسان وطريقة ومستوى معيشته فمناطق الحشائش صالحة تماما للرعي كما أنها صالحة للزراعة إذا ما أمكن حرق الحشائش بعكس الحال في مناطق الغابات التي تقل صلاحيتها للزراعة ونلاحظ أنه حيث يرتقي الإنسان وترتقي حضارته فإن عناصر البيئة الحضارية سرعان ما تغير الحياتين النباتية والحيوانية وعلى نطاق واسع فالمحاصيل المزروعة والمراعي الصناعية تحل محل النبات الطبيعي وتحل الحيوانات المستأنسة محل كثير من الحيوانات البرية. وعلى الرغم من أن الإنسان قد أزال أجزاء من الغطاء النباتي الطبيعي في معظم بقاع العالم سواء لإحلال الزراعة محلها أو لأي غرض آخر فإن أهميتها بالنسبة للإنسان أهمية كبيرة إذا ما أدركنا أن استهلاكه من الأخشاب في أغراض البناء أو صناعة الأثاث أو في مد السكك الحديدية وصناعة السفن وغيرها في تزايد مستمر تبعا لتزايد أعداده كذلك يمكن أن تظهر الأهمية الكبرى للحياة النباتية إذا أدركنا أن ما يستهلكه العالم من لحوم وجلود وأصواف يأتي في معظمه من المناطق ذات المراعي الطبيعية التي تربى عليها قطعان ضخمة من الماشية والأغنام كما هو الحال في الأمريكتين واستراليا ونيوزيلند. وقد يكون الغطاء النباتي حائلا للتقدم البشري في كثير من الأحيان حيث تعوق الغابات الكثيفة طرق النقل المتنوعة التي يصعب مدها فيها مثل طرق السيارات أو السكك الحديدية كما يبدو في حوض الكونغو والأمازون واللذين ما زالا حتى الآن مناطق طرد بشري وتسود بهما حرف بدائية كالصيد والجمع وغير ذلك فقد قامت مناطق الغابات بدور الحماية للجماعات المستضعفة في مواجهة الجماعات القومية فمناطق غابات الكونغو كانت ملجأ للأقزام التجئوا إليها تحت ضغط جماعات الزنج السودانيين وجماعات البانتو. وقد ترتب على المظهر الطبيعي في مناطق الغابات أنها قليلة السكان بصفة عامة ولا يعيش فيها سوى بعض الجماعات البدائية قليلة العدد والتي يتناقص عددها في معظم الأحيان كذلك يسكن هذه الغابات بعض عمال قطع الأخشاب والصناعات القائمة عليها أو جمع منتجات الغابة.

العوامل الفيزيوغرافية والإنسان

ثالثا: العوامل الفيزيوغرافية والإنسان: تلعب العوامل الفيزيوغرافية في البيئة الطبيعية دورا بارزا في أنماط النشاط البشري وتوجيهها فبالرغم من أن المناخ يؤثر بدوره في تحديد الأقاليم الرئيسية التي تضم أنماطا مختلفة من الحياة البشرية فإن العوامل الفيزيوغرافية هي المؤثر الرئيسي في تباين استغلال الأرض وفي اختلاف الدور الذي يقوم به الإنسان في هذا الصدد. وتعد مظاهر السطح من العناصر الطبيعية للبيئة الجغرافية حيث توجه العمران البشري فيها وتحد من امتداده حينا أو اتساعه أحيانا والناظر إلى خريطة توزيع السكان مثلا يلمس أن جزءا كبيرا من سطح الأرض ما زال غير معمور. حتى النطاق المعمور فإن توزيع السكان به غير متساوٍ وتبلغ مساحة اليابس 148 مليون كيلو متر مربع وهو لا يشغل أكثر من 28% من سطح الأرض أما الباقي فيغطيه الماء. وتختلف مساحات القارات اختلافا جوهريا توضحه الأرقام التالية: القارة المساحة بالكيلو متر المربع آسيا 45.600.000 أفريقيا 30.600.000 أمريكا الشمالية 17.900.000 أمريكا اللاتينية 24.300.000 أوروبا 9.800.000 استراليا 8.500.000 القارة المتجمدة الجنوبية "انتاركتيكا" 11.400.000 الجملة 148.100.000 وبصفة عامة، فإن أشكال سطح الأرض الرئيسية تتمثل في السهول والتلال والهضاب ثم الجبال -وتختلف الآراء في تعريف كل منهما تعريفا

دقيقا- إلا أن ما يهمنا هو مدى تأثيرها في أوجه النشاط البشري، وتعتبر السهول ذات التربة الخصبة والمناخ المعتدل أكثر الجهات ملاءمة لنشاط السكان ومن ثم فإنهم يتركزون بها أكثر من أي مظهر تضاريسي آخر كما هي الحال في السهول الوسطى في أمريكا الشمالية وسهول البمبا في أمريكا الجنوبية والسهل الأوروبي الشمالي وسهل الجانج والسند في الهند والباكستان والسهل الصيني الشمالي، وقد نتج هذا التركز عن عوامل متعددة توفرت في هذه السهول أهمها سهولة زراعتها وجودة تربتها وملاءمتها لإنتاج كثير من المحاصيل كذلك فإن استواء السطح في المناطق السهلية يسهم في سهولة النقل وامتداد طرق المواصلات المختلفة. وليس معنى ذلك أن وجود السهول في منطقة ما قرين بتركز السكان فيها ذلك لأن هناك سهولا فسيحة في معظم قارات العالم لا تتوفر فيها عوامل الاستقرار البشري مثل السهول القطبية في شمال أمريكا الشمالية وفي آسيا. كذلك في السهول الصحراوية الجافة كما هي الحال في وسط استراليا وجنوب الصحراء الكبرى وكذلك فإن هناك قطاعات من السهول الرطبة الحارة التي لا تشجع على التركز البشري مثل سهول الأمازون وبعض سهول وسط أفريقيا الاستوائية. وتتعدد مظاهر التأثير التي تحدثها التضاريس على المظهر الحضاري في البيئة وذلك للترابط الكبير بين العناصر الطبيعية -فهناك علاقة وثيقة بين مظاهر السطح والمناخ يبدو ممثلا في الارتفاع- حيث تقل درجة الحرارة بمقدار درجة مئوية واحدة كلما ارتفعنا 150 مترا وتظل تنخفض بالارتفاع حتى تصل إلى خط الثلج الدائم الذي يحدد بداية الثلج الدائم والذي يكون إيذانا باختفاء الحياة النباتية والحيوانية، كذلك تعتبر الجبال من عوامل سقوط المطر حيث تكثر الأمطار على الجوانب الجبلية المواجهة للرياح المحملة بالأبخرة وتقل على الجوانب المقابلة التي تقل بها الأمطار قلة مفاجئة إن لم تكن مناطق قارية جافة. وتختلف المناطق المرتفعة في جذبها للسكان من حيث موقعها بالنسبة لخط العرض ومن حيث ظروف المناخ السائدة بها؛ ذلك لأن الحياة النباتية تختلف هي الأخرى حسب الارتفاع السائد الذي يؤثر في درجات الحرارة والرطوبة وتعتبر الجبال جزرا نباتية تختلف عن المناطق المحيطة بها اختلافا كبيرا كذلك فإن الحياة النباتية تتدرج على المرتفعات نتيجة لعامل الارتفاع

فقد توجد نباتات معتدلة بل ونباتات المناطق الباردة فوق الجبال المدارية وعلى كل هذه الظواهر الطبيعية تتوقف حياة الإنسان ففي الجهات الحارة تعتبر المناطق المرتفعة أكثر جذبا للتركز البشري من مناطق السهول التي تكون حرارتها ورطوبتها عاليتين وقد شهدت كثير من المناطق المرتفعة في الأقاليم المدارية تركزا سكانيا منذ وقت طويل تمثل في مرتفعات اليمن وهضبة الحبشة والمكسيك وبيرو كما أن مرتفعات كينيا وتنزانيا جذبت إليها بعض الأوروبيين فاستوطنوا أجزاء كبيرة منها. وإذا كانت السهول الخصبة التربة والمعتدلة المناخ قد جذبت إليها السكان منذ القدم وتركزوا بها وكونوا في معظمها حضارات متعددة فإن الجبال قد جذبت إليها أعدادا من السكان ليقوموا بحرفة التعدين بها، ذلك لأن المناطق الجبلية هي أهم المناطق التضاريسية ثراء في معادنها والتي قد تبدو أحيانا ظاهرة على السطح وبخاصة على جوانب الأودية نتيجة لعوامل التعرية المختلفة وقد أسهم ذلك في خلق حرفة التعدين بهذه المناطق كما هو الحال في جبال الأبلاش شرق أمريكا الشمالية والروكي غربها وكذلك في جبال الإنديز في أمريكا حيث يعدن النحاس في شيلي وبيرو والقصدير في بوليفيا ومعظم المعادن في مصر توجد في المناطق الجبلية في الصحراء الشرقية أو شبه جزيرة سيناء. وتعد التربة -ذلك الغلاف السطحي لقشرة الأرض الأصلية- العنصر الأساسي في تباين وتطور أنماط الحياة وإن كان الإنسان لم يدرك تركيبها وخصائصها إلا حديثا جدا والنوعان الرئيسيان من التربة تلك المكونة محليا نتيجة عوامل التفتت الصخري والتحلل العضوي وتلك المنقولة من أماكن أخرى بواسطة عوامل التعرية وتشتق التربات الأولى -أي المحلية التكوين- طبيعتها من الصخور الأصلية المكونة لها ومن التغيرات التي طرأت عليها إلا أنها غالبا ما تكون رملية أو فقيرة وتتعرض للانجراف بسرعة إذا ما كانت مشتقة من الجرانيت. أما إذا كانت من أصل بركاني أو جيري فإنها تميل إلى أن تكون صلصالية وثقيلة ولكنها غنية في عناصر خصوبتها وفي المناطق الحارة تسود تربة اللاتريت الحمراء المشتقة من الصخور المحلية وتتصف بفقرها في الخصوبة لنقص المواد العضوية بها. أما التربة المنقولة عن طريق المياه الجارية أو الجليد أو الرياح فإنها غالبا

ما تتكون من خليط صخري وتكون أغنى وأحسن بصفة عامة من التربات المحلية وتتمثل التربات المنقولة في المراوح الفيضية Alluvial Fans والسهول الفيضية وقد لعبت دورا خطيرا في تاريخ العمران البشري في العالم حيث ساعدت على قيام الزراعة والاستقرار بها ونشأة الحضارات القديمة والحديثة على السواء ولعل في وادي النيل في مصر والجانج في الهند واليانجتسي والهوانجهو في الصين المثل الواضح على ذلك. وعلى العموم فإنه يمكن القول بأن استغلال الإنسان للأرض يتباين بدرجة كبيرة بتباين طبيعة التربة بها، وقد بذلت محاولة تقدير تقريبي لنسبة التربة الصالحة للزراعة في العالم في الوقت الحاضر، فوجد أنها تصل في أوروبا إلى 50% من سطحها وفي أمريكا الجنوبية إلى 25% وفي أمريكا الشمالية وأفريقيا 20% لكل منهما وفي استراليا 10% ولكن هذا التقدير يعد أوليا ويمكن أن تزداد هذه النسب دون شك لأن هناك تربات جيدة في مناطق الإستبس والغابات في قارات العالم المختلفة لم تعرف بعد ويمكن استغلالها في الزراعة بطبيعة الحال كذلك فإن الوسائل العلمية الحديثة في الزراعة يمكن أن تحسن من خصائص التربات الفقيرة وبالتالي تزيد من رقعة الأراضي الصالحة للزراعة ولا ريب في أن هناك مناطق من التربات الجيدة في عالم اليوم تعرضت للتعرية وفقدت خصوبتها بسبب حماقة الإنسان وسوء استخدامه للأرض في بعض المناطق، ففي الولايات المتحدة فقدت مساحات واسعة من الأراضي خصوبتها بسبب الزراعة الكثيفة والاستغلال المدمر في البرازيل استنزفت خصوبة مناطق شاسعة بسبب زراعة البن وأصبحت أرضا عقيمة ومن الواضح اليوم لكل الجغرافيين وعلماء الزراعة أن تدمير التربة الخصبة في كثير من مناطق العالم يكون واحدا من أكثر الأخطار الجسيمة التي ليس من السهل علاجها في ضوء المعارف الحالية للبشر، ولقد كانت تعرية التربة من العوامل المسئولة عن تدهور واختفاء حضارات مزدهرة مثل حضارة قبائل المايا Maya في أمريكا الوسطى، وربما أيضا بعض الحضارات الهندية والملاوية في الشرق الأقصى، ومن هنا فإن المشكلات المتعلقة بالتربة تبدو ذات أهمية في الجغرافية البشرية. وتمثل الجبال مناطق من نوع خاص ذات مناخ مميز يؤثر في الحياتين

النباتية والبشرية، وهناك أنماط من الحياة البشرية المتشابهة على الجبال وذلك بالرغم من تباعدها الجغرافي بعضها عن بعض من ناحية وعدم ارتباطها جنسيا من ناحية أخرى، وفي الواقع فإن الجبال تعد بيئات يبدو فيها بصرامة تأثير التضاريس والمناخ كقوى طبيعية غير عادية في مثل تلك المناطق الصغيرة نسبيا ومن ثم توجه باستمرار ردود الأفعال البشرية حيالها. وقد وجد أن درجة الحرارة في غرب أوروبا تتناقص بمعدل درجة مئوية واحدة كلما ارتفعنا 150مترا، ومن هنا فإن النطاقات النباتية تتتابع الواحدة تلو الأخرى على منحدرات الجبال، وتنتهي المنطقة الدنيا "السفلى" التي تعد امتدادا للأراضي المنخفضة عند أقدام المنحدرات الجبلية عند ارتفاع يتراوح بين 2600 - 3000 قدم فوق سطح البحر وفي وسط سويسرا مثلا تتوقف زراعة الشعير بعد خط كنتور 2600 قدما وفوق هذه الارتفاعات تبدأ النطاقات الجبلية فيوجد غطاء غابي في بادئ الأمر حيث تكون الأمطار غزيرة، ويختلف منسوب الارتفاع الذي يختفي عنده هذا الغطاء تبعا لدرجة تعرض المنحدر لعناصر المناخ فيصل إلى 4000 قدم في مرتفعات الفوج في فرنسا، 7500 قدم في البرانس الشرقية ويلي النطاق الغابي هذا حشائش ألبية حيث تتميز الأحوال المناخية بالجفاف والبرودة ولكنها مشمسة وتتغطى الأرض بالحشائش التي تزينها الأزهار في الربيع وتسود في هذا النطاق حشائش المرتفعات الصيفية التي تقصدها القطعان من الأراضي المنخفضة تحتها وأخيرا تتوج الجبال غطاءات ثلجية دائمة، التي يتراوح ارتفاع خطها الدائم -وهو متوسط الارتفاع الذي لا يتعرض الثلج الواقع فوقه للذوبان- من جبل إلى آخر فيصل هذا الخط إلى ارتفاع 9000 قدم على المنحدرات الشمالية للبرانس، 9800 قدم في مون بلان Mont Blan وعلى ذلك فإن من يتسلق الجبال في أوروبا يستطيع أن يرى هذه النطاقات بوضوح على ارتفاعات مناسبة كما لو كان في رحلة إلى المناطق القطبية، وفي نطاق منها توجد أنماط بشرية ونباتية خاصة. وجدير بالذكر هنا أن النطاق الأدنى يتعرض لمشكلات من النطاقات التي تعلوه مثل انصراف المياه وجرف التربة واتجاهها نحوه وهبوط كتل صخرية إليه بفعل عوامل التعرية وغير ذلك. وعلى ذلك فإن البيئة الطبيعية على السلاسل الجبلية تتطلب أنماطا خاصة من الحياة.

أما الجزر فإن لها سماتها المميزة كبيئة جغرافية منعزلة وساعدت هذه العزلة على بناء أشكال قديمة ومستوطنة من الحياة بها سجلها كثير من الباحثين من أشهرهم دارون مثلا في جزر جالا باجوس Galapagos وكذلك الحال في أنماط الحياة البشرية المميزة لشعوب الجزر بخاصة المكتشفة حديثا مثل سكان جزر كارولين الذين ما زال معظمهم يعيش في العصر الحجري ومن ناحية أخرى فإن الجزر تعد معزلا وملجأ للكثير من الجماعات المستضعفة ومن ثم فإنها تتحول إلى بوتقات بشرية تجمع خليطا من الشعوب التي تتجمع لتكون مجتمعات صغيرة متحدة ومن أبرز الأمثلة على ذلك جزيرة تريستان دا كونها Tristan da Cunha الصغيرة في جنوب الأطلنطي التي استطاع 200 من سكانها أن ينجحوا في خلق مظهر من الأحوال المحلية التي سرعان ما استوعبت القادمين الجدد إليها، وكذلك كانت فورموزه ملجأ لأسرة المنج Maing الحاكمة أثناء الاضطرابات السياسية في القرن السابع عشر وقبل أن تصبح حصنا للقومية الصينية في مواجهة الشيوعية كذلك كانت سيلان ملجأ للبوذيين المطرودين من الهند. وتساعد الجزر على تهيئة ظروف الاستقرار البشري الذي يحميه البحر آنذاك مما يساعد سكانها على استغلال مواردها الطبيعية سواء على أرضها أو في بحرها المجاور وهناك أمثلة كثيرة على ذلك. أما البحر - الذي يحيط بكل قارات الأرض اليابسة ويخترقها بعمق في بعض أجزائها- فيكون بيئة طبيعية هو الآخر، وإن كانت بيئة قاسية من الصعب معايشتها. إلا أنه يسهم في خلق أشكال من الحياة به فهو يمثل مخزنا للغذاء -كما وصفه بعض الباحثين- استطاع الإنسان أن يستغله منذ أزمان سحيقة كما أنه كان طريقا ركبه الإنسان منذ مراحل حضارته المبكرة. فقد شهد بحر إيجة مثلا ملاحة ساحلية منذ فترة ترجع إلى الألف الثالثة قبل الميلاد كذلك فإن معرفة وانتشار الكثير من المخترعات خلال العصرين الحجري والبرونزي جاءت إلى سواحل البحر بادئة من سواحل إيجة واستمرت حتى وصلت إلى بريطانيا. وفي المحيط بحر الشمال وكذلك في المياه المحيطية باليابان وعلى شطوط نيوفولاند توجد مناطق غنية بثروتها السمكية، التي تغذت عليها الشعوب على امتداد قرون عديدة. ونتيجة لذلك فقد أدى استغلال البحر إلى خلق مهن تعكس في الواقع الظروف الطبيعية في الأقاليم الساحلية.

الباب الثامن: سكان العالم

الباب الثامن: سكان العالم الفصل الأول: توزيع السكان في العالم مدخل ... الفَصلُ الأول: توزيع السّكان فِي العالم: يتوزع سكان العالم البالغ عددهم 4492 مليون نسمة في سنة 1981 على سطح اليابس الذي تبلغ مساحته 143 مليون كيلو متر مربع، ويتباين توزيعهم من قارة إلى أخرى بل وفي داخل القارة الواحدة حيث تتميز بعض المناطق بتركز سكاني شديد والبعض الآخر بندرة سكانية واضحة، وكقاعدة عامة فإن توزيع السكان على سطح الأرض يعد توزيعا غير متجانس سواء في التوزيع العددي المطلق أو في نسبته أو كثافته. وتوضح الأرقام التالية صورة التوزيع السكاني على مستوى القارات سنة 1981: القارة عدد السكان بالمليون %من سكان العالم آسيا "بدون الاتحاد السوفيتي" 2608 58.1 أوروبا "بدون الاتحاد السوفيتي" 486 10.8 أفريقيا 486 10.8 أمريكا اللاتينية 366 8.1 أمريكا الشمالية 254 5.7 الأوقيانوسية 23 0.5 الاتحاد السوفيتي 268 6.0 الجملة 4492 100% ويبدو من هذه الأرقام أن معظم سكان العالم يتركزون في العالم القديم، حيث تضم قارتا آسيا وأوروبا مجتمعتين ما يصل إلى 70% من سكان العالم، بل إن قارة آسيا بمفردها تضم أكثر من النصف، أما أوروبا بما فيها الاتحاد

السوفيتي فيعيش فيها عدد يفوق مثيله في العالم الجديد ويقطن أفريقيا عشر سكان العالم، أما العالم الجديد -أي الأمريكتين- فيعيش به نحو 14% فقط. ويبدو التباين في توزيع السكان وكثافتهم على مستوى الدول بوضوح، ففي قارة آسيا بما فيها الاتحاد السوفيتي، توجد خمس دول يعيش بها 2208 مليون نسمة -أي نصف سكان العالم بأسره سنة 1981، وهذه الدول هي جمهورية الصين الشعبية "985 مليون نسمة" والهند "688 مليون" والاتحاد السوفيتي "268 مليون" وإندونيسيا "149 مليون" واليابان "118 مليون"، وعلى النقيض تماما من ذلك فإن قارة أفريقيا يعيش بها 486 مليون نسمة يتوزعون على 55 دولة وهم دول القارة وبمتوسط حسابي يصل إلى حوالي 8 ملايين نسمة فقط للدولة الواحدة، وكقاعدة عامة فإنه في الوقت الذي يتركز فيه نصف سكان العالم في الدول الخمس المذكورة سالفا، فإن النصف الآخر يتوزع على 195 دولة ووحدة سياسية من دول العالم. ونورد هنا الدول العشرين الأولى في حجم السكان في العالم سنة 1981: الدولة عدد السكان بالمليون 1- الصين الشعبية 985 2- الهند 688 3- الاتحاد السوفيتي 268 4- الولايات المتحدة 230 5- إندونيسيا 149 6- البرازيل 121 7- اليابان 118 8- بنجلاديش 93 9- باكستان 89 10- نيجيريا 80 11- المكسيك 69 12- ألمانيا الغربية 61 13- إيطاليا 57 14- بريطانيا 56

15- فرنسا 54 16- فيتنام 55 17- الفلبين 48 18- تايلاند 48 19- تركيا 46 20- مصر 43 ويعيش في هذه الدول العشرين أكثر قليلا من ثلاثة مليارات من السكان أي ما يعادل ثلاثة أرباع سكان العالم، أما الربع الباقي من السكان فيتوزع على حوالي 180 دولة ووحدة سياسية أخرى. وتبين الأرقام التالية التوزيع الكلي لعدد دول العالم حسب فئات الحجم السكاني لها: الفئة بالمليون عدد الدول 250 مليون نسمة فأكثر 3 100 - 250 4 50 - 100 8 25 - 50 15 10 - 25 26 5 - 10 17 1 - 5 44 أقل من مليون 72 الجملة 199 وإذا كانت دول العالم تتباين حسب حجم السكان بكل منها فإنها تختلف أيضا حسب مستوى التقدم الحضاري الذي يعكسه متوسط نصيب الفرد من الخدمات والدخل القومي، ويمكن أن ينقسم العالم -بصفة عامة- في هذا المجال إلى قسمين غير متساويين أحدهما يتمثل في الدول المتقدمة Developed Countries والآخر في الدول النامية -أو دول العالم الثالث- Developing Countries

ويتوزع سكان العالم على هذين النمطين بالصورة التالية سنة 1979: سكان الدول المتقدمة 1238 مليون نسمة بنسبة 25.5% سكان الدول النامية 3292 مليون نسمة بنسبة 74.5% ومعنى ذلك أن الدول المتقدمة يعيش بها نحو ربع سكان العالم بينما الدول النامية تحظى بالنسبة الكبرى حيث يعيش بها ثلاثة أرباع سكان العالم.

مقاييس كثافة السكان وتوزيعهم

مقاييس كثافة السكان وتوزيعهم مدخل ... مقاييس كثافة السكان وتوزيعهم: يهتم دارس السكان بمعرفة حجم السكان في مساحة محددة؛ وذلك بهدف تحليل صورة التوزيع السكاني في الدولة أو في الإقليم أو المحافظة أو حتى المركز الإداري؛ وذلك لأن توزيع السكان لا يتوزع بانتظام في المجتمعات المختلفة، ويرتبط ذلك بعدد من العوامل الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية والتي يختلف كل منها في أهميته النسبية من مكان لآخر، وتتداخل هذه العوامل مع بعضها البعض في شكل مترابط ومعقد في معظم الأحوال في تحديد تركز السكان في مجتمع ما وتشتتهم في مجتمع آخر حتى يبدو سكان منطقة ما نتاجا للتفاعل بين النظم الحضارية وباقي النظم الأخرى في المجتمع. ويلجأ الباحث السكاني في محاولة للوصول إلى تحديد رقم معين يبين العلاقة العددية بين السكان والمساحة التي يعيشون فيها إلى استخدام بعض المقاييس البسيطة على النحو التالي:

الكثافة الحسابية أو الخام

أ- الكثافة الحسابية أو الخام Crude Density: وهي أبسط أنواع المقاييس المستخدمة في دراسات السكان وتعني ببساطة جملة عدد السكان في وحدة مساحية معينة وتأخذ بذلك الصيغة التالية: جملة عدد السكان في منطقة ما المساحة الكلية لهذه المنطقة مثال: كثافة السكان في مصر سنة 1976= 38228000 = 38 نسمة في الكيلو متر المربع 1001449

وهذا النوع من الكثافة الخام لا يعطي إلا فكرة بسيطة عن مدى تركز السكان في الإقليم، وتتناسب فائدته تناسبا عكسيا مع حجم المساحة الأرضية فكلما كبرت المساحة كلما كان مدلول الكثافة الخام سطحيا وعاما، ومن هنا فإن قيمتها تبدو في مقارنة المناطق الصغيرة المساحة والمتجانسة في ظروفها الطبيعية والاقتصادية مثل مقارنة كثافة السكان في قرى مصر أو مراكزها وأقسامها الإدارية أو محافظاتها في وادي النيل والدلتا حيث تكون الفروق البيئية والبشرية قليلة، وعلى العموم فإن كثافة السكان الخام لا يمكن النظر إليها على أنها مقياس ضغط سكاني حيث إنها لا تعبر عن علاقات وظيفية بين السكان والمساحة التي يشغلونها ومن ثم فهي ذات أهمية قليلة في دراسة العلاقة بين السكان والموارد.

الكثافة الفيزيولوجية

ب- الكثافة الفيزيولوجية Physiological Density: أدت العيوب المرتبطة بالكثافة الخام للسكان إلى محاولة تنقية كل من البسط أو المقام في هذه النسبة أو تنقيتهما معا، ومن ثم محاولة قصر المقام على الأراضي المأهولة بالسكان فقط دون اعتبار للأراضي غير المسكونة أو الخالية من السكان، وبهذا يمكن حساب كثافة السكان في الأراضي الزراعية فقط والتي تعرف بالكثافة الفيزيولوجية وتكون صيغتها حينئذ كالتالي: جملة عدد السكان في منطقة ما مساحة الأراضي الزراعية في هذه المنطقة 38228000 مثال: الكثافة الفيزيولجية في مصر سنة 1976: = = 35580 1074 نسمة في الكيلو متر المربع. ومن هنا فإن حساب الكثافة الفيزيولوجية يستبعد تماما الأراضي الصحراوية والأراضي البور التي لم تستغل في الزراعة ومعنى ذلك أننا ننسب حجم السكان إلى مساحة الأرض الزراعية المنتجة وليس إلى المساحة الكلية للارض أيا كانت. والكثافة الفيزيولوجية تفوق الكثافة الخام للسكان دائما وتعد مصر من

الأمثلة التقليدية على ذلك في الدراسات السكانية، حيث يسكن 99% من جملة سكانها البالغ عددهم 38228000 نسمة -في تعداد 1976- في مساحة تصل إلى 3558 كيلو مترا مربعا أي بنسبة 3.5% من جملة مساحتها التي تبلغ 1.001.449 كيلو مترا مربعا، ولذلك فإن الكثافة الخام لسكان مصر تصل إلى 38 نسمة في الكيلو متر المربع، بينما تقفز الكثافة الفيزيولوجية إلى 1074 نسمة في الكيلو متر المربع، وتعد في الواقع من أعلى الكثافات في دول العالم. وليس ذلك فقط بل إنها في تزايد مستمر كما تبين الأرقام التالية في الجدول رقم"1". جدول رقم"1" كثافة السكان في مصر سنة الكثافة الخام الكثافة الفيزيولوجية التعداد نسمة في الكيلو متر المربع نسمة في الكيلو متر المربع 1882 7 196 1897 10 280 1907 11 325 1917 13 371 1927 14 410 1937 16 466 1947 19 546 1960 26 733 1966 30 845 1976 38 1074 ورغم أهمية الكثافة الفيزيولوجية فإنه ينبغي التعامل معها بحذر ذلك لأن الأراضي غير الزراعية -والتي لا تدخل في المقام- قد تكون مستغلة في أوجه نشاط اقتصادي آخر مثل التعدين أو الغابات أو المراعي وغير ذلك وبالإضافة إلى ذلك فإن الأراضي الزراعية التي ينسب إليها عدد السكان تتباين في قدراتها الإنتاجية سواء في نوع المحاصيل المنزرعة وقيمتها وعدد المواسم الزراعية في السنة الواحدة وغير ذلك، كذلك فإن السكان يختلفون مهنيا وثقافيا

وحضاريا مما يصعب معه الوصول إلى صورة دقيقة للعلاقة بين توزيع السكان والأرض الزراعية، ومع ذلك فإن الكثافة الفيزيولوجية تعد تطويرا للكثافة الخام وتعطي صورة أفضل لهذه العلاقة.

أنماط التوزيع السكاني في العالم

أنماط التوزيع السكاني في العالم مدخل ... أنماط التوزيع السكاني في العالم يبدو واضحا من دراسة خريطة توزيع السكان في العالم أنها تتباين تباينا كبيرا من قارة لأخرى "الشكل التالي"، كذلك فإن مدى التباين في داخل القارة الواحدة كبير هو الآخر، ففي أمريكا الشمالية توجد أكثف المناطق في وسط شرقها، وفي أمريكا الجنوبية توجد في منطقة البمبا وجنوب شرق البرازيل وبعض نويات العمران في المرتفعات الغربية وفي أفريقيا تتمثل بؤرات التركز السكاني في مصر ونيجيريا أما في أوروبا فإن الإقليم الشمالي الغربي بها هو أكثف الأقاليم على الإطلاق خاصة في تلك المساحة الممتدة من الجزر البريطانية إلى وسط ألمانيا وتتمثل مناطق الكثافة العالية في الاتحاد السوفيتي في منطقة أوكرانيا، أما آسيا فإن أقاليمها الشرقية والجنوبية تعد أكثر مناطق العالم ازدحاما بالسكان، وفي استراليا يعيش معظم السكان في الجنوب الشرقي قرب السواحل. وبالرغم من أن العالم يمكن تقسيمه إلى عدة مناطق متفاوتة في درجة الكثافة والتوزيع العددي للسكان بها، إلا أنه يمكن النظر إلى صورة التوزيع السكاني على الأرض من خلال نطاقين رئيسيين أحدهما يتميز بالتشتت والتبعثر والآخر بالتركز والازدحام، وفيما بينهما توجد مناطق انتقالية تعد امتدادا لكلا النطاقين.

أقاليم التوزيع السكاني المبعثر

أقاليم التوزيع السكاني المبعثر: تعد المناطق الجافة والغطاءات القطبية والجبال المرتفعة والغابات الكثيفة أقاليم التبعثر السكاني على خريطة العالم فتبدو الصحاري مناطق بيضاء شاسعة على خريطة السكان لندرة المياه وبالتالي ندرة الحياتين النباتية والحيوانية وهناك إقليمان صحراويان شاسعان في نطاق الرياح التجارية في كل من نصفي الكرة وإن كانت صحراء النصف الشمالي أكبر بكثير من مثيلتها

في النصف الجنوبي. ولا يتوزع السكان في هذه الصحاري إلا في جيوب منعزلة حيث تتوفر المياه كما في مصر، التي تبدو كواحة طويلة تعتمد على شكل "147" توزيع السكان في العالم

مياه النيل وهي بالرغم من كثافة السكان العالية بها فإنها لا تمثل إلا منطقة ضئيلة للتركز السكاني في الصحاري؛ ذلك لأن الصحاري بصفة عامة تعد أقل مناطق العالم كثافة للغاية حتى إن بعض مناطقها تصل الكثافة بها إلى فرد واحد لكل عشرة كيلو مترات مربعة ومع ذلك ففي بعض الواحات يتركز السكان بدرجة عالية من الكثافة لا تتمشى مع مواردها المحلية، ويحدث ذلك عندما توجد المياه بكميات وفيرة. وتساعد الأمطار التي تسقط في بعض المناطق الجافة على قيام حياة رعوية تمد أعدادا قليلة من السكان باحتياجاتهم الرئيسية، ففي إستبس القرغيز تتفوق أعداد الحيوانات على عدد السكان وحتى على حواف الصحراء الاسترالية فإن القطعان الضخمة من الأغنام التي تزيد على 50.000 رأس لا تتطلب سوى عمل حوالي 15 شخصا فقط. وفي بعض الحالات القليلة يجذب استخراج المعادن السكان إلى قلب الصحراء حيث تنشأ مدن صغيرة تعدينية في هذه البيئة القاحلة وحيث يعتمد العاملون في هذه المدن على جلب احتياجاتهم من الغذاء والماء من خارج هذه البيئة. وقد ساعد التعدين على خلق مدن صحراوية وتضخمها مثل تعدين الذهب في الصحراء الاسترالية "كالجورلي" والولايات المتحدة "كربيل كريك Cripple Creek" كذلك في قلب صحراء شبه الجزيرة العربية ساعد استخراج النفط على قيام مراكز عمرانية مشابهة تعتمد على الخارج. أما البرودة فإن تأثيرها على توزيع السكان أقل من الجفاف ومع ذلك فإن شعوب القنص والصيد البدائية في النطاق القطبي قليلة العدد وتقل أعدادهم بالاتجاه شمالا حتى إن عددا قليلا من الإسكيمو الذين يصيدون عجول البحر لديهم القدرة على اختراق الأصقاع الشمالية حتى خط عرض 54 - 81 شمالا. أما في نصف الكرة الجنوبي فإن العمران البشري يبتعد كثيرا عن القطب الجنوبي حيث تبتعد تيراد لفويجو عن القارة المتجمدة الجنوبية بحوالي 600 أو 800 كيلو متر. وتتمثل مناطق التركز البشري في الشمال البارد لدى بعض الجماعات مثل الإسكيمو واللاب والصامويد وغيرها، ولا يتجاوز عدد السكان شمال خط عرض 65 درجة شمالا مليون نسمة فقط وتبلغ مساحة النطاق القطبي وشبه القطبي

قرابة 27 مليون كيلو متر مربع، ومن هذا النطاق ألاسكا ومساحتها 1.6 مليون كيلو متر مربع وسكانها 130.000 نسمة وشمال كندا ومساحتها 6 ملايين كيلو متر مربع وسكانه أقل من 100.000 نسمة وجرينلندا ومساحتها 2.2 مليون كيلو متر مربع وسكانها 25.000 نسمة والنطاق القطبي السوفيتي ومساحته 6 ملايين كيلو متر مربع وسكانه قرابة نصف مليون نسمة وانتاركتيكا في الجنوب ومساحتها 12 مليون كيلو متر مربع ولا يسكنها إلا عدد محدود من علماء الأرصاد الجوية وبعض رجال القواعد العسكرية ومعنى ذلك أن حوالي 20% من جملة مساحة اليابس لا يقطنه سوى 0.02% من جملة سكان العالم1. وترجع ندرة السكان في النطاقات القطبية إلى قسوة مناخها وعدم ملاءمة الظروف الفسيولوجية للجسم البشري في الأحوال العادية فهذه المناطق تعد أقاليم شتاء دائم ولا يتعدى أكثر الشهور حرارة بها 10 درجات مئوية فوق الصفر وتظل الحرارة من - 30 درجة إلى - 60 درجة مئوية في معظم شهور السنة. أما في الجبال فيقل عدد السكان بالارتفاع، ولذا فإن الجبال الشاهقة غير معمورة دائما فلا يعيش في هضبة التبت سكان على مستويات أعلى من 15000 قدم وفي سويسرة فإن المناطق التي تعلو على 3300 قدم لا تحوي سوى 5% فقط من جملة سكان البلاد والمناطق التي تزيد على 5000 قدم لا يعيش بها سوى 0.5% من السكان. وفي البيئة الباردة فإن عدد السكان يتناقص في مناسيب ارتفاعات أقل من البيئات الأخرى ففي سكوتلاند وويلز تبدأ ندرة السكان على ارتفاع عدة مئات من الأقدام عن سطح البحر وعلى ذلك فإن الجبال تتباين في دورها في توزيع السكان حسب العروض التي توجد بها حيث يتركز السكان في المناسيب التي تلائم ظروفها الطبيعية معيشتهم وقد يكون استخراج المعادن من المناطق الجبلية المرتفعة سببا في جذب السكان وتركزهم في هذه المرتفعات ففي بيرو يتم استخراج المعادن الثمينة في مدينة سيرودي باسكو Cerro de Pasco "14270 قدم وبوتوسي Potosi "13350 قدم" وأورورو Ouroro "12350 قدم".

_ 1 George, P., Geographie de la population, que - sais - Je ? 1187: Presses universitaires de France Parie, 1973, P. 8.

كذلك فإن هناك مناطق جبلية لعبت دورا هاما في جذب اللاجئين إليها وأدى ذلك إلى ارتفاع الكثافة السكانية بصورة غير عادية كما في جبال القبائل في الجزائر وجبال الألب الترانسلفانية ومع كل ذلك فإنه رغم جذب الجبال في بعض الأقاليم للسكان فإنها تدخل ضمن المناطق المبعثرة على خريطة السكان في العالم. أما المناطق الغابية فيصعب إقامة مراكز عمرانية بها وكانت غابات النطاق المعتدل خالية من السكان يوما ما، واليوم فإن غابات الأمازون الشاسعة لا يوجد بها إلا عدد قليل للغاية من السكان نسبيا بالمقارنة مع المناطق المرتفعة الخالية من الغابات والتي تتراوح كثافة السكان بها من 80 - 100 نسمة في الميل المربع، ويمكن ملاحظة نفس التناقض في الفلبين حيث تكون الجبال المغطاة بالغابات غير مسكونة بينما تكون السهول الخالية من الغابات والتي تسود فيها الزراعة كثيفة السكان. وتتميز كل هذه الأقاليم المبعثرة السكان بملمح مشترك هو العمران غير المنتظم ذو النمط المشتت Sporadic ومثل هذا التبعثر يجعل من الحديث عن الكثافة أمرا غير ذي معنى وذلك لأن هناك مساحات واسعة غير مسكونة على الإطلاق، بينما توجد نقط صغيرة هي التي يتركز فيها السكان وأحسن الأمثلة على ذلك تلك البؤرات الكثيفة السكان الممثلة في الواحات المبعثرة في صحاري أفريقيا وغرب آسيا وهذه مناطق تتصف بمزايا تعوضها عن الجفاف البيئي فهي ذات تربات خصبة فيضية منقولة أو محلية وبمناخ مشمس ودافئ أو بتوافر مورد للمياه وهي سمات يتميز بها نطاق الواحات الذي يمتد من البنجاب حتى بكتريانا "Bactriana" شمال أفغانستان وفي غرب آسيا من العراق حتى ساحل سوريا ولبنان "الهلال الخصيب" وفي مصر التي عرفت الزراعة منذ عهود قديمة وشهدت ثورة اقتصادية في القرن التاسع عشر تمخضت عنها زيادة ضخمة في عدد السكان من 4.4 مليون نسمة سنة 1846 إلى 14 مليونا 1927 ثم إلى 38 مليونا 1976.

أقاليم التوزيع السكاني الكثيف

أقاليم التوزيع السكاني الكثيف: تبدو على خريطة العالم أربع مناطق كثيفة السكان تفصلها عن بعضها

البعض صحاري أو بحار، وهذه المناطق هي شرق الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والهند والصين واليابان وتقع كلها في نصف الكرة الشمالي وبالتحديد بين مدار السرطان وخط عرض 69 درجة شمالا، وهي تحوي أكثر من ثلاثة أرباع سكان العالم ومن بين هذه المناطق نشأت الولايات المتحدة منذ قرابة مائتي عام فقط. وفيما عدا اليابان فإن هذه المناطق تتميز بسمة مشتركة، في أنها كلها مناطق ذات سهول واسعة تتكون من أودية نهرية مثل الهوانجهو واليانجتسي كيانج والجانج وسهل شمال وشرق أوروبا ثم أودية المسيسبي وروافده كذلك فهي دول أنهار كبرى وقريبة من البحر وأصبحت كلها من مناطق إنتاج الحبوب بوفرة سواء إنتاج القمح والذرة والأرز وتعد أوروبا وأمريكا الشمالية منطقتان للتركز السكاني يفصلهما المحيط الأطلسي الشمالي ولكنهما في الواقع امتداد لبعضهما؛ ذلك لأن سكان أمريكا الشمالية من أصول أوروبية ولها نفس المستوى الحضاري. توزيع السكان في أوروبا: أوروبا من القارات التي يأخذ توزيع السكان فيها نمطا متدرجا منتظما حيث منطقة الكثافة العظمى بها في الشمال الغربي وتقل بالاتجاه شمالا وشرقا وجنوبا، وباستثناء سكان الاتحاد السوفيتي فإن عدد سكانها يبلغ 486 مليون نسمة يعيش ثلثا هذا الرقم في مناطق عالية الكثافة وليست هناك مساحات واسعة خالية السكان أو فجوات متسعة ذات تخلخل سكاني واضح كما تبدو صورة السكان في شبه القارة الهندية مثلا وهذا التجمع السكاني الأوروبي الضخم كان منبعا للهجرة الخارجية من القارة والتي غيرت من صورة التوزيع السكاني في العالم الجديد وفي الأمريكتين واستراليا بل وفي بعض مناطق أفريقيا كذلك. وبالرغم من الحقيقة المعروفة من أن أوروبا قد شهدت هجرة خارجية على نطاق واسع في القرنين الأخيرين -بخلاف أي قارة أخرى- إلا أنها أكثر القارات ازدحاما "تعد آسيا أكثر سكانا إلا أن بها مناطق واسعة تخلو من السكان" وقد يكون ارتفاع كثافة السكان في أوروبا راجعا إلى أنها لا تضم مناطق صحراوية جافة، مع صغر المساحة الواقعة في النطاق البارد في شمالها ثم توافر الموارد المعدنية الطبيعية والغابات والتربة الخصبة في نطاق العروض الوسطى، كذلك فإن سكان هذه القارة موزعون توزيعا غير عادل ومع ذلك فإنها أكثر القارات تجانسا في توزيعهم بالمقارنة بباقي القارات، يرجع ذلك إلى ضآلة مناطق

التخلخل السكاني فيها بصفة عامة فإن منطقة الكثافة السكانية العالمية بها تمتد من وسط بريطانيا عبر شمال شرق فرنسا والأراضي المنخفضة وتستمر حتى الحدود الغربية للاتحاد السوفيتي وهناك مناطق أخرى ذات كثافة عالية مثل حوض البو في إيطاليا وحوض الرون الأدنى في فرنسا. وتبدو درجة التباين في مستويات الكثافة إذا ما قورنت بعض الدول بغيرها فتعتبر هولندا أكثر الدول كثافة حيث تصل إلى 800 نسمة في الميل المربع وتليها بلجيكا "750" ثم بريطانيا "543" وألمانيا "500" وإيطاليا "425" ثم فرنسا "203". ويرتبط توزيع السكان في أوروبا بعامل التضاريس حيث تعد المناطق السهلية أكثر ملاءمة للسكنى مما يترتب عليه تركز واضح للسكان وأوضح الأمثلة على ذلك تلك المنطقة السهلية الممتدة من غرب فرنسا خلال الأراضي المنخفضة وشمال ألمانيا مشتملة على أجزاء من جنوب شرق إنجلترا وكذلك في مناطق السهول الصغرى مثل سهل البو وسهل الرون ومنخفضات جنوب إسبانيا وقد تكون بعثرة السكان وتخلخلهم في المرتفعات الأوروبية -هضابا كانت أم جبالا- ناتجة عن برودتها بالنسبة للسهول المجاورة مما يجعلها أقل ملاءمة للزراعة ومن ثم للتركز السكاني كذلك يبدو أن هناك ارتباطا قويا في شمال غرب أوروبا بين توزيع السكان وحقول الفحم والتي تتصل اتصالا سهلا بمناجم الحديد ومن ثم كونت أساسا مبكرا لقيام الصناعة.

شكل "148" أكثف المناطق سكانا في أوروبا

الفصل الثاني: النمو الطبيعي للسكان

الفصل الثاني: النمو الطبيعي للسكان مدخل ... الفَصلُ الثَّاني: النّمُو الطبيعِي لِلسُّكان: يعد النمو السكاني في العالم أبرز الظاهرات الديمغرافية المميزة في العصر الحديث حيث يمثل تحديا هاما للبشرية وخاصة بالنسبة للشعوب النامية التي يتزايد سكانها بمعدل كبير يزيد على معدل التزايد في التنمية الاقتصادية بها وتوفير الغذاء لسكانها، ويرتبط نمو السكان بالزيادة الطبيعية -وهي الفرق بين المواليد والوفيات- دون أن تدخل الهجرة في حسابها، ولذلك فإن دراسة النمو السكاني القائم على أساس الزيادة الطبيعية في بلد ما يسهم في تحديد المدة التي يستغرقها هذا البلد في الوصول إلى حجم معلوم إذا استمرت المعدلات بنفس مستواها، وإذا كان معدل الزيادة الطبيعية في دولة ما هو 10 في الألف فإنه يزيد بمعدل1 في المائة سنويا بطبيعة الحال وإذا استمر هذا المعدل ثابتا فإن عدد سكان هذه الدولة يتضاعف في مدى 70 عاما فقط ذلك لأن السكان يزيدون وفقا لمبدأ الفائدة المركبة وليس مبدأ الفائدة البسيطة أي أن القاعدة وهي حجم السكان في سنة الأساس تزيد سنويا بمقدار الزيادة خلال السنة السابقة1. ويبين الجدول التالي عدد السنوات التقريبي الذي يتطلبه شعب ما كي يتضاعف عدده وفقا لمعدلات سنوية مختلفة للنمو الطبيعي وذلك بافتراض ثبات هذا المعدل من ناحية وأنه لا وجود لهجرة صافية من البلد أو إليه من ناحية أخرى.

_ 1 Thempson W & Lewis, D,. Population problems, Mc Graw-Hill Book company. New York, 1965, p. II. وراجع أيضا كتاب: فتحي محمد أبو عيانة: جغرافية السكان، بيروت، 1981، ص243- 279.

معدل الزيادة الطبيعية في المائة سنويا عدد السنوات اللازمة لتضاعف عدد السكان 3.5 24 2.5 29 2.0 35 1.5 47 1.0 70 0.5 140 وفي ضوء معدلات النمو السكاني للعالم سنة 1970 فإن سكانه سيتضاعفون في مدة 35 سنة، وتختلف قارات العالم النامي والمتقدم فيما بينها في هذا العدد وذلك انعكاسا لتباين معدلات النمو السكاني بها بطبيعة الحال وتتراوح المدة اللازمة لتضاعف السكان بين 24 سنة في أمريكا اللاتينية و27 سنة في أفريقيا و 31 سنة في آسيا مقابل 63 سنة في أمريكا الشمالية و 70 سنة في الاتحاد السوفيتي و88 سنة في أوروبا. أما فيما بين الدول فإن أدنى مدة تسود في الباكستان والفلبين وتايلاند "21" وأعلى مدة تسود في فنلنده والنمسا "175" سنة. وتعتمد دراسة النمو السكاني على مقياس هام هو معدل النمو السكاني وهو يعد أساسا لدراسة درجة التغير في حجم السكان في إقليم ما في فترة زمنية محددة ويحسب هذا المعدل بطريقتين إحداهما هي حساب الفرق بين السكان في تعدادين مختلفين والأخرى هي تقدير معدل التغير من سجلات المواليد والوفيات والهجرة. والطريقة الأولى التي تعتمد على جملة عدد السكان في تعدادين مختلفين هي الطريقة الشائعة لحساب معدل تغير السكان في المجتمع ويمكن الحصول على هذا المعدل باستخدام طريقتي المتوالية العددية والمتوالية الهندسية.

تطور النمو السكاني في العالم

تطور النمو السكاني في العالم: بلغ عدد سكان العالم في سنة 1976 نحو 4257 مليون نسمة وقد تطور

عددهم تطورا كبيرا في الأجيال الثلاثة أو الأربعة الأخيرة وليس من السهل تقدير عدد سكان العالم في الفترات التاريخية القديمة قبل سنة 1650 التي تعد لدى كثير من الباحثين بداية التقدير المعقول للسكان وذلك اعتماد على تفسير الحقائق المستقاة من كتابات الرحالة والأجانب الذين امتدت إقامتهم بين الشعوب المختلفة. وقد اختلف تقدير العلماء لسكان العالم فيما قبل بداية القرن العشرين "جدول رقم2" ويعد تقدير كارسو ندرز Saunders أبرز هذه التقديرات وقد قدر عدد سكان العالم في سنة 1650 بنحو 545 مليون نسمة إلا أنه يبدو أن معدل النمو السنوي للسكان قد تضاعف فيما بين عامي 1650 و 1850 فتعدى السكان الألف مليون نسمة ثم تضاعف مرة أخرى في العشرينات من القرن العشرين ثم مرة ثالثة فيما بعدها حتى وصل عدد السكان إلى 2500 مليون نسمة سنة 1950 ثم 3635 مليون نسمة سنة 1970 ومعنى ذلك أن سكان العالم قد تضاعفوا خلال القرن الحالي وتزايد خلال الخمسينات فقط بما يصل إلى قرابة 500 مليون نسمة وهذا الرقم يعادل إجمالي سكان العالم في منتصف القرن السابع عشر، وتربو الزيادة السنوية في الوقت الحاضر على 80 مليون نسمة في المتوسط يضافون إلى حجم سكان العالم سنويا وإذا استمر معدل النمو السكاني بمستواه الحالي فإن سكان العالم سيتضاعفون حوالي ست مرات خلال مائة عام، ولقد قدر خبراء الأمم المتحدة أن سكان العالم سيصل عددهم إلى رقم يتراوح بين 6000 مليون إلى 7000 مليون نسمة سنة 2000. ويكون الآسيويون حتى بدون الاتحاد السوفيتي غالبية سكان العالم على امتداد الفترات التاريخية المختلفة وحتى الوقت الحاضر ويليهم في ذلك قارة أوروبا بما فيها الاتحاد السوفيتي وإن كانت نسبة الزيادة لدى السكان الأوروبيين قد قلت في العصر الحديث عما كانت عليه من قبل وذلك ناتج عن انخفاض الزيادة الطبيعية لديهم من ناحية وتعرض القارة الأوروبية لهجرات خارجة إلى قارات العالم الجديد من ناحية أخرى، وقد أسهمت هذه الهجرات في تزايد أعداد سكان هذه القارات التي تمثلهم أمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية أوضح تمثيل ابتداء من منتصف القرن التاسع عشر ثم استراليا في أواخره.

شكل "149" نمو السكان في العالم

جدول رقم "2" تقديرات سكان العالم في السنوات 1650 - 1976 بالملايين1 أ- a.thompson, w., lewis, D., Population Problems, op.cit, P.384. ب- B. U. N. Demographic Year book, 1960 and 1970. ج- U. S. Dept. of Commerce, World Population, 1981.

عوامل النمو السكاني في العصر الحديث

عوامل النمو السكاني في العصر الحديث: تضافرت مجموعة من العوامل أدت إلى التزايد السكاني الكبير الذي يشهده العالم في العصر الحديث، وكان من أبرزها تلك الثورة الزراعية في وسائل الإنتاج الزراعي وأساليبه، وقد تمكن البشر بواسطتها من مواجهة أثر الكوارث التي كانت تقلل من أعداد السكان في الماضي، وقد بدأت الثورة الزراعية الحقيقية في دول الغرب منذ أوائل القرن الثامن عشر في إنجلترا وبعض الدول الأوروبية ثم ما لبثت أن انتشرت نحو دول أخرى في العالم بل إن هذه الثورة ما زالت مستمرة في بعض الدول النامية التي أخذت بأساليبها حديثا. وقد واكب هذه الثورة الزراعية انقلاب صناعي كذلك في القرن الثامن عشر كان له أبرز الأثر في زيادة الإنتاج وتطور وسائل النقل وكان أبرز مظاهر هذا الانقلاب اختراع الآلة البخارية سنة 1698 وما أدخل عليها من تعديلات في السنوات التالية ثم ما لبث استخدام البخار أن انتشر بعد ذلك كطاقة رئيسية في الآلات ولم ينته الربع الأول من القرن التاسع عشر حتى بدأ استخدامها في النقل بالسكك الحديدية وبالسفن. وكان أثر هذه الوسائل التقنية في الزراعة والصناعة والنقل في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بالغا في زيادة قدرة الإنسان على إنتاج الغذاء والضروريات الأساسية الأخرى وأهم من ذلك كله ساعد التحسن في فنون النقل على فتح أراضٍ جديدة شاسعة خاصة في نصف الكرة الغربي والأوقيانوسية وما ترتب على ذلك من هجرة سكانية ضخمة إليها حتى إن أمريكا الشمالية مثلا كان يسكنها قبل وفود الأوروبيين إليها في القرن السابع عشر والسنين التالية عدد يتراوح بين 500.000 إلى مليون نسمة من الهنود الحمر ولكنها تحتوي اليوم ما يزيد على مائتي مليون نسمة. وفي خلال الفترة من 1650 - 1850 كان تطور الأساليب الجديدة في الزراعة والصناعة والنقل والاستقرار السياسي النسبي من العوامل الهامة التي أدت إلى تزايد سكان الغرب زيادة جعلت روبرت توماس مالثوس يكتب نظريته المشهورة في الفترة من 1800 - 1802 محذرا عن عواقب التزايد السكاني والصراع بينه وبين الموارد الغذائية السائدة.

وقد بدت معدلات المواليد في دول شمال وغرب أوروبا في الهبوط منذ سنة 1850 وبدأت كثير من الدول الأوروبية في التحصين ضد بعض الأمراض الوبائية مثل الجدري كما ساعد النقل على تلبية الاحتياجات الغذائية في الأماكن البعيدة وأدى ذلك كله إلى انخفاض معدل الوفيات في هذه الدول الغربية حيث هبط في دول غرب أوروبا من 24 في الألف سنة 1850 إلى 16 في الألف سنة 1900 مما يعكس التقدم الصحي الذي بدأ يميز هذه الدول1. ومعنى ذلك أن الطفرة السكانية في العصر الحديث قد نتجت عن الزيادة الطبيعية الكبيرة والتي نتجت بدورها عن انخفاض معدل الوفيات مع بقاء معدلات المواليد ثابتة أو انخفاضها انخفاضا طفيفا في بعض مناطق العالم ولقد أوضحت الإحصاءات أن الانخفاض السريع في معدلات الوفاة كان سببا رئيسيا للتزايد السكاني السريع في العصر الحديث وقد ارتبط انخفاض معدلات الوفاة بارتفاع في متوسط أعمار الأفراد فمنذ مائتي عام مثلا كان لا ينتظر الوليد الجديد أن يعيش أكثر من 35 - 40 سنة وذلك حتى في البلاد التي كانت الظروف الصحية ملائمة بها، أما في الوقت الحاضر فقد ارتفع أمد الحياة وتجاوز 65 سنة في بلاد متعددة وما زال في اتجاهه نحو التزايد في معظم دول العالم بفضل التقدم العلمي الكبير الذي تصدى لكثير من أسباب الوفيات وخاصة في الأعمار المبكرة والتي تكون نسبة عالية من جملة الوفيات. وقد بدأ الانخفاض الواضح في معدلات الوفيات في دول شمال أوروبا في وقت مبكر من القرن التاسع عشر، واستمر هذا الانخفاض بعد ذلك حتى صار المتوسط الحالي للوفيات في دولها حوالي 10 في الألف -وهو يعد أقل من ثلث المعدل الذي كان سائدا في أوائل القرن التاسع عشر، كذلك نتج عن انخفاض معدل الوفيات في أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا بدرجة ملحوظة في العقود الأخيرة مع ارتفاع معدلات المواليد أن أصبحت هذه القارات تعاني من النمو السريع للسكان حتى إن معدل النمو في كثير من دولها يبلغ ضعف معدل النمو العالمي.

_ 1 معدل المواليد هو نسبة عدد المواليد إلى سكان منتصف السنة مضروبا في الألف.

والواقع أن الدول الأوروبية لم تشهد في تاريخها معدلا للنمو السكاني كالذي تشهده حاليا كثير من الدول النامية، فقد كانت قمة الزيادة الطبيعية في إنجلترا وويلز 14 في الألف وإسكنديناوه 12 في الألف وتعد بذلك نصف معدل الزيادة الطبيعية السائد في كثير من الدول النامية في الوقت الحاضر والسبب الرئيسي كما سبق القول هو الهبوط الكبير في معدل الوفيات، ففي موريشيوس مثلا تزايد أمد الحياة من 33 إلى 51 سنة في فترة ثمانية أعوام فقط بعد الحرب العالمية الثانية في الوقت الذي استغرقت فيه السويد 130 سنة لتحقق هذه النتيجة كذلك فإن نجاح سري لانكا "سيلان سابقا" في القضاء على الملاريا قلل من معدل الوفيات من 22 إلى 10 في الألف فقط في الفترة من 1945 - 1952 فقط وربما يكون الهبوط في معدل الوفيات مؤثرا في خفض الخصوبة على المدى الطويل من خلال ارتفاع معدلات البقاء للأطفال. ونظرا لتباين معدلات المواليد والوفيات بين مناطق العالم الجغرافية فإنها تختلف كذلك في معدلات نمو السكان بها ففي خلال الخمسينات من هذا القرن كان أقل معدل للنمو السكاني "0.8%" سنويا سائدا في أوربا وخاصة في شمالها وغربها وكذلك في الاتحاد السوفيتي وأمريكا الشمالية حيث بلغ معدل النمو واحدا في المائة سنويا. ويبين الجدول رقم "3" التباين في معدلات النمو السكاني في أقاليم العالم المختلفة، ويمكن تقسيم العالم إلى نطاقين كبيرين أحدهما يتمثل في الدول المتقدمة في أوروبا وأمريكا الشمالية والاتحاد السوفيتي حيث ينخفض معدل النمو السكاني بها والنطاق الآخر هو القارات النامية آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وتعد أمريكا اللاتينية المدارية أكثر مناطق العالم في معدل النمو السكاني وتليها أفريقيا ثم آسيا حيث زاد معدل النمو بها على 2% سنويا وهو بذلك يبلغ ضعف مثيله في الدول المتقدمة وتعتبر الأوقيانوسية من القارات المتقدمة ولكنها ذات معدل نمو مرتفع وذلك ناتج عن الأثر القوي الذي أحدثته الهجرة التي تسهم بحوالي 30% من جملة نمو السكان.

جدول رقم 3 المعدلات الحيوية في العالم سنة 1976 1 المصدر: U.S. Dept. of Commerce, world Population, 1977 وتسهم هذه الأنماط المتعددة في معدلات النمو السكاني في تزايد السكان في أقاليم العالم بدرجات متفاوتة باستثناءات نادرة متمثلة في بعض المجتمعات البدائية مثل الفويجيين وبعض قبائل وسط أفريقيا والأوقيانوسية وغيرهم من الجماعات التي تتناقص في أعدادها نتيجة للتغيرات التي اعترضت حياتها الاقتصادية والبيئية ولذلك فإن معدل النمو السكاني الحالي في العالم لم يسبق أن شهدته البشرية من قبل على امتداد التاريخ البشري، وقد سبق القول بأن سكان العالم قد واصلوا نموهم وتزايدهم من 100 مليون نسمة سنة 1850 إلى 2000 مليون نسمة سنة 1940 ثم إلى 4000 مليون نسمة سنة 1975 وتبلغ الزيادة

السنوية في الوقت الحاضر قرابة 80 مليون نسمة، أي أن عددا مشابها لسكان فرنسا أو إنجلترا يضاف إلى سكان العالم سنويا.

مراحل النمو السكاني

مراحل النمو السكاني مدخل ... مراحل النمو السكاني: سبق القول بأن الارتباط بين معدل المواليد والوفيات هو الذي يؤدي إلى تغير حجم السكان بصفة أساسية وذلك لأن الفرق بين هذين المعدلين -والذي يعبر عنه بالزيادة الطبيعية- هو العامل الأساسي في نمو السكان ويزيد معدل المواليد على معدل الوفيات في كل دول العالم ولكن الفرق بينهما يختلف من دولة لأخرى كما أنه يختلف بين أقاليم الدولة الواحدة بل وبين الطبقات الاجتماعية في داخل الإقليم الواحد ولذلك فإن لكل دولة نمط خاص للنمو السكاني وإذا كانت هناك دولتان تتشابهان في معدلات النمو بها فإنهما قد وصلتا إلى هذا التشابه نتيجة ظروف ديموغرافية متشابهة في صورتها العامة ولكنها تختلف في التفاصيل التي أثرت في اتجاه النمو بها. وقد أدت دراسة النمو السكاني إلى محاولة تقسيمه إلى مراحل رئيسية أو دورات ديموغرافية تتميز كل منها بسمات خاصة معتمدة على تطور المواليد والوفيات وتعرف هذه النظرية بنظرية النمو الطبيعي للسكان أو بالنظرية الديموغرافية الانتقالية Demographic Transitional Theory وقد أقيمت على أساس تجارب بيولوجية معملية في بادئ الأمر أجريت على بعض الكائنات وقام بها ريموند بيرل واستنتج أن النمو الطبيعي يحدث في دورات مميزة ففي خلال الدورة الواحدة وفي مساحة معينة ووسط معين فإن النمو يبدأ بطيئا ثم ما يلبث أن يتزايد بالتدريج وبنسبة ثابتة حتى يصل إلى منتصف الدورة وبعد هذه النقطة فإن الزيادة المطلقة بالنسبة للوحدة الزمنية تصبح أقل حتى نهاية الدورة وقد اتخذ لوصف هذه النظرية قانونا رياضيا مستخدما معادلة المنحنى اللوجستي لشرح منحنى النمو السكاني وتحديد دوراته المتتابعة. وهناك نظرية مشابهة هي التي نادى بها Gini الإيطالي وقد رأى أن دورة النمو السكاني تشبه دورة حياة الفرد: تتميز بمرحلة نمو سريع مبكر ثم مرحلة نضج وثبات وبعد ذلك مرحلة شيخوخة ويرى كلا الباحثين "بيرل وجيني" أن دورة النمو السكاني تتأثر تأثرا كبيرا بعامل المواليد وهبوطه وينتج

عن هذه الدورات في النهاية منحنى يأخذ شكل حرف S المائل وتختلف ديناميكية كل دورة عن الأخرى حسب الظروف الديموغرافية المؤدية إليها. وتعد نظرية الانتقال الديموغرافي من أبرز المظاهر المرتبطة بدراسة السكان وربما حظيت باهتمام كبير يماثل الاهتمام الذي قوبلت به نظرية مالثوس من قبل وهي باختصار تمثل العلاقة بين معدل المواليد ومعدل الوفيات وما تنتجه من مؤثرات ديموغرافية تنعكس على معدل النمو السكاني في المجتمع وهي في ذلك تعتمد على عنصر الزمن لتحديد تطور منحنى النمو وتقسيمه إلى مراحل مميزة لكل منها سماتها الخاصة في هذين العنصرين الحيويين: المواليد والوفيات. وعلى أساس تباين معدلات المواليد والوفيات في دول العالم فإنه يمكن تقسيمها نظريا حسب هذه النظرية إلى أنماط متعددة تضمنها المراحل التالية التي يوضحها

المرحلة الأولى

1- المرحلة الأولى High stationary stage: وتعرف أحيانا بالمرحلة البدائية Primitive Stage وتتميز بارتفاع معدل المواليد والوفيات ويتعرض السكان فيها لأوبئة ومجاعات ترفع معدل الوفيات إلى أرقام كبيرة وكذلك ترتفع فيها معدلات وفيات الأطفال الرضع ارتفاعا كبيرا قد يصل إلى أكثر من 250 في الألف كما أن أكثر من نصف الأطفال يموتون قبل وصولهم سن الخامسة عشر ولقد مرت كل شعوب العالم بهذه المرحلة التي سادت العالم في كل أجزائه تقريبا حتى القرن السابع عشر الميلادي ولكن قلت المجتمعات التي تتمثل فيها هذه المرحلة في العصر الحديث قلة واضحة وأصبحت مقصورة على بعض أجزاء وسط أفريقيا وبعض جزر جنوب شرق آسيا وبعض مناطق دول أمريكا اللاتينية حيث يتعدى معدل المواليد والوفيات 30 في الألف وبالتالي لا يزيد معدل النمو السكاني زيادة كبيرة ويظل مرتبطا بظروف التخلف الصحي والاجتماعي السائدة. وتشبه ظروف هذه المناطق المختلفة ظروف أوروبا منذ مائتي سنة، ولكنها تشمل بعض المجتمعات المنعزلة في العالم والتي يقدر البعض عددها بنحو 100

مليون نسمة ولا شك أن ازدياد اتصالها بالعالم المتحضر سيؤدي إلى تقليل معدلات الوفيات بها وبالتالي دخولها في المرحلة التالية من مراحل الدورة الديموغرافية. شكل "151" مراحل النمو السكاني

المرحلة الثانية

2- المرحلة الثانية: وتعرف بمرحلة التزايد السكاني المبكر أو المرحلة الديموغرافية الشابة وتتميز بالنمو المتزايد والسريع للسكان الناتج عن انخفاض معدل الوفيات مع استمرار معدل المواليد مرتفعا ومن ثم تتسع الهوة بين المواليد والوفيات وترتفع نسبة الزيادة الطبيعية، ويتميز الهرم العمري للسكان باتساع القاعدة -أي ارتفاع نسبة الصغار- وقد انتهت بريطانيا من هذه المرحلة في السبعينات من القرن الماضي أو منذ ما يزيد على مائة سنة وتعيش معظم دول العالم في هذه المرحلة حيث تسود في دول أمريكا اللاتينية المدارية وكذلك في معظم الدول الأفريقية والآسيوية وقد دخل كثير من هذه الدول تلك المرحلة منذ عقد أو عقدين

من الزمان فقط حيث أدى الهبوط المفاجئ في معدل الوفيات بها واستمرار معدل المواليد ثابتا إلى تزايد واضح في معدل الزيادة الطبيعية الذي وصل إلى درجة عالية في دول هذه المرحلة مثل كولومبيا "3.4%" سنويا، وإكوادور "3,4%" وفنزويلا "3,4%" وباراجواي "3.4%" وكوستاريكا "3,8%" وتايلاند "3.2%" والفلبين "3.4%" والسودان "3.2%" والجزائر "3.2%" والعراق "3.4%" ودول هذه المجموعة هي التي تحظى بأعلى معدلات للنمو السكاني في العالم والذي يكشف عن زيادة كبيرة حالية ومرتفعة في عدد السكان الذي بها يمكن أن يتضاعف في مدى الثلاثين عاما القادمة وبمعنى آخر فإن هذه الدول تعيش الآن مرحلة الانفجار السكاني الذي يعد من أبرز مشكلاتها المعاصرة. ويعد التطور التكنولوجي الكبير من أهم العوامل التي مكنت الدول من الدخول إلى المرحلة الثانية -مرحلة الانفجار السكاني- حيث استطاعت بواسطته أن تسيطر على الأمراض الوبائية وأن تخفض من معدل الوفيات بها في فترة قصيرة مع بقاء معدل المواليد مرتفعا ولذلك فإن ديناميكية الانفجار السكاني ترجع في الأساس إلى الهبوط الكبير في معدل الوفيات نتيجة السيطرة على أسبابها.

المرحلة الثالثة

3- المرحلة الثالثة: وتعرف بمرحلة التزايد السكاني المتأخر Late expanding stage وهي المرحلة التي تعيشها الدول ذات الخصوبة المتوسطة "معدل المواليد أكثر قليلا من 20 في الألف" ووفيات منخفضة "معدل وفيات حوالي 10 في الألف" ويتميز النمو السكاني بأنه أقل من مستواه من المرحلة السابقة ذات التزايد المبكر وتتراوح الزيادة الطبيعية فيما بين 1% إلى 2% سنويا، مثل إسبانيا ويوغوسلافيا "1.1%" وهولندا "1.1%" ورومانيا "1.3%" والاتحاد السوفيتي "1.0%" والولايات المتحدة "1.0%". وفي هذه المرحلة توجد دول أخرى مثل الأرجنتين "1.5%" واستراليا "1.9%" ونيوزيلندا "1.7%" وكندا "1.7%" وفي هذه الدول تلعب الهجرة الوافدة دورا ليس صغيرا في مكونات النمو السكاني، وتعد هذه المرحلة أولى المراحل التي تضم سكانا أوروبيين، ويشبه معدل النمو السكاني لديها معدل النمو العالمي في الوقت الحاضر.

المرحلة الرابعة

المرحلة الرابعة Late expanding stage: وهي المرحلة الأخيرة في الدورة الديموغرافية وهي تشمل الدول التي وصلت إلى مرحلة الثبات والاستقرار الديموغرافيين حيث انخفض فيها معدل المواليد ومعدل الوفيات انخفاضا ملحوظا وبالتالي هبط النمو السكاني بها إلى أدنى مستوياته في العالم حيث يتراوح بين 0.5% سنويا - 1.0% سنويا كما هي الحال في معظم دول شمال وغرب أوروبا وأوضح الأمثلة فنلنده حيث يصل معدل النمو إلى 0.4% سنويا وبلجيكا والنمسا 0.4% والمملكة المتحدة 0.5% وألمانيا الغربية 0.6% وفرنسا 0.8%، وفي أقصى حدود هذه المرحلة قد يحدث نقص طبيعي للسكان كما حدث في فرنسا مثلا بين عامي 1934، 1938 عندما كان معدل المواليد 14.5 في الألف والوفيات 15.3 في الألف وقد عاد التوازن إلى السكان بعد ذلك. وتمثل اليابان نوعا فريدا في العصر الحديث حيث استطاعت أن تمر من المرحلة الثالثة الى المرحلة الرابعة التي تعيشها حاليا في أقل من عشرين سنة وذلك نتيجة سياسة حازمة لتخفيض معدل النمو السكاني بها حتى وصل إلى 1% سنويا فقط وهي تعد بذلك الدولة الآسيوية الوحيدة التي تعيش في المرحلة الرابعة. وبالرغم من أنه يمكن التنبؤ بأن كثيرا من الدول ستصل إلى المرحلة الرابعة في النهاية إلا أن ذلك الانتقال المرحلي يرتبط بتغيرات كبيرة في التركيب الاقتصادي والاجتماعي في هذه الدول يمكنها من الهبوط بمعدلات المواليد والوفيات إلى المستوى المنخفض السائد في دول المرحلة الرابعة من الدورة الديموغرافية.

مستقبل النمو السكاني

مستقبل النمو السكاني في العالم: يعد تقدير حجم السكان في المستقبل نتاجا هاما للدراسة الديموغرافية بل هو هدفها الرئيسي والمتمم لها في الواقع حيث يعتمد على عوامل النمو السكاني الحيوية وعلى الفروض الخاصة بها. وتختلف تقديرات السكان في المستقبل حسب اتجاه الخصوبة والوفيات،

وقد جرت العادة على وضع ثلاث تقديرات للسكان، تقدير عالٍ وتقدير متوسط وتقدير منخفض ويرتبط التقدير العالي بافتراض ثبات معدلات الخصوبة والوفيات بينما المنخفض يرتبط بهبوط الخصوبة. ويكون التقدير المتوسط وسطا بينهما وإذا أخذنا التقدير المتوسط فيبدو أن سكان العالم سيتعدون الستة بلايين نسمة، ومعنى ذلك أن عددا يصل إلى 2400 مليون نسمة سيضافون إلى سكان العالم في الربع الأخير من القرن العشرين. جدول رقم "4" تقدير سكان القارات حتى سنة 2000. 1 تقدير متوسط القارة 1970 1985 2000 أفريقيا 344 530 768 آسيا 2056 2874 3458 أمريكا اللاتينية 283 435 638 أمريكا الشمالية 228 280 354 أوروبا 462 515 527 الاتحاد السوفيتي 243 287 353 الأوقيانوسية 19 27 32 العالم 3635 4933 6130 1 THe Population Reference Bureau, April 1970. 2 The Population Council, Reports on Population and Family Planning, No. 15 January, 1974. ويبين الجدول رقم "4" والشكل التالي التقدير المتوسط لعدد السكان في قارات العالم في الفترة من 1970 إلى 2000، وفي ضوء هذه الأرقام، فإنه يمكن تقسيم قارات العالم إلى مجموعتين: مجموعة القارات النامية وتشمل أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ومجموعة القارات المتقدمة وتضم أوروبا "الاتحاد السوفيتي" وأمريكا الشمالية والأوقيانوسية، ويبدو واضحا أن المجموعة الأولى سيتضاعف عدد سكانها في حوالي ثلاثين عاما 1970 - 2000 وهي تعيش الآن مرحلة الانفجار السكاني، وإذا كان سكان هذه المجموعة يشكلون

قرابة ثلاثة أرباع سكان العالم في الوقت الحاضر فإن نسبتهم ستصل إلى قرابة أربعة أخماس سكان العالم في سنة 2000، وعموما فإنه حسب هذا التقدير المتوسط سيزيد عدد سكان القارات النامية زيادة مطلقة بنحو 2184 شكل "152" تقديرات سكان العالم حتى سنة 2000

مليون نسمة بنسبة 80% في الفترة من 1970 حتى 2000، أي بمعدل نمو 2.5% سنويا. أما سكان المجموعة الثانية وهي القارات المتقدمة، فيتميزون بمعدل نمو منخفض ناجم بطبيعة الحال عن انخفاض معدلات المواليد بها ولذلك فإن سكانها سيزيدون بنسبة الثلث فقط في هذه الفترة.

الفصل الثالث: الهجرات السكانية

الفصل الثالث: الهجرات السكانية مدخل ... الفَصلُ الثَّالِث: الهجرات السكانية مقدمة: تعد الهجرة عنصرا رئيسيا من عناصر الدراسة السكانية؛ ذلك لأنها فيما عدا الزيادة الطبيعية تعد المصدر الوحيد لتغير حجم السكان، ومع هذا فإن دراستها ليست ميسرة مثل دراسة المواليد والوفيات؛ وذلك لاختلاف البيانات بينهما اختلافا جوهريا، وإذا كانت الهجرة عاملا مؤثرا في نمو السكان فإنها تؤثر بالتالي في خصائصهم الديموغرافية والاقتصادية حيث يعد التغيير في التركيب العمري والنوعي مثلا نتاجا هاما من نتائج الهجرة من الأقاليم أو إليها، ولما كان صافي الهجرة يعني انتقال السكان من مكان لآخر فإن ذلك يعيد توزيع السكان في أي منطقة مما يترتب عليه من نتائج إيجابية كتوفر الأيدي العاملة وزيادة فرص الحصول على المدرب منها، أو نتائج سلبية مثل زيادة عبء الإعالة في المناطق المهاجر منها وخلق كثير من المشكلات السكانية والإسكانية في المناطق المهاجر إليها. والهجرة ظاهرة جغرافية تميز بها السكان على مر العصور، وتماما كما يهتم دارس النبات والحيوان بتوزيع وهجرة أنواع الحياتين النباتية والحيوانية فإن دارس جغرافية السكان يهتم هو الآخر بالحركة الجغرافية للبشر، وتعكس معظم الحركات السكانية رغبة الإنسان في مغادرة منطقة ما تصعب معيشته بها إلى منطقة أخرى يعتقد في إمكان العيش بها بصورة أفضل وأحسن، وليس ذلك في الهجرات الدولية فقط بل في الهجرات المحلية كذلك مثل انتقال الأيدي العاملة من مكان لآخر وانتقال سكان الريف للعيش في المدن وانتقال السكان من المناطق المزدحمة إلى المناطق الأقل ازدحاما وهكذا. وعلى ذلك فإن الدوافع للهجرة قد تكون واحدة في الغالب والعامل المشترك

الأعظم بينهما هو عدم الرضا Dissatisfaction عن البيئة الأصلية للمهاجرين مما يحفزهم للانتقال نحو بيئة أخرى أكثر ملاءمة، وتشترك معظم الهجرات في ذلك ابتداء من الانتقال الموسمي للعمال الزراعيين مثلا إلى موجات الهجرة الضخمة لتعمير مناطق حديثة العهد بالاستيطان -مثل الخروج الأوربي العظيم نحو العالم الجديد-. وللهجرة أنماط متعددة ويتميز كل منها بخصائص ديموغرافية خاصة وإن كان يقصد بها عموما الانتقال الجغرافي من منطقة لأخرى وهي تنقسم إلى قسمين من حيث الاستمرار والدوام هما الهجرة الدائمة Life-time migration والهجرة المؤقتة Temporary migration ولسهولة الدراسة فإنه يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام رئيسية من حيث المدى والاتجاه وهي: 1- الهجرات الدولية وتتمثل في الانتقال السكاني عبر حدود الدول أي من دولة لأخرى. 2- الهجرات الداخلية، أو المحلية وهي تتمثل في انتقال السكان فيما بين أجزاء الدولة الواحدة. 3- الهجرة الدورية Rhythmic Migrations أو المؤقتة: وتتمثل في الانتقال الجغرافي من مكان لآخر لفترة محددة ثم ما يلبث المهاجرون أن يعودوا إلى مواطنهم الأصلية بعد ذلك وأبرز أمثلتها هجرة الأيدي العاملة والانتقال الموسمي لبعض السكان. ويلاحظ أن النوع الثالث من الهجرات السكانية قد يتدرج جزئيا تحت واحد من النوعين السابقين، فقد تضم الهجرة الدولية مثلا هجرة الأيدي العاملة من دولة لأخرى لفترات محددة وتعرف بهجرة عمال الأهداف كما في أفريقيا المدارية مثلا كذلك فقد تضم الهجرات الداخلية نفس الظاهرة أي انتقال الأيدي العاملة من مكان لآخر داخل الدولة الواحدة لفترات محددة. كذلك قد تضم هجرات لجماعات سكانية Trans humance وفي مسالك محددة كانتقال رعاة الجبال إلى السهول أو الانتقالات من مناطق الحشائش الفقيرة إلى تلك المناطق الغنية بمراعيها.

الهجرة الدولية

الهجرة الدولية مدخل ... الهجرة الدولية: يشمل هذا النوع من الهجرات الانتقال السكاني عبر حدود الدول ليس فقط الدول المجاورة بل ومن قارة إلى أخرى، وليست المسافة ذات اعتبار كبير في تعريف هذا النوع من الهجرة ذلك لأن الأوكراني الذي ينتقل مثلا للعمل في فلاديفوستك يقطع مسافة أكبر بكثير من البولندي الذي يهاجر للعمل في فرنسا بالرغم من أن الأول يتحرك داخليا عبر حدود دولة واحدة بينما انتقل الثاني عبر حدود أكثر من دولة ومن ثم يدخل في عداد الهجرة الدولية. وعلى ذلك فإن دراسة الهجرة الدولية تبدو سهلة في ضوء هذا التعريف البسيط لها واعتمادا على سجلات الهجرة عند حدود الدول، ولكن ما ينبغي ملاحظته هو أن الاعتماد على هذه السجلات لا يؤدي إلى دراسة دقيقة، ذلك لأنها قد لا تحوي كل الحقائق عن المهاجرين من ناحية كما أنها سجلات لحظية من ناحية أخرى تسجل حالة المهاجر وقت عبور الحدود دون اعتبار للتغيير الوظيفي والاجتماعي الذي سيطرأ عليه في دولة المهاجر بعد ذلك كذلك قد لا تتوافق بيانات الهجرة للدولة الموفدة مع بيانات الدولة المستقبلة فعلى سبيل المثال لا تتفق البيانات التي تنشرها ألمانيا عن المهاجرين الألمان إلى الأرجنتين مع تلك التي تنشرها الأرجنتين عن هؤلاء الأشخاص الوافدين إليها. ولا تعني الهجرة الدولية الانتقال الجغرافي عبر الحدود السياسية بقصد الاستقرار الدائم في المهجر فقط بل إنها تضم أنواعا أخرى أهمها الهجرة المؤقتة لبعض السكان ويرتبط ذلك بمغادرة بعض المهاجرين لمواطنهم الأصلية في دولهم للعمل فترة من الزمن في دولة أخرى ثم ما يلبثوا أن يعودوا لدولهم مرة أخرى بعد أن يكونوا ثروة تساعدهم على العيش في مستوى أعلى مما كانوا عليه قبل الهجرة، وتسود هذه الظاهرة في كثير من المناطق مثل صقلية في جنوب إيطاليا واليونان وبعض مناطق جنوب شرق أوروبا مثل ألمانيا أو بلغاريا حيث يتميز المهاجرون العائدون من الأمريكتين إلى وطنهم بمستوى معيشي مرتفع وفضلوا العودة لقضاء بقية حياتهم في موطنهم الأصلي ولقد كانت الهجرة المؤقتة سمة هامة لحركة الهجرة نحو أمريكا الجنوبية، ذلك أنه في الأرجنتين مثلا فيما بين سنة 1910 وسنة 1950 لم يستقر بها من جملة المهاجرين إليها وعددهم 14.159.876 مهاجرا فقط استوطنوها بصفة دائمة.

وتعكس هذه الظاهرة مدى التلاؤم مع العيش في البيئة الجديدة التي يهاجر إليها الفرد وعودته إلى موطنه الأصلي نتيجة عدم قدرته على التكيف الدائم مع المهجر وإن كان كثير من أبناء هؤلاء المهاجرين وأحفادهم يستمرون في دولة المهجر مكونين بذلك جيلا من المهاجرين الدائمين أكثر ارتباطا بالمهجر من الوطن الأم.

الهجرة الدولية الأوروبية

الهجرة الدولية الأوروبية: أسهمت قارة أوروبا الصغيرة المساحة والواقعة في أقصى الطرف الشمالي الغربي من العالم القديم أكثر من أي قارة أخرى في العالم في الهجرة الدولية فقد شهدت هجرة مغادرة ضخمة في المائة وخمسين سنة الأخيرة حتى إنه يقدر أن عدد الأوروبيين الذين غادروا قارتهم إلى باقي أقاليم العالم يتراوح بين 50 - 60 مليون نسمة اتجه أكثر من نصفهم إلى أمريكا الشمالية، وقد قدر معدل الهجرة الدولية الخارجية من أوروبا فيما بين سنتي 1846 - 1931 بنحو 3 في الألف سنويا من مجموع السكان الأوروبيين. ولم يكن الخروج الأوربي جديدا بل جاء في أعقاب حركة الكشوف الجغرافية على أكتاف الرواد الأوروبيين الأوائل، وقد تمثل هذا الخروج المبكر في هجرة أعداد من الفرنسيين والإنجليز والهولنديين والبرتغاليين والإسبان منذ القرن السادس عشر نحو جزر الهند الغربية وسواحل الأمريكتين وأفريقيا والهند، ولكن الهجرة الضخمة ذات الأعداد الكبيرة ارتبطت بتزايد سكاني كبير شهدته أوروبا وواكبه تطور في وسائل النقل وكذلك تزايد في الثروات المكتشفة في العالم الجديد مما شجع الكثيرين على الهجرة إلى أقطار هذا العالم وإلى بعض مناطق العالم القديم أيضا. ويمكن أن تنقسم قصة الهجرة الأوروبية الضخمة إلى مراحل عديدة: فقد عبرت أولى موجاتها المحيط الأطلسي فيما بين سنتي 1850 - 1855 والثانية نحو سنة 1875 والثالثة فيما بين سنتي 1885 - 1890 والرابعة وهي الأكثر أهمية فيما بين سنتي 1905 - 1913 والخامسة في سنة 1925 والسادسة بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، ولقد شهدت سنة 1913 أكبر عدد من المهاجرين يغادر القارة في أي سنة من السنوات حيث بلغ 1.527.000 نسمة

منهم 565.000 إيطالي و 389.000 بريطاني و 206.000 إسباني و 104.000 نمساوي، وكان شمال غرب أوروبا أكثر أقاليم القارة دفعا بأبنائه للهجرة عبر المحيط وأسهمت بعض أقطاره بنسبة عالية من المهاجرين فقد أرسلت الجزر البريطانية واسكنديناوه وبلجيكا وهولنده بما يقرب من 25 مليون مهاجر ثلثا هذا العدد من البريطانيين وحدهم وقد اتجه 56% من هؤلاء إلى الولايات المتحدة و 15% إلى كندا و 5% إلى استراليا و 5% إلى جنوب أفريقيا. وقد بدأت أقطار أوروبية أخرى في الإسهام بعدد من المهاجرين فقد خرج من ألمانيا نحو 7 ملايين مهاجر في الفترة من 1878 - 1892 وكذلك فيما بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، كما هاجر حوالي 10 ملايين إيطالي خاصة بعد سنة 1885، ذهب 42% منهم إلى الولايات المتحدة و 21% إلى البرازيل و20% إلى الأرجنتين و10% إلى فرنسا، وإن كان الكثيرون منهم قد عادوا إلى الوطن الأم لقضاء بقية عمرهم به. ومنذ بداية القرن العشرين بدأت دول وسط وشرق أوروبا في الإسهام في حركة الهجرة الخارجية نحو العالم الجديد، وقد بلغ عدد المهاجرين 20 مليونا من النمسا والمجر و 3 ملايين من شبه جزيرة أيبيريا و 700.000 من اليونان ومثلهم من الروس والبولنديين. الهجرة الأوروبية فيما وراء البحار: تعد الهجرة التي خرجت من أوروبا أكبر حركة في التاريخ وقد بدأ تيار الهجرة عبر المحيط قبل القرن التاسع عشر عقب اكتشاف الأمريكتين واستعمارها على يد الإسبان ولكن قدر أنه في الفترة من سنة 1821 حتى سنة 1910 غادر أوروبا 26 مليون مهاجر على الأقل نحو الولايات المتحدة وحدها. وقد تباينت أجزاء القارة في تيارات الهجرة الخارجة منها ولكن من المؤكد أن كل دول القارة الأوروبية قد أسهمت في حركة الهجرة حتى أصبحت المهاجر البعيدة تضم خليطا متميزا بخصائص الشعوب الأوروبية مجتمعة، وكانت دوافع الهجرة مشتركة بين كل الأقطار الأوروبية وأحيانا كانت تبدو ذات تأثير جماعي وأحيانا أخرى يبدو تأثيرها انفراديا حسب فترة التطور الاقتصادي ومستواه السائد. وقد عانت أوروبا من التضخم السكاني مبكرا -أي أن مواردها كانت غير كافية لأعداد السكان المتزايدين بها، فالاقتصاد الزراعي تعرض لإجهاد التربة

وزيادة الضغط السكاني على الأرض حتى أصبح كثير من المزارعين بدون أراضٍ ومن ثم أصبحت روابطهم بالأرض معدومة، ثم جاءت ميكنة الزراعة وجعلت الهجرة أمرا ضروريا ملحا، وقد تحققت الرغبة في الهجرة عندما اكتشفت أراضٍ واسعة في العالم الجديد، وفي عروض ملائمة مناخيا لاستيطان الأوروبيين، وعندما أصبحت وسائل النقل الحديثة قادرة على نقل أعداد ضخمة من المهاجرين عبر المحيط. وفي القرن السادس عشر غادر ثلاثة ملايين إسباني بلادهم نحو أمريكا وتوالى تيار الهجرة الأوروبية بعد ذلك ووصل إلى ذروته في فترات محددة خاصة بين سنة 1850 وبين 1880، 1889 ثم في أوائل القرن العشرين ومن ناحية أخرى فقد هبط منحنى الهجرة الأوروبية الخارجية هبوطا حادا عقب الحرب العالمية الأولى وذلك لفرض الولايات المتحدة قيودا على الهجرة إليها واتجاه كثير من الدول الأوروبية إلى الإصلاح الزراعي ومحاولة بعضها الحد من هجرة الأيدي العاملة بها. ولم تؤثر الهجرة الأوروبية المغادرة في كل الدول الأوروبية في وقت واحد فقد بدأت مبكرة للغاية في إسبانيا والبرتغال، وحتى أوائل القرن التاسع عشر كانت تتضمن أساسا الإنجليز والاسكتلنديين والأيرلنديين والألمان والفرنسيين وعندما وفرت الملاحة البخارية وسيلة سريعة نسبيا ورخيصة للنقل بدأت حركة الهجرة تتنوع وتسابقت دول القارة نحو الهجرة خارجها. وبدأت الحركة أولا من أقطار شمال غرب أوروبا خاصة إنجلترا وإسكتلندا وأيرلنده والدول الإسكندنافية وألمانيا، ثم جاء بعد ذلك الإسبان والإيطاليون من الجنوب، ثم تلاهم من شرق أوروبا. وكان العالم الجديد هو المهجر الرئيسي للمهاجرين من أوروبا واتجه تيار الهجرة الرئيسي حتى سنة 1914 نحو الولايات المتحدة وقد بلغ أقصاه في فترات زمنية سابقة كما حدث في الفترة من سنة 1851 - 1860 - 1890 - 1900 - 1914 وفي بعض الفترات كان عدد المهاجرين إلى الولايات المتحدة أكثر من مليون أوروبي في السنة الواحدة، وتتمشى الفترات الثلاثة لتدفق المهاجرين بمعدلات عالية مع ثلاثة دوافع رئيسية فالأولى تمشت مع الضغط الديموغرافي في القارة الأوروبية والثانية تمشت مع الزيادة السريعة في استعمار

الغرب الأمريكي والتصنيع في الشمال الشرقي من الولايات المتحدة والثالثة كانت مواكبة للنمو الاقتصادي الصناعي فيها بصفة عامة. ولكن تيار الهجرة الأوروبية للولايات المتحدة تعرض لتغير جوهري في حجمه وذلك بسبب القانون الذي أصدرته في سنة 1921 والخاص بتحديد حصص المهاجرين إليها وكان السبب وراء هذا القانون هو رغبة الطبقة العاملة الأمريكية في المحافظة على مستوى معيشتها المرتفع، كذلك رغبة الأمة الأمريكية كلها في المحافظة على تجانسها كدولة أنجلو ساكسونية وكان لذلك تأثير جذري على الخروج الأوروبي نحو أمريكا الشمالية فقد قل حجمه إليها بدرجة كبيرة. وقد اتجهت تيارات هجرة نحو أقطار الكمنولث، ولكنها كانت مقيدة بتشريعات خاصة لتحديد عدد المهاجرين غير البريطانيين إلى هذه الأقطار بل ولحماية الطبقة العاملة في الدول المستقبلة من منافسة العمال الوافدين حتى العمال البريطانيين ذاتهم. وليس هناك دولة من دول الكمنولث أسهمت بدور كبير في استقبال المهاجرين مثلما أسهمت أستراليا وبالرغم من أن كندا لعبت دورا هاما كذلك فإنها فرضت قيودا حادة وطبقت مفهوم الانتقاء الهجري الوظيفي فكانت تفضل هجرة الفنيين والزراع والعمال الذين تحتاجهم البلاد. وقد حاولت كثير من دول أمريكا الجنوبية جذب مهاجرين إليها من أوروبا حتى عندما حدت الدول الأنجلو ساكسونية من حركة الهجرة إليها، ومن الطبيعي أن تيار الهجرة إلى أمريكا الجنوبية تدفق من دول البحر المتوسط حيث تتشابه الظروف الحضارية مع مثيلتها في هذه القارة ولذا فإنه بين عامي 1820 - 1910 استقبلت البرازيل حوالي 2.850.000 مهاجر، 43% منهم من الإيطاليين و 38% من البرتغاليين والإسبان وما زالت الشعوب اللاتينية تكون العنصر السائد من المهاجرين نحو أمريكا الجنوبية حتى الوقت الحاضر. كذلك استقبلت الأرجنتين في الفترة من سنة 1857 - 1910 قرابة 5.700.000 مهاجر وكان تيار الهجرة يتكون في المتوسط من 50% إسبان و 25% إيطاليين. وما زالت بيرو وكولومبيا وفنزويلا من المهاجر التي يتجه إليها بعض المهاجرين من شعوب البحر المتوسط وخاصة إسبانيا. وقد اتجهت الهجرة الأوروبية فيما بعد الحرب العالمية وخاصة من شمال

وغرب القارة إلى كندا أو الولايات المتحدة والأوقيانوسية أما جنوب أوروبا فقد تميزت الهجرة المغادرة منه باتجاهها في معظمها إلى أمريكا اللاتينية حيث تتشابه اللغات والعادات والديانة وقد اتجه أكثر من نصف المهاجرين من جنوب أوروبا إلى هذه القارة واتجه الإسبان إلى الدول الناطقة باللغة الإسبانية بينما اتجه البرتغاليون إلى البرازيل. وهكذا لعبت الهجرة الأوروبية دورا في حياة العالم السكانية والاقتصادية فقد ترتب عليها نتائج بارزة وعميقة في كل مظاهر الحضارة خاصة في العالم الجديد فقد أدخلت حاصلات زراعية جديدة وحيوانات مستأنسة وخلفت تيارات ضخمة للتجارة بين العالم الجديد والعالم القديم، حتى إن التأثير الأوروبي في العالم -أو ما ما يعرف بأَوْرَبَة العالم- كان من أبرز معالم التاريخ البشري الحديث في كل مجالات الحضارة، وإن نظرة واحدة للعالم اليوم تبين لنا مدى الدور الذي لعبته الهجرة الأوروبية في العصر الحديث ولنا أن نتصور العالم الجديد "الأمريكتين واستراليا" إذا لم يتدفق عليه الأوروبيون ويجعلوه امتدادا بشريا حضاريا لقارتهم الأصلية.

الهجرة الداخلية

الهجرة الداخلية تعد الهجرة الداخلية من المظاهر الهامة لحركة السكان داخل الإقليم أو القطر، ومن الصعب قياسها على المستوى القومي إلا إذا تضمنت التعدادات بيانات عن المهاجرين ومواطنهم الأصلية وتواريخ قدومهم إلى أماكن العد، وتختلف عوامل الجذب والطرد للمهاجرين من بيئة لأخرى بطريقة تجعل تيارات الهجرة تأخذ اتجاهات مختلفة على رقعة الدولة وينظر إلى العوامل الاقتصادية على أنها أكثر العناصر المؤثرة في الهجرة جذبا وطردا وكذلك فإن العوامل الديموغرافية التي تتمثل في ارتفاع معدلات النمو السكاني وتزايد الضغط البشري على الموارد الاقتصادية تؤثر هي الأخرى في طرد كثير من السكان من تلك البيئات التي تتميز بهذه المعدلات العالية وعموما فإنه في دراسة دوافع الهجرة يكون الفصل بين عامل وأخر صعبا وذلك للترابط الكبير بينها وتفاوت الأهمية النسبية لعامل عن الآخر ومن بيئة لأخرى. وتعد الهجرة من الريف إلى الحضر Rural - Urban Migration

أهم مظاهر الهجرة الداخلية وخاصة في الدول التي أخذت بأسباب التنمية الصناعية حديثا مما أثر في تقدمها الاقتصادي وارتفاع دخول أفرادها في القطاعات المرتبطة بالصناعة، ودفع بأعداد كثيرة من السكان الريفيين إلى الاتجاه نحو المراكز الحضرية والتي غالبا ما تكون مراكز رئيسية للصناعة. وتكون الهجرة عاملا هاما من عوامل نمو المراكز الحضارية وتختلف درجة إسهامها في هذا النمو باختلاف العوامل الكامنة في تلك المراكز وقدرتها على جذب مهاجرين إليها ويقابل ذلك بطبيعة الحال وجود عوامل طرد في البيئات الأصلية للمهاجرين تحفزهم على الهجرة وتتفق معظم دول العالم النامي في تلك الظاهرة والتي تجلب في تدفق أعداد كبيرة من سكان الريف إلى المدن ارتفاعا يفوق متوسط معدل النمو في القطر كله، ولعل في مصر مثل واضح على ذلك حيث يبدو التفاوت الشديد في معدل الزيادة السكانية السنوية في المحافظات الحضرية والمحافظات الريفية فالأولى يصل معدل النمو السنوي بها إلى أكثر من 3% "القاهرة 4.5%" والإسكندرية "3.1%"، أما الثانية فهي أقل من ذلك حيث يتراوح هذا المعدل بها بين 1.5% و 2.5% سنويا. وكما سبق، فليست هذه الظاهرة في نمو المدن وقفا على مصر وحدها بل إنها عالمية وخاصة في الدول النامية، فالملاحظ أن االمناطق الريفية يزداد فيها ضغط السكان على الأرض الزراعية مما يدفع بالكثير من سكانها إلى التفكير في الهجرة وخاصة إذا كان هذا الضغط السكاني مرتبطا بانخفاض المستوى المعيشي وبديهي أن عوامل الطرد في أماكن المغادرة يقابلها عوامل جذب في أماكن الوفود وأبرز عوامل الجذب الحضري تزايد فرص العمالة وتوفر الخدمات المتعددة وتسهم وسائل المواصلات وخاصة السكك الحديدية في إيجاد تيارات هجرة على امتدادها.

نتائج الهجرة

نتائج الهجرة مدخل ... نتائج الهجرة للهجرة نتائج واضحة في حجم وتوزيع وتركيب السكان في منطقتي الأصل والوصول، ويمكن أن تتحدد أهم هذه النتائج في النواحي التالية: 1- تغير حجم السكان.

2- تغير التركيب العمري والنوعي للسكان. 3- مشكلات الاختلاط السكاني في المهجر. 4- النتائج الاقتصادية.

تغير حجم السكان

تغير حجم السكان: يعد تغير حجم السكان من أبرز نتائج الهجرة، وتتحدد ملامح هذا التغير في اتجاهين عكسيين أحدهما يتمثل في زيادة السكان في المناطق المستقبلة سواء كانت مدنا أو مناطق زراعية حديثة العهد بالاستيطان، والآخر يتمثل في تناقص عدد السكان في المناطق المرسلة "مناطق الأصل" خاصة الريف الذي يتعرض باستمرار لتناقص سكاني Depopulation بسبب الهجرة والمغادرة. وتبدو هذه الظاهرة بجلاء في الهجرة الدولية بين مناطق الطرد ومناطق الجذب ولعل في أيرلنده والولايات المتحدة ما يدل على ذلك خاصة في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ففي سنة 1819 كان عدد سكان الولايات المتحدة 5.8 مليون نسمة ارتفع هذا الرقم ليصل إلى 76 مليون نسمة في أوائل القرن العشرين ثم إلى 180 مليون نسمة في سنة 1960. ويرجع هذا النمو السكاني الكبير إلى الزيادة الطبيعية والهجرة الوافدة والواقع أن دور الهجرة في هذه الزيادة كان كبيرا تراوح بين 30 - 40% من مجموع الزيادة الكلية للسكان كما يبين الجدول رقم "5". جدول رقم "5": تطور دور الهجرة في الزيادة الكلية لسكان الولايات المتحدة الفترة نسبة النمو الطبيعي نسبة الهجرة الوافدة % 1870 - 1880 71.5 28.5 1880 - 1890 57.1 42.9 1890 - 1900 68.5 31.5 1900 - 1910 58.2 41.8

1910 - 1920 64.4 35.6 1920 - 1930 77.6 22.4 1930 - 1940 94.1 9.5 1940 - 1950 94.6 5.4 وقد قابل هذا التزايد السكاني في الولايات المتحدة تناقص سكاني في أوروبا بطبيعة الحال والتي كانت القارة الرئيسية التي أوفدت المهاجرين إلى العالم الجديد، ففيما بين سنتي 1820 و 1943 هاجر 7% من سكان سويسرا و 11% من سكان إيطاليا إلى الأمريكتين، ولكن من كل دول القارة تبقى أيرلنده خير دليل على الأثر الذي أحدثته الهجرة في تناقص عدد السكان، فقد استقبلت الولايات المتحدة ثلاثة أخماس المهاجرين الأيرلنديين في القرن التاسع عشر، ولكن بعد ذلك وفي الفترة من سنة 1900 - 1924 اتجه الأيرلنديون إلى أقاليم الدومينيون ومنذ سنة 1931 استقبلت إنجلترا حوالي 70% من المهاجرين الأيرلنديين وتعرض سكان أيرلنده للنقص الكبير في حجمهم نتيجة هذه الهجرة المغادرة بمعدلات كبيرة.

الهجرة والنمو الحضري

الهجرة والنمو الحضري: يعد النمو الحضري الذي شهده العالم في المائة سنة الأخيرة من السمات البارزة في نمط توزيع السكان، وقد أسهمت الهجرة إلى المراكز الحضرية بدور كبير في توازن السكان بين الحضر والريف. وقد نشأت المدن الكبرى منذ عهود بعيدة حتى بالرغم من عدم توفير وسائل نقل بدرجة كافية تربطها بأقاليمها المجاورة، ومع ذلك فقد بلغت أحجام بعضها حدا كبيرا، فمدينة باريس مثلا بلغ عدد سكانها 498.000 نسمة في عهد لويس الثالث عشر و 518.000 في عهد نابليون الأول، ولكن بعد ذلك بخمسين عاما فقط تعدت المليون نسمة، وذلك في سنة 1860 ثم وصلت إلى 6.7 مليون نسمة سنة 1950 وفي نفس الفترة فإن لندن التي لم يزد عدد سكانها على نصف مليون نسمة في نهاية القرن السابع عشر نمت وتضخمت حتى وصلت إلى قرابة المليون نسمة في سنة 1801، ثم وصلت إلى 2.362.000 نسمة بعد ذلك بستين عاما فقط في سنة 1861، وتزايد عدد سكانها بمعدل كبير حتى وصل إلى قرابة 11 مليون نسمة سنة 1960.

وعلى ذلك فإنه يمكن القول بأن القرنين التاسع عشر والعشرين قد شهدا توسعا ضخما في العمران الحضري، ويمكن الاستنتاج أن جذور هذا التوسع الكبير ترجع إلى عدة عوامل أبرزها استيعاب نسبة المهاجرين الذين لفظتهم المناطق الريفية لعوامل الطرد الكامنة فيها. وتتميز المدن بانخفاض معدل الزيادة الطبيعية إذا قورنت بالريف -كقاعدة عامة- ولذا فإن نسبة كبيرة من نموها السكاني ترجع إلى تدفق تيارات الهجرة المستمرة نحوها. وتتعدد الأمثلة في دول العالم على ذلك، ففي البرازيل مثلا كانت نسبة الزيادة الطبيية في ثمان مدن رئيسية بها أقل من نصف الزيادة الناجمة عن الهجرة "في الفترة من عام 1940 - 1950"، وفي فرنسا نمت باريس في العقدين الأخيرين بمعدل يصل إلى ضعف مثيله على مستوى القطر كله، وفي مصر فإن معدل النمو السكاني لمدينة القاهرة يصل إلى أكثر من ضعف مثيله على مستوى الجمهورية. وقد أدت هذه الهجرات إلى زيادة سكان الحضر كما سبق القول بدرجة أوصلت نسبتهم إلى أكثر من أربعة أخماس سكان المملكة المتحدة وأكثر من نصف سكان ألمانيا الغربية والدانمرك واستراليا وفلسطين المحتلة وأكثر من نصف سكان الولايات المتحدة وبلجيكا والأرجنتين وكندا ونيوزيلندا وإسبانيا والسويد وهولنده وفرنسا وشيلي والنرويج وفنزويلا والنمسا. ويرتبط نمو المدن بمعدلات الهجرة إليها والتي تؤدي إلى تزايد سكان المدينة الأصلية أو التوابع التي تنشأ وتتضخم حولها، وتعد هذه الظاهرة سمة واضحة في المدن الكبرى في العالم، فالإقليم الحضري urban region لمدينة نيويورك مثلا يحوي 15 مليون نسمة، وتزايد بنحو ثلاثة ملايين نسمة في العشرين سنة الواقعة بين 1940 - 1960، وكذلك فإن عدد سكان مجمعة طوكيو الكبرى "طوكيو - يوكوهاما" يصل إلى 13.6 مليون نسمة، ولندن الكبرى يسكنها 11.5 مليون نسمة وهكذا. لا تختلف المدن المتوسطة الحجم عن المدن العملاقة في دورها في جذب تيارات الهجرة، وإن كانت معدلات الهجرة تختلف من مدينة لأخرى حسب عوامل الجذب والطرد الكامنة في هذه المدن وفي مناطق إرسال المهاجرين.

وقد بلغ عدد سكان المدن التي يزيد حجم كل منها على 100.000 نسمة 1413 مدينة في العالم "في الستينات"، وتتميز بأن عددها يتزايد بسرعة مذهلة، ففي الولايات المتحدة مثلا كان عدد هذه المدن 68 مدينة في سنة 1920 ولكنه ارتفع إلى 130 مدينة سنة 1960، وفي فرنسا تزايد العدد من 15 مدينة إلى 34 مدينة في هذين التاريخين على الترتيب، ويتزايد مع هذا العدد بطبيعة الحال نسبة سكان الحضر إلى جملة سكان القطر بصورة مطردة. وترتبط الهجرة الريفية - الحضرية بتوطن الصناعة الحديثة ارتباطا وثيقا ولذلك فقد أصبحت المدن مراكز توطن صناعي وجذب سكاني بمعدلات تفوق متوسط معدل النمو في الدولة مرتبطة في ذلك بخطط التنمية الصناعية حتى أصبحت ظاهرة النمو الحضري في الأقطار النامية الآخذة بأسباب التصنيع أبرز السمات الديموغرافية في حركة السكان وتوزيعهم. وبالإضافة إلى ما سبق فإن قوة جذب المدن تكون انتقائية selective بالنسبة للمكان المهاجر منه كما يبدو ذلك في توزيع المهاجرين إلى الحضر حسب مكان المولد ومع ذلك فقد لا يقيم المهاجرون إلى المدينة بصفة دائمة بل إن هناك حركة عودة دائمة لبعض الأفراد إلى المناطق الريفية أو إلى مدن أخرى صغيرة أو كبيرة حسب عوامل الطرد والجذب وتأثيرها المختلف على المهاجرين.

تغير التركيب العمودي والنوعي

تغير التركيب العمودي والنوعي ... 2- تغير التركيب العمري والنوعي: سبق القول بأن الهجرة تتميز ببعض الخصائص الديموغرافية سواء في التركيب العمري أو النوعي أو الاقتصادي للمهاجرين، ومن أبرز الخصائص ظاهرة الانتقاء الهجري migration selectivity، أي اختيار المهاجرين ونوعيتهم، وانعكاس ذلك على خصائص السكان في مكاني الأصل والوصول، ويعني ذلك ببساطة أن المهاجرين ليسوا من عينة عشوائية من السكان في مكان الأصل ذلك لأن الأشخاص الذين يستجيبون إلى مجموعة من العوامل الإيجابية والسلبية في كلا المكانين لهم قدرات مختلفة للتغلب على العوائق الوسيطة ولذا فإن أبرز سمات الهجرة هي الشباب -والذكور منهم على وجه الخصوص- وتؤدي حركة الهجرة لهذه الفئة العمرية إلى تغير في التركيب السكاني في المجتمع المهاجر منه والمجتمع المهاجر إليه ويبدو ذلك بمقارنة الأهرام العمرية النوعية للسكان في كلا المجتمعين.

ومن الظاهرات الأخرى المتعلقة بالهجرة أن خصائص المهاجرين تميل إلى أن تكون وسطا بين خصائص السكان في مكاني الأصل والوصول، ذلك لأن الأشخاص المهاجرين لا يفقدون خصائصهم الأصلية كلية بعد الهجرة، كما أنهم يبدأون في اكتساب خصائص أخرى في مجتمعهم الجديد، وقد أوضحت كثير من الدراسات هذه الظاهرة، فخصوبة المهاجرين على سبيل المثال تعد وسطا بين خصوبة السكان في الموطن الأصلي وفي المهجر.

مشكلات الاختلاط السكاني في المهجر

3- مشكلات الاختلاط السكاني في المهجر: لعل أبرز النتائج المترتبة على الهجرة اختلاط العناصر السكانية في المهجر مع ما يترتب على ذلك الاختلاط من مشكلات عرقية ولغوية مختلفة سواء بالنسبة للسكان المهاجرين أو السكان الأصليين، ولا تخلو خريطة العالم السكانية من مثل هذه المشكلات التي تبرز بوضوح في المهاجر الكبرى مثل أمريكا الشمالية والجنوبية وجنوب أفريقيا واستراليا. وقد سبق القول بأن مناطق المهاجرين في العالم شهدت اختلاطا عرقيا كبيرا لعل في أمريكا الجنوبية المدارية مثلا واضحا عليه، وبالرغم من أن المهاجرين إليها قد انصهروا في بوتقة بشرية واحدة بينهم توجد بينهم نزعات التفرقة العنصرية كما هي الحال في أمريكا الشمالية، فإن هناك نزعات قومية لدى بعض جماعات المهاجرين حديثا للتركيز في مناطق منفصلة عن الجماعات الأخرى ويبدو ذلك بوضوح في المهاجرين الإيطاليين أو الألمان في جنوب البرازيل. وتظهر المشكلات العرقية بوضوح في المناطق التي هاجرت إليها العناصر الأوروبية الأنجلو ساكسونية كما هي الحال في أمريكا الشمالية أو جنوب أفريقيا أما في استراليا ونيوزيلند فلم تظهر هذه المشكلات لقلة عدد السكان الأصليين. أما الاختلافات اللغوية فقد تؤدي إلى مشكلات للسكان في المهجر كذلك، فحتى بين المهاجرين الذين عاشوا متجاورين مدة طويلة من الزمن مثل الإنجليز والفرنسيين في كندا والبوير والإنجليز في جنوب أفريقيا فإن كلا منهما يحاول المحافظة على لغته وتقاليده وشخصيته، ففي كندا مثلا، بالرغم من أن السكان

ذوي الأصل الإنجليزي يكونون 50% من السكان سنة 1941 فإن 57% من السكان يعتبرون الإنجليزية لغتهم الأصلية كما أن أربعة أخماس السكان يتحدثون بها. وتظل اللغة الأصلية سائدة لدى المهاجرين، ولا تهمل إلا عند الجيل الثاني أو الفئات خاصة بين الذكور الذين يدخلون سوق العمل ويضطرون إلى التحدث بلغة المهجر السائدة حتى يتمكنوا من كسب عيشهم، وعلى أية حال فإن المهاجرين الذين يفدون في جماعات كبيرة يحافظون على لغتهم الأصلية كما تفعل الأسر البولندية التي وصلت إلى فرنسا في العشرينات من هذا القرن وفي بعض مناطق البرازيل والأرجنتين مازالت بعض الجماعات تتحدث الإيطالية وحتى الفرنسية بدرجة أكبر من اللغة القومية وهي البرتغالية. وعلى النقيض مما سبق فإن الهجرات الاستعمارية التي أدت إلى انتشار المؤثرات الثقافية كان لها تأثير عكسي، فقد أدخلت اللغات الأوروبية إلى مناطق واسعة من العالم وأصبحت هذه اللغات الدخيلة أهم وسائل الاتصال والتفاهم بسهولة بين السكان، ويبدو ذلك بوضوح في كثير من الدول التي استعمرتها بريطانيا وفرنسا على وجه الخصوص والتي كانت تزخر بالعديد من اللغات ثم اتخذت لغة المستعمر لغة رسمية لها.

النتائج الاقتصادية للهجرة

4- النتائج الاقتصادية للهجرة: تتمثل النتائج الاقتصادية للهجرة في عدة وجوه أبرزها انتقال رءوس الأموال والمساعدات المالية المباشرة؛ وذلك لأن المهاجرين يدخلون أموالا إلى المهجر عند انتقالهم إليه، كذلك فإن المهاجر لا ينقطع عن وطنه الأصلي، وتقدر الإحصاءات في الولايات المتحدة أنه عند قيام الحرب العالمية الأولى كان المهاجر الإيطالي يرسل إلى أسرته بإيطاليا أربعة أمثال ما يرسله المهاجر الإنجليزي، كما كان المهاجر اليوناني يرسل عشرة أمثال المهاجر الألماني؛ ذلك لفقر دول جنوب أوروبا، ولذا فقد كان دخل إيطاليا من أموال المهاجرين الإيطاليين في الخارج يوازي نصف دخلها من السياحة والملاحة البحرية معا، وبالمثل فقد كانت تساوي جملة الدخل من السياحة والملاحة البحرية معا، وبالمثل فقد كانت الأموال التي يرسلها المهاجرون الجزائريون العاملون في فرنسا كثيرة، ويقدر أنها بلغت في سنة 1955 ما يعادل دخل الإنتاج الزراعي للجزائر في تلك السنة،

وبالإضافة إلى انتقال رءوس الأموال من المهجر إلى الوطن الأصلي للمهاجرين فإن الهجرة تكلف مناطق الاستقبال وتزيد من أعبائها الاقتصادية فبالإضافة إلى ما تتحمله الدولة المستقبلة من أجور الانتقال "كاستراليا مثلا التي تتولى نقل المهاجرين إليها على نفقتها" فإن هناك أعباء أخرى تتمثل في تجهيز المساكن والأراضي والخدمات المتعددة للمهاجرين الجدد. وإلى جانب هذه النواحي المالية المترتبة على الهجرة فإن هناك نتائج اقتصادية أخرى في منطقتي الأصل والوصول، فتحظى المناطق الأخيرة بالعناصر الشابة القادرة على العمل والتي تستنزفها من مناطق الطرد، وغالبا ما تكون هذه العناصر أكثر فئات السكان حركة ويدعمها تدريب ومستوى أعلى من باقي السكان خاصة المستوى التعليمي والمهني "تعرف باستنزاف العقول" brain drain وهكذا تفقد تلك المناطق ثمرة غرسها باستمرار وتتعرض للفقر السكاني وفقدان العمالة المتقدمة والماهرة. غير أن الهجرة ليست في كل الأحوال ذات نتائج سلبية على سكان المنطقة الأصلية بل قد تكون ذات فوائد أخرى مثل رفع مستوى المعيشة بهذه المنطقة حيث يقل الضغط السكاني على الموارد المحلية والخدمات المتوفرة، كما قد يظهر في المناطق الريفية عمالة ناقصة under employment وتختفي البطالة من المراكز والمناطق الصناعية بل وقد تتعرض لعمالة زائدة over employment في بعض الأحيان. ومن أبرز النتائج السيئة التي تترتب على الهجرة أن هناك قطاعا كبيرا من سكان المناطق المختلفة يهاجرون بدافع الفقر الشديد في بيئاتهم ويؤدي ذلك إلى نتائج وخيمة حيث يكونون عبئا ثقيلا على المنطقة المستقبلة كما هي الحال في الهجرة المستمرة من الريف إلى الحضر في الدول النامية حيث تعجز هذه المدن عن توفير العمالة أو الخدمات المختلفة لجموع المهاجرين، وهذه حال مدن الدول النامية التي يفد إليها المهاجرون غير المدربين والذين تلفظهم بيئاتهم القاسية في الريف ويعيشون في المدينة في مستوى منخفض ويكونون قطاعا هامشيا من سكانها ويترتب على وجودهم الكثير من المشكلات الاجتماعية، ففي مدن الهند مثلا تنام جموع المهاجرين في الشوارع ويهيمون على وجوههم متضورين جوعا -كما في شوارع بمباي- ولا تختلف معظم مدن الدول المتخلفة عن ذلك كثيرا.

الباب التاسع: مراكز العمران الريفي

الباب التاسع: مراكز العمران الريفي الفصل الأول: مراكز العمران الريفي مفهوم جغرافية العمران ومجال البحث فيها ... الفَصلُ الأول: مَراكز العُمران الرِّيفَي مفهوم جغرافية العمران ومجال البحث فيها: تعد جغرافية العمران فرعا هاما من فروع الجغرافيا البشرية؛ وذلك لأن مراكز العمل البشري هي انعكاس لعدة ظروف جغرافية متشابكة أسهمت في توزيع السكن والسكان، ويعالج هذا العلم أنماط العمران في البيئات المختلفة سواء كان عمرانا ريفيا أو حضريا، أو عمرانا يجمع في ثناياه بين هذين النمطين. ورغم أن جغرافية العمران geography of settlements تنقسم إلى فرعين رئيسيين هما جغرافية السكن الريفي geography of rural settlements وجغرافية السكن الحضري -أو المدن- geography of urban settlements فإن دراسة الفرع الأول لم يحظ باهتمام الجغرافيين إلا حديثا جدا ومنذ ما يقرب من نصف قرن فقط -وبالتحديد في سنة 1925- عندما قدم الباحث "ديمانجون demangeon" أول بحث عن جغرافية السكن الريفي: مفهومها ومنهجها، وذلك ضمن الأبحاث التي قدمت إلى المؤتمر الجغرافي الدولي الذي عقد في القاهرة في تلك السنة. وكان العمران الريفي الفرنسي من الموضوعات التي جذبت اهتمام "ديمانجون" وقد كتب في هذا الموضوع عدة مقالات في مجلة "الحوليات الجغرافية" كما كتب عددا من الكتب فيه بين سنتي 1920 - 1939، واتخذ الرسم الداخلي للمساكن الريفية، ووظيفتها الزراعية عاملين أساسيين للتمييز بين منطقة وأخرى، واعتبر كثافة المساكن أو مدى انتشارها أمرا جوهريا، كذلك قام بإجراء استفتاء بشأن الموطن الريفي والمباني الزراعية وأساليب الزراعة ودور الأجانب في الفلاحة الفرنسية، وكذلك اهتم ديمانجون

بوجه خاص بدراسة المدن، وكانت دراسته لباريس التي نشرت سنة 1933 دراسة جيدة اعتمدت عليها كثير من الأبحاث بعد ذلك. وتوالت بعد ذلك دراسات مستفيضة عن العمران الريفي خاصة في غرب أوروبا وذلك كمقدمة لفهم مشكلات البيئة الريفية ووضع أسس التخطيط الإقليمي لها. وتتناول جغرافية السكن الريفي بعض الموضوعات المرتبطة بالقرى من حيث ثباتها أو تغيرها والمؤثرات الجغرافية في توزيع القرى وأشكال هذا التوزيع ثم تتناول بالتفصيل دراسة المسكن الريفي صفاته وخصائصه وارتباطه بظروف موضع القرية، وكذلك دراسة سكان الريف أنفسهم ومشكلاتهم وتوزيعهم وعلاقاتهم بالمراكز الحضرية الأخرى. أما جغرافية المدن -وهي الشق الثاني من جغرافيا العمران- فقد جاء الاهتمام بها مبكرا عن الاهتمام بجغرافية السكن الريفي، علما بأن دراسة جغرافية المدن بمنهجها التقليدي ترجع إلى أواخر القرن الماضي وأوائل هذا القرن وخاصة في بعض المقالات التي درست مواقع المدن ومواضعها، وخاصة في كتابات فردريك راتزل الجغرافي الألماني المشهور والذي يعد مؤسس الجغرافيا البشرية في العصر الحديث. وقد أصبح العمران الحضري من أبرز سمات القرن العشرين وأضحت مشكلات النمو المدني من أكثر المشاكل إلحاحا في معظم دول العالم وما يرتبط بها من مشاكل الإسكان والغذاء والكهرباء والخدمات الأخرى. وقد نشأت المراكز الحضرية "وهي مرادف للمدن" في بادئ الأمر في أماكن قليلة في الشرق الأوسط خلال العصر الحجري القديم الأعلى، فقد وجدت مدن في أراضي ما بين النهرين ومصر ترجع إلى منتصف الألف الرابعة قبل الميلاد وانتشرت بعد لك إلى وادي السند وإلى الصين، أما أولى المدن التي أنشئت في العالم الجديد فهي مدينة المكسيك الحالية التي أنشأها السكان الأصليون من الهنود الحمر منذ ألفي سنة تقريبا. ومنذ نهاية العصور الوسطى كانت المراكز العمرانية الحضرية قاصرة على أوروبا وشمال أفريقيا وجنوب آسيا وأمريكا الوسطى، وقد تمخض التدخل

الأوروبي في العالم الجديد وفي سيبريا بعد عصر كولمبس عن إنشاء مدن جديدة في المناطق التي استعمرها الأوروبيون، ولكن نسبة سكان المدن ظلت ضئيلة بينما استحوز الريف على معظم السكان. ولكن عملية التحضر "التمدين" URBANIZATION بدأت في التزايد تدريجيا في أعقاب الثورتين الصناعية والزراعية، وبدأت العملية أولا في إنجلترا قرابة نهاية القرن الثامن عشر وما إن جاءت سنة 1900 حتى كانت نسبة السكان الإنجليز الذين يعيشون في المدن 4/5 مجموع السكان، ومنذ ذلك التاريخ ظلت هذه النسبة ثابتة تقريبا. وشهدت كثير من الدول الصناعية في غرب أوروبا وأمريكا الشمالية تطورا مماثلا، فكانت نسبة سكان المدن مثلا في الولايات المتحدة الأمريكة أقل من 10% في سنة 1800 ارتفعت إلى 70% من جملة السكان سنة 1960. وانتشرت ظاهرة التحضر العمراني في العصر الحديث خارج أوروبا وأمريكا الشمالية، وتعد اليابان مثلا واضحا على ذلك حيث كانت نسبة سكان المدن بها حوالي 15% سنة 1875 ارتفعت لتصل 65% في الوقت الحاضر، أما البرازيل كدولة نامية فقد ارتفعت النسبة بها من 30% سنة 1940 إلى 45% سنة 1960، وفي مصر تزايدت هذه النسبة من 24% في سنة 1937 إلى 38% سنة 1960. وعلى العموم فإن نسبة سكان المدن في العالم في الوقت الحاضر تتراوح بين 25 - 30% من جملة سكانه في الوقت الذي كانت فيه هذه النسبة منذ قرن مضى قرابة 3% فقط ومعنى ذلك أن هذه النسبة قد تضاعفت حوالي عشر مرات خلال مائة عام. وترتبط عملية النمو الحضري في العمران البشري بتزايد أعداد البشر أنفسهم -ذلك التزايد الذي نجم عن الزيادة الطبيعية للسكان- وكذلك الهجرة التي شهدتها قارات العالم الجديد وما أعقبها من استغلال لهذه القارات وتحول السكان إلى إنتاج الغذاء وتجارته بدلا من الاعتماد على الحرف المعاشية. وتهتم جغرافية المدن "السكن الحضري" بدراسة ما يلي:

أ- نشأة المدينة وتطورها والمراحل المختلفة التي مر بها هذا التطور والعوامل الرئيسية التي أسهمت في ذلك. ب- بيئة المدينة من حيث موقعها وموضعها والمؤثرات الجغرافية في امتداد محاور النمو بها وظروفها المناخية وخاصة المناخ المحلي. ج- سكان المدينة جغرافيا وديموغرافيا: أي دراسة توزيع السكان على رقعة المدينة ومؤثرات هذا التوزيع ثم نمو السكان وتركيبهم العمري النوعي والاقتصادي وغير ذلك من مظاهر التركيب الديموغرافي. د- التركيب الوظيفي للمدينة، وتقسيمها إلى أحياء ذات صفات مشتركة وتحديد هذه الأحياء حسب وظيفتها الرئيسية. هـ- إقليم المدينة: أي علاقتها ببيئتها المجاورة ومظاهر تأثير المدينة في هذه البيئة وتأثير البيئة فيها. و تخطيط المدينة في المستقبل في ضوء عوامل النمو والتوسع. ويرتبط بدراسة جغرافية المدن تحليل كثير من البيانات الإحصائية وإجراء دراسات حقلية والتعامل مع خرائط المدن الأصلية وخلق خرائط جديدة من واقع الدراسة الميدانية وتحليل البيانات، ولذلك فإن الباحث في جغرافية المدن ينبغي له أن يجيد التعامل مع خرائط العمران والدراسة الميدانية قبل وأثناء دراسته للمدينة. وتنبغي الإشارة في ختام هذه المقدمة إلى أن وضع قواعد جغرافية المدن جاء في فترة حديثة جدا خاصة بعد الحربين العالميتين، وكان للجغرافيين الفرنسيين دور كبير في ذلك، فبالإضافة إلى دراسة ديمانجون لباريس سنة 1933، هناك دراسات أخرى هامة عن المدن والبلدان الفرنسية قام بها بلانشار BLANCHARD ونشرها في مجلة الحياة الحضرية "LA VIE URBANE" سنة 1922، ويعد كتابه عن مدينة جرينوبل grenoble سنة 1911 بحثا جيدا في الموقع العام للمدينة ولموضعها بالتفصيل وفي

تطورها التاريخي ومركزها الحاضر، وقد أنشأ في جرينوبل مدرسة علمية منظمة للبحث في الجغرافية الحضرية "جغرافية المدن"1. وبعد ذلك توالت دراسات المدن في الدول الأوروبية والولايات المتحدة والشرق الأقصى، فوضع جيفرسون الأمريكي gifferson كتابا درس فيه نمو المدن في الولايات المتحدة وفي بريطانيا، وتلاه بعد ذلك علماء ألمان كان أبرزهم كريستالر christaller الذي اشتهر بدراساته عن مواقع المدن وتباعدها ووضع القوانين التي تحكم ذلك. غير أن جغرافية المدن -شأنها في ذلك شأن كثير من الفروع الجغرافية- بدأت مرحلة جديدة بعد الحرب العالمية الثانية معتمدة على بعض الأساليب الحديثة خاصة الأساليب الكمية quantitative في تحليل المواقع والتباعد والتركيب بهدف الوصول إلى تحديد أقاليم المدن توطئة لوضع تخطيط شامل لهذه المدن في الحاضر والمستقبل وسنتناول بعض هذه الأساليب في الفصول التالية.

_ 1 هاريسون تشيرش، المدرسة الجغرافية الفرنسية في كتاب الجغرافية في القرن العشرين، مترجم، القاهرة 1974، ص96-124.

العمران الريفي

العمران الريفي مدخل ... العمران الريفي تعد المراكز العمرانية settlements أول خطوة للإنسان لملاءمة نفسه مع ظروف البيئة الجغرافية، وتدخل دراستها في فروع متعددة من العلوم، فالإثنوغرافي يتولى وصف أشكال المساكن والمواد المستخدمة في بنائها ثم يدرس الموضوعات المختلفة للتركيب الاجتماعي والمستوى الحضاري للسكان وهو في كل ذلك يواجه الكثير من المشكلات الجغرافية للعمران، وفي مرحلة أعلى من التطور يدرس علماء الاجتماع والاقتصاد مشكلات المراكز العمرانية في مجال تخصصهم أما الجغرافي فيتناول دراسة مراكز العمران البشري في ضوء علاقاتها بالبيئة المجاورة التي توجه موضع المراكز العمرانية ومواقعها والمواد التي بنيت منها، وما ينعكس على حرف وتركيب هذه المراكز ثم مظاهر التركز أو التشتت على رقعة الإقليم والعوامل المؤثرة في ذلك، وعلى ذلك فإن دراسة البيئة الطبيعية تعد أساسية في تحليل جغرافية العمران الريفي والحضري على السواء، وارتباطها بمظاهر السطح والتركيب الجيولوجي والمظاهر الطبيعية الأخرى. ويمكن تقسيم مراكز العمران الريفي إلى نوعين رئيسيين هما:

المراكز العمرانية الريفية المؤقتة

1- المراكز العمرانية الريفية المؤقتة: تعكس المراكز العمرانية ارتباط المركز البشري بالموراد المتاحة في البيئة المحلية، ولذلك فإنها قد تكون مراكز عمرانية مؤقتة أو شبه دائمة أو دائمة، ومن الطبيعي أن القرى الثابتة نتاج بيئي لتطور طويل ارتبط بتزايد الموارد الطبيعية وبعبقرية الإنسان في الحصول على هذه الموارد وزيادتها، ومن ناحية أخرى فإن المراكز المؤقتة ترتبط بالمجتمعات البدائية مثل جماعات القنص والرعاة وحتى بعض الزراع البدائيين المتنقلين، بل إن البداوة قرينة بالتنقل الدائم وبمضارب الخيام، ويبدو ذلك بوضوح في خيام العربان ومخيمات قرى الوطنيين المندمجة في شمال شيلي مثل قرى الأنكا القديمة.

المراكز العمرانية الريفية الثابتة

ب- المراكز العمرانية الريفية الثابتة: من السهل تحديد تعريف المحلات العمرانية الريفية في ضوء وظيفة سكانها، ومن هنا تختلف المحلة العمرانية الريفية تماما عن المحلة الحضرية "المدينة" ذلك لأن القرية هي "ورشة workshop" زراعية كبرى ويتحدد شكلها بنوع العمل الذي يمارسه سكانها وأساليب الزراعة والطريقة التي تستغل بها التربة. أنواع المراكز العمرانية: يرتبط إنشاء المراكز العمرانية الثابتة بمجموعة من العوامل الجغرافية لعل أهمها تزايد السكان في رقعة ما وثانيها توفير البيئة الصالحة لإنشاء هذه المراكز، وعندما يتحقق ذلك فإنه يعطي الفرصة لإنتاج الغذاء بدرجة كافية في مساحة أصغر، وهنا تحل الزراعة الكثيفة محل الزراعة الواسعة، وفي نفس الوقت فإن المركز العمراني يصبح مركزا ثابتا ودائما بالضرورة. كذلك فإن هناك أسبابا أخرى تجعل المحلات دائمة وغير متنقلة، ومنها محاولة التجمع في محلة عمرانية ثابتة لدرء الأخطار وتحقيق الأمن الجماعي، وهناك أمثلة عديدة منها فعلا ما حدث لبدو التيدا tedas في إقليم التبستي والذين كانوا أصلا شعبا بدويا متنقلا دون مساكن دائمة، وبعد أن تعرضوا لهجمات مستمرة من الطوارق تحولوا إلى الزراعة بقدر ما تتيحه ظروف بيئتهم الصحراوية، وأصبحت محلاتهم العمرانية ثابتة ومستقرة -مع وجود بعض الأنشطة الاقتصادية الأخرى التي ترتبط بالبداوة والترحال في نفس الوقت. وهناك مثال آخر في الأراضي الموسمية في آسيا كما في اسام مثلا التي عمرت بمعدل سكاني كبير وحدثت تغيرات كبيرة في الزراعة حيث تحولت من زراعة متنقلة إلى زراعة كثيفة وكذلك المغول في وسط آسيا، ولدى هذه الشعوب فإن المحلات العمرانية هي إحدى مظاهر الحياة وانعكاس لظروف البيئة المباشرة على التركيب الاجتماعي لهم، لذا فإن هناك تماسكا اجتماعيا قويا بين جماعات الصيد والزراعة البدائية والرعي البدائي، ويبدو ذلك في

جماعات الإسكيمو في النطاق القطبي وكذلك لدى جماعات الهنود الحمر في أمريكا الشمالية وشعوب شرق سيبيريا، ولعل في ظاهرة الانتقال الفصلي transhumance ما يدل على أن العمران غير مستقر حيث يشغل السكان المساكن بصفة غير دائمة، بالرغم من أنها مساكن مبنية حيث يسكنونها في فصل الرعي في خلال جزء من السنة، بينما على الجبال تكون المساكن الفصلية الأخرى على بعد عشرة أو عشرين أو ربما ثلاثين ميلا من القرى الدائمة في الأودية السفلى. وكذلك الحال لدى الزراع البدائيين الذين ينظفون مساحة من الأرض لزراعتها، وعندما تقل خصوبة تربتها فإنهم يفضلون الانتقال بقريتهم إلى موضع جديد عن البقاء في القرية الأصلية والعودة إليها، ولذا تبدو المزرعة القديمة مهجورة، وكذلك القرية التي كانت مركزا عمرانيا للجماعة البشرية تبدو مهجورة هي الأخرى. ولا تتم إزالة القرى عشوائيا -فيما عدا بعض القبائل البدائية جدا- بل يتم ذلك في دورة معتدلة، ومن وقت لآخر تبنى القرية في موضع سابق شغلته مراكز عمرانية مرات عديدة من قبل، ولا شك أن لذلك فائدة كبرى تتمثل في الاستفادة من بقايا القرية السابقة في إنشاء محلة عمرانية جديدة، وقد يحدث في بعض الأحيان أن تتأقلم الزراعة المتنقلة مع العمران المبعثر كما في غابات الأمزون حيث يعيش الزراع المتنقلون في قرى ثابتة مع مساكن مبعثرة جنبا إلى جنب، وفي أعالي وادي نهر ريو برانكو فإن القبائل تتكون من عائلات صغيرة تعيش منفصلة في مجموعات صغيرة من كوخين أو ثلاثة وتتغير مواضع هذه الأكواخ كل سنتين أو ثلاثة، كذلك فإن جماعات الأروكان الذين يحترفون الزراعة المتنقلة فيما بين وسط وجنوب شيلي يعيشون في مساكن مبعثرة للغاية حيث تتكون بيوتهم من الأغصان ولذلك فعند انتقالهم يأخذون معهم الإطار الرئيسي للمسكن فقط. والشعوب البدائية التي تمارس الزراعة المتنقلة لديها مساحات واسعة من الأراضي يمكنهم أن يتبعوا دورة كل عدة سنوات بها، ففي الزراعة المتنقلة تزال القرى عند الانتقال إلى منطقة جديدة بعد إجهاد التربة في المنطقة

الأصلية ولكن عندما يتزايد السكان تصبح الأراضي التي يمارسون فيها الزراعة المتنقلة قليلة ويصبح إزالة القرى أمرا صعبا هو الآخر ومن ثم تصبح محلات عمرانية ثابتة. وفي أفريقيا كان للنظام القبلي أثره الكبير على نمط العمران الريفي ذلك لأن العمران كان مرتبطا بسكنى أفراد القبيلة في مجموعات عائلية، ففي مناطق البانتو كان ذلك يأخذ شكل نويات مبعثرة من الأكواخ على هيئة خلية النحل bee hive type ذات جدران طينية وأسقف مخروطية من القش، وغالبا ما تكون هذه المساكن بالقرب من الحقول ومن حظائر الماشية، وفي أفريقيا الزنجية الجنوبية تكون المساكن ذات جدران صلصالية بأسقف مستطيلة من القش أيضا -حول تجمع مركزي- ويحيط بها أسوار من النباتات الشوكية لحماية السكان والحيوان. ويعكس النمط السابق طبيعة الاقتصاد المعاشي وارتباطه بموارد المياه والدفاع والحماية المشتركة، وفي بعض الأحيان قد يكون المركز العمراني صغيرا لا يتعدى قرية صغيرة تتألف من عدة أكواخ تسكنها أسرة واحدة، وفي أحيان أخرى تتجمع هذه الأكواخ على هيئة بلدة متواضعة تأخذ في النمو حول مسكن رئيس القبيلة1. ويقل التأثير القبلي بدرجة كبيرة بين السكان المستقرين في شمال أفريقيا، ولكن تبقى ظاهرة تركز السكان الريفيين في قرى كبيرة سائدة، ففي وادي النيل والدلتا في مصر تنتشر القرى ذات البيوت الطينية والأسقف المسطحة في نويات مركزية في الأرض الزراعية وأسهمت في نشأة هذه القرى عوامل متعددة أهمها الموضع حيث كانت تنشأ على تلال تعلو منسوب الفيضان -قبل التحكم في مياه النيل منذ عهد محمد علي في النصف الأول من القرن الماضي-، وتبدو آخر مراحل الاستقرار في زراعة الأرز في آسيا الموسمية حيث يتطلب أيدي عاملة كثيرة غالبا ما تكون مرتبطة بالحقول، ومن ثم فإن زراعة الأرز كما يقول بيربلو perpillou والتي تعد

_ 1 mountjoy; a. b: Africa, a geographical study, london 1970 pp 130-- 136

المرحلة النهائية في التطور تعد أيضا مادة لاحمة قوية "أسمنت لمجمعات القرية في الشرق الأقصى"1. ويمكن تقسيم المحلات الريفية الثابتة إلى نمطين رئيسيين هما: أ- نمط القرى المندمجة، ب- نمط القرى المبعثرة. 1- القرى المندمجة: يرتبط هذا النمط بإنشاء المساكن الريفية في بقعة واحدة مختارة داخل الأراضي الزراعية، وبالتالي تكون الأراضي المخصصة للمساكن مختلفة ومميزة تماما عن الأراضي الزراعية ويبدو هذا النمط على الخرائط في تجمعات واضحة وفي مواضع محددة تفصلها عن بعضها البعض أراضٍ وحقول زراعية ممتدة دون أي مساكن بها. وقد ارتبطت القرى المندمجة الشكل بالظروف البيئية الأصلية، فالإنسان البدائي بمفرده غير قادر على درء أخطار الطبيعة وتكون الأسرة أو القبيلة أولى مراحل المجتمع وتسكن في مساكن متقاربة أو ربما متلاصقة طلبا للأمن، وما إن تتزايد أعداد القبيلة حتى تنتشر مساكنها في مساحة أكبر حول النواة الأصلية للمحلة العمرانية. على أن العلاقات الأسرية ليست كافية لتفسير الاندماج الأولي في شكل المحلات العمرانية الريفية، ففي شرق أوروبا تعيش المجموعات الأسرية في محلات عمرانية مبعثرة على هيئة "عزب" أو مجموعات من العزب، كذلك فقد تحوي المحلة العمرانية الواحدة أكثر من قبيلة كما في أريزونا ونيومكسيكو حيث تسكن القرية المندمجة لجماعات الموجي Moqui والزوني Zuni الهندية الحمراء قبائل متعددة تصل إلى 15 قبيلة تسكن قرابة المائة كوخ وليس هناك فصل بين القبائل بعضها البعض وتميل الجماعات البدائية إلى التجمع في محلة واحدة لعدة اعتبارات منها تحقيق الأمن والحماية للجماعة من

_ 1 Perpillou, A. V. Human Geography, "translated", London 1972, p. 411

أخطار البيئة المجاورة وفوق ذلك التعاون في زراعة الأرض، ومع ذلك فإن هناك محلات عمرانية لم يكن عنصر تحقيق الأمن السبب الرئيسي في نشأتها واندماجها، ذلك لأن مواقع القرى في العصر الحجري الحديث كان يحدده موقع الأرض الخصبة والتي تسهل فلاحتها، ومن ثم فإن موضع القرية البيئي هو المحور الرئيسي لاندماجها. وتختلف القرى المندمجة حسب الحجم اختلافا كبيرا تبعا لطبيعة وموارد البيئة المجاورة، فعندما تكون فقيرة في مواردها تكون القرى صغيرة في أحجامها، فعلى حافات الصحاري تتكون القرية من عدة أكواخ قد تصل إلى ستة أو سبعة، ومن ناحية أخرى فإن البيئة الغنية بالموارد الحيوانية والنباتية تكون قراها كبيرة الحجم، كما في قرى جماعات الهوتنتوت الذين يعيشون على الصيد والجمع والرعي البدائي والتي تتكون من حوالي مائة كوخ. على أنه ينبغي القول بأن ثروة البيئة أمر متغير وليس ثابتا، وتعتمد على مواهب السكان في استغلالها، فالزراعة الكثيفة في السهول الفيضية مثلا تمثل استغلالا متقدما للتربة، وأسهمت بدورها في خلق عدد كبير من القرى الكبيرة وارتبط ذلك بطبيعة الحال بخصوبة التربة وتوفر موارد المياه والعوامل الطبيعية الملائمة للزراعة من ناحية ونمو وتزايد أعداد السكان من ناحية أخرى. وتبدأ القرية في التضخم السكاني وبالتالي في اتساع رقعتها العمرانية وظهور توابع صغيرة لها أو قرى ترتبط بها وتسير في مراحل نموها السابقة مع تباين في ظروف الموضع بطبيعة الحال، يمكن تتبع ذلك بسهولة بأسماء القرى الجديدة، والتي غالبا ما تحمل اسما معدلا للقرية الأم، وعلى ذلك فعندما يستقر نظام زراعي دائم تبدأ القرى المندمجة في الظهور ولعل في مصر مثل واضح على ذلك حيث يعيش ما يقرب من 60% من سكانها في قرى كبيرة أو متوسطة الحجم. والقرية المصرية -خلية أولية- تكاد تمثل امتداد رأسيا للأرض السوداء الأفقية، فجسمها من تربة مصر مباشرة كما تقوم دائما على ربوة اصطناعية مرفوعة محدبة كالصحن المقلوب حماية من الفيضان، وهي تكاد تكون

نسخة مكررة منثورة بالآلاف في كل أرجاء الوادي وعلى صفحته وإن اختلفت أحجاما وأوضاعا1 ويبدو من توزيع المراكز العمرانية في مصر وخاصة في الوادي أن توزيع القرى يتحدد في النطاق المزروع على جانبي نهر النيل فقد آثر السكان بناء قراهم في نمط خطي ملحوظ عند الحد الشرقي من الوادي وذلك لأسباب منها ضيق الأرض الزراعية في الوادي بصفة عامة، كذلك ارتبطت بنظام الري الحوضي الذي كان سائدا في معظم جهات الوجه القبلي قبل إنشاء السد العالي، وبالتالي كانت الأراضي الزراعية تغرق بمياه فيضان النيل ومن ثم حرص السكان على بناء مساكنهم في مواضع تتميز بأنها أكثر ارتفاعا لا تغرقها مياه الفيضان كذلك امتدت بعض العزب في شكل طولي على امتداد الترعة الرئيسية في المنطقة. وبالإضافة إلى الشكل المندمج الذي يميز القرية، فهناك قرى ذات شكل طولي، ويوجد هذا النمط مرتبطا بظروف الموضع كذلك، ويسود هذا النوع في إقليم المدلاند الإنجليزي وفي منطقة اللورين وحواف حوض باريس في فرنسا والقرية الإنجليزية من هذا النوع تمتد شريطيا على جانبي طريق رئيسي، والمساكن على كلا جانبيه، وكثير من هذه القرى الشريطية قديم وبعضها حديث وقد يكون نموها مرتبطا بطريق النقل الأخرى مثل الأنهار التي تكون أساسا هاما في نشأة القرى وامتدادها. ب- القرى المبعثرة: قد تكون المساكن في بعض الأحيان مبعثرة -دون نظام يربطها-، وغالبا ما تكون مساكن مفردة أو مجموعة صغيرة من المساكن، والتي تبدو في النهاية على شكل نسيج معقد من القرى الصغيرة "العزب" والمزارع وغالبا ما يدل هذا التبعثر على علاقة قوية للغاية بين مكان السكن ومكان العمل حيث يوجد كل منزل وسط الحقول أو المزرعة الخاصة بصاحبه. ويؤدي التطور الاقتصادي إلى تحديد أشكال القرى واتجاهها نحو التبعثر

_ 1 جمال حمدان: شخصية مصر، القاهرة، 1970، ص29.

وليس الاندماج، ولعل أول عامل مؤثر في ذلك هو نظام الملكية الزراعية حيث توجد القرى الصغيرة مرتبطة بالمزارع الكبيرة التي غالبا ما تكون مقرا لسكنى صاحب الأرض الزراعية وبعض العمال معه في مساكن مجاورة ومعنى ذلك أن القرى المندمجة إذا كانت نتاجا لتاريخ طويل في استغلال الأرض وترجع إلى فترات قديمة، فإن العمران المبعثر نتاج للعصر الحديث وللتغير في نمط الزراعة والملكية واستغلال الأرض حول القرية حيث تقل مساحة الملكيات الزراعية قرب مساكنها -وتميل إلى الكبر والاتساع بالبعد عنها- وتلك سمة عامة تتميز بها القرى.

المسكن الريفي

المسكن الريفي: هناك اتفاق عام بين الباحثين على أن الإنسان قد استخدم في البداية أكثر أشكال البيئة المحيطة به اقترابا لإقامة مسكنه، ومنذ العصر الحجري القديم الأعلى نجد مساكن مبنية من الأخشاب والطين، وبعضها يستغل انخفاض الأرض في صورة حفر طبيعية ليبني فوقها المسكن، ومنذ العصر الحجري الحديث ظهرت البيوت المبنية من الطين المقوى بالبوص أو من اللبن "الطوب غير المحروق" أو من الطوب. كذلك شاع استخدام الحجارة في بناء المساكن سواء في بيوت الحضر أو البيوت المقامة فوق سطح الأرض، ومع ظهور البيوت المستقلة المبنية بأنواع الطوب المختلفة عند الزراع تطورت أيضا مساكن الرعاة حيث تكون مساكنهم متنقلة وبذلك ظهرت أنواع من الخيام المختلفة من خيام الشعر التي نعرفها عند البدو في الصحراء العربية الأفريقية إلى خيام المغول والتركمان الضخمة المصنوعة من اللباد والتي تسمى "يورت Yurt" وهي أعظم مسكن متنقل من حيث المساحة والارتفاع والزينة المضافة إليها، وهناك نظير لها -ولكن أصغر- وهي الخيمة الجلدية عند بعض الهنود الحمر في أمريكا الشمالية وتسمى "تيبي1Tipi"ومن الواضح أن المسكن الزراعي الريفي يكون نتاجا للمواد الخام المحلية، فمساكن الريفيين في سهول الشرق الأوسط تصنع عادة من اللبن، وأكواخ الزراع البدائيين في

_ 1 محمد رياض: الإنسان: دراسة في النوع والحضارة، 1974 ص384.

النطاق المداري الأفريقي تصنع من هيكل خشبي مغطى بالطين وهكذا، وترتبط هذه المساكن بالوظيفة الاقتصادية الاجتماعية، فمسكن الريفي عبارة عن مجمع يحتل القسم الأكبر منه مخازن المحصول ومأوى الحيوان ومخزن الآلات والأدوات المستخدمة في الزراعة، أما القسم الآخر الأصغر فهو عبارة عن مأوى الأسرة. وبالإضافة إلى اختلاف المساكن الريفية في المواد التي تبنى منها فإنها تختلف أيضا في خطتها وحجمها وشكلها، فمن المساكن الريفية ما هو بسيط ومتواضع للغاية ومنها المنتظم في شكله وخطته ومنها المزدوج المستطيل وهكذا، بل إن من البيوت الريفية ما يعلو إلى طابقين، وهي في ذلك كله تنشأ نتيجة اختلافات في مستويات المعيشة ونظم استغلال الأرض. شكل "153" إحدى القرى وحوزها الزراعي

الفصل الثاني: نشأة المدن وتطورها

الفَصلُ الثَّاني: نَشْأة المُدُن وتطوّرها تعريف المدينة وأهمية دراستها: لم يتفق الباحثون على تعريف محدد للمدينة وإن كانت المدينة كمظهر عمراني مألوف يمكن تمييزها عن القرية بوضوح سواء في شكلها المورفولوجي الخارجي أو في وظائفها أو حتى نموها وتطورها التاريخي، ومع ذلك فليست هناك قاعدة محددة يمكن أن تحدد بواسطتها تعريف المدينة وإن كانت هناك آراء كثيرة قد قيلت في هذا الصدد. وعلى العموم تتفق آراء الباحثين على أن المدينة هي مركز التركز السكاني والعمل والترفيه، كذلك تشترك هذه الآراء في أن هناك حدا أدنى للحجم السكاني الذي تعرف المدينة على أساسه وإن كانت الآراء قد اختلفت في ماهية هذا الحجم السكاني وعلى سبيل المثال يعد المركز العمراني في الولايات المتحدة مركزا حضريا "مدينة" إذا كان عدد سكانه 2500 نسمة فأكثر بينما يرتفع هذا الرقم إلى 30.000 نسمة في اليابان مثلا. وعلى العموم فإن الحجم السكاني يعد عنصرا مشتركا في كثير من الآراء التي قيلت في تعريف المدينة، وهو بدوره متباين إلى حد كبير بين الدول بعضها البعض -كما ذكرنا آنفا، بل يتفاوت التعريف في الدولة نفسها من فترة زمنية لأخرى، ففي الولايات المتحدة كانت المدينة في الفترة من سنة 1880 - سنة 1900 تعرف على أنها تلك المحلة العمرانية التي يسكنها أكثر من 4000 نسمة ولكن من سنة 1900 اتخذت الرقم 2500 نسمة كحد أدنى لتصنيف المدن. أما في فرنسا وألمانيا فإن المدن هي التي يزيد عدد السكان في كل منها على 2000 نسمة.

ولعل في اختلاف الدول العربية مثلا في تعريف المدينة ما يدل على الفكرة السابقة، ففي مصر يقتصر تعريف المدينة على الوظيفة الإدارية التي تؤديها فقط ولذا فإن المدن المصرية كما ورد في تعدادات السكان الأخيرة "1960، 1966، 1976" هي عواصم المحافظات وعواصم المراكز وتسير سوريا على نفس التعريف، والأردن يعتبر عدد السكان 10000 نسمة حدا أدنى لتعريف المدن به، ولذلك فإن اختلاف التعريف بين الدول يجعل من الصعب عقد مقارنات دولية لتحديد سكان الحضر بدقة ومع ذلك فإن هذه المقارنة يمكن أن تتم في ضوء التعاريف المحلية المستخدمة لكل دولة. وتعد بيئة المدينة أكثر البيئات الجغرافية تغيرا على الإطلاق حيث تمثل نموذجا مجسما لما أحدثه الإنسان في بيئته الجغرافية فقد استطاع أن يتركز في بقعة معينة على سطح الإقليم وأن يشيد في هذه البقعة المساكن والطرق والمصانع والمتنزهات ودور اللهو وغيرها، كما استطاع أن يغير الكثير من الملامح في مواضع المدن الأصلية، فأزال الغطاء النباتي بها وهذب الأنهار التي تمر بالمدينة وأقام الجسور عليها واستغل مياهها ومررها في أنابيب تحت السطح، وباستثناء بعض الحدائق التي زرعها الإنسان في الغالب بحشائش وأشجار مجلوبة، فإن عناصر البيئة الطبيعية في المدن شملها التغيير بصورة جوهرية، وعلى ذلك فالمدينة بحق تعد بيئة صنعها الإنسان لنفسه. أو بمعنى آخر فهي مثل مجسد على التغييرات المركبة التي أحدثها الإنسان في موطنه. وبالرغم من أن المدن تختلف فيما بينها اختلافا جذريا -حيث إن لكل مدينة شخصيتها كما يقال- فإن دراستها ذات أهمية للجغرافي ذلك لأنها تعد بيئة فريدة بالرغم من أنها تشغل مساحات ضئيلة، ففي سنة 1960 بلغت مساحة المناطق الحضرية في الولايات المتحدة والتي يزيد عدد سكان كل منها على 50.000 نسمة نحو 25.464 ميلا مربعا، أو نحو 0.7% من جملة مساحة البلاد، وفي هذه المساحة الضئيلة جدا يعيش 96 مليون نسمة أو نحو 54% من سكان البلاد في سنة 1960. أما المدن الصغيرة التي يزيد سكان كل منها على 2500 نسمة إلى أقل من 25000 نسمة فيسكنها 29.4 مليون نسمة. وتختلف كثافة السكان بالمدن اختلافا كبيرا، فأكبر مدن العالم لندن

وطوكيو ونيويورك يتراوح متوسط الكثافة السكانية بها بين 24.000 إلى 30.000 نسمة في الميل المربع وتزيد الكثافة داخل المدن حتى تصل إلى 85.000 نسمة/ ميل2، كما هي الحال في جزيرة مانهاتن في نيويورك، ثم ما تلبث الكثافة أن تقل بالتدريج نحو الأطراف. ويؤدي تزاحم السكان بالمدن إلى استغلال المناطق الفسيحة سواء فوق سطح الأرض أو تحت هذا السطح -وقد أدى ذلك إلى ظاهرة ناطحات السحاب التي تميز شيكاغو ونيويورك مثلا- والتي أدى نشاطها الحالي إلى الضغط على وسائل المواصلات التي وجدت متنفسا لها في الأنفاق السفلية. ولما كان علم الجغرافية قد اتجه فيما بعد الحرب العالمية الثانية إلى دراسة مشاكل الإقليم -فيما يعرف بالجغرافيا التطبيقية التي تعنى بمشاكل توزيع وتنظيم المجتمع ومرافقه ومصالحه في الإطار الإقليمي الذي يشغله، فقد انعكس ذلك بوضوح على جغرافية المدن فقد دخلت ميدان التخطيط الإقليمي وتخطيط المدن Regional & Town Planning؛ ذلك لأن للتخطيط أساسا جغرافيا لا مفر منه سواء للمدن أو الريف. وقد أنشئت مناهج ودراسات في الجغرافيا التطبيقية وفي التخطيط الإقليمي في كثير من الجامعات الفرنسية والأمريكية، إما في أقسام الجغرافيا أو في معاهد متخصصة لدراسة العمران الحضري. وفي إنجلترا تكاثر عدد المهتمين بجغرافية المدن التطبيقية للمساهمة في استغلال الأرض Land -Use وتخطيط المدن وأصبح هناك عدد كبير من الجغرافيين المحترفين في وزارات الإسكان والحكم المحلي يعملون جنبا إلى جنب مع المهندسين والمساحين في التخطيط وذلك للإسهام في وضع خطة عمرانية تراعي إعادة توزيع السكان في ضوء توزيع المراكز العمرانية واتجاه النمو في الإقليم، بغية تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للتخطيط الإقليمي. ونحن في الدول العربية في حاجة ماسة إلى إدراك حقيقة تخطيط المدن والأقاليم وأسسه الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية، ولا يمكن أن يتم ذلك بالصورة المنشودة إلا بالتعاون الكامل بين المهندسين من ناحية والجغرافي والاجتماعي والاقتصادي من ناحية أخرى في صورة هيئة مشتركة، بل ينبغي

أن يكون لكل مدينة مكتب تخطيط مشترك يشمل المهندس والجغرافي والاجتماعي، ويكون من واجبه إجراء مسح جغرافي شامل للمدينة وإقليمها كنقطة البدء في أي تخطيط مستقبلي لها.

نشأة المدن وتطورها

نشأة المدن وتطورها مدخل ... نشأة المدن وتطورها: نشأت المدن كظاهرة عمرانية قديمة في الشرق الأوسط وبالتحديد في مصر والعراق وباكستان الحالية، وكان ظهورها مرتبطا بتقدم كبير في المعرفة الإنسانية والأساليب الفنية المستخدمة وخاصة استخدام المعادن واختراع الشراع واستخدام العجلة Wheel في النقل ثم صنع الفخار محليا واختراع المحراث واستخدام الحيوان في الجر، وقد ترتب على ذلك زيادة كبيرة في الإنتاج والنقل وواكبه ظهور المدن كمظهر عمراني متقدم في التاريخ البشري. وقد بدأت أولى مراحل الثورة الحضرية لدى المجتمعات الزراعية في مناطق السهول الفيضية في وادي النيل الأدنى وكذلك في القطاع الأدنى من الدجلة والفرات وفي سهول نهر السند وفي هذه المناطق استقرت الحياة البشرية وقامت على دورات منتظمة لفيضانات الأنهار، واستخدام المحراث مما مكنها من إنتاج الغذاء بوفرة، وقد ساعد فائض الأغذية لأول مرة على توفير الغذاء لأعداد كبيرة من السكان ليسوا مشتركين في إنتاج الغذاء ذاته، وتجمع هؤلاء السكان في المراكز العسكرية والثقافية والإدارية القديمة على هيئة مدن صغيرة Towns مثل هارابا Harappa وموهنجودارو Mohinjo-Dare في وادي السند، وأفرود يتوبوليس Aphroditopolis وطيبة وبوتو Thebes And Butu في مصر ومدن سوسه وأور Ur وكيش Kish قرب بابل في العراق. وكذلك الحال في المدن التي ظهرت بعد ذلك مثل أنيانج Anyang في حوض الهوانجهو بالصين معتمدة على أساس زراعي ساهم في إيجاد وفرة في الغذاء نتجت عن الزراعة بالري في أراضي الهوانجهو الخصبة، وقد أظهرت الأدلة الأركيولوجية في العالم الجديد أن المدن المبكرة نشأت به على هذا الأساس الزراعي. وإذا صحت آراء العالم "ساور" عن موطن الزراعة وانتشارها فإن هذه

المجتمعات الزراعية الحضرية Agricultural Urban Societies تكون قد ظهرت منذ فترة تتراوح بين 4000 - 5000 سنة في كل من الشرق الأوسط والصين. وقد أظهرت الدلائل في مواضع المدن القديمة في الشرق الأوسط أنها كانت ذات حجم سكاني معقول، فقد تراوح سكان المدن السومرية فيما بين 7000 إلى 20000 نسمة كما أن سكان هارابا وموهنجو دارو كانوا أكثر قليلا من ذلك. كذلك فإن مدينة طيبة -أكبر عواصم مصر في عصر الأسرات- كانت تشغل مساحة كبيرة نواتها الأصلية الأقصر والكرنك الحالية، ويعد الرقم 80000 نسمة الذي ذكره أحد الكتاب البابليون يفوق أي رقم معروف عن أية مدينة قديمة أخرى.

المدن التجارية القديمة

المدن التجارية القديمة: ظهرت بعد ذلك مدن ذات وظائف خاصة أبرزها المدن التجارية التي تحصل على ثرواتها من الخدمات التي تقدمها لسكان المناطق المجاورة، وقد اعتمدت هذه المدن على مواقعها الجغرافية واستغلالها لذلك في تقوية علاقاتها التجارية بالأقاليم الأخرى. وقد ظهرت هذه المدن التجارية القديمة منذ ما يقرب من 2000 سنة قبل الميلاد قبل عصر البرونز، وأبرز أمثلتها فيلاكوبي Phylakopi على جزيرة ميلوس Milos -إحدى جزر بحر إيجه- التي أصبحت مركز لتجارة الزجاج، وعلى ساحل الشام حيث نمت واذهرت بيبلوس "جبيل" التي اشتهرت بتجارة الأخشاب المتوفرة في ظهيرها وتصديره إلى مصر وبلدان شرق البحر المتوسط الأخرى، وكذلك اشتهرت مدن كريت في النصف الأول من الألف الثانية قبل الميلاد وقامت شهرتها على التجارة البحرية خاصة مع مصر، وتبعتها في ذلك وفي القرن السادس عشر قبل الميلاد عدة مدن يونانية وعلى ساحل الشام فإن المدن الفينيقية مثل صور وصيدا نمت كمراكز تجارية هامة في العالم الفينيقي. وقد كانت مدن البحر المتوسط التجارية هذه صغيرة الحجم، وربما كان

من بين سكانها نسبة ليست صغيرة من الزراع، ولكن الحرفة الرئيسية لمعظم سكانها كانت التجارة وقد شهدت هذه المدن تطور الفنون والمهارات البشرية التي انتقلت عبر المتوسط إلى الأقاليم المجاورة. وإلى جانب هذه المدن الساحلية التي اشتغلت بالتجارة قامت مدن داخلية تعرف بمدن القوافل، وهذه كانت قليلة العدد تقع على أطراف الصحراء وتقوم كحلقة صلة بين مدن الساحل الفنيقي وبلدان الشرق الأوسط. ومن مدن القوافل هذه مدينة حلب Aleppo ودمشق Damascus وتدمر Palmyra واستمدت هذه المدن ثروتها من التجارة مثلها في ذلك مثل المدن الساحلية، ولكنها تختلف عنها في المواقع بطبيعة الحال، فكانت تقع وسط بقع زراعية غنية تمدها بحاجتها من الغذاء والمواد الأولية "دمشق في سهل الغوطة الخصب وتدمر في واحة غنية".

المدن اليونانية

المدن اليونانية: بدأت المدن في التزايد العددي منذ بداية الألف الأولى الميلادية، وفي خلال القرن الثامن والسابع قبل الميلاد كانت دولة المدينة اليونانية ظاهرة هامة في المظهر الحضري السياسي بها، وبدأت في التوسع العمراني بل وفي غزو أراضٍ أخرى، ونتج ذلك عن ظروف البيئة الجغرافية لتلك المدن والتي تميزت بقلة الأراضي الزراعية حولها مما دفعها إلى الخروج عن بيئاتها المحلية واستعمار مناطق أخرى. وعلى سبيل المثال، فقد أنشئت سيراكيوزوكوما Cuma وغيرها من المستعمرات في إيطاليا وصقلية -في الفترة اليونانية المبكرة بين سنتي 750 - 700 قبل الميلاد، ومن ثم استطاعت دول المدينة اليونانية أن تمد نفوذها على امتداد البحر المتوسط، وفي سنة 500 قبل الميلاد كانت الحياة الحضرية La vie Urbane ظاهرة سائدة في ساحل المحيط الأطلسي من إسبانيا غربا حتى سهول الجانج في الهند شرقا. وفي خلال مرحلة الانتشار الحضاري كانت هناك مظاهر حضارية هامة ممثلة في الأساليب والفنون الجديدة لسكان المدن مثل الأدوات والأسلحة

الحديدية، كذلك استخدام الكتابة بالحروف الأبجدية وتصميم السفن الشراعية بل وبدء استخدام العملات النقدية في التجارة، وكانت هذه الملامح الحضرية عناصر هامة في الانتشار الحضري. وبدا التخصص في الإنتاج سمة مميزة للمدن معتمدة على تبادل إنتاجها من الصناعات والأدوات مع المدن الأخرى بغية الحصول على الحبوب، وأبرز مثال على ذلك هو اعتماد المدن اليونانية على تجارة القمح الوارد إليها من سواحل مقدونيا والبحر الأسود. وكان انعكاس ذلك على النمو الحضري ممثلا في تضخم المدن بالسكان، وأوضح الأمثلة أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد فبالرغم من أن تقدير السكان للمدن القديمة يعد أمرا محفوفا بالصعاب إلا أن سكان أثينا قدروا برقم يتراوح بين 100.000 إلى 150.000 نسمة، كانت بذلك من المدن الكبرى آنذاك تتضاءل إلى جانبها كثير من المدن الأخرى صغيرة الحجم. وقد ساعد التقدم في المواصلات والأسلحة على قيام وتوسيع الإمبراطورية الهللينية "اليونانية" والتي ساعدت بدورها على الانتشار الحضري سواء بالتزايد في أحجام المدن القائمة أو بإنشاء مدن جديدة، فحوالي سنة 300 ق. م أنشأ الإسكندر المقدوني كثيرا من الطرق الجديدة في إمبراطوريته، ووحد العملة السائدة ونشطت التجارة نشاطا كبيرا انعكس بدوره على التطور الحضري وقد تطلبت مسئوليات الحكم والإدارة نمو مدن هامة قامت بهذا الدور مثل الإسكندرية في مصر التي تبوأت مركزا كبيرا في الفترة الإغريقية والرومانية من بعدها. وبالرغم من تفكك الإمبراطورية الهللينية بعد وفاة الإسكندر الأكبر سنة 321 ق. م إلا أن الدفعة القوية للعمران الحضري أثناءها استمرت كذلك في عهد الإمبراطورية الرومانية حتى إن الإسكندرية بلغت مساحة رقعتها 200 فدانا "800 دونم" في سنة 100 ق. م. كذلك فقد استمر التخصص الإقليمي في الإنتاج الزراعي وأدى بدوره إلى نمو التجارة والمدن في تلك الأقاليم التي كان النقل المائي متوفرا بها، ولقد كانت كل المدن اليونانية في القرن الثالث ق. م. تستورد القمح وتصدر الزيت والنبيذ إلى أراضي ما بين النهرين وشمال سوريا وشمال البحر الأسود والدانوب الأدنى، كذلك وصل نفوذها غربا حتى قرطاجة وإيطاليا وصقلية.

المدن الرومانية

المدن الرومانية: بدأت الحياة الحضرية في الانتشار بصورة أوسع في عهد الإمبراطورية الرومانية التي توسعت بعد أن هزم الرومان اليونانيين في إيطاليا وصقلية والاستيلاء على مناطق كانت خاضعة لليونان بالإضافة إلى مناطق أخرى في شمال غرب أوروبا، وقد ظهرت المدن في شمال جبال الألب لأول مرة، وأنشئت مدن في وادي الراين وفي إنجلترا كذلك، وكانت الوظائف الدفاعية والإدارية لهذه المدن تفوق الوظيفة التجارية، ووجدت بعض منتجات هذه المدن طريقها عبر الإمبراطورية الرومانية وساعد على ذلك الطرق الرومانية الشهيرة في أوروبا وامتدادها في آسيا وأفريقيا. وقد أدت مظاهر التقدم الحضاري هذه إلى نمو كبير لبعض المدن سواء كانت مواني أو مراكز إدارية وتجارية، وتعطي التقديرات المعقولة رقما لسكان روما في القرن الثاني الميلادي يصل إلى 200.000 نسمة ولبيزنطة في أواخر الإمبراطورية الرومانية إلى 192.000 نسمة. وكان معظم المدن شبيه الحجم للمدن التي أنشأها اليونانيون، وقد وصلت رقعة المدن الكبرى مثل لندن الرومانية إلى مساحة بلغت 300 فدان وبسكان قدروا بحوالي 30.000 نسمة. ويرجع الفضل للرومان في إنشاء كثير من المدن الداخلية في أنحاء الإمبراطورية وكانت هذه المدن معسكرات للمحاربين القدماء الذين نزحوا من إيطاليا لتخفيف ضغط السكان على موارد الرزق، وكان بعضها الآخر محلات للتجار والصناع وغيرهم قامت بجانب الحصون والقلاع على حدود الإمبراطورية مثل يورك York في بريطانيا وكولون في ألمانيا وبلغراد في يوغسلافيا. وإلى جانب هذه المدن الجديدة كانت هناك مدن سبقت قيام الإمبراطورية الرومانية وازدادت أهميتها بسبب التخصص التجاري، مثل مدن البحر الأحمر المصرية والتي كان أهمها أرسينوي "مكان السويس الحالية" وبرنيس في موضعها الحالي -وكانت تستقبل التجارة من الشرق الأقصى، كذلك زادت أهمية مدن القوافل على حافة الصحراء السورية مثل تدمر في سوريا والبطراء

في الأردن بسبب وقوعها على طرق التجارة في ذلك الوقت1. وكانت مدينة الإسكندرية أهم مدينة تجارية في الإمبراطورية الرومانية -وكانت عاصمة لمصر آنذاك- تتجمع فيها الغلال التي كانت تحتاج إليها روما وكانت تنتقل إلى الإسكندرية بواسطة نهر النيل وفروعه وقنواته ومن ثم يحملها أسطول تجاري إلى روما، ولم تقتصر وظيفة الإسكندرية على التجارة والحكم فقط، بل كانت مركزا ثقافيا وصناعيا كذلك2. وكان لسقوط الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس الميلادي أثره في انكماش الحياة المدنية، فقد اختفى ذلك الاستقرار الذي أسسه الرومان، وتقلصت التجارة، وانكمشت المدن في حجمها وأهميتها بل وهجر السكان كثيرا من المدن الصغيرة في شمال غرب أوروبا، وفي حوض البحر المتوسط استمرت الحياة المدنية في ظروف محددة للغاية وخاصة في شرق البحر المتوسط، حيث كان الاستقرار سائدا في عهد الإمبراطورية البيزنطية بنفس ملامح التحضر السابقة، ولعل من أبرز الأمثلة مدينة الإسكندرية وبيزنطة رغم أنهما لم يكونا في نفس الازدهار السابق، بل إن بيزنطة قد احتلت مركز روما في أيام مجدها وكانت تشبهها في حجمها وثروتها وقوتها البحرية.

_ 1 عبد الفتاح وهيبة: في جغرافية العمران، بيروت، 1973، ص42-43. 2 وهيبة، المرجع نفسه، ص43.

المدن الإسلامية

المدن الإسلامية: وبعد ظهور بيزنطة ببضعة قرون ظهر الإسلام وكون المسلمون إمبراطورية واسعة من الدولة البيزنطية وازدهر العمران الحضري في ظل الدولة الإسلامية، وظهرت مدن لعبت دورا هاما في نشر الثقافة وتقدم التجارة، ويرجع هذا الازدهار إلى عوامل مختلفة دينية وسياسية وحربية واجتماعية وتجارية، ومن المدن الدينية التي أنشأها المسلمون فاس ومراكش والرباط والنجف وكربلاء وصارت لمكة والمدينة مكانة خاصة في قلوب المسلمين، كذلك أنشئت مدن

عسكرية مثل البصرة والكوفة والفسطاط والقيروان، وظهرت العسكر ثم القطائع ثم القاهرة كعاصمة لمصر. وعندما وصل العرب إلى إسبانيا أنشئوا كثيرا من المدن وأسهموا في إضافة الكثير للمدن الرومانية التي كانت قائمة بالفعل، وتحكي مدينة قرطبة في أيام الأمويين "756 - 1002" ميلادية مدى دور الحضارة العربية في ازدهار الحياة المدنية، فقد كانت هذه المدينة ذات حجم سكاني يصل إلى نصف مليون نسمة، وتدنى عددهم اليوم ليصل إلى 100000 نسمة فقط.

المدن في العصور الوسطى

المدن في العصور الوسطى: كان انتعاش الحياة الحضرية في كثير من أجزاء أوروبا بطيئا بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية كما لاحظنا، فقد تبع انتشار المسيحية من الشرق الأوسط بين الكنيستين الغربية والشرقية تقسيم جغرافي للعالم الروماني إلى قسمين وتركز النشاط الاقتصادي والسياسي للقسم الغربي اللاتيني في مدينة روما، أما القسم الشرقي البيزنطي فقد تركز في القسطنطينية. وقد انهارت الإمبراطورية البيزنطية عندما انتشر الإسلام وسيطر المسلمون على شرق وجنوب البحر المتوسط في القرن السابع الميلادي، وأسهم العرب بجهودهم في نشر العمران المدني في المناطق التي سيطروا عليها، وكانت أوروبا تعيش عصرا مظلما Dark Age ولم تنشط التجارة فيها إلا في القرن الحادي عشر حيث بدءوا إعادة بناء كثير من المدن الرومانية في المواضع السابقة، وأنشئت بذلك مدن حديثة، وبدأت بعض القرى الكبيرة في ممارسة بعض الوظائف الحضرية. وفي القرن الثاني عشر أنشئ المزيد من المدن في مواضع جديدة وخاصة على أيدي الألمان الذين انتشروا وسط وشرق أوروبا، وارتبطت هذه المواضع بإنشاء قلاع للسيطرة على المواقع الهامة. وقد أنشئت مدن العصور الوسطى الأولى في نقاط يسهل الوصول إليها، وبتطور التجارة المحلية والخارجية انتشرت الحضارة في أوروبا حتى أصبحت مظهرا واضحا من مظاهر البيئة في القرن الخامس عشر في معظم غرب ووسط أوروبا، وقد كانت تمارس وظائف متشابهة أبرزها الحرف اليدوية والتجارة،

كما كانت مركزا للتجارة المحلية والدفاع، ولكن التزايد في أعداد المدن كان أبرز من التزايد في أحجامها في أوروبا العصور الوسطى وظلت هذه المدن محكومة بالمعادلة السابقة في نشأة المدن، وهي العلاقة بين السكان والموارد المحلية، ومن أمثلة ذلك نورمبرج التي قدر سكانها بحوالي 20.000 نسمة في سنة 1450 ولندن ذات الموقع الهام على نهر التيمز والتي بلغ سكانها 40.000 نسمة سنة 1350، وربما كان هذا هو عدد سكانها في العصر الروماني كذلك. في بعض أقاليم أوروبا كانت الحياة الحضرية على ازدهارها السابق، فكان سكان فلورنسا في القرن الرابع عشر 90.000 نسمة والبندقية 190.000 نسمة في سنة 1422، ويبدو أن سكان المدن الأخرى كانوا يعدون بالمئات وليس بالآلاف، ولم تتجاوز أكبر المدن حجما 50.000 نسمة، ولكن المدن بدأت تزيد عن هذا الحجم بعد القرن السادس عشر الميلادي وارتبط ذلك بالتطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. وفي الأقاليم التي كانت التجارة نشطة بها -والنظام الإقطاعي أقل تأثيرا- فإن المدن في معابر الطرق التجارية بدأت تتوسع توسعا ملحوظا، وفي هذه المناطق بدأت المدن الكبرى في الظهور كعواصم سياسية لوحدات أكبر وما إن تحققت الوحدة القومية داخل هذا الإطار حتى تصبح العاصمة مركز جذب قوي لباقي السكان لتركز الخدمات بها مثل وجود المحاكم والمراكز الإدارية وقد شجع ذلك ظهور حرف وصناعات يدوية لإنتاج السلع الترفيهية والكمالية وساعد عليها اتصال العاصمة بأجزاء الدولة بطرق نقل مناسبة. كذلك فقد شجع ظهور الدولة القومية على امتداد الحياة المدنية إلى أراضٍ جديدة ففي خلال القرن السادس عشر ساعد المستكشفون على توسيع نطاق العالم المعروف وبدأت بعض الدول مثل إسبانيا والبرتغال وفرنسا وإنجلترا تسيطر على مستعمرات في العالم الجديد وصدرت إليها الحضارة الأوروبية بما فيها النزعة نحو إنشاء المدن الجديدة، ولم تكن المدن الأولى في المستعمرات سوى مراكز تجميع أو قلاع لحماية المستعمرين، وقد تطورت وظائفها في القرن السابع عشر حين طور المستعمرون هذه المناطق وبدأوا في الاستيطان والاستقرار بها، وعلى سبيل المثال فإن مدينة ويليامزبرج Williamsburg في ولاية فرجينيا الأمريكية التي تشبه المدن في الريف الإنجليزي أنشئت سنة 1633، وفي نهاية القرن السابع عشر أصبحت عاصمة مستعمرة فرجينيا الجديدة.

المدن في العصر الحديث

المدن في العصر الحديث مدخل ... المدن في العصر الحديث: بالرغم أن من قيام العاصمة "مدن العواصم" في العهود القديمة وفي عصر النهضة الأوروبية أدى إلى ظهور مدن كبيرة، إلا أن التغيرات التقنية والاقتصادية التي نجمت عن الثورة الصناعية أدت إلى انقلاب في أحجام المدن، وفي نسبة السكان الذين يعيشون بها، وكذلك في محل النمو الحضري على مستوى الدول والعالم.

عوامل النمو

عوامل النمو: يمكن إرجاع النمو الحضري الضخم في العالم في العصر الحديث إلى عدة عوامل ولكن أهمها على الإطلاق عاملان هما: أ- الثورة الزراعية وتوفير الغذاء: كان للثورة الزراعية التي شهدها العالم في العصر الحديث دور كبير في نمو المدن القائمة وتضخمها، وقد حدثت هذه الثورة في غرب أوروبا قبل أن تشهد الانقلاب الصناعي والتجاري، وقد تمثلت الثورة الزراعية في استخدام السماد واتباع الدورة الزراعية وإدخال أنواع جديدة من المحاصيل واستعمال البذور المنتقاة وتحسين أنواع الماشية بتربية السلالات الجيدة واستخدام بعض الآلات المستحدثة. وقد أدى هذا التطور الزراعي الكبير إلى ازدياد الأرض دون الاستعانة بمزيد من الأيدي العاملة في الوقت الذي كان عدد السكان يزداد باستمرار، وأدى ذلك إلى البحث عن أعمال أخرى غير الزراعة طالما أنها توفر الغذاء للجميع ودون نقص في الموارد الغذائية، واتجه جزء كبير من السكان لسكنى المدن وانصرافهم عن العمل في الأرض الزراعية. وقد واكب هذا التطور في الزراعة في غرب أوروبا اتساع مساحات

الأراضي الزراعية في العالم بعد الخروج الأوربي الكبير إلى أراضي العالم الجديد واستراليا ونيوزلنده وجنوب أفريقيا. وقد أدى ذلك كله -كما سبق القول- إلى فائض زراعي وفير بدأ بدوره يكون أساس هاما للتجارة والتبادل، التي اعتمدت هي الأخرى على تقدم وسائل النقل البحري والبري والتقدم في وسائل حفظ الطعام "بالتبريد" واستطاعت السفن أن تنقل الغلات الزراعية والمنتجات الحيوانية إلى غربي أوروبا وجهات أخرى من العالم. وقد أدت هذه الزيادة الضخمة في إنتاج الغذاء وإمكان نقل الفائض منه إلى المناطق البعيدة إلى زيادة في عدد السكان الأوروبيين خلال القرن التاسع عشر، مما أدى بدوره إلى تزايد أحجام المدن القائمة تزايدا كبيرا حيث أدى استخدام الآلة في الزراعة إلى جعل أعداد كبيرة من العمال الزراعيين يتجهون نحو المدن بحثا عن فرص العمل. ب- الثورة الصناعية: لم تكن الثورة الزراعية وحدها مسئولة عن زيادة عدد سكان المدن بل أدى الانقلاب الصناعي وظهور الآلة البخارية إلي تركز السكان في المدن، وساعد على ذلك توطن الصناعة فيها حيث أصبحت مراكز جذب قوي لسكان الريف حيث الأجور العالية وفرص العمل المتوفرة وقد أدى ذلك إلى تزايد سكان المدن على حساب الريف، بل وأصبح ذلك سمة بارزة من سمات هذا العصر ليس في الأقطار المتقدمة وحدها بل وفي الدول النامية كذلك، وقد ساعد على ذلك شرايين النقل بين المدن والريف وخاصة خطوط السكك الحديدية التي أدت إلى نشر الصناعة وتقدمها ومن ثم تحسن الأحوال الاقتصادية وتزايد عدد السكان في الريف والحضر وإن كانت المدن قد شهدت معدلات نمو عالية أكثر من الريف. ولم تصبح المدن مراكز زراعية فقط بل أصبحت مراكز اقتصادية واجتماعية تقوم بالكثير من الخدمات لسكانها ولسكان الريف المجاور، وتركزت هذه الخدمات في مكان معين بالمدينة ومن هذه الخدمات التجارة في الإنتاج الصناعي والزراعي والنقل والمحاسبة والتأمين والخدمات الصحية والتعليمية وغيرها.

وقد أدت كل هذه العوامل إلى نمو مدني هائل في العالم، حتى إن مدن العالم الغربي قد نمت خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر بمعدل أسرع من أي وقت مضى وكان ذلك التوسع ملحوظا بدرجة أكبر في الولايات المتحدة، وهنا أنشئت شبكة من السكك الحديدية في شرق البلاد في الأربعينات من القرن الماضي، وانتشرت باقي المراكز العمرانية بمعدل أسرع بعد ذلك في أمريكا الشمالية وخاصة على السواحل وعلى الأنهار الملاحية وعلى ضفاف البحيرات العظمى وفي المناطق الداخلية. وتتعدد الأمثلة على النمو الحضري الكبير في دول العالم مثلما يبدو في المدن الأوروبية فقد تضاعف عدد سكان الحضر في إنجلترا وويلز في الفترة من 1871 - 1911 من 14 إلى 28 مليون نسمة، وفي نفس الفترة ارتفع سكان المدن في فرنسا من 11 مليونا إلى 17.5 مليون نسمة، فمدينة باريس مثلا بلغ عدد سكانها 518.000 نسمة في عهد نابليون الأول، ولكن بعد ذلك بخمسين عاما فقط تعدت المليون نسمة وذلك في سنة 1860 ثم وصلت إلى 6.7 مليون نسمة سنة 1950 ثم إلى 7.8 مليون نسمة سنة 1960. وتبين الأرقام التالية والشكل التالي أمثلة النمو الحضري الكبير في بعض مدن أوروبا والولايات المتحدة واليابان1: المدينة عدد السكان حوالي سنة 1800 عدد السكان حوالي سنة1960 1975 لندن 850.000 11.547.000 13.000.000 باريس 547.000 7.810.000 8.700.000 موسكو 360.000 7.884.000 9.000.000 نيويورك 60.000 14.759.000 16.200.000 طوكيو-يوكوهاما 1.400.000 13.628.000 16.000.000 وعلى ذلك فإنه يمكن القول بأن القرنين التاسع عشر والعشرين قد شهدا

_ 1 Hall, P. The world cities, London, 1972- P.23.

توسعا ضخما في العمران الحضري، ويمكن الاستنتاج مباشرة أن جذور هذا التوسع الكبير ترجع إلى عدة عوامل أبرزها استيعاب نسبة المهاجرين الذين لفظتهم المناطق الريفية. شكل "154" نمو مدينة لندن

التضخم المدني في العصر الحديث ومظاهره

التضخم المدني في العصر الحديث ومظاهره: سبق القول بأن النمو السكاني في المدن وتضخمها يعد من الظاهرات

الديموغرافية المميزة في العصر الحديث بل إن النمو المدني تزايد بسرعة ملموسة خلال الـ 175 سنة الأخيرة أكثر من أي فترة زمنية سابقة في تاريخ البشرية، وساعد على ذلك الانقلاب الصناعي والزراعي وما ترتب عليهما من نمو ضخم في حركة النقل والتجارة العالمية والتي أدت إلى سهولة اتصال المدن بظهيرها والحصول على احتياجاتها من أماكن أبعد مما كانت عليه من قبل حتى إنه ليمكن القول بأن ظهير المدن في الوقت الحاضر يمتد ليشمل العالم بأسره. ويمكن الاستدلال على تزايد النمو السكاني في المدن إذا تتبعنا نسبة سكان الحضر في العالم منذ سنة 1800 حتى 1970 كما تبين الأرقام التالية1. النسبة المئوية لسكان المدن في العالم المدن ذات 20.000 نسمة فأكثر السنة 1800 2.4 1850 4.3 1900 9.2 1950 28.3 1970 37.2 ويبدو من هذه الأرقام أن نسبة السكان في المدن تتضاعف كل نصف قرن وأن سنة 1950 سجلت أعلى نسبة بالمقارنة مع السنوات السابقة، وكما سبق القول فإن سكان العالم ككل تزايد بمعدل كبير منذ سنة 1800 حتى وصلوا إلى 2000 مليون نسمة سنة 1950، ورغم ذلك فإن سكان المدن قد تزايدوا بمعدلات أسرع بكثير، ففي سنة 1800، كان هناك حوالي 15.6 مليون نسمة يقطنون مدنا ذات 100.000 نسمة فأكثر، وارتفع هذا الرقم ليصبح 313.7 مليون في سنة 1950، أي قدر الرقم الأصلي بنحو عشرين

_ 1 Davis, K. "The Origin and Growth of Urbanisation in the world" in " Readings in Urban Geography" edited; Mayer H. and kohn, c. the University of Chicago press, chicago 1969. P. 63.

مرة، وقد نجمت معظم الزيادة عن التدفق الهجري نحو المدن الذي يتمثل في الهجرة الريفية الحضرية وهي أكثر أنماط الهجرات ضخامة في العصر الحديث. وقد ارتبط بالنمو السكاني الحضري المرتفع تزايد في أحجام المدن القائمة والمستحدثة، فقد كان بالعالم سنة 1800 أقل من 50 مدينة فئة 100.000 نسمة فأكثر وارتفع هذا العدد إلى 900 مدينة في سنة 1950 وإلى 1300 في سنة 1962، ويبدو أن معدل النمو الحضري أخذ في التزايد على مستوى العالم ككل، وإذا استمر هذا الاتجاه بنفس المعدل فإن المدن ذات 100.000 نسمة فأكثر ستحوي أكثر من ربع سكان العالم سنة 2000 وأكثر من النصف سنة 2050. 1 وبديهي أن ذلك سيكون على حساب معدلات النمو في الريف، ذلك أنه باستمرار الاتجاه نحو ميكنة الزراعة ستقلل من أعداد الأيدي العاملة على الأرض الزراعية ومن ثم تتزايد دوافع الهجرة نحو المدن باستمرار. وتعد المدن المليونية نماذج مجسدة للنمو الحضاري، وأرجح الظن أن العالم لم يعرفها إلا منذ سنة 1800 وذلك لأنها تعد طفرة حضارية في تاريخ البشرية ففي أوائل القرن التاسع عشر لم يكن بالعالم إلا مدينة مليونية واحدة وتزايد عددها حتى وصل إلى 11 مدينة في سنة 1900 ثم إلى 50 مدينة في سنة 1950 ثم قفر هذا العدد ليصل إلى 100 مدينة مليونية في سنة 1970 ومن جملة هذا العدد هناك 64 مدينة يربو حجم كل منها على مليوني نسمة. وتتميز غالبية دول العالم النامي بالنمو السريع في جملة سكانها وبأن معدل تزايد سكان الحضر بها كبير بدرجة تفوق معدل النمو القومي، ففي مصر مثلا كان هناك 1.9 مليون نسمة يعيشون في المدن سنة 1897، ارتفع هذا الرقم ليصل إلى 12 مليون نسمة في سنة 1966 وارتفعت بذلك نسبة سكان الحضر إلى جملة السكان من 20% إلى 40% بين هذين التاريخين، ويبلغ معدل النمو السكاني في المدن المصرية حوالي ضعف مثيله على مستوى القطر بأكمله، وتتكرر نفس الظاهرة في كثير من الدول النامية، ففي البرازيل

_ 1 Ibid, p. 64.

تزايدت المدن فئة 100.000 نسمة فأكثر من 6 مدن إلى 31 مدينة فيما بين سنتي 1920 - 1960 وارتفعت نسبة سكان هذه المدن من 8.7% إلى 18.6% من جملة السكان في الدولة في هذين التاريخين على التوالي.

وتتفاوت دول العالم في توزيع نسبة سكان المدن بها ويرجع ذلك إلى اختلاف أقاليم العالم في الأخذ بأسباب الحضارة واختلاف مقومات الحضارة ذاتها، فتسود الحضارة الصناعية في أوروبا وأمريكا الشمالية بينما تسود الحضارة الزراعية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وبصفة عامة فإن الحياة المدنية تظهر في كل قطر بدرجات متفاوتة وإن كانت الدول الصناعية تحظى بالنسبة العالية أكثر من 40%، بينما تقل النسبة عن ذلك كثيرا في الأقطار الزراعية النامية. وإن نظرة إلى خريطة توزيع المدن الكبرى في العالم تبين لنا أن هناك أربع مناطق تتركز فيها هذه المدن هي: أ- المناطق الوسطى من الشرق الأقصى خاصة فيما بين دائرتي عرض 22، 48 درجة شمالا وتشمل اليابان وكوريا وفورموزا والصين. ب- شبه القارة الهندية، فيما بين دائرتي عرض 8 - 35 درجة شمالا. ج- أوروبا "بما فيها الاتحاد السوفيتي الأوربي"، فيما بين دائرتي 40 - 60 درجة شمالا ويمكن أن نضيف إليها منطقة شمال أفريقيا كذلك. د- وسط شرق أمريكا الشمالية بين دائرتي عرض 36 - 47 درجة شمالا، أي ذلك الإقليم الممتد بين مصب نهر سانت لورنس حتى غرب نطاق البحيرات العظمى ونطاق وسط الساحل الشرقي. وبالإضافة إلى هذه الأقاليم الرئيسية نجد هناك مناطق ثانوية بها مدن كبرى وأبرز الظاهرات هنا هو أن هذه المدن في معظمها تقع على الساحل فيما عدا مدن مرتفعات المكسيك وكولومبيا -وفي بعض مناطق الشرق الأوسط- وفي روسيا السوفيتية والنطاق الشمالي الشرقي من جنوب أفريقيا.

ظهور المدن العملاقة وتضخمها

ظهور المدن العملاقة وتضخمها: لا يتميز العصر الحديث بنمو سكان الحضر عامة فحسب، بل بنمو المدن نموا كبيرا قفز بها إلى مرتبة المدن العملاقة التي أطلق عليها جوتمان J. Gottmann الميجالوبوليس Megalopolis "الشكل التالي" وهي ذلك التجمع العمراني في إقليم كبير حيث تلتصق أطراف المدن بعضها ببعض

وتتحول في النهاية إلى مجمعة مدنية عملاقة ولعل في شمال شرق الولايات المتحدة مثلا واضحا على ذلك. فرغم أن المسافة بين مدينتي فيلادلفيا ونيويورك تصل إلى 60 ميلا وبين نيويورك وبوسطن إلى 150 ميلا، إلا أن هذه المدن قد اتصلت ببعضها البعض بسلسلة من المدن الصغيرة فيما بينها وهي امتداد للمدينة الأم في الواقع، وبهذه الطريقة ظهرت في شمال شرق الولايات المتحدة مجمعة ضخمة يعيش بها قرابة 40 مليون نسمة. شكل "156" الميجالوبوليس الأمريكي والمثال الآخر على الميجالوبوليس أو المجمعات الحضرية العملاقة تبدو في

اليابان فيما بين أوزاكا Osaka وكوب Kobe حيث توجد سلسلة من المدن المتصلة يبلغ عددها 30 مدينة حول خليج أوزاكا وتتجه هذه الكتلة المدنية الضخمة إلى الامتداد نحو الداخل. وتبدو هذه الظاهرة في غرب أوروبا بوضوح خاصة في إنجلترا وفي نطاق الروهر في ألمانيا وحول حوض باريس في فرنسا، ويكفي أن نذكر أن مجمعة لندن الكبرى Greater London تضم 13 مليون نسمة وأن باريس الكبرى وحدها تضم 8.7 مليون نسمة كذلك ما يقرب من 17% من سكان فرنسا ومجمعة طوكيو 16 مليون نسمة ومجمعة نيويورك وحدها تصل إلى 16.2 مليون نسمة سنة 1975. ومن المقدر أن هناك نحو 12 مجمعة حضرية أخرى ستصل إلى نفس الأحجام سنة 1985 وهي بالتحديد: مكسيكو سيتي، وساوباولو، ولوس أنجلوس، وبمباي، وكلكتا وأوزاكا، وبيونس أيرس، وريو دي جانيرو، ومنطقة الراين - الرهر في ألمانيا، والقاهرة، وباريس، وسيول.

الفصل الثالث: استخدام الأرض داخل المدينة "التركيب الوظيفي للمدينة"

الفصل الثالث: استخدام الأرض داخل المدينة "التركيب الوظيفي للمدينة" مدخل ... الفَصلُ الثَّالِث: استِخدَام الأرض دَاخل المَدينَة "التركيب الوظيفي للمدينة": المدينة محلة عمرانية يتفاوت فيها استخدام الأرض تفاوتا ملحوظا بين حي وآخر على رقعتها المدنية، ولذا يبدو كل جزء منها وقد تخصص في وظيفة معينة ويتميز عن أجزاء المدينة الأخرى بهذه الوظيفة، ولذلك تبدو الرقعة السكنية في المدينة غير متجانسة على الإطلاق. وإن رحلة واحدة من شوارع القلب التجاري إلى ضواحي المدينة ستكشف عن مجموعة من الاختلافات المتعاقبة. وفي المدينة الواحدة نجد مناطق للسكنى وأخرى للصناعة وثالثة للأعمال التجارية ورابعة للخدمات الإدارية وغيرها. وإذا كانت أحياء المدينة تختلف في داخلها كذلك فالأحياء السكنية تتفاوت في مستواها الاجتماعي، فهناك أحياء راقية تسكنها الطبقة الأرستقراطية تتميز بالهدوء وأحياء أخرى لسكنى العمال والموظفين ذوي الدخل المحدود تميزها الضوضاء والنشاط، كما أن في المدن الكبرى توجد أحياء مختلفة للسكان حسب وحدة العنصر أو الأصل، ففي شيكاغو ونيويورك نجد أحياء الزنوج وكذلك أحياء للمهاجرين الإيطاليين أو اليابانيين وغيرهم. ولا ريب في أن وظيفة المدينة تنعكس على أحيائها -وهذه بالتالي تطبع المدينة بطابع خاص، ولذا فقد أصبح من الأمور الأساسية في دراسة المدن تقسيمها حسب نمط استخدام الأرض بها، أو كما هو شائع، حسب تركيبها الوظيفي Functional structure، أي تقسيمها إلى أحياء مختلفة، ويرتبط التركيب الوظيفي للمدينة بمراحل نموها بل وفي كثير من الأحيان بالعوامل الرئيسية التي أدت إلى هذا النمو، فكل مرحلة تتميز بوجود وظائف

جديدة أو اختفاء وظائف سابقة، ولكن نجد أنفسنا هنا مطالبين بالإجابة على سؤال هام هو: ما هي المظاهر العامة لأحياء المدينة، وما هي عناصر التركيب الوظيفي للمدينة ومميزاتها؟ وتتضمن الإجابة على هذا السؤال ضرورة التعرف بادئ ذي بدء على نظريات تقسيم المدينة إلى أحياء أو مناطق متميزة تعكس في ثناياها وظائف المدينة وخدماتها لإقليمها. وترجع الأسباب الرئيسية لتباين استخدام الأرض داخل المدينة إلى عدة عوامل رئيسية ترتبط بالتركيب المدني وهذه العوامل هي أوجه النشاط التجارية والإدارية والنقل "أنشطة القطاع الثالث Tertiary"، والأنشطة الصناعية "التعدين والمصانع والورش والحرف اليدوية"، ثم الأغراض السكنية.

نظرية بيرجس

1- نظرية بيرجس: "أو نظرية الحلقات المتعاقبة ذات المركز الواحد": ابتدع بيرجس E. W. Burgess وهو أحد الباحثين الأمريكيين نظرية تقسيم المدينة إلى أحياء وطبقها على مدينة شيكاغو وتعرف هذه النظرية باسم نظرية المناطق الحلقية "الدائرية" ذات المركز الواحد Concentic zones وتوضح هذه النظرية أن المدينة تتركب وظيفيا من عدة مناطق متعاقبة بشكل دائري على النحو التالي: 1- المنطقة المركزية، أو النواة، التي تنتهي إليها خطوط المواصلات التي تصب في المدينة، وتتميز هذه المنطقة بأنها أقدم مناطق المدينة، وقد أزيلت المباني القديمة وحلت محلها مبانٍ جديدة فمن أبرزها ناطحات السحاب، وتقوم في هذه المنطقة الوظائف التجارية والإدارية والثقافية. 2- المنطقة الانتقالية Transitional: وهي التي تحيط بنواة المدينة وتتصف بسوء الأحوال حيث تشغلها الأحياء السكنية الفقيرة ويسكنها الزنوج والمهاجرون الجدد، كما تنتشر بها المدابغ وبعض الصناعات الخفيفة والشركات التجارية. 3- المنطقة السكنية الخاصة بالطبقة العاملة ويتركز فيها أولئك الذين يفضلون السكن على مقربة من مكان العمل.

4- المنطقة السكنية الخاصة بالطبقة المتوسطة وتوجد بها مساكن خاصة وأخرى مشتركة. 5- الضواحي السكنية على الأطراف أو المنطقة التي يسكنها الذين يفدون إلى المدينة في رحلة يومية، أي يقومون برحلة ما بين مكان العمل داخل المدينة والسكن في هذه الأطراف Commuting وتتكون هذه المنطقة من عدة نويات مبعثرة تمتد أساسا على امتداد خطوط المواصلات الطولية التي تخترق المدينة. شكل "157" نظرية الحلقات المتعاقبة وقد أوضح "بيرجس" في دراسته أن ما ذكره هو وضع مثالي نظري وأن مدينة شيكاغو يقترب نمطها من هذا الوضع، كما أنه يتوقع أن يجد اختلافا وتعديلا في فكرته إذا طبقت على المدن الأخرى. وعلى الرغم من أن شيكاغو تمتد فوق سهل فسيح وتبدو في نطاقات شبه دائرية إلا أن هذه النظرية لا تنطبق بصرامة عليها، فالمناطق الصناعية توجد على طول السكك الحديدية أو تشرف على بحيرة متشجان، ولا تظهر في نطاقات دائرية بل تمتد عبر كل النطاقات Zones، كما أن أحياء

الزنوج التي كانت تقع في المنطقة الثانية الانتقالية تقدمت جنوبا1، ومع ذلك فإن فحوى هذه النظرية يعتمد على أن نمو المدينة يتجه من الداخل نحو الخارج أو نطاقاتها الدائرية تتعاقب الواحدة تلو الأخرى.

_ 1 عبد الفتاح وهيبة، المرجع السابق، ص188.

نظرية القطاعات

2- نظرية القطاعات: إذا كانت نظرية بيرجس قد طبقت على كثير من المدن الغربية والأمريكية إلا أن كثيرا من الباحثين يعتبرونها غير كافية بالغرض، ومن ثم اقترح أحدهم وهو "هويت الأمريكي Hoyt" نظرية جديدة تقوم على أساس تقسيم المدينة إلى قطاعات Sectors. وتفترض نظرية القطاعات هذه أن خطوط المواصلات تصنع قطاعات تمتد عبر المناطق الحلقية التي أشارت إليها نظرية بيرجس، وهي في هذا تلتقي مع الواقع، كذلك تشترك النظريتان في القول بأن النمو يتجه صوب الأطراف لأن الوظائف الأخرى الداخلية قد تنمو خطيا في نفس الاتجاه الخارجي. وبالإضافة إلى هاتين النظريتين، هناك نظرية ثالثة، تعرف باسم "العقد المتعددة Multiple Nodes". وتقوم هذه النظرية على أساس أن المدن يمكن أن تنمو في مناطق مضرسة وتحوي طوائف من السكان تختلف في الجنس والحضارة كما حدث في مدن المستعمرات القديمة وكما يحدث في المدن الحالية، وقد تمثل مرحلتين من مراحل النمو حيث يقف القديم على مقربة من الحديث، وتبدو المدينة ذات عقد متعددة حيث توجد نويات في بعض المناطق تتميز بسمات خاصة، وتختلف عن نويات النمو الأصلية. وعلى العموم فإن هذه النظريات تضع أسسا هندسية صارمة لنمو المدن، ولكن الواقع غير ذلك حيث أثبتت الدراسة الميدانية لكثير من المدن أن لكل مدينة حديثة أو حتى قديمة، شخصيتها ومناطقها الخاصة كما أن لكل منها

منطقة قلب مركزي له ملامحه المميزة، وتتركز به التجارة والإدارة ونهايات الطرق المؤدية إلى المدينة، وتمتد الأحياء السكنية بالابتعاد عن هذا القلب وعلى محاور الطرق الرئيسية، ولكل حي من هذه الأحياء منطقة تجارية مصغرة خاصة به. شكل "158" نظرية القطاعات وصفوة القول أن نظريات التركيب الوظيفي رغم ضرورة الإلمام بها في دراسة جغرافية المدن إلا أن الحقيقة الباقية أن لكل مدينة صغرت أو كبرت شخصيتها المميزة وتركيبها الوظيفي الخاص الذي ربما تتشابه مظاهره العامة مع المدن الأخرى، ولكن يكشف تحليل هذا التركيب عن أوجه التباين والاختلاف والتي قد تعطي المدينة صفاتها المميزة.

استخدام الأرض داخل المدينة

استخدام الأرض داخل المدينة مدخل ... استخدام الأرض داخل المدينة تتحدد مظاهر استخدام الأرض في المناطق الرئيسية التالية والتي تحدد في النهاية ما يعرف بالتركيب الوظيفي للمدينة. 1- القلب التجاري "حي التجارة والأعمال". 2- المناطق الصناعية. 3- المناطق السكنية.

القلب التجارى"حى التجارة والأعمال"

1- القلب التجاري "حي التجارة والأعمال": وهو المركز الرئيسي للمدينة وبؤرة نشاطها الداخلي وملتقى الأعمال الخارجية فيها فتتركز به مكاتب الاعمال التجارية الكبرى وشركات التأمين والمحلات التجارية وبيوت المال والفنادق، وتزداد كثافة المحلات التجارية به ازديادا كبيرا ينتج عنه ارتفاع ملموس في أسعار الأرض، وينعكس ذلك على ارتفاع المباني به، كذلك يعد هذا الحي بؤرة كثافة المرور في المدينة حيث تنتهي إليه معظم الطرق الرئيسية التي تربط المدينة ببيئتها وتقوم له مقام الشرايين للقلب تدفع له الحركة والنشاط. ويمتاز القلب التجاري بعدة خصائص أهمها تركز معظم المحلات التجارية الكبرى ومكاتب الشركات الصناعية والتجارية والبنوك والملاهي، وتقع فيه أهم شوارع المدينة وأكثرها نشاطا كما يعد مركز العمالة في المدينة Central Business District "ويشار له باختصار بالحروف الأولى من هذه الكلمات الثلاث، أي C. B. D."، والبؤرة التي تتجه إليها وترتبط بها كل ألوان استخدام الأرض في المدينة. ولكن يلاحظ أن المدينة كلما اتسعت وزاد عمرانها، كلما كان ذلك مدعاة لانتقال بعض المحلات التجارية وانفصالها عن القلب التجاري. وأصبحت غير متمركزة في وسط المدينة. ويجذب القلب التجاري العملاء من كل أجزاء المدينة، ومن البلاد المجاورة لها، وكثير من السكان بالإضافة إلى أنهم عملاء لهذا النطاق، فإنهم يعملون بالخدمات المختلفة بداخله، ويعد ذلك من أهم أوجه النشاط البشري فيه. وتتميز هذه المنطقة التجارية في المدينة بوجود شارع أو عدة شوارع رئيسية يخدمها شريان هام Artery للنقل، وتتركز به المحلات الكبيرة ذات الوظائف المتعددة، والتي قد تتكون من عدة طوابق وذات مخازن متصلة بها، أما شريان المواصلات لهذا النطاق فيتميز بكثافة نقل عالية حيث يزدحم بالسيارات والمارة. ويلاحظ أن منطقة القلب التجاري لا تشغلها مساكن بمعنى الكلمة، إذ قلما

نجد منزلا أو عمارة يقيم فيها سكانها إقامة دائمة، ذلك أن معظم المباني هنا تشغلها محلات تجارية أو شركات أو مكاتب أو ما شابه ذلك. ومن هنا نجد اختلافا كبيرا بين كثافة السكان في منطقة القلب التجاري بالنهار عنها في الليل، ففي النهار تموج الشوارع والمباني بالحركة والنشاط وحينما يقبل الليل يغادر الناس أعمالهم نحو مساكنهم حتى يكاد قلب المدينة يخلو من السكان ليلا، ثم يعودون إليه في الصباح ليستأنفوا أعمالهم وشراء حاجياتهم. ولا شك أن حجم المدينة يعد عاملا هاما ومؤثرا في هذا الشأن حيث يبدو ذلك بوضوح في المدينة الكبيرة المتعددة الوظائف والخدمات، وقد قدر أحد الباحثين في دراسة عن الحركة اليومية لسكان المدن في الولايات المتحدة الأمريكية أن المدينة المتوسطة الحجم "نحو 1/4 مليون نسمة" يدخل قلبها التجاري أثناء النهار "فترة 11-12 ساعة من 7 - 7" ما يقرب من 40 - 50% من جملة سكانها، ومن هذا العدد يوجد 22 - 24% لهم وجهة محددة كالعمل في المصالح المختلفة في هذه المنطقة. وباختصار فإن هناك خصائص مميزة لمنطقة القلب التجاري في المدينة يمكن إيجازها فيما يلي: أ- سهولة الوصول: تعد سهولة الوصول إلى قلب المدينة أبرز الصفات المميزة لهذا القلب حيث يكون هذا القلب أكثر المناطق سهولة في هذا الصدد ويمكن الوصول إليه من كل الأحياء الأخرى بطريقة سهلة ومباشرة، وكذلك يتميز بأنه أسهل المناطق وصولا بالنسبة لسكان إقليم المدينة الذين يستخدمون وسائل مواصلات عامة Public Transport وفي المدن الكبرى فإن وسطها المركزي يسهل الوصول إليه من بقية أجزاء القطر أو على الأقل من معظم أقاليم هذا القطر. ومن هنا يمكن معرفة الأسباب التي تجعل قلب المدن الكبرى مرتبطا بنهايات الطرق العامة، وخاصة السكك الحديدية. بل يكون هناك اتصال مباشر بينه وبين المطارات التي تنشأ في ضواحي هذه المدن حيث يفد المسافرون إلى قلب المدينة سواء عند اتجاههم إلى المطار أو عودتهم منه.

ومن البديهي أن موقع الحي المركزي "قلب المدينة" بالنسبة لشبكة النقل في المدينة يوجه إلى حد كبير أنواع النشاط الاقتصادي في هذا القلب، حيث تقام المحلات التجارية الكبرى لتجارة التجزئة والتي تخصص لخدمة عدد كبير من العملاء والذين يفدون بسهولة إلى قلب المدينة وتقوم هذه المحلات على امتداد الشوارع الرئيسية المشهورة. كذلك يوجه النقل السهل في وسط المدينة الحي المركزي -أو القلب التجاري، أو في حي التجارة والأعمال وجود خدمات أخرى، غير الخدمات التجارية مثل الشركات والمحاسبين والمحامين والأطباء والمستشارين ومن على شاكلتهم، مستفيدين بظروف الموقع، وسهولة الوصول إليه. ب- ارتفاع قيمة الأرض: أدى الطلب المتزايد للخدمات المختلفة في قلب المدينة إلى منافسة شديدة في الحصول على مساحات من الأرض في هذا القلب لإنشاء المحلات التجارية أو المكاتب المختلفة فيه، وأدى ذلك بدوره إلى ارتفاع شديد في قيمة الأرض في قلب المدينة، ومن ثم أثرت هذه الظاهرة في مورفولجية هذا القلب المركزي، وأبرز هذه المراكز كثافة استخدام الأرض Land - use، والتي يعكسها تركز المباني إلى أقصى ارتفاع مسموح به للاستفادة من موقع وسط المدينة الهام. وتبدو الاستفادة الكبرى من قلب المدينة والارتفاع في مبانيه، في المدن الأمريكية والتي لجأت الى تشييد ناطحات السحاب Sky Scrapers، وهي مبانٍ شاهقة في محاولة للاستفادة القصوى من هذا الموقع في وسط المدينة، وبدأت هذه الظاهرة في مدينة شيكاغو منذ أوائل هذا القرن، وساعد عليها التوصل إلى استخدام المصاعد الكهربائية بطاقة نقل عالية وكان من نتيجة ذلك تركز عدد كبير من العاملين في وسط المدينة في مساحة صغيرة هي التي تشغلها ناطحة السحاب، وأدى ذلك إلى نتائج كبيرة في الاستفادة من أرض وسط المدينة. كذلك نجد في مدينة نيويورك، نظرا لانحصارها في جزيرة مانهاتن قد

امتدت إلى أعلى فبنت ما يعرف بناطحات السحاب، وأعلى هذه العمارات تسمى إمبير ستيت بلغ عدد طوابقها 102 طابق وارتفاعها 380 مترا. ولكن ناطحات السحاب تعد حالة شاذة في بناء المدن وليس من السهل تقليدها، وهي عموما لم تبن للسكنى وإنما أنشئت لكي تكون مكاتب للتجارة وغيرها، ولها رغم ذلك سيئات حيث يحتاج الإنسان إلى وقت طويل للصعود والهبوط. كما أن الطوابق السفلى غير معرضة للشمس وتؤدي الحرائق إلى خسائر فادحة تماما. أما خارج أمريكا الشمالية فإن المباني الشاهقة تعد حديثة للغاية في وسط المدن، لذلك ما زالت المدن الكبرى تعاني من تركز العاملين في حي التجارة والأعمال بدرجة كبيرة، ففي وسط لندن -على سبيل المثال- يقدر أن نحو 15000 عامل يضافون إلى حجم العمالة بها كل سنة خلال العقد الأخير، مما يؤدي إلى تزايد كبير في خدمات النقل التي تحمل السكان من القلب إلى الأطراف. وقد نجمت هذه الزيادة عن إعادة بناء كثير من المباني وتطوير القائم منها لكي يستوعب هذه الأعداد الزائدة. ج- قلة السكان المقيمين: ومن الصفات الأخرى لقلب المدينة قلة السكان القاطنين به بصفة دائمة حيث تركت كثير من المباني لخدمة الأنشطة المختلفة التي يؤديها هذا الحي المركزي، وقد تناقص عدد السكان المقيمين في وسط المدن القديمة في مدن غرب أوروبا بثبات منذ القرن التاسع عشر ففي لندن على سبيل المثال تناقص عدد سكان المناطق الوسطى بها "المنطقة المركزية" منذ حوالي سنة 1861، حتى إن هذا الحي المركزي لا يسكنه اليوم سوى 270.000 نسمة وهذا رقم منخفض للغاية لمنطقة مركزية مساحتها تصل إلى 12 ميلا مربعا. بل إنه في حي المال فقط وهو الـ C. B. D. الحقيقي في لندن والذي يطلق عليه City of London -وهو جزء من المنطقة التجارية الكبرى في المدينة- كان هناك تناقص واضح في سكانه، فقد قل عددهم مبكرا في الفترة من 1851 - 1861 من 128.000 إلى 112.000 فيما بين هذين التاريخين، وأثناء العقد التالي استمر هذا النقص حتى وصل عدد سكان هذا

الحي إلى 72.000 نسمة وواصل الهبوط في عدد سكانه بعد ذلك حتى وصل عدد السكان إلى نحو 13.000 نسمة سنة 1921، ثم إلى 5000 فقط سنة 1961. 1 والواقع أن النقص في عدد السكان المقيمين في وسط المدينة وهجرهم إياه نحو الأطراف يساعد عليه تحسين طرق المواصلات التي تربط المدينة بضواحيها، ففي حي المال في لندن "The city" مثلا كان الهبوط الواضح في عدد السكان فيما بين سنتي 1861-1871 مرتبطا بإنشاء أربعة محطات نهائية Terminals جديدة للسكك الحديدية تنتهي داخل هذا الحي، وارتبط بها تحسين خدمات السكك الحديدية بينه وبين الضواحي. كذلك فإن من الحوافز الرئيسية التي أسهمت في عدم الإقبال على سكنى حي التجارة والأعمال -أو مغادرته- للسكنى خارجه ذلك الارتفاع الهائل في أسعار الأرض حيث يزيد الطلب على المباني به: القديمة لإزالتها وإنشاء مبانٍ حديثة أعلى منها، والجديدة لتأجيرها أو بيعها للمحلات والمكاتب ودور الخدمات المختلفة. والواقع أن المميزات السابقة لوسط المدينة تخلق نوعا من الهجرات الداخلية الدائمة على رقعة المدينة حيث يتجه السكان من الوسط نحو الأطراف- ومن ثم إعادة توزيع السكان redistribution- وهجرهم للوسط وإقبالهم على الأطراف، وقد حدا ذلك ببعض الجغرافيين إلى القول بأن قلب المدينة -من وجهة النظر الديموغرافية وتوزيع السكان فقط- هو قلب ميت. د- قلة الصناعات: ليست الصناعات الإنتاجية مهمة في وسط المدينة -تماما كالسكان المقيمين- ولكن مع ذلك توجد بعض الصناعات التي تميل إلى التركيز في وسط المدن الكبرى وحول هذا الوسط. وقد تكون هذه الصناعات أحيانا من بقايا الماضي غير البعيد في المدينة وتستمر هكذا في منقطة الوسط، وأحيان أخرى

_ 1 Johnsan, j. Urban Geography, Oxford, 1970, p. 113.

تنشأ صناعات جديدة على أطراف هذه المنطقة الوسطى -محاشية ارتفاع أسعار الأرض داخلها، وهناك بعض الصناعات المتخصصة جدا تجد من الضروري لها أن تنشأ بالقرب من حي التجارة والأعمال -وأوضح أمثلتها طباعة الكتب والمجلات والصحف. وعموما فإن الصناعات التي قد تقوم في وسط المدينة تتميز بأنها صناعات خفيفة يميزها صغر المكان وقلة عدد العمال، وربما كانت الصناعات اليدوية من سماتها المميزة. هـ- التخصص الداخلي: رغم أن حي التجارة والأعمال يتميز بالصفات الرئيسية السابقة فإنه ليس متجانسا على الإطلاق، ذلك لأن من أبرز ملامحه ذلك التخصص الداخلي في أنشطته والذي يمكن ملاحظته في المدن الكبرى، ذلك لأن هناك بعض الشوارع التي تتخصص في نشاط معين يغلب عليها سواء كانت شوارع تنتشر بها المحلات التجارية الكبرى أو شوارع للبنوك وأخرى لدور الخيالة والمسارح وثلاثة للإدارة الحكومية والإدارية وغير ذلك. وما ينطبق على الحي المركزي في المدن الكبرى نجد أن له مثيلا -إلى حد كبير- في المدن المتوسطة، بل والصغرى، وقد أوضح "دياموند Diamond" على سبيل المثال في دراسته عن مدينة جلاسجو أن منطقة التجارة والأعمال بها يمكن توضيح ثلاثة أحياء متخصصة بها هي منطقة المكاتب Offices التجارية ومنطقة التجارة بالجملة wholesaling ومنطقة التجارة بالتجزئة. وبطبيعة الحال فإن دراسة أية مدينة كبيرة كانت أو صغيرة يمكن أن توضح إلى أي حد تتخصص أحياؤها الداخلية في إطار منطقة القلب في أنشطة مختلفة مميزة تشتهر بها عند سكانها المحليين، بل وعند روادها الوافدين من خارج الإقليم أو الدولة.

المناطق الصناعية

2- المناطق الصناعية: الصناعة قديمة في كثير من المدن، ولكنها كانت خلال العصور القديمة

والوسطى قليلة، ويمارسها عدد قليل من السكان في المنازل والحوانيت، وبعد الثورة الصناعية أصبحت الصناعة خلاقة المدن، فقد تضخم القائم منها سواء بطريق مباشر أوغير مباشر، خاصة في أواخر القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين. ويظهر ذلك واضحا في الاتحاد السوفيتي، فقد خلقت مدن الصناعة مثل مجنيتو جورسك ونوفو سيبرسك التي بدأت بخمسة آلاف نسمة سنة 1897 ووصل عدد سكانها إلى 731000 نسمة سنة 1956. وقد تطورت الصناعة تطورا تكنولوجيا أثر بدوره على شكل المدن ووظائفها، فالمرحلة الأولى من الصناعة كانت بسيطة غير معقدة تعتمد على قوة الريح واستخدام الأخشاب في توليد الطاقة وذلك حتى القرن الثامن عشر وقبل الثورة الصناعية ولم تكن الصناعة في تلك الفترة مركزة في المدن بالضرورة بل كثيرا ما انتشرت في الريف - في الخلاء. ثم جاءت مرحلة الفحم والحديد والتي بدأت بالثورة الصناعية وانتهت في أواخر القرن 19 وقد ظهرت في تلك الفترة الآلة البخارية والسكك الحديدية التي ساهمت أعظم مساهمة في تضخم المدن الصناعية وانتشارها ولو أننا نجد مناطق الصناعة تتجه نحو الريف للانتفاع برخص الأرض والأيدي العاملة. أما التطور الأخير للصناعة فهو الذي تعيشه الآن، ونقصد به عصر الكهرباء وعصر المعادن الخفيفة كالألومنيوم وعصر آلة الاحتراق الداخلي وعلى قدر ما تركزت وتضخمت المدن الصناعية في الفترة السابقة بفضل الفحم والآلة البخارية تبعثرت في هذه الفترة الأخيرة وانتشرت في الريف بفضل الكهرباء والسيارة وعلى أية حال فليس هناك فصل واضح بين هذه المراحل ولا يعني بدء مرحلة انتهاء أخرى. والمدينة لها صناعاتها المميزة، وغالبا ما تكون للصناعات التحويلية مدينة بالضرورة -أي تستدعي بيئة مدينة لتقوم بها- وبيئة مدينة كبيرة في العادة فكثير من الصناعات ذات الإنتاج الضخم مثل صهر المعادن لا يمكن تصور قيامها خارج المدينة نظرا لضخامة تنظيمها ومن شأنها أن تخلق مدينة جديدة. وتختلف في ذلك عن الصناعات الاستخراجية التي تعتمد أول ما تعتمد

على مكان المادة الخام المستخرجة وهناك كثير من الأمثلة على أن الصناعة التحويلية خلاقة للمدن فكثيرا ما تبني شركة مدينة بأكملها Company Town من المصانع والمساكن والطرق والمواصلات مثل جاري بانديانا Gary التي أنشأتها شركة U.S. Steel Cmopany سنة 1906 في منطقة وعرة مهجورة على الطرف الجنوبي لبحيرة متشجن فأصبحت في سنة 1930: 100 ألف نسمة وفي سنة 1950: 134 ألف نسمة. هذا وتتميز المناطق الصناعية في المدن بأمرين: 1- الصناعات القديمة "الخفيفة" والتي تشتهر بها المدينة -ومعظمها صناعات يدوية- وهذه توجد في المدن القديمة وغالبا ما تكون بجوار منطقة القلب التجاري للاستفادة من وفود العملاء إليه وكثيرا ما يتجمع أصحاب كل حرفة واحدة في شارع واحد فنجد شارعا لصناع الزجاج وآخر لصناع النحاس وثالثا للحدادين ورابعا للصناعة ولا شك أن هذه الصناعات تعتمد بصفة رئيسية على الإقليم المجاور للمدينة لاستهلاك منتجاتها. 2- الصناعات الحديثة "الثقيلة" وهي التي تحتاج لقيامها لمساحات واسعة بقصد إقامة المصانع وتشييد مساكن العمال وربطها بوسائل مواصلات، وكذلك سهولة الحصول على المواد اللازمة لها. ولذلك تتجه إلى خارج المدينة يجذبها في ذلك رخص الأرض وسهولة النقل وتمتاز هذه الصناعات بمبانيها الواسعة ذات الحوائط العالية كما يميزها وجود المداخن وخروج العمال ودخولهم لها في مواعيد منتظمة. ويرتبط بهذا النوع من الصناعات أمر هام أن المدينة الصناعية تتجه غالبا من التخصص إلى التنوع في صناعاتها وهذا ما يعرف بقانون تداعي الصناعات فإن وجود صناعة ما يدعو إلى قيام صناعة أخرى تعتمد عليها بطريق مباشر أو غير مباشر فالغزل يدعو إلى النسيج وقطع الأخشاب يدعو إلى صناعة لب الورق والأثاث وهكذا. ومن المظاهر الحديثة في المدن تركز الصناعات في المواني حيث تساعد عدة عوامل على قيام هذه الصناعات والتي أهمها توفر المواد الخام وخاصة المستوردة من الخارج كذلك الاتصال السهل بمختلف المواصلات بالخارج والداخل ويعد ذلك من أهم عوامل قيام الصناعة في المدن.

المنطقة السكنية

ثالثا- المنطقة السكنية: لا شك أن المنطقة السكنية بالمدينة تمثل الجزء الأكبر من رقعتها المبنية وتختلف المساكن باختلاف المدينة وحجمها وتطورها فالمدينة القديمة تتركز المساكن فيها حول نواتها بصفة دائمة ولكن بتطور العمران ونموه ينشأ السكان يتجهون إلى خارج المدينة بعد تعدد الوظائف في المدينة وترك وسط المدينة لوظائف أخرى أكثر أهمية كالوظيفة التجارية أو الإدارية. والسكان يميلون دائما إلى سكنى المناطق البعيدة عن قلب المدينة المزدحم ويلاحظ أن هناك دائما حركة بطيئة للسكان من داخل المدينة إلى خارجها يدل على ذلك دراسة التطور العددي للسكان في أجزاء المدينة المختلفة ففي الوقت الذي يقل فيه عدد السكان في الأحياء القديمة من المدينة يزداد عدد السكان في النطاق الخارجي حيث تنتج هذه الزيادة بصفة رئيسية عن هجرة سكان القلب إلى الأطراف. وقد ذكرنا أن المنطقة التجارية في وسط المدينة تمتاز بارتفاع أسعار الأراضي بها وازدحامها بعكس الحال خارج المدينة ومن المعلوم أن المتاجر والشركات تترك المناطق التي يصعب الوصول إليها خارج المدينة، تتركها للسكنى ويفضلها السكان لظروف المناخ بها وكذلك مما يشجع على سكنها ويساعدها بعد ذلك امتداد طرق النقل المختلفة وكثيرا ما تلتصق هذه المنطقة بالمدينة الأصلية. وتختلف المناطق السكنية في المدينة باختلاف ساكنيها، فهناك مساكن الطبقة الفقيرة وتتميز باكتظاظها بالسكان بدرجة كبيرة، وعدم اتباع الوسائل الصحية في التهوية وغالبا ما تكون بعض أجزائها مناطق القذارة في المدينة Slums ففي الولايات المتحدة نجد أحياء بأكملها للطبقة الفقيرة جدا ومخصصة لسكنى الزنوج وكأنها مدينة داخل مدينة أما سكنى الطبقة المتوسطة فيميل إلى الابتعاد عن المنطقة السابقة وإن كان مرتبطا بالمدينة

الأصلية في معظم الأحوال. وتتميز المدينة في الحاضر بوجود مساكن للطبقة الراقية ذات الدخل المرتفع وهذه تتميز مبانيها بأنها على نسق شبه موحد كما أنها تتميز بالنظافة والهدوء وغالبا ما تكون منازلها قائمة بمفردها ولكن لكل منها حديقة خاصة ولا شك أن ذلك يرتبط بالأرض الرخيصة التي كثيرا ما تكون خارج المدينة ويساعد على إنشاء المساكن في هذه الأماكن توفر وسائل النقل السهلة بينها وبين المدينة. تلك هي الأسس الثلاثة الرئيسية لتركيب المدينة ولكن يلاحظ أن هذا التركيب الوظيفي لا يقتصر على هذه الأسس فقط بل إن ذلك يختلف باختلاف وظائف المدينة ذاتها فقد تطغى الناحية الإدارية على الناحية التجارية أو الصناعية وقد تكون المدينة مدينة جامعات ومعاهد تعليم فتطغى الوظيفة الثقافية على غيرها أو تكون مدينة دينية فتظهر بها المساجد أو الكنائس على أنها المميز الرئيسي للتركيب وعلى أي حال فدراسة أي مدينة تفصيليا هي التي توضح الأهمية لتركيبها الوظيفي وعلاقته بالبيئة الجغرافية.

الباب العاشر: من الحرف الكبرى للإنسان

الباب العاشر: من الحرف الكبرى للإنسان الفصل الأول: الزراعة مدخل ... الفصل الأول: الزراعة تعد الزراعة من الحرف الكبرى التي يمارسها الإنسان في الأقاليم المختلفة، وقد عرفها الإنسان منذ وقت مبكر في البيئات الفيضية اعتمادا على التربة الخصبة ومياه الأنهار الوفيرة وكان وادي النيل الأدنى في مصر ووادي الدجلة والفرات في العراق والسند في باكستان من أقدم البيئات النهرية التي شهدت نشأة الزراعة وتطورها وقامت بها مجتمعات زراعية مستقرة ربما حوالي عام 5500 قبل الميلاد. وتختلف أنماط الزراعة اختلافا كبيرا من بيئة لأخرى -بل وفي داخل البيئة الجغرافية الواحدة- ويبدو هذا الاختلاف في أسلوب الزراعة وتأثيرها على المجتمع وتأثرها بالظروف الطبيعية والبشرية ويقسم البعض الزراعة على هذا الأساس إلى أنماط مختلفة منها الزراعة البدائية والزراعة المتقدمة، وينقسم النوع الأخير إلى الزراعة الكثيفة والزراعة الواسعة. ويتمثل النوع الكثيف في الأقاليم جيدة التربة وذات الظروف المناخية الأكثر ملاءمة للإنتاج، ولذا غالبا ما يرتبط بها ظاهرة ارتفاع الكثافة السكانية وتزايد الضغط على موارد الأرض ويبدو ذلك بوضوح في جنوب شرق آسيا وفي الهند ومصر وهولندا وبلجيكا وتتصف بالملكيات الصغيرة نتيجة الضغط السكاني. أما الزراعة الواسعة فترتبط بالمناطق القليلة السكان في الغالب حيث يزداد الاعتماد على الآلات الزراعية المختلفة بدلا من الأيدي العاملة وتتصف بالملكيات الزراعية الكبيرة وقد تكون ملكا للشركات أو أصحاب رءوس الأموال الضخمة وأبرز سماتها الإنتاجية أنها تتخصص في زراعة محصول معين تبعا لظروف الإنتاج الطبيعية. ويظهر هذا النمط في العالم الجديد كالأمريكتين واستراليا.

وسنتناول هنا توزيع الأنماط الزراعية في البيئات الجغرافية الكبرى.

الزراعة في البيئة المدارية المطيرة

الزراعة في البيئة المدارية المطيرة مدخل ... أولا: الزراعة في البيئة المدارية المطيرة: تعتبر البيئة المدارية المطيرة من البيئات الجغرافية المميزة على خريطة العالم، وتشمل مساحات كبيرة من قارتي أمريكا اللاتينية وأفريقيا وبعض

المناطق في جنوب آسيا وشمال استراليا. ويتميز بالمناخ المداري المطير الذي تسمح الحرارة السائدة به باستمرار فصل النمو على امتداد السنة بأكملها طالما تسمح الموارد المائية بذلك وتتباين مناطق هذه البيئة في كمية الأمطار الساقطة وتوزيعها على شهور السنة وإن كان بعضها يتصف بفصل جاف. وتصل كمية الأمطار إلى نحو 80 بوصة في السنة بل إن بعض المناطق يسقط بها أكثر من 200 بوصة مما يشكل عائقا كبيرا أمام النشاط البشري فيه، وتتميز هذه البيئة بمناخها الذي ترتبط فيه الأمطار الغزيرة بالحرارة العالية مما يحقق ظروفا ملائمة لنمو النبات. وتتمثل أنواع الزراعة السائدة في البيئة المدارية المطيرة في الزراعة البدائية من ناحية والمتقدمة من ناحية أخرى وذلك على النحو التالي:

الزراعة المتنقلة

1- الزراعة المتنقلة: وهي زراعة بدائية تمارسها بعض الجماعات البشرية المتخلفة في الأقاليم المدارية المطيرة ولا يبذل فيها جهد كبير حيث تزال النباتات الطبيعية من مساحة صغيرة من الأرض ثم تبذر البذور وتترك بعد ذلك حتى يحل موعد الحصاد وتنتقل الجماعة البدائية في ثنايا الغابة لتعود وقت الحصاد إلى المنطقة التي زرعتها، وقد تقيم بجوار الحقل فترة مؤقتة حتى ينمو المحصول ويتم حصاده ثم تنتقل بعد ذلك لمنطقة أخرى لتطهيرها من النباتات البرية وزراعتها والانتظار حتى حصاد المحصول وهكذا. وفي كل ذلك ترتبط الزراعة البدائية بحرفة الجمع والالتقاط أو قد ترتبط بقرى شبه دائمة تسكنها الجماعة لمدة ثلاث أو أربع سنوات، وبعد مضي هذه الفترة تكون الأرض قد أنهكت واستنفدت مواردها ثم ما تلبث الجماعة في اختيار موضع جديد تنتقل إليه القرية وتبدأ العملية كلها من جديد في أراضٍ بكر. وباستمرار تزايد السكان، فإن نمط الزراعة المتنقلة يبدأ في التغيير ويتمثل في قرية كبيرة ودائمة في معظم الأحيان كذلك يكون الاستغلال الاقتصادي لموارد البيئة الطبيعية أكثر تقدما وكثافة نسبيا حيث تتبع الجماعة نوعا من الدورات الزراعية -وفيها تنظف الأرض وتستغل الزراعة لمدة عام أو عامين أو ربما ثلاثة- ثم ما تلبث أن تهمل بعد ذلك وتترك للنمو

الطبيعي الغابي. والمدة المثالية اللازمة لإراحة أرض الغابة ينبغي أن تتراوح بين 25 - 30 سنة حتى تتاح الفرصة لاسترداد خصوبتها الطبيعية وقد يؤدي تزايد السكان في معظم المناطق إلى تقليل فترة راحة الأرض ويتبع ذلك تدهور بطيء في التربة يعقبه انتقال القرية بأكملها ورحيلها إلى منطقة أخرى. وتوجد الجماعات البشرية التي تمارس الزراعة المتنقلة في كل الأقاليم المدارية المطيرة في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا بما في ذلك الجزر الواقعة في هذه الأقاليم. وتختلف هذه الجماعات فيما بينها بالنسبة للمحاصيل المزروعة ففي أمريكا اللاتينية يعد المانيوق محصولا رئيسيا "المانيوق يعرف بأسماء كثيرة منها الكاسافا والتابيوكا وهو نبات ذو جذور هي صالحة للأكل وتقسم إلى نوعين: أحدهما مر والآخر حلو، وكلاهما يستخدمان في الأكل" وكذلك البطاطا واليام والفول والذرة والفول السوداني وكلها محاصيل أصلية وذلك بالإضافة إلى المحاصيل التي جلبها الأوروبيون مثل قصب السكر والموز. أما الشعوب الأفريقية التي تمارس الزراعة المتنقلة فتزرع الذرة الرفيعة واليام الغيني "نوع من البطاطا" والصرغم "نبات كالذرة يستخرج من بعض أنواعه عصير سكري وتستخدم أنواعه الأخرى في أغراض مختلفة" والبطاطس وبعض المحاصيل الوطنية مثل الذرة والموز وأرز المرتفعات الجاف والكاسافا "وهو نبات يستخرج من جذره نشا" والقلقاس وغيرها. أما المحاصيل الوطنية في آسيا المدارية المطيرة فتشمل الأرز والقلقاس واليام والموز وكذلك بعض المحاصيل المجلوبة مثل الذرة والمانيوق والذرة الرفيعة والبطاطا. وتختلف هذه المناطق في طرق الزراعة وكذلك في نمط الحياة البشرية بها فمعظم السكان في الأمريكتين يمارسون بالإضافة للزراعة المتنقلة جمع منتجات الغابة موسميا -والتي يصدرونها إلى خارج منطقتهم- ففي أمريكا الوسطى يجمعون اللبان، وفي البرازيل الجوز البرازيلي والمطاط البري ومع ذلك فإن بعض الجماعات الأفريقية أصبحت مستقرة بعد تزايد عدد سكانها بل وتحولوا بعد ذلك الاستقرار إلى زراعة محاصيل نقدية مثل الكاكاو في ساحل غانا والفول السوداني في أقليم السافانا أو جمع منتجات الغابة في المناطق الرطبة.

كذلك فقد كان لتقارب الحضارات القائمة على زراعة الأرز ونظم الزراعة العملية التي أدخلها الأوروبيون في آسيا أثره في تحويل كثير من الزراع المنتقلين إلى زراع مستقرين، وقد يجمع بعض سكان المنطقة المدارية بين هذه الأنماط الثلاثة فيجمعون منتجات الغابات ويزرعون زراعة تجارية على مستوى محدود وكذلك يعملون في المزارع العلمية. وقد يمارسون بالإضافة إلى ذلك حرفة الجمع والالتقاط لغذائهم المحلي. وتعتبر الأمريكتين الوسطى والجنوبية أقل القارات في النطاق المداري المطير من حيث عدد العاملين في الزراعة المتنقلة ومن جملة ما يزيد قليلا على مليون وربع المليون من الهنود الحمر الذين يمارسون هذه الحرفة فإن 98% منهم يتبعون هذا النمط في حياتهم أما الباقون فهم جماعات جمع والتقاط أساسا، وهؤلاء السكان عموما يعيشون حياة منعزلة في نطاق الغابات ويمكن أن يضاف إلى هذا العدد عدد مساوٍ من المستيزو Mestizo "خليط من البيض والهنود الحمر" والذين يعيشون نفس النمط المعيشي ويتميزون بأنهم أقل انعزالا من الهنود الحمر حيث يتصلون في معظم الأحوال بالعالم الخارجي. وتعد قارة أفريقيا أكثر القارات في عدد الذين يحترفون الزراعة المتنقلة في الأقاليم المدارية المطيرة حيث تعيش معظم القبائل في أكواخ دائمة أو شبه دائمة وباستمرار تزايد السكان في هذه الأقاليم فإن متوسط استخدام الأرض يصل إلى حوالي ثلاث سنوات وتصل فترة إراحتها من 8 - 15 سنة وذلك تبعا للظروف الطبيعية المتعددة التي تؤثر في هذا النمط الزراعي.

الزراعة المعاشية المستقرة

ب- الزراعة المعاشية المستقرة: تتخلل المناطق المدارية المطيرة بعض الجماعات التي تحولت من الزراعة المتنقلة إلى المستقرة واستمرت في ممارسة هذه الحرفة في نفس المكان بل وفي نفس الأرض سنة وراء أخرى، وقد تطلب ذلك تغيرات في نظام الزراعة أو في البحث عن أراضٍ خصبة أو كليهما معا. وتختلف التغيرات الحضارية التي اعترت كثيرا من الأقاليم في المناطق المدارية المطيرة من قارة إلى أخرى، ففي آسيا والجزر التابعة لها يتمثل التطور

في أمرين أحدهما محصول جديد والآخر فن زراعي حديث وهما الأرز والري. وتخصب حقول الأرز في الغالب بمخلفات الحيوانات حيثما يسهل الحصول عليها ويتطلب الأرز قدرا كبيرا من المياه والأيدي العاملة وهو مقابل ذلك يعطي محصولا وافرا من أي محصول آخر ويمكن زراعة محصولين أو ربما ثلاثة على مدار السنة حيثما تتوفر درجات الحرارة الدافئة والمياه ولذلك فإن أراضي الأرز في الشرق الأقصى أعلى الكثافات السكانية في العالم، ففي دلتا النهر الأحمر في فيتنام، يصل متوسط الكثافة إلى 1200 نسمة في الكيلو متر المربع. شكل "160" مناطق إنتاج الأرز في جنوب شرق آسيا وفي أفريقيا تنقسم الزراعة إلى نمطين: أحدهما في الداخل حيث استقرت بعض القبائل التي تزرع الحبوب كمحاصيل رئيسية في المناخ الجاف

كما تربي معها الحيوانات في الغالب، ويدرك الزراع مدى ما تفقده الأرض من خصوبة فيعوضونها بمخلفات الحيوانات من ناحية وباتباع دورات زراعية من ناحية أخرى وهناك قلة من القبائل مثل قبائل الكانسو Kansu في أثيوبيا والشاجا Chagga في تنزانيا تلجأ إلى تغذية الماشية وعلفها حتى يحصلوا على مخلفاتها وبعض القبائل الأخرى تلجأ لزراعة المدرجات وري المحاصيل كلما سمحت ظروف البيئة بذلك. وفي المناطق المطيرة في أفريقيا تقل الزراعة المستقرة حيث تصبح التربات فقيرة ويكثر بهذه الأقاليم ذباب التسي تسي الذي يقلل من تربية الحيوانات إلى حد كبير، ومع ذلك فهناك بعض الزراع المستقرين مثل زراع الأرز في ساحل السنغال وحول الساحل الغربي لليبيريا. وقد أدت زيادة الطلب في أوروبا على المنتجات المدارية الى استقرار بعض الجماعات في بعض المناطق المطيرة وقامت بزراعة الكثير من المحاصيل المدارية مثل الكاكاو ونخيل الزيت والموز والمطاط، كما كان الكثير من الوطنيين يعملون في مزارع البيض التي تزرع هذه المحاصيل في الوقت الذي يمارس بعضهم فيه الزراعة المستقرة بالقرب من هذه المزارع الأوروبية. ومن الصعب الحصول على أرقام للعاملين في الزراعة المعاشية وذلك لأن الكثير منهم يعمل في الزراعة المعاشية والتجارية معا، وتتركز جماعات هذه الزراعة في الأودية النهرية في آسيا والتي تشغلها حقول الأرز حيث يتبقى للمزارع من إنتاجه ما يفيض عن حاجته ويبيع الباقي ومن ثم فإنه يعد جزئيا فلاحا تجاريا. وتعد زراعة الأرز أساسا لمعيشة الملايين من السكان الآسيويين في الهند وبورما وتايلاند وإندونيسيا والفلبين وتتركز هذه المناطق في أقاليم الأمطار الموسمية فيما عدا شبه جزيرة الملايو وجزر خط الاستواء، وقد تأقلمت زراعة الأرز مع موسمية الأمطار حيث تنضج أنواع كثيرة منه في مدة 60 -120 يوما مما يؤدي إلى أن محصولين أو ثلاثة يزرعان في السنة الواحدة.

الزراعة التجارية

ج- الزراعة التجارية: تختلط الزراعة المستقرة المعاشية بالزراعة التجارية إلى حد كبير ولذلك

فمن الصعب الفصل بينهما ذلك لأن هناك شعوبا قليلة من التي تعيش اليوم على إنتاجها وبيع أو تبادل المنتجات الغذائية، لا تدخل في عداد الشعوب المتقدمة ومعظم هذه الشعوب تنتج كميات قليلة من المحاصيل لبيعها، ومن ناحية أخرى فإنهم يشترون الأغذية التي لا يستطيعون زراعتها، بالرغم من أن نظام التبادل هذا قد وجد منذ آلاف السنين إلا أن الزراعة التجارية تعد ابتكارا داخل المناطق المدارية وبدأت نتيجة اتصالات شعوب الأراضي المعتدلة بالأقاليم المدارية وخاصة بعد تقدم وسائل المواصلات وطرق التجارة بين هذه الأقاليم وقد زاد الطلب في أوروبا على المنتجات المدارية بعد أن اكتشف الأوروبيون معظم المناطق المدارية في العالم الجديد وأفريقيا وبالرغم من أن قائمة المنتجات المدارية التي تتطلبها الأسواق الأوروبية طويلة، إلا أن أهمها الأرز والموز والشاي والبن والكاكاو وبعض الألياف مثل الأباكا والسيسل والقطن والزيوت مثل زيت النخيل وجوز الهند والفول السوداني وكذلك قصب السكر والمطاط وتزرع هذه المحاصيل في الأقاليم المدارية على الرغم من أن بعضها يزرع في الوقت الحاضر في المناطق شبه المدارية كذلك مثل الشاي والبن والقطن وبعض أنواع الأرز.

الزراعة العلمية

د- الزراعة العلمية: كانت التوابل أول المحاصيل المدارية التي بحث عنها الأوروبيون حيث كانت ضمن قائمة الكماليات في أوائل اتصالات الأوروبيين بالأقاليم المدارية المطيرة كما أنها كانت تمثل الشحنات المثالية للرواد والتجار وذلك لغلوها وصغر حجمها وكانت تجمع كمحصول بري أو يزرعها بعض الوطنيين بكميات صغيرة، وأهم هذه التوابل القرفة والقرنفل وجوزة الطيب والفلفل وغيرها والتي كانت تجلب من جنوب شرق آسيا. وقد لجأ الأوروبيون إلى إقامة مزارع ضخمة من المناطق المدارية المطيرة حتى يمكنهم إنتاج هذه الغلات وغيرها لسد طلبات أوروبا عليها كما حدث في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا مستخدمة في ذلك الأيدي العاملة من الرقيق الذين استبدلوا بعمال أحرار فيما بعد في خلال القرن التاسع عشر وقد تطور إنتاج هذه المزارع تطورا كبيرا بعد تقدم وسائل النقل مما سهل من نقل هذا الإنتاج إلى مناطق استهلاكية في الأقاليم المعتدلة.

وبعد أن كانت المزارع العلمية تتخصص في إنتاج محصول مداري واحد على مستوى كبير أصبح معظمها في الوقت الحاضر ينوع من الإنتاج وذلك لأغراض اقتصادية منها الاستفادة الكاملة من الأيدي العاملة وكذلك تجنب الاعتماد على محصول واحد وما قد ينتج عن ذلك من هزات اقتصادية سنة وراء أخرى تعرض المنتج للخسارة وخاصة في المنافسة الخارجية. وقد تعرضت كثير من المزارع الأوروبية في الدول المستقلة حديثا إلى التأميم كما حدث للمزارع الهولندية في إندونيسيا. وتعد شركة الفواكة المتحدة United Fruits Company من أكبر الشركات الأمريكية التي تمارس هذا النمط من الزراعة في أمريكا اللاتينية. وتختلف المزارع العلمية حسب المحصول الذي تزرعه فمن حيث الحجم يتراوح ما بين بضعة أفدنة إلى إقطاعيات كبيرة حجمها آلاف الأفدنة وقد وصلت مساحة إحدى مزارع نخيل الزيت في الملايو إلى 25000 فدان كذلك بلغت مساحة مزرعة مطاط فايرسنون في ليبيريا 90000 فدان وقد تملك الشركة المنتجة مجموعة من المزارع في الإقليم الواحد فشركة الفواكة المتحدة تملك 1.726.000 فدان في ست دول بأمريكا الوسطى والجنوبية من هذه المساحة يزرع 388000 فدان بمحاصيل تجارية، ويخصص الثلث للموز، ويتنوع إنتاج المحاصيل التجارية من نخيل الزيت إلى الكاكاو أو الأباكا أو إنتاج بعض الأغذية للعاملين في الشركة. كذلك يزرع الوطنيون بعض المزارع العلمية الصغيرة الحجم في مختلف الأقطار وقد تعلم الكثيرون منهم المهارات الزراعية عندما كانوا عمالا في مزارع الأوروبيين ثم استقلوا بمزارع خاصة بهم وغالبا ما يبيعون إنتاجهم لهذه المزارع العلمية الكبرى وأمثلة ذلك تلك المزارع الصغيرة في جاوه والتي يتراوح مساحة المزرعة الواحدة منها ما بين فدانين إلى ثلاثة لزراعة المطاط وتبلغ جملة مساحاتها 10000 فدان يقوم الوطنيون بزراعتها. وبالرغم من أن الزراعة العلمية تمارس بنجاح في هذه المزارع صغيرة الحجم التي يقوم الأفراد بزراعتها، إلا أن إنتاجية الفدان غالبا ما تكون قليلة كما أن جودة المحصول تكون منخفضة إذا ما قورنت بالمزارع العلمية الكبرى وذلك لاختلاف الطرق المستخدمة في الزراعة، وتختلف وسائل النقل عند المزارعين الصغار مما يقلل من عائد زراعاتهم.

شكل "161" مناطق إنتاج الكاكاو في العالم وتمارس الفنون العلمية في رفع إنتاجية المزارع العلمية حيث تدرس التربة وخصائصها ومدى ملاءمتها للمحاصيل المختلفة وكذلك تدرس ظروف المناخ والطقس وتقام محطات الأرصاد بها للاستعاضة بها في ذلك الغرض كما تختار البذور المناسبة وتمارس التجارب لتحسين خصائصها وتتم الزراعة والحصاد طبقا لاحتياجات المحاصيل الفعلية، وزاد استخدام المخصبات الكيماوية والعضوية كما درست أمراض النباتات والحشرات وطرق مقاومتها وقد أسهم ذلك كله في التأثير على البيئة الطبيعية كما انتقلت معظم هذه الأفكار للوطنيين في المناطق المجاورة للمزارع العلمية.

الزراعة في البيئة الجافة

الزراعة في البيئة الجافة مدخل ... ثانيا: الزراعة في البيئة الجافة: شهدت الأراضي الجافة قيام الزراعة بها منذ عهود قديمة، وقد قامت بها أربع حضارات كبرى في العالم القديم في أودية الأنهار في المناطق الصحراوية وهي النيل والدجلة والفرات والسند والهوانجهو -كذلك فإن الحضارة البيروفية قامت في أودية الأنهار في صحراء بيرو- وتمارس الزراعة اليوم في كل الأقطار الجافة بصفة عامة أكثر من الرعي وتعتمد في ذلك على الري، حيث يقل سقوط المطر أو يتذبذب من عام لآخر، وقد تطورت وسائل الري في هذه الأقاليم لتلائم ظروفها الطبيعية، وأهم المحاصيل الزراعية الحبوب مثل القمح والشعير والذرة بأنواعها كذلك فإن هناك القطن والفول السوداني، وتتميز هذه المحاصيل عن مثيلتها في المنطقة المدارية المطيرة بمقاومتها للجفاف نسبيا حيث تقل كمية الأمطار عن 20 بوصة سنويا إن سقطت في هذه الأقاليم الجافة. وتتوزع مناطق الزراعة الجافة في مناطق شتى من العالم ويعتبر القمح من أهم المحاصيل المنتجة في أربع مناطق رئيسية هي الولايات المتحدة، الاتحاد السوفيتي، استراليا، باكستان، والهند؛ ففي الولايات المتحدة ينتج القمح في الأراضي الجافة التي تتراوح أمطارها بين 20 - 30 بوصة في ولايات كنساس وداكوتا ومونتانا، أما الاتحاد السوفيتي فيزرع القمح في المناطق الجافة في سهول التركستان وسط آسيا حيث تقل الأمطار عن 20 بوصة وفي استراليا يأتي القمح من منطقتين رئيستين إحداهما في منطقة برث وفريمانتل والأخرى في جنوب استراليا في فكتوريا ونيوسوث ويلز حيث تتراوح الأمطار بين 10 - 20 بوصة سنويا كذلك يزرع في المناطق الجافة في الهند والباكستان ففي باكستان وخاصة في لاهور يكون المناخ من النوع الجاف الإستبسي وتصل درجة حرارة أحد الشهور إلى 35م وأبردها 12م وكمية الأمطار الساقطة 21 بوصة سنويا يسقط ثلاثة أرباعها في أربعة شهور من يونيه إلى سبتمبر أما في دلهي بالهند فإن الظروف المناخية مشابهة وإن كانت الأمطار تصل إلى 28 بوصة وهنا يزرع القمح وإن كان

يحتاج إلى الري قبل انتهاء موسم الأمطار وتتميز هذه المناطق الأخيرة بانخفاض إنتاجية الفدان لبدائية الوسائل المستخدمة. شكل "162" توزيع البيئة الصحراوية الجافة في العالم

الزراعة بالرى

الزراعة بالري: يعد الري في المناطق الجافة بديلا عن الأمطار، وهو يعد الوسيلة الرئيسية للحصول على المواد الغذائية، كما تعد مناطق الزراعة في الأودية النهرية أقاليم

التركز السكاني في الصحراء، وأوضح أمثلتها وادي النيل الأدنى والدلتا والفرات، وكلورادو وريوجراند في أمريكا الشمالية. وريونجرو في الأرجنتين ومري ودارلنج في استراليا والأورانج في جنوب غرب أفريقيا. وفي بيرو يوجد 52 نهرا صغيرا ينبعون من الإنديز ويصبون في الباسفيكي خلق 40 منها واحات في أوديتها وقد شهد الكثير منها تاريخا حضاريا تماما كالأنهار الكبيرة في أفريقيا وآسيا. وفي النطاق الصحراوي حول بحر قزوين في الاتحاد السوفيتي يزرع حوالي 30 مليون فدان على مياه أربعة أنهار هي أموداريا وسرداريا وزيرافشان وسرشك، أما في العراق فتزرع مساحة تصل إلى 9 ملايين فدان مقسمة على الساحل الغربي، وهناك مشروعات طموحة تحت البحث تهدف إلى تحويل بعض روافد الأمازون في أنفاق عبر الإنديز إلى المناطق الساحلية الجافة في الغرب، كذلك فإن هناك مناطق تبلغ مساحتها حوالي 1.915.000 فدان تزرع بالري في حوض مري ودارلنج باستراليا وكان نصفها مستغلا في الرعي. وعلى ذلك فإنه يمكن تحديد مناطق الزراعة بالري في الأقاليم الجافة في المناطق التالية: 1- في أمريكا الشمالية: حوض نهر كولومبيا وسهول نهر سنيك وواحات سولت ليك ونهر سولت بأريزونا ووادي إمبريال في كاليفورنيا. 2- في أمريكا الجنوبية واحات بيرو وواحات الكروم ونهر نجرو في الأرجنتين. 3- في أفريقيا: وادي النيل ودلتاه وفي وسط نهر النيجر وفي أرض الجزيرة بالسودان. 4- في آسيا: في الوادي الأدنى لنهر الفولجا وأودية سرداريا وأموداريا في الاتحاد السوفيتي وفي جنوب العراق، وفي منطقة البنجاب والستند في شمال غرب شبه القارة الهندية. 5- في استراليا: في منطقة حوض مري ودارلنج.

أنماط الزراعة في البيئة المعتدلة

أنماط الزراعة في البيئة المعتدلة مدخل ... ثالثا: أنماط الزراعة في البيئة المعتدلة: في دراسة أنماط الزراعة في البيئة المعتدلة ينبغي أن نفرق بين زراعة البحر المتوسط من ناحية والزراعة في باقي المناطق من ناحية أخرى، حيث تختلف اختلافا كبيرا عن بعضها البعض:

نمط الزراعة في إقليم البحر المتوسط

أ- نمط الزراعة في إقليم البحر المتوسط: سبق الحديث عن الخصائص المناخية لمناخ البحر المتوسط الذي استطاع الإنسان فيه أن يستغل بيئته استغلالا جيدا سواء في فصل سقوط الأمطار حيث تعتمد الزراعة عليها أو في فصل الجفاف حيث تعتمد الزراعة على الري وإن كانت أمطار الشتاء تمثل عقبة في سبيل تنمية الإنتاج والتوسع فيه وذلك لتذبذبها من ناحية أو لصغر كميتها من ناحية أخرى فتبلغ الكمية الساقطة في لوس أنجلوس حوالي 15 بوصة سنويا وفي أثينا باليونان حوالي 15 بوصة وفي فلباريزو وشيلي حوالي 20 بوصة، وفي المناطق المرتفعة تزداد الأمطار كما هي الحال في جبل أطلس في المغرب، ولا تعاني مناطق البحر المتوسط من وجود الصقيع، ولذا فإن فصل النمو يشمل السنة بأكملها مما يساعد على زراعة محاصيل متنوعة مثل القمح والشعير والفول وهي محاصيل شتوية مثل الفواكه والخضروات والكروم وغيرها من التي تعتمد على الري، وقد تربى الماشية مع الزراعة مما يعرف بالزراعة المختلطة. ويعتبر القمح أهم الحاصلات الزراعية حيث تناسبه ظروف المناخ ولذا فإنه يشمل مساحة كبيرة من الأراضي المزروعة تصل إلى 32% في إيطاليا واليونان، 28.4% في إسبانيا وتصل إلى 19%، 25%، 34% في المغرب وتونس والجزائر على الترتيب و23% في سوريا وترتفع لتصل إلى 52% في تركيا. وتبدو زراعته في نمطين مختلفين. ففي الأراضي المزروعة حديثا مثل جنوب وجنوب غرب استراليا تتميز الزراعة بأنها واسعة والملكيات كبيرة تستخدم الآلات على نطاق كبير وتتراوح مساحة مزرعة القمح بين 1000 - 1500 فدان وتستخدم دورة زراعية على النحو التالي: قمح في السنة الأولى ومحصول علف أخضر للأغنام في السنة الثانية، ثم تترك الأرض بورا في السنة الثالثة لإراحتها، وتتميز الكثافة السكانية في هذه الزراعة بانخفاضها

إلى درجة واضحة تبلغ من 5 - 10 نسمة في الميل المربع. أما زراعة القمح الأوروبية، فهي تختلف في حجم مزارعها حيث تهبط إلى بعض الأفدنة فقط وينتج ذلك عن كثافة السكان العالية والذين يجتمعون في قرى متعددة وسط مزارعهم وقد تتبعثر ملكية الأسرة الواحدة في المناطق المجاورة، ولا شك أن لهذا النظام مساوئه، وتزرع الحاصلات الشجرية على منحدرات الجبال أما الكروم والخضر والبساتين فتزرع في المنخفضات حيث يسهل الحصول على مياه الري، كما تزرع بعض المحاصيل على الري صيفا مع ما يتكبده ذلك من مشاق مثل الفاكهة والخضر اللازمة لتموين المدن وقد يحتاج بعضها إلى أيدٍ عاملة كثيرة.

الزراعة في باقي الأقاليم المعتدلة

ب- الزراعة في باقي الأقاليم المعتدلة: تتمثل حرفة الزراعة في المناطق المعتدلة في كل قارات الأرض التي يعمرها الإنسان، في أوروبا والأمريكيتين وأستراليا ونيوزيلندا وجنوب أفريقيا والاتحاد السوفيتي والصين "الشكل التالي" وتختلف الزراعة في بعض مظاهر السطح وأنواع التربة، وكذلك حسب العوامل الحضارية في كل إقليم ففي أوروبا ترجع الزراعة إلى جذور تاريخية جيلا بعد جيل مما أثر في صغر حجم الملكيات الزراعية بالمقارنة بمثيلتها في العالم الجديد، فعلى سبيل المثال وصل متوسط حجم المزرعة الأمريكية في سنة 1959 إلى 302 فدان بينما في إنجلترا وصل هذا المتوسط إلى 75 فدانا وهي أقل من ذلك بكثير في القارة الأوروبية حيث إن 74% من المزارع البلجيكية التي يزيد عددها على مليون مزرعة، يصل متوسطها إلى 2.5 فدان، وعلى العموم ففي كل قطر -باستثناء إنجلترا والدنمرك- فإن 3/4 المزارع يقل حجم الواحدة فيها عن 25 فدانا. أما عن العمران فإن معظم الزراع الأوروبيين يعيشون في قرى صغيرة ويسيرون يوميا إلى مزارعهم، وتبدو المزارع الأمريكية غير ذلك، حيث تتمثل بها الزراعة الواسعة التي تختلف في خصائصها عن الزراعة الكثيفة.

الزراعة الأوربية

الزراعة الأوربية ... الزراعة الأوروبية: تعد الزراعة مظهرا هاما من مظاهر استغلال الأرض في كل الأقطار الأوروبية

حيث تزرع المحاصيل الغذائية المختلفة وتربى في معظم الأحوال الحيوانات معها وما يمكن تسميته بالزراعة المختلطة، وهناك اختلافات مميزة بين الزراعة في غرب أوروبا وفي شرقها ففي الأولى تعمل المراكز العمرانية الضخمة كأسواق تتجه إليها الحاصلات الزراعية والفاكهة والخضر ومنتجات الألبان والدواجن، وفي نفس الوقت تكون لديها الرغبة لتحقيق درجة من الاكتفاء الذاتي مما يشجع على إنتاج الحبوب لاستهلاك الحيوان والإنسان ويؤدي ذلك إلى استخدام أحدث الأساليب في الإنتاج الزراعي. شكل "163" توزيع البيئة المعتدلة في العالم

وتتميز الزراعة الأوروبية بالعلاقة القوية بين كثافة السكان واستغلال الأرض، وكذلك ارتفاع إنتاجيتها بدرجة ملحوظة، فإنتاج الفدان أعلى من مثيله في شرق القارة وقد يعزى هذا الانخفاض إلى أسباب مناخية أو تكنولوجية ترتبط باستخدام البذور والأسمدة والدورات الزراعية مما يؤدي إلى ارتفاع إنتاجية العامل الزراعي. ويتجه السكان إلى زراعة المحاصيل الملائمة للظروف الطبيعية والاقتصادية مثلا ملائمة المناخ والقرب من الأسواق أو لسياسة قومية، والقمح هو أوضح الأمثلة على ذلك حيث تزرعه كل الأقطار الأوروبية تقريبا وبطبيعة الحال فإن المناخ هو المحدد الرئيسي لزراعته في شمال القارة حتى إن مساحته في دول الشمال تحتل من 9 - 32% من جملة مساحة المحاصيل بينما تسود زراعة محاصيل أخرى مثل البطاطس والذرة.

الزراعة في القارات الأخرى

الزراعة في القارات الأخرى: تساعد ظروف المناخ في العروض المعتدلة في القارات الأخرى على ممارسة الزراعة في المناطق التي استقر بها الأوروبيون فإن اقتصادها يشبه الاقتصاد في الدولة الأم حيث تشابه المحاصيل بالرغم من اختلاف النسب المخصصة لزراعتها من ناحية وإنتاجية الفدان من ناحية أخرى، ففي الولايات المتحدة تنتشر زراعة القمح في المناطق الملائمة جغرافيا واقتصاديا وكذلك الذرة، وتنتج الحبوب لغذاء السكان والحيوان. وفي أمريكا الجنوبية تناسب الظروف المناخية قيام حرفة الزراعة ملاءمة كبيرة في جنوب البرازيل وفي الأرجنتين وفيها يصل فصل النمو إلى أكثر من 300 يوم وأبرز مناطقها إقليم البمبا في الأرجنتين، وكذلك في مناطق السهول في أرجواي وباراجواي، والاقتصاد الأرجنتيني زراعي بصفة رئيسية حيث تمثل الحبوب وباقي المحاصيل 58% من جملة الإنتاج الزراعي والمنتجات الحيوانية نحو 42%. وأهم المحاصيل المزروعة القمح والذرة والشعير والبطاطس وتتركز في منطقة البمبا التي تستأثر بنحو 85% من الصادرات التي بلغت مساحة الأراضي المنتجة بها 137.6 مليون فدان منها 34.4 مليون فدان زرعت بالمحاصيل منها "14.7 مليون بالقمح"، 30.4

زرعت بعلف الألفالفا أو مراعٍ أخرى، أما الباقي وهو 72.8 مليون فقد استغلت كمراعٍ طبيعية. شكل "164" النطاقات الزراعية في أمريكا الشمالية وتسود الزراعة بالولايات الأربع الجنوبية بالبرازيل والتي تتبع مناخ العروض الرطبة الوسطى بالإضافة إلى بعض المحاصيل شبه المدارية مثل البن والفاكهة والقطن والأرز والطباق، ولا تختلف الزراعة في أرجواي وباراجواي عن باقي المناطق، وإن كانتا تتميزان بنمط الاستغلال، فأقل من 4% من أراضي

باراجواي يستغل في الزراعة أو الرعي بينما ركزت أرجواي على تربية الحيوانات حيث تستخدم 10% فقط من جملة مساحتها للمحاصيل وثلاثة أرباع الباقي للمراعي. وتتمثل ظروف الأقاليم المعتدلة في مساحة صغيرة بجنوب أفريقيا وكذلك في أستراليا تتمثل في جنوبها الشرقي وفي الطرف الجنوبي الغربي وتشمل أيضا نيوزيلندا وتسمانيا. كما تتمثل في مساحات كبيرة في الاتحاد السوفيتي والصين، ويختلف النظام الزراعي فيها عن باقي المناطق وذلك للنظام الشيوعي السائد، وقد اتجه الاتحاد السوفيتي نحو ملكية الزراعة بخطى سريعة بينما الصين مازالت تعتمد على القوة البشرية في الزراعة بها. ويمكن اتخاذ نطاق التشرنوزم في الاتحاد السوفيتي كمثال لذلك حيث تبلغ مساحته نحو 95000 ميل مربع ويمتد حوالي 400 ميل من الشرق للغرب، 240 ميلا من الشمال للجنوب وتتركز بها زراعة الحبوب التي تشغل 70% من مساحتها، والباقي للبنجر والبطاطس والخضر ولا تشغل المراعي سوى من 10 - 12% من المساحة. وتبدأ درجات الحرارة في الانخفاض نحو الشمال والغرب من هذا الإقليم، وتهبط نسبة الأراضي المخصصة للمحاصيل ويحل الشوفان محل القمح، وتشغل البطاطس مساحة كبيرة وتبدأ تربية الحيوانات في الأهمية خاصة حول المدن الصناعية مثل ليننجراد وموسكو، أما جنوب هذا الإقليم فيسوده الدفء وتصبح الحبوب أكثر أهمية وتبدأ بعض المحاصيل الهامة في الظهور مثل القطن وكذلك بنجر السكر. وتعتبر الزراعة السوفيتية أوروبية شرقية وتتركز على مزارع الدولة "الشوفخوز" Sovkhoz والمزارع الجماعية "الكلخوز" Kolkhoz والأولى عبارة عن مزارع واسعة يبلغ متوسط مساحتها نحو 22500 فدان ويديرها مدير وعمال يتقاضون أجرا، وتتخصص كل منها في زراعة المحصول المناسب للظروف البيئية المناسبة السائدة مثل الحبوب أو منتجات الألبان أو الأغنام أو الخيول أو غيرها، وتمارس فيها الميكانيكية العالية التي تجعلها نموذجا للمزارع الأخرى. أما الكولخوز فهي أصغر مساحة تبلغ في المتوسط 6800 فدان وتزرعها

أسر يبلغ عددها من 350 - 400 أسرة على أساس تعاوني ولكل مزارع منزل وربما قطعة أرض يسمح له بزراعة بعض الخضر الاستهلاكية وربما يسمح له ببيع الفائض منه، والكولخوز أقل ميكانيكية من الشوفخوز ولا يسمح للسكان بامتلاك الآلات والتي تمدهم بها محطات الجرارات المركزية التي أنشئت لها الغرض ومنذ سنة 1958 أصبحت الآلات تباع للمزارع الجماعية وأبطل نظام المحطات المركزية. بيد أن هناك نوعا من الملكية الزراعية تتمثل في 5% من الأراضي وفيها تمارس الزراعة وهي تسهم بنسبة كبيرة في إنتاج بعض المحاصيل مثل الخضر والألبان والدواجن وهي جماعية في الغالب ويسمح لأصحابها ببيع المنتجات. أما في الصين فإن سكانها يلقون بعبء ضخم على أرضها الزراعية وقد أدى ذلك إلى تفتت الملكية قبل النظام الشيوعي بها بلغ من فدانين إلى ثلاثة للأسرة الواحدة وتسود الزراعة حاليا في كميونات صينية وهي عبارة عن مجمعات زراعية كذلك. ويمكن ببساطة تقسيم شرق الصين إلى شمالي وجنوبي فالشمالي ذو مطر صيفي بصفة رئيسية وفصل نمو قصير وشتاء بارد أما في الجنوب فإن الحرارة تزداد ويطول فصل النمو ليغطي السنة بأكملها والأمطار على مدار السنة وتزداد في الصيف كما تتوفر به التربة الخصبة.

الزراعة في البيئة الباردة

الزراعة في البيئة الباردة الزراعة في التندرا ... رابعا- الزراعة في البيئة الباردة: أ- الزراعة في التندرا: لعبت الزراعة في الماضي دورا ضئيلا في اقتصاد المناطق الشمالية ولعل مرجع ذلك فصل النمو القصير والصيف البارد والتربة الفقيرة والسطح المتأثر بعوامل التعرية الجليدية إلى حد كبير ويعد المناخ والتربة من أهم العناصر التي تؤثر في الزراعة في هذه الأقاليم فيبلغ طول فصل النمو في المناطق القطبية مدة تتراوح بين 60 - 90 يوما وفي كثير من مناطقها لا يرتفع متوسط درجة الحرارة في أي شهر على 42 درجة ف الذي يعد الحد الأدنى لنمو النباتات "صفر النمو" وهناك مناطق لا تنمو بها النباتات على الإطلاق فيما عدا مساحات ضئيلة للغاية تساعد ظروفها المحلية على حمايتها من الظروف المناخية القاسية.

وفي المناطق التي تكون البيئة القطبية وشبه القطبية يمكن استبعاد نطاق الغطاءات الجليدية من الزراعة وكذلك التندرا فيما عدا المناطق الجنوبية منها التي تصل حرارة الصيف القصيرة بها إلى حوالي 50 درجة أما في المناطق الانتقالية فيما بين التندرا والغابات الصنوبرية "التاييجا" فإن هناك بعض المناطق التي تمارس فيها الزراعة كما هي الحال في منطقة أكلافيك Aklavik في دلتا نهر الماكنزي في شمال كندا حيث أنشئت بعض الحدائق التي تنتج الآن بعض المحاصيل الملائمة لهذه الظروف مثل الكرنب والجزر وربما تكون هذه الحدائق وحدائق منطقة أوماناك Umanak 71 شمالا في ساحل جرينلند الغربي أقصى حدائق في العالم نحو الشمال وتشبهها في ذلك حدائق تكس Tiksi قرب دلتا نهر لينا 71.53 ش حيث يزرع بها الخضار وبلغت مساحتها في سنة 1954: 6.5 هكتار "الهكتار = 2.47 فدان" وتربى بها بعض أنواع الأبقار والخنازير كذلك أقام السوفييت المحطات الزراعية القطبية الأخرى في بيوت زجاجية تدفأ صناعيا كما أقام سكان أيسلند بعض البيوت الحضراء التي دفئت باستخدام مياه الينابيع الحارة والتي يغذي إنتاجها السوق المحلية في مدينة ريكجافيك وإزاء كل هذه الظروف الصعبة فمن المشكوك فيه أن يصبح إقليم التندرا منطقة إنتاج زراعي على نطاق كبير من المستقبل.

الزراعة في التايجا

2- الزراعة في التايجا: تختلف الزراعة في التايجا عنها في التندرا؛ ذلك لاختلاف الظروف بينهما اختلافا كبيرا فالتربات في التايجا أحسن بالرغم من أنها ليست جيدة تماما فمعظمها رقيق وقليل القيمة الزراعية وحرارة الصيف في هذا النطاق أعلى من التندرا، ففي وادي ماكنزي ترتفع الحرارة بثبات كلما اتجهنا نحو الجنوب والصيف قصير وبارد ولكنه مناسب لزراعة بعض المحاصيل وتتركز الزراعة الحالية في التربات الجيدة وتختلف المناطق شبه القطبية تماما في الاستغلال الزراعي بها كما يبدو من الآتي: الاسكا: تتراوح المساحة الصالحة للزراعة والرعى بها حوالى 7 مليون فدان منها

مليونان و 870 ألف فدان قابلة للزراعة وقد استصلح منها 12.000 فدان فقط وأنتجت بالفعل في سنة 1959 وأهم مناطق الزراعة فيها توجد في وادي ماتانوسكا Matanuska 61.20 درجة شمالا قرب فيربانكس حيث تزرع البطاطس والشعير والشيلم والشوفان والقمح الربيعي كذلك تزرع معظم الأرض بالأعلاف الخضراء ومنها البرسيم حجازي. كندا: تتبع نفس النمط في ألاسكا وتتشابه بالتالي المحاصيل المزروعة وتوجد لكل محلة عمرانية على نهر ماكنزي مزرعتها الخاصة بها وذلك لتموينها بالأغذية وتصدير ما يفيض إلى المحلات القريبة وكانت المزارع في فترة الاندفاع نحو الذهب أوسع مما هي عليه الآن وربما يؤدي التوسع التعديني في هذه المناطق إلى توسع زراعي من جديد. وقد تركزت الزراعة في وادي نهر ماكنزي وحول بعض بحيراته وروافده مثل وادي نهر بيس Peace الذي ينتج الحبوب كذلك شهدت هذه المنطقة الرعي والزراعة المختلطة كما هي الحال في شمال انتاريو وكوبيك على امتداد خط السكك الحديدية من وينج إلى كوبيك في النطاق المعروف بالنطاق الصلصالي. ولم تنجح الزراعة هنا تماما ولذلك فإن الزراع يعملون جزئيا بها ويقضون باقي نشاطهم في قطع الأشجار أو التعدين في نفس الإقليم.

الفصل الثاني: صيد الأسماك

الفصل الثاني: صيد الأسماك مدخل ... الفَصلُ الثَّاني: صَيد الأسمَاك تعد حرفة صيد الأسماك من الحرف الواسعة الانتشار في العالم حيث يمارسها السكان في كل المناطق الساحلية تقريبا وفي البحيرات الصغيرة والكبيرة وفي الأنهار والنهيرات وحتى في القنوات والبرك، وتزخر مياه المسطحات المائية بأنواع شتى من الأسماك ولكن يمكن أن نقسمها إلى قسمين كبيرين هما أسماك المياه العذبة Fresh Water وأسماك المياه المالحة "البحار والمحيطات" Salt Water كذلك فإن مصايد الأسماك نفسها Fisheries تنقسم إلى المصايد الداخلية "المياه العذبة" والمصايد الساحلية والشطوط Banks ومصايد أعالي البحار. أو البحار المفتوحة Open Sea كذلك فإنه اعتمادا على ما إذا كانت الأسماك تستهلك محليا أو تباع فإنها يمكن اعتبارها مصايد معاشية Subsistence Fisheries أو مصايد تجارية. وليس هناك فواصل واضحة بين المصايد المعاشية والتجارية في كثير من مناطق الصيد أو بين مصايد المياه العذبة والمياه المالحة، ومع ذلك فإن الصيد التجاري للأسماك يختلف اختلافا كبيرا حسب الأساليب المستخدمة والطرق وكذلك في أنواع الأسماك التي يتم صيدها، ومن ثم فإن تقسيم المصايد التجارية إلى مصايد المياه العذبة والمصايد الساحلية ومصايد الشطوط أو البحار المفتوحة يبدو ملائما.

مصايد الأسماك في المياه العذبة

مصايد الأسماك في المياه العذبة مدخل ... أولا: مصايد الأسماك في المياه العذبة: تتركز معظم مصايد الأسماك العذبة في البحيرات والأنهار بروافدها وفروعها التي توجد في مناطق التركز السكاني أو بالقرب منها "قارن بين خريطة توزيع السكان وتوزيع المصايد" ويمكن القول بأن مناطقها الرئيسية توجد في جنوب شرق آسيا، وفي الاتحاد السوفيتي وفي وسط أفريقيا وأمريكا الشمالية.

مصايد المياه العذبة في جنوب شرقى آسيا

1- مصايد المياه العذبة في جنوب شرقي آسيا: تعد مصايد الأسماك التجارية والمعاشية التي توجد في جنوب شرق آسيا من أكثر مصايد المياه العذبة أهمية في العالم، وتتراوح نسبة كميات أسماك المياه العذبة من جملة الأسماك التي يتم صيدها من 20 - 30% في الملايو والهند وتايلاند ومن 38 - 46% في تايوان والصين وإندونيسيا والفلبين وحوالي 7% من الباكستان، أما في اليابان ذات الماضي العريق في الصيد البحري والساحلي فإن إنتاجها من أسماك المياه العذبة بها قليل الأهمية للغاية بالنسبة لإنتاجها البحري بالرغم من أن اليابان تنتج أسماك المياه العذبة بواسطة تربيتها في البرك والخزانات المائية الكبيرة والبحيرات والمجاري المائية وفي حقول الأرز والشعير، وذلك جعلها أكثر دول جنوب شرق آسيا -باستثناء الصين- إنتاجا لأسماك المياه العذبة، بل إن إنتاجها منها يتفوق على الولايات المتحدة الأمريكية. وترجع أهمية مصايد أسماك المياه العذبة في جنوب شرق آسيا إلى عدد من العوامل، ففي هذه المناطق كثيفة السكان ذات الثروة الحيوانية القليلة نسبيًّا من الماشية والأغنام تزداد الحاجة إلى الأسماك التي يسود صيدها المعاشي والتجاري على نطاق واسع في البحيرات والبرك والقنوات والأنهار وحقول الأرز التي يغمرها الفيضان، وتخزن المياه بانتظام وتربى الأسماك حيث تخصب المياه حتى تساعد على تغذية الأسماك وسرعة نموها وصيدها على فترات منتظمة. ويقدر أن مناطق صيد الأسماك من المياه العذبة في الصين تزيد مساحتها على 186.000 ميل مربع من الأنهار والبحيرات والقنوات كما تزيد مساحة المزارع السمكية "Pesciculture" على 420.000 فدان يعمل بها حوالي 15 مليون نسمة. ولا يقتصر دور الأسماك على سد الاحتياجات الغذائية لهذه المناطق المزدحمة السكان فقط، ولكنها تضيف البروتين أيضا إلى غذائهم الغني جدا

بالنشا، وتستهلك أسماك المياه العذبة بالقرب من المصايد وعلى مسافة لا تربو على عدة أميال منها. وفي دول جنوب شرق آسيا يسوق من الأسماك التي يتم صيدها نسبة كبيرة تتراوح بين 70 - 90% من جملة الإنتاج.

مصايد المياه العذبة في الاتحاد السوفيتي

2- مصايد المياه العذبة في الاتحاد السوفيتي: تأتي مصايد الأسماك في المياه العذبة بالاتحاد السوفيتي بعد مصايد جنوب شرق آسيا في الأهمية ويقدر إنتاج الأسماك من المياه العذبة في الاتحاد السوفيتي بنحو 25% من جملة إنتاج الأسماك به، وتوجد معظم هذه المصايد في البحيرات العديدة، والأنهار التي تنتشر في أنحاء الاتحاد السوفيتي ولكن أهمها يتركز في جنوب روسيا الأوروبية وشمال غرب روسيا. وتتوزع مصايد جنوب روسيا الأوروبية في أنهار الدنيستر Dniester وبج Bug ودنيبر Dnieper والدونتز Donets والدن Don والفولجا Volga والأورال Ural، ودلتاواتها والبحيرات التي توجد بهذه الدلتاوات. وتنقسم الأسماك التي يتم صيدها إلى نوعين أحدهما تلك الأسماك التي تعيش معظم حياتها في المياه المالحة ثم تنتقل منها إلى الأنهار خلال الربيع والصيف لكي تضع بيضها وتتغذى على ما تحتويه المياه العذبة والنوع الآخر هو الذي يعيش بصفة دائمة في المياه العذبة، وأهم أسماك النوع الأول المتعددة السمك السترجون Sturgeon الذي يؤخذ منه الكافيار "نوع من بطارخ السمك" والسلمون Salmon وغيرها ويتم صيد معظم الأسماك في الأجزاء الدنيا من الأنهار وفي فروع الدلتاوات الكبيرة وفي المياه الداخلية الضحلة للبحيرات، ويتميز الصيد في هذه المناطق بأنه صيد تجاري. وترجع أهمية مصايد المياه العذبة في الاتحاد السوفيتي إلى عدة أسباب رئيسية، فإلى الغرب والشمال توجد نظم نهرية ضخمة تصرف مياه مناطق شاسعة ذات تربات غنية بالمواد العضوية Humus تتجمع بها كميات ضخمة من المواد النتروجينية من الأراضي الزراعية، وليست هناك فرصة في مياه الأنهار الجارية سواء من حيث الوقت أو الشروط الأخرى لتكون البلانكتون

Plankton الغني1. ولذا تتوفر كميات ضخمة من غذاء الأسماك في الأجزاء الدنيا من الأنهار خاصة في فروع دلتاواتها ومياه البحر الضحلة القريبة، وفي هذه المناطق لا توجد تيارات بحرية أو حركة مد قوية تؤدي إلى بعثرة وتوزيع البلانكتون على مساحة واسعة كما يحدث غالبا على امتداد سواحل البحار المفتوحة، فبالقرب من الدلتاوات توجد مناطق ضحلة يتميز قاعها بأنه طيني ناعم وبالمياه الدافئة ومن ثم يكون بيئة مثالية غنية بالبلانكتون -غذاء الأسماك، وفي كثير من المدن الصغيرة والقرى الواقعة في دلتاوات الأنهار الروسية يعمل أكثر من نصف السكان في صيد الاسماك وإعدادها للتسويق، وما يتطلبه ذلك من تنظيف أو تمليح أو تجفيف أو تجميد أو تعبئة، ثم يشحن بعد ذلك بواسطة السفن النهرية أو بواسطة السكك الحديدية والشاحنات نحو مراكز الاستهلاك الداخلية.

_ 1 البلانكتون هو كائنات دقيقة مجهرية حية من الحياة الحيوانية والنباتية في البحار تدفعها مياه التيارات البحرية وتكون بطريقة مباشرة غذاء للأسماك والحياة البحرية ويعيش البلانكتون الحيواني على البلانكتون النباتي ومن ثم يعتمد عليه وجود الأسماك، ولهذه الكائنات الدقيقة مقدرة كبيرة على امتصاص المكونات النتروجينية المتحللة والأملاح الذائبة في مياه البحار، ولذا تعد المادة النتروجينية هي المحددة لوجود البلانكتون النباتي وتأتي أساسا من الأنهار ولذلك تكون الحياة البحرية غنية قرب الشواطئ خاصة قرب مصبات الأنهار القريبة.

مصايد الأسماك من المياه العذبة في أفريقيا

3- مصايد الأسماك من المياه العذبة في أفريقيا: تأتي أفريقيا في الترتيب الثالث بعد جنوب شرق آسيا والاتحاد السوفيتي في إنتاج الأسماك من مصايد المياه العذبة، ومن السهل أن ندرك السبب الذي من أجله يقل صيد الأسماك للغاية من المسطحات والمجاري المائية في صحاري شمال القارة وجنوبها الغربي، ومع ذلك فإن مصر تعد منتجا هاما لأسماك المياه العذبة في شمال شرق القارة حيث يبلغ جملة إنتاج الأسماك من المياه العذبة بها 60% من جملة إنتاجها السمكي. أما في وسط أفريقيا فإن الأمر مختلف؛ ذلك لأن كل أقطار هذا النطاق من

القارة يوجد بها مصايد أسماك مياه عذبة ذات أهمية محلية كبيرة، وفي هذه الدول حتى التي تجاور منها المحيط الأطلسي أو الهندي فإن إنتاج أسماك المياه العذبة يفوق إنتاج المياه المالحة، ويرجع ذلك لعدة أسباب أبرزها أن ملايين السكان تمارس حرفة الصيد في المياه العذبة الداخلية كحرفة معاشية لسد الحاجة، وذلك بالإضافة إلى الظروف الطبيعية الملائمة التي تتمثل في تزايد كمية الأمطار الساقطة سنويا والتي تؤدي بدورها إلى وفر المياه في الأنهار والبحيرات وبالتالي وجود كميات متنوعة كبيرة من الأسماك، كذلك فإن المناطق المدارية المطيرة لا تساعد ظروفها الطبيعية على تربية الحيوان بسبب انتشار ذبابة تسي تسي ولذا تكون الأسماك على قدر كبير من الأهمية في تعويض البروتين الحيواني في الغذاء الذي يزيد به نسبة النشا في هذه الأقاليم وتستهلك كمية الأسماك التي يتم صيدها محليا وذلك للنقص في وسائل التبريد Refrigeration وإمكانات النقل.

المصايد الداخلية في أمريكا الشمالية

4- المصايد الداخلية في أمريكا الشمالية: لا تسهم المصايد الداخلية في أمريكا الشمالية إلا بنسبة قليلة تصل إلى 4% فقط من إنتاج مصايد المياه العذبة في العالم، وبالرغم من أن هذه المصايد تتمثل في كثير من الأنهار والبحيرات إلا أن نهر المسيسبي وروافده والبحيرات العظمى تعد المصدر الرئيسي لأسماك المياه العذبة. ويتم صيد معظم الأسماك بالقرب من شواطئ البحيرات قرب المواني البحرية ومدن الصيد الصغيرة، أو قرب الأسواق الحضرية الكبرى، ويتوقف الصيد خلال أواخر الخريف والشتاء بسبب العواصف والطقس غير الملائم وتكون الثلوج. وبالرغم من أن نهر المسيسبي وروافده يعدان مصدرا لصيد الأسماك الذي يمارسه السكان منذ حوالي مائة عام أو أكثر، إلا أنه ما زال يمثل منطقة صيد هامة حيث يمارس الصيد فيه من مصبه حتى أجزائه العليا. ويتساوى الإنتاج السمكي منه بين أجزائه الواقعة جنوب مصب نهر الأوهايو Ohio والواقعة في الشمال منه.

وقد ساعد على تقدم الصيد الداخلي في أمريكا الشمالية موقع المصايد وقرب مناطق التركز السكاني وتوفر وسائل النقل الجيدة وتوفر طرق التبريد الحديثة وقرب مناطق الاستهلاك، ولذا فإن 77% من جملة إنتاج أسماك المياه العذبة يتم تسويقه طازجا و11% مجمدا و9% مملحا أو مدخنا.

مصايد الأسماك البحرية

مصايد الأسماك البحرية مدخل ... ثانيا: مصايد الأسماك البحرية تتركز مصايد الأسماك العظمى في العالم في أربعة أقاليم تقع في شمال المحيط الهادي والمحيط الأطلسي على النحو التالي 1- شمال غرب المحيط الهادي من تايوان حتى بحر برنج. 2- شمال شرق المحيط الهادي من شمال كاليفورنيا حتى بحر برنج. 3- شمال غرب المحيط الأطلسي من نيويورك حتى شمال كندا. 4- شمال شرق المحيط الأطلسي من جنوب البرتغال حتى البحر الأبيض الروسي وبحر بارنتس. وتنتج هذه المناطق الأربعة مجتمعة 73% من جملة إنتاج الأسماك في العالم، وهي أكثر مصايد العالم تقدما ويعمل بها قرابة أربعة ملايين نسمة وقدر هذا العدد عدة مرات يعملون في بناء وإصلاح وتجهيز سفن الصيد وتجهيز وتوزيع وتسويق الأسماك التي يتم صيدها، ويتوزع الصيادون على 25 دولة تشترك مباشرة في استغلال هذه المصايد أبرزها اليابان والصين وتايوان وكوريا الجنوبية والاتحاد السوفيتي في شمال غرب المحيط الهادي وكل الدول الأوروبية الواقعة على المحيط الأطلسي والولايات المتحدة وكندا وعشر دول أوروبية تمارس الصيد في شمال غرب المحيط الأطلسي1 والولايات المتحدة وكندا والمكسيك في شمال شرق المحيط الهادي.

_ 1 هذه الدول الأوربية التي تمارس الصيد في شمال غرب المحيط الأطلسي الشمالي هي حسب أهميتها: البرتغال وفرنسا وإسبانيا والدنمرك والنرويج وألمانيا والمملكة المتحدة وأيسلندا وإيطاليا والاتحاد السوفيتي، وتجدر الإشارة إلى أن النرويجيين "أو النورسمن" وصلوا أيسلنده في القرن التاسع وأسسوا مستعمرة للصيد بها كذلك فإن صيادين من فرنسا وبريطانيا وإسبانيا والبرتغال كانوا يمارسون الصيد في هذه المياه كل صيف بعد اكتشاف أمريكا بقليل.

شكل "165" توزيع مصايد الأسماك في العالم وترجع الأهمية الكبيرة لهذه المصايد الرئيسية الأربعة في العالم إلى ارتباط متشابك من العوامل الطبيعية والاقتصادية.

العوامل الطبيعية المؤثرة في المصايدة البحرية

العوامل الطبيعية المؤثرة في المصايدة البحرية ... العوامل الطبيعية المؤثرة في المصايد البحرية: هناك عدة عوامل طبيعية تؤثر تأثيرا مباشرا على المصايد البحرية في العالم، حيث الشطوط الواسعة والسواحل المتعرجة والمياه الغنية بالبلانكتون وتجمع أسراب الأسماك بكميات ضخمة والظروف المناخية الملائمة ثم قربها من الموارد الغابية والعلاقة بين الموارد الأرضية والغذاء في الأقاليم المطلة عليها. 1- الشطوط والمياه الضحلة The Fishing Banks: وتتمثل هذه الأجزاء من البحار والمحيطات في المناطق المجاورة لليابس التي تتميز بضحولتها وقلة عمق المياه بها، وهذه المناطق الهامشية والتي لا تزيد أعماقها على 600 قدم تعرف بالرفوف القارية Continental shelves وتتسع هذه الرفوف كثيرا في شمال المحيط الأطلسي وشمال المحيط الهادي، ولكن الصيد لا يمارس بها كلها وإنما يتركز في المناطق الضحلة أو على ما يعرف بالشطوط Banks -وهي الأجزاء التي توجد على الرصيف القاري ويقل عمقها عن 200 قدم- ففي إقليم الأطلسي الشمالي الأمريكي تصل مساحة الشطوط إلى 100.000 ميل مربع، أما في أوروبا وبحر الشمال وشطوط أيسلند فتبلغ مساحتها مجتمعة 300.000 ميل مربع، أما شطوط شرق آسيا فتصل إلى قرابة 100.000 ميل مربع. وتعد الشطوط أكثر مناطق الرصيف القاري ملاءمة لتكاثر الأسماك وصيدها ذلك لأن غذاء الأسماك يتوفر بها حيث تنمو النباتات وتعيش كائنات البلانكتون وتتكاثر، ولا بد لها من توفر ضوء الشمس، ويقل هذا الضوء بتزايد الأعماق حتى تكاد تنعدم الحياة النباتية إذا زاد العمق عن 600 قدم. وتساعد طبيعة هذه الشطوط وطبوغرافيتها على ممارسة حرفة صيد الأسماك فهي تتميز بالانحدار التدريجي، وبالقاع الطيني أو الرملي الناعم مما يساعد على سهولة الصيد خاصة باستخدام شباك الجر، وتقع معظم الشطوط نسبيا قرب اليابس فشط الدوجر Dogger Bank وهو من أغنى

الشطوط في العالم يقع تقريبا في وسط بحر الشمال على بعد من اليابس لا يزيد على 100 ميل فقط كذلك فإن الشطوط العظمى Grand Banks لا يبعد مركها إلا بمسافة 180 ميلا من نيوفوندلاند، كما أن مركز شط جورج Georges Bank -وهو من أغنى شطوط أمريكا الشمالية- يبعد بحوالي 170 ميلا عن بوسطن Boston وبورتلاند Bortland ويارموت Yarmouth "شكل رقم 166" كما أن عددا كبيرا من الشطوط الأصغر الأخرى تقع بالقرب من مراكز الصيد على السواحل القريبة المتعرجة. شكل "166" مصايد الأسماك الأمريكية في شطوط الأطلس الشمالي

2- خط الساحل The Coastline: تعد خطوط السواحل المتعجرة في مناطق الصيد العظمى ذات أهمية كبرى لحرفة الصيد بها، وتتميز السواحل بتعرجات كبيرة وصغيرة متعددة وبصرف النظر عن بحر البلطيق والبحر الأبيض الروسي وخليج سانت لورنس، فإن كثيرا من التعجرات الساحلية كبير الحجم يصل طوله إلى ما يزيد على 100 ميل. وتساعد هذه الشروم والفتحات الساحلية على وجود كثير من المرافئ البحرية التي تتخذ كقواعد لعمليات الصيد -أو كلمجأ تأوي إليه سفن الصيد وقت العواصف-، وبالإضافة إلى ذلك فإن هذه التعرجات والشروم تزيد في اتساع منطقة الصيد حيث تعيش بها أنواع من الأسماك التي تأوي غالبا إلى الخلجان ومصبات الأنهار وبالإضافة إلى ذلك فإن خط الساحل الطويل يساعد على اتصال السكان الذين يعيشون به بالبحر اتصالا مباشرا، ففي نيوفوند لاند مثلا يعيش تسعة أعشار السكان على السواحل المطلة على المحيط، كذلك فإن سكان لبرادور يتركزون غالبا عند رءوس الفيوردات العميقة وكذلك فإن نسبة كيبرة من سكان النرويج يعيشون على السواحل وعند رءوس الفيوردات أيضا وأبرز الأمثلة على ذلك جزر اليابان التي تصل نسبة السواحل إلى جملة مساحتها إلى ميل واحد من السواحل مقابل كل 10 أفدنة من الأرض. 3- خصائص مياه الصيد The Charcter of Waters: تؤثر خصائص المياه وطبيعتها في الرصيف القاري -من حيث عمقها وحركتها ودرجة حرارتها- تأثيرا مباشرا على تنوع الأسماك ووفرتها وفي أساليب الصيد التي تتبع بها. ويتفاوت عمق المياه من عدة أقدام قرب شواطئ الشروم والخلجان الساحلية إلى 800 قدم أو أكثر على الشطوط، وتقع مناطق الصيد الرئيسية على عمق يتراوح بين 40 - 60 قدما حيث تكون المياه خصبة ووفيرة الإنتاج بها، فعلى شط جورج -وهو أغنى مصايد الأسماك المجاورة لشرق الولايات المتحدة- يتراوح عمق المياه من 50 - 100 قدم -بل إنه يصل في بعض الأماكن إلى قرابة 20 قدما فقط، كذلك فإن معظم مساحة الشطوط العظمى Grand Banks يكون عمق المياه بها أقل من 300 قدم، أما شط الدوجر

-أكثر المصايد إنتاجا في أوروبا- يتراوح عمق المياه به من 40 - 100 قدم فقط، وإلى الغرب من النرويج -باستثناء المنطقة الواقعة حول جزر لوفوتن Lofoten- فإن قاع البحر يتزايد عمقه بطريقة فجائية ويصل إلى أعماق كبيرة ومن ثم يحد من عمليات الصيد ويجعلها قاصرة على شريط ساحلي ضيق. ولقد سبق القول بأن ضحولة المياه تساعد على تكون وتكاثر البلانكتون حيث تنفذ إليها أشعة الشمس وتصل إلى قاع الرصيف القاري. وتتميز مياه الصيد على الشطوط، وبالقرب من السواحل بحركة دائمة تتمثل في اختلاط المياه وتوازنها بسبب اختلاف درجة الحرارة ودرجة الملوحة بين طبقاتها السطحية وما تحت السطحية والسفلية وخاصة عند التقاء التيارات المائية الباردة بالتيارات الدافئة حيث تنزلق مياه التيار الدافئ فوق مياه التيار البارد وتدفعها إلى أسفل، بينما تصعد المياه السفلية إلى أعلى ومعها المعادن الذائبة والمواد العضوية، وتتميز مناطق الصيد العظمى بأنها مناطق التقاء التيارات القطبية ودون القطبية الباردة المتجهة جنوبا بالتيارات الدافئة المتجهة شمالا، وتقع هذه المناطق بين دائرتي عرض 40، 70 درجة في نصف الكرة الشمالي، وهي الجهات التي تحدث فيها أيضا التيارات الصاعدة التي تقلب المياه وتعمل على توزيع البلانكتون، ففي مصايد شمال غرب الأطلسي الأمريكية يلتقي تيار لبرادور البارد بتيار الخليج الدافئ والذي يمتد ليصل إلى مصايد شمال غرب أوروبا حيث يصل تأثيره إلى سواحل شمال النرويج ويقابله تيار قطبي بارد يتجه جنوبا فوق الرصيف القاري، أما في شرق آسيا فيوجد تيار كمتشتكا البارد الذي يلتقي بتيار اليابان الدافئ. وبالإضافة إلى ذلك فإن هذه المناطق الرئيسية للصيد تنتهي إليها كثير من الأنهار التي تصب فيها بكميات ضخمة من المياه المعدنية وهي ذات أهمية كبرى للمياه البحرية في تلك المناطق حيث تحمل المكونات النتروجينية إليها، ومع ذلك فإنه في البحار المغلقة أو شبه المغلقة قد تؤدي كميات المياه العذبة الضخمة التي تنتهي إليها إلى جعلها بحار غدقة Brackish Seas لا تلائم تماما تكاثر الأسماك بكميات وفيرة كذلك فإنه بالقرب من السواحل فإن الأمواج وتيارات المد تعمل على خلط المياه وتقليبها ومن ثم تساعد على وجود غذاء الأسماك بكميات كبيرة.

وفي الواقع فإن حركة توازن المياه Upwelling تعد من أهم الظاهرات التي تساعد على مد طبقات المياه السطحية بالمواد الغذائية من قاع البحار والمحيطات وهذه تحدث نتيجة ابتعاد التيارات المائية السطحية عن السواحل وتركها فراغا تحل محله مياه الطبقات السفلية. وتبدو هذه الظاهرة واضحة تماما في مناطق مرور تيارات كاليفورنيا وبيرو "همبولدت" وبنجويلا الباردة وانعكاس ذلك على غنى المصائد الساحلية تجاه كاليفورنيا وبيرو وشيلي وجنوب أفريقيا. 4- البلانكتون Plankton: تعتمد الأسماك في غذائها على كثير من العناصر أبرزها البلانكتون وقد سبق القول بأنه عبارة عن كائنات حية دقيقة من أصل حيواني ونباتي توجد عالقة في مياه البحار أو البحيرات أو الأنهار أو البرك. ولا ترى بالعين المجردة، وهي مصدر غذائي هام للأسماك ولبعض الحيوانات البحرية الأخرى حيث يستطيع البلانكتون النباتي عن طريق امتصاص الطاقة من ضوء الشمس أن يبني المواد العضوية المعقدة وذلك بعملية التمثيل الضوئي "أو الكلوروفيللي" ومن ثم فهو حلقة الوصل الأساسية في سلسلة الغذاء بالبحر، ويساعد على تكاثره في المصايد العظمى التقاء التيارات البحرية الباردة والدافئة حيث تحمل التيارات الباردة البلانكتون الحيواني وتحمل التيارات الدافئة البلانكتون النباتي. وقد سبق القول بأن كثيرا من الأنهار الكبرى تصب كميات ضخمة من المياه العذبة في مناطق المصايد العظمى وتحتوي هذه المياه على مكونات معدنية ونتروجينية وغيرها وتترسب على قيعان الشطوط والأرصفة القارية مكونة غذاء هاما للأسماك أيضا. كذلك فإن البلانكتون يعتمد في غذائه اعتمادا كبيرا رئيسيا على المواد النتروجينية الذائبة والتي تحمله مياه هذه الانهار لتلقي بها في مناطق المصايد العظمى حيث تتخلل أشعة الشمس في المياه الضحلة وتنفذ إلى قاع الرصيف القاري ومن ثم يتيح الفرصة للتكاثر والنمو في الحياة البحرية. وتتضافر العوامل الطبيعية السابقة على توطن مصايد الأسماك العظمى

في العالم وزيادة محصول الأسماك، ومع ذلك فهناك بعض العقبات التي تواجه الصيد بها من أهمها العواصف والضباب وكتل الجليد الطافية، وتزداد العواصف الإعصارية تجاه سواحل شمال شرق أمريكا الشمالية وفي شمال غرب المحيط الهادي وبالرغم من أن هذه العواصف تعمل على تقليب المياه وخلطها وتوزيع البلانكتون إلا أنها قد تعرض سفن الصيد لأخطار جسيمة كذلك تهدد كتل الجليد الطافية في شمال المحيط الأطلسي حركة الملاحة البحرية ونشاط صيد الأسماك خاصة في الفترة من أبريل إلى يوليو، أما الضباب الذي يتكون في منطقة المصايد فيحدث نتيجة مرور الهواء المحمل بالرطوبة فوق التيارات الباردة مما يؤدي إلى حدوث التكاثف والضباب الذي قد يعوق من حركة سفن الصيد ونشاط مواني الصيد في هذه المناطق. وبالإضافة إلى العوامل الطبيعية السابقة فإن هناك عدة عوامل اقتصادية تتضافر لتسهم في تنمية وتزايد أهمية حرفة الصيد في المصايد العظمى في العالم، ومن بين هذه العوامل: النقل والتبريد وتنظيم عمليات الصيد ثم كثافة السكان ومستواهم التقني ومدى توفر الموارد الغذائية وأسعار اللحوم. وقد ساعد التنظيم الحديث للصيد وتقدم فنونه ووسائله على زيادة الإنتاج السمكي من المصايد واتساع المدى الذي تصل إليه سفن الصيد التي لا تتقيد بمناطق الشطوط فقط بل تمارس الصيد في أعالي البحار وعلى بعد آلاف الأميال من مواني الصيد، وقد أصبحت أساطيل الصيد تشمل سفنا آلية مزودة بالأجهزة الحديثة.

المصايد البحرية الأخرى

المصايد البحرية الأخرى: بالإضافة إلى مصايد الأسماك العظمى التي سبق ذكرها توجد مصايد بحرية أقل أهمية وتتوزع في المناطق التالية: أ- مياه البحر المتوسط. ب- سواحل شمال غرب أفريقيا التي يمر بها تيار كناري البارد. ج- سواحل جنوب غرب أفريقيا التي يمر بها تيار بنجويلا البارد.

د- سواحل بيرو وشمال شيلي حيث يمر تيار بيرو البارد "همبولت". وتساهم هذه المناطق بنسبة قليلة في الإنتاج العالمي وإن كانت أهميتها آخذة في التزايد في هذا المجال. وقد ساعدت الظروف الطبيعية بها على قيام حرفة الصيد وتوفر الأسماك بالأرصفة القارية بها، وإن كان هذا التطور لا يشجع عليه قلة عدد السكان وانخفاض مستواهم التقني وقلة الغابات في ظهير سواحلها ووجود مساحات زراعية كبيرة بالنسبة لعدد السكان بها ومن ثم فإن الدوافع التي توفرت في مصايد الأسماك العظمى ليست كذلك في هذه المصايد الثانوية.

الإنتاج العالمى للأسماك

الإنتاج العالمي للأسماك: بلغ الإنتاج العالمي من الأسماك 70 مليون طن متري في سنة 1974 موزع على القارات بالكميات والنسب الآتية: آسيا 31.2 مليون طن بنسبة 45% أوروبا 12.7 مليون طن بنسبة 18% الاتحاد السوفيتي 9.2 مليون طن بنسبة 13% أمريكا الجنوبية 6.6 مليون طن بنسبة 9% أمريكا الشمالية 4.9 مليون طن بنسبة 7% الأوقيانوسية 00.3 مليون طن بنسبة 0.4% أما أهم الدول المنتجة فتتوزع نسب إنتاجها بالنسبة للإنتاج العالمي على النحو التالي سنة 1974. اليابان 15% الاتحاد السوفيتي 13% الصين 10% بيرو 6% النرويج 4% الولايات المتحدة 4% الهند 3%

كوريا الجنوبية 3% الدنمرك 3% إسبانيا 2% تايلاند 2% دول أخرى 35% ويبدو من هذه الأرقام عدة حقائق أبرزها: 1- أن إنتاج الأسماك في قارة آسيا يصل إلى أكثر من خمسي الإنتاج العالمي وهي بذلك تتفوق على باقي قارات العالم ويرجع ذلك إلى ضخامة الإنتاج في اليابان والصين وكوريا والفلبين، وتأتي أمريكا الجنوبية في المركز الرابع بفارق كبير عن آسيا، ويتركز إنتاج الأسماك فيها في دولة بيرو، التي تزايد إنتاجها زيادة ضخمة في السنوات الأخيرة وأصبحت من دول العالم الكبرى في الإنتاج السمكي ويرجع ذلك إلى تضافر العوامل الطبيعية على امتداد سواحلها الطويلة خاصة مرور تيار همبولت البارد وكذلك استخدام طرق الصيد الحديثة التي انعكس استخدامها على زيادة الإنتاج. 2- تتساوى قارة أوروبا تقريبا مع الأمريكتين في الإنتاج. وتأتي دول أوروبا الغربية في مقدمة الدول المنتجة للأسماك وتعد النرويج أولى الدول الأوروبية في ذلك حيث تملك أسطولا كبيرا لصيد الأسماك في الشطوط والفيوردات وخاصة شط الدوجر في بحر الشمال بل إن نشاط سفنها يصل إلى جنوب المحيط الأطلسي ويليها في ذلك إسبانيا والدنمرك والمملكة المتحدة. 3- أن معظم إنتاج الأسماك في أمريكا الشمالية تقوم به الولايات المتحدة وكندا سواء في الشطوط العظمى في شمال غرب الأطلسي أو في منطقة الرصيف القاري في شمال شرق المحيط الهادي، وتقوم أساطيل من دول أوروبية أيضا من بريطانيا وفرنسا والبرتغال بالصيد في الشطوط العظمى كذلك. 4- يأتي الاتحاد السوفيتي في المركز الثاني من حيث الإنتاج السمكي في العالم بعد اليابان حيث تبلغ نسبة إنتاجه 13% من الإنتاج العالمي، ويملك الاتحاد السوفيتي مصايد غنية على امتداد سواحله الشرقية في المحيط الهادي

وفي الغرب في البحر البلطي والبحر الأبيض الروسي والبحر الأسود وبحر قزوين. 5- تسهم أفريقيا بنصيب قليل من الإنتاج العالمي للأسماك -وذلك لا يتناسب مع مساحتها أو عدد سكانها؛ وذلك لقلة الشطوط الغنية بالأسماك وضيق الرصيف القاري، إلا أن هناك مناطق غنية في السواحل الغربية خاصة سواحل المغرب وموريتانيا. وسواحل أفريقيا الجنوبية الغربية وجنوب أفريقيا، وذلك لمرور التيارات الباردة مثل تيار كاري وبنحويلا الباردين، وقد أسهم هذا العامل في زيادة الإنتاج في جمهورية جنوب أفريقيا والمغرب وهما يعتبران من الدول الرئيسية في إنتاج الأسماك على مستوى القارة.

الفصل الثالث: التعدين

الفصل الثالث: التعدين مدخل ... الفَصلُ الثَّالِث: التعدين يعد التعدين واحدا من أقدم الأنشطة التي مارسها الإنسان، ولذا فإن استخدام المعادن كان على درجة كبيرة من الأهمية في مراحل تطور الحضارة البشرية حتى إن ذلك ينعكس على مسميات هذه المراحل مثل العصر الحجري القديم والعصر الحجري الحديث وعصر النحاس وعصر البرونز وعصر الحديد وقد تركزت الاستخدامات القديمة للمعادن في صنع الأدوات والأسلحة والأواني وفي إنشاء المباني والقنوات والطرق. وبالرغم من أن الاستخدامات المبكرة للثروة المعدنية كانت واسعة الانتشار نسبيا إلا أن التطور الحقيقي للتعدين قد بدأ مع الثورة الصناعية وازداد أهمية بعدها، فقد حل الفحم والقوى المائية المباشرة محل أخشاب الغابات كمصادر للوقود، كذلك فقد استخدمت الأحجار والصلصال لبناء المصانع والمنشآت الأخرى والحديد والمعادن الأخرى للآلات الصناعية ووسائل النقل ولا ريب في أن الحضارة البشرية الحديثة تعتمد اعتمادا جذريا على مصادر الطاقة كالفحم والبترول والغاز الطبيعي والقوى الكهرومائية وعلى المعادن الفلزية للآلات، والأجهزة المختلفة التي ساعدت على نقل الإنسان والسلع والأفكار برا وبحرا وجوا كما أدت إلى تضاعف القدرة الإنتاجية للإنسان عدة مرات وعلى المعادن اللافلزية لاستخدامها في آلاف المنتجات التي يستفيد منها الإنسان. وقد كان الإنتاج المعدني في العالم منخفضا جدا في خلال القرن الثامن عشر ومتوسطا في القرن التاسع عشر ولكنه تزايد على الأقل ثمان مرات خلال القرن العشرين، ولذا فإنه يقدر أن أكثر من نصف كمية الإنتاج المعدني من كل عناصر الثورة المعدنية منذ بدء استخدامها حتى الوقت الحاضر قد عدن واستخرج بعد سنة 1900.

التعدين والأيدى العاملة

التعدين والأيدي العاملة: يعد التعدين من الحرف التي يعمل بها عدد قليل من الأيدي العاملة إذا ما قورن بأوجه النشاط الاقتصادي الأخرى حيث تقدر نسبة العاملين به 2% فقط من مجموع القوى العاملة في العالم وتختلف هذه النسبة من دولة لأخرى ففي الدول المتقدمة صناعيا وتعدينيا فإن نسبة العاملين في التعدين تتراوح بين 1.5%، 3.3% من جملة العاملين بها، فتصل هذه النسبة إلى 3.3% في غرب أوروبا، وإلى 3% في كندا 2.2% في الولايات المتحدة واليابان حوالي 2% فقط، وتزداد هذه النسبة في بعض الدول النامية التي تنتج كميات كبيرة من المعادن للتصدير حيث تتراوح بين 3.5% و 6% ولكن هذه النسبة ترتفع ارتفاعا كبيرا في المناطق التعدينية في داخل بعض الدول حيث يعمل نصف عدد سكانها أو أكثر من النصف في حرفة التعدين، كما أن عددا كبيرا من باقي السكان يعملون في تجهيز الخامات المعدنية ونقلها من مناطق التعدين إلى مناطق استخدامها. على أنه ينبغي القول بأن أهمية التعدين كحرفة لا تكمن فقط في عدد العاملين بها بل يرتبط بها أيضا متوسط إنتاجية العامل بالآلات والأساليب التقنية الحديثة، والتي تصل إلى أضعاف إنتاجية العامل في الحرف الأخرى مثل صيد الأسماك أو قطع الأخشاب أو الزراعة بالرغم من استخدام الأساليب الحديثة في هذه الحرف أيضا.

أنواع الثروة المعدنية

أنواع الثروة المعدنية مدخل ... أنواع الثروة المعدنية Type of minerals: يقصد بموارد الثروة المعدنية Minerals كل ما يستخرج من القشرة الأرضية عن طريق حرفة التعدين Mining وتنقسم هذه الموارد إلى قسمين كبيرين هما: أولا: المعادن الفلزية Metals ثانيا: المعادن اللافلزية Nonmetals ويضمان الموارد التالية تفصيلا:

المعادن الفلزية

أولا: المعادن الفلزية: تنقسم المعادن الفلزية إلى الأنواع التالية: 1- المعادن الحديدية Ferrous: وتشمل الحديد ذاته والذي ينتج من خامات الهيمانيت والماجنتيت والليمونيت والبيريت وتستخدم كلها في صناعة الحديد الصلب، والذي يعد بدوره أساسا لآلاف الصناعات والسلع الإنتاجية والاستهلاكية. 2- السبائك الحديدية Ferro - alloys: وتشمل المنجنيز والكروم والنيكل والموليبدنم والتيتانيوم والفاناديوم والتنجستين والكوبالت وغيرها من المعادن التي تستخدم بكميات قليلة لإنتاج أنواع معينة من الصلب مثل الصلب المقاوم للحرارة الشديدة والصلب غير القابل للصدأ والصلب المستخدم في الآلات القاطعة وغيرها. 3- معادن غير حديدية nonferrous: وتشمل الألمنيوم والنحاس والرصاص والزنك والقصدير والثوريوم واليورانيوم وغيرها. 4- المعادن الثمينة Precious metals: وتشمل الذهب والفضة والبلاتين. وتشترك هذه المعادن في بعض الخواص المشتركة مثل البريق أو اللمعان الخاص كما أنها تكون صلبة في درجات الحرارة العادية ولكنها تنصهر عند التسخين الشديد بدرجات حرارة عالية، ونظرا لقابليتها للطرق فيمكن تشكيلها بأي طريقة وبدرجات صلابة مختلفة، كذلك فإنها تتميز بالمرونة وبإمكان سبكها مثل الصلب الذي يعد سبيكة من الحديد والمنجنيز وبعض السبائك الحديدية الأخرى، والبرونز سبيكة من النحاس والقصدير والعملات المعدنية سبائك من الذهب والنحاس والفضة وغيرها. كذلك فإن بعض هذه المعادن يعد موصلا جيدا للكهرباء.

المعادن اللافلزية

ثانيا: المعادن اللافلزية: يمكن تقسيم الموارد اللافلزية إلى:

1- مصادر الطاقة والوقود المعدنية Mineral Fuels وتشمل البترول والفحم والغاز الطبيعي "وحديثا جدا اليورانيوم والثوريوم لاستخدامهما في إنتاج الطاقة الذرية"، ويعتبر الكثيرون هذه المجموعة من المعادن اللافلزية أكثر الموارد المعدنية أهمية ذلك لأنها تولد القوة التي تدير آلات المدنية المعاصرة والحديثة. 2- المخصبات المعدنية Mineral fertlizers وتشمل النترات والفوسفات والبوتاس وهي لا تستخدم فقط في إنتاج النترات والأسمدة، بل في كثير من الصناعات الكيماوية. 3- الأحجار الكريمة Gem stones وتشمل الجمشت amethyst والزبرجد aqua marins والماس والزمرد واليشم jade والعقيق والفيروز Turquoise وغيرها. وهي قليلة الأهمية في الصناعة باستثناء الماس الذي يستخدم في آلات القطع الحادة بسرعة عالية. 4- الصخور والأحجار: وتشمل الجبس والملح والكبريت والميكا والتلك والصلصال والحصى والرمال والرخام وغيرها من الصخور الأخرى. 5- المياه: بالرغم من أنه ليس من المعتاد إدراجها ضمن هذا التصنيف إلا أن المياه تعد من الموارد الهامة للغاية لتوليد الطاقة الكهرومائية ولكثير من الصناعات المختلفة.

طرق التعدين

طرق التعدين: تستخرج معظم موارد الثروة المعدنية في العالم بطريقتين هما: طريقة التعدين السطحي Surface mining وطريقة التعدين الباطني underground وتعد طريقة التعدين السطحي أقل في تكاليفها من التعدين الباطني كما أنها أكثر مرونة إذ يمكن بسهولة زيادة الإنتاج أو تقليله حسب العرض والطلب على المعدن، إلا أن هذه الطريقة أكثر تأثرا بالأحوال الجوية حيث قد يتعذر العمل إذا انخفضت درجة الحرارة كثيرا أو تساقطت الثلوج بشدة. وتتضمن طريقة التعدين السطحي عدة طرق فرعية من أبسطها الأوعية

اليدوية hand - panning "أوعية معدنية مستديرة قليلة العمق لفصل الذهب بغسله وفصله عن الأتربة" في الحصى النهري لاستخراج الذهب والماس والبلاتين، وقد حلت محلها الآلات الحديثة في تعدين هذه المعادن وغيرها مثل القصدير في إندونيسيا والملايو وذلك في الكثير من الأحوال، كذلك تشمل هذه الطريقة السطحية طريقة الحفر المكشوفة Open pits لاستخراج كثير من المعادن مثل الحديد الخام والنحاس والبوكسيت والصلصال والأحجار وغير ذلك وبعض هذه الحفر واسع للغاية مثل حفرة هل -رست- ماهونج Hull-rust في منسوتا التي يصل طولها إلى 4 كيلو مترات وعرضها 1.6 كيلو متر وعمقها 130 مترا. أما التعدين الباطني فأكثر تكلفة وأقل مرونة ذلك أن التوقف عن الإنتاج يتطلب صيانة مستمرة للمنجم ولذلك فإن الخامات المعدنية التي تستخرج بطريقة التعدين الباطني ينبغي أن تكون ذات قيمة عالية تعوض من تكاليف استخراجها وأبرز طرق التعدين الباطني طريقة الآبار العميقة والأنفاق Shaft and tunnel mining مثل تعدين الفحم والرصاص والزنك والموليدنم والملح والنحاس وخام الحديد والذهب والفضة والبوتاس وغير ذلك. وهو أقل تأثيرا في المظهر الأرضي بعكس النوع الأول من طرق التعدين، كذلك إذا لم تقوَّ جوانب الأنفاق فإنها قد تتعرض للانهيارات، وقد تكون الآبار رأسية أو أفقية أو مائلة في الطبقات الصخرية حسب موقع المعدن بها وسهولة الوصول إليه، وبالإضافة إلى هذه الطرق لاستخراج المعادن هناك طريقة الضخ لاستخراج البترول والغاز الطبيعي. ولا تقتصر مراحل الإنتاج المعدني على استخراج المعدن من القشرة الأرضية فقط، بل تشمل الإعداد للتعدين بعد العثور على المعدن واختيار الوسائل المناسبة لعملية التعدين ومد طرق النقل لتيسير شحن الخامات المستخرجة ثم بعد ذلك مرحلة استخراج المعدن ذاته بإحدى الطرق السابقة سواء كانت سطحية أو باطنية. ويعقب ذلك تجهيز المعدن المستخرج حيث يتطلب بعض العمليات التجهيزية حتى يتحول إلى سلعة اقتصادية يمكن استخدامها مباشرة في الصناعات، ومن أبرز هذه العمليات استخراج الركاز المعدني "المحتوى المعدني Metallic Content" من الخام وإزالة

الشوائب والمواد الغريبة وتنقية بعض المعادن ويتم ذلك في منطقة المناجم أو بالقرب منها معتمدة على الأساليب التقنية الحديثة. وبالرغم من أن مراحل الإنتاج المعدني تختلف باختلاف المعادن إلا أن الغرض الرئيسي منها هو زيادة الركاز المعدني "نسبة المعدن في الخام" وذلك حتى يمكن تصديره ونقله، وهذه المراحل التجهيزية تكون كيماوية في الغالب.

العوامل المؤثرة في التعدين

العوامل المؤثرة في التعدين مدخل ... العوامل المؤثرة في التعدين: تتأثر حرفة التعدين بمجموعة من العوامل المرتبطة يرتبط بعضها بالمعدن ذاته وبعضها بالموقع وطرق النقل والبعض الآخر بالتقدم التقني وذلك على النحو التالي:

خصائص المعدن في الطبيعة

1- خصائص المعدن في الطبيعة: أ- سمك طبقات المعدن أو رواسبه ذلك لأن زيادة سمك هذه الطبقات يجعل التعدين اقتصاديا ويشجع على الحفر لأعماق بعيدة. ب- قرب الخامات المعدنية من سطح الأرض ويؤدي ذلك إلى سهولة التعدين بالحفر المفتوحة مما يقلل من التكاليف بعكس الحال إذا بعدت الخامات عن السطح مما يدعو للحفر إلى أعماق كبيرة تزيد التكاليف وتجعل المنجم بأكمله تحت سطح الأرض. ج- نسبة المعدن في الخام: من المعروف أن نسبة الركاز المعدني تختلف من معدن لآخر فهي مرتفعة في بعض المعادن مثل الحديد ومنخفضة في البعض الآخر مثل الذهب، ولكل معدن نسبة معينة إذا قلت نسبة الركاز في الخام عنها أصبح استغلاله غير اقتصادي فإذا قلت نسبة معدن الحديد الخام عنها أصبح استغلاله غير اقتصادي فإذا قلت نسبة معدن الحديد الخام عن 50% ومعدن النحاس عن 2% زادت نفقات التعدين وقلت الأرباح بدرجة قد تؤدي إلى توقف الإنتاج. د- نسبة الشوائب في الخام: ذلك أن الخامات المعدنية توجد مختلطة بشوائب مختلفة لا بد من استبعادها عند استخلاص المعدن من

الخام وبطبيعة الحال فإنه كلما تزايدت نسبة هذه الشوائب كلما كانت تنقية الركاز المعدني منها أكثر تكلفة ومن أهم الأمثلة وجود السليكا والكبريت والفوسفور في خام الحديد، بل إن كثرة الشوائب قد تحول دون استغلال المعدن مثل وجود نسبة كبيرة من الشوائب ممثلة في السليكا والكالسيوم والبوتاسيوم في خامات الألومينا "أوكسيد الألمنيوم" بالولايات المتحدة، وتعذر استغلالها رغم الحاجة إليها حيث تستورد من الخارج.

الموقع الجغرافي

2- الموقع الجغرافي: سبق القول بأن الموقع الجغرافي من أبرز المقومات الجغرافية المؤثرة في الإنتاج الاقتصادي. ويعد التعدين من الحرف الهامة التي يؤثر فيها الموقع حيث يحدد إمكان الوصول إلى منطقة التعدين ونقل الخامات إلى مناطق الاستخدام ويرتبط بذلك العامل طرق النقل التي تعد أساسا للتعدين حيث تمد إلى مناطق التعدين إذا لم تكن متوفرة بها ويؤدي ذلك إلى زيادة تكاليف النقل. ولعل في كثير من خطوط النقل في أفريقيا ما يدل على ذلك حيث تمتد متعامدة على الساحل لتربط مناطق التعدين بمواني التصدير.

التطور التقني

3- التطور التقني: يؤثر التقدم التقني تأثيرا كبيرا في عملية التعدين في مراحلها المختلفة سواء في البحث عن المعادن أو عملة التعدين ذاتها أو عمليات تجهيز الخامات ونقلها، ولا ريب في أن التقدم التقني أدى إلى زيادة كبيرة في الإنتاج المعدني في العصر الحديث، وقد قطعت الدول الصناعية المتقدمة شوطا كبيرا في استغلال معادنها في الوقت الذي ما زالت فيه كثير من الدول النامية بعيدة عن استغلال ثرواتها المعدنية كذلك فإن كثيرا من معادن الدول الأخيرة تستغله حاليا شركات ورءوس أموال أجنبية على قدر كبير من التطور التقني. وبالإضافة إلى هذه العوامل الرئيسية هناك مقومات أخرى تؤثر في الإنتاج المعدني أبرزها توفر رءوس الأموال وتفاوت الأموال وتفاوت الطلب على المعادن ثم السياسات الحكومية المتبعة في استغلال المعادن ومدى الاعتماد على الشركات الأجنبية في هذا الصدد.

أقاليم التعدين في العالم

أقاليم التعدين في العالم مدخل ... أقاليم التعدين في العالم: إذا نظرنا إلى توزيع موارد الثروة المعدنية على خريطة العالم نلاحظ أنها واسعة الانتشار ولكنها لا تتوزع بعدالة في الأقاليم المختلفة وليس هناك إقليم واحد يحظى بكل أنواع المعادن حتى ولو بكميات قليلة، وقد سبق القول بأن هناك علاقة مباشرة بين أنماط الحرف الزراعية والرعوية والغابية وصيد الأسماك وبين المناخ السائد، ففي كل هذه الحرف يتعامل الإنسان مع نباتات أو حيوانات يتأثر توزيعها بنظم الحرارة وسقوط الأمطار. أما بالنسبة للثروة المعدنية فيختلف الأمر اختلافا جذريا؛ ذلك لأن المناخ يؤثر فقط في ظروف التعدين وفي بعض الموارد المعدنية مثل نترات الصحراء الشيلية التي تتطلب مناخا جافا تماما لقابليتها للذوبان أما توزيع المعادن الحالية فلا يعكس الظروف المناخية الحديثة ولكن يرتبط بظروف الأرض في الأزمنة الجيولوجية السحيقة، ولذلك فإن التاريخ الجيولوجي لمنطقة ما هو مقدمة ضرورية لمعرفة أنواع موارد الثروة المعدنية التي يحتمل وجودها بها. ففي المناطق ذات الصخور الرسوبية مثلا يحتمل العثور على موارد الوقود وبعض الموارد الأخرى مثل الفوسفات والبوتاس والكبريت والجبس والصلصال والملح وفي بعض الأماكن توجد معادن فلزية في مثل هذه الصخور مثل خام الليمونيت والذهب والبلاتين الذي يوجد في الرواسب النهرية وتوجد معظم المعادن الفلزية في الصخور النارية والمتحولة "وهذه الصخور لا يوجد بها موارد وقود معدنية على الإطلاق" ويساعد على عملية التعدين تعرض المناطق الحاوية للمعادن لعوامل الالتواء والانكسار والتعرية؛ وذلك لأن ذلك يساعد على سهولة كشفها واستخراجها. ولذا تعد حرفة التعدين من الحرف الهامة في كثير من السلاسل الجبلية في العالم. وبالرغم من أن التعدين حرفة واسعة الانتشار فإن هناك مناطق تعدينية قليلة في مساحات واسعة من العالم شمال أمريكا الشمالية وشمال أوراسيا وهضاب آسيا الوسطى وأواسط صحراء استراليا والصحراء الكبرى وحوض الكونغو ووسط أمريكا الجنوبية جنوب مرتفعات جيانا حتى بتاجونيا، وربما لم يكتشف الكثير من موارد الثروة المعدنية بهذه المناطق وتعد بذلك موارد كامنة يعتمد عليها تطوير هذه المناطق واستغلالها، وقد اكتشفت رواسب معدنية كبيرة في العقدين الأخيرين في بعض هذه المناطق وبدأ استغلالها بالفعل مثل البترول

وخام الحديد والمنجنيز واليورانيوم إلا أن بعد هذه المناطق ونقص الأيدي العاملة بها وعدم توفر وسائل النقل الحديثة تعد من المشكلات الجوهرية التي تؤخر استغلالها مواردها المعدنية. وعلى أساس تنوع المنتجات التعدينية وعدد أقاليم التعدين وكمية الإنتاج بها، فإنه يمكن تحديد ثلاث مناطق رئيسية للتعدين في العالم وهي:

إقليم أمريكا الشمالية

1- إقليم أمريكا الشمالية: ويمتد من وسط ألاسكا وشمال وسط كندا حتى جنوب المكسيك. وتسهم السهول الوسطى الممتدة من خليج المكسيك حتى الدرع اللورنسي بأكثر من نصف قيمة المعادن التي تستخرج في الولايات المتحدة وحوالي ربع المعادن المستخرجة من كندا. وأهم موارد الثروة المعدنية بها البترول والغاز الطبيعي والفحم والكبريت والبوتاس والملح والرمل والحصى وفي أماكن قليلة الرصاص والزنك والذهب، أما هضاب الأبلاش وأوديتها فتسهم بنحو خمس قيمة إنتاج المعادن وأهم منتجاتها الفحم والقوى الكهرومائية والأحجار لكل الأغراض والصلصال والرمال والحصى والملح والجبس وفي أماكن قليلة البترول وخام الحديد وصخور الفوسفات. أما الهضاب والأحواض الغربية في هذا الإقليم التعديني الكبير فتسهم بحوالي ربع إنتاج الثروة المعدنية وخاصة البترول والغاز الطبيعي والقوى الكهرومائية والنحاس والموليبدنم والذهب والفضة والرصاص والزنك واليورانيوم، وفي بعض الأماكن خام الحديد والفوسفات والبوتاس. ويوجد في الأجزاء الجنوبية من الدرع اللورنسي بعض مناطق تعدين الحديد الهامة ومحطات توليد الكهرباء من المياه وتلعب دورا هاما في إنتاج النيكل والنحاس واليورانيوم والذهب والفضة والرصاص والبلاتين وغير ذلك من المعادن. ويزداد التعدين كثافة في هضاب وأحواض وجبال المكسيك وهي تنتج الفحم وخام الحديد بل والذهب والفضة والرصاص والزنك والنحاس والزئبق

وغيرها، ويوجد الكثير من حقول البترول في إقليم السهل الساحلي لخليج المكسيك والتي تنتج معظم الاحتياجات المحلية للولايات المتحدة. وبالإضافة إلى الاحتياجات وإلى توفر موارد الثروة المعدنية في الأقاليم السابقة بكميات وفيرة فإنها تتمتع بمميزات هامة أبرزها توفر الأيدي العاملة وإمكانيات النقل الحديثة ورأس المال والأسواق التي تتزايد مطالبها الاستهلاكية.

الإقليم الأوراسى

2- الإقليم الأوراسي: ويمتد هذا الإقليم التعديني الرئيسي من غرب المملكة المتحدة وشبه جزيرة أيبيريا حتى شرق وسط سيبيريا. ويعد غرب أوروبا من المناطق الهامة في هذا الإقليم في إنتاج الفحم وخام الحديد والقوى الكهرومائية والصلصال والرمال والحصى والأحجار للأغراض المختلفة والبوكسيت والملح والبوتاس، ويعتمد هذا الإقليم على الموارد المستوردة من النحاس والرصاص والزنك والقصدير وتقريبا كل السبائك الحديدية، وتتوفر في غرب أوروبا عدة مقومات للتعدين مثل توفر الخامات المعدنية ووسائل النقل الجيدة من سكك حديدية وطرق سيارات وطرق مائية داخلية وخطوط طيران وتوفر رءوس الأموال والأيدي العاملة والأسواق المحلية والإقليمية. ويمثل الاتحاد السوفيتي وتوابعه الجناح الشرقي من هذا الإقليم التعديني العالمي، وينتج كل المعادن السابق ذكرها في غرب أوروبا بالإضافة إلى البترول والغاز الطبيعي والمنجنيز واليورانيوم وكميات متنوعة من السبائك والمعادن الأخرى، ويعد الاتحاد السوفيتي أقل اعتمادا على الموارد الخارجية بالمقارنة بغرب أوروبا أو حتى بالولايات المتحدة، وتبذل الحكومة المركزية جهدا كبيرا في تزايد الإنتاج المعدني زيادة كبيرة.

إقليم جنوب شرق آسيا

3- إقليم جنوب شرق آسيا: يعد هذا الإقليم ثالث الأقاليم التعدينية الرئيسية في العالم، ويشمل الهند والصين واليابان والملايو والجزر المجاورة، ويعد الانتاج من بعض مصادر الثروة المعدنية مثل الملح والرمال والصلصال ضخما في هذا الإقليم وذلك حتى

يمكن سد حاجات السكان الكثيري العدد به، وفي الأقطار الثلاثة الأولى، يعد الفحم وخام الحديد ومجموعة من السبائك على قدر كبير من الأهمية للاستهلاك المحلي، وتعد الملايو وإندونيسيا أولى دول العالم في إنتاج القصدير للتصدير وكذلك تنتج الهند المنجنيز وتصدر كمية كبيرة منه وتصدر إندونيسيا البترول والملايو والفلبين تصدران الحديد الخام إلى اليابان والفلبين تصدر الكروم والصين تصدر التنجستين. وبالإضافة إلى هذه الأقاليم الرئيسية السابقة، هناك بعض الأقاليم الأقل أهمية والتي تمارس التعدين، مثل استراليا وغرب أمريكا الجنوبية من شرق فنزويلا حتى مضيق ماجلان والمرتفعات الرازيلية وجنوب غرب آسيا وهضاب جنوب أفريقيا وشمال أفريقيا وغرب أفريقيا، وينتج كل من هذه الأقاليم كميات ضخمة من المواد الأرضية كالصخور والأحجار لسد الاحتياجات المحلية. وبالإضافة إلى تغطية الاستهلاك المحلي من بعض عناصر الثروة المعدنية مثل الفحم وخام الحديد وغير ذلك فإن استراليا تصدر الرصاص والزنك بكميات كبيرة، وتنتج كل أقطار غرب أمريكا الجنوبية القوى الكهرومائية، وكميات قليلة من الفحم والبترول الذي ينتج في فنزويلا وكولومبيا وبيرو. لقد أصبحت فنزويلا وشيلي وبيرو من أهم دول أمريكا الجنوبية في التعدين؛ وذلك بفضل الشركات ورءوس الأموال الأجنبية وقد أصبحت هذه الدول مصدرة لخام الحديد وتعد شيلي مصدرا رئيسيا للنحاس والنترات واليود وتصدر بيرو النحاس والفاناديوم والأنتيمون وغير ذلك من المعادن وتصدر بوليفيا القصدير والأنتيمون والتنجستين.

الباب الحادى عشر: في الجغرافيا والسياسة

الباب الحادى عشر: في الجغرافيا والسياسة الفصل الأول: الدولة ومقوماتها الجغرافية مدخل ... الفصل الأول: الدولة ومقوماتها الجغرافية: تعد الدولة المكون الأساسي للنمط السياسي العالمي كما أنها تعد وحدة جغرافية سياسية ذات تركيب متعدد الملامح يجعلها ظاهرة فريدة بالنظر إلى مكوناتها الطبيعية التي تتمثل في مجالها الأرضي وفي العلاقات المترتبة على شغل الإنسان لهذا المجال الأرضي لتلك الدولة ذات الحدود السياسية الواضحة والعلاقات القائمة بين تلك الدولة والمناطق السياسية الأخرى في العالم. ويمكن تقسيم الأسس الجغرافية المؤثرة والمحددة للتركيب السياسي للدولة إلى مجموعات رئيسية هي الأسس والمقومات الطبيعية ثم الأسس والعوامل الحضارية، ومن البديهي أن تختلف الدول فيما بينها في كل عنصر من هذه العناصر فبعضها عملاق المساحة والآخر قزمي في كليهما. كذلك فإن هناك دولا غنية في مواردها ومتقدمة في استغلال هذه الموارد وأخرى تعاني النقص في الموارد والاستغلال مما ينعكس على اقتصادها الوطني المتواضع ومستوى العيش المتدني لسكانها. وينقسم سطح الأرض اليابس -باستثناء قارة انتاركتكا- إلى ما يزيد على 190 وحدة سياسية الغالبية العظمى منها مستقل ولكل من هذه الوحدات السياسية تركيب حكومي مركزي ويفصلها عن جيرانها حدود سياسية صارمة تمثل الإطار النهائي للإقليم الذي تمارس عليه الحكومة سيادتها وسيطرتها، وحتى يمكن فهم دور الأسس الجغرافية والتفاعل بينها في خلق ملامح شخصية الدولة فإنه ينبغي تناولها في ضوء العناصر الطبيعية والبشرية ومدى التفاعل بينها لخلق عناصر القوة أو الضعف في الدولة.

الأسس والعوامل الطبيعية

الأسس والعوامل الطبيعية مدخل ... أولا: الأسس والعوامل الطبيعية تشمل هذه الأسس الخصائص الطبيعية للدولة وهي الموقع والحجم

والشكل والمناخ ومظاهر السطح ومصادر المياه وموارد الثروة المعدنية وهذه الخصائص الطبيعية منفردة أو مجتمعة تفرض حدودا على النشاط البشري داخل منطقة محدودة كما تتيح للإنسان مجموعة من الاختيارات يختار منها ما يلائم حياته وتوفر له بعض مظاهر نشاطه البشري كما هي الحال في موارد البترول في منطقة الخليج العربي والتربة الخصبة في أوكرانيا ومصايد الأسماك في المياه المجاورة لأيسلنده وكذلك رواسب الفحم في ألمانيا التي ساعدت على التقدم الصناعي بها وتنمية قدراتها الاقتصادية، ومن الخصائص الطبيعية الموقع مثل موقع بنما في البرزخ الموصل بين الأمريكتين وبيئة الجزر اليابانية والمناخ غير الملائم للسكان في جرينلند وما شابه ذلك من خصائص ذات أهمية خاصة في وظائف الوحدات السياسية.

الموقع

1- الموقع: يعد الموقع عنصرا هاما من الخصائص الطبيعية للدولة سواء كان بالنسبة لخطوط الطول ودوائر العرض أو بالنسبة لليابس والماء أو بالنسبة للدول الأخرى أو حتى بالنسبة للموارد الطبيعية خارج حدود الدولة ذاتها، والموقع الفلكي يعد هاما في تحديد النطاق المناخي الذي تنتمي إليه الدولة أو جزء منها، ومن الواضح أنه ما من دولة تقع كلية في الأقاليم المدارية المطيرة والقطبية قد نجحت في العصر الحديث في أن تكون قوة سياسية ذات أثر عالمي والسبب الرئيسي وراء ذلك هو المناخ وما يترتب عليه من أنشطة بشرية. وكذلك يرتبط بالموقع وقوع موارد الفحم بين دائرتي عرض 40 - 60 درجة شمالا ومن ثم توفرت للدول في هذا النطاق قاعدة هامة للتصنيع كما يرتبط بذلك موقع الدول بالنسبة للمسطحات المائية لما لهذا الموقع من تأثير على المناخ واستغلال البحار والمحيطات في أوجه النشاط التجاري والتوسع الاقتصادي والسياسي، -ولعل في موقع بريطانيا خير دليل على ذلك- ويعد الوصول للبحر هدفا ذا فوائد متعددة تسعى الدول باستمرار للوصول إليه ولذلك فإن دول العالم يمكن أن تقسم حسب الجبهات البحرية فبعض الدول له أكثر من جبهة بحرية حيث يطل على أكثر من بحر مثل الولايات المتحدة وفرنسا، وبعضها مغلق تماما مثل بوليفيا والنمسا حيث لا تصل حدودها إلى أية بحار.

والموقع بالنسبة للدول المجاورة يعد من أهم الأمور المتعلقة بالموقع، فالحدود التي تصل بين الدولة وجيرانها والمنازعات الإقليمية التي تترتب عليها تعد ذات أهمية كبرى في التطور السياسي للدولة فكانت المشكلات الإقليمية لبولنده مع جيرانها مثلا عنصرا هاما في تاريخ الدولة كوحدة قومية كذلك فإن حدود بلجيكا ظلت ثابتة منذ سنة 1839 بالرغم من وقوعها ضحية للغزو الألماني الموجه نحو فرنسا مرتين كما أن تاريخ كوريا السياسي تأثر بموقعها شبه الجزري بالنسبة لليابان والصين. وليس هناك صعوبة في معرفة عدد الدول المجاورة لكل دولة في العالم فيكفي النظر إلى خريطة العالم السياسي لإدراك ذلك، يمكن عمل تبويب يوضح عدد جيران كل دولة ثم تجمع الدول ذات العدد المتساوي من الجيران كما توضح الأرقام التالية التي تشمل أكبر مائة دولة من حيث عدد السكان في العالم. وأكثر الدول من حيث عدد الجيران هي ما يلي: دول ذات 12 جارا الاتحاد السوفيتي والصين. دول ذات 10 جيران البرازيل. دول ذات 9 جيران ألمانيا الغربية وزائير. دول ذات 8 جيران السودان وتنزانيا. دول ذات 7 جيران يوغسلافيا وزامبيا ومالي والنيجر.

ومن ناحية أخرى فهناك 9 دول ليست لها جيران وهي الدول الجزرية مثل كوبا واليابان ومالاجاش. ولا تتحدد أهمية الموقع في عدد الجيران فقط بل بمجموع عدد سكان الدول المجاورة للدولة وما يترتب على ذلك من علاقات تحكمها نسبة عدد سكان الدولة إلى مجموع سكان الدول المجاورة فدولة مثل سويسرا "6 ملايين نسمة" يجاورها ألمانيا الغربية "58 مليونا" وفرنسا "50 مليونا" وإيطاليا "52مليونا" والنمسا "7 ملايين" أي أن النسب بين سكانها وسكان الدول المجاورة هي 6: 167 أو 1: 28 وكذلك الحال في جمهورية أيرلنده ذات الثلاثة ملايين مقابل 55 مليون في بريطانيا، جارتها الوحيدة. أي النسبة 1/ 18 ومن وجهة نظر بريطانيا فإن النسبة 55: 3 اي حوالي 18: 1 وهذه النسب هي مقاييس لإمكانيات الضغوط الكامنة والشعور الدفين بتهديدات محتملة سواء من جانب الساسة أو حتى الشعوب. فتشيكوسلوفاكيا مثلا بسكانها البالغ عددهم 14 مليونا تواجه 360 مليونا "بما فيهم سكان الاتحاد السوفيتي وألمانيا الغربية" حيث تصل نسبتها إلى 1: 26، حتى إن الاتحاد السوفيتي نفسه تنخفض نسبته في مقابل الصين لتصبح 1: 4 وتصل النسبة بين سكان إسرائيل والدول العربية الأربعة المجاورة لها إلى 1: 14 أما جمهورية منغوليا الشعبية واحد مليون فتجاور الصين "920 مليونا" والاتحاد السوفيتي "236 مليونا" فلها نسبة قياسية تصل إلى 1: 1100 وهذا قدر الدولة الحاجزة دائما.

الحجم

2- الحجم: يعد هاما للدولة وذلك بالنسبة لسيطرتها السياسية والدفاعية وكلما كانت الدولة تملك مساحة أكبر تمكنها من التراجع أمام قوات الغزو كلما كان ذلك أفضل في توفر فرصها على الصمود والبقاء كما حدث للاتحاد السوفيتي أثناء الحرب العالمية الثانية الذي استغل مساحته الشاسعة في مواجهة الغزو الألماني. كذلك فإن الحجم الكبير يسمح بانتشار السكان والصناعات كأهداف حيوية داخل البلاد. ومن ناحية أخرى فإن ضخامة الحجم يعني حدودا أطول تتطلب جهودا أكثر من الدفاع الأرضي والبحري والجوي. كما أن هذه الضخامة قد تؤثر على فعالية السيطرة الداخلية وقد يضعف الاتصال بين

العاصمة والمناطق البعيدة مما يشجع على إمكان وجود حركات انفصالية في الأقاليم الهامشية للدولة. التطرف في أحجام الدول "المساحة بالكيلو متر المربع"

الشكل

3- الشكل: وهو من العناصر ذات الأهمية في الدفاع والسيطرة السياسية فالدولة الضيقة -دون اعتبار لكبر مساحتها- تواجه صعوبات ومشقة في الدفاع أكثر من الدولة المندمجة، كذلك فإنه بالنسبة للتماسك السياسي الداخلي فإن الشكل الدائري ذي العاصمة المركزية في الوسط يعد ذا فائدة كبرى حيث إن المسافات بين العاصمة والمناطق الهامشية في الدولة أقل مما يمكن. ويرتبط بالشكل بعض الظاهرات الأرضية السياسية مثل الجيب السياسي والنتوء الجبلي السياسي والقطاع السياسي ورأس الكوبري، والجيب السياسي جزء من مساحة دولة ما ويحاط كلية بأراضي دولة أخرى، وفي معظم الأحوال فإن تعبيري Enclave, Exclave يستخدمان كلفظين متبادلين فبرلين الغربية مثلا هي جيب سياسي داخل ألمانيا الشرقية كما أنه جيب سياسي خارج ألمانيا الغربية وكثير من هذه الجيوب بقايا تاريخ سياسي مضى أو كمناطق ذات وضع خاص في أعقاب حرب بين دولتين أو أكثر.

أما النتوء الجبلي السياسي فهو امتداد السيطرة الإقليمية لدولة ما عبر حدود جبلية، وكان النتوء النمساوي الجبلي في التيرول الجنوبية قبل الحرب العالمية الأولى من أشهر هذه النتوءات السياسية وكان يمتد جنوب ممر برنر الذي يعبر جبال الألب ويسكنه سكان ناطقون بالألمانية وبعد الحرب العالمية الأولى ضمت إيطاليا التيرول الجنوبي وإن كانت مشكلة السكان الناطقين بالألمانية لم تحل حلا مرضيا بعد. وهناك ظاهرتان أخريان ترتبطان بالتطرف في شكل الدولة هما القطاع السياسي ورأس الكوبري، والقطاع هو امتداد ضيق لدولة ما ويمتد فاصلا بين دولتين أخريين إحداهما عن الأخرى مثل البروز السياسي الأفغاني المشهور بين الاتحاد السوفيتي والباكستان أما رأس الجسر "الكوبري" فهو امتداد للسيطرة الإقليمية لدولة ما عبر نهر ما ومن أمثلة ذلك رأس الجسر الهولندي عبر نهر الميز عند ماسترخت حيث تدخل السفن البلجيكية التي تستخدم الميز أراضي هولندية وتخرج منها عند هذه النقطة من النهر. وهناك دول عديدة في العالم مثل شيلي والنرويج تتميز بالطول المفرط والعرض الضيق وكانت بنما يوما ما امتدادا شماليا ضيقا لكولومبيا وانفصلت عنها في أوائل القرن العشرين ليس بسبب تطرف موقعها ولكن لأنها شقت قناة ملاحية ربطت المحيط الأطلسي والهادي، وقد رفضت كولومبيا في بداية الأمر أن تقوم الولايات المتحدة بإنشاء هذه القناة، وليس للشكل دور مباشر كبير في الوظيفة السياسية للدولة ولكن قد يكون له أهمية غير مباشرة من خلال تأثيره على اتصال الدولة بأجزائها كما حدث في حالة انفصال باكستان الشرقية عن الغربية، وخاصة إذا كانت هذه الأجزاء المتطرفة متباينة في ظروفها الجغرافية بدرجة تخلق نوعا من النزعة الانفصالية.

المناخ

4- المناخ: يؤثر في التطور السياسي وإن كان من الصعب تحديد دوره بمفرده حيث إن المؤثرات المناخية لا يمكن فصلها عن العوامل الطبيعية والحضارية الأخرى فقد نشأت الحضارة وانتشرت خلال القرون الماضية في الأقاليم ذات المناخ الدافئ والبارد نوعا أما في العصر الحديث فإن القوى العالمية العظمى

تقع في العروض الوسطى حيث تتميز باختلافات فصلية في درجة الحرارة، كما تتباين بها الأقاليم المناخية تباينا كبيرا. ولقد تناولت آراء كثيرة المناخ الأمثل في العروض الوسطى ولا شك أن البرودة الموسمية والغابات في العروض العليا كانت عوائق في سبيل الانتشار المبكر للحضارات في الشمال -من مواقعها المدارية- واستطاع الإنسان في العصر الحديث بوسائل التقدم الفني أن يتغلب على عوائق البيئة الطبيعية، ومن المؤكد أن جذور الحضارة الغربية التي نعرفها اليوم تمتد إلى العالم اليوناني - الروماني ولكنها تطورت بعد ذلك في النطاق الشمالي الغربي لأوروبا الذي أزيلت غاباته ثم امتدت لتشمل الأراضي الجديدة في العالم الجديد ومن المعروف أن تطور حضارة معينة يرتبط بالقوة السياسية والعسكرية والاقتصادية للوحدة السياسية وتوفر العوامل الجغرافية التي تساعد على ذلك. وعندما انتشرت الحضارة خارج مركزها في شمال غرب وشمال وسط أوروبا فإنها تأسست في تلك الأجزاء من العالم ذات المناخات الرطبة في العروض الوسطى -مشابهة للمناخ الذي وفدت منه في أوروبا، ولم تستطع المناخات المدارية الرطبة أو الواحات الصحراوية وأراضي الحشائش القصيرة "الإستبس" ولا الأصقاع الشمالية أن تجذب استقرار الشعوب الأوروبية إلى هذه الأراضي، حيث وفدوا إلى هذه المناطق للاستغلال وليس الاستيطان. وحتى في استعمار الأقاليم الرطبة في العروض الوسطى فإن الأهداف الرئيسية للأوروبيين كانت أساسا استغلالية ولكن استغرق ذلك فترة قصيرة وفي تلك المناطق مثل كندا واستراليا والولايات المتحدة ونيوزيلند فتح الاستغلال الطريق نحو الاستيطان الدائم. ويعد الموقع الحالي للمجتمعات الصناعية الغربية في العالم نتاجا للتفضيل البشري أكثر منه نتاجا لحدود كامنة في مناخات معينة. حيث فضل الأوروبيون أن ينقلوا حضارتهم إلى مناطق ذات مناخ العروض الوسطى وهذه الحضارة باستخدامها العظيم لمصادر الطاقة لديها وخلفياتها في المكتشفات التكنولوجية قد أسهمت في وجود أساس لدى القوى العالمية المعاصرة وفي

خلال العقود العديدة الماضية كانت هناك عملية انتشار للحضارة الغربية نحو مناطق جديدة في كل العروض الوسطى والدنيا والحالة الأخيرة أي انتشار الحضارة الصناعية الغربية في المناطق شبه المدارية بقدراتها على التقدم ترتبط بمجموعة متشابكة من العوامل التي تسهم في القوة السياسية. وبالإضافة إلى المؤثرات المناخية على توزيع مناطق القوى في العالم فإن هناك علاقات بين المناخ والتركيب السياسي للدول بمفردها وخاصة الآثار المترتبة على التنوع المناخي وأثره في القوى السياسية أو التباين في داخل الدولة ويرتبط توزيع السكان في داخل الدول بأنماط المناخ البارد أو الجاف أو الرطب أو المداري حيث يكون السكان مبعثرين في الغالب وهذا في حد ذاته عامل يؤدي إلى التعقيد السياسي للدولة وفي داخل الدولة يوجد ما يعرف بالاكيومين وهو الذي يعرف بأنه أكثر أقاليم الدولة الآهلة بالسكان وخاصة ذلك الجزء الأكثر ارتباطا بخطوط المواصلات وغالبا ما تكون المدينة العاصمة واقعة في الاكيومين أو قريبة منه حيث تتركز القوى السياسية والاقتصادية. وإذا كان السكان مركزين في منطقة محددة وصغيرة بالنسبة لمساحة الدولة كما هو الحال في الصين فإن جزءا كبيرا من هذه المساحة يمكن أن يكون غير ذي تنظيم فعال وقد تنفصل بعض أجزائه عن سيطرة العاصمة إذا ضعفت الحكومة المركزية، ومن ناحية أخرى فقد يوجد في داخل الدولة مركزين أو أكثر للسكان كما في بوليفيا تفصلهم مناطق مخلخلة السكان ويؤدي ذلك إلى وجود قوى مركزية قوية. وتؤدي الاختلافات المناخية إلى تباين اقتصادي في الدولة مما قد يترتب عليه نزاع المصالح كما كان الحال بين الشمال والجنوب في الولايات المتحدة قبل الحرب الأهلية حيث كان الجنوب بمناخه الرطب شبه المداري معتمدا كلية على الاقتصاد الزراعي واستخدام الرقيق في الوقت الذي لم يتمتع فيه الشمال بمثل هذا النمط الاقتصادي من ناحية أخرى فإن الاختلافات الاقتصادية يمكن أن تساهم في الوحدة الوطنية كما في استراليا مثلا التي وجدت الوحدات الإقليمية مزايا في الدخول في وحدة سياسية مفردة.

مظاهر السطح

5- مظاهر السطح: ونعني بها الجبال والهضاب والتلال والسهول وهي ذات أهمية عظمى

للتركيب السياسي الجغرافي للدولة فقد ينزع سكان الجبال نحو العزلة والحصول على نوع من الاستقلال "أفغانستان واندروا" بينما سكان السهول مثل الأكرانيين قد يتعرضون لتدخل خارجي ومن ثم يكون لديهم فرصة قليلة للحكم الذاتي كما أن وجود سلاسل جبلية على حدود الدولة يمكن أن يساعد على الدفاع ضد الجهات الخارجية من جيرانها ومن ثم يساعد على استقلالها فجبال البرانس بين فرنسا وإسبانيا والألب بين إيطاليا والنمسا هي أمثلة من هذا النوع التي لعبت دورا في النزاع العسكري بين الدول المتجاورة. وقد تلجأ بعض جماعات الفدائيين إلى المناطق الجبلية كما حدث في يوغوسلافيا أثناء الحرب العالمية الثانية وأيضا في شمال اليونان وكما حدث لقوات كاسترو في كوبا وفي كل هذه المناطق الجبلية الوعرة كانت السيطرة الفعالة للحكومة المركزية صعبة بل وأحيانا مستحيلة. وهناك أحوال متعددة تؤثر فيها أشكال السطح في الوحدة الداخلية للدولة فالمناطق المرتفعة أو المنخفضة تؤثر على توزيع السكان تأثيرا كبيرا ومن ثم على موقع منطقة القلب للدولة فقد يعوق امتداد السلاسل الجبلية الاتصال بين العاصمة ومناطق الأطراف إذا كانت هذه الجبال فاصلا بينهما ونتيجة لذلك يضعف التماسك السياسي بين أجزاء الدولة. كذلك فإن الجماعات البشرية التي تقطن المرتفعات الجبلية قد تنتشر لديها أفكار وأهداف مختلفة أكثر مما لدى البيئات المنخفضة ومن ثم تخلق قوى سياسية مناوئة داخل الدولة فإكوادور مثلا توجد بها مناطق تركز في المنخفضات أو في المرتفعات ولكن المركز الرئيسي كيتو "العاصمة" في الجبال وهناك مراكز أخرى مثل جوايا كيل على الساحل توضح تضارب المصالح بين مناطق الجبال والمنخفضات داخل الدولة.

المجاري والمسطحات المائية

6- المجاري والمسطحات المائية: وهي تعد ذات أهمية خاصة للدولة فالأنهار غالبا ما تكون عوامل وصل وتماسك داخل الدولة كما في نهر النيل ونهري الدجلة والفرات في العراق ومجدالينا في كولومبيا الوسطى وقد يكون للبحار دور مشابه، فعلى امتداد شواطئ بحيرة مالارن تكونت نواة سايسية نما حولها جنوب السويد مبكرا حول استكهلم كما تشابه في ذلك إلى حد ما سويسره كما حول بحيرة لوزرن

ويمثل البحر عنصرا موحدا في الدول الجزرية كما هو الحال في اليابان والفلبين وإندونيسيا. ومن ناحية أخرى فقد تكون الأنهار مثلا عنصرا مقسما للدول وليس موحدا لها فنهر ريوجراند بين الولايات المتحدة والمكسيك ونهر الآمور بين الصين والاتحاد السوفيتي وكذلك البحيرات كبحيرة إيري وبحيرة جنيف استخدمت لكي تسير معها الحدود السياسية الدولية، وقد يكون للحدود الدولية دور هام في الدفاع عن الدولة بالرغم من أن الحروب الحديثة تستطيع التغلب على العوائق الطبيعية بسرعة ولعل في عبور الحلفاء نهر الراين ضد ألمانيا في ربيع سنة 1945 وعبور القوات المصرية قناة السويس ضد إسرائيل في أكتوبر 1973 خير دليل على ذلك. وقد يكون للمجاري المائية أهمية في النقل والتجارة وفي الري وتوليد القوى الكهربائية ويقوم نهر الفولجا في الاتحاد السوفيتي بالوظائف الثلاث بالنقل والري وتوليد القوى الكهربائية ولكي يستخدم في النقل لا بد أن يكون النهر منحدرا انحدارا هينا وأن يربط بين أقاليم ذات أهمية اقتصادية في الدولة فنهر الأمازون مثلا يصرف مياه حوض عظيم الاتساع يبدو أنه غير مسكون كذلك هناك ثلاثة أنهار رئيسية في سيبيريا السوفيتية تتجه شمالا نحو المحيط المتجمد الشمالي وهي أوب وينسي ولينا، ولقد خدمت أنهار كثيرة في الماضي التوسع السياسي لدول كثيرة كما حدث في أفريقيا في القرن التاسع عشر عندما تحددت حدود مستعمرات كثيرة بحدود أحواض الأنهار، أو مجاريها.

الموارد المعدنية

7- الموارد المعدنية: وتشمل الثروات المعدنية الفلزية واللافلزية وموارد الوقود كالبترول والفحم وليست مهمة فقط كمتطلبات أساسية للمجتمعات الصناعية الحديثة ولكنها قد تكون ضمن عوامل النزاع في مناطق إقليمية وهناك دول قليلة في العالم تملك كثيرا من بعض مصادر الثروة التي يحتاجها التصنيع بكميات وافرة وتتجه الدول الصناعية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفيتي نحو الدول الأقل قوة مثل فنزويلا وإيران وبوليفيا، التي تحوي أراضيها مصادر ثروة كبيرة ولكي تحمي احتياجاتها من هذه الموارد فإن الدول الصناعية قد تنشئ في بعض الأوقات أشكالا متعددة من مجالات النفوذ تضم الدول الأضعف.

هذا وقد يؤدي وجود مصادر معدنية غنية في مناطق الحدود إلى منازعات مسلحة بين الدول المتجاورة وأمثلة ذلك اكتشاف رواسب النترات في صحراء أتاكاما في غرب أمريكا الجنوبية الذي أدى إلى حرب ضروس عرفت باسم حرب الباسيفكي "1879 - 1884" وشملت شيلي وبيرو وبوليفيا؛ وذلك لامتلاك هذه المنطقة. ولا تعني مناقشة هذه الخصائص الطبيعية أن كلا منها متساوٍ في الأهمية مع العناصر الأخرى؛ ذلك لأنه في داخل الدولة فإن هذه العناصر السبعة موجودة بدرجة أو بأخرى، ولكن في كل دولة فإن عنصرا أو عنصرين فقط قد يكونا ذوي مغزى سياسي.

الأسس والعوامل الحضارية

ثانيا: الأسس والعوامل الحضارية: 1- السكان: يمثل السكان العنصر البشري المحوري في الجغرافيا السياسية ومشكلاتها المتعددة. ذلك لأن السكان عامل حيوي ديناميكي متحرك في دخل الوحدة السياسية وينشأ هذا التحرك في الواقع عن الزيادة الطبيعية والهجرة مما يؤثر في التركيب العمري النوعي والاقتصادي والعرقي للسكان وقد ينعكس ذلك على المشكلات العنصرية السائدة في بعض المجتمعات كذلك قد يؤدي إلى نزعة قومية تدفع بالدول إلى الاحتكاك ومن ثم تخلق المشكلات السياسية المحلية في داخل الدولة أو بينها وبين جيرانها. ويعد السكان على درجة كبيرة من الأهمية للدولة حيث يرتبط ذلك بحجمهم وتوزيعهم وتركيبهم وليس حجم السكان في الدولة عاملا هاما في قدرتها على تلبية احتياجاتها فقط ولكن لإمكانياتها وقدراتها الكامنة كذلك. فبعض الدول تتميز بكثافة سكانية عالية مثل اليابان وهولنده وبلجيكا وبريطانيا ولا تستطيع تحقيق اكتفاء ذاتي في احتياجاتها الغذائية بالرغم من استخدام الأساليب الزراعية الحديثة. وفي مجال العلاقة بين الغذاء والسكان في الدولة فإن الدول كثيفة السكان قد تتجه إلى زيادة موارد الغذاء المحلية وتنشئ إمبراطوريات فيما وراء البحار تساعد على نموها الاقتصادي أو تقليل أعداد

السكان بها بتشجيع الهجرة الخارجية على نطاق كبير نحو مناطق استيطان جديدة. أو قد تسلم في النهاية بانخفاض مستوى المعيشة لأفرادها. ولما كان التوسع في زيادة موارد الغذاء المحلية مرتبطا بعوامل محددة في البيئة الطبيعية فإن استيراد كل احتياجات السكان يصبح أمرا لا مفر منه وخاصة إذا كان الاستيراد أرخص من الإنتاج المحلي لبعض هذه الاحتياجات. أما البدائل الثلاثة الأخرى فلها دلائل سياسية قوية فقد اختفت الإمبراطوريات أو كادت مثل الإمبراطوريات البريطانية والفرنسية والهولندية، وكذلك أصبحت مناطق استقبال المهاجرين محددة بنظم صارمة "نظام الحصص مثلا" كما في الولايات المتحدة وكندا واستراليا أو بعوائق طبيعية كما في أجزاء من أمريكا اللاتينية وأفريقيا. كما أن الهجرة الخارجية قد تضعف من التركيب السكاني للدولة؛ وذلك لأن العناصر الشابة والطموحة هي التي تهاجر. وأخيرا فإنه ليست هناك حكومة تنتهج سياسة خفض مستمر في مستويات العيش لسكانها. وترتبط العلاقة بين حجم السكان والقوى القومية الكامنة بتركيب السكان تفصيليا وتكنولوجيا كذلك بقدرة الحكومة على تنظيم سكانها لخدمة الدولة ويساعد التعليم والمهارات الفنية للسكان على استخدام الموارد القومية بكفاءة. ومن أمثلة التنظيم الموجه ما حدث في ألمانيا وأثناء الحرب العالمية الثانية حيث دربت الحكومة 65 مليونا من البشر من ذوي القدرات والمهارات وذلك لتحقيق الأهداف القومية ولقد كان معظم قوة ألمانيا السياسية والعسكرية خلال هذه السنوات راجعا إلى حجم وتدريب سكانها، كذلك نجاح اليابان نجاحا مذهلا في استثمار مواردها البشرية استثمارا مكنها من تعويض النقص في مورادها الاقتصادية واستطاعت بذلك أن تتبوأ مكانة رفيعة في الاقتصاد العالمي. ويرتبط توزيع السكان بحجمهم والذي يعد بدوره هاما بالنسبة للوحدة أو التنافر الداخلي والعلاقات بين الدولة وجيرانها فالمناطق ذات الكثافة السكانية العالية تعد تأثيرا على التركيب المترابط للدولة وقد تكون مصدرا لمشكلات سياسية وعلى المجال الدولي فإن الحدود السياسية التي تخترق

مناطق قليلة السكان تؤدي إلى قلة الاحتكاك بدرجة أقل منها إذا اخترقت مناطق كثيفة. كذلك فإن المناطق الآهلة بالسكان القريبة من مناطق النزاع السياسي المجاورة قد تكون ذات أهمية للدولة وخاصة في وقت الحروب؛ ذلك لأن هذه المناطق إذا تعرضت لغزو وتمت السيطرة عليها أصبحت المقاومة ضعيفة في مواجهة العدو ولعل في موقع باريس ومنطقتها بالنسبة لحدود فرنسا الشمالية الشرقية دليل على ذلك. أما العنصر الثالث من السكان فهو تركيبهم وخاصة لغويا ودينيا وعرقيا وهناك دول تتميز بازدواج لغتها مثل كندا وبلجيكا كما أن هناك دولا تختلف أجزاؤها دينيا مثل كندا ويوغسلافيا وهولنده وإندونيسيا وأيرلنده الشمالية. والاختلافات العرقية تتمثل في جمهورية جنوب أفريقيا والولايات المتحدة. وقد يضعف وجود أكثر من لغة قومية واحدة داخل الدولة من قوتها السياسية حيث تنزع المجموعات اللغوية إلى تغير النمط السياسي السائد وتتجه إلى انفصال عن جسم الدولة وتكوين وحدة سياسية مستقلة. التجانس السكاني في الدولة: تعتمد الوحدة السياسية للدول على مجموعة من المقومات البشرية المرتبطة بالتركيب السكاني فيها والتي تجمع بين السكان وتكون مشتركة بينهم مؤلفة بين مشاعرهم تجاه الأرض التي تكون الإطار البيئي لهم ويدخل في عداد هذه المقومات التجانس اللغوي والديني والحضاري والعرقي بما يكفل وحدة الفكر والمشاعر. وقد ظهرت أهمية هذه المقومات في خلق دول كثيرة في العصور القديمة تجلى فيها الحرص على الروابط التي تزيد أهميتها ظروف البيئة الجغرافية الطبيعية ومن هذه الدول مصر التي أسهم النيل في إيجاد كيان طبيعي ترتكز عليه المقومات البشرية للدولة بها. على أن دراسة التجانس السكاني تستتبع دراسة الجنس والتوزيع اللغوي والديني ثم تحديد دور كل من هذه العناصر في الكيان السياسي؛ ذلك لأن كثيرا من المشكلات السياسية المحلية والدولية ترجع في الغالب لتباين في التركيب السلالي أو الديني أو القومي.

والجنس اصطلاح علمي غير محدد يطلق على مجموعة من البشر لهم صفات طبيعية خاصة مثل لون البشرة، وملامح الوجه، وشكل الرأس، وغير ذلك من الصفات الظاهرة التي يتخذها علماء الأجناس أساسا لتصنيف السكان إلى أجناس وربما كان التقسيم المألوف إلى قوقازي ومغولي وزنجي هو أبسط تقسيم للسكان إلى أجناس رئيسية. وقد سيطرت فكرة سيادة بعض الأجناس على أذهان بعض الساسة حيث أقاموا سياستهم على أساس بعض الخرافات الجنسية مثل خرافة التفوق الجنسي في ألمانيا النازية حيث كان هتلر من المؤمنين بأسطورة الجنس الآري، وما اشتملت عليه من تفوق النورديين على كل من عداهم من الناحيتين العقلية والبدنية وقد كان لهذا الاعتقاد نتائجه الخطيرة حيث يفسر الطريقة التي سار عليها الرايخ الثالث في معاملته للأجناس الأوروبية المنحطة في نظره وما أنزله بها من ألوان الاضطهاد والتعذيب. كذلك لم يترك قادة اليابان قبل هزيمتها في الحرب العالمية الثانية فرصة إلا وأكدوا فيها وجوب تقديس إمبراطورهم والرسالة المقدسة التي تقوم بها حكومته مما جعل الكثير من الجنود اليابانيين يؤمنون إيمانا راسخا بأنهم رسل الإمبراطور في إبلاغ رسالته إلى الباسفيك والشرق الأقصى. كذلك أدى وجود الزنوج في الولايات المتحدة إلى خلق ما يعرف بالمشكلة العنصرية، ويأخذ التعصب ضد الزنوج في التضاؤل في أمريكا اللاتينية حيث يتمتع زنوج البرازيل بحقوق وامتيازات يحسدهم عليها زنوج الولايات المتحدة الذين يعانون من التفرقة العنصرية معاناة شديدة. ولكن ينبغي الإشارة في هذا المجال إلى أن السلالة أو الجنس لا تعتبر عاملا حتميا للتجانس السكاني للدولة، ذلك لأن توزيع السلالة الواحدة قد يكون كبيرا بدرجة لا تسمح بنوع من التجانس المحلي القائم على مقومات أخرى حضارية كاللغة والدين وأسلوب الحياة بل إن السلالة الواحدة قد تضم سلالات فرعية تختلف دياناتها أو لغاتها وأسلوب حياتها كذلك فإن حركة السكان الدائبة والتي ازدادت في العصر الحديث أدت إلى اختلاط واسع وكبير انتفى معه الادعاء بالنقاء العنصري أو الجنس.

وقد أدى الادعاء بالنقاء الجنسي إلى خلق مشكلات سياسية متعددة لعل أهم مظاهرها في العصر الحديث مشكلة التفرقة العنصرية التي تتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية بين البيض والملونين حيث مازال الرجل الأبيض يشعر باستعلاء ورقي عن الملون مما أدى إلى وجود تمزق في الهيكل السكاني يشبه مثيله في جمهورية جنوب أفريقيا وزيمبابوي حيث كانت هجرة الأوروبيين إليها مصحوبة الإحساس بالتفرقة على السكان الأصليين. وتعد الولايات المتحدة الأمريكية من الأمثلة الواضحة على الدول ذات المشكلات العنصرية حيث إن عشر عدد سكانها من الزنوج والملونين. ويعيش معظم هؤلاء في الجنوب الشرقي وهو معقل العبودية الأصلي الذي يتميز بزراعة القطن، وتتضاءل النسبة للملونين نحو الشمال قلة واضحة، ويعيش زنوج الولايات المتحدة في مستوى اقتصادي منخفض عن البيض فقد بلغ متوسط نصيب الفرد الأبيض من الدخل سنة 1965 مثلا 4800 دولار مقابل 2700 للزنجي، كما أن التمييز العنصري يشمل النواحي السياسية والاجتماعية فليس هناك سلم اجتماعي يمكن أن يصل بواسطته السود إلى مرتبة البيض. كذلك تتكرر ظاهرة التفرقة العنصرية في جمهورية جنوب أفريقيا وذلك بالرغم من أن التركيب السكاني يختلف بها عن مثيله من الولايات المتحدة كذلك؛ لأن زنوج جنوب أفريقيا هم الأغلبية وليست هناك ولاية واحدة من ولايات البلاد يتفوق فيها البيض على الزنوج -بعكس الحال في الولايات المتحدة الأمريكية التي لا توجد بها ولاية واحدة يتفوق فيها السود على البيض. ولكن تعقيد الموقف في جنوب أفريقيا يظهر في أن معظم الأوروبيين يرجعون إلى أصل هولندي "البوير" والقليل إلى أصول بريطانية ذلك بالإضافة لوجود سكان آسيويين وآخرين مخلطين في مقاطعة الكاب وهم نتاج للأفريقيين والأوروبيين ويعمل الملونون بالأعمال اليدوية كالتعدين والأعمال المنزلية وهم يعيشون في مستوى اقتصادي منخفض وكانت نفس الظاهرة سائدة في زيمبابوي قبل استقلالها حيث كانت أقلية بيضاء من أصل بريطاني تتحكم في أغلبية زنجية، وتتملك الدولة بمعنى الكلمة حيث كانت لها الأراضي الزراعية الخصبة والمصانع والمؤسسات التجارية، وقد تغير ذلك الوضع تماما بعد الاستقلال. أما اللغة: فهي من أفضل الوسائل وأظهرها أثرا في خلق التجانس السكاني للدولة

حيث إنه من الطبيعي أن يكون الاتفاق في اللغة عاملا هاما من عوامل توحيد الجماعات كما أن اختلافها يؤدي إلى التفرقة في الغالب. وتتميز كل من أوروبا وآسيا بتعدد لغاتها وتباينها، عكس المشاهد في أمريكا واستراليا، حيث تعتبر مشكلة اللغة أبسط المشكلات وأيسرها فالإنجليزية والإسبانية والبرتغالية هي اللغات الرئيسية في الأمريكتين مع قليل من الفرنسية في مقاطعة كوبيك بكندا، والهولندية في جزر الهند الغربية وسورينام. واستراليا لها لغة واحدة وهي الإنجليزية. كما أن الوطن العربي يتكلم بلغة واحدة هي العربية. أما الهند فهي مثل الدولة التي تتعدد فيها اللغات وإن كانت الإنجليزية هي لغتها الرسمية حيث توجد بها مئتا لغة عدا اللهجات العديدة ومن هاتين يوجد عشر لا يقل عدد من يتكلم كلا منها عن التسعة ملايين من الأنفس. ويتحدث سكان العالم اليوم بما يقرب من ثلاثة آلاف لغة تتفاوت من اللغة الصينية والإنجليزية التي يتكلم بها مئات الملايين ولغات قبائل الأمازون في أمريكا الجنوبية وقبائل نيوغنيا وأجزاء من آسيا التي يتحدث بها جماعات قليلة العدد وقد شهد العصر الحديث انتشار استخدام لغات عالمية وتقلص لغات أخرى حتى اختفت أو أصبحت قاصرة على أقليات لغوية في أماكن عزلة بعيدة في رقعة بعض الدول. ويعد توزيع اللغات على سطح الأرض أمرا معقدا للغاية ويندر أن تتمشى الحدود السياسية تماما مع الحد اللغوي للدولة ومعظم دول العالم لها لغة رسمية وأحيانا لغتين أو ثلاث ولذا يمكن تصنيف لغات العالم في هذا الصدد إلى أربع مجموعات: 1- بعض اللغات تتكلمها عدة دول مثل الإنجليزية والإسبانية والفرنسية والبرتغالية والألمانية والعربية. 2- بعض اللغات تستخدم في دولة واحدة فقط مثل البولندية واليابانية والأيسلندية. 3- بعض الدول تسود فيها عدة لغات مثل الاتحاد السوفيتي حوالي 150 والهند حوالي 15 لغة رئيسية والصين ودول أخرى في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.

4- بعض اللغات توجد في دولتين أو أكثر اليوم كأقليات لغوية مثل الباسك في إسبانيا وفرنسا والكردية في منطقة الأكراد في تركيا وإيران والعراق وسوريا. وتعاني بعض دول العالم من مشكلات لغوية أوضح أمثلة تلك أنه من بين الدول الثلاث عشرة الأوائل في حجم السكان في العالم توجد مشكلات لغوية معقدة لسبب ولآخر، ومنها الصين والهند والاتحاد السوفيتي والباكستان ونيجيريا وبعضها يعاني مشكلات أقل صعوبة مثل الولايات المتحدة "المهاجرين" والبرازيل "لغات الهنود الحمر في الأمازون" وهناك دول لا تعاني من هذه المشكلات تماما مثل اليابان وألمانيا، وبالنسبة للدول الصغرى فبعضها يتعرض لمثل تلك المشكلات اللغوية مثل بلجيكا وتشيكوسلوفاكيا وسويسرا وبعض الأقطار الأفريقية والآسيوية الأخرى. في هذا المجال فإن دول العالم تتباين من حيث مستوى الحالة التعليمية لكل منها ففي الوقت الذي يستطيع فيه أكثر من 90% من سكان الدول المتقدمة القراءة "السكان بعد سن السابعة" فإن هناك دولا نامية لا يستطيع أكثر من 90 % من سكانها ذلك. أما الدين: فهو وإن كان يعتبر عاملا من عوامل التجانس السكاني للدولة إلا أنه لم يعد كما كان قديما من الأسباب التي تثار من أجلها المنازعات حيث فترت روح التعصب الديني التي كثيرا ما اشتعلت الحروب في العصور القديمة والوسطى كما حدث في الحروب الإسلامية لنشر الدين الإسلامي وفي الحروب الصليبية التي استمرت سنوات طويلة وقد حل التسامح الديني نتيجة انتشار الثقافة وتغلب المصالح الاقتصادية والسياسية على الاعتبارات الدينية، ومع ذلك فما زال للدين دور هام في حياة الدول وسياساتها؛ ذلك لأنه يعد أحد مكونات المجتمع ويستطيع أن يدعم قاعدة البناء السياسي للدولة حيث تتميز كثير من الدول بديانة واحدة كما هو الحال في كثير من الدول الإسلامية والمسيحية والهندوكية والبوذية. وقد تنقسم المجموعة الدينية إلى عدة مذاهب أو طوائف مما يزيد من

تعقد المشكلات السياسية والقومية كذلك فإن للدين آثاره في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للشعوب. ويتميز توزيع الأديان في العالم بالانتشار في مساحات واسعة. فالمسيحية بمذاهبها الثلاثة: البروتستانتية والكاثوليكية والأرثوذكسية، هي الديانة الغالبة في الأمريكتين واستراليا وأوروبا وبعض الدول الأفريقية وقد كان انقسام أوروبا إلى عدد من العقائد الدينية المختلفة عاملا هاما في تشكيل طباع وسلوك شعوبها وفي زيادة قوة الشعور الوطني المحلي بها، ويسود المذهب المسيحي الكاثوليكي معظم دول القارة مثل إيطاليا وفرنسا وبلجيكا وشبه جزيرة أيبيريا وفي أيرلنده والنمسا والمجر وشمال يوغسلافيا ومعظم تشيكوسلوفاكيا وكل بولنده وجنوب ألمانيا وليتوانيا وجنوب هولنده وأجزاء من سويسره، أما البروتستانتية التي نشأت في شمال ألمانيا فتعد العقيدة السائدة في الأراضي الإسكندنافية وفي فنلنده وهولنده وبريطانيا ولاتفيا وإستونيا وأجزاء من المجر ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا وتسود الأرثوذكسية في شبه جزيرة البلقان. وقد شهدت القارة الأوروبية منازعات ومصادمات بين هذه الطوائف الدينية ومن قبيل ذلك المنازعات بين الكروات الكاثوليك والصرب الأرثوذكس في يوغسلافيا وكما هي الحال في أيرلندا في الوقت الحاضر وما تشهده من مصادمت بين الطوائف الدينية فيها. أما الإسلام فينتشر من جزر الهند الشرقية شرقا حتى شمال أفريقيا غربا بما في ذلك الشرق الأوسط وأجزاء من الهند وغرب الصين وبعض جزر الفلبين وتمتد الديانة البوذية من منغوليا حتى جنوب شرق آسيا. أما الديانة الهندوكية فمركزها بلاد الهند وإن كانت هذه البلاد تضم ديانات أخرى متعددة ويدين معظم الصينيين بمذهب كونفوشيوس أما العقائد البدائية فتنتشر في بعض المواطن الاستوائية في أفريقيا وبعض جهات شرق آسيا وجزر المحيط الهادي.

التركيب الاقتصادي

2- التركيب الاقتصادي يعد البناء الاقتصادي القوي عنصرا رئيسيا من عناصر قوة الدولة فقد

كان الاقتصاد الزراعي والصناعي الأمريكي من العوامل الرئيسية في انتصار الحلفاء في الحربين الأولى والثانية، كذلك مكن الاكتفاء الذاتي لألمانيا مقاومة حصار الحلفاء على السلع الاستراتيجية في كلا الحربين، وفي أوقات السلام فإن السيطرة الاقتصادية لدولة ما على دولة أخرى تحمل في طياتها سيطرة سياسية، كذلك ويؤدي التكامل الاقتصادي داخل أجزاء الدولة الواحدة إلى توفر عوامل الترابط بينها كما هي الحال في أستراليا والولايات المتحدة وكندا حيث كانت الوحدة الاقتصادية عنصرا موحدا بين أجزاء هذه الدول. وقد ترتبط السيطرة الاقتصادية لدولة ما بسيطرة سياسية وأمثلة ذلك الإمبراطوريات السابقة حيث كان الضم السياسي مرتبطا أو ملازما للتوسع الاقتصادي للدولة المسيطرة وحتى بعد الاستقلال فإن هذه المناطق تعد مرتبطة اقتصاديا لفترة من الزمن ما لم تحصل الدولة على استقلال سياسي اقتصادي حقيقيين. وتعتمد قوة الدولة على مواردها الاقتصادية وقدرتها على الإنتاج الصناعي سواء لأغراض السلم أو الحرب ولا تصل الدولة إلى مرتبة الدول العظمى إلا إذا توافر لديها القدر الكافي من الموارد الاقتصادية الأساسية داخل حدودها أو كان لها من القوة والنفوذ ما يضمن الحصول على هذه الموارد من مواطنها الأصلية ومثل هذا الشرط من شأنه أن يحول دون بلوغ الكثير من الدول نيل هذه المرتبة. وليست العبرة بتوفر الموارد الاقتصادية المتنوعة في الدولة وإنما المقياس كذلك هو استغلال هذه الموارد واستثمارها بدرجة تكفل معها الرخاء للدولة في وقت السلام والقدرة على الدفاع في وقت الحرب وذلك أمر هام لأن القدرة العسكرية للدولة تعد مقياسا هاما من مقاييس عظمتها. وتقاس المقدرة الاقتصادية للدول بعدة طرق أهمها حجم الناتج القومي أو الدخل القومي كذلك تقاس بمتوسط نصيب الفرد من الدخل أو الإنتاج القومي وليس حجم الناتج القومي كافيا هو الآخر بل العبرة هي الارتباط الأمثل بين الحجم والتقدم. ونوع الإنتاج والخدمات التي تنتج ومدى الدور الذي يؤديه كل منها للدولة سلما أو حربا.

وقدرة الدولة على التصنيع مرهونة بوجود عدة مقومات أهمها توفر المواد الأولية والقوى المحركة والتقدم العلمي ووسائل النقل وغير ذلك ولسنا في مجال الحديث عن مقومات الصناعة فذلك موضوع آخر ولكن ما يهمنا هو دراسة أثر الموارد الاقتصادية والقدرة الصناعية في تشكيل قدرة الدولة السياسية وأثرها في المجال الدولي. ولا تتوزع الموارد الاقتصادية في العالم توزيعا عادلا حيث لا تخضع لقاعدة أو نظام وتعد الموارد الاستراتيجية أكثر الموارد في المجال السياسي وهي كثيرة ومتعددة ومعظمها من المعادن التي أهمها الكروم والمنجنيز والأنتيمون والزئبق والنيكل والكوارتز والتنجستين والقصدير والبوكسيت والنحاس والرصاص والمغنسيوم والحديد والبترول والفوسفات والبوتاس واليورانيوم والزنك، أما الموارد غير المعدنية فهي متعددة هي الأخرى منها القطن والمطاط والصوف وبعض المواد الغذائية الهامة مثل القمح والأرز وغيرها. ولا يتركز إنتاج الموارد المعدنية في دولة واحدة -كما سبق القول- كذلك فدول العالم تختلف فيما بينها من حيث حجم إنتاج المعدن ونسبته إلى جملة الإنتاج العالمي ويتركز إنتاج الحديد الخام في الاتحاد السوفيتي حيث ينتج 25% من الإنتاج العالمي. وفي الولايات المتحدة حيث تنتج 15% من إنتاج العالم و29% من إنتاج الكروم. وأهم المراكز الصناعية في العالم الآن أربعة الأولى تتركز في شرق أمريكا الشمالية والثانية تشمل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وتشيكوسلوفاكيا وسويسره في الجنوب وهولنده في الشمال والمنطقة الثالثة تقع في الاتحاد السوفيتي وتشمل المنطقة حول موسكو والدوبناس في جنوب الاتحاد السوفيتي ومناطق مبعثرة في سيبيريا والرابعة تشمل شرق الصين واليابان وتعتمد الصناعة في هذه الأقاليم على مجموعة من العوامل المتشابكة والمعقدة والمتغيرة. ويعتبر الإقليم الصناعي في شرق أمريكا الشمالية أكثر الأقاليم تقدما وتنوعا في الإنتاج وقد تجمعت عدة عوامل جعلته يحتل هذه المرتبة منها موقعه البحري على المحيط الأطلسي بموانيه المتعددة وكذلك قربه من البحيرات

العظمى التي سهلت له سبل النقل للموارد الخام وكذلك نقل المنتجات الصناعية نحو الظهير الداخلي الذي يشمل كل كندا والولايات المتحدة -بل يشمل أمريكا اللاتينية إلى حد كبير- ويتخصص هذا الإقليم في مختلف الصناعات وإن كانت الصناعات الثقيلة لها الأهمية في ذلك وقد تركزت قرب حقول الفحم والطرق المائية. مثل صناعة السيارات والآلات في إقليم شيكاغو - ديترويت وصناعة المنسوجات في جنوب نيو إنجلند وغير ذلك. أما إقليم غرب أوروبا فيشمل أجزاء من بريطانيا وفرنسا وهولنده، وبلجيكا وألمانيا وتشيكوسلوفاكيا وسويسره، ويرتبط ببعض المناطق الصناعية في إيطاليا وإسبانيا وإسكنديناوه، ويعتمد هذا الإقليم أساسا على الفحم وخاصة في إنجلترا وشمال فرنسا وألمانيا. ويقع الإقليم في معظمه مطلا على البحر وتخدمه شرايين مائية داخلية ممتازة ممثلة في الأنهار والقنوات. ويتميز هذا الإقليم بقربه من مناطق الاستهلاك في دول العالم النامي. وكذلك يتميز بوفرة الأيدي العاملة الماهرة. ويتميز بتخصصه في بعض الصناعات وإن كانت صناعاته متعددة وكثيرة في أقاليمه الفرعية المختلفة مثل الجزر البريطانية وفرنسا وبلجيكا والرهر والسار وسيليزيا العليا وشمال سويسره وليون وسهل البو حيث الصناعات الثقيلة والمنسوجات وتكرير البترول وغير ذلك. أما الإقليم الصناعي العالمي الثالث فيتركز في الاتحاد السوفيتي ويمتد من ليننجراد ويتجه شرقا خلال الأورال وفي أجزاء من سيبيريا وجنوبا نحو البحر الأسود وتتوزع المناطق الصناعية في الاتحاد السوفيتي في عمق الدولة من ليننجراد والدونباس في الغرب إلى فلاد يفوستك نحو الشرق. وقد أنشأت الحكومة السوفيتية كثيرا من المناطق الصناعية الجديدة وذلك لأغراض استراتيجية وكذلك لتنمية بعض المناطق المختلفة من الدولة وتتخصص منطقة ليننجراد بتنقية المعادن والصناعات الخشبية والمنسوجات القطنية ومنطقة موسكو تنتج المنسوجات والآلات الزراعية وبعض الصناعات الخفيفة والمطاط. وأما إقليم الدونباس فينتج الحديد والصلب والصناعات الثقيلة وتكرير السكر والكيماويات والسيارات والسفن أما منطقة ثنية الدنيبر فتنتج الصلب وتكرر السكر والكيماويات أما جنوب الأورال فتنتج المعادن والكيماويات والورق والمنسوجات.

ويشمل الإقليم الصناعي العالمي الرابع منطقة شرق الصين واليابان حيث تنمو الصناعة فيهما بسرعة. ويتركز الإقليم الصناعي الياباني في الأجزاء الغربية والجنوبية من البلاد بين ضواحي طوكيو ونحو الغرب لمسافة 1300 كيلو متر إلى الجنوب الغربي لجزيرة كيوشو. ويتميز هذا النطاق بارتفاع نسبة سكان المدن به وبتعدد صناعاته التي اعتمدت على الحديد والفحم من ناحية وسهولة النقل من ناحية أخرى حيث الترابط الإنتاجي والنقل وثيق بين أوزاكا وطوكيو ويوكاهاما وحيث تعد كوب الميناء الرئيسي والمتخصص في بناء السفن بينما أوزاكا تتخصص في الصناعات الثقيلة والخفيفة والمنسوجات وغيرها. وقد نهضت الصناعة اليابانية نهضة هائلة بعد الحرب العالمية الثانية وغزت أسواق العالم بمنسوجاتها وصناعاتها الكهربائية وغيرها والتي قامت على استيراد كثير من المواد الخام من الخارج. أما الصين فتسير بخطوات واسعة نحو التصنيع وإن كان 2% من سكانها يعملون بالصناعة فقط ويتوفر بها الفحم والحديد وكثير من المعادن. كما يتوفر لها السوق الواسعة ممثلة في سكانها التسعمائة مليون وتتركز الصناعات في إنتاج وسائل الإنتاج الزراعي وغيرها من الصناعات التي تقوم في المدن الرئيسية مثل مكدن في منشوريا وتيانتسن وشنغهاي ونانكنج وكانتون. وخارج هذه الأقاليم الصناعية العالمية الأربعة تتبعثر مناطق صناعية في بعض دول العالم الأخرى، مثل البرازيل وأستراليا والهند ومصر وقد اتجهت بعض هذه الدول نحو التصنيع لأسباب قومية واقتصادية واجتماعية، وتعتمد الصناعات في هذه الدول على المواد الخام المحلية والمساعدات الفنية والمادية من الخارج وقد استفادت استراليا والبرازيل من الأيدي المدربة التي وفدت إليها من غرب أوروبا. ويعتبر العامل القومي من دوافع التصنيع في دول العالم النامي حيث تلجأ الدول الصغرى إلى تصنيع كثير من منتجاتها حتى لا تظل معتمدة على الدول الكبرى الصناعية في أمريكا الشمالية وأوروبا. وهكذا يبدو الدور الذي تلعبه الموارد الاقتصادية في الكيان السياسي

للدول، حيث تتميز الدول المتقدمة بأنها دول صناعية في المقام الأول وحيث تعتمد على قدرتها الصناعية في بناء القوة السياسية والعسكرية. ولا شك أن الإنتاج الصناعي يعد ركيزة هامة للقدرة الوطنية وذلك لما يؤثر به في المستوى المعيشي من ناحية وفي توفير الصادرات المختلفة من ناحية أخرى. وكانت نقطة الضعف في بريطانيا دائما هي افتقارها إلى اقتصاد زراعي يكفي حاجة سكانها. وبالرغم من تعدد الإنتاج الصناعي فيها، إلا أنها قد وقعت في ضائقة غذائية شديدة أثناء الحربين العالميتين وكان من الممكن هزيمتها لو أن الحصار الذي فرضه العدو زادت وطأته قليلا واستمر لفترة أطول بل إن نظام البطاقات التموينية في بعض المنتجات الغذائية ظل معمولا به لمدة ثمان سنوات بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.

نظام الحكم والإدارة

3- نظام الحكم والإدارة: إن شكل تركيب الحكومة -أي تقسيم الوظائف بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وسواء كانت ديمقراطية أو ديكتاتورية- لا يدخل في مجال اهتمام الجغرافيا السياسية بل هي أمور يدرسها علم السياسة. ولكن الجغرافيا تهتم بنوع السيطرة الحكومية على جزء معين من سطح الأرض ودرجة هذه السيطرة وفعاليتها. 1- نوع السيطرة السياسية: يتمثل الاختلاف في نوع السيطرة السياسية في وجود دول مستقلة وأخرى غير مستقلة على خريطة العالم وكذلك اختلاف أشكال التبعية والسيطرة وتشمل خريطة العالم السياسية في الوقت الحاضر قرابة 160 دولة مستقلة وبالرغم من اختلاف الارتباط السياسي بين الدول، فإن هناك أنواعا مختلفة من السيطرة السياسية تعرف بالمستعمرات والمحميات ومناطق الوصاية والمناطق الدولية والكوندومنيوم. والمستعمرات هي مناطق محددة من سطح الأرض تمارس دولة أخرى السيطرة المباشرة عليها -ولا يملك سكانها حق تقرير المصير أو تصريف شئونهم إلا على المستويات المحلية فقط- ويرتبط اقتصادها باقتصاد الدولة

الحاكمة والذي غالبا ما يوجه اقتصاد المستعمرات لصالحها. وقد تتمتع مناطق المستعمرات بنوع من الحكم الذاتي من الدولة المسيطرة فروديسيا الجنوبية "زيمبابوي الحالية" منحت هذا النوع من الحكم سنة 1923 وجيانا البريطانية "جويانا الحالية" كان لها مجلس تشريعي وتنفيذي وأيسلند ظلت مرتبطة بالدنمرك في اتحاد شخصي لمدة 36 سنة وكانت الدنمرك تسيطر سيطرة واقعية على سياستها الخارجية وكذلك بورتوريكو التي أعلنت رسميا مثل الكمنولث كإقليم ذي حكم ذاتي وتتولى الولايات المتحدة مسئوليات الدفاع عنها وسياستها الخارجية كذلك. والمحمية هي منطقة مستعمرة يوجد فيها حاكم محلي ولكن الدفاع والشئون الخارجية والأمور المختلفة توجد في أيدي الدولة المسيطرة التي تعين الحاكم العام وكانت زنزبار وجزر سولومون البريطانية أمثلة من المحميات وكذلك بتسوانا "بتشوانا لاند سابقا" وجزر تونجا. وقد نتج عن عصبة الأمم نظام الانتداب في سنة 1920 والذي أصبحت بمقتضاه الممتلكات الاستعمارية للدول المنهزمة في الحرب العالمية الأولى مقسمة بين بعض دول الحلفاء المنتصرة -وقد تعهدت العصبة بضمان بعض الحريات المدنية للسكان الوطنيين- وكانت الدول ذات الانتداب تقدم تقارير سنوية عن إدارة هذه الأراضي إلى الهيئة العالمية. وبإنشاء الأمم المتحدة سنة 1945 انتقل الإشراف على مناطق الانتداب إلى الأمم المتحدة تحت اسم الوصاية وبالتالي فإن الدول ذات الانتداب السابق "باستثناء اليابان وجمهورية جنوب أفريقيا" أصبحت دولا ذات وصاية وبذلك فقد أصبحت المناطق الموضوعة تحت الانتداب موضوعة تحت الوصاية وترفض جمهورية جنوب أفريقيا أن تتخلى عن وصايتها على منطقة جنوب أفريقيا "ناميبيا" وقد حصلت كثير من مناطق الوصاية السابقة على استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية وإن كانت هناك بعض الجزر في الباسفيكي شمال خط الاستواء في المحيط الهادي ما زالت مناطق تحت وصاية الأمم المتحدة. وأخيرا فإن هناك أشكالا من السيطرة الإقليمية الأخرى كالمناطق الدولية والكوندومنيوم ومناطق الاحتلال والقواعد العسكرية وكانت طنجة مثالا على المناطق الدولية وذلك للأهمية الاستراتيجية لمينائها، وقد كانت هناك

صراعات بين القوى الأوروبية للسيطرة عليها وتكونت هيئة دولية في سنة 1925 لإدارة المدينة وانتهى وضعها الدولي في سنة 1956 حيث أعيدت إلى المغرب. أما نظام الكوندومنيوم فهو اشتراك دولتين أو أكثر في السيطرة على منطقة ما وحكمها حكما مشتركا. ولقد كان السودان المصري الإنجليزي سابقا مثلا رئيسيا على ذلك حتى سنة 1956 وتعتبر جزر نيوهبريذر في الباسفيكي المثال الباقي على هذا النظام في العالم حيث تخضع لحكم بريطاني فرنسي مشترك. أما مناطق الاحتلال فهي قطاعات من الدولة تبقى محتلة بقوات عسكرية لدولة أخرى وذلك لمدة محددة في أعقاب حرب بينهما، ففي سنة 1945 مثلا قسمت ألمانيا والنمسا مؤقتا إلى أربع مناطق احتلال لمدة محددة كذلك فإن اليابان وكوريا وتريستا وبعض دول شرق أوروبا كانت تحت الاحتلال العسكري لعدة سنوات بعد الحرب العالمية الثانية. أما المناطق والقواعد العسكرية التي تمارس منها دولة ما السيطرة في داخل حدود دولة أخرى فهي نوع آخر من أنواع السيطرة وإن كان مرتبطا بمعاهدات بين الدولتين تنظمه كما هي الحال في منطقة قناة بنما التي كانت تسيطر عليها الولايات المتحدة بصفة إيجار دائم وذلك في شريط عرضه 16 كيلو مترا على جانبي القناة كما أن الولايات المتحدة تملك قواعد عديدة فوق أراضٍ تابعة لدول أخرى وإن كان للدول صاحبة الأرض حق في طلب سحب القوات الأمريكية من هذه القواعد. 2- العواصم ومنطقة القلب في الدولة: يعد موقع ووظيفة العاصمة المركزية ومنطقة القلب من الأمور الهامة في تحديد درجة السيطرة التي تمارسها الحكومة داخل الدولة وتتكون الدولة في البداية حول نواة معينة وقد تبتعد العاصمة عن منطقة النواة. أو قد تنشأ في الدولة مناطق نويات متعددة مما يترتب عليها ظهور قوى انفصالية داخل جسم الدولة. وتعد البرازيل من الأمثلة التي انتقلت منطقة القلب بها عن النواة الأصلية على طول الساحل الشرقي بينما إسبانيا على النقيض

من ذلك حيث يوجد بها منطقتا نواة تتركز إحداهما في مدريد -العاصمة- والأخرى في برشلونة. وقد تبقى العاصمة عند النواة الأصلية -لندن، باريس- وقد تنتقل نحو المركز السكاني الرئيسي أو تنتقل بعيدا عن النواة الأصلية وعن مركز السكان ولعل في أستراليا مثلا على ذلك حيث تقع كانبرا -العاصمة- في منتصف المسافة بين أكبر مدينتين سيدني وملبورن، كذلك اختيرت أوتاوا في موقع محايد بين المناطق الناطقة بالإنجليزية والأخرى الناطقة بالفرنسية في كندا، وعند تحليل مواقع العواصم فإن العوامل التاريخية لا يمكن تجاهلها حيث يختلف دور العاصمة في السنوات الأولى من نشأة الدولة عنها بعد ذلك وقد صنف سبيت المدن العاصمية إلى ثلاثة أنواع تبعا لوظيفتها: 1- كمركز توحيدي في اتحاد فيدرالي مثل كانبرا عاصمة استراليا. 2- كملتقى للمؤثرات الخارجية مثل لندن وارتباطها مع قارة أوروبا. 3- كعاصمة أمامية في موقع متقدم من الحدود مثل برلين ودورها في وقت ما كعاصمة في مواجهة التخوم الشرقية النشطة لألمانيا قبل الحرب العالمية الثانية. هذا وقد تصبح العاصمة بصرف النظر عن وظيفتها الأصلية ومع بقاء موقعها ثابتا مركزا سكانيا واقتصاديا بدرجة قد تطغى على وظيفتها الأصلية، ولعل هذه صفة تميز معظم عواصم العالم اليوم. 3- شكل النظام السياسي للدولة: يعتمد نجاح الدولة في تماسكها السياسي على نظام الحكم الداخلي بها أي سواء كان نظاما موحدا أو اتحاديا، والتمييز بينهما هو طبيعة السلطة التي تمارس السيادة على الإقليم، ففي النظام الموحد تقرر الحكومة المركزية درجة الحكم الذاتي المحلي فقد تحدد عدد وطبيعة الأقسام السياسية ذاتية الحكم ولها الحق في تعيين المسئولين في هذه الأقسام، ويميز هذا النظام دولا كثيرة في العالم ويتميز بمرونة السلطة الممنوحة

للحكومة -التي تكون حركتها أسهل في مواجهة المشكلات الطارئة. ومن مساوئ هذا النظام زيادة السلطة المركزية بدرجة كبيرة وعجز الحكومة عن معالجة الاختلافات الإقليمية داخل أجزاء الدولة الواحدة. أما في النظام الاتحادي فإن هناك حكومة مركزية ومحلية ويستمدان قوتهما من الدستور كما هو الحال في الولايات المتحدة وكندا واستراليا وسويسره والبرازيل والأرجنتين والمكسيك والملايو ونيجيريا. ومن مميزات هذا النظام توفير قسط من الحماية ضد السلطة الزائدة للعاصمة القومية والسماح بوجود اختلافات إقليمية في الدولة. لذا فهو أنسب للدول الشاسعة المساحة متعددة القوميات. وهناك نظام ثالث هو النظام التعاهدي وهو اتحاد ضعيف بين الدول في تعاهد متفق عليه، وللدول المنظمة في اتحاد تعاهدي حق الانسحاب منه إذا رغبت حيث يكون لكل منها شخصيته وسيادته الخاصة ولكنها تستفيد من اتحادها تعاهديا مع دولة أخرى لأغراض اقتصادية ودفاعية.

الفصل الثاني: دور الجغرافيا في التخطيط الإقليمي

الفَصلُ الثَّاني: دَور الجُغرافيَا في التَّخطيط الإقليمِي: مفهوم التخطيط وأهميته: التخطيط هو أسلوب علمي يهدف إلى دراسة جميع أنواع الموارد والإمكانيات المتوفرة في الدولة أو الإقليم أو حتى المدينة أو القرية وتحديد كيفية استخدام هذه الموارد في تحقيق الأهداف وتحسين الأوضاع بغية الوصول إلى الاستخدام الأمثل لهذه الموارد. وغالبا ما يرتبط التخطيط بفترة زمنية محددة على أساس الدراسة العميقة للموارد البشرية والاقتصادية المتوفرة ومعرفة مدى كفايتها وأنماط توزيعها وكيفية الحصول عليها وإمكانيات استغلالها، على أن يكون استخدام هذه الموارد محققا لأكبر قدر من التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الإقليم. ويمكن تحديد معنى التخطيط في العصر الحديث -في ضوء ما سبق- بأنه الطريقة العلمية للتفكير المنظم بقصد تدريب وإعداد الموارد البشرية وتعبئتها واستغلال الموارد الطبيعية إلى أقصى حدود ممكنة بهدف التمية الكاملة لهذه الموارد وتوجيه إنتاج استهلاك السلع والخدمات بهدف تحقيق الأهداف القومية لتنمية ورخاء الحياة القومية من خلال سياسة مرسومة بدقة تنفذ في فترة محددة. والتخطيط بهذا المفهوم عملية تنظر إلى المستقبل وتتنبأ به وتحاول تحقيق الآمال التي يرجوها سكان بيئة ما في زمن ما باتباع الوسائل العلمية للوصول إلى هذه الغاية. وغالبا ما تكون أهداف التخطيط تحقيق واحد أو أكثر من الأهداف التالية: 1- زيادة الإنتاج الكلي أو زيادة الخدمات من حيث الكم سواء كانت الزيادة من خلال التوسع الأفقي أو الرأسي.

2- تحسين الإنتاج أو تحسين الخدمات من حيث الكيف ويتحتم في هذه الحالة أن يكون التحسين في الآداء مقترنا بتحول يأتي من خلال الإنسان كعامل مباشر يدور من حوله وله التخطيط بصفة عامة. 3- دعم وإتاحة أكبر قدر من التوازن بين الإنتاج وقطاعاته المختلفة أو بين الخدمات المتعددة للسكان وتأكيد التناسق بين الاستهلاك والسكان في ضوء معدل النمو لكل منهما. 4- تجنب سوء الاستخدام أو الضغط غير المتكافئ على الخدمات والمرافق بشكل يهبط بمستواها ويؤدي إلى تدهور أدائها. 5- حسن توزيع المشروعات التي تتضمنها الخطة في داخل الإطار العام الذي تشمله وتجنب النمو غير المتكافئ لقطاع من القطاعات دون الأخرى ذلك لأن النمو غير المتكافئ قد يؤدي إلى عدم التوازن بين القطاعات، وقد يتحمل التقدم في قطاع معين مشقة ومتاعب التخلف في قطاع آخر. ويتطلب مبدأ التكافؤ حسن التوزيع والنمو المتكافئ في مشروعات الخطة أو استغلال الموارد المتاحة من أجل الانتفاع بالأرض بشكل من الأشكال وتقديم الخدمات على كافة مستوياتها. وهكذا يبدو أن التخطيط عملية تشمل كثيرا من الجوانب على مستوى الدولة أو الإقليم أو المدينة أو حتى القرية، ويرتبط بذلك تفرع التخطيط إلى فروع متعددة ذات مدلولات خاصة وإن كان يجمعها هدف واحد يرمي في النهاية إلى تحقيق الرفاهية للسكان على أساس الإمكانيات المتاحة وتنظيم استخدامها. وأنواع التخطيط عديدة منها: التخطيط الحضري والريفي وتخطيط استغلال الأرض والتخطيط الاجتماعي والاقتصادي والسكاني. ومن الواضح أن هذه الفروع تهدف كما ذكرنا إلى تنظيم استغلال الموارد المتاحة محليا لرفع مستوى العيش للسكان وتحقيق الرفاهية لهم. وقد أصبح التخطيط الاقتصادي والاجتماعي والعمراني ذا أهمية حيوية في تنظيم استغلال الموارد سواء كانت موارد طبيعية أو بشرية، ويشمل التخطيط الاقتصادي جميع نواحي الحياة الاقتصادية لإقليم ما مثل الإنتاج

الزراعي والصناعي والتجاري والعوامل المؤثرة في ذلك كله. أما التخطيط الاجتماعي والعمراني فيشمل تخطيط المدن والقرى بما فيها من مساكن ومصانع ومدارس ومستشفيات ومبانٍ حكومية وأماكن للترفيه وغير ذلك. كما يشمل تخطيط طرق النقل ووسائله، ومدى كفايته لعناصر التخطيط الأخرى وتكامله معها. وإذا كانت أنواع التخطيط المذكورة تهتم بعنصري الهدف والزمن على مستوى الدولة فإن إضافة عنصر المكان إليها يدخله في عداد التخطيط الإقليمي، أي أن التخطيط الإقليمي هو رسم الخطة الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية داخل إقليم محدد بحدود معينة وفي فترة زمنية محددة هي الأخرى. وعلى ذلك فإن التخطيط الإقليمي هو تخطيط منطقة ما أو مناطق مكتملة، داخل إقليم معين تجمعها أغراض مشتركة وعوامل ومؤثرات طبيعية متماثلة؛ لتكون مراكز صالحة للإنتاج والاستهلاك بطرق سليمة وفعالة، وكذلك لتمكين السكان من العيش على أحسن حال في هذه المناطق وهو بذلك يعتبر هذه المناطق وحدة واحدة متكاملة، ويعمل على استغلال مواردها الطبيعية والحضارية والخدمات بها لخير السكان جميعا. والإقليم الجغرافي يختلف حسب صفاته المتعددة، فهو بصفة عامة يعتبر منطقة مميزة بميزات خاصة، فقد يكون الإقليم تضاريسيا تتشابه ملامحه التضاريسية، أو مناخيا تتشابه ظروفه المناخية، أو نباتيا تتشابه حياته النباتية، وقد يكون إقليما طبيعيا تتمثل فيه مجموعة من العناصر الطبيعية تختلف عن مثيلتها في هذه الأقاليم الأخرى مثل الموقع والسطح والمناخ والنبات وغير ذلك. وتتفاعل هذه العناصر مع أوجه النشاط البشري المتعددة الأخرى في هذا الإقليم الطبيعي. وقد لا يكون الإقليم محددا بحدود طبيعية تضاريسية أو مناخية أو نباتية أو غيرها، بل قد لا تكون حدوده من صنع الإنسان سواء كانت حدودا سياسية على مستوى الدولة، أو حدودا إدارية لمقاطعات أو محافظات، أو أصغر من ذلك أي قد تكون حدودا لمراكز أو نواحٍ وغيرها. وتعتبر هذه الحدود الاصطناعية ذات أهمية كبرى في حياة السكان في الإقليم الواحد؛

ذلك لأنها قد تحد من حركتهم ونشاطهم، كذلك فإنها تحدد أوجه الخدمات المتاحة لهؤلاء السكان في داخل إطارهم الإداري، كذلك تبدو أهمية هذه الحدود في مجال التخطيط الإقليمي المحلي، وليس التخطيط القومي، حيث تنفذ الخطة داخل حدود معينة على أساس ما يتوفر فيها من إمكانيات وما ينقصها من خدمات. وعلى ذلك فإن الإقليم التخطيطي قد يختلف من منطقة لأخرى، فهو وإن كان عبارة عن مساحة من الأرض ذات موقع معين وملامح سطح مميزة ومظاهر طبيعية أخرى، إلا إنه قد ينقسم إلى أقاليم أصغر ليس بالضرورة أن تكون محددة بحدود طبيعية هي الأخرى، بل قد تكون حدودها من صنع الإنسان الذي بنى هذا التحديد على أساس اعتبارات معينة قد تكون طبيعية حينا أو بشرية أحيانا.

العلاقة بين الجغرافيا والتخطيط الإقليمي

العلاقة بين الجغرافيا والتخطيط الإقليمي: ليس التخطيط الإقليمي موضوعا مستقلا عن بعض العلوم الأخرى، كما أنه ليس موضوعا جغرافيا بحتا؛ ذلك لأن التخطيط يختلف باختلاف الهدف المقصود منه سواء كان تخطيطا اقتصاديا أو اجتماعيا أو عمرانيا أو غير ذلك، إلا أنه في مختلف أوجه التخطيط فلا بد من تدخل الجغرافيا بطريق مباشر أو غير مباشر، فالمجتمع وتركيبه المتنوع ومقومات قيام المواقع العمرانية كالقرى والمدن والمواني، كذلك المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تتأثر كلها بالبيئة الجغرافية. وليس من السهل دراسة كل هذه الأمور دون الرجوع إلى البيئة الجغرافية وإلا أصبحت الدراسة مبتورة، وعلى ذلك فلا يمكن أن يكون هناك تخطيط إقليمي دون الإلمام بظروف المظهر الطبيعي والمظهر الحضاري والعوامل الجغرافية المتعددة التي أسهمت في تشكيله سواء كانت عوامل طبيعية أو بشرية. والدارس لمفهوم التخطيط الإقليمي يلحظ أنه ربما يكون أكثر ارتباطا بالجغرافيا من علوم أخرى كثيرة؛ ذلك لأن دراسة الإقليم هي في جوهرها دراسة جغرافية تطبيقية كما أن حاجات الإقليم مرتبطة بظروفه الطبيعية والحضارية ومن ثم يكون التخطيط استجابة للعلاقات القائمة بين الإنسان

والأرض بقصد الوصول إلى استغلالها الأمثل لصالح الإنسان ورفاهيته. وعلى ذلك فإن للتخطيط أساسا جغرافيا لا مفر منه، فبالرغم من أن المخطط يعمل من خلال قانون معين وفي ظروف اقتصادية محددة وفقا لاحتياجات السكان إلا أنه في كل الأحوال يعمل في بيئة جغرافية ذات سطح ومناخ وظروف طبيعية متعددة ولذا فإن عليه أن يبدأ بدراسة البيئة التي يحيا عليها ويتفهم المظاهر الأرضية المميزة لها قبل أن يشرع في إعداد الخطة الإقليمية لها. ومن الطبيعي أن للبيئة الجغرافية وجهان أحدهما المظهر الطبيعي والذي يتميز بالثبات إلى حد كبير والمظهر البشري المتغير باستمرار، ولا شك أن احتياجات البشر اليومية تنعكس على كثير من أوجه الاستخدام البيئي، ويرتبط ذلك في الواقع بتطور التأثير البشري على البيئة وعلاقة الإنسان بها؛ ذلك لأن النظرة العميقة للماضي توضح أن هناك تراثا متراكما من المؤثرات البشرية التي تركت بصماتها على المظهر الأرضي خاصة في المناطق الريفية بما فيها شكل المزارع ومتوسط الملكيات الزراعية وفي تنظيم الطرق والممرات فيما بينها وتحديد مواضع القرى والمزارع، وكذلك الحال في المناطق الحضرية "المدن" حيث انعكس التراث المتراكم على ما نراه بها اليوم من تحديد مواقع هذه المدن وتركيبها الوظيفي واتجاه التوسع العمراني لها ومنطقة القلب التجاري وتحديد مناطق الصناعة وغيرها, كذلك فإن دراسة تطور نظم الري والقنوات القدمية وتطور وسائل النقل وأثرها في العمران تعكس مدى تأثر الإنسان في بيئته وتباين دوره من مكان الآخر. ومن الواضح أن ريفنا ومدننا لها مميزات وملامح خاصة اكتسبتها على مدى تطورها الطويل حيث ترك التاريخ بصماته على تركيبها الوظيفي وشكلها المورفولوجي الخارجي، على حد تعبير "فيدال دي لابلاش": "إنه منذ أول استقرار للبشر في منطقة ما، فإن الإنسان برعايته للحيوان وبزراعته للمحاصيل وما أحدثه من تغيرات في الحياة النباتية وبالتالي ما أحدثه في التربة كل ذلك أدى

إلى جعل المظهر الأرضي الريفي هو محصلة نهائية لتراكم الأنشطة البشرية عبر قرون عديدة متعاقبة". وقد جذب بعض المفكرين ومنهم: لوبلاي -عالم الاجتماع الفرنسي- الانتباه إلى ثلاثة عناصر رئيسية في الحياة هي: المكان والعمل والناس، وأضاف بعض المفكرين عناصر أخرى مثل الغذاء والملبس والمأوى كاحتياجات ثلاثة رئيسية لبني البشر، والتي يعد أولها ضروريا لحياة كل فرد وفي كل مكان، كذلك فإن فلير في حديثه عن الجغرافيا، ذكر أن الإنسان ما يلبث بعد حصوله على غذائه اليومي في البحث عن حياة الأفضل من خلال ممارسته للفنون والتعليم والديانة والترفيه والتنظيم الاجتماعي، ومن ثم تصبح المدنية أكثر تعقيدا وسيضم المجتمع في مثل هذه الظروف أعدادا كبيرة من الأفراد متخصصين في أنشطة أخرى ليس من بينها إنتاج الغذاء أو الصناعات المختلفة ولكنهم يعملون بأنشطة ذهنية وفكرية ويمنحون مجتمعهم وعالمهم احتياجاته من الفنون والآداب والثقافة وغير ذلك. وفي أقاليم الوفرة حيث يتم إنتاج الغذاء بسهولة كما في معظم أراضي حوض البحر المتوسط أو في حواف الإقليم الموسمي في آسيا أو في أودية الأنهار مثل مصر وأراضي ما بين النهرين، فإن التقدم الحضاري بجوانبه العديدة قد تحقق مبكرا وانعكس على مظاهر الحضارة بهذه الأقاليم. وقد أسهم التصنيع في العصر الحديث في خلق طبقة من أفراد المجتمع الذين تخصصوا بدرجة أكبر في الإنتاج الفكري والذهني والثقافي وقد زاد حجم هذه الطبقة في المجتمع بدرجة فاقت ما كانت عليه في أي وقت مضى في التاريخ البشري، وترتب على ذلك تعقيد اجتماعي أكثر وربما خلقت مشكلات مرتبطة بالنقص في الغذاء، والإنتاج المادي في بعض المجتمعات، خاصة إذا أدركنا أن النصف الثاني من القرن العشرين قد شهد زيادة كبيرة في أعداد البشر وتضخمت كثير من المدن مما يلقي بدوره بأعباء ضخمة على عاتق القائمين بالتخطيط سواء في الامتداد العمراني أو في إعادة توزيع السكان. وتؤدي الاختلافات المكانية في الدولة إلى اختلاف أسس تطبيق الخطط المتعددة مما يصعب معه وضع أساس ثابت للتخطيط يمكن تطبيقه في جميع

أنحاء الدولة أو أقاليم العالم. فلكل إقليم مطالبه وموارده، ويتطلب ذلك بالضرورة دراسة مطالب هذا الإقليم ومقوماته دارسة عميقة حتى يمكن وضع التخطيط السليم له الذي يتفق مع واقع الإقليم واحتمالات مستقبله، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا عن طريق الدراسة الجغرافية بمعناها الواسع ودراسة فروع جغرافية خاصة كجغرافية السكان والعمران والجغرافيا الاقتصادية. وطالما أن التخطيط يهدف إلى استغلال موارد الإقليم لصالح السكان، فإن الجغرافيا الاقتصادية وجغرافية السكن والسكان هي الأدوات التي توضح أقصر السبل وأيسرها وكذلك أرخص الوسائل وأسرعها لاستغلال الموارد الطبيعية والبشرية على أسس جغرافية متكاملة. وتعد دراسة الموقع الأنسب لأي مشروع -وهو الموقع الذي تتوازن فيه جميع العوامل المؤثرة في المشروع تطبيقا للضوابط الجغرافية وربطا بينها- من أهم الموضوعات في التخطيط الإنتاجي وخاصة وأنه في أغلب الأحيان ليس هناك موقع حتمي واحد لأي مشروع بل هناك بالتأكيد أكثر من موقع واحد، لكل موقع ميزاته الخاصة، وقد تكون هذه الميزات طبيعية أو اقتصادية أو اجتماعية أو غير ذلك ولذلك كان لا بد من الموازنة والاختيار، ولا بد في اختيار موقع المشروع أن يكون اختيارا منطقيا ومعقولا، يعطي أكبر قدر من العائد بأقل التكاليف الممكنة. وحسن اختيارمواقع المشروعات أمر هام، ذلك لأن اختيار مواقع كثير من المشروعات أمر نهائي لا رجعة فيه بعد تنفيذه إلا إذا أنفق الكثير من الجهد والمال. وقد تختلف مميزات الموقع إذا تطورت الناحية الفنية أو تغيرت ولكن اختيار الموقع الجيد قلما تضيع ميزاته بهذه التغيرات، وكلما زادت المناطق الصالحة لموقع المشروع كلما استدعت الموازنة والمفاضلة جهدا أكبر وتقديرا. ويحتاج موضوع موقع أي مشروع إلى تحليل العوامل المختلفة التي أدت إلى هذا الموقع أو ذلك وربط العوامل المختلفة بعضها ببعض، ودراسة أثر كل من الظروف الطبيعية والبشرية في مثل الاختيار، سواء كان ذلك مرتبطا بالموقع أو بالموضع، أو دراسة توزيع السكان في الإقليم الواحد ومعرفة مناطق تركز السكان وتخلخلهم وحركات الهجرة ومصادرها ووجهتها. كذلك فإن دراسة الجغرافيا تسهم في تحديد مواقع المدن والقرى والتخطيط

العمراني بوجه عام، كذلك يمكن تحديد مواقع الأحياء المختلفة وتعيين وظائفها وعلاقاتها بعضها ببعض والعمل على حسن توزيع الخدمات على جميع الأحياء داخل المدينة أو في القرى المختلفة وتوزيع شبكات النقل وغير ذلك. ويرتبط التخطيط لوسائل النقل ارتباطا وثيقا بالجغرافيا، ذلك لأن بناء الطرق أو مد السكك الحديدية أو حفر القنوات تتطلب إلماما عميقا بالمعلومات والحقائق الجغرافية الخاصة لتحديد هذه الطرق وتخطيطها. فمظاهر السطح وظروف المناخ هي التي تحدد تكاليف هذه الخطوط وإمكانية تنفيذها كذلك فإن دراسة موارد الإقليم وتركز السكان ونشاطهم التجاري هي التي تحدد حمولة البضائع والركاب ومدى اقتصاديات المشروع سواء كانت إيجابية أو سلبية كذلك فإن دراسة حركة السكان داخل الإقليم تفيد في معرفة كثافة النقل في فصول السنة المختلفة مما يسهم بدوره في رسم سياسة زيادة حركة النقل أو قلتها في مواسم خاصة ومناطق معينة. وهناك علاقة وثيقة بين الجغرافيا والتخطيط الاقتصادي داخل الإقليم؛ ذلك لأن اهتمام الجغرافيين بالموارد واستخدامها يعد هدفا رئيسيا من أهدافها ويتجلى في ثلاثة أمور هي المسح والحصر والتقويم؛ ذلك لأن سطح الأرض وما يحيط به عمقا في اتجاه الباطن أو ارتفاعا في الغلاف الغازي يتضمن الكثير مما تثرى به الأرض مثل الثروة المعدنية أو النباتية أو الحيوانية وغير ذلك. ويهتم الجغرافي بدراسة الصورة أو الشكل الذي توجد عليه هذه الموارد وتوزيعها وحصر انتشارها على المستويين الأفقي والرأسي وإمكان استغلالها في ضوء العوامل المحيطة والمرتبطة بالإنتاج والتوزيع مما يؤدي في النهاية إلى نوع من التناسق بين مختلف العوامل المؤثرة في الإنتاج من ناحية وفي الاستهلاك من ناحية أخرى. ويشير هذا الاهتمام الجغرافي بالموارد الاقتصادية سواء كانت زراعية أو معدنية إلى الارتباط الوثيق بين الجغرافيا والتخطيط الزراعي أو التخطيط الصناعي. فبالنسبة للتخطيط الزراعي فمن المعروف أن هناك ظروفا جغرافية تحدد مناطق التوسع الزراعي وإمكانياته كما تحدد أولوية تنفيذ المشروعات الزراعية ونوع الإنتاج وصلاحية التربة وكفاية موارد المياه وطبيعة الأحوال

المناخية وغير ذلك مما يدخل في دراسة مقومات الإنتاج الزراعي التي تعد أساسا لهذا النوع من التخطيط في النهاية. أما عن الارتباط بين الجغرافيا والتخطيط الصناعي فإن دراسة مقومات التوزيع الجغرافي للصناعات المختلفة وارتباطها بمصادر المواد الأولية والوقود ومناطق العمال والأسواق وتوفر سبل المواصلات بين مراكز الإنتاج ومناطق الاستهلاك وعلاقة ذلك بتكاليف الإنتاج الصناعي تفيد بالضرورة في وضع أسس الارتباط الأفقي والرأسي للصناعات المتصلة ببعضها بقدر الإمكان وتطبيق مبدأ التكامل الصناعي في الإقليم أو الأقاليم المتجاورة. وهكذا يبدو دور الجغرافيا مهما وحيويا في التخطيط الإقليمي بصفة أساسية وينبع هذا الدور من واقع يستهدف الانتفاع الأفضل بالأرض والاستخدام الأحسن للموارد في الأقاليم والبيئات. ويمكن أن تكون الخبرة الجغرافية هي الخلفية العريضة للخطة فيكفل تحديد دور العوامل الطبيعية والبشرية في تنفيذها. ولا يقف دور الجغرافيا عند حد تحديد الإقليم الجغرافي الطبيعي على اعتبار أنه الإطار الأفضل للخطة أو عند مسحه وتعميق المعرفة بخصائصه المتعددة وصنع القاعدة الأساسية التي ترتكز عليها الخطة، بل إن دور الجغرافيا يتجاوز ذلك كله لكي تكون الخبرة الجغرافية ودورها البناء من خلال الاشتراك الفعلي في مجال وضع الخطة وتنفيذها ومن خلال دعم التكامل بين الخطط في الأقاليم المترابطة داخل إطار الدولة.

المراجع الرئيسية

المراجع الرئيسية في الجغرافيا الطبيعية ... المراجع الرئيسية: أولا: في الجغرافيا الطبيعية: إبراهيم وزقانة وآخرون "1954": أسس الجغرافيا الطبيعية، القاهرة. جودة حسنين جودة "1982": معالم سطح الأرض، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الإسكندرية. عبد الرحمن حميدة "1968-1969": علم المناخ، دمشق. عبد العزيز طريح شرف "1969": الجغرافيا المناخية والنباتية، الإسكندرية. عبد العزيز طريح شرف "1963": مناخ العالم، الإسكندرية. عبد القادر عبد العزيز علي "1982": الطقس والمناخ، القاهرة. علي علي البنا "1968": الجغرافيا المناخية والنباتية، بيروت. فهمي هلالي أبو العطا "1974": الطقس والمناخ، الإسكندرية. محمد جمال الدين الفندي "1956": طبيعيات الجو وظواهره، القاهرة. محمد جمال الدين الفندي "1962": الطبيعة الجوية، القاهرة. محمد صبحي عبد الحكيم، ماهر الليثي "1969": علم الخرائط، القاهرة. محمد صفي الدين أبو العز "1972": قشرة الأرض، بيروت. محمد متولي "1975": وجه الأرض، القاهرة. يحيى محمد فوزي "1965": الجيولوجيا، القاهرة. يوسف عبد المجيد فايد "1971": جغرافية المناخ والنبات، بيروت. Bach, w.j. "1978": Man's Impact on climate, London. Barry, R.G. "1978": Atmosphere, Wether and Climate, 3rd Ed., London.

Bodin, S. "1980": Weather and Climate, London. Brandshaw, M.J. "1978": The Earth's Changing Surface, London. Byers, H.H. "1979": General Meteorology, London. Caina, S.A. "1964": Foundations of Plant Geography. New York. Craig, R.G, and Craft, J.L. "1982": Applied Geomorphology, London. Cotton, C.A. "1950": Geomorphology, London. Critchfleld, HJ. "1974"; General Climatology, New York. Embleton. C. "1978": Geomorphology, London. Gates, E.S. "1972": Meteorology and Climatology, London. Greenhood, D. "1974": Mapping, London. Hardy, M.F. "1944" ; The Geography of Plants, New York. Hills, E.S. "1972": Outlines of Structural Geology, New York. Hinds, N.E.A. "1978": Geomorphology, New York. Killaway, G.P. "1976": Map Projections, London. Lous, H. "1975": Allgemeine Geomorphologie, Berlin. Loxton, g. "1980": Practical Map Production, London. Machatschek, F. "1974": Geomorphologie, Stuttgart. Maul, O. "1978": Handbuch der Geomorphologie, Wien. Miller, A. "1969": Climatology, London. Mailler, A. "1971": Meteorology, New York. Monkhouse, F j and Wilkinson, H.R. "1976": Maps and Diagrams, London. Newbegin, M.I. "1936": Plant and Animal Ceography, London. Pilty, A.F. "1982": Introduction to Geomorphology, 2nd Edition, London. Rice, R.J. "1977" ; Fundamentals of Geomorphology, London. Robinson, A. "1978": The Earth's Changing Surface, London. Rumny, G.R. "1970": Climatology, New York.

Smart, W.M. "1959".htm': The Origin of the Earth, Edinburgh. Street, J. A. "1969": The Unstable Earth, London. Strahler, A.N". "1969": Physical Geography, New York. Strahler, A.N. and Strahler, AH. "1979": Elements of Physical Geography, New York. Thornbury, W.D. "1958": Principles of Geomorphology, New York. Trewartha, G.T. and Others "1965": Fundamentals of Physical Geography, London. Trewartha, G.T. "1968": An Introduction to Climate, New York.

الجغرافيا البشرية

ثانيا: الجغرافيا البشرية: جمال حمدان: شخصية مصر، القاهرة، 1970. جمال حمدان: جغرافية المدن، القاهرة، 1959. عبد الفتاح وهيبة: جغرافية الإنسان، دار النهضة العربية، بيروت، 1971. عبد الفتاح وهيبة: في جغرافية العمران، دار النهضة العربية، بيروت، 1973. فتحي محمد أبو عيانة: جغرافية السكان، دار النهضة العربية، بيروت، 1981. فتحي محمد ابو عيانة: جغرافية أفريقيا، دار الجامعات المصرية، الإسكندرية، 1981. فتحي محمد أبو عيانة: الجغرافيا السياسية، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1983. محمد السيد غلاب: البيئة والمجتمع، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1963. محمد السيد غلاب ومحمد عبد الحكيم: السكان ديموغرافيا وجغرافيا، القاهرة، 1967. محمد رياض: الإنسان: دراسة في النوع والحضارة، دار النهضة العربية، بيروت، 1974. محمد رياض: أفريقيا: دراسة في مقومات القارة، بيروت، 1973.

محمد فاتح عقيل وفؤاد الصقار: جغرافية الموارد والإنتاج، "جزآن"، الإسكندرية، 1966. Alexander, L.M., World Political Patterns, Chicago, 1961. Beaujeu-Gamier, J. and Chabot; Urban Gography "Translated" London, 1967. Broek. J.O., and Webb, J.W., A Geography of Mankind, New York, 1973. Carter, H., The Study of Urban Geography, London, 1973. Clout, H. Rurl Geography, Oxford. 1972. Cohen, S.B., Geography and Politics in a Divided World, London 1964. Cole, J.P., Geography of World Affairs, London, 1972. Eyre, S.R, & Jones, G.R. "eds." Geography as Human Ecology, London, 1966. Finch, O.W. et a!., Elements of Geography, N.Y. 1957. Freeman, L., Geography and Planing, London, 1968. George, P. Geographie de la Population, Que - Sais je ? - 1187, Paris, 1972. Haggetr, P., Geography: A Modern Synthesis, New York, 1972. Haggett, p., Geography: Locational Analysis in Human Geography. London, 1971. Hall, P. The World Cities, London, 1972. Hoyt, A., Man and the Earth, New York, 1968. Johnson, J. Urban Geography, Oxford, 1970. Jones, C.F. and Darkenwald G., Economic Geography New York, 1952. Lcbon, J.H., An Introduction to Human Geography London, 1952. Mayer, H. and Kohn, C, "eds." Readings in Urban Geography, Chicago, 1969 Mountjoy, A.B., Africa, A Geographical Study, London, 1970.

Pcrpillou, A., Human Geography, London, 1972. Pounds, N., Political Geography, New York, 1963. Robinson, N. Human Geography, London, 1978. Samailes, A.E., The Geography of Towns, London, 1953. Sorre, M., Fondements de la Geographie Humaine, Paris, 1955. Stamp. L., Applied Geography, London, 1960. Toyne, P. and Newby, P. Techniques in Human Geography, London, 1971. Zelinsky, W., A Prologue to Population Geography, Ixford, 1972

§1/1